الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام المجلد 4

هوية الکتاب

الْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِر الولاء في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

الْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلخطَیب الشیخ علی حیدر المؤید

الجزء الرابع

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والشر والتوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_ - 2005م

ص: 1

اشارة

ص: 2

الْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلخطَیب الشیخ علی حیدر المؤید

الجزء الرابع

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والشر والتوزيع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_ - 2005م

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع

المكتبة : حارة حريك - بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي - الهاتف: 01/545182 - 03/473919 ص.ب: 13/6080 المستودع حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com .E-Mail:daraloloum@hotmail.com

ص: 4

بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اَهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهمِ وَلَاالضَّالِينَ

ص: 5

ص: 6

تقريظ

مُصابُ ابنةِ الهادي النبيِّ مُحَمَّدِ *** بكته الورى حزناً بلوعةِ مُجهَدِ

هي البضعةُ الزهراء سيدةُ النِّسا *** تسامت بعلياها على كلِّ فرقدِ

فبورك مَحياها بِتَطهيرِ ذاتِها *** و بُورِك مسعاها بعزّ و سُؤددِ

قرینةُ کرّارٍ بیومِ جهادِها *** و بنتُ نبيَّ بالمقال المُسَدَّدِ

أبت أن ترى ذاكَ (الوصيَّ) مُبعَّداً *** عن الحقِّ و هو الحقُّ في كلِّ مَشْهَدِ

غداةَ أنت و الحادثات تحوطُها *** إلى مَسجدِ المختار لَمْ تَتَردَّدِ

تُخاطبُهم و هي العليمةُ أنَّهم *** بعصيانِهم ما مِنهم من مُؤَيّدِ

ولكنَّها قد ألزَمتهم بحُجَّةٍ *** تُوافيهُم في عرصةِ الحشرِ في غدِ

(وما برحت مظلومةً ذاتَ عِلَّةٍ) *** إلى أن قضت حُزناً بلوعةِ مُكمَدِ

و وافت لها الأشعار تبكى مُصابها *** لَدى كلِّ محزون الفؤادِ مُقدَّدِ

لدى أمَّةٍ من هؤلاء و هؤلا *** توافيكَ منها بالقريضِ المُقصَّدِ

و قد وُزّعت في كلِّ سِفرٍ يَضُمُّ مِن *** روائِعها بعضاً كَدُرٍّ مُبَدَّدِ

وجاء بهذا اليوم يَجمعُ شملَها *** غيورُ مُحِبُّ للبتولِ و أحمدِ

(عليٌّ) فأكرم بالجهود عَظيمَةً *** أتانا بها سِفراً بعزمِ مُسَدَّدِ

كتاب حوى ما أنشأته قرائحٌ *** من الشِّعر في الزهراءُ مِن جَهدِ مُفرَدِ

و قد جاء باسم (الفاطميات) يَزدهي *** مُؤَلَّفه في خيرِ فعلٍ وَ مَقصَدِ

(عليٌّ) و حسبُ المرء في يوم حَشرِه *** و في الذِّكرِ ما يبني له جَدَّ أسعدِ

و خُذ ما إليك اليومَ منّي عواطفاً *** تُقرِّض ما حبَّرته منك باليدِ

و سوفَ يُوفّي الله أجَركَ مُنعماً *** هنالك إذ تلقاه في خيرِ مَقعدِ

الخطيب الشيخ جعفر الهلالي

الكويت في /25 صفر لسنة 1420 ه_

ص: 7

ص: 8

قافية الفاء

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) سهام الدهر

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب شعبان(*)(1)

سَقاكَ الحَيا الهطالُ يا مَعْهَدَ الإِلْفِ *** و يا جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ دانِيَةَ القَطْفِ

فَكَمْ مَرَّ لِي عَيْشٌ حَلا فيكَ طَعْمُهُ *** ليالي أُصَفِّي الوُدَّ فيها لِمَنْ يُصْفِي

بَسَطنا أَحادِيثَ الهَوَى وَ انْطَوَتْ لَنا *** قُلُوبٌ على صافي المَوَدَّةِ والعَطْفِ

فَشَتَّتَنا صَرْفُ الزَّمَانِ وَ إِنَّهُ *** لَمُنْتَقِدٌ شَمْلَ الأَحِبَّةِ بِالصَّرْفِ

كَأَنْ لَمْ تَدُرْ مَا بَيْنَنا أَكؤُسُ الهَوَى *** وَ نَحْنُ نَشَاوِى لانَمَلُ مِنَ الرَّشْفِ(2)

وَ لَمْ نَقْضِ أَيَّامَ الصَّبا وَ بِها الصَّبا *** تَمُرُّ عَلَيْنا وَ هُيَ طَيِّبَةُ العَرْفِ

أيا مَنْزِلَ الأَحْبابِ ما لَكَ مُوحِشاً *** بِزَهْرَتِكَ الْأَرْياحُ أَوْدَتْ بما تُسْفِي(3)

تَعَقَّيْتَ يا رَبِّعَ الأَحِبَّةِ بَعْدَهُمْ *** فَذَكَرْتَنِي قَبْرَ البَتُولَةِ إِذْ عُفِّي

رَمَتْها سِهامُ الدَّهْرِ وَ هْيَ صَوائِبٌ *** بِشَجو إلى أَنْ جُرْعَتْ غُصَصَ الحَتْفِ

شَجاها فِراقُ المُصْطَفَى و احْتِفَارُها *** لدى كلِّ رِجْسٍ مِنْ صَحابته الجُلْفِ(4)

لقدْ بالغُوا فِي هَضْمِها وَ تَحَالَفُوا *** عَلَيْها وَ خانُوا الله في ذلِكَ الحِلْفِ

ص: 11


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- نشاوی: سُكارى. الرشف: شرب كلّ ما في الإناء أو. مصه بالشفتين.
3- أودت: أهلكت. تسفي: تهب.
4- جُلف: الظالمون أو الغُلَظاء الجافون.

و ما وَرَّثُوها مِنْ أَبِيها و أَثْبَتُوا *** حَدِيثاً نَفاهُ اللَّه في مُحْكَمِ الصُّحْفِ(1)

و شَحَّتْ على النَّزْرِ القَلِيلِ نُفُوسُهُمْ *** فَما كانَ فِيهِمْ مِنْ كَرِيمٍ وَ لَاعَفِّ(2)

فَحُجَّتُهُمْ لَوْ أَنْصَفُوها وَ صَدُّهُمْ *** عَنِ الحَقِّ غِلٌّ فِي قُلوبِهِمُ الغُلْفِ

وَ قَدْ أَمْرَضَتْ كَفُّ الرَّزِيَّةِ جِسْمَها *** فَتَجْهَشُ شَجُواً بِالبُكاءِ و لايَشْفِي

فَابَتْ وَزنْدُ الغَيْظِ يَفْدَحُ في الحَشَا *** تَعَثَرُ بالأديال مُثْنِيَةَ العِطْفِ

وَجاءَتْ إِلى الكَرّارِ تَشكُو اهْتِضامَها *** ومَدَّتْ إليه الطَّرْفَ خاشِعَة الطَّرْفِ

أبا حَسَنٍ يا راسِخُ الحِلْمِ وَالحِجَا *** إِذا فَرَّتِ الأبْطالُ رُعْباً من الزَّحْفِ

و يا واحِداً أفْتَى الجمُوعَ وَ لَمْ يَزَلْ *** بِصَيْحَتِهِ فِي الرَّوْعِ يَأْتِي عَلى الأَلْفِ

أراكَ تَرانِي وَ ابْنُ تَيْمِ و صَحْبُهُ *** يَسُومُونَنِي ما لاأُطِيقُ مِنَ الخَسْفِ(3)

ويَلْطِمُ وَجْهِي نُصْبَ عَيْنَيْكَ نَاصِبُ *** العَداوَةِ لي بالضَّرْبِ مِنِّي يَسْتَشْفِي

فَتُغْضِي و لاتَنْضِي حُسامَكَ آخِذاً *** بِحَقِّي وَ مِنْهُ اليَوْمَ قَدْ صَفِرَتْ كَفِّي

لِمَنْ أَشْتَكِي إلا إليكَ وَمَنْ بِهِ *** أَلُوذُ وَ هَلْ لِي بَعْدَ بَيْتِكَ مِنْ كَهْفِ؟!

و قد أَضْرَمُوا النيران فيه وَ أسْقَطُوا *** جَنِينِي فَوَا وَيْلاهُ منهُمْ و يا لَهْفِي(4)

ص: 12


1- لعل الشاعر لو أبدل كلمة (أثبتوا ) بكلمة (الفوا) لكان المعنى أبلغ في تأدية الغرض و على أي حال ففي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة، و فدك، و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: (لانورث ما تركناه صدقة). و تقدم ذكر ذلك في موارد عدة.
2- عفّ: من كفّ وامتنع عمّا لايحلُّ أو لايجمل.
3- يسومونني: يُذِلُّونني.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص12 في حديث طويل. حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له إن أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار. فلقيته فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...

وَما بَرِحَتْ مَهْضُومَةً ذاتَ عِلَّةٍ *** تُؤَرِّقُها البَلْوَى وَ ظَالِمُها مُغْفِ

إلى أن قَضَتْ مَكْسُورَةَ الضِّلعِ مُسْقَطاً *** جَنينٌ لها بِالضَّرْبِ مُسْوَدَّةَ الكَتْفِ(1)

ص: 13


1- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40: فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها. انظر كتاب تهذيب الأحكام/ ج6 ص10: هذه الزيارة وجدتها مروية لفاطمة علیها السلام و أما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها فهو أن تقف وتقول: السلام عليك أيتها المحدثة العليمة... السلام عليك أيتها المغصوبة المظلومة... السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة... صلى الله عليك و على روحك و بدنك. أشهد أنك مضيت على بينة من ربك و أن من سرك فقد سر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و من جفاك فقد جفا رسول صلي الله علیه و آله و سلم آذاك فقد آذى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ومن وصلك فقد وصل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و من قطعك فقد قطع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه كما قال صلي الله علیه و آله و سلم: أشهد الله و رسله صلي الله علیه و آله و سلم و ملائكته أني راض عمن رضيت عنه، ساخط على من سخطت عليه متبرى ممن تبرأت منه موال لمن ،واليتِ معاد لمن عاديت، مبغض لمن أبغضت، محب لمن أحببت و كفى بالله شهيداً و حسيباً و جازيا و مثيباً...

(2) ما سن الضلال

(بحر الطويل)

السيد حيدر الحلي

عَلَى كُلِّ وَادٍ دَمْعُ عَيْنَيْكَ يَنْطِفْ *** وَ مَا كُلُّ وَادٍ جُزْتَ فِيهِ المُعرَّفُ(1)

أَظُنُّكَ أنْكَرْتَ الدِّيَارَ فَمِلْ مَعِي *** لَعَلَّكَ دَارَ العَامِرِيَّةِ تَعْرِفُ

نَشَدْتُكَ هَلْ أَبْقَيْتَ للدَّمْعِ مَوْضِعاً *** مِنَ الْأَرْضِ تَهْمِي الغَيْثَ فِيهِ وَ تَنْطِفُ؟(2)

فَهَذَا وَ لَمْ تَذْرِفْ دُمُوعاً وَ إنّما *** دَمُ القَلْبِ مِنْ أَجْفانِ عَيْنيكَ يُدْرَفُ

فَلاَ تَكُ مِمَّنْ يَنْبِذُ الصَّبْرَ بِالْعَرَا *** إِذَا غَدَتِ الوَرْقاءُ في الأيْكِ تَهتِفُ؟(3)

فَمَا ذَاكَ مِنْ شَجْرٍ فَيُشْجِيكَ نَوحُها *** وَ هَلْ يَسْتَوِي يَوْماً صَحِيحٌ و مُدْنَفُ؟(4)

أَلَمْ تَرَها لَمْ تَذْرِ دَمْعَةَ ثَاكِلٍ *** وَ لم يَنْصِدِعْ شَمْلٌ لَهَا مُتألفُ

وَ قَدْ لَبِسَتْ في جيدِها طَوْقَ زينةٍ *** وَجِيدُكَ فِيهِ طَوْقُ حُزْنٍ مُعطَّفُ

إِذَا مَا شَدَتْ فَوْقَ الأَرَاكِ تَرنّما *** فَإِنَّكَ تَنْعَى وَ الجَوَانِحُ تَرْجُفُ

أُعِيدُك أنْ يَهْفُوبِحِلْمِكَ مَنْزِلٌ *** تَعَفَّى وَ فِيهِ للأَوَابِدِ مَأْلَفُ(5)

فَلاَ تَبْكِ في اطْلالِهِ بِتَلهفٍ *** فَلَيْسَ يَرُدُّ الذَّاهِبينَ التَّلهُّفُ

ص: 14


1- يَنْطِف: يسيل. جزتَ: قطعت.
2- تهمي الدمع: تسيل.
3- ينبذ: نبذ الشيء أي طرحه و رمى به. الأيك: الشجر الكثير الملتف.
4- مدنف: مريض. الصحيح: المعافى من المرض.
5- الأوابد: الوحوش. تعفَّى: غاب أثره.

وَ لَوْ عَادَ يَوْماً بالتأسُّفِ ذَاهِبٌ *** عَذَرْتُكَ لَكِنْ لَيْسَ يُجدِي التَّاسُّفُ

و إِنَّ جَزوعاً شَأْنُه النَّوْحُ وَ البُكَا *** لِغَيْر بَني الزَّهْرا مُلامٌ مُعنّفُ(1)

بِنَفْسِي وَ آبَائِي نُفُوسَاً أَبِيَّةً *** يُجرِّعُها كَأْسَ المنيَّة مُتْرَفُ

إلى أن يقول :

فَلِلَّهِ مِنْ خَطْبٍ لَهُ كُلُّ مُهْجَةٍ *** يَحِقُ مِنَ الوَجْدِ الْمُبَرِّحِ تَتْلَفُ

وَ أُقْسِمُ مَا سَنَّ الضَّلال -سِوَى الأُلَى *** عَلَى أُمَّةِ المختارِ بَغْياً تَخلَّفُوا

فَيَوْمٌ غَدَوا بَغْياً عَلَى دَارٍ فَاطِمٍ *** أَتَتْ جُنْدُهم بالغَاضِرِيَّة تَرْحَفُ(2)

وَ قَتَلُ ابْنِهَا مِنْ يَوْم رُضُتْ ضُلُوعُها *** وَ مِنْ هَنْكِهَا هَتْكُ الفَواطِم يُعْرَفُ(3)

وَ مِنْ يَوْمٍ قادوا حَيْدَرَ الظُّهْرَ قَدْ غَدَوْا *** بِهِنَّ أَسَارَى شَأْنُهُنَّ التَّلهُّفُ(4)(5)

ص: 15


1- الجزوع: الذي لا يصبر على ما أصابه و المعنف: الذي يلام بعنف.
2- الغاضرية: اسم للأرض التي استشهد فيها الحسين علیه السلام و جاء في شرح «نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج2 ص19:...جاء عمر إلى بيت فاطمة علیها السلام في رجال من الأنصار و نفر قليل من المهاجرين. فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنَّ البيت عليكم».
3- في «الاحتجاج» ج1 ص109 ط دار النعمان -النجف: فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها. فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها». انظر:«سليم بن قيس» ص40 مثله.
4- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 نقلاً من كتاب «علم اليقين في أصول الدين»: «ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبّباً بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها، فقالت: والله لا أدعكم تجرون ابن عميَ ظلماً.... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك.... ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم واثكل حبيبك أبوالحسن علیه السلام المؤتمن... فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.
5- ديوان السيد حيدر الحلي ص92.

(3) حرب البتول علیها السلام

(بحر الرّمل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

آيَةُ الظُلمِ دَلِيلٌ وَ كَفى *** لَيْسَ مِنْ قَبْرٍ لِبِنْتِ الْمُصْطَفى

***

يَنْقُلُ الْقُرآنُ كَلاً لا وَزَرْ *** وَ مِنَ الآياتِ تَأتِيكَ الْعِبَرْ

كَيْفَ مِنْ فاطِمَةَ الضّلْعُ انْكَسَرُ؟ *** وَ بِهَا الإسلام نال الشَّرفا

***

إنْ يَكُ الأَصْحابُ حَقّاً آمَنُوا *** وَ لِحِفْظ الشَّرْعِ شُورَى عَيَّنُوا

فَلِماذا بَعْدَه أَعْلَنُوا *** حَرْب أَهْل الْبَيْتِ كُفْراً و جفا؟

***

لَسْتُ أَنْسى فَاطِماً فى المُعْتَرَكْ *** حَيْثُ فِرْعَوْنُ إلى الْحَقِّ انْتَهَكْ

وَ بِظُلْمٍ غَصَبُوا مِنْهَا فَدَكْ *** هكَذَا الخصْمَانِ مِنْهَا وَقفا

***

رَوَّعَاهَا مَنَعاها حَقَّها *** حَارَباها كَذَّباها صِدْقَها

وَ إِلَى الدَّارِ أَجازا حَرْقَها *** وَ إِلَى الآنَ لَظاها مَا انْطَفَى(2)

***

ص: 16


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- لظاها: لهيبها.

رَجَعَا لِلشِّركِ في حَرْبِ البَتُول *** أَغْضَباها عَنْهُمَا مَاذَا نَقُول؟

رَجَعَا لِلشِّركِ الضّلْع كَسْرٌ لِلرَّسُول *** هَكَذَا الْحَقُّ إِذَا مَا أُنْصِفا

***

فِي غِيابِ الْمُصْطَفَى قَدْ أَوْشَكا *** أَنْ يُعِيداً هُبَلاً لَوْ تُرِكا(1)

مَنَعاها منْ عَويلٍ وَبُكا *** هَكَذَا رَاحَتْ مَوَازِينُ الْوَفا(2)

***

عَجَباً مِنْ أُمَّةِ الهادِي تَرَى *** حُكْمَ اجْلافٍ بِلَيْلِ دُبُرا(3)

وَ لِماذا رَضِيَتْ فِيمَا جَرَى؟ *** وَإِلَى العُسْرِ مَضَتْ وَا أَسَفا

***

ما أَتَتْ قَصْداً لإحدى الْحُسْنَيَيْن *** حَيْثُ بَاءَتْ فَشَلاً في النَّشْأَتَيْن

كَيْفَ تَرْضَى أَنْ تَرى أُمَّ الحُسَيْن *** في حِياضٍ الْمَوْتِ تَقْضِيَ تَلَفا؟

***

ص: 17


1- هُبَل: اسم صنم للمشركين.
2- في بحار الأنوار، ج43 ص177: قال: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها. و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً. فقال علیه السلام: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيهة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً. فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال لها علي علیه السلام: أفعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا لک.
3- أجلاف: حُمُق.

مَاتَتِ الزَّهْراءُ غَضْبَى واحِدَهْ *** تَبَّتِ الأيْدِي الحَقُودَه الجَاحِدَهْ(1)

فَاطِمٌ تَأْتِي عَلَيْهِمْ شَاهِدَهْ *** لِيَرَى الأَصْحابُ ذاك المَوْقِفا

***

دُفِنَتْ وَ الضّلْعُ في الصَّدْرِ انْخَسَفَ *** قَبْرُها يَجْهَلُه ذاكَ السَّلَفْ(2)

وَ إِلى تَعْيِينِهِ الكُل المختلفْ *** عِندما الحقيتِ الحقُّ الحتَفَى

***

قَبْرُها في كُلِّ قَلْبِ طَاهِرٍ *** نُورُها في كُلِّ حَقٌّ ظَاهِر

لَعَنَ الله الزَّعِيمَ السَّامِرِي *** قَبْرُها مِنْ جَوْرِهِ لَنْ يُعْرَفا

***

قَبْرُها الْمَجْهُولُ رَمْزُ الْمُعْتَقدْ *** هي سِرُّ الْوَاحِدِ الفَرْد الصَّمَدْ

نُورُها في جَبْهَةِ الدَّهْرِ اتَّقَدْ *** وَ العُلا نَحْوَ هُداها ازْدَلَفَا(3)

ص: 18


1- الجاحدة: الكافرة، المنكرة للحق مع معرفتها له.
2- أنظر دفنها ليلاً. في دلائل الإمامة للطبري ص46: فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس و أخرجها إلى البقيع ليلاً. و انظر كسر الضلع في كتاب سليم بن قيس؛ ص40. ... فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً في جنبها و ألقت جنيناً من بطنها.
3- ازدلف: تقدّم، تقرّب.

(4) حشاشة قلب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر المتقارب)

الاستاذ علي محمد الحائري الحائري(*)(1)

هُوَ الدَّهْرُ يُزْجِي المُنَى وَ الحُتُوفا *** تَناوَبُ يَومَيْهِ جَدْباً وَ رِيفا(2)

وَ لَيْسَ النُّهَى شَفَعاً لِلقُسُومِ *** وَلَكِنَّهُ الْحَظُّ يَجْرِي صُروفا

قُصَارَى الَّذِي أَنْتَ تَشْقَى بِهِ *** حَيَاةٌ سَتَرْحَلُ عَنْها كَسِيفا(3)

وَ مَا مَلَكَتْكَ زُروعُ اللُّهى *** تُنَازِعَكَ فِيهِ الْمَنايا قُطُوفا

وَ مَنْ يَغْتَرِرْ بِسَرابِ الْوُعودِ *** دَرَّ بَكِيناً وَ غاضَ خُلُوفا(4)

عجِيبٌ تَقلُّبُ هَذا المَدارِ *** إِذا أَنْتَ مَزَّقَتَ مِنْهُ السُّفوفا

يُصِيبُكَ مِنْ حَيْثُ لا يَدَّرِي *** وَ يَخْتِلُ إِذْ تَصْطَفِيهِ رَدِيفا

وَ يُغْشِيكَ في غَفَلاتِ الْكَرَى *** لِيَأْنَسَ مِنْكَ قَنِيصاً أَلُوفا(5)

مَتَى كانَتِ الأُمْنِياتُ الرِّطَابُ *** يُبَلِّلْنَ مِنْكَ فُؤاداً لَهُوفا

و في أيِّ مُنتجعٍ تَسْتَحِمُّ *** وَ حَشْوُ إهابك يَنْكي قُروفا(6)

لعاً في عِثارِ الرَّزايا *** خُطَايَ فَأَوْفَى مَسِيرَكَ كَانَ الوَجِيفا(7)

ص: 19


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- يُزجي: يسوق. الحتوف: جمع حتف و هو الموت.
3- كسيفاً: عابساً، سيء الحال مجوباً.
4- بكيئاً: قليل العطاء. غاض: نقص، أو غار ، أو نضب. خلوفاً: تغير رائحة الفم و فسادها.
5- الكرى: النعاس أو النوم. قنيصاً: صيداً.
6- ينكى: نكى انهزم و غُلب و قهر. قروفاً: نكوساً في المرض أو التهمه أو التنفّر.
7- وجيفاً: سيراً سريعاً. لعا: يقال للعائر: لعاً لك. أي أنعشك الله من عثرتك.

وَ رُجْعِى لِّطَيْفِكَ صُبْحُ الشَّبَابٍ *** فَأَفْواقُ وَ رْدِكَ تَزْهو صُنُوفا

تَفَيَّانَ في ظُلَلِ الأَكْرَمِينَ *** وَ أَسْبَلْنَ في كُلِّ رِجْسٍ سُجُوفا(1)

وَ وَثِقَنَ مِنْ حُبِّ آلِ الرَّسُولِ *** وِثَابَ خُطى مَا عَرَفْن الرَّسِيفا(2)

هُمُ انْتَزَعُوا الدُّجْنَ عَنْ نَاظِري *** وَ هُمْ رَفَعُوا صَرْحَ شِعْرِي مُنِيفا(3)

إِذا قُلْتُ قَافِيَةٌ فِي هَواهُمْ *** نَفَجْتُ اللَّطِيمَ بِهِ فَأُدِيفا(4)

رَعَيْتُ بِشَرْحِهِمُ ضامِنین *** مَرْعَّى خَضِيلاً وَ نَبْتاً لَفِيفا(5)

وَعَيَّفْتُ طَيْرِي بِعَنقائِهِمْ *** وَ طَيَّرْتُهُنَّ أُلوفاً أُلُوفا

وَ مَنْ جَعَلَ الشَّمْسَ مِشْكَاتَهُ *** تَأَوّبَ لَيْلاً وَ جَابَ تُنُوفا(6)

وَ مَنْ جَعَلَ النَّهْجَ نَهْجَا لَهُ *** تَبَوَّأَ في الضَّادِ ظِلاً وَرِيفا

إمامُ البَلاغَةِ زَوْجُ الْبَتُولِ *** أَبُوالحَسَنَيْنِ كَفَى أَنْ أُضِيفا

وَمَنْ كَفَكَفَ الدَّمْعَ عَنْ فَاطِمٍ *** وَ قَدْ سَيَّلَ الْخَطْبُ مِنْها صَلِيفا(7)

وَ كَانَتْ حُشاشَةَ قَلْبِ الرَّسُولِ *** يَرُوحُ بِها رَيْثَ يَغْدُو عَطُوفا

وَ كَانَتْ لَطِيمَةَ مِسْكِ الْعَفَافِ *** وَ قَدْ عَزَفَتْ عَنْ دُنَاهَا عُزُوفا(8)

كَفَى حَرَمُ الدِّينِ صَوْناً لها *** وَ حَلي الفضائِلِ فيها رَفيفا

وَ هَذَا الْبِنَاءُ الرَّفِيعُ الْعِمَادُ *** مناراً مَعَ الرُّوحِ يَبْقى حَلِيفا

تَلُوذُ الْمَجَرَّةُ في قُدْسِهِ *** وَ تَأْبَى الغَزالَةُ فِيها كُسُوفا

ص: 20


1- سجوفاً: أستاراً.
2- الرَّسيفا: المشي مشي المقيد.
3- منيفاً: مرتفعاً.
4- نفجت: أثرتُ. اللطيم: المسك. أُديف: خُلِطَ.
5- خضيلاً: مبتلَاً ندياً.
6- تنوفاً: البرية التي لاماء فيها و لاإنس.
7- كفكف الدمع: مسحه مرَّة بعد مرة صليفاً: السحاب كثر رعده و قلَّ ماؤه.
8- عزفت: زهدت و منعت نفسها عن الشيء.

وَ لَيْسَ زَرِيّاً بِجُهْدِ البُنَاةِ *** إِذا ثَلَمَ الهادِمُون السُقُوفا(1)

ص: 21


1- ثلم: كسر.

(5) آهِ لبنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم

(مجزوء الكامل)

الشيخ قاسم الملا الحلي(*)(1)

مَامُقْلَتِي هَتَنَتْ ذَروفَهُ *** فِي حُبِّ غَانِيَةٍ ظَرِيفَهْ(2)

هَيْفَاءُ مِنْ خَمْرِ اللَّمى *** ثَمِلَتْ مَعاطِفُها النَّزيفهْ(3)

کَلا وَ لافَتَكَتْ بِنَا *** أَسْيَافُ لَحْظَتِها الرَّهِيفَهْ(4)

كَلاً وَ لاَطيْرُ الفُؤادِ *** أَدامَ مِنْ شَعَف رَفِيفَهْ

لَكِنْ أَذابَ حُشاشَتِى *** رُزُهُ المُطَهَّرَةِ العَفِيفَهْ

بِنْتُ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ الْمُخْتَارِ *** بِالرُّتَبِ الْمُنِيفَهْ(5)

الْغَوْا بِهَا نَصَّ الْكِتَابِ *** وَ مُزَقَتْ مِنْهَا الصَّحِيفَهْ

ص: 22


1- (*) في كشف الغمة ص505 لعلي بن عيسى الأربلي قال: أنشدني بعض الأصحاب (أبي بكر بن أبي قريعة) أبياتاً و هذه الأبيات صدرها الخطيب المصقع و الشاعر المفلق الشیخ قاسم الملا الحلي. و هو محمد بن عبد الرحمن القاضي أبوبكر بن قريعة البغدادي، و كان ملازماً للوزير أبي محمد المهلبي و كان فاضلاً يداعبونه برسائل و مسائل هزلية فيجيب عنها بأسرع جواب و أجوبة بليغة مسكنة. توفي سنة سبع و ستين و ثلاثمائة. (367 ه_).
2- هتنت: قطرت، صبَّتْ. ذروفه: سيلان الدمع. الغانية: المرأة التي استغنت بجمالها و حسنها عن الزينة.
3- هيفاء: التي ضمر بطنها و رقَّتْ خاصرتاها. اللّمى: بتثليت اللام سمرة أو سواد في باطن الشفة يُستحسن. معاطفها: سيوفها.
4- لحظة: باطن العين أو النظرة بمؤخّر العين عن يمين و يسار أو السمة تحت العين.
5- الرُّتب المنيفة : المشرفة الطويلة المرتفعة.

وَ بِنِحْلَةِ الهادي اسْتَبدُّوا *** إِذْ زَوَوْا إِرْتَ الشَّريِفَهْ(1)

عَجَباً لِمُنْتَصِرِ لَهُمْ *** وَ الغَيُّ لَمْ يَنْصُرْ خَلِيفَهْ

رَأْسُ الضَّلالَةِ شَيْخُ تَيْمٍ *** وَ الْأَلِيف حَكَى أَليفَهْ

أنْشَدْتُ قَوْلَةَ خَائِفٍ *** مِنْ دَهْرِه يَخْشَى صُروفَهْ

ابن قريعة:

يَا مَنْ يُسَائِلُ دَائِباً *** عَنْ كُلِّ مُعْضِلَةٍ سَخِيفَهْ

لاتَكْشِفَنَّ مُغَطَّئاً *** فَلَرُبَّما كَشَفْتَ جِيفَهْ

وَ لَرُبَّ مَسْتُورٍ بَدا *** كَالطَّبُل مِنْ تَحْتِ الْقَطِيفَهْ

إنّ الْجَوَابَ لَحاضِرٌ *** لكِنَّني أخفِيهِ خِيفَهْ

لوْلاَ اعْتِدَارُ رَعِيَّةٍ *** الغَى سِيَاسَتَهَا الْخَلِيفَهْ

وَ سُیُوفُ أَعْداءٍ بِهَا *** هَامَاتُنا أَبَداً نَقِيفَهْ(2)

ص: 23


1- نحلة مهر و صداق. زووا: احتازوا و جمعوا و قبضوا. جاء في صحيح البخاري، ج5 ص177: عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورّث ما تركناه صدقة». انظر تفسير فرات الكوفي، ص473 ح619: لما نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سلاحه و أسرج دابته وشد علي علیه السلام سلاحه و اسرج دابته ثم توجها في جوف الليل و علي علیه السلام لايعلم حيث يريد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى انتهيا الى فدك فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام تحملني أو أحملك؟ قال علي علیه السلام: أحملك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام بل أنا أحملك لأني أطول بك و لاتطول بي فحمل علياً علیه السلام على كتفيه ثم قام به فلم يزل يطول به حتى علا علي سور الحصن فصعد علي علىه السلام علي الحصن و معه سيف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأَذّن على الحصن و كبّر. فابتدر أهل الحصن إلى باب الحصن هراباً حتى فتحوه وخرجوا منه فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بجمعهم و نزل علي علیه السلام إليهم فقتل علي ثمانية عشر من عظمائهم و كبرائهم و اعطى الباقون بأيديهم و ساق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذراريهم و من بقي منهم و غنائمهم يحملونها على رقابهم إلى المدينة. فلم يوصف فيها غير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فهي له و لذريته خاصة دون المؤمنين.
2- نقيفة: مكسورة من الدماغ.

لَكَشفتُ مِنْ أَسْرارِ آلِ *** مُحَمَّدٍ جُمَلاً ظَرِيفَهْ

يُغْنِيكُمُ عَمّا رَواهُ *** مالِكٌ وَ أَبُوحَنَيفَه

وَ نَشَرَتُ طَيَّ صَحِيفةٍ *** فيها أحاديثُ الصَّحيفَهْ

وَ أُرِيكُمُ أنّ الحُسَيْنَ أُصِيبَ *** في يَوْمِ السَّقِيفَهْ

وَلأيِّ حَالٍ لُحِّدَتْ *** في اللَّيْلِ فَاطِمَةُ الشَّرِيفَهْ

وَ لِمَا حَمَتْ شَيُخَيْكُمُ *** عَنْ وَطْيءِ حُجْرَتِها الْمُنيفَهْ(1)

آهِ لِبِنْتِ مُحَمَّدٍ *** ماتَتْ بِغُصَّيْها أَسِيفَهْ(2)

ص: 24


1- حمت: منعت.
2- المصادر التي وردت القصيدة فيها كالتالي: كتاب المقرم ص116 و الوافي بالوفيات ج ص227 و تاريخ بغداد ج2 ص317 و فيات الأعيان ج1 ص655 و شذرات الذهب ج3 ص60 و سير أعلام النبلاء ج16 ص326.

(6) كابدت ستّ النسا

(بحر الكامل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

صَبٌ جَفَوْهُ وَ عَنْ كَراهُ تَجافى *** مَهْما سَقَى طَرْداً نَما إِلْحافا(2)

خَطَفَ الهَوى منه الفُوَّادَ فَلَمْ يَزَلْ *** حَتَّى القيامَةِ يَذْكُرُ الخَطَّافا

وَ لْهَانُ وافاهُ الحَبِيبُ بِوَصْلِهِ *** وَقتاً فَظَنَّ الخُلْدَ فِيهِ وافي(3)

ما لَذَّ طَعْمُ الوَصْلِ حَتَّى سامَهُ *** هَجْراً فَظَنَّ الوَصْلَ طَيْفاً طَافا

وَ لَمَوْتُهُ بِالحُبِّ أبْرَدُ للحشا *** مِنْ مَحْضِهِ بَعْدَ الوَفَاةِ خِلافا

فَالهَجْرُ بَعْدَ الوَصْلِ لامَوْتُ يَلي *** دَفْناً و لاسُقُمٌ فَمِنْهُ يُعافي

الرَّاحَ يَشْرَبُها فَيَحْسَبُها لَظِّى *** وَ يَخَالُ أصْناف الطَّعامِ ذُعافا(4)

یَمْشِي فَتَحْسَبُ أنَّه ثَمِلٌ وَ لَمْ *** يَشْرَبْ سِوَى خَمْرِ الفِراقِ سُلافا(5)

لاهَمَّ بعدَ الوَصْلِ أَكْبَرُ مِنْ جَفا *** إذْ لاحَياةَ بِهِ و لاإثلافا

لاعِيْشَةٌ تُشْفِي و لاسُقْماً و لا *** بِالمَوْتِ حَتَّى لَوْ يَمُوتُ يُشافى

وَ لَئِنْ يَكُنْ هَجْرٌ و بُعْدَ يُرْتَجِي *** وَ ضَلَّ وَ قُرْبٌ بَعْدَهُ إِسعافا

ص: 25


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- جَفَوْهُ: أعرضوا عنه، و لم يلتفتوا إليه. تجافى: تنحى و لم يلزم مكانه طردا: بسكون الراء هو الإبعاد و التنحية و بكسرها هو الماء الطرْقُ و هو ما خاضته الدواب. إلحافاً:إلحاحاً.
3- ولهان: من الوله و هو أقصى درجات العشق.
4- الرَّاح: الخمر. ذعافاً: سُمّاً قاتلاً لساعته.
5- سلافاً: السلاف ما سال و تحلب قبل العصر، و هو أفضل الخمر.

فَالْمَوْتُ مُفْتَرقُ و يُعدّ لالِقاً *** مِنْ بَعْدِهِ يُرجَى و لاإيلافا

فَمَن الذي في الموتِ يَعْدِلُ مَنْ بَكَى *** لِحَبِيبِهِ أَوْ عَدَّهُ إسْرافا

***

أَمْ هَلْ تَرى فِي مَنْعِهِمْ سِتّ النِّسا *** عَنِ نَدْبِها خَيْرَ الوَرَى إِنْصافا

أفَمِنْ بُكا المختارِ تَمْنَعُ عينَها *** وَيَجَدُّ عَنْهَا الظَّلَّ والأَرْيافا

و تُبِيحُ عائشةٌ قِتَالَ وَصِيِّهِ *** ظُلْماً وَ ما أَحَدٌ بِنُكْرٍ نافي

اللَّه ماذا كابَدَتْ سِتُ النِّسا *** بَعْدَ النَّبِيِّ مِنَ البَلا أَصْنافا

مِنْ بيتِها تُنْفى لِنَدْبِ كَفِيلِها *** وَ عَنِ البقيعِ تَسُومُها إِرْجافا(1)

أَسِفُوا لأَنْ تَحْظى بِظِلٍّ أَراكَةٍ *** فِيهِ فَوَلَّوْا قَطْعَها الأَجْلافا(2)

قَغَدَتْ عَزيزةُ أَحْمَد مَنْ لَمْ يَزَلْ *** يُوصِي بِها وَ بِنَسْلِها الأحْلافا

تُصْلى بِنارِ الضَّيْم و الإذْلاَلِ ما *** لِلسُّقْمِ أَلقى جِسْمَها أَهْدافا

فَقَدتْ بِفَقَدِ وَلِيّها كُلَّ الهَنا *** إِذْخَلْفَهُ دَرَّ البَلا أخلافا

مَنَعُوا الوَصِيَّ مَقامَهُ وَ مِنَ البُكَا *** مَنَعُوا البتول وَ ما اكْتَفَوْا أسْلافا

حتَّى انْتَهَوْا فِي مَنْعِها عَنْ إرْثِها *** فَدَكاً بما قَدْ زَوَّرُوهُ جُزافا(3)

ص: 26


1- إرجافا: أرجف أي خاض في الأخبار السيئة و الفتن بقصد أن يهيج الناس.
2- الأجلاف: الغلاظ.
3- جزافاً: أصله البيع و الشراء بغير وزن و لاكيل و على التخمين ثم استعير المعنى في كل أمر تخميني. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي (ج16، ص232) دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها... وكذا في المناقب لابن شهر آشوب، ج4 ص320. في كتاب أخبار الخلفاء أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر علیه السلام: خذ فدكاً حتى أردها إليك فيأبى حتى ألح عليه فقال علیه السلام: لا آخذها إلا بحدودها. قال: وما حدودها؟ قال: إن حددتها لم تردها. قال: بحق جدّك إلّا فعلت قال: أما حدها الأول فعدن. فتغيَّر وجه الرشيد و قال: إيهاً قال: و الحد الثاني سمرقند. فاربدّ وجهه. و الحد الثالث إفريقية فاسوَّد وجهه و قال: هيه قال: والرابع: سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينية. قال:الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحول إلى مجلسي. قال موسى علیه السلام: قد أعلمتك أنني إن حدَّدتها لم تردها. فعند ذلك عزم على قتله. و في رواية ابن أسباط أنه قال: أما الحد الأول فعريش مصر، و الثاني دوحة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال: هذا كله هذه الدنيا! فقال: هذا كان في أيدي اليهود بعد موت «أبي هالة» فأفاءه الله على رسوله بلاخيل و لاركاب فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة علیها السلام.

فَأَتَتْهُمُ في لِمَّةٍ مِنْ نِسْوَةٍ *** و المَسْجِدُ امْتَلأَ الذَّرى أَشرافا

فأُنِيطَ دُونَهُمُ لَهُنَّ مَلاءَةٌ *** إِذْ عَنْ ضَلالَتِهِمْ رَفَعْنَ سِجافا(1)

أنَّتْ بِصَوْتٍ أَجْهَشَتْهُمْ بِالبُكا *** و بِنُطقِها حَكَتِ النَّبِيَ هُتافا(2)

وَ اسْتَرْسَلَتْ في خُطبةٍ أَهْدَتْ بها *** الفُصَحاءَ عِيّاً و الرِّياض جَفافا(3)

لَهُمُ مِنَ السِّحْرِ الحَلالِ و مَنْطِقٌ *** ذَلِقٌ يَفِيضُ بهِ البَيَانُ نِطاقا

مُعْنِّى يَدِقُ عَن النُّهى حُسْناً له *** لَفْظُ أَرَقُّ مِنَ النَّسِيمِ مَطافا

تَدْعُو و قَدْ عَلَتِ العيونَ غِشَاوَةٌ *** و الغيُّ ناطَ على القُلوبِ لحافا

أَنَيَذْتُمُ القُرْآنَ خَلفَ ظُهُورِكُمْ *** عَمْداً لدين الجاهلي زِحافا؟

أمِنَ السَّدادِ تُصِيبُ ارْثَ أبيكَ يا *** هذا وَ تَمْنَعُ ارْلِيَ اسْتِتكافا؟

فَاحْتارَ كَيْفَ يَسُدُّ عَشْرَتَهُ الّتي *** أبْدَتْ عَماهُ عَنِ السَّبِيلِ كَشافا

***

لَمْ يَلْف إلا أنْ يَقُومَ بِفِرْيَةٍ *** لِيَسُومَ ضَعْفاً ما رَبَى أضْعافا

إِنِّي سَمِعْتُ أباكِ قال الأَنْبِيا *** لَسْنا نُورّثُ بَعْدَنا أَخْلافا

ص: 27


1- السِّجْف: الستار، جمعه سجوف و أسجاف. و جمعه هنا على سجاف.
2- حکت: شابهت. هتافا: صوتاً، نداءً.
3- عيَّاً: عجزاً عن الكلام.

قالَتْ مَعاذ الله لَيْسَ يَرَى أَبي *** قَوْلاً يَحِيدُ عَن الكتابِ خِلافا

هذا الكِتابُ يَقُولُ قَدْ وَرَّثَ ابْنَهُ *** دَاوُدُ منه كما لِيَحْيى انْصافا

وَ جَمِيعُ آياتِ الكِتابِ تَعُمُّهُمْ *** حُكْماً و ما أَحَدٌ خُصوصاً وافي

أَمْ خَصَّكُمْ دونَ النَّبيِّ بِآيَةٍ *** أَمْ انْتُمُ أَدْرى بها اسْتِكْشافا

أمْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أُمَّةٍ أنا مَعْ أَبي *** لَوْ كانَ إِرْثاً لَمْ يَكُنْ إِتحافا(1)

***

إيهٍ بَني أَوْسٍ أَأَمْنَعُ بَيْنَكُمْ *** إِرْنِي وَ ما أَحَدٌ جميلاً كافّي؟

لَمْ تَسْمَعُوا ما قالَ فيِّ طه كَأَنَّكُمْ *** و لاكُنْتُمْ لَهُ أَعْرافا

هذا التُّراثُ بِمَسْمَعٍ و بِمَنْظَرٍ *** مِنْكُمْ زَوَى عَنْ أَهْلِهِ أَوْقافا

اللَّهُ ما فِيكُمْ فَتَى ذُو غَيْرَةٍ *** فَيُبِينُ إنصافاً لَنا إنْ صافَي

هَبْكُمْ نَبذْتُمْ دِينَ أحْمَدَ فَاحْفَظُوا *** حِلْفَ الفُضُولِ وَ رَاجِعُوا الإنْصافا

فَكانَّما بَكِمُوا وَ صَمُّوا إِذْ عَمُوا *** وَ عَلَى العَمَى عَنْهَا ثَنَوْا أَعْطافا

وَ بِراحَةٍ صَفْرا انْتَنَتْ عَنْهُمْ لَها *** عَيْنٌ تَفِيضُ بِدَمْعِها وَكَافا(2)

***

وَ مَضَتْ لِبَيْتِ كَفِيلها و قَدِ امتلا **** مِنها الفُؤادُ بِهَمِّهِ إرْجافا

فَاسْتَعبَرتْ حُزْناً وَ هاجَ بها الجَوَى *** لمّا رَأَتْهُ فَلَمْ تُطِقُ إسْدافا(3)

قالَتْ أَراك قد اشْتَمَلتَ الذُّل إذْ *** أَضْرَعْتَ خَدَّكَ في الجَفا إسْرافا

إِذْ أصْداكَ يَفْتَرِسُ الذَّتَابُ بِرَجْعِهِ *** وَ يَداكَ يُرثِقُها الذُّبابُ كِتافا

ص: 28


1- إتحافاً: إهداء.
2- وكافاً: سيالا قليلاً قليلاً.
3- إسدافاً: نوماً.

وَ تُمِيتُ نَظْرَتُكَ الأجادِلَ خِيفَةً *** وَيَبرُّ مِنْكَ الأَعْزَلُ الأسْيافا(1)

ألِكُلِّ هذا الحَدِّ تُصْبِحُ ضارعاً *** وحَشاكَ مِنْ قَلْبٍ يَخافُكَ خافا؟

هذا ابن تَيْمٍ عادَ يَغْصِبُ نِحْلَتِي *** مِنِّي وَ قدْ عَدَّ الصِّفاحَ صِحافا

فَأَمَضَّنِي فِيمَا افْتَراهُ وَ لَمْ يَدَعْ *** ظُلْماً وَ هَضْماً ما عَلَيه أنافا(2)

أَرْمي بطرفي لاأرَى لي ناصِراً *** في القَوْمِ إلا قاطِعاً أطْرافا

نادَيْتُ فِيهِمْ مَا اسْتَجَابَ لِيَ امرؤٌ *** وَ دَعَوْتُ فيهم لم أُصِبْ إسعافا

لامانعٌ ضيماً و لا لي دَافِعٌ *** شَرّاً و لامُهْدٍ لنا ألْطافا

فَخَرَجْتُ كاظِمَةً وَعُدْتُ رَغِيمَةً *** أَشْكُو لِرَبِّي الظُّلم و الإعْسافا(3)

وَيْلاهُ عَنِّي غابَ حامي حَوْزَتِي *** فَبقِيتُ أَخْتَلِبُ الأسَى أَخْلافا

***

فَرَثَى الوَصِيُّ لها بِلُطْفٍ قائِلاً *** وَيْلٌ لِمَنْ أَوْلاكِ مِنْهُ خِلافا

مَهْلاً كريمةَ أهل بَيْتٍ المُصْطَفَى *** فَلأَنْتِ أَكْرَمُ مِنْ سَما الأَشْرافا

ماذا التَّضَجُرُ وَ الأَسَى مِنْ فَائِتٍ *** لم يُغْنِ عَنْكَ وَ عَنْ بَنِيكِ كَفَافا

وَ الرِّزْقُ إِمّا شِئْتِ عندَ كَفِيلِهِ *** مَنْ لَمْ يَسُمُكِ بِوَعْدِهِ إِخلافا

وَ لَقَدْ حَمَلْتِ العُشْبَ لاعَجْزاً و لا *** خَوْفاً ولكنْ رَحْمَةً و عَفافا

وَ لِمَالِكِ الباري أَعَدَّ بِقُرْبِهِ *** مِنْ ذاكَ خَيْراً جَنَّةً أَلْفافا

وَ بِرَبِّكِ احْتَسِبي فَقالَتْ حَسْبِيَ *** اللَّهُ الخَبِيرُ و لَمْ تُطِلْ إلْحافا

***

حَتَّى بذاكَ الهَمِّ فاضَتْ نَفْسُها *** كَمَداً لَها يَصِفُ الرَّدَى أَوْصافا

ص: 29


1- الأجادل: جمع الأجدل، و هو الصقر، يبزّ: يسلب.
2- أنافا: طال و ارتفع و أشرف.
3- الإعساف: العسف و هو الظلم.

وَغَدَتْ تُغَسْلُها الخُطُوبُ بأَدْمُعٍ *** ما زالَ مِنْهَا غَيْتُها وَكَافا

وَغَدَتْ تُكَفِّنُها السِّياطُ بِمَا اكْتَسَتْ *** مِنْ ضَرْبها ما مَضَها إرْهافا(1)

وَ عَلى سَرِيرِ الصَّبْرِ شَيْعَها الوَلاَ *** مِنْهُ لَمِضَجَعِها ارْتَقَتْ اکْشافا

وَ اسْتَوْظَنَتْ أرْضَ البقيع بِبُقْعَةٍ *** شَقَّتْ إِلى دُرَرِ الهُدَى أصْدافا(2)

ص: 30


1- إشارة إلى ما روي في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما أخرجوه (عليا علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملُج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...
2- عن ديوان (عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص37) نظمت في 1371/3/28ه_.

(7) يابنة المختار قومي

(بحر الرّمل)

السيد مرتضى السندي الحائري(*)(1)

ص: 31


1- (*) هو السيد مرتضى إبن السيد محسن إبن السيد رفيع الدين ابن السيد مهدي الطباطبائي الحسني السندي الحائري. ولد بكربلاء الحسين لعام (1369 هجرية) الموافق (1950 ميلادية) بين مرقدي الإمام الحسين علیه السلام و أخيه العباس علیه السلام محلة باب النجف سوق الصفارين. دخل مدرسة الإمام الصادق علیه السلام الاول الابتدائية عام (1956م) و كان من تلامذتها الأوائل ثم أسرته إلى مدينة الكاظمية المقدسة و أكمل فيها دراسته عام (1975م) حاصلاً انتقل مع على شهادة البكالوريوس في الإدارة و الاقتصاد من الجامعة المستنصرية ببغداد. رقى منابر أبي عبد الله الحسين علیه السلام منذ نعومة أظفاره و بتشجيع لاحدود له من قبل فضيلة الشيخ عبد الصاحب الحائري الذي يعتبره والده الروحي حيث كان يرأس لجنة الاحتفالات الدينية في مدينة الكاظمية و التي كانت تحيي جميع ذكريات أهل البيت علیهم السلام و تحت نظر و عناية سماحة المرجع الديني المجاهد آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي «قده». حظى بعناية علماء الدين العظام أمثال آية الله العظمى السيد الخوئي و آية الله العظمى السيد الشيرازي و آية الله العظمى الشهيد الصدر و آية الله السيد حسن الحيدري و آية الله الشيخ نجم الدين العسكري و آية الله السيد مهدي الصدر و آية الله السيد إبراهيم الخراساني. هاجر عام (1980م) إلى سورية و جاور عقيلة بني هاشم ليكمل فيها دراسته الحوزوية التي بدأها في الكاظمية و دخل الحوزة العلمية الزينبية التي أسسها آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (طاب ثراه) يدرس و يدرّس فيها أكثر من أربع سنوات. جنح إلى الخطابة الحسينية و ساهم في إحياء ذكريات أهل البيت علیهم السلام و بشكل مميز في كل من لبنان و سوريا و بريطانيا، و العراق قبلها. يُعدّ من الشعراء البارزين و الذين يقرضون الشعر بالفصحى و الدارج (النبطي) و صدر له ديوان باسم (المدائح المنظومة في العترة المظلومة) في عدة أجزاء و له أيضاً كتاب نهج الشهادة و كتاب عبير الرسالة، تحقيق في الأشعار المنسوبة لأهل البيت كراس (أنيس العريس) في يوم الأحد و الخميس و كراس (متعتان كانتا) و آخر نتاجاته قصيدة تترجم الخطبة الكاملة للسيدة زينب علیها السلام في الشام.

يا بْنَةَ المُختارِقُومي *** وَ احْضُرِي أَرْضَ الظُّفُوفِ

فَابْنُكِ المَظْلُومُ أمَسْى *** اليَوْمَ طُعْماً لِلسُّيُوفِ

***

قُومِي يا زَهْراءُ قُومِيْ *** وَ انْدُبِي حُزْناً وَ نُوحِي

وَ انْثُرِي الدَّمْعَ وُرُوداً *** فَوْقَ أَشلاء الذَّبيحِ

والطُمِي الخَدَّ عَلَيْهِ *** وَ انْشُرِي الشَّعْرَ وَ صِیحِي

و اذبِیحا غادَرُوهُ *** وَسْطَ ساحاتِ الحتُوفِ(1)

***

أُنْدُبِي السِّبْطَ وَ نُوحِي *** للشَّهیدِ ابْنِ الشَّهِیدِ

وَ الْثُمي شَيْباً خَضِيباً *** زَانَهُ فَيْضُ الوَرِيدِ(2)

وَ امْسَحِي خَداً تَرِيباً *** مُشرِقاً فَوْقَ الصَّعِیدِ

فَهُوَ البَدْرُ الَّذِي لا *** تَدَاعَى لِلْخُسُوفِ

***

وَإِذَا مَرَّتْ يَداكِ *** فَوْقَ صَدْرٍ هَشَموهُ(3)

فَانْزَعِي السَّهم بِرِفْقٍ *** و العَنِي مَنْ قَدْ رَموْهُ

ص: 32


1- الحتوف: المنايا.
2- الثمي: قبّلي.
3- هشموه: کسروه.

فَبِهذا السَّهُم قَلبُ *** السِّبْطِ ظُلْماً مَزَّقُوهُ

مَزِّقِي الأَحْشاءَ حُزْناً *** لذَوي القَلْبِ العَطُوفِ

***

وانْهَضِي يا بِنْتَ طه *** وَ ابْحَثِي بَیْنَ الرُّبُوعِ

خِنْصرُ السِّبطِ قَطِيعٌ *** ضَاعَ ما بَيْنَ الجُمُوعِ

و اطلُبِيْ بَيْنَ الضَّحَايَا *** جُنَّةَ الطَّفْلِ الرَّضِيعِ

وَ بِلُطْفٍ غَسْلِيها *** مِنْكِ بِالدَّمْعِ الذَّرُوفِ

***

كَانَ عَطَشاناً وَ لمّا *** رامَ ثَدْيَ المُرْضِعاتِ(1)

عِوَض الماءِ سَقَوْهُ *** بسِهامِ النّائباتِ

وَ عُيُونُ الطِّفْلِ كانَتْ *** شاخِصاتٍ للفُراتِ

فَخُذِیهِ وَدَعِیهِ *** عِندَ ذِي القَلْبِ الرَّؤُوفِ

***

وَ مَعَ القَتْلَى عَريسٌ *** لَم يَرَ عُرْساً هَنِيّا

بِدِماءٍ خَضَّبُوهُ *** وَ هُوَ ما زالَ فَتِیا

وَ شبَابٌ قَطَعُوهُ *** في الوَغَى يُدْعَى عَلِيا(2)

حَوْلَ مَنْ أَضحى رَهِينَ *** التربِ يا زَهراءُ طُوفي

ص: 33


1- رامَ: قصد.
2- الوغى: الحرب.

وَ شُيُوخٌ و شبَابٌ *** ناصَرُوا سِبْط الرَّسُولِ

جُزِّروا جَزْرَ الأَضاحِي *** فَوْقَ هاتِيكَ الرُّمُولِ(1)

وَ نُجومُ العِزِّ تَأْبى *** كُلَّ آثارٍ الأُفُولِ

وَ شَحُوا طِرْسَ الخُلُودِ *** بِجَمِيلاتِ الْحُرُوفِ(2)

***

وَ بِجَنْبِ النَّهْرِ شِلْو *** لأَيي الفَضْلِ وُجُودُ

مَزَّقَ الغَدْرُ كُلاها *** حِينَ حاطَتْهُ الحُشُودُ

خَرَّ لِلأَرْضِ صَرِيعاً *** حِينَ أَرْداهُ العَمُودُ(3)

فاندُبِي رَأْسا هَشيماً *** وَ لِمَقطوعِ الكُفوفِ

***

قَطّعوا کَفَّيْهِ غَدْراً *** عِندما لِلْماءِ أَحْضَرْ

كَيْ بهِ يَرْوِي قُلُوباً *** مِنْ ظَماها تَتَفَطَّرْ

و اذْخَرِيها كَيْ تَحُجّي *** قاطِعِيها يَوْمَ تُحْشَرُ

فَإِلهُ الكَوْنِ عَدْلاً *** لِعُهودِ الصَّبْرِيُوفي

***

ثُمَّ عُودِي لِلْخِیامِ *** وَ انْظُرِيْ حالَ اليتَامَى

وَ امْسَحِي فَوْقَ الرُّؤوسِ *** وَ اسْمَعِي نَوْحَ الأَيامَى

أَحْرَقَ القومُ خِباها *** أَلْهَبُوا القَلْبَ ضَراما

وَ لکِ الأَجْرُ علی ما *** مَرَّ مِن جَوْرِ الصُّرُوفِ

ص: 34


1- جزّروا: ذبحوا.
2- و شَحوا: ألبسوا الوشاح طِرْس: صحيفة.
3- أرداه: أهلكه.

قافیة القاف

اشارة

ص: 35

ص: 36

(1) يا للبتول علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ إبراهيم محمد جواد (*)(1)

لَهُفِي لِفَاطِمَةٍ قَدْ عَضَّهَا الرَّهَقُ *** فَالْعَيْنُ بَاكِيةُ و القَلبُ مُحْتَرِقُ

هَذا أَبُوها مُسَجِّى تَحْتَهُ طَبَقُ *** وَ عَنْ قَرِيبٍ يُوارِي جِسْمَهُ طَبَقُ

كَمْ كانَ يَرْفَعُها قَدْراً وَ مَنْزِلَةً *** كَمْ كَانَ يَمْطِرُها مِنْ كَفْهِ الْغَدَقُ(2)

فَالْيَوْمَ إِذْ أَطْبَقَتْ عَيْنَيْهِ غَائِلَة *** قَدْ اطْبَقَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْطَى بِهَا الْغَرَقُ

قَدْ أَقْبَلُوا يَسْرِقُونَ الْمَجْدِ مِنْ غَدِها *** وَ يَنْهَبُونَ وَ قَدْ أَوْدى بِهِمْ حَمَقُ

وَ يَرْشُقُونَ عَلَى أَبْوابِها حَطباً *** وَ يُضْرِمُونَ بِنَارِ الْحِقْدِ مَا رَشَقُوا

هَبْتُ إلى الْبَابِ تَرْمِي نَارَهُمْ بِنَدِّى *** قَدْراحَ يُطْفِتُها مِنْ سُحْبِها الْوَدَقُ(3)

ص: 37


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الثالث.
2- الغدق: الماء الكثير. جاء في كتاب تهذيب التهذيب ج2 ص441: عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و في كتاب أسد الغابة لأبن الأثير ج5 ص523 قال: عن ابن عباس أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبَّل ابنته فاطمة علیها السلام. و في كتاب ذخائر العقبى ص36 قال: عن عائشة إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قبَّلُ يوماً نحر فاطمة علیها السلام فقلت له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فعلت شيئاً لم تفعله، فقال: يا عائشة إني إذا اشتقت إلى الجنة قبَّلت نحر فاطمة علیها السلام. و في كتاب بحار الأنوار ج43 ص23 قال: عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من سرَّها فقد سرَّني و من ساءها فقد ساءني. فاطمة علیها السلام أعزُّ الناس عليَّ . و في البحار أيضاً ج43 ص54 قال: عن مجاهد قال: خرج النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة علیها السلام فقال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هي بضعة منّي و هي قلبي و روحي التي بين جنبيَّ فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله».
3- الودق: المطر.

فَانحازَ ذُو أَنَقٍ وَ انْحَازَ ذُو حَنَقٍ *** وَ عاجَلَ الْبابَ مِنْهُ العُنْفُ وَ النَّزَقُ(1)

فَدَقْ أَضْلُعَها بِالبَابِ يَعْصِرُها *** وَ رَاحَ يَرْكُلُها قَوْمٌ غَداةَ شَقُوا(2)

يَا لِلْبَتُولِ وَ قَدْ صَارَتْ لَهُمْ غَرَضاً *** وَ كُلَّهُمْ فِي وَهادِ الْحِقْدِ قَدْ غَرِقُوا(3)

لِلْأَرْضِ قَدْ سَقَطَتْ قَدْ أَسْقَطَتْ دُرَراً *** مِنْ مُقْلَتَيْها وَ مِنْ أَحْشائِها تَلِقُ

وَ غَادَرَتْ «مُحْسِناً» مِنْ غَدْرِهِمْ مِزْقاً *** يَا لِلبَتُولِ وَ قَلْبُ الظُّهْرِ يَحْتَرِقُ(4)

غَصْبُ الْخِلافَةِ قَدْ أَعْمَى بَصَائِرَهُمْ *** لَوْلا الخِلافَة ما ضَلَّتْ بِهِمْ طُرُقُ

حَيْثُ المَطامِعُ تَحْدُوهُمْ إِلَى فَدَكٍ *** لِيَغْصِبُوها وَ إِنْ أَمْرَ السَّما خَرَقُوا(5)

ص: 38


1- النزق: العجلة في جهل و حمق.
2- في هذا البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و ركلها بالأقدام من قبل المهاجمين. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: و كان قنفذ «لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حین حالت بينه و بين زوجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت «صلوات الله عليها» من ذلك شهيدة و انظر كتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص109. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد على عمر و حزبه عصر عمر بین الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من أبي الخطاب و ابن قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها». و في كتاب البحار ج53 ص19 ضمن رواية طويلة قال: «و إدخال قنفذ يده «لعنه الله» یروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءَها المخاض من الرفسة ورد الباب فأسقطت محسناً فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: فإنه لاحق بجدِّه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيشكو إليه الخ».
3- غرضا: هدفاً. الوهاد: الأراضي المنخفضة.
4- في هذين البيتين إشارة إلى سقوط المحسن علیه السلام بسبب هجوم القوم على الدار.
5- إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام. انظر كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج3 ص487 و الاحتجاج ج1 ص131-144، و عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً مسند أحمد عن ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص 300.

حَبْلُ المَودَّةِ لِلْقُرْبَى قَدِ انْعَقَدَتْ *** فَما رَعَوْها (وَفَاضَ) الْحَقْدُ وَ الْحَنَقُ(1)

وَ أَغْضَبُوها وَ بَاتُوا غِبَّ غَضْبَتِها *** فِي حَيْرَةِ عَضَّهُمْ مِنْ خَوْفِهِمْ أَرَقُ(2)

وَ كَمْ تَباكَوْا وَ أَبْدَوْا عِنْدَها فَرَقاً *** فَمَا اسْتَجَابَتْ وَ لَمْ يُجِدِهِمُ الفَرَقُ(3)

مَضَوْا حَيَارَى وَ قَدْ ضَلَّتْ طَرائِقُهُمْ *** وَزَادَهُمْ رَهَقاً أَنْ حَضَهُمْ وَهَقُ(4)

ص: 39


1- في البيت إشارة إلى قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشورى الآية: 23]. حيث فرض الله مودتهم على المسلمين ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25. قال: عن ابن عباس «رضي الله عنه» قال: لما نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام، ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467 و السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7.
2- أرق: ذهب النوم عنه.
3- الفرقُ: الفزع في هذين البيتين إشارة إلى أنهم قد أغضبوا الزهراء (سلام الله عليها) و تباكيهم عندها طلباً للرضى ففي كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص14 قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر: «أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لا تعرفانه و تفعلان به؟». قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحب فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني. قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: أرضاني و من فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم لأشكونكما إليه، فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: واللَّه لأدعون اللَّه عليك في كل صلاة أصليها...» الخ . و في البحار ج43 ص199 في قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر حين جاءا ليسترضياها علیها السلام «قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد أذياني فأنا اشكوهما إليك و إلى رسولك صلي الله علیه و آله و سلم، لا والله لاأرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخبره بما صنعتها فيكون هو الحاكم فيكما. قال: فعند ذلك دعا أبوبكر بالويل و الثبور و جزع جزعاً شديداً فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟...» الخ.
4- وهق: حبل في طرفة أنشوطة في عنق الدابة حتى تؤخذ.

(2) من نور طه

(بحر الوافر)

الاستاذ أحمد رشيد مندو(*)(1)

إِذَا أَهْلُ العُلاَ رَامُوا السباقا *** بَنِي الزَّهْراءِ لاتَخْشَوْا لِحاقا

فَمَنْ فِي الْكَوْنِ يَلْحَقُكُمْ بِفَضْلٍ *** وَجَدُّكُمُ الَّذي رَكِبَ البُراقا؟

وَ حَلَّقَ فَوْقَ مِريخ البَرايا *** وَشَقَّ الحُجْبَ وَ السَّبْعَ الطِّباقا

وَ وَالِدُكُم أَخُوه أبُوتُرابٍ *** عَلىٌّ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ العِتاقا(2)

وَ أَشْجَعُ مَنْ أَثَارَ النَّقَعَ فِيها *** وَهَرُ السُّمْرَ و البِيضَ الرِّقاقا(3)

وَ أَعْظَمُ كُلِّ أَهْلِ الْأَرْضِ كَرّاً *** إِذا رَحْبُ الوَغَى بِالأُسْدِ ضَاقا

وَ أَمْكُمُ التي مِنْ نُورِ طه *** إلَهُ الْعَرْشِ شاءَ لَها انْبِثاقا

و كانتْ بَضْعَةً زَهْراءُ مِنْهُ *** وَ أَفْضَلَ كلِّ مَنْ ضَرَبَتْ نِطاقا(4)

ص: 40


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- العتاق: الخيول الأصيلة.
3- السُّمْر: الرماح. البيض: السيوف.
4- نطاقا: والجمع النُّطق، شقةٌ تلبسها المرأة و تشدُّ وسطها فترسل الأعلى على الأسفل ينجر على الأرض. و في البيت إشارة إلى كونها بضعة من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أنها زهراء علیها السلام. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسوَّر بن مخرمة قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و ذكره أبونعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء ج2 ص40. و ابن حجر في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة ج4 ص378. و أيضاً فى كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441. و في كتاب صحيح مسلم ج5 ص54 عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما هى فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها». و في كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص166 قال: قال صلي الله علیه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها». أما كونها زهراء علیها السلام: ففي كتاب بحار الأنوار ج43 ص12 كما في علل الشرائع ج1 ص215، عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميت زهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض». و ذكره الصدوق في كتابه معاني الأخبار ص64 ح رقم 15 و قال أيضاً في الصفحة نفسها و قد روي: إنما سميت الزهراء علیها السلام لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته. و في البحار، ج43 ص16 قال: أبوهاشم العسكري: «سألت صاحب العسكر علیه السلام لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام الزهراء فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير و عند غروب الشمس كالكوكب الدُّري.

وَ خَالِقُها غَدَاةَ عَلَى أَبِيكُمْ *** تَولَّى عَقْدَها وَ المَهْرَ ساقا(1)

أَصارَ بِيَوْمِها البَارِي تَعالى *** لها الجَنّاتِ في الدُّنيا صَداقا(2)

ص: 41


1- إشارة إلى تزويج الله «تعالى» فاطمة علیها السلام لعلي علیه السلام ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص32 قال: عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك. و في كتاب كنز العمال ج13 ص683 ح37753 قال: عن أنس قال: كنت قاعداً عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فغشيه الوحي، فلما سُرِّي عنه قال: أتدري يا أنس ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قلت: بأبي أنت و أمي و ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام. و في كتاب مجمع الزوائد و منبع الفوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207 قال: عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام. و ذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه المحرقة ص124. و في البحار، ج43 ص98 قال: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله «تبارك و تعالى» آخى بيني وبين علي بن أبي طالب علیه السلام و زوجه ابنتي علیها السلام من فوق سبع سماواته و أشهد على ذلك مقربي ملائكته و جعله لي وصياً و خليفة فعلي مني و أنا منه محبه محبي و مبغضه مبغضي و إن الملائكة لتتقرب إلى الله بمحبته.
2- في البيت إشارة إلى صداق الزهراء علیها السلام من أنه كان الجنة. ففي البحار ج43 ص105 قال: عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن الله «تبارك وتعالى» أمهر فاطمة علیها السلام الدنيا، فربعها لها و أمهرها الجنة و النار تدخل أعداءها النار و تدخل أولياءها الجنة و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى. و في البحار أيضاً ج43 ص113 قال: و في الجلاء و الشفاء في خبر طويل عن الباقر علیه السلام: و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلث الجنة و جعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات، و نيل مصر و نهروان و نهر بلخ فزوجها أنت يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك.

وَ يَوْمَ الحَشْرِ حَرَّمَها عَلَى مَنْ *** لَهَا نَصَبَ العَداوَةِ وَ الشّقاقا(1)

وَ لَمْ يَجْعَلْ إِلَهُكُمُ تَعالى *** لِمنْ آذاكُمُ فِيها خَلاقا(2)

وَ يَكْفِي أَنْتُمُ السَّاداتُ فيها *** عَلَى رَغم الألى اتَّبَعُوا النِّفاقا

وَ أَنْتُمْ عِتْرَةُ الْهَادِي وَ طه *** مَعَ القُرْآنِ خَلَّفَكُمْ رِفاقا

وَ خلَّفَهُ هُدًى مَعَكُمْ وَ عَنْكُمْ *** لِيَوْمِ الْحَشْرِ لايَرْضَى افْتِراقا

وَ فَضْلُكُمُ كَنُورِ الشَّمْسِ يَأْبَى *** يَرَى مِثلاً له وَ كَفَى فَواقا(3)

ص: 42


1- إشارة إلى ما روي من أن الجنة محرَّمة على من نصب العداوة لفاطمة الزهراء علیها السلام. ففي البحار ج22 ص491 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص63 قال: ضمن حديث طويل «والذي بعثني بالحق لأقومنّ بخصومة أعدائك، و ليندمنَّ قوم أخذوا حقك و قطعوا مودتك، و كذبوا عليّ و ليختلجنَّ دوني فأقول: أمتي أمتي فيقال: إنهم بدَّلوا بعدك و صاروا إلى السعير». و في كتاب فرائد السمطين ج2 ص67 كما في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص73 قال: عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام أبنتي فهو في الجنة معي، و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبُ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه و من غضبتْ عليه غضبتُ عليه و من غضبتُ عليه غضبَ الله عليه يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها. و في كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص352 قال: عن أبي بصير قال الصادق علیه السلام: «إن الله «تعالى» أمهر فاطمة علیها السلام ربع الدنيا، فربعها لها و مهرها الجنة و النار فتدخل أولياءها الجنة و أعداءها النار.
2- خلاقاً: نصيباً وافراً من الخير.
3- خواطر الواجب ص130.

(3) فاطم علیها السلام الجليلة

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن الدمستاني(*)(1)

هَلْ لِلَمَذْعِ الْجَوَى المُبرِّحِ رَاقِي؟ *** إِنَّ قَلْبِي بِنَارِهِ في احْتِراقِ(2)

صَعْدَ الوَجْدُ مُهْجَتي فَاسْتَحالَتْ *** عَبَرَاتٍ تَفِيضُ مِنْ آمَاقي(3)

و أطارتْ رِيحُ الصَّبَابَةِ رُوحِي *** فَلَها الآنَ عُلقَةٌ بِالتّراقِي

حَقَّ واللَّه أنْ أموتَ غَراماً *** لِمُصَابِي بِصِفْوَةِ الخَلاقِ

عِتْرَةِ الْمُصْطَفَى شُمُوسِ الْهُدَى بَلْ *** أَوْلِياءُ الْوَرَى عَلَى الإطلاقِ

سُلِبُوا سُلْطانَهُمْ فَاسْتَكَانوا *** سُوقةٌ في إمارَةِ الْفُسّاقِ(4)

نَكَثُوا بَيْعَةَ الْغَدِيرِ وَ أَطواق *** مَواثِيقِها عَلَى الأَعْنَاقِ

غَصَبُوا مَنْصِبَ الخِلافَةِ قَهْراً *** وَ اسْتَطَالُوا في عِزَةٍ وَ شِقَاقِ(5)

ص: 43


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الجَوَى المُبرِّح: الوجد الحزن الشديد المتعب.
3- آماقي: جمع مأق و هو مجرى الدمع من العين. و الوجد: شدة الحب أو الغضب.
4- سُوقة: الرعية من الناس يسقوقهم الملك حيث يشاء.
5- ورد في «الامامة و السياسة» ج1 ص13 ط الثالثة/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...فأتى عمر أبابكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبوبكر لقنفذ -وهو مولى له-: اذهب فادع لي علياً علیه السلام. قال: فذهب إلى علي علیه السلام فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فقال علي علیه السلام: لسريع ما كذبتم على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرجع فأبلغ الرسالة قال فبكى أبوبكر طويلاً، فقال عمر الثانية: لاتمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة فقال أبوبكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدّى ما أمر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادّعى ما ليس له فرجع قنفذ فأبلغ السالة فبكى أبوبكر طويلاً ثم قام عمر فمشى و معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة علیها السلام فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تنفطر». انظر: الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام من حبه عنوان «الصحيفة للهمداني ص534 ح11 ط3، مؤسسة أهل البيت علیهم السلام -بيروت.

زَوَّجُوهَا مِنْ غَيْرِ كَفْوِ وَ كَانَتْ *** تَحْتَ كُفْوِ مُهَذَّبِ الأَخْلاقِ

أَلَهُمْ فَسْخُ عَقْدِهَا حَيْثُ شَاؤوا؟ *** فَانْبَرتْ بائِنَا بِغَيْرِ طَلاقِ(1)

قَلدُوا أَمْرَهُمْ... وَ جَاؤوا *** تَحْتَ ظِلَّ الْمُجَرْداتِ الرِّقاقِ(2)

وَ ادْعَوْا بَعْدَهَا الوفاقَ وَ لاَرَيْب *** ظُبا الهِنْدِ جَالِبَاتُ الوِفاقِ(3)

لَسْتُ أَنْسَى إِذْ مَهْبِطُ الْوَحْيِ فِيهِمْ *** مُسْتَباحُ لِلهَتْكِ وَ الإحْراقِ(4)

بِأَبِي مَوثِق الأُسُودِ مُهَاناً *** مُسْتَضاماً مُلبَّباً في وِثَاقِ(5)

ص: 44


1- فَسخ عقدها: أبطله أو نقضه.
2- المجرَدات: السيوف.
3- جالبات: جلب أحضر الوفاق: الاتفاق.
4- في «إثبات الوصية» ص154-155 للمسعودي الهذلي ط2/ دارالأضواء -بيروت. «... فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه مكرهاً و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً و أخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لاأفعل فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإني عبدالله علیه السلام و أخو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص579. بحار الأنوار ج28 ص308 ح50.
5- و الأبيات التي تليه في «تفسير العياشي» ج2 ص66 ح76: «ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً علیه السلام مليباً... قال: فأخرجوه من منزله ملبياً و مّروا به على قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فسمعته يقول: «يا بن أم إنَّ القوم استضعفوني» إلى آخر لآية. و جلس أبوبكر في سقيفة بني ساعدة، و قدم علي علیه السلام، فقال له عمر: بايع. فقال له علي علیه السلام: فإن أنا لم أفعل؟ فمه؟ فقال له عمر: إذا أضرب واللَّه عنقك. فقال له علي علیه السلام: إذا والله أكون عبد الله المقتول و أخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم و أما أخو رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلا، حتى قالها ثلاثاً، انظر «بحارالأنوار»، ج28 ص227 ح14.

قَائِلاً مِثْلَ قَوْلِ هَارُونَ لَمّا *** خَالَفَ القَوْمُ قَوْلَهُ بِاتِّفاقِ

إِنَّ قَوْمِي اسْتَضْعَفُونِي وَ كَادُوا *** يَقْتُلُونِي فَاللَّه لِي خَيْرُ وَاقِ

بِأَبِي فاطِمُ الجَلِيلةُ قَدْراً *** في احْتِقَارٍ وَ قَلْبُهَا فِي احْتِراقِ(1)

نَطقَتْها صُمُ السَّبَاطِ نِطَاقاً *** مَا سَمِعْنَا بِمِثْلِهِ مِنْ نِطَاقِ(2)

وَ لَقَدْ أَسْقَطَتْ بِمِصْرَاعِ بَابٍ *** حَمْلَهَا فَهيَ للأذى في اخْتِنَاقِ(3)

ص: 45


1- جاء في أمالي الصدوق ص99 ح2: «...كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلاتجاب و تستغيث فلا تغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية... ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص172 ح13.
2- جاء في «بحار الأنوار» ج53 ص18: «و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه...».
3- ديوان الدمستاني ص102.

(4) روحي فداها

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الأمير النصراوي(*)(1)

يا سِرُّ قَدْ هَامَتْ بِكَ الْعُشَاقُ *** يَا مَنْ إِلى نَيْلِ الْعُلَى سَبَاقُ

أفْدِيكَ في رُوحِي وَ كُلِّ جَوارِحِي *** قَلبي إِلَيْكَ عَلَى المَدَى تَواقُ

أَنْتَ العُلَى وَ في عُلاكَ تَفاخُرٌ *** وَ إلى سَماكَ تَهزُّنِي الأَشْواقُ

أَنْتَ أَبْنُ مَكّةَ مَنْ وُلِدْتَ بِبَطْنِها *** وَ عَلَى تُرابِكَ يَنْحَنِي العِمْلاقُ

أَنْتَ الْكِتَابُ وَ سِرُّهُ وَ بَيانُهُ *** بَلْ أَنْتَ مُعْجِزَةٌ لَهُ مِصْداقُ(2)

فِيكَ الْعُقُولُ تَحَيَّرتْ وَ تَبَصَّرَتْ *** وَ إِلَى عُلاكَ تَطاوَلَتْ أَعْناقُ

عَادَتْ مُطَاطِنَةً إِلَيْكَ رُؤُوسَها *** تَهْوِي عَلَيْكَ تَواضُعاً تَنْساقُ

فِي كُلِّ مَعْرَكَةٍ تَخُوضُ غِمَارَها *** وَ أَمَامَ بَأْسِكَ جُنْدُها أَوْراقُ

وَ تُحَتُمُ المَوْتَ الزوامَ عَلَى الْعِدَى *** تَقْضِي بها حُكْماً وَ أَنْتَ بُراقُ(3)

في حُبِّكَ المَولودُ يُولَدُ طَيِّبا *** طابَتْ بِه الآباءُ و الأَعْراقُ

وَإِلى صَرِيحِكَ كَمْ أنَا مُتَلَهُفٌ *** وَ إِلى مَزارِكَ كَمْ أَنَا مُشتاقُ

لكنَّنِي زُرْتُ البَقِيعَ بِلَهْفَةٍ *** وَ بِحَسْرَةِ رُوحِي إِلَيْهِ تُساقُ

فَسَأَلْتُ عَنْ قَبْرِ الْبَتُولَةِ فَاطِمٍ *** أَمْشِي وَ كُلُّ عَواطِفِي أَشواقُ

ص: 46


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- مصداق: فردّ يصدق عليه الكلّي العام.
3- الموت الزؤام: الريح.

قالُوا غَدًا ذاكَ الصَّرِيحُ مُغَيَّباً *** قَدْ غَيَّبَتْهُ غِوَايَةٌ وَ نِفَاقُ(1)

إِنَّ الألى غَصَبوا البَتُولَةَ حَقَّها *** مِنْ يَوْمِهِمْ بَدَتِ الدِّماءُ تُراقُ(2)

ص: 47


1- غواية: ضلال و في البيتين إشارة إلى تغييب قبر فاطمة الزهراء علیها السلام. و قد مرت الإشارة إليه سابقاً نقلاً عن كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج3، ص363. و ذكره المجلسي عنه في كتابه البحار ج43 ص183. و البحار أيضاً ج43 ص193. و كتاب ذخائر العقبى ص54. و كتاب البحار، ج43 ص212 نقلاً عن كتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى، فراجع.
2- في البيت اشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام و ما جرّ وراءه من دماء ومآس. و قد مر ذكره سابقاً نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232، و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج3 ص487، و الطبرسي في الاحتجاج، ج1 ص131-144 و قبله في ص119-122 و ذكره عبداللَّه البحراني في كتابه عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300، و في مجمع الزوائد/ ج9 ص49 بالإسناد عن عمر قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جئت أنا و أبوبكر إلى علي علیه السلام فقلت له: ما تقول في ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: نحن أحق الناس برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال: فقلت: والذي بخيبر؟ قال: والذي بخيبر. قلنا: والذي بفدك؟ قال: والذي بفدك. فقلت: أما والله حتى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا. و في فتوح البلدان، ص42 ، في كتاب المأمون إلى عامله على المدينة: و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعطى فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم «فدك» و تصدق بها عليها و كان ذلك أمراً ظاهراً معروضاً لاأختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و في المعارف لابن قتيبة ص84: ومما نقم الناس على عثمان قطعه «فدك» لمروان و هي صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج1 ص198: و أقطع عثمان مروان فدك و قد كانت فاطمة علیها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها علیها السلام تارة بالميراث و تارة بالنحلة فدفعت عنها. أقول: و للأميني «رحمة الله عليه» كلام رائع في معرض ردّه على ما تقدم في الحديثين السابقين: أنا لاأعرف كنه هذا القطع و حقيقة هذا العمل... فإن فدك إن كان فيئاً للمسلمين كما ادعاها أبوبكر فما وجه تخصيصه لمروان؟ و إن كان ميراثاً لآل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما احتجت له الصديقة الطاهرة «سلام الله عليها» و احتج له أئمة الهدى في العترة الطاهرة و في مقدمهم سيدهم أميرالمؤمنين علیه السلام فليس مروان منهم و لاكان للخليفة فيه رفع و وضع و إن كان نحلة من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لبضعته الطاهرة فاطمة علیها السلام كما ادعته وشهد لها اميرالمؤمنين علیه السلام و ابناها الإمامان السبطان و أم أيمن المشهود لها بالجنة فردت شهادتهم بما لايرضي اللَّه و لارسوله صلي الله علیه و آله و سلم وإذا ردَّت شهادة أهل آية التطهير فبأي شيء يعتمد؟ و على أي حجة يعوّل؟ إن دام هذا و لم يحدث به غیر *** لم يبك ميت و لم يفرح بمولود فإن كانت فدك نحلة فأي مساس بها لمروان؟ و أي سلطة عليها لعثمان حتى يقطعها لأحد؟ الغدير ج8 ص237.

رُوحِي فِداها رُوِّعَتْ مِنْ ظُلْمِهِمْ *** وَ الظَّالِمُونَ لِرُشْدِهِمْ ما فاقُوا(1)

يَا سَيِّدِي قَسَماً عَلَيْكَ بِفَاطِمٍ *** أُمّ الأيمَةِ مَنْ لَهَا إِشْفَاقُ

يَا سَيِّدي كُنْ لي مُعِيناً في غَدٍ *** يَوْمَ الْمَمَاتِ إِذا يَحِينُ فِراقُ

ص: 48


1- إشارة إلى الظلم الذي أصاب الزهراء علیها السلام.

(5) الدرة العصماء

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم صادق(*)(1)

كَمْ سارَ خَلْفُكَ يا عَلِيُّ الفَيْلَقُ *** وَ لِواءُ أَحْمَدَ فَوْقَ رَأْسِكَ يَحْفُقُ

وَ أَمَامَكَ الرُّعْبُ الَّذي كَمْ أُرْعِدَتْ *** مِنْهُ الفَرائِصُ وَ الصَّوارِمُ تَبْرقُ(2)

وَ غِرارُ سَيْفِكَ كَمْ غَدَتْ لِهَوِيِّهِ *** تَهْوي الرِّجالُ عَلَى الْوُجُوهِ وَ تُصْعَقُ

فتَطيرُ جُمْجُمَةٌ وَ يَنْدُرُ كَاهِلُ *** وَ سَواعِدٌ تَهْوِي وَ تَسْقُطُ أَسْوُقُ

وَ فُتوحُ أَحْمَد كُلُّها لَكَ تَنْتَمِي *** إِذ مِنْكَ فُضَّ رِتاجُها المُسْتَغْلِقُ

لَوْلاكَ مَا حَجَّ الحَجِيجُ مُلبياً *** وَ سَرَتْ بِهِمْ نَحوَ الْحُجُونِ الأَيْنُقُ

وَ عَلَا عَلَى الْبَيْتِ الْحَرامِ بِلالُهُمْ *** مِنْهُ الأذانُ بُيُوتَ مَكَّةَ يَخْرِقُ

وَ غَدا طَرِيدُ قُرَيْشٍ مالِكَ أَسْرِهِمْ *** وَ لِعَظفِهِ مَدُّوا الْعُيُونَ فَأَطْلَقُوا

وَ الشِّرْكَ أَنْتَ مَحقَّتَهُ وَ بكَ الهُدَى *** رَسَخَتْ قَواعِدُهُ التى لاتُمْحَقُ(3)

لَكَ هَذِهِ إِحْدَى مَنا قِبِكَ الّتي *** لَيْسَتْ تُعَدُّ و شَاوُها لايُلْحَقُ

كُمْ رَامَ قَوْمٌ دَرُكَ شَوْطِكَ في العُلى *** لكنَّهمْ طَلَبُوا المُحالَ فَأَخْفَقُوا

آخاكَ أَحْمَدُ يَوْمَ آحَى بَيْنَهُمْ *** وَ بِكُلِّ شَكْلٍ شَكْلُهُ هُوَ أَلْيَقُ

ص: 49


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أرْعَدت الفرائص: كناية عن الفزع الشديد و الفريصة هي اللحمة بين الجنب و الكتف أو بين الثدي و الكتف ترعد عند الفزع. الصوارم: السيوف . تبرق: تلمع.
3- لاتمحق: لا تُمْحَى.

وَ حَبَاكَ بالزَّهْرَاءِ إِذْ خُطَابُها *** رُدُّوا وَ قَدْ نَكَسُوا الرُّؤْوسَ وَ أَطرَقُوا

إذْ كُنْتَ وَحْدَكَ كُفأها وَ بَنُو الْوَرَى *** طُرّاً لِشَأْوِ مَقامِها لَمْ يَرْتَقُوا

هِي تِلْكَ سَيْدَةُ النِّسَاءِ وَ فَضْلُها *** كَالشَّمْسِ وَضَاحُ المَباسِم مُشْرِقُ(1)

وَ هْيَ التي مِنْ كُلِّ رَجُسٍ طُهَرَتْ *** فَالرّجُسُ في أَذْيالها لا يَعْلَقُ(2)

هِيَ رَبَّةُ الشَّرَفِ الأَصِيلِ وَ مَنْ لَها *** شِيمُ بِعَرْفِ شَذا النُّبُوَّةِ تَعْبَقُ(3)

و الدُّرَّةُ العَصْماءُ في التَّاجِ الذي *** لِلْفَخْرِ مِنْهُ غَدا يَزانُ المَفْرِقُ

وَ هْيَ الّتي في الأرضِ عَقْدُ زَواجِها *** فَرْعُ لَعَقْدٍ فِي السَّمَا هُوَ أَسْبَقُ(4)

راحيلُ يَخْطِبُ وَ المَلائِكُ شُهَّدٌ *** واللَّهَ يَمْهَرُها الجِنانَ و يَصْدِقُ

وَ الحورُ تَنْثُرُ فَوْقَهَا طُوبَى الحُلَى *** فَمُقَرِّطُ منها بها و مُطَوَّقُ(5)

ص: 50


1- في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج9 ص193 في حديث طويل: أنها سيدة نساء العالمين علیها السلام، و أنها عديلة مريم بنت عمران و أنها إذا مرت في الموقف نادى منادٍ من جهة العرش: «يا أهل الموقف غُضُّوا أبصاركم لتعبر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم». قال ابن أبي الحديد: و هذا من الأحاديث الصحيحة.
2- في كتاب البحار ج43 ص19 و 16 : عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: إنما سُميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة» لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث، و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً.
3- تعبق: تفوح منها رائحة طيبة.
4- في كتاب تاريخ بغداد ج4 ص210 عن بلال بن حمامة بعض الإشارة إلى ذلك قال: خرج علينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: بشارة أتتني من عند ربي. أن الله لمّا أراد أن يزوّج عليّا علیه السلام فاطمة علیها السلام أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى فهزّها، فنثرت رقاقاً. -يعني صكاكاً- و أنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كان يوم القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلايرون محبّاً لنا أهل البيت علیهم السلام محضاً إلا دفعوا إليه منها كتاباً براءة من النار من أخي و ابن عمّي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من أمتي من النار. و انظر تفصيل ذلك في ذخائر العقبى للمحب الطبري ص32 وكنز العمال ج13 ص683 ح37753 و مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207 و الصواعق المحرقة لابن حجر ص124.
5- مقرّط: يُعطي الأقراط. مطوّق: يعطي الأطواق.

هِي تِلْكَ زَهْرَاءُ الْجَبِينِ فَنُورُها *** يُمْحَى بِهِ حَلَكُ الظَّلامِ المُطبِقُ(1)

كُمْ شَعَّ في مِحْرَابِها وَ اللَّيْلُ قَدْ *** أَرْخَى السُّدُولَ وَ دَمْعُها يَتَرقْرَقُ

هِيَ فيه راكِعةٌ و ساجدَةٌ *** وَ رَافِعةُ الدُّعاءِ لِرَبِّها تَتَحَرَّقُ

هِيَ مَنْ لَها مِنْهُ الشَّفَاعَةُ فِي غَدٍ *** فَتَفُكُ أَسْرَ الخاطِئِينَ و تُطْلِقُ(2)

وَإِلَى الْجِنانِ تُزَفُّ بِنْتُ محَمّدٍ *** زَفَّ الْعَرُوسِ وَ كُلُّ طَرْفٍ يَرْمُقُ

في هَوْدَجِ مِنْ جَوْهَرِ أَرْكَانُهُ *** وَ سِتارُهُ الدِّيباجُ و الإِسْتَبْرَقُ

وَ الحُورُ مِنْ طَرَبٍ تَميلُ و تَنْتَنِي *** رَقصاً وَ أَوْرَاقُ الجِنانِ تُصَفِّقُ(3)

ص: 51


1- حلك: السواد الشديد. و في البيت إشارة إلى ما روي في البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة إلى الله «تعالى» أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فتكلّم الله «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء» لأن نورها زهرت به السموات...
2- لعل مما يشير الى ذلك ما روي في كتاب سفينة البحار ج2 ص375 في حديث طويل عن الله «عزوجل»: يا فاطمة علیها السلام و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأعذّب محبّيك و محبي عترتكِ بالنار.
3- في رحاب الخيام ديوان الشيخ عبد الكريم صادق ص131.

(7) في ساحة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

عَلَى ذِمَم المُروءَةِ ما أُلاقي *** أُذَمُّ لَهَا وَ لاتَأْلُو رِهاقِي(2)

نَوَارٌ تَخْلِسُ الْحَسَنَاتِ مِنّي *** لِتُرْجِعَها إِلى بُغْضِ الشَّقاقِ(3)

وَ تُلْجِئُنِي الضَّرُورَةُ فِي كَثِيرٍ *** مِنَ الخَلَاتِ أَنْ أَنْسَى احْتِراقِي

وَ لَسْعُ الجَمْرِ يَنْخُرُ في أَتُونِي *** وَ نَارُ الْيَأْسِ تُصْلِي مِنْ حِداقي(4)

وَ لَيْسَتْ خُلَّتى فَرْكاً لِصَوْنِي *** وَ لاالتَّنْهِيزُ ضِئْراً مِنْ خَلاقِي(5)

أَرُومُ مِنْ مَناسبَ جاذَبَتْني *** إلى عُمقِ الْفَضِيلَةِ وَ اللّياقِ(6)

أَبَتْ دَهْياءَ كَاسِفَةً أَلَمَّتْ *** وَلَكِنْ فَاتَها شَمَاً خِناقي(7)

وَ لا أُدْلِي بِدَلْوِي في قَلِيبٍ *** تَأَسَّنَ مِنْ مُجاجَاتِ النِّفاق(8)

شَرِبْتُ دَمِي عَلَى ظَمأٍ حِذاراً *** مِنَ الْكَأْسِ المُرَنَّقِ في الدّهاقِ(9)

ص: 52


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- لاتألو: لاتقصد و لاتبطىء رهاقي: مفرده الرَّهَق و هو الإثم و التهمة أو الجهل و خفّة العقل.
3- نوار: المرأة النفور من الريبة تخلس: تسلب بمخاتلة و عاجلاً.
4- ينخر: يبلى و يتفتّت. أتون: موقد النار. تصلي: تحرق.
5- فركاً: بُغضاً. ضَأْز: بفتح الضاد هو الظلم و بكسرها هو النقص.
6- أروم: أصل الشيء أو الحسب.
7- دهياء: شديدة. كاسفة: عظيمة الهول شديدة الشرّ.
8- تأسّن: تغيّر -مُجاجات: عُصارات.
9- المرنّق: المكدّر. دهاق: ممتلئة.

وَ أَسْبَلْتُ الْجُفُونَ وَ قَدْ تَلالَتْ *** قَنادِيل بأطياف رِقاقِ

يُواعِدْنَ الْمُذَذِبَ بِالأَمانِي *** وَ يُوعِدْنَ المُخاتِلَ بِالمِحَاقِ(1)

وَ يَنْثُرْنَ الحَدَائِقَ زَاهِياتٍ *** عَلَى مُقَلٍ مُلَبَّدَةٍ طِباقِ

فيا عَجبي لِشِدْقِ الذُّنْبِ يُخْفِي *** نَواجِدَهُ وَ يَركَنُ لِلْوِفاقِ(2)

وَ يَا أَسْفِي عَلَى الأحلام ألاّ *** أُعَيْف طَيْرَهُنَّ إِلَى المَراقِي

وَ يَا قَدَمَيَّ أنْ تَطَارِ مَالاً *** عَلَى الرَّمْضَاءِ دَامِيَةَ الْمُساقِ؟

لَشَلَّتْكِ الخُطُوبُ وَ لاأُبالي *** وَ لَوْ كُنَّ الأوابِدُ مِنْ رِفاقي

وَ خُضْتُ بِكِ الْمَنايا كَالِحاتٍ *** وَ لَوْ جُوبِهتُ مِنْ ضُنَنِ الإباقِ(3)

أُذِيقُكِ مِنْ وَجَا أَلَمِ التَخَطَّي *** عَلَى حَسَكِ التَّغَرُّبِ في الزَّقاقِ

وَ أَبْلُو مِنْكِ في الكَبَواتِ صَبْراً *** يُبَرِّحُ غِبَّ أَوْ شَابِ المَذاقِ(4)

أَلَسْتِ عَلَى المَحَجَّةِ مِنْ وَلاءٍ *** لآلِ الْبَيْتِ وَ القمَمِ السِّماقِ

فَكُونِي نِدَّ شَأْوِكِ فِي هَواهُمْ *** وَ لُزِّي خَيْرَ خَيْلِكِ لِلسِّباقِ

ويا لسِناً تَجَلْبَبَ مِنْ يَرَاعِ *** وَ وَرَّثَ مِنْ بَلاغاتٍ عِتاقِ(5)

هُنا في ساحَةِ الزَّهْرَاءِ يَحْلُو *** طِرادُكَ فَالْتَمِسُ جُنْحَ البُراقِ

و حُتَّ خيارَ شِعْرِكَ في هَواها *** بِمَضَمَارَيْنِ مُحْتَرِمٍ وَ بَاقي(6)

ص: 53


1- المخاتِل: المخادع. المحاق: المحو و البطلان.
2- شدق الذئب: الشدق زاوية الفم من باطن الخدّين.
3- کالحات: عابسات مُتَكَشِّرات. ضُنَن: شجعان. الإباق: العبيد الهاربون من سادتهم.
4- الكبوات: الأنكبابات على الوجه. الأوشاب: أخلاط الناس و أوباشهم.
5- لَسِناً: بليغاً فصيحاً. يراع: القصب الذي يزمّر به الراعي.
6- حُتَّ: أُسْقِطَ -مخترم: هالك.

تَرَى الدُّنيا مُوَثَقَةً عُراها *** وَ آلُ الْبَيْتِ خَيْرُ عُرا وِثاقِ(1)

وَ مَنْ وَالَى البَتُولَ وَ لاذَمِنْها *** إِلى أُفُقِ الفَضِيلَةِ وَ الوفاقِ

يُثَابُ الجَنَّتَيْنِ عَلَى هَواها *** رِضَاءِ اللَّهَ وَ الذِّكْرِ البَواقِي

وَ يَا عَيْنُ امْنَجِي الزَّهراءَ دَمْعاً *** فَواتِقُهُ تَجِلُ عَنِ الرِّتاقِ

فَمَا أَشْنا الحِباسَكِ في الطَّوايا *** وَ مَا أخرَى انْهمَا لَكِ في المَاقِي

ص: 54


1- عُراها: جمع العروة و هي الشجر الملتف أو ما يُوثَق أو ما يُعوّل عليه أو النفيس من المال، و هذا هو المقصود أو ما يوثق به هو المقصود.

(7) يا رب جئتك أشتكي

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

يَوْماً بِهِ تُطوى السَّما مِنْ بَعْدِ ما *** تُمْحَى ثَواقِبُها مِنَ الآفاقِ(2)

وَ الْخَلْقُ تُحْشَرُ في صعيدٍ واحدٍ *** يَغْلي و ليس لَهُمْ به مِنْ وَاقِي

وَ بِه إلى الْجَبَّارِ تَأْتِي فاطمٌ *** مِنْ حُزْنِها مَشْقُوقَةَ الأَزْيَاقِ(3)

تَدْعُو و أَدْمُعُها عَلَى وَ جَناتِها *** لِمُصابها تَجْرِي مِنَ الآماقِ(4)

يا رَبِّ جئْتُكَ أَشْتَكِي مَغْصُوبَةٌ *** مِنْ إِرْثِ طهَ َوالِدِي اسْتحقاقِي(5)

ص: 55


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- ثواقبها: النجوم المضيئة.
3- الأزياق: جمع الزّيق و هو من الثوب ما أحاط منه بالعنق و ما كُفَّ من جانب الجيب.
4- آماق: مجاري الدموع من العيون. و في البيت إشارة إلى وقوف فاطمة الزهراء علیها السلام يوم القيامة و تظلّمها إلى الله «تعالى». ففي كتاب البحار، ج43 ص219 قال: ضمن حديث طويل «غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فلايبقى يومئذٍ نبي و لارسول صلي الله علیه و آله و سلم و لاصديق و لاشهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها «جل جلاله» فتنزخ بنفسها عن ناقتها و تقول: الهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تُعطي، و اشفعي تشفّعي فوعزتي و جلالي لايجازني ظلم ظالم فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي و محبّي ذريتي». و في البحار أيضاً ج43 ص222 عن كتاب ثواب الأعمال قال: عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يمثّل الفاطمة علیها السلام رأس الحسين علیه السلام متشحطاً بدمه فتصيح واولداه واثمرة فؤاداه فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة علیها السلام و ينادي أهل القيامة: قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة علیها السلام...». و ذكره ابن شهر آشوب في المناقب ج3 ص327.
5- إشارة إلى اغتصاب إرث فاطمة علیها السلام و قد مرت الإشارة إليه مفصلاً نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 و السيرة الحلبية للحلبى ج3 ص487 و غيرها انظر قافية الفاء القصيدة (1).

وَ بِمَنْزِلِي هَجَمُوا عَلَيَّ وَ أَخْرَجُوا *** مِنْهُ عَليّاً طيب الأَعْراقِ(1)

مِنْ دارِهِ ساقُوهُ وَ هُوَ مُلَبَّبٌ *** مُتَكَاثِرِينَ عَلَيْهِ، أَي مَساقِ

فَرَجَعْتُ كاظِمَةً وَ لَمْ يُصْغَ إلى *** قَوْلِي وَ فَاضَتْ بالدُّموع أماقِي

فَتَتبَّعوا بِالْقَتْلِ إبْنَاهُ وَ لَمْ *** تُبْقِ لَهُمْ عُصَبُ الضَّلالِ بَواقي

قَتَلُوا ابنهُ الحَسَنَ الزَّكيَّ الْمُجْتَبَى *** بالسُّمُ يَا رَبَّاهُ بَعْدَ فِراقي

وَ بِكَرْبَلا قَتَلُوا حُسَيْناً ظَامِناً *** و الما بِخُمْسِ الْأَرْضِ كَانَ صَداقي(2)

وَ مُخَدَّراتِي شَهْرُوها بَعْدَهُ *** مشقوقَةَ الأَزْياقِ في الأَسْواق

يَسْتَرْنَ بِالأَيْدِي الوُجوهَ لأَنَّها *** عَن أَعْيُنِ الأعْدا بِغَيْرِ رِواقِ(3)

ص: 56


1- إشارة إلى هجوم القوم على دار الزهراء علیها السلام انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب البحار ج53 ص19، فراجع.
2- الما: مخفف الماء للضرورة الشعرية. و في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج3 ص351. و في كتاب بحار الأنوار ج43 ص113 عنه قال: كافي الكليني: «زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم من جرد برد، و قيل للنبي صلي الله علیه و آله و سلم: و قد علمنا مهر فاطمة علیها السلام في الأرض فما مهرها في السماء؟ قال: سل عما يعنيك ودع ما لايعنيك قيل هذا مما يعنينا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: كان مهرها في السماء خمس الأرض فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة. و في الجلاء والشفاء في خبر طويل عن الباقر علیه السلام: و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلثي الجنة، و جعلت لها في الأرض أربعة أنهار الفرات، و نيل مصر و نهروان، و نهر بلخ فزوجها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم بخمسمائة درهم تكون سنّة لأمتك. و في حديث خباب بن الأرت: ثم قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: زوجت ابنتي فاطمة علیها السلام منك بأمر الله «تعالى» على صداق خمس الأرض و أربعمائة و ثمانين درهماً الآجل خمس الأرض و العاجل أربعمائة و ثمانين درهما. و قد روي حديث خمس الأرض عن الصادق علیه السلام من يعقوب بن شعيب. إسحاق بن عمار وأبو بصير قال الصادق علیه السلام: إن الله «تعالى» مهر فاطمة ریع الدنیا فربعها لها و مهرها الجنة و النار فتدخل أولياءها الجنة و أعداءها النار.
3- الرَّواق: الستر أو الفسطاط.

زَفَرَاتُها المُتَرادِفاتُ طَعَامُها *** وَ شَرابُها مِنْ دَمْعِها المُهْراقِ

تُطوى بها بيدُ الشهولِ هَدِيَّةً *** لِيَزيدَ وَ هُيَ عَلَى ظُهُورِ نِياقِ

وَ كَريمُ كافِلِها يَلُوحُ أمامها *** يَحْكِي بُدورَ التِّمْ بالإشَراقِ

فَإِذَا رَأَتْهُ تَناثَرَتْ عَبَراتُها *** أَسَفاً عَلَيْهِ دَماً مِنَ الأَحْداقِ

و عَلَيلُهَا زَيْنُ العِبَادِ مُصَفَّداً *** مُصنِّى أسيراً في أشدّ وثَاقِ

يَدْعُو الحَوادِي وَيْلَ أَمْكُمُ ارْحَمُوا *** ذُلّي فَإِنَّ القَيْدَ جَرَّحَ سَاقِي

فَتُساقُ أَعْداها إلى أقْصى لَظَى *** مَغْلُولةَ الأَيْدِي إِلَى الأَعْنَاقِ(1)(2)

ص: 57


1- إشارة إلى أن أعداء الزهراء علیها السلام و ظالميها يساقون يوم القيامة إلى النار. انظر كتاب البحار ج22 ص491 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص63. و كتاب فرائد السمطين ج2 ص67 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص73 ، و كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص352 فراجع.
2- «ديوان الشيخ ملا علي آل رمضان ص21، و القصيدة في (53) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

ص: 58

قافیة الکاف

اشارة

ص: 59

ص: 60

(1) عليك سلام اللَّه

(بحر الطويل)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

علَيْكِ سَلامُ الله في يَوْمِ ذِكْراكِ *** وَ رَحْمَتُهُ يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الزَّاكِي(2)

وَ يا (لَيْلَةَ القَدْرِ) التي دُونَ قَدْرِها *** وَ إدراك معنى كُنْهِ ما كُلُّ إِدراكِ(3)

وَ يا آيةَ (الفَجْرِ) الذي نَسَمَاتُهُ *** إلى أَبَدِ الآبادِ تُنْبِي بِرَيَّاكِ(4)

وَما قَدْرُ قَوْلي فِيكِ يا خيرةَ النِّسا *** وَ رَبُّكِ عَنْ مَدْحَ البَرِيَّةِ أَغْناكِ(5)

وَ ذُلِكَ إِذْ أَثنى عَلَيْكِ مُمَجْداً *** بِمُحْكَمِ آيَاتِ الكِتابِ فَأَعْلاكِ

ص: 61


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- لعل هذا إشارة إلى ما جاء في (صحيح مسلم) المجلد (5) الطبعة الأولى (1987) ص54 ح94 عن المسوّر بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها».
3- كنه: ذات و حقيقة الشيء. و لعله أشار في هذا البيت إلى الرواية الواردة في (تفسير فرات) ج2 ص581 ح747 ط مؤسسة النعمان/ لبنان -بيروت: «عن أبي عبد الله أنه قال: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» الليلة فاطمة علیها السلام و القدر اللَّه فمن عرف فاطمة علیها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الخلق فطموا عن معرفتها...«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا» و الملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و الروح القدس هي فاطمة علیها السلام.
4- بريّاك: بريحك الطيبة.
5- قريب من هذا -خيرة النسوان- الرواية المذكورة في كنز العمال ج12 ص102 ح34191،/الرسالة/ بيروت عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب علیه السلام و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم...».

فَفِي (آيَةِ القُرْبَى) بِفَرْضِ مَوَدَّةٍ *** و (هَلْ أَتى) بَعْضُ الذي هُوَ آتاكِ(1)

وَ أَذْهَبَ قِدْماً عَنْكِ كُلَّ دَنِيَّةٍ *** وَ صَفَاكِ عَمَّا عُدَّ رِجْساً و أَصْفاكِ(2)

وَ لَقَبَكِ المُخْتَارُ (سيدة النسا) *** وَ بِالعِزَّ وَ العَلْياءِ و المَجْدِ أَوْلاكِ(3)

فَنِلْتِ مِنَ الفَخْرِ التَّلِيدِ بِأَحْمَدٍ (صلي الله علیه و آله و سلم) *** وَ حُزْتِ مِنَ الفَضْل الطَّرِيفِ بِتَقْوَاكِ(4)

وَ لَمْ أَرَ في مَعْناكِ وَصْفاً وَ إِنَّما *** يَتِيهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ فِي وَصْفِ مَعْناكِ

ص: 62


1- جاء في [ينابيع المودة] ص229 ط الأولى في إيران انتشارات الشريف الرضي ج1: «عن ابن عباس: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام و إن الله «تعالى» جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي علیهم السلام و إني سائلكم غداً عنهم...». و في «روح المعاني» تفسير الآلوسي ج29 ص157 ط/ دار إحياء التراث العربي -بيروت: «...فلما أصبحوا أخذ علي علیه السلام الحسن و الحسين علیهما السلام و أقبلوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ورآهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: يا أبا الحسن علیه السلام ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم و قام فانطلق معهم إلى فاطمة علیها السلام فرآها في محرابها قد التصق بطنها بظهرها و غارت عيناها من شدة الجوع فرق لذلك علیه السلام و ساءه ذلك فهبط جبريل علیه السلام فقال: خذها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هناكَ الله «تعالى» في أهل بيتك قال و ما أخذ يا جبريل؟ فأقرأه «هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ...» السورة.
2- جاء في «كشف الغمة» ج2 ص83 ط/ دار الكتاب الاسلامي -بيروت: «... عن نافع بن أبي الحمراء قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثمانية أشهر إذا خرج إلى صلاة الغداة مرّ بباب فاطمة علیها السلام فقال : السلام عليكم يا أهل البيت «ورحمة الله وبركاته» الصلاة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية: 43].
3- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب «أمالي الصدوق» ص245 حاشية رقم 12 ط الخامسة 1980 مؤسسة الأعلمي/ بيروت: «عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: ابنتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين.
4- التليد: القديم. و في كتاب «المناقب» ج3 ص323 ط/ مؤسسة انتشارات علامة قم -المطبعة العلمية- «سأل بزل الهروي الحسين بن روح (رضي الله عنه) فقال: كم بنات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقال: أربع فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة علیها السلام، قال: و لمَ صارت أفضل و كانت أصغرهن سنّاً و أقلهنّ صحبة لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما، إنها ورثت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و نسل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها و لم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتّها...».

وَ ما اللَّيْلُ إلا مِنْ حَيائِكَ آيَةٌ *** وَ ما الصُّبْحُ إِلا لَمْعَةٌ مِنْ مُحيَّاكِ(1)

وَ أَنْتِ لِخَيْرِ الخَلْقِ فِي الحَقِّ كَوْثَرٌ *** بِرَغْم عَدُوٍّ شانِي جِدَّ أَفَاكِ(2)

فأَعْطَاهُ مِنْكِ الله نَسْلاً مباركاً *** وَ فِيكِ لَهُ النُّعْمى واللَّه نُعْماكِ

فيا مَطلَعَ الأَقْمارِ في أُفُقِ الهُدَى *** تَبَدَّدَ مِنْ أنْوَارِها كُلُّ إحْلاكِ(3)

وَ يا مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ وَ الدُّرِّ فِيهِما *** وَ يا مَنْبِتَ الأَزْهَارِ مِنْ دُونِ أَشْواكِ

حَباكِ الَّذِي سَوَّاكِ ذاتاً كَريمةً *** فَسُبْحانَهُ مِنْ جَوْهَرِ القُدْس سَوَاكِ(4)

و خَصَّكِ منه بالمَكارِمِ كُلِّهَا *** وَ كُلُّ المَعالِي وَ المَحامِدِ أَعْطَاكِ(5)

ص: 63


1- محياك: وجهك.
2- شانیء: مبغض مع العداوة. أفاك: كذاب. و جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي ج32 ص124 ط 2 ، دار الكتب العلمية طهران -و البيت الذي يليه، في تفسير سورة الكوثر. «... هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه علیه السلام بعدم الأولاد فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلىء منهم و لم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به. ثم انظر كم كان فيهم من .به ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر و الصادق و الكاظم و الرضا علیهم السلام و النفس الزكية...». و جاء أيضاً في «تفسير الميزان» ج20 ص371 ط2/ مؤسسة الأعلمي في تفسير السورة نفسها ما نصه: «... و الجملة لاتخلو من دلالة على أن ولد فاطمة علیها السلام ذريته صلي الله علیه و آله و سلم و هذا نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد كثر الله «تعالى» نسله بعده كثرة لايعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من نوائب وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة.».
3- تبدَّد: انكشف و تفرق. إحلاك: شدة السواد (الظلام).
4- جاء في بحار الأنوار ج43 ص8 ح11 ط/ الثانية -مؤسسة الوفاء منقولة عن (عيون المعجزات). «قال عمار: فخرج أميرالمؤمنين علیه السلام و خرجت بخروجه فولج عليٌّ على فاطمة علیها السلام و ولجت معه فقالت: كأنك رجعت إلى أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان كذلك يا فاطمة علیها السلام فقالت: اعلم يا أبا الحسن علیه السلام أن الله «تعالى» خلق نوري و كان يسبح الله «جل جلاله» ثمَّ أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوصى الله «تعالى» إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك ففعل فأودعني الله «سبحانه» صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله «تعالى»، انظر أيضاً «عوالم سيدة النساء» ج1 ص18 ح1.
5- في بحار الأنوار ج43 ص17 ح16 ط2 مؤسسة الوفاء عن كتاب (إرشاد القلوب): «عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: كانت الملائكة تسبح الله و تقدسه فقال الله: و عزتي و جلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم و تقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة و أبيها و بعلها و بنيها...». و جاءت الرواية في (عوالم سيدة النساء) ج1 ص17-18 ح1 أيضاً.

يَتِيهُ ذَوُو الْأَلْبابِ في وَصْفِ مَعْناكِ *** وَ يَعْيا الوَرَى عَنْ ذِكْرِ بَعْضِ سَجاياكِ(1)

وَ حَسْبكِ أَنَّ الله يَسْخَطُ لِلَّذِي *** سَخَطَتِ وَ يَرْضَى بِالَّذِي كَانَ أَرْضاكِ(2)

و ما ابْنَةُ عِمْرَانٍ بِرَغْمِ جَلالِها *** لِتَرْقَى إِلَى أَدْنَى مَاتِبِ مَرْقاكِ(3)

و ما أُمَّ إِسْمَاعِيلَ (هاجَرُ) في العُلَى *** بِبالِغَةٍ مِعْشَارَ مِعْشَارِ عَلْيَاكِ(4)

وَ كَيْفَ وَ خَيْرُ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٌ (صلي الله علیه و آله و سلم) *** أَبُوكِ وَ سِبْطاهُ الإمامانِ إبْناكِ؟

و ما في النِّسا في العالَمِينَ بِأَسْرِها *** لِحَيْدَرَةِ كُفْو إلى الحَشْرِ لَوْلاكِ(5)

وَ أَنْتِ وِعاءُ لِلإِمَامَةِ فَالأُلى *** هُمُ صَفْوَةُ البارِي مِنَ الخَلْقِ أَبْناكِ(6)

ص: 64


1- يعيا: يعجز و يكل.
2- و لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب ينابيع المودة ج1 ص314 ط الأولى/ إيران/ انتشارات الشريف الرضي. «...فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه، و من غضبت عليه (ابنتي فاطمة علیها السلام) غضبت عليه و من غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ویل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها».
3- جاء في «معاني الأخبار للصدوق» ص107-1- ط/ منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة: «عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام: «إنها سيدة نساء العالمين» أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال: ذلك لمريم كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
4- في كتاب أمالي الصدوق ص393 ط الخامسة مؤسسة الأعلمي -بيروت: «...فأيما إمرأة صلت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجّت بيت الله الحرام، و زكّت مالها و أطاعت زوجها و والت عليّاً علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي و إنها لسيدة نساء العالمين. فقيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال له ذاك لمريم بنت عمران فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين».
5- في الرواية الواردة في «دلائل الإمامة» للطبري ص10 ط الثالثة/ منشورات الرضا علیه السلام/ قم: «قال أبوعبدالله علیه السلام: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوّجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى يوم القيامة من آدم فمن دونه».
6- جاء في دلائل الإمامة للطبري ص8- ط3/ منشورات الرضا علیه السلام قم، عن الصادق علیه السلام: فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً فسمع فاطمة علیها السلام تحدث خديجة علیها السلام، فقال: يا خديجة علیها السلام من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني. فقال: يا خديجة علیها السلام: هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة...».

وَ هُمْ حُحَجُ البارِي تَعَالى عَلَى الوَرَى *** فما كانَ أَسْمَاهُمْ بِحَقِّ وَ أَسْماكِ(1)

وَ لا عَجَباً أَنْ كانَ يَدْعُوكِ أَحْمَدٌ(صلي الله علیه و آله و سلم) *** بأمَّ أَبِيها فَهُوَ بِالصِّدْقِ سَمَاكِ(2)

فَعِتْرَةُ طَهَ نَفْسُهُ دُونَ رِيبَةٍ *** وَ لَيْسَ لَهُمْ أُمّ و لا رَيْبَ الآكِ(3)

فيا بَضْعَةَ الهادِي الأمينِ تَحِيَّةٌ *** مبارَكَةٌ في عِيدِ مَوْلِدِكِ الزَّاكي(4)

ص: 65


1- ورد في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص107 ح1 ط/ الثالثة نشر مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً و زوجته و أبناءه حجج الله على خلقه و هم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم».
2- ورد في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج 12 ص 440 ط الأولى- دار صادر/ بيروت: «فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنّى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام.»
3- جاء في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص1029 ح 1 ط الثالثة/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: ... عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله «عز وجل» نظر إلى الأرض ثالثة فاختار منها أحد عشر إماماً... و أمهم فاطمة علیها السلام ابنتي...».
4- (الأبيات التي تلته لعلها إشارة إلى الرواية المذكورة في «أمالي الصدوق»/ ط الخامسة (1980م) منشورات الأعلمي ص475: «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوّج بها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة فكن لايدخلن عليها و لايسلمن عليها و لايتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة علیها السلام لذلك و كان جزعها و غمّها حذراً عليه صلى الله عليه و آله و سلم فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبِّرها و كانت تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها. و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة علیها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش و بني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم يتيم أبي طالب فقيراً لامال له فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة علیها السلام لذلك: فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربّك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله لنلي منك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها و أخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة طاهرة علیها السلام،مطهَّرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور و دخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة وإبريق من الجنة و في الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن و أطيب ريحاً من المسك و العنبر فلفتها بواحدة وقنّعتها بالثانية ثم أستنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين و قالت: أشهد أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط، ثم سلَّمت عليهن و سمَّت كل واحدة منهن باسمها و أقبلن يضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها قدر عليها...

أَتَيْتِ فَعَمَّ الكَوْنَ نُورٌ وَذبَهْجَةٌ *** وَفاحَ عَلَى الدُّنْيا أَرِيجُ الهُدَى الذَّاكِي(1)

وَ قَدْ بَعَثَ الرَّحْمَنُ حُورَ جِنانِهِ *** وَ خَيْرَ نِساءِ الخُلْدِ كَيْ تَتَلَقَّاكِ

وَ قالَ لَهُنَّ اهْبِطَنَّ بالبِشْرِ وَ الهَنا *** إلى بَيْتِ طَهَ (صلي الله علیه و آله و سلم) وَ هْوَ مَهْبِطُ أَمْلاكِ

فَجِئْنَ وَبَلَّغْنَ السَّلامَ (خَدِيجَةٌ) *** وَ قُلْنَ لَها بُورِكْتِ فَالْخَيْرُ و افاكِ

فلا تَحْزَنِي وَ اسْتَبْشِرِي بِوَلِيدَةٍ *** مُبارَكَةٍ مَيْمُونَةٍ هِيَ زَهْراكِ

بِفاطِمَةٍ خَيْرِ النِّساءِ وَ إِنَّها *** هِيَ التَّحْفَةُ المُهْداةُ مِنْ عِندِ مَوْلاكِ

وَذِي أُمُّنا حَوْا، وَها أَنا مَرْيَمٌ *** وَ تلكَ صَفُوراءٌ وَ هاجَرُ أُخْتاكِ

أَتيْنا نَلِي عِنْدَ الوِلادَةِ مِنْكِ ما *** تَلِيهِ النّساءُ مِمَّنْ يَلِدْنَ فَبُشْراكِ

فَوَلَّدْنَها وَ الكَوْنُ يَعْمُرهُ السّنا *** وَقَرَّ رَسُولُ الله (صلي الله علیه و آله و سلم) عَيْناً بِلُقياكِ

فيا بنتَ خَيْرِ الخَلْقِ مِنْ وُلْدِ آدَمٍ *** عَلَيْكِ سلامُ الله في يَوْمِ ذِكْراكِ

ص: 66


1- الأريج: الرائحة الطيبة. الزاكي: ساطع الرائحة.

و يا نَفَراً ما كانَ لَوْلاً وَجُودُهُمْ *** سَماء وَ لاالأَرْضُ وَ لادُورُ أَفْلاكِ(1)

غَدا حُبُّكُمْ مِنْ أَضْلَعِي مُتَمَكِّناً *** وَ سارَ بها كالكهرباء بِأَسْلاكِ

وَ حَسْبِيَ أَنِّي في الوَلاءِ مُوَحُدٌ *** لَكُمْ وَ أرى في الغَيْرِ مِدْحَاةَ إِشْرَاكِ

عليكُمُ سَلامُ الله ما ذَرَّ شارِقٌ *** وَ ما ناحَتِ القُمْرِي شَجُواً عَلَى الرّاكِ(2)

لَقَدْ فَازَ مَنْ والاكِ يا بَضْعَةَ الهُدَى *** وَ قَدْ خَابَ يَوْمَ الحَشْرِ مَنْ كانَ ناواكِ(3)

و تَعْساً لقوم ضَيْعُوا فِيكِ أَحْمَداً *** وَ ما قَالَهُ إِذْ كَدَّرُوا صَفْوَ دُنياكِ(4)

ص: 67


1- لعله أشار إلى الرواية المذكورة في عوالم سيدة النساء ج1 ص22 ح4 ط3 - تحقيق و نشر مؤسسة الإمام المهدي عج الله فرجه الشریف المنقولة عن فرائد السمطين ج1 ص36 «... قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة و لاالنار و لاالعرش و لاالكرسي و لاالسماء و لاالأرض و لاالملائكة و لاالإنس و لاالجن...».
2- ذرّ: طلع. القمري: ضرب من الحمام حسن الصوت.
3- ناواك: عاداك و أصلها ناوأك. و ورد في «تفسير فرات الكوفي» تحقيق محمد كاظم مؤسسة النعمان 1992 بيروت ج1 ص269 حاشية رقم362. «... إني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه و إني جعلت تعزيتك اليوم أن لاأنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت و ذريتك و شيعتك و من أولاكم معروفاً ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد فتدخل فاطمة علیها السلام ابنتي الجنة و ذريتها و شيعتها و من أولاها معروفا ممن ليس من شيعتها.».
4- في «أمالي الصدوق» ص99-100 منشورات الأعلمي طه (1980م). «عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان جالساً ذات يوم... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أُخرى و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران تمرضها و تؤنسها في علتها فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلد في النار من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين.».

تَجرَّعَتِ أصناف الأذى مِنْ عِصابَةٍ *** أَرَتْكِ مِنَ الظَّيْمِ الكَثِير فَأَضْناكِ(1)

فَقَدْ حاوَلُوا أَنْ يَمْنَعُوكِ عَنِ البُكا *** عَلى المُصْطَفَى المختارِ إذْ طَالَ مَبْكاكِ(2)

كما منعوك الإِرْثَ في (فَدَكِ) و قَدْ *** أَتاهُمْ بِهِ الوَحْيُ المُؤَيِّدُ دَعْواكِ(3)

و كَمْ أَظْهَرُوا مِنْ خِشَةٍ وَدَناءَةٍ *** فما كانَ أَدْنَاهُمْ نُفوساً وَ أَعْلاكِ(4)

ص: 68


1- الضيم: الظلم. أضناك: أضعفك و أهزلك. يوضع ما جاء في هذا البيت أصناف الأذى و الألم اللذين عانتهما الزهراء علیها السلام على أيدي الظالمين.
2- في «بحار الأنوار» ج43 ص174 (15) ط الثالثة مؤسسة الوفاء/بيروت: «... ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقأ دمعتها و لاتهدأ. زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب، معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة فأقبل أميرالمؤمنين علیه اللسام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينقطع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً. فقالت علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: علي علیه السلام: افعلي یا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا لك.».
3- انظر «الاحتجاج» للطبرسي ج1 ص119 ط دار النعمان (1966م).
4- في «أمالي الطوسي» ط الثانية ص 207 مؤسسة الوفاء ربما تؤكد معناه: «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها».... فلما خبا نور الدين و قبض النبي صلي اللله علیه و آله و سلم الأمين نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و أدلاً بفدك فيا لها لمن ملك تلك، إنها عطية الرب الأعلى للنجيّ الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينة فإن انتزعا منّي البلغة و منعاني اللمظة و احتسبتها يوم الحشر زلفة، و ليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم.».

و ما كانَ أَقْسَى القَوْمِ حِينَ تَجَمَّعوا *** عَلَيْكِ وَ بِالنِّيرانِ أُخْرِقَ مَأْواكِ(1)

و إِذْ أَسْقَطُوا مِنْكِ الجَنِينَ وَ يا لَهُ *** مُصابٌ جَليلٌ قد دهاكِ فَأَوْهَاكِ(2)

إلى أَنْ قَضَيْتِ النَّحْبَ بِالحُزْنِ وَ الأَسَى *** وَ أَخْفى عَلِيٌّ خِيفَةَ القَوْمِ مَثْواكِ(3)

لَئِنْ يَكُ لايُدْرَى لِقَبْرِكِ مَوْضِعٌ *** فَقَبْرُكِ فِعْلاً في قُلُوبِ أَحِبَاكِ

ص: 69


1- انظر «الاحتجاج» ج ا ط دار النعمان ص109 تعليقات محمد باقر الخرسان.
2- أوهاك: أوهنك و أضعفك.
3- في «روضة الواعظين» للنيسابوري الطبعة الأولى (1986م) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ص167: «و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله وسلم المعصبة الرأس ناحلة الجسم منهدّة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله وسلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها و تنظر مرة إلى الحسن علیه السلام و مرة إلى الحسين علیه السلام و هما بين يديها علیها السلام فتقول: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة؟ بعد مرة أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلايدعكما تمشيان على الأرض فإنا للَّه و إنا إليه راجعون... ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و أن لايصلي عليّ أحد منهم و لا من أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى من الليل، أخرجها علي علیه السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و عمار و عقيل و المقداد و الزبير و أباذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم ،و خواصه صلوا عليها، و دفنوها في جوف الليل و سوّى عليٍّ حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها.».

(2) غصب فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الغني الحر العاملي(*)(1)

ص: 70


1- (*)هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي. عالم فاضل جليل الشأن و شاعر مكثر، لاسيما في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام. نقل العلامة الشيخ محمد الحر، عن سيرة والده رحمه اللَّه قال: كان لايمرُّ يوم من الأيام إلّا و ينظم من الشعر عشرات الأبيات، و قد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة. فملكته الشعرية و حافظته القوية و سرعة البديهة مضرب المثل، و قد نقل أحد تلاميذه قال: كان الشيخ عبد الغني يدرُّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر الغيب و يحفظ العبارة بنصها، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة و يستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم و نهج البلاغة، ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني، وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها. و أيضاً ينقل عنه أخدانه و معاصروه فيقولون: كنا نقرأ عليه القصيدة كاملة مرة واحدة فيحفظها و يقول ولده: أما الذي أدركته منه في أواخر عمره، فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً و هو يرغب أن يحفظها، قال: اقرأ علىَّ منها ثلاثين بيتاً فقط، فقرأت فأعادها علي حفظاً، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليَّ حفظاً، و يقول ولده: إن مجموع ما نظمه لايقل عن أربعة آلاف قصيدة، و أكثرها في صاحب الأمر الحجة بن الحسن (عج الله تعالی فرجه الشریف). و نقل أيضاً بعض الاكتشافات و التجليات و الكرامات التي تدل على روحانيته و شدة ولائه و عقيدته و منها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة و المبدأ. و نقل عن العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل اللَّه أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازي «رحمه اللَّه» أنه كان يتحدث عن المترجَم له و يقول: إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر و حبَّه لآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم، لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار. طبع له (منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر). توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة (1358ه_) و دفن في النجف الأشرف في الإيوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف على نازله «ألف تحية وسلام».

قَدْ أَطالَ السُّهادَ طُولُ نَواكا *** فَمَتى تَسْعَدُ الوَرى بِلِقاكا؟

وَ أَسالَ القُلُوبَ منّا عُيوناً *** مُعْصراتٍ مِنَ العُيُونِ هَواكا؟(1)

يا إمامَ الهُدَى وَ خَيْرَ مَلِيكٍ *** جَعَلَ الله جُنْدَهُ الأَمْلاكا

غِبْتَ عَنْ أَنْفُسٍ قَضَتْ فيكَ صَبْراً *** وَ هُيَ مُشتاقة إلى مَرْآكا

إلى أن يقول :

فقضى المُصْطَفَى عَظِيمَ مُصابٍ *** جَلَّ خَطْبٌ دَهَى الهُدَى و دهاكا

أنَبِيُّ أُنِيبَ في فادحاتٍ *** ما أُنِيبَ النَّبِيُّ لا وعُلاكا

ما لَقِي المُرْسَلُونَ في الدَّهْرِ إِلَّا *** بَعْضَ بَلْوَى مُحَمَّدٍ وَ بَلاكا

بَثَّ فِي قَوْمِهِ الهُدَى فَعَدَوْهُ *** عَنْ فُسُوقٍ كَمَنْ ضَلالاً عِدَاكَا

أَوَ تَنْسَى ما أَحْدَثُوهُ قَدِيماً *** وَ حَدِيثاً مِن الشّقاقِ انْتِهاكا

أَوَ تَنْسَى حاشاك ما قَدْ جَنَى الجِبْتَانِ *** فِي غَصْبِ فاطم حاشاكا(2)

أَوَ تَنْسَى إِذْ لَبَّبُوا صِنْوَطه *** و أَباحا حِمَى الوَصِيِّ حِماكا(3)

أَوَ تَنْسَى إِذْ أَوْقَفاهُ مُقاداً *** مُوثَقاً في بُنُودِهِ إمْساكا

فَدَعَا بِالنَّبِي دَعْوَةً هارونَ *** لِموسَى إِذْ كَانَ هَذا كَذاكا

قَائِلاً: يَابْنَ أُمِّ وَ البَضْعَةُ الزَّهْراءُ *** تَقْفُو الوَصِيَّ عدواً أباكا(4)

ص: 71


1- مُعْصرات: ممطرات.
2- يشير في هذا البيت إلى غصب فدك من الزهراء علیها السلام. انظر مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232، و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487 ، و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص131-144، و كتاب عوالم العلوم ج 2 ص626 نقله عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص 300، و الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
3- لَيَبَوه: أخذوه بتلابيبه و جرّوه صِنّو: الأخ الشقيق.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى خروج الزهراء علیها السلام خلف الإمام علي علیه السلام حين أخرجوه إلى البیعة نقلاً عن كتاب تفسير العياشي ج 2 ص66-67 و كتاب بحار الأنوار، ج28 ص227.

هؤلاء المَلا قَدِ اسْتَضْعَفُونِي *** كَوَصِيِّ الكَلِيمِ عِندَ أُولاكا

ما دَرَوْا أَنَّكَ ابْنُ أُمِّي قُرْباً *** حَيْثُ أُدْعَى دونَ الأَنامِ أَخاكا

أَنْكَرُونِي مِنْ بَعْدِ أَنْ عَرَفُونِي *** آنفاً أَنَّني هُدًى مُرْتَضاكا

جَهِلُوا مِنكَ مَنْزِلِي بَعْدَعِلْمٍ *** مِنْهُمُ أنَّ لِي مُقامَ عُلاكا

وَدَروْا أَنَّنِي الأَمِيرُ عَلَيْهِمْ *** يَوْمَ حُمُ إِذْ بايَعُونِي هُناكَا

نَكَثُوا عَهْدَكَ الوَثِيقَ انْتِقاضاً *** وَ بِسُخْطِ الإِلهِ باؤُوا ائتِفاكا

غادَرُونِي غَدْراً حليف شُجُونٍ *** حَيْثُ قَدْ أَعْرَضَ الوَرَى عَنْ هُداكا

وَ أَرادُوا إطْفاءَ نُورِكَ بَغْياً *** و أبى رَبُّكَ انْطِفَاءَ سَناكا(1)

ما كَفَاهُمُ عَزْلي عَنِ الحَقِّ حَتَّى *** غَصَبُوا فاطِماً وَ أَعْفَوْا بِناكَا

مَزَّقُوا الصَّكَّ وَ اسْتَباحُوا حِمَى *** رِبِّكَ في هَضْمٍ فاطِمٍ و حِماكا(2)

وَ أَراعَ الجِبْتَانِ بِنتَكَ ظُلماً *** وَ يتَرْويعِها أَسَى رَوَّعاكا

أَوْجَعاها بِالسَّوْطِ قَرْعاً وَ ضَرْباً *** مُؤلِماً جِسْمَها كَما أَوْجَعاها(3)

جَرَّعاها كَأْساً أمر من الصّابِ *** مَذاقاً كَما الرَّدى جَرَّعاکا(4)

ص: 72


1- سَناك: ضياءَك.
2- في هذين البيتين إشارة إلى اغتصاب فدك و تمزيق عمر الكتاب الذي كتبه أبوبكر للزهراء علیها السلام. و قد مر تفصيل ذلك نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 ، و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487 ، و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص131- 144، و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقله عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300، و كتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
3- و في هذين البيتين إشارة إلى ترويع الزهراء علیها السلام و ضربها بالسياط يوم الهجوم على الدار. أنظر ما ورد عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و كتاب البحار، ج53 ص19.
4- الصاب: شجر مرّ المذاق.

كَيْفَ يَابْنَ الوَصِيِّ لاتضْرِم النَّارَ *** على مَنْ لظى الأَسَى أَصْلَياكا(1)

أو تَنْسى إذ أَضْرَما النَّارَ بالبابِ *** وَ عَصْرَ البابِ الّذي أشْجاكا

کَسَرا ضِلْع فاطِمٍ أسْقَطاها *** مُحْيِناً هَیّجا أَساها هُناکا(2)

غادَراها عَلِيلَةَ الجِسْمِ غَدْراً *** مِنْ عَناها لا تَسْتَطيعُ حِراكا

فَقَضَتُ بالشُّجُونِ وَ الظُّلْمَ مِمَّنْ *** عَنْ مُوالِيكَ نَيْراً غَيْباكا

قَدْ قَضَتْ نَحْبَها نَحيباً مِنَ الجِبْتَيْنِ *** تَيْمِ الضَّلالِ وَ ابْنِ صَهاکا(3)(4)

ص: 73


1- أَصْلَياك: أدخلاك في اللظى و اللهيب و نار الأسى.
2- في هذين البيتين إشارة إلى إحراق دار فاطمة علیها السلام و عصرها خلف الباب و كسر ضلعها و إسقاط جنينها. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و ص208 ، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب البحار، ج53 ص19، و في البلد/الأمين ص278 ورد في ظلامتها في الزيارة الشريفة: قف بالروضة و قل: السلام عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... السلام على ابنتك الصدّيقة الطاهرة علیها السلام.. السلام عليك يا فاطمة علیها السلام يا سيدة نساء العالمين... السلام عليك أيتها البتول الشهيدة علیها السلام. لعن الله مانعك إرتك و دافعك عن حقك و الراد عليك قولك لعن الله أشياعهم و أتباعهم و ألحقهم بعدك الجحيم... صلى الله عليك و على أبيك صلي الله علیه و آله و سلم و بعلك و ولدك الأئمة الراشدين علیهم السلام و رحمة الله و بركاته.
3- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى الأحزان و العلل و الأسقام التي أصابت الزهراء علیها السلام بعد أبيها صلي الله علیه و آله و سلم. ففي كتاب الكافي كما في البحار ج43 ص195 قال هشام بن سالم: عن أبي عبد الله علیه السلام قال : سمعته يقول: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً لم تر كاشرة و لاضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين، الاثنين و الخميس فتقول: ههنا كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ههنا كان المشركون. و في ص196 قال: عن عمرو بن دينار عن الباقر علیه السلام: قال ما رئيت فاطمة علیها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى قبضت. و قال العسقلاني في فتح الباري ج9 ص201 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص195 قال: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبراً.
4- نقل من ديوان الشيخ عبد الغني الحر و المسمى (منتظم (الدرر) والقصيدة من (432) بيت و قد أخذنا ما نحن بصدده و في هذه القصيدة يذكر الإمام المنتظر «عجل الله فرجه».

(3) لا يطيبُ المديحُ إلّا فيك

(بحر الخفيف)

الأستاذ عبد القادر الجيلاني

لاَ وَربِّي، وَ حَقِّ طه أَبِيكِ *** لايَطِيبُ المَديحُ إلّا فيكِ

بَضْعَةُ المُصْطَفى وَ للجزءِ حُكْمُ الكُلِّ *** يُرْضِيهِ كُلُّ ما يُرْضِيكِ(1)

فَلْذَةٌ مِنْهُ فِي المَشاعِر و الإحساس *** يُؤذِيهِ كُلُّ ما يُؤذِيكِ(2)

إنْ بَدَتْ مَسْحَةٌ مِنَ الحُزنِ يَوْماً *** في مُحَياكِ شُوهِدَتْ في أَبِيكِ(3)

وَحدةُ الذَّاتِ لِمْ يَنلُها انْفِصامٌ *** وَ هُيَ سِرٌّ وَرَثْتِهِ لِبَنِيكِ

***

ص: 74


1- في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص332 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم- المطبعة العلمية بقم: «...إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يرضيني ما أرضاها و يسخطني ما أسخطها...».
2- في كتاب الجامع الصحيح و هو سنن الترمذي، ج5 ص699 حديث 3869ط المكتبة الإسلامية. تحقيق و تعليق ابراهيم عطوة عوض: «عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: ...إنها -فاطمة علیها السلام- بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها...».
3- قد يريد في هذين البيتين الإشارة إلى الرواية الواردة في كتاب كشف الغمة ج2 ص124 ط دار الكتاب الإسلامي بيروت: «... ثم قال صلي الله علیه و آله و سلم: يا بنية أنت المظلومة بعدي و أنت المستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني و من غاظك فقد غاظني... و من ظلمك فقد ظلمني لأنّك مني و أنا منك و أنت بضعة منّي و روحي التي بين جنبيّ...».

أنتِ شِبْهُ النَّبِيِّ في كُلِّ شَيْءٍ *** يَشْهَدُونَ النَّبِيَّ إِن شاهَدُوكِ(1)

أنتِ رَيْحَانَةُ النَّبِيِّ إذا ما *** شَمَّهَا سُر، كَيْفَ لا يُدْنِيكِ؟(2)

حينما تُقبِلينَ يَنْهَضُ مَسْرُو *** راٌ وَ مِنْ بَحْرِ عَظفِهِ يَرُويكِ

رُتْبةٌ دُونَها المَراتِبُ فِي القُرب *** وَ فَضْلٌ منَ الإِلهِ المَليكِ(3)

رُتْبةٌ الخرَجَتْ ضَعَائِنَ أَقْوامٍ *** فَبَثُوا الأَحقادَ بالتَّشكِيكِ(4)

***

ص: 75


1- جاء في كتاب الجامع الصحيح و هو سنن الترمذي» ج5 ص700 حديث 3872 ط المكتبة الإسلامية رواية تؤكد هذا المعنى و هي: «عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قالت و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم ما إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبِّلته و أجلسته في مجلسها...».
2- في تفسير فرات الكوفي ج1 ص75 ح49-31 ط مؤسسة النعمان- بيروت: «عن حذيفة بن اليمان قال: دخلت عائشة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو يقبل فاطمة علیها السلام و قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أتقبلها و هى ذات بعل؟ فقال لها: أما واللَّه لو عرفت و ودّي لها لازددت لها ودّاً إنه لما عرّج بي إلى السماء الرابعة... ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد و أحلى من العسل فأخذت رطبة فأكلتها و أنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض و اقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام ففاطمة علیها السلام حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام.
3- (و البيت الذي يليه) ربما إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص1186 ح2. منقولاً عن كتاب الثاقب في المناقب. روي عن سلمان قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة علیها السلام في حديث إلى أن قال -قال: «والذي بعثني بالرسالة و اصطفاني بالنبوة صلي الله علیه و آله و سلم، قد حَرَّم الله تعالى النار على لحم فاطمة علیها السلام و دمها و شعرها و عصبها و عظمها و ذريتها و شيعتها. إن من نسل فاطمة علیها السلام من النار و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و تضرب الجن بين يديه بالسيف و يوافي إليه الأنبياء بعهودهم و تسلّم إليه الأرض كنوزها و ينزل عليه من السماء بركات ما فيها. الويل لمن شك في فضل فاطمة علیها السلام، لعن الله من يبغضها و يبغض بعلها و لم يرض بإمامة ولدها. إن لفاطمة علیها السلام يوم القيامة موقفاً و لشيعتها موقفاً و إن فاطمة علیها السلام تدعى و تكسى و تشفع فتشفع على رغم كل راغم».
4- ضغائن: أحقاد.

فَسَّرُوا قَوْلَهُ «المودةَ في القُرْبى *** بِقُرْبَى الجَمِيعِ، لا بِذَوِيكِ

و أَحادِيثَ أَنْكَرُوها وَ أُخْرَىٰ *** ضَعَّفُوها لأَنَّها تَعْنِيكِ

حَسَداً مِنْهُمْ وَجَهْلاً فَلَوْلا *** جَهْلُهُمْ بِالمَقامِ ما حَسَدُوكِ

لَوْ أَحَبُّوا أَباكِ حَقّاً أَحَبُّو *** لكِ ويَقْلِيهِ كُلٌّ مَنْ يَقْلِيكِ(1)

فَهِمُوا مِنْ «لَوْ أَنَّ فاطمَ» فَهُماً *** وَ مِنْ جَهْلِهِمْ بِهِ انْتَقَصُوكِ

ضَرَبَ المُصْطَفَى بكِ المَثَلَ الأعْلَى *** و هذا التَّفْضِيلُ لَوْ أَنْصَفُوكِ

***

ثُمَّ قَالُوا أَزْواجُهُ «أَهْلُ بَيْتِ» *** قَدَّرُوهُنَّ بالَّذي قَدَّرُوكِ

وَ«حديثُ الكِساءِ» خَصَّصَ مَعْنى *** الآلِ فِي ابْنَيْكِ و الوَصِيِّ وَ فِيكِ(2)

وَ «حَدِيثُ الكساءِ» حِصْنٌ مَنيعٌ *** وَ هُوَ سُورٌ من كلِّ «رِجْسِ» یَقیِکِ

وَ «حَديثُ الكساءِ» تاجُ مِنَ المُختارِ *** يُزْرِي بتاج كُل المُلُوكِ

وَ دَلِيلُ التَّطْهِيرتاجٌ من اللَّهِ *** فَتِيهي بِفَضْلِ مَنْ تَوَجُوكِ(3)

هُمْ مِنَ «الرِّجْسِ» طَهَّروكِ فَطُهُرْتِ *** وَ هُمْ عَنْ جَهَنَّمَ فَطَمُوكِ(4)

***

ص: 76


1- يَقْلِيك: يبغضك.
2- ما جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص23 للطبري ط مؤسسة الوفاء -بيروت. يشير إلى مضمون هذه الأبيات: «...و عنها (أم سلمة) قالت كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم عندنا منكساً رأسه فعملت له فاطمة علیها السلام حريرة فجاءت و معها حسن وحسين علیهما السلام فقال لها النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أين زوجك اذهبي فادعيه فجاءت به فأكلوا فأخذ كساءً فأداره عليهم و أمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع اليمني إلى السماء و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و حامتي و خاصتي اللهم أذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً أنا حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم عدو لمن عاداهم...».
3- تيهي: افتخري و اعتزي بنفسك. و جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص23 رواية تؤكد على من نزلت آية التطهير: «و عنها -أم سلمة- قالت: في بيتي أنزلت «ِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ» قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى فاطمة و علي و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال: هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أما أنا من أهل البيت علیهم السلام. قال بلى إن شاء الله «تعالى»».
4- فطموك: قطعوك.

قَدْ قَضَى اللهُ أَنْ يُتِمَّ بكمْ نُورَ *** هُداهُ بالرغم من شانِتيكِ(1)

أنتِ كالبَحْرِ في العَطاءِ و أَوْلادُكِ *** كالدُّرِّ مالِئاً شاطِيكِ

قدْ دَعا المُصْطَفَى بأنْ يُخْرِجَ اللَّهُ *** كَثِيراً من نَسْلِكِ المَبْرُوكِ(2)

فَكَأَنِّي بِهِ يُهَمْهِمُ يَدْعُو *** في لَيالِي الزَّفافِ إِذْ يَحْبُوكِ

بِدُعاءِ الأَبِ الشَّفِيقٍ ويُولِي *** زَوْجَكِ المُرْتَضَى بما يُولِيكِ

أنتِ آثَرْتِهِ بِخُبْزِ وَ قَدْجاعَ *** ثَلاثاً وَ لَيْسَ بالمَنْهُوكِ(3)

و بلا خادِم صَبَرْتِ على البيتِ *** و بالصَّبْرِ دائماً يُوصِيكِ(4)

وَ الرَّحَى أَثْرَتْ بِكَفَّيكِ لَوْ تَدْري *** الرَّحَى من تَمَسُّها تَقْدِيكِ

ص: 77


1- شانئيك: مبغضيك مع عداوة و سوء خلق. و جاء في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص18 ط2 مؤسسة الوفاء -بيروت: «و قولها : ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللَّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللَّه؟ واللَّه متم نوره...».
2- في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص356 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية: «...فسأل علياً: كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على طاعة اللَّه و سأل فاطمة علیها السلام فقالت: خير بعل. فقال: اللهم اجمع شملهما و ألف بين قلوبهما و اجعلهما و ذريتهما من ورثة جنة النعيم و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة و اجعل في ذريتهما البركة و اجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك و يأمرون بما يرضيك، ثم أمر بخروج أسماء و قال: جزاك اللَّه خيراً. ثم خلا بها بإشارة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم...».
3- المنهوك: نهك من الطعام أي بالغ في أكله، و قد يكون بمعنى المضني و الدَنفِ إشارة لما ورد في كتاب المناقب، ج3 ص333 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية: «عن أبي الصولي قال عبد الله بن الحسن: دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على فاطمة علیها السلام فقدمت له كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها ثم قال: يا بنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام، فجعلت فاطمة علیها السلام تبكي و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يمسح وجهها بيده...».
4- جاء في كتاب ذخائر العقبى ص50 ط مؤسسة الوفاء بيروت (1980م). «عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة علیها السلام تشتكي أثر الخدمة و تسأله خادماً قالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لقد مجلت يداي من الرّحى أطحن مرة و أعجن مرة فقال لها: إن يرزقك الله شيئاً سيأتيك و سأدلك على خير من ذلك...».

و أَسرَّ النَّبِيُّ في ساعَةِ الكَرْبِ *** فَأَبْكاك، ما الذي يُبْكِيكِ؟(1)

قدْ أَلِفَتِ الحَياةَ بالقُرْبِ مِنْهُ **** فَتَاثَرْتِ بالفِراقِ الوَشِيكِ

ثُمَّ أَدْناكِ ثانياً فتَبسَّمْتِ *** فَهذا أَبُوكِ يَسْتَرْضِيكِ

باللّحاقِ السَّرِيعِ بَعْدَ شُهورٍ *** كُلُّ شَيْءٍ يَهُونُ بعدَأَبِيكِ

***

تِلْكَ َو اللَّهِ رُتْبَةٌ وَ مَقامٌ *** لايُسامی، سُبْحانَهُ مُعْطِيكِ

فَهَنِيئاً أمَّ الحُسَيْنِ هَنيئاً *** و حَناناً أماهُ إِنَّا بَنُوكِ

أوَ تُنْسِيكِ جَنَّةُ الخُلْدِ أَوْلادَكِ؟ *** حاشا و إِنْ هُمُ قَدْ نَشُوكِ(2)

فَاسْأَلِي اللَّه أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنا *** بالرِّضَى فِي السُّكُونِ و التَّحْرِيكِ

و اذْكُرينا عِنْدَ النَّبِيِّ فَإِنَّا *** قَدْ بَعُدنا عن سَيْرِةِ و السُّلُوكِ

و اذْكُرِينا أمّاهُ في مَوْقِفِ الحَشْرِ *** و نادِي بَنِيكِ فَلْيَتْبَعُوكِ

أَنْقِذِينا مِنَ الزّحامِ و أَهْوال *** عِظامٍ فاللَّهُ لايُخْزِيكِ

ص: 78


1- جاء في كتاب الجامع الصحيح، و هو «سنن الترمذي» للترمذي ج5 ص700 ح3872 ط المكتبة الإسلامية: «عن عائشة قالت: لما مرض النبي صلي الله علیه و آله و سلم دخلت فاطمة علیها السلام فأكبّت عليه فقّبلته ثم رفعت، رأسها فبكت ثم أكبّت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء فلما توفي النبي صلي الله علیه و آله و سلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت ما حملك على ذلك؟ قالت: إني إذاً لبذرة أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به فذاك حين ضحكت».
2- في كتاب أمالي الصدوق، ص25 ح4 ط الخامسة منشورات الأعلمي للمطبوعات: «...فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله»: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم. فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبيِّ و محبّي ذريتي، فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله»: أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبّو ذريتها؟ فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة...».

غيرَ انّا نَخافُ قَوْلَة طه *** اعْمَلِي فاطِمٌ فلاأُغنيكِ

و لَنا في الإلهِ ظَنَّ جَمِيلٌ *** مِنْهُ وَعْدُ في «هَل أتى» يُنْبِيكِ

***

قَدْ وَقاكِ شُرُورَ يَوْمٍ عَبُوسٍ *** وَ شوراً و نَضْرَةٌ يَجْزِيكِ(1)

وَ لَكُمْ يُعْقَدُ اللِّواءُ وَ في ظِلِّ *** ظَلِيلِ الهُنا يُؤْوِيكِ

فإِذا رَفْرَفَ اللِّواءُ عَلَيْكُمْ *** فَاذْكُرِينا لَعلَّنا نَأْتِيكِ

وَ اذْكُرِينا إِذا وَرَدْتِ على الحَوْضِ *** لنُسْقى بكفِّ مَن يَسْقِيكِ

فعَسى الله أنْ يَمُنَّ بِرُؤياكِ *** و مِنا ما تَرْتَضِينَ يُرِيكِ

وَ سَلامٌ عَلَيْكِ في كُلِّ حِينٍ *** هُوَيَغْشاكِ مِنْ لَدُنْ بارِيكِ

ما هَمَى ما طِرٌ وما قالَ حادٍ *** لايَطيْبُ المَدِيحُ الا فِيكِ

ص: 79


1- نضرة: نعومة و حسناً و جمالاً.

(4) بنت أكرم من مشى

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم صادق(*)(1)

أَيُّ النِّساءِ رقَتْ لأوج عُلاكِ *** يا بِنْتَ راقِي السَّبْعَةِ الأفلاكِ(2)

فَلأَنْتِ سَيّدة النِّساءِ وَ مَرْيَمٌ *** تَمَشي بِمِضْمارِ الفَخَارِ وَراكِ(3)

إِنْ أشرقَتْ هِيَ نَجْمَةٌ بسمائِها *** و لأنتِ يا زَهْرَاهُ شَمْسُ سَماكِ(4)

وَ لَئِنْ أَتَتْ هِي بِالمَسِيحَ فَإِنَّهُ *** سَيَؤُمُهُ المَهْدِيُّ مِنْ أَبْناكِ(5)

ص: 80


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص143 ح71 ط3 /مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «ما رأيت أحداً قط أفضل من فاطمة علیها السلام غير أبيها. انظر أيضاً كتاب إحقاق الحق؛ ج10 ص116 (هامش).
3- ورد في «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ص7-1،-1، ط / منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية -قم المقدسة «عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام «إنها سيدة نساء العالمين» أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال: ذاك لمريم كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين».
4- ما تقدم يشير الى بعض معنى البيت.
5- ورد في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص92 ط1 في إيران -انتشارات الشريف الرضي: «عن أبي أيوب الأنصاري قال: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم مرض فأتته فاطمة علیها السلام و بكت فقال: يا فاطمة علیها السلام إنّ لكرامة الله إياك زوّجك من هو أقدمهم سلماً و أكثرهم علماً إن الله «تعالى» اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبياً مرسلاً ثم اطَلَع اطلاعة ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أزوّجه إياك وأتخذه وصيّاً . و جاء في ينابيع المودة ص521 ج2 : يا فاطمة علیها السلام منا خير الأنبياء و هو أبوك و منا خير الأوصياء و هو بعلك و منا خير الشهداء و هو حمزة عم أبيك و منا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء و هو جعفر ابن عم أبيك و منّا سبطا هذه الأمة و سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين علیهما السلام و هما ابناك و الذي نفسي بيده منا مهدي هذه الأمة و هو من ولدك».

ولأنتِ خامِسَةُ الّذينَ تَجَمَّعُوا *** تحتَ الكِساءِ و كُلْهُمْ قُرْباكِ(1)

وَ هُمُ أَبُوكِ أَجلَّ ساداتِ الوَرَى *** قَدْراً وَ بَعْلُكِ ذُوالعُلى وَ ابْناكِ

و بآيةِ التَّطهير عَمَّكِ رَبِّهُمْ *** مَعَهُمْ وَإِذْ زَكَاهُمُ زَكَاكِ(2)

سَوَاكِ رَبُّكِ دُرّةً مَكْنُونةً *** وَ ضَاءَةٌ سُبْحانَ مَنْ سَوَاكِ(3)

ص: 81


1- (و البيت الذي يليه) لعله أراد حديث الكساء الوارد ذكره في كتاب إحقاق الحق، ج2 ص555 . «عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال: سمعت فاطمة علیها السلام أنها قالت: دخل علي أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في بعض الأيام فقال: السلام عليك يا فاطمة علیها السلام فقلت: وعليك السلام قال: إني أجد في بدني ضُعفا. فقلت: أعيذك باللَّه يا أبتاه من الضعف. فقال: يا فاطمة علیها السلام اتيني بالكساء اليماني فغطيني به. فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به و صرت أنظر إليه و إذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه و کماله .... ثم أتيت نحو الكساء و قلت: السلام عليك يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال: و عليك السلام يا بنتي و يا بضعتي قد أذنت لك فدخلت تحت الكساء فلما اكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بطرفي الكساء و أوماً بيده اليمنى إلى السماء و قال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و خاصتي و حامَّتي لحمهم لحمي و دمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم و محب لمن أحبهم إنهم مني و أنا منهم فاجعل صلواتك و بركاتك و رحمتك و غفرانك و رضوانك عليّ وعليهم و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا...ً فقال الأمين جبرائيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال «عزوجل»: هم أهل بيت النبوة صلي الله علیه و آله و سلم ومعدن الرسالة و هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها علیهم السلام. فقال:جبرائیل: يا رب أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادساً؟ فقال الله: نعم قد أذنت لك.
2- في كتاب ذخائر العقبى للطبري ص24 / مؤسسة الوفاء (1981م): «عن أبي سعيد الخدري في قوله «تعالى»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» الآية: 32 من سورة الأحزاب. قال : نزلت في خمسة في رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
3- في كتاب المناقب ج3 ص330 ط: مؤسسة انتشارات علامة/ المطبعة العلمية بقم. «الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ قال: لأن لها في الجنة قبة من ياقوتة حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلقة بقدرة الجبار لا علاقة لها من فوقها فتمسكها و لادعامة لها، من تحتها فتلزمها لها مائة ألف باب و على كل باب ألف من الملائكة يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّي الزاهر في أفق السماء، فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة علیها السلام.

ولأنتِ مَنْ أَوْلاكِ رَبُّكِ صُورَةً *** بَشَرِيَّةً لكِنْ بِرُوح مَلاكِ(1)

ولَكُمْ خُدمتِ مِنَ المَلائِكِ ذا يلي *** مهْدَ الصَّبي و ذا يُدِيرُ رَحاكِ(2)

و مُسَبِّحٌ ذا عَنْكِ رَبَّكِ إِنْ غَفَتْ *** عَيْنَاكِ وَ امْتَلَكَ اللّسانَ كَراكِ(3)

و لأَنْتِ إذ املكتِ كانَتْ في السما *** لَكِ عُقْدَةُ التَّزْوِيجِ و الإمْلاكِ(4)

ص: 82


1- جاء في «دلائل الإمامة» ص52 ط3 منشورات الرضا/ قم: «عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن فاطمة علیها السلام خلقت حورية في صورة إنسية و إنّ بنات الأنبياء لايحضن.
2- (والبيت الذي يليه) لعله أشار إلى الرواية الواردة في كتاب بحار الأنوار، ج37 ص97 ط2 /مؤسسة الوفاء -بيروت. «عن أم أيمن قالت: مضيت ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام لأزورها في منزلها و كان يوماً حاراً من أيام الصيف فأتيت إلى باب دارها و إذا بالباب مغلق فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء علیها السلام نائمة عند الرحى و رأيت الرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها و المهد أيضاً إلى جانبها و الحسين علیه السلام نائم فيه و المهد يهتز و لم أر من يهزّه و رأيت كفّاً يسبِّح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة الزهراء علیها السلام. قالت أم أيمن: فتعجبت من ذلك فتركتها و مضيت إلى سيدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و سلمت عليه... و قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء علیها السلام فلقيت الباب مغلقاً و إذا أنا بالرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها ورأيت مهد الحسين علیه السلام يهتز من غير يد تهزّه و رأيت كفاً يسبح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة علیها السلام و لم أر شخصه، فتعجبت من ذلك. يا سيدي فقال: يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة الزهراء علیها السلام صائمة و هي متعبة و جائعة و الزمان قيظ فألقى الله «تعالى» عليها النعاس فنامت فسبحان من لاينام فوكل الله ملكاً يطحن عنها قوت عيالها و أرسل الله ملكاً آخر يهز مهد ولدها الحسين علیه السلام لئلا يزعجها من نومها و وكّل الله ملكاً آخر يسبح الله «عز وجل» قريباً من كف فاطمة علیها السلام يكون ثواب تسبيحة لها لأن فاطمة علیها السلام لم تفتر عن ذكر الله فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أخبرني من يكون الطحان و من الذي يهز مهد الحسين علیه السلام و يناغيه و من المسبح؟ فتبسم النبي صلي الله علیه و آله و سلم ضاحكاً و قال: أما الطحان فجبرئيل و أما الذي يهز مهد الحسين علیه السلام فهو ميكائيل و أما الملك المسبِّح فهو إسرافيل...».
3- كراكِ: نومكِ و نعاسكِ.
4- أملكِ، أملاكاً، أملكه المرأة: زوّجه إياها و قد ورد في كتاب الأنس الجليل ج1 ص194 مطبعة أمير- قم/ انتشارات الشريف الرضي ط1: «إن الله سبحانه و تعالى عقد عقد فاطمة علیها السلام لعلي علیه السلام في السماء فنزل الوحي بذلك».

و زفافُكِ المَيْمُونُ فيهِ تَباشَرَتْ *** حُورُ الجِنانِ و قُلْنَ يا بُشراكِ(1)

و كَفاكِ أَنَّكِ بنتُ أكْرَم مَنْ مَشَى *** مِنْ مُحْتَفٍ أو عاقِدٍ لشراكِ(2)

و كفاكِ أَنّكِ لَبْوَةُ الأَسَدِ الَّذِي *** قَهَرَ الأسودَ بكلِّ يومِ عِراكِ

و كفاكِ أنكِ أنتِ أُمُّ المُجْتَبَى *** حَسَنٍ و والدةُ الحُسَيْنِ الزاكي

السَّيْدَيْنِ لِكُلِّ شُبّانِ الوَرى *** وَ المُشْبِهَيْنِ أَبَاهُما و أباكِ

وَ كَفَاكِ أَنَّكِ بَرَّةٌ مَيمُونةٌ *** بِالقُدْسِ رَبُّكِ وَ الصَّلاحِ كَساكِ(3)

ص: 83


1- في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص12 ط3 منشورات الرضا/ قم: عن أنس ابن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري و عثمان بن عفان إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تزوّجني فاطمة علیها السلام ابنتك؟ و قد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلّها قباطي مصر و عشرة آلاف دينار. و لم يكن من أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أيسر من عبد الرحمن و عثمان و قال عثمان: و أنا أبذل ذلك و أنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً فغضب النبي صلي الله علیه و آله و سلم من مقالتهما... و هبط جبرائيل في تلك الساعة فقال: يا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم إن الله يقرئك السلام و يقول: قم إلى علي بن أبي طالب علیه السلام فإن مثله مثل الكعبة يحجّ إليها و لاتحج إلى أحد إن الله أمرني أن آمر رضوان خازن الجنان أن يزين الأربع جنان و أمر شجرة طوبى و سدرة المنتهى أن تحملا الحلي و الحلل و أمر الحور العين أن يتزين و أن يقفن تحت شجرة طوبى و سدرة المنتهى... و أمر راحيل أن يرقى فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح و زوج علياً علیه السلام من فاطمة علیها السلام بخمس الدنيا لها و لولدها إلى يوم القيامة ... و أمر الحور أن يلتقطن ذلك و أن يفتخرن به إلى يوم القيامة».
2- (و الأبيات التي تلته) اشارة إلى الرواية المذكورة في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص56. «...ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين:و قالت أشهد أن لا إله إلا الله و أنّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط». انظر أيضاً كتاب أمالي الصدوق، ص475. و كتاب بحار الأنوار، ج43 ص3. و كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص340. و كتاب روضة الواعظين، ص160 ط1 مؤسسة الأعلمي.
3- ورد في كتاب «أمالي الصدوق» ص475 ط5 (1980م)/ مؤسسة الأعلمي/ بيروت. «... فدخل رسول الله صلي الله و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه...».

تغفين ليلَكِ بالتَّبَتُلِ و الدعا *** و نهارَهُ بِالصَّوْمِ و الإمْساكِ(1)

ص: 84


1- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص196-195 ط3 مطبعة أمير/ قم... منقول عن كتاب الثاقب في المناقب، ص290. «... إن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیه السلام لطول قنوتها في الليل...». وفي كتاب بحار الأنوار ج 37 ص 97 ط 2 مؤسسة الوفاء .... فقال : يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة الزهراء صائمة وهي متعبة جائعة والزمان قيظ ...» و قد ذكره في هامش سابق من هذه القصيدة.

(5) جوهر الطهر المصفى

(بحر الكامل)

الأستاذ عبد النبي بَزِّي(*)(1)

فَاضَ القَريضُ هُدًى لدى ذِكْراكِ *** وَ تَضَوَّعَتْ أَلْحانُهُ بشَذاكِ(2)

وَسَما بأَجْنِحَةِ البَيانِ مردَدَّاً *** آياتِه بِمَسَامِعِ الأْفْلاكِ

فشَدَتْ وَردَّدتِ المَلائِكُ خُشْعاً *** زَهْراءُ سُبْحانَ الَّذي سَوَّاكِ(3)

يا نورَ أَحْمَدَ يا وفاءَ خَدِيجَةٍ *** مَهْدُ الرِّسالةِ و الهُدَى أَبَواكِ

ص: 85


1- (*) الأستاذ عبد النبي بزي ولد في بلدة بنت جبيل في جبل عامل -جنوب لبنان- سنة (1364ه) الموافق (1945م). نشأ و تربى و ترترع في ظل أسرته التي تعد من كبريات الأسر تربية صالحة حسنة و أنهى دراسته الابتدائية في مدسة بنت جبيل. هاجر إلى كندا في سنة (1970م) و لم يزل مقيماً هناك حيث يعمل في مصنع للسيارات. قام المترجَم له بقرض الشعر في سن الأربعين و معظم شعره في آل البيت علیهم السلام. شارك في عدة مؤتمرات أدبية في أميركا، حيث ألقى فيها قصائد عدة. يعتمد في شعره الخط الرسالي لأهل البيت علیهم السلام، و هو الآن يتهيأ لطباعة أول ديوان له بعنوان (أهل الكساء علیهم السلام). يمتاز شاعرنا بأخلاق نبيلة دمثة و نفس كريمة، كما يمتاز بطيب المعشر و حُسن المجالسة و التواضع الجم، و قد ساهم مساهمة فعالة في إنشاء مركز أهل البيت علیهم السلام في مدينة (وندسور) بكندا. ولا زال يمارس دوره الثقافي والأدبي «زاد الله في توفيقه».
2- القريض: الشعر. تضوّعتْ: انتشرتْ شذا: قوة ذكاء الرائحة.
3- شدت: أنشدت شعراً فمدَّت صوتها به كالغناء أو تغنت بالشعر و ترنمت به و في كتاب دلائل الإمامة، ص9 ط3 منشورات الرضا/ قم : «...[إنها لما وضعتها السيدة خديجة علیها السلام] حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم و بذلك لقبت الزهراء علیها السلام.».

أَشْرَقْتِ مِنْ بَيْتِ الطَّهارَةِ والهُدَى *** وَ الظُّهْرُ نَفْحُكِ وَ الهُدى رَیَّاكِ(1)

سَمَاكِ فاطِمَةً و طَهَّرَكِ الذي *** خَلَقَ الوَرى جَلَّ الَّذِي سَمَاكِ(2)

يا كَوْثَرَ الهادِي الحبيب ونُورَهُ *** قَرَّتْ نَواظِرُهُ لَدى مَرْآكِ(3)

بالحُبِّ وَ الخُلُقِ الكَرِيمِ و بالتُّقَى *** و رَحِيقِ وَحْى الله قَدْ غَذَّاكِ

و عَلى رِسالَتِهِ السَّنِّية و الهُدَى *** و عَلى عَظِيمِ صِفاتِهِ رَبَّاكِ

يا جَوْهَرَ الطُّهْرِ المُصَفَّى و التُّقَى *** اللَّهُ يَا بِنْتَ الهُدَى زَكَاكِ

وَ عَلَى نِساءِ العَالَمِينَ بِفَضْلِهِ *** شَرَفَ السيادَةِ و العُلا أَعطاكِ(4)

و اخْتارَ رَبُّ العَرْشِ جَلَّ جَلالُهُ *** لَكِ خَيْرَ كُفْءٍ فَاهْنَنِي بُشْراكِ(5)

هذا عليُّ أَخُو النَّبِيِّ و نَفْسُهُ *** وَفَتَى الحنيفةِ يا بَتُولُ فَتاكِ(6)

ص: 86


1- نفحك: نفح الطيب انتشار رائحته.
2- في كتاب علل الشرايع، ج1 ص212 ح4 ط1 (1988م) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت: «عن أبي جعفر قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله «عزوجل» إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلي الله علیه و آله و سلم فسمّاها فاطمة علیها السلام، ثم قال: إني فطمتك بالعلم و فطمتك عن الطمث ثم قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها الله «تبارك و تعالى» بالعلم و عن الطمث بالميثاق.».
3- جاء في كتاب المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص332 ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم «... كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذا قدم من سفره يدخل على فاطمة علیها السلام، فدخل عليها فقامت إليه واعتنقته و قبلت بين عينيه». انظر أيضاً كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص177 ح10. ط3 /مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف و كتاب بحار الأنوار، ج43 ص40. ط2 /مؤسسة الوفاء.
4- جاء في كتاب دلائل الإمامة، ص54 ط30 / منشورات الرضا علیه السلام/ قم: «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام: إنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: تلك مریم کانت سیدة نساء عالمها و فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين...».
5- في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص208 / انتشارات الشريف الرضي، ط1 في إيران (1413ه_): «لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ».
6- الحنيفة: الدين الإسلامي.

و المَهْرُ مِنْ عند الكَرِيم شَفاعَةٌ *** سُبْحانَهُ مِنْ فَضْلِهِ أَهْدَاكِ(1)

و اخْتارَ نَسْلَكِ كَوْثَراً مِنْ كَوْثَرٍ *** و سَنا الإمامَةِ ذُخْرُهُ حَسَنَاكِ(2)

و سَنَنْتِ نَهْجاً لِلأُمُومةِ خَالِداً *** عَبْرَ العُصور يَشِعُّ منه سَناكِ

يَكْفِيكِ مِنْ شَرَفِ الأُمُومِةِ أَنَّهُ *** يَدْعُوكِ أُمّاً ما أَبُوكِ دَعاكِ(3)

قَدْ عِشْتِ في قَلْبِ الرَّسُولِ وَ رُوحِهِ *** وَ سَمَوْتِ حَتَّى لا يُنالَ عُلاكِ

خُلُقُ الرَّسُولِ يَفُوحُ منكِ و نُورُهُ *** بادٍ عَلَيْكِ وَ مِنْ نُهَاه نُهَاكِ

و بِعَطفِهِ و حنانهِ وَ وَدَادِهِ *** وَ بِظِّلِّهِ السَّمْحَ الكَرِيم رَعَاكِ

حَتَّى دَعاهُ إِلَيْهِ جَلَّ جَلالُهُ *** عَزَّتْ مَشِينَتُهُ عن الإدراكِ

و قَضَى الرَّسُولُ إلى لِقاءِ حَبِيبِهِ *** وَ جَرى القَضاءُ و أَظْلَمَتْ دُنْياكِ(4)

ص: 87


1- في كتاب إحقاق الحق، ج10 ص367 (مع تعليقات المرعشي النجفي). نقلاً عن كتاب أخبار الدول و آثار الأول. «...أنها لما سمعت بأن أباها زوّجها و جعل الدراهم مهراً لها قالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم إنّ بنات الناس يتزوّجن بالدراهم فما الفرق بيني و بينهن أسألك أن تردها و تدعو الله «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك. فنزل جبريل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل الله مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت. و قالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي.».
2- تقدم عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج2 ص371 ط 2 1974 / مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ في تفسير سورة الكوثر. « ...و الجملة لاتخلو من دلالة على أن ولد فاطمة علیها السلام ذريته و هذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد أكثر الله «تعالى» نسله بعده كثرة لايعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من النوائب و أفنى جموعهم من المقاتل الذريعة...».
3- ورد في كتاب تهذيب التهذيب، للعسقلاني ج12 ص440 ط 1 دار صادر/ بيروت: فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنّى أم أبيها و تعرف بالزهراء.
4- (والأبيات التي تلته) لعله إشارة الى الرواية الواردة في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص792 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «... أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم افتجع الصغير و الكبير و كثر عليه البكاء.... و لم يكن في أهل الأرض و الأصحاب و الأقرباء و الأحباب أشد حزناً و أعظم بكاء و انتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام و كان حزنها يتجدد و يزيد و بكاؤها يشتد... فجلست سبعة أيام لايهدأ لها أنين و لایسكن منها الحنين كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول ... ثم نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها وزوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة فقد اسودَ نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها... فأي دمعة لفراقك لاتنهمل وأي حزن بعدك عليك لايتصل و أي جفن بعدك بالنوم يكتحل و أنت ربيع الدين و نور النبيين... رميت يا أبتاه بالخطب الجليل و لم تكن الرزية بالقليل و طرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم و بالفادح المهول بكتك يا أبتاه الأملاك و وقفت الأفلاك...».

زَهْراء كَيْفَ غَدَوْتِ يَوْمَ فِراقِهِ *** اللَّهُ أَكْبَرُ كَيْفَ كان أساكِ؟

لِلَّهِ أي مُصِيبَةٍ وَ فَجِيعَةٍ *** وَ جَلِيل خَطبٍ يا بَتُولُ دَهاكِ؟

الكونُ أظْلَمَ يا بَتُولُ لِمَوْتِهِ *** وَ الكائناتُ عَلَى أَبِيكِ بَواكِ

وَ عَلِيُّ مَفْجُوعُ الحُشَاشَةِ ثاكِلٌ *** باكٍ يُجَهَّزُّ لِلْوَداعِ أباكِ

وَ القَوْمُ تَحْتَ سَقِيفَةٍ مَشْؤُومَةٍ *** كانت بِدَايةَ فِتْنَةٍ وَ هَلاكِ

يَتَامَرُونَ عَلَى الوَصِيِّ المُرْتَضَى *** مَن دَكَّ صَرْحَ الكُفْرِ و الإشْراكِ

هَتَكُوا الخِلافَة و اسْتَباحُوا قُدْسَها *** حَتَّى غَدَتْ لِعِصابةٍ فَتَّاكِ

مُلْكاً تَوَارَثَهُ لِئَامُ أُمَيَّةٍ *** من مُجرمٍ طاغٍ إلى سَفّاكِ

ماتَ الّذِي ملأ الوُجُودَ ضِياؤُهُ *** عَظُمَ المصابُ وَزادَ في بَلْواكِ

قَوْمٌ على إرْثِ النَّبِيِّ تَجَرَّأَوا *** سَلَبُوهُ مِنْكِ و أَوْرَثُوهُ سِواكِ(1)

ص: 88


1- جاء في كتاب السنن الكبرى، ج6 ص300 مطبعة دار المعرفة -بيروت. و كتاب تاريخ الطبري، ج3 ص207-208 ح1824 ط4 / دارالمعارف عن عائشة: أن فاطمة علیها السلام و العباس أتيا أبابكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدک و سهمه من خيبر فقال لهما أبوبكر: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال واللَّه إني لاأدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يصنعه بعد إلا صنعته...». ورد في كتاب «شرح نهج البلاغة» ج16 ص214 ط2 (1967م) دار إحياء التراث العربي -بيروت: «و روی هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أعطاني فدكاً... إلى أن قال: إن هذا المال لم يكن للنبي صلي الله علیه و آله و سلم و إنما من مالاً كان أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وليته كما كان يليه...».

غَصَبُوا عَلِياً حَقَّهُ حَسَداً له *** و بَغَوْاعَلَيْكِ وَ أَسْرَفُوا بأذاكِ

سَلَبُوكِ إِرْتَك من أبيكِ وَ أَسْقَطُوا *** حَنَقاً جَنِينَكِ يا لَعُظم بَلاَكِ(1)

زَهراءُ لَوْ حَمَلَتْ مُصَابَكِ وَ الأسَى *** صُمَّ الصُّحُور تَصَدَّعَتْ بأَساكِ(2)

أمُّ الأئِمَّةِ يا بَقِيَّةَ أَحْمَدٍ *** رُوحِي وَ أَرْواحُ الأَنَامِ فِدَاكِ(3)

زَهْراءُ كُنْتِ أمانَةً في أُمَّةٍ *** غَدَرتُكِ حَانَتْ حَيْدَراً و أباكِ

يا صَرخَةَ الحَقِّ المقدَّس لم يَزَلْ *** يَدْوِي بأَسْماعِ الزَّمانِ صَدَاكِ(4)

يا شُعْلَةَ الحَقِّ المبارَكِ لم يَزلْ *** ألقاً يَشعُّ على الوُجودِ سَناكِ

يا ثَوْرَةٌ بَيْضاءَ جَلَّلَها الهُدَى *** الْحَقُّ يا بِنْتَ الهُدَى ناداكِ

و الحَقُّ نَهْجُكِ والإباء وما سَعَتْ *** الأَلِنَشْرِ فَضِيلَةٍ قَدَمَاكِ

فَقَصَدْتِ بَيْتَ اللهُ مَسْجِدَ أَحْمَدٍ *** وَ اللَّهُ بارَكَ شَاكِراً مَسْعاكِ(5)

ص: 89


1- حنقاً: شدة الاعتباط. إشارة لما جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 ط: دار النعمان/ النجف (1966م). «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...».
2- صُمّ الصخور: صلابُها. تصدّعت: انشقت.
3- جاء في كتاب المناقب، ج3 ص357 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية. ما يشير إلى ذلك المعنى: «و كنّاها أم الحسن و أم الحسين و أم المحسن و أم الأئمة و أم أبيها علیها السلام».
4- يَذوي: يُسمع له صوت.
5- لعله أراد خطبتها علیها السلام التي خطبتها في المسجد النبوي الشريف و هو ما ذكره العلامة ابن أبي الفتح الأربلي في كتابه «كشف الغمة» ج2 ص106 ط دار الكتاب الإسلامي/ بيروت: «...إن فاطمة علیها السلام لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها وأقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تجرّ أدراعها تطأ في ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد المهاجرين و الأنصار فضرب بينهم بريطه -و قيل قبطية- فأنَّت أنَّة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلاً حتى سكنوا من فورتهم...». إلى آخر الخطبة.

و تَهلَّلَ البَيْتُ الكَرِيمُ وَ ما رَأَى *** مِحْرَابُهُ صِدِّيقَةً إلآكِ(1)

وَقَفَتْ يُجَلّلُها الكَمالُ خَطِيبَةً *** اللَّه یا زَهراءُ ما أَسْماكِ

خَشَعَتْ لِهَيْبَتِكِ القُلُوبُ وَ قَدْ بَدا *** نُورُ النُّبُوَّةِ مُشرِقاً بِضُحَاكِ

وَ جَرَى البَيانُ عَلَى لِسانِكِ سَلْسَلاً *** و الحَقُّ يَنْفَحُ بالبَلاغَةِ فَاكِ

ذكَرْتِ قَوْماً خاصَمُوكِ بِرَبِّهِمْ *** وَ الحِكْمَةُ الغَرَّاءُ فَيْضُ هُداكِ

بيَّنَتِ دِينَ مُحَمَّدٍ وَ فَضَحْتِ مَنْ *** لِهَوَاهُ عانَدَ رَبَّهُ وَ عَصاكِ

ذكَّرتِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَ وَصَيِّهِ *** وَ بَلِيعُ قَوْلِكَ مُتَرَعٌ بِشَجاكِ

هَفَتِ المَسامِعُ وَ المَدامِعُ رَقْرَقَتْ *** لأساكِ يا بنتَ الهُدَى وَعِداكِ(2)

يَتَمَلْمَلُونَ مَكانَهُمْ وَ كَأَنَّهُمْ *** جَلَسُوا بِرَغْمِهِمُ عَلَى الأَشْواكِ(3)

طالبتهم بالإرثِ إِرثِ مُحَمَّدٍ *** لِلْحَقِّ لَيْسَ لِمَطْمَعِ حاشاكِ(4)

فالزُّهْدُ عِنْدَكِ قِطْرَةٌ و سَجِيَّةٌ *** وَ البِرُّ و الإحسانُ بَغْضُ تُقَاكِ

ص: 90


1- جاء في «بحار الأنوار» ج43 ص105 ط2 مؤسسة الوفاء/ بيروت ح 19: «... وهي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى».
2- هَفَتْ: استُطيرتْ أو أسرعت: رقرقت: أجرت العين دموعها.
3- يتململون: يتقلبون على فراشهم مرضاً أو غمّاً.
4- (والأبيات التي تلته) لعلها إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب الاحتجاج ج1 ص138 ط النعمان/ النجف من (خطبة الزهراء علیها السلام في مسجد النبي صلي الله علیه و آله و سلم): «... وأنتم الآن تزعمون: أن لاإرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون؟ و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون أفلا تعلمون بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته؟ أيها المسلمون: أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريا أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» [سورة النمل، الآية: 16] و قال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة مريم:الآيتان5-6] و قال: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» [سورة الأنفال، الآية: 75] و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [سورة النساء، الآية: 11] و قال: «ُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [سورة البقرة الآية: 180] و زعمتم: أن لا حظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها...؟».

ما كانَتِ الدُّنْيا مُناكِ و لم تَكُنْ *** فَدَكَ سِوَى سَهمٍ إلى مَرْماكِ

حاجَتِهِمْ فَحَجَجْتِهِمْ وَ تَسافَظَتْ *** لمَّا تَكَلَّمَ حُجَّةُ المُتباكِي

أَيُعَدُّ في شَرْع الحَنِيفَةِ مُؤْمِناً *** مَنْ عامداً مُتَعَمداً آذاكِ

وَاللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ غَضِبْتِ وَإِنَّهُ *** يَرْضَى تَعالى ذِكْرُهُ لِرَضاكِ(1)

يا نُورَ مَجْدٍ مُشْرِقِ أركانُهُ *** الْمُصْطَفَى و المُرْتَضَى وَ ابْناكِ

يا كَعْبَةَ الطُّهْرِ المُصَفّى وَالتَّقَى *** فَوْقَ البَلاغةِ و البيانِ مَداكِ

وَالشَّعْرُ مَهُمَا غَذّ في طَيْرانِهِ *** صُعُداً يُقَصِّرُ عَنْ بلوغِ عُلاكِ(2)

مَعْناكِ سَيِّدَتي عَظِيمٌ لَيْسَ لِي *** بِالشَّعْرِ أنْ أُرقى إلى مَعْناكِ

لكِنَّها نَفَحَاتُ حُبِّ خَالِص *** مُتَخَشِّعاً قَلْبِي بِها ناجاكِ

أنا يَا بُنَةَ الهادِي الحَبِيبِ مُتَيَّمٌ *** بِهَوَى أَبِيكِ وَ حَيْدَرٍ و هَواكِ

وَ هَوَى الأَئِمَّةِ مِنْ بَنيكِ و حُبُّكُمْ *** ذُخْرِي و فَيْضُ نَداهُمُ ونَداكِ(3)

زادي إلى يوم الحِسابِ وعُدَّتِي *** مَنْ لِي سِواهُمُ شافِعٌ و سِواكِ

ص: 91


1- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب أمالي الصدوق ص314 طه مؤسسة الأعلمي: «يا فاطمة علیها السلام إن الله «تبارك وتعالى» ليغضب لغضبك و يرضى لرضاك».
2- غَذ: أسرع.
3- (والذي يليه) لعل ما ورد في كتاب كشف الغمة ج2 ص132-133 ط دار الكتاب الإسلامي/ بيروت- يشير إلى ذلك... «عن علي علیه السلام: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جالس و الحسن علیه السلام عن يمينه و الحسين علیه السلام عن يساره و فاطمة علیها السلام بين يديه و هو يقول: يا حسن و يا حسين علیهما السلام أنتما كفّتا الميزان و فاطمة علیها السلام لسانه و لاتعدل الكفتان إلّا باللسان و لايقوم اللسان إلا على الكفتين، أنتما الإمامان و لأمكما الشفاعة.».

(6) تا الله لا أنساك

(بحر الكامل)

علاء الدين الشفهيني(*)(1)

ص: 92


1- (*) أبوالحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلي الشفهيني، عالم فاضل، و أديب كامل، و هو من المعاصرين للشهيد الأول المقتول سنة (786ه_) جاء في (الطليعة) و هو من شعراء أهل البيت علیهم السلام و قصائده الرنانة سائرة بمعانيها العالية و حلتها الرائعة. جمع بين الفضيلتين، علم غزير و أدب بارع بفكر نابغ و نظر صائب، و نبوغ ظاهر و فضل باهر. و قد جاء في (أدب الطف) للخطيب السيد جواد شبرَّ في الجزء الرابع: اتفق المترجمون له على أنه كان عالماً أديباً و شاعراً طويل النفس للغاية يغلب على شعره الجناس و الطباق و غيرهما من المحسنات البديعية، و قد نشأ في العصر الذي فسدت فيه معاني الشعر العربي ،و ألفاظه أما المعاني فتكاد تكون مقصورة على المدح و الرثاء و الاستجداء، و تأليه الكبراء من ذوي المال و السلطان و ما في ذلك من الكذب و الافراط في الغلو و أما الألفاظ فقد أصبحت و كأن الغاية منها التنميق و المجانسات البديعية، و تنسيق الكلمات المعجمة و المهملة و كيف يقابل الشاعر بعضها ببعض في الصدور و الأعجاز بعيداً عن أساليب العربية و لغتها الفصحى كما تجد ذلك في شعر ابن نباتة و ابن حجة و الصفيّ و الصفدي و أضرابهم من شعراء ذلك العصر، بيد أن شيخنا علاء الدين الشفهيني تتجلى براعته و عبقريته في امتياز شعره الذي قاله في أهل البيت علیهم السلام و ليس بين أيدينا غيره بقوة المعاني، و سلامة المباني و متانة الأسلوب، مع ما فيه من المحسنات البديعية التي كأنها تأتيه عفواً بلاتكلف، و تطاوعه من غير قصد. له ديوان شعر كبير أكثره في مدح أهل البيت علیهم السلام، و رثائهم، لاتكاد تخلو معظم المجاميع المخطوطة من شيء منه، و أشهر قصائده السبع الطوال التي رآها صاحب (رياض العلماء) بخط العلامة محمد بن علي الجبعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفى سنة (841 ه_). و ذكر الخطيب الشيخ اليعقوبي في (البابليات): أبوالحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين المعروف (الشفهيني) المتوفى في حدود الربع الأول من القرن الثامن، و المدفون في الحلة، حيث يعرف قبره الآن في محلة (المهدية) و هو في الشارع العام الذي ينتهي قديماً إلى باب كربلاء.

يا أُمَّةً نَقَضَتْ عُهُودَ نَبيِّها *** أَفَمَنْ إلى نَقْضِ العُهُودِ دَعَاكِ؟

وَصَّاكِ خَيْراً بالوَصِيِّ كَأَنَّما *** مُتَعمداً في بُغْضِهِ وَصَاكِ

أَوَلَمْ يَقُلْ فِيهِ النَّبِيُّ مُبلغاً *** هذا عَلِيٌّ في العُلا أَعْلاكِ؟

وَ أَمِينُ وَحْي اللَّه بَعْدِي وَ هُوَ فِي *** إدْراكِ كُلِّ قضيِّةِ أدراكِ

وَ المُؤثِرُ المُتَصدِّقُ الوَهَابُ إذْ *** أَلْهَاكِ في دُنْياكَ حُبُّ لُهاكِ(1)

إياكِ أنْ تَتَقَدَّمِيهِ فَإِنَّهُ *** فِي حُكْم كُلِّ قَضِيَّةٍ أَقْضَاكِ

فَأَطَعْتِ لَكِنْ بِاللَّسانِ مَخافَةً *** مِنْ بَأْسِهِ وَ الغَدْرُ حَشْوُ حَشاكِ

حَتَّى إِذا قُبِضَ النَّبِيُّ وَ لَمْ يَطُلْ *** يَوْماً مَداكِ لَهُ سَلَلْتِ مُداكِ

وَ عَدَلْتِ عَنْهُ إِلى سِواهُ ضَلالَةً *** وَ مَدَدْتِ جَهْلاً في خَطاكِ خُطاكِ

و زَوَيْتِ بَضْعَةَ أَحْمَدِ عن إرثها *** و لِبَعْلِها إِذْ ذاكَ طَالَ أذاكِ(2)

يا بَضْعَةَ الهادِي النَّبِيِّ وَ حقٌّ مَنْ *** أَسْماكِ حِينَ تَقَدَّسَتْ أَسْماكِ(3)

لاحادَ عَنْ نارِ الجحيم مُعانِدٌ *** عَنْ إِرْثِ والدِكِ النَّبِيِّ زَواكِ

أَتَرَاهُ يَغْفِرُ ذَنْبٌ مَنْ أَقْصَاكِ عَنْ *** فَدَكِ وأَسْخَطَ إِذْ أَباكِ أباكِ

کَلاً و لانالَ السَّعادةَ مَنْ غَوَى *** وَعَدَاكِ مُحْتَسِكاً بِحَبْلِ عِداكِ(4)

ص: 93


1- لُهاك : جمع اللُّهَوة و هي العطيّة أو أفضل العطايا و أجزلها أو الحفنة من المال.
2- لعل الرواية الواردة في كتاب أمالي الطوسي ص207 ط 2 ص207 مؤسسة الوفاء/ يشير إلى هذا المعنى: «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها صلوات الله عليها: إلى آخر الرواية».
3- في كتاب ينابيع المودة ص202 انتشارات الشريف الرضي/ قم: «إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».
4- محتسكاً: حاقداً و مبغضاً، و لو كان محتسلاً لكان أولى بقرينه الحبل لأن الاحتسال هو اصطياد الحسل و هو ولد الضب «والله العالم».

ياتَيْمُ لا تَمَّتْ عَلَيْكِ سَعادَةٌ *** لَكِنْ دعاك إلى الشقاء شَقاكِ

لَوْلاكِ ما ظَفِرَتْ عُلوج أُمَيَّةٍ *** يَوْماً بِعِتْرَةِ أَحْمَدٍ لولاكِ

تَاللَّه ما نِلْتِ السَّعادَة إِنَّما *** أهواك في نارِ الجَحِيمِ هَواكِ

إنِّي اسْتَقَلْتُ و قَدْ عَقَدْتِ لآخرِ *** حُكْماً فَكَيْفَ صَدَفْتِ فِي دَعْواكِ

وَ لأَنْتِ أَكْبَرُ يَا عَدِيُّ عَداوةً *** وَاللَّه ما عَضَدَ النِّفاقَ سِواكِ

لاكانَ يَوْمُ كُنْتِ فيهِ وَ سَاعَةٌ *** فَضَّ النَّفِيلُ بها خِتامَ صُهاكِ(1)

وَ عَلَيْكِ خِزْيٌ يا أُمَيَّةُ دائِماً *** يَبْقى كما في النَّارِ دارُ بَقاكِ

فَلَقَدْ جَمَعْتِ من الأثامِ جَهالَةً *** ما عَنْهُ ضَاقَ لِمَنْ وَعاكِ وِعاكِ

هَلاً صَفَحْتِ عَنِ الحُسَيْنِ وَ رَهْطِهِ *** صَفْحَ الوَصِيِّ أَبِيهِ عَنْ آباكِ

وَ عَفَفْتِ يَوْمَ الطَّفِّ عِفَّةَ جَدِّهِ *** المَبْعُوثِ يَوْمَ الفَتْحِ عَنْ طُلَقاكِ(2)

أَفَهَلْ يَدٌ سَلَبَتْ إِمَاءَكِ مِثْلَما *** سَلَبَتْ كَرِيمَاتِ الحُسَيْنِ يَداكِ؟

أمْ هَلْ بَرَزُنَ بفتحِ مكةَ حُسْراً *** كَنِسائِهِ يَوْمَ الطُّفُوفِ نِساكِ(3)

يا أُمَّةٌ باءَتْ بِقَتْلِ هُداتِها *** أَفَمَنْ إِلى قَتْلِ الهداة هَداكِ؟(4)

أمْ أَيُّ شَيْطانِ رماكِ بِغَيْهِ *** حتّى عَرَاكِ وَ حَلَّ عَقْدَ عُراكِ(5)

بئس الجزاء لأحْمَدٍ في آلِهِ *** وَ بَنِيهِ يَوْمَ الطَّفِّ كَانَ جَزاكِ

فَلَئِنْ سَرَرْتِ بِخِدعةٍ أَسْرَرْتِ في *** قَتْلِ الحُسَيْنِ فَقَدْ دَهَاكِ دهاكِ

ما كان في سَلْبِ ابن فاطِمَ مُلْكَهُ *** ما عَنْهُ يَوْماً لَوْ كَفَاكِ كَفَاكِ

لَهْفِي على الجَسَدِ المُعَرَّى بِالعَرا *** شِلواً تُقبله حدودُ ظُباكِ

ص: 94


1- صهاك: الصهى الأبراج في أعلى الجبل.
2- إشارة إلى فتح مكة حيث عفا النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن مشركي قريش.
3- حسَّراً: كاشفات.
4- باءت: أقرت.
5- عراك: العروة ما يوثق به.

لَهْفِي عَلَى الخَدِّ التَّرِيبِ تَخُدُّهُ *** سَفَهاً بأطرافِ القَنا سُفَهاكِ

لَهْفِي لآلِكَ يا رسولَ اللَّه في *** أيدي الطُغاة نوائحاً و بَواكي

ما بَيْنَ نادِبةٍ وَ بَيْنَ مَرُوعَةٍ *** فِي أسْرِ كُل مُعانِدِ أَفَاكِ

تَاللَّه لا أنساكِ زَيْنَبُ وَالعِدَى *** قَسْراً تُجاذِبُ عَنْكِ فَضْل رِداكِ

لم أَنْسَ لاواللَّه وَجْهَكِ إِذْ هَوَتْ *** بِالرُّدْنِ ساتِرَةٌ لَهُ يُمْناكِ

حَتَّى إذا هَمُوا بِسَلْبِكِ صِحْتِ باسْمِ *** أبيكِ وَ اسْتَصْرَخْتِ ثَمَّ أَخَاكِ

لَهْفِي لِنَدْبِكِ بِاسْمِ نَدْبِكِ وَ هُوَ مَجْرُوحُ *** الجَوارحِ بالسِّباءِ يَراكِ

تَسْتَصْرِخِيهِ أَسى وَ عَزَّ عَلَيْهِ أَنْ *** تَسْتَصْرِخِيهِ وَ لايُجِيبُ نِداكِ

وَاللَّه لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ وَ صِنْوَهُ *** يَوْماً بِعَرْصَةِ كَرْبَلا شَهِدَاكِ

لم يُمْسِ مُنْهَتِكاً حِماكِ وَ لَمْ تُمِطْ *** يَوْماً أُمَيَّةُ عَنْكِ سِجْفَ خَباكِ(1)(2)

ص: 95


1- لم تُمِطْ: لم تُنَحَّ و لم تُبعدْ -سجف: ستر.
2- توجد بأكملها في كتاب الغدير ج6 -رياض المدح و الرثاء ص11.

(7) روعوا فاطماً علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محسن أبوالحب (الكبير)(*)(1)

قَصَّرَ القومُ عن بُلوغِ مَداكا *** فلذا حاوَلُوا انْحطاط علاكا

مَا وَ رَبِّ السَّمَاءِ لَوْيَك فيما *** حاوَلُوه إلا ارتفاعُ ذُراكا

كان دينُ النبيِّ حقاً ولكنْ *** لم يكنْ واضح الهُدىَ لولاكا

لم تَزَلْ ناصِحاً له و أميناً *** و أخاً حيثُ دُونَهُمْ آخاكا

ثُمَّ لَمَّا مَضى أقامَكَ للنَّاس *** إماماً كيْ يَهْتَدُوا بِهُداكا

فأَبَوْا بعد ذاكَ إِلا عَمَّى *** قادَهُمْ فيه خابطين سواكا

ويْلَهُمْ ما عليهمُ لَوْ أجابوا *** يومَ حاوَلتَ نَصْرَهُمْ دَعواكا

داعياً واظلامتاه وَلِكنْ *** أجْمَعَ القومُ أنْ يَرُدُّوا دُعاكا

كانَ إنكارُهُمْ لبيعتِكَ الغرّاءِ *** خِطْئاً يُزَعُزِعُ الأَفْلاكا

انكَرُوها بغياً و قَدْ أَشْهَدَ اللَّهُ *** عليها جَمِيعَها الأَمْلاكا

قَسَماً بالَّذي أَقامَكَ دُونَ *** الْخَلْقِ طراً لِدِينِهِ سمّاكا

لو أَطاعوكَ لارْتَقَوْا كلَّ عالٍ *** لم تُؤَمِّلْ له السُّها إدراكا(2)

ولا صُدّرتُم بِطاناً كما تصْدِرُ *** مِنْ جاءَ وَارِداً جَدْواكا(3)

ص: 96


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- السُّها: كوكب خفيّ من بنات نِعش الصغرى و الناس يمتحنون به أبصارهم.
3- جدواك: عطيتك.

لو رَعوْا حَقَّك القديمَ عليهمْ *** سَجَدُوا خاضِعِينَ تَحتَ لواكا

لكن اسْتَشْعَروا النِّفاق و آلَوْا *** في مجاري النفاقِ إلا انْهِماكا

خَلق الله أحمداً فاضطفاهُ *** ثُمّ مِنْ بعدِ ما اصْطفاهُ ارُتضاکا

و على الأنبياءِ ولاهُ طُرّاً *** وَ عَلَى أوصيائِها و لاَكا

أمَر اللَّه أنْ تكفَّ فأحجَمْتَ امتثالاً *** و لأمرٍ من سواكا

كلّما أوْقَدُو الحربِكَ ناراً *** اطْفأ اللَّه حَرَّها بسناكا

أيَّ يومٍ أصبحتَ فيه فريداً *** ناصِباتٍ لكَ الرَّزايا شِباكا

يومَ أضْحى النبيُّ ميتاً و لَمْ تَسْطِعْ *** لمَا ذابَ من قواكَ حراكا

ليتَ شعري عن أيَّ خَطبٍ أعزّبک *** و أيْنَ العزاءُ؟ نَفْسي فِداكا

لَيْسَ عَمّنْ رُزِيتَ فيه عزاء *** أحْسَن اللَّه في العزاءِ عزاكا

كان ظلمُ البتولِ فاطِمَ كافٍ *** لك من كلِّ ما لَقَيْتَ هناكا

لا أقَرَّ الإلهُ أَعْين قومٍ *** أسْخَطُوا فاطِماً و أرْضَوْا صهاكا(1)

يومَ جارَ ابنها يَسُلُّ حُسامَ الغَيِّ *** كَيْ يُثكلَ السماءَ السِّماكا

ص: 97


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إسخاط فاطمة علیها السلام و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كان قد قال: من أسخطها فقد أسخطني و من أسخطني فقد أسخط الله. ففي كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1- ص14 قال: فقالت لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: ناشدتكما اللَّه ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من فاطمة علیها السلام فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم... الخ. وكذا ورد في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص153: قال: عن علي علیه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 ، و ذكره ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441. و قال في ذخائر العقبى المحب الطبري ص39 عن علي علیه السلام إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.

ليتَ ما جاء لم يجيءْ من رزايا *** كان من ماءِ سَجُلها سُقياكا(1)

لستُ أنْساكما أسيرَيْ كُروبٍ *** لم تَرُوما مِنْ أسرِهِنَّ فكاكا

بِتَّ تَبْكِي بُكَاءَها و بعينِ اللَّهِ *** أمْسى بكاءَها و بُكاكا

رَوَعُوا فاطماً بضربٍ عنيفٍ *** شاهَدَتْ سُوءَ ما جرَى عيناكا

أسقَطُوهاجنينَها ثُمَّ رَضُّوا *** ضِلْعَها بئْسما جَزَوْا نُعماکا(2)

فعجيبٌ فيها اصْطباركَ و الصَّبرُ *** جميلٌ لو كانَ في غيرِ ذاكا(3)

ما لهارونَ لم يواسِكَ في الحُزْنِ *** و لو كانَ شاهِداً واساكا

و لكانَتْ شَكْواهُ من قومِ موسى *** دونَ شكواكَ لَوْ وعى شَكْواكا

يوم قال ابنَ أُمِّي اسْتَضْعَفوني *** مثلَ ما قلتَ يومَ تَدْعُو أخاكا

این هارونُ منك بل این موسى؟ *** إنما يقضيانِ إثْرَ ثَراكا

أنتَ أَعْلى قَدْراً و أعظَمُ صَبْراً *** و لذا جَلَّ في القُلوبِ بلاكا

ص: 98


1- السَّجل: الدلو العظيمة فيها ماء قَلَّ أو كثر.
2- انظر ذلك في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب البحار، ج53 ص19.
3- في کتاب مطالب السؤول، محمد بن طلحة الشافعي، ص6-7 في مقدمة ما قاله عن فاطمة علیها السلام كتب يقول: اعلم -أيدك الله بروح منه- أن الأئمة الأطهار علیهم السلام المعدودة مزاياهم في هذا المؤلف. و الهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا المصنف لهم برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم زيادة على اتصالهم به بالنسب الشريف اتصالهم به بواسطة فاطمة علیها السلام... فبواستطها زادهم الله «تعالى» فضل شرف و شرف فضل... و نيل قدر و قدر نيل... و محلّ علوّ و علو محل... و أصل تطهير و تطهير أصل... فانظر بنور بصيرتك -أمدّك الله بهدايتها- إلى مدلول هذه الآية: «َقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» [آل عمران الآية: 61] و ترتيب مراتب عباراتها... و كيفية إشاراتها إلى علوّ مقام فاطمة علیها السلام في منازل الشرف و سموّ درجتها... و قد بيَّن ذلك و جعلها بينه و بين علي تنبيها على سر الآية و حكمتها... فإن اللَّه «عزوجل» جعلها مُكتنفة من بين يديها و من خلفها ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها... و حيث كان المراد من قوله «وانفسنا» نفس علي مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم جعلها بينهما إذ الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالإنباء في دلالتها...

بأَبي أنتم و أُمي كراماً *** لاأرى لي بغيرها اشتماكا

خَلِّصوني مما أَخافُ فإنّي *** عُدْتُ ضَعْفاً أغالِطُ المِواكا

و اجْعَلُونِي من همُكُمْ يومَ *** لايَرْجُو امرؤٌ من عَظيمِ هَمٍّ فكاكا

لم نَزَلْ نَسْتَقِي بجوارِ نِداكُمْ *** و كذاكَ الكِرامُ حَقاً کَذاکا

ص: 99

(8) آيات فضلك

(بحر الكامل)

الحاج محمد آل رمضان الاحسائي

يا بَضْعَةَ المُخْتارِ طابَ ثَراكِ *** رُوحِي فِداكِ وَ ما أَقَلَّ فِداكِ(1)

ماذا عَسايَ أقُولُ في مَعْفاكِ *** أَوْلاكِ رَبُّكِ جَلَّ ما أَوْلاكِ(2)

مِنْ نِعْمَةٍ لا تُبْتَغَى لِسِواكِ

نِلْتِ المكانَةَ و المَحلَّ الأَقْدَسا *** وَ عُرِفْتِ عَنْ حَقٌّ بِسَيْدَةِ النِّسا(3)

ص: 100


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أن الزهراء علیها السلام هي بضعة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد تقدمت الإشارة إليه في هوامش عدة: انظر كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328. و كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40. و كتاب الإصابة في تمييز الصحابة ج4 ص378. و كتاب تهذيب التهذيب ج12 ص441. و كتاب صحيح مسلم ج5 ص54 . و كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص166.
2- معفاكِ: موضعكِ الذي محي ودرس و بلي (قبركِ).
3- في كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص156 قال: عن عائشة، أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال و هو في مرضه الذي توفي فيه: يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة صلى الله عليه و آله و سلم نساء العالمين و سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين. و في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج6 ص282 جاء في ذيل حديث مروي عن عائشة قول رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم في فاطمة علیها السلام: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين». و ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى ج8 ص27 و قال: بدل نساء المؤمنين نساء العالمين. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 كما في الطبقات و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص43 قال عن عمران بن حصين: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم عاد فاطمة علیها السلام و هي مريضة فقال لها: كيف تجدينك يا بنية؟ قالت: إني وجعة وإني ليزيدني أني ما لي طعام آکله. فقال: يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ فقالت: يا أبت فأين بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء عالمك. و عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال «أربع نسوة سيدات سادات عالمهن مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أفضلهن عالماً فاطمة علیها السلام». و في كتاب ينابيع المودة للقندوزي ج1 ص199 قال: عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و آسية امرأة فرعون».

ماذا يَقُولُ المادِحُونَ و ما عَسى *** وَاللَّهُ قالَ لِسائِلٍ مَنْ فِي الكِسا؟(1)

هُمْ فاطِمٌ و أبنانِ ثُمَّ عُلاکِ

آيَاتُ فَضْلِكِ في الوُجودِ جَلِيَّةٌ *** وَ شُهُودُ جُودِكِ في العَوالِم جَمَّةٌ

وَ الغَيْثُ مِنْ رَشَحاتِ فَيُضِكِ رَشْحَةٌ *** وَ الشَّمْسُ مِنْ فَيّاض نُورِكِ قَبْسَةٌ

وَ الرَّوْضُ يَعْبَقُ مِنْ أرِيجِ شِفاكِ

ذَهَبَتْ يَداكِ مِنَ الثَّنا بِأَجَلْهِ *** وَ مِنَ الكمالِ بِفَرْعِهِ و بِأَصْلِهِ

ص: 101


1- يشير الشاعر إلى حديث الكساء. ففي كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147 قال: عن عائشة قالت: خرج النبي صلي الله علیه و اله و سلم غداة و عليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن و الحسين علیهما السلام فأدخلهما معه ثم جاءَت فاطمة علیها السلام فأدخلها معهم ثم جاء علي فأدخله معهم ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» و في كتاب مسند أحمد ج4 ص107 قال: عن شداد بن أبي عمار قال: دخلت على وائلة بن الأسقع و عنده قوم فذكروا علياً علیه السلام فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قلت: بلى قال: أتيتُ فاطمة علیها السلام أسألها عن علي علیه السلام قالت توجه إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ومعه علي و حسن و حسين علیهم السلام آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى علياً علیه السلام و فاطمة علیها السلام فأجلسهما بين يديه و أجلس حسناً و حسيناً علیهما السلام كل واحد منهما على فخذه ثم لفَّ عليهم ثوبه -أو قال: كساء- ثم تلا هذه الآية«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية: 33]. و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و أهل بيتي أحق. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص170.

وَمِنَ التُّقَى ما لا وُجودَ لِمِثْلِهِ *** وَ كفَاكِ مِنْ نِعَمِ الإلهِ و فَضْلِهِ

أَنْ لاطريقَ إِلَيْهِ غَيْرَ وَلاكِ

رِيحُ السَّعادَةِ مِنْ عُلاكِ مَهَبُّها *** يا زَهْرَةً أَجْرُ الرِّسالَةِ حُبُّها(1)

ما زال يَعْبَقُ بالفخارِ مُحِبُّها *** غَشَاكِ رَبُّكِ بِالجَلالَةِ وَالبَها

وإلى حَظِيرَةِ قُدْسِهِ أَدْنَاكِ

أَصْبَحْتِ لِلْمُخْتارِ خَيْرَ حَبِيبَةٍ *** وَ لِمَهْبِطِ التَنْزِيلِ أَيَّ رَبيبَةٍ(2)

ص: 102


1- لعله يشير إلى قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى آية: 23]. انظر كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25 و ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467. و السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7. و في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص123 قال: عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
2- يشير إلى مودّة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام وكذلك يشير إلى كونها تربَّت على الوحي في حياة أبيها وبعد وفاته. و تقدمت الإشارة إليه. انظر كتاب المستدرك على الصحيحين ج4 ص272. و الاستيعاب ج4 ص1896. و جاء في كتاب مسند أحمد ج4 ص328. و كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40. و كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص378. و كتاب تهذيب التهذيب له أيضاً ج12 ص441. عن المسوَّر بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منی یربیني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و انظر أيضاً كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص523. و كتاب ذخائر العقبي ص36. و كتاب بحار الأنوار ج43 ص23 وص54 . أما كونها ربيبة الوحي بعد أبيها... فقد ورد في البحار، ج43 ص78 نقلاً عن كتاب علل الشرائع ج1 ص216 قال: عن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنما سمِّيت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين یا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين، فتحدثهم و يحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ قالوا: إن مریم کانت سيدة نساء عالمها و إن الله «عزوجل» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين.

وَ لَئِنْ عُدِمْتِ النَّدَّ غير عَجِيبةٍ *** أَصْبَحْتِ مِنْ رَبِّ السَّمَا بِمَثُوبَةٍ

لَمْ تَمْتَلِكُها في النِّساءِ سِواكِ

وَ حَلَلْتِ مِنْ قَلْبِ الرَّسُولِ مَحَلَّةً *** مُلِئَتْ لَها كُتُبُ الحَدِيثِ أَدِلَّةً

وَ الله أَلْبَسَكِ الفَضائِلَ حُلَّةً *** وَ رَبيتِ في كَنَفِ النُّبُوَّةِ طِفْلَةً

وَ لبانُ حِكْمَةِ ذِي الجَلالِ غِذاكِ

ما زِلْتِ في كَنَفِ النَّبِيِّ الأَشْرَفِ *** يَحْنُو عَلَيْكِ بَرأُفَةٍ وَ تَعَطَّفِ

وَحَفَاوَةٍ مِنْ قُدْسِ أَكْرَمٍ مُحْتَفِي *** حَتَّى إذا حُزْتِ الكَمالَ غَدَوْتِ في(1)

كَنَفِ الإمامَةِ تَسْحَبِينَ رِداكِ

زُوِّجُتِ يا أهْدَى البَرِيَّةِ هاديا *** وَ بَلَغَتِ مِنْ أَوْج الرُّقيَّ تناهيا

وَ سَمَوْتِ حتّى ما تَرَكْتِ تَساميا *** الخلَصْتِ نَفْسَكِ للإله تفانيا

فَحَباكِ بُرْدَ بَهَائِهِ وَكَساكِ(2)

ص: 103


1- الحفاوة: المبالغة في إكرام الشخص وإظهار الفرح به. في هذين البيتين إشارة إلى الحنو و الحفاوة اللتين كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يبديهما للزهراء علیها السلام. انظر كتاب المستدرك على الصحيحين ج4 ص272. و الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك ج4 ص272. و كتاب الاستيعاب ج4 ص1896. و في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص523 قال: عن ابن عباس «إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة علیها السلام». و في البحار ج43 ص54 قال: عن مجاهد قال: خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو آخذ بید فاطمة علیها السلام فقال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و هي بضعة منّي و هي قلبي و روحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللَّه».
2- حباك: أعطاك.

بُوِّثَتِ مِنْ عَرْشِ الجَلالِ جَلِيَّهُ *** وَ بَلَغَتِ شَأْواً من يَرُومُ رُقِيَّهُ

وَمَلَكتِ مُعْتَرَبَ العُلا وَ قِصِيَّهُ *** أَوَلَيْسَ زَوَّجَكِ المَلِيكُ وَلِيَّهُ(1)

فَوْقَ الضّراح بِمَشْهَدِ الأَمْلاكِ؟

أَشْبَهتِ وَالِدَكِ المُطَهَّرَ سِيرَةٌ *** وَ غَدَوْتِ في تاج الهداية دُرَّةً(2)

حَتَّى إذا للَّهِ طِبْتِ سَرِيرَةً *** آناكِ ما لَمْ يُؤْتَ غَيْرُكِ جَهْرَةً(3)

أَوْ لَيْسَ شَنْفا عَرْشِهِ وَلَدَاكِ؟(4)

سَمَّاكِ رَبُّكِ في الكتاب الكَوْثَرا *** وَ حَبابِكِ العِلْمَ الأَعَزَّ الأَطْهَرا(5)

أما والذي ذَرَأَ الوُجُودَ وَ قَدَّرا *** لَوْلا عَلَيٌّ لَمْ يَكُنْ لَكِ فِي الوَرَى

كُفُواً يُمائِلُ في عَلاءِ عُلاكِ(6)

ص: 104


1- انظر كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص32 و كتاب كنز العمال ج13 ص683 ح37753. و كتاب مجمع الزوائد و منبع الفوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207. و ذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه المحرقة ص124. و كتاب البحار ج43 ص98.
2- يشير في هذا البيت إلى الشبه الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و فاطمة علیها السلام في الخلق و الخُلق. و قد أشرنا إلى ذلك في موارد عديدة. انظر كتاب مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164. و كتاب المستدرك على الصحيحين ج4 ص272. و كتاب الاستيعاب ج4 ص1896.
3- سريرة: السرّ الذي يُكتم -ما يسرّه الإنسان من أمره- النية.
4- شنفان: مفرده الشَنَف و هو ما عُلِّق في الأذن أو أعلاها من الحَلْي.
5- في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي الكوثر. ففي كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج32 ص124 قال: «الكوثر أولاده صلي الله علیه و آله و سلم لأن هذه السورة إنما نزلت ردَّاً على من عابه علیه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى: أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان فانظر كم قتل من أهل البيت علیهم السلام ثم العالم ممتلىء منهم و لم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به». و ذكره البيضاوي في أنوار التنزيل و أسرار التأويل مخطوط ص1156 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص352 لآية الله السيد صادق الشيرازي.
6- إشارة إلى كون علي علیه السلام كفؤاً لفاطمة علیها السلام و لولا علي لما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ في الأرض. ففي كتاب البحار، ج43 ص97 نقلاً عن كتاب أمالي الطوسي قال: عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «سمعته يقول: لولا أن الله خلق أميرالمؤمنين علیه السلام لفاطمة علیها السلام ما كان لها كفو على الأرض». و في مصباح الأنوار و كتاب المختصر كما في البحار ج43 ص145 قال: نقلاً عن كتاب الفردوس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: «لولا عليّ علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفو».

آثَرْتِ بِالقُوتِ الفَقِيرَ تَعَبُّدا *** و طَرَدْتِ نَوْمَكِ بِالكِتابِ تَهَجُّدا

ما كانَ بَيْتُكِ قَطُّ إلا مَسْجِدا *** يا مَرْيَمَ الإسلامِ يا بَدْرَ الهُدَى

أنَّى لِمَرْيَمَ وَقُفَة بحذاكِ؟(1)

ص: 105


1- إشارة إلى إيثار فاطمة علیها السلام بقوتها و قراءتها للقرآن و كثرة صلاتها و عبادتها و كونها علیها السلام أعظم من مريم بنت عمران. ففي تفسير الكلبي التسهيل لعلوم التنزيل ج4 ص318 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن لآية الله السيد صادق الشيرازي قال: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» [سورة الإنسان الآية: 8] نزلت هذه الآية وما بعدها في علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين «رضي الله عنهم». في كتاب البحار ج43 ص81 قال: عن الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها بشيء فقلت لها يا أماه لم لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار. و في البحار أيضاً ج43 ص84 عن الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تورّم قدماها و المناقب ج3 ص341 و في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص337 قال: «عن محمد بن علي بن الحسن بن علي علیه السلام قال: بعث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سلماناً إلى فاطمة علیها السلام قال: فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت فسمعت فاطمة علیها السلام تقرأ القرآن من جوا و تدور الرحى من برا ما عندها أنيس. و قال في آخر الخبر: فتبسم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: يا سلمان ابنتي فاطمة علیها السلام ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله فبعث الله ملكاً اسمه زوقابيل و في خبر آخر جبرئيل فأدار لها الرحى و كفاها الله مؤنة الدنيا و مؤنة الآخرة». و ذكره المجلسي في البحار، ج43 ص46. و في البحار، ج43 ص78 قال: عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنما سميت فاطمة علیها السلام محدّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» [سورة آل عمران الآية: 42-43] فتحدثهم و يحدثونها فقال لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها و إن الله «عزوجل» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين والآخرين.

الْفَضْلُ رَفْرَفَ في يَدَيْكِ لِواؤُهُ *** وَ المَجْدُ أنْتِ جَلالُهُ وَ يَهاؤُهُ

وَ عَلَى جَبينِكِ تاجُهُ وَضِياؤُهُ *** أَثْنَى عَلَيْكِ اللَّهُ جَلَّ تَناؤُهُ

وَبِآيَةِ التَّطْهِيرِ قَدْ زَكَّاكِ(1)

ص: 106


1- إشارة إلى الآية المباركة من سورة الأحزاب «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب، الآية: 33] وقد تقدمت ذكر ذلك في هوامش عدة. راجع كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147 و كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و كتاب مجمع الزوائد ج9 ص170.

(9) عجائب القرآن

(بحر الكامل)

الشيخ محمد بن حسين أبوخمسين

يا فَاطمٌ سُبْحَانَ مَنْ صَفَاك(1) *** يا زَهْرَةً في القُدْس ما أزهاكِ(2)

يا فاطِمُ الزَّهْرَا بِنُورِكِ أَزْهَرَتْ *** زُهْرُ النُّجُومِ وَ سْبعَةُ الأفلاكِ(3)

وَ العَرْسُ وَ الكُرْسِيُّ وَ الحُجِبُ الَّتي *** بِالنُّورِ تُشْرِقُ مِنْ مَنارِ سَناكِ(4)

وَ كَذَلِكَ الأكْوارُ و الأدوارُ بَلْ *** شَمْسُ النَّهارِ تُضِيءُ مِنْ أَضْوَاكِ

وَ عَجَائِبُ القُرآنِ وَ الفُرْقانِ وَ *** البُرهَانِ مِنْ وادِي طُوىَ سيناكِ

قَدْ شَقَّ خَالِقُكِ لَكِ اسماً كاسْمِهِ *** قَدْ حَارَ في مَعْنَاهُ ذِهْنُ كلُّ ذَاكِي(5)

ص: 107


1- لعل ما ورد في «دلائل الإمامة» ص54 ط منشورات الرضا/ قم ط3 يشير إلى هذا المعنى: «عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام فاطمة لأنها فطمت هي و شيعتها و ذريتها من النار».
2- جاء في عوالم العلوم و المعارف و الأحوال ج1/11 ص79 ط3 مطبعة أمير/ قم عن كتاب «إتحاف السائل بما لفاطمة علیها السلام من المناقب و الفضائل». «...لم سمِّيت بالزهراء علیها السلام؟ سميت بالزهراء لأنها زهرة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم».
3- و الأبيات التي تليه ربما تشير إلى ما جاء في دلائل الإمامة ص9 ط منشورات الرضا علیه السلام/ قم ط 3: «...فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبقَ في شرق الأرض و لافي غربها بيت إلّا أشرق فيه النور... وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم و بذلك لقبت الزهراء علیها السلام...».
4- سنا: ضياء عُلا: رفعة.
5- و جاء في «عوالم العلوم و المعارف و الأحوال» ج1/11 سيدة النساء فاطمة الزهراء علیها السلام ص74 ط3 / مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: شقّ الله لك يا فاطمة علیها السلام اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة علیها السلام».

أنتِ المَواقِعُ لِلنُّجُومُ ذَوِي النَّدَى *** آلى بِكِ الْجَبَّارُ مُذْ سَماكِ

وَ لأَنْت مِشكاةٌ لِنُورِ مُحَمَّدٍ *** فِيها مَصابِيحُ هُمُ ابْنَاكِ

وَ البارِىء المُنْشي أَفَاضَ إِلَيكِ عِلماً *** مِنْ عُلُومُ الغَيْبِ مُذ أنْشاكِ(1)

فَلِذاكَ عِلْمُ الغَيْب عَنْكِ فَلَمْ يَغِبْ *** وَ خَفِيُّ سِر السِّرٍّ لا يَخْفاكِ

قَدْ كانَ عِنْدَكِ عِلْمُ مَا قَدْ كانَ أَوْ *** سَيَكُونُ في الأولى وَ في أُخْراكِ

هذَا عَطَاءٌ مِنْ عَطاءِ اللَّه مِنْ *** مَخرُونِ عِلم مِنْهُ قَدْ أَعْطَاكِ

فَالوَا صِفُونَ لِوَصْفِكِ القُدْسِيِّ قَدْ *** حارُوا وَتَاهَ الكُلُّ في مَعنَاكِ

وَ لأَنْتِ صُنْعُ اللَّه جَلَّ جَلالُهُ *** وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنائِعٌ لِعُلاكِ

قد كُنتِ كَنزاً مِنْ كُنوزِ العَرْشِ *** و الكُرْسِيّ يا سُبْحَانَ مَنْ أَبْداكِ(2)

ص: 108


1- (و الأبيات الثلاثة التي تلته تشير إلى الرواية الواردة في «بحار الأنوار» ج43 ص8 ط2 / مؤسسة الوفاء بيروت منقولاً عن كتاب «عيون المعجزات». «روي عن حارثة بن قدامة قال: حدثني سلمان قال: حدثني عمار قال: أخبرك عجباً؟ قلت: حدثني يا عمار قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب علیه السلام و قد ولج على فاطمة علیها السلام فلما أبصرت به نادت: ادنُ لأحدثك بما كان و بما هو كائن و بما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة. قال عمار: فرأيت أميرالمؤمنين علیه السلام يرجع فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال: ادنُ يا أبا الحسن علیه السلام فدنا، فلما اطمأن به المجلس قال علیه السلام: تحدّثني أم أحدثك؟ قال: الحديث منك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال: كأني بك و قد دخلت على فاطمة علیها السلام و قالت لك: كيت و كيت فرجعت. فقال علی علیه السلام: نور فاطمة علیها السلام من نورنا؟ فقال علیه السلام: أولا تعلم؟ فسجد علي علیه السلام شكراً الله «تعالى». قال عمار: فخرج أميرالمؤمنين علیه السلام و خرجت بخروجه فولج على فاطمة علیها السلام و ولجت معه، فقالت: كأنك رجعت إلى أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان ذلك يا فاطمة علیها السلام. فقالت اعلم يا أبا الحسن علیه السلام إن الله «تعالى» خلق نوري و كان يسبح الله «جل جلاله» ثم أودعه شجرةً من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوحى الله «تعالى» إليه إلهاماً: أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة، و أدرها في لهواتك. ففعل فأودعني الله «سبحانه و تعالى» صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد و ضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن يا أباالحسن علیه السلام المؤمن ينظر بنور الله «تعالى».
2- ما يشير إلى الرواية الواردة في معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص396 ط انتشارات اسلامي -قم- و في تفسير البرهان، ج3 ص258 ح6 أيضاً «عن أبي عبدالله علیه السلام عن آبائه علیه السلام. قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خُلِقَ نور فاطمة علیها السلام قبل أن تخلق الأرض و السماء. فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟ فقال: فاطمة علیها السلام حوراء إنسية؟ قالوا: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و كيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله «عزوجل» من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله «عزوجل» آدم عرضت على آدم. قيل يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و أين كانت فاطمة علیها السلام؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش قالوا: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم فما كان طعامها؟ قال: التسبيح و التقديس و التهليل و التحميد...».

كَتَبَ الإلهُ عَلَى سُرادِقٍ عَرْشِهِ *** اسْماً عَظِيماً وَ هُوَ مَنْ أَسْمَاكِ(1)

تَدْعُو بِهِ الأملاك في أفلاكِها *** و الأنبياءُ وَ كُلُّ مَنْ والاكِ(2)

وَ الأنبيا ما كُونُوا في عالمِ التَّكْوِيُنِ *** إِلا مِنْ شُعَاعِ ضِيَاكِ(3)

ص: 109


1- لعله أشار إلى الرواية الواردة في كتاب عيون أخبار الرضا، ج1 ص306-307 ح67 ط انتشارات جهان طهران. «عن الرضا علیه السلام قال: ...إن آدم علیه السلام لما أكرمه الله «تعالى» ذكره بإسجاد ملائكته و بإدخاله الجنة قال في نفسه: هل خلق الله بشراً أفضل مني؟ فعلم الله «عزوجل» ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم علیه السلام فانظر إلى ساق عرشي فرفع آدم علیه السلام رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين علیه السلام و زوجته فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم علیه السلام: يا رب من هؤلاء؟ فقال «عزوجل»: هؤلاء من ذريتك وهم خير منك و من جميع خلقي و لولاهم ما خلقتك و لاخلقت الجنة و النار و لاالسماء و الأرض...».
2- ورد في «البرهان في تفسير القرآن» ج1 ص392-393 ح ه ط3 / مؤسسة الوفاء بيروت. «...ثم أمر الله الظلمات أن تمرّ بسحائب الظلم فأظلمت السماوات على الملائكة فضجّت الملائكة بالتسبيح و التقديس و قالت: إلهنا و سيّدنا منذ خلقتنا و عرفتنا هذه الأشباح لم نر بؤساً فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنّا هذه الظلمة. فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميت «الزهراء»...».
3- لعل ما جاء في عوالم سيدة النساء، ج1 ص22 ح4 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله فرجه الشریف يتضمن هذا المعنى: «عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لمّا خلق الله «تعالى» آدم أبوالبشر و نفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سُجَّداً وَ رُكَّعا. قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً طين قبلي؟ قال: لا يا آدم قال: فمن هؤلاء الخمسة أشباح الذين آراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة و لاالنار و لاالعرش و لاالكرسي و لاالسماء و لاالأرض و لاالملائكة و لاالإنس و لاالجن.

هذَا وَ فَضْلُكِ فاقَ فَضْلَ *** الأنْبِيا يَا بَضْعَةَ الهادِي لِنُورِ هَداكِ(1)

وَكذا الوُجُودُ فَإِنَّما إيجادُهُ *** مِنْ بَحْرِ جُودٍ مِنْ بُحُور نَدَاكِ(2)

وَ مَناقِبٌ لَكِ لَيْسَ بَحْصِي عَدَّها *** إلا الذي أنشا الوَرى وَ بَراكِ(3)

قَدْ كُنْتِ أُسْاً لِلنَّبِيَّ مُحَمَّدٍ *** وَ مُحَمَّدٌ في الأصْلِ كانَ أباكِ

لازِلْتِ قائِمَةً لِرَبِّكِ فِي الدُّعا *** وَ مِنَ القيام تَوَرَّمَتْ قَدماكِ(4)

قَدْ كانَ إسْرائيلُ عَنْكِ مُسَبْحاً *** بِالكَفْ مِنْ يُمنَاهُ عَنْ يُمْنَاكِ

وَ يُمِين ميكائيل تَطْحَنُ بِالرَّحَى *** حبّاً لِقُوتِكِ إذْ غَمَا جَفْنَاكِ

وَ الرُّوحُ مُذْ ناغی حُسَيناً هَزَّهُ *** بِالمَهْدِ لَمَّا أَنْ هَدَتْ عَينَاكِ(5)

ص: 110


1- في «بحارالأنوار» ج43 ص12 ح5 ط2/ مؤسسة الوفاء. و علل الشرائع ج1 ص213 ح 1، عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام (زهراء)؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري و أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري و يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي...».
2- ندي: جود و خير و فضل.
3- براك: خلقك.
4- إشارة إلى ما جاء في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص341 / ط مؤسسة انتشارات علامة قم: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تورّم قدماها...».
5- ناغي: كلم الصبي بكلام يسرُّه و بما يعجبه. (و الأبيات التي سبقته) في «بحار الأنوار» ج37 ص97 ط2 / مؤسسة الوفاء بيروت. رواية تؤكد ذلك: «عن أم أيمن قالت: مضيت ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام لأزورها في منزلها و كان يوماً حاراً من أيام الصيف فأتيت إلى باب دارها وإذا بالباب مغلق فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء علیها السلام نائمة عند الرحى و رأيت الرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها. و المهد أيضاً إلى جانبها و الحسين علیه السلام نائم فيه و المهد يهتز و لم أرّ من يهزّه. و رأيت كفّاً یسبح اللّه «تعالى» قريباً من كف فاطمة الزهراء علیها السلام قالت أم أیمن فتعجبت من ذلك فتركتها و مضيت إلى سيدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و سلمت عليه و قلت له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني رأيت عجباً ما رأيت مثله أبداً فقال لي: ما رأيت يا أم أيمن؟ فقلت: إني قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء علیها السلام فلقيت الباب مغلقاً وإذا أنا بالرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها و رأيت مهد الحسين علیه السلام يهتز من غير يد تهزّه و رأيت كفّاً یسبح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة علیها السلام و لم أر شخصه فتعجبت من ذلك يا سيدي فقال: يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة الزهراء علیها السلام صائمة و هي متعبة جائعة و الزمان قيظ فألقى الله «تعالى» عليها النعاس فنامت فسبحان من لاينام فوكل الله ملكاً يطحن عنها قوت عيالها و أرسل الله ملكاً آخر يهز مهد ولدها الحسين علیه السلام لئلا يزعجها من نومها و وكل الله ملكاً آخر الله «عزوجل» قريباً من كف فاطمة علیها السلام يكون ثواب تسبيحه لها لأن فاطمة علیها السلام لم تفتر عن ذكر الله فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أخبرني من يكون الطحان؟ و من الذي يهز مهد الحسين علیه السلام و يناغيه ومن المسبح ؟ فتبسم النبي صلي الله علیه و آله و سلم ضاحكاً و قال: أما الطحان فجبرئيل و أما الذي يهزُّ مهد الحسين علیه السلام فهو ميكائيل و أما الملك المسبح فهو إسرافيل.».

كانَتْ لِخِدْمَتِكِ الملائِكُ في السَّما *** يَتَفاخَرُونَ وَ ذاكَ مِنْ عَلْيَاكِ

تَتَعفَّرُ الأمْلاكُ بِالجَبَهَاتِ فِي *** قُدْسِي تُرْبٍ من سنا رُحْماكِ

إنّ الإلهَ أحَبَّ مَنْ والاكِ مِنْ *** قَلْبِ وَ عَادَى الله مَنْ عَاداكِ(1)

بَلْ إنّهُ وَ الرُّسُلَ وَ الأملاك قَدْ *** لَعَنُوا دَوَاماً كُلَّ مَن آذاكِ

وَ لأَنْتِ في السَّبْعِ المَثانِي فاطِمٌ *** قَبِلَ الإلهُ صَلاةَ مَن والاكِ

وَ لَقَدْ أَتَى فِي هَلْ أَتَى سَامٍ سَما *** وَ عَلَاءُ مَدْحِ في عُلُوّ عُلاكِ(2)

ص: 111


1- جاء في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص756 ط2 / نشر المرضية : «عن الصادق علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة علیها السلام ابنتي و يغصبها حقّها و يقتلها.».
2- في أمالي الصدوق ص215 ط5 / مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت. «... انطلق إلى ابنتي فاطمة علیها السلام فانطلقوا إليها و هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع و غارت عيناها فلما رآها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ضمها إليه و قال: واغوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرائیل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك علیهم السلام قال: و ما آخذ يا جبرئيل قال:«هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا».

وَلأَنْتِ بَضْعَةُ احْمَدٍ وَ حَبِيبةُ *** اللَّه العَلِي أَحَبَّ مَنْ يَرْعَاكِ(1)

قَدْ كُنْتِ مِنْ أَهْلِ الكِسا خَيْرَ النِّسا *** اللَّه طَهَّرَ بِالصَّفاءِ صَفاكِ(2)

لَوْلاكِ ما خُلِقَتْ سَماءٌ لا ولا *** أَرْضَ وَ لا بَحرٌ جَرَى لَوْلاكِ(3)

كَلاً وَ لاشَمْسٌ وَ لاقَمَرُ و *** لاكَوْنُ تُعايِنُ كَوْنَهُ عَيْنَاكِ

باهَى النَّبِيُّ بِكِ النَّصَارَى فَانْتَنَوْا *** مِنْ أنْ يُباهوهُ بِنُرْبِ حِذاكِ(4)

سَجَدَتْ لَك الأملاك طَوْعاً ما *** سِوَى إبْلِيسَ لَمْ يَسْجُدُ لِرَفَع سَمَاكِ

أذِنَ الإِلهُ بِرَفْعَ بَيْتِكِ وَ هُوَبَيْتُ *** الوَحْي عُدَّ لِمَهْبَطِ الأَمْلاكِ

أَيَجُوزُ عِنْدَ الله يا الله أمْ *** عِنْدَ النَّبِي أَبِيكِ أمْ أبْناكِ

ص: 112


1- في إحقاق الحق ج10 ص217 «ألم تسمعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي أفمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني».
2- في «أمالي الطوسي» ص378 ط2 / مؤسسة الوفاء -بيروت- عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي و في يومي كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عندي فدعا علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جاء جبرئيل فمد عليهم كساءً فدكياً ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال جبرائيل وأنا منكم يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أنت منا يا جبرائيل قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أنا من أهل بيتك علیهم السلام و جئت لأدخل معهم. فقال: كوني مكانك يا أم سلمة إنك على خير أنت من أزواج نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال جبرائیل: اقرأ يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» في النبي صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
3- (والبيت الذي يليه) جاء في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم ص9 ح1 نقلاً عن «کشف اللآلي» للعرندس: «عن الله «تبارك و تعالى» يا أحمد صلى الله عليه و آله و سلم لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا علي علیه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما.».
4- انثنوا: انعطفوا و امتنعوا- باهي: فاخر. قریب من هذا المعنى ما جاء في ذخائر العقبى للطبري ص25 ط مؤسسة الوفاء/ بيروت 1981. «لما نزلت هذه الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ...» الآية دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام و قال: اللهم هؤلاء أهلي ...».

يَأْتِي لِبَيْتِ الوَحْيِ يَحْرِقُ بابَهُ *** جِبْتُ خَبِيثُ الأَصْلِ ابنُ صَهَاكِ(1)

بِالبَابِ يَضْغُطُكِ اللَّعِينُ وَ يَكْسِرُ *** الأَضْلاعَ مِنْ جَنْبِيْكِ لايَخْشَاكِ(2)

فأتاكِ في حالِ المَخاضِ تَوجُعٌ *** وَ تَرَوعٌ و تَصَدُعٌّ أضْنَاكِ(3)

فَرَمَيْتِ مُحسِنَكِ الَّذي لَمْ يَكْتَمِلْ *** لِتَمامِ حَمْلٍ في قرارٍ حَشاكِ

وَ عَلَاكِ بالأسْواطِ فَوْقَ الرَّأْسِ *** بَلْ فَوْقَ اليَدَيْنِ وَ قَدْ أَسالَ دِماكِ

وَ عَلاكِ مِنْ فَوْقِ الجَبِينِ بِلَطْمَةٍ *** بِخَواتِمٍ فَتالَّمتْ عَیْناكِ

و تَنَاثرتْ مِنْ أُذُنِكِ الأقْراطُ بَلْ *** مال القِناعُ وَ مَالَ عَنْكِ رِداكِ(4)

ص: 113


1- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب سليم بن قيس ص36-37 ط/ قم الدراسات الإسلامية-مؤسسة البعثة / طهران. «... فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت علیها السلام: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه و دخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبو بكر و عمر فوثب علي علیه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و هم بقتله فذكر قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و ما أوصاه به فقال: و الذي كرم محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوة يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق و عهد عهده إليّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلمت أنك لاتدخل بيتي...».
2- (والأبيات الثلاثة التي تلته) تشير إلى الرواية الواردة في كتاب مؤتمر علماء بغداد، لمقاتل بن عطية ص37 ط 1/ دار المودة -بيروت «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام (ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: السلام عليكم يا أهل بيت علیهم السلام النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و ما كان يدخله إلا بعد الاستئذان) و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لتردّ عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها و بقيت آثار هذه العصرة القاسية و الصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة علیها السلام...».
3- أضناك: أمرضك بحيث أثرَّ فيك الضعف و الهزال.
4- جاء في عوالم سيدة النساء، ج2 ص574 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. «...فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغیر جرم...».

أَزْرَيْقُ تَمْنَعُنِي تُراثي مِنْ أبي *** وَ تَحُوزُ إِرْثُكَ مِنْ أبٍ أَفَاكِ(1)

أمْ كَيْفَ تَغْصِبُني العَوالي مَعْ قُرَى *** فَدَكٍ و سُخْطُ مالِكَ الأمْلاكِ(2)

مِنْ بَعْدِ ما رُدَّتْ شُهودُكِ إِذْهُمُ *** شَهِدُوا بَحقِّ اللَّه في دَعْواكِ(3)

عَجَباً يُساقُ المُرْتَضَى حَامِي الحِمَى *** سَيْف الإلهِ مُدَمِّرُ الإشْراكِ(4)

ص: 114


1- أفاك: كذاب. في (خطبة الزهراء علیها السلام) في فدك و التي جاء نصها في الاحتجاج ج1 ص131 للطبرسي ط دار النعمان-النجف. «...و أنتم الآن تزعمون: أن لاإرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون؟ و من أحسن من اللَّه حكماً لقوم يوقنون أفلا تعلمون بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته. أيها المسلمون: أأغلب على إرثي يا بن أبي قحافة؟ أفي كتاب اللَّه ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريا أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله وراء ظهوركم... و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها...؟».
2- في صحيح مسلم، المجلد الرابع ص29-30 ح1759 ط الأولى/ مؤسسة عز الدين: «عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنّها أخبرته: إنّ فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم في هذا المال... فأبي أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك.
3- جاء في عوالم سيدة النساء، ج2 ص635 ط3 / مؤسسة المهدي عج الله تعالي فرجه الشریف: «عن المفضل بن عمر قال: قال مولاي جعفر الصادق علیه السلام لما ولي أبوبكر بن أبي قحافة قال له عمر: ...فقال عمر: هاتي بينة يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على ما تدّعين.... فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها بجميع ما قالت و ادّعته، فقال: أما علي علیه السلام فزوجها و أما الحسن و الحسين علیما السلام إبناها و أما أم أيمن فمولاتها و أما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و قد كانت تخدم فاطمة علیها السلام و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم...».
4- (والبيت الذي يليه) في عوالم سيدة النساء ج2 ص572 منقولة عن علم اليقين في أصول الدين ص686: ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبياً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: والله لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزن و نحيب هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة و إنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه والكل حبيبك أبوالحسن علیه السلام المؤتمن... فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير... ثم إنهم أوقفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بين يدي أبي بكر و قالوا له: مد يدك فبايع. فقال: واللَّه لاأبايع و البيعة لي في رقابكم...».

لِيُبايِعَ الطَّاغُوتَ مُهلِكَ عُصْبَةِ *** الهلاكِ مَا أَشْفَاهُ في الهلاكِ

تَباً لِمَنْ قَدْ قَال لي يا فاطِمٌ *** لاتَبْكِ دأباً في البِلادِ أباكِ(1)

وإلى البقيع أرُوحُ أبْكِي وَالدِي *** حَتَّى أرُوحَ إلى ظِلالِ أَراكِ

كَيْ أَبْكِهِ عِنْدَ الأراكَةِ إِذْ مَعَ *** الأَمْلاكِ تَبْكِيهِ مَعَ الأفلاكِ

يا والِدي إنّ الأراكَةَ جَذْهَا *** كَفُّ ابْن سَلمى جَّذَّ و ابْنُ صَهاكِ(2)

وَرَزيَّةُ السُبْط الشهيدِ بَكَرْبَلا *** عَظُمَتْ رَزيَّتُهُ عَلَى أَرْزَاكِ

يا لَيْتَ يَا زَهْرا تَرَيْنَ بِكَرْبَلا *** شَخْصَ الحُسَيْنِ مُجَدَّلاً بإزَاكِ

شِلْواً ذَبِيِحاً فِي الطُّفُوفِ مُعَفَّراً *** ظام عَلى حَرِّ الصَّفا تِلْقاكِ

يَبْقَى ثَلاثاً لَمْ يَجِدْ مِنْ غَاسِلٍ *** كَلا و لامِنْ حُفْرَةٍ بفناكِ

وَ الخَيْلُ قَدْ رَضَّتْ قُوَى صَدْرٍ حَوَى *** عِلْمَ الغُيُوبِ غَوامِضَ الإدْراكِ

ص: 115


1- في بحار الأنوار ج43 ص177 ط2 -مؤسسة الوفاء- بيروت: «قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منّا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال علیه السلام: حبّاً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على الزهراء علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلمّا رأته سكنت هنيئة فقال لها علیها السلام: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك: إما أن تبكين ليلاً و إما نهاراً. فقالت علیها السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا للَّه...».
2- جذَّها: قطعها.

بالحَرِّ مسْلُوبَ العِمامَةِ و الرِّدى *** قُومِي إجعلي كفناً بِنَشرِ رِداكِ

لَنَشَرْتِ شَعْراً شابَ مِنْ حُزْنٍ لَهُ *** وَ شَقَقْتِ جَيْباً بَعْدَ شَقٌ حَشاكِ

وَ لَطمْتِ خَدَّكِ حَسرَةً وَ تَفَجَّعاً *** وَ بَكَيْتِهِ في رَمْ قُدْسِ ثَراكِ

وَ كَرِيمُهُ يَتْلو الكتابَ على القَنا *** كالبَدْرِ يُشْرِقُ في ظلمة الأحلاكِ(1)

وَ مُصَابُهُ أَبْكَى العِبَادَ جَمِيْعَهُمْ *** وَ هُمُ عَلَيْهِ في المعَادِ بَواكي

وَ حُمَاتُهُ صَرْعَى على عَفْرِ الثَّرَى *** كَكَواكِبٍ خَرَّتْ مِنَ الأفلاكِ

مِنْ بَعْدِ مَا بَذَّلُوا لِرُوحِ الكَوْنِ أرْ *** واحاً لَهُمْ طُوبَى لهمُ لِرِضاكِ

و مضَوْا إلى دَارِ النَّعِيمِ وَ شاهَدُوا *** الفَوْزُ العَظِيمَ لأَنَّهُمْ شُهَداكِ

و نساؤُه تلكَ الحرائرُ قَدْ غَدَتْ *** تُسْبَى كَسَبي الزُّنجِ و الأَتْراكِ

مِنْ تِلْكَ يُنْزَعُ قُرطُهَا مِنْ إذْنِها *** وَ الحِجْلُ مِنْ ذِي إِذْ سُبِي أَشْجاكِ(2)

وَ بَراقِعٌ و قَلائدٌ وَمَعاضِدٌ *** نُهِبَتْ جَهاراً وَ اسْتُبِيحَ خِباكِ(3)

وَ عَلائِمُ الأشواط في أجْسَادِها *** كَعَلائِم الأشواط في أعضَاكِ

أَسْرى حَواسِرُ لمْ تَجِدْ مِن حاجِبٍ *** الاحجاباً مِنْ حِجَابٍ بَهَاكِ

إِذْ هُنَّ بَينَ صَوائِحٍ وَنَوائِحِ يَندُ *** بْنَ غَوْثَ المُستَغِيثِ الشاكي

بِتَرَوْعِ وَ تَفَجُّعِ وَ بِلَوْعَةٍ *** تُلْقِي الجِبَالَ وَ أَعْمُدَ الأفلاكِ

بِأَبِي الحَرائِرُ كَيْفَ تُهْدَى كالإما *** فَوقَ الهزالِ لِكَافرٍ أفْاكِ

أللَّه أكْبَرُ يا وَدائِعَ أَحْمَدٍ *** مَاذَا عَراكِ منَ البَلا وَدَهَاكِ

لو تَنْظُريِ يا فَاطِمُ الزَّهْرا إلى *** السجادِ مأسُوراً لطَالَ نَعَاكِ

و عظَائِمُ الأرْزًا دَهَتْهُ وَ البَلا *** وَ مَصَارعُ الشُّهدا و سَبْيُ نِساكِ

ص: 116


1- ظلمة الأحلاكِ: الظلمة الحالكة، الشديدة السواد.
2- الحجل: الخلخال.
3- براقع: جمع البرقع و هو ماتستر به المرأة وجهها.

حَتّى العِدًا سَاقَتْهُ بالضَّرَّا عَلَى *** عَجْفا تُقَلْقِلُهُ بكِلْ حَراكِ(1)

أبنِي أميّةَ كيف جُرْتِ لِعِتْرة *** الهَادِي؟ فَيَا اللَّه ما أجراكِ

فَغَداً تَذوُقِينَ العَذَابَ مُضاعَفا *** وَ النّارَ دَأْباً حَرُّها يَصْلاكِ

يا فَاطِمُ الزَّهْراءُ أَقْسِمُ بِالَّذِي *** رَفَعَ السَّماءَ وَ زَانَها بسَناكِ

فَغَداً لكِ الحكمُ الجَل فَإِنَّهُ *** حُكْمُ العَلِي عَلَيْه قد ولاكِ

فَلَتُدْخِلَنَّ إلى جِنانِ الخُلْدِ مَنْ *** وَالى وَلاكِ وَفي لَظىَ أعْداكِ(2)

وَإِلَيْكِ عَقْدُ نِظامٍ مَدْحٍ قَدْ صَفَا *** كَصَفَا الجَواهِرِ لِلنُّجُومِ يُحاكي

فَتَقَبَّلي مِنْ ذِي الوَلاء (مُحَمَّدٍ) *** ما قالَ مِنْ مَدْح بحُسْنِ جَزَاكِ

وَ تَشفَّعِي لي في ذُنُوبِ أثْقَلَتْ *** ظَهْرِي بِجُودٍ مِنْ نَدَى جَدْواكِ

وَلِوالديَّ كذلِكَ الأولادُ و *** الإِخْوانُ مَنْ عَلِقُوا بِحَبْلِ وَلاكِ

وَ سَلامُ رَبِّي عُدَّمافي عِلْمِهِ *** لازالَ دَأْباً مُشرِقاً يَغْشَاكِ

ص: 117


1- عجفاء: دابة عجفاء: هزيلة. تقلقله: تحركه.
2- لظى: النار أو لهيبها.

(10) سلامُ عليكِ

(بحر الخفيف)

السيد محمد الشيرازي(*)(1)

أيُّ قَدْرٍ لِقَوْلَتِي في رثاكِ *** أنتِ يا بَضْعَةَ النَّبِيِّ الزَّاكِي(2)

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ جَفاكِ عِناداً *** وَ هُوَ يَدْرِي رِضَى الإلهِ رِضاكِ(3)

أَسْخَطَ البارِيءَ المُهَيْمِنَ حَقّاً *** وَ الرَّسُولَ المُخْتارَ إِذْ آذاكِ(4)

هَلْ لَهُمْ، قالَ أحْمَدُ، اقتلُوها؟ *** أولَمْ يَسْمَعُوا: أَبُوكِ فِداكِ؟(5)

ص: 118


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص202 / انتشارات الشريف الرضي قم، إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.
3- جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص39: «عن علي بن أبي طالب علیه السلام أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك».
4- ورد في كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص14 لابن قتيبة ط3 مؤسسة الوفاء/ بيروت: «...فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني؟» قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت: فإني أشهدالله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي لأشكونكما إليه فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: واللَّه لأدعون اللَّه عليك في كل صلاة أصليها، ثم خرج باكياً...».
5- جاءت رواية ربما توضح ذلك في كتاب «ذخائر العقبى» للطبري، ط مؤسسة الوفاء «عن ابن عباس قال: بينا نحن ذات يوم مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم إذ أقبلت فاطمة علیها السلام تبكي فقال لها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فداك أبوك ما يبكيك؟ قالت علیها السلام: إن الحسن والحسين علیهما السلام خرجا و لا أدري أين باتا...».

كَسَرُوا الضّلْعَ مِنْكِ حِقْداً و كُفْراً *** وَ مِنَ الجَوْرِ أُدْمِعا جَفْنَاكِ

عَصَرُوكِ بالبابِ بالمُصابٍ *** سَقَط الطفلُ، فِيهِ، مِنْ أَحْشاكِ(1)

هَلْ رَسُولُ الإله قال اضْرِبُوها؟ *** عَذَبَ اللَّه ظالماً أَدْماكِ

مَعْضِداً وَرَّثُوكِ إِثْرَ سِياطٍ *** وَ مِنَ اللَّطْمِ قَدْ هَوَى قُرطاكِ(2)

قَتَلَتْكِ العِداجَفاءً وَ ظُلْماً *** قاتَلَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ عاداكِ(3)

و تُوفِّيتِ بَعْدَ عُمْرٍ قَصِيرٍ *** وَ بِلَيْلِ أُنْزِلْتِ في مَشْواكِ(4)

ص: 119


1- لعله أراد الإشارة إلى الرواية المذكورة في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 ط دار النعمان (1966م). «...فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام».
2- في كتاب عوالم سيدة النساء، ص574 عن كتاب إرشاد القلوب. «... فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة، الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي صلي الله علیه و آله و سلم أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم فهذه أُمة تصلي عليّ و قد تبرأ الله و رسوله منهم و تبرأت منهم...».
3- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص545 عن كتاب كامل الزيارات ص332. «و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل عليها و على حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هو ان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون...».
4- في كتاب روضة الواعظين، ص169-168 ط1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بيروت: «...ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن لايصلي عليّ أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن والحسين علیهما السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلوا عليها و دفنوها في جوف الليل...».

أَنْظُري زَيْنَبَ اليَتِيمَةَ تبكي *** في الدَّيَاجي وَ حَوْلَهَا إيناكِ

أنْظُرِي المُرْتَضى يُغَسْلُ جِسْماً *** مِثْلَ بانٍ(1) ضَعْفاً، بغير حِراكِ(2)

أُنْظُرِي النَّعْشَ في انتظارِكِ يَرْنُو *** وَ انْظُرِي البَيْتَ فاقداً لِضِياكِ(3)

فَصَلاةٌ يَا بَضْعَةَ الطُّهْرِ تَتْرَى *** وَ سَلامٌ عَلَيْكِ مِمَّن بَراكِ(4)

ص: 120


1- البان: واحدته البانة و هي شجرة معتدلة القوام من فصيلة البانيات، مهده الأصلي آسيا القطبية ورقه لين يؤخذ من حبه دهن طيب ويشبه به القد الطويل.
2- ورد في كتاب مستدرك الوسائل، ص361 ط2/ مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث و ربما يشير إلى هذا: «كيف أحمل و قد صرت كالخيال و جف جلدي على عظمي».
3- يرنو: يديم النظر إلى الشيء بسكون الطرف. و جاء في كتاب روضة الواعظين، ص168 ط1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت: «...ثم قالت أوصيك يابن العم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوَّروا صورته فقال لها: صفيه إليَّ، فوصفته فاتخذه لها فأول نعش عمل على وجه الأرض ذلك و ما رأى أحد قبله و لاعمل أحد...».
4- تترى: متتابعة. براك: أصله برأك أي خلقك.

(11) فلتبك البواكي

(بحر الرّمل)

مهيار الديلمي

یا بْنَةَ القَوْمِ تُراكِ *** بالِغٌ قَتْلي رِضاكِ؟!

أَمْ دَمي وَهْوَ عَزِیزٌ *** هَانَ في دِينِ هَواكِ؟

إنْ يَكُنْ طاحَ فما أوّلُ *** ما طَلَّتْ یَداکِ

حُبَّ يَومُ «السَّفْحِ» إلا *** أَنَّهُ يَومُ نَواکِ(1)

لَعِبَتْ ساعاتُهُ بِي *** ما كَفَاهَا وَكَفاكِ

كَمْ غَزال بالمُصَلَّي *** صامَ صَلَّى فَحَاكِ(2)

جارياً في حَلْبَةِ الحُسْنِ *** وَ لَمْ يَبْلُغْ مَداكِ

مَرَّ لا أَرْهَفَ عَيْنَیْکِ *** وَ لا أَرْشَفَ فاكِ(3)

غَيْرَ أَنَّى قُلْتُ: حَيْيتَ *** علي ما أنتَ حاکِي

وَ قَصِيراتِ الخُطَي غَيْرَكَ *** لَدْناتِ العِراكِ(4)

عادلاتٍ عِلَلَ الوَجدِ*** بلذّاتِ التَّشاكِي

رُعْنَ في «مكْةَ» نَوْمِي *** قَبْلَ تَعْرِيدِ المَكاكي(5)

ص: 121


1- نواك: بعدك.
2- المصلى: موضع في عقيق المدينة.
3- أرهف: دقق و رقق حده. أرشف: بالغ في مصه.
4- لدَنْاتِ: ليّنات.
5- المكاكي: جمع مكاء و هو طائر.

كُلُّ عَطْرَى شَفَتاها *** عِترَةٌ فَوْقَ مُداكِ(1)

يَغْتَدِي مِسْواتُها *** رَيْحانةٌ غِبَّ السِّواکِ

فَرَأَتْ عَيْنِي وَلكِنْ *** ما رَأَي قَلْبِي سِواکِ

أَجْتَدِي النَّوْمَ وَ هَلْ فِي النَّوْمِ *** إلا أَنْ أراکِ؟(2)

ماعَلَی مَنْ حَظَرَ الرَّاحَ *** لَوِ اسْتَثْنَى لمَاكِ!(3)

كُنْتُ صَعباً لا أُلَوَّى *** بالخَشاشاتِ الرِّكاكِ(4)

فَمَضَى حُكْمُ اكْتِهالي *** تابِعاً حُكْمَ صِباكِ

يا سَمِيرِي لَيْلَةَ «السَّفْحِ» *** وَ قَدْ نادَوْا: بَراكِ(5)

وَ المَطايا تَخْلِطُ المَعْجَ *** کَلالاً بالسِّواکِ(6)

أتباکَیْتَ نِفاقاً *** «باللّوى» أم أن أنتَ باكي؟

أمْ أراکَ الشَّوْقُ أَشْباهَ *** «سُلَيْمَى» في الأراكِ؟

سَأَلَتْ بي أمُّ «سَلْمي» *** أيْنَ حَزْمي و احْتِناكي؟

وَرَأَتْ ضَعْضَعَةٌ بَيْنَ *** سُكُوني و حِراكِي(7)

طاوِياً كَشْحَ مَهِیضٍ *** ناشِراً أَنْفاسِ شاکي(8)

لاتَخَالِي خَوراً ذاكَ *** فإنِّي أنا ذاکِ(9)

ص: 122


1- العترة: القطعة من المسك الخالص-المداك: الحجر الذي يسحق عليه الطيب.
2- أجتدي: أسأل أطلب و أرجو.
3- الراح: الخمر.
4- الخشاشة: خشبة توضع في أنف البعير.
5- براك: اسم فعل أمر بمعنى آبرك.
6- المعج: السير السهل. الكلال: التعب. السواك: السير الضعيف.
7- ضعضعة: ضعف و خفة الجسم من مرضٍ أو حزن.
8- الكشح: ما بين السرة و وسط البطن. مهيض: مكسور بعد الجبور، مكسور الجناح.
9- خَوَراً: رجلاً منسوباً إلى الخور و هو الفتور و الضعف و الانكسار أو السقوط.

بَلْ رُزَيْناتُ تَواصَينَ *** شَماتاً بانْتِهاكِي(1)

كلُّ يَوْمٍ حادِث ینکأُ *** قَرْفي بالحِكاكِ(2)

أَنتَحِي أَعْزَلَ فِیهِ *** وَ سِلاحُ الدَّهْرِ شاکي(3)

كَمْ عَرَكْتُ الصَّبْرَ حَتَّى *** جاءَ ما فَلَّ عِراكي

وَ تَسَتَّرْتُ وَرُزْءُ *** «الفاطِمِيّينَ» انْهتاکِي

خَمَدَ الجَمْرُ وَ وَجْدِي *** بِبَنِي «الزَّهْراءِ» ذاكي(4)

بأبي في قَبْضَةِ الفُجَّارِ *** مِنْهُمْ كلُّ زاكي

مُلْصَقٌ بِالأَرْضِ جِسْماً *** نَفسُهُ فَوْقَ السُّكاكِ(5)

مُفْرَدٌ تَرْمِيهِ كَفُ *** البَغْي عن قَوْسِ اشتراكِ

أَظْهَرتْ فِرقَةُ «بدرِ» *** فيه أضْغانَ النَّواكِي(6)

كلُّ ذاكِى الحِقْدِ أو يخضبُ *** أعرافَ المَذاكي(7)

و غَريبُ الدَّارِ يُلفَي *** مَوْطِنَ الطَّعْنِ الدِّراكِ(8)

طاهِرٌيخطَفُ بالأيْدِي *** الخَبِيثَاتِ السِّهاكِ(9)

يَخْرَسُ المَوْتُ إذا سمَّتْه *** أفواهُ البواکِي

يابْنَةَ الطَّاهِرِ كَمْ تَقشَرُ *** بالظُّلْمِ عَصاكِ

ص: 123


1- الرزيئات: المصائب.
2- ينكأ: يقشر. القرف: القشرة تعلو الجرح بعد يبسه. الحِكاك: مصدر بمعنى الحك.
3- شاكي: تام.
4- ذاكي: متوقد.
5- السكاك: الهواء الملاقي عنان السماء أصلها (الشكاك).
6- النواكي: الجهال العاجزون.
7- المذاكي: الخيل.
8- الدراك: المتتابع.
9- السِّهاك: ذوات الرائحة الكريهة.

غَضِبَ اللَّهُ لِخَطْبٍ *** لَيْلَةَ «الطَّفٌ» عَراكِ(1)

وَ رَعَى النَّارَ غَداً جِسْمٌ *** رَعَي أمسِ حِسماکِ

شَرَعَ الغَدْرَ أَخُو غِلَّ *** عَنِ الإِرِثِ زَواکِ(2)

يا قُبُوراً بالغَرييْنِ *** إلى الطَّفْ سقاكِ(3)

كُلُّ مَحْلولٍ عُرى المرزِمَ *** مَحْلُوبِ السّماكِ(4)

حَامِلُ مِنْ صَلَواتِ *** اللَّهِ ما يُرْضِي ثَرَاكِ

وَ إِنِ اسْتَغْنَيْتِ عن وَ كُفِ *** حَياً غَيْرِ حَياكِ

إِنَّهُ لَوْ أَجْدَبَ البَحْرُ *** اجْتَدَى فَضْلَ نداكِ

أَوْ أَضَلَّ البَدْرُ في الأفْقِ *** سَناه لاهتَداكِ

يا هُداةَ اللَّه وَ النَّجوَةً *** في يَوْمِ الهَلاکِ

بكُمُ اسْتَدْلَلْتُ في حَيْرِةَ *** أمْرِي و ارَتِباکِي

أَظْلَمَ الشَّکُّ وَ کُنْتُمْ *** لي مَصابِيحَ المَشاكي(5)

وقد ذيّل عليها بعضُ الشّيعة و أتمَها، و الأبيات:

يا بْنَةَ الطَّاهِرِ كَمْ تُقْرَعُ *** بِالظُّلْم عَصاکِ

غَضِبَ اللَّهُ لِخَطبٍ *** لَيْلة الطَّفَ عَراكِ

ص: 124


1- الطف: كربلاء شاطىء الفرات الذي قتل عنده الحسين علیه السلام.
2- زواك: نحَّاك. و جاء في كتاب كشف الغمة ج2 ص103 للأربلي. دار الكتاب الإسلامي رواية تؤكد هذا المعنى: «... و روي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم فقالت علیها السلام: يا أبابكر من يرثك إذا متَّ. قال: أهلي و ولدي. قالت علیها السلام: فمالي لاأرث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث ولكن أُنْفِق على من كان ينفق عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أعطي ما كان يعطيه قالت واللَّه لاأكلمك بكلمة ما حييت فما كلمته حتى ماتت...».
3- الغريّان: بناء ان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام.
4- المرزم: السحاب اشتد صوت رعده.
5- المشاكي: جمع مشكاة و هي الأنبوبة في وسط القنديل.

و رَعَى النّارَ غَداً *** قطَّ رعَى أمسِ حماكِ

مَرّ لم يعطِفّه شَكْوَى *** و لا اسْتَحْيَا بُكاكِ(1)

وَ اقْتَدَى النّاسُ بِهِ بَعْدُ *** فأردَي وَلَدَاکِ

يا بْنَةَ الرّاقي إلى السِّدُرَةِ *** في لَوْحٍ السکاکِ

لَهْفَ نَفْسِي وَ عَلَى مِثْلِك *** فَلْتَبکِ البَواکِي(2)

كَيْفَ لم تُقْطَعْ يَدٌ مَدَّ *** إِلَيْكِ ابن صهاکِ

فَرَحُوا یَوْمَ أهانوکِ *** بما ساء أباکِ

وَ لَقَدْ أَخْبَرَهم أنّ *** رضاه في رِضاكِ(3)

دَفعا النَّصَّ على إرثِكِ *** لمَّا دَفَعاكِ(4)

ص: 125


1- جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم، ص319 ط2 منقولاً عن كتاب بيت الأحزان ص97. قولها علیها السلام و هي مشتكية عنهم: «فجمعوا الحطب الجزل على بابي و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم الله، بالله و بأبي أن يكفَّوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليَّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع في وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً بغير جرم...». و في كتاب تاريخ الخلفاء أو الإمامة و السياسة، ج1 ص14 ط3 مؤسسة الوفاء: «... فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي لأشكونكما إليه...».
2- لعله أراد الرواية المذكورة في كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام» بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص64 ط2 منقولاً عن كتاب بحار الأنوار، ج22 ص484: «عنه صلي الله علیه و آله و سلم عند وفاته والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله و ما حوله من الملائكة و السموات و الأرضون و ما فيهما...».
3- جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم، ص64 ح3 منقولاً عن كتاب بحار الأنوار، ج22 ص491 قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في حديث طويل. «... والله يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي».
4- جاء في كتاب كتاب دلائل الصدق، ج3 ص22 مطبوعات منشورات مكتبة بصيرتي/ قم مشيراً إلى هذا المعنى: «قال العلامة الحلي (رحمة الله علیه) و منها أنه منع فاطمة علیها السلام إرثها فقالت: يابن أبي قحافة أترث أباك و لاأرث أبي؟ واحتجَ عليها برواية تفرَد هو بها عن جميع المسلمين مع قلّة رواياته و قلّة علمه و كونه الغريم لأن الصدقة تحلّ عليه فقال لها: إنّ النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «نحن معاشر الأنبياء لانورث ما تركناه صدقة و القرآن مخالف لذلك فإن صريحه يقتضي دخول النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيه بقوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم».

وَ تَعَرَّضْتِ لِقَدْرٍ *** تافِهٍ و انتَهَذاکِ

وَ ادْعَيْتِ النَّحْلةَ المشهودَ *** فيها بالصِّكاكِ(1)

فاستشاطَا ثم ما إن *** كذبا إن كذباكِ(2)

ص: 126


1- ربما هذه إشارة إلى ما ورد في كتاب أمالي الطوسي، ط2 (1981م) مؤسسة الوفاء ص207. «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها»: أسائلن عن هنة حلّق بها الطائر و جفى بها السائر و رفع إلى السماء أمراً و رزئت في الأرض خبراً أن تخيف تيم و أحيوك عدي جازياً أباالحسن علیه السلام في السياق حتى إذا تقربا بالخناق أسرًا له الشنآن و طوياه الاعلان فلما خبا نور الدين و قبض النبي الأمين نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و ادلاً بفدك فيا لها لمن ملك، تلك إنها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينة فإن انتزعا منّي البلغة و منعاني اللمظة و احتسبتها يوم الحشر زلفة، و ليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم».
2- استشاطا: التهبا غيظاً. جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم، ص307 ط2 منقولاً عن كتاب بحار الأنوار، ج8 ص224 مطبعة الكمباني: «قالت فاطمة علیها السلام في كلام لها حين أرادوا انتزاع فدك منها: أيها الناس أما سمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «إنّ ابنتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة؟ قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت: أفسيدة نساء أهل الجنة تدّعي باطلاً و تأخذ ما ليس لها؟ أرأيتم لو أن أربعة شهدوا عليَّ بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدقين عليَّ؟ فأما أبوبكر فسكت، و أما عمر فقال: نعم، و نوقع عليك الحد. فقالت: كذبت و لؤمت، إلا أن تقرّ أنك لست على دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة أو يقيم عليها حدّاً الملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلي الله علیه و آله و سلم الا الله إن من أذهب الله عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيرا لايجوز عليهم شهادة، لأنهم معصومون من كل سوء مطهرون من كل فاحشة حدثني يا عمر عن أهل هذه الآية، لو أن قوماً شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم و يحدُّونهم؟ قال: نعم، و ما هم و سائر الناس في ذلك إلا سواء. قالت: كذبت و كفرت و ما هم و سائر الناس في ذلك سواء، لأن اللَّه عصمهم و أنزل عصمتهم و تطهيرهم، و أذهب عنهم الرجس، و من صدّق عليهم فإنما يكذب اللَّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم.».

فَزَوَى اللَّه عن الرَّحْمةِ *** زِنْدِیقاً زَواکِ(1)

وَ نَفَى عَنْ بابهِ الوا *** سِعٍ شَیْطاناً نَفاکِ(2)

ص: 127


1- زوى: نحى -منع- صرف- زنديقاً: الزنديق الخبيث الداهية و من لايراعي حرمة و لايحفظ مودة.
2- عن كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص235. ديوان مهيار الديلمي ج2 ص367.

(12) رمز كل فضيلة

(بحر الكامل)

الشيخ هادي البحراني

تَعْيَى القَرائحُ في مُقامِ عُلاكِ *** حَياكِ يا بنةَ أَحْمَدٍ حَيَّاكِ(1)

يا فاطِمٌ أنْتِ المَكارِمُ كُلُّها *** يا فاطِمٌ قَدْ طَابَ مَنْ والاكِ(2)

یا فاطِمٌ يا رَمْزَكُلِّ فَضِيلةٍ *** يا فاطِمٌ يا عِصْمَةَ النُّساكِ

يا فاطِمٌ يا لَيْلَةَ القَدْرِ انْجَلَتْ *** بكِ ظُلمةً مُذ لُحْتِ في أَضْواكِ(3)

ص: 128


1- تغيي: تعجز.
2- انظر كتاب المناقب، ج3 ص330 ط المطبعة العلمية بقم/ مؤسسة انتشارات علامة. و لعل ما جاء في كتاب علل الشرايع ج1 ص213 (6) ط1/ منشورات الأعلمي قريبة من هذا المعنى: «عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة علیها السلام بين عينيه محبّاً فتقول: إلهي و سيدي سمَّيتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولى ذريتي من النار و وعدك الحق وأنت لاتخلف الميعاد فيقول اللَّه «عزوجل»: صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سميتك فاطمة علیها السلام و فطمت بك من أحبك و تولاك و أحب ذريتك و تولاهم من النار و وعدي الحق وأنا لاأخلف الميعاد وإنّما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك و ليتبين لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقفك منّي و مكانتك عندي. فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده و ادخليه الجنة.».
3- جاء في كتاب تفسير العياشي، ج2 ص581 ح747 ، ط/مؤسسة النعمان -بيروت ما يشير إلى ذلك: «عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال: «إنا أنزلناه في ليلة القدر» الليلة فاطمة علیها السلام و القدر الله فمن عرف فاطمة علیها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الخلق فطموا عن معرفتها».

يا فاطِمٌ يا كوثراً في الوحي يا *** مَنْ حارَتِ الألبابُ في مَعْناكِ(1)

یا فاطِمٌ يا بَضْعَةً لِمُحَمَّدٍ *** يا فاطمٌ و رضا الإلهِ رضاكِ(2)

يا فاطِمٌ يا زَوْجَةً لِوَصيِّهِ *** يا فاطِمٌ وَالْخَيْرُ مِنْ أَبْناكِ

يا فاطِمٌ ماذا أقولُ و أنتِ يا *** بنتَ الرَّسُولِ مَحَجَّةُ الأمْلاكِ

في يَوْمٍ مَوْلِدِكِ انْتَشَيْتُ وقَدْ غَدا *** شِعري يُعطرُهُ عَبِيرُ نَداكِ

أنا خادِمٌ لِبَنِيكِ دَوْماً مُولَعٌ *** بِكُمُ وإنَّي لا ئِذٌ بِحِماكِ

أرْجُو الشفاعة في النُّشور لِعَبْدِكُمْ *** (هادي) لِيُحْشَرَ مُنْعَماً بوَلاكِ(3)

إِنِّي بَرِيء مِنْ أُناسٍ ضَيَّعُوا *** حَقَّ الوَصِيَّ وَ كُلِّ مَنْ عاداكِ

بَدَنِي مَرِيضٌ وَ الشَّفاءُ لَدَيْكُمُ *** روحِي وَ جِسْمِي يا بَتُولُ فِداكِ(4)

ص: 129


1- الألباب: العقول.
2- جاء في «صحيح مسلم» ج5 ، ص54 (94)/ ط1 مؤسسة عز الدين. «عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويسرني ما أسرها». و في كتاب المناقب، ج3 ص325 المطبعة العلمية -قم/ مؤسسة انتشارات علامة: «أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله ليغضب لغضبك و يرضى لرضاك».
3- لعله إشارة لما جاء في كتاب «روضة الواعظين» للنيسابوري ط1 (1986م) مؤسسة الأعلمي/ بيروت -لبنان ص165 : «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل إبنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدبَّجة الجبین ... و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي فتشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبي و محبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «تعالى» أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها؟ فيقبلون و قدأحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة.».
4- في كتاب المناقب، ج3 ص330 المطبعة العلمية/ قم مؤسسة انتشارات علامة: «سئل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما البتول ؟ قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: التي لم ترَ حمرة قط و لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء. و قال صلى الله عليه و آله و سلم لعائشة: يا حميراء إن فاطمة علیها السلام ليست كنساء الآدميين لاتعتل كما تعتلن.».

بالعُروة الوثقى وَثِقْتُ وَإِنَّني *** أَهْوَى الّذِي في حُبِّهِ يَهواك

صَلَّى عَليكِ اللَّه جَلَّ جَلالُهُ *** يا بَضْعَةَ الهادِي النَّبِيِّ الزَّاكِي

ص: 130

(13) عطر النبوة صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

السيد هاشم حسين الموسوي

أُمُّ الأَئِمَّةِ مَا أَنْدَى عَطَايَاكِ *** وَ مَا أَشَدَّ شَفَاءَ الدَّهْرِ لَوْلاكِ(1)

إنَّ العَطَاءَ الَّذِي مَا زَال كَوْثَرُهُ *** يُهْدِي الحَيَاةَ روَاءٌ فَيْضُ يُمْنَاكِ(2)

عِظَرُ النُّبُوَّةِ فِيهِ خَالِدٌ عَبِقٌ *** يَسْتَافُهُ كُلُّ مَنْ بِالحَقِّ وَالاكِ(3)

إِنَّ الإِمَامَةَ نَهْرٌ أَنْتِ مَنْبَعُهُ *** حَيَّاكِ مِنْ مَنبعِ لِلْفَضْلِ حَیَّاكِ

يَجْرِي الزَّمَانُ وَ يَعْلُو الحَقُّ فِي فَمِهِ *** أَنْشُودَةً لَحْنُهَا أَوْتَارُ عَلْيَاكِ

فَلا نُضُوبَ لِنَهْرٍ أَنْتِ مَنْبَعُهُ *** وَ لالِقِيثَارَةٍ تَشَدُو بِحُسْنَاكِ(4)

بنتَ النَّبِي وَ يَكْفِي الدَّهْرَ فَاطِمَةَ *** اسْمٌ يُذِيبُ القَذَى فِي دَرْبِهِ الزَّاكِي(5)

ص: 131


1- قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً لخديجة علیها السلام: إنها النسمة الطاهرة الميمونة و إن الله «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها ائمة في الأمة البحار المجلسي، ج16 ص80.
2- في قوله تعالى: «إنا اعطيناك الكوثر». الكوثر: أولاده. قالوا: لأن هذه السورة انما نزلت رداً على من عابه صلي الله علیه و آله و سلم بعدم الأولاد، فالمعنى انه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان. تفسير الميزان الطباطبائي، ج20 ص370.
3- عبق: الذي تفوح منه رائحة الطيب.
4- فلانضوب: فلاجفاف و لاانحسار، يقال «نضبَ عنه البحر» أي نزح ماؤه عنه و نشف. يشدو: أنشدَ و تغَنَّى و تَرَنَّم.
5- قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما سمِّيت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن الله «عزوجل» فطمها و فطم من أحبها من النار... عيون الأخبار ج2 /59. و قال ابن عباس لمعاوية : أتدري لم سميت فاطمة علیها السلام فاطمة؟ قال: لا: قال: لأنها فطمت هي و شيعتها من النار . سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقوله . مسند الإمام الرضا، ج1 ص347 ح189.

اِسْمٌ هُوَ البَلْسَمُ الشَّافِي وَ مَا شَقِيَتْ *** نَفْسٌ كَمَا أَمَرَ القُرْآنُ تَهْوَاكِ(1)

أمُّ الحُسَيْن وَ قَدْ جَلَّتْ فَضَائِلُهَا *** مِنْ أَنْ تُقَاسَ فَلَاحَدٌ لِمَرْقَاكِ(2)

فَأَنْتِ سَيِّدَةُ الدُّنْيَا وَ عَالَمِها *** مِنَ النِّسَاءِ بِلارَيْبٍ و أُخَرَاكِ(3)

وَ أَنْتِ عَالِمَةٌ قَدْ أَيْنَعَتْ وَ نَمَتْ *** فِي مَنْزِلِ الوَحْيِ حَيْثُ اللَّهُ يَرْعَاكِ

قَبَسْتِ مِنْ نُورِهِ مَا كَانَ مُمْتَنِعاً *** عَلَى الخَلَائِقِ مِنْ أَبْعَادِ مَعْنَاكِ(4)

وَفُقْتِ كُلَّ نِسَاءِ الأَرْضِ قَاطِبَةً *** مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ حَتَّى يَوْمَ نَلْقَاكِ

فِقْها وَ تَقْوَى وَبِالإِسْلَام مَعْرِفَةً *** عَلَى الحَقِيقَةِ حَيْثُ الوَحْيُ رَبَّاكِ

وَ سُورَةُ الدَّهْرِ تَكْفِي المَرْءَ مَعْرِفَةً *** بِمَا حَبَاكِ بِهِ المَوْلَى وَ أَعْلاكِ(5)

ص: 132


1- عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ولداهما علیهم السلام... السيوطي، الدر المنثور/ ج7 ص348.
2- مَرقاكِ: درجتكِ. و رَقَى رقياً و رُقيّاً الجبل و فيه و إليه صعد. و ارتقى ارتقاء الجبل و فيه وإليه: صعد. و ارتقى السلّم: ترقى فيه؛ و صعده درجة درجة حتى بلغه و ترقى به الأمر بلغ غايته. المُرتقى: موضع الارتقاء، يقال: «لقد ارتقيت مرتقى صعباً» أي يصعب الارتقاء اليه. المَرْقى والمَرْقاة جمعها مراق: الدرجة المرقاة جمعها مراق: الدرجة.
3- قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «يا فاطمة علیها السلام أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟». صحيح مسلم ج6 ص284.
4- قَبَسْتِ: قبس منه النار: أخذها شُعلةً، و قَبَس النار: أوقدها و قبَسَهُ النار: جاءَهُ بها. أقبَسَ فلاناً: أعطاه قبساً. اقتبس منه النار: بمعنى قبس. قبس العلم: و استفاده.
5- عن ابن عباس قال: إن الحسن و الحسين علیهما السلام مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام لو نذرت على ولديك. فنذر علي و فاطمة علیهما السلام و فضة جارية لهما إن بَرِثا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء فاستقرضٍ علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة علیها السلام صاعاً و اختبزت خمسة اقراص على عددهم فوضعوها بين ايديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله و سلم مسكين من مساكين المسلمين اطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فآثروه و باتوا لم يذوقوا الا الماء و أصبحوا صياماً و في اليوم الثاني جاءهم أسير. ففعلوا مثل ما فعلوا في اليوم الأول. و في الثالث جاءهم يتيم ففعلوا مثلما فعلوا في اليوم الأول. فلما أصبحوا أخذ علي علیه السلام بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و أقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم. و قام فانطلق معهم فرأى فاطمة علیها السلام في محرابها قد التصق بطنها بظهرها و غارت عيناها فساءه ذلك. فنزل جبرئيل علیه السلام و قال: خذها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هنأك الله في أهل بيتك علیهم السلام فأقرأه السورة. الكلمة الغراء في تفضيل فاطمة الزهراء علیها السلام عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ص62.

وَ خُطْبَةٌ لَكِ فَجَّرْتِ العُلُومَ بِهَا *** حَتَّى غَدَا الخَصْمُ مَفْضُوحاً بِدَعْوَاكِ(1)

بلاغَةٌ يُدْهِشُ الأَلْبَابَ مَنْطِقُهَا *** كَأَنَّهَا الوَحْيُ فِي بُعْدِ وَإِدْرَاكِ

أَقَمْتِ حُجَّتَكِ الكُبْرَى وَ كُنْتِ بِهَا *** فِي مَوْقِفِ الحَقِّ نِعْمَ الصَّادِقُ الشَّاكِي

وَ أَنْتِ صِدِّيقَةٌ مَحْفُوفَةٌ أَبَداً(2) *** بِالطُّهْرِ، وَ الحَقُّ طَبْعُ مِنْ سَجَايَاكِ(3)

أيَطلُبُونَ شُهُوداً؟ لا أباً لَهُمْ *** وَ اللَّهُ فِي مُحْكَم التَّنْزِيلِ زَكَّاكِ

أَمَا وَعَوْا حَقَّكِ المَضْمُونَ إِذْ حَكَمُوا *** بَلَى وَ حَقِّ الذِي بِالحَقِّ سَوَّاكِ؟

سَيَعْرِفُونَ غَداً عُقْبَى زَوَابِعِهِمْ *** إِذْ تَعْرِضِينَ بِيَوْمِ الحَشْرِ شَكْوَاكِ

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى يَا مَنْ مَآثِرُهَا *** بِلا عَدَادٍ وَ لاَيُرْقَى لِتَقْوَاكِ(4)

مَاذَا يَخُطُّ يَراعٌ فِيكِ يا أَلَقاً *** مِنَ السَّمَاءِ، وَ رَبُّ العَرْشِ أَدْنَاكِ(5)

وَ كَيْفَ يَبْلُغُ شِعْرٌ فِيكِ غَايَتُهُ *** وَ إِنْ تَفَنَّنَ فِي وَصْفِ وَ أَطْرَاكِ؟(6)

فَأَنْتِ فَوْقَ فُنُونِ الشَّعْرِ سَيِّدَتِي *** وَ الحَرْفُ لَايَهْتَدِي يَوْماً لِمَغْزَاكِ

رَبِيبَةُ الوَحْي هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِهَا *** مَا كَانَ أَعْطَرَهُ مِنْ مَوْلِدٍ زَاكِي

ص: 133


1- غدا: هنا بمعنى صار أو أصبحَ.
2- عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال لعلي علیه السلام «أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لاأنا، أوتيت صهراً مثلي و لم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة، و أوتيت الحسن والحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي منهما، ولكنكم منّي و أنا منكم». الرياض النضرة، ج2 ص202.
3- سجاياك: خصالك و شمائلك.
4- قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها».. صحيح البخاري، ج3 ص1361 ح3510.
5- يَراعُ: يريد به. القلم ألقاً: ألق و تألق و التَلَقَ البرق: لَمَع. تألّفت المرأةُ: تَزَيَّنت و المعنى الأول هو مُراد الشاعر كما هو ظاهر.
6- أطراكِ: أثنى عليك و مدح محاسن شمائلك.

مَا كَانَ أَعْظَمَهُ يَوْماً وَ أَزْهَرَهُ *** يُشَرِّفُ الخَلْقَ مِنْ إِنسِ وَ أَمْلاكِ

يَوْمٌ هُوَ الشَّمْسُ فِي الْآفَاقِ بَازِغَةٌ *** تُنَوِّرُ الكَوْنَ مِنْ جُرْم وَ أَفَلاَكِ(1)

وَ قُرَّةُ العَيْنِ لِلْمُخْتَارِ تَمْنَحُهُ *** عِطر الجِنَانِ بِلاَ هَم وَأَشْوَاكِ

فَازَتْ خَدِيجَةُ بِالإِيمَانِ سَابِقَةً *** وَ الْيَوْمَ فَاقَتْ عَلَى سَبْقٍ وَ إِدْرَاكِ

يَا أُمَّ فَاطِمَةٍ يَكْفِي العُلاَ شَرَفاً *** أَنْ يَسْتَقي الدَّهْرُ مِنْ أَنْهَارِ حُسْنَاكِ

فَتِلْكَ فَاطِمَةٌ تُغْنِي الحَيَاةَ هُدًى *** بِلا تَرَاجُع أَوْ عَجْزِ وَ إِمْسَاكِ(2)

دَرْبُ اشَّهَادَةِ مِنْ آثَارِهَا عَبِقٌ *** مِنْ كُلِّ مِغْوَارٍ حَقٌّ لِلْوَغَى شَاكٌ

مُنْذُ الحُسَيْنُ وَ فَيْضُ الدَّمُ مُلْتَهِبٌ *** عَلَى الطَّغَاةِ وَ حَتَّى صَدْرِنَا الزَّاكِي

أم المَيَامِينَ بِنْت الْوَحْيِ سَيِّدَتِي *** تِلْكَ الغُصُونُ نَمَتْ مِنْ نَفْحِ رِيَاكِ

كُلُّ الأَئْمَةِ مِنْ أَبْنَاءِ فَاطِمَةٍ *** كَانُوا كُهُوفَ الوَرَى مِنْ كُلِّ أَفَاكِ(3)

صَاغُوا الحَيَاةَ طَهُوراً مِثْلَمَا رَسَمَتْ *** مَشِيئَةُ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ مَوْلاَكِ

قَدْ أَزْهَرَتْ فِيهِمُ آثَارُ تَرْبِيَةٍ *** بِمِثْلِ مَا أَحْمَدُ المُخْتَارُ رَبَّاكِ

خَطُّ الرِّسَالَةِ صَانُوهُ وَ قَدْ حَمَلُوا *** كُلَّ الأَذَى فِيهِ مِنْ بَاغٍ وَ سَفَّاكِ(4)

زَهْرَاءُ يَا عَبْقَ التَّاريخِ مُنْتَشِراً *** مُني عَلَيْنَا بِعَطْفِ يَوْمٍ ذِكْرَاكِ

بِنْتَ الرِّسَالَةِ يَا زَهْرَاءُ يَا شَرَفاً *** بهِ يُطَوْقُ مَنْ فِي اللَّهِ وَالآكِ

تِلْكَ اللَّيَالِي لَقَدْ وَلَّتْ وَ مَا ظَفِرَتْ *** يَدُ المُسِيءٍ بِشَيْءٍ عَنْهُ أَقْصَاكِ(5)

فَأَنْتِ رَبَّهُ حَقٌّ رَغْمَ مَا افْتَعَلُوا *** مِنَ المَوَاقِفِ أَوْ شَكٍّ وَإِرْبَاكِ

وَ أَنْتِ فِي قِمَّةِ العَلْيَاءِ خَالِدَةٌ *** وَ سَوْفَ يَلْقَى الجَزَا مَنْ كَانَ عَادَاكِ

ص: 134


1- الجرم: المراد هنا هو سائر الكواكب و النجوم المنيرة. أفلاك: جمع فلك و هو مدار الكوكب.
2- إمساك: امتناع.
3- الأفاك: الكذاب الذي يفتري الكذب.
4- باغ: اسم فاعل من بغى بَغْياً فهو باغي. و البغي هو الظلم.
5- أقصاك: أَبعدك.

(14) صلى عليك اللَّه

(بحر الكامل)

لأحد الشعراء

يا نُورَ بَيْتِ المُصْطَفَى بُشْراكِ *** لَوْلاكِ ما عَمَّ الهُدَى لَوْلاكِ

يا خَيْرَ فاطِمَةٍ وَ يا أُمَّ الهُدَى *** نُورَ الإمامة من صميم بَهاكِ(1)

لَوْلاكِ يا زَهْراءُ يا نُورَ الوَرَى *** ما هَلَّتِ الأَنْوارُ تَحْتَ سَماكِ(2)

أنتِ الهُدَى لِلْهائِمِينَ بِلا هُدًى *** يا كَعْبَةَ المُشتاقِ نَحْوَ حِماكِ(3)

صَلَّى عَلَيْكِ الله يا ذاتَ الهُدَى *** وَ عَلى أبِيكِ وَ عِتْرةٍ تَهْواكِ

***

قَسَماً بِرَبِّ العَرْشِ أَنْتِ هِدايةٌ *** لِلْقاصِدِينَ إلى العُلا بِهُداكِ

ص: 135


1- في كتاب علل الشرائع ج1 ص213 ح1 ط1/ مؤسسة الأعلمي و كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص76 ح5، و كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ط2 مؤسسة الوفاء، عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام (زهراء)؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري و أسكنتهٍ في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري و يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي».
2- لعل ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص44. و كتاب مستدرك سفينة البحار، ج3 ص334 يتضمن هذا المعنى عن الله «تبارك و تعالى» يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما».
3- الهائمين: الذاهبون لايدرون أين يتجهون.

يَكْفِيكِ قَوْلُ المُصْطَفَى فِي مَوْقِفٍ *** مِنْ كُلِّ مَنْ عاداكِ أو حاباكِ(1)

يُؤْذِيهِ ما يُؤذِيكِ هذا قَوْلُهُ *** يُرْضِيهِ ما يُرْضِيكِ نِعْمَ رِضاكِ(2)

يَكْفِيكِ أَنَّ المُرْتَضَى عَلَمُ الهُدَى *** بابُ العُلوم وَلِيُّ مَنْ والاكِ

صَلَّى عَلَيْكِ اللَّهُ قَدْرَ كَمَالِهِ *** وَ عَلَيْكِ صَلَّى اللَّه قَدْرَ عُلاكِ

***

يا خَيْرَ مَنْ بَكَتِ الدُّمُوعَ غَزِيرَةٌ *** بَعْدَ الحَبِيبِ صَفِي مَنْ صافاكِ(3)

يا مَنْ بَكَى جِبْرِيلُ بعدَ بُكائِها *** وَ مَلائِكُ الرَّحْمَنِ حَوْلَ حِماكِ(4)

ص: 136


1- في كتاب علل الشرائع، ج1 ص221 ط1/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت. «... فلما وقع بصرهما على فاطمة سلّما عليها فلم ترد عليهما و حوّلت وجهها عنهما، فتحوّلا و استقبلا وجهها حتى فعلت مراراً و قالت: يا علي علیه السلام جاف الثوب و قالت لنسوة حولها: حوّلن وجهي فلما حوّلن وجهها حوّلا إليها... فالتفتت إلى علي علیه السلام و قالت: إني لاأكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فإن صدقاني رأيت رأيي. قالا: اللهم ذلك لها وإنا لانقول إلا حقاً و لانشهد إلا صدقاً فقالت: أنشدكما باللّه أتذكران أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم فقالت: أنشدكما باللَّه هل سمعتما النبي صلي الله علیه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي و من آذاها في حياتي کان کمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم. قالت: الحمد لله ثم قالت: اللهم إني أشهدك -فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد أذياني في حياتي و عند موتي واللّه لاأكلمكما من رأسي حتى ألقى ربي...».
2- في كتاب بحار الأنوار، ج22 ص484 ح31: «... يا أبا الحسن علیه السلام هذه وديعة الله و وديعة رسوله محمد صلي الله علیه و آله و سلم عندك فاحفظ الله و احفظني فيها، و إنك لفاعله... و اللّه يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي، ثم لا والله لاأرضى حتى ترضي ثم لا والله لاأرضى حتى ترضي...». انظر قافية الكاف القصيدة رقم (1).
3- في كتاب المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص322 المطبعة العلمية/ قم يؤكد هذا المعنى: «و رأس البكائين ثمانية: آدم و نوح و يعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين علیهم السلام قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي...».
4- في كتاب بحار الأنوار، ج22 ص491 ضمن ح36 ط3/ مؤسسة الوفاء -بيروت دار إحياء التراث العربي. «و عنه صلي الله علیه و آله و سلم عند وفاته: والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله و ما حوله من الملائكة و السموات و الأرضون و ما فيهما.».

أنتِ المَنارُ هِدايَةٌ لِمَنِ اهْتَدَى *** وَ لِمَنْ يَلُوةُ اليَوْمَ تَحْتَ لِواكِ

هذا عطاؤكِ أنْتِ أَهْلُ عَطائِهِ *** جَلَّ العَطاء وَ جَلَّ مَنْ أَعْطَاكِ

صَلَّى عَلَيْكِ اللَّهُ قَدْرَ كَمَالِهِ *** وَ عَلَيْكِ صَلَّى اللَّهُ قَدْرَ عُلاكِ

***

سُبْحانَ رَبِّي لَوْنَظَرْنَا حَوْلَنا *** فإِذا الطَّوائِفُ كُلُّها تَهْواكِ

كُلُّ المَشارِبِ عِنْدَ بابِكِ تَلْتَقِي *** في بَحْرِ حُبِّ لَمْ يَكُنْ لِسِواكِ

وَاللَّهِ يا زَهْراءُ إِنَّكِ ثَوْرَةٌ *** وَ الْحَقُّ وَالميزانُ تَحْتَ لِواكِ

ذكراكِ تُلْهِمُ كُلَّ قَلْبِ ثائِرٍ *** هَذِي قُلُوبُ الثَّائِرِين تراكِ

باللَّهِ يا زَهْراءُ جُودِي نَفْحَةً *** فِيها الرّضا وَ النُّورُ مِنْ مَوْلاكِ(1)

صَلَّى عَلَيْكِ الله يا ذاتَ الهُدَى *** وَ عَلَى أَبِيكِ وَ عِشْرَةٍ تَرْضاكِ

ص: 137


1- في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص314 ط1 في ايران ط6/ منشورات المكتبة الحيدرية 1965 ما يتضمن هذا المعنى: «عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان أحِبُّ من فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبُّ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيتُ عنه و من رضيتُ عنه رضي الله عنه و من غضبت عليه غضبت عليه و من غضبتُ عليه غضب الله عليه يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علي علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها».

ص: 138

قافية اللام

اشارة

ص: 139

ص: 140

(1) مدينة العلم

(بحر الكامل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني(*)(1)

بَيْنِي وَ بَيْنَ قَبِيلَتِي مَخْطُومَةٌ *** كَانَتْ قَضَيْتُها الخصام الأوَّلا(2)

ضَرَبُوا يَدِي فِيها وَساقُوها إلى *** أَزْوادِهِمْ حينَ اقْتَضَتْ أَنْ تَرْحَلا(3)

و أنا الذي أَخرَزُتُها و قَنَصْتُها *** مِنْ بَيْنِ بُرْتُن ضَيْغَمٍ أَوْ أَجْدَلا

فَخِطامُها قَتْلِي وَ مَبْرَكُ صَدْرِها *** رَحْلِي وَ لَوْلا عِزَّتِي لَنْ تُذْلَلا

رَبَّضْتُها وَ هِيَ العَسُوفُ شَمُوسَةً *** أَهْلَتُها وَ هِيَ الَّتي لَنْ تُؤْهَلا(4)

أَوَ لَسْتُ مَنْ هَدَمَ الصَّياصِي دَوْنَها *** أَوْجَبْ غارِبَ فَحْلِها فَتَجَنْدَلا؟(5)

مَنْ كانَ طَلاعاً على إصْطَبْلِها *** قَلَعَ الرِّتاج وَ كانَ حِضناً مُقْفَلا(6)

أَوَ لَسْتُ سائِقَها عَلَى عِلاتِها *** سِيّان مَنْ جَلى عليها أَوْ جَلا؟

أوَلَسْتُ سابِقَها المُجَلِّي يَوْمَ لا *** صَلَّى مِنَ السُّوس الخماص ولاتلا؟(7)

ص: 141


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- مخطومة: ناقة جعل على أنفها الخطام و هو حبل يجعل في عنق البعير ويثنى في خطمه.
3- الأذواد: مفرده الذود للإبل لايتجاوز الثلاثين و لايقل عن الثلاث.
4- العسوف: من الإبل المصاب بالعساف و هو داء يأخذ الإبل من الغدة، شموسة: من الحيوان الذي لايتمكن أحد من ركوبه أو إسراجه و لايكاد يستقر.
5- الصياصي: مفرده الصيصة و هي الحصن وكل ما امتنع به. جبَّ: قطع. الغارب: الكاهل أو بين الظهر و العنق. تجندل: انصرع.
6- الرتاج: الباب العظيم.
7- الشوس: الطوال أو الأشداء في القتال- الخماص: ضامري البطن.

مَنْ ذا الّذي أَقْنَى قناها أو طلى *** بيضَ المُهَنَّدَةِ الظُّبا بِدَمِ الطِّلا؟(1)

مَنْ صَکَّ بُهْمَتَها وَ طَوَّقَ قَرْنَها *** مَلْمُومَةٌ تُغْنِيهِ عَنْ طَوْقِ الحُلا(2)

مَنْ لَفَّ راياتِ الكتائبِ ضارِباً *** أَلْباجَها فَتَطَأَطَأَتُ حَتَّى اعْتَلَى؟

مَنْ هَذَها مَنْ بَذْهَا مَنْ ساقَها *** أسْرَى لِتَفْدِيَ نَفْسَها أَوْ تَقْتُلا؟(3)

مَنْ غَائِصٌ لُجَجَ الجُرُوبِ وَ طالِعٌ *** منها الثّنايا و الدُّرَى وَ ابْنُ الجَلا؟

وإِذا الوَغَى حَمِيَتْ فَمَنْ غَيْرِي لها؟ *** أَلْقَى وَقائِدُها لها ومَنِ اصْطَلَى

وإِذا الخَطابَةُ أَقْحَمَتْ خُطَبَاءَها *** أَفْنا و لاسُحْبانَ وائِلَ مِقْوَلا؟

وإذا المَعاضِلُ أَعْجَزَتْ بِورودِها *** سَعْداً فَمَنْ غَيْرِي لِبُورِدَ مُعْضِلا؟

وَإِذا تَغَلْغَلَتِ الأمُور فَمَنْ لَها *** فَيَسِفٌ إِنْ سَفَّتْ و إِنْ يَتَغَلْغَلا(4)

وإذا الحُكُومَةُ بالقَضاءِ تَبَلْبَلَتْ *** فَمَنِ المُخَرِّزُ وَ المُطَبق مُفْضِلا

وإذا أتاهَتْ بِالعُقُولِ حَنادِسٌ *** فَغَوَتْ حَمَلْتُ إلى الهدايةِ مِشْعَلا(5)

وإِذا تَقَهْقَرَتِ الرِّجالُ وَ أَحْجَمَتْ *** كُنْتُ المُقَدَّمَ عِندَها و الأَمْثَلا

حتى إذا انْتَهَتِ الشَّدائدُ كُلُّها *** وَ تَقَطَّعَ اللَّيْلُ المُحندَسُ وَ انْجَلَى(6)

تَرَكَ القَطا فَغَفى و نامَ مُطَمْناً *** وَ صَفَالَهُ جَرُّ الصَّحاري وَ الفلا

فَتَحاشَدُوا وَ تَعاقَدُوا أَنْ يَرْكَبُوا *** مَخْطُومَتِي وَ يُمَلكُوها حَنْبَلا

مَنْ حَنْبَل ما كُنتُ أعْرِفُ حَنْبَلاً؟ *** مِنْ أَيْنَ جاءَكَ حَنْبَلٌ يا مُبْتَلَى؟

ما جاءَ يَوْمِ الخَيْسِ تَزارُ أَسْدُها *** لَكِنْ بِيَوْمِ الحَيْسِ جاءَ لِيَأْكُلا(7)

ص: 142


1- البيض: السيوف. المهندة: السيوف المصنوعة من حديد الهند -الظَّبا: حدود السيوف.
2- بُهمتها: صخرتها.
3- بذَّها: غلبها وفاقها.
4- فيسف: يقارب.
5- حنادس: ظلمات.
6- المحندس: المظلم.
7- الخيس: غابة الأسد. الحَيْس: طعام مركب من تمر و سمن و سويق.

وَ قَبِيلَتِي أَخَذَتْ له في فلْتَةٍ *** لَمْ تَرْعَ حقاً أَوْ تُحَكِّمَ فَيْصَلا

فَلْيَأْخُذُوها ما حَلَتْ أوْساقُها *** إِلا لِتُطْعِمَهُمْ ذُعافاً حَنْظَلا

لَهْفِي لِبَابِ مَدِينَةِ العِلْمِ الَّذِي *** أَدَّى العُلوم لِذِي المَعارِفِ والملا

أَضْحَى يُقادُ مُلَبَّباً بِثِيَابِهِ *** قَوْدَ البَعِيرِ مَتَى يَخشَ تَسَهْلا(1)

مَنْ هؤُلاءِ وَ مالَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا *** ما لا يُباحُ لِمِثْلِهِمْ أنْ يَفْعَلا

فَمَتَى تَجَهَّمَتِ الظَّباءُ بِضَيْغَمٍ *** وَ نَفَتْ بِذاتِ الصَّيْدِ مِنْ قالي قلا

فَكَأَنَّ لَيْئاً نا وَأَتْهُ تَعَالِبٌ *** وَ كَأَنَّمَا الهَمَجُ اسْتَتَبَّتْ جُعَلا

وَالضَّيْمُ أضْرَعَ خَدَّهُ وَلَهُ العُلا *** أدْنَى مَراتِبِه السَّمواتُ العُلا(2)

وَ البَضْعَةُ الزَّهْراءُ تَعُولُ خَلْفَهُ *** وَ لَقَدْ يَعُزُّ عَلَى الحَيا أنْ تَعْوِلا(3)

وَ أَخافَها ذُلُّ التَّرَمُّلِ بَعْدَهُ *** وَ أَشَدُّ ما تَخْشَاهُ أَنْ تَتَرمَّلا

صاحَتْ فَحَرَّكَتِ السَّواكِنَ كُلَّها *** وَ تَزَلْزَلَتْ وَالحَقُّ أن تَتَزَلْزَلا(4)

خَلُّوا ابْنَ عَمِّي أَوْ لأَدْعُو دَعْوَةً *** فَيَحُطُ أعْلَى الكَوْنِ مِنْهَا أَسْفَلا

ص: 143


1- بخش: البعير يجعل في أنفه الخشاش، أي العود في عظم أنفه ليسهل انقياده.
2- الضيم: الظلم.
3- والبيت الذي يليه لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب الكافي ج2 ص237-238 ط3 -دار صعب- بيروت. لمّا أُخرج بعلي علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام واضعة قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسها آخذة بيدي ابنيها فقالت: ما لي و ما لك يا أبابكر تريد أن تؤتم ابني و ترمّلني من زوّجي؟ -والله- لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري و لصرخت إلى ربي.
4- والأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في كتاب المناقب ج3 ص339-340 ط/ مؤسسة انتشارات قم/ المطبعة العلمية عن سلمان الفارسي «... أنه لمّا استخرج أمير المؤمنين علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا عن ابن عمّي فواللّه الذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلّوا عنه لأنشرنَّ شعري ولأضعنَّ قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخنَّ إلى الله «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على اللَّه من ولدي. قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها و قلت: يا سيدتي ومولاتي إن اللّه «تبارك و تعالى» بعث أباك صلي الله علیه و آله و سلم رحمة فلاتكوني نقمة. فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا...».

أوَلَيْسَ مِنْ رَبَطَ الوُجودَ وَجُودُهُ *** نَحْنُ و سبَّبَ كَوْنَهُ فَتَعَلَّلا

هَلْ كَانَ ناقَةُ صالِحٍ وَفَصِيلُها *** أولى بِسَمْعِ اللَّهِ أنْ يُتَقَبَّلا

أَوْ صَالِحٌ هَلْ كانَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي *** فَيَكُوْنَ أَجْدَرَ بالإِجَابَةِ أَعْجَلا

أوَ لَسْتُ عِنْدَكُمُ البَقِيَّةَ مِنْ أَبِي *** وَ أَنا وَدِيعَتُهُ وَ أَسْلَمُ لِلْبَلا؟

قَدْ قال إِني بَضْعَةٌ مِنْهُ وَ إِنِّي *** فِي المَلا مِنْ سِتْ نِسْوانِ المَلا(1)

ما كانَ يَنْطِقُ عَنْ هَوَى وَاللَّهُ وفى *** القُرْآنِ قَدْ بَرَاهُ أَنْ يَتَقَوَّلا

فَبِأَيِّ وَجْهِ إِنْ تُلاقوا أحمداً *** يَرْضاهُ أَوْ عُذْرٍ يُقالُ فَيَقْبَلا؟

إحْسانُكُمْ أَخْذُ الحقوقِ و برُّكُمْ *** صَفْعُ الوُجُوهِ وَرُدُّكُمْ فينا قَلا(2)

ص: 144


1- جاء في كتاب عوالم سيدة النساء ج2 ص1050 ح1 ط3/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «عن عائشة أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني...». و في كتاب المناقب ج3 ص323 ط/ مؤسسة انتشارات علامة قم -المطبعة العلمية: «عن عائشة و غيرها عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: يافاطمة علیها السلام أبشري فإن اللَّه اصطفاك على نساء العالمين و على نساء الإسلام و هو خير دين».
2- كتاب المراثي الحسينية ص125.

(2) بكيتُ لفاطمٍ

(بحر الكامل)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

ص: 145


1- (*) هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخليعي الموصلي الحلي. توفي في حدود سنة 750ه_ بالحلة . كان فاضلاً أديباً شاعراً ، له ديوان ليس فيه إلا مدح الأئمة علیهم السلام، و ذكر الشيخ الأميني له شعراً كثيراً و قال: له 39 قصيدة في أهل البيت علیهم السلام و ديوان الخليعي في مكتبة السيد الحكيم: العامة في النجف الأشرف (قسم المخطوطات) بخط الشيخ محمد السماوي، و له الفضل في جمع هذا الشعر حتى تألف منه ديوان يضم أكثر من ثلاثين ،قصيدة، و ذكره الشيخ الأميني في (الغدير) قال: إنه ولد من أبوين ناصبيين و أن أمه نذرت أنها إن رزقت ولداً تبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الحسين علیه السلام و قتلهم، فلما ولدت المترجم له و بلغ أشده ابتعثته كما نذرت، فلما بلغ إلى نواحي (المسيب) بالقرب من كربلاء المقدسة طفق ينتظر قدوم الزائرين، فاستولى عليه النوم و اجتازت به القوافل، فأصابه الغبار، فرأى فيما يراه النائم أن القيامة قد قامت و قد أمر به إلى النار ولكنها لم تمسه لما عليه من ذلك العثير، فانتبه تائباً و اعتنق ولاء أهل البيت علیهم السلام و قصد الحائر الشريف، و يقال إنه نظم عندئذ بيتين من الشعر هما: إذا شئت النجاة فزر حسينا *** لكي تلقى الإله قرير عين فإن النار ليس تمس جسماً *** عليه غبار زوار الحسين و نقل العلامة النوري في دار السلام أن المترجَم له لما دخل الحرم الحسيني المقدَّس، أنشأ قصيدة في الحسين علیه السلام و تلاها عليه، وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي الخليعي الخليعي أو الخلعي. و ذكر الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي: إن الخليعي قد مات في حدود سنة (850) أو قرب ذلك، و استند إلى كتاب الحصون المنيعة، و قال في آخر الترجمة: و دفن في أحد بساتين (الجامعين) بين مقام الإمام الصادق علیه السلام و قبر رضي الدين بن طاووس على مقربة من باب النجف الذي يسميه الحليون باب المشهد و على قبره قبة بيضاء و بالقرب منه قبر ابن حماد و قد ذكره السيد مهدي معز الدين القزويني في (فلك النجاة) في عداد مراقد علماء الحلة.

لَمْ أَبْكِ رَبْعاً لِلأَحِبَّةِ قَدْخَلا *** وَ عَفَا وَ غَيَّرَهُ الجَدِيدُ وَ أَمْحَلا(1)

کَلاً وَ لاكَلَّفْتُ صَحْيِي وَقُفَةً *** في الدَّارِ إِنْ لَمْ أُشْفَ صَباً عُلَّلا(2)

وَمَطَارِحُ النَّادِي وَ غُزْلانُ النَّقا *** وَ الجَزْعُ لَمْ أَحْفل بها مُتَغَزلا(3)

وَ بَواكِرُ الأَضْعَانِ لَمْ أَسْكُبُ لَها *** دَمْعاً وَ لَاخِلْ نَأَى وَ تَرَحَّلا

لكِنْ بَكَيْتُ لِفاظِمِ وَ لِمَنْعِها *** (قَدْكاً) و قَدْ أَتَتِ الخَؤُونَ الأَوَّلا(4)

إِذْ طَالَبَتْهُ بِإِرْثْها فَرَوَى لها *** خَبَراً يُنا فِي المُحْكَمَ المُتَنَزِّلا

لَهُفِي لها و جُفُونُها قَرْحَى وَ قَدْ *** حَمَلَتْ من الأحزانِ عِبْئاً مُثْقَلا

وَ قَدْ اعْتَدَتْ مَنْفِيَّةً وَ حَمِيُّها *** مُتَطَيْراً بِبُكائِها مُتَثَقَلا

تُخْفِي تَفَجَّعَها وَ تَخْفِضُ صَوْتَها *** وَ تَظَلُّ نادِبَةً أَباها المُرْسَلا

تَبْكِي على تَكْدِيرِ دَهْرٍ ما صَفا *** مِنْ بَعْدِهِ وَ قرِيرِ عَيْش ما حَلا

لَمْ أَنْسَها إِذْ أَقْبَلَتْ في نِسْوَةٍ *** من قومِها تَرْوِي مَدامِعُها المَلا

وَ تَنَفَّسَتْ صُعَداً و نادَتَ أَيُّها *** الأنصاريا أَهْلَ الحِمايَةِ و الكَلا

أَخَذَ الإلهُ لَكَ العُهودَ عَلَى الوَرى *** فِي الذُّرْ لَمَا أنْ يرى و بِكَ ابْتَلَى

في يوم قالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ *** و علىُّ مَوْلاكُمْ؟ مَعاً قالوا: بَلى

ص: 146


1- أَمْحَلَ: أَجْدَبَ.
2- صَبّاً: عاشقاً وذا وَلَع شديد.
3- النقا: القطعة من الرمل المحدودية -الجزع: بكسر الجيم محلة القوم و بفتحها أو ضمّها خرز فيه سواد و بياض.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177: «عن عائشة: أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة، و فدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا نورّث ما تركناه صدقة».

قَسَماً بِوِرْدِي مِنْ حِياضِ مَعارِفي *** وَ بِشُرْبِيَ العَذْبَ الرَّحِيقَ السَّلْسَلا(1)

وَ مَن اسْتَجَارَكِ مِنْ نَبِيِّ مُرْسَلٍ *** وَ دَعَا بحقِّكِ ضَارِعاً مُتَوَسِّلا

لَوْ قُلْتُ إِنَّكِ رَبُّ كُلِّ فضيلةٍ *** ماكنتُ فيما قُلْتُهُ مُتَنَحِّلا(2)

أَوْ بُحْتُ بالخَطَرِ الذي أعْطَاكِ رَبُّ *** العَرْشِ كادُونِي و قَالُوا قَدْ غَلا(3)

فَإِلَيْكِ مِنْ تقْصِيرِ عَبْدِكِ عُذْرَهُ *** فَكَثِيرُ ما أَبْكِي أَراهُ مُقَلَّلا

بَلْ كَيْفَ يَبْلُغُ كُنْهَ وَصْفِكِ قائِلٌ *** وَ أَبُوكِ في عَلْياكِ أَبْلَعْ مَقْوَلا؟

وَ نَفَائسُ القُرْآنِ فِيكِ تَنَزَّلَتْ *** وَ بِكِ اغْتَدَى مُتَحلِّياً مُتَجَمِّلا

فَاسْتَجْلِها بكْراً فَأَنْتِ مَلِيْكَها *** و على سواكِ تَجلُّ مِنْ أَنْ تُجْتَلى

وَ لَمْنُ بَقِيتُ لأنْظَمَنَّ قَلائِداً *** يُنْسِي تَرَضُعُها النظام الأولا

شَهِدَ الإِلهُ بِأَنَّنِي مُتَبَرِّىءٌ *** مِنْ حَبْتَرٍ وَمِنَ الدِّلامِ وَ نَعْثَلا

وَ بَراءَةُ الخُلْعِيّ مِنْ عَصَبِ الخَنَا *** تُبْنَى عَلى أَنّ البَرا أَصْلُ الولا(4)

ص: 147


1- ورد: ما يورد من الماء. الرحيق: ضرب من الطيب و الرحيق الخالص الذي لاغش فيه. السلسل: الماء العذب أو الخمر اللينة.
2- متنحلاً: مدعياً إلى نفسه القول الذي لغيره.
3- غلا: بالغ.
4- كتاب منتخب الطريحي ص14.

(3) فاتت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

لَسْتُ مِمَّنْ يَبْكِي رَسُولاً حَمُولا *** وَ دِياراً أَعْفَى البَلا وَ طُلُولا

لا وَ لَمْ تُلْهِني مَلاعِبُ أَتْرَابِي *** وَ لَمْ أَبْكِ مَرْبَعاً مَأهُولا

ما شَجاني النَّوى فَأَسْتَوْقِفَ الحادِي *** وَ لا أَحْبِسُ الرِّكابَ قَلِيلا(2)

بَلْ شَجَانِي ناعِي الحُسَيْنِ فَأَجْرَيْتُ *** دُموعاً لمّا شَجاني هَمُولا(3)

كَيْفَ لا أَنْدُبُ الغَرِيب الوَحِيدَ *** المستضَامَ المُشَرَّدَ المَقْتُولا(4)

كَيْفَ لا أَساعِدُ البَتُولَ عَلَى الحُزْنِ *** وَ قَدْباتَ قَلْبُها مَبْتُولا(5)

يَوْمَ ذاقَتْ مُرَّ المَذاقِ وَ كانَ *** السِّبطُ في حِجْرِهِ مَحْمُولا(6)

ص: 148


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- شجاني: أحزنني -النوى: الفراق و البُعْد.
3- دموعاً همولا: سيالة.
4- مستضاماً: مظلوماً مقهوراً.
5- مبتولا: مقطعا.
6- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم العلوم و المعارف و الأحوال، و كتاب الإمام الحسين علیه السلام، ج17 ص131 ط1 مدرسة الإمام المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف)/ قم -عن كتاب كامل الزيارات، ص70 ح6 (والبيتين اللذين تلياه) «عن أبي عبدالله علیه السلام قال: بينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في منزل فاطمة و الحسين علیهما السلام في حجره إذ بكى و خرَّ ساجداً، ثم قال: يا فاطمة علیها السلام يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة و أهيأ هيئة و قال لي: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم أتحب الحسين علیه السلام؟ فقلت: نعم قرّة عيني و ريحانتي و ثمرة فؤادي و جلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم-و وضع يده على رأس الحسين علیه السلام بورك من مولود عليه بركاتي و صلاتي و رحمتي و رضواني [و نقمتي] و لعنتي و سخطي و عذابي و خزيي ونكالي على من قتله و ناصبه و ناواه ،و نازعه أما إنّه سيد الشهداء علیه السلام من الأولين و الآخرين في الدنيا و الآخرة، و سيّد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين و أبوه أفضل منه و خير، فاقرأه (منّي) السلام و بشّره بأنه راية الهدى و منار أوليائي و حفيظي و شهيدي على خلقي و خازن علمي و حجتي على أهل السماوات و أهل الأرضين و الثقلين الجن و الإنس...». و الظاهر أن العليّ الأعلى أي رسوله صلي الله علیه و آله و سلم(جبرئيل علیه السلام).

وَ النَّبِيُّ الهادِي بِهِ فَرحٌ يَحْنُو *** عَلَيْه و يُكْثِرُ التَّقْبِيلا

فَأَتاهُ الأمينُ جِبْرِيلُ يَنْعَاهُ *** به فَاغْتدَى يُطِيلُ العَوِيلا

فأَتَتْ فاطِم إلَيْهِ وَ قَالَتْ *** قَدْ تَبَيَّنَتُ مِنْكَ أَمْراً مَهولا(1)

سَيّدِي ما الّذِي دَهاكَ وَ لَمْ *** تُعْرِض ما دُمْتَ بي رَحِيماً وَ صُولا

قال إِنِّي أبى لِقليكَ أنْ يُصْبِحَ *** يوماً لِلنَّائِباتِ هَمُولا

إنّ هذا الحُسَيْنَ يُضْحِي بأَرضِ *** الطَّفْ مِنْ بَعْدِنَا طَرِيحاً قَتِيلا

بعد أنْ يَطلُبَ النَّصِيرَ *** فَلايَنظُرَ إلا مُحارِباً و خَذُولا

وَ العَزيزاتُ مِنْ بَناتِكَ يَشْهَرْنَ *** حُرُوناً بين الورى و سُهولا

فَدَعَتْ عند قولِهِ و اغَريباهُ *** و واعُظْمَ ذاك خَطباً جَلِيلا

مَنْ تَرَى يُلْحِدُ الغَريبَ و مَنْ ذا *** يَتَولَّى التَّكْفِينَ وَ التَّغْسِيلا؟

مَنْ تَرى يَعْمَلُ العَزاء و مَنْ يَبْكي *** عَلَيْهِ و مَنْ يُراعي الرَّسُولا؟

ص: 149


1- في البيت و الأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في كتاب تفسير فرات؛ ج1 ص171 ح219 ط/ مؤسسة النعمان للطباعة -لبنان- بيروت: «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان الحسين علیه السلام مع أمّه تحمله فأخذه النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: لعن اللّه قاتلك و لعن اللّه ساليك و أهلك اللّه المتوازرين عليك و حكم اللّه بيني و بين من أعان عليك قالت فاطمة الزهراء علیها السلام: يا أبه أيُّ شيء تقول؟ قال: يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي و بعدك من الأذى و الظلم و الغدر و البغي و هو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل و كأني أنظر إلى معسكرهم و إلى موضع رحالهم و تربتهم قالت: يا أبه و أين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يقال له: كربلاء و هي دار كرب و بلاء علينا و على الأمة يخرج عليهم شرار أُمّتي «لو أن أحدهم شفع» له من في السماوات و الأرضين ما شفّعوا فيه، و هم المخلّدون في النار. قالت: يا أبه فيقتل؟ قال: نعم يا بنتاه و ما قتل قتلته أحد كان قبله و تبكيه أهل السماوات و الأرضين و الملائكة و الوحش... فقالت فاطمة الزهراء علیها السلام: يا أبه إنا للَّه وإنا إليه راجعوان و بكت...».

فبكى المصطفى فأوحى إليه اللَّهُ *** قُلْ للبتول قَوْلاً جَمِيلا

سوف أُنْشِي قَوْماً كِراماً يُقيمونَ *** عَزاء الحُسَيْنِ جِيلاً فَجِيلا(1)

و أُجازِيهُمُ على الوُدْ لِلْقُربى *** و أُعْطِيهُمُ العَطاء الجَزِيلا

فَتَوَلَّتْ تُثني عَلَى الشَّيعَةِ الغُرِّ *** وَ تَدْعُو دعاءَها المَقْبولا

فَإذا كانَ قَلْبُها من كلام قبلُ *** لاقَى أَسَى وَداءً دَخِيلا

كَيْفَ لَوْ أَبْصَرَتْهُ مُلْقَى عَلَى التُّرْبِ *** تُجِيلُ العِدَى عَلَيْهِ الخُيُولا

وَ السَّبايا مِنْ حَوْلِهِ يَتَصارَخْنَ *** وَ قَدْ نالَتِ الجُيوبُ الذُيُولا

وَ اليَتَامَى كُلّ تُخَفَى مِنَ الخَوْفِ *** وَ تُدْمِي باللَّطْمِ خَداً أَسِيلا

و بدورُ السَّمَاء صَرْعَى عَلَى الأَرْضِ *** تُلاقِي عِندَ التَّمامِ أُفْولا(2)

وَ قُدودُ الغُصُونِ منْ بَعْد ذاكَ *** اللِّينِ فوقَ الثَّرَى تُعانِي الذُّبُولا

و الإِمامُ السجّادُ في الأسْرِ موثوقاً *** بنفسي أفْدِي الأسيرَ العَليلا

إِذْ رَأتْ زينبٌ تُمرِّغُ خَدَّيْها *** عليه و تَسْتَغِيثُ الجَليلا(3)

و تُنادِي و افَجْعَتِي و اشَقائي *** يا لَها حَسْرة و حُزناً طَويلا

ص: 150


1- أنشي: بدون همزة للضرورة الشعرية و في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج44 ص292 ح37 ط2 (1983م) مؤسسة الوفاء بيروت. منقولة عن بعض المؤلفين الثقات. «روي أنه لما أخبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم ابنته فاطمة علیها السلام بقتل ولدها الحسين علیه السلام و ما يجري عليه من المحن بكت فاطمة علیها السلام بكاء شديداً و قالت: يا أبتِ متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خال منّي و منكِ و من علي فاشتدّ بكاؤها و قالت: يا أبتِ فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إنّ نساء أمتي يبكين على نساء أهل بيتي علیهم السلام و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي علیهم السلام و يجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلِّ سنة فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرجال و كل من بكى منهم على مصاب الحسين علیه السلام أخذنا بيده و أدخلناه الجنة، يا فاطمة علیها السلام كلُّ عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين علیه السلام فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».
2- أفولاً: غياباً.
3- تُمرّغ: تقلب، تلزق.

ليتَني كنتُ فِدْتُهُ لكِ من كَرْبِ *** المَنايا و كانَ ذاكَ قليلا

يا أخي ما تَرى سكينةَ خوف *** السبي تُؤمي إليك طَرْفاً كليلا

يا أخي هَلْ لفاطمٍ من كفيلٍ *** حيثُ قَدْ أَعْوَز الزمانُ الكفيلا

يا أخي ماترى عليّاً بِذُلٍّ *** و بِرُغْمٍ يُضْحِي العزيزُ ذليلا

لو رأَتْ صفوةُ النساءِ كريماتِ *** حسينٍ على المسيرِ عَجُولا

مُتْعَباتٍ يَعْثُرْنَ في بَهْرَجِ السيرِ *** و حادِي السّرى يَجدُّ الرَحيلا(1)

أَوْ رَأَتْ رَأْسَهُ على الرُّمْحِ مشهوراً *** إلى أَرْذَلِ الوَرى محمولا

لَرأَتْ ما يَسُوؤُها من جَوى الثكلِ *** و أَمْسى لها العَراءُ نزيلا

و رَوى الحِمْيَرِيُّ وَ هُوَ صَدوقٌ *** قال عايَنْتُ في المنَامِ البَتُولا

مَعْ لفيفٍ من الملائكةِ قَدْزارَتْ *** ضَريح الحسينِ عبَرْى ثُكُولا

ثمّ قالَتْ و وابِلُ الدَّمْعِ لا يُظفِي *** لَهيباً و لايَبُلُّ غَليلا

لَمْ تُقَلِّبُهُ يومَ أُرْدِيَ كَفُّ *** غيرَ كَفَّيْ نَجِيِّه جبريلا(2)

يا بني أحمدٍ ذكَرْتُمُ فروعاً *** عَطراتِ الحَنا و طبْتُمْ أُصولا

و شَرَعْتمْ محجَّةَ الرُّشْدِ للناس *** و لولاكُم تَضَلُّوا السَّبيلا

شَهِدَ اللَّهُ جاهِداً في يَميني *** و كَفَى اللَّهُ شاهِداً و وكيلا

ما أراقَتْ أَرْجاسُ حَرْبٍ دَمَ *** السبطِ و أَغْرَتْ به الطُّغاةُ النُّغولا(3)

وَ اسْتَطالُوا إلا بِمَنْ جَحَدَ النصَّ *** و في حُكْمه غدا مُسْتَقِيلا(4)

و بيومِ التّنادِ فَهُوَ المُنادي *** ليتَني لم أَتَّخِذْ فُلاناً خليلا

ص: 151


1- بهرج: رديء.
2- قد يتوهم أن هنا إقواء لكون جبريل عطف بيان و تابعاً لنجيه فيكون مجروراً إلا أنه يمكن أن نقدر جبريلاً مفعولا به لفعل محذوف تقديره أعني أو أخص أو أمدح.
3- نغول: جمع نغل و هو حيوان متولد من الحصان و الأتان.
4- إشارة إلى قول أبي بكر (أقيلوني فلست بخيركم و علي فيكم).

فإليكُمْ جَواهِرٌ من وَليِّ *** عارف يُشبِعُ المَقال الدليلا

لازمٌ ما أَمَرْتُموهُ من التقوى *** مقيمٌ على الوَلا لَنْ يَحُولا

تَعِسَ القائلونَ أنّ الخليعيَّ *** بَغى بالهُداةِ يَوْماً بَديلا

حاشَ للَّهِ ليسَ يَدَّعي لبيباً *** مَنْ يُساوي بالفاضِل المَفْضُولا(1)

: 152


1- عن منتخب الطريحي ص184.

(4) ابنة المختار

(بحر الطويل)

الأستاذ أحمد رشيد مندو(*)(1)

أيا بيعةٌ قامتْ لإِحْراقِ مَنْزِلِ *** لِفَاطِمَ وَ السِّبْطَيْنِ وَ المُرْتَضَى عَلِي(2)

وَ قامَتْ عَلَى إِكْرَاءِ صِنْوِ مُحَمَّدٍ *** وَ تَهْدِيدِهِ إِنْ لَمْ يُبَايِعْكَ يُقْتَلِ

و نادَى أنا الأولى بميراثِ أَحْمَدٍ *** فَلا تَجْهَلِي حَقي و لاتَتَقَوَّلي

وَإِنِّي لأقضاكُمْ وَ أَعْلَمُ مِنكُمْ *** وَ أَقْواكُمُ عَزْماً بِسَيْفِي وَ مِقْوَلي

وَ كُنْتُ عَلَى حَقٌّ بما قَدْ أَتيتُهُ *** وَ الأعَنِ الحَقِّ الحَقِيقِ بِمَعْزِلِ

ص: 153


1- (*)تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- في هذا البيت إشارة إلى حرق دار الزهراء علیها السلام ففي كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد على عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208 قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في عمده فوجاً به جنبها ،فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم». و في الاحتجاج، ج1 ص109 قال: «ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجنَّ و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضرمنَّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي علیه السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته. ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً».

وَ كَيْفَ أَباكَ المُرْتَضَى وَ هُوَدائِماً *** معَ الحقِّ وَ الذِّكْرِ الحَكِيمِ المُنَزَّلِ؟

وَ أَسْبَقُ كُلِّ الخَلْقِ لِلْحَقِّ وَ الهُدَى *** وَ عَنْ حُبِّهِ لِلْحَقِّ لَمْ يَتَحوَّل

و كان أمِيرَالمُؤْمِنِينَ عَلَى الوَرَى *** بِنصُ مِنَ الرَّحْمَنِ و المصطفى جَلِي

وَ دَوْماً عَلَيْكُمْ في حَياةِ مُحَمَّدٍ *** عَلىٍّ أَمِيرُالمُؤمِنينَ هُوَ الوَلِي

و في كُلِّ زَحْفِ تَهْرُبُونَ وَ دائِماً *** به تُدْفَعُ الغَمّاءُ عَنْ خَيْرِ مُرْسَلِ(1)

وَ لَوْ كُنْتِ فِيها ذاتَ حَقٌّ لَما أَبَى *** عَلَيْكِ وَ لاأَبْدَى لِذاكَ التَّعَلُّلِ

وَ في مَنْعِكِ الزَّهْراء فاطِمَ إرْثَها *** رَمَيْتِ بَني الإسلام في كُلِّ مُشْكِلِ

وَ لَمْ تَقْبَلِي من آل طه شَهادَةٌ *** لَها وَ لَهُمْ في الدين أَعْظَمُ مَنْزِلِ

وَ لَمْ تَقْبَلِي فيها شَهَادَةً رَبِّها *** وَ والِدِها مِنْ كُلِّ نَصَّ مُجَلْجِلٍ(2)

وَ طَهَّرَها الباري مِنَ الرِّجْسِ كُلِّهِ *** وَ مِنْ غَيْرِ نُورِ المُصْطَفَى لَمْ تُفْصلِ

وَ جِبْرِيلُ نالَ الفَضْلَ تَحْتَ كِسائِها *** و حازَ على ذاكَ الفَخارِ المُبَجَّلِ(3)

ص: 154


1- الغماء: الحزن و الكرب.
2- مجلجل: كثير، أو ظريف لاعيب فيه وفي هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام من إرثها وردّ شهودها و تكذيبها في ذلك و قد مرت الإشارة إليها نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487-488. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144 و ص119-122. و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً كتاب مسند أحمد أحمد ج1 ص9. و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300.
3- المبجَّل: المعظم -و في هذين البيتين إشارة إلى آية التطهير و حديث الكساء و دخول جبرئيل معهم في الكساء و قد ورد في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147. و كذا في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و كتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص170. و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج2 ص416 روي بسنده عن أم سلمة أنها قالت: «في بيتي نزلت هذه الآية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام، قالت أم سلمة: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما أنا من أهل البيت علیهم السلام؟ قال: «إنك إلى خير و هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام اللهم آل بيتي أحق». و ذكره البيهقي في سننه الكبرى ج2 ص150 ، و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج9 ص126، و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12 و ج5 ص521، و المحب الطبري ج2 في كتابه ذخائر العقبي ص23. و في كتاب البحار ج35 ص208 و أمالي الشيخ الطوسي ص234 قال: عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي و في يومي، و كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عندي فدعا علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جاء جبرئيل فمد عليهم كساءً فدكياً ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً»، قال جبرئيل: و أنا منكم يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «و أنت منا يا جبرئيل» قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أنا من أهل بيتك علیهم السلام؟ و جئت لأدخل معهم، فقال: «كوني مكانك يا أم سلمة إنك إلى خير أنت أزواج نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم، فقال جبرئیل: اقرأ يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ویطهَّرکم تطهیرا»[سورة الأحزاب آية 33].

و حاشا ابْنَةَ المختارِ تَطْلُبُ باطِلاً *** وَ لايَتَحدَّى حَقَّها غيرُ مُبْطِلِ(1)

وَ حَسْبُكَ بِاسْتِضْعافِ هَارُونَ أَحْمدٍ *** عَمِلْتِ على اسْتِعْبادِ كُلِّ مُفَضَّلِ

وَ صَيَّرْتِ دِينَ المُسْلِمِينَ مَذاهِباً *** وَ لَمْ تَبْرَحِي أَسْبابَ كُلِّ التَّبَلُّلِ(2)

وَ قُولي متى كانَ الوَصِيُّ وَ لَمْ يَكُنْ *** بِمَيْدَانِ نَيْل الفضل أوَّلَ أَوَّلِ

وَلكِنْ به خَلاقُهُ امْتَحَنَ الوَرَى *** فَفِيهِ ابْتَلاكِ اللَّهُ وَ هُوَ بِكِ ابْتُلِي

و ما قاسِمُ الجَنَّاتِ وَ النّارِ غَيْرُهُ *** يَقُولُ لِمَنْ والاهُ لِلْجَنَّةِ ادْخُلِي

وَ يَبْعَثُ مَنْ عاداه لِلنَّارِقائِلاً *** خُذِي لَكِ هذا وَ المُوالِي دَعِيهِ لي

و وَيْلٌ لِمَنْ يومَ القيامَةِ خَصْمُهُ *** عَلِيٌّ شَقِيقُ الهاشمي المُكَمَّلِ

إذا قامَ رِضْوانٌ هُناكَ وَ مَالِكٌ *** بِتَنْفِيذِ ما يَقْضِي بِدُون تَمَهُلِ(3)

ص: 155


1- إشارة إلى طلب الزهراء علیها السلام حقها الذي فرضه الله «تعالى» لها و لم تطلب باطلاً أو ما ليس حقها . ففي تفسير الدر المنثور ج4 ص177 عن أبي سعيد الخدري قال: «لما نزلت هذه الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء آية 26] دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة «سلام الله عليها» فأعطاها فدكاً» و ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد و منبع الفوائد ج7 ص52. و ذكره الهندي في كنز العمال ج3 ص767 ح8696 قال: عن أبي سعيد قال: لما نزلت «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام لك فدك».
2- التبلل: و هو الاضطراب و الفرقة.
3- خواطر الواجب في مدح الرسول وآله الأطايب ص98.

(5) يا خير النساء

(بحر الوافر)

الأستاذ بدر شبيب الشبيب(*)(1)

يُحورُ الشُّعر أَسْكَرَهَا الجمالُ *** فَرفُرَفَ في شواطئها الخَيَالُ

و ظنَّتْ حين لامَسَها شُعاعٌ *** بأنَّ الشَّمسَ جَوْهَرُهَا يُنَالُ

فشَمَّرت السَّواعدَ عن طماحٍ *** و أطْلَقَت العنان فلاعقالُ

وَ جَادت بالقصائد مترفاتٍ *** تحتُ بها النَّوارسُ و الدلالُ

وَ جاءت بالعُيون النُّجل منها *** لتبصرَ كُنْهُ ما صَاغَ الكمالُ

وَ لم تدرك بأنَّ السِّر أخفى *** و أن مرادها وهم وآلُ

محالٌ أن يُضيء الشَّعرُ شمساً *** أيُبدي الشَّمْسُ إن خفيت هلالُ

محالٌ أن يُحيط الشَّعرُ وصفاً *** بشمس لا يُمائِلُها مثالُ

محالٌ وصف فاطمة بلفظ *** محالٌ ما يُحاولُه مَحالُ

***

أيا بنتَ النَّبي و ذاكَ يكفي *** وَ يَا أمَّ النَّبِيِّ فَمَا يُقالُ

وَ يَا بَعْضَ النَّبيِّ بلا جدال *** وَيَا خَيْرَ النّساء و لاجدالُ

وَ يَا صوتَ النُّبُوَّة مُشرئباً *** يَهُزُّ ضمير من ماتوا و مالوا

وَ يَا نَبْعَ الإمامة مُستطاباً *** إليه إليه ينتسبُ الزُّلالُ

ص: 156


1- (*) شاعر و أديب قطيفي معاصر.

فَدَيْتُكَ منْهَجاً ثَراً قويماً *** تَرَعْرَع في صوامعه الجلالُ

لشعري حين يذكركم مقامٌ *** تَطُوفُ به الزَّنَابقُ و الطَّلالُ

يُنَافِعُ دُونَكُم لَمْ يستملهُ *** لغيركُم جلاوزةٌ و مالُ

ألفنَا الحُبَّ تنكيلاً وَ نَفْياً *** ألفْنَّا الحُبَّ تَضْحِيَة تُذالُ

ألفنا في هواكُنم كُلَّ مُر *** فَغيظَ القَهْرُ و ابتسمَ الرِّجالُ

بنا منْ بعض جُرحك ألف بَحر *** وَ قافية يضيقُ بها المقالُ

بنا من بعض جُرحك ألف جُرح *** يُعَمقُها التَّمَرُّق و الفصالُ

تُوحَدُنا الهمومُ و نحنُ شتَّى *** و تهتفُ ضدَّ وحدتنا الفعالُ

كأنَّ سيوفَنا عشَقَتْ دمانَا *** و بعضُ جُنُونا عشقاً نَخالُ

حبالُ الوصلِ يَخْنقُها التجَّافِي *** وَ حَوْلَ رقابنا التفَّتْ حبالُ

وَ نَحْوَ جُذُورنا امتدَّتْ أيادٍ *** وَ نَحْوَنحُورنا استبقتْ نبالُ

أبعَدْ خَرابها يصحُوضميرٌ *** وَ مَا بالبصرة استبقى الثّمالُ

نخيلات العراق تموتُ ظمأى *** وَ دجلةَ تستحمُّ به البغالُ

وآمالُ العراق بلا طعام *** تَعوذ من نحافتها الهزالُ

و أهوارُ العراق غَدَتْ يباباً *** و ليس لها بنهريها وصالُ

و أعراض العراق و ما يقال *** سُؤالٌ يَسْتَحي منه السُّؤالُ

و أشراف العراق بلا عراق *** و أخلافُ العراق به استَطالوا

***

تَحنَّنْ أيها الزمن الموشى *** بجمر الْقَهْر فَالْقَلْبُ اشتعالُ

يعيش الحر موطنه المنافي *** و في عينيه للوطن احتفالُ

تحنن أيها الزمن المحال *** تَحَنّنُ أيّها الوطن المحالُ

ص: 157

(6)حب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبوزكي)

هُبّي نسيماً في الصَباحِ عَليلا *** فَوْقَ الجِراحِ وَ أَشْعِلي قَنْديلا

وَ تَجَوَّلي کَالطيبِ ضَمَّخَهُ السَّنا *** في الروحِ سالت في الولاء مسيلا(1)

و تَمَعَّني في النَّفْسِ لَمْ يَسْتَهْوِها *** غَيْرَ الرَدى في وِدِكمْ إكْليلا

رَغْمَ السِنينِ الماضِياتِ عَلى القَذى *** تبقى و ليس ترى لها تحويلا(2)

رَغْمَ الرِماحِ الْمُشْرَعَاتِ تَنالُنا *** وَ السَيْف فَوْقَ نُحورِنا مسْلولا

رَغْمَ العِداء بِنا لِبَعْضِ أحِبَّةٍ *** سَقَط التَشَيُّعُ إِثْرَهُ مَقْتولا

رَغْمَ الظَّلامَاتِ التي مِنْ هَوْلِها *** نَسِيَ الزَمَانُ تَتَارَهُ وَ مَغولا

رَغْمَ الدّعِي بِأَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ *** لَمْ يُنْجِبوا الْمَهْدِيَّ وَ الْمَأْمولا

رَغْمَ التَغَيُّر في العَقيدَةِ وَ الْهَوى *** رَغْمَ الحَدَاثَةِ قَدْ أَتَتْنا غولا

رَغْمَ الفَضاءِ، وَ قَدْ تَزاحَمَ جوُّه *** بِالْمُرْسِلاتِ الحامِلاتِ مَهولا

وَ بِرَغْمَ أَنَا لَمْ يَعُدْ أَظفالُنَا *** يَدْرُونَ عَنْ آلِ النبيٍّ فَتيلا

قَدْ أُفْسِدوا في ظِلّ مُتْرِقَةٍ أَتَت *** عَصَفَتْ بِروحِ ولائِكُمْ تَقْتِيلا

شَبّوا عَلى جَهْلٍ فَصارَ سَجِيَّةً *** أَنْ يحضنَ الجَيلُ الْجَديدُ جَهولا(3)

ص: 158


1- ضمّخه: (تضمّخ) بالطيب، تلطّخ به.
2- القذى: ما يسقط في العين و الشراب.
3- سجيّة: الخُلْق و الطبيعة.

لكنّنا مازالَ فينا مَنْ بَقى *** حُبُّ الرَّسولِ وَآلِهِ مَوْصولا

في الروح و الأنفاس و القلب الذي *** نبضت دماه ولاءَه المصقولا

ما زال حياً فيه حب محمد *** عبقاً طرياً كالنسيم فيه مثيلا(1)

ما زال رغمَ الريح و الموج الذي *** جرف الجميع موالياً و نبيلا

ما زال رغمَ النارِ حياً، شامخاً *** بالحبِ، و الطهر النقيّ أصيلا

و لذا أيا أمَّ الأئمة فاشرقي *** نوراً على هذي النفوسِ جميلا

هبّي نسيماً في الصباح عليلاً *** فوق الجراح و أشعلي قنديلا

أفديكِ بالحُزنِ المُلَفِّعِ خافِقي *** و بِجِفْنِ روحي ذابَ فيكِ ذُبولا

أفديكِ بالخوفِ المُؤَجِّحِ أَضْلُعي *** أن أستريحَ إلى الحياةِ ذَليلا

أفديكِ بالنورِ المَليءِ بخاطِري *** من لايزال على الولا مجبولا

أفديكِ بالأهلِ الحنانِ و عطرِهمٍ *** أفديكِ بالألمِ المسافرِ طولا

أفديكِ يا أُمَّ الرسولِ و بضعَةً *** مِنْ روحِهِ، و لقد رَعَيْتِ رسولا

أفديكِ يا زوجَ الوصيّ وَ صِنْوَهُ *** يا خَيرَ امْرَأَةٍ سَمَوْتِ بتولا

أفديكِ يا أُمَّ المَصائَبِ و النُهى *** ما زالَ فَضلُكِ مُطْمَساً مَجْهُولا(2)

ما زالَ بيتُ الحُزنِ شاهدَ ماجرى *** و بقيعُ تُرْبِكِ نَحْوَنَا مَقْفولا

ما زالَ دَمْعُكِ في حَنايانا لَظَّى *** بُرْكانَ نورٍ لَمْ يَزَلْ مَشْعولا(3)

ما زالَ حَرْفُكِ يَسْتَفِزُ عُروقَنا *** وَ يُحيلُها غَضَباً بِنا وَصَليلا

ما زالَ كَفُّكِ وَ النَّبِيُّ يُذيقُهُ *** مِنْ فَرْطِ مَنْزِلَةٍ لَكِ تَقْبيلا

ما زالَ آخِرَ مَنْ يُوَدِّعُ بَيْتَكِ *** وَ تَفيضُ غُرَّتُهُ بِكِ تَهْليلا

وَ يَعودُ يَفْتَتِحُ اللّقاءَ بِعَتْبَةٍ *** قَدْ شَرَّفَتْ ذرّاتُها جِبْريلا

ص: 159


1- عبقاً: ذا رائحة زكية طيبة.
2- النُهى: العُقول لأنها تنهى عن القبيح. «مختار الصحاح».
3- حنايانا: (الحنايا) الصدور.

وَ الذِكرُ مِنْ كَلِم الإله يموجُ في *** أَجوائِهِ قَدْ رُتْلَتْ تَرْتيلا

وَ بِهِ الزبورُ تَلَتْهُ أَمْلاكُ السَّما *** وَ صَدَى الْمَسِيحَ يُرَتِّلُ الإنْجيلا

يا مَنْ إذا رَضِيَتْ يُسَرُّ الهُنا *** وَ تُضيءُ جَنَّاتُ النَعيمِ حُقولا

و إذا تَقولُ تسمَّرَتْ حُكَمَاؤُهُمْ *** لِسَماع أصْدَقِ لَهْجَةٍ تأْويلا

يامَنْ بِها سِرُّ عَظيمٌ، مُودَعٌ *** وَ الرّحْمَةُ الكُبرى تَضوعُ شُمولا(1)

وَ الكَوْثَرُ الْمِعْطاءُ مِنْ رَبِّ السَّما *** كانَ الإلهُ لِوارِديه کَفيِلا

هُبّي نَسيماً في الصَباحِ عَليلا *** فَوْقَ الجِراحِ وَ أَشْعِلي قِنْدِيلا

بُورِكتِ في يومٍ أَغَرَّ باسمٍ *** لمْ تَرتضِ الأملاكُ عنهُ بَديلا(2)

صَلّى الإلهُ عليكِ يا حوريةً *** عُجنَتْ بنورِ العرشِ وَ هْيَ الأُولى

صَلّى على الغضبِ الجَموحِ تُحيلُهُ *** خِطَبٌ تَناثَرَ حُزنَهَا إزميلا

في الناسِ يَنحتُ حُبَّ آلِ محمدٍ *** رغمَ الزمانِ إِذا يَمُرُّ عَليلا

صَلّى على الدَمعِ المُقَدَّسِ غامرٍ *** ينسابُ من تلك العيونِ طويلا

صَلّى على الأناتِ في بيتٍ سَمَتْ *** أحزانُ روحكِ ليلكاً، و نخيلا

في كلِّ رُكن فيهِ وَ اصْطَفَت بِهِ *** أَملاكُ رَبِّي تستفيضُ عَويلا

يا رحمةَ الرحمنِ زادي نافِذٌ *** و العمرُ حَثَّ إلى الفناءِ رَحيلا

خَفَّتْ مَوازيني فَعُذْتُ بحبّكُمْ *** وَ غدا المُقَصَّرُ في وَلاك ثقيلا

وَ تَجَسَّدَ الحُبُّ المُطَهَّرُ في دمي *** في الروح و الجسمِ الكليل جزيلا(3)

فأَحالني صَباً، سقيماً في الهوى *** صَرَعَتْهُ أَخلاقُ الكِرامِ قَتيلا

و بنارِ وجدي ذُبتُ و لهاناً بكم *** و قدالتَمَسْتُ إلى الإلهِ سبيلا

ص: 160


1- تضوع: تفوح رائحتها.
2- أغرّ: أبيض.
3- الكليل: المتعَب.

وَهَفا رمادي نَحوَ يومِكِ قاصداً *** أرنو من الأوزار فيه غَسيلا(1)

أَمَّلْتُ نفسي بالأمانِ يَلفُّني *** وَ هَرعْتُ نَحْوَكِ آملاً، وَ دَخيلا

و لقد عرفتُكِ باب رحمةِ خالقي *** ظِلاًّ سخياً و ارِفاً، و ظليلا

فَأَتيتُ و الأوزارُ تُثْقِلُ مِشْيَتي *** والياسُ أَخَّرَني وزادَ قَليلا

لكنّما بابُ النجاةِ تَفَتَّحتْ *** وَغدا الفؤادُ بحبّكُم مَغسولا

والحاقدُ المأفونُ إبليسٌ غَدا *** في عُرس يومِك صاغِراً مَغلولا(2)

فتعالي يا سرَّ الإلهِ بِخَلْقِهِ *** نَحْوَ النفوس التائقاتِ وصولا

هُبّي نَسيماً في الصباحِ عَليلا *** فوق الجراحِ و أشعِلي قنديلا

ص: 161


1- هفا: تطلّع بلهفة.
2- المأفون: و هو ضعيف العقل و الرأي. صاغراً: (الصاغر) الراضي بالضيم «مختار الصحاح».

(7) أين قبر البتول علیها السلام؟

(بحر الرّمل)

الأستاذ جابر الكاظمي(*)(1)

ص: 162


1- (*) هو أبو علي الحاج جابر بن جليل بن كرم بن راهي البديري الكاظمي. ولد في مدينة الكاظمية المقدسة سنة (1375ه_ -1956م). نشأ و تربى في ظل أسرته تحت رعاية والديه الصالحين، فأثرت في نشأته العراقة الوراثية، إلى جانب تثقيفه الذاتي و ذكائه المفرط، فترعرع في بيئة عبقت أرجاؤها بأريج الحب الطاهر، لمن أذهب الله عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً. أنهى الدراسة الإعدادية في عام (1974م) متجهاً إلى دراسة علوم الدين و الأدب، متوغلاً في الكثير منها، من نحو و صرف و منطق و معان و بيان و أصول و فقه. أساتذته: الشيخ محمد صادق الخالصي، و الشيخ حامد الواعظ. هاجر من العراق عام (1980م) متجهاً إلى سوريا، و في سنة (1982م) سافر إلى إيران، و في سنة (1990م) استقر في لندن. ابتدأ بقرض الشعر سنة (1972م) فكان أول بيت قاله: (مددت فوق الخذوم نحرا *** جعلته للخلود جسرا) و يعد المترجَم له من أعلام الأدب، و من مفاخر الشعراء الشعبيين، و ينظم بالفصحى و الدارج، و هو مكثر و سريع في النظم، و قد شاهدته مراراً و هو ينظم شعره قبل الإلقاء بلحظات، و هذا يدل على قدرته و تمكّنه من النظم. ذاب في أهل البيت علیهم السلام فرأى من بركاتهم معالم الأريحية و الصفاء، و انجذبت براعته لترجمة واقعة الطف في أروع الصور المبتكرة، فترك مؤلفات مطبوعة عديدة منها: 1- الدموع الناطقة 8 أجزاء. 2- ألف بيت في تاريخ أهل البيت علیهم السلام. 3- أبوذية جابر الكاظمي. 4- الأغاريد في المدح و المواليد. 5- مصباح أمس. و لايزال المترجَم له، يمارس دوره الأدبي في مختلف الأبعاد.

سائلاً بِالْمُصابْ *** مَنْ يَرُدُّ الجَوابْ؟

يابنَ عَمِّ الرَّسُولْ *** أيْن قَبْرُ البَتُولْ؟

***

ياعليّاً أَنْتَ رَمُزٌ *** وَ لَكَ التاريخُ يَشْهَدْ

يا أميراً يا مُجِيراً *** ياضَمِیراً لایُحَدَّدْ

أنتَ للأَيْتامِ کَهْفٌ *** أَنْتَ للمظلومِ مَقْصَدْ

كَيْفَ تَرْضَى بِمُصابٍ *** يَعْتَرِي بِنْتَ مُحَمَّدْ؟

أَرْضُنا وَالسَّماءْ *** حَلَّ فیها العَزاءُ

وَالمَعالِي تَقُولْ *** أَيْن قَبْرُ البَتُولُ؟

***

يا عَلِيّاً هُوَ خَطْبٌ *** جازَ آفاقَ الالخَیالِ

مِنْ مَلاعَيْن دِهاقاً *** شَرِبُوا كَأَسَ الضَّلاَلِ(1)

قتَلُوا الزَّهْراءَ حُزْناً *** دُونَ حَرْبٍ أَوْقِ اللَّيالِي

اللّیالِي حارَبَتْها *** حارَبَ اللَّه اللَّيالِي

وَ بِقَلْبِ حَزينْ *** نَسْأَلُ العَالَمِينْ

وَ نْرِيدُ الحُلُولْ *** أَيْنَ قَبْرُ البَتُول؟

***

قُتِلَتْ بِنْتُ مُحَمَّدْ *** إِنَّما حُزْناً و صَبْرا

فَمَنِ المَسْؤُولُ عَنْها *** ياعَلِيّاً أَنْتَ أَدْرى؟

قَوْمُ عادٍ وَ ثَمُودٍ قَدْ *** سَعَوْا في الأَرْضِ جَوْرا

ص: 163


1- دهاقاً: ممتلئة، طافحة.

وَ بِدَفْعِ البابِ عَمْداً *** سَحَقُوا لِلظُّهْرِ صَدْرا

بِفُؤادٍ جَرِیحْ *** ذاكَ صَوْتٌ يَصِيحْ

وَ بِدَمْعٍ هَطُولْ *** أينَ قَبْرُ البَتُولْ؟

***

أَوْصَت الزَّهْراءُ قالَتْ *** حِينَما تَدْفُنُ نَعْشِي

إِحْمِلِ النَّعْشَ مَساءً و *** ظَلامُ اللَّيْلِ يُغْشِي(1)

لا أُرِيدُ القَوْمَ تَأْتِي *** عندَ تَشْیِيِعِي وَ تَمْشِي

إِنَّهُمْ قَوْمٌ قُساةٌ *** نَهَشُونِي أَي نَهشِ(2)

إِنَّهُم مُجرمُون *** وَ إِذا یَسْأَلُونُ

حَذَراً لا تَقُولْ *** أَیْنَ قبرُ البَتُولْ

***

یا عَلِیّاً لکَ قَلْب *** ذابَ مِنْ هَوْلِ السِّنِینِ

وَ دَفَنْتَ الطُّهْرَ سِرّاً *** بِدُمُوعٍ و أَنِینِ

وَ عَلَى القَبْرِ تُنادِي *** خاطِبِينِي کَلِّمِینِي

أَلِكَسْرِ الضّلْعِ أَبْكِي *** أَمْ لإسقاطِ الجَنِينِ؟

وَ بِصَدْرٍ کَئِيبْ *** ضاقَ صَدْرٌ رَحِيبْ

وَ سُؤالٌ يَجُولْ *** أَيْنَ قَبْرُ البَتُولْ؟

***

دُفِنَتْ أُمُّ أَبیها *** بَیْنَ أَطْباقِ التُّرابِ

ص: 164


1- يغشي: يُظلم.
2- نهشوني: نهسوني، تناولوني بأفواههم ليعضوني.

فَلْنُنادِيا مُحَمَّدْ *** بِدُمُوعِ الإکْتِئابِ

كُنْتَ تُوصِي القَوْمَ جَهْراً *** بِالبَنين وَ الكِتابِ

هَكَذَا حِفْظُ الوَصايا *** جاءَ مِنْ شَرِّ الصِّحابِ

خاتَمُ الأنبياءْ *** قَدْ َأتاك الجَزاءْ

مِنْ زَمانٍ جَهُولْ *** أينَ قَبْرُ البَتُولْ؟

***

أَيُّها الأَجْيالُ قُومُوا *** البَسوا ثَوْبَ العَزاءِ

وَ خُذُوا الثَّأَرَ جِهاراً *** مِنْ بُغاةٍ أَدْعِیاءِ

خَاطِبُوا البابَ وَ قُولُوا *** بِعَوِيلٍ وَ بُكاءِ

أَيُّ ضِلْعِ کَسَرُوهُ *** وَ جَرَتْ أَيُّ دِماءِ

فاضَ دَمْعُ الجفُونْ *** مِنْ بُحور العُيونْ

حُزننا لَنْ يَزُولُ *** أَينَ قَبْرُ البَتُولْ؟

ص: 165

(8) الصديقة الكبرى علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ جعفر عباس الحائري(*)(1)

تَجَلَّدْ إنْ عَدَتْ غِبَرُ اللَّيالِي *** عَلَيْكَ وَ كُنْ كَأَطْوادِ الجِبالِ(2)

وَ لاتَجْعَلْ قَناتَكَ ذاتَ لِينٍ *** وَ صَيِّرْها كَأَعْوادِ العَوالِي(3)

تَدَرَّعْ في التَّصْبُّرِ فَهُوَ دِرْعٌ *** تَقِي الصَبَّارَ مِنْ حَدِّ الصَّقالِ(4)

فَإِنَّ حَوادِثَ الأيام تَثرَى *** وَ في الأَغْلالِ نَرْسُفُ وَ الحِبال(5)

و بالإِجْبارِ قَدْ غادَرْتُ دارِي *** وَمِنْ بَعْدِ الوصالِ أتى انْفِصالِي

مِنَ الأَحْبابِ وَ الأصْحابِ طُرّاً *** وَ مِنْ أختي -أخي- أبناءِ خالي

رَأيْتُ معَالمِي تَنْهارُ عَسْفاً *** وَ تَشْتِيتاً لعائِلَتِي وَآلِي(6)

وَ جَنّاتي تُحالُ إلى بَوارٍ *** بَلاقِعَ لَيْسَ فِيها مِنْ ظِلالِ(7)

و يُقْلَعُ جَذْرُ أغْراسِي اقْتِلاعاً *** وَ بالإكراهِ قَدْ شُدَّتْ رِحالي

وَ غَادَرْتُ العِراقَ على اكْتِرابٍ *** وَ أحْزانٍ و في إقلالِ بالِي

ص: 166


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- تجلّدْ: تصبر و اصبر أطواد: الجبال العظيمة.
3- قناتك: رمحك.
4- الصقال: السيوف.
5- تترى: متتابعة. نرسف: نمشي مشية المقيَّد.
6- عسفاً: ظلماً و جوراً.
7- بوار: هلاك، دار البوار: جهنم. بلاقع: أقفار.

وَ كانَ تَوغُّلي في الشَّيْبِ يَقْضِي *** عَلَى الأَمالِ في تَغْيِيرِ حالِي(1)

يؤوساً قانِطاً أُحْيِي ليالِ *** وَ أَشْهَدُ في مَواقِدِها اشْتِعالِي

عَواصِفْ صَیَّرَتْ دارِي طُلُولاً *** كَأني قد بَنَيْتُ عَلَى الرِّمالِ

وَمَا أَنَا بِالَّذِي قَدْنُؤْتُ ظَهْراً *** بأَحْمالٍ من الكُرَبِ الثِّقالِ(2)

وَحِيداً في تَحَمُّلِيَ الرَّزايا *** وَ ما أَفْرَرْتُ في هذا المَجال

فَمَنْ رُزِقَ الحَياةَ رَأى غراماً *** وَ عاشَ يَنُوءُ بالدّاءِ العُضالِ(3)

وَ قَدْ هَدَّتْ أضالِعَهُ سِهامٌ *** وَ صارَ فُؤادُهُ غَرَضَ النَّبالِ(4)

فهذي بنتُ أَحْمَدَ حَيْثُ كَانَتْ *** عَلَى قِمَمِ المَكارِمِ و الكَمالِ

تَرَبَّتْ في حُجُورٍ طَاهِراتٍ *** و أحضانِ الفَضِيلةِ و المَعالِي

حَباها المُصْطَفَى حُبّاً وَ أعْطَى *** دَلِيلاً في المَقالِ و في الفِعالِ(5)

يُوَدِّعُها لَدَى التَّرْحالِ وُدّاً *** وَ يَقْصُدُها لَدَى حَطِّ الرِّحالِ

يُقَبلُ كَنَّها عَجَباً أَبُوها *** رَسُولُ اللَّهِ يَا عِظَمَ الدَّلالِ(6)

ص: 167


1- توغلي: الدخول في أقصى الشيء.
2- نُؤْتُ: نهضت مثقلاً.
3- ينوء: ينهض بجهد و مشقة.
4- غرض: هدف.
5- حباها: أعطاها من غير مقابل. و في البيت إشارة إلى تعلّق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالزهراء علیها السلام وحبُّه لها و قد تقدم ذكر ذلك نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج4 ص328. و كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40، و كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص378، و كتاب تهذيب التهذيب له أيضاً ج12 ص441، و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص523، و كتاب ذخائر العقبى ص36، و كتاب بحار الأنوار ج43 ص23 و ص54.
6- في هذين البيتين إشارة إلى مرور الرسول صلي الله علیه و آله و سلم بالزهراء علیها السلام عند سفره و بعد مجيئه منه و تقبيله إياها. ففي كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 قال: عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة علیها السلام». و في كتاب مسند أحمد ج5 ص275 و كتاب السنن الكبرى للبيهقي ج1 ص26 قالا: «عن ثوبان مولى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان أهله فاطمة علیها السلام و أوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة علیها السلام. و ذكره الحاكم في كتابه المستدرك ج3 ص156. و في كتاب المستدرك ج3 ص154 قال: «عن عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً من فاطمة علیها السلام برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و کان إذا دخلت عليه رحب بها و قام إليها فأخذ بيدها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه». و ذكره البيهقي في كتابه السنن الكبرى ج7 ص101. و في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص203 قال: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً و هدياً و دلاً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام و كان إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه و كان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبَّلتها و أجلسته في مجلسها.

وَ قال أحَبَّنِي مَنْ وَدَّ بِنْتِي *** وَ فِي إِغضابها إيَّايَ قالِي(1)

وإجلالاً لِفَاطِمَةٍ يَرَاها *** كأم في المَهَابةِ و الجلالِ

يُصَرِّحُ أَنَّها بِنْتِي وَ أُمِّي *** وَ مِني بَضْعَةٌ و بِها اكْتِمالي(2)

ص: 168


1- قال: مبغضني. إشارة إلى حديث فاطمة علیها السلام بضعة منّي... الخ. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يُريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». ذكره أبونعيم الأصفهاني في حلية الأولياء ج2 ص40. و ابن حجر العسقلاني في الإصابة ج4 ص378. و ذكره أيضاً في تهذيب التهذيب ج12 ص441. و في كتاب البحار ج43 ص23 قال: عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني فاطمة علیها السلام أعز الناس عليَّ علیه السلام». وفي كتاب البحار أيضاً ج43 ص54 قال: عن مجاهد قال: خرج النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بید فاطمة علیها السلام فقال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، و هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبَّي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.
2- هذين البيتين إشارة إلى ما روي من أنها كانت تنادى بأُمِّ أبيها ففي كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1899 قال: «عن جعفر بن محمد علیه السلام:قال كانت كنية فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أم أبيها». و في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص520 قال: وكانت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نكنّى أم أبيها. و في كتاب البحار ج43 ص19 قال: عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبيه علیه السلام أن فاطمة علیها السلام كانت تكنى أُمُّ أبيها.

بِفَرْحَتِها سُرُورِي و ابْتِهاجِي *** و في إِيذاءِ فاطِمَةٍ أَذًى لِي

أعَزَّ اللَّهِ إِيَّاها وَ فِيها *** أَبانَ بَدِيعَ صَنْعَةِ ذِي الجَلالِ

مُطَهَّرَةٌ بَراهَا فَهيَ أَنْقَى *** مِنَ الأنْداءِ و الماء الزُّلالِ(1)

أَبُوها سَيْدُ الكَوْنَيْنِ أَثْنى *** عَلَيْهِ اللَّهُ في طِيبِ الخِصالِ

عَلِيٌّ بَعْلُها هَلْ مِنْ شَبِيهٍ *** لِصِنْوِ المُصْطَفَى أَوْ مِنْ مِثال؟

أما كانَتْ إلى الحَسَنَيْنِ أُمَّاً *** وَ لِلْمرْجانِ بَحْراً والَّلآلِي؟(2)

لَها أَصْلابُ أَفذاذٍ كِرامٍ *** شَوامخَ وَ هْيَ تَعْلُو كُلَّ عَالِي(3)

ص: 169


1- إشارة إلى ما روي في الأخبار من أن الزهراء عليها السلام طاهرة مطهرة. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 قال: عن أسماء قالت: قبَّلتُ أي ولدت فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام فلم أر لها دماً فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني لم أر لها دماً في حيض و لانفاس فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لايرى لها دم في طمث ولا ولادة. و في كتاب مصباح الأنوار كما في كتاب البحار ج43 ص19 قال: «عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة لافي طمث و لانفاس. وفي ص16: عن أبي عبدالله علیه السلام قال: حرَّم الله النساء على علي ال ما دامت فاطمة علیها السلام حيَّة لأنها طاهرة. و في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310 قال: «عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما جا سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال نقصان».
2- إشارة إلى قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ *... يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» [سورة الرحمن آية:19-20 و 22]. ففي كتاب تفسير القمي ج2 ص344 قال: عن يحيى بن سعيد القطاف قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: في قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ»قال: علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال الحسن و الحسين علیهما السلام. و قال علي بن إبراهيم في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» أميرالمؤمنين و فاطمة علیهما السلام «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» الحسن و الحسين علیهما السلام. و ذكره المجلسي في البحار ج43 ص32. و ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج4 ص142.
3- أفذاذ: أفراد.

عَلَى عَدَدِ النُّجومِ لَها الدَّرَارِي *** وَ هُمْ عَمَدُ البِلادِ بِلا جِدالِ

و زِينَتُها و رَوعَتُها وَ فِيهِمْ *** جَمَالُ الأرْضِ أَعْظَمُ مِنْ جَمالِ

فَهَلْ لِلشَّانِئِينَ لَها وَجُودٌ *** لأَنْسالِ لَهُمْ بَيْنَ الرِّجالِ(1)

لَها في آيةِ النَّظَهِيرِ شَانٌ *** وَ فِي القُرْبَى لَها أَقْوَى اتِّصالِ(2)

بِطه فَهُوَ والِدُها فَأَكْرِمْ *** بِبِنْتِ أَحْرَزَتْ صِفَةَ الكَمالِ

و دُرَّتُهُ الثَّمِينَةُ حَيْثُ تَبْقَى *** مَدَى الأغصارِ أَغْلَى كُلِّ غالي

وَ كانَتْ في مُباهَلَةِ النَّصَارَى *** تَرى عَلَماً غَداةَ الابتهالِ(3)

ص: 170


1- الشانئين: المبغضين مع العداوة.
2- إشارة إلى آية التطهير و آية القربى. وقد مر ذكرهما. نقلاً عن المستدرك على الصحيحين ج3 ص147. و كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و كتاب مجمع الزوائد ج9 ص170. و تفسير الدر المنثور للسيوطي ج4 ص177. و مجمع الزوائد و منبع الفوائد للهيثمي ج7 ص52. و كنز العمال للهندي ج3 ص767 ح8696.
3- إشارة إلى آية المباهلة المشتركة بين الزهراء علیها السلام و بقية أهل البيت علیهم السلام. ففي كتاب صحيح الترمذي ج5 ص225 قال: عن سعد بن أبي وقاص قال: لما أنزل الله هذه الآية «ندع ابناءنا و أبناءكم» دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام، فقال: اللهم هؤلاء أهلي. و رواه الحاكم في كتابه المستدرك ج3 ص150، و المحب الطبري في الذخائر ص25 و البيهقي في كتابه السنن الكبرى ج7 ص63. و في تفسير الدر المنثور ج2 ص38 قال: عن جابر قال: قدم على النبي صلي الله علیه و آله و سلم العاقب و السيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم قال: «كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام»، قالا: فهات قال: «حب الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير» قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فوعداه إلى الغد فغدا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرا له، فقال: «والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً، قال جابر فيهم نزلت «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» [سورة آل عمران الآية:61] الآية قال جابر: أنفسنا و أنفسكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي علیه السلام و أبناءنا الحسن و الحسين علیهما السلام و نساءنا فاطمة علیها السلام.

وَآياتٌ مِنَ القُرْآنِ جاءَتْ *** يُشَمُّ بِذِكْرِها طيب الغَوالِي

أتى في «هَلْ أَتى» ذِكْرٌ جَمِيلٌ *** لَها فِي الرائعات من الخِلالِ(1)

لفاطِمَةَ المَكارِمُ سَجَّلَتْها *** يَدُ التاريخ في صِدْقِ المَقالِ

و أَعْطَى المُصْطَفَى الرَّحْمَنُ خَيْراً *** بِكَوْثَرِهِ فَأَعْظِمْ مِنْ نَوالِ(2)

هِيَ الزهراءُ تَزْهَرُ في سَناها *** وَ تَدْفَعُ بالظلام إلى الزَّوالِ(3)

هِيَ الصَّدِّيقَةُ الكُبْرَى تَجَلَّتْ *** صِفاتُ الخَيْرِ فيها و الجَمالِ(4)

ص: 171


1- إشارة إلى سورة هل أتى على الإنسان و نزولها في علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام ففي كتاب أسباب النزول للواحدي ص296 قال: قوله «تعالى»: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا» [سورة الإنسان آية8] قال عطاء عن ابن عباس: «و ذلك أن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» نوبة آجر نفسه يسقي نخلاً بشيء من شعير ليلة حتى أصبح و قبض الشعير و طحن ثلثه فجعل منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فاطعموه و طووا يومهم ذلك فأنزلت فيهم هذه الآية». و ذكره محب الدين الطبري في ذخائره ص102. و قال السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص299 في ذيل تفسير قوله «تعالى»: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا و يتيماً و أسيراً) [سورة الإنسان آية:8] قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب و فاطمة علیهما السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص530 مفصلاً. و الشبلنجي في كتابه نورالأبصار ص102 و في فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص303.
2- نوال: عطاء. و في البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي الكوثر و قد مرّ ذكره للفخر الرازي ج32 ص124، و البيضاوي في أنوار التنزيل و أسرار التأويل مخطوط ص1156 کما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص352 لآية الله السيد صادق الشيرازي.
3- إشارة إلى أنَّ الزهراء علیها السلام كانت تزهر بأنوارها و تقدم ذكر ذلك نقلاً عن كتاب بحار الأنوار ج43 ص12 و علل الشرائع ج1 ص215 و الصدوق في كتابه معاني الأخبار ص64 ح15 و البحار أيضاً ج43 ص16.
4- إشارة إلى أنها صديقة كما في الحديث. ففي كتاب الرياض النضرة ج2 ص202 قال: روى أبوسعيد في شرف النبوَّة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: «أتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لاأنا، صهر مثلي و لم أوت أنا مثلي، و أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة، و أوتيت الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم منّي و أنا منكم». و جاء في كتاب الكافي ج1 ص458 قال: «عن أبي الحسن علیه السلام قال: إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة». و في كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1 ص218 قال: عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: جعلت فداك من غسل فاطمة علیها السلام؟ قال: ذاك أميرالمؤمنين علیه السلام. قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله، فقال: كأنك ضقت مما أخبرتك به، قلت: قد كان ذلك جعلت فداك قال: لاتضيقنَّ فإنها صدّيقة لايغسلها إلا صديق أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى علیه السلام.

هي الإِنْسِيَّةُ الحَوْراءُ تَسْمُو *** وَ تَرْقَى فَوْقَ هاماتِ القِلالِ(1)

هِيَ المَرْضِيَّة العَذراء طابَتْ *** بنَفْحَتِها الأواخِرُ والأوالي(2)

ص: 172


1- إشارة إلى أنها علیها السلام حوراء إنسية. ففي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج5 ص87 قال: «عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبلتها حتى تجعل لسانك في فيها كله كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إني لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريل الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة و هي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها». وفي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: «عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إذ لم تحض و لم تطمث إنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن الله عز وجل فطمها و محبيها عن النار». و في كتاب البحار ج43 ص42 قال: الصادق علیه السلام أنه كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يكثر تقبيل فاطمة علیها السلام فأنكرت عليه بعض نسائه فقال: «إنه لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلتها فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة علیها السلام ففاطمة علیها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي».
2- إشارة إلى أنها علیها السلام مرضيَّة. ففي كتاب البحار ج43 ص10 قال: عن أبي عبدالله علیه السلام: لفاطمة علیها السلام تسعة أسماء عندالله «عزوجل» فاطمة علیها السلام و الصدّيقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية، و المرضية و المحدّثة، و الزهراء علیها السلام ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة علیها السلام؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر قال: ثم قال: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام لاتزوّجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه نقلاً عن علل الشرائع للصدوق ج 1 ص212، و الخصال له أيضاً ص414.

وَ سَيّدَةُ النِّساءِ وَ مَن سواها *** لَها شَرَفُ السِّيادَةِ و التَّعالي(1)

رضا الرَّحمن يَحْصُلُ في رضاها *** و دُونَ رِضائها طَلَبُ المحالِ(2)

و رَغْمَ جَلالِها وعظيم قَدْرٍ *** أُحِيطَتْ بالمَكارِهِ و الكَلالِ

رَأَتْ ظُلماً و هَضْماً و انْتِهاكاً *** لِحُرْمَةِ دارِها ذاتِ المَعالِي(3)

عَلِمْنا أَنّها عاشَتْ زَماناً *** قَصِيراً بَعْدَ طه في اعْتِلالِ

فما أَسْبابُ عِلَّتِها؟ لماذا *** تَعِيش على التَّضَجُرِ و المَلالِ؟(4)

غَدَتْ تَشْكُو لوالِدِها هُمُوماً *** و تَسْأَلُ هَلْ دَرَيْتَ بما جَرَى لِي؟

ص: 173


1- تقدم ذكر ذلك نقلاً عن كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص156، و كتاب مسند أحمد بن حنبل ج6 ص282، و كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص27، و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522، و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص43، و كتاب ينابيع المودة للقندوزي ج1 ص199.
2- إشارة إلى ما روي من أن الله يرضى لرضاها و يغضب لغضبها «سلام الله عليها». و تقدم ذكره نقلا عن كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص153. و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522، و كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر ج12 ص441، و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص39.
3- في البيتين إشارة إلى انتهاك حرمة الزهراء علیها السلام يوم هجومهم على دارها و تقدم ذلك نقلاً کتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد، ص37، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19.
4- في البيتين إشارة إلى المدة القصيرة التي عاشتها الزهراء علیها السلام بعد أبيها و علتها و حزنها. ففي كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 قال: «روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهَّدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة؟ بعد مرة أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلايدعكما تمشيان على الأرض و لاأراه يفتح هذا الباب أبداً و لايحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما؟ ثم مرضت و مكثت أربعين ليلة ثم دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و علياً و أوصت إلى علي بثلاث: أن يتزوج بابنة أختها أمامة لحبها أولادها و أن يتخذ، نعشاً، كأنها كانت رأت الملائكة تصوّروا صورته و وصفته له و أن لايشهد أحد جنازتها ممن ظلمها و أن لايترك أن يصلّي عليها أحد منهم».

مَصائِبُ لَوْعلى الأيَّامِ صُبَّتْ *** احالَتْها إلى سُود الليالي

أَبِي مِنْ بَعدِ وَجْهِكَ ضِقْتُ ذَرْعاً *** و قَلْبِي بِالتَّصَبُرِ غَيْرُ سالِي

رفاقُكَ في جَفاءٍ عامَلُونِي *** بماما مرَّ في خَلَدِي وَ بَالِي(1)

قَضَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ أسى و حُزْناً *** وَ أَحْزَنَتِ المُقالِي و المُوالِي(2)

و أَبْكَتْ أَعْيُنَ الدُّنْيا اكْتِراباً *** و ما انْفَكَّتْ بِحُزْنِ و انْذِهَالِ(3)

مِنَ المَأساةِ إِذْ فِيها عَلِيٌّ *** لَهُ قَلْبٌ بِنارِ الفَقْدِ صالي(4)

وَ لِلْحَسَنَيْن أَدْمُعُ جارياتٌ *** وَ أَنَاتٌ لِزَيْنَبُ و العِيالِ

وباتَتْ أُمَّةُ الإسلام تَبْكِي *** بِرغْمِ مُرورِ أَعْوامِ طِوالِ

كَبَدْرٍ قَدْ أَضاءَتْهُمْ وَ غابَتْ *** عَنِ الأَنْظارِ في عُمْرِ الهِلالِ

وَ في تَشْيِيعها نَفَرٌ قَلِيلُ *** أَعانُوا الفاقِدِينَ مِنَ الرِّجالِ

وَ قالُوا إِنَّها دُفِنَتْ بِلَيْلٍ *** لِماذا مَنْ يَرُدُّ على سُؤالي

ص: 174


1- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام إلى أبيها صلي الله علیه و آله و سلم و تقدَّم ذكر ذلك مفصلاً نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب أنوار البحار ج43 ص156.
2- المُقالي: المبغض.
3- هذين البيتين إشارة إلى حزنها علیها السلام و بكائها. في كتاب البحار ج43 ص177 قال: ضمن حديث طويل «ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمّى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها». و في كتاب رحلة ابن جبير ص174 قال: «ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب إلى فاطمة علیها السلام بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم يعرف ببيت الحزن يقال: إنه الذي آوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم». و قال في البحار ج43 ص195 قال: عن أبي عبدالله علیه السلام يقول: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً لم تر كاشرة و لاضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين و الخميس فتقول: ههنا كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ههنا كان المشركون.
4- صالي: محترق.

وَ أَخْفَوْا قَبْرَها وَ أَسَى عَلَيْها *** أَبَلُوا القَبْرَ بالدَّمْعِ المُذالِ(1)

وَ لَسْتُ أمِيلُ في ذِكْرِ الرَّزايا *** و ما حَفِلت بها الحِجَجُ الخَوالي

مِنْ الأحْداثِ مِنْ تَفْرِيق شَمْلٍ *** وَ مِنْ فِتَنِ ومِن قِيل وَ قالِ

: 175


1- المذالِ: المسفوح. و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى تشييع الزهراء علیها السلام من قبل عدد قليل و دفنها ليلاً و إخفاء قبرها «سلام الله عليها». ففي كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن تاريخ أبي بكر بن كامل «أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيَّبوا قبرها». و في تاريخ الطبري: أن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي علیه السلام و المقداد و الزبير. و قال: و في رواياتنا أنه صلّى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و في رواية و العباس و ابنه الفضل. و في رواية حذيفة و ابن مسعود». و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: «أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك». و قال ابن شهرآشوب أيضاً في نفس الصفحة المذكورة: عن الأصبغ بن نباتة أنه سئل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من تولاهم أن يصلي على أحدٍ من ولدها. و روي أَنه سوّى قبرها مع الأرض مستويا و قالوا: سوّى حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايُعرف قبرها و روي أنه رش أربعين قبراً حتى لايبيّن قبرها من غيره فيصلوا عليها. و ذكر هذا كله في كتاب البحار ج43 ص183. و في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898 قال: «قيل توفيت الزهراء علیها السلام يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان و غسلها زوجها علي «رضي الله عنه» و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلاً». و في كتاب ذخائر العقبى ص54 قال: و دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي «رضي الله عنه» أن يدفنها ليلاً». و في كتاب البحار ج43 ص212 نقلاً عن كتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى قال: «تولى غسلها و تكفينها أميرالمؤمنين علیه السلام و أخرجها معه الحسن و الحسين علیهما السلام في الليل و صلّوا عليها و لم يعلم بها أحد، و دفنها في البقيع و جدّدَ أربعين قبراً فاستشكل على الناس قبرها فأصبح الناس و لام بعضهم بعضاً و قالوا: إنَّ نبينا الله صلي الله علیه و آله و سلم خلف بنتاً و لم نحضر وفاتها و الصلاة عليها و دفنها، و لانعرف قبرها فنزورها ... الخ».

نَتِيجَةَ ظُلم فاطِمَةٍ أراها *** و مَا فِي قَوْلَتي هذي أُغالِي(1)

بأَجْفانِ مُقَرَّحَةٍ بَكَيْنا *** وَ صَفَّقْنا اليَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ

فَمَا بَرأتْ جُرُوحُ القَلْبِ فِيها *** وَ لَيْسَ لها لنا أمَلُ إِنْدِمالِ

أسلمُ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ دَوْماً *** عَلَيْها بعدَ ذِكْرِي و ابْتِهالي

و أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَزاءُ وُدّي *** إلى أعْتابِ مَرْقاها مآلِي

ص: 176


1- أغالي: أبالغ.

(9) و ما ذنب فاطمة علیها السلام

(بحر المتقارب)

السيد ميرزا جعفر القزويني(*)(1)

ص: 177


1- (*)هو السيد ميرزا جعفر ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد حمد ابن السيد محمد الحسيني القزويني الحلي مولداً و منشأ و مسكناً في سنة (1253ه_). نشأ على والده فعني بتربيته و وجهه أحسن توجيه، فقد غذاه بأخلاقه وطبعه الكريم و لقّنه مبادىء العلوم تلقيناً كان يعرب عن فن و حسن ذوق و هاجر إلى النجف الأشرف فاتصل بأخواله الأعلام من آل كاشف الغطاء منهم العلامة الشيخ مهدي نجل الشيخ علي، فقرأ عليه كثيراً من العلوم و حضر حلقات درسه في الفقه الإسلامي، و في الأصول على الشيخ مرتضى الأنصاري و الملا محمد الأيرواني. ثم عاد راجعاً إلى الحلة بعد أن أشعر أساتذته و أعلام عصره أنه بلغ مرتبات الكمال و حصل على الغاية المنشودة من طلب العلم و أصبح أهلاً لأن يرجع إليه الناس في الرأي و الدين، و عند وصوله الحلة هرعت الجماهير إليه و زحف الكبير و الصغير فاستقبلوه من منتصف الطريق فكان يوماً مشهوداً عمَّت به الأفراح ذلك البلد و أهله، و لما استقرَّ به المكان تولّى الزعامة الاجتماعية و الدينية التي كانت تفتقر إلى مثله وبذلك قام بإدارة مهمات أبيه و أهالي مدينته فكان القائد المحنّك و الزعيم المحبوب و الخطيب المفوَّه و الشاعر المطبوع، و يظهر من مقامه الاجتماعي و الديني أن الشعراء على مختلف عناصرهم و بيئاتهم قصدوه و مدحوه و سجّلوا كثيراً من الخواطر الودية و العواطف الرقيقة التي برهنت على خالص الولاء، و في طليعة من مدحه و أكثر صديقه الشاعر الكبير السيد حيدر الحلي، فقد ملأ ديوانه بحبه و ولائه لهذا العلم الفرد. و بالنظر لمقامه الإجتماعي و مركزه الديني، فقد ذكره جمع من أعلام المؤرخين و أرباب السير منهم العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء صاحب (الحصون المنيعة) فقال ما نصه: كان عالماً فقيهاً أصولياً بليغاً رئيساً جليلاً مهاباً مطاعاً لدى أهالي الحلة مسموع الکلمة عند حكّامها و أمرائها، و لما هاجر أبوه إلى النجف الأشرف في أواخر حياته استقل هو بأعباء الرئاسة في الحلة ،وأطرافها فكان فيها مرجع الفقراء و موئل الضعفاء، تأوي إلى داره الألوف من الضيوف لأجل حوائجهم و هو يقضيها لدى الحكام و ولاة بغداد غير باخل بجاهه مما ترك ألسنة الخاصة و العامة تلهج بالثناء عليه إلى اليوم، و كانت الدنيا زاهرة في أيامه و عيون أحبابه قريرة في حياته. و ذكر السماوي في كتاب (الطليعة) أنه بلغه أن بعض الجند ضرب أحد طلبة العلم في النجف الأشرف على وجهه فغضب ثم مضى إلى دار الحكومة فدعا بالجندي و بالطالب فأمره أن يقتص منه بمثل ضربته. و عندما تقرأ سيرة المترجم له و إنجازه يتّضح لك ما كان يتمتع به من حسن إدارة و ذكاء مفرط و سياسة اجتماعية واسعة جمع بين الأضداد. و له من المؤلفات: التلويحات الغروية في أصول الفقه، و كتاب الإشراقات في المنطق و غيرها. توفي في الحلة فجأة في حياة أبيه و ذلك في المحرم من عام (1298ه_) و نقل جثمانه على الأكتاف إلى النجف الأشرف و كان يوماً مشهوداً في منطقة الفرات الأوسط، فقد ازدحمت الجماهير على حمله و هاج الناس حول نعشه كالبحر المتلاطم، فما تسمع إلا تهليلاً و تكبيراً ولعله يكون مصداقاً للحديث الشريف (عاشروا الناس معاشرةً إن عشتم حنّوا إليكم وإن متم بكوا عليكم) و صلى عليه الشيخ جعفر التستري و دفن في الصحن الحيدري مما يلي الرأس الشريف، و أقيمت له الفواتح في كل مكان، و تسابق العشرات من الشعراء في رثائه في النجف الأشرف و الحلة و غيرهما فكانت حلبة أدبية واسعة، و في طليعة الأدباء و الشعراء السيد حيدر الحلي و مطلع قصيدته: قد خططنا للمعالي مضجعا *** و دفنّا الدين و الدنيا معا و قد جمع السيد حيدر الحلي مراثيه في كتاب أسماه (الأحزان في مراثي خير إنسان).

هَجَرْتُ الغَواني و أَطْلالَها *** غَداةَ أَحالَ النَّوَى حالَها(1)

وَ لَمْ أَحْف عن حالِ سَلْمى السُّؤالْ *** وَ لَمْ أَسْأَلِ الأمْرَ سُؤَالَها(2)

وَ لَمْ أُتْبَع الحَيَّ طَرْفَ الشَّجي *** وَ قَدْ قَوَّضَ البَيْنُ أَحْمالَها(3)

لِرُزْءِ الَّذينَ بِهِمْ في الطّفُوفِ *** قَدْ بَلَغَتْ (حَرْبُ) آمالها

وَ أَمْسَتْ ديارُ الهُدَى بَعْدَها *** بِرَغْمِ الإمامةِ تَنْعَى لها

أَلا دَعْ قُرَيْاً وَ تَرْكاضَها *** بلَيْلِ الضَّلالِ وَ تَجْوالَها

وَدَعْ عنكَ ما فَعَلَ الأوَّلُونَ *** وإِن زَلْزَلَ الأَرْضُ زِلْزَالَها

ص: 178


1- الغواني: النساء الغنيّات بجمالهنَّ و حُسنهن عن الزينة. أطلالها: الآثار الشاخصة -النوى: البعد.
2- لم أحفَ: لم أكثر السؤال.
3- قوّض: هَدَّم، فرق. البَيْن: الفراق.

هُم مَنعوا فاطماً إرْثَها *** وَ حازُوا عَنِ الفَرْضِ انْفالَها(1)

و هُمْ نَقضُوا عَهْدَ (يَوْمَ الغَدِيرُ) *** لِمَنْ في المواقِفِ أَوْفَى لَها

وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ في حِفْظِهِ *** لِشِرْعَةِ أحمدَ إِكْمالَها

وَ هُمْ أَضْرَمُوا النّارَ في بيتِ مَنْ *** بِهِمْ يَقْبَلُ الله أَعْمالَها

و قَطْعُ الأَراكَةِ ظُلْماً أَبانَ *** مِنْ آلِ «قَيْلَةً» أَضْلالها

وَقَوْدُ «عَليَّ » بمَرْأى العُيُونِ *** أَعادَ مِنَ القَوْم أَذْحالَها

فما وَتْر «ضَبّةَ» في «هاشمٍ» *** لِتَطْلُبَ في كَرَّبَلا آلَها(2)

وَ ما ذَنْبُ «فاطِمَةٍ» عِنْدَهَا *** لِتَحْمِلَ في الأَسْرِ أطْفالَها

غَداةَ عَلَى حَرْبِ بَدْرِ الهُدَى *** غَدَتْ حَرْبُ تَجْمَعُ ضُلالَها(3)

ص: 179


1- انظر غصب فدك و منعها إرثها في كتاب/ ثم اهتديت للتيجاني السماوي؛ ص164 إذ يقول: فلا يسع المنصف العاقل إلاّ أن يحكم بخطأ أبي بكر إن لم يعترف بظلمه و حيفه على سيدة النساء علیها السلام لأن من يتتبع هذه المأساة و يطَّلع على جوانبها يعلم علم اليقين أن أبابكر تعمَّد إيذاء الزهراء علیها السلام و تكذيبها لئلا تحتج عليه بحديث الغدير و غيره على خلافة زوّجها و ابن عمها على و تجد قرائن عديدة على ذلك... ولكنها «أي الزهراء علیها السلام» غضبت عليه و لم تكلمه حتى ماتت لأنه ردَّ في كل مرة دعواها و لم يقبل شهادتها و لاشهادة زوّجها ولكل هذا اشتد غضبها عليه حتى أنها لم تأذن له بحضور جنازتها حسب وصيّتها لزوجها الذي دفنها في الليل سراً.
2- وتر: بكسر الواو و فتحها، الانتقام أو الظلم.
3- كتاب شعراء الحلة ج1 ص451 القصيدة (46) بيتاً.

(10) بكاء الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ جعفر الهلالي(*)(1)

أَوْرَثَ الخَطْبُ زَفْرةً و عَوِيلا *** يَوْمَ نالَتْ كَفُّ المَنُونِ الرَّسُولا

ذاكَ خَطبٌ دَهَى البَسِيطةَ بِالحُزْنِ *** وَغَطَى جِبَالَها وَ السُّهولا

وَ السَّماواتُ عَمَّها الحُزْنُ شَجُواً *** فَتَوارَتْ بها النُّجُومُ أُفُولا(2)

وَغَدَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ ثَكْلَى *** تَنْدُبُ اليَوْمَ قُطْبَها المَرْسُولا

وَ البَرايَا أَضْحَتْ تَنُوحُ اكتِئاباً *** لِمُصابٍ أَجْرَى الدُّموعَ سُيُولا

خاتَمُ الرُّسُلِ فَقْدُهُ قَدْ شَجانا *** فَأَطالَ المُصابُ مِنَّا العَويلا

و عَرَى الخَطْبُ لِلنّفوسِ فَأَضْحَتْ *** تَأْلَفُ الوَجْدَ بُكْرةً و أَصِيلا

طُوِيتْ صَفْحَةٌ مِنَ الخَيْرِ كَانَتْ *** لِلْمُنِيبِينَ هَادِياً وَ دليلا

و تَداعَتْ لِلانْقِلاب رِجالٌ *** حِينَ راحُوا يَسْتَجْمِعُونَ الذُّحُولا(3)

أَبْعَدُوا المُرْتَضَى الوَصِيَّ عَنِ الحُكْمِ *** عِناداً وَ أَوْسَعُوهُ نُكُولا(4)

تَرَكُوا الطُّهْرَ أَحْمَداً لَمْ يُوارُوهُ *** وَ هَبوا لايَهْتَدُونَ السَّبِيلا

ص: 180


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- توارت: غابت و اختفت.
3- الذُحول: الثأر و الانتقام.
4- النكول: مفرده النِكْل و هو القيد الشديد من أيّ شيءٍ كان -حديدة اللجام- الزمام أو النكول مصدرٌ بمعنى النكوص.

وَ اسْتَضامُوا الزَّهْراءَ وَ هْيَ الَّتِي لَمْ *** يَتْرُكِ المُصْطَفَى سِواها سَلِيلا(1)

بَضْعَةٌ مِنْهُ ما رَعَوْهَا وَلكِنْ *** أَغْضَبُوها و حارَبُوا التَّنْزِيلا

جرَّعُوها مِنَ المصائب و الآلام *** أَنْواعَها فَأَبَتْ نُحُولا

فَغَدَتْ تَنْدُبُ النَّبِيَّ أَباها *** بِلِسانٍ يُبْدِي الشَّجا فُصُولا(2)

تارَةٌ عِنْدَ قَبْرِهِ تَنْثُرُ الدَّمْعَ *** غَزِيراً يَحْكِي السَّحابَ سُيولا(3)

وَ تَراها تَحْتَ الأَراكَةِ شَجُواً *** تارَةً في البَقيعِ تَبْكِي طَوِيلا

ص: 181


1- والبيتان اللذان بعده إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص545 نقلاً عن كتاب كامل الزيارات: «... و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسها هوان و ذل ثم لا تجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب...».
2- إشارة إلى ما ورد في كتاب أمالي الصدوق، ص99 ط5/ منشورات الأعلمي: «و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوارء الإنسية مني... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسرت جنبتها و أسقطت جنينها و هي تنادي: يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث...».
3- (والأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار ج43 ص174 ط3 مؤسسة الوفاء -بيروت: «قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها. و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً. فقالت علیها السلام: يا أباالحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا لك... ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان».

غَيْرَ أنَّ الأقوامَ قَدْ قَطَعُوها *** قَطَعَ اللَّه مِنْ عُرَاهُمُ أصُولا

فَبَنَى المُرْتَضَى هُنالِكَ بَيْتاً *** ذاكَ بَيْتُ الأَحْزَانِ شِيدَ مَقِيلا(1)

فِيهِ تَقْضِي نَهارَها بِبُكاءٍ *** وَ تُنادِي شَجُواً أباها الرَّسُولا

وَإِذا جَنَّها الظَّلامُ وَآبَتْ *** لِفِناها عادَ البُكاءُ خَلِيلا

و بُكاءُ الزَّهْراءِ كانَ نَذِيرَ السُّخطِ *** لِلْقَوْمِ مُذْ أَضاعُوا الدَّلِيلا

فَأَرَادُوا إِسْكاتَها مُذْ عَلَيْهِمْ *** كَانَ حَقّاً ذاكَ البُكاءُ ثَقِيلا

فَعَدَوْا نَحْوَ بَيْتِها بِهُجُومِ *** وَ هُوَ بَيْتُ لِلْوَحْي كانَ نَزِيلا(2)

أَضْرَمُوا فِيهِ نارَهُمْ بِعِنادٍ *** عادَ مِنْها بابُ الهدى مَشْعُولا(3)

وَ مُذِ البَضْعَةُ الزَّكِيَّةُ وافَتْ *** نَحْوَهُمْ كَيْ تَرُومَهُمْ تَحْوِيلا

عَصَرُوها فَأَسْقَطَتْ مُحْسِناً *** في البابِ مِنْ جَوْرِهِمْ هُناكَ قَتِيلا(4)

وَ هُوتْ عند ذاكَ تَصْرُخُ يا فِضَّةُ *** قُومِي وَ اسْنُدِينِي قَلِيلا(5)

ص: 182


1- مقيلا: نوم القيلولة أي في وسط النهار.
2- لعله إشارة إلى ما جاء في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص580 ح37 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «أنّ عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها علیها السلام».
3- إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص18-19 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب... و أخذت النار في خشب الباب. و إدخال قنفذ يده (لعنه الله) يروم فتح الباب. و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه. و هجوم عمر و قنفذ و خالد...».
4- لعل هذه إشارة إلى ما جاء في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص63. «... و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها...».
5- في كتاب البحار ج8 ص229: «فركلت الباب و قد ألصقت احشاءها بالباب تترسه... فقالت فاطمة علیها السلام: آه يا فضة إليك فخذيني فقد واللّه قتل ما في أحشائي من حمل وسمعتها و هي مستندة إلى الجدار... و اشتدّ بها المخاض و دخلت البيت فأسقطت سقطاً سمّاهُ عليَّ محسناً...».

واسْتَدارُوا بِالمُرْتَضَى الظهْرِ قَسْراً *** وَ أَحاطُوا بِهِ قَبِيلاً قَبِيلا(1)

و أَفاقَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ فَلَمْ تَبْصِرُ *** حِماها وَ عِزَّها المَأْمُولا

فَعَدَتْ خَلْفَهُمْ تَقُومُ وَ تَهْوِي *** وَ هُيَ تُبْدِي نِداءَها وَ العَوِيلا(2)

أَيُّها القَوْمُ لاتَفُودُوا ابْنَ عَمِّي *** وَدَعُوهُ أَوْ لاسأشْكُو الجَليلا(3)

ما رَعَوْا شَخْصَها وَ عادُوا إِلَيْهَا *** بِسِياطِ قَدْ أَوْرَثَتْها نُحُولا

وَ أَصَرَّتْ حَتَّى أعَادَتْ عَلِيّاً *** وَ غَدَتْ بَعْدَ ذاكَ تَشْكُو الرَّسُولا

يا أَبي بَعْدَكَ الصَّحَابُ تَناسَوْا *** قَدْرَنا مُذْ تَبَدَّلُوا تَبْدِيلا

غَصَبُوا حَقَّنا وَداسُوا حِمانا *** فَكَأَنْ يَطْلُبُونَ مِنَّا ذُحُولا(4)

لَوْ رَأتْ عَيْنُكَ الكَرِيمَةُ ما أَلْقَى *** اهْتِضاماً إذَنْ رأيْتَ جَلِيلا

فَإِلَيْكَ الشَّكوى إلى يَوْمِ أَلْقاكَ *** فَقَدْرِي الْقَيْتُهُ مَجْهُولا

ص: 183


1- قبيلا: قبيلة -لعله يشير إلى ما ورد في كتاب الاحتجاج ص109 ج1 ط دار النعمان تعليقات محمد باقر الخرسان: «ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً، فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثّروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود» إلى آخرها.
2- ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص572 منقولة عن كتاب علم اليقين في أصول الدين ص686.
3- تقدمت الإشارة إلى ذلك نقلاً عن كتاب تفسير العياشي ج2 ص67 ط المكتبة العلمية الإسلامیة/ طهران.
4- ذحولاً: انتقاماً.

(11)صبراً بني المختار

(بحر الطويل)

حسن بن علي بن جابر الهبل

مَلكْتُمُ فُؤاداً لَيْسَ يَدْخُلُهُ العَذْلُ *** فَذِكْرُ سِوَاكُمْ كُلَّمَا مَرَّ لَايَحْلُو(1)

يُؤَذِّبُنِي فِي حُبِّكُمْ كُلُّ فَارِغ *** وَلِي بِهَوَاكُمْ عَنْ مَلَامَتِهِمْ شُغْلُ

وَ مَاذَا عَسَى تُجْدِي المَلامَةُ في الهَوَى؟ *** لِمَنْ لا لَهُ فِي الحُبِّ لُبٍّ وَ لاَعَقْلُ

لَئِنْ فَرَضُوا مِنّي السُّلوَّ جَهَالَةٌ *** فَحُبُّكُمُ عِنْدِي هُوَ الفَرْضُ وَ النَّفْلُ

أَأَسْلُو وَ لاَصِبْعُ المَشِيبِ بِعَارِضِي *** يَلُوحُ وَ لاَصِبْعُ الشَّبِيبَةِ مُنْحَلُ؟

وَ لَوْ فِي سِوَاكُمُ (أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ) *** غَرَامِي لَكَانَ العَذْلُ عِنْدِي هُوَ العَدْلُ

حَمَلْتُ هَوَاكُمْ فِي زَمَانِ شَبِيبَتِي *** وَ قَدْ كُنْتُ طِفْلاً وَ الغَرَامُ بِكُمْ طِفْلُ

فَيَا عَاذِلِي فِي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ *** رُوَيْدَكَ إِنِّي عَنْهُمُ قَطُّ لاأَسْلُو(2)

أَأَسْلُو هَوَى قَوْمٍ قَضَى بِاجْتِبَائِهِمْ *** وَ تَفْضِيلِهِمْ بَيْنَ الوَرَى العَقْلُ وَ النَّقْلُ(3)

ص: 184


1- العذل: الملامة.
2- لاأسلو عنهم: لاأنسى و لاأذهل عن ذكرهم.
3- في تفسير الدر المنثور للسيوطي/ ج5 ص199. «عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: قسّم اللّه الخلق قسمين و جعلني في أفضلهما فقال: «فأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين و أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال» فأنّا أفضل أصحاب اليمين و قسمهم ثلاثة أقسام وجعلني في أفضلها فقال: «فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة و أصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون» فأنا أفضل السابقين... ثم قسّم الطوائف الثلاث إلى قبائل وجعلني في أفضلها فقال: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» فأنا اتقى بني آدم و أفضلهم و لاأفخر بذلك... و قسَّم القبائل إلى أسر وجعلني في أفضلها فقال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فأنا و أهل بيتي علیهم السلام معصومون من الذنب و المعصية...».

أُولئِكَ أَبْنَاءُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** فَقُلْ مَا تَشَا فِيهِمْ فَإِنَّكَ لاتَغْلُو(1)

فُروعُ تَسَامَتْ أَصْلُهَا سَيِّدُ الوَرَى *** وَ حَيْدَرَةٌ يَا حَبَّذَا الفَرْعُ وَ الأَصْلُ

تَفَانَوْا عَلَى إِظْهَارِ دِينِ أبِيهِمُ *** كِرَاماً وَ لاَجُبْنٌ لَدَيْهِمْ وَ لاَبُخْلُ

إلَى اللَّهِ أَشْكُو عُصْبَةٌ قَدْ تَحَامَلُوا *** عَلَيْهِمْ وَ دَانُوا بِالأَباطِيلِ وَ اعْتَلُوا

يَرُومُونَ إِطْفاءً لأَنْوَارِ فَضْلِهِمْ *** وَ مَا بَرِحَتْ أَنْوَارُ فَضْلِهِمُ تَعْلُو

هُمُ عَصَبُوا حَقَّ الوَصِي جَهَالَةً *** وَ مَا جَهِلُوا ما فِيهِ لكِنَّهُمْ ضَلُّوا

وَ هُمْ أَنْكَرُوا فِي شَأْنِهِ بَعْدَ أَحْمَدٍ *** مِنَ النَّصَّ أَمْراً لَيْسَ يُنْكِرُهُ العَقْلُ

وَ قَدْ نَوَّهَ (المُخْتَارُ) (طة) بِذِكْرِهِ *** وَ قَالَ لَهُمْ: هذا الخَلِيفَةُ وَ الأَهْلُ

وَ وَلاهُ فِي يَوْمِ الغَدِيرِ وِلايةً *** عَلَى الخَلْقِ طُرّاً مَا لَهُ أَبَداً عَزْلُ

وَ نَصَّ عَلَيْهِ بِالإِمَامَةِ دُونَهُمْ *** وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَصَّ لَقَدَّمَهُ الفَضْلُ

أَلَيْسَ أَخاهُ وَ المُوَاسِي بِنَفْسِهِ *** إِذَا مَا الْتَقَى يَوْمَ الوَغَى الخَيْلُ وَ الرَّجُلُ؟

أَمَا كَانَ أَدْنَاهُمْ إِلَيْهِ قَرَابَةً *** وَ أَعْظَمُهُمْ حِلْماً إِذَا زَلَّتِ النَّعْلُ؟

أَمَا كَانَ أَوْفَاهُمْ إِلَيْهِ قَرَابَةً *** وَ أَكْثَرُهُمْ عِلماً إِذا عَظُمَ الجَهْلُ؟

وَ أَفْصَحُهُمْ عِنْدَ التَّلاَحِي وَ خَيْرُهُمُ *** نَوالاً إِذَا مَا شِيمَ نَائِلُهُ الجَزْلُ(2)

يَحُجُّونَ أَنْصَارَ الإلهِ بِأَنَّنَا *** قَرَابَتُهُ مِنَا بِهِ اتَّصَلَ الحَبْلُ

وَ هَلْ كَانَتِ الأَصْحَابُ أَدْنَى قَرَابَةً *** وَ أَقْرَبَ رَحماً لَوْ عَقَلْتُمْ -أم الأَهْلُ؟

وَ هُمْ أَخَذُوا بَعْدَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** مِن (ابنتِهِ) مَا كَانَ أَنْحَلَها قَبْلُ

ص: 185


1- تغلو: تبالغ.
2- نوالاً: عطاءً، التلاحي: التلاعن و التشاؤم و التلاوم و التباغض و التنازع، شِيْمَ: ضُمِّنَ و قُدِّر. الجَزْل: العظيم.

تَمَالَوْا عَلَيْها غَاصِبينَ لِحَقِّها *** وَ قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تُورَثَ الرُّسُلُ(1)

وَ حُكْمُهُمُ لاشَكَّ فِي ذَاكَ بَاطِلٌ *** وَ كَيْفَ يَصِحُ الفَرْعُ وَ الأَصْلُ مُخْتَلُّ؟

فَصَبْراً (بَنِي الْمُخْتَارِ) إِنَّ أَمَامَنا *** لَمَوْقِفَ عَدْلٍ عِنْدَهُ يَقَعُ الفَضْلُ

وَ عِنْدِي لِمَنْ عَادَاكُمُ نَصْلُ مِقْوَلٍ *** إِذَا مَا انْبَرَى يَوْماً يُحَاذِرُهُ النَّصْلُ

ص: 186


1- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 في حديث طويل عن عائشة: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: (لا نورث ما تركناه صدقة).

(12) أبا حسنِ علیه السلام

(بحر الطويل)

الملا حسن عبداللَّه آل جامع

أَعَيْنَي جُودا بِالدُّمُوع الهَوَاطِلِ *** لِفَقَدِ رَسُولِ اللَّهِ أَفْضَل راحِلِ(1)

نَبِيٌّ كَرِيمٌ شَرَّفَ اللَّهُ قَدْرَه *** وَ طَهَّرَهُ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ وَ بَاطِلِ

نَبِيُّ أَتَى يَدْعُو إِلَى الرُّشْدِ وَ الهُدَى *** بِخُلْقٍ عَظِيمٍ مَا لَهُ مِنْ مُمَائِل

لَقَدْ كَذَّبَتْهُ عُصْبَةُ الكُفْرِ وَ ابْتَغَتْ *** لأَفْضَلِ خَلْقِ اللهِ شَتَّى الغَوَائِلِ(2)

فَقَدْ دَحْرَجُوا تِلْكَ الدِّبَابَ عداوة *** عَلَى خَيْرِ مَبْعُوثٍ حَوَى لِلْفَضَائِلِ

وَ ذَلكَ لَمّا عَادَ مِنْ أَرْضِ مَكَةٍ *** وَ بَيَّنَ في الإِسْلامِ كُلَّ المسَائلِ

وَ قَدْ عَقَدَ المختَارُ في خُمَّ بَيعَةً *** لِحَيْدَرَةَ الكَرَارِ مُرْدِي البَوَاسِلِ(3)

وَ قَالَ: أَلاَ هَذا وَصِيّي وَ نَاصِرِي *** بمَحْضَرِ حَشْدٍ مِنْ جَمِيعِ القَبَائِلِ

بعَقْدِ وِلاهُ اكْمَلَ اللَّهُ دِينَكُمْ *** فَكُونُوا لَهُ عَوْناً بِكُلِّ المَعاضلِ

فَقَالُوا: رَضِينا بِالَّذي قُلْتَ طَاعَةً *** لأَمْرِ إِمَامٍ طَيِّبِ الذِّكْرِ عَادِلِ

فَمَا زَالَ بالثّقْلينِ يُوصِي مُبَيِّناً *** لِكُلِّ بَنِي الإِسْلامِ عَالٍ وَ سَافِلِ(4)

ص: 187


1- الهواطل: جمع هاطل و هو المطر المتتابع غائلة.
2- الغوائل: جمع و هي الداهية أو المهلكة.
3- مُرْدي: أرداه أي: قتله. عقد البيعة: أتمها.
4- جاء في صحيح مسلم، ج7 ص123 باب فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام: عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «ألا وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله «عزوجل» هو حبل اللّه من اتبعه كان على الهدى و من تركه كان على ضلالة» ثم قال «و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي».

أَلاَ فاحْفَظُوهُمْ لايَضِيعونَ بَيْنَكُمْ *** فَإِنْ ضُيعوا صِرْتم لأُدْنَى المَنازِلِ

فَلمّا قَضَى حَادُوا عَنِ الرُّشْدِ وَ الهُدَى *** وَ مَالُوا عَنِ الحَقِّ المُبِينِ لِبَاطِلِ(1)

قَضَى فَلَهُ الإِسْلامُ لازَالَ مُعْوِلاً *** يَنُوحُ كنَوْحِ الفَاقِدَاتِ الثَّوَاكِل(2)

وَ نَاحَ عَلَيْهِ المُرْتَضَى وَابْنَةُ الهُدَى *** و أولادها أهْلُ العُلا و الفَضَائِل

و أعْوَلَتِ الأَرْضُ البَسِيطَةُ إذْ قَضَى *** نَبِيُّ الهُدَى غَوْتُ الوَرَى و الأَرَامِلِ

وَ قَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الطَّبَاقُ لَهُ دَماً *** وَ اثْكَلَ شَرْعَ اللَّهِ افَضَلُ رَاحِل

لَقَدْ فَقَدَ الإِسْلامُ أفْضَلَ مُرْسَلٍ *** و أَكْرَمَ مَبْعُوْثٍ أَتَى بالدّلائِلِ

قَضَى وَ عَلى الزهراءِ ظُلماً تَواثَبُوا *** وَ قَادُوا عَلِيَّ المُرْتَضَى بالحَمَائِل

لَقَدْ كَسَروا أَصْلاعَها خَلْفَ بَابِهَا *** وَ هُمْ أَسْقَطُوهَا حَمْلَها غَيْرَ كَامِلِ

وَ قَدْ عَصَبُوهَا إرْتَهَا فَانْتَنَتْ إِلَى *** عَلِيَّ تُنَادِي يَا مُبيدَ البَوَاسِل

أَبا حَسَنٍ تَرْضَى بَهَضْمِي وَ ذِلَّتِي *** وَ إِرْنِي مَغْصُوبٌ بِأَيْدِي الأَرَاذِلِ(3)(4)

ص: 188


1- حادوا: حاد عن الطريق مال عنه و عدل. في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج12 ص398: عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: مررت مع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بحديقة فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما أحسنها؟ قال: لك في الجنة خير منها -حتى مررت بسبع حدائق-كل ذلك أقول له و يقول: لك في الجنة خير منها قال: ثم ضربني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بكى فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك قال: ضغائن في صدور رجال عليك لن يبدوها لك للأمر بعدي فقلت: بسلامة من ديني؟ قال: نعم بسلامة من دينک...». و قد ورد في كتاب البحار، ج28 ص45: قال له: «اتق الضغائن التي لك في صدور من لايظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون ثم بكى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقيل: مم بكاؤك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده.
2- الثواكل: جمع ثكلى: و هي من تفقد ابنها.
3- الأراذل: جمع الأرذل و هو مستحق الاحتقار.
4- مهراق المدامع ص21.

(13) البتول الطهر علیها السلام

(بحر الوافر)

حسين بن علي العُشاري(*)(1)

أبوحَسَنٍ له القِدْحُ المُعَلَّى *** وَ قَدْرٌ فَوْقَ اوجِ النَّجْمِ عَلَّى

كَرِيمُ الأصلِ مِنْ قَوْمٍ كِرامِ *** إمامٌ زادَهُ الرَّحْمَنُ فَضْلا

هُوَ البَحْرُ المُحِيطُ بِكُلِّ عِلمٍ *** فما أصْفى مَوارِدَهُ وَ أَحْلَى

(عَلِيٌ) نَعْتُهُ في الكُتب بادٍ *** تَقِيٌّ فَضْلُهُ في النَّاسِ يُتْلَى

ص: 189


1- (*) هو حسين بن علي بن فارس العشاري البغدادي الشافعي. ولد في بغداد في سنة (1150 ه_ -1737م) من اسرة علمية دينية، فكان أبوه الشيخ علي بن حسن «ملا» و هي وظيفة من كان يمتهن تدريس العلوم الدينية من تعليم قراءة القرآن الکریم و تحفیظ للحدیث الشریف. قرأ العشاري القرآن الكريم، ثم نهل من معارف عصره في مدارس بغداد و مساجدها، فأولع بالنحو و اللغة و الأدب و الشعر. و هو يقول في ذلك: (قد كنت في إبان الشباب و أوان التحصيل و الاكتساب مشغوفاً بصناعة الأدب متقصياً عن لطائف العرب، متعلقاً من فنون الفصاحة بكل سبب أزاحم فحول الشعراء وملوك الفصحاء، فأجول معهم كل مقام و أضرب في معترك المعاني بكل حسام...) فتعمَّق بالفقه الشافعي حتى عرفه معاصروه بالشافعي الصغير. توفي أواخر سنة (1195ه_) و هو في البصرة ،قاض و تضلَّع في سائر العلوم معقولها، و منقولها و قد خمس قصيدة البردة و بعض القصائد، الفارضية و كان مشهوراً بحسن الإملاء و الإنشاء و النظم البليغ. و(عشارة) بضم العين، بلدة تقع على ضفة نهر الخابور قرب أطلال مدينة (الرحبة) القديمة، كانت تتبع في العهد العثماني لواء دير الزور من ألوية ولاية حلب، و هي منسوبة -كما تروي المصادر- إلى قوم من العرب عرفوا بالعشاريين.

أمِيرٌ للمؤمِنِينَ أبوتُرَابٍ *** وَ صَفْوَةُ هاشم فَرْعاً و أصْلا

(حَبيبُ المُصْطَفَى وَ قَدِ ارْتَضاهُ *** لفاطمةَ البَتُولِ الظهر بَعْلا)

(فكانَ المُرْتَضَى كُفُواً كَريماً *** وَ قَدْ كانَتْ لَهُ الزَّهْراءُ أَهْلا)(1)

أَميرُ النَّحْلِ يعسوبٌ غَضُوبٌ *** على الدينِ القويمِ لِمَنْ تَولّى(2)

فَسَلْ عَنْهُ القَنا و البِيْضَ أَما *** أبادَ الأَشقِيا طَعْناً و قَتْلا

وَ سَلَّ عن بابِ خَيْبَر إِذْ دَحاها *** وَ أَوْرَثَ أَهْلَها ضَعْفاً و ذُلاً

هُوَ البَطلُ الغَبُور إذا تَلاقَتْ *** جُمُوعُ الكُفْرِ وَ المِغْوارُ وَلّى(3)

فكَمْ بَطلٍ أبادَ و كُمْ شجاعٍ *** يُسقيهِ القَنا عَلاًّ و نَهْلا(4)

إذا ضَرَبَ الكرامَ بِكُلِّ سَهُمٍ *** فَإِنَّ لِمِثْلِهِ القِدَحَ المُعَلّى

بدا للأجلَح المفضال فضلٌ *** و قَدْرٌ فَوْقَ أَوْجِ النجمٍ عَلَى(5)

أَعِدْ لي ذِكْرَهُ في كُلِّ آنٍ *** فَيَا أَهْلاً بِذِكْراهُ وَسَهْلا

فَمَنْ لي أنْ أَشُمَّ ثَرَاهُ يَوْماً *** وَ اكْحَل نَاظِرِي وَ الطَّرْفُ يجلى

وَ مَنْ لي أن أرى قَبْراً مُنِيراً *** بِجانِبِهِ قَدِيمُ الوَحْي يُتْلى

وَمَنْ لي أن أقابِلَهُ بِذُلٍّ *** وَ مَدْمَعُ مُقْلَتي يَزْدادُ هَطْلا

دَخِيلٌ يا هُداةَ الخَلْقِ إِنِّي *** ذَلِيلاً جِئتُكُمْ وَ الذُّلُّ أولى

ص: 190


1- تقدمت تفاصيل ذلك في هوامش عدة و سيأتي المزيد و حيث إن أكثر القصيدة في الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام لم نتوقف عندها مفصلاً.
2- يعسوب: أمير النحل الرئيس الكبير.
3- المغوار: المقدام الكثير الغارة.
4- عَلاً: شرباً ثانياً أو تباعاً، نهلاً: شربا أولاً.
5- الأجلح: صفة للإمام علي علیه السلام. و الجلح -محرَّكة- انحسار الشعر عن جانبي الرأس و قيل ذهابه عن مقدمة الرأس. كتاب تاج العروس ج6 ، ص342 ط الكويت.

صلوني وَ اجْبُروا كَسْرِي وَ داوُوا *** جِراحَ القَلْبِ إِنَّ العُمْرَ وَلّى

بجاهِكُمُ رَفَعْتُ الوِزْرَ عَنّي *** فَلم أَسْطِعْ لذاكَ الوِزْرِ حَمْلا

فَكَيْفَ يُضامُ مادِحُكُمْ وَ أَنْتُمْ *** نَبِيَّكُمُ عَلَيْهِ اللَّهُ صَلَّى؟

بِجاءِ حُسَيْنِكُمْ داوُوا حُسَيْناً *** فَتًى أَضْحَى لَكُمْ عَبْداً وَ مَوْلَى(1)

ص: 191


1- ديوان العشاري، ص429.

(14) رزع البتول

(بحر المنسرح)

الشيخ حمزة البصير(*)(1)

لم يُشْجِني ذِكْرُ جِيرَةِ رَحَلُوا *** عَنِّي وما وَدَّعُوا مُذِ ارْتَحَلُوا

كَلاً و لاأَرْبُعٌ هُناكَ غَدَتْ *** مِنْ ساكنيها قَفْرى وَ لاطَلَلُ(2)

لكنْ شَجاني رُزُءُ البَتُولِ وَ ما *** جَنَتْ عليها الأَوْصابُ وَ العِلَلُ(3)

فيا لِخَطبٍ تَبْكِي السماءُ له *** دَماً وَ جُرْح هَيْهاتَ يَنْدَمِلُ(4)

ص: 192


1- (*) هو الشيخ حمزة بن ناصر الحلي، الشهير بالبصير، من أهالي (العذار) من نواحي الحلة في العراق. ذكره الشيخ النقدي في (الروض النضير) فقال: كان شاعراً أديباً أخذ عنه العلم جماعة من شعراء الحلة و تأدَّب عليه قسم كبير منهم، و له مراث و مدائح في أهل البيت بأوزان مختلفة. و كان مقلّاً في النظم يقضي أكثر أوقاته خارج الحلة في رساتيقها و قراها الجنوبية و هي التي يطلق عليها اسم (العذار) و كان أصله منها توفي فيها في حوالي سنة (1297ه_). و بوفاته خسر الأدب واحداً من أعلامه الكبار و خسر العالم نجماً من نجومه النيرات.
2- أَرْبُع: مفرده الرَّبْع و هو الدار أو ما حول الدار أو المحلة -أو المنزلة- أو جماعة من الناس قفرى خالية من الناس و الماء و الكلاء.
3- الأوصاب: مفرده الوَصَبْ و هو المرض و الوجع الدائم و نحول الجسم و قد يُطلق على التعب و الفتور في البدن. و في البيت إشارة إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من الأحزان و العلل بسبب وفاة والدها و جناية القوم عليها. انظر كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص 177 وص195. و كتاب رحلة ابن جبير ص174. و يمكن أن تكون التخريجات في القصائد السابقة كلها مصاديق لهذا البيت فمن غصبهم فدك إلى هجومهم على الدار و ضربها وكسر ضلعها و لطمها على خدها و غيره.
4- يندمل الجرح: يتماثل و يتراجع إلى البرء.

كأنَّني مُذْ قَضَى النَّبِيُّ أَرَى *** عَلَى بَنِيهِ قَدْ ضَاقَتِ السُّبُلُ

تَظاهَرَتْ في حُقودِها نَفَرٌ *** وَ عَنْ وَصِيَّ الرَّسُولِ قَدْ عَدَلُوا

يَبْغُونَ هَدْمَ الذي بناه فلا *** بُلّتْ بِيَوْمِ الظَّمَا لَهُمْ غُلَلُ(1)

وَ سَوْت للَّهِ يَرْجِعُونَ غداً *** وَ اللَّهُ يَجْزِيهِمُ بما عَمِلُوا

و ختمها بقوله:

سيّدتي يا بُنَةَ النَّبِيِّ وَ مَنْ *** حُبَّكِ عِنْدَ الباري هُوَ العَملُ(2)

وَ إنّني (حمزةُ) المُسيءُ غداً *** أنتِ رَجائي و أنتِ لي أَمَلُ

فاستنْقِذْيني مِنَ الذُّنوبِ ففي *** حُبّكِ للمَرْءِ يُغْفَرُ الزَّلَلُ

صلّى عليكِ اللَّهُ المُهَيْمِنُ ما *** رَغَتْ بطلابِ نيلِكُمْ إِبِلُ(3)

ص: 193


1- غُلَل: جمع الغُلّة و هي العطش الشديد.
2- ورد في كون برّ فاطمة علیها السلام خير العمل في كتاب البحار/ ج43 ص91: سئل الإمام الصادق علیه السلام عن معنى قوله «حي على خير العمل» فقال: «خير العمل هو بر فاطمة علیها السلام و ولدها علیهما السلام». أي أن العمل الذي ترضاه فاطمة علیها السلام و ترتاح له إنما هو خير العمل... و فاطمة علیها السلام لايريحها شيء مثل الإيمان و العمل الصالح من أجل إنعاش المحرومين و المعذبين ضد الظالمين و الطغاة... و الجهر بقول الحق و كلمة الحق... و أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر.
3- رَغت الإبل: صَوَّتت و ضَجّتْ.

(15) أيا موت ما أشجاك

(بحر الطويل)

الأستاذ زين العابدين الحكيم

(ألا أَيُّها المَوْتُ الذي لَيْسَ تارِكي *** أَرِحْني فَقَدْ أَفنَيْتَ كُلَّ خَلِيلِ)

(أراكَ خَبِيراً بالذينَ أُحِبُّهُمْ *** كَأَنَّكَ تَسْعَى نَحوَهُمْ بِدَلِيلِ)(1)

كَأَنَّكَ جَاتٍ فَوْقَ صَدْرِي مُوكَلٌ *** بِقَطْعِ فُرُوعِي وَ اجتِئاتِ أُصُولي(2)

تُراقِبُها حَتَّى إِذا ما تَكَوَّرَتْ *** كُرُومِي وَ احْمَرَّتْ عُذُوقُ نَخِيلِي(3)

وَ حتّى إذا ما أَنْضَجَتْها مَدامِعِي *** وَ حُرْقَةُ آهاتِي وَ لَذْعُ غَلِيلِي

هَوَيْتَ عَلَى قَلْبِي تُبَضْعُ حُبَّهُ *** بِسَيْفِ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلِ(4)

أيا مَوْتُ ما أشجاك لاهِبُ أضْلَعِي *** وَ سُهْدِي وَ جارِي أَدْمُعِي و ذُهُولِي؟(5)

خَطَفْتَ حَبِيبِي أَحْمَداً ثُمَّ عُدْتَ لي *** لِنَخْتَلِسَ الزَّهْراءَ بَعْدَ قَلِيلِ(6)

ص: 194


1- البيتان الأولان من الشعر المنسوب للإمام علي علیه السلام.
2- الاجتثاث: هو قلع الشيء من الأصول.
3- تكوَّرت: هنا بمعنى: سَقَطتْ، و كوَّرَ الشَّيْءَ: لقَّهُ و أَداره و كور الحساب: جمع بعضه إلى بعض؛ و كُوِّرت الشمس: جُمِعَ ضوؤها و لُفَّتْ كما تُلف العمامة، و قيل: اضمحلَت وَ ذهبتْ. كرومي: الكروم جمع كرم و هو العنب. عذوق: قطوف النخل.
4- صقيل: حادَّ.
5- ما أشجاك: ما أحزنك شهدي سهري و تعبي.
6- و الأبيات التي تليه لعلها إشارة إلى الرواية المذكورة في كتاب الكافي، ج1 ص458 ج3. «...لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام سِرّاً و عفى على موضع قبرها ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثم قال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عنّي والسلام عن ابنتك و زائرتك و البائتة في الثرى ببقعتك و المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عن صفيّتك صبري و عفا عن سيدة نساء العالمين علیها السلام تجلّدي إلا التأسي أن في لي بسنتك في فرقتك موضع تعزّ فلقد وسَّدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري و صدري: بل و في كتاب الله لي أنعم القبول: إنا للّه وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختلست الزهراء علیها السلام فما أقبح الخضراء و الغبراء. يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أما حزني فسرمد و أمّا ليلي فمسهد و هم لايبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كحد مقيّح و هم مهيج سرعان ما فرّق بيننا و إلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتظافر على هضمها فاحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من عليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بلّهِ سبيلا و ستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين...». انظر: کتاب بحارالأنوار، ج3 ص193 و المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص364، و كشف الغمة ج2 ص132.

وَ كُنْتُ إذا ما اشْتَقْتُ رُؤْيَةَ أَحْمَدٍ *** وَ تَاقَتْ إِلى وَصْلِ الحَبِيبِ طُلُولي(1)

أَرَتْنِيهِ في تَبْتِيلِها وَ خُشُوعِها *** وَ أَذْكَرَنِي تَرْتِيلُها بِخَلِيلِي

فَضُمَّ أَبا الزَّهراءِ زَهْرَتَكَ الَّتي *** غَرَسْتَ مَشوباً غُصْنُها بِذُبُولِ

وَسَلْهَا تُجِبْكَ «الآهُ» عَنْ كُلِّ صَرْخَةٍ *** بَأَحْشائِها مَخنُوقَةٍ وَ عَوِيل

وَ أَلحِفْ فَكَمْ مِن حُرْقَةٍ بِفُؤادِهَا *** مُخَبَّأَةٍ لم تُبْدِها وَ غَلِيلِ

وعُدَّ رَسُولَ اللَّهِ أَصْلاعَ صَدْرِهَا *** وَ أَرفِقْ فَمَكسُورٌ بِجَنْبِ عَلِيلِ

وَ أَمْرِرْ عَلَى الْمَثْنَيْنِ كَفَّيْكَ مَاسِحاً *** سَوَادَةَ حِقد فاحم وذُحُولِ(2)

وَأطْفِي بِطَرْفَيْها الجريحَيْنِ جَمْرَةً *** بِطِيبٍ مِنَ الشَّعَرِ الرَّحِيمِ جَمِيلِ

ص: 195


1- طلولي: الأطلال و الطُلُول: الموضع المرتفع، و الشاخص من الآثار، و يُقالُ «تَطالَلْتُ له» أي مَدَدْت عُنُقي أنظر إليه من بعد إستَطَلَّ عليهِ: اشرف كتاب أَطلَّ الزمان: قَرُب تَطالَ: مَدَّ عُنقَهُ ينظر إلى الشيء البعيد.
2- و قد ورد في كتاب البحار ج43 ص198: (... فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها...).

(16) يالثارات البتول

(بحر الرمل)

السید سعئ النجاوی

(ندبة للحجة في طلب ثأر الزهراء علیها السلام):

أيَّها المهديُّ مِنْ آلِ الرسولْ *** قُمْ ونادِ يالثارات البَتولْ

***

سيّدي قَد طالَ لَيل الانتظارْ *** فَمتى تُشرقُ شَمسُ الانتصارْ

نَحنُ ندعوكَ لِتطبيقِ الشعارْ *** هكذا الفتيَانُ تدعو و الكهول

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

مَنْ يُداعي بذِحول الأنبياءْ *** وَ بضلعِ الطُّهرِ منْ خيرِ النساءْ

لكَ نحرٌ نازفٌ في كربلاءْ *** ما عسانا أيُّها المهديْ نقولْ

قُمْ ونادِ يالثارات البتولْ

***

فاطمٌ تَدعوكَ في أشجى خِطابْ *** فمتى للثأرَ تَنسّلُ الحِرابْ

هل سَنبقى نحتسي كأسَ العَذَابْ *** لَيلُنا رُحماكَ قد أرخى السِدولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

ص: 196

لَكَ ضِلع سيدي قَدْ كَسَروهْ *** لكَ صدرٌ بالخيول سَحقوهْ

لكَ طِفلٌ بنبالٍ فَطَموهْ *** لكَ بدرٌ غابَ في برجِ الأفولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

أنَّ كَسرَ الضلعِ لا لَنْ ينجَبرْ *** بسوى سيفِ عزيزِ مُقتَدرْ

سيدي ندعوكَ هلاتنتصر *** مسّنا الضُّرُ تَعَشانا الذُّبُولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

أنّ دعواها ستبقى قائمهْ *** و على الشيخينِ تَدعو ناقِمهْ

أيّ ضلع كسروا من فاطمه *** ذاك في الزندين جرح لن يزول

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

أينَ قَبرُ الطُهرِيا خَيرَخَلَفْ *** قَولُ إفكٍ فيهِ قالوا و سَخَفْ

دُلَنا عَنهُ يقولون انكشفْ *** هذه دعواهمُ ماذا تقولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

بينَ شكٍ و ارتيابٍ وَ جَفا *** يَزعُمُونَ الودّ لكنْ جَحفا

بانفتاحٍ و حوارٍ کَشَفا *** ذلك الزيفَ الذي جَنَّ العُقولُ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

فتنَةٌ فيها أُناسٌ فُتِنوا *** و بكسرِ الضلعِ لا لَنْ يوقنوا

ص: 197

كم بسقط المحسنِ قد داهنوا *** أفتِنا نحنُ اختلفنا في الأصولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

لاتَلْمني بل اجرني وانتقمْ *** إنّ دين اللَّهِ فيكمْ يستَقمْ

قَبسٌ من نارِ وجدٍ تَضطرمْ *** لا و لَنْ يُطفتُها دمعٌ هطولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

سيدي ما آنَ للقلبِ الجريحْ *** أنْ يرى خَلفَكَ يأتمُّ المَسيحْ

و تنادي يالثاراتِ الذبيحْ *** فمتى يومُ القصاصِ بالنُصولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

ص: 198

(17) شاكية الفؤاد

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

وَ تَرَعْرَعَ الغُصْنُ الرَّطِيبُ بَدَوْحَةٍ *** نَبَوَّيَةٍ كانَتْ حُلاً وجَمالا

يَنْمُو وَ يَنْهَلُ مِنْ مَعِينٍ مُحَمَّدٍ *** ماءَ النُّبُوَّةِ صافياً سَلسالا

وَ يَعْبُّ من شَفَتَيْهِ عِلْماً خالصاً *** فِيهِ الحنانُ مِنَ البلاغَةِ سالا(2)

وَ يَضُمُّهُ تَحْتَ الكِساءِ كَأَنَّهُ *** أَسَدٌ يَضُمُّ بِعَطْفِهِ الأَشبالا

رَيْحَانَتاهُ وَ فاطِمٌ وَ المُرْتَضَى *** كانُوا لَهُ دونَ الأَنامِ عِيالا(3)

فِيهِمْ يُباهِلُ مَنْ يَجِيءُ مُباهِلاً *** وَ بِهِمْ يُجادِلُ مَنْ أرادَ جِدالا(4)

وَ يُحِبُّهمْ وَ يُحِبُّ مَنْ فِي حُبِّهِمْ *** زَرَعَ القُلوبَ وَ أَنْبَتَ الآمالا(5)

ص: 199


1- (*) و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يغبّ: يشرب يوماً و يوماً لم يشرب.
3- روى الطبري في كتاب ذخائر العقبى ط/ مؤسسة الوفاء -بيروت (1981م): «والبيت الذي يليه» ص25. «لما نزل قوله «تعالى»: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» الآية. دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هؤلاء الأربعة -وعن أبي سعيد لما نزلت هذه الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» الآية. دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام و قال: اللهم هؤلاء أهلي...».
4- يباهل: يلاعن و هو إشارة إلى آية المباهلة و هي: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» راجع كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1، ص244.
5- جاء في كتاب كنز العمال، ج12 ص100 ح34180 ط مؤسسة الرسالة (1979م) بيروت. رواية قريبة من هذا المعنى عن علي بن موسى الرضا علیه السلام عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة المكرّم لذريتي و القاضي لهم حوائجهم و الساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه و المحب لهم بقلبه و لسانهم».

وَ يَقولُ إنّي تاركُ الثَّقَلَيْنِ مِنْ *** بَعْدِي وَ كَمْ أَوْصى بِذاكَ و قالا

هَذا كِتابُ اللَّهِ في آياتِهِ *** هَدْيٌ يُزِيلُ عَنِ القُلوبِ ضَلالا

وَ تَمَسَّكُوا في هَدِيهِ وكَمالهِ *** إِذْ باتَ للدِّينِ الحَنِيفِ كَمالا

وَ بِأَهْلِ بَيْتي عِشْرَتي وَ وَلاؤهُم ** عَنْكُمْ يَرُدُّ الكَيْدَ وَ الأهوالا

وَ تُوفّي الهادِي وَ راحَ لِرَبِّهِ *** وَ اخْتارَهُ سُبْحَانَهُ و تَعالى

وَ تَأَلَّم الحَسَنُ الزَّكِيُّ لِفَقْدِهِ *** وَ الحُزنُ مَدَّ عَلَى الجُنونِ ظِلالا

وَ رَأَى مَدامِعَ أُمِّهِ وَ بُكاءَها *** في مَشْهَدٍ قَدْ قَطَّعَ الأَوْصالا(1)

تَبْكِي عَلَى فَقَدِ النَّبِيِّ وَما رَأَتْ *** مِنْ بَعْدِهِ وَ الجَوْرُ صالَ وَجَالا(2)

وَ تَرُوحُ شاكِيَةَ الفُؤادِ لِقَبْرِهِ *** وَ الدَّمْعُ بَيْنَ جُفُونِها يَتلالا(3)

ص: 200


1- الأوصال: مفرده الوصل بكسر الواو أو ضمّها بمعنى كل عضو على حِدَة.الأوصال: مفرده الوصل بكسر الواو أو ضمّها بمعنى كل عضو على حِدَة.
2- في كتاب روضة الواعظين للنيسابوري ط1 (1986م) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: «و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كتيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها...».
3- جاء في كتاب الأمالي للشيخ المفيد ص40 ح8 ط المطبعة الإسلامية/ منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية/ قم المقدسة رواية تؤكد المعنى: «عن زينب بنت علي بن أبي طالب علیها السلام قالت: لما اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة علیها السلام الفلك و العوالي و أيست من إجابته لها، عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فألقت نفسها عليه و شكت إليه ما فعله القوم بها و بكت حتى بلت تربته بدموعها و ندبته، ثم قالت في آخر ندبتها: «قد كان بعدك أنباء و هنبئة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنّا فقد ناك فقد الأرض وابلها *** و اختلَ قومك فاشهدهم و لاتغب قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا *** فغبت عنّا و كل الخير محتجب فكنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك ينزل من ذي العزّةِ الكتب تجهّمتنا رجال واستخفَّ بنا *** بعد النبي و كلّ الخير مغتصب سيعلم المتولي ظلم حامّتنا *** يوم القيامة أنّى سوف ينقلب فقد لقينا الذي لم يلقه أحد *** من البرية لاعجم و لاعرب فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت *** لنا العيون بتهمال له سكب»

حَزِنَتْ عَلَيْهِ لَيْلَها وَ نَهارَها(1) *** حُزناً دعاها بالنُّحول خَيالا(2)

و رأَى تَجَرُّعَها مَرَارَةَ ظُلْمِ مَنْ *** أَمْسَى على جزمانها يَتوالي

وَ ذُوتُ مِنَ الأَحْزانِ زَهْرَةُ عُمْرِها *** وَ المَوْتُ أَوْدَعَ في التُّرَابِ هِلالا

وَبَكَى عَلَيْهَا المُجْتَبى وَدُموعُهُ *** سالَتْ وَ أَضْحَى جِفْنُهُ سَيَّالا

وَ رَأَى الصَّحابَةُ غير ما كانُوا لَهُ *** قَبْلاً وَ عَنْهُ غَيَّرُوا الأَحْوالا

وَ رَأَى وَصِيَّةَ جَدْهِ قَدْ أُهْمِلَتْ *** فِيهِ وَ عاينَ بَعْدَهُ الإهْمالا

وَ رأَى أباهُ في صراعٍ دائمٍ *** ما بَيْنَ مُجْتَمِع أَحَبَّ المالا

وَ الحَقُّ باتَ مُغيَّباً إذ لم يَجِدْ *** مِنْ حَوْلِهِ رَغْمَ الرِّجالِ رِجالا

هِذِي الحَوادِثُ مَرَّفِيها المُجْتَبى *** وَ بِنَفْسِهِ قَدْ أَحْدَثَتْ زِلْزالا

عادَتْ بِهِ الذِّكْرَى لِقَوْلِ المُصْطَفَى *** وَ حَنانِهِ إِذْ لَمْ يَجِدْ إِجْلالا

ص: 201


1- في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص174 (15) ط3 مؤسسة الوفاء بيروت: «... ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي تفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنَّ شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً. فقالت علیها السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لما بدا لك. ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان».
2- لعل إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب مستدرك الوسائل، ج1 ص13. «كيف أحمل و قد صرت كالخيال و جف جلدي على عظمي؟».

مَنْ ذا سِوَى الحَسَنَيْنِ أَعْطَى بَيْعَةً *** لِلْمُصْطَفَى وَلَهُ الهُدَى قَدْ مالا؟

رَغْمَ الطُّفُولَة مِنْهُما صَحَّتْ و مَا *** كانا بِعَيْنِ المُصْطَفَى أَطْفالا

وَ رآهما يَتَصرفانِ بِحِكْمَةٍ *** قَدْ ضَارَعَتْ حِكَمَ الرِّجالِ فِعالا(1)(2)

ص: 202


1- ضارعت: شابهت -أو قيل إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بايع الحسن و الحسين علیهما السلام و عبدالله بن جعفر و هم صغار و لم يبايع صغيراً إلا هم راجع العقد الفريد ج4، ص384.
2- كتاب الإمامان علي و الحسن علیهما السلام ص95.

(18) زهراء علیها السلام نور عيني

(مجزوء) الرّمل)

الأستاذ سلمان الربيعي(*)(1)

زَهْراءُ نُورُ عَیْنِي *** يا نُورَ كُلِّ عَيْنِ

بَضْعَةُ الهادِي البَتُولْ *** هکَذا قَالَ الرَّسُولْ

***

نَزَلَ الوَحْيُ بَشِيراً *** كَيْ يُهَنِّي اليَوْمَ طة

بالّتي نُورُ الثُرَيّا *** كانَ وَهْجاً مِن ضِياها(2)

مَوْلِدُ الزَّهْراءِ عِيدٌ *** لابْنَةٍ سَرَّتْ أباها

بُشراكَ يا مُوالي *** لابْنَةِ سَرَّتْ أَباها

حِينَ والَيْتَ البَتُولْ *** هكذا قالَ الرَّسُولْ

***

إِنَّ لِلزَّهْراءِ شَأناً *** و لَها القُرْآنُ يَشْهَدْ

فَهْيَ جُزْءٌ من أبيها *** وَ هْيَ أُمّ لمحمدْ

حُبُّها في الحَشرِ فَوْزٌ *** للّذي و الی وَ وَحَّدْ

و النارُ في المَعادِ *** تَشْتَدَّ للمُهادي

ص: 203


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الثريا: مجموعة كواكب في عنق الثور سميت بذلك لكثرة كواكبها. و يشير الشاعر في أنها مشكاة فيها مصباح.

بئسَ مَنْ آذى البَتُولْ *** هكذا قالَ الرَّسُولْ

***

بَعْلُها خَيْرُ الرِّجالِ *** وَ هْيَ عُنْوانُ النّساءْ

حَسْبُها أنَّ أباها *** شافِعٌ يَوْمَ الجَزاءْ

حَسْبُها أَنَّ حُسَيْناً *** في الوَرى رَمْزَ الإباءْ

لولاهُ ما وَجَدْنا *** لِلعزَّ أيَّ مَعْنَي

هوذا نَجْلُ البَتُولْ *** هکذا قالَ الرَّسُولْ

***

إنّما الزّهراءُ وَصْلُ *** بَيْنَ طهَ و الإمامَهْ(1)

وَ هْيَ مَنْ في الكَوْنِ يُرْجَى *** عَظفُها يَوْمَ القِيامَهْ

إِنَّها لَولا بَنُوها *** لَيْس لِلْمَرْءِ كَرامَهْ

سُبْحانَ مَنْ بَراها *** مِنْ نُوْرٍ وَ اصْطَفاها

فَهْيَ مصْباحُ العُقُولْ *** هَكذا قال الرَّسُولْ

***

ص: 204


1- في كتاب الأمالي للصدوق، ص457 عن الإمام الصادق علیه السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لخديجة علیها السلام: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن اللّه «تبارك و تعالى» سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه. كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني؛ ج2 ص39 يقول: ومن ناسكات الأصفياء و صفيات الأتقياء فاطمة علیها السلام السيدة البتول... البضعة الشبيهة بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم... أَلوطُ أولاده بقلبه لصوقاً... و أولهم بعد وفاته به لحوقاً... كانت عن الدنيا و متعتها عازفة... و بغوامض عيوب الدنيا و آفاتها عارفة. و في كتاب أهل البيت علیهم السلام لتوفيق أبوعلم ؛ ص132-133 كانت علیها السلام كريمة الخليقة... شريفة الملكة... نبيلة النفس... جليلة الحس... سريعة الفهم... مرهفة الذهن... جزلة المروءة... غرّاء المكارم... فيّاحة نفّاحة... جريئة الصدر... جريئة الصدر... رابطة الجأش... حميّة الأنف... نائية من مذاهب العجب. و كانت في الذروة العالية من العفاف و التصادق... طاهرة الذيل... عفيفة المئزر... عفيفة الطرف... إنها سليلة شرف لامنازع لها فيه من واحدة من بنات حواء فمن تراه... و اكتفائها بشرفها كأنها في عزلة بين أبناء آدم و حواء».

أَوْدَعَ الباري تعالى *** سِرَّ كُلِّ الخَلْقِ فِيها

غَيْرَ أنَّ القَوْمَ بُغْضاً *** خالفوا نَهجَ أييها

وَ بِيَوْمِ الطَّفْ حِقْداً *** جَزَّرُوا كُلَّ بَنِیها(1)

واللَّة بالمرصادِ *** لِلْقَوْمِ في المَعادِ

وَيْلُهُمْ سَوْفَ يَطولْ *** هكذا قال الرَّسُولْ

***

خَصّها البارِي تَعَالى *** بالكراماتِ الكَثِيرهْ

فَلِذا كانَتْ بِحَقِّ *** لِلنِّسا طُرّاً أمِيرهْ

کَمْ لها بالفضلِ تَحْكِي *** في كتابِ اللَّهِ سُورَهْ

قدْخابَ كُلُّ شانِي *** في السِّرِّ وَ الإِعْلانِ(2)

يَوْمَ مِيلادِ البَتُولْ *** هكذا قالَ الرَّسُولْ(3)

***

ص: 205


1- جزَروا: نحروا.
2- شانیء: مبغض.
3- كتاب قلائد الإنشاد ص471.

(19) لست أنسى البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ سلمان نوح(*)(1)

ذهَبَ الشَّيْبُ بِالشَّبابِ وَ وَلَّى *** وَ القُوَى قَدْ وَهَتْ بِضَعْفٍ أَطَلاَ(2)

فَأَفِقْ وَ اتَّخِذ لِيَوْمٍ مَعَادٍ *** حُبَّ آلِ النَّبِيَّ كَهفاً أَظلاً

سادَةٌ قادةٌ هُداةٌ حُماةٌ *** طَبَّقُوا الكائناتِ جُوداً و فَضْلاً

ص: 206


1- (*) اهو الخطيب الشيخ سلمان ابن الشيخ داود ابن الشيخ سلمان بن نوح. ولد في الحلة عام (1265ه_) تقريباً، ترعرع فيها و هاجر إلى الكاظمية سنة (1280ه_) و هو ابن خمس عشرة سنة، بمعية عمه الشاعر الشيخ حمادي بن سلمان بن نوح، و كان هو المرَّبي له، فتربَّى في بيته أحسن تربية و كانت دراسته الأدبية على يده. و نشأ أديباً خطيباً حتى اشتهر بالخطابة، فأحبَّه أهل الكاظمية و طلبوا منه الاقامة في بلدهم فلبى الطلب، و أقام فيها مبجلاً و محترماً عند مختلف طبقاتهم عند مختلف طبقاتهم لما كان يتحلى به من أدب جم و فضل غزير و استقامة في الأخلاق، حيث كان و رعاً تقياً، فأصبح أول خطيب في بلده، و السبب في شهرته أن خطباء عصره كانوا لايرقون المنبر إلّا و بيد أحدهم كتاب (روضة الشهداء) ولكن المترجَم له و لعظم ذاكرته انفرد بالخطابة من غير كتاب فلذلك حصلت له الميزة و التفوق على أقرانه مثل الخطيب الكبير الشيخ كاظم سبتي. وكانت بعض الحقوق تأتي إليه من بغداد و هو يوزعها حسب معرفته على المعوزين و يصرفها في موارد صرف الحقوق. و قد اتصل المترجم له بالمرحوم السيد علي عطيفة الحسيني و هو من أفاضل الكاظمية في عصره فصاهره على إحدى كرائمه و أخذ منه دروس الفقه والأصول، و أما دروس النحو و الصرف و المعاني و البيان فأخذها عن العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين. وافاه الأجل و هو في سن الكهولة سنة (1308ه_) و حُمل جثمانه إلى النجف الأشرف و دفن فيها و عمره 43 سنة. أعقب عدة أولاد أشهرهم الأديب البارع الشيخ كاظم نوح خطيب الكاظمية.
2- وَهَتْ: سقطتْ. بليت ضعفت أطلّ أشرف. قرب -غلب.

طَوْعُ أَيْدِيهِمُ القضَا لَيْتَ شِعْرِي *** كَيْفَ حَلَّ القَضا بِهِمْ وَ اسْتَقَلاً

كُلُّ مَنْ في الوُجُودِ دُونَ عُلاهُمْ *** فَهُمُ الطَّيِّبُونَ فَرْعاً وَ أَصْلا

عَجَباً لِلزَّمَانِ أَخْنَى عَلَيْهِمْ *** وَرَمَاهُمْ بِكُلِّ دَهْياءَ جُلّى(1)

فَقَضَى المُصْطَفَى وَ في القَلْب وَجْدٌ *** مِنْ عُتاةٍ قَدْ أَضْمَرُوا الغَدْرَ قَبْلا

فَعَدَوْا بَعْدَهُ على آلِهِ الغُرُ *** وَ سامُوهُمْ هَواناً و ذُلاً

إنْ تَكُنْ آمَنَتْ فَماذا عَلَيْها *** لَوْ رَعَتْ لِلنَّبِيِّ بَيْتاً وَ أَهْلا؟

أَحْرَقُوا بَيْتَهُ وَآذوا بَنِيهِ *** أَتُرَى الجَوْرَ كَانَ قِسْطاً وَ عَدْلا؟(2)

لَسْتُ أَنْسَى البَتُولَ تَطْلُبُ إِرْثاً *** وَ كِتابُ الرَّحْمَنِ يَنْطِقُ فَضْلا(3)

فانْثَنَتْ وَ الشَّجونُ مِلْءُ حَشاها *** وَ هُيَ تَدْعُو عَزَّ المَجِيرُ وَقَلاً

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ ذاكَ حَتَّى حَباها *** رَبُّها المَنْزِلَ الرَّفِيعَ الأَجَلَا(4)

ص: 207


1- أخنى: أطال عليهم الزمان وطال -أهلكهم- جار عليهم و غدر بهم دهياء: النائبة الشديدة.
2- لعله إشارة إلى ما جاء في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص14-18 ط مؤسسة الوفاء: «عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق علیه السلام: هل للمأمور المنتظر المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال:... وَ ضَرْب سلمان الفارسي وَ إشعال النار على باب أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لإحراقهم بها و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة علیها السلام بالسوط و رفس بطنها وإسقاطها محسنا ... و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة وإضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللّه واللّه متم نوره...».
3- (و البيت الذي يليه) ربما يشير إلى خطبة الزهراء علیها السلام في مسجد الرسول كما ورد في كتاب الاحتجاج ، ج1 ص131-145.
4- لعله إشارة إلى ما جاء في كتاب صحيح مسلم، ج4 ص31-54 الطبعة الأولى/ مؤسسة عز الدين/ بيروت.

وَقَضَتْ نَحْبَها وَ أَوْصَتْ عَلِيّاً *** أنْ يُعَنِّي رَسْماً لها وَ مَحَلا(1)(2)

ص: 208


1- جاء في كتاب أمالي الشيخ المفيد ص281 ح7 ط جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة: «عن علي بن الحسين علیه السلام عن أبيه الحسين علیه السلام قال: لما مرضت فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم وصت إلى علي بن أبي طالب علیه السلام أن يكتم أمرها و يخفي خبرها. و لايؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك و كان يمرضها بنفسه و تعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها الله) على استسرار بذلك كما وصت به فلما حضرتها الوفاة وضت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفى قبرها فتولّى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها و عفى موضع قبرها...».
2- نقل من كتاب البابليات ج2 ص188.

(20) سوف تأتي الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الصاحب بن عباد(*)(1)

ص: 209


1- (*)الصاحب بن عباد هو إسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الديلمي الطالقاني القزويني. ولد في طالقان من توابع قزوين في 16 ذي القعدة سنة 326ه_، و هو أول من لقّب بالصاحب لأنه كان يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد، ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، و بقي معلَماً له، و قد شغل منصب الوزارة ثماني عشرة سنة و شهراً. و قد وزر أولاً لمؤيد الدولة ابن ركن الدولة بن بويه ابن العميد. فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه أخوه فخر الدولة فاقر الصاحب على وزارته. وقيل عنه: نادرة الزمان و شقائق النعمان و كان أعجوبة عصره و وحيد دهره و كان حسنة من حسنات الزمان و بقية مما ترك الأعيان. ذا مروءة فاتت الواصف، وجود أخجل الغمام الواكف. و كان من نوادر الدهر علماً و فضلاً و تدبيراً وجودة رأي أخذ الأدب عن أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة و أخذ عن أبي الفضل بن العميد و غيرهما. و نقل عن الصاحب بن عباد قال: مدحت بمائة ألف قصيدة عربية و فارسية و ما سرَّني شاعر كما سرني أبوسعيد الرستمي الأصفهاني بقوله: ورث الوزارة كابراً عن كابرِ *** موصولة الإسناد بالإسنادِ يروي عن العباس عبّاد وزاًرته *** و إسماعيل عن عباد و قال ياقوت الحموي: مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين و المترجَم له: أحد كتاب الدنيا الأربعة؛ و ذكر ابن شهرآشوب أنه من شعراء أهل البيت علیهم السلام المجاهرين، و له عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قد نقش على خاتمه: على الله توكلت *** بالخمس توسَلت و نقش آخر: شفيع إسماعيل في الآخرة *** محمد و العترة الطاهرة ويقول في الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام: أبا حسن لو كان حبك مدخلي *** جهنم كان الفوز عندي جحيمها و كيف يخاف النار من كان موقناً *** بأنك مولاه و أنت قسيمها؟ و قال: أنا و جميع من فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب ومن شعره: مواهب الله عندي جاوزت أملي *** و ليس يبلغها قولي و لاعملي لكنّ أشرفها عندي و أفضلها *** ولايتي لأميرالمؤمنين علي و له أيضاً: لوشقّ عن قلبي ترى وسطه *** سطران قد خطّا بلاكاتب العدل و التوحيد في جانب *** و حب أهل البيت في جانب و جاء في روضات الجنات أن أمويّاً وفد على الصاحب ورفع إليه رقعة فيها: أيا صاحب الدنيا و يا ملك الأرض *** أتاك كريم الناس في الطول و العرض له نسبُ من آل حرب مؤثلٌ *** مرائره لاتستميل إلى النقض فزودّه بالجدوى و دثْره بالعطا *** لتقضي حق الدين و الشرف المحض فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها: أنا رجل يرمونني الناس بالرفضِ *** فلاعاش حربي لديَّ على خفض ذروني وآل المصطفى خيرة الورى *** فإنّ لهم حبي كما لكمُ بغضي و لو أن عضواً مال عن آل أحمدٍ *** لشاهدت بعضي قد تبرأ من بعضي و كان الصاحب «رحمه اللّه» لاتخلو داره في كل ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الإفطار على مائدته و كان لايدخل عليه أحد في شهر رمضان بعد العصر كانئاً من کان فيخرج من داره الا بعد الإفطار عنده. و كانت صلاته و قرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة. و من مآثره أنه كان ينفذ إلى بغداد في السنة خمسة آلاف دينار تفرَّق على الفقهاء و الأدباء. و كان في أوان صغره إذا أراد المضي إلى المسجد ليقرأ تعطيه والدته ديناراً في كل يوم و درهماً و تقول له: تصدَّق بها على أول فقير تلقاه، فكان هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر و ماتت والدته و ما ترك هذه العادة في كبره و له قصة في ذلك تنقلها كتب التراجم و هذه التربية تركت أثرها على الصاحب. للصاحب تصانيف قيمة نذكر بعضها 1- (الكافي) في الرسائل 2- التذكرة 3- الأنوار 4- التعليل 5- الوقف و الابتداء 6- العروض 7- الوزراء 8- جوهرة الجمهرة 9-الكشف عن مساوىء شعر المتنبي 10- الشواهد 11-القضاء و القدر 12- ديوان شعره. 13-المحيط في اللغة سبع مجلدات. و ألف لأجله شيخنا الصدوق (رحمه اللّه) (عيون أخبار الرضا علیه السلام)، و أيضاً ألف لأجله الحسن بن محمد القمي كتاب (تاريخ قم) و ألف باسمه حسين بن علي بن بابويه القمي كتاباً و الثعالبي كتاب (يتيمة الدهر). و توفي ليلة الجمعة 24 صفر سنة (385ه_) فأغلقت له مدينة الري و اجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، فلما خرج نعشه من الباب صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة و قبّلوا الأرض و شيِّع في موكب مهيب مشى فيه فخر الدولة و سائر القوّاد و قد غيّروا لباسهم، و كان فخر الدولة أمام الجنازة يمشي مع الناس و نقل إلى أصفهان و دفن فيها، و قبره مزار معروف في باب الطوقجي أو الميدان العتيق بأصفهان يقصده القريب و البعيد. و قد رثى الصاحب رحمه الله أبوسعيد الرستمي و أيضاً السيد الرضي بقصيدة عصماء يقول في مطلعها: أكذا المنون تقنطر الأبطالا *** أكذا الزمان يضعضع الأجیالا أكذا تصاب الأسد و هي مذلة؟ *** تحمي الشبول و تمنع الأغيالا إلى تمام ثلاثين بيتاً، كما رثاه شعراء آخرون.

ص: 210

سَوْفَ تَأْتِي الزَّهْرَاءُ تَلْتَمِسُ الحُكْمَ *** إذا حانَ مَحْشَرُ التَّعْدِيلِ(1)

وَ أَبُوها و بَعْلُها و بَنُوها *** حَوْلَها و الخِصام غيرُ قَليلِ

وَ تُنادِي يا ربّ ذُبَحَ أَوْلا *** دِي لماذا وَأَنْتَ خَيْرُ مُدِيلِ؟

فَيُنادَى بِمالِك أَلْهِبِ النّارَ*** وَ أَجُجْ وَ خُذْ بِأهْل الغُلُولِ(2)

ص: 211


1- لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج2 ص26 ح6 ط/ انتشارات جهان -طهران. عن الرضا علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام یوم القیامة و معها ثياب مصبوغة بالدم فتتعلّق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل احكم بيني و بين قاتل ولدي». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيحكم لابنتي و رب الكعبة و إن الله «عزوجل» يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها علیها السلام».
2- هذا البيت و الأبيات التي سبقته في كتاب ثواب الأعمال و عقاب الأعمال للشيخ الصدوق ط2/ منشورات الرضا قم رواية تؤكد المعنى: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة علیها السلام: «صلوات الله عليها» في لمّة من نسائها فيقال لها: ادخلي الجنة فتقول: لاأدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي؟ فيقال لها: انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين علیه السلام قائماً و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا فيغضب الله «عزوجل» لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لايدخلها روح أبداً و لايخرج منها غمّ أبداً فيقال لها: التقطي قتلة الحسين علیه السلام و حملة القرآن فتلتقطهم. فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها فينطقون بألسنة ذلقة طلقة: يا ربنا أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن الله «عزوجل» أن: من يعلم ليس كمن لايعلم...».

وَ يُجازَى كُلُّ بما كان منهُ *** مِنْ عِقابِ التَّخْلِيدِ وَ التَّنْكِيلِ(1)

يا بَنِي المُصْطَفَى بَكَيْتُ وَ أَبْكَيْتُ *** وَ نَفْسِي لَمْ تَأْتِ بَعْدُ بِسُولي(2)

لَيْتَ رُوحِي ذابَتْ دُموعاً فَأَبْكِي *** لِلَّذِي نالَكُمْ مِنَ التَّذْلِيلِ

فَوَلائي لَكُمْ عَتادِي و زادِي *** يَوْمَ أَلْقاكُمُ على سَلْسَبِيلِ

لِيَ فِيكُمْ مَدائِعٌ وَ مَراثٍ *** حُفِظَتْ حِفْظَ مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ

قَدْ كَفاني في الشَّرْقِ وَ الغُرْبِ فَخَراً *** أنْ يَقُولوا: مِنْ قِيل إسْمَاعِيلِ

وَ مَتى كادَنِي النَّواصِبُ فِيكُمْ *** حَسْبِيَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ وَكِيلِ(3)

ص: 212


1- التنكيل: الإصابة بنازلة.
2- سولی: مخفّف سؤلي بمعنى سؤالي.
3- ديوان الصاحب بن عباد ص261.

(21) رزء عظيم

(بحر الرّمل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

بأَبِي مَنْ أَصْبَحَتْ بَعْدَ الرَّسُولْ *** جِسْمُها زادَ سِقاماً وَنُحُولْ

***

آهِ وا وَيْلاهُ مِنْ أُمَّتِهِ *** قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ في حُفْرَتِهِ

تَرَكُوا الضَّيْغَمَ رَهْنَ بَيْتِهِ *** وَ سَرِيعا غَصَبُوا ارْتَ البَتُولْ

***

جَحَدُوا مَنْ كانَ فِيهِمْ مُحْسِنا *** عَصَرُوها أَسْقَطُوها (مُحْسِنا)(2)

أَلَّمُوها لَيْسَ فِيهِمْ مُحْسِنا *** تَرَكُوا أَجْفَانَها تَجْرِي هَمُولْ(3)

***

بِأَبِي ذاكَ الأبِي بَعْدَ النَّبِي *** عِوَضُ السَّيْفِ بِأمرٍ مُغصبٍ

أهِ مِنْ (تَيْمٍ) وَ آهِ مِنْ (عَدِي) *** لَيْتَ شِعْرِي فيهما ماذا أقولْ؟

ص: 213


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- البحار ج53 ص18-19: و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمّر العين حاسراً، حتى ألقى ملاءته عليها و ضمها إلى صدره... و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب، فأسقطت محسناً، فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: فإنه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكوا إليه -الحديث.
3- همول: فائضة الدموع.

جَرَّعاها غُصَصاً غصَّتْ لها *** لهواتُ الدَّهْرِ إذ لامِثْلَها

(فاطمٌ) قَدْ أَسْقَطُوها (حَمْلَها) *** يالَهُ رُزْهُ عَظِيمٌ وَ مَهولْ

***

هَجَمُوا لَما رَأَوْا مِنْ ضَعْفِهِ *** لَبيوه بِنِجادِ سَيْفِهِ(1)

قِيْدَ لِلْمَسْجِد رَغْمَ أَنْفِهِ *** وَ هُو ذا اللَّيثُ الهِزَبُرُ الصَّؤولْ(2)(3)

***

ص: 214


1- لبيوه: جرّوه. نجاد: حمائل السيف.
2- الهزبر: الشديد الصُّلْب. الأسد الصؤول: الذي يسطو و يقهر.
3- شعراء الحسين ج1 ص123.

(22) فاطمة علیها السلام تدعو

(بحر الرّمل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

دَعْ تَفاصيلاً وَ سَلْنِي جُمَلا *** لَمْ تُطِقْ تَسْمَعُ مَا قَدْ فُصَّلا

قد بَنَتْ أساسَها القَوْمُ الأُلى *** وَ أَخِير القَوْمِ يقفو (الاوَّلا)

كَذَّبَ القَوْمُ (النَّبِيَّ ) المُرْسَلا *** يومَ (خُمِّ) وَ الكِتابَ المُنْزَلا

أغْضَبُوا مُذْ أَغْضَبُوا رَبَّ العُلَى *** صِنْوَطه وَ أبَوْا نَصْرَ الوَلا(2)

أَأمِيراً (شَيْخُ تَيْمٍ) جُعِلا *** وَمنِ اللَّهُ ارْتَضاهُ عُزِلا؟

(شيخُ تَيْمٍ) مِنْبَرَ الهادِي عَلا *** وَ (عَلِيّاً) اجْلَسُوه المَنْزِلا

قسماً لولا القضا لَنْ يَصِلا *** مِنْ عَلَيَّ الطُّهر ما قَدْ أمّلا

عَجَباً بِالحَبْلِ قادُوا البَطَلا *** مِثل ما قادَ الحُداةُ (الجَملا)

خَلْفَهُ فَاطِمَةُ تَدْعُو ألا *** فَاتْرُكُوهُ أوْ لأَدْعُو (الكافِلا)(3)

عَجَباً مِنْ حَبْلِهِ ما انْفَصَلا *** بِيَتامى كَرْبَلاءَ اتَّصلا

ص: 215


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الصنو: الأخ الشقيق.
3- إشارة إلى ما ورد في تفسير العياشي، ج2 ص67 ط المكتبة العلمية الإسلامية/طهران: «... فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة علیها السلام أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره -و كان من سعف- ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً مليباً. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: أتريد أن ترملني من زوّجي؟ واللّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي فأخذت الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم...».

فَمَتَى (المَهْدِيُّ) يَشْفِي الغَلَلا؟ *** كَمْ نُقاسي مِنْ عِداها العِلَلا

امْتَطُوا الخَيْلَ بَنِي عَمْرو العُلَى *** وَ ابْعَثُوها شُرباً تطَّوي الفَلَا(1)

وَ اشْرَعُوا السُّمْرَ العوالي الذُّبَّلا *** وَ اجْعلوا الأغْمادَ لِلْبَيِضِ الطّلا(2)

وَ عَلَى الحَرْبِ ألا (حَيَّ هَلا) *** فَمَذاقُ المَوْتِ فِي الحَرْبِ حَلا

أيها المُدْلِجُ خُذْ مِنِّي إلى *** هاشِمِ شَكْوى تُزِيلُ الجَبَلا(3)

قِفْ عَلَى البَطْحا وَ قُلْ قُوموا فلا *** عُذر إلا أن تَقُومُوا عَجَلا

أَقُعوداً لَمْ تُثِيرُوا القَسْطلا *** وَ حُسَيْن عارياً في كَربلا؟(4)

يا حُماةَ المَجْدِ عُدْتُمْ ذُلُلا *** وَ غَدَوْتُمْ لِلْبَرايا مَثَلا

أَفَما هاجَكُمُ مانَزَلا *** مِنْ مُلِمٌ للرَّواسي زَلْزَلا؟

ضَرَبَتْ نِسْوةُ حَرْبِ كِلَلا *** في المَقاصِيرِ وَ سِتْراً مُسْدَلَا(5)

وَنِساكُمْ بالمَهاجِيرِ اصْطَلا *** وَجْهُها مُذْ سَلَبُوها الحُللا(6)

عَجَباً نِسْوَتُكُمْ تُسرى بلا *** كافِلٍ بارزةً بَيْنَ المَلا

وَ تَجُوبُ البِيدَ حَسْرَى وَ عَلى *** قُتَبِ النَّاقَةِ أَضْحَتْ مَثلا(7)

حُسْراً قَدْ ارْكَبُوها الهُزَّلا *** وَ بها جابُوا دَيَامِيمَ الفَلا(8)

وَ سَلِيبَاتٍ حُلِيّاً وَ حُلَى *** قَفَلَ الرَّكْبُ بها القُفَلا

وَ بِعَيْنِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَلاَ *** حُجَّةُ اللَّهِ مُضاماً غَلَلا

ص: 216


1- شُرِّباً: خشنات ضامرات يابسات.
2- السُّمْر: الرماح البيض: السيوف.
3- المدلج: السائر كل الليل أو آخره.
4- القسطل: الغبار الساطع في الحرب.
5- المسدل: ما أسْبِل على الهودج و نحوه -شيء يُعرَّض في شُقّة الخِباء- ستر حجلة المرأة.
6- المهاجير: الأماكن أو الأزمنة الشديدة الحرارة اصطلى: استدفاً أو احترق.
7- تجوب: تقطع. البيد: الفلوات الصحارى.
8- دیامیم: الفلوات الواسعة.

أيزيد في حَرِيرِ قَدْ تَلا؟ *** (لَعِبَتْ هَاشِمُ بالمُلْكِ فَلا)

وَ حُسَيْنُ في حَرُورٍ جُدلا *** ظامِناً تُروى دماء الأسلا

يا قَتِيلاً فيه صَبْرِي قُتِلاَ *** وَ بِهِ نَوْمِي عادَى المُقَلا

كَيْفَ سُلْوانِي وَ هُلْ قَلْبِي سَلا *** عَنْ مُصابٍ زَعْزَعَ السَّبْعَ العُلا؟

إِنَّ صَبْرِي وَسُلُوِّي رَحَلا *** و شُجُونِي وَ شهادِي نَزَلا(1)

ص: 217


1- نقلت من كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص93.

(23) يوم البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد صالح القزويني البغدادي(*)(1)

ص: 218


1- (*) هو السيد صالح ابن السيد مهدي ابن السيد رضا بن مير علي الحسيني الشهير بالقزويني النجفي البغدادي و ينتمي نسبه إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام. ولد في النجف الأشرف نهار الخميس في السابع عشر من رجب سنة (1208ه_)، و أسرته من الأسر العلمية العريقة في النجف الأشرف و قد انجبت العديد من العلماء و الشعراء و الأدباء الذين كانت لهم مكانتهم الرفيعة، و من بينهم سيدنا المترجم له فنشأ و ترعرع في ظل أبيه فاعتنى بتربيته و غذاه بأخلاقه و أفاض عليه من روحه فكوَّن منه انساناً محبوباً في طفولته محترماً في شبابه و قوراً في كهولته مهيباً في شيخوخته. و منذ نعومة أظفاره تعشق العلم و درس العلوم الدينية على جماعة من العلماء أكبرهم و أعمقهم أثراً في نفسه أستاذه الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام. يقول الخاقاني في شعراء الغري: «و كان مهاب الطلعة كثير الأدب حسن السلوك يفرض عليك إحترامه طلق المحيا يهشُّ بمن يلاقيه فيعطف عليه كأب عطوف متئداً في مشيه رقيق الحديث كريم الطبع سخي النفس، لم يعرف عنه أنه رد سائلاً. كثير الامتزاج. انتقل إلى بغداد سنة (1259ه_) و أقام بها فكانت داره ندوة العلماء و الشعراء على اختلاف مللهم و نحلهم و في مجلسه حشمة فائقة لايدور فيه الشذوذ من القول و لاالانتقاص للبشر». صاهر أستاذه المرجع الديني الكبير صاحب الجواهر و أعقب أولاداً و هم علماء و أدباء لهم مكانتهم الاجتماعية، و كانت له الزعامة الدينية في بغداد في جانب الكرخ فكان مرجع الرأي العام و موئل القاصدين من ذوي التديَّن و الفحص عن أسرار التشريع و العقيدة. و كان متصدراً على أقرانه من الشعراء و الأدباء في شعره أمثال الشيخ صالح التميمي و عبد الباقي العمري و الأخرس البغدادي و غيرهم، و في شعره قوة البديهة و فخامة اللفظ و متانة القافية و الأسلوب مكثراً مجيداً لم تؤخذ عليه زلة شائنة، تعلو شعره حلاوة و تتخلله طلاوة و عادةً قصائده طوال. خلف آثاراً أدبية و علمية منها: 1- الدرر الغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية: و يشتمل على أربع عشرة قصيدة في النبي صلي الله علیه و آله و سلم و الزهراء علیها السلام و الأئمة الاثني عشر ومجموع أبياتها (2820) بيتاً. 2- ديوان شعر جمعه الشاعر الشيخ إبراهيم صادق العاملي. 3- تاريخ أحوال سيد الوصيين علیه السلام. وافاه الأجل في بغداد نهار 5 ربيع الأول سنة (1306ه_) و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن في المقبرة المعدة لهم في وادي السلام.

ما على الرَّكْب لَوْ أَقامَ قَليلاً *** فَشَفَى لَوْعَةً وَ أَطْفَيَ غَلِيلا

وَ سَقَى السَّفْحَ وَ العَقيق عقيقَ *** الدَّمْعِ سَفْحاً مَعالِماً و طُلولا

وَ رَعَى بالصَّفا زَماناً تَقَفَّى *** كَمْ سَقانا مِنْ صَفْوِهِ سَلْسَبيلا

طالَما لِلْهَوَى شَرِبْنا كُؤُوساً *** كانَ صِرْفاً مِزاجُها زَنْجَبِيلا

كَمْ لَبِسْنا بِهِ مَطارِف أُنَسٍ *** و سَحَبُنَا مِنَ النَّعيم ذُيولا(1)

كانَ وِرْدِي عُلاً و عَيْشي رَغِيداً *** و شَبابِي غَضَّاً و ظِلِّي ظَليلا(2)

جادَ كالعارِض الأَجَشِّ هَلُولاً *** مَرْبَعَ الذِّكْرِ بُكْرَةً وَ أَصِيلا(3)

وَ تَمْشي بِكَ الشَّمالُ بأنفاسِ *** الخُزُامى وَ هُناً يَضُوعُ بَليِلا(4)

كُلَّما هَبَّتِ السّمالُ انْتَشَيْنا *** فكأنَّ الشمال كانَتْ شَمُولا

ما لَهُ مُوحِش المعالِم قَفْراً *** بعدَما كانَ آئِساً مَأهُولا

كَمْ على سَفْحِهِ سَفَحْتُ عقيقاً *** مِنْ دَمِ القَلْبِ مَدْمَعاً مَطْلُولا

أَظْلَقُوا الدَّمْعَ وَ الحَشَا كَبَّلُوهُ *** ما عليهِمْ لَوْ أَظْلَقوا المَكْبُولا

ص: 219


1- مطارف: جمع المُطرَف و هو رداء من خَز ذو أعلام.
2- ورد النصيب من الماء. الجزء من القرآن يقوم به الإنسان كلّ ليلة رغيد واسع و طيب. غضّ: ناضر.
3- الأجش: الغليظ الصوت من الإنسان هلولاً أي متهللاً صفة للعارف و هو السحاب الممطر. بكرة: صباحاً. أصيلاً: مساءً.
4- الخزاما بضم الخاء زهر من فصيلة الزنبقيات له بصلة و أزهاره متعددة الألوان أو بفتح الخاء هو نبت من فصيلة الشفويات ذكي الرائحة يستعمل في العطور.

ما لنا و الخُطُوبُ تَعْدُو علينا *** كُلّ يومٍ مُفَوّقاتٍ نُصُولا

فَكَأَنَا لِلنَّائِباتِ خُلِقْنا *** لانَرى للفرار عنها سَبِيلا

أنا جَلْدٌ على نُزولِ الرَّزايا *** و لَئْنُ هَدَّتِ الجبال نُزُولا

وإذا سامَنِي الزَّمانُ اختباراً *** بِرَزاياهُ قُلْتُ صَبراً جميلا

ما أَرى صَبْرِي الجَمِيلَ جَمِيلاً *** إِنْ تَذَكَرْتُ ما أصابَ البَتُولا

فَقَدَتْ أَحْمداً و ناحَتْ طويلا *** وَ بَكَتْ حَسْرَةً و أَبْدَتْ عَويلا

و أَقامَتْ عَبْراء لكلاء حتى *** لَحِقَتْ بِالنَّبِيِّ عَبْرَى ثَكُولا

طالَما المُصْطَفَى بِثِقَلَيْهِ أَوْصَى *** مُنْذِراً قَوْمَهُ قَبيلاً قَبيلا

أَشْهَدَ الله يومَ خُمِّ عَلَيْهِمْ *** وَ كَفَى شاهِداً بِهِ وَ وَكِيلا

فَضِّلُوا المرتضى فَقَدْ فَضَّلَ *** اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَقامَهُ تَفْضِيلا

وَاحْفَظُوا الله في وَلاءِ ابْنِ عَمِّي *** إِنَّه كانَ عَهْدُهُ المَسؤولا

وَ احْفَظُونِي بَأَهْلِ بَيْتِي ولا *** تَبْغُوا نُكولاً عنهُمُ وَ لاتَحوِيلا

إِنَّ إن ربِّي قَدِ اصْطَفَانِي رَسُولاً *** وَ ارْتَضَى لي أخِي عَلِيّاً خَليلا

وَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ فَطُوبى *** لامْرِى لَمْ يَزَلْ بِهِ مَوْصُولا

فاطِمُ بَضْعَتِي وَ مَنْ ساءَهَا مِنْكُمُ *** فَقَدْ ساءَني و ساءَ الجَليلا(1)

أنا مِنْ فاطِمٍ وَ فاطِمُ مِنِّي *** قالَها أَحْمَد لها تَبْجِيلا

ص: 220


1- إشارة إلى ما روي في كتاب علل الشرائع ص187 الباب148: في حديث طويل عن الصادق علیه السلام في ذكر دخول أبي بكر و عمر على فاطمة علیها السلام في مرضها بإذن علي لعيادتها و الإعتذار منها قالت: أنشدكما بالله هل سمعتما النبي صلي الله علیه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها، من آذاها فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه، آذاها بعد موتي ومن فكان كمن آذاها في حیاتي، و من آذاها في حیاتي کان کمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم، قالت الحمداللّه، ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني -أنهما فقد آذياني في حیاتی و عند موتي، واللّه لاأكلمكما من رأسي حتى ألقی ربي. الحدیث طویل -أخذنا منه موضع الحاجة.

ثُمَّ لَمَّا اسْتَقَلَّ هادي البَرايا *** سَبِّحُوا في الضَّلالِ سَبْحاً طَويلا

لَسْتُ انْسَى يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَ *** القَوْمُ بها أَصْلُوا الشَّقا تَأْصِيلا

يومَ حادُوا عن مَنْهَج الرُّشْدِ غَيّاً *** وَ اقْتَفَوْا مَنْهَجَ القُرُونِ الأُولى(1)

إنْ يَكُونُوا لأَحْمَدٍ خُلَفَاءً *** فَلِماذا لَمْ يَحْضُرُوا التَّغْسيلا

أَشْغَلَتْهُمْ دَعْوى الخِلافَةِ عنه *** وَ بِهِ كَانَ حَيْدِرٌ مَشْغُولا

عَقَدُوا عُقْدَةَ الصَّلالِ وَحَلُّوا *** عُقْدَةً كَانَ حَلُها مُسْتَحِيلا

أَضْمَرُوا الكُفْرَ وَالهُدَى أَظْهَرُوهُ *** حِينَ شامُوا سيف الهُدَى مَسْلُولا(2)

رَكِبُوا مَنْهَجَ الضَّلالِ وَ حادُوا *** عَنْ طَرِيقِ الهُدَى فَضَلُّوا السَّبِيلا

عَجَباً كَيْفَ لاتَضِلُّ وَ قَدْ قَلَّدَتِ *** الأَمْرَ غاصِباً ضِلِّيلا

لَهْفَ نَفْسِي على ابْنَةِ المُصْطَفَى *** أَمْسَتْ تُقاسِي مِنَ الخُطوبِ الجَليلا

مَكَئَتْ بَعْدَهُ قَليلاً وقاسَتْ *** مِنْ عِداهُ شَجّى وَ حُزْناً طَوِيلا

لَمْ يُخَلّفْ خَيْرُ النَّبِيِّينَ فِيهِمْ *** غَيْرَ بِنْتِ فَجَرَّعُوعا وَبِيلا(3)

أَيُّ بِنْتِ لَهُ تُكابِدُ مِنْهُمْ *** مَضَضاً أَضْرَمَ الفُؤادَ غَليلا(4)

بَضْعَةُ المُصْطَفَى التي فَضَّل الرحمنُ *** فِي الذِّكْرِ مَدْحَها تَفْضِيلا(5)

مَنْ بها باهَلَ الرَّسُولُ وَ باهى *** وَ بِها لِلْهُدَى أَقَامَ دَلِيلا(6)

ص: 221


1- حادوا: مالوا و عدلوا.
2- شاموا: أغمدوا أو استلوا.
3- الوبيل: الشديد.
4- مضضا: وَجَع المصيبة.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب شواهد التنزيل ج2 ص246-247، عن ابن عباس في قوله تعالى «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» قال: نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
6- باهل: لاعن -باهى: فاخر. إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص25-24، لما نزلت هذه الآية (المباهلة) دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام و قال: «اللهم هؤلاء أهلي». أخرجه مسلم و الترمذي.

مَنْ لَدَيْها سِرُّ الهُدَى وَإِليها *** أَرْسَلَ اللَّهُ خادِماً جبريلا

نَهَرُوها وَ مَزَّقُوا صَکَّها وَ *** انْتَحَلُوها تُراثَها المَنْحُولا(1)

هَتَكُوا بِانْتِهاتِها حَرَمَ الدِّينِ *** وَ أَلْقَوا حِجَابَهُ المَسْدُولا

دَخَلُوا مَنْزِلَ البَتُولِ عَلَى اللَّهِ *** اجْتِراءً وَ أزْعَجُوها دُخُولا

أَضْرَمُوا بَيْتَها بنارٍ ودَقُوا *** ضِلْعَها يا لَهُ مُصاباً جَليلا(2)

أسْقَطُوها ضَرْباً وَ قادُوا عَلِيّاً **** مُسْتَضاماً فَأَدْرَكوا المَأْمُولا(3)

لَم تَزَلْ منهُمُ تُکابِدُ شَجُواً *** منهُ كادَتْ شُمُّ الرَّبى أنْ تَزُولا

كم دَعَتْهُمْ و اسْتَصْرَخَتْهُمْ وَلكِنْ *** لَمْ تُشاهِدْ إِلا نَكُولاً خَذُولا

كَذَّبُوا قَوْلَها عَلَى العِلْمِ مِنْهُمْ *** أَنَّهَا قَوْلَ باطِل لَنْ تَقُولا

وَ هْيَ بنتُ الأمين أم الميامِينِ *** فُرُوعاً زَكَتْ وَ طابَتْ أَصُولا

لَهْفَ نَفْسِي لَها تُشاهِدُ تَيْماً *** وَ الِياً وَابْنَ عَنْها مَعْزُولا

وَ تَرَى حَقَّها مِنَ الإِرْثِ مَمْنُوعَاً *** عَلَيْها وَ لِلْعِدى مَبْذُولا

ضَيَّعُوا حَقَّها عِناداً و حِقْداً *** رَوَّعُوها و لَمْ يُراعُوا الرَّسُولا

وَ لَها جُدْرُ بِثْرِبَ ارتَفَعَتْ لَمّا *** شَكَتْهُمْ وَ أَوْ شَكَتْ أَنْ تَزُولا

زَعَمُوا لَمْ تُورّثِ الرُّسُلُ إبْناها *** ضَلالاً وَ بَدَّلُوا تَبْدِيلا

أَنَسُوا آيةَ المواريث في التنزيلِ *** نَصّاً وَ حَرَّفُوا التَّنْزِيلا

ص: 222


1- إشارة إلى ما روي في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: في كلام سبط ابن الجوزي: أنه كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها، فقال مماذا تنفق على المسلمين؟ و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقه.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123 قال المؤرّخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فتوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج4 ص198.

ألَمْ يَكُنْ وارِثاً أَبَاهُ سُليمانُ *** فَلِمْ لَمْ تَرِتْ أباها الرَّسُولا؟

وَ ادَّعَتْ نِحْلَةً فما صَدَّقُوها *** وَ هْيَ أَزْكَى نَفْساً و أصْدَقُ قِيلا(1)

شَهِدَ المُرْتَضَى لها وَ الشَّهِيدَانِ *** فَلَمْ يَرْتَضُوا بهمْ تَضْليِلا

لم يَكُنْ حَيْدَرٌ وَ قَدْ شَهِدَ اللَّهُ *** بِتَقْواهُ شَاهِداً مَقْبُولا

جَهِلُوا فَضْلَهُ وَ فَضْلَ الزَّكِييْنِ *** وَ ما كانَ فَضْلُهُمْ مَجْهُولا

عَدَلُوها عَن الوَصِيَّ وَرَدُّوْا *** رِدَّةً منهُمُ الشُّهودَ العُدُولا(2)

و العُتُلانِ أقْبَلا يَسْتَقِيلانِ *** وَ عَمّا تَجَرَّمَا لَنْ يَحُولا(3)

سَأَلا إِذْنَ فاطم مِنْ عَليَّ *** بِدُخُول أكرم بِهِ مسؤُولا

وَ أَجَازَتْ لما أتاها عَلِيٌّ *** لَهُمَا سائلاً عَلَيْها الدُّخُولا

سَأَلا إِذْنَها دُخُولاً فَلِمَ لا *** سَأَلاَ الإذن في الهجوم البَتُولا؟

أَتَيَاها مُطَاطِئَيْن وَ كُلُّ *** مِنْهُما كَانَ مُبْطِلاً وَ مُحِيلا

يَسْتَقِيلانِها العِثارَ دَهاءً *** وَ هُما يَعْلَمانِ أنْ لاتُقِيلا(4)

لَم يَكُنْ عَنْ حَقِيقةٍ مِنْهُما لَكِنْ *** قُلُوبُ الأنام كَيْ يَسْتَمِيلا

أبْعَدَ اللَّهُ أُمَّةً يَتَولَّى *** ابْنُ تَيْم أُمُورُها مُسْتَطِيلا

ما لَهُمْ أَغْضَبُوا البَتُولَ وَ أَرْضَوْا *** ضِلَّةً منهُمُ الظُّلُومَ الجَهُولا

ص: 223


1- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن الصادق علیه السلام قال: لما أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من يخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها... و انظر قافية الفاء القصائد (1، 2) الهوامش(4، 6).
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن الصادق علیه السلام قال: لما بویع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من يخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها....
3- العُتُلان: الجافيان الغليظان.
4- يستقيلان العثار: يسألان أن ينهضهما من سقوطهما.

ما كَفَاهُمْ خِذْلانُهمْ فاطماً حَتَّى *** عَلى الطُّهْرِ وازرُوا المَخْذُولا(1)

وَ عَلَى المُرْتَضَى أَعانُوا الحُمَيْراً *** وَ عَلَى الرِّجْسَ لَمْ يُعِينوا البَتُولا

جَرَّعُوها كَأسَ الرَّدى فَقَضَتْ *** غَضْبَى إِلى اللَّهِ تَشْتَكِي المُسْتَقِيلا(2)

وَ كَما أَوْصَتْ لَهُ واراها عَلِيٌّ *** وَ اللَّيْلُ أَوْفَى السُّدُولا(3)

قائِلاً وَ الثَّرى أُهِيلَ عَلَيْها *** لَعَلَيْكِ النَّرى بِرَغْمِي أُهِيلا

كُنْتِ لِي لاتُفارِقِينَ بِحالٍ *** كَيْفَ أَزْمَعْتِ فُرْقَةً وَ رَحِيلا

فَهَبِينِي أَقَمْتُ بَعْدَكِ لَكِنْ *** كَيْفَ صَبْرِي عَلَيْكِ وَ الصَّبْرُ عِيلا

إِنَّ فَقْدِيَ البَتُولَ بَعْدَ أَبِيها *** دَلَّ أَنْ لايُبْقِي الزَّمانُ خَلِيلا

عَنْ أبِيها كانَتْ سُلُوِّي وَ إِنِّي *** لَمْ أَجِدْ بَعْدَهَا إِلَيْهِ سَبِيلاً

أَمَّلَ المانعون تَشْبِيعَها وَ القَوْمُ *** صُبْحاً فَأَخْطَأوا المأمُولا

حَظَّرَتْ أنْ يُصَلِّي الرِّجْسُ تَيْمٌ *** حَذَراً فِي الصَّلاةِ أنْ يَسْتَطيلا

فاتَهُمْ أَنْ يُشَبُعُوها وَ مَا نالُوا *** بِتَشييعها الثَّوابَ الجَزِيلا

وَ عَلَيْها لم يُحْضِرِ المُرْتَضَى إلأ *** وَلِيّاً عَنِ الوَلا لَنْ يَحُولا

حَمَلُوا نَعْشَها وَ وارَوْهُ لَيْلاً *** بِأَحبَّايَ نَعْلَها المَحْمُولا

زَوروا حَوْلَها قُبُوراً لِئَلاً *** تَتَحَرّى العِدى إليه سَبِيلاَ(4)

ص: 224


1- وازروا: عاونوا و قوَّوْا.
2- الردى: الموت و الهلاك.
3- هذا البيت و البيت السادس الذي يليه فيهما إيطاء في كلمة (سبيلا) عدا بعض الأقوال و يمكن التخلص منه بتبديل (سبيلا) في أحد البيتين (وصولا) واللَّه العالم.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص106-110: في حديث طويل: ثم إنه علیه السلام سوّى في البقيع سبعة قبور أو أربعين قبراً، و لما عرف الشيوخ دفنها، و في البقيع قبور جدد أشكل عليهم الأمر فقالوا: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها و نصلّي عليها. فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة، و بيده ذوالفقار، و هو يقسم باللّه: لئن حوّل من القبور حجر ليضعنَّ السيف فيهم الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

حاوَلُوا نَبْسَ قَبْرِها لِيُصَلُّوا *** وَ نَضَا الطُّهْرُ سَيْفَهُ المَصْقُولا(1)

فَانْثَنَوْا عَنْ مَرامِهِمْ حَذَراً مِنْ *** حَيْدَرٍ أَنْ يُنَكَّلُوا تَنْكِيلا(2)

قُمْ فَعَنِّي السَّبْعَ المثانِي وَ *** الذْكُرَ و عَزّ التَّكْبِيرَ وَ التَّهْلِيلا

وَ بِها عَنْ أَحْمداً و أُولي العَزمِ *** و عَزّ الأمِينَ جِبْرَائيلا

وَ بِها عَزَّ حَيْدَراً وَ الشَّهِيدَيْنِ *** بِكُلِّ غَدا بِها مَثْكُولا

ما انْقَضَى رُزْؤُهُمْ بِأَحمدَ حَتَّى *** فَقَدُوا وَالعُيونُ عَبْرَى البَتُولا

إِنَّ يَوْمَ البَتُولِ أَجْرى عُيُونَ *** الآلِ شَجُواً دَماً وَ دَمْعاً هَمُولا(3)

إِنَّ يوم البتول أَوْرَثَ قَلْبَ *** الدِّينِ وَ المُسْلِمِينَ دَاءً دَخِيلا

إِنَّ يَوْمَ البَتُولِ أبْكَى عَلِيّاً *** وَ بَنِيهِ وَ الرُّسُلَ وَ التَّنْزِيلا

طالَمَا في الظَّلامِ للَّهِ صَلَّتْ *** وَ إليهِ تَبَلَتْ تَبْتِيلا(4)

كَمْ لها في الزَّمانِ آياتُ فَضْلٍ *** ضاقَ مِنْها الزَّمانُ عَرْضاً و طُولا

كَمْ إِلَيْهَا الجَلِيلُ أَهْدَى لِباساً *** منهُ فَضْلاً مِنَ الجِنانِ جَليلا

وَ حَباها فَواكِها وَ طَعاماً *** طَيِّباً مُكَرِّماً لها وَ مُنِيلا(5)

وَ بِها مَرْيَمٌ دَعَتْهُ فَأَعْطاها *** نَوالاً مِنُه العَطاء الجَزيلا

وَ بِها أُمُّ أَيْمنِ سَأَلَتْهُ *** لِغَليل قبل مِنْها الغليلا

وَ إلَيْها أدْلى مِنَ الأفْقَ دَلُواً *** فَتَروت به زماناً طَوِيلا

وَ غَزا المُرْتَضَى العِدَى فَأَسرَّتْ *** لَيْتَهُ قَدْ أَقامَ عَنْهُ وَكِيلا

وَ بأسْرارِها المُهَيْمِنُ أَوْحَى *** تَخِذُونِي لَكُمْ وَكِيلاً كَفيلا(6)

ص: 225


1- نضا: استلّ -المصقول: المجلوّ و المكشوف عنه الصدأ.
2- فانثنوا: فانعطفوا -ينكّلوا: يصابوا بنازلة.
3- همولاً: فائضاً.
4- تبتّلَتْ: انقطعت عن الدنيا إلى اللّه.
5- حباها: أعطاها من غير جزاء. منيلاً: مُعْطِياً.
6- تخذوني: بدون ألف و هو جائز أصله اتَّخَذَ بمعنى إِتَّخذ.

وَ الرَّحَى قَدْ أَدارَها الرُّوحُ لَمّا *** رَقَدَتْ في الضُّحَى لها تَبْجِيلا

بِأَبِيها وَ بَعْلِها وَ بَنِيها *** وَ بِها اللَّهُ قَدْ هَدانا السَّبِيلا

وَ بها آمَّنَ اليَهودُ کَمافي *** مَرْيَمٍ آمَنَتْ قَبِيلاً قَبِيلا

وَ نِساهُمُ خَرَّتْ سُجُوداً وَ قَدْ *** قَبَّلَتِ الأرض عندَها تَقْبِيلا

مُذْ رَأَوْا مِنْ مَلاءَةِ الطُّهْرِ *** نُوراً كُلُّ طَرْفِ يَرُدُّ عنه کَلیلا

وَ حَباها بِعِتْرَةِ ما حَباها *** مَرْيَماً قَبْلَها و لاَراحيلا

عَلِمَ اللَّهُ ما سِواهُ کفیلٌ *** فارْتَضاهُ كُفُواً لَها وَ كَفيلا(1)

يا مُقِيمَ الأفلاكِ أنْتَ بِكَ *** الأمْلاكُ للَّه هَلَّلُوا تَهْلِيلا

حارَ فِيكَ العَقْلُ المُجرَّدُ حَتَّى *** لم يَكُنْ يَهْتَدِي إليك وُصُولا

لم يُوالي النَّبِيَّ مَنْ لايُوالِيكَ *** وَ لاكانَ سَعْيُهُ مَقْبُولا

يا دَلِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ يَا مَنْ *** كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ كَانَ دَلِيلا

نَكَلّ المُسْلِمُونَ عَنْكَ فَكَانُوا *** بِالنبييَّنَ كافِرِينَ نُكُولا

قَدْ تَعَدَّوْا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّه *** بكمْ (جَهْرَةٌ) خانُوا الرَّسُولا

هَدَمُوا دِينَهُ وَ كان قويماً *** وَ أقامُوا الشَّقا وَ كانَ ضَئيلا

مَنْ سِواكُمْ لِلعِلْمِ كَانَ وَ لِلْحِلْمِ *** مَقِيلاً وَ لِلْعِثارِ مُقِيلا

عشتَ ما بَيْنَهُمْ تُقاسِي كُرُوباً *** لاتُقاسَى حَتَّى مَضَيْتَ قَتِيلا

وَ تَواصَوْا على الشَّهِيدَيْنِ و انثا *** لُوا رِكاباً عَلَيْهُمُ وَ خُيُولا(2)

أَدْرَكُوا بِالزَّكي ما أَمَّلُوهُ *** مِنْ مَرامِ وَ بِالشَّهِيدِ الذُّحُولا

ص: 226


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص109-110: أن الله «تعالى» أوحى إلى جبرئيل: زوّج النور من النور، فكان الولي اللّه و الخطيب جبرئيل، و المنادي ميكائيل و الداعي إسرافيل و الناثر عزرائيل و الشهود ملائكة السماوات و الأرضين الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- انثالوا: انصبوا.

جَلَبُوها عَلَيْهِ خَيْلاً وَ رَكْباً *** وَ شُيُوخاً تَأَلَّبُوا وَ كُهولا(1)

طاوَلُوهُ وَ هُمْ ثلاثُونَ الفاً *** فَتَجَلَّى عَلَيْهِمُ مُسْتَطيلا

كَمْ بجَيْشِ لِعَزْمِهِ أفْزَعَ الجَيْشَ *** يُرَى عِنْدَهُ الكَثِيرُ قَلِيلا

كُلَّما أَضْرَمَ العِدَى شُعَلَ الهَيْجا *** ءِأَظْفَى ضِرامَها المَشْعُولا

كُلّما جَلْجَلَتْ رَعِيلاً رَعِيلاً(2) *** دَقَ فَرْداً على الرَّحِيلِ الرَّعِيلا

كَرَّ فيهمْ فَرْداً فَأَرْوَى القَنا مِنْ *** دَمِهِمْ وَ المُهَنَّدَ المَصْقُولا

حَلَّقُوهُ عَنِ الشَّرائِع ظُلماً *** وَ سَقَوْهُ أَسِنَّةٌ وَ نُصُولا

وَ قَضى ظامِئاً وَ ما بُلَّ منه *** ظَمَأٌ في الحَشَى يَشِيبُ عليلا

ماضياً لَمْ يَزَلْ يَغُلُّ مَواضِي *** الشِّرْكِ حَتَّى اغْتَدَى بها مَفْلُولا

إِنَّ سَيْفاً بِهِ قُتِلْتَ لَعَمْرِي *** فيهِ أَضْحَى الدِّينُ الحَنِيفُ قَتِيلا

إنَّ سَهْماً أَصْمَى فُؤادَكَ أصْمَى *** حَيْدَراً بعدَ أحْمدٍ وَ البَتُولا

حَرَّمُوا أَنْ تَبُلَّ أَحْشاهُ حَتَّى *** كَانَ مِنْ نَحْرِهِ الثَّرى مَبْلُولا

كيفَ أَضْحَى مُجدِّلُ الشَّوَسِ بالسَّيْفِ *** مُلاقي الكماةِ مُلْقَى جَدِيلا(3)

نَهَبُوا ثِقَلَهُ وَ اوَرُوا خِباهُ *** وَ سَبَوْا آلَهُ وَ قادُوا العَليلا

وَ ثَوى بِالعَرَى ثلاثَ لَيالٍ *** بِدِماهُ مُزَمَلاً تَزْمِيلا(4)

قَتَلُوهُ وَ سَلَّبُوا الفاطميات *** وَ سارُوا بِنَجْلِهِ مَغْلُولا

بِأَبِي مُوثَقاً عَلِيلاً تَسنَّى *** نُقَّباً عارِيَ المَطَى مَهْزُولا

بأَبِي مَنْ نَساهُ فَوْقَ المطايا *** تَنَشَكَّي رَسِيمِها وَ الذَّمِيلا(5)

ص: 227


1- تألبوا: تجمعوا و تحشدوا.
2- جلجلت: صوتت صوتاً شديداً. رعيلا: كل قطعة متقدمة من خيل أو رجال أو طير.
3- مجدل الشوس: الذي يرمي الأشداء الجريئين في القتال. الكماة: الشجعان.
4- تزميلا: ملفوفاً لفاً.
5- رسيمها: رسيم المطايا التي تسير سيراً سريعاً. الذميل: السير اللين.

تَتَهاوى مِنَ العِجافِ إِذا ما *** تَتَرامَى بها حُزوناً سُهولاً(1)

وَ بنفسي سَبْعاً وَ عَشْراً من الآلِ *** شباباً قَضَوْا ظَماً وَ كُهُولا

كُلّما تَسْجَعُ الأسِنَّةُ في الهام *** تَشَنُّوا تَحْتَ الأسنة مِيْلا

بأبي فِتْيَةٌ تَسامَوْا وَ حازُوا *** شَرَفاً باذخاً وَ مَجْداً أثِيلا

وَ لَكُمْ جَدَّلُوا عَلَى التُّرْبِ مِنْهُمْ *** سَيْداً أَصْيَداً و قَرْماً نَبِيلا

أَيُّ دَمْعٍ للآلِ ظَلَّ لَدَيْهِمْ *** وَ دَمِ كانَ بَيْنَهُمْ مَطْلُولا؟

أَيُّ رَأْسٍ عَلَى القَنا رَفَعُوهُ *** أَيُّ جِسْمِ أَجْرَوْا عليهِ الخُيُولا؟

كَيْفَ يَقْوَىٰ رُمْحٌ عَلَى حَمْلٍ رَأْسٍ *** فَوْقَهُ العَرْسُ قَدْ غَدا مَحْمُولا؟

فَلَئِنْ أَدْرَكَتْ بِالِ عَلِيٌّ *** آلُ حَرْبِ يَوْمَ الظُّفُوفِ الذُّحُولا

وَ شَفَتْ مِنْهُمْ غَلِيلَ حقُودٍ *** فَسَيَشْفِي بها المُرَجَّى غَلِيلا

مَلِكٌ يَمْلِكُ الزَّمَانَ وَ يَنْقادُ *** إِلَيْهِ قَوْدَ الذُّلُولِ ذَلِيلا

وَ يَسُومُ العِدَى هَوَاناً وَ يَسْقِيهِمْ *** نَكالاً كَأسَ المَنايا وَبِيلا(2)

أسَدٌ مِنْ بَني الضَّراغِمَةِ الأُسْدِ *** تَرَاهُ بِبَأْسِهِ مُسْتَطِيلا

قائِداً لِلْوغَى أُسُودَ عَرِينٍ *** تَخَذَتْ في الوَغَى الأَسِنَّةَ غِيلا

كُلّما لاحَ لِلْجُموعِ تَوَلَّتْ *** فَرَقاً منهُ خِيفَةً أنْ يَصُولا

وَ تَرى الجَيْشَ كَالكَثِيبِ إِذا *** هَبَّ عليه أضْحى كَثيباً مَهِيلا(3)

كَمْ ذَرَتْهُمْ منهُ عَواصِفُ عَزْمٍ *** وَ كَذا العاصِفاتُ تَذْرُو الرُّمُولا

يا سَلِيلَ البَتُولِ تُغْضِي عَنِ السُّقُومِ *** جُفُوناً وَ قَدْ أَساؤُوا البَتُولا

قَتَلُوا وُلدَها الكِرامَ وَ أَجْرَوْا *** دَمَهُمْ كالدُّموعِ منها سُيولا

كَمْ أَذَلُّوا مِنْكُمْ عَزِيزاً كَرِيماً *** وَ أَعَرُّوا مِنْهُمْ لَئِيماً ذَلِيلا

ص: 228


1- العجاف: الهزال الضعاف.
2- يسوم: يكلف. نكالاً: ما غلبت به غيرك كائنا ما كان أو اسم ما يجعل عبرة للغير.
3- كثيب: تلّ من الرمل مهيلا. منهالاً و مصبوباً.

فَأطلب الشارَ وَ انْعَش الطُّهْرَ فِيهِ *** وَ بَنيها المَسْمُومَ و المَقْتُولا

وَ أقِمْ عَرْشَ دِينِهِمْ بِالعَوالي *** ماتَرى عَرْشَ دِينِهِمْ مَشْلُولا

وَ تَعَطَّفْ عَلَى مَوالِيكَ وَ ارْحَمْ *** مَدْمَعاً منهمْ عَلَيْهِمْ هَمُولا

مَلَكُوا أَمْرَهُمْ بِسَيْفِكَ حَتَّى *** تَكْلُوهُمْ عَلَى الوَلا تَنكيلا

كانَ يَوْمٌ لَهُمْ كَفِيلٌ وَ إِنَّا *** لَمْ نَجِدْ سَيْدِي سِواكَ كَفِيلا

فَإلى مَ إِلَيْكَ أرْفَعُ يَا مَوْلايَ *** شَكْوَى مُقَصْراً وَ مُطِيلا؟

فَاقْبَليْ بِنْتَ أحْمَد من سَلِيلٍ *** مَدْحًا يرتجي منك القَبْولا

صاغَها من جَواهِرِ المَدْح فيكم *** وَ کَساها جُمانَهُ إكْليلا(1)

هَزَّها بالحِما هَواكُمْ فَوافَتْ *** طَرباً بِشرَةٌ تَجرُّ الذَّیولا

وَ اصَلَتْكُمْ مِنَ الجليلِ صَلاةً *** أَبَدَالدَّهْرِ بُكْرة وَ أصِيلا

ص: 229


1- الجمان: اللؤلؤ.

(24) أفاه يا زهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد ضياء الدين الحبش(*)(1)

ص: 230


1- (*) السيد ضياء الدين الحبش من مواليد سورية -محافظة دير الزور- حي حطلة على ضفاف نهر الفرات. ولد عام (1968م) -تدرّج في مدارس دير الزور، و حصل على شهادة أهلية التعليم الاعدادي- قسم اللغة العربية. درس الأدب العربي في العصر الجاهلي، ثم في العهد الأموي الذي أثار في نفسه حب البحث و الاستطلاع، لما رأى من مجون و استهتار خلفاء بني أمية، و مدح الشعراء لأهل البيت علیهم السلام لاسيما قصيدة الفرزدق في مدح الإمام علي بن الحسين علیه السلام حيث التفت إلى مناقب أهل البيت علیهم السلام و سماتهم السماوية و النفسية، و دفعه ذلك إلى المزيد من البحث و التنقيب عن الحقائق في مختلف كتب الحديث و السير و التاريخ فأنار الله سبحانه له الطريق مما أدى إلى تشيّع الشاعر و اعتناقه المذهب الإمامي الجعفري. و الشاعر من عشيرة البوبدران التي موطنها على ضفاف نهر الفرات في مدينة دير الزور، و ينتهي نسب هذه العشيرة إلى الإمام موسى الكاظم علیه السلام. ترك مهنة التدريس و التحق بالحوزة العلمية الزينبية التي أسسها الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي في دمشق في جوار العقيلة الهاشمية مولاتنا زينب علیها السلام ابنة أميرالمؤمنين علیه السلام بالإضافة إلى دراسته في جامعة بيروت كلية الآداب و العلوم الانسانية قسم الفلسفة، و قد تعلَّق قلبه بحب أهل البيت علیهم السلام منذ لحظة تشيّعه فكتب فيهم مجموعة من القصائد و هي في طريقها إلى الطباعة. و له قبل ذلك شعر كثير في مختلف مجالات الحياة إلا أنه ترك كل ذلك و تفرغ للكتابة فيما يتعلق بأهل البيت خاصّة. درس الكثير من خطب أميرالمؤمنين علیه السلام في السفر الثمين -نهج البلاغة- شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، لاسيما الخطبة الشقشقية التي أثارت لديه المزيد من الشكوك في العقائد الموروثة مثل عدالة الصحابة و الكثير من الأحاديث التي إما أن تكون موضوعة، أو أنها لم تفهم بالمعنى الحقيقي كالحديث القائل: «عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ وإذ تبين له فيما بعد أن الخلفاء الراشدين المهديين هم أئمة أهل البيت علیهم السلام المعصومين إلى غير ذلك مما لايسعنا الآن تفصيله و قد ساعد ذلك على تثبيته على الهدى و سلوك نهج الحق نهج أهل بيت علیهم السلام العصمة و الطهارة عليهم أفضل الصلاة والسلام».

قَدْ هَاجَنِي شَوقُ إِذْ بَانَ لي ظَلَلُ *** فَرُحْتُ أسألُهُ: قُلّي مَتَى رَحَلُوا؟(1)

وَ دَارَ في فِكْرِي مَا فَاتَ مِنْ عَهْدٍ *** أيَّامَ لانَدْري ما الحُزنُ ما الوَجَلُ؟(2)

هَلْ كانَ من ذَنْبٍ كنَّا فَعَلْنَاهُ *** حَتَّى تَفَرَّقْنَا كُلُّ لَهُ سُبُلُ؟(3)

أمْ هَكَذَا الدّنيا في أَصْلِ فِطْرَتِها *** في الشرِّ قد جُبلَتْ و النّاسُ قد جُبِلوا

ما لي أرى القَوْمَ تاهُوا وَ ما سَأَلُوا *** كيف السبيلُ إلى رضوانَ أَمْ جَهَلُوا؟

جبريلُ أنبأ أَنَّ اللَّه أنبأَهُ *** أَنْ بالولاية حبلُ الدِّين يتّصلُ(4)

تلكَ العلائِمُ وَ الآياتْ واضحةً *** أنْ المودَّةَ في الآلِ أما عَقَلُوا

هُمُ الأئمة إن قاموا وَ إن قَعَدُوا *** وَ رحمةُ اللَّه في البيتِ الّذي نَزَلُوا(5)

ص: 231


1- الطلل و الأطلال: آثار الديار بعد رحيل أهلها.
2- الوجل: القلق أو الخوف.
3- السُّبُل جمع سبيل و هو الطريق.
4- لعلَّ مراد الشاعر في هذا البيت الحديث القدسي الآتي: (فلما وقف بالموقف -يعني محمداً صلي الله علیه و آله و سلم- أتاه جبريل عن اللَّه «عزوجل» فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إنّ الله «عزوجل» يقرئك السلام و يقول لك...-إلى أن یقول-... فأقمه- يعني علياً علیه السلام وجدَّد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكرهمْ ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقهم و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كل مؤمن و مؤمنة علي بن أبي طالب علیه السلام فإني لم أقبض نبيّاً من الأنبياء الا من بعد إكمال ديني و حّجتي و اتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي، و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتباع وليِّي و طاعته، و ذلك أني لاأترك أرضي بغير وليِّ و لاقيُم ليكون حجة لي على خلقي «فالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» بولاية وليِّي و مولى كل مؤمن و مؤمنة علي عبدي و وصي نبيي و الخليفة من بعده و حجتي البالغة على خلقي...). انظر كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص69 ط النعمان -النجف سنة (1966م).
5- في الحديث النبوي الشريف الوارد في إحقاق الحق ج19 نقلا عن كتاب «أهل البيت علیهم السلام» للأستاذ توفيق أبوعلم ص195 ط السعادة بالقاهرة قال: و قد تواتر الحديث عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لو أنه قال: «ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا و هما ريحانتاي من الدنيا». و جاء أيضاً في العوالم للبحراني ج9 «الإمام الحسن علیه السلام» نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب ما يلي: اجتمع أهل القبلة على أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «الحسن و الحسين علیهما السلام إمامان قاما أو قعدا».

يومُ الغَدِيرِ وَ أخبارٌ تناقَلَها *** جَمْعُ الرُّواةِ بأنّ الدِّينَ يَکْتَمِلُ(1)

بعد الولايةِ للآلِ وَ طاعَتِهمْ *** يا لَلرجالِ لما قالوا وما نَقَلُوا

أمْاهُ يا زهراءُ قد هدّدني حَزَنُ *** من هَولِ ما اقْترفوا -غدراً- و ما فعلوا

نَسوا حَدِيثاً رسولُ اللهِ قائِلُهُ *** (يُرْضِينى إِنْ رَضِيتُ) وَ المبعَثُ الأَجَلُ

حتى النّصارى من في حقّها شَهِدُوا *** يَوْمَ المباهلةِ الغَرَاءِ مَا ابْتَهَلُوا(2)

ص: 232


1- جاء في خطبة الغدير في الإمامة ما يلي معاشر الناس إِنَّ علياً علیه السلام و الطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، و القرآن الأكبر، فكل واحد منبىء عن صاحبه و موافق له، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض... و جاء في موضع آخر... إنما أكمل اللَّه «عزوجل» دينكم بإمامته فمن لم يأتمّ به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة و العرض على اللَّه «عزوجل» فأولئك الذين حبطت أعمالهم و في النار هم فيها خالدون... و قال في ذلک أيضاً: معاشر الناس النور من الله «عزوجل» في مسلوك ثم في عليّ ثمَّ في النسل منه إلى القائم المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. و خطبة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم هذه -خطبة غديرخم- سندها متواتر فقد رويت عن أكثر المهاجرين و الأنصار و التابعين و الرواة و لقد ألّف فيها مئات الكتب المستقلة و منها كتاب «العبقات» للعلامة المغفور له السيد ميرحامد حسین و الغدير ج1 ص30 و الصواعق ص25 و خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدرية و المناقب للخوارزمي الحنفي ص93 ط الحيدرية و غيرها. أما ما أوردناه آنفاً فهو نقلاً عن كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص66-83 ط النعمان -النجف الأشرف سنة 1386ه_/1966م. و أما الشاهد في هذه الخطبة فهو قوله صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما أكمل اللّه «عزوجل» دينكم بإمامته فمن لم يأتم به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه...» الخ. و على من رغب في التفاصيل الرجوع إلى المصادر التي ذكرنا.
2- الغراء: البّينة أو الواضحة و الظاهر أن الشاعر يشير إلى قضية المباهلة المعروف، حيث أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم جاء بفاطمة علیها السلام بمثابة نسائه و علياً علیه السلام بمثابة نفسه و الحسن و الحسين علیهما السلام بمثابة أبنائه و خرج بهم للمباهلة و لقد ذكر ذلك المفسرون و منهم الزمخشري في الكشاف و الفخر الرازي في تفسيره الكبير و غيرهم و فيما يلي نورد مجملاً عنها: فلقد جاء فيها أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لما قرأ هذه الآية على وفد نجران و دعاهم للمباهلة قالوا: حتى نرجع و ننظر في أمرنا ثمَّ نأتيك غداً، فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب و كان كبيرهم و صاحب رأيهم ما ترى يا عبد المسيح ؟ قال: لقد عرفتم يا معشر النصارى أنَّ محمداً صلي الله علیه و آله و سلم نبیّ مرسل و لئن فعلتم ذلك لتهلكن، أو قال لهم: واللّه ما لاعَنَ قوم قط نبياً إلا هلكوا عن آخرهم فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فو دعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قد احتضن الحسين علیه السلام وأخذ بيد الحسن علیه السلام و فاطمة علیها السلام تمشي خلفه و علي علیه السلام يمشي خلفها علیها السلام و النبي صلي الله علیه و آله و سلم يقول لهم: إذا دعوتُ فأمنوا، فلما رآهم أسقف نجران قال: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلاتبتهلوا فتهلكوا و لايبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أباالقاسم صلي الله علیه و آله و سلم رأينا أن لانباهلك... إلى آخر الرواية وردَ هذا النص في کتاب «فضائل الخمسة من الصحاح الستة» نقلاً عن الشبلنجي في نور الأبصار ص100 فراجع المصدر أو ما شئت من التفاسير أما الشاهد في هذه الرواية فهو قول أسقف نجران إني لأرى وجوهاً -لو سألوا اللّه... إلى آخره و يعني من بينهم فاطمة علیها السلام. لقد عهد الرسول الكريم صلي الله علیه و آله و سلم إلى قريش إكرام قريش في أهل بيته علیهم السلام... و البيت الثاني لايستبعد أنه بدلاً من الالتزام بالعروة الوثقى و هم أهل البيت علیهم السلام استبدلوا هذا المعنى و نقضوا الأمر بطريقتين الأولى تنحيته عن خلافة نصها عليها الرسول صلي الله علیه و آله و سلم علناً و بأسلوب واضح ولكن القوم نقضوا هذا العهد في الولاية أو الخلافة خلافة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بعد موته و لما كانت الزهراء علیها السلام تعترض على ذلك مطالبة بحقها و حق زوّجها تعرّضت إلى الكثير من النكران و التضعيف و الرسم و تحوير الوصية و من ثم توجهوا إلى الزهراء البتول علیها السلام و أحاطوا منزلها. فأمر عمر بالحطب و أرادوا إضرامها بالنار فقيل إن فيها فاطمة علیها السلام ابنة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم قال: و إن !!!؟ ثم ارادوا اقتحام المنزل و لما كانت خلف الباب تعرضت لعصرة قوية من الباب مما ادى إلى سقوط جنينها محسن و كذلك آذوها في أحقية نحلتها فدك فلم يعطوا لها حقاً في ذلك و قال: هذه للمسلمين. و هناك نوادر مثيرة على من طلبها العودة إلى المصادر فاما نقض العهد فلعل العهد هنا في سائر حقوق مضيعة سواء لعلي و فاطمة علیهما السلام. و ربما يذهب الظن أنه اراد أو فعلوا فعلتهم في نقض عهده بنكران خليفة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم الذي صَرَّح عنه مراراً في قول اثناء خطبة غدير خم عن قوله : تركت فيكم الثقلين قرآن الله أو قال كتاب الله وعترتي لن تضلا حتى تردا عليَّ الحوض و نقض العهد أيضاً و هو الابرز ما جاء نصاً عن طرق متعددة ما يلي: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. راجع الدر المنثور و راجع خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدري و ص21 ط التقدم بمصر و ص35 ط بيروت الغدير للأميني ج1 ص3.

فاخْتَرْتُ في عَقْلِ كَلَّتْ مَدَارِكُهُ *** كيف استَبَاحوا لذاك الخدْرِ وَ ابْتَذَلُوا؟(1)

سَيُحْشَرُ القومُ يَوْماً لبارِئِهمْ *** فما يكونُ جَوابُهُم إذا سُئِلوا؟

ص: 233


1- ابتذال الثوب: امتهانه.

(25) لم تخل من حزن

(بحر الكامل)

الملك الصالح نصير الدين

طلائع بن رزيك(*)(1)

ص: 234


1- (*) الملك الصالح فارس المسلمين طلائع بن رُزيك المولود سنة (495ه_) بأرمينية، مدينة بأذربيجان و نشأ و تربّى على الفضل و الأدب و الكمال و علوّ النفس و سموّ الغاية و بُعد المقصد و قوة العقيدة. قال المقريزي في خططه: و كان محافظاً على الصلاة فرائضها و نوافلها شديد المغالاة في التشيُّع. قال ابن العماد: و كان يجمع الفقهاء، و يناظرهم على الإمامة و على القدر. تولى الوزارة للخليفة الفائز سنة (549ه_) و سمي بالملك الصالح و لم يلقِّب أحد من الوزراء قبله بالملك. و علا نجمه و ارتفع شأنه و عظمت هيبته لما أبداه من بطولة و سياسة و حنكة ،و فراسة إضافة إلى سماحة كفه و فيض نائله و برّه بالعلماء و الأدباء و الفضلاء، و قد جمع له بين السلطنة والوزارة و كان مجاهداً في سبيل الله، و هو الذي أنشأ الجامع تجاه باب زويلة المعروف الآن بجامع الصالح و هو بظاهر القاهرة. و قال الشيخ القمي في الكنى و الألقاب: الملك الصالح فارس المسلمين كان وزيراً للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز، و تزوّج العاضد بابنته و كان فاضلاً سمحاً محباً لأهل الأدب. و كان يحمل في كل عام إلى أهل الحرمين بمكة و المدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة و غيرها حتى يحمل اليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها، و الأقلام و المداد. و في (19 رمضان) سنة (559ه_) كانت المؤامرة على اغتياله و قتله، فبكاه الناس و ندبته المحافل و رثاه الشعراء. و یروی أنه لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قال: هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و أمر بقراءة مقتله و اغتسل و صلى مائة و عشرين ركعةً أحيا بها ليله. و خرج ليركب فعثر وسقطت عمامته و اضطرب لذلك و جلس في دهليز دار الوزارة فأحضر ابن الصيف، و كان معروفاً بلف عمائم الخلفاء و الوزراء. و له على ذلك الجاري الثقيل، ليصلح عمامته فقال له رجل: إن هذا الذي جرى يتطيرّ منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل. فقال: الطيرة من الشيطان و ليس إلى التأخير سبيل. ثم ركب فكان من أمره ما كان (راجع كتاب أدب الطف، ج3، ص95).

دَعْني قَبِيلُ اللَّهْوِ غَيْرُ قَبِيلِي(1) *** وَ سَبيلُ أَهْلِ اللَّوْمِ غيرُسَبيلي(2)

لم أَشْتَغِلْ عَنْ جَمْعِ أَشْتاتِ العُلا *** بمليح وَجْهِ أو بَكَأْسٍ شَمُولِ

لاتَعْذِلَنِيِّ إِنَّني لاأُقْتَفِي *** سُبُلَ الضَّلالِ لقولِ كُلِّ عَذُولِ(3)

قَوْلِي لِمَنْ قَدْ سامني الرُّجْعَى إلى *** ما لايَجُوزُ أَتَيْتَ غيرَ جَمِيلِ

إنّ الخَلِيلَ، إذا تَجَنَّبَ مَذْهَبِي *** قُلْتُ: ابْتَعِدُ ما أَنْتَ لي، بخليلِ

أَتَحَمَّلُ الأَثقال إلا أَنَّني *** لِمُبايِني في الدِّينِ غَيْرُ حَمُولِ

اليْتُ لاألقى عداةَ أَئِمَّنِي *** إِلابِعَضَبِ الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلِ(4)

وَ أَئِمَّتِي قَوْمٌ، إذا ظُلِمُوا فَهُمْ *** لايَظْلِمُون النّاسَ وَزْنَ فَتِيلِ(5)

كانَ الزَّمانُ لِحُسْنِهِ بِوُجُوهِهِمْ *** يَخْتالُ بالأوضاحِ و التَّحْجِيل(6)

وَ مُسَجِّلٌ لَهُمُ الفَخارَ عَلَى الَّذِي *** ناواهُمُ إِذْ صَحْ لي تَسْجِيلي(7)

وَ هُمُ الأئِمّةُ ماعَدِمْتُ فَضِيلَةً *** فِيهِمْ فما ميلي إلى المَفْضُولِ

فَأَنا إذا مَثَّلْتُ غَيْرَهُمُ بِهِمْ *** في فَضْلِهِمْ أَخْطَأْتُ في تَمْثِيِلِي

آلُ النَّبِيِّ بِهِمْ عَرَفْنا مُشكِلَ *** القُرْآنِ، وَ التَّوْرَاةِ، وَ الإِنْجِيلِ

هُمْ أَوْضَحُوا الآياتِ حتّى بَيَّنُوا *** الغاياتِ فِي التَّحْرِيمِ، وَ التَّحْلِيلِ

ص: 235


1- القبيل: الجماعة من الناس.
2- السبيل: الطريق.
3- العذول: الكثير العذل. الملامة.
4- العضب: السيف القاطع الصقيل: الأملس المصقول.
5- الفتيل: ذبالة المصباح.
6- ختل فلاناً: خدعة: هي من الاختيال أي مشي المتباهي. و الأوضاح: الضوء و بياض الصبح أو ضوء القمر. التحجيل البياض في قوائم الفرس.
7- ناواهم: عاداه.

عِنْدَ التَّباهُلِ ما عَلِمْنا سادِساً *** تَحْتَ الكِسا مَعَهُمْ سِوَى جِبْرِيلِ

إِنَّ الكَثِيرَ مِنَ المدائح فِيهِمُ *** قُلْ، و مَدْحُ اللَّهِ غَيْرُ قَلِيلِ

قالَ النَّبِيُّ : صِلُوا بهمْ حَبْلِي فَلَمْ *** يَكُ مِنْهُمُ أحَدٌ لَهُمْ بِوَصُول

ماذا يَكُونُ جوابُ قَوْمٍ أَخْلَدُوا *** إِذْ ماتَ لِلتَّعْبِيرِ وَ التَّبْدِيل؟

إنْ قالَ: في الحَشْر ابنتي لِمْ فيكُمُ *** لَمْ تَخْلُ من حُزْنٍ، و طولٍ عَوِيلِ؟

هِيَ بَضْعَةٌ مِنّي، ففي إضْرارِها *** ضُرِّيْ كما تَبْجِيلُها تَبْجِيلِي(1)

يلْقَوْنَها بِتَبسُّمٍ في عِزَّكُمْ *** وَ تَروْنَها جاءَتْ بِدَمْعٍ ذَلِيلِ

كَذَّبْتمُوني إذْ لها كَذَبْتُمُ *** وَ عَدَلْتُمُ عَنْ مُحْكَم التَّنْزِيل

ما بالُكُمْ عَنْها تَغَاضَيْتُمْ و قَدْ *** نَطَقَ الكِتابُ لَها بِكُلِّ دَلِيلِ(2)

ما ذاك إلا أَنَّكُمْ أَمْسَكْتُمُ *** الدُّنْيا فَقَدْ حَصَلَتْ بِكَفِّ بَخِيلِ

في حقِّها أَنْتُمْ تَواكَلْتُمْ إلى *** أَنْ ضاعَ، وَ الرَّحْمَنُ خَيْرُ وَكِيلِ(3)

ص: 236


1- تبجيل: تعظيم و تكريم. إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة منْي يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.
2- تغاضى عنه: تغافل.
3- لعله إشارة إلى ضياع حقها من إرث و نحلة و الهجوم على دارها و كسر ضلعها و إسقاط جنينها و أخذ حق بعلها و ما إلى ذلك. فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم منها... فقد جاء في كتاب البحار، ج100 ص197 ح15. في زيارة فاطمة علیها السلام في الروضة تقف في الموضع المذكور و تقول: السلام على البتولة الطاهرة.. و الصدّيقة المعصومة و البرّة التقية سليلة المصطفى... و حليلة المرتضى... و أم الأئمة النجباء... اللهم إنها خرجت من دنياها مظلومة مغشومة قد ملئت داءً و حسرة و كمداً و غصة تشكو إليك و إلى أبيها ما فعل بها -اللهم انتقم لها و خذ لها بحقها... اللهم صل على الزهراء علیها السلام الزكية المباركة الميمونة صلاة تزيد في شرف محلها عندك و جلالة منزلتها لديك و بلغها منْي السلام و السلام عليها و رحمة الله و بركاته.

خالفتُمُ ايَ الكِتابِ كَأَنَّما *** خُلِقَتْ رُؤُوسُكُمُ بِغَيْرِ عُقُولِ

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مَرَدَّ لِحُكْمِهِ *** وَ مَقِيلُ أَهْلِ الظُّلْم شَرُّ مَقِيلِ(1)

اخْتَرْتُ لَوْ كنتُ الفِداءَ لِسادَتي *** في النائباتِ وَ أَسْرَتي وَ قَبِيلي

إنّى -ابْنُ رُزيك- الذي بوَلائِهِمْ *** اسْخَنْتُ عَيْنَ مُعانِدٍ وَ جَهُولِ(2)

إن طالَ وَجْدِي فِيهِمُ فَأَنَا الَّذِي *** نَوْمِي بطُول اللَّيلِ غَيْرُ طَويلِ

كَمْ مِنْ عَرُوسٍ في فَمِي أَبْرَزُتُها *** فِيهِمْ حَكَتْ غَيْداءَ ذاتَ حُجُولِ(3)

لمّا شَحَذْتُ لَهُمْ عِدَارَ تَفَكَّرِي *** ما كانَ فِيهِمْ خاطري بِكَلِيلِ(4)

أَقْسَمْتُ لَوْ أَنِّي وَقَفْتُ بِغَيْرِهِمْ *** لَحَكَيْتُ نادِبَ دارِساتِ طُلولِ

وَ على عليّ إنْ عَدَدْتُ فَضِيلَةً *** لِسِوَى النَّبِيِّ عُرّيتُ مِنْ مَحْصُولي

قَدْ ضَلَّ آلُ السّامِرِيِّ بعِجُلِهِمْ *** وَ أَرَى أناساً كُفْرُهُمْ بِفَصِيلِ

ما مَوْقِعُ الإجماع فيه وَ مَعْشَرٌ *** جُرُّوا لأخْذِ العَهْدِ بالتَّنْكِيلِ(5)

وَ الخَزْرَجِيُّ وَ غَيْرُهُ أَضْحَى لَهُ *** في القَيْدِ تَحْتَ الضَّرْبِ رَجْعَ الليلِ

أَيَصحُّ إجْماعٌ، وَ قَومٌ جُلُّهُمْ *** ما بَيْنَ مَسْحُوبٍ وَ بينَ قَتِيلِ؟

قَوْلاً إذا ما لم يَكُنْ مِنّي يدي *** بَلَغَتْ منايَ فقد شَفيتُ غَلِيلِي(6)

ص: 237


1- مقيل: المكان الذي يهوي فيه و يؤخذ إليه.
2- أسخن عين فلان: أبكاه دموعاً حارة.
3- حکت: شابهت -غيداء: طويلة العنق لينة الأعطاف. حُجول: الحَجلَة سترٌ يُضْرب للعروس في جوف البيت أو بيتٌ يُزيّن للعروس.
4- شحذت: أحدَدْتُ، عذار: شفرتا النصل.
5- التنكيل: إصابة الشخص بنازلةٍ أو صنع صنيعٍ به يحذْر غيره و يجعله عبرة له.
6- دیوان طلائع بن رزيك ص110.

(26) اغتصابهم حق الزهراء علیها السلام

(بحر المنسرح)

الملك الصالح نصير الدين

طلائع بن رزُيك (*)(1)

با نَفْسُ كَمْ تَخْدَعِينَ بالأَمَلِ *** وَ كَمْ تُحَبينَ فُسْحَةَ الأَجَلِ

وَ كَمْ تَجدِّينَ في تَطَلُّبِكِ *** العِلْمَ و لاتَجْهَدِينَ بالعَملِ(2)

لو تَعْرِفُ الطيرُ، و البهائمُ أنَّ *** الموتَ يَفْنَى لها على عَجَلِ

و أَنَّها لاتَرُدُّه أبداً *** إذا أَتَى بالخِداعِ وَ العِللِ

لكانَ يُمْسِي لها بذاكَ عَنِ *** الأوْكارِ وَ الرَّعْي أَكْبَرَ الشُّغلِ

هذا وَ قد أُعْفِيَتْ من الحشرِ *** وَ النَّشْرِ وَ مَا فِيهِمَا مِنَ الوَجَلِ

وَ كانَ مَوْتُ النُّفُوسِ غايَتَها *** قَضَى بذاكَ الإلهُ في الأَزَلِ(3)

وَ قَدْ عَلِمْنا ما لَوْبِه عَمِلَتْ *** نُفوسُنا آمَنَتْ من الزَّلَلِ

وَ كانَ فيه نَجاةُ أنْفُسِنَا *** لَوْلا اعْتِباءُ الفُتُورِ وَ الكَسَلِ(4)

فَلَيْسَ في مِلةٍ من المِللِ *** ما صارَ في المُسْلِمِينَ مِنْ مَلَلِ

وَ لاجَرَى في شَرِيعَةٍ سَلَفَتْ *** عَلَى اختلافِ الأَدْيانِ وَ النِّحَلِ(5)

ص: 238


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- جد في الأمر: اجتهد.
3- الأزل: القديم الذي لايمكن تقدير بداءته.
4- اعتباء: الأخذ و الاحتواء.
5- سلف: مضى. تقدم النحل: المذهب. الديانة.

ما قَدْ جَرَى من فَعالِ أُمَّتِنا *** بِظُلْمِهِمْ آلَ خاتَمِ الرُّسُلِ

لما اسْتَبدُّوا عَنْهُمْ بِبُغْيَتِهِمْ *** وَ صاحِبُ الأمْرِ عَنْهُ في شُغْلِ

في البَيْتِ ما غاب عَنْ جهازِ رَسُولِ *** اللَّهِ في دَفْنِهِ و لاالغُسُل

وَ لا رَأى أَنْ يُسابق القَوْمَ في *** الأمْرِ إِذْ كانَ غَيْرَ مُحْتَفِلِ

بَلْ ظَنَّ أَنَّ الحَقَّ المُبِين سَيَأُتيهِ *** بما يَنْبَغِي عَلَى مَهَلِ

وَ ظَنَّ أنَّ الّذي تَفَرَّر في *** -الغدير- لَمْ يُنْتَقَض و لم يَحِلِ

ما ظَنَّ أنَّ العَهْدَ الوَثِيقَ مِنَ *** النَّبِيِّ وَ الأمْرَ غَيْرُ مُمْتَثَلِ

وَ مَنْصِبُ الوَحْيِ يَنْبَغِي بغيرِ أَنْ *** تَعْتَدِي دَوْلَةٌ من الدُّوَلِ

يَمْلِكُها ناقصاً شَرائِطها *** وَ أخْذهمْ دائماً عَنِ الأُوَلِ

حتى أتاهُ التَّكْبِيرُ مِنْ جَانِبِ *** المَسْجِدِ إِذْ أَجْمَعُوا عَلَى الرَّجُلِ

فقالَ: ما قالَهُ هناكَ أَبُوسُفيانَ *** حَتَّى رَشُوهُ بالجَمَلِ

فَباعَ أُخْراهُ بِالحَقِيرِ مِنَ المالِ *** وَ فِي الخُسْرِ قَطُّ لَمْ يَزلِ

ثُمَّ تَعَدَّوْا إلى اغتصابِهِمُ *** الزهراءَ ما نُفِلَتْ من النَّفَلِ(1)

وَ صَيَّرُوا إرْتَها لِوَالِدها *** مُقَسَّماً في الرُّعاعِ وَ السِّفَلِ(2)

نَعمْ وَ قالوا: عنه هنالِكَ ما لَمْ *** يُوصِ يَوْماً بِهِ وَ لَمْ يَقُلِ(3)

وَ القَصْدُ أنْ يَنْقلُوا الخِلافَةَ *** عَنْ بَنيهِ، وَ الحَقُّ غَيْرُ مُنْتَقِلِ

ما النُّورُ شَيْءٌ يَزُولَ يَوْماً عَنِ *** الشَّمْسِ إِلى أَنْ يَصِيرَ في زُحَلِ

ص: 239


1- نُفِلَتْ: أُعْطِيَتْ. النَّفَل: الغنيمة، الهبة، الزيادة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: «دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف، فسألته ميراثها من أبيها، فمنعها...».
3- إشارة إلى الحديث المروي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص 177 عن عائشة في حديث طويل: أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورّث ما تركناه صدقة».

وَ لاصعاب المُقلَّدِينَ أمُورُ *** النَّاسِ مِمّا يُصْطادُ بالحِيَلِ

هَيْهاتَ، هَيْهاتَ، ما لمنْ حَوَتِ *** الأَرْضُ بما قَدْ ذُكِرَتْ من قَبلِ

ذاكَ سِرُّ الإلهِ قَدَّرَهُ في *** خَلقِهِ لم يَدَعْ وَ لم يَزَلِ

بَيَّنَهُ لِلْعُقُولِ إِنْ نَظَرَتْ *** تَبارَكَ اللهُ مَوْضِعُ السُّبُلِ

يا عَجَباً لِلَّذِينَ ظَلَّ بِهِمْ فَرْطٌ *** عمّا لايَحِلُّ في المُقَلِ

كَيْفَ أَجازُوا قِياسَ قايسِهِمْ *** بَيْنَ عَتِيقٍ بِجَهْلِهِ وَ (عَلِي)؟

كَمْ بَيْنَ مَنْ فِي الصَّلاةِ مُعْتَكِفٌ *** وَ عاكِفٌ عُمْرَهُ على هُبَلِ(1)

وَ هازِمُ الجَيْشِ وَحْدَهُ أبداً *** وَ قاعِدٌ للضَّلال في الظُّلَلِ

وَ حامِلٌ رايَةَ النَّبِيِّ وَ مَنْ *** فَرَّبها في الجِبالِ كالوَعِلِ(2)

(بخيبَرٍ) وَ الخبيرُ يَعْرِفُ ما ذَكَرْتُ *** من ذاكَ غَيْرِ مُنْتَحِلِ

سَلُّوا الحَمَيْراءَ عنه فَقَدْ عَرَفت *** له مُصاعَ المُحْربِ البَطَلِ

إذ هُتِكَتْ في رِضا أقاربها *** عنها سُنُورُ النَّبِي َو الحِجَل

وَ أَقْبَلَتْ بِالعِراقِ تَقْصُدُهُ *** زَحْفاً إليه في مَوْكِبٍ زَجِلِ

هَلْ غادَرَ القَوْمُ حَوْلَ هَوْدَجِها *** تَسِيلُ أَرواحُهُمْ على الأسلِ؟(3)

فَلَيْسَ يَسْطِيعُ أَنْ يَقُولَ لنا *** (لاناقَتِي فيهِمْ و لاجَمَلِي)

وَحَرْبُ (صِفِّينَ) قَدْ أَعادَ بَنِي حَرْبٍ *** بِها مِثلَهُ من المثلِ

يَوْمَ اتَّقاهُ، عَمْرُو بِسَوْأَتِهِ *** وَ هَلْ تَبَدَّتْ إِلا مِنَ الوَهَلِ؟(4)

لَوْ لَمْ يُبادِرُ مثل الحِصانِ غَداً *** مُشَمْراً جُلَّهُ عَنِ الكَفَلِ

وَ تُرْسُهُ ظَاهِرُ لِوَقْع قنا *** لكِنَّها لَيْسَ بالقنا الذُّبُلِ

ص: 240


1- هبل: اسم صنم.
2- الوعل: تيس الجبل له قرنان قويان منحنيان كَسَيْفَيْنِ أَحْدَبَيْنِ.
3- الأسل: الرماح.
4- الوَهَل: الغلط و النسيان أو الضعف أو الخوف و الفزع.

لَذاقَ ما ذاقَ يَوْمَ خَنْدَقِهِ *** (عمرُو بنُ وُدُ) عَلاً على نَهَلِ

يا أَيُّها النَّاسُ قَدْ نَصَحْتُ لكمْ *** فَأَنْصِفُوا وَ احكمُوا عليَّ ولِي

يا أَيُّها النَّاسُ هاتُوا لي بمثل بَني *** الزَّهْراءِ مِثْلي في العالَمينَ وَلِي

أنا -ابْنُ رُزَيْكٍ- لاأُقَصِّرُ في *** الجِلادِ عن دِينِهِمْ وَ لَمْ أَمِلِ

سَيْفَانِ عِنْدِي أَسْطُوا بِهذا *** عَلَى العَرْضِ وَ هذا يَسْطُو على القُلَلِ

أنْطقتني أنَّني بِفَهْمِي مَتَى *** شِئْتُ وَ عَزْمِي في الحالَتَيْنِ مُلِي(1)

***

ص: 241


1- دیوان طلائع بن رزُيك ص122.

(27) هي لبوة نبوية صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي(*)(1)

خُذ في مَدِيحِكَ لِلبَتُولِ *** حَظَّينِ مِنْ طُولٍ وَ طُولِ

قُلْ لِلْقَرِيحَةِ فِي مُهَدَّبِ مِدْحَةٍ *** فِيضِي وَ سِيلِي

وَ لِفِيكَ قُلْ فُهُ في حَدِيَثِكَ *** غَيْرَ مَحْسُودٍ كَلِيلِ(2)

قُلْ لِلْبَتُولِ عَظِيمُ فَضْلٍ *** لَمْ يُدَنَّسُ بِالفُضولِ

هِيَ قَبْلَ كُلِّ مَكَوَّنٍ *** قِنْدِيلُ عَرْشِ لِلْجَلِيلِ(3)

هِيَ صَفْوَةٌ لِلْخَلْقِ سَيِّدَةٌ *** لِنِسْوَةِ كُلِّ جِيلِ(4)

هِيَ لِلنِّسَاءِ عَقِيلَةٌ *** وَ مَلِيكَةٌ هِيَ لِلْعُقُولِ

هِيَ لِلنَّبِيِّ وَ لِلْوَصِيِّ *** وَ لِلزَّكِي وَ لِلْقَتِيل

مَقْرُونَةٌ في عِصْمَةٍ *** عَنْ كُلِّ مَذْمُومٍ وَ بِيلِ(5)

ص: 242


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- کليل: الذي تعب و أعيا.
3- لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فكلّم الله «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...
4- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج9 ص193 في حديث طويل: أنها سيدة نساء العالمين، و أنها عديلة مريم بنت عمران علیها السلام...
5- وبيل: من يخاف سوء عاقبته. و في البيت إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب آية 33، فقد روي في كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: غداة و عليه مرط مرمل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(أقول) رواه البيهقي أيضاً في سننه ج2 ص149 ورواه ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.

هِيَ لَبْوَةٌ نَبَوِيَّةٌ *** مَحْجُوبةٌ في خَيْرِ غِيلِ(1)

سَكَنٌ لِحَيْدَرَةٍ وَ حَيْدَرَةٌ *** هِزَبْرٌ لِلرَّسُولِ(2)

مِنْ ذَيْنِ قَرَّتْ عَيْنُهُ *** في مُشْبِلَيْنِ وَ في شُبُولِ

كُفُوَيْنِ في نَسَبٍ قَصِیرٍ*** مُسْتَنِیرٍ مُسْتَطِيلِ

بَحْرَيْنِ مُلْتَقَيَيْنِ لَيْسَ *** لِكُلِّ بَحْرٍ مِنْ عَديلِ

كلِّ يَفِيضُ مَعِینُهُ *** بِعُذُوبَةٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ

جَلَّتْ حَلِيلةُ حَيْدَرٍ *** لَوْ لَمْ يَكُنْهُ عَنْ حَليلِ

سَبَقَتْ بِحَلْبَةِ كُلِّ فَضْلٍ *** كُلَّ ذِي فَضْلٍ نَبِیلِ

صَعَدَتْ مُحَلَّقَةٌ فَصَوَّبَ *** كلُّ عَقْلٍ لِلنُّزُولِ

وَصَلَتْ لِحَدِّلم يَصِلْهُ *** كُلُّ ذي شَرَفٍ جَلِيلِ

هِيَ رَحْمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ *** وَ نِعْمَةٌ لِلْمُسْتَنِیلِ(3)

ص: 243


1- غيل: موضع الأسد.
2- هزبر: أسد.
3- المستنيل: الطالب لأن يُنال و يُعطى.

وَ شفِيعَةٌ مَرضِيَّةٌ *** لِلَّهِ في يَوْم مَهُولِ(1)

شَخَصَتْ بِهِ مُقَلٌ وفَرَّبِهِ *** خَلِيلٌ عَنْ خَليلِ

هَلْ غَيْرُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** لِلْخَلْقِ مِنْ ظِلِّ ظَلِيلِ؟(2)

ص: 244


1- في كتاب البحار ج43 ص65 و ص101 قال الإمام أبو جعفر علیه السلام في حديث طويل: والله یا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديَّ.
2- ديوان شعراء الحسين علیه السلام ص34 القصيدة خالية من الألف.

(28) حليلة حيدر علیه السلام

(بحر الوافر)

السيد عبد الرزاق

الموسوي البهبهاني(*)(1)

يحِنُ القَلْبُ للخِلُ الوَصُولِ *** وَ يَنْعَاهُ مَدَى الزَّمَن الطَّويلِ

وَ يَشْتاقُ الغَوانِي كُلَّ يَوْمٍ *** لِذاكَ تَرَاهُ كَالغُصْنِ الذَّبُولِ

وَ يَنْظُرُ دارَ مَنْ يَهْوَى إليهِ *** فَيَهْمِي الدَّمْعَ كالغَيْثِ الهَطُولِ

يُنادِي كَمْ لَيالِي الوَصْلِ صارَتْ *** قِصاراً فِيكَ يا رَبعَ المَحِيلِ(2)

وَ كَمْ كانَتْ بِبابِكَ مِنْ رِجالٍ *** تُطالِبُ بِالنَّوالِ وَ مِنْ نِزيلِ؟

قصارَتْ لِلأوابد فِيكَ مَثْوّى *** دِيارُهُمُ غَدَتْ مِثْلَ الطُّلُولِ

أَلا يا دَهْرُ قَدْ أَدْمَيْتَ مِنّا *** جُفُوناً إذْ هَجَمْتَ عَلَى البَتُولِ

وَ حَرْقُكَ دارَها في نارِ جَزْلٍ *** وَ عَصْرُكَ فاطماً عند الدُّخولِ

ص: 245


1- (*)هو الخطيب السيد عبد الرزاق ابن الخطيب السيد حسين البههاني الموسوي. ينتسب إلى أسرة علمية شريفة النسب يرتقي نسبها إلى الإمام موسى الكاظم علیه السلام. ولد في مدينة كربلاء سنة (1325ه_) و فيها تفتحت عيناه و نشأ و ترعرع فيها، و أخذ دروسه العربية و الفقهية على أعلام كربلاء المشاهير و أخذ يمارس الخطابة و ذكر أهل البيت علیهم السلام في مجالس كربلاء المقدسة كمجلس السادة آل ثابت و دار السيد مهدي السندي و سوق الصفارين و غيرها. كان طلق اللسان و هذا يدل دلالة واضحة على ما وصل اليه من مرتبة متقدمة في حقول الثقافة و العلوم، و له شعر مطبوع و مشاركة جيدة في الشعر. أجاب السيد البهبهاني نداء ربه مساء يوم الثلاثاء 23 صفر المظفر سنة (1398ه) و دفن في كربلاء المقدّسة و أعقب ولده السيد جعفر.
2- رَبع: دار ،منزل حَيّ. المحيل: الجذب الأرض المحل: التي لاينتفع بها.

لِذا قَدْ أسْقَطَتْ ما في حَشاها *** حَلِيلَةُ حَيْدَرٍ فَحْل الفُحُولِ(1)

وَ قَدْ قال النَّبِيُّ أَلا احْفَظُوها *** فَإِنِّي قَدْ دَنَا عَنْكُمْ رَحِيلِي(2)

فإنّ اللَّه يَرْضَى في رِضاها *** وَ يَغْضَبُ إِنْ شَكَتْ بِنْتُ الرَّسولِ(3)

وَ أَعْظَمُ حَادِثِ جَلَلٍ فَظِيعِ *** لَهُ تَهْوِي الجِبالُ عَلَى السُّهُول

وَ كَيْفَ يُقادُ مِثلُ (أبي تُرابِ) *** فَیالِلَّهِ مِنْ خَطبٍ مَهُولِ

ص: 246


1- في الأبيات الثلاثة إشارة إلى حرق دار فاطمة علیها السلام و عصرها خلف الباب و إسقاط جنينها. و تقدم ذكره نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109، و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19.
2- في هذا البيت إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من أنه قال: نقلاً عن كتاب سنن الترمذي ج5 ص663 قال : عن حبيب بن ثابت وزيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما». ذكره أيضاً ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12، و المستدرك ج3 ص109، و الذهبي في تلخيص المستدرك ج3 ص109، و محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص16.
3- في البيت إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من أن الله يرضى لرضا فاطمة علیها السلام و يغضب لغضبها. انظر كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص153، و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522، و ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441، و كتاب ذخائر العقبى للمحب الطبري ص39. و في كشف الغمة للعلامة الأربلي ج1 ص448 يقول في بداية حديثه عن فاطمة علیها السلام: فلنبدأ الآن بذكر فاطمة علیها السلام الذي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها... و اكتسب فخراً ظاهراً من فخارها... و اعتلى على الأنساب بعلّو منارها... و شرف قدره بشرف محلها و مقدارها... فهي مشكاة النبوّة التي أضاء لألاؤها و تشعشع ضياؤها... و سحت بسحب الغر أنواؤها... و عقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد علا وعلاء.. . و مناصب آل وآلاء... و مناسب سناً و سناء... الكريمة الكريمة الأنساب... الشريفة الشريفة الأحساب... الطاهرة الطاهرة الميلاد... الزهراء علیها السلام الزهراء الأولاد... السيدة بإجماع أهل السداد... الخيرة من الخير... ثالثة الشمس و القمر... بنت خير البشر... أم الأئمة الغرر... الصافية من الشوب و الكدر... الصفوة على رغم من جحد أو كفر... الحالية بجواهر الجلال... الحالة في أعلى رتب الكمال... المختارة على النساء و الرجال... صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها السادة الأنجاب و ارثي النبوّة و الكتاب و سلّم و شرّف و كرّم و عظّم.

(29) فاقت ضحى الشمس

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد الرسول الفراتي(*)(1)

في مقلتيكِ عيونُ الفجرِ تكتحلُ *** و في معانيكِ يحلو المدحُ و الغزلُ

و الحظُّ وافى بهذا الكونِ بهجتَه *** في مولدٍ كُنههُ الإلهامُ و النُّبُلُ

وَ مولدٍ شعّت الآمالُ ساطعةً *** من وحيهِ ألَقٌ قرَّت به المُقَلُ

و مولدٍ قد سما عن كل مفردةٍ *** جاهاً و بالأماني يُضربُ المَثلُ

و مولدٍ بشرَّ المختارَ بارثُهُ *** فقام بين يديه و هو يبتهل

هذي الطبيعةُ سعدٌ من ولادتها *** فاقت ضحى الشمس لاكَيْوان لازُحل(2)

بنتُ النبي لها الأمجادُ راقصةٌ *** حتى الخمائلُ و الأزهارُ تحتفلُ

و ترتقي فوق هام المجدِ ألويةٌ *** غراءُ تخطفُها الأرواحُ و القبُلُ

شعَّت فلاهذهِ الأَزمانُ تحصرُها *** و للذُّرى من شذاها العطرُ ينتقلُ

يا فاطم الطهرُ يا روحاً مرفرفةً *** في عرش ربكِ لم يدنو لها الأجلُ

يا كبرياءَ الشذى و النفسِ يا ألقاً *** في الأفق بانَ فضاءَ الغَيُّ و الجهلُ

ص: 247


1- (*)هو الخطيب و الشاعر الشيخ عبد الرسول الفراتي. ولد في مدينة كربلاء المقدسة عام (1381 ه_) (1353 م). واصل دراسته الابتدائية في كربلاء المقدسة، ثم هاجر إلى إيران و واصل دراسته في مدارسها، و قد حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة و الأدب العربي، و يحاول استكمال المراحل العليا من دراسته. تربى فى أسرة أدبية و أخذ الشعر من والده و عمه و هما الشاعران الحاج علي و الحاج محمد علي الفراتي و ما زال يواصل نظم الشعر.
2- کیوان: اسم لأحد الكواكب.

يا فاطمُ الطهرُ يا روحاً ملمّعةً *** تفيضُ بين حنايا قلبِها المُثلُ

أنتِ البتولُ و للمختارِ مهجتُهُ *** و بين جَنْبَيْهِ الشوق و الأملُ

و أنتِ جنةُ دنيانا إذا لعِبت *** بنا الليالي و أنت الجِدُّ وَ الجَبَلُ

حویتِ سرَّ رسولِ اللَّهِ فِي وَضحٍ *** و سايرتُكِ خِلالٌ منه تكتملُ

وجاء تَزويجُكِ للفذِّ حيدرةٍ *** من السماء كما قد شاءه الأزلُ

خفَّفت عنه رزاياه التي اشتدّت *** فكنتِ ما يتمنى الفارسُ البطلُ

أنجبتِ من ریِّكِ الفياضِ كم حَسنٍ *** ومن مَعِينهُمُ الأنسامُ تنتهلُ

يا ثورةً شمُخت بالنصرِ فاندحرت *** بوجهِها الزيفُ و الشحناءُ و الحِيَلُ(1)

يا ثورةً وهبت للدين مُنْيَتَهُ *** فأخرست کل باغٍ همُهُ الختلُ

يا صرخةً هدرت بالجدِّ و انتصرتِ *** و أرغمت كل أنفِّ لفّهُ الزَغَلُ

أنت على موعدٍ و المسلمون غدوا *** كالزرع تضرمُهُ نار فيَشتعلُ

أنت على موعدٍ و الشرعُ تحكمُه *** شراذَمٌ و عُتاةٌ قادهم هُبَلُ(2)

و جسدتْ من سنا القرآنِ رؤيتَها *** و استبسلتْ فيه لا وهيٌ و لا مَلَلُ

و كان منطلقُ الميدانِ حيدرةً *** يقودُها للفدى الأقدامُ لاالكسلُ

و أيقظت غفواتِ الناسِ صيحتُها *** لينفني تحتَ أقدامٍ لها الدجلُ

تصارعُ الشرَّ أياً كان مصدُرُه *** و تحرسُ الدين إن أزرى به الشلَلُ

قد مارسوا كل تنكيلٍ و غطرسةٍ *** و كلَ ما قد نووْا في زجرِها عمِلُوا

و ما رعْوا لأبيها الفذِّ حرمتَهَ *** و استأسَدُوا خوراً يا بئسَ ما فعلُوا(3)

حتى اعتلتْ و بحولِ اللَّهِ رايتُها *** فموضعُ الجرحِ بعد النزفِ يندملُ

و في هُداها ستصحُوا كل غافيةٍ *** ما دامَ حبلٌ لها باللَّهِ يتَّصلُ

و سوف يعلو بيومِ الحشر بيرقُها *** و خلفه موكبٌ قَدْ أُمَّهُ الرسلُ

ص: 248


1- الشحناء: العداوة و المباغضة.
2- عتاة(العاتي) المستكبر أو الجبار.
3- خوراً: (الخور) الضعف.

(30) أفصبراً

(مجزوء الخفيف)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

أسْفَرَتْ في جَمالِهَا *** وَ اخْتَفَتْ في جَلاَلِهَا(2)

وَ دَنَتْ، غَيْرَ أنَّها *** بَعُدَت في مَنَالِهَا

وَ تَثَنَّتْ كَأَنَّها *** غُصُنُ باخْتِيَالها

تَجْمَعُ الخَيْرَ كُلَّهُ *** سَاعةٌ مِنْ وِصَالها

رَبَّةَ الحُسْنِ فَارْحَمي *** مُغْرَماً فِيْكِ وَالِها(3)

آنسَ النَّارَ في مُحيَّاكِ *** عِنْدَ اشْتِعَالِها

وَ هْيَ عَيْنُ الحَيَاةِ، لَو *** يَرتَوِي مِنْ زُلالها(4)

فَهْيَ نَارُ الخَلِيلِ، يا *** لَيْتَنِي في خِلاَلِها

أشكُر اللَّه أنَّ ذِكْرِي *** أَتَي فيِ مَقَالِهَا

فَتبَیَّنتُ أنَّ لِي *** صُورَةً في خَيَالِها

فَسَلُوها وَ بالِغُوا *** رَغْبَةَ في سُؤَالِهَا

رَدّدي اسْمِي لِتُكْمِلي *** نِعْمَةٌ بِاتّصَالَهَا

نِعْمَةُ الحُبِّ لَمْ أَزَلْ *** حَذِراً مِنُ زَوَالهَا

ص: 249


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- أسفرت: أسفر الصبح: طلع و أشرق.
3- والها: الوالِهْ: المتحيّر من شدة الوجد.
4- زُلالها: ماء زلال: عذبٌ صافٍ.

250

كَمُلَتْ في وِلاَءِ مَن *** كانَ عَيْنَ كَمالهَا

حَيْدَرٍ خيرةِ الوَرَى *** فِيْ جَمِيعِ خِصَالها (1)

يَوْمَ قَامَ النَّبِيُّ فِي *** مِنْبَرٍ مِنْ رِحَالهَا

خَاطِباً أَيَّ باً أيَّ خُطبَةٍ *** مُبْدِعاً في ارْتِجالهَا

قائِلاً ذَاتُ حَیْدَرٍ *** قُدَّسَتْ عَنْ مِثَالهَا

لَیْسَ للَّه مُسْلِماً *** کُلُّ مَنْ لَمْ یُوالهَا

وَهْوَ مِيزانُ شِرْعَتِي *** وَهُوَ عَيْنُ اعْتِدَالهَا

زَيَّنَتْهُ بِهَدْيِها *** وَ هْوَ سِرُّ جَمالها

مُمْكِنٌ حَصْرُ فَضْلِه *** لِلْوَرَى مِنْ مُحالهَا

وَاجِبٌ عِنْدَ فِرقَةٍ *** أفْرَطَتْ في مَقَالهَا

ناصِرٌ رَایَةَ الهُدَی *** دُونَ کُلَّ رِجَالهَا

سائِل العُرْبَ مَنْ رَأَتْ *** مِنْهُ لَيْثَ نِزَالها (2)الخضارم: جمع خضرم و هو الكبير العظيم.(3)الضراغم: جمع ضرغام و هو الاسد.(4)

ص: 250


1- خصالها: جمع خصلة و هي الخلّة.
2- ليث: الليث من أسماء الأسد وجاء في شرح النهج لابن أبي الحديد، الخطبة 122 قال الإمام علي علیه السلام: «والذي نفس ابن أبي طالب علیها السلام بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ علیه السلام من ميتة على الفراش في غير طاعة الله». قال ابن أبي الحديد «واعلم أنه أقسم أن القتل أهون من حتف الأنف وذلك على مقتضى ما منحه اللّه به من الشجاعة الخارقة لعادة البشر و هو علیه السلام يحاول أن يحض أصحابه و يحرضهم ليجعل طباعهم مناسبة لطباعه و إقدامهم على الحرب مماثلاً لإقدامه على عادة الأمراء في تحريف جندهم وعسكرهم. وهيهات إنما هو كما قال أبوالطيب: يكلف سيف الدولة الجيش همّة *** وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
3- و يطلب عند الناس ما عند نفسه *** و ذلك ما لا تدَّعيه الضراغم
4- ليست النفوس كلها من جوهر واحد ولا الطباع والأمزجة كلها من نوع واحد و هذه خاصة توجد لمن يصطفيه الله «تعالى» من عباده في الأوقات المتطاولة والدهور المتباعدة وما اتصل بنا نحن من بعد الطوفان -فإن التواريخ من قبل الطوفان مجهولة عندنا- أن أحداً أعطي من الشجاعة والإقدام ما أعطيه هذا الرجل من جميع خلق العالم على اختلافها من الترك والفرس والعرب والروم و غيرهم.

لَو رَمَتْهُ بكُلِّ ما *** أوتِيتَ مِن مِحَالهَا (1)

لم تَجِدْهُ مُوَلَّياً *** رَغْبةً عَن قِتَالَها

وَ اعْتَقِدْ في مدينةِ *** العِلمِ عِنْدَ سُؤَالهَا (2)

أيُّهُمْ كَانَ بابَها *** وَ هْوَ مُفْتِي حَلالِهَا (3)

ص: 251


1- المحال بكسر الميم: القوة والشدة والتدبير والمكر.
2- عن كتاب كنز العمال للمتقي الهندي، ج 5 ص 600 : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد العلم فليأت الباب». و في المستدرك، للحاكم، ج3 ص129. عن جابر بن عبد الله قال: أخذ النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعضد علي علیه السلام و قال: «هذا أمير البررة و قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد العلم فليأت الباب.»
3- في كتاب الإمام علي علیه السلام أسد الإسلام و قديسه لروكس بن زائد،123 قال: فالإمام علي علیه السلام اعجوبة من أعاجيب القضاء لأنه أول قاض فرَّق بين الشهود لئلا يتواطأ اثنان منهما على شهادة تشوِّه جمال الحق أو تطمس معالمه فسنَّ بهذه السنّة الحميدة البارعة للقضاء ما يجعل سبيل الحق لهم واخماً وينزه أحكامهم عن الشبهات ويحول بين الذين يتلاعبون بضمائر الناس... و هو أول من سجَّل شهادة الشهود حتى لا تُبدّل شهادة بإغراء من رشوة أو تدليس من طمع أو ميل مع عاطفة فكان بذلك مبتكراً من أعظم المبتكرين لأن صيانة حقوق الناس من العبث والغش أثمن من حياة الناس نفسها فجاءت الأجيال والأمم والحكومات والدول تسير مع الأسلوب الذي وسمه الإمام الأعظم . وهو أول مكتشف للتفريق ما بين لبن أم الأنثى وأم الذكر... و في كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي، ج18 ص204. عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان لرجل على عهد علي علیه السلام جاريتان فولدت إحداهما ابناً والأخرى بنتاً فعمدت صاحبة البنت فوضعت بنتها في المهد الذي فيه الابن وأخذت ابنها فقالت صاحبة البنت: الابن ابني. و قالت صاحبة الابن: الابن ابني. فتحاكمتا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فأمر أن يوزن لبنهما و قال: أيتهما كانت أثقل لبناً فالابن لها...

لاتَلُمْنِي بمَقُتِ مَنْ *** كُنْتُ أدْرِي بِحَالِهَ (1)

کَيْفَ مَعَ فَرْطِ نُورِه *** خَبَطَتْ في ضَلالِها؟

نازَعَتُه خِلافَةً *** بَالَغَت في اخْتِزَالِهَا

عَجَباً قَادَتْ البطل *** حَيْدَراً في حِبَالِهَا

وَهْوَ لَو شاءَ دَكَّ في *** السَّهْلِ رَأْسِي جِبالِهَا (2)

أفَصَبْراً، وَ قَدْ بَدَتْ *** زَوْجُهُ مِنْ حِجَالِهَا

بَعْدَ ارْزاءٍ حُمِّلَت *** أغْرَبَتْ بِاحْتِمَالهَا

دَافَعَتْ عَنْ قِتَالِهِ *** فَانْتَهَوْا في قِتَالِهَا (3)

ص: 252


1- مقت: أبغض أشد البغض.
2- راسي جبالها: الثابت الراسخ.
3- ديوان الربيعي ص62 والقصيدة في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام.

(31)علل الدنيا

(بحر الطویل)

الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام

أنشدها علیها السلام بعد وفاة فاطمة علیها السلام:

أَلاَ هَلْ إِلَى طُولِ الحَيَاةِ سَبِيلُ *** وَ أَنَّى وَ هَذَا المَوْتُ لَيْسَ يَحُولُ؟

وَ إِنِّي وَ إِنْ أَصْبَحْتُ بِالمَوْتِ مُوقِناً *** فَلِي أَمَلٌ مِنْ دُونِ ذَاكَ طَوِيلُ

وَ لِلدَّهْرِ أَلْوَانٌ تَرُوحُ وَ تَعْتَدِي *** وَ إِنَّ نُفُوساً بَيْنَهُنَّ تَسِيلُ (1)

وَ مَنْزِلُ حَقٍّ لاَمُعَرَّجَ دُونَهُ *** لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهَا إِلَيْهِ سَبِيلُ (2)

قَطَعْتُ بِأيّامِ التَّعَرُّرِ ذِكْرَهُ *** وَ كُلُّ عَزِيزٍ مَا هُنَاكَ ذَلِيلُ

ذَكَرْتُ أَبَا وُدِّي فَيتُّ كَأَنَّنِي *** بِرَدِّ الهُمُومِ المَاضِيَاتِ وَكِيلُ

أرَى عِلَلَ الدُّنْيَا عَلَيَّ كَثِيرَةً *** وَ صَاحِبُها حَتَّى المَمَاتِ عَلِيلُ

وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى مَنْ أُحِبُّهُ *** فَهَلْ لِي إِلَى مَنْ قَدْ هَوَيْتُ سَبِيلُ؟

وَإِنِّي وَإِنْ شَطَّتْ بِي الدَّارُ نَازِحاً *** وَقَدْ مَاتَ قَبْلِي بِالفِرَاقِ جَمِيلُ (3)

فَقَدْ قَالَ فِي الأَمْثَالِ فِي البَيْنِ قَائِلٌ *** أَضَرَّ بِهِ يَوْمِ الفِرَاقِ رَحِيلُ

لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ *** وَكُلُّ الَّذِي دُونَ الفِرَاقِ قَلِيلُ

وَإِنّ افْتِقَادِي فَاطِماً بَعْدَ أَحْمَدٍ *** دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ

ص: 253


1- تروح و تغتدي: أي تجيء في العشيّ و تغتدي أي تذهب في الصباح.
2- لامعرّج: لاميلَ من جانبٍ إلى جانب.
3- شَطَّت: بَعُدَتْ.

وَ كَيْفَ هُنَاكَ العَيْشُ مِنْ بَعْدِ فَقْدِهِمْ *** لَعَمْرُكَ شَيْءٌ مَا إِلَيْهِ سَبِيلُ

سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكْرِي وَتُنْسَى مَوَدَّتِي *** وَ يَظْهَرُ بَعْدِي لِلْخَلِيلِ عَدِيلُ

وَ لَيْسَ خَلِيلِي بالملُولِ وَ لاَالَّذِي *** إِذَا غِبْتُ يَرْضَاهُ سِوَايَ بَدِيلُ

وَلكِنْ خَلِيلِي مَنْ يَدُومُ وِصَالُهُ *** وَ يَحْفَظُ سِرِّي قَلْبُهُ وَدَخِيلُ

إِذَا انْقَطَعَتْ يَوْماً مِنَ العَيْشِ مُدَّتِي *** فَإِنَّ بُكَاءَ البَاكِيَاتِ قَلِيلُ

يُرِيدُ الفَتَى أَنْ لاَيَمُوتَ حَبِيبُهُ *** وَلَيْسَ إِلَى مَا يَبْتَغِيهِ سَبِيلُ

فَلا بُدَّ مِنْ مَوْتٍ وَ لابُدَّ مِنْ بُكاً *** وَ إِنَّ بَقَائِي بَعْدَكُمْ لَقَلِيلُ

وَ لَيْسَ جَلِيلاً رُزْهُ مَالٍ وَفَقْدُهُ *** وَلَكِنَّ رُزُءَ الأَكْرَمِينَ جَلِيلُ (1)

لِذَلِكَ جَنْبِي لاَيُؤَاتِيهِ مَضْجَعٌ *** وَ فِي القَلْبِ مِنْ حَرِّ الفِرَاقِ غَلِيلُ

ص: 254


1- رزه: مصيبة كبيرة.

(32)بفاطم علیها السلام يبقى الهدى

(بحر الکامل)

الشيخ علي بن حسن الجشي

يَوْمُ البَتُولةِ فِي الوُجُودِ مُهُولُها *** وَ مُصِيبَةٌ أَشْجَى الرِّشادَ حُلُولُها

يَوْمٌ بِهِ أَبْنا الهُدَى قد أُيتِمَتْ *** فَكَأَنَّمَا قَدْ ماتَ فِيهِ رَسُولُها

لَوْلاَ تَحَمُّلُها المَشَقَّةَ وَالعَنا *** لِرَشادِها ضَلَّ السَّبِيلَ نَبِيلُها

بِأَبِي وَ بي الصِّدِّيقةُ الكُبْرَى الَّتِي *** بَرَكاتُها عَمَّتْ وَدامَ جَمِيلها

لم تَعْدُ عَنْ سِنْ الشَّبابِ وَلَمْ يَطُلْ *** مِنْ جَوْرِهِمْ بَيْنَ الأَنامِ حُلُولها (1)

لَمْ تُشْرِقِ الدُّنْيا بِنُورِ جَبِينِها *** الاّ تَعَجَّلَ بالحِمامِ أفُولُها (2)

ما طالَ فِي الدُّنْيا بَقَاهَا إِنَّما *** الخَيْرُ الَّذِي قَدْ أَعْقَبَتْهُ طَوِيلُها

فأَئِمّةُ الإسلامِ وَ الحُجَجُ الأُلَى *** لَهُمُ ارْتَضى بارِي الأَنامِ شُبُولها

وإِذِ الوَرَى انْقَلَبَتْ عَلَى أَعْقابِها *** بَعْدَ الرَّسُولِ وَسَادَها ضِلِّيلُها

قَضَتِ المَشِيئَةُ أَنْ يَكُفَّ المُرْتَضَى *** وَبِفاطِم يبْقَى الهُدَى وخَلِيلُها

فَتَحمَّلَتْ نُوباً لَوِ انْصبَّتْ على *** الأيّامِ كانتْ لِلَيالِ تُحِيلُها (3)

عادَتْ عَزِيزَةُ أحْمَدٍ وَ عَدُرُّها *** ما شَاءَ يَفْعَلُ وَ العَدُوُّ جَهُولُها

ص: 255


1- انظر الصديقة في الرياض النضرة/ ج2 ص202 عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال لعلي علیه السلام:«أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي و لم أوت أنا مثلي و أوتيت زوّجة صدَّيقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوّجة و أوتيت لحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما ولكنكم منّي و أنا منكم».
2- الحِمام: الموت. أفولها: غيابها.
3- حذف حرف الياء من الليالي للضرورة.

اللَّهُ كَيْفَ َتتَبَّعُوها بالأَذى *** حتّى بمَثْوَى كانَ فيهِ حُلولها؟

لَيْسَتْ كَفاطِمَةَ الرَّضِيَّةِ مَرْيَمٌ *** أَنَّى يُقاسُ بِعِلَّةٍ مَعْلُولُها

فَلَئِنْ تَكُنْ سادَتْ نِساءَ زمانِها *** فَبِسِرِّ فَاطِمَةٍ غَدا تَفْضِيلُها

أَوْ أَعْقَبَتْ عِيسَى المُبارَكَ فَهْوَ مِنْ *** أتباعِ مُحْيِي الحَقِّ وَهْوَ سَلِيلُها

أَوْ أَنّها ابْتُلِيَتْ بِبَعْضِ مَصَائِبٍ *** فَعَنِ القَضا المَحْتُومِ كانَ نُزُولُها

وَالطُّهْرُ ما ابتُلِيَتْ وَقَدْ عَظُمَ البَلا *** لَوْلا رِضاها بِالبَلا وَقَبولُها

وَلَئِنْ تَكُنْ وَضَعَتْ بِعِيسَى وَحْدَها *** في القَفْرِ لم تَرَ ما هناكَ يَهُولُها (1)

وَ الطُّهْرُ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَضْعُها *** وَ بها أَحَاطَ عَدوُّها وعَذُولها (2)

وَ وَلِيدُها فَرَّتْ به عَيْناً على *** رَغمِ العِداةِ وَ لَمْ يَخِبْ مَأْمُولُها

وَ جَنِينُ أخشا فاطِمٍ في قَتْلِهِ *** سُرِّ الأعادِي وَ البَتُولُ ثَكُولُها

وَ لَئِنْ تَكُنْ صِدِّيقةً و لِغُسْلِها *** وَلِيَ ابنُها إِذْ ليسَ ثَمَّ مَثيلُها

فالمُرْتَضَى قَدْ غَسَّلَ الزَّهْراءَ إِذْ *** هُوَ كُفْؤُها في عِصْمَةٍ وعَدِيلُها

لَكِنَّ رُوحَ اللَّهِ غَسَّلَها وَ ما *** أَشجاهُ إلاّ بُعْدُها وَ رَحِيلُها

وَ المُرْتَضَى أَلَمُ الفِراقِ هُناكَ قَدْ *** أَنْساهُ ما منه تَطِيشُ عُقُولُها (3)

أمُغَسِّلَ الزَّهْرَاءِ عَزَّ عَلَيْكَ ما *** قَدْ نالَها مَنْ ذا سِواكَ كَفِيلُها؟

أتُراكَ تَعْلَمُ ما بِجِشمٍ قُمْتَ فِي *** تَغْسِيلِهِ ممَّا جَنَى ضِلِّيلُها؟

إنْسِيَّةٌ حَوْراءُ حلَّ بجسمِها *** ما لَوْ يَحِلُّ عَلَى الجِبالِ يُهيلُها (4)

ص: 256


1- القفر: الأرض لاماء فيها و لاكلأ و لاناس.
2- عذولها: لائمها.
3- تطيش عقولها: الطيش ذهاب العقل.
4- أنها حوراء إنسية. انظر ذخائر العقبى، ص36 قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم لعائشة:«يا عائشة إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إنسية فإذا قبلتها شممت منها رائحة الجنة و في كتاب عبقات و لائية للشيخ الوحيد الخراساني ص14-15. أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم و في الليلة التي عرج بها إلى الملأ الأعلى و معراج النبي إلى الملكوت الأعلى متعدد كما ثبت في محله: إن جبرئيل علیه السلام أتى بي عند شجرة و في مصادر العامة كان تعبير النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن تلك الشجرة: إني لم أر أجمل و أحسن من تلك الشجرة و لم أر أبيض من ورقها و لاأطيب من ثمرها... فما هي تلك الشجرة؟ إنها شجرة أطلق عليها القرآن كلمة «طوبى» و طوبى مصدر من طاب على وزن بشرى وعقبى وهذا المصدر حمل على هذه الذات والروايات حول هذه الشجرة من الكثرة بحيث تستغني عن البحث فيها سواء من جهة السند أو الدلالة... و طوبى لها خصوصيات مذكورة في مصادر العامة والخاصة فجذر هذه الشجرة مستقر في بيت النبي الخاتم صلی الله علیه و آله و سلم و هي شجرة غرسها «سبحانه وتعالى» بيده... فغارس الشجرة هو اللّه مباشرة و جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل لادور لهم هنا أما محل الغرس فهو بيت أول شخص في الوجود فهذه الشجرة قد زرعت في هذا البيت وأصل ماء هذه الشجرة من ثلاثة عيون تجري تحتها وهي السلسبيل والتسنيم والمعين وهذه العيون رواؤها... و أما أغصان هذه الشجرة فهي متدلية في جميع قصور الجنة ولا بد للداخل في قصورها أن يأخذ ما تشتهيه الأنفس من هذه الأغصان ولقد أتوا بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم في تلك «الليلة المعراج» عند هذه الشجرة وقطفوا ثمرها وناولوه فماذا كان لثمرها ؟ الرواية تقول: إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان يكثر من تقبيل فاطمة علیها السلام وتقبيل الأب لابنه و ابنته أمر اعتيادي إلّا أن هذا التقبيل قد خرج عن الحد المألوف فيما هيّج عائشة و أثارها فسألت النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم تكثر تقبيل فاطمة علیها السلام؟ فقال صلی الله علیه و آله و سلم له في جوابها:«إنه عندما أسري بي في تلك الليلة أخذني جبرئيل إلى جوار تلك الشجرة و ناولني ثمرة قطفها منها فتحولت تلك الثمرة إلى ماء في صلبي و من ذلك الماء انعقدت نطفة الزهراء علیها السلام فكلما قبَّلتها شممت رائحة شجرة طوبى... ».

عُذْراً بإيصائي إلَيْكَ وَأنْتَ مِن *** كُلِّ الوَرَى أَوْلى وَأنْتَ حَلِيلُها

فَارْفُقْ لَدَى التَّغْسِيلِ بِالجَسَدِ الَّذِي *** لَوْلا مَسَتْهُ يَدٌ أَضَرَّ حُلُولُها

لَمْ يَبْقَ عُضْوٌ سالماً فتَمَسّه *** بَلْ كُلُّ عُضْوٍ عَادَ وَ هُوَ عَلِيلُها

والضِّلعُ مَكْسُورٌ وَجُرْحٌ مُؤلِم *** بِالثَّدْيِ وَالجِسْمُ اعْتَراهُ نُحُولُها

وَالَهْفَتا لِلْمُرْتَضَى لَمَّا عَلى *** قَبْرِ البَتُولَةِ قامَ وَ هْوَ ثَكُولُها

يَدْعُو بِخَيْرِ الرُّسْلِ إِذْ غَلَبَ الأسَى *** فِي زَفْرَةٍ وَالدَّمْعُ مِنْهُ هَمُولُها

قَلَّ اصْطِباري عَنْ صَفِيَّتِكَ الَّتِي *** ما في نِساءِ العالَمِينَ مَثِيلُها

وَ بِعَيْنِ رَبِّ العَرْشِ تُدْفَنُ فَاطِمٌ *** سِرّاً وَ يُجْهَلُ قَبْرُها وَ مَقِيلُها

ص: 257

فَلْتُحْفِ فاطِمَةَ السُّؤالَ فَحَقَّ أن *** تَسْتَخْبرَ الأحْوالَ ما تَفْصِيلُها

وبأيِّ شَيءٍ تُخْبِرُ الهادِي وما *** لاقَت مِنَ الأَغدا الجِبالَ تُزِيلُها؟

أَتَقُولُ: أَضْرِمَ بابُ دارِي جَهْرَةً *** إِذْ هُنْتُ عِنْدَهُمُ وَعَزَّ ذَليلُها ؟

أَتَقُولُ: داري حَيْثُ لا إذنٌ ولا *** لي من خِمارٍ قد أُبِيحَ دُخُولُها؟

أتقولُ: مِن حَنَقٍ جَنِينِي أَسْقَطُوا *** وَ عَداوَةٌ لَطَمَ الجَبِينَ جَهُولُها؟ (1)

مَوْلايَ عَزَّ عَلَيْكَ خَيْرُ وَدِيعَةٍ *** مِنْ أَحْمَدٍ ضاعَتْ وأنتَ كَفِيلُها

أَتُرَدُّ بَضْعَةُ أحْمَدٍ في حالةٍ *** مِنْهايُساءُ عَدوُّها و خَلِيلُها؟

وَ عِداكَ لَوْمٌ سَيِّدِي لَكِنَّه *** صَعْبٌ عَلَى النَّدْبِ الغَيُورِ ثَقِيلُها (2)

لَوْلاَ الوَصِيَّةُ ضاقَ من قَتْلى العِدَى *** مِنْ قَبْلِ ذاكَ حُزونُها وَ سُهولُها (3)

فَإِليكِ سَيِّدةَ النِّساءِ قَصِيدَةٌ *** هِيَ قَدْرُ جُهْدِي وَ الرَّجاءُ قَبولُها (4)

ص: 258


1- حنق: غيظ و غضب.
2- النَّدب: السريع إلى الفضائل-الظريف النجيب، الخفيف في الحاجة.
3- الحزون: جمع الحَزْن: و هو ما غلظ من الأرض و قلَّما يكون إلاّ مرتفعاً.
4- الديوان ج1، ص89.

(33) أسقطت بنت الهدی

(بحر الرّمل)

السیدغیاث آل طعمة(*)(1)

هَلْ رَسُولٌ مُخبرٌ طه الرَّسُولْ *** ما رَأَتْ مِنْ بَعْدِهِ الظهرُ البتولْ

***

فَلَقَدْ أَمْسَتْ مِنَ المُسْتَضْعَفِينْ *** وَزَواها حَقَّها رِجْسٌ لَعِينْ

كذَّبَ الظُّهرَ وَذا الرُّوحُ الأَمِينْ *** أنْزَلَ التَّظْهِيرَ مِنْ رَبِّ جَلِيلْ

***

يا رَسُولَ اللَّهِ وَالدَّمْعُ هَتِنْ *** إِذْ نَوَى لِلدَّارِ حَرْقاً مَن أُبِنْ (2)

قِيلَ فِيها فاطِمٌ قالَ وإِنْ *** لَيْتَ شِعْرِي أَكَذا يُجْزَى الرَّسُولْ (3)؟

***

قال إبْتُونِي بأَغوادٍ وَ نارْ *** لا بَقِيتُ إِنْ بَقِي لِلآلِ دارْ

فَهُمُ قَدْ وَتَرُونا بِشِفارْ *** أطْلُبُ الآلَ بثَأُرٍ وَ ذُحُولْ (4)

ص: 259


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- هتن: متقطّر أُبِنَ: عِيبَ وَ اتُّهِم.
3- انظر التهديد بإحراق الدار في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج1 ص12 قول عمر حین أحاط بالدار و من معه: إما أن يخرج علي ومن معه للبيعة أو لأحرقنّ الدار على من فيها. فقيل له: إن فاطمة علیها السلام فيها -قال: و إن...
4- و ترونا: انتقموا منّا. شفار السيوف ذحول: انتقام.

دَخَلُوها وَهْيَ مِنْ غَيْرِ حِجابْ *** وَ لِحِفْظِ السِّتْرِ قَدْ لاذَتْ بِبَابِ

خالفوا في ذَلِكُمْ نَصَّ الكِتَابِ *** دُونَما استئذان ما صَحَّ الدُّخُولْ

***

مُذْ أَحَشُّوا عَصَرُوها فَثَبتْ *** في ضُلُوعِ الصَّدْرِ مِسْمارٌ نَبَتْ

صَرَخَتْ مِمَّا دَهاها وَ بَكَتْ *** أَبَتا أَصْبَحْتُ في عَيْشٍ ذَلِيلْ

***

أسْقَطَتْ بِنْتُ الهُدَى وَ احَزَنا *** مِن شَدِيدِ العَصْرِ ذاكَ المُحْسِنا

لَيْتَ شِعْرِي أَيَّ ذَنْبٍ قَدْ جَنَى *** لِيَذُوقَ المَوْتَ مِنْ غَدْرِ جَهُولْ

***

بَعْدَها اقْتادُوا عَلِيّاً ذا العُلَى *** بِحِبالِ البَغْيِ ظُلماً كُبِّلا

أعلِيّاً أسَرُوا يالَلْبَلا *** وَ هُوَ لَيْثُ الحَرْبِ فِي اليَوْمِ المَهُولْ؟

***

قَسَماً ما قَيِّدُوا ذاكَ الأبِیْ *** إنّما قَيَّدَهُ أمْرُ النَّبِيْ

فَهْوَ لايُؤْسَرُ بَلْ لَمْ يُقْربِ *** حِينَما في ساحَةِ الحَرْبِ يَصُولْ

***

نَسِيَتْ خَيْرُ النِّسا ما قَدْ جَرَى *** وَ سَعَتْ تَدْعُو أَعِيدُوا حَيْدَرا

أوْ لأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَمْحُو الوَرَى *** ضَاقَ صَدْرِي مِنْكُمُ أَهْلَ النُّكُولْ (1)

ص: 260


1- النكول: النكوص و الجبن. و في كتاب الكافي/ ج8 ص237-238: «.... لما أخرج علي علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام واضعة قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسها آخذة بيدي ابنيها فقالت: ما لي و ما لك يا أبابكر تريد أن تؤتم ابني و ترمّلني من زوّجي؟ -واللّه- لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري و لصرخت إلى ربي».

فاطِمٌ أمُّ الهُداةِ الأَطْيَبِينْ *** وَ بِها يُغْفَرُ ذَنْبُ المُؤْمِنِينْ

لرِضاها يَرْضَى رَبُّ العَالَمِينْ *** فَوَلاها عَنْ لَظَى سِتْرٌ يَحُولْ

***

فَلَها قَدْ خَلَقَ اللَّهُ الوُجُودْ *** وَ لَهَا الأَشْرافُ قِنّ وَعَبِيدْ

فَهْيَ في الحَشْرِ عَلَى الخَلْقِ تَسُودْ *** عِندَها يُعْرَفُ ما قَدْرُ البتولْ (1)

***

يومَ تَدْنُو مِنْ تَراقِيها النُّفُوسْ *** وَيُنادَى طَأُطِمُوا كُلَّ الرُّؤوسْ (2)

كَيْ تَمُرَّ فاطِمٌ شَمْسُ الشُّمُوسْ *** نَحْوَ عَدْنٍ وَنَعِيمٍ لايَزُولْ

***

ما يَقُولُ المَرْءُ فِيها ما يَقُولْ *** فَهْيَ سِرُّ عَجِزَتْ فيهِ العُقُولْ

عِصْمَةُ الخَلْقِ لَدَى الخَطْبِ المَهُولْ *** وَ لِمَنْ لاذَبها خَيْرُ كَفِيلْ

***

فاطِمٌ تُضْربُ مُوتُوا أسَفا *** إنْ يَكُنْ الاّهُ هَمُّ لَكَفى

ص: 261


1- في كتاب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج99 ص193 : «و أكرم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه و أكثر من إكرام الرجال لبناتهم حتى خرج بها عن حدِّ حب الأباء للأبناء: فقال لمحضر الخاص و العام مراراً لا مرة واحدة و في مقامات مختلفة لافي مقام واحد: «إنها سيدة نساء العالمين» و إنها عديلة مريم بنت عمران... و إنها إذا مرت في الموقف نادى مناد من جهة العرش:«يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم» و هذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الأخبار المستضعفة... و إنّ إنكاحه علياً إياها ما كان إلّا بعد أن أنكحه اللّه «تعالى» إياها في السماء بشهادة الملائكة... و كم قال لامرة «يؤذيني ما يؤذيها و يغضبني ما يغضبها و إنها بضعة منّي يريبني ما أرابها»...
2- تراقي: جمع ترقوة و هي العظم الذي في أعلى الصدر بين ثغرة النحر و العاتق و هما ترقوتان.

قَدْ بَكَى مِمّا دَهاها المُصْطَفَى *** وَ لَها قَدْ غَضِبَ الرَّبُّ الجَلِيلْ

***

شِيعَةَ الزَّهْراءِ نُوحُوا وَ الْطِمُوا *** فَحَرامٌ بَعْدَها أَنْ تَبْسِمُوا

فَاذْكُروها وَ الْعَنُوا مَنْ ظَلَمُوا *** وَ انْدُبُوها الدَّهْرَ في دَمْعٍ هَطُولْ

***

يا بْنَةَ المُخْتارِهاكِ أدْمُعِي *** وَالرَّجا في الحَشْرِ لي أنْ تَشْفَعِي

فَمُصِيباتُكِ أَحْنَتْ أضْلُعِي *** ما لَها في صَفْحَةِ الدَّهْرِ مَثِيلْ

***

ص: 262

(34) فاطم علیها السلام أفضلُ

(بحرالكامل)

الشيخ محسن أبوالحب (الكبير)(*)(1))

يا صاحِ ما هذا الكتابُ المُنْزَلُ؟ *** يا صاح ما هذا النبيُّ المُرْسَلُ؟(2)

ما هَذِه الآياتُ تُتْلى بينَنا؟ *** فَمُفَصَّلٌ منها وَ مِنْها مُجْمَلُ

هَلْ غيرُ طه كانَ عنها مُخْبِراً *** أم غيرُ خالقنا لهنَّ مُنزِّلُ؟

أترى المَبلِّغَ كانَ فيها كاذِباً *** أمْ هذه الأَنباءُ منهُ تقوّل؟

يا صاحِ ما الإسلامُ ما الإيمانُ *** ما التوحيدُ ما العَدْلُ الّذي هُوَ أَعْدَلُ؟

أتراهُ لم يَتْرُكْ وصيّاً بعدَهُ *** في النّاس يَحْكُمُ بالكتابِ وَ يَفْصِلُ؟

أم قال مختارونَ أَنْتُمْ وانْصِبُوا *** مَنْ شِئْتُمُ بَعْدِي إماماً وَ اعْربوا

فَغَدوْا شُعُوباً بَعدَهُ وَ قبائلاً *** فمحرِّفٌ وَ مغيِّرٌ وَ مُبدِّلُ

كُلُّ يُحاوِلُ أن يكونَ خليفةً *** حتّى ابنُ آكلةِ الذُّبابِ الأرْذَلُ

فأصابَ منها ما أصابَ وَ بَعْدَه *** ذَهَبَتْ سفالاً يَدَّعيها الأَسْفَلُ

ماذا ترى في أُمَّةٍ لَعِبتْ بها *** تيمٌ وراحَتْ إثْر تيمٍ نَعْثَلُ؟(3)

وَ بها عليُّ وَهُوَ أَوْلَى مَنْ بها *** بالأَمْرِ لو أنّ المخاصِمَ يَعْدِلُ

أوَلم يكنْ يومُ الغديرِ ألَمْ يَكُنْ *** جبريلُ فيه بالزَّواجِرِ يَنْزِلُ؟

ص: 263


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- ربما لاتخلو القصيدة من أخطاء لرداءة الخط في الأصل المتوفر لدينا مضافاً إلى بعض الاختلالات في الوزن قد تكون نشأت من الناسخ واللّه العالم.
3- نعثل: الشيخ الأحمق و أراد عثمان بن عفان.

أوَلم يَقُلْ مَنْ كُنْتُ مولاه فذا *** مولاه بَعْدي وليّكمْ لاتَجْهَلُوا ؟

هذَا هُوَ البابُ الّذي مِنْ قبلِ ذا *** كُلِّفْتُمُ أنْ تَدْخُلُوهُ فَادخُلُوا

الأنبياءُ جَمِيعُهمْ قَبْلِي كذا *** فَعَلُوا فما لي بَعْدَهُمْ لاأَفْعَلُ

ولكلّ بيتٍ في الأنام دَعامةٌ *** وَ دعامة الإسلام هذا فَاعْقِلُوا

واللَّهِ ما أنا بالَّذي أمَّرتُهُ *** اللَّهُ أمَّرهُ عليكُمْ فَاقْبَلُوا

وأنا المدينةُ وابْنُ عَمِّي بابُها *** هَلْ مِن سِوَى البابِ المدينة تُدخَلُ؟

أنا من عليِّ وَهُوَ منّي مِثْلَما *** هارونَ من موسى فلا تَتَعلَّلوا

یا قوم إنَّ نُبُوَّتِي ما لم تَكُنْ *** فيها ولاية حَيْدرٍ لا تَكْمُلُ

إِن تُسْعِدُوه تُسْعَدُوا أَوْ *** تَنصرُوهُ تُنْصروا أو تُحْذِلُوه تُخْذَلُوا

وأقولُ هذا والقلوبُ كَأَنَّها *** تَغْلي عليَّ من الحرارةِ مرجلُ

إيَّاكُمُ أَن تَجْحَدُوا إِيَّاكُمُ *** أَن تُلْحِدوا إياكُمُ أنْ تَنْكَلُوا

هذا الكتابُ وعترتي فتمسَّكوا *** بِهما وإِنْ لم تَفْعَلُوا لَنْ تُقْبَلُوا

وَيْلٌ لمنْ ناواهما وقَلاهُما *** ويلٌ لِمَنْ هُوَ فيهما لا يَحْفلُ(1)

إنَّ الخلافَةَ لا تحلُّ لغيرهِ *** هذا أخي فيها المعُّم المخولُ

إنّ الخلافةَ لا تُلِيقُ لغيرِهِ *** من جبرة من أدْلَم من نعْثلُ

إنّ الخلافَةَ كالنبُوَّةِ رُتبةٌ *** تلكَ الأخيرةُ والنبوَّةُ أوّلُ

إِنَّ النبيَّ مُعَلَّمٌ من رَبَّهِ *** وَكَذَا خليفَتُهُ فلا تَتَبَدَّلُوا

ليسَ الخلافَةُ مَنْ يحيرُ وَيَجْهَلُ *** ليسَ الخليفةُ من يَشحُّ وَ يَبْخُلُ

ليسَ الخلافةُ مَنْ يَقولُ لدَى الوَغى *** حِيدِي حيادِ وقَلْبُهُ متزلزلُ

إنّ الخليفَة كائنٌ مثلي أنا *** مانابَ يوماً مُعْضِلُ أوْ مُشْكِلُ

ص: 264


1- ناواهما: عاداهما قلاهما: أبغضهما.

فَكَأَنّني بكُمُ غداً تَأتُونَني *** وَ سيوفكُمْ تعِلّ منّي وَ تنهلُ

تَرِدُونَ حَوْضي وَ هو غير محللٍ *** لِمَن اعْتدى وَ دمي لديه مُحَلَّلُ

وَ مَضَى بإيرادِ الثناءِ مرسلاً *** نَفْسي فداؤُكَ أيّها المزّملُ(1)

فهنالِكُمْ عمَّا دعاهُمْ أدْبَرُوا *** وعلى عليِّ بالضغَائِنِ اقْبَلُوا(2)

فَعَلُوا وما أدراكَ ما فَعَلُوا أنا *** أخبرك عنه تسأل أوْ لاتسألُ

فكأَنَّهُمْ لم يَسْمَعُوا وَكَأَنَّهُمْ *** لم يُبْصِروا وَ كَأَنَّهُمْ لم يَعْقِلُوا

أتَراكَ تَذكُرُ ما أحلَّ بفاطم *** ممّايَخِرُّ له السِّماك الأعَزَلُ(3)

إِنْ قيلَ حَوّا قلتُ فاطِمُ فخرُها *** أو قيلَ مريمَ قلتُ فاطِمُ أفْضَلٌ(4)

أفَهَلْ لمريم والِدٌ كمحمّدٍ *** أَم هل لمريَم مثلُ فاطِمَ اشبُلُ؟

كلّ لها حين الولادةِ حالَةٌ *** منها عُقُولُ ذَوِي البَصائِر تَذْهَلُ

هذِي لنخلتِها التَجثْ فتساقَطَتْ *** رُطباً جنّياً وهيَ منها تأكُلُ

وضَعتْ بعيسى وهْيَ غير مَروعَةٍ *** أنّى وحارِسُها السَّريُّ الأَبْسلُ(5)

وإلى الجَدارِ وَ صَفْحةِ البابِ التَجثْ *** خيرُ النساءِ فَاسْقَطَتْ ما تَحْمِلُ(6)

ص: 265


1- المزمّل: المتلفف بثوب أو نحوه.
2- الضغائن: الأحقاد.
3- السِّماك الأعزل: كوكب نيِّر.
4- في أنها أفضل النساء وَ أنها سيدة نساء العالمين: جاء في كتاب طبقات ابن سعد ج2 ص40 في حديث عن فاطمة علیها السلام قال: «سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين». و رواه ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج5 ص522 و قال: سيدة نساء العالمين. و رواه النسائي أيضاً خصائصه ص34 و قال: سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين.
5- السِّري: صاحب المروءة في شرف أو صاحب السخاء في مروءة و هو مأخوذ من السِّراة أي الارتفاع و العلو. كما يعني السري السيد الشريف السخي، أو الجيد من كل شيء و الأبسل: العابس من الشجاعة أو الغضب.
6- في إسقاط الجنين انظر: الوافي بالوفيات ج5 ص347: حيث قال صلاح الدين الصفدي الشافعي في ترجمة النظام في ذكر أقواله: و قال إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها.

سَقَطتْ وَ أسْقَطَتِ الجنينَ وَ حولَها *** من كلِّ ذي حَسبٍ لئيمٍ جَحْفَلُ(1)

هذا يُعنِّفُها وذاكَ يَدُعُّها *** ويَسُبُّها هذا وهذا يَرْكلُ(2)

وَ أمامَها أسدُ الأسود يَقُودُهُ *** بالحبلِ قنفُذُ هلْ كهذا مُعْضِلُ

وبعينِ رَبِّ العرشِ يَلْطمُ خَدَّها *** أشقى البريةِ ثمّ لايتوجَّلُ

لاتدّعي بعدُ الشّهامة هاشِمٌ *** ما للشّهامة عندَ هاشمَ منزلُ

نال ابْن حنتمَ ما يُؤمِّلُ منهمُ *** حسبُ ابنُ حنتمَ نَيْلُهُ ما يأمُلُ

أوَ يَهْجَعُونَ وطفلُ فاطِمَ مُسْقَطٌ *** أوْ يَصْبِرُونَ ودَمْعُ فاطِمَ مُرسَلُ؟

وَ تراهُمْ لا يَعْضَبونَ لمثلِها *** وَ هُمُ على غيرِ الإِبا لَمْ يُجْبَلُوا

لكنّما العبّاس لم يَعْبُسْ لها *** وَ عقيلُ أمسى في عقالٍ يُعْقَلُ

وَ اقولُ ماذا والسياطُ بمتنِها *** حتّى القيامةِ ما لَهُنَّ تَجوُّلُ

وَ لسوفَ تأتي في القيامة هكذا *** تشْكو إلى ربِّ السّماءِ وَ تُعَوِّلُ

وَ لَترْفَعَنَّ جنينَها وَ حَنيَّها *** بشكايةٍ منها السّماءُ تُزَلْزِلُ

رَبّاهُ ميراثي وَ بَعْلِي حَقه *** غَصبوا وابنائي جميعاً قُتِّلُوا(3)

فَرْخايَ ذا بالشُّمّ أمْسى قلبُهُ *** قِطَعاً وَ هذا بالدّماء مُزَّمَّلُ

لم يَبْقَ سيفٌ من سيوفِ أميةٍ *** الاّ وَ عاد بلحمِه يتأكَّلُ

لم يبقَ رمحٌ من رماحِ أميّة *** إلاّ وَ عادَ بصدرِه يَتَرَسَّلُ

لم يَبْقَ سَهُمٌ مِنْ سِهامِ أميّة *** إلا وَ صار لِقَلْبِهِ يتوصَّلُ

وَ تَقُومُ بعد صوارِخاً من حولها *** فتيانُها وَ الكلُّ منها ثُكّلٌ

ص: 266


1- جحفل: الجيش الكبير.
2- يدعها: يدفعها دفعاً عنيفاً و بقوة و بجفوة.
3- انظر غصب فدك و منعها حقها كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362 حيث جاء فيه لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها فقال: ممّاذا تنفق على المسلمين؟ و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقَّه.

فتقومُ ثمَّ قيامةٌ أخرى لها *** كلُّ الأنامَ عن القيامةِ تَشْغَلُ

ما عذر تَيْمٍ عندها وعدَيّها *** وَ عليهما تلكَ الجرائمُ تُحْمَلُ

فهناكَ يَعْلَمُ مِنْ على اثريهما *** أمْسى وَ اصْبَحَ في الضّلال يُهَرْوِلُ

إذ ليسَ تَنْفعُهُ شفاعةُ شافعٍ *** هيهاتَ ليسَ له هناكَ مُعوِّلُ

فَلْيَعْرِفِ الأشهادُ أنّ وَ لاهما *** اجن وبعضهما الرحيقُ السّلسلُ(1)

اسراجُ ليلِ الوحي شمسُ نهارِهِ *** يا كوكبَ السّعدِ الّذي لايأفلُ(2)

زَعَموا بأنّك رابعُ الخُلَفاءِ لا *** واللَّهِ انتَ اخيرُهُمْ وَ الأَوَّلُ

ما من سواكَ خليفةٌ هيهاتَ *** انتَ الخليفةُ الّذي لايُعْزَلُ

خُذْها أميرَالمؤمنين قصيدةً *** وَ افَتْكَ في حُلَلِ الصّبابةِ تَرْفُلُ

ان كنتَ تَقْبَلُها فعَبْدُكَ محسنٌ *** أولا فإِني ما تَدُوسُ الأَرْجُلُ

لكنما بكَ يَرْحَمُ اللَّهُ الورى *** وَ عليهمُ برَكاتُهُ تَتَنزَّلُ

انتُمْ الئمَّتُنَا ونحنُ عبيدكُم**** وَ عليكُمُ فيما يَنُوبُ نُعَوِّلُ

أنا لَمْ ازلْ بكَ سيّدي مستشفعاً *** عندَ الإِلهِ وَ لم ازَلْ اتوَسَّلُ

حتّى أراكَ مُخلِّصي من كلِّ ما *** أخشاه في الدّارَيْن يا متفضّلُ

لاسيّما العظمى الّتي تدْري بها *** فما به أغني يشيرُ وَ يَذْبُلُ

وَ عليكَ صلْى اللَّه ما لاحتْ ضحى *** شَمْسُ النهار وَ جاء ليلٌ أليَلُ

ص: 267


1- الرحيق: ضرب من الطيب الخالص.
2- لايأفل: لايغيب.

(35) زهرة النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و العصمة

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

قَسماً بِالمَعادِ وَ السَّلْسَبِيلِ *** وَ بِما جاءَ في الوَرَى مِنْ رَسُولِ(2)

وَ بِرَبِّي وَ عَدْلِهِ وَ هُداهُ *** وَ بِكُلِّ الفُرُوعِ تِلْوَ الأُصولِ

وَ بِكُلِّ الأدْيانِ أَقْسَمْتُ حَقاً *** إنّ دِينَ الإسْلامِ حُبُّ البَتُولِ(3)

مَثَلُ الظُّهْرِ وَالشَّهامَةِ وَالنُّبْل *** وما لَمْ يُصبهُ دَرْكُ العُقولِ

بنتُ طه وَزَوْجُ حَيْدَرَ وَالسِّبطانِ *** مِنْها وَزَيْنَبٌ كَالشُّبُولِ

جَمَعَتْها فَطَأُطَأَ الدَّهْرُ إجْلالاٍ *** لها خَدَّه فَهَلْ مِنْ مَثِيلِ؟ (4)

ص: 268


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- سلسبیل: اسم عين في الجنّة.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب المناقب لابن المغازلي ص370 عن علي علیه السلام قال: أخذ النبي صلی الله علیه و آله وسلم عبيد الحسن و الحسين علیهما السلام فقال:«من أحبّني و أحبّ هذين و أباهما و أمَّهما كان معي في درجتي يوم القيامة».
4- طأطأ: خفض. و فاطمة علیها السلام نعمة الله على خلقه ففي قوله تعالى:«يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها و أكثرهم الكافرون»[سورة النحل، الآية:83]. روى العلامة البحراني عن الفقيه الشافعي إبراهيم بن محمد «الحمويني» بإسناده عن الباقر علیه السلام من أهل البيت أنه قال في حديث:«ونحن من نعمة الله «عزوجل» على خلقه. و حيث إن مولاتنا فاطمة الزهراء علیها السلام من أهل البيت علیهم السلام كانت هذه الآية الشريفة مما نزل بحقها. راجع كتاب غاية المرام/ ص246. وكتاب فاطمة الزهراء في القرآن، ص129. و في قوله تعالى : «ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة اللّه كفراً وأحلوا قومهم دار البوار»[سورة إبراهيم، الآية: 28]. روى العلامة البحراني عن مجاهد قال: العرب و بنو أمية... محمداً صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام... ففي قوله تعالى: «الذين بدلوا» هم العرب من أهل الجاهلية و بنو أمية... و «نعمت اللّه» محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام... و فاطمة الزهراء علیها السلام هي من أهل البيت علیهم السلام فالآية الكريمة تعد فيما ورد في فضلها، راجع كتاب غاية المرام ص356. و كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن/ ص120 .

أَنْتِ يَا رَمْزَكُلِّ خَيْرٍ وَكُلُّ *** الخَيْرِ ذُرِيَّةٌ نَمَتْ لِلرَّسُولِ

أنْجَبَتْ لِلْوَرى ألمَّةَ طُهْرٍ *** فَتَسامَى بِهِمْ كِيَانُ الشُّمُولِ

كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ إلى العزِّ طَوْدٌ *** لَيْسَ يَحتاجُ قَصْدُهُ مِنْ دَلِيلِ

كُنْتِ إِذْ كُنتِ لِلْفَتاةِ مِثالاً *** لاِبْنةِ الخَيْرِ تَحْتَ ظِلِّ ظَلِيلِ

كُنْتِ بِنْتاًلَهُ وَأُمّاً حَنُوناً *** بَضْعَةٌ مِنْهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ بَدِيلِ (1)

قَدْ تَعَاهَدْتِ منهُ قَلْباً وَ رُوحاً *** كَمْ هَوَى في يَدَيكِ بِالتَّقْبِيلِ

أَنْتِ يا زَهْرَةَ النُّبُوَّةِ وَ العِصْمَةِ *** دُنْيا مَلِيئةٌ بالفُصُولِ

أَيَّما جانِبٍ تَطَرَّقَ فِيكِ *** القَوْلُ فَالعَجْزُ ظَاهِرٌ في المَقُولِ؟

فَدَعِينِي أُدْلِي بِدَلْوِيَ فيهِ *** رُبَّ قَوْلٍ بهِ رِضاً للجليلِ

عُرْسُكَ الفَدُّ إِذْ يَزِفُّونَكِ *** لَيْلاً إلى عَلَيَّ أَصِیلِ

كيفَ باللَّهِ قَدْ تَصَدقْتِ بِثَوْبِ *** العُرْسِ الجَدِيدِ الطَّوِيلِ

أما وَ اللَّهِ قَدْ مَلَكْتِ عِلِيّاً *** بِصَنِيع للَّهِ فَذِّ جَمِيلِ

كيفَ بَيْتٌ حلَلْتِ سَيِّدَةٌ فِيهِ *** وَ كَيْفَ الحَياةُ عِنْدَ النَّبِيلِ؟

بَيْتُكِ الشَّامِخُ العَرِيقُ تَحَدَّى *** أَنْ يُرَى فِيهِ غَيْرُ كُوخٍ هَزِيلِ

ص: 269


1- إشارة إلى ما روي في كتاب كشف الغمّة ج1 ص498: عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: و من أنصفكِ فقد أنصفني، و من ظلمكِ فقد ظلمني، لأنّك منّي و أنا منكِ، و أنتِ بضعة منّي و روحي التي بين جنبيَّ . ثم قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: إلى اللّه أشكو ظالميكِ من أمَّتي.

الرَّحَى أَتْعَبَتْ يَدَيْكِ دَواراً *** وَ رَحَى الكَوْنِ في يَدَيْكِ فَدِيل

حدِّثينا عَنِ الصَّبايا عَنِ الأطفالِ *** عَنْ سَيِّدِي فَتى كُلِّ جِيلِ

أَيَّ رُوحٍ بَثَثْتِ فيهِمْ فَأَضْحَوْا *** سادَةَ الكَوْنِ عندَ كُلِّ قَبِيلِ؟

يَتَحَدَّوْنَ كُلَّ طَاغٍ فَيَهْوِي *** صاغراً دُونَهُمْ كَصَبِّ ذليلِ

ثُمَّ بَعْدَ النَّبِيِّ يَا لَهْفَ قَلْبِي *** كَيْفَ قَدْ خَلَّفُوكِ باللَّه قُولي؟

إنّما خُطْبَةٌ تَكَرَّمْتِ فِيها *** سَمِعُوها بَيْنَ البُكاءِ وَالعَوِيْل

الحبرْتنا بِأنّما صُدِّع الإسْلامُ *** مِنْ يَوْمِ كَسْرِ ضِلْعِ البَتُولِ(1)

ص: 270


1- صُدِّع: شُقَّ و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40: فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها...

(36) أُمُّ الأئمّة عليهم السلام

(بحر البسیط)

الشيخ محمّد الساعدي

الكَوْنُ أَجْمَعُ بِالميلادِ يَحْتَفِلُ *** فَبِنْتُ طه بها الإسْلامُ يَکْتَمِلُ

نُورُ الهِدَايةِ شَعَّتْ في مَرابِعِنا *** فاسْتَبْشَرَ الوَحْيُ وَ الأملاكُ وَ الرُّسُلُ

طارَتْ قُلُوبُ المَلا في يَوْمِها فَرَحاً *** فَالكُلُّ مُبْتَهِجٌ وَ الكُلُّ مُبْتَهِلُ(1)

وَ باتَ قَلْبُ رَسُولِ اللَّه مُنْشَرِحاً *** فَفَاطِمُ الْخَيْرِ فِيها البِشْرُ وَ الأَمَلُ

ماذا أَقولُ عَنِ الزَّهْراءِ إِنَّ لها *** مِنَ المَكارِمِ ما ضاقَتْ بِها الجُمَلُ؟

بِنْتُ النُّبُوَّةِ غَذّاها بِحِكْمَتِهِ *** وَ زَوْجُ حَيْدرَ عِمْلاقُ الوَرى البطلُ

أُمُّ الأئمّةِ مَنْ شَوْقاً لِطَلْعَتِها *** مَلائِكُ العَرْشِ تَأْتِيها وَتَتَّصِلُ(2)

ص: 271


1- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى ما صاحب ولادة الزهراء علیها السلام من كرامات و أفراح. ففي كتاب عوالم العلوم ج1 ص58 نقلاً عن كتاب مشارق الأنوار ص85 قال: من أسرار مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ أن خديجة علیها السلام لما حضرتها الولادة بعث اللّه «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق وماء من حوض الكوثر و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم بعثهن اللّه يعنّها على أمرها فلما وضعتها أشرقت الدنيا وامتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار، وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق بالنور، و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا... و في البحار، ج16 ص81 قال: ضمن حديث طويل «و تباشرت الحور العين و بشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سمِّيت الزهراء علیها السلام»، و ذكره ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ج3 ص340.
2- في البيت إشارة إلى نزول الملائكة على الزهراء علیها السلام ففي كتاب البحار ج43 ص24 قال: -ضمن حديث طويل- قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «فأيما امرأة صلَّت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجَّت بيت اللّه الحرام و زكَّت مالها و أطاعت زوّجها و والت علياً علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام وإنها لسيدة نساء العالمين». فقيل: يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين، و إنها لتقوم في محرابها فيسلِّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة فيقولون: يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين»[سورة آل عمران آية: 41] و في كتاب دلائل الإمامة ص56 قال: عن أبي عبد الله علیه السلام يقول: سمَّيت فاطمة علیها السلام محدّثة: لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم ابنة عمران فتقول يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين» يا فاطمة علیها السلام «اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين» فتحدَّثهم و يحدَّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها وإن اللّه «تعالى» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين. في حديث طويل في كتاب البحار، ج43 ص58 جاء فيه «ألا وأزيدكم من فضلها: إن اللّه قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها و من خلفها وعن يمينها و عن شمالها و هم معها معها في حياتها و عند قبرها و عند موتها يكثرون الصلاة عليها و على أبيها و بعلها و بنيها.»

تَهْفُو لِطَلْعَتِها الغَرّاءِ باسِمةً *** وَتَسْتَزِيدُ سَنى مِنْ نُورِها المُقَلُ(1)

قد كانَ مَوْلِدُها لِلدِّينِ مَدْرَسَةً *** من وِرْدِها العَذْبِ كلُّ النّاسِ تَنْتَهِلُ(2)

ما كانَ فيها سِوَى المَعْرُوفِ تَنْشُدُه *** بِنْتُ الرِّسالَةِ مَضْرُوبٌ بِها المَثَلُ

تَضَوَّعُ مِسْكاً حَياةُ الطُّهْر فاطِمَةِ *** «والزَّنْبَقُ الوَرْدُ مِنْ أَرْدانِها شَمِلُ» (3)

قَدْ خَصَّها اللَّهُ فِي أَلْطَافِهِ فَغَدَتْ *** مِشْكاةَ عِلْمٍ بِنُورِ اللَّهِ تَشْتَعِلُ (4)

ص: 272


1- سَنَاً: ضياء.
2- وِرْدِها: الوِرْد الماء الذي يُورَد.
3- الظاهر أن العجز مأخوذ بالحرف و المعنى من قصيدة للأعشى واللّه العالم.
4- في البيت إشارة إلى ما روي من أن الزهراء علیها السلام هی المشکاة. ففی كتاب تفسير القمي ج2 ص102-103 قال: عن أبي عبد الله علیه السلام: في قول اللّه «اللَّه نور السماوات و الأرض مثل نوره كمشكاة» المشكاة فاطمة علیها السلام «فيها مصباح» الحسن والحسين علیهما السلام «في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دريٌ»كأن فاطمة علیها السلام كوكب دري بين نساء أهل الأرض«يوقد من شجرة مباركة» يوقد من إبراهيم علیه السلام «لا شرقية ولا غربية» يعني لايهودية و لانصرانية «يكاد زيتها يضيء» يكاد العلم يتفجر «منها ولو لم تمسسه نار نور على نور» إمام منها بعد إمام «يهدي اللّه لنوره من يشاء» يهدي اللّه للأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصاً «ويضرب اللّه الأمثال للناس واللّه بكل شيء عليم»[سورة النور، آية: 35]. و ذكره ابن المغازلي في مناقبه ص317 كما في كتاب فاطمة الزهراءعلیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31.

لَنْ يَبْلُغَ الشِّعْرُ أنْ يُحْصِي مَكارمَها *** فَدُونَ وَصْفِ عُلاها انْتابَني الخَجَلُ

فَهْيَ الشفيعةُ في يَوْمِ الحسابِ لنا *** وَهْيَ المَلاذُ لنا إن قَلِّتِ الحِيَلُ (1)

ص: 273


1- إشارة إلى شفاعة الزهراء علیها السلام يوم القيامة. ففي كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150 قال: عن يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق علیه السلام ضمن حديث طويل قال: «قال جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام: البُشرى فلك عند اللّه مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين». و في كتاب دلائل الإمامة ص57 ضمن حديث طويل عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «ثم يبعث اللّه ملكاً لها لم يُبعث لأحد قبلها و لايبعث لأحد بعدها، فيقول: إن ربكِ يقرأ عليك السلام و يقول: سليني فتقول: هو السلام و منه السلام و قد أتم عليَّ نعيمه و هناني كرامته و أباحني جنته و فضلني على سائر خلقه، أسأله ولدي و ذريتي و من وَدَّهم بعدي و حفظهم فيَّ ، فيوحي اللّه إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه، أخبرها إني قد شفَّعتها في ولدها و ذريتها ومن ودهم فيها و حفظهم بعدها فتقول الحمدللّه الذي أذهب عنّي الحزن و أقرَّ عيني فيقرُّ اللّه بذلك عين محمد صلى الله عليه و آله و سلم». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إن اللّه «عزوجل» فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولداها و من أحبهم من النار فلذلك سمَّيت فاطمة علیها السلام». قلائد الإنشاد في النبي صلی الله علیه وآله وسلم وآله الأمجاد ص484.

(37)أوَ ما ترى الزهراء علیها السلام؟

(بحر الكامل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(1)

مَنْ ذا الفَقِيدُ عَلا عَلَيْهِ عَوِيلُ *** فَعَرى جميعَ العالمينَ ذُهُولُ؟

وَ لِفَقْدِهِ جِبْريلُ نادَى في السَّما *** صَوْتاً وَجِبْرِيلٌ بِهِ مَثْكُولُ

يا خَاتَمَ الرُّسْلِ الكِرامِ ومَنْ إلى *** هَدْيِ الأَنامِ مِنَ الإلهِ رَسُولُ

إنَّ البَسِيطَةَ أَظْلَمَتْ أَرْجاؤُهَا *** مِنْ بَعْدِ شَخْصِكَ فَالخَطِيبُ مَحِيلُ(2)

قَدْ كُنْتَ يا خَيْرَ البَرِيَّةِ حَاجَتِي *** فيها فما لي مُذْ رَحَلْتَ نُزُولُ

بَيْنا أسائِلُ إِذْ سَمِعْتُ بِأنَّ ذا *** الهادِي وهذا نَعْشُهُ المَحْمُولُ

يا مَنْ تُسائِلُ أَيُّ خَطْبٍ قَدْ عَرَىٰ *** وَتَكادُ مِنْهُ الرّاسياتُ تَزُولُ؟(3)

أوَ ما تَرى الزَّهْراءَ تَنْدُبُ خَلْفَهُ *** وَ دُمُوعُها سَيْلَ الغَمامِ تَسِيلُ؟

وَ تَحِنُّ مِنْ قَلْبٍ مَلِيءٍ بالأَسَى *** طَوْراً وطَوْراً تَنْثَنِي فَتَقُولُ

حُزْنِي لِفَقْدِكَ سَرْمَدٌ لا تَنْقَضِي *** أَيّامُهُ حَتَّى يَحِينُ رَحِيلُ

ما كانَ فِي الحُسْبَانِ يَحْجُبُ بَيْنَنا *** رَيْبُ المَنُونِ بِسَهْمِهِ وَ يَحُولُ

ابَتاهُ بَعْدَكَ لا يَطِيبُ لِيَ الكَرَىٰ *** كَلاّ وَلا عَيْنِي إِلَيْهِ تَمِيلُ

وَ لَحِقْتُ مِنْ شَوْقِي بِرَكْبِكَ عاجِلاً *** لَوْ كَانَ ثَمَّةَ لِي يَصِحُّ سَبِيلُ

ص: 274


1- مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- محیل: شديد الجدب.
3- الراسيات: الجبال الراسخة الثابتة.

أَبْكِي وَما جَزَعاً بَكَيْتُ مِنَ القَضا *** لكِنَّما أَخْشَى الفِرَاقَ يَطولُ

أَبتاهُ تَنْعاكَ الصَّلاةُ وَفَرْضُها *** وَكَذلِكَ التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ

يَوْمٌ سَرَيْتَ بهِ عَنِ الدُّنْيا سَرَى *** عَنّابِهِ لِلتّائِهِينَ دَلِيلُ(1)

أبَتاهُ إنْ أوذِيتُ في دارِ الفَنا *** فَإِلَيْكَ فِي دارِ البَقاءِ مُقِيلُ(2)

ص: 275


1- سرى: سار في الليل.
2- نقل من دیوان میراث المنبر ص12.

(38)يا ربْة الفخار

(بحر الخفيف)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

ها هُوَ العِيدُ قُمْ فَحَيَّ البَتُولا *** حَيِّ فَرْعَ الهُدَى الزَّكِيَّ الأصِيلا

حَيّ أُمَّ الحُسَيْنِ وَ ابنَةً طه *** ها هُوَ الحَفْلُ وَفِّها التَّبْجِيلا(2)

حَيِّ فيه خَدِيجَةَ النُّبْلُ أُمّاً *** صاغَ مِنْها الإيمانُ مَجْداً أثيلا(3)

ص: 276


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب كشف الغمة، ج2 ص90، ط دار الكتاب الإسلامي بيروت لبنان: «عن علي علیه السلام أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم سُئِلَ: ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول اللّه صلی الله علیه وآله وسلم، تقول: إنّ بتول و فاطمة علیها السلام بتول. فقال اللّه: البتول علیها السلام التي لم تر حمرة قطُّ أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء.».
3- فی كتاب المناقب، لابن شهرآشوب ص357 ج3 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية بقم يؤكد ذلك: «أم الحسن و أمّ الحسين و أم المحسن علیها السلام، و أم الأئمة، و أم أبيها...». و في كتاب البحار ج43 ص15: «جاء في كناها أنها أم الحسن و أم الحسين و أم المحسن علیهاالسلام و أم الأئمة و أم أبيها و أسماؤها على ما ذكره الرواة فاطمة علیها السلام... البتول... الحصان... الحرَّة... السيدة... العذراء... الزهراء... الحوراء... المباركة... الطاهرة... الزكيّة... الراضية... المرضيّة... المحدّثة... مریم الكبرى... الصدّيقة الكبرى... و يقال لها في السماء النورّية السماوّية الحانية... و ورد في تفسير الحانية: أي المشفقة على زوجها و أولادها. قال الجزري: الحانية التي تقيم على ولدها لاتتزوّج شفقة و عطفاً و منها الحديث في نساء قريش: أحناه على ولد وأرعاه على زوّج...». و عن أبي جعفرالباقر علیه السلام عن آبائه قال: إنما سمَّيت فاطمة علیها السلام بنت محمد الطاهرة صلی الله علیه و آله و سلم لطهارتها من كل دنس... و طهارتها من كل رفث... و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً...

حَيِّ فيه قَلْباً لَها طَهَّرَتْهُ *** بِمَعين الهُدَى فَعافَ الذُّحُولا(1)

قدر زَکا لاتَرَى بهِ غَيْرَحُبَّ *** الخَيْرِ طَبْعاً لايَرْتَضِي التَّبْدِيلا

حَيِّ فِيهِ جَفْناً لَها أَسْهَرَتْهُ *** فِي انْتِظارِ الفَجْرِ الجَدِيدِ وُصُولا

فَجْرُ يَوْم يُدْني لها ساعَةَ البُشْرِ *** وَتَلْقَى في سَعْدِهِ المَأمُولا

لم يَرُعْها اللَّيْلُ البَهِيمُ وَ إِنْ ضاقَ *** انْتِظاراً قَلْبٌ لها أَنْ يَطُولا

زَمَنُ البُعْدِ لِلَّذِي تَرْتَجِيهِ *** وَ تُعَدُّ الأَيَّامُ عِبْئاً ثقِيلاً

فَتراها بُطْأً يَسيرُ بها الخَطْوُ *** تَمَنَّتْ مِنْ ثِقْلِها أَنْ تَزُولا

وَ السَّمِيرُ الأَنيسُ كانَ لها الحَمْلُ *** وَ كانَ النَّجيُّ كانَ الخَلِيلا

ربِّ يَوْم جاءَ الرِّسُولُ وَ كانَ *** الصَّوْتُ يَبْدُو في أُذُنِهِ مَوْصُولا

مَنْ تُناجِينَ يا خَدِيجَةُ؟ يَبْدُو *** السّؤْلُ مِنْهُ وَ إِذْ تُجيبُ الرَّسُولا

يُنْبِها عَنْ بِشَارَةِ اللَّهِ فِيها *** فَهْيَ أُنْثى وَاختارَ مِنْها السَّلِيلا(2)

***

إِيْهِ يا رَبَّةَ الفَخارِ وَقَدْ أَسْهَرْتِ *** جَفْناً وقَدْ تَعِبْتِ طَويلا

ص: 277


1- الذحولا: النار.
2- يُنبها: أصله ينبئها حذفت الهمزة للتخفيف (و الأبيات التي سبقته) و هذا البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب دلائل الإمامة، للطبري ص 8 ط3/منشورات الرضا علیه السلام/ قم مطبعة أمير/ قم: «...فلما حملت بفاطمة علیها السلام و كانت خديجة سلام الله علیها تغتم و تحزن إذا خرج رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم كانت فاطمة علیها السلام تحدّثها من بطنها و تصبّرها و كان حزن خديجة سلام الله علیها من حذرها على رسول اللّه صلى الله عليه وآله و سلم و كانت خديجة سلام الله علیها تكتم ذلك عن رسول اللّه صلی الله علیه وآله وسلم فدخل يوماً فسمع فاطمة علیها السلام تحدّث خديجة سلام الله علیها فقال: يا خديجة سلام الله علیها من يحدّثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. فقال: يا خديجة سلام الله علیها هذا جبرئيل يبشرني بأنها أُنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن اللّه «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه...».

وَ سُقِيتِ كَأْسَ المقاطَعةِ الكُبْرى *** وَ عما كانَ كَأسُها مَعْسُولا

عابكِ نِسْوَةٌ بِقَوْلٍ هُراءٍ *** قَدْ أرادوا بذكرِهِ التَّهْوِيلا

خَسِؤوا إِنّ ذاكَ قَوْلُ حَسُودٍ *** خَسِرَ الرِّبحَ مَنْ أَضاعَ السَّبِيلا

وَلَقَدْ فاتَهُ رَبِيعُ الأَماني *** وَسَيَلْقى فيما رَجاهُ المحُولا(1)

فَاهْنَئي هذِهِ التَّباشِيرُ *** احَالَتْ أرْضَ الرَّجاءِ جمِيلا(2)

بالأَماني الّتي تَحَقَّقَ وَعْدُ الحَقِّ *** فِيها بِالفَوْزِ هاكَ البتُولا

شَمْسُ مَجْدٍ لا يَنْطَفِي وَهَجُ *** النُّورِ وَ لاصُبْحُها يَعودُ أَصِيلا

أَبَداً شُعْلَةٌ تُضيءُ بِنُورِ *** الهَدْيِ دُنْيا الحَياةِ جِيلاً فَجِيلا

***

يا بْنَةَ المُصْطَفَى وَ قَدْ حارَ مِنِّي *** الفِكْرُ لا أَهْتَدي إلى المَدْحِ قِيلا

أنْتِ أَسْمَى مِنَ المَدِيحِ وَ أَسْمى *** أَنْ يَصُوغَ الیَراعُ مَدْحاً هَزِيلا(3)

أوْ يَلوكَ اللِّسانُ فِيكِ بياناً *** فَيَعُودُ البَيانُ فِيكِ عَلِيلا

حَسْبُنا أَنَّنا أَطَعْنا وَ أَنّا قَدْ *** حَفِظْنا بِالوُدِّ فِيكِ الرَّسُولا

وَ غَضِبْنا كما غَضِبْتِ وَ نَرْضَى *** في رضاك نُعْطِيهِ عَهْداً جَلِيلا(4)

قَدْ عَلِمْنا عَلَى اليَقِينِ بأَنَّ الحَقِّ *** رَهْنٌ في نَهْجِكُمْ لَنْ يَزُولا

وَعَلَيْهِ أَنْتُمْ تَسِيرونَ قُدْماً *** قَدْنَهَجْتُمْ فُرُوعَهُ والأُصُولا

ص: 278


1- المحولا: الجدب.
2- التباشير: البشرى و تباشير كلّ شيءٍ أوائله.
3- اليراع: الجبان،الضعيف مَن لا رأي له و لاعقل، القلم، و هذا المعنى الأخير هو الأنسب.
4- قريب من هذا المعنى ما جاء في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص325 المطبعة العلمية/ قم -مؤسسة انتشارات علامة: «ان النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه ليغضب الغضبك و يرضى لرضاك».

هكذا دِينُنا عَلَيْهِ عَقَدْنا *** عَزَماتِ القلوبِ جِيلاً فَجِيلا

***

إخْوَةَ العِلْمِ لا أُرِيدُ مَدِيحاً *** لا وَ لاأَبْتَغِي البَيانَ الهَزيلا

فَلَنا بَيْنَ ذَيْنِ واقِعَنا الحُرُّ *** فَلا عُذْرَ إِنْ نَطَقْتُ فُضُولا

إِنَّنا عُصْبَةٌ إذا ما اتَّخَذْنَا *** الجَدَّنَهجاً وَالهَدْيَ فيه الدَّلِيلا

ومَزَجْنا الإخْلاصَ بالخُلُقِ السّا *** مِي طَبْعاً فكانَ نَهْجاً أَصِيلا

وَسَرَيْنا نَقْفُوخُطى السَّالِكِينَ *** الغُرِّ فيما هُمْ رَأَوْهُ السَّبِيلا

في هُدَى شَيْخِنا المُفِيد الأجَلَّ *** ومَعَ المُرْتَضَى نَسِيرُ قَبيلا

ورَسَمْنا الطّوسِيَّ في حَوْزَةِ العِلْمِ *** عَلَى نَهْجِهِ نعدّ الفُصولا

وَشفَعنا المَجْهُودَ في صالح المَرْ *** ضِيِّ منّا فكان فيه العَدِيلا

فَسَنَعْلُوا فِيما نَرُومُ المُرَيّا *** وَنُسامِي أَرْضَ السِّماكَيْنِ طُولا(1)

كلُّ أَمْرٍ ضَرَعْتَ فيهِ إلى اللَّهِ *** بخَيْرِ الأَعْمَالِ لَنْ يَسْتَحِيلا

هانَرى حَفْلَها البَتُولُ فَذا *** خَيْرُ سَبِيل ننالُ فيهِ الوُصُولا

شَرَّفَتْنا بهِ وَقَدْ اتْحَفَتْنا *** فِيه مِنْ كفِّها الوِسامَ الجَلِيلا(2)

وَاعْتِزازاً أقُولها إِنَّهُ الفَخْرُ *** إذا نالَ مِنْ عُلاها القَبُولا

وَلَنا بَعْدَهُ رَجاءٌ أكِيدُ *** أن يَعِيشَ الشّعُورُ فينا طَوِيلا

أبَداً لا يَحُدُّ منّا نَشاطٌ *** أبداً يَتْبَعُ القبيل القبيلا

في احْتِفاءِ الذِّكْرَى نُقيمُ لها *** الحفلَ رَتيباً وَقَدْ نَفَيْنا الخُمُولا

حَيْثُ تُنْمِي آثارُه الزاكياتُ *** البِيضُ فِينا عَقِيدَةً ومُيُولا

ص: 279


1- نروم: نقصد. السماكَين: هما كوكبان نيّران يقال لأحدهما: السِّماك الرامح لأن أمامه كوكباً صغيراً، يقال له راية السماك و رمحه و للآخر السماك الأعزل لأنه ليس أمامه شيء.
2- اتحفتنا : أهدت لنا .

فَيُغذِّي جَوَانِحَ النَّفْسِ بِالإيمانِ *** حُرّاً ما شِيْبَ فِكْراً دَخِيلا

إنّنا في الحَياةِ أغْراضُ مَفتونٍ *** يَحُوکُ التَّشْكِيكَ والتَّضْلِيلا

وَيَصُوعُ الإلحادَ طَرْزَ ثَقافاتٍ *** يَراها الغَيُّ فِكْراً أَصِيلا

وَلَوْ أَنَّ الحَياةَ فِيما نَراها *** قَدْ بَدَتْ عَنْ مَسارِها تَحْوِيلا

إذْ بَدَا الخَيْرُ طارِفاً يَفْتَحُ *** الآمالَ أنّ الحياةَ تبْنِي بَدِيلا

عن حَيَاةِ الضَّياعِ فِيما نُقَضِّي *** مِنْ زمانٍ وَنَسْتَعيدُ السَّبِيلا

نَحْوَ دنيا الإيمانِ نَرْسُو عَلَيْها *** في ثَباتٍ لا نَرْتَضِي التَّبْدِيلا

حَيْثُ ينشي المَهْدِيُّ دَوْلَةَ حَقِّ *** قَدْ دَنَا عَهْدُهُ وَدَانَى وُصُولا(1)

ص: 280


1- أفراح الولاء ص117.

(39) البتولة علیها السلام ثكلى

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

أمَلُ النّاسِ في البقَاءِ طَوِيلُ *** وَ هُوَ ظِلُّ عَمّا قَلِيلٍ يَزولُ

لاتَغُرَّنْكَ غُدْوَةٌ بِسُرُورٍ *** وَ انْتَظِرُ ما يَجِيءُ فيهِ الأَصيلُ(2)

وَ عَظَتنا الدُّنْيا وَكَمْ قَدْ أَرَتْنا *** عِبَراً لَوْ تَدَبَّرَتْها العُقُولُ

خُذْ مِنَ الزّادِ ما اسْتَطَعْتَ كَثِيراً *** لِغَدٍ فَالبَقاءُ فِيها قَلِيلُ

لَيْسَ فِيها وإنْ يَكُنْ جَلَّ وَقْعاً *** بَعْدَ يَوْمِ النَّبِيِّ خَطْبٌ جَلِيلُ

يَوْمَ فِيهِ قَدْ أَجْهَشَ المَلأُ الأَعْلَى *** وَصَكَّ الأَسْماعَ مِنْهُ العَوِيلُ(3)

أيُّ يَوْمٍ بهِ البَتُولَةُ ثَکْلَى *** وَ بِهِ شَخْصُ أَحْمَدٍ مَثْكُولُ

زَلْزَلَ الأَرْضَ مُذْ أَطَلَّ وَ كادَتْ *** راسِياتُ الجِبالِ مِنْهُ تَزولُ

غابَ نَجْمُ السّارِين إِنْ عَسْعَسَ *** اللَّيْلُ وَ ضَلَّ الهادِي وَ حارَ الدَّلِيلُ(4)

هَلْ مُقْيلٌ مِنْ عَثْرَةِ الدَّهْرِ أَمْ هَلْ *** بَعْدَظِلِّ الإلهِ فِيها مَقِيلُ؟

فَمَنِ الغَوْثُ وَ الزَّمانُ مَهُولٌ *** وَ مَنِ الغَيْثُ وَ السُّنُونُ مُحُولُ؟(5)

ص: 281


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- غدوة: الصباح. الأصيل: الوقت بين العصر والمغرب أو العشيّ.
3- أجهش: تهيّأ للبكاء. صكّ: ضرب شديداً أو لطم.
4- عسعس: دام.
5- محول: جَذْب.

صَعَدَ الرُّوحُ منه في رُوحِ قُدْسٍ *** مالَهُ بَعْدَها بِوَحْيٍ تَزُولُ(1)

أَيّها المُدْلِجُ المُعِذُّ بِحَرْفٍ *** شَفَّها الوَحْدُ بالفَلا وَالذَّمِيلُ(2)

إِنْ تَجِيء طَيْبَةً فَقَبِّلْ ضَرِيحاً *** مِنْ شَذاهُ طابَتْ صَباً وقَبُولُ(3)

قُلْ لَهُ واسْکُبِ المَدامِعَ عَنْ ذِي *** مُهْجَةٍ مِلْؤها جَوًى وَغَلِيلُ

يا رَسُوَل اللَّهِ الأَمِينَ عَلَى *** الوَحْيِ لَقَدْ خانَكَ المَلا والقَبِيلُ

إِنَّ يَوْماً مَضَيْتَ فيه لَيَوْمٌ *** لَيْسَ يَسْلُوهُ لِلقِيامَةِ جِيلُ

غَيْرَ أَنَّ الأَعْداءَ بَعْدَكَ لَمّا *** غِبْتَ ها جَتْ أَحْقادُهُمْ والذُّحُولُ(4)

مالَ فيها نَحْوَ الضَّلالِ هَواها *** عَنْ سَنا الحَقِّ وَالهَوَى يَسْتَمِيلُ

نَقَضُوا عَهْدَ حَيْدَرٍ فَأَعادِيهِ *** كَثِيرٌ وَالنَّاصِرُونَ قَلِيلُ

جَحَدُوا نَصَّكَ الصَّرِيحَ عَلَيْهِ *** وَ بِإِجْماعِهِمْ أُقِيمَ الدَّلِيلُ

إِنَّ يَوْمَ الغَدِيرِ أَنْكَرَهُ القومُ *** وَغالَتْ خِلافَةَ الحَقِّ غُولُ(5)

إنَّ تِلْكَ الذِّئابَ بَعْدَكَ غالَتْ *** أَسَدَ اللَّهِ وَاسْتُبِيحَ الغِيلُ(6)

وَتَواصَوْا على اغْتِصابِ حُقُوقٍ *** قَدْ حَوتْها بالإرْثِ مِنْكَ البَتُولُ

ص: 282


1- بعث صلی الله علیه و آله وسلم بالنبوَّة في (27) من رجب وعمره أربعون سنة و توفي بالمدينة في الثامن و العشرين من صفر سنة (11) ه_ و عمره ثلاث و ستون سنة و قيل: مات مسموما صلی الله علیه و آله وسلم.
2- المُدْلج : السائر كل الليل أو آخره-المغذ: المسرع في السير. شفَّها: نقصها أو زادها. الذميل: السير اللين-الوَخد: وَخَدَ البعير أي أسرع و صار يرمي بقوائمه كالنعام.
3- قبول و صبا: القبول هي نفسها ريح الصبا لأنها تستقبل الدَّبور.
4- غالت: أهلكته وأخذته من حيث لا يدري-غُول: الهلكة.
5- الغيل: الاغتيال والإهلاك.
6- إشارة إلى ما روي في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: أنه كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها، فقال ممّذا تنفق على المسلمين؟ و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ الكتاب فشقّه. انظر كتاب مصباح الزائر ص25 و البحار ج100 ص198 ح16. ورد في ذكر زيارتها في بيتها و بالبقيع تقول: السلام على البتول علیها السلام الشهيدة ابنة نبي الرحمة صلی الله علیه و آله وسلم و زوجة سلام الله علیها الوحي الحجة و والدة السادة الأئمة السلام عليك يا فاطمة الزهراء علیها السلام ابنة النبي المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم... السلام عليك و على أبيك... السلام عليك وعلى بعلك و بنيك علیهم السلام... السلام عليك أيتها الممتحنة علیها السلام. السلام عليك أيتها المظلومة الصابرة... لعن الله من منعك حقك... و دفعك عن إرثك... و لعن اللّه من ظلمك و أعنتك و غصصك بريقك و أدخل الذل بيتك... و لعن الله من رضي بذلك و شايع فيه و اختاره و أعان عليه و ألحقهم بدرك الجحيم. إني أتقرب إلى اللّه «سبحانه» بولايتكم أهل البيت و بالبراءة من أعدائكم من الجن و الإنس «صلى الله على محمد وآله الطاهرين.»

جَرَّعُوهَا مِنْ بَعْدِ عَيْنَيْكَ غَيْظاً *** ما إِلى بَثِّهِ إِلَيْكَ سَبِيلُ

لَمْ يَصُونُوا رَيْحانَةً كُنْتَ تَجْنِیها *** وَ سُرْعانَ ما عَراها الذُّبُولُ

وَ سَقَوْا أَكْؤُسَ المَنيَّةِ سِبْطَبْكَ *** وَ لَمْ أَدْرٍ بَعْدُ ماذا أَقُولُ

أَدْرَكُوا وَ تْرَهُمْ فَذَلِكَ مَسْمُومٌ *** و هذا بِثَأْرِ بَدْرٍ قَتِيلُ

بِسَنا رَأْسِهِ تَنُوءُ العَوالي *** (وَعَلَى صَدْرِهِ تَجُولُ الخُيُولُ(1)

ص: 283


1- الذخائر ص9.

(40)حياة البتول

(بحر الطويل)

السيّد محمّد مهدي بحر العلوم (*)(1)

ص: 284


1- (*)هو السيد محمد مهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد البروجردي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم من نسل إبراهيم طباطبا من ذرية الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى علیه السلام. ولد في كربلاء المقدسة ليلة الجمعة من شهر شوال سنة (1155ه_) و قد جاء تاريخ الولادة (النصرة آي الحق قد ولد المهدي). آل (بحر العلوم) أسرة علمية عريقة أنجبت العدد الكثير من رجالات العلم و الأدب. نزحت من بروجرد واستوطنت مدينة كربلاء المقدسة، ثم هاجر بعض رجالها إلى مدينة النجف الأشرف، فقد ظهر في هذه الأسرة الكريمة نوابغ وأعلام للفكر الديني وزعيم وعميد هذه الأسرة مولانا السيد بحر العلوم (قدس سره). نشأ وترعرع سيدنا في أسرة عجنت طينتها بعذب الولاء الصادق وأخذ دراسته مبدئياً على والده السيد مرتضى الطباطبائي، ثم على أساتذة فحول وأساطين الدين من الفقهاء والمحققين في حوزة كربلاء المقدسة منهم : 1- الوحيد آغا باقر البهبهاني 2- صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني 3- الشيخ محمد باقر الهزار جريبي 4- السيد حسين الموسوي الخونساري 5- الشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي 6- السيد عبد الباقي الحسيني الخاتون آبادي 7- الشيخ محمد تقي الدورقي وغيرهم من أعاظم العلماء. و في سنة (1169ه) غادر كربلاء المقدسة إلى النجف الأشرف لينهل من معين العلماء والفقهاء أكثر فأكثر حتى أصبح سيد العلماء الأعلام علّامة دهره وزمانه ووحيد عصره وهو من أكبر زعماء الدين، وقد أذعن له جميع علماء عصره ومن تأخر عنه بعلو المقام والرئاسة النقلية والعقلية وسائر الكمالات النفسانية وأخذ عنه العلم جهابذة عصره، منهم الفاضل النراقي صاحب المستند، والسيد جواد العاملي _ صاحب مفتاح الكرامة، والشيخ حسين نجف، والشيخ محمد مهدي النراقي _ صاحب جامع السعادات، والشيخ محمد علي الأعسم وغيرهم من أعاظم العلماء. وَعَرِّجْ عَلَى الأَطْمارِ من آلِ هَاشِمٍ *** فَهُمْ شَرَفِي وَالفَخْرُ فيهم وَهُمْ أَصْلي * وسيدنا بحر العلوم (رحمه اللّه) بالإضافة إلى مرجعيته العلمية والدينية الكبرى وكثرة مشاغله الاجتماعية _ دائب التفكير والعمل والانجازات من حيث المشاريع الخيرية ونشير إلى بعضها. فإنه ذهب إلى مكة المكرمة وبقي هناك قرابة ثلاث سنوات، حتى عيِّن وأثبت مشاعر الحج ومواقيت الإحرام على الجهة الشرعية الصحيحة، وكانت قبل ذلك مهملة، و أيضاً بناء وتعمير مسجد الكوفة، و كذلك في مسجد السهلة وتعيين قبر المختار بقرب قبر مسلم بن عقيل و تجديد بناء جامع الطوسي وغير ذلك. وبالرغم من عظمته في العلم، و وصوله الغاية القصوى في الزهد والتقوى كان «قدس سره» على جانب كبير من أريحية الأدب ولطف المساجلة والإخوانيات. وينقل أن المولى النراقي-صاحب جامع السعادات-كتب إليه رسالة من (كاشان) وضمن رسالته بيتين من الشعر هما : ألا قل لسكان أرض الغري *** هنيئاً لكم في الجنان الخلود أفيضوا علينا من الماء فيضاً *** فإنا عطاشى وأنتم ورود فأجابه السيد على الفور: ألا قل لمولى يرى من بعيد *** ديار الحبيب بعين الشهود فنحن على القرب نشكو الظما *** وفزتم على بعدكم بالورود وللمترجَم له عدد من المصنفات والمؤلفات منها: 1- المصابيح في العبادات والمعاملات. 2- الدرّة النجفية في الفقه وعدد أبياتها ألفان. 3- تحفة الكرام في تاريخ مكة والبيت الحرام. 4- الفوائد الرجالية. وإلى غير ذلك من الرسائل والنوادر. لبى نداء ربه بعد زعامة دينية واسعة، وترك فراغاً كبيراً في عالم العلم والتقى. توفي بالنجف الأشرف سنة (1212ه) ودفن قريباً من قبر الشيخ الطوسي.

أَلا عَدِّ عَنْ ذِكْرى بُنَيْنَةَ أَوْ جملِ *** فَما ذِكْرُها عندي يُمِرُّ ولا يُحْلي

وَلاَ أَطْرَبَتْنِي البِيضُ غَيْرَ صَحائِفٍ *** مُحبَّرةٍ بالفَضْلِ ما بَرحَتْ شُغلي

وعُوجٍ يُقِيمُ الاعْوجاجَ انْسِلالَها *** إذا حانَ منها الحينُ حَنَّتْ إلى السَلِّ

وعُذْ للأُلى هُمْ أَصْلُ كُلِّ فَضِيلةٍ *** ويَمِّمْ منارَ الفَضْلِ من رَبْعِهِ الأصْلي(1)

ص: 285


1- يمّمْ: أُقصُدْ.

وسَلِّمْ على خَيْرِ الأَنامِ مُحَمَّدٍ *** وَعِتْرَتِهِ الغُرِّ الكِرامِ أُولي الفَضْلِ

وَخُصَّ عَلِيّاً ذا المناقِبِ وَالعُلا *** وَصِيَّ النبيَّ المُرْتَضَى خِيرَة الأَهْلِ

إلى أن يقول :

وَزَوَّجَهُ المُخْتارُ بَضْعَتَهُ وما *** لَها غَيْرُهُ في النَّاسِ من كُفُؤٍ عَدْلٍ(1)

وَقال لَها زَوَّجْتُكِ اليَوْمَ سَیِّدا *** تَقيّاً نَقيّاً طاهِرَ الفَرْع والأَصلِ (2)

وَ أَنْتِ أَحَبُّ النّاسِ عِنْدِي وإِنّهُ *** أَعزُّ وأَوْلَى الكُلِّ بَعْدِيَ بالكُلِّ(3)

وإِنَّ إِله العَرْشِ رَبَّ العُلى قَضَى *** بِذا وَتَوَلَّى الأَمْرَ وَالعَقْدَ مِنْ قَبْلي

فَأَبدَتْ رِضاها وَاسْتَجابَتْ لِرَبِّها *** وَوالِدِها رَب المَكارِمِ والفَضْلِ(4)

ص: 286


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام ج1 ص225 ح3 ط/ انتشارات جهان-طهران: «عن علي علیه السلام قال : قال لي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت عليّاً؟ فقلت لهم: واللّه ما أنا منعتكم وزوّجته بل اللّه منعكم وزوّجه فهبط عليّ علیه السلام جبرئيل فقال: يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم إنَّ اللّه جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه».
2- جاء في كتاب كشف الغمة، ج2 ص99 ط/ دار الكتاب الإسلامي (1981م) بيروت/لبنان: «عن شرحبيل بن سعيد الأنصاري: قال لما كان صبيحة العرس أصابت فاطمة علیها السلام رعدة فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: زوّجتك سيداً في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين.».
3- جاء في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص331 ط/ المؤسسة انتشارات علامة/ قم-المطبعة العلمية بقم: «عن عائشة: أنه قال علي النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما جلس بينه و بين فاطمة علیها السلام وهما مضطجعان: أيّنا أحبّ إليك، أنا أم هي؟ فقال الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هي أحبّ إليَّ وأنت أعزّ عليّ علیه السلام منها».
4- والبيت الذي يليه أيضاً جاء في كتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص407-408 منقولاً عن كتاب العلو للعليّ الغفّار في صحيح الأخبار و سقيمها ص27: عن أبي هريرة قال: لمّا خطب علي علیه السلام فاطمة علیها السلام من رسول صلی الله علیه و آله وسلم فقال له: «أي بنيّة إن ابن عمك عليّاً قد خطبك فما تقولين؟»-إلى أن قال: فقال:«والذي بعثني بالحق ما تكلّمت في هذا حتى أذن اللّه فيه من السماء فقالت فاطمة علیها السلام: رضيت بما رضي اللّه لي».

وَ كَمْ خاطِبٍ قَدْ رُدَّ فيها ولَمْ يُجَبْ *** وَ كَمْ طالِبٍ صِهْراً وما كانَ بالأَهْلِ

وَ لَوْلا عَلِيٌ ما استُجِيبَ لِخاطِبٍ *** وَ لاكانَتِ الزَّهْرا تُزَفُّ إلى بَعْلِ

و أكْرِمْ بمَن يُعْلِي النَّبِيُّ بشَأْنِها *** وَأَسْمِعْ بما قَدْ قَالَ مِنْ قولِهِ الفَصْلِ!

ألا فاطِمٌ مِنّي وَمَنْ هِيَ بَضْعَةٌ *** وَمَنْ قَطْعُها قَطْعِي وَمَن وَصْلُها وَصْلي(1)

وَمَنْ لرِضاها اللَّهُ يَرْضَى وَسُخْطُها *** لَهُ سَخَطٌ أَعْظِمْ بذلكَ مِنْ فَضْلِ (2)

لذَا اختارَها المُخْتارُ لِلْمُرْتَضَى الّذي *** رِضاها رِضاهُ في العَزِيمةِ وَالفِعْلِ

وَمَن لا يَزالُ الحَقُّ مَعْهُ وَلَمْ يَزَلْ *** مَعَ الحَقِّ لا يَنْفَكُ كُلٌّ عن الكُلِّ

فأَعْظِمْ بزَوْجَيْنِ الإِلهُ ارْتَضاهُما *** جَلِيلَيْنِ جَلاً عَنْ شَبِيهٍ وَعَنْ مِثْلِ

فَكُلٌّ لِكُلِّ صالِحٌ غَيْرُ صَالِحٍ *** لَهُ غَيْرُهُ وَالشَّكْلُ يَأبَى سِوَى الشَّكْلِ

لِذلِكَ ما هَمَّ الوَصِيُّ بِخُطبةٍ *** حَيَاةَ البَتُولِ الطُّهْرِ فاقِدَةِ المِثْلِ(3)

بِذا خَبَّرَ المُختارُ وَ الصَّدْقُ قَوْلُهُ *** أَبا حَسَنٍ ذاكَ المُصَدِّقِ في النَّقلِ

فَأَضْحَى بَرِيئاً وَالرَّسُولُ مُبَرِّناً *** (وَقَدْ أَبْطَلا دَعْوَاكُما الرَّثَّةَ الحَبْلِ)(4)

ص: 287


1- ورد في كتاب كشف الغمة ج2 ص123-124 ط دار الكتاب الإسلامي/ بيروت/ لبنان (1981م). «روی جابر بن عبد اللّه الأنصاري في حديث: يا بنية أنت المظلومة بعدي، و أنت المستضعفة، بعدي فمن آذاك فقد آذاني ومن غاظك فقد غاظني ومن سرّك فقد سرّني ومن برك فقد برّني ومن جفاك فقد جفاني ومن وصلك فقد وصلني ومن قطعك فقد قطعني أنصفك فقد أنصفني ومن ظلمك فقد ظلمني لأنك منّي وأنا منك وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبي، ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتي».
2- في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص325 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية بقم: «ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك».
3- ورد في كتاب المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص330، ط مؤسسة انتشارات علامة/قم-المطبعة العلمية بقم: «عن أبي عبد الله علیه السلام: حرّم اللّه «عز وجل» النساء على عليّ علیه السلام ما دامت فاطمة علیها السلام حيّة. لأنها طاهرة لاتحيض.».
4- الرثّة: البالية.

بِذلِكَ فَاعْلَمْ جَهْلَ قَوْمٍ تَحَدَّثُوا *** (بِخُطْبَتِهِ بِنْتَ اللّعِينِ أَبي جَهْلِ)

نَعَمْ رَغِبَتْ مَخْزومُ فيه وَحاوَلَتْ *** بِذَلِكَ فَضْلاً لو أُجِيبَتْ إلى الفَضْلِ

فَلمّا أبى الطُّهْرُ الوَصِيُّ وَلَمْ يُجِبْ *** رَمَتْهُ بِما رَامَتْ ومالَتْ إلى العَذْلِ

فَبَرّأَهُ المُخْتارُ ممّا تَحَدَّثَتْ *** وَما أَظْهَرَ الرِّجْسانِ من كامِنِ الغِلِّ

وَقَدْ طُوِّقا إِذ ذاكَ مِنْهُ بِلَعْنَةٍ *** فَسامَتْهُما خَسْفاً وذُلا على ذُلِّ(1)

وقَدْ جاءَ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ لِحَيْدَرٍ *** عَلى فاطِمٍ فِيما الرُّواةُ له تُمْلِي

فإنْ كانَ حَقّاً فَالوَصِيُّ أَحَقُّ مَن *** تَجَنَّبَ مَحْظُوراً مِنَ القَوْلِ وَالفِعلِ

وَكَيْفَ يُظَنُّ السُّوءُ بِالطُّهْرِ حَيْدرٍ *** وَرَبُّ العُلَى فِي ذِكْرِهِ فَضْلَه يُعْلِي؟

وَكَيْفَ يَحُومُ الوَهْمُ حَوْلَ مُطَهَّرٍ *** مِنَ الرِّجْسِ فِي فَصْلٍ من القَوْلِ لا هَزْلِ؟

ومِثْلُ عليَّ هَلْ يَرُومُ دَنِيَّةً *** كفَى حاجِزاً عن مِثْلِها حاجِزُ العَقلِ

وَلَيْسَ يَشاءُ المُسْتَحِيلُ الّذي شَأى *** جَمِيعُ الوَرَى في العَقْلِ وَالفَضْلِ وَالنُّبْلِ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقّاً وَكانَ مُحَلَّلاً *** له كُلُّ ما قَدْ حَلَّ من ذاكَ للكُلِّ

فما كانَتِ الزَّهْرا ليُسْخِطَها الَّذي *** به اللَّهُ راضِ حاكِمٌ فيه بالعَدْلِ

وَلَا كَانَ خَيْرُ الخَلْقِ مَنْ لا يَهيجُهُ *** سِوَى غَضَبٍ للَّهِ يَغْضَبُ مِنْ جَهْلِ

وَلَيْسَ عَلِيٌّ حاشَ للَّهِ بالَّذي *** يَسُوءُ أَخاهُ أو يُسِيءُ إلى الأَهلِ

وَهَلْ ساءَ نَفْساً نَفْسُها وسُرُورُها؟ *** إذا سَرَّها مُرُّ المَساءَةِ مِنْ مَحْلِ(2)

وما ساءَ خيرُ النّاس غيرَ شِرارِهِمْ *** كَعِجْلِ بني (شرِّ) وصاحِبِهِ الرَّذْلِ

بهم سيئَتِ الزّهرا وَأوذِيَ أَحْمَدٌ *** وصِنْوْ النَّبِيَّ المُصْطَفَى خَاتَمِ الرَّسْلِ

ص: 288


1- سامتهما خسفاً: أذلّتهما.
2- محل: خديعة و كيّد.

إنی أن یقول:

و لاسيئَتِ الزَّهْرا ولا ابتُزَّ حَقُّها *** و لاَدُفِنَتْ سِرّاً بمُحْلَوْلَكِ الطَّفل(1)

و لا عُمِّيَ القَبْرُ الشَّرِيفُ وقُرَّبَ *** البَعِيدُ إلى الهادي وَبُوعِدَ بالأهْلِ(2)(3)

ص: 289


1- محلولك الطّفل: شدّة سواد الظلمة. و قد جاء في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص545 منقولة عن كتاب «كامل الزيارات» قريبة من هذا المعنى: «... وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقّها غصباً الذي تجعله لها و تضرب وهي حامل ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يحسها هوان وذلّ ثم لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب...». و في كتاب روضة الواعظين، ص168-169 ط الاولى (1986م) مؤسسة الأعلمي المطبوعات/بيروت.
2- «... ثم قالت: أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقّي فإِنهم عدوّي وعدو رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم و لاتترك أن يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهما السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصّه صلوا عليها و دفنوها في جوف الليل... و سوّى علي علیه السلام حواليها قبوراً مزَّورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها. و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايعرف موضعه...».
3- مستدرك أعيان الشيعة ج2 ص330 جاءت رداً على مروان بن أبي حفصة شاعر الرشيد و هي طويلة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(41) سحاب الدمع

(بحر الوافر)

السيد مرتضى السندي الحائري (*)(1)

سَحابُ الدَّمْعِ طابَ لَها الهُطُولُ *** وَ فِي الخَدَّيْنِ جَمَّلَها المَسِيلُ

وَقَدْ هَمَسَتْ بِصَوْتٍ فاطِمِيِّ *** بِأُذْن ما لَها أَبداً مَثِيلُ

أَمُحسِنُ يا بْنَ خَيْرِ النَّاسِ طُراً *** وَ يا فَرْعاً به تَزْهُو الأُصُول(2)

تَعَجَّلْتَ الشَّهادَةَ يا بْنَ طه *** وَتاجُ الفَوْزِ يَخْطَفُهُ العَجُولُ

وَلَمْ يُمْهِلُكَ مِسْمارُ الأَعادِي *** لِتُولَدَ في الدُّنا وبها تَجُولُ(3)

***

ورَغْمَ بَنِى ذَوِي الراياتِ دَوْماً *** دماؤُكَ يا بْنَ فاطِمَةٍ تَقُولُ

قَتَلْتُمْ يا شِرارَ الخَلْقِ قَهْراً *** حَبِيبَةَ أَحْمَدٍ وَهْيَ البَتُولُ(4)

كَسَرْتُمْ ضِلْعَها طَمَعاً بِدُنْيا *** سَجِيَّتُها الخِيانَةُ والحُؤولُ(5)

ص: 290


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- تزهو: تشرق-تزهر-تضيء-تفخر: تتكبّر.
3- الدنا: جمع الدنيا.
4- روي في كتاب ملتقى البحرين ص81 عن علّة وفاة فاطمة علیها السلام أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها «سلام الله عليها».
5- الحؤول: الاحتيال و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما أخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوّجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فصار بعضدها مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...

وَ أَسْقَطْتُمْ جَنِيناً مِنْ حَشاها *** وَدَمْعُ الحَقِّ رائِقُهُ هَمُولُ(1)

***

أَأَعْداءَ الحَقِيقَةِ ما عَسَى أَنْ *** تَقُولُوا يَوْمَ يَرْهَقُكُمْ ذُهُولُ؟

وَأَيُّ العُذْرِ يَنْفَعُ يَوْمَ حَشْرٍ *** وَمَنْ مِنْكُمْ سَيُهْنِيهِ المُثُولُ؟

هَتَكْتُمْ حُرْمَةَ الهادِي مُراراً *** وَما فاتَتْ دَناءَتَكُمْ ذُحُولُ

وَجَرَّأتُمْ بَنِي الدُّنْيا عَلَيْنا *** غَدَاةَ لِخَيْلِها قُرِعَتْ طُبُولُ

أَلا لُعِنَ الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْنَا *** وَفازَ المُؤمِنُ البَرُّ الوَصولُ

وَعاقِبَةُ الأمُورِ وَحَقِّ رَبِّي *** جِنانُ الخُلدِ يَسْكُنُها الأَصِيلُ

***

فيا بْنَ عَلِيَّ الكَرَّارِ، إِشْهَدْ *** عَلَى أَعْداءِ جَدِّكَ يا قَتِيلُ

فَقَدْ ظَهَرَتْ لأَعْداكُمْ حُماةٌ *** وَصارَ لِقاتِلِ الزَّهْرا قَبِيلُ

بِإسمِ الوَحْدَةِ الشَّوْها أشاعُوا *** البَلابِلَ إِذْ بَدا قالٌ وقِيلُ

وصارَ المؤمِنُ الباكِي عَلَيْكُمْ *** كَما وَصفَتْ عَمالَتُهُمْ عَمِيلُ(2)

أُحِلَّ حَرَامُ جَدِّكَ فِي *** فَتاوَى وحُرِّمَ ما بِهِ تَزْكُو العقُولُ

ص: 291


1- همول: فيّاض. جاء في كتاب إثبات الوصية ص123: قال المؤرخ المسعودي: و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً. و في كتاب اقبال الأعمال/ص623 و كتاب البحار/ج 100 ص199 ح20 ورد في زيارتها: تزار عند حجرة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لمن حضر هناك و الزيارة من أي مكان: السلام عليك أيتها المحدِّثة العليمة... اللهم صل على محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام... و صل على البتول الطاهرة الصدِّيقة المعصومة التقية النقية الرضية الزكية الرشيدة علیها السلام... المظلومة المقهورة... المغصوبة حقها... الممنوعة إرثها... المكسورة... ضلعها... المظلوم بعلها... المقتول ولدها... فاطمة علیها السلام بنت رسولك صلي الله علیه و آله و سلم و بضعة لحمه و صميم قلبه و فلذة كبده و النخبة منك له.
2- خبر صار و محله النصب فيكون في القصيدة إصراف و يمكن استبدالها بفعل ( عميل) و عندئذ يرفع المحذور.

فَلا تَغْفِرْ لَهُمْ فِئَنٌ أَتَوْها *** وأَفكارٌ يَسُرُّ بها دَخيلُ

أعَانُوا ظالِماً مِنْ بعدِ دَهْرٍ*** بِلاسَنَدٍ وَخانَهُمُ الدِّلِيلُ

فيا عِزِّ الأُباةِ فَدَتْكَ نَفْسِي *** وَنَفْسُ الكَوْنِ دُونَكُمُ قَلِيلُ

فَدَيْتُكَ يا بْنَ حَيْدرَ مِنْ شَهِيدٍ *** وَمَظْلُومٍ لَهُ حُزْنِي يَطُولُ

فَمِنْ ظُلْمِ الأوائِلِ نِلْتَ قِسْطاً *** وَمِنْ ظُلْمِ الأَواخِرِ ما يَهُولُ

***

يَعِزُّ عَلَى المُوالي أَنْ يَراكُمْ *** وَقَدْ غاصَتْ بقلبِكُمُ النُّصُولُ(1)

وَلا عَجَباً إذا مالَ الأَعادِي *** عَلَيْكُمْ أَوْ عَلا لَهُمُ صَهِيلُ

وَلَكِنَّ العَجِيبَ غَدَاةَ أَضْحَى *** سَلِيلُكُمُ لِخصمِكُمُ يَمِيلُ

وَباباً عِنْدَ عَتْبَتِها أُرِيقَتْ *** دماءُ الطُّهْرِ يُنْكِرُها خَلِيلُ

وَجدَّدَ دَعْوةَ الإنْكارِ مَنْ لَمْ *** تُهَذِّبْهُ الفَقاهَةُ والأُصُولُ

***

إلى مَنْ نَشْتَكِي ظُلْمَ ابْنِ وُدِّ *** يَشُكُّ بمِا رَواهُ جَبْرَئيلُ

عَزيزٌ أَنْتَ يا نَبْعَ المَعالي *** فَكَيْفَ يَطالُ مَجدَكُمُ ذَلِيلُ؟

فلا واللَّهِ أُقسِمُ لَستُ أَرْضَى *** تُداسُ لَكُم بَنِي الزَّهْرا ذُيُولُ

أُجرِّدُ صارِمي وَالكُلُّ يَدْرِي *** بِأَنَّ حُسامَ ناصِرِكُم صَغِيلُ(2)

وَأَحْطِمُ كُلَّ طَاغُوتٍ وَجِبْتٍ *** وَفَي ساحاتِ نُصْرَتِكُمْ أَصُولُ

ص: 292


1- النصول: السهام.
2- حسام: سيف. صقيل: أملس مجلوّ.

أَذُودُ عن الحَقِيقَةِ لا سِواها *** وَأَصْنَعُ في الهَوَى ما يَسْتَحِيلُ

وَأَبْذُلُ ما بِوُسْعِي في رِضاكُمْ *** رِضائِي حُبُّكُمْ والسَّلْسَبِيلُ

نَزَلْتُ بِحَیِّكُمْ يا آل طه *** أَما يَنْجُو بِحَيِّكُمُ النَّزِيْلُ؟

فيا سِبْطَ الرَّسُولِ وَحَسْبُ نَفْسِي *** مَوَدَّةً سادَتِي فَهْيَ السَّبيلُ

شَهِيدَ الحَقِّ فَاقْبَلْنِي نَصِيراً *** وَأُمْنِيَةُ النَّصِيرِ هِيَ القَبُولُ

ص: 293

(42) النبي صلي الله علیه و آله و سلم والدها

(بحر المنسرح)

منصور النمري(*)(1)

ص: 294


1- *هو منصور بن سلمة، بن الزبرقان، بن شريك، بن مطعم الكبش الرخم بن مالك النَّمَري من النمر بن قاسط من نزار. ذكر الزركلي في الأعلام أنه توفي سنة 190ه_ و ذكر غيره أنه توفي (سنة 193 هجرية). كنيته أبو الفضل الشاعر الجزري البغدادي. كان في الباطن محباً لأهل البيت علیهما السلام و يكثر مدحهم، ولكن في الظاهر كان مع هارون العباسي و يمدحه، ويظهر موالاته، و يذكر اسمه في أشعاره، و يريد به أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام التلميحاً منه إلى الحديث المشهور: أنت مني بمنزلة هارون من موسى فمما قاله في مدحه قوله: آل الرسول خيار الناس كلهم *** خیر آل رسول اللّه هارون رضیت حکمك لا أبغي به بدلاً *** لأن حكمك بالتوفيق مقرون و قال أيضاً: أي امرىء بات من هارون في سخط *** فليس بالصلوات الخمس ينتفع إن المكارم والمعروف أودية *** أحلَّك اللّه منها حيث يجتمع وذكر الشيخ عباس القمي في كتابه (الكنى والألقاب): وكان من أصحاب الباقر والصادق علیهما السلام، وعدَّه ابن قتيبة من رجال الشيعة، و ذكره ابن سعد في طبقاته في الجزء6 ص235 و قال: إنه عمش من البكاء خشية من الله «تعالى»، و كان له خرقة يجفف بها عينيه من الدموع، وزعموا أنه صام ستين و قامها. و كان منصور تلميذ العتابي و راويته، و عنه أخذ، و من بحره استقى، و العتابي و صفه للفضل بن يحيى، و قرّظه عنده حتى استقدمه من الجزيرة و استصحبه ثم وصله بالرشيد. قيل: و جرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة حتى تهاجيا و تناقضا، و اتفق أن غاب النمري عن مجلس هارون وخرج إلى الرقة، فسعى به العتابي عند هارون. و لما سم الرشيد قصيدته اللامية غضب غضباً شديداً، وأمر أبا عصمة - أحد قواده - أن يذهب من فوره إلى الرقة، ويأخذ منصور النمري ويقطع لسانه ويقتله ويبعث إليه برأسه، فلما وصل أبو عصمة إلى باب الرقة، رأى جنازة النمري خارجة منه، فعاد إلى الرشيد وأخبره بوفاة النمري فقال الرشيد : فألا إذ صادفته أحرقته بالنار!.

شاءٌ مِنَ النّاس راتِعٌ هامِلْ *** يُعَلِّلُونَ النُّفُوسَ بِالباطِلْ(1)

تُقْتَلُ ذُرِّيَّةُ النَّبِيَّ وَيَرْ *** جُونَ جِنانَ الخُلودِ لِلْقاتِلْ

وَيْلَكَ يا قاتِلَ الحُسَيْنِ لَقَد *** بُؤْتَ بِحِمْلٍ يَنُوءُ بالحامِلْ

أَيِّ حِباءٍ حَبَوْتَ أحْمَدَ في *** حُفْرَتِهِ مِنْ حَرارةِ الثّاكِلْ(2)

بأَيِّ وَجْهٍ تَلْقَى النَّبِيَّ وَقَدْ *** دَخَلْتَ في قَتْلِهِ مَعَ الدّاخِلْ

هَلُمَّ فَاطْلُبْ غَداً شَفاعَتَهُ *** أَوْ لا فَرِدْ حَوْضَهُ مَعَ النَّاهِلْ

ما الشَّكُّ عِنْدِي في كُفْرِ قاتِلِهِ *** لكِنَّني قَدْ أَشُكُّ في الخاذِلْ

نَفْسي فداءُ الحسينِ حِينَ غدا *** إلى المنايا غُدوَّ الأقافِلْ(3)

ذلكَ يَوْمٌ أَنْحَى بِشَفْرَتِهِ *** على سَنامِ الإسْلامِ وَالكاهِلْ(4)

حَتّى مَتَى أَنْتِ تَعْجَلينَ؟ أَلا *** تَنْزلُ بِالقَوْمِ نِقْمَةُ العاجِلْ

لا يَعْجَلُ اللَّهُ إِنْ عَجِلتِ وَمَا *** رَبُّكِ عَمّا تَرَينَ بالغَافِلْ

أَعاذِلي إِنَّنِي أُحِبُّ بَنِي *** أَحْمَدَ فَالتُّرْبُ في فَمِ العاذِلْ

قَدْ دِنْتُ ما دِينُكُمْ عَلَيْهِ فما *** رَجَعْتُ مِنْ دِينِكمْ إلى طائِلْ

جَفَوْتُمُ عِتْرَةَ النَّبِيِّ وَما الجافي *** لآلِ النُّبِيِّ كالواصِلْ

مَظْلُومَةٌ وَالنَّبِيُّ وَالِدُها *** تُدِيرُ أَرْجاءَ مُقْلَةِ حافِلْ(5)

ص: 295


1- راتع: مخصب لایعدم شیئاً يريده. هامل: متروك سُدى، أي مسيّبٌ ليلاً نهاراً.
2- حَباء: عطاء من غير جزاء.
3- الأقافل: الراجعون من السفر خاصّةً.
4- سَنام: ظهر.
5- في كتاب كشف الغمة؛ ج2 ص123 ط دار الكتاب الإسلامي/بيروت: «روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت فاطمة علیها السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في سكرات الموت، فانكبت عليه تبكي ففتح عينه أفاق، ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: يا بنية أنت المظلومة بعدي، وأنت المستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني ومن غاظك فقد غاظني و من سرّك فقد سرّني ومن برّك فقد برّني ومن جفاك فقد جفاني ومن وصلك فقد وصلني، و من قطعك فقد قطعني ومن أنصفك فقد أنصفني ومن ظلمك فقد ظلمني لأنك منّي و أنا منك وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبي. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتى.».

ألا مُصاليتَ يَغْضَبونَ لها *** بِسَلّةِ البِيْضِ وَ القَنا الذَّابِلْ(1)(2)

ص: 296


1- المصاليت: الشجعان الماضون إلى الحوائج.
2- أدب الطف، نقلاً عن الأغاني و مقاتل الطالبين و تاريخ بغداد.

(43) شفيعة يوم الحشر

(بحر الطويل)

السيد مهدي الأعرجي

تَبلَّجَ وَجْهُ الأرضِ حَزْناً على سَهْلِ *** بِمِيلادِ بِنْتِ المُصْطَفَى خاتَمِ الرُّسْلِ(1)

وَأَشْرَقَتِ الآفاقُ طُرّاً بِنُورِها *** كإشراقِ أَزْهارِ الرُّبَى عَقِبَ المَحْلِ(2)

وَمُذْ شَكَتِ الأَمْلاكُ لِلَّهِ ظُلْمَةً *** عَلَيْهِمْ كَأَمْثَالِ السَّحائِبِ تَسْتَوْلي

بَدا خَلْقُها نُوراً فَزَیَّنَ عَرْشَهُ *** بِهِ مِثْلَ تَزْيِينِ الفَتاةِ مِنَ العُظلِ(3)

وَكانَتْ مِنَ الفِرْدَوْسِ نُطْفَةُ فی نسائِها *** (بتُفّاحةٍ) طابَتْ لأحْمَدَ في الأَكْلِ

فَإِنْ أُمُّ (عيسى) فُضِّلَتْ في نسائِها *** فَفاطِمَةٌ خُصَّتْ عَلَى الكُلِّ في الفَضْلِ(4)

وَ قَدْ خَصَّها رَبُّ السَّمَا بِأَئِمَّةٍ *** غَطارِفَةٍ صِيدٍ جَحاجِحَةٍ تُبْلِ(5)

ص: 297


1- مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- تبلّج أشرق و أضاء حزناً، الحزْن من الأرض: ما غَلُظ وقلما يكون إلا مرتفعاً. و السَهْل: الأرض الممتدّة المستقيم سطحها.
3- العطل: نزع المرأة حليّها.
4- و قد ورد في فضلها على مريم وعلى جميع النساء ما جاء في كتاب البحار ج43 ص24 ضمن حديث طويل قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجت بيت اللّه الحرام و زكت مالها و أطاعت زوّجها و والت علياً بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين». فقيل: يا رسول اللّه صلی الله و علیه و آله وسلم أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم: «ذاك لمريم بنت عمران فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين» [سورة آل عمران الآية: 42]».
5- غطارفة: مفرده الغطريف وهو السخي أو السيد أو السري أو الحسن أو الشاب الطريف. الصيد: الأسود أو الرجال الذين يرفعون رؤوسهم تكبراً أو الملوك والمفرد الأصيد-الجحاجحة: مفردها الجحجح و الجحجاح و هو السيد المسارع إلى المكارم.

وَ أَسْماؤُها مِنْها (الزَّكِيَّةُ) حَيْثُ قَدْ *** زَكَتْ وَحَباها اللَّهُ في أَطْيَبِ النَّسْلِ

وَ(مَرْضِيّةٌ) حَيْثُ ارْتَضاهَا لِحَيْدَرٍ *** وَ(رَاضِيَةٌ) قالَتْ رَضِيتُ بِهِ بَعْلِي(1)

وَ (فاطِمَةٌ) إِذْ فاطَمَ مَنْ أَحبَّها *** بها اللَّهُ مِنْ نارٍ غَدا حَرُّها يَصْلِي(2)

(مُحَدِّثَةٌ) كَانَتْ تُحَدِّثُ أُمَّها *** وَ تُؤْنِسُها عَنْ وَحْشَةٍ مُدَّةَ الحَمْلِ(3)

(مُحَدِّثَةٌ) إِذْ بعدَ وَالِدِها غَدَتْ *** مَلائِكَةُ اللَّهِ الحَدِيثَ لَها تُمْلى(4)

وَمِنْها (بَتُولٌ) إِنْ أَرَدْتَ بَيانَها *** فَدُونَكَ راجِعْ باحِثاً لَفْظَةَ البَتْلِ (5)

وَ(زَهراءُ) كانَتْ إِذْ تَقومُ لربّها *** تُضيءُ وَمِنْها النُّورُ لِلأُفْق يَسْتَعْلِي (6)

ص: 298


1- لعل ما روي في كتاب الدر المنثور ج8 ص543 في سورة الضحى يشير إلى بعض ذلک حيث روى دخل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «على فاطمة علیها السلام وهي تطحن بالْرحى و عليها كساء من حملة الابل»، فلما نظر إليها قال: «يا فاطمة علیها السلام تعجّلي فتجرّعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً». فأنزل اللّه «ولسوف يعطيك ربك فترضى».
2- يصلي قاسى حرَّها أو احترق بها وفي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص16: إنما سمّيت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن اللّه فطمها وفطم محبّيها عن النار.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص44: قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم:« أتاني جبرئيل بتفاحة من الجنة، فأكلتها، و واقعت خديجة سلام الله علیها، فحملت بفاطمة علیها السلام» فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً، فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 43 ص78 : إنما سمَّيت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: «يا مريم إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين» يا فاطمة علیها السلام «يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين» (إشارة إلى الآية 42 و 43 من سورة آل عمران). فتحدّثهم ويحدّثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، و إن اللّه جعلك سيدة نساء عالمكِ و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين.
5- البتل: البتل هو القطع. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن العلامة الكشفي الحنفي في المناقب المرتضوية ص119: سمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتّلت وتقطّعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، و لأنها ترجع كل ليلة بكراً. و سمَّيت مريم بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً.
6- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج40 ص44: في حديث طويل عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: ثم أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى اللّه «تعالى» أن يكشف عنهم الظلمة، فكلّم اللّه «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش، فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمَّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السماوات...

وَ فِي خَبَرٍ كانَتْ نِسا أهْلِ (يَثْرِبٍ) *** عَلى نورِها في اللّيْلِ تَشْرَعُ بالغَزْلِ

(شَفِيعَةُ) يَوْمِ الحَشْرِ أَرْجُو بِمَدْحِها *** غَداً مَحْوَما أَجْنِيهِ مِنْ سَیّيءِ الفِعْلِ (1)

وَ(حَانِيَةٌ) أَحْنَتْ على الطُّهْرِ بَعْلَها *** وَحامَتْهُ لمّا قادَهُ (القَوْمُ) بِالحَبْل

بِنَفْسِي وَأهْلِي أَفْتدِيها وَلَمْ أَكُنْ *** أغالي وَمَنْ نَفْسِي تَكُونُ ومَنْ أَهْلِي؟

فَوَاللَّهِ لا أَنْسَى (الصَّهاكِيَّ) إِذ أَتى *** إلى دارِها مَعْ كُلِّ جِلْفٍ لَهُ رَذْل(2)(3)

ص: 299


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص65: في حديث طويل قال أبو جعفر علیه السلام: واللّه يا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديَّ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي اللّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا فيقول اللّه «عز وجل» يا أحبّائي ما التفاتكم و قد شفَّعت فيكم فاطمة علیها السلام بنت حبيبي صلي الله علیه و آله و سلم؟ الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الملل والنحل ج1 ص57: قال الشهرستاني: قال إبراهيم بن سيّار بن هانىء النّظام: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، و كان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
3- عن كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص213.

(44) و للزهراء علیها اسللام ذكر لايزول

(بحر الوافر)

الشيخ ناصر الحائري (*)(1)

تَمِيدُ الرّاسِياتُ وَقَدْ تَزُولُ *** وَلِلزَّهْراءِ ذِكْرٌ لا يَزُولُ

هِيَ الزَّهْراءُ تَزْهَرُ كُلَّ حِينٍ *** بِنُورٍ فِيهِ يَنْعَدِمُ المَثِيلُ(2)

ص: 300


1- (*)هو الشيخ ناصر بن رضا بن نصر اللّه الحائري. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1965م) الموافق 9/ رمضان/(1385ه) نشأ وتربى في ظل أسرته وتحت رعاية والديه الصالحين فتأثَّر بإيمانهم وحسن أخلاقهم فكوَّنوا منه إنساناً فاضلاً نبيلاً. وكان من صغره متشوِّقاً لطلب العلم والفضيلة فابتدأ دراسته في مدارس كربلاء الابتدائية والمتوسطة؛ وفي سنة (1980م) هاجر مع والديه إلى إيران، فالتحق بالحوزة العلمية في مدينة قم متوجهاً إلى الدراسة الحوزوية فتتلمذ عند أشهر علمائها ومدرسيها أمثال العلامة الشيخ أحمد الباباني والعلامة الاعتمادي والعلامة الشيخ الوجداني والعلامة المدرس الأفغاني، ثم أخذ يحضر دروس الخارج عند آية الله السيد صادق الشيرازي وآية الله الشيخ حسين الوحيد الخراساني وغيرهما من العلماء. والمترجَم له عَشِقَ الخطابة منذ صغره فكان يتدرب على المنبر والخطابة وفي سنة (1403ه_) تربَّع على أعواد المنبر الحسيني بكل جدارة وكفاءة في مختلف المناسبات الدينية، فكانت له جولات في عدد من البلاد لأداء رسالته التبليغية فرقى المنبر في الكويت والإمارات وسورية ولبنان وإيران، فذاع صيته واشتهر ذكره. والمترجَم له كان محبّاً للشعر فابتدأ بقرضه سنة (1410ه) فهو مقلِّ في هذا الفن. ومن مؤلفاته: 1-حوار عن الإمام المهدي علیه السلام 2- صور عن حكومة النبي صلی الله علیه و آله وسلم والإمام علي علیه السلام 3- الإمام علي علیه السلام وريث الأنبياء. وغير ذلك من المصنفات. و لا يزال قائماً بدوره الخطابي نرجو الله له التوفيق والسداد.
2- في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ح5 عن أبي عبد اللّه علیه السلام حين سئل: لماذا سمَّيت فاطمة بالزهراء علیها السلام؟ قال: لأن اللّه «عز وجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة. و في ح6 من المصدر نفسه عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: سمَّيت زهراء علیها السلام لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض.

فَمِنْها تَكْتَسِي الأفْلاكُ نُوراً *** وَمِنْها يُشْرِقُ القَمَرُ الجَمِيلُ

إذا كانَ النَّبِيُ لنا وجوداً *** فقطبُ رحَى الوجود هي البتولُ

لَئِنْ رَضِيَتْ فَإنّ اللَّهَ يَرْضَى *** وَإِنْ غَضِبَتْ لها غَضِبَ الجَلِيلُ(1)

أبُوها مِحْوَرٌ لِلْكَوْنِ نُورٌ *** وَهَذِي بِنْتُه أُمِّ أُصُولُ

تُحاكِي إِنْ مَشَتْ طهَ أبَاها *** وَتَفْرِغُ عَنْ أَبِيها إِذْ تَقُولُ(2)

مَتَى نَظَرَ الوَصِيُّ لِوَجْنَتَيْها *** تَجَلَّى فِي مُحَيّاها الرَّسُولُ

يُخاطِبُهُ ألا يا خَيْرَ تالٍ *** إِلَيْكَ وَدِيعَنِي أَنْتَ الكَفِيلُ(3)

ص: 301


1- في فرائد السمطين، ج2 ص66 قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن اللّه «عز وجل» يغضب لغضب فاطمة علیها السلام ويرضى لرضاها».
2- في الأدب المفرد للبخاري، ص244: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً من الناس أشبه بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم كلاماً و لاحديثاً و لاجلسة من فاطمة علیها السلام... و في مرآة الجنان لليافعي، ص6: و كانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم رحّشب بها و كانت أشبه الناس بأبيها في مشيتها و حديثها.
3- في تفسير فرات الكوفي، ص464 قال: لما أن مرض النبي صلی الله علیه و آله وسلم المرض الذي قبضه اللّه فيه دخلت عليه فاطمة الزهراء علیها السلام فلما رأت ما به خنقتها العبرة حتى فاضت دموعها على خديها فلما أن رآها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال:«ما يبكيك يا بنية؟» قالت: و كيف لاأبكى و أنا أرى ما بك من الضعف فما لنا بعدك يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم؟ قال لها: «لكم اللّه فتوكلي عليه و اصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء و أمهاتك من أزواجهم». و في أمالي الصدوق ص116 ح4: قال جابر بن عبد اللّه : سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم يقول لعلي بن أبي طالب قبل موته بثلاث: «سلام عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي في الدنيا فعن قليل ينهد ركناك واللّه خليفتي علیک».

وَإنْ في قَلْبِهِ ازْدَحَمَتْ هُمُومٌ *** تأمَّل وَجْهَها فَغَدَتْ تَزُولُ

فَوَاعَجَبا لِقَوْمِ مُذأَتَوْها *** وَقَدْ قامَتْ بِهِم تِلْكَ الذُّحُول

وَنادَتْ فِيهمُ يَا قَوْمَ طةَ *** أهَذَا ما بِهِ أوْصى الجليل؟

أَلَسْتُ وَدِيعَةَ المُخْتارِ فِيكُمْ *** أهَذا ما بِهِ يُجْزَى الجَمِيلُ(1)؟

فَبَيْنَا كانَتِ الزَّهْرَاءُ حَيْرَى *** عَلَيْهَا عُنْوَةً هَجَمَ القَبِيلُ

وَخَلْفَ البابِ خَطْبٌ ما عَساني *** بِدَاهِيةٍ جَرَتْ مَاذَا أَقُولُ؟

عَلَيْها أَطْبَقُوا باباً وَمِنْها *** جَنيناً أَسْقَطُوا وَبَدا العَوِيلُ

فَنادَتْ يا رَسُولَ اللَّهِ تَرْضَى *** عَلى بَيْتِ الهُدَى هَجَمَ الرَّعِيلُ؟(2)

جَنِينِي أَسْقَطُوا صَدْرِي أَعَابُوا *** وَمَتْنِي سَوَّدُوا دَمْعِي هَطُولُ

وَلَوْلاَ ضِلْعُها ما كانَ صَدْرٌ *** بِوادِي الطَّفِّ رَضَّتْهُ الخُيُولُ

وَلَوْلا طِفْلُها ما كانَ طِفْلٌ *** بِيَوْمِ الطَّفِّ مَذْبُوحٌ قَتِيلُ

وَمُذْ قَادُوا عَلِيّاً في نِجادٍ *** سُبِينَ الطُّهرُ وَانْقَادَ العَلِيلُ

ص: 302


1- في الاحتجاج للطبري، ج1 ص132. أما كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أبي يقول «المرء يُحفظ في ولده» سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا أهاله... و قالت في خطبتها أيضاً: وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع و قبسة العجلان تشربون الطرق و تقتاتون القد و الورق أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم اللّه بمحمد صلی الله علیه و آله وسلم بعد اللتيا والتي بعد أن منّي بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب...
2- في هذه الأبيات إشارة إلى ما جرى على الزهراء علیها السلام من خطوب وآلام أنظر: الوافي بالوفيات/ج5 ص347. إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها. وفي مرآة العقول/ج5 ص320: فلما أخرجوه «علي علیه السلام» حالت فاطمة علیها السلام بين زوّجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها. و في مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية، ص37. لما جاءت فاطمة علیه السلام خلف الباب لترد عمر وحزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط والباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

(45) زهراء علیها السلام يا ألق المعاني

(بحر الوافر)

الشيخ نزار سنبل(*)(1)

قوافي الشعرِ تسبقني عُجالى *** وترقصُ في مخيّلتي دلالا

تطيرُ إلى معانقةِ المعاني *** فتبرزُ كالسراجِ إذا تلالا

و شلالُ الشُّعورِ إذا تهادى *** يضيءُ لفرحةِ الهادي احتفالا

فسوسنةُ الجنانِ تفوحُ عطراً *** و تنشرُ في الدُنا أرجا زَلالا

ترانيمُ الملائكِ وهي جذلى *** و تغريدُ الثغورِ إذا تعالى

تبثُ الوحيَّ في شفتَيَّ شعراً *** و ألحاناً تشفُ لها اختيالا

فما غنّت طيورُ الأيكِ إلاّ *** لتسكبَ من فضائِلِها الخصالا

وما عطرتْ زهورُ الروض حُسناً *** تعبَّقُ منه أخيلةٌ ثمالي

و ما بزغتْ خيوطُ الفجر إلاّ *** و نورُ الطهرِ يكسُوها الجمالا

أيا زهراءُ يا ألقَ المعاني *** و يا فجراً تبلّجَ واستطالا

ص: 303


1- (*)هو الفاضل و الشاعر الشيخ نزار بن محمد شوقي بن عبد الرزاق بن الشيخ بدر آل سنبل: ولد سنة (1385 ه_) في الجش إحدى بلاد القطيف، التحق بالحوزة العلمية بعد إنهائه شطراً من الدراسة الأكاديمية سنة (1401 ه_)، و درس في القطيف والنجف الأشرف وأخيراً في قم المقدسة حيث يحضر الآن البحث الخارج، ومن نتاجه الأدبي: 1-(ديوان شعر). 2-(أهل البيت، في الشعر القطيفي المعاصر). 3- (عندما يُرفع الستار): رواية عقائدية، كما نُشرت له بعض القصائد في مجلتي الموسم والتوحيد، و من نتاجه العلمي: تقرير بحث الخارج فقهاً وأصولاً لبعض الأساتذة الأعلام، وله أيضاً مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية.

ويا إشراقةَ التاريخ نالتْ *** بها الأيامُ أوسمةً تلالا

نشرتِ الهديَ في الآفاق نوراً *** تسلسلَ في الزمانِ رؤى جذالا

و يا نبعاً تحفُّ به ورودٌ *** و يملأُ كلَّ جادبةٍ ظلالا

و يا أُمّاً لوالدها المصفَّى *** و ذا سرّ عرفت به الجلالا

حملتِ العبءَ من صغرٍ وناغت *** على كفيك أنغام حُبالي

فتحتِ القلب إذ ضاقت رحابٌ *** فلا سهلاً يضمُ ولا جِبالا

فرشتِ الكون في عينيه زهرا *** وكنت الأُمّ تمنحهُ الدلالا

فلا عجبٌ إذا غنّت سماءٌ *** ترتِّلَ من مناقبها مقالا

فما خلقَ الإلهُ لها مثيلاً *** وماعرفَ الزمانُ لها مثالا

وكم أنثى تطوفُ إلى المعالي *** وتسبقُ في مساعيها الرِّجالا

يقولُ الناصبيُّ نطقتَ هجراً *** و ذاك الرافضي هذى وغالى

وجرّد من ضغائنهِ حُساما *** و سدّد حقدهُ الغاوي نبالا

تخبّطَ في الظلام عمًى وتيهاً *** وصالَ بفكرهِ الخاوي وَجالا

وزمجرَ والغُرورُ له سلاحٌ *** وما عرفَ القراعَ ولا النِّزالا

و ذنبي أنّني أهوى عليّاً *** وأني قد عشقتُ به الكمالا

وسيري في هدى القرآن ذنبٌ *** عظیمُ استحق به القتالا

أإيماني وتوحيدي وحبّي *** لآل البيتِ يجعلُكُم خَبالي؟!

أليسَ اللّه كلّلهُمْ بتاجٍ *** تقدّس في الورى وعلا وطالا؟

فذي (القربى) و ذي (الإنسان) تحكي *** و ذي (التطهيرُ) تتحفُهم نوالا

أحاديثُ الرسول غدت توالى *** و أقوالُ الصَّحابِ بدتْ سِجالا

أزيلُوا عن عيونِكُمُ غشاها *** فلا بدراً تَرَوْنَ ولا هلالا

سأبقى ما حييتُ على هداهم *** وأنعمُ في جحيمِ الحبّ بالا

فلي وعيٌ يساندهُ دلیلٌ *** فلا شكاً أقولُ ولا احتمالا

ص: 304

وإن سدَّت دروبٌ في وجوهٍ *** ولكنَّ الحياةَ لمن توالى

أيا تفاحةَ الفردوسِ مُدّي *** إلينا المجدَ نقتطفُ الكَمالا

فقدتهنا وأُفقُ البحرِ صفوٌ *** و لم يدَع الضبابُ لنا مجالا

فهبِّي من نسيمِ الخلد روحاً *** لتبعثَ مايعزُّ لنا منالا

ص: 305

(46) أُمُّ القطَاءِ

(بحر الخفيف)

السيد هاشم حسين الموسوي

قَدْ وَفَدْتِ التَّارِيخَ فَهْوَ أَثِيلُ *** وَحَمَيْتِ الإِيْمَانَ فَهْوَ جَمِيلُ(1)

أَنْتِ مَنْ أَنْتِ؟ فَلْتَةُ دَهْرٍ *** مَالَهَا فِي العُصُورِ نَةٌّ مَثِيلُ

أَنْتِ مِنْ جَنَّةِ الخُلْدِ حَوْرَاءٌ *** عَلَى الْأَرْضِ عَاشَتْ فَمَارَعَاهَا الجَهُولُ(2)

أَنْتِ كُلُّ العَطَاءِ يَا بِنْتَ طَةَ *** أَنْتِ نُورُ الهُدَى وَ أَصْلٌ أَصِيلُ

فُقْتِ فِي الفَضْلِ كُلِّ ذَاتِ سِوَارٍ *** خَصَّكِ اللَّهُ دُونَهُمْ يَا بَتُولُ(3)

مِنْ أَبُوهُ مُحَمَّدٌ لَيْسَ تَرْقَى *** نحْوَهُ فِي الكَمَالِ يَوْماً أُصُولُ

اءَ جِبْرِيلُ كَيْ يَنَالَ مَقَاماً *** عِنْدَهُمْ فِي الكِسَاءِ وَهْوَ مَثِيلُ (4)

طَلَبَ الإِذْنَ بِالدُّخُولِ وَ هَذَا *** شَرَفٌ قَدْ سَمَا بِهِ جِبْرَئِيلُ

ص: 306


1- الأثيل المتأصل في الشرف.
2- الجهول:كثير الجهل.
3- كلَّ ذات سوار: كناية عن كل النساء. و في لسان العرب، مادة بتل. قال ابن منظور: سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة علیها السلام لمَ قيل لها: البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها و نساء الأمة عفافاً و فضلاً و ديناً و حسباً. و قيل لانقطاعها عن الدنيا إلى اللّه «عز وجل». و قيل: تبتل خلقها: انفراد كل شيء عنها بحسنه لايتكل بعضه على بعض.
4- في ذخائر العقبي ص24: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت «إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهَّركم تطهيراً» [سورة الأحزاب الآية: 33]. في خمسة: في رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهما السلام.

فَاطِمُ حَازَتِ المَفَاخِرَ طَرّاً *** وَهْوَ سَبْقٌ يُحِلُّهُ التَّنْزِيلُ(1)

فَهْيَ أُمُّ العَطَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ *** وَهْيَ بِنْتُ القُرْآنِ أَمْرٌ جَلِيلُ

قَدْ تَرَبَّتْ بِحِجْر أَعْظَمِ مَوْلًى *** وَلَهَا مِنْهُ صَبْرُهُ المُسْتَطِيلُ

وَرِثَتْ مِنْهُ كُلَّ وَصْفٍ جَمِيلٍ *** إِنَّ كُلَّ الأَوْصَافِ مِنْهُ جَمِيلُ

وَلَقَدْ صَاغَهَا الجَلِيلُ كَمَالاً *** قُدْوَةً لِلْوَرَى وَعَزَّ الجَلِيلُ

زَوْجُهَا المُرْتَضَى عَلِيُّ المَعَالِي *** لَيْسَ تَرْقَى إِلَى سَمَاهُ الفَحُولُ

هُوَ نَفْسُ النَّبِيَّ فِي نَصِّ آي *** أَيْنَ مِنْهُ زَعَانِفٌ وَذُيُولُ

وَهْوَ عِدْلُ الكِتَابِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ *** فَمَتَى يَفْهَمُ الغَوِيُّ الجَهُولُ؟(2)

وَبَنُوهَا عَلَى العُصُورِ نُجُومٌ *** تَتَلألأ فَمَا هُنَاكَ أُفُولُ

كُلَّمَا أَظْهَرَ الزَّمَانُ نَجِيباً *** فَهُوَمِنْ فَاطِمِ المَعَالِي سَلِيلُ

عَرَفَ الدَّهْرُ مُعْجِزَاتِ اللَّيَالِي *** مِنْ بَنِيهَا تَحَارُ فِيهِ العُقولُ

فَهُمْ قَادَةُ الزَّمَانِ وَمِنْهُمُ *** شَعَّ فِي الأَرْضِ مَوْطِنٌ وَقَبِيلُ

وَهُمْ قَادَةُ الكِفَاحِ وَعَنْهُمْ *** شَقَّ دَرْبَ الجِهَادِ وَاعٍ نَبِيلُ

وَهُمْ مَعْدِنُ الكِتَابِ وَعَنْهُمْ *** يُؤْثَرُ النَّفْسِيرُ وَالتَّأْوِيلُ

وَهُمْ مَصْدَرُ العُلُومِ وَمِنْهُمْ *** أَنْهُرُ النُّورِ فِي البِلادِ تَسِيلُ

يَرْتَوِي العِلْمَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَهُمٍ *** مِنْ مَعِينٍ كَأَنَّهُ السَلْسَبِيلُ(3)

وَبِهِمْ يَبْلُغُ الشَّفَاءَ يَؤوسٌ *** وَبِهِمْ يَبْلُغُ العُلاَ بُهلُولُ(4)

وَ بِهِمْ تُرفَعُ الشَّدَائِدُ حَتْماً *** فَهُمْ عِصْمَةٌ وَظِلٌّ ظَلِيلٌ

وَ بِهِمْ يَهْتَدِي التُّقَاةُ لِمُنجًى *** يَوْمَ لايَنْفَعُ العُصَاةَ سَبِيلُ

ص: 307


1- حازت: حاز الشيء: ضمَّه و جمعه، حصل عليه.
2- الغويُّ: الضّال المضَلَّل المخدوع بالباطل.
3- المعين: الماء الجاري.
4- بُهْلول: السيد الجامع لكل خير جمعها (بها ليل).

وَ لَدَيْهِمْ لِكُلِّ سُؤَالٍ جَوَابٌ *** وَ عَلَيْهِ مِنَ الكِتَابِ الدَّلِيلُ

أفْحَمُوا كُلَّ مُلْحِدٍ وَعَنِيدٍ *** بِوَجِيزِ كَأَنَّهُ التَّفْصِيلُ

فَهُمْ سَادَةُ البَلاغَةِ عَنْهُمْ *** يُؤْثَرُ الحُسْنُ وَالبَيَانُ الجَمِيلُ

بِاقْتِضَابٍ مِنْ قَوْلِهِمْ يُعْرَفُ *** اللَّهُ وَالهُدَى وَالرَّسُولُ

وَقَفُوا يَدْرَؤُونَ كَيْدَ الأَعادِي *** بِقُلُوبٍ لاَ يَعْتَرِيهَا الذُّبُولُ

دَفَعُوا كُلَّ شُبْهَةٍ وَانْحِرَافٍ *** يَوْمَ عَادَى الإِسْلاَمَ فِكْرٌ عَلِيلٌ(1)

مَا تَوَانَوْا عَنْ مَوْقِفِ الحَقِّ يَوْماً *** وَهُمْ مِقْوَلٌ وَسَيْفٌ صَقِيلُ

كُلَّمَا لاَحَ فِي المَطَالِعِ نَجْمٌ *** قِيلَ هَذَا قَدْ أَنْجَبَتْهُ البَتُولُ(2)

غَمَرَ الأَرْضَ بِالمَكَارِمِ حَتَّى *** مَلأَ الحَافِقِيْنَ مِنْهُ القَلِيلُ

وَسَيَبْقَى أَبْنَاءُ فَاطِمٍ حُصْناً *** لَيْسَ يَقْوَىٰ عَلَيْهِ بَاغٍ ذَلِيلُ

لَهُمُ المَجْدُ والمَسِيرَةُ حَتَّى *** يَبْسُطَ العَدلَ غَائِبٌ مَأْمُولُ

ص: 308


1- عليل: يريد به السقيم المريض.
2- لاح: بدا وظهر.

قافية الميم

اشارة

ص: 309

ص: 310

(1) البتول لها سلام

(بحر الوافر)

الشيخ إبراهيم البلادي (*)(1)

بَدَأْتُ بِحَمْدِ مَنْ خَلَقَ الأَنَاما *** وَ أَشْكُرُهُ عَلَى النَّعْمَا دَوَاما

هُوَ المَوْجُودُ خَالِقُنَا وُجُوباً *** وَ لَمْ أُثْبِتْ لِمُوجِدِنَا انْعِداما

لَقَدْ خَلَقَ الوَرَى إِظْهَارَ كَنْزِ *** تَسَتَرَ فَاسْتَفَضَّ لَهُ الخِتَاما(2)

أصولٌ خَمْسَةٌ لِلدِّينِ مِنْهَا *** لَهُ العَدْلُ الَّذِي فِي الحُكْمِ دَامَا

ص: 311


1- (*) هو الشيخ إبراهيم ابن العلامة الشيخ علي بن الحسن ابن الشيخ يوسف بن الحسن البلادي. ينسب هو وآباؤه إلى البلاد القديم القرية البحرانية الشهيرة ذات العراقة في العلم و رئاسة البلاد في العصور المتأخرة. و أسرة (البلادي) أسرة علمية عريقة أنجبت الكثير من العلماء و الأدباء، و قد ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة ما لفظه (و والده العلامة المعاصر للشيخ سليمان الماحوزي المتوفى سنة 1121 ه_ وجده الأعلى (الشيخ يوسف بن الحسن) معاصر للشيخ الحرّ ترجمه في (أمل الآمل) وجده الأدنى (الشيخ حسن بن يوسف) أيضاً من الفضلاء كما ذكره في اللؤلؤة. و للمترجَم له آثار علمية منها: 1- منظومة في أصول الدين بعنوان (الاقتباس والتضمين من كتاب الله المبين في إثبات عقائد الدين). 2- ديوان كبير بعنوان (جامع الرياض) في مدح الرسول صلي الله علیه و آله و سلم وآله الأطهار علیهم السلام و هو يشتمل على (14) روضة بعدد المعصومين علیهم السلام. و لم نقف للشاعر البلادي على تاريخ لولادته و وفاته إلا أنه كان حياً في سنة (1150 ه_)، والله العالم.
2- إشارة إلى الحديث القدسي الدائر على الألسن: كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف.

وَ ثَانِي الخَمْسَةِ التَّوْحِيدُ فِيهِ *** وَ نَفْيْ شَريكهِ أَبَداً دَواما

وَ ثَالِتُهَا النُّبُوَّةُ وَ هْيَ لُطفٌ *** عَظِيمٌ دَائِم عَمَّ الأَناما

وَ رَابِعُها الإمامَهُ وَ هْيَ لُطفٌ *** مِنَ البَارِي بِهِ الدِّينُ اسْتَقَاما

وَ خَامِسُها المَعَادُ لِكُلِّ جِسْمٍ *** وَ رُوحِ وَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَامَا

وَ إِنَّ إِلْهَنا فِي الحُكْم عَدْلُ *** يُخَاصِمُ كُلَّ مَنْ ظَلَمَ الإماما

وَ إِنَّ النَّارَ وَ الجَنَّاتِ حَقٌّ *** عَلَى رَغْم الَّذِي جَحَدَ القِيَاما(1)

وَ إِنَّ المُؤْمِنِينَ لَهُمْ جِنَانٌ *** وَ نَارُ الكَافِرِينَ عَلَتْ ضِراما(2)

وَ إِنَّ الرُّسُلَ أَوَّلُهُمْ أَبُوهُمْ *** وَ ذَلِكَ آدم خصَّوا السَّلاما

وَ أَفْضَلُهُمْ أُولُوالعَزمِ الأَجِلاً *** وَ مَنْ عَرَفُوا لِرَبِّهِمُ المَقَاما

وَ هُمْ نُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ مُوسَى *** وَ عِيسَى وَ الأَمِينُ أَتَى خِتَاما

مُحَمَّدُ هُمْ وَ أَحْمَدُ هُمْ تَعَالاً *** وَ أَعْلاهُمْ وَ قاراً وَ احْتِشاما(3)

فَأَشْهَدُ مُخْلِصاً أَنْ لاإلهَ *** سِوَى اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الأَنَاما

وَ أَنَّ مُحَمَّداً لِلنَّاسِ مِنْهُ *** نَبِيٌّ مُرْسَلٌ بِالأَمْرِ قَامَا

وَ أَشْهَدَ أَنَّهُ وَلَّى عَلِيًّا *** وَلِيَّ اللَّهِ لِلدِّين اهْتِمَاما(4)

ص: 312


1- جَحَد القياما: أنكر يوم القيامة.
2- خراماً: اضطراماً و اتقاداً.
3- احتشاماً: حياءً أو أدباً.
4- من طرائف ما ورد في كتاب الفصول المختارة من العيون و المحاسن، ص9: التقى هشام بن الحكم -و هو تلميذ بارع من تلاميذ الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام التقى بضرار بن عمرو الضبي في دار يحيى بن خالد البرمكي و دار بينهما حوار ساخن في إمامة علي أميرالمؤمنين علیه السلام و ولايته فأقبل هشام على ضرار يسأله قائلاً: يا أبا عمر و أخبرني على ما تجب الولاية و البراءة أعلى الظاهر أم على الباطن؟... قال: بل على الظاهر فإن الباطن لايدرك إلا بالوحي. قال هشام: صدقت فأخبرني الآن أي الرجلين كان أذبّ عن وجه رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم بالسيف و أقتل لأعداء الله بين يديه و أكثر إيثاراً في الجهاد أعليٌّ بن أبي طالب علیه السلام أم أبوبكر؟ فقال ضرار بل علي بن أبي طالب علیه السلام ولكن أبابكر أشد يقيناً. فقال هشام: هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه و قد اعترفت لعلي علیه السلام بظاهر عمله من الولاية و أنه يستحق بها الولاية ما لم یجب لأبی بکر به. فقال ضرار: هذا هو الظاهر نعم. قال له هشام: أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لايدفع؟ فقال له ضرار: بلى-فقال هشام: ألست تعلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى؟» قال ضرار: نعم. قال هشام: أفيجوز أن يقول هذا القول إلا و عنده في الباطن مؤمن؟ قال: لا. قال هشام: فقد صحَّ لعلي علیه السلام ظاهره و باطنه و لم يصح لصاحبك لاظاهر و لاباطن و الحمدللّه.

وَ صَیّرَهُ الخَلِيفَةَ يَوْمَ «خُمُ» *** بِأَمْرِ اللَّهِ عَهْداً وَ الْتِزَاما

وَ نَصَّ عَلَى الأَئِمَّةِ مِنْ بَنِيهِ *** هُنَاكَ عَلَى المَنَابِرِ حِينَ قَاما

فَأَخَاهُ النَّبِيُّ وَ فِي البَرَايا *** بحُكْمِ اللَّهِ صَيَّرَهُ إِمَاما

وَ عَظَمَهُ وَ لَقَّبَهُ بِوَحْي *** أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ فَلَنْ يَرَاما

وَ زَوَّجَهُ البَتُولَ لَهَا سَلاَمٌ *** مِنَ اللَّهِ الوُصُولَ وَ لَاانْصِراما

فَكَانَ لَهَا الفَتَى كُفُواً كَريماً *** فَأَوْلَدَهَا أَيْمَّتَنَا الكِرَاما(1)(2)

ص: 313


1- في هذين البيتين إشارة إلى تزويج الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم فاطمة الزهراء علیها السلام للإمام علي علیه السلام و كون الإمام كفؤاً لها و لولاه لما كان لها كفؤ انظر ما ورد في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين علي الطبري ص32 و كتاب كنز العمال ج13 ص683 ح37753 وكتاب مجمع الزوائد و منبع الفوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207، و کتاب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ص124. و كتاب البحار ج43 ص97 و 98 و 145. و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص350 نقلاً عن مصباح الأنوار و المختصر و كتاب ينابيع المودة ج1 ص208. و كتاب فردوس الأخبار للديلمي ج3 ص418 و كتاب عوالم العلوم ج1 ص372 عن كتاب الكافي ج1 ص461 ح10 و التهذيب ج7 ص470 ح90. و الفقيه ج3 ص393 ح4383.
2- الغدير ج1 ص383.

(2) نور فاطمة علیها السلام

(بحر الرمل)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبوزكي)

أَزْهَرَ الكَوْنُ بِنورِ الفاطِمَة *** وَ تَبَدَّتْ ظُلُماتٌ قاتِمَة(1)

وَ ثَوى الغُفْرانُ مِنْ رَبِّ السَّما *** في نُفوسِ الْخَلْقِ تِلْكَ الأَئِمَة

وَالتَهاني مِنْ سَماواتِ العُلى *** تَمْلأُ الآفاق شَوْقاً هائِمَة

وَ تَهادى مَوْكِبُ النورِ بها *** وَ تَوالَتْ قَبَات عارِمَة

تَطْرُدُ الشَيْطَانَ مِنْ أَرْوَاحٍ مَنْ *** حُبُّهُمْ فيها عدا الناسِ سِمَة

شايَعوها وَ أَباها مِثْلَما *** بَعْلَها وَ النَّسْلَ مِنْها الكاظِمَة

فَرِضاها مِنْ رِضا خالِقِنا *** وَ هَواها في النفوسِ الْحالِمَة

وَ لِمَنْ يُغْضِبُها مُحْضَرَةٌ *** نارُ جَبّارِ السَماءِ الْحَاطِمَة(2)

وَ هيَ أُمّ لأبيها فُدِيَتْ *** بِجَمِيعِ الْخَلْقِ طراً سالِمَة

وَ هيَ سِرُّ أَقْدَسٌ مُسْتَوْدَعُ *** روحُ رَبِّي لمداها عالِمَة

كَبَّرَ الأَمْلاكُ في العَرْشِ لَها *** حينَما هَلَّتْ عَلَيْهِمْ قائِمَة

أعْتَقَتْ في حُبِّها شيعَتَها *** وَ هَوَتْ في النار أُخْرَى ظالِمَة

نَحْنُ في يَوْمِكِ يا سَيِّدَتي *** وَ قُلوبُ الود فيكُمْ مُغْرَمَة

فَفُؤادُ الحُبُّ فينا مُمْتَلي *** بِالهَوى، وَ النَّفْسُ فينا مُفْعَمَة

ص: 314


1- تبدت: إنزاحت.
2- الحاطمة: (الحطمة) من أسماء النار، لأنها تحطم ما تلقى.

وذا أنفاسُنا تَلْهَجُ في *** حُبِّكِ الطاهِرِ دَوْماً ساهِمَة(1)

نَحْنُ أَحْبابكِ يا سَيِّدَتي *** نَحْنُ أَنْباعُ البتول الغانِمَة

نَرْتَجِي رِضْوانَ رَبِّ غافِرٍ *** يَوْمَ تَلقى الخلُق طرّاً واجمة(2)

أَنَّكِ حِصْنُ حَصينٌ راسخً *** وَ طَريقٌ آمِنٌ يا عالِمَة

وَ رِضاكِ مِنْ رِضا اللَّهِ كَما *** سُخْطُكِ يُسْخِطُ يا غَانِمَة

وَ هَواكِ جُنَّةٌ مِنْ سَقَرٍ *** وَ مُوالاتُكِ مِنْهُ فَاطِمَة

ص: 315


1- ساهمة: هائمة متولّهة.
2- واجمة: (الواجم) الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن عن الكلام.

(3) حُبّ البتول علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد حميد الأعرجي(*)(1)

ماذا أقولُ و قلبي قال قبلَ فَمِي *** حبُّ البتول سرى في أعظُمي وَ دَمي

حبُّ لبنتِ رسول الله الهَمَهُ *** ربُّ البريةِ نفسي فانجلَتْ غممي

هى الشفيعةُ يوم الحشر تنقذُنا *** من حرِّ نار لظّى من كلِّ مضطرِم

بحبِّها يستحيلُ الياسُ مرحمةً *** لليائسين فيضحِي الكلُّ في نِعمِ

تعلمُوا الصبرَ منها فهي مدرسةً *** للصابرين بلا جُهدٍ وَ لاسأم

أُستاذُها خيرُ خلقِ اللَّه أجمَعِهِم *** هو النبيُّ أبو الزهراءِ ذو الشَّيَم

نصَّ الإلهُ على أخلاقِهِ و أتت *** آياتُهُ في مديحِ الخلقِ بالعظمِ

نورٌ براهُ إلهُ الكونِ من قدمٍ *** وَ قبلَ خلقِ صفيحِ اللوحِ و القلمِ

نشَعَّ نورُ نبيِّ اللَّه منطلقاً *** من عالم الذرِّ حتى زاحَ للعتمِ

ص: 316


1- (*) السيد حميد بن جواد بن راضي بن حسين بن علي بن محمد بن جعفر بن المرتضى الأعرجي الحسيني. شاعر جليل. ولد في النجف سنة 1368 و نشأ به أكمل الدراسة الابتدائية و المتوسطة به، ثم دخل (دار المعلمين الابتدائية) في كربلاء و تخرج فيها سنة1969-1970 و كان خلال دراسته يتعاطى الأدب والشعر، فنظم في أغراض متعددة، في الغزل، و الإخوانيات و غيرها و انقطع أخيراً إلى مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام و له مجموعة شعرية مخطوطة. و له قصائد طويلة تدل على شاعرية اشتغل بالتعليم إلى اليوم و هو متواضع هادىء الطبع.

و أشرقت أرضُ إبراهيم حيثُ بَدَتْ *** أنوارُ أحمد تجلو غيهب الظلمِ

فأسقطتْ كل زيفٍ كان متبعاً *** و أهلكت كل طاغوتٍ و منتقمٍ

و شاءَ ربُّك أن يهدي محمَّدَهُ *** هديةً من صنيعِ الله ذي الكرمِ

فأنعم اللَّه بالزهراءِ حيثُ غدَتْ *** ينبوع خيرٍ لكلِ الخلقِ و الأممِ

فاسترِّ قلبُ رسولِ اللَّه و ابْتَهَجَتْ *** بها خديجةُ ذاتُ المجدِ و الشممِ

حتى غدا بیتُ طه في ولادِتِها *** يزهُو بنوريهما كالبدرِ في الظُلمِ

واستبشرتْ كلُّ أملاكِ السما فرحاً *** أما الطيورُ فغنَّت أعذبَ النغمِ

وَ انسابَ صوتُ زلالِ الماء في طربٍ *** يشدو بأنغامهِ فِي أجملِ الكَلِمِ

أما النسائمُ هبتْ فاعتلتْ و رختْ *** تحِكي بفضلِ كريمٍ بارىء النَّسَمِ

و عبّرتْ بلسانِ الحالِ قائلةً *** يا أيها المصطفى المختارُ لاتنمِ

فاليومَ جاءَتْ إلى الدنيا مطهرةً *** ريحانةً قد هداها اللَّهُ فاستلمِ

واهنأ بها غرسةً ما مثلُها نبتتْ *** في الخلدِ من نبتةٍ كلا و لم تقمِ

ریحانةُ ابدعتها كفُّ صانعِها *** سبحانَهُ مبدعُ الدنيا من العدمِ

و أينعتْ نبتةُ الأيمانِ وازدهرتْ *** فأثمرتْ في ظلالِ الخيرِ و الكرمِ

ریحانتين هما سبطا هدًى و تقّى *** أبوهما حيدرُ الكرارُ ذو الشيمِ

أعني الزكيَّ إمام الحقِّ ذا حسناً *** و هو الذي قد سما في الخلقِ من قدمِ

أما حسينُ فيكفي الاسمُ عن بطلٍ *** فذٍ شجاعٍ تحدى الظلمَ خيرِ كمي

صوتٌ يدوّي على الأيام من زمنٍ *** عبر القرونِ يصيبُ الزيفَ في صممِ

و مشعلٍ قد أضاءَ اللَّهُ شعلتَهُ *** من نورهِ كي يضيء الدربَ بالقيمِ

أولاء من فاطمٍ من حيدرٍ ولدوا *** أكرم به في التُّقى و العلمِ من عَلَمِ

ص: 317

(4) في الحشر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الحافظ البرسي الحلي(*)(1)

ما هاجَنِي ذِكْرُ ذَاتِ البَانِ وَ العَلَم *** وَ لَاالسَّلاَمُ عَلَى سَلْمَى بِذِي سَلَم(2)

وَ لاَصَبَوْتُ لِصَبِّ صَابَ مَدْمَعُهُ *** مِنَ الصَّبَابَةِ صَبَّ الوَابِلِ الرّزِمِ(3)

وَ لاعَلَى طَلَلٍ يَوْماً أَطَلْتُ بِهِ *** مُخاطباً لأهَيْلِ الحَيَّ وَ الخِيَمِ

وَ لاتَمَسَّكْتُ بِالحَادِي وَ قُلْتُ لَهُ: *** إِنْ جِئْتَ سَلْعاً فَسَلْ عَنْ جِيرَةِ العَلَمِ(4)

لكِنْ تَذَكَّرْتُ مَوْلاَيَ الحُسَيْنَ وَ قَدْ *** أَضْحَى بِكَرْبِ البَلا فِي كَرْبَلاءَ ظَمِي

فَقَاضَ صَبْرِى وَ فَاضَ الدَّمْعُ وَ ابْتَعَدَ *** الرُّقَادُ وَ اقْتَرَبَ السُّهَادُ بِالسَّقَم(5)

وَ هَامَ إِذْ هَمَّتِ العَبَرَاتُ مِنْ عَدَمِ *** قَلْبِي وَ لَمْ أَسْتَطِعْ مَعَ ذَاكَ مَنْعَ دَمِي

لَمْ أَنْسَهُ وَ جُيُوشُ الكُفْرِ جَائِشَةٌ *** وَ الجَيْشُ فِي أَمَل وَ الدِّينُ في ألم

تَطُوفُ بِالطَّفْ فُرْسَانُ الضَّلالِ بِهِ *** وَ الحَقُّ يُسْمَعُ وَ الأَسْمَاعُ فِي صَمَمِ

وَ لِلْمَنَایَا بِفُرْسَانِ المنى عَجَلٌ *** وَ المَوْتُ يَسْعَى عَلَى سَاقٍ بِلا قَدَمٍ

مُسَائِلاً وَ دُمُوعُ العَيْنِ سَائِلَةٌ *** وَ هُوَ العَلِيمُ بِعِلْمِ اللَّوْحِ وَ القَلَمِ

ص: 318


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- البان: شجر معتدل القوام من فصيلة البانيات يُشَبّه به القدّ لطوله.
3- صبوتُ: حننتُ إليه صَبّ: عاش وذو الولع الشديد. الوابل: المطر. الرَّزِم: الذي لاينقطع رعده.
4- سَلْع: بفتح السين الشقِّ في القدم و بكسرها الشق في الجبل.
5- الشهاد: الأرق و قلّة النوم.

مَا اسْمُ هَذَا الثَّرَى يَا قَوْمُ فَابْتَدَرُوا *** بِقَوْلِهِمْ يُوصِلُونَ الكَلمَ بِالكَلِمِ

بِكَرْبَلا هُذِهِ تُدْعَى. فَقَال: أَجَلْ *** أَجَالُنَا بَيْنَ تِلْكَ الهُضْبِ وَ الأَكَمِ

حُطُّوا الرِّحَالَ فَحَالُ المَوْتِ حَلَّ *** بِنَادُونَ البَقَاءِ وَ غَيْرُ اللَّهِ لَمْ يَدمِ

يَا لِلرِّجَالِ لِخَطب حَلَّ مُخْتَرمَ *** الآجَالِ مُعْتَدِياً فِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ

و يقول فيها:

أَيْنَ النَّبِيُّ وَ ثَغْرُ السِّبْطِ يَقْرَعُهُ *** يَزِيدُ بُغْضاً لِخَيْرِ الخَلْقِ كُلِهِمِ؟

أيَنْكُتُ الرِّجْسُ ثَغْراً كَانَ قَبْلَهُ *** مِنْ حُبِّهِ الظهرُ خَيْرُ العُرْبِ وَ العَجَمِ؟

وَ يَدَّعِي بَعْدَهَا الإِسْلامَ مِنْ سَفَةٍ *** وَ كَانَ أَكْفَرُ مِنْ عَادٍ وَ مِنْ إِرَمِ؟

يَا وَيْلَهُ حِينَ تَأْتِي الطُّهرُ فَاطِمَةٌ *** فِي الحَشْر صَارِخةً فِي مَوْقَفِ الأُمَمِ(1)أي أنهم يشفعون للإنسان لأنه اتسم بصفة المحبة لآل البيت.(2)الغدير، ج7، ص62.(3)

ص: 319


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحارج43 ص221: عن أبي عبد الله علیه السلام: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إذا كان يوم نصب لفاطمة علیها السلام قبَة من نور و أقبل الحسين «صلوات الله عليه» رأسه في يده فإذا رأته شهقت شهقة لايبقى في الجمع ملك مقرب و لانبي مرسل و لاعبد مؤمن إلا بكى». و في كتاب شعاع من نور فاطمة علیها السلام للعلامة السيد مرتضى الشيرازي، ص32. و الشفاعة هي الأخرى سبب لغفران الذنوب. و حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لايجوز واحد و هذه القاعدة تنطبق على المحبة
2- من جهة وعلى الاستغفار و الشهادة و الشفاعة من جهة أخرى. بل الأمر فيها أولى من بعض الجهات كما لايخفى... بل إن قال الشفاعة إلى المحبة كما تدل عليه الروايات ومنها [...أنه إذا كان ذلك و احتضر حضره رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و على علیه السلام و جبرئيل و ملك الموت فيدنو منه علي علیه السلام فيقول: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن هذا كان يحبنا أهل البيت علیهم السلام فأحبه و يقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيت رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فأحبه». -و يقول جبرئيل لملك الموت: إن هذا كان يحب الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيت رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فأحبه و أرفق به فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبدالله أخذت فكاك رقبتك... أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا.
3-

تَأْتِي فَيُطْرِقُ أَهْلُ الجَمْعِ أَجْمَعُهُمْ *** مِنْهَا حَيَاءٌ وَ وَجْهُ الأَرْضِ فِي قَتَمِ

وَ تَشْتَكِي عَنْ يَمِينِ العَرْشِ صَارِخَةً *** وَ تَسْتَغِيثُ إِلَى الجَبَّارِ ذِي النِّقَمِ

هُنَاكَ يَظْهَرُ حُكْمُ اللَّهِ فِي مَلاٍ *** عَضُوا وَ خَانُوا فَيَا سُحْقاً لِفِعْلِهم

وَ فِي يَدَيْهَا قَمِيصُ لِلْحُسَيْنِ غَدا *** مُضَمَّخاً بِدَمٍ قَرْنا إِلَى قَدَمِ(1)

ص: 320


1- بحار الأنوار، ج6 ص197 ب7 ح51.

(5) عَصَمَ الله فاطما علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حبيب آل إبراهيم العاملي

أَصْبَحَ الدَّهْرُ ضَاحِكَ الثَّغْرِ بَاسِمُ *** يَوْمَ مِيلادِ بِنْتِ أَحْمَدَ فَاطِمُ

مَلأ العَالَمِينَ نُورُسَنَاها *** أَي نُورٍ مَلاً سَنَاهُ العَوَالِمْ(1)

زَهْرَةٌ فَتَحَتْ بِرَوْضِ قُرَيْشٍ *** فِي عُلاَ الدَّوْحَةِ الشَّرِيفَةِ هَاشِمُ

بَسَقَتْ لِلسَّمَاءِ مَجْداً وَ عِزَّاً *** وَ عُلَى وَ هْيَ فِي كُمَامِ البَرَاعِمْ

إِن تَسَلْنِي أُنْبِتكَ عَنْهَا فَإِنِّي *** مَا أَنَا اليَوْمَ عَنْكَ ذلِكَ كَاتِمْ

هِيَ إِحْدَى الأَشْبَاحِ إِذْ قَدْ تَجَلَّتْ *** يَمْنَةَ العَرْشِ كَالنُّجُومِ لَآدَمُ(2)

ص: 321


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى النور الذي ملأ الأقطار و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق نوراً بسبب ولادة فاطمة علیها السلام. انظر ما ورد في كتاب مشارق الأنوار ص85 كما في كتاب عوالم العلوم ج1 ص58. و كتاب بحار الأنوار ج16 ص81 ضمن حديث طويل و كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص340.
2- و قد مرّ في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي أحد الأشباح الخمسة التي كانت تحت ظل العرش نقلاً عن كتاب فرائد السمطين ج1 ص36 و زيادة على ما مرّ. ففي كتاب بحار الأنوار ج15 ص7 قال: عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله خلقني و علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام، قلت: فأين كنتم يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: قدام العرش، نسبح الله و نحمده و نقدّسه و نمجده، قلت: على أي مثال؟ قال: أشباح نور، حتى إذا أراد الله عزوجل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمهات، و لايصيبنا نجس الشرك و لاسفاح الكفر، يسعد بنا قوم و يشقى بنا آخرون، فلما صيَّرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين، فجعل نصفه في عبد الله، و نصفه في أبي طالب، ثم أخرج الذي لي إلى آمنة، و النصف إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة و أخرجت فاطمة علیها السلام علياً، ثم أعاد «عز وجل» العمود إليّ فخرجت منّي ،فاطمة علیها السلام، ثم أعاد «عزوجل» العمود إلى علي فخرج منه الحسن و الحسين علیهما السلام يعني من النصفين جميعاً فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن علیه السلام، و ما كان من نوري صار في ولد الحسين علیه السلام، فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم الأئمة من ولده إلى يوم القيامة». انظر أيضاً في كتاب علل الشرائع ج1 ص246.

حَدَرَتْ مِنْ سَمَا الوُجُودِ تَهَادَى *** مِنْ كَرِيمٍ لأُمَّهَاتِ كَرَائِمُ(1)

مِنْ أَبٍ سَابِقٍ وَ أُمْ أَصِيلٍ *** مِنْ لَدَى المُبْتَدَا لآخَرَ خَاتِمْ

ظهُرَتْ مَحْئِداً وَ نَفْساً وَ طَابَتْ *** وَ تَعَالَتْ مَنَاقِباً وَ مَكَارِمُ(2)

وهيَ لَوْلاً أَنَّ الوَصِيَّ عَلِيٌّا *** خِيرَةُ العُرْبِ كُلِّهَا وَ الأَعَاجِمُ

كُفُؤُهَا لَمْ يَكُنْ لِفَاطِمَ كُفْوٌ *** إِنَّ عَنْ كُفْرِهَا النِّسَاءَ عَقَائِمُ(3)

فَتَجَلَّى الوَحْيُ المُبِينُ فَوَفَّى *** مَادِحاً صَادِعاً يَشُقُ الصَّلادِمُ(4)

يُلْزِمُ المُسْلِمِينَ فَرْضُ وَلاهَا *** وَ جَدِيرٌ بِأنْ تُوَالِي الأعَاظِمُ

مُعْلِناً طُّهرَها وَ أَنَّى لِبنْتٍ *** المُصْطَفَى المُجْتَبى اقْتِرَافُ المَائِمُ؟

ص: 322


1- تهادى: أهدى بعضهم إلى بعض.
2- محتداً: أضلاً
3- في هذين البيتين إشارة إلى كون علي علیه السلام كفؤ لفاطمة علیها السلام و لولا علي علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ في الأرض انظر كتاب البحار ج97، و كتاب مصباح الأنوار و المختصر كما في أنوار البحار ج43 ص145 و زيادة على ذلك ما ورد في كتاب ينابيع المودة ج1 ص208 قال: عن عباس بن عبد المطلب «رضي الله عنه» قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «أبشرك يا عماه إن الله أيدني بسيد الوصيين علي فجعله كفواً لفاطمة علیها السلام ابنتي . و في كتاب فردوس الأخبار للديلمي ج3 ص418 قال: عن أم سلمة: «لو لم يُخلق عليّ علیه السلام ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ». و ذكر صاحب عوالم العلوم ج1 ص372 عن كتاب الكافي ج1 ص461 ح10 و التهذيب ج7 ص470 ح90 و الفقیه ج3 ص393 ح 4383. بلفظ: «لولا أن الله «تعالى» خلق فاطمة علیها السلام لعلي علیه السلام ما كان لها على وجه الأرض كفؤ آدم فمن دونه».
4- الصلادم: جمع الصِّلْدَم و هو الصُّلْب.

عَصَمَ اللَّهُ فَاطِماً وَ أَبَاهَا *** وَ بَنِيهَا وَ المُرْتَضَى بَعْلَ فَاطِمْ(1)(2)

ص: 323


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى قوله تعالى:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية:33] انظر تفصيل ذلك في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147. و مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص170 و المستدرك أيضاً ج2 ص416. و كتاب السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص150. و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج9 ص126 و أسد الغابة لابن الأثير ج2 ص12 و ج5 ص521 و ذخائر العقبى للمحب الطبري ص و البحار ج35 ص208 و أسباب النزول للواحدي النيسابوري ص239.
2- نقل من كتاب رياحين الشريعة ج1 ص60 و القصيدة تنوف على ثلاثين بيتاً. أخذنا منها كفايتنا.

(6) عليك صلاة ربي

(بحر الوافر)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

فَبِالزَّهْرَا مُصِيبَتُنَا عَظِيمَهْ *** وَ أَدْمُعُنَا حَكَتْ سُحُباً سَجِيمَهْ(2)

نَحِنُّ لَهَا وَ حُقَّ لَنَا بُكَانَا *** إِذَا ذُكِرَتْ مَصَائِبُهَا الأَلِيمَهْ

أَلاَ يَا وَيْلَتَا رُوحِي فِدَاهَا *** وَ أَحْزَانِي عَلَيْهَا مُسْتَقِيمَهْ

إِذَا ذُكِرَتْ يَحِنُّ لَهَا فُؤَادِي *** وَ أَنْدُبُهَا كَمَا تَبْكِي السَّقِيمَهْ

إِذَا جَنَّ الدُّجَى حَنَّتْ وَ أَنَّتْ *** فَيَا حُزنَاً لَهَا وَ هِيَ الكَرِيمَهْ

تُنَادِي: يَا أَبِي وَحِمَايَ مَنْ لِي *** إِذَا أَبْدَى الظَّلامُ لَنَا نُجُومَهْ؟

أبِي خَلَّفْتَنِي يَا نُورَعَيْنِي*** كَنَوْحٍ حَمَامَةٍ أَبْكِي يَتِيمَهْ

وَ هذِيْ أَدْمُعِي تَجْرِي بِخَدي *** لِفَقْدِكَ مِثْلَ عَادِيَةٍ عَمِيمَهْ(3)

وَ ذِي عَيْنِي مِنَ التَّسْكَابِ حَمْرَا *** تَسِيلُ دَماً وَ تَهْمِلُ مُسْتَدِيمَهْ(4)

فَمِثْلُكَ يَا أَبِي مَنْ لِي رَحِيمٌ *** وَ مَنْ لِي مِثْلُ نَفْسِكَ مِنْ رَحِيمَهْ؟(5)

ص: 324


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- حكت: شابهت-سجيمة: سائلة منصَبَة.
3- غادية: سحابة تنشأ غداةً -أو مطرة الغداة. عميمة: شاملة.
4- تهمل: تفيض دموعاً.
5- ورد في مصادر عدة ذكر حالة الزهراء مع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هي تشرح شدَّة العطف و المحبة و الحنان بينهما و خصوصاً بعد رحيل أمها خديجة الكبرى «سلام الله عليها» فقد ورد: توفي أبوطالب و خديجة «سلام الله علیها» في السنة العاشرة من المبعث الشريف فحزن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لذلك حزناً شدیداً و سمي ذلك العام بالعام الحزن المناقب ابن شهر آشوب، ج1 ص174. لأنه فقد ناصريه و حامييه في مكة شريكة حياته ووزيرته و أم أولاده «خديجة سلام الله علیها» و سنده و مانعه «أباطالب». فتغيرت حياته صلي الله علیه و آله و سلم في داخل البيت و خارجه و اشتدت عليه قريش و وصلوا من أذاه بعد وفاة أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته حتى نثر بعضهم التراب على رأسه و حتي أن بعضهم طرح عليه سلا الشاة و هو يصلي. فيعود إلى البيت محزوناً مكروباً فيرى وجه ابنته الشاحب الذابل و عينيها الدامعتين على فراق أمها و ما تراه يجري على أبيها خارج البيت ففي مرة رأت قريشاً اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا: لو رأينا محمداً صلي الله علیه و آله و سلم لقمنا إليه مقام رجل واحد و لنقتلنه. فدخلت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم باكية و حكت مقالهم-مناقب ابن شهر آشوب، ج1 ص71. و في ذات يوم نثر أحد المشركين التراب على رأس رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بيته و التراب على رأسه قامت إليه فاطمة علیها السلام تغسل عنه التراب و هي تبكي و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: (يا بنية لاتبكي فإن اللّه مانع أباك» -تاريخ الطبري، ج2 ص80 و عن ابن عباس أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم دخل الكعبة و افتتح الصلاة فقال أبوجهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري و تناول فرثاً و دماً و ألقى ذلك عليه. فجاءت فاطمة علیها السلام فأماطته ثم أوسعتهم شتماً و هم يضحكون فلما سلم النبي صلى الله عليه و آله و سلم دعا عليهم. مناقب ابن شهر آشوب، ج1 ص60. و كلما ازداد شعور الزهراء علیها السلام بالحرمان من الأم ازداد حب النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أشعرها بذلك الحب لأنه صلي الله علیه و آله و سلم لايعرف ما تعانيه فاطمة علیها السلام من فقد أمها لهذا كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لاينام حتى يقبل عرض و جنة فاطمة علیها السلام كشف الغمة، ج2 ص93.

أُمَثْلُ حُزْنَهَا مُذْ فَارَقَتْهُ *** فَعَادَتْ بَعْدَ فُرْقَتِهِ سَقِيمَهْ

إذَا نَظَرَتْ إِلَى المِحْرَابِ نَادَتْ *** بِصَوْتٍ مِثْلَمَا نَاحَتْ سَلِيمهْ(1)

و أَدْمُعُهَا تَسِيلُ بِلَاانْقِطَاعٍ *** كما تجْرِي مِنَ الأنظار دِيمَهْ(2)

فَيَا سِنَّ النِّسَاءِ وَمَنْ أَبُوهَا *** أَيَادِيهِ عَلَى الدُّنْيَا عَمِيمَهْ

عَلَيْكِ صَلاةُ رَبِّي مَا تَرَامَتْ *** نُجُومُ الأُفُقِ رَامِيَةً رَجِيمَهْ(3)

ص: 325


1- سليمة: السليم: اللديغ.
2- ديمة: مطر يدوم في سكون بلارعد و لابرق.
3- كنوز المدح و الرثاء ص55.

(7) يا بنت خير نبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

الدَّمْعُ مِنّي عَلَى الخَدَّيْنِ مُنْسَجِمُ *** وَ القَلْبُ مِنِّي بِنَارِ الحُزْنِ مُضْطَرِمُ(2)

أَبْكِي كَمَا نَاحَ تُمْرِيٌّ عَلَى شَجَرٍ *** يَحْدُو بِجُنْح دُجى تَنْتَابُهُ الظُّلَمُ(3)

يَبْكِي وَ يَنْدُبُ إِلفاً شَطَ مُبْتَعِداً *** عَنْهُ فَلَذَّ لَهُ التَّغْرِيدُ وَ النَّغَمُ

مَنْ لِي بِسَلْوَةِ قَلْبٍ فِيهِ قَدْ لَعِبَتْ؟ *** مِنَ الخُطُوبِ رَزَايَا كُلُّهَا أَلَمُ

وَ مُهْجَةٌ بِضِرَامٍ كُلُهَا سُعُرٌ *** كَأَنَّهَا بِلَهِيبِ الجَمْرِ تَحْتَدِمُ

بِاللَّهِ بِاللَّهِ يَا خِلِّي أَلَمْ تَرَنِي *** أَرْعَى النُّجُومَ وَ دَمْعُ العَيْنِ يَنْسَجِمُ؟

مَا مَرَّ جَفْنِي هُجُوع لا وَ لاَوَسَنٌ *** وَ لَمْ يَطِبْ لِي نَعِيمٌ لاوَ لانِعَمُ(4)

فَقَالَ مَا تَشْتَكِي بِاللَّهِ قُلْ فَأَرَى *** عَلامَةَ الوَجْدِ فِي خَدَّيْكَ تَرْتَسِمُ

أَهَلْ شَجَتْكَ لَيَالٍ قَدْ نَعِمْتَ بِهَا *** فَفَارَقَتْكَ فَدَمْعُ المُقْلَتَيْنِ دَمُ؟

أَم الأحَبَّةُ شَطُوا عَنْكَ وَ ارْتَحَلُوا *** فَسَارَ يَطْوِي فَيَا فِي البِيدِ رَكْبَهُمُ(5)

فَيَافِي فَقُلْتُ حَاشَا وَكَلا مَا شَجَيْتُ لِذَا *** وَ لاَ لِهَذَا وَ إِنْ قَدْ مَضٌ بُعْدُهُمُ

ص: 326


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- منسجم: سائل قليلاً أو منصب كثيراً.
3- قُمْرِي: ضربٌ من الحمام حسن الصوت.
4- وَسَن: ثقل النوم، أو اشتداد النعاس.
5- شطوا: بعدوا. فيافي: جمع الفيفى و هي المفازة لاماء فيها أو المكان المستوي. بيد: فلوات، صحارى.

لكِنْ شَجَانِي مَا أَشْجَى البَتُولَةَ بِنْتَ *** المُصْطَفَى خَيْرَ مَنْ دَاسَتْ لَهُ قَدَمُ

أَرْضَ البَسِيطَةَ فَاهْتَزَّتْ جَوَانِبُهَا *** بِعَدْلِهِ وَانْجَلَتْ عَنْ وَجْهِهَا الغُمَمُ

أَبْكِي لَهَا وَ عَلَيْهَا كَيْفَ قَدْ جُمِعَتْ *** مَصَائِبٌ كَظَلامِ اللَّيْلِ تَزْدَحِمُ؟

تَبْكِي فَيُشْجِي بُكَاهَا القَلْبَ إِنْ نَحَبَتْ *** وَ الدَّمْعُ فِي صَحْنِ خَدَّيْهَا لَهُ كُلُمُ(1)

تَدْعُو:أَبِي يَا أَبِي ضَيَّعْتَنِي فَأَنَا *** مِنْ بَعْدِ فَقْدِكَ تَكْلَى شَفَّنِي السُّقُمُ(2)

يَا وَالِدِي تِلْكَ أَطْفَالِي فَلَيْتَ تَرَىٰ *** عَلَيْهِمُ كَيْفَ لاَحَ الضُّرُّ وَ اليُتُمُ

وَ تِلْكَ رَيْحَانَنَاكَ الطَّاهِرَانِ هُمَا *** يَسْتَصْرِخَانِ وَ فِي قَلْبَيْهِمَا ضُرَمُ

وَ يَنْدِبَانِ أَلاَ يَا جَدُّ لَيْسَ لَنَا *** مِنْ بَعْدِ فَقَدِكَ أَفرَاحٌ وَ مُبْتَسَمُ

يَا بِنْتَ خَيْرِ نَبِيَّ كُلُهُ كَرَمٌ *** وَ لِلْبَرِيَّةِ حَقاً فَضْلُهُ عَمَمُ

هَذِي رَزَايَاكِ أَبْكَتْنَا فَأَدْمُعُنَا *** لِرُزَيكُمْ وَ لِما قَدْ نَالَكُمْ دِيَمُ

أَبْكِيكِ مَكْسُورَةَ الطِّلْعَيْن بَاكِيَةً *** بَيْنَ الجِدَارٍ عَلَيْكِ القَوْمُ قَدْهَجَمُوا

أبْكِيكِ وَ الصَّدْرُ فِيهِ لَوْعَةٌ وَ شَجَا *** قَدْ سَالَ مِنْ وَ حْزَةِ المِسْمَارِ مِنْهُ دَمُ

قَدْ أَسْقَطُوكِ جَنِيناً كَانَ أَحْمَدُ قَدْ *** سَمَاهُ مُحْسِنَ لَمّا بَيْتَكِ اقْتَحَمُوا(3)

ثُمَّ انْتَنَوا لأمير المُؤْمِنِينَ وَقَدْ *** قَادُوهُ وَ هُوَ الإِمَامُ الطَّاهِرُ العَلَمُ

فَرُحْتِ خَلْفَهُمُ تَدْعِينَ نَادِبَةً: *** خَلُوا ابْنَ عَمِّي، وَمِنْكِ الدَّمْعُ مُنْسَجِمُ

خَلُوا عَلِيّاً وإلا قُمْتُ شَاكِيةً *** إِلَى الإِلهِ فَيُفْنِي اليَوْمَ جَمْعَكُمُ

رَوَّعْتُمُ صِبْيَتِي يَبْكُونَ وَ الِدَهُمْ *** لأَدْعُوَنَّ عَلَيْكُمْ لاأَبا لَكُم

رَدُّوا إِلَيْكِ وَرَاحَ السَّوْطُ مُلْتَوِياً *** عَلَيْكِ قَسْراً وَ مَا رَاعَاكِ جَمْعُهُمُ

ص: 327


1- كُلم: جروح.
2- شفّني: أهزلني و أرّقني.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص143 قال المؤرخ المسعودي و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً...

يَا سَوْطَ قُنْفُذَ قَدْ أَلَمْتَ فَاطِمَةً *** عَادَتْ وَفِي مَتْنِهَا كَالدُّمْلُحِ الوَرَمُ(1)

ص: 328


1- الدملج: الحلي يُلبس في المعصم. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قیس ص134 في حديث طويل: فنظر علي علیه السلام إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: نشكو له ضربة ضربها فاطمة علیها السلام بالسوط، فماتت و في عضدها اثره كأنه الدملج... و في كتاب علم اليقين في أصول الدين للفيض الكاشاني، ج2 ص68 قال: إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فواقوا بابه مغلقاً فصاحوا به: اخرج يا علي علیه السلام... فإن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك... فلم يفتح لهم الباب -فأتوا بحطب فصفوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر و قال: والله لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار... فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعوها قبل أن تتوارى عنهم فاختبأت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبياً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت بينهم و بين بعلها و قالت... و اللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا فقال الله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». قال: فتركه أكثر القوم لأجلها فأمر عمر قنفذ أن يضربها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها الشريف و كان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سمّاه محسناً. -وجعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلعه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزن ونحيب و هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة وإنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه... والكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام و من ربيته صغيراً و آخيته كبيراً و أخلّ أحبائك لديك و أحب أصحابك عليك أوَّلهم سبقاً إلى الإسلام و مهاجرة إليك يا خيرة الإنام فها هو ساق في الأسر كما يقاد البعير... ثم أنها أنت و قالت: وا محمداه صلى الله عليه و آله و سلم-وا حبيباه... وا أباه... وا أبا القاسماه... وا أحمداه... وا قلة ناصراه... وا غوثاه -وا طول كربتاه... وا حزناه -وا مصيبتاه... وا سوء صباحاه... و خرت مغشية عليها فضجِّ الناس بالبكاء و النحيب و صار المسجد مأتماً.

يَا بِنْتَ أَحْمَدَ يَا مَنْ فَضْلُهَا أَبداً *** بَادٍ مَدَى الدَّهْرِ فِي أَنْوَارِهِ عَلَمُ

مَا مَرَّ رُزُوكِ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَى *** قَلْبِي وَحَقِّكِ إِلا انْتَابَهُ الأَلَمُ

صَلَّى اللهُ عَلَيْكُمْ مَا بَدَا قَمَرٌ *** بِجُنْحِ لَيْلٍ وَ عَنْهُ انْجَابَتِ الظُّلَمُ(1)

ص: 329


1- كنوز المدح و الرثاء ص49.

(8) قلب البتول علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

مَنْ ذَاكَ يَعْذِرُنِي مِنَ الأَيَّامِ؟ *** فِيهَا طَغَى وَجْدِي وَزَادَ سَقَامِي

أَنَا كُلَّمَا حَاوَلْتُ مِنْهَا مَهْرَباً *** جَارَتْ عَلَيَّ بِجَيْشِهَا المِقْدَامِ

وَ الدَّهْرُ يُسْعِفُهَا عَلَيَّ فَتَنْثَنِي *** تَعْدُو عَلَيَّ كَعَدْوَةِ الصِّرْ غَامِ(2)

مَا لِلزَّمَانِ بِجَوْرِهِ وَ عِنَادِهِ *** كَالذُّنْبِ إِذْ يَعْدُو عَلَى الأَغْنَامِ

يَقْسُو عَلَيَّ فَسَاوَةً فَتَخَالُهُ *** دَيْناً يُطَالِبُنِي مَدَى الأَعْوَام

الأَنْنِي أُرْخِي إِلَيْهِ جَوَانِبِي *** وَ أَلِينُ مِثلَ تَلايُنِ الآجَامِ؟

أمْ أَنَّ دَهْرِي تَابِعُ أَبْنَاءَهُ *** يُجْزُونَ بِالسُّوأى عَلَى الإِنْعَام؟

هَيْهَاتَ لاتَعْجَبْ لِدَهْرِكَ إِنْ قَسَا *** فَالدَّهْرُ شِيمَتُهُ طِبَاعُ لِئَامِ

فَالدَّهْرُ لاَتَأْمَنُهُ مِنْ خُدَع فَلا *** يَرْعَى إِلَيْكَ الدَّهْرُ أَيَّ ذِمَامِ(3)

أَوَمَا رَأَيْتَ فِعَالَهُ بِبَنِي الهُدَى *** آلِ النَّبِيِّ وَ صَفْوَةِ العُلامِ؟

وَ لَقَدْ رَمَى قَلْبَ البَنُولَةِ فَاطِمٍ *** بِمَصَالِبٍ وَ نَوَائِبٍ كَسِهَامِ

فَقَدَتْ أَبَاهَا وَ الشَّجَاءُ أَمَضَّهَا *** وَ الهَمُّ عَاجَلَ جِسْمَهَا بِسَقَامِ

ص: 330


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تنثني: تنعطف. الضرغام: الأسد.
3- ذمام: حُرمة.

فَإِذَا بِهَا مِمَّا عَرَاهَا مِنْ أَسَى *** وَ شَجِّى تَنُوحُ لَهُ كَنَوح حَمَامِ

فَتَرَى المَنَازِلَ وَحْشَةً مِنْ بَعْدِهِ *** وَ ضِيَاءَهُ مُسْتَبْدَلاً بِظَلامِ

لَمْ أَنْسَهَا إِذْ أَقْبَلَتْ لِضَرِيحِهِ *** وَ لِقَبْرِهِ ذَاكَ الضَّرِيحُ السّامِي

أخَذَتْ تُرَابَ القَبْرِ تَنْشُقُ عِطْرَهُ *** وَ الدَّمْعُ فِي الوَجَنَاتِ سَيْلٌ هَامِي

يَا وَالِدِي ضَيَّعْتَنِي أَوْ حَشْتَنِي *** اثْكَلْتَنِي يَا صَفْوَةَ العَلامِ

يَا وَالِدِي الْفُرْ إِلَيَّ حَزِينَةً *** أَضمَتْ فُؤَادِي لَوْعَةُ الآلامِ(1)

مَكْسُورَةَ الأَضْلاعِ جِسْمِي نَاحِلٌ *** وَ مَدَامِعِي حُمْرٌ تَسِيلُ دَوَامِ(2)

مَلْطُومَةً عَيْنِي أَحِنُّ تَألُّماً *** مَنَعَتْ شُجُونِي سَلْوَتِي وَ مَنامِي

يَا وَالِدِي امْنُنْ عَلَيَّ بِنَظْرَةٍ *** تَشْفِي بِهَا قَلْبِي مِنَ الأَسْقَامِ

يا وَالِدِي جُدْ بِالجَوَابِ عَلَى الَّتِي *** رَبَّيْتَهَا فِي العِز وَالإِكْرَامِ

يَا وَالِدِي يَا خَيْرَ ذُخْرِ كُنْتَ لِي *** يَا وَالِدِي انْظُرْ إِلَى أَيْتَامِي

أنْظُرُ لأطْفَالِي وَ قَدْ رَبَّيْنَهُمُ *** فِي حِجْرِكَ المَيْمُونِ بِالإنْعَامِ

ص: 331


1- أصمت: رمتْ فقَتلَته في مكانه و هي تراه.
2- انظر ما ورد في الاحتجاج ج1 ص109. و في كتاب النافع يوم الحشر ص80 المقعد الثاني/ في بيان بعض الأدلة على إمامته علیه السلام. قال الفاضل أبوعبد الله المقداد السيوري في النافع يوم الحشر للعلامة الحلي: أنه أي أميرالمؤمنين علياً علیه السلام -لما رأى تخاذلهم عنه قعد في بيته واشتغل بجمع کتاب ربه و طلبوه للبيعة فامتنع... فأضرموا في بيته النار و أخرجوه قهراً ويكفيك في الوقوف على شكايته في هذا المعنى خطبته الموسومة ب «الشقشقية» في نهج البلاغة. أقول: و سمِّيت بذلك لقوله في آخرها هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت»... قال في مطلعها: «أما والله لقد تقمصها فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى... فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجا أرى تراثي نهباً حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده.. إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله و معتلفه.

عَادُوا يَتَامَى بَعْدَ فَقْدِكَ دَمْعُهُمْ *** يَجْرِي عَلَى الخَدَّيْنِ مِثْلَ غَمَامِ

اللَّهُ مَا أَدْهَى مُصَابَكَ فَاطِمٌ *** يَنْهَد مِنْهُ شِمَامُ كُلّ شِمَام

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَيْكِ مَا شَمْسُ الضُّحَى *** قَدْ بَدَّدَتْ بِالنُّورِ وَجْهَ ظَلامِ(1)

ص: 332


1- كنوز المدح و الرثاء ص31.

(9) البتول العذراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن الجامد(*)(1)

يَا إِمَاماً بِهِ الوُجُودُ اسْتَقَامًا *** قُمْ سَرِيعا وَ اسْتَنقِذ الإِسْلَامَا

كُلُّ عَامِ بَلْ كُلُّ يَوْمٍ جَدِيدٍ *** مِنْكَ نَرْجُو يَابْنَ النَّبِيِّ القِيَامَا

الوحى الْوَحَى يَا نَجْلَ طَهَ *** عَلَّنَا نَشْتَفِي وَ نَقْضِي المَرَامَا(2)

أفَتَنْسَى مَا قَدْ جَرَى بَعْدَ طَهَ *** مِنْ خُطُوبِ تُحَبرُ الأَحْلامَا؟

نَكَثَ القَوْمُ بَيْعَةَ المُرْتَضَى الهَادِي *** وَ لَمْ يَرْقُبُوا لِطه دِمَامَا(3)

ص: 333


1- (*)هو الخطيب الشهير الشيخ ملا حسن بن أحمد بن مهدي بن حسين الجامد القطيفي. ولد في القطيف سنة (1300 ه_) و نشأ بها ودرس المقدمات و العلوم العربية و الفقه على يد العلامة الشيخ محمد صالح الصفواني و العلامة الشيخ علي الجشي. منذ ريعان شبابه كانت له رغبة شديدة جداً في تعلم فن الخطابة، و مرد هذه الرغبة على الغالب إلى البيئة التي عاش فيها فأخذ الخطابة على يد الخطيب ملا علي بن عياش ثم انفرد بنفسه و قد رافقه التوفيق منذ تعلق بخدمة أهل البيت حتى ذاع صيته و اشتهر ذكره. و كان في القطيف محل تقدير العلماء و الأدباء، و يعد هناك في المنطقة أستاذ الخطباء، لأنه كبير في السن و هو من الرعيل الأول في الفن الخطابي و المنبر الحسيني فهو أستاذ الخطباء و لمجالسه ميزة خاصة حيث كانت مكللة بالتوفيق في أي وقت و كان فارس میدان عشرة عاشوراء. وافاه الأجل المحتوم يوم الجمعة الموافق 27 صفر/ (1375 ه_) و دفن في القطيف «تغمده الله برحمته و صب على قبره شآبيب الرضوان».
2- الْوَحى الْوَحى: العجلة العجلة، البدار البدار.
3- ذِماماً: حُزمةً، حقاً.

عزلُوا حَيْدَراً وَ قَدْ أَخَرُوهُ *** عَنْ مُقَامِ فِيهِ الإِلهُ أَقاما

وَ أَتَوْا دَارَهُ وَ جَرُّوهُ حَتَّى *** أَخْرَجُوهُ مَلبَّباً مُسْتَضَاما(1)

وَ البَتُولُ العَذْرَاءُ بَضْعَةٌ طَهَ *** كَابَدَتْ مِنْهُمُ أُمُوراً عِظَاما

غَصَبُوا إِرْثَهَا عِنَاداً وَ ظُلْماً *** لَطَمُوا خَدَّهَا وَ رَضُوا العِظَاما

أَسْقَطُوهَا وَ قَنَّعُوا مَتْنَهَا السَّامِي *** وَ لَمْ يَجْعَلُوا لِطهَ احْتِراما

ثُمَّ عَاشَتْ بِالذُّلْ وَ الهَضْمِ حَتَّى *** لَحِقَّتْ بِالنَّبِيِّ تَشْكُو اهْتِضَاما(2)

ص: 334


1- مليّباً: مقيداً، مستضاماً: مقهوراً و مظلوماً.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى ما لاقت الزهراء علیها السلام من الأذى كاغتصاب فدك منها و لطمها على خدها و كسر ضلعها و سقوط جنينها و ضربها بالسياط على متنها ثم عيشها بعد ذلك مهضومة حزينة حتى لحقت بالنبي صلي الله علیها و آله و سلم. و أما اغتصاب فدك انظر ما ورّد عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج487-488. و الاحتجاج للطبرسي ج1 ص131-144 و ص119-122 و عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300. و أما لطمها على خدها فانظر ما ورد أيضاً نقلاً عن كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و بحار الأنوار ج8 ص240 ط حجرية. و كتاب البحار أيضاً ج30 ص294. و أما عيشها مهضومة حزينة حتى وفاتها فانظر كتاب الكافي كما في كتاب البحار ج43 ص195-196. و كتاب فتح الباري ج9 ص201 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص195. و في كتاب الصراط المستقيم ج3 ص12- 13. قال الشيخ الفاضل المحدّث زين الدين العاملي: في ما يتعلق بالطعن على من تقدم على علي ظلماً و عدواناً من لفظه: و منها: ما رواه البلاذري و اشتهر في الشيعة أنه حصر فاطمة علیها السلام حتي أسقطت محسناً مع علم کل أحد بقول أبیها صلي الله علیه و آله و سلم لها: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني»... ثم نقل أشعاراً... قال الحميري: ضُربت و اهتُضمت من حقها *** و أُذيقت بعده طعم السلع قطع اللَّه يدي ضاربها *** و يد الراضي بذاك المتّسع لاعفى الله له عنه و لا *** كف عنه هول يوم المطّلع و قال البرقي: وكللا النار من بيت و من حطب *** والمضرمان لمن فيه يسيان و ليس في البيت إلا كل طاهرة *** من النساء وصديق وسبطان فلم أقل غدر بل قلت قد كفرا *** و الكفر أيسر من تحريق ولدان و كل ما كان من جور ومن فتن *** ففي رقابهما في النار طوقان و قال: فيما يروون من تأذي عمر السوقي من ملك غسان جبلة. قال المصنف: فكيف يتحمل أذيّة فاطمة «سلام الله عليها»؟! ثم يسترسل في قصيدة و يذكر مصائب أهل البيت علیهم السلام من كتاب شعراء القطيف ج2 ص279.

ص: 335

(10) فأتت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ الملا حسن عبد الله آل جامع

كَيْفَ يَهْتَىٰ جِسْمِي بِطِيبِ مَنَامِ *** وَ نَبِيُّ الهُدَى طَرِيحُ سَقَامِ؟(1)

فَلَقَدْ كَابَدَ الأذِيَّةَ وَ التَّكْذِيبَ *** فِي بَدهِ دَعْوَةِ الإسلام

مِنْ قُرَيْشٍ وَكُلِّ رِجْسٍ غَوِيٍّ *** قَابَلَ المُصْطَفَى بِأَقْسَى الكَلامِ(2)

كَمْ أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ مِرَاراً *** وَ لَهُ اللَّهُ نَاصِرٌ وَ مُحَامِي

حَجَّ حِجَ الوَدَاعِ عَنْ أَمْرِ *** مَوْلاَهُ لِإِثْبَاتِ حُجَةٍ وَ مَقَامِ

فَقَضَى حِجَّهُ وَأَوْضَحَ لِلنَّاسِ *** جَمِيعَ الأُمُورِ فِي الأحْكَامِ

وَانْثَنَى رَاجِعاً وَقَدْ جَاءَ جِبْرَئِيلُ *** رَسُولاً مِنْ رَبِّهِ بِالسَّلاَمِ

قَائِلاً: أَيُّهَا الرَّسُولُ فَبَلِّغْ *** شِرْعَةَ اللَّهِ فِي عَلِيِّ الإِمَام(3)

وَ انْصِبِ المُرْتَضَى عَليًّا إِمَاماً *** ذَاكَ أَمْرُ المُهَيْمِنِ العَلامِ

وَ أَتَتْهُ عَلَى مَشَارِفِ خُمِّ *** عِصْمَةُ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الأَنَامِ(4)

أمَرَ النَّاسَ بِالنُّزُولِ فَلَبَّوا *** طاعةٌ لِلنَّبِي نَسلِ الكِرام

نَصَبُوا مِنْبَرَ الحَدَائِج وَ الكُورِ *** لِخَيْرِ الوَرَى النَّبِيِّ التَّهَامِي(5)

ص: 336


1- سَقَام: السقام: المرض.
2- رِجْسٌ: العمل القبيح.
3- شِرعة: شرعة الله: شريعته و أحكامه.
4- الأنام: الخلق.
5- الحدائج: جمع حذج و هو حمل البعير.

فَرَقَى فَوْقَهُ النَّبِيُّ وَ أَرْقَى *** المُرْتَضَى الطُّهْرَ فَارِسَ الإِسْلامِ

وَ دَعَاهُمْ أَلا أَنْصِتُوا لِمَقَالِ *** أَنَا مُلْقِيهِ بَيْنَكُمْ فِي مُقَامِي

رَافِعَاً فِي الجُمُوعِ كَفَّ عَلِيَّ *** سَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ بَدْرِ التَّمَامِ

إِنَّ هذا خَليفَتِي وَ وَصِيَّي *** وَ وَزِيرِي و ناصري في الزَّحامِ

إِنَّ هَذَا مَوْلاكُمُ وَ وَلِيُّ *** الأَمْرِ بَعْدِي وَ حُجَّةُ العَلامِ

فَأَجَابُوهُ: إِنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا *** وَ أَطَعْنَاكَ فِي جَمِيعِ الكَلاَمِ

بَايَعُوا المُرْتَضَى وَ بِالحِقْدِ أَخْفُوا *** مَا أَكَنَّتْ صُدُورُهُمْ مِنْ مَرَامِ(1)

ثُمَّ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ المُفَدَّى *** سارَعُوا بِالأَذَى لِذَاكَ الإِمَامِ

قَبْلَ أَنْ يُودَعَ النَّبِيُّ بِقَبْرٍ *** نَكَثُوا بَيْعَةَ الإِمَامِ الهُمَامِ

ثُمَّ جَاءَتْ لِبَيْنِهِ وَ أَدَارَتْ *** خَطَبَ الجَزْلِ عُصْبَةُ الأَثَامِ(2)

فَانْثَنَتْ فَاطِمُ البَتُولُ وَ نَادَتْ *** مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيِّ المُقَامِ؟

ص: 337


1- أَكَنَّت: كنَّ الشيء و أكنَّه: ستره.
2- وأقبل عمر يقبس من نار في حرق باب الزهراء علیها السلام. قال المؤرخون: «و أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة الزهراء علیها السلام ثم نادى برفيع صوته اخرجوا من الدار و إلا حرقناها عليكم بما فيها و كان يريد خروج علي إلى مبايعة أبي بكر فقالوا له: إن في الدار فاطمة علیها السلام فقال: وإن... أي حتى لو كانت فاطمة علیها السلام فإن وجودها لايمنعني من اقتحام الدار وإحراقها. و قد ذكر حافظ إبراهيم الشاعر المصري المعروف بشاعر النيل هذا المعنى بقصيدة يقول فيها: و قولة لعلي قالها عمر *** أكرم بسامعها، أعظم بملقيها حرقت دارك، لاأبقي عليها بها *** إن لم تبايع، و بنت المصطفى فيها ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة علیها السلام فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا و كادت قلوبهم تتصدع و أكبادهم تتفطر و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر ليبايع. الغدير، الأميني، ج5 ص373.

فَدَعَا بَعْضُهُمْ عَلَيَّ بِنَارٍ *** أَوْعَلِيُّ يُقَادُ بِالإِرْغَامِ(1)

فَأَتَتْ فَاطِمُ البَتُولُ لِلبَابِ *** وَلاَذَتْ بِهِ عَنِ الأقوامِ

هَجَمَ القَوْمُ وَ البَتُولُ تَوَارَتْ *** وَ هْيَ مِصْدَاقُ عِفّةٍ وَ احْتِشامِ

عَصَرُوهَا وَ مُحْسِناً أَسْقَطُوهَا *** وَ عَلِيَّا قَادُو بِحَبْلِ الحُسَامِ(2)

كَسَرُوا ضِلْعَهَا فَيَا لَهْفَ نَفْسِي *** لِلَّذِي نَالَهَا مِنْ الآلامِ

رَوَّعُوهَا وَ عَيْنَهَا لَطَمُوهَا *** وَ دَعَوهَا رَهِينَةَ الأَسْقَامِ

فَقَضَتْ بِالأَسَى وَ بِالهَضْم حَتَّى *** لَحِقَتْ بِالنَّبِيِّ عِنْدَ السَّلامِ

وَ كَأَنِّي بِهَا اشْتَكَتْ مَا عَرَاهَا *** لأَبِيهَا مِنَ البُغَاةِ اللِّئَامِ(3)(4)

ص: 338


1- الإرغام: القسر و الإجبار.
2- فى كتاب سليم بن قيس، ص40. كان قنفذ حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط ألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت علیها السلام من ذلك شهيدة.
3- الباغي: بغى الرجل: ظلم و عدل عن الحق.
4- مهراق المدامع ص28.

(11) بنت النبي صلي الله علیه و اله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ حسن علي الخطي

وَ مَنْ يَنْظُرِ الدُّنْيَا بِعَيْنِ بَصِيرَةٍ *** يَجِدْهَا أَغَالِيطاً وَ أَضْغَاثَ حَالِمِ(1)

وَ يُوقِظُهُ نِسيانُ مَا قَبْلَ يَوْمِهِ *** إِلَى أَنَّهَا مَهمَا تَكُنْ طَيْف نَائِمِ

وَلكِنَّهَا سَحَّارةٌ تُظهِرُ الفَنَا *** بِصُورَةِ مَوْجُودٍ بِقَالَبٍ دَائِمِ

وَ لافَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَ مَرِيرِها *** وَ مَا يُدْعَى حُلُوا سِوى وَ هُم وَاهِم

فَكَيْفَ بِنُعْمَاهَا يُغَرُ أَخُوحِجَى *** فَيَقْرَعُ إِنْ فَاتَتْ لَهَا سِنَّ نَادِمِ؟(2)

وَ هَلْ يَنبَغِي لِلْعَارِفِينَ نَدَامَةً *** عَلَى قَائِتٍ غَيْرَ اكْتِسَابِ المَكَارِمِ؟

وَ مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ اسْتِرَاحَةٍ *** وَ تَحْصِيلِ لَذَّاتٍ لِغَيْرِ البَهَائِم

عَلَى قَدْرِ بُعْدِ المَرْءِ مِنْهَا ابْتِعَادُهُ *** عَنِ الرُّوحِ وَ اللَّذَاتِ ضَرْبَةُ لأَزِمِ

أَلَمْ تَرَ آلَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَاكَمَتْ *** عَلَيْهِمْ صُرُوفُ الدَّهْرِ أَي تَرَاكُمِ؟(3)

أَمَا شَرَقَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ بَرِيقَهَا *** وَ جَرَّعَهَا الأَعْدَاءُ طَعْمَ العَاقِمِ؟(4)

ص: 339


1- أضغاث أحلام: أحلام مختلطة ملتبسة لايصح تأويلها لاختلاطها.
2- حجى: عقل.
3- تراكمت عليهم صروف الدهر: اجتمعت و تجمعت عليهم نوائب الزمان.
4- العلاقم: جمع العلقم و هو الحنظل أو كل شيء مُرّ وجاء في كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص531 ح26 ط2/ نشر المرضية. الما أوقف علي علیه السلام تكلّم فقال: أيها الغدرة الفجرة... أو تضرب الزهراء علیها السلام قهراً و يؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد؟ فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرة فتباً تباً و سحقاً سحقاً ذلك أمر إلى الله مرجعه و إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مدفعه فقد عز على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسودِّ متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه».

أَمَا عُصِرَتْ بَيْنَ الجِدَارِ وَ بَابِهَا *** أَمَا نَبَتَ المِسْمَارُ فِي صدرِ فَاطِمِ؟(1)

أَمَا أَسْقَطُوهَا لاَرَعَى اللَّهُ قَوْمَهَا *** جَنِينَ حَشَاهَا مُحْسناً يَا لِهَاشِمِ؟(2)

ص: 340


1- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب «إثبات الوصية» للمسعودي الهذلي ص155 ط2/دار الأضواء -بيروت: «... وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً». أقول: و لعل البعض يتساءل قائلاً: و هل كانت للبيوت أبواب في ذلك العصر حتى وقعت هذه المصيبة العظمى؟ و للإجابة باختصار نقول: لقد ورد في العديد من المصادر ذكر الباب وكيفيتها في ذلک و هي دالة على وجودها ونشير إليها على عجل: ما روي عن حياء عثمان وفيه قوله إن كان ليكون في البيت و الباب مغلق عليه فما يضع عنه الثوب مسند أحمد ج1 ص73 و74. عن حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر و هو مستند إلى قصر عروة فقال: أترى هذه الأبواب و المصاريع؟ إنما هي من سدر عروة. كان عروة يقطعه من أرضه. و قال: لابأس به. سنن أبي داود، ج4، ص363 كتاب الأدب ح5241. في حديث الشورى التي ابتكرها عمر بن الخطاب لتعيين الخليفة بعده نجده قد أمرهم بأن يدخلوا بيتاً و يغلقوا عليهم بابه و يتشاوروا في أمرهم. غاية المرام ص296. في حديث دفن عثمان يقولون: إنهم «حملوه على باب» أسمع قرع رأسه على الباب كأنه دباءة و يقول: دب دب حتى جاؤوا به حش كوكب... مجمع الزوائد، ج9، ص95. عن محمد بن سعد قال: جاء سعد فقرع الباب و أرسل إلى عثمان: إن الجهاد معك حق. تاريخ المدينة ابن شية/ ج4، 1274. عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال له: إن عثمان فتح الباب و أخذ المصحف فوضعه بين يديه... تاريخ الأمم و الملوك/ الطبري/ ج4 ص383. و في حديث ما جرى لعثمان أيضاً: «أنه لما استغاث أهل الشام فعرف الناس ذلك «فعا جلوه فأحرقوا الباب باب عثمان فلما وقع الباب ألقوا عليه التراب و الحجارة فلما رأى الباب قد أحرق خرج إليهم». العقد الفريد، ج4 ص301. و في حديث قتل عثمان أيضاً فإذا هم مضطرون إلى جرّ الباب هل سكن بعد أم لا؟ قال: فجاؤوا فدفعوا الباب». تاريخ المدينة، ابن شية، ج4 ص1284.
2- و حين أحرق الباب أي باب عثمان خرج المغيرة بسيفه و قال: لما تهدمت الأبواب و احترقت *** يممت منهن باباً غير محترق نهاية الارب، ج19 ص494. و في قصة قتل عثمان أيضاً يقول النص التاريخي «دعا عثمان بمصحف فهو يتلوه إذ دخل عليه داخل و قد أحرق الباب». الكامل في التاريخ، ج3 ص175. استأذن المصريون عثمان فلم يأذن لهم فهمّوا بإحراق بابه و دعوا بالنار فخرج إليهم و حذيفة بين يديه فولوا عنه... إلى أن يقول حسان بن ثابت: إن تمس دار بني عفان خاوية *** باب صريع و باب محرق خرب فقد يصادف باغي الخير حاجته *** منها و يأوي إليها الجود و النسب العقد الفريد، ج4 ص115. و قد أوصى رافع بن خديج أن لاتكشف امرأته الفزارية عما أغلق عليه بابها. صحيح البخاري، ج2 ص82/ كتاب الوصايا: باب 8. عن الحسن: أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً قد أغلق عليهما و أرخى عليهما الأستار فجلدهما عمر بن الخطاب مائة مائة... كنز العمال، ج5 ص415. أرسل عمر رجلين إلى عامل له بمصر فاستأذنا عليه فقال: إنه ليس عليه إذن فقالا: ليخرجن علينا أو لنحرقن بابه و جاء أحدهما بشعلة من نار... الخ. تاريخ عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، ص140. و في حديث عمر مع المغيرة و أبي موسى الأشعري فقام إلى الباب ليغلقه فإذا أذنه الذي أذن عليه في الحجرة فقال: امض عنا لا أم لك. فخرج و أغلق الباب خلفه ثم جلس». شرح نهج البلاغة المعتزلي، ج2 ص32. أرسل عمر محمد بن مسلمة ليحرق باباً من خشب كان صنعه سعد بن أبي وقاص لقصره في الكوفة فأحرقه. كنز العمال، ج12 ص661. حديث المرأة التي كانت في بيتها تنشد شعراً في مدح النبي صلي الله علیه و اله و سلم و عمر يسمع في الخارج. فما زال يبكي حتى قرع الباب قال: افتحي رحمك الله فلا بأس عليك، ففتحت له. كنز العمال، ج2 ص778، ج12، ص562. و لاأظن يبقى مجال للشك أو التردد في وجود الأبواب في ذلك العصر حتى عصر الصدّيقة الطاهرة علیها السلام بين واحدة منها و بين الجدار و جرى عليها ما جرى فتأمل جيداً.

أَمَا رُوِّعَتْ بِالسَّوْطِ قنع رَأْسِهَا *** وَ وَشَّحَ مَثْنَيْهَا بِهِ شَرُّ غَاشِمِ؟(1)

ص: 341


1- في «لسان المیزان» ج1 ص268 ح824 ط3 مؤسسة الأعلمی -بیروت. «...إن عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن...». عن كتاب سليم بن قيس ص40 ط/ مؤسسة البعثة/ طهران:«...و قد كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حين حالت بينه و بين زوجها...».

أَمَا نَابَتِ الكَرارَ مِنْهَا نَوَائِبُ *** نَوَائِبُ لكِنْ عَنْ سُمُوم الأَرَاقِمِ؟(1)

أَمَا قَيَّدُوهُ فِي حَمَائِلِ سَيْفِهِ *** لأَخْبَثِ ضِلَّيلِ وَ أَخْبَثِ ظَالِمِ؟

أَمَا أَوْقَفُوهُ لاَرَعَى اللَّهُ قَوْمَهُ *** عَلَى رَأْسِ عِجْلِ القَوْمِ وَقْفَةَ آثِمِ؟

أَلَمْ يَعِدِ الزَّاكِي ابْنَهُ وَ هُوَ مُلْجَأَ *** إِلَى سِلْم حَرْبٍ وَ هُوَ غَيْرُ مُسَالِمِ؟

أَمَا هَجَمُوا فُسْطَاطَهُ وَ تَنَاهَبُوا *** بِهِ رَحْلَهُ نَهْبَ الغُزَاةِ الغَنَائِمِ؟

أَمَا دَسَتِ الأعدا لَهُ السُّمَّ غِيلَةً *** فَأَلْقَى بِهِ فِي الطَّشْتِ قَلْبُ المَكَارِم؟

أَمَا رَشَفُوهُ النَّيْلَ وَ هُوَ جَنَازَةٌ *** عَلَى النَّعْش لابَلْ فَوْقَ هَام النَّعَائِمِ؟

وَ إِنْ أَنسَ لا أَنْسَى الحُسَيْنَ وَ قَدْ غَدَا *** عَلَى رَغْم أَنْفِ الدِّينِ نَهْبَ الصَّوَارِمِ

قَضَى بَعْدَ مَا ضَاقَتْ بِهِ سَعَةُ الفَضَا *** فَضَاقَ لَهُ شَجْراً فَضَاءُ العَوَالِمِ

قَضَى بَعْدَ مَا اسْوَدَّ النَّهَارُ بِوَجْهِهِ *** عَلَى خَيْرِ صَحْبٍ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمِ(2)

قَضَى وَ هُوَ حَرّانُ الفُؤَادِ مِنَ الظَّمَا *** عَلَى غُصَصٍ فِيهَا قَضَى كُلُّ هَاشِمِ

فَمَا لِنِزارٍ لاَتَقُومُ بِثَارِهَا *** فَتُرْضِعُ حَرْباً مِنْ ضُرُوعَ اللَّهَاذِمِ(3)

وَ تَمْلَؤُها خَيْلاً قَدْ تَسَابَقَ طَرْفُهَا *** عَلَى آلِ حَرْبٍ تَحْتَ أَسْدِ ضَرَاغِمِ

فَتُوطِئَ هَاتِيكَ السَّنَا بِكُ هَامَهُمْ *** كَمَا أَوْظَؤُوهَا صَدْرَ سَيْدِ هَاشِمِ(4)

هَل اسْتَبْدَلَتْ بِاللَّطْمِ فَوْقَ وُجُوهِهَا *** عَنِ الضَّرْبِ بِالأَسْيَافِ وَجْهَ الضَّيَاغِمِ؟

وَ هَلْ رَضِيتَ عَنْ سَفْكِ آلِ أُمَيَّةٍ *** دِمَاهَا بِإِجْرَاءِ الدُّمُوعِ السَّوَاجَمِ؟(5)

هُبُوا القَتْلَ فِيكُمْ سِيرَةٌ مُسْتَمِرَةً *** فَهَلْ عَرَفْتَ كَيْفَ السَّبْيَ ابنةُ فَاطِمِ؟

ص: 342


1- الأراقم: الأفاعي.
2- ذؤابة: ذؤابة القوم المتقدّم فيهم.
3- اللهاذم: الحادّة القاطعة من السيوف و الأسنّة و الأنياب.
4- السنابك: أطراف الحوافر.
5- الدموع السواجم: السائلة قليلاً أو كثيراً.

أَهَانَ عَلَيْكُمْ أَنَّهَا بَيْنَ شَامِتٍ *** يُرَوِّعُهَا شَانٍ وَآخَرُ لاَطِمِ

أَهَانَ عَلَيْكُمْ أَنَّهَا اخْتَلَفَتْ عَلَى *** مَقَانِعِهَا الأَيْدِي كَسَبْيِ الدَّيَالِم

أَهَانَ عَلَيْكُمْ هَجْمَةُ الخَيْلِ خِدْرَها *** كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكَ الخِبَا خِدْرَ هَاشِمِ؟

لَهَا اللَّهُ مِنْ مَذْعُورَةٍ حِينَ أَضْرَمُوا *** عَلَيْهَا فَفَرَّتْ كَالحَمَامِ الحَوَائِمِ

لَهَا اللَّهُ حَسْرَى قَدْ تَقَطَّعَ قَلْبُهَا *** زَفِيراً إِلَى أنْ سَالَ عَتْباً عَلَى فَم

فَمَا بَالُ قَوْمِي لاعَدِمْتُ انْعِطَافَهُمْ *** وَ كَانُوا أُباةَ الضَّيْم مَاضِي العَزَائِمِ؟(1)

أَعَارُونِي الصَّمَا أَلَمْ يَسْمَعُوا النَّدا *** وَ فَرُّوا كَأَنْ لَمْ يَدْرُوا أَنِّي بِلاحَمي؟(2)

ص: 343


1- أباة الضيم: مانعي الظلم والقهر.
2- رياض المدح و الرثاء ص336.

(12) مصيبة فاطم علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ ملا داود الكعبي(*)(1)

ص: 344


1- (*)هو الشيخ ملا داود بن سلمان بن محمد بن عبد الله بن شهاب الكعبي، ينتهي نسبه إلى كعب بن عامر رئيس قبائل كعب، القبيلة العربية الشهيرة ذات المجد الأثيل والعز والمنعة، و من رجالها و شخصياتها العلمية و الأدبية و الثقافية الشاعر الفذ الشيخ الحاج هاشم الكعبي، الذي يمر على وفاته عشرات السنين و شعره يعاد ويكرر في محافل سيد الشهداء، و يحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني، و هو مقبول مستملح، بل نجد الكثير يطلب تلاوته و تكراره و كأن عليه مسحة قبول. و أيضاً من أعلام هذه القبيلة أستاذنا المكرم الخطيب اللامع المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي الذي تخرج عليه جيل من مفاخر خطباء المنبر الحسيني فهو من أبرز الخطباء الخالدين و حقاً إذا قلنا إنه كان خطيباً مخلصاً في خدمته لأبي عبد الله الحسين علیه السلام. و قد تفرّد الشيخ عبدالزهراء الكعبي في قراءة المقتل الحسيني بأسلوب ثاكل حزين، و لايمر عاشوراء على المجتمع الإسلامي إلا و المقتل بصوت الكعبي يعتبر جزءاً من أهم الشعائر في يوم عاشوراء كما أن لهذه القبيلة العريقة شخصيات بارزة ومتواجدة في عدة أقطار في جنوب إيران وفي العراق. ولد المترجَم له في قرية الشقيقة (الدورق) التابعة لمحافظة الأهواز الإيرانية سنة (1313ه_)، نشأ فيها نشأته الأولى بعد أن درس مقدمات العلوم و المعارف على بعض الأساتذة هناك و أخذ العلوم العربية على يد الشيخ أسد الله البهبهاني و الشيخ محمد صالح بن سعد و ملا داود الكعبي. لما بلغ الخامسة عشرة من عمره اتصل بالخطيب ملا علي العقيلي الذي راح بدوره يحبب له القراءة و الخطابة و تلقى ما يلزم حفظه من شعر و نثر، ثم جعل يتدرج في ميدان الخطابة حتى ذاع خبره إلى البلدان النائية كالبحرين و الاحساء و القطيف و دبي و مسقط. و طلب أهالي البحرين من المترجم له الهجرة إليهم و السكن عندهم فلم يجد مانعاً من الرحيل إلى هناك و البقاء في البحرين مدة من الزمن خطيباً و واعظاً، ثم هاجر إلى بلاد الاحساء، فكان من أبرز خطبائها يمارس الخدمة الدينية و الخطابة الحسينية. و قد عرف المترجَم له بالذكاء المفرط و طول الباع و سعة الاطلاع، خلف آثاراً علمية و أدبية منها: 1-الدروع الداودية يقع في أربعة أجزاء. 2-مقدمة الدروع يقع في أربعة أجزاء. 3-البلوى في بنات حوى. 4-النصائح الداودية والأرواح العنبرية. 5-نزهة الناظر و فرحة الخاطر. 6- ديوان شعر. وافاه الأجل المحتوم في النجف الأشرف قاصداً و زائراً مرقد أبي الأوصياء الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام، و ذلك في ليلة الاثنين التاسع من شهر شعبان سنة (1392 ه_)، و دفن في النجف الأشرف.

سَلِ الدَّارَ عَنْ أَرْبَابِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا *** أَفَاجَأَهُمْ مِنْ حَادِثِ الدَّهْرِ صَيْلَمُ؟(1)

فَعَهْدِي بِهْذِي الدَّارِ تَزْهُو بِأَهْلِهَا *** وَهَا هِيَ تَحْكِي الوَيْلَ لَكِنَّهُ دَمُ

عَلَى جِيرَةِ حَازُوا الفَضَائِلَ وَ التَّقَى *** وَ لَوْلاهُمُ مَا كَانَ نُوحٌ وَآدَمُ(2)

ص: 345


1- يمّموا: قصدوا. صَيْلَم: سيف. داهية. أمر شديد. وقعة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي تليه إلى ما رُوي من أنهم سبب الخلق علیه السلام. ففي كتاب فرائد السمطين ج1 ص36 قال: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لما خلق الله «تعالى» آدم أبوالبشر و نفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجداً ركعاً؛ قال:آدم يا ربِّ هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققتُ لهم خمسة أسماء من أسمائي، و لولاهم ما خلقت الجنة و لاالنار و لاالعرش و لاالكرسي، و لاالسماء، و لاالأرض و لاالملائكة، و لاالإنس، و لاالجن. فأنا المحمود و هذا محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أنا العالي و هذا عليّ، علیه السلام و أنا الفاطر و هذه فاطمة علیها السلام و أنا الإحسان و هذا الحسن علیه السلام و أنا المحسن علیه السلام و هذا الحسين علیه السلام؛ آليتُ بعزتي أنه لايأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري و لاأبالي... الخ الحديث. و أسماء أهل الكساء من اختيار اللَّه. في البحار، ج37 ص47. كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذات يوم جالساً و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال: «والذي بعثني بالحق بشيراً ما على وجه الأرض خلق أحبّ إلى الله «عز وجل» و لاأكرم عليه منا... إن الله «تبارك و تعالى» شق لي اسماً من أسمائه فهو محمود و أنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم و شق لك يا علي اسماً من أسمائه فهو العلي الأعلى و أنت علي علیه السلام... و شق لك يا حسن اسماً من أسمائه فهو المحسن و أنت حسن علیه السلام... و شق لك يا حسين اسماً من أسمائه فهو ذو الإحسان و أنت حسين علیه السلام... و شق لك يا فاطمة علیها السلام اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة علیها السلام»... ثم قال: «اللهم إني أشهدك أني سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم و محب لمن أحبهم و مبغض لمن أبغضهم و عدو لمن عاداهم و ولي لمن والاهم لأنهم منّي و أنا منهم».

وَ لَوْلاَهُمُ مَا كَانَ دَاوُودُ وَ ابْنُهُ *** وَ مَا كَانَ عِيسَى وَ البَتُولَةُ مَرْيَمُ

وَ لَوْلاَهُمُ مَا لابْنِ عِمْرَانَ نَاصِرٌ *** يُدَافِعُ فِرْعَوْناً وَ هَامَانَ مِنْهُمُ

وَ لَوْلاَهُمُ مَا لِلنَّبِيِّينَ أُسْوَةٌ *** وَلَكِنْ بِهِمْ قَدْ شُرِّفُوا حِينَ يَمَّمُوا

وَ لَوْلاهُمُ مَا كَانَ شَمْسُ مُضِينَةٌ *** وَ لَوْلاهُمُ مَا كَانَ بَدْرٌ وَ أَنْجُمُ

وَ لَوْلاَهُمُ مَا كَانَ إِنْسٌ وَ جِنَّةٌ *** وَ لَوْلاهُمُ مَا حَجَّ لِلَّهِ مُحْرِمُ

فَبُعْداً لِمَنْ عَادَاهُمْ يَوْمَ حَشرهِ *** وَ قُرْباً لِمَنْ قَدْ كَانَ يُعْزَى إِلَيْهِمُ(1)

وَ إِنْ أَنْسَ لاَأَنْسَى مُصِيبَةَ فَاطِمٍ *** هِيَ الطحيّةُ العَمْيَا بِهَا النَّاسُ قَدْ عَمُوا(2)

أَتُعْصَرُ مَا بَيْنَ الجِدَارِ وَ بَابِهَا؟ *** وَ ذَلِكَ أَمْرٌ فِي الوَصِيَّةِ مُحْكَمُ(3)

ص: 346


1- يُعزى: يُنْسَب.
2- الطخية: مثلث الطاء (فتحها-كسرها-ضمّها) الظُّلْمَة.
3- في هذين البيتين إشارة إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام يوم هجومهم على الدار و عصرها ما بين الحائط و الباب انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19. و في نهج الحق و كشف الصدق للعلامة الحلي، ص271-273 قال الإمام العلامة الأوحد آية الله المطلق جمال الدين الحلي في نهج الحق وكشف الصدق... ومنها -أي ما جاء في كتب القوم من المطاعن-: أنه طلب هو -أي أبوبكر و عمر إحرّاق بيت أميرالمؤمنين علیه السلام و فيه أميرالمؤمنين و فاطمة و ابناهما علیهم السلام و جماعة من بني هاشم لأجل ترك مبايعة أبي بكر. ذكر الطبري في تاريخه: قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي علیه السلام فقال: واللَّه لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة. و ذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة فيهم: أسيد بن الحضير و سلمة بن أسلم فقال: اخرجوا أو لنحرقنها عليكم. و نقل ابن خيزرانة في غرره قال زيد ابن أسحم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي علیه السلام و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة علیها السلام: اخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه. قال: و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم فقالت فاطمة علیها السلام: تحرق علي ولدي؟ فقال: إي والله أو ليخرجن وليبايعن. و قال ابن عبد ربه -و هو من أعيان السنة-. فأما علي علیه السلام و العباس فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام -و قال له أبوبكر: إن أبيا فقاتلهما... فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب! أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم. و نحوه روی مصنف کتاب المحاسن و أنفاس الجواهر. فلينظر العاقل من نفسه: هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء إن كان هذا نقلهم صحيحاً و إنهم قصدوا بيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم لإحراق أولاده على شيء لايجوز فيه هذه العقوبة مع مشاهدتهم تعظيم النبي صلي الله علیه و آله و سلم لهم؟! و كان صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم يخطب فعبر الحسن علیه السلام و هو طفل صغير فنزل من منبره و قطع الخطبة و حمله على كتفه و أصعده المنبر ثم أكمل الخطبة... و بال الحسين علیه السلام يوماً في حجره و هو صغير فزعقوا به فقال: «لاتزرموا على ولدي بوله»... مع أن جماعة لم يبايعوا فهلا أمر بقتالهم و بأي اعتبار وجب الانقياد إلى هذه البيعة و النص غير دال عليها و لاالعقل؟ فهذا بعض ما نقله السنة من الطعن على أبي بكر والذين فيه على الرواة من السنة. نقل من الدروع الداودية في معاجز العترة الأحمدية ج1 ص15.

ص: 347

(13) خير البرايا

(بحر المتقارب)

الشيخ سلطان علي الصابر(*)(1)

سَلامٌ عَلَى الظُّهر بِنْتِ الْهُدَى *** سَلامٌ عَلى نورٍ أَهْلِ الْحَرَمِ

هَنِيئاً لَها مِنْ فِعَالٍ جَمِيلٍ *** نَوالِ غَزِيرٍ لَها فِي النِّعَمِ

فَخَيْرُ الْبَرايا أبوهَا الرَّسُولُ *** يَشُعُ كَبَدْرِ السَّمَا فِي الظُّلَمِ

سَلامٌ عَلى زَوْجِهَا الْمُرْتَضَى *** هِزَبْرِ النّزالِ وَ أَصْلِ الْكَرَمِ(2)

لَهَا وَلَدَانِ إماما هُدىً *** وَ لَيْثا عَرِينِ لَدَى الْمُزْدَحَمِ

وَإِنَّ الْإِبَاءَ هُما رَوَّجاه *** کَنارٍ تَراهُ بِأَعْلَى عَلَمِ

وَ ذُرِّيَّةٌ أصْلُهَا ثَابِتٌ *** وَ فَرْعٌ لَهَا فِي السَّمَاءِ أَشَمّ(3)

وَ ها لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَمْلَنا *** وَ نَجْمُ السُّعودِ بِها قَدْ نَجَمَ

ص: 348


1- (*) هو الشيخ سلطان علي بن ملا حسين صابر التستري. ولد بتستر عام (1359 ه_) أخذ علومه و معارفه في حوزة كربلاء المقدسة على علمائها الكبار أمثال آية الله العظمى الشيخ يوسف الخراساني و آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي و الشيخ محمد الكلباسي و السيد مرتضى القزويني، و السيد حسن الشيرازي و الشيخ جعفر الرشتي. و قد رقى المنبر الحسيني خطيباً باللغتين العربية و الفارسية، و قرض الشعر أيضاً باللغتين نفسيهما منذ عنفوان شبابه. صدر له مؤلفات عدة، منها: 1-شرح قصيدة الفرزدق و تخاميسها، 2-رباعیات التستري، 3-الموشحات الدينية، 4- أركان البلاد وساسة العبادي في رجال تستر و عربستان، 5- منظومة حديث الكساء و غيرها من المؤلفات و ما يزال في خدمة الدين الحنيف في نظم الشعر و التأليف.
2- هزبر: الأسد القوي.
3- أشم: (جبل أشم) أي طويل الرأس.

فَغَرِّدْ أَيَا عَنْدَلِيبَ الْوِصالِ *** عَلَى الْأَيْكِ وَ الْبانِ ذا مُعْتَتَنم

بِميلادِها كُلُّ رَوْضِ بَهِيجٍ *** تَأَرَّجَ مِسْكاً لَها وَ ابْتَسَم

فَدارَ الرَّحِيقُ الْمُصَفَا الرَّقِيقُ *** عَلى نَشْوَةٍ ذُقْتُهُ بِالنَّغَمِ

وَ صَلَّى الْإِلَهُ عَلى أَحْمَدٍ *** إِذا مَا اسْتَوى نَظْمُ دُرٍ وَتَمِ

وَ سُلْطانُ عَبْدَ لدى بابِهِ *** عَلى تُرْبِهِ كَمْ بَكَى وَ الْتَثَمْ(1)

ص: 349


1- التثَم: (لثم) قبل.

(14) يا أم والدها علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ سلمان الربيعي(*)(1)

أَيُّ الفَضَائِل فِيها يَبْدَأُ الكَلِمُ *** وَ هَلْ يُوَفِّي إِذَا مَا دَوِّنَ القَلَمُ؟

و كَيْفَ يُوصَفُ يَوْمٌ شَعَّ مُؤْتَلِقاً *** بِهِ العَقِيدَةُ لِلإِسْلاَمِ تَبْتَسِمُ؟

حَيْثُ السُّرُورُ وَقَدْ لاَحَتْ بَوارِقُهُ *** عَلَى مُحَيّا رَسُولِ اللَّهِ تَرْتَسِمُ(2)

وَ مَكَّةُ مَا رَأَتْ فِي أُفُقِها أَبداً *** نُوراً كَنُورِ الَّتِي تُجلَى بِهِ الظُّلَمُ

نُورٌ تَلأَلأَ فِي أَرْوَاحِ مَنْ جَعَلُوا *** حُبَّ البَتُولِ نَجاةً مِنْ لَظَى لَهُمُ

فَلَيْسَ يَخْشَى امْرُؤٌ فِي الدَّهْرِ طارِقَةٌ *** مادامَ بِالمُصْطَفَى والآلِ يَعْتَصِمُ

***

یا ساقِیَيَّ اسْقِيانِي تَرُوِيا ظَمَئِي *** فَبَيْنَ جَنْبَیَّ نارُ الوَجْدِ تَضْطَرِمُ

فَما عَهِدْتُكُما أَنْ تُحْرِقا شَفَةً *** لَوْ لاَمَسَتْها شِفاهُ الكَأُسِ تَبْتَسِمُ

مِنْ حُبِّ فاطِمةٍ كَأْساً إِذَا ارْتُشِفَتْ *** تُجْلَىٰ هُمُومِي بِهَا تَالِلَّهِ وَالسَّقَمُ

لاَ تَسْقِيَانِي سِوَى ما يُذْهِبَنْ شَجَنِي *** فَأَطْيَبُ الكَأْسِ مَا يُنْسَى بِهِ الأَلَمُ

وَأَسْمِعَانِي مِنَ الصَّدّاحِ زَغْرَدَةً (3) *** فَلَيْسَ يَحْلُو لِقَاءٌ ما بِهِ نَغَمُ

إِنّي وَإِنْ كُنْتُ لِلأَحْزَانِ مُرْتَهَناً *** يَنْتَابُنِي الغَمُّ وَاللَّأَوَاءُ وَالسَّأَمُ(4)

ص: 350


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- البوارق: السُّحب ذوات البرق.
3- الصَّداح: رفع الصوت بالغناء.
4- اللأواء: الشدّة والمحنة.

فَكَلْكَلِي بَاتَ هذَا اليَوْمَ مُنْشَرِحاً *** حَيْثُ المَبَاهِجُ وَالآلآءُ وَالكَرَمُ(1)

يَوْمٌ بِهِ بَضْعَةُ المُخْتَارِ قَدْ وُلِدَتْ *** لِيُولَدَ الحَقُّ وَالإِيمَانُ وَالنَّعَمُ

مَا كَانَ أَعْظَمَهُ يَوْماً غَدَاةَ سَما *** لِلدِّينِ وَ المُصْطَفَى فِي مَكَّةٍ عَلَمُ !

فَالشَّانِئُونَ شَتَاتٌ بَعْدَ جَمْعِهِمُ *** وَظَهْرُ مَنْ شَانَأَ المُخْتَارَ مُنْقَصِمُ

ما ضَرَّ فاطِمَةً مِنْ كَوْنِهَا امْرَأَةً *** إِنْ صَرَّحَتْ بِاسْمِهَا الآيَاتُ وَالحِكَمُ؟(2)

ما ضَرَّها وَهْيَ لِلنِّسْوَانِ سَیِّدةٌ *** وَكُلُّ مَنْ فِي الوَرى طُرّاً لَهَا خَدَمُ؟(3)

تَبْقَى البَتُولُ وَيَبْقَى حُبُّها سَبَباً *** يَوْمَ الجَزَاءِ بِهِ تَسْتَشْفِعُ الأُمَمُ(4)

***

ما لِي إِذَا قُلْتُ قَوْلَ الحَقِّ عَنَّفَنِي *** بَعْضُ الأُنَاسِ وَمِنْ آرَائِي انْتَقَمُوا؟

أَلَمْ تَمُتْ خِيرةُ النِّسْوَانِ وَاحِدَةً *** عَلَى فُلاَنٍ وَمِنْ مِيراثِهَا اغْتَنَمُوا؟(5)

يَا صَاحِبِي رَايَةُ الإِسْلامِ مَا انْتَكَسَتْ *** لَوْ عَنْ أَبِيها وُلاةُ الأَمرِ ما انْفَصَمُوا (6)

ص: 351


1- كلكلي: صدري.
2- إشارة إلى الآيات التي وردت في شأنها علیه السلام ومن جملة هذه الآيات قوله «تعالى» في سورة الذاريات آية17: «كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون» فقد روي في كتاب شواهد التنزيل ج2 ص194 عن عبد الله بن عباس قال: نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و فاطمة علیهم السلام و قد أورد سماحة آية اللّه السيد صادق الشيرازي «دامت بركاته» كل ما ورد في شأنها في القرآن الكريم من روايات أهل السنة وجمعه في كتاب اسمه (فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن فراجع).
3- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص49: قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين».
4- في كتاب معاني الأخبار ص64: عن علي علیه السلام: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم تقول: إن مريم بتول، و فاطمة علیها السلام بتول؟ فقال: البتول التي لم تر حمرةً قط، أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء.
5- في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص274 في حديث طويل: فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدك و كتبت بها لها؟ قال: نعم، قال: إن علياً علیه السلام يجرّ إلى نفسه، و أم أيمن امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه و خرّقه.
6- انفصموا: انكسروا من غير بينونة. تصدّعوا.

وَاللَّهِ ما صُودِرَتْ مِنْ فاطِمٍ فَدَكٌ *** وَإِنَّما صُودِرَ الإِسْلامُ وَالقِيَمُ

وَاللَّهِ ما اقْتَحموا داراً لِفَاطِمةٍ *** وَإِنَّما بَيْتَ جِبْرِيلِ قَدِ اقْتَحَمُوا (1)

مَنْ آذَوُا المُصْطَفَى المُختارَ وَابْنَتَهُ *** وَمِنْ بَنِيها وَأَشْياعٍ لَهُمْ نَقَموا

وَصَادَرُوا حَقَّها في إِرثِ وَالدِها *** هُمْ أَرْذَلُ الناس بل شَرُّ الدواب هُمُ

يا لائِمي كَيْفَ لَمْ تَعْرفْ مَثَالِبَهُمْ *** وَالعُربُ تَعْرِفُها تَالِلَّهِ وَالعَجَمُ؟

قُلْ ما تَشَاءُ فَلاَ أَرْتَدُّ عَنْ كَلِمي *** هُمُ الرَّعادِيدُ فِي رَأْيِي وَإِنْ عَظُموا(2)

***

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى يَا أُمَّ وَالِدِهَا *** إِنَّا بِمَا شَرَّعَ المُخْتَارُ نَلْتَزِمُ(3)

إِنْ فَرَّقَتْنا يَدُ الأَهْوَاءِ مِثْلَ سَبَأ *** فَلَنْ تَزِلَّ بِنَا عَنْ نَهْجِكُمْ قَدَمُ

إِنْ خَيَّرُونِي أَتَرْضَى حُبَّ فاطِمَةٍ *** أَمْ جَنَّةَ الخُلْدِ فِي حَشْرِي أَقُلْ لَهُمُ؟

حُبُّ البَتُولِ إِلَى الفِرْدَوْسِ يُرْشِدُنِي *** فَكَيْفَ يَرْضَى سِوَاهُ العَاقِلُ الفَهِمُ؟(4) (5)

ص: 352


1- في كتاب تلخيص الشافي ج3 ص76: عن أبي جعفر بن محمد علیه السلام قال: واللّه ما بايع علي حتى رأى الدخان دخل بيته.
2- الرعاديد: الجبناء كثيرو الرعدة والارتعاد والاضطراب.
3- في كتاب كشف الغمة ج1 ص498 عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في حديث: «و من أنصفك فقد أنصفني، و من ظلمك فقد ظلمني، لأنك منّي و أنا منك وأنت بضعة منّي و روحي التي بين جنبيَّ. ثم قال صلی الله علیه و آله و سلم: «إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتي».
4- في كتاب فرائد السمطين ج2 ص66: عن الحسين بن علي علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام بهجة قلبي، و ابناها ثمرة فؤادي، و بعلها نور بصري، و الأئمة من ولدها أمناء ربّي و حبله الممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجا، و من تخلّف عنه هوى.
5- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص159.

(15) البضعة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

وَ لاَ بُدَّ مِنْ يَوْمِ بِهِ نَكْشِفُ الظُّلْمَا *** وَ نَمْلَؤُها (عَدْلاً) كَمَا مُلِئَتْ ظُلْما

وَنُورِدُهَا لِلْخَيْلِ شُقْراً عَلَى العِدَى *** وَلَكِنْ بِفَيْضِ النَّحْرِ نُصْدِرُهَا دُهْمَا(2)

وَنَأْتِي بِهَا شَعْوا تُثِيرُ مِنَ الثَّرَى *** سَمَاءً تَخَالُ البِيضَ فِي أُفْقِهِ(نَجْمَا)(3)

وَلاَ بُدَّ مِنْ يَوْمِ بِهِ نُرْكِزُ القَنَا *** بِصَدْرِ العِدَى وَالبِيضُ تُغْمِدُهَا الجِسْما

لَئِنْ تَدُرِ الأَيَّامُ نَسْتَوْفِ مَا مَضَى *** وَنَسْتَقْضِ مَنْ قَدْ خَصَّ مِنّا وَمَنْ عَمّا

وَنَمْلَأُ رَحْبَ الْأَرْضِ رُعْباً وَرَجْفَةً *** بِشُزَّبِ خَيْلٍ لَمْ تَزَلْ تَمْضَعُ اللُّجْما(4)

سَيَظْهَرُ (مَهْدِيُّ) الأَنَامِ وَ تَغْتَدِي *** لَنَا أَوْبَةٌ نُشْفِي القُلُوبَ بِهَا عَظْما

فَقُلْ لِبَنِي الوَرْهَاءِ أَيْنَ فِرَارُكُمْ؟ *** سَنَهْدِمُ مَا شَيِّدْتُمُوهُ لَكُمْ هَدْما(5)

أَلَمْ يَهْضِمُوا المَوْلَى الوَصِيَّ وَ يَنْقُضُوا *** شُرُوطَ الزَّكِيِّ السِّبْطِ حَتَّى قَضَى سُمَا؟

فَلَوْ أَنَّ (ثَهْلاَناً) وَرَضْوَىٰ وَ يَذْبُلاً *** حَمَلْنَ رَزَايَاهُمْ لَصَيَّرْنَهَا رَدْما(6)

فَنَحَّوْا (عَلِيًّا) وَهُوَ أَوْلاَهُمُ بِهِمْ *** وَلِلشِّرْعَةِ الغَرّا قَدِ انْتَخَبُوا (تَيْما)

بِأَقْرَبِهِمْ رُحْماً وَأَكْثَرِهِمْ عِلْماً *** وَأَقْدَمِهِمْ سِلْماً وَأَرْجَحِهِمْ حِلْما

ص: 353


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- شُقراً: أشقر وهو ما لونه بين الأحمر والأصفر. دُهْما: سُوداً.
3- شعواء: غارة شعواء: منتشرة واسعة، البيض: السيوف.
4- خیل شُزَّب: خيل ضامرة.
5- ورهاء: حمقاء.
6- ثهلاناً و رَضوى و يذبلا: أسماء جبال. رَدْما: ما يسقط من الحائط المتهدّم.

بِلاَ وَازِرٍ يُمْسِي وَلاَ نَاصِرٍ لَهُ *** وَلاَ ثَائِرٍ مِنْ رحْمِهِ يَصِلُ الرَّحمَا

بِلاَ دَافِعٍ عَنْهُ وَلا جَازِعٍ لَهُ *** وَلاَ رَافِعٍ ذُلاًّ دَهَاهُ وَلاَ هَضْما

وَأَخْبَثُهُمْ أَمًّا وَأَكْثَرُهُمْ لُوْماً *** وَأَحْفَرُهمْ جِرْماً وَأَعْظَمُهُمْ(جُرْما)

يَصُولُ عَلَى مَنْ عَمَّرَ الدِّينَ سَيْفُهُ *** وَيَقْتَادُ مَوْلاَهُ (ابنُ حَنْتَمَةٍ) حَتْما

فَمَنْ يَكْشِفُ الضُّرَّ أَوْ مَنْ يُفَرِّجُ الهَمّا *** عَنِ البَضْعَةِ الزَّهْرَا إِذِ اشْتَكَتِ الضَّيما؟(1)

أَيُسْقِطُهَا حَمْلاً وَيُورِثُهَا ذُلاًّ *** وَفِيهَا أَتَتْ (قُلْ لاَ) أَمَا خَشِيَ الإِنْمَا

وَمُذْ صَدْرَهَا أَدْمَى شَكَتْ زَادَهَا لَطْماً *** وَ لِلْعَبْدِ قَدْ أَوْمَى أَلاَ رُدَّهَا رَغْما

أَبَعْصِرُهَا عَصْراً وَيُوسِعُهَا زَجْراً *** وَيَلْطُمُهَا جَهْراً عَلَى خَدِّهَا لَطْما؟(2)

ص: 354


1- الضيم: الظلم و القهر.
2- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى ما جرى على الزهراء علیها السلام حين هاجم القوم دارها. انظر کتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 . وكتاب مؤتمر علماء بغداد 37. وكتاب الاحتجاج ج1 ص109. و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19. و إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 وكتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية. و كتاب البحار أيضاً ج30 ص294. و في كتاب فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر، ص93 قال: سيرة الخليفة وأصحابه مع علي علیه السلام التي بلغت من الشدة أن عمر هدد بحرق بيته وإن كانت فاطمة علیها السلام فيه ومعنى هذا إعلان أن فاطمة علیها السلام و غير فاطمة علیها السلام من آلها ليس لهم حرمة تمنعهم عن أن يتخذ معهم نفس الطريقة التي سار عليها مع سعد بن عبادة حين أمر الناس بقتله... و قال «قدس سره» أيضاً : فإنها -فاطمة علیها السلام-كانت تعتقد أن النتيجة التي حصلت عليها هي الفوز المؤكد في حساب العقيدة والدين. وأعني بها: أن أبا بكر قد استحق غضب و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم بإغضابها و أذاهما بأذاها لأنهما يغضبان لغضبها و يسخطان لسخطها بنص الحديث النبوي الصحيح فلا يجوز أن يكون خليفة اللّه و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم. و قد قال اللّه «تبارك و تعالى»: «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا» الأحزاب 53 و قوله «إن الذين يؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه في الدنيا و الآخرة وأعد لهم عذاباً أليماً» الأحزاب57. و قوله «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» التوبة 61 و قوله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» الممتحنة 13 و قوله «وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى» طه 81.

زَوَوْا (فَدَكاً) عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِمْ *** وَصَارَتْ (لِتَيْمٍ وَابْنِ حَنْتَمَةٍ) طُعْما

أَتَتْ تَطْلُبُ الإِرْثَ وَتَنْدُبُ واغوثا *** بِدَمْعٍ حَكَى غَيْثاً وَقَلْبٍ وَهَى سُقْما(1)

وَ أَنْسَتْ رَزَايَا الطَّفِّ كُلَّ رَزِيَّةٍ *** أَتَتْ بَعْدَ يَوْمِ الطَّفِّ أَوْ سَلَفَتْ قِدْما

وَقَادَتْ إِلَى حَرْبِ الحُسَيْنِ جُيُوشَهَا *** (أُمَيَّةُ) حَتَّى خِلْتَ رَايَاتِهَا غَيْما

تَوَاصَتْ عَلَى قَتْلِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّها *** لِتَكْسِبَ مِنْ آلِ الدَّعِيِّ بِهِ العُنْمَا

فَقَامَ عَدِيمُ النَّصْرِ يَشْحَذُ سَيْفَهُ *** بِأَجْسَامِهِمْ حَتَّى بَرَى اللَّحْمَ وَالعَضْمَا(2)

سَقَى الأَرْضَ مِنْ فَيْضِ الدِّمَاءِ بِسَيْفِهِ *** وَأَشْبَعَ وَحْشَ القَفْرِ وَالطَّيْرَ وَالرُّخْما(3)

كَرِيمٌ يُحَامِي عَنْ كَرَائِمَ أَحْمَدٍ *** وَيَكْشِفُ عَنْهُنَّ النَّوَائِبَ وَالغَمّا

وَلكِنْ أَرَادَ اللَّهُ سَبْيَ نِسَائِهِ *** إِلَى الشَّامِ حَسْرَى تَسْمَعُ السَّبَّ وَ الشَّتْما(4)

ص: 355


1- في هذين البيتين إشارة إلى اغتصاب فدك من فاطمة علیها السلام ومطالبتها لهم بذلك، ثم ردَّهم لها. انظر كتاب مسند أحمد ج1 ص9. وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. وكتاب السيرة الحلبية ج3 ص487-488. وكتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144 و ص119-122 و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300.
2- يشحذ: يحدّ، برى قطع ونحت.
3- القفر: الأرض لاماء فيها ولاكلأ ولاناس. الرُّحْم: جمع الرَّخَمة طائر من فصيلة النسريّات و رتبة الجوارح ريشُه أبيض ممزوّج بسوادٍ وشقرة يتغذَى باللحوم.
4- نقل من ديوان الحسين علیه السلام ج1 ص95.

(16) بضعة خير الخلق

(بحر البسيط)

الأستاذ صالح علي الحداد

مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ يا شِعري وَيا قَلَمِي *** بِذِكْرِ بَضْعَةِ خَيْرِ الخَلْقِ وَالأُمَمِ؟(1)

عَنَيْتُ فَاطِمَةَ الزَّهْراءَ وَهْيَ عَلَى *** كُلِّ الأَنَامِ سَمَتْ وَالنَّاسُ فِي العَدَمِ

فَنُورُها قَبَسٌ مِنْ نُورِ وَالِدِها *** يَهْدِي إِلَى الحَقِّ فِي دُنْيَا مِنَ الظُّلَمِ(2)

فَإِنَّهَا بِنْتُ مَنْ؟ أَوْ قُلْ زَوْجَةُ مَنْ؟ *** مَنْ نَسْلُهَا إِنْ ذَكَرْتَ النَّسْلَ من شممِ؟

فَإِنَّ وَالِدَهَا خَيْرُ الأَنَامِ بِهِ *** خَتْمُ الرِّسَالاتِ فِي عُرْبٍ وَفِي عَجَمِ

وَزَوْجُها حَيْدَرُ الكَرَّارُ فِيهِ أَتَى *** فِي حَقِّهِ هَلْ أَتَى فِي مُحْكَمِ الكَلِمِ

وَسِبْطُها المُجْتَبَى أَعْنِي بِهِ حَسَناً *** كَرِيم أَهْلِ التُّقَى فِي الزُّهْدِ وَالحِلمِ

أمَّا الحُسَيْنُ فَحَدِّثُ دُونَمَا حَرَجٍ *** سَلِ البُطُولاَتِ فِي يَوْمِ الوَغَى تَنَمِ

فَإِنَّهَا مَرْكَزٌ لِلنُّورِ فَاطِمَةٌ *** وَذَا حَدِيثُ الكِسَا المَشْهُورُ كَالعَلَمِ

وَجِبْرَئِيلُ الَّذِي قَدْ جَاءَ يَطْلُبُ أَنْ *** يَكُونَ ضِمْنَهُمُ تَحْتَ الكِسَا الرَّخِمِ(3)

وَاللَّهُ أَقْسَمَ لَوْلاَهُمْ لَمَا خُلِقَتْ *** فِي الكَوْنِ أَرْضٌ وَلاَ إِنْسٌ مِنَ العَدَمِ

وَلاَ سَمَاءٌ وَلاَ طَيْرٌ وَلاَ شَجَرٌ *** وَلاَ بِحَارٌ وَلاَ جِنٌ وَذُو فَهمِ

ص: 356


1- إشارة إلى ما روي في كتاب كشف الغمة. ج1 ص498: عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم:«و أنت بضعة: منّي و روحي التي بين جنبيَّ .» ثم قال صلی الله علیه و آله و سلم: «إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتي».
2- في كتاب إحقاق الحق ج19 ص16 عن عائشة: كنا نخيط ونغزل و ننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة علیها السلام.
3- رخم: رقيق.

جَارُوا عَلَيْهَا وَكُلُّ النَّاسِ تَعْرِفُهُمْ *** بِسَلْبِهِمْ فَدكاً عَمْداً بِلاَ ذمَمِ(1)

وَ ضِلْعَهَا كَسَرُوا وَالبَابَ قَدْ حَرَقُوا *** وَ طِفْلَهَا أَسْقَطُوا مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ(2)

وَ خَدَّهَا لَطَمُوا وَاللَّهِ قَدْ أَثِمُوا *** وَ حُمْرَةُ العَيْنِ مَا كَانَتْ مِنَ السُّقُمِ(3)

فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا إِيذَاءَ وَالِدِهَا *** فَوَاضِحٌ أَمْرُهُمْ في فِعْلٍ مُنْتَقِمِ

وَعِنْدَنا البَضْعَةُ الزَّهْرَاءُ أَنَّ لَهَا *** مَكَانَةً فَوْقَ مَا نَكْتُبْهُ بِالقَلَمِ

نَرْجُو شَفَاعَتَهَا فِي الحَشْرِ حِينَ تَرَى *** يَوْمَ الحِسَابِ وَكُلُّ النَّاسِ فِي زَخَمِ(4)

فَهيَ الَّتِي جَاءَتِ الأَخْبَارُ وَاصِفَةً *** عِنْدَ المَوَازِينِ فَهْيَ الفَصْلُ إِنْ تَرُمِ(5)

وَشَبَّهُوا النَّاسَ مِثْلَ الحَبِّ تَلْقطهُمْ *** هَذَا إِلى جَنَّةِ الرِّضْوَانِ فِي نِعَمِ

أَمَّا الجَحُودُ الَّذِي عَادَى أَبَا حَسَنٍ *** مَصِيرُهُ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَهْوَ عَمِ

هذِي إِلَى النَّاسِ أَهْدِيهَا مُوضِّحَةً *** لِخَطِّ أَهْلِ الهُدَى وَالخَيْرِ وَالكَرَمِ

تَمَسَّكُوا بِوَلاَءِ الآلِ إِنَّ لَهُمْ *** وِلاَيَةَ الكَوْنِ فَاعْلَمْ ذَاكَ وَاسْتَقِمِ

مَنْ كَانَ نَاصِبَهُمْ أَوْ كَانَ مُبْغِضَهُمْ *** فَالدَّرْبُ نَحْوَهُمُ مَفْتُوحُ لِلنَّدَمِ

ص: 357


1- في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: أنه كتب لها فدك فدخل عليه عمر. فقال: ما هذا؟ فقال : كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها. فقال: فماذا تنفق على المسلمين، و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقه.
2- انظر ما ورد في كتاب الملل والنحل ج1 ص57 للشهرستاني.
3- روي في كتاب البحار ج53 ص18-19 ما يكون عند ظهور المهدي (عج اللّه تعالی فرجه الشریف) في حديث طويل عن الإمام الصادق علیه السلام و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفعه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذَّب و تضرب، و يقتل جنين في بطنها...
4- زخم: دفع شديد. روي في كتاب البحار ج43 ص65-101: في حديث طويل قال أبوجعفر علیه السلام: واللّه يا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء.
5- ترم: تقصد.

مَنْ جَاءَهُمْ تَائِباً لاَ شَكٍّ إِنَّهُمُ *** مَا رُدَّ طَالِبُهُمْ يَوْماً بِمَا يَرُمِ(1)

فَإِنَّهُمْ كَمْ عَفْوا يَوْماً وَكَمْ صَفَحُوا *** وَأَطْلَقُوا يَوْمَ فَتْحٍ جَانِبَ الحَرَمِ

هذِي سَجِيَّتُهُمْ فِي الفَضْلِ قَدْ عُرِفُوا *** لَمْ يَسْجُدوا أَبَداً يَوْماً إِلَى صَنَمِ

مَاذَا أُسَطِّرُ مِنْ شِعْرِي فَدُونَكُمُ *** (ثُمَّ اهْتَدَيْتُ) كَفَانِي القَوْلَ مِنْ كَلِمِ

ص: 358


1- يَرُمِ: يريد.

(17) و أقبلت الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

أبو البحر صفوان بن

إدريس النجيبي المرسي

سَلاَمٌ كَأَزْهَارِ الرُّبَى يَتَنَسَّمُ *** عَلَى مَنْزِلِ مِنْهُ الهُدَى يُتَعَلَّمُ

عَلَى مَصْرَع لِلْفَاطِمِينَ غُيُبَتْ *** لأَوْجُهِهِمْ فِيهِ بُدُورٌ وَ أَنْجُمُ

عَلَى مَشْهَد لَوْ كُنتَ حَاضِرَ أَهْلِهِ *** لَعَايَنَتَ أَعْضَاءَ النَّبِيِّ تُقَسَّمُ

عَلَى كَرْبَلاً لاأَخْلَفَ الغَيْثُ كَرْبَلاً *** وَ إِلا فَإِنَّ الدَّمْعَ أَنْدَى وَ أَكْرَمُ

مَصَارِعُ ضَجَّتْ يَشْرِبْ لِمُصَابِهَا *** وَ نَاحَ عَلَيْهِنَّ الحَظِيمُ وَ زَمْزَمُ(1)

وَ مَكَةُ وَ الأَسْتَارُ وَ الرُّكْنُ وَ الصَّفَا *** وَ مَوْقِفُ جَمْع وَ المَقَامُ المُعَظمُ

وَ بِالحَجَرِ المَلْثُوم عُنْوَانُ حَسْرَةٍ *** أَلَسْتَ تَرَاهُ وَ هُوَ أَسْوَدُ أَسْحَمُ؟(2)

وَ رَوْضَةُ مَوْلانَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** تَبَدَّى عَلَيْهَا النُّكُلُ يَوْمَ تَخَرَّمُوا

وَ مِنْبَرُهُ العِلوِيُّ وَ الجِذْعُ أَعْوَلاً *** عَلَيْهِمْ عَوِيلاً بِالضَّمَائِرِ يُفْهَمُ

وَ لَوْ قَدَرَتْ تِلْكَ الجَمَادَاتُ قَدْرَهُمْ *** لَدُكَ حِرَاءٌ وَ اسْتُطِيرَ يَلَمْلَمُ

وَ مَا قَدْرُ مَا تَبْكِي البِلادُ وَ أَهْلُهَا *** لَآلِ رَسُولِ اللَّهِ وَ الرُّزْهُ أَعْظَمُ

ص: 359


1- الحطيم: جدار حجر الكعبة و قيل: ما بين الركن و زمزم و المقام و سمّي بذلك لانحطام الناس عليه أي لازدحامهم.
2- الملثوم: الذي يُقَبَله الناس أسحم أسود.

لَوَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ يُحْيَى يُعَيْدَهُمْ *** رَأَى ابنُ زِيَادٍ أُمَّهُ كَيْفَ تُعْقَمُ

وَ أَقْبَلَتِ الزَّهْرَاءُ قُدِّسَ تُرْبُهَا(1) *** تُنَادِي أَبَاهَا وَ المَدَامِعُ منها دمُ

تَقُولُ أَبِي هُمْ غَادَرُوا ابْنَيَّ نُهْبَةً *** كَمَا صَاغَهُ قَيْسٌ وَ مَا مَجَّ أَرْقَمُ

سَقَوْا حَسَناً لِلسُّمِّ كَأْساً رَوِيَّةً *** وَ لَمْ يَقْرَعُوا سِنّاً وَ لَمْ يَتَنَدَّمُوا

وَ هُمْ قَطَعُوا رَأَسَ الحُسَيْنِ بِكَرْبَلا *** كَأَنَّهُمْ قَدْ أَحْسَنُوا حِينَ أَجْرَمُوا

فَخُذْ مِنْهُمُ ثَارِي وَ سَكُنْ جَوَانِحاً *** وَ أَجْفَانَ عَيْنِ تَسْتَطِيرُ وَ تَسْجُمُ(2)

أَبِي، وَ انْتَصِرْ لِلسِّبْطِ وَ اذْكُرْ مُصابَهُ *** وَ غُلَّتَهُ وَ النَّهرُ رَيَّانُ مُفْعَمُ(3)

وَ أَسْرَ بَنِيهِ بَعْدَهُ وَ احْتِمَالَهُمْ *** كَأَنَّهُمُ مِنْ نَسْلِ كِسْرَى تُغُنِّمُوا

وَ نَقْرَ يَزِيدٍ فِي الثنايا الَّتِي اغْتَدَتْ *** ثَناياكَ فِيها أَيُّهَا النُّورُ تَلْثُمُ(4)

لَجَبَّ لَهُمْ جِبريلُ أتْعسَ غَارِبٍ *** مِنَ الغَيِّ لايُعْلَى وَ لايُتَسَنَّمُ(5)

أَلاَ إِنَّهَا أَقْدَارُ رَبِّ بِهَا قَضَى *** فَلَايَتَخَطَّى النَّقْضُ مَا هُوَ يُبْرِمُ

قَضَى اللَّهُ أَنْ يَقْضِي عَلَيْهِم عَبِيدُهُمْ *** لِتَشْقَى بِهم تِلْكَ العَبِيدُ وَ تَنْقِمُ

هُمُ القَوْمُ أَمَا سَعْيُهُمْ فَمُخَيَّبٌ *** مُضاعُ وَ أَمَّا دَارُهُمْ فَجَهَنَّمُ

فَيا أَيُّها المَغْرُورُ وَاللَّهُ غَاضِبٌ *** لِبِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ أَيْنَ تَيَمَّمُ؟(6)

ص: 360


1- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص792. ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لاتبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم... يا أبتاه صلي اللّه علیه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغص عيشي...».
2- تسجم: تسيل.
3- غلّة: شدة العطش. مفعم: مملوء.
4- تلثم: تقبَّل.
5- أتعس: من التعس، و هو الهلاك. جبّ: قطع . غارِب: كاهل أو بين الظَهر أو السنام و العنق. يُتَسنَّمُ: يُعلى و يُركَب عليه.
6- جاء في «ذخائر العقبی» ص39 ط/ مؤسسة الوفاء -بيروت... عن علي بن أبي طالب علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك».

أَلاَ طَرَبٌ يُقْلِي أَلاَ حُزْنُ يَصْطَفِي *** أَلا أَدْمُعُ تَجْرِي أَلاَ قَلْبٌ يُضْرَمُ

قِفُوا سَاعِدُونَا بِالدُّمُوعِ فَإِنَّهَا *** لَتَصْغُرُ فِي حَقِّ الحُسَيْنِ وَ يَعْظُمُ

وَ مَهُمَا سَمِعْتُمْ فِي الحُسَيْنِ مَرَاثِباً *** تُعَبِّرُ عَنْ مَحْضِ الأَسَى وَ تُتَرْجِمُ

فَمُدُّوا أَكفَاً مُسْعِدِينَ بِدَعْوَةٍ *** وَ صَلُّوا عَلَى جَد الحُسَيْنِ وَ سَلِّمُوا(1)

ص: 361


1- مجلة الهادي -تصدرها دار التبليغ الإسلامي إيران قم العدد الثالث السنة الأولى صفر (1392ه_). نقلاً عن أعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام -ابن الخطيب، النسخة الخطية ص37.

(18) جوهر العقول

(بحر المتقارب)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

لِفَرْطِ الجَوَى مُهْجَتِي كَاتِمَهْ *** وَ عَيْنِي بَدَتْ بِالحَيَا سَاجِمَهْ

وَ لِلرَّكْبِ شَبَّتْ بِطَيِّ الضُّلُوعِ *** عَشِيَّةَ بَانُوا لَظَى حَاطِمَهْ(2)

وَ أَسْهَرْتُ عَيْنِي بِسِتْرِ الدُّجَى *** وَ عَيْنُ السَّمَا تَحْتَهُ نَائِمَهْ

وبِتُّ وَ فَرْعُ الدُّجَى نَاشِرٌ *** عَلَى عَاتِقِي لَمَّةٌ فَاحِمَهْ(3)

هَزَمْتُ الكَرَى عَنْ جُفُونٍ جَرَتْ *** كَتَائِبُ دَمْعِي بِهَا هَازِمَهْ

فَقَلْبِي وَ طَرْفِي مِنَ الوَجْدِ وَ *** المَدَامِعُ كُلٌّ غَدَا لاَئِمَهْ

وَ أَعْمُرُ لِلْعُمْرِ بَيْتَ السُّرُورَ *** وَ عِلْمِي بِرَيْبِ الفَنَا هَادِمَهْ

وَ يُهْمِلُنِي الجَهْرُ فِي غِبْطَةٍ *** مِنَ العَيْشِ أَظرَافُهَا نَاعِمَهْ

فَلاَ أُمْسِكُ النَّفْسَ عَنْ قَصْدِهَا *** وَ تُمْسِي وَ حَوْلَ الرَّدَى جَاثِمَهْ(4)

وَ لاَأَفْطِمُ العَيْنَ عَنْ دَرُهَا *** لِفَقْدِ ابْنَةِ المُصْطَفَى فَاطِمَة

رَبِيبَةُ حِجْرِ نَبِيِّ الهُدَى *** وَ صُحْبَتُهُ مَعَهَا دَائِمَهْ

وَ مِنْ قَلْبِهِ لَمْ تَزَلْ بَضْعَةً *** عَلاقَتُهَا بِالحَشَا لَأَزِمَهْ

غَذَاهَا النَّبِيُّ بِدُرُ العُلُومِ *** فَشَبَّتْ بِوَحْيِ السَّمَا عَالِمَهْ

ص: 362


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- حاطمة: شديدة.
3- فاحمه: سوداء كالفحم.
4- جائمة: متلبَدة بالأرض.

فَأُمُّ الكَلِيمِ وَ أُمُّ المَسِيحِ *** عَلَى الطَّوْعِ كُلٌّ لَهَا خَادِمَهْ

مَلائِكَةُ اللَّهِ فِي عَرْشِهِ *** لِهَيْكَلِهَا زِينَةٌ رَاسِمَهْ

وَ فِي اللَّوْحِ غَامِضُ أَسْرَارِهَا *** مِنَ الغَيْبِ كَاتِبَةٌ رَاقِمَهْ

جَلالَةُ رَبِّ العُلَى فِي الوُجُودِ *** لِقُدْسِيِّ عِفَّتِهَا عَاصِمَهْ

تَلَتْ كُلَّ وَحْيٍ أَتَى لِلرَّسُولِ *** وَ بِالذِّكْرِ مُبْدِئَةٌ خَاتِمَهْ

وَ عِصْمَتُهَا جَوْهَر لِلْعُقُولِ *** مَدَى الدَّهْرِ عَنْ عَرَضٍ سالِمَهْ

وَ صِدِّيقةٌ هِيَ مَهْمَا ادَّعَتْ *** عَلَى الخَصْمِ فِي حَقِّهَا خَاصِمَهْ(1)

لَقَدْ جَحَدَ القَوْمُ مِنْهَا الحُقُوقَ *** وَ حُجَّتُهَا بِالهُدَى قَائِمَهْ

تُصَيِّرُ فِي نُطْقِهَا العَارِفِينَ *** بَهَائِمَ فِي رَعْيِهَا سَائِمَهْ

ص: 363


1- انظر ما ورد في أنها صدَيقة: في مجلة المرشد، العددان7-8 سنة (1997م) محمود عكام كتب يقول نفحة من الزهراء علیها السلام... أيتها البضعة الطهور... أيتها الزهراء البتول علیها السلام... أيتها السيدة الفضلى... أيتها الأبيّة المثلى... أنت محلّ السر و مجلى البر... و معقد البيت و منجب الأمان... أنت ضياء من ضياء... و عطاء من عطاء... و ولاء ليس بعده ولاء... على أقدامك تنحني الهامات إجلالاً... و لذكراك تختال الأكوان جلالاً... وددت لو تغدو العيون محابر... فتكتب بالدموع عبائر... و تلون بالبريق مآثر... و تسطر بالجفون بعض ما تنطوي عليه منسي السرائر... يا مشكاة صدرت عنها الأنوار و يا سرّة تجمعت فيها الأسرار... و يا درة سمت فكانت واسطة عقد بيت الأطهار الأبرار... يا فاطمة علیها السلام و السر فيك كبير... و الفطام لدیک یعني الكثير... فالشر جد بعيد عنك... و النار و حاشا لاتصل إليك... أيتها الخالدة و الخلود دوام طهر... و استمرار عفّة و بقاء ذكر و احتواء أعظم سر... أنت النسيم الساري، و أريج المكان السامي... و عبق المجد العظيم النامي... إن ذكرتك اليوم... فلأني أرجو لثم العتبات... و دوام النظر منك يا إمامة الأولياء و السادات... سلام الله و صلاته عليك يا مكمن النور... و بركاته الخالصة إليك يا محتوى السيادة و الشهادة و السعادة و الحبور... دمتِ علينا الحانية الراعية... و ثبتنا اللَّه على محبتك و خدمة نعالك يا مصطفاة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم الغالية... و مستودع أسراره السامية العالية.

لَقَدْ ظُلِمَتْ بَعْدَ فَقَدِ النَّبِيِّ *** وَ أُمَّتُهُ أَصْبَحَتْ ظَالِمَهْ

فَلَوْ دَعَتِ اللَّهَ أَفْنَتْهُمُ *** وَلَكِنَّهَا عَنْهُمُ حَالِمهْ

أَفَاطِمُ يَسْقُطُ مِنْهَا الجَنِينُ *** وَ تُدْفَعُ عَنْ حَقِّهَا رَاغِمَهْ؟

وَ تحرِقُ بَابَ فِنَاهَا الطَّغَامُ *** وَ تَأْتِي عَلَى خِدْرِهَا هَاجِمَهْ(1)

فَتَبَّتْ يَدٌ كَسَرَتْ ضِلْعَهَا *** وَ مُدَّتْ إِلَى وَجْهِهَا لأَطِمهْ(2)(3)

ص: 364


1- الطَّغام: مفرده الطَّغامة أوغاد الناس. خِدْرها: الخِدر: ستر يمدّ للجارية في ناحية البيت، ما يُفرَد للجارية من السكن.
2- تَبَت يده: خسرت.
3- نقل من ديوان الحويزي ج2 ص69.

(19) بيت الطهر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

أَهَلْ تَطِيبُ لِعَيْنِي نَضْرَةُ النَّعَمِ *** وَ جُرْحُ قَلْبِي رَغِيبٌ غَيْرُ مُلْتَتِم؟(2)

أبَيْتُ رَهْنَ صُرُوفِ النَّائِبَاتِ وَلِي *** طَرْفَ إِذَا نَامَ طَرْفُ النَّجم لَمْ يَنَمِ

وَ لَعْتُ بِالحُزْنِ حَتَّى صِرْتُ مُسْتَمِعاً *** أَغَانِيَ الحُزْنِ فِي الأَوْتَارِ وَ النَّعْمِ

الهَمُّ يَمْنَعُ سِلْوَانِي كَمَا مُنِعَتْ *** مَرَاضِعُ الدَّرِّ عَنْ أَشْدَاقِ مُنْفَطِمِ(3)

وَ الدَّهْرُ حِينَ نَضَا غَرِبِيَّ سَاعِدِهِ *** دَوّى بابن أَخُوالهِنْدِيَّةِ الخَذَمِ(4)

أبْلَى فِرنُدُ غِرَارِي بِالصَّدَى فَفَدا *** صِقَالُ رأْسِي بَيَاضُ الشَّيْبِ وَالهَرَم(5)

كُمْ فَوْقَتْ نَحْوِيَ الدُّنْيَا سِهَامَ رَدَىً *** تُصِيبُ بِالرَّمْيِ مِنْ بُعْدِ وَ مِنْ أُمَمِ(6)

وَ إِثْرَ كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ حَوَادِثِها *** أَجْرَتْ رُبَى الرَّدَى خَيْلاً بِلاَلُجُمِ

مليْكُ فِي الدَّهْرِ مَنْ يَخْشَى العَوَاقِبَ كَيْ *** يَلْقَى الإلهَ بِثَغْرِ مِنْهُ مُبْتَسِمِ

وَ لتُعرَقَنَّ سَفِينُ الصَّبْرِ عَائِمَةٌ *** بِلُجَّ بَحْرٍ مِنَ الآمَاقِ مُلْتَطِم

إِنْ جَفْ نُؤْيُ الحَيَا عَيْنِي دَماً سَفَحَتْ *** غُرُوبُهَا بِمَحَانِي السَّفْحَ فِي أضَمِ

ليْتَ الحَيَا لاَسَقَى الأَنْهَارَ فِي زَمَنٍ *** صُرُوقُهُ غَشَتِ الزَّهْرَاءَ بِالظُّلْمِ

ص: 365


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- رغيب: واسع الجوف.
3- أشداق: زوايا الفم من باطن الخدين.
4- نضا: نزع الهندية: السيوف الهندية -الخذم القاطع.
5- فرند: سيف.
6- سهام الردى: سهام الموت. أمم: طرق.

كَمْ بَعْدَ فَقْدِ أَبِيهَا كَابَدَتْ مِحَناً *** وُقُوعُهَا يَدَعُ الأطوادَ كَالرِّمَمِ(1)

وَ صَحْبُهُ عَصَبُوهَا بَعْدَهُ فَدَكاً *** وَ حَكَمُوا الشَّيْخَ تَيْمَ ضَلَّ مِنْ حَكَمِ

هُمْ أَسْقَمُوا جِسْمَهَا حَتَّى قَضَتْ كَمَداً *** وَ لَيْسَ فِيهَا لَعَمْرُ اللَّهِ مِنْ سَقَمِ

وَ هُمْ أَزَالُوا عَلِيًّا عَنْ مَرَاتِبِهِ *** وَ خَفَّضُوا مِنْ عُلاَهُ ذُرْوَتي عَلَمِ

عَدَتْ كِلابُ الأَعَادِي بَعْدَمَا هَجَمَتْ *** عَلَى شَرَى المُشيل الوَثَّابِ بِالهِمَمِ(2)

جَاءَتْ كَمِثْلِ أَضَامِيمِ القَطَا عُصْباً *** حَتَّى كَسَرْنَ جَنَاحَ الأَجْدَلِ الضَّحُمِ

وَ أَحْرَقُوا بَابَ بَيْتِ الظُّهْرِ فَاطِمَةٍ *** بِنَارِ حِقْدِ لَهُمْ مَشْبُوبَةِ الضَّرمِ(3)

للَّهِ بَيْتٌ سَمَتْ أَرْكَانُهُ شَرَفاً *** عَلَى قَوَاعِدِ بَيْتِ اللَّهِ وَ الحَرَمِ

تَرَى مَلائِكَةَ السَّبْعِ الشَّدَادِ بِهِ *** آلِهِ الغُرِّ کالغِلْمَانِ وَ الخَدَمِ

فَأَقْبَلَتْ بَضْعَةُ الهَادِي تُخَاطِبُهُمْ *** وَ القَوْمُ مَوْقُورَةُ الأَسْمَاعَ بِالصَّمَمِ

فَأَسْقَط الرِّجْسُ لَمَّا ظَلَّ يَعْصِرُهَا *** مِنْهَا جَنِيناً نَمَا فِي طَاهِرِ الرَّحِمِ(4)

ص: 366


1- الأطواد: الجبال العظيمة.
2- شري: مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل فتقال هو كأسد الشرى. المشيل: الأسد من أشباله.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج1 ص57 و كان عمر يصيح أحرقوا دارها بمن فيها وما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام كما جاء في تقريب المعارف للحلبي، ص58- 59 و هي النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة آية الله العظمى المرعشي تحت الرقم (2663)ه_. يقول الشيخ الفقيه أبو الصلاح الحلبي: و مما يقدح في عدالة الثلاثة قصدهم أهل بيت نبيهم صلي الله علیه و آله و سلم بالتحيف و الأذى و الوضع من أقدارهم و اجتناب ما يستحقونه من التعظيم و قصدهم علياً علیه السلام بالأذى لتخلفه عنهم و الإغلاظ له في الخطاب و المبالغة في الوعيد و إحضار الحطب لتحريق منزله و الهجوم عليه بالرجال من غير إذنه و الإتيان به ملبياً و اضطرارهم لذلك زوجته و بناته و نسائه و حماته من بنات هاشم و غيرهم إلى الخروج عن بيوتهم و تجريد السيوف لمن حوله و توعده بالقتل إن امتنع من بيعتهم.
4- روي في كتاب الوافي بالوفيات ج5 ص347: قال صلاح الدين الصفدي الشافعي المتوفى سنة (764ه_) في ترجمة النظّام في ذكر أقواله و قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البيعة حتى ألقت المحسن علیه السلام من بطنها.

بِصَدْرِهَا نَبَتَ المِسْمَارُ وَ انْكَسَرَتْ *** مِنْهَا الأَضَالِعُ وَ انْهَلَّتْ بِفَيْض دَمٍ(1)

وَ المُرْتَضَى بِنِجَادِ السَّيْفِ مُرْتَهِناً *** قَادُوهُ قَهْراً بَنُو عُبَادَةِ الصَّنمِ(2)

مِنْ بَيْتِهِ ابْنُ صهاكَ الرِّجْسُ أَخْرَجَهُ *** مَلَبَّباً بِرِدَاءِ الفَضْلِ وَ الكَرَمِ(3)

لكِنَّهُ رَامَ أَنْ تُرْخَى حَفِيظَتُهُ *** عَلَى وَصِيَّةِ طهَ سَيّدِ الأُمَمِ

وَ فَاطِمٌ خَلْفَهُ تَدْعُو وَ أَدْمُعُهَا *** تَصُوبُ مِنْ مَدْمَعِ كَالْغَيْثِ مُنْسَجِمِ(4)

وَ سَوْطُ قُنْفَذَ يُلْوَىٰ فَوْقَ عَاتِقِهَا *** ضَرْباً فَتَصْرُخُ وَ لْهَى مِنْهُ بِالأَلَمِ(5)

تَدْعُو بِطَرْفِ مِنَ الأَقْدَاءِ مُنْهَمِلٍ *** وَ حَرِّ قَلْبٍ مِنَ الأَمَاقِ مُلْتَطَمِ

دَعُوا إِمَامَ الهُدَى وَاصْغُوا لِمَنْطقِهِ *** فَإِنَّ فِيهِ تَفَاصِيلَ مِنَ الحِكَمَ

هذَا الَّذِي شَيَّدَ الإِسْلامَ صَارِمُهُ *** قِدْماً وَ لَوْلاهُ رُكْنُ الدِّينِ لَمْ يَقُمِ

خَلِيفَةُ اللَّهِ فِيهِ الرُّشْدُ مُتَّصِلٌ *** مِنَ الرَّسُولِ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْصَرِمِ

بِنُورِهِ الشّرْعَةُ الغَرَّاءُ وَاضِحَةٌ *** لِلْخَلْقِ تَزْهَرُ فِي دَاجِ مِنَ البُهَمِ

لَمْ أَنْسَهَا يَوْمَ وَافَتْ قَبْرَ وَالِدِهَا *** خَيْرِ البَرِيَّةِ مِنْ عُرْبٍ وَ مِنْ عَجَمِ

وَ افَتْ وَ قَدْ غُصَّ بِالأَنْصَارِ مَسْجِدُهُ *** وَ البَغْيُ قَامَ بِجَمْعٍ فِيهِ مُزْدَحِمٍ

فَأَسْدَلُوا دُونَهَا الْأَسْتَارَ فَابْتَدَأَتْ *** لِلَّهِ تُبْدِي بِإِفْصَاحَ مِنَ الكَلِمِ

كَأَنَّمَا هِيَ فِي الآيَاتِ تُفْرِغْ عَنْ *** فَم النَّبِيِّ أَبِيهَا فِي بَيانِ فَم

جَحَدْتُمُ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي فَدَكِ *** حقاً لَنَا خَصَّهُ الرَّحْمَنُ مِنْ قِدَمِ(6)

ص: 367


1- في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما أخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها، وألقت جنيناً من بطنها...
2- سيف القضاء علي في حمائله.
3- ملتباً: مجروراً مأخوذاً بتلبيبه.
4- منسجم: سائل.
5- وَلْهى: حزينة حزناً شديداً حتى كاد يذهب عقلها.
6- إشارة إلى ما روي في كتاب السنن الكبرى ج6 ص300 إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت له فدك و كان ينفق منها و يعود منها على صغير بني هاشم و يزوّج فيه أيمهم و إن فاطمة علیها السلام سألته أن يجعلها لها فأبى الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

كَأَنَّمَا العَهْدُ فِيكُمْ يَوْمَ فَارَقَنَا *** طَيْفُ الخَيَالِ سَرَى عَنْ عَيْنِ مُحْتَكِم

نَسِيتُمُ مِنْ وَصَايَا المُصْطَفَى لَكُمُ *** بِآلِهِ كُلَّمَا أَوْفَاهُ مِنْ ذِمَمِ

بنتُ النَّبِيِّ أُضِيعَتْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ *** حُقُوقُهَا وَ حِمَاهَا غَيْرُ مُحْتَرِم

كَيْفَ ابْنُ عَمِّي عَلِيٌّ يُسْتَضَامُ بِكُمْ *** وَ هُوَ الأَبِيُّ لَدَيْنَا غَيْرُ مُهْتَضَمِ؟

سَهُمٌ يَدُ القَدَرِ الجَارِي تُسَدِّدُهُ *** يَوْمَ الهِيَاجِ بِهِ قَلْبُ الصَّلَالِ رُمِي

لَمْ تَلْقَ فِي القَوْمِ إِلا كَامِناً حَنَقَاً *** وَ الطَّرْفُ مِنْهُ عَنِ الحَقِّ المُبِينِ عَمِي(1)

لمْ يَهْضِمُوا فَاطِمَاً إلا وَ قَدْ عَلِمُوا *** بِأَنَّ حَيْدَرَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُنْتَقِمِ

ثُمَّ انْثَنَتْ عَنْهُمُ فِي الخَطْوِعَاثِرَةً *** بِذَيْلِ بُرْدٍ يُوَارِي مَوْضِعَ القَدَمِ(2)

لَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهَا الدَّارُ اشْتَكَتْ غُصَصاً *** مِنْهُمْ لِخَيْرِ فَتّى حَامِ وَ مُعْتَصَمِ

قَالَتْ أَبَا حَسَنٍ مَاذَا القُعُودُ؟ فَقُمْ *** وَ حَكْمِ السَّيْفَ فِي الأَعْنَاقِ وَ القِمَمِ

نَقَضْتَ قَادِمَةَ البَازِيِّ مُكْتَمِناً *** مِنْ رَعْيِهِ مِنْ بُغَاثِ الطَّيْرِ وَالرَّخْمِ(3)

وَ قَدْ لَوَيْتَ الطُّلاَ بِالذُّلِّ مُفْتَرِشاً *** خَدَّيْكَ تُرْبَ الثَّرَى يَا ضَيْغَمَ الأَجَم(4)

تَرْضَى بِأَنَّ عُتَاةَ البَغْيِ تَهْضِمُنِي *** وَ أَنْتَ تَعْلَمُ لَيْسَ الهَضْمُ مِنْ شِيَمِي؟

تَبَزُّنِي نِحْلَتِي مِنِّي يَدُ ابْنِ أَبِي *** قُحَافَةٍ حَيْثُ لَمْ يَبْصُرْ لَدَيَّ حَمِي

فَقَالَ فَاطِمَ صَبْراً نَهْنِهِي شَجَناً *** وَاطوِي الجَوَانِحَ وَ لْتَهْجَعْ عَلَى الكَظَمِ(5)

إِنَّ الكَفِيلَ لَمَأْمُونٌ وَ حَقُّكِ فِي *** حُلْمِ الكِتَابِ جَلِيٌّ غَيْرُ مُنْكَتِمِ

ص: 368


1- حنقاً: غيظاً.
2- ثم انثنت عن خطاب القوم راجعةً *** لبيتها تطأ الأذيالَ بالقَدَمِ
3- قادِمة: الريشات التي في مقدّم الجناح و هي كبار الريش. البازيّ: ضرب من الصقور. بُغاث الطير: بتثليث الباء طائر أصغر من الرخم بطيء الطيران الرَّخْم: طائر من فصيلة النسريات و رتبة الجوارح ريشه أبيض ممزوج بالسواد و الشقرة يتغذى باللحوم.
4- الطُلا: العُنق. الأجم: مأوى الأسد.
5- نهنهي: كُفي. الكظم: حبس الغيظ و الإمساك على ما في نفسه منه.

وَ إِرْثُكِ إِنْ أَضَاعَتْهُ العِدَى حَنَقاً *** فَلَمْ يَضِعُ لَكِ أَجْراً بَارِىءُ النَّسَمِ

لاتَسْتَطِيعُ العِدَى تَحْوِيلَنَا أَبَداً *** مَنَاقِباً رُسِمَتْ فِي اللَّوْحِ وَ القَلَمِ(1)

ص: 369


1- رياض المدح والرثاء ص502.

(20) أنخ الطلاح

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين الشكر

أنِخُ الطلاحَ ففي الطفوفُ مرامُها *** واعقِلُ فقد بانتْ لنا أعلامُها

أحِرمْ و طُفْ سبعاً فما في بكةٍ *** ما في الطفوفِ و إن ترفعَ هامُها(1)

واروِ بدمعكِ تربَها فكم ارتوی *** بدما نحوِر بني النبي رغامُها

شمختْ على السبعِ الشدادِ بأنجمٍ *** بزغتْ غداةَ ابن النبي إمامُها

حتى إذا الدنيا تنفسَ صبُحُها *** بالرشدِ عسعسَ بالضلالِ ظلامُها

طافتْ أميةُ بالطفوفِ يسوقُها *** لرحى المنيةِ حتفُها و حِمامُها

حسبتْ سفاهاً أن ستُصرَع هاشمٌ *** و يسود آسادُ العرينِ سوامُها

فتسنمتْ قبَّ البطونِ ضياغُمٌ *** لججَ الوغى غاباتْها و أجامُها

أسد كأن الهامَ عند هياجِها *** أقداحُ تبرٍ و الدماءُ مدامُها

و ترى اللهاذمَ تلتوي بأكفِهِم *** كأراقمٍ سدًّ الفضاءَ سمامُها

و البيضُ مهما أبرقتْ بسحائبٍ *** للنفعِ فوقَ البيضِ أمطرَ هامُها

حتى إذا شاءَ الإلهُ بأن يرَى *** شمسَ العالمِ نُكستْ أعلامُها

سالتْ على البيضِ الصِّفاح نِفوسُهُم *** و جرتْ بمحتومِ القضا أقلامُها

صُبغتْ بحمرِ الدم بيضُ وجوهِهِم *** فأسودَ من بيضِ الظُّبا أيامُها

ص: 370


1- بكة من أسماء مكة في القرآن من قولهم بك عنقه أي دقها و إنما سميت بذلك لدقها أعناق الجبابرة أو لازدحام الناس بها و الرغام التراب.

فهناك جَرَّدَ شبلُ حيدر صارماً *** ذابتْ لومضِ فِرِنِده أجسامُها

فأصمَّ أسماعَ العراقِ برنةٍ *** كادتْ بأصداها تسيخُ شآمها

سئمَ الحياةَ غداةَ أبصر صحبَهُ *** حَلُّوا الثرى و عليه هانَ مَقامُها

فهنا لكَ الباري تجلّى في ذرى *** طَورِ الجلالةِ داعياً علامُها

فانهارَ قطبُ الكائناتِ مكلماً *** يحكي الكليمَ فنُكِسَت أعلامُها

فترى الملائكَ معولين لفقِدِه *** و الأنبياءَ له تطأطأ هامُها

و يحقُ للرسُلِ الكرامِ عويلُها *** من بعدهِ فاليوَم ماتَ إمامُها

اليومَ ماتَ المصطفى و وصيَّه *** اليومَ صغرَ للبتولِ مقامُها

اليوم بالنيران أُضرِمَ بابُها *** فذكت بقارعة الطفوفِ خيامُها

اليومَ أُسقِطَ محسنُ فلذا ترى *** أطفالَها جرعُ السهامِ فطامُها

اليومَ رُضّت بالجدار فهُشِّمت *** بالطفِ من مهج النبيِّ عظامُها

اليوم قادُوا المرتضى بنجادِه *** و استأمنتْ بطشَ الحليمِ لئامُها

ص: 371

(21) زهرة الفردوس

(بحر السريع)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

تَبْكِيكِ عَيْنِي عَبْرَةٌ سَاجِمَهْ *** يَا زَهْرَةَ الفِرْدَوْسِ يَا فَاطِمَهْ(2)

***

سُبْحَانَ مَنْ سَوَّاكِ بَدْراً تَمَامْ *** يَهْدِي بِكِ اللَّهُ جَمِيعَ الأَنَامْ

أَنْوَارُكِ تَجْلُو دَيَاجِي الظَّلامْ *** أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ العَالِمَهْ(3)

***

بَيتُكِ فِي ظِلُّ أَبِيكِ الرَّسُولْ *** مَهْبَطُ وَحْيِ اللَّهِ عِنْدَ النُّزُولْ

أَنِيسُكِ القُرآنُ نُورُ العُقُولْ *** وَ أَنْتِ فِي تَرْتِيلِهِ هَائِمَهْ

***

ص: 372


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ساجمة: سَجَمَ الدمعُ: سالَ قليلاً أو كثيراً و انصبَّ فهو ساجم، و سَجَمَتِ العينُ الدمع أو السَّحابةُ الماءَ: أسالَتْهُ و صبَّته و عينُ سَجُوم: تسيل الدمع.
3- في الكافي، ج1 ص458 ح1. إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة. و في الرياض النضرة، ج2 ص202. إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام:«أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي علیها السلام».

زَهْرَاءُ فِي صِفَاتِكِ الزَّاهِرَهْ *** مُحْكَمَةٌ آيَاتُكِ البَاهِرَهْ(1)في كنز الفوائد ج2 ص610 ح7.

في حديث طويل قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...: «و فتق نور الحسين علیه السلام و خلق منه اللوح والقلم)... إلى أن قال: «فعند ذلك أظلمت المشارق و المغارب فضجَّت الملائكة و نادت: يا إلهنا و سيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما حُرّمت عنا هذه الظلمة... فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء علیها السلام فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام».(2)

فِيكِ مَعَانِي العِتْرَةِ الطَّاهِرَهْ *** ظَاهِرَةٌ نَاظِرَةٌ قَائِمَهْ

***

لَمَّا مَضَى وَالِدُكِ المُصْطَفَى *** نَادَيْتِ لِلدُّنْيَا عَلَيْكِ العَفَا

وَ الدَّهْرُ قَدْ جَارَ وَ مَا أَنْصَفَا *** مُذْغَصَبَتْكِ الرُّمْرَةُ الظَّالِمهْ

***

حِينَ اعْتَدَى عَلَيْكِ أَهْلُ العِنَادْ *** فِي ظُلْمِهِمْ لَمَا طَغَوْا فِي البِلادْ

إنْقَلَبُوا عَنْ شَرْع رَبِّ العِبَادْ *** مُذْ أَسْسُوهَا فِتْنَةٌ قَائِمَهْ

***

قَالَ احْرِقُوا دَارَ عَلِيٌّ وَ مَرٌ *** قَالُوا بِهَا الزَّهْرَاءُ مَهُ مَا الخَبَرْ؟(3)

قَالَ وَ إِنْ، فَأَحْرَقُوا فِي الأَثَرْ *** بَابَ الهُدَى وَالنِّعْمَةِ الدَّائِمَهْ

***

فِي هَمِّهَا كَالمُلْكِلِ الشَّاحِطِ *** جَاءَتْ وَبَيْنَ البَابِ وَ الحَائِط(4)

قَدْ عُصِرَتْ مِنْ ظَالِمٍ سَاخِطِ *** فِي دَفْعَةٍ حَاقِدَةٍ آثِمَهْ

ص: 373


1-
2-
3- تقدم ما في أنساب الأشراف ج1 ص586. إن أبابكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب. فقالت فاطمة علیها السلام: يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليٍّ علیه السلام بابي؟ قال: نعم و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك.
4- الشَّاحِط: تَشَحَّط بالدم: اضطرب فيه -تضرّج به، الشخط (مص) الاضطراب بالدم و نحوه.

قَدْ أَنْبَتُوا المِسْمَارَ فِي صَدْرِهَا *** وَ أَسْقَطُوا الْجَنِينَ فِي عَصْرِهَا(1)

فَضَجَّتِ الأَمْلَاكُ مِنْ صَبْرِهَا *** وَيْلٌ لِمَنْ كَانَتْ لَهُ خَاصِمَهْ

***

مَصَائِبٌ صُبَّتْ بِتِلْكَ المِحَنُ *** بَعْدَ أَبِيهَا مِثْلَ صَبُ المُزن(2)

مَا ذَاقَتِ الرَّاحَةَ أُمُّ الحَسَنْ *** حَتَّى مَضَتْ عَلَيْهِمُ نَاقِمَهْ

***

مَظْلُومَةٌ قَدْ كَسَرُوا قَلْبَهَا *** مَهْمُومَةٌ لَمَّا دَعتْ رَبَّهَا

مَكْسُورَةَ الضّلْعِ قَضَتْ نَحْبَها *** مَحْرُومَةً حَزِينَةً وَاجِمَهْ(3)

ص: 374


1- في دلائل الإمامة ص45. وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً علیه السلام.
2- المزن: السحاب أو دنو الماء منه المزنة القطعة من المزن المطرة.
3- واجمة وجم: عبس وجهه و أطرق لشدة الحزن فهو واجم و هي واجمة: جاء في مرآة العقول ج5 ص320 (... فلما أخرجوا الإمام علي علیه السلام حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها... و ألقت جنيناً من بطنها).

(22) أقبل خير الأنبياء

(بحر الرمل)

الأستاذ عدنان عبد القادر أبوالمكارم

صَلَوَاتُ اللَّهِ تَغْشَى كُلَّ حِين *** أَحْمَدَ الهَادي مَعَ الآلِ الكِرَامِ

كَلِمَاتِ اللَّهِ مَأْوَى الخَائِفِينَ *** وَ صَرَاطِ اللَّهِ فِي يَوْمِ القِيَامِ

أَلِفٌ: أَقْبَلَ خَيْرُ الأَنْبِيَاء *** مَثْل بَدْرِ التَّمِّ في أُفُقِ السَّمَاءْ

قَائِلاً يَا زَوْجَ خَيْرِ الأَوْصِيَاء *** يَا وُجُودِي قد عَرى جِسْمِي العَنَاءْ(1)

هَاتِ يَا عِصْمَةَ كُلِّ الفُقَرَاءْ *** لِأَبِيْكِ الطُّهْرِ ذَيَّاكَ الكِسَاءْ

إِيْهِ يَا بَضْعَة خَيْرِ الْمُرْسَلِيْن *** وَ شَفيع النَّاسِ في يَوْمِ القِيامْ

عَجْلِي نَحْوِي فَقَدْ زَادَ الأَنِيْن *** وَ احْتَوَتْنِي كُلَّ أَنْوَاعِ السَّقَامْ(2)

بَاءُ: بِنْتُ الصَّالِحَاتِ الزَّاكِيَات *** فَاطِمُ أُمَّ أَبِيْهَا وَ الهُدَاةْ

أقْبَلَتْ نَحْوَ سِرَاجِ الظُّلُمَاتِ *** بِالكِسا وَ العَيْنُ تَهْمِي العَبَرَاتْ(3)

هَاكَ خُذْ يَابْنَ الضُّحَى وَ الذَّارِيَات *** يَا شَفِيْعَ النَّاسِ مِنْ بَعْدِ المَمَاتْ

أَخَذَ المُخْتَارَ وَضَاحُ الجَبِيْن *** بُرْدَةَ مِنِّي بِبْشِرِ وَ ابْتِسَامْ

خَلْتُهُ البَدْرَ بِلَيْلٍ مُسْتَكِين *** لا وَ أَيْنَ البَدْرُ مِنْ خَيْرِ الأنامْ

تَاءُ: تَغْرِيدُ طُیُورِ الطَّرَبِ *** وَ انْبِلَاجُ الصُّبْحِ بَعْدَ الكُرَبِ

ص: 375


1- عرى: إكتسى.
2- السقام: الأمراض.
3- تهمي: تسيل.

وَ سُرُورُ الطُّفْلِ يَوْمَ السُّحُبِ *** بِنُزُولِ الغَيْثِ عِنْدَ اللَّعِبِ

وَ الْتِقَاءُ العَاشِقِ المُغْتَرِبِ *** بِفَتَاةِ الحُسْنِ بَعْدَ التَّعَبِ

لايُسَاوِي رُؤْيَةَ الهَادِي الأمين *** عَلَّةِ الإِيجَادِ وَ البَدْرِ التَّمَامْ(1)

عِصْمَةِ الخَائِفِ وَ المَوْلَى القمين *** بِثنَاءِ اللَّهِ وَ الرُّسلِ الكرَامْ(2)

ثَاءُ: ثَاوِ سَیِّدُ الْخَلْقِ وَ قَدْ *** فَرَحَ القَلْبُ وَ رَبِّي وَ اتَّثَدْ(3)

مُذْ تَقَضَّتْ سَاعَةٌ مِنْ ذَا الْأَمَدْ *** طَرَقَ البَابَ سُرُورِي وَ السَّنَدْ

نُسْخَةُ المُخْتَارِ خُلْقاً وَ جَسَدْ *** مَنْ لِدِينِ اللَّهِ قَدْ كَانَ عَمَدْ

حَسَنٌ زِيْنَةُ كُلِّ العَارِفِيْن *** خَيْرُ مَنْ لَبَّى وَ صَلَّى ثُمَّ صَامْ

دَخَلَ الدَّارَ بِبِشْرٍ وَ حَنِين *** قَائِلاً: أَمَّاهُ أَهْلاً وَ سَلَامْ

جيْمُ: جَالَ السِّبْطُ حَوْلِي ثُمَّ قَالْ *** وَيْكِ يَا أُمَّاهُ هَلْ لِيْ بِسُؤالْ

قُلْتُ سَلْ مَا تَشْتَهِيْ سَرَّ الجَمَالْ *** وَ لَكَ الحِكْمَةُ مِنْيْ فِي المَقَالْ

يَا سَخِيَّ النَّفْسِ يَا رَبَّ الكَمَال *** يَالِسَانَ اللَّهِ إِنْ حَلَّ الضَّلالْ

قَالَ يَا سِتَّ نِسَاءِ العَالَمِيْن *** أَيُّ شَخْصٍ حَلَّ فِي هَذَا المَقَامْ

رِيْحُهُ أَزْكَى مِنَ المِسْكِ الثَّمِين *** وَ بظَنِّي أَنَّهُ خَيْرُ الأنامْ

حَاءُ: حَقَّاً، قُلْتَ صِدْقاً، وَ أَبِيْ *** إِنَّه الهَادِي الرَّسُولُ العَرَبِيْ

فِتْنَةَ الدُّنْيَا سَنَاءُ الغَيْهَبِ *** مَنْ حَوَى فِي المَجْدِ أَعْلَى الرُّتَبِ(4)

تَحْتَ ذَيَّاكَ الكِسَاءِ الطَّيِّبِ *** نَحْوَهُ عَجِّلْ أَيَا ابْنَ النُّجُبِ

وَلَدِي عَجِّلْ إِلَيْهِ مُسْتَعِين *** بِالسَّمِيعِ الخَالِقِ البَرِّ السَّلَامْ

قُلْ لَهُ يَا جَدُّ يَابْنَ الأَكْرَمِين *** غَطَّنِي إِيَّاكَ وَ اقْرَأَهُ السَّلَامْ

ص: 376


1- عِلَّة: أصل.
2- قمين: خليق و جدير.
3- ثاوِ: باق.
4- الغيهب: الظلمة.

خَاءُ: خَفَّ السِّبْطُ ذُو الوَجهِ الأَغَرُ *** نَحْوَطَه المُصْطَفَى خَيْرِ البَشَرْ

مثْلَ نجْمٍ قَدْ أَضَاثُمَّ اسْتَقَرْ *** يَسْتَمِدُّ النَّوْرَ مِنْ نُوْرِ القَمَرْ

جَدُّيَا مُخْتَارُ هَلْ مِنْ مُسْتَقَرْ *** كَيْ أَنَالَ الخَيْرَ جَدِّي وَ الظُّفَرْ

جَدُّيَا قِبْلَةَ كُلِّ العَاشِقِينْ *** وَ مَلَاذِي حِيْنَ يَهْوَانِي السّقَامْ

أَبْقِنِيْ إِيَّاكَ قَدْ زَادَ الحَنِينْ *** وَ دُمُوعِيْ مِنْ وُلُوعِيْ في انْسِجَامْ

دَالُ: دَعْنِيْ جَدُّ إِيَّاكَ أَصِيرْ *** قَالَ: أَهْلاً بِكَ يَا عَيْنَ البَصِيْر

أنْتَ لِلدِّين وَ لِلْعَدْلِ نَصِيْرْ *** وَ بِغُرْبِي يَا حَبِيْبِي لَجَدِيْر

لَكَ عِنْدَ المُحْسِنِ البَرِّ القَدِيرْ *** مَقْعَدُ الصِّدْقِ أيَا بَدْرِي المُنير

حَسَنُ أَنْتَ الهُدَى لِلْمُؤْمِنِينْ *** وَ مَنَارٌ وَ مَلَاذُ وَ إِمَامْ

بكَ يُمْسِي النَّاسُ طراً آمِنِينْ *** وَ يَعِيشُونَ بِحُبِّ وَ الْتِزَامْ(1)

ذَالُ: ذَا شَمْسُ الشَّمُوسِ السَّاطِعَةْ *** رَحْمَةُ اللَّهِ، الجليل الواسِعَةْ

فَلْذَتِي رُوْحِي وَ عَيْنِي الدَّامِعَةْ *** مَفْزَعُ الأُمَّةِ يَوْمَ الوَاقِعَةْ

حُجَّةُ اللَّهِ القَوِيِّ اللامِعَةْ *** الْحُسَيْنُ السَّبْطُ شَمْسِي الطالِعَةْ

طَرَقَ البَّابَ أَتَى نَحْوِي بِهونْ *** قَبَّلَ الكَفْ وَ نَادَانِي السَّلَامْ(2)

أُمُّ يَا كَوْثَرُ يَا صَادٌ وَ نُوْنْ *** رِيْحُ مَنْ فِي الدَّارِ تَشْفِي كَالرِّهَامْ(3)

رَاءُ: رَبُّ الحُسْنِ، طَه، المُصْطَفَى *** سَيِّدُ البَطْحَا، وَ مِصْبَاحُ الصَّفَا

حَلٌّ تَحْتَ البُرْدِ يَا رَمْزَ الوَفَا *** فَازْدَهَى المَنْزِلُ وَ الحُزْنُ انْتَفَى(4)

رُحْ لَهُ فَوْراً وَ حَاشَاكَ الجَفَا *** خَيْرَ مَنْ سَارَ بِنَعْلِ وَ احْتَفَى

رَاحَ عَيْنُ اللَّهِ يَمْشِي فِي سُكُونْ *** خُلْتُهُ قَلبي مَشَى فَوْقَ الرَّغَامْ(5)

ص: 377


1- طراً: جميعاً.
2- بهون: (الهون) السكينة و الوقار.
3- الرهام: المرهم الذي يشفي الجراح.
4- إزدهى: إزدان بالفرح و إبتهج.
5- الرّغام: التراب.

بِإِزَاءِ البُرْدِ مَاذَا سَيَكُون *** وَ بِمَاذَا سَيُجَابُ ابْنُ الهُمَامْ

زَاءُ: زَيْنُ الأَوْلِيَا وَ الحُجَجِ *** مَنْ فَدَى دِينَ الهُدَى بِالمُهجِ

وَ حَمَاهُ مِنْ بُغَاةِ الهَرَجِ *** وَ سَمَا بَدْرَ الدُّجَى بِالوَهَجِ

هُوَ مِفْتَاحُ السَّمَا وَ الفَرَج *** مَا عَلَى عُشاقِهِ مِنْ حَرَجِ

خاطَبَ المُخْتَارَ يَابْنَ الطَّيِّبِينْ *** وَ لِمَنْ لِلْأَنْبِيَا كُنْتَ الخِتَامْ

هَلْ لِمَنْ يَهْوَاكَ أنْ يُمْسِي قَرِيْنْ *** بَعْدَ أَنْ طَافَ بِمَغْنَاكَ وَ حَامْ؟(1)

سيْنُ: سُمُّ نَاقِعٌ يُقْضِي عِدَاكْ *** صِرْ إِلَيْنَا تَرِبَتْ رُوحِي يَدَاكْ

أَنْتَ كَفُّ الجُودِ كَالبَحْرِ نَدَاكْ *** وَ جَمِيعُ الأَوْلِيَا تَحْتَ رِدَاكْ

مِنْ نِدَاءِ الذِّكْرِ قَدْ كَانَ نِدَاكْ *** وَ نِدَا مَنْ بَعْدُكُمْ رَجْعُ صَدَاكْ

فَازَ مَنْ وَالاكَ رَمْزَ الثَّائِرِينْ *** وَغَدَا لِلنَّاسِ نُوراً في الظَّلَامْ

كَنَجُوم الأفقُ تُفْنِيّها السِّنُونْ *** وَ ضِيَاهَا سَاطِعْ يَهْدِي الْأَنَامْ(2)

شِيْنُ: شَرْقِي هَاجَ مُذْجَا حَيْدَرُ *** ذَلِكَ اللَّيْتُ الهزبْرُ القَسْوَرُ(3)

حُجَّةُ اللَّهِ وَ بَدْرِي الأَنْوَرُ *** نَاصِرُ الرُّسُلِ الإِمَامُ الأَكْبَرُ

طَرَقَ البَابَ وَ عَيْنِي تَنْظُرُ *** ثُمَّ نَادَى فَاطِمٌ يَا كُوْثَرُ

هَلْ لَنَا أَنْ نَدْخُلَ الحِصْنَ الحَصِين؟ *** حِصْنَ بَدْرٍ لَيْسَ يُخْفِيهِ الغَمَامُ

قُلْتُ أَهْلاً بِكَ يَا لَيْتَ العَرِيْنِ *** وَ الَّذِي تَخْدِمُهُ الرُّسُلُ الكِرَامْ

صَادُ: صَاحَ المرتَضَى كَنْزُ الرَّشَادِ *** حُجَّةُ المَوْلَى عَلَى كُلِّ العِبَادْ

فَاطِمُ الزَّهْرَاءُ يَا نُورَ البلاد *** وَ عِمَادَ الأَرْضِ وَ السَّبْع الشدادْ

مُهْجَةَ المُخْتَارِ، نِبْرَاسَ السَّدَادِ *** مَنْ بِدَارِيْ رِيْحُهُ رِيْحُ الجِهَاد(4)

ص: 378


1- قرین: صاحب.
2- ساطع: مرتفع متوهّج.
3- الهزبر: الأسد القوي. القسور: الأسد.
4- نبراس: ضياء. السداد: الصواب و القصد من القول و العمل.

وَالَّذِي أَبْدَعَ صُنْعَ القَمَرَيْن *** وَ اصْطَفَانِي لَكِ يَا بِنْتَ العِظَامْ

إِنَّهَا رِبْحُ إمَامِ المُرْسَلِين *** وَ مَلَاذُ النَّاسِ في يَوْمِ القِيامْ

ضَادُ: ضَاقَ الكَوْنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَا *** فِكْرِكَ السَّامِي فَهَيَّا لِلْعَبَا

حَيْثُ قَرَّ المُصْطَفَى سِرُّ الإِبَا *** وَ حُسَيْنُ وَ الزَّكِيُّ المُجْتَبى

رَاحَ دَاحِي البَابِ مُرْدِي مَرْحَبًا *** قَالَ يَا خَيْرَ الوَرَى أُمَّاً أَبَا(1)

إِنَّنِي أَوَّلُ كُلِّ العَابِدِينْ *** وَ الَّذِي إِيَّاكَ صَلَّى ثُمَّ قَامْ

بِحُسَامِي دَانَ جُلُّ الكَافِرِينْ *** وَالَّذِي يَكْرَهُنِي نَسلَّ حَرَامْ

طَاءُ: طَرْفُ العَيْنِ عَنْ رَبِّي الكَرِيمْ *** قُطْ مَا حَادَ إِلَى الرِّجْسِ الرَّحِيمْ(2)

جئتُ لِلدُّنْيَا مِنَ الشِّرْكِ سَلِيمْ *** وَ عَلَى الكُرْسِيِّ خَطَّ اسْمِي العَظِيمْ

فَأَنَا الْقُرْآنُ وَ الذِّكْرُ الحَكِيمْ *** وَ أَنَا القِسْطَاسُ -طه- المُسْتَقِيمْ(3)

كُنتُ مِنْ صُغْرِي لَكُمْ طَهَ قَرِينْ *** كُمْ كَشَفْتُ الْكُذْبَ عَنْكُمْ بِالحُسَامْ

جِئتَكَ الآن نجاةَ المُؤْمِنِينْ *** لِأَنَالَ القُرْبَ يَا رِيحَ البَشَامْ

ظَاءُ: ظَنُّ المُرْتَضَى فِيْنَا جَمِيلْ *** وَ هُوَ لِلْحَشْرِ لَنَا نِعْمَ الجَلِيلْ(4)

كُلُّ مَا قَالَ مِنَ النَّعْتِ قَلِيلْ *** لَايُوَفِّي نَعْتَهُ إِلا الجَلِيلْ

جِئْتَ تَسْتَأْذِنُ خُذْ مِنَّا القَبُول *** وَ لَنَا الفَخْرُ أَيَا زَوْجَ البَتُولْ

بِكَ عَزَّ اللَّهُ كُلَّ المُسْلِمِينْ *** وَ تآخَوا فِي وِ دَادٍ وَ وِئَامْ

حُزتَ كَأْسَ السَّبْقِ يا نِعْمَ الخَدِيْنِ *** يَا صِرَاطَ اللَّهِ يَا رَبَّ الكَلَامْ(5)

عَيْنُ: عَمَّ الخَيْرُ وَازْدَادَ السُّرُورْ *** وَ رَنَتْ فَاطِمَةٌ نَحْوَ الغَيُورْ

ص: 379


1- مُردي: مُهلك مميت.
2- حادَ: مالَ و عدل. الرّجس: القَذَر.
3- القسطاس: الميزان.
4- النعت: الوصف.
5- الخدين: الصديق.

أَشْبَهَتْ فِي مَشْيِهَا طَهَ البَشِيرْ *** وَ بِنُطقِ حَيْدَرَ البَرَّ الأَمِيرْ

خَجَلَا مِنْ حُسْنِهَا تَخْفِي البُدُورْ *** وَ حَيَاءً تَنْحَنِي حَتَّى الزُّهُورْ

لَوْ رَأَتْهَا الشَّمْسُ أَحْنَتْ لِلْجَبِينْ *** وَ تَوَارَتْ بَيْنَ أَحْضَانِ الغمامْ(1)

إِذْ ضِيَاهَا مِنْ ضِيَا الزَّهْرَاءِ دَيْنِ *** وَ عَلَى المَدْيُونِ مِنْ خَوْفٍ لِئَامْ(2)

غَيْنُ: غَوْثِي وَ مَلَاذِي وَ السَّنَادْ *** يَا زَعِيْمَ المَجْدِ يَا عَالِي العِمَادْ(3)

يا رسولَ اللَّه يا خيرَ العِبَادْ *** يَا هُدَى الحَيْرَانِ في يَوْمِ التَّنَادْ

يَا سَيدَ اللَّهِ عَلَى كُلَّ البِلادْ *** جِئْتُ هَلْ تَقْبَلُنِي يَا خَيْرَ هَادْ

إِنَّني الزَّهْرَاءُ بِنْتُ الطَّيِّبِينْ *** مَنْ لَهَا عِنْدَكَ كُلَّ الإِحْتِرَامْ

أَتُرَى أَرجِعُ وَ القَلْبُ حَزِينْ *** أُرْسِلُ الدَّمْعَ وَ نَوْحِي كَالحَمامْ

فَاءُ: فَاضَتْ عَيْنُ خَيْرِ الأَنْبِيَاءْ *** وَ دَعَا أَهْلاً بِكِ تَحْتَ الكِسَاءْ

فُقَتِ ظهراً، شَرَفاً، كُلَّ النِّسَاءْ *** وَ تَغَنَّتْ بِاسْمِكِ رُسُلُ السَّمَاءْ

لَكِ أَشْيَاعٌ لَهُمْ مِنِّي الثَّنَاءْ *** وَ جِنَانُ الخُلدِ في يَوْمِ الجَزَاءْ

أَنْتِ رُوْحِي وَ فُؤَادِي وَ الوَتينْ *** وَ اسْمُكِ في العَرْشِ جَنْبَ اسْمِي اسْتَقَامْ(4)

أنا مِنْكِ أنتِ مِنّي كَلُجَيْنْ *** صِبْغَ فِي كَأْسٍ شَفِيفٍ بِنِظَامْ(5)

قَافُ: قَالَ الظطّهْرُ مَوْلَانَا الشَّفِيعْ *** إِيْهِ يَا مَنْ أَنْشَأَ الكَوْنَ البَدِيعْ

وَ دَحَا الأَرْضَ عَلَى مَاءٍ صَقِيعْ *** وَالسَّمَا كَوَّنَ وَ الأُفْقَ الرَّفِيعْ(6)

هَا هُمُ أَهْلِي بِجَنْبِي كَالشُّمُوعْ *** أَنَا مِنْهُمْ وَ هُمُ مِنِّي جَمِيعْ

يا إِلهِي يَا مُنَجِّي الصَّادِقِينْ *** أَذْهِبِ الرِّجْسَ عَنِ الآلِ الكِرامْ

ص: 380


1- توارت: إختفت خجلاً.
2- لئام: (اللئام) ما كان على الفم من نقاب.
3- غوثي: مُعيني و مساعدي.
4- الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.
5- اللُجين: الفضة.
6- دحا: (دحا الشيء) البَسَطة.

ثُمَّ طَهَّرْهُمْ إِلهِي أَجْمَعِينْ *** وَقِنَا رَبَّاهُ مِنْ كُلِّ اجْتِرَامْ

كَافُ:كَمْ لِلْمُصْطَفَى زاكي الجُدُودْ *** مِنْ مَقَام عِنْدَ مَوْلَاهُ الوَدُودْ(1)

لَمْ يَنَلْهُ آدَمُ نُوْحٌ وَ هُودْ *** لَا وَمَنْ أَهْلَكَ عَادَاً وَ ثَمُودُ

مُذْ دَعَا دَعْوَتَه أَمَّ الوُجُودْ *** وَ جَمِيعُ الرُّسُلِ أَمَّتْ وَ الجُنُودْ

لَوْ تَرَى الأَمْلَاكَ صَفُوا خَاشِعِينْ *** فِي رُكُوعِ وَ سُجُودِ في غَرَامْ

مَنْظَرٌ يُلْهِمُ كُلَّ المُغْرَمِينْ *** بِفُنُونِ الرَّسْمِ في أَحْلَى انْسِجَامْ

لَامُ: لَاأَرْضُ عَلَى الْمَادُحِيَتْ *** وَ الرَّوَاسِي فَوْقَهَا قَدْ أُرْسِيَتْ

لأسَمَاءَ بُنِيَتْ أَوْزُيِّنَتْ *** بِنُجُومِ لَا وَ فُلْكَ أُسْرِيَتْ(2)

لابِحَارُ زَاخِرَاتٌ أُجْرِيَتْ *** لَانُفُوسٌ خُلِقَتْ أَوْ زُوجَتْ

كُلَّ مَا كَانَ وَ مَا سَوْفَ يَكُون *** لَمْ يَكُنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ خَيْرُ الأنامْ

مَنْ زَكَوا شِيْباً شَبَاباً وَ جَنِينْ *** وَ هُمُ الْخَمْسَةُ أَنْوَارُ الظَّلامْ

مِيْمُ: مُذْ قَالَ بِذَا اللهُ الْوَلِيْ *** جَاءَهُ جِبْرِيلُ ذُو الْوَجْهِ البَهِيْ

قَالَ مَنْ هُمْ سَمِّهِمْ يَا رَبُّ لِي *** قَالَ هُمْ فَاطِمُ وَ الهَادِي النَّبِيْ

وَ عَلِيُّ الطّهْرِ وَ السَّبْطُ الزَّكِي *** وَ حُسَيْنُ المَجْدِ ذُو النُّور السَّنِيْ

هَا هُمُ تَحْتَ الكِسا مُجْتَمِعِينْ *** فَازَ مَنْ حَلَّ بِمَعْنَاهُم وَ حَامْ(3)

قَالَ هَلْ أَنْزِلُ رَبِّي كَيْ يَكُونْ *** عَدَهُ الأشباح زَوْجاً وَ تَمامْ

نُونُ: نَالَ الخَيْرَ لَمَّا أَذِنَا *** رَبُّهُ فَاسْتَاقَ لِلْهَادِي المُنى

قَالَ يَا مَنْ قَابَ قَوْسَيْنِ دَنَا *** مِنْ إِلَه العَرْشِ جِبْرِيلُ أنا

جِئْتُ مَسْرُوراً لَكُمْ بَدْرَ الدُّنَا *** هَلْ تُرَى تَقبَلُني ضَيْفاً هُنا

قَالَ طه حُجَّةُ اللَّهِ المَتِيْن *** أَنْتَ مِنَّا لَكَ مِنَّا الاحْتِرَام

ص: 381


1- زاكي: مطهّر.
2- الرواسي: الجبال.
3- حامَ: دارَ من الدوران.

دَخَلَ الطَّيِّبُ دَارَ الطَّيِّبِينْ *** وَ جَرَى بَيْنَهُمُ أَحْلَى الكَلَامْ

هَاءُ: هَلْ لِلدَّهْرِ أُذُنٌ كَيْ تَعِي *** قَوْلَ جِبْرِيلِ لَطَة الأَلْمَعِي؟

قَالَ هَلْ أُذنُكَ يَا طَه مَعِي؟ *** قَالَ قُلْ جِبْرِيلُ شَنِّفْ مَسْمَعِي(1)

فَلَقَدْ نَادَتْكَ قَبْلِي أَدْمُعِي *** هَاتِ عَجِّلْ قَوْلَ رَبِّي المُبْدِع

قَالَ أَبْشِرْ يَا جَمَالَ العَارِفِينْ *** رَبُّكَ القَادِرُ يَحْبُوكَ السَّلَامْ

بَشِّرِ الآلَ الكِرَامَ الأَنْجَبِينْ *** بِذَهَابِ الرِّجْسَ عَنْهُمْ وَ الْعِظَامْ

وَاوُ: وَدَّ المُصْطَفَى شَوْقاً يَطِيرْ *** فَدَعَاهُ المُرْتَضَى وَ هُوَ الخَبِيرْ

مَا لِمَنْ يَقْرَأُ هَذَا مُسْتَجِيْر *** بَيْنَ أَشْيَاعِ لَنَا عِنْدَ القَدِيرْ

قَالَ يَنْسَى الحُزْنَ وَالهَمَّ الكَبِيرْ *** وَ يُلاقي السَّعْدَ وَ الخَيْرَ الكَثِيْر

تَنْزِلُ الأَمْلَاكُ لِلْحَفْل تَزينْ *** تَسْأَلُ اللهَ لَهُمْ حُسْنَ الخِتَامْ

وَ يَعُودُونَ بِخَيْرِ رَابِحِيْن *** بِقُلُوبِ مِلْؤُهَا نُوْرٌ وِئَامْ(2)

یَاءُ: يَا عِتْرَةَ خَيْرِ الأَنْبِيَاءِ *** لَكُمُ مِنَّا مَدَى العُمْرِ الوَلَاءْ

ضُعَفَاءٌ نَحْنُ، أَنْتُم كُرَمَاءْ *** وَ مَنَى رَدَّ الكِرَامُ الضُّعَفَاءْ

فِي هَوَاكُمْ كَمْ تَحَمَّلْنَا العَنَاءْ *** وَ جَرَتْ مِنَّا عَلَى الْأَرْض الدَّمَاءْ

شَتَمُونَا شَرَّدُوْنَا كَيْ نَلِينْ *** وَ نُحَيْلَ القَلبَ عَنْكُمْ لِلْئَام

فَصَمَدْنَا وَ ثَبَتْنَا مُوْقِنِيْن *** وَ شَربْنَا فِي الهَوَى كَأْسَ الحمَام(3)

ص: 382


1- شنف: (الشنف) القرط الأعلى. و هنا بمعنى أسمعني.
2- وئام: الوفاق.
3- موقنين: من اليقين و هو الإيمان بأحقية أهل بيت النبوة صلي الله علیه و اله و سلم. الحمام: الموت.

(23) لبوة المرتضى و أم الكرام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم(*)(1)

هَاجَ قَلْبِي بِلَوْعَةٍ وَ أَوامِ *** فَغَدا الجِسْمُ فِي أَسَى وَ ضِرَامِ(2)

حَيْثُ أَصْبَحْتُ لِلْبَلَايَا مَحَلاً *** مُذْ دَهَتْنِي كَوَارِثُ الأَيَّامِ

شَغَلَتْنِي مَصَائِبٌ وَ هُمُومٌ *** تَرَكَتْنِي بِفِعْلِها فِي كَلامِ

وَغَدَتْ شُعْلَةٌ بأَرْكَانِ قَلْبِي *** حِينَ أَوْرَتْ لِنَارِهَا فِي عِظَامِ

وَ أَهَاجَتْ لِنَارِهَا فِي فُؤَادِي *** فَانْبَرَى الجِسْمُ عَنْ لَذِيذ المَنَامَ

وَ لَقَدْ صَارَ كَرْبُهَا كُلَّ وَقْتٍ *** حُرْقَةٌ مُسْتَمِرَّةً بِاحْتِدَامِ(3)

حِينَمَا كُنْتُ إِثْرَ ذَاكَ حَزِيناً *** مُسْتَفزِّاً مِنْ لَوْعَةٍ وَ أُوَامِ

إِذْ أَتَانِي حَدِيثُ كُرْبَةِ طَهَ *** أَحْمَدَ المُصْطَفَى عَلِىَّ المَقَامِ

فَغَدَتْ سَلْوَتِي وَ هَلْ أَتَسَلَّى *** بِسِوَاهَا وَ مُهْجَتِي فِي اضْطِرَامِ؟

شمتُ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مُصاباً *** جَاءَ فِي الكَوْنِ مُبْدِيَاً لِلظَّلاَمِ

كَمُصَابِ الرَّسُولِ إِذْ عَمَّ كُلاً *** بِجَلابِيبِ ظُلمَةٍ و ازدحامِ

إِنَّهُ أَحْمَدٌ وَ خَيْرُ البَرَايَا *** سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَ سِرُّ الخِتَامِ

ص: 383


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- هاج: ثار و تحرّك و انبعث أوام: عطش.
3- احتدام: اشتعال الرجل غيظاً.

و منها:

فَاسْتَشَاطَ الظَّلامُ مِنْ بَعْدِ طَهَ *** حَالِكاً مِنْ بَوَادِرِ الآثَامِ(1)

وَ غَدَوا يَهْرَعُونَ نَحْوَعَلِيَّ *** مُنقِضِينَ لِعَهْدِهِ وَ الذِّمَامِ

وَ جَرَىٰ مَاجَرَىٰ عَلَىٰ بِنْتِ طَهِ *** لَبْوَةِ المُرْتَضَى وَ أُمِّ الكِرَامِ

أَحْرَقُوا بَابَهَا عَلَيْهَا بِجَزْلٍ *** غَصَبُوهَا في إريها بِاهْتِضَامِ(2)قال الفضل بن روزبهان، ص47 لو كان هذا أمراً واقعاً، أي إحراق عمر بيت فاطمة علیها السلام لكان أقبح وأشنع من قتل عثمان و قتل الحسين علیه السلام ولكن ينبغي أن يكون منقولاً في جميع الأخبار لتوفر الغرائم و الرغبات...(3)

ص: 384


1- استشاط: التهب غيظاً. حالكاً: الحلكة: شدة السواد.
2- في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب علم اليقين في أصول الدين ص686-688 في حديث طويل: ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه مغلقاً، فصاحوا به اخرج يا علي علیه السلام، فإن خليفة رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك، فلم يفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فوضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر و قال: واللّه لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار... و في كتاب/ دلائل الصدق/ للشيخ المظفر/ ج3 ص53 ضمن ردَّه على الفضل بن روزبهان... قال: ... و من عرف سيرة عمر و غلظته مع رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم قولاً و فعلاً لايستبعد منه وقوع الإحراق فضلاً عن مقدماته... و أما ما ذكره -أي الفضل بن روزبهان- في الوجه السادس فلو فرض وقوع الاحتراق
3- لم يستغرب ترك مؤرخي السنة لذكره إذ من المعلوم محافظتهم على شأن الشيخين بل و شؤون أنفسهم فإن رواية ما يشعر بالطعن بهما فضلاً عن مثل هذا العمل الوحشي مما يوجب و هن الرجل و كتابه بأنظار قومه و هو ذو الفضيلة عندهم لمجروس أنه روى قصد الإحراق وكما فعل الشهرستاني بالنظام و هو من أكابر معتزلة السنة إذ نسبه إلى الميل إلى الرفض لتلك الرواية التي سمعتها. و لو قال القائل: إنهم أحرقوا الباب لم يبعد عن الصواب لأن كثير الاطلاع منهم الذي يريد رواية جميع الوقائع لم يسعه أن يهمل هذه الواقعة بالكلية فيروي بعض مقدماتها لئلا يخل بها من جميع الوجوه و ليحصل منه تهوين القضية كما فعلوا في قصة بيعة الغدير و غيرها... و بالجملة يكفي في ثبوت قصد الإحراق رواية جملة من علمائهم له بل رواية الواحد منه لاسيما مع تواتره عند الشيعة و لايحتاج إلى رواية البخاري و مسلم و أمثالهما ممن أجهده العداء لآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و الولاء لأعدائهم ورام التزلف إلى ملوكهم و أمرائهم و حسن السمعة عند عوامهم... أقول: و قد تقدم في هوامش عديدة من الديوان ذكر ما ورد من أحداث في إحراق الدار والضرب وغيرهما عن مصادر عديدة للعامة.

مَنَعُوهَا مِنَ البُكَاءِ عِناداً *** نَهَبُوا حقها بِغَيْرِ انْتِظَامِ

فَقَسوْا عَيْنَهَا بِلَطْمَةِ كَفِّ *** وَ شَحُوا مَتْنَهَا ضُرُوبَ الكَلامَ

كَسَرُوا ضِلْعَهَا بِضَرْبٍ عَنِيفٍ *** أَسْقَطُوا حَمْلَهَا بِعَصْرِ اللَّئَامِ(1)

ثُمَّ قَادُو لِحَيْدَرٍ بِحِبَالٍ *** وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ عُرْوَةُ الاعْتِصَامِ

أَوْقَفُوهُ وَ هَلْ كَمِثْلِ عَلِيٍّ *** تُوقَفُ الضَّأْنُ مِثْلَ أُسْدٍ هُيامِ؟(2)

خَرَجَتْ فَاطِمَ تُدَافِعُ عَنْهُ *** فَغَدَوْا فِي دِفَاعِهَا بِانْتِقَامِ

فَاتَّخِذْ سَيْدِي خَرِيدَةَ شِعْرٍ *** مِنْ فَقِير إِلَى إِلَهِ الآن الأَنَامِ

هُوَ عَبْدُالمَجِيدِ يَرْجُوكَ كَأْساً *** يَوْمَ يَأْتِي لِحَوْضِكُمْ فِي القِيَامِ

وَ عَلَيْكُمْ صَلَّى إِلهِي جَمِيعاً *** مَا غَدًا النُّورُ جَالِياً لِلظَّلامِ (3)

ص: 385


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ملتقى البحرين ص81: أخذت فاطمة علیها السلام باب الدار و لزمتها عن ورائها فمنعتهم عن الدخول ضرب عمر برجله على الباب فقلعت فوقعت على بطنها «سلام الله عليها» فسقط جنينها المحسن.
2- هُيام: مصابة بداء الهُيام و هو داء يصيب الإبل من شدّة العطش.
3- عن المراثي الإسلامية في رثاء العترة النبوية ص27 و القصيدة تربوا على(69) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

(24) ابنة المختار

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

أَتَرْغَبُونَ بِدَارٍ كُلُّهُا نِقَمُ *** وَ الأَمْرُ تَمْلِكُهُ مِنْ أَهْلِهَا الخَدَمُ؟

فَإِنَّ كُلَّ امْرِىءٍ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ *** حَتَّى يُوَافِيهِ مِنْ آفَاتِهَا العَدَمُ

دَارٌ عَلَى حُجَجِ البَارِي قَدِ اشْتَمَلَتْ *** أَخْطَارُهَا وَعَلَيْهِمْ جَاشَتِ الغُمَمُ(2)

وَهُمْ بِهَا مَصْدَرٌ لِلْفَيْضِ مُتَّسِعٌ *** تَجْرِي عَلَى الخَلْقِ مِنْ يُنْبُوعِهِ النِّعَمُ

وَكَانَ سِرُّ فُؤَادِ الغَيْبِ عِنْدَهُمُ *** مُحَجَّباً وَإِلَيْهِمْ يَصْعَدُ الكَلِمُ

لأَنَّ مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ أَنْفُسُهُمْ *** مَخْلُوقَةٌ، وَجَرَتْ مِنْهُ بِهَا الحِكَمُ

أَنْوَارُ قُدْسٍ بِعَرْشِ اللَّهِ مُحْدَقَةٌ *** مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخْلَقَ الدُّنْيَا وَلاَ الأُمَمُ

لَوْلاَهُمُ مَا بَدَتْ شَمْسٌ وَلاَ قَمَرٌ *** وَلاَ نَهَارٌ وَلاَ نُورٌ وَلا ظُلَمُ

مُطَهَّرُونَ هُدَاةٌ لاَ يَمَسُّهُمُ *** رِجْسٌ وَلاَ بِهِمُ رَيْنٌ وَلاَ لَمَمُ(3)

فَهُمْ بَنُو المُصْطَفَى الهَادِي الَّذِينَ بِهِمْ *** فِي اللَّوْحَ مِنْ حِكْمَةِ البَارِي جَرَى القَلَمُ

أَبُوهُمُ نُقْطَةُ الأَدْوَارِ حَيْدَرَةٌ *** وَأَحْمَدُ المُصْطَفَى المُخْتَارُ جَدُّهُمُ

وَدُرَّةُ الصَّدَفِ القُدْسِيَّ فَاطِمَةٌ *** مِشْكَاةُ مِصْبَاحِ نُورِ اللَّهِ أُمُّهُمُ(4)

ص: 386


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جاشت: هاجت واضطربت.
3- رَيْن: طَبْع وَدَنَس.
4- جاء في«كشف الغمة» ج 2 ص 90 ط/دار الكتاب الإسلامي بيروت. «عن أبي جعفر علیه السلام أنه سئل لمَ سمِّيت الزهراء؟ قال: لأن اللّه «تعالى» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة اللّه ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور من أسكنته في سمائي وخلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جمیع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري ويهدون إلى حقي وأجعلهم في أرضي بعد انقضاء وحیی.»

حُورِيَّةٌ اسْمُهَا الزَّهْرَاءُ فَاطِمَةٌ *** مُحِبُّهَا عَنْ لَهِيبِ النَّارِ مُنْفَطِمُ(1)

هِيَ الَّتِي وَشَّحُوا بِالسَّوْطِ أَضْلُعَهَا *** لَمّا عَلَيْهَا الأُلَى فِي دَارِهَا هَجَمُوا(2)

وَأَزْعَجُوهَا بِبَيْتٍ مِنْ نَبَالَتِهِ *** لَهُ مَلَائِكَةُ السَّبْعِ العُلاَ خَدَمُ(3)

وَأحْرَقُوا مَنْزِلَ التَّنْزِيلِ مَنْزِلَهَا *** وَكَانَ فِيهِ الوَصِيُّ المُرْتَضَى العَلَمُ(4)

باللَّهِ أُقْسِمُ لَوْلاَ الحِلْمُ كَفْكَفَهُ *** لَمَّا عَلَى مَنْزِلِ الزَّهْرَا قَدِ اقْتَحَمُوا(5)

وَلاَ اسْتَطَاعَ يَرَى الزَّهْرَا مُقَنَّعةٌ *** بِسَوْطِ نَاكِثِ عَهْدٍ مَا لَهُ ذِمَمُ

فَإِنَّ ناراً وَرَتْ فِي بابِ فاطِمَةٍ *** فِي الطَّفِّ أَضْحَتْ بِرَحْلِ السِّبْطِ تَضْطَرِمُ

ص: 387


1- منفطم: منقطع _ وجاء في كتاب ينابيع المودة، ص240 ومقتل الحسين ج1 ص51. «قال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: إنما سمِّيت ابنتي «فاطمة علیها السلام» لأن اللّه فطمها وفطم محبيها من النار». وقريب من هذا المعنى جاء في «الاحتجاج» ج1 ص109 ط(1966م) مطابع النعمان. النجف الأشرف.
2- «...فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها...».
3- ورد في «ذخائر العقبى» ص98 ط(1981م) مؤسسة الوفاء _ بيروت. «يا أباذر لا تعجب فإن اللّه ملائكة سيّاحون في الأرض موكلون بمعونة آل محمد».
4- إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص18 ط/الثانية/مؤسسة الوفاء-بیروت. «... وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و زينب و أم كلثوم و فضة و إضرامهم النار على الباب ... و أخذت النار في خشب الباب».
5- جاء في كتاب «سليم بن قيس» ص 208 ط/ قسم الدراسات الإسلامية _ مؤسسة البعثة _ طهران. «... فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت یا أبتاه فوثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ به أنفه وهمّ بقتله فذكر قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وما أوصى به من الصبر والطاعة فقال: والذي كرّم محمداً بالنبوَّة يابن صهّاك لولا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنّك لا تدخل بيتي فأرسل عمر يستغيث . . . ».

وَلَيْسَ قَادَ الفَتَى زَيْنُ العبادِ إِلَى *** حِمَى يَزِيدَ أَسِيراً وَهْوَ مُهْتَضَمُ

إلاَّ الَّذِي اسْتَخَرَجَ الهَادِي أَبا حَسَنٍ *** مُلَبّباً بِرِداهُ وَهْوَ مُسْتَلِمُ

مِنْ خَلْفِهِ فَاطِمٌ تَدْعُو وَمَدْمَعُها *** مِنَ الأَماقِي عَلَى الخَدَّيْنِ مُنْسَجِمُ(1)

خَلُّوا أَخا المُصْطَفَى الهادِي وناصِرَهُ *** لاَ تُخْرِجُوهُ مُهاناً، لا أَبا لَكُمُ!

مِنْ قَبْلِ أَكْشِفَ رَأْسِي بِالدُّعاءِ وَفِي *** قَلْبِي شَجاً وَفُؤَادِي كُلُّهُ أَلَمُ

إِنِّي ابْنَةُ المُصْطَفَى المُخْتَارِ فَاطِمَةٌ *** فَإِنْ دَعَوْتُ فَنَتْ مِنْ دَعْوَتِي الأُمَمُ !(2)

يا لِلرِّجالِ، أَمَا لِي مِنْكُمُ أَحَدٌ *** مِنَ الطُّغاةِ لِوَجْهِ اللَّهِ يَنْتَقِمُ؟

يا غِيرَةَ اللَّهِ هَلْ كَلَّتْ سَوَاعِدُكُمْ *** عَنْ نُصْرَتِي؟ وَيْلَكُمْ، أَمْ ماتَتِ الشِّيَمُ؟

فَكَيْفَ يُخْرَجُ بَعلِيِّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ *** وَلاَ تُسَلُّ لَهُ الهِنْدِيَّةُ الخدمُ؟(3)

فَلَمْ تَجِدْ أَحَداً لَبَّيْ لِدَعْوَتِها *** كَأَنَّما كانَ فِي أَسْماعِهِمْ صَمَمُ(4)

ص: 388


1- «والأبيات التي تلته» لعلها إشارة إلى الرواية الواردة في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص339-340 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية. «... أنه لما استخرج أمير المؤمنين علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا ابن عمي فواللّه الذي بعث محمداً صلی اللّه علیه وآله وسلم بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم على رأسي ولأصرخنّ إلى اللّه «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي.
2- إشارة إلى الرواية الواردة في «الاحتجاج» ج1 ص138 ط مطابع النعمان _ النجف الأشرف من خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد. «.. بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية : أني ابنته ...».
3- الهنديّة: السيوف المطبوعة من حديد الهند والقافية الظاهر أنها تصحيف الخُنُدم، أي القاطعة.
4- ديوان ملا علي آل رمضان ص374.

(25) فاطمة علیها السلام تدعو

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

دَاجِي الضَّلالِ سَجَا وَاشْتَدَّتِ الظُّلَمُ *** عَلَى الوَرَى وَ بُحُورُ الجَوْرِ مُلْتَطِمُ(2)

وَرَايَةُ الدِّينِ لُفَّتْ بَعْدَمَا انْطَرَحَتْ *** فِي الْأَرْضِ وَ الجَوْرُ مَرْفُوعٌ لَهُ عَلَمُ

وَ أَنْتَ تَسْمَعُ يَابْنَ المُصْطَفَى وَ تَرَىٰ *** بِأَنَّ عَلَيْنَا ظَلاَمَ الظُّلْمِ مُلْتَحِمُ

وَ كَانَ بَيْنَ بَنِي حَرْبٍ وَ حِزْبِهِمُ *** لَكُمْ أُضِيعَ بِوَادِي كَرْبَلاءَ دَمُ

فَانْهَضٌ وخُذْ ثَارَ مَنْ فِي كَرْبَلاً اشْتَمَلَتْ *** عَلَيْهِمُ مِنْ مُلِمَّاتِ البَلَا غَمَمُ

أَمَاجِدٌ عَصَمَ الرَّحْمَنُ أَنْفُسَهُمْ *** أَنْ لايَلِمَّ بِهِمْ رَيْنٌ وَ لاَلَمَمُ(3)

لَمْ أَنْسَهُمْ وَ ظَلامُ النَّقْعِ مُنْسَدِلٌ *** عَلَيْهِمُ وَ ضِرَامُ الحَرْبِ يَضْطَرِمُ(4)

إلى أن قال:

إنّي لأقسِمُ بِالبَارِي الَّذِي أَبَداً *** مَا قَدْ وَطَا عَرْشَهُ مِنْ خَلْقِهِ قَدَمُ

مَا أَسَّسَ الظُّلْمَ وَاجْتَثَّ الرَّشَادَ سِوَى *** أَيْدِي الَّذِين بِدَارِ المُصْطَفَى هَجَمُوا

وَ اسْتَخْرَجُوا وَالِدَ السَّبْطَيْنِ مُحْتَسِباً *** مِنْ دَارِهِ مُسْتَضاماً وَ هُوَ مُسْتَلَمُ

يُقَادُ بَيْنَهُمُ قَهْراً وَ فَاطِمَةٌ *** تَدْعُو-وَمَدْمَعُهَا المَحرُونُ مُنْسَجِمُ-(5)

ص: 389


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- سجا: سكن دام.
3- رَيْن: طبع و دَنَس. موتٌ. وقوع فيما لايمكن الخروج منه. وقوع في غمّ.
4- النقع: الغُبار منسدل: مُرْخى و مُرسَل.
5- منسجم: منصب. جاء في عوالم سيدة النساء ج2 ص72. «...وجعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك...».

وَيْلٌ لأُمِّكُمُ خَلُوا أَبَا حَسَنٍ *** أَنْ لاتَحُلَّ سَرِيعاً فِيكُمُ النِّقَمُ

هذَا الَّذِي أَوْجَبَ البَارِي وِلايَتَهُ *** فَرْضاً عَلَيْكُمْ وَ مِنْهُ تُجْلَبُ النّعمُ

لَوْلاَ الوَصِيَّةُ وَ العَهْدُ القَدِيمُ لَمَا *** مَشَتْ إِلَيْهِ بِسُوءٍ مِنْكُمُ قَدَمُ

وَ لاَ إِلَى مَنْزِلِي بِالنَّارِ قَدْ زَحَفَتْ *** تُرِيدُ تُحْرِقُ دَارِي هَذِهِ الأُمَمُ(1)

كَفَرْتُمْ وَ رَكَسْتُمْ فِي العَنَا وَ أَنَا *** غَصَبْتُمُونِي تُرَائِي، لَاأَبَا لَكُم(2)

نَكَثْتُمُ العَهْدَ وَ المِيثَاقَ بَعْدَ أَبِي *** لَمَّا تَعَرَّتْ وَ زَالَتْ عَنْكُمُ الشَّيَمُ

صَلَّى عَلَيْهِ وَ أَبْنَاهُ المُهَيْمِنُ مَا *** أَضَاءَ نُورُ صَبَاحٍ وَ انْجَلَتْ ظُلَمُ(3)

ص: 390


1- في كتاب سليم بن قيس ص36 ، ط قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة -طهران. «... و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب...».
2- في «صحيح مسلم» ج4 ص29-30 ح1759 ط1-مؤسسة عز الدين. «عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنها أخبرته: إنّ فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إنّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الله قال: لانوّرث ما تركناه صدقة إنّما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال» ...فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك...
3- ديوان ملا علي آل رمضان ص356 و القصيدة في (45) بيتاً.

(26) حب البتول علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ علي الفرج

تلألأ كأسُ الحبّ فلندفنِ الهمّا *** فمن يشرب الحبَّ البتوليَّ لايظما

و من يغرسُ الآمال في دار أحمدٍ *** فيا ما أُحيلي ما سيجني و ما أنمى

و من يغزلُ الشعر الطريّ بفاطمٍ *** سيتلو به آيات (والفجر) أو (عم)

و من يتنغّم نبرةً فاطميّة *** مشى السحرُ في أعراقهِ يذرعُ الدَّمَّا

تنغّمتها حتى إذا عدتُ نغمة *** على قصبِ النشوى سعى الكونُ والتمّا

تنغّمتها دنياً من الشعر بعدها *** غفت كلماتي فوقَ دنيا من النُّعمى

غفت كلماتُ العاشقين و ما غفت *** الشعر إلاّ تسرقُ الحُلُمَ الأسمى

أيا مهدها و الوحيُ... كيف رأيتُما *** رسولَ السما يستقبل الوردَ و الحلما

و قد سَبحتْ عيناهُ خلفَ عيونها *** يرى الدمعةَ الحمراءَ و الحزنَ والسُّقما

أزهراءُ إذ كنتِ الوليدةَ إنني *** أرى كل مَن في الكون من نسوةٍ عُقما

حنانيكِ يا (ديوان) حبّ (قريضُهُ) *** سناً عبقريٌّ نوّر الأُفقَ الأعمى

و (أحرفُهُ) ساعاتُ عمرٍ تفتّحت *** فعمَّ السما و الأرضَ من ذاك ما عمّا

و(أوزانُهُ) طبعُ السماء لوارتدى *** بها الصخرُ ساوى طبعُهُ الشمسَ والنجما

و (عنوانُهُ) الزهراءُ يا اسماً كأنما *** يفيضُ حكاياتٍ لها تسجدُ الأسما

أزهراءُ يا بعضاً لأحمدَ ينتمي *** كما الوردةُ الزهرا إلى روضها تُنمى

صنعتِ له قلباً يلمُّ حنانه *** فكنتِ له بنتاً و كنتِ له أُمّاً

ص: 391

ومن وجهه الميمونِ صغتِ ابتسامة *** ومن وجهكِ البسّامِ صُغتِ له النّعمى

أزهراءُ يا إسعادَنا واشتعالَنا *** حملنا هواكِ الحيَّ في موتِنا غُنما

فرشناهُ جمراً في شرايين روحِنا *** و إنْ شهروا سيفاً و إن عرضُوا سهما

و أغلى من الدنيا الهوى و انتحاره *** و أرخص من ليلاي أن يسفكُوا الدَّما

ص: 392

(27) نثار اللآلىء

(بحر المتقارب)

السيد غياث آل طعمة(*)(1)

رَنَوْتُ لأَيَّامِي النَّاعِمَهْ *** فَبِتُّ لِجَمْرِ الأَسَى هَائِمَهْ(2)

لَقَدْ كَثَرَ الدَّهْرُ أَنْيَابَهُ *** فَصُبَّتْ نَوَائِبُهُ القَاتِمَهْ(3)

وَ قَدْ كِدْتُ أنْسَى لِمَا قَدْ جَرَى *** بِأَنِّي ابْنَةُ المُصْطَفَى فَاطِمَهْ(4)

فَتَباً لِدُنْيا الأسَى وَ الظَّلامِ *** عَلَى كُلِّ ذِي عِزَّةٍ نَاقِمَهْ

يَعِيشُ بِهَا حُلْوَ أَيَّامِهَا *** وَ تَلْوِي بِغَدْرَتِهَا رَاجِمَهْ(5)

رَمَتْنِي بِمُرِّ الدَّوَاهِي العِظَامِ *** فَبِتُّ لِوَقْعَتِهَا جَاشِمَهْ(6)

وَ مَا مَرَّ بِالْبَالِ يَوْماً بِأَنْ *** تَدُورَ عَلَيَّ الرَّحَى قَاصِمَهْ

أَنَا ابْنَةُ سَيْدِ هذي الأنام *** وَ صَاحِبِ شِرْعَتِهَا السَّالِمَهْ

ثِمَارُ الجِنَانِ أَنَا مَبْدَئِي *** وَ خُلْدُ الجِنَانِ لِيَ الْخَاتِمَهْ

إِذَا مَا اشْتَهَى أَنْ يَثُمَّ الْجِنَانُ *** أَبِي شَمَّ رَائِحَتِي العَارِمَهْ(7)

ص: 393


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- رَنَوْتُ: رنا إليه: أدام النظر إليه و الظاهر أن المراد هنا الالتفات و التأمل في الأيام الماضية.
3- نوائبه: مصائبه و دواهيه. القاتمة: الداكنة.
4- كذتُ: أَوْشَكْتُ.
5- وتَلْوي: يريد بها، و تنعطف. راجمة: رَجَمَهُ بالحجارة: رماه بها، رَجَمَهُ: لعنَهُ ، شَتَمَهُ طردَهُ.
6- الدَّواهي: المصائب و النوائب. جاشمة: أي أقاسي المشقّة العظيمة و أتكلفها على مشقة.
7- العارمة: يريد هنا شدة عبق طيبها الفوّاح.

أَنَا ابْنَةُ طَة وَ زَوْجِي عَلِيٌّ *** أَمِيرُ ذَوِي الأَنْفُسِ الْحَازِمَهْ

وَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ المُصْطَفَى *** يَدَاهُ لأَصْنَامِهِمْ هَادِمَهْ

وَصِيُّ النَّبِيَّ وَلِيٌّ زَكِيٌّ *** شَقِيُّ العَوَاقِبِ مَنْ خَاصَمَهْ

وَ خَشْنُ اللُّباسِ شَدِيدُ المِرَاسِ *** تَعُجُ مَوَاقِفُهُ الحَاسِمَهْ(1)

وَ دُودٌ رَحِيمٌ كَرِيمٌ حَلِيمٌ *** غَلِيظٌ عَلَى الفِرْقَةِ الْغَاشِمَهْ(2)

أنيسُ الْقُلُوبِ مُزِيلُ الكُرُوبِ *** عَنِ المُصْطَفَى إِنْ حَوَى صَارِمَهْ(3)

بِأَمْرِ مِنَ اللَّهِ تَزْوِيجُنَا *** أُنُوفُ الرِّجالِ بِهِ رَاغِمَهْ

لَقَدْ زَيَّنَ اللهُ حُورَ الجِنَانِ *** وَ أَحْمَدَ نِيرَانَهُ اللاهِمَهْ(4)

نِشَارِي اللَّألي وَ غالِي الجُمَانِ *** بِهَا الحُورُ زِينَتَها نَاظِمَهْ(5)

وَقَادَ الزّمامَ أَبِي فِي الزَّفافِ *** وَ كُلُّ الوُجُوهِ بِهِ نَاعِمَهْ

وَ كُلُّ المَلاَئِكِ قَدْ رَفْرَفَتْ *** بِبَهْجَتِهَا لِلْوَرَى رَاحِمَهْ

وَ أُعْطِيتُ مَهْراً بِهِ لَمْ تَكُنْ *** بِمَرِّ الدُّهُورِ النّسا حَالِمهْ

فَقُلْتُ لأَرْجُو شَفَاعَتَنَا *** لأَهْلِ مَوَدَّتِنا عَاصِمَهْ

فَأُعْطِيتُ مِنْحَتَها مَنْ أَشَاءُ *** فَطُوبَى لِشيعَتِنا الْغَائِمَهْ

وَ أُمُّ الأَئِمَّةِ لَوْيَفْقَهُونَ *** لِمَنْهج نَيْلِ العُلَى رَاسِمهْ

كَوَاكِبُ هَدْي لِمَنْ يَهْتَدِي *** وَ لِلْمُعْتَدِي حِمَمٌ هَاشِمَهْ

وَ مِني سَيُولَدُ مَنْ بِاسْمِهِ *** سَتُصْبِحُ دَولَتُنَا حَاكِمهْ

لَنَا خَلَقَ اللَّهُ هَذِي الحَيَاةَ *** وَ فِينَا نِهَايَتُهُ العَادِمَهْ

ص: 394


1- المراس: الشدّة و القوّة.
2- الغاشمة: الظالمة.
3- صارمه: سَيْفه.
4- اللاهمة: التي تلتهم التهاماً.
5- الجُمان: الواحدة جُمانة: اللؤلُؤ(فارسيَة).

ولاَيَتُنَا لِلَّذِي قَدْ أُقِرْ *** بِشِرْعَةِ أَحْمَدِنا لأزمهْ

حَيَاتِي بِحُبِّ الإِلَهِ انْقَضَتْ *** فَدَهْرِيَ قَائِمَةٌ صَائِمَهْ

إِذَا قُمْتُ لِلَّهِ جَوْفَ الظَّلامِ *** وَ جُلُّ عُيُونِ الوَرَى نَائِمَهْ(1)

فَلَسْتُ أَمَلُ لَذِيذ الصَّلاةِ *** وَ إِنْ أَصْبَحَتْ أَرْجُلِي وَارِمَهْ

بِقَلْبِي أَنْوَارُ رَبِّ السَّمَاءِ *** أَرَاهَا عَلَى بَيْتِنَا حَائْمَهْ

وَ بَيْتٌ لَنَا مِنْ أَعَالِي الْبُيُوتِ *** وَ فِيهِ مَلائِكَةٌ بَاسِمَهْ

وَ تَفْخَرُ فَخْر بُيُوتِ الحِجَازِ *** إِذَا مَا أَتَتْ دَارَنَا خَادِمَهْ

أَبِي كَانَ مُسْتَئْذِنَا بِالدُّخُولِ *** وَ حِلٌّ لَهُ دَارُنا القَائِمَهْ

فَكَيْفَ سَتَدْخُلُهُ فِرْقَةٌ *** بِدُونِ رِضَايَ لَهَا هَاجِمَهْ؟

عَلَيَّ أَتُحْرِقُهُ زُمْرَةٌ *** فَتَبَّتْ يَدُ الزُمْرَةِ الآئِمَهْ

وَ يَكْسِرُ ضِلْعِي لَئِيمُ الْخِصَالِ *** فَيَا وَيْلَ فِعْلَتِهِ الظَّالِمهْ

وَ تُسْقِطْ حَمْلِي أَيَادِي الطَّغَاةِ *** بِعَصْرَةِ بَابٍ وَلِي شَاتِمَهْ

أَتَمْنَعُنِي فَدَكِي عُصْبَةٌ؟ *** بِعِلْمٍ وَ دِينِ غَدَتْ زَاعِمَهْ(2)

خَرَجْتُ لِحَقِّي عَلَى رَدّهِ *** وَ إِنْ تَرَكُوا نُصْرَتِي عَازِمَهْ

أَقَمْتُ بِقُرْآنِنَا حُجَّةً *** لَئِنْ حَكَمُوها تَكُنْ حَاكِمهْ(3)

ص: 395


1- جُلّ: أكثر، معظم. الورى: الناس.
2- إشار الشاعر إلى ما جاء في مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي ص15 ح25. عن عمر بن الخطاب قال: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بويع لأبي بكر في ذلك اليوم فلما كان من الغد جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر معها علي فقالت: ميراثي من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبي... فقال أبوبكر من الرثة أو من العقد؟ قالت: فدك و خيبر و صدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك إذا مت... فقال أبوبكر: أبوك -واللَّه- خير منّي و أنت خير من بناتي و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لانورّث.
3- جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج16 ص232. دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له: لئن مت اليوم فن كان يرتك؟ قال: ولدي و أهلي قالت فلم ورثت أنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم دون أهل و ولده؟ قال؟ فما فعلت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخذّتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته.

وَلكِنَّهُمْ رَكَنُوا لِلْحَيَاةِ *** فَزِينَتُهَا لِلْوَرَى خَاطِمَهْ(1)

وَ رَدُّوا عَلَيَّ بِأَوْهَى مَقالٍ *** بِمَا قُلْتُ ثُلتُهُمْ تَاهِمهْ

وَعُدْتُ أَلَمْلِمُ ذَيْلَ الجراحِ *** بِعَيْنِي السَّمَاء غَدَتْ قَاتِمَهْ

لَقَدْ خَسِرُونِي أَلَمْ يَعْلَمُوا *** بِحُبِّي سَيُنْجِي مِنَ الحَاطِمَهْ؟(2)

وَ يَرْضَى الإلهُ إِذا ما رَضَيْتُ *** وَ يَغْضَبُ إِنْ غَضِبَتْ فَاطِمَهْ(3)

دَعَوْتُ عَلَيْهِمْ فَلَنْ يُفْلِحُوا *** فَدُنْيَاهُمُ حَسْرَةٌ دَائِمَهْ

وَ أَخْرَاهُمُ ظُلْمَةٌ لَا تُطَاقُ *** فَبَيْسَتْ حَيَاتِهِمُ القَادِمَهْ

فَبِتُ نَزِيلَةَ قَبْرِ الحَبِيبِ *** وَ تُغْرِقُنِي أَدْمُعِي السَّاجِمَهْ(4)

وَ مَلُوا البُكَاءَ وَ قَدْ طَالَبُوا *** أَكُونُ لِكُلِّ البَلاَ كَاظِمَهْ

وَ يَسْتَعْتِبُونِي إِذَا مَا رَأَوْنِي *** أَتَيْتُ نَرَى المُصْطَفَى لائِمَهْ

فَظَلَّتْ هُمُومِي بِمَا قَدْ بَقِيتُ *** عَلَى الصَّدْرِ فِي ثُقْلِها جَاثِمَهْ

و بتُّ وَقَدْ أَرَّقَتْنِي الهُمُومُ *** وَ دُنْيَايَ مِمَّا جَرَى وَاجِمَهْ

وَ أَصْبَحْتُ لاَ أَسْتَلِذُّ الحَيَاةَ *** وَ صِرْتُ لأَيَّامِهَا رَاغِمَهْ

فَفِي النَّفْسِ شَبَّ لَهِيبُ الشُّجُونِ *** وَ فِي القَلْبِ كُلَّ الأَسَى كَاتِمَهْ

وَ قَبْرِي سَيُعفى فَتَبْقَى عَلَيَّ *** مَدَى الدَّهْرِ شيعَتُنا لاطِمَهْ

ص: 396


1- خاطمة: يُقال «فلانٌ خاطمُ أمْرِ فلانٍ» أي قائدهم و مدبّر أمرهم الخطام جمع خُطُم: حبل يْجعل في عنق البعير. و يُثنى في خْطمِهِ «أنفه»، كل ما وُضِعَ في أنفِ البعير ليُعاد بَهِ، و مِسْكٌ خَطام: يملأُ الخياشيم.
2- الحاطمة: اسم من أسماء جهنم.
3- ورد في فرائد السمطين ج2 ص46 ، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله «عزوجل» ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها.
4- ساجمة: يريد: متتابعة.

وَيُبْدِيهِ قَائِمُنَا لِلأَنَامِ *** وَ صُحْبَتُهُ الغُرَّةُ العَالِمهْ

فَتَنْعَمُ شِيعَتُنَا بِالسُّرُورِ *** وَ تَبْقَى لِيَوْمِ الجَزَا نَاعِمَهْ(1)

ص: 397


1- عبقات الولاية ص108.

(28) قنديل الوحي

(بحر الكامل)

الشيخ فاضل الصفار(*)(1)

مَا لِلْجُنَاةِ لَبَيْت فَاطِمَ هَاجَمُوا *** وَ بِبَابِهَا نَارَ الصَّغَائِنِ أَضْرَمُوا؟(2)

أَوَمَا دَرَوْا فِي خِدْرِهَا سِرُّ الإ *** لهِ مُحَصَّناً وَ بِهِ المَلائِكُ نُوْمُ؟

يَا وَيْلَهُمْ كَيْفَ اسْتَبَاحُوا سِتْرَهَا *** وَ تَجَاوَزُوا أَوَلَيْسَ كَانُوا أَسْلَمُوا؟(3)

ص: 398


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- إشارة إلى هجوم القوم على الدار و حرقه بالنار و قد مضت الإشارة إليه في موارد عدة نقلاً عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و أيضاً عن كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202. و كتاب أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143، الضغائن: الأحقاد. أضرموا أشعلوا.
3- يشير في هذين البيتين إلى هجومهم على دار الزهراء علیها السلام و كشفهم سترها دون إذن و تجاوزهم على حرمتها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي واللّه، و ما عليها خمار، فنادت: يا أبتاه صلي اللّه علیه و آله و سلم، یا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك تنادي بأعلى صوتها. و قد حكى الشاعر هذه الحادثة بقوله: قال سلیم قلت یا سلمانُ *** هل دخلوا و لم يك استيذان؟ قال بلى و عزة الجبار *** و ما على الزهراء من خمار و في تفسير العياشي ج2 ص67 و البحار ج28 ص227 قالا: قال عمر: قوموا بنا إليه يعني الإمام علي علیه السلام فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبوعبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ قال الراوي: وقمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليها» أغلقت الباب في وجوههم و هي تشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف، ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوّجي؟ واللّه لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي فأخذت بيد الحسن والحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

يَا وَيْلَهُم كَيْفَ اسْتَبَدُّوا بِالأُمُورِ *** وَ قَبْلَهَا عَهْدَ الوِلايَةِ أَبْرَمُوا؟

أَوَ لَمْ يُنَادُوا بِالغَدِيرِ وَخُمِّهِ *** (بَخٍ بَخٍ) لَكَ يَا عَلِيُّ وَ سَلَّموا؟(1)

مَاذَا جَرَى قَدْ أَنْكَرُوا وَ تَقَلَّبُوا *** بَعْدَ الهُدَى وَ إِلَى الضَّلَالِ تَحَرَّمُوا؟

أَوْ هَلْ تَبَدَّلَتِ الأُمُورُ تَقَهُقَرُوا *** لِلْجَاهِلِيَّةِ وَ الشَّقا يَحْدُوهُمُ؟

أَمْ بَيَّتُوا أَمْراً وَحَانَ أَوانُهُ *** فِي هَدَم بَيْتِ الدِّينِ حِقْداً مِنْهُم؟

أَمْ أَعْلَنُوا حَرْباً لآلِ اللَّهِ كَيْ *** يُطْفُوا ضِيَاءَ الحَقِّ يَا وَيْلاهُمُ

فَتَجَمَّعُوا طُرّاً عَلَى بَابِ الهُدَى *** وَ النَّارُ تُلْهَبُ فِي النُّفُوسِ تَقَدَّمُوا؟

لكِنَّهُمْ لايَفْقَهُونَ وَ قَبْلَ ذَا *** لَمْ يُؤْمِنُوا وَ عَنِ الحَقِيقَةِ قَدْ عَمُوا

وَ الطُّهرُ فَاطِمُ خَلْفَهُمْ بِتَجَلُّدٍ *** تَحْمِي الحِمَى وَ إِلَى الضَّمِيرِ دَعَتْهُمُ

فَتَطَاوَلُوا كَيْ يَهْتِكُوهُ وَ مَا رَعَوْا *** حَتَّى لِطهَ حُرْمَةً وَ تَفَحّمُوا

دَخَلُوا عَلَيْهَا دُونَ إِذْنٍ وَيْلَهُمْ *** ثُمَّ اسْتَبَاحُوا خَسْفَهَا وَ تَغَشَمُوا

أَسَفِي لِفَاطِمَ كَيْفَ دَاسُوا خِدْرَهَا *** وَ لِهَضْمِهَا أَهْلُ النِّفَاقِ تَقَسَّمُوا

وَعَدَا عَلَيْهَا الرِّجْسُ يَعْصِرُ صَدْرَهَا *** بِالبَابِ حِقْداً يَا لِقَوْمٍ أَجْرَمُوا!

وَ أَلَحَّ فِي عُدْوَانِهِ حَتَّىٰ هَوَتْ *** لِلْأَرْضِ تَصْرُخُ وَ الأَصَالِعَ هَشَّمُوا(2)

صَرَخَتْ وَ أَسْقَطَتِ الجَنِينَ مُقَفَّراً *** فَوْقَ التُّرَابِ تَئِنُّ مِنْ إِيذَاهِمُ

لَمْ يَشْتَفُوا فِيمَا جَنَوْهُ وَ إِنَّمَا *** لِكِيَّانِهَا المَنْحُولِ ضَرْباً حَطَّمُوا

ص: 399


1- بَخٍ بَخٍ: بَخٍ اسم فعل معناه عظُم الأمر أو معناه استحسن. يكون للرضا علیه السلام و الإعجاب و الفخر و يكرر للمبالغة.
2- هَشَّموا: بالغوا في الكسر.

فَتَلَوَّعَتْ بِالضَّرْبِ حَتَّى أُثْخِنَتْ *** وَ عَلى أَضَالِعِهَا بِسَوْطٍ وَ شَّموا

وَ الصَّدْرُ بِالمِسْمَارِ مِنْ عُدْوَانِهِمْ *** يَجْرِي دَماً وَ بَصِيحُ مِمَّا قَدَّمُوا

وَ غَدَتْ تَئِنُّ مِنَ المُصَابِ وَ تَشْتَكِي *** جَوْرَ الَّذِينَ عَلَى الجِنَايَةِ أَقْدَمُوا(1)

تَقْضِي اللَّيَالِي بِالدُّمُوعِ تَحَسُّراً *** وَ تَبثُّ فِي زَفَرَاتِهَا شَكْوَاهُمُ(2)

وَ أَمَضُّ مَا يُدْمِي القُلُوبَ تَحَرُّقاً *** فِي وَجْهِهَا كَفَّ المَظَالِم تَلْطِمُ(3)

فَقَضَتْ وَ فِي الجِسْم النَّحِيفِ عَلامَةٌ *** تَحْكِي الأَسَى وَ تَبُوحُ عَمَّا أَجْرَمُوا

أَسَفِي لَهَا سِنُّ الزُّهُورِ سِنِيُّهَا *** ذَبُلَتْ وَ وَالِدُها بِهَا أوْصَاهُمُ

أَسَفِي لَهَا عَاشَتْ بِلَوْعَتِهَا وَ قَدْ *** مَاتَتْ تَغُصُّ مَعَ الرَّدَى بِجَواهُمُ(4)

ص: 400


1- في هذه الأبيات الثلاثة عشر إشارة إلى إحراق الدار و دخولهم عليها دون إذن و عصرها خلف الباب و كسر ضلعها و إسقاط الجنين و ضربها بالسياط و دخول المسمار في صدرها. و قد مرّ دخولهم على دارها دون إذن في الهامش السابق نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39. و كتاب تفسير العياشي ج2 ص67. و كتاب البحار ج28 ص227. أما إحراق الدار و كسر الضلع وإسقاط الجنين و ضربها بالسياط و دخول المسمار في صدرها فقد مرت الإشارة إليه أيضاً نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 و كتاب البحار ج53 ص19. و كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202 و كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143.
2- في هذا البيت إشارة إلى بكاء الزهراء علیها السلام و حزنها على ما أصابها. و تقدم تفصيله أيضاً. نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 و عن كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 و رحلة ابن جبير ص174. و البحار أيضاً ج43 ص195.
3- إشارة إلى ضرب عمر للزهراء علیها السلام و لطمها على خدها. انظر ما ورد عنها فيما تقدم. نقلاً عن كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574. و كتاب بحار الأنوار ج8 ص240 ط حجرية. و كتاب البحار أيضاً ج30 ص294.
4- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى حزن الزهراء علیها السلام و العلل التي أصابتها بسبب ما لحق بها من الأذى و تقدم تفصيله، نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب المازندراني ج3 ص362 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 و رحلة ابن جبير ص174. و البحار أيضاً ج43 ص195. و زيادة على ما مرّ ففي كتاب فتح الباري للحافظ العسقلاني ج9 ص201 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص195 قال: عن عائشة إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهنَّ صبراً».

قَوْمٌ عَلَى الدِّينِ الحَنِيفِ تَمَرَّدُوا *** وَ الكُفْرُ وَالإِلْحَادُ قَدْ أَعْمَاهُمُ

قَدْ جَرَّعُوهَا المَوْتَ جَمْراً فِي الحَشَا *** قَبْلَ الرَّحِيلِ وَ بَعْدَهُ بِعِدَاهُمُ

فِي كَسْرِ أَضْلاعِ أَرَقُ مِنَ الضَّيَا *** وَ بِهَضم حَقٌّ سَلَّبُوهُ وَ أَرْغَمُوا(1)

وَ خَفَاءُ قَبْرٍ ضَيَّعُوهُ وَ قَبْلَهُ *** قَدْ ضَيَّعُوا أَسْرَارَهُ بَلْ هَدَّمُوا(2)

وَ بِعَيْنِهَا رَسَمُوا المَظَالِمَ حُمْرَةً *** وَ بِخَدِّهَا صُوَرُ المَآسِي تُرْسَمُ(3)

لازَالَ فِي سَمْعِ الزَّمَانِ رِوَايَةٌ *** وَ لِسَانُ صِدْقٍ بِالجَوَى يَتَكَلَّمُ

ص: 401


1- في هذا البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام وإلى سلب حقها «فدك» و تقدم تفصيله أيضاً. نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144. و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن مسند أحمد ج1 ص9. و كتاب السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300. و كتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
2- إشارة إلى إخفاء قبر الزهراء علیها السلام و تقدم ذكره نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363. و البحار ج43 ص183 و ص212 عن كتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى و كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، ج4 ص1898. و كتاب ذخائر العقبى ص54.
3- في هذه الأبيات الخمسة إشارة إلى ما لحق بالزهراء علیها السلام من أذى وضرب وسلب لحقوقها و تجاوز على حرمتها حتى أصابها المرض و الحزن و الذبول وقد أوصى بها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و كل هذا و أمثاله قد مرّ في قصائد كثيرة يمكن مراجعتها.

وَ اللَّهِ مَا عَرَفَ الزَّمَانُ كَمِثْلِهَا *** قِنْدِيلَ وَحْي خَسْفُوهُ وَ أَلَمُوا

تَرَكُوهُ يَأْكُلُهُ الأَسَى حَتَّى انْطَفَا *** فِي حَسْرَةٍ يَلْتَاعُ مِمَّا اسْتَأْثَمُوا(1)

سَتَظَلُّ فِي قَلْبِ الضَّمَائِرِ دَمْعَةً *** وَ بِيَوْمِ حَشْرٍ جَمْرَةٌ تَكْوِيهُمُ

ص: 402


1- يلتاع: يحترق قلبه من الهم.

(29) بعد فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

لاَ يُلْهِينَّكَ آرامٌ بِذِي سَلَمِ *** وَ لاتَعَشَّقْ مَنْ فِي البَانِ وَ العَلَمِ(2)

الشَّيْبُ لاَحَ كَمَا لاَحَ الهِلاَلُ وَ هَلْ *** مِنْ بَعْدِ شَيْبِكَ غَيْرُ الضَّعْفِ وَالهَرَمِ؟

فَسَلْ سَبِيلاً سَلِيماً مُوصِلاً لَكَ فِي *** الأُخْرَى إِلَى سَلْسَبِيلٍ بَارِدٍ شَبِمِ(3)

أَسْلُكْ سَبِيلَ بَنِي الهَادِي وَلُدْ بِحِمَى *** وَلائِهِمْ فَهُوَ حَقاً خَيْرُ مُعْتَصَمِ

ترِدْ غَداً حَوْضَهُمْ طُوبَى لِوَارِدِهِ *** وَ مَنْ يُذَدْ عَنْهُ فِي يَوْمِ المَعَادِ ظَمِي

وَ احْمُدْ إِلْهَكَ إِذْ أَنْشَأَكَ مِنْ عَدَمٍ *** فِي أُمَّةِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ فِي القِدَمِ

فَإِنَّهَا الأُمَّةُ النَّوْرا الَّتِي كَرُمَتْ *** عَلَى العَظِيم فَنَالَتْ مُنْتَهَى العِظَمِ

وَ الذِّكْرُ أَعْلَنَ كُنْتُمْ أُمَّةً وَسَطاً *** وَ خَيْرَ مَا أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ مِنْ أُمَمِ

لِلَّهِ مِنْ أُمَّةٍ مَرْحُومَةٍ عَدَلَتْ *** فِي القَوْلِ وَ الفِعْلِ وَ الأَحْكَامِ وَ الحِكَمِ

يَا لَيْتَهَا بَعْدَ خَيْرِ الرُّسُلِ مَا انْقَلَبَتْ *** مِنْهَا أُنَاسٌ وَ لَمْ تَفْصِمْ عُرَى الذّمَمِ(4)

يَا لَيْتَهَا لَمْ تَحِدْ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَ *** القُرْآنُ فِي الآلِ قُرْبَاهُ ذَوِي الرَّحِمِ

يَا لَيْتَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ مَا قُبِضَتْ *** غَضْبَى عَلَيْهِمْ وَمَا الجَارِي بِمُنْكَتِمِ(5)

ص: 403


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- آرام: غزلان ذي سلم اسم موضع.
3- شَبِم: بارد.
4- لم تُفْصَمْ: لم تنقطع. عُرى: جمع العروة و هي ما يوثق به يوثق به كالحبل.
5- في كتاب البحار ج4 ص204 فلما قضت نحبها «صلى الله عليها» و هم في ذلك في جوف الليل، أخذ عليه في جهازها من ساعته كما أوصته فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة و أشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها و دفنها ليلاً...

يَا لَيْتَ فَاطِمَةٌ لَمْ تُؤْذَ بَيْنَهُمُ *** وَ لَمْ تُكَذِّبْ وَ لَمْ تُظْلَمْ وَ لَمْ تُضَمِ(1)

لَهَفِي لَهَا بَعْدَ فَقْدِ الطَّهْرِ مَا بَرِحَتْ *** مَفْرُوحَةَ القَلْبِ فِي وَجْدِ وَ فِي ضَرمِ

حَتَّى فَضَتْ وَ إِلَى دَارِ الخُلُودِ مَضَتْ *** تَشْكُو العِدَى لِشَدِيدِ البَطْشِ وَ النّقَمِ

ما حَالُ قَلْب أَبِيهَا حِينَ يَنْظُرُهَا *** وَ العَيْنُ فِي حُمْرَةِ وَ الجِسْمُ فِي وَرَمِ

إِنِّي أُعَزِّيَكَ فِي الزَّهْرَا أَبَا حَسَنٍ *** وَ إِنْ يُعَزِّيكَ قَبْلِي بَارِىءُ النَّسَمِ

صَبْراً عَلَى قَدَرِ البَارِي وَإِنْ عَظمَ *** الجَارِي فَأَنْتَ مِثَالُ الصَّبْرِ فِي الإِزمِ(2)

هَلْ بَعْدَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا وَوَالِدِهَا *** أَبْقَى لَكَ الدَّهْرُ رُكْناً غَيْرَ مُنْهَدِم؟

لِلَّهِ قَلْبُكَ مَاذَا قَدْ تَحَمَّلَهُ *** بَعْدَ الهَوَانِ وَبَخْسُ الحَقِّ مِنْ غَمَمِ

لاغَرْوَ لَوْ ذَرَفَتْ عَيْنَاكَ مِنْ أَسَفٍ *** عَلَى البَتُولِ وَ مِنْكَ الطَّرْفُ لَمْ يَنَمِ

بَلْ لاأَرَى عَجَباً لَوْ مِنْ تَذَكَّرِهَا *** مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ(3)

ص: 404


1- في البحارج53 ص18-19: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه، وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها. و في تلخيص الشافي، للشيخ الطوسي، ج3 ص156. قال الشيخ الطوسي -شيخ الطائفة- و فقيه الأمة المجمع على وثاقته- في تلخيص الشافي... المشهور الذي لاخلاف فيه بين الشيعة أن عمر ضرب على بطنها «صلوات الله عليها» حتى أسقطت فسمي السقط محسناً... و الرواية بذلك مشهورة عندهم و ما أرادوا من إحراق البيت عليها حين التجأ إليها القوم وامتنعوا من بيعته -و ليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك- و رواية الشيعة مستفيضة به لايختلفون بذلك.
2- الإِزَم: جمع الأزمة و هي الشدّة و الضيقة.
3- الأزهار الأرجية ج2 ص127.

(30) ست النساء

(بحر الكامل)

لطف الله بن محمد البحراني

حتّى مَ تَسْأَلُ عَنْ هَوَاكَ الأَرْسُمَا *** غَيّاً وَ تَسْتَهْدِي الجَمَادَ الأَبْكَمَا؟

وَإلاَمَ تَسْأَلُ دِمْنَةً لَمْ تُلْفِ فِي *** أَرْجَائِهَا إِلا الأَثافِي جُثَّمَا؟(1)

خَلَتِ الدِّيَارُ مِنَ الأَنِيسِ فَمَا القَطينُ *** بِهَا القَطِينُ وَ لَاالحِمَى ذَاكَ الحِمَى

سَفَةٌ وُ قُوفُكَ بَيْنَ أَطْلَالٍ خَلَتْ *** وَ عَفَتْ وَ غَيَّرَهَا البَلاءُ وَ أَعْدَما(2)

ضَحِكَ المَشِيبُ بِعَارِضَيْكَ فَنُحْ أَسَى *** أَسفاً عَلَى عُمْرٍ مَضَى وَ تَصَرَّمَا

فَالعُمْرُ أَنْفَسُ فَائِتٍ فَتَلاَفَ مَا *** ضَيَّعْتَ مِنْهُ وَخُذْ لِنَفْسِكَ مَغْنَمَا

وَ إِذَا أَظلَّ عَلَيْكَ شَهْرُ مُحَرَّمٍ *** فَابْكِ القَتِيلَ بِكَرْبَلاءَ عَلَى ظَمَا

إلى أن يقول:

يَا رَاكِباً نَحْوَ المَدِينَةِ قِف بِهَا *** عِنْدَ الرَّسُولِ مُعَزّياً مُتَظَلِّما

وَ قُل السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَزْكَى الوَرَى *** نَسَباً وَ أَكْرَمَهُمْ وَأَشْرَفَ مُنْتَمَى

أَوْصَيْتَ بِالثَّقَلَيْنِ أُمَّنَكَ الَّتِي *** لَمْ تَأْلُهَا نُصْحاً لَهَا وَ تَكَرُّما(3)

ص: 405


1- دِمْنة: آثار الدار الأثافي: الأحجار التي يُوضع عليها القِدْر. جُلّم: متلبدة بالأرض.
2- سفَهُ: جَهْل. أطلال: الآثار الشاخصة. عَفتْ: انمحت وَ دُرِسَتْ وَ بَليت.
3- في البيت إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من إيصائه بالكتاب و العترة الطاهرة. ففي كتاب سنن الترمذي ج5 ص663 ح3788 قال: عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما». و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12. و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص109 قال: عن زيد بن أرقم لما رجع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من حجة الوداع و نزل غديرخم أمر بدوحات فقممن فقال: «كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله «تعالى» و عترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض...» الخ. و ذكره النسائي في خصائصه ص21. و ذكره الإمام أحمد بن حنبل ج3 ص17 فقال: عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «إني أوشك أن أدعى فأجيب، و إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله «عزوجل» و عترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام، و إن اللطيف أخبرنی أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما». ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج9 ص163. و ابن سعد في طبقاته ج2 ص2. و في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج1 ص355 قال: عن حذيفة بن أسيد الغفاري. قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «أيها الناس إني فرطكم و إنكم واردون علي الحوض، فإني أسألكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما. الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم فاستمسكوا به لاتضلوا و لاتبدلوا و عترتي أهل بيتي علیهم السلام فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

هَا قَدْ أَضَاعَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا *** الثَّمَنَتْ بِذِمَّتِهَا وَ عَهْداً مُبْرَما

هذَا الحُسَيْنُ بِكَرْبَلاً عَهْدِي بِهِ *** شَفَتَاهُ نَاشِفَتَانِ مِنْ حَرِّ الظَّمَا

وَ تَرَكْتُ نِسْوَتَهُ الكَرَائِمَ حُسَّراً *** مِنْ حَوْلِهِ يَمْسَحْنَ مَنْحَرَهُ دَما(1)

وَ اقْصُرْ مِنَ الشَّكْوَى سَتَسْمَعُ أَنَّةً *** مِنْ قَبْرِهِ تَدَعُ الفُؤَادَ مُكَلَّما

وانحُ البَتُول و قُلْ أَيَا سِتَّ النِّسا *** أَعْلِمْتِ فاطِمَةَ الظهورِ بِنَا وَمَا؟

سِتَّ النِسَاءِ أَمَا عَلِمْتِ بِمَا جَرَى *** رُزْهُ أَرَاهُ مِنَ الرِّزَايَا أَعْظَمَا؟

سِتَّ النِّسَاءِ رَبِيبُ حِجْرِكِ فِي الثَّرَى *** عَارِي اللِّباسِ مُسَرْبَلاً حُللَ الدِّما

سِتَّ النِّسَاءِ حَبيبُ قَلْبِكِ قَدْ قَضَى *** ظَامِي الحَشَا وَ النَّهرُ فِي جَنْبَيْهِ مَا

سِتَّ النِّسَاءِ رَضِيعُ ثَدْيكِ رَضَّضَتْ *** خَيْلُ العِدَى أَضْلَاعَهُ وَ الأَعْظُمَا

ص: 406


1- حُسَّر: النساء المنكشف خمارهنّ عن وجوههنّ.

يَعْرُزُ عَلَيَّ بِأنْ أَقُولَ مُعَزِّياً *** وَ أَفُوهَ عَمَّا فِي الشَّمْيِرِ مُتَرْجِمَا

الرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى سِنَانٍ شَاهِقٍ *** وَ الجِسْمُ مِنْ وَقْعِ السُّيُوفِ مُهَشَّما

وَ بَنَاتُكِ الخَفِرَاتُ فِي أَيْدِي العِدَى *** خَلَّفْتُهِنَّ مُكَشَفَاتٍ كَالإِمَا

أَبْرَزْنَ مِنْ بَعْدِ الخُدُورِ حَوَاسِراً *** سَلَبَ العِدَى مِنْهَا الرِّدَا وَ المِعْصَما

أُخِذَتْ سباً حُرقَتْ خِباً شُتِمَتْ أَبا *** مَا كَانَ أَهْلاً أَنْ تُسَبِّ وَ تُشْتَمَا(1)

ص: 407


1- کتاب أدب الطف ج5 ص255 و القصيدة في 54 بيتاً.

(31) حبيبتي الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ محسن أبو الحب(الكبير)(*)(1)

مَا أَنْكَرَ القَوْمُ مِنْ يَوْمِ الغَدِيرِ وَمَا *** عَلَى نَبِيِّ الهُدَى مِنْ فِعْلِهِ نَقَمُوا

فِي يَوْمِ قَامَ يُنَادِيهِمْ وَمَا سَمِعُوا *** وَمَا بِآذَانِهِمْ مِنْ عَارِضِ صَمَمُ

يَا قَوْمِ هَذَا عَلِيٌّ فَاعْرِفُوهُ كَمَا *** عَرَفْتُمُونِي أَوْلَى مِنْكُمُ بِكُمُ

اللَّهُ أَكْرَمَكُمْ فِيمَا دَعَوْتُكُمُ *** إِلَيْهِ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ وَ اغْتَنِمُوا

مَا نَالَ مِنْ قُرْبِهِ عِنْدِي لِلْحْمَتِهِ *** كَلاً وَلكِنْ لاَخَوَى دُونَهَا الرَّحِمُ(2)

قريَتُهُ وَيْلَكُمْ عَلَماً بِأَنَّ لَهُ *** عِلْماً تَعَلَّمَ مِنْهُ اللَّوْحُ وَ القَلمُ

فَقَدِّمُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُ *** مَنْ لَمْ يُقَدِّمُهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ قَدَمُ

لَوْلاً عَلِيٌّ لَكُنْتُمْ فِي الوَرَى بُهْماً *** وَ هَلْ كَأَسْدِ الشَّرَى إِنْ عُدَّتِ البُهُم؟

إنْ كُنتُ مُنْهُما فِيهِ فَقَبْلَكُمُ *** مُوسَى بِهارُونَ قَبْلِي قَدْ اتْهَمُوا

قُومُوا بِطَاعَتِهِ وَ ارْضَوْا بِبَيْعَتِهِ *** فَإِنَّهُ العُرْوَةُ الوُثْقَى بها اعْتَصِمُوا

هَارُون كَانَ أَخَا مُوسَىٰ وَ كَانَ أَخِي *** فِيكُمْ عَلِيَّ فَلايَعْرُوكُمُ السَّامُ

مَنْ كَانَ أَفْصَحَ لِي مِنْهُ إِذَا اخْتَلَفَتْ *** عَلَيَّ أَيْدِي العِدَى وَ اشْتَدَّتِ الأَزْمُ

مَنْ رَدَّ عَنِّي عَادِي الشِّرْكِ حِينَ عَدَتْ *** عَلَيَّ أَجْنَادُهَا كَالسَّيْلِ نَزْدَحِمُ؟

ص: 408


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- خوی: سقط و تهدّم، فرغ وخلا.

مَنْ رَدَّ عَمْرُو بن وَدُ يَوْمَ صَاحَ بِكُمْ *** وَ كُلَّكُمْ مِنْهُ مُصْفَرٌ وَ مُنْكَتَم؟

لَوْلاهُ مَا أَصْبَحَتْ تَرْعَى سَوَارِحِكُمْ *** مَأْمُونَةً رَعْيُهَا الخذرافُ وَالعَنَمُ(1)

لَوْلاَهُ مَا ارْتَفَعَتْ يَوْماً بُيُوتُكُمُ *** مَسْمُوكَةً تَتَشَاغَى حَوْلَهَا النِّعَمُ(2)

لَوْلاهُ أَصْبَحَ دِينُ الشِّرْكِ مُرْتَفِعاً *** وَ عَادَ يُعْبَدُ جَهْراً فِيكُمُ الصَّنَمُ

هذَا أَخِي وَ ابْنُ أُمِّي لايُوَازِنُهُ *** فِي الفَضْلِ جُلُّ بَنِي الدُّنْيَا وَإِن زَعَمُوا

عَادَتْ كَعَادٍ بِمَا جَرَتْهُ جرهمها *** وَ غُودِرَتْ كَجَدِيس أُخْتِهَا طَسَمُ

وَ كَانَ مِنْ سَبَإِ مَا كَانَ فَانْطَمَسَتْ *** آثَارُهَا وَ مَحَاهَا سَيْلُها العَرمُ(3)

وَ سَوْفَ يُقْرِضُكُمْ مَا كَانَ أَقْرَضَهُمْ *** مِنَ العَذَابِ وَ أَنْتُمْ مِنْهُمُ وَ هُمُ

إِنِّي لأعْلَمُ إِنِّي لاأَزِيدُكُمُ *** هَدْياً بِنُصْحِي وَ كَمْ قِدْماً بَلَوْتُكُمُ

فَمَا وَجَدْتُ لَكُمْ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ *** إِلأَعَقَابِيلَ دَاءٍ لَيْسَ تَنْحَسِمُ

لَمْ يَدْرٍ قَدْرَ عَلِيٌّ غَيْرُ خَالِقِهِ *** النَّاسُ إِلا عَلِيًّا كُلُّهُمْ عَدَمُ

مَنْ فَازَ بِالطَّائِرِ المَشْوِيِّ يَأْكُلُهُ *** مَعِي سِوَاهُ وَ هُذَا لَيْسَ يَنْكَتِمُ

لَوْ شَاهَدَ الأَنْبِيَاءُ الغُرُّ بَيْعَتَهُ *** لَمْ يَجْحَدُوا أَنَّهُمْ طُرّاً لَهُ خَدَمُ

عَلامَ لَمْ تَفْقَهُوا مَا قُلْتُهُ لَكُمُ *** وَ أَنْتُمُ رُجُمْ أَمْ أَنْتُمُ زُخْمُ(4)

خَلُّوا الخِلافَةً خَلُوهَا فَلَيْسَ لَهَا *** إِلا أَبُوحَسَنٍ مَنْ فِيهِ تَعْتَصِمُ

هَذَا أَبُوالنَّيْرَيْنِ البَاهِرَيْنِ وَذَا *** أَخُو النَّبِيِّ وَ مَنْ تَمَّتْ لَهُ النَّعَمُ

ص: 409


1- سوارحکم: مواشيكم الراعية. الخذراف: في اللغة أنّ الخَذْرُوف: و الجمع خذاريف القطيع من الإبل المنقطع عنها. العنم: شجر له ثمرة حمراء يشبه بها البنان المخضوب.
2- تتشاغي: من شغا إذا زاد طولاً على سواه أو تفرق.
3- العرم: السدّ الذي يعترض بين الوادي أو المطر الشديد.
4- رُجُم: الأحجار المنصوبة على القبر. زُخُم: اللحوم الفاسدة كريهة الرائحة.

يَا قَوْمُ أَيُّ نَبِيَّ مَاتَ قَبْلُ وَ لَمْ *** يَتْرُكُ وَصِيَّا سَلُوا تُخبركُمُ الأُمَمُ؟

هَلْ فَاعِلٌ أَنَا إِلا مِثْلَ مَا فَعَلُوا؟ *** هَلْ عَازِمٌ أَنَا إِلا مِثْلَ مَا عَزَمُوا؟

وَ كُلَّهُمْ مَاتَ مَظْلُوماً وَمَا ظُلِمُوا *** كَمَا ظُلِمْتُ وَبِاللَّهِ صَبْرُهُمُ

هَلْ فِي بَنَاتِهِم بِنْتُ كَفَاطِمَةٍ؟ *** أَمْ فِي رِجَالِهِم كَالمُرْتَضَى عَلَمُ؟(1)

مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ مالي مالَهُ انْتَهَبُوا *** مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ مَالي مالَهُ اصْطَلَمُوا؟(2)

مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ رَحْلِي رَحْلَهُ اغْتَنَمُوا *** مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ مالي ماله اقْتَسَمُوا؟

مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ قَدْرِي قَدْرَهُ جَهِلُوا *** مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ صِهْرِي صِهْرَهُ شَتَموا

هَبْ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ مِنْكُمْ وَ كُنْتُ لَكُمْ *** جَاراً مَا حُرْمَةٌ لِلْجَارِ عِنْدَكُمُ

أَنَا الخَصِيمُ لَكُمْ فِي يَوم لاحَكَمْ *** إلا الإلهُ وَ نِعْمَ الحَاكِمُ الحَكَمُ

سَيُحْرَقُ الذكرُ مِنْ بَعْدِي لأَنَّ بِهِ *** مَدْحَ ابْنِ عَمِّي مَقْرُونٌ بِذَمِّكُمُ

سَتَغْدِرُونَ بِهِ بَعْدِي لأَنَّ بِهِ *** مِنْهُ إِذَا حَقَّ يَوْمُ الحَقِّ وَيْلَكُمُ

هذِي حَبِيبَتِي الزَّهْرَاءُ بَيْنَكُمُ *** وَ دِيعَتِي هَلْ لَهَا يَا قَوْمِ مَحْتَشِمُ؟(3)

أَنَّى وَ كَيْفَ وَ فِيكُمْ كُلُّ ذِي كَبِدٍ *** تَغْلِي عَلَيَّ حَقوداً وَ هُيَ تَضْطَرِمُ

كَأَنَّمَا كُنْتُ ثِقْلاً فِي كَوَاهِلِكُمْ *** فعتت فَأَجْنَحْتُمُ أَهْلِي و ودّهُمُ

يَا طَالَمًا رُمْتُمُ قَتْلِي بِكَيْدِكُمُ *** فَمَا اسْتَطَعْتُمْ وَرَدَّ اللهُ كَيْدَكُمُ

ص: 410


1- في «كنز العمال» ج12 ص110 ح34232 الرسالة. «يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين و سيدة نساء المؤمنين و سيدة نساء هذه الأمة».
2- اصطلموا: استأصلوا.
3- في «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص64 نقلاً عن كتاب بحار الأنوار، ج22 ص491. «... يا أبا الحسن علیه السلام هذه وديعة الله و وديعة رسوله محمد صلي الله علیه و آله و سلم عندك فاحفظ الله و احفظني فيها وإنك لفاعله».

سَتَغْدِرُونَ بِينتِي مِثْلَ مَا غَدَرُوا *** بِبِنْتِ عِمْرَانَ قَبْلَ اليَوْمِ وَاتَّهمُوا

أَخِي يُقَادُ كَمَا قَوْدُ الخَبِيبِ وَ ذِي *** تُلْغَى وَصَايَاي فِيهَا ثُمَّ تُهْتَضَمُ(1)

النَّارُ فِي بَيْتِهَا تُضْرَى وَ جَانِبَهَا *** يُرَضُ وَ ابْن لَهَا بِالبَابِ مُضْطَرِمُ(2)

حَتَّى الجَنِينَ أَبَادَ اللَّهُ جَمْعَكُمُ *** نَسْتَأصِلُونَ فَمَا شَأْنِي وَ شَأْنُكُمُ

يَا خَيْرَ كُلِّ الوَرَى بَعْدَ النَّبِيِّ وَ مَنْ *** بِهِ الهُدَى قَائِمٌ وَ الدِّينُ مُنْتَظِمُ

مَنَاقِبٌ لَكَ مِلْء الأَرْضِ ضَائِقَةٌ *** بِهَا السَّمَاء وَ أَنْتَ المُفْرَدُ العَلَمُ

مَا أَنْصَفُوكَ وَ لَوْلا أَنْتَ مَا عُرِفُوا *** وَ لاَرَعُوكَ وَ لَوْلاً أَنْتَ مَا سَلِمُوا

حَلِمْتَ عَنْهُمْ وَ حِلْمُ اللَّهِ حِلْمُكَ يَا *** عَيْنَ الإِلهِ فهَل عَنْكُمُ حَلَمُوا

لكِنَّ صَفْحَكَ عَنْهُمْ صَفَحُ رَبِّكَ عَنْ *** فِرْعَونَ مِصْرَ وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ إِرَمُ(3)

كَذَا أُمِرْتَ وَ كَانَ اللَّهُ حَسْبَكَ إِذْ *** أَبْصَرْتَ مَا كَانَ عَنْهُمْ خَافِياً وَعُموا

مَنْ هُمْ وَ مَنْ غَيْرُهُمْ لَوْ شِئْتَ قُلْتَ لَهُمْ *** مُوتُوا فَمَاتُوا وَ لَمْ تَشْهَدْ لَهُمْ رَمَمٌ

كَانَ اصْطِبَارُكَ بِالرَّحْمَن يَوْمَ تَرَى *** بِنْتَ النَّبِيِّ جَهَاراً خَدَّهَا لَطَمُوا(4)

ص: 411


1- لعل الرواية الواردة في كتاب (سليم بن قيس) ص39 تؤكد على أنهم لم يراعوا أية وصية الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيها علیها السلام. «دخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرک...».
2- (والبيت الذي يليه) ورد في كتاب سليم بن قيس ص40 ط/ قسم الدراسات الإسلامية -مؤسسة البعثة. «و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها...». و في كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص12 ط3/ مؤسسة الوفاء/ بيروت. «... فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقتها على من فيها...».
3- إِرَم: حجارة تنصب في المفازة يهتدى بها.
4- جاء في أمالي الصدوق ص116 ط الخامسة/منشورات مؤسسة الأعلمي/ بيروت. «...ولطم فاطمة علیها السلام خدّها...».

تَشْكُو إِلَيْكَ وَ مَا أَنْسَى مَقَالَتَهَا *** هُنَاكَ هَائِفَةً وَ الدَّمْعُ يَنْسَجِمُ(1)

هَذَا ابْنُ آكِلَةِ الذُّبَانِ مُعْتَدِياً *** إرْنِي وَطِفْلِي بِمَرْأَى مِنْكَ يَحْتَرِمُ

هَذَا زَنِيمُ عدي نَالَهُ خَطَرٌ *** عَلَى بَيْنِي بِمَرْأَى مِنْكَ يَفْتَحِمُ

أَبْنَاءُ قِيلَةَ هَذَا كَانَ عَهْدُكُم *** إِلَى النَّبِيِّ وَذَا كَانَ وَعْدُكُمُ(2)

نَصَرْتُمُونَا وَ كُنْتُمْ قَبْلُ شِيعَتَنَا *** وَ اليَوْمَ صِرْتُمْ عَلَيْنَا مَا بَدَا لَكُم

مَنْ كَانَ حَرْبُكُمُ بِالأَمْسِ صَارَ لَكُمْ *** سِلْماً وَ مَنْ كَانَ سِلْماً صَارَ حَرْبَكُمُ

هذِي بَنَاتُكُمُ خَلْفَ السُّتُورِ وَ ذِي *** بِنْتُ النَّبِي عَلَيْهَا الرِّجَسُ يَحْتَكِمُ

يَسُومُهَا تَارَةً خَسَفاً وَ يَضْرِبُهَا *** أُخْرَى أَمَا فِيكُمُ لِلدِّينِ مُنْتَقِمُ(3)

لَوْ كَانَ حَمْزَةُ وَالطَيَّارُ حَاضِرَنَا *** مَا نَالَ مِنْ نحلتي ما نَالَ عجْلُكُمُ(4)

ص: 412


1- قد يريد الإشارة إلى الرواية الواردة في كتاب «الأمالي للشيخ المفيد» ص40 ح8 ط/ المطبعة الإسلامية قم المقدسة. «عن زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السلام قالت: لما اجتمع رأي أبي بكر على فاطمة علیها السلام منع فدك و العوالي وأيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فألقت نفسها عليه و شكت إليه ما فعله القوم بها و بكت حتى بلت تربته بدموعها و ندبته...».
2- لعله أراد الرواية المذكورة في الاحتجاج ص140 ط/ مطابع النعمان/ النجف الأشرف و هي من خطبتها علیها السلام. «...إيهاً بني قيلة أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأى منّي و مسمع و منتدى و مجمع تلبسكم الدعوة و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدد و العدة و الأداة و القوة و عندكم السلاح و الجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون و تأتيكم الصرخة فلاتغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح...». تأمركم فتأتمرون حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام و در حلب الأيام و خضعت ثغرة الشرك و سكنت فورة الإفك ... فأنى حزتم بعد البيان و أسررتم بعد الإعلان و نكصتم بعد الإقدام و أشركتم بعد الإيمان بؤساً لقوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم...».
3- يسومها خسفاً: يُذلّها.
4- جاء في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص618 ط3/ مطبعة أمير -قم منقولة عن كتاب «الخرائج والجرايح» ج1 / ص112 ح187... «... وإن أباك قد جعلها لك بذلك و نحلتكها تكون لك و لولدك بعدك قال: فدعا بأديم عكاظي و دعا علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: «اكتب لفاطمة علیها السلام بفدك نحلة من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».

كَأَنَّما جِئْتُمُ تَبْغُونَ ثَارَكُمُ *** مِنّا قَدِيماً نَعَمْ وَالحِقْدُ حِقْدُكُمُ

يَا آلَ أَحْمَدَ يَا أَزْكَى الانَامِ خُذُوا *** غَرّاء مِنْ عَبْدِكُمْ زِينَتْ بِمَدْحِكُمُ

إِنْ تَقْبَلُوهَا فَمَا فَضْلُ كَفَضْلِكُمُ *** أَوْ تَرْفُضُوهَا فَمَا عَدْلٌ كَعَدْلِكُمُ

مَا إِنْ مَدَحْتُكُمُ رَفْعاً لِقَدْرِكُمُ *** لَكِنْ لِرَفْعَةِ قَدْرِي بِامْتِدَاحِكُمُ

وَ مَا أُريدُ بِهِ فَحُراً عَلَى أَحَدٍ *** لَكِنْ لِيُعْلَمَ أَنَّ العَبْدَ عَبْدُكُمُ

مَا لِي سِوَاكُمْ وَمَا لِي غَيْرُكُمْ أَبَداً *** إِنْ ضَاقَ بِي زَمَنُ أَوْ مَسَّنِي أَلَمُ

أَنْتُمْ أَعَزُّ وَ أَعَلَى أَنْ يَخِيبَ لَكُمْ *** عَبْدٌ وَ إِنْ قِيلَ هَذَا خَاطِىءٌ أثِمُ

ص: 413

(32) عترتها الأطائب

(بحر الكامل)

الشيخ محسن أبو الحب(الكبير)(*)(1)

لو كُنت صَاحِبَ لَوْعَتِي وَ غرامِي *** لَعَلِمْتَ كَيْفَ بِذِكْرِهِنَّ هُيَامِي؟(2)

مَا مَرَّ ذِكْرُ زَمَانِهِنَّ بِصَارِحٍ *** إِلا أَبَحْتُ حَشَاي للأسقامِ

زَمَنٌ لَوْ أَنَّ الدَّهْرَ جَدَّدَهُ لَنَا *** صَحْتُ بِرَغْم عَوَاذِلِي أَحْلامِي(3)

وَ مُرَوَّعٌ بِاللَّوْمِ قَلْبِي لَوْ ذَوَى *** مَا بِي مِنَ الأَشْوَاقِ كَفُّ مُلامِي

مَا زَالَ يَلْقَانِي بِقُبْحِ كَلامِهِ *** زَجْراً وَ أَلْقَاهُ بِلِين كلامي

أَنَا كُنْتُ أَدْرِي مُذْ أَلِفْتُ هَوَاهُمُ *** أَنْ سَوْفَ يَكْفُرُ فِيهِمُ لُوَّامي

لَكِنَّنِي وَ أَبِيكَ لَسْتُ بِسَامِعِ *** طَاشَتْ إِذَا دُونَ المَرَامِ سِهَامِي(4)

بِاللَّهِ لَمْ أَرَ بَعْدَ يَوْمٍ فِرَاقِهِمْ *** يَوْماً لَهُ أَجْفُو لَذِيذَ مَنَامِي

إلا إِذَا ذُكِرَ المُحَرَّمُ قَالَ لِي *** قَلْبِي اتَّخِذْ لِلْحُزْنِ دَارَ مُقَامِ

حَقّاً عَلَى أَهْلِ الوَفَا أَنْ يَسْأَمُوا *** طِيبَ الكَرَى وَ لَذِيذَ كُلِّ طَعَامِ

حُزناً لِمَا نَالَ النَّبِيَّ مُحَمداً *** مِنْ مُفَرَدَاتِ مَصَائِبٍ وَ تُوامِ

أَمَّا عَزِيزَتُهُ البَتُولُ فَلَمْ نَزَلَ *** خَلْفَ الضَّنَا و فداحةَ الآلامِ(5)

ص: 414


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- هيام: العطش، المحبّة.
3- عواذلي: لائميَّ.
4- طاشتْ سهامي: جازت و تعدّتْ و لم تُصِب.
5- في البيت إشارة إلى ما ورد في المناقب ج3 ص331 لابن شهر آشوب ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية بقم. «فقالت عائشة: دعينا فوالله ما كان أحد من الرجال أحبّ إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من علي و لا من النساء أحب إليه من فاطمة علیها السلام». و في دلائل الإمامة ص55 ط3 منشورات الرضا علیه السلام/ قم. عن علي علیه السلام: أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم سئل: عن البتول علیها السلام و قيل له سمعناك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تقول: «مريم بتول و فاطمة علیها السلام بتول فما ذاك؟» فقال: «البتول التي لم تر حمرة قط أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء». انظر: «روضة الواعظين» ص166 و مثلها.

قَاسَتْ مَصَائِبَ لَوْ تُقَاسِي بَعْضَهَا *** شُمُّ الجِبَالِ لِسحْنَ بَعْدَ قِوَامِ(1)

فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْتَجِد مَآتماً *** عَظمَتْ مَوَاقِعُهَا عَلَى الإِسْلَامِ

أسَفِي لِعِتْرَتِهَا الأَطَائِبِ أَصْبَحُوا *** نَهْباً لِكُلِّ مُثَقَّفٍ وَ حُسَامِ

مُتَبَاعِدُونَ عَنِ الدِّيَارِ كَأَنَّهُمْ *** سِرْبٌ يُوَكَّلُهُ الرَّدَى بِهيَامِ

مَا زَالَ سَيْفُ الشِّرْكِ يَعْبَثُ فِيهِمُ *** وَ يَبِيدُهُمْ مِنْ مَقْعَدٍ وَ مَقَامِ

حَتَّى قَضَتْ وَطَراً أُمَيَّةُ مِنْهُمُ *** وَ مَضَتْ فَقَامَ لَهَا بنُو الأَعْمَامِ

يَتَسَابَقُونَ عَلَى انْتِهَابِ تُرَائِهِمْ *** سَبْقَ الجِيَادِ الضمْرِ فِي الأَقْدَامِ

أَمَّا أُمَيَّةُ لَمْ تَهِجْ أَضْغَانَهَا *** إِلأَتُرَاتُ الشِّرْكِ وَ الأَصنام

فَعَلَامَ هَؤُلَاءِ هَاجَتْ لِلسَّمَا *** أَضْغَانُهُمْ وَ هُمُ ذُوُوُ الأَرْحَامِ

هذَا وَ مَا ارْتَكَبَتْ أُمَيَّةُ قَبْلَهُمْ *** مِعْشَارَ مَا ارْتَكَبُوا مِنَ الآثامِ

لَوْ كَانَ حَقاً قُرْبُهُمْ مِنْ هَاشِمٍ *** مَا ضَيَّعُوا لِبَنِيهِ عَهْدَ ذِمَامِ

لَمْ يَتْرُكُوا لِبَنِي النَّبِيِّ حَشَاشَةً *** إلا أَشَبُّوا بَرْدَهَا بِضَرَامِ

فِي كُلِّ سِجْنِ لِلنَّبِيِّ لديجر *** ثَاوِ وَ فِي قَفْراءَ آخَرُ دَامِ

وَ لَقَدْ عَجِبْتُ وَ كَيْفَ لَمْ أَعْجَبْ وَ قَدْ *** أَضْحَى الرَّشَادُ مُضَيِّعَ الأَحْكَامِ

ص: 415


1- في كتاب كشف الغمة ج2 ص132 ط/ دار الكتاب الإسلامي بيروت. «... قال علي علیه السلام عند موت الزهراء علیها السلام... و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها حقها فأحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً فستقول و يحكم الله وهو خير الحاكمين...».

وَ خِلافَةُ اللَّهِ الَّتِي لَمْ يَنْخَفِض *** لِسِوَى بَنِي الهَادِي ذُرَاهَا السامي

كَانَتْ أَعَزَّ مِنَ الثَّرَيَّا مَنْعَةً *** وَ اليَوْمَ صَارَتْ مَوْطِأَ الأقدامِ

يُدْعَى الرَّشِيدُ بِهَا إِمَاماً حُكْمُهُ *** مَاضٍ وَ خَيْرُ الخَلْقِ غَيْرُ إِمَامِ

مَنْ ناشِدٌ عَنِّي بَنِي العَباسِ *** لاجَفَّتْ بِرَقْم هِجَائِهِمْ أَقْلامِي؟

أَنَّى ادَّعَوْهَا مُلْكَهُمْ وَ أَرَاهُمُ *** لَمْ يَسْعَدُوا فِيهَا بِشَدٌ حِزَامِ؟

أيَّامَ بَاعُ الشُّرْكِ أَرْسَلَ كَفَّهُ *** وَ اقْتَادَ شَامِسَهَا بِغَيْرِ زِمَامِ(1)

أَسِوى عَلِيٌّ كَانَ يُوَضِحُ لِلوَرَى *** مَا كَانَ مِنْهَا طَامِسَ الأَعْلامِ؟

حَتَّى انْجَلَتْ كَالصُّبْحِ أَسْفَرَ بَعْدَمَا *** غَشَى الظَّلامَ سُفُورَهُ بِظَلاَمِ

مَنْ ذَا يُقَابِلُ ذَا بِمَنْ إِسْلَامُهُ *** مَا كَانَ لَوْلاَ خِيْفَةُ الصِّمْصَامِ؟

لاَتَفْرَحُوا يَا قَوْمِ إِنْ أَيَّامُكُمْ *** طَالَتْ بِطُولِ مَسَرَّةٍ وَ دَوَامِ

فَكَأَن قَدِ انْقَلَبَتْ بِكُمْ وَ كَأَنَّكُمْ *** لَمْ تَظْفَرُوا مِنْهَا بِنَيْلِ مَرَامِ

إِنَّ الَّذِينَ وَ لَعْتُمُ فِي ظُلْمِهِمْ *** لَهُمُ مَعَادِنُ كُلِّ فَضْلٍ نَامِ

وَ هُمُ الَّذِينَ بِوَصْفِ بَعْضٍ عُلَاهُمُ *** ظَلَّتْ تَحَارُ خَوَاطِرُ الأَيَّامِ

لو أَنَّهُمْ رَامُوا تَمَلُكَ جِيدِمَا *** رِمْتُمْ لَكَانَ لَهُمْ أذَلُّ مَرَام

لَكِنَّهُمْ نَظَرُوا عَلَيْهَا ذِلَّةَ *** الأَدْنَى فَعَافُوهَا اجْتِنَاب الذَّام

فَلِذَاكَ أَصْبَحَ عَادُهَا يُنْمَى لَكُمْ *** بَاقٍ مَدَى مِ وَ الأَعْوَامِ

قَدْ كَانَ فِي يَوْمِ الغَدِيرِ كِفَايَةً *** فِي هَوْلِهِمْ عَنْ سَائِرِ الأَيَّامِ

يَوْمٌ بِهِ الجَبَّارُ أَكْمَلَ دِينَهُ *** وَ أَتَمَّهُ فِي أَحْسَنِ الإِتْمَامِ

عَقَدَ النَّبِيُّ بِهِ وَلَاءَهُمْ عَلَى *** مَنْ كَانَ فِي الأَصْلابِ وَ الأرْحَامِ

فَتَعَاقَدُوا أَهْلُ الغَوَىٰ أَنْ يَنْكُثُوا *** مَا كَانَ أُبْرِمَ غَايَةَ الإِبْرَامِ

ص: 416


1- شامسها: الشامس من الفرس الذي لايمكن أحداً من ركوبه أو إسراجه و لايكاد يستقرّ.

وَ عَدَوْا عَلَيْهِم يَخْضِمُونَ تُرَاثَهُمْ *** خَضْمَ السَّوَائِم نَبْتَةَ الرَّمْرَامِ(1)

إنّي لأقسِمُ بِالنَّبِيِّ وَآلِهِ *** قسماً عَلَى رَبِّ السَّمَا العَلام

أَنْ لايُغَيِّرني عَلَى مَا فِيَّ مِنْ *** حُبِّ النَّبِي وَآلِهِ العُلاَّمِ

يَا رَبِّ كُنْ أَنْتَ الشَّهِيدَ عَلَيَّ أنْي *** عَبْدُهُمْ وَ اسْمَعْ بِهَا أَقْسَامِي

ص: 417


1- يخضمون: يأكلون بأقصى أضراسهم السوائم الإبل و المواشي الراعية.

(33) جنود اللَّه

(بحر الوافر)

الشيخ محمد بن عبد المطلب(*)(1)

أَبَا السِّبْطَيْنِ كَيْفَ تَفِي المَعَانِي *** نِشَارًا فِي مَدِيحِكَ أَوْ نِظَامَا؟(2)

مَقَامٌ دُونَهُ نُجُبُ القَوَافِي *** وَ إِنْ كَانَتْ مُسَوَّمَةً كِرَامَا(3)

فَحَسْبُكَ يَا أَخا الشُّعَرَاءِ عُذْرًا *** رَمَيْتَ بِهَا مَكَانًا لَنْ يُرَامَا

وَ مَا أَدْرَاكَ وَيْحَكَ مَاعَلِيٌّ *** فَتَكْشِفَ عَنْ مَنَاقِبِهِ اللَّئَامَا؟

وَ مَنْ هُوَ كُلَّمَا ذُكِرَت قُرَيْسٌ *** أَنَافَ عَلَى غَوَارِيهَا سَنَامَا؟(4)

تَبَصَّرْ هَلْ تَرَى إِلأَعَلِيّاً *** إِذَا ذُكِرَ الهُدَى ذَاكَ الغُلاَمَا؟

ص: 418


1- (*) الشاعر من مصر، توفي سنة (1350ه_).
2- نثاراً: النثار: ما ينتثر من الشيء. السبطان: الحسن و الحسين علیهما السلام.
3- نُجُب: جمع نجيب و هو النفيس في نوعه.
4- غواربها: الغارب الكاهل. السنام: من كل شيء أعلاه. و في كتاب الإمام علي علیه السلام من حبه عنوان الصحيفة لأحمد الرحماني الهمداني ص95الحديث السابع عشر قال: خطب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الناس يوم الجمعة فقال: «أيها الناس قدموا قريشاً و لاتقدموها و تعلموا منها و لاتعلموها قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم و أمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب علیه السلام لايحبه إلا مؤمن و لايبغضه إلا منافق من أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني و من أبغضني عذبه الله في النار». رواه أحمد بن حنبل في كتاب فضائل علي علیه السلام في مسنده. في مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 102. عن عروة بن الزبير قال: «أسلم علي و هو ابن ثمان سنين». و في فرائد السمطين للحموي، ج1 باب 47 ص242. عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لقد صلت الملائكة عليَّ . و على علي سبع سنين لأنا نصلي و ليس معنا أحد يصلي غيرنا». و قال العلامة الأميني في الغدير، ج3 ص95. هذا «أي أوَّليَّة إسلامه و هو ابن تسع أو ثمان أو غير ذلك» ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدأ إسلامه و أما نحن فلا نقول إنه أول من أسلم بالمعنى الذي يحاوله ابن كثير و قومه لأن البدأة به تستدعي سبقاً من الكفر و متى كفر أميرالمؤمنين علیه السلام حتى يسلم؟ و متى أشرك بالله حتى يؤمن؟ و قد انعقدت نطفته على الحنيفية البيضاء و احتضنه حجر الرسالة و غذته يد النبوّة و هذبه الخلق النبوي العظيم فلم ينزل مقتصاً أثر الرسول صلي الله علیه و اله و سلم قبل أن يصدع بالدين الحنيف و بعده فلم يكن له هوى غير هواه و لانزعة غير نزعته و كيف يمكن الخصم أن يقذفه بكفر قبل الدعوة و هو يقول: -و إن لم نر صحة ما يقول- إنه كان يمنع أمه من السجود للصنم و هو حمل. أيكون إمام الأمة هكذا في عالم الأجنة ثم يدنسه درن الكفر في عالم التكليف؟ فلقد كان «صلوات الله عليه» مؤمناً جنيناً و رضيعاً و فطيماً و يافعاً و غلاماً و كهلاً و خليفة بل نحن نقول: إن المراد من إسلامه و إيمانه و أوليته منهما و سبقه إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الإسلام هو المعنى المراد من قوله «تعالى» عن إبراهيم الخليل علیه السلام «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» الأنعام/ 136 و فيما قال «سبحانه» عنه «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» ) البقرة/ 131 و فيما قال «سبحانه» عن موسى علیه السلام «وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» الأعراف/143.

غُلامٌ يَبْتَغِي الإِسْلامَ دِينا *** وَ لَمَّا يَعْدُ أَنْ بَلَغَ الفِطَامَا(1)

إذِ الرُّوحُ الأمينُ بِقُمْ فَأَنْذِرْ *** أتَى طَعَ لِيُنْذِرَهُمْ فَقَامَا

وَ أُمَّتُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ أُمَّ *** غَدَتْ بِالسَّبْقِ أَوْفَرَهُمْ سِهَامَا

ص: 419


1- في كفاية الأثر للخراز القمي، ص21 قال: عن عطاء قال: دخلنا على ابن عباس -و هو عليل- بالطائف في العلة التي توفي فيها و نحن رهطاً زهاء ثلاثين رجلاً من شيوخ الطائف و قد ضعف فسلمنا عليه و جلسنا فقال لي: يا عطاء من القوم؟ قلت: يا سيدي هم شيوخ هذا البلد... فما زلت أعبر له واحداً بعد واحد ثم تقدموا إليه فقالوا: يا بن عم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنك رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و سمعت منه ما سمعت فأخبرنا عن اختلاف هذه الأمة فقوم قد قدَّموا علياً علیه السلام على غيره و قوم جعلوه بعد ثلاثة قال: فتنفس ابن عباس و قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «علي علیه السلام و الحق مع علي علیه السلام و هو الإمام و الخليفة من بعدي فمن تمسك به فاز ونجى و من تخلف عنه ضلَّ و غوى. يلي تكفيني و غسلي و يقضي ديني و أبوسبطيَّ الحسن و الحسين علیهما السلام و من صلب الحسين علیه السلام تخرج الأئمة التسعة و منا مهديُّ عج الله فرجه الشریف هذه الأمة... إلى أن قال: فتمسكوا بالعروة الوثقى من عترة نبيكم صلي الله علیه و آله و سلم» فإني سمعته صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «من تمسك بعترتي من بعدي كان من الفائزين».

وَ صَلَّى حَيْدَرٌ فَشَأَى قُرَيْشاً *** إِلَى الحُسْنَى فَسَمَّوه الإمامَا

إلى أن يقول:

وَ مَا صِهْرُ النَّبِيِّ إِذَا تَنَادَوْا *** كَمَنْ يَدْعُو رَبِيعَةَ أَوْ هِشَامَا

وَ مَنْ غَدَتِ البَتُولُ إِلَيْهِ تُهْدَى *** بَنَى فِي النَّجْمِ بَيْتاً لايُسَامَى(1)

بأمر اللَّهِ قَدْ زُقَتُ إِلَيْهِ *** عَشِيَّةَ رَاحَ يَخْطِبُهَا وَ سَامَا

كَأَنِّي بِالمَلائِكِ إِذْ تَدَلَّتْ *** بِذَاكَ البَيْتِ تَزْدَحِمُ ازْدِحَامَا

فَلَوْ كَشَفَ الحِجَابَ رَأَيْتَ فِيهِ *** جُنُودَ اللَّهِ تَنْتَظِمُ انْتِظَامَا

أَطَافُوا بِالحَظِيرةِ فِي جَلالٍ *** صُفُوفاً حَوْلَ فَاطِمَةٍ قِيَامَا

تَفِيضُ عَلَى مِنَصَّتِهَا وَ قَاراً *** وَ تَكْسُو حُسْنَ طَلْعَتِهَا وِسَامَا

فَلا يُحْزِنُ خَدِيجَةَ إِنْ تَوَلَّتْ *** وَ لَمْ تَبْلُغَ بِجَلْوَتِهَا مَرَامَا

توَلأهَا الَّذِي وَلَّى أَبَاهَا *** رِسَالَتَهُ وَ زَوَّجَهَا الإِمَامَا

قِرَانٌ زَادَهُ الإِسْلاَمُ يُمْناً *** وَ شَمْلٌ زَادَهُ الحُبُّ التِئَامَا(2)

فَإِنْ تَكُ خَيْرَ مَنْ عَقَدَتْ إِزاراً *** وَ أَكْرَمُ كُلَّ مَنْ أَرْخَتْ لِثَامَا

فَمَا شَغَلَتْهُ عَنْ حَوْضِ المَنَايَا *** إِذَا الْتَظمَتْ زَوَاخِرُهَا الْتِطَامَا(3)

ص: 420


1- يُسامى: يضاهى أو يشابه.
2- يُمناً: خيراً و بركة التئاماً: وفاقاً.
3- في رحاب أئمة أهل البيت علیهم السلام ج2 ص330. و القصيدة في مدح الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و هي طويلة أخذنا منها هذه الأبيات.

(34) عقيلة الوحي

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد حسن أبوالمحاسن(*)(1)

ص: 421


1- (*) هو الشيخ محمد حسن الملقب بأبي المحاسن ابن الشيخ حمادي بن محسن بن سلطان آل قاطع الجنابي. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1293ه_) و بها نشأ و ترعرع، و درس الأدب و الفقه على جماعة من أدبائها و علمائها و كان من أشهرهم السيد محمد حسين المرعشي الشهرستاني و الشيخ كاظم الهر. و لم يقتصر في دراسته على الفقه و الأدب بل كان له إلمام بالتاريخ و الجغرافيا و غيرهما من العلوم المتداولة في تلك الفترة. و كان شاعرنا يمتاز بالذكاء المفرط و سرعة البديهة كما كان بهي الطلعة، جميل المحيا نقي المظهر، متسماً بالوقار جميل المعاشرة غير متصنع في بشاشته متصفاً بالصدق و الوفاء، و على جانب عظيم من الشمم و الإباء و سموّ الهمة و شرف النفس. و كان أحد أبطال الثورة العراقية الكبرى عام (1919م) و ذلك على أثر قيام المرجع الكبير الإمام الميرزا محمد تقي الشيرازي بأعباء الزعامة الدينية و التفاف زعماء الفرات حوله ما أدى إلى تأليف جمعية سرية في كربلاء المقدسة، تحت إشرافه باسم الحزب الإسلامي برئاسة محمد رضا نجل الإمام الشيرازي لبعث الروح الوطنية في نفوس المواطنين و التأليف بين الرؤساء و الزعماء، و العمل على مكافحة الاستعمار و المطالبة باستقلال البلاد و كان من أعضاء تلك الجمعية العلامة السيد حسين القزويني، و السيد عبد الوهاب آل وهاب، و السيد هبة الدين الشهرستاني، و شاعرنا أبوالمحاسن الذي لعب دوراً مهماً في الميدان الوطني بكل صلابة و قوة و إيمان و رباطة جأش. و قد اختير المترجم له مندوباً عن كربلاء المقدسة في المفاوضات مع الإنكليز حول القضية العراقية قبيل الثورة، ثم عين بعد ذلك رئيساً للمجلس الملي و الحكومة المؤقتة لكونه موضع ثقة الإمام الشيرازي. و على العموم كان المترجم له طيلة حياته مثالاً للإخلاص و النزاهة و الاستقامة و الخدمة العامة في المجالات الوطنية و الأدبية حتى أجاب داعي ربه متوفياً بالسكتة القلبية صبيحة الخميس الثالث عشر من ذي الحجة سنة (1344ه_)، و حمل نعشه إلى النجف الأشرف و دفن في الصحن الحيدري بين إيوان ميزاب الذهب و مقبرة العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي.

عَهْدُ وَصْل بِالرَّقْمَتَيْنِ قَدِيمُ *** سَلَفَتْ فِيهِ نَضْرَةٌ وَ نَعِيمُ(1)

قِفْ عَلَيْهِ مُسلّماً إِنَّ فَرْضاً *** فِي الدِّيَارِ الوُقُوفُ وَ التَّسْلِيمُ

يَا خَلِيلَيَّ وَ الخَلِيلُ المُوَاسِي *** خَيْرُ ذُخْرِ إِذَا أَطَلَّ عَظِيمُ

أَسْعِدَانِي بِوَقْفَةٍ فِي المَغَانِي *** رَيْنَمَا يَشْتَفِي الفُؤَادُ السَّلِيمُ(2)

ذَكَرَتْنِي مَنَازِلُ الوَحْي لَمَّا *** عَاثَ فِي أَهْلِهَا الزَّمَانُ الغَشُومُ(3)

صَدَّعَتْ شَمْلَهَا صُرُوفُ اللَّيَالِي *** فَهيَ قَفْرَى وَفَيْتُهَا مَقْسُومُ(4)

فَغَرِيبٌ مُشَرَّدٌ وَ قَتِيلٌ *** مُسْتَضَامٌ وَ صَابِرٌ مَسْمُومُ(5)

وَ اسْتَمَرَّتْ عَلَى الوَصِيِّ خُطُوبٌ *** وَ رَزَايَا يَطِيْشُ مِنْهَا الحَلِيمِ(6)

يَوْمَ جَاءَتْ إِلَى الفَعِيلَةِ تَشْتَدُّ *** رِجَالٌ كَانَتْ عَلَيْهَا تَحُومُ

نَقَضَتْ بَيْعةَ الهُدَى وَ اسْتَجَدَّتْ *** بَيْعَةً كُلُّهَا ضَلاَلٌ وَ شُومُ

وَ رَدُوا مَنْهَلَ الغِوَايَةِ طَرْقاً *** وَ غَدِيرُ الرَّشَادِ عَذْبٌ جَمُومُ

أَعْلَى... يَعْكِفُونَ وَ فِيهِمْ *** أَسَدُ اللَّهِ وَ العِمَادُ القَوِيمُ

عَمِيَتْ أَعْيُنُ تَسَاوَى لَدَيْهَا *** فَلَقُ الصُّبْحِ وَ الظَّلامُ البَهِيمُ

مَنْ سَمَا لِلْمَنُونِ فِي يَوْمَ بَدْرٍ *** يَوْمَ صَالَتْ أَبْطَالُهَا وَ القُرُومُ(7)

ص: 422


1- الرقمتين: الرقمة هي جانب الوادي أو مجتمع ماء الوادي أو الروضة.
2- المغاني: المنازل.
3- عاث: أسرع في إنفاقه، أفسده.
4- صدعت: فرقت. صروف الليالي: نوائبها و حدثانها. قفرى: خالية لاماء فيها و لاناس و لاكلاً. فيؤها: غنيمتها.
5- مستضام: مظلوماً مقهوراً.
6- يطيش: يخف أو يذهب عقله.
7- القروم: هي الفحول إذا تركت عن الركوب و العمل.

وَ بِأَحْدٍ مَنْ رَدَّ بَأْسَ عِدَاهَا *** ثَابِتَ الجَأْشِ مُقْدِماً لاَيَخِيمُ

وَ بِيَوْمِ الأَحْزَابِ إِذْ عَظُمَ الأَمْرُ *** وَ رَاعَ الإِسْلامَ خَطبٌ جَسِيمُ

وَسَطَا فَارِسُ الكَتِيبَةِ يَخْتالُ *** بِهِ مُشْرِفٌ أَقَبٌ عَظِيمُ(1)

مَنْ جَلاً كَرْبِها وَ جَلَّى دُجَاهَا *** وَ بِمَنْ قُل جَيْشُهَا المَهْزُومُ

غَيْر مَوْلاهُمُ وَ مَنْ بِعُلاَهُ *** صَدَعَ الذِّكْرُ وَ الكِتَابُ الحَكِيمُ

عَدَلُوا بِالدَّنِي فَرْعاً شَرِيفاً *** وَ شَجَتْ بِالنَّبِيِّ فِيهِ الأُرُومُ(2)

أَفَهَلْ يَسْتَوِي وَ هَيْهَاتَ غَاوِ *** وَ رَشِيدٌ وَ جَاهِلٌ وَ عَلِيمُ؟

لَمْ يُرَشْحُهُمُ لِعَلْيَاءَ فَضْلٌ *** فَيَسُودوا وَ لاَنْجَارَ صَمِيمُ

وَ أَتَتْهُمْ عَقِيلَةُ الوَحْيِ حَرَّى *** قَدْ بَرَتْهَا أَحْزَانُهَا وَ الهُمُومُ

أفَرَغَتْ عَنْ لِسَانِ أَحْمَدَ فِيهِمْ *** حُجَجاً كَانَ حَقَّهَا التّسْلِيمُ

فَرَمُوا حَقَّهَا الصَّرِيحَ بِإِفْكٍ *** زَخْرَفُوهُ وَ الإِفْكُ مَرْعَى وَخِيمُ(3)

لأعَدَّتْ حُظَةَ الهَوَانِ رِجَالٌ *** لَيْسَ فِي جَمْعِهَا الغَفِيرِ كَرِيمُ

غَصَبُوا إِرْثَهَا وَ عَدُّوهُ غُنْماً *** وَ هُوَ الغُرْمُ وَ الإِلهُ الغَرِيمُ(4)

بَيْتُ أَحْزَانِهَا مُشَيَّدٌ وَلكِنْ *** صَبْرُهَا وَاهِنُ القوَى مَهْدُومُ(5)

وَ قَسَتْ مِنْهُمُ القُلُوبُ عَلَيْهَا *** وَ أَبُوهَا البَرُّ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ

جَاءَهُمْ مُعْدَمُو ثَرَاءٍ حَيارَى *** فَاهْتَدَى حَائِرٌ وَ أَثْرَى عَدِيمُ

ص: 423


1- أقب: رئيس القوم و سيدهم.
2- الأروم: الأصول أو الأحساب.
3- الإفك: الكذب وخيم لاينجع كَلَوْه.
4- غُنما: ما يؤخذ من المحاربين عنوة. الغُرم: و هو ما يلزم أداؤه من المال. تقدم ذكر ما ورد فيه عن كتاب مسند الإمام أحمد بن حنبل ج1 ص9: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة». الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
5- واهن: ضعيف.

قاض إحْسَانُهُمْ عَلَيْهِمْ سِجَالاً *** وَ سَقَتْهُمْ مِنْ رَاحَتَيْهِ الغُيُومُ

فَاضَ فَعَدَا عَيْشُهُمْ حَمِيداً وَلكِنْ *** عَهْدُهُمْ فِي بَنِي النَّبِي ذَمِيمُ

سَيَذُوقُونَ مَا جَنَوْهُ وَ شِيكاً *** يَوْمَ يَغُدُو الشَّفِيعُ وَ هُوَ خَصِيمُ(1)

ص: 424


1- ديوان أبي المحاسن ص213.

(35) أكرم منزل

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا حيدر شرف

الدين العاملي

يا صاح لاعذل و لاإرغام *** رفقاً بنفسي فالملام حرامُ(1)

لاغرو خلي إن بكيت بعبرة *** حرى فقلبي ألهب و ضرامُ(2)

ما كنت أذرف للصبابة أدمعي *** سفهاً و لاأدمى الفؤاد غرامُ(3)

حفَّت بشخصي الحادثات ترومني *** فدفعت جيش الحزن و هو غرامُ(4)

ولكم جرعت من الحياة حميمها *** لم يُثنني منها أذى و سقامُ

صرعت فرسان الليالي و الإبا *** طبعي فأحنت هامها الأيامُ

ما هزَّني الخطب المروع بعظة *** حتى و لو هتنت عليَّ سهامُ

لكن يوم الدار خلف في الحشا *** ندباً فما بين الضلوع حطامُ(5)

يوم به أربد الفضاء و غاض *** نورالخافقين فحلَّها الإظلامُ

و تداعت الأفلاك في عليائها *** بالنوح و السبع الطباق جهامُ

و الشمس ژوارت في الحجاب ضياءها *** حزناً و صدع البدر لايلتامُ

ص: 425


1- العدل: الملامة.
2- الغرو: العَجَب.
3- الصبابة: رقة الشوق و حرارته.
4- ترومني: تريدني أو تقصدني.
5- الحشا: ما كان بين الضلوع.

إذ أوزفت بضغائن معهودة *** و الناس في مهد الخنوع نيامُ

زمر النفاق تروم أكرم منزل *** فيه البتولة و الفتى الضرغامُ

هجموا على دار الوصي و حرقوا *** بابا أعز حريمه العلامُ

و انهال صاحبهم يلوع فاطما *** بالسوط ضرباً رقَّ منه لئامُ

ثم انبری عصراً يهشم ضلعها *** فهوى الجنين و قد عراه حمامُ

سقطت مضرجة تجود بنفسها *** لم يرع فيها للنبي ذمامُ

فاهتز عرش اللَّه من أناتها *** و بكى دماً لمصابها الإسلامُ

ص: 426

(36) ولد الخير

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أَصْعَ يَا دَهْرُ وَ أَنْصِتِي يَا مَكَارِمْ *** وَ انْفُضِي يَا جِرَاحُ عَنْكِ المَرَاهِمْ

وَ اسْتَعِدْ يَا قَرِيضُ كُلّ القَوَافِي *** وَ اسْبُرِ اليَوْمَ غَوْرَ كُلِّ المَلاَحِمْ

إِنَّ هَذِي النُّفُوسَ ظَمْأَى لِنُورٍ *** طَالَمَا غَيَّبتْهُ عَنْهَا المَظَالِمْ

إِنَّ هَذِي الحُقُولَ لَمْ تَأْلَفِ الجَدْبَ *** وَ قَدْ أَوْشَكَتْ تَمُوتُ البَرَاعِمْ

فَامْلَئِي يَا سَمَاءُ قَلْبِيَ آمَالاً *** فَإِنِّي لَمَّا أَزَلْ بَعْدُ هائِمْ

أتَملَّى بَيْنَ السَّحَائِبِ غَيْثاً *** يَنْشُرُ البِشْرَ بَيْنَ هذي العَوَالِمْ

يُرْجِعُ الخِصْبَ فِي العُقُولِ فَتَسْمُو*** لِتَرى ذِلَّةَ الصُّقُورِ الحَمَائِمْ

لتَرَى البُرْعُمَ الصَّغِيرَ يَبُثُ الجَوَّ *** عِطْراً وَ إِنْ أُثِيرَتْ بَهَائِمْ

أنْ تَقُول الشعوبُ قَوْلَتَهَا الفَضلَ *** عَلَى رَغْم كُلِّ أَهْوَجَ حَاكِمْ(2)

أنْ يَعِيش الإنْسَانُ حُراً كَرِيماً *** لامَرُوعاً مِنَ السُّيوفِ الصَّوَارِمْ

فَلَقَدْ لاحَ فِي الحَوَالِكِ بَرْقُ *** يَصْدَعُ الخَوْفَ وَ اللَّيَالِي الدَّوَاهِمْ(3)

يَخْطَفُ الرُّعْبَ مِنْ قُلُوبِ الحَيَارَى *** وَ يَصُدُّ الثَّغْرَ المُعَطَّلَ باسِمْ

ذَاكَ وَهْجُ الزَّهْرَاءِ يُشْرِقُ فِينَا *** وَ حَدِيث عَنِ البَتُولَةِ فَاطِمْ

ص: 427


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أهوج من كان طويلاً في حمق و طيش و تسرع أو الشجاع الذي يرمي نفسه في الحرب.
3- الحوالك: الحالك شدة السواد. الليالي الدواهم: ثلاث ليال في آخر الشهر القمري.

وُلِدَ الخَيْرُ إِذْ وُلِذتِ فَيَا فَرحة *** طه في بِنْتِ خَيْرِ الأَعَاظِمْ

قَدْ أُعِيدَتْ بهَا الكَرَامَةُ لِلأُنْثَى *** فَعَاشَتْ بَيْنَ الكرام الكرَائِمْ

وَ الْتَقَتْ فِي رِحَابِهَا جَنَبَاتٌ *** لَمْ تَكَدْ تَلْتَقِي الدُّهُورَ الصَّوَارِمْ(1)

فَإِذَا الخَشْمُ بِالنُّبُوَّةِ يُقْضِي *** عِنْدَهَا فِي إِمَامَةٍ وَ مَكَارِمْ

نَقَلَتْ مَنْهَلَ الرِّسَالَةِ عَذْباً *** رَائِقاً فِي صِفَاتِهِ لِلْعَوَالِمْ

فِي بَنِيهَا يَا عِزَّةُ لَمْ تُخَامِرْ *** عُظَمَاءَ التَّارِيخ مِنْ كُلِّ حَالِمْ

غَيْرُ بِنْتِ لِلْمُصْطَفَى كَانَ فِيهَا *** نَسْلُهُ وَ النُّهَى وَ كُلُّ المَرَاحِمْ

فَاسْتَطَالَتْ عَلَى العَوَالِم فَخْراً *** شَاهِدٌ فِيهِ كُلُّ بَرِّ وآثِمْ

وَ تَرَاهَا تَرَعْرَعَتْ فِي حُجُورٍ *** عَزَّ فِي الدَّهْرِ مِثْلُهَا فِي الأَكَارِمْ

وَلَدَتْهَا خَدِيجَةٌ وَ كَفَاهَا *** أَنْ تَرَى فِي وَلِيدَةِ الخَتْمِ خَاتِمْ

وَ بِهَا سَوْفَ يَنْتَشِي نَسْلُ طَهَ *** وَ يَزِينُ الدُّنْيَا وَ تَسْمُو المَعَالِمْ

وَ تَقُولُ الدُّنْيَا بِأَنَّ عَظِيماً *** قَطَعَتْهُ أَرْحَامُهُ كُلَّ رَاحِمْ

ص: 428


1- الدهور: ظرف زمان أي لم تكد تلتقي في زمن الدهور.

وَ نَبِيُّ الإِسْلاَم خَلَّفَ بِنْتاً *** لَمْ يُرَاعُوا بِها حُقُوقَ المَحَارِمْ(1)

قَدْ تَصَدَّتْ لِلظَّالِمِينَ بِيَومٍ *** عَزَّ فِيهِ النَّصِيرُ مِنْ كُلِّ جَاثِمْ(2)

خَطَبَتْ فِيهِمُ فَدَوَّى صَدَاهَا *** يَمْلَأُ الخَافِقَيْنِ رَغْمَ الكَوَاتِمْ(3)

أَفْرَغَتْ عَنْ فَم الرَّسُولِ بَيَاناً *** خَلَّدَتْهُ الدُّهُورُ طَيَّ المَلاحِمْ

أَفْصَحَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الكَوْنِ فِيهِ *** وَ مَضَتْ وَ هْيَ سِرُّ كُلِّ العَوَالِمْ(4)

بَيْدَ أَنَّ الدُّنْيَا أَقَرَّتْ خُضُوعاً *** أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ فَخْرُ الفَوَاطِمْ

أَنْجَبَتْ هَذِي المَلايينَ مِنَ السَّادَةِ *** رُغْمَ التَّقْتِيلِ مِنْ كُلِّ ظَالِمْ

فَاسْتَفَاقَ الزَّمَانُ أَيْنَ بَنُو حَرْبٍ *** وَ سُلْطَانُهُمْ وَ قَطْعُ الجَمَاجِمْ؟

أينَ أعْدَاؤُها فَقَدْ ذَهَب الكُلُّ *** وَ لَمْ يَبْقَ خَالِدٌ غَيْرُ فَاطِمْ؟

ص: 429


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما حلَّ بالزهراء علیها السلام من النكبات و المصائب و الأحزان بسبب وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و جناية القوم عليها من غصب فدك إلى الهجوم على الدار فحرقه و كسر الضلع و إسقاط الجنين و ضربها بالسياط و على الخد و غيرها من المصائب. انظر بعض ما ورد عن ذلك في كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 و كتاب رحلة ابن جبير ص174. و كتاب البحار أيضاً ج43 ص195. و في كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد/ فيما قاله الخواجة الطوسي، ص296 قال في المسألة السادسة عند ذكره للأدلة الدالة على عدم إمامة غير علي علیه السلام: و دفن أي أبوبكر في بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد نهى الله «تعالى» دخوله في حياته و بعث إلى بيت أميرالمؤمنين علیه السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة علیها السلام و جماعة من بني هاشم ورد عليه الحسنان لما بويع و ندم على كشف بیت فاطمة علیها السلام. قال العلامة الحلي فيَّ كتابه «كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد» عند شرحه لهذه الفقرة: هذه مطاعن أخر في أبي بكر و هو أنه دفن في بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد نهى الله «تعالی» عن الدخول بغير إذن النبي صلى الله عليه و آله و سلم حال حياته فكيف بعد موته و بعث إلى بيت أميرالمؤمنين علیه السلام ما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار و فيه فاطمة علیها السلام و جماعة من بني هاشم و أخرجوا علياً علیه السلام كرهاً و كان الزبير فى البيت فكسروا سيفه و أخرجوا من الدار من أخرجوا و ضربت فاطمة علیها السلام و ألقت جنيناً اسمه «محسن» و لما حضرته الوفاة قال «ليتني كنت تركت بيت فاطمة علیها السلام فلم أكشفه و هذا يدل على خطئه في ذلك».
2- الجاثم: المتلبد بالأرض.
3- الخافقين: المشرق و المغرب.
4- في هذه الأبيات الأربعة أشار الشاعر إلى خطبتها المروية في المسجد بعد أن غصبوا فدك منها. روى عبداللّه بن الحسن بإسناده عن آبائه أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمةٍ من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنَّةً أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمداللّه و الثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه و آله و سلم، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت علیه السلام: الحمدللّه على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم و الثناء بما قدم من عموم نعم،ابتداها و سبوغ آلاء أسداها و تمام منن أولاها... الخ الخطبة. راجع كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-146.

(37) سيدة الدنيا و الآخرة

(بحر البسيط)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

يَظَلُّ قَبْرُكِ مَجْهُولاً عَنِ الأُمَمِ *** وَ أَنْتِ مَفْخَرَةُ الدُّنْيَا بِكُلِّ فَمِ(2)

وَ يَحْسَبُ الدَّهْرُ أَنْ يُطَوّى بِحَادِثَةٍ *** وَ تِلْكَ أشْهَرُ مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمِ(3)

فَلَيْسَ تُطْوَى مِنَ الزَّهْرَاءِ صَفْحَتُهَا *** وَ فِي الحَيَاةِ بَقَايَا الخَيْرِ وَ الكَرَمِ

هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أَنْ نَنْسَاكِ عَنْ سَفَةٍ *** إِذَا وَحَقِّكِ فَالدُّنْيَا إِلَى عَدَمِ

عِشْنَا القَضِيَّةَ إِنَّا نَنْتَمِي شَرَفاً *** إِلَى وَلاَئِكِ فِي الأَحْسَابِ وَ القِيَمِ

يَجْرِي بِحُبِّكِ أُمَّ الأَوْصِيَاءِ دَمٌ *** يَطْغَى فَيَرْفُضُ بَعْضَ الأُمَّهَاتِ دَمِي

حَبَاكِ رَبُّكِ بِالسِّبْطَيْنِ فَافْتَخِرِي *** أَباً وَ بَعْلاً وَ أَولاداً مِنَ القِمَمِ(4)

لَمْ تَجْتَمِعْ لابنةٍ فِي الدَّهْرِ مِنْ أَحَدٍ *** إِلا لِخَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمِ

إِذَا تَكَلَّمْتِ قَالَ النَّاسُ فِي وَلَهٍ *** كَأَنَّ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ فِي الكَلِمِ(5)

ص: 430


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى دفنها ليلاً وإخفاء قبرها و تقدم تفصيله نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363. و كتاب بحار الأنوار ج43 ص183. و كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898. و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص54. و كتاب البحار أيضاً ج43 ص212 نقلاً عن عیون المعجزات للسید المرتضي.
3- عَلَم: جبل.
4- حباك: أعطاك من غير جزاء.
5- وَلَهُ: التحير من شدة الوجد و في البيت إشارة إلى شباهة الزهراء علیها السلام في كلامها لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. ففي كتاب المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 154 قال : عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة علیها السلام برسول اللّه صلى اللِه عليه و آله وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيديها فقبلها وأجلسها في مجلسه، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وذكره البيهقي في كتابه السنن الكبرى ج 7 ص 101. وذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج 4 ص 1896.

أَلَسْتِ قَلْبَ حَبِيبِ اللَّهِ بِضْعَتَهُ *** وَكُنْتِ كُفْؤَ عَلِيَّ رُتْبَةِ الشِّيَمِ(1) ؟

وَبَعْدَهَا فَلْيَقُلْ مَنْ شَاءَ مِنْ حَسَدٍ *** لَسْتِ الوَرِيثَةَ فِي طهَ مِنَ الرَّحِمِ

وَلْيَغْصِبِ القَوْمُ مِنْ بَغْضَائِهِمْ فَدَكَاً *** فِدَاكِ كُلُّ الوَرَى فِي العُرْبِ وَالعَجَمِ(2)

وَلْيُشْعِلُوا النَّارَ خَلْفَ البَابِ مِنْ حَنَقٍ *** لآلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَالحَرَمِ(3)

ص: 431


1- إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام قلب رسول الله صلى اللّه عليه و آله وسلم وبضعته وكونها كفؤ علي علیه السلام. انظر كتاب مسند أحمد ج4 ص328. وكتاب الحلية لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40. و کتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص378. وذكره أيضاً في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441. وكتاب البحار ج43 ص23 وص54. وانظر أيضاً قصيدة آل رمضان الإحسائي الكافية رقم (11). وكتاب مصباح الأنوار وكتاب المختصر كما في البحار ج43 ص145.
2- تقدمت الإشارة إلى ذلك مفصلاً انظر: كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. وكتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. وكتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144. وكتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقله عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9. وكتاب السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300. وكتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
3- في كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202 قال: عن زياد بن كليب قال: «أتى عمر بن الخطاب منزل علي علیه السلام و فيه طلحة و الزبير و رجال من المهاجرين فقال: واللّه لأحرقنَّ عليكم أو لتخرُجَنَّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.» و في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586 قال: عن ابن عون أن أبابكر أرسل إلى علي علیه السلام يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر، و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب، فقالت فاطمة علیها السلام: يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ علیه السلام بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك. و في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45 قال: عن أحمد بن عبد العزيز قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير و المقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي علیه السلام و هو في بيت فاطمة علیها السلام، فيتشاورون و يتراجعون أمورهم. فخرج عمر حتى دخل على فاطمة علیها السلام و قال: يا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، وايم اللّه ما ذاك بمانعي-إن اجتمع هؤلاء النفر عندك-أن آمر بتحريق البيت عليهم. فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي باللّه: إن عدتم ليحرقنّ عليكم البيت، وايم اللّه ليمضينَّ لما حلف له. و في كتاب إثبات الوصية ص143 قال: فأقام أمير المؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه استخرجوه منه كرهاً وضغطوا سيدة النساء بالباب أسقطت محسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لا أفعل. فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإني عبداللَّه و أخو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله و سلم...الخ.

طَابَتْ حَيَاتُهُمُ فِي ظُلْمِهَا عَجَباً *** لِلتَّابِعِينَ عَلَى أَشْلاَءِ مُقْتَسَمِ

أَنْتِ الشَّفِيعَةُ يَوْمَ الحَشْرِ سَیِّدَتِي *** فَأَيْنَ يَذْهَبُ أَعْدَاكِ مِنَ النِّقَمِ؟(1)

أَمَّا مُحِبُّوكِ فَالدُّنْيَا تُشَرِّدُهُمْ *** إِذْ لَيْسَ فِي قَلْبِهِمْ حُبٌّ إِلَى الصَّنَمِ

ص: 432


1- انظر بعض ما ورد في شفاعة الزهراء علیها السلام في كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150. وكتاب دلائل الإمامة ص57. وكتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26. وزيادة على ما مرَّ في شفاعة فاطمة علیها السلام يوم القيامة لشيعتها ومحبيها فقد جاء في كتاب نزهة المجالس للصفوري كما في كتاب فاطمة علیها السلام من المهد إلى اللحد ص185 للسيد محمد كاظم القزويني (رحمه الله علیه) قال: سألت فاطمة علیها السلام النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم أن يكون صداقها شفاعة لأمتها يوم القيامة، فإذا صارت على الصراط طلب صداقها. و في كتاب لسان الميزان قال: عن موسى بن علي القرشي قال: كان نثار عرس فاطمة علیها السلام و علي علیه السلام صكاكاً بأسماء محبيهما بعتقهم من النار. و في كتاب كشف الغمة لأبي الفتح الأربلي ج2 ص132 قال: عن محمد ابن الحنفية «رضي اللّه عنه» قال: سمعت أميرالمؤمنين علیه السلام يقول: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم جالس و الحسن علیه السلام عن يمينه و الحسين علیه السلام عن يساره و فاطمة علیها السلام بين يديه، و هو يقول: يا حسن و يا حسين علیهما السلام أنتما كفتا الميزان، و فاطمة علیها السلام لسانه و لاتعدل الكفتان إلّا باللسان و لايقوم اللسان إلّا على الكفتين أنتما الإمامان و لأمكما الشفاعة...الخ .

تَأْبَى ضُلُوعُكِ وَالمِسْمَارُ كَسَّرَها *** أَنْ لاَ تَضُمَّ فُؤَادَ المُخْلِصِ الأَلِمِ(1)

أَلاَ تُغِيثِي مُحِبّاً بَاتَ يَعْصِرُهُ *** دَهْرٌ وَسِجْنُ أَبٍ فِي عُمْرِهِ الهَرِمِ(2)

وَ أَنْتِ سَيِّدَةُ الدُّنْيَا وَآخِرَةٍ *** نَرْجُوكِ فِيهَا لِذَاكَ الهَوْلِ وَالظُّلْمِ

وَأَنْتِ عُرْوَتُنَا الوُثْقَى وَمَا وَعَدَ *** الكِتَابُ مُسْتَمْسِكِيهِ كُلَّ مُغْتَنَمِ(3)

وَقَالَ لِلأَنْبِيَاءِ الغُرِّ أَجْرُهُمُ *** عَليَّ (أَنْعِمْ) بِرَبِّ البَيْتِ وَالحَرَمِ

إِلاَّ لِخَاتَمِهِمْ لاَ أَجْرَيَقْبَلُهُ *** إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى مِنَ الرَّحِمِ(4)

مَا ذَنْبُ شِيعَتِهِمْ إِنْ كَانَ رَبُّهُمُ *** يُفْدِي الكِيَانَ لأَهْلِ البَيْتِ فِي كَرَمِ

ص: 433


1- انظر ما ورد في ذلك: كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. وكتاب الاحتجاج، ج1 ص109. وكتاب البحار ج53 ص19.
2- يشير إلى والده العالم الجليل آية اللّه السيد محمد صادق القزويني الذي سجن في العراق وقد تجاوز عمره الثمانين عاماً ولم يعرف مصيره بعد...
3- عروتنا: العروة ما يوثق به.
4- إشارة إلى قوله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى، آية: 23] و قد مرت بعض التفاصيل عن ذلك نقلاً عن كتاب ذخائر العقبى للمحب الطبري ص25. و تفسير الزمخشري الكشاف ج3 ص467. والدُّرِّ المنثور للسيوطي ج6 ص7. وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص123.

(38)من المختار روح و بضعة

(بحر الطويل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

(سَلِ الدَّارَ عَنْ أَرْبَابِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا)؟ *** وَهَلْ أَنْجَدُوا أَمْ فِي الرَّكَائِبِ أَتْهَمُوا؟

وَمَا بَالُهَا مِنْ بَعْدِهِمْ كُلُّ مَا بِهَا *** أَسًى وَفِنَاهَا جَرُّهُ الْيَوْمَ مُظْلِمُ؟

فَعَهْدِي بِهَا مِنْ قَبْلُ تَزْهُو رُبُوعُهَا *** بِهِمْ وَرَبَاهَا بِالمَكَارِمِ مُفْعَمُ(2)

أَمَا لَهُمُ مِنْ أَوْبَةٍ لِدِيَارِهِمْ *** فَنَسْعَدُ فِي لُقْيَاهُمُ وَنُنَعَّمُ؟(3)

فَهَا أَنَا مِمَّنْ سَاقَهُ الوَجْدُ وَانْبَرى *** إِلَيْكِ بِمَا فِي قَلْبِهِ يَتَكَلَّمُ

وَلاَ عُجْبَ إِنْ سَالَ دَمْعُ مَحَاجِرِي *** فَإِنِّي وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ مُتَيَّمُ

فَحُزْنِي عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ وأَدْمُعِي *** مَدَى العُمْرِ مِنْ عَيْنِي تَفِيضُ وَتَسْجُمُ(4)

عَلَى جِيرَةٍ حَازُوا الفَضَائِلَ وَالتُّقَى *** وَهُمْ لِلنَّدَى بَحْرٌ وَلِلْجُودِ مَعْلَمُ

مَصَائِبُهُمْ أَبْكَتْ عُيُونَ أُولِي النُّهَى *** وَبَيْنَ الحَنَابًا جَمْرُهَا يَتَضَرَّمُ

وَأَفْدَحُهَا مَا قُوْبِلَتْ فِيهِ (فَاطِمٌ) *** مِنَ الظُّلْمِ مُذْ وَافَى إِلَيْهَا المُحَتَّمُ(5)

ص: 434


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- رَباها: رابيتها وهي ما ارتفع من الأرض. مفعم: مملوء.
3- أوبة: عودة.
4- تسجم: تسيل.
5- في كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري ج2 ص268 ط1/ دار الفكر-بيروت بعض الإشارات إلى ذلك: «... إن أبابكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر و معه قبس، فتلقّتهُ فاطمة علیها السلام على الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال: نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك».

نَحَوْا دَارَهَا وَهْيَ المُعَظَّمُ شَأْنُهَا *** وَ فِي ذلِكُمْ كُلُّ الخَلاَئِقِ تَعْلَمُ(1)

وَقَدْ هَدَّدُوهَا حِينَ ذَاكَ وَقَلْبُهَا *** لِفَقَدِ أَبِيهَا وَالفُرَاقُ مُكَلَّمُ (2)

وَقَالُوا إِذَا لَمْ تَفْتَحِي البَابَ عَاجِلاً *** سَنُحْرِقُهُ فِي نَارِنَا ثُمَّ تَهْجُمُ

فَقَالَتْ إِلَى اللَّهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا *** وَمَنْ هُوَ أَوْلَى فِي العِبَادِ وَأَحْكَمُ

وَلاَذَتْ وَرَاءَ البَابِ مِنْ بَعْدِ فَتْحِهَا *** تَسَتَّرُفِيهَا عَنْهُمُ مُذْ تَقَحَّمُوا(3)

وَ لَمَّا أَحَسَّ ... أَسْنَدَ ظَهْرَهُ *** لِحَائِط ذاكَ البَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(4)

بِمَا قَدْ جَرَى لَمَّا بِرِجْلَيْهِ رَدَّهَا *** عَلَيْهَا وَهَلْ فِي النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ أَظْلَمُ؟

أتُعْصَرُ مَا بَيْنَ الجِدَارِ وَبَابِهِ *** فَيُكْسَرُ مِنْهَا ضِلْعُهَا وَيُهَشَّمُ؟(5)

ص: 435


1- نحوا دارها: أي قصدوه. جاء في «تفسير العياشي» ج2 ص66/المكتبة العلمية الإسلامية - طهران ما يشير إلى هذا المعنى: «... قال عمر: قوموا بنا إليه. فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة علیها السلام أغلقت الباب في وجوههم. و هي لاتشك أن لا يدخل عليها إلاّ بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره...».
2- (والبيت الذي يليه) في «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج2 ص56 ط2/ دار إحياء الكتب العربية. رواية توضح المعنى. «... فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم...». و في كتاب «سليم بن قيس» ص36 ط/ مؤسسة البعثة - طهران. «...فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال عمر: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم...».
3- في «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم» ص542 نقلاً عن «علم اليقين في أصول الدين» للكاشاني ص686 : «... فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنَّهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم فاختبت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط...».
4- في البيت إشارة إلى ما ورد في «مؤتمر علماء بغداد» ص37 ط1/ بيروت دارالمودة، ربما تؤكد المعنى المذكور. «...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لتردّ عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها...».
5- في «الاحتجاج» ج1 ص109 مطبعة النعمان/ النجف الأشرف «...فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام».

وَ تِلْكَ مِنَ المُخْتَارِ رُوحٌ وَ بَضْعَةٌ *** وَ أَقْوَالُهُ فِي فَضْلِهَا لَيْسَ تُكْتَمُ(1)

زَوَوْا إِرْثهَا عَنْهَا وَ مَاتَتْ كَثِيبَةً *** وَ كَافِلُهَا فِي الخَطب بِالصَّبْرِ مُلْزَمُ(2)

فَيًا وَيْلَ مَنْ أَدْمَى (الأَحْمَدَ) عَيْنَهُ *** بِعَيْنِ لَهَا فِي كَلِّهِ رَاحَ يَلْطِمُ

بِأَهْلِي وَبِي (أُمَّ الحُسَيْنِ) فَرُزْؤُها *** (يَشِيبُ لَهُ فَوْدُ الرَّضِيعِ فَيَهْرَمُ(3)

أَأَقْرَبُ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ رُوح (أَحْمَدٍ) *** وَ أَرْفَعُ كُلِّ الخَلْقِ قَدْراً وَ أَكْرَمُ؟

تَمُوتُ وَ مِنْ آلاَمِهَا البَعْضُ لَوْ عَلَى *** يَلَمْلَمَ يَجْرِي سَاخَ مِنْهُ يُلَمْلَمُ

فَمِنْ وَجْدِهَا أَوْصَتْ عَلِيّاً بِدَفْنِهَا *** خَفَاءَ وَ هذَا لِلْمُوَالِينَ آلَمُ(4)

فَشَيَّعَها لَيْلاً وَ عَفّى ضَرِيحَهَا *** وَ مِنْ عَيْنِهِ قَدْ سَالَ عَنْ دَمْعِهِ دَمُ(5)(6)

ص: 436


1- جاء في «كشف الغمة» ج2 ص124 ط/ دار الكتاب الإسلامي-بيروت. «عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم... و من أنصفك فقد أنصفني و من ظلمك فقد ظلمني لأنك منّي و أنا منك و أنت بضعة منّي و روحي التي بين جنبي...».
2- في كتاب «كشف الغمة» ج2 ص103 ط/ دار الكتاب الإسلامي. «روي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقالت: يا أبابكر من يرثك إذا مت؟ قال: أهلي و ولدي قالت: فما لي لاأرث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث ولكن أُنفق على من كان ينفق عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أعطي ما كان يعطيه...».
3- فَوْد: الشعر الذي على جانب الرأس مما يلي الأذنين إلى الأمام.
4- في أنساب الأشراف للبلاذري ص405 و في تاريخ الطبري ج2 ص448. «...عن عائشة أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول صلي الله علیه و آله و سلم إلى أن قال: فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفَّيت فلما توفيت دفنها زوجّها عليّ علیه السلام و لم يؤذن بها أبوبكر...».
5- في «كتاب الأمالي» للشيخ المفيد ص281 (المجلس الثالث والثلاثون) ج7 ط/جماعة المدرسين في قم. «فلما حضرتها علیها السلام الوفاة وصت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفي قبرها، فتولّى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها و عفى موضع قبرها فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه و حوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال:...».
6- نقل من ديوان ميراث المنبر ص23.

(39) أم الخدر

(بحر البسيط)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

تَاللَّهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَجَعَتْ *** لِفَاطِمَ لَيْلَةً عَيْنٌ وَ لَمْ تَنَمِ

تَبْكِي لِفَقْدِ أَبِيهَا حَيْثُ قَدْ غَرِقَتْ *** مُذْغَابَ عَنْهَا بِبَحْرِ الهَمِّ وَ الأَلَمِ

لَمْ يَرْعَ أَصْحَابُهُ حَقاً لَهَا أَبداً *** وَ قَدْ تَعَرَّوْا عَنِ الأَخْلاقِ وَ الشَّيَمِ

مَالُوا عَلَى إِرْثِهَا غَصْباً وَ قَدْ نَزَلَتْ *** بِهِ النُّصُوصُ مِنَ الرَّحْمَنِ ذِي النِّعَمِ(2)

وَ أَقْبَلُوا نَحْوَ بَيْتٍ فِي جَوَانِبِهِ *** تَبْكِي أَبَاهَا عَظِيمَ الشَّأْنِ ذَا الكَرَمِ

وَ جَمَّعُوا حَطَباً فِي بَابِهِ وَ عَلَتْ *** أَصْوَاتُهُمْ حَوْلَ بَيْتٍ جِدُّ مُحْتَرَمِ(3)

فَأَقْبَلَتْ بَضْعَةُ الهَادِي تُعَنْفُهُمْ *** وَ قَلْبُهَا كَانَ مِمَّا مَرَّ فِي ضَرَمِ

قَالَتْ بِصَوْتِ نِدَاهَا وَ هْيَ ثَاكِلَةٌ *** وَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنِهَا يَنْهَلُ كَالدِّيَمِ(4)

مَاذَا تُرِيدُونَ مِنّا نَحْنُ فِي شُغُلٍ *** بِحُزْنِنَا فِي مُصَابِ الوَالِدِ الشَّهِمِ؟

ص: 437


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما بویع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها...
3- إشارة إلى ما روي في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19-20 في حديث طويل قال: و إن أبابكر تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي علیه السلام، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم و هم في دار علي علیه السلام، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقتها على من فيها، فقيل له: يا أباحفص إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال: وإن...
4- ينهل: يسيل العين. الديم: جمع الديمة و هي مطر يدوم في سكون بلارعد و لابرق.

قَالُوا نُرِيدُ عَلِيًّا أَنْ يَمُدَّ يَداً *** بِبَيْعَةِ عُقِدَتْ فِي النَّاسِ لِلْهَرِمِ

قَالَت أُخرجُ أَنْ يَدْنُو لِمَنْزِلِنَا *** دَانٍ بِحُرْمَةِ طَة سَيّدِ الأُمَمِ

فَقَابَلَ الرَّجُلُ الزَّهْرَاءَ فِي كَلِمٍ *** قَاسٍ وَ جُرْأَةِ عِلْمٍ غَيْرِ مُحْتَشِمِ(1)

ساخرِقَنَّ عَلَيْكُمْ بَابَ بَيْتِکِمُ *** حَتَّى أُحِيلَكُمْ وَ البَيْتَ لِلعَدَمِ(2)

وَ لاَأُبقى بهِ طِفلاً وَ لاَرَجُلاً *** فَالحَرْقُ وَ القَتْلُ هَذَا اليَوْمَ مِنْ شِيَمِي

وَ حِينَمَا سَمِعَتْ تَهْدِيدَهُ ابْتَدَرَتْ *** لِفَتْحِ بَابِ الهُدَى لِلظَّالِمِ الغَشِمِ

وَ بَعْدُ لأَذَتْ بِهِ كَيْ لاَيَرَى أَحَدٌ *** خَيَالَهَا وَ هيَ أُمُّ الخِدْرِ مِنْ قِدَم

وَ مُذْ أَحَسَّ بِهَا الطَّاغِي تَعَمَّدَهَا *** بِعَصْرَةٍ صَدْرُهَا مِنْهَا هُنَاكَ دُمِي

وَ ضِلْعُهَا عَادَ مَكْسُوراً وَ مُحْسِنُهَا *** الحَمْلُ الشَّرِيفُ عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ رُمِي(3)

ص: 438


1- علج: عَيْر. حمار غير محتشم: بغير حياء أو أدب.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586: فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم و ذلك أقوى ما جاء به أبوك. و في كتاب إحقاق الحق و إزهاق الباطل للتستري ج2 ص370 قال في370 قال في المبحث الرابع في تعيين الإمام... و ذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة منهم: أسيد بن الحضير و سلمة بن سلامة الأشهلي - و قد استعمله عمر على اليمامة- فقال: اخرجوا أو لنحرقنها عليكم. و ذكر ابن خنزابه في غرره قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي علیه السلام و أصحابه عن البيعة فقال عمر لفاطمة علیها السلام: أخرجي من في البيت أو لأحرقنه و من فيه!! قال: و في البيت علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم. فقالت فاطمة علیها السلام: أفتحرق علي ولدي؟! فقال: إي واللَّه أو ليخرجن و ليبايعن!! و في هذا كفاية... و ما ظنك بأمر تدفع فيه صدور المهاجرين و تكسر سيوفهم و تشهر فيه السيوف على رؤوس المسلمين و يقصد إحراق بيوت ساداتهم إلى غير ذلك؟!
3- انظر ما ورد في كتاب مرآة العقول ج5 ص320 فلما أخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوّجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها...إلى آخر الحديث.

وَ قَيَّدُوا فَارِسَ الهَيْجَاءِ إِذْ عَلِمُوا *** بِأَنَّهُ صَابِرٌ بِالسَّيْفِ لَمْ يَقُمِ

وَ خَلْفَهُ رَاحَتِ الزَّهْرَاءُ قَائِلةً *** إِنْ لَمْ تُخَلُوهُ أَدْعُو اللَّهَ بِالنَّقَمِ

ثُمَّ انْثَنَتْ لِضَرِيحِ المُصْطَفَى وَ غَدَتْ *** تَشْكُو لَهُ الجَوْرَ مِنْ جَانٍ وَ مُجْتَرِمِ(1)

يَا وَالِدِي هَتَفَتْ لَوْ كُنْتَ شَاهِدَنَا *** غَدَاةَ إِذْ هَجَمَ الأَعْدَاءُ لِلْحَرَمِ

لَسَاءَ حَالَكَ مَا قَدْ حَلَّ بِي وَ جَرَتْ *** عَيْنَاكَ مِمَّا عَرَانِي دَمْعُهَا بِدَمِ(2)

ص: 439


1- انثنت: انعطفت.
2- نقلت من ديوان ميراث المنبر ص34.

(40) مصاب فاطمة علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

لكِ ذكرى تمرُّ في كل عامٍ *** و عليها نمرُّ مرَّ الكرامِ

هي ذكرى لها نقيمُ احتفالاً *** بابتهاجٍ و فرحةٍ و ابتسامِ

هي ذكرى ولادةٍ سرَّ فيها *** سيد المرسلين خيرُ الأنامِ

بصبوحِ يشعُ في الكون شمساً *** لاكشمسِ الضحى و بدرِ التمامِ

شمسٌ و الشمسُ يا صاحِ فيها *** أن تُقمها فمالها من مقامِ

هي شمسُ الهدى و شمسُ المعالي *** و هي أحرى بالذكرِ و الاحترامِ

من سواها فخلّني و سروري *** لحظاتٍ بعد الدموعِ السجامِ

إنَّ قلبي من الهموم مليءٌ *** و مليءٌ من الخطوبِ الجسامِ

ثم أمسى خليَ بالٍ طروباً *** راقداً بينَ، نايهِ و المدامِ

إن ضربَ الأمثالِ في مثلِ هذا *** هو ضربٌ، و من فضولِ الكلامِ

فالتزامي بحب آلِ رسول اللَّه *** يُغني عن البيانِ التزامي

فمصابُ الزهراءِ روحي فداها *** هو في وسطِ قلبي المستظامِ

و الحسينُ الشهيدُ في الطفِ ليلاً *** يتراءى لمقلتِي في المنامِ

فكأن السيوفَ تنهلُ منه *** نصبَ عيني و الظالمونَ أمامي

هو مرمي فوقَ الصعيِدِ و مرمى *** بعد وخزِ الضبا لرشقِ السهامِ(2)

ص: 440


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الصعيد: التراب.

قسماحاً أم الحسينِ إذا ما *** شطَّ بي مزبرُ الشَّجا عن مرامِي(1)

وطأةُ الرزءِ أثقلتني فراحتْ *** دون قصدٍ تخطُّه أقلامِي

علَّمتْها أناملي أن تطيلَ *** القولَ في مدحكمُ و ذمِ اللئامِ

فعليكِ السلام منَّي يترى *** إن تفضلتِ في قبولِ سلامي

يا بنَة المصطفى و يا خير أمٍ *** لبني المرتضى الهداةِ الكرامِ

امنحينا بنظرةٍ منك فضلاً *** فسمانا ملبدٌ بالظلامِ

أنتِ بابُ النجاةِ من كل سوء *** فادفعي السوء عن رُبى الإسلامِ

ص: 441


1- مزبر (الزبر) الزجر و الانتهار الشجا: من الشجو، أي الهم والحزن.

(41) بتول القدس

(بحر الوافر)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

يَتُولُ القُدْسِ مِرآةُ النّظامِ *** عَرُوسُ الحُورِ مِشْكَاةُ السَّلَامِ(2)

قَرِينَةُ عَاهِلِ العُلْيَا عَلِيٍّ *** عَزِيزَةُ أَحْمَدٍ خَيْرِ الأَنَامِ(3)

وَ أَعْلَى دَوْحَةٍ بَسَقَتْ فُرُوعاً *** وَ أَمَّ أَئِمَّةِ الدِّينِ العِظَامِ(4)

وَ مَنْ لَمْ تَنسَ ذِكْر اللَّهِ حِيناً *** و لاذاقَتْ بِهِ طَعْمَ المَنَامِ(5)(6)

ص: 442


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في «المناقب» ج3 ص330 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية/ قم. «...سمّيت مريم علیها السلام بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظير».
3- في كتاب «الكافي» ج1 ص461 ح10 ط/ الرابعة/ دار صعب -دار التعارف بيروت. «عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: لولا أن الله تعالى خلق أميرالمؤمنين علیه السلام ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم و من دونه». و في مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص56 ط/ منشورات مكتبة المفيد -قم. «... و قالا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أي أهلك أحبّ إليك؟ قال: فاطمة علیها السلام».
4- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج2 ص182 ط المطبعة العلمية/ قم. «... و لها أمومة الأئمة علیهم السلام إلى يوم القيامة و منها الحسن و الحسين علیهما السلام و عقب الرسول صلي الله علیه و اله و سلم.
5- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص194 منقولة عن كتاب «الثاقب في المناقب»:«إن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیها السلام لطول قنوتها بالليل».
6- في «دلائل الإمامة» ص48 للطبري ط/ الثالثة مطبعة أمير/ قم -منشورات الرضي. قال صلي اللّه علیه و آله و سلم: يا سلمان، «إن ابنتي فاطمة علیها السلام ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً و يقيناً إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله».

وَ كَيْفَ تَلَذُ ّفِي لَيْلِ بِنَوْمِ *** وَ تَأْنَسُ فِي نَهَارٍ مِنْ طَعَامِ؟(1)

وَ ذَاكَ قَرِينُهَا مَنْ سَنَّ *** لِلأَنُبِيَاءِ وَ غَيْرِهِمْ سُنَنَ الكِرامِ

فَكَانَتْ خَلْفَهُ تَسْعَى فَمَهُمَا *** أَتَى أَمْراً أَتَتْهُ بِالتِزامِ

تُشَاطِرُهُ قِيَامَ اللَّيْلِ حَتَّى *** شَكَتْ أَقْدَامُهَا وَرَمَ القِيَامِ(2)

وَ تَبْكِي خَشْيَةَ الجَبَّارِ حَتَّى *** اخَتَشَتْ أَجْفَانُهَا عَمَشَ السّقَامِ(3)

وَ تَطْوِي دَهْرَهَا حَتَّى بَرَاهَا *** نُحُولُ الجِسْمِ مِنْ فَرْطِ الصِّيَامِ(4)

***

فَحُقَّ إِذَا المَلاَئِكُ خَاطَبَتْهَا *** كَمَرْيَمَ فِي اصْطِفَاءٍ بِاحْتِرَامِ(5)

فَلَمْ تَنَلِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ إِلاَّ *** لَمَا مِنْهَا إِلَيْهِ مِنِ انْقِسّامِ

فَقَدْ وَقَفَتْ عَلَيْهِ حَيَاتَهَا فِي *** تَحَمَّلِ كُلِّ ضَيْمِ وَ اهْتِضَامِ(6)

ص: 443


1- في مقتل الحسين للخوارزمي» ج1 ص80 ط/ منشورات مكتبة المفيد/ قم. «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها».
2- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج1 ص279 ح6 نقلاً عن «إرشاد القلوب» ص105 «کانت فاطمة علیها السلام تنهج في صلاتها من خوف الله «تعالى» عمش: ضعف البصر مع سيلان الدمع أكثر الأوقات.
3- في كتاب بحار الأنوار، ج37 ص97 ط/ الثانية مؤسسة الوفاء/ بيروت «يا أم أيمن أعلمي أنّ فاطمة الزهراء علیها السلام صائمة و هي متعبة جائعة و الزمان قيظ».
4- جاء في كتاب علل الشرايع ج1 ص216 باب 146 ح 1 للشيخ الصدوق ط/ الأولى -مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت. «سمعت أباعبدالله علیه السلام يقول: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران سلام الله علیها فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين» فتحدثهم و يحدّثونها...».
5- ضَيْم: ظُلم و قهر.
6- في «كشف الغمة» ج2 ص363 ط/ دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «... قال علي علیه السلام: فوالله ما أغضبتها و لاأكرهتها على أمر حتى قبضها الله «عزوجل» إليه و لاأغضبتني و لاعصت لي أمراً و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان».

عَلَى مَا فِيهِ كَانَتْ مِنْ حُقُوقٍ *** لِحَيْدَرَ قَدْ قَضَتْهَا بِالتَّمَامِ(1)

فَلَمْ تَشرُكَ عَلَيْهَا قَطُّ حَقاً *** لِرَبِّ العَرْشِ أَوْ رَبِّ الحُسَامِ

وَ طُولَ العُمْرِ مَا زَالَتْ تُؤدِّي *** حُقُوقَهُمَا وَذَا مِسك الخِتامِ

***

فَمَا عَمِلَتْ لِهَذِي الدَّارِ وَ هذا *** بها عَمَلَيْنِ فِي وَقْتِ بِعَامِ

فَمَا حَالُ الوَصِيَّ وَ قَدْ رآهَا *** بِطِينِ أوْ عَجِينِ فِي ازْدِحَامِ

فَتُخْبِرُهُ بِبَيْنِ حَانَ مِنْهَا *** يَبُوءُ الوَصْلُ مِنْهُ بِانْصِرَامِ(2)

وَ تَخْشَىٰ أَنْ يَكُونَ غَداً بِشُغْلٍ *** عَنِ الأَبْنَا لِنَكْبَاتِ الحِمَامِ(3)

فَتُصْبِحُ بَعْدَ أُمِّهِمُ يَتَامَى *** بِلا دَهْنِ الرُّؤُوسِ وَ لاَطَعَامِ

***

تَخَافُ عَلَىٰ بَنِيهَا مِنْ أَبِيهِم *** بِيَوْمِ وَاحِدٍ عَدَمَ اهْتِمَامِ

فَكَيْفَ وَ لَوْ رَأَتْهُمْ لَيْتَ ظَنِّي *** وَ قَدْ ضَاقَتْ بِهِمْ نُوَبُ الطَّغَامِ؟

فَهُذَا قَدْ فَرَاهُ السُّمُ قَلباً *** وَذَاكَ بِكَرْبَلاً غَرَضُ السِّهامِ

لَدَيْهِ مِنْ بَنِيهَا كُلُّ بَدْرٍ *** رَمَاهُ الحَتْفُ خَسْفاً بِالرّغَامِ

ص: 444


1- (والأبيات التي تلته) إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص178 ضمن حاشية رقم15 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...و قال ما الذي تجدينه؟ فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب علیه السلام فقالت: يابن العم إني أجد الموت الذي لابد منه و لامحيص عنه و أنا أعلم أنك بعدي لاتصبر على قلّة التزويج فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً و ليلة واجعل لأولادي يوماً و ليلة، يا أباالحسن علیه السلام و لاتصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنهما بالأمس فقدا جدهما و اليوم يفقدان أمهما».
2- الحمام: كلّ ما قدَّر و قضي، المنية، الموت.
3- الطغام: أوغاد الناس.

وَخَلْفَهُمُ كَرَائِمُهَا الَّتِي *** لَاتَزَالُ تَصُونُهَا عِصَمُ الخِيامِ

حَوَاسِرُ لَمْ تَجِدْ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ *** شَفِيقٍ بَيْنَ أَخْلَافِ لِئَامِ(1)

***

فَمَضَّ كَلَامُهَا بِحَشِا عَلِيٍّ *** فَكَانَ لَهُ بِهِ أَنْکَی کَلَامِ(2)

فَمَاذَا حَالُهُ فِي الغُسْلِ لَمَّا *** بَدا لأَذَى السِّيَاطِ المَتنَ دَامِي؟(3)

رَأَى بِالصَّدْرِ فِي الْأَضْلاعِ رَضَاً *** وَ فَوْقَ الخَدِّ لَظماً بِاحْتِذَامِ

فَلَمْ يَكُ غُسْلُهَا إِلا بِمَا قَدْ *** أَفَاضَ مِنَ الدُّمُوعِ لَهَا السِّجَامِ

وَ مَا أَكْفَانُهَا الأَ بِمَا قَدْ *** كَسَاهَا الدَّهْرُ مِنْ عِلَلٍ جِسَامِ

وَ لاعَجَبٌ لَهَا يَبْكِي وَلكِنْ *** عَجِيبٌ لَمْ يَمُتْ قَبْلَ السَّلاَمِ

ص: 445


1- أجلاف: حمقى. حواسر: النساء اللاتي حسرت. خمارهنّ عن وجوههنّ.
2- مض: آلَمَ و أوجع -أنكى: أشدّ قهراً بالقتل أو الجرح.
3- ما ورد في البيت هو إشارة إلى ما ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص97 ط/ مؤسسة البعثة -طهران. «...فقال: هل تدري لِمَ كفّ عن قنفذ ولم يغرمه شيئاً؟ قلت: لا، قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني و بينهم فماتت صلوات الله عليها و إنّ أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج».

وَ قَدْ نَادَى اليَتَامَى أَنْ هَلَمُّوا *** صِلُوا بِوَدَاعِها حَقَّ الذَّمَام(1)

فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ حَنَّتْ وَ أَنَتْ *** وَ آوَتُهُمْ إِلَيْهَا بِانْضِمَامِ

فَإِنَّ الجِسْمَ عِنْدَ الوَصْلِ شَوْقاً *** لَيَشْعُرُ بِالأَحِبَّةِ فِي الحِمَامِ

فَلَيْسَ مِنَ البَتُولِ لِوُلْدِهَا *** ثَوْبَةٌ أَقْوَى لِلَيْلَى فِي الْتِزَامِ

وَ قَدْ رَدَّ السَّلامَ كَمَا ادَّعَاهُ *** عَلَيْهَا مَيْتاً بِشَبَا الغَرَامِ(2)

ص: 446


1- (والأبيات التي تلته) إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص179 ضمن حاشية رقم 15 ط2 مؤسسة الوفاء -بيروت. «... فقال علي علیه السلام: والله لقد أخذت في أمرها و غسَّلتها في قميصها... فلما هممتُ أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة يا حسن علیه السلام يا حسين علیه السلام هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق و اللقاء في الجنة فأقبل الحسن و الحسين علیهما السلام و هما يناديان: واحسرتا لاتنطفىء أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم و أمّنا فاطمة الزهراء علیها السلام يا أم الحسن علیها السلام يا أم الحسين علیها السلام إذا لقيت جدّنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فاقرئيه منا السلام و قولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا فقال أميرالمؤمنين علي علیه السلام: إني أشهد الله أنها حنّت و أنت و مدت يديها و ضمتهما إلى صدرها مليّاً و إذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن علیه السلام ارفعهما عنها فقد أبكيا واللَّه ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى محبوبه...».
2- شبا: حد37/4/27 عن ديوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص51.

(42) مأساة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ محمد صالح المطر(*)(1)

طغى الوجدُ في جسمي ففاضَ على فمي *** شعوراً فكانَ الشعرُ ينضحُ من دمي

و ذابت أحاسيسي فكانت مدامعاً *** تصب بآماقيِ عصارة عندم(2)

و دقتُ نواقيسُ المصابِ فجاوبتْ *** صداها حنايا صدرِيَ المتحطمِ

و تعتصرُ الأحزانُ بركانَ مهجتي *** فتنثُ جمراً في مرارةِ علقمِ

و عنديَ طاقاتُ الحديدِ تصبّراً *** و لكنْ أذابَتْها مصيبةُ فاطمِ

فتلكَ التي ما بارحَ المجدُ بيتَها *** و في مدحِها الآياتُ مملوءةُ الفمِ(3)

أغارَ عليها حين غابَ عن الشرى *** حِماها العدى من كلِّ علجٍ مزنمِ

ص: 447


1- (*) هو الخطيب الشيخ محمد صالح المطر ابن الشيخ كاظم ابن الشيخ صالح بن عبد الحسين المطر. ولد في مدينة البصرة في السابع عشر من شهر صفر الخير عام (1351 ه_) و في عام (1363 ه_) انتقل مع أسرته من البصرة إلى مدينة الهفوف بالإحساء، ثم اتخذ مدينة الدمام موطناً و مستقراً لإقامته. تلقى دروسه الابتدائية و حصل على الشهادة المتوسطة عام (1386 ه_) و صحب أباه الخطيب الكاظم، ثم صحب الخطيب الشيخ أحمد الطويل مستفيداً من خبرته، ثم استقلّ في خدمته الحسينية عام (1371 ه_) فأصبح خطيباً مفوّهاً، ورقى الأعواد في البحرين و البصرة و المحمرة و الأحساء و قطر و الدمام و غيرها. و هو ينظم الشعر دارجاً و فصيحاً، و ابتدأ مبكراً في محاولاته الشعرية و معظم شعره في ولاء أهل البيت العصمة علیهم السلام.
2- بآماقي: (آماق) البكاء و النشيج.
3- بارح: ترك أو غادَرَ.

و قد هاجمتْ بعدَ النبيَّ عرينَها *** ثعالبُ أدغالِ النفاقِ المخضرمِ

و قد روَّعُوا فيها الوقارَ و مادعُوا *** جنيناً تداعى في نضارةِ بُرعمِ

أرادوا بكسرِ الضلعِ منها خنوعَها *** و إقعادَها عن حقِّها المتحتمِ

فنادتْ و حزنُ الدهر أصداءُ صوتِها *** أبي إنني أشكُو إليك تظلّمِي

وصاياكَ في القربى تغيَّر لونُها *** و بدلَ أحكامُ الكتابِ ابن حنتمِ

و من ترهبُ الآسادُ سطوةَ بأسه *** يقادُ أسيراً كالبعيرِ المزنَّمِ

ص: 448

(43) حوادث بنت الهدى

(بحر المتقارب)

السيد محمد كاظم الكفائي

حَوَادِثُ بِنْتِ الهُدَى تُؤْلِمُ *** فَهَلْ يَسْتَطِيعُ البَيَانَ الفَمُ؟

فَهَلْ يَسْتَطِيعُ وَ فِيهِ الشَّجَا *** وَ كَيْفَ يُصَرِّحُ أَوْ يَكْتُمُ؟

فَإِنْ كَتَمَ الحَقِّ قَالُوا غَوَى *** وَرَاحَ عَنِ الحَقِّ يَسْتَفْهِمُ

وَ إِذْ قَالَ حَقّاً تَعِدُ الطُّغَاةُ *** انْتِقَاماً وَ لِلْحَقِّ لاَتَهْضُمُ

تَرُومُ لِتَكْتُمَ شَمْسَ الضُّحَى *** وَ هَيْهَاتَ شَمْسُ الضُّحَى تُكْتَمُ(1)

تَرُومُ لِتَكْتُمَ شَمْسَ الضُّحَى *** وَ لَمْ يُبْصِرُوهَا كَأَنْ قَدْ عَمُوا

ألَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يَوْمَ السَّقِيفَةِ *** يَوْمٌ حَوَادِثُهُ تُؤْلِمُ؟

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ *** تُصَانُ وَ مَنْ يَعْتَدِي مُجْرِمُ؟(2)

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ *** وَدِيعَةُ طَهَ أَلَمْ يَعْلَمُوا؟

ص: 449


1- تروم: تقصد.
2- في مسند أحمد بن حنبل المجلد (5) ص96 ط/ دار صادر بیروت -الهامش. «...إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها». و تقدم ذكره في هوامش متعددة فراجع.

عَظِيمٌ فِرَاق نَبِيَّ الهُدَى *** وَ تَرْكُ وَصِيِّ الهُدَى أَعْظَمُ

حَوَادِثُ بِنْتِ الهُدَى أَصْبَحَتْ *** سُوَيْدَاءُ قَلْبِي بِهَا تُضْرَمُ(1)

تُسَائِلُ عَنْ حَادِثَاتِ الظُّرُوفِ *** وَ تَبْقَى عَنِ الحَقِّ تَسْتَفْهِمُ

أَيُخْفَى الرَّشَادُ وَ فِعْلُ الطُّغَاةِ *** وَ مَا عَبَرُوا عَنْهُ أَوْ تَرْجَمُوا؟

فَمَنْ ذَا الَّذِي غَصَبَ المُرْتَضَى *** وَ مَنْ ذَا عَلَى حَقِّهِ يُقْدِمُ؟

وَ هَلْ هُوَ أَرْجُوحَةٌ؟ قُلْ لَهُمْ *** إِذَا لَمْ يَعُوا الحَقَّ فَلْيَفْهَمُوا

فَإِنَّ الإِمَامَةَ نَصٍّ مُبينٌ *** مِنَ اللَّهِ هَلْ نَزَلَتْ فِيهِمُ؟

وَ هَلْ نَزَلَتْ آيَةٌ فِي الكِتَابِ *** كَمَا نَزَلَتْ (إِنَّمَا) عَنْهُمُ؟(2)

تَقَدَّمْ وَ سَلْهُمْ لِمَاذَا الوَصِيُّ *** تَأَخَّرَ عَنْهُمْ وَ هُمْ قُدِّمُوا

فَإِنْ كَانَ عِلْماً فَإِنَّ الإِمَامَ *** أَحَقُّ وَ مَنْ عِجْلِهِمْ أَعْلَمُ

وَ إِنْ كَانَ إِسْلَامُهُمْ نَافِعاً *** فَبَعْدَ الوَصِيّ هُمُ أَسْلَمُوا

فَدَعْ ذَا وَ ذاكَ وَ سَلْ مَا جَرَى *** عَلَى بَضْعَةِ المُصْطَفَى مِنْهُمُ؟(3)

كَأَنْ لَمْ يَقُلْ فَاطِمَ بَضْعَتِي *** وَ ذُو الشَّأْنِ فِي وُلْدِهِ يُكْرَمُ

ص: 450


1- سويداء القلب: حبَّة القلب.
2- إشارة إلى قوله «تعالى» «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» الأحزاب،33 و البيت الذي قبله لعله إشارة إلى قوله «تعالى» «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» المائدة،55.
3- في أمالي الصدوق ص99 ط الخامسة/ منشورات الأعلمي للطباعة (والبيت الذي يليه). و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية مني... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقّها و منعت إرثها و كسرت جنبتها و أسقطت جنينها و هي تنادي: يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث...».

فَمُذْ غَابَ عَنْهُمْ أَتَوْا بَيْنَهَا *** بِنَارِ لَظَى حَرْبَهُمْ أَضْرَمُوا(1)

وَ رَضُوا أَضَالِعَ بِنْتِ الهُدَى *** فَقُلْ أَيَّ ضِلْعِ هُمُ حَطَّمُوا؟(2)

فَخَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا بِهَا *** وَ سَالَ لِكَسْرِ الضُّلُوعِ الدَّمُ(3)

فَهَا هِيَ أَعْمَالُهُمْ مُنْكَرَاتٍ *** يَضُجُ بِهَا الشَّارِعُ الأَعْظَمُ

فَكَيْفَ بِهِمْ وَ ابْنَةُ المُصْطَفَى *** تُسَامُ بِظُلْمٍ وَ لَاتُرْحَمُ؟(4)

ص: 451


1- جاء في «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج4 ص259-260/ دار الكتاب العربي - بيروت (1983م). «... فقصدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة علیها السلام و قال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...».
2- في كتاب «سليم بن قيس» ص40 ط/ مؤسسة البعثة -طهران: «و قد كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه و بين زوّجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام.
3- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص574. «...فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب، و ناشدتهم باللّه و بأبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم فهذه أمة تصلي عليّ و قد تبرأ اللّه و رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم منهم و تبرأت منهم...».
4- في «مؤتمر علماء بغداد» ص59 تأليف مقاتل بن عطية ط الرابعة 1402 ه_. «...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت: فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى مَنْ حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها و بقيت آثار هذه العصرة القاسية و الصدمة المريرة تنخر في فاطمة علیها السلام فأصبحت مريضة عليلة حزينة حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام ففاطمة علیها السلام شهيدة بيت النبوَّة فاطمة علیها السلام قتلت بسبب عمر...».

وَ قَادُوا الوَصِيَّ إِمَامَ الهُدَى *** وَ مِنْ خَلْفِهِ فَاطِمْ تَلْطِمُ(1)

وَ تَدْعُو بِصَوْتٍ دَعُوا المُرْتَضَى *** وَ الأسَأکْشِفَ أَوْ أُقْسِمُ(2)

وَ نَادَتْ أَبَاهَا وَ قَالَتْ فَقُمْ *** فَهَا هِيَ فَاطِمَةٌ تُظْلَمُ

فَإِنْ نَدَبَتْ وَالِداً أَقْبَلُوا *** بِضَرْب وَ إِنْ وَلْوَلَتْ تُلْطَمُ

وَ إِنْ تَنْسَ لاَتَنْسَ يَوْمَ الوَفَاةِ *** وَ كَيْف قَضَتْ نَحْبَهَا فِيهِمُ؟(3)

قَضَتْ وَ هْيَ غَاضِبَةٌ مِنْهُمُ *** أَتَعْرِفُ يَا صَاحِبِي مَنْ هُمُ؟

هُمُ أَضْرَمُوا النَّارَ فِي بَيْتِهَا *** عَدَاءً فَيَا وَيْحَ مَنْ أَضْرَمُوا

وَ جَاؤُوا إِلَيْهَا جَمِيعاً وَ قَدْ *** أَرَادُوا رِضَى فَاطِمٍ عَنْهُمُ(4)

ص: 452


1- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص5 ط3/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف -قم. «...ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوب يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: واللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ويلكم ما أسرع ما خنتم اللّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سبم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم باتباعنا و مودّتنا و التمسك بنا... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلّصه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم فأشارت إليه بحزن و نحيب و هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة و إنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم و الكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن... فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.
2- في (تفسير العياشي) ج2 ص67 ط/ المكتبة العلمية بقم/ طهران. «... ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوّجي؟واللّه ، لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقَنّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».
3- جاء في «المناقب» ج3 ص363 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم. (والبيت الذي يليه) «عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها. قال: فدفنها علي علیها السلام ليلاً و لم يعلمهما بذلك».
4- (والبيت الذي يليه) ورد في علل الشرايع ج1 ص221 ط1/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت. «...فلما وقع بصرهما على فاطمة علیها السلام سلّما عليها فلم ترد عليهما و حوّلت وجهها عنهما فتحوّلا و استقبلا وجهها حتى فعلت مراراً و قالت: يا علي علیه السلام جافِ الثوب و قالت لنسوة حولها: حولن وجهي فلما حولن وجهها حوّلا إليها فقال أبوبكر: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك و اجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا و تصفحي عمّا كان منا إليك. قالت لاأكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبداً حتى ألقى أبي و أشكو منكما إليه و أشكو صنيعكما و فعالكما و ما ارتكبتما منّي قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا و لاتؤاخذينا بما كان منا... ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني في حياتي و عند موتي والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى فأشكونكما بما صنعتما ربي بي و ارتكبتها مني فدعا أبوبكر بالويل و الثبور، و قال: ليت أمي لم تلدني، فقال عمر: عجباً للناس كيف ولوك أمورهم و أنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة و تفرح برضاها؟ ثم قاما وخرجا».

وَ شَاؤُوا لِيَسْتَغْفِرُوا ذَنْبَهُمْ *** وَ كَيْفَ تَرَى يُقْبَلُ المُجْرِمُ؟

وَ قَالُوا أَيَا بِنْتَ خَيْرِ الوَرَى *** نَدِمْنَا وَ لَمْ يُجْدِهِمْ مَنْدَمُ

فَصَدَّتْ بِوَجْهِ وَ قَالَتْ كَفَى *** بِرَبِّي عَدْلاً بِمَا يَحْكُمُ

أتُظْلَمُ فَاطِمَةٌ بَيْنَهُمْ *** عَيَاناً وَ بِنْتُ الهُدَى تُهضَمُ؟

وَ يَرْجُونَ مِنْهَا رِضَاءٌ عَسَى *** تَحِنُّ عَلَيْهِمْ وَ هُمْ أَجْرَمُوا

لِمَاذَا تَوَارَتْ بِلَيْلٍ وَ *** لَايُشَاهَدُ تَشْيِيعها مِنْهُمُ؟

لِمَاذَا اخْتَفَتْ فِي ظَلام الدُّجَى *** كَمَا تَخْتَفِي مِثْلَهَا الأَنْجُمُ؟

وَ هَا هِيَ سَيْدَةٌ فِي المَلاَ *** وَ لَمْ تَكُ تَفْضُلُها مَرْيَمُ(1)

فَزَوْجُ الوَصِي وَ أُمُّ الحُسَيْنِ *** بِوَالِدِهَا الأَنْبِيَا تُخْتَمُ

لِمَاذَا تُهَانُ ابْنَةُ المُصْطَفَى *** وَ يَدْفِنُهَا لَيْلُهَا المُظْلِمُ؟

وَ تُدْفَنُ وَ الكَسْرُ فِي ضِلْعِهَا *** وَ يُعْفَى تَرَاهَا وَ لاَيُعْلَمُ(2)

ص: 453


1- في «أمالي الصدوق» ص393-394 ط/ الخامسة منشورات مؤسسة الأعلمي/ بيروت. «... دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين. فقيل: يا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين...».
2- جاء في «المناقب»، ج3 ص363 لابن شهر آشوب ط/ انتشارات علامة/ قم: «وروي أنه (أميرالمؤمنين علیه السلام) سوى قبرها مع الأرض مستوياً و قالوا سوى حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها و روي أنه رش أربعين قبراً حتى لايبين قبرها من غيره فيصلّوا عليها».

لِمَاذَا تُشَاهِدُ مِنْ أُمَّةٍ *** أَذَايَا تَمُرَّ هِيَ العَلْقَمُ؟(1)

وَ يُغْصَبُ مِنْ حَقِّهَا إِرْثُهَا *** وَ مَا بَيْنَ أَعْدَائِهَا يُقْسَمُ(2)

حَوَادِثُهَا سَجَّلَتْهَا الدُّهُورُ *** وَ قَدْ عُرف الظَّالِمُ المُجْرِمُ(3)

ص: 454


1- العلقم: الحنظل أو كلّ شيء مرّ.
2- جاء في «صحيح مسلم» المجلد4 ص31 ح54 ط1/ مؤسسة عز الدين -بيروت. «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك». و في «سنن البيهقي» ج6 ص301 ط/ دار المعرفة/ بيروت. «...إنما أقطع مروان فدكاً في أيام عثمان...».
3- نقلت من كتاب الزهراء علیها السلام ج2 ص6 للکفائی.

(44) يا غرسة الهادي

(مجزوء الكامل)

الأستاذ محمود البستاني

دَمْعٌ أُذِيلَ !! فَيَا كَواكِبُ، سَامِرِيهِ، وَ يَا نُجُومْ...(1)

ذَرِيهِ فِي الأَبْعَادِ، عِبْرَ مَجَاهِلِ النَّجْوَى، يَحُومْ

ذَرِيهِ فِي هُدْبَيكِ... يَطْفِرُ مِنْ حَوَاشِيهِ الوُجُومْ(2)

أَوْ سَمِّريهِ عَلَى المَدَى فَطَرَاتِ... لألاء... عَظِيمْ

تَنْسَلُ، عَنْ قُدْسِيَّةٍ بَيْضَاءَ...، فِي اللَّيْلِ البهِيمْ

حَتَّى كَأَنَّ المَأْتَمَ العُلْوِيَّ، يَغْتَالُ النَّسِيمْ

فِيهَا وَ يَهْوِي كَالفَنَاءِ، عَلَى مُحَيَّاهَا الوَسِيمْ

لاهَمْسُ ضَوْءٍ... لاَشَدِّى يَهْفُو... وَ لاَشَجَرٌ بَهِيمْ

عَجَنَتْهُ مَأْسَاةُ الحَيَاةِ... وَ أَطْبَقَتْ فِيهَا الغُيُومْ

وَ النَّكْبَةُ السَّوْدَاءُ، تَذْرُوها بَقَايَا مِنْ هَشِيمْ(3)

***

يَا غَرْسَةَ الهَادِي، تَمُورُ، تَمُورُ، بِالعَبقِ الكَرِيمْ(4)

ص: 455


1- أَذِيل: سُفِحَ. سامريه: حدثيه ليلاً.
2- الوجوم: أحجار مركومة بعضها فوق بعض على رؤوس القُور و الآكام أو هي يُهتدى بها في الصحاري.
3- تدَروها: تعلوها.
4- تمور: تموج و تضطرب.

أَوَ لَسْتِ مِنْ عَبْقِ السَّمَاءِ، وَ مِنْ تَفَتَّحِهَا العَظِيمْ

حَسْبُ الرِّسالَةِ، أَنَّ طُهْرَكِ... بَعْضُ مَجْرَاهَا السَّلِيمْ؟(1)

ص: 456


1- إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الأحزاب آية33: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فقد روي في كتاب ذخائر العقبى ص24: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت في خمسة في رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. أخرجه أحمد في المناقب و أخرجه الطبراني. و في كتاب، الكلمة الغراء في تفضيل فاطمة الزهراء علیها السلام للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ص22 قال: في قوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 33 «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»: «لاريب في أن أهل البيت علیهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم في هذه الآية إنما هم الخمسة أصحاب الكساء» وكفاك على هذا برهاناً على أنهم أفضل من أقلته الأرض يومئذ و من أظلَّته السماء ألا و هم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و صنوه الجاري بنص الذكر مجرى نفسه. و بضعته التي يغضب الله لغضبها و يرضى لرضاها... و ريحانتاه من الدنيا سبطاه الشهيدان سيدا شباب أهل الجنة». فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية البينة بحكم الأدلة القاطعة و الحجج الساطعة لم يشاركهم فيها أحد من بني آدم و لازاحمهم تحت كسائها واحد من هذا العالم... و قد أورد الإمام جلال الدين السيوطي -في المقصد الأول من الشرف المؤبد- في تفسير هذه الآية من كتابه الدر المنثور عشرين رواية من طرق مختلفة في أن المراد من أهل البیت علیهم السلام هنا إنما هم الخمسة لاغیره... و ذكر ابن جرير في تفسيره خمس عشرة رواية بأسانيد مختلفة في قصر الآية عليهم بالخصوص... و حسبك في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أنزلت هذه الآية في خمسة في و في علي و الحسن و الحسين و فاطمة علیهم السلام». و قد أجمعت كلمة أهل القبلة من أهل المذاهب الإسلامية كلها على أنه صلى الله عليه و آله و سلم لما نزل الوحي بها عليه ضم سبطيه و أباهما و أمهما إليه ثم غشاهم و نفسه بذلك الكساء تمييزاً لهم عن سائر الأبناء و الأنفس و النساء فلما انفردوا تحته عن كافة أسرته و احتجبوا به عن بقية أمته بلّغهم الآية و هم على تلك الحال حرصاً على أن لايطمع بمشاركتهم فيها أحد من الصحابة والآل... فقال مخاطباً لهم و هم معه في معزل عن كافة الناس «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فأزاح صلى الله عليه و آله و سلم بحجبهم في كسائه حجب الريب و هتك سدف الشبهات فبرح الخفاء بحكمته البالغة و سطعت أشعة الظهور ببلاغة المبين -والحمدللّه رب العالمين.

وَ سَنَا الإِمَامَةِ مِنْ نِثَارِكِ يَسْتَطِيلُ وَ يَسْتَدِيمْ

لِيَظُلَّ... يَنْسِجُ فِي الحَيَاةِ... ضَفَائِرَ الدِّينِ القَوِيمْ

وَ يَظَلَّ يَرْفِدُ، وَاحَةَ الأَجْيَالِ،... بِالخَيْرِ العَمِيمْ

كَالنَّبْع... لَمْ يَسْكُتْ عَنِ الجَرَيَانِ، لِلرَّمْلِ العَقِيمْ

لِيمُدَّه... بالمُعْطَيَاتِ. وَ بِالخُصُوبَةِ. و النَّعِيمْ

كَالشَّمْسِ... لَمْ تَسْكُتُ، عَنْ المَدِّ الشُّعَاعِي الرَّحِيمْ

تَتَمَسَّحُ الدُّنْيَا... بِهَا، بِيداً. أَفَاوِيقاً. تُخُومْ(1)

قَسَماً... وَ دِينُ اللَّهِ، عِنْدَ المُعْطَيَاتِ... فَمٌ بَسِيمْ

نَسْتَلُّ مِنْهُ الضّحْكَةَ السَّمْحَاءَ... تَهزَأَ بِالهُمُومْ

سَنَظَلُّ نَفْتَحُ مِنْ مَسَاكِبِهِ،... حَيَاةً تَسْتَقِيمْ

وَ عَلَى دُرُوبِ هَدِيرِهَا العُلْوِيِّ... لألاَء عَظِيمْ(2)

***

ص: 457


1- بيداً: فلوات. أفاويق: جمع آفاق. تخوم حدود.
2- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص398.

(45) بضعة خير المرسلين صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي(*)(1)

صَحِبْتُكِ لاأَنِّي بِوِدِّكِ مُغْرَمُ *** دَعِينِي فَغَيْرِي فِي هَوَاكِ مُتَيَّمُ(2)

أَرَى الرَّأْيَ يا دُنْيا مَيْلِي إِلَى الصَّبَا *** تَدُومُ عَلَى الدَّارِ الَّتِي سَوْفَ يُقْدِمُ

عَلِمْتُكِ عِلْماً مُسْتَفَاداً فَدَلَّنِي *** عَلَى بُؤْسِكِ الْعِلْمُ الَّذِي كُنْتُ أَعْلَمُ

خَشِيتُ دَوَاهِيكِ الَّتِي تَدْهَمُ الفَتَى *** فَقَدَّمْتُ حَزْماً وَ الْحَزَامَةُ أَسْلَمُ(3)

تَقَانَعْتُ بِالمَيْسُورٍ فِيكِ مَخَافَةً *** عَلَى عَرْض ذَنْبي وَ الْقَنَاعَةُ أَحْزَمُ

أنفتُ لِنَفْسِي وَ هيَ سُؤْلِي لأَنَّهَا *** تَزُولُ إِلَى سُخْطِ الإِلَهِ وَ تَأْثَمُ

تَعَاهَدْتُها بِالصَّبْرِ حَتَّى ارْتَضَتْ بِهِ *** وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِندِي مِنَ المَالِ دِرْهَمُ

وَ مَا كَالرِّضَا بِالزُّهْدِ لِلرُّوحِ رَاحَةٌ *** وَ لَاكَعَفَافِ لِلسَّلاَمَةِ أَسْلَمُ

وَ مَا كُلُّ ما فِي الأَرْضِ يَكْفِي لِطَالِبٍ *** وَ لَوْ خَوَّلَتْهُ الْمَالَ مِصْرٌ وَ دَيْلَمُ(4)

وَ يَكْفِيهِ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ إِذَا اغْتَدَى *** بِهِ قَائِعاً وَ الرِّزْقُ لِلْمَرْءِ يُقْسَمُ

ص: 458


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- مُتَيَّم: تَيَّمَهُ الحبُّ: عَبَّدَهُ وَ ذَلَّلَهُ. التَّيْم: المُسْتَعْبَد. يُقال «هو تيمُ اللَّهِ» أَيْ عبدالله.
3- الحزم و الحزامة: حَزُمَ يحرُم حَزْماً و حَزامَةً: كان يضبط أمرَه و يُحكمه و يأخذ فيه بالثقة فهو حازَم جمع حَزَمة و حُرَّم و أحزام و حزيم جمع حُزَماء.
4- مصر: هو البلد العربي المعروف. و ديلم قوم من العجم كانوا في الأصل صنفاً من الأكراد. و دَيْلَم: القسم الجبلي من بلاد جيلان شمال بلاد قزوين الايرانية اعتنق بعض سكانه الاسلام 913 و خدموا في جيش الخلفاء و جيلان وقزوين كلها واقعة ضمن الجمهورية الاسلامية الايرانية.

وَ حَاجَةُ نَفْسِ المَرْءِ وَقْتٌ وَرَاءَهُ *** مَصَائِبُ دُنْياهُ وَ مَوْتُ مُحَتَّمُ

وَ هُنَّ المَنَايَا مَنْ أَصَبْنَ فَسَابِقٌ *** إِلَى المَوْتَ وَ النَّاجِي مِنَ الْمَوْتِ يَهْرَمُ(1)

وَ مَا عَرَفَ الأَيَّامَ إِلاعِصَابَةٌ *** إِلَى الْمَجْدِ يُنْمِيهَا النَّبِيُّ المُكَرَّمُ(2)

هُمُ طَلَّقُوهَا فَابْتُلُوا بِمَصَائِبٍ *** غَدًا الدِّينُ مِنْهَا خَاشِعَاً يَتَظَلَّمُ

وَ مَا أَسَّسَ العُدْوَانَ الأَمَعَاشِرٌ *** لِبَضْعَةِ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ تَهَضَّمُوا

غَداةَ أَنَتْ فِي عُصْبَةٍ مِنْ نِسَائِهَا *** تُخَاصِمُ و الأبغى عَنِ الْحَقِّ تَخْصِمُ(3)

لَهَا لَهْفِي مَظْلُومَةٌ أَمْ لِبَعْلِهَا *** وَ مَا دَفَنُوا الْهَادِي عَلَيْهِ تَقَدَّمُوا

ص: 459


1- هَرِم: ضَعُفَ و بَلَغَ أَقصى الكِبَر، فهو هَرِمٌ و هي هَرِمة.
2- يُنْمِيها: نَمَى فلانُ الحديثَ إلى فُلانٍ: رفعه اليه و عَزاهُ و نَمَى الرجل إلى أبيه: نسبَهُ إليه، و نمى المالُ و غيره المال و غيرُهُ: زاد و كثر.
3- جاء في الاحتجاج للطبرسي، ج 1 ص131. انه لما اجتمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و اقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیها السلام.

(46) ميراث النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ مفلح الصيمري(*)(1)

أَعَدْلُكَ يَا هُذَا الزَّمَانُ مُحَرَّمُ *** أَمِ الجَوْرُ مَفْرُوضٌ عَلَيْكَ مُحَتَّمُ؟

أَمْ أَنْتَ لَئِيمٌ وَ الجُدُودُ لَئِيمَةٌ *** فَلَمْ تَرْعَ إِلا لِلَّذِي هُوَ أَلاَمُ

فَشَأْنُكَ تَعْظِيمُ الأَرَاذِلِ دَائِماً *** وَ عِرْنِينَ أَرْبَابِ الفَصَاحَةِ تَرْغِمُ

إِذَا زَادَ فَضْلُ المَرْءِ زَادَ امْتِحَانُهُ *** وَ تَرْعَى لِمَنْ لاَفَضْلَ فِيهِ وَ تَرْحَمُ

إِذَا اجْتَمَعَ المَعْرُوفَ وَ الدِّينُ وَ التُّقَى *** لِشَخْصٍ رَمَاهُ الدَّهْرُ وَ هْوُ مُصَمِّمُ

وَ كَمْ جَامِعَ أَسْبَابَ كُلِّ رَذِيلَةٍ *** وَ لَيْسَ لِمَا قَدْ قَالَ أَوْ قِيلَ يَفْهَمُ

فَأَضْحَى وَ قَدْ أَلْقَى الزَّمَانُ جَرَاءَةً *** لَدَيْهِ فَيَقْضِي مَا يَشَاءُ وَ یَحْكُمُ

وَ ذَاكَ لأَنَّ الدِّينَ وَ العِلْمَ وَ النَّدَى *** لَهُ مَعْدِنٌ أَهْلُوهُ يُؤخَذُ عَنْهُمُ

فَمَعْدِنُهُ آلُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَ خَيْرُهُمْ صِنْوَ النَّبِيِّ المُعَظَّمُ

فَأَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ بِزِينَةٍ *** وَ أَلْقَتْ إِلَيْهِ نَفْسَهَا وَ هِيَ تَبْسِمُ

فَأَعْرَضَ عَنْهَا كَارِها لِنَعِيمِهَا *** وَ قَابَلَهَا مِنْهُ الطَّلاقُ المُحَرَّمُ

فَمَالَتْ إِلَى أَهْلِ الرَّذَائِلِ وَ الخَنَا *** وَ أَوْمَتْ إِلَيْهِمْ أَيُّهَا القَوْمُ أَقْدِمُوا(2)

فَجَاؤُوا إِلَيْهَا يَهْرَعُونَ فَأَقْبَلَتْ *** عَلَيْهِمْ وَ قَالَتْ فَاسْمَعُوا ثُمَّ افْهَمُوا

صِدَاقِي عَلَيْكُمْ ظُلْمُ آلِ مُحَمَّدٍ *** وَ شِيعَتِهِمْ أَهْل الفَضَائِلِ مِنْهُمُ

ص: 460


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الخَنا: الذّل. أومت: أشارت.

فَقَالُوا رَضِينَا بِالصَّدَاقِ وَ أَسْرَجُوا *** عَلَى حَرْبِهِمْ خَيْلَ الضَّلاَلِ وَ أَلْجَمُوا

وَ شَنُوا بِهَا الغَارَاتِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *** وَ خَصُّوا بِهَا آلَ النَّبِيِّ وَ صَمَّمُوا

أزالُوهُمُ بِالقَهْرِ عَنْ إِرْثِ جَدِّهِمْ *** عِناداً وَ مَا شَاؤُوا أَحَلُّوا وَ حَرَّمُوا

وَ قَادُوا عَلِيّاً فِي حَمَائِلٍ سَيْفِهِ *** وَ عَمَّارَ دَقُوا ضِلْعَهُ وَ تَهَجَّمُوا

عَلَى بَيْتِ بِنْتِ المُصْطَفَى وَ إِمَامُهُمْ *** يُنَادِي أَلا فِي بَيْتِهَا النَّارَ أَضْرِمُوا(1)في مجمع الأمثال للنيسانوي، ج1 ص402.

يضرب في الحث على الطلب و المساواة في الملطوب.(2)

ص: 461


1- إشارة إلى هجوم عمر و جماعته على بيت فاطمة علیها السلام و أمره بإحراق البيت، فقد روي في کتاب نوائب الدهور ص194: فقال المفضل للصادق علیه السلام: يابن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم، فقال له الصادق علیه السلام ولاكيوم محنتنا بكربلاء و إن کان یوم السقيفة و إحراق النار على باب أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و قتل محسن بالرفسة أعظم و أدهى و أمرّ، لأنه أصل يوم العذاب. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و قد مرت تفاصيل عديدة عن ذلك في قصائد مختلفة. و في البحار ج28 ص411. قال السيد المرتضى أوحد أهل زمانه علماً و عملاً انتهت إليه الرئاسة في المجد و الشرف و العلم و الأدب و الفضل و الكرم في الشافي... عن ابن عباس قال: بعث أبوبكر عمر بن الخطاب إلى علي علیه السلام حين قعد عن بيعته و قال: ائتني به بأعنف العنف... فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال له علي علیه السلام: احلب حلباً لك شطره
2- واللّه ما: حرصك على إمارته اليوم إلاّ ليؤمرك غداً و ما تنفس على أبي بكر هذا الأمر لكنا أنكرنا ترككم مشاورتنا و قلنا: إن لنا حقاً لاتجهلونه. و هذا الخبر يتضمن ما جرت عليه الحال و ما يقوله الشيعة بعينه و قد أنطق به الله رواتهم و قد روى البلاذري: إن أبابكر أرسل إلى علي يريد بيعته فلم يبايع فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب فقالت فاطمة علیها السلام... يا بن الخطاب! أتراك محرقاً علي بابي؟ قال: نعم و ذلك أقوى مما جاء به أبوك و جاء علي علیه السلام فبايع. و هذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة و إنما الطريف أن يرويه شيوخ محدثي العامة لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالعلامة و ربما تنبهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم فكفّوا عنه و أي اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع؟ و في موضع آخر قال علم الهدى... فأما قوله -أي قاضي القضاة- حديث الإحراق ما صحّ و لو صح لم يكن طعناً لأن له أن يهدد من امتنع من المبايعة إرادة للخلاف على المسلمين قد رواه غير الشيعة -فمن لايهم على القوم- و إن رفع الروايات بغير حجة أكثر من نفس المذاهب المختلف فيها لايجدي شيئاً -والذي اعتذر به من حديث الإحراق إذا صح طريف و أي عذر لمن أراد أن يحرق على أميرالمؤمنين و فاطمة علیهما السلام منزلهما؟ و هل يكون في مثل ذلك علة تصغى إليه أو تسمع؟ و إنما يكون مخالفاً للمسلمين و فارقاً لإجماعهم إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت و إنما يصح لهم الإجماع متى كان أميرالمؤمنين علیه السلام و من قعد عن البيعة ممن انحاز إلى بيت فاطمة علیها السلام داخلاً فيه و غير خارج عنه- و أي إجماع يصح مع خلاف أميرالمؤمنين علیه السلام وحده فضلاً عن أن يبايعه على ذلك غيره و هذه زلة من صاحب الكتاب [أي قاضي القضاة عبدالجبار بن أحمد صاحب كتاب «المغني»]. و ممّن حكى احتجاجه... و بعد فلافرق بين أن يهدد بالإحراق للعلة التي ذكرها و بين ضرب فاطمة علیها السلام لمثل هذه العلة. فإن إحراق المنازل أعظم من ضربة بالسوط و ما يحسن الكبير بمن أراد الخلاف على المسلمين أولى بأن يحسن الصغير فلاوجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة بالسوط و تكذيب ناقلها و عنده مثل هذا الاعتذار.

وَ تُعْصَبُ ميراثَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَ تُوجَعُ ضَرْباً بِالسَّبَاطِ وَ تُلْطَمُ(1)(2)

ص: 462


1- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح النهج للمعتزلي ج16 ص274: فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدك و كتبت بها لها؟ قال: نعم، قال: إن علياً علیه السلام يجر إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و خرّقه.
2- المنتخب الطريحي ص132 و كانت القصيدة طويلة في حوالي(82) بيتاً أخذنا منها ما كان للزهراء علیها السلام.

(47) باب النبوة صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي(*)(1)

كَمْ بِتُّ فِي ذِكْرِ الحَبِيبِ مُتَيَّما *** وَحَشَايَ مِنْ شَوْقِ الوِصَالِ تَضَرَّما(2)

ص: 463


1- (*) هو الشيخ هادي ابن الشيخ صالح بن مهدي بن دويش من بيت (عجام) الذي ينتسب إلى قبيلة (خفاجة). ولد في كربلاء المقدسة سنة (1908م) و نشأ و ترعرع في ظل نشأة أبوية صالحة كريمة، و لما استوى صبياً بعثه أبوه إلى (الكتّاب) ليتعلَّم قراءة القرآن الكريم و مبادىء الكتابة و لما أتمَّ ذلك اختلف على حلقات التدريس، فنشأ نشأة صالحة و درس الفقه و الأصول و العربية على والده الشيخ صالح. و ارتاد المدارس الدينية ليرتشف من نميرها و يستقي من سلسالها العلوم المختلفة فقصد مدرسة الصدر الأعظم و مدرسة الزينبية فدرس على آية الله الشيخ محمد الخطيب و أيضاً عند الشيخ محمد العماري مختلف العلوم الدينية و التربوية. و اتجه نحو الخطابة متتلمذاً على خطيب كربلاء الشيخ محسن أبي الحب مدرجاً اسمه في ديوان الخدمة الحسينية حتى أصبح من أساطين المنبر وأعمدة الخطابة الحسينية. و المترجَم له متفنن و مؤثر لأنه مجيد لهجات الوافدين على مجالسه الذين ينتمون إلى أقطار عربية شتى كالعراق و الخليج و غيرهما و كان يجتذب أسماع جمهور عريض من المجتمعين، و توغل باستعمال المفردة الشعبية العامية و يبغي من ذلك إيصال أفكاره إلى أذهان السامعين مع تمکُّنه من اللغة الفصحى و إحاطته بها إحاطة تامة. قد كان المترجَم له ممن يجيد قرض الشعر، فنظمه مقبول رقيق يملأ قلوب السامعين إيماناً ببيانه الجزل و خطابه الفصل. أخيراً اخترمته يد المنون العاتية و استحوذ عليه سلطان الموت ليلة الأحد1/4/ 1992 م/ 28 جمادى الآخرة/ لسنة (1412ه_) و جرى له تشييعَّ مهيب حضره العلماء و الأدباء و الشعراء و الخطباء و جماهيرُ غفيرة من أهالي المدينة فشيَّع من داره إلى الروضتين المقدستين الحسين و العباس علیهما السلام و بعد ذلك انطلق موكب التشييع إلى مثواه الأخير في وادي كربلاء.
2- متيماً: مستعبداً مذلّلاً.

قَدْ غَابَ مِمَّا حَلَّ بِي مِنّي الكَرَى *** شَهِدَتْ بِمَا قَدْ قُلْتُهُ شُهُبُ السَّمَا(1)

أَرَأَيْتَ يَألَفُ لِلْكَرَى مَنْ قَدْ غَدَا *** قَسَماً لِهَاتِيكَ الخُطُوبِ مُقَسَّما

قَدْ شَتَّتَ الدَّهْرُ المُبَدِّدُ شَمْلَنَا *** مِنْ بَعْدِ مَا كُنَّا جَمِيعاً فِي حِمَى

كَيْفَ الأَمَانُ مِنَ الزَّمَانِ وَ غَدْرُهُ *** بَادٍ لَدَى كُلِّ الوَرَى لَنْ يُكْتَما؟

مِنْ بَعْدِ مَا غَدَرَ الزَّمَان بِعِتْرَةِ *** المُخْتَارِ تَرْجُو فِي الدُّنَى أَنْ تَسْلَمَا

كُمْ جَرَّعُوا المُخْتَارَ مِنْ أَشْجَانِهِ *** عُصَصاً وَ هَيَّجَتِ البَتُولَةَ فَاطِما

كُمْ كَابَدَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ مِنَ العِدَى *** مِحَناً وَ ذُلاً ثُمَّ ضَرْباً مُؤلِما(2)

وَ المُصْطَفَى مَا كَانَ يَدْخُلُ دَارَهَا *** مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْذِناً وَ مُسَلِّما(3)

هَجَمَ العَدُوُّ عَلَيْهِ يَطْلُبُ وِتْرَهُ *** وَ بِبَابِهِ نَارَ الصَّغَائِنِ أَضْرَما(4)

ص: 464


1- الكرى: النعاس، السهر في طاعة اللّه.
2- هذين البيتين إشارة إلى ما لاقت الزهراء علیها السلام من المحن و المصائب و الضرب و الأذى بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. انظر ما ورد في تاريخ الطبري، ج3 ص202 و كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143.
3- إشارة إلى ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما كان يدخل بيت فاطمة علیا السلام إلا بعد الاستئذان. ففي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص42 قال: عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «ألا تنطلق بنا نعود فاطمة علیها السلام فإنها تشتكي؟ قلت: بلى قال: «فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلم و استأذن فقال: أدخل أنا و من معي؟ قالت: نعم و من معك يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم؟ فواللّه ما علي إلّا عباءة فقال لها: «اصنعي بها كذا و اصنعي بها كذا فعلمها كيف تستتر فقالت: واللّه ما على رأسي من خمار، قال: فأخذ ملاءة كانت عليه. فقال: «اختمري بها»، ثم أذنت لهما فدخلا، فقال: «كيف تجدينك يا بنية؟» قالت: إني لوجعة و إنه ليزيدني أنه ما لي طعام آكله، قال: «يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟» قالت: يا أبت فأين مریم ابنة عمران علیها السلام؟ قال: «تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء عالمك أما واللّه زوجتك سيداً في الدنيا و الآخرة». و ذكره المحب الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص43. و رواه الطحاوي في كتابه مشكل الآثار ج1 ص50.
4- وتره: انتقامه و ثأره الضغائن: الأحقاد.

مِنْ حَرْقِهِمْ بَابَ النُّبُوَّةِ أَحْرَقُوا *** يَوْمَ الظُّفُوفِ مِنَ الحُسَيْنِ مُخَيَّما

لَوْ لَمْ يُرَضُ مِنَ البَتُولَةِ ضِلْعُهَا *** مَا رَضَّضُوا لِسَلِيلِ طَعَ أَعْظُمَا(1)

لَوْ لَمْ يُقَدْ عَلِيُّ الكَرَّارُ مَا *** زَيْنُ العِبَادِ مُكَبَّلاً قَدْ أَهْضِمَا(2)

مَهمَا رَأَتْ آلُ النَّبِيِّ بِكَرْبَلاَ *** مِنْ جَوْرِ أَعْدَاهَا وَ مِنْ حَرِّ الظَّما

مَا ذَاكَ إِلا سَالِفٌ مُتَقَدِّمٌ *** يَوْمَ السَّقِيفَةِ أَمْرُهُ قَدْ أَبْرِمَا

يَا بْنَ الغَطَارِفَةِ الأُلَى مِنْ هَاشِمٍ *** مَنْ فِي وُجُودِهِمُ انْجَلَى لَيْلُ العَمَى(3)

انْهَضْ لِثَارِكَ أَيُّهَا المُرَجَى لَهُ *** فَعِدَاكُمُ كَمْ مِنْكُمُ هَدَرَتْ دِما؟

تَرَكَتْ حُسَيْناً بِالظُّفُوفِ مُجَدَّلاً *** جُنْمَانُهُ بِشَبَا السُّيُوفِ مُخَلذَّمَا

ص: 465


1- و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى هجوم القوم على دار الزهراء علیها السلام و حرقهم دارها و كسرهم أضلاعها. انظر ما ورد في كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202 و كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143.
2- أَهْضِما: ظلم وَ غُصِبَ.
3- الغطارفة: مفرده الغظريف و هو الشاب الظريف، السخيَ، السّري، السّيد، الحسن.

(48) بيت الوحي

(مجزوء الكامل)

الحاج هاشم الكعبي(*)(1)

لوَّامَةٌ حِلْفُ المَلاَمَهْ *** أَهْدَتْ إِلَى قَلْبِي سَقَامَهْ

لَوَّامَةٌ نَوَّامَةٌ *** أَيْنَ المَنَامُ مِنَ المَلاَمَهْ؟

خَلُّوا الحَشَاعَنْ طَارِقٍ *** لِلْجَفْنِ مَانِعُهُ مَنَامَهْ

مُتَمَدِّدُ اللَّيْلُ الطَّوِيل *** كَرَى وَ لَيْلِي لَنْ أَنَامَهْ

فَبَدا يَلُومُ وَ لَوْ دَرَى *** مَا فِي الحَشَا مَا كَانَ لَامَهْ

بِاللَّوْمِ رَامَ سُلُوَّ قَلْبٍ *** لاَتُسَلِّيهِ المُدَامَهْ(2)

وَ جُمُودَ جَفْنِ لَيْسَ تَرْقِي *** الغَانِيَاتُ لَهُ انْسِجَامَهْ

لارِيقُهَا المَعْسُولُ يَشْفِيهِ *** وَ لَا فَرْعُ البَشَامَهْ(3)

هَيْهَاتَ ذلِكَ ضَعْفُ رَأْي *** كَيْفَ صَفْوُ العَقْلِ رَامَهْ

سَامَ العَزَا صَبَّاً مُحَالٌ *** عِنْدَهُ مَا كَانَ سَامَهْ

لَمْ يَكْفِهِ الدَّمْعُ المُكَفِّكَفْ *** وَ الجَوَى المُبْدِي اضْطِرَامَهْ(4)

أَفَمَا بذَاكَ عَلامَةٌ *** لَوْ ذُوْ حِجَى يَرْعَى العَلامَهْ

خَلِّ الجَوَى لِمُتَيَّمٍ *** خَلَّى السُّرورَ لِمُسْتَدَامَهْ

ص: 466


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- المُدامَه: الخمر.
3- البشامه: شجر طيب الرائحة. فرع: هنا بمعنى شجر أو غصن.
4- اضطرامه: الاضطرام: الاتّقاد و الاشتعال.

لاَيَسْتَطِيعُ سِوَى الشَّجُونَ *** فَكَيْفَ وَ هْيَ غَدَتْ قِوَامَهْ

غَدَتِ الكَآبَةُ نَفْسَهُ *** حَتَّى أَقَامَتْهُ مَقَامَهْ

تُلْقِي مَدَامِعُهُ رَوَاهُ *** وَ حَرْمُ مُهْجَتِهِ طَعَامَهْ

أوَلَمْ يَرْعُكَ الأَكْرَمُونَ *** وَ مَا قَضَتْ لَهُمُ الكَرَامَةْ؟

وَقِيَامَةٌ بالطَّفِّ قَامَتْ *** دُونَ أَدْنَاهَا القِيَامَهْ

زِلْزَالَةٌ أَهْدَتْ قَوَارِعَهَا *** إِلَى الكَوْنِ اصْطِلاَمَهْ(1)

إلى أن يقول:

مِنْ مَعْشَرٍ ضَرَبَ الجَلاَل *** بِهِمْ عَلَى العَلْيَا خِيَامَةْ

أَدْنَى مَنَازِلَهَا السِّمَاك *** وَ مَنْ أَظَلَّتْهَا الغَمَامَهْ

وَمَوْطِى الأَقْدَامِ مِنْهَا *** النَّسْرُ كَاهِلَهُ وَهَامَهْ(2)

مِنْ أَحْمَدَ المُخْتَارِ مَنْصِبُهُ *** وَ حَيْدَرَةَ الشَّهَامَهْ(3)

بِجَبِينِهِ نُورُ النُّبُوَّةِ *** بَيْنَ عَيْنَيْهِ الإِمَامَهْ(4)

يَا لِلرِّجَالِ لِحَادِثَاتٍ *** قَدْ طَبَّقَ الدُّنْيَا رُكَامَهْ

أَرَأَيْتَ مَبْعُوثاً لِقَوْمٍ *** هَكَذَا جَعَلُوا خِتَامَهْ؟

قَطَعُوا عِنَاداً رَحْمَهُ *** الأَدْنَى وَ مَا خَافُوا أَثَامَهْ

أَهْلُ الشَّقَاءِ لَهُمْ مَقَامٌ *** مَالَنَا تِلْكَ المَقَامَهْ

سَادُوا لَنَا بِالسَّبْقِ وَالمَأْمُيومِ *** لاَ يَعْدُو إِمَامَةْ

ص: 467


1- اصطلامه: اصطلمه: استأصله.
2- كاهله وهامه: الكاهل: أعلى الظهر. الهامة: رأس كل شيء.
3- الشهامة: المروءة.
4- في كتاب/ انتهاء الأفهام/ للعلامة المولوي، ص242: عن علي علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «يا علي علیه السلام خلقني اللّه وخلقك من نوره فلما خلق آدم علیه السلام أودع النور في صلبه فلم نزل أنا وأنت شيئاً واحداً ثم افترقنا في صلب عبد المطلب ففيَّ النبوَّة والرسالة وفيك الوصيَّة والإمامة».

أهْلُ العَدَالَةِ والوَثَاقَةِ *** وَالجَلاَلَةِ وَالسَّآمَهْ

مَا إِنْ عَلَيْهم لاَوَلَوْ *** كَفَرُوا بِخَالِقِهِمْ لَوَامَهْ

والصَّمْتُ عَنْ أَفْعَالِهِمْ *** حَتْمٌ قَضَى الدَّيْنُ الْتِزَامَهْ

سَبُّوا النَّبِي غَصَبُوا الوَصِي *** ضَرَبُوا البَتُولَ بِلاَ مَلاَمَهْ

حَرَقُوا المَصَاحِفَ غَيِّرُوا *** مِنْ بَيْتِ رَبِّهِمُ مَقَامَهْ

آوَوْا طَرِيدَ نَبِيِّهِمْ *** طَرَدُوا الَّذِي آوَى فَهَامَهْ(1)

حُرُمَاتِهِ هَتَكُوا أَحَلُّوا *** بِالخْتِيَارِهِمُ حَرَامَهْ

وَتَخَلَّفُوا عَمْداً مَعَ اللعنِ *** المُؤَكِّدِ عَنْ أُسَامَهْ(2)

و منها:

فَلَيَعْلَمَنَّ مَعَاشِرٌ *** أَنْ تَأْتِ فَاطِمَةُ القِيَامَهْ

وَلَيَنْدَمَنّ هُنَاكَ قَوْمٌ *** حَيْثُ لاَ تُغْنِي النِّدَامَهْ

ص: 468


1- و المقصود هو مروان بن الحكم الذي أواه عثمان بعد أن طرده رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم. فی العتب الجميل، للحضر موتي، ص 101. أخرج ابن عساكر مرفوعاً فيه. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ويل لأمتي من هذا وولد هذا». قاله لما جاؤوا به مولوداً ليحنِّكه فلم يفعل... و عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لايولد لأحد مولود إلّا أُتِيَ به النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال صلی اللّه علیه و آله و سلم «هو الوزغ بن الوزع الملعون ابن الملعون».
2- في صحيح البخاري، ج5 ص84. عن ابن عمر قال: أمَّر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أسامة على قوم فطعنوا في إمارته. فقال صلی اللّه علیه و آله وسلم: أن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله وايم اللّه لقد كان خليقاً للإمارة وإن كان من أحبّ الناس إليَّ بعده وإن هذا لمن أحبّ الناس إليَّ بعده». و علق التيجاني السماوي قائلاً فی كتابه فاسألوا أهل الذكر، ص145 و هذه القصة ذكرها المؤرخون بشيء من التفصيل و كيف أنهم أغضبوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صلم حتى لعن المتخلفين عن بعث أسامة و هو القائد الصغير الذي لم يبلغ عمره سبعة عشر عاماً و قد أمره النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم على جيش فيه أبوبكر و عمر و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و كل وجوه قريش و لم يعين في ذلك الجيش علي بن أبي طالب علیه السلام و لاأحداً من الصحابة الذين كانوا يتشيعون له.

وَ لْيُسْأَلُنَّ عَنِ الوَصِيِّ *** وَحِكْمَةٍ قَضَتِ اهْتِضَامَهْ(1)

وَلأَيِّ أَمْرٍ طِفْلُهَا *** فِي بَطْنِهَا رَضُّوْا عِظَامَهْ؟

وَ بِأَيِّ حَدِّ زَنْدُهَا *** بِالسَّوْطِ قَدْ جَعَلُوا وَ شَامَهْ؟

وَ لَهِيبُ بَيْتِ الوَحْيِ *** بِالنِّيرَانِ لِمْ وَ صَلُوا ضِرَامَهْ؟

وَيْل أُمِّ هَاشِمِ مَالِفَاطِمَ *** قَدْرُ سَعْدٍ وَ احْتِرَامَهْ

وَيْلٌ قَضَى أَبَدَ الزَّمَانِ *** عَلَى بَنِي الدُّنْيَا دَوَامَهْ

وَيْلُ قَرَعْتُ السِّنَّ مِنْهُ *** نَدَامَةً لاَبَلْ غَرَامَهْ

لَتَرى نُفَيْلَةُ بَلْ أُمَيَّةُ *** بَلْ سُمَيَّةُ بَلْ حَمَامَهْ

أَضْعَافَ مَا كَسَبَتْهُ *** سَاعَةَ يَجْمَعُ البَارِي أَنَامَهْ(2)

ص: 469


1- الاهتضام: الظلم والاعتداء.
2- ديوان الحاج هاشم الكعبي ص59 و القصيدة طويلة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(49) يا بنت أحمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم أنعمي

(بحر الكامل)

لأحد الشعراء

يَا بِنْتَ أَحْمَدَ أَنْعِمِي *** بِالعَطْفِ نَحْوَ المُنْتَمِي

يَا بِضْعَةَ المُخْتَارِ يَا *** زَهْرَا عَلَيَّ تَكَرَّمِي

يَا دَوْحَةً أَفْنَانُهَا *** طَالَتْ بِظِلِّ أَدْوَمِ(1)

یَا شَمْسَ فَضْلٍ نُورُهَا *** نُورُ النَّبِيَّ الهَاشِمِی

إِنَّ البُدُورَ النَيِّرا *** تِ إِلَى سَمَائِكِ تَنْتَمِی(2)

حَسَناً حُسَيْناً زَيْنَباً *** وَ بَنيهُمُ كَالأَنْجُمِ

جَاءَتْ بِوَاجِبِ حُبِّهِمْ *** آیُ الکِتَابِ المُحْکَمِ(3)

ص: 470


1- الدوحة الشجرة العظيمة الأفنان: الغصون.
2- تنتمي: أي تنتسب.
3- في البيت إشارة إلى قوله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» الشورى آية:23 حيث فرض اللّه موَّدتهم. ففي كتاب ذخائر العقبى للمحب الطبري 25 قال: عن ابن عباس «رضي اللّه عنه» قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا موَّدتهم؟ قال: «علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام». ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467 . والسيوطي في تفسيره الدُّر المنثور ج6 ص7. و تفسير الطبري ج25 ص16 و 17. و الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج7 ص103 و ج9 ص168. و في محبة أهل البيت علیهم السلام و ردت الأخبار الكثيرة أيضاً منها ما قاله رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم: [لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب علیه السلام لما خلق اللّه «عز وجل» النار] البحار،ج39 ص248 ح12. و عن علي علیه السلام عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم إن أول من يدخل الجنة أنا و أنت و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. قال علي علیه السلام: فمحبونا؟ قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: «من ورائكم». البحار، ج70 ص127 ح56. و قال صلی الله علیه و آله و سلم: «إن اللّه له الحمد عرض حبّ علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام و ذريتها على البرية فمن بادر منهم بالإجابة جعل منهم الرسل و من أجاب بعد ذلك جعل منهم الشيعة وإن اللّه جمعهم في الجنة... المناقب المرتضوية، للعلامة الكشفي، ص97. و في (الهداية الإلهية) التي هبط بها جبرائيل على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم التي تضمنت رسالة من خالق الأكوان إلى سيد المرسلين نجد (... فإذا عليها سطران مكتوبان بسم اللّه الرحمن الرحيم تحية من اللّه «تعالى» إلى محمد المصطفى صلی اللّه علیه و آله و سلم و علي المرتضى و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين علیهم السلام سبطي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم و أمان لمحبيهم يوم القيامة من النار). البحار، ج37 ص99 ح1.

فَاسْلُكْ أُخَيَّ سَبِيلَهُمْ *** وَ اتْرُكْ مَلاَمَ اللُّوَمِ

هُمْ أَهْلُ بَيْتِ المُصْطَفَى *** فَادْخُلْ حِمَاهُمْ تَحْتَمِ(1)

وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِجَاهِهِمْ *** فَقَدِ اسْتَغَاثَ بِأَرْحَمِ

وَ هُمُ الغُيُوثُ لِمُجْدَبٍ *** تَهْمِي بِأَعْظَمِ مَغْنَمِ(2)

هُمْ خِصْبُ أَهْلِ الأَرْضِ هُمْ *** حِصْنُ الأَمَانِ لِمُحْتَمِ(3)

وَهُمُ البُدُورُ لِكُلِّ سَارٍ *** وَالهُدَى لِلْهُوَّمِ (4)

الدِّينُ وَالدُّنْيَا بِهِمْ *** هُمْ أَصْلُ كُلِّ الأَنْعُمِ

فَانْزِلْ بِسَاحَتِهِمْ وَلَذْ *** بِكِرَامِهِمْ وَكَرَائِمِ

وَادْعُ الإِلهَ بِمَاتَشَا *** تَنَلِ المُرَادَ وَتَنْعَمِ

ص: 471


1- تَحْتَم: تتّقي.
2- الغيوث: الأمطار، المجدب: الذي أصابه القحط. تهمي الأمطار: تنزل وتسيل المغنم:الفوائد والخيرات.
3- الخصب: النبات والخيرات.
4- الهوّم: جمع هائم وهو الذي سلك سبيلاً و لايدري أين يتوجه.

فَبِنُورِهِمْ أَرْجُو الهِدا *** يَةَ لِلسَّبِیلِ الأَقْوَمِ

بِأَبِي الحُسَيْنِ وَأُمّهِ *** بِنْتِ النَّبِيِّ الأعْظَمِ

أَدْعُوكَ بِالحَسَنَيْنِ يَا *** رَبِّي فَجُدْ وَتَكَرَّمِ

وَ بِزَيْنَبٍ وَبِأُخْتِهَا *** بِنْتَیْ عَلِیَّ الضَّیْغَمِ(1)

وَ بِمُحْسِنٍ بَدْرِ الدُّجَى *** وَ بِكُلِّ بَدْرٍ فَاطِمِی(2)

وَ بِأَبْلَجٍ وَ بِأَنْوَرٍ *** أَنْعِمْ بِحُسْنِ خَوَاتِمِ(3)

وَ بِزَيْنِهِمْ وَبِزَیْدِهِ *** بَحْرِ النَّدَى الشَّهْمِ الكَمِي(4)

بِسُكَيْنَةٍ وَ بِفَاطِمٍ *** بِنْتَيْ حُسَیْنِ الأَكْرَمِ

وَ نَفِیسَةٍ وَ رُقَيَّةٍ *** جُدْلِي بِعَفْوِكَ وَ ارْحَمِ

وَ أَفِضْ عَلَيَّ بِحُبِّهِمْ *** وَ امْرُجْ بِحُبِّهِمُ دَمِی

فَهُمُ لِعَيْنِي نُورُه *** وَهُمُ لِجُرْحِي مَرْهَمِي

***

يَا حَادِيَ الرَّكْبِ اتَّجِهْ *** نَحْوَ الحَبِيبِ وَ يَمِّمِ(5)

وَ إِذَا وَصَلْتَ لِسَاحِهِ *** فَأَنِخْ هُنَاكَ وَ خَیِّمِ

أَدِّ التَّحِيَّةَ لِلنَّبِيِّ *** وَ عَلَيْهِ صَلِّ وَسَلِّمِ

وَ أَطِلْ هُنَاکَ إِقَامَةً *** فَرِحَابُ أَحْمَدَ مَغْنَمِی

ص: 472


1- أختها: هی السيدة أم كلثوم. الضيغم: الأسد.
2- محُسن: هو الذي أسقط بين الباب و الحائط و كان من أثر العصرة التي قام بها القوم بعد وفاة النبي اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم.
3- أنور: سيدنا حسن الأنور ابن سيدنا زيد الأبلج ابن سيدنا الحسن بن سيد علي و الأنور والد السيدة نفيسة علیها السلام.
4- زيد: ابن الإمام زين العابدين علیه السلام. الندى: الكرم. الكمي: الشجاع.
5- يَمّمْ: أقصد.

وَ اشْرَحْ هَوَى صَبِّ وَقُلْ *** رُحْمَاكُمُ لِمُتَيَّمٍ(1)

لاَتُخْفِ مَا فَعَلَ الهَوَى *** وَ اشْكُ الجَوَى لاَتَكْتُمِ(2)

فَعَسَى أَفُوزُ بِنَظْرَةٍ *** تُحْيِي رَمِيمَ الأَعْظَمِ

وَ عَسَايَ أُمْنَحُ مِنْحَةً *** تَهَبِ اليَسَارَ لِمُعْدَمِ(3)

وَدَعِ الفُؤَادَ بِذِكْرِهِ *** يَشْدُو بِغَيْرِتَكَلُّمِ(4)

فَكَلاَمُ مَنْ عَرَفَ الهَوَى *** بِالقَلْبِ لاَبِمُتَرْجِمِ (5)

يَحْيَا المُحِبُّ بِحُبِّهِ *** مُتَرَنِّحاً بِتَرَنْمِ(6)

إِنَّ المُحِبَّ إِذَا سَمَا *** لَمْ تَلْقَهُ فِي النُّوَّمِ

یَا حُبُّ زِدْنِي لَوْعَةً *** وَ أَطِلْ جَوَاكَ وَأَضْرِمِ

إِنّ الغَرَامَ جَحِیمُهُ *** فِيه نَعِيمُ المُغْرَمِ

***

يَا رَبَّنَا أَنْتَ الرَّحِيمُ *** فَعِمَّنا بِتَرَحُّمِ

وَ اغْفِرْ لِقَارِي هَذِهِ *** وَ لِسَامِعٍ وَلِنَاظِمِ

لِعَظِیمِ ذَنْبِيَ يَا إِلْهی *** جُدْ بِعَفْوٍ أعْظَمِ

فَلأَنْتَ غَفَّارُ *** الذُّنُوبِ وَ رَاحِمُ المُسْتَرْحِمِ

تَعْفُو وَتَغْفِرُ مَا تَشَاءُ *** مِنَ الذُّنُوبِ لِمُسْلِمِ

لَكَ دُونَ غَيْرِكَ كُلُّ *** أَمْرٍ فِي جَمِيعِ العَالَمِ

ص: 473


1- صبّ: عاشق ذو ولعٍ شديد. متيّم: مستعبد و مذلل.
2- الجوى: الحرقة.
3- اليسار: الغنى. المعدم: الفقير.
4- يشدو: يغني.
5- مترجمِ: مترجم القلب هو اللسان.
6- الترنح: التمايل. الترنم: الصوت في الغناء.

وَ أَدِمْ صَلاتَكَ و السَّلاَمَ *** عَلَى النَّبِيِّ الهَاشِمِي(1)

ص: 474


1- (لم نجد للقصيدة اسم الشاعر ولكن يعرف من القصيدة أنها لشاعر مصري وقد جاءَ في مقدمة القصيدة هذا العنوان (الاستغاثة بسيدتنا فاطمة الزهراء علیها السلام) و أخذت هذه القصيدة من كراس فيها أربع قصائد و فيها تاريخ طبع في محرم سنة (1344ه_).

(50) لم أنسها

(بحر البسيط)

لأحد الشعراء

لم أنسَها يومَ وافتْ قبرَ والدِها *** خيرِ البريةِ من عربٍ ومن عجمِ

وافتْ وقد غصَّ بالأنصارِ مسجدُهُ *** والبغيُ قامَ بجمعٍ فيه مزدحمِ

فأسدلُوا دونهَا الأستارَ فابتدأت *** للّه تهدى بإصفاحٍ من الكلمِ

كأنها هي بالآيات تفرغُ عن *** فمِ النبيِّ أبيها في بيانِ فمِ

لم يهضُموا فاطماً إلا وقد علِمُوا *** بأن حيدرَ منهُم غيرُ منتثمِ

ثم انثنتْ عن خطابِ القوم راجعةً *** لبيتها تطأُ الأذيالَ بالقدَمِ

قالت أبا حسن ماذا القعودُ فقُمْ *** وَ حكِّمْ السيفَ في الأعناقِ والقِمَمِ

ترضى بأنَّ طغاةَ البغيِ تهضمُني *** وَ أنتَ تعلمُ ليسَ الهضمُ من شيمي

تبزُّني نِحلَتِي مني بدينِ أبي قحا *** فةَ حيث لم يبصر لديَّ حَمِي

فقال فاطمُ صبراً نَهْنِهي شَجناً *** وَ أطوِ الجوانح أن تهجعْ على الكظمِ

إنَّ الكفيلَ لمأمونٌ ورزقُكِ في *** حكمِ الكتابِ جليٌ غيرُ منكتمِ

وَ إرثكِ إن أضاعتْهُ العداحَنَقاً *** فلم يُضِع لكِ أجراً بارئُ النَسَمِ

ص: 475

ص: 476

الفهارس العامة

إشاره

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد و البحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 477

ص: 478

1- فهرس الشعراء

الإسم *** المقطوعة

الشيخ إبراهيم البلادي *** م(1)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني *** ل(1)

الأستاذ إبراهيم محمد جواد *** ق(1)

الشيخ أبوالحسن الخليعي *** ل(2)، ل(3)

الأستاذ أحمد رشيد مندو *** ق(2)، ل(4)

الأستاذ بدر شبيب الشبيب *** ل(5)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبو زكي) *** ل(6)، م(2)

الأستاذ جابر الكاظمي *** ل(7)

الأستاذ جعفر عباس الحائري *** ل(8)

السيد ميرزا جعفر القزويني *** ل(9)

الشيخ جعفر الهلالي *** ل(10)

الأستاذ الحافظ البرسي الحلي *** م(4)

الشيخ حبيب آل إبراهيم العاملي *** م(5)

الشيخ حبيب شعبان *** ف(1)

الشيخ حسن البحراني القيسي *** م(6)، م(7)، م(8)

الأستاذ حسن بن علي بن جابر الهبل *** ل(11)

الشيخ حسن الجامد *** م(9)

الشيخ حسن الدمستاني *** ق(3)

الشيخ الملاحسن عبدالله آل جامع *** ل(12)، م(10)

الشيخ حسن علي الخطي *** م(11)

الأستاذ حسين بن علي العشاري *** ل(13)

الشيخ حمزة البصير *** ل(14)

ص: 479

السید حمید الأعرجي *** م(3)

السيد حيدر الحلي *** ف(2)

الشيخ ملا داود الكعبي *** م(12)

الأستاذ زين العابدين الحكيم *** ل(15)

السيد سعد الذبحاوي *** ل(16)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ل(17)

الشيخ سلطان علي الصابر *** م(13)

الأستاذ سلمان الربيعي *** ل(18)، م(14)

الشيخ سلمان نوح *** ل(19)

الأستاذ الصاحب بن عباد *** ل(20)

السيد صالح الحلي *** ل(21)، ل(22)، م(15)

الأستاذ صالح علي الحداد *** م(16)

السيد صالح القزويني البغدادي *** ل(23)

الأستاذ صفوان بن إدريس النجيبي المرسي *** م(17)

السيد ضياء الدين الحبش *** ل(24)

الملك الصالح طلائع بن رزيك *** ل(25)، ل(26)

الشيخ عبدالأمير النصراوي *** ق(4)

الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملي *** ل(27)

الشيخ عبدالحسين الحويزي *** م(18)، م(19)

الشيخ عبدالحسين الشكر *** م(20)

السيد عبدالرزاق الموسوي البهبهاني *** ل(28)

الأستاذ عبدالرسول الفراتي *** ل(29)

الشيخ عبدالستار الكاظمي *** ف(3)، م(21)

الأستاذ عبدالعزيز العندليب *** ک(1)

الشيخ عبدالعظيم الربيعي *** ل(30)

الشيخ عبدالغني الحر العاملي *** ک(2)

الأستاذ عبدالقادر الجيلاني *** ک(3)

الشيخ عبدالكريم الصادق *** ق(5)، ک(4)

الشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم *** م(23)

ص: 480

الأستاذ عبدالنبي بزي *** ک(5)

الأستاذ عدنان عبدالقادر أبوالمكارم *** م(22)

الأستاذ علاءالدين الشفهيني *** ک(6)

الشيخ ملاعلي آل رمضان *** ق(7)، م(24)، م(25)

الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام *** ل(31)

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ل(32)

الأستاذ علي الفرج *** م(26)

الأستاذ علي محمد الحائري *** ف(4)، ق(6)

السيد غياث آل طعمة *** ل(33)، م(27)

الشيخ فاضل الصفار *** م(28)

الشيخ فرج العمران القطيفي *** م(29)

الشيخ قاسم الملا الحلي *** ف(5)

الأستاذ لطف الله بن محمد البحراني *** م(30)

لأحد الشعراء *** ک(14)، م(49)، م(50)

الشيخ محسن أبوالحب الكبير *** ک(7)، ل(34)، م(31)، م(32)

الحاج محمد آل رمضان الاحسائي *** ک(8)

الشيخ محمد بن حسين أبوخمسين *** ک(9)

الشيخ محمد بن عبدالمطلب *** م(33)

الشيخ محمد حسن أبوالمحاسن *** م(34)

السيد محمدرضا حيدر شرف الدين العاملي *** م(35)

السيد محمدرضا القزويني *** ل(35)، م(36)، م(37)

الشيخ محمد الساعدي *** ل(36)

الشيخ محمد سعيد المنصوري *** ل(37)، م(38)، م(39)، م(40)

السيد محمد الشيرازي *** ک(10)

السيد محمد صالح البحراني *** ف(6)، م(41)

الشيخ محمد صالح المطر *** م(42)

السيد محمد علي العلي *** ل(38)

ص: 481

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** ل(39)

السيد محمد كاظم الكفائي *** م(43)

السيد محمد مهدي بحر العلوم *** ل(40)

الأستاذ محمود البستاني *** م(44)

السيد مرتضى السندي الحائري *** ف(7)، ل(41)

الشيخ مغامس بن داغر *** م(45)

الشيخ مفلح الصيمري *** م(46)

الأستاذ منصور النمري *** ل(42)

السيد مهدي الأعرجي *** ل(43)

الأستاذ مهيار الديلمي *** ک(11)

الشيخ ناصر الحائري *** ل(44)

الشيخ نزار سنبل *** ل(45)

الشيخ هادي البحراني *** ک(12)

الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي *** م(47)

السيد هاشم حسين الموسوي *** ک(13)، ل(46)

الشيخ هاشم الكعبي الحائري *** م(48)

ص: 482

2- فهرس التراجم

الإسم *** الصفحة

الشیخ إبراهیم البلادي *** 311

الشیخ أبوالحسن الخلیعي *** 145

الأستاذ جابر الکاظمي *** 162

السید میرزاجعفر القزویني *** 177

الشیخ حسن الجامد *** 333

الأستاذ حسين بن علي العشاري *** 189

الشيخ حمزة البصير *** 192

السيد حميد الأعرجي *** 316

الشيخ ملاداود الكعبي *** 344

الشيخ سلطان علي الصابر *** 348

الشيخ سلمان نوح *** 206

الأستاذ الصاحب بن عباد *** 209

السيد صالح القزويني البغدادي *** 218

السيد ضياء الدين الحبش *** 230

الملك الصالح طلائع بن رزيك *** 234

السيد عبدالرزاق الموسوي البهبهاني *** 245

الأستاذ عبدالرسول الفراتي *** 247

الشيخ عبدالغني الحر العاملي *** 70

الأستاذ عبدالنبي بزي *** 85

الأستاذ علاء الدين الشفهيني *** 92

الشيخ محمدحسن أبوالمحاسن *** 421

الشيخ محمد صالح المطر *** 447

السيد محمد مهدي بحر العلوم *** 284

ص: 483

السيد مرتضى السندي الحائري ***31

الأستاذ منصور النمري *** 294

الشيخ ناصر الحائري *** 300

الشيخ نزار سنبل *** 303

الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي *** 463

ص: 484

3- فهرس القصائد و البحور

سقاك الحيا الهطال يا معهد الإلف *** و يا جنة الفردوس دانية القطف *** 11

(المقطوعة 1/بحر الطويل)

على كل واد دمع عينيك ينطف *** و ما كل واد جزت فيه المعرف *** 14

(المقطوعة 2/بحر الطويل)

آية الظلم دليل و كفى *** ليس من قبر لبنت المصطفى *** 16

(المقطوعة 3/ بحر الرمل)

هو الدهر يزجي المنى و الحتوفا *** تناوب یومیه جدباً و ريفا *** 19

( المقطوعة 4/ بحر المتقارب)

ما مقلتي هتنت ذروفه *** في حب غانیة ظریفه *** 22

(المقطوعة 5/ مجزوء الکامل)

صبّ جفوه و عن كراه تجافی *** مهما سقى طرداً نما إلحافا *** 25

(المقطوعة 6/ بحر الكامل)

يا بنة المختار قومي *** و احضري أرض الطفوف *** 31

(المقطوعة 7/ بحر الرمل)

-القاف-

لهفي لفاطمة قد عضّها الرهق *** فالعين باكية و القلب محترق *** 37

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

إذا أهل العلا راموا السباقا *** بني الزهراء لاتخشوا لحاقا *** 40

(المقطوعة 2/ بحر الوافر)

ص: 485

هل للذع الجوى المبرح راقي *** إن قلبي بناره في احتراق *** 43

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

یاسر قد هامت بك العشاق *** يا من إلى نيل العلى سبّاق *** 46

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

كم سار خلفك يا علي الفيلق *** و لواء أحمد فوق رأسك يخفق *** 49

(المقطوعة 5/ بحر الكامل)

على ذمم المروءة ما ألاقي *** أذمّ لها و لاتألو رهاقي *** 52

(المقطوعة6/ بحر الوافر)

يوماً به تطوى السما من بعد ما *** تمحى ثواقبها من الآفاق *** 55

(المقطوعة 7/ بحر الكامل)

-الكاف-

عليك سلام اللَّه في يوم ذكراك *** و رحمته يا بضعة المصطفى الزاكي *** 61

(المقطوعة 1/ بحر الطويل)

قد أطال السهاد طول نواكا *** فمتى تسعد الورى بلقاكا *** 70

(المقطوعة 2/ بحر الخفيف)

لا و ربّي و حقّ طه أبيك *** لايطيب المديح إلا فيك *** 74

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

أيّ النساء رقت لأوج علاك *** يا بنت راقي السبعة الأفلاك *** 80

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

فاض القريض هدًى لدى ذكراك *** و تضوعت ألحانه بشذاك *** 85

(المقطوعة 5/ بحر الكامل)

يا أمّة نقضت عهود نبیها *** أفمن إلى نقض العهود دعاك *** 92

(المقطوعة 6/ بحر الكامل)

قصّر القوم عن بلوغ مداكا *** فلذا حاولوا انحطاط علاكا *** 96

(المقطوعة 7/ بحر الخفيف)

يا بضعة المختار طاب ثراك *** روحي فداك و ما أقل فداك *** 100

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

ص: 486

یا فاطم سبحان من صفّاك *** يا زهرة في القدس ما أزهاك *** 107

(المقطوعة 9/ بحر الكامل)

أي قدر لقولتي في رثاك *** أنت يا بضعة النبي الزاكي *** 118

(المقطوعة 10/ بحر الخفيف)

يا بنة القوم تراك *** بالغ قتلي رضاك *** 121

(المقطوعة 11/ بحر الرمل)

تعيى القرائح في مقام علاك *** حيّاك يا بنة أحمد حيّاك *** 128

(المقطوعة 12/ بحر الكامل)

أم الأئمة ما أندى عطاياك *** و ما أشد شقاء الدهر لولاك *** 131

(المقطوعة 13/ بحر البسيط)

يا نور بيت المصطفى بشراك *** لولاك ما عم الهدى لولاك *** 135

(المقطوعة 14/ بحر الكامل)

-اللام-

بيني و بين قبيلتي مخطومة *** كانت قضيّتها الخصام الأولا *** 141

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

لم أبك ربعاً للأحبة قد خلا *** و عفا و غيّره الجديد و أمحلا *** 145

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

لست ممن يبكي رسولا حمولا *** و دياراً أعفى البلا و طلولا *** 148

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

أيا بيعة قامت لإحراق منزل *** لفاطم و السبطين و المرتضى علي *** 153

(المقطوعة 4/ بحر الطويل)

بحور الشعر أسكرها الجمال *** فرفرف في شواطئها الخيال *** 156

(المقطوعة 5/ بحر الوافر)

هبّي نسيماً في الصباح عليلا *** فوق الجراح و أشعلي قنديلا *** 158

(المقطوعة 6/ بحر الكامل)

سائلاً بالمصاب *** من يرد الجواب *** 162

(المقطوعة 7/ بحر الرمل)

ص: 487

تجلّد إن عدت غير الليالي *** عليك و كن كأطواد الجبال *** 166

(المقطوعة 8/ بحر الوافر)

هجرت الغواني و أطلالها *** غداة أحال النوی حالها *** 177

(المقطوعة 9/ بحر المتقارب)

أورث الخطب زفرة و عويلا *** يوم نالت كف المنون الرسولا *** 180

(المقطوعة 10/ بحر الخفيف)

ملكتم فؤاداً ليس يدخله العذل *** فذكر سواكم كلما مر لايحلو *** 184

(المقطوعة 11/ بحر الطويل)

أعيني جودا بالدموع الهواطل *** لفقد رسول الله أفضل راحل *** 187

(المقطوعة 12/ بحر الطويل)

أبوحسن له القدح المعلّى *** و قدر فوق أوج النجم علّى *** 189

(المقطوعة 13/ بحر الوافر)

لم يشجني ذكر جيرة رحلوا *** عني و ما و دّعوا مذار تحلوا *** 192

(المقطوعة 14/ بحر المنسرح)

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي *** أرحني فقد أفنيت كلُّ خليل *** 194

(المقطوعة 15/ بحر الطويل)

أيها المهدي من آل الرسول *** قم و ناديا لثارات البتول *** 196

(المقطوعة 16/ بحر الرمل)

و ترعرع الغصن الرطيب بدوحة *** نبوية كانت حلاً و جمالا *** 199

(المقطوعة 17/ بحر الكامل)

زهراء نور عیني *** یا نور کل عین *** 203

المقطوعة18/ مجزوء الرمل)

ذهب الشيب بالشباب و ولى *** و القوى قد وهت بضعف أطلاّ *** 206

(المقطوعة 19/ بحر الخفيف)

سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكم *** إذا حان محشر التعديل *** 209

(المقطوعة 20/ بحر الخفيف)

بأبي من أصبحت بعد الرسول *** جسمها زاد سقاماً و نحول *** 213

(المقطوعة 21/ بحر الرمل)

ص: 488

دع تفاصيلاً و سلني جملا *** لم تطق تسمع ماقد فصلا *** 215

(المقطوعة 22/ بحر الرمل)

ما على الركب لو أقام قليلاً *** فشفى لوعة و أطفي غليلا *** 218

(المقطوعة 23/ بحر الخفيف)

قد هاجني شوق إذ بان لي طلل *** فرحت أسأله: قلّي متى رحلوا *** 230

(المقطوعة 24/ بحر البسيط)

دعني قبيل اللهو غير قبيلي *** و سبيل أهل اللوم غير سبيلي *** 234

(المقطوعة 25/ بحر الكامل)

یانفس کم تخدعين بالأمل *** و كم تحبين فسحة الأجل *** 238

(المقطوعة 26/ بحر المنسرح)

خذ في مديحك للبتول *** حظّين من طول و طول *** 242

(المقطوعة 27/ بحر الكامل)

يحن القلب للخل الوصول *** وينعاه مدى الزمن الطويل *** 245

(المقطوعة 28/ بحر الوافر)

في مقلتيك عيون الفجر تكتحل *** و في معانيك يحلو المدح و الغزل *** 247

(المقطوعة 29/ بحر البسيط)

أسفرت في جمالها *** و اختفت في جلالها *** 249

(المقطوعة 30/ مجزوء الخفيف)

ألاهل إلى طول الحياة سبيل *** و أنى و هذا الموت ليس يحول *** 253

(المقطوعة 31/ بحر الطويل)

يوم البتولة في الوجود مهولها *** و مصيبة أشجي الرشاد حلولها *** 255

(المقطوعة 32/ بحر الكامل)

هل رسول مخبر طه الرسول *** ما رأت من بعده الطهر البتول *** 259

(المقطوعة 33/ بحر الرمل)

يا صاح ما هذا الكتاب المنزل *** يا صاح ما هذا النبي المرسل *** 263

(المقطوعة 34/ بحر الكامل)

قسماً بالمعاد و السلسبيل *** و بما جاء في الورى من رسول *** 268

(المقطوعة 35/ بحر الخفيف)

ص: 489

الكون أجمع بالميلاد يحتفل *** فبنت طه بها الإسلام يكتمل *** 271

(المقطوعة 36/ بحر البسيط)

من ذا الفقيد علا عليه عویل *** فعرى جميع العالمين ذهول *** 274

(المقطوعة 37/ بحر الكامل)

ها هو العيد قم فحيّ البتولا *** حيّ فرع الهدى الزكي الأصيلا *** 276

(المقطوعة 38/ بحر الخفيف)

أمل الناس في البقاء طويل *** و هو ظل عما قليل يزول *** 281

(المقطوعة 39/ بحر الخفيف)

ألا عد عن ذكرى بثينة أو جمل *** فما ذكرها عندي يمر و لايحلي *** 284

(المقطوعة 40/ بحر الطويل)

سحاب الدمع طاب لها الهطول *** و في الخدين جمّلها المسيل *** 290

(المقطوعة 41/ بحر الوافر)

شاء من الناس رائع هامل *** يعللون النفوس بالباطل *** 294

(المقطوعة 42/ بحر المنسرح)

تبلّج وجه الأرض حزناً على سهل *** بميلاد بنت المصطفى خاتم الرسل *** 297

(المقطوعة 43/ بحر الطويل)

تميد الراسيات و قد تزول *** و للزهراء ذكر لايزول *** 300

(المقطوعة 44/ بحر الوافر)

قوافي الشعر تسبقني عجالی *** و ترقص في مخيلتي دلالا *** 303

(المقطوعة 45/ بحر الوافر)

قد وفدت التاريخ فهو أثيل *** و حميت الإيمان فهو جميل *** 306

(المقطوعة 46/ بحر الخفيف)

-الميم-

بدأت بحمد من خلق الأناما *** و أشكره على النعما دواما *** 311

(المقطوعة 1/ بحر الوافر)

أزهر الكون بنور فاطمة *** و تبدت ظلمات قاتمة *** 314

(المقطوعة 2/ بحر الرمل)

ص: 490

ماذا أقول و قلبي قال قبل فمي *** حبّ البتول سرى في أعظمي و دمي *** 316

(المقطوعة 3/ بحر البسيط)

ما هاجني ذكر ذات البان و العلم *** و لاالسلام على سلمى بذي سلم *** 318

(المقطوعة 4/ بحر البسيط)

أصبح الدهر ضاحك الثغر باسم *** يوم ميلاد بنت أحمد فاطم *** 321

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

فبالزهرا مصيبتنا عظيمة *** و أدمعنا حكت سحباً سجيمه *** 324

(المقطوعة 6/ بحر الوافر)

الدمع مني على الخدين منسجم *** و القلب مني بنار الحزن مضطرم *** 326

(المقطوعة 7/ بحر البسيط)

من ذاك يعذرني من الأيام **** فيها طغى و جدي و زاد سقامي *** 330

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

يا إماماً به الوجود استقاما *** قم سريعاً و استنقذ الإسلاما *** 333

(المقطوعة 9/ بحر الخفيف)

کیف یهنی جسمي بطيب منام *** و نبي الهدى طريح سقام *** 336

(المقطوعة 10/ بحر الخفيف)

و من ينظر الدنيا بعين بصيرة *** يجدها أغاليطاً و أضغاث حالم *** 339

(المقطوعة 11/ بحر الطويل)

سل الدار عن أربابها أين يمموا *** أفاجأهم من حادث الدهر صيلم *** 344

(المقطوعة 12/ بحر الطويل)

سلام على الطهر بنت الهدى *** سلام على نور أهل الحرم *** 348

(المقطوعة 13/ بحر المتقارب)

أي الفضائل فيها يبدأ الكلم *** و هل يوفي إذا ما دوّن القلم *** 350

(المقطوعة 14/ بحر البسيط)

و لابد من يوم به نكشف الظلما *** و نملؤها (عدلاً) كما ملئت (ظلما) *** 353

(المقطوعة 15/ بحر الطويل)

من أين أبدأ يا شعري و يا قلمي *** بذكر بضعة خير الخلق و الأمم *** 356

(المقطوعة 16/ بحر البسيط)

ص: 491

سلام كأزهار الربي يتنسم *** على منزل منه الهدى يتعلم *** 359

(المقطوعة 17/ بحر الطويل)

لفرط الجوى مهجتي كاتمه *** و عيني بدت بالحيا ساجمه *** 362

(المقطوعة 18/ بحر المتقارب)

أهل تطيب لعيني نضرة النعم *** و جرح قلبي رغيب غير ملتئم *** 365

(المقطوعة 19/ بحر البسيط)

أنخ الطلاح ففي الطفوف مرامها *** و اعقل فقد بانت لنا أعلامها *** 370

(المقطوعة 20/ بحر الكامل)

تبكيك عيني عبرة ساجمه *** یا زهرة الفردوس یا فاطمه *** 372

(المقطوعة 21/ بحر السريع)

صلوات الله تغشي كل حين *** أحمد الهادي مع الآل الكريم *** 375

(المقطوعة 22/ بحر الرمل)

هاج قلبي بلوعة و أوام *** فغدا الجسم في أسًى و ضرام *** 383

(المقطوعة 23/ بحر الخفيف)

أترغبون بدار کلها نقم *** و الأمر تملكه من أهلها الخدم *** 386

(المقطوعة 24/ بحر البسيط)

داجي الضلال سجا و اشتدت الظلم *** على الورى و بحور الجور ملتطم *** 389

(المقطوعة 25/ بحر البسيط)

تلألأ كأس الحب فلندفن الهمّا *** فمن يشرب الحبّ البتولي لايظما *** 391

(المقطوعة 26/ بحر الطويل)

رنوت لأيامي الناعمه *** فبت لجمر الأسى هائمه *** 393

(المقطوعة 27/ بحر المتقارب)

ما للجناة لبيت فاطم هاجموا *** و ببابها نار الضغائن أضرموا *** 398

(المقطوعة 28/ بحر الكامل)

لایلهينك آرام بذي سلم *** و لاتعشق من في البان و العلم *** 403

(المقطوعة 29/ بحر البسيط)

حتى م تسأل عن هواك الأرسما *** غياً و تستهدي الجماد الأبكما *** 405

(المقطوعة 30/ بحر الكامل)

ص: 492

ما أنكر القوم من يوم الغدير و ما *** على نبي الهدى من فعله نقموا *** 408

(المقطوعة 31/ بحر البسيط)

لو كنت صاحب لوعتي و غرامي *** لعلمت كيف بذكرهن هيامي *** 414

(المقطوعة 32/ بحر الكامل)

أبا السبطين كيف تفي المعاني *** نثارا في مديحك أو نظاما *** 418

(المقطوعة 33/ بحر الوافر)

عهد وصل بالرّقمتين قديم *** سلفت فيه نضرة و نعيم *** 421

(المقطوعة 34/ بحر الخفيف)

يا صاح لاعذل و لاإرغام *** رفقاً بنفسي فالملام حرام *** 425

(المقطوعة 35/ بحر الكامل)

أصغ يا دهر وأنصتي يا مكارم *** و انفضي يا جراح عنك المراهم *** 427

(المقطوعة 36/ بحر الخفيف)

يظل قبرك مجهولاً عن الأمم *** و أنت مفخرة الدنيا بكل فم *** 430

(المقطوعة 37/ بحر البسيط)

سل الدار عن أربابها أين يمموا *** و هل أنجدوا أم في الركائب اتهموا *** 434

(المقطوعة 38/ بحر الطويل)

تاللَّه بعد رسول الله ما هجعت *** لفاطم ليلة عين و لم تنم *** 437

(المقطوعة 39/ بحر البسيط)

لك ذكرى تمر في كل عام *** و عليها نمرّ مرّ الكرام *** 440

(المقطوعة 40/ بحر الخفيف)

بتول القدس مرآة النظام *** عروس الحور مشكاة السلام *** 442

(المقطوعة 41/ بحر الطویل)

طغى الوجد في جسمي ففاض على فمي *** شعوراً فکان الشعر یتضح من دمي *** 447

(المقطوعة 41/ بحر الوافر)

حوادث بنت الهدى تؤلم *** فهل يستطيع البيان الفم *** 449

(المقطوعة 43/ بحر المتقارب)

ص: 493

دمع أذيل!! فيا كواكب، سامريه، و يا نجوم.. *** 455

(المقطوعة 44/ مجزوء الكامل)

صحبتك لا أني بودّك مغرم *** دعيني فغيري في هواك متيم *** 458

(المقطوعة 45/ بحر الطويل)

أعدلك يا هذا الزمان محرّم *** أم الجور مفروض عليك محتّم *** 460

(المقطوعة 46/ بحر الطويل)

كم بت في ذكر الحبيب متيّما *** و حشاي من شوق الوصال تضرّما *** 463

(المقطوعة 47/ بحر الكامل)

لوّامة حلف الملامه *** أهدت إلى قلبي سقامه *** 466

(المقطوعة 48/ مجزوء الكامل)

يابنت أحمد أنعمي *** بالعطف نحو المنتمي *** 470

(المقطوعة 49/ بحر الكامل)

لم أنسها يوم وافت قبر والدها *** خير البرية من عرب و من عجم *** 475

(المقطوعة 50/ بحر البسيط)

ص: 494

4- فهرس الموضوعات

تفریظ *** 7

قافیة الفاء

(1) سهام الدهر *** 11

(2) ما سنّ الضلال *** 14

(3) حرب البتول علیها السلام *** 16

(4) حشاشة قلب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم *** 19

(5) آه لبنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 22

(6) كابدت ست النسا *** 25

(7) يابنة المختار قومي *** 31

قافیة القاف

(1) يا للبتول *** 37

(2) من نور طه *** 40

(3) فاطم علیها السلام الجليلة *** 43

(4) روحي فداها *** 46

(5) الدرة العصماء *** 49

ص: 495

(6) في ساحة الزهراء علیها السلام *** 52

(7) يا رب جئتك أشتكي *** 55

قافیة الکاف

(1) عليك سلام اللَّه *** 61

(2) غصب فاظم *** 70

(3) لايطيب المديح إلا فيك *** 74

(4) بنت أكرم من مشى *** 80

(5) جوهر الطهر المصفى *** 85

(6) تا اللَّه لاأنساك *** 92

(7) روّعوا فاطماً علیها السلام *** 96

(8) آيات فضلك *** 100

(9) عجائب القرآن *** 107

(10) سلام عليك *** 118

(11) فلتبك البواكي *** 121

(12) رمز كل فضيلة *** 128

(13) عطر النبوة صلي الله علیه و آله و سلم *** 131

(14) صلى عليك اللَّه *** 135

قافیة اللام

(1) مدينة العلم *** 141

ص: 496

(2) بكيت لفاطم علیها السلام *** 145

(3) فأنت فاطم علیها السلام *** 148

(4) ابنة المختار *** 153

(5) يا خير النساء *** 156

(6) حب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم *** 158

(7) أين قبر البتول علیها السلام *** 162

(8) الصديقة الكبرى علیها السلام *** 166

(9) وما ذنب فاطمة علیها السلام *** 177

(10) بكاء الزهراء علیها السلام *** 180

(11) صبراً بني المختار *** 184

(12) أبا حسن علیه السلام *** 187

(13) البتول الطهر علیها السلام *** 189

(14) رزء البتول علیها السلام *** 192

(15) أيا موت ما أشجاك *** 194

(16) يا لثارات البتول علیها السلام *** 196

(17) شاكية الفؤاد *** 199

(18) زهراء علیها السلام نور عيني *** 203

(19) لست أنسى البتول علیها السلام *** 206

(20) سوف تأتي الزهراء علیها السلام *** 209

ص: 497

(21) رزء عظيم *** 213

(22) فاطمة علیها السلام تدعو *** 215

(23) يوم البتول علیها السلام *** 218

(24) أماه يا زهراء علیها السلام *** 230

(25) لم تخل من حزن *** 234

(26) اغتصابهم حق الزهراء علیها السلام *** 238

(27) هي لبوة نبوية صلي الله علیه و آله و سلم *** 242

(28) حليلة حيدر علیه السلام *** 245

(29) فاقت ضحى الشمس *** 247

(30) أفصبراً *** 249

(31) علل الدنيا *** 253

(32) بفاطم علیها السلام يبقى الهدى *** 255

(33) أسقطت بنت الهدى *** 259

(34) فاطم علیها السلام أفضل *** 263

(35) زهرة علیها السلام النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و العصمة *** 268

(36) أم الأئمة علیها السلام *** 271

(37) أو ما ترى الزهراء علیها السلام *** 274

(38) يا ربة الفخار *** 276

(39) البتولة علیها السلام ثكلى *** 281

ص: 498

(40) حياة البتول علیها السلام *** 284

(41) سحاب الدمع *** 290

(42) النبي صلي الله علیه و آله و سلم والدها *** 294

(43) شفيعة يوم الحشر *** 297

(44) وللزهراء علیها السلام ذكر لايزول *** 300

(45) زهراء علیها السلام يا ألق المعاني *** 303

(46) أم العطاء *** 306

قافیة المیم

(1) البتول علیها السلام لها سلام *** 311

(2) نور فاطمة علیها السلام *** 314

(3) حب البتول علیها السلام *** 316

(4) في الحشر فاطمة علیها السلام *** 321

(5) عصم الله فاطماً علیها السلام *** 321

(6) عليك صلاة ربي *** 324

(7) يا بنت خير نبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 326

(8) قلب البتول علیها السلام *** 330

(9) البتول العذارء علیها السلام *** 333

(10) فأنت فاطم علیها السلام *** 336

(11) بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 339

ص: 499

(12) مصيبة فاطم علیها السلام *** 344

(13) خير البرايا *** 348

(14) يا أم والدها علیها السلام *** 350

(15) البضعة الزهراء علیها السلام *** 353

(16) بضعة خير الخلق *** 356

(17) وأقبلت الزهراء علیها السلام *** 359

(18) جوهر العقول *** 362

(19) بيت الطهر فاطمة علیها السلام *** 365

(20) أنخ الطلاح *** 370

(21) زهرة الفردوس *** 372

(22) أقبل خير الأنبياء *** 375

(23) لبوة المرتضى علیه السلام و أم الكرام *** 383

(24) ابنة المختار *** 386

(25) فاطمة علیها السلام تدعو *** 389

(26) حب البتول علیها السلام *** 391

(27) نثار اللآلىء *** 393

(28) قنديل الوحي *** 398

(29) بعد فاطمة الزهراء علیها السلام *** 403

(30) ست النساء *** 405

ص: 500

(31) حبيبتي الزهراء علیها السلام *** 408

(32) عترتها الأطائب *** 414

(33) جنود اللّه *** 418

(34) عقيلة الوحي علیها السلام *** 421

(35) أكرم منزل *** 425

(36) ولد الخير علیها السلام *** 427

(37) سيدة الدنيا و الآخرة علیها السلام*** 430

(38) من المختار روح و بضعة *** 434

(39) أم الخدر *** 437

(40) مصاب فاطمة علیها السلام *** 440

(41) بتول القدس علیها السلام *** 442

(42) مأساة الزهراء علیها السلام *** 447

(43) حوادث بنت الهدى *** 449

(44) يا غرسة الهادي *** 455

(45) بضعة خير المرسلين *** 458

(46) ميراث النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 460

(47) باب النبوة صلي الله علیه و آله و سلم *** 463

(48) بيت الوحي *** 466

(49) يا بنت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم أنعمي *** 470

ص: 501

(50) لم أنسها *** 475

الفهارس العامة

1- فهرس الشعراء *** 479

2- فهرس التراجم *** 483

3- فهرس القصائد و البحور *** 485

4- فهرس الموضوعات *** 495

ص: 502

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.