الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام المجلد 5

هوية الکتاب

اَلْفَاطِمِيَّاتِ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْفَاطِمِيَّاتِ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلْخَامِسُ

دارالعلوم تحقیق و الطباعة و نشر و التوزیع

ص: 1

اشارة

ص: 2

اَلْفَاطِمِيَّاتِ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلْخَامِسُ

دارالعلوم تحقیق و الطباعة و نشر و التوزیع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولى

1426 ه- - 2005 م

دار العلوم التحقيق والطباعة والنشر والتوزيع

المكتبة: حارة حريك - بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي -الهاتف:01/545182 - 03/47919 - ص.ب:13/6080 المستودع: حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com E-Mail: daraloloum@hotmail.com

ص: 4

بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اَهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَاالضَّالِّينَ*

ص: 5

ص: 6

تقریظ

[بحر الطويل]

لأنت علي من أناس أكارمه *** متى طلب الإيمان كانوا علائمه

فلم قوم أنجبوك فأنهم *** بحق لعمر اللَّه كانوا ضراغمه

فإن جاش خطب و أدلهم بهوله *** تراهم أناساً في الشر أيد حازمه

قد ادعو الإيمان و العلم و التقى *** و هل في التقى و العلم و الدين لأيمّه

لقد أشربوا حب النبي وآله *** وحب نبي المختار ما فيه ساقمه

و أنت لعمري شبلهم و حفيدهم *** ترى صحبة الإيمان خير منادمه

ترى العلم لاتبغي بديلاً به و لو *** تراءت لك الدنيا و هل هي دايمه

لذاك و ربي لاتزال مثابراً *** بحبك للطهر البتولة فاطمه

جمعت مراثيها بجدّ و مدحها *** و خدمتها و اللَّه أعظم غانمه

فكانت و ربي خير سفر جمعته *** وتاللَّه قد أوضحت منه معالمه

کتاب بروق العين إما نظرته *** تلألأ كعقل الخور افرح ناظمه

و سمّيته بالفاطميات يا له *** کتاب له كف المودّة راقمه

ترى فيه اخلاص المولاة ظاهراً *** كما فيه أنوار الولاية حاكمه

به أدب قد سال في حبّها كما *** تدافع ويل من غمائم ساجمه

کتاب يلوح النور بين سطوره *** كما لاح نور الشمس ما فيه كاتمه

فيالكِ أشعاراً حساناً جمعتها *** بحب البتول الطهر كالورد باسمه

لك الخلد فابشر يوم حشر بطيبها *** و البشر بحور في جنابك ناعمه

أقول و قولي قد أردّ ختامه *** علی حیدرٍ دامت يمينك سالمه

للشيخ حسن القيسي البحراني

ص: 7

ص: 8

قافية النون

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) أهل الجنان

(بحر البسيط)

ابن الحجاج البغدادي(*)(1)

أجاب بها على قصيدة ابن سكرة المتحامل بها على آل اللَّه و شاعرهم ابن الحجّاج المترجم، أخذناها من ديوانه المخطوط سنة (620 ه-) بقلم عمر بن إسماعيل بن أحمد الموصلي أوَّلها:

لاأكذبُ اللَّهَ إِنَّ الصَّدْقَ يُنْجِينِي *** يَدُ الأَمِيرِ بِحَمْدِ اللَّهِ تُحْيِينِي

إلى أن قال:

فَمَا وَجَدْتَ شفاءً تَسْتَفِيدُ بِهِ *** إِلا ابتغاءَكَ تَهْجُو آلَ يَاسِينِ(2)

كَافَاكَ رَبُّكَ إِذْ أَجْرَتْكَ قُدْرَتُهُ *** بِسَبِّ أَهْلِ العُلاَ الغُرِّ المَيَامِينِ

فَقَرٌ وَ كُفْرٌ هَمِيعٌ أَنْتَ بَيْنَهُما *** حَتَّى المَمَاتِ بلادُنْيَا وَ لادِين(3)

فَكَانَ قَوْلُكَ فِي الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** قَوْلَ امْرِىءٍ لَهِجِ بِالنُّصْبِ مَفْتُونِ

عَيَّرْتَها بِالرَّحَى وَ الزَّادِ تَطْحَنُهُ *** لاَزَالَ زَادُكَ حَبّاً غَيْرَ مَطْحُونِ(4)

ص: 11


1- (*) محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي له ديوان شعر يربو على خمسين ألف بيت توفي سنة (385 ه-).
2- تهجو: تشتم.
3- هميع: أي لاتزال باكياً، و الظاهر أن الصحيح (هموعُ) لا(هميع) و اللّه العالم.
4- يمكن إعراب الزاد على النصب على أنه مفعول ل (تطحن) أو إعرابه على الكسر عطفاً على (الرحى). و في البيت إشارة إلى ما روي من أن فاطمة علیها السلام كانت تطحن بالرحى. ففي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص41 قال: «عن الزهري قال: لقد طحنت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى مجلت يدها و ربا أثر قطب الرحى في يدها». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص50 قال: عن علي علیه السلام إنه قال لابن أم عبد: ألا أحدثك عني وعن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت أحبّ أهله إليه و كانت عندي فجرت بالرحى حتى أثرت في يدها و استقت بالقربة حتى أثرت في نحرها و قمت البيت حتى اغبَّرت ثيابها... الخ». و في البحار ج43 ص151 قال: عن أبي عبدالله علیه السلام قال كان علي أميرالمؤمنين علیه السلام: يحتطب و يستقي و يكنس و كانت فاطمة علیها السلام تطحن و تعجن و تخبز». و في البحار، ج43 ص51. دخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على علي علیه السلام فوجده هو و فاطمة علیها السلام يطحنان في الجاروش فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «أيكما أعيى؟» فقال علي علیه السلام: فاطمة علیها السلام يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم... فقال لها: قومي يا بنية، فقامت و جلس النبي صلى الله عليه و آله و سلم موضعها مع علي علیه السلام فواساه في طحن الحب.

وَ قُلْتَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ زَوْجَهَا *** مِسْكِينَةً بِنْتَ مِسْكِينٍ لِمِسْكِينِ(1)

كَذِبْتَ يَابْنَ الَّتِي بَابُ إِسْتِها سَلِسُ *** الأَغْلاقِ بِاللَّيْلِ مَفْكُوكُ الزَّرَافِينِ(2)

سِتُّ النِّساءِ غَداً فِى الحَشْرِ يَخْدِمُها *** أَهْلُ الجِنَانِ بِحُورِ الخُرَّدِ العِينِ(3)

ص: 12


1- يشير الشاعر في هذا البيت و هو في موقع الرد إلى مقولة من قال: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم زوّج فاطمة علیها السلام من فقير لامال له. ففي البحار ج43 ص149-150 قال: عن ابن عباس يرفعه إلى سلمان قال: كنت واقفاً بين يدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أسكب الماء على يديه إذ دخلت فاطمة علیها السلام و هي تبكي فوضع النبي صلي الله علیه و آله و سلم يده على رأسها و قال: «ما يبكيك؟ لاأبكى الله عينك يا حورية» قالت مررت على علیه السلام ملأ من نساء قريش و هنَّ مخضبات فلما نظرنَ إليَّ وقعن في و في ابن عمي فقال لها: «و ما سمعت منهنَّ ؟» قالت: قلن: قد كان عزّ على محمد صلي الله علیه و آله و سلم أن يزوج ابنته من رجل فقير في قريش و أقلهم مالاً فقال لها: «واللَّه يا بنية ما زوجتك ولكن الله زوجك من علي علیه السلام فكان بدوه منه».
2- سلست الخشبة: نخرت و بليت و السلس: اللين السهل. الغلق ما يغلق به الباب و الجمع أغلاق. الزرفين واحدة الزرافين، الحلق الصغيرة للباب. إستها: الإست هو المخرج. و في البيت كناية واضحة.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى منزلة الزهراء «سلام الله عليها» يوم القيامة و في جنة الفردوس و خدمة الحور لها: ففي البحار ج43 ص224 قال: عن ابن عباس: إذا كان يوم القيامة نادى مناد يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم فتكون أوّل من تكسى و يستقبلها من الفردوس اثنتا عشرة ألف حوراء و لم يستقبلوا أحداً قبلها و لاأحداً بعدها على نجائب من ياقوت أجنحتها و أزمتها اللؤلؤ عليها رحائل من درّ على كل رحالة منها نمرقة من سندس و ركائبها زبرجد فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس فيتباشر بها أهل الجنان... الخ». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص48 قال: عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط فتمر و معها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع.

فَقُلْتَ: إِنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ بَغَى *** عَلَى مُعَاوِيَةٍ فِي يَوْمِ صِفِّينِ

وَ إِنَّ قَتْلَ الحُسَيْنِ السِّبْطِ قَامَ بِهِ *** فِي اللَّهِ عَزْمُ إِمَامٍ غَيْرِ مَوْهُونِ

فَلَا ابْنُ مَرْجَانَةٍ فِيهِ بِمُحْتَقِبٍ *** إِثْمَ المُسِيءِ وَ لاَشِمْرٌ بِمَلْعُونِ(1)

وَ إِنَّ أَجْرَ ابْنِ سَعْدٍ فِي اسْتِبَاحَتِهِ *** آلَ النُّبُوَّةِ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونِ

هذَا وَعُدْتَ إِلَى عُثْمَانَ تَنْدِبُهُ *** بِكُلِّ شِعْرِ ضِعِيفِ اللَّفْظِ مَلْحُونِ(2)

فَصِرْتَ بالطَّعْنِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ إِلَى *** مَا لَيْسَ يَخْفَى عَلَى الْبُلْهِ المَجَانِينِ

وَ قُلْتَ: أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ «الغَدِيرِ» إِذَا *** صَحَّتْ رِوَايَتُهُ يَوْمُ الشَّعَانِينِ(3)

وَ يَوْمُ عِيدِكَ عَاشُورا تَعُدُّ لَهُ *** مَا يَسْتَعِدُّ النَّصَارَى لِلْقَرَابِينِ

تَأْتِي بُيُوتَكُم فِيهِ العَجُوزُ وَ هَلْ *** ذِكْرُ العَجُوزِ سِوَى وَحْيِ الشَّيَاطِينِ؟!

عَانَدْتَ رَبَّكَ مُغْتَراً بِنَقْمَتِهِ *** وَ بَأْسُ رَبِّكَ بَأْسٌ غَيْرُ مَأْمُونِ

فَقَالَ: كُنْ أَنْتَ قِرْداً فِي أُسْتِهِ ذَنَبٌ *** وَ أَمْرُ رَبِّكَ بَيْنَ الكَافِ وَ النُّونِ

وَ قَالَ: كُنْ لِي فَتّى تَعْلُو مَرَاتِبُهُ *** عِنْدَ المُلُوكِ وَ فِي دُورِ السَّلاَطِينِ

وَ اللَّهُ قَدْ مَنَحَ الأَدْوَارَ قَبْلَكَ فِي *** زَمَانِ مُوسَى وَ فِي أَيَّامٍ هَارُونِ

بِدُونِ ذَنْبِكَ فَالحَقِّ عِنْدَهُمْ بِهِمُ *** وَدَعْ لِحَاقَكَ بِي إِنْ كُنْتَ تَنْوِينِي(4)

ص: 13


1- احتقب الإثم: جمعه.
2- ملحون: فيه اللحن و الخطأ.
3- يوم الشعانين: عيد الأحد الذي قبل الفصح (عبرانية).
4- الغدير ج4 ص89 القصيدة في (58) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

(2) البتول الطهر واقفة

(بحر البسيط)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

يا عَيْنُ لالِخُلُو الرَّبْعِ وَ الدِّمَنِ *** بَاكِي الرَّزَايَا سِوَى البَاكِي عَلَى السَّكَنِ(2)

وَاسِي بَنِي الهُدَى فِيمَا أُصِيبَتْ بِهِ *** وَ سَاعِدِي البَضْعَةَ الزَّهْرَا عَلَى الحُزْنِ

وَ قَابِلِيها بِأَرْض الطَّفْ صَارِخَةً *** عَلَى القَتِيلِ الغَرِيبِ النَّازِحِ الوَطَنِ

تَشْكُو إِلَى اللَّهِ وَ الأَمْلاَكُ مُحْدِقَةٌ *** بِالعِرْضِ تَسْتَصْرِخُ المَوْلَى أَبَاحَسَنِ

مِنْ حَوْلِهَا مَرْيَمُ العَذْرَا وَآسِيَةٌ *** تُكَرِّرُ النَّوْحَ بِالتَّذْكَارِ و الشجنِ

وَ النَّوْحُ مِنْ نَادِبَاتِ الجِنِّ مُرْتَفِعٌ *** وَ قَلْبُهَا مُوجَعُ بِالثُّكْلِ وَ المِحَنِ

لَهْفِي عَلَىٰ قَوْلِ مَوْلَاتِي وَ قَدْ نَظَرَتْ *** شِلْوَ الحُسَيْنِ بِلاَغُسْلِ وَ لَاكَفَنِ

مُلقَّى عَلَى الْأَرْضِ عَارِي الجِسْمِ مُنْعَفِرَ *** الخَدَّيْنِ مُخْتَضِبَ الأَوْدَاجِ وَ الذَّقْنِ(3)

لَهُفِي عَلَى زَيْنَبٍ حَرَّى مُجَرَّدَةً *** مَسْلُوبَةً تَسْتُرُ الأكتاف بالرُّدنِ(4)

تَقُولُ يَا وَاحِدي مَنْ لِي إِذَا نَزَلَتْ *** بِيَ الحَوَادِثُ يَحْمِينِي وَ يَكُننِي

لَهْفِي عَلَى فَاطِمِ الصُّغْرَى مُقَرَّحةً *** بِالدَّمْعِ أَجْفَاتُها مَسْلُوبَةَ الوَسَنِ(5)

تَدْعُو إِلَى زَيْنَبٍ يَا عَمَّا سَلَبَ العِلْجُ *** القِنَاعَ لِيَسْبِينِي وَ يَهْيَكُنِي

ص: 14


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- الرُّبع: الموضع الذي يقيمون فيه الدُّمن: جمع الدمنة و هي آثار الدار.
3- الأوداج: جمع ودج و الودجان عرقان في العنق ينتفخان عند الغضب.
4- الرُّدن: طرف الكم الواسع، أصل الكم.
5- الوسن: ثقل النوم.

فَرُمْتُ أَسْتُرُ وَجْهِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ *** فَظَلَّ يَشْتَمُنِي عَمْداً وَ يَضْرِبُنِي

أَيْنَ الحُمَاةُ وَ أَيْنَ النَّاصِرُونَ لَنَا *** وَ اخَيْبَتِي جَارَ دَهْرِي وَ اعْتَدَى زَمَنِي

لَهْفِى عَلَى السَّيْدِ السَّجَادِ مُعْتَقَلاً *** فِي أَسْرِهِمْ مُسْتَذِلاً نَاحِلَ البَدَنِ

إِذَا شَكَا أَسْمَعُوهُ قُبْحَ شَتْمِهِمُ *** وَ إِنْ وَنَىٰ قَنَّعُوهُ فَاضِلَ الرَّسنِ(1)

وَاحَسْرَتَاهُ لِكَرِيمِ السِّبْطِ مُشْتَهِراً *** كَالبَدْرِ يُشْرِقُ فَوْقَ الدّلّ وَ اللَّدن(2)

فَيَا لَهَا مِحْنَةٌ عَمَّتْ مُصِيبَتُها *** وَ يا لَها حَسْرَةً فِي قَلْبِ ذِي شَجَنِ

يُهْنِي يَزِيدَ بِرَأْسٍ طَالَ مَا رَشَفَ *** المُخْتَارُ مِنْ ثَغْرِهِ تَقْبِيلَ مُفْتَتَنِ

وَ تُسْتَحَثُّ بَنَاتُ المُصْطَفَى ذُللاً *** عَلَى المَطَايَا إِلَى الأَطْرَافِ وَ المُدنِ

قَدْ قَابَلُونَا بَنُو حَرْبٍ بِمَا صَنعُوا *** وَ لَاشُفُوا غِلَلَ الأَحْقَادِ وَ الضِّغَنِ

بِفِعْلِهِمْ كَفَرُوا فِينا وَ اعْتَقَدُوا *** أَنْ لاجَزَاءَ عَلَى قُبْحٍ وَ لاًحَسَنِ

مَضَوْا عَلَى سُنَنِ المَاضِينَ وَ ارْتَكَبُوا *** نَهْجَ الضَّلالِ وَ مَالُوا عَنْ هُدَى السُّنَنِ

كَأَنَّنِي بِالبَتُولِ الظُّهْرِ وَاقِفَةً *** فِي الحَشْرِ تَشْكُو إِلَى الرَّحْمَنِ ذِي المِنَنِ

تَأْتِي وَ قَدْ ضَمَّخَتْ ثَوْبَ الحُسَيْنِ دَماً *** مِنْ نَحْرِهِ وَ هْيَ تُبْدِي الحُزنَ فِي حُزْنِ

تَدْعُو أَلاَ ابْنَ مَسْمُومِي وَ يَا أَسْفَي *** عَلَى قَتِيلِي وَ يا كَرْبِي وَ يَا حُزْنِي

يَا رَبِّ مَنْ نُوزعَتْ مِيراثَ وَالِدِها *** مِثْلِي وَ مَنْ طُولِبَتْ بالحِقْدِ و الإحَنِ؟(3)

وَ مَنْ تُرَىٰ جُرِّعَتْ فِي وُلْدِهَا غُصَصٌ *** كَمَا ابْنُ مِرْجَانَةَ المَلْعُونُ جَرَّعَنِي؟

وَ مَنْ تُرَى كُذِّبَتْ قَبْلِي وَ قَدْ عَلِمُوا *** أَنَّ الإِلهَ مِنَ الأَرْجَاسِ طَهَّرَنِي؟

وَ هَلْ لِبِنْتِ نَبِيَّ أُضْرِمَتْ شُعَلٌ *** كَمَا أُطِيفَ بِهِ بَيْتِي لِيَحْرِقَنِي(4)

ص: 15


1- الرسن: الحبل المعروف. ونى: فتر وضعف و كلَّ و أعيا.
2- الدلّ: حالة السكينة و حسن السيرة اللدن غير جيد.
3- الإحن: الأحقاد و في كتاب دلائل الصدق ج3 ص54 عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال أبوبكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إن اللّه عز وجل إذا أطعم نبيّاً طعمة فهي للذي يقوم بعده.
4- روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص13: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، علي علیه السلام و العباس و الزبير و سعد بن عبادة، فأمّا علي علیه السلام و العباس و الزبير فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته. فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم.

خَرَجْتُ أَطْلُبُ لِلأَطفَالِ بُلْغَتَهُمْ *** دَفَعَنِي ظَالِمِي عَنْهَا وَ دَعَّنِي

رَبِّ انْتَصِفْ لِي مِمَّنْ خَانَ عَهْدَكَ *** فِي وُلْدِي وَ مِمَّنْ زَوَى إِرْنِي فَأَفْقَرَنِي(1)

وَ تَسْتَغِيثُ أَمَامَ العَرْشِ سَاجِدةً *** وَ المُصْطَفَى وَاقِفٌ وَ الدَّمْعُ كَالمُزْنِ(2)

فَیُبْرِزُ الأَمْرَ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ وَ قَدْ *** نَقَمْتُ مِمَّنْ عَصَى أَمْرِي وَ خَالَفَنِي

أَعْظِمْ بِها وَ مُنَادِي الحَشْرِ يَسْمَعُ بِالصَّوْتِ *** الرَّفِيعَ لَدَيْها كُلُّ ذِي أُذُنِ

غُضُّوا العُيُونَ فَخَاتُونُ القِيامَةِ قَدْ *** جَاءَتْ لِتَشْفَعَ فِيمَنْ بِالوَلَاءِ كُنِي

مِنْ كُلِّ مُحْتَرِقٍ مِنْ عَظْمِ فَجْعَتِها *** بَكَى وَ سَاعَدَها بِالمَدْمَعِ الهَتِن

يا سادَتِي الهادِي النَّبِيِّ وَ مَنْ *** أخْلَصْتُ وُدّي لَهُمْ فِي السِّرِّ وَ العَلَنِ

عَرفْتُكُمْ بِدَلِيلِ العَقْلِ وَ النَّظَرِ المَهْدِي *** فَلَمْ أَخْشَ كَيْدَ الجَاهِلِ اللَّكِنِ(3)

ظَفَرْتُ بِالكَنْزِ فِي عِلْم اليَقِينِ فَلَمْ *** أَخْشَ اعْتِرَاضاً لَدَى شَكٍّ يُنَازِعُنِي

فَلَسْتُ آسَى عَلَى مَنْ ظَلَّ يُبْعِدُنِي *** بِالقُرْبِ مِنْكُمْ وَ مَنْ بالَغَتْ تَرْحَمُنِي

وَ إِنَّنِي أَرْتَجِي أَن سَوْفَ يَلطف بِي *** رَبِّي فَيَصْفَحُ عَنْ جُرْمِي وَ يَرْحَمُنِي

وَ أَنْ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ تَشْفَعُ لِي *** وَ المُرْتَضَى لِجِنَانِ الخُلْدِ يُقْسِمُنِي(4)

فَازَ الخَلِيعِيُّ كُلَّ الفَوْزِ وَ اتَّضحتْ *** بِكُمْ لَهُ سُبُلُ الإِرْشَادِ وَ السُّنَنِ(5)

ص: 16


1- زوی: جمع و قبض.
2- المزن: المطر.
3- اللكن: العي و ثقيل اللسان.
4- في كتاب البحار ج43 ص65: في حديث طويل قال أبوجعفر علیه السلام: واللّه يا جابر، انها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديَّ...
5- منتخب الطريحي ص154.

(3) أنا ابنة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر المنسرح)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

لَمْ أَبْكِ مِنْ وَقْفَةٍ عَلَى الدِّمَنِ *** وَ لَا لِخِلٍّ نَأَى وَ لاَسَكَنِ

وَ لَمْ تَهِجْنِي الدِّيَارُ مُوحِشَةً *** وَ لاَشَجَتْنِي بَوَاكِرُ الظَّعَنِ

لكِنْ شَجَانِي بُكَاءُ فَاطِمَةٍ *** عَلَى أَبِيهَا بِمَدْمَعِ هَتِنِ(2)

وَ بَيْتُ أَحْزَانِهَا وَ وَحْدَتِهَا *** فِيهِ حَمَى مُقْلَتِي عَنِ الوَسَنِ(3)

وَ مَنْعُها مِنْ حُقُوقِهَا بِأَبَاطِيلِ *** أَحَادِيثِهِمْ يَرُوعُني

وَ قَوْلُهُمْ لَيْسَ لِلنَّبِيِّ مَوَارِيثٌ *** خِلافُ الفُرُوضِ وَ السُّنَنِ(4)

وَ مَشْیُها فِي مَلاَءَةٍ مِثْلُ مَشي *** المُصْطَفَى رَاعَنِي وَ أَرْقَنِي

مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَحْجِبُهَا *** وَ هْيَ تَشْكُو مِنْ لَوْعَةِ الحُزْنِ

وَاحَرَّ قَلْبِي لَهَا وَ أَنَّتها *** قَدْ أَجْهَشَتْهُمْ وَ الدَّمْعُ كَالمُزنِ(5)

ثُمَّ تُنَادِي الأَنْصَارَ يَا بَيْضَةَ الإِسْلامِ *** هَلْ مِنْ نَاصِرٍ فَيَنْصُرُنِي؟

ص: 17


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- هَتَنَ المطر: تتابع.
3- الوسن: شدّة النعاس، ثقل النوم.
4- في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ممّا أفاء الله عليه، بالمدينة، و فدك، و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورث ما تركناه صدقة».
5- المزن: المطر.

أَنَا ابْنَةُ المُصْطَفَى النَّبِيِّ وَ مَنْ *** أَظْفَأَ نَارَ الضَّلاَلِ وَ الفِتَنِ

إِنْ لَمْ تَكُونُوا أَنْصَارَ آلِ رَسُولِ *** اللَّهِ فِيمَا يَنُوبُهُمْ فَمَنِ؟

خُذُوا بِحَقِّي مِنَ المُكَذِّبِ بِالدِّينِ *** فَقَدْ دَعَّنِي وَ دَافَعَني

بِأَيِّ شَرْع يُرْوَى تُرَاتُ أَبِي *** عَنِّي وَ يَجْتَاحُنِي وَ يَظْلُمُنِي؟

هَلْ دِنْتُ رَبِّي بِغَيْرِ مِلَّتِهِ *** أَوْ لَمْ أَطِعْهُ فَلا يُوَرْثُنِي؟

أَمْ خَصَّ هَذَا دُونِي وَ عَلَّمَهُ *** مَا لَمْ يَكُنْ وَالِدِي يُعَلِّمُنِي

حَتَّى احْتَوَىٰ نِحْلَتِي وَ بُلْغَةَ أَطْفَالِي *** عِناداً مِنْهُ وَ أَعْوَزَنِي

فَلْيَرْتَحِلْهَا مَخْطُومةٌ ذُللاً *** تَكُونُ فِي قَبْرِ مَعَ الكَفَنِ

وَ يَوْمَ حَشْرِ العِبَادِ أَلْقَاهُ وَ الحَاكِمُ *** رَبُّ الأنام ذُوالمِنَنِ

وَيْلاهُ مِنْ كُلِّ شَارِقِ بَهِجِ *** وَيْلَاهُ مِنْ كُلِّ غَارِبٍ وَجِنِ(1)

ماتَ اعْتِمَادِي وَفَتَّ فِي عَضُدِي *** وَ نِيْلَ مِنِّي وَ قَدْ وَ هَى رُكْنِي

وَ جَارَ فِي حُكْمِ ظَالِمِي سَفَها *** فَحَسْبِيَ اللَّهُ فَهُوَ يَنْصِفُنِي

وَ حَسْبُ خَصْمِي وَالِدِي وَ بِمَا *** أَوْدَعَنِي قَبْلَ أَنْ يُوَدِّعَنِي

يَا سَادَتِي يَا بَنِي النَّبِيِّ وَ مَنْ *** مَدِيحُهُمْ فِي المَعادِ يُنْقِذُنِي

حُبُّكُمْ فِي الوَرَى يُشَرِّفُنِي *** وَ بُغْضُ أَعْدَائِكُمْ يُخَلِّصُنِي

دِينِي هُوَ اللَّهُ وَ النَّبِيُّ وَ مَوْلاي *** إِمَامُ الهُدَى أَبُوحَسَنِ

عَرَفْتُهُمْ بِالدَّلِيلِ وَ النَّظَرِ المُبْصِرِ *** لاكَالمُقَلدِ اللَّكِنِ(2)-(3)

ص: 18


1- وجن: ذليل خاضع.
2- اللكن: ثقيل اللسان، العيّ.
3- منتخب الطريحي ص124 و القصيدة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(4) بنت خيرالأنام

(بحر الرمل)

الأستاذ أبو زهراء الكوفي

قَدْ قَضَتْ بِاهْتِضَامُ *** بِنْتُ خَیرِ بِنْتُ خَير الأنامْ(1)

بالأسى و الأنِینْ *** فَلْنُعَزّ الأَمِينْ

***

يَا أَبِي بَعْدَكَ عِشْنا كَمْ مُصَابٍ وَ رَزِيَّهْ

فَالبَلاَيَا مِثْلَ قَطرٍ يَا أَبِي صُبَّتْ عَلَيَّهْ

مِنْ أُنَاس بِهَواها حَكَمَتْ كَالجَاهِلِيَّهْ

عُطِّلَ الشَّرْعُ وَ عادَتْ تحْكُمُ الرَّاعِي الرَّعِيَّهْ

حَصَلَ الإِرْتِدَادْ *** عَنْ طَريقِ السِّدادْ

وَ بِام الحُسَیْنْ *** فَلْنُعَزِّ الأمِینْ

***

يَا أَبِي لَيْتَكَ فِينا حَاضِراً كُنْتَ وَ تَشْهَدْ

وَ تَرَى الكَرَّارَ لِلْبَيْعَةِ قَدْ قِيدَ مُقَيَّدْ

ص: 19


1- جاء في «أمالي الصدوق» ص100 ح2: «... فيلحقها اللَّه (عزوجل) بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فتقدم عليّ، محزونة، مكروبة ،مغمومة، مغصوبة، مقتولة...». انظر: بحار الأنوار ج43 ص172 ح13.

وَ هُوَ مَنْ لَوْلاَهُ ظَلَّتْ هُبَل وَاللاتُ تُعْبَدْ

وَ هْوَ مَنْ نَصَّتْ عَلَيْهِ مُحْكَمَاتٌ لاَتُعَدَّدْ

وَ حَدِيثُ الغَدِيرْ *** شَاهِدٌ لِلأَمِیرْ(1)

خَیْبَرٌ وَ حُنَیْنْ *** فَلْمنُعَزِّ الأَمِینْ

***

أَبَتَاهُ لَمْ يُرَاعُوا تَوْصِيَاتٍ لَكَ فِيّا

فَوَراءَ البابِ لَمَّا لُذْتُ لاسِتَر عَلَيَّا

دَخَلُوا الدَّارَ وَ قَسْراً أَخَذُوا مِنِّي عَلِيَّا(2)

قُلْتُ إِنْ لَمْ تَتْرَكُوا لِي ابْنَ عَمِّي وَ الوَصِيَّا

أَلْتَجِیء بِالدُّعَاءْ *** نَحْوَ رَبِّ السَّمَاءْ

وَ بِدَمْعٍ سَحِیْنْ *** فَلنُعَزِّ الأمِینْ

***

بَضْعَةُ المُخْتَارِ وَ الهْفِي قَضَتْ بِالاهْتِضَام

بِجَنِينٍ أَسْقَطُوهُ عَصَرُوها بِانْتِقَامِ(3)

ص: 20


1- في «كشف الغمة» ج1 ص318 ط/ دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «... لما أمر اللّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم أن يقوم بعليّ علیه السلام فيقول له ما قال، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «يا رب إن قومي حديثو عهد بجاهلية ثم مضى بحجه، فلما أقبل راجعاً نزل بغدير خم فأنزل الله عليه: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الآية فأخذ بعضد علي علیه السلام ثم خرج إلى الناس، فقال: «أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟». قالوا: بلى يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «اللهم من كنت مولاه فعلی علیه السلام مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و أعن من أعانه و اخذل من خذله و انصر من نصره و أحبّ من أحبه و ابغْض من أبغضه...».
2- قسراً: قهراً و جبراً.
3- في «الاحتجاج» ج1 ص106: «...فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها»».

وَ يضِلْعِ ظَلَّ يُؤْذِيهَا إِلى وقتِ الحِمامِ(1)

وَ بِلَيْلٍ دَفَنُوها خِيفَةَ القَوْمِ اللِّئامِ(2)

وَ بِخَيْر النِّساءْ *** حَقِّ مِنَّا الَعَزاءْ

فَبِها كُلَّ حِينْ *** فَلنُعَزِّ الأمِینْ

***

وَ عَلَى الأَبْنَاءِ دَارَتْ بَعْدَها تِلْكَ الدَّوَائِرْ

بَعْدَما حَيْدَرُ أَضْحَى جُرْحُهُ في الدِّينِ ناغِرْ(3)

سَمُّوا السِّبْطَ وَ ثَنُّوا شَهَرُوا البِيضَ البَواتِرْ(4)

كَيْ يَنَالُوا بِحُسَيْنِ وِدَّ أَبْنَاءِ الكَوافِرْ

فی لَظی كَرْبَلاءْ *** ضَرّجُوا بِالدّماءْ

ثانِي الثَّقَلَیْنْ *** فَلْنُعَزِّ الأَمِينْ

***

ص: 21


1- الحمام: الموت.
2- في «أمالي الصدوق» ص523 ح9: «سُئِل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عن علة دفنه لفاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلا؟ فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلّي على أحد حد من ولدها». انظر: المناقب 138/3، و «بحار الأنوار» ج3 ص209 و ح37، ص183، و روضة الواعظين184.
3- ناغِر: نقرَ أي على و حقد. جاء أيضاً في «أمالي الصدوق» ص115 ح 2 و البحار 51/28 ح20، 149/44 ح17: «...عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: بينما أنا و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذ التفت إلينا فبكى. فقلت: ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ فقال: «أبكي ممّا يصنع بكم بعدي». فقلت: و ما ذاك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدَّها و طعن الحسن علیه السلام في الفخذ و السم الذي يسقى و قتل الحسين علیه السلام...».
4- البيض البواتر: السيوف القواطع.

ثُمَّ بِالحَوْرَاءِ سَارُوا وَ النِّسَاءِ الطَّاهِرَاتِ

حاسِرَاتٍ ظامِئاتٍ نادِباتٍ ثاكلاتِ

وَ سَبايا لِيزيدٍ قَدْ طَوَيْنَ الفَلَواتِ

لَهَفَ نَفْسِي حِينَمَا شاهَدْنَ نَسْلَ الفاجِراتِ

قد هَوَى بِانْتِقَامْ *** فَوْقَ رَأْسِ الإمامْ

يَضْرِبُ الشَّفَتَيْنِ *** فَلْنُعَزِّ الأَمِينْ

***

وَ كَمَا الزّهْرَاءُ كَانَتْ في الوَرَى أُمَّ أَبِيها

بَعْدَها الحَوْراءُ ثَارَتْ وَ اصَلَتْ نَهْجَ أَخِيهَا

بِسَجَايَا سَامِياتٍ فَلَكِ دَرْساً خُذِيها(1)

يَا بْنَةَ الإِسْلاَمِ قَالَتْ فَاطِمٌ هَيَّا اسْمَعِيها

لِلنَّسَاءِ الحِجَابْ *** زِينَةٌ لاَتُعَابْ

یُنجِی دُنْیا وَ دِينْ *** فَلْنُعَزِّ الأَمِينْ(2)

ص: 22


1- عدتي للآخرة في رثاء العترة الطاهرة ص24.
2- بسحابا السجية: الخُلق و الطبيعة.

(5) جنين فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

الحاج جواد بدقت الحائري(*)(1)

ص: 23


1- (*) هو الحاج جواد ابن الحاج محمد حسين ابن الحاج عبد النبي ابن الحاج مهدي ابن الحاج صالح ابن الحاج علي الأسدي الحائري الملّقب ببذقت للثغة كانت في لسان جده الحاج مهدي أراد أن يقول بزغت الشمس فقال: بذقت فلقبوا بذلك، و المشهور، بدقت أو بدكت). ولد في كربلاء المقدسة سنة (1221 ه-)، و هناك اختلاف في سنة ولادته. و مهما يكن من أمر فإن مصادر ترجمته تشير إلى أنه ولد في كربلاء المقدسة و نشأ و تربَّى في أحضان أسرته، حتى صلب عوده و سمت منزلته كما نشأ بين أترابه شعراء كثيرون كانت تزخر بهم المدينة أمثال الشيخ محسن أبي الحب الكبير، و الحاج محسن الحميري و الشيخ موسى الأصغر، و الشيخ قاسم الهر، و الشيخ محمد علي كمونة، و الشيخ عمران عويد، وآخرين من رجالات العلم و الأدب في كربلاء المقدسة، و لم يلبث أن تعشق الأدب و النظم فأخذ الشعر و نبغ فيه و اندمج في صفوف الشعراء، فزاده ذلك ميلاً إلى إجادة الشعر و البراعة فيه حتى صار ينظم الشعر، و أصبح في معرفة اللغة العربية و أسرارها نسيج وحده و عديم ندّه، فكان من شيوخ صناعة الأدب و من صدور رجالها، غزير المادة، كثير الاطلاع، و كان من بين أساتذته الذين نهل منهم الأدب الشيخ محمد علي كمونة و الشيخ عمران عويد، كما كان من معاصري الشيخ صالح الكواز و الشيخ صالح التميمي و عبد الباقي العمري. بدأ نجمه يتألق في سماء المجتمع الكربلائي، شاعراً و أديباً لامعاً فاق أقرانه من شعراء عصره فكان يشار إليه في كل مكان. و لقد قال فيه الشيخ محمد السماوي: و كالجواد بن الحسين المنتمي *** لبدکَت تقرا بكاف أعجمي و الأسديُّ من أهالي كربلا *** فكم له من نظم عقدِ قد حلا و ترك المترجَم له آثاراً أدبية غنية عن التعريف بيد أنها متناثرة مشتتة لم تطبع، و من هذه الآثار ديوان، بدقت و يضم هذا الديوان كل شعره و كان هذا الديوان مشهوراً في العصر السابق كتبه نجله الشاعر الشيخ محمد حسين بدقت المتوفى سنة (1339 ه-) و كانت نسخة الأصل من محتويات مكتبة السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية و قد احترقت كما احترق غيرها من نفائس الكتب و ذلك في حادثة حمزة بك سنة (1333 ه-). و يشكر شاعرنا الكريم الأخ الأديب السيد سلمان هادي آل طعمة على ما بذله لجمع ديوان بدقت مرة أخرى و هو الآن في طريقه إلى الطبع و يلاحظ في ديوان بدقت (الروضة) أنه يشمل على 28 قصيدة و هي على غرار روضة الشاعر صفي الدين الحلي. و هي مبوبة بحسب حروف المعجم. و أيضاً يوجد في الديوان (الملحمة) في مناقب أهل البيت علیهم السلام بلغ عدد أبياتها (1265) بيتاً و هي على غرار هائية الأزري، فجزاه الله خيراً . و على أي حال... فقد نزل بشاعرنا المترجَم له الأجل في كربلاء المقدسة فجر عيد الفطر الأحد من عام (1281 ه-) الموافق (1864م) و كان يوم وفاته يوماً مشهوداً في يوم كربلاء و دفن في الرواق الحسيني بقرب مرقد الوحيد البهبهاني (قدس سره الشریف).

فَوْقَ الحَمُولَةِ لُؤْلُو مَكْنُونُ *** زَعَمَ العَوَاذِلُ أَنَّهُنَّ طُعُونْ

لِمْ لَقَّبُوها بالظُّعونِ وَ إِنَّها *** عُرَفُ الْجِنَانِ بِهِنَّ حُورٌ عِينُ؟

هَبْ زَعْمَهُمْ حقاً أَيَمْنَعُكَ الْهَوَى *** أَمْ لِلصَّبَابَةِ عَنْ هَوَاكَ تَبِينُ؟

إنّي بِمَنْ أَهْوَاهُ مَفْتُونٌ وَ ذَاكَ *** بِأَنْ يُؤنَّبَ بِالهَوَى مَفْتُونُ

كَلاً فَمَا شَأْنِي وَ شَأْنُ مُؤَنُبِي *** شَرعٌ سَوَاءٌ لِلرِّجَالِ شُؤُونُ

عُذْراً فَمَا لِلَّوْم تَهْجِينُ الْهَوَى *** إِنَّ المُلَامَ لِأَهْلِهِ تَهْجِينُ(1)

يَا أَيُّهَا الرَّشَأُ الَّذِي سَمَّيْتُهُ *** قَمَرَ السَّمَاءِ وَ إِنَّهُ لَقَمِينُ(2)

مَهُمَا نَظَرْت وَ أَنْتَ مِرْآةُ الهَوَى *** بِكَ بَانَ لِي مَا لاَيَكَادُ يَبِينُ

نَاظَرْتَ قَلْبِي رِقَةٌ فَمَلَكْتَهُ *** لكِنَّ مَا مَلَكَتْ يَدَاكَ ثَمِينُ

لَمْ تَجْرِ ذِكْرَىٰ نَيْرٍ وَ صِفَاتُهُ *** إِلا ذَكَرْتُكَ وَ الحَدِيثُ شُجُونُ

يَا قَلْبُ مَا هَذَا شِعَارُ مُتَيَّمٍ *** وَ لَعَلَّ حَالَ بِيَ الْغَرَامُ فُنُونُ(3)

ص: 24


1- تهجين: تقبيح و تعييب.
2- الرّشاً: ولد الظبية أو الظبي الذي تحرّك و مشى.
3- متيّم: من يتمه الهوى، إذا استعبده و ذهب بعقله.

خَفِّضْ فَخَطْبُكَ غَيْرُ طَارِقَةِ الهَوَى *** إِنَّ الهَوَى عَمّا لَقِيتَ يَهُونُ

مَا بَرَّحَتْ بِكَ غَيْرُ ذِكْرَىٰ كَرْبَلاً *** فَإِذَا قَضَيْتَ بِهَا فَذَاكَ يَقِينُ

وَرَدَ ابْنُ فَاطِمَةَ المَنونَ عَلَى ظَمَاً *** إِنْ كُنْتَ تَأْسَى فَلْتَرْدِكَ مُنُونُ(1)

وَدَع الحَنِينَ فَإِنَّهَا الْعُظْمَى فَلا *** تَأْتِي عَلَيْهَا حَسْرَةٌ وَ حَنِينُ

ظَهَرَتْ لَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ آيةٌ *** كُبْرَىٰ فَكَادَ بِهَا الفَنَاءُ يَحِينُ

بَكَتِ السَّمَاءُ دَماً وَ لَمْ تَبْرُدْ بِهِ *** كَبِدٌ وَ لَوْ أَنَّ النُّجُومَ عُيُونُ

نَدَبَتْ لَهَا الرُّسُلُ الْكِرَامُ وَ نَدْبُهَا *** عَنْ ذِي الْمَعَارِجِ فِيهِمُ مَسْنُونُ

فَبِعَيْنِ (نُوحٍ) سَالَ مَا أَرْبَىٰ عَلَى *** مَا سَارَ فِيهِ فُلْكُهُ الْمَشْحُونُ

وَ بِقَلْبِ (إِبْرَاهِيمَ) مَا بَرَدَتْ لَهُ *** مَا سَخَّرَ (النَّمْرُودُ) وَ هُوَ كَمِينُ

وَ لَقَدْ هَوَى صَعِقاً لِذِكْرِ حَدِيثِهَا *** مُوسَى وَ هَوَّنَ مَا لَقِي (هَارُونُ)

وَ اخْتَارَ (يَحْيَى) أَنْ يُطَافَ بِرَأْسِهِ *** وَ لَهُ التَأسي بِالْحُسَيْن يَكُونُ

وَ أَشَدُّ مِمَّا نَابَ كُلُّ مُكَوَّنٍ *** مَنْ قَالَ قَلْبُ (مُحَمَّدٍ) مَحْزُونُ

فَحَرَاكَ تَيْمِ بِالضَّلالَةِ بَعْدَهُ *** لِلْحَشرِ لايَأْتِي عَلَيْهِ سُكُونُ

عُقِدَتْ بِيَثْرِبَ بَيْعَةٌ قُضِيَتْ بِهَا *** لِلشِّرْكِ مِنْهُ بَعْدَ ذَاكَ دُيُونُ

بِرُقِيِّ منبرِهِ رُقِي فِي كَرْبَلاً *** صَدْرٌ وَ ضُرَّجَ بِالدِّمَاءِ جَبِينُ(2)

وَ بِكَسْرِ ذَاكَ الضّلْعِ رُضَّتْ أَضْلُعُ *** فِي طَيِّهَا سِرُّ الإِلَهِ مَصُونُ

ص: 25


1- المنون: المنية الموت.
2- خمسُ هذين البيتين الشاعر السيد مهدي الأعرجي، و قد نقلناها من ديوان (شعراء الحسين علیه السلام) لمحمد باقر الإيرواني ج1 ص159. قد امَّروا (تیم بن مرة) في الملا *** و المرتضى قد أجلسوه المنزلا أضئيل تيم منبر الهادي علا *** (برقي منبره رقى في كربلا صدر و ضرَّج بالدماء جبين) عن فاطم قتل ابنها متفرّع *** و بطفلها بالطف أودت رضع و بسيل ادمعها اسيلت ادمع *** و بكسر ذاك الضلع رضت أضلعُ في طیها سر الإله الإله مصون)

لَوْلاً سُقوط جنِين فَاطِمَةٍ لَما *** أَوْدَى لَها فِي كَرْبَلاءَ جَنِينُ(1)

وَ كَمَا (عَلِيٌّ) فَوْدُهُ بِنِجَادِهِ *** فَلَهُ (عَلِيَّ )بِالوَثَانِ قَرِينُ

وَ كَمَا (الفَاطِمَ) رَنَّةٌ مِنْ خَلْفِهِ *** لِبَنَاتِهَا خَلْفَ الْعَلِيل رَنِينُ(2)

وَ بِزَجْرِهَا بِسِياطِ قُنْفُذَ وُشِّحَتْ *** بالطَّفِّ فِي زَجْر لَهُنَّ مُتُونُ

وَ بِقَطْعِهِمْ تِلْكَ الأَرَاكَةِ دُونَها *** قُطِعَتْ يَد فِي كَرْبَلا وَ وَتِينُ

لكِنَّمَا حَمْلُ الرُّؤوس عَلَى الْقَنَا *** أَدْهَي وَ إِن سَبَقَتْ بِهِ صِفِّين

کُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ لكِنْ صَامِتٌ *** هَذَا وَ هُذَا نَاطِقٌ وَ مُبِينُ

ص: 26


1- و قد خمّس هذا البيت أحد الأدباء قائلاً: نصبوا السقيفة للخلافة سلّما *** ظلما و أجروا دمع فاطمة دما قسماً برب الخلق طراً و السما *** (لولا سقوط جنين فاطمة لما أودى لها في كربلاء جنین)
2- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2 ص560 فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر، أتريد أن ترمّلني من زوجي واللّه لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي ولآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

(7) شامخات المجد

(بحر الكامل)

الشيخ جواد الحلي(*)(1)

مِنْ شَامِخَاتِ المَجْدِ دَکَّ رِعَانَهَا *** خَطبٌ أَطاشَ مِنَ الوَرَى أَذْهَانَها(2)

فِي يَوْمٍ قَدْ عُصِبَ الخِلَافَةَ مَنْ لَهُ *** أَلْقَتْ بِرَغْمِ الحَاسِدِينَ عِنَانَها(3)

عَجَباً لِفِهْرٍ كَيْفَ قَرَّ قَرَارُها *** أَمْ كَيْفَ تَكْحَلُ بِالْكَرَى أَجْفَانَهَا؟(4)

هذِي بَنُو تَيْمٍ بِفَقْدِ مُحَمَّدٍ *** سَلَبَتْ أَطَائِبَ آلِهِ سُلْطَانَهَا

ص: 27


1- (*) الشيخ جواد ابن الشيخ عبد علي الحلي. ولد بالحلة سنة (1285ه-)، و نشأ فيها، و حين رأى أبوه استعداده و رغبته في العلم و الأدب أرسله إلى النجف و هو ابن خمس عشرة سنة من أجل طلب العلم الديني، فسكن مدرسة (المهدية) قرب مسجد الطوسي، و مكث فيها مدة حياته الدراسية فحظي بقسط و افر من الفضل والأدب. و كانت له علاقة مع الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسّام و بينهما مساجلات شعرية، فكان لبقاً سريع الجواب قوي البديهة. قال الخطيب قسّام: كنت أحتفظ له بمجموعة من الشعر أكثرها في مراثي الإمام الحسين علیه السلام. و كان المترجَم له ناظماً مكثراً جمع ديوان شعره في حياته، و صار الديوان في حيازة أخيه الشيخ كاظم الحلّي. و كان يتردّد بين النجف و الحملة. و في عام ( 1334 ه-) قدم الحلة الفيحاء جرياً على عادته و عداته فمرض و لازم الفراش و توفي في آخر ذي الحجة من السنة المذكورة، و حمل جثمانه إلى النجف الأشرف و عمره يوم وفاته يقارب الخمسين.
2- دكَّ رعانها: هدم الجبال الطويلة حتّى سوّاها مع الأرض. أطاش: أذهب العقل.
3- العِنان: سير اللجام.
4- فهر: فهر الفرس أي اعتراه كللِّ في الجري. الكّرى: النعاس أو السهر في طاعة اللَّه.

وَ عَلَى الضَّلالِ تَزَاحَمَتْ مُذْ أَعْرَضَتْ *** عَمَّنْ يُتِمُّ وَلاؤُهُ إِيمَانَها

وَ لِنَقْضِ بَيْعَتِهِ وَ عَقْدِ لِوَائِهِ *** خَفَّتْ فَخَفَّفَ وِزْرُها مِيزَانَها

وَعَدَتْ عَدِيٌّ فِي الأَنَامِ فَأَبْرَزَتْ *** مِنْ لُؤْمِ عُنْصُرِهَا لَهُ أَضْغَانَهَا

تَرَكَتْ ذَوِي القُرْبَى تُكَابِدُ مِنْهُمُ *** مِنْ بَعْدِ فَرْضِ مَوَدَّةٍ شَنآنها(1)

غَصَبُوا البَنُولَ تُرَاثهَا مِنْ بَعْدِ مَا *** أَبْدَتْ لِتَقْطَعَ عُذْرَهُمْ بُرْهَانَها(2)

لقِيَتْ خُطوباً مِنْهُمُ لَوْبَعْضُهَا *** تَلْقَى الرَّوَاسِيَ لَمْ تُطِقْ لُقيانَها(3)

لَطْماً وَ إِسْقاطاً وَ ضَرْباً مُدْمِیاً *** كَسْرَ الضُّلُوع وَ هَضْمَها حِرْمَانَها(4)

وَ غَدَتْ تُشَكِّي الظُّلْمَ مِنْهُمْ بَضْعَةُ *** الهَادِي وَلكِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَانَهَا

لابُلَّ فِي مَاءِ الحَيامِنْ قَيْنَةٍ *** قَبْرٌ فَمِنْهُمْ شَاهَدَتْ خِذْلآنَهَا(5)

بُعْداً لَهُمْ نَقضُوا الدِّمَامَ وَ ضَيَّعُوا *** عَهْدَ النَّبِيِّ وَ حَاوَلُوا هِجْرَانَهَا(6)

وَ تَحَكَمَتْ تِلْكَ الذُّبَابُ بِبَاسِلٍ *** فِي يَوْمِ مِنْهُ تَيَقَّنَتْ إِمْكَانَها(7)

ص: 28


1- تكابد منهم: تقاسي و تحمل المشاقَ -شَنآن: بغض-
2- انظر ما ورد عن كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232.
3- الرواسي: الجبال الرواسخ الثوابت. لقيانها: ملاقاتها.
4- انظر ما ورد عن كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
5- قينة: الأمة أو الماشطة.
6- الذمام: العهود و المواثيق.
7- شعراء الحلة ج1 ص267 ریاض المدح و الرثاء ص494 و القصیدة طویلة أخذنا ما نحن بصدده.

(7) أم الأتقياء

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

ما لِي وَ لِلْبَيْنِ أَشْجَانِي وَ الَمَنِي *** كَأَنَّهُ بِتِراتٍ كَانَ يَطْلُبُنِي(2)

أَشْكُو إِلَى اللَّهِ ما لأقَيْتُ مِنْ كَمَدٍ *** مِنْهُ وَ قَاسَيْتُ مِنْ هَمْ وَ مِنْ شَجَنِ

حَسْبِي مِنَ الدَّهْرِ أَحْبَابِي أَبَادَهُمْ *** وَ كَأْسَ فُرْقَتِهِمْ وَ الشَّجُو جَرَّعَنِي

عَدَا عَلَيَّ وَ مَا رَاعَى بِقَسْوَتِهِ *** وَ جْدِي وَ ضَعْفِي وَ مِنْ عَدْوَاهُ أَكْرَبَنِي

كَأَنَّ لِلْبَيْنِ دَيْناً فَهُوَ يَطْلِبُنِي *** بِهِ فَهَا هُوَ بِالأَرزَاءِ يَقْصُدُنِي

خَلِّ العِتَابَ عَنِ الدَّهْرِ الخَؤُونِ فَذِي *** طَبَاعُهُ مُزِجَتْ بِالوَيْلِ وَ المِحَنِ

كُمْ جَرَّعَ الوَيْلَ وَ البَلْوَى بَنِيهِ وَ كَمْ *** أَبَادَ مِنْ أُمَمٍ عَزَّتْ وَ مِنْ مُدنِ

فَأَنْتَ لاتَغْتَرِرْ بِالدَّهْرِ يَا أَمَلِي *** فَالدَّهْرُ مَا فِيهِ عَيْشٌ فَارِهٌ وَهَنِي(3)

وَ لَوْ رَعَى الدَّهْرُ مِنْ أَبْنَائِهِ أَحَداً *** رَاعَى بَنِي أَحْمَدَ المُخْتَارِ ذِي المِنَنِ

أَمَا تَرَاهُ عَلَيْهِمْ جَارَ مُعْتَدِياً *** بِكُلِّ كَرْبٍ وَ بِالآهاتِ وَ الشَّجَنِ؟

فَأَصْبَحُوا مَا لَهُمْ مِنْ عَيْشِهِمْ رَغَدٌ *** وَ مَا لَهُمْ مِنْ حِمَى فِيهِ وَ لاَوَطَنِ(4)

وَ إِنْ نَسِيتَ فَلا تَنْسَ الَّتِي شَهِدَتْ *** أَيُّ الكِتَابِ لَهَا فِي السِّرِّ وَ العَلَنِ(5)

ص: 29


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- البين: الفراق -أشجاني: أحزنني -الترات: جمع ترة و هو الثأر.
3- عيش فارهٌ: خفيف.
4- رغّد: واسع.
5- في المناقب لابن شهر آشوب -ط قم، ج3 ص324 فصل في منزلتها عند الله «تعالى»... ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم امر بقطع اللص: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قدمته في الإسلام و تأمره بالقطع فقال: لو كانت ابنتي فاطمة علیها السلام فسمعت فاطمة علیها السلام فحزنت فنزل جبريل علیه السلام بقوله «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» الزمر، 65 فحزن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فنزلت «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» الأنبياء 22 فتعجب النبي صلى الله عليه و آله و سلم من ذلك فنزل جبرائيل علیه السلام و قال كانت فاطمة علیها السلام حزنت من قولك فهذه الآيات توافقها لترضى. و في المصدر نفسه ص318 فصل في تفضيلها على النساء: في قوله «تعالى»: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» قال: علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه و في قوله «تعالى»: «ونساؤنا ونساؤكم» كانت فاطمة علیها السلام فقط و هو المروي فقط عن الصادق علیه السلام و عن سائر أهل البيت علیهم السلام.

بِنْتُ النَّبِيَّ رَسُولِ اللَّهِ أُمُّهُمُ *** خَيْرُ البَرِيَّةِ رَبِّ الفَرْضِ وَ السُّنَنِ

أَعْنِي البَتُولَةَ أَمَّ الأَنْقِيَاءِ وَ مَنْ *** تَتْلُو الكِتَابَ بِجُنْحِ الحَالِكِ الدَّجِنِ(1)

ص: 30


1- الحالك: شديد السواد، الدجن: دجن الليل أي اسوّد -و جاء في لسان العرب لابن منظور ط قم/ مادة بتل ص43. «سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة «سلام الله عليها» بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم قيل لها البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها و نساء الأمة عفافاً و فضلاً و ديناً و حسباً... و قيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله «عزّوجل»... و قيل... تبتيل خلقها انفراد كل شيء عنها بحسنه لايتكل بعضه على بعض. و في المناقب لابن شهر اشوب ط قم ج3 ص33 فصل في منزلتها عنداللّه «تعالى»...: سئل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما البتول؟ قال: «لم تر حمرة قط و لم تحض فإن الحيض مكروه على بنات الأنبياء». و في مسند الإمام الرضا علیه السلام. ج1 ط بيروت كتاب الإمامة و مناقب الائمة علیهم السلام -باب امامتهم و فرض طاعتهم، ص311 ح61. أوصى النبي الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام ثم قال: «في قول الله عز وجل»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال: الأئمة من ولد علي و فاطمة علیهما السلام إلى أن تقوم الساعة». و في المناقب لابن شهر آشوب ط قم ج3، فصل في سيرتها قال: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تورّمت قدماها. و في دلائل الإمامة للطبري ط قم/ في مناقبها علیها السلام. عن الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها بشيء.

هِي التِي شَهِدَ البَارِي تَبَتْلَها *** تِلْكَ الَّتِي شَأْنُها عَنْ وَاصِفيهِ غَنِي(1)

فَيَا لَها الله كَمْ قَاسَتْ مَصَائِبٌ لا *** تُحْصَى وَ كَمْ مِنْ أَفَانِينِ مِنَ المِحَنِ(2)

لَهْفِي لِمَنْ قَدْ عَلَتْ قَدْراً وَ مَرْتَبَةٌ *** جَلَّتْ فَكَيْفَ رَماهَا الدَّهْرُ بِالوَهَنِ

رَأَتْ أَبَاها الَّذِي عَمَّتْ مَكَارِمُهُ *** كُلُّ الوَرَى وَ بِهِ الدِّينُ الحَنِيفُ بُنِي

مفارقاً مالَهُ مِنْ عَوْدَةٍ أَبَداً *** تَرْنُو إِلَيْهِ وَ دَمْعُ العَيْنِ كَالمُزنِ(3)

ص: 31


1- تبتلها: انقطاعها. في أحقاق الحق للتستري ج10 ص25: عن أم سلمة (رضي الله عنه) في حديث عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتَّلت و تقَّطعت عما هو معتاد العورات في كل شهر و لإنها ترجع كل ليلة بكراً. و سميت مريم سلام الله علیها بتولاً لأنها ولدت عيسى علیه السلام بكراً.
2- و في مجمع البيان للطبري ط بيروت ج376 في تفسير سورة المزمل قال في معنى (تبتل اليه تبتيلا) أصله من تبلت الشيء قطعته أي بائنة مقطوعة عن صاحبها لاسبيل له عليها. و منه البتول علیها السلام لانقطاعها إلى عبادة الله عزّ وجل. و في مصباح الكفعمي إيران ص659 الهامش: البتول: قيل هي المنقطعة إلى الله «تعالى» أو لانقطاعها عن نساء الأمة فضلاً و ديناً و حسباً.
3- و من محنها عليها الصلاة و السلام ما ورد في الإمامة و السياسة، ج1 ص19 ط مصر. قول قائلهم: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لاحرقن الدار على من فيها. و في كتاب سليم بن قيس ط طهران ص36 في حديث اقتحام الدار و ضربها: فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها و في المصدر نفسه ص99: و قبضه و صاحبه فدك و هي في يد فاطمة علیها السلام لمقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلي الله علیه و آله و سلم ترنو تنظر إليه بجانب طرفه و عينه المزن المطر و جاء في صحيح البخاري ج4 ح4193. لما ثقل النبي صلى الله عليه و آله و سلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة علیها السلام: واكرب أباه فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» فلما مات قالت: يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم أجاب ربّاً دعاه يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة علیها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم التراب. و في شفاء الغرام للفاسي الحسين، ط دار الإحياء بمصر ج2 ص350، قال: روی جعفر بن محمد الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جده صلى الله عليه و آله و سلم: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت تختلف بين اليومين و الثلاثة إلى قبور الشهداء بأحد فتصلي هناك و تدعو و تبكي حتى ماتت علیها السلام.

حَنَّتْ وَ أَنَّتْ وَ نَادَتْ وَ هْيَ صَارِخَةٌ *** لَمَّا رَأَتْهُ وَ صَاحَتْ آهِ وَ احْزَنِي

أَبْكِي عَلَيْكَ بُكَاءَ لَاانْقِضَاءَ لَهُ *** أَبْكِي الَّذِي غُصَصَ الآلامَ جَرَّعَنِي

أَبْكِي أَبِي خَيْرَ ذُخْرِ كُنْتُ أَعْرِفُهُ *** أَبْكِي الَّذِي بَيْنَ أَهْلِ الحَقْدِ ضَيَّعَنِي

يَا وَالِدِي تِلْكَ أَيْتَامِي تَنُوحُ عَلَى *** فِرَاقِكَ اليَوْمَ نَوْحَ الوَالِهِ الحَزِنِ(1)

***

یابِنْتَ خَيْرِ نَبِيِّ لِلأَنَامِ أَتَى *** نُوراً يُضِيءُ ظَلامَ الحَالِكِ الدَّجِنِ

مُصَابُكُمْ يَا بُنَةَ المُخْتَارِ حَنَّ لَهُ *** قَلْبِي وَ أَجْرَىٰ دُمُوعَ العَيْنِ مِنْ جَفْنِي

لَمْ أَنْسَها حِينَ وَاقَتْ قَبْرَ وَالِدِها *** بِمَدْمَعِ سالَ مِثْلَ العَارِضِ الهَتِنِ(2)

تَدْعُو: أيا وَالِدِي يَا خَيْرَ مُدَّخَرٍ *** بِهِ أَلُوذُ لَدَى الأَرْزَاءِ وَ المِحَنِ

أَيُّ المَصَائِبِ أَشْكُوهَا وَ أَذْكُرُها *** إِلَيْكَ يا سَنَدِي مِنْ وَطْأَةِ الزَّمَنِ

يا وَالِدِي مَنَعُونِي مِنْ بُكَايَ عَلَى *** افْتِقَادِكَ اليَوْمَ وَ التَّبْرِيحُ أَرْقَنِي(3)

يا وَالِدِي مَنَعُوا إِرْنِي بِفِعْلِهِمُ *** بِأَيِّ حَقٌّ تُراثِي مِنْهُ يَمْنعُنِي

وَ اسْتَأْصَلُوا دَوْحَةٌ لِي أَسْتَظِلُّ بِهَا *** وَ مِنْ لِظَى الحَرِّ قَدْ كَانَتْ تُظَلِّلُنِي(4)

يَا وَلِدِي ما رَعَوْا حَقًّي وَ لاعَرَفُوا *** قَدْرِي إِلَيْكَ وَ مَا قَدْ كُنْتَ تَمْنَحُنِى(5)

مِنَ المَوَدَّةِ وَ التَّنْجِيلِ بَيْنَهُمُ *** يَا وَالِدِي دَخَلُوا بَيْنِي بِلاإِذْنِي

ص: 32


1- الواله: الذي يحزن حزناً شديداً حتى يكاد يذهب عقله.
2- الهتن: السحاب المتتابع المطر.
3- التبريح: الإتعاب و الإجهاد و الأذى أذية شديدة. و جاء في مناقب ابن شهر آشوب في ج1 ص322 ط/ قم. قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار...
4- لظى: لهب، نار.
5- في كتاب سليم بن قيس، ط قم ص39: قال: قلت لسلمان أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت يا أبتاه يارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقأ في قبرك.

وَ أَسْقَطُونِي جَنِينِي مِثْلَمَا كَسَرُوا *** ضِلْعِي لَدَى البَابِ وَ المِسْمَارُ المَنِي(1)

يَا وَالِدِي أَخْرَجُوا الكَرَّارَ حَيْدَرَةً *** مُلَبَّباً وَ هُوَ رَبُّ الفَضْلِ وَ المِنَن(2)

مِنْ بَيْتِهِ وَ هُوَ مَأْسُورٌ وَ مُضْطَهَدٌ *** وَ حَالُهُ قَدْ شَجَا قَلْبِي وَ صَدَّعَنِي

فَرَاحَ جَهْراً ملبباً بَيْنَ جَمْعِهِمْ *** يُقَادُ وَ هُوَ حَمِي الدِّينِ وَ الوَطَنِ

فَرُحْتُ خَلْفَهُم أَعْدُو أَخافُهُمُ *** أَنْ يَقْتَلُوهُ جِهاراً وَ هُوَ يَنْظُرُنِي(3)

وَ قَدْ ظَننتُ يُراعُونِي فَما عَرَفُوا *** قَدْرِي وَ لَمْ أرَ مِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّرُني

إِذَا بِهِم رَجَعُوا لِي بالسياط فَلَوْ *** رَأَيْتَنِي كُنْتَ تَبْكِينِي وَ تَنْدبَنِي

يَا وَالِدِي لَطَمُوا عَيْنِي بِحِقْدِهِمُ *** وَ قُنْفُذُ بِسِياطِ الحِقْدِ قَرَّعَنِي(4)

يَا بَضْعَةَ الطُّهْرِ يَاسِتَّ النِّسَاءِ وَ يا *** أُمَّ الشَّهِيدِ بِأَرْضِ الكَرْبِ وَ المِحَنِ(5)

ص: 33


1- انظر ما ورد عن الاحتجاج، ط النجف، ج1 ص109.
2- ملبياً: مجروراً و في كتاب سليم بن قيس، ط قم ص37. انطلق قنفذ و اقتحم بيت فاطمة الزهراء علیها السلام هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه فألقوا في عنقه حبلاً ثم انطلق بعلي يقبل عتلاً... و راجع الاحتجاج للطبري ط قم، ج1 ص109.
3- في تفسير العياشي/ط طهران/ ج2 ص66 في تفسير قوله «تعالى»: «إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ» من سورة الانفال آية: 65 لما أخرجوا علياً علیه السلام ملبباً خرجت فاطمة الزهراء علیها السلام فقالت يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي واللّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي.
4- في كتاب سليم بن قيس ط قم، ص36-37: دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا ابتاه یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم... و اقتحم قنفذ هو و أصحابه بغير إذن و حالت بينهم و بين علي فاطمة علیها السلام فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و ان في عضدها كمثل الدملج من ضربته.
5- في صحيح البخاري، ج3 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم و منقبة فاطمة علیها السلام ح3510. عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و في الإصابة لابن حجر، ج4 ص378 حرف الفاء -القسم الاول: عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على المنبر يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يريبني ما رابها.

لِلَّهِ ذَاكَ مُصَابٌ قَدْ أُصِبْتِ بِهِ *** مَا مِثْلُهُ قَدْ جَرَى فِي سَالِفِ الزَّمَنِ

صَلَّى الإِلهُ عَلَيْكُمْ مَا بَدَا قَمَرٌ *** فِي جُنْح لَيْل وَ نَاحَ الوَرقُ فِي الغُصُنِ(1)-(2)

ص: 34


1- الورق: نوع من الطيور. جنح ليل: ظلام الليل.
2- كنوز المدح و الرثاء ص51.

(8) أشجى البتولة

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

لاَ يَنْقَضِي أَبَداً وَ جْدِي وَ أَحْزَانِي *** أَبْكِي وَ قَدْ سَالَ مِنْ عَيْنَيَّ عَيْنَانِ

وَ النَّفْسُ مِنِّي فِي وَجْدِ وَ فِي كَمَدٍ *** كَأَنْ لَيْسَ لَهَا فِي الوَجْدِ مِنْ ثَاني(2)

أَكَادُ مِنْ أَلَم تُكْوَى بِهِ كَبِدِي *** أَحِنُّ مِثْلَ حَنِينِ الوَالِهِ العَانِي

أَوْ كَالسَّفِينَةِ فِي لُجِّ البحارِ غَدَتْ *** تَجْرِي وَلكِنَّهَا مِنْ غَيْرِ رُبَّانِ

جرَّتْ بِهَا عَافِياتُ الرِّيحِ فَانْقَلَبَتْ *** تَسِيرُ هَائِمَةً مِنْ غَيْرِ سُكَانِ

أَوْ أَنَّهَا كَعِطَاشِ الهِيمِ قَاطِعَةً *** عَرْضَ السُّهُولِ لآكَامِ وَ رُدْيَانِ(3)

هذَاكَ دَأْبِي وَ ذَا حَالِي أُقَلَّب مِنْ *** وَجْدِ لِوجدٍ وَ أَحْزَانٍ لأَحْزَانِ

مَا شَفَّنِي لَذَّةُ الدُّنْيَا وَ زَينَتُها *** وَ كَيْفَ أَبْكِي نَعِيماً زَائِلاً فَانِي؟

كَلاً وَ لاَزِبْرِجاً فِيها وَ مُنْتَزَهاً *** فِيهِ تُسَرَّحُ لِلْمَهْمُوم أشجانِ

وَ لَامَبَّانٍ أَرَاهَا شَاهِفَاتٍ وَ قَدْ *** سَارَتْ عُلوّاً بِأَشْكَالِ وَ أَلْوَانِ

فَفَاتَنِي حُسْنُهَا الزَّاهِي وَ بَهْجَتُها *** فَصِرْتُ أَقْرَعُ سِنِّي مِثْلَ نَدْمَانِ

لكِنْ شَجَانِي مَا أَشْجَى البَتُولَةَ مِنْ *** جَوْرِ اللَّيَالِي فاضحَى دمعُها القَانِي(4)

ص: 35


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- وَجْد: شدّة الحزن. كمد: الحزن و شدّة الهمّ.
3- الهيم: جماعة عطاشى أو مجانين من العشق. آكام: التلال أو المواضع التي تكون اكثر ارتفاعاً ممّا حولها.
4- قاني: شديد الحمرة.

تَبْكِي بِلَهْفَةِ قَلْبٍ شَقَّهُ أَلَمُ *** الفِراقِ وَ الوَجُدُ وَ التَّذْكَارُ حَرَّانِ

تَصِيحُ: يَا وَالِدِي يا مَنْ أَلُوذُ بِهِ *** فِي النَّائِبَاتِ إِذَا مَا الهَمُّ أَضْنَانِي(1)

يا وَالِدِي كُنتَ بَدْراً يُسْتَضَاءُ بِهِ *** فَغِبْتَ فَاسْتَوْحَشَتْ أَهْلِي وَ أَوْطَاني

وَ البَدْرُ إِنْ غَابَ عَمَّتْ وَ حْشَةٌ أبداً *** مِنَ الظَّلام وَ هَلْ لِلْبَدْرِ مِنْ ثاني؟

إنِّي تَمَنَّيْتُ أَنَّ المَوْتَ عَاجَلَنِي *** وَ أَنَّ يَوْمِي قَبْلَ اليَوْمِ وَافَانِي

يَا وَالِدِي ضَاقَتِ الدُّنْيا بِرَحْبَتِهَا *** عَلَيَّ حَتَّى فَقَدْتُ اليَوْمَ سَلْوَانِي

لَمَّا مَضَيْتَ فَصَبْرِي صَارَ مُنْعَدِماً *** وَ انْهَدَّتِ اليَوْمَ بِالأَرْزَاءِ أَرْكَانِي

فَلَوْ تَرَانِي بَيْنَ البَابِ صَارِخَةً *** وَ حَيْدَرٌ حَالُهُ وَ اللَّهُ أَبْكَانِي

أَبْكِي مُكَسَّرَةَ الأضلاع نَادِيَةً *** أَيْنَ الَّذِي فِي بُيُوتِ العِز رَبَّانِي

حَتَّى وَقَعْتُ بِحَرِّ الحُزْنِ بَاكِيَةً *** يُغْشَى عَلَيَّ بِأَعْتَابٍ وَ تِرْبَانِ

قَدْ خَرَّ مِنّي جَنِينِي مِنْ حَشَا كَبِدِي *** وَ العَصْرُ بِالبَابِ أَرْزَانِي وَ أَضْنَانِي(2)

وَ قَدْ مَضَوْا بِكَفِيلِي فِي حَمَائِلِهِ *** يُقَادُ لَيْسَ لَهُ حَامِ وَ لَاحَانِي(3)

فَقُمْتُ مُسْرِعَةً أَبْكِي مُوَلُولَةً *** مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ هَمَتْ بِالدَّمْعِ أَجْفَانِي

وَ صِحْتُ: خَلّوا ابْنَ عَمِّي لاأَبا لَكُمْ *** أَوْ لاسَأَشْكُو إِلَى الجَبَّارِ أَحْزَانِي(4)

رَدُّوا إِليَّ بِأَحْقادٍ تَسُوقُهُمُ *** وَ سَوْطُ قُنْفُذَ بِالمَثْنَيْنِ أَلْوَانِي

أَبَاهُ قَدْ لَطَمُوا عَيْنِي وَ مَا رَحِمُوا *** حَالِي وَ لاَحَالَ أَبْنَائِي وَ صِبْيَانِي

ص: 36


1- أضناني: أمرضني فتمكّن مني الضعف و الهزال.
2- في كتاب دلائل الإمامة ص45 و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً.
3- في كتاب العوالم ج2 ص560 فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي -واللّه- لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي.
4- روي في كتاب البحار ج198 باب ما وقع عليها من الظلم: فضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إنها في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه اللّه».

فَلَوْ تَرَانِي أَئِنُّ اليَوْمَ مِنْ أَسَفٍ *** عَلَيْكَ وَ العَيْنُ يَجْرِي دَمْعُهَا القَانِي

لَسَاءَكَ اليَوْمَ مَا لأَقَيْتُ مِنْ أَلَمٍ *** جَرى عَلَيَّ وَ صِرْتَ اليَوْمَ تَنْعَانِي

يَا فَاطِمُ الطُّهْرُ يَا مَنْ كَانَ وَالِدُها *** خَيْرَ البَرِيَّةِ مِنْ قَاصِ وَ مِنْ دَانِ(1)

جَلَّتْ رزاياكِ فَالْتَاعَتْ لَهَا كَبِدِي *** لِمَا عَرَاكِ وَ وَجْدِي اليَوْمَ أَضْنَانِي

فَسَوْفَ أَبْكِيكِ دَوْماً ما حَيَيْتُ عَلَى *** طُولِ المَدَى وَ تَسُحُّ الدَّمْعَ أَجْفَانِي

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَيْكُمْ دَائِماً أَبَداً *** مَا سَارَ يَطْوِي الفَلا سَارٍ بِرُكْبَانِ

ص: 37


1- في كتاب ذخائر العقبي ص44 فإنه ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام قالت أسماء: فقلت: يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و اله و سلم اني لم أر لها دماً في حيض و لا في نفاس، فقال: «أما علمت أنّ ابنتي طاهرة مطهرة لايُرى لها دم في طمث و لاولادة؟».

(9) أم الهداة

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

ما لِي أَرَى لَوَّامَتِي تَلْحُونِي *** وَ بِلَوْمِها وَ عِتابِها تُؤْذِينِي؟(2)

وَ تَقُولُ لِي: قُلْ لِي بِرَبِّكَ صادِقاً *** فَعَلامَ أَنْتَ مَدَى المَدَى بِأَنِينِ

أَفَهَلْ تَرَى أَجْرَى دُمُوعَكَ وَ كَفاً *** فَقْدُ الأنيس وَ وَحْشَةُ المَسْكُونِ؟(3)

إِنَّ المَنازِلَ إِنْ بَقَتْ مَهْجُورَةً *** أَشْجَتْ فُؤَادَ أَخِي الجَوَى المَفْتُونِ

فَمَنازِلُ الأَحْبَابِ إِمّا أُقْفَرتْ *** وَ رَأَيْتُها تُشْجِيكَ أَيَّ شُجونِ

فَاحْمِلْ وَ كُنْ فِى الدَّهْر صَبَاراً فَمَاذَا *** الدَّهْرُ يَوْماً إِنْ وَ فَى بأَمِيِن

فَالدَّهْرُ جَوْرٌ وَ الزَّمانُ عَدَاوَةٌ *** وَ اعْلَمْ فَلَيْسَ الدَّهْرُ بِالمَأْمُونِ

غَدْرٌ وَ ظُلْمٌ دَأَبُهُ وَ مَضَرَّةٌ *** أَوَ لَيْسَ ذَلِكَ طَبْعُ كُلِّ خَؤُونِ؟

فَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ فَإِنَّهُ *** دِرْعٌ حَصِينٌ كانَ أَيُّ حَصِينِ

وَدَعِ الوثوق مِنَ الزَّمانِ فَإِنَّهُ *** يَعْدُو عَلَيْكَ بِحِقْدِهِ المَدْفُونِ

فَمَن الَّذِي أَمِنَ الزَّمَانَ وَ شَرَّهُ *** الأَوَعادَ بِصَفْقةِ المَغْبُون؟(4)

أَوَمَا تَراهُ كَيْفَ يَلْعَبُ قاسياً *** بالمُؤْمِنِينَ كَلُعْبَةِ المَجْنُونِ؟

كَفِعَالِهِ بِبَنِي النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** خَيْرِ الأَنَامِ وَ خِيرَةِ المَسْكُونِ

ص: 38


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الأول.
2- تلحوني: تشتمني.
3- وُكفَّا: سائلات قليلاً قليلاً.
4- المغبون: المغلوب و المخدوع في البيع.

وَ فِعَالِهِ بِالطُّهْرِ سَيِّدَةِ النّسا *** أم الهُداةِ وَ بِنْتِ خَيْرِ أَمِينِ

أَخْنَى عَلَيْهَا بِالمَضَرَّةِ وَ الأَذَى *** حَتَّى قَضَتْ بِالوَيْلِ وَ التَّوْهِينِ

مَا افْتَرَّ مَبْسِمُها وَ لاَعَرَفَتْ لَهَا *** يَوْماً مِنَ الأفراحِ وَ التَّزييِن

حَتَّى قَضَتْ مَحْزُونَةٌ مَكْرُوبَةٌ ** مِثلَ الضّرام بِقَلبِها المَحْزُونِ

لَقِيَتْ أَباها وَ هْيَ غَضْبَى وَ الشَّجا *** فِي حَلْقِها حَتَّى قَضَتْ بِأَنِين(1)

وَدَعَتْهُ: لَمَّا غِبْتَ عَنِّي يا أَبِي *** هَاجَتْ عَلَيَّ بَلابِلِي وَ شُجُونِي

وَ عَلَيَّ جَارُوا يا أَبَاهُ بِحِقْدِهِمْ *** فَكَأَنَّهُمْ يَبْغُونَنِي بِدُیونِ

قَدْ أَسْقَطُوا مِنّي الجَنِينَ بِحِقْدِهِمْ *** جَهْراً وَ بَيْنَ البَابِ هُمْ عَصَرُونِي(2)

كَسَرُوا ضُلُوعِي يا أباهُ بِغَدْرِهِمْ *** لَعَمُوا وَ حَقِّكَ يَا أَبَاهُ عُيُونِي

أَبَتاهُ لَوْ عايَنْتَهُمْ لَرَأَيْتَهُمْ *** مَمْلُوءَةً أَحْشَاؤُهُمْ بِضُغُونِ(3)

أبتاهُ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ مَعِيشَتِي *** يَا لَيْتَ حَانَ اليَوْمَ مِنِّي حِينِي

فَعَلَيْكِ يا بِنْتَ النَّبِيِّ تَلَهُفِي *** وَ فِداكِ مني ما حَوَتْهُ يَمِينِي

وَ لَكِ الفِدا رُوحِي وَقَدْ عَزَّ الفِدا *** أَفْدِي الَّتِي راحَتْ فِدّى لِلدِّينِ

تَالِلَّهِ قالِلو يا آل النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** أَرْزَاؤُكُمْ جَلَّتْ عَنِ التَّبيِينِ

وَ لَقَدْ بَكَتْ لِمُصابِكُمْ أَهْلُ السَّما *** وَ كَذَاكَ سَاكِنُ أَرْضِنَا بِأَنِينِ(4)

ص: 39


1- الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه.
2- تقدم ما ورد فيهما من التخريجات في مجمل القصائد السابقة فراجع تلك القصائد.
3- ضغون: أحقاد.
4- كنوز المدح و الرثاء ص35.

(10) وجد البتول

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

أَرْزَاءُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ تُشْجِينِي *** وَ لِمَا عَرَاهَا تَسْتَهلُ جُفُونِي

يمَدامِع مِثْلِ الجُمَانِ نَوَازِلٍ *** تَجْرِي كَمَا قَدْ سَالَ مَاءُ عُيُونِي(2)

أبْكِي لَهَا حُزْناً وَ قَدْ لَعِبَ الأَسَى *** بِفُؤادِهَا فَتَجَلْبَبَتْ بِشُجُونِ

تَبْكِي وَ لَوْ وَعَتِ الحَمَامُ بُكَاءَها *** نَاحَتْ لَهَا وَ بَكَتْ لَهَا بِأَنِينِ

يَا قَلْبَ فَاطِمَ ما حَمَلْتَ مِنَ الأَسَى *** أَرْزَاءَ قَدْ عَزَّتْ عَنِ التَّبْيِينِ

أَرْزَاءَ حُزْنٍ لو وعاها يَذْبُلُ *** لَهَوَى لَهُنَّ وَ زَالَ بَعْدَ سُكُونِ

نَظرَتْ إِلَى بَابِ النُّبُوَّةِ مُغْلَقاً *** وَ عَلَيْهِ وَ حْشَةُ شَاكِلِ مَغْبُونِ

وَ الوَحْيُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ مُفارقٌ *** أَيْنَ النُّزُولُ بُعَيْد حامِي الدِّينِ

أَيْنَ النُّزُولُ يُعَيْدَ خَيْرِ الأَنْبِيا؟ *** أَوَلَيْسَ طهَ في الثَّرا بِدَفِين؟

فَاليَوْمَ لاَوَحْيَّ وَ لاَ مِنْ آيَةٍ *** عَزَّ المَنَالَ هُبُوطُ خَيْرِ أَمِينِ

فَلَكِ العَزَا يَا بِنْتَ أَحْمَدَ بِالَّذِي *** هُوَ كَهْفُكُمْ بَلْ كَانَ خَيْرَ مُعِينِ

لَكُمُ وَ مَأْوَى الضَّائِعَاتِ مِنَ الوَرَى *** مَأْوَى الصَّعِيفِ وَ مَلْجَأَ المِسْكِينِ

مَاتَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ فَتَصَبْرِي *** أَوَ لَيْسَ دَهْرُكِ فَاطِمٌ بِخَؤُونِ؟

فَلَقَدْ فُجِعْتِ بِهِ وَ قَدْ فُجِعَ الوَرَى *** حَقاً بِأَعْظَمِ رَاحِمَ وَ حَنُونِ

ص: 40


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الجُمان: اللؤلؤ.

أَيَّامَ أُنْسِكِ يَا بَتُولُ قَدِ انْتَهَتْ *** فَاليَوْمُ يَوْمُ رَزِيَّةٌ وَ حَنِينِ

رَاحَ المُحَامِي وَ الكَفِيلُ أَلاَ اعْوِلِي *** وَ ابْكِي عَلَيْهِ بِدَمْعِكِ المَخْزُونِ

لَكُمُ العَزَايَا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ *** تَالِلَّهِ إِنَّ مُصَابَكُمْ يُبْكِينِي

أَبْكِيكُمُ بِمَدَامِع لاتَنْتَهِي *** وَ مَدَى المَدَى أَنَا مُعْلِنُ بِحَنِينِي

ما حَالُ أَحْمَدَ لَوْ رَاكِ حَزِينَةً؟ *** لَبَكَى وَ قَالَ بِلَوْعَةٍ وَ أَنِينِ

بِنْتَاهُ لاَتَبْكِي فَإِنَّكِ سَلْوَتِي *** وَ بُكَاكِ يَا سِتَ النِّسا يُؤْذِينِي

تَجْرِي دُمُوعِي إِنْ رَأَتْكِ حَزِينَةً *** وَ أَظُلُّ أَعْلِنُ لَوْعَتِي وَ شُجُونِي

فَلَقَدْ يَعِزُّ عَلَيْكَ خَيْرَ الأَنْبِيا *** وَجْدُ البَتُولِ بِقَلْبِها المَحْزُونِ(1)

ص: 41


1- كنوز المدح والرثاء ص29.

(11) يا بضعة الهادي

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

هَيْهَاتَ تَهْدَأُ زُفَرَتِي وَ حَنِينِي *** مِمَّا عَرَا وَ يَجِفُّ دَمْعُ عُيُونِي(2)

هَيْهَاتَ لِي فَالصَّبْرُ عَزَّ عَزَاوَهُ *** وَ مَسَرَّنِي قَدْ بُدِّلَتْ بِسُجُونِي

فَالطَّرْفُ مِنّي بَاكِياً يَجْرِي دَماً *** ما نَوْحُها الخَنْساءُ إِلا دُونِي؟(3)

مَا الوَرْقُ، مَا القُمْرِيُّ، مَا إِنْشَادُهُ *** فِي جَنبِ إِنْشَادِي وَ جَنْبِ حَنِينِي؟(4)

فَالجِسْمُ مِنِّي ناحِلٌ يَشْكُو الضَّنَى *** وَ مِنَ النُّحُول تَرَاهُ كَالْعُرْجُونِ؟(5)

تَالِلَّهِ لَوْ عَايَنْتَنِي مُتَمَلْمِلاً *** فَكَأَنَّنِي جُرِّعْتُ كأسَ مَنُونِي

لَرَقَقْتَ يا بنَ الأَكْرَمِينَ لِحَالَتِي *** وَ رَثَيْتَ لِي يا صاحِبِي تَبْكِينِي

فَبَكَى وَ أَنَّ وَ قَال: مَا هَذَا الَّذِي *** تَشْكُو لَحُزْنُكَ فَاقَ كُلَّ حَزِينِ!

أَفَهَلْ شَجَاكَ ظُعُونُ قَوْمٍ أُبْعِدُوا *** بِالسَّيْرِ مُذْ تَرَكُوا رُبَىٰ يَبْرِينِ؟(6)

أمْ هَلْ شَجَاكَ أَحِبَّةٌ فَارَقْتَهُمْ *** فَبَقَيْتَ كَالبُسْرَى بِغَيْرِ يَمِيْنِ؟

ص: 42


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- زُفْرَة: نَفَس حارّ تشبيهاً له بزفير النار.
3- الخنساء: تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع في الأرنبة و الأظهر أنه قصد بها الخنساء الشاعرة التي اشتهر نوحها على موت أخيها صخر.
4- الوَرْق: الحمام -القُمري: ضرب من الطيور له سجع جميل.
5- العُرجون: أصل العِذق الذي يعوج و يبقى على النخل يابساً بعد أن تقطع عن الشماريخ.
6- شجاك ظعون قوم: أحزنك رحيل قومٍ، رُبى يبرين: الربى جمع الرابية ما ارتفع من الأرض أو التلة و يبرين: اسم مكان.

أَمْ لِلْمَشِيبِ عَدَا عَلَيْكَ فَصِرْتَ مِنْ *** ذِكْرِ الشَّبَابِ بِلَوْعَةٍ وَ حَنِينِ؟

فَأَجَبْتُهُ: كَلاً وَ سُورَةِ هَلْ أَتَى *** قَسَماً وَ حَقِّ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ(1)

مَا شَفَّنِي ذِكْرُ الشَّبابِ وَ رَوْقُهُ *** فِيهِ اللَّذَائِدُ نِعْمَةُ المَمْنُونِ(2)

كَلاً وَ لاً لأَحِبَّةٍ فَارَقْتُهُمْ *** سَارُوا وَ بَعْدَ فِرَاقِهِمْ تَرَكُونِي

لكِنْ شَجَانِي مَا دَهَى سِتَّ النِّسا *** مِنْ لَوْعَةٍ وَ كَابَةٍ وَ سُجُونِ

حُزْنِي لَهَا تَبْكِي شَجِّى وَ تَأَلُماً *** وَ دُمُوعُهَا كَالْوَابِلِ المَهْتُونِ(3)

تَدْعُو: أَلاَ يَا وَالِدِي ضَيَّعْتَنِي *** فَالْوَجْدُ بَعْدَكَ وَ الأَسَى يَحْدُونِي

دَأَبِي أَحِنُّ وَ مُهْجَتِي مَسْعُورَةٌ *** وَ تَصُبُّ دَمْعاً كَالجُمَانِ جُفُونِي(4)

سِبْططَاكَ يا أَبَتِي لِفَقْدِكَ أَصْبَحُوا *** يَبْكُونَ أَعْظَمَ رَاحِمٍ وَ حَنُونِ

يَا بَضْعَةَ الْهَادِي وَ حَقٌّ وَلَائِكُمْ *** أَرْزَاؤُكُمْ يا سادَتِي تُشْجِيْنِي

أَبْكِيكُمُ حُزْناً بِلَوْعَةِ ثَاكِلٍ *** لَعِبَ الجَوَى بِفُؤَادِهِ المَحْرُونِ

ثُمَّ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمُ طُولَ المَدَى *** مِنْ خَالِقِ الأَكْوَانِ وَ التَّكْوِينِ(5)

ص: 43


1- سورة الدهر و نزولها في أهل البيت علیهم السلام.
2- ما شفني: ما رقَّني من النحول و ما أوهنني -رَوْق الشباب: أوّله.
3- الوابل: المطر الغزير المهتون: المتتابع من المطر.
4- مهجتي مسعورة: فؤادي مشتعل. الجمان: اللؤلؤ.
5- كنوز المدح و الرثاء ص32.

(12) أم الحسنين علیها السلام

(بحر الرمل)

الأستاذ حسن علي المرعي(*)(1)

من أنيسِ الحُورِ قدستُ اثنتينِ *** مريمَ العذرا، و أمَّ الحَسَنَيْنْ

عالَمٌ في أم عيسى طاهرٌ *** و على (الزهراء) طهرُ العَالَمَيْنْ

(فاطم) يا بنتَ من ضاءَتْ بهِ *** ظلمةُ الدنيا، فزانَ النشأتينْ

من ثمارِ الخُلدِ جاءتْ منحةً *** يومَ أسرى البدرُ بينَ الحَرَمَينْ

فمِن السدرةِ (طه) ضمَّها *** يومَ أضحى قابَ قوسين اللجينْ

جنةٌ في صلبِ طه أثمرتْ *** و إلى الكرارِ طرحُ الجنَّتَينْ

(فاطمُ الزهراءُ) يا أمُ الحسينِ *** ياعروسَ الحُور بين الرَوْضَتَينْ

يا بتولاً نُزَّهتْ عن ناقصٍ *** آخرَ الشهر... و عن ذينِ و ذينْ

أيُّها البكرُ حياةً كلَّها *** ما عجيبٌ... ليسَ بين الحُور بينْ

هبةْ المولى و ريحانُ النبيِّ *** أحلى عروسٍ لمصلّي القِبلَتَيْنْ

فإذا بالأرضِ يومٌ أزهرٌ *** و إذا بالنجمِ... عرسُ الأَزْهَرَينْ

و استحى التبرُ فلامهرِ به *** فحباها اللَّه ماءَ الرافِدَينْ

آهِ لو تدرينَ في شطَّ الفراتِ *** (فاطمَ الزهراءِ) ما حالُ الحُسينْ

إنهُ الدهرُ... و عاداتُ به *** في النعيمِ المحضِ. مشؤومُ اليدينْ

رحلتْ شمسُ النبيِّ المصطفى *** ليشعَّ الماسُ فيضاً مرّتينْ

ص: 44


1- (*) شاعر سوري معاصر من مدينة حمص -الثابتية.

فعويلٌ فاطميص يشربُ *** و دموعٌ إثرهُ في كل عينْ

و إذا الأعراب نارُ تصطلي *** و سياطُ الغدر تُدمي الساعدينْ

ضلعُها المكسورُ محنيًّ على *** (محسن) ما ذاقً عطفَ الأبوينْ

و علي الحرب صبرٌ كامل *** (أحمدُ) الموصي بأن الصبرَ زينْ

و قليلٌ ذاك في صبرِ الذي *** ضربةٌ منه تساويِ الثقلينْ

فبَنَتْ للحزنِ بيتاً (فاطم) *** قرشيُ اللبن... عد الحاكمينْ

و أتى وعدُ أبيها مسرعاً *** فإذا بالنورِ بينَ النيَرينْ

فاسألِ الأعرابَ عن رمثٍ لها *** و ماذا قبرُها لم ندرِ أينْ!؟

حدّثَ الرحمن وحياً مريماً *** و غريبٌ وحيُّ أم الطاهرينْ!!

قسماً... يبصرُ أملاكَ السما *** عابدٌ هاجر للَّه اثنتينْ

في صلاةِ حبلُها مستوثقٌ *** و منام صالح... بل رأي عينْ

و إذا طُهِّرَ قلبٌ خاشعٍ *** صار بيتُ اللَّه معصومَ البطينْ

فاسلكِ النجد الذي نقيتهُ *** ليس للنجدين دربُ بينَ بينْ

بعض حقٍ من فؤادٍ مؤمنٍ *** فعلينا لأبيِ الزهراءَ دَينْ

***

ص: 45

(13) يطيب لي البكا

(بحر الوافر)

الشيخ الدرمكي

نُحُولُ جِسْمِي لايَنْفَكُ عَنِّي *** وَ قَدْ صَارَ البُكَا شُغْلِي وَفَنِّي(1)

وَ قَلْبِي فِيهِ نِيرانٌ وَ وَجْدٌ *** وَ هَمِّي صَارَ مَمْرُوجاً بِحُزْنِي

يَطِيبُ لِي البُكَا فِي كُلِّ وَقْتٍ *** وَ أُسْعِفُ فِي الرَّزايا مَنْ سَعَفْنِي(2)

كَفَانِيَ مَوْتُ خَيْرِ الخَلْقِ طُرّاً *** بِأَنَّ النَّفْسَ فِي السُّلْوَانِ أُشْنِي(3)

أَخَذْتُمْ نِحْلَنِي ظُلْماً وَ إِرْثِي *** وَ حُلْتُمْ دُونَ مَا رَبِّي رَزَقْنِي(4)

ص: 46


1- في كتاب المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص362 ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم. «والبيت الذي يليه»: «...إنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدَّة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة...». انظر أيضاً: كتاب بحار الأنوار ج43 ص181 ط/ 2 مؤسسة الوفاء. و عوالم سيدة النساء، ج2 ص1080، و «روضة الواعظين» ص167.
2- جاء في كتاب الخصال ج1 ص273 ج15 ط/ جماعة المدرسين في الحوزة العلمية/ قم المقدسیة: «...و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك...». انظر أيضاً في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص155 ح1 و كتاب أمالي الصدوق و المناقب ج3 ص322.
3- السُّلْوان: دواءٌ يُسقاه الحزينُ فيسلو و الأطباء يسمونه المفرح. الأُشْنُ: شيءٌ من العطر أبيض دقيق.
4- في كتاب أمالي الصدوق ص100 ضمن ح2 ط الخامسة منشورات مؤسسة الأعلمي -بيروت. «... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها و قد دخل الذلّ بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقَّها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها...» . انظر «بحار الأنوار» ج43 ص172-173 ح13.

وَ سَبُّ البَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ لما *** أنَتْ زَفْراً وَ قَالَتْ مَا نَصَفَنِي(1)

يَمَا فِي هَلْ أَتَى وَفَّيْتُ نَذْرِي *** فَيَا وَيْلٌ لِمَلْعُونِ غَصَبَنِي(2)

ص: 47


1- أن الصحيح هكذا (وسبُّوا البضعة الزهراء علیها السلام لما) و قد جاء في كتاب «عوالم سيدة النساء) ج2 ص650 منقولاً عن كتاب «الاختصاص»، «... فقالت: كتاب كتب لي أبوبكر بردّ فدك، فقال: هلمّيه إليّ فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن علیه السلام فأسقطت المحسن علیه السلام من بطنها ثم لطمها فكأني انظر إلى قرط في أذنها حين نفقت ثم أخذ الكتاب فخرقهُ».
2- في كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم» ص255 ح2 ط الثانية/ نشر المرضية. نقلاً عن «تذكرة سبط بن الجوزي» ص313، «عن ابن عباس في قوله «تعالى»: «يوفون بالنذر» الآية [A من سورة الدهر] قال: مرض الحسن و الحسين علیهما السلام فعادهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و معه أبوبكر و عمر و عادهما عامَّة العرب فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام لو نذرت على ولديك نذراً فكلُّ نذر لايكون له وفاء فليس بشيء فقال علي علیه السلام: عليَّ علیه السلام اللّه إن برأ ولداي مما بهما صمت اللّه ثلاثة أيام شكراً و قالت فاطمة علیها السلام كذلك، و قالت الجارية يقال لها فضة كذلك فألبس الغلامان العافية و ليس عند آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم قليل و لاكثير فانطلق علي علیه السلام إلى شمعون بن حانا اليهودي فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فجاء به إلى فاطمة علیها السلام فقامت إلى صاع فطحنته و خبزته خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص و صلّى علیه السلام علي علیه السلام المغرب مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم فجاء سائل أو مسكين فوقف على الباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة... فأعطوه الطعام... و لما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة علیها السلام من الشعير و صفت منه خمسة أقراص و صلى علي علیه السلام المغرب و جاء إلى المنزل فجاء يتيم على الباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي أطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة... فرفعوا الطعام و ناولوه إياه ثم أصبحوا و أمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الأول. فلما كان في اليوم الثالث طحنت فاطمة علیها السلام باقي الشعير و وضعته فجاء علي علیه السلام بعد المغرب فجاء أسير فوقف على الباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أسير محتاج تأسرونا و لاتطعمونا أطعمونا من فضل ما رزقكم اللّه... ثم رفعوا الطعام و أعطوه للأسير فلمّا كان اليوم الرابع دخل علي علیه السلام على النبي صلي الله علیه و آله و سلم يحمل ابنيه كالفرخين فلما رآهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: و أين ابنتي قال: محرابها فقام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فدخل عليها و لقد لصق بطنها بظهرها و غارت عيناها من شدَّة الجوع فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: واغوثاه باللّه. آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم يموتون جوعاً فهبط جبرئيل علیه السلام و هو يقول: «يوفون بالنذر». و في عاقبة من ظلمها و عضب حقها. ورد في كتاب أمالي الصدوق ص100 ط الخامسة/ مؤسسة الأعلمي -بيروت: «...عن ابن عباس -في خبر طويل قال صلي الله علیه و آله و سلم:«...اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلّل من أذلها و خلّد في أذلها و خلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها...». انظر کتاب بحارالانوار، ج43، ص173 ضمن ح13 و کتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص547 ح2. و «فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص760 ح17.

سَلُوا عَمَّ وَ طهَ إِنْ شَكَكْتُمْ *** سَلُوا يَاسِينَ ما رَبِّي رَزَقَنِي

فَقَالَ الرِّجْسَ ما تَرْضَى بِهذا *** و لاذا القَوْلُ فِي ذا اليَوْمِ يُغْنِي

فَمَاتَتْ وَ هُيَ فِي حَرْقٍ وَ كَرْبٍ *** تُواصِلُ حَرَّ زَفْرَتِهَا بِغَيْنِ(1)

ص: 48


1- غَيْن: عطش -و في كتاب أمالي الصدوق، ص100 ضمن ح2 ص5/ مؤسسة الأعلمي -بيروت. «...ثم يبتدىء بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عزوجل» إليها مريم بنت عمران تمرّضها و تؤنسها في علتها فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت من الحياة و تبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» بي، فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة...». انظر: کتاب بحار الأنوار ج43 ص173 ضمن ح13، وكتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص547 ضمن ح2. و القصيدة في (62) بيتاً، أخذنا منها ما نحن بصدده منتخب الطريحي ص166.

(14) نفحة من فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

بَحْرَانِ بالإيمانِ يَلْتَقِيانِ *** عَجَباً وَ هَلْ يَتَعَانَقُ البَحْرانِ؟

هِيَ تِلْكَ مُعْجِزَةُ السَّمَاءِ وَ حِكْمَةٌ *** فِيهَا بِأَمْرِ اللَّهِ يَلْتَقِيانِ

وَ هُناكَ بَيْنَهُما بِظُهْرِ بَرْزَخٌ *** لايَبْغِيَانِ وَ فِيهِ رِفْعَةُ شَانِ

وَ اللَّهُ أَخْرَجَ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُمَا *** دُرَرَ الكَمَالِ وَ رَوْعَةَ المِرْجَانِ(2)

نَزَلَتْ بِذلِكَ آيَةٌ قَدْ سُمِّيَتْ *** عَلَوِيَّةٌ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ(3)

فِيها رَسُولُ اللَّهِ قِمَّةُ فَضْلِها *** وَ عَلِيُّ وَ الزَّهْرَاءُ وَ الحَسَنَانِ(4)

صَدَفُ البِحَارِ وَ إِنْ غَزَا أَعْمَاقَها *** يَرْسُو بِلُجَّتِهَا عَلَى اطْمِثْنَانِ(5)

ص: 49


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المرجان: صغار اللؤلؤ و هو أشد بياضاً من اللؤلؤ، و قيل هو البسذ و هو جوهر أحمر يقال: إن الجن تلقيه في البحر.
3- و روى السيوطي في الدر المنثور ج6 ص142، قال أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قوله «تعالى» مرج البحرين يلتقيان هما عليّ و فاطمة علیهما السلام بينهما برزخ لايبغيان هو النبي صلي الله علیه و آله و سلم يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان هما الحسن و الحسين علیهما السلام سورة الرحمن آية19-22 راجع مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص318 و قد ولد الحسن علیه السلام في شهر رمضان سنة 3 ثلاث للهجرة راجع أعلام الورى ص205 و ذخائر العقبى ص118 و كشف الغمة ج2، ص140 و نور الأبصار ص131 و الطبري ج2، ص485 و537 والصواعق المحرق ص138. و تذكرة الخواص ص312.
4- في «البرهان في تفسير القرآن» ج1 ص392 ح5 / ط الثالثة/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «... و أما الصالحون فابنتي فاطمة علیها السلام و أولادها الحسن و الحسن علیهما السلام».
5- اللُّجَّة: معظم المياه.

صَعْبُ المَنَالِ يَضُمُّ دُرّاً غَالِياً *** أَثْمَانُهُ تَغْلُو عَلَى الأَثْمَانِ

وَاصْطَفَّ حَوْلَ البَحْرِ أَمْلاَكُ السَّما *** وَبِكُلِّ نَاحِيَةٍ مَشَى صَفَّانِ

وَتَمَخَّضَ البَحْرُ المُحِيطُ وَأُخْرِجَتْ *** أصْدَافُهُ وَغَدَتْ عَلَى الشُّطآنِ

رَقَصَتْ عَلَى وَتَرِ الدَّلالِ بِفَرْحَةٍ *** وَكَأَنَّهَا النَّسَمَاتُ بِالأَغْصَانِ

وَبَدا سَنا القَمَرَيْنِ يُشْرِقُ باسِماً *** فَوْقَ الثّرى وَالعَالِمِ النُّورانِي(1)

وُلِدَ الزَّكِيُّ فَمَرْحَباً بِوِلادَةٍ *** فَرِحَتْ بِها الأَيَّامُ فِي رَمَضَانِ(2)

رَیْحانَةُ الأَمَلِ المُشِعِّ لأَحْمَدٍ *** سَمْحُ السَّجَايا عَاطِرُ الأَرْدَانِ(3)

وَمَنَارُ أَحْلاَمِ الزَّمانِ وَبَهْجَةٌ *** لِلْمُصْطَفَى وَهْوَ الإِمَامُ الثَّانِي

عَيْنٌ بِهَا نَظَرَ الزَّمانُ إِلَى المَدَى *** فَرَأَى مَدَارَ الكَوْنِ فِي نُقْصانِ

مِيزَانُ عَدْلٍ لا يَتِمُّ بِكَفَّةٍ *** بِالكَفَّتَيْنِ عَدَالَةُ المِيزَانِ

شَعَّتْ بِآفَاقِ البِطَاحِ(4) مَنَارَةٌ *** أَنْوَارُها سَطَعَتْ عَلَى الأَكْوانِ

وُلِدَ الحُسَيْنُ ويا لَها مِنْ بَهْجَةٍ *** ضَحِكَتْ لَها الآمالُ فِي شَعْبَانِ

وَكِلاَهُما هُوَنَفْحَةٌ مِنْ فَاطِمٍ *** بِنْتُ الرَّسُولِ وَأَفْضَلُ النِّسْوَانِ(5)

ص: 50


1- سنا : ضوء.
2- الزكي أحد ألقاب الحسن علیه السلام و هي السبط و الزكي و المجتبى و التقي و الطيب و الولي، و السيد و كانت أم الفضل زوجة العباس قالت: رأيت كأن في بيتي عضواً من أعضائك يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال خيراً رأيتِ تلد فاطمة علیها السلام غلاماً فترضعينه فولدت الحسن علیه السلام و كانتِ ولادته ليلة النصف من رمضان على الصحيح المشهور. راجع أعيان الشيعة ج1، ص562 ط حديثة وقد ذكر أن رؤيا أم الفضل كانت بمولد الحسين علیه السلام راجع تذكرة الخواص ص210.
3- الأردان: مفردها الرَّدَن وهو الغزل أو الخزّ. أو مفردها الرُدن، أي أهل الكُم، أو طرف الكُم.
4- البطاح: جمع البطحاء وهي المسيل الواسع الذي يجتمع فيه الرمل والحصى.
5- في «إحقاق الحق» ج 42 منقولا عن «المناقب الرضوية» «...و أفضل العالمين من نساء الأولين و الآخرين فاطمة علیها السلام...» و جاءت أيضاً في «عوالم سيدة النساء» ج11/1 ص127.

وَمِنَ الوَصِيَّ طَهَارَةٌ قُدْسِيَّةٌ *** وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَنْتَميَانِ

سِبْطا مُحَمَّدِ وَالحَنِينُ يَشُدُّهُ *** لَهُمَا اشْتِدَادُ العَيْنِ لِلأَجْفَانِ(1) (2)

ص: 51


1- كان مولد الإمام الحسين علیه السلام السنة الرابعة للهجرة و بينه و بين الإمام الحسن علیه السلام طهر واحد و كان الحسن علیه السلام يشبه النبيّ صلی اللّه علیه و آله و سلم ما بين الصدر إلى الرأس و الحسين علیه السلام أشبه به ما دون ذلك و أول من سمّي بالحسن و الحسين علیهما السلام هما و قد حجب اللّه هذين الإسمين حتى سماهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم بهما وأما حَسْن و حَسِين علیهما السلام الموجودان في أنساب طيء فالأول بسكون السين والثاني بفتح الحاء و كسر السين راجع صبح الأعشى ج430 و كشف الغمة ج2 ص142 و143.
2- الامامان عليُّ و الحسن علیهما السلام ص 74 .

(15)خمسمائة درهم

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

هذا عَلِيٌّ فِي السِّقَايَةِ دَائِبٌ *** يَسْقِي النَّخِيلَ بِدَاخِلِ البُسْتَانِ

وإِذَا بِابْنِ مَعَاذَ يُقْبِلُ نَحْوَهُ *** مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الخِلاَّنِ(2)

قَالاً لَهُ إِنَّ الزَوَاجَ مُحَلَّلٌ *** وَالنَّصُّ بَتَّ عَلَيْهِ فِي القُرْآنِ

لِمَ لا تُخَاطِبُ ابْنَ عَمِّكَ فِي الَّتِي *** أَمْسَتْ بِعُمْرِ الوَرْدِ وَالرَّيْحَانِ

فَتَكُونُ بِنْتُ المُصْطَفَى لَكَ زَوْجَةً *** مَعَهَا تَعِيشُ بِرَاحَةٍ وَأَمَانِ(3)

فَأَجابَ هَلْ سَيُوافِقُ الهَادِي عَلى *** ما أَبْتَغِي وَأَنَا الفَقِيرُ العَانِي؟

قالا لَهُ أَنْتَ الرَّبِيبُ لأَحْمَدٍ *** وَحَبيبُهُ وَأَخُوهُ مُنْذُ زَمانِ

ص: 52


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- إبن معاذ: هو سعد بن معاذ.
3- جاء في «كشف الغمة» ج1 ص354 ط/ دار الكتاب الإسلامي _ بيروت رواية تؤكد المعنی: «.... ثم أقبل أبوبكر على عمر بن الخطاب و على سعد بن معاذ فقال: هل لكما في القيام إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام حتى نذكر له هذا؟ فإن منعه قلّة ذات اليد واسيناه وأسعفناه. فقال له سعد بن معاذ: قوموا بنا على بركة اللّه ويمنه... فقال أبوبكر:...إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوّجها زوّجها فما يمنعك أن تذكرها لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم و تخطبها منه... قال علیه السلام... واللّه إن فاطمة علیها السلام لموضع رغبة وما مثلي قعد عن مثلها غير أنه يمنعني من ذلك قلّة ذات اليد...». وفي «ذخائر العقبى» ص 33 ط/ مؤسسة الوفاء (1981): «... قال: يا رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم ذكرت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم ،فقال: مرحباً و أهلاً...».

وَبَدَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَاكَ قَنَاعَةٌ *** جَعَلَتْ خَفَاياهُ عَلَى اطْمِئْنَانِ

لِمَ لاَ يُجَرِّبُ حَظَّهُ فَلَعَلَّهُ *** يَحْظَى بِمَا قَدْ صُدَّ عَنْهُ اثْنانِ

وَمَضَى يَسِيرُ بِمِشْیِهِ مُتَقلِّعاً *** كَالسَّيْلِ مُنصّباً عَلَى الوِدْيانِ

مُتَشَبِّهاً فِي سَيْرِهِ بِنَبِیِّهِ *** مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَلاَ نِسْيانِ

إِذْ إِنَّ خَلْقَهُما بِنُورٍ وَاحِدٍ *** بِمَشِيئَةٍ كَانَتْ مِنَ الرَّحْمَنِ

وَهُنَاكَ قُرْبَ البابِ قادَتْهُ الخُطَى *** وَفُؤَادُهُ يَشْتَدُّ بِالخَفَقَانِ

وَبِطَرْقَةٍ فِيها النُّعُومَةُ وَالحَيا *** دَفَعاهُ نَحْوَ البَيْتِ بِاسْتِئْذانِ

وَبِدَاخِلِ البَيْتِ الكَرِيمِ تَقَابَلَتْ *** عَيْنَاهُ فِي مَرْأَى النَّبِي العَدْنَانِ

ماذا يُريدُ عَلِيُّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ *** فِي بَسْمَةٍ مَشْحُونَةٍ بِحَنَانِ؟

فَأَجابَهُ وَبِرُغْمِ اسْتِحْيَائِهِ *** إِنِّي ذَكَرْتُ لِفاطِمٍ بِجِنانِي

قَالَ النَّبِيُّ وَمَرحباً بِخُطُوبَةٍ *** كَانَتْ بِأَمْرِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ

اِذْهَبْ بِدِرْعِكَ ثُمَّ بِعْهَا وَأُتِنِي *** بِالمالِ مَهْراً دُونَ أَيِّ تَوَانِ(1)

ص: 53


1- تواني: فتور وتقصير وعدم اهتمام. و في جهاز الزهراء علیها السلام ورد في كتاب/ فاطمة الزهراء علیها السلام عبق الرسالة المحمديه لحسان عبد اللّه ص35: أقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فقال لعلي علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام انطلق الآن فبع درعك وائتني بثمنه حتى أهيىء لك ولابنتي فاطمة علیها السلام ما يعلمكما، قال علي علیه السلام فانطلقت فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية (وروي 480 وروي 500) و أقبلت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم فطرحت الدراهم بين يديه فأعطى قبضة إلى أم أيمن لمتاع البيت و قبضة إلى أسماء للطيب وقبضة إلى أم سلمة للطعام وأنفد عماراً وأبا بكر وبلالا لابتياع ما يصلحها وكان ما اشتروه... 1- قميص 2- خمار 3- قطيفة سوداء خيبرية 4-سرير فرمل بشريط 5- فراشان من حنيش مصر حشو احدهما ليف وحشو الآخر من جز الغنم 6- أربع مرافق من أدم الطائف حشوها اذخر 7- ستر من صوف 8- حصير هجري 9- رحى اليد 10- سقاء من أدم 11- مخضب من نحاس 12- قعب للبن 13- شن للماء 14- مطهرة قرفته 15- جرة خضراء 16-كيزان خزف 17- نطع من أدم 18- عباءة 19- قربة ماء... قالوا: و حملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فلما نظر إليه بكى وجرت دموعه ثم رفع رأسه إلى السماء و قال: اللهم بارك لقوم جلَّ آنيتهم الخزف.

فأَطاعَ ثُمَّ الدَّرْعَ راحَ فَباعَها *** فِي خَمْسِمَائِةِ دِرْهَم رَنَّانِ

وَأَتَى بِهَا عِنْدَ الرَّسُولِ فَصَبَّها *** فِي حِجْرِهِ مِنْ غَيْرِ ما نُقْصانِ

وَدَعا رَسُولُ اللَّهِ كَامِلَ صَحْبِهِ *** فَأَذاعَ خُطْبَةَ سَبِّدِ الشُّجْعَانِ

إِذْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ وَحْيَهُ *** بَحْرانِ بِالإِيمانِ يَلْتَقِيانِ(1)

وَ هُما خُطُوبَةُ حَيْدَرٍ مِنْ فَاطِمٍ *** وَزَواجُهُ مِنْها عَلَى الإِيْمانِ (2)

يَا رَبِّ بارِكْ فِيهِما وَعَلَيْهِما *** وَاجْعَلْهُما خَيْراً عَلَى الأَكْوَانِ(3)

ص: 54


1- جاء في «المناقب» ج3 ص319/ ط مؤسسة انتشارات علامه/قم رؤية ربما تؤكدالمعنى المذكور: «عن ابن عباس: أن فاطمة علیها السلام بكت للجوع والعري فقال النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم: اقنعي يا فاطمة علیها السلام بزوجك فواللّه إنه سيد في الدنيا سيد في الآخرة واصلح بينهما فانزل اللّه (مرج البحرين يلتقيان) يقول : انا اللّه أرسلت البحرين علي بن أبي طالب علیه السلام بحر العلم، وفاطمة علیها السلام بحر البنوة، يلتقيان يتصلان انا اللّه أوقعت الوصلة بينهما...».
2- والبيت الذي يليه ورد في «ذخائر العقبى» ص30، ط/ مؤسسة الوفاء (1981): «...ثم قال صلی اللّه علیه و آله و سلم: يا عليّ علیه السلام إن اللّه قد أمرني أن أزوِّجك فاطمة علیها السلام... فقال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: جمع اللّه شملكما و أسعد جدكما وبارك عليكما و أخرج منكما كثيراً طيباً...».
3- الاستيعاب ج3 ص1099 و عبد الفتاح عبد المقصود ج1 ص68 و سیره المصطفی ص326 وراجع مولد النور ص272.

(16) مخدومة الأملاك

(بحر الطويل)

الشيخ سلمان البلادي البحراني

إِلَى كَمْ وُلُوعُ القَلْبِ بِالغَادَةِ الحَسْنَا *** وَ ذِكْرَى لَيَالِي وَصْلِ بُتْنَةَ أَوْ لُبْنَى

تَهِيمُ بِتَيْهاءِ الضّلالِ كَأَنَّما *** أَمِنْتَ الفَنا لَوْ قَدْ ضَمِنْتَ البَقا ضِمْنا(1)

فَجَافِ جُنُوبَ الحَزْمِ عَنْ مَضْجَعِ الهَوَى *** وَ عَنْ حَقٌّ تَقْوَى اللَّهِ لاتُعمِض الجَفْنَا(2)

فَهَذَا بِلالُ الشَّيْبِ حَيْعَلَ بِالسُّرَى *** وَ صَرَّحَ مَا الدُّنْيا لِمُسْتَوْطِنٍ سُكْنَى(3)

كَفَاكَ مِنَ الدُّنْيَا الغَرُور غُرُورُها *** قُروناً أَبَادَتْهَا وَ لَمْ تَأْتَلِفْ قَرْنا

تُعَوِّضُهُمْ بَعْدَ القُصُورِ قُبورَهُمْ *** وَ بَعْدَ هَناهُمْ حَسْرَةً لَمْ تَكُنْ تَفْنَى

فَكَمْ عَانَقُوا بَعْدَ الغَوَانِي جَوَامِعاً *** وَ لَمْ تُوحِش الآباء بالخَلْسِ لِلأَبْنا(4)

وَ لَوْ أَنَّها سَاوَتْ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ *** لَمَا اتَّخَذَتْهَا الأَوْلِيَاءُ لَهُمْ سِجْنا

وَ فِي غَدْرِهَا بِالمُصْطَفَى وَ بِآلِهِ *** سَلاطينها بُرْهانُ مِقْدارِها الأَدْنَى

لَهُمْ سَدَّدَتْ مِنْ أَقْوُسِ البَغْيِ أَسْهُماً *** أَصَمَّتْ وَ أَصْمَتْ لِلْهُدَى القَلْبَ وَ الأُذنا

فَكَمْ كَابَدَ المُخْتَارُ مِنْ قَوْمِهِ أَذًى *** يَهِيجُ أَسَى يَسْتَغْرِقُ السَّهْلَ وَ الحَزْنا(5)

ص: 55


1- تهيم: تذهب و لاتدري أين تتوجه. تيهاء: الأرض التي تُضِلَّ كثيراً.
2- جاف: نحَّ و لاتلزم مكانك. جنوب: شقوق. الحزم: ضبط الأمر و إحكامه و الأخذ فيه بالثقة.
3- حيعل: قال: حي على الصلاة و هي كناية عن الأذان. السُّرى: يقال «عند الصباح يحمد القوم السُّرى» و هو مثل يضربونه في احتمال المشقة رجاء الراحة و السرى سير الليل.
4- الخلس: سلب الشيء بمخاتلة و عاجلاً.
5- الحزن: الأرض الغليظة المرتفعة.

فضَى نَحْبَهُ بِالسُّمُ وَ هُوَ مُعَالِجُ *** عَلَى رَغم أَنْفِ الدِّينِ سُقْماً لَهُ أَضْنَى

وَ قَدْ قَلَبَتْ ظَهرَ المِجَنْ لِحَيْدَرٍ *** فَكَمْ زَفَرَةِ أَبْدَى وَ كَمْ غُصَّةٍ جَنَا

يُسَبُّ عَلَى الأَعْوَادِ وَ هْوَ عَمِيدُها *** وَ رَبُّ الوَرَى فَرْضَ الوَلاءَ لَهُ سَنَّا

كَسَاهُ نَسِيجَ الدَّم سَيْفُ ابْنِ مُلْجَمٍ *** وَ كَمْ أَلْبَسَ الأَبْطَالَ مِنْ دَمِهَا الأَقْنَى(1)

وَ مَحْدُومَةُ الأَمْلاكِ سَيِّدَةُ النِّسَا *** سَلِيلَةُ خَيْرِ الخَلْقِ وَ الدُّرَّةُ الحَسْنا

أَتَاحَتْ لَهَا كَهْفُ العِدَى غُصَصَ الرَّدَى *** وَ ذَاقَتْ لَهَا سُمّاً مِنَ الحِقْدِ وَ الشُّحْنَا(2)

بِضَرْبٍ وَ ضَغَطٍ وَ اغْتِصَابٍ وَ ذِلَّةٍ *** وَ كَانَ حِمَاهَا العِزَّ وَ الأمْنَ وَ الحِصْنَا

عَلَى دَارِها دَارُوا بِجَزْلٍ لِحَرْقِهَا *** وَ كَانَتْ بِهَا الأمْلاَكُ تَلْتَمِسُ الإذْنَا(3)

وَ مِنْ بَعْلِهَا الهَادِي اسْتَحَلُّوا مُحَرَّماً *** كَمَا حَرَمُوها نِحْلَةَ المُصْطَفَى ضِغْنا

تَعَاوَتْ لِشِبْلَيْها كِلاَبٌ تَهِرُّ فِي *** وِ جَارٍ لَهَا فَاسْتَشْعَر الهُونَ وَ الوَهْنا

وَ مَا بَرِحَتْ مِنْ بَعْدِ حَامِي ذِمَارِها *** مُعَصَّبَةً رَأْساً وَ مُنْهَدَّةً رُكنا

عَلِيلَةَ جِسْمِ لِلنُّحُولِ مُلازِمٌ *** لِفَرْطِ الضَّنَا حَتَّىٰ حَكَىٰ قَلْبُهَا الْمُضْنَىٰ

إِذَا ذُكِرَتْ حَالاًتُهَا فِي حَيَاتِهِ *** تُؤَجَّجُ نَارُ الفَقْدِ فِي قَلْبِهَا حُزْنا

فَتَبْكِيهِ و الحِيطَانُ تَبْكِي لِصَوْتِهَا *** فَمَا بُقْعَةٌ إِلَّا وَ عَبْرَتُها سَخْنا

إِلَى أَنْ أَرَادَتْ رُوحُها العَالَمَ الَّذِي *** بَدَتْ مِنْهُ وَ اشْتَاقَتْ لِمَوْرِدِها الأَسْنَى

فَفَارَقَتِ الدُّنْيَا كَرَاهَةً لَبْئِهَا *** وَ رَافَقَتِ الأُخْرَى وَ غَايَتُهَا الحُسْنَى

فَنَاحَ لَهَا المِحْرَابُ إِذْ غَابَ نُورُهُ *** بِفُقْدَانِهَا وَ اسْتَبْدَلَ الطَّحْيَةَ الدَّجْنَا(4)

وَ عَيْنُ اللَّيَالِي أَفْرَحَ الدَّمُ جَفْنَها *** عَلَى أَنَّهَا تُحْيِي بِأَذْكَارِهَا وَهُنا

وَ بِشْرُ النَّهَارِ انْهَارَ طَوْدُ ضِيَائِهِ *** وَ عَادَ سِراراً وَجْهُهُ النَّيِّرُ الأَسْمى

وَ زَهْرَةُ ذِي الدُّنْيا ذَوَى غُصْنُ دَوْحِهَا *** لِفُقْدَانِهَا المَاءَ الَّذِي يُزْهِرُ الغُصْنا

ص: 56


1- دم أقنى: أشد حمرة.
2- الشحنا: العداوة امتلأت بها النفس.
3- انظر ما ورد في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص12.
4- الطخية: الظلمة. الدجنة: ليل داجن مظلم.

وَ شَمْسُ النَّهَارِ اسْوَدَّ بِالكَسْفِ وَجْهَهَا *** وَ جَلَّلَ بَدْرَ التّم خَسْفٌ بِهِ اكْتَنا(1)

فَيَا غَبْنَةَ الدُّنْيَا لِغَيْبَةِ فَاطِمٍ *** فَصَفْقَتُهَا مِنْ بَعْدِ صَفْقَتِهَا غَبْنَا

لِيَبْكِ عَلَيْهَا بِالعَفَافِ صَلاتُها *** وَ حُسْنُ صَلاةِ بِالظَّلامِ إِذا جَنَّا

لِتَبْكِ المَعَالِي الزُّهْرُ إِذْ غَابَ نُورُها *** بِغَيْبَةِ زَهْرِ الكَوْنِ عَنْ ذلِكَ المَعْنَى

وَ مَنْ ذَا يُعَزّي المُرْتَضَى بِقَرِينَةٍ *** لَقَدْ كَسَرَتْ مِنْ رَأْسِ شَوْكَتِهِ قَرْنَا؟

وَ مَنْ ذَا يُعَزَّي الأَحْسَنَيْنِ بِفَادِحٍ *** نَفَىٰ عَنْ حِسَانِ المَكْرُمَاتِ أَسَى حُسْنا؟

وَ مَنْ ذا يُعَزَّي رَبَّةَ الحُزْنِ زَيْنَبَاً *** فَمَا بَرِحَتْ مِنْ بَعْدِها ثَاكِلاً حَزْنا؟

فَيَا غِيرَةَ اللَّهِ اغْضَبِيْ مِنْ مُصِيبَةٍ *** أَصَابَتْ لِدَانِي قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى

بِبَضْعَتِهِ الزَّهْرَا الَّتِي لَمْ يَزَلْ بِهَا *** يَشِيدُ ثَنَاهُ طَبَقَ الإِنْسِ وَ الجِنَّا(2)

أَتَقْضِي بِرَغْمِ الدِّينِ مَظْلُومةً وَ لَمْ *** تَنَلْ فِي سِوَى اللَّيْلِ البَهِيمَ لَهُ دَفْنَا؟

وَ يُسْتَرُ مِنْ خَوْفِ العِدَى جَدَتْ لَهَا *** وَ قَبْرُ عِدَاهَا ظَاهِرٌ شَاهِرُ يُعْنَى(3)

فَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ جِسْمَها *** كَسَا السَّوْطُ مِنْهَا الظَّهْرَ وَ البَطْنَ وَ المَتْنَا؟(4)

وَ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ ضِلْعَها *** يُكَسْرُهُ بَاغِ قَدِ اسْتَوْجَبَ اللَّعْنا؟(5)

وَ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ مُحْسِناً *** وَ قَدْ أَسْقَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يُحْمِلَ السَّنَّا؟(6)

ص: 57


1- اکتنی: تسمّى به.
2- و الظاهر أن فيه إقواء بناء على قطف (الجنا) على الانس المضاف إلى (طبق) و لعلنا نرفع الإقواء إذ شطر البيت هكذا (يشيد ثناءٍ طَبَق الانس و الجنّا) و اللّه العالم.
3- انظر أمالي الصدوق ص523 ح9، و المناقب 138/3، و بحار الأنوار ج43 ص209.
4- في كتاب العوالم ج2/11 ص558 في حديث طويل عن سلمان (رضي الله عنه) فرفع عمر السيف. و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها.
5- أنظر في كتاب بحار الأنور ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: حيث جاء فيه: فألجأها (أي قنفذ الملعون) إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
6- كتاب رياض المدح و الرثاء ص127.

(17) صدى الحق

(بحر الخفيف)

الأستاذ شفيق العبادي

علّمينا فقد سئِمنا الهوانا *** كيف يرقى إلى علاكِ مَدانا؟

كيفَ نسمو إليكِ يحدو بنا الشوقُ، *** و يعلو ذرى النجومِ عُلانا ؟

كيفَ نحيا و فوقنا يهتفُ العزّ *** و تمشي نحو السماءِ خُطانا؟

و نواري بعزمنا وإبانا *** حاضراً عائرَ الخُطى خزيانا

عقمتُ فيهِ للفضيلةِ رحمٌ *** و انطوى أمسُهُ العزيزُ مُهانا

***

کیفَ شاختْ بنا الأماني و كانتْ *** صرخاتُ الأمجاد رجعَ صدانا ؟

كيفَ أودى بنا الشتاتُ وعدنا *** يعثر الدربُ و الطريقُ سرانا؟

كيف يدنو إلى رحابك فكرٌ *** شَلَّهُ الوهمُ فانطوى و استكانا؟

و يغنّي -كما أردت- يراعٌ *** نسلَ الخوفَ من لهاهُ اللِّسانا

علّمينا فقدْ تهاوى عُلانا *** و كبا المجدُ صادياً ظمآنا

يا بنةَ المصطفى و غرسَ المعالي *** و صدى الحقِّ في ضميرِ سمانا

***

و صدى الحقِّ لم يزل يملأُ *** الآفاق شدواً و يُرهف الآذانا

و نسيجُ العفافِ تغزل منهُ *** مريمُ الطهرُ للتُّقى أرادنا

لكِ في خاطرِ المحبين يوم *** ملكَ القلبَ منهُمُ و الجنانا

***

ص: 58

کم وقفنا علیه نستلهمُ الذكرى *** و نحيي شروقَهُ مِهرجانا

«و نساقيه من كؤوسِ القوافي» *** خمرةَ الحبِّ و الوفاءِ دِنانا

و نفدْيه بالنفوسِ إذا ما *** أمَلَ البغيُ أن يهيضَ ولانا

طالعتنِي ذكراهُ تفترش الأُفق *** على مفرقِ الروْى عنوانا

و مشتْ بي إلى الوراءِ عصوراً *** شمتُ فيها وجهَ النبي عِيانا

حيث أحنى عليكِ مذ لحتِ نوراً *** منه يضفي على المدى إيوانا

و رأى فيكِ للرسالةِ ينبوعاً *** سيُثرِي معينُه الأزمانا

و تباهي بكِ الوجودُ و لم لا *** حيثُ لولاكِ ما استقامَ وكانا

***

و تلقاكِ طرفهُ راعفَ الجفن *** و قد كان خاشعاً وسْنانا

فنثرتِ الرجاء في نفسهِ *** الحيرى و أثلجتِ قلبَهُ الحرّانا

و فرشتِ الغدَ المهوم في الأفق *** على ضفةِ الرؤى ريحانا

يا بنةَ المصطفى وحسبُ منانا *** أن يرى عندكِ الولاء مَكانا

أتملاَك همسةً من جنونِ *** العشق تحدُو بخافِقي ألحانا

أسرتِ باحة الفؤاد فأرخى ** في يديِها كما تحبّ العنانا

***

أرهقت كبرياؤها عنت الدهر *** و أوهى صمودُها الأزمانا

كلّما شفّها الغرامُ تغنّتْ *** فأهاجتْ بشدوِها الأكوانا

و إذا مسّها الشعورُ تراءتْ *** فكرةً تملأُ الوجودَ بيانا

أتعبتْ مبدعاً و أقصت يراعاً *** و أهاضتْ فكراً و شلتْ لِسانا

یا بنةَ المصطفى ستبقين درباً *** يهب السائرينَ فيه الأمانا

و ستبقى ذكراكِ في مسمعِ الدهر *** نشيداً حلوَ البيانِ مصانا

ص: 59

كلما راعها المخاضُ بصبحٍ *** رقص الدهرُ حولَهُ نشوانا

و إذا أبطأ الزمانُ أطلّت *** من كُوى الخلدِ تستحثّ الزمانا

و احتضانُ الرسالة البكرِ طفلاً *** ذبت فيها مودةً وحنانا

فزكتْ بذرةً و طابت جذوراً *** و اشرأبتْ عبرَ المدى أغصانا

***

و رمالُ البطحاءِ تحضنُ *** للتاريخ فصلاً مضمخاً أشجانا

کم شرِبنا به الضنى و حملنا *** غصصَ الدهرِ في الحشا بركانا

***

واحتملنابه الهجيرَ و أرضُ *** الحقدِ تغلي رمالُها نیرانا

و عبرنا بهِ الرياح فما هيض *** جناحُ و لاخَفَضْنا بنانا

و الهديرُ الذي ملأَ الأرض *** دوياً قد استحالَ دخانا

علّمينا فقد سئمنا الهوانا *** كيف يدنو إلى علاكِ مَدانا

***

ص: 60

(18) ستُ أحزان

(بحر البسيط)

السيد صالح الحلي (*)(1)

لَوْ أَنَّ دَمْعِي يُطْفِي نَارَ أَشْجَانِي *** أَذَلْتُ دَمْعِيَ مِنْ قَلْبِي بِأَجْفَانِي(2)

أَوْ أَنَّ صَبْرِيَ يُجْدِينِي لَعُذْتُ بِهِ *** لكِنَّما مَلَّنِي صَبْرِي وَ سِلْوانِي

وَ كَيْفَ أَلْقَى سروراً وَ البَتُولُ بَنَى *** لَهَا عَلِيٌّ جِهاراً (بَيْتَ أَحْزَانِ)؟(3)

مَاتَتْ وَ لَمْ يَشْهَدُوا لَيْلاً جِنَازَتَها *** سِوَى (عَلِيٌّ وَ عَمَّارٍ وَ سَلْمَانِ)(4)

وَ فِي (الصَّحِيح) رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ بِهَا *** قَدْ قَالَ فَاطِمَةٌ رُوحِي وَ جُثْمَانِي(5)

ص: 61


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- أذلتُ: سفحتُ.
3- وردت الإشارة في ذلك في كتاب عوالم العلوم ج11/ 2 ص794-795 قال أميرالمؤمنين علیه السلام لفاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء: يا بنت رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن اسألك إما ان تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً (إلى أن قالت) فواللّه لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: إفعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان.
4- ورد الحديث عن ذلك في كتاب سليم بن قيس ص213 قال ابن عباس: فلما كان في الليل دعا علي علیه السلام العباس و الفضل و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً فقدم العباس فصلى عليها و دفنوها علیها السلام، فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد. قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل أنهم سيفعلون؟ قال العباس: انها أوصت أن لاتصليا عليها.
5- في كتاب فضائل الخمسة ج3 ص184 نقلاً عن صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق: روى بسنده عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

وَ أَنَّهَا قَدْ قَضَتْ غَضْبَى عَلَى (نَفْرِ) *** فَقَوْلُهُمْ وَ شَنِيعُ الْفِعْلِ ضِدّانِ(1)

لَمْ نَدْرِ مَا السِّرُّ أَنْ تُبْتَزَ بَضْعَتُهُ *** جَهْراً وَ تُدْفَنَ فِي سِرِّ وَ كِتْمَانِ(2)

قَدْ أَسَّسَ الظُّلْمَ فِي الإِسْلَامِ (أَوَّلُهَا) *** وَ قَدْ أَزَادَ عَلَى مَا أَسَّسَ (الثَّانِي)

(وَثَالِثُ القَوْم) يَهْدِي مِثْلَ هَدْيهِمَا *** وَ عَنْهُ قَدْ أَخَذَتْ (أَبْنَاءُ سُفْيَانِ)

وَ بَدَّلَتْ سُنَنَ الإِسلام فِي بَدَعٍ *** وَ أَحْكَمَتْ مَا اشْتَهَتْهُ (آلَ مَرْوَانِ)(3)-(4)

ص: 62


1- في كتاب فضائل الخمسة ج3 ص187 بنقله عن الإمامة و السياسة لابن قتيبة ص قالت فاطمة علیها السلام لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم و آله تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني، و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام قد أسخطني؟» قالا: نعم سمعناها من رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم قالت: فإني اشهد اللّه و ملائكته انكما اسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لإشكونكما اليه.
2- تبتز: تُسرق و تنهب. وردت الاشارة إلى ذلك في بحار الأنوار ج43 ص148 في قول فاطمة علیها السلام لأميرالمؤمنين علیه السلام و هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي و بلغة ابني» و قد مرت تفاصيل الحادثة في هوامش عدة فلانعيد.
3- بدَعْ: جمع البدعة و هي إدخال مالم يكن من الدين في الدين و هي محرَّمة و من الكبائر.
4- عن ديوان شعراء الحسين علیه السلام ص98 و القصيدة طويلة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(19) الواثبين لظلم آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ صالح الكواز

هَلْ بَعْدَ مَوْقِفِنا عَلَىٰ يَبْرِينِ *** أُحْيِي بِطَرْفِ بِالدُّمُوعِ ضَنِينِ؟(1)

وَادٍ إِذَا عَايَنْتُ بَيْنَ طُلُولِهِ *** أَجْرَيْتُ عَيْنِي لِلظَّباءِ الْعِينِ

لَمُ تَخْبٌ نارُ قَطِيئَةٍ حَتَّى ذَكَتْ *** نَارُ الْفِرَاقِ بِقَلْبِيَ المَحْزُونِ(2)

وَ ابْتَاعَ جِدَّتَهُ الزَّمَانُ بِمُخْلَقٍ *** وَ رَمَى حِمَاهُ بِصَفْقَةِ المَغْبُونِ(3)

قَالَ الحُداةُ وَ قَدْ حَبَسْتُ مَطِيَّهُمْ *** مِنْ بَعْدِ مَا أَظْلَقْتُ مَاءَ شُؤُونِي

مَاذَا وُقُوفُكَ فِي مَلاعِب خُرَّدٍ *** جَدَّ العَفاءُ بِرَبْعِها الْمَسْكُونِ(4)

وَقَفُوا مَعِي حَتَّى إِذَا مَا اسْتَيْأَسُوا *** خَلَصُوا نَجِياً بَعْدَمَا تَرَكُونِي

فَكَأَنَّ يُوسُفَ فِي الدِّيارِ مُحَكُمٌ *** وَ كَأَنَّنِي بِصُواعِهِ اتَّهَمُونِي

وَيْلاهُ مِنْ قَوْمٍ أَسَاؤُوا صُحْبَتِي *** مِنْ بَعْدِ إِحْسانِي لِكُلِّ قَرِينِ

قَدْ كِدْتُ لَوْلاَ الحِلْمُ مِنْ جَزَعِي لِمّا *** أَلْقَاهُ أَصْفِقُ بِالشِّمَالِ يَمِينِي

لكِنَّمَا وَ الدَّهْرُ يَعْلَمُ أَنَّنِي *** القَى حَوَادِثَهُ بِحُلْم رَزِينِ

قَلْبِي يَقِلُّ مِنَ الهُمُوم جِبَالَها *** وَ نَسِيخُ عَنْ حَمْلِ الرَّدِاءِ مُتُونِي

ص: 63


1- أحبي: أدني، أحبى الرامي إذا أخطأ سهمه الهدف و الأنسب هنا أن يكون بمعنى أعطي من غير جزاء -ضنين: بخيل.
2- لم تخب لم تخمد و لم تنطفأ قطينة: سكن الدار ذكت: إشتعلت و إتقدت.
3- مخلق: بالٍ ،مهترىء المغبون المغلوب في الشراء.
4- خُرَّدِّ: الجواري الباكرات.

وَ أَنَا الَّذِي لاَأَجْزَعَنُ لِرَزِيَّةٍ *** لَوْلاً رَزَايَاكُمْ بَنِي يَاسِينِ

تِلْكَ الرَّزَايَا الْبَاعِثَاتُ لِمُهْجَتِي *** مَا لَيْسَ يَبْعَثُهُ لَظَى سِجِّينِ(1)

كَيْفَ الْعَزَاءُ لَهَا وَ كُلُّ عَشِيَّةٍ *** دَمُكُمْ بِحُمْرَتِهَا السَّمَاءُ تُرِينِي؟

وَ الْبَرْقُ يُذْكِرُنِي وَ مِيضَ صَوَارِمٍ *** أَرْدَتْكُمُ فِي كَفَّ كُلِّ لَعِينِ

وَ الرَّعْدُ يُعْرِبُ عَنْ حَنِينِ نِسَائِكُمْ *** فِي كُلِّ لَحْنٍ لِلشُّجُونِ مُبِينِ

يَنْدُبْنَ قَوْماً مَا هَتَفْنَ بِذِكْرِهِمْ *** إِلأَتَضَعْضَعَ كُلُّ لَيْثِ عَرِينِ

السَّالِبِينَ النَّفْسَ أَوّلَ ضَرْبَةٍ *** وَ الْمُلْبِسِينَ الْمَوْتَ كُلَّ طَعِينِ

لَوْ كُلُّ طَعْنَةِ فَارِسٍ بِأَكُفِّهِمْ *** لَمْ يَخْلُقِ المِسْبَارُ لِلْمَطْعُونِ(2)

لاعَيْبَ فِيهِمْ غَيْرُ قَبْضِهِمُ اللُّوا *** عِنْدَ اشْتِبَاكِ السُّمْرِ قَبْضَ ضَنينِ

سَلَكُوا يحاراً مِنْ دِمَاءِ أُمَيَّةٍ *** بِظُهُورِ خَيْلٍ لاَبُطُونِ سَفِينِ

مَا سَاهَمُوا الْمَوْتَ الزُوْامَ وَ لَااشْتَكُوْا *** نَصَباً بِيَوْمِ بِالرَّدَى مَقْرُون(3)

حَتَّى إِذَا الْتَقَمَتُهُمُ حُوتُ الْقَنا *** وَ هُيَ الأَمَانِي دُونَ خَيْرٍ أَمِينِ

نَبَذَتْهُمُ الهَيْجاءُ فَوْقَ تِلاَعِهَا *** كَالنُّونِ يَنْبُذُ بالعرا ذَاالنُّونِ(4)

فَتَحالُ كُلأ ثمَّ يُونُسُ فَوْقَهُ *** شَجَرُ الْقَنَا بَدلاً عَنِ الْيَقْطِينِ(5)

خُذْ فِي ثَنَائِهِمُ الْجَمِيلِ مُقَرِّضاً *** فَالْقَوْمُ قَدْ جَلُّوا عَنِ التَّأْبِينِ(6)

هُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ وَ الْقَتْلَى الأَلَى *** مُدِحُوا بِوَحْيِ فِي الْكِتَابِ مُبِينِ

لَيْتَ المَوَاكِبَ وَ الْوَصِيُّ زَعِيمُهَا *** وَقَفُوا كَمَوْقِفِهِمْ عَلَى صِفِّينِ

ص: 64


1- مهجتي: فؤادي. لظى سجِّين: لظى نار ولهب دائم أو شديد.
2- المسبار: ما يسبر به الجرح و يمتحن المعرفة مقداره.
3- الزؤام: السريع.
4- الهيجاء: الحرب. تلاع: ما علا من الأرض أو ما سفل. ينبذ: يطرح و يرمي به. ذاالنون: نبي اللّه یونس علیه السلام -العرا : الفضاء الذي لم يستتر فيه بشيء.
5- اليطين: ما لاساق له من النبات كالقثاء.
6- مقرّضاً: التقريض: صناعة القريض و هو الشعر.

بالطَّفْ كَيْ يَرَوُا الأَلَى فَوْقَ الْقَنا *** رُفِعَتْ مَصَاحِفَهَا اثْقاءَ مَنُونِ

جَعَلَتْ رُؤُوسَ بَنِي النَّبِيِّ مَكَانَها *** وَ شَفَتْ قَدِيمَ لَوَاعِجِ وَ ضَغونِ(1)

وَ تَتَبَّعَتْ أَشْقَى ثَمُودَ وَ تُبَّعَ *** وَ بَنَتْ عَلَى تَأْسِيسِ كُلِّ خَؤُّونِ

ألْوَاثِبِينَ لِظُلْم آلِ مُحَمَّدٍ *** وَ مُحَمَّدٌ مُلْقَى بِلاتَكْفِينِ

وَ الْقَائِلِينَ لِفَاطِم آذَيْتِنا *** فِي طُولِ نَوْحٍ دَائِمٍ وَ حَنِينِ(2)

وَ الْقَاطِعِينَ أَراكَةً كَيْلاً تَقِيلْ *** بِظِلِّ أَوْرَاقٍ لَهَا وَ غُصُونِ

وَ مُجَمْعِي حَطَبٍ عَلَى الْبَيْتِ الَّذِي *** لَمْ يَجْتَمِعْ لَوْلاهُ شَمْلُ الدِّينِ(3)

وَ الدَّاخِلِينَ عَلَى الْبَتُولَةِ بَيْتَها *** وَ المُسْقِطِينَ لَهَا أَعَزَّ جَنِينِ(4)

وَ الْقَائِدِينَ إِمَامَهُمْ بِنِجَادِهِ *** وَ الطَّهْرُ تَدْعُو خَلْفَهُمْ بِرَنِينِ(5)

خَلُّوا ابْنَ عَمِّى أَوْ لأَكْشِفَ فِي الدُّعا *** رَأْسِي وَ أَبْدِي لِلإلهِ شُجُونِي

مَا كَانَ نَاقَةُ صَالِحٍ وَ فَصِيلُها *** فِي الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ إِلا دُونِي

وَ رَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقْلَةٍ *** عَبْرَى وَ قَلْبِ مُکْمَدٍ مَحْزُونِ

قَالَتْ وَ أَظْفارُ الْمُصابِ بِقَلْبِهَا *** غَوْثاهُ قَلَّ عَلَى العُدَاةِ مُعِيني

أَبَتاهُ هُذَا السَّامِرِيُّ وَ عِجْلُهُ *** تُبِعَا وَ مَالَ النَّاسُ عَنْ هَارُونِ

أَيُّ الرَّزَايَا أَتَّقِي بِتَجَلُّدٍ *** هُوَ فِي النَّوَائِبِ مُذْ حَبِيتُ قَرِينِي؟(6)

ص: 65


1- لواعج: الهوى المحرق. ضغون: أحقاد.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2 ص790 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل قال: وأما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك.
3- في كتاب الامامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12) فدعا (أي عمر) بالحطب و قال: و الذي نفس عمر بيده: لتخرجنّ أو لاحرقنها على من فيها، فقيل له يا أباحفص: إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال و إن.
4- في كتاب دلائل الإمامة ص45 و كان سبب وفاتها (أي الزهراء علیها السلام) أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً.
5- نجاده: حمائل سيفه.
6- تجلَّد: تصبَّر.

فَقْدِي أَبِي أَمْ غَصْبٍ بَعْلِي حَقَّهُ *** أَمْ كَسْرِ ضِلْعِي أَمْ سُقُوطِ جَنِينِي(1)

أَمْ أَخْذِهِمْ إِرْثِي وَ فَاضِلِ نِحْلَتِي *** أَمْ جَهْلِهِمْ حَقِّي وَ قَدْ عَرَفُونِي(2)

فَهَرُوا يَتِيميكَ الْحُسَيْنَ وَ صِنْوَهُ *** وَ سَأَلْتُهُمْ حَقي وَ قَدْ نَهَرُونِي

بَاعُوا بَضَائِعَ مَكْرِهِمْ وَ بِزَعْمِهِمْ *** رَبِحُوا وَمَا بِالْقَوْمِ غَيْرُ غَبِينِ

وَإِذَا أَضَلَّ اللَّهُ قَوْماً أَبْصَرُوا *** طُرُقَ الْهِدَايَةِ ضَلَّة فِي الدِّينِ(3)

ص: 66


1- روي في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت و أنّ في عضدها كمثل الدُملج من ضربته «لعنه اللّه» فألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها.
2- في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: ثم أن فاطمة علیها السلام بلغها أن أبابكر قبض فدكاً فخرجت في نساء بني هاشم متى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبابكر تريد أن تأخذ مني أرضاً جعلها إلى رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم. و في كتاب فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر ط دار التعارف -بيروت (1983م) ص132. إن تأميم التركة النبوية من أوليات الخليقة في التاريخ و لم يؤثر في تواريخ الأمم السابقة ذلك و لو كان قاعدة متبعة قد جرى عليها الخلفاء بالنسبة إلى تركة سائر الأنبياء لأشتهر الأمر و عرفته أمم الأنبياء جميعاً، كما أن إنكار الخليفة لملكية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفدك كان فيه من التسرع شيء كثير لأن فدكاً مما لم يوجف عليها بخيل و لاركاب بل استسلم أهلها خوفاً و رعباً باتفاق أعلام المؤرخين من السنة و الشيعة. و كل أرض يستسلم أهلها على هذا الأسلوب فهي للنبي صلى الله عليه و آله و سلم خالصه و قد أشار الله «تعالى» في الكتاب الكريم إلى أن فدكاً للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بقوله:«وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ» الحشر: 6 و لم يثبت تصدّق النبي صلى الله عليه و آله و سلم بها و وقفه لها...
3- المجالس السنية ج5 ص141 أقول و قد خمِّس القصيدة عدد من الشعراء و سنورد. بعض تخاميسهم فيما يلي.

(20) الطهر فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

الملك الصالح نصير الدين

طلائع بن رزيك(*)(1)

لَوْلا قِوامُكَ يا قَضِيب البانِ *** لَمْ يَحْسُنِ القُضْبانُ فِي الكُثْبانِ(2)

وَ لَوْ أَنَّ رِيقَكَ لَمْ يَذُقْهُ ذَائِقٌ *** ما طابَ طَعْمُ المَاءِ لِلْعَطْشَانِ

فَانْهَ العَذُولَ عَنِ المَلَامِ وَ قُلْ لَهُ: *** إِنَّ المَلَامَ عَنِ السُّلُوِّ نَهَانِي

وَ الحُبُّ، لابِالرَّأْيِ يَنْجُوهارِبٌ *** مِنْهُ و لابِشَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ

هُمَا بِخَصْرٍ كانَ لَوْلا لِيْنُهُ *** يَنْقَدُّ تَحْتَ مَعاقِدِ الهِمْيان(3)

وَ بِسِحْرِ أَجْفانِ سَرافِينا وَ لَمْ *** نَعْلَمْ كَسَرْيِ النَّوْمِ فِي الأَجْفانِ

إِنْ قال: قَدْ لأحَتْ عذاراهُ عَلَى *** وَ جَناتِهِ وَ هُمَا، لَنا غدرانِ

أَوْ كانَ يُوسُفَ أَوْلاً فِي عَصْرِهِ *** لا فِي مَلَاحَتِهِ فَهَذا الثَّانِي

أَوْ حَالَفَ الأَحْزَانَ يَعْقُوبُ بِهِ *** فَأنا الكَرِيمُ بِحَالِفِ الإِحْسَانِ

أَنْهَبْتُ مَنْ يَرْجُو نَدَى كَفِّي وَ مَا *** أَنْهَبْتُ خَيْلِي مِنْ ذَوِي التِّيجانِ

وَ جَعَلْتُ مُلْكِي دُونَ مُلْكِي جُنَّةً *** يَحْمِيهِ حَدُّ نَوَائِبِ الحَدَثَانِ(4)

ص: 67


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- البان: شجر معتدل القوام لين ورقه يشبه ورق الصفصاف و هو وورقه شديد الخضرة له زهر ناعم يخلف قروناً كقرون اللوبيا و يشبه القدبه لطوله. الكثبان: التل من الرمل.
3- الهميان: شداد السراويل أو التكة كيس تُجْعَل فيه النفقة و يُشَدُّ على الوسط.
4- الحدثان: نوائب الدهر.

وَ العِزُّ لَيْسَ يَحِلُّ فِي أَوْطَانِهِ *** حَتَّى يَحِلَّ المَالُ دَارَ هَوَانِ

عَمَّلْتُ خَيْلِي حِينَ رُضْتُ حِمامَها *** أَنْ تَهْتَدِي بِكَوَاكِبِ الخِرْصَانِ(1)

وَ سَلَكْتُ فِي حَرْبِي ثَلاثَةَ أَنْصُلٍ *** مِنْ عَزْمَتِي، وَ مُهَنَّدِي، وَ لِسانِي(2)

وَ تَحقَّقَ الأَعْداءُ إذْ وَاجَهتُهُمْ *** أَنْ لَيْسَ حِصْنِي غَيْرَ ظَهْرِ حِصانِي

لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مَفخراً أَسْمُو بِهِ *** الاَّ ولاِئي لِلنَّبِيِّ، كَفَّانِي

قالَ النَّبِيُّ : لَنَا الكِتَابُ وَ عِتْرَتِي *** مِنْ أَهْلِ بَيْتِي لَيْسَ يَفْتَرِقانِ(3)

أَبَداً كَأَنَّهُما إِلَى أَنْ يَأْتِيا *** حَوْضِي وَ ضَمَّ بَنَانَهُ هاتان

وَ بِحَسْبِ حُبِّهِمُ قَدِيماً أَنَّهُ *** عُرِفَ النّفاقُ بِهِ مِنَ الإيمانِ

وَإِذَا رَوَى قَوْمٌ فَضَائِلَ غَيْرِهِمْ *** رُويت فضائلهم من القرآنِ

جَهِلُوا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ كَسِوَاهُمُ *** حَتَّى أَتَى الفُرْقَانُ بِالفُرْقَانِ

يَا أَيُّها الإِنْسَانُ إِنْ تَكُ جاهلاً *** فاسْأَلْ بِهِم هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ

ما يَسْتَوِي مَنْ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ إِنْ *** أَنْصَفْتَهُمْ، وَ مُكَسِّرُ الأَوْثَانِ

كَلاً وَ لاَمَنْ لايُجِيبُ مُسائِلاً *** عن مُشْكلٍ وَ مُكَلِّمُ الثُّعْمَانِ

كَمْ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ فِي حَالَيْهِما *** فِي سَائِرِ الأَوْقاتِ وَ الأزمانِ

هذا يُعَاذُ بِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذْ *** يَعْتاذُ ذا مَسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ

وَ بِيَوْم (خَيْبَرَ) إِذْ تَقَهُقَرَ أَوَّلٌ عَنْ *** حَوْمَةِ المَوْتِ الرُّوَامِ وَ ثَانِي(4)

لَمْ يُخْفٌ فَضْلُ الأَرْمَدِ العَيْنَيْنِ فِي *** غَمَراتِهِ عَمَّن لَهُ عَيْنَانِ(5)

ص: 68


1- عمّل: أمره و ولاه عمله. الخرصان: مفرده الخرص و هو حلقة الذهب أو الفضة أو غيرها.
2- النصل: السهم مهندي: سيفي.
3- إشارة إلى الحديث المروي عن النبي الأقدس صلي الله علیه و آله و سلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
4- حومة الموت هجومه الموت الزؤام: الموت السريع أو الكريه.
5- الأرمد: من ألقاب الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و صفه به النبي الأقدس صلي الله علیه و آله و سلم.

ما كانَ فِي أَقْرانِهِ مُنْذُ الصِّبا *** أَحَدٌ سِوَاهُ، مُبارِزُ الأَقْرَانِ

أيَّامَ عَمْرُو العامِرِيُّ مُجهزٌ *** فِي الصَّفْ يَقْدُمُ أَوَّلَ الفُرْسانِ

أَفَغَيْرُهُ مِنْهُمْ يَقُولُ كَقَوْلِهِ *** إِنْ كَانَ يَسْمَعُ مَنْ لَهُ أُذُنَانِ؟

أللَّهُ رَبِّي ما عَبَدْتُ سِواهُ *** فِي عَصْرِ الصَّبا، و (مُحَمَّدٌ) رَبَّانِي

تاللَّهِ ما أَصْهارُهُ وَ نِسَاؤُه *** يَوْمَ الفَخَارِ وَ أَهْلُهُ سِيَانِ

أَوْلاهُمُ بالمُصْطَفَى فِي النَّاسِ مَنْ *** هُوَ، دُونَهُمْ وَ المُصْطَفَى إِخْوانِ

ما باهَلَ المُخْتَارُ أَهْلَ خِلافِهِ *** فِي دِينِهِ، بِفُلانَةٍ وَ فُلانِ

کَلاً، و لاصَلَّى وَ تِلْكَ وَ غَيْرِها *** مَعَهُ بِجُنْحِ اللَّيْلِ فِي الأَرْدانِ(1)

ما كانَ إِلا المُرْتَضَى في المرطِ *** بالإجماع، وَ الزَّهْراءُ، و السِّبطانِ(2)

أَفَخَرْتُمُ (بالغارِ) لَمَّا حَلَّهُ، مَعَهُ *** امرؤٌ فِي صَفْهِ وَ أَمانِ

وَ نَسِيتُمُ مَنْ بَاتَ فَوْقَ فِرَاشِهِ *** مُتَعَرِّضاً لِشِفَارِ كُلِّ يَمَانِ(3)

ما كانَتِ (الشُّورى) الَّتِي قَدْ لُفَقَتْ *** أَخْبارُها بِالزَّوْرِ وَالبُهتان

إِلا كَيَوْمِ بِالسَّقِيفَةِ شُیَّدَتْ *** فِيهِ مَبانِي الظُّلْمِ وَ العُدْوانِ

يَتَمَسْكُونَ لَهُمْ بِبَيْعَةِ فَلْتَةٍ *** وَ بِهَا نَقَضْتُمُ بيعَةَ الرِّضْوانِ

وَ رَوَيْتُمُ أَنَّ الوَصِيَّ أَجَابَهُمْ *** كُرْهاً، وَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى العِصْيانِ

وَ الطُّهْرُ (فاطِمَةٌ) يُشَالُ لِبَيْتِها *** مِنْ أَجْلِهِ قَبَسٌ بِرَأْسِ سِنَانِ

أَفَمُنْقِذْ لَهُمُ مِنَ النِّيرَانِ مَنْ *** حَمَلُوا إِلَى ابْنَتِهِ لَظَى النِّيرانِ؟(4)

جَهَلُوا، وَ دِينُ الجَاهِلِيَّةِ فِيهِمُ *** باقٍ فَظَنُّوها مِنَ القُرْبانِ

ص: 69


1- الجنح: من الليل طائفة و قطعة منه الأردان مقدم كم القميص.
2- المرط: الكساء.
3- اليمان: السيف.
4- لعله إشارة إلى حرق بيت الزهراء علیها السلام من قبل عمر (الملعون). فقد روي في كتاب عوالم سيدة النساء ج2 ص558 عن سلمان: و دعا عمر بالنار فأحزمها في الباب ثم دفعه فدخل... إلى آخر الحديث.

وَ أَتَى ابْنُ هِنْدِ بَعْدَهُمْ فَأَثَارَ ما *** أَخْفَوْا مِنَ الأَحْقَادِ وَ الأَضْغَانِ(1)

وَغَدا يُنَازِعُهُمْ يَزِيدُ كَأَنَّما *** وَرِثَ الخِلافَةَ مِنْ أَبِي سُفْيَانِ

وَ اذْكُرْ ألالِ القَوْمِ إِذْ فَعَلُوا بِهِمْ *** أَضعاف ما فَعَلَتْ بَنُومَرْوَانِ

لاَحُرْمَةُ الإِيْمَانِ رَاعَوْهَا وَ لَمْ *** يُوفُوا بِمَا شَرَطُوا مِنَ الإِيمَانِ

وَ لَوَ أَنَّهُمْ كَانُوا نَصَارَىٰ عَظَّمُوا *** قَدْرَ الَّذِينَ لَقُوا مِنَ الرُّهْبَانِ

وَ بَنُو النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** أَعْضاؤُه فِيكُمْ فَعُدُّوها مِنَ الصُّلْبانِ

أَوْ مِثْلَ حافِرِ غير عِيسَى إِنَّهُمْ *** جَعَلُوهُ قِبْلَتَهُمْ بِكُلِّ مَكانِ(2)-(3)

ص: 70


1- الضغن: الحقد.
2- عَيْر: حمار.
3- ديوان طلائع بن رُزيك الملك الصالح ص143.

(21) الزهراء علیها السلام في الدار

(بحر الرمل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

أحْرَقُوا الدَّارَ عَلَى فَاطِمَةٍ وَ الحَسَنَيْنْ

وَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْصَاهُم بحِفظِ الثَّقَلَينْ(2)

***

بَعْدَ مَا أَوْصَى النَّبِيُّ المُصْطَفَى أُمَّتَهُ

بِوَصاياهُ التِي أَمْلَى بِهَا حِكْمَتَهُ

أَكَدَ الإِبْلاغَ فِي أَنْ يَحْفَظُوا عِتْرَتَهُ

وَإِذَا بِالقَوْمِ خَانُوا أَمْرَهُ عَيْناً بِعَيْنْ

***

حَارَبُوا حَيْدَرَ بَعْدَ المُصْطَفَى لَمّا مَضَى

كَانَ فِي تَكْلِيفِهِ مُوصَى لِمَحْتُومٍ القَضَا

ص: 71


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما اخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط عل عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها... في كتاب مرآة العقول أيضاً ج5 ص320: و دفعها (قنفذ الملعون) فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها.

فَرَأَوْهُ صَابِراً عَنْهُمْ عَلِيَّ المُرْتَضَى

فَعَتَوا مُذْ حَاصَرُوا بَيْتَ أميرالمُؤمِنِينْ(1)

***

حَاصَرُوا الدَّارَ لِثَارِ عَنْ ضَحَايَا مِنْ بَدِرْ

بَدَّلُوا الإِسْلامَ بِالكُفر لأمر قَدْ قُدِرْ

ضَرَبُوا الزَّهْرَاءَ بالسَّوْطِ فَهَلْ مِنْ مَدَّكِرْ

لِيَرَى الكُفْرَ تَجَلَّى فِي وُلاةِ المُسْلِمِينْ

***

رَوَّعُوا الزَّهْرَاءَ فِي الدَّارِ فَيَا لِلْعَجَبِ

أَوَ لَيْسَتْ فَاطِمٌ فِي دِينِهم بِنْتُ النَّبِي؟

فَلِمَاذَا أَمْرَمُوا النَّارَ بذَاكَ القَصَبِ؟

هَلْ رَسُولُ اللَّهِ أَوْصَاهُمْ بِحَرْقِ الطَّاهِرِينُ؟

***

رَوْعُوها يَوْمَ كَانَتْ لأَبِيهَا فِي عَزاءْ

أحرقوا الدَّارَ عَلَيْهَا وَ أَجَدُّوا فِي العِدَاءْ

فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الجَزَاءْ

يَوْمَ يَأْتِي النَّاسُ فِي الحَشْر لِرَبِّ العَالَمِينْ

***

ثُمَّ لاذَتْ فَاطِم بِالبَابِ دَفْعاً لِلْخَطَرْ

فَعَلَيْهَا أَظبَقُوا البَابَ بِأَمْرِ مِنْ عُمَرْ

ص: 72


1- عتوا: استكبروا و جاوزوا الحدّ.

أَنَّتِ الزَّهْرَاءُ يَا فِضَّةُ ذا ضِلْعِی انْكَسَرُ

سَنِّدِيني سَنِّديني أَسْقَطُوا مِنِّي الجَنِينْ

***

بأَبِي مَكْسُورَةَ الضّلْع وَ فِي الصَّدْرِ انْحَنَى

بِأَبِي مِنْ عَصْرَةِ البَابِ فَأَلْقَتْ مُحْسِنا

سَقَطَتْ لَمّا أُذِيقَتْ مَا أُذِيقَتْ مِحَنا

وَ عَلَيْهَا ضَجَّتِ الأَمْلاَكُ فِي العَرْشِ المَكِينْ

***

قَضَتِ الزَّهْرَاءُ ظُلْماً ثُمَّ مَاتَتْ فِي الأَسَى

أَنَّتِ الدُّنْيَا وَ صَارَ الصُّبْحُ فِيها حِنْدِسَا(1)

وَ مُحَيَّا الدَّهْرِ مِنْ آلاَمِهَا قَدْ عَبسا

فَعَلى مَنْ ظَلَم العِتْرَةَ لَعْنُ اللاَّعِنينْ(2)

ص: 73


1- حندس: ليل شديد الظلمة.
2- محيّا: وجه.

(22) فاطمة علیها السلام و الحسنان علیهما السلام

(بحر الرمل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

فَضْلُكَ السَّامِي عُلُوّاً يَا عَلِي *** لا يُدَانِيهِ مِنَ الخَلْقِ مُدَانْ(2)

***

أَنْتَ حَيَّرْتَ بِمَعْنَاكَ العُقُولْ *** أَ إِلَهٌ أَنْتَ أَمْ أَنْتَ رَسُولْ؟

لكِنِ الحَقُّ بِمَعْنَاكَ يَقُولْ *** أَنْتَ بَعْدَ اللَّهِ وَ الهَادِي وَلِي(3)

وَ قَسيمُ النَّارِ حَقاً و الجِنَانِّ(4)

ص: 74


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- مدانٍ: مقارب.
3- في البحار للمجلسي، ج27 ص319: عن أبي ذر الغفاري (رضي اللّه عنه) و هو آخذ بحلقة باب الكعبة «أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فسأنبئه باسمي: فأنا جندب أبوذر الغفاري -إلى أن قال- الا ايتها الأمة المتحيِّرة بعد نبيها لو قدّمتم من قدّم الله و أخّرتم من أخر الله و جعلتم الولاية حيث جعلها اللّه لما عال ولي اللّه و لما ضاع فرض من فرائض اللّه و لااختلف اثنان في حكم من احكام اللّه... فذوقوا و بال ما كسبتم». و في المناقب للخوارزمي/ ص209: عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يا علي علیه السلام إنك قسيم الجنة و النار و إنك تنقر باب الجنة فتدخلها بلاحساب». و لايخفى أن ما ورد في قوله (أإله انت أم انت رسول صلي الله علیه و آله و سلم)؟ استفهام للتعظيم و الإجلال فلا يحمل على المعنى الحقيقي.
4- الجنان: جمع جنة.

فَاتَّخَذْنَا اللَّهَ رَبِّاً لاَ سِوَاهُ *** وَ نَبِيَّاً أَحْمَداً حَيْثُ اصْطَفَاه

وَ اتَّخَذْنَاكَ كَمَا قَالَ الإِلهْ *** وَ كَما قَدْ جَاءَ بِالنَّيِّ الجَلِي(1)-(2)

هَادِياً يَقْرِنُ رَكْباً بالأمانْ

***

لِعَلِي المُرْتَضَى رَبِّ العَلَاءْ *** كَانَ نَصُّ الحُب بَلْ فَرْضُ الولاء

في وضوحٍ غَايَةٌ بَلْ فِي جَلاءْ *** يَوْمَ حُمُ حَيْثُ خَيْرُ الرُّسُلِ(3)

جَعْجَعَ الوَحْيُ بِهِ فِی ذَا المَكَانْ

***

نَزَلَ الوَحْيُ عَنِ الرَّبِّ الكَبِيرْ *** لِلنَّبِيِّ المُصْطَفَى خَيْرِ نَذِيرٌ

يا سفيراً قَدْ أَتَى خَيْرَ سَفِيرْ *** حُلَّ أَجْيَادَ العُلَى عَنْ عَطَل(4)

بِعُقودِ الوَحْيِ تَزْهُو لا الجُمَانْ

***

يَا رَسُولَ اللهِ بَلْغ مَا أَتَى *** مِنْ الهِ الخَلْقِ فِي خَيْرِ فَتَى

ص: 75


1- في البحار، ج39 ص202: عن النبي صلي الله علیه و آله وسلم «لايجوز أحد الصراط إلا و له براة بولايته و ولاية أهل بيته علیهم السلام. قال أبو سعيد:«يا رسول اللّه صلي الله علیه و آله وسلم ما معنى براة علي؟ قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم علي علیه السلام ولي الله.
2- الجلي: الواضح البيّن.
3- في كتاب مناقب علي بن أبي طالب علیه السلام لابن المغازلي، ص19: عن ابي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشرة خلت من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً و هو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلي الله علیه و آله وسلم بيد علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: نألست أولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»... فقال عمر بن الخطاب: بخٍّ بخٍّ لك يا علي بن أبي طالب علیه السلام أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، فأنزل الله «تعالى»: «اليوم اكملت لكم دينكم».
4- عطل: عطل الجيد أي خلا من الحلي.

وَ مَتَى خَالَفْتَ فِي أَمْرِ مَتَى *** لَمْ تُبلِّغ قَطُّ إذْ لَمْ تَفْعَلِ

وَ لَكَ العِصْمَةُ مِنَّا وَ الضَّمانْ

***

أَنْزَلَ الرَّكبَ عَلَى أَرْضِ تَفُورْ *** وَ ارْتَقَى مِنْبَرَ أَحْدَاجِ وَ كُورْ

أَيْنَ لاأَيْنَ مَزَامِيرُ الزَّبور *** مِنْ خِطَابِ المُصْطَفَى فِي المَحْفَلِ؟(1)

أخِذاً بِالسَّمْع مِنْهُم وَ الجَنانْ

***

بَيْنَمَا مِنْ جَرِّها تَغْلِي الرِّمَالْ *** وَ إِذَا الخُطْبَةُ مِنْ فَوْقِ الرِّحَال

أَرَأَيْتَ السَّيْلَ مِنْ رُوس الجِبَال *** وَلِذَا أَرْجُلُهَا لَمْ تَصْطَلِ(2)

أَمْ لَقَدْ أَسْكَرَهُمْ كَاسُ البَيَانْ

إِنَّ فِي الرَّوْعَةِ مِنْ خُطبَتِهِ *** إِنَّ فِي الصَّوْتِ وَ فِي صَيْحَتِهِ

كَأسَ لُطْف ظَلَّ فِي نَشْوَتِهِ *** كُلُّ ذِي لُبِّ مُضَاهِي الثَّمَلِ(3)

وَ عَلَى المُخْتَارِ مَعْقُودُ البَيَان

***

خاطباً فِي ذلِكَ الجَمُ الغَفِيرْ *** وَ لَقَدْ بَلَغَهُمْ وَحيَ القَدِيرْ

وَ هُوَ مَنْ أَسْمَعَهُمْ صَوْتَ النَّذِير *** مِثْلَ مُوسَى فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ(4)

وَ هُوَ خَیْرٌ مِنْهُ فِي كُلِّ زَمَانْ

***

ص: 76


1- المحفل: مكان اجتماع الناس.
2- روس: أصلها رؤوس في هذا البيت من القصيدة.
3- الثمل: أثمله الشراب أسكره.
4- الأوّل: الزمان الأول، أي القديم.

أَيُّهَا النَّاسُ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونْ *** أَنَّنِي أَوْلَى بِكُمْ أَمْ تُنْكِرُونْ

مِلءَ أَسْمَاعِهِمُ مِلْءُ العُيُون *** أَحْمَد فِي صَوْتِهِ وَالهَيْكَلِ

مَا لَهُ قطُّ نَظِیرٌ أَوْ مُدَانْ

***

فَأَجَابُوهُ بَلَى ثُمَّ بَلَىٰ *** مَا تَشَا فِينَا فَقُلْ مُمْتَثَلا

وَإِذَا الشَّمْسُ تُنِيرُ ابْنَ جَلا *** رَافِعاً مِنْ ضِبْعِهِ الهَادِي عَلِي(1)

أَرَأَيْتَ البَنْدَ يَعْلُو بِالسِّنَانْ

***

مَنْ أَكُنْ مَوْلاَهُ هذَا المُرْتَضَى *** حَيْدَرٌ مَوْلاَهُ، وَاللَّهُ قَضَى

إِنَّهُ كَانَ مِنَ اللَّهِ الرِّضا *** إِنَّهِ كَانَ لَكُمْ نِعْمَ الوَلِي

نايباً بعدي عَلَى إنْسٍ وَ جَانْ

***

أَيُّهَا النَّاسُ هُوَ السِّرُّ العَظِيمْ *** وَ عَلَيْكُمْ بِالصِّرَاطِ المُسْتَقِيم

أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالعَلِيم *** كُلَّمَا جَاءَ بِوَحْي مُنْزَلِ

فِیهِ قَدْ جَاذَبَنِي فَضْلَ عِنَانْ(2)

***

إِنَّهُ الذِّكْرُ المُبينُ النَّاطِقُ *** إِنَّهُ البَرُّ الأمينُ الصَّادِقُ

إِنَّهُ الدُّرُ النَّمِينُ الرّائِقْ *** وَ هُوَ وَالقُرْآنُ فِيكُم ثَقَلِي

فَانْظُرُوا كَيْفَ يَكُونُ الثَّقَلاَنْ

***

ص: 77


1- ضبعه: الضبع وسط العضد.
2- العِنان: سيرُ اللّجام الذي تمسكُ به الدابة و هو طاقان مستويان يقال فلان طويل العِنان: شريف عظيم السؤدد.

فَالخَلفُونِي أُمَّتِي فِي الثَّقَلَيْن *** وَ أَرُونِي فِيهِمَا قُرَّةَ عَيْن

سَيَجُوزَانِ المَدَى مُقْتَرِنَيْن *** ثُمَّ عَنْ غَيْرِهِمَا لَمْ أَسْأَلِ(1)

يَوْمَ لِلَّهِ یَقُومُ الثَّقَلانْ

***

فَمِنَ الآنَ فَقُوموا بایِعُوهْ *** حَيْثُ لايُفْلِحُ الأَتَابِعُوهْ

وَ عَلَى الأَعْدَاءِ طَراً شَايِعُوه *** لاتَخُونُوا اللَّهَ في التَّسلِيِمٍ لِي

فسَيَشْقَى كُلُّ مَنْ لِلَّهِ خَانْ

***

فَأَجَابَ القَوْمُ مِنْ كُلِّ النَّوَاحْ *** قَدْ سَمِعْنَا الرُّشْدَ وَالحَقَّ الصَّراحْ

وَ عَلَيْهِ أَصْفَقُوا راحاً براحْ *** وَ غَلَتْ أَفْئِدَةٌ كَالمِرْجَلٍ(2)

وَ كَبَا بَیْهُما طرْفُ اللِّسَانْ

***

بَايَعُوهُ وَ عَلَيْهِ سَلَّمُوا *** وَ هُمُ مَا آمَنُوا بَلْ أَسْلَمُوا

بَعْدَ أَيَّامٍ عَلَيْهِ ازْدَحَمُوا *** وَ عَلَيْهِ كَبَسُوا فِي المَنْزِلِ

وَبِهِ فَاطِمَةٌ وَ الحَسَنَانْ

***

فَاطِمٌ لَمْ تُرْعَ لَكِنْ رُوِّعَتْ *** حَيْثُ فِي إِنْفَاذِهِ قَدْ طَلَعَتْ

إِنَّهَا بِالسَّوْطِ لَمّا فُنُعَتْ *** قُتِلَتْ وَ المُرْتَضَى لَمْ يُقْتَلِ

وَ فَدَتْهُ، يَا بِنَفْسِي الفادِيَان(3)

ص: 78


1- سیجوازن: جاز المكان: تجاوزه و قطعه.
2- المرجل: القدر الكبير.
3- ديوان الربيعي ص76 موشحة في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام أخذنا منها ما نحن بصدده.

(23) يُخجل الغيث

(بحر الرمل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

أَحْرُفُ الحُسْنِ بِخَطَّ حَسَنِ *** كُتِبَتْ فِي وَجْهِ مَنْ تَيَّمَنِي(2)

قُلْتُ لِلْعَاذِلِ فِي حُبِّي لَهُ *** هَاكَ فَاقْرَأَها وَ لاَتَفْتَينِ

وَإِذَا حَقَّقَتَ أَسْبَابَ الهَوَى *** لاَتُكَلِّفْنِي بِمَا لَمْ يُمْكِ يُمْكِنِ

هُوَ لِلْحُسْنِ، وَ لِلْحُبِّ أَنَا *** مَنْ تَرَاهُ عَافَ شَمَّ السَّوسَنِ(3)

كُلُّ شَيْءٍ جَاءَ مِنْ مَعْدَنِهِ *** يَجْلِبُ الفَخْرَ لِذَاكَ المَعْدِنِ

وَ إِذَا أَخْفَى مُحِب شَوْقَهُ *** فَأَنَا فِي حُبِّهِ ذُو عَلَن

كَيْفَ أَخْفِيهِ وَ إظْهَارِي لَهُ *** حِلْيَةُ الفَخْرِ لِجِيدِ الزَّمَنِ

كَيْفَ يَخْفَى، وَ شُهُودُ العَدْلِ قَدْ *** أَفْصَحَتْ عَنْ سِرِّهِ لَمْ تُلْحِنِ؟(4)

أَبْحُرُ الدَّمْعِ، وَ نِيرانُ الجَوَى، *** وَ سُهَادِي، وَ نُحُولُ البَدِنِ

غَيْرَ أَنِّي كُلَّمَا قَدَّمْتُ مِنْ *** شَاهِدِ فِي حُبِّهِ لَم يُوقِنِ

كَثْرَةُ الأَشْهَادِ لاتُغْنِي إِذَا *** نَظَرُ الفِكْرِ بِهَا لَمْ يُمْعَنِ

وَ انْظُرِ المَوْلَى عَلِيّاً، كَمْ لَهُ *** مِنْ شَهِيدٍ وَ دَلِيلِ بَيْنِ(5)

ص: 79


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تَيَمني: تَيَّمه الحب: ذلّلَهُ.
3- عاف: كره و ترك.
4- تلحن: ألحن أخطأ في الإعراب.
5- في كتاب الإمام علي علیه السلام من حبه عنوان الصحيفة لأحمد الرحماني الهمداني ص91 الخبر الرابع قال: عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه و إلى آدم في علمه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى موسى في فطنته و إلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب علیه السلام» رواه أحمد بن حنبل في المسند. و رواه البيهقي في صحيحه. و في ص92 الخبر السادس: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «والذي نفسي بيده لولا أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم علیها السلام لقلت اليوم فيك مقالاً لاتمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة رواه أحمد بن حنبل في المسند. و في الفصحة نفسها الخبر التاسع عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «يا أنس أسكب لي وضوءاً، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين و سيد المسلمين و يعسوب الدين و خاتم الوصيين و قائد الغر المحجلين، قال أنس: فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار و كتمت دعوتي فجاء علي علیه السلام فقال صلي الله علیه و آله و سلم: من جاء يا أنس؟ فقلت: علي علیه السلام، فقام إليه مستبشراً فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه فقال علي علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لقد رأيت منك اليوم تصنع بي شيئاً ما صنعته قبل، قال: و ما يمنعني و أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟»، رواه أبونعيم الحافظ في حلية الأولياء. في نهج البلاغة لابن أبي الحديد خ32 قال: «فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حُثالة القرظ و قراضَة الجَلَم». الحثالة : الرديُّ من كل شيء وما لا خير فيه. القرظ: ورق السَّلم أو شجر له شوك كثير. و الجَلَم: مقراض يجز به الصوف، و القراضة: ما يسقط منه عند الجز و القرض. و في المصدر السابق خ33 قال عبد الله بن عباس: دخلت على أميرالمؤمنين علیه السلام بذي قار و هو يخصف نعله . فقال لى: ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت: لاقيمة لها. فقال علیه السلام: واللّه لهي أحب إلي من إمرتكم إلاَ أن أقيم حقاً أو ادفع باطلاً و قال علیه السلام/ المصدر السابق خ235: «واللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم» قال ابن منظور في لسان العرب مادة عرق: «و العظام إذا لم يكن عليها شيء من اللحم سميَّت عراقاً». و قال الشيخ محمد جواد مغنية: و قيل هو الكرش، و من الذي يأكل كرش الخنزير أو عظمه من يد مشوهة بالجذام و هل في الكون كله أبشع و أشنع من هذا الطعام و اليد التي تحمله هذه هي الدنيا في نظر علي قولاً و فعلاً و عاطفة و عقلاً و هذا هو واقعها و إن تحلت بالذهب و رفلت بالديباج و تعطّرت بالعنبر و إذا خدعت بها أنا و غيري من طلابها و كلابها فهل يخدع بها العقل السليم؟». و في ظلال نهج البلاغة لمغنية، ج4 ص358. و قال: «فواللَّه ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادَّخرت من غنائمها و فراً و لاأعددت لبالي نوبي طمراً و لاحزت من أرضها شبراً و لاأخذت منه إلا كقوت اتان دبره و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة مَقِرة النهج لابن أبي الحديد، خ45. قال ابن أبي الحديد «أقسم علي علیه السلام انه ما كنز ذهباً و لاادخر مالاً و لاأعدَّ ثوباً بالياً سملاً لبالي ثوبيه فضلاً أن يعد ثوباً قشيباً كما يفعله الناس في اعداد ثوب جديد ليلبسوه عوض الاسمال التي ينزعونها و لاحاز من أرضها شيراً و لاأخذ منها إلا كقوت اتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها». النهج لابن أبي الحديد ج16 ص205. و في سخائه وجوده: في شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص21 قال: «و أما السخاء و الجود فحاله فيه ظاهرة كان يصوم و يطوي و يؤثر بزاده و فيه أنزل «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» الإنسان:8. و روى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلاً و بدرهم نهاراً و بدرهم سراً و بدرهم علانية فأنزل فيه «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً» البقرة:274. و روي عنه أنه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يداه ويتصدَّق بالأجرة و يشد على بطنه حجراً. و قال الشعبي: «كان أسخى الناس كان على الخُلق الذي يحبه اللّه: السخاء و الجود ما قال «لا» لسائل قط. و قال عدوه و مبغضه الذي يجتهد في و صمه و عيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال له: جئتك من عند أبخل الناس فقال: «ويحك كيف تقول إنه أبخل الناس و هو الذي لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لانفد تبره قيل تبنه» و هو الذي كان يكنس بيوت الأموال و يصلي فيها و هو الذي قال: يا صفراء و يا بيضاء غرّي غيري و هو الذي لم يخلّف ميراثاً و كانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام...

ص: 80

كَيْف قَدْ زُحْزِحَ بَعْدَ المُصْطَفَى *** عَنْ ذُرَى مَنْصِبِهِ العَالِي السَّنِي؟

إلى أن قال:

جُمِعَتْ فِيهِ مِنَ الأَصْدَادِ ما *** افْتَرَقَتْ لَكِنْ بِجَمْعِ حَسَنِ

أَزْهَدُ النَّاسِ وَ أَسْخَاهُمْ یَداً *** حَبْرُهُمْ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَنِ(1)

أطْعَنُ العَالَمِ بِالرُّمْحِ، سِوَى *** أَنَّهُ فِي دِينِهِ نِهِ لَمْ يُطْعَنِ

أَعْبَدُ العُبادِ أَتْقَاهُمْ سِوَى *** أَنَّهُ فِي دِينِهِ لَمْ يُدْهِنِ(2)

ص: 81


1- حبرهم: الحَبْر: العالم الصالح.
2- يدهن: يخادع. و جاء في شرح النهح لابن أبي الحديد ج1 ص27 قال: «وأما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة و صوماً و منه تعلم الناس صلاة الليل و ملازمة الأوراد و قيام النافلة... و ما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده و السهام تقع بين يديه و تمر على صماخيه يميناً و شمالاً فلايرتاع لذلك و لايقوم حتى يفرغ من وظيفته و ما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده و أنت إذا تأملت دعواته و مناجاته و وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله و ما يتضمنه من الخضوع لهيبته و الخشوع لعزّته و الاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص و فهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت و قيل لعلي بن الحسين علیه السلام -و كان الغاية في العبادة- أين عبادتك من عبادة جدك؟ قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.

أحْلَمُ الأُمَّةِ، لَوْلاً حِلْمُهُ *** لَمْ يُلاَقُوهُ بِمَلْقَى خَشِنِ

قيْدَ فِي بَنْدِ حُسّام طَالَمَا *** نَحَر الأبطال نَحْرُ البُدُنِ(1)

فَتَأَمَّلْ صَاحٍ، هَذَا حَيْدَرٌ *** أَمْ تَرَى المَوْقِف قَدْ أَذْهَلَنِي

مَنْ تَرَاهُ اقْتَحَمَ الغَابَ وَ مَنْ *** قَادَ ضِرْغَامَ الشَّرَى بِالرَّسَنِ

خَلْفَهُ الزَّهْرَاءُ لَكِنْ جَفْنُهَا *** يُخْجِلُ الغَيْثَ بِدَمْعِ هَتِنِ

وَ هْيَ تَدْعُو القَوْمَ لاَ وَاللَّهِ لَنْ *** تُؤْتِمُوا اليَوْمَ شَقِيقَ الحَسَنِ

حَسْبُكُمْ كَسْرُ ضُلُوعِي، غَصْبُكُمْ *** نِحْلَتِي، إِسْقَاطُكُمْ لِلْمُحْسِنِ(2)

ص: 82


1- البدن: جمع و هي الناقة أو البقرة المسمنة.
2- ديوان الربيعي ص67 و القصيدة في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام.

(24) خير نسوان

(بحر البسيط)

السيد عدنان الغريفي البحراني(*)(1)

ص: 83


1- (*) هو السيد عدنان ابن السيد شبر ابن السيد علي الغريفي البحراني. ولد بالمحمرة من بلدان إيران الجنوبية سنة (1285 ه-) تقريباً و نقل السيد جواد شبر في أدب الطف أنه ولد في البصرة في غرة جمادى الثانية سنة (1283 ه-) والله العالم. مات عنه والده و عمره أربع سنوات فتولى تربيته خاله السيد سلمان، و لما بلغ الرابعة عشرة من عمره هاجر من المحمرة إلى النجف الأشرف بعد أن تكفل له الحاج حمود البحراني ،بمصاريفه و المترجم له كان آية في الحفظ و الذكاء فكانت دراسته على عمه السيد علي والد السيد مهدي البحراني و حضر في الفقه و الأصول على طريقة البحث (الخارج) على الشيخ محمد طه نجف، و أجيز منه و الشيخ الميرزا حبيب الله الرشتي و أجيز منه ومن السيد المجدد الميرزا حسن الشيرازي هاجر إلى سامراء في عهد الشيرازي بصحبة أستاذه الشيخ محمد طه نجف و معه الشيخ حسين نجف الصغير و السيد محمد سعيد الحبوبي، فطلب الشيخ من الميرزا الشيرازي أن يجيز المترجم له إجازة الاجتهاد فامتنع السيد المجدد الشيرازي مما لفت نظر أستاذه الشيخ، فسأله عن سر امتناعه، فأجابه بأن المانع من إجازته حداثة السن لا غير وأما علمه فأنا معترف به، و هذا المنصب والمقام لايمكن أن يسند إلى شخص بهذا السن، إلا أن الشيخ استمر يناقش الميرزا حتى أقنعه وأجازه وقد تصدى إلى رتبة الاجتهاد و الفتوى و لم يبلغ الثلاثين من عمره. أخذ العلم عنه السيد ناصر الإحسائي و السيد صالح الحلي الخطيب الشهير و الشيخ عيسى ابن الشيخ ناصر الخاقاني. مؤلفاته و آثاره عديدة منها: 1- قبسة العجلان من طور الإيمان. 2- حاشية على العروة. 3- حاشية على القوانين في الأصول. 4- منظومة في الحج زهاء ألف بيت. 5- الأنساب. 6- شرح شواهد المغني. 7- شرح التبصرة للحلي. و قد جمع أشعاره و نظمه في مجلد ضخم كبير. كتب الدكتور حسين علي محفوظ رسالة في أحواله سمّاها (النابغة البحراني). و نقل الخاقاني أنه سأل المترجم له يوماً عما يحفظ من الشعر فأجاب أنه يستحضر ثلاثين ألف بيت من الشعر، و كان يحفظ المتون و شرح ابن الناظم على الألفية متناً و شرحاً. و کان لایسمع شيئاً إلاحفظه حتى اللغة الأجنبية من مرَّة على الأكثر و من مرتين نادراً كاللغة التركية و الفارسية و الهندية و الإنكليزية و بهذا أصبح أصدق ما ذكره التاريخ عن ذكاء أبي العلاء المعري و أبي تمام و حماد عجرد في استحضارهم ثلاثين ألف أرجوزة للبنات البكر من العرب. و ذكره صاحب الحصون المنيعة قائلاً: و هو ابن أربع عشرة سنة و كان بهذا السن يحفظ أربعة عشر ألف بيت من الشعر و يحفظ القصيدة طالت أم قصرت بمجرد تلاوتها. و في أدب الطف اجتمع يوم الشاعر المعروف السيد جعفر الحلي و العلامة الشهير السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري، فجاء المرحوم السيد عدنان فقال السيد جعفر (للاتحاد الروحي بينهما) جاءتنا ريح السمك من البحرين، فوصل و سلم و قال: خير من الباقلاء فإنها لارائحة لها. فقال السيد جعفر له: إن رائحة الشعر لتتنسم من الحلة الفيحاء من مسيرة خمسة فراسخ فقال له السيد عدنان: إذا سالت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباکی فإما أن تنظم أبياتاً، و أنا أشطرها في الحال، و إما أن أنظم أبياتاً و أمهلك إلى سنة فاستغرب من قوله و قال قل: فقال السيد عدنان: واعجباً منك يا فؤادي *** يسعرك الدمع و هو غيث و أنت يا قلب تختشيه *** و هو غزال و أنت ليث مرِّيريث الخطي وئيداً *** لذاك مشي القطاة ريث فقال الحبوبي للسيد جعفر: و لاعمرك تستطيع أن تشطرها لأن في اللغة العربية خمس كلمات نظم السيد ثلاثاً و أبقى اثنتين و هن غيث و ليث و ريث. و نقلت هذه القصة إلى العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء فقال: لو كنت حاضراً لشطرتها فإن هناك كلمة سادسة غابت عن السيد الحبوبي و هي (غيث، حيث، ليث، ریٹ، ميث، جيث). توفي السيد المترجم له بالكاظمية يوم الخامس من شعبان سنة (1340 ه-) فكان يوماً مشهوداً و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف و دفن في إحدى حجر الصحن العلوي الشريف عن يسار الداخل من الباب السلطاني و أرّخ وفاته الشيخ جمعه الحائري بقوله: و نعى بها الروح الأمين مؤرخاً *** (عدنان قوض بعدك الإسلام).

ص: 84

دَعْ عنكَ حَزْوَى وَ ذِكْرَى شِعْبِ سَعْدَانِ *** وَ اسْتَوْقِفِ العِيسَ فِي أَكْنَافِ كُوفانِ(1)

وَ أَنْتُمْ تَرَى بُقْعَةٍ أَرْسَتْ بِرِفْعَتِهَا *** دَعَائِمَ فَوْقَ عُيُوقٍ وَ كِيوانِ(2)

وَ اجْعَلْ شِعَارَكَ لِلَّهِ الْخُشُوعَ بِهَا *** وَ لُذيقَبْر إِمَامِ الإِنسِ وَ الْجَانِ

أَلْقَاهِرُ الْقَادِرُ الْفَرْدُ الْعَلِيُّ وَ مَنْ *** قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرَ أَدْيَانِ

أَلأَوَّلُ الآخِرُ العَلامُ مَنْ نَطَقَتْ *** بِهِ الزَّبُورُ وَ تَوْرَاةُ ابْنِ عِمْرَانِ

أَلْبَاطِنُ الظَّاهِرُ الْحَبْرُ الَّذِي شَهِدَتْ *** بِمَا أَقُولُ بِهِ آيَاتٌ قُرآنِ

أَصْلُ الْوُجُودِ وَ عَيْنُ الْوَاحِدِ الأَحَدِ *** الرَّبِّ الوَدُودِ وَ مُرْدِي كُلِّ شَيْطَانِ(3)

مَنْ يُوشُعُ الطُّهْرُ مُوسَى عِنْدَ مَفْخَرِهِ *** مَنْ آصفُ المُلْكِ الْمَوْلَى سُلَيْمَانِ؟

أَخُو الرَّسُولِ أَبُوالسَّبْطَيْنِ حَيْدَرَةٌ *** زَوْجُ الْبَنُولِ وَ مُنْجِي المُذْنِبِ الجَانِي

أَوْلَئِكَ الغُرُّ أَصْحَابُ الْكِسَاءِ وَ مَنْ *** قَدْ بَاهَلَ اللهُ فِيهِمْ (أَهْلَ نَجْرَانِ)

يَا با طالباً (لِلْكِسا) شَرْحاً نُبَيِّنُهُ *** اسْمَعْ مَقَالِي وَ مَا أَرْوِي بِتِبْيَانِ

رَوَى النّقاتُ الْكِرَامُ الصَّادِقُونَ لَنَا *** رِوَايَةً وَرَدَتْ عَنْ خَيْر نِسْوَانِ

بِنْتِ الرَّسُولِ البَتُولِ الطُّهْرِ(فَاطِمَةً) *** ذَاتِ الْفَخَارِ وَ ذَاتِ الفَحْرِ وَ الشَّانِ(4)

إِنَّ النَّبِيَّ أَتَى يَوْماً لِمَنْزِلِهَا يَشْكُو *** لَهَا الضَّعْفَ شَكْوَى المُدْنَفِ الْعَانِي(5)

قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّى أَعِيدُكَ با *** للَّهِ الْمُهَيْمِن مِنْ ضَعْفٍ وَ أَهْوَانِ

فَقَالَ: قُومِي وَ غَطِّينِي بُنَيَّةُ بِا *** الْكِسَا الْيَمَانِيِّ إِنَّ الصَّعْفَ أَضْنَانِي(6)

ص: 85


1- العيس: الإبل البيض يُخالط بياضها سوادً خفيف أو كرام الإبل.
2- أَلثمْ: أَقَبلْ. عيوق و كيوان: كوكبان، و كيوان هو زُحَل.
3- مُرْدِي: مُهلِك.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث».
5- المدنف: العليل السقيم المريض -العاني: المتعب.
6- أضناني: أمرضني بحيث تمكّن مني الضعف و الهزال.

قَالَتْ: فَغَطَيْتُهُ مُذْ قَالَ لِي وَإِذَا *** ذَاكَ المُحَيّا وَ نُورُ البَدْرِ سِيَّانِ

فَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ إلاَّ وَ قَدْ قَدِمَ *** السُبْطُ الزَّكِي إِلَى دَارِي وَ حَيَّانِي

وَ قَال: إنّي أَشُمُ الْيَوْمَ رَائِحَةَ *** الْمُخْتَارٍ جَدِّي بِلاَ زُورٍ وَ بُهْتَانِ

فَقُلْتُ هَا هُوَ ذَا تَحْتَ الْكِسَاءِ أَيَا *** سُرُورَ قَلْبِي وَ يَا رُوحِي وَ رَيْحَانِي

فَجَاءَهُ ثُمَّ حَيَّاهُ وَ قَالَ: أَلاَ *** هَلْ يَأْذَنُ الجَدُّ أَنْ أَغْدُو لَهُ ثَانِي

فَقَالَ: ادْخُلْ وَ كُنْ تَحْتَ الكِسَاءِ مَعِي *** يَا نُورَ عَيْنِي وَ يَا نَفْسِي وَ جُثْمَانِي

فَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ مِنْ بَعْدِ ذَا وَ إِذَا *** بِالسِّبْطَ نَجْلِي غَرِيبِ الطَّفٌ وَافَانِي

فَقَالَ لِي بَعْدَ أَنْ حَيا تَحِيَّتَهُ *** مُسْتَبْشِراً جَزِلاً قَوْلاً بِإِعْلَانِ(1)

يَا أُمُّ: إِنِّي أَشُمُّ الْيَوْمَ رَائِحَةً *** لَدَيْكِ طَيِّبَةً أَوْدَتْ بِأَشْجَانِي

كَأَنَّهَا يَا بُنَةَ المُخْتَارِ رَائِحَةُ *** الجَدِّ العَطُوفِ وَ نَسْلِ الطُّهْرِ عَدْنَانِ

فَقُلْتُ هَا هُوَ ذَا وَ الْمُجْتَبَى وَلَدِي *** أَخُوكَ تَحْتَ الْكِسا السَّامِي ضَجِيعَانِ

فَجَاءَهُ ثُمَّ حَيَّاهُ وَ قَالَ لَهُ: *** هَلْ يَدْخُلَ الْيَوْمَ أَيْضاً سِبْطُكَ الثَّانِي

فَقَالَ ادْخُلْ وَ كُنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ مَعِي *** يَا سَلْوَةَ البَضْعَةِ الزَّهرا وَ سِلْوَانِي

قَالَتْ: وَ جَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى *** بَيْتِي سَرِيعا وَ حَيَّانِي وَ نَادَانِي

يَا بِنْتَ أَكْرَم مَبْعُوثٍ لأُمَّتِهِ *** وَ أَشْرَفِ الخَلْقِ مِنْ إِنْسِ وَ مِنْ جَانِ

إِنِّي أَشُمُّ لَدَيْكِ الْيَوْمَ رَائِحَةً *** الْهَادِي أَبِيكِ ابْنِ عَمِّي خَيْرِ خِلَانِ

فَقُلْتُ: هَا هُوَ ذَا تَحْتَ الكِسَاءِ مَعَ *** السِّبْطَيْنِ ابْنَيْكَ يَا حِصْنِي وَ إِحْصَانِي

فَجَاءَ نَحْوَ الْكِسَاء مُسْتَبْشِراً جَذِلاً *** مُسَلِّماً غَيْرَ كَسْلاَنٍ وَ لاَ وَانِي(2)

وَ قَالَ هَلْ يَأْذَنُ الْهَادِي الأمينُ بأَنْ *** أَكُونَ تَحْتَ الْكِسَا إِنْ كَانَ يَهْوَانِي؟

فَقَالَ ادْخُلُ أَخِي فِيهِ وَ كُنْ مَعَنا *** يَا خَيْرَ هَادٍ وَ مِطْعَام وَ مِطْعَانِ(3)

وَ جِئْتُ إِذْ دَخَلُوا فِيهِ مُسَلَّمَةً *** عَلَى النَّبِيِّ بِإِرْفَاقِ وَ إحْسَانِ

ص: 86


1- جَدْلاً: فَرِحاً.
2- و انٍ: ونى أي فتر و ضعف و كلّ وأعيا.
3- مطعام و مطعان: صيغتا مبالغة للطاعم و الطاعن.

وَ قُلتُ: هَلْ يَأْذَنُ البَرُّ العَطُوفُ أَبي *** بأن أكونَ مَعَ السَّبْطَيْنِ سِلْوَانِي

فَقَالَ لِي مُؤذناً تَمَّ السُّرُورَ بِكِ *** فِيهِ بما أَتَمَنَّى (اللَّهُ) أَعْطَانِي

قَالَتْ فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا فِيهِ خَمْسَتُنَا *** نَادَى الإِلهُ بِإِظْهَارِ وَ إعْلَانِ

أيَا مَلاَئِكَتِي وَ السَّاكِنِينَ مِنَ *** الغُرِّ الْكِرَام سَمَاوَاتِي وَ أَكْوَانِي

و عِزَّتِي وَ جَلالِي مَا خَلَقْتُ سَمَا *** مَبْنِيَّةَ لاَ وَ لاَأَرْضاً بِسُكَانِ

إلاَّ لِحُبِّ الْكِرَام الخَمْسِ مَنْ جُمِعُوا *** تَحْتَ الْكِسَاءِ بِهَذَا الْوَقْتِ وَ الآنِ

فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَنْ تَحْتَ الكِسَاءِ أَيَا *** رَبَّ الْعِبَادِ وَ مَوْلَى كُلِّ سُلْطَانِ

فَقَالَ: هُمْ أَهْلُ بَيْتٍ لِلنُّبُوَّةِ بَلْ *** هُمْ مَعْدِنٌ لِرِسالاتِي وَ خُزَانِي

هُمُ فَاطِمُ الزَّهرا وَ وَالِدُها *** وَ بَعْلُهَا وَ بَنُوها آل عَدْنَانِ

فَقَالَ: فَاهْبِطُ وَ بَلْعُ لِلنَّبِيِّ أخي *** القَدْرِ الْعَلِي تَحِيَّاتِي وَ رِضْوَانِي

قَالَتْ: فَجَاءَ وَحَيَّاهُ وَ قَالَ أَلاَ *** إِنَّ (الْعَلِيَّ ) الْجَلِيل الْقَدْرِ وَ الشَّانِ

يُقرِيكَ مِنْهُ تَحِيَّاتٍ مُعَظْمَةً *** مَشْفُوعَةً بِكَرَامَاتٍ وَ إِيمَانِ

وَ إِنَّهُ مَا دَحَا أَرْضاً وَ لاَخَلَقَ *** السَّبْعَ الطَّبَاقَ بِتَشبِيدٍ وَ بُنْيَانِ

وَ لاَجَرَى أَبَداً بَحْرٌ وَ سَارَ بهِ *** فُلكٌ وَ لاضَاءَ فِي الْآفَاقِ بَدْرَانِ(1)

كَلأَ وَ لاَدَارَ فِي السَّبْعِ العُلَى فَلَكٌ *** الأَّ لأَجْلِكُمُ مِنْ غَيْرِ بُهْتَانِ

وَ قَدْ رَضِي يَا أَخِي أَنِّي أَكُونَ لَكُمْ *** تَحْتَ الكِسَا سَادِسَاً هَلْ أَنْتَ تَرْضَانِي

فَقَالَ: ادْخُلْ فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ بِمَا *** يَرْضَى الإِلهُ بِهِ يَا خَيْرَ إِخْوَانِي

قَالَتْ: فَقَالَ (عَلِيٌّ) لِلنَّبِيِّ: أَلاَ *** يا أَشْرَفَ الخَلْقِ مِنْ إِنسِ وَ مِنْ جَانِ

مَا فِي الجُلُوسِ لَنَا تَحْتَ الكِسَاءِ مِنَ *** الْفَضْلِ المُعَدَّ لَدَى رَبِّي وَ رَحْمَانِي

فَقَالَ: َاعْلَمُ وَمَنْ بِالْحَقِّ أَرْسَلَنِي *** ثُمَّ اصْطَفَانِي وَ أَنْبانِي وَ نَاجَانِي

مَا مَحْفِلٌ جَمَعَ الأَشْيَاعَ وَ اذْكَرُوا *** هَذَا الْحَدِيثَ بِهِ يَا خَيْرَ إِنْسَانِ

ص: 87


1- بدران: من باب تغليب البدر على الشمس و البدران هما الشمس و القمر.

إلا وَ قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ رَحْمَتَهُ *** عَلَيْهِمُ وَ جَزَاهُمْ خَيْرَ إِحْسَانِ

وَحَفَّ فِيهم إِلَى حِينِ افْتِرَاقِهِمُ *** غُرُّ المَلائِكِ مِنْ قَاصِ وَ مِنْ دَانِ(1)

وَ اسْتُغْفَرَتْ لَهُمُ عَنْ كُلِّ مَا اكْتَسَبَتْ *** أَيْدِيهِمُ وَ انْثَنَوْا عَنْهُمْ بِغُفْرَانِ

فَقَالَ وَاللَّهِ قَدْ قُرْنا وَ فَازَ بِنَا *** أَشْيَاعُنَا وَ الْعِدَى بَاتَتْ بِخُسْرَانِ

وَ قَالَ مَا اجْتَمَعَت أَشْيَاعُنَا وَ تَلَتْ *** هَذَا الْحَدِيثَ بِتَصْدِيقِ وَ إيمانِ

وَ فِيهِمُ كَانَ مَهْمُومٌ لِنَائِبَةٍ *** أَوْ فِيهِمُ كَانَ مَغْمُومٌ بِأَحْزَانِ

إلاَّ وَ فُرِّجَ عَنْهُ الْهَمُ وَ انْكَشَفَتْ *** تِلْكَ الهُمُومُ و فازَ بأمنِ رحمن

فَقَالَ (حَيْدَرَةٌ): فُرْنا وَ خَالِقُنَا *** يَوْمَ الْقِيَام وَ فِي الدُّنْيَا بِرِضْوَانِ

وَ فَازَ شِيعَتُنَا طَراً وَ قَدْ سُعِدُوا *** كَمَا سُعِدْنَا بِحُورٍ ثُمَّ وِلْدَانِ

يَا مُنْكِراً فَضْلَ أَصْحَابِ الْكِسَا سَفَهاً *** وَ رَاغِباً عَنْهُمُ مِنْ غَيْرِ رُهْبَانِ

إِنَّا عَذَرْنَاكَ تَصْدِيقاً لِسَيّدِنا *** الْهَادِي النَّبِيِّ وَ قَدْ نَادَى بِإِعْلَانِ

وَ حُرْمَةِ الْبَيْتِ وَ الهَادِي وَ عِتْرَتِهِ *** وَ تِلْكَ غَايَاتُ أَقْسَامِي وَ أَيْمَانِي

لَوْ أَجْمَعَ النَّاسُ طُرّاً فِي مَحَبَّتِهِمْ *** لَمَا طَغَا أَحَدٌ أَوْ عَالَ سَهْمَانِ(2)

ص: 88


1- حفَّ: أحدق و استدار و أحاط بالشيء -قاص ودانٍ: بعيد و قريب.
2- نقلت من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیه السلام ص50 و أيضاً عن كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين -لمؤلفه عماد الدين حسين الأصفهاني ص141 و طبعت القصيدة أيضاً بحاشية كتاب (قبسة العجلان) للناظم نفسه الناظم و بخط حجري.

(25) دعاء الأبرار

(بحر الوافر)

عصام عباس(*)(1)

إلى الزهراءِ قَد رُفِع البَيانُ *** فَكانَ الرَّدُّ أن کُفلَ الأمانُ

فَقُلْ ما شاءَتِ الأقدارُ طُرَّاً *** مِنَ الرَّحمنِ قَد وُهِبَ الحَنانُ

فَسَّیِّدَتي بِها تُجلّى هُمومٌ *** أبوها المصطفَى بدرٌ يَبانُ

و حيدرُ بَعلُها نُورٌ تَجَلَّى *** وَ نَجلاهُ حِمى الإسلام صَانُوا

و بِضْعَتُها العقيلةُ لي مَلاذٌ *** سَيُرقِىءُ جرحَنا هذا اللِّبانُ(2)

فَأَرفَعُ دَعوَتي للَّهِ فيهِم *** وَ مِن رَبِّ العُلى كُتِبَ الضمانُ

***

بِزينِ العابدينَ رَفعْتُ كَفِّي *** دُعَاء بِالغَفيلَةِ يُسْتَعانُ

بِصِدقِ الصَّادِقِينَ دَعَوتُ رَبِي *** وَ في بَابِ الحَوائِج يُستَبَانُ

وَ بِالسُّلطانِ أُرقِئَتِ الجِراحُ *** وَ يُشري بالجوادِ شَدَا اللسانُ

وَ بِالهَادِي أزيلَ الهَمُّ كُلاً *** كَذَا بِالعَسكَرِيِّ أتَى الأمَانُ

وَ خاتَم عِترةِ الأطهارِ جُوداً *** بِقائِمِ آلِهِمْ يَصحُو الزَّمَانُ

فَهُمْ نورُ الإلهِ عَلَى البَرايَا *** وَسِيلَةَ دَعوةِ المضْطَرْ كَانُوا

بِهِمْ ضَمن الإلهُ جَوابَ دَاعٍ *** بِصِدْقٍ عَقِيدَةٍ تُعطى الحِسَانُ

ص: 89


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- سيرقىء: (رقأ) الدمعُ و الدم، أي سكنَ.

وَ كَم مَن رَاهَنُوا في غَيرِ هذا *** فَقَدْ خَسِرُوا وَ قَدْ خَابَ الرِّهَانُ

لِذا فَادعُوا الإلة بسرِّ طه *** وَ بِالآلِ الكِرامِ فَذا يُصَانُ

وَ أرفعُ سِرَّ نَجوانَا لِحَقِّ *** وَ مِنْ رَبِّ الورى مُنِعَ الضَّمَانُ

ص: 90

(26) رسالة إلى الزهراء علیها السلام

(مجزوء الكامل)

عصام عباس(*)(1)

إِلَيكِ يَا أمَّ الحسَنْ *** كَتبْتُ شَوقاً وَ شَجَنْ(2)

وَ في حَنايَا خَافِقي *** شَکواي مَنْ بِهِ امتحَن

هَمٌ أَذابَ أذابَ حُشَاشَتي *** قولي لِمَنْ أَشْكُوهُ مَنْ؟(3)

فَرفَعت کَفّي طَالِباً *** وَ القلبُ مِنْ بَلْواهُ أنْ

فَهيَ الدَّواءُ لِمِحنتي *** بنتُ النَّبِيّ المؤتمنْ

بَل زوجةْ الكَرَّارِ مَنْ *** لَمْ یسجدنَّ إلي وَثَنْ

هِیَ أُمُّ سِبْطَي أحمدٍ *** أُمُّ الحُسينِ كَمَا الحسنْ

بَل أُمُّ زینبَ مَرجِعِي *** سراً حِمايَ وَ في العَلَنْ

مَن حَطَّ رَحلي عِندَها *** وَغَدَتْ مَلاذِي وَ الوَطَنْ

يَا رَبِّ سَکِّن رَوعَتي *** وَ أَزِلْ شِرارَ القوم عَنْ

دَربي فَدَربي بالنبي *** سَرَى بِصبر وَ ائتَمَنْ

بالمصطفى و المرتَضَى *** وَ الطَّيبُ مِنْ أُمِّ الحسنْ

ص: 91


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- شجن: حزن.
3- حشاشتي: (الحشا) ما اضطمت عليه الضلوع.

(27) ريشتي و الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

عصام عباس(*)(1)

مَسَكْتُ بِريشَتي وَ شَدا حَنِيني *** لبنتِ المصطفَى الهادي الأمينِ

وَ غَنَّتْ رِيشَتي وَ شَدَتْ بِحُبِّ *** وَ قُلتُ لَهَا عَنِ الظُّهرِ اسْأَلِيني

فَقَالَت كَيفَ أَسأَلُ يَا رَفِيقي؟ *** فَقُلتُ هِيَ العَقِيدَةُ بَلْ يَقِيني

هي الزَّهراءُ مَنْ فِي الدَّهرِ خُصَّتْ *** بِتَطهِيرٍ بقرآنٍ مُبِينِ

فَخَطَّتْ رِيشتي ذَهَباً مُنَقَّى *** بِنورِ مُحَمَّدٍ وَ بِنُورِ ديني

فقَالَتْ أملٍ يَا مَنْ في غَرَامٍ *** تُحدثني شُعورَكَ في حَنينِ

فَقُلتُ لها ضَمِيني فَرطُ حُبّي *** لآلِ مُحمدٍ في كُلِّ حِينِ

فَحُبُّهم يُعبِّى جَوفَ قَلبي *** وَ يَسري في دَمي وَ شُعَاع عيني

فَمهلاً يَا فُؤَادِي لا تُبَالِ *** بِهَمِّ أنتَ في حِصنٍ حَصينِ

بِيَومِ وِلادَةِ الزَّهراءِ تَحلو *** تَهاني المؤمنينَ إلى الأمِينِ

وَ نَحن بأربعَاء قَد جُمِعنَا *** بِدارِ خُصِّصَتْ لِعُلومِ دِيني

بِمَجْلِسنَا يَطِيبُ نَسيمُ طه *** وَ يحضُرُ قائمُ البيتِ المتِيِنِ(2)

وَ يُدرسُ في كِتابِ اللَّهِ عِلمٌ *** يُفَسَّر ضِمن تَفسير مُبينِ

ص: 92


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الثالث.
2- يشار إلى الدار: فهي دار العارف بالله العلامة الأستاذ الدكتور أسعد علي مرشد الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية خارج الوطن العربي.

بِتَنْزِيلِ وَ تَرتِيبِ مُنَقَّى *** مِنَ الآفاتِ مِن سُوءِ الظُّنونِ

وَ مِن حقدٍ تَرَبَّع في قُلُوبٍ *** عَمَاهَا البُعدُ عَن فهم اليقينِ

وَ مُرشِدُهُ يَذوبُ بِحُب طه *** وَ بالزهراءِ والدةِ الحسينِ(1)

يُتابِعُ سَيرَهُ بِخُطى عَليَّ *** وصيِّ المصطفَى الهادي الأمينِ

ص: 93


1- مرشده: هو العلامة الأستاذ الدكتور أسعد علي.

(28) بين الجدار

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

أَتَفِرُّ بَعْدَ الطَّفْ مِنْكَ عُيُونُ *** وَ بِهَا ضِيَا فَجْرِ الهُدَى مَدْفُونُ؟

بَشَرٌ بِيُمْنَاهُ جَرَى قَلَمُ القَضَا *** بِجَمِيعِ مَا هُوَ كَائِنٌ وَ يَكُونُ

فَجَرَى عَلَيْهِ بِهِ القَضَا عَنْ حِكْمَةٍ *** لِلَّهِ غَامِضُ سِرِّهَا مَكْنُونُ

فَأُصِيبَ فِي الزَّمَنِ القَدِيمِ بِفَادِحِ *** جَلَلٍ لَهُ يَوْمَ الطُّفُوفِ قَرِينُ

إلى أن قال:

وَ ابْنُ النَّبِيِّ رِدَاهُ َقَسْطَالُ الوَغَى *** فِي الطَّفْ لَمَّا حُزَّ مِنْهُ وَتِينُ(2)

بِحُسَامٍ مَنْ قَطَعَتْ يَدَاهُ أَراكةً *** مِنْهَا تُظلُّ عَلَى البَتُولِ غُصُونُ

فَكَمَا بِضَرْبِ السَّوْطِ وَ شَحَ جَنْبَهَا *** بِالخَيْلِ رُضَّتْ لِلْحُسَيْنِ مُتونُ(3)

ص: 94


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- القسطال: الغبار الساطع في الحرب، و تين: عرق في القلب يجري منه الدم إلى سائر العروق.
3- في كتاب «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 منقولة عن كتاب (علم اليقين في أصول الدين) ص686 للكاشاني. «...فأمر عمر قنفذ ابن عمه أن يضربها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها الشريف...».

وَ بِلَصٌ بَاب حِينَ أَجْهَضَ حَمْلَهَا *** بِالسَّهُم أَرْدِي لِلْحُسَيْنِ جَنِينُ(1)

وَ بِقَطْعِهِمْ أَصْلَ الأَرَاكَةِ حَيْثُ لاَ *** ظِلاً عَلَى الزَّهْرَا البَتُولِ تَكُونُ

في كَرْبَلاءَ مِنَ الحُسَيْنِ جَراءةً *** قُطِعَتْ يَسَارٌ شُرفَتْ وَ يَمِينُ

وَ كَذَلِكَ السَّجَّادُ بَعْدَأَبِيهِ مَا *** بِالأسْرِ هَلْ يَدَيْهِ وَ هُوَ حَزِينُ

إِلَّا إلا الَّذِي قَادَ الوَصِيَّ مُلَبَّباً *** وَ لِفَاطِم الزَّهْرَا وَرَاهُ حَنينُ(2)

مَضْعُوظَةً بَيْنَ الجِدَارِ وَ بَابِها *** وَ مِنَ الشَّجُونِ فُؤَادُها مَشْحُونُ

تَدْعُوهُمُ: خَلُوا ابْنَ عَمِّي قَبْلَما *** أَدْعُو وَ طَرْفِي بِالدُّمُوعَ سَخِينُ

لَمْ يُشْفِكُمْ إِسْقَاط حَمْلِي مِنْ حَشَا *** كَبِدِي وَ فِيها حُرْقَةٌ وَ شُجُونُ(3)

عَنْ أَخْدِكُمْ بَعْلِي يُقَادُ مَلیباً *** مِنْ وَسْطِ دَارِي مَا لَدَيْهِ مُعينُ(4)

فَالْيَوْمَ مِنْ نَبْكِيهِ مِنْ أَهْلِ العَبا *** وَ لَهُ تَسِيلُ مِنَ العُيُونِ شُؤُونُ

ص: 95


1- لص الباب: إغلاقه. جاء في «الاحتجاج» ج1 ص109 -ط النعمان في النجف الأشرف (1966). «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها جنبها...».
2- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص339 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم. تفيد المعنى المذكور: «...عن سلمان الفارسي أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و اله و سلم بالحق لئن لم تخلوا لأنشرن شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم على رأسي...». انظر و أيضاً بحار الأنوار ج43 ص47 ضمن ح46. و في تفسير العياشي ج2 ص67 ضمن ح76 ط/ المكتبة العلمية الإسلامية/ طهران. «...ثم دخلوا فأخرجوا عليا علیه السلام ملبياً، فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي واللّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري...». انظر «البرهان في تفسير القرآن» ج2 ص93 ح4 ط3/ مؤسسة الوفاء -بيروت.
3- جاء في «دلائل الامامة للطبري» ص45 ط الثالثة في ايران قم المقدسة -منشورات الرضي. منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف (1963). «... و حملت بمحسن فلما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و جرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها و إخراج ابن عمها أميرالمؤمنين علیه السلام و ما لحقها من الرجل أسقطت به ولداً تماماً و كان ذلك أصل مرضها و وفاتها علیها السلام.
4- مليباً: مجروراً.

لِسُلالَةِ المُخْتَارِ لَمَّا وُشْحَتْ *** بِالسَّوْطِ مِنْهَا أَضْلُعٌ وَ مُتونُ(1)

أَمْ لِلْوَصِيِّ وَ قَدْ قَضَى مِنْ ضَرْبَةٍ *** بِشَبَا حُسَامٍ حَدُّهُ مَسْنُونُ؟(2)

أَمْ لِلْحُسَيْنِ المُبْتَلَى بِفَوَادِحٍ *** عَنْهَا جَمِيعُ الحَادِنَاتِ تَهُونُ؟

فَإِذَا جَرَى مِعْشَارُ ذِكْرِ مُصَابِهِ *** مِنْهَا الجِبَالُ الرَّاسِخَاتُ تَلِينُ(3)

ص: 96


1- في كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 ط/ النعمان في النجف الأشرف (1966). «... وحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها...».
2- شبا حسام: حدُّ السيف.
3- دیوان ملا علي آل رمضان ص268 والقصيدة في (41) بيتاً) أخذنا منها ما نحن بصدده.

(29) أزقت أهل المدينة

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

أَرْضُ المَدِينَةِ أَظْلَمَتْ أَوْطَانُهَا *** وَ تَنَكَّرَتْ لَمَّا قَضَى سُلْطَانُهَا

وَ بَكَى عَلَيْهِ المُرْسَلُونَ وَ كَيْفَ *** لَايَبْكِي لِمَنْ مِنْ سِرِّهِ بُرْهَانُها؟

وَ الأَرْضُ قَدْ عَجَّتْ عَلَيْهِ عَجَّةً *** مِنْ رَجْفَةٍ بَلَغَ السَّمَاءَ دُخانُهَا(2)

وَ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ البَتُولَهُ أَصْبَحَتْ *** مِنْ حُزْنِهَا مُنْهَدَّةً أَرْكَانُها

تَبْكِيهِ تَحْتَ أَراكَةٍ وَدُموعُهَا *** تَجْرِي عَلَى وَجْهِ الثَّرَى مَرْجَانُهَا(3)

فَاسْتَأَصَلُوا أَصْلَ الأَرَاكَةِ خِيفَةً *** أَنَّ البَتُولَ تُظِلُّهَا أَغْصَانُهَا

فَإِذَا سَجَا جُنْحُ الدُّجَى وَ تَذَكَّرَتْ *** فِيهِ تَهَجَّدَهُ يَذُوبُ جَنانُها(4)

فَتَنُوحُ نَوْحَ الوَرْقِ مِنْ قَلْبِ بِهِ *** قَبَساتُ وَجْدِ تَصْطَلِي نِيرانُها(5)

قَدْ أَرَّقَتْ أَهْلَ المَدِينَةِ وَ اشْتَكَتْ *** عِنْدَ الوَصِيِّ المُرْتَضَى أَعْيَانُهَا(6)

يَدْعُونَهُ: يَا مَنْ أَشَادَ حِمَى الهُدَى *** وَ المُشْرِكُونَ بِهِ فَنَتْ أَوْثَاتُهَا

هذِي ابْنَةُ المُخْتَارِ فَاطِمُ بَعْدَهُ *** مِثْلُ الحَمَامَةِ لَمْ تَنَمْ أَجْفَانُها

ص: 97


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- عجتُ: اشتدت الرياح فأثارت الغبار.
3- مرجانها: صغار اللؤلؤ.
4- سجا: دام و سكن. جنح الدجى: طائفة من الظلام. تهجّده: سهره.
5- الوَرْق: الحَمام. تصطلي: تستدفىء.
6- انظر ما ورد عن كتاب البحار ج43 ص155 باب ما وقع عليها من الظلم عن أبي عبدالله علیه السلام.

إِمَّا تَنُوحُ عَشِيَّةً أَوْ عُدْوَةً *** مَهمَا اكْفَهَرَّتْ فِي الحَشا نِيرانُها

فَدَعاهُمُ خَيْرُ الوَرَىٰ وَ دُمُوعُهُ *** تَجْرِي لِذِكْرَى أَحْمَدٍ هَتَانُها(1)

يا قَوْمِ هَلْ تَدْرُونَ فَاطِمَ مِنْ عُلاَ *** تُبْدِي الحَنِينَ إِذَا بَدَتْ أَحْزَانُها؟

تَبْكِي لِوَالِدِهَا حِذَاراً بعْدَهُ *** فِي هَذِهِ الدُّنْيا يَطولُ زَمَانُها

مَهْضُومَةٌ مَا بَيْنَ شَرِّ عِصَابَةٍ *** عَانَتْ بِرقَةِ جِلْدِها سِيِطانُها

وَ بِدَارِها قَدْ أَضْرَمُوا ناراً وَرَتْ *** فَكَأَنَّ فِي قَلْبِ النَّبِيِّ لِسانُها

نارٌ قد اشتعلتْ بِمَنْزِلِ فَاطِمٍ *** قَدْ شَبَّ فَسْطَاطَ ابْنِهَا لُهْبَانُها(2)

ص: 98


1- هتّانها: تتابع مطرها.
2- نقلت من ديران ملا علي آل رمضان ص96 و القصيدة طويلة أخذنا منها ما كان فى الزهراء علیها السلام.

(30) دار بها الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

یا حَیَّ دارٍ کَثِيرَةِ الأَحْزَانِ *** بِنْتَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى العَدْنَانِ(2)

كَمْ عَبْرَةٍ يَا دَارُ فِيكِ تَحَدَّرَتْ *** مِنْ أَعْيُنِ الزَّهْراءِ كالمَرْجَانِ(3)

حَتَّى قَدِ انْتَحَلَتْ لِطُولِ مُصابِها *** مِنْ فَقْدِ وَالِدِها عَظِيم الشَّانِ(4)

وَ عَنْ الْتِهابِ الشَّمْسِ كانَتْ تَلْتَجِي *** بِأَرَاكَةٍ مُلْتَفَّةِ الأَغْصَانِ

حَتَّى هُنالِكَ مِنْ تَمَادِي غَيْهِمْ *** قَطَعَ الأَراكَةَ ذانِكَ الرَّجُلانِ!!

دارٌ بِهَا الزَّهْراءُ طالَ حَنِينُها *** مِمَّا بِأخشاها مِنَ الأَشْجانِ(5)

ص: 99


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- (والبيت الذي يليه) في بحار الأنوار ج43 ص177 ضمن ح15 ط الثانية مؤسسة الوفاء. «... ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان» و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها و لم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها سبعة و عشرون يوماً.
3- المرجان و المفرد المرجانة و هي اللؤلؤة الصغيرة.
4- في «بحار الأنوار» ج43 ص156-157 ح5 «عن المناقب»... «و قالت علیه السلام: في جواب أم سلمة «رضوان الله تعالى عليها»، إذ قالت لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟: أصبحت بين كمد و كرب فقد النبي و ظلم الوصي...». و وردت في «المناقب» لابن شهر آشوب ج2 ص205.
5- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص362/ ط انتشارات علامة قم: «و روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلايدعكما تمشيان على الأرض و لاأراه يفتح هذا الباب أبداً و لايحملكما على عاتقه...». انظر كتاب روضة الواعظين، ص167 ط1/ مؤسسة الأعلمي. و كذا كتاب بحار ج43 ص181 ضمن ح16.

الجزء الخامس

أَرْوَوْا بِمَرْجانِ المَدامِعِ أَرْضَها *** فِي كُلِّ وَقتٍ مِنْكُمُ وَ زَمَانِ

مُسْتَشْعِرِيْنَ بِها انْتِحابَ البَضْعَةِ *** الزَّهْرا البَتُولِ وَ حَوْلَها الحَسَنانِ(1)

الْفَرْقَدُ الأَسْنَى الزَّكِيُّ المُجْتَبَى *** وَ شَقِيقُهُ السِّبْطُ الشَّهِيدُ الثَّانِي

المُبْتَلَى فِي كَرْبَلابِفَوادِحٍ *** فِي نَفْسِهِ وَ حُماتِهِ الأَقْرانِ

نَفَرٌ وَ قَوْهُ مِنَ الرَّدَى فَاسْتُشْهِدوا *** مِنْ حَوْلِهِ فَبَقِي بِلاأَعْوَانِ(2)

وَ لَطَالَما قَدْ ضَيَّقُوا الوِدْيانَ مِنْ *** جَيْشِ العِدَى بِالْهامِ وَ الأَبْدانِ

وَ قَدِ اسْتَدارَتْ حَوْلَهُ لِقِتَالِهِ *** مِنْ آلِ حَرْبٍ أَلْفُ أَلْفِ عِنانِ

إلى أن قال:

أمِنَ المُعَنِّي البَضْعَةَ الزَّهْرَا عَلَى *** قَتْلِ الشَّهِيدِ الفَرْقَدِ الهَمَدانِي

: 100


1- بحار الأنوار ج43 ص177 ضمن ح15: «...ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمينن علیه السلام علي فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منا يهنأ بالنوم في الليل على فُرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخيرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً...». و في كتاب كشف الغمة، ج2 ص93 ط دار الكتاب الإسلامي بيروت.«...قال: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد أخذ بيد فاطمة علیها السلام و قال: من عرف فاطمة علیها السلام هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله .و سلم و هي بضعة مني و هي قلبي الذي بين جنبي...».
2- الرَّدى: الموت.

ما حالُها لَوْ شاهَدَتْهُ عَلَى الثَّرَى *** وَ الرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى سِنانِ سَنانِ(1)-(2)

ص: 101


1- (والبيت الذي سبقه) لعله أراد الرواية الواردة في كتاب البحار، ج32 ص222 ح8. حال الزهراء علیها السلام حين ترى الحسين علیه السلام يوم القيامة و هو مذبوح بلا رأس فما حالها لو رأته على الثرى... «...قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة علیها السلام في لمة من نسائها فيقال لها: إدخلي الجنة. فتقول: لاأدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي فيقال لها: انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين علیه السلام قائماً و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و اصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا فيغضب الله «عزوجل» لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها: هبهب. قد أوقد عليها ألف عام حتى أسودَّت...».
2- دیوان ملا علی آل رمضان ص262 و القصيدة في (35) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

(31) درة قدسية

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

مَنْ جَدَّ عِرْنِينَ الْهُدَى وَ الدِّينِ *** مِنْ آلِ طهَ عِلَّةِ التَّكوينِ؟(2)

وَاجْتَتَ يُمْنَى هَاشِمٍ وَ شِمَالِهَا *** وَ آدَىٰ مِنْهُمْ كُلَّ لَيْثِ عَرِينِ(3)

مَنْ حَلَّ عَقْدَ نِظَامِ بَيْعَةِ أَحْمَدٍ *** لِوَصِيْهِ الْكَرَّارِ خَيْرِ أَمِينِ

وَ أَشَادَ أَفْنِيَةَ الضَّلالِ سَفاهَةً *** وَ اسْتَأَصَلَتْ يَدُهُ أُصولَ الدِّينِ

وَ أَنَّى إِلَى الزَّهْرا وَاجْهَضَ حَمْلَها *** سِقْطاً بِمَنْزِلِها فَنَايَاسِينِ

قَدْ لَصَّها بِالْبَابِ فَانْتَدَبَتْ أَلاَ *** يَا فِضَّةٌ قُومِي إِلَيَّ خُذِينِي(4)

قَتَلُوا جَنِينِي فِي الحَشَا يَا وَيْلَهُمْ *** لَمَا بِعَرْضِ الْبَابِ قَدْ عَصَرُونِي

أَوَ لَيْسَ قَالَ مُحَمَّدُ الْمُخْتَارُ: مَنْ *** آذى البتول سُلالَتِي يُؤْذِينِي(5)

وَ الْيَوْمُ قَدْ هَجَمُوا عَلَيَّ وَ أَخْرَجُوا *** بَعْلِي عَلِيّاً بَعْدَ مَا ضَرَبُونِي

فَلأَشْكِيَنَّ إِلَى الْجَلِيلِ بَلِيَّتِي *** وَ أَبُثُ دَمْعاً مِنْ جُفُونِ عُيُونِي

مَا كَانَ نَاقَةُ صَالِحٍ مِثْلِي وَ لَا *** فِي الْفَضْلِ كَانَ فَصِيلُهَا كَجَنِينِي

ص: 102


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جذ: قطع. عرنين: الأنف أو أوّل كل شيء.
3- اجتثّ: قطع. عرين: مأوى الأسد.
4- لصّها: التزقها.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم، قال: فإنها هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.

وَ أَنا ابْنَةُ الْمُخْتَارِ فَاطِمُ دُرَّةٌ *** قُدْسِيَّةٌ مِنْ جَوْهَرِ مَكْنُونِ

فَقَضَتْ وَ آثارُ السَّيَاطِ بِظَهْرِهَا *** وَ بِجَنْبِها حُزْنِي لَهَا وَ حَنِينِي(1)

ص: 103


1- نقلت من ديوان ملاعلي آل رمضان ص39. و القصيدة من (60) بيتاً نظمها في ما جرى على عترة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من بعد وفاة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و أخذنا ما نحن بصدده عن سيدة النساء.

(32) غصب الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

علي بن علي بن نما الحلي(*)(1)

يا غَزالاً غَازَلْتُ فِيهِ غَرَامِي *** فَأَبَى أَنْ يَدِينَ لِي أَوْ يَلِينِي

لا وَمَا رَقَ مِنْ مُدَامَةِ خَدَّيكَ *** وَ ماءٍ أُرِيقُهُ مِنْ جُفُونِي

وَ عَذَابِ يَحْمِلْنَ ظُلْمَكَ حَمْلِي *** لِعَذَابِ ظُلماً بِهِ تَبْتَلِينِي

منها في مدح علي بن أبي طالب «رضي الله عنه»:

أصِفُ السَّيِّدَ الَّذِي يَعْجَزُ الوا *** صِفُ عَنْ عَدْ فَضْلِهِ فِي السِّنِينِ

خَاصِفَ النَّعْلِ خَائِضَ الحربِ فِي بَدْرٍ *** وَ أُحْدٍ وَ الفَتْحِ حَوْضَ السَّفِينِ(2)

ذا القَضَايَا الَّتِي بِهَا حَصَلَ التَّمْيِيزُ *** بَيْنَ المَفْرُوضِ وَ المَسْنُونِ

سَلْ بَراةً عَمّنْ تَوَلَّتْ وَ أَفكرْ *** إِنْ طَلَبْتَ النَّجَاةَ فِكْرَ ضَنِينِ

أيُوَلَّى على البَرِيَّةِ مَنْ ليسَ *** عَلَى حَمْلِ سُورَةٍ بِأَمِينِ؟

إِنَّ فِي مَرْحَبٍ وَ خَيْبَرَ وَ البابِ *** بلاغاً لِكُلِّ عَقْلٍ رَصِينِ

وَ رُجُوعُ التَّيْمِي أَخْيَبَ بِالرّايَةِ *** كَفَّاً مِنْ صَفْقَةِ المَغْبُونِ

ص: 104


1- (*)علي بن نما الحلي علي بن علي بن نما بن حمدون بن أبي القاسم الكاتب من أهل الحِلّة السيفية، و هو أخو الحسين الأكبر. تصرف في الأعمال الديوانية، و كان فاضلاً و أديباً و شاعراً و هو شجاع في ولائه و تشيعه مدح الأكابر و سافر إلى الشام. توفي سنة (579 ه-).
2- خاصف النعل: أطبق على النعل مثلها و خرزها بالمخصف و المخصف هو مخرز الاسكاف. السفين: السفينة.

أَلِشَكُ مِنْ شَوْكَةِ الحَرْبِ حَادُّوا *** يَوْمَ أُحُدٍ أَمْ خِيفَةً لِلْمَنُونِ؟!

وَ أَرَى الحَالَتَيْنِ تُوجِبُ للإبْطالِ *** إِبْطالِ ما ادَّعَى مِنْ فُتُونِ

وَ كَفَىٰ فَتْحُ مَكَةٍ لِمَنِ اسْتَيْقَظَ *** أَوْ نَالَ رُشْدَهُ بَعْدَ حِينِ حِينَ

حِینَ وَلَّى النَّبِيُّ رَايَتَهُ سَعْدَ *** المُفَدَّى مِنْ قَوْمِهِ بِالعُيُونِ

فَشَجَاهُ الأَعْسَى عَلَيْهِم وَ *** للأوسِيِّ شِعبٌ مِنْ قَلْبِهِ غَيْرُ دُونِ

فَرَأَى أَنَّ عَزلَهُ بِعَلِيَّ *** هُوَ أَحْمَىٰ لِمَجْدِهِ مِنْ أُفُونِ(1)

عَجَبُ البَيْتِ إِذْ رَقَتْ قَدَماهُ *** كَتِفاً جَلَّ عَنْ يَدَيْ جِبْرِينِ(2)

رُتْبَةٌ لَوْ سَما سِوَاهُ إِلَيْها *** قَابَلَتْهُ الأَصْنامُ مِنْ غَيْرِ هُونِ

ثُمَّ قَالَتْ: أَتَكْسِرُونِيَ يا قَوْمِ *** وَ بِالأَمْسِ كُنْتُمُ تَعْبُدُونِي؟

وَ إِذَا مَا عَدَدْتَ سَبْقَ ذَوِي الهجرَةِ *** يَوْماً هِجَانِهِمْ وَ الهَجِينِ(3)

شَرِكَتْ لَيْلَةُ الفِرَاشِ بِفَضْلِ *** الكُلِّ شَتَّ النَّوَى بِحَيِّ قَطِينِ

وَ اشْرَحُوا القَلْبَ فِي أَسَامَةَ إِذَ *** أَبْطَلَ تَسْرِيحَ جَيْشِهِ وَ سُمُونِي

حيْثُ لاَيُمْكِنُ الوُثُوبُ أخو العَذْلِ *** وَ لاَعَادِلٌ أخو التَّمْكِينِ

إنَّ غَضبَ الزَّهْراءِ إِرْثَ أَبِيهَا *** وَ اذْكَارُ ارْتِجَاعِها بَعْدَ حِينِ(4)

لفَظِيعٌ لَمْ يَحْفَقُوا فِيهِ إِلاَّ *** لِلنَّبِيِّ الهَادِي وَ لاَ إِلَّ دينِ

يا لَهَا مِنْ فَرِيسَةٍ أَنْقَذَتْها *** بَعْدَ بُطْءٍ فَرَاسَةُ المَيْمُونِ

ص: 105


1- أفون: ضعيف الرأي. و الظاهر الصحيح من (أفین) لا (أفون) لأن أصله (أفنَ) ولاضرورة تجبرنا على (أفون) إذ الصيغة الصحيحة تحفظ الوزن أيضاً و اللَّه العالم.
2- جبرين: جبريل.
3- هجانهم: قبيحهم و عيبهم. والهجين: اللئيم.
4- في كنز الفوائد للكراجكي، ص361 يقول حول فدك و من عجائب الأمور تأتي فاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم تطلب فدك و تظهر أنها تستحقها فيكذب قولها و لاتصدق في دعواها و تردّ خائبة إلى بيتها ثم تأتي عائشة بنت أبي بكر تطلب الحجرة التي أسكنها إياها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و تزعم أنها تستحقها فيصدق قولها و تقبل دعواها و لاتطالب ببينِّة عليها.

منها:

سَيْفَ صِدْقٍ لَمْ يَأْلُ فِي اللَّهِ جَهْداً *** بِجِهَادٍ مَسْتَحْقَبِ لِلضُّعُونِ(1)

فَاقْتِضاهُ يَوْمِ السَّقِيفَةِ مَا اسْتَسْلَفَ *** فِي بَدْرٍ سَيفَهُ مِنْ دُيُونِ

إحَنٌ أعْجَزَتْهُمُ أَنْ يَلُوها *** وَ هْيَ مِنْ طَيْ كُفْرِهِمْ فِي كَمِينِ(2)

ص: 106


1- لم يألُ: لم يقصر و لم يبطأ، مستحقب للضغون للحقود. مجمع للحقود.
2- إحن: أحقاد. قال: محب الدين بن النجار: -ينشدها الشيعة في المواسم في مشاهد أهل البيت علیهم السلام. و لم نعثر على كل القصيدة و لم نجد ترجمة للشاعر في كتبنا. عن كتاب الوافي بالوفيات ج21 ص335 رقم 219 ذيل كتاب تاريخ بغداد لابن النجار ص344 رقم 149.

(33) خط البتولة علیها السلام واضح

(بحر الكامل)

السيد عمران المير

ذِكْرَاكِ يا بنتَ الأمينِ *** تَحْيَا عَلَى مَرُ السِّنِينِ

ذِكْرَاكِ أضْحَتْ شُعْلَةً *** وَضَاءَةً فَوْقَ الجَبِینِ

يا بِنْتَ الرِّسَالَةِ *** أَصْبَحَتْ نَبْعَ المَعِينِ(1)

یابِنت طة أَحْمَدٍ *** وَ أُمَّ أَشْبال العَرينِ(2)

ها قَدْ أَيثُكِ لَوْعَةً *** مِنْ قَلْبِي الواهِي الحَزِينِ

مَاذَا أَقُولُ وَ هَلْ سَتُجْدِي *** قَوْلَتِي نَفْعاً لِحِينِ؟

خَدَعُوا فَتاةَ العَصْرِ فِي *** أَسْلُو بِهِمْ ذَاكَ المُهِینِ

لَعِبُوا عَلَى عَقْلِ الفَتَاةِ *** نَصَبُوا لَهَا شَرَّ الکَمِینِ

قَدْ تَاجَرُوا بِعَفَافِها *** وَ أَصْبَحَتْ صِفْرَ اليَدَيْنِ

قَالُوا لَهَا إِنَّ التَّحَرُّرَ *** مِنْ ياءٍ خَيْرُ دِينِ

قَالُوالَهَا طَرْحُ الحِجَابِ *** تَقَدُّمٌ فِي العَالَمِینِ

هيّا اطْرَحِيهِ فَإِنَّكِ *** فِيهِ السَّجِينَةُ فِي سَجِينِ

قَالُوا لَها نُورِي عَلَى *** زَوْجِ لَكِ شَرِّ القَرِينِ(3)

ص: 107


1- المَعِين: الماء الجاري.
2- العرين: بيت الأسد.
3- القرين: المقرون بآخر المصاحب العشير الزوج.

قَالُوا لَهَا ثُورِي عَلَيْهِ *** وَ حَطْمِي غُلَّ اليَ الَيَدْينِ(1)

قُولِي لَهُ أَنَا حُرَّةٌ *** إِنْ شِئْتَ أُخْرُجْ يا قَرِينِي

إِنْي أُرِيدُ حَيَاةَ بِنْتِ *** الغَرْبِ فِي كُلِّ الشُّؤُونِ

خَطُّ... البَتُولَةِ وَاضِحٌ *** لاَلِلْيَسَارِ وَ لاَاليَمِينِ(2)

لا..لاتَكُونِي سِلْعَةً *** تُشْرَى الأَصْحَابِ المُجُونِ(3)

کُونِي مُرَبِّيَةٌ لِجِيلٍ *** شَاءَ رَبِّي أَنْ تَکُونِي

قُولِي سَأَحْمِلُ مَبْدَئِي *** حَتَّى وَ لَوْ قَطَعُوا يَمِينِي

لا لَنْ أَكُونَ بضَاعَةً *** جُلِبَتْ لِهَزِّ لِلْمُتُونِ

إِنِّي سَأَسْلُكُ دَرْبَ بَضْعَةِ *** أَحْمَدَ الهَادِي الأَمِ الأمِينِ

فَهِيَ الشَّفِيعَةُ يَوْمَ لا *** نَفْعٌ لِمَالٍ أَوْ بَنِینِ(4)

شَهِدَ الإِلهُ بِطُهْرِها *** فِي مُحْكَم الآي المُبِينِ(5)

صَلَّي عَلَيْهَا اللَّهُ ما *** غَنَّتْ طيورٌ فِي غُصُونِ

ص: 108


1- غُلّ: الغُلّ. هو القيد و هو طوق من حديد أو جلد يُجعَل في اليد أو العنق.
2- جاء في كتاب أحقاق الحق ج (19) ص11/ ط مكتبة آية الله المرعشي -مطبعة الخيام- رقم 1406 ه-: «...و سمّيت فاطمة البتول علیها السلام لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل: لإنقطاعها عن الدنيا إلى اللّه». انظر کتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص81 إحقاق الحق، ج10 ص26 الهامش.
3- تُشرى: تُباع.
4- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص1188 ح8: «...سألت فاطمة علیها السلام النبي صلي الله علیه و آله و سلم أن يكون صداقها شفاعة لأمته القيامة فإذا صارت على الصراط طلبت صداقها.
5- إشارة إلى «آية التطهير» ففي كتاب ذخائر العقبى، ص23/ ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «...عن واثلة بن الأسقع قال سألت عن علي في منزله فقيل لي: ذهب يأتي برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إذ جاء فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و دخل فجلس رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على الفراش و أجلس فاطمة علیها السلام عن يمينه و علياً علیه السلام عن يساره و حسناً و حسيناً علیهما السلام بين يديه و قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام...».

(34) هداها القرآن

(بحر الخفيف)

الأستاذ فرات الأسدي(*)(1)

قمرٌ يشعُّ بهاءً حزينُ *** ملأ الليلَ وجهه المفتونُ

و تدانی فشفَّه خجل الأرض، *** و قد نمَّ طرفُها المرهونُ

لیتَها بالهوى تبوحُ إليه *** فيُناجى طيفٌ و تُروى شجونُ

كم أسرَّت جوّى يُلحُّ عليها *** و أذاع الأسرار حبُّ مكينُ

***

ضمّنَتْه الشكاةُ للألق المخضلِّ *** فيه أديمُها، و السنينُ

و لقاء سمعت إليه و طافتْ *** كل شوط حتى أضاء اليقينُ

طورُها مهدُ فاطم أين منه *** في التجلّي حراءُ أو سينينُ!

***

يا بنةَ النور، و العوالم جاءت *** كيف شاءت: تكونُ أو لاتكونُ

***

ص: 109


1- (*) هو الشاعر الأستاذ فرات الأسدي؛ ولد سنة (1380) ه-)، من عائلة علمية معروفة، أنهى شطراً من الدراسة الأكاديمية و درس عدة مراحل في الحوزة العلمية، و من نتاجه الأدبي: 1- (ذاكرة الصمت و العطش). 2- (صدقت الغربة يا إبراهيم). 3- (النهر وجهك). 4- (الخناجر الميتة): رواية، و له مساهمات فعّالة في النوادي الأدبية و الثقافية و الدينية، كما شارك في الصحافة و الكتابة الأدبية و يدير الآن دار الأدب الإسلامي: مشروع النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام في الشعر العربي.

و بأفلاكها مداراتُ هذا *** الكون صلّتْ، و سبّح التكوينُ

أُنظرينا فنحنُ رهطُ مواليك *** و ما ضيَّعَ اليسار يمينُ

لك ودٌ مخضوضر بدمانا *** أنت فيه، و التينُ و الزيتونُ

جذره القلبُ والحنايا غصونُ *** و له من تُراب خطوك طينُ

رفِّ لم يختلفْ لديه و تينُ *** أو أطاحت بنبضه سکَینُ

بل مضى، يمنحُ المفاداةَ عمراً *** علويّاً، شهيدهُ و السجينُ!

***

قمرٌ شاحبُ... و دربٌ حزينُ *** و المدى في حداده مركونُ

... المدى شائه المسافة يهوي *** دونه الليل و السُرى و العيونُ

عثر النجم فيه وارتدَّ ركبٌ *** أسلمته إلى خطاه الظنونُ

فإذا التيهُ رايةٌ و الخطايا *** جندها، و الحداةُ صوتٌ هجينُ

***

وإذا غايةُ المسيرة أن يشدَّ *** رهجُ، وأن تُساق مُتونُ!

***

لُعنَ الغدرُ أيُّ نصر ذليلٍ *** راح يجنيه حدُّهُ المسنونُ

أيُّ ذكرى منسيّة لبريق *** كان في الفتح يلتظي و يبينُ

حسبُه اليوم غمدُهُ و غبارٌ *** صدىءٌ باردٌ عليه يَرينُ!

***

خُيلاء السيوف تملأُ عطفَيه *** ادّعاءً... وَ يشمخ العرنينُ

ثمَّ لا شيءَ غير عزم دعيِ *** هو في زحمة العزائم دُونُ

إيه يا أُمّة السقيفة هلاً *** رفَّ جفنٌ... هلّا تندّى جبينُ

ص: 110

ما نفضت الأكفَّ من تربِ طه *** بعد حتى استفاق حقدٌ دفينُ

و صدورٌ موغرةً و غضونُ *** في وجوهِ يؤودهُنَّ مجونُ

ما توضّأنَ بالغدير ولكن *** غار تحت الجلود جدبٌ ضنينُ

هل تراها تطيقُ طهرَ عليّ *** و هو يشذى بمائه النسرينُ

***

أم تراها تجلُّ فاطمة *** الزهراء، و الحق حلفْها و الدينُ

و هُداها القرآن و الدمع إلفُ *** و صلاةٌ محزونةٌ... و حنينُ

***

و أطاحت بالأزهر الفاطميّ *** المجد، و انصاع تحتَها يستكينُ

وإلى الآن لم تزل ورؤاها *** ينسَلُ الوهمُ بينها و الهونُ!

و الغريُّ الذي بها راح يصلى *** و البقيعُ الذي بها مطعونُ

و غداً يثقلُ الحسابُ عليها *** كم يُؤدّى غرمٌ، و تُوفى ديونُ؟

فوراء الغيوبِ اللَّه أمرٌ *** و لخيل المهديّ شوطُ يحينُ!

ص: 111

(35) الحرمة الكبرى

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي(*)(1)

لَوْ كُنْتَ تَدْرِي مَاشُجُونِي *** مَا لُمْتَ ذَا الطَّرْفِ الهَتُونِ(2)

وَ لَمّا عَذَلْتَ أَخَا جَوّى *** مِثْلِي عَلَى فَرْطِ الأنِيْنِ(3)

دَعْ يا خَلِيَّ الْقَلْبِ ما *** فِي القَلْبِ مِنْ دَاءٍ دَفِينِ

دَعْ طَرَفي الْمَقْرُوحِ دَعْ *** جِسْمِي المُذَابَ مِنَ الحَنِينِ

وَ هْلاً مَعِي إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ *** دِينُهُمْ هُمْ فِي الحُبِّ دِينِي

أَوْلا فَقُمْ لاراشِداً *** فَاللَّوْمُ إِغْرَاءُ الْحَزِينِ

لاتَحْسَبَني ها زِلاً *** کَلاَ فما هُوَ مِنْ شُؤُونِي

لاتَعْجَبَنَّ فَفَوْقَ وُ سْعِي *** ماعرانِي مِنْ شُجُونِي

فِي الْحُزْنِ ما أَنَا مَفْرَدٌ *** وَ لَكُمْ بِهِ لِي مِنْ قَرِينِ

كَمْ وَالهِ مِثْلِي مَضَى *** فيما يَمُرُّ مِنَ السِّنِينِ

مُتَسَرْ بِلا لِلْحَشْرِ مِنْ *** فَرْطِ الأَسَى سِرْبالَ جُونِ(4)

لمُصَابِ سَيِّدَةِ النِّسَاء *** وَ رَبَّةِ الخِدْرِ الْمَصُونِ

بَقِيَتْ وَ يَا لَهْفِي عَلَيْهَا *** بَعْدَ وَالِدِها الأَمِينِ

مَا بَيْنَ كُلِّ مُنَافِقِ *** أَوْظَالِمِ رِجْسٍ لَعِینِ

ص: 112


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول.
2- الطَّرْف الهتون: العين المتتابعة دموعُها.
3- عذلتَ: لُمْتَ.
4- جُون: أسود.

خَانُوا النَّبِيَّ بِهَا وَكَمْ *** أَوْصَى فَوَيْلٌ لِلْخَؤُونِ

وَ ضَئِيلُهُمْ أَرْقَوْهُ مِنْبَرَ *** أَحْمَد بَدَل البطینِ(1)

یَا وَيْلَهُمْ إِذْ يَعْدِلُونَ *** إِلَى الْغَبِيِّ عَنِ الطَّبِينِ(2)

وَ الحُرَّةُ الزَّهْرَاءُ بَضْعَتُهُ *** أَرَوْها كُلَّ هُونِ(3)

مَنَعُوا عَلَيْهِ بُكَاءَهَا *** وَ اسْتَأْصَلُوا ذَاتَ الْغُصُونِ(4)

وَ تُرَاثُها اغْتَصَبُوهُ حَتَّى *** أَصْبَحَتْ صِفْرَ الْيَمِينِ

وَ أَمَضُّ خَطْبٍ مُقرِحٍ *** لِلْقَلْبِ أَنْ ذَوِي الضُّغُونِ

هَجَمُوا عَلَى الدَّارِ الَّتِي *** هِيَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ الأَمِينِ

وَ الحُرْمَةُ الكُبْرَى اسْتَباحُوها *** مِنَ الخِدْرِ المَصُونِ

وَ الطّهْرُ ظُلماً ضِلْعَها *** كَسَرُوا فَعَجَّتْ بِالرَّنِينِ(5)

ص: 113


1- أشار إلى ذلك سليم بن قيس في كتابه ص25 عن البراء بن عازب يقول: افتقدت أبابكر و عمر ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر و عمر و أبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة و هم محتجزون بالأزر الصنعانية لايمر بهم أحد إلا خبطوه فإذا عرفوه مدوا يده على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى.
2- البطين: الفطين (ذو الفطنة والذكاء).
3- في كتاب العوالم ج2/11 ص574 قالت فاطمة علیها السلام في وصيتها لأميرالمؤمنين علیه السلام: لاتصلّي عليَّ صلى الله عليه و آله و سلم أمة نقضت عهد الله و عهد أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في أميرالمؤمنين علیه السلام علي و ظلموني حقي و أخذوا ارثي و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك و كذبوا شهودي إلى أن قالت فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم باللّه و بأبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يكفوا عنا وينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع و جهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلّي عليّ؟! وقد تبرأ الله ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم منهم، و تبرأت منهم.
4- (ذات الغصون) كناية عن الاراكة التي كانت تستظل بها في البقيع وتنوح والدها «سلام الله عليهما».
5- في كتاب بحار الأنوار ج43 ص173. ما أخبر به النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم بظلم أهل البيت علیهم السلام بعده (إلى أن قال) وانتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت ارثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم.

وَ دَعَتْ بِفِضَّةِ عَجِّلِي *** قَدْ مَاتَ فِي بَطْنِي جَنِينِي(1)

وَ تَرَفَّقِي بِي وَيَكَ فَالْمِسْمارُ *** فِي الجنبِ الْيَمِينِ(2)

والْقَوْمُ مَا انْعَطَفُوا بَلَى *** عَطَفُوا عَلَى الْحِلْمِ الرَّزِينِ

وَ اسْتَخْرَجُوهُ مُلَبَّباً *** وَ هُوَ الهِزَبْرُ مِنَ الْعَرِينِ(3)

فَأَعْجَبْ لِحَبْلِ أَسْوَدٍ *** يَلْوِي عَلَى الْحَبْلِ المَتِينِ(4)

لانَاصِراً إِذْ يَسْتَغِيثُ *** وَ مَا هُنَالِكَ مِنْ مُعِينِ(5)

إِلاَّ الَّتِي خَرَجَتْ تُعَثُرُ *** بِالذُّبُولِ مِنَ الشُّجُونِ(6)

ص: 114


1- وردت الإشارة إلى ذلك في عوالم العلوم ج2/11 ص 941 بنقله عن البحار: قالت فاطمة علیها اللسام: آه يا فضة إليك فخذيني فقد واللّه قتل ما في أحشائي من حمل وسمعتها و هي مستندة إلى الجدار و اشتد بها المخاض و دخلت البيت فأسقطت سقطاً سمّاه علي محسناً.
2- وردت الإشارة إليه في «مؤتمر علماء بغداد» ص135 و الفقرة هي كالتالي: و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و كذلك ذكر الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره في الأنوار القدسية الحادث بقوله: و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار
3- الهزبر: من أسماء الأسد.
4- في كتاب سليم بن قيس ص38: فانطلق قنفذ (الملعون) فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي ال إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه فألقوا في عنقه حبلاً.
5- في عوالم العلوم ج2/11 ص572 قالت الزهراء علیها السلام: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم واثكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام إلى أن قالت فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير ثم أنها أنت أنّةٌ وقالت واقلة ناصراه واغوثاه واطول کربتاه و احزناه وامصیبتاه واسوء صباحاه.
6- ورد في عوالم العلوم أيضاً ج2/11 ص572 تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره مليّباً بثوبه يجرونه إلى المسجد. فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها وقالت واللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باتباعنا و مؤدَّتنا و التماسك بنا.

تَعْدُو وَ تَدْعُو خَلْفَهُمْ *** وَ نَصِيحُ بِالصَّوْتِ الْحَزِينِ(1)

خلّوا ابْنَ عَمِّي لا أُطِيقُ *** فِرَاقَهُ أَوْ تَقْتُلُونِي(2)

ص: 115


1- في العوالم ج2/11 ص 578 عندما قالت فاطمة علیها السلام لأبي بكر بعد أن استئذنا أميرالمؤمنين علي عليه السلام في الدخول عليها هو و عمر في مرضها الأخير الذي توفيت فيه ليعتذرا منها: واللّه لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة أصليها.
2- قلائد و فرائد ص107.

(36) بعد فقد المرشد

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي(*)(1)

بُعْداً لِقَوْمٍ بَعْدَ فَقَدِ المُرْشِدِ *** ضَلُّوا فَمَا فِيهِمْ تَرَى مِنْ مُرْشِدِ

تَرَكُوا الْوَصِيَّ وَ آزروا تَيْماً عَدِي *** أَلْوَائِبِينَ لِظلم آلِ مُحَمَّدِ(2)

وَ مُحَمَّدٌ مُلقى بِلاتَكْفِينِ

***

نَبَذُو الْكِتَابَ وَ مَا بِهِ قَدْبُيْنَا *** وَ وَصِيَّةٌ طَعَ بِهَا قَدْ أَعْلَنا

بَلْ فِي ذَوِي الْقُرْبى اقْتَدَوْا بِبَنِي الْخِنا *** وَ القَائِلِينَ لِفَاطِمِ آذَيْنِنا

فِي طُولِ نَوْحٍ دَائِمٍ وَ حَنِینِ

***

فَتَرَى تَقِيَّهُمُ وَ مَا فِيهِمْ تَقِي *** عَنْ ظُلم آلِ نَبِيِّهِ لايَتَّقِي

فَغَدا بِمَنْ هَضم الْبَتُولَ سَيَلْتَقِي *** وَ الْقَاطِعِينَ أَراكةً كي ما تقيلَ(3)

ص: 116


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- كانت هذه الأبيات المخمسة ضعيفة السبك متكررة القوافي تحتاج إلى التعديل الكثير فتفضل الشاعر الخطيب الشيخ جعفر الهلالي بإصلاحها و تعديل ألفاظها و قوافيها فألبسها هذا اللباس الجميل فشكراللّه سعيه و أجزل له المثوبة آزروا عاونوا.
3- في كتاب البحار ج43 ص155 (باب ما وقع عليها من الظلم). عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها... أنظر قافية النون القصيدة (7) الهامش رقم (11) أيضاً. تقيل: بمعنى تنام في منتصف النهار و منه القيلولة.

بِظِلِّ َأوْرَاقٍ لَهَا وَ غُصُونِ

فَكُرُ وَ جَانِبُ كُلَّ ذِي طَرْفِ قَذِي *** مَا فِي الأُلَى لِلْحَقِّ غَيْرِ المُنْبَذِ(1)

وَ أَعْجَبْ لَهُمْ وَ لِخَالِدٍ وَ لِقُنْفُذِ *** وَ مُجَمِّعي خطباً عَلَى الْبَيْتِ الَّذِي(2)

لَمْ يَجْتَمِعْ لَوْلاهُ شَمْلُ الدِّينِ

***

مَا كَانَ أَجْسَرَ أُمَّةً يَا لَيْتَها *** فَنِيَتْ وَ مَا سَبَقَ الْحَرُونُ كُمَيْتَها(3)

کَيْفَ اصْطَبَرْتَ عَلَيَّ يَوْمَ رَأَيْتَها *** وَ الدَّاخِلِينَ عَلَى الْبَتُولَةِ بَيْتَها

وَ المُسْقِطِينَ لَها أَعَزَّ جَنِينِ؟(4)

***

نَادَتْ أَذِكْرُ أَبِي عَلَى أَعْوَادِهِ *** يُتْلَى وَ يُكْسَرُ ضِلْعُ ذَاتِ وِدَادِهِ؟

لَيْتَ النَّبِيَّ يَرَى انْقِلَابَ بِلادِهِ *** وَ الْقَائِدِينَ إمَامَهُمْ بِنجَادِهِ

وَ الطُّهرُ تَدْعُو خَلْفَهُمْ بِرَنِينِ

***

ص: 117


1- طرف قذي: عين وقع فيها القذى و هو التبنة و نحوها و الظاهر أن (قذي) الصحيح فيها (قذٍ) ولكن أبدلت الياء بدل التنوين للضرورة و كذلك الأمر في البيت الذي يليه في (لقنفذ).
2- في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12 فدعا (عمر) بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده... الخ.
3- الحرون البغل الذي يقف و لم ينقذ كميت من الخيل ما كان لونه بين الأسود و الأحمر.
4- ما روي في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه اللّه» فألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.

لَهَفِي لِفَاطِمَ حِينَ قَادُوا الأَنْزَعا *** مِنْ خَلْفِهِمْ تَعْدُو وَ تُدْرِي الأَدْمُعا

وَ تَصِيحُ وَيْلَكُمُ وَ كُلُّهُمْ وَعَى *** خَلُوا ابْنَ عَمِّي أَوْ لأَكْشِفَ بِالدُّعا

رَأْسِي وَ أَشْكُو لِلإِلَهِ شُجُونِي

***

لاصَبْرَ لاِمْرَأَةِ يُقَادُ كَفِيلُها *** قَسْراً لِقَوْم مَا اسْتَبَانَ جَمِيلُها

نَادَتْ وَ أَعْيُنُها هُنَاكَ تُجِيلُها *** مَا كَانَ نَاقَةُ صَالِحِ وَ فَصِيلُها

بِالفَضْلٍ عَنْدَ اللَّهِ إِلا دُونِي

***

هَمَّتْ بِرَفع قناعِهَا وَ لِعِلَّةٍ *** رَحِمَتْ طَعَاماً ما ارْعَوْوا عَنْ ضِلَّةٍ(1)

ثُمَّ انْتَنَتْ عَنْهُمْ بِشَكْوى ذِلَّةٍ *** وَ رَنَتْ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقلةٍ

عبْرَى وَ قَلب مُكْمَدٍ مَحْزُونِ

***

عَجَّتْ بِوَالِدِها لِشِدَّةِ كَرْبِها *** نَشَجَتْ فَأَشْجَتْ مَنْ غَدا فِي قُرْبِهَا(2)

نَدَبَتْ فَصَدَّعَتِ الْجِبَالَ بِنَدْبِهَا *** قَالَتْ وَ أَظْفَارُ المُصَابِ بِقَلْبِها

أبتاهُ قَلَّ عَلَى العُدَاةِ مُعِينِي

***

أَبَتاهُ شَخْصُك مُذْ تَغَيَّبَ ظِلُّهُ *** أَبَتَاهُ جَمْعِي قَدْ تَبَدَّدَ شَمْلُهُ

أَبَتَاهُ لِي نَيْمٌ تَظَاهَرَ غِلُّهُ *** أَبَتَاهُ هَذَا السَّامِرِيُّ وَ عِجْلُهُ

تبعاً وَ مَالَ النَّاسُ عَنْ هَارُونِ

***

ص: 118


1- طغاماً: أوغاد الناس. ما إرعووا: ما رجعوا.
2- نشجت: غصَّت بالبكاء من غير انتحاب.

خَلَّفْتَنِي مَا بَيْنَ أَظْهُرِ حُسَّدِي *** دَأْبِي الْبُكَاءُ فَعَبْرَتِي لَمْ تَنْفَدِ

وَ لِكَثرَةِ الأَرْزَاءِ لَمَّا أَهْتَدِي *** أَيُّ الرِّزايا أَتَقّى بتَجَلُّدِ؟

هُوَ بِالنَّوَائِبِ مُذْحَیِيتُ قَرِينِي

***

حُمَلْتُ هَمّاً لَوْ تَحَمَّلَ شِقَّهُ *** رَضْوَى لَذَابَ ضَنَى وَ أَعْجَزَ طَوْقَهُ(1)

كَمْ ذا أُعانِي مِنْ أَسى لاأَفْقَهُ *** فَقْدِي أَبِي أَمْ غَصْبُ بَعْلِي حَقَّهُ

أَمْ كَسْرُ ضِلْعِي أَمْ سُقُوطُ جَنِينِي

***

أَمْ رَوْعَتِي يَوْمَ الْهُجُومِ وَ ذِلَّتِي *** مَا بَيْنَهُمْ أَمْ قَوْدُ كَافِلِ عَيْلَتِي(2)

أمْ مَنْعُهُمْ نَوْحِي عَلَيْكَ وَ عَوْلَتِي *** أَمْ أَخْذُهُمْ أَرْضِي وَ فَاضِلُ نِحْلَتِي

أمْ جَهْلَهُمْ قَدْرِي وَ قَدْ عَرَفُونِي(3)

ص: 119


1- رضوی جبل بين المدينة و ينبع.
2- في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: ثم أن فاطمة علیها السلام بلغها أن أبابكر قبض فدكاً فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبابكر تريد أن تأخذ منّي أرضاً جعلها لي رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم... إلى آخره.
3- قلائد و فرائد ص124.

(37) يا بنة الطهر

(بحر الرمل)

السيد محمد جواد فضل اللَّه(*)(1)

يا بْنَةَ الطُّهْرِ وَ مَا أَرْوَعَهَا *** ذِكَرُ مِنْكِ تَزينُ المِهْرَ جانا

أَنْتِ تَارِيخُ رِسَالَاتٍ بِهَا *** يُشْرِقُ الواقِعُ مَجْداً وَ كِيَانا

عِزَّةُ الإِيمانِ فِي دَعْوَتِهَا *** شِرْعَةٌ مِنْهَا هُدَى اللَّهِ اسْتَبانا

قَدْ حَمَلْناها وَ إِنْ أَزْرَىٰ بِنا *** شَانِيءٌ يَرْعَفُ حِقْداً وَ لَحانا(2)

فَهْيَ مِنّا رَعْشَةٌ فِي دَمِنا *** وَ هُيَ فِينَا خَفْقَةٌ تُحْيِي الجَنانا

دَوْحَةٌ مِنْ أَحْمَدٍ مَطلَعُها *** بَاسِقٌ أَعْظِمْ بِهِ مَجْداً مُصانا

حَسْبُها أَنَّ رِضاهُ مَدَدٌ *** مِنْ رِضاها... وَ رِضاها مُبْتَغانا

***

إِنَّهَا ذِكْرَى انْفِتَاحِ لِلسُّرَى *** وَ انْطِلَاقِ لِلذَّرَىٰ يُغْرِي سُرَانا

دَعْوَةُ الحَقِّ عَلَى صَفْحَتِهَا *** أَحْرُفٌ عُلْوِيَّةٌ خَطَّتْ عُلَانا

يُشْرِقُ الإِيمَانُ فِيها أَمَلاً *** بَاسِماً يَحْتَضِنُ الرُّوحَ احْتِضانا

فَتَعُودُ الأَنْفُسُ الحَيْرَىٰ بِهِ *** حَيَّةٌ تُورِقُ بِالنُّعَمَى حَنانا

وَ عَبِيرُ الخَيْرِ يُذْكِي حِسَّها *** بِعَطَايَاهُ فَتَحْوِيهِ افْتِتانا

لَوْ وَعيْنَا رَوحَهُ لانْصَهَرَتْ *** لِمُنَانَا هَذِهِ الأَرْضُ جِنانا

ص: 120


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أزرى: تهاون. شانيء: مبغض. يرعف: يخرج الدم من أنفه، لحاناً: خَطأ.

وَ لَكُنَّا غَيْرَ مَا نَحْنُ بِهِ *** قَلَقٌ يُلْهِبُ بالشَّكْوَى نِدَانا

وَ صُداعٌ مُثْقَلٌ يَحْفِرُهُ *** مَطْمَعٌ غِرٌّ كَمَا شَاءَ هَوَانا

وَ انْفِلاتٌ مِنْ مَقَابِيسَ صَفَتْ *** نُظماً تَزرَعُ فِي الدَّرْبِ هُدانا

وَ انْصِهَارٌ بِمُيُولٍ مَزَّقَتْ *** بِالأَباطِيلِ عَلَى الدَّرْبِ إِخانا

يَا لَذُلٍّ الفِكْرِ أَنْ تَسْحَقَهُ *** صَرْعَةُ التَّجْدِيدِ مِنْ وَحْيِ عِدانا

قَدْ حَمَلْنَا العِبْءَ مِنْ الاَمِهَا *** وَ مَشَيْنا يَلْحَسُ الشَّوْكُ خُطَانا

تُثْقِلُ المِحْنَةُ مِنّا مَطْمَحاً *** لِلسَّرَى أَغْنَى بِهِ المَجْدُ وَزَانا

قَدْ شَرِبْنَاها كُؤُوساً أُتْرِعَتْ *** عَلْقَماً وَ اللَّيْلُ غَافٍ فِي ذرانا(1)

وَ أَفَقْنَا وَ الشَّجا يَسْحَقُنَا *** نَرْقَبُ الأطْلَالَ ذُلاً وَ هَوانا

ها هُوَ المَجْدُ الَّذِي عِشْنَا لَهُ *** عَادَ شِلُوا فِي يَدِ الغَازِي مُهَانا(2)

***

يَا لِذُلِّ المَجْدِ أَنْ تَحْرُسَهُ *** أَعْیُنٌ تَعْشَىٰ إِذَا مَا الصُّبْحُ بانا(3)

يَظْمَأُ النُّورُ عَلَى أَحْدَاقِهَا *** وَ الضُّحَى يَخْطُرُ زَهُواً فِي سَمَانا(4)

تَحْسَبُ اللَّيْلَ صَبَاحاً مُشرِقاً *** وَ هيَ لاتَعْرِفُ لِلصُّبْحِ مَكَانا

وَ السَّرَابَ الجَدْبَ وِرْداً مَائِجاً *** كَذِبُ الأَحْلامِ فِيهِ يَتَدَانَی(5)

ص: 121


1- أُترِعَتْ: امْتُلِمْتُ. علقماً: حنظلاً أو كلّ شيءٍ مُرٌّ. غافٍ: النائم نومةً خفيفةً، الذي نعس. ذرانا: ملجأنا، أو فناء الدار.
2- الشلو: العضو من أعضاء الجسم.
3- أعين تعشى: لم تبصر و ساءت ليلاً و نهاراً. بان: ظهر.
4- أحداقها: جمع الحدقة و هي سواد العين الأعظم. زهواً: البُسْرُ الملوّن، يقال إذا ظهرت الحُمرة و الصُفرة في النخل، فقد ظهر فيه الزهو.
5- السراب: ما يشاهد نصف النهار من اشتداد الحرّ كأنه ماءٌ و يضرب به المثل في الكذب و الخداع. الجَدْب: المكان الذي انقطع عنه المطر و يبست أرضه. ورداً مائجاً: الماء الذي يوردُ و هو يموج.

وَ المَدَى صَحْواً لِيحْلُو صَفْوُهَا *** وَ هُوَ بِالإِعْصَارِ يَرْبَدُ احْتِقانا(1)

سَوْفَ يَصْحُو المَجْدُ مِنْ غَفْوَتِهِ *** وَ يَعُودُ الفَتْحُ زَهْواً فِي حِمَانا

وَ يُصَادُ الذِّئبُ فِي مَكْمَنِهِ *** بَعْدَ أَنْ شَلَّ عَلَى الدَّرْبِ الأَمَانَا

لِيَعُودَ الصَّحْرُ ضَاحِ فِي المَدَى *** يَمْسَحُ الجُرحَ وَيُرْوَى مِنْ ظَمانا

***

لانَعِي إِلا الصَّدَى مِنْ أَمْسِنَا *** سَاخِراً يَخْنُقُ بِالجُلَّى صَدانا

عَيْبُنَا أَنَّا عَلَى الدَّرْبِ إِذَا *** غَرَّبَ الحادي فَغَربي هَوانا

وَ إِذَا شَرَّقَ فَالشَّرْقُ لَنَا *** مَطْلَعٌ يَعْمُرُ بِالنُّورِ رُبانا

عَاطِفِيُّونَ فَأَنَّى الْتَفَتَتْ *** وُجْهَةُ السَّادِرِ تُسْدِيهِ العِنَانا(2)

نَحْسَبُ الصَّرْخَةَ مِنْ أَشْدَاقِهِ *** مُنْقِذاً مِنْ سَرَفِ الجُلَّى أَتانا(3)

وَ یَرِفُّ الفَتحُ فِي أَجْفَانِنَا *** حُلُماً تَرْشِفُ نُعْمَاهُ دُنَانا

وَ ليَمُتُ أمْسِ وَ يَحْيَا لِغَدٍ *** مَطلَعٌ يُرْكِزُ فِي الشَّمْسِ لِوانا

سَوْفَ نَسْقِي الأَرْضَ مِنْ أَشْلَائِهِمْ *** سَوْفَ لَنْ يَحْتَضِنَ الفَتْحَ سِوَانا

وَ هُنَا تَنْفَجِرُ السَّاحُ بِنَا *** وَ إِذَا نَحْنُ كَمَا كُنَّا وَكَانَا

***

يا أُسَاةَ الجُرْحِ إِنَّا هُهُنا *** لَمْ يَزَلْ يَرْعُتُ بِالبَلْوَى حِمَانا

قَدْ طَوَيْناها سِنِيناً حُمِّلَتْ *** بِالمَآسِي وَالَّذِي كَانَ كَفَانا

فَلْيَكُنْ مَاضِي أَسانا عِبْرَةً *** تَبْلُغُ الغَايَةَ فِيهَا بِسرانا

خَرِّ ما قُلْنَا وَمَا قَالُوا فَقَدْ *** مَلّتِ الأَسْمَاءُ مِنَا الهَدْيَانا

ص: 122


1- يربد: يحبس و يمنع -احتقاناً: احتباس البول أو الدم.
2- السادر: الذاهب في البلاد الذي لاينثني. نسديه: نحسنه.
3- أشداقه: زوايا الفم من باطنه. السرف: الضراوة بالشيء، و الولوع به.

وَ ارْمُقِ الوَاقِعَ يَا رَائِدَهُ *** كَيْفَ شَقَّتْ بِالصَّلاَلَاتِ عَصَانا؟

وَ عَرَى الأُمَّةَ مَنْ فَرَّقَها *** فَتَلاشَى عَزْمُهَا الصَّلْدُ وَهَانَا(1)

إِنَّها الرِّدَّةُ شَلَّتْ عَزْمَها *** وَ أَبَادَتْ بِالأَعَاصِيرِ قِوَانا

كُلُّ حِزْبٍ فِي المَدَى مَمْلَكَةٌ *** عِلْمُهَا أَنْ تَسْتَحِلَّ الصَّوْ لَجَانا(2)

هذِهِ الصَّرْعَةُ فِي وَاقِعِنا *** كُمْ شَكا الحُرُّ مَآسِيها وَ عَانَي

السُّجُونُ السُّودُ يَا لَوْعَتَها *** ظُلَم تَصْطَلُّ رُعْباً بِأسانا

***

وَإِذَا شِئنَاهُ نَصْراً شَافِياً *** مِنْ لِظَى الجُرْح وَإِنْ عَزَّ شِفانا

فَإِلَى الإِسْلاَم يَا قَادَتَنَا *** فَهْوَ لِلدَّاءِكَمَا كَانَ دَوَانا(3)

ص: 123


1- الصلد: الصلب.
2- الصولجان: العصا المعقوفة الرأس.
3- الإمام الصادق علیه السلام -خصائصه و مميزاته للسيد محمد جواد فضل اللّه ص17.

(38) فداها النفوس

(بحر المتقارب)

الشيخ محمد حسن الجواهر(*)(1)

أبَا صَالِحٍ كَلَّتِ الأَلسُنُ *** وَ قَدْ شَخَصَتْ نَحْوَكَ الأَعْيُنُ

نَعُجُّ إِلَيْكَ وَ أَنْتَ العَلِيمُ *** فِيمَا نُسِرُّ وَ مَا نُعْلِنُ(2)

أَتُغْضِي وَ قَدْ عَزَّ أَنْفُ الضَّلاَلِ *** وَ أَنْفُ الرَّشَادِ لَهُ مُذْعِنُ(3)

وَ يَمْلِكُ أَمْرَ الهُدَى كَافِرٌ *** فَيَغْدُو وَ فِي حُكْمِهِ المُؤْمِنُ

وَ أَهْلُ التُّقَى لَمْ تَجِدْ مَأْمَناً *** وَ أَهْلُ الشَّقا ضَمَّها المَأْمَنُ

ص: 124


1- (*)الشيخ محمد حسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد حسن صاحب کتاب (جواهر الكلام). ولد في النجف الأشرف سنة (1293 ه-) و نشأ بها و اختلف على كثير من أساتذه عصره و منهم الشيخ ملامحمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و السيد محمد كاظم اليزدي صاحب العروة، و كان ملازماً لهما زماناً طويلاً مما جعله يتفوَّق على بعض زملائه و أخدانه، و حضر عند آغا رضا الهمداني و كان من خواصه فقد ارتقى مرتقّى كبيراً في الفضيلة، و منح إجازات عديدة تنص باجتهاده و أهليته لمجلس الفتوى من أساتذته و غيرهم بالرغم من عمره القصير. فكان تقياً و رعاً شديد الذكاء الفطنة بهي الصورة رائق الحديث له خط جميل و شعر رصین في شتي المناسبات خصوصاً في مرائي أهل البيت علیهم السلام فنظم كثيراً من الشعر و أجاد في أكثره، و له أرجوزتان الأولى في الكلام سماها (جواهر الكلام) و الثانية في أصول الفقه، و قد حفظ أكثره سميَّه الشيخ محمد حسن ابن الشيخ محسن الجواهر. توفي في النجف الأشرف ليلة الاثنين ثامن ذي القعدة من عام (1335 ه-). و دفن إلى جنب جده الشيخ محمد حسن في مقبرتهم و رثاه فريق من الشعراء.
2- نعج: نصيح و نرفع أصواتنا.
3- تُغضي: تطبق عينيك حتى لاترى شيئاً.

فَهَذِي الْبَقِيَّةُ مِنْ مَعْشَرٍ *** قَدِيماً لَكُمْ بَغْيَهُمْ أَكْمَنُوا

هُمُ القَوْمُ قَدْ عَصَبُوا فَيْئَكُمْ *** وَ غَيْرَكُمُ مِنْهُ قَدْ أَمْكَنُوا(1)

أَزَاحُوكُمُ عَنْ مَقَام بِهِ *** بِرَغْمِ الْهُدَى شَرَّهُمْ أَسْكَنُوا

أفِي اللَّهِ يَظْعَنْ عَنْهُ الْوَصِيُّ *** وَ شَرُّ دَعِي بِهِ يَقْطُنُ؟(2)

تَدَاعَوْا لِنَقْضِ عُهُودِ الأُلَى *** أَسَرُّوا النِّفَاقَ وَ لَمْ يُؤْمِنُوا

فَأَيْنَ إِلَى أَيْنَ نَصَّ الغَدِيرِ *** أَلمْ يُغْنِهِمْ ذلِكَ المَوْطِنُ؟

فَيَا بِئسَ مَا خَلَّفُوا أَحْمَداً *** بعِشرَتِهِ وَ هُوَ المُحْسِنُ

لَقَدْ كَتَمُوهُ شِقَاقَ النُّفُوسِ *** فَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ أَعْلَنُوا

كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا أَجَابُوا دُعَاهُ *** وَ لَمْ يَرْعَوا الحَقَّ أَوْ يَذْعَنُوا

وَ أَعْظَمُ خَطْبٍ يُطِيشُ الحُلُومُ *** وَ كُلُّ شَجَى دُونَهُ هَيِّنُ(3)

وقُوفُ ابْنَةِ المُصْطَفَى بَيْنَهُمْ *** وَ فِي القَلْبِ نَارُ الأَسَى تَكْمُنُ(4)

وَ قَدْ أَنْكَرُوا مَا ادَّعَتْ غَاصِبِينَ *** وَ كُلُّ بِمَا تَدْعِي مُوقِنُ(5)

ص: 125


1- فيئكم: الغنيمة أو الخراج (الفَيْء).
2- يظعن: يرحل. يقطن: يسكن. دعي: مُتهم في نسبه أو الذي يدّعي غير أبيه أو غير قومه.
3- الخطب: الأمر العظيم المكروه، يطيش: يُذهِب العقل الحلوم ضدّ الطيش.
4- لعلّه إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2 ص647 عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: لما قبض رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك فأتته فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر ادعيت انك خليفة أبي و جلست مجلسه و انك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك و قد تعلم أن رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم صدَّق بها عليّ و أن لي بذلك شهوداً. فقال لها: ان النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لايورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام، فأخبرته فقال: ارجعي إليه قولي له زعمت أن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لايورّث، و ورث سليمان داود و ورث يحيى زكريا و كيف لاأرث أنا أبي. فقال عمر: أنت معلّمة قالت: و إن كنت معلّمة فإنما علمني ابن عمي و بعلي الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
5- في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له: لئن مُتَّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي و أهلي، قالت: فلم ورثت انت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. و في مجمع البحرين لفخر الدين الطريحي، ج5 ص283: و كانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم لأنه فتحها هو وأميرالمؤمنين علیه السلام و لم يكن معهما أحد فزال عنها حكم الفيء و لزمها اسم الأنفال -فلما نزل «فآت ذا القربى حقه» أي اعط فاطمة علیها السلام فدكاً اعطاها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إياها.

وَ تَقْضِي فِدَاهَا نُفُوسُ الوَرَى *** وَ تُدْفَنُ فِي اللَّيْلِ إِذْ تُدْفَنُ(1)-(2)

ص: 126


1- و كانت في يد فاطمة علیها السلام إلى أن توفي رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فأخذت من فاطمة علیها السلام بالقهر و الغلبة. في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و اسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- ادب الطف ج8 ص301.

(39) الزهراء علیها السلام سر سيبقى

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

إِصْغِ يَا دَهْرُ وَ أَنْصِنِي يَا سنينُ *** بُرْهَةً إِنَّمَا الحَدِيثُ شُجُونُ

وَ اهْدِنِي يَا نَوَازِعَ النَّفْسِ عَلِّي *** أَهْتَدِي مَا يُرِيدُ شَوْقٌ دَفِينُ

فَلَقَدْ جَارَ مِنْ ضَنَاهُ فُؤَادِي *** وَ لَقَدْ خَارَ مِنْ قِوَايَ الحَنِينُ(2)

يَتَلَظَّى إِنْ مَرَّ فِي ذِكْرَيَاتٍ *** يَتَمَلَّى أَطْرَافَهُ يَسْتَبينُ

هَلْ إِلَى نَفْحَةِ النُّبُوَّةِ تَدْرِي *** مِنْ سَبِيلٍ يَا أَيُّهَا اليَاسَمِينُ؟

هَلْ إِلَى مَرْبَضِ الإِمَامَةِ يَمْشِي *** مِنْ دَلِيلِ وَ هَلْ يُطَالُ العَرِينُ؟

فَامُلئِي يَا سَمَاءُ قَلْبِي ابْتِهَاجاً *** فَلَقَدْ صَدَّقَتْ لَدَيَّ الظُّنُونُ

وَ افْرُشِي الدَّرْبَ يَا مُرُوجُ إِلَيْهِمْ *** نَفَحَاتٍ وَ ظَلِّلِي يَا عُصُونُ

فَلَقَدْ طَالَ فِي التَّأَملِ صَبْرِي *** ثُمَّ أَدْرَكْتُ وَ اسْتَقَرَّ اليَقِينُ

نُقْطَةُ الوَصْلِ لِلنُّبُوَّةِ حِينَ *** انْشَنَّ مِنْها أَئِمَّةً وَ بَنُونُ

إِنَّها مِحْوَرُ الحَيَاةِ تَجَلَّى *** عِنْدَهَا الحُكْمُ وَ النَّهْي وَ الدِّينُ

وَ بِأَنَّ الزَّهْرَاءَ سِرِّ سَيَبْقى *** شَامِخاً وَ الخُلُودُ فِيهِ كَمِينُ(3)

ص: 127


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- صناء: مرضه الذي تمكّن منه الهزال و الضعف. خارَ: ضَعف و سقط.
3- في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة إلى اللّه تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فكلّم اللّه جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب في فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سميت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...

أَظْهَرَتْ مِنْ تُرَائِهَا بَعْضَ بَعْضٍ *** فَإِذَا البَعْضُ فِي الوَرَى قَانُونُ

وَ إِلَى الكَوْنِ قَدَّمَتْ وَلَدَيْها *** حَسَنْ ذلِكُمْ وَ ذَاكَ حُسَيْنُ

***

إِيهِ يَا ذِكْرَيَاتُ مُرِّي تباعاً *** وَ اشْهَدِي أَنَّنا عَبِيدٌ وَ قَيْنُ

نَتَغَنَّى الأَمْجَادَ غَيْرَ أُباةٍ *** وَ بَقَايَا الدِّيَارِ لَسْنَا نَصُونُ

قَدْ شَهَرْنا السُّيُوفَ لا لِلأَعَادِي *** إِنَّما الفَرْدُ مِنْ أَخِيهِ طَعِينُ

مِنْ هُنَا أَوْ هُنَاكَ بَعْضُ صُرَاخٍ *** مِثْلَمَا يُظلِقُ الصُّرَاخَ سَجِينُ

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ بِالدِّينِ كُنْتُمْ *** يَوْمَ كَانَ المُلْكُ العَرِيضُ المَتِينُ

يَوْمَ كَانَ الشَّرْعُ المُقَدَّسُ ظِلاٌّ *** وَارِفاً مُشرِقاً لَدَيْهِ الجَبِينُ

أَيُّ نَقْصٍ بِهِ دَعَاكُمْ لِتَرْجُوا *** شِرْعَةَ الكُفْرِ سَنّها (لينينُ)(1)

أَوْ غُزَاةُ البِلاَدِ بِالمَالِ وَ العَهْرِ *** تَوَارَى مِنْ خَلْفِهِمْ صِهْيُونُ

وَ فِلَسْطِينُ... يَا لَمَهْزَلَةِ العَصْرِ *** دَعُوهَا فَلَيْتَكُمْ لَمْ تَكُونُوا

مِنْ دُعَاةٍ لِنَصْرِهَا فَتَرَاهُمْ *** أَخَذُوا الفِلْسَ وَ اسْتُبِيحَ الطِّينُ

وَ بِلُبْنَانَ ضَيَّعَ اللُّبَّ فِيهِ *** عُقَلاءٌ فَضَاعَ فِيهِ البَنُونُ(2)

وَ حُرُوبُ الصَّلِيبِ شُنَّتْ عَلَيْنَا *** أَيُّ غَدْرٍ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ الجَنِينُ

مَا عَهِدْنَا لِمِثْلِ لُبْنَانَ رَبْعاً *** يُورقُ الحِقْدُ فِيهِ وَ الزَّيْزَفُونُ(3)

إِنَّمَا الدَّهْرُ قَدْيُرِينا الأعا *** جِيبَ وَ يَجْلُو مِنْهُ الخَفَاءُ الدَّفِينُ

وَ اعْتِدَاراً أُمَّاهُ يَا فَاطِمُ *** فَالْيَوْمَ تَمُرُّ الذِّكْرَى وَ قَلْبِي حَزِينُ

ص: 128


1- وارفاً: ممتداً، متسعاً.
2- اللب: العقل.
3- الزيزفون: نوع من الشجر يوجد في لبنان.

(40) الشفاعة بالزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

ظمآنَ أَصْبُو إِلَى الذُّكْرَىٰ فَتَرْوِينِي *** وَ الْيَوْمَ أَسْقِي بِهَا مَنْ كَانَ يَسْقِينِي

أَصْبُو لِذِكْرَاكِ وَ الدُّنْيا تَناقَلُها *** بُشْرَى السَّعَادَةِ لِلدُّنْيَا وَ لِلدِّينِ(2)

فَمُذْ وُلِدْتِ وَ يَا مِنْ فَرْحَةٍ عَظُمَتْ *** قَدْشَعٌ وَجُهُ رَسُولِ اللَّهِ في الحِينِ

وَ صَاحَ مُسْتَبْشِراً وَ الفَخْرُ يَمْلَؤُهُ *** إِنْ يَقْطَعُوا رحمي فاللَّهُ يُعْطِيني

أَيْنَ التَّوَارِيخُ عَنْ أَقْوَالِ شَانِئْهِ *** وَ حِكْمَةُ اللَّهِ فِي نَسْلِ المَيَامِينِ(3)

أَبْنَاءُ حَرْبٍ عَلَى تَارِيخِهَا انْقَرَضَتْ *** لكن بَنُو فَاطِمِ عَدُّ المَلَابِينِ

لقَدْ أَطلَّتْ عَلَى الدُّنْيا فَكَانَ بِهَا *** حِفْظُ الكَرَامَةِ لِلأُنْثَى بِمَقْرُونِ

وَ بُدِّلَتْ شِرْعَةُ الغَابِ الَّتِي حَكَمَتْ *** دُنْيا الأَعَارِيبِ فِي شَكْلٍ وَ مَضْمُون

بَيْنا يُبَرِّرُ عِلْجٌ قبحَ فِعْلَتِهِ *** وَ أَدِ البَنَاتِ بِأَعْرَافِ وَ قَانُونِ(4)

يَصِيحُ أَحْمَدُ هُذِي بَضْعَتِي وَ لَهَا *** قَلْبِي فَمَنْ كَانَ يُؤْذِيهَا فَيُؤْذِينِي(5)

ص: 129


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أصبو: أحن إليه.
3- شانئه: مبغضه.
4- وأد: دفن البنت و هي حيَّة.
5- في بحار الأنوار ج22 ص484: و عنه صلي الله علیه و آله و سلم في حديث طويل عند قرب وفاته، قال: «يا علي ادن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة علیها السلام فوضعها على صدره طويلاً و أخذ بيد علي بيده الأخرى... إلى قوله صلي الله علیه و آله و سلم واللَّه يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي».

حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ لاَمِنْ نَزْوَةٍ خَطَرَت *** لكِنَّهُ الوَحْيُ فِي قَوْلِ وَ تَعْيِينِ

فِدَاكِ قَال أَبُوكِ أنتِ سَيْدَةُ *** النساءِ ما كانَتِ الدُّنْيَا عَلَى دِينِ(1)

***

نَمَتْ وَ شَبَّتْ وَ كَانَ الطُّهْرُ شِيمَتُها *** أَنْقَى مِنَ الطَّهْرِ بَيْنَ الحُورِ وَ العِين(2)

هذَا عَلِيٌّ لَهَا كُفْرٌ فَزَوْجَها *** البارِي مِنَ العَرْشِ فِي لَوْحٍ وَ تَدْوِينِ(3)

وَ قَالَ مَهْرُكِ أَنْهارٌ فَأَصْدَقَها *** خُمْساً وَ مَا حُزنَ مِنْ مَاءٍ وَ مِنْ طِين

قَالَتْ وَ أَكْرِمْ بِهِ زَوْجاً وَلِي أَمَلٌ *** أَنَّ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الحَشْرِ تُرْضِينِي

فَقَالَ هُذَا لَهَا وَ ازْدَادَ أَنَّ رِضَى *** الرَّحْمَنِ أَضْحَى لِمَا تَرْضَى بِمَرْهُونِ

فَاسْتَبْشِرُوا أُمَّةَ الهَادِي بِفَاطِم فِي *** أَمْرِ الشَّفَاعَةِ بِالزَّهْرَاءِ مَضْمُونِ(4)

***

يَا أَسْرَةَ الخَيْرِ لِلدُّنْيَا بِمَا نَذَرَتْ *** وَ مَا وَقَتْ فِي ثَلاثِ بِاسْمِ سِبْطَيْنِ

وَ أَطْعَمَتْ زَادَها المِسْكِينَ وَ ابْتَدَرَتْ *** إِلَى اليَتِيمِ لِمَأْسُورٍ وَ مَسْجُونِ

فَأَنْزَلَتْ (هَلْ أَتَى) فِيهِمْ تُبَشِّرُهُمْ *** بِجَنَّةِ الخُلدِ بِالأَنْهَارِ وَ التِّينِ(5)

ص: 130


1- روي في كتاب المجالس السنية ج2 الجزء الخامس ص63، عن عائشة: أقبلت فاطمة علیها السلام تمشي لا واللّه الذي لا إله إلا هو ما مشيها يخرم من مشية رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم، فلما رآها قال مرحباً يا بنتي مرتين قالت فاطمة علیها السلام فقال لي: أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيدة نساء العالمين؟! .
2- روي في كتاب البحار ج43 ص16 و 19: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم «الطاهرة» لطهارتها من كل دنس وطهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً.
3- روي في كتاب البحار ج43 ص92 فهبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه».
4- فقد روي في كتاب سفينة البحار ج2 ص375: في حديث طويل عن اللّه «عزوجل»: يا فاطمة علیها السلام و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأعذب محبّيك و محبّي عترتك بالنار.
5- إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الدهر آية 8: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» فقد روي في كتاب روح المعاني ج29 ص185 ط -بيروت، قال أبوالفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي في حديث طويل ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم (علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام) أنه «سبحانه» لم يذكر فيها الحور العين و إنما صرّح «عزوجل» بولدان مخلّدين رعاية لحرمة البتول علیها السلام و قرة عين الرسول صلي الله علیه و آله و سلم.

أَلاَ نَظَرْتُمْ لأَسْرَانَا وَ قَدْ حَجَبَتْ *** بِهِمْ عِجَافُ سِنِينِ مِثْلَ ذِي النُّونِ(1)

أَلاَ رَغِيفٌ تَبَقَى مِنْ مَوَائِدِكُمْ *** إِلَى الأَسَارَى وَأَفْوَاجِ المَسَاكِينِ

وَ شَيْبَةُ الخَيْرِ فِيمَ زَادَ غَيْبَتُهُ *** شَيْباً عَلَى الرَّأْسِ فِي شَكْلِ الثَّمَانِينِ

غَدَوْتُ يَعْقُوبَ فِي هَمِّي لِفُرْقَتِهِ *** وَ وَالِدِي يُوْسُفاً فِي سِجْنِ فِرْعَوْنِ

أأَنْقُدُ الأمَلَ المَعْقُودَ نَحْوَكُمُ *** و أَنْتُمُ لأَمَانِي كُلِّ مَحْزُونِ؟

لاكَيْفَ أَنْقُدُ آمالاً شَبَبْتُ بِهَا *** وَ لَيْسَ تَفْقِدُها (لَيْلَى بِمَجْنُونِ)؟

ص: 131


1- عجاف سنين: غير ممطورة. أي لم يسقط فيها مطر.

(41) من ظلم البتول علیها السلام

(مجزوء الكامل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

بِنْتُ النَّبِيِّ غَدَتْ حَزِينَهْ *** لِفِرَاقِ سُلْطَانِ المَدِينَهْ

وَ حَنِينُها لَمَّاعَلاَ *** كُلٌّ لَهَا أَبْدَى حَنِينَهْ

وَ بَكَتْ مَلاَئِكَةُ السَّمَا *** لَمَّا بَكَى حَامِي عَرِينَهْ

اللَّهُ أكبرُ أَحْمَدٌ َ*** قضَى بِمِحْنَتِهِ سِنِينَهْ

لَمْ يَعْرِفُوا قَدْراً لَهُ *** شَجُوا بِأَحْجَارٍ جَبِينَهْ

وَ الْيَوْمَ مَاتَ فَحَيْدَرٌ *** مِنْ حُرْقَةٍ يَبْكِي قَرِينَهْ

قَدْ كَان في نُوبِ الزَّمَانِ *** وَ مِحْنَةِ الدُّنْيَا خَدِينهْ(2)

وَ مُذِ انْتَهَتْ أَيَّامُهُ الغَرَّا *** وَ حَالَ المَوْتُ دُونَهْ

نَادَاهُ بَعْدَكَ أَظْلِمَتُ *** دُنْيا لَهَا قَدْ كُنْتَ زِينَهْ

يا خَاتَمَ الرُّسُلِ الكِرَام *** وَ مَنْ سَقَى الظَّامِي مَعِينَهْ

الكَوْنُ بَعْدَكَ مُوحِشٌ *** وَ بِمِثْلِكَ الدُّنْيَا ظَنِينَهْ(3)

فَارَقْتَنا مِنْ بَعْدِمَا *** أَحْكَمْتَ لِلإِسلام دِينَهْ

وَ تَرَكْتَنَا رَهْنَ الخُطُوبِ *** وَ بَيْنَ أَحْقَادٍ دَفِينَهْ

ص: 132


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- خدينه: الخدين: الحبيب و الصديق.
3- ظنينه: متهمة، و ربما كانت تصحيف ضنينة. أي بخيلة، أي أن الدنيا لم تنجب غيرها.

يا وَيْلَ مَنْ ظَلَمَ البَتُولَ *** وَ عِشْرَةَ الهَادِي الأمينهْ

مَنْ بِالفَضِيلَةِ وَ التُّقَى *** وَ المَجْدِ وَ العُليا قَمِينَهْ

أَفَهَلْ جَزَاءُ مُحَمَّدٍ *** مِنْ تِلْكُمُ الزُّمَر اللَّعِينَهْ

غَصْبُ الشَّفِيعَةِ حَقَّهَا *** مِنْهُ وَ نِحْلَتِهَا الثَّمِينَهْ

وَ لِبَيْتِهَا مُذْ أَقْبَلُوا *** وَ بِلاً وقارٍ أَوْ سَكِينَهْ

قَتَلُوا هُنَاكَ جَنِینَهَا *** وَ المَرْءُ لاَيَنْسَى جَنِينَهْ(1)-(2)

ص: 133


1- کتاب دلائل الإمامة ص 45.
2- نقلت من «دیوان ميراث المنبر» ص20.

(42) قائدها النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر الوافر)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

عُقُودُ السَّعْدِ قَدْ نَثَرَتْ جُمَانَا *** وَ أَرْضُ الكَوْنِ قَدْ زَهَرَتْ جِنَانا(2)

وَ هَزَّ الدَّهْرُ مِنْ طَرَبٍ وَ أُنْسٍ *** بِأَعْمَاقِ القُلُوبِ رَقَى مَكَانا

وَ كَادَ بِكُلِّ رَوْضِ كُلُّ طَيْرٍ *** يَكُونُ بِمَدْحَ فَاطِمَةٍ لِسَانا

غَدَاةَ أَتَى النَّبِيَّ بَلاغُ وَحْيٍ *** حَبَا النُّورَينِ فِي السَّعْدِ اقْتِرَانا

بأن زَوْجُ مِنَ الزَّهْر عَليّاً *** فَمَا كُفْوٌ لَهَا لَوْلاهُ كانا(3)(*) ورد في الروايات ان اسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة علیها السلام و اسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب و لم تعد هي و لازوجها الاّ يوم فتح خيبر ولم تشهد الزفاف و التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس اختها هي زوجة حمزة بن عبد المطلب و لعل الأخبار عنها و كانت اسماء اشهر من اختها عند الرواة فرووا عنها أو سها را و واحد فتبعوه و لعل اسماء المقصودة هنا هي اسماء بنت يزيد بن سكن. «الهامش لنفس الكتاب المذكور».(4)

ص: 134


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جمانا: لؤلؤاً.
3- ما روي في كتاب كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : «إن اللّه أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام». أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204 و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي في فيض القدير في المتن ج2 ص215 و ذكره ابن حجر في صواعقه ص74. و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام عبق الرسالة المحمدية لحسان عبد الله، ص39. كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمر نساءه أن يزين فاطمة علیها السلام و يطيبنها ثم دعاها و دعا بعلي علیه السلام فأخذ علياً علیه السلام بيمينه و فاطمة علیها السلام بشماله و جمعهما إلى صدره فقبَّل بين اعينهما ثم دعا بفاطمة علیها السلام و أخذ بيدها فوضعها في يد علي علیه السلام و قال: «بارك الله لك في ابنه علیها السلام... رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... يا علي علیه السلام نعم الزوج فاطمة علیها السلام و يا فاطمة علیها السلام نعم البعل علي علیه السلام». ثم أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بنات عبد المطلب و نساء المهاجرين و الأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة علسها السلام و ان يفرحن و يرجزن و يكبرن و يحمدن و لايقلن ما لايرضي اللّه و كانت النسوة يكبرن و دخلن الدار... ثم أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بمخضب مملوء بماء فدعا بفاطمة علیها السلام فأخذ كفاً من حساء فضرب به على علیه السلام رأسها و كفاً بين يديها ثم رش جلدها ثم دعا بمخضب آخر لعلي و صنع معه كما صنع مع فاطمة علیها السلام ثم أمرهما أن يتوضاً ثم و ثب فتعلقت به و بكت فقال لها ما يبكيك؟ فقد زوَّجتك أعظمهم حلماً و اكثرهم علماً ثم خرج من عندهما فأخذ بعضاد في الباب فقال: «طهركما اللّه و طهر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم استودعكما اللّه و استخلفه عليكما». و اغلق الباب و امر النساء فخرجن فلما اراد الخروج رأي امرأة فقال: «من أنت؟» قالت: أسماء... فقال: «ألم آمرك أن تخرجي؟» قالت أسماء: بلى يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم -فداك أبي و امي- و ما قصدت خلافك ولكني اعطيت خديجة عهداً فحينما حضرت الوفاة خديجة بكت فقلت: اتبكين و انت سيدة النساء و انت زوجة النبي صلي الله علیه و آله و سلم و مبشرة على لسانه بالجنة فقالت: ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لابد لها من امرأة تفضي اليها بسرها و تستعين بها على حوائجها و فاطمة علیها السلام حديثة عهد بعلي علیه السلام و اخاف أن لايكون لها من يتولى امرها حينئذ... فقلت: يا سيدتي لك علي علیه السلام عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت ان اقوم مقامك في هذا الأمر... فبكى رسول الله صلي اللّه علیه و اله و سلم فقال: «باللّه لهذا وقفت؟» فقلت: نعم واللّه -فدعا لى(*).
4- و قال الإمام علي علیه السلام صبيحة عرسه حينما سأله النبي صلي اللّه علیه و اله و سلم: «كيف وجدت أهلك؟» قال: نعم العون على طاعة اللّه.

فَلاَ هِيَ مِنْ سِوَاهُ تَنَالُ كُفُواً *** وَ لَا هُوَ غَيْرَهَا يَهْوَى الحِسَانا

فَقَامَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ يُبْدِي *** لِمَا بِالوَحْيِ فَاضَ لَهُ بَيانا

***

إِلَيْكُمْ يَا رِجَالَ العَصْرِ عُذْراً *** بمَنْ قَدْ تَمَّ خُطْبَتُهَا عِنانا(1)

فإنّي لَمْ أَكُنْ لأَرُدَّ عَنْهَا *** فَتَى إلا لأمرٍ لايداني

فَكُنْتُ الوَحْيَ أَنْتَظِرن مِمَّنْ *** إِلَيْهِ أَمْرُها يَلْقَى زَمَانا

وَ قَبْلَ مَجِيءٍ حَيْدَرَةٍ أَتَانِي *** لِزَامٌ أَنْ أَفُودَ لَهُ العِنانا(2)

ص: 135


1- عناناً: شرفاً و علواً و ارتفاعاً.
2- العنان: سير اللجام.

وَ قَدْ زَوَّجْتُهُ بِالدِّرْع إذْ لَمْ *** يَكُنُ مِمَّا سِوَاهُ يَرَى احْتِضانا

فَهَنُّوهُ بِمَا قَدْ خَصَّ إنْساً *** وَ لاتَرْمُوهُ بالحَسَدِ امْتِهانا(1)

فَإِنَّ اللَّهَ زَوَّجَهُ بِهَا فِي السّما *** قَبْلِي وَ قَلَّدَهُ ضَمَانا

وَ قَدْ أَوْحَىٰ إِلَى رِضْوَانَ فِيهِ *** ابْتِهَاجاً أَنْ يَزِينَ لَهُ الجِنَانا

فَزُيِّنَتِ الجِنَانُ وَ فِيهِ طُوبَى *** لَهُ اليَاقُوتُ تُنْثَرُ وَ الجُمانا

وَ فِي الأُخْرَىٰ لِشِيعَتِهِ رِقاعاً *** تَنَالُ مِنَ الجَحِيم بها أَمانا

وَ جِئْنَ الحُورُ يَلْتَقِطْنَ نِثاراً *** تَهَادَاهُ ابْتِهاجاً وَ افْتِتانا(2)

وَ رَدَّدْنَ الغِنَاءَ لَهُ بِيَاسِينَ *** وَ الرَّحْمنِ آياتٍ حِسانا

فَهَزَّتْ جَنَّةُ الفِرْدَوْس أُنساً *** كَأَنَّ بِهَا المَعَازِف و القِيَانا

فَمَهُمَا وَقَعَ الأَطْيَارُ لَحْناً *** لَهُ الأَشْجَارُ تَهْتَزُ افْتِنانا

بِهَا لِلْمَاءِ إِذْ يَجْرِي حَنِينٌ *** عَلَيْهِ الطَّلُّ وَ قَصا قد ابانا(3)

وَ أَوْحَى لِلمَلائِكِ حَيْثُ قَامُوا *** لَهُ فِي بَيْتِهِ المَعْمُورِ شَانا

وَ قَامَ عَلَيْهِمُ رَاحِيلُ يَلْقَى *** بِعَقْدِ وِصَالِ فَاطِمَةٍ بَيَانا

فَأَبْلَغَ فِي الخِطَابِ وَ لَيْسَ أَعْلَى *** بِهِمْ مِنْهُ وَ لاَأَحْلَى لِسَانا

وَ بَعْدَهُنَّ لَئِنْ يَنى علي *** بِهَا مَدَّتْ نسا الهادِي بَنانا(4)

فَجَاءَ المُصْطَفَى يُهْدِيهِ كَبْشاً *** نَمَى فِي الأَكْلِ أَكْباشاً سمانا

فَأَشْبَعَ كُلَّ مَنْ جَاؤُوا عَلَيْهَا *** وَ عَنْهَا مَنْ نَأَى أَهْدَى جِفَانا(5)

وَجِيءَ بِحُرَّةٍ وَجَنَا عَلَيْهَا *** تُزَتُ لِزَوْجِهَا الزَّهْرا افْتِرَانا

فَقَائِدُها النَّبِيُّ وَ خَلْفُها الرُّوحُ *** وَ الأمْلاكُ تُمْطِرُها الجُمانا

وَ إِسْرَافِيلُ بِاليُمْنَى وَ مِيكالُ *** بِاليُسْرَى لِخِدْمَتِهَا تَدَانَى

ص: 136


1- امتهاناً: احتقاراً و ابتذالاً.
2- تهاداه: أهدى بعضهم بعضاً.
3- قصا: من القصيّ، أي البعيد.
4- يني: من السنأي، أي البعد.
5- جفانا: قصاعاً كبيرة.

وَ خَلْفَهُمُ نِسَاءُ الوَحْيِ تَسْعَى *** بِأَلْحَان تهزُّ بهِ الزَّمَانا

يُجِدْنَ بِمَدْحِهَا نَغَمَاً رَخاماً *** تَرَى شَبَحَ الهُمُوم بِهَا تَفَانَى(1)

تَوَدُّ لَهَا النُّجُومُ هَوَتْ نِثاراً *** وَ سَيَّارَاتُهَا أَلْقَتْ جِرانا(2)

بِهَا الأَمْلاَكُ تَحْتَفِلُ ابْتِهاجاً *** لِتَشْرَكَ فِي الهَنَا إِنْساً وَجَانا

***

وَ فِي يَدِ حَيْدَرٍ يَدُهَا رَمَى إِذْ *** جَلَى مِنْهَا لَهُ وَجْهاً مُصانا

وَ بَاركَ إِذْ دَعَا لَهُما بِخَيْرٍ *** وَ ثُمَّ سَقَاهُمَا مِنْهُ لِبَانا

وَ أَوْصَى بِنتَهُ بِالزَّوْجِ حُسْناً *** وَ أَوْصَاهُ بِهَا حُسْناً ضَمَانا

***

فَهَلْ يَلْقَى كَهَذَا الفَضْل فَضْلٌ *** وَ هَلْ أَحَدٌ حَوَى مِنْ ذَاكَ شَانا؟

أَلَيْسَ لِذَاتِ ذِي العَلْيا عجِيباً *** تُقَاسِي بَعْدَ وَالِدِها هَوانا؟

فَمَا يَوْمٌ تَحِتُ بِها زَفافاً *** مَلاَئِكَةُ السَّما عَجَباً أَرانا

وَلكِنَّ العُجَابَ نَهارَ جَاءَتْ *** لِمَنْزِلِهَا اللَّئَامُ وَ مَنْ أعانا

فَأَسْقِطَ حَمْلُها عَصْراً وَ رَضُّوا *** وَرَاءَ البَابِ أَضْلُعَها اضْطِغانا(3)

وَ مِنْ ضَرْبِ السَّيَاطِ تَمُوتُ نَهْكاً *** بَرَى جِسْماً و أَوْهَنَها جِنانا(4)

وَ كَمْ عَانَتْ خُطُوباً قَبْلَهَا لَمْ *** يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الأَحْيَاءِ عَانَي

***

أَتَقْضِي بَضْعَةُ المُخْتَارِ ضَرْباً *** وَ نَهْكاً وَ امْتِهاناً وَ امْتِحَانا؟

وَ تَقْضِي وُلْدُها بِالظُّلْمِ هَذَا *** سُقِيَ سُمّاً وَذَا قَتْلاً مُهانا

ص: 137


1- رخاماً: رقيقاً.
2- نثاراً: متفرّقة -ألْقَتْ:جرانا: وطَنَتْ أنفسها أو ألقت أثقالها.
3- انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 اضطغانا: انطواء على الأحقاد.
4- أنظر ما ورد عن «بحار الأنوار» ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم في القصيدة. نهكاً: مبالغة في العقوبة.

فَبَيْنَ فَتَّى يُقَاسِي السُّمَّ حَتَّى *** يَمُوتَ وَ بَيْنَ مَنْ يَلْقَى السِّنانا(1)

ص: 138


1- دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص30 (1371/4/17 ه- ).

(43) مهرجان العيد

(بحر الرَّمل)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

فَجْرِي الفِكْرَ وَ غَذّي بَيانا *** وَ أَحِيلِي العِيدَ فِينَا مِهْرَجانا

فَجْرِي الفِكْر فَرِيض يَجْتَلِي *** هِمَماً خَانَ بِهَا العَزْمُ زَمَانَا

فَهْي لَوْلاكِ سَتَعْفُوحِقَباً *** وَ سَيَخْبُو وَقْدُها أَوْ يَتَفَانَي(2)

عَادَتِ الذِّكْرَى فَمَا أَرْوَعَهُ *** بُلبُلُ الحَفْلِ إِذا غَنَّى لِسانا

عَادَتِ الذِّكْرَى وَ قَدْ عَوَّدَنا *** شَرَفَ الخِدْمَةِ وَ فَّيْنَا رَجَانا

وَ أَفِيضِي قَبْسَةَ النُّورِ عَلَى *** ظُلْمَةِ القَلْبِ لِيَنْجَابَ عَمَانا

وَ افْتَحِي آمَالَنَا فِي مدحٍ *** هِيَ سِرُّ الفَوْزِ فِي نُجحِ مُنانا

وَ هْيَ عُنْوَانٌ يُجَلِّي حُبَّنا *** وَ هُيَ تَعْبِيرٌ لِمَكْنُونِ وَلاَنا

***

مِهْرَجَانُ العِيدِ هَذَا مَوْعِدٌ *** قَدْ قَطَعْنَاهُ مَعَ الذِّكْرَى أَتانا

فَأَدِرْ كَاسَ حُمَيَّاكَ عَلَى *** مَحْفِل العِيدِ لِتُسْقِينَا رِوانا

فَلَنَا فِي كُلِّ عَامِ وَقْفَةٌ *** تَشْحَذُ الفِكْرَ وَ تُذْكِينا بَيَانا(3)

في جَلِيلِ الذَّكَرِ إِذْ يُتْلَى بِهِ *** مِنْ حَيَاةِ الطُّهْرِ قُرآنُ هَدَانا

ص: 139


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يخبو وقدها: يخبو أي يخمد و يسكن و ينطفىء و قدها اشتعالها.
3- تشحذ: تحذ.

فَنَرَاهَا وَ هْيَ فِي مَوْلِدِها *** وَ صِبَاهَا وَ بِهِ نَبْنِي صِبَانا

وَ هيَ فِي دَوْرِ شَبَابِ اذْ تَرَى *** حِكْمَةَ القَوْلِ وَ فِكْراً لايُدَانَى

وَ لَنَا التَّهْذِيبُ مِنْ مَنْطِقِهَا *** فَبِهِ نَنْعَمُ هَدْياً وَ اتَّزَانا

وَ نَرَاهَا وَ هُيَ أُمْ نَهَجَتْ *** لِبَنِيهَا أَعْظَمَ الأَخْلاقِ شَانا

وَ هُيَ دَرْسُ تَهْتَدِي أَبْنَاؤُنَا *** فِي عُلاهُ وَ بِهَا تَبْنِي الكيانا

وَ لَنَا مِنْ رِفْعَةِ الصَّوْنِ بِهَا *** مَنْهَجٌ تَأْخُذُهُ مِنْهَا نِسانا

وَ بِهِ تَرْكُولَهَا عِفَتُها *** وَ تَرَى الحِلْمَةَ عِزَّاً وَ أَمَانا

***

بَضْعَةَ المُخْتَارِ لأَزَالَ لَكِ *** مَوْقِفُ العِزَّةِ مَجْداً لَنْ يُدَانَى(1)

بضعَةَ المُخْتَارِ وَ الحَالُ وَ إِنْ *** مَرَّ بالجزأَةِ مَا أَوْهَى جِنَانا(2)

وَ أَبَادٍ لَعِبَتْ دَوْراً لَهَا *** وَ هُنَتْ شأناً وَ لَمْ تَنْقُصْكِ شَانا

مَا هُوَ الإِرْتُ وَ مَا السَّهْمُ وَ مَا *** فَدَكٌ عِنْدَكِ مَا كَانَ ضَمانا؟

ص: 140


1- في كونها بضعة النبي صلي الله علیه و آله و سلم أقول: فاطمة الزهراء علیها السلام سيدة الحسب و النسب و في قوله تعالى: «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ» المؤمنون، آية: 101. روى العلامة «المناوي» في «فيض القدير» بإسناده عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي... و روى الحافظ الحسكاني قال: أخبرنا عقيل بن الحسين عن عبداللّه بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «كل حسب و نسب منقطع يوم حسب و نسب منقطع يوم القيامة إلا حسبي و نسبي إن شئتم اقرأوا «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ». و فاطمة الزهراء علیها السلام هي سيدة الحسب و النسب المتصلين برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فهي طليعة المستثنين من هذه الآية الكريمة. انظر فضائل الخمسة ج2. و شواهد التنزيل ج1 ص407. و فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص164.
2- أوهى: أضعف.

مَا الَّذِي أَنْعَبَكِ مِنْ شَأْنِهَا *** غَيْرُ أَنْ تُنْفَقَ فِي اللَّهِ امْتِنَانَا؟

وَ لَئْنُ أَوْقَفَكِ الحَالُ بِهَا *** مُؤقِفَ الشَّاكِي مِنَ القَوْمِ هَوَاناً

موْقِفَ المُحْتَجٌ يُدْلِي حُجَجاً *** تَدْحَضُ البَاطِلَ رُوحاً وَكِيانا

لَمْ يَكُنْ ذَاكَ سِوَى أَنْ تَكْشِفِي *** وَاقِعَ الحَالِ بِهَا كَيْ يُسْتَبانا

وَ يَرَى التَّارِيخُ مَا أَغْفَلَهُ *** مِنْ صَرِيح الحَقِّ أَوْ عَنْهُ تَوَانَى(1)

إذْ يَرَى الحَقُّ بِهِ وَهُجَ الضُّحَى *** يَخْطَفُ الْأَبْصَارَ فِيهَا لمعانا

قَدْ عَرفْنَا الحَالَ إِذ أَلْزَمَهُمْ *** مَنْطِقَ الغَايَةِ أَخْذاً وَامْتِهَانا

وَ عَرِفْنَا مَنطِقَ الغَايَةِ لاَ *** يَعْرِفُ الإِنْصَافَ أَوْ يَرْضَى اتِّزَانا

غَيْرَ أَنَّا لانَرَى مَعْنَى بِهَا *** أَنْ نَرَى بِالبَابِ لِلْجَزَلِ مَكَانا

وَ نَرَى النَّارَ عَلَى شِدَّتِها *** حَيْثُ عَادَ البَيْتُ نَاراً وَ دُخانا

وَ هُجُوماً ضُيْعَ العَدْلُ بِهِ *** فِي حِماً قَدْ كَانَ أَحْرَى أنْ يُصَانَا

أيُّ مَعْنَى لِهُجُومٍ شُنَّ قَدْ *** عَادَ مِنْهُ الضّلْعُ فِي الصَّدْرِ مُبَاناً؟(2)

وَ عِمَادٌ لُبِّبَ الحَبْلُ لَهُ *** دُونَ أَن يُشْهرَ سَيْفاً أَوْ سِنانا

أَمِنُوا سَطوَتَهُ فَاسْتَأَسَدُوا *** مَنْ رَأَى الأمن مِنَ المَكْرِ اسْتِهَانا

وَ لَقَدْ كَانُوا عَلَىٰ عِلْمٍ بِهِ *** فَلَقَدْ كَانُوا وَ مَا كَانَ جَبَانا

قَدْ أَطَاعَ المُصْطَفَى فِي أَمْرِهِمْ *** حَيْثُ لَوْلاهُ لَهَابُوهُ طِعَانا

أكَذَا البَيْعَةُ لاَيُقْضَى لَهَا *** دُونَ أَن يُسْتَوْادَ العَدْلُ عَيَانا(3)

دُونَ أَنْ يَفْرِشَ فِي الدَّرْبِ لَهَا *** مِنْ ضَحايا الجَوْرِ أَكْباداً سِخَانا

وَيْحَ دُنْيَا الجَهْلِ مَا أَجْرَأَها *** أَنْ يَعِيش النَّاسُ مِنْهَا العُنْفُوانا

***

ص: 141


1- توانی: تضعف و تكلّ و تفتر و تعيى.
2- مباناً: منفصلاً منقطعاً.
3- يُسْتؤاد: يدفن في التراب و هو حيّ.

إِيهِ يَا أُخْتُ أَلَوْلاً كَمْ سَعِدَتْ *** أُمَّةٌ أَوْسَعَتِ العِرْضَ صِيانا

لَمْ تَكُنْ تَرْضَى بِأَنْ تَبْدُولَهَا *** كَاعِبٌ تَخْطَفُها الأَبْصَارُ آنا

وَ لَنَا نَحْنُ بِهِ الدِّينُ غِنّى *** حَيْثُ نَسْتَجْلِي مِنَ النَّهْجِ هُدَانا

فَلَكِ الزَّهْرَاءُ فِي حِشْمَتِها *** قُدْوَةٌ إِنْ رُمْتِهِ مَجْداً مُصَانا

وَ حَيَاةُ الجيل لأتُلزمنا *** أبَداً يَا أُخْتُ تَقْلِيدَ سِوَانا

فَحَيَاةُ الجِيل لأتُلْزِمُنا *** زَحْرَفَاتِ الفَنْ صِبْغاً وَ دِهانا(1)

ص: 142


1- أفراح الولاء ص101.

(44) لم أنس

(بحر الكامل)

الأستاذ محمود سبتي

كَمْ فِي سُوَيْدا قَلْبِهَا مِنْ غُلَّةٍ *** وَ بِجِسْمِهَا نَشَبَتْ مَخَالِبُ عِلَّةٍ؟(1)

لَمْ أَنْسَ إِذْ بَكَتِ النَّبِيَّ بِعَوْلَةٍ *** وَ رَنَتْ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقْلَةٍ(2)

عَبْرَى وَ قَلْبٍ مُکْمَدٍ مَحْزُونِ

***

وَ سِيَاطُ قُنْفُذَ أَثَرَتْ فِي جَنْبِها *** وَ سَمَاءُ مُقْلَتِهَا تَدِرُّ بِسُحْبِها

حَتَّى إِذَا احْتَنَكَ الْجَوَى فِي لُبَّها *** قَالَتْ وَ أَظْفَارُ المُصَابِ بِقَلْبِهَا(3)

غَوْثَاهُ قَلَّ عَلَى العُدَاةِ مُعِ العُدَاةِ مُعِینِي

***

وَ بِقَلْبِها وَجْدٌ ثَوَىٰ فَأَقَلُّهُ *** ثُمَّ الرَّوَاسِي لاتُطِيقُ تقلّه(4)

فَدَعَتْ وَ مَدْمَعُهَا تَدَفَّقَ سَيْلُهُ *** أَبَتَاهُ هَذَا السّامِرِيُّ وَ عِجْلُه

تُبِعَا وَ مَالَ النَّاسُ عَنْ هَارُونِ

***

ص: 143


1- سويدا القلب: حَبَّتُه.
2- رنتْ أدامت النظر إلى الشيء بسكون الطَّرْف. مُقْلة: عين.
3- احتنك: استولى عليه. الجوى : شدّة الوَجْد من حزنٍ أو عشقِ.
4- وَجْد: حزن. ثوى: أقام شمّ الرواسي: الجبال العالية الثابتة الراسخة.

وَيْلٌ لِقَوْمٍ حَارَبُوا ابْنَةَ أَحْمَدِ *** هَتَكُوا حِمَاهَا قَبْلَ دَفْنِ مُحَمّدِ

فَغَدَتْ تُنَادِيهِ بِقَلْبِ مُكْمَدِ *** أَيُّ الرَّزَايَا أَتَّقِي بِتَجَلْدِ؟(1)

هُوَ فِي النَّوَائِبِ مُذْ حَیِيْتُ قَرِينِي

وَجْدِي تَنَاهَىٰ لَيْسَ وَجْدٌ فَوْقَهُ *** وَ شَجَايَ أَبْعَدَ عَنْ لِسَانِي نُطْقَهُ

أَيُّ الخُطُوبِ أَقلَّهُ إِنْ أَلقَهُ *** فَقْدِي أَبِي أَمْ غَصْبُ بَعْلِي حَقَّهُ

أَمْ كَسْرُ ضِلَعِي أَمْ سُقُوطُ جَنِينِ؟(2)

يَا لَيْتَنِي قَدْمُتُ قَبْلَ مَنِيَّتِي *** أَوْ أَنَّنِي أُلْحِدْتُ قَبْلَ مَذَلَّتِي

أَيُّ الخُطُوبِ لَهُ أَنُوحُ أَذِلَّتِي *** أَمْ أَخُذُهُمْ إِرْضِي وَ فَاضِلُ نِحْلَتِي

أمْ جَهْلُهُمْ حَقي وَ قَدْ عَرَفُونِي(3)

ص: 144


1- قلب مكمد: قلب محزون و مهموم جدا. تجلّد: تصبر.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم فألجأها (أي قنفذ) إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها. و هي تكملة للرواية السابقة في الهامش السابق.
3- شعراء الغري ج11 ص198.

(45) نجيبة المصطفى صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الأستاذ محمود مهدي

عَلَى البَقِيع ظِلالٌ مِنْ مَآسِينا *** تَبْكِي الطُّلُولُ لِشَجْوَاها وَ تُبْكِينا(1)

هُنَاكَ حَيْثُ تَقِرُّ الطُّهْرُ فَاطِمَةٌ *** بنتُ النَّبيِّ مفدانا وَ هادِينا

يَا بِنْتَ خَيْرِ الوَرَى يَا زَوْجَ حَيْدَرَةٍ *** يَا أَمَّ شِبْلَيْهِ يَا أَغْلَى أَمَانِينَا

مَا القَوْلُ مُجْدٍ بِمَا نَلْقَاهُ مِنْ عَنَتٍ *** مِمَّا أَصَابَكِ مِنْ بَغْيِ المُضِلِّينا

أَقْصَاكِ عَنْ إِرْثِكِ المَشْرُوعٍ لُؤْمُهُمُ *** وَ اسْتَحْدَمُوا بَعْدَ مَوْتِ المُصْطَفَى دِينا(2)

أَمْلَتْهُ أَهْوَاؤُهُمْ كُرْهاً وَ مَحْسَدةً *** حَتَّى غَدا الدِّينُ بِالأَهْوَاءِ مَرْهُونا

لازَالَ لِلْيَوْمِ مِنْ أَحْقَادِهِمْ نَبْذٌ *** فِيهَا رِيَاحُ عَوَادِيهِمْ تُفادِينا(3)

لَمْ يَكْفِ لَمَّا نَحَّوْا أَبا حَسَنِ *** عَنِ الخِلافَةِ وَ ابْتَزُوا لَهَا حِينا(4)

لَمْ يَكْفِ أَنَّهُمُ عَلَى الجَنِينِ قَضَوْا *** وَ حَطَّمُوا الضّلْعَ وَ اسْتَنُّوا الشَّجَا فِينا(5)

حَتَّى اسْتَبَاحُوا دِمَا السُبْطَيْن و أَسَفِي *** وَ أَحْرَقُوا كَيْدَ طَة وَ المُوَالِينا

***

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهَادِي وَ حَقَّكُمُ *** إِنَّا عَلَى العَهْدِ لَازِلْنَا مُقِيمينا(6)

ص: 145


1- الطلول جمع الظَّلل و هو الأثر المتبقّي من الديار بعد فنائها.
2- انظر كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232.
3- رياح عواديهم: العوادي الخيل المغيرة أو جماعة القوم يعدون للقتال.
4- ابتزّوا: اغتصبوا و سرقوا.
5- انظر کتاب دلائل الإمامة ص45.
6- انظر كنز العمال ج6 ص220.

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهَادِي مُصِيبَتِكُمْ *** لاشَيْءَ عَنْهَا بِذِي الدُّنْيَا يُعَزِّينا

كَيْف التَّجَلُدُ وَالآلامُ عَارِمَةٌ *** تَعُومُ فَوْقَ سُولٍ مِنْ مَآقِينا(1)

تَجْرِي الهُمُومُ وَ نَجْرِي فِي رَكَائِبِهَا *** مَعَ الزَّمَانِ وَ جَمْرُ الحُزْنِ يَكوِينا

يَا بَضْعَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ طَاهِرَةً *** وَ دُرَّةً بُلُورَتْ فَضْلاً وَ تَكوينا

فِي عَالَم النُّورِ خَطَّ اللَّهُ صُورَتَهَا *** وَ زَادَ فِي حُسْنِهَا الأَفْلاكَ تَزْيِينا(2)

بِالمَجْدِ جَلَّلَها، بِالفَخْرِ كَلَّلها *** بِالذِّكْرِ حَلَّلَها آياً وَ تَبْيِينا

بِاللُّطْفِ كَمَّلَها بِالعَطْفِ جَمَّلَها *** لِلْأَرْضِ أَنْزَلَهَا ذُخْراً لِتُنْجِينا(3)

نَجِيبَةُ المُصْطَفَى الدَّاعِي وَ فَلْذَتُهُ *** لِذِكْرِكِ اليَوْمَ شَامَ الحُزْنُ نَادِينا

ص: 146


1- التجلّد: التصبّر. عارمة: شديدة خارجة عن الحد مآقينا: دموعنا.
2- في كتاب العوالم ج1 ص76 عن جابر عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت له: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام، زهراء؟ فقال: لأن الله «عزّوجلّ» خلقها من نور عظمته فلمّا اشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها.
3- في كتاب كنزالعمال ج6 ص219: انما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبّيها عن النار. و في كتاب فاطمة علیها السلام من المهد إلى اللحد للمرحوم السيد محمد كاظم القزويني «قدس سره» ص48. لقد بلغ من احترام الأئمة الطاهرين لاسم فاطمة علیها السلام أن رجلاً من أصحاب الامام الصادق علیه السلام دخل عليه يزوره فلما وقع بصر الامام الصادق علیه السلام على الرجل رآه مهموماً مغموماً فسأله عن سبب همه و غمه فأخبره الرجل قائلاً: ولدت لي ابنة... فسأله الامام علیه السلام عن اسمها. فقال: سميتها فاطمة علیها السلام... و ما كاد الامام الصادق علیها السلام يسمع بهذا الاسم حتى اطرق برأسه إلى الأرض و راح ينكت الأرض بأصبعه ثم قال: آه -آه -آه و قد اغرورقت عيناه و فاضت بالدموع ثم التفت إلى الرجل و قال له: «أما إذا سميتها فاطمة علیها السلام فلاتسبها و لاتلعنها و لاتضربها». فهى فاطمة علیها السلام لانها فطمت الذين احبوها و حملوا حبها في قلوبهم و انعكس على سلوكهم من النار و من العذاب. و هي فاطمة علیها السلام لأن الناس فطموا عن معرفتها و لهذا صارت معرفتها موازية لمعرفة ليلة القدر فلاتدركها إلا العقول النيرة و القلوب العامرة بالايمان و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و الليلة المباركة... و الكوثر الذي لاينقطع أبداً... و هي الطاهرة و الزكية...، و هي الراضية المرضية و هي المحدثة و الزهراء...، و بالتالي فهي البتول العذراء علیها السلام.

إِنَّا نَقُولُ وَ صِدْقُ الفِعْلِ شَاهِدُنا *** مَا كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ يُؤْذِينا

حَيْثُ الوَلاَ لَكُمْ بِالشَّرْع مُفْتَرَضٌ *** كَسُورَةِ الحَمْدِ فِي شَأْنِ المُصَلِّينا

لَنْ يُقْبَلَ الفَرْضُ إِلا فِي تِلَاوَتِهَا *** إِذْ كَانَ فِيهَا قَبُولُ الفَرْضِ مَرْهُونا

لِذَا رَضِعْنَا مَعَ الأَلْبَانِ حُبَّكُمُ *** مُنْذُ الوِلادَةِ وَ اسْتَرْعَى حَوَانِينا

يَسْرِي مَسَارَ الدِّمَا فِي كُلِّ جَارِحَةٍ *** فِينا، فَيُنْعِشَ أَحْشَانا وَ يُحْيِينا

إِنْ لَمْ تُشَرَّفْ بِمَرْآكُمْ نَوَاظِرُنَا *** فَحَسْبُنَا أَنَّ ذِكْرَاكُمْ تُنَاجِينا

سَنُصْبرُ الأَنْفُسَ الحَرَّى عَلَى مَضَضٍ *** حَتَّى أَبُوالقَاسِمِ المَهْدِي يُوَافِينا(1)-(2)

ص: 147


1- مضض: وجع المصيبة.
2- نفخات عاطرة ص82.

(46) سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

السيد مرتضى النجفي البهبهاني

أَصْحَابُ أَضْغَانٍ وَ حِقْدِ أَسْوَدِ *** نَكَنُوا الْعُهُودَ كَأَنَّها لَمْ تُعْقَدِ

تَعْساً لَهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ لَمْ تَرْشِدِ *** الْوَائِبِينَ لِظلم آلِ مُحَمَّدٍ

وَ مُحَمَّدٌ مُلقى بِلاتَكْفِينِ

***

يا عُصْبَةٌ كَمْ فِي الْهُدَى عَادَيْتِنا *** وَ لأَجْلِهِ بِعِداكِ قَدْ ناصَبْيِنا

وَ بِكُلِّ مُعْضَلَةٍ لَقَدْ آتَيْتنا *** وَ الْقَائِلِينَ لِفَاطِمٍ آذيْتِنا

في طُولِ نوْحٍ دَائِمٍ وَ حَنِینِ

***

مَتَعُوا سَلِيلَةَ أَحْمَدٍ أَنْ تَسْتَظِلْ *** ظِلَّ الأَرَاكَةِ فِي دُمُوعَ تَسْتَهِلْ

تَعْساً لأَفْئِدَةِ بِغِلُ تَسْتَعِلْ *** وَ الْقَاطِعِينَ أَرَاكَةً كَيْ مَا تَقِلْ(1)

بِظِلِّ أَوْرَاقٍ لَهَا وَ هُمْ وَ غُصُونِ

***

مِنْ كُلِّ مَنْ هُوَ فِي مَقَالَتِهِ بِذِي *** وَ مُنَافِي فِي قَعْرِ نارٍ مُنْبَذِ

المُجْلَبِينَ عَلَى الْهُدَى بِتَلَذّذِ *** وَ مُجَمْعِي حَطَبٍ عَلَى البَيْتِ الَّذِي

لَمْ يَجْتَمِعْ لَوْلاهُ شَمْلُ الدِّينِ

***

ص: 148


1- غِلَ: حِقد و غشّ.

إنَّ البَتُولَةَ مَنْ يُلازِمُ سَمْتَها *** يَلْقَ السَّعَادَةَ فِي الْقِيَامَةِ وَقُنَها(1)

عجباً لِقَوْمٍ لَمْ يُرَاعُو صَوْتَها *** أَلدَّاخِلِينَ عَلَى الْبَتُولَةِ بَيْتها

وَ الْمُسْقِطِينَ لَهَا أَعَزَّ جَنِينِ

***

لَوْلا كِتَابُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ *** مَانَالَ قَط مُوَحَدٌ لِمُرَادِهِ

وَيْلٌ لِكُلِّ مُجَاهِرٍ بِعِنادِهِ *** وَ الْقَائِدِينَ إمَامَهُمْ بِنجَادِهِ(2)

وَ الطُّهْرُ تَدْعُو خَلفَهُمْ بِرْنِينِ

***

عَصَرُوا الزَّكِيَّةَ ثَمَّ عَصْراً مُوجِعا *** وَ هُناكَ أَلْقَتْ خَيْرَ حَمْلٍ أَبْدِعا

قَامَتْ وَرَاءَهُم تُنَادِي الأَجْمُعا *** خَلُوا ابْنَ عَمِّي أو لأكشف بِالدُّعا

أَوْ رَأْسِي وَ أَشْكُو للإلهِ شُجُونِي

***

في الذِّكْرِ نَاقَةُ صَالِحٍ تَفْصِيلُها *** نَبْلُ لَهَا وَ لِقَوْمِهِ تَنْوِيلُها

وَ مُذِ اعْتَدُوا عَقَرُوا فَهُدَّ مَقيلُها *** ما كانَ نَاقَةُ صَالِحٍ وَ فَصِيلُها

بِالفضْلِ عِنْدَ اللَّهِ إِلا دُونِي

لَمّا رَأَتْهُمْ مَا انْثَنَوْا عَنْ فِعْلَةٍ *** وَ لِشَخْصِها لَمْ يَحْفَظُوا مِنْ حُرْمَةٍ

ضَجَّتْ وَ مِنْهَا عَيْنُها فِي عَبْرَةٍ *** وَ رَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقْلَةٍ

عبْرَى وَ قَلبٍ مُکْمَدٍ مَحْزُونِ

ص: 149


1- سمتها: طريقها.
2- نجاده: حمائل السيف.

ص: 150

قافیة الهاء

أشارة

ص: 151

ص: 152

(1) نادت أباها صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر المتدارك)

الأستاذ أبو زهراء الكوفي

فاطمٌ قد قَضتْ بِنْتُ طه *** فالعَزالِعَلِيٍّ ورَاها(1)

***

ذَهَبَتْ تَشْتَكِي لأَبِيها *** أُمَّةً قَدْ أضاعَتْ هُداها

نَسِيَتْ بيّناتِ المثَانِي *** وكذا سُنّةَ الهادِي طه

عَطَّلَتْ ما حَواهُ الكِتابُ *** وعَلى الآلِ دارَتْ رَحاها

وَالنَّبِيُّ مُسَجًّى أَثاروا *** فِتْنَةً فَاسْتَحَقُّوا لَظاها(2)

***

كَسَرُوا ضِلْعَها وَالجَنِينُ *** أَسْقَطُوهُ فنادَتْ أَباها(3)

قُمْ فشاهِدْ عليّاً وَحِيداً *** بَيْنَ مَنْ حَكَمَتْ بِهَواها

ويْلَهُمْ قيَّدُوهُ بِحَبْلٍ *** كَيْ يُبايِعَهُمْ مُرْتضاها

وَهْوَ مَن فَوْقَ كَتْفِ النَّبیِّ *** هُبَلٌ بالفِقارِ اعْتَلاها

ص: 153


1- في كتاب إحقاق الحق ج 10 ص 183 عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم قال لفاطمة علیها السلام: هي خير بناتي، لأنها أُصيبت فيَّ.
2- لظاها: نارها أو لهيبها.
3- في كتاب إثبات الوصية ص 123. وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال: لا أفعل، فقالوا : نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإني عبد اللّه وأخو رسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم...

قالَ بَايَعْتُكُمْ لا لِضَعْفٍ *** إنّما حاقِناً لِدِماها

قد عَلِمْتُمْ محلّي فَإِنِّي *** قُطْبُها لَوْ رَفَعْتُ لِواها

غَيْرَ أَنّي تَنَازَلْتُ عَنْهَا *** حامِياً للأُصولِ حِماها

فأَجابُوا عليّاً بغَدْرٍ *** قالَ فُزْتُ وَرَبِّ عُلاها

***

بَعْدَهُ المُجْتَبَى ماتَ سَمّاً *** وَحُسَيْنٌ قضَى بظُباها(1)

وَالرّزايا عَلَيْناتوالَتْ *** في العِراقِ يُدَوِّي صَداها

قُبَّةُ السِّبطِ قَدْ هَدَمُوها *** وَالضَّحايا أُلوفٌ فِداها

أَيُّها المَهْديُّ اظْهَرْفَهَا قَدْ *** بَلَغَ السَّيْلُ حَقَّ زُباها(2)

وَاستَقِمْ يا مُوالِي بِدَرْبٍ *** خَطَّهُ لكَ آلُ عباها(3)

ص: 154


1- ظُباها: حدود سيوفها أو أسنّتها
2- بلغ السيلُ حقَّ زُباها: يعني اشتدّ الأمر وانتهى إلى غاية بعيدة.
3- عدتي للآخرة في رثاء العترة الطاهرة ص27.

(2) صلى الإله عليها

(بحر البسيط)

الأستاذ أحمد بن الحاج رشيد منط

يا بَضْعَةً مِنْ زَعِيمِ الرُّسْلِ حَيّاها *** رَبُّ السَّمَاءِ وَحَيَّى الغُرَّ أَبْناها(1)

ما كانَ أَطْيَبها مِنْ زَهْرَةٍ نَبَتَتْ *** فَوْقَ الأَدِيمِ وَزَكَّى اللَّهُ مَنْشاها(2)

مِنْ مَعْشَرٍ وُدُّهُمْ فَرْضٌ وَرَبُّهُمْ *** لَمْ يَخْلُقِ الكَوْنَ لَوْلاهمْ وَلَوْلاها

فَاللَّهُ لمَّا بَرَى خَلْقاً وَكَوَّنَهُ *** مِن نُورِ أَحْمَدَ خَيْرِ الرُّسْلِ صَفّاها

وَمِن أَجَلِّ نِساءِ الخَلْقِ أَطْلَعَها *** كالشَّمْسِ تُشْرِقُ في الأَكْوانِ أَضْواها

وَرَبُّها مِنْ جَمِيعِ الرِّجْسِ طَهَّرَها *** وَفي دَررِ جَمِيعِ الفَضْلِ حَلاّها

ما بَيْنَ جِبْرِيلَ وَالمُخْتارِ والِدِها *** وَبَيْنَ صدِّيقَةِ المُخْتارِ مَرْباها

آباؤُها حُجَجُ البارِي وَصَفْوَتُهُ *** وَسَادَةُ الخَلْقِ فِي الدَّارَيْنِ أَبْناها

وَهْيَ الَّتِي بَضْعَةٌ مِنْ نُورِ وَالِدِها *** وَكانَ سِيما رَسُولِ اللَّهِ سيماها

وَكانَ جِبْرِيلُ بالآياتِ يُؤنِسُها *** وَمِنْ مَعارفِهِ المُخْتَارُ غَذّاها

يَقُولُ مَنْ أَغْضَبَ الزَّهْراءَ أَغْضَبَنِي *** وَاللَّهُ يَرْضَى عَلَى مَنْ كانَ أَرْضاها(3)

وَلَمْ يَكُنْ لنِسَاءِ الخَلْقِ سَيِّدَةٌ *** في النَّشْأَتَيْنِ عَلَى الإِطْلاقِ إِلاّها

ص: 155


1- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 قال النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم: فإنما ابنتي - يعني فاطمة علیها السلام - بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.
2- الأديم: أديم الأرض ما ظهر منها وأديم النهار بياضه و كامله.
3- في كتاب كنز العمال للمتقي ج7 ص111 قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: «إن اللّه يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ».

مِنْ نورِها تَزْهَرُ السَّبْعُ الطِّباقُ إذا *** أُمُّ الحُسَيْنِ تَجَلَّتْ في مُصَلاّها

لأجْلِ ذا سُمِّيَتْ زَهْراءَ فاطِمَةً *** وَرَبُّها مَنْ بِهذا الاسْمِ سَمّاها

وَحَسْبُها سَيِّدُ الأَمْلاكِ جَلَّلَهُ *** كِساؤَها حينَ غَطّاهُ وغَطَّاهَا

وَهْيَ الّتي بَيْنَ أَهْلِيها قَدِ انْتُدِبَتْ *** حَتَّى تُباهِلَ أَهْلَ الكُفْرِ أَعْداها(1)

وهَلْ أَتى؟ هَلْ أَتى إلاّ بِمِدْحَتِها *** لَمّا وَفَتْ نَذْرَها وَاللَّهُ آتاها(2)

مُلْكاً كَبِيراً بهِ الرَّحْمنُ بَشَّرَها *** وَكَانَتِ الآيَةَ الغَرّا بِتَقْواها

وَكانَ يُجْلِسُها المُخْتارُ مَوْضِعَهُ *** إذا أتَتْهُ وَبِالتَّعْظِيمِ يَلْقاها

وَمِنْ جَمِيعِ فُنُونِ العِلْمِ عَلَّمها *** وَرَبُّها منْ جَمِيعِ الفَضْلِ أَعْطاها

وَعَقْدُها قَدْ تَولاّهُ الإلهُ عَلَى *** خَيْرِ البَرِيَّةِ إِيماناً وَأَقْضاها

وَلَمْ يَكُنْ مِنْ سِواها مَنْ بِمَقْدَمِهِ *** يُطَهِّرُ الأرْضَ مِنْ رِجْسٍ تَغَشّاها

تُنَكِّسُ النّاسُ يَوْمَ الحَشْرِ أَعْيُنَها *** حَتَّى تَمُرَّ وَنُورُ اللَّهِ يَغْشاها(3)

وَلَيْسَ يَعْرِفُ ما حازَتْهُ مِنْ شَرَفٍ *** إلاّ الذي صاغَها نُوراً وأَنْشاها

فَاقْصُرْ أُحَيْمِدُ عَنْ إِطْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** مَهْما أَرَدْتَ بِقَرْضِ الشِّعْرِ إطْراها(4)

واللَّهِ واللَّهِ لا تُحْصِي فَضَائِلَها *** وَلَوْحُبِيتَ عَدِيدَ النَّجْمِ أَفْواها

فَهْيَ الّتِي عَنْ مَدِيحِ الخَلْقِ رُتْبتُها *** جَلَّتْ وَخالِقُها الرَّحْمنُ أَعْلاها

لَوْ كلُّ ماءِ بِحَارِ الأَرْضِ مِحْبَرةٌ *** وَأَصْبَحَتْ وَرَقاً عَلْياءُ دُنْياها

ص: 156


1- تباهل: تلاعن.
2- في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 530 فأتاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فرأى ما (أي علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام) من الجوع فأنزل اللّه «تعالى» «هل أتى على الإنسان حين من الدهر - إلى قوله - لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً»
3- تنکِّس: تطأطيء من ذل. إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص48 قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع نكّسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم على الصراط».
4- إطراء: حُسن الثناء والمبالغة في المدح.

وَ كُلُّ عُودٍ على وَجْهِ الثَّرَى قَلَمٌ *** وَ كُلُّ نَفْسٍ إِلهُ العَرْشِ سَوّاها

كانُوا عَلَى الأرض كُتاباً وَكُلُّهُمُ *** رامُوا بأنْ يَنْعَتُوا ما الله أَوْلاها

لَمْ يَبْلُغُوا ذَرَّةٌ ممّا به مُنحَتْ *** مِنَ الفَضائل مِنْ ذِي العَرْشِ جِلّاها(1)

و هُيَ الّتي خُلِقَتْ من نُورِ بارئها *** فَأَيْنَ لِلْخَلْقِ الْمَامٌ بِمَعْنَاهَا(2)

لَكِنْ رَأَيْتُ عَلَى قَدْرِي مَدائِحَها *** فَرِيضةٌ وَ إِلهُ العَرْشِ زَكّاها

طُوبَى لِمَنْ صَيَّرَ الإِسْلامَ قائِدَهُ *** وَوَدَّ ابْناءَ ها طراً وَ والاها

وَ لَمْ أكُنْ أحْسِبُ الأَيَّامَ تَضْرِبُها *** وَ الدَّهْرَ يَجْهَلُ بَيْنَ النَّاسِ فَحْواها

وَ تُضْرَمُ النَّارُ في بَيْتٍ لَهَا سَكَنٌ *** فَرَّتْ به وَ هُوَ طُولُ العُمْرِ مَأواها(3)

وَ ذَلِكَ البَيْتُ أصْحابُ الكِساءِ به *** عَلِيُّ المُرْتَضَى الزَّاكِي وَ نَجْلاها

وَ تُمْنَعُ الإِرْثَ مِنْ طه وَ نِحْلَتَها *** مِنْهُ بأقوالِهِ القُرْآنُ يَأباها(4)

وَ فِي الدُّجى خُفْيَةً تُلْقَى بِحُفْرَتِها *** حَبِيبَةُ المُصْطَفَى خَيْرِ الوَرَى طه

وَ مَنْعُها صَيَّرَ الإسلام مُغْتَرباً *** وَ لَمْ يَزل لمقام الحَشْرِ يَنْعاها

وَ زَوْجُها المُرْتَضَى رُدَّتْ شَهادَتُهُ *** لها وَ كُذِّبَتِ الزَّهْرا وَ ابْناها

وَ إِنَّهُمْ كَالَّتِي قال الإلهُ بِهَا *** بِسْم المُهَيْمِن مُجْراها وَ مُرْساها

وَ كُلُّهُمْ شَهِدَ البارِي بِصِدْقِهِمُ *** وَإِنَّ مَنْ كَذَّبُوهُمْ كَذَّبوا اللَّه

وَ إِنَّ تَكْذِيبَها مِنْ بَعْدِ وَالِدِها *** أماتَها بَعْدَهُ غَضْبَىٰ وَ أَشْجَاها

وَ اللَّهُ يَخْزي الألى مِنْ بَعْدِ ما سَعِدُوا *** ما صَدَّقُوا بَضْعَةَ الهادِي بِدَعْواها

في يَوْمِ تَأْتِي إِلى الرَّحْمَنِ شاكيةً *** وَ العَرْسُ يَهْتَزُّ إِذعاناً لِشَكواها

ص: 157


1- جلاها: أي جلّى مدائحها.
2- إلمام: معرفة.
3- انظر ما ورد في كتاب العقد الفريد ج5 ص13 و غیره.
4- في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها ... نحلة: هبة، عطية، مهر المرأة.

وَ النَّارُ تَسْحَبُ كُلَّ الظَّالِمِينَ لَهَا *** وَ كُلَّ مَنْ في بنيها الغُر آذاها

وَ إِنْ أَشْقَى الوَرَى عِنْدَ الإِلَهِ غَداً *** مَنْ خَصْمُهُ عِنْدَهُ أَعْلَى الوَرَىٰ جاها

وَ حَسْبُها يَغْضَبُ البارِي إِذا غَضِبَتْ *** وَ عِنْدَهُ شَرُّ أَهْلِ النّارِ أَعْداها

صَلَّى الإِلهُ عَلَيْهَا كُلَّما طَلَعَتْ *** شَمْسُ النَّهارِ وَجَنَّ اللَّيْلُ عُقْباها(1)

ص: 158


1- خواطر الواجب في مدح الرسول وآله الأطايب ص16.

(3) هذه هي الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ أحمد حسن الدجيلي(*)(1)

أَلشَّمْسُ ما سَطَعَتْ وَضَاءَ سَنَاها *** إلاّ و أَنْتِ مَدَارُها و رَحَاها(2)

وَالمَجدُ مِنْ آبَائِكِ الغُرُ الأُلَى *** إِرْثٌ بِهِ شَمَعَ الفَخَارُ وتَاها(3)

مِنْ عَهْدِ (إسماعِيلَ) جَدِّكِ مَنْ بَنَى *** فِي أَرْضِ مَكَّةَ كَعْبَةً وَ رَسَاها

ص: 159


1- (*)هو الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ محسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبدالله الدجيلي. ولد في النجف الأشرف سنة (1342 ه-) الموافق (1924م) شبّ على حب الكمال و نشأ على الأدب، ربّاه والده الفاضل «رحمه اللّه» تربية صالحة و بعد أن درس المبادىء اشتغل بصناعة الشعر و نظمه فهو من شعراء هذه الأسرة، له شعر يتلى في المحافل التي تعقد في المناسبات من محافل التهاني و التعازي و له في ميلاد كل إمام نظم و قصيدة ومن قصيدة طويلة رثى بها والده يقول في أولها: أبي لستُ أدري كيف أرثيك في نظمي؟ *** و قد سامني من بعدك الدهر باليُتم درس المترجَم له السطوح كما أنه درس العربية على أبيه الشيخ حسن الدجيلي، و حضر بحوث الخارج عند كبار العلماء كالسيد الحكيم و السيد الخوئي و السيد السبزواري. و تخرّج من كلية الفقه مع الشيخ الوائلي والآصفي و السيد مصطفى جمال الدين، و يعتبر أوائل من التحق بمنتدى النشر و أسس لبناتها الأولى، وكان عضواً في جمعية الرابطة من الأدبية في النجف. و أما آثاره العلمية : 1- ديوان أزهار وأشواك) طبع في مطبعة النعمان في النجف الأشرف. 2-كتاب موجز عن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، يتحدث عن ثورته العظيمة. و غيرهما من الآثار الثمينة.
2- سناها: ضوؤها.
3- تاه: ذهب متحيّراً.

وَ أَتى بِ- (زَمْزَمَ) وَ هْيَ آيَتُهُ الَّتي *** سَكَنَتْ لِهَاجَرَ نَفْسُها بِفِناها

حَتّى سَقَى بَطْحَاءَ مَكَّةَ وَارْتَقَتْ *** مِنْ أَصْغَرَيْهِ بَرَاعِمٌ رَبَّاها

أنْتِ المَنَارُ لَهُ وَ أَيُّ كَرَامَةٍ *** لَمْ تَبْلُغِي مِنْهَا أَعَزَّ عُلاها

وَ أَبوكِ (هَاشِمُ) مَنْ يُدَانِي فَضْلَهُ *** وَ هُوَ الرَّبِيعُ المُمْحِلاتِ رُبَاها(1)

قَدْ كَانَ صَيِّبُ كَفِّهِ لِقَبِیلِهِ *** كَالغَيْثِ إِذْ يَنْهَلُ فَوْقَ ثَرَاهَا(2)

إنَّ البُطولَةَ عِزَّةٌ وَ سَمَاحَةٌ *** وَ رَجاحَةٌ في العَقلِ لاتَتَناهى

أُولاءِ آباءٌ وَ تِلْكَ مَفَاخِرٌ *** كَبُرَتْ وَ نَاحَ عَلَى الأَنَامِ شَذاها

نُورُ النُّبُوَّةِ قَدْ مَشَى في صُلْبِهِمْ *** وَ أَظَلَّ في الدُّنْيا فَزَالَ عَمَاها

نُورٌ تَبلَّج في جَبِينِ مُحَمَّدٍ *** تَاهَتْ بهِ الدُّنيا وَ عَمَّ ضِيَاها(3)

لاغَرْوَ فَاللَّهُ اصْطَفَاهُ إِلَى الهُدَى *** يَحْمِي شَرِيعَةَ جَدْهِ فَحَماها

وَ اخْتَارَهُ مِرآة حَقٌّ مارَنَتْ *** عَيْن لَهُ إِلا أَزَالَ قَذَاها

وَإذا سُطورُ الغَيِّ بَانَ ضَلَالُها *** أَجْرى عَلَيْها رَوحَهُ فَمَحاها

***

مِنْ فَرْعِهِ الزَّاكِي البَتُولَةُ فَاطِمٌ *** لِلَّهِ مَنْشَؤُها وَ طِيبُ صِباها(4)

رَضَعَتْ نَدِيَ المَكْرُمَاتِ فَأُتْرِعَتْ *** كَاسَاتُها مِنْها فَكُنَّ حُلاها(5)

هِيَ بَضْعَةُ الهَادِي وَ زَوْجَةُ حَيْدَرٍ *** وَ السَّيْدَانِ الزَّاكِيَانِ ابْنَاها(6)

ص: 160


1- مُمْحِلات: المُمْحِل هو الجدب.
2- الصيبّ: السحاب ذوالمطر.
3- تبلّج: أشرق و أضاء.
4- في ينابيع المودة ص260 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام «البتول» لأنها تبتلت من الحيض و النفاس.
5- أُترعت: امتُلِئَتْ.
6- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي يعني فاطمة علیها السلام -بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.

وَ هُمَا الإِمَامَانِ اللَّدَانِ تَبَوَّءَ *** اهَامَ السُّهَى وَ تَفَيَّئا بِذُراها

لَهُمَا مِنَ الآيَاتِ ما عَظُمابهِ *** فَلِذَا بِهِمْ أَثْنَى النَّبِيُّ وَ بَاهَى

كُلُ بأَحْكامِ الشَّرِيعَةِ عَالِمٌ *** فَكَأَنَّهُ عِنْدَ الفِطَامِ وَعَاها

مَشَيَا عَلَى مِنهاجها وَ صِراطِها *** وَ تَرَسَّمَا يَوْمَ الجِهَادِ خُطاها

وَ هُمَا قَدِ اتَّخَذَا النِّضَالَ سَفِينةُ *** الدِّينُ مَرْفَأَها وَ يُرْجُ سَماها

وَ شِراعُها الإيمانُ إِنْ عَصَفَتْ بها *** هُوجُ الرِّياحِ أَمَالَها فَثَناها(1)

لَكِنَّما الحَسَنُ الزَّكِيُّ بِثَاقِبٍ *** مِنْ فِكْرَةِ الإصلاحِ كَانَ يَراها

فَغَدا إمامَ المُصْلِحينَ وَ قَدْوَةً *** لِلمُتَّقِينَ وَ حُجَةً لِهُدَاها

***

وَ السِّبْطُ (عِنْوَانُ الإِباءِ) بِوَقْفَةٍ *** رَامُوا مَذَلَّتَهُ بِها فَأَبَاها(2)

للَّهِ مَوْقِفُهُ الكَرِيمُ بِسَاعَةٍ *** صُحُفَ الضَّلاَلِ بِكَرْبَلاءَ طَوَاها

قد لَقَّنَّ الأَحْرارَ دَرْساً لَمْ يَزَلْ *** ذِكْرَىٰ يَقُومُ عَلَى الرَّشادِ بِناها

إِنَّ العَقِيدَةَ في رَوَاقِ بِنائِهِ *** لِلْحَشْرِ مُرْتَفِعاً يَظَلُّ لِوَاها

غَذَّتْهُ فَاطِمَةُ البَتُولُ بِدَرِّها *** وَ حَبَتْهُ مِنْ الطافِها وَ مُنَاها

وَ حَبَاهُ وَالِدُهُ الوَصِيُّ بُطُولَةً *** ثَمَرَاتُهُ يَوْمَ الطُّفوفِ جَنَّاها(3)

هَذَانِ فَرْعَاهَا فَأَيَّةُ حُرَّةٍ *** مِثْلَ البَتُولِ سَمَا وَ عَزَّ حِمَاها؟

ما مَرْيَمُ العَذْرَاء أَعْلَى رُتْبَةً *** مِنْها ولا حوّاهُ أَعْظَمُ جَاهَا(4)

ص: 161


1- هوْج الرياح: هي التي لاتستوي في هبوبها و تقلع البيوت ثناها طواها وعطفها.
2- راموا: قصدوا.
3- حَباه: أعطاه من غير جزاء.
4- في كتاب لسان الميزان ج3 ص346 ط بيروت: لما خلق الله آدم و حواء علیهما السلام تبخترا في الجنة: وقالا من أحسن منّا ؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار، قالا: یا رب! ما هذه؟ قال: صورة فاطمة علیها السلام سيدة نساء ولدك. قال ما هذا التاج على رأسها؟ قال: علي علیه السلام بعلها علیها السلام. قال: فما القرطان؟ قال: ابناهما، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.

حَازَتْ مِنَ الشَّرَفِ الرَّفِيعَ مَكَانَةً *** في شَأْنِها قَالَ النَّبِيُّ وَفَاهَا

هِيَ (بَضْعَةٌ مِنِّي) فَمَنْ وَالَى الهُدَى *** وَ أَطَاعَ أَمْرَ نَبِيْهِ وَالآها

هذِي هِيَ الزَّهْرَاءُ نَسْلُ مُحَمَّدٍ *** جَمَعَتْ خِصَالاً لا يُرَامُ مَدَاها(1)

إِنَّ الدَّرَارِي في مَقَرْ سَمَائِها *** هَيْهَاتَ تَبْلُغُ شَأْوَها وَ سَمَاهَا(2)

ما في النِّسَاءِ لَوِ اخْتَبَرْتَ نَظيرُها *** كَلاّ... و لاغَيْرُ البَتُولِ سِواها

ص: 162


1- في كتاب البحار ج40 ص44: في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب، فشكت الملائكة إلى الله «تعالى» أن يكشف عنهم تلك الظلمة فكلّم اللَّه «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النّور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات.
2- الدراري: الكواكب المضيئة الثاقبة.

(4) و ستبقى الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ أنور فرج اللَّه

قَدْ أَطَلَّتْ عَلى الدُّنَى بِسَناها *** وَجْهُها الصُّبْحُ وَ الضّياءُ رِداها

وَ اسْتَفاقَتْ مَعَ الرِّسالةِ طَلاًّ *** يَغْسِلُ الوَرْدُ قَلْبَه بِنَداها

وَ أريجُ المِيلادِ يَعْبَقُ في الدُّنيا *** عبيراً يَفُوحُ مِنْ بَيْتِ طه(1)

وَ الكمالُ انْحَنَى يُصلِّي إِلَيْهَا *** بِخُشُوع مُسْتَلْهِمَاً مِنْ هُداها

وَ الرّسولُ العَظِيمُ يَأْوِي إِلَيْهَا *** أَصْبَحَتْ أُمُّهُ وَ كانَ أَباها

تَهَبُ الحُبَّ لِلْجَدِيبِ فَيُضْحِي *** أَحْضَرَ الرَّوْحِ مُورِقاً مِنْ شَذاها(2)

فَهيَ فَوْقَ الخلودِ فَوْقَ قَوافِي *** الشَّعْرِ تَسْمُو على الرُّؤى بِعُلاها

أَلْهَمَ اللَّهُ حُبَّها كُلَّ طُهْرٍ *** وَ اصْطَفاها وَ كَوْثَراً سَمّاها

***

وَ أَتَيْناها نَحْمِلُ النَّبْضَ فَجْراً *** دَمَوِيّاً مُمَزَّقاً يَتَباهي(3)

وَ بهِ وَجْهُ صَدْرِنا وَ بِهِ لَوْنُ *** عُيُون تَوَرَّمَتْ بِقَذاها

رَسَمَ اللَّيْلُ في مَحاجِرِها الرُّعْبَ *** وَ أَلْقَى أَدْرانَهُ بِنقاها(4)

سَلَبَتْ قَلْبَنا نَزيفُ رُواهُ *** ضَيَّعَثنا تَشَتُّتاً في مَداها

ص: 163


1- أريج: رائحة طيّبة.
2- الجديب: المكان الذي انقطع عنه المطر فيبست أرضه.
3- يتباهى: يفاخر.
4- أدرانه: أقذاره و أوساخه.

وَ مَشَيْنا فما تَوانَتْ رِكَابٌ *** عَنْ مَنالِ المُنى وَ عَنْ مُبْتَغاها

***

أنْتِ يا فاطِمُ البتول حُداءٌ *** لِقَوَافِي السُّرَى وَ رَجع صَداها

تُلْهِمِينَ الرُّكْبانَ فَوْرَةَ عِشْقٍ *** لِقُلُوبِ مِنْ كَرْبَلا مُبْتَداها

شاطِىءَ الدِّفْءِ ضَيَّعَتْنا بِحارٌ *** يتنَاءى مع المَدى مِيناها(1)

شاطِيءُ الدَّفْءِ قَدْ أَتَيْنَا وَفِينا *** يَلْهَبُ الشَّوْقُ في العيونِ بُكاها

أَوْقِدِي لِلْعُيُونِ مِنْكِ ابْتِساماً *** كَفْكِفِي دَمْعَها وَ شُدّي خُطاها(2)

فَسَتَبْقَى القُلوبُ تَهْتَزُّ وَجْداً *** لِمَعِينٍ عَذبِ يُظفِي لَظاها

وَ سَتَبْقَى الزَّهراءُ قَبْضَ عَطاءٍ *** لِلْبَرايَا وَ نَرْتَجِي قُرْباها(3)-(4)

ص: 164


1- يتناءى: يبتعد.
2- كفكفي: امسحيه مرة بعد مرة.
3- في كتاب اعلموا أني فاطمة للعلامة الشيخ عبد الحميد المهاجر ج5 ص463 ، تقول الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام: «و جعل اللَّه العدل تنسيقاً للقلوب. و طاعتنا نظاماً للملة، و إمامتنا أماناً من «الفرقة نظرية الزهراء علیها السلام في الإمامة نظرية قائمة على التنسيق و النظام و الوحدة التنسيق في القلوب و النظام في المجتمع و الوحدة في العقيدة و الهدف. في ثلاث كلمات استطاعت فاطمة علیها السلام أن تقدم نظريتها في الإمامة بكل أبعادها و ظلالها... ففي هذه الجمل الثلاث تكمن روح الإسلام و عظمته و عالميته. لكي نستوعب الفكرة أو كل النظرية فإنه لابد لنا أن نلقى نظرة فاحصة و عميقة على الجمل الثلاث التي وردت في خطاب الزهراء علیها السلام واحدة واحدة و نستعرضها على الشكل التالي: لقد بنت الزهراء علیها السلام علة حكم من أحكام الإسلام ثم أعطت لكل جملة وظيفة خاصة بها فهي مثلاً قالت: و جعل اللَّه العدل تنسيقاً للقلوب بمعنى أنها كشفت عن ثمرة العدل و كيف أنه تنسيق للقلوب و تجعل القلوب في وثاق التنسيق و في تدفق الرحمة ومجراها. ثم قالت: و جعل طاعتنا نظاماً للجلسة أي إن طاعة أهل البيت علیهم السلام هي وحدها التي تجعل المجتمع منظماً و متناسقاً في حركته. ثم قالت : وإمامتنا أماناً من الفرقة أي أن الله «سبحانه وتعالى» قد جعل إمامة أهل البيت علیهم السلام أماناً من التفرقة و التفرق و الاختلاف بين الناس... بمعنى أن الإمامة هي وحدها القادرة على احتواء مشاكل الناس و تحويل التدابير و التقاطع إلى التواصل و التوادد على أننا من خلال نظرة واحدة مع شيء من التأمل و التدبر في أقوال الزهراء علیها السلام نستطيع أن نتبين الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً. فهي مثلاً قد استعرضت نظريتها في الإمامة على نحو لم يسبق له مثيل قط في تاريخ الفكر الإسلامي... إذ لم يحدث أن إذ لم يحدث أن استعرض أحد من الأنبياء و لا من الأئمة علیهم السلام نظرية الإمامة في الإسلام بشكل يوازي نظرية الزهراء علیها السلام هذه في الإمامة أبداً. و في البحار ج2 ص3 كانت فتاة قد حضرت عند الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام و قالت لها: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء و قد بعثتني إليك أسألك فأجابتها فاطمة علیها السلام عن ذلك السؤال... ثم طرحت الفتاة سؤالاً ثانياً فأجابت الزهراء علیها السلام و سؤالاً ثالثاً... و راحت الفتاة تطرح الأسئلة على فاطمة علیها السلام و هي تجيبها بأفصح لسان و أعلى بيان إلى أن وصلت إلى السؤال العاشر فخجلت الفتاة من كثرة الأسئلة فقالت: لاأشق عليك يا بنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قالت فاطمة علیها السلام: هاتي وسلي عما بدا لك... أرأيت من أكترى يوماً ليصعد إلى سطح بحمل ثقيل و كراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت الفتاة لا. فقالت فاطمة علیها السلام اكثريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملأ ما بين الثرى و العرش لؤلؤاً فأحرى أن لايثقل عليٌّ علیه السلام.
4- رسالة الثقلين: العدد 14 ص207.

ص: 165

(5) بنت خير الورى

(بحر الخفيف)

الشيخ جابر الكاظمي(*)(1)

بايَعُوا كُلَّ ذِي ضَلالٍ سَفِيهِ *** وَ تَخَطَّوْا مِنَ الرَّشادِ لِتِيهِ(2)

ص: 166


1- (*) هو الشيخ جابر ابن الشيخ عبد الحسن بن عبد الحميد بن الجواد الكاظمي. ينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار فهو عربي الأصل و المنشأ ولكنه لم يلقب بقبيلته، و إنما عُرف بالكاظمي نسبة إلى بلده الكاظمية. ولد في مدينة الكاظمية سنة (1222 ه-)، و نشأ في أحضان العلم و الفضيلة و التُّقى، تتجاذبه السَّمات الهاشمية من جهة الأم فأمه سيدة علوية واسمها (هاشمية) بنت السيد جواد البغدادي كانت جليلة القدر عابدة زاهدة يُحكى أن صاحب كتاب الفُصول، و صاحب كتاب الجواهر كانا إذا جاءا لزيارة الإمامين الجوادين «عليهما آلاف التحية و الثناء» يزورانها في دارها لجلالتها. و كان المترجَم له، من طفولته مليح النكتة حاضر البديهة سريع الجواب حتى لقب ب- (أبي النوادر). حفظ أكثر شعر العرب وكان ينشده و يجيد إنشاده. و نقل السيد جواد شبر في أدب الطف قائلاً: (والشيخ جابر من فطاحل الأدباء، ملأ الأسماع بشعره متضلعاً في الكلام و التفسير و الحديث و التاريخ مع ورع، و تعفف و تقوى و نسك، لم يرَ في الشعراء بورعه و تقواه، و ولاؤه لأهل البيت علیهم السلام مضرب المثل، حلو الكلام عذب الألفاظ موزون النبرات). كانت دراسته الأولى في مدينة العلم و العلماء النجف الأشرف في الوقت الذي كانت تزخر بالشعراء و الأدباء، و هذه الأجواء صقلت مواهبه الأدبية، مما جعل شاعرنا من عباقرة الأدباء، و لو لم يكن له إلا تخميس الأزرية هذا لكفى دلالة على أدبه و شاعريته و براعته و جودة تفكيره و تمكنه من اللغة و معرفته بأساليب البيان... و المترجَم له كان ينظم الشعر باللغة الفارسية، و له ديوان شعر اسمه (سلوة الغريب و أهبة الأديب). وافته المنية في صفر سنة (1312 ه-) الموافق (1095) م و دفن في الكاظمية في الصحن الشريف فى الغرفة الثالثة عن يمين الراحل من باب فرهاد میرزا.
2- تیه: ضلال.

أشْقِياءُ وَ الإِبْنُ مِثْلُ أَبِيهِ *** نَقَضُوا عَهْدَ أَحْمَدٍ في أخِيهِ

وَ أذاقوا البتول ما أَشْجاها

مِنْهُمُ أَغْضَبَ البَتُولَةَ عِلْجُ *** إِذْ أَتَتْهُ تُراثَها مِنْهُ تَرْجُو

فَأَبَى الرّجُسُ إِذْ رآها تَعِجُّ *** وَ هِيَ العُروَةُ التي لَيْسَ يَنْجُو

غَيْرُ مُسْتَعْصِمٍ بِحَبْلٍ وَلاها

أَرْسَلَ اللَّهُ سَيْدَ الرُّسل طُرًّا *** بِالهُدَى وَ الشَّيْطَانُ يُعبَدُ جَهْرًا

وَمُذِ الحقُّ شَقَّ لِلْبَعْثِ فَجْرَا *** لَمْ يَرَ اللَّهُ لِلرِّسالةِ أَجْرَا

غَيْرَ حِفْظِ الوِدادِ في قُرباها

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ أحْمَدَ الطُّهْرِ عَبْرَى *** بِغُمُومٍ مِنْ ذلِكَ الرِّجْسَ تَتْرَى(1)

وَيْلُ عِلْجٍ بها اسْتَخَفَّ وَ أَدْرَى*** لَسْتُ أُدْرِي إِدْ رُوِّعَتْ وَ هْيَ حَسْرَىٰ

عانَد القَوْمُ بَعْلها وَ أَباها

مُذ أضِيمَتْ مِنْ بَعْدِهِ أَيَّ ضَيْمِ *** لَمْ يَزَلْ حُزنُهُ لَدَيْها كَغَيْمِ(2)

جُرِّعَتْ مِنْ سِمامِ سامٍ وَ أَيْمِ *** يَوْمَ جَاءَتْ إلى عَدِيٍّ وَ تَيْمِ

وَ مِنَ الرّجدِ مَا أَطالَ بُكاها

قَدْ أَغاظُوا سَيْدَ الرُّسُلِ صِنْوَا *** حِينَ رَضُوا مِنْ فَاطِمَ الطُّهْرِ عُضْوا

وَ لَكَمْ بَشَّتِ المُهَيْمِنَ شَكْوَى *** فَدَعَتْ وَاشْتَكَتْ إلى اللَّهِ شَجْوَا

وَالرَّواسِيَ تَهْتَزُّ مِنْ شَكواها(3)

ص: 167


1- تترى: متتابعة.
2- ضيم: قهر و ظلم.
3- كأنه يرمي و يشير إلى دعوتها و شكواها إلى ما ورد في بعض الروايات من أن أبابكر و عمر بعدما عرفا بغضب و سخط الزهراء علیها السلام عليهما انطلقا إليها و استأذنا عليها علیها السلام فلم تأذن لهما فأتيا عليا علیه السلام الا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قابلاها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها فردت عليهما بصوت خافت... إلى أن قالت: نشدتكما اللَّه ألم تسمعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي فمن أحبَّ فاطمةَ علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة فقد أسخطني؟... قالا: نعم سمعنا من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما اسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيتُ النبي صلي الله علیه و آله و سلم الأشكونكما إليه. قال أبوبكر: أنا عائد بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثمَّ انتحب أبوبكر يبكي حتى کادت نفسه أن تزهق و هي تقول: لأدعوَنَّ الله عليكما في كل صلاة أُصَلِّيها. ثمَّ خرج باكياً فاجتمع عليه الناس فقال لهم: يبيتُ كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله تركتموني و ما أنا فيه لاحاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي راجع الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص14، و فدك في التاريخ ص92، و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122، و النصّ و الاجتهاد ص88.

ثُمَّ عادَتْ بخُطبَةٍ وَ أَعادَتْ *** كَلِمَاتٍ لها الرَّواسِحُ مادَتْ(1)

وَ بَكَتْ وَاشْتَكَتْ بحزنٍ وَنَادَتْ *** فاطْمأَنَّت لها القُلُوبُ وَ كادَتْ

أَنْ تَزُولَ الأحْقادُ مِمَّنْ حَواها

حاجَجتْهُمْ بسُنَّةٍ وَ كِتَابِ *** أَفَلَجَتْهُمْ بِحِكْمَةٍ وَ صَوابِ(2)

حِينَ جاءَتْ وَ قَلْبُها بِالْتِهابِ *** تَعِظُ القَوْمَ في أتَمِّ خِطابِ

حَكَتِ المُصْطَفَى بهِ وحَكاها

وَ لِخَطب الخِطابِ أبْدَتْ حَنِيناً *** مَلاً الدهرُ رَنَّةً وَ أَنِينا

وَ أَسَى أَيْقَظَ النَّبِيَّ الأمينا *** أيُّها القَوْمُ راقبوا اللَّهَ فينا

نَحْنُ مِنْ رَوْضَةِ الجَلِيلِ جَناها

حُبُّنا دِينُ الحَقِّ وَ البُغْضُ كُفْرُ *** وَ وِلأنا يَوْمَ القِيامَةِ ذُخْرُ

وبهِ في الجِنانِ كَمْ شِیدَ قَصْرُ *** نَحْنُ مِنْ بارِي السَّماواتِ سِرُّ(3)

لَوْ كَرِهْنا وُجودَها ما بَراها

ص: 168


1- مادتْ: تحركتْ و اضطربت و زاغت و يقصد بالخطبة هي خطبتها بين المهاجرين و الأنصار لمن أرادها مراجعة المحجة لابن طاوس ص124، و الجوهري البصري البغدادي في السقيفة و فدك ص105.
2- أفلجت: استظهرت عليهم و فازت.
3- لعله إشارة إلى أنهم موضع سر الله تعالى فلقد جاء في ينابيع المودة نقلاً عن معاني الأخبار، 35 باب معنى الصراط حديث 5 جاء ما يلي: و قال أيضاً يعني الإمام الصادق علیه السلام نحن أبواب الله و نحن الصراط المستقيم، و نحن عيبة علمه، و تراجمة وحيه و نحن أركان توحيده و موضع سره.

وَينا اللَّهُ أَكْمَلَ الإِيمانا *** وَ لَنا زيَّنَ الإِلهُ الجِنانا

ولأَعْدائِنا بَرَى النِّيرانا *** بَلْ بآثارِنا وَ لُطفِ رِضانا

سَطَحَ الأَرْضَ وَ السَّماءَ بَناها(1)

مَنْ تَنَحَّى عنّا فَلِلْغَيْ يَصْبو *** وَ الَّذِي عَنْ طَريقِنا حادَ يَكْبُو(2)

فَبِنا يَرْضَى اللهُ وَ الخَيْرُ يَرْبُو *** وَ بِأَضوانِنَا الَّتي لَيْسَ تَخْبُو(3)

حَوَتِ الشُّهْبُ ما حَوَتْ مِنْ سَناها(4)

ص: 169


1- الظاهر أنه إشارة إلى ما ورد من أحاديث تؤّكد أنهم لولاهم لما خلق الله «تعالى» الجنة و النار و لاالسماء و الأرض و لاالأفلاك و لاالإنس و الجن فلقد قيل في الحديث القدسي عن اللّه «تعالى»: (يا أحمد لولاك لما خلقتُ الأفلاك و لولا عليّ علیه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما) راجع عوالم البحراني ج1 ص43 ب4 ح1 ط أمير قم (1415ه) عن الجنة العاصمة فليراجع هناك للوقوف على مصادر الحديث. و سفينة البحار ج3 ص334 عن مجمع النورين 14. و هناك حديث آخر أكثر تفصيلاً هو كالآتي: عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: (... قال آدم علیه السلام...) من هؤلاء الخيبة الأشباح الذين أراهم أنهم من هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلِّقتك، و لولاهم لما خلقت الجنة و النار و لاالعرش، و لاالكرسي و لاالسماء، و لاالأرض، و لاالملائكة و لاالإنس و لاالجن. راجع فرائد السمطين ج1 ص36 ج1، و عوالم البحراني ج1 ص306 ح4، و غاية المرام ج5 ح1 و ص15 ح1 و فيه عن ابن عباس: (... فقال اللّه «عزوجل»: هؤلاء من ذريتك، و هؤلاء خير منك و من جميع خلقي، و لولاهم ما خلقتك و لاخلقت الجنة و النار و لاالسماء و الأرض). راجع عيون الأخبار ج1 ص306 ح67. و المعاني 124 ح1 و البحار ج11 ص164، و ج16 ص362 ح62 عن العیون.
2- يكبو: ينكبّ على وجهه.
3- يربو: يزيد، يزداد. تخبو: تخمد و تسكن و تنطفىء.
4- والبيت الأخير و ما قبله لعلهما مستفادان من الأحاديث التي تشير إلى أنهم صلي الله علیه و آله و سلم أنوار بهم تضيء السموات و الأرض و من هذه الأحاديث ما جاء في المناقب... قال: حدّثنا عمي الحسن علیه السلام، قال: سمعتُ جدي صلي الله علیه و آله و سلم يقول: (خُلقتُ من نور الله «عزوجل» وَ خُلقَ أهل بيتي علیهم السلام من نوري...) راجع البحار 20/15. و فيه عن البحار أيضاً ج23 ص308 (سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله:«فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا» فقال: يا أبا خالد النور واللّه الأئمة علیهم السلام من آل محمد آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم إلى يوم القيامة هم واللّه نور اللّه الذي أنزل و هم واللّه نور اللّه في السموات والأرض...) و راجع تفسير القمي: 683، و أصول الكافي1: 194. و الآية الثامنة من سورة التغابن و راجع العوالم للبحراني ج1 ص17 تجد فيه المزيد من الأحاديث بهذا المضمار.

فَحِمانَا لِلْوَحْيِ أَكْرَمُ مَنْزِلِ *** وَعُلانَا لِلدِّينِ أَعْظَمُ مَوْئِلِ

وَ هُدانا لِلْمُهْتَدِي خَيْرُ مَعْقِل *** وَ اعْلَموا أَنَّنا مَشاعِرُ دين اللَّهِ

فِيكُمْ فَأَكْرِمُوا مَثْواها

فَإِلَى فَضْلِنا لَدَى الحَشْرِ أَيْضٌ *** وَ لَدينا في جَنَّةِ الخُلْدِ حَوْضٌ(1)

وَ لنا في النَّعِيمِ أَزْهَرُ رَوْضٌ *** وَ لَنا مِنْ خَزائِنِ الغَيْبِ فَيْضٌ

تَرِدُ المُهْتَدُونَ مِنْهُ هُداها

إنّ رَبَّ السَّمَاءِ إِلَيْنَا تَجلَّى *** وَحَبانا أَمْرَ الجِنانِ وَ وَلَّى

وَبِها خَصَّ مَنْ بِنا قَدْ تَوَلَّى *** إِنْ تَرُومُوا الجنان فَهْيَ من اللَّه

إِلَيْنا هَديَّةٌ أَهْداها

بَلْ وِلانا الجِنانُ لاتَدَعُوها *** وَ الرّضا أُمُّ رَوْضِها وَ أَبُوها

فَاصْحَبُوا حُبَّنا وَ مِنَا خُذُوها *** هِيَ دارٌ لَنا وَ نَحْنُ ذَوُوها(2)

لايُرى غَيْرُ حِزْبِنا مَرْآها

خُلِقَتْ لِلَّذِي إِلَى الحَقِّ دانا *** لالِمَنْ خَانَ عَهْدَنَا وَجَفانا

فَجِنانُ النَّعِيمِ مَهْرُ وِلانا *** وَ كذاكَ الجَحِيمُ سِجْنُ عِدانا

حَسْبُهُم يَوْمَ حَشْرِهِم سُكْناها

لَيْتَ شِعْري وَ في الحَشَا أَيُّ كَيِّ *** لايُداوَى وَ أَيُّ داءٍ دَوِيٍّ(3)

ص: 170


1- أيض: صيرورة و عود.
2- ذووها أصحابها أهلها.
3- كي: إحراق الجلد بحديد أو غيره.

وَ أَسَى قَدْ طَوَى الأَسَى أَي طَيِّ *** أيُّها النَّاسُ أَي بِنْتِ نَبِيِّ

عَنْ مَواريثِها أَبُوها زواها؟(1)

أَفهَلْ مِنْكُمْ بِحَقِّ حَقِيقُ *** وَ بِنَصْرِي مِنْكُمْ يَقُومٍ وَ ثِيقُ؟

فَبَراني وَ الدَّمْعُ مِني عقيقُ *** كَيْفَ يَرْوِي عَنِّي تُراثي عَتِيقُ

بِأَحَادِيثَ مِنْ لَدُنْهُ افْتَراها؟

أَنْكَرُوا النَّصَّ في أُمورٍ أَتَوْها *** وَ وَصايا الإلهِ فينا أَبَوْها(2)

فَالأحاديثُ إِنْ عَلَيْنَا افْتَرَوْها *** هذه الكُتْبُ فَاسْأَلُوها تَرَوْها(3)

بِالمَوَارِيثِ ناطقاً فَحْواها

لَيْسَ يُجْدِيكُمْ مِنَ الذِّكْرِ ذِكْرُ *** إِذْبكُمْ قَدْ أَحاطَ غَيٌّ وَ كُفْرُ

فَبِمَعْنَى مِنْ آلِ يَعْقُوبَ سِرُّ *** وَ بِمَعْنَى يُوصِيكُمُ اللَّهُ أمرُ

شامِلٌ لِلْعِبادِ في قُرْباها

كُلُّ فَضْلِ لنا المُهيمنُ أَوْلى *** إِذْرآنا بذاكَ أَحْرَى وَ أَوْلَى(4)

وَإلينا أَهْدَى الوَصِيَّةَ طَوْلاً *** كَيْفَ لَمْ يُوصِنَا بِذلِكَ مَوْلانا

و تَيْماً مِنْ دُونِنا أَوْصاها؟

يا لَخَطْبِ أعْيا الورى إِعياءَ *** ولِداءٍ أعْيا الطَّبيِبَ دَواءَ(5)

إنْ ربَّا بِنَا بَرَى أنبياءَ *** هَلْ رآنا لانَسْتَحِقُّ اهْتداءَ؟

وَ اسْتَحَقَّتْ تَيْمُ الهُدَى فَهَداها

وَ هْيَ كَمْ أَحْدَثَتْ حُدُوثَ الرَّزايا *** وَ تَخَطَّتْ إلى أَشدَّ الخَطايا

ص: 171


1- زواها: نَحاها و بعدها.
2- أَبوها: رَفَضوها.
3- راجع الهامشين 11 و 12 من قصيدة الأزرية.
4- أَوْلى: أعطى. أَوْلى منه: أَجْدَرُ منه.
5- أعيا: كُلَّ و عجزَ و ضَعُفَ.

أتُراهُ لم يَرْعَ رُشْدَ الرَّعايا *** أمْ تُراهُ أَضلَّنا في البَرايا

بَعْدَ عِلْمٍ لِكَيْ نُصِيبَ خَطاها؟

أيُّها القَوْمُ هَلْ ذِمَامٌ يُراعى *** لِنَبِيَّ وَ فِي الدِّمَامِ وَ راعَى؟(1)

عادَ حَقّي في ظالِمِينَ مُضاعا *** أَنْصِفُوني مِنْ جَائِرَيْنِ أضاعا

ذمَّةَ المُصْطَفَى و ما رَعَياها

فَانظُروا مَنْ بِنا بِبَغْيِ تَحَكُمْ؟ *** وَ دَهانا بالجَوْرِ أَي مُذَمَّمْ؟

فَغَدَوْنَا مِنْ ظُلمَةٍ نَتَظَلَّمْ *** وَ انْظُرُوا في عواقبِ الدَّهْرِ كَمْ أَمْسَتْ

عُتاةُ الرّجالِ مِنْ صَرْعاها

قَدْ سَلَكْتُمْ مِنَ الصَّلالِ طُرُوقا *** وَ حَفِظْتُم مِنَ النّفاقِ شُقُوقا

و رأيتُم لِلغَيِّ وَ البَغْي سُوقا *** ما لَكُمْ قَدْ مَنعتُمونا حُقُوقا؟

أَوْجَبَ اللَّهُ في الكتابِ أَداها

وَ عَلَيْنَا عُتاتُكُمْ كَمْ تَعاتَتْ *** وَ عَلَى الحِقْدِ وَ الحَزَازَةِ باتَتْ(2)

وَ عَلَيْهِ عاشَتْ قُواكُمْ وَ مَاتَتْ *** وَ حَذَوْتُمْ حَذْوَ اليَهُودِ غداةَ

أَتخَذوا العِجْلَ بَعْدَ مُوسَى إِلَها

أَعلِمتُمْ إِذْ غَيَّكُمْ هَدَّ طَوْدا *** لِلْهُدَى كَمْ أَشَابَ لِلدِّينِ فَوْدا؟(3)

وَ لَكُمْ حِينَ ذُدْتُمُ الحَقَّ ذَوْدا *** قَدْ سَلَبْتُمْ مِنَ الخِلافةِ خَوْدا(4)

كانَ منّا قِناعُها وَرِداها

وَ رَمَيْتُمْ آلَ النَّبِيِّ بِغَدْرِ *** وَ قَعَدْتُمْ فِي الدِّينِ عَنْ كُلِّ نَصْرِ

ص: 172


1- ذمام: حرمة، حقُّ.
2- تعاتَتْ: استكبرتْ، و جاوَزت الحدّ.
3- فَوْداً: الفَوْد: الشَّعَر الذي على جانب الرأس مما يلي الأذنين إلى الأمام.
4- ذَوْداً: دَفْعاً ودفاعاً.

وَ أَغَرْتُمْ عَلَى الرّشادِ بِكُفْرِ *** وَ سَبَيْتُمْ مِنَ الهُدَى ذاتَ خِدْرِ

عَزَّ يَوْماً عَلَى النَّبِيِّ سِباها

يا طُغامَ الأَنامِ زِدْتُمْ فُجُورا *** وَ أَبَيْتُم في الدِّينِ إلا كُفُورا(1)

لَكُمُ الوَيْلُ كَمْ أَتيتُمْ أُمُورا *** تَدعونَ الإِسلامَ إفكاً و زُورا

كذَبَتْ أُمَّهَاتُكُمْ بادِّعاها

لَسْتُ أَدْرِي إِذْ عَنْ رشادِ صَدَدْتُمْ *** وَ لأَزْرِ الضَّلالِ بَغْياً شَدَدْتُمْ

ألِبَعْل سَجَدْتُمْ إِذْ سَجَدْتُمْ؟ *** أَيُّ شَيْءٍ عَدْتُمْ إِذ عَبَدْتُمْ؟

أَنْ يُولَّى تَيْمٌ عَلَى آلِ طَه

قَدْ جَعَلْتُمْ عَلَيْكُمُ أُمراءَ *** أَشْقِياءَ خانوا الهُدَى أَدْعياءَ

وَ التَمَنْتُمْ فَخُمْتُمُ أُمَناءَ *** إِذْ رَضِيتُمْ مِنْ دُونِنَا خُلفاءَ

لاَشْتَفَتْ مِنْ قُلُوبِكُمْ مَرْضاها

أَوْ أَعَنْتُمْ عَلَى الصَّلالِ مُعِينا *** لأُسْقِيتُمْ صَوْبَ الغَمام مَعِينا(2)

أو نَكَلْتُمْ عَنّا شَلِلْتُمْ يَمِينَا *** أَوْ أَبَيْتُمْ عُهُودَ أحْمَدَ فِينا

لا وُقِيتُمْ مِنَ الرَّزايا سُطاها(3)

إنَّمَا البُرْدَةُ التي قَدْ تَحلَّى *** بِحُلاها مَنْ عَنْ وِلأنا تَخلَّى

وَ تَولّى بَغْياً وَ عَنَا تَوَلَّى *** هَذِهِ البُرْدَةُ التي غَضِبَ اللَّهُ

عَلَى كُلِّ مَنْ سِوانا ارْتَداها

قدْ تَلَقَّعْتُمُ بِأَثوابِ نارِ *** وَ حُبِيتُمْ مِنْهَا بأَيِّ اسْتعارِ(4)

وَ اشْتَمَلْتُمْ مِنْها بِبُرْدَةِ عارِ *** فَخُذُوها مَقَرُونَةٌ بشَنارِ

ص: 173


1- طُغام جَهَلَة، وَ بفتح الطّاء: أَوْغادُ الناس.
2- المُعين: بِضَمِّ الميم: النصير، المَعِين: بفتح الميم: الماء الجاري.
3- سُطاها: قَهْرُها.
4- تلفّعتم: اشتملتم، و تغطِّيتم.

غَيْرَ مَحْمُودَةٍ لَكُمْ عُقْبَاهَا

سَلَبَتْكُمْ أَثوابَ كُلِّ فَخارِ *** وَ كَساكُم بها العُرَى كُلَّ عارِ

فَارْتَدُوها قَدْ طُرّزَتْ بشِرارِ *** وَ الْبَسُوْها لِباسَ عارٍ وَ نارِ

قَدْ حَشَوْتُمْ بالمُخْزِيَاتِ وِعاها

إِنْ نَسَلُكُمْ أَداءَ حَقٌّ جِوارِ *** أَوْ نَسَلْكُمْ وَفاءَ أَيِّ ذِمارِ(1)

أوْ نَسَلُكُمْ عَنْ نِحلَةٍ وَ عُقارِ *** لَمْ نَسَلُكُمْ لِحَاجَةٍ وَ اضْطِرارِ

بَلْ نَدلُّ الوَرَى عَلَى تَقْواها

إنْ بِغَدْرٍ سُدْتُمْ وَحَلٌ عُقُودِ *** وَ اتَّبَاعَ الهَوَى وَ نَقْضِ عُهُودِ

وَ بِبُخل وَ شِحْةٍ وَ جُمُودِ *** كُم لنا في الوُجُودِ رَشْحَةُ جُودِ

يُعْجِزُ السَّبْعَةَ البِحارَ غِناها

وَ لَنا حِكْمَةٌ ذَكَتْ لابزيتِ *** وَ سِباقٌ قَدْ فَاتَ كُلَّ كُمَيْتِ(2)

وَ عُلاً سادَ كُلَّ حَيَّ وَمَيْتِ *** عَلِمَ اللَّهُ أَنَّنا أَهْلُ بَيْتِ

ليس تأوي دَنِيَّةٌ مَأواها

فَوِلانا لِلنّاس أَعْظَمُ حِصْنٍ *** وَ مِنَ الهَوْلِ في غَدٍ أَيُّ أَمْنِ

كَمْ عَلَيْنا مَنَّ الإِلهُ بِمَنْ *** لَوْسَأَلْنَا الجَلِيل القاءَ عَدْنِ

أَوْ مَقَاليدَ عَرْشِهِ أَلقَاها

أيْنَ مِنْ شَأْوِ مَجْدِهِمْ كُلُّ شَانِ؟ *** قاصِرٌ عَنْ هِجَاهُ كُلُّ بَيانِ

إِنْ به فاءَ طُولُ دَهْرِي لِساني *** سَعْدُ دَعْنِي وَ هَجْوَ سُود المعاني

أَكْبَرُ الحَمْدِ في معاني هِجاها

قُلْ لِقَوْمِ سَعَتْ بِجُهْدِ فَسَادا *** وَ نَفتْ حَقَّقَ آل طة ارْتدادا

ص: 174


1- ذمار: كلّ ما يلزمك حمايتُه و حفظه و الدفاع عنه، و إنْ ضَيَّعْتَهُ لزمك اللوم.
2- ذَكَتْ: اشتدَّ لهيبُها. كميت: الكميت من الخيل ما كان لونه بين الأسود و الأحمر.

يا طَغاماً ضاهَتْ ثموداً وَ عَادا *** كيفَ تُنْفَى ابْنَةُ النَّبِيِّ عناداَ(1)

لانَفَى اللَّهُ مِنْ لَظَّيّ مَنْ نفاها

الأيِّ الأُمُورِ تُجْهَلُ قَدْراَ *** بنتُ خَيْرِ الوَرَى فَتُجْهَلُ قَبْراً؟

أم لأيِّ الأُمُورِ تُظْلَمُ جَهْراَ *** وَلأَيِّ الأُمُورِ تُدْفَنُ سرّاَ؟

بَضْعَةُ المُصْطَفَى وَ يُعْفَى ثَراها

نَغَّصُوا عَيْشَها وَ قَدْ كانَ رَغْداً *** وَ فُؤادُ الهُدَى لَها ذابَ وَقْداَ(2)

إذْ قَضَتْ وَهيَ أَوْفَرُ الخَلْقِ جُهْداً *** فمَضَتْ وَ هيَ أَعْظَمُ النَّاسِ وَجداً

في فَمِ الدَّهْرِ غُصَّةٌ مِنْ جَواها

فَاغْتَدَى قَلبُها عَلَى الصَّيْمِ يُطْوَى *** وَ اغْتَدَى دَمْعُها بِهِ الأَرْضُ تُرْوَى

تَخِذَتْ لِلأحزانِ كالقَبْرِ مَأْوَىٰ *** وَ ثَوَتْ لايُرى لها النَّاسِخُ مَثْوَى

أي قُدْسٍ يَضُمُّهُ مَثواها؟

قَدْ رَمَتْها يَدُ الحَقُودِ بِصَرْفِ *** لِلرَّزايا ذاقَتْ به أَي حَتْفِ

فَقَضَتْ وَ الزَّمانُ عَنْهَا بِخُلْفِ *** ثُمَّ هُمَّتْ بِبَعْلِهَا كُلُّ كَفِّ

وَاسْتَمدَّتْ لَهُ رِقاقَ مُداها

أُمَةٌ ضَلَّ إِذْ غَوَتْ مَسْعاها *** أُمَّةٌ خابَ حِينَ ضَلَّتْ رَجاها

أُمَّةً في الأنامِ ما أَشقاها *** أُمَّةٌ قاتَلَتْ إمامَ هُداها

يا تُرى أَيْنَ زالَ عَنْها حَياها

أَدْعِيَاءٌ قَدِ انْتَمَتْ لِطَغامِ *** لاتُبالِي في البَغْيِ مِنْ آثامِ

وَ ازَرَتْها في الغَيِّ أَيُّ سَوامِ *** كَمْ أرادَتْ إظفاءَ نارِ حُسامِ(3)

ص: 175


1- ضاهَتْ: شابَهَتْ.
2- رَعْداً : طيّباً مُتَسِعاً.
3- سُوام: العَرْض و ذكر الثمن طائر. و بفتح السين: الماشيةُ و الإبل الراعية.

صاغَهُ اللّهُ تَمْرَةً لِحَشاها

حِلْفُ کَفِّ بها لَهُمْ أَيُّ كَفِّ؟ *** وَ نَكَالٌ لَهُمْ وَ ارْغامُ أَنْفِ

وَ لِطَّغْيانِهِم بها أَيُّ حَنْفِ؟ *** بأَبي مَنْ لَهُ مَطاعِنُ كَفِّ

لايُداوَى مِنَ الرَّدَى كَلْماها

كَمْ بِها لِلرَّشادِ أَسْدَى صَنِيعا *** وَ بَنَى للإِسْلامِ حِصْناً رفيعا

إِذْ غَدا لِلْعُلُومِ كَهْفاً مَنِيعا *** إنَّ ذاتَ العُلُومِ تُنمى جَمِيعا

لِعَليَّ وَ كانَ رُوحَ نَمَاها

مُذيَدُ الصُّنْعِ لِلْهُدَى كَوَّنْتُهُ *** وَ بِحَلْيِ مِنْ فَضْلِها زَيَّنَتُهُ

كُلُّ أُكْرُومَةٍ بِمَجْدٍ عَنَتْهُ *** وَ كَذَا كُلُّ حِكْمَةٍ مَكَّنَتَهُ

مِنْ أَعالي سَنامِها فَامْتَطاها

فَمَعَالِيهِ لِلْفَضائِلِ الْفُ *** وَ أَيادِيهِ لِلْفَواضِلِ حِلْفُ

فَمَتَى يَلْتَجِي العُلَى فَهُوَ كَهْفُ *** وَ مَتى يُذْكَرِ النَّدَى فَهُوَ لُطْفُ؟

إنَّ مُحْيِي المَوَتى بِهِ أَحْياها

فيهِ لِلْغَي ساخَ كُلُّ أَساسِ *** وَ رَسا لِلْهُدَى بِهِ كُلُّ راسِ(1)

فَلِصَمُصابِهِ القَضاءُ مُواسِ *** وَ لأَقْدامِهِ تَزُولُ الرواسِي(2)

وَ المقاديرُ تَقْشَعِرُّ حَشاها

كَمْ مَعَالٍ مِنْهُ لَدَيها التَطَوُّلُ *** وَ عُلُومِ لَهُ عَلَيْهَا التَفَضَّلْ

فلَهُ انْقَادَ صَعْبُها بِتَذَلُّلْ *** وَ مَرامِي الأشرارِ سَدَّدَ سهم

اللّهِ مِنْهُ لَها فما أَخْطاها

بَحْرُ فَيْضٍ أَغْنَى افْتِقَارَ عُفاةِ *** لِلْوُجوداتِ مِنْهُ في رَشَفاتِ

ص: 176


1- ساخ: غاصَ و غابَ فيه، أو رَسَخَ.
2- صمصام: السيف الذي لاينثني.

وَ هُوَ إنْ بِالنَّوالِ مُحيي رُفَاتِ *** كَمْ لَهُ مِنْ مَواهِبٍ مُرْدَفَاتِ(1)

هي كالشَّمْسِ لايَحُولُ ضِياها

ص: 177


1- النوال: العطاء.

(6) في سماء علاما

(بحر الخفيف)

الحاج جواد بدقت الحائري(*)(1)

أهِيَ الشَّمْسُ في سَماءِ عُلاها *** أَخَذتْ كُلَّ وُجْهَةٍ بِسَناها؟

أمْ تَجلَّتْ بوَجْهَةٍ دونَ أُخرى ***و لِمَا أَنْتَ بالغي في هَوَاها

أَيْنَما تَنْبَرِي بِطَرْفَيْنِ في فَجٍّ *** مِنَ الدَّهْرِ لَم تَجِدْ إِلاّها

لاتَخَلْ حُبَّها مُصَاحِبَ نَفْسي *** أَخَرَتْهُ وَصْلاً بهِ عَنْ سِوَاها

كُلُّ قَلْبٍ يَضُمُّهُ صَدْرُ شرِّ *** وَجَهَتْهُ يَدُ الهَوَى تلَقَّاها

غَيْرَ أنّ الشُّؤونَ شَتَّى فَكُلٌّ *** بِسَبِيلِ بَدَتْ لَهُ وَ اهْتواها

وَ هُيامِي بها فَلَيْتَ مُحَلّيها *** بإِنشَاءِ مُهْجَتي جَلاَها(2)

هَيَ سِرُّ الهَوى فإِنْ تَلْقَ نفساً *** لِسِواها يَشُفُّها باحْتِواها

بَلَغَ الشَّوْقُ بِي إِلَيْهَا مُقاماً *** لَوْ تَرى النَّفْسُ تَرْكَهُ أعياها

كُلّ آنٍ قَلْبٌ يُمَزِّقُهُ البَيْنُ *** وَ عَيْنْ يَبينُ عَنْها کَراها

وَ رُبوعٌ تُرْوى بِقَبْضِ دُموعٍ *** كانَ مِنْ مَاءٍ مُهْجَتي مَجْراها

إِنما جَنَّةُ الفؤادِ تباهَتْ *** وَ وُجُوهُ الإشراق لاتَتَناها

و منها:

أَيُّهَا النَّاسُ عِشْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي *** لَنْ تَضِلُّوا إِنْدِنْتُمُ بِوِلاها

ص: 178


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- هيامي: محبتي.

هَجَرَ اللَّهُ وَ النَّبِيُّ بِهَذا *** أمْ لِحَالٍ في الدِّينِ قَدْ أَحْكَماها

دونَ هذا يَرْعَى جَبِرَيْنِ كِنْعَانُ *** فَواسَوْأَتاه لاِسْتِرْعاها(1)

أحماها عَنْ أَنْ تَرَى الحَقَّ حَامٍ *** أَرَأَتْهُ فَأَنْرَتْ مَرْآهَا؟

لَيْسَ تَقْضِي بَرَاءَةٌ دَفَعَ مَنْ يُعْزَلَ *** عَنْهَا بِمَنْ مَضَى وَ تَلاها

ما رَآه الإلهُ كُفْوَ أَداها *** إذْ لَدَيْهِ الهُداةْ مِنْ أكفاها

فمولوهُ أم دين البَرَايا *** أيُّ شِرْكِ عَدَتْهُ في دُنْيَاها؟

لاتَقُلْ قالَ ما أَرَادَ مِراءً *** أتجنّيتُ ما عَلَيْها مِراها

كُلُّ حَالٍ أَوْرَدْتُها في عَلِيَّ *** كانَ مِنَّا وَ مِنْهُمُ مَنْ رَوَاها

مَنْ روى لِي أَكْرُومَةً لِعَتِيقٍ *** لَيْسَ فينا مَنْ رَدَّها وَ أَبَاها

وَ عَلَيْنا الوَلاَ لأجلاَفِ تَيْمٍ *** وَ عَلَيْنَا البَرَاءُ مِنْ شَنْآها(2)

وَإِذا ما رَمَتْ فَلِمْ أمَّلَتْ ذا *** دونَ هَذَا وَ أَيُّ حَادٍ حَداها

وَ أَقَامَتْ غَيْرَ الوَصِيَّ وَصِيّاً *** هَلْ قَضَى أَنْ تُقِيمَهُ بِاهْتِداها؟

فَلْتُؤَمِّلْ غَيْرَ النَّبِيِّ نَبيّاً *** فَلْتُؤَمِّلْ غَيْرَ الإلهِ إِلهاً

أَوَ لَيْسَ الإلهُ أَوْضَحَ في *** فُرْقانِهِ لِلْوَرَى سَبيلَ هُداها؟

إِنْ جَرَتْ طوْعَهُ فأَيَّةُ أَيٍ *** تُنْبِيءُ بِالَّذي جَنَتْ مَعْنَاهَا؟

بَلْ تَحَدَّتْ صَحِيفَةٌ أَنْشَأَتْها *** أَيَّ قَوْمٍ كُتَّابَها مَنْشَاها؟

وَ أَقَامَتْ بِنَصْها خُلَفاءً *** وَ أعادَتْ إِلى النَّبِيِّ انْتِماها

هي قامَتْ بِنَصِّها كَيْفَ كَانَتْ *** خُلَفَاءَ النَّبِيِّ بَلْ خُلَفَاها؟

وَ كَهذا آباؤُها عابِدُوَ *** الأَوْثان كانَتْ آباؤها أهواها

يَصْنَعُونَ الأَوْثَانَ فِيهِمْ وَ مِنْ **** بَعْدُ يَخِرُّونَ سُجَّداً لِرِضَاها

ص: 179


1- جبرين: جبريل.
2- أجلاف: حمقى . شناها: باغضيها.

إِنَّهَا جَاهِلِيَّةٌ فَادْعَاءُ الدَّينِ *** إفك وَ ضلَّةٌ لإدِّعاها

إِنَّ عُقْبَاهُمُ لَظَّى وَ هْيَ عُقْبَى *** كُلِّ قومٍ ما راقَبَتْ عُقباها

كَيْف لم يَقْتَدِ بِهَذا وَصِيّاً *** كانَتِ الأَنْبِيَا بِهِ مُقتداها؟

بَلَغَتْ عُذْرَهَا فَأَيَّانَ تَعْشُو *** لِسَنَاهُ وَ الغَيُّ قَدْ أَعْمَاها(1)

وَا عَنائِي لِزَعْمِها نَهْجَها الحَقَّ *** فيا لَيْتَ لأَعْدَاهَا عَنَاها

أَيَّ حَقٌّ تَقْضِي لِمَا رَفَعَ الخالق *** عَنْ حَقَّهَا وَ نُكْرِ وَلاَها؟

تَدَّعِي أنَّها إرَادَةُ ذِي العَرْشِ *** فَأَيْنَ الإيمانُ مِنْ مُدَّعاها؟

أبغَير القُرآن أحْكُمُ احْكاماً *** إِلَيْهَا دونَ المَلاً أَوْحَاها؟

إِنْ أسالَتْ نَفْسُ النَّبِيِّ المَنايا *** فَاقْطَعُوا بَعْدَ فَقْدِها أَقْرِباها

أمْ دَعَتْ في الكِتابِ أَيِّ كَمَجْرَاهَا *** وَ حَاشَا الكِتَابُ عَنْ مَجْراها

كُلُّ مِصْدَاقِهِ المَوَدَّةُ في القُرْبي *** و مِنْ كُلِّ ما تُفِي اسْتَغْناها

فَلَعَلَّ النَّبِيَّ خَالَفَ ما جَاءَ *** فأوحَى بِقَطْعِها وَ قَلاها(2)

وَ أَقَامَتْ يَوْمَ السَّقِيفَةِ تَبْغِي *** أَنْ تُرَاعِي إنقاد ما أوْصَاها

ذاكَ يَوْمٌ لَوْلاَهُ ماخَلَقَ اللَّهُ *** جَحِيماً و لاتُشَبُّ لَظَاها

ما أَضَلَّ الأَنَامَ مِنْ مَبْدَأَ الدَّهرِ *** إلى أن يكادَ أَنْ يَتَناهى

غَيْرَ ما أَحْكِمَتْ بِهِ وَ مُضَلَاتِ *** جَمِيع الوَرَى بِهِ أحكمَاها

لَمْ يُوارَ النَّبِيُّ حَتَّى أُزِيلَتْ *** حُرْمَةُ الدِّينِ و اسْتُبِيحَ حِمَاها

ومنها:

لَيْتَ شِعْرِي ما قَادَهَا لِعَتِيقٍ *** أهدَاهُ أَمَالَهَا أَمْ عَمَاها

مَنْ رَأَى ذَا هُدًى رَأَىٰ غَصْبَ ذِي القُرْبَى *** حَباءً بهِ الإِلهُ حَبَاها

ص: 180


1- تعشو: يسوء بصرها. سناء: ضوؤه.
2- قلاها: بغضها.

يَوْمَ قَامَتْ نَوَادِبُ الدِّينِ تَدْعُو *** هَلْ مُغِيثٌ ولا يُجَابُ دُعاها

فَادِحٌ أَوْرَثَ البَتُولَ عَنَّاءَ *** كَانَ مِنْها مَنْشأ وَرَد رَداها

يَوْمَ جَاءَتْ تَنثُّ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ *** حَسْرَةً لِلمَعَادِ لاتَتَناهى(1)

ومنها:

فَلأَيِّ الأَحْوَالِ كَانَتْ تُنادِي *** وَلأَيِّ الأَشْيَاءِ قَدْ نَادَاها؟

فمَتى كانَ يَسْحَبُ الفَيْلَقُ المَجْدَ *** وَ يَنْجُو الكُمَاةُ يَوْمَ وَغَاها؟

وَ مَتَى أَبْصَرَتْهُ أُمَّةً حَرْبٍ *** في اقْتِحامِ الأَحْوَالِ قَدْ مَنَاها؟

أبِأُحْدٍ لَمَّا ارْتَقى ظُلْمَةَ الأَرْضِ *** وَ لَوْ نَالَ لاَرْتَقَى لِسَمَاهَا؟

وَإِذا كانَ مُؤْنِساً أَيؤَدِّي *** مِنْ دِمَا قَلْبِ أحمدٍ مِنْ دِماها؟

إِنْ مَنْ نابَ عَنْ نَبيَّ أَيَرْعى *** آله فيه أمْ يُبِيحُ حِمَاها؟

طارِقاً بَابَها بِجَذْوَةِ نَارٍ *** ما أُعِدَّتْ إِلا لِكَيْ يَصْلاها

زَعَما أَنْ أَحمداً وَ هُوَحَيَّ *** كانَ يُوصِيهِما بأَنْ يَزْوِياها(2)

بِمَراعِ الدِّينِ الحَنِيفِيَّ لَمْ يُوصِ *** وَ في قَطع بِنْتِهِ أَوْصَاها

هَلْ وَجَدْتَ النَّبِيَّ يُمْضِي عَنِ اللَّهِ *** أُمُوراً عَلَيْهِ ما أَمْضَاها

يَأْمُرُ النَّاسَ بِاتِّبَاعِ نُصوصِ *** الذِّكَرِ لْكِنْ لِنَفْسِهِ يَنْهاها

وَ نُصُوصٌ مِنَ الحَكِيمِ اللّوَاتِي *** بِالمَوَارِيتِ قَائِمٌ مَعْنَاها(3)

ص: 181


1- تنثّ: تعرق.
2- يزوياها: يمنعاها و ينحياها.
3- إشارة إلى غضب إرث الزهراء علیها السلام من قبل الأول و الثاني بحجة أن الأنبياء لاتورّث؛ و هذا الكلام ممّا ينافي الآيات الصريحة التي تخاطب عامة المسلمين بدون استثناء. فقد روي في كتاب اللمعة البيضاء ص382: أن فاطمة علیها السلام انطلقت إلى أبي بكر فطلبت ميراثها من نبي اللّه صلي الله عليه و آله و سلم فقال: إن نبي اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لايورّث، فقالت: أكفرت باللَّه و كذبت بكتابه؟ قال اللّه تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ») [سورة النساء، آية : 11].

كلُّ مَفْهُومِها إِذا قَامَ قَوْمٌ *** لَمْ يَحُرُ إِرْنَها سَوَى ابْنَاها

وَ عَلَى مَا افْتَرَوْهُ مِنَ أنَّ أبناءَ *** النَّبِيِّينَ لَمْ تَرثْ آبَاهَا

لِمَ سُلَيْمَانُ قَدْ تَأَرَّثَ دَاوُدَ *** وَ لِمْ ذُو الجَلالِ قَدْ أَوْحَاها؟

هَلْ أَضَلاً أمْ لَمْ يَكُونَا نَبِيَّيْنِ *** وَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ افْترَيَاها؟

أَمْ هُمَا خَالَفَا الجَمِيعَ وَ ضَلاَّ *** عَنْ سَبيل الإيمانِ و اغْتَصَبَاهَا

إنَّ رَبِّي على ادِّعاها شَهِيدٌ *** كُلُّ شِرْكِ فِيمَنْ يَوَدُّ ادِّعَاها

لَوْ دَرَى حِينَ اذْهَبَ الرِّجْسَ عَنْهَا *** أَنَّها تَفْتَرِي لَمَا زَكَّاها

إِنْ يَكُونَا دَانَا بِدینِ أَبيها *** ما أَغَصَّا فُؤادَها بِشَجَاها

دَهَياها مِنْ غَيْهِمْ بِدَوَاءٍ *** فَقَضَتْ وَ هُيَ تَشْتَكِي ما دَهَاهَا(1)-(2)

ص: 182


1- دواءٍ: مصائب أو أمور شديدة عظيمة.
2- القصيدة ملحمة في مناقب أهل البيت علیهم السلام بلغ عدد أبياتها (1265) بيتاً و هي على غرار هائية الأزري الشيخ كاظم (رحمة اللّه) و قد أخذنا منها ما نحن بصدده.

(7) حاربوا فاطماً علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن بن حمود الحلي(*)(1)

لارَعى اللَّهُ قَيْلَةً وَ عَرَاها *** سُخْطُ مُوسى وَ حَلَّ مِنْهَا عُرَاها(2)

أغْضَبَتْ أَحْمَداً بِعَزْلِ إِمامٍ *** فيهِ كَمْ آيَةٍ جِهاراً تَلاها

واجَهَتْهُ بِما لِهَارونَ قِدْماً *** وَ اجَهَتْ قَوْمَهُ ضَلالاً سَفاها(3)

أَخَّرتْهُ وَ أَمَّرَتْ شَيْخَ تَيْمٍ *** سِرَّ كُفْرانِها وَ قُلبَ شَقاها

حَالَفَتْهُ على الضَّلالِ وَ حَادَتْ *** عَنْ أَخِي المُصْطَفَى مَنارِ هُدَاها

أَحْدَثَتْ لِلوَرَى أَحَادِيثَ كِذبٍ *** لانَبِي وَ لاوَصِيَّ رَوَاها

أَسْخَطَتْ رَبَّها فلارَضِيَ الرَّحْمَنُ *** عَنْهَا وَ خَالَفَتْ نَصَّ طه

فَلَكُمْ قال وارثي وَ وَصِيّي *** حَيْدرٌ وَ هُوَ لِلوَرَى مَوْلاها

هو مِنّي كَمِثْل هَارُونَ وَ هْوَ *** الفُلْكُ لِلعَالَمِينَ فيهِ نَجَاها

فَاحْفَظُوا لي وَصِيَّتِي بِابْنِ عَمِّي *** إِنَّهُ لِلعُلوم شَمْسُ سَماها

أَيُّها القَوْمُ إِنَّ بَعْدِي كِتَابَ اللَّهِ *** فِيكُمْ وَ عِتْرَتِي لَنْ تُضَاهَى

إِنْ مَنْ صَدَّ عَنْهُما كِبْرِيَاءً *** فَلَهُ النَّارُ في غَدٍ يَصْلاها

ص: 183


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- قَيْلَة: النوق التي تُحلب في وسط النهار. و لعله يريد بها هنا (بني قيلة) و هم الأنصار والله العالم.
3- سفاهاً: جهلاً.

فغَدا مِنْهُمُ يُقاسِي كِتابُ اللَّهِ *** هَجْراً والآلُ فَرْطَ جَفاها

حارَبُوا (فاطماً) وَ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ *** على الخَلْقِ حُبَّها وَ وَلاَها(1)

لَقِيّتْ مِنْهُمُ خُطُوباً عِظَاماً *** لايُطِيقُ الطَّوْدُ الأَشَمُّ لُقاها

كَسْرَ ضِلْعِ وَ غَصْبَ إِرْثٍ وَ لَطْماً *** وَ اهْتِضَاماً مِنْهُ اسْتَطَالَ عَنَاها(2)

أَخْرَجُوها مِنَ المَدِينَةِ قَهْراً *** مُذْ أَطَالَتْ لِفَقَدِ طهَ نَعَاها

وَ عَلَى هَضْمِها تَواطَأَتِ الأَنْصَارُ *** سِرًّا وَ أَظْهَرَتْ بَغْضَاها

عَزَلَتْ بَعْلَها عَنِ الحِلِّ وَ العَقْدِ *** عِناداً وَ أَمَّرَتْ أَدْعِيَاها

غَصَبَاهَا تُرَاثَها وَ لَظَى الوَجُدِ *** وَ فَرْطَ السَّقَامِ قَدْ أَوْرَثاها

دَفَعَاهَا عَنْهُ عِناداً وَ ظُلْماً *** مَزَّقَا (صَلَّها) وَ مَا رَاعَيَاها

وَ ادَّعَتْ نِحْلَةً لَهَا مِنْ أَبيها *** سَيِّدِ الأَنْبِيَا فَلَمْ يَنْحَلاها

فَانْتَنَتْ وَ الفَضاءُ ضَاقَ عَلَيْها *** وَ شُواظُ الزَّفِيرِ حَشْوُ حَشَاهَا(3)

وَ أَتَتْ دَارَها تَجُرُّ رِدَاهَا *** وَ الجَوَى كادَ أَنْ يُرِيها رَداها(4)

فَأَتَوْا نَحْوَ دَارِها وَ أَدارُوا الجَزْ *** لَكَيْ يُحْرِقُوا عَلَيْها خِبَاها(5)

عَصَرُوها بِالبابِ قَسْراً إلى أنْ *** كَسَرُوا ضِلْعَها وَ هَدُّوا قُوَاها

ص: 184


1- في كتاب درر السمطين ص178: أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: إن اللَّه يغضب لغضبك و تقدم ذكره في قصائد عديدة.
2- في كتاب مرآة العقول ج5 ص320.
3- شواظ: بكسر الفاء أو ضمّها الصياح، أو و لهب لادخان فيه.
4- رَداها: هَلاكها و موتها.
5- الجزل: صرام النخل. و جاء في كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586: أن أبابكر أرسل إلى علي علیه السلام يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر و معه فتيلة، فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب، فقالت فاطمة علیها السلام: يا بن الخطاب أتراك محرقاً علي بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك.

أَلجؤوها إلى الجِدَارِ فَأَلْقَتْ *** مُحْسِناً وَ هِيَ تَنْدُبُ الطُّهْرَ طه(1)

دَخَلُوا الدّارَ وَ هْيَ حَسْرَى فَقَادُوا *** بِنَجَادِ الحُسَامِ (حَامِي حِمَاها)(2)

بَرَزَتْ خَلْفَهُمْ تَقُومُ وَ تَكْبُر *** وَ حَشَاهَا ذَابَتْ بِنَارٍ شَجَاها

وَ عَلَى رَأْسِهَا قَمِيصُ أَبيها *** وَ عَلَى مَتْنِها اسْتَوى فَرْخَاها

وَ هْيَ تَعْدُو خَلْفَ الوَصِيَّ وَ تَدْعُو *** بِالْكِسارٍ فَلَمْ يُجِيبوا نِدَاها

أَيُّهَا القَوْمُ أطلِقُوا صَفُوةَ اللَّهِ *** إِمَامَ الأنام عَقْدَ وَلاَها

أوْ لأَدْعُوَ اللَّهَ العَظِيمَ بِشَجْوٍ *** فَتَخِرُّ الخَضْرَا عَلَى غَبْرَاها

فَأَتَاها العَبْدُ المَشُومُ فَأَدْمَى *** مَتْنَها فَانْتَنَتْ تُطِيلُ بُكاها(3)

وَ هيَ مِنْهُمْ بِمَسْمَعِ وَ بِمَرْأَى *** نُصْبَ عَيْنَيْهِمُ تُقاسِي أَذاها

آذياهَا عِنْدَ الحَياةِ وَ لَمَّا *** حَضَرَتْها الوَفَاةُ ما شَيَّعاها

دُفِنَتْ في الدُّجى وَ عفَّى عَليَّ *** قَبْرَها لَيْتَهُ اسْتَطَالَ دُجَاها(4)

أَفَمِثْلُ ابْنَةِ النَّبِيِّ يُوَارَى *** شَخْصُها في الدَّجَى وَ يُعْفَى ثَرَاها(5)

ص: 185


1- في كتاب الملل والنحل ج1 ص57: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها... و تقدم ذكر تفصيله عن مصادر عدة في هوامش عديدة فراجع.
2- حسری: حسرت خمارها عن وجهها و كشفت.
3- في كتاب سليم بن قيس ص134: فقال العباس لعلي «صلوات اللّه عليه» ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع قنفذاً كما أغرم جميع عمّاله؟ فنظر علي علیه السلام إلى من حوله، ثم اغرو رقت عيناه ثم قال تشكو له ضربة ضربها فاطمة علیها السلام بالسوط فماتت و في عضدها أثره كأنه الدملَّج.
4- في كتاب البحار ج43 ص184 و 204 و213 فلما قضت نحبها «صلى اللَّه عليها» و هم في ذلك في جوف الليل، أخذ علي علیه السلام في جهازها من ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة و أشعل النار في جريد النخل، و مشى مع الجنازة بالنار حتى صلّى عليها و دفنها ليلاً.
5- نقل من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص128 و شعراء الحلة ج1 ص344.

(8) يوم غاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الشبيب(*)(1)

یا لَخَطْبَ في الدِّينِ هَدَّ قُوَاهُ *** يَوْمَ غَابَ النَّبِيُّ فِي مَثْواهُ

زَلْزَلَ الأَرضَ وَ السَّماءَ وَ أَبْكَى *** كُلَّ حَيَّ حُزناً تَعالَى اللَّهُ

وَ الهُدَى حِصْنُهُ تَزَلْزَلَ لَمّا *** قامَ جِبْرِيلُ فِي السَّما يَنْعَاهُ

صاحَ وَ الكائِنَاتُ بِالنَّوْحِ ضَجَّتْ *** وَ بَكى العَرْشُ حَسْرَةً لِبُكاهُ

قُبِضَ المُصْطَفَى فَوا فَجَعَةَ الدِّينِ *** مَاتَ غَوْتُ الأَنامِ وَ احَسْرَتاهُ

قُوّض اليَوْمَ سَيّدُ الرُّسل طه *** وَ النَّبِيُّونَ قَدْ أَقَامُوا عَزاهُ(2)

وَ غَدا الدِّينُ يَصْفِقُ الكَفَّ حُزْناً *** وَ الهُدَى بَعْدَهُ تَداعَى بِناهُ(3)

فَبِنَفْسِي وَ مُهْجَتِي وَ بِرُوحِي *** وَ بِقَوْمِي أَقِيهِ مِمّا دَهَاهُ

بَلْ وَيَا لَيْتَ جُمْلَةَ الخَلْقِ طُرّاً *** مِنْ جَمِيعِ اللُّغَاتِ راحُوا فِدَاهُ

لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ مات شهيداً *** مِنْ لهيبِ السُّمُومِ ذابَ حَشاهُ

وَ قَضى نَحْبَهُ حَمِيداً فَثَارَتْ *** بَعْدَهُ تَطلُبُ التّراتِ عِداهُ

نَقَضُوا عَهْدَهُ جِهاراً وَرَدُّوا *** كُلَّ ما قالَهُ وَ خانُوا أَخاهُ

ضَيَّعُوهُ في أَهْلِهِ وَ بَنِيهِ *** وَ أَذَاقُوهُمُ الذي أشجاهُ

ص: 186


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- قُوِّضَ: هُدِم والمراد انتقاله صلي الله علیه و آله و سلم إلى الرفيق الأعلى.
3- تداعی: تصدّع من غير أن يسقط.

عَزَلُوا حَيْدَراً كَأَنْ لم يَكُنْ فِي *** يَوْمِ خُمَّ دَعَاهُمُ لَوْلاهُ

وَ كَأَنْ لَمْ يَنادِ فِي يَوْمِ خُمِّ *** وَ هُوَ فَوْقَ الأَعْوادِ كُلَّ يَرَاهُ

واضِعاً كَفَّهُ بِضَبْع عَلِيَّ *** مُعْلِنَ الصَّوْتِ قائلاً في نِداه

أيها الناسُ سَلِّمُوا وَ أَطِيعُوا *** وَ لْيُبلغ كُلِّ إِلَى مَنْ وَراهُ

وَ اشْهَدُوا مَنْ أَنا لَهُ كُنْتُ مَوْلًى *** فَاعْلَمُوا أَنَّ حَيْدَراً مَوْلاه

هُوَ هذا وَليْكُمْ وَ عَلَيْكُمْ *** فَرَضَ الله حُبَّهُ وَ ولاهُ

هُوَ هَذا الإمامُ هذا ابْنُ عَمِّي *** شَرَّفَ اللهُ قَدْرَهُ وَ اجْتَباهُ

لاتَضِلُّوا فَتَخْسَرُوا وَ ازِرُوهُ *** لَيْسَ بَعْدِي فِيكُمْ إمام سِواهُ

ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بَنُوهُ وَ مَنْ قال *** غَيْرَ قَوْلي فَسَوْفَ يَلْقَى جَزاهُ

إِنّ رَبَّ السَّماءِ وَ الأرضِ حَقاً *** قَد اصطفاه لِدِينِهِ وَ ارْتَضاهُ

قُمْتُ هذا المَقامَ عَنْ أَمْرِ رَبِّي *** وَ بِما قالَ لِي وَ ما أوْحاهُ

طاعَةُ المُرْتَضَى كطاعة ربيّ *** وَ كذا كُلَّ مَنْ عَصَاهُ عَصاهُ

وَ حَباهُ بِكُلِّ خَيْرٍ جَزِيلٍ *** وَ عَلَى كُلِّ خَلْقِهِ وَلاهُ

فَانْظُروا هَلْ يَكُونُ غَيْرَ عَلِيٍّ *** فَوْقَ كَتْفِ النَّبِي وَ طَتْ قَدَماهُ؟

أَمْ سَمِعْتُمْ في النَّاسِ غَيْرَ عَلِيٍّ *** قِيلَ خَيْرُ الوَرَى النَّبِيُّ أَخاهُ

وَلَكَمْ أَكَدَ الوَصِيَّةَ فِيهِ *** حَيْثُ صَفَاهُ رَبُّهُ وَاصْطَفَاهُ

لَمْ يَدَعْ حُجَّةً وَلكِنَّما القَوْمُ *** فِي العَمى وَالضَّلالِ وَ الغَيِّ تاهُوا

قَدَّمُوا غَيْرَهُ عَلَيْهِ وَ قَالُوا *** حِينَ أَعْيَوْا بِأَنْ يَنالُوا عُلاهُ

حَدَثُ السِّنّ في دُعابَةِ أَنْفٍ *** خَسِرُوا لاأبا إِلَيْهِمْ وَ شاهُوا(1)

سَلْهُمْ مَنْ بِسَيْفِهِ عُبِدَاللَّهُ *** وَ قَرُّوا أَنْ لَيْسَ رَبِّ سِواهُ

مَنْ أَبَادَ الكُماةَ في يَوْمِ بَدْرٍ *** وَ النَّبِي مَنْ بِنَفْسِهِ قَدْ فَداهُ؟

ص: 187


1- شاهوا: طمعوا.

مَنْ تَلَقَّى ابْنَ وُدَّ مَنْ قَلَعَ البابْ *** مَنْ رَعَى حَوْزَةَ الهُدَى وَ حِماهُ؟

مَنْ بِهِ أَسْفَرَ الهُدَى وَ اسْتَقَرَّتْ *** وَطأة الدِّينِ وَ اسْتَقامَتْ فَنَاهُ؟

مَنْ رَمَى بِالأَصْنامِ عَنْ حَرَمِ اللَّهِ *** وَ عَلَا كَتْفَ أَحْمَدٍ وَ ارْتَقاهُ؟

مَنْ إِلى السَّاغِبِينَ يَحْتَمِلُ القُوت *** خِفْيَةً فَوْق مَثْنِهِ في رِداهُ؟

مَنْ سِواهُ في النَّاسِ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ *** جُمْلَةَ الخَلْقِ يَهْتَدُوا بِهُدَاهُ؟

لَوْيَكُنْ ما لَهُ مِنْ الفَضْلِ إِلاّ *** يَوْمَ خُمَّ وَ خَيْبَر لَكَفاهُ

أوَ ما فَوْقَ زِنْدِهِ عَبَرَ الجَيْشُ *** بَعْدَما شَقَّ مَرْحَباً وَ بَراهُ

وَ أبادَ اليَهُودَ طُرّاً وَ أرْوَى *** مِنْ دماهُمْ حُسامَهُ وَ قَناهُ

وَ اخْتَصِرُ لاتُطِيلُ فمَنْ شَيَّد الدِّينَ *** بمنْ قامَ فَخْرُهُ لَوْلاهُ؟

وَ اسْأَلِ الصاحِبَيْنِ مِنْ بَعْدِ هَذا *** أَعَلى أَي ذَنْبٍ قَدْ ناصَباهُ

أَمِنَ العَدْلِ أَنْ يُقادَ أَسِيراً *** وَ إِلَى خَلْفِهِ تُشَدُّ يَداهُ؟

طَوَّقوا عُنُقَهُ بِحَبْلٍ وَ سَاقُوا *** ضارِعاً مُسْتَضاما يُبْدِي شَجاهُ(1)

وَ ابْنَةُ المُصْطَفى عداءَ وَ جَهْراً *** دَخَلُوا دَارَهَا وَ بِالظُّلمِ فاهوا(2)

ص: 188


1- مستضام: مظلوم. مقهور.
2- فقد ورد في «الاحتجاج للطبرسي» ج1 ص108/ دار النعمان -النجف: «... فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً و كان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء، أحد بني تيم فأرسله و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن فأبى علي علیه السلام أن يأذن له فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما في المسجد و الناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا فقال عمر: هو إن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذنه. فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة علیها السلام: «أحرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذنٍ فرجعوا ، فثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت كذا وكذا، فحرّجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجنّ و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضرمنَّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع قنفذ إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج عليّ بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدّته. ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكَّثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ «لعنه اللَّه» إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ إضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».

وَ هْيَ حَسْرى القِناعِ وَ القَلْبُ مِنْهَا *** تَنْزِفُ العَيْنُ دَمْعَها مِنْ دِماهُ

كَسَرُوا ضِلْعَها أَراعُوا حَشاها *** أَسْقَطُوا حَمْلَها فَوا لَهْفَتاهُ(1)

لَطَمُوا خَدَّها وَ بالنَّارِ جَهْراً *** أَحْرَقُوا الباب وَ العُيونُ تَراهُ(2)

وَ مَضَوْا بِالوَصِيِّ أَسِيراً مِنْهُ *** كُلُّ عِلْجٍ قَدْ نالَ أَقْصَى مُناهُ(3)

وَ ابْنَةُ المُصْطَفَى تُنادِي بِصَوْتٍ *** زَلْزَلَ الكَوْنَ رَجْعُهُ وَ صَداهُ(4)

وَ تُنادِي يا قَوْمُ خَلُوا ابْنَ عَمِّي *** مَالَنَا كَافِلٌ وَحَامٍ سِواهُ

يا ذَوِي الارْتِدادِ وَ البَغْيِ خَلُّوا *** وَ هُيَ نُصْبَ العُيونِ تَعْدُو وَرَاهُ(5)

ص: 189


1- انظر الهامش السابق.
2- لعلَّه إشارة إلى ما جاء في كتاب أمالي الصدوق، ص116 ح2 ط الخامسة/ مؤسسة الأعلمي. «... قال له: أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدّها...». انظر كتاب بحار الأنوار ج44 ص149 ح17، ط الثانية/ مؤسسة الوفاء و ج28 ص51 ح20 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء.
3- علج: (العلج) الكافر.
4- و «الأبيات التي تلته» في كتاب المناقب ج3 ص329: «...أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى اللّه فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي». انظر: كتاب بحار الأنوار، ج43 ص47، ط الثانیة/ مؤسسة الوفاء. و في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص571-572 ضمن ح24 نقلاًعن کتاب علم اليقين في أصول الدين لللكاشاني. «...و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك. فعدلت إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم فأشارت إليه بحزنة و نحيب...».
5- نقلت من «ديوان الشبيب» ج1 ص14.

(9) بضعة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

شِرْعَةُ الحَقِّ حَيْدَرٌ قَدْ بَنَاهَا *** وَ عَلَيْهِ يَدُورُ قُطْبُ رَحَاهَا(2)

كَانَ مِنْ مَهْدِهِ إِلَى اللَّحْدِ يَسْعَى *** فِي رِضَى اللَّهِ رُوحُهُ يَرْعَاهَا(3)

مِثلُهُ فِي الْوُجُودِ عَزَّ وُجُوداً *** لايُضَاهِي فِي فَضْلِهِ لايُضَاهَي(4)

خَصَّهُ اللَّهُ ذُو العَلَا بِمَزَايَا *** مَا حَوَى عُشْرَ عُشْرِها أَنْبِيَاها

مِنْ مَزَايَاهُ كَعْبَةُ البَيْتِ فِيها *** كانَ مِیلادُهُ فَطَابَ شَذَاهَا(5)

لَمْ يُشَارِكُهُ بالولادَةِ فِيهَا *** أَحَدٌ لا وَ لاالمُفَضَّلُ طَه

أُمُّهُ الطُهْرُ أَقْبَلَتْ وَ هِيَ حُبْلَى *** بِوَلِيدِ التَّقَى وَ بَدْرِ دُجَاهَا(6)

أَمَّتِ الْبَيْتَ كَيْ تَطُوفَ وَ تَسْعَى *** وَ إِذَا بِالْمَخَاضِ قَدْ وَافَاهَا

رَفَعَتْ رَأْسَها إلَى اللَّهِ تَدْعُو *** بِخَلِيل الْبَارِي وَ مَنْ فِي حَشَاهَا

رَبِّ سَهَّلْ لِي الْمَخَاصَ لأُكْفَى *** شِدَّةَ الْوَضْعَ فَاسْتَجَابَ دُعَاهَا

وَإِذَا وإذا بالجِدَارُ شُقَّ إِلَيْهَا *** مِنْ مَعَالِيو هذِهِ إِحْدَاها

ص: 190


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- قُطب: جمعها أقطاب: الحديدة في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليها الطبق الأعلى. و القُطب: ملاك الشيء و مداره.
3- اللَّحد: القبر.
4- لايُضاهى: لايُشابَهُ و لايُشاكل و لايُماثل.
5- شذاها: الشذى: الطيب.
6- دُجاها: الدجى: ظلمة الليل.

دَخَلَتْ وَ الجِدَارُ سُدَّ عَلَيْهَا *** آيَةٌ مِنْ إِلَههَا أَسْدَاها

وَ عَلَيْهَا الإِلهُ سَهَّلَ وَضعاً *** فَبَدَا البَدْرُ فَانْجَلَتْ ظَلْمَاها(1)

وَضَعَتْهُ عَلَى الرُّخَامَةِ فَانْسَابَ ***ضِيَاهُ فَأَشْرَقَتْ أَرْجَاهَا

مَنْ سِوَاهُ عَلَى الرُّخَامَةِ مَوْلُودٌ *** صَعْدَةٌ غَيْرُ حَيْدَرٍ مَا ارْتَقَاهَا

فَتَحَ العَيْنَ لِلْحَيَاةِ بِبَيْتٍ *** وَ خُرُوجَاً بِمِثْلِهِ أَغْضَاهَا(2)

فَحْيَاةٌ بِمَسْجِد هِيَ تُبْدَى *** وَ أَخِيراً بمثلِهِ مُنْتَهاها

هذِهِ غَايَةُ المَرَام وَلكِنْ *** لَيْتَ شِعْرِي مَنْ غَيْرُهُ يَحْضَاهَا(3)

فَهيَ فِيهِ عَلَى عُلَاهُ دَلِيلُ *** أَنَّهُ عِنْدَ رَبِّهِ أَعْلاَها

شَرَّفَ الكَعْبَةَ الوَلِيدُ لَعَمْرِي *** مَابِهَا شُرِّفَ الْوَلِيدُ وَ بَاهَى

إلى أن قال:

كَمْ تَلَقَّوا مِنَ الرَّسُولِ عَنِ اللَّه *** نُصُوصاً في حقهِ أَبْدَاها

فَلِمَاذَا لَمْ يَسْتَجِيبُوا إِلَيْها *** حَسَداً أَمْ قُلُوبُهُمْ تَأَبَاهَا(4)

أمْ أَتَى المُرْتَضَى بِشَيْءٍ يُنَافِي *** مَنْهَجَ الْحَقِّ بَعْدَ غَيْبَةِ طَه؟!(5)

لَمْ يَكُنْ ذَا مِنْ الوَصِيَّ وَ حَاشَا *** نَفْسُ قُدْسِ إِلهُهَا زَكَاهَا

بَلْ هُمُ بَدَّلُوا الهُدَى بِضَلالٍ *** وَ غَدَوا يَخْبِطُونَ فِي عُمْيَاهَا(6)

قَدَّمُوا غَيْرَهُ مَعَ العِلْمِ مِنْهُمْ *** أَنَّهُ بَعْدَ أَحْمَدٍ أُولاها

لَيْتَ شِعْرِي مَن الَّذِي قَدَّمُوهُ *** هَلْ عَلَى وَجْهِ فَرْضِهَا أَدَّاها؟

أَمْ غَدًا يَسْتَقِي العُلُومَ (مِنَ المَخْلُوع *** فِي زَعْمِهِم) فَكَيْفَ امْتَطَاهَا؟!

ص: 191


1- فانجلت: انكشفت و زالتْ.
2- أغضاها: أقفلها بهدوء و روية.
3- يحضاها: يحصل عليها.
4- تأباها: ترفضها و لاترتضيها.
5- يُنافى: يُباين و يُناقض و يُعارض.
6- يخبطون: يسيرون على غير هدىً.

عَجَباً قَدَّمُوا الْمُؤَخَّرَ فِي الْفَضْلِ *** عَلَى سَابِقِ الْوَرَى مَوْلاَها!!

وَ غَدَوا يُلزمُونَ بَيْعَةً جَوْرٍ *** فَرَضُوهَا وَ اللَّهُ لَايَرْضَاهَا

فَأَبَى فَاعْتَدَوْا يُبيحُونَ بَيْتاً *** مِن بُيُوتِ إِلَهُهَا سَوَّاهَا

حَرَماً لاَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلُوها *** دُونَ إذْنِ وَ هُمْ أَبَاحُوا حِمَاهَا

وَ عَلَى بَضْعَةِ الرَّسُولِ تَجَرَّوا *** لَطَمُوا عَيْنَها أَرَاعُوا حَشَاها(1)

سَّرُوا ضِلْعَهَا أَهَاجُوا جَوَاهَا *** أَسْقَطُوا حَمْلَها أَسالُوا دِمَاها(2)

أسْقِطَتْ فَوْقَ عَنْبَةِ الْبَابِ وَ لْهَى *** تَنْتَخِي (فِضَّةٌ) وَ تَدْعُو أَبَاهَا

يَا رَسُولَ الْهُدَى عَلَيْكَ عَزِيزٌ *** أَنْ تَرَى ما تَجَشَّمَتْ أَعْدَاها

أَخَذُوا حَفَّنا تَبَاغَوا عَلَيْنَا *** أَخْرَقُوا بَيْتَنَا بِنَارِ لَظَاها

كَسَّرُوا أَضْلَعِي جَنِينِي أَلْقَوه *** قَتِيلاً يا وَيْلَ مَنْ سَواها

وَ اسْتَدَارُوا عَلَى عَلَيَّ وَقَادُو *** بِحَبْلٍ وَ هُوَ المُدِيرُ رَحَاها(3)

وَ غَدُوا يَسْحَبُونَ لَمْ يَرْهَبُوهُ *** وَ هُوَلَيْتُ الشَّرَى وَ رَبُّ وَغَاها(4)

أَوْقَفُوهُ كَيْ يَبْسُطُ الْكَتَ قَسْراً *** أَوْ يُذِيقُونَ بِالسُّيُوفِ رَدَاهَا

فَرَمَى نَحْوَ قَبْرِكِ الطُّهْرُ طَرْفاً *** بشُجُونٍ وَ دَمْعُهُ أَجْرَاها

ص: 192


1- تَجرَّوا: تَجَرَّأوا.
2- في البحار، و أخذت ج53 ص18. و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و اسقاطها إياه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها.
3- في تفسير العياشي/ في تفسيره للآية: 150 الأعراف و الآية: 165 الأنفال: ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً و مروا به على قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فسمعته يقول: [يا بن ام إن القوم استضعفوني] و جلس أبوبكر في سقيفة بني ساعدة و قدم علي علیه السلام فقال له عمر: بايع...
4- الوغى: الحرب.

يَا أَخِي قَوْمُكَ الألى: اسْتَضْعَفُونِي *** وَ أَرَادُوا قَتْلِي بِحَدْ ظُبَاهَا(1)

يَا أَخِي ضَيَّعُوا وَصَايَاك فِينَا *** فَإِلَى اللَّهِ نَشْتَكِي عَدْوَاهَا

ص: 193


1- ظُبی: مفردها ظُبه، و هي حد السيف أو السنان و نحوهما.

(10) حسرتي للبتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

حَسْرَتِي لِلْبَتُولِ بَضْعَةِ طَهَ *** إِذْدَهَاهَا بَعْدَ النَّبِي ما دَهَاها(2)

ما رَعَوْهَا وَ لارَعَوْا الطُّهْرَ حَتَّى *** مُنِعَتْ حِينَ فَقْدِهِ عَنْ بُكَاهَا

أخَذُوا نِحْلَةً لَهَا مِنْ أبِيهَا *** أُقْصِيَتْ عَنْ تُرَائِهِ بِنْتُ طَه(3)

ثُمَّ لَمْ يَكْتَفُوا بِسَلْبِ حُقُوقِ *** فُرِضَتْ لِلْبَتُولِ مِنْ مَوْلاهَا

بَلْ أَدَارُوا بِبَابِها ذَلِكَ الجَزْلَ *** عِنَاداً وَ النَّارَ شَبُوا سِفَاهَا(4)

هَجَمُوا عَنْوَةٌ عَلَيْهَا بِلا إِذْ *** عَلى العَيْنِ لَطْمَةً سَتَراهَا(5)

عَصَرُوهَا بِالبَابِ فَانْكَسَرَ الضِّلْعُ *** وَ الْقَوْا جَنِينَها مِنْ حَشَاهَا

فَهَوَتْ فَوْقَ (عَتْبَةِ) البَابِ تَدْعُو *** لأبِيهَا وَ أيْنَ تَلْقَى أَبَاهَا

يَا رَسُولَ الهُدَى عَلَيْكَ عَزِيزٌ *** لَوْ تَرَى مُذْ عَدَتْ عَلَيَّ عِدَاهَا

عَصَرُونِي وَ أَسْقَطُونِي جَنِينِي *** وَ عُبُونِي بِلظمَةٍ تَلقاها

ص: 194


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في كتاب فيض القدير للمناوي ج6 ص220 أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.
3- أقصيت: أبعدت.
4- انظر كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586 ، الجزل: الغليظ العظيم.
5- في كتاب البحار ج53 ص18-19 و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب ،و تضرب و يقتل جنين في بطنها...

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ حَادِثِ البَابِ ثَکْلَى *** فَرِحَتْ عَيْنُهَا لِطُولِ بُكَاهَا

تَتَلَظَّى عَلَى الفِرَاشِ وَتَشْكُو *** بِأَنِينٍ لِمَنْ يَعِي شَكْوَاهَا

ثُمَّ لَمَّا قَضَى إلهُ البَرَايَا *** بِقَضَاهُ وَيَوْمَهَا وافَاهَا

لِعَلِيٍّ أوْصَتْ بِكُلِّ الوَصَايَا *** وَدَّعَتْه وغُمِّضَتْ عَيْنَاهَا

وَقَضَتْ نَحْبَها وَدِيعَةُ طَه *** مِنْ أُنَاسِ قَدْ بَالَغُوا فِي عَدَاهَا

فَبَكَى حَيْدَرٌ لِفَقْدِ بَتُولٍ *** رَمَّلَتْهُ وَأيْتَمَتْ أَبْنَاهَا

شَالَ جُثْمَانَهَا المُقَدَّسَ لِلْغُسْلِ *** وَأَحْشَاؤُه يَشُبُّ لَظَاهَا

تَحْتَ أَثوَابِها يُغَسِّلُهَا الطُّهْرُ *** فَمَسَّتْ كُفُوفَهُ ضِلْعَاهَا

فَجَرَتْ دَمْعَةُ المُصَابِ عَلَى الخَدِّ *** وَأَوْدَى فُؤَادَهُ مَرْآهَا

فَتَقَوَّى لِرُزْئِها وَقَضَى الغُسْلَ *** عَلَيْهَا أَكْفَانَها سَوَّاهَا

وَضَعَ الظُّهْرَ في سَرِيرِ المَنَايَا *** وَانْبَرَى في وَدَاعِهَا وَلَدَاهَا(1)

هَوَيَا فَوْقَها - عَمْركَ اللَّهُ - *** فَضَمَّتْهُمَا إِلَيْهَا يَدَاهَا

فَجَرَتْ أدْمُعُ الفِرَاقِ كَجَمْرٍ *** مِنْ جُفُونٍ مَمْزُوجَةٍ بِدِمَاهَا

أُمِرَ المُرْتَضَى ألاَ أَرْفَعْهُمَا عَنْ *** صَدْرِهَا ... أَبْكَيَا جُنُودَ سَمَاهَا

وَلَهَا الحُورُ بالنِّيَاحَةِ عَجَّتْ *** وَقَدِ اشْتَاقَ أَحْمَدُ لِلِقَاهَا(2)

قَامَ نجَّاهُمَا وَنَادَى صِحَاباً *** حَمَلُوا فِي قُلُوبِهِمْ بَلْوَاهَا

شَيَّعُوهَا بِاللَّيْلِ سِرَّا فَأَوْرَتْ *** حَسْرَةً فِي القُلُوبِ مَا أَشْجَاهَا(3)

دَفَنُوهَا وفِي الفُؤَادِ رَزَايَا *** لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُنَّ إِنْسٌ سِوَاهَا

ص: 195


1- انبری: ظهر أو اندفع.
2- عجَّت: صاحت ورفعت صوتها.
3- انظر كتاب البحار ج43 ص184 و 204 و 213

جَاءَ في تُرْبَةِ البَتُولَةِ أقْوَالٌ *** لَعَلَّ الصَّوَابَ فِي قَوْلِ طه

بَيْنَ قَبْرِي ومِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ *** رَوْضِ تِلْكَ الجِنَان ذَا مَعْنَاهَا

مَعَ هَذَا رِوَايَةٌ (لابْنِ هَمَّامَ) *** عَلِيٌّ فِي رَوْضَةٍ وارَاهَا

فأحَادِيثُ فِي البَقِيعِ تَوَارَتْ *** تِلْكَ دَعْهَا فَهَذِهِ أَقَواهَا

فَإذَا شِئتَ أن تَزُورَ فَزُرْهَا *** عِنْدَ قَبْرِ النَبِي فَذَا مَنْوَاهَا

وَإذَا جِئْتَهَا فَصَلِّ وسَلِّم *** وَأكْثِر اللَّعْنَ لِلَّذِيْ عَادَاهَا

وَتَذَكَّرْ مِنَ الشَّجَى لَطْمَةَ العَيْنِ *** وأضْلاَعَها وَنَزْفَ دِمَاهَا

وَتَذَكَّرْ جَنِيْنها خَرَّمَيْتاً *** مِنْ حَشَاهَا بِالبَابِ مَاذَا عَرَاهَا

وَتَذَكَّرْ هُتَافَها يَومَ خَرَّتْ *** مِنْ جَوَى حُزْنِها تُنَادِي أَبَاهَا(1)

أبَتَا عَزَّ أنْ تَرَى مَا دَهَانِي *** مِنْ طُغَاةٍ قَدْ أسْخَطَتْ مَوْلاَهَا

كَسَرُوا أَضْلُعِي وَالْقَوْا جَنِينِي *** وَعُيُونِي بِلَطْمَةٍ أذْهَبَاهَا(2)

ص: 196


1- جوى: حرقة القلب.
2- نبضات الولاء ص 179.

(11) إلَيْكُمْ يا بَني طه

(بحر الهزج)

الشيخ سلطان علي الصابر(*)(1)

إِلَيْكُمْ يَا بَني طه *** تَحِيّاتٌ بِأَزْكاها

حبَاكُمْ رَبُّكُمْ طُرّاً *** بِعِزِّ دامَ ذِكْراها

***

وَأَنْتُمْ قَبْلُ أَنْوَارُ *** كِرامُ النّاسِ أطْهارُ

أُباةُ الضَّیْمِ أَحْرَارُ *** بِكُمْ ذُو الْعَرْشِ قَدْ باها

***

لَكُمْ بِاللَّوْحِ وَالقَلَمِ *** رُقِیٌّ شامخُ الْقِمَمِ

وَأَنْتُمُ سادَةُ الْأَمَمِ *** وَالنَّبیّ جَدُّكُمْ طه

***

أتانا خاتَمُ الرُّسُلِ *** دَليلاً أَحْسَنَ السُّبُلِ

فَزالَتْ عَثْرَةُ الزَّلَلِ *** فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ تاهَا

***

وَفاقَتْ بِنْتُهُ الزَّهْرا *** بِمَجْدٍ مَرْيَمَ الْعَذْرا

ص: 197


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.

فَأَكْثِر مِدْحَةَ الْحَوْرا *** أَذُقْ مِنْ فِيكَ أَحْلاها

***

وَصِهْرُ الْمُصْطَفَى الْهادي *** عَلِیٌّ حُبُّهُ زادی

وَهذا نَهْجُ هْجُ أَجدادي *** خُذوا يا وُلْد أنْباها(1)

***

وَلي فِي الْمُجْتَبَى الْحَسَنِ *** مُمِيتِ الجَوْرِ وَالفِتَنِ

وَمُحْيِي الدِّينِ وَالسُّنَنِ *** لَئالي الْمَدْحِ أَرْقاها

***

حُسَیْنٌ شِبْلُهُ الثّاني *** إِمامُ الإِنْسِ وَالْجانِ

بِنَفْسٍ مِنْ دَمٍ قانی *** فَدی لِلدِّينِ أَزْکَاها

***

فَزِدْ يا رَبَّنا أَجْرا *** وَأَكْرِمْنَا بِهِمْ حَشْرا

فَمَنْ يَبْقَى لَنا ذُخْرا *** إذا ما غابَ أَوْفاها

***

وَمَنْ لي يَمْدَحُ الزَّهراء *** أَذُقْ مِنْ فيهِ أَحْلاها

ص: 198


1- أنباها: أنباءها، أي أخبارها.

(12) منظومة خطبة الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد عباس المدرسي(*)(1)

ص: 199


1- (*) السيد عباس المدرسي هو السيد عباس ابن السيد محمد كاظم ابن السيد محمد جواد المدرّسي. ولد في كربلاء المقدسة في اليوم السابع من شهر محرم الحرام عام (1373 ه/ 1953م). ونشأ منذ صغره في جوّ الإيمان والفضيلة برعاية والده العالم الورع والعارف العامل آية اللّه السيد محمد كاظم المدرسي «رحمه اللّه». درس الدروس الابتدائية في مدارس كربلاء المقدسة التقليدية، وخاصة عند الشيخ علي أكبر النائيني، والشيخ ضياء الزبيدي. وأما دراسته العلمية الحوزوية. فقد أخذ المقدمات والسطوح لدى أساتذتها البارزين، منهم والده آية اللّه السيد محمد كاظم المدرسي، وآية اللّه الشيخ محمد حسين المازندراني، وآية اللّه السيد صادق الشيرازي، والأستاذ المربي العالم الفذّ الشيخ جعفر الرشتي حتى تهيَّأ للدراسات العليا فدرس الخارج على خاله المرجع الديني آية اللّه العظمى السيد محمد الشيرازي وآية اللّه العظمى الشيخ يوسف الخراساني. وفي مدينة قم المقدّسة حضر دروس الخارج عند كبار أساتذة الحوزة ومراجع التقليد، ومن أشهرهم: آية اللّه العالم الورع التقي الشيخ مرتضى الحائري والأستاذ آية اللّه الشيخ الوحيد الخراساني وآية اللّه الشيخ محمد جواد التبريزي، وآية الله السيد موسى الزنجاني. كما وأنه درس العرفان والعقائد على يد والده آية اللّه السيد محمد كاظم المدرسي. والمترجَم له: ألَّف كتباً دينية وأدبية كثيرة أهمها: 1- الإمام الحسين علیه السلام. 2- كيف تربح الحياة؟ 3- الحضارة في عصر الإمام المهدي علیه السلام. 4- الإنسان ذلك المسؤول. 5- كلمة الزهراء علیها السلام (قصيدة شعرية في خطبة الزهراء علیها السلام ) 6- المعاد. 7- أصول الفقه - مخطوط. 8- الصرف والنحو - مخطوط. 9- دیوان شعر - مخطوط. تفسير القرآن الكريم (يقع في عدة مجلدات، مخطوط). كما أسّس السيد المدرسي في قم مدرسة للعلوم الدينيّة باسم (مدرسة الإمام الصادق علیه السلام) كما وأنه أسس مجلة (أهل البيت علیهم السلام) وشارك في تأسيس مجلة (البصائر) الدوريَّة. ولا يزال المترجَم له يمارس دوره الثقافي في مختلف الأبعاد.

الحمدُ للَّهِ على ما أنعمَ، وَلهُ الشَّكرُ على ما ألهمَ، والثناءُ بما قَدّمَ من عموم نِعَمِ ابتداها، وَسُبُوغِ آلآءٍ أسداها، وَتَمَام مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإِحْصَاءِ عَدَدُها.

للأله العَظِيمِ حَمْدِي تَناهَى *** وَلَهُ الشُّكْرُ دُونَ أَنْ يَتَناهَى

فَلِنَعْمائِهِ الَّتِي لا تُجازَى *** وَلإِلْهامِهِ النُّفُوسَ هُداها

وَثَنائي بِطَيِّباتِ نَعِيمٍ *** لَمْ نُطالِبْهُ بَذْلَها فَابْتَداها

وَبِآلاءِ جُودِهِ سابِغاتٍ *** سائِغاتٍ إلى الوَرَى أَسْداها(1)

وَبِما جادَ مِنْ تمَامِ عَطايا *** جَمَّ أعْدادُهُنَّ عَنْ إِحْصاها

طالَ في مَرْقَدِ الزَّمَانِ نَواها *** تَناءَی عَنِ الجَزاءِ مَداها

ونأى عن الجزاءِ أمدُها، وتفاوتَ عن الإدراكِ أبَدُها، ونَدَبَهم لاستزادتِها بالشكرِ لاتصالِها، واستحمدَ إلى الخَلائِقِ بإجزالِها، وثنّى بالندبِ إلى أشباهِها، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللَّهِ وَحْدَهُ لا شريك لَهُ، كلمة جَعَل الإخْلاصَ تأويلها.

وتَنَاهى عَنِ النُّهَى دَرْكُ نُعْمَى *** أَبَدَ الدَّهْرِ تَسْتَمِرُّ عَطاها(2)

وَدَعاها لِتَسْتَزِيدَ نَداها *** بِاتّصالٍ - بِشُكْرِ مَنْ أَوْلاها

وَبِإِجْزالِها لَهُمْ طَلَبَ الحَمْدَ *** وثَنَّى بِنَدْبِها الأَشباها

ص: 200


1- آلاء: نِعَم.
2- النهى: جمع النُّهْيَة: العقول.

أُشْهِدُ اللَّهِ أَنَّهُ لَيْسَ إِلا اللَّهَ *** رَبِّاً وَ خالقاً وَ إلها

وَحْدَهُ اللَّه لاشَرِيكَ لَدَيْهِ *** كَوَّنَ الكَوْنَ وَ البَرايا بَراها(1)

كلمةُ الحَقِّ وَ الهُدَى وَ التعالِي *** وَ لُبابُ الإخلاص في مَغزاها

و ضمَّن القلوبَ موصولَها و أنارَ في التفكير معقولها، الممتنع مِنَ الأبصارِ رؤيتُهُ و مِنَ الألسن صفتُهُ و منَ الأوهامِ كَيْفِيتُهُ.

ابتدعَ الأشياءَ لامنْ شيءٍ كان قبلها، و أنْشَأها بِلا احتذاءِ أمثلةً امتَثَلها.

في مَطاوِي القُلوبِ وَصْلُ لِقاها *** وَلَدى الفِكْرِ وَهْجُها وَ رُؤاها(2)

لَيْسَ عَيْنٌ تَرى جَلالَةَ ذاتٍ *** عَجَزَ الوَصْفُ أَنْ يُدانى مَداها

كَلَّتِ الألْسُنُ البَليغَةُ حَتَّى *** لَيْسَ تَعْلُو لِوَصْفِهِ أَعْلاها

جَلَّ حَتَّى الأَوْهَامُ لاتَتَرقى *** نَحْوَ أَقداس كَيْفه أَرْقاها

خَلَقَ الكائناتِ خَلْقَ ابْتِداعٍ *** لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ قَبْلَهُ سَوَّاها

وَبَراها بِلا احْتِدَاءِ مِثالٍ ***كانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُسَوِّي بِناها

كَوَّنها بقدرتِهِ، وَ ذرأها بمشيّتِهِ مِنْ غيرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إلى تكوينها و لافائدة في تصويرها إلا تثبيتاً لحكْمَتِهِ وَ تنبيهاً على طاعَتِهِ وَ إظهاراً لقدرته وَ تعبداً لبريته، وَ إعزازاً لدعوته.

ثمّ جَعَلَ الثّوابَ على طاعَتِهِ، وَ وضَعَ العقاب على معصيته، زيادةً لعباده مِنْ نقمِتِه.

خَلَقَ الخَلْقَ بِالمَشيَّةِ مِنْهُ *** وَ برى بِاقْتِدارِیه أَشْياها

دُونَما حاجَةٍ لَهُ وَ انْتِفاعٍ *** مِنْهُ لِلصُّورَةِ الَّتي أبداها

بَلْ لِتَنْبِيهِها عَلى طاعَةِ اللَّهِ *** وَ تَثْبِيتِ حِكْمَةٍ جَلاّها

ص: 201


1- براها: خلقها.
2- وَهْجُها: اتقادها.

لِيُبِينَ اقْتِدارَهُ سَوَّاها *** وَ يُعَبّدْ عَبيدَهُ أَنْشاها(1)

وَ لإِعزاز دَعْوَةِ الحقِّ وَ الخَيرِ *** وَ تَبقى على المَدى دَعْواها

وَ يَذُودُ العِبادُ شَرَّ جَحيمٍ *** سَخَّرَتْ نِقْمَةُ الإلهِ لَظاها(2)

النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأكرم و فلسفة الرسالة

و حياشةٌ لهم إلى جنّتِهِ.

وَ أشهدُ أنّ أبي (محمداً) عبدُهُ و رسولُه، اختارَهُ وَ انتجبهُ قَبْلَ أَنْ اجتَبلَه، وَ اصطفاهُ قبلَ أن ابتعَثَهُ، إذ الخلائِقُ بالغيب مكنونةٌ، وَ بستر الأهاويلِ مصونة، وَ بنهايةِ العَدَمِ مقرونَةٌ،

وَ إلى جَنَّةِ الخُلُودِ يُحاشي *** كُلَّ نَفْسٍ قَدْ لا زَمَتْ تَقْواها

وَ أَبِي المُصْطَفَى مُحَمَّدُ عَبْدٌ *** وَ رَسُولٌ لِلَّهِ لَيْسَ يُضاهى

تلْكُمُ النَّفسُ رَبُّها أَعْلاها *** وَ اجْتَباهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْراها

قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ الأمِينَ نَبِيّاً *** قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَ اصْطَفاها

إذْ تَوارَتْ خَلائِقُ اللَّهِ بِالغَيْب، *** وَ سِتْرُ الأَهْوَالِ قَدْ غَطَّاها(3)

وَ بِأَقصى نِهايَةِ العَدَمِ المَحْضِ، *** تَلاقى الأَعْدامُ في أجواها(4)

ص: 202


1- تسكين يعبّد للضرورة و إلا فحقه النصب عطفاً على ما قبله.
2- يدود: يدفع، سجّرت: أحمتُ نقمة: غضبظ. لظاها: نارها لهيبها.
3- توارثْ: اختفت.
4- المحض: الخالص الأغدام: بالكسر هو الفقدان، و هو: ضد الوجود، أَما بالفتح فهذا لم نعثر له في اللغةِ على أصل و لعل الشاعر أراد به أحد معنيين الأول: الأعدام: أي الأشياء المعدومة الوجود كقولك المعدومات أي الأشياء غير الموجودة و التي هي في معدودات العَدَم و أراد الشاعر جمعها ب- «أعدام على وزن أفعال و هذا تصرف». أما المعنى الثاني: الأعدام: أراد بها جمع «العَدَم» و هو غريب أيضاً و لعله تصرف أيضاً.

علماً منَ اللَّه تعالى بمآلِ الأمور وَ إحاطةَ بحوادثٍ الدّهورِ وَ معرفة بمواقعِ المقدور.

ابتعثَهُ اللَّه إتماماً لأمْرِهِ، وَ عزيمةً على إمضاءِ حُكمِهِ

فَيعِرفانِهِ مَالُ أمور *** الكَوْنِ مِنْ بَديها إلى مُنْتَهاها(1)

وَ بِما حاطَ بالحَوادِثِ عِلْماً *** وَ المجارِي الَّتي بها أَجْراها

وَ بِعرفانِهِ المَواقِعَ مِمَّا *** حَدَّدَتْها الأَقْدَارُ مِنْ مَبْداها

بَعَثَ المُصْطَفى الأمين رسولاً *** وَ الرِّسالاتُ كُلُّها أَنْهاها

لِيُتِمَّ الأَمْرَ الحكيم، وَ يمْضِي *** حُكْمَهُ، لِلْمُقَدَّراتِ قَضاها

وَ لإِنْفاذِ ما تَقَدَّر قِدْماً *** مِنْ مَقاديرِ حَتْمِهِ أَمْضاها

وَ إنفاذاً لمقادير حَتْمِهِ، فرأى الأممَ فِرَقاً في أديانهما، عكفاً على نيرانِها، وَ عابدةً لأوثانِها، منكرةً للَّهِ مَعَ عِرفانِها، فَأَنارَ اللَّه بمحمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم ظُلَمَها، وَ كَشَفَ عن القلوبُ بُهَمَها وَ جَلَّى عَن الأبصار غُمَمَها.

فَرَأى النّاسَ في الدُّروبِ حَيارى *** فرقاً في مسارها وَ رؤاها

بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ الحِجارةَ رَباً *** أَوْ عَلى النَّارِ عاكفاً يَهْواها

وَ بِرَغمٍ مِنْ عِلمِهِم يُنكرونَ اللَّهَ *** جَهْلاً وَ ضَلَّةً وَ سَفاها(2)

فَأَنارَ الجَلِيلُ بِالمُصطَفى المُختارِ *** ما اشْتَدَّ مِنْ ظَلام دُجاها

وَ قُلوبٌ في الغي طالَ بَقاها *** قَدْ أَرْاحَ النَّبِيُّ يُهمَ غَواها(3)

وَ عُيونُ عَشَتْ بِغُمَّةِ جَهْلٍ *** بِضِياءِ الهُدى المُنيرِ جَلاها

و قامَ في النَّاسِ بالهدايةِ، و أنقذهُمْ مِنَ الغوايَةِ، وبصَّرهم مِن العَمايَةِ، وَ هداهُمْ إلى الدّينِ القويم، وَ دعاهُمْ إلى الصّراطِ المُسْتَقِيم، ثم قبضَهُ الله إليهِ قَبضَ رأفَةٍ وَ اختيار، وَ رغبةٍ و إيثار.

ص: 203


1- مال: مرجع.
2- سفاهاً : جهلاً أو عدم الحِلم أو رداءة الخلق.
3- غواها: الغواية هي الضلال و الخيبة.

فمحَمَّدٌ صلي اللَّه علیه و آله و سلم من تَعَب هذِهِ الدارَ في راحَةٍ،

قامَ في النّاسِ مُنْذِراً وَ بَشيراً *** وَ إِلَى الرُّشْدِ وَ الفَلَاحِ دَعاها

أَنْقَذَ القَوْمَ بَعْدَ طُولِ ضَلالٍ *** بَصَّرَ النَّاسَ مِنْ خَطِيرِ عَمَاها

مُسْتَقِيمَ الصِّراطِ قَدْ دَلاهَا *** وَ إلى دينِهِ القويم هَداها

ثُمَّ عَنْ رَافَةِ بِهِ وَ الخَتِيَارِ *** قَبْض الله رُوحَهُ وَ اقْتَناها(1)

رَغْبَةً في لِقائِهِ وَ اشْتِيَاقاً *** آثَرَ اللَّهُ رُوحَهُ وَ اجْتَباها

وَ اسْتَراحَ الحَبيبُ مُدْراحَ عَنّا *** عافَ أتْعاب دارِنا وَ عَناها

قد حُفٌ بالملائِكَةِ الأبرار، وَ رضوانِ الرَّبِّ الغفّار، وَ مجاورة الملكِ الجبّارِ صلى اللَّه على أبي وَ نبّيِهِ، وَ أميِنِه على الوحي و صفّيَهِ، وَ خيرتِهِ من الخَلْقِ ،وَ رضيّهِ، وَ السّلامُ عليه وَ رحمة اللَّه وَ بركاته.

ثمّ التَفَتَتْ إلى أهْلِ المجلسِ و قالتْ:

حُفَّ في مَوْكِبِ المَلائِكَةِ الأَبْرارِ *** فَازْدانَ مِنْ ضِياهُ ضِياها(2)

بِجِوار العَزيزِ المَلِكِ الجَبَّارِ *** في الرُّتبَةِ الَّتي يَرْضاها

فَعَلى خِيرَةِ النَّبِيِّين طَه *** صَلَواتٌ لاتَنْتَهي ذِكْراها

رَحْمَةُ اللَّهِ وابلاً وَ عَلَيْهِ *** بَرَكاتُ السَّماءِ لاتَتَناهي

ثُمَّ الوَتْ خِطابها إذ تجارى الناسُ *** وَ ازَاحَمَتْ إلى لُقْياها

مسؤولية الناس تجاه الرسالة الإسلامية

أنتمْ -عبادَ اللَّه نصبُ أمرِهِ وَ نهيِهِ وَ حَمَلَةُ دينِهِ وَ وحيهِ، وَ أمناءُ اللَّه على أَنْفُسِكُمْ، وَ بلغاؤهُ إلى الأممِ.

ص: 204


1- اقتناها: اتخذها لنفسه و جمعها.
2- ازدان: بمعنى تزيّن أي تحسّن و تزخرف.

زعيمُ حقٍ لهُ فيكُمْ، وَ عهدٌ قدَّمَهُ إليكمُ، وَ بقيةٌ استخلفها عَلَيْكُمْ، كتابُ اللَّه الناطق، وَ القرآنُ الصّادق،

أيُّها النَّاسُ نُصْبَ أمْرِ وَ نَهي *** اللَّهِ أنْتُمْ وَ لِلرِّجَالِ نُهاها(1)

أَمَنَاءُ الإلهِ -جَلَّ-على *** أنفُسِكُمْ، وَ لِلْوَرى بُلغاها

قَدْ حَمَلْتُمْ ثِقَلَ الرِّسَالَةِ بَدْءاً *** وَ بِأَكْنَافِكُمْ أَبِي ألقاها

وَلَدَيْهِ فِيكُم مَنَارَةٌ حَقٌّ *** وَ لَهُ ذِمَّةٌ عَلَيْكُمْ وَفاها

وَ قَدِ اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ عَلَيْكُم *** إِذْ تَوَلَّى بَقِيَّةً أبْقاها

رَحْمَةُ اللهِ، آيةُ اللَّهِ *** نورُ اللَّهِ، وَ الحُجَّةُ التي جَلاّها

وَ النّورُ الساطع وَ الضياءُ اللامع بيّنَةٌ بصائِرهُ، منكَشِفَةٌ سرائرهُ متجلّيَّةٌ ظواهرهُ مغتبطٌ به أشيَاعُهُ قائِدٌ إلى الرضوانِ. اتِّباعُهُ، مؤد إلى النجاةِ استماعُهُ،

ساطِعٌ النّورِ دَفْتاء وَ مِنْهُ *** لَمْعَةُ الضّوءِ قَدْ تَلالاً ضِياها

بَيِّنَاتُ فِيهِ البَصائِرُ كَالصُّبْحِ *** وَ أَسْرَارُهُ الَّي أَبْدَاهَا

وَ تَجَلَّتْ ظَواهِرُ العِلم فِيهِ *** لَيْسَ تَخْفَى عَلَى العُقولِ رُؤاها

يَغْبِطُ العارِفونَ شِيعَةَ سِفْرٍ *** هَزَّ مِنْ أَنْفُسِ العِبادِ نُهاها(2)

قائِدٌ مَنْ مَشَى وَراهُ سَبيلاً *** كانَ رِضْوانُ رَبِّنا مَسْراها

وَ مُؤَدِّ إلى النَّجاةِ نُفوساً *** أَلْقَتِ السَّمْعَ عِنْدَهُ فَهَداها

بهِ تنالُ حُجَجُ اللَّه المنورة، وَ عزائمُهُ المفسّرة، وَ محارمُهُ المحذّرة، وَ بيّناتُهُ الجاليَة، وَ براهينُهُ الكافيَة، وَ فضائِلُهُ المندوبَة، وَ رخصُهُ الموهوبَة، وَ شرائِعُهُ المكتوبَة.

وَ بِهِ نالَتِ الوَرَى حُجَجَ اللَّه *** وَ أحكامَهُ الَّتي أَمْلاها

ص: 205


1- لُهاها: عقولها.
2- يغبط: يعظم في عينه و يتمنّى مثل حاله دون أن يتمنّى زوالها عنه.

مِنْ فُرُوضٍ عَزائِمِ واجباتٍ *** وَ مَناهِ مُحَرَّمُ إيتاها

بَيِّنَاتٍ مُجَلَّياتٍ حَشاها *** وَ بَراهِينَ كافياتٍ مَلأها

وَ رِياض مِنْ الفَضائِلِ تَدْعو *** كُلَّ مَنْ رامَ خَيْرَها وَ جَناها(1)

وَ المُباحاتُ فِعْلُها مُرْخَصاتٍ *** وَهَبَ النّاسُ أَمْرَها وَ حَباها

كُلُّ مَكْتوبِ شِرْعَةٍ فِيهِ فَافُهُمْ *** سِرَّ آياته الَّتي آتاها

فلسفة الشريعة الإسلامية

فجعل اللَّه الإيمانَ تطهيراً لكمْ منَ الشركِ، وَ الصلاةَ تنزيهاً لَكُمْ مِنَ الكِبْرِ، وَ الزكاةَ تزكيَةً للنفسِ وَ نماءً في الرزقِ وَ الصيامَ تثبيتاً للإخلاصِ وَ الحجِّ تشييداً للدّينِ، وَ العدلِّ تنسيقاً للقلوبِ،

فَلِتَطْهيرةِ النُّفوسَ مِنَ الشَّرُکِ *** عُيون الإيمانِ قد أَجْراها

وَ لِتَنْزيهِها مُغَرّرةَ الكِبْرِ *** أَقَرّ الصَّلاةَ في آناها

وَ لِتَزْكُو النُّفوسُ وَ الرِّزْقُ يَنْمو *** أوْجَبَ الخُمْسَ وَ الزَّكَاةَ قَضاها

وَ لِتَثْبيتِ جَوْهَرِ الصِّدِقِ وَ الإخلاصِ *** في النَّفْسِ لِلصّيامِ دَعاها

وَ لِيُعَلي بُرْجَ الشَّريعةِ نادى *** النَّاسَ بالحَجِّ داعِياً إيّاها

وَ لِتَنْسيقِهِ القُلوبَ جَميعاً *** شِرْعَةَ العَدْلِ سَنّها وَ بناها

وَإطاعتَنا نظاماً للملّةِ، وَ إمامَتَنا أماناً للفرقِةِ، وَ الجهادَ عزّاً للإسلامِ وَ الصبرَ معونَةً على استيجابِ الأجْرِ، وَ الأمرَ بالمعروفِ مصلحةً للعامةِ، وَ بَرَّ الوالدين وقايةٌ منَ السخطِ،

وَ أَقرَّتْ لَنا الإطاعَةُ حَتَّى *** يَسْتَقيم العباد في مَسْراها

وَ أَماناً لَكُمْ إمَامَةُ أَهْلِ *** البَيْتِ مِنْ فُرْقَةٍ تَشُبُّ لَظاها(2)

ص: 206


1- رامَ: قصد.
2- تشبّ لظاها: يشتعل لهيبها.

وَ لِتَعْتَزُّ رايَةُ اللَّهِ في *** الأَرْضِ قَضى بالجهادِ ضِدَّ عِداها

وَ لِتَسْتَوْجِبوا المَثوبَةَ أَجْراً *** جَعَلَ الصَّبْرَ سُلَّماً لاجْتِنَاها

وَ صَلاحُ العُموم في الأمْرِ بالمَعْروفِ *** وَ النَّهْي عَنْ مَسيرٍ غَواها(1)

وَ اثْقاءَ مِنْ غَضْبَةِ الرَّبِّ أَوْصى *** البِرَّ بِالوَالِدَيْنِ مَنْ يَخْشَاهَا

وَصِلَةَ الأَرْحَامِ مِنْمَاةَ لِلْعددِ و القصاصَ حقناً للدماءِ، وَ الوفاءَ بالنذرِ تعريضاً للمغفرةِ، وَ توفيةَ المكاييلِ وَ الموازينِ تغييراً للبخسِ، وَ النهيَ عن شربِ الخَمرِ تنزيهاً عَنِ الرجْسِ، وَ اجتنابَ القذفِ حجاباً عن اللعنَةِ،

وَ صِلاتْ الأرحامٍ مَنْساةُ عُمْرٍ *** وَ نُمُؤْ لِجَمْع مَنْ يَرْعاها(2)

وَ لَكُمْ قالَ -في القِصاصِ حَيَاةٌ *** حَفِظَ اللَّهُ في دِماهُ دِماها(3)

عُرْضَةُ العَفْوِ مِنْ إِلَهِ البَرايَا *** مَنْ عُهُودَ النُّذورِ قَدْ وَفَّاها

وَ لِحِفْظِ الحُقُوقِ أَنْ تَبْخَسُوها *** لِلْمَوازين قَدْ قضى إِيفاها

وَ لِتَنْزِيهِكُمْ نَهى عَنْ شرابِ *** الخَمْرِ حِفْظاً لِلْعَقلِ مِنْ بَلْواها

ص: 207


1- غواها: جهلها.
2- مَنْسَأة: مصدر ميمي من النَّسْي و النُّسْي، قال «تعالى»: «يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا» وَ النِّسى و النَّسى: هو ما يتركه المرتحلون من رذال متاعهم. و بهذا يمكن القول إنه يُراد في «مَنساة العمر» هو تركه أو تأخيره وهذا يعني إطالته و قال «تعالى»: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا...»الآية، ننسها: أي نتركها أو نؤخرها متروكةً و نأتي بغيرها مقدمةً عليها و قال «تعالى» أيضاً: «إنما النسيء زيادة في الكفر...». النسيء: تأخر الشيء و المراد في هذه الآية تأخيرهم تحريم المحرم، و النسأ: التأخير و تستطيع أن تقول «التأجيل» -يُقال: «نسأتُ الشَّيء» إذا أخرتُهُ في الحديث صلة الرحمِ مثراةٌ للمال- و مَنسأة في الأجل» و قیل: هي مظنَّة لتاأخیر الأخیل. و الظاهر أن هذا المعنى هو مُراد الشاعر راجع القاموس المحيط ص1725 مادة «نسا» و راجع مجمع البحرين للطريحي ص414 مادة «نسا» ط مؤسسة الوفاء -بيروت. مِنْساة: بكسر الميم هي العصا و أصلها بالهمز منْسأة.
3- قوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الآية «179» سورة البقرة.

وَحِجاباً لَكُم عَنِ اللَّعْنِ لَمَّا *** حَرَّمَ القَذْفَ لِلنِّساءِ تَياها(1)

وَ تَرْكَ السَّرِقَةِ إيجاباً للعفّة، وَ حرّمَ الشِّرك خلاصاً لَهُ بالربوبية.

فاتَّقوا اللَّه حقَّ تُقاتِهِ، و لاتموتَنَّ إلا و أنتم مسلمون، و أطيعوا اللَّه فيما أَمَرَكُمْ بهِ وَ نهاكُمْ عنه فإنّه إنما يخشى اللَّهَ من عبادِهِ العِلماءُ.

ثم قالتْ:

وَ عَفافاً عَنِ الخِيَانَةِ في المالِ *** يتَركِ السِّرْمَاتِ قَدْ وَصَاها

وَلِكَيْ تُخلصوا العِبادَةَ حَقًّا *** حَرَّمَ الشرك وَ الرِّياءَ نَزاها(2)

فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ حَقٌّ تقوى *** وَ احْذَرُوا النَّارَ جَمْرَها وَ لَظاها

لاتَمُوتوا إلا على شِرعةِ الإسْلامِ، *** وَ اسْتَعْصِمُوا جَميعاً عُراها(3)

وَ أَطِيعُوا -بِفِعْلِ ما أَمَرَ اللَّهُ، *** وَ بِالتَّركِ للمَناهِي- الإلها

ثُمَّ قالَتْ وَ جَلجَلَتْ أيُّها النَّاسُ، *** وَرَجُ المكانَ رَجْعُ صَداها(4)

اعلموا أنّي فاطمة علیها السلام

أيّها النّاسِ اعْلَموا أنى فاطمةٌ علیها السلام وَ أبى محمّدٌ صلي اللَّه علیه و آله و سلم!(5) أقولُ عَوْداً و بدءاً و لاأقولُ ما أقولُ غلطاً، و لاأفعل ما أفعلُ شَططاً، لَقَدْ جَاءكُمْ رسولٌ مِنْ أنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكُمْ.

ص: 208


1- تياها: تكبراً.
2- نَزاها: نزاهة و تنزيهاً.
3- عُراها: مفردها العروة و هي ما يوثق به.
4- جلجلت: صَوَّتت صوتاً شديداً. رج: هزَّ و حرّك.
5- جاء في «كشف الغمة» ج2 ص110 ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت، «خطبة الزهراء علیها السلام»: «...أنا فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم». وجاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص134... ثم قالت: أيها الناس اعلموا أني فاطمة علیها السلام و أبي محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم...»، ط 1966/ دار النعمان النجف.

أَيُّها النَّاسُ وَ اعْلَمُوا أَنّي الزَّهْرَاءُ، *** بِنْتُ الهَادِي المُبَشِّرِ طَه

وَ أَعِيدُ المَقالَ عَوْداً وَ بَدْءاً *** خَيْرُ ذِكْرَى لِمَنْ وَعَى ذِكْراها

حاش قَوْلِي مِنْ غَلطةٍ وَ تَعالى *** الفِعْلُ مِنِّي بِأَنْ يَشُطَّ تَياها(1)

قَدْ تَجَنَّبْتُ غَلطَةٌ وَ اشْتِباهاً *** وَ تَوَلَّقْتُ حِكْمَةَ وَ انْتِباها

جاءَكُمْ لِلْهُدَى رَسولٌ وَ مِنْ *** أنفُسِكُمْ جاءَ مُرشداً أهْداها

ماعَناها عَلى النَبيِّ عَزيزٌ *** وَ حَرِيصٌ بِكُلِّ خَيْرٍ أَتَاهَا

هكذا أنقذ الله العرب من الجاهلية

فبلَّغ بالرسالة، صادعاً بالنذارةِ، مائلاً على مدرجة المشركين، ضارباً ثبجَهُمْ، آخذاً بأكظامِهِم، داعياً إلى سَبيلِ ربّهِ بالحكمةِ وَ الموعظةِ الحسنةِ، يكسرُ الأصنامَ، وَ ينكتُ الهامَ.

فَلَقَدْ بَلغَ الرِّسالَةَ لِلَّهِ، *** وَ أعْلى إنْذارَ مَنْ عاداها

وَ عَلى المُشرِكينَ مالَ فَأقصى *** عَنْ طَريقِ العِبادِ شَرَّ أَذاها

ضارباً كاهِلَ التَجبُّرِ مِنْهُم *** سَدَّ أنظامِهِمْ عَلى مَجْراها(2)

وَ عَلَى حِكْمَةٍ وَ أَحْسَنِ وَعْظٍ *** كانَ يَدْعو إلى سَبيلِ هُداها

كُلَّما قامَ هَيْكَلِّ صَنَمِيٌّ *** هَدَّهُ مِنْ يَدِ النَبيِّ عَصاها

يَنْكُتُ الهامَ مِنْ رُؤُوسِ ضَلالٍ *** قَدْغَواها عَنْ رَبِّها طَغْواها(3)

بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.

فإن تعزوهُ و تعرفوهُ تجدوهُ أبي دونَ نسائِكُمْ، وَ أخا ابنِ عمي دونَ رجالِكُمْ، و لنعمَ المعزّى إليه صلي الله علیه و آله و سلم.

ص: 209


1- يشط: يبعد أو يتباعد.
2- أكظام: جمع الكَظَم و هو مخرج النفس.
3- ينكت: يضرب. الهام: جمع الهامة و هي رأس كلّ شيء و تطلق على الجثة.

أيُّ بَرْ بِالمُؤْمِنينَ رَحيمٍ *** أيُّ حِصْنِ لِعَزّها وَ حِماها

فَإذا ما عرفتموهُ جَلِيّاً *** وَ نَسَبْتُمْ خَيْرَ الورى أزكاها

دونَ نِسوانِكُمْ أَبي تَجِدُوهُ *** وَ كَفَتْني مَزيَّةً أُولاها(1)

وَ هُوَ مِنْ دُونِكُمْ أَخٌ لابنِ عَمِّي *** وَ كَفَتْهُ فَضيلَةٌ یُولاها(2)

وَ لَنِعْمَ الذي إلَيهِ انْتَسَبْنا *** حينَما الرَّبُ لِلنُّفوس بَراها

فَعَلَيْهِ وَآلِهِ اللَّهُ صَلَّى *** وَ عَلَيْهِ السَّلامُ لايَتناهى

حتى انهزم الجمعُ و ولّوا الدبُر، حتى تفرّى الليلُ عن صحبِهِ، وَ أسفرَ الحقُّ عن محضِه، وَ نطقَ زعيمُ الدين، وَ خرست شقاشِقُ الشياطين، وطاحَ وشيظُ النفاقِ، وَ انحلتْ عُقَدُ الكفرِ وَ الشقاقِ، و فهّم بكلمةِ الإخلاصِ في نفرٍ من البيضِ الخماص.

و كنتمُ على شُفا حفرَةٍ منَ النّارِ مذقة الشارب.

ذَاكَ حَتَّى الجُمُوعُ وَلَّتْ جَمِيعاً *** هَزَمَ اللَّهُ جَيْشَها وَقُواها

وَ تَوَلَّتْ أَدْبارَها وَ اسْتَغاثَ *** الجَيْشُ أُولى صُفوفِهِ أُخْراها

وَ انجَلى اللَّيلُ عَنْ مَنار صباحٍ *** و رُؤى الحقِّ أسْفَرَتْ مَرآها

وَ الشَّيَاطِينُ حينَ قامَ زَعيمُ *** الدِّينِ بِالنُّطْقِ حُرِّسَتْ أَفْواها

ص: 210


1- فقد جاء في ذخائر العقبى ص44 ط1981/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: «نبينا صلي الله علیه و آله و سلم خير الأنبياء و هو أبوك و شهيدنا خير الشهداء و هم عمّ أبيك حمزة...». و انظر كتاب أسد الغابة ج4 ص42، و إحقاق الحق، ج4 ص111، ج9 ص262.
2- في كتاب أمالي الطوسي، ج2 ص606: «... ثم اختار عليّاً فأمرني فزوجتك إياه و اتخذته بأمر ربي وزيراً و وصياً يا فاطمة علیها السلام إنّ عليّاً أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقاً و أقدمهم سلماً و أعلمهم علماً و أحلمهم حلماً و أثبتهم في الميزان قدراً... يا فاطمة علیها السلام إنّ علياً علیه السلام أخي و صفتي و أبو ولدي...». انظر: «البرهان في تفسير القرآن» ج4 ص211 ضمن ح6: «... قال: أما علمت أنَّ اللَّه اختار أباك فجعله نبياً و بعثه إلى كافة الخلق رسولاً صلي الله علیه و آله و سلم... اختار عليّاً علیه السلام...». انظر كتاب البرهان في تفسير القرآن، ج4 ص211 ضمن ح6.

وَ وَشيطُ النّفاقِ طاحَ وَ حُلَّتْ *** عُقَدُ الكفر والشقاق عُراها(1)

بِشَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ كُنْتُمْ *** مُذقَةَ الشرب مَجها مَنْ دَناها(2)

وَ نهزةَ الطَامع، و قبسةَ العُجلانِ، وموطىءَ الأَقدام، تشربونَ الطَّرْقَ و تقتاتونَ القدَّ و الورق، أذلَّةٌ خاسئينَ، تخافون أن يتخطفكُمُ الناسُ من حولكُمْ.

فأَنقذكُمُ اللَّه بمحمّدِ صلي اللَّه علیه و آله،

نُهْزَةُ الظَّامِعِينَ جَاعُوا والْعَجْلان *** في الدَّرْبِ قَبْسَةٌ أَوْراها(3)

وَ مَداساً كُنْتُمْ لِرَكْبِ السَّرايا *** أيُّ هَوْنٍ عَلى الذي ساراها

إذْ تَقِتُونَ وَرْقَةٌ أَوْ قَديداً *** وَ تَشِفُونَ خَبْطَ طَرْقٍ مِياها(4)

وَ مِنَ الذُّلِ خاسِئُونَ هُمودٌ *** وَ مِنَ النَّاسِ خائِفونَ أَذاها

خَوْفَ مَنْ حَوْلَكُمْ إذا ما أرادوا *** خَطفَكُمْ لَيْسَ رادِعٌ يَنْهاها

وَ قَضى اللَّهُ بالنَّبيِّ خَلاصَ *** العُرْبِ مِن بؤْسِها وَ شَرِّ بَلاها

بعد اللّتيّا، و التي بعد أن مُنيَ ببهم الرجالِ و ذؤبانِ العَربِ، وَ مردةِ أهلِ الكتابِ، كلّما أوقدوا ناراً للحربِ أطفأها اللَّه، أو نَجَمَ قرن للشيطانِ، أو فغرتْ فَاغرةٌ منَ المشركين،

فَنَجَوتُم إِذْ ذاكَ -بَعْدَ اللُّتيا *** وَ الَّتي- مِنْ عَذابِها وَ شَفَاهَا

بَعْدَ أَنْ رَدَّ لِلْفَناءِ عُلُوجاً *** تَتَحدَّى الكُماة لاتَخْشاها(5)

بُهَماً صَدَّتِ السَّبِيلَ عَلَيْهِ *** وَ كِتاباً لِيَعْرُب أَرْداها

ص: 211


1- وشيظِ: تاج أو حِلف أو دخيل في القوم أو خسيس أو لفيف من الناس ليس أصلهم واحداً. عُراها: ما يوثق به.
2- مُذْقَة: اللبن الممزوج بالماء. مجها: رماها.
3- نُهزة: فرصة العُجلان: المُسرع أوراها: أخرج نارها.
4- تقتّون: تجمعون قليلاً قليلاً. قديداً: لحماً مقدّداً جافاً يابساً. تشفّون: تشربون كلُّ الماء. طَرْق: ماء كدر.
5- عُلوجاً: عيراً أو حماراً مفرده العِلْج. الكماة: الشجعان.

و مِنْ أَهْل الكِتابِ كُلُّ عَنِيٍّ *** مَارِدٍ رَدَّ ضَرَّها وَ ضَراها(1)

كُلَّما أوقدوا إلى الحَرْبِ ناراً *** أظفَا اللَّهُ -عَزَّشَأناً- لَظاها

أَوْ نَبا لِلرَّجِيمِ قَرْنٌ وَ إِمّا *** فَتَحَ المُشْرِكونَ لِلشَّرِ فاها(2)

دور الإمام علي علیه السلام في بناء الإسلام

قذف أخاهُ في لهواتِها، فلاينكفىءُ حتى يطأ صِماخَها بأخمَصِهِ، و يخمد لهبَها بسيْفِهِ.

مكدوداً في ذاتِ اللَّه مجتهداً في أمر اللَّه، قريباً مِنْ رسولِ اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم، سيداً في أولياء اللَّه،

قَذَفَ المُصْطَفى أَخاهُ عَليّاً *** في خِضَمِّ الأهوالِ وَسْطَ لَهاها(3)

لا يُوَلِّي أو أنْ بِأَخْمَصِ رِجْلَيْهِ *** لأَصْماخ كِبْرِياها يَطاها(4)

ص: 212


1- عتيّ: مستكبر مجاوز الحدّ مارد مستكبر عاتٍ.
2- نَبَا: نَبَأَ نَباً: صاتَ خفيفاً، و نَبا نَباً و نبوءاً الشيءُ: ارتفع، و نَبَاً على القوم: طلع عليهم. راجع المنجد مادة «نَبَاً و النَّبأة: الصوت الخفي و الصيحة الصوت العالي. راجع مجمع البحرين ص406 مادة«نبا». و: نبا بصرهُ نُبوّاً و نُبيّاً و نَبْوَةً، و نبا السيف عن الضريبة نَبُواً و نَبْوَةً : كَلَّ، و نبا صورتُهُ: قبحَتْ. و نبا منزلُهُ بهِ: لم يوافقه و نبا جنبه عن الفراش: لم يطمئن عليه و نبا السَّهمُ عن الهدف: قَصَّر. و النباوة: ما ارتفع من الأرض، راجع كتاب القاموس المحيط ص1722 فصل النون مادة «نبا» و راجع مجمع البحرين مادة «نبا». و أقرب المعاني و أوضحها لمُراد الشاعر حسب سياق الأبيات ما قبل و ما بعد -هو المعنى الأول، فيكون المعنى من «أو نَبَا للرجيمِ قَرْنٌ» هو: أوصات أو ارتفع أو طلع للشيطان قَرْن. وَقَرْنَ اَلشَّيْطَانَ وَقَّرْنَاهُ المتبعون لِرَأيهِ أو تسلّطهِ وَ حُذِفَت الهمزة من «نَبَأَ» للضرورة.
3- جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص136 «خطبة الزهراء علیها السلام»: «...كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلاينكفى حتى يطأ جناحها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات اللَّه مجتهداً أمر اللَّه...».
4- أصماخ: جمع الصماخ و هو خرق الأذن الباطن الماضي إلى الرأس.

سَيْفُهُ يُخْمِدُ الحُرُوبَ وَ لَوْلاً *** سَيْفَهُ ذُوالفِقارِ دامَ بَقاها(1)

تِلْك ذاتٌ مکْدودَةُ النَّفس في اللَّهِ، *** وَ في أَمْرِهِ ارْتِهانُ قُواها

وَ عَليَّ لِلْمُصْطَفى لَمْعَةُ الضَّو *** لِلضَّوْءِ أو لمن أدْناها

سَيِّدُ المُؤْمِنِينَ في أَوْلِياءِ اللَّهِ، *** كَالبَدْرِ نَيْراً في سَماها

مُشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً.

و أنتم في رفاهيةٍ مِنَ العَيْشِ وَ ادعونَ فاكهونَ آمنونَ تتربصونَ بنا الدوائر، و تتوكفّونَ الأخبارَ، و تنكصونَ عِنْدَ النزال، وَ تفرَّون مِنَ القتالِ.

ناصِحَ الفِعْلِ، كادِحاً وَ مُجِداً هِمَّةُ النَّفْسِ في رِضا مَوْلاها حينَ أَنْتُمْ فِي رَفرَفِ العَيشِ غَرْقى في حَياةٍ خَصيبَةٍ مَرْعاها في جنان مِنَ النَّعِيمِ وَدَاعٌ تَسْتَطيبون -آمِنينَ- جَناها

وَ لأَخْبارِنا مسامِعَ رَصْدٍ *** ضِدَّنَا أَمْ لَنا تَدور رَحاها

قَدْ تَرَبَّصْتمُ بِنا أَيَّ بَلْوى *** سَوْفَ تُكْفِي بِرَأْسِنَا بَلْواها(2)

فَبَسُوحِ القِتَالِ سَرْجُ فِرَارٍ *** وَ بِأَرْضِ النِّزالِ منْ أَخْزاها

الردّة و بدء المؤامرة ضد أهل البيت علیهم السلام

فلما أختار اللَّهَ لنبّيِهِ صلي اللَّه علیه و آله و سلم دارَ أنبيائِهِ، وَ مَأوى أصفيائِهِ، ظَهَرَ فِيكُمْ حَسَكَةُ النّفاقِ، وَ سَمُلَ جلبابُ الدينِ، وَ نَطَقَ كاظمُ الغاوينَ وَ نَبَغَ خامِلُ الأقلّينَ، وَ هدرَ فَنِيقُ المُبطلينَ، فَخَطرَ في عَرَصاتِكُمْ.

ثُمَّ لمّا الآلهُ خارَ لِذاتِ *** المُصْطَفى دارَ قُرْبِهِ أُخْراها(3)

دارَةَ الأنبياءِ وَ الرُّسُلِ مَأوى *** الأصْفياء الكِرامَ دونَ سِواها

ص: 213


1- مرّت الإشارة إلى دور الإمام علي علیه السلام في تثبيت الإسلام و تقويته فلانعيد.
2- تربّصتم بنا: انتظرتم لنا خيراً أو شرّاً يحلّ بنا أو انتظرتم فرصةً لتلحقوا بنا شرّاً.
3- خار: اختار.

سَلَّ فِيكُمْ سِلَّ النِّفَاقِ وَ أَبْدَى *** كُلَّمَا كَانَ فِي النَّفُوسِ اخْتفَاها

سَمُلَ الدين ثوبُهُ وَ عَلَيهِ *** غَيَّرتْ كُلُّ عُرْوَةٍ مَرْساها(1)

وَغَدًا السَّاكِتُ الغَوِيُّ نَطُوقاً *** وَ الخَمُولُ الرَّدِيُّ في أعْلاها

وَ اسْتَوى كُلُّ مُبْطِلٍ ذَا هَديرٍ *** يَتَخطّى بِعُجْبِهِ مَسعَاها

وَ أطلَعَ الشيطانُ رأسَهُ مِنْ مَغرِزِهِ هاتفاً بِكُمْ، فَألْفاكُمْ لدعوتِهِ مُستَجيبينَ، وَ للغرّة فيهِ مُلاحظين، ثم استنهضكُمْ فَوجَدَكُمْ خِفافاً ، وَ أحمشَكُمْ فَألفاكُمْ غضاباً ، فوسَمْتُمْ غَيْرَ إبلكُمْ، وَ أورَدَتُمْ غَيْرَ مشربكُمْ.

هذا و العَهْدُ قَريبٌ، وَ الكَلْمُ رَحيبٌ، وَ الجُرحُ لمّا ينْدَمِلْ،

و أَطَلَّ الشَّيْطَانُ مِمَّا تَخَفَّى *** رَأْسَهُ هاتِفاً بِكُمْ أَنهياها

فَراكُمْ مُطَوَّعينَ لَدَيْهِ *** مُسْتَجيبين دَعْوةً أَبْداها

وَ خِفافاً مُبادِرينَ رَكَضْتُمْ *** حِينَمَا فِتْنَةَ الهَوى أَلْقاها

وَ غِضاباً مُحَمَّسينَ وَ ثَبتُمْ *** حِينَمَا جَمرة الحَماسِ حَماها

فَنِياقاً لِغَيْرِكُمْ قَدْ وَ سَمْتُمْ *** وَ وَرَدْتُمْ لِمَنْ سِواكُمْ مياها

كُلُّ هذا وَ الْعَهْدُ مِنْهُ قَريبٌ *** وَ جُروحُ الفِراقِ رَحْبٌ فَضاها

المزاعم الباطلة للمتآمرين

وَ الرسولُ لمّا يُقْبَرُ.

ابتداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الفتنةِ، ألا في الفتنةِ سَقطوا وَ إن جهنم محيطةٌ بالكافرين، فهيهاتَ مِنْكُمْ!

وَ كَيفَ بِكُمْ؟ وَ أنّى تؤفكون؟ و كِتابُ اللَّهِ بينَ أظْهُرِكُمْ، أمورهُ ظَاهِرَةٌ، و أحكامه زاهرةٌ، وَ أعلامُهُ باهرةٌ،

ص: 214


1- عروة: ما يوثق به.

قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ النُّفوسُ وَ لمّا *** يُقْبَرُ المُصْطَفى بِطَيِّ ثَراها

وَ زَعَمْتُمْ: خَوفَ افْتِتَانِ بَدَرتُمْ *** فَلَعَمْري سَقَطْتُمُ في لَهاها(1)

سَعَّرَ اللَّهُ لِلْعُصاةِ جحيماً *** قَدْ أحاطت بِنارِها نُزلاها(2)

كَيْفَ هَيْهاتَ مِنْكُمُ ثُمَّ أَنَّى *** يُؤفَكُ القَوْمُ عَنْ سَبيلِ نَجاها(3)

وَ مَناراتُ ذِكْرِهِ لَيْسَ يَخْفى *** نورُها لِلَّذِي اسْتَنَارَ ضِياها

زاهراتُ الأحكام لاتَتَخَفَّى *** باهراتُ الأعْلامِ لاتَعْماها

وَ زواجرهُ لايحةٌ، وَ أوامِرُهُ، واضحةٌ، و قَدْ خَلَفْتُموهُ وَراءَ ظُهوركُمْ.

أَرَغبةً عَنْهُ تريدونَ؟ أم بغيره تحكمون؟ بِئسَ للظالمينَ بَدَلاً.

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام ديناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ.

واضحاتٌ أوامراً لائِحاتٌ *** تلكُمُ الزّاجِراتُ عَنْ أَهْواها

أَوَخَلَّفْتموا الكتابَ وَراكُمْ *** رائِدَ العالَمينَ دَرْبَ هُداها(4)

أَبِغَيْرِ القُرآنِ حُكْماً رَضِيتُمْ؟ *** أَمْ عَنِ الذِّكْرِ قَدْ رَغِبْتُمْ سِفاها؟(5)

ص: 215


1- أيضاً في كتاب الاحتجاج ، ج1 ص137 «من خطبة الزهراء علیها السلام»: «...هذا و العهد قريب و الكلم، رحيب والجرحُ لما يندملْ و الرسول لمّا يقبرُ. ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنةِ سقطوا و إن جهنم محيطة بالكافرين، فهيهات منكم...».
2- سَعر: أشعل.
3- يؤفك: ينقلب.
4- جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص137 «من خطبة الزهراء علیها السلام»: «و كتاب اللَّه بين أظهركم، أموره ظاهرة و أحكامُهُ، زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره، لائحة و أوامره واضحة و قد خلَّفتموه وراء ظهوركم. أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً...».
5- سفاها: جِهالاً.

بئسَ لِلظَّالِمينَ ذاك بديلاً *** كَيْفَ بِالدُّونِ بَدَّلَتْ أزكاها؟(1)

وَ بِغَيْرِ الإسلام مَنْ دانَ دِيناً *** فَهُوَ في الخاسرين في أخْراها

أبَداً لَيْسَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ *** شِرعَةً غير ما بها وَصّاها

ثمّ لَم تلبثوا إلا ريثَ أن تسكن نُفرتُها وَ يسلس قُيُادها.

ثمّ أخَذْتُمْ تورونَ و قُدتَها، و تُهيجونَ جَمرتها، و تَسْتجيبون لهتافِ الشيطانِ الغَويّ، و إطفاء أنوارِ الدِّينِ الجَليّ،

ثُمَّ لَمْ تَلْبَعُوا هُنالِكَ إِلاَّ *** رَيْتَ أَنْ يَسْتَقِرَّ مَنْ وَلاّها

نُفْرَةُ الحُكْم تَسْتَريحُ وَ نَخْبُو *** وَ تَسير الأحداث في مَجْراها

فَتَقودُوا السَّوادَ سَلْساً عَلَيْنَا *** وَ تُثِيروا بوجهنا غَوْغاها(2)

وَ بِصَدْرِ الثَّاراتِ تُورون ناراً *** وَ تُهيجُونَ جَمْرَها وَ لَظاها(3)

وَ هناكَ الشَّيْطَانُ أَلْقَى إِلَيكُمْ *** دَعْوَةَ الشَّرِّ فَانْطَلَقْتُم وراها

فَسَعَيْتُمْ تُطّفون أنوارَ دينِ اللَّهِ *** مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُتِمَّ ضِياها

التآمر.. عودة إلى الجاهلية

و إخمادِ سنن النبي صلي الله علیه و آله و سلم الصّفيِّ،

تسرونَ حسواً في ارتغاء وَ تمشونَ لأهلِهِ و ولدِهِ في الخَمَر و الضَّرَّاءِ و نصبرُ منكم على مِثْلِ حزّ المُدى و وخزِ السنانِ في الحشى.

وَ أنتم -الآنَ- تزعمون أن لاإرث لنا، أفحكمُ الجاهليِةِ يَبغون؟

ص: 216


1- الدون: الأسفل، و تعريفها باللام غير وجيه.
2- سلساً: ليّناً منقاداً، غوغاها: جلبتها و لغطها.
3- الاحتجاج، ج1 ص137 «من خطبة الزهراء علیها السلام»: «...ثم لم تلبثوا إلاريث أن تسكن نُفرتها و يسلس قيادها، ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي». تورون: توقدون. لظاها: نارها، لهيبها.

سُنَنَ المُصْطَفى الأمِينِ قَصَدْتُمْ *** مَحْوَآثارها... وَ هَدْمَ بِناها

وَ تُسِرُّونَ حَسْوةً في ارْتِغَاءٍ *** وَ تُراؤُونَ لِلْعُيُونِ سِواها(1)

وَلالِ النَّبِيِّ تَمْشَونَ مَكْراً *** مَشْيَ مَن يَخْتَمِرُ إِلى ضَرَّاها

مِثْلَ وَخْز السِّنانِ مِنْكُمْ صَبَرنا *** أَوْ كَحَرُ المُدى تَحَمَّلْناها

وَ تَصدُّونَنا افْتِراءٌ وَزوراً *** عَنْ مَواريث رَبُّنا أَعْطاها(2)

أَفَمِنْ جاهِلِيَّةٍ قَدْتَولَّتْ *** تَبْتَعُونَ الْأَحْكامَ بَعْدَ جَلاها

القرآن الكريم يفنّد مزاعم المتآمرين في غصب فدك

وَ مَنْ أحسنُ مِنَ الله حُكماً لِقومٍ يُوقنونَ؟ أفلا تعلمون؟ بلى تجلّى لكم کالشمس الضاحية أني ابنُتُه.

أيها المسلمونَ! أَأُغْلَبُ على إرثيِهِ.

يا بنَ أبي قُحافَةِ،

أفي كتابِ اللَّه أن تَرِثَ أباكَ وَ لاأرِثُ أبي؟؟

أتُرى مَنْ يَكونُ أحْسَنَ في الحُكْم *** مِنَ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ نَزاها؟

إنّما يَعْقِلُ الحَقيقَة قَوْمٌ *** أيقنوا أنها سَبيلُ نَجاها

أفَلا تَعْلَمونَ بَلْ قَدْ تَجَلَّى *** أَنَّني بنتُه كَشَمْسِ ضُحاها؟

ص: 217


1- حَسْوَة: اسم مرّة من حسا بمعنى الجرعة -ارتغاء: أخذ ما على الشيء من رغوة.
2- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج9، ط دار صادر: «عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أنها أخبرته أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: لانورُث ما تركناه، صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم في هذا المال... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك».

أيُّها المُسْلِمُونَ بِنْتُ رَسولِ اللَّهِ *** في إرثها يُرَدُّ ادِّعاها(1)

أو في الذِّكْرِ آيَةٌ يَابنَ تَيْمٍ *** نَزَلَتْ فيك دونَنا مَعْناها؟

حَظْوَةَ الإِرْثِ مِنْ أَبِيكَ تَلِيها *** وَ أَنا مِنْ أبي فلا أُولاها(2)

لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَريّاً !!.

أفَعَلى عَمَدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللَّهِ و نبذتموهُ وَراءَ ظُهورِكُمْ؟ إِذْ يَقُولُ:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ».

وَ قالَ -فيما اقتص من خبر زكريا- إذْ قالَ:

«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ».

فَلَقَدْ جِلتَ إِن زَعَمْتَ فَريّاً *** سَتَرى سَاعَةَ الحِسابِ جَزاها(3)

ص: 218


1- لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب الاحتجاج، ج1 ص119، ط دار النعمان -النجف. «...لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لِمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر الله «تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن. فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنشدك باللَّه ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة» فقال: بلى قالت فأشهد أن اللَّه «عزوجل» أوحى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «واتِ ذا القربى حقه» فجعل فدكاً لها طعمة بأمر اللَّه. فجاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً و دفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه و مزقه، فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي».
2- في كتاب كشف الغمة، ح2 ص103 ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «روي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقالت: يا أبابكر من يرثك إذا مت؟ قال: أهلي و ولدي قالت: فما لي لاأرث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث ولكن أُنفق على من كان ينفق عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أُعطي ما كان يعطيه...».
3- فريّاً: أمراً مختلفاً مصنوعاً أو عجيباً.

أَكِتابَ السَّمَاءِ عَمْداً تَرَكْتُمْ *** أَمْ تُرى قَدْ تَرَكْتُمُوهُ اشْتباها؟

هاكُمُ مِنْ نُصوصِهِ أَجْلاها *** إِنْ أَرَدْتُمْ إلى هُداهُ هُداها

لِسُلَيْمانَ إرْثُ داودَ أَضْحى *** سورَةَ النَّمْلِ أَرَّخَتْ ذِكْراها(1)

قالَ فِيما قَدْ قَصَّ عَنْ زَكَرِيَّا *** قِصَّةٌ بُيِّنَتْ لَكُمْ مَغْزاها

رَبِّ هَبْ لي مِنَ البَنِين وَليّاً *** وارِثاً لِي جَنى الحياة وراها

و قال: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ».

وقال: «يُوصيكُمُ الله في أولادِكُمْ ِللذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيين».

و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ». وَ زعَمْتُمْ أن لاحَظوةَ لي! و لاإرثَ من أبي! أَفَخَصِّكُمْ الله بآيَةٍ أخرج أبي مِنها ؟ أم تقولون: إن أهلَ مِلّتين لايتوارثانِ؟ أَوَ لَستُ أنا و أبي من أهل مِلَّةٍ واحدةٍ؟

وَ قَضى اللَّهُ أَنَّ بَعْضَ أولي الأرْحامِ *** أولى بالبَعْضِ إذ أوْلاها

كُلّ أُنْثَى لَها مِنَ الإِرْثِ حَقِّ *** إِنَّمَا لِلذُّكورِ مِثلا عَطاها

وَ عَلى التَّارِكِينَ خَيْراً وَ قُرْبَى *** أَنْ يُوَصُوا بخَيْرِهِمْ قُرْباها

وَ زَعَمْتُمْ فِي الإِرْثِ مالي نَصيبٌ *** أجْتَنيهِ أَوْ حَظوةٌ أُولاها

أَوَ خصصْتُمُ بِآيَةِ إِرْثٍ *** وَ زَوى اللَّهُ والِدي مَعْناها؟(2)

أمْ تُرىْ لَيْسَ والدي وَ أنا مِنْ *** مِلَّةٍ وَاحِد المَرامِ اتْجَاها؟

ص: 219


1- في كتاب كشف الغمة، ج2 ص103: «...جاءت علیه السلام إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي من رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم. قال: إن الأنبياء لاتورّث ما تركوه فهو صدقة فرجعت إلى علي علیه السلام. فقال: ارجعي فقولي ما شأن سليمان علیه السلام ورث داود علیه السلام، و قال زكريا علیه السلام: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» فأبوا و أبى.
2- زوی: نحی، منع.

الإنذار

أم أنتُم أعلَمُ بخصوصِ القرآنِ و عُمومِهِ مِنْ أَبِي وَ ابْنِ عَمّي؟

فدونَكَها مَخطومةً مرحولةً تلقاك يَومَ حشرك.

فَنِعْمَ الحَكَمُ الله، و الزعيم محمّدٌ، و المَوعِدُ القيامَةُ و عندَ السّاعَةِ يخسرُ المُبطِلونَ، و لاينفعُكُمْ، إذ تَنْدمونَ،

أَوَ أَنْتُمْ مِنْ والِدِي وَ ابْنِ عَمِّي *** بِمَعاني القُرآنِ مِنْ أَدْراها؟

هاكَ مخطومَةً بِدُونِ عَناءٍ *** وَ اسْتَلِمُها مَرْحولَةً طَرَفاها(1)

فَسَتَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ فَانْظُرْ *** أَي وِزْرٍ من الحرامِ عَلاها

إِنَّمَا المَوْعِدُ الحِسابُ وَ نِعْمَ *** الحَكَمُ اللَّهُ وَ المُدَافِعُ طه

ساعَةَ الحَشْرِ إذْ تُدَوّي صَداها *** يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ في مَلْقاها

ثُمَّ لاتَنْفَعُ النَّدامَةُ نَفْساً *** ذكرَتْ ثُمَّ خَالَفَتْ ذِكْراها

استنهاض الأنصار للدفاع عن الحق

ولِكُل نبأ مستقر، فَسَوفَ تَعلمونَ من يأتيه عذابٌ يُخزيه، و يحل عليهِ عذابٌ مُقيمٌ.

ثمّ رَمَتْ بِطَرفِها نحو الأنْصارِ فَقَالَتْ:

يا معشر النقيبة! و أعضادَ الملةِ و حَضَنَةَ الإسلام:

ما هذِهِ الغَمِيزَةُ في حقي؟

ولأنبائِها بذاتِ صَباحٍ *** مُسْتَقَرٌ إلى هُناكَ انْتِهاها

ص: 220


1- مخطومة: ناقة مخطومة هي التي وضع في أنفها حبل لتقاد به.

وَغَداتَعْلَمونَ مَنْ يَتَلَظَّى *** بِعَذَابِ يُخزيه في أُخراها

ثُمَّ مَالَتْ بِطَرْفِها طَرَف *** الأنْصار وَ القومُ في عَظيمٍ کَراها

مَعْشَرَ النَّصْرِ وَالنَّقيبةِ إيهاً *** بالأعضادِ ملةٍ وَ قواها(1)

أَيُّها الحاضِنونَ رايَةَ دِينِ اللَّهِ *** تَحْمُونَ عِزَّهَا وَ عُلاها

عَجَباً هَذِهِ الغَميزَةُ وَ الغَفْلَهُ *** مِنْ جَمْعِكُمْ بِحَقِّي أَراها(2)

و السَّنةُ عَن ظلامتى؟ أما كانَ رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم أبي يَقولُ:

«المرءُ يُحفَظُ في وُلدِهِ»؟

سرعانَ ما أحدثتُم، و عجلانَ ذا إهالَةٍ، و لَكُمْ طاقَةٌ بما أُحاولُ، و قوةٌ على ما أطلبُ و أزاولُ.

أتَقولونَ: مات محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم، فَخَطْبٌ جَليلٌ، اسْتَوسَعَ وَ هنُهُ

ما لَكُمْ عَنْ ظُلامَتي في منامٍ *** لاتَرُدُّونَ ضَرها و أَذاها

يُحْفَظُ المَرْءُ في بَنيهِ- أَماكانَ *** يَقولُ الرَّسُولُ- مَنْ يَرْعاها

فَلَعَجْلانَ ذا إهالَةٍ! فَانْظُرْ *** كَيْفَ سُرعان ما قَلبْتُم بِناها؟(3)

وَ لَكُمْ طاقَةٌ وَ قُوَّةُ رَهْطٍ *** لِلَّتي قَدْ طَلَبْتُ مِنْكُمْ أداها

أَتَقولونَ قَدْ تُوُفِّيَ طه؟ *** فَانْدَفَعْتُمْ إِلَى الوَرا عُقباها

فَلَقَدْ جَلتِ المُصيبَة وَاللَّه *** وَهَدَّتْ مِنَ الجَميعِ قِواها

و استَنْهَرَ فتقُهُ و انفَتَقَ رتقهُ، و أظلمت الأرضُ لِغَيْبَتِهِ، و کُسفَت النجومُ لمصيبَتِهِ، و أكْدَتِ الآمالُ و خَشعَتِ الجبالُ، وَ أُضِيعَ الحَرِيمُ وَ أُزِيلَت الحُرْمَةُ عند مماته.

ص: 221


1- النقيبة: العقل الطبيعة المشورة، نفاذ الرأي.
2- الغميزة: الضعف في العقل أو العمل.
3- عجلان: مسرع.

فتلك -واللَّه- النازلةُ الكبرى.

وَ قَدِ اسْتَنْهَرَ الفَتِيقُ عَرِيضاً *** مِثْلَما اسْتَنْفَقَ الرَّتيقُ وَراها(1)

غابَ وَ الأَرْضُ أَظْلَمَتْ وَ ادْلَهَمَّتْ *** وَ نُجومُ السَّماءِ غارَ ضِياها(2)

وَ عُروشُ الأمالِ مالتْ و زالَتْ *** عَن قُلوبِ المُؤملين مُناها

خَشَعَتْ ذِرْوَةُ الجِبالِ وَ ضاعَتْ *** حُرُماتُ الإسلام بَعْدَ إباها

وَ أَزِيلَتْ بِمَوْتِهِ وَ أُبِيحَتْ *** حُرْمَةٌ كَانَ رَبُّنَا أَغْلَاهَا

تِلْكَ وَاللَّهِ -في النَّوازِلِ- عُظمى *** وَقَعَةٍ لن يَكِرَّ مِثلُ بَلاها

و المصيبةُ العظمى، لامثلها نازلة و لابائِقَةُ عاجلة أعلنَ بها كتاب اللَّه -جل ثناؤهُ- في أفنيتكم، في ممساكم و مصبحكم، هتافاً و صراخاً، و تلاوةً و ألحاناً و لَقَبْله ما حلّ بأنبيائِهِ و رسلِهِ، حكمٌ فصلٌ،

و قضاءٌ حتمٌ.

وَ هْيَ عُظمى مُصيبَةٍ لَنْ يَرى الدهرُ *** قَريناً لها و لاأشباها

لَيْسَ مِنْ بائِقاتِ سُودِ اللَّيالي *** مِثْلَ ما عُجِّلَتْ عَلَيْكُمْ -سِواها(3)

وَ لَقَدْ أَعْلَنَ الكِتابُ السَّماويُّ *** بأَحْدائِها وَ سُوءِ انْقضاها

وَ عَلَيْكُمْ تُتْلَى صَباحاً مَساءً *** آيَةُ الرِدَّةِ الَّتي أنباها

وَ لَقَبْلَ النَّبي ماخل قدماً *** بِالنَّبيِّينَ مِنْ عَظيم بَلاها

فَضلُ حُكُم مُقَرَّرٍ وَ بَلايا *** حَتَّمَ اللَّهُ مِنْ قَديم قَضاها

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».

ص: 222


1- استنهر: اتّسع. الفتيق: الشق. الرتيق: ضدّ الفتق، أو الإصلاح.
2- ادلهمَتْ: اشتدّ سوادها. غار: غاب و غرب.
3- باثقات: شرور.

إيهاً بني قيلَةَ! أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأى مِنّي و مَسمعٍ وَ منتدى و مَجْمَعٍ.

إنَّما المُصْطَفى الأمينُ رَسُولٌ *** قَدْ خَلَتْ قَبْلَ بَعْدِهِ أَنْبِياها

أفَإِنْ ماتَ أَوْ تُوُفِّيَ قَتْلاً *** إِنْقَلَبْتُمْ إِلى الوَرَاءِ وَراها

وَ لَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ *** وَ يُوَلِّي فَلَن يَضُرَّ الإلة

سَيَجْزي الذي أتاهُ شَكوراً *** جَنَّةَ الخُلْدِ نِعْمَةً وَرِفاها

يا بَنِي قيلَةَ النّجادَةِ إيهاً *** أَوَ هَلْ أَهْضَمَنَّ في إرْثِ طه؟(1)

وَ لَأَنْتُمْ بِمَسْمَعِ مِنْ نِدَائِي *** وَ بِمَرْآيَ جَمْعُكُمْ وَ قِوَاها

تلبسُكمُ الدعوةُ، و تشملكم الخبرةُ و أنتم ذوو العددِ و العُدّةِ، و الأداة و القوة، و عندكم السلاحُ و الجُنَّةُ، توافيكم الدعوة فلاتجيبون؟ و تأتيكم الصرخةُ فلاتُعينونَ؟ و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاحِ

تَتَغَشَّاكُمُ الدَّعاوَةُ لِلنَّصْرِ، *** وَ يُمْني لِسَمْعِكُمْ أَنباها

وَ لأَنْتُمْ ذو عُدَّةٍ وَلَدَيْكُمْ *** عَدَدْ تَتَقي العدى بأساها

فَأَداةٌ وَ قوَّةٌ لا تُبارى *** وَ سِلاحٌ وَ جُنَّةٌ لاتُضاهى

أَسكوتٌ وَ دَعْوَةُ الحَقِّ صَکَّتْ *** سُورَآذانِكُمْ وَ دَوَّى صَداها؟(2)

أَجُمودٌ وَ دَعْوَةُ العَدْلِ هَزَّتْ *** مَجْدَ تاريخكُمْ وَ رَنَّ نِداها؟

أَوَلَسْتُمْ عَلى الصَّلاح عُرِفتُمْ *** وَ بِسَيْفِ الكِفاحِ في هَيْجاها

و النخْبَةُ التي انتخبتْ و الخيرةُ التي اختيرتْ قاتلتمُ العربَ و تحملتم

ص: 223


1- النجادة: حرفة النجاد و هو المنجد أي من يعالج الفرش و الوسائد و يخيطها.
2- صَكَّ: صَكَهُ صَكَاً: ضربه ضرباً شديداً أو لطمه. اصطاً القوم بالسيوف: تضاربوا بها. صَکَّ: صَلَّ صَكاً البابَ: أَعْلَقَهُ. و المعنى الأول هو مُراد الشاعر في قوله «صَكَتْ سورَ آذانكم»، بمعنى ضربتْ بشدة أو لطمت بشدةٍ سورَ آذانكم و القرينة على أن المراد هو المعنى الأول، هو قوله «ودَوَّى صداها».

الكَدّ و التعبَ و ناطحتمُ الأمَمَ، وَ كافحتمُ البُهم، لانبرحُ أو تبرحونُ، نأمُركُمْ فتأتمرون.

نُخْبَةَ النَّاصِرينَ لِلْحَقِّ كُنتُمْ *** خِيرَةَ المُصْطَفى الَّتي اسْتَصْفاها

أَوَلَسْتُمْ قاتَلْتُمُ العُرْبَ حَتَّى *** رُدَّ بَأسَاؤُها بصَدْرِ أَساها؟

وَ تَحَمَّلْتُمُ المَتاعِبَ دَهْراً *** وَ تَحَمَّلْتُمُ عَظيمَ عَناها

وَ تَناطَحْتُمُ بِدون تَوَانٍ *** أُمَمَ الأرْضِ في بَعيدِ قُرَاها(1)

وَ صَدَدْتُمْ مُكافِحِينَ عُلوجاً *** بُهَماً لاتَخافُ مَنْ يَلْقاها

فَلَنا الأمْرُ حَيْثُ كُنَا، وَ مِنْكُمْ *** -حَيْثُ كُنْتُمْ- إِطَاعَةٌ عِشناها

حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، و دَرّ حلب الأيام و خَضَعَتْ ثغرة الشرك، و سكنتْ فورةُ الإفكِ و خمدت نيرانُ الكفر و هدأتْ دعوةُ الهرج و استوسقَ نظامُ الدينِ.

فأنّى حِرتم بعد البيانِ؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتمْ بعدَ الإقدامِ؟

ذاكَ حَتّى رَحى الشَّريعَةِ دارَتْ *** حين دارَتْ بنا مدار رَحاها

حَلَبُ الدَّهْرِ دَرَّ خَيْراً وَ عَاضَتْ *** نَعْرَةُ الشِّرْكِ وَ انْتَهى غَوْغاها(2)

وَ خَبَا الكُفْرُ والشَّفَاقُ وَ قَرَّتْ *** فَوْرَةُ الإِفْكِ وَ انْمَحَى غَلْواها(3)

وَ هَديرُ الهَرْجِ اسْتَقَرَّ وَ قامَتْ *** نُظُمُ الدِّينِ في أَتَم بِناها

كَيْفَ بَعْدَ البَيانِ حِرْتُمْ وَ أَنَّى *** قَدْ نَكَصْتُمْ إِلى الوَرَاءِ تَياها؟

كَيْفَ ألحقيْتُمُ الوِلاية سِرّاً *** بَعْدَ إِعْلانِها وَ رَفْعِ لِواها؟

ص: 224


1- توان: ضعف و فتور و عجز و كلل.
2- غاضت: نقصت و نضبت.
3- خبا:حمد و سكن و طفىء. الإفك: الكذب.

حبّ الراحة سبب خذلان الحقّ!

و أشركتم بعدَ الإيمان؟

«أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».

ألا: قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفْضِ.

كَيْفَ بَعْدَ الإيمانِ لِلشِّرْكِ مِلْتُمْ *** وَ سَبيلَ الهُدى تَرَكْتُمْ هُداها

أولا تُعْلِنونَ حَرْبَ عَسيرٍ *** نَكَنَتْ ذِمَّة اليمين وَفاها؟

و بإخْراج خاتَمٍ الرُّسُلِ هَمُّوا *** بَدَوُوا حَرْبَكُمْ وَ أَجُوا لَظاها(1)

أَفَتَخْشَوْنَهُم فَلَلَهُ أَوْلَى *** بِتُقاكُمْ، وَ اللَّهُ أَعْظَمُ جاها

إِنْ تَكونوا عَبَدْتُموه بِصِدْقٍ *** وَ لَهُ عَفَرَ التُّرابُ الجِباها

إِنَّما قَدْ أَرى إلى الخَفْضِ مِلْتُمْ *** وَ اسْتَطَبْتُمْ مِنَ الحَيَاةِ حَلاهَا

وأبعدتم من هو أحقُّ بالبسط و القبض، و خلوتم إلى الدعة، و نجوتم من الضيق بالسعةِ، فمججتم ما وعيتم ودَسعتمُ الذي تسوغتم.

«إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ».

ألا: قَدْ قُلْتُ ما قُلت على معرفةٍ مني بالخذلةِ التي خامرتكُمْ و الغدرةِ التي استشعرَتْها قلوبكُمْ.

فَنَفَيْتُمُ مَنْ بِالخِلافَةِ أَوْلى *** وَ أَحَقُّ الأنام في استِعْلاها

وَ خَلَدْتُمْ لِراحَةٍ لَيْسَ تَبْقَى *** وَ هَرَبْتُمْ إِلَى نَعيم هَناها

ما وَعَيْتُمْ مَجَجْتُمُ وَ دَسَعْتُمْ *** ما تَسَوَّفُتُموهُ غِب امْتِلاها(2)

ص: 225


1- أَجوا لظاها: أشعلوا لهيبها و نارها.
2- مججتم: رميتم. دَسَعْتُمْ: دَسع يَدْسَعُ دَسْعاً: قاءَ مِلءَ فَمِهِ. و دَسَعَ بِقَيْلِهِ: رَمَى به -و دَسَعَ الشيء: دفعه، و الإناءَ: مَلأَه. وَ دَسَعَ يَدْسَعُ دسْعاً الرجلُ: أجزلَ العطاء. و المعنى الأول «قاءَ هو مقصود الشاعر بدليل ما قبله و هو «مَجَجتم» فيكون المراد «مَجَجْتم و أقاتم أو رميتم و تَقَيَّأْتم ملء الفم». غبّ: شرب الماء دون تنفّس.

فلئنْ تَكْفُرُوا وَ مَنْ حَلَّ في الأَرْضِ *** جَميعاً لاتُعْجِزونَ الإله

إِنَّما قُلْتُ ما ذكَرْتُ وَ إِنِّي *** عارِف مِنْ نُفوسِكُمْ مَخْباها

خَذْلَةٌ جالَتِ النُّفوسَ وَ غَدْرٌ *** شَعَرَتْهُ القُلوبُ في مَخْفاها

المستقبل الخطير للمتخاذلين

ولكنّها فيضةُ النفس، ونفثةُ الغيظ، و خَورُ القنا، و بثّةُ الصدر، و تقدمَةُ الحّجةِ.

فدونَكموها، فاحتقبوها دَبرَة الظَّهْرِ نَقبَةَ الخُفْ.

لكِنِ الظُّلْمُ أَنْرَعَ النَّفْسَ غَيْظاً *** فَاسْتَفاضَتْ عَلَى الَّذِي آذاها

وَقَنا لأنَ عودُهُ بِعَوادِي *** الجَوْرِ فَانْشَقَّ بِالأنين جَواها

وَ مِنَ القَلْبِ إذْ تَمَيَّزَ غَيْظاً *** نَفْئَةٌ يُحْرِقُ اللَّهيبَ لَظاها

وَ لِتَقْديمِ حُجَّةِ لَيْسَ إِلاَّ *** حَيْثُ لاعُذرَ عندَكُمْ عُقباها

دونَكُمُ للرِّكابِ فَاحْتَقِبوها *** ناقَةً صَعْبَةَ المِراس خُطاها(1)

فَوْقَ ظَهْرِ مُقَرّحٍ وَ بِحُفِّ *** رَقَّ دونَ الخُطى إلى مَرقاها

باقِيَةَ العارِ، موسومةٌ بِغَضب اللَّه، و شنارِ الأبدِ موصولةً بنارِ اللَّه الموقَدَةِ التيِ تطلعُ على الأفئدةِ فبعينِ اللَّه ما تفعلون «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».

وَ ضمَةُ العَارِ وَالشَّنارِ وَ تَبْقى *** أَبَداً لَيْسَ يَنمحي سِيماها(2)

ص: 226


1- احتقبوها: اركبوها.
2- الشنار: العار، أقبح العيب. سيماها: علاماتها.

وَ هْيَ مَوْسومَةٌ مِنَ اللَّهِ بِالسُّخْطِ، *** وَ بِاللَّعْنَةِ التي تَصْلاها

شَرَّ مَوْصولةٍ بِنارِ جَحِيمٍ *** جَمَّرَ اللَّهُ مِنْ قَديم حَصاها

تِلْكَ نارٌ تُطِلُّ حَتَّى عَلى أَفُئِدَةِ *** الظَّالِمينَ مِنْ أَبْناها

وَ بِعَيْنِ المُهَيْمِنِ الفَرْدِ يَجْري ***كُلُّ ما قَدْ فَعَلْتُموهُ سِفاها

سَيَرَى الظَّالِمُونَ أَيَّ مَرَدِّ *** سَيُرَدُّونَ فِي غَدٍ عُقْبَاها

و أنا ابنة نذير لكم بين يدي

عذاب شدید .

فاعملوا إنا ،عاملون و انتظروا إنا منتظرون.

جواب أبي بكر

فأجابها أبوبكر (عبد الله بن عثمان) و قال:

وَ أَنا تَعْلَمونَ بِنْتُ نَذِيرٍ *** لَكُمُ مِنْ أَليم نارٍ بَراها

فَاعْمَلُوا نَحنُ عامِلُونَ وَ إِنَّا *** مِثْلُكُمْ فِي انْتِظارِ يَوْمَ جَزَاها

فَاسْتَوى الخَصْمُ لِلْجَوابِ وَكَانَ *** الخَصْمُ في ذِرْوَةِ الدَّهاءِ إزاها(1)

فَاسْتَهَلَّ الكَلامَ مَدْحاً طويلاً *** جَاءَ فِي أَهْلِهَا وَ خَصَّ أَبَاهَا

فَهُوَ أَدْرى بِفَضْلِها وَ عُلاها *** وَ هْيَ أَغْنى مِنْ مَدْحِهِ إِيَّاها

فَلَقَدْ جَلْجَلَ الكِتابُ وَ تَكْفي *** آيةُ الطُّهْرِ وَحْدَها مَعْناها(2)

ص: 227


1- الذِروة: جمع ذِرّى و ذُرِّى و هي العلوّ و المكان المرتفع من كل شيء أعلى شيء و المعنى الثاني هو الأقرب من مُراد الشاعر الدَّهاء: جودة الرأي و الحذق، و الدَّهاء: المكر و الاحتيال و المعنى الثاني هو مطلوب الشاعر.
2- جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص21: «...نزلت هذه الآية على رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» في بيت أم سلمة فدعا النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم. فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فجللّهم بكساء و على خلف ظهره ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً». جَلْجَلَ: صَوَّت صوتاً شديداً.

يابنة رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم!

لقد كانَ أبوكِ بالمؤمنينَ، عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، على الكافرينَ عذاباً أليماً و عقاباً عظيماً،

كانَ أَوْلى أَنْ يَقْبَلَ الحَقَّ مِنْها *** لَوْ أَرادَ الهُدى إلى مَرْضاها

غَيْرَ أنَّ المَقْصود كانَ سِوى الحقُ، *** وَإلأ ما لَجَّ في إيذاها

وَ عُثاءُ الجُمْهُورِ أَسْلَسُ حُكْماً *** حينَ بِالمَكْرِ يُسْتَعْلُّ هَواها(1)

يَابْنَةَ المُصْطَفى الأمينِ رَسولِ *** اللَّهِ وَ الرَّحْمَةِ التي أَهْداها

كانَ بالمُؤمنينَ بَراً أَبوكِ *** أرْأَفُ النَّاسِ بِالوَرَى أَرْجاها

وَ عَلى الكافرينَ كانَ عَذاباً *** وَ عَظيمَ العِقابِ ضِدَّ طُغاها

إن عزوناهُ وجدناهُ أباكِ دونَ النّساءِ، وَ أخا الفِكِ دون الأخلاء، آثرهُ على كل حميم، و ساعدهُ في كلِّ أمْرٍ جسيم، لايحبّكُمْ إلا كلّ سَعِيدٍ، و لايبغضكمْ إلا كَلُّ شقي.

فأنتم عترةُ رسولِ اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم الطيبون، و الخيرةُ المُنتجبون،

إِنْ عَزَوْنَا مُحَمَّداً لَوَجَدْنا *** أَباكِ مِن دونِ كُل نِساها

دونَنا احتارَ الْفَكِ وتاخى *** حينَ أَحْبابَ دينه آخاها

وَ عَلَى كُلِّ صاحِبٍ وَ حَميمٍ *** آثر المُصْطَفَى عَلِيّاً وَ باهی(2)

ساعَدَ المُصْطَفى على كلِّ أَمْرٍ *** مِنْ أُمورٍ عَصَتْ عَلى أَقْواها

كُلُّ مَنْ يَرْتَضِي المَوَدَّةَ فِيكُمْ *** لَسَعيد وَ مَنْ شَقى يَأَباها(3)

ص: 228


1- غُثاء: زَبَد، أسلس: ألين و أكثر انقياداً.
2- باهی: فاخر.
3- في كتاب كتاب ذخائر العقبى، ص25 ط1981/ مؤسسة الوفاء -بيروت. عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.

أنْتُمُ الخِيرَة التي انتَجبَ اللَّهُ *** وَ الطَّيبِّونَ عِتْرةُ طهِ

الحديث -الفرية

على الخير أدلّتُنا، وإلى الجنّة مسالِكُنا. و أنتِ يا خيرةَ النساءِ، وَ ابنَةَ الأنبياءِ، صادقَة في قولِكِ سابقة في وفوِرِ عقلِكِ، غير مردودةٍ عن حقِّكِ، و لامصدودةٍ عن صدقكِ و اللَّه ما عدوت رأيَ رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم!!! و لاعملتُ إلا بإذنِهِ و إن الرائدَ لايكذبُ أهله و إني أشهدُ اللَّه و كفى به شهيداً، أني سمعتُ رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم يقول: «نحن معاشرَ الأنبياءِ لانورّث ذهباً و لافضةً و لاداراً و لاعقاراً .

وَ عَلى الخَيْرِ دَرْبُنَا، وَ جِنانُ *** الخُلدِ، أَنْتُمْ سَبيلُ مَنْ يَهْواها

أَنْتِ يا خِيرَةَ النِّسا، بِنْتَ خَيْرِ *** النّاسِ مِنْ بَدْئِها إلى مُنْتَهاها

قَوْلُكِ الصَّدْقُ دُونَ رَيْبٍ و أَنْتِ *** في وُفُورِ النُّهى على أَرْقاها

غَيْرَ مَرْدودَةٍ عَنِ الحَقِّ شَيْئاً *** أَوْ بِمَصْدودةٍ صَديقَ ادِّعاها

بَيْد أنّي سَمِعْتُ يَوْماً أَباكِ *** قال لي -قَبْلَ أَنْ يَموتَ- شِفاها

مَعْشَرُ الرُّسُل لاتورثُ داراً *** أَوْ نُضاراً أَوْ فِضَّةً أَوْ شِياها(1)

الدفاع الهزيل

و إنما نورثُ الكتاب و الحكمةَ و العلم و النبوّةَ، و ما كانَ لنا من طُعَمةٍ فلولي الأمرِ بعدَنا أن يحكمَ فيه بحكمهِ».

و قدَ جعلنا ما حاولته في الكراعِ و السلاحِ يقاتلُ بها المسلمونَ، و يجاهدونَ الكفارَ، و يجالدونَ المَرَدةَ الفَجَّار.

ص: 229


1- مرّت بعض الإشارات إليه فيما سبق. نُضار: الذهب أو الفضة و قد غلب على الذهب.

إنَّما العِلْمُ وَ النُبُوَّةُ وَ الحِكْمَةُ *** وَ الذِّكْرُ إِرْتُها وَ ثَراها

إِنَّهُم لايُوَرّثونَ سِواهُمْ *** مِثْلَما تُورِثُ الوَرى ابْناها

كُل ما كانَ طُعْمَةً فَلِوالي *** الأمْرِ مِنْ بَعْدِنا كما يَهواها

فَلَهُ دونَ غَيْرِهِ الحُكْمُ فيها *** كَيْفَما شاءَ يَسْتَطِيعُ قَضاها

وَ جَعَلْنا الذي طَلبْتِ كِراعاً، *** و سِلاحاً، و جُنَّةً لِوَغاها(1)

لِجِهادِ الكُفَّارِ في ساحة الحربِ، *** وَ دَحْرِ الفُجَّارِ في لُقياها

و ذلك بإجماع من المسلمين!!

لم أنفردْ به وحدي و لم استبد بما كانَ الرأي فيه عندي و هذه حالي و مالي، هي لكِ و بين يديك، لا تزوى عنكِ، و لاتُدْخِرُ دونكِ

أنتِ سيّدةُ أُمةِ أبيكِ، و الشجرةُ الطيبةُ لبنيكِ،

ها هُمُ المُسْلِمُونَ بَيْنَ يَدَيْكِ *** فَرَّروا كُلُّهُمْ عَلَى اسْتيفاها

أنا لَمْ أَنْفَردْ بذاك لوَحْدي *** مُسْتَبِداً بما ارْتَأَيْتُ إزاها

ثُمَّ هذا حالي و مَالي لَدَيْكِ *** هَذِهِ ثَرْوَتِي إِلَيْكِ عَطاها

لَيْسَ تُزْوى الأمْوالُ عَنْكِ وَ إِنّى *** دونَكِ لَسْتُ داخراً مَغْناها(2)

أنتِ بنْتُ النّبي سَيِّدَةُ النسوانِ *** مِنْ أُمَّةٍ أَبوك بَناها

أَنْتِ للرَّوْضَةِ المُطَهَّرَةِ الأطْيابِ: *** أَبْناكِ، أَصْلُها وَ بِناها

لايُدفعُ مالكِ من فضلك و لايوضعَ في فرعِكِ و أصلكِ، حكمُكِ نافذ فيما مِلكتْ يداي.

فهل تَرين أن أخالف في ذلك أبا صلي الله علیه و آله و سلم؟

جواب فاطمة الزهراء علیها السلام.

ص: 230


1- كِراعاً: كراع الأرض. ناحيتها. جُنّة: سترة. الوغى: الحرب.
2- تُزوى : تُجمع و تُقبضَ.

وَ لَكِ الفَضْلُ لَيْسَ يُدْفَعُ عَنْكِ *** مِنْ مَزايا جَلالِكِ أَدْناها

وَ لَكِ ذِرْوَةُ المعالى فروعاً *** و أصولاً سَمَتْ بكِ أفْصَاها

حُكْمُكِ الآنَ نَافِةٌ فَمُريني *** أتُريدينَ أن أخالِفَ طهَ؟!

قَدْ أَتَتْهُمْ بِحُجْةٍ مِنْ كِتاب اللَّهِ *** کَالشمسِ في أتَمِّ ضِياها

وَ أَتَوْها بِفِرْيَةٍ لَفَّقُوها(1) *** لِيُضِلُّوا بِذَلِكُمْ بُسطاها

فَتَصَدَّت وَ مَزَّقَتْ حُجُبَ الزُّورِ *** وَ أَلْقَتْ عَن الوجوه غِطاها

الحديث فرية و الرسول صلي الله علیه و آله و سلم لايخالف القرآن

فقالت (صلي الله علیه و آله و سلم): سبحانَ اللَّه! ما كان رسولُ اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم عن كتاب الله صادفاً و لالأحكامِهِ مخالفاً، بل كان يتبّع أثَرَه و يقفو سوَرَهُ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور؟ و هذا بعدَ وفاتِهِ شبيهٌ بما بُغيَ لهُ من الغوائل في حياتِهِ.

وَ أَجابَتْ: سُبْحانَ رَبِّي وَحاشا *** المُصطفى بِالَّذِي افْتَرَيْتُمُ فاها

لَمْ يَكُنْ سَيِّدُ الوَرَى يَتَخَطَّى *** شِرْعَةَ الذِّكْرِ أَوْ يَرُومُ سِواها(2)

أَوْ لأَحْكامِهِ يُخالِفُ نَهْجاً *** وَ هُوَ يَدْعُو الوَرى لِنَهْجِ خُطاها

بَلْ لَقَدْ كانَ إِثْرَهُ يَتَقَفَى *** سُوَرَ الذِّكْرِ تابعاً إيّاها

أَمَعَ الغَدْرِ تُجْمِعُونَ عَلَيْهِ *** الزُورًا واها لِقَوْلِكُمْ ثُمَّ واها(3)

إِنَّ ذا بَعْدَ مَوْتِهِ لَشَبيهٌ *** بِالَّتي في حَياتِهِ لاقاها

هذا كتابُ الله حَكَماً عدلاً، و ناطقاً فصلاً، يقول:

«يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ».

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ».

ص: 231


1- فرية: افتراء و كذب. لفّقوها: زخرفوها و موهوها بالباطل.
2- يروم: يقصد.
3- واهاً : اسم فعلِ بمعنى أتعجبُ.

فبينَ (عزّوجلّ) فيما وزّع عليه من الأقساط،

كَمْ مِنَ الغَدْرِ وَ الغَوَائِلِ كِيدَتْ *** ضِدَّهُ لكن الإله کَفاها(1)

هذِهِ المُحْكَمَاتُ تَنْطِقُ فَضلاً *** وَ هُيَ تَقضي بالعَدْلِ في فَحواها

سُورَةَ الأنبياءِ إِذْ زَكَرِيّا *** سَأَلَ اللَّهَ فَاسْأَلُوا مَعْناها

في (يرثني... و آل يَعْقُوبَ) حُكْمٌ *** لاتَرى فِيْهِ شُبْهَةً وَ اشِتباها(2)

و سُلَيْمانُ إِذْ تَوَرَّثَ داوُوْدَ، *** كَمِثْلِ الأَبْناءِ مِنْ آباها(3)

و أبانَ الجَليلُ مِنْ كُلِّ قِسْطٍ *** وَ سِهام قَدْ وُزّعَتْ مَرْماها

و شرّعَ من الفرائِضِ و الميراثِ و أباحَ من حطّ الذكرانِ و الإناث.

ما أزاحَ علَّةَ ،المبطلين و أزال التظني والشُّبُهَاتِ في الغابرين.

كلاً، بل سوّلتْ لكم أنفُسكُمْ أمراً، فصبرٌ جميلٌ.

و الله المستعانُ على ما تصفون.

و المواريثَ وَ الفَرائِضِ لَمّا *** فَرَضَ اللَّهُ شَرْعَها وَ عَطاها

فَلِذُكْرانِها حظوظ وَ أُخرى *** للإناثى، أَباحَ حين قَضاها

ما أزاحَ التَعَلَّلاتِ، و أقصى *** عِلَّةَ المُبْطِلين في إجْراها(4)

لَيْسَ هذا... كَلاً...، وَلَكِنَّ أَمْراً *** سَوَّلَتْهُ نُفوسُكُمْ مِنْ غَواها(5)

و عزائي الصَّبْرُ الجَميلُ وَ رَبِّي *** مُسْتَعانِي عَلَى عَظيمِ جَناها

ثُمَّ لَمَّا رَأَى أَخُو تَيْمِ أَنَّ الحَقَّ *** أَقْوىٰ مِنْ فِرْيَةٍ سَمَّاها

ص: 232


1- الغوائل: جمع الغائلة و هي المهلكة، الشر، الفساد.
2- كما هو مذكور في الخطبة و هو قوله تعالى «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة النمل، آية: 16].
3- انظر آية: 6 من سورة مريم.
4- أقصى: أَبْعَدَ.
5- سوّلته: زيّنتهُ له و سَهَلتْهُ و هَوَّنَتْهُ. غواها: ضلالها.

جواب أبي بكر و الاعتراف بالخطأ

فقال أبوبكر:

صدقَ اللَّه، و صدق رسولُه صلي الله علیه و آله و سلم و صدقت ابنتُهُ علیها السلام، أنتِ معدن الحكمةِ، وَ موطنُ الهدى و الرحمَةِ، و ركنُ الدينِ، و عينُ الحجّة لاأبعد صوابكِ، و لاأنكر خطابكِ.

فَضَحَ الحقُّ كِذْبَهُ وَ تَعَرَّى *** الزُّورُ الثَّلْجِ تَحْتَ شَمْسِ نِداها

وَلَدى الصُّبْحِ طَلْعَةٌ إِنْ تَبَدّى *** يَنْمحي اللَّيْلُ فِي الْتِماعِ سَناها(1)

أَيَرُدُّ القُرآنَ أَمْ مَنْ أَتَاهُ؟ *** أَعَليا يَرُدُّهُ أَمْ أَباها؟

لَيْسَ يُجْدِي الإنكارُ للشَّمْسِ مَهُما *** لَجَّ في حَجْبِ نُورِها وَ ضِياها

صَدَقَ اللَّهُ وَ الرّسولُ وَ بِنْتُ *** المُصْطَفى فاطِمُ البَتولَةِ فاها

مَعْدِنُ الحِكْمَةِ الأَصِيلَةِ رُكُنُ *** الدِّينِ أَنْتِ، وَ لِلْهُدى مَرْساها

هؤلاء المسلمونَ بيني و بينك قلّدوني ما تقلّدتُ، و باتفاق منهم أخذتُ ما أخذتُ غيرُ مكابر و لامستبد، و لامستأثر، و هم بذلك شهود.

فاطمة الزهراء علیها السلام توجه الخطاب إلى الحاضرين.

فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس و قالت:

معاشرَ الناس!

لَسْتُ مُسْتَنْكِراً عَلَيْكِ خِطاباً *** أَوْ صَواب احتجاجةٍ آتاها

ها هُمُ المُسْلِمُونَ بَيْنِي وَمَا *** بَيْنَكِ فَاسْتَوْضِحي الجُمُوعَ رُؤاها

قَلَّدوني الَّذي تَقَلَّدْتُ لَوْلا *** القَوْمُ، ما كُنْتُ لَحْظَةً أُولاها

بِاتِّفاقِ مِنْهُمْ أَخَذْتُ رُبوعاً *** كَانَ لِلْمُصْطَفى الأمين رَعاها

لابِمُسْتَكْبِرٍ وَ لامُسْتَبِدِّ *** أَوْ بِمُسْتَأْثِرِ عَنِّي ثَراها

ص: 233


1- سناها: ضوؤها.

فأشارَتْ بِنْتُ الرَّسول إلى النَّاس، *** وَ قَهْرُ المُسْتَضْعَفينَ طَواها

عناد المتواطئين على الباطل

المُسرعةَ إلى قيل الباطل المُغضيةَ على الفعل القبيحِ الخاسِرِ ، أفلاتتدبرون القرآن أم على قلوبِ أقفالُها؟

كلا، بل رانَ على قلوبِكُمْ ما أسأتُمْ من أعمالِكمْ فأخذ بسمعكُمْ و أبصاركُمْ ،

أَيُّها المُسْرِعونَ نَحْوَ الأَباطيلِ *** تُحامِي عَنْ شِقْشِقاتِ رُغاها(1)

أَتَغُضُّونَ عَنْ قَبيح فعالٍ *** هِيَ مِنْ أَخْسَرِ الَّتي تَغْشاها

أَفَلا -يا عُصاةُ- تَدَّبرونَ *** الذُكْرَ أَمْ مَلَّتِ النُّفوسُ هُداها؟

أَمْ بِأَقفالها اسْتَبَدَّتْ قُلوبٌ *** فَاسْتَحبَّتْ عَلَى الرَّشادِ عَماها

لَيْسَ للقُلوبِ رانَ عَلَيْها *** لِلَّذِي قَدْ أسأتموهُ صَداها(2)

وَ لِهذا بِسَمْعِكُمْ أَخَذَ اللَّهُ *** وَ أَبْصارَكُمْ فَأَعْمَى ضِياها

ولبئسَ ما تأولْتُمْ و ساءَ ما بِهِ أشرتُمْ و شرّ ما منه اعتضتُمْ.

لتجدنَّ -واللَّه- محملهُ ثقيلاً، و غبّهُ وبيلاً إذا كشَفَ لكُمُ الغطاءَ و بانَ ما وراءه الضرّاء، و بدا لكُم من ربِّكُمْ ما لَمْ تكونوا تحتسبونَ، و خَسِرَ هنالِكَ المبطلون.

بِئْسَ نَهْجٌ أَوَّلْتُموهُ ضَلالاً *** وَ سَفَاهاً لِما أَشَرْتُمْ سَفاها(3)

ص: 234


1- شقشقات: جمع الشِقْشِقة و هي شيءٌ كالرئة يُخرجه البعير من فيه إذا هاج، أو الصوت و الهدير، رُغاها: رغوتها و زبدها أو صوتها و ضجيجها.
2- ران: غلب عليه.
3- سفاها: جهلاً.

شَرَّ ما أَعْتَضْتُمُ بِآسِنِ ماءٍ *** مِنْ غَدِير تَرَقْرَقَتْ أَمْواها(1)

ستلاقونَ -والعظيم- ثقيلاً *** مَحْمِلاً لايُطيقه ثَقَلاها

إذْ لَكُمْ كُشِفَ الغِطَاءُ وَ بانَ *** الضُرُّ مِمّا جَنَتْ يَداكُمْ وَراها

وَ بَدَتْ مِن الهِكُمْ سَطَواتٌ *** لَمْ تَكونوا لِتَحْسَبوا أدْناها

وَ هُنَاكُمْ سَتَعْلَمُونَ هُنَاكُمْ *** خَسِرَ المُبْطِلُونَ في عُقباها

وعادت فاطمة علیها السلام إلى دار علي علیه السلام!

ثُمَّ انكَفَأَتْ (علیه السلام).

و أميرالمؤمنينَ علیه السلام لايَتَوقعُ رُجوعها إليهِ و يَتَطلَّعُ طُلوعَها عَلَيْهِ.

فلمّا استقَرتْ بها الدارُ قالَتْ لأميرالمؤمنينَ علیه السلام:

يابنَ أبي طالب علیه السلام!

ثُمَّ مَالَتْ إلى ضريح أبيها *** تُودِعُ المُصْطَفى الأمينَ شَكاها(2)

وَ تَوارَتْ كَسيرَةَ القَلْبِ عَنْهُمْ *** فَلَقَدْ خَيَّبَ الجَميعُ رَجاها

ثُمَّ عادَتْ لِدارِها وَ دموعُ *** الوَجْدِ خَطَّتْ عَلَى الخُدودِ خُطاها

وَ أَميرُ الإيمانِ في كُلِّ آنٍ *** كانَ يَرْجُوْ طُلوعَها وَلِقاها

وَ هُنَاكُمْ لَمَّا اسْتَقَرَّبِها الدارُ، *** تَمادى الأسى بِصَدْرِ شَكاها

فَرَمَتْ نَحْوَهُ بِطَرْفِ كَسيرٍ *** وَ جَرَتْ في دُموعِها عَيْناها

استنهاض الإمام الممتحن علیه السلام!

اشتَمَلتَ شِمْلَةَ الجنينِ، وَ قَعَدت حُجْرةَ الظنين.

ص: 235


1- اعتضتم: استعضتم، استبدلتم عِوضاً عنه. آسن ماء: الماء الذي تغيّر لونه و طعمه و ريحه، غدیر: نهر، ترقرقت: تلألأت أو جرت جرياً سهلاً.
2- تمادى الأسى: بلغ فيه المدى.

طَمعَتْ أَنْ تُثيرَ في عَليَّ *** العَزْمَ و النَّجدَةَ المُدَوّي صَداها

وَ بُطولاتِ خَيْبَرٍ وَ حُنَيْنِ *** وَ مُرُوا ايه التي أَبْداها

فَلَعَلَّ الَّذي مَضى مِنْ مِياهِ *** النَّبْعِ غَفْلاً يَعودُ في مَجْراها

خاطَبَتْهُ يَابْنَ المُحامي أبي طالِبٍ *** زَيْنَ الرِّجالِ رَمْزَ إباها

كَيْفَ يا فاتِحَ الحُصونِ اسْتَمَلتَ *** اليَوْمَ مِنْ شَمْلَةِ الجَنينِ رِداها

قاعِداً حُجْرَةَ الظَّنينِ كَأَنْ لَمْ *** تَكُ لِلْحَرْبِ سَيْفَها وَفَتاها(1)

نَقَضتَ قادِمةَ الأجدلِ فَخانكَ ريسُ الأعزلِ.

هذا ابنُ أبي قحافَةَ يبتزني نحلَةَ أبي و بِلُغةَ ابنيِّ.

لَقَدْ أَجهَرَ في خصامي و ألفَيْتهُ الألدّ في كلامي، حتى حبستني قيلةُ نصرَها.

أَوَ ما قَدْ نَقَضْتَ مِنْ أَجْدَلِ الطَّيْرِ *** قَواديمَ يُتَقى بأساها؟

كَيْفَ قَدْ خانَ أَعْزَلُ الرِّيشِ شَهْماً *** كانَ في كُلِّ وَقْعَةٍ «لافَتاها»؟(2)

أَوَيَبْتَزُّها نُحَيْلَةَ. طه *** بُلْغَةَ ابْنَيَّ يَسْتَحِلُّ جَناها؟(3)

جاهِراً في عَداوَتي دونَ تَقْوى *** ماضياً في خُصومتي أَقْصاها

قَدْ وَجَدْتُ العَنيد لازالَ خَصْماً *** مِنْ ألد الخِصامِ في دَعْوَاها

ذاكَ حَتَّى الأَنْصَارُ قَدْ حَبَسَتْني *** النَصْرَ وَ اسْتَعْفَتِ الحُماةُ حِماها

وَ المهاجرةُ و صلَها و غضَّت الجماعةُ دونَ طرفها.

فلادافِعَ، و لامانع.

خرجتُ كاظمةُ و عدتُ راغمةً أضرعتَ خدّكَ يومَ أضعتَ حدّكَ افترستَ الذئاب و افترشتَ الترابَ.

ص: 236


1- الظنين: المتهم، المعادى لسوء ظنُّه و سوء الظن به.
2- و هو مأخوذ من الحديث المشهور (لافتى إلا علي علیه السلام و لاسيف إلا ذوالفقار).
3- يبتزّها: يسرقها و يسلبها قهراً. نُحيلة: عطيّة و هبة إعطاء المرأة مهرها.

و قُرابي المُهاجرين رِباطَ *** الوَصْلِ قَدَّتْ وَ مزَّقَتْ قُرْباها(1)

وَ الجماعاتُ غَضَّتِ الطَّرْف عَنِّي *** وَ كَأنّي مُخاطِبٌ ما سِوَاهَا

لَيْسَ مِنْ دافِعِ مُهججة الظُّلْمٍ، *** وَ لامانعٍ أليمَ أذاها(2)

رِحْتُ مَكْظومَةً بِصَبْرِيَ حَسْرى *** ثُمَّ مَرْعَومَةً رَجَعْتُ وَراها

حَدَّكَ الحَقَّ قَدْ أَضَعْتَ فَأَضحى *** ضارِعاً خَدُّكَ الذي لايُضاهي

إِفْتَرَسْتَ الذُّتَابَ كَيْفَ أَفْتَرَضْتَ *** اليَوْمَ وَجْهَ التُّرابِ مِنْ بَوْغَاها؟(3)

ما كففتَ قائلاً و لاأغنيتَ باطلاً و لاخيارَ لي ليتني مِتَّ قبل هينتي و دونَ ذلّتي.

عذيري اللَّه منكَ عادياً، و منكَ حامياً.

ويلاي في كلّ شارق!

ماتَ العَمَدُ و وهنَّ العضَدُ!!

ما كَفَفْتَ المُهَرِّجِينَ مَقالاً *** وَ عَنِ الظّالمينَ شَرَّ أذاها

وَ أَنا لاخَيارَ لي... فَلَوْ أَنَي *** كُنْتُ أَسْتطيعُ أَنْ أَرُدَّ بَلاها

لَيْتَني قَبْلَ هَيْئَتي كانَ مَوْتِي *** وَ الرَّدى دونَ ذلِّتي أَسقاها(4)

فَکَفاني مُحامياً وَ كَفاني *** مِنكَ رَبِّي مِنَ العِدى عَدْواها

آه... وَيُلايَ كُلَّما طَلَّ صُبْحٌ *** فَوْقَ دُنْيا مِنَ الأسى وَيْلاها

قَدْ تَوفّى العِمَادُ فَانْهَدَّ مِنّي *** عَضُد العِزَّ وَ الرَّجاءِ وَراها

شكواي إلى أبي!

و عدواي إلى ربي!

ص: 237


1- قدتْ: قطعتْ و شقّتْ.
2- مهجّجة: غائرة العين، أو المتمادية في الأَمر.
3- البوغاء: ما ثار من الغبار و دقاق التراب.
4- الرّدى: الموت.

اللَّهمَّ أنتَ أشدُّ قوةً و حولاً، و أحَدُّ بأساً و تنكيلا.

فَشَكاتي إلى أَبي وَ لِرَبِّ العَرْشِ *** عَدْوى ظُلامَتي مَرْساها

يا إلهي لأنتَ أعْظَمُ بَأساً *** وَ أَشَدُّ النّكال في عُقباها(1)

هَزَّهُ في خطابها الوَجْدُ و المَجْدُ *** وَ عِزُّ الإيمانِ في تَقْواها

وَ هُوَ لَوْلا وَصِيَّةٌ مِنْ نَبِيِّ *** اللَّهِ، أَحْرى بِأَنْ يُجيبَ نِداها

وَ يُعيد الأُمورَ ظَهْراً لِبَطْنٍ *** وَ يُنِيلَ المُنافِقينَ جَزاها

فَهوَ في البَأسِ لايُدانيهِ و بَاسٌ *** وَ هُوَ اقوى بِاللَّهِ مِن أَعْداها

كَيْفَ لَا، وَ هُوَ فِي الحُروبِ جَميعاً *** قُطبُ مِهْرَاسِها، وَ جَمْرُ وَغاها(2)

مَنَعَتْ سيّد الوَغَى أَنْ يُثير *** الحَرْبَ أَنَّ الأُمورَ في مَبْداها

كانَ دينُ الإسْلامِ عوداً طَريّاً *** والجماهيرُ هَشَّةٌ في انتِماها

أَشْفَقَ المُرْتَضى عَلَى نَبْتَةِ الإسلامِ *** مِنْ فِتْنَةٍ تَشُبُّ لَظاها(3)

غارِسُ الرَّوْضَةِ البهيّةِ أَوْلى *** أَنْ يُحامي بِرَوْحِهِ أَفْياها

وَ هُوَ ثاني بُناتِها، وَ المُرَوِّي *** زَرْعَها الغَضَّ وَ هُوَ حَامي حِماها

فقال أميرُالمؤمنين علیه السلام:

لاويلَ عليكِ، الويل لشانئكِ.

نَهْنِهِي عَنْ وجدكِ يا بنَةَ الصَّفْوَةِ و بَقيّة النُّبوّةِ، فما و نيتُ عن ديني و لاأخطأتُ مقدوري.

فإن كنتِ تريدينَ البُلغَةَ فَرزقُكِ مَضمونٌ.

قالَ مَهْلاً بِنْتَ النُّبوَّةِ مَهْلاً! *** إنَّما الصَّبرُ لِلتُّقاةِ حُلاها

ما لَكِ الوَيْلُ، بَلْ لِشانِكِ الوَيْلُ *** وَ أَقْسَى العَذابِ في أَخْراها

ص: 238


1- النكال: ما نكلتَ به غيرك كائناً ما كان.
2- مهراس: الهاون، الحجر المنقور المستطيل الثقيل الذي یُدقُّ.
3- تشبُّ لظاها: تُشعل نارها و لهيبها.

يَابْنَةَ الصَّفْوَةِ الصَّفِيَّةِ عِطرِ *** النُّورِ، بُقيا نُبوّةٍ أَبْقاها

نَهْنِهي النَّفْسَ وَجْدَها وَ اسْتَقِرِّي *** حانَ لِلنَّفْسِ أَنْ تُريحي جَواها(1)

فَعَنِ الدِّينِ ما وَنَيْتُ وَ عَمّا *** قَدَّرَ اللَّهُ ما خَطَوْتُ اشْتِباها

فَاطْمَئِنِّي لِبُلْغَةِ العَيْشِ أَنَّ اللّهَ *** في سابِقِ الزَّمانِ قَضاها

الكلمة الأخيرة لفاطمة علیها السلام!

وَ كفيلُكِ مَأمونٌ، و ما أعدّ لَكِ خيرٌ ممّا قُطع عنكِ، فاحتسبي اللَّه.

فقالت: حَسبي اللَّه و أمْسَكَتْ.

وَ كَفِيلُ ابْنَةِ النَّبي أَمِينٌ *** وَ هوَ اللَّه حافِظُ إيّاها

وَ جِنانٌ قَدْ مُهّدتْ لَكِ خَيْرٌ *** مِنْ قُرَى حَرَموكِ عَنْ مَغْناها

فَلَكِ اللَّهُ -جَلَّ- فَاحْتَسِبيهِ *** هَضْمَةُ الحَقِّ حَاسَ أَنْ يَنْساها

فَأَجابَتْ (اللَّهُ حَسْبِي) وَ فَرَّتْ *** وَ عَلَى الدَّهْرِ رَنَّةٌ مِنْ صَداها

وَ مَضَتْ إِذْ مَضَتْ عَلَى القَهْرِ حَسْرَىٰ *** ثُمَّ مَاتَتْ مَطوِيَّةٌ بأَساها(2)

ص: 239


1- نهنهي: كفّي و ازجري بالفعل أو القول.
2- بِأَسَاها: بحُزنها.

(13) صديقة الخليقة

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

لِمَنِ العِيسُ في البطاح بَرَاها؟ *** مِثْلَ بَري القداح جَذْبُ بُرَاها(2)

حَائِراتٌ كَأَنَّهَا سِرْبُ طَيْرٍ *** حَسِبَتْ لُجَّةَ السَّرَابِ مِيَاها

وَ بِها الآلُ في المَفاوِزُ وَ القَفْرِ *** ريَاضٌ تَنَشَّقَتْ رَبَّاهَا(3)

ترْتَعِي جَمْرَةَ الهَجِيرِ غِذَاءً *** فَيَقِيها عَنْ جُوعِها وَ ظَمَاها

سَبَقَتْ أَرْبعَ الرِّيَاحِ بِمَجْرَى *** أَرْبَعَ وَ ارْتَمَتْ قَصِيَّ نَوَاها

شَمْأَلَ الرِّيحُ بُكْرَةً وَ النَّعَامَى *** وَ عَشِيّاً جَنُوبُها وَ صَبَاها(4)

وَ نَواصِي الآكَامِ في كلِّ نَصَّ *** مِنْ سُرَاهَا طَيُّ الفَلَاةِ فَلاها

يَعْمَلاتٌ شَقَّتْ بُطُونَ المَوانِي *** جَائِباتٌ بِطَاحَهَا وَ رُبَاها(5)

ساقَها لِلْورُودِ رَجْعُ حَنِينٍ *** مِنْ مَشُوقٍ حَيْثُ الزَّفِيرُ حَدَاها

قد أَقلَّتْ هَوادِجاً زَيَّنَتْها *** مِنْ هَوانِ النَّقى وُجوهُ مِيَاها

مَرَحاً تَنْثَنِي وَ تَهْوِي مِرَاحاً *** بِشَرَى وَجْرَةٍ ففَاقَتْ ظِبَاها(6)

ص: 240


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- العيس: كرام الإبل أو الإبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف. البطاح: مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصى.
3- المفاوز: جمع المفازة و هي الصحراء القفر: الخلاء من الأرض لاماء فيه و لاناس و لاكلأ رياها: رائحتها الطيبة.
4- صباها: الصبا ريحٌ مهبها جهة الشرق.
5- يعملات: الإبل المطبوعة على العمل، جائبات: قاطعات.
6- وَجرةِ: حفرة تجعَل للوحش فإذا مرّت بها سقطت فأمسكت.

صَرَعَتْنا عُيونُ عِين كَعابٍ *** أَوْسَعَتْ طَعْنَةَ القَنا نَجلاَها(1)

وَ أَرَى أَضْعَفَ الجُفُونِ فُتوراً *** حينَ تَرْمِي حُبَّ الحَشَا أَقْوَاهَا

إنْ يُسَالِمُ لِجِيرَةِ الحَيَّ قَلْبِي *** فَلِحَرْبِ الهَوَى هوى سَلْمَاها

إلى أن يقول:

مِثْلُ زُهْرِ النُّجُومِ أَفْعَالُهُ الغُرُّ *** أَضَاءَتْ وَ بِنْتُهُ زَهْراها(2)

فَاطِمٌ بِنْتُ أَحْمَدٍ سَادَتِ الخَلْقَ *** جَمِيعاً رِجَالها وَ نِسَاها(3)

لَمْ تَنَلْ مَرْيَمَ وَآسِيَةُ الزَّهرا *** و لاسارَةٌ و لاحَوَّاهَا(4)

ذَكَرَ اللهُ قَائِلاً مَرَجَ البَحرَيْنِ *** لَكِنْ بِذِكْرِهِ قَدْ عَنَاها(5)

ص: 241


1- كعاب: جارية.
2- في كتاب دلائل الإمامة، ص54 ط الثالثة منشورات الرضي/ قم: «عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام لاعن فاطمة علیها السلام لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها علیها السلام كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ح6 ط الثانية مؤسسة الوفاء و علل الشرائع ص215 ح3 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي -بيروت و «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ص64 ح15، ط منشورات جماعة المدرسين/ قم.
3- في كتاب مائة منقبة، ص128 المنقبة 67ط الأولى (1988م) الدار الإسلامية. «...و لو كان الحُسن هيئة لكانت فاطمة علیها السلام بل هي أعظم إن فاطمة علیها السلام ابنتي خير أهل الأرض عنصراً و شرفاً و كرماً».
4- جاء في كتاب المناقب ج3 ص323 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم. «عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: يا فاطمة علیها السلام أبشري فإن اللّه اصطفاك على نساء العالمين و على نساء الإسلام و هو خير دين». و انظر كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص122 ضمن حاشية9. و بحار الأنوار ج43 ص36.
5- جاء في كتاب المناقب ج3 ص318 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم: «عن جعفر الصادق علیه السلام و اللفظ له في قوله «تعالى»: «مرج البحرين يلتقيان» [سورة الرحمن، آية: 19] قال علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه». انظر کتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص98 ضمن ح5 و بحار الأنوار، ج43 ص32 ضمن ح39. ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت و البرهان تفسير ج4 ص266 ضمن حاشية 9 ط الثالثة/ مؤسسة الوفاء -بيروت.

صَاغَها مِنْ سَبائِكِ المَجْدِ تِبْراً *** خالصاً يَوْمَ صُنْعِهِ صَفَّاها(1)

هي صِدِّيقَةُ الخَليقَةِ جَمْعاً *** بِبَهَاهُ الجَلِيلُ فَضْلاً حَبَاها(2)

وَ هْيَ تُدْعَى شَفيعَةَ الخَلْقِ في *** الحُشْرِ وما في المَلاً شَفِيعٌ سِواها(3)

رَحْمَةٌ لِلأَنَامِ بِاللُّطْفِ جَاءَتْ *** أَبْعَدَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ آذاها

يَغْضَبُ اللَّهُ حِين يُغْضِبُها الخَلْقُ *** وَ يَرْضَى عَن خَلْقِهِ لِرِضَاها(4)

بَضْعَةٌ مِنْ فُؤادِ خَيْرِ البَرَايَا *** وَ قَدِ اشْتُنَّ مِنْ حَشَاهُ حَشَاهَا(5)

وَ اجْتَبَى أُمَّها خَدِيجَةَ زَوْجاً *** بَذَلَتْ لِلْهُدَى جَمِيعَ ثرَاها

ص: 242


1- تبراً: ذهباً.
2- حباها: أعطاها من غير جزاء، و جاء في كتاب أمالي الطوسي، ص678 ط/ الثانية -مؤسسة الوفاء -بيروت. «عن أبي عبداللّه علیه السلام: ...و هي الصديقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص105 ح19. کتاب عوالم سیدة النساء ج 1 ص91 ح3، ج1 ص458 ح23.
3- جاء في كتاب أمالي الصدوق، ص25 ح4 ط الخامسة/ مؤسسه الأعلمي للطباعة. «و البيت الذي يليه»: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة... فإذا النداء من قبل اللّه «جل جلاله» يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تُشفّعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم. فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي و محبّي ذرّيتي فإذا النداء من قبل اللَّه «جل جلاله»: أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبّوها و محبّو ذريتها؟ فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة» . ح 1 ط انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص219 ح1 الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «روضة الواعظين» ص165 ط1/ مؤسسة الأعلمي.
4- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج5 ص97 (الهامش) كتاب منتخب كنز العمال، ط دار صادر -بيروت. «يا فاطمة علیها السلام إن اللّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك انظر كتاب كنز العمال، ج63 ص674 37725 مثله.
5- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج5 ص96، (الهامش) منتخب کنز العمال، ط دار صادر -بيروت. «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

أَوّلُ المُؤْمِنَاتِ بِاللَّهِ كَانَتْ *** وَ بِحِفْظِ النَّبِيِّ طَالَ عَنَاها

تِلكَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَرْافُ أَمْ *** عَنْهُمُ كُلُّ فِتْنَةٍ تَأباها

إن عَيْن النَّبيَّ أكْرَمُ عَيْنٍ *** لَمْ تُكَرَّمُ لأَجْلِها عَيْناها

يَوْمَ وَافَتْ بِالوَعْظِ تَزْجُرُ قَوْماً *** تَرَكَتْ رُشْدَها وَ وَافَتْ هَوَاها(1)

أثْبَتَتْ في الكِتاب حقاً مُبِيناً *** و الأبَاطِيلُ حُكْمُهُ قَدْ نَفَاها

فَدَكٌ في حَيَاةِ أَحْمَدَ أَعْطَتْهُ *** يَمِينُ الهُدَى إلى قُرْبَاها(2)

ص: 243


1- والبيت الذي يليه إشارة إلى خطبة الزهراء علیها السلام و ما جاء فيها من وعظ و تنبيه و إثبات حق مغتصب. و قد ورد نصها في كتاب الاحتجاج ج1 ص131، ط دار النعمان -النجف. «...أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها... افتتحت الكلام بحمداللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت علیها السلام... أنتم عباد الله نصب أمره و نهيه و حملة دينه و وحيه و أمناء اللَّه على أنفسكم و بلغاؤه إلى الأمم زعيم حق له فيكم و عهد قدّمه إليكم و بقيّة استخلفها عليكم كتاب اللَّه الناطق و القرآن الصادق و النور الساطع و الضياء اللامع بينة بصائره منكشفة سرائره منجلية ظواهره مغتبطة به أشياعه قائد إلى الرضوان أتباعه... أيها المسلمون: أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب اللَّه ترث أباك و لاأرث أبي؟ «لقد جئت شيئاً فريا». أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «و ورث سليمان داود» [سورة النمل آية: 16] و قال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكّريا إذ قال: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»[سورة مريم آية:5، 6] و قال: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»[سورة الأنفال آية75] و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [سورة النساء آية: 11] و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [سورة البقرة آية180] و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها...؟». انظر تفصيل ذلك في الجزء الأول مع ذكر المصادر و الإسناد.
2- في كتاب البرهان في تفسير القرآن، ج2 ص415 ح2 ط الثالثة مؤسسة الوفاء -بيروت. عن الرضا علیه السلام قال: قوله تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» و خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها وا صطفاهم على الأمة قال فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه قال صلي اللّه علیه و آله و سلم: ادعوا لي فاطمة علیها السلام فدعيت له فقال: يا فاطمة علیها السلام قالت: لبيك يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال: هذه فدك و هي مما لم يوجف عليها بخيل و لاركاب و هي لي خاصة دون المسلمين فقد جعلتها لك لما أمرني الله «تعالى» خذيها لك و لولدك». انظر كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج1 ص233 (الآية الخامسة) انتشارات جهان -طهران.

هل إلى الأنْبِياءِ أُنزِلَ حُكْمٌ *** إرْثُها لايَكُونُ في ابْنَاها؟(1)

أَوْ كَانَ الرَّسُولُ يَبْغِي إِلهاً *** وَاحِداً وَ البَتُولُ تَبْغِي إلها؟

أَمْ دَرَتْ ما لَها مِنَ الفَرْضِ لكِنْ *** طَمَعُ النَّفْسِ بِالمُنَى مَنَّاها

أَمْ تَرَى أَشْكَلَتْ عَلَيها الأَحَادِيثُ *** و فيما ادَّعَتْهُ كانَ اشْتِباها

وَ عَليّ ٌلايَعْرِفُ الحُكْمَ لَمَّا *** عَاجَلَتْهُ شَهَادَةً أَدَّاها(2)

جَرَّ فيها لِقُرْصِهِ النَّارَ وَ السِّبْطانِ *** كَانَا بِالحَقِّ مِنْ شُهَدَاها

ثُمَّ قَالُوا بِامْ أَيْمَنَ لَمْ تُفْصِحْ *** بَيَاناً مميزاً عَجْمَاها(3)

ضَيَّعَتْ عَهْدَ أَحْمَدٍ فِي بَنِيهِ *** وَ غُرُورُ الشَّيْطَانِ قَدْ أَغْراها

أوْصَتِ الطّهْرُ لايُصَلِّي عَلَيْها *** أَحَدٌ مِنْهُمُ لِيَوْمٍ فِنَاها(4)

ص: 244


1- و الأبيات التي تليه إشارة أيضاً إلى خطبة الزهراء علیها السلام ففي الاحتجاج ج1 ص138 ط دار النعمان: «...و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل ملتين لايتوارثان أو لست أنا و أبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم اللّه و الزعيم محمد صلي الله علیه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون».
2- (والأبيات التي تلته) في سليم بن قيس ص211 ط قسم الدراسات الإسلامية -مؤسسة البعثة: «...فقالت: يا أبابكر تريد أن تأخذ منّي أرضاً جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... دعا «أبوبكر» بدواة ليكتب به لها فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لاتكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي فقالت فاطمة علیها السلام: ...عليّ علیه السلام و أم أيمن يشهدان بذلك، فقال عمر: لاتقبل شهادة امرأة أعجمية لاتفصح و أما عليّ علیه السلام فيجر النار إلى قرصته...». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص198 ضمن ح(29).
3- عجماها: إبهاماتها.
4- في كتاب روضة الواعظين، ص168 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: «...ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقّي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله صلي اللّه علیه و آله و لاتترك أن يصلّي علي أحد منهم و لا من أتباعهم و ادفنّي في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار». انظر کتاب بحار الأنوار ج43 ص192 ضمن ح20، «عوالم سيدة النساء» ج2 ص1082 ضمن ح14.

وَ عَلِيٌّ في الأرض لَمَّا تَوارَتْ *** تُرْبَةُ القَبْرِ عَنهُمْ عَفاها

لَمْ تُراعَ البَتُولُ وَ هْيَ مِنَ العِصْمَةِ *** فِيهِمْ بَقِيَّةُ أَبْقَاهَا(1)-(2)

ص: 245


1- ربما يشير إلى الرواية المذكورة في كتاب أمالي الطوسي ص156 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...فقال علي علیه السلام لرسوله (رسول العباس بن عبد المطلب حيث جاء لعيادة الزهراء علیها السلام في مرضها التي توفيت به...) «...إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم تزل ،مظلومة من حقها ممنوعة و عن ميراثها مدفوعة لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لارعي فيها حقّه و لاحق الله «عزّ وجلّ» و كفى باللّه حاكماً و من الظالمين منتقماً...». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص210 ضمن ح38 عوالم سيدة النساء ج2 ص1098 ح21.
2- نقلناها من مجلة تراثنا عدد (12) ص28 و هي ملحمة تربوا على ألف بيت و تسمى هذه الملحمة (فريدة البيان) في مدح النبي الأعظم صلي الله علیه و آله و سلم و عترته الأطهار علیهم السلام و هي على نسق الأزرية أخذنا منها ما يرتبط بالزهراء علیها السلام.

(14) يا كفيل الأيتام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

وَيْحَ قَوْمٍ رَضُوا عَنِ الدِّينِ بِالدُّنُيَا *** فما لِلْقُلُوبِ ما أَعْماها؟

ستَرَاهَا غَداً تُنَادِي ولَكِنْ *** لَيْتَ (لَمْ أتَّخِذْ فُلاناً) نِدَاها

أَيُوَلَّى مَنْ لَمْ يُوَلَّ لِعَجْزٍ *** مِنْهُ تَبْلِيغَ سُورَةٍ وَ أَدَّاها

غاصِبٌ بَضْعَةَ النَّبِي عِناداً *** مُسْقِط للجنين مِنْ أَحْشَاها(2)

رامَ إِحْرَاقَ دَارِها وَ مِنَ اللَّهِ *** تَعالى تَطْهِيرُها قَدْ أَتَاهَا(3)

أسْخَطُوا المُصْطَفَى بما خالَفُوهُ *** في وَصايا قَاصٍ ودَانِ وَعَاها

كُمْ وَ كَمْ بِالبَتُولِ أوْصى جِهاراً *** حَيْثُ أَوْصَى إِلهُهَا بِوَلاها(4)

ص: 246


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- انظر كتاب كشف الغمّة ج1 ص498.
3- رام: قصد. و جاء في كتاب ذخائر العقبى ص24 في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية: 33] نزلت في خمسة في رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
4- في كتاب اعلموا أني فاطمة علیها السلام لعبد الحميد المهاجر، ج2 ص739 قال: قال اللّه «تعالى» «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» التكاثر، 8. أخرج العلامة الألوسي قال و في رواية العياشي أن أبا عبداللّه علیه السلام قال لأبي حنيفة في الآية: ما النعيم عندك يا نعمان؟ فقال: النون من الطعام و الماء البارد، فقال أبوعبدالله : لئن أوقفك الله بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه فقال أبو حنيفة من النعيم؟ قال: نحن أهل البيت علیهم السلام النعيم أنعم اللّه «تعالى» بنا على العباد و بنا ائتلفوا بعد أن كانوا أعداء و بنا هداهم إلى الإسلام و هو النعمة التي لاتنقطع والله «تعالى» سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم سبحانه به عليهم و هو محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم و عترته علیهم السلام(تفسير روح المعاني ج30 ص226 ). و كلمة «أهل البيت علیهم السلام» شمولها لفاطمة الزهراء علیها السلام بالأولوية و الأولية لكلتيهما ثم لأولادها الأئمة الطاهرين علیهم السلام فهي و أسرتها هم المراد ب- «النعيم في هذه الآية الكريمة (فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن، ص 246).

فَاطِمٌ مِنْ مُحَمَّدٍ بَضْعَةٌ بَلْ *** سَخَطِي سُخطها رِضَايَ رِضَاها(1)

فَاحْفَظُونِي يا أَيُّها النَّاسُ فِيها *** فَهِيَ القَصْدُ مَنْ وِ لاقُرباها

لَسْتُ أَنْسى لَمّا أَتَتْ وَ هْيَ ثَكُلى *** يَوْمَ بالإِرْثِ طَالَبَتْ مَنْ زَوَاها(2)

أشبَهَتْ أَحْمَداً أَباها بِمَشْيِ *** وَ حَكَتْهُ فِي نُطْقِهِ و حَکَاها

وَدَّعَتْ وَ العُيونُ عَبْرَى وَقَانِي *** الدَّمْعِ كَالمُعْصَراتِ يَرْوِي ثَراها(3)

أيّها النَّاسُ لاَتَخُونُوا عُهُوداً *** أَوْجَبَ اللَّه وَ الرَّسُولُ وَفاها

أَمِنَ العَدْلِ َكانَ غَصْبُكُمْ إِرثِي *** هَلِ المُصْطَفَى بِذَلِكَ فَاهَا؟

جئتُم بِالخِلافِ حَيْثُ نَبَذْتُمْ *** مابِهِ عَنْ إِلهِهِ جَاءَ طَه

أوْ مَا أَنْبَأَ الإلهُ بِهِ عَنْ *** إِرْثِ يَحْيى لِمَنْ أَرَادَ انْتِبَاها؟

هَلْ أَتَتْ آيَةٌ بِمَنْعِيَ أَمْ هَلْ *** خَالَفَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ أَبَاها؟

أَمْ سِوَانا أَدْرى بِمَا أَنزَلَ *** اللَّهُ بِصُحْفِ فِي بَيْتِنا أَوْحاها

ثُمَّ أَبْدَتْ لَهُمْ كِتابَ رَسُولِ *** اللَّه و في نِحْلَةٍ بِهَا قَدْ حَبَاها

فَنَفَوْها وَ كَذَّبوا فِتْيَةٌ قَدْ *** شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُمْ أَزْگاها

آهِ وا ذِلَّةَ الهُدَى بَعْدَ عِزّ *** وَ انْتِهَاكَ الأسْتارِ بَعْدَ رَخَاها

ص: 247


1- في كتاب كنز العمال ج12 ص111 عنه صلي اللّه علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني، يسعفني ما أسعفها.
2- زواها: نحاها و منعها. و جاء فى كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: إنه (أبوبكر) كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا ؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها فقال مماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقّه.
3- فاني الدمع: أحمره.

فَتَولَّتْ مَكْسُورَةَ القَلْبِ تَدْعُو *** بِأَبيها وَ هَلْ يُفيدُ دُعاها

يَا كَفِيلَ الأيتام أَبْدَتْ رِجَالٌ *** بَعْدَمَا غِبْتَ في الثرى شَحْنَاها(1)

غَصَبَ القَوْمُ نِحْلَتي وَ تُراثِي *** و عَليَّ الأيامُ صَبَّتْ بَلاَها

كُنتُ لاأَخْتَشِي عَظِيمَ الرَّزَايَا *** وَ أَنَا اليوم أنقي أَذْناها(2)

ص: 248


1- شحناء: العداوة التي امتلأت منها النفس.
2- ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ص84.

(15) فريدة في معاليها

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

شَنْفٌ مَسامِعَنا في يَوْمِ ذِكراها *** بِاسْمِ البَتُولِ وَحَدِّثْ عَنْ سَجاياها(2)

مُبَيِّناً بَعْضَ بَعْضٍ مِنْ فَضَائِلِها *** وَ مُبْدِياً جُزْءَ جُزءٍ مِنْ مَزاياها

بِحَسْبِها أَنَّها الزَّهْراءُ فَاطِمَةٌ *** وَ أَنَّها بَضْعَةٌ لِلْمُصْطَفَى طه(3)

مَا لَيْلَةُ القَدْرِ إلا رمزُ رِفْعَتِها *** وَ الشَّمْسُ إلا شعاعٌ مِنْ مُحَيَّاها؟

وَ هي التي فاقَتِ النِّسْوانَ قاطِبَةً *** وَ لَم يَكُنْ لَها مَن فِي الفَضْلِ أَشبَاها

حَبيبَةُ الخَالِقِ البَارَي وَ مَنْ فُطِمَتْ *** مِنَ اللَّظى هِيَ مَعْ مَنْ قَدْ تَوَلآها

وَ اللَّهُ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ طَهَّرَها *** مِنْ كُلِّ رِجسٍ وَ صفَّاهَا وَ أَصْفاها(4)

وَ اللَّهُ كَرَّمَها وَاللَّهُ عَظَّمَها *** وَ اللَّهُ مَجْدَها وَ اللَّهُ أَعْلاها

وَ اللّهُ مِنْ جَوْهَرِ التَّقْدِيسِ أَنْشأها *** وَ في مَجالَي العُلى وَالنُّورِ سَوّاها

ص: 249


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25: سمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت و تقطعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، و لأنها ترجع كل ليلة بكراً. و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً -شنف: زيَّن.
3- انظر ما ورد في كتاب كشف الغمة ج1 ص498: عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم.
4- في كتاب سنن البيهقي ج2 ص150: عن أم سلمة أنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [سورة الأحزاب، آية: 33]. قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام.

لَهَا النَّبِيُّ أَبٌ وَالبَعْلُ حَيْدَرَةٌ *** أَبُو الأَئِمَّةِ وَالسِّبطانِ إِبناها

ماذا أَقُولُ وَفَوْقَ القَوْلِ رُتَبَتُها *** وَاللَّفْظُ يَقْصُرُ عَنْ إِدراكِ مَعْناها

واللَّهُ يَرْضَى بما تَرْضى بهِ وكَفَى *** فَضْلاً ويُؤْذِيهِ ما قَدْ كانَ آذاها(1)

وَالمُصْطَفَى بالعُلَى وَالْمَجْدِ أَوْلاها *** وَقَدْ دَعاها لَهُ أُمّاً فأَسْماها

حَوْراءُ إنْسِيَّةٌ عَذْراءُ زاكِيَةٌ *** فَرِيدَةٌ في مَعالِيها وَتَقْواها(2)

فَلَمْ تَكُنْ (هَاجَرٌ) يَوْماً وَإن عَظُمَتْ *** كَمِثْلِ فاطِمَةٍ قَدْراً ولا جاها

وَبِنْتُ عِمرانَ لا تَرْقَى وإِنْ بَلَغَتْ *** في الفَضْلِ ما بَلَغَتْ مِعْشَارَ مَرْقاها(3)

وَلَمْ يَكُنْ في بَني حَوّاءَ قاطِبَةً *** لَوْلا عَلِيٌّ لَها كُفْؤٌ فَيَغْشاها(4)

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهادِي الّتي عَجِزَتْ *** عَنْهَا العُقُولُ وَفِيها الفِكْرُ قَدْ تاها(5)

صَلَّى عَلَيْكِ إِلهُ العَرْشِ مَا طَلَعتْ *** شَمْسُ الضُّحَى وَجَرتْ فُلْكُ بِمَجْراها

ص: 250


1- في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 72: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم لفاطمة علیها السلام: إن الرب يغضب لغضبك ويرضى لرضاكِ.
2- في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 12 ص 331، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدميّة لم تحض ولم تطمث وإنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن اللّه فطمها ومحبّيها عن النار.
3- في كتاب ذخائر العقبى ص 44 عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم قال: أربع نسوة سيدات سادات عالمهن، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم، وأفضلهن عالماً فاطمة «سلام اللّه عليها».
4- في كتاب كنوز الحقائق للمناوي ص 241 ولفظه: لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ، قال: أخرجه الديلمي.
5- في كتاب خصائص النسائي ص 36 روى بسنده عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم يخطب على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم (أي أنه قد بلغ الحلم) فقال : إن فاطمة علیها اسلام بضعة منّي.

(16) يا كوثر الفضل

(بحر المجتث)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى طه *** يامَن بِها الفِكرُ قَدْ تَاهَا(2)

يا مَن غَدا العَقْلُ مَبْهُوتاً *** حَيْرانَ في دَرْكِ مَعْنَاهَا

يا مَن بَرَاهَا فَأَصْفَاهَا *** رَبُّ البَرايا وَزكّاهَا(3)

وَالمَجْدَ وَالعِزَّ أَوْلاَهَا *** وَالخَيْرَ وَالفَضْلَ أعطَاهَا

يا مَن إلهُ الوَرَى يَرْضَى *** لِكُلِّ مَنْ كانَ أرضَاهَا(4)

ص: 251


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر ص 107: إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يسرنّي ما يسرها.
3- براها: خلقها.
4- روي في كتاب الإصابة لابن حجر ج 8 ص 159: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم لفاطمة علیها السلام: إن اللّه يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ. وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول :[الفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ بين عينيه محباً. فتقول : إلهي وسيدي سميتني فاطمة علیها السلام وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول «عز وجل»: صدقت يا فاطمةعلیها السلام، إني سميتك فاطمة علیها السلام، وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحبّ ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فأشفعك ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنة. بحار الأنوار/ ج 43 ص 14 ح 11.

رَيْحَانَةُ المُصْطَفَى الهَادِي *** عَمَّ الدُّنَى طِيبُ رَيّاهَا(1)

نالَت مِنَ الفَضْلِ أَقْصاهُ *** وَمِنْ ذُرَى المَجدِ أعلاَهَا

زَهْراءُ يا آيَةَ البارِي *** في (لَيْلَةِ القَدْرِ) أَجْلاَها(2)

يا أُسْوَةَ الخَيْرِ وَالتَّقْوَى *** لِكُلِّ مَن يَعْرِفُ اللَّهَ

قَدْ فُقْتِ كُلَّ النِّسا قَدْراً *** اللَّهَ ما أَعْظَمَ الجَاهَا

یا كَوْثَرالفَضْلِ وَالنُّعْمَى *** وافَی بِهِ رَبُّهُ طه

يَا مَن سَمَتْ في مَعالِيها *** وَأعجَزَ الوَهْمَ مَرقَاهَا

ما كانَ أعْلَى مَزَايَاها *** حَقّاً وَأَحْلَى سجَايَاهَا(3)

طُوبَى لِمَنْ قَدْ تَولاّهَا *** وَوَيْلُ مَنْ كانَ عادَاهَا

يا رَبِّ إِنّا تَوَجّهْنَا *** إِلَيْكَ في يَوْمِ ذِكرَاهَا

فآتِنا مِنْكَ ما نَرْجُو *** وَمِن مُنَى النَّفْسِ أَقْصاها

و (ديرةَ الخيرِ) فَاحْفَظْها *** وَفُكَّ يا رَبِّ أَسْرَاهَا(4)

ص: 252


1- الدنى: جمع الدنيا.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 40 ص 44 في حديث طويل عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم. فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش فزهرت المشارق والمغارب بنور فاطمة الزهراء علیها السلام، ولذلك سمِّيت (الزهراء علیها السلام) لأن نورها زهرت به السموات ...
3- سجاياها: طبائعها.
4- 5/ جمادى الثانية/ 1412 ه.

(17) لست أنسى البتول

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الله الوائل الأحسائي(*)(1)

قال هذه القصيدة في مدح ورثاء النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام. وقد جارى بها قصيدة الأزري، وعدد أبياتها (1524) بيتاً، وقد بدأها بالنّسيبِ على ما تعارفه غيره من سائر الشعراء:

هذِهِ رامَةٌ وَهذِي رُبَاهَا *** فَاحْبِسا الرَّكْبَ سَاعةً في حِمَاها(2)

وَأَنِيْخا بها المَطَايا وَمِيلاً *** لِلثَّرَى وَانْشُقَا أَرِيجَ شَذَاها(3)

وَقِفَا بي ولو كَلَوْثِ إِزارٍ *** عَلَّ نَفْسي تَنالُ منها مُناها

واسألالي طُلُولَها عَنْ ظُعُونٍ *** سَارَ قَلْبِي لِسَيْرِها وَتَلاَها(4)

وَأُؤَدِّي لَهَا يَسِيرَحُقُوقٍ *** مِنْ كَثِيرٍ وأَيْنَ مِنّي أَدَاها

بِمَغَانٍ حَوَتْ حِسَانَ غَوَانٍ *** تَتَوارى الشُّمُوسُ حَوْلَ ضِيَاها(5)

مِنْ ظِباءٍ کَوَانِسٍ بِخُدورٍ *** حَجَبَتْها لُيُوثُها بِظُبَاها(6)

ص: 253


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- رامة: مستنقع يجتمع فيه الماء، موضع في البادية.
3- أنيخا: أبركا. الأريج: مصدر أرج، يقال أرجَ أرجاً وأريجاً وتأرّجَ: فاضت منه رائحة طيّبة فهو أَرج. والشذا: قوة ذكاء الرائحة.
4- ظعون: رواحل.
5- المغاني: جمع مغنى: المنازل، يقال ضربت مبانيهم وخلت مغانيهم. الغواني: جمع غانية: هي المرأة المتزوجة، أو الجارية التي غنيت بحسنها وجمالها. تتوارى: تختفي.
6- يقال: تكنس الظبي: تغيِّب واستتر في كناسه، والكناس هو بيت الظبي وكنّى الشاعر هنا بالحسان من النساء المصونات في بيوتهن بالظباء الكوانس.

يا خَلِيلَيَّ لاتَلُوما خَلِيعاً *** خَلَعَتْ نَفْسُهُ غَرَامَ سِوَاها(1)

وَاسْعِدَانِي سُعِدْتُما في غَرَامِي *** إِنَّ خَيْرَ الصِّحَابِ أَهْلُ وَفَاها

أَوْدَعَاني بِها أَبُثُّ شُجُوناً *** كَلَّمَتْ مُهْجَتي حُدودُ مُدَاها(2)

أَنَا فيها مُتَيَّمٌ وَغَرَامِي *** شَاهِدٌ أَنَّنِي قَتِيلُ هَوَاها؟

كيفَ تَهْوَى المُلاَمَ نَفْسُ مُعَنًّى *** كَثْرَةُ اللَّوْمِ في الهَوى أَغْراها

مالِنَفْسِي ولِلسُّلُوِّ وَهَذَا *** دَمُها أَهْرَقَتْهُ سِرْبُ دُمَاها(3)

صَبَّرَتْهُ خِضَابَها لأَكُفٍّ *** وَخُدودٍ قَضَيْتُ مِنْ قُبْلاَها

لَسْتُ أَنْسى وَكَيْفَ أَنْسى زَمَاناً *** قَدْ تَجَلَّتْ أَيَّامُهُ بِصَفاها؟

إلى أن يقول:

وزَوى نِحْلَةَ البَتولِ وَعَنْ إِرْثِ *** أَبِيها النَّبِيِّ قَدْ أَقْصَاها(4)

وَعَلى دَارِها دَارَها حَرِيقَ *** النَّارِ في عُصْبَةٍ له أَغْراها(5)

ص: 254


1- الخليع: جمع خلعاء: الخبيث الذنب، أو الرجل يجني الجنايات يؤخذ بها أولياؤه فيتبرّأون منه ومن جنايته ويقولون: إنّا خلعنا فلاناً، فلا نأخذ أحداً بجناية تجنى عليه، ولا نُؤاخذ بجناياته التي يجنيها، وكان يسمّى في الجاهلية الخليع. ويطلق لفظ الخليع على الضعيف أيضاً، ولعلّه المراد للشاعر، ويريد أنّ نفسه ضعفت أمام حبّها ولم يستطع كتمه.
2- المُدى: جمع مُدية: وهي الشفرة، سُمِّيت كذلك لأنّ بها انقضاء المدى.
3- الدُّمى: جمع دمية: الصور المزيّنة فيها حمرة كالدم الصنم.
4- زوى: جمع وقبض. النِّحلة : العطيّة والهبة، والضمير يرجع إلى أبي بكر الخليفة الأول، وموضوع النحلة التي ذكرها الشاعر يرتبط بفدك التي أنحلها النبيّ لابنته فاطمة علیها السلام لأنها مما لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب، فهي خالصة له بعد أن صالحه اليهود على النصف منها ولهم النصف الباقي عوض عملهم فيها، فأعطى الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم ما له من فدك لابنته فاطمة علیها السلام، وكان ذلك في السنة السابقة لهجرة النبيّ صلی اللّه علیه و آله وسلم راجع موضوع فدك: (ابن أبي الحديد في كتاب الإمام علي علیه السلام لابن حنیف عند قوله «بلى، كانت في أيدينا فدك .. الخ»)، وانظر (معجم البلدان للحموي ج 4 ص 238) وغيرها.
5- حديث النار التي أضرمت بباب الزهراء علیها السلام مما استفاضت به الروايات والأخبار، انظر (الإمامة والسياسة لابن قتيبة)، وجاءت العبارة هكذا: (وإن أبا بكر(ره) تفقد قوماً تخلَّفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب علیه السلام «كرّم اللّه وجهه»، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي علیه السلام، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بیده لتخرجنَّ أو لأحرقنّ على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال وإن !!؟ انظر الكتاب المذكور ص 19 مؤسسة الحلبي - القاهرة.

أُمُّها أَدْلَمٌ وأَدْلَمُ لازالَ *** في كُلِّ فِتْنَةٍ أَوْلاها(1)

لا رَعَى اللَّهُ أَدْلَما أيُّ دارٍ *** رَاعَها بِاللَّظَى وما رَاعَاها(2)

تِلكَ دَارٌ عَزَّتْ لَدَى اللَّهِ شَأْناً *** وبِتَنْزِيلِ وَحْيِهِ قَدْ حَباها

تِلكَ دارٌ بها نَشَا أَصْلُ طُوبَى *** وَالبَرَايَا تَعِيشُ في أَفْيَاها(3)

تِلكَ دارٌ حَوَتْ نُفُوسا إِذَا مَا *** نُمِيَتْ لِلنَّبِيِّ كانَ انْتِماها(4)

وَهْيَ في الأَرْضِ خِيرَةُ اللَّهِ فِي الخَلْقِ *** وَاللُّطْفُ الخَفيُّ في إِبْقاها(5)

حَيْدَرٌ والبَتُولُ فَاطِمَةُ الطُّهْرُ *** وُغُرُّ الوُجوهِ مَنِ ابْناها

أَمِنَ العَدْلِ أَنْ تُشَبَّ عَلَيْها *** النَّارُ وَاللَّهُ قَدْ أَعزَّ حِمَاها؟

أيُّ نَارٍ أَورى عَلَيْها لأَمْرٍ *** حَسْبُهُ أَنَّهُ غَداً يَصْلاها(6)؟

تِلكَ نارٌ مِنْ وَقْدِها مَالِكُ النَّارِ *** عَلى أَهْلِها بِهِ أَوْراها

لَسْتُ أَنْسى البَتُولَ حينَ أَتَتْهُ *** وَمِنَ الرَّوْعِ قَدْ أُرِيعَ حِجاها

تَبْتَغِي رَأْفَةً فلم تَرَ الاّ مِنْهُ *** ضَرْباً بهِ وَهَتْ جَنَباها(7)

مِنْهُ أَلْقَتْ جَنِينَها وَهْوَ لَمَّا *** يَرْعَوِي مِن فَظِيعةٍ قَدْ نَحَاها(8)

وجَرى ما جَرَى بِحَيْدَرَةٍ مِنْ *** مُفْظِعَاتٍ لَمْ أَسْتَطِعْ إِمْلاَها

ص: 255


1- أدْلم: الحية السوداء.
2- اللظى: النار.
3- أفياها: أفياءها، أَيْ ظِلالها.
4- انتماها: انتماءها.
5- إبقاه: الأصل: إبقاءها خُفِّفتْ للضرورة كما فيما سبقها أو ما سيلحقها.
6- أوْرى: أَشعل، يصلاها: يدخلها ويشوى فيها.
7- وَهَتْ: ضَعُفتْ و أوهنتْ.
8- جنينها: هو محسن الذي أسقطته بسبب عصرة الباب.

يَا لَقَوْمِي مِنْ مِحْنَةٍ أَوْرَثَتْنا *** ثَلْمَةٌ لَيْسَ يَلْتَقِي طَرَفَاها

أَبهَذا أَوْصى النَّبِيُّ بأَنْ تُؤذَى *** ذَرُوهُ الكرام في دُنْيَاها؟

أَبِنَصُ الكِتَابِ قَدْ خَصَّها اللَّهُ ***بِهَذا دُونَ الوَرى وَقَلاها؟

وِلتَيْمِ الوَلاَ وَ رِجْسِ عَدِيٌّ *** وَ هُمَا الأشْقَيانِ في أشْقِياها

زَحْزَحًا صِنْوَهُ اللَّصِيقَ وَداقا *** بَعْدَهُ لِلبَتُولِ ما أَضْناها(1)

أَوَمَا قَالَ أَحْمَدُ الظُّهْرُ فيها *** فَاطِمٌ بَضْعَتِي مِرَاراً حَكَاهَا؟(2)

فَرِضَاها رِضَايَ في كُلِّ حَالٍ *** وأَذائِي مُسْتَجْلَبٌ مِنْ أَذاها

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَجَرَّى عَلَيْها *** وَ رَعَى اللَّهُ مُؤْمِناً رَاعَاها

بِأَبي دُرَّةُ الجَلالَةِ في سُوقِ *** البَلاَيا بِهِنَّ كَانَ اشْتَراها

دُرَّةٌ قَدْ عَلَتْ لَدَى اللَّهِ شَأناً *** وَ بِحُسْنِ الحِفَاظِ تُسَامُ في بَلْوَاها(3)

بَعْدَمَا أُودِعَتْ لَدَى صَدَفِ الحِكْمَةِ *** أَضْحَتْ تُسامُ في بَلْوَاهَا

جَلِيَتْ بَيْنَ كُلِّ وَغْدٍ دَنِيَّ *** وَ عَزِيزٌ عَلَى الجَلالِ جَلاها

حَجَرُ الحِكْمَةِ الَّذِي مِنهُ سَالَتْ *** أَعْيُنُ أَنْعَمَ الوجودَ نِدَاها(4)

كُنيَتْ في الوَرَى بِأَمْ أَبيها *** حَسْبُها سُؤدداً بهِ وكَفَاها(5)

ص: 256


1- الصُّنو: الأخ الشقيق. داق: حَمِقَ، وداق الطعام: ذاقه و أداق القومُ به: أحاطوه، الدُّوق: الحمق، داق:هزِلَ.
2- هذا البيت يفيد قول الرسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم في فاطمة الزهراء علیها السلام و حيث إنه قال: (فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يريبني ما أرابها). و جاء عن البخاري أيضاً بسنده إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: (فاطمة علیها السلام بضعة منّي يغضبني ما يغضبها). قال النبهاني: و في رواية «فمن أغضبها فقد أغضبني». راجع كتاب الإصابة ج4 ص366، و حلية الأولياء ج2 ص40، و سنن ابن ماجة ج1 ص644، و كنز العمال ج12 ص107 و 112، و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122 ، و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ص14، و مسند أحمد ج2 ص442.
3- تُسام: تُعرض، تُذلّ.
4- أَفْعَمَ: مَلأَ.
5- قال العلامة: ابن شهر آشوب (رحمه الله علیه)... و كناها أم الحسن و أم الحسين و أم المحسن علیها السلام و أم الأئمة، و أم أبيها. راجع المناقب ج3 ص357. و عن الأربلي قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم يعظَّم شأنها و يرفع مكانها و كان يُكنّها بأم أبيها علیها السلام... راجع كشف الغمة ج1 ص462، و المستدرك للحاكم ج3 ص51 و 161، و جامع الأصول ج9 ص145، و مجمع الزوائد ج9 ص201 و 202، و كنز العمال ج13 ص674 و طبقات ابن سعد (1938م)، و حلية الأولياء ج2 ص39، 43 و أسد الغابة ج7 ص220.

فَطَمَتْ مَنْ أَحَبَّها مِنْ لظى النَّارِ *** وَ اللَّهُ فَاطِماً أَسْمَاها(1)

وَ بِزَهْرَاءٍ لُقِّبَتْ حَيْثُ أَنْ قَدْ *** أَزْهَرَ الكَوْنُ مِنْ جَمَالِ بَهَاها

بِأَبِي وَ البَنِينَ وَ النَّفْسِ مِنِّي *** أَفْتَدِيها وَ قَلَّ مِنِّي فِداها

يَوْمَ جَاءَتْ أَبا الشرورِ وَ فِيها *** قَبَسَاتُ الأَسَى تَشُبُّ لَظَاها(2)

قَدْ اَلَمَّتْ بِقَلْبِها زَفَراتٌ *** قَلَّبتْها على مَقَالِي جَوَاها(3)

زَفَراتٌ بِقَلْبِها كَرَبَتْ أَنْ *** تَنْسِفَ الكائناتِ في أَفْنَاها

لَكِنِ اللَّهُ بِالوَصِيِّ عَلِيٍّ *** وَ بِشِبْلَيْهِ وَ البَتُولِ وَقَاها

تَشْتَكِي وَ المُهَاجِرين مَعَ *** الانْصارِ قَدْ أَحْدَقَتْ به زُعماها(4)

وَ تُنَادِي بِهمْ وَ كُلُّ لَدَيْها *** مُظرِقٌ لايَعِي بَليغَ نِدَاها

ص: 257


1- مفاد هذا البيت يشير إلى ما جاء عن ابن عباس أنه قال : (لما وُلدت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سماها المنصورة، فنزل جبريل فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم اللَّه يقرئك السلام و يقرىء مولودك السلام و هو يقول: ما وُلد مولود أحبَّ إلي منها و أنها قد لقبها باسم خير مما أسميتها، سماها فاطمة علیها السلام لأنها تفطم شيعتها من النار). و للاستيفاء من هذا المعنى يمكن مراجعة، ميزان الاعتدال ج2 ص400 و ج3 ص439 و لسان الميزان ج3 ص267، و هناك أحاديث مستفيضة في هذا الشأن على من طلبها مراجعة المناقب للمغازلي ص221 و 229 الحديث 403 و الحديث 416، و ينابيع المودة ج2 ص19 و ص20 و كنزالعمال ج6 ص219.
2- الأسى: الحزن، اللظى: النار.
3- مقالي: المراد هنا: أعماق و المقالي : جمع المَقْل: أسفل البئر، ما يكون أسفل البئر من تراب، و حصى موضع المغاص في البحر.
4- إشارة إلى خطبتها علیها السلام بين المهاجرين و الأنصار و هي موجودة في الكثير من المصادر منها المحجة لابن طاوس ص124 و الجوهري البصري البغدادي في السقيفة، و فدك ص105. و تفصيلها في الجزء الأول فراجع.

أَيُّهَا النَّاسُ كَيْفَ أُظْلَمُ فِيما *** بَيْنِكُمْ نِحْلَتي وَ إِرْثِي شِفَاهَا

وَ بمَرْآكُمُ جَمِيعُ اهْتِضَامي *** مِنْ مُرِيدَيْنِ أَقْصَياني سَفاها(1)

أَبِهَذا أَوْصاكُمُ اللَّهُ فِينَا *** و أَبِي لي وَصِيَّتي أَخْفاها؟

وَ بِأَمِّ الكِتَابِ أَنْزَلَ «قُلْ لا» *** وَ هْيَ فينا وَ كُلُّكُمْ قَدْ تَلاها

وَ بِإِرِثِي يقولُ «يُوصِيكُمُ اللَّهُ» *** وَ كُلُّ الوَرَى بِهَذِي عَنّاها

لِمَ أَبْتُرُّ ما لَدَيْكُمْ تُراثِي *** وَذِهِ النَّاسُ أَوْرَثَتْ آباها؟(2)

أوْ تَقُولُونَ إِنَّنَا أَهْلُ دِينٍ *** لَيْسَ مِنْ دِينِكُمْ وَذَا أَدْهَاها

أَأَبِي قَالَ دِينُ آلِي فِيكُمُ *** مِلَةٌ وَحْدَها وَ دِينِي سِواها؟

أوْ تَقُولون إِنَّ آل النَّبِيِّينَ *** مِنْ بَيْنِها قَدِاسْتَثناها

آيَةٌ خَصَّتِ الأباعِدَ بِالإرْثِ *** وَ لِلآلِ نَضُها أَقْصَاها

أَوَمَا قَدْ أَتى بايَةِ دَاوُودَ *** بأَنْ قَدْ تَوَرَّثَتْ أَبْنَاها؟(3)

وَ بِأَخرَى مُذْ قَدْ دَعَا زَكَريَا *** رَبَّهُ دَعْوَةٌ له أَخْفَاها

أَوَمَا قَالَ رَبِّ هَبْنِي وَلِيّاً *** وَ جَمِيعُ الوَرَى وَعَتْ مَعْناها؟(4)

أَمْ هُما في الأَنامِ غَيْرُ نَبِيَّيْنِ *** لَهُمْ وَ النُّبُوَّةَ ادَّعَياها

وَ الكِتَابُ المُبينُ أَعْرَبَ عَنْ أَنَّهما *** مِنْ إِلهِهِ انْتَحلاها

أنْصِفُونِي فَإِنَّني ابْنَتُهُ دُونَ *** رِجالاتِكُمْ وَ كُلِّ نِساها

وَإِذا ما أَبَيْتُمْ غَيْرَ هَضْمِي *** لِمُضِلَّيْنِ بُلْغَتِي انْتَزَعاها

حَكَمَ اللَّهُ وَ الخَصِيمُ أَبِي والسِّجْنُ *** نَارٌ تَرَوْنَ حَرَّا أَصْطِلاها

ص: 258


1- أقصياني: أبعداني. سفاهاً: جهلاً.
2- ابْتُزَّ: سُلِبٌ قهراً.
3- هي قوله تعالى: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» [سورة النحل، آية: 16].
4- هي قوله تعالى: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»[سورة مريم، آية: 6].

فَأَصَرُّوا وَاسْتَكبَرُوا اسْتِكْباراً *** كَالسُّكَارَىٰ وَ لَمْ يَعُوا دَعْواها

جَرَّعُوها مِنَ الجَفَا غُصَصاً قَدْ *** أَوْرَدَتْها بورْدِهِنَّ جَفاها(1)

يَا أَخِلَّايَ فَاعْجَبُوا مِنْ نُفوسٍ *** بَذَلَتْ جُهْدَها بِمَحْضِ جَفَاها

لم يَفِدْ وَ عْظُها بها وَ هُيَ فيها *** شَابَهَتْ بَعْلَها تُقَى وَ أَبَاها

وَ كَفَاهَا بِأَنَّها هِيَ إِحْدَى كُبَرٍ *** أَنْذَرَتْ بها عَنْ غَواها

قَدْ زَكَتْ ذَاتُها وَ لَوْلاً زَكَاها *** ما مِنَ الرِّجْسِ رَبُّها زَكَّاها(2)

وَ هيَ فيها مواقع لِنُجومٍ *** نُورُها مُشْرِفٌ عَلى أَرْجاها

قَدْ تَجَلَّتْ جَلالةُ اللَّهِ فيها *** لِلبَرايا فَطابَ فيها اجْتِلاها

فَهْيَ قرآنُهُ الكَريمُ وَ تَفْصِيلٌ *** لآياتِ الهُدَاةِ مِنْ أَبْناها

قَسَماً بالسَّمَا َو رَبِّ بَناها *** وَ مِهَادٍ مِنْ تَحْتِها قَدْ طَحاها(3)

وَ جِيادٍ ضَوايحٍ شامِسَاتٍ *** بِسُرَاتٍ تَدَرَّعتُ بإباها(4)

ص: 259


1- يا أخلاي: بمعنى يا أخلائي. بمحض: بخالص.
2- يشير إلى قوله «تعالى»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». [سورة الأحزاب آية: 33] و لقد جاء عن طرق العامة و الخاصة ما يؤكد أن هذه الآية نزلت في أهل البيت من آل الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و هم الخمسة أصحاب الكساء فلقد ورد في صحيح الترمذي ج5 ص30 و ص328 مسند ابن حنبل و ج5 ص25 مستدرک الحاكم، عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في بيت أم سلمة (رحمه الله علیه) فدعا النبّي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فجللهم بكساء و علي خلف ظهره، ثمَّ قال: هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. قالت أم سلمة و أنا معكم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قال: أنت مكانك و أنت على خير و للاطلاع على المزيد في هذا المضمار يُراجع كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209 و ج2 ص308، و أسد الغابة ج 2 ص وج 4 ص 29 ومشكل الآثار للطحاوي ج 1 ص 335، ومستدرك الحاکم ج3 ص133 و ص146 وص147،و تهذيب التهذيب ج2 ص297.
3- مهاد: أرض، طحاها: بسطها.
4- الضوابح: الخيلُ في عدوها أسمعت من أفواهها صوتاً ليس بصهيل و لاحمحمة. الشامس من الخيل: الذي يمنع ظهره، و لايمكن أحداً من ركوبه أو إسراجه، و جمعه شُمُس وَ شُمْس.

وَ مَهارِ بِسَيْرِها رَاقِصَاتٍ *** وَ إِلَى البَيْتِ سَيْرُها وَ سُرَاهَا(1)

إِنَّ تلكَ النُّفُوسَ أَمْرَضَها الكُفْرُ *** وَ أَعْيَا الطَّبِيبَ منه دَواها

أنْفُسٌ ذُو الجَلالِ لَمْ يَخْلُقِ النّيرَانَ *** إلالَهَا لِكَيْ تَصْلاها

عُذْيَتْ مَنْ إلى الدَّواهِي وَ مِنْ *** أَخْلافِ أَخْلاقِهِ بما قَدْ دَهاها(2)

شَارَكَتْهُ بما جَنِّى وَ هُيَ مَعْ ذا *** تَدَّعِي أَنَّها أَصابَتْ هُداها

ما لها وَ الهُدَى وَفي ظُلْمَةِ الجَهْلِ *** أَبُوجَهْلٍ كُلّها أَهْواها

ذاتُ سُوءٍ تَذَوَّتَتْ كُلَّ ذاتٍ *** مِنْ ذَواتِ الصّلالِ مِنْ طِخْياها(3)

مُجْرِياً ظُلْمَهُ على كُلِّ نَفْسٍ *** مِنْ لَدُنْ آدمٍ إلى مُنْتَهَاهَا

ظُلُماتٌ أَبْعَاضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ *** وَ عَلَيْهِ اسْتَدارَ لُجُّ عَمَاها(4)

كَيْفَ يُرْجَى خَلاصُهَا وَ هْيَ مِنْهُ *** كُوَّةٌ تَسْتَمِدُّ مِنْهُ اسْتِواها

ضاقَتِ الأَرْضُ مِنْ دَواهِيهِ حَتَّى *** عُدَّ مِنْها لأَنَّهُ مُسْتواها

وَ مُذِ اسْتَكْمَلَتْ لَهُ دَرَكَاتٌ *** فِي لَظَى ثُمَّ آنَ أَنْ يَلْقاها

نَصَّ بِالأمْرِ في الخِلافَةِ لِلرِّجْسِ *** أَخِيهِ وَ عَنْ عَلِيٍّ لَوَاهَا

عَجَبٌ مَا أَتَى وَ أَيُّ عَجيبٍ *** وَ هْيَ حال قَدْ أَعْجَبَتْ مَنْ وَعاها

هُوَ بِالأمس مُنْكِرُ خِيرَةَ الرُّسل *** بِإِيصاء مَنْ لَهُ يُعْطاها(5)

ص: 260


1- سُراها: سيرها بالليل.
2- الدواهي: المصائب، نوائب الدهر.
3- تَذَوَّتتْ: اتصفت بالذات. طخياها: الطخياء من الليالي: المظلمة، الطاخية: الظلمة الشديدة.
4- لُجَ: مُعْظم.
5- يلمح إلى وصايا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بشأن خلافة الإمام علي علیه السلام و أبرزها خطبته في غدير خم المشهورة التي جاء فيها ما يلي (... يا أيها الناس إن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه -يعني علياً علیه السلام- اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. هذا لفظ الحديث عن الطبراني و ابن جرير و الحكيم الترمذي عن زيد بن أرقم و قد نقله ابن حجر عن الطبراني و غيره بذات اللفظ فراجع ص25 من الصواعق، و راجع خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدرية و ص21 ط التقدم بمصر و ص35 ط بيروت. و المناقب للخوارزمي الحنفي ص93 ط الحيدرية، و الغدير للأميني ج1 ص30.

وَ هُوَ أَوْصى بها إِلَيْهِ وَ لَمَّا *** يَدَعَ النَّاسَ تَقْتَفِي أَهْواها

لَيْتَ شِعري أهذهِ سُنَّةٌ كانَ *** أزكى العِبَادِ قَدْ أَخْطاها؟

وَ هُوَ فيها اهْتَدى وَ أَحْمَدُ في النَّاسِ *** مِنْ قَبْلُ ضَلَّ عَمَّا أَتَاها

إِنْ تَكُنْ سُنَّةٌ مِنَ اللَّهِ فَاللَّهُ *** بِهِ لِلْعِبادِ قَدْ أَجْرَاها

وَمَتى أَبْصِرَ النَّبِيُّ دَعَا النَّاسَ *** لأَمْرِ و نَفْسُهُ يَنْهاها

يَا لَقَومِي لِمَاجَنَاهُ عَدِيٌّ *** مُذْ علی کَوْرِها اسْتَوی بِوَلاها(1)

فَلَكَمْ سُنَّةٍ بها عَفاها *** وَ أَبَاطيلَ قَدْ أَشَادَ بِنَاها

بَاذِلاً جُهْدَهُ بإِخفاءِ أَحْكامِ *** نَبِيَّ الهُدَى بِجَعْلِ سِوَاها

وَ بِآلِ النَّبِيِّ لازالَ يُغْرِيِ *** النَّاسَ مِنْ بُغْضِهِ عَلى بَغْضاها

مُسْتَطِيلاً بِحِفْظِها وَ إذا مَا *** أَمَّهُ مُعْضِلٌ أَبَانَ عُلَاها(2)

وَ مِرَاراً يَقولُ لَوْلاً عَلِيٌّ *** عُمَرٌ هالِكٌ كَثِيراً حَکَاها(3)

وَ هْيَ منه جَرَتْ بِغَيْرِ اخْتِيِارٍ *** لَكِنِ اللَّهُ مِنْهُ قَدْ أَبْدَاها

لِتَرَى فِرْقَةٌ قَدِ ائْتَمَنَتهُ *** دِينها أَنَّها عَدَتْ مَنْجاها

ص: 261


1- الكوْر: الجماعة الكثيرة أو القطيع من الإبل و البقر-هذا بالفتح- و أما بضم الكاف فهو موضع الزنابير أو مجمره من طين. و الكُور -بالضم أيضاً- رحل البعير- أو الرحل بأداته.
2- معضل: الأمر المشكل المستغلق.
3- و في هذا المعنى يقول الصاحب بن عباد: هل مثل قولك إذ قالوا مجاهرةً؟ *** لولا عليّ هلكنا في فتاوينا و هو قول عمر بن الخطاب (لولا علي لهلك عمر) فلقد تكرر مثل هذا المعنى عنه فلقد قال مرّة ... (لا أبقاني اللَّه بعد ابن أبي طالب)، و قال أيضاً (يا أباالحسن علیه السلام لاأبقاني اللَّه لشدةٍ لستَ لها في بلدٍ لستَ فيه) و للاطلاع على التفاصيل لمن أرادها يمكن مراجعة الرياض النضرة ج3 ص166 و ذخائر العقبى ص80-82 ، و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ط بيروت (1981م) مؤسسة أهل البيت علیهم السلام ص134-138.

لَمْ يَزَل هكذا إلى أَنْ أَجابَتْ *** نَفْسُهُ في اللَّظى دَواعِي شَقَاها

ثُمَّ في صُحْبَةٍ أَشَارَ لِشُورَى *** فَأَشارَتْ بِبَغْيِها شُورَاهَا

أَنْ يكونَ الزَّعِيمُ فيها ابنُ عَفَّانَ *** وَ مَا أَبْصَرَتْ بِسَيْلِ خَطاها

جَعَلَتْ حَيْدراً بها وَاحِداً مِنْها *** وَ عَنْهُ قَدِ اسْتَدارَتْ سِفاها

لَمْ تَدَعْهُ بها سِوَى لِلمُمارَاةِ *** بِهِ فَاسْتَبانَ فِيه مُرَاها(1)

فَسَعَى نَعْثَلٌ بها سَعْيَ مَنْ كَانَ *** مِنْ قَبْلِهِ وَ بَعدُ جَفَاها(2)

وَ بِهَا قَرَّبَ الأباعِدَ مِمَّنْ *** كانَ طَهَ عن دِينِهِ قَدْ نَفاها

مِثْل مَرْوانَ وَ الطَّلِيقَ ابْنَ سُفيانَ *** مع آلِهِ وَ هُمْ طُرَدَاها

ثُمَّ أَفضَى لها الخِلافَةَ سِرّاً *** لِيَكِيدَ الهُدَاةُ مِنْ أُمَنَاها

فَاسْتَطالَتْ لها القُرودُ على الأشدِ *** وَ مَنْ قَبْلُ أَحْمَدُ قَدْ رآها(3)

وَ هْيَ تَنْزُو بِظُلْمِها فَوْقَ أَعُوادِهِ *** عَدْراً قَدْ حَمَّ مِنْها أَذَاها

بَلْ هِيَ الدَّوْحَةُ التي لَعَنَ اللَّهُ *** و فِي الذِّكْرِ مَقْتُهُ قَدْ عَناها

ماسمعناخَليفةً لِنَبِيَّ *** قَطُّ أَعْدَاهُ غِيرَةً أَدْنَاهَا(4)

ص: 262


1- المُماراة و المُرى: الجدال و النزاع و اللِجاجة.
2- نعثل: شيخ أحمق.
3- يشير إلى رؤيا رآها النبي صلي الله علیه و آله و سلم في بني أمية فلقد جاء في الدر المنثور... أخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي علیه السلام أن رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم أصبح و هو مهموم فقيل: مالك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال: (إني أريتُ في المنام كأنَّ أمية يتعاورونَ على منبري هذا، فقيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لاتهتم فإنها دنيا تنالهم فأنزل اللَّه «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ» و فيه عن ابن أبي حاكم عن ابن عمر أنّ النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: رأيتُ وُلدَ الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، فأنزل اللَّه في ذلك «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ»: يعني الحكم و ولده. راجع ج3 ص148 من تفسير الميزان للطباطبائي.
4- ديوان الوائل الاحسائي ج1 ص72.

(18) فضائل الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذة عزيزة صندوق

نُورٌ أَضَاءَ الكَوْنَ لايَتناهى *** باهَتْ بِطَلْعَتِهِ السَّماءُ وَ طَهَ

حَقَّتْ بِمَهْدِ النُّورِ أَفْضَلُ نِسْوَةٍ *** حَنَّتْ مَلائِكُ ربِّنا تَلْقاها(1)

وَ تَعطَّرَتْ أرْجاءُ مَكَّةَ وَ ازْدَهَتْ *** أَرْضُ الحِجَازِ بِهَا وَ طَابَ ثَراها

أَلحورُ تُهْرِقُ كَوْثَراً مِنْ خُلْدِها *** وَ اللَّهُ أَحْسَنَ صورَةٍ أَعْطاها(2)

اللَّهُ أَكْبَرُ فاطِمٌ قَدْ أَقْبَلَتْ *** مَلأ الدُّنا وَ الخافِقَيْن سَناها

صِيغَتْ مِنَ الأَنْوَارِ تُبْهِرُ مَنْ رأى *** فَأَتَتْ فَريدَةَ دَهْرِها بِبَهاها

في يَوْم مَوْلِدِها السّلامُ لِفَاطِمٍ *** وَ مَحَبَّةٌ مِنْ مُهْجَتِي أَقْراها

رُبِّيتِ في كَنَفِ النُّبُوَّةِ و التُّقى *** تَحْمِيكِ عَيْنُ خَديجَةٍ وَ دُعاها

تَرجو إله العرشِ حِفْظُكِ مِنْ أَذِى *** وَ هُوَ العَلِيمُ بهَمْسِهَا وَ هَواها

ص: 263


1- (الأبيات التي تليه) في كتاب أمالي الصدوق، ص475. «... لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أُخت موسى بن عمران بعثنا اللَّه إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها و أُخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها إلا أشرق فيه ذلك النور و دخل عشرة من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة و إبريق من الجنة و في الإبريق ماء من الكوثر...».
2- تُهرِق: تُريق.

تَرويكِ مِنْ فَيْضِ المَحَبَّةِ نَهْلَةً *** وَ تَشُمُّ نَحْرَكِ كَيْ تَبَلَّ صَدَاها(1)

وَ مُحَمَّدٌ يُؤْوِيكِ بَيْنَ ضُلُوعِهِ *** وَ النَّفْسُ تَسْكُنُ إذ رأَتْ مَأَواها(2)

شَرَفٌ تَفَضَّلَتِ السّماءُ بِمَنْحِهِ *** خَيْرَ النّساءِ فَتُوجَتْ بِعُلاها

هِيَ كَوْثَرٌ حُورِيَّةٌ صِدِّيقَةٌ *** بَلَغَتْ كمالَ الخَلْقِ في مَحْياها

مَنْ كَالبتول بِنُسْكِها وَ عَفَافِها *** مَنْ مُثلُها في زُهْدِها وَتُقاها؟(3)

مَنْ هاجرتْ وَالدِّينُ قائِدُ رَكْبِها *** وَ البِشْرُ وَ الإيمانُ في مَسْراها؟

مَنْ قَدَّمَتْ للدِّينِ خِيرَةَ وُلْدِها *** أَعْطَتْ وَ لَمْ تَغْتَر فِي دُنْيَاهَا؟

عِلْمٌ و حِلْمٌ عِفَةٌ وَ مُروءَةٌ *** وَ الصَّبْرُ في اللأَوَاءِ بَعْضُ سَماها(4)

لاغَرْوَ إِنْ هِيَ كَابَدَتْ أَوْ عُذِّبَتْ *** فَالنَّصْرُ لِلإِسْلام كُلُّ مُناها

العِلْمُ يَنْهَلُ صافياً مِنْ نَبْعِهِ *** وَ الوَحْيُ يَهْبِطُ كَيْ يُعَلِّمَ طَه

فسَقاهُ ربِّي مِنْ بُحورِ عُلومِهِ *** وَ مُحَمَّدُ لِبَتُولِهِ لَقَّاها

وَ اخْتَارَ رَبُّ العَرْشِ أَفْضَلَ خَلْقِهِ *** فَامْتَازَ رَبِّي بَعْلَها وَ أَباها

قَدْ بَارَكَ الرّحمن آل المُصْطَفَى *** فَمُحالُ أنْ تَلْقَى لَهُمْ أَشْباها

ص: 264


1- صداها: المُراد هنا: عطشها.
2- جاء في «حلية الأولياء» ج6 ص123: «كان يعجبه صلي الله علیه و آله و سلم و إذا قدم أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتى فاطمة علیها السلام فبدأ بها قبل بيوت أزواجه فاستقبلته فاطمة علیها السلام و جعلت تقبل وجهه وعينيه».
3- جاء في كتاب مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي، ص8 و الدر المنثور ج6 ص261: «عن جابر أن رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم رأى على فاطمة علیها السلام كساء من أوبار الإبل و هي تطحن فبكى و قال: يا فاطمة علیها السلام إصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً، و نزلت: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى».
4- في كتاب الأصول من الكافي، ج1 الأول ص460 ح6 ط الرابعة (1401 ه-) دار صعب و دارالتعارف -بيروت. «...عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم فسماها فاطمة علیها السلام ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث. ثم قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها اللَّه بالعلم و عن الطمث في الميثاق».

وَ مُقَدّرٌ في عِلْمِ غَيْبِ إلهِنا *** هُمْ سادَةُ البَطْحاء مُنْذُ دَحاها(1)

زَهْراءُ رُوحِي وَ هْيَ بَضْعَةُ أَحْمَدٍ *** يَأْوِي لها يُؤْذِيهِ مَنْ آذاها(2)

أَعْطَتْ سِنينَ حَياتِها إِسلامَها *** وَ يَزِيدُ عَنْ ذاكَ العَطَاءِ جَزاها(3)

فَسَقَى هَوَاهُ دَماً لِفِلْذَةِ قَلْبِها *** وَ رَمَى بِظَاهِرِ جِلَّقٍ أسْراها(4)

لالَنْ تَكونَ فواطم أسطورَةٌ *** أَوْ صَفْحَةٌ كَفَّ القَضَاءِ طَواها

يَكْفِي لفاطِمَ أَنْ نَقولُ بِمَدْحِهَا *** لَمْ يَبْقَ دينُ مُحَمّدٍ لَوْلاها

يا آيةٌ حَوَتِ الفَضَائِلَ كُلَّها *** مِنكِ القَصَائِدُ أَلْحَمَتْ مَعْنَاها

فَفَضَائِلُ الزّهراءِ يُعْيِي حَصْرُها *** عَبَثاً يُحَاوِلُ مُدَّعِ إِحْصاها(5)

مَهمَا وَصَفْتُ فَإِنْ شِعْرِي قاصِرٌ *** فَالوَصْفُ يَعْجَرُ عَنْ بُلوغٍ مَداها

لالَنْ تَكُونَ كما ادعى أَعْداؤُها *** زَهْرَاءُ أَعْظَمُ أَن يُنالَ عُلاها

فَوَلاؤُها فَرْضٌ بِأَعْناقِ الوَرى *** وَ قُلوبُنا لاتَرْتَضِي بِسِوَاها(6)

امنَحْ إلهي رَحْمَةً أَبْناءَها *** شَفَعْ بِنَا يَوْمَ الحِسَابِ أَباها

أَیْتَامُها نَحْنُ الضُّعَافُ وَ حِزْبُها *** لَمْ نَدْرِ ما دَرْبُ الهُدى لَوْلاها

کَمْ زادَنا عزّاً بِفَاطِمَ عِنْدَما *** أُمّاً لِنَفْسِ مُحَمّدٍ أَسْماها

ص: 265


1- دحاها: خلقها و سوَّاها مَدْحيّة.
2- في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص25 ط2 -مؤسسة الوفاء. «...و قد قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، و من آذاها بعد موتي کمن آذاها في حياتي. و من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه و هو قول اللَّه: «إن الذين يؤذون الله ورسوله».
3- يزيد: هو يزيد بن معاوية «لعنه اللَّه علیه».
4- الجلّق: جلَّق بالشيء رمى به و جلَّق و جلَّق: دمشق و غوطتها.
5- إحصاها: إحصاءها.
6- جاء في كتاب دلائل الإمامة، ص 28 ط الثالثة/ منشورات الرضي: «... و لقد كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن و الإنس و الطير و الوحش و الأنبياء و الملائكة...». انظر کتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص172 ح1.

مُهُمَا أَقمْنا فَالحَيَاةُ هُنَيْهَةٌ *** وَ الرُّوحُ رَاجِعَةً إِلَى مَوْلاها

وَاللَّهُ أَنْزَلَ في جَليل كِتَابِهِ *** نَفْسُ الشقاوةِ خابَ مَنْ دَسّاها

أمَّا التَّقيُّ ففي النَّعيمِ مُقامُهُ *** قَدْ فَازَ كُلُّ مُوَحَدٍ زَكَّاها

فَمُبَارَكٌ يا آلَ أحْمَدَ عَيْشُكُمْ *** فَنُفُوسُكُمْ وَجَدَتْ هُناكَ حماها

فالصدرُ في دار الخُلُودِ لأَحْمَدٍ *** وَ يَطُوفُ حَيْدَرُ حَوْلَهُ وَ ابْنَاها

رَبَّاهُ عَهْداً لَنْ نَحِيدَ بِخُطوَةِ *** لنُتَابِعَنَّ السَّيْرَ في مَسْراها

فَحَيَاتُها مِنْهاجُنا وَ نَجَاتُنا *** وَ مَدَى الحَياةِ سَنَقْتَدِي بِهُداها

مَنْ يُرْضِها يَظْفَرُ بِجَنَّةِ رَبِّهِ *** فَرِضا البتولةِ مِنْ رِضَا مَوْلاها(1)

ص: 266


1- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص554 ط الثالثة/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «...يا علي علیه السلام إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام و كذلك ربي و الملائکة... ثم واللَّه يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي ثم لاأرضى حتى ترضي».

(19) بنت خير نبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

كُلُّ نَفْسٍ لَمْ تَتَّبِعْ أَهْواها *** أَدْرَكَتْ في المعادِ أَقصى مُناها

وَ لَقَدْ نَوَّهَ النَّبيُّ بِذِكْرَى *** فاطِمِ وَ ارْتِضائِها وَ اجْتِباها

فَتَوَلَّوْا مُسْتَكْبِرِينَ كَأَنْ *** لم يَسْمَعُوا مَدْحَها وَ طِيبَ ثَناها

صَغَّرتْ قَدْرَها و قَدْ شاهِدَتْ مِنْ *** جُمَلِ الفَضْلِ جُمْلَةً لاتَناهى

وَرأَوْا عِزّةً لَهَا لَمْ تَنَلُها *** ذاتُ عِزّ في العالَمينَ سِواها

وَ هْيَ مَخدومَةُ المَلائِكِ كُلِّ *** فَخْرُهُ أَنْ يَنَالَ مِنْها رِضاها

كَيفَ لا وَهْيَ بِنْتُ خَيْرِ نَبِيَّ *** سَادَ مَنْ في سمائها وَثَراها

ضَرَبَ الدَّهْرُ ضَرْبَةً فإذا النّارُ *** تَلَظَّى ظُلماً بِبَابِ فِناها

لَمْ يَرَوا حَرْقَهُ بِمَنْ فيه أمراً *** مُنْكَراً فِعْلُه وَ عَنْهُ تَناهى

وَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِها وَ هْيَ حَسْرَىٰ *** هَجَمُوا أَسْقَطُوا جَنِينَ حَشاها

لطَمُوا الخَدَّ لطْمَةً أَوْرَثَتْها *** حُمْرَةَ العَيْنِ لَيْتَ نَفْسِي فِداها

كَسَرُوا الضِّلْعَ وَرَّمُوا المَتْنَ وَ الجَنْبَ *** بِضَرْب السِّياطِ ما أَجْفاها!(1)

ص: 267


1- في كتاب سليم بن قيس ص40: و قد كان قنفذ «لعنه اللَّه علیه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه و بين زوجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت علیها السلام من ذلك شهيدة.

يَا بِنَفْسي مَحْرُومَةٌ مِنْ تُرَاثٍ *** مِنْ أَبيها وَ نِحْلَةٍ أَعْطاها(1)

فَأَتَتْ مَسْجِدَ النَّبِيِّ بِعَيْنٍ *** ماؤها لم يَقُمْ بإطفا جَواها

ثُمَّ أَنَّتْ بِأَنَّةٍ أَجْهَشَ القَوْمُ *** لها بالبُكا وَ هُمْ أَعْداها

فتأَنَّتْ عَنِ المَقالِ إلى أَنْ *** سَكَنُوا مِنْ نَشِيجِهِمْ لِبُكاها(2)

ثُمَّ أَلْقَتْ مَقَالة حار فيها *** حُكَماها وَ أَخْرَسَتْ بُلغاها

وَ أَبانَتْ هُنا لِكُمْ حِكْمَةَ التّكْوِین *** لِلْخَلْقِ وَ افْتِراضِ وَلاها

وَ تَجلّى الحَقُّ الصُّراحُ عِياناً *** و رَأَوْهُ كَالشَّمْسِ رَأْدَ ضُحاها(3)

فَطَوَوْا كُلَّ حُجَّةٍ نَشَرَتْها *** بِحَدِيثِ مُخَلَّقٍ بِافْتِراها

وَ اسْتَغانَتْ بِالمُسْلِمِينَ فَأَغْضَى *** الكُل عَنْها وَ لَمْ يُلَبُوا نِداها

أهْيَ تَشْكُو مِمَّنْ سِواها إِلَيْها *** أَمْ إِلَيْهَا مِنْها المتدت شَكْواها!

لَسْتُ أَنْسى عِتابَها لِعليِّ *** حينَ آبتْ مَرْغُومة بِجَواها

أنْتَ مَنْ وَ ابْنُ مَنْ ويُعْصَبُ حَقي *** بأباطِيلِها وَ أَنْتَ تَراها؟

وَ أَبوك الحامِي أَبِي مِنْ قُرَيْشٍ *** حِينَ هَمَّتْ به بماضِي شَباها(4)

وَ بِمَاضِيكَ كَمْ كَشَفْتَ كُروباً *** عَنْهُ إِذْ فرَّ صَحْبَهُ في وَغاها

أنتَ سيفُ الإلهِ ضارِبُ عَمْروٍ *** ضَرْبةٌ فَخْرُهَا لِيَوْمِ جَزاها

كَيْفَ لم تَحْمِني مِنَ القَوْمِ بالسَّيفِ *** وَ شَأْنُ الرجالِ تَحْمِي نِساها

كُنتُ في عِزّة على بابِ داري *** يَطْلُبُ الإذنَ والدي إن أتاها

ص: 268


1- في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362 أنه (أبوبكر ) كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر: فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها فقال: مماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقّه.
2- نشيجهم: صوتهم أثنا البكاء.
3- رَأد: رَأد الضحى هو وقت ارتفاع الشمس و انبساط الضوء.
4- ماضي شباها: الماضي هو القاطع و الشبا من السيف قدر ما يقطع به.

وَ بِمَرْأَى وَ مَسْمعِ مِنْكَ قَهْراً *** دَخَلُوا حيثُ لاخِمارَ فِناها(1)

وَ تَحَمَّلْتُ مِنْهُمُ فيكَ ما لَمْ *** أَسْتَطِعْهُ وَ مَا كَفَفْتَ أَذاها

لَيْتَني مُتُّ قَبْلَ ذُلّي وَمَنْ لَمْ *** تَرْتَضِ الذُّل كان فيه مُناها

لاتَخَلْ عَنْبَها عَلَى المُرْتَضى عَنْ *** سُخْطِ فِعْلٍ أَتاهُ لاوعُلاها

كَيْفَ لَاتَرْتَضِي فِعال عليَّ *** وَ هُوَيَقْفُو في كُلِّ فِعْل أباها؟

هِيَ مَنْ يَسْخَطُ الإِلهُ وَ يَرْضَى *** عِنْدَ سُخْطٍ مِنْهَا وَ عِنْدَ رِضاها

أترى يَسْخَطُ الإله وَ يَرْضى *** لِرِضاها لو كان عَنْ أَهْواها

يا بِنَفْسي عَلِيمَةً كَانَ فيما *** صَنَعَتْهُ أَحْيا شَريعَةَ طه

كَشَفَتْ عَنْ سَرائِرِ القَوْم فيما *** فَعَلَتْهُ وَ بَانَ خُبْثُ انْطِواها

وَ لِسُخْطٍ مِنْهَا عَلى القَوْمِ أَوْصَتْ *** لِعَليَّ بدَفْنِها في دُجاها(2)

فَهُنَاكَ ازْدادوا عُنُوا وَ هَمُّوا *** مِنْ عِنادِ أن يَنْبُشُوا مَثْواها(3)

ص: 269


1- خمار: الستر عموماً أو ما تغطي به المرأة رأسها.
2- دجاها: ظلمتها.
3- ديوان الشاعر ج1 ص92.

(20)من أي باب

(بحر البسيط)

الأستاذ علي عبد اللطيف البغدادي(*)(1)

من أيِّ بابٍ يراعُ المدحِ يدخلها؟ *** من ألف بابٍ بإحداها تكاملُها

و كيفَ لاشيء يأتي الشيء أجمعهُ *** و كيف يدرك مغزاها مُبَجّلها

و كيف يُدرِكُ عمقَ البحرِ ساحلُهُ *** و هي البحارُ و ما بانت سواحلُها؟

بل كيف يجرؤ حرف أن يكلِّمَها *** و أحرفُ اللَّه (بالتطهيرِ) تحملُها؟

ص: 270


1- (*) هو الشاعر علي الشيخ عبد اللطيف البغدادي و يلقِّب ب- علي العراقي. ولد في بغداد عام (1965م) و عاش فيها حتى عام (1999م) ثم غادر العراق و توجه نحو كل من الإمارات و الأردن و سوريا -دمشق حيث استقر فيها، و ما زال يقيم فيها و يمارس فيها العمل الصحفي. نظم الشعر بشكل مستمر مع الدراسة الحوزوية التي بدأ بها منذ عام (1998م) في بغداد. كما عمل في التدريس بعد تخرجه إضافة إلى التكسب. حاصل على بكالوريوس مترجمة للغة الانكليزية من الجامعة المستنصرية كلية الآداب للعام الدراسي (1989 م 1990م). أصدر مجموعته الشعرية الأولى في العراق نهاية عام (1999م) بعنوان (شظايا مورقة) و هي مجموعة قصائد ولائية و وجدانية و سياسية. صدرت له مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «سقف ركام» و هي من طبع و إصدار إتحاد الكتاب العرب في دمشق. نشر معظم قصائده في الصحف السورية و العراقية و غيرها عُرف بالشعر الولائي و شاعر أهل البيت علیهم السلام منذ كان في العراق و حتى في دمشق و معظم شعره لخدمة الدين الإسلامي و شخصياته العظيمة. لديه عشرات المشاركات و القراءات الشعرية في بغداد و المحافظات العراقية و الإمارات و الأردن و سوريا حيث ألقى و نشر معظم شعره.

وما يُقالُ لمن في «هل أتى» عظمتْ *** و «قل تعالوا» بها حقتْ منازِلُها

لكنّها قطرةٌ من فيضِ وابلِها *** و قولةٌ هام بالزهراءِ قائلُها

عسى شفاعتُها في الحشرِ تشملُهُ *** إذ خيرُ (مدخل صدق) لهوَ مدخلُها

و تلك قربان روحٍ علِّ تقبلُها *** وَ أدمعٌ من ضميرٍ جلِّ مُنْزِلُها

مولاةُ كل نساءٍ الكونِ أجمعِهِ *** فما على الأرضِ حوّاءٌ تُشاكلْها

فكلُّ مقولِ حمدٍ حينَ يحمدُها *** يعيا فكلُّ صفاتِ الحمدِ تشملُها(1)

هي البيانُ بلانطق فإنْ نَطَقَتْ *** فالحقُّ ترسلُهُ شمساً و يرسلُها

بتولُ صديقةٌ زهراءُ طاهرةً ***حوراءُ إنسيّةٌ تمّتْ فضائلُها

شفيعةٌ لمواليها مشفّعةٌ *** بأي وجهٍ مُعاديها يُقابلُها؟

يرضى الإلهُ إذا ترضى ووالدُها *** و النارُ موعدُ من بالفضلِ يغفلُها

فويلُ من قد بكتْ من غدرهِ الَمَاً *** و ويلٌ مَنْ بضعةُ المختارِ يخذُلها

و لا يجوزُ صراطَ اللَّه مبغضُها *** بها الجنانُ عِبادُ اللَّه يدخلُها

ص: 271


1- يعيا: يعجز.

(21) هره معدن العطاء

(بحر الخفيف)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

هِيَ شَمْسٌ رِدا الكمالِ تَرَدَّتْ *** وَ بِبَحْرِ النُّورِ الإلهي مُدَّتْ(2)

وَ لإصلاحِ كُلِّ شَيْءٍ أُعِدَّتْ *** هِيَ شَمْسُ شَمْسُ النَّهَارِ اسْتَمَدَّتْ

فاسْتَنَارَتْ أفلاکُها بِضِياها(3)

هذِهِ مَعْدِنُ العَطا و التَفَضُّلْ *** مَنْ بها يَنْفَعُ الرِّجا و التَّوَسُّلْ

للّذي اخْتارَها نجاةٌ إِلَى الكُلْ *** هذِهِ فاطِمُ البَتُولَةُ أُمُّ(4)

الأَوْصِيَاءِ الكِرَام بَضْعَةُ طه(5)

ص: 272


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ردا الكمال تردّت: لبست رِداء الكمال و الرداء ما يُلبس فوق الثياب كالعباءة والجبة.
3- في «البرهان» ج1 ص392 ح5. «...ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام و نور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور الله و ابنتي فاطمة علیها السلام أفضل من السماوات و الأرض... فأخرج اللَّه من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام...». انظر: بحار الأنوار ج15 ص10 ح11، ج37 ص83 ضمن ح51.
4- في المناقب ج3 ص330/ ط المطبعة العلمية -قم يوضح المعنى: «...سمیت مريم بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظیر».
5- في «ذخائر العقبى» ص37/ ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «... إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

هذِهِ مَنْ بِبَيْتِها الوَحْيُ أُنْزِلْ *** وَلَدَيْها الأَمْلاكُ تَرْقَى وَتَنْزِلْ

هذهِ مَنْ لِلدِّين مَأْوَى وَ مَعْقِلْ *** زَوْجَةُ المُرْتَضَى عَلِيٌّ أَميرِ

الْمُؤْمِنِينَ الكَرارِ حامِي حِماها(1)-(2)

ص: 273


1- «...لما خرج مرحب برجله بعث النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و أبابكر برايته مع المهاجرين في راية بيضاء فعاد يؤنب قومه و يؤنبونه، ثم بعث عمر من بعده فرجع يجببن أصحابه و يجبنونه حتى ساء النبي صلي الله علیه و آله و سلم ذلك ، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله و رسوله ويحبّه الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم كراراً غير فرار يأخذها عنوة». انظر: «المناقب لابن شهر آشوب» ج3 ص127.
2- شعراء القطيف، ج1 ص26.

(22) جز الفؤاد

(بحر الخفيف)

الشيخ قاسم محيي الدين

كَيْفَ تَنْسَى مُصَابٌ بَضْعَةِ طَه *** إذْ دَهَاهَا مِنَ الأَسَى مَا دَهَاهَا؟(1)

أَنْحَلَتْ جِسْمها الرّزَايَا فَأَبْدَتْ *** لَهُفَ نَفْسِي لِمَا بِهَا شَكْوَاهَا(2)

وَ أَقَامَتْ بِهَا الدَّوَاهِي كُرُوباً *** لَمْ يُطِقُ حَمْلَ بَعْضِهِنَّ سِوَاهَا

وَبِها الحُزْنُ مُنْذُ شَبَّ زَفيراً *** مُصْعِداً صَوْبَ الدّموعِ مِيَاهَا

فَهيَ رَهْنٌ لِلْمُرْجِفَاتِ الَّتي قَدْ *** أَوْقَدَتْ نَارَها وَ أَبْدَتْ أَسَاهَا(3)

قَدْ أَبَى قَلَبُها السُّلُوَّ فَأَمْسَتْ *** وَ هْيَ حَرَّى الفُؤَادِ تَنْعَى أَبَاهَا

أَحْرَقَتْها أحْشَاؤُهَا حَيْثُ قَدْ *** أنْفَذَتِ الدَّمْعَ فِي سَبِيلِ بُكاها

وَدَهَاهَا القَضَا بِكُلِّ مُلِمًّ *** مُؤلم و الجَوَى أَبَادَ قُواها

أَوْ هَنَتْهَا الخُطُوبُ لمّا رَمَتْها *** بِعَظِيمِ الأسَى وَ طُولِ عَنَاهَا

فَكَانَّ الهُمومَ نَبْلُ فِسِيِّ *** وَ كَأَنَّ المَرْمَى لَهَا أَحْشَاهَا

شَابَ مِنْها الوَرْدَ الرِّدَى بِرَزَايَا *** شَابَ مِنْها لَمّا دَهَت فَوْدَاهَا(4)

وَ عَرَاهَا الوَجْدُ المُبَرِّحُ قَسْراً *** لَهْفَ نَفْسِي لِفَرْطِ وَجْدٍ عَرَاها

ص: 274


1- دهاها: دهاه الأمر: أصابه.
2- الرزايا: جمع رزيّة و هي المصيبة.
3- المرجفات: الأخبار الكاذبة.
4- فوداها: الفودان جانبي الرأس.

ذَابَ مِنْها فُؤَادُهَا وَحَشَاهَا *** لَمْ يَزَلْ مِنْ جَوَاهُ رَهْنَ لَظَاهَا

أحْرَقَتْها نَيْرانُهَا فَأَذَالَتْ *** أَدْمُعاً تُشبه الحَيَا عَيْنَاهَا

إِنَّ فِي قَلْبِها جِرَاحَاتِ حُزْنٍ *** لَيْسَ تَوْسَى وَ قَدْ أَطَالَتْ أَسَاهَا

لَوْ تَرَاهَا وَ هيَ الشَّجِيَّةُ حُزناً *** وَ مُمِضُّ الأسْقامِ قَدْ أَضْنَاهَا

وَ هيَ تَبْكِي بَكَاءَ فَاقِدَةِ الصَّبْرِ *** لِمَا قَدْ أَلَمَّ عَزَّ عَزَاهَا(1)

شَأْنُها النّوْحُ مُذْ يَدُ الخَطْبِ شَجُواً *** فَدَحَتْ نَارَهَا بِزِنْدِ جَوَاهَا

حَرُّ قَلْبِي لَهَا وَ قَدْ أَسْلَمَاهَا *** لِمُلِمٌ مِنَ الأَسَى جِبْتَاهَا

أَبْعَداهَا عَنْ فَيْنِهَا غَصَبَاهَا *** نِحْلَةَ المُصْطَفَى وَمَا وَرَّثَاهَا

قَصَدًا دَارَهَا عِنَاداً وَ حِقْداً *** بِأَفَاعِيلٍ مُنْكَرِ أَضْمَرَاهَا

أَحْرَقَا بَيْتَها وَ قَدْ أَسْقَطَاهَا *** مُحْسِناً بِالَّذِي بِهِ روّعَاهَا

كَسَرَا ضِلْعَهَا مُذِ انْتَهَزَاهَا *** فُرْصَةً بَعْدَ أَنْ أَبَاحًا حِمَاهَا

نَثَرا قُرْطَهَا انْتِثَارَ عُقُودِ *** الدَّمْعِ مِنْ عَيْنِهَا لِفَرْطِ بُكَاهَا

خَرَقَا صَكَّهَا عُنُوَّاً وَ كُفْراً *** لَطَمَا خَدَّهَا وَ لَمْ يَرْعَيَاهَا(2)

ص: 275


1- في كتاب أهل البيت علیهم السلام لتوفيق أبوعلم، ص167 قال: إن علياً علیه السلام بنى لفاطمة علیها السلام بيتاً الفاطمة علیها السلام بيتاً في البقيع سمي «بيت الأحزان» و هو باق إلى هذا الزمان و هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة علیها السلام في جهة قبة مشهد الحسن و العباس. و إليه أشار ابن جبير بقوله: ويلي القبة العباسية بيت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم و يعرف بيت الأحزان. يقال: إنه هو الذي أوت إليه و التزمت الحزن فيه منذ وفاة أبيها صلي الله علیه و اله و سلم. لقد عاشت السيدة الزهراء علیها السلام بعد الرسول صلي الله علیه و اله و سلم و له خمسة و سبعين يوماً ما رُئيت ضاحكة قط تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين و الخميس فتقول: هنا كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هنا كان المشركون. و قال أيضاً: المسرَّة الوحيدة التي ابتسمت فيها بعد موت أبيها له عندما نظرت إلى أسماء بنت عميس و هي على فراش الموت و بعد أن لبست ملابس الموت فابتسمت و نظرت إلى نعشها الذي عُمل قبل وفاتها و قالت: سترتموني ستركم اللَّه. فكانت هذه هي اللحظة الوحيدة التي رئيت فيها مبتسمة بعد وفاة الرسول اللَّه صلي الله علیه و اله و سلم.
2- صکّها: الصك: العقد أو الوصية.

قَصَدَاهَا بِكُلِّ هَوْلٍ مُلِمٍّ *** وَ بِسَوْطِ الزَّنِيم قَدْ أَوْجَعَاهَا

غَصَبَا بَعْلَهَا وَ مَا رَاعَيَاهُ *** لاَوَ عَلْيَائِهِ وَ لاَرَاعَيَاهَا

لَمْ تَزَلْ بِالهَوَانِ بَعْدَ أَبِيهَا *** حَيْثُ سِيمَتْ ضَيْماً تُقَاسِي أَذَاهَا

أخْرَجَتْ بَعْلَهَا يُقَادُ هَوَاناً *** أُمَةٌ مَا اهْتَدَتْ فَما أشْقَاها

قَعَدتْ مُذرَأتْ حِمَاهَا أَسِيراً *** بِيَدَيْ كُلِّ مُلْحِدٍ مَا رَعَاهَا

شَأْنُهَا النَّوْحُ و البُكَا لا تَرَى مِنْ *** مَفْزَعِ غَيْرَ نَوْحِهَا وَ بُكَاهَا

حَرُّ قَلْبِي لَهَا وَ قَدْ مَنَعُوهَا *** أَنْ تُطِيلَ الأَسَى وَ تَبْكِي أَبَاهَا

فَهيَ مُنْهَدَّةُ القُوَىٰ بِمُصَابٍ *** جَلَّ وَقعَاً وَ السُّقْمُ قَدْ أَضْنَاهَا

لاَتَلُمْهَا إنْ أَعْوَلَتْ بِنَحِيبٍ *** أَوْ أَذَالَتْ دُمُوعَهَا مِنْ حَشَاهَا(1)

حيْثُ قَدْ رَوَّعُوا حِمَاهَا وَ فِيها *** أَوْدَعُوا حُرْقَةٌ يَشُبُّ لَظَاهَا

فَقَضَتْ نَحْبَهَا وَ شَيْعَهَا خَيْرُ *** إِمَام وَ فِي الدُّجَى وَارَاهَا

دُفِنَتْ بِنْتُ أَحْمَدِ الظُّهْرِ سِرّاً *** وَ بِرَغْمِ العَلْيَاءِ عَنَّى ثَرَاهَا

يَا إِمَامَ الهُدَى إِلاَمَ التَّغَاضِي *** وَالعِدًا قَدْ عَدَوْا عَلَى أَبْنَاهَا(2)

قَتَلُوا المُجْتَبَى وَ أَرْدَوْا حُسَيْناً *** دَامِيَ النَّحْرِ مُودَعَاً غَيْرَاهَا

قَدْ كَسَتْهُ الدِّمَا بُرُودَا بِنَفْسِي *** مُنْ غَدَا رَهْناً بِفَتْكِ ضُبَاهَا(3)

ص: 276


1- أذالت: أذال الدمع: سفحه.
2- في كتاب بحار الأنوار ج45 ص54: «... و بعد أن قتل أصحاب الحسين علیه السلام حملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك «لعنه اللَّه» على كتفه و ضربة آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبابها علیها السلام لوجهه و كان قد أعيا و جعل ينوء و يكبو فطعنه سنان بن أنس النخعي «لعنه اللّه» في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ثم رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السهم في نحره... ثم إن عمر بن سعد قال لرجل عن يمينه: انزل ويحك إلى الحسين علیه السلام فأرحه... فنزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي «لعنه اللّه» فاجتزَّ رأسه... و قيل بل جاء إليه شمر وسنان بن أنس.
3- بروداً: جمع برد و البرد ثوب مخطط.

نَهَبَتْ شِلْوَهُ المَوَاضِي وَ أَرْدَتْهُ *** صَرِيعاً مُوَسَّداً رَمْضَاهَا

رَفَعَتْ رَأسَهُ عَلَى الرِّمْح جَهْرًا *** وَ سَبَتْ نِسْوَةٌ يَعُزُّ سَبَاهَا(1)-(2)

ص: 277


1- في كتاب الإرشاد للمفيد ص245 قال: و لما استشهد الحسين علیه السلام و أصحابه سار عمر بن سعد مع أسارى أهل البيت علیهم السلام و رؤوس الشهداء إلى الكوفة و كان رأس الحسين علیه السلام يقرأ القرآن في الكوفة و هو على الرمح. فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: مُرَّ به عليَّ و هو على رمح و أنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا»[سورة الكهف آية: 9] فوقف واللَّه شعري و ناديت رأسك واللَّه يابن رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أعجب و أعجب. و في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرم ص305 قال: و بعد الزوال ارتحل الجيش إلى الكوفة و معه نساء الحسين علیه السلام وصبيته و جواريه و عيالات الأصحاب و كنّ عشرين امرأة و سيروهّن على أقتاب الجمال بغير وطاء كما يساق الترك و الروم وهن و دائع خير الأنبياء.
2- الشعر المقبول في رثاء الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم وآل الرسول ص10.

(23) بضعة المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ كاظم الأزري(*)(1)

ص: 278


1- (*) الشيخ ملاكاظم بن محمد بن مهدي الأزري البغدادي. ولد المترجَم له الشيخ كاظم الأزري في بغداد سنة (1143 ه) على الأصح، و لم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة (رأس القرية) من بغداد. و قد جاء لقب الأزري من جَدِّهم و هو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبد الصمد بن علي التميمي البغدادي، الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزري لأنه کان یتعاطي بیع الأزر المنسوجة من القطن و الصوف. و بيت الأزري بيت أدب و علم و ثراء كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون، و قد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم، و الشيخ محمدرضا. و قد درس المترجم له العلوم العربية و الفقه و الأصول على فضلاء عصره، ولكنه أولع بالأدب و أخذ ينظم الشعر و لم يبلغ العشرين عاماً، و كان سريع الخاطر حاضر النكتة و قّاد الذهن قوي الذاكرة، و تروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى الندوات الأدبية: بلغني عنك أنك مجنون فأجابه الأزري: وبلغني عنك أنك مأفون، فإن صدق الراوي ففي ،و فيك، و إن كذب الراوي فلعنة الله على الراوي. و منها أنه قدم النجف الأشرف فاجتمع عليه الأدباء و العلماء و منهم السيد صادق الفحام و استنشدوه فأنشد من شعره فلم يوفّه السيد صادق حقه بالاستحسان و الإجادة، وما زاد على كلمة: موزون، فأنشأ الأزري: عرضت در نظامي عند من جهلوا *** فضيَّعوا في ظلام الجهل موقعهُ فلم أزل لائماً نفسي أعاتبها *** من باع درّاً على الفحام ضيّعهُ و كان المترجَم له محترماً لدى العلماء و الوجهاء من أبناء عصره حتى أن السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولا طلاعه الواسع على التاريخ و السير و قيل إنه كان قصير القامة مع سمنة فيه، و هو لايفارقه السلاح ليلاً و نهاراً خشية على نفسه أعدائه. و في سنة ألف و مائة و نيف و ستين من الهجرة حج بيت اللَّه الحرام. و له في حجه قصيدة مطلعها: أنخ المطيّ فقد وفدت على الحمى *** وَ الْثم ثراه محيياً و مسلّما و يعدّ المترجم له شيخنا الأزري من مفاخر الأدباء و الشعراء، و أكثر الخبراء بالأدب يعدون الشيخ كاظم الأزري في طليعة شعراء العراق و من فحولهم البارزين و هو يتمتع بمكانة سامية في كافة الأوساط الأدبية، و لم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي، و قد تشهد لذلك قصيدته الهائية المعروفة (لمن الشمس في قباب قباها). و نقل الشيخ عباس القمي في الكنى عن المتتبع الخبير سيدنا الأجل السيد أبي محمد الحسن الصدر (قدس سره) أنه قال إن القصيدة الهائية كانت تزيد على ألف بيت و كانت مكتوبة في طومار فأكلت الأرضة جملة منها و وقعت النسخة المأكولة بيد السيد صدر الدين العاملي فاستخرج منها الموجود المطبوع الذي خمسه الشيخ جابر الكاظمي. و قال أيضاً ينقل من صاحب المستدرك في كتاب (شاخة طوبى) أن العلامة المحقق الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر كان يتمنى أن يكتب في ديوان عمله القصيدة الهائية الأزرية، و يكتب الجواهر في ديوان الأزري مكان القصيدة. توفي الشيخ الأزري في غرة جمادى الأولى سنة (1211 ه-) ببغداد و دفن في مقبرة أسرته في الكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة إلى الشريف المرتضى (رحمه الله علیه).

لِمَنِ الشَّمْسُ في قِبابِ قُباها *** شَكٍّ جِسْمُ الدُّجَى بِرُوح ضِياها؟(1)

وَ لِمَنْ هذِهِ المَطايا تَهادَى *** حَي أَحْياءَها وَ حَيَّ سُرَاها؟

يَعْمَلاتٌ تُقِلُّ كُلَّ غَرِيرِ *** قَدْ حَكَنَهُ شَمْسُ الضُّحَى وَحَكاها(2)

ما أراني بَعْدَ الأَحِبَّةِ إِلاَّ *** رَسُمَ دارٍ قَدِ انْمَحَى سيماها

كُمْ شَجَتْنِي ذات الجناح سُحَيْراً *** حِينَ طَارَ الهَوَى بِها فشَجَاها

ذَكَّرتْني وَ ما نَسِيتُ عُهُوداً *** لَوْ سَلا المَرْءُ نَفْسَهُ ما سَلاها

نَبَّهَتْ عَيْنِي الصَّبابَةُ وَ الوَجْدُ *** وَ إنْ كانَ لَمْ يَنمُ جَفْناها

فَتَتَبَّهتُ لِلَّتِي هِيَ أَشْقَى *** وَ الهَوَى لِلْقُلُوبِ أَقْصَى شَقاها

يا خَلِيلَيَّ كُلَّ بِاكِيَةٍ لَمْ *** تَبْكِ إلا لِعِلَّةٍ مُقلَتاها

لاتَلُوما الوَرْقاءَ في ذلِكَ الوَجْدِ *** لعَلَّ الَّذِي عَراني عَراها(3)

ص: 279


1- قباب: جمع القُبَّة و هي بناء مستدير مُقَعَّر. و القُباب: من الأنوف: الضخم.
2- يعملات: النوق المطبوعة على العمل. غرير: شاب لاخبرةً له، أو الخلق الحسن. حكى: شابه.
3- الورقاء: الحمامة، أو التي يضرب لونها إلى الخضرة و تُشَبَّه بها النفس و هي المقصودة هنا.

خَلْياها وَ شَأْنَهاخَلِّياها *** فَعَساها تُبَلُ وَجْداً عَساها

كانَ عَهْدِي بها قَرِيرَةَ عَيْنٍ *** فَاسْأَلُأَهَا بِاللَّهِ مِمَّ بُكاها؟

لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْحَمائم نَوْحِي *** أَمْ لَدَيْها لَوَاعِجِي حاشاها؟(1)

إلى أن يقول:

نَقَضُوا عَهْدَ أحْمَدٍ في أَخِيهِ *** وَ أَذَاقُوا (البَتُولَ) ما أَشجاها؟

وَ هيَ العُرْوَةُ الَّتِي لَيْسَ يَنْجُو *** غَيْرُ مُسْتَعْصِمٍ بِحَبْلِ وَلاها

لم يَرَ اللَّهُ لِلنُّبُوَّةِ أَجْراً *** غَيْرَ حِفظ الوِدادِ في قُرباها(2)

لَسْتُ أدْرِي إِذْ رُوِّعَتْ و هَيْ حَسْرَىٰ *** عانَدَ القَوْمُ بَعْلَها وَ أَباها

يَوْمَ جَاءَتْ إِلى عَدِيٍّ وَ تَيْمٍ *** وَ مِنَ الوَجْدِ ما أَطالَ بُكاها

فَدَعَتْ وَ اشْتَكَتْ إلى اللَّهِ شَجُوا *** وَ الرَّواسِي تَهْتَزُّ مِنْ شَكْواها(3)

فَاطْمَأَنَتْ لَهَا القُلُوبُ وَ كادَتْ *** أَنْ تَزُولَ الأحْقادُ مِمنْ حَواها

تَعِظُ القَوْمَ في أَتّمِ خطابٍ *** حَكَتِ المُصْطَفَى بِهِ وَحَكاها

أَيُّها القَوْمُ راقِبُوا اللَّهَ فينا *** نَحْنُ مِن روضَةِ الجَليلِ جناها

نَحْنُ مِنْ بارى السَّمَواتِ سِرُّ *** لَوْ كَرِهْنا وُجُودَها ما بَراها

بَلْ بِآثَارِنا وَ لُطْفِ رِضانا *** سَطَحَ الأَرْضَ وَ السَّماءَ بَنَاها

وَ بِأَضْوَائِنَا الَّتِي لَيْسَ تَخْبُو *** حَوَتِ الشُّهْبُ ما حَوَتْ مِنْ ضِيَاهَا(4)

ص: 280


1- لواعج: جمع لعجة و هي الهوى المحرق.
2- مضمون المصراعين مستفادان من قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» جاء عن الفخر الرازي في تفسيره ج27 ص166 و مجمع الزوائد ج7 ص103 عن ابن عباس قال: لما نزل قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ...» [سورة الشورى، الآية: 23] قالوا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك الذين وجَبَتْ علينا مودتهم؟ قال صلي الله علیه و آله و سلم: «علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام». و قد أخرج هذا النَّص مشاهير علماء السنة في أسفارهم.
3- الرواسي: الجبال الراسخة.
4- تخبو: تخمد و تسكن وتنطفىء.

وَاعْلَمُوا أَنَّنا مَشاعِرُ دِينِ اللَّهِ *** فيكُمْ فَأَكْرِمُوا مَثواها

وَ لَنا مِنْ خَزائِنِ الغَيْبِ فَيْضٌ *** تَرِدُ المُهْتَدُونَ مِنْهُ هُداها

إِنْ تَرُومُوا الجنان فهي مِنَ *** اللَّهِ إلينا هَدِيَّةٌ أهداها(1)

هِيَ دارٌ لَنا وَ نَحْنُ ذَوُوها *** لايرى غَيْرُ حِزينا مَرْآها

وَ كَذاكَ الجَحِيمُ سِجْنُ عِدانا *** حَسْبُهُمْ يَوْمَ حَشْرِهِ سُكْناها

أيُّها النَّاسُ أَي بِنْتِ نَبِيَّ *** عَنْ مَوَارِيشِهِ أَبوها زَواها؟(2)

كَيْفَ يَرْوِي عَنِّي تُراثي عَتِيقٌ *** بأحادِيثَ مِنْ لَدُنْهُ افْتَراهَا؟(3)

هذِهِ الكُتبُ فَاسْأَلُوها تَرَوْهَا *** بِالمَوَارِيثِ ناطقاً فَحْواها(4)

وَ بِمَعْنَى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) أَمْرٌ *** شامِلٌ لِلْعِبادِ في قُرْباها

كَيْفَ لَمْ يُوصِنَا بِذلِكَ مَوْلانا *** وَ تَيْماً مِنْ دُونِنَا أَوْصاها؟

هَلْ رَآنَا لانَسْتَحِقُّ اهْتِداءً *** وَ اسْتَحقَّتْ تَيْمُ الهُدَى فَهَداها؟

أمْ تُراهُ أَضَلَّنا في البَرايا *** بَعْدَ عِلْمٍ لِكَيْ نُصِيبَ خَطاها

أنْصِفُونى مِنْ جائِرَيْن أضاعا *** ذمَّةَ المُصْطَفَى وَ ما رَعَياها

وَ انْظُروا في عَواقِبِ الدَّهْرِكَمْ *** أَمْسَتْ عُتاةُ الرِّجالِ مِنْ صَرْعاها

ص: 281


1- تروموا: تقصدوا.
2- زواها: نَحاها و مَنَعَها.
3- عندما طالبت الزهراء علیها السلام بفدك على أنها إرثها من أبيها صلي الله علیه و آله و سلم زَعَمَ أبوبكر بأنه سمع من أبيها صلي الله علیه و آله و سلم قوله: نحن معاشر الأنبياء لانورث و إن ما تركناه فهو صدقة. و هذا البيت إنما يشير لهذا الحديث المُفترى الذي يخالف النصوص القرآنية. راجع الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص14، و فدك في التاريخ ص92 و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122، و النص و الاجتهاد ص88.
4- إشارة إلى بعض ما جاء في القرآن من قوله «تعالى»: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...» الآية: 16 من سورة النحل و كذلك قوله «تعالى»: «...فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...» الآية:5-6 من سورة مريم.

ما لَكُمْ قَدْ مَنَعْتُمونا حُقوقاً *** أَوْجَبَ اللَّهُ فِي الكِتابِ أَداها؟(1)

وَ حَذَوْتُم حَذْوَاليَهُودِ غَداةَ *** اتَّخَذُوا العِجْلَ بعدَ مُوسَى إلَها

قَدْ سَلَبْتُمُ مِنَ الخِلافَةِ خَوْداً *** كَانَ مِنْا قِنَاعُها وَرِداها(2)

وَ سَبَيْتُمْ مِنَ الهُدَى ذاتَ خِدْرٍ *** عَزَّيَوْماً عَلَى النَّبِيِّ سِباها

إِنْ رضِيتُمْ مِنْ دُونِنا خُلَفَاءً *** لااشْتَفَتْ مِنْ قُلُوبِكُمْ مَرْضاها

أَوْ أَبَيْتُمْ عُهُودَ أَحْمَدَ فِينا *** لأوُقِيتُمْ مِنَ الرزايا سُطاها

تَدْعُونَ الإسْلامَ إِفْكاً وَ زُوراً *** كَذَبَتْ أُمَّهَاتُكُم بادِّعاها

أَيُّ شَيْءٍ عَبَدْتُمُ إِذْ عَبدْتُمْ *** أَنْ يُولّى تَيْم عَلى آلِ طَهَ؟

هذهِ البُرْدَةُ التي غَضِبَ اللَّهُ *** عَلَى كُلِّ مَنْ سِوانَا ارْتَداها

فَخُذُوها مَقْرُونِةٌ بِشَنارٍ *** غَيْرَ مَحْمُودَةٍ لَكُمْ عُقباها

وَ أَلْبَسُوها لِباسَ عار وَ نارٍ *** قَدْ حَشَوْتُمْ بالمُخْزِيَاتِ وِعاها

لَمْ نَسَلَّكُمْ لِحَاجَةٍ وَ اضْطِرارٍ *** بَلْ نَدلُّ الوَرَى على تَقْواها

كُمْ لَنا في الوُجُودِ رَشْحَةُ جُودٍ *** يُعْجِزُ السَّبْعَةَ البِحَارَ غِناها

عَلِمَ اللَّهُ أنَّنا أَهْلُ بَيْتٍ *** لَيْسَ تَأْوِي دَنِيَّةٌ مأواها

لَوْ سَأَلْنَا الجَلِيلَ إلقاء عَدْنٍ *** أو مقاليدَ عَرْشِهِ ألقاها

سَعْدُ دَعْنِي وَ هَجْوَ سُودِ المَعَانِي *** أَكْبَرُ الحَمْدِ في مَعانِي هِجاها

ص: 282


1- لعلها: حق الإمام علي علیه السلام في الخلافة، و كذلك حق الزهراء علیها السلام في فدك الذي اغتصب منها بغياً بغير حق. و قصة فدك لاتحتاج إلى كثير توضيح لشهرتها و تواتر الأخبار فيها و للاستزادة يمكن مراجعة كتاب البحار ج43 و ج 2/11 من العوالم و كشف الغمة للعلامة الأربلي ج2 و السيرة الحلبية ج3 ص400 و فتوح البلدان للبلاذري ص37، و السقيفة لأبي بكر الجوهري نقلاً عن شرح النهج للمعتزلي، و الخرايج للراوندي ص9 و شرح نهج البلاغة لا بن أبي الحديد ج16 و غيرها الكثير و المستفيض.
2- خَوْداً: امرأة شابة.

كَيْفَ تُنْقَى ابْنَةُ النَّبِيِّ عِناداً؟ *** لانَفَى اللَّهُ مِنْ لَظَى مَنْ نفاها

وَلأَيِّ الأُمُورِ تُدْفَنُ سِراً *** بَضْعَةُ المُصْطَفَى وَ يُعْفَى ثَراها؟(1)

فَمَضَتْ وَ هُيَ أَعْظَمُ النَّاسِ وَجَداً *** فِي فَمِ الدَّهْرِ غُصَّةٌ مِنْ جَواها

وَ تَوَتْ لايَرى لَها النَّاسُ مَثْوَى *** أَيُّ قَذَسٍ يَضُمُّهُ مَثْواها

ثُمَّ هَمَّتْ بِبَعْلِهَا كُلُّ كَفِّ *** وَ اسْتَمدَّتْ له رِقاقَ مُداها

أمَّةٌ قائلَتْ إمامَ هُداها *** يا تُرى أَيْنَ زَالَ عَنْهَا حَياها؟

كَمْ أَرادَتْ إظفاءَ نارِ حُسام *** صاغَهُ اللَّهُ تَمْرَةٌ لِحَشاها(2)

بأبي مَنْ لَهُ مَطاعِنُ كَفَّ *** لايُداوِي مِنَ الرَّدَى كَلْماها

إِنَّ ذاتَ العُلُومِ تُنْمَى جميعاً *** لِعَلِيَّ وَ كانَ رُوحَ نَمَاها

وَكَذا كُلُّ حِكَمَةٍ مَكَّنَتْهُ *** مِنْ أَعالي سَنامِها فَامْتَطاها

وَ مَتى يُذْكَرِ النَّدَى فَهُوَ لُطْفٌ *** إِنَّ مُحْيِي المَوْتَى بهِ أَحْياها

وَ لأَقْدامِهِ تَزُولُ الرَّواسِي *** وَ المَقادِيرُ تَقْشَعِرُّ حَشاها

وَ مَرامِي الأسْرارِ سَدَّدَ سَهُم *** اللَّهِ مِنْهُ لَها فما أخْطاها

كُمْ لَهُ مِنْ مَواهِبٍ مُرْدَفَاتٍ *** هِيَ كَالشَّمْسِ لايَحُولُ ضِياها

ص: 283


1- روى الواقدي بإسناده عن عكرمة، قال: سألت ابن عباس: متى دفنتم فاطمة علیها السلام؟ قال: دفناها بليلٍ بعد هدأة، قال: قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي علیه السلام. و روى مثله القاضي أبوبكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه عن الزهري، و ذَكَرَ في كتابه في مكان آخر أيضاً أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيَّبوا قبرها. و روى سفيان بن عيينة و عبداللّه بن أبي شيبة مثل ذلك و ذكره البلاذري في تاريخه، و قد نقل المرتضى في الشافي رواية الطبري له في التاريخ ج3 ص240 حوادث سنة (11ه-)، و نقل كلَّ ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 عند شرح كتاب أميرالمؤمنين علیه السلام إلى عثمان بن حنيف و حيث إن مضامين العديد من أبيات القصيدة مرت الإشارة إليها في قصائد عديدة فلا نعيد.
2- كَلْماها: جروحها.

(24) هي أسوة للأمهات

(بحر الكامل)

الدكتور محمد إقبال(*)(1)

ص: 284


1- (*)هو الدكتور الفيلسوف محمد إقبال اللاهوري الباكستاني. ولد في الرابع و العشرين من ذي الحجة سنة (1289ه-) و الموافق (1873م) في مدينة سيالكوت. أدخله أبوه إلى مكتب ليتعلم القرآن ففاق أترابه لذكائه و نال جوائز كثيرة، ثم انتقل إلى مدارس عالية و كليات شهيرة فانتدب أستاذاً للتاريخ و الفلسفة في الكلية الشرقية في لاهور ثم اختير لتدريس الفلسفة و اللغة الإنكليزية بكلية الحكومة التي تخرج منها و نال إعجاب تلاميذه و زملائه بسعة علمه و حسن خلقه و سداد رأيه وبعد عشر سنوات سافر إلى أوروبا بعد ما دوّى صوت إقبال في محافل الأدب ينشد قصائده وقد حرصت الصحف على نشر شعره، و أيقن الشعراء و العلماء أن لهذا الشاب شأناً و أول قصائده الرنّانة التي ألقيت في حاشد قصيدته التي أنشدها في الحفل السنوي لجماعة حماية الإسلام في لاهورجمع (انجمن حماية الاسلام) سنة (1899م) و عنوانها (أمين يتيم). سافر المترجَم له إلى عدة بلدان طلباً للعلم، ثم عاد إلى وطنه سنة (1908م) حيث عمل بالمحاماة و قرض الشعر. و قد ذاع صيته في الهند وكثر عشاق أدبه و مريد و فلسفته و قد دعا في شعره إلى نبذ التصوف الأعجمي الذي يؤدي إلى إماتة الأمة و بشر بالتصوف العملي الذي يدعو إلى العمل و الجهاد. و تدل أشعاره و قصائده على تمجيد الشخصيات الإسلامية كلها. و حسبنا أن نقول: إن إقبال يدعو إلى إدراك الذات و تقويتها و إلى العمل الدائب و الجهاد الذي لايفتر و يرى أن الحياة في العمل و الجهاد و الموت في الاستكانة و السكون. محمد إقبال شاعر نابغة و فيلسوف مبدع و تحتفي الباكستان بذكراه كل عام لأنه فيلسوف و شاعر و نجم في سمائها. قال الدكتور عبدالوهاب عزام في اليوم الحادي و العشرين من شهر نيسان سنة (1938م) و الساعة الخامسة من الصباح في مدينة لاهور، مات رجل كان على هذه الأرض عالماً روحياً يحاول أن ينشىء الناس نشأة أخرى و يسنّ لهم في الحياة سنة جديدة. مات محمد إقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله و قلبه للمسلمين و للبشر أجمعين.

المَجْدُ يُشْرِقُ مِنْ ثَلاثِ مَطالِع *** في مَهْدِ فَاطِمَةٍ فَما أعلاها(1)

هِيَ بنتُ مَنْ؟ هي زَوْجُ مَنْ؟ *** مَنْ ذَا يُدانِي في الفخار أَباها؟

هِيَ وَ مُضَةٌ مِنْ نُورِ عَيْنِ المُصْطَفَى *** هَادِي الشعوبِ إِذا تَرُومُ هُدَاها(2)

هُوَ رَحْمَةٌ لِلعَالَمِينَ وَ كَعْبَةُ *** الامَالِ في الدُّنيا وَ في أُخراها

مَنْ أَيْقَظَ الفِطرَ النِّيَامَ بِرُوحِهِ؟ *** وَ كَأَنَّهُ بَعْدَ البِلَى أَحْيَاهَا

وَ أَعَادَ تَارِيخَ الحَيَاةِ جَدِيدَةً *** مِثْلَ العَرَائِسِ في جَدِيدِ حُلاَها

وَ لِزَوْجِ فَاطِمَةٍ بِسُورَةِ (هَلْ أَتَى) *** تَاجٌ يَفُوقُ الشَّمْسَ عِندَ ضُحاها

أَسَدٌ بِحِصْنِ اللَّهِ يَرْمِي المُشْكِلاتِ *** بِصَيْقَلٍ يَمْحُو سُطُورَ دُجاها(3)

إيوانُهُ كُوخٌ وَ كَنْزُ ثَرَائِهِ *** سَيْفٌ، غَدَا بِيَمِينِهِ تَیّاها(4)

في رَوْضِ فَاطِمَةٍ نَما غُصْنَانِ لَمْ *** يُنْجِبْهُما في النَّيِّرَاتِ سِوَاها(5)

ص: 285


1- ثلاث: أصلها ثلاثة حذفت التاء للضرورة.
2- تروم: تقصد و في البيت إشارة إلى ما ورد في «بحار الأنوار» ج43 ص8 ضمن8 ح 11 عن كتاب «عيون المعجزات»: «... فقالت: اعلم يا أباالحسن علیه السلام أن الله «تعالى» فلق نوري و كان يسبح الله «جل جلاله» ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوحى الله «تعالى» إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك ففعل؟ فأودعني الله «سبحانه» صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص19 أيضاً.
3- صيقل: سيف.
4- إيوانه: الإيوان هو المكان المتّسع من البيت يحيط به ثلاثة حيطان أو هو القصر.
5- في كنز الفوائد، ج1 ص236 ح16: «... فأوحى الله «عزوجل» إليّ : أن قد ولد لك حوراء إنسيّة فزوج النور من النور: النور فاطمة علیها السلام من نور علي فإني قد زوّجتها في السماء و جعلت خمس الأرض مهرها و يستخرج فيما بينهما ذرية طيبة و هما سراجا الجنة الحسن و الحسين علیهما السلام و يخرج من صلب الحسين علیه السلام أئمة علیهم السلام يقتلون و يخذلون فالويل لقاتلهم و خاذلهم...». انظر البحار ج36 ص361 أيضاً.

فَأَمِيرُ قافِلَةِ الجِهَادِ، وَ قُطْبُ دايرَةِ *** الوِئام والانْحَادِ ابْنَاها

حَسَنُ الَّذي صَانَ الجَمَاعَةَ بَعْدَما *** أَمْسَى تَفَرَّقُها يَحِلُّ عُراها(1)

تَرَكَ الخِلافَةَ ثُمَّ أَصْبَحَ في الدِّيَا *** إِمَامَ أَلْفَتِهَا، وَ حُسْنَ عُلاها

وَ حُسَيْنُ في الأَبْرارِ، و الأَحْرَارِ، ما *** أَزْكَى شَمَائِلَهُ وَ مَا أَنْدَاها

فَتَعلَّمُوا دِينَ اليَقِينِ مِنَ الحُسَيْنِ *** إِذا الحَوَادِثُ أَظمَاتْ بلَظَاها

و تَعَلَّمُوا حُريَّةَ الإِيمَانِ مِنْ *** صَبْرِ الحُسَيْنِ، وَ قَدْ أَجَابَ نِدَاها

الأمهاتُ يَلِدْنَ لِلشَّمس الضياءِ *** و للجَوَاهِرِ حُسْنَها وَ صَفَاها

ما سِيرَةُ الأَبْنَاءِ، إلا الأُمَّهَاتُ، *** فَهُمْ إذا بَلَغُوا الرقيَّ صَدّاها؟

هِيَ أَسْوَةٌ لِلأُمَّهاتِ، وَ قُدْوَةٌ *** بِتَرَسمِ القَمَرِ المُنيرِ خُطاها

لَمّا شكا المُحْتَاجُ خَلْفَ رِحَابِها *** رَفَّتْ لِتِلْكَ النَّفْسِ في شَكْوَاها

جَادَتْ لِتُنْقِذَهُ بِرَهُن خِمَارِها *** یا سُحْبُ أَيْنَ نَدَاكِ مِنْ جَدواها؟(2)

نُورٌ تَهَابُ النَّارُ قُدْسَ جَلالِهِ *** وَ مُنَى الكَواكِبِ أَنْ تَنالَ ضِيَاهَا

جَعَلَتْ مِنَ الصَّبْرِ الجَمِيلِ غِذَاءَهَا *** وَ رَأَتْ رِضَا الزَّوْجِ الكَرِيمِ رِضَاها(3)

ص: 286


1- عُراها: مفردها العروة و هي ما يوثق به كالحبل ونحوه.
2- (والأبيات التي تلته) في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص228 ح1 ط الثالثة، مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف -قم المقدسة «... روي أن علياً علیه السلام لاستقرض من يهودي شعيراً فاسترهنه شيئاً فدفع إليه ملاءة فاطمة علیها السلام رهناً و كانت من الصوف فأدخلها اليهودي إلى داره و وضعها في بيت. فلما كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة بشغل فرأت نوراً ساطعاً في البيت أضاء به كلّه فانصرفت إلى زوجها علیها السلام فأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءاً عظيماً فتعجب اليهودي من ذلك و قد نسي أن في بيته ملاءة فاطمة علیها السلام، فنهض مسرعاً و دخل البيت فإذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب فتعجب من ذلك أمعن النظر في موضع الملاءة فعلم أن ذلك النور من ملاءة فاطمة علیها السلام. فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه و زوجته تعدو إلى أقربائها... فأسلموا كلهم...». انظر کتاب بحار الأنوار، ج43 ص30 ح36. و المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص339. جدوى: عطية.
3- جاء في كتاب تفسير فرات الكوفي، ج1 ص83 سورة آل عمران من آية: 37 ح60 ط/ مؤسسة النعمان/ بيروت. «...قالت فاطمة علیها السلام العلي علیه السلام: لا والذي أكرم أبي بالنبوة و أكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء اغتذيناه و ما كان شيء أطعمناه منذ إلايومين شيء کنت أوثرك به على نفسي و على ابني هذين الحسن و الحسين علیهما السلام فقال علي علیه السلام: يا فاطمة علیها السلام ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام إني لأستحيي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لاتقدر عليه...». انظر كتاب كشف الغمة ج2 ص95 ط دار الكتاب الإسلامي بيروت (1981م)، و «بحار الأنوار» ج43 ص59 ح51 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت، و «ذخائر العقبى» ص45 ، ط مؤسسة الوفاء -بيروت (1981م).

فَمُها يُرَتِّلُ آيَ رَبِّكَ، بَيْنَمَا *** يَدُها تُدِيرُ عَلَى الشَّعِيرِ رَحَاها

بَلَّتْ وَ سادَتَها لآلِى دَمْعِها *** مِنْ طُولِ خَشْيَتِها، وَ مِنْ تَقْوَاها(1)

جِبْرِيلُ نَحْوَ العَرْشِ يَرْفَعُ دَمْعَها *** كالطَّلِّ يَرْوِي فِي الجِنانِ رُبَاها(2)

لَوْلاً وُقُوفي عِنْدَ أمْر المُصْطَفَى *** وَ حُدُودِ شِرْعَتِهِ، وَ نُحْنُ فِدَاها

لَمَضَيْتُ لِلتَّطْوَافِ حَوْلَ ضَرِيحِها *** وَ غَمَرْتُ بِالقُبُلاتِ طِيبَ ثَرَاها(3)

ص: 287


1- مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في «إرشاد القلوب» ص105 ط الرابعة/ مؤسسة الأعلمي. «... و كانت فاطمة علیها السلام تنهج في صلواتها من خوف الله «تعالى»». انظر کتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص279 ح6.
2- الطلّ: المطر الضعيف الندى.
3- أهل البيت فاطمة الزهراء علیها السلام توفيق أبوعلم ص295.

(25) ربيبة خدر

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف(*)(1)

يَابْنَ طه حتّى مَتى يابنَ طه *** برعاياكَ يَسْتَقِيمُ أذَاها

شَفَّها السُّقْمُ وَ البَلايَا كَسَتْها *** وَ حَكَى لَيْلَها الظَّلامَ ضُحاها(2)

وَ رَزاياكُمُ عَرَتْنا وَ مِنْ عَيْنِ *** المَعَالي أظفَتْ مُنِيرَ ضِياها

لِهَاشِمٍ حَرَّ قلبي فَمَا لِهَاشِمٍ مِنْ ذَنْبٍ *** إِذا قِيسَ فَضلُها بِعِداها

بِهِمُ الكَوْنُ قَدْ أَنَارَ ولُوْلَاهُمْ *** لَما كانَ أَرْضُها وَ سَماها

أو عميٌّ عَنْ مَنْقَبٍ كان للهادي *** قَديماً لما السماءَ رَبَّاهَا

قِيلَ للطُّهْرِ يا مُحَمَّد لولاكْ *** ما دَحَى الأَرْضَ وَ السَّماء بناها(3)

فَرَضَ اللَّهُ في القَدِيمِ وَ لاهُمْ *** وَ وَلا العَهْد في الورى مُذْ بَراها(4)

ص: 288


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- شفّها: أوهنها حكى شابه.
3- دحى: بسط.
4- وردت في محبة أهل البيت علیهم السلام الأخبار كثيرة منها ما قال رسول اللَّه صلي الله علیه و اله و سلم: يا علي علیه السلام إن هذا النهر (الكوثر ) لي ولك و لمحبيك من بعدي حق اليقين، ج2 ص199. و في حديث (... فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محب لأهل البيت إلا رفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار فصار أخي و ابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي في النار الصواعق المحرقة، ص173. و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: معرفة آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم براءة من النار، وحب آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم جواز على الصراط، و الولاية لآل محمد صلى الله عليه و آله و سلم أمان من العذاب. ينابيع المودة، ص22 و في كتاب شعاع من نور فاطمة علیها السلام للعلامة السيد مرتضى الشيرازي ص30-31 قال: و الشهادة في سبيل اللّه تعتبر سبباً لغفران الذنوب. كما قال الإمام الباقر علیه السلام: أول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه إلا الدين فإن كفارته قضاؤه كما في كتاب من لايحضره الفقيه ج3، ص183، باب2، ح 3688. فهل يُستغرب أن تكون محبة من خلق الكون لأجلهم و في محبتهم -كما في حديث الكساء-. سبباً لذلك؟ إضافة إلى أن الروايات تعمم مفهوم الشهادة ومصداقها لقوله صلي الله علیه و آله و سلم: من مات على حب آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم مات شهيداً عوالم المعارف ج21 ص354 عن صاحب الكشاف و الثعلبي في تفسير قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «من مات على حب آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم مات شهيداً...». فهو شهيد له ما له من الدرجات و المنزلة ولا يضر بذلك إجراء أحكام الشهيد من حيث الغسل وما أشبه ذلك عليه إذ أن المنصرف عن (مات شهيداً) غير ذلك أو أن الأدلة دلت على استثناء ذلك و على كل حال فليس ذلك مخلاً بالمقصود بل قد يؤكده فتدبر جيداً. براها: خلقها.

لَوْ خَلَتْ مِنْهُمُ البلاد لزالَتْ *** ثُمَّ لَوْلاهُمُ النَّدَى مَا سَقاها

وَيْلَ قَوْمٍ قَدْ زاحَمُوهُمْ عِناداً *** وَ مَقامَاتِهِمْ أَحَلُّوا سِفاها

وَ نَفَتْهُمُ بالقَهْرِ ظُلْماً وَ حِقْداً *** لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ رِجْسٍ نَفاها

وَثَبُوا بَعْدَ أَحْمَدٍ وَ أَبانُوا *** لِقُلُوبِ عَلَى الحُقودِ انْطَواها

غَشِيَتْ آلَهُ المصائِبُ وَ الطُّهر *** طريحاً ما ضُمَّ في القَبْرِ طاها

ثُمّ قادُوا مَنْ لَوْ رَآهُمْ وَمَنْ في *** الأَرْضِ بِالسَّيْفِ لَحْظَةً لمحاها

أَوْقَفُوهُ كَالعَبْدِ وَقْفَةَ ذُلُّ *** فَتداعى مِنَ المَعَالي بِناها

وَ الّتي لَمْ تَزَلْ رَبيبَةً خِدْرٍ *** بَعْدَ طه الأمين أجَّ حِماها(1)

قَنَّعُوها ضَرْباً عَلَى الرَّأْسِ حتَّى *** سَكَبَتْ نَفْسَها بقَيْضِ دِماها

عُصِرَتْ بَيْنَ بابِها يا لَقَوْمِي *** عَصْرَةٌ أَسْقَطَتْ جَنِينَ حَشاها(2)

عَجَباً كَيْفَ َخالَفُوا لِرَسُولِ *** اللَّهِ فيها وَ طالَما قَدْ حَباها

لَمْ تَزَلْ بِنْتُ أَحْمَدِ في قَليلِ *** العُمْرِ تَشْكُو للَّهِ طُولَ أَذاها

ص: 289


1- أج: أوقد وأشعل.
2- في كتاب الوافي بالوفيات ج5 ص347: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البیعة حتی ألقت المحسن من بطنها.

وَ قَضَتْ رَحْمَةُ الوُجودِ بِشَجوِ *** وَ هِيَ النُّقْطَةُ التي لَوْلاها

وَ النَّرى ضَمَّ جِسْماً في ظَلامٍ *** الليلِ خَوْفاً وَفِيهِ أَعْفَى ثَراها(1)

فَجَمِيعُ الوُجُودِ تَهْتِفُ شَجُواً *** (في فَمِ الدَّهْرِ غُصَّةٌ مِنْ جَواها)(2)

ص: 290


1- جواها:حرقة قلبها من حزن.
2- عبرة المؤمنين ص48 و القصيدة في (56) بيتاً. أخذنا منها ما نحن بصدده.

(26) سميت فاطماً علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد جواد الخراساني

طَلَعَتْ نَجْمَةٌ فَلاحَ ضِيَاهَا *** فِي الثّرى وَانْتَهى الثَّريا بَهاها(1)

أَشْرَقتْ في حَرِيمِ مَكَّةَ شَمْسُ *** فَاسْتَنَارَتْ بِمَرْوِها وَ صَفَاها

نَوَّرَتْ شَمْسُ احْمَدَ إِذْ تَجَلَّتْ *** عَرَفَاتٍ وَمَشْعَراً وَمِنَاها

هِيَ شَمْسُ وَلا تَقُلْ شَمْسُ كَوْنٍ *** في سَماءِ الهُدَاءِ شَمْسُ هُدَاها

نَجْمَةٌ لاكَنَجْمَةٍ فِي السَّمَاءِ *** هي أُمُّ النُّجومِ رُوحي فِدَاها

هِيَ واللَّه للنُّبُوَّةِ شَمْسٌ *** تُشْرِقُ الوَحْيَ وَ النَّبيُّ سَماها

هِيَ مِنْ دَوْحَةِ الوِلايَةِ فَرْعُ *** وَ عَلَيْها يَدُورُ قُطب رَحاها

هِيَ أُمُّ القُرى الّتيِ بارَكَ اللَّهُ *** بِهَا كَانَ آمِناً مَنْ أَتَاهَا

هِيَ مِشْكاةُ عِصْمَةِ اللَّهِ حَقّاً *** فَأَضاءَتْ بِهَا لِذاكَ اصْطَفاها

سُمِّيَتْ فَاطِماً لأنْ فَطَمَ اللَّه *** عَنْ جَحِيمٍ مُحِبَّها بِوَلاها(2)

وُلِدَتْ مِنْ خَدِيجَة الظُّهْرِ طُهْراً *** إِذْ مِنَ الرِّجْسِ رَبُّها صَفَّاها(3)

ص: 291


1- لأح: ظهر.
2- كنز العمال ج6 ص219 و فرائد السمطين ص58 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما سميت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن الله فَطمها و فطم من أحبها من النار.
3- في كتاب البحار ج43 ص16-19. إنما سمّيت فاطمة علیها السلام «بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة» لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً . انظر أيضاً كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147 و سنن البيهقي ج2 ص149، و ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.

هِيَ في العِلْمِ نُخْبَةٌ مِنْ أبيها *** مَثَلٌ مِنْهُ في صِفاتٍ حَوَالها

دارُها مَهْبِطُ المَلائِكِ لا *** لِلْوَحْيِ بَل لاِقْتِبَاسِهِم مِنْ ضِيَاها

خَدَمَتْها مُقَرَّبُوهُمْ كِجِبْرِيل *** وَ مِيكالَ آمِلينَ حِمَاها

بَلَغَتْ في العُلى مَعَارِجَ حَتَّى *** بَدَأَ اللَّهُ بِاسْمِها حِينَ بَاهى(1)

في مَلَيكِ السَّمَا فَبانَ عَلَيهِم *** فَضْلُها وَ ارْتِفَاعُها وَ عُلاها

وَ بَدا فَضْلُها لَهُم إِذْ دَهَتْهُم *** ظُلْمَةٌ قَدْ تَخَبَّطُوا في دُجَاها(2)

فَعَلَتْ ضَجَّةُ المَلائِكَ مِنْهَا *** فَأَتَاهُم بِنُورِها فَزَواها

فَمِنَ اليَوم سُمِّيت في السَّماءِ *** باسْمِ زَهْراءَ حِلْيَةً لِسَناها(3)

وَ تَجَلَّتْ بِهِ بِطَيْبَةَ دَهْراً *** في غُدُوِّ وَ ضَحْوَةٍ وَ مَساها

أبْيَضاً أَصْفَراً وَ أَحْمَرَ لَوْناً *** حِينَ قَامَتْ لِفَرضِها وَ دُعاها

بضْعَةُ المُصْطَفى أَذَاه أَذاها *** وَ رِضَا اللَّهِ مُنْطَوٍ في رِضَاها(4)

حُبُّها حُبُّهُ وَ حُبُّ رَسولٍ *** بُغْضُها بُغْضُه عِداهُ عِداها

لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةٌ انْكَرَتْها *** ظَلَمَتْهَا وَ لَمْ تُراعِ أَباها

غَصَبُوا النِّحْلَة التي خَصَّها اللَّهُ *** بِها وَ النَّبِيُّ أَيْضاً حَبَاها(5)

أخرَقُوا بَابَ دَارِها وَ هِيَ تَدْعُو *** مِن وَرا البابِ يَسْمَعُونَ نِداها(6)

ص: 292


1- باهی: فاخر.
2- تخبّطوا: ساروا على غير هدّى.
3- في كتاب إحقاق الحق ج19 ص16. عن عائشة: كنّا نخيط و نغزل و ننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة علیها السلام. و قالت: إذا أقبلت فاطمة علیها السلام كانت مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت لاتحيض قط لأنها خلقت من تفاحة الجنة، و لقد وضعت الحسن علیه السلام بعد العصر، و ظهرت من نفاسها فاغتسلت وصلت المغرب، و لذلك سميت الزهراء علیها السلام.
4- انظر ما ورد في كتاب كشف الغمة ج1 ص498. و في صحيح الترمذي ج2 ص319 عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم (فإنما ابنتي- يعني فاطمة علیها السلام- بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها).
5- حباها: أعطاها من غير شيء بإزائه.
6- في كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص78 و دعا (أبوبكر) بكتاب كتب فيه بإرجاع فدك إلى الزهراء علیها السلام فخرجت من عنده و الكتاب معها فصادفها عمر في الطريق و عرف أنها كانت عند أبي بكر، فسألها عن شأنها فأخبرته بكتابة أبي بكر برد فدك عليها، و طلب الكتاب، منها فامتنعت فرفسها برجله و أخذ الكتاب منها قهراً و بصق فيه وخرقه و قال هذا فيء للمسلمين يشهد بذلك عائشة و حفصة و أوس بن الحدثان فقالت: بقرت كتابي بقراللَّه بطنك، انظر أيضاً الاحتجاج ج1 ص119. في كتاب تلخيص الشافي ج3 ص76 عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه و آله و سلم قال: واللَّه ما بايع علي حتى رأى الدخان دخل بيته و في كتاب العوالم ج2/11 ص568 (وأخذت النار في خشب الباب).

عَصَرُوا بابَها عَلَيْهَا إِلَى أَنْ *** كَسَرُوا ضِلْعَها وَكَلَّ نِداها(1)

ذا بِسَوْطٍ وَذَا بِنَعْلِ حُسَامٍ *** ذَاكَ بِاللَّوْمِ وَ الشَّمَاتَةِ فَاهَا(2)

أسْقَطُوا مُحْسِنَا وَ قادُوا عَلِيّاً *** وَ هِيَ مِنْ خَلْفِهِم تُنادِي أَبَاهَا(3)

عَجَباً مِنْ حَيَائِهِم مَنَعُوها *** بَعْدَ ذا عَنْ بُكاتِها وَرِثاها

يَا بْنَةَ المُصْطَفَى فِدَاكِ جَوَادٌ *** بِئْسَ مَا قَدْ جَزَوْكِ يَا ابْنَةَ طه!

قِصَّةُ العِجْل لاتكونُ عَجيباً *** بَعْدَما أحْدَثوا وَ سَنّوا أذاها(4)

ص: 293


1- في كتاب مرآة العقول ج5 ج5 ص320. فلما أخرجوه (علی علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار عضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها و دفعها، فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها... انظر كتاب البحار أيضاً ج43 ص198.
2- فاها: تكلّم و نطق.
3- في كتاب لسان الميزان ج1 ص268 أن عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن. و في دلائل الإمامة ص45: (و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً).
4- انظر کتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في الشعر العربي ص360.

(27) ما أعظم الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ محمد سعيد الجشي(*)(1)

صلّى الإلهُ على البتولِ وَ آلِها *** من تخضعُ الأملاكُ عندَ جلالِها

الطهرُ فاطمةٌ سليلةُ (أحمدٍ) *** من يشرقُ الإعجازُ في أقوالِها

ما قورِنَتْ شمسُ الضحى بسنائِها *** إلا تسامَتْ رفعةً بكمالِها

هي شعلةٌ من (أحمدٍ) وضاءةٌ *** و الشمسُ تمنحُ ضوءَها لهلالِها

مانالها غيرُ (الوصي) لأنهُ *** ورثَ المكارمَ من أجلِّ رجالِها

فاقَ الأنامَ مَنَاقِباً وَ فضائلاً *** رُدت إليه الشمسُ بعدَ زوالِها

***

ما أعظمَ (الزهراء) درّة عصمةٍ *** قد عمّ هذا الكون فيضُ نوالِها

قد أزهرَ الملكوتُ من أنوارِها *** وَ سما رواقُ المجدِ تحتَ ظلالِها

نبويةُ الأعراقِ طيبةُ الشذا *** عطر الجنانِ يضوعُ من أذيالِها

اللَّه شرفها وَ عظّمَ شأنها *** وَ إمامةُ الإسلامِ في أنجالِها

سادتْ نساءَ العالمين بفضلها *** و بطهرِها وفخارِها وَ مقالِها

ص: 294


1- (*) الشيخ محمد سعيد بن أحمد بن محمد حسن بن علي الجشي القطيفي (1338-1410 ه-): ولد في قلعة القطيف و نشأ بها على والده المقدس، قرأ مقدماته الأدبية و الشرعية على الشيخ حسين البريكي و أخيه الشيخ محمد صالح البريكي، نظم الشعر في مناسبات شتى و كان في شعره مادحاً وراثياً لأهل البيت و كان ورعاً صالحاً ذكياً فطناً من الشخصيات الجليلة في بلده له (في محراب الذكرى): ديوان شعره.

هي شعلةٌ للحق ناطقةٌ به *** يزهوُ الهدى بيميِنِها و شِمالِها

الكوثرُ العذبُ الطهورُ بنطقِها *** نبعُ الهدى ينسابُ من سلسالِها

شبه (الرسولِ) شمائلاً و خلائقاً *** ما (مريمٌ) في الفضلٍ من أمثالِها

مَن ذا يمثالُها (ففاطمُ) علّة *** يهمي سحابُ الفضلِ من أفضالها

***

ما كانَ يُشبهها بنهجِ خصالها *** الأوريثةُ نهجِها و خصالِها

هي (زينبٌ) من أشعلتَ بخطابِها *** قبساً يضيءُ على مدى أجيالِها

قد ورثتها كل فضلٍ باذخ *** و لذا سمتْ كالشمسِ في أفعالِها

ص: 295

(28) هي علیها السلام البتول

(بحر البسيط)

السيد مرتضى القزويني(*)(1)

قُمْ وَاسْقِنَا مِنْ كُؤُوسِ الرَّاحِ أَحْلاها *** وَ رَوِّنَا بِرَحِيقٍ مِنْ حُمَياها(2)

وَ أَنْشِدُ لنا مِنْ أَغانِي الحُبَّ أَعْذَبَها *** و غَنّنا من نِعَامِ البِشْرِ أَشْجاها

دَعْنا نَبِيتُ نَشَاوَى إذ يُجَلُلُنَا *** سِتْرٌ من اللَّهِ يَمْحو ما اقْتَرفْناها(3)

نُحْيِي بِهَا لَيْلَةً قَمْرَاءَ زَاهِرَةٌ *** طُوبَى لِمَنْ بِالهَوى وَالحُبِّ أَحْياها

ما أَسْعَدَ العَيْشَ فيها بَلْ وَ أَرْغَدَهُ *** ما أَجْمَلَ الطَّقْسَ فيها ما أُحَيْلاها

لَيْلٌ بِهِ ضَاءَتِ الدُّنْيا بِسَيْدَةٍ *** لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ هَذا الخَلقَ لَوْلاها

هِيَ البَتُولُ وَمَا أحْلى اسمها بِفَمِي *** هِيَ الزَّكِيَّةُ بِنْتُ المُصْطَفَى طَه(4)

أُمُّ القُرى ازْدَهَرَتْ وَ البَرْقُ جَلَّلَها *** حَتَّى أَحَاطَ بِأَقْصاها وَ أَدْناها

مِنْ دُرَّةٍ سَطَعَتْ قَدْ طَابَ مَغْرِسُها *** وَ غُرَّةٍ لَمَعَتْ قَدْ جَلَّ مَعْنَاهَا

وَ زَهْرةِ أَيْنَعَتْ فَاحَتْ رَوائِحُها *** وَ زَهْرَةٍ طَلَعَتْ فَاقَتْ بِأَضْواها

وَ وَمُضَةٍ تَخْطُفُ الأَبْصارَ لَمْعَتُها *** وَ آيَةٍ حَيْرَ الأَلْبَاب مَغْزَاها(5)

ص: 296


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الراح: الخمر. الرحيق: الخمر أو ضرب من الطيب. حُمَيّا: سَوْرة الخمر أو الخمر: نفسها.
3- نشاوی: سُکاری.
4- انظر كتاب المناقب المرتضوية ص119.
5- في كتاب البحار ج43 ص44: عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لما خلق اللَّه الجنة خلقها من نور وجهه، ثم أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، و أصاب فاطمة علیها السلام ثلث النور، و أصاب علياً و أهل بيته ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و من لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم.

297

قافية الهاء

(1)

فَسُورَةُ الكَوْثِر اختصَّتْ بها شَرَفاً *** وَ حَسْبُها سُورَةٌ تَسْمُو بِعَلْياها(1)

أُمُّ الإمامَةِ لا أُمَّ تُساجِلُها *** فَضْلاً و لاأَحَدٌ في الفَضْلِ ضاهاها(2)

بنتُ الرِّسالةِ لابنتُ تُمَاثِلُها *** نُبْلاً و لاكائِنٌ في العِزَّ جَارَاها

مَنْ أَذْهَبَ الرِّجْسَ عَنْهَا اللَّهُ جَلَّ وَ مَنْ *** بها مَلائِكَةُ الرَّحْمَنِ قَدْ باهي(3)

إنْ أَقْبَلَ الصُّبْحُ صَامَتْ عَنْ لذَائِذِها *** أَوْ عَسْعَسَ اللَّيْلُ قَامَتْ في مُصَلاَها(4)

إذا أَقَامَتْ صَلاةٌ بِاسْمِ بَارِئْها *** أَوْحَى إِلَى مَلَكِ أَمْراً فَنَادَاها

يا بِنْتَ أَحْمَدَ إِنَّ اللَّهَ طَهَّرَكِ *** ثُمَّ اصْطَفَاكِ عُلا أَعْظِمْ بِذَا جَاهَا

فَاللَّهُ شَرَّفَها وَ اللَّهُ فَضَّلَها *** وَ اللَّهُ طَهَّرَها وَ اللَّهُ زَكَّاها

وَ اللَّهُ زَوْجَهَا وَ اللَّهُ أَصْدَقَها *** وَ خُطبَةَ العَقْدِ فَوْقَ العَرْشِ أَلْقاها(5)

أنَّى لِمِثْلِيَ أَنْ يُحْصِي مَآثِرَها *** وَ كَيف لي شَرْحُ نُبْذٍ مِنْ سَجاياها؟

هذِي شَرِيعَةُ جُودِ سَاغَ مِنْهُ لَها *** مَنْ جَاءَها عاطِشاً يَحْظَى بِرَيَّاها

ص: 297


1- كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج 32 ص124: في تفسير قوله «تعالى»: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»: و القول الثالث: الكوثر أولاده. قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت ردّاً علی من عابة علیها السلام بعدم الأولاد...
2- تساجلها: تباريها و تفاخرها.
3- في كتاب الدر المنثور في تفسير آية التطهير من سورة الأحزاب ج5 ص199 قال و ص 199» قال: و أخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» و في البيت سبعة جبريل و ميكائيل و علي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله عنهم و أنا على علیه السلام باب البيت، قلت: يا رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم ألست من أهل البيت علیهم السلام؟ قال: إنك إلى خير، إنكِ من أزواج النبي صلي الله علیه و آله و سلم.
4- عسعس: أظلم.
5- في كتاب البحار ج43 ص92: عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها علیها السلام إليك فمنعتنا و زوّجت علياً علیه السلام؟ فقلت لهم: واللَّه ما أنا منعتكم و زوجته بل اللَّه منعكم و زوّجه فهبط علي جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و اله و سلم إن اللَّه «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفؤ على وجه الأرض، آدم فمن دونه.

هَذِي شَفِيعةُ يَوْمِ الحَشْرِ سَيِّدَةُ *** النِّسوانِ قَدْ فَازَ مَنْ بِالقَلْبِ وَالأَها(1)

هذِي رَبيبَةُ وَحْيِ اللَّهِ قَدْ فَظَمَتْ *** مِنَ العَذَابِ مُحِبيِّها وَ أَبْنَاها(2)

وذِي خِزانَةٌ سِرِّ اللَّهِ فَاطِمَةٌ *** طُوبَى لِشِيعَتِها تباً لأعْداها

يا بِنْتَ أَشْرَفِ خَلْقِ اللَّهِ كُلِّهِمْ *** وَ سَيِّدِ الرُّسُلِ عَقْلَي فِيكِ قَدْ تَاهَا

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى قَدْ حِرْتُ فِيكِ وفي *** ما قَالَهُ المُصْطَفَى فِيكِ وَ مَا فَاها(3)

أَعْطَاكِ رَبُّ العُلا جَاهاً وَ مَنْزِلَةٌ *** مَا جَاوَزَتْكِ وَ لالِلْغَيْرِ أَعْطاها

آتاكِ مِنْ عِنْدِهِ في الحَشْرِ مَرْتَبَةً *** مَا لِلأَئِمَّةِ أَوْ لِلرُّسُلِ آتاها

يا رَبَّةَ الوحْي نَفْسي فِيكِ جائِشَةٌ *** بِحُبُها فَاشْفَعِيها يَوْمَ بَلْوَاها

وَ أَنْقِذِيها مِنَ الأَهْوَالِ سَيِّدتي *** لِتُسْعِدِيها بِدُنْيَاهَا وَ عُقباها

هذِيِ صحِيفةُ حُبِّي فِيكِ نَاصِعَةٌ *** مُبْيَضَةٌ فَاشْهَدِي لى يَوْمَ أَوْتَاهَا

فَأَرْشِدِينِي إِلَى مَا كُنتُ أَطْلُبُه *** وَ أَبْلِغِينِي مِنَ الغاياتِ قُصْوَاها

ص: 298


1- في كتاب البحار ج43 ص65 و101: في حديث طويل قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه يا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبيّها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي اللَّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا فيقول الله «عزوجل»: يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة علیها السلام بنت حبيبي؟
2- فطمت قطعت و منعت في كتاب كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبّيها من النار قال: أخرجه الديلمي عن أبي هريرة -يعني عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم-...
3- في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي ما أرابها و يؤذيني ما آذاها».

(29) القدسية السامي علاها

(بحر الوافر)

الأستاذ محمود مهدي

تَجَلَّتْ شَمْسُ هَدْي في ضُحاها *** وَ أَشْرَقَتِ المَعَالِمُ مِنْ سَناها

وَ فِي دَلَجِ السُّرى الحادِي تَغنَّى *** بِمَوْلِدِها وَ فِيها الكون قد باهَى(1)

فلا تُخْفِي السُّؤالَ خَلاكَ ذَمُّ *** عَنِ الشَّمْسِ الَّتي الحادِي عَناها

وَ شَعْشَعَ نُورُها في كُلِّ مَنْحًى *** وَ طَوَّقَ فُسْحَةَ الدُّنْيا صَداها

هِيَ الرَّيحانَةُ الذاكِي شَذاها *** لِسِرِّ الطُّهْرِ مَولاها اصْطَفاها

هِيَ الكَنْزُ المَصونُ لِكُلِّ جِيلٍ *** مِنَ الإعجاز باريِنا بَراها

هِيَ المشكاةُ مِشْكاةُ الدَّرَارِيْ *** هِيَ القُدْسِيَّةُ السَّامِي عُلاها

هِيَ الفَحْوَى لِقامُوسِ المَعالي *** هِيَ الزَّهْرا البَتُولُ فَتاةُ طه

وَ ايْمُ اللَّهِ لاتُعْطَى صِفَاتٌ *** كَهْذِي مِنْ بَني الدنيا سِواها

يَضِيقُ الوَصْفُ عَنْ حَصْرِ المَعاني *** الَّتِي فِيها مُكوِّنُها حَباها(2)

فَمِنْ حَقِّ المَعالي أن تُباهِي *** بِبِنْتٍ كانَ هادِينا أباها

وَ مِنْ حَقِّ المفَاخِرِ أَنْ تُحَبِّي *** عَلِيّاً فارِسَ الهيجا فتاها(3)

فلا التَّقْدِيرُ يَبْلُغُ مُسْتَواهَا *** وَ لَوْ لَتَمَتْ ثَرايانا ثَراها(4)

وَ مَنْ تِلْكَ الّتي تَدْنُو لِبنتٍ *** جَرَى طَبْعُ النُّبُوَّةِ في دِماها

ص: 299


1- الدلج: السير في الليل كله أو في آخره. السرى سير الليل.
2- حباها: أعطاها من غير جزاء.
3- الهيجا: الحرب.
4- لثمت: قَبَلت.

لَقَدْ حَازَتْ فَتَاةُ الدِّينِ مَجْداً *** إِلَيْهَا مِنْ مُرَبِّيها تَناهَى

تَتَالَي مِنْ أَبِيها مِنْ عَلِيٌّ *** لِذاكَ الفِكْرِ لم يُحْصَرْ مَداها

لَها صِلَةٌ بِرُوح اللَّهِ عِيسَى *** يَدُ الأَقْدارِ قَدْ حَاكَتْ عُراها(1)

لِمُوسَى لِلْخَلِيلِ بِكُلِّ داعٍ *** إِلى دَرْبِ الهُدَى تُنْمَى ذُراها

كَرِيمَةُ أحْمَدَ المُخْتارِ طَهُ *** رَقَى فَوقَ التَّصوُّرِ مُسْتَواها

مَصُونَةٌ حُرَّةٌ فُضْلَى كَفاهَا *** مِنَ الرِّجْسِ المُهَيْمِنُ قَدْكَفاها

ضئيل كُلُّ مَدْح في بَتُولٍ *** رِضا الرَّحْمَنِ يُقْرَنُ في رِضاها(2)

وَ إِنَّ الدَّينَ في زوجٍ كريمٍ *** لها وابنَيْن عَليَاهُ بناها

يَميناً قاطعاً لَوْلا عَلِيٌّ *** لَظَلَّ الرَّفْضُ يَجْبَهُ مَنْ أَتَاها(3)

قرانٌ لَمْ يَكُن فيه اختيَارٌ *** سوَى لِلَّهِ تكريماً وجَاها

أَلا هَنّوا أباحَسَن بزَوْجٍ *** تخَّطّى دُرّة العليا مداها

وَ هَنُوها به إذ قد تساوت *** شَوَامِعُ مُرْتَقاهُ بِمُرْتَقاها(4)

ص: 300


1- عراها: العروة ما يوثق به.
2- كتاب تهذيب التهذيب ج12 ص441: قال رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم الفاطمة علیها السلام: إن اللَّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و في كتاب (اعلموا أني فاطمة علیها السلام للعلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر ج2 ص188 في تفسير الآية الشريفة (لأن أشركت ليحبطن عملك) يجيء معنى آخر في التفسير أو قل: في سبب نزول الآية أن أذى فاطمة علیها السلام يعني الشرك باللَّه... و النبي لم يشرك طرفة عين لأن الآية جعلت ملاك الشرك هنا هو أذى فاطمة علیها السلام. و النبي لم يؤذ فاطمة علیها السلام و كيف يؤذيها و هو القائل: من آذى فاطمة علیها السلام فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله... و يقول في موطن آخر: إن رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخطها من سخطي. و في حديث ثالث يقول: إن الله ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها. كما جاءت هذه الأحاديث في صحاح المسلمين و في البحار والكتب الأربعة و غيرها من كتب التفسير و الحديث و التاريخ. إذن: فالآية لا تعني أن النبي آذى فاطمة علیها السلام... أبداً. و إنما الآية تريد أن تربي الأمة الإسلامية على احترام الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام... إنها فاطمة علیها السلام و ما أدراك ما فاطمة علیها السلام... إن من أدركها أو أدرك معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.
3- في کتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص204: قال رسول اللّه صلط الله علیه و آله و سلم: إن اللّه أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
4- نفحات عاطرة، ص19.

(30) يا يوم فاطمة علیها السلام

(بحر الکامل)

منذر الساعدی

في ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام:

يا يومَ فاطمةٍ و يا بلواها *** فَتتْ فؤاداً هاجَ في ذكراها

يا يومَ فاطمةٍ كأنك مأتمٌ *** فيك الصباح و ليلُهُ ينعاها

ساعاتك الأولى اقضّت مضجعي *** اللَّه أكبر يا سعيرَ لظاها

كيف التصبّر و ابنة المختار قد *** غيلت و أُرسل للسماء نداها؟

كيف التصبّر و هي تشكوهمّها *** و من الذي ستهزهُ شكواها؟

أفذا جزاءُ للنبي وآلهِ *** غدروا ببضعته وطالَ بكاها؟

لمّا المنيّة عاجلته سريعةً *** الناس بالزهراء قد أوصاها

إذ قال من كبدي البتول لقَطعة *** يؤذي فؤادي من يرومُ أذاها

و يسرَّني مَن لايعاديها و *** لايبدي النفورَ و نِعم مَن والاها

أُمي البتول و ياانثيال حنانها *** لي ما عرفت وداعةً لولاها

كم ضلّلتني بالمودة والصفا *** ما عفّت البضع البتول أباها

قد قال هذا للخلائق كلّها *** فهل استجاب المغرضون لطه؟

أم ابغضوا الزهراء بعد وفاته *** و تزاحموا من أجل حرق خباها؟

غصبوا لها حقاً فراحت تشتكي *** من ظلم قومٍ يغصبون حماها

دخلوا إلى البيت المقدس عنوةً *** لم يرحموها في اشتداد أساها

ص: 301

دفعوا عليها الباب و هي أسيّةُ *** و على الدموع تعوَدت عيناها(1)

فعلى أبيها لايخفُّ بكاؤها *** و رحيله أودى بعزّ مناها

و ترى الأعادي هشمت أضلاعها *** من بعده و مصائباً تلقاها

اليوم قرب الباب تسقط حملها *** من بعد أن خارت جميع قواها

سقطت و نزف الضلع يحكي ما جنت *** زمر العتاة بما أراد هواها

يا حفنةً خانت وصايا أحمدٍ *** يوم القيامة نارها تصلاها

هتكوا وصيته بفاطمة التي *** هي قدوة في خُلقها و تقاها

هي في النشور شفيعةُ لمن ارتدى *** ثوب الكرامة وانتقى تقواها

أما الذي عادى البتول و أهلها *** يُصلى بنارٍ يُستدام لظاها

***

يايوم فاطمةِ أراكَ بمدمعٍ *** جارٍ كساقية لها مجراها

دُمْ فالبتول اليوم في غصص الأسى *** و تجهمت من حولها دنیاها

لو جفَّ في عينيك دمعُ مصابها *** فاندب بقلبك و امتثل لصداها

و كذاك يا شيعيَ أذكر محنةً *** دارت على الزهراء في بلواها

واصنعْ من الدمع الغزير مودّةً *** يندى وفاءً خالصاً معناها

واستصرخ الإحساس في صدر الجوى *** أن يستجيب لهمّها وأساها

ما ماتت الزهراء في أرواحنا *** هي حيّةُ بل مات من عاداها

ستظل ينبوع القداسة والتقى *** و نظل نُسقى من نمير عطاها(2)

ص: 302


1- أسية: من (الأسى) أي الحزن.
2- نمیر: عذب.

(31) حرة سادت البرايا

(بحر الخفيف)

السيد ميرزا مهدي الشيرازي(*)(1)

دُرَّةٌ أَشْرَقَتْ بِأَبْهَى سَنَاها *** فَتَلاَلا الوَرَى فَيَا بُشْرَاها

لَمَعَ الكَوْنُ مِنْ سَنَانُورِ قُدْسٍ *** بِسَنَا نَارِهِ أَضَاءَ طُوّاها

يالَهَا لمْعَةً أَضَاءَتْ فَأَبْدَتْ *** لَمَعَاتٍ أَهْدَى الأنامَ هُدَاها

یا جُمادی كَفاكَ فَخْراً لَدَى *** الأشُهُرِ مَهُما تَفَاخَرَتْ في عُلاها

كَشَفَ اللَّهُ فيكَ عَنْ سِرِّهِ الغَيْبَ *** وَ أَهْدَى البَتُولَ لِلطُّهْرِ طه(2)

طلَعَتْ في سَما العُلاَ شَمْسُ قُدْسٍ *** زَهَرَتْ عَنْ ذُرَى النُّهى زَهْرَاها

حَبَّذا هَاشِمٌ وَ حَبَّ قَصِيٌّ *** حَبَّذا مِنْ كَرِيمَةٍ وَلَدَاها

هِيَ نورُ اللَّهِ الَّذي لَيْسَ يُطْفَى *** وَ هْيَ الصَّفْوَةُ التي أصْفَاها(3)

ص: 303


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن المناقب المرتضوية ص119: سمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتّلت و تقطّعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، و لأنها ترجع كل ليلة بكراً. و سمّيت مريم سلام الله علیها بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً.
3- في كتاب بحار الأنوار ج15 ص10: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إن اللّه خلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام قبل أن يخلق آدم علیه السلام حين لاسماء مبنية و لاأرض مدحيّة، و لاظلمة و لانور و لاشمس و لاقمر و لاجنّة و لانار. فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم؟ فقال: يا عمَّ: لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نوراً ثم تكلّم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ، ثم خرج النور بالروح فخلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، فكنا نسبحه حين لا تسبیح و نقدّسه حين لاتقديس.

دَوْحَةٌ عَمَّتِ البَسِيطَ ثِمَاراً *** زَهْرَةٌ نَوَّرَ الوَرَى قَمَرَاها(1)

حُرَّةٌ سَادَتِ البَرَايَا جَمِيعاً *** مِنْ لَدُنْ بَديها إلى مُنْتَهاها

لَمْ يَكُنْ فِي الْوُجُودِ لَوْلا عَلِيٌّ *** كُفْؤُهَا آدَمَ فَمَنْ عَزَّ جَاهَا(2)

بَلَغَتْ مَبْلَغاً سَمَتْ عَنْ عَدِيلٍ *** لَيْلَةُ القَدْرِ نُخْبَةٌ لاتُضَاهى(3)

يا لَها نُخْبَةً حَوَتْ مَكْرُمَاتٍ *** قَصَّرَ العَالِمُونَ عَنْ إِحْصاها

لا وَ لَمْ يُحْصِ فَضْلَها غَيْر مَنْ أَحْصى *** نُجُومَ السَّمَا وَ عُشْبَ ثَراها

كَيْفَ يُحْصى مَدِيحُ بَحْرِمَعَانٍ *** خَفِيَتْ مُنْتَهى وَ مَا أَخْفَاها؟

أو يُحْصَى مَدِيحُ طَوْدٍ مَعَالٍ *** رُفِعَتْ حَيْثُ طَائِرُ العَقْلِ تَاها(4)

أَيْنَ يُحْصَى مَدِيحُ كَنْزِ لَآلٍ *** لَمْ يَبِن للأنام إلا ثَرَاها؟

لاتَرُمُها فَإِنَّهَا سِرُّغَيْبٍ *** إِنْ تَجَلَّتْ أَوِ اخْتَفَتْ لَنْ تَرَاها

شَمْسُ قَدْسٍ تَجَلَّتْ بِالمَعالي *** وَ عَلتْ في ذُرّى العُلا أعْلاها

فَأَبَتْ أَنْ يَنَالَها الوَهُمُ إلاَّ *** أنها آيةٌ تَعَالي عُلاها

مَرْيَمُ الطُّهْرُ لَمْ تَنَلُها عَلاهٌ *** لا وَ لا کَلثمٌ وَ لا مَنْ سِواها(5)

خَيْرَاتُ النِّسَاءِ طُرّاً نُجُومٌ وَهِيَ *** البَدْرُ مُذْ بَدَا أخْفَاها

كَيْفَ لا وَ الرِّجَالُ لاَكُفْوَ فِيها *** أَفَيُرْجى كُفْوٌلَها في نِسَاها؟

ص: 304


1- البسيط: الأرض.
2- في كتاب البحار كتاب البحار ج43 ص92: في حديث طويل: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن اللّه «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه...
3- لاتضاهى: لاتُشابه.
4- تاهَ: تحيّر وضاع. طود: جبل عظيم.
5- في كتاب البحار ج43 ص78: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه اصطفاكِ و طهّركِ و اصطفاكِ على نساء العالمين، يا فاطمة علیها السلام، اقنتي لربّكِ و اسجدي و اركعي مع الراکعین (إشارة إلى الآيتين: 42 و 43 من سورة آل عمران). فتحدّثهم و يحدّثونها. فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مریم کانت سيدة نساء عالمها و إن اللّه جعلكِ سيدة نساء عالمكِ و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين.

خِيرَةٌ فاقَتِ البَرَايَا وَ فَاقَتْ *** آيَةٌ خَيْرُ الوَرَى مَعْنَاها

زَهْرَةٌ جَنْبُها ذَكَاءٌ وَ جَنْبٌ *** حَلَّ بَدْرٌ وَ جانبٌ فَرْقَداها(1)

فالأُلَى هُمْ قُطبُ العَوالِم طُرّاً *** هِي فيهم قُطْبٌ تُدِيرُ رَحاها

ذلِكَ الفَضْلُ لايُدانِيهِ فَضْلُ *** تِلكَ أُقْسُومَةٌ أَبَتْ أَنْ تُضَاهَى

هِيَ حَوْرَاءُ فاقَتِ الحُورَ حَتَّى *** خَدَمَتْ في وِلادِها لِعَيَاها(2)

فَاطِمَ لِلْوَلاَءِ عَنْ كُلِّ هَوْلٍ *** لأيَخَافُ العَذَابَ مَنْ والاها(3)

خَلَقَ اللَّهُ آلَ أَحْمَد أَنْواراً *** فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهَا زَهْرَاهَا(4)

عَرِفَتْها الأَمْلاكُ يَوْمَ تَجِلَّتْ *** فَغَدَتْ عُرْفَةٌ لأَهْلِ كِسَاها

سَادَ آبَاؤُها قَدِيماً فَزَادُوا *** سُؤدُداً مِنْ نَدَى سَمَا عَلياها

بَيْتُها بَيْتُ سُؤدُدٍ وَ مَعَالٍ *** فَاقَ هَامَ السَّمَاءِ عَنِ ابْنَاها

كَيْفَ أُحْصِي مَدِيحَهَا بِبَيَانٍ *** وَ بِهَا اللَّهُ في السَّمواتِ باهى؟(5)

ص: 305


1- فَرْقد: نجمٌ قريب من القطب الشمالي يهتدى به و المقصود بالفرقدين هنا الحسنان.
2- في كتاب دلائل الإمامة ص53 عن زينب بنت علي علیه السلام قالت: حدَّثتني أسماء بنت عمیس: قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم -و قد كنت شهدت فاطمة علیها السلام قد ولدت بعض ولدها فلم یرَّ لها دم، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن فاطمة علیها السلام ولدت فلم نر لها دماً؟ قال: إن فاطمة علیها السلام خلقت حورية إنسية.
3- في كتاب سفينة البحار ج2 ص375: في حديث طويل عن اللّه «عزوجل»: يا فاطمة و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأُعذب محبّيك و محبّي عترتكِ بالنار.
4- في كتاب البحار ج43 ص44: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لما خلق اللَّه الجنة خلقها من نور وجهه، ثم أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، و أصاب فاطمة علیها السلام ثلث النور، و أصاب علياً علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم و من لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم.
5- لعل مما يشير إلى ذلك ما في كتاب بحر المعارف ص428: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حديث طويل على ساق العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام خير خلق اللّه.

بَلَغَتْ مِنْهُ رُتْبَةً كان فيها *** سُخْطُهُ سُخْطَها رِضاهُ رِضاها

جُعِلَتْ أَوْلِيَاؤُهُ مِن بَنيها *** بُعِثَتْ أَنبياؤُهُ بِوَلَاها

زُوجَتْ مِنْ سَمِيهِ في سَمَاهُ *** شُفَعَتْ في عِبادِهِ في جَزَاها(1)

جَنَّةٌ عَرْضُها السَّمَوَاتُ وَ الأَرْضُ *** أُعِدَّتْ لِمُتَّقِ وَالاَها

وَ يُناغِي لِوُلْدِها حَامِلُ الوَحْيِ *** وَ تَرْعَى الأَمْلالُ عِزَّ حِمَاها

أَشْرَفُ العَالَمِينَ أَنْجَالُها الغُرُّ *** وَ هُمْ يَفْخَرُونَ في مُنْتَهاها

أَشْرَفُ العَالَمِينَ أنْجالُها الغُرُّ *** أُصولُ الوَرَى بُدُورُ هُداها

وَ هُمُ في عُلاهُمُ لا يُداني *** تُلْفِهِمْ يَفْخَرُونَ في مَنْماها

تِلْكَ أَكْرُومَةٌ تُبِينُ عَلاءً *** فَلْيُباهِ مَنْ يَنْتَمِي لِعُلاها(2)

لَعَنَ اللَّهُ أُمَةً ضَيَّعُوها *** لَمْ يُرَاعُوا لَها مَقاماً وجاها

رَجَعُوا جَاهِلِيَّةً فأَباحُوا *** حُرْمَةَ اللَّهِ وَ اسْتَبَاحُوا أذاها

جَعَلُوا غَنِيمَةً إِذْرَأَوْهَا *** فَقَدَتْ حِصْنَها المَنِيعَ أَبَاها

فتَنَادَوا أَخْلافُ ثَارَاتِ بَدْرٍ *** أَشْقِيَاءٌ يَقُودُها أَشْقَاها

ذَاكُمُ يَوْمُكُمْ هَلُمُوا عِجَالاً *** لِتَنَالُوا الأَحْقَادَ مِنْ آلِ طَهَ

تِلْكُمُ فُرْصَةٌ فلا تَغْفَلُوها *** وَ الْقَفُوا دَوْلَةً لَهُمْ لاتُنَاهى

فَجَثَوْا هَجْمَةً بَابَ دَارٍ *** حَكَمَ اللَّهُ أَنْ يُهَابَ حِماها

وَ اسْتَطالُوا حِلْماً وَ صاحُوا صِياحاً *** تَرَكَتْ في الدُّهورِ رَجْعَ صَدَاها

ص: 306


1- سميِّهِ: سمِّي اللّه يعني علياً علیه السلام لأنه اشتق من العلي. في كتاب ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174، في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فوالذي بعثني بالكرامة و استخصَّني بالرسالة ما أنا زوجته ولكن اللّه «تبارك وتعالى» زوّجه من فوق عرشه، و ما رضيت حتى رضی عليّ علیه السلام، و ما رضي عليّ علیه السلام حتى رضيت و ما رضيت حتى رضيت فاطمة علیها السلام، و ما رضيت فاطمة علیها السلام حتى رضي اللّه ربِّ العالمين.
2- يباهي: يفاخر.

وَ عَلى البَابِ أَضْرَمُوا نَارَ حِقْدٍ *** تَتَلَظَّى إلى النُّشورِ لَظَاها(1)

هَتَكُوا عُنْوَةً حِمَاهَا حِمَى اللَّهِ *** وَ آذَوْا نَبِيَّهُ بِأَذاهَا(2)

مَنَعُوها تُراثَهَا مِنْ أَبِيها *** غَصَبُوا حَقَّها الَّذي آتاها(3)

كَذَّبُوها حَيْثُ ادَّعَتْهُ وَجَاءَتْ *** بِشُهود لها على دَعْواها

بِشُهودِ عَدْلٍ وَ أَيِّ شُهودٍ *** رَبُّها وَ النَّبِيُّ قَدْ زَكَياها

بِشهودٍ مُطَهَّرينَ مِنَ الرِّجْسِ *** كِرَامٍ مِنَ الوَرَى أَتْقِياها(4)

ص: 307


1- تتلظى: تشتعل و تلتهب. و في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب نهج الحق و كشف الصدق ص271 و رواه أيضاً تاريخ اليعقوبي ج2 ص105 ، و تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج7 ص164: نقل ابن خيزرانة في غرره، قال زيد بن أسلم: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة علیها السلام: أخرجي من في البيت و إلا أحرقته و من فيه. قال: و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقالت فاطمة علیها السلام تحرق على ولدي؟ قال: إي واللَّه أو ليخرجنّ و يبايعنَّ.
2- عنوة: أخذ الشيء قهراً و قسراً.
3- في كتاب اللمعة البيضاء ص328: إن فاطمة علیها السلام انطلقت إلى أبي بكر فطلبت ميراثها من نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: إن نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم لايورث، فقالت: أكفرت باللَّه و كذبت بكتابه؟ قال اللَّه «تعالى»: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ». [سورة النساء، آية 11].
4- نقلت من كتاب أعيان الشيعة ج50 ص119.

(32) نحلة البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الحاج مهدي الفلوجي(*)(1)

ص: 308


1- (*) هو الحاج مهدي ابن الحاج عمران ابن الحاج سعيد الفلوجي. ولد في الحلّة الفيحاء عام (1282ه-) و نشأ بها كان حسن الأخلاق طاهر الضمير، كثيرالبشاشة، عفَّ اللسان. و كان يتعاطى التجارة و يحترف بيع البزّ، و يرتدي برأسه العمة السورية، و كان من ذوي الجدة و الثروة و المكانة المرموقة في البلد. و تخرج في الأدب على الشاعر الكبير الشيخ حمادي نوح فسار على سيرته يقرض الشعر، فكان من الذين وعوا الشيء الكثير من أشعار العرب القدامى، و هو لم يجعل الشعر آلة استجداء منذ عرفه و زاول ،نظمه بل خص به أهل البيت علیهم السلام و ما تجاوز ذلك ففي آل القزويني و أضرابهم من ذوي المجد و السؤدد و كان مكثراً من النظم أيام كانت سوق الأدب رائجة في الحلة. أما في أواخر أيامه فلا يكاد يسمع له صوت لقلة رغبة المجتمع و عدم تذوقهم لأساليب الشعر القديم فهو من طليعة الشعراء المحافظين في الحلة، وله ديوان. و ترجمه اليعقوبي في (البابليات) و ذكر أن له ديواناً ضخماً لم يطبع قد حوى كثيراً من القصائد التي لاتقلّ بمتانتها عن روائع الأكابر من شعراء عصره، و له بعض القصائد في السياسة و الاجتماع و منها القصيدة التي مطلعها: أهاتفة البان من لعلع *** هلمي العراق و نوحي معي و ترجم له الشيخ النقدي في (الروض النضير). كما ترجم له الخاقاني في (شعراء الحلة) و شبّر في (أدب الطف) و روى له نماذج من الشعر و التواريخ و لتعلقه بآل البيت علیهم السلام كان أكثر ما نظم فيهم علیهم السلام. وكانت وفاته في الكاظمية في يوم الثلاثاء خميس جمادى الثانية من عام (1357ه-) على أثر مرض عضال أعيا الأطباء علاجه، و نقل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل فاستقبله أهلوها و شيعوه إلى مرقده الأخير في النجف الأشرف، و دفن بالديوان الذهبي أمام الحضرة الحيدرية.

هِيَ دُنْيا وَ لِلْفَنامُنْتَهاها *** لَعِبٌ جِدُّها وَوَاءٍ قُواها(1)

إِنَّما هذِهِ الأَنامُ نِيامٌ *** سَتَرى بَعْدَ أنْ تَمُوتَ انْتِباها

هي دارُ جَوامِع الضّدِّ فِيها *** صُبْحُها مُضْحِكَ وَمُبْكٍ مَساها

بَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ فَابْتَلاهُمْ *** فِتَناً أَظْهَرَ الكِتابُ خَفاها

هِي أُمُّ النَّجْدَيْنِ رُشْدِ وَتِيهٍ *** سَلَكَ المُهْتَدُونَ نَهْجَ هُداها(2)

حَفِظوا عِتْرَةَ النَّبِيِّ بِيَوْمٍ *** سَفكَتْ عِتْرَةُ الضَّلالِ دِماها

يَوْمَ قَدْ سَخَّرَ الحُرُوبَ ابْنُ حَرْبٍ *** بِجُمُوعِ قَدْ سَدَّ فِيها فَضاها(3)

وَ أحاطوا عَلَى الأطائِبِ مِمَّنْ *** أَكْمَل اللَّهُ دِينَهُ بِوَلاها

فَاسْتَثَارَتْ مِنَ الخِيامِ رِجالٌ *** كَبُدورٍ تَطالعتْ مِنْ سَمَاهَا

كَشَفوا لَيْلَ نَفْعِها بِسُيوفٍ *** بَرَقَ المَوْتُ تَحْتَ وَ مُضِ شَباها(4)

یَلْبَسُونَ الدروعَ وَ هُيَ قُلوبٌ *** مُحْكَماتِ العُرى بِيَوْمِ لِقاها

ثَبَتَتْ لِلْجِلادِ وَ هْيَ عِضابٌ *** بالتِلْكَ الهِضابِ ما أرْساها

شَكَرَتْ صُنْعَها الوَغَى أَفْتِدِي مَنْ *** شَكَرَتْ صُنْعَها الجَمِيلَ وغاها

أَرْخَصَتْ أَنْفُساً عَلَى الدِّين عَزَّتْ *** يا لِتِلْكَ النُّفُوس ما أَغلاها

وَ بِجَرْعاءِ كَرْبَلا يَوْمَ حَلُّوا *** فِيهِمُ حَلِّ كَرْبُها وَ بَلاها

بُورِكَتْ أَرْضُ كَرْبَلا فَهيَ أَرْضٌ *** تَتمنَّى الأفلاكُ لَثْمَ ثَراها(5)

تُرْبَةٌ قَدَّسَتْ بِالِ عَلِيَّ *** طُهُرَتْ يَوْمَ صُرِّعُوا بِفناها

بِأَبي المحرمين عَجِّتْ إِلى اللَّهِ *** بِإِهْلالِها فَوَدَّ لِقاها(6)

ص: 309


1- واهٍ: ضعيف.
2- تیه: ضلال.
3- سَعّر: أوقد و أشعل.
4- شباها: حدودها.
5- لَثْم: تقبيل.
6- فَوَدَّ: فأحب.

قَدَّمَتْ هَدْيَها وَ هُنَّ نُفُوسٌ *** يَا لِتِلْكَ النُّفوسِ مَا أَهْداها

تَرَكَتْها سُيوفُ أَبْناءِ حَرْبٍ *** في (مِنی) كَرْبَلا أَضاحِي مِناها

مُذْ تَعَرَّتْ عَنِ المَخِيطِ بُروداً *** خَلَعَ الدِّينُ بُرْدَها فَكَساها

بَرَزَتْ لِلطَّوافِ دُونَ بُيُوتٍ *** شَرَّفَ اللَّهُ بَيْتَهُ بِحِماها

یا حِمى الحِجْرِ وَ الحَجُونَ اغتبقها *** وَقْعةً فَجَّر الصُّخُورَ شَجاها

هذِهِ أَنْجُمُ الهِدايَةِ غَابَتْ *** بَعْدَما أَشْرَقَ الوُجُودَ سَناها

فَلَوْ أَنَّ البُكاءَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ *** نَشَرتْ زَهْرَها السَّما بِبُكاها

أَوْجُهُ في الصَّعِيدِ تُشْرِقُ نُوراً *** وَ أبُوالفَضْلِ فِيهمْ أَسْناها

حَفِظَ الدِّينَ فَادِياً أيَّ نَفْسٍ *** وَدَّ جِبْرِيلُ أَنْ يَكُونَ فِداها

تَرَكَ الجَمْعَ كالسَّوامِ شُروداً *** وَ هُوَ ذُو لُبْدَةٍ يَكرُ وَرَاها(1)

عُرقَتْ فِيهِ نَحْوَةٌ مِنْ أَبِيهِ *** وَ كَذا الأسْدُ تَقْتَفِي أَباها

لَمْ يَطأُ طَرْفُهُ ضُحى الحَرْب إلاَّ *** قَنَنَ الهامَ مِنْهُمْ وَالجباها

راجِزاً فِيهمْ أَنا ابْنُ مُقيمٍ *** أوَدِ الدِّينِ فاستقام بِناها(2)

مَلَكَ الماءَ ظامياً لَمْ يَرِدُهُ *** بِمواساتِهِ الحَياةَ سَلاها

فَعَلَى الدِّينِ عَزَّ قَطْعُ يَدي مَنْ *** حَوْزَةُ الدِّينِ في يَدَيْهِ حَماها

وَ هَوى بِالعَمُودِ مِنْهُ عِمَادٌ *** بَعْدَهُ نُكِّسَتْ لَوِيَّ لِواها

وَ نَضى السَّيْف بَعْدَهُ ابْنُ أَبِيهِ *** وَ هُوَ فِيهِ لولا القَضا أَفْناها

هُوَ سِرُّ الإِلَهِ سِبْطُ نَبِيَّ *** خَتَمَ اللَّهُ بِاسمِهِ أَنْبِياها

وَ هُوَ الخِيرةُ الَّتي جَهِلَتْها *** فِئةُ الغيّ وَ الإلهُ ارْتَضاها

إِنَّ للَّهِ حِكْمَةٌ فِيهِ يَغْدُو *** ثاوِياً طَعْمَ سُمْرِها وَ ضُباها

ص: 310


1- السَّوام: الماشية و الإبل الراعية -ذو لُبْدَة: الأسد و اللُّبْدَة هی الشعر المجتمع بین کتفي الأسد.
2- أَوَد الدين: اعوجاجه.

أَدْرَكَتْ ثارَها أُمَيَّةُ منْهُ *** وَ شَفَتْ فِيهِ حِقْدَها طُلَقاها

حَرَّمتْ ماءهَا المُباحَ عَلَيْهِ *** بَعْدَما أَوْرَدَ السُّيوف دِماها

أَوْطَأَتْهُ سَنابِكَ الخَيْلِ عَدْواً *** بَعْدَما أَوْطَأ الخُبُول طُلاها(1)

سَوَّدَ اللَّهُ بِالعِراقِ وُجوهاً *** قَتَلتْ خَيْرَ مَنْ يُرِيدُ هُداها

قتلَتْ خِيرةَ الأَنامِ حُسَيْناً *** بِضُبا أَلْعَنِ الوَرَى أَشْقاها

أَسْفَرَ الصُّبْحُ عَنْ دُجى لَيْلِ وَ هُمٍ *** إِنَّ تِلْكَ الأَرْجاسَ مِنْ أَوْلاها

طَمِعُوا بِالحَياةِ وَ هُيَ مَتاعٌ *** بِئْسَ ما قَدَّمُوا لِيَوْمِ جَزاها

ظَهَرَ الانْقِلابُ مِنْهُم بِفَقَدِ *** المُصْطَفَى وَ النُّصُوصِ شَقُوا عَصاها

وَ بِقاعُ الغَدِيرِ في يَوْمِ خُمِّ *** شَهِدَتْ أَنَّ حَيْدَراً مَوْلاها

غَصَبُوا نِحْلَةَ البَتُولِ عِناداً *** وَ إِلهُ السَّمَاءِ قَدْ أَوْلاها(2)

إِنَّما نارُها التي أَضْرَمُوها *** عِنْدَ بابِ الزَّهْراءِ ما أَوْراها(3)

أُضْرِمَتْ بِالطُّفُوفِ مِنْها خِيامٌ *** لِبَني الوَحْيِ فَاسْتَمَرَّ سَناها

دَخَلُوا دارَ خِدْرِ مَنْ عَلِمُوها *** أنَّ في وَحْیِهِ الإِلهُ حَباها

أَسْقَطُوها الجَنِينَ رَضَاً وَقادُوا *** مَنْ لَهُ الأَمْرُ لَوْ يَشاءُ مَحاها(4)

مَنْ لَهُ في الحُروبِ أَعْلامُ فَخْرٍ *** عَقَدَتْها الأفلاكُ فَوْقَ ذُراها

يَوْمَ بَدْرٍ وَ خَيْبَرٍ وَ حُنَيْنِ *** هُوَ مِصْباحُها وَ قُطبُ رَحاها

ص: 311


1- سنابك: أطراف الحوافر.
2- في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: «دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف فسألته ميراثها من أبيها، فمنعها...».
3- في كتاب العقد الفريد ج5 ص13 في حديث طويل: حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام، و قال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فقالت علیها السلام: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...
4- في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 في حديث طويل: فأرسل أبوبكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...

وَ بِيَوْمِ الفُتُوحِ أَسْنى المَعالي *** حازهَا المُرْتَضَى وَ حَازَ سِواها

كَمْ لَهُ في المُبِيتِ ثُمَّ شِعارٌ *** فِيهِ أَمْلاكَهُ المُهَيْمِنُ باهِي

وَ لَهُ المَوْلِدُ الشَّرِيفَ مَحَلاًّ *** عَنْ مَزايا تَقَدَّسَتْ أَنْ تُضاهي(1)

ص: 312


1- البابليات ج4 ص124.

(33) كم عانت الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد هاشم الشخص(*)(1)

ص: 313


1- (*)هو الخطيب السيد هاشم ابن محمد ابن السيد هاشم بن محمد بن هاشم بن عبد الحسين بن علي بن محمد بن أحمد ابن السيد علي الشخص. ولد في بلدة القارة بالأحساء، فجر الجمعة في السابع عشر من شهر صفر المظفر عام (1377 ه-). و بها درج بواكير طفولته و أوائل نشأته، ثم نزح يافعاً إلى النجف الأشرف بصحبة أسرته لطلب العلم وتلقي الدراسات الدينية. تلقى دروسه على يد أساتذة النجف الأشرف منهم والده السيد محمد الشخص، و السيد عدنان السيد محمد الناصر، و السيد مهدي ابن السيد محسن التبريزي و الشيخ إبراهيم الدماوندي، و الميرزا علي الزنجاني و السيد محمد رضا الخرسان و الشيخ محمد باقر الإيرواني، و الشيخ كثير الباكستاني والسيد محيي الدين الغريفي و الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم. و تلقى بعض دروس التفسير على يد الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه)، و في عام (1400 ه-) عاد إلى موطنه في الأحساء، و بعد سنة هاجر إلى قم المشرّفة، و واصل دراسته في حوزتها الدينية على يد ثلة من الأساتذة، منهم السيد أحمد المددي و الشيخ الباياني و الشيخ الوحيد الخراساني و الفاضل اللنكراني، و السيد محمود الهاشمي و غيرهم. و المترجم له واصل الخطابة في منتصف عقد حياته الثاني، فأصبح من الخطباء في الأحساء و الخليج و خوزستان و سوريا و أمريكا و كندا و غيرها و ألف عدة كتب، منها: 1- أعلام هجر عشرة مجلدات، طبع منه الجزءان الأول و الثاني. 2- عالم الآخرة في القرآن الكريم، قيد التأليف. 3- بلغة الخطيب وتحفة الأديب، قيد التأليف. 4- تحقيق القصيدة (قيد الوصية) طبع في بيروت، و القصيدة معروفة و مذكورة في الذريعة، و هي في المواعظ و الآداب و مكارم الأخلاق من إنشاء العلامة الشيخ محمد بن عبد الله الرمضان الإحسائي المتوى سنة (1240 ه-). 5- ديوان شعر صغير. أحبّ الشعر و نظمه في اللهجتين الفصحى و العامية و قرضه في اللسانين الفصيح و الدارج و قد سجل أهم ما قاله من شعر في ديوان صغير ذكرناه ضمن مؤلفاته.

عجيبةٌ هذه الدنيا وبلواها *** كمْ حلَّ في آلِ طهَ من رزاياها

كَمْ كابَدُوا محناً لم يَلْقَها أحدٌ *** و هم من الناس أزكاها و أتْقاها

قاسُوا من الظُلمِ ألواناً و نالَهُم *** من البلا ما صروف الدهر أنساها(1)

ما منهُم من قضى إلا و مهجتُه *** قد قطَّعَتْ بلظى الأشجانِ أحشاها

شتّى مصارعُهُم منهم قضى ظماً *** ذبحاً و منْهُم سمومُ الغدرِ يُسقاها

و في السجونِ عديدٌ منهمُ قُتِلوا *** و في المباني لَقَت بعضٌ مناياها

منهُم بطيبةَ قد حَلُّوا و بعضُهُم *** بكربلاءَ و أرضِ الكرخِ مثواها

و بالغريِ و سامراءَ بعضُهُم *** و في خراسانَ بدرٌ حلِّ أقصاها

لكنَّ أم الرَّزايا بلْ وأفضَعَها *** ما حلَّ بالطُّهر بنتِ المصطفى طه

لهفي لها كمْ رأتْ من بعدِ والدها *** من الأذى ما لِعَيْنِ الذين أدماها

تجرَّعتْ غصصاً لو أن أيسَرَها *** قد حَلَّ بالراسياتِ الشُمَّ أفناها

يا للخطوبِ ابنةُ المختارِ فاطمةٌ *** لم يُرْعَ بعدَ رسولِ اللَّه قَرباها

جارُوا عليها و لم يرعَوْا مكانَتَها *** و هي التي بُعلاها الذكرُ قد فاها

(فقل تعالوا) أتتْ فيها كذاك أتى *** في فضلها (هل أتى) واللَّه زكّاها

و كمْ أشادَ بها المختارُ وهو بها *** أدرى و كم علناً أوصى بإرضاها

فكيفَ يُجنى عليها كيفَ يظلمها الزَّمانُ *** ما أظلمَ الدنيا و أَقساها؟

من البكا مُنِعت من إرثها حُرِمت *** وحقَّها غُصبتْ والكلُّ عاداها

و كم بهم خطبتْ كم أعلنَتْ و دعتْ *** لم يحفظوها و لم يَرْعَوا وصاياها

***

ص: 314


1- صروف الدهر: تقلبّاته.

و أعظمَ الخطبِ أن يؤتى لمنزلِها *** بالجزل(1) و النارِ كي للنارِ تصلاها؟

و قال قائلُهم للدَّار أحرِقها *** حتى و إنْ حلَّها الزهراءُ و ابناها

اللَّهُ أكبرُ أينَ المسلمونَ مضَوْا *** كيفَ ابنةُ المصطفى يُؤتى لإيذاها؟

لدارِها دخلُوا ظُلماً و ما أخذُوا *** إذناً و جبريلُ دوماً كانَ يَغشاها

فلاذتِ الطهرُ خلفَ البابِ تسترُها *** فنالَها منهمُ ما أسخَطَ اللَّه

لضلعِها كَسَرُوا و الخدَّ قد لَطَمُوا *** و أسقَطَتْ مُحسناً واهاً لها واها

ما أجرأَ القومَ ما أقسى قلوبَهُمُ *** كيفَ البتولةُ منها رضَّ ضلعاها؟

بصدرِها أنبتُوا المسمارَ فانبعثَتْ *** منهُ الدماءُ ألا ويلٌ لأعداها

حنَّت وأنَّتْ وخرَّت بالثرى وبكَتْ *** و المرتضى قيدَ مكتوفاً لأَشقاها

***

اللَّه كم عانتِ الزهراءُ من محنٍ *** كَمْ جَرَّعُوها من الأقذاءِ أشجاها

كم روّعوها و كم أجروا مدامِعَها *** دماً و لم يحفظوا للمصطفى جاها

حتى غدتْ بفراشِ الموتِ من مرضٍ *** و من أذًى نالها تشكُو لمولاها

و مذدنا الموتُ منها أصبحتْ بأسّى *** أصابَها الحزنُ إشفاقاً لأَبناها

أوصَتْ بهم حيدراً و القلبُ في قلقٍ *** عليهِمُ و جَرَتْ بالدمِ عيناها

ما أدري ما حالُ مولانا الوصيِّ و قد *** رأى البتولة تمليهِ وصاياها؟

قالتْ له هل بدا مني إليكَ خطاً *** يوماً و هل خنتُ حاشا الطهرُ حاشا

فأظلمَ الأفق في وجهِ الإمام أسّى *** على الزكية كيفَ الدهر أضناها؟

أجابَها أنتِ أتقى أن أو بخَكِ *** و أنتِ خيرُ نساء الأرض أَرضاها

قالت إذا أنا فارقت الحياةَ فلا *** تدع بني يصيبُ الضيمُ إياها

و ارفقْ بهم وتزوجْ من أمامةَ إذ *** تكون مثلي لأولادي بِرحماها

ص: 315


1- الجزل: ما عظم من الحطب ويبس.

اللَّه اللَّه في نجليِ الزكي وفي *** شبليِ الحسين و في الحوراءِ فارعاها

و لاتدع عصبةً جارتْ عليَّ بأن *** تأتي إليَّ لتشييعي لطَغْواها

لايحضُرُوا أبداً نعشي و في جِنحِ *** الظلامِ جثتي واريها بمثْواها

يا ساعدَ اللَّه قلبَ المرتضى فلكم *** رأى خطوباً يُشيبُ الطفلَ مرآها

ما حالهُ و يرى الزهراءَ من كمدٍ *** لقد دنا حينَها و السُّقمُ أعياها

حتى قَضتْ و هي من ضيمٍ ألمَّ بها *** تبث للخالقِ الرحمن شكواها

ماتتْ بغضتها ظلماً فوا أسفي *** على البتولةِ كيفَ الموتُ وافاها

في زهرةِ العمرِ كيف الحتفُ عاجلها *** كيف الخطوب دهتها و البلا جاها؟

ماتتْ سليلةُ طه المصطفى كَمَداً *** ماتتْ و لما تَمُتْ منها سجاياها(1)

و المرتضى و بنُوه الغُر أفجعهم *** وقعُ المصابِ على الزهرا وبلواها

والكلُّ أجرى عليها دمعَهُ بدمٍ *** و الحزنُ للنار في الأحشاء أوراها(2)

ماتتْ و في ليلها بالسرِّ قد دُفنت *** بنتُ النبي فكيفَ الدهرُ أخفاها

أعفي ثراها و لم يُعرف له أثر *** ما السرُكيف و من للقبرِ أعفاها

أوه لبنتِ الهدى ماتتْ بغَصَّتها *** أوه لمرقدِها المعفِي و مثواها

ص: 316


1- سجاياها: خصالها و أخلاقها الحميدة.
2- أوراها: أججها. أشعلها.

(34) عمر الزهور

(بحر الرّمل)

الأستاذ هيثم سعود الكربلائي

يا ربِّي عَجِّلْ بِوَفاتِي *** ضاقَتْ في عَيْنَيْ حَياتي(1)

فأَنَا بِنْتُ رَسُولِ اللَّهْ *** وَ لِمَنْ أَشْكُو يا رَبّاه؟

***

يا إلهَ الكَوْنِ إنّي بِنْتُ خَيْرِ الأَنْبِيَاءِ

فأبي المُخْتارُ طَهَ وَ أَنَا خيرُ النِّسَاءِ(2)

جئتُ يا ربّاهُ أَشْكُو عُظمَ هَمِّي و شَقائي

أَنا في عِزِّ شَبابِي امْتُحِنْتُ بِالبَلاءِ

فَبِعُمْرِ الزُّهور -ابْتَمَثْنِي الدُّهورُ- وَ سَكَنْتُ القبورْ

ص: 317


1- في بحار الأنوار ج43 ص177 ط2 مؤسسة الوفاء -بيروت. ضمن ح15 ما جاء عن الزهراء علیها السلام إنها: «... ثم زفرت زفرة و أنت أنّة كادت روحها أن تخرج ثم قالت: قلّ صبري و بان عنّي عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء إلى أن تقول علیه السلام: يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً *** فلقد تنغّصت الحياة يا مولائي
2- جاء في «كنز العمال» ج12 ص102 ح34191: «عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خير رجالكم علي علیه السلام و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام...».

موتُ أَبِي قَدْ أَنْقَضَ ظَهْرِي *** و أُنادِيهِ بِدَمْعِ يَجْرِي(1)

مَنْ لِي بَعْدَكَ يا أبتاهُ؟ *** و لِمَنْ أَشْكُو يا ربّاهُ؟

***

أَفْجَعْتني يا إلهي تِلْكُمُ البَلْوى الأليمهْ

لَمْ أكُنْ أَعْلَمُ أنّى بَعْدَهُ أَحْيا يَتِيمَهْ

بَيْنَ قَوْمِ إسْتحِلّوا حُرْمَةَ الهَادِي العَظِيمَهْ

كُنْتُ أَبْكِيهِ ولكنْ زُمْرَةُ البَغْيِ اللَّئِيمهْ

مَنَعَتْنِي البُكا -غَصَبَتْ فَدَكا- لِمَنِ المُشْتَكَى(2)

ما زالَ يَرِنُّ بِآذاني *** مَنْ آذاها قَدْ آذانِي(3)

وَ بِقَلْبِي تَشْتَعِلُ الآهُ *** وَ لِمَنْ أَشْكُويا ربّاهْ

***

وَ أَبي قد كانَ أَوْصى قائِلاً يا كُلَّ صَحْبِي

ص: 318


1- أنقض ظهري: أثقلَه. في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص17،«... يا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغّص عيشي و تكدّر دهري فما أجد يا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم بعدك أنيساً لوحشتي و لارادّاً لدمعتي و لامعيناً لضعفي فقد فني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محلّ ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب فأنا للدنيا بعدك قالية و عليك ما تردّدت أنفاسي باكية لاينفد شوقي إليك و لاحزني عليك».
2- جاء في كتاب صحيح مسلم، المجلد 1381/3 54 ط: «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك». سنن البيهقي 301/6 سنن أبي داود 129/2.
3- في مسند أحمد 5/4: «عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: انها -فاطمة علیها السلام- بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها» و يوجد في كتاب صحيح الترمذي 698/5 ح3869 و يوجد في كتاب كنزالعمال 107/12 ح34215 و منتخب كنز العمال 96/5 و لسان العرب 758/1.

ابْنَتِي الزَّهْراءُ رُوحِي بينَ جَنْبَيَّ وَ قَلْبِي(1)

إنّ مَنْ أرْضى بتولاً فَهُوَ فِي الحَشْرِ بِقُرْبي(2)

إِنْ مَنْ يُرْضِي بتولاً يُرْضِيَ المَعْبُودَ رَبِّي

يا إلهَ الوَرى-لَيْتَهُ قَدْ دَرَى- بَعْدَهُ ما جَرَى

كافَأَهُ الأصْحابُ بِقَدْرِ *** إِذْ دَفَعُوا البابَ إِلى صَدْري

وَ قَضَى المُحْسِنُ واوَيْلاهُ *** و لِمَنْ أَشكُو يا رَبَّاهُ؟

***

بَيْنَ آهاتِي وَ حُزْنِي وَ مُصابِي وَ احْتضاري

وَ أَنيني لِجَنِينِي وَدَمِ في الصَّدرِ جارِي

دَخَلَ الأصْحابُ دارِي وَيْلَ أعْدائِي بِداري(3)

ص: 319


1- في كتاب «أمالي الصدوق» ص99-100، ط 5/ مؤسسة الأعلمي -بيروت: «... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبيِّ و هي الحوراء الإنسيةَ، متى قامت في محرابها بين يدي ربها «جلّ جلاله» زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض...». انظر:كتاب بحار الأنوار، ج43 ص172 ح13، كتاب إرشاد القلوب ج2 ص295، ط4/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
2- في كتاب ينابيع المودة، ج1ص 314 ط الأولى في إيران/ انتشارات الشريف الرضي. «قال النبي صلي الله علیه و اله و سلم: يا سلمان من أحبَّ فاطمة علیها السلام ابنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و الصراط و الحساب فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي اللّه عنه...». انظر كتاب إرشاد القلوب، ج2 ص294 ط4/ مؤسسة الأعلمي. «مقتل الحسين علیه السلام» للخوارزمي ص59/ ط منشورات مكتبة المفيد -قم، «بحار الأنوار» ج27 ص116 ح94.
3- والبيت الذي يليه إشارة إلى ما جاء في كتاب تفسير العياشي، ج2/ 66 ح76: «... فرأتهم فاطمة أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلاَ بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره -و كان من السعف- ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبياً...». انظر كتاب البحار 227/28 ح14، البحار 206/28 ح5 ، البرهان 93/2 ح4، 229/28 ح15.

أَسْرَعُوا نَحْوَ عَليَّ يا لَمصابي وَانْكِسارِي

وَ رَأَيْتُ اللَّئامُ -كَيْفَ قادُوا الإمامْ- بِحبَالِ الخِصامْ

وَ رَكَضْتُ و يَسْبِقُني هَمِّي *** زَاجِرَةٌ خَلُوا ابْنَ عَمِّي(1)

لاأَمْك يا قَوْمُ سِوَاهْ *** و لِمَنْ أَشْو يا ربّاهْ؟

***

ليسَ لي غَيْرُ عَلِيٌّ وَ هُوَ بِالصَّبْرِ مُقَيَّدْ

وَلَظى الصَّبْرِ لَهِيبٌ يا إِلهِي كَيْفَ تُخْمَدْ(2)

إن قَوْمِي أسْخَطُوني أيها المَعْبُودُ فَاشْهَدْ؟(3)

إنّهمْ قَدْ أَغْضَبوني أَغْضَبُوا الهادي مُحَمَّدْ

أنا بِنْتُ الرَّسُولُ -كَيْفَ حُزْنِي يَزُولُ؟- وَ جَبِيني يَقُولْ

وَ لولا المِسْمَارُ وَ إِسقاطي *** كنْتُ الثَّالِثَ لِلأَسْبَاطِ

سِبْطُ أَخَواهُ افْتَقَداهْ *** وَ لِمَنْ أَشْكُو يا ربّاهُ؟

ص: 320


1- جاء في كتاب المناقب، ج3 ص339/ ط المطبعة العلمية/ قم: «...أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت علیها السلام: خلّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي...». انظر: بحار الأنوار ج43 ص47 ضمن ح46.
2- لظى: نار، لهيب.
3- في كتاب الإمامة و السياسة، ج1 ص14 و في العوالم ج2 ص578 ضمن ح27 «... قالت: فإني أشهد اللّه و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم لأشكونكما إليه...».

ربِّي عَجِّلْ بوَفَاتِي ضَاقَ فِي عَيْنَيَّ عُمْرِي

قَدْ سَئِمْتُ العَيْش حُزناً بَيْنَ آلامِي وَ دَهْرِي

وَ لَقَدْ أَوْصَيْتُ أَنْ لاَيَعْلَمَ القَوْمُ بِقَبْرِي(1)

وَ إِذا ما حانَ حَشْرِي أُبْلِغُ النَّاسَ بسرِّي

إنّ سِرِّي الدَّفينُ -يَوْمَ حَشْرِي يَبِينْ- حِينَ يَبْكِي الجَنِينْ

وَ يَصيحُ بِحُزْنِ يا رَبِّي *** أُسْقِطَتُ جَنيناً ما ذَنْبي

وَ لِيَسْتَمِع الكُل نَداهُ *** وَ لِمَنْ أَشْكُو يا ربَّاُهُ؟

***

ص: 321


1- في كتاب روضة الواعظين، ص169. «... و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... و دفنوها في جوف الليل و سوّى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتى لايعرف قبره...».

(35) شمس أم القرى

(بحر الخفيف)

لأحد الشعراء

أَشْرَقَتْ شَمْسُ أَحْمَدٍ بِضِيَاهَا *** فَأَضَاءَتْ بِنُورِها ما سِوَاها

طَلَعَ الصُّبْحُ بِعْدَما طَلَعَتْ *** شَمْسُ آلِ الرَّسُولِ مِنْ بَطْحَاها

شَمْسُ أُمِّ القُرَى وَ أُمّ أبيها *** بِأَبِي تِلْكَ أَفْتَدِي وَ أَباها(1)

يَا لَشَمْسٍ إِذا تَجَلَّتْ بِأَرْضٍ *** بَدَّلَ اللَّهُ بِالنُّجُومِ حَصاها

يَا لَشَمْسِ إِذا أَفاضَتْ قُبوراً *** قَامَ أَمْواتُها على أَحْيَاها

يَا لَشَمْسِ إِذا تَجَلَّتْ لأَعْمَتْ *** عَيْنَ كُلِّ الوَرى بِأَنْ لاتَراها

يَا لَشَمْسِ لَوْ أَسْفَرَتْ مِنْ حِجَابٍ *** وَ الخَتَفَتْ مِنْ حِجَابِها مِنْ حَياها(2)

قَدْ تَجَلّى الإله فيها بنورٍ *** مِثل ضَوْءِ النَّهَارِ بَلْ أَجْلاها

أَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّ شهر الجمادى *** قَدْ مَضَى ما مَضَى وَها أُخْرَاها(3)

ص: 322


1- في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني المجلد 12 ط الأولى/ دار صادر -بیروت، ص440 ح2861: «فاطمة علیها السلام: بنت رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام». انظر كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص90 ج4. و المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص357 في «كناها علیها السلام، و في «كشف الغمة» ج2 ص88 «و كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم يعظم شأنها و يرفع مكانها و كان يكنيها بأم أبيها علیها السلام».
2- أسفرت من حجاب: كشفت عن وجهها الحجاب.
3- في كتاب دلائل الإمامة، ص10، ط الثالثة -منشورات الرضا علیه السلام -قم. «عن أبي عبد اللّه قال: ولدت فاطمة علیها السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه... و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه...». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص9 ح16. و كتاب عوالم سيدة النساء، ج 1 ص47-48.

وُلِدَتْ فَاطِمٌ بِمَكَّةَ طُهْراً *** يالَنَفْسٍ زَكِيَّةٍ زَكَاها(1)

إِنَّ أَرْضَ الحِجازِ مَاسَتْ سُروراً *** كَعَرُوسٍ تُزَفُّ في مَثْواها(2)

فأنارَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ بَلْ مِنْ *** فَوْقِ سَبْعِ الطَّبَاقِ شَعَّ سَناها

ضَحِكَ المَشْعَرانِ وَ الرُّكْنُ وَ *** البَيْتُ لِميلادِها وَ مَا قَدْ تَلاها(3)

وَ تَلالا جَمَالُها فَوْقَ عَرْشٍ *** وَ تَعَالَى جَلالُها في ذُرَاها

يَا لَبُشْرَىٰ بِمَوْلِدِ البَضْعَةِ *** الزَهْرَاءِ مَنْ قَد تَقَدَّسَتْ أَسْماها

يالبُشرى لأمها مِنْ وَليدٍ *** عِوَضاً لِلذُّكورِ مِنْ أُنْثاها(4)

هِيَ وَاللَّهِ قَدْ تَقَبَّلَها الرَّحْمنُ *** مِنْهَا وَ بِالقَبُولِ اصْطَفاها(5)

ص: 323


1- والأبيات التي تليه لعلها إشارة إلى الرواية المذكورة في «دلائل الإمامة» ص9 «...فوضعت خديجة سلام الله علیها فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبقَ في شرق الأرض و لافي غربها موضع إلا أشرق فيه النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها و دخلت عشر من الحور العين مع كل واحدة طست من الجنة، و غسلتها بماء الكوثر، و أخرجت خرقتين بيضاوتين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر فلقتها بواحدة وقنعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت بشهادة أن لا إله إلا اللّه و أن أباها محمداً صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء صلي الله علیه و آله و سلم، وأن بعلها سيد الأوصياء علیه السلام، و أن ولديها سيدا الأسباط علیهما السلام، ثم سلّمت عليهن وسمت كل واحدة باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادتها وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم وبذلك لقبت الزهراء علیها السلام ثم قالت: خذيها يا خديجة سلام الله علیها طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة سلام الله علیه فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص3 ضمن ح1، و «أمالي الصدوق» ص476 ضمن ح1، و في «المناقب» ج3 ص340 (عن المفضل بن عمر) رواية قريبة من الرواية المذكورة آنفاً.
2- ماستْ: مشتْ و هي تتمايل و تتبختر مثواها مكان إقامتها.
3- المشعران: عرفة و المشعر الحرام (المزدلفة).
4- في كتاب «دلائل الإمامة»، ص 8: «... فقال: يا خديجة سلام الله علیه هذا جبرائيل يبشرني بأنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و إن اللَّه سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه».
5- جاء في كتاب أمالي الصدوق، ص100 ضمن ح2 ط الخامسة مؤسسة الأعلمي: «...فعند ذلك يؤنسها الله «تعالى» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين...». انظر: كتاب بحار الأنوار، ج43 ص173 ضمن ح13.

آنَسَتْ أُمَّهَا لِوَحْدَتِها إِذْ *** حَدَّثَتْها بِالحَمْلِ مِنْهَا شِفَاها(1)

طَابَ مِنْ طِيبِها المَشَاعِرُ جَمْعاً *** وإلى الآنَ طَابَ فيهِ شَذَاها

جَمَعَ اللَّهُ أُمَّهَاتِ بَتُولٍ *** عِندَ ميلادها إلى حَوَّاها(2)

فَتبادَرْنَ مُشْفِقاتٍ عَلَيْهَا *** مَعَ سَطْلٍ وَ كَوْثَرٍ في إِناها(3)

ثُمَّ حَفَّتْ مِنْ حَوْلِها باسماتٍ *** مِثْلَ حَفٌ النُّجومِ مِنْ جَوْزَاها(4)

وَحْدَتْ رَبَّها بِحُسْن ثناءٍ *** عَجِزَ النَّاسُ عَنْ أَداءِ ثَناها

ص: 324


1- في كتاب أمالي الصدوق، ص475 ح1: «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوّج بها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة فكن و لايدخلن عليها و لايسلمن عليها و لايتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة علیها السلام لذلك و كان جزعها و غمّها حذراً عليه الا اللَّه فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبرها و كانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدّث فاطمة علیها السلام. فقال لها يا خديجة علیها السلام من تحدثين قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني...». انظر كتاب دلائل الإمامة، ص8 و بحار الأنوار ج43 ص2 ح1.
2- في «ذخائر العقبى» ص44-45، ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «...فينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف. فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، و قالت الأخرى أنا كلثم أخت موسى و قالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أم عيسى علیه السلام جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء...».
3- في المناقب ج3 ص340: «عن المفضل... و دخل عشر من الحور العين معهن الأباريق و الطاس و في الأباريق ماء من الكوثر...». و انظر أيضاً كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص58 منقولاً عن مشارق الأنوار حيث جاء: «... إن خديجة علیها السلام لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق و ماء من حوض الكوثر...». انظر کتاب بحار الأنوار ج43 ص3 ، و أمالي الصدوق ص476 ، ج1.
4- حفَّت: أي أحاطت.

شَهِدَتْ في نُبوَّةٍ لأَبِيها *** وَ عَلَى بَعْلِها إِمَامٍ هُدَاها(1)

نَسَمَّتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ *** مِنْ بَنِيها وَ مِنْهُمُ سِبْطاها

بِأَبِي ثُمَّ أُسْرَتي ثُمَّ أَهْلي *** ثُمَّ مالِي و ما سِوَاها فِدَاها

بِأَبِي فاطماً وَ قَدْ فُطِمَتْ *** بِاسْمِها نَارُ حَشْرِها وَلَظَاها(2)

بأَبِي كُفُرُها عَلِيُّ تَعَالَى *** هُوَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَ مَنْ أَكْفاها(3)

هِيَ عَيْنُ الحياة في ظُلُمَاتٍ *** وَ حَياةُ القُلُوبِ مِنْ جَدْوَاها

هِيَ وَاللَّهِ آيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ *** بَلْ رَحْمَةٌ لَهُ أَهْدَاها

هِي عِندَ الإلهِ أَعْظَمُ خَلْقاً *** وَ بِهَا دَارَ في القُرونِ رَحاها(4)

هي مشكاةُ عِصْمَةٍ عُلِّقَتْ *** مِنْ سَمَاءِ الوُجُودِ مِثْلَ ذَكاها

هَلْ يَكُن في الوُجُودِ مِنْها شَبيةٌ *** قُلْ أَبُوها وَ بَعْلُها وَلَداها

إنّها خِيرَةُ النِّسَاءِ جَميعاً *** وَ لَها الفَضْلُ مِنْ جَميع نِسَاها(5)

ص: 325


1- انظر کتاب عوالم سيدة النساء ج1 ص58 ح4.
2- في كتاب عيون أخبار الرضاء علیه السلام، ج2 ص46 ح174 انتشارات جهان/ طهران: «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إني سميت ابنتي فاطمة علیها السلام، لأن اللَّه «عزوجل» فطمها و فطم من أحبها من النار». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ح4.
3- جاء في كتاب ينابيع المودة، للقندوزي ج2 ط الأولى/ دار الأسوة للطباعة، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني. ص67 ح56 . «لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة علیها السلام كفو» راجع: كتاب كشف الغمة، و بحار الأنوار، ج43 ص141 ح37.
4- لعله أشار إلى الرواية المذكورة في كتاب أمالي الطوسي، ص678 ، ط الثانية -مؤسسة الوفاء -بيروت. «عن أبي عبد اللَّه... و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى». انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص105 ح19، كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص91 ح3، ج1 ص458.
5- جاء في صدر البيت عن كتاب كنز العمال، ج12 ص102 ح34191. قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب علیه السلام و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم». انظر کتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص130-131 ح30. و في عجز البيت ورد في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج2 ص62 ح252. «قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام خير أهل الأرض بعدي و بعد أبيها و أمهما أفضل نساء أهل الأرض». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص19 ح5.

ما أَرَادَتْ مِنَ الدَّنِيَّةِ شَيْئاً *** فَأَبَى اللَّهُ عَاجِلاً في عَطَاها

أَثْبَتَتْ نَفْسَها بِزُهْدٍ وَ قَالَتْ *** في الصَّبَاحِ ليُحْمَدَنَّ سُراها

إنّما الحُورُ أَشْرَقَتْ مِنْ قُصُورٍ *** بِعُيونٍ حَوْراءَ حَتَّى تَرَاها

فَأَتى قَوْمُهَا إِلَيْهَا بِظُلْمٍ *** يَا لَها خُطَةٌ فَمَا أَقْساها(1)

ما رَعَوْا حُرْمَةَ النَّبِيِّ بِرَهْطٍ *** وَ نَسُوا ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ جَاها

مَنَعوها حُقوقَهَا مِنْ عِنَادٍ *** مِنْ عَوالٍ وَ حَائِطٍ وَ زَواها(2)

يا لَقَوْمٍ طَغَوْا بِظُلْمِ إِمَامٍ *** مِثْلَ عَادٍ تَزْدادُ في طَغْوَاهَا(3)

كَسرُوا ضِلْعَها بِرَفْسٍ فيا *** لَلَّهِ مِنْ كَسْرَةِ آلَمَتْ أَعْضَاها(4)

ص: 326


1- والبيت الذي يليه، في كتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج2 ص575 ح26 عن (نوائب الدهور): «لما أوقف علي تكلم فقال: أيتها الغدرة الفجرة... فاستعدوا للمسألة جواباً و لظلمكم لنا أهل البيت علیهم السلام احتساباً أو تضرب الزهراء علیها السلام نهراً و يؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد؟ ...فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه فلايرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرّة فتباً تباً و سحقاً سحقاً ذلك أمر إلى اللَّه مرجعه و إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مدفعه فقد عزّ على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسوّد متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه...».
2- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج1 ص9: «عن عائشة: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم في هذا المال... فأبى أبوبکر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً... فوجدت فاطمة علیا السلام على أبي بكر في ذلك.
3- طغواها: ظلمها و طغيانها.
4- في كتاب الاحتجاج، ج1، ط دار النعمان النجف صفحة 109. «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها»...». انظر كتاب عوالم سيد النساء ج2 ص558.

أينَ مِنْ ذِي الفِقَارِ مُرْهَفٌ حَدِّ *** سُلَّ عَنْ غَمْدِهِ وَغَدَاةَ يَرَاها؟

كُفَّ عَنْ عَزْمِهِ بِعِزْمَةِ صِدْقٍ *** وَ عَلى ما قَضَى به أَمْضَاها

كَفَّهُ عَهْدُهُ لَهُ وَلَوْلا *** ذَاكَ طَيَّ السِّجِلِّ كان طَوَاها(1)

ص: 327


1- نقلت من كتاب رياحين الشريعة، ج1 ص65.

(36) و أتت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

لأحد أشراف مكة المكرمة(1)

ما لِعَيْنِي قَدْ غابَ عَنها کَراها *** وَ عَراها مِنْ عَبْرَةٍ مَا عَراها(2)

أَلِدَارٍ نَعِمْتُ فيها زَماناً *** ثُمَّ فارَقْتُها فَلاَ أَغْشاها

أمْ لِحَيّ بانُوا بِأَقْمَارٍ تِمَّ *** يَتَجَلَّى الدُّجَى بِضَوْءِ سَناها

ص: 328


1- نقل السيد محسن الأمين في المجالس السنية ج5 ص137 أنه وُجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني (قدس الله روحه) و هي فريدة في بابها، و يظهر من آخرها أنها لأحد أشراف مكة المكرمة، و توهم بعضهم أنها للجذوعي ناشيء من البيت الذي فيه اسمه مع أنه ظاهر في الجذوعي منشدها و أن منشأها غيره ويرتئي الخطيب الأستاذ المدقق الشيخ محمد علي اليعقوبي أنها للشريف (قتادة بن إدريس بن مطاعن) فإنه كان أديباً شاعراً و لم يعرف هذه السلسلة مثله، و هو الذي كتب إلى الناصر العباسي أو ابنه المستنصر لما أرسل إليه يطلب مجيئه إلى العراق، فلما وصل المشهد الشريف الغروي خرج أهل الكوفة لتلقيه و كان من جملة من خرج في غمار الناس أسد قد ربطوه في سلسلة، فلما رآه قتادة تطير من ذلك و قال: لاأدخل بلاداً قوم معهم تذل فيه الأسود ثم كتب إلى الخليفة: بلادي و إن جارت علي عزيزة *** و لو أنني أعرى بها و أجوع أبيات خمسة ذكرها في كتاب عمدة الطالب ص166 طبعة بيروت، و قيل: إن قتادة هو من ملك مكة سنة 597 ه و طرد الهواشم عنها و كانت وفاته كما في شذرات الذهب ج5 ص76 سنة 617 ه- و عاش أكثر من ثمانين سنة و جاء ذكره في الكامل لابن الأثير ص79 حوادث سنة 601 و النجوم الزاهرة ج6 ص206 و البداية لابن كثير ج13 ص41 و الأعلام للزركلي ج2 ص789 و هناك قصة لهذه القصيدة عن المرجع الديني السید المرعشی.
2- كراها: نُعاسها.

أمْ لِخَوْدٍ غَرِيرةِ الطَّرْفِ تَهُوا *** فِي بِصِدق الوداد أو أهواها

أم لصافي المُدامِ مِنْ مُزَّةِ الطَّعْمِ *** عقارٍ مِشْمُولَةٍ أسْقاها

حاش للَّهِ لَسْتُ أَطْمِعْ نَفْسِي *** آخر العُمْرِ فِي اتباع هَواها

بَلْ بُكائِي لِذِكْرِ مَنْ خَصَّها اللهُ *** تَعَالَى بِلُطْفِهِ وَ اجْتَباها

خَتَمَ اللَّهُ رُسُلَهُ بِأَبِيها *** وَ اصْطَفاهُ لِوَحْبِهِ وَاصْطَفاها(1)

وَحَباها بِالسَّيْدَيْنِ الزَّكيِّیْنِ *** الإمامَيْنِ مِنْهُ حِينَ حَباها

وَ لِفِكْرِي في الصَّاحِبَيْنِ اللَّذَيْنِ *** استَحْسَنا ظُلمَها و ما راعَياها

مَنعا بَعْلَها مِنَ العَهْدِ وَ العَقْدِ *** وَ كَانَ المُنِيبَ وَالأَوّاها(2)

وَ اسْتَبَدا بإمْرَةٍ دَبَّراها *** قَبْلَ دَفْنِ النَّبِيِّ وَ انْتَهراها

وَ أَتَتْ فاطِمٌ تُطالِبُ بِالإِرْثِ *** مِنَ المُصْطَفَى فَما وَرَّقاها(3)

لَيْتَ شِعْرِي لِمْ خُولِفَتْ سُنَنُ القُرْآنِ *** فِيها وَاللَّهُ قَدْ أَبْداها؟

رَضِيَ النّاسُ إِذْتَلَوْهَا بِمَا لَمْ *** يَرْضَ فيها النَّبِيُّ حِينَ تَلاها

نُسِخَتْ آيَةُ المَوارِيثِ مِنْها *** أَمْ هُما بَعْدَ فَرْضِها بَدَّلاها

أمْ تَرَى آيةَ المَوَّدَةِ لَمْ تَأْتِ *** بِوُدَّ الزَّهْراءِ فِي قُرُباها(4)

ثُمَّ قالاً أبُوكِ جاءَ بِهذا *** حُجَّةٌ مِنْ عِنادِهِمْ نَصَباها

ص: 329


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص78: عن أبي عبداللَّه علیه السلام يقول: إنما البحارج سمّيت فاطمة علیها السلام محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام، إن الله اصطفاكِ و طهَّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين.
2- المنيب: المُقبل إلى اللَّه، التائب، الأوّاه: كثير التأوّه و هو الشكوى والتوجع.
3- في التفسير الكبير للرازي في ذيل الآية: 6 من سورة الحشر ... فلما مات (رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم) و ادعت فاطمة علیها السلام أنه كان ينحلها فدكاً فقال أبوبكر أنت أعز الناس عليّ فقراً و أحبّهم إليّ غنّى لكني لاأعرف صحة قولك و تقدم الكلام عن ذلك مفصلاً.
4- إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الشورى آية: 23 «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» فقد روي في كتاب الكشاف ج3 ص467 قيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام...

قالَ لِلأَنْبِياءِ حُكْمٌ بأَنْ لا *** يُورِثُوا في القديم وانْتَهراها(1)

أفَبِئْتُ النَّبِيِّ لَمْ تَدْرِ إِن كانَ *** ذَنَبِيُّ الهُدَى بِذلِكَ فاها

بَضْعَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ خالَفَتْ ما *** قال حاشا مَوْلاتَنا حاشاها(2)

سَمِعَتْهُ يقولُ ذاكَ وَجاءَتْ *** تَطلُبُ الإِرْتَ ضَلَّةً وَسَفَاها

هي كانَتْ لِلَّهِ اتْقَى وَكانَتْ *** أفْضَلَ الخَلْقِ عِفَّةً وَ نَزاها

أَوَ أو تَقُولُ النَّبِيُّ قَدْ خَالَفَ القُرُآنَ *** وَيْحَ الأَخْبَارٌ مِمَّنْ رَوَاهَا؟

سَلْ بِإِبْطالِ قَوْلِهِمْ سورة النَّمْلِ *** وَ سَلْ مَرْيَم التي قَبْلَ طاها

فَهُمَا يُنْبِتَانِ عَنْ إِرْتِ يَحْيَى *** وَ سُلَيْمَانَ مَنْ أرادَ انْتِباها

فَدَعَتْ وَاشْتَكَتْ إلى اللَّهِ مِنْ ذاكَ *** وَ فاضَتْ بِدَمْعِها مُقْلَتاها

ثُمَّ قَالَتْ فَنِخلةٌ لي مِنْ وا لِدِي *** المصطفى فَلَمْ يَنْحَلاها(3)

فَأَقامَتْ بها شُهُوداً فَقالُوا *** بَعْلُها شاهِداً لها وَ ابْناها

لَمْ يُجِيزُوا شهادةَ ابْنَي رَسُولِ اللَّهِ *** هَادِي الأنام إِذْ ناصباها

لَمْ يَكُنْ صادِقاً عَلِيٌّ و *** لافا طِمَةٌ عِنْدَهُمْ وَلاَ وَلَداها

كَانَ أَتْقَى للَّهِ مِنْهُمْ عَتِيقٌ *** قُبِّحَ القائِلُ المُحالَ وَشاها

جَرْعاها مِنْ بَعْدِ والدها الغَيْظَ *** مِراراً فَبِئسَ ماجَرَّعاها

أَهْلُ بَيْتٍ لم يَعْرِفُوا سُنَنَ الجَوْرِ *** الْتِباساً عَلَيْهِمْ وَ اشْتِياها

لَيْتَ شِعْرِي ما كانَ ضَرَّهُما الحِفْظُ *** لِعَهْدِ النَّبِيِّ لَوْ حَفِظاها

ص: 330


1- في كتاب دلائل الصدق ج3 ص56: لما توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً، فقال أبوبكر: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «إنا معاشر الأنبياء لانورث ما تركناه صدقة».
2- في كتاب كشف الغمة ج1 ص498: عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في حديث: و من أنصفكِ فقد أنصفني، و من ظلمك فقد ظلمني، لأنّكِ مني و أنا منكِ و أنتِ بضعة مني و روحي التي بين جنبي. ثم قال صلي الله علیه و آله و سلم: إلى الله أشكو ظالميكِ من أُمّتي.
3- نحلة: هبة، عطيّة.

كان إكْرامُ خاتَمِ الرُّسُلِ الهادِي *** البَشِيِر النَّذِير لَوْ أَكْرَمَاها(1)

إِنَّ فِعْلَ الجَمِيل لَمْ يَأْتِياهُ *** وَ حِسانُ الأَخْلاقِ مَا اعْتَمَدَاها

وَ لَوِ ابْتِيعَ ذاكَ بِالثَّمَنِ الغالِي *** لِي لَما ضاعَ في اتْباعِ هَواها

وَ لَكانَ الجَمِيلُ أَنْ يُقْطِعاها *** فَدَكاً لاالجَمِيلَ أَنْ يَقْطَعاها

أتُرَى المُسْلِمِينَ كَانُوا يَلُومُو *** نَهُما فِي العَطاءِ لَوْ أَعْطَياها؟

كانَ تَحْتَ الخَضْراء بِنْتِ نَبِيِّ *** صادقٍ ناطِقٍ أمِينٍ سِواها

بنْتُ مَنْ أُمُّ مَنْ حَلِيلَةُ مَنْ؟ وَيْلٌ *** لِمَنْ سَنَّ ظُلمَها وَ أَذاها

ذاكَ يُنْبِيكَ عَنْ حُقُودِ صُدُورٍ *** فَاعْتَبِرْها بالفِكْرِ حينَ تَراها

قُلْ لَنا أَيُّها المُجادِلُ في القَوْلِ *** عَنِ الغَاصِبَيْنِ إِذْ غَصَباها

أَهُما ماتعمَّداها کَما قُلتَ *** بِظُلْمٍ كَلاً وَ لااهْتَضماها

فَلِماذا إذْ جُهَّزَتْ لِلقاءِ اللَّهِ *** و عِنْدَ المَمَاتِ لَمْ يَحْضُراها؟(2)

شَبعَتْ نَعْشَها مَلائِكَةُ الرَّحْمنِ *** رِفقاً بِها وَ ما شَيَّعاها

كانَ زُهْداً في أجْرِها أمْ عِناداً *** لأبيها النَّبِيِّ لَمْ يَتْبَعَاها؟

ص: 331


1- نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ج3 ص351 استغراب النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي من إصرار الشيخين على منع فاطمة علیها السلام فدكاً، و قال: لو كانت فدك للمسلمين كما زعما، فهلا استنزلا المسلمين عن حقوقهم كما استنزلهم النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن قلادة ابنته زينب التي بعثها فداء عن زوجها أبي العاص يوم بدر مع أن زينب لاتداني فاطمة علیها السلام في المنزلة المجعولة لها من الله «تعالى» و كلما أراد ابن أبي الحديد الدفاع عن الزلة لم ير طريقاً واضحاً و بالآخرة اعترف بأن القاضي عبدالجبار بن أحمد قال: إنهما لم يأتيا حسناً في شرع التكرم.
2- في كتاب المجالس السنية ج3 ص122: فلما توفّيت قام أميرالمؤمنين علیه السلام بجمیع ما وصّته، فغسّلها في قميصها و أعانته على غسلها أسماء بنت عميس، و أمر الحسن و الحسين علیهما السلام أن يدخلان الماء، و لم يحضرها غيره و غير الحسنين و زينب علیهم السلام و أم كلثوم و فضّة جاريتها و أسماء بنت عميس و كفّنها في سبعة أثواب ثم صلى عليها، و كبر خمساً، و دفنها في جوف الليل و عفى قبرها و لم يحضر دفنها و الصلاة عليها إلاّ علي و الحسنان علیهم السلام و نفر من بني هاشم و خواص علي علیه السلام.

أَمْ لأَنَّ البَتُولَ أَوْصَتْ بِأَنْ *** لايَشْهَدا دَفْنَها فَما شَهِداها

أَمْ أَبُوها أَسَرَّ ذاكَ إِلَيْها *** فأَطاعَتْ بِنْتُ النَّبِيَّ أَباها

كَيْفَ ما شِئْتَ قُلْ كَفاكَ فَهُذِي *** فِرْيَةٌ قَدْ بَلَغَتْ أَقْصَى مَداها(1)

أَغْضَباها وَ أَغْضَبا عِنْدَ ذاکَ اللَّهَ *** رَبَّ السَّمَاءِ إِذْ أَغْضَباها

وَكَذا أَخْبَرَ النَّبِيُّ بأَنَّ اللَّهَ *** يَرْضَى سُبْحَانَهُ لِرِضاها(2)

لانَبِيُّ الهُدَى أُطِيعَ وَ *** لَافاطِمَةٌ أُكْرِمَتْ وَ لاحَسَناها

وَحُقُوقُ الوَصِيَّ ضُبِّعَ مِنْها *** ماتَسامَى فِي فَضْلِهِ وَ تَناهَى

تِلْكَ َكانَتْ حَزازَةٌ لَيْسَ تِبْرا *** حِينَ رُدّا عَنْها وَ قَدْ خَطَباها(3)

وَغَداً يَلْتَقُونَ وَ اللَّهُ يَجْزِي *** كُلَّ نَفْسٍ بَغْيَها وَ هُداها

فَعَلَى ذلِكَ الأَساسِ بَنَتْ صاحِبَةُ *** الهَوْدَجِ المَشُومِ بِناها

وَ بِذاكَ اقْتَدَتْ أُمَيَّةٌ لَمّا *** أَظْهَرَتْ حِقْدَها عَلَى مَوْلاها

لعَنُوهُ بالشَّامِ سَبْعِينَ عاماً *** لَعَنَ اللَّهُ كَهْلَها وَفَتاها

ذَكَرُوا مَصْرَعَ المَشايخ في بَدْ *** روَقَدْ ضَمَّخَ الوَصِيُّ لحاها(4)

وَ بِأَحْدٍ مِنْ بَعْدِ بَدْرٍ وَ قَدْ أَتْعَسَ *** فِيها معاطِساً وَجِباها

فاسْتَجادَتْ لَهُ السُّيوف بِصِفينَ *** وَجَرَّتْ يَوْمَ الطُّفُوفِ قَناها

لَوْ تَمَكَّنْتُ بِالطُّفوفِ مدَى الدَّهْرِ *** لَقبَّلْتُ تُرْبَها وَ ثَراها

أَدْركَتْ ثارَها أُمَيَّةُ بِالنّارِ *** غَداً في مَعادِها تَصْلاها

أشْكُرُ اللَّهَ أَنَّنِي أَتَوَالَى *** عِشْرَةَ المُصْطَفَى وَأَشْنَا عِداها(5)

ص: 332


1- فرية: كذب و افتراء.
2- في كتاب فرائد السمطين ج2 ص46: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إن اللَّه «عز وجل» ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام، و يرضى لرضاها.
3- الحزازة: وجع في القلب من غيظ و نحوه.
4- ضمّخ: لطّخ.
5- أشناً: أبغض.

ناطقاً بِالصَّوابِ لاأَرْهَبَ الأعْداءَ *** في حُبِّهِمْ و لاأَخْشاها

نُحْ بِها أيُّها الجَذُوعِيُّ وَ اعْلَمْ *** أَنَّ إِنْشَادَكَ الَّذِي أَنْشاها

لَكَ مَعْنِّى فِي النَّوْحِ لَيْسَ يُضاهَى *** وَ هْيَ تاج للشِّعْرِ في مَعناها

قُلْتُها لِلثَّوابِ وَاللَّهُ يُعْطِي *** الأَجْرَ فيها مَنْ قالَها وَ رَواها

مُظْهِراً فَضْلَهُمْ بِعَزْمَةِ نَفْسٍ *** بَلَغَتْ في وِ دادِهِمْ مُنْتَهاها

فَاسْتَمِعْهَا مَنْ شَاعِرِ عَلَوِيِّ *** حَسَنِيَّ في فَضْلِها لايُضاهَى

سادَةُ الخَلْقِ قَوْمُهُ غَيْرَ شَكِّ *** ثُمَّ بَحاءُ مَكَةٍ مَأواها

ص: 333

ص: 334

قافیة الواو

أشارة

ص: 335

ص: 336

(1) هي رحمة

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة(*)(1)

حَسْبِي جَوّى إِنْ ضاقَتِ السَّلوى *** عَلَيَّ أَنالُ الغَايَةَ القُصْوَى

وَ أَصِيحُ (فاطِمَتاهُ) مِنْ وَلَهٍ *** كَيْما أَفُورٌ بِجَنَّةِ المَأْوَى

اللَّهُ جَلَّلَها وَ أَكْرَمَها *** بِالعِلم وَ الإِيمان وَ التَّقوَى(2)

أيَلُومُنِي في حُبِّ فاطِمَةٍ *** مَنْ قَدْ أَطَاعَتْ رَبَّهَا نِضْوَا؟(3)

إنَّ السماواتِ العُلى شَرُقَتْ *** بِطُلُوعِها وَ اسْتَأنَسَتْ حَوَّا

کَرَمٌ کما نَبْعُ الزُلالِ لَهُ *** طَعْمُ لَذيذٌ يُشْبِهُ الحَلْوَى

قالَ الرسولُ بِانَّ فاطِمَةً *** هِيَ بَضْعَةٌ مني بها نَجْوَى(4)

ص: 337


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص743 ح3 ط الثانية/ انتشارات المرضية. «قال علي علیه السلام: لقد أعطيت زوجتي مصحفاً فيه من العلم ما لم يسبقها إليه أحد خاصة من الله و رسوله صلط الله علیه و آله و سلم».
3- نضوة هزيلة أو ضعيفة أي من كثرة عبادتها و انقطاعها إلى ربها أصابها الهزال و الضعف (سلام الله عليها و على أبنائها أجمعين). في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص194 ضمن ح6 نقلاً عن كتاب الثاقب في المناقب. «... وإن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیها السلام لطول قنوتها بالليل...».
4- فی کتاب علل الشرايع ج1 ص220 ضمن ح2 ط1/ مؤسسة الأعلمي -بيروت. «... فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام أما علمت أن فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها...».

تَعْنُولها السَّبْعُ الشَّدادُ كما *** بنْتُ الغُصونِ تَحلّقتْ نَشْوَى(1)

أنا قَدْ فُتِنْتُ بِفَاطِم وَلَكُمْ *** أَهْفُو لِذِكْراهَا وَ كَمْ أَهْوَى

يا مَنْ لها قِيثارَتي عَزَفتْ *** كالطَّيْرِ يَشْدُو مُلْهِما شَدْوَا(2)

هِيَ رَحْمَةٌ جاءَ البَشِيرُ بِها *** لِلْعَالَمِينَ لِتَمْحَقَ البَلْوَى(3)

امَّا مُحِبُّوها فَإِنَّ غداً *** يَتناولونَ المَنَّ وَ السَّلْوَى

سَأظلُّ بِالزَّهْراءِ مُفْتَتَناً *** كالمُسْتَهام يَضِحُ بِالشَّكْوَى(4)

ص: 338


1- نشوى: سكرى.
2- يشدو: يغنّي.
3- ( والبيت الذي يليه) في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص615 ح1... «عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب و قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محبّاً فتقول: إلهي و سيدي سميتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولّى ذريتي من النار و وعدك الحق و أنت لاتخلف الميعاد فيقول اللَّه «عزوجل»: صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سميتك فاطمة علیها السلام و فطمت بك من أحبك و تولاك و أحبّ ذريتك و تولاهم من النار، و وعدي الحق و أنا لاأخلف الميعاد و إنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فأشفعك ليتبين لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقفك منِّي و مكانتك عندي فمن قرأت بين عينيهِ مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنة».
4- المستهام: الذي ذهب فؤاده و خُلِبَ عقله من الحبّ أو غيره.

(2) بني الوحى

(بحر المتقارب)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

أمِنْ ذِكرِ وادي النقا فاللِّوى *** بدا في المحاجرِ ما في الجوى

أم القلبُ في أدمعِ العينِ سالَ *** غداةً تذكرتُ يوم النَّوى

و صَحباً رعَوْا في رياضِ الجنان *** و صرفُ الزمانِ بهم ما ارعوى

إلى أن يقول:

فمن مبلغنْ بني هاشمٍ *** برزءِ لوى عَضْبَهم فالتوى

لقد ألبسَ الرسلَ ثَوبَ الحدادِ *** و أبكى ملائِکَها في الهوا

بني الوحي هل تغمضونَ الجفونَ *** و غصنُ المكارم منكُمْ ذوى

ألستم بيومِ الوغى معشراً *** يخوضونَ نَزَّاعةَ للشوى(2)

أطلّتْ رزاياً على مجدِكُم *** طوينَ رواقَ العُلا فانطوى

حرائرُكُم في السِّبا ثُكَلٌ *** أضرَبهنَّ الظما و الطَّوى

متى شمنَ فوقَ الصعادِ الرؤوس *** بأدمعهِن الصعيدٌ ارتوى

و تلكَ بنُو الوحي أجسامُهُم *** تضيءُ بها أمُ وادي طوى

و طالت علی شهبِها مذحوتْ *** مليكاً على المكرماتِ احتوى

فقومُوا بني هاشم علکم *** تجازُون کل امری مانوی

ص: 339


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الشوى: قحف الرأس وكنى بالبيت عن نار الحرب.

دُهیتم بدهماءَ من معشرٍ *** أقامُوا من الغَيِّ بيتاً خوى

فما آلُ سفيانَ لولا الأُلى *** و لولا السقيفةُ مانينوى

هم ابتدعُوا غصبَ ميراثكم *** و قام بهم ليزيدش اللوا

و هم جرَّأوُا القومَ من قولهم *** لأحمدَ قد ضلَّ أوقد غوى

زَوَوْا حقَّ فاطمةٍ و الوصيِ *** لذا عن حسينٍ يزيدٌ زوی(1)

لئِن آمنُوا اليومَ من مكرِكُمْ *** فلا يأمنُوا من شديدِ القوى

فسوفَ يبددُهم صارمٌ *** ردی نفخةً الصورِ فيه انطوى

يكفِ إمامٍ يُقيمُ الهدى *** و يورقُ للدِين غصناً ذوى

ص: 340


1- زوى الشيء: نحاه و تأتي بمعنى طواه و قبضه.

(3) مأتم الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

بَكَيْتُ بمَأْتَمِ الزَّهْرَاءِ شَجْوَا *** مُصاباً هَزَّ تَهْلاناً وَ رَضْوى(2)

إذا رَقْرَقْتُ دَمْعِي في المآقي *** نَضَوْتُ مَلاءَةَ الأفراح نَضْوا(3)

وَ مَنْ أَلِفَ الخُطُوبَ مُبرِّحاتٍ *** رَأَى الدُّنْيا خِلال أسِّى وَبَلوى(4)

أَنِضويْ لا بَرَكَتْ على صَعِيدٍ *** ضُلُوعُكَ من حمارٍ لَيْسَ تُكْوى(5)

وَ صَبْرِي لارَكَمْتَ إلى شَفِيفٍ *** مِنَ السِّلْوانِ مُحْتَقَب لِسَلوى(6)

وَ عَيْني لا مَللْتِ صِحَابَ سَهْدٍ *** يُؤَرِّقُ مِنْ مَنَامِكِ رَيْتَ يُطوى(7)

تَلَذِّينَ الكَري دَعَةٌ وَ خَفْضاً *** وَ آلُ البَيْتِ مَذْعُورونَ مأوى(8)

و تَرْتَكنين للأحلامِ تَسْجُو *** وَ مَا عَيْنُ الهَوائِم ثَمَّ سَجُوا(9)

ص: 341


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- سهلاناً و رضوى: ورد في القصيدة (ثهلاناً) بالثاء و لا وجود له في اللغة، و قد يكون اسم جبل.
3- نضوت: جرَّدت و نزعت.
4- مبرحات: مجهدات متعبات و مؤذيات أذى شديداً.
5- نضو: (يضنوه) بكسر النون هزيل الحيوان و ضعيفهُ.
6- رکمت: اجتمعت بكثرة. شفيف: رقيق. محتقب: مجتمع. سلوى: كلّ ما يُسلّي الإنسان.
7- سهر: قلة النوم، الأرق.
8- دعة: السكينة، الراحة و خفض العيش.
9- تسجو: تسكن ليلاً.

تُقاذِفُهُمْ تَنائِفُ مُلْبِداتٌ *** بِهَا الذُّؤْيانُ طَاوِيَةً تَلوى(1)

ركابُهُمُ طوائِحُ في البَرارِي *** وَ رَكْبُهُمُ تَزَيَّغَ حَيْثُ يُضوا(2)

كَأَنَّهُمُ الدَّيالِمُ في سَباءٍ *** عُيونُ السُّوءِ تَخْرُرُهُم رُنُوّا

وَ إِنَّهُمُ وَ لازالَتْ حُباهُمْ *** عَواقِدَ فِي ذُرىّ شَمَخَتْ سُمُوا

بُيُوتُ أنْزَلَ الرَّحْمٰنُ فِيها *** جَلالَ الوَحْيِ فَاسْتَعْلَتْ عُلُوَّا

عَلَى عَتَباتِها جِبْرِيلُ أَرْسَى *** جَناحاً وَ اسْتَعزَّ لها دُنُوَّا

وَ فاطِمُ من سِراجِ الوَحْي ضَوْءٌ *** تُزاحُ بهِ الدُّجُنَّةُ حَيْثُ ضَوَّى(3)

وَ فاطمُ مِنْ نَسيج الخُلْدِ رَوْحٌ *** تَضَوَّعَ مِسْكُها الدُّنيا زُهُوا(4)

وَ فاطِمُ مِنْ رُؤى الإيمانِ طَيْفٌ *** وَ فاطِمُ في فم الأجيالِ نَجْوَى

ص: 342


1- تنائف: جمع التنوفة و هي البرية لاماء فيها و لاأنيس، ملبدات: بكسر الباء أي اللاصقات بالأرض و المدقعات.
2- تَزَيَّعَ: مال.
3- في كتاب البرهان في تفسير القرآن ج1 ص393 ضمن ح5. «...ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام، فخلق منه السماوات و الأرض، فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام و نور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور اللَّه و ابنتي فاطمة علیها السلام أفضل من السماوات والأرض... ثم أمر اللَّه الظلمات أن تمرّ على سحائب النظر، فأظلمت السماوات على الملائكة، فضجّت الملائكة بالتسبيح و التقديس، و قالت: إلهنا و سيدنا منذ خلقتنا و عرَّفتنا هذه الأشباح لم نرَ بؤساً فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنّا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض، ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميت «الزهراء علیها السلام» فقالت الملائكة: إلهنا و سيِّدنا لمن هذا النور الزاهر الذي قد أشرقت به السماوات والأرض؟ فأوحى اللّه إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة علیها السلام ابنة حبيبي، و زوجة وليّتي و أخي نبتي و أبي حججي على عبادي. أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم و تقديسكم لهذه المرأة و شيعتها و محبّيها إلى يوم القيامة». انظر كتاب بحار الأنوار، ج37 ص83 ضمن ح51.
4- في كتاب «مقتل الحسين علیه السلام» للخوارزمي ص63-64، ط مكتبة المفيد -إيران/ قم: «عن عائشة قالت: كنت أرى رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لايقبَّل فاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم إني أراک تفعل شيئاً ما كنت أراك تفعله من قبل؟ فقال: يا حميراء إنه لما كان ليلة أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أرَ في الجنة شجرة هي أحسن حسناً و لاأبضَ منها ورقة و لاأطيب ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي. فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة سلام الله علیها فحملت بفاطمة علیها السلام فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة فاطمة علیها السلام». و ورد رسول أيضاً: «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليلة أسري بي إلى السماء أتاني جبرائيل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها فعلقت خديجة سلام الله علیها بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة، شممت رقبة فاطمة علیها السلام». انظر كتاب إحقاق الحق، ج10 ص3 عن مستدرك الحاكم.

وَ سَيّدةُ النّساءِ بِدُونِ رَيْبٍ *** وَ رَوْضُ عَقِيدَةٍ وَمَنارُ تَقْوَى(1)

رَعَتْ ذِمَمَ الأُنوثة في احتشامٍ *** وَ إِصرارٍ من الإِصرارِ أقوَى(2)

مِنَ وَ فَرْعُ الغُصْنِ بالأَعْياصِ جئلٌ *** مِنَ الثَّمَراتِ مُكْتَسِبٌ نُمُوَّا(3)

أرادَ اللَّهُ لِلنِّسْوانِ شَأُواً *** فَقَدَّمَ آدَماً مِنْ قَبْلِ حَوَّا

وَ كُلُّ نَسْجُ خَلْقِ لاسَواءٍ *** وَ سُبْحانَ الَّذي في البَدْءِ سوّى

و تَربِيَةُ الأوانِسِ مِنْ قَلِيبٍ *** يُمَرُّ أُجَاجُهُ وَ يُسَرُّ خُلْوَا(4)

أَلا إِنْ شِئْتَ فَاسْتَجْلِ السَّجايا *** مِنَ الزَّهْرَاءِ وَ اتَّرِكِ العُتُوَا(5)

هِي القِمَمُ الأَصائِلُ في كَيانٍ *** تَناسَقَ وَ اسْتوى جِذراً وَ عُلُوا

ص: 343


1- في كتاب ذخائر العقبى، ص40، ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «...أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة...».
2- في كتاب بحار الأنوار ج43 ص54 ضمن حاشية48: «و روي عن علي علیه السلام قال : كنّا جلوساً عند رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال : أخبروني أيَّ شيء خير للنساء... فقالت: ولكني أعرفه، خير للنساء أن لايرين الرجال، و لايراهن الرجال. فرجعت إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقلت: يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم سألتنا أيّ شيء خير للنساء، و خير لهن أن لايرين الرجال و لايراهنَّ الرجال قال: من أخبرك فلم تعلمه و أنت عندي؟ قلت: فاطمة علیها السلام فأعجب ذلك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: إن فاطمة علیها السلام بضعة مني». انظر کتاب مقتل الحسين علیه السلام، للخوارزمي ص63.
3- الأعياص: جمع عيص و هو الأصيل و جاء أيضاً بمعنى منبت خيار الشجر، و جاء أيضاً بمعنى الشجر الملتف. جئل: كثير و ملتف.
4- أجاجه: ملحُه المرُّ. قَليب: بئر.
5- عتوّاً: تجاوزاً للحدّ و استكباراً. كما جاء في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص15 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...و سميت فاطمة علیها السلام البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله «تعالى»...»، و قد مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

(4) فداها علیها السلام أبوها صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

السيد غياث آل طعمة

إِلاَمَ بِنَارِ الْبُعْدِ يَا سَيِّدِي نُكْوَى؟ *** وَ هَلْ يُسْتَلَذُّ العَيْسُ مِنْ دُونِ مَنْ نَهْوَى(1)؟

وَ هَلْ يُؤنِسُ الأَرْوَاحَ مِيلادُ حُجَّةٍ *** وَ نَفْرَحُ وَ المَوْلُودُ حَقَّتْ بِهِ البلوى؟

تَفَاذَفَهُ هَمُ الْعَوَالِم فَانْتَنَتْ *** جَوَائِحُهُ بِالحُزْنِ مِمَّا بِهَا تُكْوَى

فَأَنَّى أَدَارَ الطَّرْف جَوْرٌ وَ مِحْنَةٌ *** وَ مُضْطَهَدٌ فِي الْبُؤْسِ يَرْجُو النَّجَا رَجُوا(2)؟

وَ نَحْنُ جَرَتْ فِي الْقَلْبِ أَبْحُرُ وُدُكُمْ *** فَأَثْمَرَتِ الإِيمَانَ وَ اعْشَوْشَبَ التَّقْوَى

فَصُبَّتْ عَلَيْنَا الْعَادِيَاتُ بِحُبِّكُمْ *** لِتَصْرِفَنَا عَنْكُمْ فَزِدْنَا بِكُمْ زَهُوا

تُصَبُّ عَلَيْنَا النَّائِبَاتُ كَأَنَّمَا *** خُلِقْنَ لَنا وَ الدَّهْرُ يَلْهُو بِنَا لَهُوا(3)

كَأَنَّ لَدَى الْبَاقِينَ مِنْ نَسْلِ تَيْمِها *** بَقِيَّةَ نَارِ أَدْرَكُوهُ بِنَاتَوّا

فشتِّتَ مِنَا الشَّمْلُ حَتَّى كَأَنَّنَا *** هَشِيمٌ ذَرَتْهُ الرِّيحُ فِي عَاصِفٍ دَوّى

يَؤُوبُ إِلَى أَوْ كَارِهِ الطَّيْرُ آمِناً *** وَ نَحْنُ نَجُوبُ التِّيهَ لَيْسَ لَنَا مَأوى(4)

إِلَيْكَ شَكَوْنا ما بِنَا مِنْ مُلِمَّةٍ *** فَإِنْ أَنْتَ لاتُصْغِي لَنَا لِمَنِ الشَّكوى(5)

ص: 344


1- إلامَ: إلى متى.
2- أَنَّى: من اين، أو كيف.
3- النائبات: جمع نائبة و هي الداهية و المصيبة.
4- وكر الطير: بيت الطير وعشه و مأواه.
5- الملمة: كل أمرٍ صعبٍ أحاط بالانسان وَ أَلمَّ به.

فَهَبْنا الْمَعَاصِي أَخْجَلَتْنَا لَدَيْكُمُ *** أَلَسْنَا بِكُمْ نَسْتَمْطِرُ الصَّفْحَ وَ الْعَفْوا؟

وَ هَبْنَا الْخَطايا أَسْقَطَتْنا أَلَمْ يَكُنْ *** لِرُضَعِنا شَأْنٌ بِهِ تُکْشَفُ الْبَلْوَى؟

وَ لالِعَفَافِ الطَّاهِرَاتِ كَرَامَةٌ *** وَ تَغْفُو عَلى ما نالَهُنَّ أَسَى غَفُوا(1)

وَ إِنْ تَكُ قَدْ أَعْرَضَتْ عَنا أَمَا تَرَى *** عَلَى عِتْرَةِ الْمُخْتَارِ كَيْفَ بَغَوْا بَغْوا(2)؟

أمَا غَاضَكَ الْمُخْتَارُ مُلْقَى بِدَارِهِ *** وَ حَيْدَرَةٌ عَنْ حَقِّهِ جَهْرَةً يُرْوَى؟

يُقَادُ أَسِيراً وَ هُوَ نَفْسُ مُحَمَّدٍ *** أَعَزُّ عَلَى ذِي الأَرْضِ مَنْ وَلَدَتْ حَوّا(3)

وَ لَوْ شَاءَ أَنْ يُغْنِي الْوُجُودَ أَبَادَهُ *** فَفِي كَفِّهِ الأَفْلاَكُ ما إِنْ يَشَأْ تُطْوَى(4)

وَ لَوْلاَهُ لاَ الإِسْلامُ قَامَ عَمُودُهُ *** وَ لَاصَوْتُ دَاعِي اللَّهِ فِي الْكَوْنِ قَدْ دَوَّى

أَتُغْضِي عَنِ الزَّهْرَاءِ أَسْقِطَ حَمْلُها *** وَ سَوْطُ لِمَمْلُوكِ عَلَى مَثْنِهَا يُلْوَى(5)؟

وَ تُلْطَمُ مَنْ طه يَقُولُ لِفَضْلِهَا *** فِدَاهَا أَبُوها فَهْيَ مِدْحَتُها القُصْوَى(6)

وَ تُحْرِقُ دَارٌ عَظَمَ اللَّهُ شَأْنَها *** فَلِلْوَحْيِ وَ الأَمْلاكِ تُرْبَتُها مَهْوَى(7)

ص: 345


1- الأسى: الحزن و الهم.
2- بَغَوْا: البغي هو الظلم بغير حق.
3- جاء في كتاب علم اليقين في أصول الدين للكاشاني ص686 الفصل20 قال: ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فأتوا بحطب فوضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر و قال: واللَّه لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار ثم انهم تواثبوا على اميرالمؤمنين و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى اخرجوه سحباً من داره ملبيا بثوبه يجرونه إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر.
4- أباده: أهلكه.
5- ورد في كتاب البحار ج53/ ص18-19، في حديث طويل: ضرب عمر لها بالسوط على عقدها حتى صار كالدملج الاسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و اسقاطها إياه...
6- في كتاب البحار للمجلسي ج8 ص240، في حديث طويل... .. و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تشفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذنى...
7- مَهْوى: هنا بمعنى مَهبط، أو محل هبوط الوحي و مختلف الملائكة.

وَ أَنَّتْ أَنِيناً ضَمَّنَتْهُ مُصَابَها *** وَ لَوْ نَالَهُ بَعْضُ لَذَابَ أَسَى رَضْوَى(1)

وَ تُحْرَمُ مِنْ بَكِّ الرَّسُولِ لَوَاعِجاً *** وَ تُمْنَعُ أَنْ تُبْدِي الْمَصَائِبَ وَ الشَّجُوا

وَ يُعْفَى ثَرَاها وَ هْيَ سَيِّدَةُ النِّسا *** وَ لَكِنَّما فِي كُلِّ قَلْبٍ لَهَا مَثْوَي(2)

وَ إِنْ تَنْسَ هَلْ تَنْسَى الحُسَيْنَ مُجَدَّلاً *** وَ خَيْلُ بَنِي سُفْيَانَ قَدْ رَضَتِ الشَّلُوا(3)؟

وَ زَيْنَبُكُمْ تُسْبَى وَ خِدْرُ سُمَيَّةٍ *** مَصُونٌ فَيَا لِلَّهِ مَا أَعْظَمَ الْبَلْوَى

تَصَفَّحَها وَ هْيَ العَزِيزَةُ حَاسِراً *** أَرَاذِلُ لَوْ بَالَغْتَ فَلْساً فَمَا تَسْوَى

أَثِرُها فَأَطْرَافُ الطُّفُوفِ غَلِيلَةٌ *** وَ لَيْسَ سِوَى مِنْ فَيْض أَعْدَائِكُمْ تَرْوَى(4)

أَثِرُها يَذُوبُ الكَوْنُ مِنْ جَمْرٍ غَيْظِهَا *** وَ طَهُرْ تُرَابَ الأَرْضِ وَ امْحُ العِدَى مَحُوا

وَ نَحْنُ عَلَى عَهْدِ الوِلايَةِ لَمْ تَزَلْ *** تَهِيجُ بِنَا فِي الشَّرْقِ أَفْئِدَةٌ تَهْوَى

عَشِقْنَا المَآسِي فِي هَوَاكُمْ فَإِنَّنَا *** نَرَى عَلْقَمَ الآهَاتِ مِنْ أَجْلِكُمْ حُلُوا(5)

وَ مِنْكُمْ غَذَيناها فَمَهُما تَعَاظَمَتْ *** تَهُونُ لِمَا يَلْتُمْ لَنَا بِكُمُ السَّلوى

فَإِنْ نَكُ ظُلْماً قَدْ أُبِيحَتْ دِمَاؤُنَا *** وَ أَعْنَاقُنَا لِلهِ فِي حُبِّكُمْ تُلْوَى

وَ قَدْ سَامَنَا الأَعْدَاءُ أَلْفَ مَهَانَةٍ *** وَ مِنْهُمْ سَمِعْنَا فِي مُوَالاَتِكُمْ هَجُوا(6)

فَذَرْهُم يَخُوضُوا فِي الحَيَاةِ وَ يَلْعَبُوا *** وَ يَتَّخِذُوا أَنا أَطَعْنَاكُمُ هُزْوا

وَ لَاتَحْسَبَنْ أَنَا نَحِيدُ لِمِحْنَةٍ *** تُلِمُ بِنَا أَوْفَادِحٍ كَدَّرَ الصَّفْوا

ص: 346


1- رضوی: اسم جبل.
2- في كتاب البحار ج43 ص213: فلما قضت نحبها علیها السلام و هم في ذلك في جوف الليل أخذ علي علیه السلام في جهازها و ساعته كما أوصته فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة و أشعل النار في جريد النخل و مشى الجنازة بالنار حتى صلّى عليها و دفنها ليلاً. يُعفى: يُدرس و ينمحى مثوى:مَأوى، مكان، مُسْتَقَر.
3- مجدلاً: مطروحاً على الأرض. السُّلوا: العضو من أعضاء الجسد.
4- غليلة: شديدة العطش.
5- العلقم: الشديد المرارة.
6- الهجو: الكلام البذيء، أو الذم.

فَعِزَّتُنَا أَنَا أَرِقَاهُ حُبِّكُمْ *** وَ ذِلَّتُنَا إِنْ نَنْأَى عَنْكُمُ وَ لَنْ نَقْوى(1)

فَطِينَتُنَا مِنْ فَاضِلِ الطِّينِ نَشْؤُها *** فَمَا مِنْ سَبِيلٍ أَنْ نَضِلَّ وَ أَنْ نَغْوَى

وَ تِلْكَ لَعَمْر واللَّهِ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ *** حَبَانًا بِهَا مِنْ فَضْلِهِ عَالِمُ النَّجْوَى(2)

ص: 347


1- تنأى: نبتعد.
2- حبانا: اختصَّنا بعطائها إيانا، أو اختصنا بالعطاء. و قد مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

ص: 348

قافية الياء

أشارة

ص: 349

ص: 350

(1) صلوا على بنت علیها السلام النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

أبوالقاسم الصنوبري

في المنازِلِ حاجَةٌ نَقْضِيها *** إلاالسَّلامُ وَ أَدْمُعٌ نُذْرِيها

وَ تَفَجَّعٌ لِلْعَيْن فيها حَيْثُ *** لاعَيْشٌ أُوازيهِ بِعَيْشي فيها

أَبْكِي المنازِلَ وَ هْيَ لَوْ تَدْرِي الذي *** بَعَثَ البُكاء لَكُنْتُ اَسْتَبْكِيها

باللَّهِ يا دَمْعَ السَّحَائِب إسْقِهَا *** وَ لَئِنْ بَخِلْتَ فَأَدْمُعِي تَسْقِيها

يا مُغْرِياً نَفْسي بِوَصْف عَزيزَةٍ *** أَغْرَيْتَ عَاصِيَةٌ عَلَى مُغْرِيها

لاخَيْرَ في وَصْفِ النِّساءِ فَأَعْفِنِي *** عَمَّا تُكلفنيهِ مِنْ وَصْفيها

يا رُبَّ قافيَةٍ حَلا إمضاؤُها *** لم يَحْلُ مَمْضاها إلى مُمْضِيها

لاتُظمِعَنَّ النفسَ في إعطائِها *** شَيْئاً فَتَطْلُبَ فوق ما تُعْطِيها

حُبُّ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ وَ وَصِيْهِ *** مَعْ حُبِّ فاطِمَةٍ وَ حُب بنيها(1)

ص: 351


1- في كتاب «بحار الأنوار» ج27 ح94 ط الثانية مؤسسة الوفاء -بيروت. عن سلمان رضوان الله تعالى عليه قال: قال النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «يا سلمان من أحبَّ فاطمة علیها السلام ابنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبّ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه...». و جاءت الرواية أيضاً في «إحقاق الحق» ج10 ص166، و في ينابيع المودة ج1 ص314 ط الأولى في إيران -انتشارات الشريف الرضي الطبعة السابعة/ المكتبة الحيدرية- النجف (1965م). و عن ابن عباس قال: سمعت أميرالمؤمنين علیه السلام يقول: (ثم يقول جبرائيل علیه السلام: يا فاطمة علیها السلام سلي حاجتك، فتقولين: يا رب شيعتي: فيقول اللَّه: قد غفرت لهم فتقولين: يا رب شيعة شيعتي. فيقول اللَّه: انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة فعند ذلك تود الخلائق أنهم كانوا فاطميين فتسيرين و معك شيعتك و شيعة ولدك و شيعة أميرالمؤمنين علیه السلام آمنة روعاتهم، مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد و سهلت لهم الموارد يخاف الناس و هم لايخافون و يظمأ الناس و هم لايظمؤون...». بحار الأنوار، ج43 ص227 ح13.

أَهْلُ الكساءِ الخَمْسَةُ الغُرَرُ الَّتي *** يَبْنِي العُلاَ بِعُلاهُمُ بانيها

كَمْ نِعْمَةٍ أَوْلَيْتَ يا مولاهُمُ *** في حُبِّهِمْ فَالحَمْدُ لِلْمَوْلِيها

إِنَّ السَّفاءَ بِشِغْلِ مَدْحِي عَنْهُمُ *** فَيَحِنُّ لي أن لاأكونَ سَفيها(1)

هُمْ صَفْوَةُ الكَرَم الَّذي أصفاهُمُ *** وُدّي وَ أَصْفَيْتُ الذي يُضفِيها

أَرْجُو شفاعَتَهُمْ فَتِلْكَ شفاعةٌ *** يَلْتَذْ بَرَدَ رَجائِها راجيها

صَلُّوا عَلَى بِنْتِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** بَعْدَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ أبيها(2)

وَ ابْكُوا دِمَاءٌ لو تُشَاهِدُ سَفكَها *** في كَرْبَلاءَ لما وَنَتْ تَبْكِيها

تِلْكَ الدّماءُ لَوْ أَنَّها تُرقى إذَنْ *** كانَتْ دِماءُ العَالَمينَ تَقِيها

لَوْ انَّ مِنْهَا قَطرَةٌ تُقدى إذَنْ *** كُنَّا بنا و بغَيْرِنا نَفْدِيها

إنّ الذينَ بغَوْا إراقَتَها بَغَوْا *** مَشْؤُومَةَ العُقْبَى عَلَى بَاغيها

قُتِلَ ابْنُ مَنْ أَوْصى إِلَيْهِ خَيْرُ مَنْ *** أَوْصَى الوصَايا قطُّ أو يُوصِيها

رَفَعَ النّبِيُّ يَمينَهُ بِيَمِينِهِ *** لِيَرى ارْتِفَاعَ یمینه رائيها

في موضِعٍ أَضْحَى عَلَيْهِ مُنَبِّهاً *** فيه و فيه يُبدِىءُ التَّنْبِيها

آخاه في «خُمِّ» وَ نوَّه باسمِهِ *** لم يَأْلُ فِي خَيْرِ به تَنْوِيها(3)

هُوَ قالَ: أَفْضَلُكُمْ على إنَّه *** أَمْضَى فَضِيتَه الَّتِي يُمْضِيها

ص: 352


1- السفيه: الجاهل.
2- في كتاب دلائل الإمامة ص28، ط الثالثة -منشورات الرضي -قم- منشورات المطبعة الحيدرية (1963م)، النجف الأشرف: عن أبي جعفر علیه السلام: «و لقد كانت علیه السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة...». وورد أيضاً في عوالم سيدة النساء علیها السلام ج1 ص173.
3- نوه: أظهر و أشاد به لم يألُ: لم يقصر و لم يبطىء.

هُوَ لي كهارون لموسى حَبَّذا *** تَشْبِيه هارونَ بِهِ تَشْبِیها

يَوْمَاهُ يَومٌ لِلْعِدى يَرْوِيهِمُ *** جَوْراً وَ يَوْمَ لِلْقَنَا يَرْوِيها

يَسَعُ الأنامَ مَشُوبَةٌ وَ عُقُوبَةٌ *** كِلْتاهُما تَمْضِي لِما يُمْضِيها(1)

ص: 353


1- الغدير ج3 ص والقصيدة في (42 بيتاً).

(2) هدية ربي

(بحر الطويل)

السيد إسماعيل الحميري(*)(1)

وَحَدَّثنا عَنْ حارث الأغورِ الّذي *** نُصَدِّقُهُ في القَوْلِ مِنْهُ وما يَرْوي(2)

بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَفْسي فِداؤُهُ *** وَ أَهْلي وَمَالي طاوِي الحَشَا يَطْوِي(3)

لِجُوعِ أصابَ المُصْطَفَى فَاغْتدى إلى *** كَرِيمَتِهِ وَ النَّاسُ لاهُونَ في سَهْوِ(4)

ص: 354


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر فى الجزء الثالث.
2- الحارث الأعور بن عبد الله بن كعب الهمداني من خاصة شيعة أميرالمؤمنين علیه السلام توفي بالكوفة سنة (65 ه-).
3- طاوي الحشا: ضامر البطن.
4- في «ذخائر العقبى» للطبري ص45-46 ط/ مؤسسة الوفاء. «إلى آخر الأبيات». «عن أبي سعيد قال: قال علي علیه السلام ذات يوم يا فاطمة علیها السلام هل عندك من شيء تغذينيه؟ قالت: لاوالذي أكرم أبي بالنبوة ما أصبح عندي شيء أغديكه، و لاأكلنا بعدك شيئاً، و لاكان لنا شيء بعدك منذ يومين إلا شيء أوثرك به على بطني و على ابني هذين، قال: يا فاطمة علیها السلام ألا أعلمتني حتى أبغيكم شيئاً قالت إني أستحي من الله أن أكلفك ما لاتقدر عليه. فخرج من عندها واثقاً بالله حسن الظن فاستقرض ديناراً... حتى دخل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فصلى الظهر و العصر و المغرب فلما قضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم صلاة المغرب مرَّ بعلي في الصف الأول فغمزه برجله فسار خلف النبي صلى الله عليه و آله و سلم حتى لحقه عند باب المسجد ثم قال: يا أباالحسن علیه السلام هل عندك شيء تعشينا به، فأطرق علي لايحر جواباً حياءً من النبي صلى الله عليه و آله و سلم قد عرف الحال الذي خرج عليها فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إمّا أن تقول لافننصرف عنك أو نعم فنجيء معك. فقال له حباً و تكريماً، اذهب بنا و كأن الله سبحانه و تعالى قد أوحى إلى نبيه أن تعش عندهم. فأخذ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة علیها السلام في مصلاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فلما سمعت كلام النبي صلى الله عليه و آله و سلم خرجت من المصلى فسلمت عليه و كانت أعز الناس عليه فردَّ عليها السلام و مسح بيده على رأسها و قال: كيف أمسيت؟ عشينا غفر اللّه لك و قد فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه فلما نظر علي ذلك و شمَّ ريحه رمی فاطمهة علیها السلام ببصره رمياً شحيحاً، فقالت: ما أشحَ نظرك و أشدَّه... فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم ما في سمائه و يعلم ما في أرضه إني لم أقل إلاحقاً قال: فأنى لك هذا الذي لم أر مثله ولم أشم مثل رائحته و لم أكل أطيب منه؟ فوضع النبي صلي اللَّه علیه آله و سلم كفه المباركة بين كتفي علي ثم هزها و قال: يا علي علیه السلام هذا ثواب الدينار، و هذا جزاء الدينار هذا من عند اللَّه إن اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب»، (الحسنة بعشرة أمثالها). و في كتاب/ درة الناصحين للنحوبوي/ ص66 ، مرضت فاطمة علیها السلام ذات يوم فجاء عليّ علیها السلام إلى منزلها فقال: يا فاطمة علیها السلام ما يريد قلبك من حلاوات الدنيا؟ فقالت: يا علي علیه السلام أشتهي رماناً فتفكر ساعة لأنه ما كان معه شيء، ثم قام و ذهب إلى السوق واستقرض درهماً واشتری به رمانة فوجه إليها فرأى شخصاً حريفاً مطروحاً على قارعة الطريق فوقف عليّ علیه السلام فقال له: ما يريد قلبك يا شيخ؟ فقال: يا علي علیه السلام خمسة أيام هنا و أنا مطروح و مر الناس عليَّ علیه السلام و لم يلتفت أحد إلي يريد قلبي رماناً... فتفكر في نفسه ساعة فقال لنفسه: اشتريت رمانة واحدة لأجل فاطمة علیها السلام فإن أعطيتها لهذا السائل بقيت فاطمة علیها السلام محرومة، و إن لم أعطه خالفت قوله تعالى: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ» و النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لاتردوا السائل و لو كان على فرس» فكسر الرمانة فأطعم الشيخ فعوفي في الساعة وعوفيت فاطمة علیها السلام. و جاء علي وهو مستحي فلما رأته فاطمة علیها السلام قامت إليه و ضمته إلى صدرها فقالت: أما إنك مغموم فوعزة الله «تعالى» و جلاله إنك لما أطعمت ذلك الشيخ الرمانة زال عن قلبي اشتهاء الرمان. ففرح علي بكلامها فأتى رجل فقرع الباب فقال علي علیه السلام من أنت! فقال: أنا سلمان الفارسي افتح الباب فقام علي علیه السلام و فتح الباب و رأى سلمان الفارسي و بيده طبق مغطى رأسه بمنديل فوضعه بين يديه فقال علي علیه السلام: ممن هذا يا سلمان؟ فقال: من اللَّه إلى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و من الرسول إليك... فكشف الغطاء فإذا فيه تسع رمانات فقال: يا سلمان: لو كان هذا لي لكان عشراً لقوله «تعالى»: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا». فضحك سلمان فأخرج رمانة من كمه فوضعها في الطبق فقال: يا علي علیه السلام واللَّه كانت عشراً ولكن أردت بذلك أن أجربك...

فَصادَفَها وَ ابْنَي عليَّ وَ بَعْلَها *** و قَدْ أطْرَفُوا مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ كالنِّضْوِ(1)

فقالَ لها يا فَطْمُ قُومي تَناولي *** وَ لَمْ يَكُ فيما قال يَنْطِقُ بالهَزْوِ(2)

هَدِيَّةُ رَبِّي إنّهُ مُترَحِّمٌ *** فقامتْ إلى ما قالَ تُسْرِعُ بالخَطْوِ

فَجاءَتْ عليها اللَّهُ صلّى بِجَفْنَةٍ *** مُكَرَّمة باللَّحْمِ جزْواً على جزْوِ

ص: 355


1- النَّضو: السهم الذي فسد من كثرة ما رُمي به، الثوب البالي.
2- یا فَطْمُ : منادى مرحم أصله يا فاطمة علیها السلام.

فَسَمُّوا وَ ظَلُّوا يُطْعِمُونَ جميعَهُمْ *** فبخَ بخَّ لَهُمْ نَفْسي الفداء وَ ما أَحْوِي

فَقَالَ لها ذاك الطعام هديّةٌ *** مِنَ اللَّهِ جبريلٌ أتاني به يَهْوِي

و لَمْ يَكُ مِنْهُ طَاعِماً غَيْرَ مُرْسَلٍ *** وَ غَيْرَ وَصِيَّ خَصَّهُ اللهُ بالصَّفْوِ(1)

ص: 356


1- دیوان السيد الحميري ص456، و لعل هذه الأبيات إشارة إلى ما روت الخاصة و العامّة منهم: ابن شاهين المروزي و ابن شيرويه الديلمي عن الخدري و أبي هريرة: أن علياً علیه السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمة علیها السلام طعاماً، فقالت: ما كان إلا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي و على الحسن و الحسين علیهما السلام، فقال: ألا أعلمتني فأتيتكم بشيء؟ فقالت: يا أباالحسن علیه السلام إنّي لأستحيي من إلهي أن أُكلّفك ما لاتقدر عليه فخرج و استقرض من النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً ما شاء الله، فناوله علي الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه فنام. فخرج النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم فإذا هو به فحركه، فقال له: ما صنعت؟ فأخبره، فقام وَ صلّى معه فما قضى النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم صلاته إلا و قال: يا أبا الحسن علیه السلام هل عندك شيء نفطر عليه فنميل معك؟ فأطرق لايجيب جواباً حياءً منه، و كان اللَّه أوحى إليه أن يتعشى تلك الليلة عند عليّ علیه السلام. فانطلقا حتى دخلا على فاطمة علیها السلام و هي في مصلاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة علیها السلام الجفنة فوضعتها بين أيديهما، فسأل علي علیه السلام أنّى لكِ هذا؟ قالت: هو من فضل اللَّه و رزقه، إنّ اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب قال: فوضع النبيَّ كفّه المبارك بين كتفي عليّ علیه السلام، ثم قال: يا علي علیه السلام هذا بدل دينارك ثم استعبر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم باكياً، و قال: الحمدللَّه الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا علیه السلام لمريم سلام الله علیها. و في رواية الصادق علیه السلام: أنّه أنزل اللَّه فيهم: «ويُؤثِرُون على أَنْفُسِهِم و لوخصاصَة» [الحشر: 9].

(3) صبت علي مصائب

(بحر الكامل)

حسين بن علي العشاري البغدادي

لَهْفِي عَلى قَمَرِ وَ سَيْفِ مُعْمَدٍ *** وَ عَلَى أبي الطُّهْرِ(1) البَتُولِ مُحَمَّدِ

ص: 357


1- في آية التطهير، هناك تنبيهان: أحدهما: أن الآية دلّت على عصمة الخمسة لأن الرجس فيها عبارة عن الذنوب كما في «الكشاف» و غيره و قد تصدّرت بأداة الحصر و هي «إنما» فأفادت أن إرادة اللَّه «تعالى» في أمرهم مقصورة على إذهاب الذنوب عنهم و تطهيرهم منها و هذا كنه العصمة و حقيقتها. و قد أورد النبهاني في أول كتابه الشرف المؤبد هذه الآية، فنقل عن جماعة من الأعلام ما يدل على أنهم قد فهموا منها عصمة أهلها علیها السلام و إليك ما نقله بعين لفظه: قال: اللَّه قال الإمام أبوجعفر محمد بن جرير الطبري في «تفسيره» يقول الله «تعالى»: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس و الفحشاء يا أهل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و يطهَّركم من الدنس الذي يكون في معاصي الله تطهيراً. قال: و روي عن أبي زيد أن الرجس ههنا الشيطان. قال: و ذكر -أي الطبري- بسنده إلى سعيد بن قتادة أنه قال: قوله: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فهم أهل بيت علیهم السلام طهَّرهم اللّه من السوء و خصهم برحمة منه. قال: و قال ابن عطية: و الرجس اسم يقع على الإثم و العذاب و على النجاسات و النقائص فأذهب اللَّه جمیع ذلك عن أهل البيت علیهم السلام قال: و قال الإمام النووي: قيل: هو الشك، و قيل: هو العذاب و قيل: الإثم. قال الأزهري: الرجس اسم لكل مستقذر من عمل أو غيره . و فسّر الشيخ محيي الدين بن العربي لفظ الرجس في الباب (29) من (فتوحاته) بكل ما يشين و إليك عبارته... قال: و قد ذكر النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد طهَّره اللّه و أهل بيته علیهم السلام تطهيراً و أذهب عنهم الرجس و هو كل ما يشينهم فإن الرجس هو القذر عند العرب... ثانيهما: أنها دلَّت بالالتزام على إمامة أميرالمؤمنين علیه السلام لأنه ادعى الخلافة لنفسه و ادعاها له الحسنان علیهما السلام و فاطمة علیها السلام و لايكونون كاذبين لأن الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم و طهرهم تطهيراً... الكلمة الغراء في تفضيل فاطمة الزهراء علیها السلام-عبد الحسين شرف الدين الموسوي- ص42.

قالَتْ وَ قَدْ نادَتْ بِقَلْبِ مُوقَدِ *** (ماذا على مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدِ)

(أَنْ لايَشُمَّ مَدى الزمانِ غَواليا)(1)

غابَتْ محاسِنُ في القرى فَكَأَنها *** شَمْسُ وَ قَدْ غابَتْ وَآوَتْ كِنَّها(2)

مُذْ حَقَّقَتْ نصي البعادَ وَ ظَنَّها *** (صُبَّتْ عَلَيَّ مَصائِبٌ لَوْ أَنَّها)

(صُبَّتْ على الأيَّامِ صِرْنَ لَياليا)

و أيضاً لحسين بن علي العُشاري البغدادي -مصدراً و معجزاً:

(ماذا على مَنْ شَمَّ تُربةَ أَحْمَدٍ) *** أَنْ لايَكُونَ عَنِ المَوَدَّةِ نَائِيا

وَ وَدْتُ قَلْباً قَدْ وَ هَى(3) لِفِراقِهِ *** (أنْ لايَسمَّ مَدَى الزَّمانِ غَواليا)

(صُبَّتْ عَليَّ مصائب لو أنّها) *** وَرَدَتْ عَلَى جَبَلٍ لأَصْبَحَ هَاوِيا

و مُصيبتي في المُصْطَفَى لَوْ أَنّها *** (صُبَّتْ على الأيام صِرْنَ لياليا)(4)

ص: 358


1- غواليا: جمع الغالية و هي الإصابة بنازلة، و ورد أيضاً الغالية أخلاط من الطيب (المنجد ص556).
2- كِنّها: بيتها، وقاءها و سترها.
3- وهى: انشق ضعف.
4- ديوان العشاري ص475.

(4) قوموا إلى فاطم علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد حسين الغريفي

الشاخوري

سَلْ جِيرَةَ الدَّارِ عَنْ تَرْحَالِ أَهْلِيهَا *** هَلْ أَزْمَعَ العُوْدَ بِالأَظْعَانِ حَادِيهَا(1)

وَانْزِل لَكَ الخَیْرُ، وَ اسْتَمْطِرْ بِهَا جَزعاً *** سَحَابَ دَمْعِكَ بِاسْمِ اللَّهِ مُجْرِيهَا؟

دَمْعُ يُذِيبُ أَدِيمَ الخَدَّ سَائِلُهُ *** وَ زَفْرَةٌ يُحْرِقُ الأَحْشَاء وَارِيها(2)

بُعْداً لِيَوْمِ النَوَى عَنْ سَاحَتِي فَلَقَدْ *** أَقْوَى مَعَالِمَ صَبْرِي مِنْ مُقَاوِيهَا(3)

سَارُوا وَ مَا خَلَّفُوا رَغْمَا عَلَيَّ سِوَى *** رَعِي النُّجُومِ لِعَيْنِي فِي دِيَاجيهَا(4)

وَ لَا عَلَى العِيسِ قَدْ شَدَّت حُمُولَهُمُ *** إِلا بِبُغْيَةِ نَفْسِي مَنْ تُسَلِّيهَا(5)

خَلَفْتُ لَمْ أَسْتَمِعُ نَدْباً لِثَاكِلَةٍ *** كَلأَ وَ لاَحُزْنِي تَرْجِيعُ نَاعِيهَا

وَ لابَكَيْتُ لِذِكْرَىٰ رَبِّعِ كَاظِمَةٍ *** وَ لاشَجَانِي مِنَ الأَظلالِ عَافِيهَا(6)

حَتَّى ذَكَرْتُ قَتِيلَ الطَّلِف فَانْبَعَثَتْ *** كَالسُّحْبِ حُمراً دُمُوعِي مِنْ أَمَاقِيها(7)

ص: 359


1- جيرة: الجيران. حاديها: حادي الابل هو سائق الابل، أو يكون أمامها فيحدوها لتلحق به.
2- واريها: نارُها أو لهيبها.
3- النوى: البعد و الفراق.
4- دياجيها: مفردها دجى و هو الظلام أو الليل المظلم.
5- العيس: النياق أو النوق وهي الجمال التي يُظعن بها.
6- الأطلال: الشاخص من الآثار. عافيها: المندرس، الممحو منها.
7- أماقيها: عيونها.

مِنْ حَوْلِهِ فِتْيَةٌ صَرْعَى كَأَنَّهُمُ *** بُدُورُتَم تَهَاوَتْ مِنْ مَعَالِيهَا

فَاعْتَضتُ بِالبِشْرِ حُزْناً وَالنَّعِيمِ شَقَاٌ *** وَ الأَهْلِ وَحْشاً وَ عَنْ دَارِي تَقَاصِيهَا(1)

فَالدَّمْعُ مَا بَيْنَ مَنظوم وَ مُنْتَشِرٍ *** وَ الرِّزْهُ يَنْشُرُ أَحْزَانِي وَ يَطْوِيهَا

وَ احَسْرَتَاهُ لِقَتْلَى الطَّفِّ قَدْ نَسَجَتْ *** عَلَيْهِمُ الرِّيحُ قُمْصاً مِنْ سَوَافِيهَا(2)

يَبُلُّ أَجْسَادَهُمْ طَلُّ الرُّبى بَدَلاً *** عَنِ الخَلِيطَيْنِ مِنْ أَدْنَى مَثَاوِيها(3)

وَ الوَحْشُ تَرْتَاعُ أَنْ تَدْنُو لِمَصْرَعِهِمْ *** كَمَا تُرَاعُ ظِبَاهَا مِنْ ضَوَارِيهَا(4)

قَدْ أَلْبِسُوا مِنْ نَجِيعِ الطَّعْنِ بُرْدَهُمُ *** قَدْ نَمَّقَتْهُ الأَعَادِي مِنْ عَوَالِيهَا(5)

وَ جُرْعُوا مِنْ حُدُودِ البِيضِ كَأسَ رَدَى *** وَ فِي المَعَادِ رَحِيقُ الخُلْدِ يَرْوِيهَا(6)

كَأَنَّ فَيْضَ دِمَاهُمْ مِنْ مَنَاحِرِهِمْ *** عَلَى البَسِيطَةِ نَشْرٌ مِنْ غَوَالِيهَا(7)

صَرْعَى عَلَى التَّرْبِ مَا أَيْدِ تُقَلِّبُهُمُ *** الأَّ يَدُ الرِّيح أَوْ أَيْدِي عَوَادِيهَا

لِلَّهِ كَمْ لَهُمُ فِي نَيْنَوَىٰ جِئَثُ *** مِنْ غَيْرِ غُسْلِ وَ لاَلَحْدٍ يُوَارِيهَا(8)

وَ كَمْ لَهُمْ فِي رُؤُوسِ السُّمْرِ وَ الهفِي *** مِنْ شَيْبَةٍ حُضْبَتْ مِنْ حُمْرِ قَانِيهَا

وَ كَمْ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ لَايَضُرُّ لَهُ *** يَشْكُو عَظِيمَ صُبَابَاتٍ يُقَاسِيهَا(9)؟

يَا قَاصِداً كَرْبَلا مَهْلاً بِنَا فَعَسَى *** تَلْقَى بِهَا البَضْعَةَ الزَّهْرا نُعَزِّيهَا

قِف سَاعَةً نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى الحُسَيْن وَمَا *** أَصَابَهُ مِنْ مُصِيبَاتِ بِوَادِيهَا

ص: 360


1- فاعتضتْ: استعضت و اتخذت هذا عوضاً على ذاك.
2- سوافيها: رملها و ترابها.
3- طَلُّ: الطَّل: النَّدى. الرُّبى: ما ارتفع من الأرض، التلال.
4- ترتاع تخاف و تضطرب و تفزع. ظِباها: جمع ظبي و هو الغزال ضواريها: السباع من الحيوانات کالأسد و النمر، مفردها ضاري.
5- نجيع النجيع من الدم: ما كان مائلاً إلى السواد. بُردهم: مفردها. بُردة: ثوب مخطط.
6- حدود البيض: الحدود مفردها حَدٌ و هو حَدَّ السيف، و البيض هي السيوف.
7- البسيط: الأرض.
8- يُواريها: يسترها يدفنها.
9- صبابات: الصبابة بضم الصاد: بقية الماء و نحوه في الاناء و الصَّبابة بفتح الصاد الشوق.

لَهْفِي لَهَا حِينَمَا جَاءَتْ لِمَصْرَعِهِ *** مَعْ حُورٍ عِيْنِ حَزِينَاتٍ تُبَاكِيهَا

قَدْ ضَمَّحَتْ جَيْبَهَا مِنْ فَيْضِ مَنْحَرِهِ *** وَ خَضَبَتْ شَيْبَهَا حُزْناً وَ كَفَّيْهَا(1)

تَقُولُ وَ الدَّمْعُ فَوْقَ الحَدْ مُنْطَلِقٌ *** وَاحَسْرَتَا لِصَرِيعِ فِي یَوَادِيها

يَرْنُو إِلَى الشَّطُ مَوْقُودَ الحَشَا ظَمَاً *** مَا بَلَّهُ مِنْ قَلِيلِ المَاءِ تُظفِيهَا(2)

وَ الوَحْشُ مُنْقَعَةُ الأحشاء تَكْرَعُ فِي *** نمِيِرها لَمْ تَخَفْ غَابَاتِ ضَارِيهَا(3)

يَا عَارِي الطَّفْ مَا حَاكَتْ لِجِثَّتِهِ *** إِلا الصَّبَا حُلَلاً مِنْ نَسْجِ دَارِيهَا(4)

أفْدِيكَ تَهْوِي طَعِيناً آه وَاحُزْنِي *** مَنْ ذَا لِطَعْنَتِكَ النَّجْلاَ يُدَاوِيها(5)

كَيْفَ الدَّوَاءُ لِمَجْرُوحِ الْحَشَاءِ وَ قَدْ *** مَضَتْ أَنَابِيبُ أَرْمَاحِ العِدًا فِيهَا

أَفْدِيكَ شِلُوا عَلَى الرَّمْضَاءِ مُنْعَفِرَاً *** قَطِيعَ رَأْسِ وَحِيداً فِي مَحَانِيهَا(6)

أفْدِيكَ ظَمْآنَ مَمْنُوعَ الوُرُودِ وَ *** لاَتُسْقَى بِغَيْرِ نَجِيعِ مِنْ مَوَاضِيهَا(7)

أَفْدِيكَ يَا طَوْدَ عِزّ بَعْدَهُ انْهَدَمَتْ *** أَطْوَادُ عِزِّي مِنْ أَعْلَا رَوَاسِيهَا

خَابَتْ ظُنُونِي وَ أَخْطا فِيكَ صَائِبُهَا *** لَمْ أَلْقَ غَيْرَ المَنَايَا مِنْ أَمَانِيهَا(8)

مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ أَلْقَاكَ مُنْجَدِلاً *** تَرُضُّ جُنَّتَكَ العُلْيَا مَدَاكِيهَا

ص: 361


1- ضَمَّحَتْ: لَطَخَتْ. جيبها: ثوبها. خَضَّبَتْ: لَوَّنَتْ.
2- يرنو: رنا إلى الشيء: أدام النظر إليه. استوقدت النار: اشتعلت. الموقد و المستوقد: موضع النار فيكون الموقود: الذي أوقدت النار فيه فصار موقوداً.
3- منقعة: مؤنث منقع: كأنه يريد انها اجتمعت في الماء واستقر قرارها حتى كسرت الغُلَّة. تكرعُ: تمدُّ عنقها و تتناول الماء بفمها من موضعه أو تخوض فيه سواء شربت أم لم تشرب فهي كأنها تعبثُ و تلعب فيه بعد أن ارتوت.
4- الصبا: ريح مهبها جهة الشرق. حُللاً: ثياباً.
5- تهوي: تسقط. طعيناً: مطعوناً. النجلاء: الواسعة الطويلة العريضة.
6- شِلُواً: جمعها اشلاء، و اشلاء الإنسان: اعضاؤه بعد البلى و التفرّق. منعفراً: مُمَرَّغاً في التراب و مُتَرَّباً، صار لونه كالعَفَر والعَفَر هو ظاهر التراب.
7- مواضيها: السيوف و الأسنة.
8- المنايا: جمع مَنيَّة و هي الموت.

لَيْتَ الجِيَادَ الَّتِي رَضَتْ سَنَابِكُهَا *** جِثْمَانَهُ عُقْرَتْ فِي الرَّكْضِ أَيْدِيهَا(1)

أَمَا دَرَتْ أَنَّهُ فِي شَأْوِ حَلْبَتِهَا *** يَوْمَ الرِّهَانِ وَ فِي الهَيْجا مُجْلِيهَا(2)

ذَابَتْ مِنَ الحُزْنِ أَحْشَائِي عَلَيْكَ وَ قَدْ *** شَابَتْ ذَوَائِبُ رَأْسِي بَعْدَ دَاجِيهَا(3)

وَ أَلْبَسَتْنِي يَدُ البَرْحَاءِ ثَوْبَ ضَنَا *** وَ جَرَّعَتْنِي كُؤوساً مِنْ مَرَازِيهَا

وَ أَظْلَمَتْ بَهْجَةُ الأَيَّامِ بَعْدَكَ يَا *** شَمْسَ المُسَرَّةِ بَدْرِي فِي لَيَالِيهَا

آهِ و مِنَ الْبَيْنِ بَعْدَ الاجْتِمَاعِ فَهَلْ *** لَنَا اجْتِمَاعٌ بِأَيَّامٍ نُقَضِّيهَا(4)؟

وَيْلاهُ مَنْ ذَا إِلَى الأَبْنَامِ يَجْمَعُهَا *** وَ مَنْ لِنسْوَتِكَ التَكْلَى يُسَلِّيهَا؟

وَ مَنْ لأَمْكَ يَا مَنْ عَزَّ نَاصِرُهُ *** عَلَى رَزِيَّتِهَا الشَّنْعَا يُعَزِّيهَا؟

وَيْلاَهُ مَا رَحِمَتُكَ القَوْمُ يَا وَلَدِي *** أَلَمْ تَكُنْ نَجْلَ دَاعِيهَا وَ سَاقِيهَا(5)؟

كَفَى بِأُمِّكَ حُزْناً حَزُّ رَأْسِكَ مِنْ *** فَفَاكَ يَا فَجْعَةٌ جَلَّتْ مَرَاثِيهَا(6)

كَفَىٰ بِهَا حُزْناً أَنْ يَتْرِكُوكَ بِلاَ *** سِتْرِ لِجُنَّتِكَ الغَرّا يُغَطِّيها

وَ لَهْفَ نَفْسِي لِزَيْنِ العَابِدِينَ لَهُ *** نَوْحٌ كَنَوْحِ الثَكَالَىٰ فِي نَوَاعِيهَا

يَطْوِي الفَلاَ كَابياً ذَا غُلَّةٍ وَ ضَنَا *** عَلَى الطَّوَى بَاكِياً لَهْفِي لِطَاوِيهَا(7)

يُنَاوِحُ الوُرْقَ شَجُوا مِنْ جَوَاهُ إِذَا *** جَنَّ الظَّلامُ عَلَيْهِ فِي فَيَافِيها

إِذَا رَنَتْهُ النِّسا حَنَّتْ عَلَيْهِ أَسَى *** يُسْرَى بِهَا حُسْراً أَسْرَى لِطَاغِيهَا

وَ رَأْسُ وَالِدِهِ مَعَ رُوس فِتْيَتِهِ *** يَجْرِي عَلَى سُمْرِهَا قَانِي تَرَاقِيهَا(8)

يَتْلُو أَمَامَهُمُ الآيَاتِ لاَعَجَباً *** مِنْ سَيْدٍ فِيهِ قَدْ أَثْنَتْ مَثَانِيهَا

ص: 362


1- الجياد: الخيل. جثمانَهُ: جسمه. عُقرت: قيدت أو حبست أو ربطت.
2- الهيجاء: الحرب.
3- داجيها: سودها.
4- البين: الفراق.
5- نجل: ابن ولد.
6- جَلَّتْ: عَظُمَتْ.
7- غُلَّة: عطش، ظمأ.
8- سمرها: رماحها.

يَا نَكْبَةً عِنْدَهَا الزَّهْرَا قَدِ انْتُكِبَتْ *** وَ هُدِّمَتْ مِنْ ذُرَى التَّقْوَى سَوَامِيهَا(1)

يُمْسِي الحُسَيْنُ غَرِيبَ الدَّارِ مُنْعَفِراً *** وَ تَعْلُو حَرْبٌ عَلَى أَعْلاَ مَبَانِيهَا

وَآلُ أَحْمَد[...] الخِدْرُ سَافِرَةٌ *** وُجُوهُهَا نَادِبَاتٌ فِي صَحَارِيهَا

وَآلُ سُفْيَانَ مَضْرُوبٌ أَكِلَّتُهَا *** تُنَاطُ سِتراً عَلَيْهَا فِي مَغَانِيهَا

يَا أُمَّةً فَسَقَتْ فِي دِينِهَا فَسَقَتْ *** آلَ الرَّسُولِ كُؤوساً مِنْ دَوَاهِيهَا(2)

يَا وَيْلَهَا كَفَرَتْ فِي دِينِهَا قَعرت *** أَعْنَاقَ آل رَسُولِ اللَّهِ هَادِيهَا

دَارَتْ عَلَيْهِمْ وَ مَا دَارَتْ وَمَا رَقَبَتْ *** إِلا وَ لَاذِمَّةٌ فِي جَنْبِ وَالِيهَا(3)

فِي كُلِّ يَوْمٍ ذَبِيحٌ مِنْ مَوَاضِيهَا *** لِلآلِ أَوْ بِنَقيع السُّمِ تُرْدِيها

أَلَمْ يَكُونُوا ذَوِي القُرْبَى أَمَا نَزَلَتْ *** فِي وُدِّهِمْ آيَةٌ مِنْ عِنْدِ بَارِيهَا؟

وَ هَلْ أَتَى «هَلْ أَتَى» فِي غَيْرِ فَضْلِهِمُ *** أَلَمْ تَكُنْ آيَةُ النَّظهير تَكْفِيهَا

مَتَى نَرَى بَهْجَةً يَجْلى بِطَلْعَتِهَا *** عَنْ غُرَّةِ الحَقِّ جَهْراً جَوْرَ مُخْفِيهَا

قُمْ وَامْلاً الأَرْضَ عَدْلاً مِثْلَ مَا مُلِئَتْ *** جَوْراً فَإِنَّكَ هَادِيهَا وَحَامِيهَا

يَا آلَ أَحْمَدَ يَا مَنْ دَوْحُ حُبِّهِمُ *** وَ فَضْلِهِمْ أَثْمَرَتْ عَفْواً لِجَانِيهَا

إلى أن يقول:

(أَيْنَ الشَّفِيقُ عَلَى الزَّهْرَا يُوَاسِيهَا؟) *** قُومُوا إِلَى فَاطِم الزَّهْرَا نُبَاكِيهَا

سَلْ جِيرَةَ الدَّارِ عَنْهَا فَهْيَ عَالِمَةٌ *** بِهَا فَقَدْ طوقت مِنْ جُودِ أَهْلِيهَا(4)

ص: 363


1- دری: ذروة و ذروة الشيء: أعلاه و أسماه.
2- فَسَقَتْ الأولى خرجت عن دينها. و الفاء من أصل الكلمة. فَسَقَتُ الثانية سَقَتْ أروث و الفاء حرف عطف ليست من أصل الكلمة.
3- إلا: عهداً.
4- موسوعة شعراء البحرين ج1 ص304.

(5)كاشف الكرب

(بحر الخفيف)

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني

(الملقب بالتاجر)(*)(1)

أيُّ رُزْءٍ شَجَا الرَّسُولَ النَّبِيا *** وَ البَتُولَ العَذْرَا وَ أَبْكَى الزِّكِيَّا(2)

وَ لَزِنْدُ الأحْزانِ فِيهِ حُسَيْنٌ *** قَدَحَ الكَائِنَاتِ نَعْياً شَجِيّا(3)

يَوْمَ جبْرِيلُ في المَلائِكِ نَادَى *** في السَّمَا نَاعِياً إِلَيْهِمْ عَلِيًّا

يَوْمَ فِيهِ ابن ملجم لِقَطَامٍ *** غَالَ بِالسَّيْفِ في السُّجُودِ الوَصِيَّا(4)

كَمْ حَبَاهُ وَ كَمْ كَسَاهُ وَ رَبَّاًهُ *** وَ أَدْنَاهُ حَيْثُ كَانَ قَصِيَّا

لَمْ يَزِدْ في العُتُل إلاعُتُوَّاً *** وَ نُفُوراً مِنْهُ وَ كَانَ شَقِيّا(5)

لَوْ تَرَاهُ وَ اللَّيْلُ دَاجٍ يُنَاجِي *** وَسْطَ مِحْرَابِهِ الفَخيم العَليَّا(6)

ص: 364


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الرزء و الرزيّة: المصيبة أو الداهية.
3- نعياً: نعى إلينا فلاناً: أخبرنا بوفاته.
4- في «المناقب»، ج3 ص311: «... ثم تفرقوا فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلاً من أهل التيم تيم الرباب عند قطام التميمية، و كان أميرالمؤمنين علیه السلام قتل أباها الأخضر و أخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها ابن ملجم و خطبها فأجابته بمهر... فقبل ابن ملجم ذلك قالت و يحك من يقدر على قتل علي و هو فارس الفرسان و مغالب الأقران و السباق إلى الطعان، و أما المالية فلابأس علي منها قال: أقبل...».
5- العُتلَ: الجاني الغليظ. في «المناقب» ج3 ص309: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا علي علیه السلام أشقى الأولين عاقر الناقة و أشقى الآخرين قاتلك».
6- في «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج13 ص200: «... و أما العبادة فكان أعبد الناس، و أكثرهم صلاة و صوماً، و منه تعلم الناس صلاة الليل، و ملازمة الأوراد و قيام النافلة و ما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطيع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ، ورده و السهام تقع بين يديه و تمر على صماخيه يميناً و شمالاً فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته. وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده، و أنت إذا تأملت دعواته ومناجاته و وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه و إجلاله وما يتضمنه من الخضوع لهيبته، و الخشوع لعزّته و الاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص و فهمت من أي قلب خرجت، و على علیه السلام أي لسان جرت. و قيل لعلي بن الحسين علیه السلام و كان الغاية في العبادة: أين عبادتك من عبادة جدك قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم».

قُلْتُ مُوسَى بِطُورِ سِينَا لَهُ اللَّهُ *** تَجَلَّى فَخَرَّ يَدْعُو نَجِيَّا

يَغْسِل الأرْضَ بِالدُّمُوع خُشُوعاً *** لَوْسَقَتْ مَيْتَ زَرْعِهَا قَامَ حَيًّا(1)

يُلْبِسُ اللَّيْلَ خِلعَةٌ مِنْ سَنَاهُ *** فَيُجِيلُ الظَّلامَ صُبْحاً مُضِيَّا

وَ المُرَادِي فِيْهِ يَخْتَلِسُ *** الخِيلَةَ إِذْ ذَاكَ بُكْرَةً وَ عَشِيا

خَضَّبَ الشَّيْبَ مِنْهُ في عِشْقٍ رود *** أَرْشَفَتْهُ رُضَابَهَا السُّكَرِيَّا(2)

فَغَشَى الخَطْبُ أَرْضَ كُوفَانَ حَتَّى *** زَلْزَلَ الحَيْرَةَ الأَسَى وَالغَرِيَّا

فَارَ تَنُّورُ نَوْحِهَا بِزَفِيْرٍ *** فَاضَ فِيهِ طَوْفَانُ نُوحٍ دَوِيّا

ص: 365


1- في «المناقب» ج2 ص103 ط مؤسسة انتشارات علامة -قم. «قال معاوية لضرار بن ضمرة صف لي علياً علیه السلام قال كان واللَّه صوّاماً بالنهار، قوّاماً بالليل، يحبّ من اللباس أخشنه و من الطعام ،أجشبه و كان يجلس فينا و يبتدىء إذا سكتنا، و يجيب إذا سألنا، يقسم بالسوية و يعدل في الرعية لا يخاف الضعيف من جوره و لايطمع القوي في ميله والله لقد رأيته ليلة من الليالي و قد أسدل الظلام سدوله، و غارت نجومه وهو يتململ في المحراب تململ السليم و يبكي بكاء الحزين، و لقد رأيته مسيلاً للدموع على خده قابضاً على لحيته يخاطب دنياه فيقول: يا دنيا أبي تشوقت ولي تعرضت؟ لاحان حينك، فقد أبنتك ثلاثاً، لارجعة لي فيك، فعيشك قصير و خطرك يسير آه من قلة الزاد و بعد السفر ووحشة الطريق».
2- رود: الإرادة المشيئة. رضابها الرضاب لعاب العسل. ذكر في كشف الغمة ج2 ص53 ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «... إني سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الصادق المصدق يقول: إنك ستضرب ضربة ههنا و أشار إلى صدغيه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك و يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود...».

وَ لأَهْلِ السّماءِ قَامَ عَزَاءٌ *** وَ دَّعَرْشُ الإلهِ فِيهِ الهُوِيَّا

غِيلَ شَهْرُ الصَّيَام في خَيْرِ مَنْ صَامَ *** وَ صَلَّی بِهِ وَ نَاجَى مَلِیَّا(1)

فَخَلاً مِنْبَرٌ حَلاً فِيهِ بِالوَعْظِ *** وَ أَضْحَى بِالعُطْلِ يُكسَى حُليًّا

وَ نَعَاهُ المَيْمُونُ وَ الدَّرْعُ وَ السَّيْفُ *** وَلَدْنٌ بالبأسِ طَالَ الثُّريِّا

وَ اسْتَعدَّتْ لِلثُّكْلِ عَلْيَا قُصَيِّ *** مُذْ عَلاهَا قَدْ كانَ فِيهِ قَصِيّا

غَلَبَ الحزنَ غَالِباً حَيْثُ فِيهِ *** فَقَدَتْ حَبْلَها المتِينَ القَوِيَّا

جدعَتْ فِيهِ أَنْفَ فِهْرِ بِغَيِّ *** قَتَلَتْ هاشماً وَ أَحْبَتْ أُمَيَّا(2)

فَغَدَتْ تَلْطِمْ الوجُوهَ لُؤَيّ *** وَ لَوَتْ جِيدَهَا تَنِخُ بُكِیًّا

وَ أَنَا خَتْ عَلَى نِزَارِ شُجُونٌ *** لَفَعَتْ بِالدَّمُوع مِنْها المُحَيَّا(3)

يَا سَمَاءً مَا طَاوَلَتْهَا سَمَاءٌ *** كَيْفَ طَالَ الشَّقِيُّ مِنْكِ الثَّرَيَّا

عَجَباً كَيْفَ شُقَّ مِنْكَ جَبِيناً *** وَ لَكَ السَّيْفُ كَانَ خِلاً و فِيّا

كَيْفَ لَمْ تَنْكَفِي عَلَيْهِ سَمَا *** بَاسِكَ سُخطاً فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ شَيَّا

جَفْنُ كَعْبٍ قَدْ كَانَ يَبْخَلُ بالدِّمْعِ *** فَلَمّا فُقِدْتَ صَارَ سَخِيًّا

كَادَتِ الأَرْضُ أَنْ تَميدَ بِمَنْ فِيها *** وَ تُطْوَى السَّمَا لِرُزُئِكَ طَیًا

يَابْنَ شَيْخ البَطْحَا وَمَنْ كَانْ فينا *** الفَارِسَ الشَّهْمَ وَ الفَتَى العَبْقَرِيَّا

كُنتَ بَاباً إلى مَدِينَةٍ عِلمٍ *** المُصْطَفَى وَ المُهَذبَ المَوْذَعِيّا(4)

ص: 366


1- غيل: أُخِذ غدراً.
2- جدعت: قطعت.
3- لفعت: غَطّت أو دثّرت.
4- اللوذعيا: الذكي الفطن. وورد في أمالي الطوسي ص308: «عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم آخذاً بيد علي بن أبي طالب علیه السلام و هو يقول: هذا أمير البررة و قاتل الفجرة منصور من نصره، مخذول من خذله، ثم رفع بها صوته: أنا مدينة الحكمة و علي علیه السلام بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب. انظر بحار الأنوار ج4 ص401.

وَ بِكَ اللَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ آدَمَ *** و اخْتَارَهُ إِلَيْهِ صَفِيّا

وَ عَلَا فِيكَ شَانُ ادْرِيسَ حَتَّى *** نَالَ مِنْ رَبِّهِ مَكَانَاً عَلِيًّا

وَ ابْنُ مَتَى لَوْلاَكَ بَاتَ بِبَطْنِ *** الحوتِ لِلْحَشْرِ دَائِماً سَرْمَدِيَّا(1)

وَ خَلِيلُ الرَّحْمَن لَوْلاكَ مَا *** كَانَتْ عَلَيْهِ النيرانُ بَرْداً دَفِيّا

وَ لِيَعْقوب يُوْسُفَ حُزْتُهُ وَفْقَ *** بُكَا أَحْمَدٍ عَلَى ابْنِكَ حَيّا

وَ بِيَحْيَى جِبْرِيلُ بَشْرَ قُدْماً *** حَيْثُ وَ الاَكَ شَيْخُهُ زَكَرِيَّا

وَ بِكَ الرّوحُ بِكْرُ مَرْيَمَ يَدْعُو *** فَإِذَا الطَّينُ صَارَ خَلقاً سَويّا

طِبْتَ في السّاجِدِينَ حَلْياً وَ رَحْماً *** فَعَلَيْكَ السّلامُ مَيْتاً وَ حَيَّا

كَيْفَ تُرْوَى مِنَ الخِلافَةِ يَا مَنْ *** كَانَ لِلْمُصْطَفَى أَخَاً وَ وَصِيَّا

فِيكَ قَدْ شُدَّ أَزْرُ أَحْمَدَ حَتَّى *** شِدْتَ مِنْ دِينِهِ بِنَاءٌ عَلِيًّا

وَ عَجِيباً تُقَادُ يَا قَائِدَ الغُرِّ *** بِحَبْلٍ وَ كُنتَ لَيْئاً جَرِيَّا

مَا خَلاَ مِنْكَ مِنْبَرُ الحَرْبِ يَوْماً *** وَ أَرَى مِنْبَرُ النَّبِيِّ خَلِيَّا

أَدَرَوْا في عُدُو لَهُمْ عَنْكَ أنْ قَدْ *** قَلدُوا عَهْدَ أَحْمَدَ السَّامِرِيَّا

بِكَ بَاهَى الإلهُ في الحُجْبِ أَمْلاَ *** كاً وَ سَماك في السِّماءِ إليَّا

لَكَ عِلْمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ *** وَ مَزَايَا تَفُوقُ بِالنُدْرِيَّا

وَ مَعَانٍ تَجِلُّ في الحُسْنِ مِنْ أنْ *** يُدْرِكَ العَقْلُ كُنْهَها المَعْنَويَّا

أيْنَ يَا نَدْبُ رَاحَ عَنْكَ إِيَاءٌ *** فِيكَ قَدْ شَخَصَ الإِبَا الهَا شِمِيَّا

حين بالنّارِ حِيطَ مَنْزِلُكَ السَّامِي *** وَ لَاحِطْتَ بِالْعَذَابِ عَدِيَّا

وَلَدى البَابِ فَاطِماً أَسْقَطُوهَا *** مُحْسِناً فَاشْتَكَتْ وَ نَادَتْ إِليَّا

يَابْنَ عَمِّي يَا كَاشِفَ الكَرْبِ *** أَدْرِكْنِي وَ أَظْهِرْ مِنَ العَجَائِبِ شَيَّا

لَمْ تُغِتْهَا مِمَّا دَهَاهَا بِهِ قُنْفُذُ *** اذْكُنْتَ أنْتَ ذَاكَ الأبِيَّا(2)

ص: 367


1- سرمديا: دائماً.
2- رياض المدح و الرثاء ص307.

(7) لاتنس بضعة أحمد

(مجزوء الكامل)

الشيخ سلمان المحسني الفلاحى(*)(1)

اللَّهُ ما فَعَلَتْ أُمَيَّهْ *** بِبَنِي المُطَهَّرَةِ الزَّكِيَّهْ(2)

لَمْ يَرْحَمُوا يُتْمَ اليَتيمِ *** وَ لَمْ يَرِقُوا لِلصَّبِيَّهْ

ص: 368


1- (*)هو الشيخ سلمان ابن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد المحسني الفلاحي. ولد في الفلاحية من بلاد خوزستان ليلة العاشر من المحرم سنة (1281 ه-) و فيها نشأ و تربى تحت رعاية والده الحجة الشيخ محمد المحسني الذي كان من العلماء في الفلاحية. درس المترجم له في الفلاحية على أعلامها المقدمات للعلوم الحوزوية مثل شرح اللمعة الدمشقية في الفقه ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته فحضر فيها على عدد من العلماء المحققين و الفقهاء المجتهدين منهم العلامة الحجة الشيخ محمد طه نجف الذي كان أكثر حضوره عليه حتى أصبح ممن يشار إليه بالفضل و العلم و المعرفة في الحوزة العلمية في النجف و له الإجازة بالرواية من قبل العلامة الشيخ محمد حرز الدين صاحب كتاب (معارف الرجال). و الشيء الذي يذكر عن المترجم له أنه ملك مكتبة كبيرة جامعة فيها الشيء الكثير من الكتب المخطوطة الجليلة، و لم يبق اليوم من هذه الكتب إلا الشيء اليسير عند بعض أرحامه في الفلاحية، و مما يذكر عنه أنه كانت تأتي إليه الأموال فيصرفها على الفقراء و المساكين و كان مأواه و مقره بيتاً من قصب لم يبن له داراً حتى من الطين زهداً في هذه الدنيا. و هو فقيه و مجتهد و أديب و شاعر. وافاه الأجل في الفلاحية في 15 جمادى الأول سنة (1341 ه-) فعطلت لوفاته الأسواق و شيّع بحفاوة و تبجيل و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن بوادي السلام.
2- في كتاب البحار ج43 ص16-19: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً.

يا لَلْحَمِيَّةِ لِلنَّبِيْ *** وَآلِهِ يالَلْحَمِيَّهْ

راحَتْ حرائِرُهُمْ *** سَبايا لِلدَّعِيِّ ابْنِ الدَّعِيَّهْ

وَ جُسُومُهُمْ صَرْعى *** تُناهِبُها السُّيوفُ المَشْرَفِيّهْ(1)

ما بالُ أَرْؤُسِهَا تُدارُ *** عَلَى القَنا بَيْنَ البَرِيّهْ

ماتت عُطاشى لأحشاً *** بَرَدَتْ و لاكَبْدٌ نَدِيَّهْ

يا غُلَّةَ القَلْبِ الضَّرُومِ *** وَ حَرَّةَ النَّفْسِ الشَّجيّهْ(2)

باللَّهِ أُقْسِمُ وَالنَّبِيِّ *** وَ لَيْسَ بَعْ وَلَيْسَ بَعْدَهُمُ اليَّهْ

ما شاعَ في الأرض الفسادُ *** و أَظْهَرَ المَغْويُّ غَیَّهْ

إلا الألَى قَصَدُوا الوَصِيَّ *** وَ نَازَعُوهُ في الوَصِيَّهْ

لاتَنْسَ بَضْعَةَ أَحْمَدٍ *** وَ اذْكُرْ مُصِيبَتَها الجَلِيَّهْ(3)

إِذْ أَقْبَلَتْ تَمْشِي *** تَحُفُّ بها نِسَاءٌ هَاشِمِيَّهْ

اللَّهُ بْنَ الله يا بن أبي قحافَةَ *** كَمْ حَمَلْتَ لنا الأذيهْ

يَوْمَ السَّقِيفَةِ مَاخَلَقْتَ *** عَلَى الوَرى إلا بَليّهْ

ما كانَ أذهى مِنْكَ يَوْمَ *** مُحَرَّم في الغاضريهْ

كمْ لَيْلَةٌ باتَتْ وَ لَيْسَ سِوي *** الحَنِینِ لَهَا عَشِيَّهْ

(حتى إِذا ماتتْ وَ مَا *** ماتَتْ مكارِمُها السَّنِيَّة)

(ماتَتْ وَ بَيْنَ ضُلوعِها *** آثارُ ضَرْبِ الأَصْبَحِيَّهْ)(4)

ص: 369


1- السيوف المشرفية: السيوف المنسوبة إلى مشارف الشام و هي قرية من أرض العرب تدنو من الريف.
2- غُلّة: شدّة العطش، الضروم: كثير الاشتعال.
3- في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص40 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.
4- الأصبحية: الخيل الأصبحية هي التي بين عينيها صبحة أي شعر أسود يشوبه بياض و جاء في كتاب سليم بن قيس ص40. و كان قنفذ لعنه اللَّه حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه وبينهم- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة.

(اللَّهُ ما قاسَتْ بِهِ *** كَبِدُ البَتُولِةِ مِنْ سُمَيَّهْ)(1)

ص: 370


1- معجم شعراء الحسين (مخطوط) و الأبيات الثلاثة الأخيرة مقتبسة من قصيدة أخرى. راجع كتاب أعلام هجر ج1 لهاشم محمد الشخص ص359.

(7) فاطمة علیها السلام في الدار

(بحر البسيط)

الأستاذ عادل الكاظمي(*)(1)

وَقَوْلَةٍ لِ- (عَليَّ) قالَها (عُمَرُ) *** ما نَحْنُ فيه بقايا مِنْ مَآسيها(2)

(حَرَقْتُ دارَكَ لا أَبْقي عَلَيْكَ بِها *** إِنْ لَمْ تُبايِعُ وَ بِنْتُ المُصطفى فيها)

يَوْماً أَتى دارَ وَحْيِ اللَّهِ مُنْتَفِضاً *** بِالنَّارِ يُوعِدُها حَرْقاً يُمَحْيها

قالوا لَهُ: (فاطم) في الدّارِ قال: (وَإِنْ) *** بِغِلْظَةٍ أَعْجَزَتْ حَتَّى مُداريها(3)

فَقَوْلَةٌ أَفْصَحَتْ عَنْ دِينِ صاحِبِها *** هَلْ كَانَ بِالحَقِّ أَمْ بِالظُّلْم مُلْقيها؟

وَ قُلْ لِمَنْ عَدَّ هذا القَوْلَ مَكْرُمَةً *** لِلْمَكْرُماتِ بِسَهُم الإِفْكِ تَرْميها(4)

سائِلْ (أباحَفْصَ) هَلْ كَانَتْ مَقولَتُهُ *** وَفْقَ الشَّرِيعَةِ؟ أَمْ حُكْماً تُنا فيها؟

أفي الكِتاب؟ وَذا القُرْآنُ شاهِدَةٌ *** آيَاتُهُ أَنَّهَا لِلْكُفْرِ تُنْميها

أمْ سُنَّةُ المَصْطَفَى جاءَتْ بِها وَ لَهُ *** عِلْمٌ بِأَسْرارِها فَانْصاعَ يُحْيِيها

ص: 371


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الأبيات تشير إلى أن ما حل ببضعة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم، و ما لاقت من محن كانت السبب المباشر في سلب حياتها كما سلبت حقوقها والتي من أجلها قامت قيامة عمر فدعا ببعض حرس الحكومة الجديدة والذين يستمدون غلظتهم من غلظة سيدهم التي لطغيانها أصبحت المعلم البارز من معالم خلقه وسيرته الذاتية و جاء هذا الجمع و على رأسهم عمر يحملون الحطب ليحرقوا بيت فاطمة علیها السلام على من فيه حتى أن الناس المتجمهرين ضجّوا لهذا الأسلوب فقالوا له : إن في البيت فاطمة علیها السلام قال: وإن.
3- انظر الإمامة والسياسة 13/1، العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي259/4-260، طبعة لجنة النشر و التأليف بمصر.
4- الإفك: الكذب.

إِنَّ الَّذي يَهْتِكُ (الزَّهْراءَ) حُرْمَتَها *** ما كانَ يَوْماً لأي الذِّكْرِ تاليها

أَلَيْسَ قَوْلُ رَسولِ اللَّهِ: فاطِمَةٌ *** بَقيَّتي فيكُمُ بِالفَضْلِ يُضفيها؟

وَ (فاطِمٌ) بَضْعَةٌ مِنّي فَيُؤْلِمُني *** ما كانَ يُؤْلِمُها يا بِئْسَ مُؤْذِيها(1)

يا لَهْفَ (فاطِمَ) خَلْفَ البابِ إِذْ وَقَفَتْ *** تَدْعو أَباها عَسَى يَأْتِي فَيَحْمِيها

لَمْ يَبْلُ جِسْمُكَ وَالأحْكامُ قَدْ بُلِيَتْ *** وَ السّامِرِي بِحُكم الجَوْرِ ماحِيها

(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْباءُ وَ هَنْبَئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَها) هانَتْ دَواهيها(2)

قتْلُ الجَنينِ وَ كَسْرُ الضّلعِ أَعْظَمُها؟ *** أَمْ غَصْبُ حَقّي وَ أَهوالٌ الاقيها؟

يا بابَ (فاطِمَ) ما لاقيْتَ مِنْ مِحَنٍ *** تُشْجِي الكرامَ وَ ما زالَتْ تُقاسِيها(3)

ص: 372


1- انظر صحيح البخاري 302/2 باب المناقب.
2- هنبثة: أمر شديد أو اختلاط في القول -دواهيها: الدواهي جمع الداهية و هي المصيبة أو الأمر العظيم أو الأمر المنكر.
3- أخذت هذه الأبيات من قصيدة قالها في الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و هي من ألف و دوّنها في كتاب سماه ألف بيت في وليد الكعبة).

(8) كفاني أسى

(بحر الطويل)

السيد عباس المدرسي(*)(1)

كَفَّائِي أَسْى لاتُوقِظَنَّ جِرَاحِيَا *** وَدَعْ وَجْدَ قَلْبِي فِي مَطاوِيهِ ثَاوِيَا(2)

أرَى الْحَقِّ يَهْدِي إِنْ مَلَكْتَ بَصِيرَةً *** وَ لَيْسَ لأَعْمَى الفِكْرِ وَ القَلْبِ هَادِيَا

هُوَ العَقْلُ يَهْدِي مَنْ يَرُومُ هِدَايَةً *** وَ مَنْ رَامَ مَهْوَاةَ الضَّلَالِ المَهَاوِيَا(3)

إِذَا أَنْتَ أَنْكَرْتَ الصَّبَاحَ وَضَوْءَهُ *** فَحَظُكَ قَدْ أَنْكَرْتَ لاالصُّبْحَ صَاحِيَا

فَلاَالشَّمْسُ يَخْبُو نُورُهَا لِمُعَانِدٍ *** وَ لَااللَّيْلُ يَهْدِي لِلطَّرِيقَةِ سَارِيا(4)

وَ مَا النَّجْمُ فِي جوّ السَّمَاءِ يُضِيرُهَا *** عَلَى الأَرْضِ أَعْمَى يُنْكِرُ النَّجْمَ ضَاوِيَا

بَصَائِرُ فَافْتَحْ فِي الضَّمِيرِ شُعَاعَهَا *** تَرَى الدَّهْرَ دَوَّاراً عَلَى الغَدْرِ طَاوِيَا

عَلَى خَاطِرِي ذِكْرَىٰ وَفِي الْقَلْبِ لَوْعَةٌ *** يُصَعْدُ مِنْ جَمْرِ المَصَائِبِ آهيا

دَعِ العَيْنَ تَسْقِي الْجُرْحَ فَالْقَلْبُ لاَهِبٌ *** ضَرَاماً وَدَعْ فِي النَّائِبَاتِ سُؤَالِيَا(5)

غَدَاةَ بِدَارِ الوَحْيِ أَلْقَتْ رِحَالَهَا *** فَوَافِلُ حُزْنٍ مُنْقَلَاتٌ مَآسِیَا

وَسَلْ قِصَّةَ الغَدْرِ القَدِيمِ سَقِيفَةً *** فَثَمَّةَ عَادتْ دَوْرَةُ الشِّرْكِ ثَانِيا(6)

ص: 373


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- ثاوياً: مقيماً.
3- رام: قصد -مهوى: مسقط.
4- يخبو: يخمد و يطفأ.
5- النائبات: النوازل المصائب، الحوادث.
6- وردت الكثير من الروايات عن السقيفة و ما جرى فيها فلا نعيد.

وَسَلْ عَنْ أَرَاكَ هَاطِلاَتٍ دُمُوعِهَا *** وَ عَنْ قَدَكِ سَلْ قَهْرَهَا وَ الخَوَافِيَا(1)

وَ عَنْ بَيْتِ أَحْزَانِ المَدِينَةِ حُزْنَهَا *** وَ دَمْعِ جَرَى فِيهَا وَ لَازَالَ جَارِيَا(2)

وَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ مُرَّ أَنِينِهَا *** وَ عَنْ طُولِ شَكْوَاهَا المَرِيرِ اللَّيَالِيَا(3)

وَ عَرِّجُ عَلَى بَيْتِ الْبَتُولَةِ فَاطِمٍ *** فَإِنَّ أَنِينَ الدَّارِ يَكْفِيكَ هَادِيَا

تَئِنُّ وَ قَدْ هَدَّ الفِرَاقُ قَرَارَهَا *** وَ ذَوَّبَهَا جِلْداً عَلَى العَظم ذَاوِيَا(4)

إِلْهِيَ ! قَدْ هَدَّ الأَسَى قَلْبَ فَاطِمٍ *** وَ لَمْ يُبْقِ إِلا الوَجْدَ وَ الحُزْنَ وَارِيَا

ص: 374


1- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص633 ح26. «قال الإمام الصادق علیه السلام للمفضل بن عمر لمّا بويع أبوبكر أشار عليه عمر أ« یمنع علیاً علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام الخمس والفيء وفدكاً فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوه و أقبلوا إليك رغبة في الدنيا فصرفهم أبوبكر عن جميع ما هو لهم...».
2- في «بحار الأنوار» ج43 ص177 ضمن ح15: «... فقالت: يا أباالحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم، و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدَّمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها...».
3- في «بحار الأنوار» ج43 ص175 ضمن ح15. «والأبيات التي تلته». «...ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لاتبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المئذنة فقصرت خطاها ودام نحيبها و بكاها إلى أن أغمي عليها... فلما أفاقت من غشيتها قامت و هي تقول: رفعت قوَّتي و خانني جلدي و شمت بي عدوي و الكمد قاتلي، يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة وحيرانة فريدة فقد انخمد صوتي، و انقطع ظهري، و تنغص عيشي، و تكدر دهري، فما أجد يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بعدك أنيساً لوحشتي و لارادّاً لدمعتي و لامعيناً لضعفي فقد فُني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محل ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم الأسباب، و تغلقت دوني الأبواب. يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم انقطعت بك الدنيا، بأنوارها و زوت زهرتها، و كانت ببهجتك زاهرة فقد اسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها، يا أبتاه لازلت آسفة عليك إلى التلاقِ... رُميتُ يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بالخطب الجليل و لم تكن الرزية بالقليل و طرقت يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بالمصاب العظيم...».
4- ذاوياً: ذابلاً و قد نشف ماؤه.

فَوَا وَحْشَةَ الأَيَّامِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ! *** وَوَا ذِلَّةَ الأَيَّامِ مِمَّا دَهَانِيَا

رَمَتْنِي مُصِيبَاتُ الزَّمَانِ لَوْ أَنَّهَا *** رَمَتْ وَضَحَ الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا(1)

إلهِي وَ قَدْ عِفْتُ الحَيَاةَ وَ أَهْلَهَا *** فَعَجُلْ وَ قَاتِي لاأُرِيدُ حَياتِيَا

وَ مَا طَالَ مِنْ بَعْدِ الحَبِيبِ فِرَاقُهَا *** وَ سُرْعَانَ مَا كَانَ الفِرَاقُ تَلاَقِيَا

عَلَى الجَمْرِ أَتْلُو ذِكْرَيَاتِ بَلَائِهَا *** تَمُرُّ عَلَى قَلْبِي فَأَنْسَى بَلائِيَا

غَداةَ عَلَى دَارِ البَتُولةِ جَمَّعَا *** جُمُوعاً مِنَ الغَوْغَاءِ ضَلَّتْ مَرَامِيَا(2)

عَلَىٰ بَابِ دَارٍ كَانَ لِلْوَحْيِ وَالهُدَى *** مَنَاراً وَ مِيعَاداً وَ لِلدين رَاعيَا

فَجَاءَتْ وَقَدْ مَضَّ المُصَابُ فُؤَادَهَا *** تُنَادِي بِهِ مَا لِلْعَتِيقِ وَ مَالِيَا(3)

وَ يَا وَيْلَكُمْ فِي الدَّارِ أَحْفَادُ أَحْمَدٍ *** أَبِالنَّارِ جِئْتُمْ تُحْرِقُونَ صِغَارِيَا(4)

أَبَوْا وَأصَرُّوا فِي العِنَادِ وَأَضْرَمُوا *** عَلَى البَابِ أَحْطَابَ الصَّغَائِنِ ضَارِيَا

فَدَارَتْ إِلَى جَنبِ الجِدارِ وَلَمْ يَكُنْ *** سِوَى البَابِ يَحْمِيهَا الهُجُومَ المُعَادِيَا

ص: 375


1- في كتاب «مقتل الحسين علیه السلام» للخوارزمي ج1 ص80 ط/ مكتبة المفيد -قم . «... و لما دفن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم رجعت فاطمة علیها السلام إلى بيتها و اجتمع إليها نساؤها فقالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون انقطع عنّا واللّه خير السماء... و وقفت على قبره فقالت: ما ضرَ من قد شمَّ تربة أحمد *** أن لايشم مدى الزمان غواليا صبت عليّ مصائب لو أنها *** صبت على الأيام صِرْنَ لياليا انظر: «إحقاق الحق» ج10 ص431.
2- الغوغاء: الكثير المختلط من الناس، السفلة من الناس و المتسرعين إلى الشر. و جاء في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص571 ح24 نقلاً عن كتاب علم اليقين في «أصول الدين»: «... ثم إنّ عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه...».
3- مضَّ: آلم و أوجع.
4- في «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج4 ص260/ ط دار الكتاب العربي -بيروت (1983م). «... فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...». انظر: بحار الأنوار ج28 ص339 ضمن ح59.

وَ لَجُوا بِهِ دَهْساً وَ قَدْ هَدَّهُ اللَّظى *** وَرُدَّ عَلَى أَضْلاعِهَا البَابُ دَاوِيَا

فَوَيْلِي لِبنْتِ المُصْطَفَى حِينَ حُوصِرَتْ *** تُنَادِي أَبَاهَا وَ الوَصِيَّ المُحَامِيَا

أَكَانَ عَلَى مَرْأَى الإِمَام وَ مَسْمَعِ *** غَدَاةَ أَصَابُوا ضِلْعَهَا؟ لَسْتُ دَارِيَا؟

سَلِ البَابَ وَ المِسْمَارَ ثَمَّةً مَا جَرَى *** تَفَاصِيلُ آلام البتولةِ وَافِيَا(1)

هَوَتْ وَ هَوَى وَرْدٌ تَكَسَّرَ غُصْنُهُ *** عَزِيزاً عَلَى بَيْتِ النُّبُوَّةِ غَالِيَا

وَدَارُوا عَلَى لَيْثِ العَرِينِ بِدَارِهِ *** وَ بِالحَبْلِ قَادُوا سَيْدَ القَوْمِ نَاثِيَا

يَصِيحُ أَلا وَاجَعْفَرَاهُ وَلاَ أَخٌ *** وَ يَدْعُو أَلاَ وَاحَمْزَتَاهُ مُحَامِيَا

وَ تَسْأَلُنِي عَنْ فَاطِمِ وَمُصَابِهَا *** تَفَاصِيلِ مَاسَاةٍ تَوَالَتْ مَآسِيَا

فَسَلْ لَيْلَةٌ تُخْفِي الجُرُوحَ بِمَتْنِهَا *** وَ نَعْشاً عَلَى كَفَّ الأَحِبَّةِ عَالِيَا

وَسَلَّ عَنْ يَتَامَىٰ فَاطِمٍ عُمْرَ فَاطِمٍ *** وَ عَنْ حَسَنٍ سَلْ وَالحُسَيْنِ المَرَاثِيَا

وَ عَنْ قَاهِرِ الأَحْزَابِ فَائِحِ خَيْبَرٍ *** إِذِ انْهَدَّ وَهُوَ الشَّامِحُ الطَّوْدِ باكيَا

يَقُولُ أَيَا مَاضُونَ بِالنَّعْشِ مُهْلَةً *** فَمَا بَعْدَ هَذَا اليَوْمِ أَرْجُو تَلاَقِيَا

دَعُوهَا يُوَدِّعْهَا اليَتَامَى فَإِنَّهَا *** مَضَتْ لَمْ تُوَدِّعْ -حِينَ غَابَتْ- صِغَارِيَا

وَ يَا نَعْشُ رِفقاً بالعَزِيزَةِ إِنَّهَا *** مُجَرَّحَةٌ لاتُخْدِسُ الجُرحَ ثَانِيَا

ألا آخرَ اللَّهُ الوَصِيَّ .. وَكَفَّهُ *** تَدُرُّ إِلَى عُمقِ التُّرَابِ الأَمَانِيا

رَنَا نَحْوَ قَبْرِ المُصْطَفَى وَ دُمُوعُهُ *** تُشاطِرُهُ أَحْزَانَهُ وَ التَّعَازِيا(2)

ص: 376


1- جاء في «مؤتمر علماء بغداد» ص37 ط الأولى دار المودة بيروت (1993م): «... و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك...».
2- ورد في كتاب التهذيب 469/1. «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة علیها السلام، إنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها و قالت لأسماء: إني نحلت و ذهب لحمي ألاتجعلين لي شيئاً يسترني؟ قالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك أصنع لك، قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه ثم جللته ثوباً، فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت: اصنعي لي مثله استريني سترك اللَّه من النار». انظر «بحار الأنوار» ج3 ص212، 213 ح43.

وَدِيعَتُكَ الزَّهْرَاءُ عَادَتْ كَمَا تَرَىٰ *** وَلَكِنَّهَا عَادَتْ وَ لَيْسَتْ كَمَا هِيَا(1)

مُكَسَّرَةَ الأَضلاع مَقْهُورَةَ الهَوَى *** مُفَرَّحَةَ الأَجْفَانِ حُمْراً مَافِيَا

فَسَلْ كَعْبَةَ الأَسْرَارِ حَالِي وَ حَالَهَا *** وَ سَلْ قِبْلَةَ الأَحْزَانِ حُزْنِي وَافِيَا

فَكَمْ مِنْ غَلِيلِ لاَيَزَالُ بِصَدْرِهَا *** مُقِيماً، وَ مَا بَثْتُ إِلَيَّ الشَّكَاويا

سَتَعْرِفُ عَنْ مُسْوَدَّةِ المَتْنِ مَا بِهَا *** وَ تَعْلَمُ عَنْ مُحْمَرَةِ العَيْنِ مَابِيَا

وَدِيعَةُ كَنْزِ العَرْشِ عَادَتْ لِدَارِهَا *** وَ فَرَّتْ وَلكِنْ سَلَّبَتْنِي قَرَارِيَا

عَلَى زَفَرَاتِ الحُزْنِ نَفْسِي حَبِيسَةٌ *** فَيَا لَيْتَهَا قَدْ رَافَقَتْ زَفَرَاتِيَا(2)

ص: 377


1- (والبيت الذي يليه) في «الأصول من الكافي» للكليني ج1 ص458 ح3 ط4 /دار صعب دار التعارف -بيروت: «عن أبي عبداللَّه الحسين علیه السلام قال: لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام سراً و عفى على موضع قبرها ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم قال: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عنّي والسلام عليك و على ابنتك و زائرتك و البائنة في الثرى ببقعتك، و المختار الله لها سرعة اللحاق بك قل يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن صفيتك صبري و عفا عن سيدة نساء العالمين تجلّدي إلا أن في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسّدتك في ملحودة ،قبرك، و فاضت نفسك بين نحري و صدري بلى و في كتاب اللَّه لي أنعم القبول: إنا لله وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة، و اختلست الزهراء علیها السلام، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمّا حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهد و هم لايبرح من قلبي أو يختار اللَّه لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد، مقيّح و هم مهج سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو. و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بله سبيلاً و ستقول: و يحكم الله و هو خير الحاكمين... فبعين الله تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها ويمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر وإلى الله يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المشتكى وفيك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أحسن العزاء صلى الله عليك وعليها السلام و الرضوان...». انظر «بحار الأنوار» ج43 ص193 ح21/ ج43 ص211 ضمن ح40: و «المناقب» ج3 ص364، و «كشف الغمة» ج2 ص130.
2- كلمة الزهراء علیها السلام ص122.

(9) بنت المصطفى صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي(*)(1)

عرج عَلَى طَيْبَةٍ وَ انْزِلْ مَغَانِيهَا *** وَسَائِلِ النَّاسَ شاكيها وَ بَاليها(2)

لعلَّ يَلْقاكَ فيها مَنْ يُجِيبُكَ عَنْ *** تلكَ الشُّجونِ الّتي عَمَّتْ أَهاليها

الأ تَرى النَّاسَ في خافِي مَنازِلِها *** إلفَ الهُمومِ بها تُقضِي لِبارِيها

وَكُلٌّ خِلْ يُسِرُّ الكَرْبَ يُنْفِسُهُ *** لِصَحْبِهِ وَ بِهِ هَمْساً يُناجِيها

أَسِحْ لَعَلَّكَ تَدْرِي مَا يُضَعْضِعُ سُكِّانَ *** المَدِينَةِ مَكِّيها وَ طَيِبِيها(3)

أَوْ عَلَّ صَفْوَةَ هاتِيكَ الوُجُوهِ بها *** تُغني عَنِ القَوْلِ أَنْ تُبْدِيهِ مَنْ فيها

ص: 378


1- (*) هو عبدالمسيح بن فتح الله الأنطاكي الحلبي. ولد في حلب سنة (1291ه-) و نشأ بها نشأة ثقافية علمية، و هو يُعد من الأدباء و الكتاب و الشعراء و الصحفيين المشهورين و ينقل أنه من أصل يوناني هاجر أحد أجداده إلى أنطاكية و استوطنها، و منها جاءهم هذا اللقب الأنطاكي، و بعدها انتقلت عائلته إلى مدينة حلب و أقامت فيها. قام المترجَم له بأعمال ثقافية و أنشطة واسعة حيث أسس مجلة الشذور، و جريدة الشهباء ثم حولها إلى اسم العمران. أقام الأستاذ الأنطاكي بمصر و رحل إلى عدن و الكويت و ترك آثاراً علمية منها: 1- رحلة الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة. 2- نيل الأماني في الدستور العثماني. 3- القصيدة العلوية. 4- الدر الحسان في منظومات و مدائح الشيخ خزعل خان. و افته المنية في سنة (1341ه-).
2- مغانيها: منازلها.
3- أسخ أساح أي جال في البلاد للتنزه أو التفرّج أو غير ذلك. يضعضع: يُخْضِع و يُذِلُّ.

نَعَمْ لَقَدْ جَزَعَتْ مِنْ مِحْنَةٍ دَهَمَتْ *** بِإِثرِ أُخْرى فأَنْسَتْها تُهنيها(1)

في أَمْسِها رُزِنَتْ رُزْعاً بهادِيها *** وَ اليَوْمَ ابْنَتَهُ الأَقْدَارُ تَنْعِيها

وها لَها أَنَّ بِنْتَ المُصْطَفَى ذَهَبتُ *** غَضبى إليه فَتَشْكُو وَ هُوَ مُشْكِيها

وَمَنْ بِحَقِّكَ لايُعْنى بِفَاطِمَةٍ *** وَ مَنْ بِكُلِّ عزيز لَيْسَ يَفْدِيها؟

وَ كَيْفَ قَدْ أَصْبَحَتْ مِنْ بعدِ ما عَلِمَتْ *** بأَنَّ لِلْمَوْتِ كَانَ الحُزْنُ حَادِيها؟

وَ إنّها لَقَضَتْ عَنْ لَوْعَةٍ وأسى *** قَدْ أَوْهَياها فما أجدى تَداوِيها(2)

وَ إِنَّهَا احْتَرقَتْ في نَارِ زَفْرَتِها *** وَ لَمْ يَكُنْ دَمعُها الهامي مُطفّيها

وَ إِنْها غَرقَتْ في سَيْلِ أَدْمُعِها *** وَ مَا الزَّفيرُ مِنَ التَّغْرِيقِ مُنْجِيها

وَ إِنّها قَدْ غَدَتْ في قُرْب والِدِها *** تَأْوِي الجنانَ التي الأَبْرارُ تَأْويها

أَجَلْ فَبِنْتُ رَسولِ اللَّهِ ما صَبَرتْ *** عَلى اللّيالي الّتي أَدْجَتْ دَياجيها

وَ مَا اسْتَطَاعَ عَلِيٌّ مَعْ بَلاغَتِهِ *** بِسَرْدِ آي التَأَسِّي أَنْ يُؤَسِّيها

وَ لَمْ تَزل كارِثَاتُ الدَّهْرِ تُنْحِلُها *** وَ لِلْمَنِيَّةِ بِالإسْراعِ تَمْشِيها

حتّى قَضَى اللَّه أنْ تَقْضِي بِكُرْبَتِها *** حَزينَةَ النَّفْسِ كانَ اليَأْسُ غاشِيها

بِذمّةِ اللَّهِ ذاتُ الطُّهْرِ فَاطِمَةٌ *** وَ اللَّهُ في رَحَباتِ الخُلْدِ مُثْوِيها(3)

ص: 379


1- جزعت: أظهرت الحزن و الكدر. دهمت: غشيت.
2- أوهياها: أضعفاها.
3- في كتاب البحار ج43 ص19: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً. و لفاطمة علیها السلام عنداللَّه تسعة أسماء: عن يونس بن ظبيان قال: قال أبوعبداللّه الصادق علیه السلام: الفاطمة علیها السلام تسعة أسماء عنداللَّه «عز وجل»: فاطمة علیها السلام... و الصدّيقة... و المباركة... و الطاهرة... و الزكية... و الراضية... و المرضيّة... و المحدثة... و الزهراء... ثم قال علیه السلام: أتدري أي شيء تفسير فاطمة علیها السلام؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر... قال: ثم قال: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوّجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه... هكذا شقّ اسمها... «قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: شقّ اللّه لك يا فاطمة علیها السلام اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة علیه السلام» البحار/ ج43 ص10. على أن أسماء النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام كلها مشتقة من أسماء الله و قد أشار إلى ذلك حسان بن ثابت بقصيدته التي يقول في مطلعها: نبي أتانا بعد يأس و فترة *** من الدين والأوثان في الأرض نعبد إلى أن يقول: و شقّ له من اسمه ليجلِّه *** فذو العرش محمود و هذا محمد على أننا نقرأ في الدعاء العبارة التالية «اللهم يا حميد بحق محمد صلي الله علیه و آله و سلم... و يا عالي بحق علي علیه السلام... و يا فاطر بحق فاطمة علیها السلام... و يا محسن بحق الحسن علیه السلام... و يا قديم الإحسان بحق الحسين علیه السلام». و هذا الدعاء يكشف بدوره عن أن من أسماء النبي وأهل بيته علیهم السلام مشتقة أسماء اللَّه «عزوجل» و ذلک تکریماً و اجلالاً لهم.

لَئِنْ فَضَتْ وَ هْيَ يا لِلَّهِ ساخِطَةٌ *** فَالمُصْطَفَى في السَّما العُليا يُراضِيها

وَ إِنْ تَكُنْ حُرِمَتْ في الأَرْضِ تَسْلِيَةً *** فَفِي الجِنانِ تُلاقِي ما يُسَلِّيها(1)

لكنّها تَرَكَتْ مِنْ بَعْدِها الحَسَنَيْنِ *** يَبْكِيان على وافي تَنَحيِّها

وَ غادرتْ بَعْلَها يَبْكِي لِفُرْقَتِها *** أَمْناً وَ يُمْناً وَ تَوْجِيهاً وَ تَرْفيها

وَ خَطْبُها ضاعَفَ الحُزنَ المُبَرِّحَ في *** نَفْسِ العَلي الذي ما انْفَكَ يَرْثِيها

وَ بَعْدَ ما أُودِعَتْ في وَسَطِ حُفْرَتِها *** لِرَحْمَةِ اللَّهِ والإجلال عاشِيها

تَطَلَّعَ المُرْتَضَى اسْتِطلاع ذي لَهَفٍ *** إلى التُّرابِ الّذي أَمْسى مُغَطّيها

ثُمَّ إِلى تُرْبَةِ الهادِي تَوَجَّهَ في *** أَليمِ أَحْزانِهِ ما استطاع يُخْفِيها

وَ قالَ يا أَحْمَدُ الهادي عَلَيْكَ سَلامي *** مَعْ سَلَامِ الَّتِي تَهْوَىٰ تُلاقِيها

هذِي الَّتي لَحِقَتْ عَلْياكَ مُسْرِعَةً *** وَ فِي جِوارِكَ حَلَّتْ كَيْ تُواسِيها

قَلَّ اصْطِبارِي قَلاً عَنْ صفيّتكَ *** الزَهْرًا وَ نَفْسِي هذا الخَطْبُ مُوهِيها(2)

لَكِنْ بِفُرْقَتِكَ العُظمى وَجَدْتُ *** لِنَفْسي في المُصِيبَةِ هذي ما يُسَلِّيها

ما بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي إِنَّ نَفْسَكَ قَدْ *** فاضَتْ ولَبَّتْ نِدا رَبِّ يُناديها

وَ في حُفَيْرَتِكَ العُلْيا دَفَنْتُكَ *** مَحْزوناً وَ لَوْعَةُ نَفْسِي أَنْتَ تَدْرِيها

ص: 380


1- اعلموا أني فاطمة علیها السلام ج2 ص340 للشيخ الخطيب عبد الحميد المهاجر.
2- مُوهيها: مُضعِفُها.

لِلَّهِ نَحْنُ وَ نَحْنُ الرَّاجِعونَ إِلَيْه *** رَجْعَةٌ لَيْسَ منَّا مَنْ يُعاصِيها

إِنَّ الوَدِيعَةَ مني اليَومَ قَدْ أُخِذَتْ *** وَ اسْتُرْجِعَتْ لَمْ تَكُ الأقدارُ تُرْجِيها

و إِنْ حُزْنِيَ باقٍ سَرْمَداً أَبداً *** به طِوالَ اللَّيالي ظَلْتُ أُحْيِيها

حَتَّى يَخَارُ لِيَ اللَّهُ الرَّحِيمُ دِياراً *** أنت يا خَيْرَ خَلْقِ اللَّه تَئْوِيهَا(1)

وَ إِنَّ ابْنَتَكَ الزَّهراءَ تُخْبِرُكَ *** الأخْبارَ عَنْ حالنا السوأى وَ تَرْوِيها(2)

وَ سَوْفَ تَعْلَمُ مِنْهَا أَنْ أُمَتَكَ العَربا *** على هَضْمِها أَمْسَى تَجَنِّيها

فَأَحِفّها كَرَماً مِنْكَ السَّؤَالَ وَكُنْ *** مُسْتَخْبِراً حَالَنَا مِنْها فَتَحْكِيها

هذا وَلَمْ يَظْلِ العَهْدُ المَجيد بنا *** عَهْدُ النبوَّةِ في سامِي تجَلِّيها

وَ الذِّكْرُ مِنْكَ الذي يَحْلُو تَذَكُرُهُ *** ما أَخلَقَتْهُ الليَّالي في تَتَالِيها

ثُمَّ السّلامُ عَلَى رُوحَيْكُما عَطِرٌ *** أَتْلُوهُ ما في السما لاحَتْ دَرارِيها(3)

سَلامُ غَيْرِ بَغِيض لا و لاسَئِمٍ *** مُوَدّع زَهْرَةَ الدُّنيا وَمَا فيها

إِن انْصَرَفْتُ فَلَيْسَ الانصراف مَلا *** لا و المَلالَةَ مِثلي لايُدانِيها

وَ إِنْ أَقَمْتُ فما عَنْ سُوءٍ ظَنِّي باللَّهِ *** المُعَزِّي الحَزاني في تَعازِيها

و لا بما وَعَدَ اللَّهُ الأُلى صَبَرُوا *** على المَصَائِبِ داهِيها وَ قاسِيها

بِذَا لَقَدْ وَدَّعَ المَحْزُونُ حَيدَرَةٌ *** بِنْتَ الرَّسُول التي يبْكِي تَنائِيها(4)

وَ الحُزنُ أَشْغَلَهُ عَمَّا أَهَمَّ سِواه *** مِنْ مَطامِع دنيا خابَ راجِيها(5)

ص: 381


1- تئويها: تقيمها.
2- في كتاب البحار ج4 ص44 في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فكلم اللَّه «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سميّت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...
3- الدراري: جمع الدرّي هو الكوكب الثاقب المضيء كالدرّ.
4- تنائيها: تباعدها.
5- كتاب: القصيدة العلوية المباركة ص203 لعبد المسيح أنطاكي بك، صاحب جريدة العمران في مصر.

(10) محبوبة النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي(*)(1)

شَبَّتْ بِحِجْرِ رَسولِ اللَّهِ فَاطِمَةٌ *** كَما تُحِبُّ المَعالِي أَنْ تُلاقيها(2)

وَ في حِمى رَبِّهِ العَلْيا خديجةُ قَدْ *** نَشَتْ كما الظُّهْرُ وَ الآدابُ تَشْهِيها

وَ نَفْسُها الْبَتَقَتْ مِنْ نَفْسٍ وَالِدِها *** وَ أَنها فَهِيَ تَحْكِيهِ وَ تَحْكِيها(3)

ص: 382


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- في دلائل الإمامة ص11 ط الثالثة/ منشورات الرضي -قم: «لم تزل فاطمة علیها السلام تشب في اليوم كالجمعة و في الجمعة كالشهر و في الشهر كالسنة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من مكة إلى المدينة... و تزوج سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمة علیها السلام إليها ثم تزوّج أم سلمة بنت أبي أمية فقالت أم سلمة: تزوّجني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و فوض أمر ابنته إليّ فكنت أؤدبها و أدلها و كانت و اللَّه أأدب مني و أعرف بالأشياء كلها و كيف لاتكون كذلك و هي سلالة الأنبياء صلوات الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها». انظر بحار الأنوار ج43 ص10 ح16، «عوالم سيدة النساء» ج1 ص61 ح1.
3- والبيت الذي يليه: في إحقاق الحق ج19 ص17، نقلاً عن كتاب «أهل البيت علیه السلام، ل- «توفيق أبو علم». عن أنس بن مالک عن أمه: إن السيدة فاطمة علیها السلام لما كانت كأنها القمر ليلة البدر، و عندما عن وضعتها السيدة خديجة سلام الله علیها و رأت في وليدتها «فاطمة الزهراء علیها السلام» أنها صورة من أبيها العظيم سرّها ذلك الشبه و أنه بركة من بركات اللَّه عليها و على آل البيت الكرام». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص63 ح5. و في كتاب «كشف الغمة» ج2 ص92/ ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «و روي عن علي علیه السلام فقال: كنا عند رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال: أخبروني أي شيء خير للنساء؟ فعيينا بذلك كلّنا حتى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة علیها السلام فأخبرتها الذي قال لنا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و ليس أحد منا علمه و لاعرفه، فقالت: ولكني أعرفه خير للنساء أن لايرين الرجال و لايراهنّ الرجال. فرجعت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سألتنا أي شيء خير للنساء؟ و خير لهن أن لايريَنَّ الرجال و لايراهنّ الرجال. قال: من أخبرك فلم تعلمه و أنت عندي؟ قلت: فاطمة علیها السلام. فأعجب ذلك رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم و قال: إن فاطمة علیاه السلام بضعة منّي». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص54، «حلية الأولياء» ج2 ص40-41، قريب منه (عن أنس).

تَفرَّدت بالذكا وَ العِلْم و اتَّخَذَتْ *** منَ الخَلائِقِ و الآداب سامِيها

وَاللَّهُ كَمَّل تكميلاً مَحَاسِنَها *** الزَّهراء فَسَافِرُها زاءِ وَ خافِيها(1)

وَ إِنّها غُرَّةٌ بَيْنَ النِّساءِ فَلا *** بنت لحَوَّاءَ تَدْنُو مِنْ مَعاليها(2)

و ما القَرائِحُ تَقْوى أَنْ تُصَوِّرَ ما *** فَوْقَ القُروسِ وَ إِنْ تَزْكُو معَانيها(3)

وَ حَسْبُنَا أنَّ له كانَ مُعْطِيها *** عِنايَةً لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ يُعْطِيها(4)

وَ كَانَ مُنْزِلُها تاللَّهِ مَنْزِلَةً *** عَليَاءَ مِنْ نَفْسِهِ بِاليُمْنِ تأويها

و كانَ يَنْظُرُها في بَيْتِهِ مَلِكاً *** بادِي السَّنَا مَا انْتَنَتْ تُبْدِيهِ تَنْبِيها

كانَتْ تَعُزُّ عليه عِزّةٌ حُرِمَتْ *** لها شَقيقاتُها مِثْلاً وَ تَشْبِيها

ص: 383


1- سافرها: من سفر أي ظهر وبان و المعنى أنها «سلام الله عليها» ظاهرها حسن جميل، و باطنها كذلك فهي الكاملة ظاهراً و باطناً.
2- في كتاب «دلائل الإمامة» ص54 ط الثالثة منشورات الرضي/ قم. «عن المفضل قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام أنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: تلك مريم كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين إلى الآخرين». انظر: «معاني الأخبار» ص107 ح1 ط منشورات جماعة المدرسين 1379. «روضة الواعظين» ص180.
3- القرائح: جمع القريحة و هي الملكة التي يقتدر بها على الإجادة في نظم أو كتابة. الطروس: الصُحُف.
4- (والأبيات التي تلته) في المناقب ج3 ص323، ط مؤسسة انتشارات علامة -قم. «سأل بزل الهروي الحسين بن روح «رضي الله عنه» فقال: كم بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ فقال: أربع فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة علیها السلام. قال : و لِمَ صارت أفضل و كانت أصغرهن سنّاً، و أقلهن صحبة لرسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: لخصلتين خصها اللّه بهما: إنها ورثت رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم و نسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم منها و لم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيَّتها». انظر «بحار الأنوار» ج43 ص37، عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص141 ح62.

وَ كانَ يَذْكُرُ فيها أُمَّها وبها *** يَلْقى خديجةَ في أسْمى مَبَادِيها

وَ كانَ صلّى عليهِ اللَّهُ يُبْهِجُهُ *** مِنْ دَهْرهِ ساعَةٌ فيها يُوافِيها(1)

وَ قَدْ أَزاحَ إِلهُ العَرْشِ غُمَّتَهُ *** بها وَ سَرّى تباريحاً يُعانيها(2)

وَ نَفْسُهُ وَجَدَتْ في برِّ فاطِمَةٍ *** لَدى الخُطوبِ الَّتي تُدْهِي تَعازِيها(3)

كانَتْ تُواسِيهِ في راضِي تَبَسُّمِهَا *** وَ كانَ في عَطْفِهِ الأَسْمَى يُؤَاسِيها

ما قال فاطِمَةً إِلا وَ أَفْرَحَهُ *** ذِكْرُ اسْمِها فَهْوَ لا يَنْفَكُ يُسْمِيها

وَ قَدْ أَذَلَّتْ عَلَيْهِ وَهُوَ وَالِدُها *** وَ قَدْ تَجَنَّتْ وما أَشهى تَجَنِّيها

وَ كانَ يَسْعَى إلى تفريحها أبداً *** حتى تَبِيتَ على هانِي تَلَهِّيها

وَ يَسْأَلُ اللَّهَ في سِر وفي عَلَنٍ *** أَنْ يَصْطَفِيها مِنَ الأيَّامِ صافِيِها

فما دَعَتْهُ لِحَاجِ وَهْيَ تَطْلُبُها *** إِلا وكانَ لِمَا تَرْجُو مُلَبِّيها

وما دَعاها لِغَيْرِ الابتهاج بها *** إذا تَجَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ مَخابِيها

يقومُ إِنْ أَقْبَلَتْ كَيْما يَسير إلى *** عالي مَكانَتِها في القَوْمِ تَنْوِيها(4)

ص: 384


1- جاء في «مسند أحمد بن حنبل» ح5 ص275: «قال: كان رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة علیها السلام و أول من يدخل عليها إذا قدم فاطمة علیها السلام». انظر: «ذخائر العقبى» ص37. «ينابيع المودة» ص198.
2- سرّی: کشف. التباريح: الشدائد، الشرور، الأذايا، كُلف المعيشة في المشقة والشدّة.
3- في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص251 نقلاً عن كتاب «أبان بن عثمان»: «...فلما دنت فاطمة علیها السلام من رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و رأته قد شُجَّ في وجهه و أدمي فوه إدماء صاحت، و جعلت تمسح الدم و تقول: اشتدَّ غضب اللّه على من أدمى وجه رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم...».
4- في «سنن الترمذي» ج5 ص700 ح3872: «عن عائشة قالت: ...و كانت إذا دخلت على النبي اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم قام إليها فقّبلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته و أجلسته في مجلسها...». انظر: «ذخائر العقبي» ص40.

حَسْبُ النِّساءِ فَخاراً أَنَّ فاطمةً *** مِنَ النسا ولها أَنْ تُكْثِرَ التّيها(1)

نَعَمْ فَقَدْ شَرَّفَ اللهُ النساء بهَا *** وَ إِن تَكُن جميعاً مِنْ حَواشِيها

وَ عَمْرُكَ اللَّهُ مَنْ كانَتْ كَفَاطِمَةٍ *** وَ قَدْ تَناهى كما قُلْنا تَعالِيها(2)

و مَنْ أَبُوها خِيارُ الخَلْقِ أَجْمَعِها *** وَ أَنها خَيْرُ أُمْ في أَناسِيها

وَ مَنْ قُرَيْسٌ وَ هُمْ أَسْمَى الأَعارِبِ *** أَهْلُوها وَ مَجْدُهُمُ جازَ الأَتاوِيها(3)

وَ مَنْ غَدَتْ خَيْرَ أُنثى في شَمائِلِها *** الحَسْنا التي تُبْهِرُ الدنيا زَواهِيها(4)

وَ مَنْ نَشِعُ شُعاعَ الشَّمسِ جَبْهَتُها *** و لاتَلالِيَ إذ لأحَتْ تَلالِيها(5)

وَ مَنْ تُقِيمُ المعالي وَ المَفاخِرُ حَوْلِيها *** إذا جَلَسَتْ في صَدْرِ نادِيها

هِيَ الجديرةُ بالكَفِّ الكريمِ لها *** من المَفاخِرِ وَ العَلْيا يُحاكيها(6)

وَ العُرْبُ تَطْلُبُ أَكْفَاءَ تُزَوِّجُهُمْ *** بَناتِها سُنَةٌ تَأْبَى تَعَدِّيها

ص: 385


1- التّيه: الصلف الكبر، أو الضلال.
2- في «الخصال» ص206 ح25 ط جماعة المدرسين -قم المقدسة: «...فيما أوصى به النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم إلى عليّ علیه السلام: إن اللّه «عز وجل» أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علیها السلام على نساء العالمين». انظر: بحار الأنوار ج43 ص26 ح24.
3- الأتاويه: مفردها التؤه هو الهلاك، ما يُضَلُّ فيها من الفلوات.
4- تبهر: تضيء و يقلب ضوؤها.
5- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج1 ص75 ط الثالثة/ مؤسسة الإمام المهدي عج اللّه تعالی فرجه الشریف -قم. منقولاً عن كتاب «أخبار الدول» ص87: «قالت عائشة: كنا نخيط و نغزل و ننظّم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة علیها السلام». انظر: «إحقاق الحق» ج10 ص244 و 309.
6- فقد ورد في «المناقب لابن شهر آشوب» ج2 ص29: عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: لولا أن اللّه «تعالى»خلق أميرالمؤمنين علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص107، «كشف الغمة» ج2 ص98 «قريب من هذه الرواية».

وَ كُلٌّ عَقْدِ بِغَيْرِ الكفءِ تَحْسَبُهُ *** عاراً عَلَيْهَا لَدَى الأَقْرانِ يُخْزِيها

فَمَنْ يَلِيقُ بِبِنْتِ المُصْطَفَى حَسَباً *** ومَنْ مِنَ العَرَبِ العَرْباءِ كافِيها(1)؟

وَ مَنْ يُناسِبُ طَه كَيْ يُصاهِرَهُ *** وَ هيَ المُصاهَرَةُ المسعودُ مُلْفِيها؟

غَيْرَ العَلِيِّ رَبيبِ المُصْطَفَى وَ لَهُ *** سَبْقُ الهِدَايَةِ مُذْ نادى مُنادِيها

فَإِنَّهُ بعدَ طه خيرُ مَنْ ولَدَتْ *** قُرَيْسُ منذُ بَا البارِي ذَراريها

وَ إِنَّهُ بَطلُ الإسلام تَعْرِفُهُ *** تِلْكَ الحروب التي أمسى مُجَليها

وَ أَعْلَمُ النَّاس بالشَّرْع المُشرَّفِ بَعْدَ *** المُصْطَفى لا و أَجْلَى النَّاسِ تَفْقِيها

وَ أَظْهَرُ النَّاسِ نِيّاتٍ وَ أَطْيَبُها *** قَلْباً إِذا ما أَرَدْنَا أَنْ نُجَارِيها

وَ أَبْلَغُ النَّاسِ أَقوالاً وَ أَفْصَحُها *** خِطابَةٌ وَ هُوَ يُنْشِيها وَ يُلْقِيها

وَ أَزْهَدُ النَّاسِ في الدُّنيا وَ زُخْرُفِها *** وَ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مُغْرِي مَلاهِيها

وَ أَرْحَبُ النَّاسِ صَدْراً بِالعُفاةِ إذا *** وافَتْهُ ما في يَدَيْهِ كَانَ يُوليه

هذا العميدُ المُفدّى كُفْءُ فَاطِمَةٍ *** وَ خَيْرُ نِدِّ لها مِنْ دُونِ أَهْلِيها

لِذَلِكَ اخْتارَهُ رَبُّ السماء لها *** بَعْلاً و أَمْسَتْ به الدُّنْيا تُهَنِّيها(2)

و قَبْلَهُ عُمَرُ وافى بِإِثْرِ *** أَبي بَكْرٍ وَ كُلُّهما قَدْ كانَ يَبْغِيها(3)

جاء الخُطبَتِها طه فقالَ أَنَا *** مُسْتَنْظِرٌ لابنتي حُكْمَ القَضا فيها

كذاكَ رَدَّهُمَا الرَّدَّ الجميل *** لامُرِ اللَّهِ لِلْمُرْتَضَى العالِي مُهَيِّيها

ص: 386


1- العَرب العرباء: الصُرَحاء الخُلّص.
2- انظر «الخصال» ج2 ص412 ح16/ ط جماعة المدرسين -قم المقدسة. وانظر: «بحار الأنوار» ج43 ص97-98 ضمن ح8 ، «عوالم سيدة النساء»، ج1 ص366 ح2.
3- (والأبيات التي تلته) في «كشف الغمة» ج1 ص353 ط دار الکتاب الإسلامي -بيروت. «...و لقد خطبها من رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم أبوبكر فقال له رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: أمرها إلى ربها فخطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب فقال له رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: كمقالته لأبي بكر...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ضمن ح32:

حتى إذا أَذِنَ البارِي بِخُطبَتِهَا *** إلى عَلِيٌّ سَعى طَه يُراضِيها(1)

فجاءَها قائِلاً: إنّ العليَّ فَتى *** قُرَيْشٍ يَبْغِي فَتاتِي جَاءَ رَاجِيها

قالَتْ : أَتُزَوِّجُني من مُتْرَبِ أَبتا *** وسائِلُ الدَّمْعِ يَهْمِي مِنْ مَآقيها(2)

فقال: وَاللَّهِ لَمْ آذَنْ بِزِيجَتَكِ *** الزَّهراءِ إلا لأَنَّ اللَّة راضيها

وَ مَا تَكَلَّمْتُ فيها قَبْلَ أَمْرِ الهي *** فَهُوَ لِي مِنْ سَماهُ كانَ مُوحِيها

قالَتْ: إذن يُعيةُ الخَلاقِ نافذةٌ *** وَ قَدْ رضيتُ بها إِنِّي أُجَرِّبها

و كانَ أَوْعَزَ طهُ لِلْعَلِيِّ بأنْ *** يَأْتِيهِ لِلْخُطْبَةِ المَغْبُوطِ حاظِيها(3)

فقد أتاه أبوبَكْرِيُبَشِّرُهُ *** بِنِعْمَةٍ لَيْسَ الأَهُ مُلاقِيها(4)

ص: 387


1- والأبيات التي تليه: في «إحقاق الحق» ج17 ص91 الثامن. «والأبيات التي تلته». «لما خطب علي علیه السلام فاطمة علیها السلام من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم فقال لها: أي بنية إن ابن عمك علياً علیه السلام قد خطبك فما تقولين؟ فبكت ثم قالت كأنما إنما ادخرتني لفقير قريش؟ فقال: والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء، فقالت فاطمة علیها السلام: رضيت بما رضي الله لي». انظر: «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج1 ص407-408.
2- يهمي: يسيل.
3- المغبوط: الذي أصابته الغبطة و هي أن يعظم في عينيه و يتمنى مثل ما له دون أن يريد زوالها منه.
4- «والأبيات التي تلته» في كشف الغمة كشف الغمة ج1 ص353، ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «... قال و إن أبابكر و عمر كانا ذات يوم جالسين في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و معهما سعد بن معاذ الأنصاري فتذاكروا أمر فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال أبوبكر: قد خطبها الأشراف من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم فقال: إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوجها زوّجها و إن علي بن أبي طالب علیه السلام لم يخطبها من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم و لم يذكرها له و لا أراه يمنعه ذلك إلاّ قلة ذات اليد وإنه ليقع في نفسي إن اللّه عزّ وجلّ و رسوله صلى اللَّه عليه و آله و سلم إنما يحبسانها عليه قال: ثم أقبل أبوبكر على عمر بن الخطاب و على سعد بن معاذ. قال: هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب علیه السلام حتى نذكر له هذا؟ فإن منعه قلة ذات اليد واسيناه وأسعفناه، فقال له سعد بن معاذ وفقك الله يا أبابكر فما زلت موفقاً قوموا بنا له؟ على بركة الله و بمنّه ... فلما نظر إليهم علي علیه السلام قال: ما وراءكم و ما الذي جئتم فقال أبوبكر يا أبا الحسن علیه السلام إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلا و لك فيها سابقة و فضل و أنت من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم بالمكان الذي قد عرفت من القرابة و الصحبة و السابقة و قد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم ابنته فاطمة علیها السلام فردّهم و قال: إنّ أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوّجها ،زوّجها، فما يمنعك أن تذكرها لرسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و تخطبها منه؟ فإني لأرجو أن يكون الله «عزوجل» و رسوله اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم إنما يحبسانها عليك. قال: فتغرغرت عينا علی علیه السلام بالدموع و قال: يا أبابكر لقد هيجت مني ساكناً و أيقظتني لأمر كنت غافلاً عنه و اللّه إن فاطمة علیها السلام لموضع رغبة و ما مثلي قعد عن مثلها غير أنه يمنعني من ذلك قلة ذات اليد، فقال أبوبكر: لاتقل هذا يا أباالحسن علیه السلام فإن الدنيا و ما فيها عند اللّه «تعالى» و عند رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم كهباء منثورا... و أقبل إلى رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فكان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في منزل زوجته أم سلمة... ثم إنه دخل على رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال: السلام عليك يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و رحمة اللّه و بركاته... و قد أتيتك خاطباً راغباً أخطب إليك ابنتك فاطمة علیها السلام فهل أنت مزوّجي يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم؟ قالت أم سلمة: فرأيت وجه رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم يتهلل فرحاً و سروراً...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص125-126 ط2/ مؤسسة الوفاء.

وَ كانَ مَعْهُ أَبُوحَفْصِ يُرافِقُهُ *** بِذِي المُهمَّةِ حَسْبَ الأَمْرِ يَقْضِيها

قالاً: التّمِسُ مِنْ رَسولِ اللَّهِ فَاطِمَةً *** فما لِغَيْرِكَ يَابنَ الوُدْ مُعْطِيها

فقالَ: ذَكَرْتُمانِي لاعَدِمْتُكُما *** بِنِيَّةٍ طالما قَدْ كُنْتُ ناوِيها

وَ سَار يَخْطُبُ بِنْتَ المُصْطَفَى عَجَلاً *** فَلَمْ يَخِبُ بِرِغابٍ كانَ مُسْدِيها

كذا أبوقاسِمٍ باليُمْنِ زَوَّجها *** مِنْهُ وَ أُمَّتُهُ تُهْدِي تَهَانِيها

زُفَّتْ إِلَيْهِ بإجلالٍ وَ أَحْمَدُ يَدْعُو *** أَنْ يَزِيدَهُما الرَّحْمَنُ تَرْفِيها(1)

جَزَى يُرفه في هذا القِرانِ كَما *** مَضى إلى بِنْتِهِ الزَّهْراءِ يُرْفِيها(2)

و قالَ: بارِكْ إلهَ العَرْشِ عَقْدَهُما *** أَكْثِرُ ذَراريهما المَحْمُودَ ناشِيها(3)

ص: 388


1- والأبيات التي تليه: في كشف الغمة ج1 ص369/ ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «... قال: نزلنا نزف فاطمة علیها السلام إلى زوجها فكبر جبرئيل ثم كبر ميكائيل ثم كبر إسرافيل ثم كبرت الملائكة ثم كبر النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم ثم كبر سلمان الفارسي فصار التكبير خلف العرايس الا الله سنة من تلك الليلة فجاء بها فأدخلها على علي علیه السلام فأجلسها إلى جنبه على الحصير القطري ثم قال: يا علي علیه السلام هذه بنتي فمن أكرمها فقد أكرمني و من أهانها فقد أهانني ثم قال: اللهم بارك لهما و عليهما و اجعل منهما ذرية طيبة إنك سميع الدعاء...». وانظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص441.
2- جزى يُرْفه: أي خدمه و أحسن إليه أو سعى بما هان و عزَّ من خدمة.
3- والبيت الذي يليه: في «المناقب لابن شهر آشوب» ج3 ص356، ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم. «...قال: نعم العون على طاعة الله و سأل فاطمة علیها السلام فقالت: خير بعل فقال: اللَّهم اجمع شملهما و ألّف بين قلوبهما و اجعلهما و ذريتهما من ورثة جنة النعيم، و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة و اجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك، و يأمرون بما يرضيك...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص117.

زفافُ سَعْدِ به الأَمْلاكُ قَد شَرِكَتْ *** أَهْلَ الدُّني بالتهاني مِنْ أَعاليها

أَيُّ البَشائِرِ أَسْمى من يشارَةِ ذَيَاكَ *** القِرانِ وهَلْ بُشرى تُسَامِيها

بَدْرُ الحَنيفيةِ السَّمْحَاءِ قارَنَ شَمْساً *** قَدْ أَضَاءَتْ سَنَى مِنْ صُلْب واليها

وَمِنْهُما انْتَظَرَ النَّسْلُ المبارَكُ تَمْلأُ *** الأَرضَ خَيْراتُهُ الكَثْرى فَتُحْيِيها

فاللَّهُ كَفَرَهُمْ وَاللَّهُ طَهَّرَهُمْ *** وَ اللَّهُ أَوْلاهُمُ عِزّاً وتَوْجِيها

وَ اللَّهُ أَوْجَبَ وافي الاَحترامِ لَهُمْ *** وَحُبُّهُمْ إِنَّ ذا ذِكْرَى لِنَّاسِيها

فَمَنْ يُناوِيهِمُ ناوَى الرِّسالَةَ في *** شَخْصِ الرَّسولِ فَكُفْرٌ مَنْ يُناوِيها(1)

وَ إِنْ عَائِشَةٌ مِنْ نَفْسِها شَهِدَتْ *** شهادةً لَمْ تَذَرْ شَكَّا لِراويها(2)

قالَتْ: عَلِيٌّ وَذَاتُ الظُّهْرِ زَوْجَتُهُ *** كَانَا أَحَبَّ الوَرى طراً لهادِيها(3)

ص: 389


1- يناويها: يعاديها.
2- في أمالي الطوسي، ص254: «... دخلت مع أمي على عائشة فذكرت لها عليّاً علیه السلام فقالت: ما رأيت رجلاً كان أحبَّ إِلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم منه، و ما رأيت امرأة كانت أحب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من امرأته». انظر: «بحار الأنوار» ج40 ص37 ح12، و العقد الفريد ح2 / 194، و ينابيع المودة 204.
3- کتاب: القصيدة العلوية المباركة و التي بلغ عدد أبياتها (5595) بيتاً، و كلها بقافية واحدة و القصيدة حسب الأصل المتوفر بأيدينا لاتخلو من أخطاء مطبعية.

(11) جوهرة الكون

(بحر البسيط)

الشيخ علي أبو المكارم

أتى بها اللّهُ إظهاراً لِقُدْرَتِهِ *** مِنْ جَنَّةِ الخُلْدِ لا أُنثى تُباريها

وَ لَيْسَ تَهْوِى سِوى العَدْلِ الَّذِي اتَّسقَتْ *** بِهِ الشَّريعةُ في أَعْلَى مَباديها

تَضُمُّ في جَنْبِها الإحسانَ مُنْبَثِقاً *** يَرْمي الصَّرامةَ قاصِيها وَدانيها

بُرْدَ التقى من نسيج الدِّينِ قَدْ لَبِسَتْ *** وَ خَوْفُ ذي العِزَّةِ العَلْياءِ مُضْنِيها(1)

نديّها الفَضْلُ مهما رُمتَ من حِكَمٍ *** فَاقْصُدْ كفيتَ التَّواني فَضْلَ ناديها(2)

نَفْسي فداؤكِ أُمَّ المُجْتَبَى حَسَنٍ *** زَوْجَ الوَصِي وَ بِنتَ الطّهْرِ هَادِيها

أمُّ الحسينِ وَ مَنْ فاقَ الورى شَرَفاً *** وَ ثَوْرَةٌ في الوَرى عَزَّتْ مَبَانيها

أَهْلُ الكِساءِ وَ حَسْبِي أَنَّهُ شَرَفٌ *** تَعْنُو لَهُ النَّاسُ تَقْديساً وَ تَنْزِيها

وَ صَفْوَةٌ طَهَّرَ الجَبَّارُ ساحَتَها *** وَ أَنْزَلَ الذِّكْرَ لُطفاً في مَغانِيها(3)

وَ دَوْلَةٌ لايَهِدُّ الجَوْرُ ما رَسَمَتْ *** على جَبِينِ البَرايا مِنْ أياديها

قَدْ بِاهَلَ المُصْطَفَى خَيْرَ الأَنامِ بِهِمْ *** نَجْرَانَ حِينَ تَرامَتْ في دَواهِيها

فكانَ خَيْبَتُهُمْ في الأَمْرِ تَفْضَحُ ما *** قَدْ بَيَّتُوهُ وَعَزَّ اللَّهُ داعيها

وَليْتَهُمْ حَيْثُ لايَبْقى بهم أَحَدٌ *** تُرمى به شِرْعَةَ الهادِي وَ نَادِيها

ص: 390


1- مُضنيها: مُمْرِضها بحيث تمكّن منها الضعف والهزال.
2- التواني: الفتور والكلِّ والعجز.
3- مغانيها: منازلها.

لَوْ أَنَّهُمْ باهَلُوهُ لَمْ يَعُدْ لَهُمُ *** مِنْ نَافِحَ جَذْوَةٌ لِلنَّارِ مُذْكِيها

وَ كَانَ دَأَبُهُمْ هَوْناً عَلَى نَفَرٍ *** فَأَوْتَرَتْ أُسْهُما فِي وَجْهِ رَامِيها

سَلِ البريّةَ عَنْ أسمى دَراريها *** وَ عَنْ مَنارِ ضُحاها في مَعاليها

عَنْ عِلةِ الكَوْنِ عَنْ أَسمى جَواهِرِهِ *** عَنِ الرِّسالة في دُنيا لآليها

عَنْ نُسْخَةِ الحَقِّ مَنْ أَعْطَاهُ مالِكُهُ *** مُلْكَ الحياة و كانَ المرتجي فيها

عَنْ حِكْمَةِ اللهِ في يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ *** لَهُ بِهَا الأمرُ فَالمُخْتَارُ قاضيها

عَنِ النَّبيِّ الرَّسُولِ الطُّهْرِ خَيْرِ بني *** حوّاءَ في مُبْدِيءِ الدُّنيا وَ تَاليها

مُحَمَّدٌ شَرَّفَ الدُّنيا بسيرَتِهِ *** و لاتَزالُ سَل التاريخ يَروْيِها

تِلْكَ الجَهالةُ في تيّارِ نَقْمَتِها *** أَوْدَتْ بِكُلِّ امْرى زُوراً وَ تَمْوِيها

وَ كان فيها حصيداً كُلُّ ذي عِظم *** و المؤمِنُ الصُّلْبُ أَضْحَى مِنْ مَراعيها

وَ أَصْبَحَ النَّاسُ لادِينٌ و لاشرَفٌ *** فَالخَمْرُ أَصْغَرُ ذَنْبٍ في مَعاصيها

فازْدانتِ الأرْضُ في ميلادِهِ وَ سَمَتْ *** تَطاولاً فَهُوَ دُونَ الخَلْقِ مُحْييها

وَ تِلْكَ آيَاتُهُ في الكَوْنِ ساطِعَةُ *** المَجْدُ يَحْدِمُها وَ الحَقُّ يَحْمِيها

مَنْ ذا رَأى النَّارَ تَخْبُو في طَبيعَتِها *** كَأَنَّ طول المدى قَدْ َعادَ يُخْبيها(1)

مَنْ ذا رأى لِصروح المُلْكِ خاشِعَةً *** ما بَيْنَ مَنْ رَفَعَتْ قِدْماً بِأَيْدِيها

هذا أذان بأنّ الظُّلْمَ مُنْدَثِرٌ *** وَ أَنَّ أَحْمَدَ يَبْقى وَ هُوَ راعيها

يَقْتَادُ سُفْنَ نَجاةِ الخَلْقِ قاطِبَةً *** يقولُ فيها ارْكَبوا فاللهُ مُجْرِيها

وَ يَوْمَ مَبْعَثِهِ قَدْ جاءَ مُنْبَثِقاً *** بِشِرْعَةٍ تُنْقِذُ الدُّنْيا وَ مَنْ فيها

و خطَّ في جَبْهَةِ الأَجْيالِ حِكْمَتَه *** وَ كانَ لِلْغايةِ القْصوى مُجَلِّيها

آياتُهُ الغُرُّ وَ القرآنُ أَعْظَمُها *** أَعْظِمْ بآياتِهِ أَعْظِمْ بوَاعيها

وَ في صعيدِ الوَرى خَطَّ السَّلامَ وَ لَمْ *** يَبْغِ الحُروب وَ أَعْطَى القَوْسَ باريها

ص: 391


1- تخبو: تخمد و تنطفىء.

نَعمْ يُناضِلُ عَنْ أَقداسِ شِرْعَتِهِ *** فَلَمْ يَكُنْ بِجَبَانِ الطَّبْعِ خاوِيها

عَلَى جَنَاحَ الليالي كُنتَ قاضيها *** هل ذُقْتَ عَلْقَمها في صَفْوَ حالِيها؟

وَ هَلْ قَضَيْتَ عَلَيْها في خُصومَتِها *** أَمْ صَدَّعَتْ جَنْبَك العالي مَخَازيها؟

وَ هَل كُشَفْتَ إلى الأجيالِ كُلْفَتُها *** أم كَلَّفَتْكَ مِنَ الدُّنْيا مآسِيها؟

هِيَ اللَّيالي وَ كَمْ في سُودِها نَكَدٌ *** تُودي النَّهارَ جِهاراً في حَرابيها(1)

خانَتْ عليّاً أميرالمؤمنينَ *** و أبناءَ الرسولِ و ما أَخْطَتْ مَرامِيها

مَنْ أَنْتَ يا دَهْرُ ماذا أنتَ مُحْدِثُهُ *** بِالمُرْتَضَى خِيرَةِ الدُّنيا وَ راعِيها؟

وَ أَشْرَفِ النَّاسِ مَجْداً في أرومَتِهِ *** مَا بَيْنَ غايرها طراً وَ مَاضيها

ما بَيْنَ ساقي ضيوفِ اللَّهِ مُقْرِيْها *** وَ سادِنِ الكَعْبَةِ الغَرَا وَ حَاميها(2)

وَ بَيْنَ أُمِّ سَمَتْ بَيْنَ النِّساءِ هُدى *** وَذَيْلِ طُهْرٍ تَعَالَى اللَّهُ مُهْدِيها

أَعْظِمْ بِأُمِّ عَلِيَّ مِنْ سُلالَتِها *** تَسْمُو النِّسَاءَ فَخَاراً في مَعَالِيها

أَعْظِمْ بِوَالِدِه الزَّاكي وَمَنْ شَمَخَتْ *** أُمُّ القُرى بِعُلاهُ في الوَرى تِيها(3)

فَدّى الرَّسُولَ و والاهُ وَشايَعَهُ *** وَ للرِّسالةِ أَضْحَى وَ هُوَ حاميها

وَآثَرَ اللَّهَ إيماناً بِنَزْعَتِهِ *** حَتَّى مَضى طَاهِرَ الأَبْرادِ ناقِيها

تَهَنى أَبَا الحَسَنِ الهَادِي بِخَيْرِ أَبٍ *** مِنْ بَيْنِ أُمَّتِهِ بِالطُّهْرِ سَامِيها

وَ هَلْ تَنالُ المُرَيَّا ساعِدٌ جُدِمَتْ؟ *** إِنَّ المُرَيّا لَتَسْمُو مَنْ يُجاريها

ضَلَّتْ أُميِّ بِنُكْرانِ الحَقِيقَةِ مِنْ *** عَلْيَاكَ حتّى أَتَى الشَّحْناءَ آتيها(4)

نُكرانُ فَضْلِ أبيكَ الظُّهْرِ شِنْشِنَةٌ *** جَنَى المخازي بها في الناسِ جانيها(5)

ص: 392


1- خرابيها: جمع الحِرباءة، ضربٌ من الزحافات تتلوّن في الشمس ألواناً مختلفة و يُضرب: بها المثل في التقلَّب.
2- مُقْري: طالب الضيافة. سادن: خادم.
3- تيهاً: تكبّراً و فخراً.
4- الشُّحناء: العداوة امتلأت منها النفس.
5- شِنْشِنة: الخلق و الطبيعة العادة.

وَ حمَلَتْ أَلْسُنُ الأَزْمَانِ شَقْوَتَها *** وَ ضَلَّ مُنْكَرُ فَضْلِ مِنْهُ تَمْوِيها

و أَنكَرُوا بَيْعَةً قامَ النَّبِيُّ بِهَا *** (يَوْمَ الغَديرِ) وَ أَرْسَى مِنْ صَيَاصِيها

لازِلْتَ في النَّاسِ مَظْلُوماً أَبا حَسَنٍ *** وَ الحُرُّ تَفْقِدُهُ الدُّنيا تَهانيها

بنْتُ النَّبِي رَسولِ اللهِ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ *** مَنْ فِى النّسَا طُرّاً تُحاكيها(1)؟

ص: 393


1- في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص156 عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال -و هو في مرضه الذي توفي فيه-: يا فاطمة علیا السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، و سيدة نساء هذه الأمة، و سيدة نساء المؤمنين؟ قال: هذا إسناد صحيح. و في كتاب اعلموا أني فاطمة علیا السلام لعبد الحميد المهاجر، ج2 ص537 قال: فاطمة علیها السلام هي الكلمة... بل هي أم الكلمات التي تلقاها الأنبياء من قبل اللّه «عزوجل» فتاب عليهم بفضلها و ببركات تلكم الكلمات. وكانت فاطمة علیها السلام هي الكلمة الأكثر تألقاً و نوراً في عالم الملكوت لأنها هي المحور في كل الكلمات المذكورة والتي هي فاطمة علیها السلام و أبوها و بعلها و بنوها و اقرأوا معي هاتين الآيتين إذا شتم. قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»[سورة البقرة آية 37]. فقد روى العلامة الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه عن عبد الله بن عباس، سأل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: سأله بحق محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام إلا ما تبت علي فتاب عليه (مناقب آل أبي طالب ص 63). و أخرج نحواً منه علامة الشوافع السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج1 ص60 و آخرون أيضاً ككتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص17. و قال أيضاً: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» [سورة البقرة آية 124] روى القندوزي الحنفي بإسناده عن المفضل قال: سألت جعفر الصادق علیه السلام عن قوله «عزوجل» «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ» قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. و هو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام إلا تبت عليَّ) فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم. فقلت له: يابن رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فما يعني بقوله «فأتمهن»؟ قال: يعني : أتمهن إلى القائم المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف اثني عشر إماماً تسعة من الحسين علیه السلام (ينابيع المودة ص25). و هذا يعني أن فاطمة الزهراء علیها السلام كانت إحدى الكلمات التي عناها القرآن الكريم في هذه الآية (المباركة) و أوجبت اختيار الله تعالى بهن نبيَّه العظيم إبراهيم الخليل علیه السلام(فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص 25).

لَم يَفْقِدِ الناسُ مِنْ ظَه أظلَّتَهُ *** إِنَّ امتداد حياةِ المُجْتَبى فيها

لِذاك كنّى رَسُولُ اللَّهِ بَضْعَتَهُ *** حقاً بأم أبيها في مَعانيها(1)

فالسِّلْمُ في الحَسَنِ الزاكي لها سَبَبٌ *** في نَسْجِ بُرْدَتِهِ فِي طُهْرٍ مُسْدِيها

وَ ثَوْرَةٌ للحُسَيْنِ الظُّهْرِ تَجْبُرُ مِنْ *** كَسْرِ عراها وَحْيَ اللَّه آسيها

وَ فَلْسَفَاتُ مَعالي الدِّينِ تَظْهَرُ في *** صَحيفةِ السيِّدِ السَّجادِ هاديها

وَ باقرُ العِلْم مَنْ أَسْمى أَشِعَّتِها *** وَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ المِعْوَارُ مُبْدِيها

وَ كَاظِمُ الغَيْظِ رَمْنٌ مِنْ قَداسَتِها *** وَ فِي الرِّضا مَجْدُ راعيها وَراوِيها

وَ في الجوادِ لها عُمْرٌ وإِنْ قَصُرَتْ *** أَيَّامُهُ فَهُوَ بدر في لياليها

و في أبي الحَسَنِ الهادي مَكارِمُها *** و في ابْنِهِ شَمُخَتْ عزّاً مَغانيها

وَ في ابنها الحُجَّةُ الباقي مَنابِرُها *** سَمُونَ عِزّاً أَعَزَّ الله حاميها

إِلَيْهِ تُعْزى معالي الحقِّ أَجْمَعُها *** فجلَّ فيما لَهُ يُعزى وَ عازيها

به الحَقَائِقُ تَبْدُو وَ هْيَ ضَاحِكةٌ *** مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ أَساءَ الصُّنْعَ طاويها

وَ تَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً في حُكومَتِهِ *** وَ دَوْلَةُ الجَوْرِ دُكَّتْ في مَهَاوِيَها

لذاك أَنْكَرَتِ الظُّلامُ دَولَتَهُ *** وَنِيَّةُ الفُحْشِ تُبْدِي خُبْتَ ناويها

يا مَنْ بِهِ بَشَرَتْ كُتُبُ السَّماءِ ويا *** عِدل الكتاب وآيَ الحقِّ حاويها

يا صاحِبَ العَصْرِ يا صَرْحَ الرِّسالَةِ قُمْ *** وَ انقُذْ شَريعَةَ طَهَ مِنْ أَعادِيها

فَالنَّاسُ ضَلَّتْ فَمِنْهُمْ أَنْفُسٌ كَفَرتْ *** وَ ساقَها لِجَحِيم النار حاديها

وَ أَنْفُسٌ عَصَتِ الباري بِنِعْمَتِهِ *** وَأصبَحَتْ شِيْماً في حُبِّ مُغْرِيها

مَا أَبْصَرَتْ رُسُداً طاشَتْ حُكُومَتُها *** وَ الْمُؤْمِنُونَ ضحايا في مَواميها(2)

نَبْعُ الرِّسالة في صافِي لآلِيهَا *** سِبْطُ الرَّسولِ مُجَليها وَ حَاويها

ص: 394


1- في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص5: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها.
2- الموامي: المفاوز الشاسعة.

فَاللُّؤلؤ المُنتقى في الذِّكرِ مِنْ (حَسَنٍ) *** به تَسامي من الأخيادِ حاليها

لِلْمُصْطَفَى وَعَلِي خَيْرُ ما نَسَبَتْ *** أَطرافُ قَوْم وَ فَازَ المُجْتَبَى فيها

سيادتان له في الناسِ جَمْعُهُما *** قِيَادَةٌ جَمَعَ الزاكي نَواحِيها

مَنْ مِثْلُهُ في البرايا كلُّ مَكْرُمَةٍ *** تُعَدّ لِلأنبياء الغُرُ أُوتيها؟

تَحدَّثَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ أُمَّتِهِ *** فَكَانَ لِلْغَايَةِ القصوى مُجَلِّيها

هذا هُوَ الذَّكرُ في الآياتِ يَنْعَتُهُ *** وَ كانَ عِدْلاً له فضلاً وَ تَشبيها

خَطَّى بأُمَةِ خَيْر المُرْسَلينَ إلى *** أَسمى الفَضَائِلِ فِي أَرْقى مَبانيها

قدْ أَمْسَ المُصْطَفَى للسلم خُطَّتَهُ *** وَ لِلزَّكِي بِهِ رُوح تُناجيها

حتّى أقام لها الزاكي وَ رَوَّجَهَا *** وَ كانَ للأُسُسِ العَليَاءِ بانيها

هذا القُعودُ الّذي أَرْسَى قَواعِدَهُ *** في أُمَّةِ المُصْطَفَى الزَّاكي مُرَبِّيها

لِكَيْ يَقُومَ أَبي الصَّيْم مُنْتَقِماً *** مِن الطَّعَاةِ لِتَرْدَى نَفْسُ تيها

حتى إذا ما انتهى في شوْطِهِ ومَضى *** جاءَ الحُسَيْنُ أَبُو الأحرارِ يُطْرِيها

أقامها ثَوْرَةٌ عَصْمَاءَ صارخةً *** أَحْيَا بها شِرْعَةَ الهادِي وَ دَاعيها(1)

نورانِ قَدْ نشرا للْمُصْطَفَى عَلَماً *** تَقْضِي الظُروفُ به في حُكمٍ باريها

حياتُهُ كُلُّها سِلْمٌ وَ مَصْلَحَةٌ *** لِلْمُسْلِمِينَ بِرَهُم مِنْ أَفاعيها

بِهِ قَدْ اقتلِعَتْ آلامُ أُمَتِهِ *** و قَطَّعَ اللَّهُ فيهِ كُلَّ داحِيها

و أَبْصَرَتْ رُشْدّها من بعدِ هُدْنَتِهِ *** لكنّها قَدْ تَعامَتْ في مَناَفيها

وَدَسَّ فِرْعَوْنُها سُمّاً لِيَقْتلَهُ *** فنالَ مِمَّا ابتغى فيه أَمانيها

مَضى و ما زالَ مظلوماً مصائِبُهُ *** على اِمْتِدَادِ اللّيالي لَيْسَ نُحْصِيها

أَللمكارِمِ فَضْلُ الذِّكْرِ عالِيها *** أم للخُرافاتِ في دنيا سَعاليها(2)

ص: 395


1- ثورة عصماء: منيعة.
2- سعالي جمع سُعلاء زعم القصاصون أنهم خلقوا بصورة الإنسان و منهم الناطق الشاعر يصادون و يوكلون وزعم بعض العرب أنهم جن، و سَعالي أيضاً: الغول أو أنثى الغول.

لِلْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ الغَرَاءِ مِنْ حَرَمِ *** أَمْ لِلْمَتَاهَاتِ فِي أَشْقَى صَحاريها

لِلْمَنبع الظهر في وادي العُلى شَرَفٌ *** أَمْ لِلدعارة في مَرْمَى سَواقيها

لكن، ويا للأسى الأيامُ تَرْفَعُ مَنْ *** دَنَى وَ تَخْفِضُ عالي الرُّوح ساميها

يُدعى يزيد أميرالمؤمِنينَ و َيُضْحِي *** السَّبْطُ مُلْقَى عَلَى الرَّمضاءِ داميها

أيْنَ الخِلافَةُ باللَّه قَدْ هَزُلَتْ *** إذا يزيدُ الخَنا في الناسِ داعيها؟

يَزيدُ ما كانَ الأنَتْنُ سَيِّئةٍ *** قَضَتْ على شِرْعَةِ الهادي وَ ناديها

مَنْ ذا معاويةٌ في عِهْرِ مَنْبَعِهِ *** خَلْطُ الفجورِ تَرامَتْ في مجاريها؟

قَدْ حرّمَ اللهُ والهادي خلافَتَهُ *** لكنْ تَعدّى لها مِنْ كَفَّ طَاغِيها

حُكْمُ الوِرَاثَةِ مِنْ صَخر الضَّلال رَمَى *** بِالعِهْرِ ابْنَاهُ قاصِيها ودانيها

هَذِي مَعَالِمُ خَيْرِ المُرْسَلِينَ غَدَتْ *** تُبَاحُ مَبْنِّى وَ مَعْنِّى بَيْنَ أَهْلِيهَا

قَدْ غَيَّرُوا سُنّةَ الهادي وَكَمْ رُمِيَتْ *** أرضُ الحجازَيْنِ مِنْهُم في دواهيها

لذاك أضحى رَسُولُ الفَتْح يُعْلِنُها *** بصَرْخَةٍ يَمْلأُ الأَرْجَاءَ داويها

حيّوا حُسَيْنَ المعالي في تَحرُّرِهِ *** وَ الصَّحْبُ تَرْفَعُ بَنْدَ الحقِّ أيديها

وعَظَّمُوا فيه أُختاً لامثيلَ لها *** في ثَوْرَةٍ شَبَّ للإيمان زاكيها

عقيلةُ الطالبِييْنَ الأُباةَ وَ مَنْ *** هَذَتْ عروش البغايا في نواديها

أَمْلَتْ على الدَّهْرِ آياتِ البُطُولَةِ في *** عَزم به تُنْعِش المَوْتى و تُحيِیِها

ما ضَعْضَعَ الخَطْبُ منها بيتَ نَجْدَتِها *** وَ تِلْكَ خُطْبَتُها أَمْضَى مَواضيها

و قد رَأَتْ في الثَّرى صَرْعى أَحِبَّتَها *** وَ فَوْقَها صَبَّتِ الدُّنيا دَواهيها

إنَّ الرِّسالة لا تَخْبُو أَشِعَتُها *** وَ العِشرَةُ الغُر أبواب لأَهْلِيها

ص: 396

(12) يا إلهي بفاطمِ علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد علي خان المشعشعي

الحويزي(*)(1)

يا إلهي بقاطِمِ بِأَبِيها *** بِعَلِيَّ وَبالهُداةِ بَنيها

بَضْعَةُ المُصْطَفَى البَتُولُ فَمَنْ *** مِثْلُ بَنِيها وبعْلِها وَأَبيها(2)؟

ص: 397


1- (*) هو السيد علي خان ابن السيد خلف ابن السيد عبد المطلب بن حيدر بن محسن المشعشعي الحويزي و ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام المشعشعي الحويزي و هو أحد حكام الحويزة. ذكره شيخنا الحر العاملي في (أمل الآمل) و قال: كان فاضلاً عالماً شاعراً جليل القدر، له مؤلفات في الأصول و الإمامة و غيرها. و أثنى عليه صاحب (رياض العلماء) وقال: كان من تلامذة الشيخ عبداللطيف بن علي بن أبي جامع تلميذ الشيخ البهائي. و أيضاً ذكره السيد الجزائري في (الأنوار النعمانية) بجميل الثناء. ترك المترجم له آثاراً العلم و الدين و الأدب كما ذكر الأميني في الغدير منها: 1- النور المبين في النص على أمير المؤمنين في أربع مجلدات. 2- تفسير القرآن الكريم، في أربع مجلدات. 3- خير المقال شرح قصيدته المقصورة أربع مجلدات في مدح النبي والآل. 4- نكت البيان في مجلد. 5- مجموعة مشتملة على طرائق المطالب أرسلها هدية للشيخ علي سبط الشهيد الثاني. 6- رسالة أخرى قد أرسلها إلى الشيخ علي المذكور. 7- رسالة أخرى أرسلها أيضاً إلى الشيخ علي. 8- ديوان شعره الموسوم (خير جليس و نعم أنيس) و توجد نسخة منها في مكتبة السيد الحكيم في النجف الأشرف بخط الشيخ محمد السماوي.
2- والأبيات التي تليه في «ينابيع المودة» ص310 ط الأولى في إيران -منشورات الشريف الرضي. «عن رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم وإنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء. في «إحقاق الحق» ج18 ص457 منقولة عن كتاب أهل البيت ط السعادة بالقاهرة: «عن علي بن أبي طالب علیه السلام: دخل رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم على علي و فاطمة علیهما السلام و أخذ بعضادتي الباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت علیهم السلام الرحمة و موضع الرسالة، و منزل الملائكة، يا بنية إن الله سبحانه وتعالى اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار أباك فجعله نبياً، ثم اطلع الثانية فاختار منهم زوجك علياً فجعله لي أخاً ،و وصياً، ثم اطلع الثالثة فاختارك و أمك فجعلكما سيدتي النساء، ثم اطلع الرابعة فاختار ابنيك فجعلهما سيدي شباب أهل الجنة، فقال العرش : أي ربي ابني نبيك صلي الله علیه و آله و سلم زيني بهما، فهما يوم القيامة في ضفتي العرش بمنزلة الشفتين من الوجه...». وورد أيضاً في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص 124-125 ح14.

أوْ كَمِثْل الزَّهْرَا وَكُلٌّ غدا مِنْهُمْ *** قَرِيباً مِنْ ذِي الجَلالِ وَجِيها

بَلَغُوا رُتْبَةً فَكُلُّ قريبٍ *** عاجِرٌ أَنْ يُنالَ أَوْ يَرْتَقِيها

نَجِّنِي مِنْ عَذَابٍ حَشْرِي وَخَلَّصْني *** مِنْ شِدَّةِ تَوَرَّطت فيها

وَ بِحُبِّي لَهُمْ وَ حُسْنِ رَجَائِي *** لَقْني بُغْيَتِي الَّتي أرْتَجِيها

فلَعَلِّي أَرى بِنَوْمِي بَشِيراً *** مُخْبِراً لِي بِنُجْح ما أَبْتَغِيها

لَيْسَ عِنْدِي مِنْ فِعْلِ خَيْرِبِهِ *** أَرْجُو سِوى حُبِّهِمْ يُبَلِّغُنِيها

وَ سِوىَ بُعْضٍ مَنْ تَعدّى عَلى *** الزَّهْرا وَعَنْ أَخْذِ حَقْهَا يَزْوِيها(1)

كَذَّبُوها واللَّهُ طَهَّرها مِنْ كُلِّ *** رجس بآية يُبْدِيها(2)

ص: 398


1- يزويها: يمنعها و ينحّيها.
2- في «الاحتجاج» ج1 ص122-123 منشورات دار النعمان/ النجف: «...فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تقرأ كتاب اللّه؟ قال: نعم، قال: أخبرني عن قول الله «عزوجل»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»[سورة الأحزاب آية 33] فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شهدوا على فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أُقيمه على نساء المسلمين قال: إذن كنت عند اللّه من الكافرين قال و لم قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله و حكم رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم...». انظر أيضاً: «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص752.

خاصَمُوها وَاللَّهُ خَصْمُ لِمَنْ *** خاصَمَها في غَدٍ وَمَنْ يُؤذيها(1)

مَنْ أَبُوها مَنْ بَعْلُها مَنْ بَنُوها *** أَنْكَرُوا حَقَّها بِنَصْ أَبِيها

وَ أَبيها لَوْ أَضْمَرُوا بَعْضَ حُبِّ *** لأبيها لراقَبُوا اللَّهَ فيها

ما أَرى القَوْمَ يُؤْمِنُونَ بِبَعْثٍ *** وَ عَذابٍ وجَنَّةٍ تُؤويها

أَنَسَوْا آيَةَ المَوَدَّةِ في القُربی *** وأَجْرَ النَّبيِّ إِذْ يَقْتَضِيها(2)

غَصَبُوها وَبَعْدَ إِذْ أَسْقَطُوها *** وَ تَمادَوا بالظلم في أَهْليها(3)

ص: 399


1- والأبيات التي تليه في «كشف الغمة« ج 2 ص93 ط دار الكتاب الإسلامي /بيروت. قال رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إن فاطمة علیها السلام شعرة مني فمن آذى شعرة منّي فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه ملء السماوات والأرض». وردت أيضاً الرواية في بحار الأنوار ج43 ص54 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. و في كتاب «ذخائر العقبى» ص25 لمحب الدين الطبري ط مؤسسة الوفاء/ بيروت، يوضح ذلك المعنى: «عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى :آية 23] قالوا: يا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام... و روي أنه لو قال «إن اللّه جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي علیهم السلام وإني سائلكم غداً عنهم». جاء مثلها في تفسير «فرات» ج2 ص388-389 ح516 «...إلى... وابناهما» على اختلاف بسيط. و أيضاً ج2 ص389 ح517 «...إلى ... وابناهما» على اختلاف بسيط. و أيضاً ج2 ص390 ح518-519- 520 «... إلى... وابناهما». و في «بحار الأنوار» ج43 ص172 ح13 رواية ربما تؤكد المعنى، ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها...».
2- آية المودة «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى، آية : 23].
3- تمادوا: داموا على فعلهم ولجوا بلغوا فيه المدى وقد ورد في هذه الأبيات إلى آخر القصيدة في «تفسير فرات» ج1 ص322 ح437، ط/ مؤسسة النعمان، بيروت «لما نزلت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم الآية «فات ذا القربى حقه» دعا النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك فقال: «هذا لك ولعقبك من بعدك».

لَسْتُ أدْرِي خِلافَةٌ خَلَعُوها *** مِنْ عليَّ لِمَنْ تُرى تُعْطِيها؟

وَ هيَ الرُّتْبَةُ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ *** بها دونَ كُلِّ مَنْ يَبْتَغِيها

أَنَسَوْا بَيْعَةَ الغَدير وما ظَنِّي *** نَسَوْها وَ المُصْطَفَى يُجْرِيها

وَ تَنادَوْا إلى سَقِيفَةِ شِرْكٍ *** وتَواطَوْا عَنِ اجتبابِ ذَوِيها(1)

ص: 400


1- نقلت من كتاب النور المبين في نص علي أميرالمؤمنين علیه السلام مخطوطات مكتبة المرعشي، و قد وردت بعض أبيات هذه القصيدة مختلفة القافية و مختلة الوزن فتفضل بإصلاحها فضيلة الخطيب الشيخ جعفر الهلالي.

(13) عزج على قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ علي منصور المرهون

و له مخمساً قول بعضهم عن لسانها علیها السلام

عَرِّجُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ مُحَمّدٍ *** وَ الْقَمْ تُراباً خَالَطَ العِطْرَ النَّدِي(1)

وَاهْتِف بأخزانٍ وقَلْبِ مُكْمَدِ *** ماذا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدِ(2)

أنْ لاَ يَشُمَّ مَدَى الزَّمانِ غَوالِيا(3)

عَفِّرْ جَبينَكَ نادِباً خَيرَ الوَرى *** وَ ارْفَعْ لَهُ ُصوتَ الشَّكَايَةِ مُخْبِرا

أَسْمِعْهُ قولاً لَمْ يَكُن فيه افترا *** قُلْ لِلْمُغَيَّب تَحْتَ أطباق الثَّرى

إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَرْخَتِي وَ نِدائِيا

قَدْ أَظْهَرَتْ كُلُّ الصَّحابةِ ضِعْنَها *** وَ تَعَمَّدَتْ ظُلْمي وَفِعْلاً سَنَّها(4)

وَ عَلَى وَصيَّكَ غارةٌ قَدْ شَنّها *** صُبَّتْ عليّ مَصائِبٌ لو أنّها

ص: 401


1- الثمَّ: قَبَلْ.
2- مکمد: محزون، مغموم غماً شديداً.
3- غوالي: جمع الغالية و هي الأخلاط من الطيب.
4- في كتاب البحار ج53 ص18-19: وإدخال قنفذ يده «لعنه اللّه» يروم فتح الباب، و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه، وهجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت ،خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها... ضغنها: حقدها.

صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لياليا(1)

ص: 402


1- دیوان المرهونيات ص18.

(14) صائنة المجد

(بحر السريع)

الشيخ فاضل الصفار(*)(1)

أو لِبنْتِ المُصْطَفَى الزَّاكِيَهْ *** كَمْ لَوْعَةٍ أَمْسَتْ بها باكيهْ(2)

***

آه لَها بَعْدَ أَبيها الرَّسولْ *** دائِمَةُ الحُزْنِ عَلَيْهِ تَجُولْ

تَنْدُبُهُ طَوْراً وَ طَوْراً تَقُولْ *** يا أبتاه بالعَزا بَاقِيَهْ

***

مَقْرُوحةَ العَيْنِ عَلَيْهِ بَكَتْ *** ناحِلَةَ الجِسْمِ بِسُقْمِ قَضَتْ

زافِرَةَ الأَحْشاءِ مِمّا رَأَتْ *** لَهُفِي لها شاكِيَةً باكِيَهْ

***

لَهُفِي لَها إِذْ أَحْرَقُوا دارَها *** وَ البَضْعَةُ الزّهرا بأَخْدارِها(3)

ص: 403


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- يجوز في (لوعةٍ) هنا النصب و الجر معاً.
3- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص573 ح25 منقولاً عن «إرشاد القلوب»: «... فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم باللَّه و بأبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أن يكفّوا عنا باللّه و بأبي اللّه أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار کالدملج، و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع و جهي. فضربني بيده حتى انتثر قرطي في أذني، و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم،...».

صائِنَةُ المَجْدِ بأَسْتَارِها *** يَا وَيْلَهُمْ مِنْ زُمْرَةٍ جانِيَهْ

***

يا لَيْتَ شِعْرِي كَمْ رَأَتْ مِنْ مُصابْ *** يُصَدْعُ الصَّخْرَ وَيُبْكِي السَّحابْ(1)

لما استجارَتْ عَنْهُمُ خَلْفَ بابْ *** فَلَمْ يُراعُوا تِلْكُمُ الهَادِيَهْ

***

لَهْفِي لها مِنْ لَوْعَةِ المِسْمَارِ *** باتَتْ بِهَا مَسْلُوبَةَ القَرَارْ

تسِحُ نُورَ الوَحْي بالإِهْدارِ *** تنزفُهُ أَضْلاعُها الزَّاكِيّهْ(2)

***

حَزِينةَ القلبِ قَضَتْ بالدموعْ *** تَنْدُبُ حقاً ضائعاً بالخُنوعْ(3)

وَ صَرْحَةُ الأعضاءِ عِنْدَ الضلوعْ *** أَمْسَتْ بها صارِخَةَ دامِيَهْ

***

إِنْ أَنسَ لاأنسى عليّاً يُقادْ *** يَأْسِرُهُ الصَّبْرُ بِحَبْلِ النَّجادِ(4)

حَيْثُ يَرى بَضْعَةَ خَيْرِ العِبادْ *** تَلْطِمُها عِقْدَاً يَدُ الطَّاغِيَهْ

***

وَكَيْفَ أَنسى لظمةَ الخُدودِ *** وَ قُرْطَها المَنْفُور فَوْقَ الجِيدِ؟

وَ ضَرْبَها وَ سَقْطَةَ الوَلِيدِ *** وَ حُمْرَةَ العَيْنِ لها ناعِيَهْ(5)

***

ص: 404


1- يصدّع: ينشق.
2- تسحَّ: تصبّ صباً غزيراً.
3- الخنوع: الذل.
4- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 نقلاً عن «كتاب علم اليقين في أصول الدين». «... ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبّباً بثوبه يجرونه إلى المسجد... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر...».
5- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص575-576 منقولاً عن «نوائب الدهور». «أيتها الغدرة الفجرة ... فاستعدوا للمسألة جواباً، و لظلمكم لنا أهل البيت علیهم السلام احتساباً، أو تضرب الزهراء علیها السلام قهراً، وزيؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً؟ لانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد فليت ابن أبي طالب علیه السلام مات قبل يومه فلايرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرّة، فتباً تباً، و سحقاً سحقاً و ذلك أمر إلى الله ،مرجعه و إلى رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم مدفعه فقد عزّ على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسود متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه...».

بِمُهْجَتِي أَفْدِي سُقوط الجنينْ *** مِنْ لَهْفَةِ الطُّهْرِ عَلَيْهِ رَنينْ

نَوْحٌ بِدَمْعٍ ساكِبٍ أَوْ أنينْ *** في مُسْمَعِ الدَّهْرِ له حاكِيّهْ

***

لِلَّهِ رَيْبُ الدَّهْرِ فيماجَرى *** خَطبٌ فَظيع رُزُؤُهُ قَدْ سَرَى

في آلِ بَيْتِ الوَحْي خَيْرِ الوَرَى *** قُلْ لي فَهَلْ أَبقى لَهُمْ باقيهْ؟(1)

ص: 405


1- 25 صفر 1409 ه- كربلاء العراق.

(15) هي الحوراء علیها السلام

(بحر الوافر)

المهندسة كوثر شاهين

دَعُوني أَبْتَدِي حَرْفي صَلاةً *** عَلَى المُخْتارِ طه وَالوَصِيِّ

وَ لِلسِّبْطَيْنِ وَ الزَّهْرَاءِ حَرْفي *** وَ لِلْحَوْراءِ بِالدَّمْعِ السَّخِيِّ

وَ مَنْ نَزَلَتْ بِها الآياتُ تَتْرى *** وَ مَنْ فُطِمَتْ بِأَكْنَافَ النَّبِيِّ (1)

وَ مَنْ في كُلِّ فاتِحَةٍ تَجَلَّتْ *** بِأَنْوارٍ مِنَ اللَّهِ الوفيّ

و مَنْ وُلِدَتْ بِمَكَّة بَعْدَ خَمْسٍ *** وَ في الإسراء في الصُّلْبِ الزَّكيِّ

بِها حَمَلَتْ خَدِيجَةُ بَعْدَوَهُنٍ *** تُحَدِّثها مِنَ الرَّحِمِ الوَضِيّ (2)

وَ تَحْضُرُ أَرْبَعٌ سُمْرٌ طوالٌ *** وَ حُورُ العين بالطَّيبِ النَّديِّ

وَ مَاءٍ كَوْثرٍ عَذْبِ طَهُورٍ *** لِغَسْلِ بَتُولِ طة والوليِّ

وَ إِذْ نَطَقَت تَباشَرَ رُسُلُ رَبِّ *** سَلاماً طيباً باسم العَلِيِّ

وَ بالسِّبْطَينِ مِنْ بَعْلٍ كَرِيمٍ *** لِنَسْل قَدْ تَبارك بِالوَصِيَ

فأَشْهَدَتِ السَّماءَ بِلا إلهٍ *** سِوَى الرحمنِ أَنْزَلَ لِلنَّبِيِّ

بِسُورَةِ (هَلْ أَتَى) في كُلِّ بَابٍ *** سَلامُ اللهِ لِلْوَجْهِ البَهيَّ (3)

ص: 406


1- تَتْرى: متتابعة، أكناف مفرده الكنف و هو الجانب أو الظلّ حضن الإنسان و هذا الأخير هو الأنسب.
2- وَهْن: ضعف. الوضيّ: النظيف الحسن.
3- في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص530 في حديث طويل عن ابن عباس قال في قوله تعالى: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» إنها نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.

لِخَيْرِ النِّسْوَةِ اللأتِي اصْطَفِينَ *** مِنَ الدَّارَيْنِ بِالخُلْقِ الرَّضِيِّ

بِها بَحْرُ النُّبُوَّةِ بَحْرُ طه *** وَ بَحْرُ المُرْتَضَى الهادِي النقي

لِيَخْرُجَ مِنْهُما السِّيْطَانِ نُوراً *** وَ زَيْنُ العابِدينَ مِنَ التَّقيِّ

هُوَ البَكَّاءُ لِلْحَوراءِ يَهْدِي *** بِبَيْتِ الحُزْنِ بِالدَّمْعِ السَّخيّ

صَلاةٌ في قيام في قُعودٍ *** بِذكرِ اللَّهِ بِالقَوْلِ السَّمِيِّ

فَيا حَوْراءَ له لي صَلاةٌ *** إِلَيْكِ بِأَدْمُعِ المُزْنِ الرَّوِيِّ(1)

أجِيءُ لِرَوْضَةٍ مَابَيْنَ قَبْرٍ *** وَ مِنْبَرِ سَيِّدِ الخَلْقِ العَليّ

أُعَفِّرُ جَبْهَتِي وَأَمُدُّ كَفَي *** لأَضْرَعَ بِالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ (2)

وَ مَنْ قَدْ أَحْصَنَتْ لِلَّهِ نَفْساً *** بِقَوْلِ الحَقِّ وَ النَّهْجِ السَّوِيِّ

فَحَرّمَ نَسْلَها مِنْ لَمْسِ نَارٍ *** وَ شِيعَتَها، فَيا مَنْ بِالغَرِيِّ(3)

عَلَيْكَ سَلامُ رَبِّكَ في جِنانٍ *** مَعَ الحَوْراءِ بِالنُّورِ البَهِيِّ

فَحَيُّوا بِالصَّلاةِ مُقامَ طه *** وَ حَيُّوا بِالوِلايَةِ لِلطالبي

وَخَيْرِ الخَلْقِ مِنْ إِنسِ وَجِنَّ *** وَ بابِ العلم من بعد الهدي(4)

بهِ الآيَاتُ قَدْ نَزَلَتْ تباعاً *** و في خُمِّ وَ خَيْبَرَ مِنْ عَلِيّ

لأُمّ أبيها فاطِمَةُ البَتُولُ *** وَ وَارِثَةُ الطّهارَةِ وَ النَّبِي

قَرِينَةُ سَيْدِ الثَّقَلَيْنِ تَشْكُو *** لِرَبِّ العَرْشِ مَظْلَمَةَ الجَنِيِّ

هي الحَوْراءُ لا أَبْغِي سواها *** بِبِرَّ أَقْتَفِي نَهْجَ الرَّضيّ

قَسِيمٍ النَّارِ وَ الجنّاتِ رُوحِي *** فِداكَ أبا تُرابٍ مِنْ وَصِيِّ

ص: 407


1- المزن: المطر. الروي: الذي يروي العطاشى.
2- أعفّر: أمرغ و أدسّ في التراب.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب كنز العمال ج6 ص219: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن اللَّه فطمها و محبّيها عن النار. الغري: النجف الأشرف.
4- الهدي: أي النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم الهادي.

وَ مِنْ زَوْجِ لِخَيْرِ نِساءِ أَرْضٍ *** وَ في الدَّارَيْنِ بِالنُّورِ البَهِيِّ

سَلامُ اللَّهِ حَوْراءٌ لِطه *** لآلِ البَيْتِ مِنْ رَبِّ سخيّ

لِكُلِّ المُؤْمِنِينَ بِهِمْ جَمِيعاً *** أَئِمَّةِ طُهْرِ آلَاءِ العَلِيِّ

فَصلُّوا إِخْوَتي في ذكرِ أُمِّ *** هِيَ الزَّهْراءُ مِن نُورٍ الجَليِّ (1)

هِيَ الحَوْراءُ بَحْرٌ مِنْ عُلومٍ *** وَ مِنْها نَسْلُ له وَ الوَصِيَّ

مُبارَكةٌ طَهُورٌ في سماءٍ *** وَ نُورُ المُصْطَفى، أُمّ الصَّفيّ (2)

ص: 408


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فكلّم اللَّه جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب في فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سميت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...
2- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص345.

(16) اللَّه يحكم

(بحر الكامل)

الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)(*)(1)

لاتَعْبسي وَجْهاً عَليَّهْ *** ما راعَ مِنْكِ القَلْبَ رَبَّهْ

كَلاً وَ لاحاوَلَتُ قُرْباً *** مِنْ منازِ لكَ القَصِيَّهْ

إِنْ تَقْرُبي أَوْ تَبْعُدي *** سيّان أَمْرهُما لديَّهْ

إِنّي لآنِفُ أَنْ يَقُولَ *** النّاسُ فيكِ هُزاً وَ فِيَّهْ(2)

شَيْءٌ عجيبٌ قَبْلَهُمْ *** شيخٌ تَعَشَّقَهَا صَبِيَّهْ

یا حَبَّذا لَوْ أَنَّ لِي *** نَفْساً مِنَ البَلوى خَلِيَّهْ

هِيَ أَقْلَقَتْ كَبِدِي وَ أَسْكَنَتِ *** القَذى في ناظِريَّهْ

يا بئسَمَا نُمْسي وَ نُصْبِحُ *** فِيهِ مِنْ فِعْلٍ وَنِيَّة

هذا عَلى هذا يَصُولُ *** و ذاكَ يُغْضِبُ ذاكَ فِيَّهْ

باللَّهِ أُقْسِمُ وَ النَّبيِّ *** وَ لَيْسَ بَعْدَهما البَنِيَّهْ

ما شاعَ في الأَرْضِ *** الفَسادُ وَ أظهَر البِدْعَ الخفيهْ

إلا الأُلى جَحدوا الوَصِيَّ *** وَ نَازَعُوهُ في الوَصيَّهْ(3)

وَهُمُ الَّذِينَ عَدَوا على *** دارِ المُطَهَّرَةِ الزَّكِيّهْ

ص: 409


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- آنفُ: أترفّع وَ أتنزّه منه أو أكرهه.
3- جحدوا: أنكروا.

جَمَعُوا لَها حَطباً و جاؤوا *** يَتْبَعُ المَغْرِيُّ غَيَّهْ(1)

لَمْ يَحْفَظُوارب السَّما *** فيها و لاحَفِظُوا نَبِيَّهْ

آلَوْا على أن لايُبقُّوا *** من بَني الهادي بَقِيَّهْ

ألقَوْمُ قَصْدهُمُ النَّبِي *** وَ مُذْ مَضَى قَصَدُوا وَصِيَّهْ

إِنْ لَمْ تُصَدِّقْ ما أقولُ *** فَسَلْ عَنِ القَوْمِ ا الثَّبيَّهْ

نَزَعُوا لَها سَهُما وَلَكِنْ *** أخطأَ السَّهْمُ الرَّمِيَّهْ

لاتَنْسَ بَضْعَةَ أَحْمَدٍ *** وَ اذْكُرْ مُصِيبَتَها ال الجَلِيّهْ(2)

إِذْ أَقْبَلَتْ َتمْشِي تَحُفُّ *** بها نِسَاءٌ هَاشِميَّهْ(3)

جَاءَتْ لتَطْلُبَ إِرْثَها *** إِذْ لَمْ تَزَلْ عَنهُ غَنِیَّهْ

لكنْ لِتُنْبي النَّاسَ أَنَّ *** النَّاسَ عَادُوا جاهليّهْ

ولعلّها تَهْدِي نفوساً *** عَنْ غَوايَتها غَوِيَّهْ

وَ دَعَتْ وَكانَ دعاؤُها *** أجْلى مِنَ الشَّمْسِ المُضِيَّهْ

فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا *** وَ كأَنَّ دَعْوَتَها خَفِیَّهْ

ياقومُ مَالَكُمُ سَكَتُمْ *** عَنْ ظُلامَتي الشَّنِيَهْ

إِرثي يَفوزُ بِهِ بَنو اللَّخْنا *** وَ يُحْبَسُ عَنْ بَنِیّهْ(4)

ص: 410


1- في كتاب العقد الفريد ج5 ص13 الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر علي علیه السلام و العباس و الزبير و سعد بن عبادة فأمّا علي علیه السلام و العباس و الزبير فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام، و قال له: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...
2- في كتاب مسند كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم: فإنّما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها.
3- تحفَّ: تحيط بها.
4- اللخنا: اللَّخناء: المرأة منتنة المغابن و هي مطاوي الجسد. و جاء في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص274 أن أبابكر لما شهد أميرالمؤمنين علیه السلام كتب بتسليم فدك إليها فاعترض عمر قضيّته وخرق ما كتبه.

اللَّه يابن أبي قحافة *** كَمْ تَرُومُ بنا الأذيّهْ(1)

لاتَمْنَعُوني نِحْلَتي *** وَ دَعُوا حُقودَ الجاهليهْ

اللَّهُ يَحْكُمُ لي بها *** وَيَجُورُ حُكْمُكُمُ عَلَيْهْ

مَا كُنتُمُ إِلا بهائِمَ *** عِمايَتِها وَدِيَّهْ

حتّى بنا رَبُّ السَّما *** أعْطَاكُمُ هذي العَطِيّهْ

فَغَدَوْتُمُ تَجْنُوه مِنْ *** ثَمرِ العُلا فِينَا جَنِيَّهْ

لو أنَّ لي بكُمُ يَداً *** فيما أحاولُهُ قَويهْ

لَنَسِیتُمُ أَيَّامَ بَدْرٍ *** وَ الحُروبِ الأَوَّليّهْ

لَكِنَّ دَهْرِي خان بي *** قسراً وَ أَوْهَنَ سَاعِدَيّهْ(2)

هذا رَهِين التُرْبِ *** مَدفوناً وذَا رَهْنُ الرَّزية

مَنْ لِلْخِلَافَةِ مُذْ سَلَبْتُمْ *** جِيَدها الخالي حِليّهْ

هذا أبوحَسنٍ لها *** أَكْرم بهِ راعِي رَعِيّهْ

هذا عَلِيٌّ خَيْرُكُمْ *** حَسَباً وأَحْسَنُكُمْ سَجِيّهْ

مَاذَا نَقَمْتُمْ مِنْهُ وَ هُوَ أَشَدُّ *** حُكْماً في القَضِيَّهْ

يَوْمَ السَّقِيفةِ ما خَلَقَتْ *** على الوَرى إِلا بَلِيَّهْ

ما كانَ أَدْهى مِنْكَ *** يَوْمَ مُحَرَّم في الغاضريهْ

أَنْتَ الَّذّي البَسْتَ ثَوْبَ *** الشُّكل فاطمَةَ الرَّضِيّهْ

کَم لَيْلَةٍ باتَتْ وَ لَيْسَ *** سِوَى الحنينِ لها خَشِيّهْ

حَتَّي إذا ماتتْ وما *** ماتَت مكارِمُها السَّنِيّهْ

بأَبى الّتي دُفِنَتْ وَ عُفّيَ *** قَبْرُها السامي بَقِيّهْ

ص: 411


1- تروم: تقصد.
2- أوهن: أضعف.

دُفِنَتْ وَ بَيْنَ ضُلوعِها *** آثارُ ضَرْبِ الأَصْبَحِيَّهْ

يَا بِنْتَ خَيْرِ العَالَمِينَ *** وَ صَفْوَةِ اللَّهِ الصَّفيّهْ

أرجوكِ لی غَوْثاً *** إِذا مَدَّ الزَّمانُ يداً إِليهْ

وَ لِحَاجَةٍ أَوْفاقةٍ *** لايَشْمُت الأعدَاءُ بِيَّهْ

ص: 412

(17) في كربلا فاطم علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ محمد أحمد الشاخوري

فِي كَرْبَلا فَاطِمٌ فَرْحَى أَمَاقِيها *** تَنْعَى حُمَاةَ حُمَاةٍ ذُبحوا فِيها(1)

تَبْكِيهِمُ وَ تَقُولُ اليَوْمَ وَاحُزْنِي *** أَيْنَ النَّبِيُّ أَبِي يَأْتِي يُوَارِيها(2)؟

وَ أَيْنَ بَعْلِي أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ؟ مَضَى *** وَ خَلِّفَ الوُلدَ صَرْعَى فِي بَرَارِيها

آهٍ عَلى جُتَثٍ بِالطَّفِّ قَدْ قُطَعَتْ *** رُؤُوسُها وَ هَجِيرُ الصَّيْفِ يَصْلِيها(3)

آهٍ عَلَى جُتَثٍ فِيها الْقَنَا لَعِبَتْ *** وَ أُرْكِزَتْ مَاضِياتٌ فِي تَرَاقِيها(4)

آهٍ عَلَى فِتْيَةٍ صَرْعَى وَكَانَ بِهَا *** لِلدِّينِ وَ الحَقِّ قَدْ نَادَى مُنَادِيها

حُزْناً عَلَيْهَا وَ مَا الأَحْزَانُ مُبَرِدَةٌ *** غَلِيلُ قَلْبٍ عَطُوفٍ غَيْرِ سَالِيهَا(5)

يا فِتْيَةً ذُبِحَتْ فِي كَربلا وَثَوَتْ *** عَلَى الْوُجُوه عَرَايَا فِي صَحَارِيها

بِنْتُمْ فَبَانَ لَكُمْ سَلْوَانُ فَاطِمَةٍ *** وَ لاَعِجُ الوَجْدِ بِالأَشْجَانِ يُشْجِيها(6)

ص: 413


1- القرح: الجرح، و قرحى: مجروحة.
2- يواريها: وارى يُواري تؤريةً الشيء: أخفاه ، وتَوارَى الشيءُ استتر.
3- الهجير: شدة الحر في نصف النهار من الصيف و الهجير أيضاً: ما بين الكوفة و البصرة.
4- القنا: الرماح. تراقيها: التَرّقوة: مقدَّم الحَلْق في أعلى الصدر حيث يترقّى فيه النفس. ماضيات: الماضيات و المواضي: السيوف.
5- الغليل: هو العطشان عطشاً شديداً، العطش الشديد.
6- بنتم فبان: بان ظهر و اتَّضَح، و بان: انقطع و فارق. سُلوان: سلا سَلواً و سُلُّوا و سُلْواناً و سَلِيَ الشيء عنه: نسيه طابت نفسه عنه و ذهل عن ذكره و هجره. اللاعج: الهوى المحرق. الوجد: الحزن. الأشجان: مفردها شجن و هو الهم والحزن. يشجيها: يحزنها.

يَا نَازِلِينَ عَلَى الْبَوعًا مَلاَبِسُهُمْ *** فَيْضُ النُّحورِ الْجَوَارِي وَيْل مُجْرِيها

هَلْ عِنْدَكُمْ خَبَرٌ مِنْ أُمِّكُمْ؟ فَلَقَدْ *** مِنْ رُزْهِكُمْ فِي الْعَزَا شَابَتْ نَوَاصِيها

تَكَادُ حِينَ تُنَاجِيكُمُ ضَمَائِرُها *** يَقْضِي عَلَيْهَا الأَسَى لَوْلاَ تَأْسِّيها

حَالَتْ لِفُقْدَانِكُمُ أَيَّامُهَا فَغَدَتْ *** سُوداً وَكَانَتْ بِكُمْ بيضاً لَيَاليها(1)

إِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي قَدْ كَانَ يُضْحِكُها *** أُنساً بِقُرْبِكُمُ قَدْ عَادَ يُبْكِيها

تَقُولُ وَاحُزْنِي، بَلْ آهِ وَاحْسَنِي *** هَذَا حُسَيْنِي قَتِيلٌ فِي فَيَافِيها

هَذَا حُسَيْنِي رَضِيضُ الصَّدْرِ مُنْجَدِلاً *** تَسْفُو عَلَى جِسْمِهِ الْعَارِي سَوَافِيها(2)

مَنْ يَكْسِبُ الأَجْرَ يَأْتِي بِالسَّرِيرِ إِلَيَّ وَمَنْ *** إِلَى الصَّلاةِ يَقُمْ سَرْعاً يُصَلِّيها؟

وَ مَنْ مِنَ الآلِ وَ القُرْبَى يَوْمِ لِكَيْ *** فِي قَبْرِها رَحْمَةً مِنْهُ يُوَارِيها؟

ومنها:

تَبْكِي عَلَى فِتْيَةٍ كَانَتْ مَجَالِسُهُمْ *** أَنْوَارَتِمُ بِها تُجلى دَياجِيهَا(3)

تَبْكِي مَصَابِيحُ نُورِ اللهِ قَدْ خَمِدَتْ *** أَنْوَارُها وَنَعَى الأَكْوَانَ نَاعِيها(4)

بُعْداً لِقَوْمٍ دَعَتْ سَادَاتِها غَرَضاً *** لِنَبْلِها وَ رُفاتاً مِنْ مَدَاكِيها(5)

سُحْقاً لِقَوْمٍ دَعَتْ بِالطَّفِّ سَادَتَها *** غَرِيبةً تَرْتَوِي مِنْها مَوَاضِيها

ص: 414


1- فغدَت: تحولت وصارت.
2- منجدلاً: مطروحاً على الأرض. تسفو: من سفت الريح التراب: ذرته أو حملته فهي سافية، جمعها سافيات و سواف.
3- دياجيها: ظلماتها.
4- خَمِدَتْ: خَبَتْ و انطفأ نورها.
5- غَرَضاً: هنا بمعنى هدفاً.

(18) أم الحسين علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ محمد بن أحمد آل

عصفور

أَيْنَ الشَّفِيقُ عَلَى الزَّهْراً يُوَاسِيهَا *** فِي نَوْحِهَا وَنَعَاهَا فِي غَوَالِيهَا(1)؟

وَ يَبْدُلُ العُمْرَ وَقْفاً لِلبُكَاءِ عَلَى *** أُمِّ الحُسَيْن فَقَدْ جَزَّتْ نَوَاصِيهَا(2)

قَدْ خَانَهَا الدَّهْرُ كَيْداً فِي أَطَائِبِهَا *** وَافَجْعَتَاهُ لَهَا قُومُوا نُعَزِّيهَا(3)

وَ يَجْعَلُ العُمْرَ دَأْباً وَالنِّياحَ عَلَى *** تِلْكَ الحَزِينَةِ إِنْ كُنَّا نُوَالِيها

تُبْدِي الحَنِينَ مِنَ القَلْبِ الحَزِينِ عَلَى *** فَقْدِ الْبَنِينَ وَ مَا جَفَّتْ أَمَاقِيهَا(4)

تُبْدِي الصُّرَاخَ كَمَا تَنْعَى الحَمَامُ عَلَى *** فَقَدِ الْفِرَاحَ وَ مَا تَفْنَى نَواعِيها

لَمْ يُوفِهَا الدَّهْرُ شَيْئاً مِنْ أَطَائِبِهَا *** مَفْجُوعَةٌ قَلْبُهَا قَرْحَى أَمَاقِيهَا(5)

عَاشَتْ عَلَى غُصَص تُبْدِي نَوَادِبَهَا *** لَمْ يَتْرِكِ الْبَيْنُ شَخصاً مِنْ ذَرَارِيهَا(6)

يَكُوا لَهَا إِذْ أَتَتْ بِالطَّفْ زَائِرَةٌ *** مَعْ نِسْوَة نُكَلٍ كُلِّ تُعَزّيها

ص: 415


1- غواليها: الدواهي، البلايا المنايا.
2- جزتْ: الجز هو القطع، و الجِزَة: ما يُجَزُّ من صوف الشاة. فيصير المعنى هنا انها علیها السلام نتفت شعر رأسها حتى قطعت بعض خصلات شعرها سلام الله عليها.
3- أطائبها: يريد به جمع أطايب و أطياب مفردها طيب.
4- تُبدي: تُظهر أماقيها: يقصد ما جفّت دموع عيونها و الأماقي هي زاوية العين من طرف الأنف التي ينزل منها الدمع.
5- فرحى: مجروحة.
6- ذراريها: أولادها و نسلها.

تَبْكِي عَلَى نَجْلِهَا وَالشَّعْرَ نَاشِرَةٌ *** وَ الجَيْب مَازَقَةٌ تُنْشِي مَرَاثِيهَا(1)

يَا سَاكِنَ الطَّفْ وَالغَبْرَاءِ مُرْتَهَناً *** بِالرَّغْمِ فِيكَ العَدا أَمْضَتْ مَوَاضِيها(2)

لاقَوْكَ مُنْفَرِداً أَلْقُوكَ مُنْصَرِعاً *** تَسْفِي عَلَى جِسْمِكَ السَّامِي سَوَافِيها(3)

أَرْدَوْكَ يَا وَلَدِي مِنْ غَيْرِ مَا سَبَبٍ *** وَ رَكَّبُوا رَأْسَكَ العَالِي عَوَالِيهَا(4)

آهٍ عَلَيْكَ وَ مَا وَافَاكَ حَيْدَرَةٌ *** يَوْمَ الظُّفُوفِ لَأَفْنَى كُلَّ مَنْ فِيهَا

قرمُ الحُرُوبِ وَمَنْ تُحْمَد مَوَاهِبُهُ *** لَكِنَّ قَبْلَكَ أَرْدَاهُ مُرَادِيهَا

یَعْزُزُ عَلَى شُبَّرٍ يُبْصِركَ مُنْجَدِلاً *** تَجْرِي عَلَى صَدْرِكَ العَالِي مَدَاكِيهَا

أَوْدَاهُ بَعْدَ أَبِيهِ السُّمُّ وَاحْزَنِي *** مِنْ كَفْ جَعْدَةَ قَدْ خَابَتْ أَمَانِيهَا(5)

یَعْزُزُ عَلَى أَمكُم صُنْعَ العَدَاةِ بِكُمْ *** يَا طَالَ مَا سَهَرَتْ فِيكُم لَيَالِيهَا(6)

يَا غَائِبِينَ وَ مَنْ أَبْكَتْ مَصَائِبُكُمْ *** عَيْنِي وَ صَارَتْ بِكُمْ قَرْحَى أَمَاقِيهَا

عُودُوا عَلَى أُمِّكُمْ بَعْدَ الشَّتاتِ عَسَى *** تَشْفِي الغَلِيلَ فَقَدْ ضَاقَتْ مَسَاعِيهَا(7)

عُودُوا عَلَيَّ لَعَلِّي عِنْدَ رُؤْيَتِكُمْ *** تَقِرُّ عَيْنِي وَ نَارَ الوَجْدِ أُطْفِيهَا(8)

عُودُوا عَلَى أُمِّكُمْ فَالْحُزْنُ أَنْحَلَها *** بَعْدَ الفِرَاقِ وَقَلَّ اليَوْمَ وَالِيهَا

أَوْ حَشْتُمُونِي وَمَا عُودْتُ هَجْرَكُمْ *** فَمَنْ لأَمكُمُ النَّكْلَى يُسَلِّيها

يَا رَاحِلِينَ قِفُوا لِي كَيْ أَوَدْعَكُمْ *** تِلْكَ العُهُودُ الَّتِي كُنّا نُوَافِيهَا

وَ كَيْفَ تَهْنَى لِيَ الدُّنْيَا وَ بَهْجَتُهَا *** لَمَّا رَحَلْتُمْ عَنِ الدُّنْيَا وَ مَنْ فِيهَا

ص: 416


1- الجيب: الثوب مازقة: ممزّقة.
2- مرتهناً: رهيناً محتجزاً. أمضت: هنا بمعنى اغرسَتْ او طعنت مواضيها: سيوفها.
3- تسفي: تذر و تبعثر. سوافيها: ذرات رمالها. أو رمالها و ترابها.
4- أرْدَوْك: طرحوك أرضاً قتيلاً. عواليها: يقصد الرماح.
5- أوداه: بمعنى أرواه: أي أماته.
6- يعزز: يصعب يشق. العُداة: الأعداء المعتدون.
7- الشتات: التشتت والفراق.
8- الوجد: الحزن لفقد الحبيب.

لَمْ تَهْنَ لِي لَذَّةٌ مِنْ بَعْدِ رُزْنِكُمْ *** بَدَلْتُمُ حَيَاتِي بِالمُرُ حَالِيها

يَا قَاتِلِي وَلَدِي أَوْجَعْتُمُوا كَبِدِي *** مَا جُرُمَتِي عِنْدَكُمْ حَتَّى أَوَافِيهَا؟

مَنْ ذَا يُسَاعِدُنِي بِالرزْء فِي وَلَدِي *** وَ يَكْسِبُ الأَجْرَ فِي المَقْتُولِ هَادِيهَا؟

رَبَّيْتُهُ وَ بَذَلْتُ الجُهْدَ مِنْ شَغَفِي *** وَ قُلْتُ يَبْقَى لأَيْتَامِ يُوَالِيهَا

مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الدَّهْرَ يَحْسِدُنِي *** فِيمَنْ أُحِبُّ فَيَا شَوهاً لِجَانِيهَا

أفْدِيكَ يَا وَلَدِي عَظشَانَ مُلْتَهفاً *** تَرْنُو الفُرَاتَ وَ لَمْ تَسْطِعْ تُوَافِيهَا(1)

آهٍ عَلَيْكَ وَقَدْ عَزَّ النَّصِيرُ وَ مَا *** تَلْقَى سِوَى البَتْرَ لِلأَعْدَا تُصَالِيهَا

حَتَّى رَمَوكَ عَلَى البَوْغَاءِ مُنْجَدِلاً *** يَا لَيْتَ أُمَّكَ تَحْتَ البَتْرِ تَبْرِيهَا(2)

رُوحِي فِدَاكَ وَمَا أَلْقَاكَ مُنْصَرِعاً *** وَ الشِّمرُ بِالسَّيفِ لِلأَرْوَاحِ يَفْرِيهَا(3)

يَا رَاكِبَ الصَّدْرِ رِفْقاً بِالحُسَيْنِ فَقَدْ *** أَوْجَعْتَ قَلْبِي بَلْ أَغْضَبْتَ بَارِيها

يَعْزُزُ يعزز عَلَى جَدّكَ المُخْتَارِ یا وَلَدِي *** تَأْوِي القِفَارَ وَ ثَاوِ فِي بَرَارِيهَا

مَنْ كَانَ بَعْدَكَ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَمَنْ *** يُولِي القُرَى وَمَنْ لِلصُّحُفِ تَالِيهَا(4)؟

مَنْ كَانَ يُؤْنِسُها بِالذِّكْرِ فِي سَحَرٍ *** أَوْ كَانَ فِي المِحَنِ الشَّنْعا يُسَلِّيهَا؟

قَدْ كُنتَ مَفْزَعَها حِيناً يَلُمُ بِهَا *** ضُرُّ الزَّمَانِ وَمَا شَحُصُ يُعَادِيها

وَ اليَوْمَ يَا وَلَدِي بِالقَهْرِ تَأْسُرُهَا *** شَرُّ الأَنَامِ وَ مِنْ حُليّ تُعَرِّيهَا

لَهَفِي لِزَيْنَبٍ مِنْ حُزْنٍ وَ مِنْ كَمَدٍ *** تَدْعُو بِفَاطِمَةِ الصُّغْرَى تُنَادِيهَا

يَا بِنْتُ قومي إلى الْمَوْلَى نُوَدِّعُهُ *** حَانَ الرَّحِيلُ وَقَدْ نَادَى مُنَادِيها

هَاكِ الدَّوَاءَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ *** مِنْ ذِي الجُرُوح الَّتِي فِيهِ وَ دَاوِيهَا

ص: 417


1- ترنو: هنا بمعنى ترى و تُبصر و تتوقع. تسطع: تستطيع. تُوافيها: تصل إليها.
2- البَوْغاء: ما ثار من الغبار والتراب.
3- يَفْريها: يقطعُها وَ يَشُقُها، و هنا بمعنى ينتزعها أو يُزهقها.
4- تاليها: يتلو لها و يقرأها من التلاوة و القراءة.

قَالَتْ أَيَا عَمَّتَا كَيْفَ العِلاجُ؟ وَ قَدْ *** شِيلَ الكَرِيمُ عَلَى أَعْلَا عَوَالِيهَا(1)

وَالكَفُّ مُنْقَطِع وَالصَّدْرُ مُنْصَدِعٌ *** قُومِي إِلَى جُنَّةِ العَارِي نُوَارِيهَا

لِلَّهِ كَمْ جُنَثٍ مِنْ غَيْرِ مَا جَدَثٍ *** تَسْدُو عَلَيْهَا الظَّبا وَ الشَّمْسُ تُبْلِيهَا(2)

وَ الطَّيْرُ يَفْرُسُهَا وَالوَحْشُ يُؤنِسُهَا *** وَ الثَّرْبُ مَلْبَسُهَا وَالحَرُّ يَصْدِيها(3)

حَتَّى حُمِلْنَ عَلَى الأَقْتَابِ عَارِيةً *** تَرْنُو هُنَاكَ لَهَا شَزْراً أَعَادِيهَا(4)

يَا سَائِقَ الطَّعْن بالأَسْرَى يُعْنِفُهَا *** سَيْراً تَرَفَّتْ بِهَا بِاللَّهِ حَادِيها

رِفْقاً فَفِي الرَّكْبِ أَوْلادِي فَوَاحَزَنِي *** لَمْ يَكْفِكُمْ مَا فَعَلْتُمْ فِي مَوَالِيهَا(5)

قَتْلَى وَأَسْرَى عَلَى الأَقْتَابِ تَحْمِلُهُمْ *** أَمَا مُحَمَّدٌ فِي الأبنا يُوصِيهَا

أَيُجْمَعُ الشَّمْلُ مِنْ هِنْدِ وَقَدْ مَلَأَتْ *** كُلَّ الفِجَاجِ وَمَا شَخْصٌ يُعَادِيهَا(6)؟

وَ وُلْدُ حَيْدَرَةٍ شَتَّى وَقَدْ صَرَعَتْ *** مِنْهَا العِدَاةُ لُيُوناً فِي صَحَارِيهَا

وَ وُلْدُ أَهْل الْخَنَا فِي الدُّورِ نَازِلَةً *** جَمْعاً وَدُورِي خَوَالٍ مِنْ أَهَالِيهَا

فَفْرَاءُ مُوحِشَةً بَعْدَ الأنيس وَ مَا *** فِيهَا سِوَى البُومُ سَكْنَى فِي نَوَادِيهَا(7)

يَا أُمَّةً رَضِيَتْ قَتْلَ الحُسَيْنِ وَ قَدْ *** أَرْضَتْ يَزِيدَ الْخَنَا خَابَتْ مَسَاعِيهَا

مَا زَالَ لَعْنُ عَلَيْهَا اللَّهُ يُرْسِلُهُ *** وَ فِي عَذَابِ سَعِيرِ النَّارِ يُلْقِيهَا

يَا شِيعَةً جَعَلُوا عَقْدَ الوَلاَءِ لَهُمْ *** دِرْعاً مِنَ النَّارِ قَدْ فُرْتُمْ وَ بَارِيهَا

بِنْتَ النَّبِيِّ أَتَاكِ القِنُ مُلْتَجِئْاً *** يَا رَحْمَةَ اللَّهِ مَنْ يَرْجُو مُرجِيهَا(8)

ص: 418


1- شيل: مبني للمجهول من شال يشيل أي يرفعه على الشيء، أو من مكان إلى مكان.
2- الظبا: مفردها الظُبَة و هي حد السيف أو السنان.
3- يصديها: يسبب لها العطش أو الظمأ: يُعطشْها.
4- الاقتاب: جمع قُتُب: الرحل الذي يُشَدُّ على البعير.
5- مواليها: جمع مولى والمراد هنا المولى مولى القوم وسيدهم و والي أمورهم.
6- الفجاج: الأماكن وربما البعيدة منها مفردها فَج.
7- قَفْراء: خالية لا سكن فيها ولا ساكن يقطن فيها . فهي موحشة.
8- القن: عبدٌ مُلِكَ هو وابواه اقْتَنَّ: اتخذ قُنا و القُنّ هو الجبل الصغير. و الظاهر أن المعنى الأول هو المراد.

لاَتَتْرُكِينِي لَدَى نَارِ الوُقودِ لِقى *** حَاشَا مُحِبِّكِ تُؤْذِيهِ أَفَاعِيها

إِنِّي رَقَدْتُ إِذَا شَخْصُ [...] *** لَمَّا شَكَرْتُ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

يَقُولُ إِنَّكَ مِنْ خُدام فَاطِمَةٍ *** بَعْدَ المَمَاتِ فَلَايَخْشَىٰ مُوَالِيهَا

إِلَيْكَ مِنِّي عَرُوساً قَدْ نَشَتْ وَنَمَتْ *** فِي الهِنْدِ لَكِنْ بِكُمْ دَابَاً أَزَكيها

إِنِّي بِكُمْ أَرْتَجِي وَضْعَ الذُّنُوبِ مَعاً *** وَالسَّامِعُونَ قَصِيدِي ثُمَّ قَارِيها

إنِّي أُومِلُ بِالمُخْتَارِ يَشْفَعُ لِي *** يَوْماً يَكُونُ عَلَى الْجَنَّاتِ وَاليها

حَاشَاهُ يَحْرِمُنِي يَوْماً أَلُوذُ بِهِ *** وَ المُؤْمِنُونَ بِهِ كُلُّ يُرَجِّيها

وَ كَيْفَ يَطْرِدُنِي وَ الفَضْلُ شِيمَتُهُ *** أَمْ هَلْ تَضِيق بِعُصْفُورٍ يؤاويها

صَلَّى اللهُ عَلَى المُخْتَارِ رَحْمَتَهُ *** وَآلِهِ مَا حَدَى بِالعِيسِ حَادِيهَا

ص: 419

(19) يا باب فاطمة علیها السلام البتول

(بحر الكامل)

الشيخ محمد جمعة(*)(1)

(يا راكباً هَيْماءَ مِرْقا *** لأجُسُوراً شَدْقَميَّهْ)(2)

باللَّهِ إِنْ جُزْتَ الحِجا *** زَوجِلتَ هاتيك الثَّنِيَّهْ(3)

عَرِّج على مَهْوى النُّبُوَّةِ *** وَ الإمامَةِ والوَصِيّهْ

وَ امْرُرٌ عَلَى بَيْتِ البَتُولِ *** وَ مَوْثِلِ الشَّرَفِ العَلِيَّهْ(4)

وَ انْشُرْ حَديث البابِ *** وَ اتْلُ رُزْهُ سَمعَ الزَّكيّهْ

يا باب فاطِمَةَ البتولِ *** و ما شَهِدْتَ مِنَ الرزيَّهْ

ص: 420


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- هَيْماء: المفازة لاماء فيها. مرقاً: يقال «امترق الشيء» أي مضى و نفذ سريعاً. شدقميَّة: واسعة الشِدْقين و شدق الوادي ناحيته.
3- الثنية: المنعطف.
4- في كتاب ينابيع المودة ص260 عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: وإنما سميت فاطمة علیها السلام (البتول) لأنها تبتلت من الحيض و النفاس. و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام، محمد علي دخيل ص171، قال الدكتور علي إبراهيم حسن: و حياة فاطمة علیها السلام هي صفحة فذة من صفحات التاريخ نلمس فيها ألوان العظمة فهى ليست كبلقيس أو كليوبترة استمدت كل منهما عظمتها من عرش كبير و ثروة طائلة و جمال نادر... و هي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش وتتحدى الرجال... ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة ، و الجلالة حكمة ليس مرجعها الكتب و الفلاسفة والعلماء، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجآت... و جلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء وإنما من صميم النفس.

قَدْ كُنْتَ باباً للمُصابِ *** بِيَشْرَبِ لِلْغاضِرِيَّهْ(1)

أَوَ ما شَجاك دماؤُها *** سالَتْ كَمِیزابِ جَرِيَّهْ؟

وَ بِعَتْبَةٍ زُهِقَ الجنينُ *** وَذاقَ لَوْعاتِ المَنِيّهْ(2)

مَهَّدْتَ أَنْواع المصابِ *** لآلِ حربٍ أَوْ أُمَيَّهْ

فيكسرِ ذاكَ الضّلْعِ *** رُضَتْ أَضْلُعٌ بالأَعْوَجِيَّهْ(3)

وَ بِذَلِكَ مِسْمَارِ قَدْ *** ساَلَتْ دماء الفاطميهْ

لُطِمَتْ على الخَدَّ الأَسيلِ *** فكَمْ تُقاسِي مِنْ بَلِيّهْ(4)

لُطِمَتْ بِمَحْضَرِ صاحِبِ *** النَّفْسِ المُعزَّزَةِ الأَبِيَّهْ

لُكِزَتْ بِغِمْدِ السَّيْفِ *** فَانْتدَبَتْ إلى خَيْرِ البَرَيّهْ(5)

وَ دِماؤُها قَدْ خَضَّبَتْ *** باب الإمامةِ وَ الوَطِيّهْ(6)

یا باب فاطِمَ قَدْ أَحَلُتَ *** صباحَهَا سُودَ المَسِيّهْ

أَذْبَلَتْ زَهْرَةَ عُمْرِهَا *** لَم تَبْتَسِمْ حَتَّى المَنِيّه

ص: 421


1- يثرب: المدينة المنوّرة الغاضرية كربلاء المقدسة.
2- لوعات: حرقات الهوى والحزن والوجد. في كتاب الوافي بالوفيات ج5 ص347: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البیعة حتی ألقت المحسن من بطنها.
3- في كتاب سليم بن قيس ص40 في حديث طويل: و كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه وبين زوجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علهیا السلام فاضربها فألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها...
4- الأسيل: اللين، المستوي و في كتاب البحار ج53 ص18-19. في حديث طويل عن الصادق علیه السلام: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقة خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء وتقول واأبتاه وارسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب، و يقتل جنين في بطنها...
5- في كتاب سليم بن قيس ص36-37 ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده، فوجأ به جنبها...
6- الوطية: الأرض.

باتتْ مُعَصَّبَةَ الجَبِينِ *** وَ عَيْنُها تَهْمِي سَخِيّهْ

وَ أَحَلْتَ أيّامَ الأَئِمَةِ *** كُلَّهُمْ رُزُءاً عَزي عَزِيهْ

وَ نَحَرْتَ أفراحَ النَّبِيِّ *** وَ آلَهُ بالمش وَآلَهُ بالمَشْرَفِيّهْ(1)

ص: 422


1- المشرفية: السيوف المشرفية و هي المصنوعة في قرية المشارف من قرى الشام و قيل: اليمن.

(20) السمات الفاطمية

(بحر الرمل)

الأستاذ محمد طاهر حسين جلواح

يا مُزُونَ النَّسَمَاتِ الْفَاطِمَيَّة *** رَطْبِي تِلْكَ الْقُلُوبَ الْحَجَرِيَهْ(1)

رَطَّبِیها بِغَزِيرِ الْمَاءِ حَتَّى *** يَرْتَوِي الْمَاءُ وَتُروى الْبَشَرِيَّهْ(2)

صَدِئَتْ مُنْذُ قُرُونِ وَتَهَاوَتْ *** وَ تَهَاوَى مَجْدُها وَالأَبْجَدِيَّهْ

شُغِلَتْ فِي تُرَّهاتٍ وَاسْتَرَاحَتْ *** لِهَبَاءِ الْهَرْجُ فِي كُلِّ قَضِيَّهْ(3)

جُعِلَتْ لِلنَّوْمِ عُمْراً... دُونَ لَيْلٍ *** خُصَّ لِلنَّومِ... فَنَامَتْ سَرْمَدِيَّهْ(4)

إِجْعَلِيها يَا مُزُونَ الطُّهْرِ.. طُهْراً *** وَاغْسِلِيها مِنْ تَفَاهَاتٍ غَبِيَّهْ

هُزِّي مِثْلَ الأَرْضِ إِذْ تَهْتَزُّ شَوْقاً *** حِينَ تَهْمِي السُّحُبُ الْحُبْلَى الْهَمِيَّهْ(5)

إِغْضَبِي لِلشَّعْرِ فِي سَاحِ الْقَوَافِي *** كَيْفَ صَارَ الشَّعْرُ سُوقاً... بَرْبَرِيَّهْ؟

(فَرْنَجُوهُ) أَوَّلُوهُ قَطَعُوهُ... *** صَادَرُوهُ نَزَعُوا مِنْهُ . . الشَّظِيَّهْ(6)

انْظُرِيهِ بَاكِياً فِي كُلِّ يَوْمٍ *** بَعْدَ أَنْ أَبْكَى مُلوكاً وَ رَعِيَّهْ

ص: 423


1- المزون: جمع مزنة: الغيوم الممطرة.
2- بغزير: بكثير بوافر.
3- الهَرْج: الفتنة و الاختلاط و الهِرْج بالكسر: الأحمق، الضعيف من كلِّ شيء.
4- السَرْمد: الدائم. لَيْلٌ سَرْمَدٌ طويل ، السَّرْمدي: ما لاأول له و لاآخر.
5- تهمي: تَصُبُّ أو تسيل أو تمطر والهميَّة: الضالة التائهة.
6- فَرْنَجُوهُ: جعلوه إفْرَنجياً أي ،فَرَنسياً، والإفرنج هم الفرنسيون. الشظية: يريد أنهم نزعوا منه ساقَهُ و جعلوه بلا قوائم و أصول. فالشظية هى عظم الساق.

هَا هُوَ الشَّعْرُ غَدَا لُعْبَةَ عَاثٍ *** مِثْلَمَا عَاثَ بِبَحْرِ الْعَرَبِيَّهْ(1)

اغْضَبِي لِلْحُبُ قَدْ جَاءَ بِجَلْدٍ *** يَحْمِلُ الْغِلَّ... بِأَيْدِ عَاطِفِيَّهْ(2)

وَ يَمِيناً لِلرِّعَابِ السُّودِ تُرْمَى *** وَ جُسُوراً لِلنَّوَايا(التَّتَرِيَّه)(3)

إغْضَبِي لِلحُبِّ قَدْ جَاءَ بِجَلْدٍ *** يَحْمِلُ الْغِلَّ بِأَيْدِ عَاطِفِيَّهْ

آهٍ... يَا نِعْمَةَ وَهَّابِ الْعَطَايَا *** آهِ يَا أَجْمَلَ إِحْسَاسِ الْبَرِيَّهْ

آهِ يا حُبًّا غَدًا (نُكْتَةَ) لاءٍ *** بَعْدَكِ الْعُمْرُ لَيَالٍ هَا مِشِيَّهْ(4)

إِغْضَبِي لِلأَرْضِ فِي كُلِّ الزَّوَايَا *** تَنْقُصُ الأَرْضُ وَ لَمْ تُبْقِ بَقِيَّهْ

قُلْتُ لِلأَرْضِ: أَهْنِيكِ سَلاماً *** قَالَتِ الأَرْضُ: سَلامَ الهَمَجِيَّهْ

قُلْتُ لِلأَرْضِ: أهنيك... يساراً *** قَالَتِ الأَرْضُ: يَسَارَ الشَّغَبِيَّهْ

قُلْتُ يَا أَرْضُ: أَمِيطِي عَنْ هُمُومٍ *** قَالَتِ: الْجَهْلُ وَ أَمْرَاضٌ خَفِيَّهْ

اِغْضَبِي لِلْحَقِّ مَسْلُوباً مُغَطَى *** يَدَّعِيهِ الْكُلُّ... حَتَّى الْوَثَنِيَّهْ

كُلُّ حِزْبٍ فَرح... فيما لَدَيْهِ *** وَ سِوَاهُ فِي الْجَحِيمِ الأَبَدِيَّهْ

يَا مُزُونَ البَضْعَةِ الزَّهْرَا أَطِلِّي *** إِنْ تَطلي... فَلَقَدْ حِزتِ البَغِيَّهْ

يَا بُنَةَ الْهَادِي و َيَا مِحْوَرَ فِكْرٍ *** أَشْعِلِي دَيْجُورَنَا شَمْساً مُضِيَّهْ

ص: 424


1- عاثٍ: من بالغ في الفساد أو الكبر أو الكفر فهو عاث. و تأتي بمعنى عابث أيضاً. و عاثَ عُثوَّاً: أي بالغ في الفساد أو الكفر أو الكبر.
2- الغِلِّ: الحقد و الغش والغُلّ بالضم: طوق من حديد أو جلد يُجعلُ في اليد أو العنق.
3- الرِّغاب: مفردها الرغيب: الواسع الجوف من الناس وغيرهم.
4- النكتة: النقطة السوداء في الأبيض أو البيضاء في الأسود. الأثر الحاصل من نكتِ الأرض، شبه الوسخ في السيف والمرآة ونحوهما. و النكته أيضاً: المسألة الدقيقة أُخرجت بدقة نظر وامعان فكر. و النُّكته أيضاً: الجملة اللطيفة تؤثر فى النفس انبساطاً. و لَعلَّ الشاعر يريد المعنى الأخير أو ما يشبهه و هي حكاية مختصرة يأتي بها المتحدث ليُضحك بها الآخرين أو قل هي جملة يُراد منها اضحاك الآخرين و لعلها تدخل في باب اللهو لذلك قال (نكتة لاهٍ) و اللاه هو اسم فاعل من لها يلهو لَهْواً فهو لاه. هامشية الهامش: حاشية الكتاب.

(مَسَّنا الضُّرُ) وَ أَثْقَالُ وَ دَهُرٌ *** وَ (اسْتِمانات) لإِثْبَاتِ الْهَوِيَّهْ(1)

أَرْشِدِينا إِنَّنَا حَقَّاً... حَيَارَى *** قَرِّبِينَا... لِلدِّيَارِ الْعَلَوِيَّهْ

أخَذَتْنَا (بَهْرَجَاتٌ) فَاتِنَاتٌ *** مُهْلِكَاتٌ عَنْ تَعَالِيم سَنِيَّهْ(2)

حَرَفَتْنا نَحْوَ بَحْرِ طَلْسَمِيٍّ *** كَيْفَ نَنْجُو مِنْ بُحُورٍ طَلْسَمِيَّهْ؟

بَيْنَ... أَحْلامِ، وَصَوْتٍ فَزَجِيِّ *** وَ حُرُوفِ تَسْلِبُ العَيْنَ الجَلِيهْ

ثُمَّ آمالٍ، وَ قَمْعِ وَ انْتِقَاصٍ *** وَ ابْتِسَامَاتٍ وَ جَلْدٍ وَ أَذِيَّهْ

يَا بْنَةَ الْهَادِي وَيَا أُمَّ أَبِيهَا *** طِبْتِ يَا سَيْدَتِي... نَفْساً زَكِيَّهْ(3)

اعْذُرِينِي إِنْ بَدَتْ مِنِّي هُمُومٌ *** وَ مَآسٍ وَأَحَادِيتٌ شَجِيَّهْ

طَابَ يَوْمٌ لَكِ يَنْسَابُ رَذاذاً *** نَاعِماً كَالهَمْس فِي أُذُنِ صَبيَّهْ

نَاعِماً كَالْبَرَدِ الْغَافِي بِسَفْحٍ *** طَابَ طَعْماً، وَ ارْتَوَتْ مِنْهُ صَدِيهْ(4)

طَابَ يَوْمٌ لَكِ... شَلالاً وَ سِحْراً *** وَ احْتِفَالاً وَأَهَازِيجَ... نَدِيَّهْ(5)

ص: 425


1- استماتات: محاولات مُضنية متعبة خطيرة مستميتة.
2- سَنيَّة: مضيئة جلية.
3- إشارة لما ورد في مقاتل الطالبيين للاصفهاني، ص29. بإسناده إلى جعفر بن محمد عن أبيه صلي الله علیه و آله و سلم إن فاطمة علیها السلام كانت تكنى أم أبيها علیها السلام.
4- صَدِيَّة: عَطِشة.
5- أهازيج: جمع أهزوجة ضرب من الاوزان الشعرية يُتغنى بها وبحر من البحور الشعرية يُقال له «بحر الهَزَج».

(21) خيرة اللَّه

(بحر الخفيف)

الأستاذ المفجع البصري

أَيُّهَا اللأَيْمِيُّ لِحُبِّي عَلِيًّا *** قُمْ ذَمِيما إلى الجَحِيم خِزْيَا

أَبِخَيْرِ الأَنَامِ عَرَّضْتَ لازِلْتَ *** مَذُودا عَنِ الهُدَى مَزْوِيَّا(1)؟

أَشْبَهَ الأَنْبِيَاءَ كَهْلاً وَ زَوْلا *** وَ فَطِيما وَ رَاضِعا وَ غَذِيَّا(2)

كَانَ فِي عِلْمِهِ كَادَمَ إِذْ عُلْمَ *** شَرْحَ الأَسْمَاءِ وَ الْمَكَنِيّا(3)

وَ كَنُوحٍ نَجَّى مِنَ الْمُلْكِ مَنْ سَیَّرَ *** فِي الْفُلْكِ إِذْ عَلاَ الجُودِيَّا(4)

وَ عَلِيٌّ لَمَّا دَعَاهُ أَخُوهُ *** سَبَقَ الحَاضِرِينَ وَ البَدَوِيَّا(5)

ص: 426


1- المذود: السوق و الطرد و الدفع، و في الحديث الشريف: ليذادن رجال عن حوضي أي ليطردن و المذود البعيد المزوي: المطرود.
2- الزول: الغلام الظريف الشجاع الجواد. انظر تعليقة البيت في سبب تسمية القصيدة. الفطيم: مصدر للفعل قطم، و فطم الصبي فصله عن الرضاع فهو مفطوم و فطيم.
3- في البيت اشارة إلى الآية الكريمة «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ...»[البقرة، الآية : 31].
4- الجُودي: بضم الأول و تشديد الياء جبل بآمد و قيل بالجزيرة قرب الموصل و المراد به الموضع الذي استوت عليه سفينة نوح علیه السلام. و في البيت إشارة إلى الآيتين:40 و44 من سورة هود والآية: 28 من سورة المؤمنين. فالشاعر تطرّق في البيت إلى طوفان نوح و السفينة التي صنعها لقومه و الحديث الشريف الآتي: عن انس و عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم مثل أهل بيتي علیهم السلام كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تعلّق بها فاز ومن تخلف عنها غرق. انظر ذخائر العقبي ص20 اسعاف الراغبين 111 ، ينابيع المودّة 27.
5- قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق المجلد12 ورقة62 أ، عن عروة بن الزبير قال: إنّ عليّاً علیه السلام أسلم و هو ابن ثمان سنين. و عن انس بن مالك قال: بعث النبي صلي الله علیه و آله و سلم يوم الاثنين و أسلم علي يوم الثلاثاء و بمثل هذا نقل ابن عساكر سبعين. حديثاً عن خمسة عشر من الصحابة الاجلاء في أنّ الامام علياً علیه السلام أول من آمن باللّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم، أما الطرق التي نقل عنها فهي كثيرة منها عن زرارة و عن مجاهد و عن الحسن بن زيد و عن شريك، و عن الحسن البصري، و عن أبي رافع، وعن أنس بن مالك، و عن ابن عبّاس، و عن أبي أيوب الانصاري، و عن سلمان الفارسي و عن أبي ذر و عن يعلى بن مرّة الثقفي... انظر السنن الكبرى206/6، الاستيعاب1090/3، المستدرك111/3، أسد الغابة17/4 تاريخ الاسلام للذهبي ط193، البداية والنهاية25/3 حيدر آباد، تاریخ بغداد134/1 شرح النهج لابن أبي الحديد116/4، ذخائر العقبى58 ينابيع المودة60 ، كنز العمال 396/6 و400 و 156.

وَ عَلِيُّ قَبْلَ الْبَرِيَّةِ صَلَّى *** خَاضِعاً حَيْثُ لايُعَايَنُ رَیَّا(1)

كَانَ فِي السّلْمِ عَابِداً ذَا اجْتِهَادٍ *** وَلَدى الحَرْبِ ضَيغَماً قَسْوَرِيا(2)

كَانَ لِلطَّعْنِ وَالجِرَاحَاتِ فِي اللَّهِ *** صَبُوراً وَ فِي الحُرُوبِ جَريَّا(3)

ص: 427


1- في البيت اشارة إلى الحديث الشريف عن ابن عباس قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إن أول من صلى معي عليٍّ علیه السلام فرائد السمطين الباب الأول ص47. و عن الحسن الزكي عن اميرالمؤمنین علیه السلام قال:انا عبداللَّه و اخو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و انا الصدّيق الأكبر لايقولها بعدي كاذب مفتري، لقد صليت مع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قبل الناس بسبع سنين و انا أوّل من صلى معه. اسناده من طريق ابن أبي شيبة و ابن ماجه و الحاكم و الطبري و غيرهم، كالحافظ الهيثمي و احمد و أبوعمرو في الاستيعاب و ابن قتيبة في المعارف، و في الخصائص ص2؛ قال النسائي: اخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبدالرحمن قال حدثنا شعبه عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن ارقم قال: أوّل من صلّى مع الرسول صلي الله علیه و آله و سلم علي «رضي الله عنه». انظر شرح النهج4/ 117 و120 البداية و النهاية25/3 ، كفاية الطالب47-50 ذخائر العقبى59 كنز العمال156/6، الاستيعاب1090/3 و1091 و1095، تاریخ ابن عساكر م65/12.
2- الضيغم: الأسد قسوريا: نسبة إلى القسورة و هو العزيز الذي يقهر غيره فيغلبه و منها الآية الكريمة (فرت من قسورة ﴾[المدثر الآية .51] عن ابن أبي الحديد قال : واما العبادة فكان أعبد الناس و اكثرهم صلاة وصوماً ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة. وما ضنّك برجل كانت جبهته كَثِفنَة بعير لطول سجوده. مقدمة الجزء الأول من شرح النهج ص17. القسورة: انثى الأسد.
3- قال ابن عساکر: اخبرنا أبو البركات الانماطي انبأنا أبوالفضل بن خيرون انبأنا ابوالقاسم بن بشران أنبأنا أبوعلي بن الصوّاف انبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، انبأناعون بن سلام، انبأنا أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس إن راية المهاجرين کانت مع علي في المواقف كلّها يوم بدر، ويوم أحد، و يوم خيبر و كذلك يوم الاحزاب، و يوم فتح مكة و لم يزل معه في المواقف كلها. و عن ابن عساكر أيضاً: عن ابن عباس قال: لعلي علیه السلام أربعة خصال، هو أول عربي و عجمي صلى مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم، و هو الذي كان لواؤه في كل زحف، و هو الذي صبر معه یوم المهراس انهزم الناس كلهم غيره، و هو الذي غسله وهو الذي أدخله قبره. انظر ذخائر العقبى 72 نور الابصار77 ينابيع المودة48 حلية الأولياء62/1 ، الاستيعاب1100/3، مجمع الزوائد123/9، كفاية الطالب193، شواهد التنزيل91/1، شرح النهج117/4، تاریخ ابن عساكر م12/ ورقة 74 أ.

كَانَ صَدِّيقَها وَ فَارُوقَهَا الأَعْظَم *** حَقَّاً وَالسَّابِقَ الأَولِيَّا(1)

وَ أَمِيراً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَعْسُوباً *** لَهُمْ يَنْهَجُ الصِّرَاطَ السَّوِيا(2)

ص: 428


1- قال ابن عساكر أخبرنا أبوبكر محمد بن الحسين انبأنا أبوالحسين بن الهندي، انبأنا علي بن عمر بن محمد الحري، انبأنا أبوحبيب العباس بن محمد بن أحمد البري انبأنا ابن بنت السدي يعني اسماعيل بن موسى انبأنا عمر بن سعيد البصري، عن فضيل بن مرزوق عن ابي نخيله، عن سلمان و أبي ذر قالا: أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيد عليِّ علیه السلام فقال: الا ان هذا اول من آمن بي و هذا أول من يصافحني يوم القيامة، و هذا الصديق الاكبر و هذا فاروق هذه الأمّة يفرّق بين الحق و الباطل و هذا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين ينابيع المودة60 كفاية الطالب47، شرح النهج172/9، البداية والنهاية26/3، كنز العمال156/6 و394، تاريخ ابن عساكر م12 ورقة 66 أ، الخصائص3. و عن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: «يا قوم اتبعوا المرسلين»، و حزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال «اتقتلون رجلاً أن يقول ربي اللَّه» و علي بن أبي طالب علیه السلام و هو افضلهم. اخرجه ابن عساكر في تاريخه م12/ورقة 66 ب و 140 ب.
2- عن بريدة الاسلمي، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن نسلّم على عليّ بن أبي طالب علیه السلام بإمرة المؤمنين و نحن سبعة، و انا اصغر القوم يومئذ تاريخ ابن عساكر م12/ ورقة 38 أ، حلية الأولياء 63/1. عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: يا أنس اسكب لي وضوءاً، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: يا أنس اول من يدخل عليك من هذا الباب أميرالمؤمنين علیه السلام و سيّد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين صلى الله عليه و آله و سلم. قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلاً من الانصار و كتمته، إذ جاء علي، فقال -الرسول صلى الله عليه و آله و سلم- من هذا يا أنس؟ فقلت: عليّ علیه السلام. فقام مستبشراً فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، و يمسح عرق عليّ علیه السلام بوجهه قال عليّ علیه السلام: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لقد رأيتك صنعت بي شيئاً ما صنعت من قبل؟ قال -الرسول صلى الله عليه و آله و سلم- و ما يمنعني وانت تؤدي عنّي و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي. انظر كنز العمال157/6، حلية الأولياء63/1 ، ذخائر العقبى70، ينابيع المودة81، شرح النهج169/9، تاریخ ابن عساكر م12/ ورقة 161 ب. عن الامام عليَّ علیه السلام قال: قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: عليّ يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين. اخرجه ابن عساكر أيضاً م 12 / ورقة 138 أ. اليعسوب: امير النحل و ذكرها ثم أطلق على كل رئيس يعسوباً، و اليعسوب السيد و الرئيس و المقدم عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب علیه السلام انت الطريق الواضح وانت الصراط المستقيم.

كَانَ مِثَلَ النَّبِيِّ زُهْداً وَ عِلْماً *** وَ سَرِيعاً إِلَى الْوَغَى أَحْوَذيَا(1)

كَانَ لِلأُمَّةِ الضَّعِيفَةِ كَهْفاً *** كَافِلاً إِنْ ضَاعَ رَاعٍ رَعِيّا(2)

وَ عَلِيُّ مِنْ كَسْبِ كَفَّيهِ قَدْ *** اعْتَقَ أَلفاً بِذَاكَ كَانَ حَرِيَّا

(فَحَبَاهُ فِي خِيرَةِ النِّسْوَانِ *** عُرْسا وَجَنَّةَ وَ صْفِيّا)(3)

ص: 429


1- عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: يا عليَّ علیه السلام ان الله «تعالى» قد زيَّنك بزينة لم تزيَّن العباد بزينة احب إلى اللّه تعالى منها، و هي زينة الأبرار عند الله «عزوجل»، الزهد في الدنيا و وهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً و يرضون بك اماماً. انظر حلية الأولياء71/1، شواهد التنزيل1/ الحديث487، اسد الغابة33/4، كفاية الطالب81 ينابيع المودة146، كنز العمال6/ 159، شرح النهج166/9 تاريخ ابن عساكر م12/ورقة132. الوغى: الحرب، الموت. الأحوذي المشمّر في الامور القاهر لها، الذي لايشذ عليه منها شيء، و الأحوذي الحاد المنكمش في أمور الحسن لسياق الأمور، و يراد به هنا الذي يغلب في الحرب.
2- عن زاذان عن علي انه كان يمشي في الاسواق وحده و هو وال يرشد الضال و يعين الضعيف و يمرّ بالبيّاع و البقَّال فيفتح عليه القرآن و يقرأ «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَايُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا». انظر كنز العمّال6/ 158 و 409، تاریخ دمشق لابن عساكر م12 ورقة 190 أ. و قال الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم مخاطباً اصحابه في شأن الامام علي علیه السلام: «إنه أولكم إيماناً وأوفاكم بعهد الله وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعية وأقسمكم بالسوية وأعظمكم عند الله مزية». انظر كفاية الطالب139، ذخائر العقبى86 ، كنز العمال156/6، تاريخ دمشق م157/12 ب.
3- حبا الشيء: دنا و الحباء العطاء بلا من و لاجزاء، و منه اشتقت المحاباة، و حابيته في محاباة. و المراد بالبيت أن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم اصطفى علياً علیه السلام و خصه بتزويجه فاطمة علیها السلام. في تزويج فاطمة علیها السلام قال الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: يا ابنتي واللَّه ما اردت أن ازوجك إلاخير اهلي ثم قام و خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم. قطعه من حديث طويل اخرجه النسائي في الخصائص32. و عن أحمد بن شعیب قال اخبرنا جرير بن حريث قال اخبرنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد اللّه بن يزيد عن أبيه قال: خطب أبوبكر و عمر فاطمة علیها السلام، فقال رسول اللّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: انها صغيرة فخطبها علي «رضي اللَّه عنه فزوَّجها منه». الخصائص31، كفاية الطالب163، ذخائر العقبى30، الصفي: المختار عن محمد بن نافع بن عجير عن أبيه عن علي رضي اللَّه عنه». قال: قال النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم: امَّا انت يا علي علیه السلام انت صفيّي و أميني. اخرجه النسائي في الخصائص 19.

وَكَذَا كَفَّلَ الإِلهُ عَلِيّاً *** خِيرَةَ اللَّهِ وَارْتَضَاهُ كَفِيّا(1)

فَرْعُ عُودٍ أَغْصَانُهُ حَسَنَاهِ *** زاكياً غَرْسٌ أَصْلُهُ أَبَطحِيَّا(2)

وَ رَأَى جِفْنَةٌ تَفُورُ لَدَيْهَا *** مِنْ طَعَامِ الجِنَانِ لَحْماً طَرِيّا(3)

خِيرَةٌ بِنْتُ خِيرَةٍ رَضِيَ *** اللَّهُ لَهَا الخَيْرَ وَالإِمَامَ رَضِيّا

وَ إِذَا ارْتَاسُ وَالبَتُولُ وَنَجْلاَهُ *** مَعَ المُصْفَى الْكِسَا الحَضْرَمِيّا(4)

ص: 430


1- خيرة اللَّه: يقصد بها الشاعر سيدة النساء فاطمة علیها السلام.
2- ابطحي: من بطح و البطح البسط و البطحاء مسيل فيه دقاق الحصى و البطحاء مكة و المراد به هنا كريم في اصله عريق في حسبه ونسبه وكيف لايكون ذلك و ابوهما وصي رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم وامهما سيّدة نساء العالمين، و جدّهما خاتم الانبياء صلي اللَّه علیه و آله و سلم و المرسلين...!!!
3- الجفنة: القصعة الكبيرة و في الأصل خصت بوعاء الاطعمة. لهذا البيت حديث مشهور. مرَّ ذكره سابقاً في عدة هوامش انظر ذخائر العقبي ص45.
4- ارتاش: التحف. عن عمر بن ابي سلمة ربيب رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قال: نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم «عليه افضل الصلاة والسلام»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا...»في بيت ام سلمة «رضي اللَّه عنها»، فدعا النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام و حسنا و حسينا علیهما السلام فجلَّلهم بكساء و علي خلف ظهره ثم قال: اللَّهم هؤلاء اهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيرا. قالت أم سلمة: و انا معهم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: انت على مكانك وانت على خير. أخرجه الترمذي و قال حسن علیه السلام. اقول ان الحافظ محب الدين الطبري اشار إلى من خرّج هذا الحديث، كمسلم و احمد عن عائشة و عن ابي سعيد الخدري، كما واخرجه الطبراني و غيره. انظر ذخائر العقبى21 كفاية الطالب12 و130 و227 ، اسعاف الراغبين106، ينابيع المودّة107 كنز العمال56-40، المستدرك133/3 شواهد التنزيل17/2، الاصابة 207/4، الخصائص9 و 16.

و بِهِمْ بَاهَلَ النَّبِيُّ فَحَازُوا *** شَرَفاً يَشْرِكُ الرِّقَابَ حَنِيّا(1)

فَعَلَيْهِمْ أَزْكَى وَأَذْكَى صَلَاةٍ *** وَ سَلَامِ يَقْفُو الزَّكِيَا الذَّكِبًا(2)

ص: 431


1- باهل: وابتهل في الدعاء اذا اجتهد ومبتهلا اي مجتهدا في الدعاء والابتهال: التضرّع إلى اللَّه مخلصاً له مع المبالغة في السؤال، والمراد به هنا الاحتجاج، ومنه الآية الكريمة:«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»[آل عمران الآية : 61]. عن حذيفة بن اليمان قال: جاء العاقب والسيد اسقفا نجران يدعوان النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم إلى الملاعنة، فقال العاقب للسيد: ان لاعن بأصحابه فليس بنبي، و إن لاعن بأهل بيته علیه السلام فهو نبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم...!!! فقام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدعا عليّاً علیه السلام فأقامه عن يمينه ثم دعا الحسن فأقامه عن يساره ثم دعا الحسين علیه السلام فأقامه عن يمين عليّ، علیه السلام ثم دعا فاطمة علیها السلام فاقامها خلفه، فقال العاقب للسيد لا تلاعنه انك ان لاعنته لانفلح نحن و لااعقابنا !! فقال: رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لو لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف. انظر شواهد التنزيل126/1، كفاية الطالب52 ، الخصائص67، مسند احمد97/3 حديث1608، الاصابة4 /271 ، غاية المرام300.
2- أخذت هذه الأبيات من قصيدة المفجع البصري والتي تحتوي على (160) بيتاً، والمسماة (قصيدة الأشباه). واقتصرنا على موضع الشاهد.

(22) زهراء علیها السلام أم أبيها صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الشيخ مهدي حسن المصلي(*)(1)

إني احتميتُ بحب جَلَّ باريهِ *** ما خاب من فاطمُ الزَّهراء تَحِميه

يا زهرةَ الكونَ يا لحناً يُردّدهُ *** كُلّ الوُجود یحبِّ في نَواديه

يا زهرةَ الكون يا نوراً أطلَّ على *** الكون الفَسيح فجلى كل ما فيه

منك استمدَّ شُعاعُ الشَّمس رونَقَهُ *** و الرّوضُ منك جمالٌ في نواحيه

يا زهرةً فاحَ منها العطرُ فَانْطَلَقَتْ *** أشذاؤُه لنعيم الخُلْد تَرْويه

أنتِ الجمالُ و أنت الخيرُ أنت على *** درب الهُدى مشعلٌ مَا ضَلَّ رائيه

أنتِ الصِّراطُ وَ خَطُ الحَقِّ سَيِّدتي *** وَمَنْ أَحَبَّكَ فَالرَّحمنُ يُدنيه

يا بَسْمَةَ الكَوْن يَا إشعاع خافقه *** يَا نَسْمَةً عَبقَتْ منْهَا لياليه

***

زَهْرَاءُ أُمُّ أبيها قدوةً خُلقَتْ *** للنَّاس كي يَنْقُذَ الظَّمْآن راويه

ما زلتِ تلقين درساً للنساء وَ هَلْ *** رأيٌ لفاطم يَنْبُو حَدَّ ماضيه

ص: 432


1- (*) هو الأستاذ الفاضل الشيخ مهدي بن الحاج حسن بن الحاج عيسى المصَّلي: ولد في سنة (1383 ه-) في جزيرة تاروت القطيف، أكمل شطراً من الدراسة الأكاديمية، ثم التحق بالحوزة العلمية في قم المقدسة سنة (1400 ه-)، ثم واصل دراسته الحوزوية متنقلاً بين القطيف و الأحساء و سوريا و لايزال يواصل مسيرته العلية في النجف الأشرف، و من مؤلفاته: 1- (رسالة في غسل الوجه) استدلالية مطبوع. 2- (الأصول النقية مخطوط). 3- (ديوان شعر) مخطوط، و له كتابات أخرى و له مشاركات فعالة النوادي الثقافية الدينية و الأدبية.

علمتهنّ دروب الحقِّ واضحةً *** لالبس فيها وأنَّ الله يحمِيه

علمتهنّ لماذا خلقهنَّ و ما *** حُبُّ الإله ليمشي في مراضيه

أنتِ اقتنعتِ بتسبيحٍ على طهرٍ *** عن خادم و الضَّنا بالجسمِ يدويه

لتعلون فعلكِ المعطاء صرخته *** هذا رضا اللَّه في أجلى معانيهِ

***

یا فرحةَ الخلق یا میلاد فاطمةٍ *** ولاك كلّ زوايا الأرض تحييه

طوبي فيا أيها الميلادُ هل سمعت *** أذناك نصاً عن الزَّهراء ترويه

فقال -إي- ذا رسول اللَّه كم نَطَقَت *** شفاهُهُ بحديث الفضل تحويه

هي سادتِ الأجيال وَ انْطَلَقتُ *** إلى العُلا لتدوي في مرافيه

تجيءُ تلتقطُ الأحبابَ فاطمةٌ *** كالطَّير يلقطُ من حَبِّ غواليه

إلى الجنان و قد فازَ الَّذي علقت *** بفضل فاطمةٍ في الحشر أيديه

فإنَّه سائر للخُلدِ تخدمُهُ *** الحورُ الحسانُ و في أعلى مَراقيه

مَنْ كانَ أعماله في النار تلقيه *** لحب فاطمة الزَّهراء يُنجيه

***

زهراءُ إنّي محبّ كل جارحة *** غَنَّتْ فرقت بذكراكِ قوافيه

زهراءُ إِنِّي مُحبٌ ليس معضلة *** عن حبِّك المخصبِ الريَّان تثنيه

زهراءُ إن فؤادي صفة نغماً *** هدية لجمال الكون أهديه

إليك عُمُري و ما أغلاك يا عُمْري *** لكنَّني لكِ يا زهراءُ أفديه

زهراء عبدُك يوم الحشر في خطرٍ *** و العبدُ حقِّ على مولاهُ يحميه

بك أحتمي و بحُبِّ الطُّهر قد فُطمت *** ذرّاتُه من عذاب خابَ صاليه

لا لن تمسَّ ذُيُول النَّار نضرته *** من كانَ حُبُّك من أسْمَى مباديه

ص: 433

ص: 434

الأراجيز

أشارة

ص: 435

ص: 436

(1) حورية إنسية علیها السلام

(بحر الرجز)

أبومحمد المنصور باللَّه

الْحَمْدُ لِلْمُهَيْمِنِ الجَبَّارِ *** مُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ(1)

وَ مُنْشِي الغَمَامِ وَ الأَمْطَارِ *** عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ الْغِزَارِ

***

ثُمَّ صَلاَةُ اللَّهِ خَصَّتْ أَحْمَدا *** أَبَا البَتُولِ وَ أَخَاهُ السَّيِّدا(2)

وَ فَاطِماً وَ ابْنَيْهما سُمَّ العِدَى *** وَآلَهُمْ سُفْنَ النَّجاةِ وَ الهُدَى

***

يا سَائِلِي عَمَنْ لَهُ الإِمَامَهْ *** بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَالزَّعامهْ(3)

ص: 437


1- مكوّر الليل على النهار: مُدْخِل الليل في النهار.
2- في «ينابيع المودة» ج1 ص354 ط الأولى/ انتشارات الشريف الرضي. «... و الآية الثانية: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»... قال: لما نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا اللَّهم صل على محمد و آل محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم...».
3- والأبيات التي تليه: لعل ما جاء في «الكافي للكليني» المجلد الأول ص295 ط الرابعة/ دار صعب -دارالتعارف بيروت «... فلما رجع رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم من حجة الوداع نزل عليه جبرائيل علیه السلام فقال: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» فنادى الناس فاجتمعوا و أمر بسمرات؟ فقمَّ شوكهنّ ثم قال: يا أيها الناس من وليّكم و أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: الله و رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم. فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللَّهم وال من والاه و عاد من عاداه -ثلاث مرات-... فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم و قالوا: ما أنزل الله جلّ ذكره هذا على محمّد قط و ما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه...».

وَ مَنْ أَقَامَ بَعْدَهُ مُقَامَهُ *** وَ مَنْ لَهُ الأمْرُ إِلَى القِيَامَهْ

***

خُذْ نَفَثَاتِي عَنْ فُؤَادٍ مُنْصَدِعْ *** يَكَادُ مِنْ بَثْ وَحُزْنٍ يَنْقَطِعْ(1)

لِحَادِثِ بَعْدَ النَّبِيِّ مُتَّسِعْ *** شَتَّت شمْلَ المُسْلِمِينَ المُجْتَمِعْ

***

الأَمْرُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيُّ المُرْسَلِ *** مِنْ غَيْرِ فَصْلِ لابْنِ عَمِّهِ عَلِي

كَانَ بِنَصِّ الوَاحِدِ الفَرْدِ العَلِي *** وَ حُكْمِهِ عَلَى العَدُوِّ وَ الوَلِي

***

وَ الأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ مَشْهُورُ *** فِي النَّاسِ لامُلغَى وَ لاَمَسْتُورُ

وَ كَيْفَ يُخْفَى مِنْ صَباحٍ نُورُ؟ *** لَكِنْ يَزِلُّ الخَطِلُ المَحْسُورُ(2)

ويقول فيها:

وَكَانَ فِي البَيْتِ العَتِيقِ مَوْلِدُهْ *** وَ أُمُّهُ إِذْ دَخَلَتْ لاَتَقْصِدُهْ(3)

وَ إِنَّما إِلَهُهُ مُؤَيَّدُهْ *** فَمَنْ نَفَاهُ فَالجَحِيمُ مَوْعِدُهْ

***

ثُمَّ أَبُوهُ كَافِلُ الرَّسُولِ *** وَ مُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ التَّنْزِيلِ(4)

ص: 438


1- منصدع: منشق مكسور.
2- الخَطِل: الأحمق، ذوالكلام الكثير الفاسد، ذوالمنطق المضطرب.
3- في كتاب «المناقب» ج2 ص173 «... فلما قربت ولادته أتت فاطمة علیها السلام إلى بيت اللَّه و قالت: ربي إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل و كتب مصدقة بكلام جدي إبراهيم فبحق الذي بنى هذا البيت و بحق المولود الذي في بطني لما يسرت عليّ علیه السلام ولادتي فانفتح البيت و دخلت فيه فإذا هي بحواء و مريم و آسية و أم موسى و غيرهن فصنعن مثل ما صنعن برسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم وقت ولادته فلما ولد سجد على الأرض...».
4- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج1 ص35 «...كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حجر عبدالمطلب فلما أتى عليه اثنان و مائة سنة و رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ابن ثمان سنين جمع بنيه و قال: محمد صلى الله عليه و آله و سلم يتيم فآووه و عائل فأغنوه احفظوا وصيتي فيه. فقال أبولهب: أنا له؟ فقال: كف شرّك عنه. فقال عباس: أنا له؟ فقال: أنت غضبان لعلك تؤذيه فقال أبوطالب أنا له؟ فقال: أنت له يا محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم أطع له، فقال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: يا أبه لاتحزن فإن لي رباً لايضيعني فأمسكه أبوطالب في حجره و قام بأمره يحميه بنفسه و ماله و جاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة و من غيرهم من أعمامه ومن العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوَّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم».

فِي قَوْلِ أَهْلِ العِلْمِ وَ التَّحْصِيلِ *** فَهَاتِ فِي آبَائِهِمْ كَفِيلي

***

وَ أَمُّهُ رَبَّتْ أَخَاهُ أَحْمَدا *** وَاتَّبَعَتْهُ إِذْ دَعَا إِلَى الهُدَى

فَكَمْ دَعَاهَا أُمُّهُ عِنْدَ النَّدا *** وَ قَامَ فِي جِهَازها مُمَجّدا

***

الْبَسَها قَمِيصَهُ إِكْرَامًا *** وَ نَامَ فِي حَفِيرِها إعْظاما

وَ مَدَّ لِلْمَلائِكِ القِياما *** حَتَّى قَضَوْا صَلاتها تَمَاما

***

وَ هُوَ الَّذِي كَانَ أَخاً لِلْمُصْطَفَى *** بِحُكْمِ رَبِّ العَالَمِينَ وَ كَفَى

وَ اقْتَسَما نُورَهُما الْمُشَرَّفا *** فَاعْدِدْ لَهُمْ كَمِثْلِ هذا شَرَفا(1)

***

وَ زَوْجُهُ سَيدة النساءِ *** خَامِسَةَ الْخَمْسَةِ فِي الْكِسَاءِ(2)

ص: 439


1- في كتاب «إرشاد القلوب» ص403: «...إن اللَّه خلقني و خلق علياً علیه السلام و لاسماء و لاأرض و لاجنة و لانار و لالوح و لاقلم و لما أراد اللَّه عزّ وجلّ بدو خلقنا فتكلّم بكلمة فكانت نوراً ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحاً فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعلياً علیه السلام منهما...». راجع: بحار الأنوار ج 43 ص 17 ح16.
2- في كتاب «المناقب» ج3 ص346 ط، المطبعة العلمية (والأبيات التي تلته). عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم: و عقد جبرئيل و ميكائيل في السماء نكاح علي و فاطمة علیهما السلام فكان جبرئيل المتكلم عن علي علیه السلام و ميكائيل الراد عنّي. و في حديث خباب بن الأرت. إن الله «تعالى» أوحى إلى جبرئيل علیه السلام: زوّج النور من النور و كان الولي اللَّه و الخطيب جبرئيل و المنادي ميكائيل و الداعي إسرافيل و النائر عزرائيل و الشهود ملائكة السماوات و الأرضين...».

أَنْكَحَها الصِّدِّيقُ فِي السَّمَاءِ *** فَهَلْ لَهُمْ كَهْذِهِ العَلْيَاءِ؟

***

اللَّهُ فِي إنْكَاحِهَا هُوَ الوَلِي *** وَ جِبْرَئِيلُ مُسْتَنابٌ عَنْ عَلِي

وَ الشُّهَداءُ حَامِلُو العَرْشِ العَلِي *** فَهَلْ لَهُمْ كَمِثْل ذَا فَاقْصُصْهُ لِي؟

***

حُورِيَّةٌ إنْسِيَّةٌ سَيَّاحَهْ *** خَلَقَها اللهُ مِنَ التَّفَّاحهْ(1)

وَأَكْرَمَ الأَصْلَ بِهَا لِقَاحَهْ *** فَهَلْ تَرَى إِنْكَاحَهُمْ إِنْكَاحَهْ؟

***

وَابْناهُ مِنْهَا سَيِّدا الشَّبابِ *** وَابْنَا رَسُولِ اللَّهِ عَنْ صَوَابِ

مُرْتَضِعا السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ *** فَهَلْ لَهُمْ كَهْذِهِ الْأَسْبَابِ

***

هُما إمامانِ بنّصُ أَحْمَدا *** إذ قال: قاما هكذا أَوْ قَعَدا

إِذْ وَخَصَّ فِي نَسْلِهِما أَهْلَ الهُدَى *** أَئِمَّةَ الحَقِّ إِلَى يَوْمِ النِّدا(2)

***

ص: 440


1- في ذخائر العقبي ص36 ط/ مؤسسة الوفاء. عن عائشة قالت: قلت يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبلتها حتى تجعل لسانك في فيها كله كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما نزلت واقعت خديجة سلام الله علیها، ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة، و هي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها». انظر: ينابيع المودة ج1 ص233. و توجد في لسان الميزان ج160/5.
2- أخذناها من أرجوزة لشاعرنا المنصور في الإمامة و هي قيمة جداً تشتمل على (708) بيتاً. انظر الغدير ج5 ص418.

(2) زَينُ الجِنَانِ

(بحر الرّجز)

ديك الجن الحمصي

إِنَّ الرَّسُول لَمْ يَزَلْ يَقُولُ *** وَ الخَيْرُ ما قالَ بِهِ الرَّسُولُ

إِنَّكَ مِنِّي يا عَلِيَّ الأَبِي *** بِحَيْثُ مِنْ مُوساه هرونُ النَّبِي(1)

لكِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي *** فَأَنْتَ خَيْرُ العَالَمِينَ عِنْدِي

وَ أَنْتَ مِنِّي الزِّرُّ مِنْ قَمِيصِي *** وَ مَا لَمِنْ عَادَاكَ مِنْ مَحِيصِ(2)

وَ أَنْتَ لِي أَخٌ وَأَنْتَ الصِّهْرُ *** زَوَّجَكَ الَّذِي إِلَيْهِ الأَمْرُ

رَبُّ العُلى بِفَاطِم الزَّهْراءِ *** ذَاتِ الهُدَى سَيِّدَةِ النِّسَاءِ

أَوَّلُ خَلْقٍ جَاءَ فِيهَا خَاطِبا *** عَنْكَ إِلَيَّ جَائِياً وذاهِبا

وَ قَالَ: قَدْ قَضَى إِلهُكَ العَلِي *** بِأنْ تُزَوِّجَ الْبَتُولُ بِعَلِي(3)

ص: 441


1- الشطر الأول يشير به إلى ما ورد عن الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: (أنت مني وأنا منك) راجع ألأحاديث المتعددة. هذا الشأن في الخصائص للنسائي ص36. و الرياض النضرة ج202 و كنوز الحقائق للمناوي ص37 و كنز العمال ج123/3 و مشكل الآثار للطحاوي ج174/4. أما الشطر الثاني من هذا البيت فلعله اشارة إلى قول النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لعلّي علیه السلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لانبيِّ بعدي) راجع مجمع الهيثمي ج9 ص111 و كنز العمال ج6 ص154 و خصائص النسائي ص19 و صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، و مسند ابن حنبل، و الطحاوي في مشكل الآثار و صحيح مسلم، و أسد الغابة ج4 ص26 و مصادر هذا الحديث كثيرة جداً و هو من الأحاديث المتواترة، ذكرنا بعضها.
2- المحيص: المهرب.
3- ورد في الأحاديث أنَّ الله «تعالى» أمر النبيّ صلي اللّه علیه و آله و سلم بتزويج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام حيث أنه صلي اللّه علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: «يا علي علیه السلام إنَّ الله أمرني أن أتخذك صهراً راجع ذخائر العقبى ص86: و جاء عنه صلي اللّه علیه و آله و سلم عن علي علیه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم إن اللَّه يقرأ عليك السلام و يقول لك: إني زوّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملا الاعلى، فزوجها منه في الأرض». راجع ذخائر العقبى ص31 و راجع في هذا المضمار كنز العمال204/9، و مجمع الهیثمي ج204/9 و فيض القدير للمناوي ج2 /215، و كنوز الحقائق ص29، و راجع الرياض النصرة ج2 ص183و صواعق ابن حجر ص84 و 85.

فَزَيَّنَ الجَنَّاتِ أَحْلَى زِينَهْ *** وَ اجْتَلَتِ الحُورُ عَلَى سَكِينَهْ

وَلاَحَتِ الأَنْوَارُ مِنْهُ السَّاطِعَهْ *** وَصَفَّ أَمْلاكَ السَّمَاءِ السَّابِعَهْ

وَ قُمْتُ عَنْ أَمْرِ إِلهِي أخطبُ *** فِيهِمْ وَأَعْطَاهُمْ كَمَا قَدْ طَلَبُوا(1)

ثُمَّ قَضَى اللَّهُ إِلَى الجِنَانِ *** أَنْ يُجْتَنَى الدَّانِي مِنَ الأَغْصَانِ(2)

فَأَمْطَرَتْهُمْ حُلَلاً وَحُلْيا *** حَتَّى رَعَوْا ذُلِكَ مِنْهَا رَعْيا(3)

فَمَنْ حَوَى الأَكْثَرَ مِنْهُنَّ افْتَخَرْ *** بِالفَضْلِ فِيمَا حَازَهُ عَلَى الأَخَرْ

فَرُدَّ مَنْ يَخْطُبُ فَاللَّهُ قَضَى *** بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلْمُرْتَضَى(4)

وَ قَدْ حَبَانِي مِنْكُمُ السِّبْطَيْنِ *** هُمَا بِحُلْي العَرْشِ كَالقُرْطَيْنِ(5)

فَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَدْحَباً *** لِخَمْسَةِ الأَشباح أَصْحَابِ العَبا(6)

ص: 442


1- ربما يشير إلى خطبة الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم عند تزويجه علي بفاطمة علیها السلام و لقد وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة نذكر منها: الرياض النظرة ج2 ص183. و ذخائر العقبى ص29. و صواعق ابن حجر ص84-85 فراجع.
2- يُجْتَنى: يُتناول.
3- في هذا المعنى ورد عن الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: «... ثمَّ امَرَ الجنان فحملت الحلي والحلل ، ثمَّ امْرَها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم شيئاً يومئذ أكثر مما أخذه غيره افتخر به إلى يوم القيامة... راجع حلية الأولياء لأبي نعيم ج5 ص59، و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج4 ص128؛ و راجع بهذا المعنى أيضاً ذخائر العقبي للطبري ص32. و قريب منه راجع الرياض النضرة ج2 ص184. و قريب منه أيضاً راجع أسد الغابة ج2 ص358 و ج1 ص206، و تاريخ بغداد ج4 ص210. و صواعق ابن حجر ص103.
4- المرتضى: لقب من ألقاب الإمام علي علیه السلام.
5- السبط: واحد الأسباط ، و هو ولد الولد و يريد بها الحسن و الحسين علیهما السلام.
6- حبا: أعطى؛ و اصحاب العبا هم المعروفون بأصحاب الكساء و هم: النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم و الإمام علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و يقصد في «خمسة الأشباح» ما جاء في الأحاديث الكثيرة ومنها ما ورد عن رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: إن اللَّه خلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام... إلى ان قال... قلت : على أيّ مثال؟ قال: أشباح نور...». لقد ورد هذا الحديث من طرق -متعددة فمنها: فرائد السمطين36/1 ح1، و غاية المرام، 5 ح1 و ص15 ح1 ، و أرجح المطالب461، و الاحقاق203/9 و ص253، و تأويل الآيات137/1 ح16 ، و البرهان392/12 ح5، و علل الشرائع 208 ح11، و البحار7/15 ح7 و ج35 ص34 ح32 و ج43/57 ح16، ح154 ، و مدينة المعاجز203 و 237 ، و حلية الأبرار: 494/1 ، و دلائل الإمامة: 59 ، و مقتضب الأثر و الجواهر السنية، و الكافي و غيرها.

هُمُ لِمَنْ والاهُمُ أَمَانُ *** إِذْ كَانَ فِيهِمْ يَكْمُلُ الْإِيْمَانُ

وَ هُمْ يَدْعُونَ الَّذِي لَهُمْ قَلَى *** لِلنَّارِ دعاً حَيْثُ كَانَ المُصْطَلَى(1)

وَ هُمْ هُداةُ الخَلْقِ لِلرَّشادِ *** وَ الفَوْزُ فِي المَبْدَا وَالمَعَادِ(2)

ص: 443


1- قلى: أبغض و المصطلى: المشتعل. دغَّه: دفعه دفعاً عنيفاً و بجفوة، و منه قوله سبحانه:«فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ» [سورة الماعون، الآية: 2] و قوله تعالى: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا» [سورة، الطورالآية: 13].
2- ديوان ديك الجن الحمصي ص57.

(3) خامس الأطهار علیهم السلام

(بحر الرجز)

الشيخ سلطان علي الصابر(*)(1)

حَديثُنا عَنْ جابِرِ الْأَنْصَارِي *** فَاصْغِ لَهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَطْهَارِ

قالَ: رَوَتْ سَيِّدَةُ النِّساءِ *** حَديثَهَا المَوْسومَ بِالْكِساء

تَقولُ: جاءَ سَيِّدُ الْأَنامِ *** يَزورُني يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ

فَقالَ لي: في بَدَني ضَعْفاً أَرى *** جِئْتُ أَذوقُ عِنْدَكِ طيبَ الْكَرى(2)

فَقُلْتُ: بِاللُّطْفِ وَبِالْإِحْسانِ *** أُعِيذُكَ بِالْمَلِكِ الْمَنّانِ

فَقالَ: یا بِنْتاهُ ناوِليني *** ذاكَ الْكِسَاءَ وَبِهِ غَطَّيني

وَقَدْ أَتَيْتُ بِالْكِسَا الْيَماني *** وَفِيهِ غَطَّيْتُ سَنَا الْإِيمَانِ

ثُمَّ تَلألأ وَجْهُهُ كَالْبَدْرِ *** في لَيْلَةِ الْكَمالِ بَعْدَ الْعَشْرِ

وَما قَضَيْتُ ساعَةً مِنَ الزَّمَنُ *** إلا رأيت قادماً إبني الْحَسَنْ

فَجاءَ نَحْوي ولَدي مُسْلِّماً *** فَقُلْتُ: أَقْدِمُ يا فُؤادي مُكْرَما

فَقالَ: يا أُمّاهُ بِنْتُ الْخِيَرَة *** في بَيْتِنا أَشَمُّ ريحاً عَطِرَة

طَيِّبَةً فَيالَها مِنْ رائِحَة *** كَأَنَّها مِنْ طِيبِ جَدّي فائِحَة

ص: 444


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- الكرى: النعاس أو النوم.

قُلْتُ: نَعَمْ يا وَلَدي تَحْتَ الْكِسا *** جَدُّكَ ذا فِيهِ تَغَطّى وَاكْتَسَى

فَجاءَ نَحْوَهُ ابْنُهُ مُبْتَسِماً *** كَمَنْ رَأى أمامَهُ بَدْرَ السَّما

ما إِنْ دَنَا السِّبْطُ لَدَيْهِ وَقَفا *** مُسَلِّماً عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى

فَفاهَ بِالْمَدْحِ لَهُ لَمْ يَحِدِ *** فَأَطْرَبَ الأَفْنَانَ وَالْغُصْنَ النَّدي(1)

فَقالَ: یا جَدّاهُ هَلْ تَأْذَنُ لي *** أَنْ أَدْخُلَ الْكِسا لِنَيْلِ الْأَمَلِ؟

أَجابَهُ هَيّا إِلَيَّ أَسْرَعِ *** نَعِمْتَ عَيْناً وَلَدَي فَكُنْ مَعي

***

ثمَّ أتاني ثانِيُ السِّبْطَيْنِ *** مُهْجَةُ قَلْبِ سَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ

مُبَجِّلاً لي بَهْجَةُ الأَزْمَانِ *** مُسَلِّما يُبْدِيهِ بِالْإِحْسَانِ

فَقَالَ لي مُذْ شَمَّ تِلْكَ الرَّائِحَة *** ذا طيبُ جَدّي وَشَذاهُ فائِحَة

قُلْتُ: نَعَمْ جَدُّكَ ذا شَمْسُ الْعُلَى *** وَذا أخوكَ فِي الْكِساءِ دَخَلا

فَجَاءَ نَحْوَ جَدِّهِ مُسَلِّما *** حَتَّى يَفوزَ بِالْكِسا وَيَنْعَمَا

ماسَ دَلالاً يَنْثَنِي وَيَمْدَحُ *** كَبُلبُلٍ فَوْقَ الْغُصونِ يَصْدَحُ

فَقَالَ: يَا جَدَّاهُ هَلْ تَأْذَنُ لي *** فَأَكْتَسِي عِندَكُما يا أَمَلي

قالَ: أَذِنْتُ لَكَ يا رَجايا *** وَنورَ عَيْني شافِعَ الْبَرايا

فَأَفْسَحَ الْمَجَالَ في ذاكَ الْكِسا *** ثُمَّ دَنَا السِّبْطُ إِلَيْهِ وَاكْتَسَى

***

ثُمَّ أَتى مِن بَعْدِهِ الْوَصِيُّ *** ذاكَ الْإِمَامُ الْمُرْتَضى عَلِيُّ

ص: 445


1- الأفنان: أغصان الأشجار.

فَقالَ لي: يا بِنْتَ خَيْرِ الْبَشَرِ *** أَراكِ مُسْتَبْشِرَةً فَأَبْشِري

ما هذِهِ الرّائِحَةُ المُعَطَّرَة *** أَشَمُّها في بَيْتِكِ مُنْتَشِرَة

فَطالَما شَمَمْتُ تِلْكَ الرّائِحَة *** مِنِ ابْنِ عَمّي وَحَبيبي فائِحَة

قُلْتُ: نَعَمْ تَحْتَ الْكِساءِ هذا *** وَإِنَّ شِبْلَيْكَ بِهِ قَدْ لاذا

فَمُذْ رَأى أنَّ أباها عِنْدَها *** وَجْهُهُ بِالْبُشْرِ أَنَارَ وَازْدَهَى

ثُمَّ دَنا أَبُو الْأَئِمَّةِ الْهُدَى *** مُسَلّماً عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى

مُسْتَأْذِنَا مِنْ سَيِّدِ الْأَنامِ *** ذِي الْعِزِّ والإِجْلالِ والْإِكْرامِ

قالَ: نَعَمْ أَبَا الْهُداةِ الْخِيَرَة *** وَوارِثي مِنَ الْكِرامِ الْبَرَرَة

أَنْتَ أَخي شارِكْني في كِسائي *** طوبى لِمَنُ في يَدِهِ لِوائي

فاغْتَنَم الفَخْرَ بِهَذَا السُّؤْدَدِ *** حِينَ اكْتَسَى لَدَى النَّبِيِّ الأَمْجَدِ(1)

فَتابَعَتْ فاطِمُ سَيْرَ الْخَبَرِ *** لِتَقْتفي لِما لَهُمُ فِي الْأَثَرِ

لِذا دَنَتْ نَحْوَ الْكِسا مُسَلِّمَة *** قالَ ادْخُلي مَحْبُوَّةً مُكَرَّمَة

أَلْفُ سَلامٍ وَجَميلُ مِدْحَتي *** عَلَيْكِ مِنّي ابْنَتي وَبَضْعَتي

رَيْحانَتي هَيّا إلَيَّ وَادْخُلي *** مَحْبُوَّةٌ أَنْتِ بِهِ فَأَكْمِلي

وَدَخلتْ تحتَ الْكِساءِ فاطِمَة *** خامِسَةً لهم بذاك خاتِمَة

وَعِنْدَمَا الْجَمِيعُ فيهِ اجْتَمَعوا *** فَشَعَّ بِالْأَنْوَارِ ذاكَ الْمَوْضِعُ(2)

ثُمَّ تَقولُ إِذْ بِهِ أَحَلَّنا *** أَظْهَرَ لِلْأَنَامِ فَرْضَ حُبِّنا

فَأَوْمَا إلَى السَّماءِ راجِياً *** بِرَفْعِهِ طَرْفَ الْكِسَاءِ داعِيا

فَقالَ: رَبِّ هؤلاءِ عِشْرَتي *** وَأَهْلُ بَيْتي وَأَعَزُّ أَسْرَتي

ص: 446


1- السؤدد: الرفعة والسمو.
2- الجميع: هم الرسول محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم وأهل بيته الإمام علي وفاطمة وإبناهما الحسن والحسين علیهم السلام أجمعين.

أَبْدانُهُمْ مِنْ بَدَني حَيْثُ تَرى *** وَدَمُهُمْ مِنْ دَمي أَيْضاً قَدْ جَرى

فَكلّ ما يُؤْلِمُهُمْ يُؤْلِمُني *** وَكُلُّ ما يُحْزِنُهُمْ يُحْزِنُني

فَإِنَّني حَرْبٌ لِمَنْ حارَبَهُمْ *** وَإِنَّني سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَهُمْ

كَما أُعادي كُلَّ مَنْ عاداهُمُ *** كَما أُوالي كُلَّ مَنْ والاهُمُ

هُمُ الْغِياثُ لا غِنَاءَ عَنْهُمُ *** وَهُمْ كَنَفْسي أَنَا أَيْضاً مِنْهُمُ

فَاجْعَلْ عَلَيْنَا رَبَّنَا الْغُفْرانا *** وَرَحْمَةً مِنْكَ كَذَا الرِّضْوانا

وَمِنْ لَدُنْكَ صَلَواتٌ واصِلَة *** توصِلُها في بَرَكاتٍ حافِلَة

وَأَذْهِبِ الرِّجْسَ إِلهَ النَّاسِ *** وَطَهِّرِ الْجَمْعَ مِنَ الأَدْنَاسِ(1)

ثُمَّ دَعَا لِكُلِّ مَنْ وَلانَا *** فَنَشْكُرُ الْبارِي بِما أَوْلانا

فنودِيَ الْأَمْلاكُ حِينَ اجْتَمَعوا *** مِنْ صاحِبِ الْعَرْشِ أَلا فَاسْتَمِعوا

أنْبِتُكُمْ مَعَاشِرَ الْأَمْلاكِ *** لَوْلاهُمُ لَمْ أَخْلُقَنْ أَفْلاكي

وَلا سَماخَلَقْتُها مَبْنِيَّة *** وَلَيْسَ أَرْضٌ هَكَذا مَدْحِيَّة

وَلا تَرَوْنَ قَمَراً مُنِيراً *** وَلَيْسَ شَمْسٌ لِتُضِيءَ نورا

وَلا خَلَقْتُ فَلَكاً يَدورُ *** وَلا تَدورُ فِي الْفَضا بُدُورُ

وَلَيْسَ ماءٌ فِي الْبِحارِ يَجْري *** كَلاّ وَلا فُلْكُ الْبِحَارِ تَسْري

وَلَمْ يَكُنْ إلاّ لِحُبّي وَالْوِلا *** لِهَؤُلاءِ الْخَمْسِ ساداتِ الْمَلا

فَقالَ جَبْرَئيلُ يَا رَبَّ الْعُلَى *** أَخْبِرْني يا مَوْلايَ مَنْ هُمُ الْأُلى

قالَ نَعَمْ هُمْ دَوْحَةُ النُّبُوَّة *** وَمَعْدِنُ التَّنْزِيلِ وَالْفُتُوَّة

هُمْ فاطمٌ وَضَيْفُها أبوها *** وَبَعْلُها بِجَنْبِه بَنُوها

قالَ الْأَمينُ أَفَهَلْ تَأْذَنُ لي *** أَنْ أَهْبِطَ الْأَرْضَ لِذاكَ الْمَحْفِلِ؟

ص: 447


1- الأدناس: مفردها الدنس و هو الوسخ القذر.

حَتّى أَكونَ فِي الْكِساءِ سادِسا *** مُقْتَبِساً مِنْ نُورِهِمْ مَقابِسا

قالَ أَذِنْتُ لَكْ يا جِبْريلُ *** بَلِّغْ سَلامي مِلؤُه التَّبْجيلُ

وَقُلْ: بِلُطفٍ الْعَلِيُّ ذُو الْعُلى *** يَخُصُّكُم بِالْفَضْلِ مِنْ دونِ الْمَلا

فَهَبَطَ الْأَمينُ جَبْرَئيلُ *** يَحُفُّهُ السَّلامُ وَالتَّبْجِيلُ

وَاسْتَأْذَنَ الدُّخولَ مِنْ مُحَمَّدِ *** لِكَيْ يُباهي بِعَظِيمِ السُّؤُدَدِ

قالَ: أَذِنْتُ، لَكَ أنْ تُباهي *** فَكُنْ مَعي أمِينَ وَحْيِ اللَّهِ

فَدَخَلَ الْكِسَاءَ بِالتَّبْشِيرِ *** وَكانَ يَتْلو آيةَ التَّطْهِيرِ

فَقالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْحاها *** طوبى لِمَنْ فازَ بِها فَباها(1)

قَالَ عَلِيٌّ لِلرَّسولِ الْأَعْظَمِ *** فَما لَنا عِنْدَ الْإِلهِ الْمُنْعِم

قالَ يَمِيناً بِالَّذِي اصْطَفاني *** وَاخْتَارَني بِالْوَحْيِ وَاجْتَباني

إذا جَرى حَديثُنا في مَحْفِلِ *** وَاسْتَشْفَعوا بِنا لِنُجْحِ الْأَمَلِ

إلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ كانَتْ واصِلَة *** وَفيهِمُ حَفَّتْ جُنودٌ نازِلَة

وَاسْتَغْفَرَتْ لِلْجَمْعِ ما تَطَرَّقوا *** في ذِكْرِنَا حَتَّى إِذا مَا افْتَرَقوا

وَمَنْ يَكُن في جَمْعِهِمْ مُهْموما *** يَرْفَعُ عَنْهُ الْكَرْبَ وَالْهُمُوما

أَوْ كانَ فيهِمْ أَحَدٌ مَغْموما *** يَكْشِفُ عَنْهُ الْحُزنَ وَالْغُمُوما

وَكُلُّ طالِبٍ لِحاجَةٍ دَعا *** إلاّقَضَى اللَّهُ لَهُ وَاسْتَمَعا

قالَ عَلِيٌّ فَوَرَبِّ الْكَعْبَةِ *** فُزْنا إِذاً وَفازَتِ الْأَحِبَّة

فاحَ شَذاهُ ما رَوَتْهُ فَاطِمَة *** نُطْفي بِها حَرَّ الْجَحِيمِ الْحَاطِمَة

مُذْ شَعَرَتْ زَوْجَتُهُ الْمُكَرَّمَة *** قَدْسُعِدَ الْخَمْسُ بِتِلْكَ الْمُكْرُمَة

فَأَقْبَلَتْ إِلَى الْحَبِيبِ فَعَسَى *** أَنْ تُدْرِكَ الدُّخُولَ في ذاكَ الْكِسا

ص: 448


1- طوبى: على وزن (فعلى)، من الطيّب قلبوا الياء واواً لضمة ما قبلها. (وطوبى) اسم شجرة في الجنة.

أَجابَها حِينَ دَنَتْ مُسَلِّمَة *** أَنْتِ بنفسِ الخير أُمْ سَلَمَة

وَفِي الْخِتَامِ يَسْأَلُ الرَّحْمانا *** عَبْدُهُمُ مَنْ يُدَّعَى سُلْطانا

أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ الزَّلاّتِ *** وَيَدْرَأَ الْهُمُومَ وَالْعِلاّتِ(1)

وَيَغْفِرَ اللَّهُ لِرَاعِي الْمَحْفِلِ *** وَقارِىءِ الْحَدِيثِ وَالْمُحْتَفِلِ

أَلْفُ سَلامٍ وَصَلاةٍ عَطِرَة *** عَلَى النَّبِيِّ وَالكِرامِ البَرَرَة

ص: 449


1- يدرأ: يدفع.

(4) جوهرة الرحمن

(بحر الرجز)

سليمان ظاهر

هل كانَ في النّساءِ مثلُ فاطمِ **** في غابرٍ وحاضرٍ وقادمِ؟

أختُ البتولِ مريمِ الّتي ارتقى *** جلالُها عن وصمةِ اللوائمِ

في حَرَمِ الوحيِ وفي حجرِ التقى *** قد نشأت في أمنعِ المحارمِ

سيّدةُ أعظِمْ بها سيّدةً *** كان لها جبريلُ خيرُ خادمِ

جوهرةٌ نظَّمَها الرحمن في *** سمطِ العلى أعظِمْ به من ناظمِ(1)

وحسبُها فخراً بأنّ الفخرَ لا *** يُعزى إذا يُعزى لغيرِ الفاطمِ

معصومةٌ أُمٌّ لمن نفوسُهُم *** لم تنوِ حتّى لمم المآثمِ

ولو بها بناتُ حوّاء اقتدتْ *** ما وُلِدت من آثمِ وجارمِ

ولوسبيلَها سلكنَ في العلى *** لم يلدنْ غيرَ الأبيِّ الحازمِ

ولو تقاسَمْنَ تُقاها لم يكنْ *** في النّاس من يصبُو إلى المحارمِ

ماكانتاآسيةٌ ومريمُ *** لتدركا في الفخرِ شأو فاطمِ(2)

من قاسَ فيها غيرَها كان كمنْ *** راح يَقيسُ الدوَّ بالنعاثمِ(3)

مخلوقةٌ من جوهرِ الفضلِ الذي *** عنه تشظَّى صدفُ المكارمِ

ص: 450


1- السمط: الخيط ما دام فيه الخرز ، وإلاّ فهو سلك. «مختار الصحاح».
2- شأو: (الشأو) الغاية والأمد.
3- الدو: المفازة. والنعاثم منازل القمر، تشبه بالنعامة وهي ثمانية أنجم.

مشتقةٌ من نبعةِ الوحي و لم *** تنشأ بغيرِ حرمِ الفواطمِ(1)

كانتْ ضياءَ قبلَ أن ينشقَّ عن *** وجه الوجودِ سُدف الكمائمِ

و حسبُها بأنّهاخامسةٌ *** لخمسةٍ هم خيرُ ولدِ آدمِ

و من تكنْ والدةُ السبطين و *** التسعةُ غوثُ الخلقِ في العظائمِ

أئمةُ النَّاسِ وجحدُ فضلِهم *** جريمةٌ من أعظمِ الجرائمِ

إن جهلتْ أقدارُهم فطوْلُهم *** بادٍ على الأشرافٍ و الأعاظمِ

والأرضَ إن تجهل بها أقدارُهُم *** ففي السماءِكم بها من عالمِ

ما كانَ إلا ناشراً حديثَهُم *** و فضلَهم في الكونِ كلَّ كاتمِ

و زوجةُ الوصيَّ و ابنةُ الذي *** كانَ لرسلِ اللَّه خيرَ خاتمِ

و بنتُ من قد أسلمتْ و أحمد *** ليس لهُ في الخلقِ من مسالمِ

فهل لها في الفخرِ من مشاركِ *** و في العلاء المحضِ من مسالمِ

قد ذهبتْ في طرفي كلّ علاً *** و من مزايا الفضلِ بالكرائمِ

من لم يكنْ بها و في أبنائِها *** معتصماً فماله من عاصمِ

صلّى عليها اللَّهُ ما أومضت بروقُ *** و انحلّت عرى الغمائمِ(2)

ص: 451


1- في لسان العرب: الفواطم اللائي ولدن النبي قرشيّة و قيسيتان و يمانيتان و أزدية و خزاعية.
2- الذخيرة إلى المعاد في مدح محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم وآله الأمجاد؛ ص198، 199، 200.

(5) طَريقُ الكَمَال

(بحر الرجز)

شفيق عبد القادر

الشيخ علي أبو المكارم

بسمِ الإلهِ الرَّاحِم الرَّحيمِ *** خَالق هذا العَالَمِ العَظيمِ

فَاتِحِ بَابِ الرَّحمةِ البَدِيعِ *** رَبِّ كريمٍ مُبصِرٍ سَمِيعِ

مَنْ يَكشِفُ الضُّرَّ وَيُذهِبُ الحَزَنْ *** مُقتَدِرُ بالعِزّ قَطُ لم يُعَنْ

وَ كُلُّ شيءٍ كائنٌ بقولِهِ *** «كُنْ» لَيسَ يَمضي أبداً عَنْ حولِهِ

أعلى مقامَ العَابدينَ صِدقا *** لهمْ بيومِ الحشرِ خَيرٌ يَبقى

وَ أركَسَ الظَّالمَ في الحضِيضِ *** مَنْ قَدْ دَعا بالكُفرِ والنَّقِيض

لأنَّهُ العَادِلُ فوقَ مَنْ عَدَلْ *** أهدَى الطَّريقين لِكُلِّ مَنْ عَقلْ

ثمَّ الصَّلاةُ مَابقى الزَّمانُ *** يُثقَلُ مِنْها بالرِّضَا الميزانُ

على النَّبيِّ المُصطفى وَالخِيَرَةُ *** مِنْ آلِهِ الأطهَارِ دَومَاً عَطِرَةُ

وَاتْلُ إذا شِئتَ بأن تَنالا *** خَيْراً مِنْ الرَّحمنِ بَلْ كَمالا

حَديث صِدقٍ قَدْ رَوَاهُ الفُضَلا *** مِنْ كُلِّ ذي عِلمٍ عَظِيمٍ كَمُلا

کَجابرِ المبرورِ مَاجِدِ الذُّرَى *** راوي الأحاديثِ بصدقٍ لامِرَا

صَاحبِ خير المرسَلين المصطفى *** وآلهِ السَّادَةِ أصحَابِ الصَّفا

فقد رَوى و ذي معاني مَا روَى *** تأتيكَ كالدُّرُ فَخُذْ ذَا المُحتوَى

وَ اطلُبْ بها النَّجاة يومَ الحشرِ *** يومَ الزُّحامِ وَ البَلا وَ العُسْرِ

ص: 452

لِتَسكنَ الجنَّةَ في ارِتفَاعِ *** مُجَاوِراً آلَ النَّبيِّ الدَّاعي

رَوى عَنِ الزَّهرَاءِ قَولاً يمجدُ *** قدْ جاءني يوماً أبي «مُحَمَّدُ»

قَالَ السَّلامُ يَا بنتَيْ وَ إنَّني *** ضَعفاً أرى بُنَيَّتي في بَدني

قَالتْ: مِنَ الضَّعفِ أُعيذُ وَالِدي *** أشرفَ مخلوقٍ وَ خيرَ عابدِ

فقال يا بنتَاهُ بالكِسَاءِ *** فَلتأتِني يا خِيرَةَ النِّسَاءِ

فَأَسْبَلَتْ فَاطِمَةٌ عَليهِ *** ذاكَ الكِسَا ناظرة إليهِ

ثمَّ أتانَيْ الحَسَنُ الكَرِيمُ *** بَعدَ مُضِيِّ سَاعَةٍ يَحُومُ

سَلَمَ، قَالَ الدَّارُ أُمِّي عَطرةُ *** كانَّ فيها وَالِدَ المُطَهَّرَةُ

قالَتْ نَعَمْ يا خِيرَة الأولادِ *** تحت الكِسَاءِ أَفضَلُ الأجدَاد

فَرَاحَ شِبلي لِلكِسَا وَ سَلَّمَا *** مُسْتَأْذِناً، وَ لِلرَّسُولِ عَظَمَا

فقالَ طَه مرحباً بابني *** يا صَاحِبَ الحوضِ ألا اذنُ مِنِّيْ

تَقولُ بعد ساعةٍ أتانيْ *** مُسلِّماً سبط الرَّسُولِ الثانيْ

يَقُولُ: إِنِّي قَدْ شممتُ عِطرا *** كَعِطرِ جَدِّيْ مَنْ تَعَالَى قَدرا

فَقُلْتُ حَقّاً قُرَّةَ العيونِ *** فَالمصطفى تحتَ الكسَا الثَّمِينِ

مع الزكيِّ المجتَبيْ، فَأَقْبَلْ *** إليهمَا إِذَنَّ الدُّخولِ يَسألْ

قَالَ: سَلامٌ أيْ نبيَّ الرحمةْ *** وَ كاشِفَ الكربَةِ وَالمُلِمَّةْ

يَا دَاعِي اللَّهِ ألا مِنْ إذنِ *** إليَّ بالدُّخولِ يُمضي حُزني

قَالَ: نَعَمْ، فَادْخُلْ شَفيع أُمَّتي *** يا قرَةَ العَينِ وَ حَاميْ شِرعَتيْ

فَجاءَ في الأثناءِ مَولى البَرَرَةُ *** وَ قالَ مِن بعدِ السَّلامِ حيدرةْ

أشمُّ في الدَّارِ عَبيراً ذاکیا *** کَطیبِ طه مَنْ لَهُ وَلائِيا

قالت: نعمْ فذا أخوك المصطفى *** مع الكريمينِ هذا مُلتَحِفَا

نجاءَ سيفُ اللَّهِ كن يستَأْذِنَا *** مُسلّماً على الرَّسول مُعلِنا

ص: 453

قَالَ لهُ المختَارُ أهلاً بعليْ *** خَليفتيْ وَ صاحبِ اللوا العليْ

فَأَقْبَلَتْ نَحْوَ الكسا البتُولُ *** أُم أبيها المصطفى تقُولُ

خيرُ سلام يا أبي وَ رَحمةْ *** يا مُظهِرَ الدِّينِ وَ نُورَ الأُمَّةُ

أيأذنُ الوَالِدُ خَيرُ مُرسَلِ *** أنْ أغتديْ تَحتَ الكِسَاءِ الأمثَلِ

قَالَ: نَعَمْ بُنَيَّتِي وَ بَضعَتي *** فَلتَدخُليْ يَا أُمَّ خَيرِ عِشرَةِ

فَاجْتَمَعُوا وَ اكتَمَلوا تحتَ الكِسَا *** مِثلَ نُجُومِ قد أضاءَتْ حِندِسَا

فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ بالكِسَاءِ *** رافعاً اليمنى إلى السَّمَاءِ

يَقولُ: يَا رَبَّ الأنام هؤْلا *** هُمْ أهل بيتي سيدي دُونَ الملا

وَ خَاصَّتيْ، وَ حامَّتيْ، وَ لَحمُهُمْ *** لَحميْ، وَ دَمِّيْ يا إلهي دَمُهُمْ

يُؤْلِمُني ذاكَ الَّذي يُؤلِمُهُمْ *** وَ يُحْزِنُ المختار ما يُحْزِنُهُمْ

وَ إِنَّنِي حَربُ لِمَنْ يُحَارِبُ *** وَ لِلذيْ سَالَمَهُمْ مُقَارِبُ

وَ مَنْ يُعَادِهم أعادِهِ وَ مَنْ *** أحبَّهمْ فذا حبيبُ المُؤتَمَنْ

مِنّي إلهي إِنَّهُمْ وَ إِنَّني *** مِنهُمْ (فَهُمْ رُعَاةُ هذي السُّنَنِ)

فَاجْعَلْ إلهي الصَّلَوَاتِ (الهادِيَةْ) *** وَ البَرَكَاتِ (العَالِيَاتِ) البَاقِيَةْ

وَ الرَّحْمَةَ (الحُسْنَى) و(أزهى) مَغْفِرَةْ *** وَ (حُسنَ) رِضْوانِ لِيَومِ الآخِرَةْ

على الكرام عترةِ النبيِّ *** و المرتضى سيفِ الهدى الأبيِّ

وَ أذهِبِ الرِّجسَ إِلَهِي عَنهُمُ *** يَا مَالِكَ المُلكِ كذا طَهَّرَهُمُ

قالَ: إلَهُ العَالَمِينَ الأعظَمُ *** يَا سَاكِنِي هَذي السَّمَوَاتِ اعْلَمُوا

بِأَنَّني لَمْ أبنِ هَذهِ السَّمَا *** وَ لادَحَوتُ الأَرضَ مَنْ فِيهَا المَلا

وَ لاأثرتُ البَدرَ، وَ الشَّمسُ لَمَا *** ضَاءَتْ وَ لاالأفلاكُ دارتْ في السَّمَا

وَ البَحْرُ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يجريْ *** وَ الفُلْكُ في مِيَاهِهِ أَنْ تَسرِيْ

الاَّ لحُبِّ خَمسةٍ كِرامٍ *** مَنْ ضَمَّهُم ذَاكَ الكسَاءُ السَّاميْ

قَالَ الأُمِينُ أيْ إلهَ الورى *** مَنِ الذينَ ضَمَّهُم ذاكَ الكِسَا

ص: 454

فَقالَ: بَيتُ الوَحي مَعدِنُ الرَّسَالَةِ *** التي عَلَتْ، وَهُمْ سِتْ النِّسَا

فَاطِمَةٌ وَ المصطَفَى أَبُوهَا *** وَ بَعْلُها كذلِكُمْ بَنوهَا

فَقَال جبريلُ أيَا رَبِّي فَهَلْ *** تَأْذَنُ أن أكونَ مَعهُمْ في العَجَلْ؟

قَالَ: نَعَمْ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلى *** رَبِّ الكَمَالِ المصطَفَى مُبَجِّلا

مُسلّماً، وَ قَالَ رَبُّكَ العَليْ *** يُقرِئُكَ السَّلامَ يا خير نَبيْ

وَ بالتَّحِيَّاتِ وَبالإكْرَام قَدْ *** خَصَّكُمُ يَا خَيرَ مَنْ تَعَبَّدْ

وَ إِنَّهُ يُقسِمُ بالجلالِ *** وَ العِزَّةِ العُليَا بلامِثَال

بأَنَّهُ مَا كَانَتِ السَّمَاءُ ** تُوجَدُ، لاالأرضُ، وَلاالضّياءُ

وَ الفَلَكُ العَظِيمُ مَا دَارَ، وَ *** لاجَرَتْ بحَارٌ وَ بِهَا الفُلكُ سَرَى

إلا لعظمِ شأنِكم بينَ الورى *** عند إلهِ العالمين ذي العلا

وَ أنْ أكونَ سَادِساً قَدْ أذِنَا *** وَ أَنتَ هَلْ تَأْذَنُ يَا نُورَ الدُّنَا

قَالَ: سَلامَ يا أمينَ الوحيِّ قَدْ *** أذنتُ فَأَدخلْ بجَلالٍ لايُحدْ

فَصَارَ إِيَّاهُمْ وَ نَالَ الفَخرَا *** يتلوْ عَلَيهِمْ بالخُشُوعِ ذِكرَا

يَقُولُ: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...» *** وَحيَّ مِنَ اللَّهِ لَكُمْ أَوحَاهُ

قَالَ عَليَّ: يا خِتَامَ الأنبيا *** مَا فَضْلُ ذَا عِنْدَ الهِ الاتْقِيَا

فَقَالَ طه والذي إصطَفَانِي *** مَا ذكر الأنَامُ في مَكانِ

حَديثنَا هذا وَفِيهمْ شِيعَةْ *** إِلا وَ نَالُوا رحمةً وسيعةْ

وَ اسْتَغْفَرَتْ لَهُمْ مَلائِكُ السَّمَا *** بِرَحْمَةٍ تَحُفُهُمْ، فَذَا حِمَى

هذا لَهُمْ مَا دَامُوا في استِمَاعِ *** يَتلُونَ هذا القول في اجتِمَاع

قال عَليُّ : إي وَرَبِّ الكعبة *** فُرْنَا وَ فَازَتْ شِيعَةٌ مُحِبَةْ

فَقَالَ خَيرُ الخَلقِ وَ هوَ يقسمُ *** مُعَدِّدَاً فَضلَ الكِسَاءِ يُعلِمُ

بهِ يَنَالُ كُلُّ ذِي هَمْ فَرَجْ *** وَ غَمُ مَغْمومِ بفضلِهِ اندَرَجْ

وَ طَالِبُ الحاجّةِ تُقضَى حَاجَتُهْ *** فالخيرةُ الأطهارُهُم سادَتُهْ

ص: 455

فَقَالَ سَيف اللَّهِ فَرْنَا حَقًّا *** ثمَّ سُعِدنا بتعيم يَبقى

وَ الشَّيعَةُ الأبْرَارُ فازُوا أَبَداً *** بمَا سَيلقَاهُمْ مِنَ الخَيرِ غَدَا

***

يا عَالِماً بالحال يا أكرمَ مَنْ *** يُعطي بلا خوفٍ وَ لايُحْلِ وَ مَنْ

مُنَّ عَلَينَا بالذيْ نَرجُوهُ مِنْ *** دِينِ وَدُنياً وعلى الأخرى أعِنْ

بحَقِّ خَيرِ المُرسَلِينَ المصطَفَى *** وَ صِهرهِ الكرَّارِ مَنْ لَهُ وَفَى

وَ ابنَةِ طَه فَاطم سَيِّدَتي *** وَ المُجْتَبى كَذَا شَهِيدِ الأُمَّةِ

وَآلِهِ الأبْرَارِ رَبَّاهُ استَجِبْ *** وَ اظْهِرَنْ مَنْ غَابَ عَنا وَ حُجِبْ

وَ أَفْعَلْ بنَا مَا أَنتَ أهلُ لَهُ *** وَأَعطِ مِسكِينَكَ مَأمُولَهُ

يَا رَبِّ وَ اخْتِمْ لَنَا بِالسَّلامِ *** وَ اعْظِمْ لَنَا المِنحَةَ في الخِتَام

تِجَارَةً لَدَى الخِتَامِ رَائِحَةْ *** أعلَى صَلاةٍ، ثُمَّ تُتْلَى الفَاتِحَةْ

ص: 456

(6) بضعة النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم

(مجزوء الرَّجز)

السيد صالح الحلي(*)(1)

ليتَ يرَى الَّذِي جَرَى الهَادِي النَّبِيُّ المُؤْتَمَنُ *** مِنْ بَعْدِ مَا غَابَ عَلَى أُمِّ الحُسَيْنِ وَ الحَسَنُ

***

قَدْ هَجَمُوا الدَّارَ عَلَيْهَا وَ هْيَ حَسْرَى لَاتَرَى *** مِنْ رَاحِم يَرْحَمُهَا إِلا الوَصِيَّ حَيْدَرا

أَوْصَى النَّبِيُّ حَيْدَراً مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَصْبِرَا *** فَيَا لَهَا وَصِيَّةٌ أَلْقَتْهُ فِي لُجُ المِحَنْ(2)

يَا بِئْسَ مَا قَدْ خَلَّفُوا نَبِيَّهُمْ فِي عِتْرَتِهْ *** كَأَنَّهُمْ أَوْصَاهُمُ أَنْ يَكْسِرُوا ضِلْعَ ابْنَتِهْ

وَ أَنْ يَقُودُوا بَعْلَهَا الكَرَّارَ فِي عِمَامَتِهْ *** كَمَا يُقَادُ (الفَحْلُ) قَسْراً بِالعِنَانِ وَ الرَّسَنْ

***

مَا صَالِحٌ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً مِنْ أَبِي *** كَلأَ وَ لانَاقَتهُ فِي شَأْنِهَا تُقْرَنُ بِيْ

أَمْ لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُوا أَنِّيَ بَضْعَةُ النَّبِي *** أَهْكَذَا يُصْنَعُ بِي بِالسِّرِّ فِيكُمْ وَ العَلَنْ(3)؟

***

لَمَّا رَأَوْهَا خَرَجَتْ مِنْ خَلْفِهِمْ بِابْنَيْهَا *** عَادَ الزَّنِيمُ لأَطِمَا تَعْساً لَهُ خَدَّيْهَا(4)

ص: 457


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- لُج المحن: الجمع الكثير من المحن و هي التي يمتحن بها الإنسان من بلايا.
3- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.
4- ما روي في كتاب العوالم ج11 ص568 و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء.

لَطْمَتُهُ قَدْ أَنْثَرَتْ مِنْ أُذُنِهَا قُرْطَيْهَا *** وَ أَوْدَعَتْ فِي عَيْنِهَا الحُمْرَةَ فِي مَدَى الزَّمَنْ

***

فَمُذْ رَأَتْهُمْ خَرَجَتْ تَعْثَرُ بِالثِّيَابِ *** حَاسِرَةً وَ الجِسْمُ قَدْ ذَابَ مِنَ الأَوْصَابِ(1)

مُذْ دَخَلُوا مَنْزِلَهَا لأَذَتْ وَرَاءَ البَابِ *** وَ اسْتَتَرَتْ بِالبَابِ مِنْ ذَوِي الحُقُودِ وَالإِحَنْ(2)

***

دَعَا الزَّنِيمُ عَبْدَهُ ارْجِعْ إِلَيْهَا رُدَّهَا *** فَأَقْبَلَ العَبْدُ لَهَا يَضْرِبُ مِنْهَا زِنْدَها(3)

وَ كُلَّمَا رَامَ اللعِينُ رَدُّها وَ طَرْدَها *** عَنْ بَعْلِها لَمْ يَسْتَطِعْ ما رامَ عُباد الوَثَنْ

***

حَتَّى أَتَتْ تَعْدُو عَلَى إِثْرِهِمُ لِلْمَسْجِدِ *** ثَاكِلَةً فِي عَبْرَةٍ تَجْرِي وَ قَلْبٍ مُوقَدِ

لاَأَدَعُ البَابَ وَلاالعَضَادَ نَيهَا مِنْ يَدِيْ *** أَوِ اتْرُكُوا أَبَا الحُسَيْنِ سَالِماً أَهْلَ الفِتَنْ

***

فَيَا لَهَا مِنْ لَوْعَةٍ لا تَنْقَضِيْ مَدَى الأَبَدْ *** مَا تَرَكَتْ رُوحاً لَنَا فِي رَاحَةٍ وَ لَاجَسَدْ

وَ هَلْ لَنَا مِنْ رَاحَةٍ فَاطِمُ مَاتَتْ فِي كَمَدْ *** مَا ذُكِرَتْ إِلا وَ قَدْ فَارَقَتِ الرُّوحُ البَدَنْ(4)-(5)

ص: 458


1- الأوصاب: الأمراض والأوجاع الدائمة ونحول الجسم.
2- الإحن: الأحقاد.
3- الزنيم: اللئيم الدعي. روي في الاحتجاج ج1 ص109 و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها.
4- روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 فدفعها أي قنفذ الملعون فكسر ضلعاً جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراشها حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها.
5- نقلت من شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص122.

(7) أم أبيها علیها السلام

(بحر الرَّجز)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

لِبِضْعَةِ المُخْتَارِ أُمِّ الْحُجَجِ *** مَناقِبٌ وَضاءَةٌ كَالسُّرُجِ

بِهَديِها يُسْلَكُ مِنْهَاجُ الْهُدَى *** مِن دُونِ أي عَثَرةٍ أَوْ عِوَجِ

وَ لِلنّسا سَيِّدَةُ النِّسَا غَدَتْ *** سِيرَتُها الْمُثْلَى كَأَسْنَى مَنْهَج(2)

أُمَّ أَبِيها كُنْيَتْ فَاطِمَةٌ *** فَهيَ ابْنَةُ أَمِّ وَ لامِنْ حَرَجٍ

بِبِرِّها بِهِ نَسَمَّتْ أُمَّهُ *** بِهَا يُرى في الْكَرْبِ بابُ الفَرَجِ

لَكِنَّهَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ أَصْبَحَتْ *** مِنْ غَمِّهَا لَهْفِي لَهَا فِي لُجَجِ(3)

قَدْ عايَنَتْ مِنَ الرَّزايا كَثْرَةٌ *** لَوْلا نُهَاهَا لَمْ تَجِدْ مِنْ مَخَرَجِ

فَيا لِضِلْع فِي في الأسى مُضَمَّدٍ *** وَ يَالِجِسْمِ بِالصَّنَا مُنْدَرجِ(4)

ص: 459


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى ما روي في خصائص النسائي ص34 قال: قال رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إن ملكاً السماء لم يكن زارني فاستأذن اللّه في زيارتي فأخبرني و بشرني أن فاطمة علیها السلام بنتي سيدة نساء أمتي»، أقول و ذكره المتقي أيضاً في كنز العمال كنز العمال ج6 ص221.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب مقاتل الطالبيين ص29. أن فاطمة علیها السلام كانت تكنى: أم أبيها و رواه أيضاً. أسد الغابة ج9، ص211، و تهذيب الكمال ج22 ص142، و تهذيب التهذيب ج12 ص440. لجج: جماعة كثيرة أو الشدائد السود.
4- الضنا: المرض و الضعف و الهزال. و في البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام من قبل القوم فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37. عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم -إلى أن یقول سلمان- فأرسل عمر إلى قنفذ: أخرجها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. و قد مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

(8) أفضل النساء

(بحر الرجز)

الشيخ عبد علي الماحوزي

إلى قوله (ما سار كوكب وحل في السماء) و الباقي للشيخ فرج العمران

أفْتَتِحُ الكَلاَمَ بِاسْم الخَالِقِ *** مُصَلِّياً عَلَى النَّبِيِّ الصَّادِقِ

وَ آلِهِ الأَظهَارِ سَادَةِ الوَرَى *** ما حَلَّ فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ وَسَرى

يَقُولُ رَاجِي العَفْوِ يَوْمَ يَذْهَلُ *** يَوْمَ تَرَى العِبَادَ فِيهِ تَعُولُ

أَقلُّ خَلْقِ اللَّهِ عِلْماً وَ عَمَلَ *** أَكْثَرُهُمْ خَطَأَ وَ ذَنْباً وَ زَلَلْ(1)

عَبْدُ عَلي الأَسِيرُ الجَانِي *** أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنَ النِّيرانِ

وَ بَعْدُ: فَالإِنْسانُ فِي دَارِ العَنا *** لازالَ فيها بِالبَلا مُمْتَحَنا

أَعْنِي بِهِ الجَامِعَ لِلْوَصْفِ الحَسَنْ *** لاكُلُّ فَرْدِ يُبْتَلَى وَ يُمْتَحَنْ

بَل الَّذِي قَدْ حَازَ عِلْماً وَ تُقَى *** وَ لِلْمَعَالِي وَ الكَمَالِ قَدْ رَقَى

ذاكَ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ مَنْ *** يُحِبُّهُ فَهُوَ حَقِيقٌ بِالمِحَنْ

وَ أَسْأَلُ اللهَ بِأنْ يَهْدِينِي *** مُتَّكِلاً عَلَيْهِ أَنْ يُعِينَنِي

فِي رِحْلَتِي فِي سَفَرٍ وَ فِي حَضَرْ *** أَذْكُرُ فِيهَا مَا جَرَى مِنَ القَدَرْ

رَوَى النّقاتُ مِنْ رُواةِ الخَبَرِ *** خَيْرٌ حَدِيثٍ مُسْتَدٍ مُعْتَبَرِ(2)

ص: 460


1- زَلَلْ: انحراف و سقوط.
2- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص930 ذكر سند حديث الكساء حيث جاء: «رأيت بخط الشيخ الجليل السيد هاشم عن شيخه السيد ماجد البحراني عن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني عن شيخه المقدس الأردبيلي عن شيخه علي بن عبد العالي الكركي عن الشيخ علي بن هلال الجزائري عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي عن الشيخ علي بن الخازن الحائري عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد الأول عن أبيه عن فخرالمحققين عن شيخه العلاّمة الحلي عن شيخه المحقق عن شيخه ابن نما الحليّ عن شيخه محمد بن إدريس الحلي عن ابن حمزة الطوسي صاحب «ثاقب المناقب» عن الشيخ الجليل محمد ابن شهرآشوب عن الطبرسي صاحب الاحتجاج عن شيخه الجليل الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي عن أبيه شيخ الطائفة عن شيخه المفيد عن شيخه ابن قولويه القمي عن شيخه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي عن أبي بصير عن أبان بن تغلب البكري عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم...».

عَنْ أَفْضَلِ النِّساءِ ذاتِ المِحَنِ *** فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ أُمِّ الحَسَنِ

قالَتْ عَلَيْها أَفْضَلُ السَّلامِ *** بَيْنا أَنَا يَوْماً مِنَ الأَيَّامِ

فِي مَنْزِلِي إِذْ بِالنَّبِيِّ قَدْ دَخَلْ *** أَبِي رَسُولُ اللَّهِ خَاتَم الرُّسُلْ

فَقَالَ يا فَاطِمُ إِنِّي لأَجِدْ *** في بَدَنِي آثَارَ ضَعْفٍ لَمْ يُجَدْ(1)

فَقُلْتُ بِاللَّهِ أَبِي أُعِيذُكَا *** مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ وَأَذًى يُؤْلِمُكا

فَقَالَ یا فاطِمُ يا سِنَّ النِّسا *** مُسْرِعَةٌ قُومِي وَهاتِي لِي الكَسا

بِلاَ تَوَانٍ وَبِهِ غَطَّينِي *** ثُمَّ اسْأَلِ اللَّهَ بِأَنْ يَشْفِينِي

فَقَالَتِ الحَوْرَاءُ ثُمَّ جِئْتُهُ *** بِمَا أَرَادَ وَ بِهِ غَطَيْتُهُ(2)

فَصِرْتُ نَحْوَهُ أَكَرُرُ النَّظَرُ *** وَ وَجْهُهُ كَالبَدْرِ فِي الرَّابِعُ عَشَرْ(3)

فَمَا مَضَى إِلا قَلِيلٌ مِنْ زَمَنْ *** إِذْ جَاءَنَا مُسَلِّماً ابْنِي الحَسَنْ

فَقَال يا أُمُّ أَشُمُّ مِنْكِ *** رَائِحَةٌ طَيِّبَةً كَالمِسْكِ

ص: 461


1- «والبيت الذي يليه» «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931. «...قال : إني أجد في بدني ضعفاً، فقلت له: أعيذك باللّه يا أبتاه صلي اللّه علیه و آله و سلم من الضعف...».
2- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931: «...فقال: يا فاطمة علیها السلام ايتيني بالكساء اليماني فغطيني به، فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به».
3- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931: «... و صرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله...».

كَأَنَّها رَائِحَةُ المُختارِ *** جَدِّي رَسُولِ المَلِكِ الجَبَّارِ

قُلْتُ نَعَمْ جَدُّكَ وَهُوَ نَائِمْ *** تَحْتَ الكِسَا فَجَاءَ وَ هُوَ العَالِمُ

سَلَّمَ ثُمَّ قال يا جداهُ *** يا مَنْ بِهِ شَرَّقَنَا الإِلهُ

تَأْذَنُ لِي أَدْخُلُ يا جَدِّي مَعَكْ *** تَحْتَ الكِسا فَقَالَ قَدْ أَذِنْتُ لَكْ

قَالَتْ عَلَيْهَا أَفْضَلُ الثَّناءِ *** ثُمَّ أَتَى الحُسَيْنُ فِي الأثناءِ

فَقالَ يا أُمَّ أَشُمُ رَائِحَهْ *** طَيِّبَة عِنْدَكِ وَهْيَ فَائِحَهْ

كَأَنَّها رَائِحَةُ المِسْكِ النَّدِي *** أَظُنُّها أَنْفاسُ جَدِّي أَحْمَدِ

قُلْتُ نَعَمْ تَحْتَ الكِسا مَعَ الحَسَنْ *** أَخِيكَ جَدُّكَ النَّبِيُّ المُؤْتَمَنْ

فَجَاءَ نَحْوَ جَدِّهِ مُسْتَبْشِرًا *** وَ قَالَ يا جَدّاهُ يا خَيْرَ الوَرَى

صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ ثُمَّ سَلَّما *** ما سار كَوْكَبٌ وَ حَلَّ فِي السَّما

ياجَدُّ يا جَدُّ هَلْ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَدْخُلاَ *** تَحْتَ الكِسا؟ قالَ ادْخُلَنْ مُبَجَّلا(1)

فَمَا مَضَى الأَقَلِيلٌ إِذْ أَتَى *** مُسَلِّماً حَيْدَرَةُ الظهرُ الفَتَى(2)

فَقُلْتُ: يا أبا الحُسَيْنِ وَ الحَسَنْ *** صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ ما دَامَ زَمَنْ

فَقَالَ يا أُمَّ الكرام البَرَرَهْ *** أَشُمُّ فِي بَيْتِكِ ريحاً عَطِرَهْ(3)

كَأَنَّها رِيحُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** أَشْرَفِ مَنْ لَهُ المُهَيْمِنُ اصْطَفَى

قَالَتْ لَهُ سِبُّ النِّساءِ فاطِمُ *** تَحْتَ الكِسا والحَسَنَيْنِ نائِمُ

فَجَاءَ نَحْوَ ذَلِكَ الكِسا الَّذِي *** مِنْهُ فَشَتْ رَوَائِحُ المِسْكِ النَّدِي

ص: 462


1- مبجلا: مُعظَما.
2- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص282 الإمام الطاهر القمر الباهر الماء الطاهر الفرات الزاخر الأسد الخادر الربيع الباكر الخير و الذكر الصديق الأكبر الشفيع في المحشر الموت الأحمر و العذاب الأكبر أبوشبير و أبوشبر المسمى بحيدر وما أدراك ما حيدر...».
3- والأبيات التي تليه في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص932 ضمن حديث الكساء. «...يا فاطمة علیها السلام إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي و ابن عمي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقلت: نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء...».

مُسلّماً عَلَى النَّبِيِّ الفاضِل *** مُسْتَأْذِنَاً قالَ لَهُ ادْخُلْ يا عَلِي

وَ بَعْدَ ذَا سِتُّ النِّسا أَتَتْ إِلَى *** نَحْو الكِسا تُبْدِي السَّلامَ أَوَّلا

تَطْلُبُ إِذْنا مِنْ أَبِيها الهَادِي *** قَالَ ادْخُلِي وَالِدَةَ الأَمْجَادِ

فَاکْتَمَلُوا خَمْسَتُهُمْ تَحْتَ الكِسا *** عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ صُبْحاً وَمَسا(1)

فَعِنْدَ ذاكَ خَالِقُ الأفلاكِ *** سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ لِلأَمْلاكِ(2)

وَ عِزَّتِي مَلائِكَ السَّماءِ *** وَ قُدْرَنِي أَنْ لَيْسَ مِنْ سَمَاءِ

مَبْنِيَّةٍ وَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ تُرى *** مَدْحِيَّةً وَ لاأَنَرْتُ قَمَرا(3)

وَ مَا خَلَقْتُ شَمْسَها المُنيرهْ *** وَ الفَلَكَ الدَّوَّارَ لَنْ أُدِيرَهْ

وَمَا خَلَقْتُ البَحْرَ وَالفُلْكَ الَّتِي *** تَجْرِي إِلَى نَفْعِ الوَرَى بِرَحْمَتِي

إلا لِحُبْ مَنْ حَوَاهُمُ الكِسَا *** وَ مَنْ هُمُ؟ كَانُوا لأَرْضِ حَرَسا

فَقالَ جِبْرِيلُ الأَمِينُ رَبَّنا *** وَ مَنْ هُمُ قَالَ الكِرَامُ الأُمَنا

وَ مَنْ هُمُ بَيْتُ النُّبُوَّةِ العَلِي *** كَانُوا لَهُ أَهْلاً وَ فَضْلُهُمْ جَلِي؟

وَ لِلرِّسالَةِ اغْتَدَوْا مَعَادِنَا *** مِنْ قَبْلِ أَنْ أُنشي بِصُنْعِي كائِنا

هُمْ فَاطِمٌ وَالمُصْطَفَى النَّبِيُّ *** وَالِدُها وَبَعْلُها عَلِيُّ

وَ الحَسَنانِ السَّيِّدانِ ابْناها *** وَ رَحْمَتِي تَخُصُّ مَنْ وَالاها

فَقَالَ هَلْ تَأْذَنُ لي يا ذَا الكَرَمِ *** أَهْبِطُ سَادِساً لَهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ

ص: 463


1- في «معاني الأخبار» ص107 ح1: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: أخبرني عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام، إنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين». انظر: «دلائل الإمامة»، ص54 ، روضة الواعظين ص180.
2- في «بحار الأنوار» بحار الأنوار ج22 ص494 ضمن ح40 ط الثالثة/ دار إحياء التراث العربي -بيروت و مؤسسة الوفاء بيروت «قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: ....أصحاب الكساء الخمسة أنا سیدهم و لافخر عترتي أهل بيتي علیهم السلام السابقون المقربون يسعد من اتَّبعهم وشايعهم...».
3- مدحيّة: مبسوطة.

فَجَاءَهُمْ نَحْوَ الكِسا الَّذِي سَما *** عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى مُسَلِّما

يَقُولُ إِنَّ خَالِقَ البَرِيَّهْ *** يُقرِيكُمُ السَّلامَ وَالتَّحِيَّهْ

وَ هُوَ يَقُولُ قَدَّمَتْ أَسْماهُ *** مُخاطباً لِسَاكِنِي سَمَاهُ

مُنَوِّهاً بِفَضْلِكُمْ أَهْلَ الرِّضا *** ثُمَّ أَعَادَ جِبْرَئِيلُ ما مَضَى

وَ إِنَّهُ لِي بِالدُّخُولِ يَأْذَنُ *** فَيَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِي تَأْذَنُ؟

قَالَ بَلَى فَعِنْدَ ذَاكَ دَخَلا *** وَ آيَةَ التَّطْهِيرِ (إِنَّما) تَلاَ

قَالَ عَلِيٌّ ما لذا الجُلُوسِ *** مِنَ الكَرَامَاتِ لَدَى القُدُّوسِ

فَقَالَ وَالَّذِي اصْطَفَانِي يا عَلِي *** ما كَانَ مَحْفِلٌ مِنَ المَحَافِلِ

مَحَافِلِ الشَّيعَةِ ذِكْرُ ذا الخَبَرْ *** جَرَى بِهِ إِلا وَخَالِقُ البَشَرْ

عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةَ فِيهِ أَنْزَلا *** وَ عَمَّهُمْ بِجُودِهِ تَفَضُّلا

وَ حَفَّتِ المَلائِكُ الكِرَامُ *** بِهِمْ لَهُمْ تَحْرِسُ مَا اسْتَقَامُوا

يَسْتَغْفِرُونَ الوَاحِدَ المَنّانا *** لَهُمْ وَ يَسْأَلُونَهُ الجِنَانا

قَالَ عَلِيٌّ نَحْنُ وَ الشَّيعَةُ قَدْ *** فُرْنا وَرَبِّ الكَعْبَةِ الفَرْدِ الصَّمَدْ

فَقَالَ خَيْرُ الأَنْبِياءِ مُقْسِما *** بِالقَسَم الَّذِي مَضَى وَأَعْلَمَا

ما فِيهِمُ مَهْمُومُ الأَفَرَّجا *** ذُو العَرْشِ هَمَّهُ وَنَالَ الفَرجا

وما بِهِمْ مَعْمُومُ إِلا وَكَشَفْ *** عَنْهُ الإله الغَمَّ والضُّر انْكشَفْ

وَ لَيْسَ فِيهِمْ طالِبٌ لِحَاجَهْ *** الأَ لَهُ قَضَى الإِلهُ الحَاجَهْ

فَقَالَ حَامِي حَوْزَةِ الإسلامِ *** إذا وَ رَبِّ البَيْتِ وَ المَقَامِ

فُزْنا كذا أشياعُناقَدْ فَازُوا *** فَوْزاً عَظِيماً وَالجِنَانَ حَازُوا

وَقَدْ سُعِدْنَا فِي ذِهِ الدُّنْيَا وَ فِي *** دَارِ الخُلُودِ بِعَظيم الشَّرَفِ

فَيَا إِلهِي اخْتِمُ لَنَا بِالحُسْنَى *** وَ اسْلُكْ بِنَا إِلَى المَقَام الأَسْنا

وَ حِينَ فَاحَ مِسْكُ خَتْمِها النَّدِي *** فَعَطَّرَ الكَوْنَ بِعِطرِ جَيْدِ

ص: 464

سميتها يا صاح مِفْتَاحَ الفَرَجْ *** أَرْجُو بِهَا تَنْحَل عَنْيَ الرَّتَجْ(1)

ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ العَالِي *** عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَالآلِ(2)

ص: 465


1- الرّتج: الباب العظيم الباب المغلق و فيه باب صغير.
2- شعراء القطيف ج2 ص184.

(9) ليلة القدر

(بحر الرجز)

الشيخ عبد الله بن معتوق(*)(1)

ما العُذْرُ لِلأُمَّةِ فِيمَا سَلَكَتْ *** عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ الَّتِي قَدْ هُتِكَتْ(2)؟

ما العُذْرُ عَنْ زُجَاجَةِ المِصْباحِ *** اذْ كُسِرَتْ ظُلماً لَدى الصَّباحِ(3)؟

ما العُذْرُ عَنْ مَوْؤُودَةٍ إِذْ سُئِلَتْ *** يَوْمَ الجَزا بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(4)؟

ما العُذْرُ لِلأُمَّةِ عَنْ أُمِّ القُرَى *** إِذْ عُقلَتْ أَبْيَاتُها عَنِ القرّى؟

ص: 466


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- لعله يشير إلى ليلة القدر التي بها ضرب ابن ملجم «لعنة الله عليه» الإمام علياً علیه السلام بالسيف على رأسه في المحراب و القصة معروفة لاتحتاج إلى مزيد شرح.
3- جاء في تفسير قوله «تعالى»: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ...» إلى آخر الآية [سورة النور، الآية : 35] أن المراد من «الزجاجة كأنها كوكب دري» هو الإمام علي علیه السلام راجع تفسير نور الثقلين ج3 ص603 مطبعة الحكمة. و البرهان في تفسير القرآن ج3 ص134.
4- البيتان مقتبسان من قوله «تعالى»: «وإِذا الموؤودة بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» [سورة التكوير، الآية:8-9] و ربما يشير بهما إلى إسقاط فاطمة الزهراء علیها السلام لجنينها «محسن» و ذلک عند الهجوم علی دارها و عصرها بالباب و ضربها و لقد سبقت الاشارة إلى ذلك مع ذكر المصادر لها ولابأس هنا من إيراد بعض المصادر لمن أحبَّ الاطلاع، فراجع في هذا الشأن الكافي للكليني ج8 ص343 ح541 و البحار ج28 ص261-282، و الاحتجاج ج1 تحت الرقم 38 و نوائب الدهور للميرجهاني ص194 و كتاب سليم بن قيس ص134، و العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص250. و تاريخ أبي الفداء ص156، و اعلام النساء ج3 ص127 و تاريخ الطبري ج3 ص198، و الإمامة والسياسة ج1 ص13 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص57 و هناك مصادر كثيرة من طرق العامة والخاصة على اننا اكتفينا بهذا المقدار.

ما العُذْرُ عَمَّا فَعَلُوا مِنْ مُنْكَرِ *** مِمَّا قَدِيماً مِثْلُهُ لَمْ يُذْكَرِ؟

وَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أُولِي الأَدْيَانِ *** وَ غَيْرِهِمْ فِي سَالِفِ الأَزْمَانِ

فَهَلْ جَرَى مِنْ أُمَّةٍ فِيمَا سَلَفْ *** عَلَى بَنَاتِ الأَنْبِيا أَهْلِ الشَّرَفْ؟

كَمَا جَرَى عَلَى ابْنَةِ الرَّسُولِ *** فاطِمَةَ الزَّكِيَّةِ البَتُولِ

مِنَ الأذَى وَالذُّلُّ وَالإِهَانَةٍ *** مِنْ بَعْدِ ذَاكَ العِزَّ وَالصَّيانَةِ

ما فَاطِمٌ وَ هَجْمَةُ الأَشْرَارِ *** فِي دَارِها وَهْيَ بِلاَخِمَارِ(1)؟

ما فاطمٌ ما البابُ و الجِدَارُ *** ما الضَّغطُ ما الإِسْقَاط وَالمِسْمَارُ؟

ما فاطِمٌ ما حُمْرَةُ العَيْنَيْنِ *** ما الضَّرْبُ وَ اللَّظمُ عَلَى الخَدَّيْنِ؟

ما الطُّهْرُ ما إِضْرَامُ تِلْكَ النَّارِ *** بِبَابِهَا وَ هُيَ ابْنَةُ المُخْتَارِ(2)؟

ما فَاطِمٌ ما مَجْلِسُ الرِّجالِ *** ما الطُّهرُ ما التَّكْذِيبُ فِي المَقَالِ؟

مَا الطُّهْرُ ما الدَّعْوَى بِغَيْرِ حَقِّ *** وَ الحَقُّ شَاهِدٌ لَهَا بِالصِّدْقِ(3)؟

ص: 467


1- لقد سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في حادثة الهجوم على دار الزهراء علیها السلام في هوامش سابقة.
2- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى جريمة احراق دار الإمام علي و فاطمة الزهراء علیهما السلام و ابنيها الحسن و الحسين علیهما السلام و لقد شارك في هذا الأمر المفجع قنفذ بن عمير التميمي و الممغيرة بن شعبة وزيد بن أسلم و غيرهم بقيادة «عمر» و لقد مرّت تفاصيل هذه الحادثة في هوامش عديدة.
3- ديوان الشيخ عبداللَّه بن معتوق بن مرهون التاروتي المتوفى(1362/5/1 ه-) من شعراء القطيف ص61 عن الأزهار الأرجية ج2 ص200.

(10)آل النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم الأكرمين

(بحر الرّجز)

الشيخ عبد الله الوائل الإحسائي(*)(1)

تَباً لِدُنْيا غادَرَتْ أَهْلَ الْعَبا *** بِصُروفِها فَتَشَتَّتُوا أَيْدِي سَبا(2)

أوَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي بِأنْ وُجودَهُمْ *** سَبَبٌ لِكُلِّ الكَائِنَاتِ تَسبَّبا(3)

لَكَنَّها طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ فَلا *** تَصْفُو لِذي نَفْسٍ عَليْها مَشْرَبا

ما لاح بارِقُها بإقبالِ امْرِىءٍ *** إلاوَعَادَ عَلَيْهِ بَرْقاً خُلَّبا(4)

فَاحْذَرْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ مِنْهَا وَاحْتَرِزْ *** عَنْ سُمِّها إِنْ كُنْتَ حُرّاً طَيِّبا

ص: 468


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في صحيح الترمذي ج2 ص209 قال: روي بسنده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبی صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»[سورة الأحزاب الآية: 33]. في بيت أم سلمة فدعا فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فجعلهم بكساء و علياً علیه السلام خلف ظهره فجعلهم بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم عنهم الرجس و طَّهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: و أنا معهم يا نبي اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم؟ قال له: أنت على مكانك و أنت على خير» و رواه الطحاوي في مشكل الآثار ج1 ص335 وابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12.
3- جاء ضمن حديث الكساء المروي في كتاب عوالم العلوم ج2 ص933 إشارة إلى ذلك. فبعد دعاء النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم و قوله: (أنا حرب لمن حاربهم و سلم لمن سالمهم و عدو لمن عاداهم و محب لمن أحبهم إنهم مني و أنا منهم فاجعل صلواتك و بركاتك و رحمتك و غفرانك و رضوانك عليَّ و عليهم و أذهب عنهم الرجس و طَّهرهم تطهيراً. فقال اللَّه «تعالى»: يا ملائكتي و سكّان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية و لاأرضاً مدحية و لاقمراً منيراً و لاشمساً مضيئة و لافلكاً يدور و لابحراً يجري و لافلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء).
4- برقاً خلباً: برقاً يكون في السحاب الذي لامطر فيه فكأنه يخدعُ.

ما سالمتْ أحداً وَ راحَ مُسَلَّماً *** مِنْهَا وَلَوْ بَلَغَ الثَّرَيَا مَنْصِبا

أَيْنَ الجَبَابِرَةُ الأُولى عَركَتْهُمُ *** عَرْكَ الأَديم فَأَصْبَحُوا فيها نَبا

وَ قُصورُهُمْ مِنْ بَعدِ مَنْعَةِ عِزَّهِمْ *** أَمْسَتْ خَراباً لاتردْ لَهُمُ نَبا

نَعَبَ ابنُ دايةَ بالفَنَاءِ عَلَيْهِمُ *** فَبِشُومِ طَائِرِهِ بِهِمْ طارُوا ثبا(1)

سَكَنُوا اللحودَ فهَلْ تَرى لِوُجودِهِمْ *** أَثَراً فَكُلُّ فَنَائِهَا قَدْ غُيَّبا

وَ كَفاكَ مِنْهَا مَا أَصَابَ بَني الهُدَى *** مِمَّا يَرُوحُ الطِّفْلُ منهُ أَشيَبا

آلُ النَّبِيِّ الأَكْرَمِينَ وَ مَنْ لَهُمْ *** مَجْدٌ عَلَى أَوْجَ المَجَرَّةِ طنَّيا(2)

سامَتْهُم الخَسْفَ الذَّرِيعَ عِصابَةٌ *** فيها قَدِ امْتَطَوا الصَّلالَةَ مَرْكَبا(3)

قُبِضَ النَّبِيُّ وَ قَدْ سَقَوْهُ بِبَغْيِهِمْ *** مَضَضاً بِهَا قَدْ رَاحَ مُضْنِّى مُتْعَبا(4)

وَ البَضْعَةُ الزَّهْرا سَقَوْها بَعْدَهُ *** غُصَصاً مِثَالَ دُعافِها لَنْ يُشْرَبا(5)

وَ جَنينَها أَلْقَوْا وَبَزُوا إِرْثَها *** ظُلْماً وَ مَنْزِلُها بِنَارِ أُلْهِبَا

وَ جَؤُوا أَضالِعَها وَقادُوا جُرْأَةً *** مِنْ عُقْرِ مُنْزِلِها الوَصِيَّ مُلَبَّبا

حَتّى قَضَتْ وَ لْهَا لايَرْقَى لها *** دَمْعٌ وَ عَبْرَتُها تَزيدُ تَصَوُّبا(6)

ص: 469


1- ثباً: جمعاً.
2- طنَّبا: شدَّ الأطناب و هي الجبال الطويلة.
3- الخسف الذريع: الذل أو النقص السريع أو الفظيع.
4- مضضاً: -وجع المصيبة- اللبن الحامض.
5- ذعافاً: ذعف الطعام أي جعل فيه السم، موت ذعاف: سريع.
6- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة السابقة إلى عدة أمور و هي: إلقاء الجنين. و أما قضية الإرث فورد عنها أن فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم مما أفاء اللّه عليه في المدينة فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم هذا في المال. فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك. راجع ج1 ص9 من مسند أحمد و السنن الكبرى: ج76 ص300. و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص90 عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و أما حزنها و ولهها و بكائها، ورد عن عمرو بن دينار عن الباقر علیه السلام: قال ما رئيت فاطمة علیها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم حتى قبضت مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص119. و في ج3 من كتاب مناقب ابن شهر آشوب أيضاً ص322: و رأس البكائين ثمانية: آدم، و نوح، و يعقوب، و يوسف، و شعيب، و داود، و فاطمة علیها السلام و زين العابدين علیه السلام قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة، فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي.

وَ المُرْتَضَى مِنْ بَعْدِ غَصْبٍ مَقامِهِ *** أَرْداهُ في مخرابه ماضي الشَّبا(1)

وَ المُجْتَبَى أَوْدَى بِسُم جُعَيْدَةٍ *** في الصَّوْمِ لِلَّهِ العَلِيِّ تَقَرُّبا(2)

ص: 470


1- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج8 ص290: روي بسنده عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً و هو يوم غدير خم لما أخذ النبي اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم بيد علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا بلى يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب علیه السلام أصبحت مولاي ومولى كل مسلم و مسلمة فأنزل اللّه: اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة، الآية: 3] الحديث. و يشير الشاعر في عجز البيت إلى مقتل الإمام علي عليه السلام يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المرادي في محراب صلاته و قد أنبأه رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم بذلك. ففي مستدرك الصحيحين ج3 ص143 قال: عن حيان الأسدي: سمعت علياً علیه السلام يقول: قال رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: إن الأمة ستغدر بك بعدي و أنت تعيش على ملّتي و تقتل على سنتي أحبك أحبني و من أبغضك أبغضني و إن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه. قال الحاكم: صحيح. وفي كنز العمال ج6 ص398 المصدر السابق نفسه قال: «عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: إنك مستخلف مقتول، و إن هذه مخضوبة من هذا يعني لحيته من رأسه. قال: أخرجه الطبراني وابن عساكر.
2- في كتاب الصواعق المحرقة ص140 لابن حجر العسقلاني: «و كان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي دس إليها يزيد أن تسمه و يتزوجها و بذل لها مائة ألف درهم ففعلت، فمرض أربعين يوماً فلما مات بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال لها: إنا لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا. و راجع أيضاً مستدرك الصحيحين ج3 ص176: روی بسنده عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سمَت ابنة الأشعث بن قيس الحسن بن علي علیه السلام و كانت تحته و رشيت على ذلك مالاً».

وَ لَهُمْ بِيَوْمِ الطَّفْ رُزُءٌ لِلْهُدَى *** قَدْراحَ بِالدُّل الطويل مُجَلبَبَا(1)-(2)

ص: 471


1- يشير الشاعر إلى استشهاد الإمام الحسين علیه السلام و آل بيته في كربلاء بأمر من يزيد «لعنه اللّه» تلك الحادثة المعروفة حتى قبل وقوعها لإخبار رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم بها ففي كتاب الصواعق المحرقة ص192 قال: استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له و كان في يوم أم سلمة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لايدخل أحد، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين علیه السلام فاقتحم فوثب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يلثمه و يقبله، فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم قال: إن أمتك ستقتله، و إن شئت أريك المكان الذي يقتل به فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها قال ثابت كنا نقول إنها كربلاء». و راجع كنز العمال ج6 ص223 عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إن جبرائيل أتاني و أخبرني أن ابني هذا يقتل و إنه اشتد غضب اللّه على من يقتله». قال: أخرجه ابن عساكر عن أم سلمة.
2- القصيدة (116) بيتاً في ديوان الدرر الفاخرة في مدائح العترة الطاهرة.

(11) طاهرة مطهرة

(بحر الرجز)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم(*)(1)

الحَمْدُ لِلَّهِ ذي الجَلالِ *** وَ خَالِقِ الخَلْقِ بِلا تِمْثالِ

الوَاحِدِ الفَرْدِ العَظِيم الأَحَدِ *** رَبِّ العِبَادِ ذلِكَ المُوَحَّدِ

هُوَ الإِلهُ مُوجِدُ الأَكْوَانِ *** وَ مُغْدِقُ النَّعْمَا عَلَى الإِنْسَانِ(2)

الواحِدُ الفَرْدُ بِلاً مُعِينِ *** وَ القَادِرُ الحَيُّ بِلاَ قرين

وَ خَالِقُ الخَلْقِ إِلَى العِبادَهْ *** حَقَّاً حَقِيقاً لَيْسَ لِلرِّفادَهْ(3)

بِقَوْلِهِ الكَرِيمِ فِي التُّبْيَانِ *** فَخُذْ بَيَانَهُ مِنَ القُرْآنِ

وَ مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَى *** غَيْرِ عِبَادَةٍ كَصَوْمِ وَصَلا

وَ مَا أَرَدْتُ مِنْهُمُ ارْتِزَافَا *** كَلأَ وَ لاَطَعَامَ مُسْتَشاقا

إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ فِي طُولِ الأَبَدْ *** وَ قُوَّتِي مَتِينَةٌ فَلا تُحَدْ

ثُمَّ الصَّلاَةُ لِلنَّبِيِّ الهَادِي *** المُصْطَفَى المُخْتَارِ نُورِ النَّادِي

وَ خَاتَمِ الرُّسُلِ وَ سَيْدِ الأُمَمْ *** مِنْ كُلِّ مَخْلُوقِ لِعُرْبِ وَ عَجَمْ

وَ آلِهِ الأَطْهَارِ ساداتِ الوَرَى *** وَ مَنْ بِهِمْ تَنَوَّرَتْ أُمُّ القُرَى

كَذَا الوَصِيُّ حَيْدَرُ الكَرَارُ *** أَخُو النَّبِيِّ سَيِّدُ الأَبْرَارِ

ص: 472


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- مُعْدِق: مُوَسّع.
3- الرفادة: السرج ، دعامة السرج أو الرحل، خرقة تجعل على الجرح.

وَ هُوَ ابْنُ عَمُ المُصْطَفَى الرَّسُولِ *** وَ الزَّوْجُ لِلطَّاهِرَةِ البَتُولِ

بنْتُ الرَّسُولِ فَاطِمُ الزَّهْراءِ *** حَوْرَاءُ قُدْسِ سَيْدَةُ النّساءِ(1)

قدْ أَوْصَلَتْ رِسَالَةُ النَّبِيِّ *** إِمَامَةَ المَوْلَى الوَصِي الزَّكيِّ

مِنَ الإِلهِ الوَاحِدِ المَنَّانِ *** وَ فَضْلُها قَدْ بَانَ فِي التِّبْيانِ

صِدِّيقَةٌ طَاهِرَةٌ مُطَهَّرَهْ *** شَفِيعَةٌ شَافِعَةٌ مُقَدَّرَهْ(2)

هذَا النَّبِيُّ المُصْطَفَى يَقُولُ *** فَاطِمَةٌ بَضْعَتِي البَتُولُ(3)

ص: 473


1- في علل الشرايع ج1 ص213 باب143 ط1-مؤسسة الأعلمي -بيروت. «عن جابر بن عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت له لم سميِّت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال علیه السلام: لأن اللَّه «عزّوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة اللّه ساجدين، و قالوا: الهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور من نوري أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء، و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقي، و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي». انظر: «دلائل الأمامة» ص54. «إحقاق الحق» ج19 ص11 (مثله) يوضح معنى البيت. في «إحقاق الحق» ج10 ص10-11: «وكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة و نعيمها قبل فاطمة علیها السلام و شمَّ طيب نسيمها فيقول حين يتنشق نسمتها القدسية: إن فاطمة علیها السلام الحوراء، إنسيّة». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص42 ح19.
2- في «الكافي» ج1 ص458 ح2: «عن علي بن جعفر علیه السلام عن أخيه أبي الحسن علیه السلام قال: إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص42 ح19. و في «إحقاق الحق» ج10 ص367منقولاً من «اخبار الدول». «...إنها علیها السلام لما سمعت بأنّ أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها قالت: يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم إنّ بنات الناس يتزوّجن بالدراهم فما الفرق بيني و بينهنّ أسألك أن تردّها وتدعو اللّه «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبريل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: «جعل اللّه مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت و قالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي و شفعت في عصاة أمة أبي» . وانظر: «إحقاق الحق» ج19 ص129 أیضاً.
3- في «كشف الغمة« لأبي فتح الأربلي ج2 ص92 ط -دار الكتاب الإسلامي: «...خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم و قد أخذ بيد فاطمة علیها السلام و قال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم و هي بضعة منّي و هي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص80 ح69 و أيضاً ص54 ضمن ح48 و «إحقاق الحق» ج10 ص212 و ج19 ص75.

فَمَنْ لَيُؤْذِي بَضْعَتِي يُؤْذِينِي *** كذا رِضاؤها نَعَمْ يُرْضِينِي

وَ إِنَّها لَيَغْضَبُ اللَّهُ لَها *** كذا لَيَرْضَى اللَّهُ فِي رِضائِها(1)

كَيْفَ وَ قَدْ قَاسَتْ مَصَائِبَ الزمن *** بَعْدَ أَبِيها مِنْ تَوَفَّرِ الفِتَنْ؟

مَنْعُ بُكَائِها عَلَى الرَّسولِ *** قَدْ قَلَعُوا أَراكَةَ البَتُولِ

فَمَا لِبَيْتٍ سِيمَ بِالأَحْزَانِ *** إِذْنَكَبُوها بِأَذَى الإِعْلانِ

حاشُوا عَلَيْهَا فِي مَصَائِبِ الزَّمَنْ *** وَ أَلْحَقُوا بِهَا أَكَابِرَ المِحَنُ

قاستْ مِنَ المَصَائِبِ العَدِيدَهْ *** أَهْوالُها مَعْرُوفةٌ شَدِيدَهْ

مِنْ أُمَّةٍ ما راقَبَتْ إِسْلاما *** وَ خَالَفَتْ لِلْمُصْطَفَى النّظاما

جَاءَتْ تُؤَدِّي حِقْدَها لِلْهادِي *** وَ أَقْبَلَتْ تَسْعَى عَلَى مِرْصَادِ(2)

قَدْ مَنَعُوا فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ *** عَنْ حَقَّها مِنْ مُوجِدِ النَّعْمَاءِ(3)

أَنْحَلَها الهَادِي بِأَمْرِ الخَالِقِ *** فَانْتَهَبُوها بِعِنادِ زاهِقِ

وَ لَيْتَ هذا صارَ بِالكِفَايَهْ *** كَيْفَ وَهُمْ قَدْ رَكَبُوا الغِوَايَهْ

ص: 474


1- في «مجالس المفيد» ص95 ح4 ط/ جماعة المدرسين -قم- المطبعة الإسلامية. عن الباقر علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: إن اللَّه يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص19 ح2.
2- مرصاد: طريق.
3- ورد في «مسند أحمد بن حنبل» ج1 ص9 ط/ دار صادر: «عن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم أنها أخبرته: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم مما أفاء اللَّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنّما يأكل آل محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم في هذا المال... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك». انظر: «السنن الكبرى» للبيهقي ج6 ص300 /ط دار المعرفة -بيروت.

فَوَصَلُوا لِدَارِهَا بِالنَّارِ *** وَ أَضْرَمُوا الجَزَلَ بِبابِ الدَّارِ(1)

فَخَاطبتْهُمْ بِخِطَابِ لَيْنِ *** لَعَلَّهُمْ يَرْتَدِعُوا عَمَّا عُنِي

وَ ذَكَرَتْهُمْ عَلَّهُمْ يَسْتَرْجِعُوا *** أَوَامِرَ الحَقِّ فَلَمْ يَرْتَدِعُوا(2)

بَلْ أَضْرَمُوا النَّارَ وَ أَنَّى تَخْتَرقْ *** باباً إِلَى اللَّهِ فَكَيْفَ يَحْتَرقْ؟

نَعَمْ فَكَانَ مِنْ عِصِيِّ النَّخْلِ *** وَ كَانَتِ النَّارُ لَهُمْ مِنْ جَزْلِ

فَظَهَرَ العُجابُ مِنْهُمْ كَيْفَ لَا *** تَأْكُلُ هَذِي النَّارُ باباً حَصَلا؟

كَيْفَ وَ هَذِي النَّارُ نارُ الجَزْلِ؟ *** شَيء كذا يَأْبَاهُ حُكْمُ العَقْلِ

ظَنُّوا بِبِنْتِ المُصْطَفَى المِصْدَاقِ *** أَبْعَدَتِ النَّارَ عَنِ الإِحْراقِ

لذا تَجَشَّمُوا إِلَى الإِيذَاءِ *** وَ آلمُوا لِفَاطِمِ الزَّهْرَاءِ(3)

إِذْ أَدْخَلَ الرِّجْسُ لِسَوْطِهِ وَ قَدْ *** آذَى لبنتِ المُصْطَفَى حَيْثُ وَرَد

آلمَ لِلْكَفْ مِنَ البَنُولِ *** بِنْتِ الشَّفِيعِ المُصْطَفَى الرَّسُولِ

وَ بَعْدَ أنْ تَالمَتْ بنْتُ النَّبِي *** طَهَ الرَّسُولِ الهَاشِمِي العَرَبِي

فَانْفَتَحَ البابُ عَلَى إِجْبارٍ *** وَلاَذَتِ الزهراء لِلجِدَارِ(4)

ص: 475


1- الجزل: صرام النخل. و قد جاء. في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص574 ضمن ح25 «...فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أن يكفّوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبى بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أُذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم...».
2- يرتدعوا: أصلها يرتدعون حذفت النون لأنه من الأفعال الخمسة و لاوجه لحذف النون عن (یسترجعون).
3- تجشموا: تكلّفوا .
4- (والبيت الذي يليه) في «مؤتمر علماء بغداد» ص59 ط4: «...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عَصَر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها، و نبت مسمار الباب في صدرها: و صاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة». و في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 منقولاً من «علم اليقين في أصول الدين» للكاشاني. «... فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم فاختبت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط...».

رَاعِيَةً لِلسِّتْرِ وَ الحِجَاب *** فَعُصِرَتْ بِالعَمْدِ بَيْنَ البَابِ

فَارْتَكَرُ المِسْمَارُ وَسْطَ الصَّدْرِ *** وَ اسْتَرْسَلَ الدَّمُ عَلَيْهَا يَجْرِي

وَ انْكَسَرَ الضّلْعُ بِهَا لَها الفِدا *** وَ وَقَعَتْ مَغْشِيَّةٌ بَيْنَ العِدى(1)

وَ أَسْقَطُوا لِلْمُحْسِنِ الجَلِيلِ *** وَ لَطَمُوا لِخَدِّها الأَسِيلِ(2)

فَاحْمَرَّتِ العَيْنُ بِلَظمِ الكَفِّ *** وَ انْخَسَفَتْ وَاللَّهِ كُلَّ الخَسْفِ

فَهَجَمُوا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ إِذْنِ *** فِي دَارِها دُونَ احْتِرَام أَمْنِ

وَ فَاطِمُ الزّهرا عَلَى الأَعْتابِ *** مُغْشَى عَلَيْهَا نُخْبَةُ الأَطْيَابِ

فَأَخَذُوا حَيْدَرَةَ المِغْوَارِ *** وَ حُجَّةَ اللَّهِ الوَلِي القَهَّارِ(3)

قادُوهُ بِالحَبْلِ إِلَيْهِ أَخْرَجُوا *** وَ ارْتَجَتِ الأُفُقُ لَهُ وَ أَزْعَجُوا

لِلدِّينِ مَعَ أَوْلادِهِ وَ فاطِمَهْ *** وَ قَدْ أَفَاقَتْ بِنْتُ طُهَ قَائِمَهْ

ص: 476


1- في «الاحتجاج» ج1 ص109، ط دار النعمان: «... ثم قال لقنفذ إن خرج و إلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً فانطلق قنفذ، فاقتحم هو واصحابه بغير إذن، و بادر علي إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسوداً و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
2- الأسيل: اللين الأملس. كما جاء في «أمالي الصدوق» ص115 ح2 المجلس28 ط5/ مؤسسة الأعلمي. «...قال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدّها وطعن الحسن علیه السلام في الفخذ والسمّ الذي يسقى... و قتل الحسين علیه السلام». و نظر: «بحار الأنوار» ج28 ص51 ح51 ح 20 و ج44 ص149 ح17.
3- المغوار: كثير الغارة.

قَدْ نَسِيَتْ جَمِيعَ ما كانَ بِهَا *** نَاظِرَةٌ فِي الحَالِ رَحْبَ دارِها

قَائِلَةٌ أَيْنَ عَلِيُّ المُرْتَضَى؟ *** وَ قَدْ أَجَابَتْ فِضَّةٌ قَالَتْ مَضَى

بِالحَبْلِ قَدْ قَادُوهُ يا أُمَّ الحَسَنْ *** فَخَرَجَتْ فَاطِمُ فِي ذَاكَ الحَزَنْ(1)

هَاتِفَةً فِي القَوْم خَلُّوا المُرْتَضَى *** هذا ابْنُ عَمِّي مُبْعِدٌ كُلَّ لَظَى(2)

فَاسْتَدْرَكُوها بالسياط المُؤلِمَهْ *** صَاحَتْ إِلهِي أَنْتَ جَبَّارُ السَّمَا

فَدَمْلَجُوا مُتونَها بِالضَّرْبِ *** وَ أَثَّرُوا أَعْضَادَها يا رَبِّي(3)

فَلَمْ تَعُدْ لِلدَّارِ لَكِنْ وَصَلَتْ *** لِبَابِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ وَقَفَتْ

قَائِلَةٌ خَلُوا الوَصِيَّ عَلِيا *** بَابَ الهُدَى وَ المُرْتَضَى الصَّفِيَّا(4)

ص: 477


1- جاء في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 نقلاً عن علم اليقين في «أصول الدين» للكاشاني: «...ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: واللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم اللَّه و رسوله فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم، باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا و قال اللَّه «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». قال: فتركه أكثر القوم لأجلها فأمر عمر قنفذ ابن عمه أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف و كان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها وقد كان رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم سمّاه محسناً، و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها صلي اللَّه علیه و آله و سلم فأشارت إليه بحزن و نحيب...».
2- لظی: نار.
3- دملجوا: أتقنوا صيغته كما يصاغ الدملج و هو حلي يلبس في المعصم.
4- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص339-340 ط/ المطبعة العلمية ب- قم. إنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر. فقالت: خلوا عن ابن عمي فواللَّه الذي بعث محمداً صلي اللَّه علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلّوا عنه لأنشرن شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى الله «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على اللَّه من ولدي قال سلمان فرأيت واللَّه أساس حيطان المجسد تقلعت أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها و قلت: يا سيدتي و مولاتي إن الله «تبارك و تعالى» بعث أباك رحمة فلاتكوني نقمة فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت خياشيمنا». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص47 ضمن ح46 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت، ج28 ص206 ح5.

أَوْ لافَأَدْعُو دَعْوَةٌ مُجَابَهْ *** نَعَمْ وَ إِنِّي بَضْعَةُ النَّجابَهْ

هُناكَ كادَتْ تَرْفَعُ القِناعا *** بِدَعْوَةِ تَهْلِكُ لِلْجَمَاعَهْ

مَدَّتْ إِلَى القِنَاعَ يُمْنَى اليَدِ *** إِذِ العَذَابُ قَدْ أَتَى بِجَدِّ

فَارْتَفَعَتْ حِيطَانُ ذَاكَ المَسْجِدِ *** هذا عَذَابٌ قَدْ أَتَى لِلْمَعْهَدِ

جَاءَ العَذابُ بِغُبارِ مُحْرِقِ *** وَ عَمَّ فِي العَالَمِ لكِنِ التَّقِي

دَامَ الحِفاظ مِنْهُ لِلْكَرَامَهْ *** إِلَى الرَّسُولِ صَاحِبِ الغَمَامَهْ

فَقَالَ يَا سَلْمَانُ رُمْ لِلْبابِ *** فَإِنَّ بِنْتَ أَحْمَدَ فِي البابِ(1)

بَلِّغْ رسالةً إِلَيْها قَائِلا *** إِنَّ أَباكِ رَحْمَةٌ قَدْ أُرْسِلا

بَلِّغْ فَلاَتَكُونِي نِقْمَةٌ لِلْعَالَمِ *** وَ الصَّبْرَ يا بِنْتَ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ

فَجَاءَ سَلْمانُ بِدَمْعِ مُنْحَدِرْ *** يا بِنْتَ طَهَ سيدي خَيْرِ البَشَرْ

أَخْبَرَها بِمَا يَقُولُ الْمُرْتَضَى *** وَ هُوَ القَسِيمُ لِلْجِنانِ وَ اللَّظَى(2)

ص: 478


1- في «تفسير العياشي» ج2 ص67/66 ضمن ح76ط/ المكتبة العلمية الإسلامية. «... ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً علیه السلام ملبياً، فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر، أتريد أن ترملني من زوجي؟ واللَّه لئن لم تكف عنه لأنثرنّ شعري و لأشقنّ جيبي، و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربّي، فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم، فقال علي السلمان أدرك ابنة محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان واللَّه إن نشرت شعرها و شقت جيبها و أتت قبر أبيها صلي اللَّه علیه و آله و سلم و صاحت إلى ربها لايناظر بالمدينة أن يخسف بها و بمن فيها فأدركها سلمان رضوان اللَّه تعالى عليه فقال: يا بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم إن اللَّه إنما بعث أباك رحمة فارجعي فقالت: يا سلمان يريدون قتل علي علیه السلام ما على عليّ صبر فدعني حتى آتي قبر أبي فأنثر شعري و أشق جيبي و أصيح إلى ربي فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة و علي علیه السلام بعثني إليك و يأمرك أن ترجعي إلى بيتك و تنصرفي. فقالت: إذن أرجع و أصبر و أسمع له و أطع» وانظر الهامش رقم 4 في الصفحة السابقة. «بحار الأنوار» ج28 ص227 ح14. و «البرهان» ج2 ص93 ضمن ح4.
2- اللظى: النار.

فَأَجْهَشَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ صَائِحَهْ *** سَلْمانُ دَعْ لَوْمَكَ عَن ها لفادِحهْ

ما قَصَّرَ الأَعْداءُ فِيمَا فَعَلُوا *** قَدْ هَجَمُوا دارِي وما قَدْ عَمِلُوا

صَابِرَةٌ فِي كُلِّ ما قَدْ وَقَعا *** إِلأَعَلِيَّ لاَ يَكُونُ مَرْتَعا

رَادُوا لِقَتْل المُرْتَضَى العَظِيمِ *** كَلاَّ وَ حَقِّ الخَالِقِ الرَّحِيمِ

أَلاَ تَرَى سَلْمانُ مَتْنِي كُلْما *** وَ اتْرَكَزَ المِسْمارُ نابعاً دَما؟

وَ أَسْقَطُوا حَمْلِيَ مُحْسِناً وَ قَدْ *** آذُونِي بِالعَصْرِ اعْتِداءَ وَ عَمَدْ

وَ كَسَرُوا ضِلْعِي وَخَدِّي لَطَمُوا *** وَ غَصَبُوا حَقّي وَ دَارِي هَجَمُوا

وَ مَزَّقُوا ما كانَ مِنْ كِتَابِ *** قَدْ حُقَّ فِيهِ الحَقُّ بِالصَّوابِ

أَما عَلِيٌّ لَيْسَ عَنْهُ صَبْرُ *** فَإِنَّهُ الإيمانُ وَ هْوَ الذِّكْرُ

ما رَجَعَتْ إِلا عَلِيٌّ مَعَها *** مَظْلُومَةٌ مَغْبُونَةٌ لكِنَّها(1)

نَفْسِي فِداها بَقِيَتْ عَلِيلَهْ *** بِكَثْرَةِ المَصَائِبِ الجَلِيلَهْ

ضَرْباً وَ لَطْماً مَعْ وَقَع الحَمْلِ *** مَصَائِبٌ لَمْ تَنْحَصِرْ بِالعَقْلِ

وَ قَدْ غَدَتْ فَاطِمَةُ البَتُولُ *** مَحْمُودَةٌ لَيْسَ لَهَا مَقِيلُ(2)

وَ أَصْبَحَتْ فَوْقَ الفِرَاشِ بِحُزَنْ *** تُعَالِجُ الآلامَ مِنْ تِلْكَ المِحَنْ

قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** بُرْهَةَ وَقْتٍ نُورُها فِيهِ اخْتَفَى

حِينَ أَرادَ الخَالِقُ الكَرِيمُ *** وَقتَ اعْتِلالٍ صابَها عَظِيمُ

أَنْ تُرْفَعَ الزَّهْرا لِمَوْضِع العُلُى *** بِأَمْرِ رَبِّ الخَلْقِ جَلَّ وَعَلا

فَأَقْبَلَ الوَعْدُ لِبنْتِ أَحْمَدِ *** وَ فِيهِ فَارَقَتْ لِطِيب المَحْتِدِ(3)

أَلْقَتْ وَصاياها إِلَى الكَرَّارِ *** وَ اعْتَكَفَتْ فِي طَاعَةِ الجَبَّارِ(4)

ص: 479


1- مغبونة: مغلوبة.
2- مكمودة: محزونة و مهمومة غماً شديداً.
3- المحتد: الأصل.
4- في «بحار الأنوار» ج43 ص201 ضمن ح30 ط2/ مؤسسة الوفاء -بیروت. «عن أبي جعفر علیه السلام قال: بدأ مرض فاطمة علیها السلام بعد خمسين ليلة من وفاة رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم فعلمت أنها الوفاة فاجتمعت لذلك تأمر عليّاً علیه السلام بأمرها و توصيه بوصيتها و تعهد إليه عهودها و أميرالمؤمنین علیه السلام يجزع لذلك و يطيعها في جميع ما تأمره، فقالت: يا أباالحسن علیه السلام إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم عهد إلي و حدّثني: أني أول أهله لحوقاً به و لابد ممّا لابدّ منه فأصبر لأمر اللَّه «تعالى» و أرض بقضائه قال و أوصته بغسلها و جهازها و دفنها ليلاً ففعل، قال و أوصته بصدقتها و تركتها قال: فلما فرغ أميرالمؤمنين علیه السلام من دفنها لقيه الرجلان فقالا له ما حملك على ما صنعت؟ قال علیه السلام: وصيّتها و عهدها».

حَتَّى قَضَتْ لِنَحْبِها مَضْرُوبَهْ *** مَنْهُوبَةٌ لِحَقِّهَا مَغْصُوبَهْ(1)

وَ مَاجَتِ الأَرْضُونَ فِي فِرَاقِهَا *** كَذَا السَّمَاءُ السَّبْعُ عِنْدَ مَوْتِهَا(2)

وَ الشَّمْسُ غَابَتْ وَ كَذَاكَ البَدْرُ *** وَ أَظْلَمَ الكَوْنُ وَ حَلَّ الضُّرُّ

مِنْ مَوْتَةِ الزَّهْرَاءِ أُمِّ الحَسَنِ *** وَ بَضْعَةِ المُخْتَارِ نُورِ الزَّمَنِ

عَلَيْكِ يا بِنْتَ الهُدَى سَلامُ *** مِنَ الإِلهِ وَلَكِ الإِنْعَامُ

مِنْ خَادِمٍ أَبْدَى لَكِ التَّحِيَّهُ *** سَيِّدَتِي يَا فَاطِمُ الزَّكِيَّة

أَرْجُو شِفالي يا بِنْتَ المُعَظَّمِ *** طهَ النَّبِيِّ الأَوْحَدِي الأَكْرَمِ(3)

كَذَا سَلاَمِي لَكِ مَعْ أَبِيكِ *** وَ بَعْلِكِ الكَرارِ مَعْ بَنِيكِ

وَ الحَمْدُ لِلَّهِ العَظِيمِ الشَّانِ *** وَ خَالِقِ التَّكْوِينِ وَ الإِمْكَانِ(4)

ص: 480


1- في «أمالي الطوسي» ص155 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «... إن فاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم لم تزل مظلومة، من حقَّها ممنوعة، و عن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم و لاروعي فيها حقه و لاحق اللَّه «عزّوجل» و كفى باللَّه حاكماً و من الظالمين منتقماً...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص209 ضمن ح38.
2- ماجت: تحركت و اضطربت.
3- الأوحدي: الوحيد في رتبته.
4- المراثي الإسلامية في رثاء العترة النبوية ص48 . و قد مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(12) بضعة الأمين

(بحر الرجز)

الشيخ عبد المجيد أبوالمكارم(*)(1)

آهِ مِنَ المِسْمَارِ كَيْفَمَا فَعَلْ *** فِعْلَتَهُ لِلْحَشْرِ لَمّا تَضْمَحِلْ(2)

نَكَّسَ عَامُودَ الهُدَى وَالدِّينِ *** بِفِعْلِهِ بِبَضْعَةِ الأَمِينِ

مَزَّقَ لِلصَّدْرِ وَأَوْهَاهَا عَلَى *** عَتْبَةِ دَارٍ أَسْقَطَتْ سِنَّ المَلاَ(3)

وَ أَحْرَقَ البابَ وَ أَوْهَى العَضُدا *** وَ قَادَ نُورَ اللَّهِ سُلْطَانَ الهُدَى

هَدَّمَ رُكْنَ الدِّينِ حِينَمَا فَعَلْ *** فِعْلَتَهُ السَّوْداءَ مِنْ خَيْرِ العَمَلْ(4)

ذَاكَ الهُجُومُ سَوَّدَ التَّارِيخَ فِي *** كُلِّ الدُّهورِ أَبداً لَمْ يَخْتَفِ(5)

وَ قَدْ بَغَتْ شَوْكَاتُهُ طُولَ الدُّنَى *** لِلْحَشْرِ لا تُحْمَدُ نِيرانُ الخَنَى(6)

ص: 481


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تضمحل: تتلاشى و تنحل.
3- أوهاها: أضعفها.
4- و يقصد من (خير العمل)كناية عن مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام و قد جاء في «المناقب» ج3 ص361. ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم. قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم العلي علیه السلام قبل موته: السلام عليك يا أباالريحانتين أوصيك بريحانتين من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك عليك. قال: فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال علي علیه السلام: هذا أحد الركنين. فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال علي علیه السلام: هذا هو الركن الثاني». انظر «ذخائر العقبى» ص56 ط1981/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «كنز العمال» ج11 ص625. و مثله «أمالي الصدوق» ص116 ح4 و البحار ج43 ص173 ح14.
5- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص580 نقلاً من كتاب «ملتقى البحرين» ص418: أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها علیها السلام.
6- الخنى: نوائب الدهر، الغدر.

ضَرْبٌ وَلَظمْ ثُمَّ إِسْقاط حَصَلْ *** عَصْرُ لِبِنْتِ المُصْطَفَى ضَيمٌ نَزَل

حَرْقٌ لِبابِ اللَّهِ مَعْ كِتَابِهِ *** سَبَبُهُ المِسْمَارُ فِي جَرَائِهِ

وَ قَادَ خَيْرَ الخَلْقِ بَعْدَ المُصْطَفَى *** بِالحَبْلِ قَسْراً وَبِهِ الدِّينُ اخْتَفَى(1)

وَ أَوْرَتَ الدُّلَ لِيَوْمِ الحَشْرِ *** فَأَحْزَنَ المُخْتَارَ كُلَّ الدَّهْرِ

جَاءَ بِهِ فِرْعَوْنُ هَذِي الأُمَّهْ *** قَدِ اسْتَحقَّ اللَّعْنَ مِنْ ذِي الرَّحْمَهْ

كَمَا لَهُ العَذَابُ فِي طُولِ الزَّمَنْ *** مِنْ يَوْمِ عَصْرِ الظُّهْرِ بِنْتِ المُؤْتَمَنْ

مَنْ جَاءَ بِالإيذا لبِنتِ المُصْطَفَى *** آذى اللهَ حَيْثُمَا قَدْ وَصَفَا(2)

طُولَ الزَّمانِ بَائِسٌ لَعِينُ *** نَعَمْ كَمَا بَيْنَهُ الأَمِينُ

كَذَا الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ لِلنَّبِي *** وَ آلِهِ الأظهَارِ أَهْلِ الأَدَبِ(3)

ص: 482


1- و قد ورد في معنى البيت: «...فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم أن يكفّوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ علیه السلام و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي، فضر بني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ح2 ص575.
2- ورد في «الاحتجاج» ج1 ص109: «...فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسودا». أنظر؛ «بحار الأنوار» ج22 ص328 ح36.
3- في «كشف الغمة» ج2 ص93 ط/ دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «خرج رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و قد أخذ بيد فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم و هي بضعة منّي و هي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه». وعن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «إن فاطمة علیها السلام شعرة منّي فمن شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن أذى الله لعنه ملء السموات والأرض». الرواية الأولى انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص54 ضمن ح48. «الإحقاق» ج10 ص212 و ص213. و الرواية الثانية: انظر؛ بحارالأنوار ج43 ص54.

كَذَا سَلاَمٌ مِنْ خَدِيمٍ أَبَدا *** يَرْجُوهُمُ الصَّلاحَ فِي يَوْمِ النِّدا

كَذاكَ يَرْجُو صِحَةٌ فِي نِعَم *** لِلْجِسْم وَالعَيْنِ فَأَنْعِم مَغْنَمِي

عَبْد المَجِيدِ وَحَفِيدُ جَعْفَرٍ *** وَ ابْنُ عَلِيَّ القَد ذَاكَ الأنْوَرِ(1)

ص: 483


1- المراثي الإسلامية ص53.

(13) بنت الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الرجز)

الخطيب ملا عطية الجمري(*)(1)

وَ لهَني تَجَاوُبُ الأَرزاءِ *** بِالمُصْطَفَى والآلِ وَ الزَّهْراءِ

ص: 484


1- (*)هو الخطيب ملّاعطية بن علي بن عبد الرسول بن محمد بن حسين بن إبراهيم بن مكي ابن الشيخ سليمان البحراني الجمري نسبة للقرية المعروفة ب- (قرية بني جمرة) التي هي اليوم مقرّ هذه الأسرة المعروفة. ولد المترجَم له في القرية المذكورة في جمادى الأولى سنة (1317 ه-) و نشأ فيها، و تربّى بین أحضان والده الذي كان يمتهن التجارة، و هاجر مع أسرته إلى خُرَّمشهر جنوب إيران في عام (1327ه)، و قد وجد المترجم له في خرمشهر ما يحقق مراده من التلمذة على يد علمائها و أدبائها و خطبائها، إذ تاقت نفسه إلى خدمة سيّد الشهداء عن طريق ارتقاء المنبر الحسيني المقدّس علیه السلام. و بقي في خرَّمشهر عشر سنين، و اشتاق بعدها إلى بلاده و أحبابه، فرجع إلى البحرين عام (1338 ه-) و تتلمذ على الشيخ عبداللَّه بن أحمد العرب الجمري الشهيد و كان هذا الشيخ خطيباً أديباً فقيهاً استطاع أن يربي المترجم له و يدرسه دراسة متقنة. أكمل مترجمنا دراسته العلمية على يد صاحب الفضيلة الشيخ محسن ابن الشيخ عبداللَّه إذ أخذ على يده النحو و الصرف و الأدب. استقلّ المترجَم له في خطابته استقلالاً تاماً سنة 1330 ه- إذ راح يرقى المنبر في خرمشهر و البحرين و الأحساء و الهند و العراق و إيران، و كان جُلّ قراءته أيام المحرم في حسينية الحاج أحمد بن ناصر و كان قد بدأ خطابته فيها، و لقد حضرت مجالسه هناك عندما كنت أرقى المنبر الحسيني في البحرين سنة (1393 ه-) فكان حقاً أستاذاً بارعاً في فنون الخطابة الحسينية. و كان من أصدقاء أستاذنا الخطيب البارع الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي، و كنت ألاحظ أنه إذا جاء زائراً إلى كربلاء المقدسة كان يحضر في مجالس الشيخ هادي الخفاجي. و كان الشيخ هادي ملتزماً بأن يقرأ شعر ملّاعطية في المجالس وفي ليلة كنت حاضراً في المجلس و ملّاعطية حاضر و إذا بالشيخ هادي يقول يا ملاعطية إن الجمرة الأولى تحرق أكثر من الجمرة الثانية و الثالثة مشيراً إلى كتاب الجمرات الودّية الجزء الأول. و إنه أكثر تأثيراً من جزأيه الثاني و الثالث. و شاعرنا الملّاعطية لم يقتصر نظمه على الشعر العامي باللغة الدارجة (النبطي) فحسب، و ليس ديوانه (الجمرات الودية) العنوان الأوّل على عبقريته، و إن جاء هذا في فنّه آية من الابداع بل له من الشعر الفصيح ما يعرب عن تفوّقه في الأدب، فإذا قرأت من شعره وجدت الروح السحرية التي تتجلى غالباً في العباقرة من الشعراء و حسبنا دليلاً هذه القصيدة المذكورة. لَبَّى نداء رَبّه بعد خدمة حسينية امتدت زهاء سبعین عاماً فتوفي في ليلة السبت في الثلاثين من شهر شوال سنة (1401 ه-) في بومباي بالهند ثم حمل جثمانه إلى البحرين، و شيّع تشیعاً منقطع النظير، و دُفن في بني جمرة، و قبره معروف يشار إليه هناك.

أَبْدَتْ لها الأُمَّةُ ما قَدْ أَضْمَرَتْ *** لها مِنَ الأَضْغَانِ وَ الشَّحْنَاءِ(1)

فكابَدَتْها محناً لولا مَسَتْ *** طَوْداً لزال عن ثَرى البَوْغاءِ(2)

وَ جَرَّعَتْ سِنَّ النِّسا مِنَ الأَسَى *** فَوادِحاً جَلَّتْ عن الإحْصاءِ

سَلْ عَنْ دُخُولِ الدّار فِيهِ ماجَرَى *** يا صاحِ مِنْ داهِيَةٍ دَهْياء(3)

ص: 485


1- الأضغان: الأحقاد الشحناء : العداوة امتلأت منها النفس.
2- البوغاء: التراب عامة و قيل هي التربة الرخوة و قيل التراب الناعم.
3- داهية: مصيبة -دهياء: شديدة. و خلاصة ما أورده المؤرخون من السنة و الشيعة عن هذه الأبيات كما في كتاب سليم بن قيس ص249 و العقد الفريد ج2 ص254 و مناقب ابن شهر آشوب ص388 و بحار الأنوار ج53 ص19 و مروج الذهب ج2 ص301 ما يلي: غضب رجال من المهاجرين و الأنصار في بيعة أبي بكر منهم الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله و أبوذر و عمار بن ياسر و آخرون غيرهم فبعث أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة الزهراء علیها السلام الذي أصبح معقلاً للمعارضين لأبي بكر و خلافته و قال له: إن أبوا فقاتلهم و أمّا عن علي بن أبي طالب علیه السلام فقد قال أبوبكر لعمر: ائتني به بأعنف العنف فانطلق عمر بن الخطاب و خالد بن الوليد إلى بيت فاطمة علیها السلام فلما قيل لعمر: فاطمة علیها السلام بالدار قال: و إن ثم أوقدوا الحطب الذي جمعوه ليحرقوا الدار بمن فيها و هجموا على الدار فقامت سيدة النساء عندما سمعت أصواتهم علها تحول بينهم و بين زوجها فضربها عمر و ضغط عليها الباب حتى أسقطت جنينها محسن و نبت المسمار في ضلعها ثم صاح بها يا فاطمة علیها السلام دعي عنك حماقات النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة و الخلافة وعندما رأت الزهراء علیها السلام ما يحل بها وبزوجها صاحت بأعلى صوتها علیها السلام: يا أبت يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لشد ما لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة. ثم أخذوا الإمام علياً علیه السلام و اقتادوه إلى المسجد ليبايع قهراً بعد أن تكاثروا عليه و شدّوا و ثاقه و عندما أرادت الزهراء علیها السلام أن تلحق بهم ضربها عمر بالسوط ثم أتبعها قنفذ بسوط آخر فماتت و إن في عضدها كمثل الدملج في ضربته و عندما استطاعت أن تلحق بالمسجد مرة أخرى قائلة: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي اللَّه علیه و آله و سلم بالحق لأن لم تخلوا لأنشرن شعري و لأضعن قميص رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى اللَّه تعالى فما ناقة صالح بأكرم على اللَّه من ولدي قال: سلمان فرأيت واللَّه أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فبعث الإمام علي علیه السلام به إلى فاطمة علیها السلام قائلاً: يا إبنة رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم بعث أبوك رحمة فلاتكوني نقمة فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا.

مِنْ عَصْرِها وَ لَظْمِها عَداوَةً *** و مِن جَنين غيل في الأَحْشاءِ(1)

و مُذْ بَدَتْ تَدْفَعُ عن حَيْدَرَةٍ *** إِذ أَخْرَجُوهُ جُرْأَة الأَعْداءِ

صاغَ لها الدَّملَجَ في ساعِدِها *** سوطٌ تلوّى في يَدٍ لعناءِ

وَ انْدَفَعَتْ خَلْفَهُمُ لِمَسْجِدٍ *** غَصَّ بأهلِ البَغْيِ وَ الغَوْغاءِ(2)

تَدْعو وَ كَفَّاها على هامَتِها *** خَلُّوا عَلِيّاً رُعْتُمُ أبنائي(3)

فَما جَتِ الأَرْضُ وَ مَارَتِ السَّما *** وَ اضْطَرَبَتْ جَوانِبُ الأَرْجاءِ(4)

وَ لم تَكُنْ تَقْصِدُ إِهْلاكَهُمُ *** إِذْ شَأْنُها الصَّبْرُ على البَلْواءِ

بَلْ لِتُرِيهم ما به رَبُّ الورى *** أَكْرَمَهَا مِنْ سابِغِ النَّعْمَاءِ

كُمْ خُطبَةٍ صَمَّتْ بها آذانَهُمْ *** تَكْشِف كُلَّ طَخْبَةٍ عَمْياءِ(5)

لكِنَّهُمْ عن الهُدى في صَمَمٍ *** فَقابَلوا بالأُذُنِ الصَّمّاءِ

فَأَمَّتِ القَبْرَ له شَاكِيَةً *** فِعَالَهُمْ بِالمُهْجَةِ الحَراءِ

ص: 486


1- الإشارة إلى إسقاط (المُحسن) بسبب ما تعرّضت له الزهراء علیها السلام أثناء هجومهم على الدار.
2- الغوغاء: السفلة من الناس و المتسرعين إلى الشرّ.
3- رعتم: أخفتم، أفزعتم.
4- ماجت: ارتفعت و هاجت. مارت: ماجتْ و اضطربتْ.
5- لعلها طيخة و ليست طخية و الطيخة وردت بمعنى الفساد و وردت أيضاً زمن الطيخة أي زمن الفتنة و الحرب (لسان العرب).

وَ انْكَفَات للمُرْتَضى مُبْدِيَةً *** باللرِّجالِ رِنّةَ النِّساءِ

فعادَ قَلْبُ المُرْتَضى في حَرَقٍ *** مُضْرَمَة بالهمَّةِ الشَّمَاءِ(1)

يَقولُ صَبْراً يابْنَةَ الهادي فَكَمْ *** اللَّهِ مِنْ حُكْمِ وَ مِنْ إِمضاءِ

وَ هكذا بِنْتُ الرَّسولِ كابَدَتْ *** حتَّى دَهاها عاجِلُ الفَناءِ(2)

قَدْ لَزِمَتْ فِراشَها مِنْ بَعْدِهِ *** لِعُظم ما لاقَتْ من البَلاءِ

فَفارَقَتْ دار الفنا لْكِنَّها *** تَحِنُّ لِلْكَرَارِ وَ الأَبْناءِ

ص: 487


1- الشمّاء: المرتفعة.
2- دهاها: أصابها بمصيبة.

(14) مظهر الأنوار

(بحر الرجز)

الشيخ علي بن حسن الجشي

رُوي لنا عن معدنِ الأسرارِ *** بضعةِ طه مظهرِ الأنوارِ

قالتْ أبي المختارُ سلطانُ الرسل *** عليَّ في المنزلِ يوماً قد دَخَلْ

فقالَ لي في بدني ضعفاً أجدْ *** قلتُ كفيتَ بالإلهِ ما تجدْ

قال عليَّ بالكسا اليمانِي *** كيما تغطي بالكسا جثمانِي

قالتْ فغطيتُ أبي و لم أزلْ *** ناظرةً إليه إذ أضا المَحَلْ

و وجههُ يسطعُ منهُ النورُ *** كالبدرِ في تمامِه ينيرُ

فما مضتْ ساعةُ إلاّ وأتى *** قرّةُ عيني المجتبى خيرُ فتى

فقال يا أمُّ و يا بنتَ الهدى *** عليكِ مني السلامُ سَرْمَدا

قالت بنيَّ و السلامُ الأسنى *** عليكِ يا من تمَّ حسناً معنى

فقال يا أماه إني لأشمُ *** رائحةٌ بطيبها تحيى الرِّمَم(1)

كأنها تضوّعت من أحمدا *** جدي فمثلُ طيبِه لن يُوجدا(2)

قالتْ نعم ها جدّكَ المختارُ *** تحتَ الكسا و هو لهُ دثارُ

فأقبلَ السِّبط الزكيُّ المجتبى *** نحوَ الكسا حتى دنا و اقتربا

قال السلامُ من إلهِ العالمِ *** عليكَ يا سيدَ ولدِ آدمِ

ص: 488


1- الرمم: العظام البالية.
2- تضوّعت: فاح عطرها و إنتشر.

و قال هل أدخلُ يا أفضلَ مَنْ *** كان يكُن قال: أجل بُني حَسَنْ

تقولُ ثم جاءَ من بعدِ الحسنْ *** قرّة عينيَّ الشهيدُ الممتحَنْ

و بالسلامِ افتتحَ الكلاما *** أجبته برده إكراما

فقال إنّي لأشمُ رائحةً *** كأنها من طيبِ جدي فائحةْ

قلتْ نعم جدك مع أخيكَ *** تحتَ الكسا بمهجتِي أفديكا

ثم دنا و كرَّر السلاما *** على النبيِّ جدِهِ إِعظاما

و استأذنَ النبيَّ في الدخولِ *** قال له أدخلْ في لقاكَ سولي(1)

قالتْ فعندَ ذاك جاءَ المؤتمنْ *** نفسُ النبي المصطفى أبوالحسَنْ

قال السلامُ بضعةَ المختارِ *** عليكِ في الأدوارِ والأكوارِ

قلتْ وهكذا السلامُ الدائمُ *** عليكَ ما قامتْ بكَ العوالمُ

فقالَ لي: أشمُّ طيباً فاحَ و لمْ *** أَخَلْهُ إلاطيبَ صِهِرِي و ابن عمْ(2)

قلتُ نعمْ ها هو معَ نجليكَ قَدْ *** ضمهمُ الكساءُ يا باب الرَشَدْ

هناكَ أقبل الوصيُّ المرتضى *** يؤمُ خير مصطفى و مرتضى

قال عليكَ مني السلامُ مما *** قرَّت بك الأرضُ و قامت السَّما

و قال هل أدخلْ معكَ يا بنْ عَم؟ *** قال نعم أنتَ شقيقي في القِدمْ

ثم دنتْ والدةُ السبطينِ *** كفوِ الوصي مجمعِ البحرينِ

تكرّر السلام و المخاطبةْ *** بیا رسول اللَّه طوراً و أبهْ

يا منْ له الولايةُ الكبرى هلْ *** تأذن بالدخول لي؟ قال أجَلْ

قالتْ فلما اكتملُوا تحت الكسا *** و فيهمُ طاولَ حتى الأطلسا

لم تدرِ ما هذا الكساءُ قد جمَعْ *** إذ ضمَّ خيرَ من لهُ الباري ابتدعْ

ص: 489


1- سولي: سؤلي، أي سؤالي.
2- أخله: أعتقده.

طوى مكارماً وأسرارَ جمَعْ *** لنشرِها فضا الوجودِ لم يسعْ

وكم لهذا الاجتماعِ من أثرْ *** مباركٍ عمَّ الوجودَ واستمرْ

وقد تجلّی اللّهُ للتنويهِ في *** سمائِه بما حووا من شرفِ

أوحى هناكَ مالكُ الأملاكِ *** إليهُم يا ساكِني أفلاكي

وعزّتي وبجلالي لم أكُنْ *** أوجِد موجوداً من الخلق يكُنْ

وما رفعت من سما مبنيّه *** ولا دحوتُ أرضها المدحيّه

ولم تكن من قمرٍ منيرِ *** ولم تكن شمسٌ تضي بالنورِ

ولم يكنْ من فلكِ دوّارِ *** أو أبحرٍ تجري وفُلكٍ ساري

ألاّ وكانَ في محبةِ الأُلى *** تحتَ الكساءِ اجتمعُوا أهل الوِلا

فهؤلاءِ الخمسةُ الذين هُمْ *** تحتَ الكساءِ رحمتي بهمْ تَعُمْ

فدلَّ أن لولاهُمُ لمْ يَكنِ *** في الأرضِ والسماءِ من مكوِّنِ

إذ كلُ شيءٍ للمكانِ مفتقرْ *** وبانتفاهُ ينتفي مايفتقرْ

فقال جبريلُ وَمَنْ تحتَ الكسا *** يا ربُّ؟ قال ربُّنا تقدّسا

هم من لهمْ بيتُ النبوّةِ انتسبْ *** ومعدنُ الرسالةِ السامي لقبْ

همُ فاطمٌ والمصطفى أبوها *** وبعلُها وخيرتي بنُوها

وإن تقديمَ الجليلِ الزهرا *** عليهُم ذكراً أبانَ سِرّا

لا يسعُ التصريحُ لكن من فهِمْ *** بأنها أم أبيها يغتنِمْ

فقال جبريلُ فهل تأذنُ أَنْ *** أكونَ سادساً لهُمْ يا ذا المِنَنْ؟

أرادَ أَنْ يجعلَ حلَّ منصبهْ *** متمماً لما اقتضتْهُ المرتبهْ

قال نعمْ هنالكُم تنزلا *** مسلماً يُنهي سلامَ ذي العُلا

وهو يقولُ ثمَّ قَصَّ مامضى *** وإنه جاءَ ليبلغَ الرِّضا

فهلْ تری یا صاحبَ الولايةْ *** تأذنُ لي حتى أنال الغايهْ؟

وربما يسألُ سائلٌ فطِنْ *** لِم يطلبِ الإذن وربُّه أَذِنْ

ص: 490

قلتُ هنا أجوبةٌ تنوعَتْ *** لكنها عن واحدٍ تفرعَتْ

الإذنُ لم يحوّلْ الماهيّةْ *** في الروحِ بلْ المصطفى العليّه(1)

وإن للعلةِ أعلى هيمنَهْ *** فيستحيلُ أن تزولَ السلطنَهْ

قال إليكَ قد إذنتُ فدخَلْ *** فقال قد أوحى لكم عزَّ وجَلْ

وهو يقولُ إنما يريدُ *** بها خُصصتم ولكُم مزيدُ

بوحيهِ جلَّ لها اقتضى المحَلْ *** حيث أبانت سرَّ جعلِهم عللْ

دلت بأنْ ليسَ سواهُمُ اتصف *** بما تضمنتْ لعمرِي من شرفْ

قد أذهبَ الرجسَ وبالتطهيِر مَنْ *** فلم يشب كمالهم نقصٌ دَرَن(2)

فتمَ فيهمُ اقتضى الإيجادِ *** من الحكيم المطلقِ الجوادِ

وغيرهمْ ما تمَّ فيه الإقتضا *** إلاّ إذا شاؤوا فهم سرُّ القَضا

وكم لذي الآيةِ من أسرارِ *** يرجعُ عنها ثاقبُ الأفكارِ

قال عليّ وهو البابُ لما *** مدينةَ العلم حوَتْ مستفْهِما

ما لجلوسِنا من الفضلِ لدى *** ربِّ الورى يا خيرَ داعٍ للهدی

فقالَ خیرُمخبرٍ أمينِ *** يؤكدُ الأخبارَ باليمينِ

ليعلمَ المؤمنَ أن للخبرْ *** منزلةً شامخةً ذاتَ خَطَرْ

فيطمئنَ وينالَ ما قصَدْ *** إذ نجحهُ نِيطَ بحسنِ المعتَقَدْ

قال ومن صيَّرَني نبيّا *** وبالرسالةِ اصطفى نجيّا

لم تذكرِ الشيعةُ هذا الخبرا *** بمجمعٍ إليهم فوقَ الثرى

إلا عليهمْ أنزلَ الجبارُ *** رحمتَهُ والمَلَكُ الأبرارُ

حفتْ بهم واستغفرت لهمْ إلى *** أنْ يتفرَّقُوا بأمرِ ذي العُلا

ص: 491


1- الماهية: أصل تكوين الشيء.
2- درن: وسخ.

قال إذاً فُزنا وربِّ الكعبةْ *** ومن لَنا يُدِينُ بالمحبَّهْ

قالَ وقد أقسَم بالذي سبَقْ *** خيرُنبيِّ لم يفُهْ إلاّ بحَقْ

وما بهِم مهمومُ أو مغمومُ *** إلاّ وزالَ الغمُ والهمومُ

ولم يكنْ من طالبٍ الحاجة *** الاّ قضى الربُّ الكريمُ الحاجَةْ

فقالَ فُزنا وسَعُدنا المرتَضَى *** دنيا وعُقبى والذي لنا ارتَضَى

و هكذا شيعتُنا فازوا بنا *** في النشأتين وبنا نالُوا المُنى

ص: 492

(15) حبيبة الحبيب

(بحر الرّجز)

الشيخ علي بن حسن الجشي

حَبِيبَةُ الحَبِيبِ بِنْتُ المُصْطَفَى *** كُفْؤُ عَلِيِّ وَكَفاهَا شَرَفا(1)

وَفَضْلُها كالشَّمْس ما بِهِ خَفا *** حتّى على الرُّسْلِ لها تَفضيلُ

***

وربَّما يَكْبُرُ عندَ مَنْ جَهِلْ *** تَفْضِيلُها عَلَى الوَرَى حتّى الرُّسُلْ

ألَمْ يَكُنْ أهْلُ الكِسا هُمُ العِلَلْ *** وَهَلْ يُساوِي العِلَّةَ المَعْلُولُ؟

***

ألَم تَكُنْ من نورِ أَفْضَلِ الرُّسُلْ *** ومَنْ بَراهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟

مِن نورِهِ المُشْرِقِ مِنْ صُبْحِ الأَزَلْ *** إِذْ لا مُعَلَّلٌ ولا تَعْليلُ

***

ص: 493


1- انظر محبة النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم لها. في حلية الأولياء لأبي نعيم، ج 2 ص 300 حيث روى بسنده عن أبي ثعلبة الخشني يقول: قدم رسول اللّه 2لی اللّه علیه و آله وسلم من غزاة له فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين وكان يعجبه إذا قدم يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتى فاطمة علیها السلام فبدأ بها قبل بيوت أزواجه فاستقبلته فاطمة علیها السلام وجعلت تقبّل وجهه وعينيه وتبكي فقال لها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ما يبكيك؟» قالت: أراك قد شحب لونك. فقال لها: «يا فاطمة علیها السلام إن اللّه «عز وجل» بعث أباك بأمر لم يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ أدخله به عزاً أو ذلاً يبلغ حيث بلغ الليل.»

وكَمْ لها في البَدْءِ والخِتامِ *** وَهذِهِ الدَّارُ مَقامٌ سامِي

خُصَّتْ به مِنْ خالقٍ الإنْعامِ *** أثْبَتَهُ المَنْقُولُ وَالمَعْقُولُ

***

وَهْيَ لَعَمْرِي عِلَّةُ الإيجادِ *** وَكَمْ عَلَى الخَلْقِ لَها أَيادِي(1)

في هذِه الدّارِ وَفِي المَعادِ *** وَالكُلُّ مِنْ أَهْوالِهِ مَذْهُولُ

***

وكَمْ لها هُنَالِكُمْ مِنْ مَوْطِنِ *** يَنْفَعُ حبُّها لِكُلِّ مُؤْمِن

أَيْسَرُها المَوْتُ فَهُمْ بِمَأمَنِ *** حَيْثُ عَلَى وِدادِها التّعويلُ(2)

ص: 494


1- أيادي: نِعَم وأفضال.
2- كتاب الديوان ج 1 ص 86.

(16) آل النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الرَّجَز)

الشيخ علي بن مقرب العيوني

يَا وَاقِفاً بِدِمْنَةٍ وَمَرْبَعِ *** إِبْكِ عَلَى آلِ النَّبِيِّ أَوْ دَعِ

يَكْفِيكَ مَا عانَيْتَ مِنْ مُصابِهِمْ *** مِنْ أَنْ تَبَكَّى طَلَلاً بِلَعْلَعِ(1)

تُحِبُّهمْ قُلْتَ وَتَبْكِي غَيْرَهُمْ *** إِنَّكَ فِيمَا قُلْتَهُ لَمُدَّعِ

أمَا عَلِمْتَ أَنَّ إفراط الأَسَى *** عَلَيْهِمُ عَلامَةُ التَّشَيُّعِ؟

أَقْوَتْ مَغَانِيهم فَهُنَّ بِالبُكا *** أَحَقُّ مِنْ وادي الغَضا وَالأَجْرَعِ(2)

يَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَنُوحُ مِنْهُمُ *** وَمَنْ لَهُ يَنْهَلُ فَيْضُ أَدْمُعِي؟

ألِلْوَصِيَّ حِينَ فِي مِحْرابِهِ *** عُمِّمَ بِالسَّيْفِ وَلَمَّا يَرْكَعِ؟

أَمْ لِلْبَتُولِ فَاطِم إذ مُنِعَتْ *** عَنْ إِرْثِهَا الحَقِّ بِأَمْرِ مُجْمَعِ؟(3)

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَهَا يَا هذِهِ *** لَقَدْ طلَبْتِ باطِلاً فارْتَدِعِي

أبوكِ قَدْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ *** مُصَرِّحاً في مَجْمَعٍ فَمجْمَعِ

ص: 495


1- لعلع: كَسْر. أو ضعف من تعب أو مرض.
2- أَقْوَتْ: نزلت في قفر. أو افتقرت، أو فني زادهم أو جاؤوا ولم يكن معهم شيء. مغانيهم: منازلهم. وادي الغضا: وادٍ كثر فيه شجر الغضا وهي شجرة من الأَثل خشبها من أصلب الخشب وجمرها يبقى زمناً طويلاً لا ينطفىء. وادي الأجرع: وادٍ كثرت فيه نوقٌ قلّتْ ألبانُها وكأنّه ليس في ضرعها إلاّ جُرَع.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم: «وإنما سمّيت فاطمة البتول علیها السلام لأنها تبتّلت من الحيض والنفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء» أو قال: «نقصان».

نَحْنُ جَمِيعُ الأَنَبِيَاءِ لانُرِي *** أَبْنَاءَنا لإرثنا مِنْ مَوْضِعِ

وَمَا تَرَكْنَاهُ يَكُونُ مَغْنَماً *** فَارْضَيْ بِمَا قَالَ أَبوكِ وَاسْمَعِي

قَالَتْ فَهَاتُوا نِحْلَتي مِنْ وَالِدي *** خَيْرِ الأَنامِ الشَّافِعِ المُشَفَّعِ

قَالُوا فَهلْ عِنْدَكِ مِنْ بَيِّنَةٍ *** نَسْمَعُ مَعْنَاها جَمِيعاً وَنَعِي

فَقَالَتْ أَبنائِي وَبَعْلِي حَيْدَرٌ *** أَبُوهُما أَبْصِرْ بهِ وَأَسْمِعِ

فَأَبْطَلُوا إِشْهادَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ *** نَصُّ الْكِتَابِ عِنْدَهُمْ بِمُقْنِعِ

وَلَمْ تَزَلْ مَهْضُومةٌ مَظْلُومةً *** بِرَدِّ دَعْواها وَرَضِّ الأَضْلُعِ(1)

وَأُلْحِدَتْ فِي لَيِلها لِغَيْظِها *** عَلَيْهِمُ سِرًّا بِأَخْفَى مَوْضِع(2)الذبالة : الفتيلة.(3)علّبَة أثر فيه وخدشه.(4)التأنيب : المبالغة في التوبيخ.(5)المأفون: الضعيف الرأي.(6)

ص: 496


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 43 ص 198 فألجأها (أي قنفذ الملعون) إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص 46 فغسّلها أمير المؤمنين ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً... وفي كشف الغمة ج1 ص454 : ان فاطمة علیها السلام هي سليلة النبوَّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم ورضيعة درّ الكرم والأبوة.. ودرّة صدف الفخار.. وغرّة شمس النهار وذبالة
3- مشكاة الأنوار وصفوة الشرف والجود.. وواسطة قلادة الوجود.. نقطة دائرة المفاخر.. قمرها له المآثر.. الزهرة الزهراء علیها السلام والغرّة الغراء.. العالية المحل.. في رتبة العلاء السامية المكانة المكينة في عالم السماء.. المضيئة النور المضيئة الضياء.. المستغنية باسمها عن حدّها ووسمها .. قرّة عين أبيها ومداد قلب أمها.. الحالية بجواهر علاها.. العاطلة من زخرف دنياها.. أَمَةُ اللّه وسيدة النساء.. جمال الآباء وشرف الأبناء.. يفخر آدم بمكانها.. ويبوح نوح بشدة شأنها ويسمو ابراهيم بكونها من نسله.. وينجح إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله وكانت ريحانة محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم من بين أهله.. فما يجاريها في مفخر إلاّ معَلّب
4- ولا يباديها في مجد إلاّ مؤنب
5- ولا يجحد حقها إلاّ مأفون
6- ولا يصرف عنها وجه إخلاصه إلاّ مغبون..

(17) هدية الولاء في نظم حديث الكساء

(بحر الرجز)

السيد فاخر آل فاخر الموسوي

بسم الذي قد برَأ الخلائقْ *** وللهدى قد أظهَرَ الحقائقْ

والحمدُ اللّه على نوالهْ *** حب النبيِّ المصطفى وآلهْ

العترةُ الطاهرةُ الهداةُ *** عليهمُ السلامُ والصلاةُ

يُستنزلُ الخيرُ بهم والرحمهْ *** بذكرهم تُكشفُ كلُّ غمهْ

من ذلكم رَوت لنا قضيهْ *** بلفظها فاطمة الزكيهْ

حديثَها الموسومَ بالكساءِ *** من ألْفه مفصلاً للياءِ

قالت ففي يوم من الأيامِ *** قد خصني النبيُّ بالسلامِ

فزارني في حجرتي وحيد *** وهو لما قد خصني سعيدا

فقلت يا أبي لك التحيهْ *** مني عليك سيدَ البريهْ

فقال يا فاطمُ إني أجدُ *** ضعفا ويشكو اليومَ مني الْجسدُ

أجبتُهُ ه أعيذكَ باللَّهِ *** من كل ضعفٍ يا عظيمَ الجاهِ

فقال لي يا خيرة النسوانِ *** غطيني قومي بالكسا اليماني

فأقبلت والدةُ الأئمهْ *** تُنفِّذ الأمر له بهمهْ

تقولُ جئتُ له بالكساءِ *** غطيتُهُ فيه رجا الشِّفاءِ

فبينما إليه كنتُ أنظرُ *** أرى الضيا ووجهُهُ منوّرُ

كأنهُ البدرُ بذا الجمالِ *** في ليلةِ التمامِ والكمالِ

ص: 497

فلم تمرَّ ساعةٌ من الزمنْ *** حتى رأيتُ مقبلاً نحوي الحسنْ

أهدى بكلِّ أدبٍ سلامَهْ *** أجبتهُ ودائمُ السلامهْ

فقال يا أماهُ هذي رائحه *** كأنّها من ثوبِ جدي فائِحَه

قلتُ نعم ياسيدَ الأبناءِ *** مغطّى جدك بالكساءِ

فجاءَهُ مُسلماً منادي *** تأذنُ لي يا رحمةَ العبادِ

أجابه يا صاحبَ الحوضِ أجلْ *** أدخل معي يا نورَ عيني بالعجلْ

فضمهُ إليه بالكساءِ *** كما تقولُ خيرةُ النساءِ

فلم تمرَّ ساعةٌ حتى أتى *** قرةُ عينيَّ شهيدُ كربلا

بكل إجلالٍ علي سلما *** وعن نسیمِ شمَّها مستفهِما

فقال يا أماه فيكِ رائحهْ *** كأن جدي عندكِ يا صالحهْ

أجبته يا قرةَ العيونِ *** ذا صنوكَ الزكيُّ معْ ياسينِ

تحتَ الكساءِ جالساً بجنبهْ *** فاذهب إليه يا نجيعَ قلبهْ

فجاءَهُ مسلَّماً حسينُ *** نحوَ الكسا و كلُّه يقينُ

وقال يا خيرَ من اصطفاهُ *** ربُّ العلى وللهدى اجتباهُ

أ أدخلُ في جنبكم تحت الکسا *** صلی عليكَ اللّه صبحاً ومسا

أجابَهُ النبيُّ يا ريحانتي *** أنتَ الحسينُ حاملٌ شفاعتي

أجل أذنتُ لك في الدخولِ *** يا سيدَ الشبابِ والشبولِ

فالتحفَ السبطُ كما تقولُ *** تحتَ الكسا فاطمةُ البتولُ

قالت وجاء حينها أبو الحسنْ *** أميرُ كل مؤمنٍ مسلَّمَنْ

فقال يا فاطمةٌ أشمُّ *** رائحةً طيبةً تعمُّ

كأنها رائحةُ النبیِّ *** ذي العبق المعطّرِ الذكيِّ

أجبتُ يا من سُمِّيَ بالأميرِ *** لكل من آمنَ بالغديرِ

عليكُمُ السلامُ من ربِّ السما *** ذا ولديَّ والنبيُّ تحتَ الكسا

ص: 498

فجاء نحوَ الكساالوصيُ *** منادياً يا أيها النبيُ

في حجرك الميمونِ قد ربیتُ *** بكلِّ فضل لك قد عنيتُ

تأذنُ أن أنضمّ في الكساءِ *** قال نعم يا واجبَ الولاءِ

أجل وأنتَ حاملٌ لوائي *** بغيركُم لا خيرَ في وِلائي

فانضمَ في الكسا أبو الأئمهْ *** صنوُ الهدى بالبرِ والمَلَمَّهْ

وبعدَ ذاك نادت البتولُ *** مقبلةً يا أيها الرسولُ

أتأذنُ للبضعةِ الزكيهْ *** ياصاحبَ المكارمِ السنيهْ

أجابَها بإذنه يابنتي *** بالمكرمات والكسا خُصِصتي

يا بضعتِي وخيرةَ النساءِ *** تدثري بجنبي في الكساءِ

قالت فعندَ ذلكم أقبلتُ *** مع الجميعِ في الكسا دخلتُ

و حینما تحتَ الکسا اكتملنا *** دعا أبي وبعدَهُ آمنّا

قد رفعَ اليمنى إلى السماءِ *** وممسكاً بحرفيِ الكساءِ

منادياً يا محيي كل مَيْتِ *** إهدِ الورى لحبِّ أهلِ بيتي

فهؤلاء حامتي وخاصَّتي *** قد كملتْ بودِّهم رسالتي

فإن من دمي غدت دماؤهمْ *** كما وهم من لحمتِي لحومهمْ

وكلُّ ما يؤلمهم يؤذيني *** كما الذي يحزنهم يُشجيني

وحبُّهم حبٌّ لنا يكونُ *** وودُّهم كما في الذكرِ دينُ

وإنني حربٌ لمن حاربتمْ *** كما أنا سلم لمن سالمتمْ

فاجعل عدائيَ لمن عاداهمْ *** وزد إلهي الحب من والاهمْ

لأنني منهُم وهم مني هدًى *** من وَدَّهم فهو إلى الدين اهتدى

فإننا محمدٌ جميعُ *** من جاءنا كناله شفیعُ

وكُلُّناسفينةٌ واحدةُ *** للعالمين رحمةٌ نازلةُ

فصلِّ يا ربِّ عليهمُ كما *** طهَّرتهم من كلِّ ذنب عاصما

ص: 499

وبارك اللهم في ذرّيتي *** واجعل رضاكَ عنهمُ بعصمةِ

وأذهبنَّ عنهمُ كل دَنسْ *** وزکِّهم من كلّ رجس ونَجَسْ

فقال ربُ البيت والمقامِ *** ومُسمِعُ الملائكِ الكرامِ

فإنني أُقسم في جلالي *** وعزّتي الشأواء في جمالي

ما كنتُ قط خالقُ الضياءا *** ولم أكن أن أبرأ القضاءا

كلا ولا من طُلّعٍ عشيهْ *** وليس من شمس بها مضیهْ

كما ولامن قمرٍينيرُ *** وليس فيها فَلَك يدورُ

ولا بحارا في الأراضي تجري *** كلا ولا فُلْكاً عليها تسري

وإني لم أخلق سما مبنیهْ *** كلا ولا أرضٌ غدت مدحيّهْ

إلا لأجل حبِّ هؤلاءِ *** الخمسةِ الأطهار في الكساءِ

أفضلُ من جميعِ ما برئتُ *** لأجلهم كل الذي خلقتُ

فقال جبرائيلُ الأمينُ *** يارب مَنْ تحت الكسا يكونُ

فقال أعني أحمدا وآلَهْ *** أهلَ النبيِّ معدنَ الرسالهْ

هم فاطمُ والمصطفى أبوها *** وبعلُها وبعدَها بنوها

فقال يا ربُّ ألا أكونُ *** سادسَهُم بخدمةٍ معينُ

أجابه فاهبط كما تريدُ *** واتل اليهم: إنما يريدُ

فجاءَ جبريلُ لنا مسلِّماً *** على الرسول المجتبى المكرَّما

مبشّراً يقول إن اللَّهَ *** في الملا الأعلى بكم قد باها

ومقسماً بالعز والجلالِ *** وحق ما برئتُ من جمالِ

فإنني لم أخلقِ الخضراءا *** كلا ولم أمهّد الغبراءا

ولا جعلتُ قمراً منيراً *** كلا ولا من فَلَكٍ يدورا

وليس بحرٌ في الوطاء يجري *** ولا بها فُلُكاً هناك تَسري

وليسَ شمسٌ في السماء تشرقُ *** كلا ولا خلقٌ هناك يُرزَقُ

ص: 500

إلا لأجلِ هؤلاءِ الخمسِ *** تحتَ الكسا قد طهروا من رجسِ

وجئتكم بآيةِ تذكيرا *** بأنه طهَّركم تطهيرا

و قد تحدّث له كما سبقْ *** من نظمِ ذا العبد على نحوِ النسقْ

و قال أهدَى لكُمُ الكرامهْ *** كما وقد خصكَ بالسلامهْ

و مؤذناً بأن أكونَ بالعبا *** فتأذنُ يا خيرَ من قَدْ صَحبا

قال نعم فأقبل الأمينُ *** تحتَ الكسا بجنبِه قرينُ

فكانَ جبريلُ بنا يفتخرُ *** ما إن تُلي في الخلق هذا الخبرُ

قالتْ فقال المرتضى مستفهِما *** ما الفضلُ للجلوس ذا تحتَ الكسا

فأقسمَ الرسولُ بالنبوّهْ *** يا أيها المختصُ بالأخوهْ

فوالذي بحقِّه اصطفاني *** و للورى لدينهِ اجتباني

حتى جُعلتُ للهدى نبياً *** و حاملاً رسالتِي نجيا

مهما تُلي حديثنا الكساءُ *** فواجبٌ أن يُرفع الدعاءُ

و ما تلاه محفلٌ مجتمعُ *** و فيه من شيعتِنا يستمعُ

إلا وهم يستوجبونَ الرحمهْ *** و زيدَ كلُّ واحدٍ في النعمهْ

هذا و حفتْ بهمُ الملائكْ *** و استغفرتْ في جمعهِم لذلكْ

فقال لما سمعَ الوصيُّ *** فاز بربِّ الكعبة الوليُ

فقال عند ذلك الرسولُ *** أيا أخي وذا لهم قليلُ

فوالذي بالحقِّ قد نبئتُ *** من عندهِ و بالهدى بُعثتُ

ما إن تلى الحديثَ ذا أولئكْ *** إلا عليهم نزلتْ ملائكْ

تحفوفيهم و لهم تستغفرْ *** و جمعُها بذكرنا منوّرْ

و ليس فيهمُ يوجد مهمومُ *** أو أحدٌ من بينهم مغمومُ

إلا و فرَّج اللَّه همومَهْ *** و يكشفنْ عن ذلكم غمومهْ

أو طالبٌ لحاجةٍ قضاها *** و كلُّ نفس أُعطيت رِضاها

ص: 501

فقال يا رسولَ اللَّه فُزنا *** إذن و ربِّ الكعبة قد سَعُدنا

فالحمدُللَّه على الآلاءِ *** ماخصَّ فيه شيعةُ الولاءِ

واشمُلهُم يا ربُّ بالصلاةِ *** و نجهم في الحشرِ و المماةِ

و تم معنّى خبر الكساءِ *** ما قد روي عن خيرةِ النساء

فالعنْ بحقِّهم إلهي المُنكِرا *** و ابعث إليه ناكراً ومنکَرا

و أصله يا عدلُ في جهنمِ *** في غمرةٍ من العذاب المؤلمِ

و نجني بحقِّهم في الدنيا *** كذا أكون معهم في الأخرى

و احشرنِ في شفاعة الزهراءِ *** بذكرنا حديثَها الكساءِ

تلك التي قد طلبَ الأمينُ *** بالبابِ منها خادماً يكونُ

يستشرفُ الأمين عند بابِها *** و يهتكوا منها العدى حجابَها

تعساً لهم أيرفعونَ النارا *** و هي بحزن ترثُ المختارا

قد كبسُوا على الزهراءبيتَها *** ياليتها لم تأتهم ياليتَها

قد كسروا بالبابِ منها الضِّلعا *** و احمرتْ العين و أدموا الدَّمعا

قد سقطت من شدةِ المصابِ *** و أسقطُوا محسنَها بالبابِ

فانتدبتْ بفضةٍ خذيني *** بصدركِ يا هذي سنديني

فقد واللَّه أسقطوا جنيني *** كما أصبتُ ضربةً بعيني

و خلفَ بابي عصروني عصرا *** فأدركوا من النبيِّ وترا

و قد جرى الدمَّ من المسمارِ *** وذاك سقطي محسنٌ في الدارِ

و حينما درت بإبن عمِّها *** قامت و لاشيءَ بها أهمَّها

تندبُ شجوا و تنادي الناسا *** خلُّوا الهدى أو اكشفنَّ الراسا

يا عجباً أتستباحُ الحرمهْ *** من النبي و يضربون الحرمهْ

و ههنا ينقطعُ البيانُ *** فإن عنهُ يقصرُ اللسانُ

و نختمُ بالحمدِ و الثناءِ *** لمن هدانا خالصَ الولاءِ

ص: 502

مصلياً على الهدى النبيِّ *** و ابنيه و الزهراءِ و الوصيِّ

فالسرُّ في الكساهي الصلاةُ *** عليهمُ كما رَوى الرواةْ

فصلِّ ياربِّ عليهم دائماً *** واجعلني للسبطِ الشهيدِ خادما

وإني من نسلِ البتول فاخرْ *** بين الملا بحبِّها مفاخرْ

من أهلِ بيت العلماءِ العلوي *** ذاك فخارُ بن معدِّ الموسوي

فارحم إلهي الوالدين العلما *** بحقِ أصحابِ الكساءِ الكُرما

ص: 503

(18) أرجوزة الكساء

(بحر الرجز)

إبراهيم غلوم حسين أحمد(*)(1)

أبدأُ باسمِ الواحدِ الكريمِ *** إلهِنا المنعمِ والرحيمِ

ثم أصلّي أفضلَ الصلاةِ *** على أبي القاسمِ والهداةِ

عترتِهِ الأطائبِ الأطهارِ *** سادةِ الأماجدِ الأبرارِ

لقد رووا عن جابرِ الأنصارِي *** عليه رضوانُ العلى البارِي

قال بأنني سمعتُ فاطمهْ *** أم أئمةِ الهدى والعالمهْ

قالت أتاني سيدُ البريه *** متجهاً إليّ بالتحيّه

قال سلامُ ربِّنا عليكِ *** تحیةً أهديتُها إليكِ

ص:504


1- (*) هو الشاعر إبراهيم غلوم حسين أحمد اللاري الكويتي من مواليد دولة الكويت في شوال 1380 هجرية الموافق 1961 ميلادية. خريج جامعة الكويت وله شهادة بكالوريوس اقتصاد 1985م نشأ في بيئة دينية حيث إن والديه كانا و لازالا ملازمين للحضور إلى المساجد والحسينيات والمجالس الدينية وعلى هذا شبّ شاعرنا. أحب وعشق الشعر منذ نعومة أظافره وكان يحفظ كثيراً من الشعر الشعبي والفصحى، ولهذا كان ينظم بعض الشعر باللهجة المحلية وبعد وفاة المرجع الديني آية اللّه العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشریف) هاج به الحزن وعبر عن حزنه بأبيات شعرية مطلعها: (دموعي من القلب الكئيب سجام) *** فقد غاب عنا سيد وإمامُ وتلقى مدحاً كثيراً من الشعراء وخاصة أصدقاءه كالشاعر الأديب الأستاذ عبد العزيز العندليب وسماحة الخطيب العلامة الشيخ علي حيدر المؤيد وغيرهما شجعوه وواصل كتابة الشعر فكتب بعدها قصائد حول الإمام الحسين علیه السلام وأخيراً أرجوزة الكساء ولا زال يواصل كتابة الشعر وفقه اللّه وإيانا.

أجبتهُ يا سيدَ الأنامِ *** يهديكَ ربّي أفضلَ السلامِ

فقال لي أشعرُ في جسمي وَهَنْ *** قلتُ أعاذك الجليلُ ذو المِنَنْ

فقالَ إيتيني وغطِّي بدني *** ببردةٍ جيءَ بها من يَمَنِ

لما أتيتُهُ بما كانَ أمَرْ *** رأيتُه كالبدرِ في الليلِ اِزدَهَرْ

وبعدهَ جاءَ الإمامُ المُجتبى *** مسلماً قلتُ له يا مَرَحَبا

فقال يا أُمّي أشمُّ غاليهْ *** كأنَّها من النبيِّ آتيهْ

قلتُ بأنَّ جدكَ المؤيدْ *** تحتَ الكساءِ ههنا مُمَدَّدْ

وثم إذ دنا الإمامُ الممتحنْ *** مستأذناً من النبيِّ المؤتمَنْ

أجابَهُ يا زهرةً في الروضِ *** أدخل فأنتَ صاحبُ للحوضِ

ما هي إلا ساعةٌ من الزمَنْ *** إذ بالحسينِ قد أتَى بعدَ الحَسَنْ

قال سلاماً أُمَّناالزكيّه *** حبيبةَ النبيِّ يا رضيِّه

قلتُ سلاماً يا حبيبَ ربِّي *** وقرةَ العينِ ونورَ القلبِ

فقالَ ما أطيبَ هذي الرائحةْ *** كأنها من النبي فائِحةْ

قلتُ نعم فداك روحي والبدنْ *** فالمصطفى تحتَ الكسا معَ الحَسَنْ

ونحو جدهِ الحسينُ مذ دنا *** مسلماً وبعدَهُ مستأذناً

أجابَهُ النبيُّ بابتسامة *** أدخل فأنْتَ شافعُ القيامَة

جاء عليُّ بعدَهُمْ للدارِ *** قال سلاماً بضعةَ المختارِ

إني أشمُّ عندكِ العشيّةْ *** رائحةً طيبةً زكيّةْ

مصدرُها أَيَّتُها البتولُ *** هو ابن عمي المصطفى الرسولُ

قلتُ نعم يا أيها الوصيُّ *** تحتَ الكسا والدي النبيُّ

فجاءَ حيدرٌ إلى الكساءِ *** قال سلامٌ يا أبا الزهراءِ

أريد إذناً منكَ بالدخول *** تحتَ الكسا بالبشرِ والقبولِ

قال النبيُّ يا حبيبَ ربِّنا *** أدخل على الرحبِ وكن بقربِنا

ص: 505

ثم أتيتُ بعدَهُم نحوَ النبي *** استأذنُ الدخولَ في تأدبِ

قال أدخلي يا فاطمُ تحتَ الكسا *** يا زهرةَ الخلدِ وخيرةَ النسا

وثم كلنا إذ اجتمعنا *** من النبي المصطفى سَمِعنا

يا ربِّ إن هؤلاء عترتي *** سيرتُهُم مشتقةٌ من سيرتي

دماؤُهُم ولحمُهُم من قِدمِ *** مخلوطةٌ أصلاً بلحمِي ودمِي

إن ما يرضيهُمُ يرضيني *** كذا وما يؤذيهُمُ يؤذيني

سِلمٌ أنا ربِّ لمن سالمَهُمْ *** حربٌ أنا ربِّ لمن حاربَهُم

همُ بضعةٌ مني وإني منهمُ *** ولا تطيقُ النفسُ بعدا عنهُمُ

ياربِّنا صلِّ عليهم وعلى *** إليهم الرحمة أرسل وإلى

ربِّ وطهرهم من الأرجاسِ *** دوماً وأبعدهِمْ عن الأنجاسِ

اللّه نادى في السماواتِ العلا *** مخاطباً من كان فيها مِنْ مَلا

أنْ ما خلقتُ من سماً أو أرضِ *** وما فرضتُ فيهما من فرضِ

كلا وما خلقتُ شمساً أو قمرْ *** ولا الجبالَ والبحارَ والشجَرْ

إلا لأجلِ خمسةٍ تحتَ العَبا *** هم الكرامُ الأتقياءُ النُّجبا

هنا انبرى مستوضحاً جبريلُ *** منادياً يا أيها الجليلُ

بيِّن لنا من الأُلى يا حقُّ *** لكل ذلك الثنا استحَقُّوا

أجابَهُ الخالقُ يا جبريلُ *** هم فاطمُ الزهراءُ والرسولُ

معَ الوصيِّ والدِ السبطين *** والحسنِ الزاهرِ والحسينِ

قال الأمينُ ربِّ هل تأذنُ لي *** لأصبحَ السادسَ في بيتِ علي

قال لهُ اللّه نعم أذنتُ لكْ *** والروحُ دربَ منزلِ الهادي سلَكْ

حيّا وقال: أطيبُ السلام *** من ربِّنا وأوفرُ الإكرامِ

عليكَ يا واسطةَ الإيجادِ *** وشافعَ الأمةِ في المعادِ

أقسَمَ ربّي بجلالِ قدرتِهْ *** وبارتفاعِ شأنِهِ وعِزّيِهْ

بأنّهُ لم يخلقِ الأكوانا *** والنارَ والجنةَ والزمانا

ص: 506

إلا لأجلِكُم وأجلِ حبِّكُمْ *** وخصَّني بأن أكونَ قُرْبَكُمْ

قال النبيُّ يا رسولَ ربَّنا *** أهلاً والفُ مرحباً بقربِنا

فقالَ جبريلُ من الخبيرِ *** جئتكُمُ بآيةِ التطهيرِ

فأنتمُ صفوتُهُ من الورى *** وخيرُ من يمشي على وجهِ الثرى

وعندها قال الوصيُّ المجتبى *** ما فضلُ اجتماعنا تحتَ العَبا

أجابَه الهادي البشيرُ يا علي *** ما ذكرُوا مجلسنا في محفلِ

وفيه جمعٌ من جموعِ الشيعهْ *** وهي التي لربها مطيعَهْ

إلا وحلتْ نعمٌ الرحمنِ *** عليهمُ بالفضلِ والرضوانِ

ومن دعاءِ الملأ الأعلى لهم *** يصلحُ ربُّنا الكريمُ بالَهُم

فاستبشرَ الوصيُّ من هذا الخبرْ*** وقال فازَ من بجمعنا حَضرْ

قال النبيُّ للإمامِ المرتضى *** إعلمْ بأن اللّه قُدما قد قضى

بأن شيعةً لنا إن شكَرُوا *** خالقَهُم وأمرَنا إن ذكَرُوا

يفرّجُ اللّه عن المهمومِ *** ويكشفُ الغمَّ عن المغمومِ

وحاجةُ المحتاج تقضى بكمُ *** كرامةً من اللطيفِ لكمُ

قال عليُّ فازت الأحبة *** ونحنُ فزنا بإلهِ الكعبة

وقد روى إمامُنا الشيرازي *** حديثَهُم بالسندِ الممتاز

فارجع إلى (الدعاء والزيارة) *** ترى الحديثَ واضحَ العِبارة

وارجع إِلى كتابِ (فقه فاطمهْ) *** وراجعِ الدليل في المقدمهْ

معنعناً في ذلكَ الكتابِ *** بلفظهِ البديعِ والجذابِ

فأسألِ اللّه بأن ينفعَهُ *** وللفراديس العلى يرفعَهُ

ويعلي اللّه بهِ مقامَهُ *** ثمَّ ويسعى نورَهُ أمامَهُ

وفي الختامِ أشكر الشيخ علي *** الدائمِ التوجيهِ والتشجيعِ لي

مع التحياتِ إلى الحبيبِ *** العندليبِ الشاعرِ الأديبِ

ص: 507

(19) روضة النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الرجز)

الشيخ كاظم آل نوح

أَیُّ رَشَاً أَهَاجَنَا بُغَامُهُ *** أَرَاعَهُ القَانِصُ أَوْ أُوَامُهُ(1)

يتْلَعُ بِالجِيدِ حَذَارِ قَانِصٍ *** أَمْ شَافَهُ مِنَ الحِمَى بَشَامُهُ(2)

فَالرَّوْضُ قَدْ حَفَّ كِنَاسَهُ وَذِي *** مِنْ نُورِهِ تَفَتَّحَتْ أَكْمَامُهُ(3)

أَيُّ كِنَاسٍ ضَمَّ ظَبْياً شَادِناً *** أَمْ ذَاكَ رِئْبَالٌ وَذَا أَجَامُهُ؟

وَأَحَرباً مِنْ لَحْظِهِ وَفَتْكِهِ *** أَمَا رَثَا لَمْ تُخْطِنَا سِهَامُهُ؟

منْ مُنْصِفِي مِنْهُ وَمِنْ قَوَامِهِ *** أَمَا يَحُسُّ طَاعِناً قَوَامُهُ؟

لَمْ يَصْحُ مِنْ سُكْرٍ وَكَيْفَ تَرْتَجِي *** صَحْوَتَهُ وَرِيقُهُ مُدَامُهُ(4)؟

رِيمٌ رَمَى الصَّبَّ بِسَهْمِ صَدّهِ *** مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْضِي بِهِ مَرَامَهُ

هَامَ بِهِ القَلْبُ فَقَلْبِي أَبَداً *** لاَ يَنْقَضِي وَقَدْ جَفَا هُيَامَهُ(5)

وَمَا عَسَى يُجْدِي الهُيَامُ رَامِقاً *** مِنْ بَعْدِ مَا شَابَتْ أَسًى لِمَامُهُ

بِمَفْرَقِي الشَّيْبُ بَدَا وَقَدْ مَضَى *** شَرْخُ الشَّبَابِ وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُ

لِفَادِحٍ بَعْدَ النَّبِيِّ قَدْ جَرَى *** فِي القَلْبِ يُورِي أَبَداً ضِرَامُهُ

ص: 508


1- بغامه: البُغام: صوت الظبية. أهاجنا: أثارنا.
2- يتْلع: تلع الظبي: أخرج رأسه عما كان فيه.
3- كِنَاسه: الكِناس: بيت الظبي. أكمامه: وروده.
4- مدامه: الخمر سمِّيت بذلك لإدامتها في الإناء.
5- هيامه: الهيام الجنون من العشق.

قَدْ رُفِضَتْ شِرْعَتُهُ وَغَیِّرَتْ *** سُنَّتُهُ وَبُدِّلَتْ أَحْكَامُهُ

إِنْ تَتْلُ مِنْهَا وَأَولو الأَرْحَامِ فِي *** الذِّكْرِ يُرَى قَدْ قَطِّعَتْ أَرْحَامُهُ

أَبْرَمَ عَقْداً لاَ يُحَلُّ فَاغْتَدَى *** مُنْتَقَضاً مِنْ بَعْدِهِ إِبْرَامُهُ(1)

عَدَوْا عَلَى دَارِ البَتُولِ بَعْدَهُ *** قَسْراً وَلَمْ يُرْعَ بِهَا ذِمَامُهْ(2)

وَمُذْ قَضَتْ الْحَدَهَا حَيْدَرَةٌ *** وَاللَّيْلُ كَانَ غَامِراً ظَلاَمُهُ(3)

فِيْ رَوْضَةِ النَّبِيِّ أَوْ حُجْرَتِهَا *** أَوْ فِي البَقيعِ ضَمَّهَا رِغَامُهُ

وَظَلَّ حَيْدَرٌ جَلِيسَ بَيْتِهِ *** يَبْكِي وَتَبْكِي حَوْلَهُ أَیْتَامُهُ

وَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَابِراً *** مُضْطَهَداً حَتَّى دَهَى حِمَامُهُ(4)-(5)

ص: 509


1- أبرم: أبرم الأمر: أحكمه.
2- في كتاب، سليم بن قيس، ص 36 قال: ... أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناها علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام وفاطمة علیهما السلام: واللّه لتخرجن يا علي علیه السلام ولتبايعن خليفة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وإلاّ أضرمت عليك النار. فقالت فاطمة علیهما السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي اللّه تدخل عليَّ علیه السلام بيتي؟! فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت: يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: يا رسول اللّه لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر ...
3- في كتاب، سليم بن قيس، ص 213 قال: قال ابن عباس: فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء.. فلما كان في الليل دعا علي علیه اسلام المقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً فصلى عليها ودفنوها فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة علیهم السلام. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة فالتفت عمر إلى أبي بكر وقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت ألاّ تصليا عليها.
4- حِمامه: الحِمام: الموت.
5- دیوان آل نوح ص 240 مطبعة المعارف - بغداد (1955م).

(20) يستأذن الأمين جبرئيل

(بحر الرجز)

ملا محسن سلمان البحراني

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا *** بِالمُصْطَفَى وَالمُرْتَضَى مَوْلانا

أَخْرَجَنَا مِنْ ظُلْمَةِ النِّفَاقِ *** بِالمُصْطَفَى مُهَذَّبِ الأَخْلاَقِ

وَبِالوَصِيِّ المُرْتَضَى مِنْ بَعْدِهِ *** وَبِالأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ وُلْدِهِ(1)

صَلَّى عَلَيْهِمْ رَبُّنَا وَشَرَّفا *** مَا إِنْ سَعَى مَا بَيْنَ مَرْوَ وَالصَّفَا

وَهَا أَنَا شَرَعْتُ فِي الرِّثَاءِ *** مُنَظِّماً رِوَايَةَ الكِسَاءِ

رَوَتْ لَنَا فَاطِمَةٌ هُذَا الخَبَرْ *** لِكَيْ يُزِيلَ الهَمَّ عَنَّا وَالكَدَرْ(2)

تَقُولُ يَوْماً جَاءَنِي المُخْتَارْ *** تَشِعُّ فِي جَبِينِهِ الأَنْوَارُ

فَقَالَ لِي يَا خِيرَةَ النِّسْوَانِ *** ضَعْفٌ أَرَاهُ اليَوْمَ قَدْ عَرَانِي

عَلَيَّ بِالكِسَا بِهذَا الحِينِ *** وَفِيهِ يا فَاطِمَةٌ غَطِّينِي

قَالَتْ فَجِئْتُهُ بِذلِكَ الكِسا *** فَقَالَ لِي أَحْسَنْتِ يَا سِتَّ النِّسا

فَصِرْتُ أَرْنُو وَجْهَ سَيِّدِ البَشَرْ *** إِذَا بِنُورِهِ عَلاَ نُورَ القَمَرْ(3)

وَمُذْ مَضَتْ هُنَيْئةً مِنَ الزَّمَنْ *** جَاءَ أَبُو مُحَمَّدِ الطُّهْرُ الحَسَنْ

ص: 510


1- في كتاب «أمالي الشيخ الطوسي» ص343 ط الثانية (1981م) مؤسسة الوفاء - بيروت: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: إن أخي ووزيري ووصيي في أهلي علي بن أبي طالب «صلوات اللّه عليه».
2- الكدَر: الغمّ.
3- لعله إشارة إلى ما جاء في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931.

فَقَالَ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ الهَادِي *** وَمَنْ أَبُوهَا سَيِّدُ العِبَادِ

أَشُمُّ رِيحَ المِسْكِ فِي حِمَاكِ *** كَأَنَّهَا رِيحُ النَّبِيِّ الزَّاكِي

قَالَتْ نَعَمْ تَحْتَ الكِسا قَدِ اضْطَجَعْ *** وَنُورُهُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ قَدْ سَطَعْ

فَرَاحَ نَحْوَهُ الإِمَامُ السَّامِي *** مُسْتَئْذِناً مِنْ سَیِّدِ الأَنامِ

يَقُولُ يَا جَدَّاهُ يَا خَيْرَ المَلا *** تَأْذَنُ لِي تَحْتَ الكِسَا أَنْ أَدْخُلا

قَالَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى يَا مَرْحبا *** ادْخُلْ مَعِي تَحْتَ الكِسا يَا مُجْتَبَى

تَقُولُ بِنْتُ المُصْطَفَى فَاطِمَةٌ *** لَمْ تَمْضِ بَعْدَ ذَاكَ إِلاَّ سَاعَهٌ

إِذْ جَاءَ سِبْطُ المُصْطَفَى حُسَيْنُ *** وَمِنْ ضِياهُ يَزْهَرُ الجَبِينُ

فَقَالَ لِي يَا أُمِّي الشَّفِيقَهْ *** وَأَظْهَرَ النِّسَاءِ فِي الحَقِيقَهْ

رِيحٌ أَشُمُّها بِهذَا المَنْزِلِ *** أَظُنُّها رِيحَ النَّبِيِّ المُرْسَلِ

فَقُلْتُ يَا رَيْحَانَةَ المُخْتَارِ *** وَمَنْ أَبُوهُ حَيْدَرُ الكَرَّارِ(1)

ها هُوَذا تَحْتَ الكِسا مُدَّثِرُ *** مَعَ أَخِيكَ المُجْتَبَى مُسْتَتِرُ(2)

فَأَقْبَلَ السِّبْطُ بِثَغْرٍ بَاسِم *** مُسْتَئْذِنَاً مِنَ النَّبِيِّ الهَاشِمِي(3)

فَقَالَ يَا جَدّاهُ هَلْ تَأْذَنُ *** أَنْ ادْخُلْ مَعَكُمْ فِي الكِسا يا مُؤْتَمَنْ

قَالَ النَّبِيّ يَا أَيُّها الحَبيبُ *** أَدْخُلَ معانا أَيُّهَا النَّجِيبُ

ص: 511


1- في «ينابيع المودة» ج 2 ص 305 من الباب 56 ح 872 ط1 /دار الأسوة للطباعة (1416): «عن أم سلمة (رضي الله عنه) قالت: سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم يقول : سمّي الناس مؤمنين من أجل علي ومن لم يؤمن يعني لم يكن مؤمناً في أمتي. و سمّي مختاراً لأن اللّه اختاره و سمّي المرتضى علیه السلام لأن اللّه ارتضاه و سمّي علياً علیه السلام لم يسمَّ أحد قبله باسمه و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً...».
2- مدّثر: متغطّي بما يتغطى به النائم و هو الدثار.
3- لعله إشارة لما ورد في «سنن الترمذي» المجلد الخامس، ص658 ح3775 ط المكتبة الإسلامية «حسين علیه السلام مني و أنا من حسين علیه السلام أحبَّ اللّه من أحبَّ حسيناً الحسين علیه السلام سبط من الأسباط» وانظر «ينابيع المودة» ج1 ص374.

تَقُولُ بِنْتُ المُصْطَفَى فَمَا مَضَى *** إِلاَّقَلِيلٌ ثُمَّ جَاءَ المُرْتَضَى

فَقَالَ يَا سَيِّدَةَ النِّسَاءِ *** وَتُحْفَتِي مِنْ خَالِقِ السَّمَاءِ

إِنِّي أَشُمُّ عِنْدَكِ فِي الدَّارِ *** رِيحاً كَرِيحِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ

قَالَتْ نَعَمْ تَحْتَ الكِسا مُكْتَنِفا *** أَيْضاً وَشِبَلاَكَ مَعَاهُ الْتَحَفَا(1)

فَجَاءَ نَحْوَ المُصْطَفَى الطُّهْرُ عَلِي *** مُسْتَئْذِناً مِنَ النَّبِيِّ الأَفْضَلِ

يَقُولُ هَلْ تَأْذَنُ لِي يَا مُؤْتَمَنْ *** أَن مَعَكُمُ تَحْتَ الكِسَا أَدْخُلَنْ؟

قَالَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى ذُو الجَاهِ *** ادْخُلْ مَعَانا يَا وَلِيَّ اللَّهِ

فَعِنْدَها بِنْتُ النَّبِي البَتُولُ *** جَاءَتْ إِلَى نَحْوِ الكِسَاءِ تَقُولُ

تَقُولُ يَا خَيْرَ الوَرَى تَأْذَنُ لِي *** أَدْخُلْ مَعَاكُمْ فِي الكِسَا؟ قَالَ ادْخُلِي

وَمُذْهُمُ تَحْتَ الكِسَاءِ اجْتَمَعُوا *** أَشْرَقَ بِالأَنْوَارِ ذَاكَ المَوْضِعُ

هُنَالِكَ اللَّهُ العَلِيُّ الأَكْبَرُ *** أَسْمَعَ أَمْلاَكَ السَّمَاءِ يُخْبِرُ

يَقُولُ ما خَلَقْتُ شَيْئاً بِالفَلاَ *** كَلاَّ وَلاَ بَدْراً وَلاَ شمْساً وَلاَ

عَرْشاً وَلاَ كُرْسِي وَلاَ أَمْلاكا *** كَلاَّ وَلاَ فُلْكاً وَلاَ أَفْلاكا

وَمَا خَلَقْتُ اللَّوْحَ كَلاَّ وَالقَلَمْ *** وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْ عَدَمْ

إلاَّ لأَجْلِ الخَمْسَةِ الَّذِينَ هُمْ *** تَحْتَ الكِسَا وَإِنَّنِي شَرَّفْتُهُمْ

فَقَالَ جِبْرَئِيلُ مَنْ عَنَيْتَهُمْ *** وَمَنْ عَلَى كُلِّ المَلاَ فَضَّلْتَهُمْ؟

فَقَالَ هُمْ وَعِزَّتِي أَهْلُ الوَفا *** وَمَنْ هُمُ قَدَّمْتُهُمْ فِي الاصْطِفا

فَاطِمَةُ وَالمُصْطَفَى أَبَاها *** وَبَعْلُهَا وَالسَّيِّدَانِ ابْنَاها

فَقَالَ جِبْرَئِيلُ هَلْ تَأْمُرُنِي *** أَنْ أَهْبِطَ الأَرْضَ لِذَاكَ المَوْطِنِ؟

فَقَالَ قَدْ أَذِنْتُ يا جِبْرِيلُ *** فَاهْبِطْ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا أَقُولُ

فَجَاءَ جِبْرِيل بِإِذْنِ البَارِي *** مُسْتَئْذِناً مِنْ صَفْوَةِ الجَبَّارِ

ص: 512


1- مكتنف: محاط به.

مُذْ صَارَ جِبْرَائِيلُ فِي الكِسا مَعا *** النُّبَلاَ وَالنُّجَبَاءُ الشُّفَّعا

بَلَّغَهُمْ ما قالَهُ رَبُّ السَّما *** ثُمَّ ابْتَدَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ إِنَّما

هُنَاكَ قَالَ المُرْتَضَى الأَمِيرُ *** لِلْمُصْطَفَى أَخْبِرْنِي يَا بَشِيرُ

مَا فِي جُلُوسِنا مِنَ النَّفْضِيلِ *** عِنْدَ الإِلهِ الوَاحِدِ الجَلِيل؟

قَال النَّبِيُّ المُصْطَفَى وَحَقِّ مَنْ *** أَرْسَلَنِي بالحق يا أبَا الحَسَنْ

ما إِن تُلِي هذَا الخَبَرْ فِي مَحْفِلِ *** وَفِيهِمُ ذُو عَاهَةٍ أَوْ مُبْتَلِي(1)

إِلاَّ أزالَ اللَّهُ عَنْهُ عَاهَتَهْ *** وَصاحِبُ الحاجاتِ يَقْضِي حَاجَتَهْ

لا وَالَّذِي صَیَّرَنِي نَبِيّا *** واخْتَارَنِي لِوَحْيِهِ نَجِيّا

ما إِنْ قُرِي فِي مَحْفَلٍ هذا الخَبَرْ *** وَفِيهِمُ جَمْعٌ مِنَ الشِّيعَة الغُرَرْ

وَفِيهِمُ مَغْمُومُ أَوْ مَكْرُوبُ *** إلاَّ وَعَنْهُ تُکْشَفُ الكُرُوبُ

أَوْ دَاعِياً لِدَيْنِهِ تُقْضَى لَهُ *** دُيُونُهُ وَيُجْلا عَنْهُ غَمُّهُ

وَرَحْمَةُ الباري بِهِمْ تَحُفُّهُمْ *** وَتَنْزِلُ الأَمْلاكُ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ

هُناكَ قَالَ المُرْتَضَى إِمَامُنا *** فُزْنا وفازَتْ شِيعَةٌ تَودُّنا

فُزْنا وَرَبِّ المَسْجِدِ الحَرَامِ *** وَزَمْزَمٍ وَالرُّكْنِ والمَقَامِ

لكِنَّنِي فِي غايَةِ التَّعَجُبِ *** مِنْ أَهْلِ بَيْتِ المُصْطَفَى المُنتَجَبِ

يَسْتَأْذِنُ الأَمِينُ جِبْرَئِيلُ *** عَلَيْهِمُ وَيَهْجُمُ الضَّلِيلُ

وَقَدْ رَوَى سَلِيمُ عَنْ سَلْمَانِ *** قَدْ دَخَلُوا الدَّارَ بِلاَ اسْتِئْذانِ(2)

ص: 513


1- عاهة: آفة.
2- والأبيات التي تليه ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص 39 - 40 ط/ قسم الدراسات الإسلامية - قم - البعثة طهران. «قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي واللّه وما عليها خمار فنادت يا أبتاه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر... وقد كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط - حين حالت بينه وبين زوجها - وأرسل إليه عمر: إن حالت بينك وبينه فاطمة علیها السلام فاضربها. فالجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً ...».

وَأَسْقَطُوا بِنْتَ النَّبِي المُخْتَارِ *** جَنِينَها بِالبَابِ وَالجِدَارِ

وَأَثْبَتُوا فِي صَدْرِها مِسْمارا *** وَأَخْرَجُوا مُلَبَّباً کَرَّارا

هذَا وَبِنْتُ المُصْطَفَى المَرْضِيَّهْ *** قَدْ وَقَعَتْ لَحِينِها مَغْشِيَّهْ

وَقَدْ أَفاقَتْ فاطِمُ البَتُولُ *** وَانْتَدَبَتْ بِفِضَّةٍ تَقُولُ

يا فِضَّةٌ قُومِي لَكِ خُذِينِي *** قَدْ أَسْقَطُوا يا فِضَّةٌ جَنِينِي

فَهاكُمُ يا آلَ بَيْتِ الهَادِي *** ماقالَهُ الجانِي مِنَ الإِرْشَادِ

مَنِ اسْمُهُ مُعاكِسٌ لِفِعْلِهِ *** مَنْ لَمْ يَزَلْ مُشْتَمِلاً بِجَهْلِهِ

والحَمْدُ لِلَّهِ العَلِيِّ المُقْتَدِرِ *** وَفَّقَنِي لِنَظْمِ هذَا الخَبَرِ

لِكَيْ بِهِ فِي مَحْشَرِي أَفُوزُ *** وَالأَجْرَ مِنْ رَبِّ السَّما أَحُوزُ

وَلْنَجْعَلِ الصَّلاةَ فِي كَمَالِهِ *** عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَآلِهِ

مِنْ بَعْدِها نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَلِي *** لِلنَّفْسِ وَالإِخْوَانِ ثُمَّ مَنْ يَلِي

وَمُحْسِنٌ طَالِبُ مِنْ مَوْلاَهُ *** الْخَيْرَ فِي الدُّنْيا وَفِي أُخْراهُ

وَكَاتِبُ الأَحْرُفِ يَرْجُو رَبَّهُ *** يَغْفِرُ فِي يَوْمِ الحِسَابِ ذَنْبَهُ(1)

ص: 514


1- دیوان شعلات الأحزان ص7.

(21) روضة الصدق

(بحر الرجز)

الدكتور محمد إقبال(*)(1)

نَغَمَاتُ المَرْءِ عَزْفُ المَرْأَةِ *** هُوَ مِنْ مِحْنَتِها فِي عِزَّةِ

عَشِقَ الحَقَّ، رَبَّاهُ حِجْرُها *** ذَلِكَ اللَّحْنُ حَوَاهُ صَدْرُها

الَّذِي قَدْ بَهَرَ الكَوْنَ سَنَاهْ *** قَرَنَ الطِّيبَ إِلَيْهَا وَالصَّلاَهْ(2)

جَهِلَ القُرآنَ جَهْلاً مُسْلِمُ *** قَدْ رَآها أُمَّةً لا تَعْظُمُ

كُشِفَتْ بِالأُمِّ أَسْرَارُ الحَيَاهْ *** بِخِلاَلِ الأُمِّ تِسْيَارُ الحَيَاهْ

أَيُّها العَاقِلُ مَالُ الأُمَّةِ *** لَيْسَ مِنْ عِقيانِها وَالفِضَّةِ(3)

إِنَّهُ أَوْلاَدُها مِلْءُ الأَمَلْ *** فِي ذَكَاءٍ وَنَشَاطٍ وَعَمَلْ

تَحْفَظُ الأُمُّ إِخاءَ الأُمَّةِ *** وَقُوَىٰ قُرْآنِنَا وَالمِلَّةِ

أُمُّ عِيسَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ *** بِثَلاَثٍ تَزْدَهِي فَاطِمَةٌ(4)

قُرَّةُ العَيْنِ لِخَيْرِ الأَوَّلِينْ *** خاتَمِ الرُّسْلِ، وَخَيْرِ الآخِرِينْ

نَافِخُ الرُّوحِ بِدُنْيا الوَهَنِ *** خَالِقُ العَصْرِ جَدِيدِ السُّنَنِ

وَهْيَ زَوْجُ المُرْتَضَى ذَا البَطَلِ *** أَسَدُ اللَّهِ، الحَكِيمِ، الفَيْصَلِ

مَلِكٌ فِي الكوخِ، زُهْداً قَدْ أَقَامْ *** كُلَّ ما يَمْلِكُ وِرْعٌ وَحُسَامْ

ص: 515


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- بهره: غلبه بنوره. سناه: ضوؤه ونوره.
3- عقيانِها: العِقْيان هو الذهب الخالص.
4- تزدهي: تتكبّر و تفتخر.

وَ هْيَ أُمُّ السَّيِّدَيْنِ الأَكْرَمَيْنْ *** حَسَنٍ، خَيْرِ حَلِيمٍ وَحُسَيْنْ

ذَا سِرَاجٌ فِي ظَلاَمِ الحَرَمِ *** حَافِظٌ وَحْدَةَ خَيْرِ الأُمَمِ

ازْدَرَى المُلْكَ ابْتِغَاءَ الأُلْفَةِ *** أَطْفَأَ النِّيرانَ بَيْنَ الإِخْوَةِ

ذَاكَ فِي الأَبْرَارِ رَبُّ العَلَمِ *** أُسْوَةُ الأَحْرَارِ فِي الخَطْبِ العَمِي

سِيرةُ الأَوْلاَدِ صُنْعُ الأُمَّهاتْ *** وَخِلاَلُ الخَيْرِ طَبْعُ الأُمَّهاتْ

زَهْرَةٌ فِي رَوْضَةِ الصِّدقِ البَتُولْ *** أُسْوَةُ النِّسْوَةِ فِي الحَقِّ البَتُولْ

فَاقَةُ السَّائِلِ أَذْرَتْ دَمْعَها *** لِيَهُودِيِّ أَبَاعَتْ دِرْعَها

كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ قَدْ طَاعَ لَهَا *** وَرِضَاهَا حِينَ تُرْضِي بَعْلَها

نُشِئتْ ما بَيْنَ صَبْرٍ وَرِضَى *** فِي الفَمِ القُرْآنُ، وَالكَفِّ الرَّحَى

دَمْعُهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ جَرَى *** فِي مُصَلاّها يَفُوقُ الجَوْهَرَا

لَقَطَ الرُّوحُ الأَمِينُ الدُّرَرا *** وَعَلَى العَرْشِ المُعَلَّى نَثَرا

أنَّا لَوْلاَ الشَّرْعُ عَنْ هذا نَهَى *** وَإِلَى شَرْعِ الرَّسُولِ المُنْتَهَى(1)

ص: 516


1- في «معاني الأخبار» ص 267 ح 1: «عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة. لأن قبر فاطمة علیها السلام بين قبره ومنبره، وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة». وفي كتاب «إحقاق الحق» ج 10 ص 476. «.. قيل: إن قبر فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم بالمسجد المنسوب إليها بالبقيع وهو المعروف ببيت الأحزان ويجب أن يأتيه ويصلي فيه، وقيل: إن قبرها في بيتها وهو مكان المحراب ...». وفي كتاب «من لا يحضره الفقيه ج 2 ص572: «...اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة علیها السلام فمنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر وأن النبي صلی اللّه علیه السلام إنما قال: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة لأن قبرها بين القبر والمنبر. ومنهم من روى: أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد، وهذا هو الصحيح عندي». انظر: «بحار الأنوار» ج100 ص196 ح13. وفي «التهذيب» ج6 ص9 ح10: «ذكر الشيخ في «الرسالة»: إنك تأتي الروضة فتزور فاطمة علیها السلام لأنها مقبورة هناك وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها فقال بعضهم: إنها دفنت في البقيع، وقال بعضهم: إنها دفنت بالروضة، وقال بعضهم: إنّها دفنت في بيتها فلما زاد بنو أمية في المسجد صارت من جملة المسجد وهاتان الروايتان كالمتقاربتين. والأفضل عندي أن يزور الإنسان الموضعين جميعاً وإنه لا يضرّه ذلك ويحوز به أجراً عظيماً وأما من قال: إنها دفنت في البقيع فبعيد من الصواب». انظر: «بحار الأنوار» ج100 ص192 ح4.

طُفْتُ حَوْلَ القَبْرِ إِجْلالاً لَهَا *** نَاشِراً مِنْ سَجَدَاتِي حَوْلَها

فِيكِ تَسْمُو لِلْمَعَالِي فِطْرَةُ *** فَاتَّبِعِي الزَّهْرَاءَ نِعْمَ الأُسْوَةُ

عَلَّ غُصْناً مِنْكِ يَأْتِي بِحُسَيْنْ *** فَتَرَى النُّضْرَةَ رَوْضَاتٌ ذَوَيْنْ(1)

ص: 517


1- كتاب (نداء إقبال) ص 109.

(22) أم الأئمة علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي(*)(1)

ص: 518


1- (*) هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين المعروف بالحر العاملي، وينتهي نسبه إلى شهيد كربلاء الحر بن يزيد الرياحي «رضوان اللّه عليه». وآل الحر من الأسر العلمية العريقة والأصيلة التي استوطنت في جبل عامل وإيران وغيرهما من البلاد وقد اشتهرت ب«آل الحر» وأنجبت هذه الأسرة الكريمة عدداً كبيراً من رجالات العلم والأدب، وكتب التراث والتراجم تزخر بذكرهم، وعميد هذه الأسرة العلمية هو المترجَم له صاحب التأليفات القيّمة والآثار الحميدة، وهو شيخ الفقهاء والمحدّثين والشهير بالحر العاملي. ولد في قرية مشغرة إحدى قرى جبل عامل ليلة الجمعة الثامن من شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين بعد الألف من الهجرة النبوية وبها نشأ نشأته الأولى، وفيها قضى أيام صباه وشبابه، فكان يحضر على والده المقدس مقتبساً ومتتلمذاً في أخذ العلوم والمعارف فقرأ عليه جملة من كتب العربية والفقه وأيضاً درس عند عمه الشيخ محمد بن علي وكان في قرية جبع ودرس عند الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني جملة من كتب العربية والرياضة والفقه والحديث وغيرها، وأخذ أيضاً من عدد كبير من أساطين العلم وكبار المدرسين في عصره فارتوى من مناهلهم الروية، وروى عن شيوخ الرواية والحديث في وقته. فالمترجَم له: كان يدير حلقة كبيرة للتدريس عامرة بالطلبة المخلصين المجدين في العلم فاغترفوا من نميره ما وسعته أفكارهم وقدراتهم، فكان في مشهد الرضا علیه السلام من أكبر المدرسين في يومه ودرسه غاصاً بالعلماء. و مع انشغاله بالتدريس وتربية العلماء، فقد أثرى المكتبة الإسلامية بكتب كثيرة يكفيك أن أحدها (وسائل الشيعة) الذي أصبح بعد تأليفه إلى الآن مورد استنباط الأحكام عند فقهاء أهل البيت علیه السلام. ولنذكر كتبه كما ذكرها هو «رحمه اللّه» في كتاب أمل الآمل: 1- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، وهو من أشهر كتبه. 2- من لا يحضره الإمام، وهو فهرس تفصيلي لكتاب وسائل الشيعة. 3- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة علیهم السلام. 4- الفوائد الطوسية. 5- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. 6- أمل الآمل في علماء جبل عامل. 7- الفصول المهمة في أصول الأئمة علیهم السلام. 8- العربية العلوية واللغة المروية. 9- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة. 10- رسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية. 11- رسالة في خلق الكافر وما يناسبه. 12- كشف التعمية في حكم التسمية. 13- رسالة الجمعة. 14- رسالة نزهة الأسماع في حكم الإجماع. 15- رسالة توافر القرآن. 16- رسالة الرجال. 17- رسالة أحوال الصحابة. 18- تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان. 19- رسالة بداية الهداية في الواجبات والمحرمات. 20- الجواهر السنية في الأحاديث القدسية. 21- الصحيفة السجادية الثانية . 22- ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت أكثره في النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم و أهل بيته الأطهار علیهم السلام. 23- إجازات كثيرة لتلامذته. 24- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة. وهناك عدد كبير من المؤلفات لا يسعنا ذكرها. فشيخنا الحر العاملي على علميته وفقاهته العالية كان مقتدراً ومتمكناً من قرض الشعر، فطرق أبوابه من المدح والرثاء والهجاء والغزل والوصف والوعظ والتخميس وغيرها فقد انطلق شاعراً مبرزاً يجول في ميادين الشعر المختلفة فتجمع لديه ما يقارب عشرين ألف بيت وأكثرها في مدح ورثاء النبي وأهل البيت علیهم السلام ويتميز بطول النفس في النظم. الشيخ (قده) زار المراقد المقدّسة في العراق مرتين وسافر إلى إيران لزيارة مرقد الإمام الرضا علیه السلام بخراسان سنة (1073م) كما صرح هو بذلك وطابت له مجاورة الإمام الرضا علیه السلام فحط رحله هناك فكانت خراسان مأنس نفسه ومجلس درسه فأقام حوزة علمية قوية في مشهد الإمام الثامن فاجتمع حوله طلاب العلم وكان مصداقاً لقوله «تعالى»: (واجعلني مباركاً أينما كنت) فكان مباركاً وسافر إلى مدينة أصفهان والتقى فيها بالعلامة المجلسي وأجاز أحدهما الآخر. وأيضاً سافر إلى شيراز والتقى بالعلماء وحج بيت اللّه أربع مرات والحجة الثالثة ذهب ماشياً من وقت الإحرام إلى أن فرغ وكان معه جماعة مشاة نحو سبعين رجلاً ونقل المحدِّث القمي أنه وجد بخط الحر العاملي رؤيا في سبب هذه الحجة. وافاه الأجل المحتوم في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة (1104 ه) وصلى عليه أخوه العلامة الشيخ أحمد صاحب الدر المسلوك واقتدى به الألوف من الناس ودفن في إيوان حجرة من حجرات الصحن الرضوي الشريف الملاصق لمدرسة ميرزا جعفر وهو اليوم مشهور يقصده المؤمنون بقراءة القرآن والفاتحة.

ص: 519

وَوُلِدَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْراءُ *** البَضْعَةُ الزَّكِيَّةُ الحَوْرَاءُ

بِمَكَّةَ الغَرّاءِ يَوْمَ الجُمُعَهْ *** فِي مُلْكِ يَزْدَجَردَ مُبْدِي السُّمْعَهْ

وَذَاكَ قَبْلَ رَجَبٍ بِعَشْرِ *** وَقِيلَ قَبْلَهُ بِنِصْفِ شَهْرِ

لِخَمْسَةٍ مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ *** المُصْطَفَى المُكَرَّمِ الزَّكِيِّ

وَقَدْ رَوَوْا مُخَالِفُونَا قَبْلَهُ *** بِخَمْسَةٍ وَمَنْ رَوَاهُ أَبْلَهُ(1)

وَعِنْدَ هذَا عُمْرُهُ عِشْرُونا *** ثُمَّ ثَمَانِي كَمُلَتْ سِنِينا

وَفِيهِما عَشْرُ سِنِينَ خَلْفُ *** وَالخَبَرُ الأَخِيرُ فِيهِ ضَعْفُ(2)

جَاءَتْ كَمَرْيَمٍ وَمَنْ لِمَرْيَمَا *** بِمَا حَوَتْ مِنْ مُنْتَمٍ وَمُنْتَمَى

بِنْتُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى المُخْتارِ *** أُمُّ الهُدَاةِ السَّادَةِ الأَبْرَارِ

ص: 520


1- أبله: ضعيف العقل عاجز الرأي.
2- والأبيات التي قبله إشارة من الشاعر إلى الروايات المختلفة والمتناقضة التي سجلها بعض المؤرخين لغاية «في نفس يعقوب» لتؤرخ ولادتها المباركة. في الاستيعاب، ج4 ص373 قال: ولدت فاطمة علیها السلام سنة إحدى و أربعين من مولد رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم... و زعم محمد بن إسحاق انها ولدت قبل أن يوحى إلى النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم. و في رواية أن فاطمة علیها السلام كانت أصغر بنات النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم سناً ولدت وقريش تبني الكعبة وكانت فيما قبل تكنى أم أسماء... و لعل الصحيح أن ولادتها كانت في يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادى الثاني السنة الخامسة بعد البعثة. ذكرها المجلسي في البحار، ج43 ص8. انظر المناقب أيضاً ج3 ص357 و إحقاق الحق ج1 ص11.

زَاهِدَةٌ عَابِدَةٌ عَلِيمَهْ *** تَقِيَّةٌ نَقِيَّةٌ كَرِيمَهْ(1)

أَمَّا المَدَايِحُ الَّتِي جَاءَتْ لَهَا *** وَقَدْ أَبَانَتْ فَضْلَها وَنُبْلَها

فَهْيَ كَثِيرَةٌ فَلَيْسَتْ تُحْصَى *** وَلَوْ بَذَلْتَ الجُهْدَ أَوْ تُسْتَقْصَى

مِنَ الإِلهِ وَالنَّبِيِّ وَعَلِي *** وَوُلْدِهِ فِي فَضْلِ بِنْتِ المُرْسَلِ

مَعْصُومَةٌ نَأَتْ عَنِ الذُّنُوبِ *** بَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ العُيُوبِ(2)

مِنْ أَهْلِ بَيْتِ المُصْطَفَى بِالنَّصِّ *** قَدْ برُعَتْ بِفَضْلِهَا المُخْتَصِّ

وَشَارَكَتْ يَوْمَ الكِسَاءِ وَالعَبا *** فِي المَجْدِ بَعْلاً وَبَنِينَ وَأَبا

وَهْيَ لَعَمْرِي أَمْجَدُ الأَنامِ *** وَأَشْرَفُ الأَماجِدِ الكِرَامِ

مَنْ كَأَبِيهَا بَيْنَ آباءِ الوَرَى *** وَمِثْلُ مَجْدِ بَعْلِها لَيْسَ يُرى(3)؟

ص: 521


1- في المناقب ج 3 ص 341: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها...». انظر بحار الأنوار ج 43 ص 84 ح 7. وروى المحب البغدادي في تاريخه/ ج 12 ص 331 بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث وإنما سمِّاها فاطمة علیها السلام لأن اللّه فطمها ومحبيها عن النار».. وذكره ابن حجر في صواعقه ص 96. وفي ذخائر العقبى، ص 44 ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام قالت أسماء: فقلت يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم إني لم أر لها دماً في حيض ولا في نفاس، فقال صلی اللّه علیه و آله وسلم: «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهَّرة لا يُرى لها دم في طمث ولا ولادة؟».
2- في «ذخائر العقبى» ص 21، مؤسسة الوفاء - بيروت - (1981م). «.. نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). في بيت أم سلمة فدعا النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم وفاطمة وحسناً وحسيناً علیهم السلام فجللهم بكساء وعليّ علیه السلام خلف ظهره ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». وفي صحيح مسلم/كتاب فضائل الصحابة/ باب فضائل أهل البيت علیهم السلام بسنده عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة؛ خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة فادخلها ثم جاء علي علیه السلام فادخله ثم قال: «(إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً )» ويوجد في المستدرك للحاكم. ج 3 ص 147، وفي سنن البيهقي، ج 2 ص 149. وفي الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية: 33 من سورة الأحزاب.
3- جاء في «البرهان في تفسير القرآن» ج 4 ص 211 ح 6 (والأبيات التي تلته) قال صلی اللّه علیه و ساله وسلم: لها «يا فاطمة علیها السلام توكّلي على اللّه واصبري كما آباؤك من الأنبياء وأُمهاتك من أزواجهم، ألا أُبشرك يا فاطمة علیها السلام قالت: بلى يا نبي اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم - أو قالت يا أبة - قال: أما علمت أن اللّه اختار أباك فجعله نبيّاً وبعثه إلى كافة الخلق رسولا. ثم اختار علياً فأمرني فزوَّجتك إيّاه، واتخذته بأمر ربي وزيراً،ووصياً يا فاطمة علیها السلام إنّ عليّاً علیه السلام أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقاً وأقدمهم سلماً وأعلمهم علماً وأحلمهم حلماً وأثبتهم في الميزان قدراً فاستبشرت فاطمة علیها السلام فأقبل عليها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فقال: هل سررتك يا فاطمة علیها السلام. قالت: نعم يا أبة. قال: أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟ قالت: بلى يا نبي اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم. قال: إن علياً علیه السلام أول من آمن باللّه «عز وجل» ورسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم من هذه الأمة هو وخديجة سلام اللّه علیها أمّك وأول من وازرني على ما جئت، يا فاطمة علیها السلام إن علياً علیه السلام أخي وصفیّي وأبو ولدي إن علياً أُعطي خصالاً من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده فأحسني عزاك واعلمي أن أباك لاحق باللّه «عز وجل» ...». أنظر «بحار الأنوار» ج 22 ص 502 ح 48.

وَوُلْدُها ناهِيكَ مِنْ أَوْلادِ *** أَزْكَى العِبادِ أَشْرَفُ العُبّادِ

لَوْ فَاخَرَتْ لَمْ تَرَ مِنْ مُفَاخِرِ *** يَقْدِرُ أَنْ يَفُوهَ بِالمَفَاخِرِ

مَنْ ذا الَّذِي يُفَاخِرُ البَتُولا *** وَمَنْ حَوَى كَمَا حَوَتْ تَفْضِيلا

يُؤْذِي النَّبِيَّ كُلُّ ما يُؤذِيها *** نَصٌّ جَلِيلٌ فَدَع التَّمْوِيها(1)

طَلَّقَتِ الدُّنْيا كَفِعْلِ بَعْلِها *** وَاشْتَغَلَتْ عَنْهَا بِحُسْنِ فِعْلِها

لاَ تَعْرِفُ اللَّذَّاتِ وَالتَّنَعُّما *** وَالحُلَي وَاللِّبسَ عُلاً وَكَرَما

وَقَوْلُهَا دُونَ النِّساءِ حُجَّهْ *** يُوضِحُ لِلْمُسْتَرْشِدِ المَحَجَّهْ(2)

ص: 522


1- التمويه: التزوير والزخرفة وتبليغ ما هو خلاف. وجاء في صحيح البخاري كتاب النكاح، باب ذبّ الرجل عن ابنته، عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «انما هی فاطمة علیها السلام یرینی ما رابها ويؤذيني ما آذاها». ورواه أبو داود في صحيحه ج 12 فی باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء... ورواه أحمد في مسنده ج 4 ص 328 ورواه أبو نعيم في حليته ج 2 ص 40. وفي صحيح مسلم/ كتاب فضائل الصحابة/ باب فضائل فاطمة علیها السلام روی بسنده عن المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها...» وذكره الفخر الرازي في تفسير آية المودة في سورة الشورى وقال: «يؤذيني ما يؤذيها» وذكره في سورة المعارج في تفسير قوله «تعالى»: (وفصيلته التي تؤويه) ولفظه: «فاطمة علیها السلام بضعة مني».
2- في ذخائر العقبي، ص 44: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله العلي علیه السلام: «أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة... الخ الحديث». وعن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها... يوجد في حلية الأولياء ج 2 ص 42.. والاستيعاب ج 2 ص 751.

أَنْصَحُ أَهْلِ دَهْرِهَا وَأَبْلَغُ *** وَنِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهَا أَسْبَغُ

ما مِنْ عُلاً وَشَرفٍ إلاَّ لَها *** قَدْ أُعْطِيَتْ كَمَا لَهَا كَمَالَها

مَظْلُومةٌ صَابِرَةٌ مُحْتَسِبَهْ *** إِلَى الكَمَالِ وَالعُلَا مُنْتَسِبَهْ(1)

قَدْ صَبَرَتْ طَوْعاً عَلَى أَذَاها *** وَاسْتَبْشَرَتْ بِالمَوْتِ إِذْ أَتاها

وَمِثْلُها مِنَ المَماتِ يَجْزَعُ *** إِذْ هِيَ فِي سِنِّ الشَّبابِ تَرْتَعُ(2)

جاءَ إِلَى خَدِيجَةٍ إِذْ وَلَدَتْ *** أَرْبَعَةٌ مِنَ النِّساءِ قَدْ بَدَتْ(3)

ص: 523


1- ورد في «كشف الغمة» ج 2 ص 79 ط/ دار الكتاب الإسلامي - بيروت. عن عائشة: أن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم دعا فاطمة علیها السلام في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارّها فضحكت، فسألت عن ذلك فقالت: أخبرني النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أنه مقبوض فبكيت ثم أخبرني أني أول أهله لحوقاً به فضحكت... انظر «ذخائر العقبى» ص 41 «وسنن الترمذي» ج 5 ص 700 ح 2 387 وأيضاً ح 3873. ومما يدل على كمالها وعلو مكانتها وشرف انتسابها ما نزل في حقها في القرآن الكريم... عن عمار بن ياسر في قوله «تعالى»: (فاستجاب لهم ربهم أن لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) قال: فالذكر علي والأنثى فاطمة علیها السلام وقت الهجرة.. انظر المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 102. وفي تفسير القمي، ص 704 في سورة المدثر آية 35 و 36 (إنها لأحدى الكبر نذيراً للبشر) عن أبي جعفر علیه السلام قال: يعني فاطمة علیها السلام.
2- ترتع: تقيم وتتنعم وتأكل وتشرب ما تشاء في خصب وسعة ورغدٍ.
3- في أمالي الصدوق ص 486 ضمن ح 1 ط/ 5 مؤسسة الأعلمي - بيروت: «... فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء في النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوَّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة سلام اللّه علیها لذلك. فبينا هي کذلک إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة سلام اللّه علیها فإنّا رسل ربك إليك ونحن إخواتك أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا اللّه إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة علیهاالسلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق من شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة وإبريق من الجنة وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية. انظر «دلائل الإمامة» ص 908 ط/ الثالثة المنشورات الرضى - قم و «بحار الأنوار» ج 43 ص 302 ح1 و مثله المناقب ج3 ص340 وذخائر العقبي ص44.

فِيهِنَّ مَرْيَمُ البَتُولُ العَذْرا *** إِذِ النِّساءُ قَدْ أَرَتْها هَجْرا

قُلْنَ لَها اخْتَرْتِ اليَتِيمَ المُعْدَمَا *** قَالَتْ بَلِ المُعَظَّمَ المُكَرَّما

تَقَبَّلَتْها مَرْيَمٌ لَمَّا أَتَتْ *** نَاهِيكَ مِنْ فَضِيلَةٍ قَدْ ثَبَتَتْ

وَجَاءَها مِنْ بَعْدِها اثْنَتَا عَشَرْ *** حَوْرَاءَ قَدْ فِقْنَ مَحَاسِنَ البَشَرْ

غَسَلْنَ فَاطِمَاً بِمَاءِ الجَنَّهْ *** فَكَانَ مِمَّا تَتَّقِيهِ جُنَّهْ

أَلْقابُها البَتُولُ وَالزَّهْرَاءُ *** وَالطُّهْرُ وَالصِّدِّيقَةُ الحَوْرَاءُ(1)

سَيِّدَةُ النِّساءِ وَالمُبارَكَهْ *** لَيْسَتْ بِفَضْلِ مَجْدِها مُشَارَكَهْ

وَبَضْعَةٌ طاهِرَةٌ زَكِيَّهْ *** رَضِيَّةٌ زَاكِيةٌ مَرْضِيَّهْ

عَدِيلَةٌ لِمَرْيَمٍ مُحَدَّثَهْ *** لِكُلِّ مَجْدٍ وَعَلًى مُورّثَهْ

ص: 524


1- «في معاني الأخبار» ص 64 ح 15: «... سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سمَّيت زهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.» انظر: «علل الشرائع» ج 1 ص 215 ح 3. «بحار الأنوار» ج 43 ص 12 ح 6. «دلائل الإمامة» ص 54. وفي نوادر المعجزات قال أبو عبد اللّه علیه السلام لفاطمة علیها السلام: تسعة أسماء: فاطمة - المباركة - الطاهرة - الزكيّة - المرضيّة - المحدّثة - الزهراء - البتول. توجد في المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 133.. يقول: واسماؤها العذراء - الزهراء - الحوراء - المباركة - الطاهرة - الزكيّة - الراضيّة - المرضيّة - المحدّثة - مريم الكبرى - الصدّيقة الكبرى - ويقال لها في السماء النوريّة - السماوية - الحانية.

وَقَدْ رَوَتْ كُنْيَتُها أُمُّ أَيْمَنا *** أُمُّ الأَئِمَّةِ الهُدَاةِ الأُمَنا

أُمُّ الحُسَيْنِ المُجْتَبَى أُمُّ الحَسَنْ *** فَاسْمَعْ إِلَى جَمْعٍ وَتَعْدَادٍ حَسَنْ

خَصَّ بِهَا مِنْ دُونِ غَيْرِهِ عَلَى *** نَقْدٍ غَدالَهُ بِها فَخْرٌ عَلاَ

وَفَخْرُها بِهِ لَعَمْرِيْ أَعْظَمُ *** وَمَا عَسَى فِي مِثْلِ هذَا يُنْظَمُ

خَطَبَهَا أَكَابِرُ الصَّحَابَهْ *** كُلُّ دَعا السَّعْدَ فَمَا أَجَابَهْ

وَكَمْ لَقَدْ عُودِيَ فِيهَا وَحُسِدْ *** مِمّنْ أَرَادَها سِوَاهُ وَاضْطُهِدْ

نَسَبُها أَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُذْكَرا *** فَقَدْ غَدا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَشْهَرا

وكانَ عُمْرُها مِنَ الأَعْوَامِ *** ثَمَانِ عَشْرٍ وَمِنَ الأَيَّامِ

خَمْسَةَ عَشْرٍ فِي حَدِيثٍ صَدَقَهْ *** وَقَوْلِ مَنْ تَبِعَهُ وَصَدَّقَهْ

وَقِيلَ بَلْ تَزِيدُ أَيْضاً عَشْراً *** مِنَ السِّنِينَ قِيلَ بَلْ وَأُخْرَى

ثَمَانِ أَعْوَامٍ قُبَيْلَ الهِجْرَهْ *** وَبَعْدَ ذَاكَ مَعْ أَبِيهَا عَشْرَهْ

وَبَعْدَهُ مُخْتَلَفٌ كَمْ يَوْمَا *** عَاشَتْ فَدَعْ عَنْكَ المَرا وَاللَّوْما

خَمْسٌ وَسَبْعُونَ وَأَرْبَعُونا *** خَمْسٌ وَتِسْعُونَ أَوِ التَّسْعُونا

أَوْ نِصْفُ حَوْلٍ فَاعْتَبِرْ أَقْوَالَهُمْ *** وَانْظُرْ وَحَقِّقْ أَيُّهَا أَقْوَى لَهُمْ

وَانْظُرْ إِلَى مِيلاَدِهِمْ ثُمَّ احْسِبِ *** ثُمَّ اجْبُرِ النَّفْسَ وَتَمِّمْ تُصِبِ

وَلِيُّها اللَّهُ الَّذِي زَوَّجَهَا *** بِالمُرْتَضَى وَبِالتُّقَى تَوَّجَها

فَيَا لَهَا مِنْ شَاهِدٍ بِفَضْلِهَا *** وَفَضْلِ خَيْرِ الأَوْصِياءِ بَعْلِها

لَمْ يَتَوَلَّ اللَّهُ تَزْوِيجَ أَحَدْ *** مِنْ خَلْقِهِ إِلاَّ ثَلاَثَةً فَقَدْ

تَزْوِيجَ آدَمٍ بِحَوَّا أَمَتِهْ *** وزَيْنَبٍ مِنَ النَّبِيِّ خِيرَتِهْ

وَفَاطِمَ الزَّهْراءِ بِالإِمامِ *** خَيْرِ الأَنامِ كَاسِرِ الأَصْنَامِ

أَوْلاَدُها الخَمْسُ الحُسَيْنُ وَالحَسَنْ *** وَزَيْنَبٌ مِنْ أُمِّ كُلْثُومٍ أَسَنْ

وَأَسْقَطَتْ بِمُحْسِنِ يَوْمَ عُمَرْ *** وَفَتْحِهِ البَابَ كَما قَدِ اشْتَهَرْ

وَنالَها بَعْدَ النَّبِيِّ إِذْ مَضَى *** وَانْقادَ طَوْعاً رَاضِياً عَنِ القَضا

ص: 525

لِذاكَ ما يُوجِعُ كُلَّ قَلْبِ *** وَيُسْتَهانُ مِنْهُ كُلُّ خَطْبٍ

حُزْنٌ وَذُلٌّ وَاضْطِهادُ ظَالِمِ *** وَوَحْشَةٌ لاحَتْ عَلَى المَعَالِمِ

إِذْ مَنَعَتْ مِمَّا أَبُوها قَدْ تَرَكْ *** وَزَادَها غَصْبُ العَوَالِي وَفَدَكْ

وَقِيلَ إِنَّ ابْنَ أَبِي قُحَافَهْ *** لَمَّا أَتَتْهُ تَرْتَجِي إِنْصَافَهْ

ثُمَّ أَقَامَتِ الشُّهُودَ كَتَبا *** لَهَاكِتاباً شَافِياً وَمَا أَبَى

ثُمَّ رَآها فِي طَرِيقِها عُمَرْ *** فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنْها وَبَقَرْ(1)

قَالَتْ بَقَرْتَها الإِلهُ يَبْقَرُ *** بَطْنَكَ فَاستَهْونَ ذَاكَ عُمَرُ

فَانْظُرْ إِلَى دُعائِهَا المُجَابِ *** ما دُونَهُ لِلَّهِ مِنْ حِجَابِ

وَفَاتَهَا فِي صُحْبَةِ الاثْنَيْنِ *** ثَالِثُ شَهْرٍ جَاءَها بِالبَيْنِ

وَهُوَ جُمادى الثانِ مِنْ بَعْدِعَشَرْ *** سِنِينَ مِنْ هِجْرَةِ سَيِّدِ البَشَرْ

سَبَبُهُ قِيلَ حُضُورُ الأَجَلِ *** وَقِيلَ مِنْ ضَرْبَةِ ذَاكَ الرَّجُلِ

إِذْ سَقَّطَتْ لِوَقْتِها جَنِينَها *** وَلَمْ تَزَلْ تُبْدِي لَهُ أَنِينَها

وَقِيلَ فِي حَادِي وَعَشْرِ رَجَبِ *** تُوُفِّيَتْ نَجِيبَةُ المُنْتَجَبِ

وَدَفْنُها لَيْلاً لَهُ أَسْبَابُ *** وَلَيْسَ فِي ثَبُوتِهِ ارْتِيابُ

مَدْفَنُها قِيلَ البَقِيعُ الأَنْوَرُ *** عِنْدَ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ اشْتُهِرُوا

وَقِيلَ فِي الرَّوْضَةِ بَيْنَ القَبْرِ *** وَالمِنْبَرِ العَالِي الشَّرِيفِ القَدْرِ

وَقِيلَ بَل فِي بَيْتِها المُشَرَّفِ *** أَوْبَيْتِ الأَحْزَانِ الشَّرِيفِ فَاعْرِفِ

وَكَوْنُها فِي بَيْتِها الصَّدُوقُ *** حَقَّقَهُ وَشَأْنُهُ التَّحْقِيقُ

وَعِنْدَما زَادَتْ بَنُو أُمَيَّهْ *** فِي الحَضْرَةِ الشَّرِيفَةِ البَهِيَّهْ

صَارَ ضَرِيحُ بَضْعَةِ البَتُولِ *** وَبَيْتُهَا فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ

وَيَنْبَغِي لِمُبْتَغِي الزِّيارَةِ *** لَها عَلَى الطَّرِيقَةِ المُخْتَارَةِ

ص: 526


1- بَقَرَ: شقَّ مزّقَ.

تَعْمِيمُ كُلِّ هذِهِ المَواضِعِ *** بِذَاكَ إِذْ كُلٌّ يَرَى كَالشَّايِعِ

وَدَفْنُها فِي بَيْتِها أَصَحُّ *** نَقْلاً وَهَلْ يُشْبِهُ لَيْلاً صُبْحُ

أَذْكُرُ مَا أَذْكُرُهُ وَمَا عَسَى *** أَقُولُ فِيهَا وَهْيَ أَشْرَفُ النِّسا

آلُ مُحَمَّدٍ أَجَلُّ الخَلْقِ *** لأَجْلِهِمْ كَانَ ابْتِدَاءُ الخَلْقِ

وَإِنَّهُمْ خُلاَصَةُ الوُجُودِ *** أَشْرَفُ ما فِي الكَوْنِ مِنْ مَوْجُودِ

شَرَفُهُمْ وَفَضْلُهُمْ لَا يُجْحَدُ *** بِهِ يَقِرُّ نَاطِقٌ وَجَلْمَدُ(1)

إِذَا اعْتَبَرْتَ لَمْ تَجِدْ فَضِيلَةْ *** إِلاَّلَهُمْ وَلَمْ تُصِبْ رَذِيلَهْ

وَانْظُرْ إِلَى أَعْدَائِهِمْ أَقَرُّوا *** بِفَضْلِهِمْ هَلْ فَوْقَ ذَاكَ فَخْرُ؟

صَلاَتُنا عَلَيْهِمُ مَفْرُوضَهْ *** تَبْطُلُ إِنْ لَمْ تُذْكَرِ الفَرِيضَهْ

فَهَلْ تَرَىٰ شَارَكَهُمْ إِلاَّ النَّبِي *** فِي ذَاكَ مَعْ عَظِيمِ مَا بِهِ حُبِي

وَفَاطِمٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِشَكِّ *** فامْدَحْ وَبَالِغْ آمناً مِنْ إِفْكِ

فَكُلُّ ما يُقَالُ فِيهِمْ حَقٌّ *** مِنَ المَدِيحِ وَالثَّنا وَصِدْقُ

وَكُلُّ مَا قَالَ لِسَانِي فِيهِمُ *** فَدُونَ ما فِي القَلْبِ مِنْ حُبِّهِمُ

وَإِنَّنِي أَرْجُو بِهِمْ خَلاَصِي *** وَالفَوْزُ يَوْمَ الأَخْذِ بِالنَّوَاصِي

وَلَنْ يَخِيبَ فِيهِمُ رَجَاءُ *** بَلْ يُسْتَجَابُ بِهِمُ الدُّعَاءُ(2)

ص: 527


1- جلمد: صخر.
2- تراجم أعلام النساء: ج 2 ص 313.

(23) بضعة الهدى

(بحر الرّجز)

الشيخ محمد حسن سميسم(*)(1)

يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ بِعَلِي *** ما فِيهِ أُنْزِلَتْ مِنَ النَّصِّ الجَلِي(2)

قُلْ يا عِبَادِي خَيْرُ بُشْرَى لَكُمُ *** اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمُ

اليَوْمَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي *** فَلاَ تَخَافُوا بَعْدَ ذَاكَ نِقْمَتِي

وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاما *** وَقَدْ جَعَلْتُ المُرْتَضَى إِماما(3)

ص: 528


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أشار بهذا البيت إلى الآية الشريفة (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل اليك من ربك فإن لم تفعل فما بلِّغت رسالته واللّه يعصمك من الناس) [سورة المائدة آية 70] وجاء في خطبة أنه صلی اللّه علیه و آله وسلم قال: فأوحى - وهو اللّه الكافي الكريم - فأوحى إليَّ: بسم اللّه الرحمن الرحيم. يا أيها الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم بلِّغ ما انزل... [الآية].. معاشر الناس، ما قصرتُ في تبليغ ما انزل اللّه «تعالى» إليَّ وانا مُبيِّنَّ لكم سبب نزول هذه الآية: ان جبرائيل هبط إليَّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي، وهو السلام، ان اقوم في هذا المشهد فأعْلِمْ كل ابيض واسوَد أنَّ علي بن أبي طالب علیه السلام أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي الذي محله منّي محل هارون من موسى إلاّ إنه لا نبيّ بعدي، وهو وليكم من بعد اللّه ورسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم وقد أنزل اللّه «تبارك وتعالى» عليَّ بذلك آية من كتابه:«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ». وعلي بن أبي طالب علیه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع.. إلى آخر الخطبة راجع الاحتجاج ج 1 ص 66، وراجع اسباب النزول للواحدي ص 150، والتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير هذه الآية من سورة المائدة.
3- يشير في هذا البيت والذي يليه إلى قوله «تعالى»:«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا». المائدة. وجاء في الدر المنثور في تفسير هذه الآية عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسولّ اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم علياً یوم غدیر خم فنادى له بالولاية، هبط جبرائيل عليه بهذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...». وقال أيضاً في تفسيرها، عن أبي هريرة قال: لما كان يوم غدير خم، إلى أن قال... قال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: «من كنت مولاه فعلیُّ مولاه، فأنزل اللّه، (اليوم اكملت لكم دينكم)». وراجع تاريخ بغداد ج8 ص290.

فَقَامَ قَائِماً نَبِيُّ الرَّحْمَةِ *** يَخْطُبُ فِي مَحْضَرِ جُلِّ الأُمَّةِ

يَقُولُ مَنْ كُنْتُ أَنَا مَوْلاَهُ *** فَالمُرْتَضَى مَوْلًى لَهُ يَرْعَاهُ

مَنْ لاَ يُوَالِيهِ فَمَا وَالاَنِي *** وَمَنْ يُعَادِيهِ فَقَدْ عَادَانِي(1)

فَجِسْمُهُ جِسْمِي وَلَحْمِي لَحْمُهُ *** وَعَظْمُهُ عَظْمِي وَمِنِّي دَمُهُ(2)

هذَا الَّذِي رَبُّ السَّما قَدْ عَيَّنَهْ *** وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَهْ(3)

ص: 529


1- يريد في هذا البيت ما جاء في خطبة الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم يوم غدير خم بشأن الامام العلي علیه السلام(من كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه راجع الاحتجاج ج1 ص66 والغدير ج1 ص30، والصواعق المحرقة لابن حجر ص25 وخصائص أمير المؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدرية وص 21 ط التقدم بمصر وص35 ط بیروت، وراجع مناقب الخوارزمي الحنفي ص93 ط 1 ، المطبعة الحيدرية.
2- جاء في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم قال: إنَّ علياً منّي، روحه من روحي وطينته من طينتي وهو أخي وأنا اخوه... إلى آخر الحديث. راجع امالي الصدوق، 31 ح 3، والبحار، 226/36 ح 2 والصراط المستقيم، 15/2، وراجع في هذا المضمون خصائص النسائي ص 36، والرياض النضرة ج 2 ص 202 وكنوز الحقائق للمناوي ص 37، وكنز العمال ج 3 ص 123 ومشكل الآثار للطحاوي ج 3 / 174. وفي قوله «ص» (لحمه لحمي ودمه دمي - يعني علياً) راجع تاريخ بغداد ج 2 ص 204 وذخائر العقبى ص 92، ومجمع الهيثمي ج 2 ص 111، وكنز العمال ج 6 ص 154، وكنوز الحقائق ص 161.
3- جاء في مسند أحمد بن حنبل بسنده عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم... وساق الحديث إلى أن قال: فأخذ - يعني النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم - بيد علي علیه السلام فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر فقال له: هنيئاً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. راجع المسند المذكور ج4 ص281. وفي تفسير الرازي في ذيل تفسير قوله «تعالى»: (يا أيها الرسول بلِّغ...). الآية. جاء ما معناه: حينما نزلت هذه الآية أخذ - يعني النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم - بيده - يعني علياً علیه السلام - وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. راجع المصدر المذكور. وراجع في هذا الشأن تاريخ بغداد للبغدادي ج 8 ص 290 وفيض القدير ج 6 ص217، وذخائر العقبى ص 68، وصواعق ابن حجر ص 107 الاّ انه ليس فيه «ومؤمنة». وراجع الرياض النضرة ج 2 ص 170 وفيها «مولى كل مسلم» وهناك مصادر غيرها من طرق العامة والخاصة آثرنا عدم ذكرها لكثرتها واكتفينا بهذا المقدار فإن فيه الكفاية ومبلغ المطلب.

هذَا هُوَ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ *** هذَا فَتًى يَخْدِمُهُ جِبْرِيلُ

هذَا هُوَ الزَّبُورُ وَالفُرْقانُ *** هذَا هُوَ الْأَزْمَانُ وَالأَكْوَانُ

هذَا الَّذِي آدَمُ لَمَّا أَنْ غَوَى *** بِجَاهِهِ دَعَا وَإِلاَّ لَهَوَى

وَهُوَ الَّذِي قَدْ سَيَّرَ السَّفِينا *** وَيُونُسٌ بِهِ رَأَى اليَقْطِينا(1)

وَفِيهِ نَاجَى رَبَّهُ الخَلِيلُ *** وَفِيهِ عُوفِي ذَلِكَ العَلِيلُ(2)

لَوْلاَهُ ما جَازَ بِبَحْرٍ مُوسى *** كَلاَّ وَلاَ كَالَّم مَوْتاً عِيسَى

كَلاً وَلاَ كَانَتْ نُجُومٌ تَسْرِي *** كَلاً وَلاَ كَانَتْ بِحَارٌ تَجْرِي

هذَا عَلِيٌّ عِلَّةُ الإِيجَادِ *** هذَا هُوَ الحَاكِمُ فِي المِيعادِ(3)

إِلَيْهِ فِي مَحْشَرِكُمْ مَصِيرُكُمْ *** وَقَدْ قَرَأَتُمْ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ(4)

هذَا الَّذِي شَيَّدَ رُکْنَ الدِّينِ *** بِسَيْفِهِ القَاطِعِ لِلْوَتِينِ(5)

يَقُولُ كُلُّ مَنْ إِلَيْهِ يَصِلُ *** إِنَّ أَخَاكَ مُكْرَهٌ لاَ بَطَلُ

لَهُ مَزَايا قَطُّ لا تُضاها *** لَمْ يُحْصِهَا سِوَى الَّذِي سَوَّاها(6)

ص: 530


1- اليقطينا: ما لا ساق له من النبات كالقثاء وغلب على القرع المستدير.
2- العليل : يقصد به نبي اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أيوب علیه السلام.
3- أشار بهذا البيت إلى ما قاله الإمام في خطبته الشهيرة ب«البيان» من أنّه «قسیم الجنة والنّار» ومنه حديث الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم في نفس هذا المعنى.
4- أشار بالشطر الثاني منه إلى ولايته التي نصَّ بها القرآن الكريم: (إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [سورة المائدة، آية: 60].
5- الوتين: عِرقٌ في القلب يجري منه الدم إلى العروق كلّها.
6- لاتضاهى: لاتشابه و لاتُناظر.

أَلَيْسَ بَلَّغْتُ بِما أُرْسلْتُ بِهْ *** فَاحْتَفِظُوا فَالأَمْرُ غَيْرُ مُشْتَبِهْ(1)

فَقَامَ قَوْمٌ مِنْهُمُ وَسَلَّمُوا *** عَلَيْهِ بِالأَمْرِ الَّذِي قَدْ أَلْزَمُوا

لكِنَّهُمْ سُرْعَانَ مَا قَدْ غَدَرُوا *** وَالنَّصُّ فِي غَدِيرِ خُمِّ أَنْكَرُوا

وَلِلَّذِي قَدْ بَايَعُوهُ قَهَرُوا *** وَضِلْعَ بَضْعَةِ الهُدَى قَدْ كَسَرُوا

وَغَلَّقُوا مِنْ دُونِهَا الأَبْوَابا *** وَنَبَذُوا المِيثاقَ وَالكِتَابا

يَا لَهَفَ نَفْسِي لاِبْنَةِ النَّبِيِّ *** إِذْ خَرَجَتْ تَعْدُو مَعَ الوَصِيِّ

تَقُولُ خَلُّوا وَالِدَ السِّبْطَيْنِ *** يا قَوْمُ هذَا سَيِّدُ الكَوْنَيْنِ

تَبْغُونَ فِي أَنُ تُيْتِمُوا أَوْلادِي *** أَلَيْسَ رَبُّ العَرْشِ بِالمِرْصَادِ(2)

فَقَالَ... يا غُلامُ أَرْجِعْها *** وَإِنْ أَبَتْ فَبِالعَصَا أَوْجِعْها

وَلَسْتُ أَقْوَى أَنْ أَقُولَ ما جَرَى *** وَأَنْتَ عَالِمٌ وَتَدْرِي الخَبَرا

ص: 531


1- إشارة إلى قول الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم في خطبة الغدير «ألا هل بَلّغت..».
2- تُبتِمُوا: من أيْتَم يُيْتِمُ وأيتَمَ إذا قَتَل أباهُ فصيَّره يتيماً.

(24) جَوْهَرَةُ القُدس

(بحر الرجز)

الشيخ محمد حسين الأصفهاني(*)(1)

ص: 532


1- (*) هو الشيخ محمد حسين ابن الحاج محمد حسن بن علي الغروي الأصفهاني. ولد في النجف الأشرف في اليوم الثاني من محرم الحرام سنة (1296 ه) وكان والده من مشاهير تجار الكاظمية، وذوي اليسار والإحسان والجاه العريض وموصوفاً بحب العلم والعلماء. فنشأ في أحضان الفضيلة والنعمة وتربى في ظل أسرته تحت رعاية والده الكريم ونال منه التربية الصالحة، ومنذ نعومة أظفاره تعشَّق العلم والفضيلة، وكان والده المشجع والحافز والممهد له السبيل إلى تحصيل العلم والمترجَم له كانت دراسته الأولى في الكاظمية وقد بدت عليه معالم النبوغ والذكاء المفرط، فتعلّم القراءة وشيئاً من المقدمات، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال المراحل الدراسية هناك فتتلمذ في بادىء الأمر على العلامة الشيخ حسين التوسركاني ونظرائه من الأجلاء المدرسين حيث حضر عليهم في مرحلة السطوح، وحضر في الفقه والأصول بحث العلامة المحقق الشهير السيد محمد الفشاوكي المتوفى سنة (1316 ه)، وحضر أيضاً بحث المحقق الفقيه الشيخ آغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه، وحضر على الحكيم الفيلسوف میرزا محمد باقر الأصطهبانائي الحكمة والكلام، وحضر بحث زعيم الحوزات الدينية، فلازمه أكثر من اثني عشر عاماً، واستقلَّ بعد وفاته بالتدريس. واستمر أكثر من ربع قرن يرتشف من معين أساتذته أبطال العلم حتى ظهر بين أقرانه متفوِّقاً عليهم في ذكائه وفطنته، فكان له المرجعية والزعامة في التدريس، وتشهد له النجف الأشرف بكفاءته العلمية، فكانت حلقة درسه ملتقى عامة أرباب الفضيلة والعلم، وتخرَّج على يده عدد كبير من العلماء والمجتهدين والمراجع المعروفين، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن له باعاً طُولى في الأدب والشعر باللغتين العربية والفارسية وقيل إن خطه من أجمل الخطوط. خلف كتباً كثيرة منها: 1- نهاية الدراية وهو حاشية على الكفاية تمتاز بالعمق العلمي والمناقشات الدقيقة. 2- رسالة الصحيح والأعم. 3- رسالتان في المشتق. 4- رسالة في الطلب والإرادة. 5- رسالة في علائم الحقيقة والمجاز. 6- رسالة في الحقيقة الشرعية. 7- رسالة في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي. 8- حاشية على المكاسب. 9- عدة رسائل في مختلف أبواب الفقه تزيد على الثلاثين. 10- ديوان شعر فارسي في مدح ورثاء أهل البيت علیهم السلام. 11- أرجوزة بالعربية وهي التي سماها (الأنوار القدسيَّة) فيها أربع وعشرون قصيدة في تاريخ النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم والأئمة الاثني عشر وأولادهم «صلوات الله عليهم أجمعين» وهناك الكثير من آثاره العلمية في الفقه والأصول والحكمة والفلسفة والأدب. وافاه الأجل المحتوم فانطفأ هذا المشعل النيّر ليلة الخامس من شهر ذي الحجة الحرام سنة (1361 ه) عن عمر يناهز الستة والستين عاماً، فكان يومه مشهوداً إذ خسر به الإسلام أحد رجالاته والعلم أحد أبطاله.

جَوْهَرَةُ الْقُدْسِ مِنَ الكَنْز الْخَفِي *** بَدَتْ فَأَبْدَتْ عالِياتِ الأَحْرُفِ

وَقَدْ تَجَلَّى مِنْ سَمَاءِ الْعَظَمَهْ *** فِي عَالَمِ الأَسْمَاءِ أَسْمَى كَلِمَهْ

بَلْ هِيَ أُمُّ الكَلِماتِ المُحْكَمَهْ *** فِي غَيْبِ ذاتِها نُكَاتٌ مُبْهَمَهْ

أُمُّ أَئِمَّةِ العُقُولِ الغُرِّبَلْ *** (أُمُّ أَبِيها) وَهْوَ عِلَّةُ العِلَلْ(1)

رُوحُ النَّبِيِّ فِي عَظِيمِ المَنْزِلَهْ *** وَفِي الكَفاءِ كُفْؤٌ مَنْ لا كُفْوَ لَهْ(2)

ص: 533


1- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج 3 ص 357: ط، مؤسسة انتشارات علامة - قم «... كناها: أم المحسن، أم الحسين، أم الحسن، أم الأئمة، أم أبيها». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 16 ح 15».
2- فی «كشف الغمة» ج 2 ص 124 ط، دار الكتاب الإسلامي - بيروت: «... وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبيَّ...» انظر «بحار الأنوار» ج 28 ص 76 ج 34. في كتاب «اعلموا أني فاطمة علیها السلام» لعبد الحميد المهاجر، ج 4 ص 565 يقول: كان النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم یحب أن يسمع فاطمة علیها السلام تناديه: يا أبه، لان صوتها العذب كان ينسكب سروراً في قلبه وقد ورد في حياتها أنه كانت تناديه يا أبه ثم غيرت النداء بعد نزول الآية (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) النور، 63. فما كاد يسمعها النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم تناديه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم حتى قال لها: يا بنية لم تنزل فيكِ و لافي أهلك، قولي يا أبه فإنه أحبّ للقلب وأرضى للرب، وهنا نقرأ الحديث كما جاء في كتب السيرة النبوية الشريفة. قالوا: انه لما نزلت على النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم (ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) قالت فاطمة علیها السلام: فتهيبت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أن أقول له يا أبه فجعلت أقول له: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم فأقبل عليَّ علیه السلام فقال لي: يا بنية لم تنزل فيك ولا في بنية لم تنزل فيك ولا في أهلك من قبلك أنت منّي وأنا منك وإنما نزلت في أهل الجفاء والبذخ والكبر... قولي: يا أبه فإنه أحبّ للقلب وأرضى للرب... ثم قبل: النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم جبهتي ومسحني بريقه مما احتجت إلى طيب بعده. اقرأ أيضاً فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلی اللّه علیه و آله وسلم، ج 1 ص 110. وفي «عيون اخبار الرضا». ج 225 ضمن ح 3 ط، انتشارات جهان - طهران: «... فهبط عليّ جبرائيل فقال: يا محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم إن اللّه «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 92 ح 3.

تمَثَّلَتْ رَقِيقَةَ الوُجُودِ *** لَطِيفَةً جَلّتْ عَنِ الشُّهُودِ

تَطَوَّرَتْ فِي أَفْضَلِ الأَطوَارِ *** نَتِيجَةَ الأَدْوَارِ وَالأَكْوار(1)

تَصَوَّرَتْ حَقِيقَةَ الكَمالِ *** بِصُورَةٍ بَدِيعَةِ الجَمَالِ

فَإِنَّهَا الحَوْرَاءُ فِي النُّزولِ *** وَفِي الصُّعُودِ مِحْوَرُ العُقُولِ

يُمَثِّلُ الوُجُوبَ فِي الإِمْكانِ *** عِيَانُهَا بِأَحْسَنِ العِيانِ

فَإِنَّهَا قُطْبُ رَحَى الوُجُودِ *** فِي قَوْسَي النُّزُولِ وَالصُّعُودِ

وَلَيْسَ فِي مُحِيطِ تِلْكَ الدَّائِرَهْ *** مَدَارِها الْأَعْظَمِ إِلاَّ (الطَّاهِرَهْ)

مَصُونَةٌ عَنْ كُلِّ رَسْمٍ وَسِمَهْ *** مَرْمُوزَةٌ فِي الصُّحُفِ المُكَرَّمَهْ

(صِدِّيقَةٌ) لا مِثْلُها صِدِّيقَهْ *** تُفْرِغُ بِالصِّدْقِ عَنِ الحَقِيقَهْ(2)

بَدَا بِذلِكَ الوُجُودِ الزَّاهِرِ *** سِرُّ ظُهُورِ الحَقِّ فِي المَظَاهِرِ

ص: 534


1- الطَّور: مفردها الطوْر: الهيئة، الحال، التارة، الصنف، يقال: «الناس أطوار» أي أصناف وهو المراد هنا. - الأكوار: جمع الكور وهو الطبيعة والسجية.
2- في «أمالي الطوسي» ص678 ط الثانية مؤسسة الوفاء - بيروت: قال الإمام الصادق علیه السلام: «وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى» انظر «بحار الأنوار» ج 43 ص 105 ضمن ح 19.

هِيَ البَتُولُ الطُّهْرُ وَالعَذْرَاءُ *** كَمَرْيَمَ الطُّهْرِ وَلاَ سَوَاءُ(1)

فَإِنَّها سَيِّدَةُ النَّساءِ *** وَمَرْيَمُ الكُبْرَى بِلاَ خَفَاءِ(2)

وَحُبُّهَا مِنَ الصَّفاتِ العالِيَهْ *** عَلَيْهِ دَارَتِ القُرُونُ الخَالِيَهْ

تَبَتَّلَتْ عَنْ دَنَسِ الطَّبِيعَهْ *** فَيَالَها مِنْ رُتْبَةٍ رَفِيعَهْ(3)

مَرْفُوعةُ الهِمَّةِ وَالعَزِيمَهْ *** عَنْ نَشْأَةِ الزَّخارِفِ الذَّمِيمَهْ

فِي أُفُقِ المَجْدِ هِيَ الزَّهْرَاءُ *** لِلشَّمْسِ مِنْ زَهْرَتِهَا الضِّياءُ(4)

بَلْ هِيَ نُورُ عَالَمِ الأَنْوَارِ *** وَمَطْلَعُ الشُّمُوسِ وَالأَقْمَارِ

رَضِيعَةُ الوَحْيِ مِنَ الجَلِيلِ *** حَلِيفَةٌ لِمُحْكَمِ التَّنْزِيلِ

مَفْطُومَةٌ مِنْ زَلَلِ الأَهْوَاءِ *** مَعْصُومَةٌ عَنْ وَصْمَةِ الخَطاءِ(5)

مُعْرِبَةٌ بِالسِّتْرِ وَالحَيَاءِ *** عَنْ غَيْبِ ذاتِ بَارِیءِ الأَشْياءِ

ص: 535


1- في إحقاق الحق ج 10 ص 25 منقولاً عن «مودة القربى»: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: وسميّت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة. معناه ترجع كل ليلة بكراً وسمِّيت بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً». انظر ينابيع المودة ج 2 ص 305 ضمن باب 56 ح 872 ط 1/ دار الأسوة (1416 ه).
2- في المناقب ج 3 ص 357 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم (... فاطمة علیها السلام، البتول الحصان، الحرَّة...، مريم الكبرى، الصدّيقة الكبرى...). انظر «بحار الأنوار» ج 43 ص 10.17.
3- تبتّلت: انقطعت. وفي المناقب ج 3 ص 330: وقال صلی اللّه علیه و آله وسلم لعائشة: يا حميراء إن فاطمة علیها السلام ليست كنساء الآدميين لا تعتل كما تعتلن». انظر بحار الأنوار ج 43 ص 16 ضمن 14 وعوالم سيدة النساء ج 11/1 ص 10 ح 5.
4- في «علل الشرائع» ج 1 ص 215 ح 3 ط الاولى/ مؤسسة الأعلمي - بيروت. «عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام: عن فاطمة علیها السلام لم سمّيت زهراء؟ فقال : لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. انظر: «معاني الأخبار» ص 64 ح 15 ط/ منشورات جماعة المدرسين في قم. و«بحار الأنوار» ج 43 ص 12 ح 6. و«دلائل الإمامة» ص 54 ط الثالثة/منشورات الرضى.
5- وصمة: عار وعيب.

رَاضِيَةٌ بِكُلِّ ما قَضَى القَضا *** بِمَا يَضِيقُ عَنْهُ وَاسِعُ الفَضا

زَكِيَّةٌ مِنْ وَصْمَةِ القُیُودِ *** فَهُيَ غَنِيَّةٌ عَنِ الحُدُودِ

يا قِبْلَةَ الأَرْوَاحِ وَالعُقُولِ *** وَكَعْبَةَ الشُّهُودِ وَالوُصُولِ

مَنْ بِقُدُومِها تَشَرَّفَتْ (مِنَى) *** وَمَنْ بِهَا تُدْرَكُ غَايَةُ المُنَى

وَبَابُها الرَّفِيعُ بَابُ الرَّحْمَه *** وَمُسْتَجارُ كُلِّ ذِي مُلِمَّهْ(1)

وَمَا الحَطِيمُ عِنْدَ بَابِ فَاطِمَهْ *** بِنُورِها تُطْفَأُ نَارُ الحَاطِمَهْ(2)

وبَيْتُهَا المَعْمُورُ كَعْبَةُ السَّما *** أَضْحَى ثَرَاهُ لِلثَرَايا مَلْثَما(3)

وَخِدْرُها السَّامِي رِواقُ العَظَمَهْ *** وَهْوَ مَطَافُ الكَعْبَةِ المُعَظَّمَهْ

حِجَابُها مِثْلُ حِجَابِ الباري *** بَارِقَةً تَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ

تُمَثِّلُ الوَاجبَ في حِجَابِها *** فَكَيْفَ بِالإشْرَاقِ مِنْ قُبابِها

يا دُرَّةَ الْعِصْمَةِ وَالْوِلايَهْ *** مِنْ صَدَفِ الحِكْمَةِ وَالعِنَايَهْ

مَا الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي السَّمَاءِ *** مِنْ ضَوْءِ تِلْكَ الدُّرَّةِ البَيْضاءِ؟

وَالنَّيِّرُ الْأَعْظَمُ مِنْها كَالسُّها *** كَيْفَ وَلاَ حَدَّ لَهَا وَمُنْتَهَى

أَشْرَقَتِ الْعَوَالِمُ الْعُلْوِيَّهْ *** بِنُورِ تِلْكَ الدُّرَّةِ البَهِيَّهْ

يا دَوْحَةً جَازَتْ سَنامَ الفَلَكِ *** بَلْ جَاوَزَ السِّدْرَةَ فَرْعُها الزَّكِي

يَا دَوْحَةً أَغْصَانُها تَدَلَّتْ *** بِمَوْضِعٍ فِيهِ العُقُولُ ضَلَّتْ

دَنَتْ إِلَى مَقامِ أَوْ أَدْنَى فَلا *** تَتْبَعُ مِنْ ذلِكَ أَعْلَى مَثَلاَ

يَا شَجَرَ الطُّورِ وَأَيْنَ الشَّجَرَهْ *** مِنْ دَوْحَةِ المَجْدِ الأَثِيلِ الْمُثْمِرَهْ(4)

وَإِنَّما السِّدْرَةُ وَالزَّيْتُونَهْ *** عُنْوَانُ تِلْكَ الدَّوْحَةِ المَيْمُونَهْ

ص: 536


1- الملمة: النازلة الشديدة من نوازل الدنيا.
2- الحاطمة: النار الشديدة لأنها تحطم ما يلقى فيها.
3- مَلْثماً: موضعاً للقبلة والتقبيل.
4- الأثيل: الأصيل.

أَثْمَارُها الغُرُّ مَجالِي الذَّاتِ *** مَظَاهِرُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفاتِ

مَبادىءُ الحَيَاةِ فِي البِدايهْ *** وَمُنْتَهَى الغَاياتِ فِي النِّهَايَهْ

أَثْمَارُها عَزَائِمُ الْقُرْآنِ *** فِي صَفَحَاتِ مُصْحَفِ الْإِمْكَانِ

أَثْمَارُها مَنَابِتٌ لِلْمَعْرِفَهْ *** مِنْ جَنَّةِ الذَّاتِ غَدَتْ مُقْتَطَفَهْ

لَكَ الهَنَا (يا سَيِّدَ الوُجُودِ) *** فِي نَشَآتِ الْغَيْبِ وَالشُّهودِ

بِمَنْ تَعَالَى شَأْنُها عَنْ مِثْلِ *** كَيْفَ ولا تَكْرارَ فِي التَّجَلِّي

لا يَتَثَنَّى هَيْكَلُ التَّوْحِيدِ *** فَكَيْفَ بِالنَّظِيرِ وَالنَّديدِ؟

وَمُلْتَقَى الْقَوْسَيْنِ نُقْطَةٌ فَلاَ *** تَرَى لَها ثانِيَةً أَوْ بَدَلاَ

وَحِيدَةٌ فِي مَجْدِها الْقَدِيمَ *** فَرِيدةٌ فِي أَحْسَنِ التَّقْوِيمِ

بُشْراكَ (يا أَبا العُقُولِ العَشَرهْ) *** بِالبَضْعَةِ الطَّاهِرَةِ المُطَهَّرَهْ

مُهْجَةُ قَلْبِ عَالَمِ الْإِمْكَانِ *** وَبَهْجَةُ الفِرْدَوْسِ فِي الجِنَانِ

غُرَّتُها الْغَرّاءُ مِصْباحُ الهُدَى *** يُعْرَفُ حُسْنُ الْمُنْتَهَى بِالمُبْتَدَا

وَفِي مُحَيَّاها بِعَيْنِ الْأَوْلِيا *** عَيْنَانِ مِنْ مَاءِ الحَياةِ وَالحَيا

بَلْ وَجْهُهَا الكَرِيمُ وَجْهُ البَارِي *** وَقِبْلَةُ العَارِفِ بِالأَسْرَارِ

بُشْرَاكِ يا خُلاَصَةَ الإِيجادِ *** بِصَفْوَةِ الْأَنْجَادِ وَالْأَمْجَادِ

أُمُّ الكِتَابِ وَابْنَةُ التَّنْزِيلِ *** رَبَّةُ بَيْتِ العِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ

بَحْرُ النَّدَى وَمَجْمَعُ البَحْرَيْنِ *** قَلْبُ الهُدَى وَبَهْجَةُ الكَوْنَيْنِ(1)

وَاحِدَةُ النَّبِيِّ أَوَّلُ العَدَدْ *** ثَانِيَةُ الوَصِيِّ نُسْخَةُ الأَحَدْ

وَمَرْكَزُ الخَمْسَةِ مِنْ أَهْلِ العَبا *** وَمِحْوَرُ السَّبْعِ عُلوّاً وَإِبا

لَكَ الهَنا يا سَيِّدَ الْبَرِيَّهْ *** بِأَعْظَمِ المَوَاهِبِ السَّنِيَّهْ

أَتَاكَ طَاووسُ رِياضِ الأُنْسِ *** بِنَفْحَةٍ مِنْ نَفَحاتِ القُدْسِ

ص: 537


1- الندى: الجود والعطاء.

مِنْ جَنَّةِ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَاءِ *** جَلَّتْ عَنِ المَدِيحِ وَالثَّنَاءِ

فَارْتَاحَتِ الأَرْوَاحُ مِنْ شَمِيمِها *** وَاهْتَزَّتِ النُّفُوسُ مِنْ نَسِيمِهَا

بِهَا انْتَشَى فِي الكَوْنِ كُلُّ صَاحِ *** وَطَابَتِ الأَشْبَاحُ بِالأَرْوَاحِ(1)

تُحْيِي بِهَا الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها *** وَمَرْجِعُ الأَمْرِ غَدَا إِلَيْها

لَهْفِي لَهَا لَقَدْ أُضِيعَ قَدْرُها *** حَتَّى تَوَارَى بِالحِجَابِ بَدْرُها(2)

تَجَرَّعَتْ مِنْ غُصَصِ الزَّمَانِ *** مَا جَاوَزَ الحَدَّ مِنَ البَيَانِ

وَمَا أَصَابَهَا مِنَ المُصَابِ *** مِفْتَاحُ بَابِهِ «حَدِيثُ البَابِ»

إِنَّ حَدِيثَ البَابِ ذُو شُجُونِ *** مِمّا بِهِ جَنَتْ يَدُ الخَؤُونِ

أَيَهْجُمُ العِدَى عَلَى بَيْتِ الهُدَى *** وَمَهْبِطِ الوَحْيِ وَمُنْتَدَى النَّدَى(3)؟

أيَضْرُمُ النَّارَ بِبَابِ دَارِها *** وَآيَةُ النُّورِ عُلاَ مَنَارِها؟

وَبابُها بابُ نَبِيَّ الرَّحْمَهْ *** وَبَابُ أَبْوَابِ نَجَاةِ الأُمَّهْ(4)

بَلْ بَابُهَا بَابُ العَلِيِّ الأَعْلَى *** فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قَدْ تَجَلَّى

ما اكْتَسَبُوا بِالنَّارِ غَيْرَ العَارِ *** وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابَ النَّارِ

مَا أَجْهَلَ القَوْمَ فِإِنَّ النَّارَ لاَ *** تُطْفِيءُ نُورَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلاَ(5)

ص: 538


1- انتشى: سكر.
2- توارى: استتر.
3- في تفسير العياشي ج 2 ص 66 و 76 فيمن هجم على دار بضعة الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم: «... قال عمر: قوموا بنا إليه. فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وقنفذ...»... انظر «بحار الأنوار» ج 28 ص 227 ج 14. والبرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 93 ج 4.
4- في «كشف الغمة» ج 2 ص 83 ط/دار الكتاب الإسلامي - بيروت «عن نافع بن أبي الحمراء قال: شهدت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم ثمانية أشهر إذا خرج إلى صلاة الغداة مرّ بباب فاطمة علیها السلام فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته. الصلاة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص53 ضمن ح48.
5- في «بحار الأنوار» ج53 ص18. «... وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم (عليهم سلام اللّه) وفضة واضرامهم النار على الباب، وخروج فاطمة علیها السلام إليهم، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفىء نور اللّه؟ واللّه متم نوره...». انظر: «عوالم سيدة النساء» 2 ص 567 ح 19.

وَإِنَّ كَسْرَ الضِّلْعِ لَيْسَ يَنْجَبِرْ *** إِلاَّ بِصَمْصَامِ عَزِيزٍ مُقْتَدِرْ(1)

إِذْ رَضَّ تِلْكَ الأَضْلُعَ الزَّكِيَّهْ *** رَزِيَّةٌ لاَ مِثْلُها رَزِيَّهْ

وَمِنْ نُبوعِ الدَّمِ مِنْ ثَدْيَيْها *** يُعْرَفُ عِظْمُ ما جَرَى عَلَيْهَا

وَجَاوَزَ الحَدَّ بِلَطْمِ الخَدِّ *** شُلَّتْ يَدُ الطُّغْيَانِ وَالتَعَدِّي(2)

فَاحْمَرَّتِ العَيْنُ وَعَيْنُ المَعْرِفَهْ *** تُذْرَفُ بِالدَّمْعِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَهْ

وَلاَ تُزِيلُ حُمْرَةَ العَيْنِ سِوَى *** بِيضِ السُّيُوفِ يَوْمَ يُنْشُرُ اللِّوا

وَلِلسِّیَاطِ رَنَّةٌ صَداها *** فِي مَسْمَعِ الدَّهْرِ فَمَا أَشْجَاهَا

وَالأَثَرُ البَاقِي كَمِثْلِ الدُّمْلُجِ *** فِي عَضُدِ الزَّهْرَاءِ أَقْوَى الحُجَجِ(3)

وَمِنْ سَوَادِ مَتْنِهَا اسْوَدَّ الفَضَا *** يا سَاعَدَ اللَّهُ الإِمَامَ المُرْتَضَى

ص: 539


1- صمصام: السيف الذي لا ينثني والظاهر أنه كناية عن ظهور صاحب الأمر «عجل اللّه تعالی» فرجه الشريف وجعلنا من انصاره وشيعته فإنه الآخذ بحق ظلامات آبائه وأجداده علیها السلام وفي الاحتجاج ج 1 ص 109 ط/دار النعمان - النجف: «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها. فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها وألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة. انظر: «عوالم سيدة النساء» ج 2 ص 558 ضمن ح 2.
2- في «أمالي الصدوق» ص 116 ضمن ح 2 ط 5/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. «... أبكي من ضربتك على القرن ولطم فاطمة علیها السلام خدّها و...». انظر «بحار الأنوار» ج28 ص51 ح20. و ج44 ص149 ح17.
3- الدملج: الحلي الذي يلبس في المعصم. وجاء في كتاب «الاحتجاج» ج 1 ص 109 ط/دار النعمان - النجف: «... و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عقدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها».

وَوَكْرُ نَعْلِ السَّيْفِ فِي جَنْبَيْها *** أَتَى بِكُلِّ ما أَتَى عَلَيْها(1)

وَلَسْتُ أَدْرِي خَبَرَ المِسْمَارِ *** سَلْ صَدْرَها خُزَانَةَ الأَسْرَارِ

وَفِي جَبِينِ المَجْدِ ما يُدْمِي الحَشَا *** وَهَلْ لَهُمْ إِخْفَاءُ أَمْرٍ قَدْ فَشَا؟

وَالبَابُ وَالجِدَارُ وَالدِّمَاءُ *** شُهُودُ صِدْقٍ ما بِهِ خَفَاءُ

لَقَدْ جَنَى الجَانِي عَلَى جَنِينِها *** فَانْدَكَّتِ الجِبَالُ مِنْ حَنِينِهَا(2)

أَهكَذَا يُصْنَعُ بِابْنَةِ النَّبِي؟ *** حِرْصاً عَلَى المُلْكِ فَيَا لِلعَجبِ

أَتُمْنَعُ المَكْرُوبَةُ المَقْرُوحَهْ *** عَنِ البُكَا خَوْفاً مِنَ الفَضِيحَهْ

تَاللَّهِ يَنْبَغِي لَهَا تَبْكِي دَما *** ما دَامَتِ الأَرْضُ وَدَارَتِ السَّما

لِفَقْدِ عِزِّها أَبِيها السَّامِي *** وَلاِهْتِضَامِهَا وَذُلِّ الحَامِي(3)

أَتُسْتَباحُ نِحْلَةُ الصِّدِّيقَهْ *** وَإِرْثُها مِنْ أَشْرَفِ الخَلِيقَهْ(4)؟

كَيْف يُرَدُّ قَوْلُها بِالزُّورِ *** إِذْ هُوَ رَدُّ آيَةِ التَطْهِيرِ؟

ص: 540


1- في كتاب «دلائل الإمامة» للطبري ص 45، ط الثالثة - منشورات الرضى - قم: «... وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً...». انظر: الكافي ج 6 ص 18 ح 2.
2- اندکت: انهدَّت حتى سويت في الأرض.
3- في «المناقب» ج 2 ص 205: «... أصبحت بين كمد وكرب فَقْدُ النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم وظلم الوصي هُتكَ واللّه حجابه من أصبحت إمامته مقتضبة...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 156 - 157.
4- في «صحيح مسلم» ج 4 ص 30 ح 52 (1759) ضمن باب (16) ط الأولى/مؤسسة عز الدين (1987م): عن عائشة: أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم قال: «لا نورِّث ما تركناه صدقة»... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك...». انظر: «إحقاق الحق» ج 10 ص 478.

أَيُؤْخَذُ الدِّينُ مِنَ الأَعْرَابِي *** وَيُنْبَذُ المَنْصُوصُ بِالكِتَابِ(1)؟

فَاسْتَلَبُوا ما مَلَكَتْ يَداها *** وَارْتَكَبُوا الخِزْيَةَ مُنْتَهَاها

يَا وَيْلَهُمْ قَدْ سَأَلُوها البَيِّنَهْ *** عَلَى خِلافِ السُّنَّةِ المُبَيَّنَهْ(2)

وَرَدُّهُمْ شَهَادَةَ الشُّهُودِ *** أَكْبَرُ شَاهِدٍ عَلَى المَقْصُودِ

وَلَمْ يَكُنْ سَدُّ الثُّغُورِ غَرَضا *** بَلْ سَدُّ بَابِها وَبَابُ المُرْتَضَى

صَدُّوا عَنِ الحَقِّ وَسَدُّوابَابَهْ *** كَأَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا عَذَابَهْ

ص: 541


1- ينبذ: يُطرح ويرمى به.
2- في «الاحتجاج» ج 1 ص 119 - 123 ط/دار النعمان - النجف، هذا البيت والذي يليه،: عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك في إخراج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم بأمر من اللّه«تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم. أنشدك باللّه ألست تعلم؟ أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة». فقال: بلى قالت: فأشهد أن اللّه «عز وجل» أوحى إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: (وآت ذا القربى حقه) فجعل فدكاً لها طعمة بأمر اللّه. فجاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك. فكتب لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب. فقال: إن فاطمة علیها السلام إدّعت في فدك وشهدت لها أمُّ أيمن وعلي علیه السلام فكتبته لها فأخذ عمر الكتاب من فاطمه علیها السلام فتفل فيه ومزّقه. فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي فلمّا كان بعد ذلك جاء علي علیه السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة علیها السلام ميراثها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وقد ملكته في حياة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم؟ فقال أبو بكر: هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم جعله لها. وإلاّ فلا حقّ لها فيه. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادّعيت أنا فيه من تسأله البيّنة؟ قال: إيّاك أسأل البينة. قال فما بال فاطمة علیها السلام سألتها البيئة على ما في يديها و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وبعده و لم تسأل المسلمين البينة على ما ادّعوها شهوداً كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟ فسكت أبوبكر فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حجّتك فإن أتيت بشهود عدول وإلاّ فهو فيء للمسلمين لاحق لك ولا لفاطمة علیها السلام فيه..».

أَبَضْعَةُ الطُّهْرِ العَظِيمُ قَدْرُهَا *** تُدْفَنُ لَيْلاً وَيُعْفى قَبْرُها(1)؟

ما دُفِنَتْ لَيْلاً بِسِتْرٍ وَخَفا *** إِلاَّ لِوَجْدِهَا عَلَى أَهْلِ الجَفَا

ما سَمِعَ السَّامِعُ فِيمَا سَمِعَا *** مَجْهُولَةً بِالقَدْرِ وَالقَبْرِ مَعَا

يَا وَيْلَهُمْ مِنْ غَضَبِ الجَبَّارِ *** بِظُلْمِهِمْ رَیْحَانَةَ المُخْتَارِ(2)

ص: 542


1- في كتاب «روضة الواعظين» للنيسابوري ص 168 ط الأولى/مؤسسة الأعلمي - بيروت «... ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم وأن لا يصلي عليَّ علیه السلام أحد منهم ولا من أتباعهم وادفني الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار... ودفنوها في جوف الليل وسوَّى عليَّ علیه السلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها.». انظر أيضاً صحيح البخاري ج 5 ص 139 ط مصر.
2- نقلت من كتاب وفاة الصديقة الزهراء ص 126، الأنوار القدسية ص 31.

(25) حق البتول علیها السلام

(بحر الرجز)

السيد محمد حسين الكيشوان(*)(1)

ص: 543


1- (*)السيد محمد حسين ابن السيد كاظم ابن السيد علي بن أحمد الموسوي القزويني الكاظمي الشهير بالكيشوان. ولد في النجف الأشرف عام (1295 ه) ونشأ فيها وترعرع فی مدارسها العلمية ومجالسها الأدبية، فانكبّ على طلب العلم والمعارف الدينية والكمالات النفسانية. يعد المترجَم له من أصحاب الفضيلة العالية، ومن مشاهير الأدباء والشعراء البارزين. ذكره صاحب (الحصون) فقال: فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم له فكرة تخرق الحجب وهمّة دونها الشهب، وشعره يسيل رقّة وخطَّه يشبه العذار دقة إلى أخلاق وطيب أعراق، وحلو محاضرة مع الرفاق ونسك تقي بعيد عن الرياء والنفاق وله شعر كثير بديع التركيب. وأيضاً ذكره النقدي في (الروض النضير) فقال: من فضلاء العصر وشيوخ الأدب، له إلمام تام بجملة العلوم، وله تأليف في بعضها. وقال الخاقاني في (شعراء الغري): عالم كبير وكاتب مبدع وشاعر مشهور، وهو من الفقهاء المتبحّرين، والأدباء المرموقين، وآثاره تدل على علو مقامه وسعة علمه. وذكره السيد شبرّ في (أدب الطفّ) فقال: مشهور بعلمه ،وتحقيقه ذو نظر صائب وفكر وقّاد، أديب له الصّدارة في المجالس والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين. وكان المترجَم له مولعاً بالتراث العلمي وقد أفنى زمناً طويلاً من أجل إحياء الكثير من الكتب النادرة بخط جميل وضبط قوي ومقابلة على باقي النسخ المخطوطة الأخرى ليثق من صحة ما رسمه فكان خبيراً في هذا الميدان الفكري الرائع ومخطوطاته من أروع المخطوطات وأحسنها. وشاعرنا كان مربياً لجيل من الرجال البارزين، فقد أخذ عليه كثير من الأعلام كثيراً من العلوم، فلم يبخل بشيء من معارفه وآدابه رغم أنه عاش في فاقة وإقتار. ترك آثاراً علمية قيّمة كثيرة في مختلف العلوم وقد دوَّنها مترجموه. وأما شعره فيعد من الطراز الأول بين معاصريه لا سيما في مضمار الرثاء، حيث نالت مراثيه إعجاب المولعين بمراثي آل البيت علیهم السلام، وترددت روائعه على ألسنة الخطباء. وافته المنية في النجف الأشرف ليلة الأحد 28 من ذي القعدة سنة (1356 ه)، ودفن في الصحن العلوي في الجهة الغربية الشمالية «رحمه اللّه برحمته الواسعة».

ما لَكَ لا العَيْنُ تَصُوبُ أَدْمُعا *** منكَ ولا القَلْبُ يَذُوبُ جَزَعا(1)؟

فأَيُّ قَلْبٍ قَدْ أَتاهُ نَبَأُ *** الزَّهَراء ما ذابَ ولا تَصدَّعا؟

أَمَا وَعى سَمْعُكَ ما جَرى لَها *** فَأَيُّ سَمْعٍ فاتَهُ وما وَعى؟

وما دَرَيْتَ باللّذَيْنِ اسْتَنْهَضا *** جاثِيَةَ الغَيِّ فَهَبَّتْ سُرَّعا؟

سَلاّ مِنَ الأحْقادِ سَيْفَ فِتْنَةٍ *** عادَبها أَنْفُ الرَّشادِ أَجْدَعا

وَأَلْقَحاها فِتْنَةً تَحْمِلُ في *** نَتاجِها مِنَ الضَّلالِ البِدَعا

وَانْتَهَزاها فُرْصَةً فَاحْتَلَبا *** مِنْ ضَرْعِها كَأْسَ النِّفاقِ مُتْرَعا(2)

وَاتَّبَعا نَهْجَ الهَوَى وَخَالَفا *** مِنَ الرَّسُولِ شَرْعَهُ المُتَّبعا

فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ عُذْرٍ لَهُما؟ *** وَقَدْ أَساء بَعْدَهُ ما صَنَعا

وَأَيَّ قُرْبَى وَصَلا مِنْهُ وَعَنْ *** عِتْرَتِهِ حَبْلَ الوَلا قَدْ قَطَعا؟

فَقُلْ لِتَيْمٍ لا هُدِيتَ بَعْدَ ما *** طافَ أَخُوكَ بالضَّلالِ وَسَعَى

خَفَّ لِداعِي الكُفْرِ نَهْضاً فَانْثَنَى *** بِثِقْل أَعْباء الشَّقا مُضْطَلِعا

فَقامَ وَهْوَ يَسْتَقِيلُ عَثْرَةً *** كَبا على الغَيِّ بِها فَلا لَعا(3)

دَرَوْا بأَنَّ فاطِماً بَضْعَتُهُ *** فَما رَعَوْا حُرْمَتَها ولا رَعَى(4)

ص: 544


1- تصوب: تنصب وتنزل.
2- مترعا: ممتلئاً.
3- يستقيل عثرة: يسأل أن ينهضهُ من سقوطه. كبا: انكب على وجهه. لا لعا: لا أنعشك للّه.
4- في (علل الشرايع) ج1 ص221 (الطبعة الأولى مؤسسة الأعلمي - بيروت). «... وقالت لنسوة حولها: حوّلن وجهي فلما حوّلن وجهها حوّلا إليها. فقال أبو بكر يا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عمّا كان منّا إليك، قالت: لا أُكلّمّكما من رأسي كلمة واحدة حتى ألقى أبي وأشكوكما إليه وأشكو صنعكما وفعالكما وما ارتكبتما منّي، قالا: إنّا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنّا ولا تؤاخذينا بما كان منّا فالتفتت إلى عليّ علیه السلام وقالت: إني لا أُكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم فإن صدقاني رأيت رأيي، قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلاّ حقاً ولا نشهد إلاّ صدقاً. فقالت: أنشدكما باللّه أتذكران أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر عليّ علیه السلام؟ فقالا: اللهم نعم، فقالت: أنشدكما باللّه هل سمعتما النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي وأنا منها ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد مماتي؟» قالا: اللهم نعم. فقالت: الحمد اللّه ثم قالت: اللهم إني أُشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي واللّه لا أُكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقی ربی فأشكوكما إليه بما صنعتها به وبي وارتكبتها منّي. فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني...».

كَيْفَ يَطِيبُ شِيمةً وعُنْصُراً *** وعَنْ أَرُومِ البَغْيِ قَدْ تَفَرَّعا(1)

وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ضَلَّةً *** فَفَرَّقُوا مِنَ الهُدَى ما اجْتَمعا

وَأَظْهَرُوا باطِنَةَ الكُفرِ عَمًى *** مُذْ أَبْصَرُوها فُرْصَةً وَمَطْمَعا

وَخالَفُوا نَصَّ الوَلاءِ بَعْدَما *** أَماطَ عَنْ وَجْهِ الرَّشادِ بُرْقَعا(2)

وَغادَرُوا حقَّ البَتُولِ نَهْلَةً *** تَجَرَّعُوها بالضَّلالِ جُرَعا

وَافْتَتَنُوا مِنْ وَلَعٍ بِسَورَةِ *** الدُّنْيا فَهامُوا بالدَّنا يا وَلَعا

قَدْ اَوْدَعَ الثٍّقْلَيْنِ فيهم فأَبَوْا *** أَنْ يَحْفَظُوا لأحْمَدٍ مَا اسْتَوْدَعا

وَأَجْمَعُوا النارَ لِيُحْرِقُوا بِها *** البَيْتَ الَّذِي بِهِ الهُدَى تَجَمَّعا(3)

بَيْتُ عُلاً سَما الضُّرَاحَ رِفْعَةً *** وَكانَ أَعْلَى شَرَفاً وأَرْفَعا(4)

ص: 545


1- أروم: أصل، حسب.
2- أماط: نحّى وأبعد.
3- جاء في كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج 4 ص 259 260 ط، دار الكتاب العربي - بيروت (1983م). «... فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة علیها السلام وقال له: إن أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...».
4- الضراح: البيت المعمور في السماء الرابعة.

أَعَزَّهُ اللّهُ فما تَهْبِطُ فِي *** كَعْبَتِهِ الأمْلاكُ إِلاَّخُضَّعا

بَيْتٌ مِنَ القُدْسِ وَناهِيكَ بِهِ *** مَحَطَّ أَسْرارِ الهُدَى وَمَوْضِعا

وَكانَ مَأْوَى المُرْتَجِي والمُلْتَجِي *** فَما أَعَزَّ شَأْنَهُ وأَمْنَعا

فَعادَ بَعْدَ المُصْطَفَى مَهْتُوكَةً *** حُرْمَتُهُ وفَيْئُهُ مُوَزّعا

وَأَخْرَجُوا منه عَلِيًّا بعدَما *** أُبِيحَ مِنْهُ حَقُّهُ وانْتُزِعَا

قادُوهُ قَهْراً بِنَجادِ سَيْفِهِ *** فَكَيْفَ وَهْوَ الصَّعْبُ يَمْشِي طَیِّعا(1)

مانَقِمُوا مِنْهُ سِوَى أَنَّ لَهُ **** سابِقَةَ الإِسلامِ والقُرْبَى مَعا

وَأَقْبَلَتْ فاطِمُ تَعْدُو خَلْفَهُ *** وَالعَيْنُ مِنْها تَسْتَهِلُّ أَدْمُعا

فَانْتَهَرُوها بِسِياطِ قُنْفُذٍ *** وَكَسَّرُوا بِالضَّرْبِ مِنْها أَصْلُعا

فَانْعَطَفَتْ تَدْعُو أَباها بِحَشًى *** تَساقَطَتْ مَعَ الدُّمُوعِ قِطَعا

يا أَبَتا هذا عَلِيُّ أَعْرَضُوا *** عَنْهُ ضَلالاً وَابْنُ تَيْم تُبِعا

أَهْتِفُ فِيهِمْ لا أَرَى واعِيَةً *** تَعِي نِدائِي لا ولا مُسْتَمِعا

ص: 546


1- لعله أراد الإشارة إلى الرواية الواردة في (تفسير العياشي) ج 2 ص 67 (ط المكتبة العلمية الإسلامية - طهران). «... فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة علیها السلام أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره. وكان من سعف. ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبياً. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبا بكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ واللّه لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقنَّ جيبي ولآتينَّ قبر أبي ولأصيحنَّ إلى ربي. فأخذت بيد الحسن والحسين علیهم السلام وخرجت تريد قبر النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم. فقال علي علیه السلام لسلمان: أدرك ابنة محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان واللّه إن نشرت شعرها وشقَّت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها ويحن فيها فأدركها سلمان (رضوان اللّه «تعالى» عليه) فقال: يا بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم إن اللّه بعث أباك رحمة فارجعي. فقالت يا سلمان يريدون قتل علي علیه السلام وما على عليّ علیه السلام صبر فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري وأشق جیبی وأصيح إلى ربي فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة وعليّ علیه السلام بعثني إليك ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك وتنصرفي...».

أمْسَى تُراثِي فِيهِمُ مُغْتَصَبا *** مِنِّي وَحَقِّي بَيْنَهُمْ مُضَيَّعا

وَانْكَفَأَتْ إِلى عَلِيٍّ بَعْدَما *** تَجَرَّعَتْ بِالغَيْظِ سُمًّا مُنْقَعا(1)

قالَتْ أَتُغْضِي وَالنِّفاقُ صارِخٌ *** حَتَّى اسْتَعاذَ الدِّينُ منه فَزَعا؟

وَنِمْتَ عَنْ ظَلامَتي عَفْواً وَأنْتَ *** المُوقِظُ العَزْمَ إِذا الدَّاعِي دَعا

أَحْجَمْتَ وَالذِّئابُ عَدَتْ واثِبةٌ *** فَاقْتَحَمَتْ منك العَرِينَ المَسْبَعا

وَكَيْفَ أَضْرَعْتَ عَلَى الذُّلِّ لهمْ ***خَدَّكَ وَهْوَ لِلْعِدَىٰ ما ضَرَّعا

عَزَّ عَلَيْكَ أنْ تَرى تَسُومُني *** مِنْ بَعْدِ عِزِّي قَبْلَةُ أَنْ أَحْضَعا

تَهَضَّمَتْنِي بالأَذَى وَلَمْ أَجِدْ *** مأوًى إلَيْهِ أَلْتَجِي وَمَفْزَعا

ألِفْتُها مُعْرِضَةً عَنِّي وَما *** أَبْقَتْ بِقَوْسِ الصَّبْرِ مِنِّي مَنْزَعا

فَقالَ يَا بِنْتَ النِّبيِّ احْتَسِبي *** حَقَّكِ في اللّهِ وخَلِّي الجَزَعا

وَأَجْمِلي صَبْراً فَما وَنَيْتُ عَنْ *** دِينِي ولا أخْطَأَ سَهْمِي مَوْقِعا(2)

ص: 547


1- مُنقعاً: مجتمعاً في «الاحتجاج» ج 1 ص 145 ط دار النعمان (1966) عن هذا البيت والأبيات التي تليه: «... ثم انكفأت علیهم السلام وأمير المؤمنين علیه السلام يتوقَّع رجوعها إليه ويتطلَّع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار، قالت لأمير المؤمنين علیه السلام: يا بن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني لقد أجهد في خصامي وألفيته ألدّ في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة وعدت راغمة اضرعت خدك يوم أضعت حدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلاً ولا أغنيت طائلاً ولا خيار لي ليتني مت قبل هنيئتي ودون ذلتي عذيري اللّه منه عادياً ومنك حامياً ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهن العضد شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا وأشد بأساً وتنكيلا. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك ثم نهنهي من وجدك يا بنة الصفوَّة وبقية النبوَّة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعدّ لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي اللّه.. فقالت : حسبي اللّه وأمسكت...».
2- وني: فتر وضعف وكَلَّ وأعيا.

فَاسْتَرْجَعَتْ كاظِمَةً لِغَيْظِها *** مُبْدِيَةً حَنِينَها المُرَجَّعا

حَتَّى قَضَتْ مِنْ كَمَدٍ وَقَلْبُها *** كادَ بِفَرْطِ الحُزْنِ أنْ يَنْصَدِعا(1)

قَضَتْ وَلكِنْ مُسْقَطاً جَنيتُها *** مُوَلَّعاً فُؤادُها مُروَّعا

قَضَتْ وَمِنْ ضَرْبِ السِّياطِ جَنْبُها *** ما مَهَّدَتْ لَهُ الرَّزايا مَضْجَعا

قَضَتْ على رَغْمِ العُلَى مَقْهُورةً *** ما طَمِعَتْ أَعْيُنُها أنْ تَهْجَعا

قَضَتْ وَما بينَ الضُّلوعِ زَفْرَةٌ *** مِنَ الشَّجَى غَلِيلُها لَنْ يَنْقَعا(2)

ص: 548


1- ينصدع: ينشق.
2- غليلها لن ينقع: لن يسكن عطشها. المجالس السنية ح 5 ص 146.

(26) بضعة المختار

(بحر الرّجز)

الشيخ محمد سعيد المنصوري (*)(1)

يا طالِباً مِنْ بَضْعَةِ المُخْتارِ *** أَنْ تَبْكِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ(2)

تَقُولُ قَدْ أَقَضَّتِ المَضَاجِعُ *** مِنْ نَوْحِها وَأَجْرَتِ المَدَامِعُ(3)

ص: 549


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في بحار الأنوار ج 43 ص 177 ط/الثانية/مؤسسة الوفاء/بيروت: «... واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا على أمير المؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم فيء الليل على فراشنا ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا وإنا نخيرّك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً...» وفي كتاب «اعلموا أني فاطمة علیها السلام» للعلامة الشيخ عبد الحميد المهاجر ج 8 ص 679 - 680 يقول: السؤال هو: كيف تأذى أهل المدينة ببكائها؟ وهل من المعقول أن يتأذى الآخرون ببكاء انسان قابع في داره؟ بصراحة نقول: لم يكن بكاء الزهراء علیها السلام بهذا الشكل من السهولة والعفوية كما يتبادر إلى الأذهان، بل إن البكاء عند فاطمة علیها السلام كان بكاءاً سياسياً أكثر منه عاطفياً،أجل، كانت فاطمة علیها السلام تبكي لتعمّق جانب المظلومية في الاسلام حتى تتمكن من توجيه ضربة قاضية بوجه الظالمين، أما السبب في أذية رجال المدينة فيكمن في أن بيوت المدينة كانت متلاصقة ومتقاربة وكانت كل نساء المدينة في حالة اصغاء كامل لصوت فاطمة علیها السلام بحيث إذا بكت الزهراء علیها السلام تجاوبت مع بكائها كافة النساء الأمر الذي كان يحوِّل المدينة عن بكرة ابيها إلى مأتم للحزن وذلك انها لم تكن وحدها الباكية وانما كل امرأة في المدينة كانت تبكي لبكاء فاطمة علیها السلام، فبكاؤها إذن كان جزءاً من مسيرة الجهاد الطويل التي قطعتها الزهراء علیها السلام اشواطاً حارة ملتهبة في حياة أبيها الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله وسلم وهي الآن بعد وفاة والدها تأبى إلاّ أن تكمل المسيرة.. وفي هذه العملية الساخنة تبدو وكأنها بركان يتفجَّر من الغيظ على اعداء اللَّه والانسانية، تبدو وكأنها تقود تظاهرة غارقة في الدموع مشبعة بروح الجهاد والتضحية.
3- أقضَّت: خشنت. مَضاجِع: موضع الاضطجاع. والاضطجاع هو وضعُ الجنب على الأرض، وواحدة الاضطجاع: الضَّجْعة: الرقدة، فيكون المعنى المراد هو: موضع الرقود.

إِنْ كُنتَ حَقّاً بَاكِياً شَجَاها *** هَلاّ كَفَفْتَ النَّفْسَ عَنْ أَذاها

غَصَبْتَ مِنْهَا النِّحْلَةَ المَعْلُومَهْ *** فَأَصْبَحَتْ مَظْلُومَةً مَهْمُومَهْ(1)

وَمِنْكَ كَانَ الأَمْرُ لِلْخِطابِ *** بِكَسْرِ ضِلْعِ الطُّهْرِ خَلْفَ البابِ

فَأَسْقَطَتْ مُحْسِنَها قَتِيلا *** وَذَاكَ أَمْرٌ أَغْضَبَ الجَلِيلا

وَضَرْبُ مَتْنَيْها مَعَ اليَدَيْنِ *** وَلَطْمَةُ الخَدِّ وَجُرْحُ العَيْنِ

أَبْكَى رَسُولَ اللَّهِ وَالكَرَّارا *** وَأَحْزَنَ الأَمْلاَكَ وَالأَبْرَارا

وَثَمَّ تَأْتِي قِصَّةُ المِسْمَارِ *** مُذْ رَدَّ ذاكَ العِلْجُ بَابَ الدَّارِ

فَكَمْ شَكَتْ حَرارةَ المُصابِ *** لِبَارىء الكَوْنِ مِنْ الصَّحابِ

حَتَّى مَضَتْ لِرَبِّها قَتِيلَهْ *** كَئِيبَةً حَزِينَةً نَحِيلَهْ(2)

وَأُلْحِدَتْ بِاللَّيْلِ بِنْتُ الهادِي *** وذَاكَ رُزُءٌ فَتَّ فِي الأَعْضادِ(3)-(4)

ص: 550


1- في «أمالي الطوسي» ص 207 ط الثانية (1981م) مؤسسة الوفاء - بيروت: «قالت علیه السلام في جواب عائشة بنت طلحة: أسائلن عن هنةٍ... فلما خبأ نور الدين وقبض النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم الأمين نطقا بفورهما ونفثا بسورهما وأدلا بفدك فيالها لمن ملك، تلك أنها عطيّة الربّ الأعلى للنجيّ الأوفى ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي وإنها ليعلم اللّه وشهادة أمينة فإن انتزعا منّي البلغة ومنعاني اللمظة واحتبستها يوم الحشر وليجدنها آكلها ساعرة حميم في لظى جحيم».
2- في «أمالي الصدوق» ص 99 - 100 ضمن ح 2 ط 5/ مؤسسة الأعلمي - توضيح المعنی: «... قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: أما ابنتي فاطمة علیها السلام... فتقدم عليَّ علیه السلام محزونة مكروهة مغمومة مغصوبة مقتولة...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 172 - 173 ضمن ح 13. وج 28 ص 39 ضمن ح1، و«إرشاد القلوب» ج 2 ص 295 ط 4/مؤسسة الأعلمي للطباعة - بيروت.
3- في «المناقب» ج 3 ص 363 ط/مؤسسة انتشارات علامة قم - المطبعة العلمية بقم. «قالت عائشة: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها عليّ ليلاً وصلّى عليها». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 183 ضمن ح 16. «إحقاق الحق» ج 10 ص 456. فتّ في الأعضاد: كسر قواها وأضعفها.
4- من دیوان ميراث المنبر ص 30.

(27) حديث الباب

(بحر الرّجز)

الشيخ محمد علي قسام(*)(1)

ص: 551


1- (*)هو الشيخ محمد علي ابن الشيخ خليل الشهير بقسام، وآل قسام من الأسر العريقة التي لها شهرتها ومكانتها في النجف الأشرف، وقد برز فيها العديد من الشخصيات العلمية والأدبية والثقافية والسياسية. ولد شاعرنا في النجف الأشرف سنة (1299ه) من أبوين كريمين، توفي عنه والده وعمره لم يتجاوز السنتين، فتولى تربيته أخوه الفاضل الشيخ قاسم قسام فأحسن توجيهه وأهَّله لأن يكون من أصحاب الفضيلة العالية، فاتجه إلى الخطابة فأخذ فنونها من الخطيب الشهير الشيخ محمد تامر، وقد حالفه التوفيق المسنود بهمته حتى ذاع صيته واشتهر ذكره، حتى عد من عمالقة خطباء المنبر الحسيني وقد ذكره الخاقاني في شعراء الغري قائلاً: (وأصبح في خطابته ثاني اثنين فكان الأول السيد صالح الحلي والثاني هو، ولكنه امتاز على الأول بإيجابيته فقد انحاز إلى جنب العلماء والمصلحين، وساند القوى الرصينة من أهل الفضل). كما كان المترجم له من الخطباء المجاهدين الذين وقفوا في وجه الاحتلال البريطاني للعراق، وكان بكل شجاعة وقوة يرقى المنبر في الصحن الحيدري فيثير حماسة الجماهير ويدفعهم إلى الالتفاف حول زعماء الدين في النضال ضد الانكليز، وتشهد له مدن العراق نضاله وجهاده خصوصاً في كربلاء والكاظمية وبغداد والحيرة وغيرها، وبعد إخماد الثورة حبسه الانكليز وهدموا داره في الحيرة. ومنعوه من ممارسة الخطابة فترة من الزمن، وعندما اعتلى فيصل عرش العراق عاد إلى دوره الخطابي وإرشاده الديني. وإلى جانب تفوقه الخطابي ودوره الجهادي فإنه شاعر مجيد له قصائد كثيرة جُلَّها في أهل البيت علیهم السلام. وافاه الأجل المحتوم في بغداد في المستشفى الملكي ليلة الجمعة 24 جمادى الأولى في سنة (1373ه) المصادف 29 كانون الثاني (1954م) وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف وشيع تشييعاً كبيراً، ودفن في الصحن الحيدري، وأقيمت له الفواتح بمشاركة جمع من العلماء والخطباء والأدباء.

مَنْ مُبْلِعٌ عَنِّي النَّبِيَّ الهادِي *** سَلامَ عَبْدٍ خالِصِ الْوِدَادِ؟

أغْنِي النَّبِيَّ صَفْوَةَ الْأَمْجَادِ *** وَالْأَنْجَادِ بَلْ وَعِلَّةَ الإِيجَادِ

وَهْوَ الَّذِي لَوْلاهُ لَمْ تُخْلَقْ سَما *** كَلاَّ وَلا مِنْ كَوْكَبٍ وَقَّادِ

أَفْدِيهِ مِنْ رَسُولِ حَقٍّ صادِقٍ *** أَرْسَلَهُ (الحَقُّ) إلَى العِبادِ

قَدْ قَالَ لَمَّا نَزَّلَ الْوَحْيَ لَهُ *** فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ بِالرَّشَادِ

مُبَلِّغاً أَحْكامَ دِينِ رَبِّهِ *** مُؤَيَّداً بالنَّصْرِ وَالسَّدادِ

وَبَعْدَ ذا هاجَرَ مِنْ (أُمِّ القُرى) *** (لِيَثْرِبٍ) لِلْأَمْرِ بِالْجِهادِ

وَشَاطَرَتْهُ (الأَوْسُ َوالْخَزْرَجُ) *** فِي أَمْوَالِها الطّارِفِ وَالتِّلادِ

وَوَازَرَتْهُ في الحُرُوبِ كُلِّها *** عَلى جُمُوعِ الشِّرْكِ والْإِلْحادِ

لكِنَّها قَدْ خَسِرَتْ صَفْقَتَها *** فَانْقَلَبَتْ عَنِ الْهُدَى والهادِي

فَإِنْ تَكُنْ قُرَيْشُ قَدْ تَظَاهَرَتْ *** بِمَا تَجُنُّهُ مِنَ الْأَحْقَادِ

فَإِنَّهَا تَطْلُبُ أَوْتاراً لها *** تَوَدُّ هَدْمَ البَيْتِ وَالعِمادِ

فَهَلْ لِإِبْنَا (قَيْلَةٍ) مِنْ تِرَةٍ *** عِنْدَ النَّبِيِّ خِيرَةِ الْأَمْجَادِ(1)

ألَمْ يُبَايِعُوهُ أَنْ يُدافِعُوا *** عَنْ أَهْلِهِ بِالنَّفْسِ وَالْأَوْلادِ؟

سُرْعانَ أَنْ ساءَتْ عَواقِبُ رُشْدِهِمْ *** فَاسْتَبْدَلُوا الصَّلاحَ بِالفَسَادِ

وَبایَعُوا (ضَئِيلَ تَيْمٍ) وَيْحَهُمْ *** أَهَلْ يُقاسُ الذَّرُّ بِالأَطْوادِ(2)

وَأَصْبَحُوا أَعْضَادَ (تَيْمٍ) كُلُّهُمْ *** وَلَيْسَ لِلْوَصِيَّ مِنْ أَعْضَادِ

وَأَبْعَدُوا مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِم *** وَقَرَّبُوا الْحَرِيَّ بِالإِبْعادِ

وَاغْتَصَبُوا مِنْ فَاطِمٍ وَيْلَهُمُ *** (نِحْلَتَها) بِالْبَغْيِ وَالْعِنادِ(3)

ص: 552


1- الترةٍ: الثأر.
2- الأطواد: جمع طَوْد وهو الجبل العظيم.
3- في هذا البيت والبيت الذي بعده إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج 1 ص 119 عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم منها فجاءت فاطمة علیها السلام إلی أبی بكر ثم قالت: لمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم بأمر اللّه «تعالى»؟ الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. وفي الاختصاص، ص 178 عن أبي عبد اللّه علیه السلام وسلم قال: لما قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة («صلوات اللّه عليها») فأخرجه من فدك - إلى أن قال - فقال لها (أي أبي بكر): إن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم لا يورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال : ارجعي إليه قولي له: زعمت أن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم لا يورّث وورث سلیمان داود، وورث يحيى زكريا، وكيف لا أرث أنا أبي؟.. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وَقَدْ أَضَاعُوا حَقَّها وَأَثْبَتُوا *** حَدِيثَ إِفْكِ كاذِبِ الْإِسْنادِ

للَّهِ مِنْ مَصائِبٍ أَهْوَنُها *** تَهُدُّ رُكْنَ السَّبْعَةِ الشِّدادِ

فَهَلْ رَأَيْتَ قَبْلَها ثَعالِباً *** تَدُوسُ في عَرِينَةِ الْاسادِ

فَأَخْرَجُوا الوَصِيَّ مِنْ مَنْزِلِهِ *** مُلَبَّباً يُقادُ بِالنِّجادِ

وَفاطِمُ الزَّهْرَاءِ تَعْدُو خَلْفَهُمْ *** صارِخَةً لا تُؤتِمُوا أَوْلادِي(1)

وَرَنَّةُ السِّياطِ فَوْقَ مَتْنِها *** لَهاصَدًى باقٍ إلَى المِعادِ(2)

وَلَمْ يُغِثْها أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهُمْ *** قَدْ سَمِعُوها بَيْنَهُمْ تُنادِي

تَدْعُو أَباها تَشْتَكِيهِمْ عِنْدَهُ *** وَدَمْعُها يَصُوبُ كَالْعِهادِ(3)

تَدْعُو وَنارُ الْوَجْدِ في فُؤادِها *** كَأَنَّها تَقْدَحُ في زِنادِ

ص: 553


1- إشارة إلى أخذ الإمام علي علیه السلام كرهاً من قبل القوم للمبايعة وخروج الزهراء علیها السلام لنصرة الإمام علي علیه السلام فقد روي في تفسير العياشي في تفسير الآية (150) من سورة الأعراف. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبا بكر، أتريد أن ترمَّلني من زوجي - واللّه - لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 53 ص 18 عن الصادق علیه السلام في حديث طويل - وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود. الحديث طويل.
3- العهاد: أول مطر الربيع. وفي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس، ص 36 وفي حديث طويل عن سلمان، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، فرفع عمر السيف - وهو في غمده - فوجأ به جنبها فصرخت یا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها. الحديث.

مَنْ يُخْبِرُ المُخْتارَعَمَّا لَقِيَتْ *** بَضْعَتُهُ مِنْ صَحْبِهِ الْأَوْغادِ؟

عَزَّ عَلَيْهِ أَنْ يَراها بَعْدَهُ *** ناحِلَةً حَلِيفَةَ السُّهادِ

وَدَعْ حَدِيثَ البابِ عَنْكَ جانِباً *** فَرُزْؤُهُ يَفُتُّ بِالْأَكْبادِ(1)

أيُّ رَزاياها أعُدُّها وَقَدْ *** جَلَّتْ رزاياها عَنِ التَّعْدَادِ

أنارَهُم أَنْسَى وَهَا شُعْلَتُها *** لا تَنْطَفِي تَشُبُّ في الفُؤادِ؟

أَمْ ضِلْعَها المَكْسُورَ وَهْيَ لَمْ تَزَلْ *** مَمْنوعَةً مِنْهُ عَنِ الرُّقادِ(2)

أَمْ كَيْفَ أَنْسَى عَضُدَ الزَّهْرَا وَذا *** دُمْلُجُهُ قَدْ فَتَّ بالْأَعْضادِ(3)

أَمْ حُمْرةَ العَيْنِ وَتِلْكَ نَكْبَةٌ *** واللَّهِ لا تُنْسَى مَدَى الآبادِ

وَاطْوِ حَدِيثَ السِّقْطِ لا تَنْشُرُهُ *** فَنَشْرُهُ يُذِيبُ قَلْبَ الهادي(4)

وَسَلْ عَنِ (المِسْمارِ) مِنْها صَدْرَها *** وَفي الدِّمَا يُغْنِي عَنِ الْأَشْهَادِ

وَلا تَسَلْ عَنْ فِعْلِ سَيْفِ (خالدٍ) *** ماذا جَنَى وَاللَّهُ بِالْمِرْصَادِ

وَدَفْتُها لَيْلاً وَسَتْرُ قَبْرِها *** دَلاّ عَلى فَضِيحَةِ الْأَعادِي(5)

ص: 554


1- إشارة إلى ما روي في البحار ج 53 ص 18 عن الصادق علیه السلام - في حديث طويل - وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها، الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص 40 عن سلمان الفارسي (رض) في حديث طويل قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها. الحديث.
3- فتَّ: كسر وهشم. وفي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص36 عن سلمان الفارسي (رض) - في حديث طويل - قال: فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها. الحديث.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس، ص 40 عن سلمان الفارسي (رض) في حديث طويل، قال فأرسل عمر إلى قنفذ، اضربها، فألجأها، إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها وألقت جنيناً من بطنها.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب مصباح الأنوار ص 256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أميرالمؤمنين علیه السلام فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم بالبقيع ورشَّ ماءً حول تلك القبور لئلا يعرف القبر و بلغ ذلك أبابكر وعمر أن علياً علیه السلام لدفنها ليلاً - الحديث طويل - أخذنا منه موضع الحاجة.

يا فَجْعَةَ الدِّينِ أَبِنْتَ أَحْمَدٍ *** فاطِمَةٍ تُدْفَنُ بِالسَّوادِ(1)؟

ص: 555


1- شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص124 والأخلاق المرضية في دروس المنبرية ص349.

(28) مصائب الزهراء علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد علي قسّام(*)(1)

قال: هذه القصيدة قبل وفاته في رثاء السيدة زينب بنت علي علیه السلام وما جرى عليها مع أخيها الحسين علیه السلام ويقارن بينها وبين أمها سيدة نساء العالمين علیها السلام، يقول فيها:

لَوْلاَكُمُ يَا آلَ بَيْتِ المُصْطَفَى *** مَا كَانَ مِنْ لَوْحٍ وَلاَ مِنْ قَلَمِ

وَلَمْ تَكُنْ أَرْضٌ وَلَمْ تَكُنْ سَماً *** كَلاّ وَلاَ غَيْثٌ هَمَى مِنْ دِيَمِ(2)

وَأَنْتُمُ عِلَّةُ إِيجَادِ الوَرَى *** أيْ وَالَّذِي أَوْجَدَهُمْ مِنْ عَدَمِ

وَإِنَّنِي بِحُبِّكُمْ مُعْتَصِم *** فَأَنْتُمُ يَا سَادَتِي مُعْتَصَمِي

وَإِنْ تَعُدُّ نِعْمَةَ اللَّهِ فَلاَ *** تُحْصَى وَمَنْ يَسْطِيعُ عَدَّ الأَنْجُم

لكِنَّمَا وَلاَؤُكُمْ أَفْضَلُ مَا *** قَدْخَصَّنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ نِعَمِ

وَهْوَ لَنَا يَوْمَ المَعَادِ عُدَّةٌ *** نَرْجُو بِهِ الخَلاَصَ مِنْ جَهَنَّم

وَلَيْسَ لِي مِنْ عَمَلٍ عَمِلْتُهُ *** أَرْجُو نَجَاةً فِيهِ غَيْرَ مَأْتَمِ

لِزَيْنَبَ الحَوْرَاءِ بِنْتِ فَاطِم الزَّهْرَاءِ *** بِنتِ المُصْطَفَى المُكَرَّمِ

بنْتُ عَليِّ الطُّهْرِ مَنْ هَدَى الوَرَى *** بِسَيْفِهِ إِلَى الصِّرَاطِ الأَقْوَمِ

وَهْيَ الَّتِي لاَ شَكَّ فِي عِصْمَتِهَا *** قَدْ جَاءَ هَذَا فِي بَيَانٍ مُحْكَمِ

ص: 556


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- غيث: مطر. همی: سال لا يثنيه شيء. دِيمِ: الديمة مطرٌ يدوم في سكون من غير رعد و لابرق.

وَآيَةُ التَّطْهِيرِ فِي عِصْمَتِهَا *** شَهَادَةً أَعْظِمْ بِهَا مِنْ أَعْظَمِ

مِنْ ذلِكَ السَّجّادِ قَدْ قَالَ لَهَا *** عَالِمَةٌ أَنْتِ بِلاَ تَعَلُّمِ

اللَّهُ مَاذَا كَابَدَتْ مِنْ مِحَنٍ *** زَيْنَبُ لاَ يَسْطِيعُ نَشْرَهَا فَمِي

شَاطَرَتِ الحُسَيْنَ فِي نَهْضَتِهِ *** صَابِرَةً وَالصَّبْرُ أَحْلَى مَطْعَمِ

قَدْ شَاطَرَتْهُ عَنْ بَصِيرَةٍ بِهَا *** عَالِمَةً بِسِرِّهَا وَالحِكَمِ

وَهْيَ لَعَمْرِي مَثَّلَتْ وَالِدَهَا *** لاَ سِيَّمَا فِي الصَّبْرِ وَالنَّكَلُّمِ

وَلَيْتَ شِعْرِي عَلِمَتْ فَاطِمَةٌ *** مَا لَقَتْ زَيْنَبُ أَمْ لم تَعْلَمِ(1)؟

أَمْ هَلْ رَأَتْ فَاطِمَةٌ كَمَا رَأَتْ *** زَيْنَبُ مِنْ خَطْبٍ مُرِيعٍ مُؤلِمِ(2)؟

وَإِنْ تَكُنْ مَصَائِبُ الزَّهْرَاءِ قَدْ *** هَدَّتْ قوى الدينِ الحَنِيفِ الأَعْظَمِ

لكِنَّهَا مَا حُمِلَتْ مَسبيَّةً *** أَسِيرةً مِنْ ظَالِمٍ لأَظْلَمِ

وَلاَ رَأَتْ جِسْمَ الحُسَيْنِ فِي الثَّرَى *** مُبَضَّعاً مِنْ قَرْنِهِ لِلْقَدَمِ(3)

قَدْ هَشَّمَتْ خَيْلُ العِدَاةِ صَدْرَهُ *** لِلَّهِ مِنْ صَدْرٍ لَهُ مُهَشَّمِ

وَلاَ رَأَتْ فَوْقَ السِّنَانِ رَأْسَهُ *** مُرَتِّلاً آيَ الكِتَابِ المُحْكَمِ

ص: 557


1- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج 2 ص 843 ح 21 منقولاً عن «المختصر» ص132. «روي أن فاطمة علیها السلام» لما توفي أبوها صلی اللّه علیه و آله وسلم وقالت الأمير المؤمنين علیه السلام: إني لأسمع من يحدّثني بأشياء ووقائع تكون في ذريتي...».
2- (والبيت الذي يليه) إشارة لما ورد في كتاب «أمالي الصدوق» ص 99 - 100 من ح 2 تؤكد هذا المعنى. ط، الخامسة - مؤسسة الأعلمي/بيروت. «... وإني لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذلّ بيتِها وانتهكت حرمتها وغصبت حقّها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها وهي تنادي: يا محمّداه صلی اللّه علیه و آله وسلم فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية. تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أخرى وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن. ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة...».
3- مبضّعاً: مقطّعاً.

لِلَّهِ مِنْ رَأْس عَلَى رأْسِ القَنَا *** يُشْرِقُ كَالبَدْرِ بِلَيْلٍ مُظْلِمِ

وَلاَ رَأَتْ يَزِيدَ فِي مَجْلِسِهِ *** جَذْلاَنَ يَتْلُو الشِّعرَ فِي تَرَنُّمِ(1)

يَا لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا *** يَنْشُرُهَا وَلَيْسَ بِالمُسْتَعْظَمِ

يُدْنِي إِلَيْهِ الرَّأْسَ وَهْوَ بَاسِمٌ *** شَمَاتَةً يُقْرِعُهُ بِالمَيْسَمِ(2)

ص: 558


1- جذلان: فَرِحاً.
2- الحسين و الحسينيّون ص 207.

(29) تراث فاطم علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

الاَمَ فِي كُلِّ صَباحٍ وَمَسا *** نُعَلِّلُ النَّفْسَ بِعَلَّ وَعَسى(2)؟

نَرْقَبُ مِنْكَ طَلْعَةً نَيِّرَةً *** تَجْلُو دُجَى الغَيِّ إِذَا مَا عَسْعَسا(3)

فَأَنْتمُ النُّورُ الَّذي قَدْ خَالَهُ *** (الكليمُ) نَاراً فَأَتَى مُقْتَبِسا

يَابْنَ الأُلَى تُسْتَدْفَعُ الْبَلْوَى بِهِمْ *** وَالْقَطْرُ يُسْتَسْقَى بِهِمْ إِنْ حُبِسا

قَدْ كَادَ أَنْ يُمْحَى الْهُدَى وَأَوْشَكَتْ *** أَعْلامُ دِينِ الْحَقِّ أَنْ تَنْطَمِسا

تُغْضِي وَآبَاؤُكَ قَدْ تَجَرَّعَتْ *** مِنِ المَنَايا أَكْؤُساً فَأَكْؤُسا

عَزّ عَلَى الْهَادِي النَّبيِّ لَوْ يَرى *** رَبْعَ الهُدَى مِنْ بعدِهِ قَدْ دَرَسا

أَوْصَى بِوَصْلِ آلِهِ أَصْحابَهُ *** فَعادَ مَا أَوْصَى بِهِ مُنْعَكِسا

فَيَا بِنَفْسِي أَسَدَ اللّهِ غَدا *** فَرْداً وَفِي أَيْدِي الذِّئابِ افْتُرِسا

يَرى تُراثَ فَاطِمٍ بَيْنَ الْعِدَى *** مُقْتَسَماً وَفَيْئَهُ مُخْتَلَسا(4)

ص: 559


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- عَلَّ وعسى: أداتا الترجّي.
3- عسعسا: أَظلم أو مضى.
4- الفيء: الغنيمة.. مختلساً: مسلوباً معجلاً. وفي البيت إشارة إلى فدك كما في الرواية الواردة في «البرهان في تفسير القرآن» ج 2 ص 415 الطبعة الثالثة (1983) مؤسسة الوفاء، تأليف السيد هاشم البحراني: «عن عطية العوفي قال: لما افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم خيبر وأفاء اللّه عليه فدك وأنزل عليه (وآت ذا القربى حقه) فقال: «يا فاطمة علیها السلام لك فدك». وفي كتاب الخرائج والجرائح للراوندي، ج 1 ص 112 ح 187، روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم خرج في غزاة فلما انصرف راجعاً نزل في بعض الطريق فبينما رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم يطعم والناس معه إذ أتاه جبرئيل فقال: يا محمد قم فاركب، فقام النبي صلی اللّه علیه و آله فركب وجبرائيل معه فطويت له الأرض كطي الثوب حتى انتهى إلى فدك، فلما أهل فدك وقع الخيل ظنوا أن عدوهم قد جاءهم فغلّقوا أبواب المدينة ودفعوا المفاتيح إلى عجوز لهم في بيت لهم خارج المدينة ولحقوا برؤوس الجبال. فأتى جبرائيل العجوز حتى أخذ المفاتيح ثم فتح أبواب المدينة ودار النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم في بيوتها وقراها فقال جبرائيل: يا محمد هذا ما خصك اللّه به وأعطاكه دون الناس وهو قوله تعالى: (وما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) في قوله تعالى: (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء) ولم يعرف المسلمون ولم يطؤوها ولكن اللّه أفاءها على رسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم وطوّف به جبرائيل في دورها وحيطانها وغلّق الباب ودفع المفاتيح إليه فجعلها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم في غلاف سيفه وهو معلّق بالرحل ثم ركب وطويت له الأرض كطي الثوب، ثم أتاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهم على مجالسهم ولم يتفرقوا لم يبرحوا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «قد انتهيت إلى فدك وإنی قد أفاءها اللّه علي» فغمز المنافقون بعضهم بعضاً. فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «هذه مفاتيح فدك» ثم أخرجها من غلاف سيفه ثم ركب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وركب معه الناس فلما دخل المدينة دخل على فاطمة علیها السلام فقال: «يا بنية إن اللّه قد أفاء على أبيك بفدك واختصه بها فهي له خاصة دون المسلمين افعل بها ما أشاء وأنه قد كان لأمك خديجة سلام اللّه علیها على أبيك مهر وأن أباك قد جعلها لك بذلك وانحلتكها لك ولولدك بعدك». قال: فدعا بأديم ودعا علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: «اكتب الفاطمة علیها السلام ابفدك غلة من رسول اللّ صلی اللّه علیه و آله وسلم) فشهّد على ذلك علي بن أبي طالب علیه السلام ومولى لرسول اللّه وأم أيمن. فقال رسول اللّه: «إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة»، وجاء أهل فدك إلى النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنه.

وَاقْتَطَعُوا مِنْ دُونِها أَراكَةً *** قَدْ مَنعُوها تَحْتَها أَنْ تَجْلِسا

وَإِنَّ ناراً أُضْرِمَتْ فِي بَابِها *** شَبَّتْ بِأَطْنابِ الْحُسَيْنِ قَبَسا(1)

وَاهاً لآِلِ اللّهِ بَعْدَ الْخِدْرِ قَدْ *** طافُوا بِهِنَّ مَجْلِساً فَمَجْلِسا

غَادَرْنَ أَجْسادَ الْحُمَاةِ بِالْعَرا *** وَقَدْ صَحِبْنَ بِالْعَوالِي الأَرْؤُسا

سَوافِراً بَعْدَ الْحِجالِ لَمْ يَكُنْ *** شِعارُها إِلا الزَّفيرَ والأسَى(2)

ص: 560


1- لعله إشارة إلى ما جاء في «الإمامة والسياسة» ج 1 ص 12 الطبعة الثالثة. مؤسسة الوفاء (1981): «قال: وإنّ أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي علیه السلام فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقتّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال: وإن».
2- و هي من نظمه في سنة (1334 ه-)، عن الذخائر ص 87.

(30) علي علیه السلام كفؤ فاطمة علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

أَيَّ الْمَعَالِي لَمْ يَنَلْ غاياتِها *** أَمْ أَيَّ فَخْرٍ لِذُراهُ ما ارْتَقَى

قَدْ خَصَّهُ (الْمُخْتَارُ) دَوْنَ غَيْرِهِ *** بِفاطِمٍ خِيرَةِ نِسْوانِ الْوَرَى

لَوْلا عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفْوٌ لَها *** مِنْ أَوَّلِ الدُّنْيَا إِلَى يَوْمِ الْفَنَا(2)

زَوَّجَهُ اللّهُ بِها وَقَبْلَهُ *** كُمْ خاطِبٍ جاءَ أباها فَأَبَى(3)

ص: 561


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- انظر (2/1). وانظر ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 177، نقلاً عن كنوز الحقائق للمناوي ومثله كذلك في مودة القربى بسنده عن ابن عباس.
3- في الروض الفائق ص256: «ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: إنّ أمرها إلى اللّه تعالى. ثم إن أبابكر و عمر و سعد بن معاذ كانوا جلوساً في مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، فتذاكروا أمر فاطمة علیها السلام، فقال أبوبكر: قد خطبها الأشراف فردّهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، وقال: إن أمرها إلى اللّه «عزّ وجل»، وإن عليّاً لم يخطبها ولم يذكرها، ولا أرى ما يمنعه من ذلك إلاّ قلّة ذات اليد، وإنه ليقع في نفسي أنّ اللّه تعالى ورسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم إنما يحبسانها لأجله». وفي دلائل الإمامة للطبري ص12 - 13: «عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان إلى النبيّ اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، فقال له عبد الرحمن: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم؛ تزوّجني فاطمة علیها الیلام ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مائةَ ناقةٍ سوداءَ، زُرْقَ الأعين، محمَّلةً كلَّها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار - و لم يكن من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أيسر من عبد الرحمن وعثمان - و قال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً ! فغضب النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم من قوليهما، فتناول كفّاً من الحصى، فحصب به عبد الرحمن وقال له: إنك تهوِّل عليّ بمالك؟ فتحوّل الحصى دُرّاً، فقُوِّمت دُرّةٌ من تلك الدرر، فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن. وهبط جبرائيل في تلك الساعة، فقال: يا أحمد، إن اللّه يقرئك السلام، ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب علیه السلام، فإن مَثَله مثل الكعبة... الخ» وتجد نظيراً لذلك أيضاً في خصائص النسائي ص31 و ابن الجوزي في التذكرة ص316 ، و الهيثمي في مجمع الزوائد و المتقي الهندي في کنزالعمال ج 2 ص99 ، و في معالم الزلفى للسيد هاشم البحراني ص397 و القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص175، و غيرها من الفريقين.

رامُوا الْعُلَى فَأَخْطَأوا مَنارَها *** هيهات ما أَصابَ كُلُّ مَنْ رَمَى

(لَوْ لَمْ يَكُن خَيْرَ الرّجالِ لَمْ تَكُنُ *** زَوْجَتَهُ فاطِمَةٌ خَيْرُ النسا)(1)

إنَّ الَّذِي كانَ مِنَ الْمَهْرِ لَها *** فَوْقَ السَّمَا أَوْفَرُ مِمَّا فِي الثَّرَى(2)

واعجبا ماءُ الْفُراتِ مَهْرُها *** وَ مِنْهُ يُحْرَمُ ابْنُها فِي كَرْبَلا(3)

ص: 562


1- البيت لابن حمّاد الشاعر المشهور و لم نعثر على أصل العقيدة لابن حماد حتى يمكن معرفة المعنى الأصلي الذي أراده الشاعر. أما البيت فظاهره يحتمل وجهين؛ الأول: بقراءة (تكن) تامّة، فيكون خير الرجال اسماً لها و الثاني : بقراءتها ناقصة، و يكون خير الرجال خبراً لها. و على الأوّل يكون المعنى: لولا علي علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام كفو، كما صرّحت به بعض الأحاديث، انظر الهامش الأول من هذه القصيدة والمعنى على الوجه الثاني: أن علياً علیه السلام هو خير الرجال لأن الزهراء علیها السلام صارت زوجة له.
2- راجع البحار للمجلسي ج43- باب تزويجها علیها السلام. و فيه ينقل (رحمه اللّه علیه) عن جمع غفير من علماء الجمهور -سوى ما نقله بأسانيده عن مشايخنا-منهم ابن بطة، و ابن المؤذن و السمعاني في كتبهم بالإسناد عن ابن عباس و أنس و منهم ابن مردويه في كتابه بإسناده عن علقمة و منهم الخطيب في تاريخه و شيرويه الديلمي و ابن شاهين و غيرهم و قد وجدناه نحن في ينابيع المودة للقندوزي ص177 وهو بدوره ينقله عن الإصابة لابن حجر في ترجمة سنان بن شفعلة الأوسي، وعن مودة القربى للسيد علي الهمداني نقلاً الخوارزمي في المناقب عن موسى بن علي القرشي عن قنبر بن أحمد عن بلال بن حمام مؤذن رسول الله الا الله ، ونقله أيضاً عن جواهر العقدين.
3- قال المجلسي في البحار ج43 ص113: و في الجلاء و الشفاء في خبرٍ طويل «عن الباقر: ...و جعلت لها في الأرض أربعة أنهار الفرات و نيل مصر، و نهروان و نهر علي بلخ فزوجها أنت يا محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم- والخطاب لجبرئيل علیه السلام- بخمسمائة درهم تكون سُنّةً لأمتك.

(31) خير النساء علیها السلام

(بحر الرجز)

السيد محمد علي بن

محسن الموسوي الغريفي

هاكَ حديثاً جاءَ عن خيرِ النِّسا *** خامسةِ الأَقطابِ أصحابِ الكِسا

و غيرَهُ مما اقتضاهُ النظمُ *** وصحَّ حيثُ لايسوغُ الكَتْمُ

مما أبانَ فضْلَهُم واشتَهَرا *** وإن أغاضَ ذكرَهُ مَنْ كَفَرا

أذكرُ في الحديثِ ماقد وَقَعا *** في غيرِهِ كأنما صارَ مَعَا

مرتبطاً كما اقتضاهُ الحالُ *** و ما اقتضى أن يَحسُنَ المقالُ

مضمّناً إياه في المقالِ *** أجعلهُ نحو لسانِ الحالِ

قلتُ أتاني زائراً يوماً أبي *** فاطمةُ الزهراءِ بضعةُ النبي

و قالَ إنّي واجدٌ في بدنِي *** ضعفاً عليّ بالكساءِ اليَمَنِي

غطّي به جسمَ أبيكِ المصطفى *** فاطمة لكي تنالِي الشَرَفا

بما حبانا ربُّنا الودودُ *** من إننا من أجلنا الوُجودُ

قلتُ أعيذُ المصطفى من ضعفِ *** بواجبِ الوجودِ خيرِ كهفِ

قالتْ أتيتُ بالكسا اليمانِي *** غطيتُهُ به كما أوصانِي

فصرتُ بعد ذا إليهِ أنظرُ *** و وجههُ کالبدرِ نوراً يُزهر

قالتْ وجاءَ بعدَه الرضيُّ *** نجلِي سبطُ المصطفى الزكيُّ

ذاك شبيهْ المجتبى والمؤتمنْ *** خلقاً و خلقاً ذاك ابنهُ الحسنْ

مسلّماً يقول من في الدارِ؟ *** أشمُّ طِيبَ أحمدِ المختارِ

ص: 563

قلتَ عليكَ ولدي السلامُ *** فذا الكساءُ تحتَهُ الهمامُ

و جاءَهُ مسلّماً مستأذناً *** عليهِ بالدخولِ لما أَنْ دَنا

قال عليكَ جدّي السلامُ *** صلّى عليكَ المفضلُ العلامُ

قال و هلْ أَدخلُ في الكساءِ *** عليكَ كي أهنأَ بالحباءِ؟

قال نعمْ أذنتُ في الدخولِ *** عليكَ منّي أحسنَ المقولِ

قالتْ و جاءَ بعدَهُ الشهيدُ *** سبطُ النبيِّ المصطفى الرشيدُ

أعني حسيناً من به السعادهْ *** و من لهُ في الجنةِ السيادهْ

أقبلَ بالسلامِ و التحيهْ *** مبتدءاً بأمهِ المرضيّةْ

يقولُ يا بنةَ النبيِّ الهادِي *** أشمُّ طيب المصطفى الجوادِ

قلتُ عليكَ سيدَ العبادِ *** منّي السلامُ طيبُ الميلادِ

تحتَ الكساءِ جدُّكَ الرضيُ *** وسبطُ طهَ الحسنُ التقيُّ

أما ترى نورُهُما تلالا *** علی ضیاءِ البدر قد تعالى؟

جاءَ الحسينُ نحو سيدِ البشرْ *** مستبشراً يحكِي محيَّاه القمرْ

مسلّماً عليهِما مستأذناً *** من النبيِّ من له تمَّ الهنا

اكتَنَفا جدَّهُما تحتَ الكِسا *** و ارتضعا منهُ النُّهى و اقتَبَسَا

قالتْ و لما كانَ بعد ساعةْ *** جاءَ الوصيُّ صاحبُ الشفاعَةْ

ذاك قسيمُ النارِ و الجنانِ *** ذاكَ شريكْ الوحيِ و البيانِ

ذاك إمامُ الإنسِ و الجنِ الوليُّ *** ذاكَ أبوالسبطينِ مولانا عليُّ

يقولُ يا بنةَ النبيِّ ذي الرَشَدْ *** و سيدِ الرسلُ البشيرِ المعتمَدْ

عليكِ مني أفضلُ السلامِ *** ما خُطَّ في الألواحِ بالأَقلامِ

أشمُ طيبَ المصطفى الرسولِ *** أخي ابنِ عمِي الصادقِ المقولِ

فقلتُ منّي عادتْ التحيَّهْ *** عليكَ يا خيرَ الورى سجيَّه

هذا الرسولُ حاضنٌ شبليكا *** مشرفاً تحت الكِسا لابنيْكا

ص: 564

قالتْ وراحَ المرتضى و اقترَبا *** نحوَ الهداةِ الغرِّ أصحابَ العَبا

يقولُ يا مَنْ ُخصَّهُ الرحمنُ *** من بينِنا و اختارَهُ المنَّانُ

أرسله الباري نذيراً للبشَرْ *** ينقذُهُمُ يومَ الجزاءِ من سَقَرْ

عليكَ صلَّى مالكُ البريّهْ *** عليكَ منّي أفضلُ التحيّهْ

يا هَل ترى لي معكُمْ تحتَ الكسا *** مقتبِساً منكَ الهُدى ملتمِسا؟

أدخلْ كي أفوزَ بالكرامهْ *** و أبتغِي من ذي العُلى الزعامَهْ

قال مجيباً والدُ البتولِ *** لأجلكُم تحتَ الكسا دُخولي

عليكَ فادخلْ معنَا السلامُ *** و أنتَ بعدِي القائدُ الهُمامُ

قالتْ و لما اجتمعَ الأبرارُ *** تحتَ الكسا و أحمدُ المختارُ

فاطمةُ الزهراءِ نورُهم سطَعْ *** حتى أضاءَ البيتَ منهُمْ و اتَّسَعْ

قالتْ و قمتُ نحوَهُم مسلّمهْ *** عليهم و من أبي مستعلِمَهْ

و قلتْ صلّى الملكْ الجليلُ *** عليكَ هل لي يصلُحُ الدخولُ؟

فيمنْ حواهُ ذا الكِسا اليمانِي *** ادخَلنَي بفضِلِه غطّاني

و قال لي أنتِ غذاة الجنةْ *** سيدةٌ دونَ نساءِ الأمَّةْ

عليكِ مني بضعتِي السلامُ *** ما دامتِ الألواحُ و الأقلامْ

لما حواهمْ ذلكَ الكساءْ *** و كلُّ صيدِ حازَه الفراءُ

بفضلهم جلَّ و عزَّ أعلَما *** على البرايا مُعلناً أهلَ السَّما

نادي بسكانِ السما أملاكِي *** عصمتُكُمْ أسكنتُكُم أفلاكِي

لكنْ برأتُ أشرف البرايا *** حازُوا النُهى و أفضلَ السجايا

هم خمسةٌ أودعتُهُمْ أسراري *** قد سُترتْ عن غيرِهِم أستارِي

بعزّتي أُقسِمُ و الجلالَهْ *** همْ حجّتي واضحةُ الدلالهْ

و ما خلقتُ من سما مبنيّهْ *** كذا و لاأرضاً لها مدحيّهْ

و ما خلقتُ فلَکَاً یدورُ *** كلا و لابدراً له ينيرُ

ص: 565

و ما خلقتُ من بحارٍ جاريَهْ *** كلا و لافُلكاً ترَوها سارِيَهْ

وما برأتُ الشمسَ و النهارا *** و لاخلقتُ الحُجْبَ و السِّتارا

ألا لأجلِ من حوَى الكساءُ *** و من بهم يُستدفعُ البلاءُ

فقالَ جبرائيلُ ياربِّ و مَنْ *** تحتَ الكساءِ من على السرِّ ائتمنْ؟

فقالَ هُمْ فاطمة و طه *** والدُها و بعلُها و ابناها

هم أهلُ بيتِ الوحي و الدلالَةْ *** و معدنُ التنزيلِ و الرسالَةْ

هذا الحديثُ فضلُهُم أبانا *** كفى بهِ مستنداً بُرهانا

هم علةُ الإيجادِ و الدوامِ *** هم أسسُ الإيمانِ و الإسلامِ

لولاهُمُ ما خُلِقَتْ جنان *** لولاهم ما سُجّرت نیرانُ(1)

لولاهُمُ ما كانَ شمسٌ و قمرْ *** لولاهُمُ ما كان أرضٌ و شَجَرُ

لولاهُمُ ما كانتْ الأفلاكُ *** لولاهُمُ ما عُبدَتْ أملاكُ

لولاهُمُ ما كانَ جنَّ و بشرْ *** لولاهُمُ ما كانَ بحرٌ و مدَرْ

هم سفنُ النجاةِ بابُ حطَّهْ *** يهلكُ من دانَ بغيرِ الخُطَّهْ

هم آيةْ التطهيرِ و القُربى هُمُ *** هم آيةُ الخمسِ هم التقدمْ

هم شركاءُ الوحيِ في التمسكِ *** هم مرجعُ الأمةِ في التشككِ

قالَ الأمينُ بعد ذا البيانِ *** مستأذناً من ذِي العُلى المنّانِ

يا ربِّ هل تأذنُ في السعاده *** فاجتنِي بقريِهم سيادهْ؟

أهبطُ فيهم سادساً أكونُ *** مبشراً لفضلِهم أبينُ

فقال ذو العزةِ و الجلالَهْ *** إبنْ لهُم في هذهِ العَجَالَهْ

حبوتُهُم بما أشا من رحمهْ *** منحتهم دونَ الورى بالعصمهْ

جاء الأمينُ ها بطاً نحو الكسا *** مسلّماً مسترفداً مقتبِساً

ص: 566


1- سجرت: أبحر التنور أحماه.

يقول يا من خُصَّ بالسفارهْ *** و اختارَهْ اللطيفُ للنذارهْ

إلهنا أقراكَ بالسلامِ *** و خَصَّكَ الباريءُ بالإكرامِ

و هو يقولُ قَسَماً مبروراً *** و عزّتي فكنْ بذا مسروراً

و بالحلالِ ما خلقتُ خَضرا *** مبنيةً و لادحوتُ غَبْرا

و لاخلقتُ الفُلكَ و البحارا *** و لابرأتُ قمراً أنارا

و لاخلقتُ فَلَكاً يدورُ *** كلا و لاشمساً به تسيرُ

ألا و في محبةِ الأبرارِ *** محمدٍ و آلهِ الأطهارِ

لأجلكُمْ كان الوجودُ عن عَدَمْ *** بحبّكُم نلنا من اللَّهِ النِّعَمُ

مَنَّ عليَّ أن أكونَ الباري *** سادسُكم مصاحبَ الأبرارِ

فامننْ عليَّ أن أحوزَ ذا الشرفْ *** و أسكَنَ الفردوسَ فيكم و الغُرَفْ

قال النبيُّ أُدخل و ما إنْ دَخَلْ *** طوبى لهُ حيث اجتنى خيرَ العمَلْ

تلا عليهمْ آيةَ التطهيرِ *** عن اللطيفِ العاصمِ القديرِ

قال عليٍّ عندما تمَّ العَددُ *** أَبِنْ لناخيرَ الوَرى و المحتَشَدْ

ما الفضلُ عندَاللَّهِ في الجلوسِ *** تحتَ الكِسا هل من هدَّى مأنوسِ؟

قال مجيباً والذي بالرحمهْ *** و بالهدى أرسلَنِي في الأمّهْ

ذا خبرٌ يشيّدُ الإمامهْ *** يجعلُكم لدينِهِ الدعامَهْ

يثبتُ فيكُم عصمةَ المنّانِ *** بما به من واضح البُرهانِ

فيه حديثُ قدْسُهُ المبينُ *** جاءَ بهِ من عندِهِ الأمينُ

ذا خبرٌ من الأمينِ مستمعْ *** ما ذُكِرَتْ آياته في مجتَمَعْ

و فيه جمع شايعُوا أولادِي *** لهم عليهِم سمةُ الودادِ

ألا وفيهم حُلتِ الكرامهْ *** من ذي العُلى الفزعةِ القيامهْ

حُفَّتْ بهم ملائكُ الغفرانِ *** حلت بهم نفائسُ الرحمنِ

و استغفرتْ لمن حواهُ المحفلُ *** ممنِ إليه المنتهى و المَؤئِلُ

ص: 567

حلّتْ بهم رحمتُهُ ما دامُوا *** كأَنَّهُم قامُوا له أو صَامُوا

قال عَليُّ عندَ ذاكَ فُزنا *** بما حبانا رَبُّنا سَعُدنا

قال النبيُّ والذي اصطفانِي *** أرسلنِي بالحقِّ و اجتبانِي

مبشّراً و منذراً نَجِيا *** و داعياً و هاديّاً مرضيّا

ذا خبرٌ بفضلِنَا يُنادي *** حياشةً للخلقِ و العبادِ

ما ذُكِرَتْ في محفلٍ أو نادِي *** يجمعِ أهلِ الرشدِ و السدادِ

آياتُهُ الناصعةُ المنوّرهْ *** محكمةٌ عن فضلِنا المعبّرهْ

و فيهِ جمعٌ من ذوي الولايهْ *** شيعتُنا و من لهُم درايهْ

و من لهُمْ في لبِّنا المكانُ *** كما لنا في لبِّهم حنانُ(1)

و كانَ فيهمْ أحدٌ مهموماً *** إلا و كانَ همُّه معدُوما

أو كانَ فيهمْ أحدٌ ذا غمِّ *** إلا و كانَ هَمُّه ذا عُدمِ

و لم يكنْ ذا حاجةٍ و مسألهْ *** إلا قَضى ربُّ العلى الحاجة لَهْ

قال عليٍّ صاحبُ الولايهْ *** من في غدٍ في كفّهِ السِّقايهْ

فاز إذاً شيعتنا و فُزنا *** كسَعْدِهم و ربِّنا سَعُدنا

دنيا و أخرى كانتِ السَّعادهْ *** و نبتغي من ذي العُلى الزيادَهْ

أعظِم بِهِ كمْ رحمةٍ أولاها *** أعززْ به كمْ نعمةٍ والأها

أحمُدُه في السرِّ و الإعلان *** أشكُرُه بالفضلِ و الإحسانِ

أقولُ فيمن قد حوى الكساءُ *** بهم لنا قد كَمُلَ الولاءُ

بهم علينا قد أتمَّ النعمهْ *** خالقُنا فيها لها من رحْمَهُ

به أعوذْ و الكسا و من حوى *** و بالوِلا وحبِّ من فيهِ ثَوى

و بالهْدى و من به قد نزَلا *** و بالحديثِ و بمنْ له تَلا

ص: 568


1- لبنا: (اللب) القلب.

بهمْ أعيذْ بدنِي من المرضْ *** وصيني من كلِ داء و عرضْ

اعيذُ ديني و كذاكَ أهلي *** كذاك عامِي أن يرى كالجَهْلِ

أختمُ ذا النظمِ بصلّى اللَّهُ *** على محمدٍ و ذي قرباهُ

أرجُو بذاكَ الفوزَ و السعادهْ *** أرجُو بذاك العفوَ و الرِّفادهْ(1)

أرجُو بذاكَ سعةً في المالِ *** و عصمة في القول و الفعالِ

حتى أعودَ للجزا بلا لمم *** أأمن العقبى فلا أخشى أَلَم(2)

أجاورُ الأقطابَ أصحابَ الكسا *** أرجو بهم ذاك المُنى ملتمِسا

ناظمُها يرجو أن يكونا *** محمدُ الفِعال مستعينا

بربِّه و رهطِه آلِ العبا *** على همة إليه اقتربا

ينظمُها خالصةً مقبولهْ *** لحشرهِ نافعةً مرحولهْ

ثمَّ السلامُ و بهِ الختامُ *** عليهمُ ما قامتِ الأعلامُ

ص: 569


1- الرفادة: العطاء و الإعانة و الصلة.
2- لمم: صغائر الذنوب.

(32) فاطمة علیها السلام خير النساء

(بحر الرّجز)

السيد محمد القزويني(*)(1)

روَتْ لَنَا فَاطِمَةً خَيْرُ النّسا *** حَدِيثَ أهْل الفَضْل أَصْحاب الكِسا

تقُولُ إِنَّ سَيْدَ الأَنَامِ *** قَدْ جَاءَنِي يَوْماً مِنَ الأَيَّامِ

ص: 570


1- (*) السيد محمد ابن السيد مهدي القزويني، ينتهي نسبه الشريف إلى محمد بن زيد بن علي بن الحسين علیه السلام و أمه كريمة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير. ولد في الحلة سنة (1262 ه-) و فيها نشأ و حين بلغ سن البلوغ هاجر إلى النجف الأشرف مع أخويه الكبيرين السيد ميرزا جعفر و السيد ميرزا صالح، فدرس المعاني و البيان و المنطق و الفقه والأصول ثم رجع إلى الحلة و اشتغل بالتدريس، فهذَّب جملة من شباب الحلة و أعاد الكرّة للنجف لاستكمال الفضيلة مع أخويه المذكورين فانكب على الدرس و أخذ العلم من مختلف جوانبه، فكان المترجَم له، موسوعة علم و أدب، فإذا تحدَّث فحديثه كمحاضرة وافية تجمع الفقه والتفسير والأدب واللغة والنقد مضافاً إلى الفصاحة واللباقة وعذوبة المنطق وتزينه سمات العبادة والورع، فمن مميزاته أنه یحرص كل الحرص على مصلحة الأمة و الرأفة بالضعيف فلاتأخذه في اللَّه لومة لائم. و بعد وفاة والده السيد مهدي القزويني أخويه الكبيرين «رحمة اللَّه عليهما» قام بأعباء الزعامة الدينية من الحلة فكان المرجع في الأحكام الشرعية و الأمور الاجتماعية و صلاة الجماعة في المسجد العام مواضباً على التدريس في الفقه والأصول و تربية النشء بالتربية الصالحة، و قام بإصلاحات عامة من تجديد بناء مراقد العلماء العظام التي كادت أن تنطمس معالمها، فيشكر على ما بذل من جهد كبير. و ترك المترجَم له كثيراً من الآثار العلمية منها منظومة في المواريث ورسالة في علم التجويد و القراءات، و رسالة في مناسك الحج وغيرها وكل هذا يدلنا على مواهبه. اختاره الله و دعاه إليه، فلبّى النداء فجر يوم الخميس الخامس من محرم الحرام سنة (1335 ه) في مسقط رأسه -الحلة- و حُمل إلى النجف الأشرف و دفن في مقبرتهم الواقعة في محلة العمارة.

فَقَالَ لِي إِنِّي أَرَى فِي بَدَنِي *** ضَعْفاً أَراهُ اليَوْمَ قَدْ أَنْحَلَنِي

قُومِي عَلَيَّ بِالكِسا اليَمَانِي *** وَ فِيهِ غَطْنِي بِلا تَوَانِي(1)

فَقُمْتُ نَحْوَهُ وَ قَدْ لَبَّيْتُهُ *** مُسْرِعَةَ وَ بِالكِسا غَطَيْتُهُ

وَ صِرْتُ أرنُو وَجْهَهُ كَالبَدْرِ *** فِي أَرْبَعٍ بَعْدَ لَيَالٍ عَشْرِ

فَمَا مَضَى إلا اليَسِيرُ مِنْ زَمَنْ *** حَتَّى أَتَى أَبُو مُحَمَّدِ الحَسَنُ

فَقَالَ يَا أُمَّاهُ إِنِّي أَجِدُ *** رَائِحَةَ طَيِّبَةً أَعْتَقِدُ

بِأَنَّهَا رَائِحَةُ النَّبِيِّ *** أَخِي الوَصِيِّ المُرْتَضَى عَلِيٌّ

قُلْتُ نَعَمْ هَا هُوَ ذَا تَحْتَ الكِسا *** مُدَّثِرٌ بِهِ تَغَطَّى وَاكْتَسَى

فَجَاءَ نَحْوَهُ ابْنُهُ مُسَلِّما *** مُسْتَأْذِناً فَقَالَ ادْخُلْ كَرَمَا

فَمَا مَضَى إِلا القَلِيلُ إِلاَّ *** جَاءَ الحُسَيْنُ السُبْط مُسْتَقِلا

فَقَالَ يا أُمَّ أَشُمُ عِنْدَكِ *** رَائِحَةٌ كَأَنَّهَا المِسْكُ الذَّكِي

وَ حَقٌّ مَنْ أَوْلاكِ مِنْهُ الشَّرَفا *** أَظُنُّها رِيحُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى

قُلْتُ نَعَمْ تَحْتَ الكِسَاءِ هَذَا *** بِجَنْبِهِ أَخُوكَ فِيهِ لاذا

فَأَقْبَلَ السِّبْطُ لَهُ مُسْتَأْذِنَا *** مُسَلِّما قَالَ لَهُ ادْخُلْ مَعَنا

فَمَا مَضَى مِنْ سَاعَةِ إِلا وَقَدْ *** جَاءَ أَبُوهُمَا الغَصَّفَرُ الأَسَدْ

أبُوالأَئِمَّةِ الهُدَاةِ النُّجُبَا *** المُرْتَضَى رَابِعُ أَصْحَابِ العَبا

فَقَالَ يا سَيِّدَةَ النِّساءِ *** وَ مَنْ بِهَا زُوِّجْتُ فِي السَّمَاءِ

إنِّي أَشُمُّ فِي حِماكِ رَائِحَهْ *** كَأَنَّهَا الوَرْدُ النَّدِيُّ فَاتِحَهْ

يَحْكِي شَدَّاها عُرْفَ سَيِّدِ البَشَرْ *** وَ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَ لَبَّى وَ اعْتَمَرْ(2)

قُلْتُ لَهُ تَحْتَ الكِسَاءِ الْتَحَفَا *** وَ ضَمَّ شِبْلَيكَ وَ فِيهِ اكْتَنَفَا

فَجَاءَ يَسْتَأْذِنُ مِنْهُ سَائِلا *** مِنْهُ الدُّخُولَ قَالَ ادْخُلُ عَاجِلاً

ص: 571


1- تواني: الكل والفتور والحجز.
2- يحكي: يشابه.

قَالَتْ فَجِلتُ نَحْوَهُمْ مُسَلَّمَهْ *** قَالَ ادْخُلِي مَحْبُوةٌ مُكَرَّمَهْ(1)

فَعِنْدَمَا بِهِمْ أَضَاءَ المَوْضِعُ *** وَ كُلُّهُمْ تَحْتَ الكِسَاءِ اجْتَمَعُوا

نَادَى إِلهُ الخَلْقِ جَلَّ وَ عَلاَ *** يُسْمِعُ أَمْلاَكَ السَّمَوَاتِ العُلَى

أُقْسِمُ بِالعِزَّةِ وَ الجَلالِ *** وَ بِارْتِفَاعِي فَوْقَ كُلِّ عَالِي

مَا مِنْ سَما رَفَعْتُها مَبْنِيَّهْ *** وَ لَيْسَ أَرْضُ فِي الثّرَى مَدْحِيَّهْ(2)

وَ لاَخَلَقْتُ قَمَراً مُنيرا *** كلاً وَ لاشَمْساً أَضَاءَتْ نُورا

وَ لَيْسَ بَحْرٌ فِي المِيا و ِيَجْرِي *** كَلاً وَ لاَفُلْكُ البِحَارِ تَسْرِي

إلا لأَجْلِ مَنْ هُمُ تَحْتَ الكِسا *** مَنْ لَمْ يَكُنْ أمْرُهُمُ مُلْتَبسا

قَالَ (الأَمِينُ) قُلْتُ يَا رَبِّ وَمَنْ *** تَحْتَ الكِسا بِحَقِّهِمْ لَنا أَبِنْ؟

فَقَالَ لِي هُمْ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ *** وَ مَهْبِطُ التَّنْزِيلِ وَالجَلالَةِ

وَ قَالَ هُمْ فَاطِمَةٌ وَ بَعْلُها *** وَ المُصْطَفَى وَ الحَسَنَانِ نَسْلُها

فَقُلْتُ يا رَبَّاهُ هَلْ تَأْذَنُ لِي *** أنْ أهْبِطَ الأَرْضِ لِذَاكَ المَنْزِلِ؟

قَالَ نَعَمْ فَجِئْتُهُمْ مُسَلِّماً *** مُسْتَأْذِنَا أَتْلُو عَلَيْهِمْ (إِنَّما)

يَقُولُ إِنَّ اللّهَ خَصَّكُمْ بِهَا *** مُعْجِزَةٌ لِمَنْ غَدًا مُنْتَبِها

أقْرَأَكُمْ رَبُّ العُلَى سَلامَهْ *** وَ خَصَّكُمْ بِغَايَةِ الكَرَامَهْ

وَ هُوَ يَقُولُ مُعْلِناً وَ مُفْهِما *** أَمْلاكَهُ الغُرَّ بِمَا تَقَدَّما

قَالَ (عَلِيَّ) قُلْتُ يَا حَبِيبِي *** مَا لِجُلُوسِنَا مِنَ النَّصِيبِ؟

قَالَ النَّبِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَانِي *** وَ خَصَّنِي بِالوَحْيِ وَ اجْتَبَانِي

مَا إِنْ جَرَى ذِكْرٌ لِهَذَا الخَبَرِ *** فِي مَحْفِلِ الأَشْيَاعِ خَيْرِ مَعْشَرٍ

إِلَّا وَ أَنْزَلَ الإِلهُ الرَّحْمَهْ *** فِيهِمْ وَ حَقَّتْهُمْ جُنُودُ جَمَّهْ

منَ المَلائِكِ الَّذِينَ صَدَقُوا *** تَحْرِسُهُمْ فِي الدَّهْرِ مَا تَفَرَّقُوا

ص: 572


1- محبوة: معطاة من غير جزاء.
2- مدحية: مبسوطة.

كَلاً وَ لَيْسَ فِيهِمُ مَغْمُومُ *** الأَوَ عَنْهُ تُحْشَفُ الهُمُومُ

كَلاً وَ لاَطَالِبُ حَاجَةٍ يَرَى *** قَضَاءَهَا عَلَيْهِ قَدْ تَعَسَرا

الأقضَى اللَّهُ الكَرِيمُ حَاجَتَهْ *** وَ أَنْزَلَ الرِّضْوَانَ فَضْلاً سَاحَتَهْ

قَالَ (عَلِيَّ) نَحْنُ وَالأَحْبَابُ *** أَشْيَاعُنَا الَّذِينَ قِدْماً طَابُوا

فُرْنَا بِمَا نِلْنَا وَ رَبِّ الكَعْبَهْ *** فَلْبَشَكُرَنَّ كُلَّ فَرْدِ رَبَّهْ

یا عَجَباً يَسْتَأْذِنُ الأَمِينُ *** عَلَيْهِمُ وَ يَهْجُمُ الخَؤُونُ

قَالَ سَلِيمٌ قُلتُ باسَلْمَانُ *** هَلْ هَجَمَ القَوْمُ وَ لَااسْتِتَذَانُ(1)؟

فَقَالَ إي وَ عِزَّةِ الجَبَّارِ *** وَ مَا عَلَى الزَّهْرَاءِ مِنْ خِمَارِ(2)

لكِنَّها لأذَتْ وَرَاءَ البَابِ *** رِعَابَةً لِلسِّتْرِ وَ الحِجَابِ

فَمُذْ رَأَوْما عَصَرُوها عَصْرَةً *** كَادَتْ بِنَفْسِي أَنْ تَمُوتَ حَسْرَةً(3)

تَصِيحُ يا فِضَّةُ أَسْنِدِينِي *** فَقَدْ وَ رَبِّي قَتَلُوا جَنِينِي

فَأَسْقَطَتْ بِنْتُ الهُدَى وَاحُزْنَا *** جَنِينِهَا ذَاكَ المُسَمَّى (مُحْسِنا)

وَ لَمْ يَرُعْهَا كُلَّما قَدْ فَعَلُوا *** لَكِنَّها قَدْ خَرَجَتْ تُوَلُولُ

فَالبَعَثَتْ نَصِيحُ بَيْنَ النَّاسِ *** خَلُوهُ أَوْ لأَكْشِفَنَّ رَاسِي(4)

وَ لَوْ يَشاءُ فَرَّقَ الجُمُوعا *** وَ تَرَكَ العَاصِي لَهُ مُطِيعا

ص: 573


1- في كتاب سليم بن قيس ص39 قال سليم: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي واللّه و ما عليها خمار فنادت يا ابتاه يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر وعمر وعيناك لم تتفقاً في قبرك.
2- خمار: مطلق الستر أو ما تستر به المرأة رأسها.
3- في كتاب سليم بن قيس ص40 قال: كان قنفذ مولى أبي بكر حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حين حالت بينه و بين زوجها... و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة.
4- بعد أن دخلوا بيتها و أخرجوا علياً ملبياً خرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي؟ واللَّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال علي علیه السلام السلمان: [أدرك ابنة محمد فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان واللَّه إن نشرت شعرها وشقت جيبها وانت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها و بمن فيها . انظر البحار، ج28 ص227 و في البرهان ج2 ص93. و في البرهان ج2 ص93 ح4... و الاختصاص، ص181.

بصَوْلَةٍ تَرَى الجَنِينَ أَشْيَبا *** تُذَكَّرُ المُنَافِقِينَ (مَرْحَبا)(1)

وَ ضَرْبَةٍ يَبْرِي لَهَا أَعْنَاقَها *** مِنْ قَبْلِهَا عَمْرُو بْنُ وُدْ ذَاقَهَا(2)

لكِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ المُخْتَارِ *** أَنْ يَعْمِدَنَّ سَيْفَ ذِي الفِقَارِ(3)

ص: 574


1- ابن شهر آشوب في مناقبة ج3 ص129...: روى بريدة أن علياً علیه السلام لضرب مرحباً على مقدمه فقد الحجر و المغفر ونزل في رأسه وقع في الإضراب و أخذ المدينة... و ذكر أنه سمع أهل العسكر صوت ضربته... و لما قلق على رأس مرحب كان الفتح.
2- في المناقب لابن شهر آشوب/ ج3 ص136: یسير إلى نفس المصير الذي لاقاه عمرو بن ود العامري في غزوة بدر والذي قال عنه رسول اللَّه واصفاً خروج الإمام علي علیه السلام الملاقاة عمرو: خرج الإيمان كله إلى الكفر كله... و قال عن مبارزته تلك: لمبارزة علي بن أبي طالب علیه السلام لعمرو بن ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة...
3- في كتاب سليم بن قيس، ص20 قال: أقبل النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم على علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدَّة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد اعواناً فاصبر واكفف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة... و أخرج القندوزي في ينابيع المودة، ص182 قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام انك ستبلى بعدي فلا تقاتلن... نقلت من كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام للمقرم ص47، رياض المدح والرثاء ص3.

(33) بنت نبي الهدى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الرجز)

السيدة معاذة أُم س سعد بن معاذ(1)

أقولُ قَوْلاً فيهِ ما فيهِ *** و أَذْكُرُ الخَيْرَ وَ أُبْدِيهِ

مُحَمَّدٌ خَيْر بَني آدمٍ *** مافِیهِ مِنْ كِبْرِ وَ لاتيهِ

بِفَضْلِهِ عَرَّفنا رُشْدَنا *** فاللَّهُ بِالخَيْرِ يُجازِيهِ

وَ نَحْنُ مَعْ بِنْتِ نَبيِّ الهدى *** ذِي شَرَفٍ قَدْمُكِّنَتْ فیهِ(2)

ص: 575


1- في زفاف فاطمة الزهراء علیها السلام اجتمع رجالات بني هاشم يمشون في موكب السيدة، و أمر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم بنات عبدالمطلب (عماته) و نساء المهاجرين و الأنصار أن يرافقن فاطمة علیها السلام في تلك المسيرة، و كانت زوجات الرسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم يمشين قدامها و يرجزن و كانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز ومن النساء التي كانت تردد و تقرأ معاذة أم سعد بن معاذ وهذه أبياتها.
2- في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ص131 قال: قال: أخرج الثعلبي عن الباقر علیه السلام قال: سئل رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم عن قوله «تعالى»: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» [سورة الرعد، آية: 29]. فقال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «هي شجرة في الجنة أصلها في داري و فرعها على أهل الجنة فقيل له يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم سألناك عنها فقلت: هي شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفاطمة وفرعها على أهل الجنة؟ فقال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: إن داري و دار علي و فاطمة علیهما السلام واحد غداً في مكان واحد و هي شجرة غرسها الله تعالى و تبارك بيده و نفخ فيها من روحه تنبت الحلي و الحلل و إن أغصانها لتدلى من وراء سور الجنة...». و في بحار الأنوار، ج37 ص59: روى أبوهريرة أنه سجد رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم خمس سجدات بلاركوع، فقلنا له في ذلك فقال: أتاني جبرائيل فقال: «إن الله يحب علياً فسجدت... فرفعت رأسي فقال: إن اللَّه يحب الحسن فسجدت... فرفعت رأسي فقال: إن اللَّه يحب الحسين فسجدت... ثم قال: إن اللَّه يحب فاطمة علیها السلام فسجدت... ثم قال: إن اللَّه يحب من أحبهم فسجدت».

في ذِرْوَةٍ شامِخَةٍ أَصْلُها *** فما أَرى شَيْئاً يُدانِيهِ(1)

ص: 576


1- فاطمة الزهراء علیها السلام من المهد إلى اللحد.

(34) ما بال عينيك

(بحر الرجز)

السيد مهدي الأعرجي(*)(1)

مَا بَالُ عَيْنَيْكَ دَمَاً تَنْسَكِبُ *** وَ نَارُ أحشاك أسى تَلْتَهبُ؟

أَهَلْ تَذَكَّرْتَ عُهُوداً سَلَفَتْ *** لَزَيْنَبٍ فَأَرْقَتْكَ زَيْنَبُ؟

أم هل تشَوَّقت ظِباءً سَنَحَتْ *** بِالجَزَع أم راك ذاك الرَّبْرَبُ(2)؟

أمْ َهلْ شَجَتْكَ أربعٌ قَدْ دَرَسَتْ *** فَأَخْلَقَتْ جَدْتَهُنَّ الحُقَبُ؟

أمْ هَلْ دَهَتْكَ الحَادِثَاتُ مِثْلَما *** دَهَتْ فؤادي يَوْمَ طه النُّوبُ؟

يَوْمَ قضى فيهِ النَّبِيُّ نَحْبَهُ *** فظَلّتِ الدُّنيا لَهُ تَنتَحِبُ

وَ انْقَلَبَ النَّاسُ عَلَى أعقابِهِمْ *** وَ لَنْ يَضُرُّ اللَّهَ مَنْ يَنْقَلِبُ(3)

ص: 577


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الربرب: القطيع من بقر الوحش.
3- إشارة إلى انقلاب القوم على أعقابهم بعد موت النبي الله قال تعالى:«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ». [سورة آل عمران الآية: 114]. و روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص91 عن أبي المفضل محمد بن عبدالله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة قال: و قبض رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها -إلى أن قال- ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاؤوا به إلى سقيفة بني ساعدة فلما سمع بذلک عمر أخبر بذلك أبابكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة و معهما أبوعبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار و سعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر فآل الأمر إلى أن قال أبوبكر في آخر كلامه للأنصار: إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة ابن الجراح أو عمر و كلاهما قد رضيت لهذا الأمر و كلاهما أراهما له أهلاً. فقالت الأنصار: نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا و لامنكم فنجعل منا أميراً، و منكم أميراً و نرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار، فقال أبوبكر بعد أن مدح المهاجرين: و أنتم يا معاشر الأنصار ممن لاينكر فضلهم و لانعمتهم العظيمة في الإسلام- إلى أن يقول المفضل. فقال الحباب بن المنذر الأنصاري: يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجترىء مجتر على خلافكم، و لن يصدر الناس إلا عن رأيكم. و أثنى على الأنصار ثم قال: فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا و لانقنع بدون أن يكون منا أمير و منهم أمير فقام عمر ابن الخطاب فقال: هيهات لايجتمع سيفان في غمد واحد أنه لاترضى العرب أن تؤمركم و نبيها من غيركم إلى أن يقول المفضل -فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم و لاتسمعوا مقال هذا الجاهل و أصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، وإن أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فأجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم فأنتم واللَّه أحق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب والله لئن أحد ردّ قولي لأحطمن أنفه بالسيف.

وَ أَقْبَلُوا إلَى (البَتُولِ) عَنْوَةً *** وَحَوْلَ دارِها أُديرَ الحَطَبُ

فَاسْتَقْبَلَتْهُمْ فاطِمٌ وظَنُّها *** إِنْ كلَّمَتْهُمْ رَجَعُوا وَانْقَلَبُوا

حَتّى إذا خَلَتْ عَنِ البابِ وَقَدْ *** لاذَتْ وَرَاهَا مِنْهُمُ تَحْتَجِبُ

فَكَسَرُوا أَصْلاعَها وَاغْتَصَبُوا *** مِیراثَها وَ لِلشُّهودِ كَذَّبُوا(1)

ص: 578


1- أما عن ميراثها وتكذيب الشهود مضافاً إلى ما تقدم ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص 635. و روى العلامة في (كشكوله) المنسوب إليه: عن المفضل بن عمر قال: مولاي جعفر الصادق علیه السلام لما ولي أبوبكر بن أبي قحافة قال له: عمر إن الناس عبيد هذه الدنيا لايريدون غيرها فامنع علياً علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام الخمس والفيء و فدكاً، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً و أقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإثاراً ومحاماة عليها، ففعل أبوبكر ذلك و صرف عنهم جميع ذلک... إلى قوله... قال على علیه السلام الفاطمة علیها السلام: صيري إلى أبي بكر وذكريه فدكاً فصارت فاطمة علیها السلام إليه و ذكرت له فدكاً مع الخمس و الفيء، فقال: هاتي بينة يا بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم فقالت: أما فدك... إلى... فقال عمر هاتي بينة يا بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم: على ما تدعين فقالت فاطمة علیها السلام: قد صدقتم جابر بن عبد الله وجرير بن عبد الله و لم تسألوهما البينة. و بينتي في كتاب اللَّه... إلى... فقال لها عمر: إلى... فقال لها عمر: دعينا من أباطيلك و أحضرينا من يشهد لك بما تقولين فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادعته فقال: أما علي فزوجها وأما الحسن والحسين فابناها و أما أم أيمن فمولاتها و أما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و قد كانت تخدم فاطمة علیها السلام و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم. إلى آخر الرواية أخذنا موضع الحاجة.

وَ أخْرَجُوا (الكَرارَ) مِنْ مَنْزِلِهِ *** وَ هُوَ بِبَنْدِ سَيْفِهِ مُلَبَّبُ(1)

يصبحُ أَبْنَ اليَوْمَ مِنّي (حَمْزَةٌ) *** يَنْصُرُنِي (وَجَعْفَرٌ) فَيَغْضَبُ

وَ خَلْفَهُمْ (فاطِمَةٌ) تَعْثر في *** أذيالِها وَقَلْبُها مُنشَعِبُ

تَصِيحُ خَلّوا عَنْ (عَلِيٍّ) قَبْلَ أَنْ *** أَدْعُو وَفِيكُمْ أَرْضُكُمْ تَنْقَلِبُ(2)

فَأَقْبَلَ (العَبْدُ) لَهَا يَضْرِبُها *** بالسَّوْطِ وَ هيَ بِالنَّبِيِّ تَنْدُبُ

يا والدي هذا (عَلِيَّ ٌ) بَعْدَ *** عَيْنَيْكَ عَلَى اغْتِصابِه تَأَلَّبُوا

ص: 579


1- مُلَبَّب: متردّد-مجرور.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2/11 ص 567 نقلاً عن البحار: روي عن الحسين ابن حمران عن محمد بن إسماعيل، و علي بن عبد الله الحسني عن أبي شعيب، و محمد ابن ،نصیر، عن عمر بن الفرات عن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام -في حديث طويل-: وجمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت عليه أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها علیها السلام لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللَّه و على رسوله صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفىء نور اللَّه؟ واللَّه متم نوره وانتهاره لها: وقوله كفّي يا فاطمة علیها السلام فليس محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم حاضراً و لاالملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عنداللَّه و ما علي إلا كأحد من المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً. فقالت و هي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك صلي اللَّه علیه و آله و سلم و رسولك وصفيك و ارتداد أمته علينا و منعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك صلي اللَّه علیه و آله و سلم المرسل، فقال لها عمر دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقات النساء، فلم يكن الله ليجمعكم النبوّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم و الخلافة و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده («لعنه الله») يروم فتح الباب- إلى أن يقول: -و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمر العين حاسراً حتى ألقى ملاءته عليها و ضمّها إلى صدره و قوله لها: يا بنت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قد علمت أن أباك بعثه اللَّه رحمة للعالمين فاللَّه اللَّه أن تكشفي خمارك، و ترفعي ناصيتك، فواللَّه يا فاطمة علیها السلام لئن فعلت ذلك لاأبقى اللَّه على الأرض من يشهد أن محمداً صلي اللَّه علیه و آله و سلم رسول اللَّه، و لاموسى و لاعيسى و لاإبراهيم و لانوح و لاآدم و لادابة تمشي على الأرض و لاطائراً السماء إلا أهلكه اللَّه. إلى آخر الحديث.

وَ أعْزَلُوهُ جَانِباً وَ أَمَّرُوا *** ضَئِيلَ تَيْمِ بَعْدَهُ وَ نَصَّبُوا(1)

تَجاهَلُوا مَقَامَهُ وَهُوَ الَّذِي *** بِسَيْفِهِ في الحَرْبِ قَدْ (مَرْحَبُ)

وَ لَوْ تَرانِي وَالْعِدَى تَحالَفُوا *** عَليَّ لَمّا غَيَّبَتكَ التُّرَبُ

وَ جَرَّعُونِي صَحْبُكَ الصَّابَ وَقَدْ *** تَراكَمَتْ مِنْهُمْ عَلَى الْكُرَبُ(2)

وَ لَمْ تَزلَ تَجْرَعُ مِنْهُمْ غُصَصاً *** تَنْدَكُ مِنْهَا الراسياتُ الهُضَّبُ

حتى قضتْ بِحَسْرَةِ مَهْضُومَةً *** حُقُوقُها وَقَيْتُها مُسْتَلبُ(3)

ص: 580


1- إشارة إلى عزل الإمام علي علیه السلام عن حقه بالخلافة وتنصيب أبي بكر، فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص95 في حديث طويل عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة قال: فقال عمر: يا علي علیه السلام أما لك بأهل بيتك أسوة؟ فقال علي علیه السلام: سلوهم عن ذلك، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: واللَّه ما بيعتنا لكم بحجة على علي علیه السلام و معاذ اللَّه أن نقول إنا نوازيه في الهجرة و حسن الجهاد و المحل من رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم إلى أن قال أميرالمؤمنين علیه السلام: -يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم و لاتدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس، فواللَّه معاشر الجمع إن الله قضى وحكم و نبيه أعلم و أنتم تعلمون بأنا أهل البيت علیهم السلام أحق بهذا الأمر منكم أما كان القارىء منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية، واللَّه إنه لفينا لافيكم فلاتتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً و تفسدوا قديمكم بشر من حديثكم. فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر و قالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن علیه السلام لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان فقال علي علیه السلام: يا هؤلاء كنت أدع رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم مسجى لاأواريه و أخرج أنازع في سلطانه واللَّه ما خفت أحداً يسمو له و ينازعنا أهل البيت فيه و يستحل ما استحللتموه، و لاعلمت أن رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم اللَّه ترك يوم غدير خم لأحد حجة و لالقائل مقالاً، فأنشد الله رجلاً سمع النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم يوم غديرخم يقول: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله أن يشهد الآن بما سمع. قال زيد بن أرقم فشهد اثنا عشر رجلاً بدرياً بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم فكتمت الشهادة يومئذ فدعا عليّ عليّ علیه السلام فذهب بصري.
2- الصاب: ثمر طعمه مر.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2/11 ص 565 ، لما قبض رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم و جرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها و إخراج ابن عمها أميرالمؤمنين علیه السلام و ما لحقها من الرجل أسقطت به ولداً تماماً، و كان ذلك أصل مرضها و وفاتها. و في البحار ج43 ص172، ح13 عن أمالي الصدوق، في خبر طويل قد أثبتناه في باب ما أخبر النبي هلال الهلال بالظلم أهل البيت علیهم السلام قال: و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين آخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي... إلى قوله صلي اللَّه علیه و آله و سلم... إلى قوله... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذلُّ بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها واسقطت جنينها علیها السلام... إلى آخر قوله. فينها: الخراج أو الغنيمة.

وَ أَخْرَجَ الكَرَارُ لَيْلاً نَعْشَها *** (وَزَيْنَبٌ) مِنْ خَلْفِهِمْ تَنْتَحِبُ(1)

فَقَالَ لِلزكي سكتها فَلا *** يُسْمَعُ جَهْراً صَوْتُها الْمُحَجَّبُ

فَلوْ يراها بالطُّفوفِ وَالْعِدى *** مِنْهَا الرِّداءَ وَالْخِمَارَ تَسْلُبُ

تَجُولُ في وادي الطُّفوفِ كَيْ تَرى *** أظفَالَها مِنَ الْخِيام هَرَبُوا

ثُمَّ انْتَنَتْ نَحْوَ أَخِيها وإذا *** بهِ علَى وَجْهِ الثّرى مُخَضَّبُ(2)

ص: 581


1- إشارة إلى ما روي في كتاب عوالم العلوم ج 2/11 ص 1119 سئل أميرالمؤمنين علیه السلام عن علة دفنه لفاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم ليلاً؟ فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها.
2- من وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص147.

(35) خامسة الأطهار علیها السلام

(بحر الرجز)

السيد مهدي الأعرجي(*)(1)

يَا أَيُّهَا الرَّبْعُ الَّذِي قَدْ دَرَسًا *** بَاكَرَكَ الغَيْثُ صَبَاحاً ومسا

كمْ زَمَنِ فِيكَ قَضَيْتُ لاأرى؟ *** الأحَبيباً أَوْ نَدِيماً مُؤنِسا

حَيْثُ تَرى وَجْهَ النَّرى مِنْ نَسْج *** كَفَّ الْغَيْثِ ثَوْباً سُنْدُسِيًّا لَبِسَا

وَ الرَّاحَ يَجْلُوهَا الرَّشَا فِي أَكْوسٍ *** قَدْ طَابَ ساقِيها وَ طابَتْ أَكْوسا(2)

أَرْدَتْنِي الأَوْزارُ لَكِنِّي تَخَلَّصْتُ *** بِمَدح (فَاطِم) خَيْرِ النّسا

مَنْ شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْرَها *** وَ أَذْهَبَ الرَّحْمَنُ عَنْهَا الدَّنَسَا(3)

بِنْتُ النَّبيِّ الطُّهْرِ بَلْ بَضْعَتُهُ *** خَامِسَةُ الأَطْهَارِ أَصْحَابِ الكِسَا

فَكَمْ بِهَا كَانَ يَقُولُ (أحْمَدٌ) *** لِلْمُسْلِمينَ مَجْلِساً فَمَجْلِسا؟

فَاطِمَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَها *** أَغْضَبَ جَبّارَ السَّمَاءِ وَأَسا(4)

ص: 582


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الراح: الخمر.
3- و ذلك لأنها مشمولة بقوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية: 33] ، فقد روي في كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147: خرج رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» أقول: ورواه البيهقي أيضاً في سننه ج2 ص149 ورواه ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم قال: «فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و في كتاب فرائد السمطين ج2 ص46: قال النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «إن اللَّه عز وجل» يغضب لغضب فاطمة علیها السلام، و يرضى لرضاها». أقول و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام من المهد إلى اللحد للسيد كاظم القزويني كتب في وصفها: فاطمة علیها السلام، و ما أدراك من فاطمة علیها السلام؟ شخصية إنسان تحمل طابع الأنوثة لتكون آية على قدرة الله البالغة و اقتداره البديع العجيب... فإن اللَّه تعالى خلق محمداً صلى اللَّه عليه و آله و سلم ليكون آية قدرته في للَّه الأنبياء... ثم خلق منه بضعته و ابنته فاطمة الزهراء علیها السلام لتكون علامة و آية على قدرة الله في إبداع مخلوق أنثى تكون كتلة من الفضائل و مجموعة من المواهب. فلقد أعطى الله «سبحانه وتعالى» فاطمة الزهراء علیها السلام أوفر حظ من العظمة... و أوفى نصيب من الجلالة بحيث لايمكن لأية أنثى أن تبلغ تلك المنزلة... فهي من فصيلة أولياء اللَّه الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض. و نزلت في حقهم آيات محكمات في الذكر الحكيم تتلى آناء الليل و أطراف النهار منذ نزولها إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم القيامة... شخصية كلما ازداد البشر نضجاً و فهماً للحقائق و اطلاعاً على الأسرار ظهرت عظمة تلك الشخصية بصورة أوسع... و تجلّت معانيها ومزاياها بصورة أوضح. إنها فاطمة الزهراء علیها السلام... اللَّه يثني عليها و يرضى لرضاها ويغضب لغضبها... و رسول اللَّه ينوه بعظمتها و جلالة قدرها... و أميرالمؤمنين علیه السلام لاينظر إليها بنظر الإكبار و الإعظام... و أئمة أهل البيت علیهم السلام لاينظرون إليها بنظر التقديس و الاحترام.

يَا وَيْحَ مَنْ أَغْضَبَها فِي فَيْئِها *** وَ مَا رَعاهَا بَلْ تَجافى وَقَسَا(1)

إِذْ قَالَ يَا قَوْمِ احْفَظُونِي فِي ابْنَتِي *** فَعادَ قَوْلُهُ لَهُمْ مُنْعَكِسا

أَصْبَحَ مِنْ بَعْدِ النَّبيِّ ضِلْعُها *** مُنْكَسِراً وَفَيْتُها مُخْتَلَسا(2)

وَ أَقْبَلُوا بِجَمْعِهِمْ لِدارِها *** وَ أَضْرَمُوا بِالْبَابِ مِنْهَا الْقَبَسا(3)

ص: 583


1- فينها: غنيمتها و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: إنه (أي الخليفة الأول) كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها. فقال: ممّاذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى؟ ثم أخذ الكتاب فشقه.
2- مُخْتَلسا: مستلب بمخاتلة و معاجلة و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198: فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه اللَّه فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
3- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123. قال المؤرّخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه و أحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً...

وَ فِي نِجَادِ السَّيْفِ قَادُوا بَعْلَها *** (عَلِيّاً) النَّدْبَ الهزبِرَ الأَشْوَسا(1)

تَاللهِ لَوْلا أَنَّهُ مُوصَى لِمَا *** أَلْفَوْاقِيادَهُ لَدَيْهِمْ سَلِسَا

وَ فَاطِمٌ خَلْفَهُمُ وَ دَمْعُها *** يَنْهَل مِنْ أَجْفَانِها مُنْبَجا

تَصِيحُ خَلّوا عَنْ عَلِيٌّ وَهُيَ فِي *** أَذْيَالِها تَعْمُرُ مِنْ فَرْطِ الأَسى

وَ لَمْ تَزل تَجْرَعُ مِنْهُمْ غُصَصَاً *** يَدُلُّ (رَضْوى) وَقَعُها وَ إِنْ رَسَا(2)

حَتَّى فَضَتْ غَضْبَى عَلَيْهِمْ وَ بِهَا *** لِقَبْرِها لَيْلاً (عَلِيٌّ) هَمَسا(3)

ص: 584


1- الندب: السريع إلى الفضائل الظريف النجيب الخفيف في الحاجة لأنه إذا ندب إليها خَفَّ لقضائها. الهزبر الأسد الأشوس: الرافع رأسه تكبراً.
2- رضوى: جبل بين المدينة وينبع. رسا: ثبت.
3- دیوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص155.

(36) الكساء اليماني

(بحر الرجز)

الشيخ مهدي الحجار

صلّوا على الخمسةِ أصحابِ العَبا *** أفضلِ خلقِ اللَّه أُمّاً و أبا

روتْ لنا البتولُ خيرَ القِصصِ *** حديثَ سبطيها و طهَ و الوصِي

قالتْ أتاني والدي محمدُ *** فقال يابنتاه ضعفاً أجدُ

فقلتُ عوّذتكَ بالرحمنِ *** يا أبتاهُ من طارقِ الزمانِ

فقال يابنتاهُ ناوِلينِي *** الكسااليمانِي و بِهِ غطَّيني

فمذ تغطّى فيه صرتُ أنظُرُ *** لوجهه كالبدرِ حينَ يُسفَرُ

فما تقضتْ ساعةٌ من الزمنْ *** حتى أتى قرةُ عيني الحسَنْ

فقال يا أماهُ ما هذا الشذا *** جدّي هنا قلتُ بلی ها هوذا

فجاءَ نحو جدِّه ملتمسا *** بأن يكونَ معهُ تحتَ الكسا

مسلماً عليه بالتبجيلِ *** مستأذناً عليه بالدخولِ

فقال یا ریحانتي وشبحي *** أدخل معي فأنت روحِ الروحِ

فما استمرَ ساعةٌ من الأمدْ *** حتى أتى الشهيدُ فلذةْ الكبدْ

و بالسلام بعد ما حيّاني *** يا أمُّ يا سيدِتِي نادانِي

إني أشمُّ نفحةً في الدارِ *** كأنهار رائحةُ المختارِ

قلتُ أجل يا ولدي إن أبيّ *** و ابني في هذا الكساءِ مختبِي(1)

ص: 585


1- مختبي: من الإختباء أو الإختفاء.

فقالَ و هو للسرورِ يُبدي *** عليك صلى ربُّنا يا جَدّي

تأذنُ يا جدَاهُ بالدخولِ *** قال نعمْ و أنعمِ القبولِ

ألستَ مِني يا حسينُ وأنا *** منك فما الحاجةُ أن تستأذنا؟

ثمَّ أتى من بعدهم عليُّ *** أبوالحسين السيدُ الوصيُّ

فقالَ يا فاطمةُ الزكيهْ *** عليكِ مني أفضلُ التحيهْ

أشمُ في داركِ خيرَ شمِ *** كأنها رائحةُ ابن عمّي

قلتُ أجل إن أخاك المصطفى *** و ابنيك في هذا الكساءِ التحفِا

فأقبلَ الكرارُ خيرُ البشرِ *** بعد النبي الطاهرِ المطهرِ

و بالصلاةِ والسلامِ أعلنا *** على النبيِّ ثم منه استأذنا

قال أخي تأذنُ أن أغدو معكْ *** قال بلى أخي قد أذنتُ لكَ

فادخل فأنتْ ياعليِّ مني *** هارونُ من موسى فبلّغ عنّي

ثم أتتْ سيدةُ النساءِ *** من بعدهم تمشِي إلى الكساءِ

و افتتحتْ بأفضلِ السلامِ *** على أبيها سيدِ الأنامِ

و بعد ذاكَ استأذنتْ عليهِ *** بأن تضمَّ نفسَها إليهِ

فقالَ يا بضعةً خيرِ الرسلِ *** ريحانتِي أنتِ هلّمي فادخلِي

فقال لما اكتملوا و اجتمعوا *** ربُّ السما يا ساكنِيها استمعُوا

و عزَّتي و رفعتي وجُودي *** أهلُ الكساءِ علةُ الوجودِ

لولاهمُ لم أخلقِ الأملاكا *** كلا و لاالنجومَ و الأفلاك

كلاَ و لاأرضاً و لاسَما و *** لاشمساً و لابدراً و لاكان المَلا

غايةُ خلقي للورى حبُّهُمُ *** فقال جبريلُ إلهي من هُمُ

قال هم خمسةُ وهم طه *** و فاطمٌ و بعلُها و أبناها

فقال جبرائیلُ ياربِّ العلى *** تأذنُ لي عليهمُ أن أنزِلا

لكَي أكونَ سادسَ الأشباحِ *** قال إذاً تفوزُ بالنجاحِ

ص: 586

فأنزل عليهمْ و اتل قولِي إنما *** يريد تطهيركُمُ ربُّ السما

فجاءَ وهو رافعٌ للصوتِ *** بآيةِ الطهرِ لأهلِ البيتِ

و قال يا من قد هدى الأناما *** ربُّ السما يقرِئُكَ السَّلاما

و هو يقولُ لك أي وحقّي *** من أجلِ حبكم خلقتُ خلقِي

و أنه آذن بالمصیرِ *** لكي أكونَ سادسَ العشيرِ

فهل ترى لي يا نبيَّ الرحمةْ *** بأن أكونَ معكُم للخدمةْ؟

قال نعم حبيبي ياجبريلُ *** أدخل فقد جاز لكَ الدخولُ

فعندها قال عليُّ ذو العلى *** لأحمدَ المختارِ يا مولى المَلا

بيَّن لنا يا عاليَ الجنابِ *** مالجلوسِنا من الثوابِ؟

فقال و هو الصادقُ الأمينُ *** و عنه يُروى الخبرُ اليقينُ

حديثنا ما ذكرتهُ الأمهْ *** في محفلِ إلا ونالُوا الرحمهْ

و لادعا اللَّهَ به مهمومُ *** الاَ وعنه زالتِ الهمومُ

و طالبُ الحاجة إن دعا بهِ *** فوراً يرى قضاءَها من ربهِ

قال إذاً فزنا وربِّ الكعبهْ *** و نالت الشيعةْ أعلى الرُتبهْ

ص: 587

(37) ساعد الزهراء علیها السلام

(بحر الرّجز)

السيد نصر الله الحائري(*)(1)

ص: 588


1- (*) السيد نصر الله الحائري هو أبوالفتح عز الدين نصراللَّه بن الحسين بن علي الحائري الموسوي الفائزي و ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام. كان مدرساً بالروضة المنوّرة الحسينية و لذلك يقال له (المدرس) قال: عبداللَّه السويدي البغدادي: إنه يعرف بابن قطة و كذا في نشوة السلافة و يعد السيد من عمالقة العلم و الأدب، و من أجلة العلماء و أكابر الفضلاء و الشعراء. كان شخصية لامعة في عصره له مجلس تدريس في الحضرة الحسينية المطهَّرة يحضره طائفة كبيرة من أفاضل أهل العلم. و ذكره الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال النجفية، فقال: يُعدّ الأستاذ المحدِّث الأديب السيد نصر الله الحائري «رحمه اللَّه علیه» من أئمة الأدب في منتصف القرن الثاني عشر. شدَّت إليه الرحال و كانت له في الحائر مدرسة مشهورة و خزانة من أنفس خزانات الكتب فی عصره جلب إليها النسخ المختارة من الأقطار البعيدة. فقد كان الأستاذ المشار إليه رحالة كثير الأسفار و قد زار القسطنطينية و عواصم البلاد الايرانية وسواها غير مرة. روى عنه و قرأ عليه أشهر أدباء العصر الذي يلي عصره أو الطبقة التي تلي طبقته، و منهم بعض آل النحوي و منهم على الغالب الأستاذ اللغوي الأديب السيد صادق الفحام النجفي و هذا من اشهر أدباء العصر المذكورين الذين تخرجوا على الحائري، و السيد مير حسين الرضوي النجفي صاحب الديوان و قد منح إجازات في الرواية والاجتهاد من مشاهير الأعلام و أعاظم الرجال. ومن تصانيفه: 1-كتاب الروضات الزاهرات في المعجزات بعد الوفاة. 2- سلاسل الذهب المربوطة بقناديل العصمة الشامخة الرتب. 3- رسالة في تحريم التبغ، وغير ذلك. و في عصر المترجم له قام السلطان (نادرشاه) بمحاصرة بغداد بجيوشه حوالى ثمانية أشهر، و حديث ذلك مشهور في تاريخ العراق، ممّا اضطر الدولة العثمانية إلى أن تعقد الصلح مع نادرشاه على أن يكف عن غاراته هذه من جانبه، و أما العثمانيون فعليهم أن يعترفوا بمذهب الشيعة رسمياً و أن يكون لهم محراب خامس في مكة المكرمة، و إمام للصلاة في الحرم و أن يكون أمير الحاج للشيعة من قبله على الطريق البري العراقي. إن السلطان بذل سياسة كبرى من أجل توحيد كلمة المسلمين و إماتة الخصومات والخلافات الطائفية، فقام نادر شاه بزيارة العراق وتوجه إلى النجف الأشرف لزيارة الإمام أمير المؤمنين فأمر بتذهيب القبة العلوية والمئذنتين والإيوان الشرقي وهي أول قبة كسيت بالذهب في العراق في سنة (1155ه). قال المترجم له قصيدة بهذه المناسبة مؤرخاً تذهيب القبة، وقد خمس هذه القصيدة تلميذه الشيخ أحمد النحوي ومطلع القصيدة: إذا ضامك الدهر يوماً وجارا *** فلذ بحمى أمنع الخلق جارا و قام نادرشاه أيضاً بزيارة مرقد أبي الشهداء الإمام الحسين علیه السلام في مدينة كربلاء المقدسة و في هذه الرحلة كان من أعظم اهدافه أن يجمع علماء الإسلام على الوئام. فقد أحضر الشيخ علي أكبر الطالقاني من علماء دار السلطنة و مفتيها و شيوخ الإسلام من إيران و أفغانستان و أحضر الشيخ عبد الله الآلوسي من بغداد فكتبوا الحكم والمحضر و وقعوه و أقاموا الجمعة جميعاً بجامع الكوفة، و كانوا في حدود خمسة آلاف و خطيبهم و إمامهم السيد نصر الله الحائري. و في تلك السنة أرسل نادرشاه السيد المترجم له مع هدايا و تحف إلى الحرمين إتماماً لذلك الأمر، فذهب و رجع فاتحاً، و في مرة ثانية من زيارة (نادرشاه) لمدينة النجف و كربلاء اجتمع بسيدنا المترجم له و أرسله من قبله إلى (القسطنطينية) في أيام سلطنة السلطان محمود العثماني لإمضاء الاتفاق المتقدم الذكر، ولكنه -و يا للأسف- لم يكمل تبليغه حسبما أراد فقد و شى به مفتي صيدا عند السلطان العثماني، فأمر بقتله فقتل هناك لأسباب تتعلق بشؤون الدين الإسلامي وكان ذلك بتاريخ (1168ه-) في (اسطنبول) عن عمر يقارب الخمسين و دفن هناك أسكنه الله فسيح جناته». و هكذا ختم حياته على غرار ما بدأها مجاهداً في سبيل الحق و العقيدة الراسخة و الإيمان المستقر فكان من الخالدين.

مِنْ غيرِ جُزمِ الحُسَيْنُ يُقْتَلُ *** وَ بِالدِّمَاءِ جِسْمُهُ يُغَسَّلُ

وَ يُنْسَجُ الأَكْفانُ مِنْ عَفْرِ الثَّرَى *** لَهُ جُنُوبُ وصَباً وَ شَمالُ(1)

وَ قُطْنُهُ شَيْبَتُهُ وَ نَعْشُهُ *** رُمْحٌ لَهُ الرِّجْسُ «سنانٌ» يَحْمِلُ

ص: 589


1- جنوب و صبا و شمال: ثلاثة أنواع من الرياح فالصبا ريحٌ مهبها جهة الشرق و يقابلها الدبور و الشمال ريح الشمال و الجنوب ريح مهبها الجنوب.

وَ يُوطِئُونَ صَدْرَهُ خَيْلُهُمُ *** وَ العِلْمُ فِيهِ وَ الكِتابُ المُنزَلُ

وَ يَشْتَكِيْ حرَّ الظَّما وَ السَّيْفُ مِنْ *** أَوْداجِهِ يُرْوَى دَماً وَيُنْهَلُ

وَ المُرْتَضَى السّاقِي عَلَى الحَوْضِ غداً *** أَبوهُ وَ الجَدُّ «النبيُّ المُرْسَلُ»

و أُمُّهُ (الطُّهْرُ) (الفُرَاتُ) مَهْرُها *** وَ كَفُهُ كَمْ فاضَ منها جَدْوَلُ(1)

وَ المُسْلِمُونَ لايُبالُونَ بما *** جَرَى وَ قَدْ خَرَّتْ لِذاكَ الأَجْبُلُ

وَ هَدَّ رُكْنَ العَرْشِ مِمّا نالَهُ *** وَ الأَرْضُونَ أَصْبَحَتْ تَزَلْزَلُ

وَ قَدْ بَكَى رَكنُ السَّمَوتِ دَماً *** وَ أَمْسَتِ الأملاكُ فيها تَعْولُ

وَ (المُصْطَفَى) وَ(فاطمٌ) وَ الحَسَنُ) *** السِّبْطُ بَكَوْا ممّا دَها وَ وَلْوَلُوا(2)

أَفْدِيهِ فَرْداً مَا لَهُ مِنْ ناصِرٍ *** سِوَى أَسَى وَ عِبْرَةٍ تَسَلْسَلُ

قَدْ حَرَّمُوا المَاءَ عَلَيْهِ قَسْوَةٌ *** وَ هُوَ لِخِنْزِيرِ الفَلا مُحَلَّلُ

وَ صَرَّعُوا أَصْحَابَهُ مِنْ حَوْلِهِ *** فِيا لِشهبٍ في الترابِ تَأفُلُ

وَ يا لأسادٍ عَلَيْها قَدْ سَطَتْ *** بَنُو كِلابِ لاسَقاها مَنْهَلُ

وَ أَرْكَبُوا نِساءَهُ عاريةً *** على مَطايا لَيْسَ فِيها ذُلُلُ

ص: 590


1- في دلائل الإمامة للطبري ، ص18، طقم في حديث طويل: فأوحى اللَّه «تعالى» إليه -إلى محمدصلي اللَّه علیه و آله و سلم- أني قد زوّجت علياً علیه السلام بفاطمة علیها السلام في سمائي تحت ظل عرشي و جعلت جبرئيل خطيبها و ميكائيل وليّها و إسرافيل القابل عن علي علیه السلام و جعلت نحلتها من علي علیه السلام خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في الأرض الفرات و دجلة و النيل و نهر بلخ. راجع المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص351، فصل في تزويجها علیها السلام.
2- في كتاب البحار، ج44 ص232 ح19، عن كامل الزيارة عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: دخلت فاطمة علیها السلام على رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و عيناه تدمع فسألته ما لك؟ فقال: «إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسيناً علیه السلام فجزعت و شقّ عليها...». و في كتاب البحار، ج44 ص149 ح17 ط بيروت باب أحوال وتواريخ الإمام الحسن علیه السلام عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: بينا أنا و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم إذ التفت الينا فبكى فقلت: ما يبكيك يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: «أبكي مما يصنع بكم بعدي». فقلت: وما ذاك يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: «أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدها وطعنة الحسن علیه السلام في الفخذ و السم الذي يسقى و قتل الحسين علیه السلام قال فبكى أهل البيت علیهم السلام جميعاً».

وَ نِسْوَةُ الطاغِي يَزِيدَ في حِمَى *** أَمْنِ عَلَيْهِنَّ السُّجُوفُ تُسْبَلُ

وَ أَرْضَعُوا ثَدْيَ المَنايا طِفْلَهُ *** و مَهْدُهُ صُخُورُها وَ الجَنْدَلُ(1)

وَ أَطْلَقُوا دَمْعَ عَلَيَّ ابْنِهِ *** وَ كَيْفَ لا وَهُمْ لَهُ قَدْ غَلَّلوا

فَيا لَهِيفَ القَلْبِ لاتُظف و لو *** همى من الدَّمْعِ سَحابٌ يَهْطُلُ(2)

و يا لِساني جُدْ بأنواع الرَّثا *** على إمام قَدْ بَكَتْهُ الرُّسُلُ

وَ ساعِدِ الزَّهْراءَ إِنَّ نَوْحَها *** عَلَيْهِ مِنهُ (يَذْبُلُ) يُقَلْقَلُ

كَيْفَ بها إذا أَتَتْ وَ شَعْرُها *** مِنْ فَوْقِ عَيْنَيْها عَنَاءٌ مُسْبَلُ(3)؟

وَ في يَدَيْها ثَوْبُهُ مُضَمَّخٌ *** بِالدَّمِ وَ الأعْداءُ طراً ذُهَلُ

وَ هُوَ بلارَأْسٍ فَتُبْدِي صَرْخَةً *** مِنْها جَمِيعُ العَالَمِينَ تَذْهَلُ(4)

فَيأمُرُ الجَبَّارُ جَلّ شَأْنُهُ النَّارُ *** و قد أظلَمَ مِنْهَا المَدْخَلُ

فَتَلْقِط الأرْجاسَ عَنْ آخِرِهِمْ *** فَيَصْهَلُونَ وَسْطَها وَتَصْهَلُ(5)

ص: 591


1- الجندل: الصخر العظيم أو مجموعة من الحجارة.
2- همی: سال.
3- في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج2 ص8، ح21. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلق بقائمة من قوائم العرش تقول: يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي...». قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: ويحكم الله لابنتي و رب الكعبة».
4- في ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص258، ح5. قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة علیها السلام في لمّة من نسائها فيقال لها: ادخلي الجنة فتقول : لاأدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي... فيقال لها انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين علیه السلام قائماً و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ بصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا فيغضب اللَّه «عزوجل» لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها: هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت فيقال لها... التقطي قتلة الحسين علیه السلام و حملة القرآن فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت و صهلوا بها و شهقت و شهقوا بها... راجع كتاب بحار الأنوار ج43 ص222 ح8 باب تظلمها في القيامة.
5- يصهلون: يصوتون.

يا آلَ «طه» أنْتُمُ ذَخِيرَتي *** وَ لَيْسَ لي سِوَى وَلاكُمْ مَوْثِلُ

فاتحِفُوني في غَدٍ بِشَرْبَةٍ *** تُظفى بها نارٌ بقلبي تَشْعَلُ(1)

صلّى عَلَيْكُمْ رَبُّنا ما أَرْقَلَتْ(2) *** شَوْقاً إلى قَصْدِ حِماكُمْ إِبلُ(3)

ص: 592


1- اتحفوني: أهدوا إلي.
2- أرقلت: أسرعت.
3- ديوان السيد نصر الله الحائري ص50.

(38) باب البتول فاطمة علیها السلام

(بحر الرجز)

القاضي النعمان

قبايَعَاهُ جَهْرَةً وَ قَالاَ *** بَلْ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ نَرَاهُ حالا(1)

وَ قَامَ مِنْهُمْ أَهْلُ قَتْلَى بَدْرِ *** وَ غَيْرُها وأَهْلُ حِقْدِ الأَسْرِ

فَبَايَعُوا، وَ هُمْ رُؤُوسُ قَوْمِهِمْ *** فَبَايَعَ النَّاسُ لَهُ مِنْ يَوْمِهِمْ

الأَّ قليلاً مِنْهُمُ قَدْ عَلِمُوا *** مَا كَانَ مِنْ نَبِيْهِمْ فَاعْتَصَمُوا

وَ قَصَدُوا إِمَامَهُمْ عَلِيًّا *** فَقَالَ: لَسْتُمْ فَاعِلِينَ شَيّا

قَالُوا: بَلَى نَفْعَلُ، قَالَ: انْطَلِقُوا *** مِنْ فَوْرِكُمْ هَذَا إِذَنْ فَحَلْقُوا(2)

ص: 593


1- والأبيات التي تليه في «الاحتجاج» ج1 ص93 ط دار النعمان النجف: «... فقال أبوبكر: هذا عمر و أبوعبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم. فقال عمر و أبوعبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك فقال بشير بن سعد و أنا ثالثكما. و كان سيد الأوس، و سعد بن عبادة سيد الخزرج فلما رأت الأوس صنع سيدها بشير وما ادعت إليه الخزرج عن تأمير سعد أكبوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا...».
2- في «الاحتجاج» ج1 ص107: «...فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلّقين رؤوسهم معهم سلاحهم و قد بايعوه على الموت...». و في كتاب «سليم بن قيس» ص31: «...فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعين رجلاً فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معم سلاحهم ليبايعوا على الموت فأصبحوا فلم يوافق منهم أحد إلا أربعة فقلت: لسلمان من الأربعة؟ فقال: أنا و أبوذر و المقداد و الزبير بن العوام ثم أتاهم لعليا من الليلة المقبلة فناشدهم فقالوا: نصبحك بكرة فما منهم أحد أتاه غيرنا ثم أقام الليلة الثالثة: فما أتاه غيرنا».

رُؤُوسَكُمْ كُلكُمُ لِتُعْرَفُوا *** مِنْ بَيْنِهِمْ بِدالِكُمْ وَانْصَرِفُوا

إِلَيَّ كَيْما أنْصِبُ القِتالا *** حَتَّى يَكُونَ رَبُّنا تَعَالَى

يَحْكُمُ فِينَا بَيْنَنَا بِحُكْمِهِ... *** فَفَشِلُوا لَمّا رَأَوْا مِنْ عَزْمِهِ

وَ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ الأَسَبْعَهْ *** وَ اسْتَحْسَنَ البَاقُونَ أَخَذَ البَيْعَهْ(1)

وَ كُنْتُ قَدْ سَمَّيْتُهُمْ فَقَالا *** لَسْتُ أَرَى عَلَيْكُمُ قِتالا

لأَنَّكُمْ فِي قِلَّةٍ قَلِيلَهْ *** لَيْسَ لَكُمْ بِجَمْعِهِمْ مِنْ حِيلَهْ

فَجَلَسُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَنْظُرُوا *** ماذا يَرَى فِي أَمْرِهِمْ وَ يَأْمُرُ

فَجَاءَهُمْ عُمَرُ فِي جَمَاعَهْ *** إِذْ لَمْ يَرَوْا لِمَنْ أَقَامَ طَاعَهْ(2)

حَتَّى أَتَوْا بَابَ البَتُولِ فَاطِمَهْ *** وَ هْيَ لَهُمْ قَالِيَةٌ مُصَارِمَهْ(3)

فَوَقَفَتْ مِنْ دُونِهِ تَعْذِ لُهُمْ *** فَكَسَّرَ البَابَ لَهُمْ أَوَّلُهُمْ

فَاقْتَحَمُوا حِجَابَهَا فَعَوَّلَتْ *** فَضَرَبُوها بَيْنَهُمْ فَأَسْقَطَتْ

فَسَمِعَ القَوْلَ بِذَاكَ فَابْتَدَرُ *** إِلَيْهِمُ الزُّبَيْرُ -قَالُوا- فَعَثَرْ

فَبَدَرَ السَّيْفَ إِلَيْهِمْ فَكَسَرْ *** وَ أَطْبَقُوا عَلَى الزُّبَيْرِ فَأُسِرْ

فَخَرَجَ الوَصِيُّ فِي بَاقِيهِمْ *** إِذْ لَمْ يَرَوْا دِفَاعَهُمْ يُنْجِيهِمْ

فَاكْتَنَفُوهُمْ وَ مَضَوْا فِي ضِيقِ *** حَتَّى أَتَوْا بِهِمْ إِلَى عَتِيقِ

ص: 594


1- لم نعثر في المصادر المتوفرة بأيدينا على رواية تقول كانوا سبعة بل الأغلب ذكر انهم أربعة واللَّه العالم.
2- في كتاب «الاحتجاج» ج1 ص109: «...ثم قال لقنفذ إن خرج وإلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً، فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا عليه حبلاً أسودا و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها. فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها وألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
3- قالية: مبغضة مصارمة: مقاطعة.

إلى أن قال:

يَا حَسْرَةً مِنْ ذَاكَ فِي فُؤَادِي *** كَالنَّارِ يُذْكِي حَرَّهَا اعْتِقَادِي

وَ قَتْلُهُم فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ *** أَضْرَمَ حَرَّ النَّارِ فِي أَحْشَائِي

لأنَّ فِي المَشْهُورِ عِنْدَ النَّاسِ *** بِأَنَّهَا مَانَتْ مِنَ النَّفَاسِ

وَ أَمَرَتْ أَنْ يَدْفِنُوها لَيْلا *** وَ أَنْ يُعَمّى قَبْرُهَا لِكَيْ لا(1)

يَحْضُرُها مِنْهُمْ سِوَى ابْنِ عَمِّهَا *** وَ رَهْطِهِ ثُمَّ مَضَتْ بِغَمها

صَلَّى عَلَيْهَا رَبُّهَا مِنْ مَاضِيَهْ *** وَ هْيَ عَنِ الأُمَّةِ غَيْرُ رَاضِيَهْ

فَبَايَعُوا كُرْهاً لَهُ تَقِيَّهْ *** وَ اللَّهُ قَدْ رَخَضَ لِلْبَرِيَّهْ

لأَنَّهُ الرَّؤُوفُ بِالعِبَادِ *** فِي الكُفْرِ لِلْكُرْهِ بِلاَ اعْتِقَادِ

إلى أن قال:

وَ قَدْ رُوِيَ فِي ذَاكَ فِيمَا ثَبَتَا *** بِأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَمّا أَتَى

بايِعُ: فَقَالَ: إِنْ أَنَا لَمْ أَفْعَلْ *** قَالَ: إِذَنْ آمُرُهُمْ أَنْ تُقْتَلْ(2)

فَأشْهَدَاللَّهَ عَلَى اسْتِضْعَافِهِ *** وَ بَايَعَ الغَاصِبَ فِي خِلافِهِ

خَوْفاً مِنَ القَتْلِ، وَبَايَعَ النَّفَرْ *** لَهُ عَلَى الكُرْهِ لِخَوْفِ مَنْ حَضَرْ

ص: 595


1- يُعمَّى: يخفى و«... فلما أن هدأت العيون ومضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهم السلام، و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلوا عليها و دفنوها في جوف الليل، و سوى علي حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايعرف موضعه...». انظر: «بحار الأنوار» ج43، ص191 ح20.
2- في كتاب «سليم بن قيس» ص45: «...ثم قال : قم يا بن أبي طالب فبايع فقال: فإن لم أفعل؟ قال: إذن واللَّه نضرب عنقك، فاحتج عليهم ثلاث مرات ثم مد يده -من غير أن يفتح كفه- فضرب عليها أبوبكر و رضي بذلك منه، فنادى علي علیه السلام قبل أن يبايع -والحبل في عنقه-: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني».

فَإِنْ يَكُونُوا اسْتَضْعَفُوا الأَمِينا *** فَقَبْلَهُ مَا اسْتَضْعَفَتْ هَارُونا

أُمَّةٌ مُوسَى إِذْ أَرَادُوا قَتْلَهُ *** فَقَدْ أَرَادَتْ قَتْلَ ذَاكَ قَبْلَهُ

وَ سَلَكُوا سَبِيلَهَا فِي الفِعْلِ *** فِي الأَوْصِيَاءِ مِثْلَ حَذْوِ النَّعْلِ

بِالنَّعْلِ وَ القُذَّةِ إِذْ تَمَثَلُوا *** كَمِثْلِ مَا قَالَ النَّبِيُّ المُرْسَلُ(1)

ص: 596


1- القدة: الأذن من الإنسان والفرس، ريش السهم البرغوت.

(39) خَيْرُ نِسَاءِ الْأَمْةِ

(بحر الرجز)

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء(*)(1)

ص: 597


1- (*)الشيخ هادي ابن الشيخ عباس بن علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. ولد في النجف الأشرف سنة (1287ه_). نشأ في بيت العلم و الكمال و الهيبة و الجلال و تتلمذ على فطاحل العلم والكمال ومنهم الشيخ ملامحمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و شيخ الشريعة الأصفهاني و السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، و يروي إجازة عن السيد حسن الصدر و الشيخ آغا رضا الهمداني و نال مرتبة الاجتهاد وأصبحت قلوب الناس متعلّقة به ومنجذبة إليه لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة ما جلس إليه أحد إلا انجذب إليه لروحانيته و أفاض عليه من نميره العذب. و اختلف على مجلسه و حلقته العشرات من الأفاضل الذين انتهلوا من معينه و استفادوا من فقاهته، فقد كان من مشاهير مراجع عصره و من الذين آمن بهم رعيل كبير من وجوه الأتقياء و الزهاد فاقتدوا به ورجعوا إلى رأيه. نظم الشعر في حداثة سنه مع أخدانه أبطال الشعر و نوابغ الفن أمثال الشيخ جواد الشبيبي و الشيخ آغا رضا الأصفهاني و السيد جعفر الحلي و أضرابهم. و أما آثاره العلمية فكثيرة فقد ألف كتباً في الفقه والأصول وطبعت له عدَّة رسائل عملية أشهرها (هدى المتقين) طبعت سنة (1342 ه_) و شرح شرائع الإسلام و شرح تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي و له منظومة في النحو، و أخرى في الإمامة، و مستدرك نهج البلاغة، و مصادر نهج البلاغة ،و مداركه، و أما المنظومة المسماة (المقبولة الحسينية) فلازال خطباء المنبر الحسيني يجعلونها موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية، وكانت له مكتبة ضخمة تضم المئات من الكتب الثمينة والمخطوطة النادرة. كان لنعي المترجم له رنّة أسى هزت أرجاء العراق خاصة والحوزات العلمية في كل مكان عامة و كان ذلك في ليلة الأربعاء في 9 محرم سنة (1361 ه_) و كان يوماً مشهوداً و اشترك سائر الطبقات بمواكب العزاء في تشييعه حتى أودع في مقبرة الأسرة الخاصة بآل كاشف الغطاء مع والده وجده «رحمهم اللَّه جميعاً».

فَاطِمَةٌ خَيْرُ نِسَاءِ الأُمَّهْ *** مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ عُصِمَتُ وَ وَضَمَهْ(1)

خَيْرُ النَّسَاءِ فَاطِمُ الزَّهْرَاءِ *** يُرْهِرُ نُورُها إِلَى السَّمَاءِ

قَدْ فَطَمَتْ عَنِ الجَحِيمِ الحَاطِمَهْ *** شِيعَتَها فَسُمِّيَتْ (بِفَاطِمَهْ)(2)

مامِثلُها في كُلِّ أَقْرَبَائِهِ *** لامِنْ بَنَاتِهِ وَلا نِسَائِهِ

قَدْ وُلِدَتْ مِنْ بَعْدِ عَامِ البِعْثَهْ *** وَ قَدْ حَوَتْ دُونَ بَنِيهِ إِرْثَهْ(3)

وَ كَانَ مِنْهَا دُونَ مَنْ عَدَاهَا *** مِنْ أَهْلِهِ نَسْلُ النَّبِيِّ طاها

(أُمَّ أَبِيها) وَ هْيَ أُمُّ ابْنَيْهِ *** أَحَبُّ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَيْهِ

لَوْلاً (عَلِيٌّ) لَمْ يَكُنْ كُفْوٌ لَهَا *** مِنْ (آدَمٍ) إِلَى مِنَ الخَلْقِ انْتَهَى

مَنْ بِهِمُ تَابَ الإِلهُ وَ عَفا *** عَنْ آدَمِ وَ قَدْ كَفَاهُ شَرَفا

وَ مَنْ بِهِمْ بَاهَلَ سَيِّدُ الوَرَى *** وَ قُلْ تَعَالَوْا أَمْرُهَا لَنْ يُنْكَرا(4)

(وَ هَلْ أَتَى) فِي حَقِّهَا وَ كَمْ أَتَى *** مِنْ آيَةٍ وَ مِنْ حَدِيثٍ ثَبَتا

لَمَّا رَوَوْهُ فِي الصَّحِيحِ المُعْتَبَرْ *** مِنْ أَنَّها بَضْعَةُ سَيِّدِ البَشَرْ

وَ بَضْعَةُ المَعْصُومِ كَالمَعْصُومِ *** فِي الحُكْمِ بِالخُصُوص وَ العُمُومِ

لأَنَّهَا مِنْ نَفْسِهِ مُقْتَطَعَهْ *** فَحَقُها فِي حُكْمِهِ أَنْ تَتْبَعَهْ

إِلاَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ *** فَإِنَّنا بذاك لاتَقُولُ

بِذَاكَ وَ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِها مَا وَرَدا *** فِي شَأْنِها فَالحُكْمُ لَنْ يَطَّرِدا

ص: 598


1- وصمة: عيب و عار.
2- في «ذخائر العقبى» ص26: «قال رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام أتدرين لم سميت فاطمة علیها السلام؟ فقال علي علیه السلام: يا رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لم سميت؟ قال: لأنها فطمت هي و شيعتها من النار».
3- انظر «علل الشرائع» ج1 ص212 ح5 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت «بحار الأنوار» ج43 ص14 ح10.
4- باهل: لاعَنُ، و تقدم في هوامش عديدة ذكر العديد من الآيات التي نزلت في حق أهل البيت علیهم السلام و البيتان إشارة إلى آية المباهلة «قل تعالوا ندعو ابناءنا وأبناءكم...». و سورة الدهر في قوله «تعالى»: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر»...الخ .

وَآيَةُ التَّطْهِيرِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى *** عِصْمَتِها مِنَ الذُّنُوبِ كَمَلا

أَذهَبَ عَنْهَا رَبُّهَا الرِّجْسَ كَمَا *** طَهَّرَها فِي الخَلْقِ عَمّا وصَما

صَلِّ عَلَيْهَا إِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى *** فَاطِمَةٍ يُغْفَرْ لَهُ مَا فَعَلا

وَ رَبُّهُ يُلْحِقُهُ امْتِنَانَا *** بِالمُصْطَفَى فِي الخُلْدِ حَيْثُ كانا

وَيْلٌ لِمَنْ مَاتَتْ عَلَيْهِ غَضْبَى *** فِي شَأْنِهَا لَمْ يَرْعَ حَقَّ القُرْبَى

قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** شَهْراً وَ عُشراً فَعَلَى الدُّنْيَا العَفَا(1)

وَ قِيلَ شَهْرَيْنِ وَ نِصْفَ شَهْرِ *** قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا الطُّهْرِ

وَ قِيلَ تِسْعِينَ مِنَ الأَيَّامِ *** وَ خَمْسَةٍ تَكُونُ بِالتَّمَامِ(2)

وَ قِيلَ فِي ذلِكَ أَقْوَالٌ أُخَرْ *** وَ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي اشْتَهَرْ

هذَا وَلكِنْ أَوَّلُ الأَقْوَالِ *** أَنْسَبُها بِمُقْتَضَى الأَحْوَالِ

فَإِنَّهَا لأَقَتْ مِنَ الأَهْوَالِ *** وَ سَيّىء الأَفْعَالِ وَالأَقْوَالِ

مَا لَوْ يُلاقِي بَعْضُهُ الجِبَالا *** لَزُلْزِلَتْ مِنْ وَقْعِهِ زِلْزِالا

وَ كَيْفَ تَبْقَى مُدَّةٌ مِنَ الزَّمَنْ *** مِنْ بَعْدِ هَاتِيكَ الخُطُوب وَ المِحَنْ

يَكْفِي لِمَوْتِهَا مِنَ الأَخْطَارِ *** وَقْعَةُ بَيْن (البابِ وَالجِدَارِ)

في دَارِها قَدْ هَجَمُوا عَلَيْهَا *** قَدْ رَوْعُوها وَ أَخَافُوا ابْنَيْها

وَ شَاهَدَتْ بِعَيْنِهَا مَا قَدْ جَرَى *** مِنْهُمْ عَلَى ابْنِ عَمُها مَوْلَى الوَرَى

ص: 599


1- في كتاب «كشف الغمة» ج2 ص75 ط/ دار الكتاب الإسلامي. عن أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام قال: ولدت فاطمة علیها السلام بعد ما أظهر اللَّه نبوّة نبيه و أنزل عليه الوحي بخمس سنين و قريش تبني البيت...». انظر «بحار الأنوار» ج43 ص7 ح8:
2- في «المناقب» ج3 ص357 «والأبيات التي تليه» قبض النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و لها يومئذ ثماني اللَّه عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنين و سبعين يوماً و يقال: خمسة و سبعون يوماً وقيل: أربعة أشهر و قال القرباني قد قيل: أربعون يوماً و هو أصح». انظر «البحار» ج 43 ص180 ح16.

مِنْ بَيْتِها قَدْ الخَرَجُوهُ قهرا *** يُقَادُ بِالنَّجَادِ قَوْدَ الأَسْرَى(1)

رَأَتْ مِنَ الذُّلَّةِ وَ الهَوَانِ *** وَ قِلَّةِ الأَنْصَارِ وَ الأَعْوَانِ(2)

وَمِنْ أَبِيهَا مَنَعُوا مِيرَاثَهَا *** وَ لَمْ تَجِدْ فِي القَوْمِ مَنْ أَغَاثَهَا

لَمْ يَحْفَظُوا بَضْعَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ *** وَ يُحْفَظُ المَرْءُ بِحِفْظِ وُلدِهِ

لقَدْ أَضَاعُوا حَقَّها جهارا *** وَ أَنْكَرُوا حُجَّتَها إنكارا

وَ طَلَبُوا بَيْنَةً مِنْهَا عَلَى *** مَا كَانَ تَحْتَ يَدِها مُسْتَعْمَلا(3)

ما طَلَبَتْ لأن يُصِيبُوا رُشدا *** ما طَلَبَتْ إلأ لأنْ تُرَدًا

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَمْرَ (فَدَكَ) *** وَ لادَرَوْا بِمَنْ لَهَا كَانَ مَلَكْ

أَكَانَ يَحْفَى أَمْرُهَا عَلَيْهِمُ *** وَ لَمْ يَصِلُ مِنْ خَبَرِ إِلَيْهِمُ

وَ هَلْ بهذا الأمْرِ مِنْ خَفَاءِ *** وَ إِنَّهَا نُحَيْلَةُ الزَّهْرَاءِ(4)

وَ كَيْفَ تَسْتَعْظِمُ غَصْبَهُمْ فَدَكْ *** أَوْ يَعْتَرِيكَ اليَوْمَ فِي ذلِكَ شَكٍّ؟

وَ قَدْ جَنَوْا مَا هُوَ أَدْهَى وَأَمَرْ *** وَ ارْتَكَبُوا أَمْراً عَظِيماً ذا خَطَرْ(5)

خِلافَةٌ تَقَمَّصُوها غَصْبا *** مِنْ أَهْلِهَا وَانْتَهَبُوها نَهْبا(6)

ص: 600


1- النجاد: حمائل السيف و في عوالم سيدة النساء ج2 ص572 ضمن ح24 منقولاً عن «علم اليقين في أصول الدين».
2- «...ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه واجتمعوا عليه حتى أخرجوه من داره مليباً بثوبه يجرونه إلى المسجد...
3- في بحار الأنوار ج28 ص61 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...و أما ابنتك فتظلم و تحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يحسّها هوان و ذلّ ثم لاتجد مانعاً...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص545 ح1.
4- نحيلة: عطية صغيرة وهبة.
5- أدهى: الداهية المصيبة، الأمر العظيم، الأمر المنكر.
6- جاء في «الاحتجاج» ج1 ص115 ط/ النعمان النجف: «...روي أن أباقحافة كان بالطائف لما قبض رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و بويع لأبي بكر فكتب ابنه إليه كتاباً عنوانه (من خليفة رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم إلى أبي قحافة أما بعد فإن الناس قد تراضوا بي فإني اليوم خليفة اللَّه فلو قدمت علينا كان أقر لعينك قال: فلما قرأ أبوقحافة الكتاب قال للرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم: ما منعكم من علي علیه السلام؟ قال : هو حدث السن وقد أكثر القتل في قريش وغيرها و أبوبكر أسن منه. قال أبوقحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر لقد ظلموا علياً علیه السلام حقه و قد بايع له النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و أمرنا ببيعته.

وَاغْتَصَبُوا مِنَ الوَصِيَّ حَقَّهْ *** وَ لَمْ يُرَاعُوا قُرْبَهُ وَ سَبْقَهْ

لَوْ رَاقَبُوا مَعَادَهُمْ وَ أَنْصَفُوا *** لأَذْهَنُوا لأَمْرِهِ وَ اعْتَرَفُوا

هَلْ فِيهِمُ مَنِ اقْتَفَى آثَارَهُ *** أَوْ شَقَّ فِي مَكْرُمَةٍ عُبَارَهُ

وَ هَلْ لَهُمْ مِنَ العُلُومِ وَ الحِكَمْ *** مِعْشَارُ مَا قَدْ صَحَ عَنْهُ وَارْتَسَمْ؟

لَهُ مِنَ الفَضَائِلِ الْمَاثُورَهْ *** مَا لَمْ تَسَعُهُ الصُّحُفُ المَنْشُورَهْ

عِلْماً تُقَى شَجَاعَةٌ فَصَاحَهْ *** زُهْداً حِجّى عِبادَةٌ سَمَاحَهْ

هذَا مَعِ الغَضْ عَنِ النُّصُوصِ *** عَلَيْهِ بِالعُمُومِ وَالخُصُوصِ

مِنْ آيَةٍ تُتْلَى وَمِنْ نَصَّ خَبَرْ *** عَنِ النَّبِيِّ المُصْطَفَى قَدِ اشْتَهَرْ

وَ أَوْضَحَ الحَقَّ النَّبِيُّ الأُمِّي *** لِلنَّاسِ طُرّاً فِي (غَدِيرِ خُمْ)(1)

فَمَنْ تَرَى أَوْلَى بِهَذَا الأمر؟ *** فَاحْكُمُ بِوجْدَانِكَ ياذَا الخُبْرِ

وَ كَيْفَ وَ التَّقْدِيمُ لِلْمَغْضُولِ *** تَمْنَعُهُ أَوَائِلُ العُقُولِ

باسم أَمِيرِالمُؤْمِنِينَ الحُتُصّا *** وَ كَمْ عَلَى هَذَا حَدِيثٍ نَصَّا

فلاً تُسَمَّ أحَداً سِوَاهُ *** وَ إِنْ يَكُنْ ذلِكَ مِنْ أَبْنَاهُ

أخُو النَّبِيِّ وَ أَبُوسِبْطَيْهِ *** وَ نَفْسُه نَحُلُ فِي جَنْبَيْهِ

أَخُوهُ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ صِهْرُهُ *** بِهِ كَهَارُونَ يَشُدُّ أَزْرَهْ(2)

ص: 601


1- في «الخصال» ج1 ص173 ط/ جماعة المدرسين -قم: «قالت سيدة النسوان فاطمة علیها السلام لما منعت فدك و خاطبت الأنصار فقالوا: يابنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم لو سمعنا هذا الكلام قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي علیه السلام أحداً فقالت: و هل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً».
2- أزره ظهره و جاء في كتاب «القطرة» للسيد أحمد المستنبط ص153 ج2 ح67 (ط الثانية/ مكتبة نينوى الحديثة)«...هذا أخي و ابن عمي و صهري و وارث علمي علي بن أبي طالب علیه السلام...». و انظر «مجمع البحرين» ج4 ص356 باب (شيع) ط/ الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت.

أفضلُ مَنْ صَلَّى وَ صَامَ وَ اقْتَرَبْ *** بَعْدَ نَبِي الحَقِّ سَيْدِ العَرَبْ

مَنْ لَمْ يُوالِهِ فَلا إيمانَ لَهْ *** وَ اللَّهُ لَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ عَمَلَهْ

لاَتَصْبِرُ الشُّمُّ الرِّعانُ صَبْرَهْ *** وَ لاَتُدَانِي حِلْمَهُ وَ قَدْرَهْ(1)

شاهَدَ فِيهِمْ (فَاطِماً) وَ ظُلْمَها *** وَ غَصْبَها حقوقها وَ هَضْمَها

يَسْمَعُ مِلْءَ سَمْعِهِ شَكْواها *** ثُمَّ يَرَى بِعَيْنِهِ بُکَاها

ما كانَ يَرْضَى أَنَّهَا تُهْتَضَمُ *** أَوْ أَنَّها بَعْدَأَبِيهَا تُظْلَمُ

أَكَانَ مِنْهُ ذَاكَ جُبْناً وَ حَذَرْ *** أَوْ عَجْزاً عَنِ النضال وَ خَوَرْ(2)؟

لاوَالَّذِي كَوَّنَهُ بِجُودِهِ *** أَكْبَرُ آيَةٍ عَلَى وُجُودِهِ

بَلْ ذَلَّلَ النَّفْسَ لِعِزَّ الدِّينِ *** وَ مَا انْطَوَى فِي عِلْمِهِ المَكْنُونِ(3)

ص: 602


1- الشُّمُ: شمَّ شمماً: تكبَّر و الجبل و الأنف ارتفع أعلاه فهو أشم. مرَّ رافعاً رأسه: يقال «و عرضت عليه كذا فإذا هو شُمَّ لايريده» أي شمُّ أنفه رافعه شامخ به. به الرّعان: الرعن -رعان و رعون: أنف الجبل الجبل الطويل. و فى هذه البيت و الأبيات التي تليه إشارة لما ورد في عوالم سيدة النساء ج2 ص575 ح26 منقولاً من کتاب «نوائب الدهور» ج3 ص157: «... أيتها الغدرة الفجرة... فاستعدوا للمسألة جواباً ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً اَوَ تُضرب الزهراء علیها السلام نهراً و يؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد... فليت ابن أبي طالب علیه السلام مات قبل يومه فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرّة فتباً تَباً و سحقاً سحقاً ذلك أمر إلى اللَّه مرجعه و إلى رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم مدفعه، فقد عزّ على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسوَّد متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه... فالصبر أيمن و أجمل و الرضا بما رضي الله أفضل لكي لايزول الحق عن وقره و يظهر الباطل من وكره حتى ألقى فأشكو إليه ما ارتكبتم من غصبكم حقي و تماطلكم صدري و هو خير الحاكمين...».
2- خور: فتور و ضعف و انكسار.
3- وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص123.

(40) أزهرت مكة

(بحر الرجز)

الشيخ هادي اليعقوبي(*)(1)

و من أرجوزته في المعصومين علیهم السلام عند ذكر الصديقة الزهراء علیها السلام قوله:

لفاطمِ الزهراءِ خيرُ مولدِ *** سُرّ بهِ قلبُ النبي أحمدِ

و سرَّ قلبُ الدينِ والدنيا زهتْ *** بنورِ بنتِ المصطفى و أشرقَتْ

و ضاءتِ الأرضُ و قد شعَّ الفضا *** به وعرشُ اللَّه ليلاً قد أضا

و أزهرتْ مكةُ ثم كلُّها *** بنورِ من يذكرُ دهراً فضلَها

و الناس يرنونَ السماءَ زاهرةْ *** بنورِ أم الحسنين الطاهرة

ص: 603


1- (*) هو الشيخ هادي بن محمد حسين بن يعقوب اليعقوبي النجفي. خطيب واعظ شاعر. ولد فى النجف سنة 1321 و نشأ في الحلة على جده و أبيه و عمومته. رافق عمه شیخ الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي سنين عديدة و سكن معه في الحلة ثم الكوفة سنة1339، ثم الحيرة سنة1342، ثم عاد إلى النجف سنة 1359 و استفاد من صحبته و أخذ عنه الخطابة والأدب حتى برع فيهما. اشتغل بطلب العلوم الدينية فأخذها على العلامة السيد محمد علي الغريفي ،و غيره ثم صار وكيلاً شرعياً في مدينة الحيرة من قبل الإمام الشيخ محمد رضا آل ياسين، بعدها عاد إلى النجف وسكنه بقية عمره. والمترجم له شاعر نظم ب«العامية والفصحى»، كثير الإنتاج و له عدة دواوين ضاع أكثرها و لم يسلم من ذلك إلا «كشكول» و أرجوزة سماها «نظم الدرر في أحوال المعصومين الأربعة عشر علیهم السلام» نظمها في الحلة أيام شبابه وقد تلف أكثرها، وديوان عشر أسماه «حلبات الآداب» بخطه يوجد في مكتبة الإمام الحكيم العامة. توفي في النجف سنة 1396 و دفن به.

بهذهِ الليلة قد باتَ المحبْ *** بفاطمِ الزهراء مسروراً طَرِبْ

ذي ليلةٌ بها لنا أفراحُ *** و للأعادي كلُّها أترَاحُ

بها نهنّي المصطفى محمدا *** عالي الفخارِ والمقامِ الأمجدا

ثم نهتّي الدينَ في خيرِ النسا *** فاطمةٍ بكلِ خير و مسا

ص: 604

(41) تحت الكساء

(بحر الرجز)

السيد هاشم محسن الموسوي(*)(1)

قَالَ ابْنُ مُحْسِنِ اللعيبي هاشِمُ *** مَنْ قَدْ نَمَاهُ المُرْتَضَى وَ فَاطِمُ

الحَمْدُ لِلَّهِ مُصَلّياً عَلَى *** مُحَمَّدٍ وَالآلِ أَرْبابِ العُلَى

وَ بَعْدُ: إِنِّي قَدْ نَظَمْتُ خَبَراً *** لَنَا رَوَتْهُ العُلَماءُ الخُبرا

عَنِ البَتُولِ فَاطِم تَقُولُ *** يَوْماً أَتَى مَنْزِلِي الرَّسُولُ(2)

ص: 605


1- (*)هو السيد هاشم ابن السيد محسن ابن السيد علي اللعيبي الموسوي. ولد في (النشوة) من البصرة عام (1309ه) و تربى في حجر والده المحسن التربية الطيبة و تغذى من علومه و معارفه و أخلاقه و شب و نشأ على حب العلم النافع و الأخلاق الحسنة. درس في النجف الأشرف برهة من الزمان و آونة من الدهر ثم آب إلى بلده و مسقط رأسه (النشوة) مكرماً و محترماً. و بعد وفاة والده السيد محسن أعطيت له وكالة من قبل المرجع الكبير زعيم المذهب السيد أبي الحسن الأصفهاني. و بعد وفاة السيد أبي الحسن حصل على وكالة من قبل المرجع السيد محسن الحكيم فكان حقاً مؤدياً لدوره الديني و الإرشادي، فجزاه الله عن الإسلام و المسلمين خيرالجزاء. و في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر صفر عام (1376 ه_) لبِّى نداء ربه و أجاب داعي مولاه، و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف مشيَّعاً تشييعاً باهراً و دفن في الغري الأقدس في مقبرتهم المعروفة «صب الله عليه شآبيب رحمته» و أسكنه بحبوحة جنته.
2- لعل هذا والأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931 «عن الكساء الشريف المقدس»: «عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن فاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم، قال: سمعت فاطمة علیها السلام أنها قالت دخل علي أبي رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم في بعض الأيام، فقال: السلام عليك يا فاطمة علیها السلام فقلت: و عليك السلام. قال: إني أجد في بدني ضعفاً، فقلت له: أعيذك باللَّه یا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم من الضعف. فقال: يا فاطمة علیها السلام أيتيني بالكساء اليماني فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به.».

سلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِي آتِينِي *** بِذَا الكِسَاءِ وَبِهِ غَطيني

قُلْتُ لَهُ أَفْدِيكَ يَا خَيْرَ الوَرَى *** ماذا تَحِسُّهُ وَمَا الَّذِي عَرَا

قَالَ أُحِسُّ ضَعْفاً أَعْتَرَانِي *** فِي بَدَنِي يا خيرَةَ النِّسْوَانِ(1)

لَمَّا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي أَتَيْتُهُ *** بِذلِكَ الكِسَاءِ قَدْ غَطَيْتُهُ

وَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنَ النَّهارِ *** أَتَى ابْنِي الزَّكِي ذُو الأَنْوَارِ(2)

سَلَّمَ قَائِلاً أَشُمُ رَائِحَهْ *** عِنْدَكِ يَا أُمَّاهُ كَانَتْ فَائِحَهْ(3)

كَأَنَّهَا رَائِحَةُ المُخْتَارِ *** المُصْطَفَى جَدِّي حَبِيبِ البَارِي

قُلْتُ نَعَمُ يا زَهْرَةَ الزَّمَانِ *** ذَا نَايَمٌ تَحْتَ الكِسا اليَمَانِي

جَاءَ لَهُ مُسَلِّماً مُسْتَأْذِنَا *** بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فَأَذِنَا

فَدَخَلَ الزَّكِيُّ مَعْ خَيْرِ البَشَرْ *** وَ تَحْتَ ذُلِكَ الكِسا قَدِ اسْتَقَرْ

بَعْدَ مُضِي سَاعَةٍ أَتَانِي *** فَلْذَةُ قَلْبِ المُصْطَفَى حَيَّانِي(4)

سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأُشُمْ *** ريحاً كَرِيح المُصْطَفَى ذَيْنِ الشَّيَمْ

قُلْتُ نَعَمْ بُنَيَّ هَذَا جَدُّكَا *** تَحْتَ الكِسَاءِ نَائِمٌ فَدَيْتُكا

مُذْ سَمِعَ الحُسَيْنُ بِاسْم جَدْهِ *** أَبْدَى السَّلامَ طَالِباً مِنْ عِنْدِهِ

لأَنْ يَكُونَ مَعَهُ تَحْتَ الكِسا *** قَالَ لَهُ ادْخُلِ الكِسَ المُقَدَّسا

ص: 606


1- اعتراني: غشيني.
2- في المصدر السابق أيضاً: «...فما كانت إلا ساعة و إذا بولدي الحسن علیه السلام قد أقبل...».
3- أيضاً في المصدر نفسه: «... فقال لي: يا أماه إني أشمُّ عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم...».
4- هو والأبيات التي تليه ورد في المصدر نفسه: «... فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسين علیه السلام قد أقبل... فأقبل عند ذلك أبوالحسن علي بن أبي طالب علیه السلام و قال...».

وَ بَعْدَ سَاعَةٍ أَتَى ابْنُ عَمِّي *** كَاشِفَ كَرْبِي وَ مُزِيلُ غَمِّي

سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِي إِنِّي أَشُمْ *** رِيحاً ذكياً لِلْوَرَى حيثُ يَعُمْ

قُلْتُ أَبِي يَا كَاشِفَ الكُرُوبِ *** عَنْ وَجْهِهِ عِنْدَ لِقا الحُرُوبِ

فَجَاءَ نَحْوَ المُصْطَفَى مُسَلِّما *** مُسْتَأْذِنَاً قَالَ ادْخُلَنْ حَامِي الحِمَى(1)

قدْ أذِنَ المُخْتَارُ لِلْكَرارِ *** بِأَمْرِ خَلاقِ السَّما الجَبَّارِ

فَدَخَلَ الإِمَامُ حَامِي الجَارِ *** تَحْتَ الكِسا مَعَ النَّبِي المُخْتَارِ

تَقُولُ فَاطِمٌ هُنَاكَ قُمْتُ *** عَلَى أَبِي خَيْرِ الوَرَى سَلَّمْتُ

وَ قُلْتُ هَلْ تَأْذَنُ لِي؟ قَالَ نَعَمْ *** قَدْ أَذِنَ اللَّهُ الكَرِيمُ ذُو النَّعَمْ

هُنَا لِكُمْ سَيِّدَةُ النِّسْوَانِ *** قَدْ دَخَلَتْ تَحْتَ الكِسَا اليَمَانِي(2)

فَکُمِّلُوا تَحْتَ الكِسَاءِ الصَّفْوَهْ *** مَنْ لَيْسَ فِي الكَوْنِ سِوَاهُمْ صَفْوَهْ(3)

هُنَاكَ نَادَى المَلِكُ الجَلِيلُ *** أَمْلاكَهُ وَ عِزَّتِي يَقُولُ(4)

ص: 607


1- والأبيات التي تليه ورد في المصدر السابق... و قال علیه السلام: السلام عليك يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال له و عليك السلام يا أخي ويا وصيّتي و خليفتي و صاحب لوائي قد أذنتُ لك فدخل علي علیه السلام تحت الكساء ثم أتيت نحو الكساء و قلت: السلام عليك يا أبتاه يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال: و عليك السلام يا بنتي و يا بضعتي قد أذنت لك فدخلت تحت الكساء.
2- في «أمالي الصدوق» ص245 ح12 ط الخامسة/ مؤسسة الأعلمي -بيروت. «...عن النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: ابنتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص22 ح13.
3- في «ذخائر العقبى» للطبري ص21 ط مؤسسة الوفاء-بيروت (1981م) «عن أم سلمة أن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم جلّل على الحسن و الحسين و على فاطمة علیهم السلام كساء و قال: اللَّهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و حامتي أذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة: أنا معهم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: إنك على خير». انظر: الجامع الصحيح للترمذي المجلد الخامس/ ص699 باب61 ح3871.
4- في «عوالم سيدة النساء» ص933 ضمن حديث الكساء. «فقال اللَّه «عزّ وجل»: يا ملائكتي و يا سكان سمواتي إني ما خلقت سماءً مبنية و لاأرضاً مدحيّة و لاقمراً منيراً و لاشمساً مضيئة و لافلكاً يدور و لابحراً يدور و لابحراً يجري و لافلكاً تسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرائيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال «عزّ وجل» هم أهلُ بيت النبوَّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم و معدن الرسالة و هم فاطمة علیها السلام و أبوها صلي اللَّه علیه و آله و سلم و بعلها و بَنُوها علیهم السلام».

مَا خُلِقَ الخَلْقُ وَ لا الأَكْوَانُ *** إِلا لِمَنْ تَحْتَ الكِسَاءِكَانُوا

فَقَال جِبْرِيلُ لِرَبِّ العِزَّهْ *** يَا سَيِّدِي مَنْ هَؤُلاَ الأَعِزَّهْ

فَقَالَ هُمْ فَاطِمُ مَعْ أَبِيهَا *** وَ بَعْلِهَا وَ الأَصْفيا بنيها

مُذْ سَمِعَ الأَمِينُ مِنْ رَبِّ العُلَى *** ذِكْرَ الأُولَى قَدْ شُرِّفُوا عَلَى المَلا

فَعِنْدَ ذاقَدْ طَلَبَ الأَمِينْ *** يَنزِلُ صَادِساً لَهُمْ يَكُونُ

فَجَاءَهُ الندا مِنَ السَّلامِ *** كُنْ مَعَهُمْ وَاقْرَأَهُمُ سَلامِي

فَهَبَط الأمِينُ بِالسَّلام *** عَلَى النَّبِي وَآلِهِ الكِرَامِ

ثُمَّ تَلاَجِبْرِيلُ ذَاكَ القَسما *** وَ هُوَ الَّذِي بِهِ الإِلهُ أَقْسَما(1)

وَ قَال لِلنَّبِي هَلْ تَأْذَنُ أَنْ *** أَدْخُلَ سَادِسَاً لَکُمْ؟ قَالَ ادْخُلَنْ

فَدَخَلَ الرُّوحُ الأمينُ مَعَهُمْ *** تَحْتَ الكِسَا وَصَارَ سَادِساً لَهُمْ

وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ *** أَوْحَى إِلَيْكُمْ ثُمَّ (إِنَّمَا) تَلاَ(2)

قَالَ عَلِيَّ لِلنَّبِيِّ الأَكْرَمِ *** ما فَضْلُ هَذَا المَجْلِسِ المُعَظَّمِ(3)

قَالَ النَّبِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَانِي *** وَ خَصَّنِي بِالوَحْيِ وَ اجْتَبَانِي

ص: 608


1- انظر الهامش رقم 3 في الصفحة السابقة.
2- في المصدر السابق: «فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي: إن اللَّه عزّ وجل قد أوحى إليكم يقول: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
3- والأبيات التي تلته وردت في المصدر السابق أيضاً: فقال علي لأبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله؟ فقال النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: والذي بعثني نبياً واصطفاني بالرسالة نجياً ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة. وحقت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا».

لَمْ يَجْرِ ذِكْرُ ذا الحَدِيثِ الأَقْدَسِ *** بَيْنَ المُحِبينَ لَنَا فِي مَجْلِسِ

الأ عَلَيْهِمْ مِنْ وَلِيِّ النِّعْمَهْ *** قَدْ هَطَلَتْ مُؤْنُ الرضا والرَّحْمَهْ

وَحُفَّ بِالأمْلاكِ ذَاكَ المَوْضِعُ *** وَ اسْتَغْفَرُوا اللهَ لَهُمْ مَا اجْتَمَعُوا(1)

وَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنِ المَهْمُومِ *** مَا كَانَ قَدْ عَرَاهُ مِنْ هُمُومِ

وَ كَشَفَ اللَّهُ عَنِ المَغْمُوم *** مَا قَدْ أَصَابَهُ مِنَ الغُمُوم

وَ قُضِبَتْ لِطالِبِ الحَاجَةِ مَا *** قَدْ كَانَ طَالِباً وَنَالَ المَغْنَماً

فَقَالَ حَيْدَرٌ وَرَبِّ الكَعْبَهْ *** فُزْنَا كَمَا حُزْنَا عَظِيمَ الرُّتْبَهْ

وَ هَكَذا أَشْيَاعُنَا قَدْ فَازُوا *** لأَنَّهُمْ نُورَ الهُدَى قَدْ حَازُوا

وَ مَنْ يُوَالِي غَيْرَنا مِنَ البَشَرْ *** فَالنَّارُ مَثْوَاهُ وَبِئْسَ المُسْتَقَرْ(2)

وَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الهِدَايَهْ *** إِلَى طريق الحَقِّ وَالوِلايهْ(3)

ص: 609


1- حفت بالأملاك: أحاطوا به.
2- انظر الهامش رقم 3 في الصفحة السابقة.
3- الأزهار الأرجية ج6 ص21.

(42) نور فاطم علیها السلام

(بحر الرجز)

لأحد الشعراء

أَنْوَارُهُمْ سَاطِعَةٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ *** يُكْتَبَ فِي اللَّوْحِ وُجُودٌ وَ زَمَنْ(1)

ص: 610


1- في البيتين اشارة إلى الكثير من الاحاديث التي تؤكد أن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام خلقوا قبل خلق الدنيا و كانوا اشباحاً من نور، فلقد ورد في الحديث عن رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: إنَّ اللَّه خلقني و عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام قلتُ: فأين كنتم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: قدام العرش نسبح اللَّه و نحمده و نقدسه و نمجده، قلتُ: على أي مثال؟ قال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: اشباح نور حتى إذا أراد اللَّه أن يخلق صورنا صيّرنا عمود نور ثمَّ قذفنا في صلب آدم...» راجع علل الشرائع. 208 ح11، و البحار7/15 ح 7 و ج35 ص34 ح32 و ج43/57 ح 16 و ص124. و مدينة المعاجز: 203 و 237 ، و حلية الأبرار:494/1 و دلائل الإمامة: 59. و جاء في حديث آخر عن الامام الصادق علیه السلام انه علیه السلام قال : «إنَّ الله تبارك وتعالى» خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي ارواحنا. قيل له: يا بن رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و من الأربعة عشر؟ فقال: محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و الأئمة من ولد الحسين علیه السلام آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال و يُطهر الأرض من كل جور و ظلم». راجع إكمال الدين: 335/2 ح7 ، البحار: 23/15 ح40 و ج 15/25 ح29 و اثبات الهداة، 404/2 ح254 و اعلام الورى 408. وحديث الاشباح ورد في عدة طرق والفاظ على أن المعنى المراد واحد في جميعها ولك ان شئت أن تراجع بعض المصادر منها فرائد السمطين: 1/ 36 ح1. و غاية المرام 5 ح1 و ص15 ح1 و أرجح المطالب461. و الاحقاق: 203/9 و ص253 و علل الشرائع و دلائل الامامة، و مدينة المعاجز، و حلية الأبرار، و مقتضب الاثر، والجواهر السنية و غيرها.

وَجَاءَ عَنْ سَلْمَانَ فِي نَصِّ الخَبَرْ *** ما قَالَهُ النَّبِيُّ سَيِّدُ البَشَرْ(1)

لعَمِّهِ العَبَّاسِ إِذْ أَتَاهُ *** يَسْأَلُ عَمّا فُضِّلَتْ ابناهُ

وَحَيْدَرٌ وَابْنَتُهُ الزَّهْرَاءُ *** وَكُلُّهُمْ مِنْ هَاشِمِ سِوَاءُ

فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَانِي *** مِنْ نُورِهِ القُدْسِيِّ وَاصْطَفَانِي

وَالخْتَارَ حَيْدَراً إِلَى الوِلاَيَهْ *** وَالحَسَنَيْنِ حُجَّةً وَآيَهْ(2)

ص: 611


1- سلمان: هو سلمان الفارسي (رحمه اللَّه علیه) و هو مولى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم و أصله من فارس من رامهرمز، قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «سلمان منا أهل البيت علیهم السلام». راجع أسد الغابة 421/2، وكنز العمال ج11 ص690. و لعلَّ الشاعر يريد ما رواه سلمان الفارسي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم إذ قال - رحمة اللَّه علیه-كنت جالساً عند النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلَّم فرد النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم ورحب به فقال: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم بم فضل اللّه علينا أهل البيت عليّ بن أبي طالب علیه السلام والمعادن واحدة؟ فقال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: إذن اخبرك يا عم، إن اللّه خلقني وخلقَ علياً علیه السلام، ولا سماء ولا أرض، ولا جنة ولا نار، ولا لوح، ولا قلم، فلما أراد اللّه «عز وجل» بدو خلقنا تكلم بكلمة فكانت نوراً، ثمَّ تكلَّم بكلمةٍ ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما فاعتدلا، فخلقني وعلياً منهما. ثمَّ فتق من نوري نور العرش، فأنا اجلُّ من العرش، ثمَّ فتق من نور علي نور السماوات، فعلي أجلُّ من نور السماوات ثمَّ فتق من نور الحسن علیه السلام نور الشمس، ومن نور الحسين علیه السلام نور القمر فهما أجلُّ من نور الشمس والقمر... وللحديث تتمة.
2- الأحاديث في هذا المضمار كثيرة ومستفيضة وقد تناقلها العامة والخاصة وسوف نشير إلى أهم المصادر لمن أرادَ الاطلاع ويكفينا هنا أن نورد حديثاً ذكره القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، قال: اخرج أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن المغازلي الواسطي الشافعي في كتابه المناقب بسنده عن سلمان الفارسي قال: سمعت حبیبی محمداً صلی اللّه علیه و آله وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه «عزّ وجل» يسبح اللّه ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم أودع ذلك النور في صلبه فلم نزل أنا وعلي في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيَّ النبوّة وفي علي الإمامة. وقال أخرجه الديلمي أيضاً في كتابه «الفردوس» ج 3/ 283 ح 4851 وراجع البحار 20/15 ، وفرائد السمطين 43/1 ح 7 وص 40 ح 4 ومناقب الخوارزمي 318 الفصل 19 ح 320. وكنز العمال 450/11 ومجمع الزوائد 223/8. ومجمع الفوائد 21/2. ونور الأبصار للبكري ط مؤسسة البلاغ الطبعة الأولى - بيروت ص 10 وما بعدها. وراجع إن شئت الاختصاص للمفيد، والبصائر للصفار، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 1 - ص 10، وص 305 طبع منشورات الشريف الرضي - قم - إيران.

وَالعَرْشُ قَدْ كَرَّمَهُ الرَّحْمنُ *** مِنْ فَضْلِ نُورِي فَلِيَ الإِحْسَانُ(1)

وَالأَرْضُ وَالسَّبْعُ العُلَى السَّوَارِي *** وَغَيْرُها مِنْ نُورِ (حَامِي الجَارِ)(2)

وَقَدْ قَضَى اللَّهُ عَلَى الغَزَالَهْ *** أَنْ لاَ يَكُونَ نُورُها أَصالَهْ(3)

فَهْيَ تَشِعُّ مِنْ ضِيَاءِ الحَسَنِ *** وَالقَمَرِ الزَّاهِرِ طُولَ الزَّمَنِ(4)

مِنَ الحُسَيْنِ خَامِسِ الكِسَاءِ *** يَسْطَعُ نوراً فِي دُجَى الظُّلْمَاءِ(5)

وَضَجَّتِ الأَمْلاَكُ بِالدُّعَاءِ *** إِلَى الإِلهِ فاطِرِ السَّماءِ

وَاسْتَمْنَحَتْهُ يَوْمَ عَمَّها العَنا *** أَنْ يَكْشِفَ الظَّلْماءَ عَنْهُمْ بِسَنا(6)

فَعِنْدَها أَظْهَرَ نُوراً لامِعاً *** مِنْ نُورِ فَاطِمٍ أزَالَ البُرْقُعا(7)

فَلَقَّبَ البَتُولَ بِالزَّهْرَاءِ *** رَمْزٌ إِلَى ذَيَّالِكَ النِّساءِ(8)

ص: 612


1- اشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ثمَّ فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش...».
2- اشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ثمَّ فتق من نور علي نور السماوات» «حامي الجار» هو الإمام علي علیه السلام.
3- الغزالة: من أسماء الشمس.
4- والقمر، مجرور بالعطف على «غزالة» فيكون التقدير هكذا «وقد قضى اللّه على الغزالةِ والقمر الزاهر أن لا يكون...
5- تُعربُ نوراً باعتبارها حال، منصوبة ولا تُعرب نورٌ على انها فاعل لفعل «يسطع» لأنَّ المعنى يضطرب على هذا الوجه من الإعراب لأن «القمر الزاهر» هو الذي «يسطع نوراً» من ضياء الحسين علیه السلام فتأمل. وفيه اشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ثم فتق من نور الحسن علیه السلام نور الشمس ومن نور الحسين علیه السلام نور القمر...».
6- استمنحته: طلبت منه، أو طلبت منه أن يمنحها. بسنا:بضیاء.
7- البرقع: ما تستر المرأة به وجهها.
8- هذا البيت وثلاثة أبيات قبله إشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم «وكانت الملائكة تسبِّح اللّه وتقدِّسه وتقول في تسبيحها: سبوح قدوس من انوار ما أكرمها على اللّه، فلما أراد اللّه «تعالى» أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمه وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا، منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسأل بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنا فقال اللّه «عز وجل»: وعزتي وجلالي لأفعلن. فخلق نور فاطمة الزهراء علیها السلام يومئذٍ كالقنديل، وعلقه في قرط العرش، فزهرت السماوات والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمِّيت فاطمة علیها السلام «الزهراء». وللاطلاع راجع عوالم العلوم للبحراني ج 1/11 ص 17 وما بعده، وهنالك روايات اخرى الفاظها مختلفة ومؤدَاها واحد، وكلها تؤكد هذا المعنى فراجع ارشاد القلوب: 403، وبحار الأنوار ج 37 ص 82 - 83 ط - بیروت مؤسسة الوفاء الطبعة الثانية (1983م)، وتأويل الآيات 137/1 ح 16، والبرهان 392/1 ح 5، والبحار أيضاً ج 17/43 ح 16، ومصباح الأنوار: 69، واذا شئت راجع، حديث الاشباح مثلاً في فرائد السمطين: 36/1 ح 1، وغاية المرام 5 ح 1 وص 15 ح 1، وأرجح المطالب، 461، والاحقاق 203/9 وص253، وعلل الشرائع، ودلائل الامامة ومدينة المعاجز، وحلية الأبرار، ومقتضب الاثر، والكافي والجواهر السنية وغيرها الكثير اكتفينا بهذا المقدار. نقلت من كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين ص 59. المؤلف عماد الدين حسين الأصفهاني.

ص: 613

(43) تفاحة الجنة

(بحر الرجز)

الأحد الشعراء

أَلْقابُ بِنْتِ المُصْطَفَى كَثِيرَهْ *** نَظَمْتُ مِنْهَا نُبْذَةً يَسِيرَهْ

نَفْسِي فِدَاها وَفِدا أَبِيهَا *** وَبَعْلِها الوَلِيِّ مَعْ بَنِیهَا

سَيِّدَةٌ إلنْسِيَّةٌ حَوْرَاءُ *** نُورِيَّةٌ حَانِيّةٌ عَذْراءُ(1)

كَرِيمَةٌ رَحِيمَةٌ شَهِيدَهْ *** عَفِيفَةٌ قَانِعَةٌ رَشِيدَهْ(2)

شَرِيفةٌ حَبِيبَةٌ مُحْتَرَمَهْ *** صَابِرَةٌ سَلِيمَةٌ مُكَرَّمَهْ

صَفِيَّةٌ عَالِمَةٌ عَلِيمَهْ *** مَعْصُومَةٌ مَغْصُوبَةٌ مَظْلُومَهْ(3)

ص: 614


1- في «ذخائر العقبى» ص26، ط (1981م) مؤسسة الوفاء -بيروت: «عن النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم قال: ابنتي فاطمة علیها السلام حواء آدمية». و في (المناقب) لابن شهر آشوب ج3 ص357ط/مؤسسة انتشارات علامة - قم«... فاطمة علیها السلام،البتول ،الحصان، الحرّة ،السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة ،الزكيّة ،الراضيّة، المرضيّة، المحدّثة، مريم الكبرى، الصدّيقة الكبرى، ويقال لها في السماء: النورّية، السماويّة، الحانية». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص16 ح15.
2- في «الكافي» ج1 ص458 ح2: «عن علي بن جعفر عن أخيه أبى الحسن علیه السلام قال: إن فاطمة علیها السلام صدّيقة شهيدة».
3- في «علل الشرائع» ج1 ص216 ط الأولى/مؤسسة الأعلمي -بيروت. «... إن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 78 ح 65. مثله «أمالي الصدوق» ص 394 ط الخامسة/مؤسسة الأعلمي - بيروت. وفي «أمالي الصدوق» ص 99 ح2: «... فيلحقها اللّه «عز وجل» بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي فتقدم عليَّ علیه السلام محزونة مكروبة، مغمومة مغصوبة مقتولة...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 172 ضمن ح 13، ج 28 ص 38 ضمن ح 1.

مَيْمُونَةٌ مَنْصُورَةٌ مُحْتَشِمَهْ *** جَمِيلَةٌ جَلِيلَةٌ مُعَظِّمَهْ(1)

حَامِلَةُ البَلْوَى بِغَيْرِ شَكْوَى *** حَلِيفَةُ العِباده وَالتَّقْوَى

حَبِيبَةُ اللَّهِ وَبِنْتُ الصَّفْوَهْ *** رُكْنُ الهُدَى وَآيَةُ النُّبُوَّهْ

شَفِيعَةُ العُصاةِ أُمُّ الخِيَرَهْ *** تُفَّاحَةُ الجَنَّةِ وَالمُطَهَّرَهْ(2)

ص: 615


1- في «أمالي الصدوق»، ص 475 وص 476: «... قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: يا خديجة سلام اللّه علیها هذا جبرئيل علیه السلام يبشرني أنّها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة...». «... وقالت النسوة: خذيها يا خديجة سلام اللّه علیها طاهرة مطهّرة زكيّة ميمونة...». انظر: «دلائل الإمامة» ص 8. «بحار الأنوار» ج 43 ص 2 ح 1 ط الثانية/مؤسسة الوفاء بيروت. «روضة الواعظين» ص160 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي - بيروت. «المناقب» ج1 ص340 ط/مؤسسة انتشارات علامة - قم. «وفي تفسير فرات» ج 1 ص 321 ح 435 ط/مؤسسة النعمان - بيروت. «... فقال: إن اللّه أهدى إليك تفاحة من الجنة. فأخذتها وقبّلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري. ثم قال: يا محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم كُلها، قلت: يا حبيبي يا جبرئيل هدية ربي تؤكل؟ قال: نعم، قد أُمِرتُ بأكلها فأفلقتها، فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور. قال : كُلْ فإن ذلك نور المنصورة وفي الأرض فاطمة علیها السلام. فقلت: يا جبرائيل علیه السلام ومن المنصورة؟ قال: قال جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة علیها السلام قال: يا جبرئيل علیه السلام ولم سمِّيت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة علیها السلام؟ قال : سمِّيت فاطمة علیها السلام في الأرض لأنها فطمت شيعتها من النار، وفطمت أعداءها عن حبها. وهي في السماء منصورة وذلك قول اللّه «تعالى» في كتابه: (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه) بنصر فاطمة علیها السلام لمحبّيها». انظر: «بحار الأنوار» ح 43 ص 18 ح 17 ط 2/مؤسسة الوفاء - بيروت. «بحار الأنوار». 43 ص 4 ح 3 ط 2/مؤسسة الوفاء - بيروت. «البرهان» ج3 ص258 ح 6.
2- في «إحقاق الحق» ج 10 ص 367: «... أنها لما سمعت بأن أباها زوّجها وجعل الدراهم مهراً لها، قالت: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم إنّ بنات الناس يتزوَّجن ،بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن أسألك أن تردّها وتدعو اللّه «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبريل علیه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل اللّه مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها، فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي». أيضاً: «إحقاق الحق» ح19 ص129. ج19 ص 131.

سَيِّدَةُ النِّسَاءِ بِنْتُ المُصْطَفَى *** صَفْوةُ رَبِّها وَمَوْطِنُ الهُدَى(1)

قُرَّةُ عَيْنِ المُصْطَفَى وَبَضْعَتُهْ *** مُهْجَةُ قَلْبِهِ كَذَا بَقِيَّتُهْ(2)

حَكِيمَةٌ فَهِيمَةٌ عَقِيلَهْ *** مَخرُونَةٌ مَكْرُوبَةٌ عَلِيلَهْ

عَابِدَةٌ زَاهِدَةٌ قَوَّامَهْ *** بَاكِيَةٌ صَابِرَةٌ صَوَّامَهْ

عَطُوفَةٌ رَؤُوفَةٌ حَنّانَهْ *** الْبَرَّةُ الشَّفِيقَةُ الأَنَّانَهْ

وَالِدَةُ السِّبْطَيْنِ دَوْحَةُ النَّبِي *** نُورٌ سَمَاوِيٌّ وَزَوْجَةُ الوَصِي(3)

بَدْرٌ تَمامٌ غُرَّةٌ غَرَّاءُ *** رُوحُ أَبِيها دُرَّةٌ بَيْضَاءُ

وَاسِطَةُ قِلادَةِ الوُجُودِ *** دُرَّةُ بَحْرِ الشَّرَفِ وَالجُودِ

وَلِيَّةُ اللَّهِ وَسِرُّ اللَّهِ *** أَمِينَةُ الوَحْيِ وَعَيْنُ اللَّهِ

ص: 616


1- في «إحقاق الحق» ج10 ص101. إن اللّه «تعالى» لما خلق الحور العين في نهاية الحسن والجمال، قالت الملائكة: إلهنا ومولانا وسيّدنا هل خلقت خلقاً أحسن منهنّ؟ فجاءهم النداء من العلي علیه السلام الأعلى: إني خلقت سيدات نساء العالمين وفضلتهن على الحور العين كفضل الشمس على الكواكب، وهن: آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران، وخديجة سلام اللّه علیها بنت خويلد، وفاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم».
2- في «أمالي الصدوق» ص100 ط الخامسة/مؤسسة الأعلمي - بيروت: «... هي بضعة منّي وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيَّ...». انظر: «بحار الأنوار». ج43 ص172 ح13.
3- روى الطبري في كتابه «ذخائر العقبى» ص55 ط/مؤسسة الوفاء - بيروت: «... قال: تزوَّج عليّ علیه السلام فاطمة علیها السلام فولدت له حسناً وحسيناً ومحسناً وزينب وأم كلثوم ورقية علیهم السلام فماتت رقية علیها السلام ولم تبلغ. و قال غيره: ولدت حسناً و حسيناً و محسناً علیهم السلام فهلك محسن علیه السلام صغيراً، وأم كلثوم علیها السلام و زينب علیها السلام و لم يتزوَّج عليها حتى ماتت علیه السلام، و لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عقب إلاّ من فاطمة علیها السلام و أعظم بها مفخرة».

مَكِينَةٌ فِي عَالَمِ السَّمَاءِ *** جَمَالُ الأبا شَرَفُ الأَبْنَاءِ

دُرَّةُ بَحْرِ العِلْمِ وَالكَمالِ *** جَوْهَرَةُ العِزَّةِ وَالجَلاَلِ

قُطْبُ رَحَى المَفَاخِرِ السَّنِيَّهْ *** مَجْمُوعَةُ المَآثِرِ العَلِيَّهْ

مِشْكاةُ نُورِ اللَّهِ وَالزُّجاجَهْ *** كَعْبَةُ الآمالِ لأَهْلِ الحَاجَهْ

لَيْلَةُ قَدْرٍ لَيْلَةٌ مُبَارَكَهْ *** ابْنَةُ مَنْ صَلَّتْ بِهِ المَلائِكَهْ(1)

قَرَارُ قَلْبِ أُمَّها المُعَظَمَهْ *** عَالِيَةُ المَحَلِّ سِرُّ العَظَمَهْ

مَكْسُورَةُ الضِّلْعِ رَضِيضُ الصَّدْرِ *** مَغْصُوبَةُ الحَقِّ خَفِيُّ القَبْرِ(2)

ص: 617


1- في «تفسير فرات» ج2 ص218 ح747: «عن أبي عبد اللّه علیه السلام لأنه قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة فاطمة علیها السلام والقدر اللّه فمن عرف فاطمة علیها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص65 ح58.
2- في «أمالي الصدوق» ص100 ح2: «... كأني بها وقد دخل الذل بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ، ص172 ح13، ج28 ص38 ح1. وفي «المناقب» ج3 ص363. «... إن أمير المؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيّبوا قبرها ...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص183.

(44) طاهرةْ معصومةْ صديقة

(بحر الرجز)

لأحد الشعراء

مِيلادُ بِنْتِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ *** شَقَّ ظَلاَمَ اللَّيْلِ بِالأَنْوَارِ(1)

***

عَلَّقَتِ الأَيَّامُ أَبْرَاد الهَنَا *** إِذْ بَلَغَ الرَّاجُونَ غَايَاتِ المُنَى

لَقَدْ جَلاَ جُلَّ مَيَادِينِ السَّمَا *** وَفَاقَ ضَوْءَ السُّحْبِ وَالأَقْمَارِ

***

وَقَرَّ فِي صَدْرِ الهُدَى أَفْرَاحُهُ *** وَأَوْغَلَ الرُّشْدُ بِهِ إِصْلاَحُهُ(2)

فَكُلُّ عَيْنٍ نَظَرَتْ إِيضَاحَهُ *** يَحْكِي ضِيَاءَ الكَوْكَبِ السَّيّارِ(3)

***

لِمَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ جَنَّاتُ العُلَى *** تَزَخْرَفَتْ وَالحُورُ مَا بَيْنَ المَلاَ

ص: 618


1- في كتاب (أمالي الصدوق) الطبعة الخامسة (1980) (منشورات الأعلمي للمطبوعات) ص 475 المجلس السابع والثمانون في رقم (1). «حدثنا الشيخ الجليل... عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام فقال: نعم إن خديجة سلام اللّه علیها... فوضعت فاطمة علیه السلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور... وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك».
2- أوغل: بالغ.
3- يحكي: يُشبه.

تَزَيَّنَتْ وَالكَوْثَرُ العَذْبُ حَلاَ *** مُصَفِّقاً فِي صَفْوِ مَاءٍ جَارِي

***

وَالكَوْنُ طُرّاً عَجَّ فِيهَا فَرَحاً *** وَقَدْ نَفَى الرَّحْمَنُ عَنْهَا التَّرحَا(1)

وَبَابُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ انْفَتَحَا *** لِفَضْلِهَا وَسُدَّ بَابُ النَّارِ

***

وَأَعْلَنَتْ بِالْبِشْرِ سُكَّانُ السَّمَا *** وَالمَلأُ الأَعْلَى بَدَا مُبْتَسِما

وَجَاءَتِ الأَمْلاَكُ كُلاً خَدَمَا *** لِفَاطِمٍ أَمْراً مِنَ الجَبَّارِ(2)

***

فَأَحْدَقَتْ حَوْلَ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** وَالرُّوحُ فِي الصَّفِّ احْتِرَاماً وَقَفَا(3)

هَنَّتْهُ بِالزَّهْرَاءِ أُمِّ الشُرَفا *** عَلَى البَرَايَا أَمَنَاءُ البَارِي

***

بِالنَّیِّرَيْنِ زَيَّنَتْ سِبْطَي الهُدَى *** هُمَا إِمَامَانِ عَلَى طُولِ المَدَى

لاَ فَرْقَ إِنْ قَامَا هُمَا أَوْقَعَدَا *** أَمْرُهُمَا مَاضٍ عَلَى الأَقْطَارِ

***

صدِّيقَةٌ لَهَا الرَّسُولُ وَالِدُ ** وَبَعْلُهَا حَيْدَرُ ذَاكَ المَاجِدُ

ص: 619


1- عجّ: صاح ورفع صوته. الترح: الحزن.
2- لعله يشير في هذا البيت إلى بعض ما ورد في كتاب (مناقب آل أبي طالب) ج 3 مؤسسة انتشارات علامة بقم ص 337 عن أبي ذر الغفاري قال: بعثني النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم أدعو علياً علیه السلام فأتيت بيته و ناديت فلم يجبني، فأخبرت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم فقال: عُد إليه فإنه في البيت فأتيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها فقلتُ لعلي علیه السلام: إن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم يدعوك فخرج متوشحاً حتى أتى النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم فأخبرت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم بما رأيت فقال: يا أباذر لا تعجب فإن اللّه ملائكة سيّاحون في الأرض موكلون بمعونة آل محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم.
3- أحدقت: أحاطت.

وَالغُرُّ مِنْ أَبْنَائِهَا الفَرَاقِدُ(1) *** أَوْ إِنَّهُمْ كَوَاكِبُ الأَسْحَارِ

***

زَوَّجَهَا فَوْقَ السَّماخَلاّقُهَا *** وَمَنْ بِهِ تَشَرَّفَتْ بُرَاقُهَا(2)

وَكُلُّ نَهْرٍ فِي الدُّنَا صَداقُهَا *** هَذَا الصَّحِيحُ جَاءَ فِي الأَخْبَارِ(3)

***

نَالَتْ بِهَا المَلاَئِكُ المَرَاتِبَا *** وَقَدْ رَأَتْ فِي عُرْسِهَا عَجَائِبَا

فَقَامَ (رَاحِيلُ) عَلَيْهِمْ خَاطِبَا *** وَذَلِكَ سِرٌّ مِنَ الأَسْرَارِ(4)

ص: 620


1- الفراقد: مفردها الفرقد وهو نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به وبجانبه آخر أصغر.
2- جاء في (ذخائر العقبى): «عن علي علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أتاني ملك فقال: يا محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم إن اللّه «تعالى» يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلاک في الأعلى فزوَّجها منه في الأرض».
3- الدنا: مخفف الدنيا. صداقها: مهرها. ولعل في هذا البيت إشارة إلى ما جاء في عوالم العلوم ج 1/11 ص 461 (الطبعة الثانية تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عج) «أوحى اللّه إلى الأمين جبرئيل علیه السلام: أن أرق منبر الكرامة، فرقى حتى استوى على المنبر واقفاً فقال خطيباً: الحمد اللّه الذي خلق الأرواح وفلق الأصباح وصوَّر على عرشه خمسة أشباح محیی الأموات وجامع الشتات ومخرج النبات ومنزل البركات النبات ومنزل البركات... بارىء الأنام ومنشىء الغمام لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات لا يأخذه نوم ولا نسيان... ونشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً صلی اللّه علیه و آله وسلم عبده ورسوله، ونشهد أن علي بن أبي طالب علیه السلام خليفة نبيه،... وأشهدوا يا ملائكتي المقربين والملائكة الراكعين والملائكة المسبحين وجميع أهل السماوات والأرضين بأنيّ زوَّجت سيدة نساء العالمين بنت محمد الأمين فاطمة الزهراء علیها السلام بعلي بن أبي طالب علیه السلام سيد الوصيين ألا أن لها بأمر رب العالمين خمس الدنيا أرضها وسماؤها وبرها وبحرها وجبالها وسهلها. وأوحى اللّه «تعالى» إليهم أني قد زوَّجت ولیّي ووصیّي رسولي علي بن أبي طالب علیه السلام، بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیها السلام.
4- في مناقب آل أبي طالب ج3 ص347 (مؤسسة انتشارات علامة. قم) قال: «وقد جاء في بعض الكتب أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع فقال: الحمدللّه الأول قبل أوليه الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، و بربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات وحجب عنا النهم للشهوات وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن افك الملحدين،.. ثم قال بعد كلام: اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمه سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه، المصدق دعوته المبادر إلى كلمته على الوصول بفاطمة البتول علیها السلام ابنة الرسول صلی اللّهه علیه و آله وسلم». وروي أن جبرئیل علیه السلام روى عن اللّه «تعالى» عقيبها قوله «عز وجل»: الحمد ردائي والعظمة كبريائي والخلق كلهم عبيدي وامائي زوَّجت فاطمة علیها السلام أمتي من علي صفوتي اشهدوا ملائكتي.

حوّا وَسَارَةٌ وَهَاجَرٌ مَعَا *** وَأُمُّ مَنْ لِلَّهِ قُدْماً رُفِعَا

كَرَائِمٌ سُدْنَ النِّسَاءَ أَجْمَعَا *** لكِنَّ لِلزَّهْرَاءِ عُدْنَ جَوَارِي(1)

***

طَاهِرَةٌ مَعْصُومَةٌ صِدِّيقَهْ *** سَالِكَةٌ مِنَ الهُدَى طَرِيقَهْ

شَرِيفَةٌ فِي نَسَبٍ عَرِيقَهْ *** وَالِدَةُ الأَطْهَارِ وَالأَبْرَارِ

***

شَفِيعَةُ الشِّيعَةِ فِي يَوْمِ الجَزَا *** وَرَسْمُهَا فِي اللَّوْحِ سِرّاً رُمِزَا(2)

ص: 621


1- قد يوحي هذا البيت إلى الرواية الواردة في «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب ج3 ص 323 حيث قال: «روت عائشة وغيرها عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أنه قال: يا فاطمة علیها السلام أبشري فإن اللّه اصطفاك على نساء العالمين و على نساء الإسلام وهو خير دين». وكذلك جاء في (المستدرك) لأبي عبد اللّه النيشابوري ج 3 ص 156 قال: «عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم قال وهو في مرضه الذي توفي فيه: يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين»؟.
2- ورد في «تفسير فرات الكوفي» ج2 مؤسسة النعمان للطباعة والنشر، بيروت (1992) حيث جاءت في ص. 444 446 فقرة رقم 587 جاء فيها : عن ابن عباس (رضي اللَّه عنه) قال: سمعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يقول : دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذات يوم على فاطمة علیها السلام وهي حزينة فقال لها: ما حزنك يا بنية؟... ثم يقول جبرئيل علیه السلام: يا فاطمة علیها السلام سلي حاجتك؟ فتقولين: يا رب شيعتي، فيقول اللّه: قد غفرت لهم، فتقولين: يا رب شيعة ولدي، فيقول اللّه : قد غفرت لهم. فتقولين: يا رب شيعة شيعتي، فيقول اللّه: انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة، فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين علیه السلام آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد وسهلت لهم الموارد...

بِاسْمِهَا قَلْبُ الهُدَى تَحَرَّزا *** مِنْ كُلِّ دَاءٍ فِي الزَّمَانِ سَارِي

***

لِذَاتِهَا الجَلِيلُ فَضْلاً مَنَحَا *** وَقَدْ بَنَى السَّمَاءَ وَالأَرْضَ دَحَا(1)

ص: 622


1- دحا: بسط. وقد جاء في هذا المعنى في كتاب عوالم العلوم ج 11/1 ص 20 عن كتاب مصباح الأنوار: «روى أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم في بعض الأيام صلاة الفجر ثم أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت: يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسر لنا قوله تعالى: (فأولئك الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) [سورة النساء، الآية: 69] فقال صلی اللّه علیه و آله وسلم: أما (النبيّون) فأنا وأما (الصديقون) فأخي عليّ علیه السلام وأما (الشهداء) فعمّي حمزة، وأما (الصالحون) فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين علیهم السلام. قال: وكان العباس حاضراً فوثب وجلس بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وقال: ألسنا أنا وأنت وعليّ وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام من نبعة واحدة؟ قال : وما ذاك يا عم؟ قال : لأنك تعرّف بعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام دوننا؟ قال: فتبسّم النبي للّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وقال: أما قولك يا عمّ ألسنا من نبعة واحدة فصدقت ولكن يا عم إن اللّه خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام قبل أن يخلق اللّه آدم حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار. فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم؟ فقال: يا عم لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة فخلق منها نوراً، ثم تكلّم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح ونقدّسه حين لا تقديس، فلما أراد اللّه «تعالى» أن يُنشىء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور اللّه ونوري أفضل من العرش. ثم فتق نور أخي عليّ علیه السلام فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي علیه السلام ونور علي من نور اللّه وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام ونور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور اللّه وابنتي أفضل من السماوات والأرض. ثم فتق نور ولدي الحسن علیه السلام وخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن علیه السلام ونور الحسن علیه السلام من نور اللّه والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور ولدي الحسين علیه السلام فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين علیه السلام ونور ولدي الحسين علیه السلام من نور اللّه وولدي الحسين علیه السلام أفضل من الجنة والحور العين. ثم أمر اللّه الظلمات أن تمر على سحائب النظر فأظلمت السماوات على الملائكة فضجّت الملائكة بالتسبيح والتقديس وقالت: إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا وعرّفتنا هذه الأشباح لم نر بؤساً فبحق هذه الأشباح إلاّ ما كشفت عنّا هذه الظلمة، فأخرج اللّه من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات والأرض ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميِّت «الزهراء علیه السلام» فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي أشرقت به السماوات والأرض؟ فأوحى اللّه إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة علیها السلام ابنة حبيبي وزوجة ولييّ و أخی نبیّی وأبي حججي على عبادي أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة. قال: فلما سمع العباس من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم ذلك، وثب قائماً وقبّل بين عيني عليّ علیه السلام وقال: واللّه يا علي أنت الحجة البالغة لمن آمن باللّه واليوم الآخر».

وَالشَّمْسُ مِنْ نُورِ هُدَاهُ وَالضُّحَى *** تَبَلَّجَتْ مِنْ تِلْكُمُ الأَنْوَارِ(1)

ص: 623


1- تبلَّجت: أشرقت وأضاءت. قلائد الأنشاد في النبي وآله الأمجاد ص477.

ص: 624

الفهارس العامة

أشارة

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد و البحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 625

ص: 626

1-فهرس الشعراء

الإسم *** المقطوعة

إبراهيم غلوم حسين أحمد *** الأراجیز(18).

ابن الحجاج البغدادي *** ن(1).

الشيخ أبوالحسن الخليعي *** ن(2)، ن(3).

الأستاذ أبوزهراء الكوفي *** ن(4)، ه_(1).

أبوالقاسم الصنوبري *** ي(1).

الأستاذ أبومحمد المنصور باللَّه *** الأراجیز(1)

الأستاذ أحمد بن رشيد منط *** ه_(2).

الشيخ أحمد حسن الدجيلي *** ه_(3).

السيد إسماعيل الحميري *** ي(2).

الأستاذ أنور فرج اللَّه *** ه_(4).

الشيخ جابر الكاظمي *** ه_(5).

الحاج جواد بدقت الحائري *** ن(5)، ه_(6).

الشيخ جواد الحلي *** ن(6).

الشيخ حسن البحراني القيسي *** ن(7)، ن(8)، ن(9)، ن(10)، ن(11).

الشيخ حسن بن حمود الحلي *** ه_(7).

حسن بن علي العشاري *** ي(3).

الأستاذ حسن علي المرعي *** ن(12).

الشيخ حسين الشبيب *** ه_(8).

السيد حسين الغريفي الشاخوري *** ي(4).

الشيخ الدرمكي *** ن(13).

ديك الجن الحمصي *** الأراجیز(2).

ص: 627

الحاج سعود الشملاوي *** ه_(9)، ه_(10).

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ن(14)، ن(15).

الشيخ سلطان علي الصابر *** ه_(11)، الأراجیز(3).

الشيخ سلمان البحراني (التاجر) *** ي(5).

الشيخ سلمان البلادي البحراني *** ن(16).

الشيخ سلمان المحسني الفلاحي *** ي(6).

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة *** و(1).

سليمان ظاهر *** الأراجیز(4).

الأستاذ شفيق العبادي *** ن(17).

شفيق عبدالقادر *** الأراجیز(5).

السيد صالح الحلي *** ن(18)، الآراجیز(6).

الشيخ صالح الطرفي *** الأراجیز(7).

الشيخ صالح الكواز *** ن(19).

الملك الصالح طلائع بن رزيك *** ن(20).

الأستاذ عادل الكاظمي *** ي(7).

السيد عباس المدرسي *** ه_(12)، ي(8).

الشيخ عبدالحسين الحويزي *** ه_(13).

الشيخ عبدالحسين شكر *** ه_(14)، و(2).

الشيخ عبدالستار الكاظمي *** ن(21).

الأستاذ عبد العزيز العندليب *** ه_(15)، ه_(16).

الشيخ عبد العظيم الربيعي *** ن(22)، ن(23).

الشيخ عبد علي الماحوزي *** الأراجیز(8).

الشيخ عبد الله بن معتوق *** الأراجیز(9).

الشيخ عبد الله الوائل الإحسائي *** ه_(17)، الأراجیز(10).

الشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم *** الأراجیز(11)، الأراجیز(12).

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي *** ي(9)، ي(10).

السيد عدنان الغريفي البحراني *** ن(24).

الأستاذة عزيزة صندوق *** ه_(18).

عصام عباس *** ن(25)، ن(26)، ن(27).

ص: 628

الخطيب ملاعطية الجمري *** الأراجیز(13).

الشيخ ملا علي آل رمضان *** ن(28)، ن(29)، ن(30)، ن(31).

الشيخ علي أبوالمكارم *** ي(11).

علي بن علي بن نما الحلي *** ن(32).

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ه_(19)، الأراجیز(14)، الأراجیز(15).

الشيخ علي بن مقرب العيوني *** الأراجیز(16).

السيد علي خان المشعشعي الحويزي *** ي(12).

الأستاذ علي عبداللطيف البغدادي *** ه_(20).

الأستاذ علي محمد الحائري *** و(30).

الشيخ علي منصور المرهون *** ي(13).

السيد عمران المير *** ن(33).

السيد غياث آل طعمة *** و(4).

السيد فاخر آل فاخر الموسوي *** الأراجیز(17).

الشيخ فاضل الصفار *** ي(14).

الأستاذ فرات الأسدي *** ن(34).

الشيخ فرج العمران القطيفي *** ه_(21).

الشيخ قاسم محيي الدين *** ه_(22).

االشيخ كاظم آل نوح *** الأراجیز(19).

الشيخ كاظم الأزري *** ه_(23).

الشيخ كاظم بن المطر الإحسائي *** ن(35)، ن(36).

المهندسة كوثر شاهين *** ي(15).

لأحد الشعراء *** ه_(35)، الأراجیز(42)، الأراجیز(43)، الأراجیز(44).

لأحد أشراف مكة المكرمة *** ه_(36).

الشيخ محسن أبوالحب الكبير *** ي(16).

ملا محسن الحاج سلمان البحراني *** الأراجیز(20).

الدكتور محمد إقبال *** ه_(24)، ي(17)، الأراجیز(21).

ص: 629

الشيخ محمد بن أحمد آل عصفور *** ي(18).

الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي *** الأراجیز(22).

الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** ه_(25).

الشيخ محمد جمعة *** ي(19).

الشيخ محمد جواد الخراساني *** ه_(26).

السيد محمد جواد فضل اللَّه *** ن(37).

الشيخ محمد حسن الجواهر *** ن(38).

الشيخ محمد حسن سميسم *** الأراجیز(23).

الشيخ محمد حسين الأصفهاني *** الأراجیز(24).

السيد محمد حسين الكيشوان *** الأراجیز(25).

السيد محمد رضا القزويني *** ن(39)، ن(40).

الشيخ محمد سعيد الجشي *** ه_(27).

الشيخ محمد سعيد المنصوري *** ن(41)، الأراجیز(26).

السيد محمد صالح البحراني *** ن(42).

الأستاذ محمد طاهر حسین جلواح *** ي(20).

محمد علي بن محسن الموسوي الغريفي *** الأراجیز(31).

السيد محمد على العلى *** ن(43).

الشيخ محمد علي قسام *** الأراجیز(27)، الأراجیز(28).

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** الأراجیز(29)، الأراجیز(30).

السيد محمد القزويني *** الأراجیز(32).

الأستاذ محمود سبتي *** ن(44).

الأستاذ محمود مهدي *** ن(45)، ه_(29).

السيد مرتضى القزويني *** ه_(28).

السيد مرتضى النجفي البهبهاني *** ن(46).

السيدة معاذة أم سعد بن معاذ *** الأراجیز(33).

المفجع البصري *** ي(21).

منذر الساعدي *** ه_(30).

السيد مهدي الأعرجي *** الأراجیز(34)، الأراجیز(35).

الشيخ مهدي الحجار *** الأراجیز(36).

ص: 630

الشيخ مهدي حسن المصلي *** ي(22).

السيد ميرزا مهدي الشيرازي *** ه_(31).

الحاج مهدي الفلوجي *** ه_(32).

السيد نصر الله الحائري *** الأراجیز(37).

القاضي النعمان *** الأراجیز(38).

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء *** الأراجیز(39).

السيد هاشم محسن الموسوي *** الأراجیز(41).

الأستاذ هيثم سعود الكربلائي *** ه_(34).

ص: 631

2-فهرس التراجم

الإسم *** الصفحة

إبراهيم علوم حسين أحمد *** 504

ابن الحجاج البغدادي *** 11

الشيخ أحمد حسن الدجيلي *** 159

الشيخ جابر الكاظمي *** 166

الحاج جواد بدقت الحائري *** 23

الشيخ جواد الحلي *** 27

الشيخ سلمان المحسني الفلاحي *** 368

السيد عباس المدرسي *** 199

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي *** 378

السيد عدنان الغريفي البحراني *** 24

الخطيب ملا عطية الجمري *** 484

علي بن علي بن نما الحلي *** 104

السيد علي خان المشعشعي الحويزي *** 397

الأستاذ علي عبد اللطيف البغدادي *** 270

الأستاذ فرات الأسدي *** 109

الشيخ كاظم الأزري *** 278

الدكتور محمد إقبال *** 284

الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي *** 518

الشيخ محمد حسن الجواهر *** 124

الشيخ محمد حسين الأصفهاني *** 532

السيد محمد حسين الكيشوان *** 543

ص: 632

الشيخ محمد سعيد الجشي *** 294

الشيخ محمد علي قسام *** 551

السيد محمد القزويني *** 570

الشيخ مهدي حسن المصلي *** 432

السيد مهدي الفلوجي *** 308

السيد نصر الله الحائري *** 588

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء *** 597

الشيخ هادي اليعقوبي *** 603

السيد هاشم الشخص *** 313

السيد هاشم محسن الموسوي *** 605

ص: 633

3- فهرس القصائد و البحور

-النون-

لا أكذب اللَّه إن الصدق ينجيني *** يد الأمير بحمداللَّه تحييني *** 11

(المقطوعة 1/بحر البسيط)

يا عين لالخلوّ الربع و الدمن *** باكي الرزايا سوى الباكي على السكن *** 14

(المقطوعة 2/بحر البسيط)

لم أبك من وقفة على الدمن *** و لالخل نأى و لاسكن *** 17

(المقطوعة 3/بحر المنسرح)

قد قضت باهتضام *** بنت خیر الأنام *** 19

(المقطوعة 4/بحر الرمل)

فوق الحمولة لؤلؤ مكنون *** زعم العواذل أنهن ظعون *** 23

(المقطوعة 5/بحر الكامل)

من شامخات المجد دك رعانها *** خطب أطاش من الورى أذهانها *** 27

(المقطوعة 6/بحر الكامل)

مالي وللبين أشجاني وآلمني *** كأنه بترات كان يطلبني *** 29

(المقطوعة 7/بحر البسيط)

لاينقضي أبداً وجدي و أحزاني *** أبكي و قد سال من عيني عينان *** 35

(المقطوعة 8/ بحر البسيط)

مالي أرى لوّامتي تلحوني *** و بلومها و عتابها تؤذيني *** 38

(المقطوعة 9/بحر الكامل)

أرزاء بنت محمد تشجیني *** و لما عراها تستهل جفنوني *** 40

(المقطوعة 10/بحر الكامل)

هیهات تهدأ زفرتي و حنيني *** مما عرا و يجف دمع عيوني *** 42

(المقطوعة 11/ بحر الكامل)

ص: 634

من أنيس الحور قدست اثنتين *** مريم العذرا، و أمّ الحسنين*** 44

(المقطوعة 12/بحر الرمل)

نحول جسمي لاينفك عني *** و قد صار البكا شغلي و فني *** 46

(المقطوعة 13/بحر الوافر)

بحران بالإيمان يلتقيان *** عجباً و هل يتعانق البحران *** 49

(المقطوعة 14/بحر الكامل)

هذا علي في السقاية دائب *** يسقي النخيل بداخل البستان *** 52

(المقطوعة 15/ بحر الكامل)

إلى كم ولوع القلب بالغادة الحسنا *** و ذكرى ليالي وصل بثنة أو لبني *** 55

(المقطوعة 16/بحر الطويل)

علّمينا فقد سئمنا الهوانا *** كيف يرقى إلى علاك مدانا *** 58

(المقطوعة 17/ بحر الخفيف)

لو أن دمعي يطفي نار أشجاني *** أذلت دمعي من قلبي و أجفاني *** 61

(المقطوعة 18/بحر البسيط)

هل بعد موقفنا على يبرين *** أحبي بطرف بالدموع ضنين *** 63

(المقطوعة 19/بحر الكامل)

لولا قوامك يا قضيب البان *** لم يحسن القضبان في الكثبان *** 67

(المقطوعة 20/بحر الكامل)

أحرقوا الدار على فاطمة و الحسنين *** و رسول اللَّه أوصاهم بحفظ الثقلين *** 71

(المقطوعة 21/بحر الرمل)

فضلك السامي علواً يا علي *** لايدانيه من الخلق مدان *** 74

(المقطوعة 22/بحر الرمل)

أحرف الحسن بخط حسن *** كتبت في وجه من تيمني *** 79

(المقطوعة 23/بحر الرمل)

دع عنك حزوى و ذكرى شعب سعدان *** و استوقف العيس في أكناف كوفان *** 83

(المقطوعة 24/بحر البسيط)

إلى الزهراء قد رفع البيان *** فكان الرد أن كفل الأمان *** 89

(المقطوعة 25/ بحر الوافر)

إلیک یا أم الحسن *** کتبت شوقاً و شجن *** 91

(المقطوعة 26/مجزوء الكامل)

ص: 635

مسکت بريشتي و شدا حنيني *** لبنت المصطفى الهادي الأمين *** 92

(المقطوعة 27/ بحر الوافر)

أتقر بعد الطف منك عيون *** و بها ضيا فجر الهدى مدفون *** 94

(المقطوعة 28/بحر الكامل)

أرض المدينة أظلمت أوطانها *** و تنكرت لما قضى سلطانها *** 97

(المقطوعة 29/بحر الكامل)

يا حي دار كثيرة الأحزان *** بنت النبي المصطفى العدنان *** 99

(المقطوعة 30/بحر الكامل)

من جذ عرنين الهدى و الدين *** من آل طه علة التكوين *** 102

(المقطوعة 31/بحر الكامل)

يا غزالاً غازلت فيه غرامي *** فأبى أن يدين لي أويليني *** 104

(المقطوعة 32/بحر الخفيف)

ذكراك يا بنت الأمين *** تحيا على مر السنين *** 107

(المقطوعة 33/بحر الكامل)

قمر یشع بهاء حزين *** ملأ الليل وجهه المفتون *** 109

(المقطوعة 34/بحر الخفيف)

لوکنت تدري ما شجوني *** ما لمت ذا الطرف الهتون *** 112

(المقطوعة 35/بحر الكامل)

بعداً لقوم بعد فقد المرشد *** ضلّوا فما فيهم ترى من مرشد *** 116

(المقطوعة 36/بحر الكامل)

يابنة الطهر و ما أروعها *** ذكر منك تزين المهرجانا *** 120

(المقطوعة37/ بحر الرمل)

أبا صالح كلّت الألسن *** و قد شخصت نحوك الأعين *** 124

(المقطوعة38/ بحر المتقارب)

إصغ يا دهر وانصتي يا سنين *** برهة إنما الحديث شجون *** 127

(المقطوعة 39/بحرالخفيف)

ظمآن أصبو إلى الذكرى فترويني *** و اليوم أسقي بها من كان يسقيني *** 129

(المقطوعة40/ بحر البسيط)

بنت النبي غدت حزينة *** لفراق سلطان المدينة *** 132

(المقطوعة 41/مجزوء الكامل)

ص: 636

عقود السَّعد قد نشرت جمانا *** و أرض الكون قد زهرت جنانا *** 134

(المقطوعة 42/بحر الوافر)

فجري الفكر و غذّي بيانا *** و أحيلي العيد فينا مهرجانا *** 139

(المقطوعة 43/بحر الرمل)

كم في سويدا قلبها من غلة *** عبرى و قلب مكمد محزون *** 143

(المقطوعة 44/بحر الكامل)

على البقيع ظلال من مآسينا *** تبكي الطلول لشجواها و تبكينا *** 145

(المقطوعة 45/بحر البسيط)

أصحاب أضغان و حقد أسود *** و محمد ملقى بلاتکفین *** 148

(المقطوعة 46/بحر الكامل)

-الهاء-

فاطم قد قضت بنت طه *** فالعز العلي وراها *** 153

(المقطوعة 1/ بحر المتدارك)

يا بضعة من زعيم الرسل حياها *** ربّ السماء وحتى الغر أبناها *** 155

(المقطوعة 2/بحر البسيط)

الشمس ما سطعت وضاء سناها *** إلا وأنت مدارها و رحاها *** 159

(المقطوعة 3/بحر الكامل)

قد أظلت على الدّني بسناها *** وجهها الصبح و الضياء رداها *** 163

(المقطوعة 4/بحر الخفيف)

بايعوا كل ذي ضلال سفيه *** و تخطوا من الرشاد لتيه *** 166

(المقطوعة 5/بحر الخفيف)

أهي الشمس في سماء علاها *** أخذت كل وجهة بسناها *** 178

(المقطوعة 6/بحر الخفيف)

لارعى اللَّه قيلة و عراها *** سخط موسى و حلّ منها عراها *** 183

(المقطوعة 7/بحر الخفيف)

يا لخطب في الدين هدّ قواه *** يوم غاب النبي في مثواه *** 186

(المقطوعة 8/بحر الخفيف)

شرعة الحق حیدر قد بناها *** و عليه يدور قطب رحاها *** 190

(المقطوعة 9/ بحر الخفيف)

ص: 637

حسرتي للبتول بضعة طه *** إذ دهاها بعد النبي مادهاها *** 194

(المقطوعة 10/بحر الخفيف)

إلیکم یا بني طه *** تحیات بأزکاها *** 197

(المقطوعة 11/بحر الهزج)

للإله العظيم حمدي تناهی *** و له الشكر دون أن يتناهى *** 199

(المقطوعة 12/ بحر الخفيف)

لمن العيس في البطاح براها *** مثل بري القداح جذب براها *** 240

(المقطوعة 13/بحر الخفيف)

ویح قوم رضوا عن الدين بالدنيا *** فما للقلوب ما أعماها *** 246

(المقطوعة 14/بحر الخفيف)

شنف مسامعنا في يوم ذكراها *** باسم البتول و حدّث عن سجاياها *** 249

(المقطوعة 15/بحر البسيط)

يا بضعة المصطفى طه *** یا من بها الفكر قد تاها *** 251

(المقطوعة 16/بحر المجتث)

هذه رامة وهذه رباها *** فاحبسا الركب ساعة في حماها *** 253

(المقطوعة 17/بحر الخفيف)

نور أضاء الكون لايتناهى *** باهت بطلعته السماء و طه *** 263

(المقطوعة 18/ بحر الكامل)

كل نفس لم تتبع أهواها *** أدركت في المعاد أقصى مناها *** 267

(المقطوعة 19/بحر الخفيف)

من أي باب يراع المدح يدخلها *** من ألف باب بإحداها تکاملها *** 270

(المقطوعة 20/ بحر البسيط)

هي شمس ردا الكمال تردت *** و يبحر النور الإلهي مدت *** 272

(المقطوعة 21/بحر الخفيف)

كيف تنسى مصاب بضعة طه *** إذ دهاها من الأسى مادهاها *** 274

(المقطوعة 22/ بحر الخفيف)

لمن الشمس في قباب قباها *** شف جسم الدجی بروح ضياها *** 278

(المقطوعة 23/بحر الخفيف)

المجد يشرق من ثلاث مطالع *** في مهد فاطمة فما أعلاها *** 284

(المقطوعة 24/بحر الكامل)

ص: 638

یابن طه حتى متى يا بن طه *** برعاياك يستقيم أذاها *** 288

(المقطوعة25/ بحر الخفيف)

طلعت نجمة فلاح ضياها *** في الثرى وانتهى الثريا بهاها *** 291

(المقطوعة 26/بحر الخفيف)

صلى الإله على البتول وآلها *** من تخضع الأملاك عند جلالها *** 294

(المقطوعة 27/بحر الكامل)

قم واسقنا من كؤوس المراح أحلاها *** و رونا برحيق من حميّاها *** 296

(المقطوعة 28/بحر البسيط)

تجلت شمس هدي في ضحاها *** و أشرقت المعالم من سناها *** 299

(المقطوعة 29/بحر الوافر)

یایوم فاطمة ويا بلواها *** فتّت فؤاداً هاج في ذكراها *** 301

(المقطوعة 30/بحر الكامل)

درّة أشرقت بأبهى سناها *** فتلالا الورى فيا بشراها *** 303

(المقطوعة 31/بحر الخفيف)

هي دنيا وللفنا منتهاها *** لعب جدّها وواه قواها *** 308

(المقطوعة 32/بحر الخفيف)

عجيبة هذه الدنيا وبلواها *** كم حلّ في آل طه من رزاياها *** 313

(المقطوعة 33/بحر البسيط)

يا ربي عجَّل بوفاتي *** و لمن أشكو یا رباه *** 317

(المقطوعة 34/ بحر الرمل)

أشرقت شمس أحمد بضياها *** فأضاءت بنورها ماسواها *** 322

(المقطوعة 35/بحر الخفيف)

ما لعيني قد غاب عنها كراها *** و عراها من عبرة ما عراها *** 328

(المقطوعة 36/بحر الخفيف)

-الواو-

حسبي جوى إن ضاقت السلوى *** علي أنال الغاية القصوى *** 337

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

أمن ذكر وادي النقا فاللَّوى *** بدا في المحاجر ما في الجوى *** 339

(المقطوعة 2/بحر المتقارب)

ص: 639

بكيت بمأتم الزهراء شجوا *** مصاباً هز ثهلاناً و رضوى *** 341

(المقطوعة 3/بحر الوافر)

إلام بنار البعد يا سيدي نكوى *** و هل يستلذ العيش من دون من نهوى *** 344

(المقطوعة 4/بحر الطويل)

-الياء-

ما في المنازل حاجة نقضيها *** إلا السلام و أدمع نذريها *** 351

(المقطوعة 1/بحر الكامل)

و حدّثنا عن حارث الأعور الذي *** نصدقه في القول منه و ما يروي *** 354

(المقطوعة 2/بحر الطويل)

لهفي على قمر و سيف مغمد *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا *** 357

(المقطوعة 3/بحر الكامل)

سل جيرة الدار عن ترحال أهليها *** هل أزمع العود بالأظعان حاديها *** 359

(المقطوعة 4/بحر البسيط)

أي رزء شجا الرسول النبيَّا *** و البتول العذرا و أبكي الزكيا *** 364

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

الله ما فعلت أميه *** ببني المطهرة الزكيّه *** 368

(المقطوعة 6 /مجزوء الكامل)

وقولة ل_(علي) قالها (عمر) *** ما نحن فيه بقايا من مآسيها *** 371

(المقطوعة 7/بحر البسيط)

كفاني أسّى لاتوقظن جراحيا *** ودع وجد قلبي في مطاويه تاویا *** 373

(المقطوعة8/بحر الطويل)

عرّج على طيبة و انزل مغانيها *** وسائل الناس شاكيها و باليها *** 378

(المقطوعة 9/ بحر البسيط)

شبت بحجر رسول اللَّه فاطمة *** كما تحب المعالي أن تلاقيها *** 382

(المقطوعة 10/بحر البسيط)

أتى بها اللَّه إظهاراً لقدرته *** من جنة الخلد لاأنثى تباريها *** 390

(المقطوعة 11/بحر البسيط)

يا إلهي بفاطم بأبيها *** بعلي و بالهداة بنيها *** 397

(المقطوعة 12/بحر الخفيف)

ص: 640

عرّج على قبر النبي محمد *** و الثم تراباً خالط العطر الندي *** 401

(المقطوعة 13/ بحر الكامل)

آه لبنت المصطفى الزاكية *** كم لوعة أمست بها باکیه *** 403

(المقطوعة 14/ بحر السريع)

دعوني أبتدي حرفي صلاة *** على المختارطه و الوصي *** 406

(المقطوعة 15/بحر الوافر)

لاتعبسي وجهاً عليّه *** ما راع منك القلب ريه *** 409

(المقطوعة 16/ بحر الكامل)

في كربلا فاطم قرحى أماقيها *** تنعي حماة حماة ذبحوا فيها *** 413

(المقطوعة 17/بحر البسيط)

أين الشفيق على الزهرا يواسيها *** في نوحها ونعاها في غواليها *** 415

(المقطوعة 18/ بحر البسيط)

يا راكباً هيماء مرقالاً *** جسوراً شدقميّه *** 420

(المقطوعة 19/بحر الكامل)

يا مزون النسمات الفاطمية *** رطبي تلك القلوب الحجريه *** 423

(المقطوعة 20/ بحر الرمل)

أيها اللائمي لحبي عليَّا *** قم ذميماً إلى الجحيم خزيا *** 426

(المقطوعة 21/بحر الخفيف)

إني احتمیت بحب جلّ باریه *** ما خاب من فاطم الزهراء تحميه *** 432

(المقطوعة 22/ بحر البسيط)

-الأراجيز-

الحمد للمهيمن الجبار *** مكوّر الليل على النهار *** 437

(المقطوعة 1/ بحر الرجز)

إن الرسول لم يزل يقول *** و الخير ما قال به الرسول *** 441

(المقطوعة 2/بحر الرجز)

حديثناعن جابر الأنصاري *** فاصغ له في الخمسة الأطهار *** 444

(المقطوعة 3/ بحر الرجز)

هل كان في النساء مثل فاطم *** في غابر وحاضر و قادم *** 450

(المقطوعة 4 / بحر الرجز)

ص: 641

بسم الإله الراحم الرحيم *** خالق هذا العالم العظيم *** 452

(المقطوعة 5/ بحر الرجز)

ليت يرى الذي جرى الهادي النبي المؤتمن *** من بعد ما غاب على أم الحسين و الحسن *** 457

(المقطوعة6/ بحر الزجر)

لبضعة المختار أم الحجج *** مناقب و ضّاءة كالسرج *** 459

(المقطوعة 7/ بحر الرجز)

أفتتح الكلام باسم الخالق *** مصلّياً على النبي الصادق *** 460

(المقطوعة 8 /بحر الرجز)

ما العذر للأمة فيما سلكت *** عن ليلة القدر التي قد هتكت *** 466

(المقطوعة 9/بحر الرجز)

تباً لدنيا غادرت أهل العبا *** بصروفها فتشتتوا أيدي سبا *** 468

(المقطوعة 10/بحر الرجز)

الحمد للّه ذي الجلال *** وخالق الخلق بلا تمثال *** 472

(المقطوعة 11/بحر الرجز)

آه من المسمار كيفما فعل *** فعلته للحشر لما تضمحل *** 481

(المقطوعة 12/بحر الرجز)

ولّهني تجارب الأرزاء *** بالمصطفى والآل والزهراء *** 484

(المقطوعة 13/بحر الرجز)

روي لنا عن معدن الأسرار *** بضعة طه مظهر الأنوار *** 488

(المقطوعة 14/بحر الرجز)

حبيبة الحبيب بنت المصطفى *** كفؤ عليّ وكفاها شرفا *** 493

(المقطوعة 15/بحر الرجز)

يا واقفاً بدمنة ومربع *** إبك على آل النبي أودع *** 495

(المقطوعة 16/بحر الرجز)

بسم الذي قد برأ الخلائق *** وللهدى قد أظهر الحقائق *** 497

(المقطوعة 17/بحر الرجز)

ابدأ باسم الواحد الكريم *** إلهنا المنعم والرحيم *** 504

(المقطوعة 18/بحر الرجز)

أيّ رشاً أهاجنا بغامه *** أراعه القانص أو أوامه *** 508

(المقطوعة 19/بحر الرجز)

ص: 642

الحمد لله الذي هدانا **** بالمصطفى و المرتضی مولانا *** 510

(المقطوعة 20/بحر الرجز)

نغمات المرء عزف المرأة *** هو من محنتها في عزّة *** 515

(المقطوعة 21/ بحر الرجز)

و ولدت فاطمة الزهراء *** البضعة الزكية الحوراء *** 518

(المقطوعة 22 /بحر الرجز)

يا أيها الرسول بلّغ بعلي *** ما فيه أنزلت من النص الجلي *** 528

(المقطوعة 23/بحر الرجز)

جوهرة القدس من الكنز الخفي *** بدت فأبدت عاليات الأحرف *** 532

(المقطوعة 24 /بحر الرجز)

مالك لاالعين تصوب أدمعا *** منك و لاالقلب يذوب جزعا *** 543

(المقطوعة 25/ بحر الرجز)

يا طالباً من بضعة المختار *** أن تبكي بالليل و النهار *** 549

(المقطوعة 26/بحر الرجز)

من مبلغ عني النبي الهادي *** سلام عبد خالص الوداد *** 551

(المقطوعة 27/بحر الرجز)

لولاکم یا آل بيت المصطفى *** ما كان من لوح و لامن قلم *** 556

(المقطوعة28/ بحر الرجز)

إلام في كل صباح و مسا *** نعلل النفس بعلّ و عسى *** 559

(المقطوعة 29/بحر الرجز)

أي المعالي لم ينل غاياتها *** أم أيّ فخر لذراه ما ارتقى *** 561

(المقطوعة 30/بحر الرجز)

هاك حديثاً جاء عن خير النسا *** خامسة الأقطاب أصحاب الكسا *** 563

(المقطوعة 31/بحر الرجز)

روت لنا فاطمة خير النسا *** حديث أهل الفضل أصحاب الكسا *** 570

(المقطوعة 32/ بحر الرجز)

أقول قولاً فيه مافيه *** و أذكر الخير و أبديه *** 575

(المقطوعة 33/بحر الرجز)

ما بال عينيك دماً تنسكب *** و نار أحشاك أسًى تلتهب *** 577

(المقطوعة 34/بحر الرجز)

ص: 643

يا أيها الرّبع الذي قد درسا *** باكرك الغيث صباحاً و مسا *** 582

(المقطوعة 35/ بحر الرجز)

صلّوا على الخمسة أصحاب العبا *** أفضل خلق الله أمّاً و أبا *** 585

(المقطوعة 36/ بحر الرجز)

من غير جرم الحسين يقتل *** و بالدماء جسمه يغسّل *** 588

(المقطوعة 37/ بحر الرجز)

فبایعاه جهرة و قالا *** بل أنت خير من نراه حالا *** 593

(المقطوعة 38/بحر الرجز)

فاطمة خير نساء الأمة *** من كل ذنب عصمت و وصمه *** 597

(المقطوعة 39/بحر الرجز)

لفاطم الزهراء خير مولد *** سرّ به قلب النبي أحمد *** 603

(المقطوعة 40/بحر الرجز)

قال ابن محسن اللعيبي هاشم *** من قد نماه المرتضى و فاطم *** 605

(المقطوعة 41/بحر الرجز)

أنوارهم ساطعة من قبل أن *** يكتب في اللوح وجود و زمن *** 610

(المقطوعة 42/ بحر الرجز)

ألقاب بنت المصطفى كثيرة *** نظمت منها نبذة يسيره *** 614

(المقطوعة 43/بحر الرجز)

ميلاد بنت المصطفى المختار *** شقّ ظلام الليل بالأنوار *** 618

(المقطوعة 44/ بحر الرجز)

ص: 644

4- فهرس الموضوعات

سورة الفاتحة *** 5

تقریظ *** 7

قافیة النون

(1) أهل الجنان *** 11

(2) البتول الطهر واقفة *** 14

(3) أنا ابنةُ المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 17

(4) بنتُ خير الأنام *** 19

(5) جنين فاطمة علیها السلام *** 23

(6) شامخات المجد *** 27

(7) أمُّ الأتقياء علیها السلام *** 29

(8) أشجى البتولة *** 35

(9) أُمُّ الهداة علیها السلام *** 38

(10) وجد البتول *** 40

(11) يا بضعة الهادي علیها السلام *** 42

(12) أم الحسنين علیها السلام *** 44

ص: 645

(13) يطيب لي البكا *** 46

(14) نفحةٌ من فاطمٍ علیها السلام *** 49

(15) خمسمائة درهم *** 52

(16) مخدومة الأملاك *** 55

(17) صدى الحق *** 58

(18) بيتُ أحزان *** 61

(19) الواثبين لظلم آل محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 63

(20) الطهر فاطمة علیها السلام *** 67

(21) الزهراء علیها السلام في الدار *** 71

(22) فاطمة علیها السلام و الحسنان علیهما السلام *** 74

(23) يُخجلُ الغيث *** 79

(24) خير نسوان علیها السلام *** 83

(25) دعاء الأبرار *** 89

(26) رسالة إلى الزهراء علیها السلام *** 91

(27) ريشتي و الزهراء علیها السلام *** 92

(28) بين الجدار *** 94

(29) أرّقت أهل المدينة *** 97

(30) دار بها الزهراء علیها السلام *** 99

(31) درّةٌ قدسية *** 102

(32) غصب الزهراء علیها السلام *** 104

ص: 646

(33) خط البتولة علیها السلام واضحٌ *** 107

(34) هُداها القرآن *** 109

(35) الحرمة الكبرى *** 112

(36) بعد فقد المرشد *** 116

(37) يابنة الطهر صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 120

(38) فداها علیها السلام النفوس *** 124

(39) الزهراء علیها السلام سِرُّ سيبقى *** 127

(40) الشفاعة بالزهراء علیها السلام *** 129

(41) من ظلم البتول علیها السلام *** 132

(42) قائدها النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 134

(43) مهرجان العيد *** 139

(44) لم أنس *** 143

(45) نجيبة المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 145

(46) سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 148

قافية الهاء

(1) نادت أباها صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 153

(2) صلى الإله عليها *** 155

(3) هذه هي الزهراء علیها السلام *** 159

(4) وستبقى الزهراء علیها السلام *** 163

(5) بنت خير الورى *** 166

ص: 647

(6) في سماء عُلاها *** 178

(7) حاربوا فاطماً علیها السلام *** 183

(8) يوم غاب النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 186

(9) بضعة الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 190

(10) حسرتى للبتول علیها السلام *** 194

(11) إِلَيْكُمْ يا بَني طه *** 197

(12) منظومة خطبة الزهراء علیها السلام *** 199

النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأكرم و فلسفة الرسالة *** 202

مسؤولية الناس تجاه الرسالة الإسلامية *** 204

فلسفة الشريعة الإسلامية *** 206

اعلموا أني فاطمة علیها السلام! *** 208

هكذا أنقذ اللَّه العرب من الجاهلية *** 209

دور الإمام عليّ علیه السلام في بناء الإسلام *** 212

الردّة و بدء المؤامرة ضد أهل البيت علیهم السلام *** 213

المزاعم الباطلة للمتآمرين *** 214

التآمر... عودة إلى الجاهلية *** 216

القرآن الكريم يفنّد مزاعم المتآمرين في غصب فدك *** 217

الإنذار *** 220

استنهاض الأنصار للدفاع عن الحق *** 220

حبّ الراحة سبب خذلان الحقّ! *** 225

ص: 648

المستقبل الخطير للمتخاذلين *** 226

جواب أبي بكر *** 227

الحديث -الفرية *** 229

الدفاع الهزيل *** 229

الحديث فرية و الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم لايخالف القرآن *** 231

جواب أبي بكر و الاعتراف بالخطأ *** 233

عناد المتواطئين على الباطل *** 234

و عادت فاطمة علیها السلام إلى دار عليّ علیه السلام! *** 235

استنهاض الإمام الممتحن *** 235

الكلمة الأخيرة لفاطمة علیها السلام! *** 239

(13) صديقة الخليقة *** 240

(14) يا كفيل الأيتام *** 246

(15) فريدة في معاليها *** 249

(16) يا كوثر الفضل *** 251

(17) لست أنسى البتول *** 253

(18) فضائل الزهراء علیها السلام *** 263

(19) بنت خير نبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 267

(20) من أيّ بابٍ *** 270

(21) هذه معدن العطاء *** 272

(22) حرّ الفؤاد *** 274

ص: 649

(23) بضعة المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 278

(24) هي أسوة للأمهات *** 284

(25) ربيبة خدرٍ *** 288

(26) سميت فاطِماً علیها السلام *** 291

(27) ما أعظم الزهراء علیها السلام *** 294

(28) هي البتول علیها السلام *** 296

(29) القدسية السامي عُلاها *** 300

(30) يا يوم فاطمة علیها السلام *** 301

(31) حرةٌ سادت البرايا *** 303

(32) نحلة البتول *** 308

(33) كم عانت الزهراء علیها السلام *** 313

(34) عمر الزهور *** 317

(35) شمس أم القرى *** 322

(36) وأتت فاطمُ علیها السلام *** 328

قافیة الواو

(1) هي رحمة *** 337

(2) بني الوحي *** 339

(3) مأتم الزهراءِ علیها السلام *** 341

(4) فداها أبوها *** 344

ص: 650

قافیة الیاء

(1) صلّوا على بنت النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 351

(2) هدية ربي *** 534

(3) صبّت علي مصائبٌ *** 357

(4) قوموا إلى فاطم علیها السلام *** 359

(5) كاشف الكرب *** 364

(6) لا تنس بضعة أحمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 368

(7) فاطمة علیها السلام في الدار *** 371

(8) كفاني أسًى *** 373

(9) بنت المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 378

(10) محبوبة النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 382

(11) جوهرة الكون *** 390

(12) يا إلهي بفاطمٍ علیها السلام *** 397

(13) عرّج على قبر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 401

(14) صائنة المجد *** 403

(15) هي الحوراء علیها السلام *** 406

(16) اللَّه يحكم *** 409

(17) في كربلا فاطم علیها السلام *** 413

(18) أم الحسين علیه السلام *** 415

(19) یا باب فاطمة علیها السلام البتول *** 420

ص: 651

(20) النَّسماتِ الفاطمية علیها السلام *** 423

(21) خيرة اللَّه *** 426

(22) زهراءٌ علیها السلام أُمُّ أبيها *** 432

الأراجیز

(1) حورية إنسية *** 437

(2) زَيْنُ الْجِنَانِ *** 441

(3) خامس الأطهار علیها السلام *** 444

(4) جوهرة الرحمن *** 450

(5) طَريقُ الكَمَال *** 452

(6) بضعة النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 457

(7) أم أبيها علیها السلام *** 459

(8) أفضل النساء *** 460

(9) ليلةِ القدرِ *** 466

(10) آل النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأكرمين *** 468

(11) طاهرة مطهّرة *** 472

(12) بضعة الأمين *** 481

(13) بنت الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 484

(14) مَظْهَرُ الأنوار *** 488

(15) حبيبة الحبيب *** 493

(16) آل النبيّ صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 495

ص: 652

(17) هدية الولاء في نظم حديث الكساء *** 497

(18) أرجوزة الكساء *** 504

(19) روضة النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 508

(20) يستأذن الأمين جبرئيلُ *** 510

(21) روضة الصدق *** 515

(22) أم الأئمة علیها السلام *** 518

(23) بضعة الهدى *** 528

(24) جَوْهَرَةُ الْقُدْسِ *** 532

(25) حق البتول علیها السلام *** 543

(26) بضعة المختار *** 549

(27) حديث الباب *** 551

(28) مصائب الزهراء علیها السلام *** 556

(29) تراث فاطم علیها السلام *** 559

(30) عليّ علیه السلام كفؤ فاطمة علیها السلام *** 561

(31) خير النساء *** 563

(32) فاطمة علیها السلام خيرُ النساء *** 570

(33) بنت نبيّ صلي اللَّه علیه و آله و سلم الهدى *** 575

(34) ما بال عينيك *** 577

(35) خامسة الأطهار علیها السلام *** 582

(36) الكساء اليماني *** 585

ص: 653

(37) ساعد الزهراء علیها السلام *** 588

(38) باب البتول فاطمة علیها السلام *** 593

(39) خَيْرُ نِسَاءِ الْأُمَّةِ *** 597

(40) أزهرت مكة *** 603

(41) تحت الكساء *** 605

(42) نور فاطم علیها السلام *** 610

(43) تفاحة الجنة *** 614

(44) طاهرةٌ معصومةٌ صديقة *** 618

الفهارس العامة

1- فهرس الشعراء *** 627

2- فهرس التراجم *** 632

3- فهرس القصائد و البحور *** 634

4- فهرس الموضوعات *** 645

ص: 654

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.