الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام المجلد 3

هوية الکتاب

الفاطميات

مَشَاعِر الولاء في قَصَائِدِ الزهراء علیها السلام

الفاطميات

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلثَّالِثُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_- 2005م

ص: 1

اشارة

ص: 2

الفاطميات

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلثَّالِثُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_- 2005م

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع

المكتبة: حارة حريك.. بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي - الهاتف: 01/545182 - 03/473919 ص.ب: 13/6080 المستودع: حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com mail: daraloloum@hotmail.com

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿1﴾

اَلْحَمْدُ لِلَّ_هِ رَ بِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّ حْمَ_ٰنِ الرَّ حِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ اهْدِنَا الصِّرَ اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾ صِرَ اطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾

ص: 5

ص: 6

تقریظ

(بحر السريع)

حلِّقْ أبا أحمد بالذّاتِ *** وتِة على الغابر و الآتي

و اجمع لآل البيت أفضالهم *** ماطاب من نثرٍ و أبيات

و روِّ من عشاقهم غُلَّةً *** تداولوها بالوراثات

حرارة الإيمان من حُبِّهم *** للآلِ من رب السموات

فلیس تطفيها إذن أبحرٌ *** في الأرض أو مدرارُ مُزنات

إلا حديثٌ لاح في أسطرٍ *** خبَّأها الدهر بطيات

الأقصيدٌ صاغهُ شاعرٌ *** و خلَّدَ الشعر بآهات

و أنت إذ تجمعُ لثلاثها *** من قبل ألفٍ جمع أشتات

(ضاءت على الألفين أسرارها) *** عن سيِّدَيْ شباب جنّات

و تارةً بالشعر في فاطمٍ *** محققاً أجلى الروايات

فقلت من شوقي لتأليفكم *** مُقدِّراً تلك الكتابات

أرِّخ (عليٌ شكرتْ جُهدهُ *** الزهراء عند الفاطميات)

السيد محمد رضا القزويني

الكويت 1998/1/26 م

25 رمضان 1418ه_

ص: 7

ص: 8

قافیة الراء

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) منزل الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني التوبلاني(*)(1)

إِذَا سَرَى البَرْقُ مِنْ نَجْدٍ بِتَذْكَارِ *** فَقَدْ تَذَكَّرْتُ مَا لِلدَّارِ مِنْ جَارِ

حَدِيثنا ذُو شُجُونٍ يَابْنَ جَارَتِنَا *** فَعُدْ عَلَيَّ بِإِيرَادٍ وَإِصْدَارِ

وَ اضْرِبْ لَنَا مَثلاً بِالمُصْطَفَى وَ عَلِي *** المُرْتَضَى فَرَبِيبُ الدَّارِ لِلدَّارِ

وَ انْسِبْ ذِراعاً بِمَا فِيهَا إِلَى عَضُدٍ *** وَ الصِّنْوَ لِلصِّنْوِ فِي طَبْعِ وَ آثَارِ(2)

زَكَّاهُ أَكْرَمَهُ رَبَّاهُ عَلَمَهُ *** مُغَيَّبَاتِ مَضَامِينٍ وَ أَقْدَارِ

وَ اخْتَارَهُ وَ عَلَى عِلْم تَخَيَّرَهُ *** رِدْءًا فَأَصْبَحَ مُختاراً لِمُخْتَارِ

وَ هَلْ تَشُذُّ عَنِ المُخْتَارِ لَحْمَتُهُ *** وَ قَدْ أُنِيطَتْ بِأَعْصَابٍ وَ أَوْتَارِ؟

أَمْ لِلْخَلِيطَيْنِ مِنْ ذَاتٍ إِذَا امْتَزَجَا *** تَزَيُّلٌ بَعْدَ تَكْرِيرِ بِتَكْرَارِ(3)

اللهُ أَعْلَمُ إِذْ سَوَّاهُمَا مَثَلاً *** بِلا مَشِيلٍ وَ لاَيَدْرِيهِمَا دَارِي

فَالمُصْطَفَى مُصْطَفَى مِمَّا بَرَى البَارِي *** وَ المُرْتَضَى مُرْتَضَى مِمَّا ذَرَى الذَّارِي(4)

أَمِيرُ سِلْمِ وَإِسْلَامِ مُسَلَّمَةٌ *** لَهُ وِلايَةُ أَبْرَارٍ وَ فُجَارِ

لاَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ عِبَادَتَهُ *** إِلا بِهِ وَ تَذَكَّرْ مِنْهُ يَا حَارِ

فَإِنَّ فِيهَا لَهُ شَأْنَا وَ مَنْزِلَةً *** وَ لَامَجَالَ لِتَشْكِيكٍ وَ إِنْكَارِ

ص: 11


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الصنو: الأخ الشقيق.
3- تزَيَّل: تغرّق.
4- برا الباري: خلق الخالق. ذرا الذاري: خلق الخالق.

زَوْجُ البَتُولِ أبوالسِّبْطَيْنِ فَارِسُ مَیْدَانِ *** الحُرُوبِ هِزَبْرٌ ضَيْغَمٌ ضَارِي(1)

إِذَا تَضَرَّمَتِ الهَيْجَاءُ فَهُوَ بِهَا *** خَدِينُ مُهْرٍ وَ خَطَارٍ وَ بَتَّارِ(2)

منْ يَقْتَدِحْ لِلْوَغَى نَاراً لِيُسْعِرَهَا *** عَلَى حِمَاهُ رَأَيْنَا قَدْحَهُ الوَارِي؟(3)

يُذْكِي لَظَاهَا وَ يُوقِيهَا وَ قَائِدُهَا *** بِشِلْوِ كُلِّ شَدِيدِ البَأْسِ فَغّارِ(4)

يَشُدُّ فِيهَا وَ يَطْوِيهَا وَ يَنْشُرُهَا *** فَتَسْتَدِيرُ عَلَى قُطْبٍ وَ مِحْوَارِ

يَأْتِي عَلَيْهَا مُغِيراً فِي جَوَانِيهَا *** فَرْداً فَتَحْسَبُهُ جَاءٍ بِجَرَّارِ(5)

وَ العَادِيَاتِ وَ فِيهِ أُنْزِلَتْ وَ بِهِ *** عُرِفْنَ ضَبْحاً وَ سَبْحاً فِي الدَّمِ الجَارِي

وَ سَيْفُهُ ذُو فِقَارِ فِي سَفَاسِفِهِ *** لَمْعُ المَنِيَّةِ خَطَافٌ لأَعْمَارِ

فَقِيلَ لاَسَيْفَ إِلا ذُوالفِقَارِ وَ لاَ *** فَتَى سِوَاهُ لِنَجْدَاتٍ وَ أَخْطَارِ

وَ لَيْسَ ضَرْبَتُهُ الوَطْفَا لِمِعْيَارِ *** وَ لَيْسَ طَعْنَتُهُ النَّجلاً لِمِسْبَارِ(6)

حَمَى عَرِينَ الهُدَى عَنْ كُلِّ عَادِيَةٍ *** وَرَدَّ عَادِيَةَ العُزَّى لأوْجَارِ(7)

وَ امْضَغَ العَابِدِينَ اللّاتَ دَاغِصَةً *** يَسْتَقْذِفُونَ شَطَايَاهَا بِتَعْصَارِ(8)

و مَا عَلَىٰ هُبَلٍ لَوْ أَنَّهُ انْهَبَلَتْ *** أَرْكَانُهُ وَ تَدَاعَتْ بَيْنَ أَمْدَارِ(9)

فَقَدْ رَمَاهُ أَبُو الجُلَّى بِزُلْخَةٍ *** تِسِنُّهُ وَ هُوَ مُنْسُوفٌ مَعَ الذاري(10)

وَهَبَّ عَابِدُهُ يَلْوِي إلى وزَرٍ *** يَنُوءُ عَاتِقُهُ ثِقْلاً بِأَوْزَارِ

ص: 12


1- هزبر و ضيغم: من أسماء الاسد.
2- خدين: الخدين من يخادن أو يصاحب و يصادق الناس كثيراً. الهيجاء: الحرب. خطار: الرمح.
3- يسعرها: يشعلها.
4- يذكي: يوقد. افغار: فتاح واسع.
5- ضبحا: ضبح الخيل في عدوها أي سمع من أفواهها صوت ليس بصهيل و لاحمحمة.
6- الضربة الوطفاء: كثيرة الخير. الطعنة النجلاء: الواسعة. مسبار: ما يُسبَر به الجرح.
7- العُزَّى: اسم صنم. أوجار: ما كان كالكهف في الجبل أو الحفرة التي تُجعل للوحش فإذا مرَّت بها سقطت في تلك الحفرة فأمسكت.
8- اللاَت: اسم صنم. داغصة: لحماً مكتنزاً.
9- هبل: اسم صنم. انهبلت: ثكلت. تداعت: تهادمت و تصدَّعت من غير أن تسقط.
10- زلّخة: المكان الذي يتزحلق منه الصبيان، و زلَّخه بالرمح: شجه.

فَحَصْحَصَ الدِّينُ وَ ارْتِيدَتْ مَرَاتِعُهُ *** وَ ظَلَّ مَقْصِدَ وُفَادٍ وَزُوّار(1)

وَرَاحَ يُوفِدُ فِي عَبْرِ الجَزِيرَةِ مِنْ *** مُبَشِّرِيهِ فَبَحَّارٍ وَ صَحَّارِ

كَالرِّيح أَوْ كَوَمِيضِ البَرْقِ سُرْعَتُهُ *** عَلَى لَطَافَةِ نَسْمَاتٍ بِأَسْحَارِ

حَتَّى تُخَلَّلَتِ الدُّنْيَا مَخَائِلُهُ *** وَ جَاسَ فِي كُلِّ إِقْلِيم وَ أَمْصَارِ

يُمَثِّلُ الدِّينَ وَ الدُّنْيَا بِدَعْوَتِهِ *** كَالشَّمْسِ فِي حُسْنِ تَبْيينِ وَإِظْهَارِ

فَتَدْخُلُ النَّاسُ أَفْوَاجاً حَظَائِرَهُ *** كَمَعْهَدِ بِفُنُونِ الخَيْرِ زَخَّارِ(2)

فَمِنْ مُرَبِّ لِجِيلِ النَّشَءِ تَرْبِيَةً *** تَسْمُو بِهِ لِكَرَامَاتٍ وَأَقْدَارِ

وَ مِنْ مُلَقِّنِ عِلْمٍ تَسْتَنِيرُ بِهِ *** عَيْنُ البَصِيرَةِ رَهَافٌ لأَفكارِ

وَ مِنْ طَبِيبِ لَهُ عِلْمٌ وَمَقْدِرَةٌ *** عَلَى العِلاجِ رَحِيبَ الصَّدْرِ دَوَارِ

وَ مِنْ إِخْوَةِ صِدْقٍ فِي ضَمَائِرِهِمْ *** تَبَادَلُوهَا عَلَى عُسْرٍ وَإِيسَارِ

تِلْكَ المَكَارِمُ لاَقِعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ *** شِيبَا بِمَاءٍ وَ لَاتَخْوِيلُ دِينَارِ(3)

وَ لاَتَحَرُّرُ نَفْسٍ فِي تَهَوُّرِهَا *** عَلَى المُجُونِ وَ لاَطَبْلٍ وَمِزْمَارِ(4)

عَلَيْكَ نَفْسَكَ فَاعْمَلْ مَا يُخَلُصُهَا *** فَوْراً وَخَلِّ وَقُودَ النَّارِ لِلنَّارِ

أَنْسَى الزَّمَانَ وَ مَا جَاءَ الزَّمَانُ بِهِ *** لِحَادِثِ لَمْ يَزَلْ يَشْدُو بِتِذْكَارِي

مَاتَ الرَّسُولُ فَمَاتَتْ كُلُّ كَائِنَةٍ *** وَ كُدِّرَتْ صَفْوةُ الدُّنْيَا بِأَكْدَارِ

وَ أَصْبَحَتْ حَرَكَاتُ الكَوْنِ سَاكِنَةً *** وَ الأَرْضُ مُؤذِنَةً مِنْهُ بِتَسْيَارِ

وَ أَظْلَمَتْ صَفَحَاتُ الجَوِّ وَ انْطَبَقَتْ *** دَوَائِرُ الأُفُقِ وَ اصْطَكَّتُ بِإِعْصَارِ

وَ أَظْهَرَ النَّاسُ أَحْقَاداً مُؤَكَّدَةً *** ضَاقَتْ ضَمَائِرُهُمْ مِنْهَا بأَسرارِ

تَقَحَّمُوا مَنْزِلَ الزَّهْرَاءِ وَاجْتَرَمُوا *** وَ أَضْرَمُوا النَّارَ فِي بَابٍ وَأَسْتَارِ(5)

ص: 13


1- حصحص: بان بعد كتمانه.
2- حظائره: المواضع التي يحاط عليها لتأوي إليها الماشية فتقيها البرد و الريح. زخار: ممتلىء.
3- قعبان: الأقداح الضخمة الغلاظ.
4- المجون: المزح وقلة الحياء.
5- في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج2 ص56 قال: لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي علیه السلام و الزبير و أناس من بني هاشم في بيت فاطمة علیها السلام فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم. و في كتاب سليم بن قيس طقم ص36 قال: ثم أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادي عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام والله لتخرجن يا علي علیه السلام ولتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و الاَّ أضرمت عليك النار.. فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب والا احرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب. راجع انساب الاشراف للبلادزي، ج1 ص586 و دلائل الإمامة للطبري ص26.

وَ أَخْرَجُوا حَيْدَرَ الكَرَّارَ وَ احْتَشَدُوا *** لِبُغْيَةِ المُلْكِ فِي شَيْءٍ مِنَ الثّارِ(1)

قَادُوهُ سَحْباً وَ تَجْرِيراً لِبَيْعَتِهِمْ *** بَاءَتْ مَرَابِحُهُمْ مِنْهَا بِإِخْسَارِ

أمَّا البَتُولُ فَرَضُوهَا بِحَائِطِهَا *** رَضَاً يُوَجُهُهُمْ لِلنَّارِ وَ العَارِ

وَ أَسْقَطُوهَا جَنِيناً بَعْدَمَا لَطَمُوهَا *** لَطْمَةً بَقِيَتْ مِنْهَا بِآثَارِ(2)

وَ السَّوْطُ أَلَمَ مَثْنَيْهَا عَلَى أَلَمٍ *** لأَقَتْهُ مِنْ رَضٌ أَضْلاعِ وَ أَفْقَارِ(3)

ص: 14


1- في الاحتجاج للطبرسي/ طقم/ ج1 ص109 قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و انطلقوا بعلي علیه السلام ملبباً بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر، و في الامامة و السياسة لابن قتيبة ط مصر/ ج1 ص19 قال:... و إن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام، فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها..
2- في الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص57 قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البيعة حتى ألقت جنيناً من بطنها و كان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها، و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام في الوافي بالوفيات/ ج5 ص347 قال: ان عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن علیه السلام من بطنها. و في لسان الميزان ج1 ص268 أن عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن علیه السلام.
3- في كتاب سليم بن قيس /ط قم/ ص38 قال: . . و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمد فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها.. فنادت: یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر، ثم اقتحم قنفذ و أصحابه بغير اذن و ضربها بالسوط فماتت حين ماتت و ان في عضدها مثل الدملج من ضربته... و في الاحتجاج/ ط النجف/ ج ص 109 في خبر طويل قال: فانطلق قنفذ هو و أصحابه بغير اذن و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها و ألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها...

تَشْكُو إِلَى النَّاسِ لَمْ تُسْمَعْ شِكَايَتُهَا *** فَمِنْ مُهَاجِرَةٍ مِنْهُمْ وَأَنْصَارِ

وَأَتْبَعُوا فِعْلَهُمْ هَذَا بِغَضبِهِمُ *** المِيرَاثَ مِنْهَا بِمَوْضُوعَاتِ أَخْبَارِ(1)

حَتَّى قَضَتْ وَهْيَ حَرَّى القَلْبِ شَاكِيَةٌ *** مِنْ كُلِّ بَاغِ أَثِيمِ القَلْبِ خَتَارِ(2)

ص: 15


1- في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص102 عن عطية قال: لما نزلت «رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا» [الاسراء الآية 26] دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك. و عن علي بن الحسين علیه السلام قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فدك. و في صحيح مسلم/ في كتاب الجهاد/ باب قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم لانورث، ج2 عن عائشة: ان فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سألت أبابكر بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ان يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و مما أفاء الله عليه، فقال لها أبوبكر: ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»... قالت: و كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك و قال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعمل به الا عملت به فإني أخشى ان تركت شيئاً من أمره أن ازيغ فاما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي علیه السلام و العباس، فأما خيبر و فدك فأمسكها عمر و قال: هما صدقة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كانت لحقوقه التي تعروه و نوائيه و امرهما إلى من ولي الامر...
2- ختّار: خبيث و فاسد نقلت هذه القصيدة عن كتاب المراثي الحسينية ص61.

(2) هي الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الشيخ أبو حازم الباوي

كتبتَ الشعرَ فالتمس الشعورا *** فبعضُ الشعرِ يختصرُ العصورا

كمثلِ الجمرِ تستعرُ القوافي *** بأضلاع غدَتْ تردُ البحورا

حليفَ الحرفِ يا وجداً تسامي *** إذا ما الفكرُ قد نبذَ الغُرُورا

نبيَّ الخيرِياخَلقاً و خُلقاً *** بما أضفى على الدُّنيا عبيرا

يَراعِي في مديحكَ راحَ يكبو *** إذا ما الشعرُ أزمعَ أن يمورا(1)

و طيب قد أتيت بكلِّ فجٍ *** و أذكيت المغاورَ و الثغورا

رأيتَ الناس تحسُوا بارتغاءٍ *** فتكرعُ بعد رغوتِها غديرا

فأوردتَ النفاقَ شفيرنارٍ *** و أفعمت الحياة هدَّى و نورا

حبوتَ الدين و الدنيا وليداً *** به زینتَ من ألقٍ دهورا

هي الزهراءُ تُزهرُ كلِّ دينٍ *** إذا ما الليلُ يفتقدُ البدورا

فقد عقمتْ بناتُ الدهرِ جمعاً *** يلدن الروضَ كي يهبَ الزهورا

حباكِ الله في الأكوان مجداً *** و باقي المجدِ يوشكُ أن يبورا

بتولٌ و التقى وجدٌ و شعرٌ *** و قد أعيا الفرزدقَ أو جريرا(2)

و بعلٌ أرهقَ الأوباشَ فتكاً *** بسيفٍ سلِّ كي يبري النحورا(3)

ص: 16


1- يكبو:(كبا ) لوجهه: سقط، فهو (كابٍ). يمورا مارَ: تحرّك.
2- أعيا: (العي) ضد البيان.
3- الأوباش: الكفرة المارقين.

نبيلٌ في احتدامِ الحرب يعفو *** و يشملُ عفوهُ غرّاً غريرا

غداً يغذو اليتامى و هو طاوٍ *** و أشبعَ قرصُهُ سرّاً أسيرا(1)

لوجهِ الله يطعمُ كلِّ آتٍ *** فلايبغي الجزاءَ و لاالشكورا

سمتْ في الكون إيماناً و فخراً *** و عادت تملأُ الدنيا سرورا

فبالزهراء يبسمُ كلِّ باكٍ *** إذا ما القلبُ يفتقدُ الحبورا(2)

حنيني ما بقيتُ إليك يذكو *** كما في القلبِ يوشكُ أن يثورا

بلادي و الهوى شدٌ و جذبٌ *** و غيركِ قد غدتْ تحوي القشورا

إليك القلبُ يرحلُ كلِّ يومٍ *** و في ذكراك يوشكُ أن يطيرا

يمورُ الوجدُ دوماً في ضلوعي *** و يقدحُ في الحشا شوقاً سعيرا

بلادي جنةُ المأوى اخضراراً *** و أمصارُ الورى أضحتْ قبورا

أيا بنتَ الحسينِ فداكِ ناءٍ *** فأنتِ الذكرُ يحتضنُ الزبورا

جميعُ الخلق تطمعُ منك ودّاً *** و تطمعُ أن ترى فيكِ الأميرا

و أضحى ملجأَ للناس جمعاً *** فطبعُ الحرِّ يلتمسُ النصيرا

كشعبي مالقي شعبٌ عذاباً *** فما أبقتْ له الدنيا صدورا

فصدرُ تارةً يقضي ارتهاناً *** و صدر غالَهُ الأوغادُ طَوْرا

فقالوا: جبتمُ الأمصارَ جوعاً *** فلا براً ملكتم أو شعيرا

فقلنا:بل ركبنا كلِّ صعبٍ *** لدينِ للّه لانرجُو شكورا

تركنا في السوادِ كثير مالٍ *** و نملكُ في الورى خيراً و فيرا

سيبقى دأبنا للدين بذلاً *** و إن نلقى الدسائسَ و الشرورا

فما نرجُو ببذل النفس أجراً *** إذا ما الغيرُ يلتمسُ الأُجُورا

ص: 17


1- طاو: الطوى : الجوع.
2- الحبور: السرور.

و صرنا أسوةٌ في الناسِ نسمو *** و يبقى الغيرُ يعجزُ أن يطيرا

ورثنا دمعةَ الزهراءِ حزناً *** فما نالتْ من الدنيا نقيرا(1)

فراحت تملأ الدنيا عطاءً *** و راحت تغرس الدنيا بذورا

هي النور المبلّجُ حين نصحو *** هي الأزهار تحتضن العطور(2)

هي الحزنُ المبيّتُ في فؤادٍ *** غدا في الله محتسباً صبورا

ص: 18


1- أي لم تملك شيئاً من الدنيا.
2- المبلج: المشرق.

(3) بضعتي الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ أحمد رشيد مندو(*)(1)

خَدِيجَةُ أُمَّ المُؤْمِنِينَ تَهَنَّتِي *** بِمَا نَلْتِ مِنْ فَضْلٍ بِدُنْيَاكِ وَ الْأُخْرَىٰ

سَبَقَتِ إِلَى الإسلام كُلَّ نِسَائِهِ *** وَ كُنْتِ بِهِ صِدِّيقَةَ المُصْطَفَى الكُبْرَى

عَلَيْكِ رَسُولُ اللهِ أَثْنَى فَلَمْ تُطِقْ *** ثَنَاءَ رَسُولِ اللهِ زَوْجَتُهُ الحَمْرَا(2)

فَقَالَتْ لَهُ كَانَتْ عَجُوزاً كَبِيرَةً *** وَمِنْهَا حَبَاكَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا خَيْرَا(3)

ص: 19


1- (*) هو أحمد ابن الحاج رشيد بن إبراهيم بن أحمد مندو، و مندو لقب أسرته، و هو من أهل الفوعة التابعة لمحافظة إدلب في سوريا و هو من مواليد الفوعة من العرين صالحين سنة ألف و ثلاثمائة و خمس عشرة للهجرة و في السنة العاشرة من عمره تعلم القرآن حسب العادة القديمة، و بعد مضي ثلاثة أشهر ختم القرآن و أولع بمطالعة القصص و أخذ والده يعلمه الخط حيث كان والده خطاطاً، فنشأ على يد والده يكتب و يقرأ قراءة صحيحة و إملاء صحيحاً، و يطالع في كتب التاريخ الإسلامي، يحفظ الاشعار و السير التي تتحدث عن أهل البيت علیهم السلام و فضائلهم و مناقبهم، وبعد أن بلغ السنة الخامسة عشرة من عمره قرأ الأجرومية و قطر الندى في النحو على أحد المعلمين قراءة مجملة بدون تفصيل مبادىء الإعراب، و أحس أن النحو علم شريف فأتقنه. و كان المترجم له من دأبه أن يتصل برجال الفكر و الأدب، و مراراً قام بزيارة لمراجع الدين و منهم السيد أبو الحسن الاصفهاني، و السيد محمد هادي الميلاني و السيد حسين البروجردي و السيد محسن الحكيم. وكان دائماً يشجع على أن يجمع شعره و يطبع فعندما شعر بلزوم تسجيل شعره و تدوينه قام بخطوة أولى، و أول ما طبع له الجزء الأول من ديوانه (سوانح الافكار) في بيروت.
2- الحمرا: أي الحميراء، و هو الأسم الذي كان يطلقه الرسول الله صلي الله علیه . آله و سلم على زوجته عائشة بنت أبي بكر.
3- حباك: أعطاك من غير جزاء.

فَسَاءَ إِمَامَ المُرْسَلِينَ كَلَامُهَا *** وَ كَمْ هِيَ آذَتْهُ وَ أَفْشَتْ لَهُ سِرًا

وَ قَدْ كَانَ يُؤْذِي فَاطِماً هَجْوُ أُمِّهَا *** وَ لَمْ يُرْضِهِ الهَادِي مِنَ الزَّوْجَةِ الغَيْرَىٰ

فَقَامَ يُنَادِيهَا وَ يُعْلِنُ هَجْوَهَا *** وَ عُقْماً بِهَا مِنْ دُونِ شَكٍّ بِهِ تُزْرَى(1)

وَ قَالَ لَهَا بَلْ أَيْنَ مِثْلُ خَدِيجَةٍ *** وَ مَا شَهِدَتْ يَوْماً نَظيرَتَهَا الغَبْرَا

لَقَدْ صَدَّقَتْنِي حِينَ مَا كَانَ غَيْرُهَا *** يُكَذِّبُنِي وَاللهُ يُلْهِمُهَا الصَّبْرًا

وَ فِي المَالِ وَ اسَتْنِي فَأَنْفَقَتْ مَالَهَا *** وَ لَمْ أُبْقِ لاَ بَيْضَاءَ مِنْهُ وَ لاَصَفْرَا(2)

وَ أَعْقَمَكِ الرَّحْمَنُ دُونَ خَدِيجَةٍ *** وَ مِنْهَا حَبَانِي اللهُ ذُرِّيَّةً غَرّا

وَ إِنَّ إِلهَ العَرْشِ طَهَّرَ نَسْلَهَا *** وَ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْس شَادَ لَهَا قَصْرَا(3)

وَ قَدْ أَمَرَ البَارِي وَ أَبْشَرَهَا بِهِ *** وَ أَثْنَى عَلَيْهَا اللَّهُ فِي لَيْلَةِ الإِسْرَا

وَ مَا أَغْضَبَتْنِي لَحْظَةٌ فِي حَيَاتِهَا *** وَ لَمْ تَعْصِ يَوْماً يَا حُمَيْرَاءُ لِي أَمْرَا

وَ لَوْ بَقِيَتْ لِي مَا تَزَوَّجْتُ فَوْقَهَا *** وَ لاَثَيِّباً أَمْهَرْتُ كلاً وَ لاَبِكْرَا

وَ لَمْ تَلِدِ الأَيَّامُ فِي الكَوْنِ مِثْلَهَا *** وَ فِي عَقْلِهَا مَا شَاهَدَتْ مِثْلَهَا الخَضْرَا

وَ مَا ضَرَبَ الأَمْثَالَ فِي الذِّكْرِ رَبُّهَا *** بِزَوْجَةِ نُوحٍ ثُمَّ لُوطٍ لَهَا زَجْرَا

فَخَلّي لَهَا كُلَّ الفَضَائِلِ وَحْدَهَا *** وَ فِي غَيْرِ خَيْرِ لاتُثِيرِي لَهَا ذِكْرَا

وَ لاَتَحْسُدِيهَا يَا حُمَيْرًا *** فَتِهْلكِي وَ فِي هَجْوِهَا تُؤْذِينَ بَضْعَتِي الزَّهْرَا

وَ إِيَّاكِ دَوْماً عَنْ عَدَاوَةِ فَاطِمٍ *** وَ صِنْوِي عَلِيَّ مَنْ شَدَدْتُ بِهِ الْأَزْرَا(4)

ص: 20


1- تزری: تعاب و يوضع من حقَّها.
2- البيضاء: الدرهم. و الصفراء: الدينار.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج16 ص80 في حديث طويل عن الصادق علیه السلام: فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً و سمع خديجة علیها السلام تحدّث فاطمة علیها السلام، فقال لها: يا خديجة علیها السلام، من يحدّثك ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني فقال لها: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، و أنها النسمة الطاهرة الميمونة، و أن الله تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمّة في الأمة.
4- الصنو: الأخ الشقيق الأزر الظهر.

وَ إِنْ لَمْ تَكُفّي عَنْ عَدَاوَةِ عِتْرَتِي *** فَفِيهَا تَنَالِينَ النَّدَامَةَ وَ الخُسْرَا

وَ لاَ بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَقُودِينَ عَسْكَراً *** عَلَى جَمَلٍ لَنْ تَرْهَبِي تَرْكَكِ الخِدْرَا

تُرِيقِينَ مِنْ بَعْدِي الدِّمَاءَ وَ أَنْتِ *** لَاتَخَافِينَ فِي إِهْرَاقِهَا العَارَ وَ الوِزْرَا

تَرُومِينَ قَتْلَ المُرْتَضَى خَيْرِ عِتْرَتِي *** وَ تَأْتِينَ فِي هَيْجَائِكِ المُنْكَرَ الإِمْرَا(1)

فَيَمْحَقُ جَيْشَ النَّاكِثِينَ بِسَيْفِهِ *** عَلِيٌّ وَ بَعْدَ الحَرْبِ تَغْدِينَ فِي الْأَسْرَى

يَرُدُّكِ لِلْبَيْتِ الَّذِي قَدْ تَرَكْتِهِ *** وَ كَانَ لَكِ الرَّحْمَنُ صَيَّرَهُ سِتْرَا

رَعَى اللَّهُ قَوْماً حَبَّدُوا بَعْدَ أَحْمَدٍ *** تَبَرُّجَهَا المُزْرِي وَ فِتْنَتَهَا النَّكْرَا

وَ لَمْ يَبْرَحُوا فِي حَرْبِهَا لإِمَامِهَا *** لَهَا عِنْدَهُمْ خَيْرُ المَكَانَةِ وَ الذِّكْرَى

يَقُولُونَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ كَأَنَّهَا *** لَهَا الإِسْمُ هَذَا دُونَ ضَرَّاتِهَا طُرًا

عَفَا اللَّهُ عَمَّا كَانَ مِنْهَا وَ مَا جَرَى *** وَ ضَاعَفَ فِي يَوْمِ الجَزَاءِ لَهَا الأَجْرَا(2)

ص: 21


1- هيجاء: حرب.
2- خواطر الواجب ص52.

(4) الزكية فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد إسماعيل الحميري(*)(1)

ص: 22


1- (*) هو السيد اسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري. ولد السيد الحميري سنة (105 للهجرة) بعمان و نشأ في البصرة فاستقبل أبواه ولادته بما يستقبل به عادة كرام الآباء ولادات ابنائهم من سرور و ابتهاج، ثم عمدا إليه على عادة العرب إذ ذاك فسمّياه و كنّياه و لقّباه وتأنّقاً في ذلك كله؛ فاختارا منها ما تقبله الاذواق؛ فكان بدعى من ذلك اليوم بإسماعيل، و يكنى بأبي عامر أو بأبي هاشم على اختلاف في الرواية، و يلقّب بالسيد و هو لقب يدل على ذوق و حسن اختيار في أبويه. روي أن الامام الصادق علیه السلام لقي الحميري فقال: سمّتك أمّك سيِّداً وُفقت في ذلك أنت سيد الشعراء. و روى أبوالفرج في الاغاني ج7 ص230 أن أبوي السيد كانا إباضيين و كان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضيَّة، و كان السيد يقول: طالما سُبَّ أميرالمؤمنين علیه السلام في هذه الغرفة، فإذا سُئل عن التشيع من أين وقع له؟ قال: غاصت عليَّ الرحمة غوصاً، و روي عن السيد أن أمه كانت توقظه بالليل و تقول: إني أخاف أن تموت على مذهبك فتدخل النار، فقد لهجت بعليٍّ علیه السلام و ولده علیه السلام فلادنيا و لاآخرة، و لقد نغَّصت علي مطعمي و مشربي و قد تركت الدخول إليها. و روي أيضاً عن السيد: أن أبويه لما علما بمذهبه همّا بقتله فأتى الامير عقبة بن مسلم الهنائي فأخبره بذلك، فأجاره و بوأه منزلاً وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما. و كان السيد الحميري في بداية حياته على العقيدة الكيسانية، يقول بإمامة محمد بن الحنفيَّة و غيبته و له في ذلك شعرُّ، ثم أدركته سعادة ببركة الامام الصادق علیه السلام و شاهد منه حججه القوية و عرف الحق فنبذ ما كان عليه من سفاسف الكيسانية و قال قصيدته المشهورة التي مطلعها: و لما رأيت الناس في الدين قد غووا *** تجعفرتُ باسم الله فيمن تجعفروا فكان يقول: كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي الملقب بابن الحنفية قد ظللت في ذلك زماناً فمنّ الله عليَّ َبالصادق جعفر بن محمد علیه السلام و أنقذني به من النار، و هداني إلى سواء الصراط فسألته بعدما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ و على جميع أهل زمانه و أنه الامام الذي فرض الله طاعته و أوجب الاقتداء به، الخ. و السيد الحميري سيد الشعراء حقاً، لكثرة نظمه وجودة شعره فكان همُّه نظم فضائل أميرالمؤمنين علیه السلام روي أن السيد خرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة و قد حمله على فرس و خلع عليه فوقف بالكناسة ثم قال: يا معشر الكوفيين، من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن أبي طالب علیه السلام لم أقل فيها شعراً أعطيته فرسي هذا وما عليّ، فجعلوا يحدثونه و ينشدهم حتى أتاه رجلٌ منهم و قال: إن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عزم على الركوب فلبس ثيابه و أراد لبس الخفِّ فلبس أحد خفَّيه ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقضَّ عقابٌ من السماء فحلّق به ثم ألقاه فسقط منه أفعى و انساب فدخل جحراً فلبس الامام علي علیه السلام الخفّ فقال السيد: إني لم أكن قلت في هذا شيئاً، ثمَّ حرَّك فرسه و ثناها و أعطى ما كان معه من المال و الفرس للذي روى له الخبر ثم انشأ يقول و هذا مطلعه: ألا يا قوم للعجب العجابِ *** لخفِّ أبي الحسين و للحُبابِ و قال أبو الفرج في الاغاني ج7 ص236: لا يخلو شعره من مدح بني هاشم و ذم غيرهم ممَّن هو عنده ضدُّ لهم. و روي عن الموصلي عن عمه قال: جمعت للسيد في بني هاشم ألفين و ثلاثمائة قصيدة فخلت أني قد استوعبت شعره حتى جلس إليَّ يوماً رجلٌ ذو أطمار رثَّة فسمعني أنشد شيئاً من شعره فأنشدني به ثلاث قصائد لم تكن عندي فقلت في نفسي: لو كان هذا يعلم ما كلّه ثم أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجباً فكيف و هو لايعلم و إنما أنشد ما حضره و عرفت حينئذ أنَّ شعره ليس مما يُدرك و لايمكن جمعه كلّه. و حكي أنه رئي في بغداد حمالٌ مثقلّ فسأله عن حمله فقال: ميميات السيد الحميري!! و كان «رحمه اللَّه» يملّ الحضور في محتشد لايُذكر فيه آل محمد علیهم السلام و لم يأنس بحفلة تخلو من ذكرهم. و روي عن بعضهم قال: كنا جلوساً عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء و جلس و خضنا في ذكر الزرع و النخل ساعة فنهض فقلنا: يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال: إني لأكره أن أطيل بمجلس *** لاذكر فيه لفضل آل محمد لاذكر فيه لأحمد و وصيّه *** و بنيه ذلك مجلسٌ نطفٌ ردي إن الذي ينساهمُ في مجلس *** حتى يفارقه لغيرُ مسدد ومن شعره: وإذا الرجال توسلَّوا بوسيلة *** فوسيلتي حبّي لآل محمد و من أشعاره الخالدة قصيدته العينية و مطلعها: لأم عمرو باللوی مربعُ *** طامسة أعلامها بلقعُ و هي التي أنشدت عند الامام الصادق علیه السلام بعدما قتل زيد بن علي علیه السلام. و في البحار عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أنه رأى النبي صلي الله علیه و آله و سلم في منامه مع علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و ان السيد الحميري بين يديه يقرأ هذه القصيدة فلما فرغ منها قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم للرضاء علیه السلام: احفظ هذه القصيدة و مر شيعتنا بحفظها و أعلمهم انَّ من حفظها و أدمن قراءتها ضمنت له الجنة على الله «تعالى»، و قيل ان هذه القصيدة (54) بيتاً و قد تقدم جملة من أعلام الطائفة بشرح هذه القصيدة و قام لفيفٌ من العلماء و الادباء بتخميس هذه القصيدة أيضاً، و قد ذكر الاميني في الغدير عدداً من هؤلاء الاعلام فراجع الغدير ج2 ص224 و من أشعاره الخالدة القصيدة المذهَّبة التي شرحها الشريف الرضي فكان يقول لكل بيت: (سبحان الله ما أعجب هذا الكلام). و في حديث موت السيد الحميري مكرمة خالدة تُذكر مدى الدهر، ذكر المؤرخون أن السيد لما حضرته الوفاة اعترته نكتة سوداء ظهرت في وجهه و هو في حالة نزع و إغماء و قد اجتمع حوله أعداؤه و أشياعه فطبقت وجهه بالسواد فاغتم لذلك من حضره من الشيعة فظهر من المناوئين سرور و شماتة فما لبث أن فتح عينيه إلى ناحية القبلة ثم قال: يا أميرالمؤمنين علیه السلام أيفعل هذا بوليك؟ قالها ثلاث مرات فلم يلبث بعد ذلك إلا قليلاً حتى بدت في ذلك المكان من جبهته لمعة بيضاء فلم تزل حتى أسفر وجهه و أشرق وافتر ضاحكاً و أنشأ يقول: كذب الزاعمون أن عليّاً *** لن يُنجَي محبّه من هنات قد و ربي دخلت جنة عدن *** وعفا لي الإله عن سيئاتي فانشروا اليوم أولياء علي *** و تولّوا عليا حتى الممات ثم من بعده تولِّوا بنيه *** واحداً بعد واحد بالصفات و قد مر في مقدمة الديوان بعض التفاصيل عن حياته و خصوصياته. حكي أن السيد الحميري رحمه الله توفي ببغداد سنة (179 ه) فبعث الاكابر و الشرفاء من الشيعة سبعين كفناً له فكفَّنه هارون من ماله وردَّ الاكفان إلى أهلها، فكان لموته رنَّة اسى عميقة لدى الشيعة و دفن بالجنينة ببغداد.

ص: 23

مَنْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَصَدَّقَ رَاكِعاً *** يَوْماً بِخَاتَمِهِ وَ كَانَ مُشِيرًا؟

مِنْ ذَاكَ قَوْلُ اللَّهِ إِنَّ وَلِيَّكُمْ *** بَعْدَ الرَّسُولِ لِيُعْلِمَ الجُمْهُورا

وَلَدَى الصِّرَاطِ تَرَى عَلِيًّا وَاقِفَاً *** يَدْعُو إِلَيْهِ وَلِيَّهُ المَنْصُورا(1)

ص: 24


1- في ذخائر العقبى، ج71 عن قيس بن أبي حازم قال: التقى أبو بكر و علي بن أبي طالب الله علیه السلام عنهما فتبسم أبوبكر في وجه علي فقال له: ما لك تبسَّمت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «لا يجوز الصراط إلّا من كتب له علي الجواز». و في ينابيع المودة. الباب 29 عن سلمان الفارسي «رضي الله عنه» قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي علیه السلام أكثر من عشر مرات: «يا علي علیه السلام إنك و الأوصياء من ولدك أعراف بين الجنة و النار لايدخل الجنة إلّا من عرفكم و عرفتموه، و لايدخل النار إلا من انكركم و انكرتموه».

اللَّهُ أَعْطَى ذَا عَلِيًّا كُلَّهُ *** وَ عَطَاءُ رَبِّي لَمْ يَكُنْ مَحْظُورا(1)

وَ اللَّهُ زَوَّجَهُ الزَّكِيَّةَ فَاطِماً *** فِي ظِلِّ طُوبَى مَشْهَداً مَحْضُورا(2)

كَانَ المَلاَئِكُ ثُمَّ فِي عَدَدِ الحَصَى *** جِبْرِيلُ يَخْطُبُهُمْ بِهَا مَسْرُورا

يَدْعُو لَهُ وَ لَهَا وَكَانَ دُعَاؤُهُ *** لَهُمَا بِخَيْرٍ دَائِماً مَذْكُورا

حَتَّى إِذَا فَرِغَ الخَطِيبُ تَتَابَعَتْ *** طُوبَى تُسَاقِطٌ لُؤْلُوْا مَنْثُورا

وَ تَهِيلُ يَاقُوتاً عَلَيْهِمْ مَرَّةً *** وَ تَهِيلُ دُرّاً تَارَةً وَ شُذُورا(3)

فَتَرَى نِسَاءَ الحُورِ يَنْتَهِبُونَهُ *** حُوراً بذلِكَ يَحْتَذِينَ الحُورَا(4)

فَإِلَى القِيَامَةِ بَيْنَهُنَّ هَدِيَّةٌ *** ذَاكَ النَّارُ عَشِيَّةٌ وَ بُكُورا(5)

ص: 25


1- محظوراً: ممنوعاً.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك و رواه أيضاً صاحب كنز العمال ج6 ص152. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
3- تهيل: تصبَّ. الشذور: خرز يفصل به بين الجواهر و اللؤلؤ الصغير الواحدة شذرة جمع شذور و شذرات.
4- يحتذين: من حذا حذوه. أي فعل فعله و يجوز أن الكلمة مشتقة من الحذية و الحذيا وزن ثريا و هي ما أعطى الرجل لصاحبه من غنيمة أو جائزة رواية المناقب (يهتدين).
5- في أعيان الشيعة (فأتى القيامة). نقلاً من ديوان السيد الحميري ص212.

(5)بعد بيت الأحزان

(بحر الخفيف)

السيد باقر الهندي(*)(1)

ص: 26


1- (*) هو السيد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي، ينتهي نسبه إلى الامام الهادي علیه السلام. ولد في النجف الأشرف في غرة شعبان سنة (1284ه) و قيل (1285ه) و نشأ بها على أبيه فبقي معه حتى عام (1298ه) حيث سافر والده إلى سامراء للحضور في حلقة درس الكبير السيد المجدد الشيرازي فكان مصاحباً له مواظباً على درسه حتى رجع والده إلى النجف عام (1311ه) فرجع معه و عند تواجده في سامراء كان يختلف على بعض الاساتذة اللامعين في العلم و الفضل فأخذ عنهم الاصول و الفقه. ذكره فريق من الاعلام منهم كاشف الغطاء في (الحصون المنيعة) قال: كان عالماً فاضلاً كاملاً أديباً و ذكياً لوذعياً حسن المعاشرة لطيف المحاورة و شاعراً مكثراً تتلمذ على الشيخ محمد طه نجف، و على الميرزا الشيرازي الكبير، و على الميرزا ابراهيم الشيرازي المحلاتي، و جملة من علماء عصره. و ذكره السماوي في (الطليعة) قال: كان فاضلاً أديباً حسن المنثور و المنظوم ذكياً حسن طبقات الناس لطيف المحاضرة، و كان لايكاد يذكر له شيء من المعارف إلاّ و كانت له به معرفة و ظهر له فيها فكر. و ذكره الأمين في (الأعيان) قال كان عالماً فاضلاً أديباً، شاعراً، ظريفاً، حسن الاخلاق، حسن المعاشرة، ذكي الفؤاد دقيق الحس، قوي الشعور. و ذكره شبر في (أدب الطف) فقال: عالم فاضل و اديب شاعر، لطيف، حسن الاخلاق، حلو المعاشرة، ذكي، لامع، نظم فأبدع، و سابق فحلّق. و ذكره ابنه المرحوم السيد حسين الهندي قال: نشأ منشأ طيباً في زمن صالح و تعلَّم القرآن و الكتابة في مدة يسيرة و كان مولعاً بالامور الاصلاحية و له في ذلك مواقف مشهودة، و له مؤلفات، لم تزل مخطوطة نحتفظ بها منها رسالة في (حوادث المشروطة) فيها ما رجال الاصلاح و الدعاة المصلحين، كما كتب في الاخلاق، و كان شديد الولاء لأهل البيت علیهم السلام عظيم التعلق بمودتهم و في الليلة الثالثة من جمادى الثانية من سني إقامتنا بسرِّ من رأى، رأى في المنام كأنه جالس بحضرة ولي الامر و صاحب العصر و هو في قصر مشيد، فجعل يخاطبه قائلاً: سيدي هل يغيب عنك ما حلّ بأسرتك الطاهرة، و لو لم يكن إلا ما جرى على أمك الزهراء علیها السلام، فحنّ الامام علیه السلام و التفت إليه قائلاً. (لاتراني اتخذت لا وعلاها *** بعد بیت الاحزان بیت سرور) ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم على صوت بكائه و نبهناه فقص علينا الرؤيا، فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية (يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية) لذا نظم قصيدة على وزنه و رويه تتضمن حادثة الغدير وما جرى على أميرالمؤمنين و الزهراء علیهما السلام و ضمنها هذا البيت، أقول: و قد نقل السيد المقرّم في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام أنه رأى الإمام في المنام ليلة الغدير و هو كثيب حزين مفكر، فيقول له السيد باقر الهندي بعد أن وقع عليه يقبل يديه و قدميه: مالي أراك مفكراً مهموماً و هذه أيام فرح و سرور بيوم الغدير فأجابه الامام علیه السلام: ذكرت أمي الزهراء علیها السلام و حزنها و ما جرى عليها، ثم أنشأ علیه السلام. (لا تراني اتخذت لا وعلاها *** بعد بيت الأحزان بيت سرور) فانتبه السيد يحفظ البيت و نظم قصيدة على وزنه و رويه تتضمن حادثة الغدير و ما جرى على أميرالمؤمنين و الزهراء علیهما السلام و ضمنها هذا البيت: و للمترجَم له شعر كثير و قصائد عديدة في رثاء أهل البيت علیهم السلام و لو جمع شعره لصار ديواناً كبيراً. توفي في النجف الأشرف بمرض ذات الجنب قبل طلوع الشمس من يوم الثلاثاء غرة محرم(1329ه ) عن عمر ناهز الخامسة و الاربعين و دفن مع ابيه في دارهم الواقعة في محلة الحويش.

كُلُّ غَدْرٍ وَ قَوْلِ إِفْكِ وَ زُورِ *** هُوَ فَرْجٌ عَنْ جَحْدِ نَصَّ الغَدِيرِ(1)

فَتَبَصَّرْ تُبْصِرْ هُدَاكَ إِلَى الْحَقُ *** فَلَيْسَ الأَعْمَى بِهِ كَالبَصِيرِ

لَيْسَ تَعْمَى العُيُونُ لكِنَّمَا تَعْمَى *** القُلُوبُ الَّتِي انْطَوَتْ فِي الصُّدُورِ

يَوْمَ أَوْحَى الجَلِيلُ يَأْمُرُ طهَ *** وَ هُوَ سَارٍ أَنْ مُرْ بِتَرْكِ المَسِيرِ

حُطَ رَحْلَ السُّرَى عَلَى غَيْرِ مَاءٍ *** وَ كَلاً فِي الْفَلاَ وَ حَرِّ الهَجِير

ثمَّ بَلَّغْهُمُ وَ الأَ فَمَا بَلَّغْتَ *** وحياً عَنِ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ

أَقِمِ الْمُرْتَضَى إِمَاماً عَلَى الخَلْقِ *** وَ نُوراً يَجْلُو دُجَى الدَّيْجُورِ

ص: 27


1- جَحد: إنكار.

فَرَقی آخِذَاً بِكَفِّ عَلِيَّ *** مِنْبَراً كَانَ مِنْ حُدُوجٍ وَكُورِ(1)

وَ دعَا وَ المَلاَ حُضُورٌ جَمِيعاً *** غَيْبَ اللَّهُ رُشْدَهُمْ مِنْ حُضُورِ

إنَّ هذا أمِيرُكُمْ وَ وَلِيُّ الأَمُرِ *** بَعْدِي وَ وَارِثي و وزيري

هُوَ مَوْلًى لِكُلِّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ *** مِنَ اللَّهِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ

فَأَجَابُوا بِأَلْسُن تُظهِرُ الطَّاعَةَ *** وَ الغَدْرُ مُضْمَرٌ فِي الصُّدُورِ

بَايَعُوهُ وَ يَعْدَهَا طَلَبُوا البَيْعَةَ *** مِنْهُ لِلهِ رَيْبُ الدُّهُور

أَسْرَعُوا حِينَ غَابَ أَحْمَدُ لِلْغَدْرِ *** وَ خَافُوا عَوَاقِبَ التَّأْخِيرِ

نَبَدُوا العَهْدَ وَ الكِتَابَ وَمَا جَاءَ *** بِهِ وَ الوَصِيَّ خَلْفَ الظُّهُورِ

خَالَفُوا كُلَّ مَا بِهِ جَاءَ طَهَ *** وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ لَيْسَ بِالمَقْبُورِ

عَدَلُوا عَنْ أَبِي الهُدَاةِ المَيَامِينَ *** إِلَى بَيْعَةِ الأَثِيمِ الكَفُورِ

قَدَّمُوا الرِّجْسَ بِالوِلايَةِ لِلأَمْرِ *** عَلَى أَهْلِ آيَةِ التَّطْهِيرِ

لَسْتَ تَدْرِي لِمْ أحْرَقُوا البَابَ بِالنَّارِ *** أَرَادُوا إطفاء ذاك النُّورِ؟(2)

لَسْتَ تَدْرِي مَا صَدْرُ فَاطِمٍ مَا المِسْمَارُ *** مَا حَالُ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ؟(3)

ما سُقوط الجنين ما حُمْرَةُ الْعَیْنِ *** وَ مَا بَالُ قُرْطِهَا المَنْثُور؟(4)

ص: 28


1- حُدُوج: الأحمال. الكور: رحل البعير أو الرحل بأداته و هو مما يذلل به البعير و يوطأ.
2- انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص408.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول المسمار في صدر فاطمة علیها السلام و كسر ضلعها «سلام عليها» و قد مرَّ الموردان في قصائد سابقة: كتاب سليم بن قيس ص36 و ص37 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى سقوط الجنين و لطمها على خدها و تناثر قرطها و قد مرَّ كله أما سقوط الجنين فانظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 وكتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 . أما لطمها على خدها و تناثر قرطها فانظر كتاب ارشاد القلوب على لسان فاطمة علیها السلام، عن عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.

دَخَلُوا الدَّارَ وَ هْيَ حَسْرَى بِمَرَأَى *** مِنْ عَلِيّ ذَاكَ الأَبِي الغَیُّورِ (1)

وَ اسْتَدَارُوا بَغْياً عَلَى أَسَدِاللَّهِ *** فَأَضْحَى يُقَادُ قَوْدَ الأسيرِ

وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَاءُ فِي إِثْرِهِمْ تَعْثُرُ *** فِي ذَيْلِ بُرْدِهَا المَجْرُورِ

بأنِينٍ أوْرَى القُلُوبَ ضِرَاماً *** وَ حَنِين أَذَابَ صُمَّ الصُّخُورِ(2)

وَدَعَتْهُمْ خَلُوا ابْنَ عَمِّي عَلِيًّا *** أَوْ لأَشْكُو إِلَى السَّمِيعِ البَصِيرِ

مَا رَعَوْهَا بَلْ رَوَّعُوهَا وَ مَرُّوا *** بِعَلِيِّ ٍمُلَبَّباً كَالأَسِيرِ(3)

بَعْضُ هَذَا يُرِيكَ مِمَّنْ تَوَلَّى *** بَارِزَ الكُفْرِ لَيْسَ بِالمَسْتُورِ

كَيْفَ حَقٌّ البَتُولِ ضَاعَ عِنَاداً *** مِثْلَ مَا ضَاعَ قَبْرُهَا فِي القُبُورِ؟

قَابَلُوا حَقَّهَا المُبِينَ بِتَزْوِيرٍ *** وَ هَلْ عِنْدَهُمْ سِوَى التَّزْوِيرِ؟

وَ رَووْا عَنْ مُحَمَّدٍ خَبَراً لَمْ *** يَكُ فِيهِ مُحَمَّدٌ بِخَبِيرِ(4)

وَ عَلِيٌّ يَرَى وَ يَسْمَعُ وَ السَّيفُ *** رَهِيفٌ وَ البَاعُ غَيْرُ قَصِيرِ

قَيَّدَتْهُ وَصِيَّةٌ مِنْ أَخِيهِ *** حَمَلَتْهُ مَا لَيْسَ بِالمَقْدُورِ

أَفَصَبْراً يَا صَاحِبَ الأمْرِ وَ الْخَطْبُ *** جَلِيلٌ يُذِيبُ قَلْبَ الصَّبُورِ

ص: 29


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول القوم على الزهراء علیها السلام و هي دون خمار. انظر كتاب سليم بن قيس ص39 قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر وعمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك، تنادي بأعلى صوتها.
2- أورى: أوقد. ضراماً: اتقاداً. صم الصخور: صلابها.
3- ملبياً: مأخوذاً مجروراً. و قد أشار الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى دفاع الزهراء علیها السلام عن الامام علي علیه السلام. انظر كتاب الكافي ج1 ص490، و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
4- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى غصب فدك من الزهراء علیها السلام و اختلاقهم لحديث «نحن معاشر الانبياء لانوِّرث». انظر مسند أحمد ج1 ص9، و السنن الكبرى ج6 ص300، كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل. و العوالم ج2 ص631، انظر كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232.

كُمْ مُصابٍ يَطُولُ فِيهِ بَيَانِي؟ *** قَدْ عَرَى الطُّهْرَ فِي الزَّمَانِ القَصِير

كَيْفَ مِنْ بَعْدِ حُمْرَةِ العَيْنِ مِنْهَا *** يَا بْنَ طَهَ تَهْنَى بِطَرْفِ قَرِيرِ(1)

فَابْكِ وَ ازْفَرْ لَهَا فَإِنَّ عِدَاهَا *** مَنَعُوهَا مِنَ البُكَا وَ الزَّفِيرِ؟(2)

وَ كَأَنَّى بهِ يَقُولُ وَ يَبْكِي *** بِسِلُو نَزْرٍ وَ دَمْع غَزير

(لاَ تَرَانِي اتَّخَذْتُ لاَ وَعُلاهَا *** بَعْدَ بَيْتِ الأَحْزَانِ بَيْتَ السُّرُورِ)(3)

فَمَتَى يَا بْنَ فَاطِم تَنْشُرُ الطاغوتَ *** وَ الجِبْتَ قَبْلَ يَوْمِ النُّشُور

فَتُدَارَكَ مِنَّا بَقَايَا نُفُوسِ *** قَدْ أَذِيبَتْ بِنَارِ غَيْظ الصُّدُورِ(4)

ص: 30


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أنهم لطموا الزهراء علیها السلام على خدها وإلى احمرار عينها جراء ذلک. انظر ارشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 . و البحار ج8 ص240 (ط حجرية).
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أنهم منعوها علیها السلام من البكاء. ففي البحار ج43 ص177 ضمن ح15 ، و هو حديث طويل قال: اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا له علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منا يتهنّاً بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال: حباً و كرامة... الخ. انظر كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص322 حديث حول منع الزهراء علیها السلام عن البكاء.
3- و ربما (بيت سرور) بدون ألف و لام و على أية حال فإن الشاعر يشير في هذا البيت إلى بيت الأحزان الذي كانت الزهراء علیها السلام تبكي فيه. انظر كتاب البحار ج43 ص177.
4- رياض المدح و الرثاء ص197.

(6) يا إمام الزمان علیه السلام

(بحر الخفيف)

السيد باقر الهندي(*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار(**)(2)

أيُّها السائلي عن المقدور *** كيف أقصَوْا آل البشيرِ النذيرِ

هاكَ قولاً يجلُو عمى الديجورِ *** «كلُّ غدرٍ و قولٍ إفكٍ و زورِ

هو فرعٌ عن جحدِ نصِّ الغديرِ»

***

يومَ كانِ النبيُّ إذ ذاك أشفق *** من عتيقٍ و من أخي الجهلِ أزرق

فإذا شئت أن ترى الجهل يزهق *** «فتبصر تُبصْر هداك إلى الحق

فليسَ ليس الأعمی به کالبصیرِ»

***

كيف جرّوا الإمامَ قسراً يتمتعْ *** و إلى بيعةِ المنافق يدُفعْ

قلْ لمن راحَ في الضلالةِ يرتعْ *** «ليس تعمى العيونُ لكنّما تعمي

القلوبُ التي انطوتْ في الصدورِ»

***

ص: 31


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- (**)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

هاكَ من حجةِ الوداع نباها *** عن بني المصطفى شفاهاً شفاها

حادثاتٍ حتى العدوّ رواها *** «يوم أوحى الجليلُ يأمرُ طه

و هو سارٍ أن مُرْ بتركِ المسیرِ»

***

لاتخف كُلّ مايلي من بلاءْ *** من بني الجهل إنّهم شرُّ داءْ

أيُّها المصطفى امتثل لنداءْ *** «حُطّ رحلَ السُّرى على غير ماءْ

و كلاً في الفلا و حرّ الهجیر»

***

نادِ فيهم فدينُهُم ليس يُقبلْ *** بسوى البدر حيدرٍ ليس يأفلْ

ليماز المطيعُ ممَّن تبلبلْ *** «ثمّ المبلغهُمُ و الأ فما بَلْلَغْتَ

وحياً عن عن اللطيفِ الخیبرِ»

***

راكعاً جادَ لم يكنْ قطُّ يبخلْ *** و هو في الدين و السياسة أوّلْ

فاجعل الأمرَ فيه والربطَ و الحلْ *** «أقم المرتضى إماماً على الخَلْقِ

و نوراً يجلُو دجي الدیجور»

***

نصّ فيهمْ له بنصِّ جليّ *** و أقمهْ للناس خيرَ وليِّ

نفّذِ الأمر دونَ عيّ وَلَيِّ *** «فرقي آخذاً بكفِّ عليٍّ

منبراً كان من حُدُوج وكُورِ»

***

نكثوا العهدَ بعدَ طه سريعاً *** لُعِنوا، بئسَ ما أَتَوْهُ صنيعا

ص: 32

فكأن لم يقُم ينادي مذيعا *** «و دعا و الملا حضورٌ جميعا

غيَّبَ اللَّه رشدهم من حُضُورِ»

***

رام أن يُنقَذوا من التَيه و الذُلْ *** لو أزاحوا عن صدر هم كامِنَ السَلْ

فرقى المصطفى و قد أَسمَعَ الكُلْ *** «إنّ هذا أميركم و وليُّ

الأمرِ بعدي و وراثي و وزیري»

***

يومَ قامَ النبيُّ غرَّاً و طَوْلا *** عن إلهِ السما يبلِّغ قولا

إنّ هذا بكم أحقّ و أَولى *** «هو مولّى لكلّ من كنت مولاهُ

من اللَّه في جمیعِ الأمورِ»

***

فإذا القوم كالأفاعي رُقْطا *** لم يُراعوا من الأمانةِ قِسطا

كتبوا بينهم كتاباً و شرطا *** «فأجابوا بألسن تظهر الطاعةَ

و الغدر مضمرٌ في الصدورِ»

***

بايعوه لمْ يُظهروا الغيّ و اللَّيْ *** كلّ هيِّ من الحثالات أو بَيْ

يالخطبِ الدهور ما أقبحَ الغِيْ *** «بايعوه و بعدها طلبوا البيعة

منهُ للَّه ريبُ الدهور»

***

أحكموا اليوم عهد غدرٍ إلى الغَدْ *** قبل أن يدفنَ النبيُّ و يُلحدْ

فرغانغلُ حنتمٍ ثم أزبدْ *** «أسرِعُوا حين غابَ أحمدُ للغدْرِ

ص: 33

و خافوا عواقبَ التأخر»

***

يا لشيخين في الضلالةِ ماجا *** و لقوم بإثمها تتناجي

تركُوا العذبَ و استطابوا الأجاجا *** «نبذوا العهدَ و الكتابَ و ما جاءَ

به و الوصيَّ خلفَ الظهورِ»

***

فأبى الله تيمُ أن تعطاها *** أو عدي بأن تدوسَ وِطاها

لُعِنت أمّةٌ أضاعتْ هداها *** «خالفُواكلّ ما بهِ جاءَ طه

و هو إذ ذاك ليسَ بالمقبور»

***

منعَ الطرفُ من لذيذِ المنامِ *** للذي حلَّ بالوصيِّ الإمامِ

آهِ من معشرٍ طغامٍ لئامِ *** «عدلُوا عن أبي الهداةِ الميامينِ

إلي بیعةِ الأثیمِ الکفورِ»

***

بايعُوا آثماً مع الشرك توأمْ *** لم تَرَ العينُ منه أزرى و الأَمْ

يا لجُرح على المدى ليسَ يُلْأَمْ *** «قدَّمُوا الرجس بالولايةِ للأمرِ

على أهلِ آيةِ التطهیرِ»

***

أوَ تَدْرِي بما لهُ الرجسُ سَنّا *** والّذي نالَهُ الملاعينُ مِنّا

أو تدري بِقلبِ فاطمَ أَنَّا *** «أو تدري لِمْ أحرقُوا البابَ بالنَّارِ

أرادوا إطفاء ذاک النورِ»

***

ص: 34

إذ أتى السامريُّ بالبابِ يردسْ *** و ابن قحفٍ من خلفِ ذاك يوسوسْ

أَوَ تَدْرِي بالليل حين يعسعسْ *** «أَوَتَدْرِي ما صدرُ فاطم ما المسمارُ

ما حال ضلعِها المکسورِ»

***

غصبُوا نحلةَ البتولِ من الفَيْ *** فتسنّى قتلُ ابن فاطم للريْ

أَوَ تَدْرِي بما جنى الحقدُ و الغَيْ *** «ما سقوطُ الجنينِ ما حمرةُ العين

وما بالُ قرطِها المنثورِ»

***

ملأ الكفرُ منهم القلبَ ملأَ *** و عن الله لم يزالوا بمنأى

هَدَمُوا الدين ثمَّ عوداً و بدءا *** «دخلوا الدار و هي حسرى بمرأى

من عليٍّ ذاک الأبي الغیور»

***

حَمَلُوا في القلوبِ حقداً و غِلاً *** و أرادُوا إطفاءَ نورٍ تجلّى

نفّذوا خطةَ الصحيفة كُلّا *** «و استدارُوا بغياً على أسدِ اللّهِ

فأضح يقادُ قودَ الأسيرِ»

***

سحبُوا الليثَ ويحهمُ من عرينٍ *** و استغلُّوا وصيةً للدِّينِ

سحبُوهُ بشرِ حالٍ و هُونِ *** «ينظرُ الناسَ ما بهم من مُعينٍ

و ینادي و ما لهُ من نصیرِ»

***

أسقطُوا محسناً قتيلاً مضاما *** حين رضُّوا بالبابِ منها العِظاما

ص: 35

فأشارت إذ لا تطيقُ كلاماً *** «بأنين أورى القلوبَ ضراما

و حنین أذابَ صُمَ الصخورِ»

***

و شكتْ حالها تنادي النبيّا *** يا رسول الإلهِ انظُر إليّا

ثم صاحتْ عسى يعافونَ غيا *** «و دعتهُم خلّوا ابن عمّي عليّا

أو لَأَشكو إلى السمیعِ البصیرِ»

***

ما أصاغُوا لها ففي الأذن و قرُ *** و تمادوا ببغيِّهم و استمرُّوا

ليس عجباً أن يبغض الطُّهرَ عهرُ *** «ما رعَوْها بل روَّعُوها و مَرُّوا

بعليّ ملبّباً كالأسیرِ»

***

قل لمن تاهَ في هواهم وضلّا *** لاهبَ النارِ سوفَ في الحشرِ تصلى

فإذا كنتَ مالكاًويك عقلا *** «بعضُ هذا يريك ممّن تولّى

بارزَ الكفر ليسَ بالمستورِ»

***

قل لمن شَاءَ أن يصحَّ اعتقادا *** خذْ من الآلِ للقيامةِ زادا

و سلٍ النفسَ إن أردتِ رشادا *** «كيف حق البتول ضاعَ عنادا

مثلما ضاعَ قبرُها في القبورِ»

***

وتبرأُ مِمَنْ يهرُّ و يعوِي *** و من الزمرةِ التي الحقَّ تزوي

ص: 36

حيث لمّا قد أفصحَ الحقُّ يروي *** «قابلُوا حقَّها المبينَ بتزويرٍ

و هل عندهُم سوی التزویرِ»

***

غيّروا باختلاقِهِم كُلَّ معلّمْ *** فأضاعوا الميراث و هو مُسَلَّمْ

و افترى شيخُهُم حديثاً مُنَمْنَمْ *** «و رووا عن محمّدِ خبراً لمْ

يكُ فیهِ محمّدٌ بخبیرِ»

***

بالَصَبْرٍ يحيُّر الميتَ و الحَيْ *** ماسمعنا بمثلِ ذلكَ من شَيْ

نَغْلُ تيمٍ يعثو كما شاء بالغيْ *** «و عليٌّ يرى و يسمعُ و السيفُ

رهيفٌ و الباعُ غيرُ قصيرِ»

***

آه لولا القضا و ما خطَّ فيهِ *** لقضى المرتضى على غاصبيهِ

غیر أن الإمامَ فيمايليهِ *** «قيّدتهُ وصيّةٌ من أخيهِ

حمّلَتهُ ماليس بالمقدورِ»

***

يا إمامَ الزمانِ قلبي قد انعطْ *** لأمور لها السماواتُ تنحطْ

جرّد السيف بي أعاديك و اسخطْ *** «أفصبراً يا صاحب الأمرِ و الخطْبُ

جليلٌ يذيبُ قلبَ الصبورِ»

***

فإلامَ البقاءُ في الكتمانِ *** و احتمالَ الأذى منَ العدوانِ

ص: 37

خذ بثاراتِها بأسرع آنِ *** «كم مصابٍ يطولُ فيه بياني

قد عرى الطهر في الزمانِ القصيرِ»

***

أزح الهمَّ يابن فاطمٍ عنها *** و على فادحِ الرزايا أعِنْها

هذه أُمُّك الوديعةُ صُنْها *** «كيف من بعد حمرةِ العينِ منها

یا بن طهَ تهني بطرفِ قریرِ»

***

لك ترنُو من فاطمٍ عيناها *** علّ يوماً تردُّ عنها أساها

فإذا لم تسرّها بشفاها(1) *** «فابكِ وازفر لها فإنَّ عِداها

منعُوها وهامن البكا و الزفيرِ»

***

طهَّر الأرض من نفاقٍ و شركِ *** و اصلبِ القوم حيثُ جاؤوا بإفكِ

فكأنّ الإمام حزنان يحكي *** «و كأنّي به يقولُ و يبكي

بسلوِّ نزر و دمعٍ غزیرِ»

***

لا و حقِّ النبيٍّ لاأنساها *** هي أُمّي التي أضيعَ ثراها

لاتراني و حقُّ جدّيَ طه *** «لاتراني اتّخذت لا و علاها

بعدَ بيتِ الأحزان بیتَ سرورِ»

***

عُطَّ أكبادَهِم فديتُك عَطّا *** إنّهم نثّروا من الأُذنِ قُرْطا

ص: 38


1- أي بشفائها.

عجّل الثارَ لايكن منكَ شحطا *** «فمتى يابنَ فاطمَ تنشرُ الطاغوتَ

و الجبتَ قبلَ يوم النشورِ»

***

يا أنيسَ النفوسِ خير أنيسِ *** أينعتْ منهُمُ ثمارُ رؤوسِ

فاقتطفها بطالعٍ ذي نحوسِ *** «و تداركْ منّا بقايا نفوسِ

قد أُذيبتْ بنارِ غيظٍ الصدورِ»

***

ص: 39

(7) هم قدوتي

(بحر الطويل)

الأستاذ بدر شبيب الشبيب

أيا سائلاً عنِّي إذا شئتَ أن تقرا *** فقلب كتابَ المجدِ لاتتركَنْ سَطْرا

ستعلمْ أني في عيونِ سطورِه *** أُزيّنها كحلاً و أمنحُها سِحرا

و أنّي الذي و الى النبيِّ وآله *** هم قُدوتي دنياهُمُ عدّتي أُخرى

رجالُهُمُ خيرُ الرجالِ مكانةً كفاني بهم *** عزاً کفاني به فخرا

و إن عدَّ غيرِي في المفاخر نسوة *** كفاني إذا ما قلتُ فاطمةَ الزهرا

لئن سادتْ العذراءُ نسوةً عصرها *** فقد سادتِ الزهراء في قدرِها العُصرا

تعجبتُ للتاريخِ يكتُمُ أمرَها *** فساءلتُهُ يوماً فأبدى لِيَ العُذرا

و أعرضَ عني قائلاً إن في فمي *** فقلتُ اقذف الماءَ الذي يورثُ القهرا

و حدّثْ عن الزهراءِ بضعةِ أحمدٍ *** و مَن كانت الآياتُ في حقِّها تترى

ألم تكُ أُمّاً للنبيِّ و كوثراً و كانَ *** رسولُ اللَّه يوصِي بها خَيْرا

فهل حفظُوا بعدَ النبيِّ مقامَها؟ *** فصانُوا لها ودّاً و كانت لهم ذكرى

فقال ليَ التاريخُ و الدمعُ هاطلٌ *** أحلتَ فؤادي منذ ساءلتني جمرا

لقد بدأتْ كلُّ الرزايا برزئها *** و من فدكٍ كانتْ رزيتُنا الكبرى

و كان الذي قد كانَ من أمرِ دارِها *** فظُنَّ به خيراً و لاتكشفنْ سِترا

فقلتُ إذا أحسنتُ ظناً بما جرى *** فما بالُ بنتِ المصطفى و وريتْ عُسرا

فقال كفى لاتستزد من عنائِها *** فقد زدتني همّاً و أرهقتَنِي عُسرا

و لاتطلبِ التفصيل عمّا جرى لها *** و رفقاً بحالِي إن لي كَبِداً حرى

تكلّفني الأيامُ ما لاأُطيقه *** أرى صفوة الأخيار مغبونة جهرا

ص: 40

(8) حق الطهر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ بهاء الدين العاملي (*)(1)

أهْوَى عَلِيّاً أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ وَ *** لاَ أَرْضَى بِسَبُ أَبِي بَكْرٍ وَ لَاعُمَرَا

ص: 41


1- (*) هو الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي الجبعي. يرجع نسبه إلى الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني من أصحاب أميرالمؤمنين علیه السلام. و همدان قبيلة يمنية قطنت الكوفة بعد الفتح الاسلامي و قد كان لها دور بارز في مؤازرة أميرالمؤمنين علیه السلام و نصرته حتى قال علیه السلام في مدحهم. ألا إِنَّ همدان الكرام أعزةٌ *** كما عز ركن البيت عند مقام أناسٌ يحبون النبي و رهطهُ *** سراعٌ إلى الهيجاء غير كهام إذا كنت بواباً على باب جنّةٍ *** أقُولُ لهمدان ادخُلُوا بسلام و همدان فرع من قبيلة أكبر و هي عاملة من قبائل اليمن التي سكنت جبال الشام و قد عُرفت هذه الجبال باسمها فسُمّيت «جبل عامل». و الجبعي نسبة إلى جبع قرية من قرى جبل عامل و هي الموطن الأصلي لآبائه و أجداده، و إليها ينتسب كثير من علماء جبل عامل. ولد الشيخ البهائي في بعلبك سنة (953 هجرية) و نشأ و ترعرع في أجواء أسرة علمية متدينة وصف ذلك بنفسه قائلاً: «إن آباءنا و أجدادنا في جبل عامل كانوا مشتغلين بالعلم و العبادة و هم أصحاب كرامات و مقامات». فوالده الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمد كان من تلاميذ الشيخ الشهيد الثاني، فهو عالم و محقق و متبحِّر و أديب و شاعر ثقة جليل. انتقل شيخنا البهائي مع والده المقدس من مسقط رأسه بعلبك إلى قزوين عاصمة الصفويين آنذاك و كان عمره سبع سنوات و تتلمذ هناك على والده وثلة من علماء قزوين و أصفهان حتى أذعن له كل مناظر، و سمت منزلته و اقترن بكريمة الشيخ زين الدين علي منشار العاملي شيخ الاسلام في ايران في عصر الشاه طهماسب، و كان من تلامذة الشيخ علي الكركي، و قد حظي الشيخ البهائي بمنزلة رفيعة لدى الشاه عباس الصفوي الأول، و ارتقى أهمّ منصب ديني في الدولة و هو منصب شيخ الاسلام، فرغب في السياحة و محالفة الاسفار، فبدأ بسياحته بحج بيت اللَّه الحرام و مدينة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم، حيث استغرقت أربع سنوات، ثم سافر إلى العراق لزيارة المراقد المقدسة، و استقر في مصر سنتين، و ألف فيها كتاب الكشكول و قد جمع فيه من كل فن بدون ترتيب، و هو كتاب فريد في بابه لم يسبقه إليه أحد حوى الكتاب طرائف و حكماً و قصصاً و أخباراً و أشعاراً لطيفة، فبثَّ في ثناياها أفكاراً و أدلة و حججاً تدعو إلى المذهب الصحيح، ثم سافر إلى دمشق فنزل فيها زماناً، و ذهب إلى حلب ثم قدم القدس و مكث فيها زمناً، ثم ذهب إلى هراة وزار بعدها مرقد الامام علي بن موسى الرضا علیه السلام في خراسان، ثم سافر إلى آذربایجان و رجع بعدها إلى اصفهان و قد استغرقت أسفاره ثلاثين سنة، و قد التقى في أسفاره بعلماء و أدباء العالم الاسلامي آنذاك و دخل معهم في حوار علمي و عقائدي و قد سجل لنا التاريخ جزءاً يسيراً من تلك المباحثات و المناظرات، و كان «قدس سره» يحرص على عدم التظاهر بحقيقة مذهبه و يتماشى مع المذهب الشائع هناك لمصالح تبليغية تهدف إلى الدخول إلى قلوب القوم ثم التأثير عليهم و هذا أحد الاسباب التي دعت بعض علماء العامة إلى الادعاء أنه على مذهبهم قال «رضوان الله عليه»: و إني امرؤ لايدرك الدهر غايتي *** و لاتصل الأيدي إلى سبر أغواري أخالطُ أبناء الزمان بمقتضى *** عقولهم كيلا يفوهوا بإنكاري و أظهر أنّي مثلهم تستفزّني *** صروف الليالي بإخلاءٍ و إمرارِ لقد اقترن اسم الشيخ البهائي باختراعاته العلمية العجيبة، و اشتهر بفنونه المعمارية، فمنها هندسة المشهد العلوي في النجف الأشرف على قواعد هندسية فلكية لم تكن لتخطر في بال، إذ جعل الجدار الشرقي من سور المشهد يمتدّ قائماً من الشمال إلى الجنوب بحيث يدل على وقت زوال الشمس عند الظهر بمجرد سقوط أشعتها على وجهه الغربي في مختلف فصول السنة و بحسب منازل الشمس بحيث لايؤثر انتقالها من منزلة إلى منزلة على توقيت ذلك الجدار للزوال بدقة منقطعة النظير، و من إنجازاته هندسة المشهد الرضوي في خراسان على ساكنه ألف تحية وسلام». و من الأسرار الهندسية التي أنجزها هندسته لمئذنتين تقومان إلى الآن في اصفهان يمكن لرجل واحد أن يحتضن إحداهما و يهزها فتهتز المئذنة الأخرى و تتحرك بحركتها بشكل ملحوظ. و من أسراره المعمارية بناء مسجد شاه في أصفهان بحيث يرد الصدى ست أو سبع مرات تحت القبة. و من معاجزه العلمية التي أخذت بألباب العلماء هو الحمام الذي بناه و جعل ماءه يسخن بشمعة واحدة أشعلها بيده فكانت كافية لتسخين الماء لمئات السنين بحيث بقيت مشتعلة تسخن الماء و لاتذوب إلى عهد ليس ببعيد حيث خربتها لجنة من العلماء الأجانب عملت لاكتشاف سرها المدهش فانطفأت الشمعة بين أيديها و لم تدرك سرّ اشتعالها و عدم ذوبانها قروناً عديدة و يرجع البعض هذا التصرف منهم إلى سياسة الغرب المتواصلة في إضعاف الإسلام و المسلمين و تحطيم تراثهم و مفاخرهم. ألف الشيخ البهائي كتباً جليلة في مختلف العلوم و الفنون في التفسير و الحديث و الفقه و الاصول و الفلك و الحساب و اللغة و غيرها. ومن مؤلفاته: 1- الكشكول، 2- المخلاة، 3- خلاصة الحساب، 4- زبدة الأصول، 5- أسرار البلاغة، 6- الحبل المتين، 7- الأربعون حديثاً ، 8- وسيلة الفوز والأمان، 9- الأنوار الإلهية، 10- توضيح المقاصد، 11- حاشية على البيضاوي، 12- الحديقة الهلالية، 13- الدراية فيما يحتاج إليه أهل الرواية، 14- تشريح الافلاك في الهيئة، 15- التحفة الحاتمية، 16- تهذيب البيان، 17- الجامع العباسي، 18- الفوائد الرجالية، 19- مشرق الشمسين وغير ذلك من الكتب القيمة. و توفي قدس سره في الثاني عشر من شهر شوال سنة (1031 هجرية) في أصفهان عن عمر بلغ 77 سنة، و نقل جثمانه الشريف من اصفهان إلى خراسان حيث دفن في داره التي في جوار حرم مولانا الرضا علیه السلام و أصبحت الآن جزءاً من الحرم الرضوي يزورها القاصدون.

ص: 42

وَ لاأَقُولُ إِذَا لَمْ يُعْطِيَا فَدَكَاً *** بِنْتَ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ كَفَرًا

اللهُ يَعْلَمُ مَاذَا يَأْتِيَانِ بِهِ *** يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عُذْرِ إِذَا اعْتَذَرَا(1)

و لبهاء الدين محمد العاملي في جوابه:

يَا أَيُّهَا المُدَّعِي حُبِّ الوَصِي وَ لَمْ *** يَسْمَحْ بِسَبْ أَبِي بَكْرٍ وَ لَاعُمَرَا

كَذَبْتَ وَ اللَّهِ فِي دَعْوَى مَحَبَّتِهِ *** تَبَّتْ يَدَاكَ سَتَصْلَى فِي غَدٍ سَقَرَا(2)

: 43


1- جاء في روضات الجنان ج1 ص372 عن الكشكول للبهائي أن هذه الأبيات أن هذه الأبيات هي لإبن حجر العسقلاني قالها في الاعتذار عن تعديات الشيخين (أبوبكر و عمر) و لعل هذا هو الأصوب مما جاء في نسبتها للكميت الأسدي. كما في الغدير ج2 ص275 الطبعة الثانية بطهران، قال المرزباني في أخبار السيد الحميري: قيل: إن السيد حج أيام هشام فلقي الكميت فسلم عليه و قال أنت القائل: و لاأقول إذا لم يُعطيا فدكاً... إلى آخر الأبيات؟ قال: نعم قلته تقية من بني أمية و في مضمون قولي شهادة عليهما أنهما أخذا ما كان في يدها و جرت بينهما محاججة سلم منها الكميت للسيد قائلاً: أنا تائب إلى الله مما قلت و أنت يا أبا هاشم. يقصد السيد. أعلم وأفقه منا.
2- تبُت: قطعت. تصلى: سقراً تدخلها و تشوى فيها. سقراً : علم من أعلام جهنم.

وَ كَيْفَ تَهْوَى أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ وَ قَدْ *** أَصْبَحْتَ فِي سَبِّ مَنْ عَادَاهُ مُفْتَكِرًا

فَإِنْ تَكُنْ صَادِقاً فِيمَا نَطَقْتَ بِهِ *** فَابْرَأَ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ خَانَ أَوْ غَدَرَا

وَ أَنْكَرَ النَّصَّ فِي حُمِّ وَبَيْعَتَهُ *** وَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ هَجَرَا

أَتَيْتَ تَبْغِي قِيَامَ العُذْرِ فِي فَدَكٍ *** أَتَحْسَبُ الأَمْرَ بِالتَّمْوِيهِ مُسْتَتِرَا

إِنْ كَانَ فِي غَصْبٍ حَقِّ الظُّهْرِ فَاطِمَةٍ *** سَيُقْبَلُ العُذْرُ مِمَّنْ جَاءَ مُعْتَذِرَا(1)

فَكُلُّ ذَنْبٍ لَهُ عُذْرٌ غَدَاةَ غَدٍ *** وَ كُلُّ ظُلْمٍ يُرَى فِي الحَشْرِ مُغْتَفَرَا

فَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَيَّامُهُ صُرِفَتْ *** فِي سَبِّ شِيخَتِكُم قَدْ ضَلَّ أَوْ كَفَرَا

بَلْ سَامِحُوهُ وَ قُولُوا لاَ نُؤَاخِذُهُ *** عَسَى يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ إِذَا اعْتَذَرَا

فَكَيْفَ وَ العُذْرُ مِثْلُ الشَّمْسِ مُتَّضِحٌ *** وَ الأَمْرُ مُنْكَشِفٌ كَالصُّبْحِ إِذْ ظَهَرَا؟

لكِنَّ إبْلِيسَ أَغْوَاكُمْ وَ صَيَّرَكُمْ *** عُمْياً وَ صُمّاً فَلاَسَمْعاً وَ لاَ بَصَرَا(2)

ص: 44


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى غصب فدك من الزهراء علیه السلام أنظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد أيضاً و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و سيرة الحلبي ج3 ص487.
2- أغواكم أضلَّكم و انظر الغدير ج2 ص275.

(9) زهراء علیها السلام يا بنت الرسالة

(بحر الكامل)

الأستاذة تغريد خطّاب

قُدْسِيَّةٌ ذِكْرَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** لأَلا عَابِقَةٌ بِسِرُ وَقَارِ

ذِكْرَى بِنَاءِ المَجْدِ فِي عَلْيَائِهِ *** ذِكْرَى خُلُودِ الحَقِّ وَ الآثَارِ

ذِكْرَىٰ قِيَادَةِ عَالَم بِتَمَامِهِ *** نَحْوَالكَمَالِ بِهِمَّةٍ وَ تَبَارِي

حَيْثُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ تَبَثَّلَتْ *** تَبْغِي رِضَا رَبِّ الوَرَى الغَفَّارِ(1)

حيْثُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ تَكَتَّلَتْ *** تَدْعُو إِلَى الإسلام ذي الأَنْوَارِ

مُتَسَرْ بِلاَتٌ سَاعِيَاتٌ لِلهُدَى *** مُتَفَقِّهَاتٌ عَابِدَاتُ البَارِي(2)

وَ أَمَامَهُنَّ إِمَامَةٌ لمَّاعَةٌ *** مِعْطَاءَةٌ جَادَتْ بِكُلِّ فَخارِ

مُزدَانَةٌ بِالنُّورِ ذَاتُ مَهَابَةٍ *** بِنْتُ الكِرَام سَلِيلَةُ الأَطْهَارِ

هِيَ أُمُّنَا هِيَ حُبُّنَا وَ مَلَاذُنَا *** فِي نُسْخَةِ الأَخْلاقِ وَ الإِكْبَارِ

هِيَ ابْنَةُ المُخْتَارِخَاتَمُ سَيْدٍ *** هِيَ فَاطِمُ الزَّهْرَاءُ وَ الأَزْهارِ

مِنّا السَّلامُ هَدِيَّةٌ أَلآقَةٌ *** يَا أُمُّ كَمْ لِلأُمِّ مِنْ أَسْرَارِ؟(3)

فَالأُمُ عَالَمُ عِزَّةٍ وَ سَعَادَةٍ *** وَ الأُمُّ حُب صَارِمُ الأَوْتَارِ

خَطَّتْ عَلَى التّارِيخِ صَفْحَةَ سُؤْدَدٍ *** فَلَهَا الخُلُودُ عَظِيمَةُ المِقْدَارِ

هِيَ عَالَمٌ بِكَمَالِهِ مُذْ أَرْشَدَتْ *** جِيلاً إِلَى الإِصْلاح و الإِبْصَارِ

***

ص: 45


1- تبتّلت: انقطعت عن الدنيا إلى اللَّه.
2- متسربلات: تسربل بالشيء: تلبَّس به.
3- ألاقة: لمّاعة أو لامعة.

أَرْجُوكِ فَاطِمُ سَامِحِينِي وَ اعْذُرِي *** رَخَمْتُ فَاطِمَ وَ الحَيَاءُ إِزَارِي

لكِنَّنِي أَبْغِي حِكَايَةَ قِصَّةٍ *** لِكَرِيمَةِ الأخْلاقِ خيرَ منارِ

ها ثَوْبُ عُرْسِكِ يَا فَتاةُ فَخَبِّنِي *** ثَوْبُ الزَّفَافِ هَدِيَّةُ المُخْتَارِ

مَنْ طَارِقٌ بَابَ الفَتَاةِ ظُهَيْرَة؟ *** هَلْ مِنْ لِبَاسِ أَوْ نُصَيْفِ إِزَارِ؟؟

حَمَلَتْ فَتَاةُ العُرْسِ ثَوْبَ زَفَافِهَا *** أَهْدَتْهُ رَاجِيّةً رِضَا الغَفَّارِ(1)

فَأَتَاهَا جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِحُلَّةٍ *** مِنْ جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ وَ الأَنْهَارِ

زُفَّتْ بِهَا بَراقَةً فِي حُسْنِهَا *** مَبْرُوكُ فَاطِمُ تُحْفَةُ الأَبْرَارِ

***

مَنْ يُؤذِهَا يُؤذِ النَّبِيَّ المُصْطَفَى *** بِنْتُ النَّبِيِّ نَقِيَّةُ الأَسْتارِ

بِنْتُ النُّبُوَّةِ قُدْوَةٌ فِي سَعْيِنَا *** بِنْتُ النَّبِيِّ مَنَارَةٌ لِلسَّارِي

بِنْتُ النَّبِيِّ مُدِيرَةٌ لِسُلُوكِنَا *** بِنْتُ النَّبِيِّ عَطِيَّةُ الجَبَّارِ

بِنْتُ النُّبُوَّةِ هُذْبَتْ فِي دَارِهِ *** أَكْرِمْ بِدَارِ نَبِيَّنَا مِنْ دَارِ

***

زَهْرَاءُ يَا بِنْتَ الرِّسَالَةِ هَلْ لَنَا *** تُحْيِي الأَصَالَةَ فِي بَليغ حِوَارِ

زَهْرَاءُ هَلْ مِنْ عَوْدَةٍ فِي سَاحِنَا *** تَدْعُو فَتَاةَ العَصْرِ فِي الأَسْحَارِ؟

ص: 46


1- في نزهة المجالس للصفوري، ج2 ص226. إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم صنع لها قميصاً جديداً ليلة عرسها و زفافها و كان لها قميص مرقوع و إذا بسائل على الباب يقول: أطلب من بيت النبوة قميصاً خلقاً فأرادت أن تدفع إليه القميص المرقوع فتذكرت قوله «تعالى» «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»، آل عمران/ 92 فدفعت له الجديد فلما قرب الزفاف نزل جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم ان الله يقرئك السلام، و أمرني أن أسلّم على فاطمة علیها السلام و قد أرسل لها معي هدية من ثياب الجنة من ثياب الجنة من السندس الأخضر، فلما بلغها السلام و ألبسها القميص الذي جاء به لفها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالعباءة ولفّها جبرئيل بأجنحته حتى لايأخذ نور القميص بالأبصار، فلما جلست بين النساء الكافرات، و مع كل واحدة شمعة و مع فاطمة علیها السلام سراج رفع جبرئیل جناحه و رفع العباءة وإذا بالأنوار قد طبقت المشرق و المغرب فلما وقع النور على أبصار الكافرات خرج الكفر من قلوبهن و أظهرن الشهادتين.

زَهْرَاءُ هَلْ مِنْ نَظْرَةِ لِرُبُوعِنَا *** تَهْدِي الجَمِيعَ إِلَى خُطى الأَخْيَارِ؟

زَهْرَاءُ هَلْ مِنْ هَمْسَةٍ تَغْدُوبِهَا *** أَفْكَارُنَا فِي الحَقِّ تَاجَ فَخارِ؟

عُودِي إِلَيْنَا يَا مَلاكُ لِتُوقِظِي *** فَلَبِئْسَ نَوْمُ القَلْبِ وَ الأَفْكَارِ

هَا دَعْوَةُ الزَّهْرَاءِ جَادَتْ بِالنَّدَا *** مَدَّتْ يَداً فِي عَزمِهَا البتّارِ

نَادَتْ نِسَاءَ العَصْرِ فِي صَبْحَاتِهَا *** أَلَمْ يَمُوجٌ بِحَلْكَةِ الأخْطَارِ

***

هَبًا فَتاةَ الدِّينِ هُبِّي لِلْعُلاَ *** دُكِّي صُروحَ الجَهْلِ فِي الأَغْوَارِ(1)

تِيهِي عَلَى شَفَةِ الزَّمَانِ رِسَالَةً *** عُلْوِيَّةٌ تَبْنِي بِلا أَحْجَارِ

نَبَوِيَّةٌ تَبْنِي المَعَانِي فِي الحِجَا *** تُحْيِي النُّفُوسَ مَتِينَةَ الإِعْمَارِ(2)

فَعَقِيقَةٌ وَ نَقِيَّةٌ وَ فَقِيهَةً *** وَ أَصِيلَةٌ وَ عَمِيقَةُ الأَسْرَارِ

***

وَ لْيُزْهِرِ الكَوْنُ الرَّحِيبُ بِأُمَّةٍ *** فِيهَا النِّسَاءُ سَمَتْ بِلاَ إِدْبَارِ

وَ ليَعْدُ عَالَمُنَا نَشِيدَ سَعَادَةٍ *** يَشْدُو بِلاَ نَغَم وَ لاَأَوْتَارِ

وَ لْتَعْدُ أَمَّتُنَا الأَصِيلَةُ عَالَماً *** تَدْعُو إِلَى الإِحْسَانِ فِي الأَمْصَارِ

وَ لْتَعْدُ ذِكْرَى فَاطِمَ الزَّهْرَا عَلَى *** مَرِّ الزَّمَانِ سَخِيَّةَ الأَمْطَارِ

***

زَهْرَاءُ صَبْراً يَا حَبِيبَةُ كَفْكِفِي *** فَلَتُحْيِيَنَّ مَسِيرَةَ الأَبْرَارِ

وَ لَنَدْعُوَنَّ إِلَى الحَقِيقَةِ وَ الهُدَى *** مُتَسَلْحِينَ بِحِكْمَةِ الأَطْهَارِ

وَ لَنَلْفِيَنَّكِ كُلَّ عَامِ نَسْتَقِي *** مِنْ دَلْوِكِ المِعْطَاءِ لَيْلَ نَهَارِ

وَإِلَى اللِّقَاءِ بِهَمْسَةٍ شِعْرِيَّةٍ *** أَلشَّوْقُ فِيهَا لامِعُ الأَسْتَارِ

ص: 47


1- الأغوار: مفردها غور ما انحدر و اطمأنّ من الأرض، أو القعر من كل شيء.
2- الحِجا: العقل.

(10) محمودة الأفعال

(بحر الكامل)

الشيخ جعفر العوامي (أبو المكارم)(*)(1)

إِنَّ البَتُولَة بَضْعَةُ المُخْتَارِ *** مُخْتَارَةٌ فِي عَالم الأَنْوَارِ

قَدْ طُهرَتْ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ فَاغْتَدَتْ *** مَحْمُودَةَ الإِعْلَانِ وَ الإِسْرَارِ(2)

لوْلاً عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفْوَ لَهَا *** فِيمَا بَرَى البَارِي مِنَ الأَبْرَارِ(3)

ص: 48


1- (*) الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد أبو المكارم العوامي. ولد في العوامية من القطيف في 15 جمادى الأولى سنة (1281ه) فنشأ في ظل أبيه أبى المكارم ، و ورث منه السماحة و الفصاحة و الكمال و الجلال و هاجر إلى النجف الأشرف و درس على أساتذتها و علمائها و هجرته كانت في سن مبكِّرة فبقي في النجف الاشرف 18 عاماً و عندما عاد كان ابن 32 سنة فاعتزَّت به القطيف و افتخرت و اقبلت عليه تغترف من علومه و تنهل من فيوضاته. ترجَم له حفيده الشيخ سعيد بن الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه (أعلام العوامية في القطيف،) قائلاً عنه: إنه وحيد العصر و علامة الزمن و عدد مؤلفاته في مختلف العلوم، فذكر من مؤلفاته في الفقه 19 كتاباً وأربعة كتب في الاصول وثلاثة في البيان وأربعة في الاستدلال، وكتابين في المنطق، وسبعة كتب في أهل البيت و دواوين شعره التي أسماها ب_ (جرائد الافكار) و آخر بإسم (نهاية الادراك) على حسب حروف الهجاء إلى غير ذلك من مناظراته و محاججاته عن المبدأ و المذهب و خطبه و مواقفه الاصلاحية. توفي عشية ليلة الاثنين 13محرم (1342ه_) في البحرين، و دفن مع الشيخ ميثم البحراني في صحن مسجده.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تطهير الله تعالى فاطمة علیها السلام من الرجس. انظر الترمذي ج2 ص209 و مشكل الآثار للطحاوي ج 1 ص335. و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص271. و ذكره العسقلاني في كتابه الاصابة ج4 ص378.
3- برا الباري: كلاهما مهموز بمعنى خلق الخالق.

كَلأَ وَ لَوْلاها لما كُفُوا إِلَى *** خَيْرِ البَرِيَّةِ حَيْدَرَ الكَرَّارِ(1)

أَللَّهُ طَهَّرَهَا مِنَ الرِّجْسِ الَّذِي *** شِرْكَ الأَنَامِ وَ سَائِرُ الأَقْذَارِ

فَأَتَتْ عَلَى وَفُقِ الإِرَادَةِ جَوْهَراً *** مُتَألقاً بِالنُّورِ فِي الأَقْطَارِ

صَفّى لَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ فَاغْتَدَتْ *** تَعْلُو عَلَى العَالِينَ فِي المِقْدَارِ

قَدْ جَلَّ عُنْصُرُهَا عَنِ الأَعْرَاضِ أَوْ *** يَدْرِي حَقِيقَتَهَا سِوَى الجَبَّارِ

خُلِقَتْ مِنَ الأَنْوَارِ حِينَ تَكَوَّنَتْ *** وَ تَسَلْسَلَتْ فِي عَالَمِ الأَطْهَارِ

فَانْظُرْ بِعَيْنِ بَصِيرَةٍ فِي شَأْوِهَا *** فِي العَالَمِينَ وَ كُنْ عَلَى اسْتِبْصَارِ

مَا فَاطِمٌ الأَكَأَحْمَدَ فِي الوَرَى *** مَحْمُودَةُ الأَفْعَالِ وَ الآثَارِ(2)

ص: 49


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى كون الزهراء علیها السلام كفؤ لعلي و علي علیه السلام كفؤ لها و لولا لما كان لها كفؤ انظر كتاب البحار ج43 ص92 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص29.
2- أنظر كتاب مستدرك الصحيحين ج4 ص272 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص40.لقصيدة نقلت عن كتاب العوامية لسعيد أبوالمكارم.

(11) تنادى فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ جعفر النقدي(*)(1)

ص: 50


1- (*)هو الشيخ جعفر ابن الحاج محمد النقدي. ولد في مدينة العمارة سنة (1303ه_) و نشأ بها وكان والده الحاج محمد النقدي من سراة مدينة (دزفول) من أمهات مدن خوزستان في إيران انتقل منها إلى العمارة مهاجراً قبل ميلاد ولده و أصبح فيها من أرباب الثراء و ذوي اليسار و الاحسان، و كان له خمسة أولاد رابعهم المترجم له المفضال. فعني بتربيته و غذّاه بروحه العالية فكان مثالاً للأخلاق الكريمة و الاتزان المحبوب، و لأن والده كان لا یتعامل في معاملاته التجارية إلّا نقداً، لذلك لقب بالنقدي. أولع المترجَم له بالعلم و الأدب و هو طفل لم يبلغ العاشرة من عمره، و كان في بدء أمره يقرض الشعر باللغة الفارسية تحت تأثير ظروفه العائلية و تبعاً لاستاذه الذي كان يدَّربه على الكتابة و القراءة باللغة المذكورة لأنه كان جاداً في الشعر الفارسي، و لما رأى والده فيه تلك النزعة الفطرية هاجر إلى النجف الاشرف، و ترك تجارته خدمة للعلم فمهّد السبيل به من العمارة لولده ليقتطف ثمار العلوم من رياضها و لم يمض زمان إلاّ و قد أصبح مرموقاً من بين جميع إخوانه الذين تسابقوا على الفضيلة، حتى فرغ من المقدمات و السطوح و حضر دروس الخارج عند فطاحل العلم و الاجتهاد من أمثال السيد محمد كاظم اليزيدي المتوفى سنة (1337ه_) و الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية، و المتوفى عام (1331ه_) ، كما درس علم الهيئة و الحساب و باقي الفنون على الحجة السيد هبة الدين الشهرستاني. و بعد وفاة والده سنة (1332ه_ ) تواتر الطلب من أهل العمارة على السيد اليزدي الطباطبائي لإرجاعه إلى بلده و مسقط رأسه ليكون مرشداً و مهذباً و معلماً لهم و قد اشار عليه أستاذه بذلك فرجع إليهم و أقام عندهم يخدم الدين الحنيف و انتفع به الناس، و كان هذا سبباً لأن تجبره الحكومة في ذلك الوقت على تقبل وظيفة القضاء بعد اصرار جمع من اخوانه وأعيان بلده، وذلك في عام (1337ه_)، و استمر قاضياً حتى عام (1343ه_) حيث نقل إلى بغداد لقبول عضوية مجلس التمييز، ثم انتقل إلى البصرة، ثم إلى قضاء كربلاء المقدسة، ثم اعيد إلى عضوية مجلس التمييز الجعفري مرة ثانية، ثم إلى قضاء الحلة. و بالاضافة إلى إشغاله لمنصب القضاء كان وكيلاً عاماً لمرجع الطائفة السيد أبو الحسن الاصفهاني (رحمة الله علیه) و كان مثالاً صادقاً للوكيل اللائق بالمرجعية. أما آثاره العلمية فكثيرة تزيد على أربعين كتاباً منها: 1- شرح منظومة السيد العلوم في الفقه، 2- شرح زبدة الأصول، 3- حاشية على شرايع الاسلام، 4- شرح على الروضة البهية، 5- حاشية على معالم الاصول، 6- شرح على تشريح الافلال، 7- الحسام المصقول في نصرة ابن عم الرسول صلي الله علیه و آله و سلم 8- ذخائر القيامة في النبوة والامامة، 9- مواهب الواهب في فضائل آل أبي طالب، 10- الأنوار العلوية و الأسرار المرتضوية، 11- منن الرحمن في شرح قصيدة الشيخ البهائي المسماة وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان، 12- شرح وسيلة النجاة في شرح الباقيات الصالحات لعبد الباقي العمري، 13- خزائن الدرر في ثلاثة مجلدات، 14- كنوز الجواهر في مجلدين، 15- روض النضير 16- الحجاب والسفور، 17- الاسلام والمرأة، 18- الامامين الكاظمين علیهما السلام، 19- غزوات الامام علي علیه السلام، 20- غرَّة الغرر في أحوال الائمة الاثني عشر، 21- ذخائر العقبى، 22- أباة الضيم في الاسلام 23- ضبط التاريخ بالأحرف، 24- تنزيه الاسلام، 25 - الدروس الاخلاقية 26- زينب الكبرى سلام الله علیها، 27 - فاطمة بنت الحسين علیه السلام، 28- المولد النبوي الشريف، و كتب أخرى. توفي في اليوم التاسع من شهر محرم الحرام في سنة (1369ه_) في الكاظمية المقدّسة و في حسينية آل ياسين حيث كان يستمع إلى ذكرى واقعة كربلاء في ضحى النهار و ما إن توغِّل الخطيب في وصف مصرع السبط الشهيد حتى استعبر المترجم له ثم بكى بكاء شديداً و استمر في بكائه حتى لم يشعر الناس إلا و قد أغمي عليه فحركوه و إذا به قد فارق الحياة الدنيا فارتجِّت مدينة الكاظمية لفقده و شيِّع تشييعاً حاراً إلى النجف الأشرف، و دفن يوم العاشر من المحرم في الصحن الحيدري بين مرقدي الامام اليزدي و السيد الداماد.

هَجَرُوا وَ مَا مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَهْجُرُوا *** يَوْماً وَلَكِنَّ القَضَاءَ مُقَدَّرُ

سَارُوا عَلَىٰ عَجَلٍ وَ طَائِرُ مُهْجَتِي *** إِثْرَ الرَّكَائِبِ مُنْجِدٌ وَ مُغَوِّرُ(1)

لَوْ كُنْتَ شَاهِدَنَا صَبِيحَة فَارَقُوا *** لَرَأَيْتَ قَلْبَ الصَّحُرِ كَيْفَ يُفطَّرُ(2)

إنِّي لأخْفِي الوَجْدَ خَوْفَ عَوَا ذِلِي *** جَلَداً وَلكِنَّ المَدَامِعَ تَظْهَرُ

يَا سَاكِنِي الحَيِّ الَّذِي مِنْ دُونِهِ *** تُفْنَى المَوَاضِي وَ الرِّمَاحُ تُكَسَّرُ(3)

ص: 51


1- مهجتي: روحي. مغوّر: ذاهب في الارض.
2- يُفطر: يشقُّ.
3- تثنى: تعطف.

عَطفاً عَلَى قَلْبٍ غَدَا فِي حُبِّكُمْ *** رَهْناً وَ فِي نَارِ الأَسَى يَتَسَعَّرُ(1)

جُودُوا عَلَيَّ وَلَوْ بِطَيْفِ خَيَالِكُمْ *** فَعَسَى كَسِيرُ القَلْبِ يَوْماً يُجْبَرُ

أَمِنَ المُرُوءَةِ أَنْ أَمُوتَ بِلَوْعَتِي *** مَابَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَ أَنْتُمْ نُظَّرُوا؟

تَالِلَّهِ مَا الأَيَّامُ بَعْدَ فِرَاقِكُمْ *** بِيضٌ وَ لاَقَمَرُ اللَّيَالِي مُبْدِرُ

أَهْلَ الحِمَى مَنْ مُنْصِفِي عَنْ غَادَةٍ *** أَمْسَى بِعِزَّتِهَا حِمَاكُمْ يَزْهَرُ

خَوْدٌ مُهَفْهَفَةٌ كَأَنَّ قِوَامَهَا *** غُصْنٌ يُرَنِّحُهُ الهَوَى إِذْ تَخْطُرُ(2)

تَرْنُو بِأَكْحَل نَاظِرِ فَكَأَنَّهَا *** رِيمُ الفَلاَ لَكِنَّهَا لاَ تُذْعَرُ

يَا قَلْبُ دَعْ عَنْكَ المِلاَحَ وَعُجْ إِلَى *** مَدْحِ الوَصِيَّ فَذَا بِشَأْنِكَ أَجْدَرُ

أَلْمُظْهِرُ التَّوْحِيدَ مَنْ لَوْلاهُ مَا *** كَانَتْ مَحَارِيبٌ وَ لَمْ يَكُ مِنْبَرُ

وَ الكَاسِرُ الأَصْنَامَ مِنْ بَيْتٍ بِهِ *** كَانَتْ ولادَتُهُ وَ ثَمَّ المَفْخَرُ

وَ الضَّارِبُ الهَامَ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ *** بَدْرٌ وَ أَحْزَابٌ كَذلِكَ خَيْبَرُ

وَ حُنَيْنُ قَامَ إِلَى السَّمَاءِ حَنِينُهَا *** لَمَّا دَهَاهَا وَ السَّلاَسِلُ تُخْبِرُ

وَ الجِنُّ لِلدِّين الحنيف رِقَابُهَا *** دَانَتْ وَ كَانَتْ قَبْلَ ذلِكَ تَكْفُرُ

وَ النَّاكِئُونَ غَدَتْ بِحَدْسُيُوفِهِ *** وَ القَاسِطُونَ عَلَى الهِدَايَةِ تُجْبَرُ

وَ المَارِقُونَ غَدَتْ عَلَى هَامَاتِهِمْ *** سُحُبُ المَنِيَّةِ مِنْ ظُبَاهُ تُمْطِرُ(3)

أَفْدِي الَّذِي تَخْشَاهُ آسادُ الفَلا *** وَ تَقُومُ بِاسْمِ حُسَامِهِ إِذْ تَعْثُرُ

تَالِلَّهِ مَا الإِسْلاَمُ كَانَ مُسَلَّماً *** وَ الدِّينُ لَمْ يَكُ فِي البَرِيَّةِ يُذْكَرُ

لَوْلاً سَنَا فِرْضَابِهِ المَاضِي الشَّبَا *** يَجْلُو الدَّيَاجِيّ وَ السِّنَانُ الأَزْهَرُ(4)

نَبَاً عَظِيمٌ وَالعَظِيمُ مُعَظَّمٌ *** خَلَقٌ قَدِيمُ و القَدِيمُ مُصَوِّرُ

عَلَّامَ عِلْمٍ مَا عَدَا خَيْرَ الوَرَى *** كُلُّ الوَرَى عَنْ دَرْكِ ذلِكَ تَقْصُرُ

ص: 52


1- يتسعّر: يشتعل.
2- الخود: المرأة الشابة. يُرنحٌ: يُميل. مهفهفة: ضامرة البطن، دقيقة الخصر.
3- الظَّبَى: جمع ظُبَّة، و هي حدّ السیف.
4- القرضاب: السيف القاطع، الشبا: الحدّ.

صُحُفُ الأَنَامِ قَدِ انْطَوَتْ أَخْبَارُهَا *** وَ لِذِكْرِهِ صُحُفُ الفَضَائِلِ تُنْشَرُ

سَل عَنْ عُلاهُ الذِّكْرَ فَهُوَ مُخَبِّرٌ *** عَنْهُ وَ هَلْ بَعْدَ الكِتَابِ مُخَبْرُ

وَ سَلِ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِي فَضْلِهِ *** أَمْسَتْ لَهَا أَيْدِي العُدُولِ تُحَرِّرُ

عَجَبٌ لِقَوْمٍ أَخَرُوهُ أَمَا دَرَوْا *** مَنْ قَدَّمَ الرَّحْمَنُ لَيْسَ يُؤَخَّرُ

عَزَلُوهُ وَ هُوَ الرُّشْدُيَا تَعْساً لَهُمْ *** بَعْدَ النَّبِيِّ وَ لِلضَّلالَةِ أَمَّرُوا

أَفَهَلْ نَسُوا مَا أَحْمَد قَدْ قَالَهُ *** بِغَدِيرٍ حُمَّ أَمْ عَتَوْا وَ اسْتَكْبَرُوا

يَوْمٌ بِهِ جِبْرِيلُ جَاءَ مُخَبْراً *** عَنْ رَبِّهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ المُبْصِرُ

يَا أَيُّهَا المُخْتَارُ بَلِّغْ فِي الفَتَى *** الكَرارِ مَا قَدْ كُنتَ قَبْلاً تَسْتُرُ

وَ اللَّهُ يَدْفَعُ كُلَّ كَيْدٍ خِفْتَهُ *** مِنْ مَعْشَرٍ قَدْ خَالَفُوا وَ تَكَبَّرُوا؟

فَأَقَامَ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ مَا لَهُ *** غَيْرُ الحَدَائِجِ مَا هُنَالِكَ مِنْبَرُ(1)

فرَقَى وَ كَفُّ المُرْتَضَى فِي كَفِّهِ *** وَ غَدَا يُنَادِي وَ البَرِيَّةُ حُضَّرُ

مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا حَيْدَرٌ *** مَوْلاهُ وَاللَّهُ المُهَيْمِنُ يَأْمُرُ

فَهُوَ المُطَاعُ لَكُمْ وَ خَيْرُ رِجَالِكُمْ *** فَدَعَوْا جَمِيعاً بِالقَبُولِ وَ كَبَّرُوا

حَتَّى إِذَا غَابَ النَّبِيُّ تَوَثَّبُوا *** وَ لِدَفَع مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ تَشَمَّرُوا(2)

هَجَمُوا عَلَى سِرِّ الإلهِ وَ أَحْرَقُوا *** بَابَ الهُدَى وَ لِضِلْعِ فَاطِمَ كَسَّرُوا

وَ عَدَوْا عَلَى بِنتِ النَّبِيِّ وَ أَسْقَطُوا *** مِنْهَا الجَنِينَ وَصَفَوَهَا قَدْ كَدَّرُوا

قَادُوا عَلِيًّا فِي حَمَائِلِ سَيْفِهِ *** وَ مِنَ العَجَائِبِ أَنْ يُقَادَ غَضَنْفَرُ

يَا لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ عَنْهُ حَمْزَةٌ *** إِذْ يَسْتَغِيثُ وَ أَيْنَ عَنْهُ جَعْفَرُ؟

وَغَدَتْ تُنَادِي فَاطِمٌ مِنْ خَلْفِهِمْ *** بِحَشاً تَذُوبُ و مُقلَةٍ تَسْتَعبِرُ

تَمْشِي وَ قَدْ أَحْنَى المُصَابُ ضُلُوعَهَا *** وَ الرِّجْلُ فِي أَذْيَالِهَا تَتَعَثَّرُ

يَا مَعْشَراً ضَلَّتْ بِهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ *** وَ عَمُوا فَمَنْهَجُ رُشْدِهِمْ لَمْ يُبْصِرُوا

خَلُوا ابْنَ عَمِّي أَوْ رَفَعْتُ إِلَى السَّمَا *** كَفِّيْ وَ أَدْعُو وَ الدُّعَاءُ مُؤَثّرُ

ص: 53


1- الحدائج: كالهوادج التي تركب فيها النساء على البعير.
2- تَوَكَّبوا: نهضوا و قاموا. تشمروا مروا مسرعين.

اللهُ أَكْبَرُ يَا صَحَابَةً أَحْمَدٍ *** مَا البُتْمُ يَحْمِلُهُ شَبِيرُ وَ شُبَّرُ

يَا أَيُّهَا المَحْجُوبُ عَنْ أَحْبَابِهِ *** حَتَّى مَ شَخْصُكَ فِي البَرِيَّةِ يَظْهَرُ؟

أَفْدِي شَبا أَسْيَافِكَ اللَّاتِي بِهَا *** تَشْفِي القُلُوبَ وَ كُلُّ كَسْرِ يُجْبَرُ(1)

ص: 54


1- أو يقال: و كلَّ كَسْرِ تُجبِرُ الأنوار العلوية ص363 و القصيدة في فضائل الإمام علي علیه السلام و تنتهي بمصائب الزهراء علیها السلام.

(12) حبيبة خير الرسل صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب شعبان(*)(1)

هِيَ الْغِيدُ تَسْقِي مِنْ لَوَاحِظِهَا خَمْرًا *** لِذَلِكَ لاَتَنْفَكُ عُشاقهَا سَكْرَى(2)

صَعَائِفٌ لاَتَقْوَى قُلُوبُ ذَوِي النُّهَى *** عَلَى هَجْرِهَا حَتَّىٰ تَمُوتَ بِهِ صَبْرا

وَ مَا أَنَا مِمَّنْ يَسْتَلِينُ فُؤَادُهُ *** وَ يَنْفُتْنَ بالأَلْحَاظِ فِي عَقْلِهِ سِحْرَا(3)

وَلَا بِالَّذِي يُشْجِيهِ دَارِسُ مَرْبَعٍ *** فَيَسْقِيهِ مِنْ أَجْفَانِهِ أَدْمُعاً حَمْرًا

أَأَبْكِي لِرَسْمِ دَارِسٍ حَكَمَ الْبِلَى *** عَلَيْهِ وَ دَارٍ بَعْدَ سُكَانِهَا قَفْرًا؟

ص: 55


1- (*) هو الشيخ حبيب ابن الحاج مهدي ابن الحاج محمد الشهير بشعبان و آل شعبان من الأسر العريقة في النجف الأشرف. ولد المترجم له في النجف بحدود (1290ه_) و نشأ بها على أبيه و كان بزازاً فعني بتربيته و قرأ القرآن و تعلم الكتابة، ثم وجهه حسب رغبته إلى طلب العلم فقرأ النحو و الصرف و المعاني و البيان و المنطق و الفقه و الاصول. ذكره جمع من الأعلام منهم صاحب الحصون و صاحب الأعيان و صاحب أدب الطف فأجمعوا أنه فاضل ذكي و شاعر لامع و أديب حسن المعاشرة ظريف المحاورة. و كان أبوه من ذوي الحرف في النجف الأشرف فنبا به الدهر و ضاقت يده على إعاشة ولده على ما يريد و هو ذو همّة عليّة وطموح لا متناه في اكتساب العلم و المعرفة فهاجر إلى كربلاء المقدسة في عام (1325ه_) للتزود من العلم هناك، فتتلمذ على الفقيه الاصولي الكبير السيد محمد باقر الطباطبائي و كان ملازماً له مدة طويلة، ثم سافر إلى الهند فركب البحر قاصداً لها فانقطعت أخباره إلى عام (1336ه_) حتى وردت كتب من رامپور تنبىء بوفاته هناك. و للمترجَم له شعر كثير ولكنه لم يجمع في ديوان و أكثر شعره في المعصومين علیهم السلام.
2- الغيد: الفتيات طويلات العنق لينّات الأعطاف واحدتها: غَيْداء. لواحظ: عيون.
3- ينفثن: يرمينّ. الألحاظ: بواطن العيون.

وَ أَصْفِي وِ دَادِي لِلدِّيَارِ وَ أَهْلِهَا *** فَيَسْلُو فُؤَادِي وُدُّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا

وَ قَدْ فَرَضَ الرَّحْمَنُ فِي الذِّكْرِ رُدَّهَا *** وَ لِلْمُصْطَفَى كَانَتْ مَوَدَّتُهَا أَجْرَا(1)

وَ زَوَّجَهَا فَوْقَ السَّمَا مِنْ أَمِينِهِ *** عَلِيٌّ فَزَادَتْ فَوْقَ مَفْخَرِهَا فَخْرا(2)

وَ كَانَ شُهُودُ الْعَقْدِ سُكَانَ عَرْشِهِ *** وَ كَانَتْ جِنَانُ الْخُلْدِ مِنْهُ لَهَا مَهْرَا

فَلَمْ تَرْضَ إِلا أَنْ يُشَفَعَهَا بِمَنْ *** تُحِبُّ فَأَعْطَاهَا الشَّفَاعَةَ فِي الأُخْرَى(3)

حَبِيبَةُ خَيْرِ الرُّسُلِ مَا بَيْنَ أَهْلِهِ *** يُقَبِّلُهَا شَوْقاً وَ يُوسِعُهَا بِشَرَا

وَ مَهْمَا لِرِيحِ الجَنَّةِ اشْتَاقَ شَمَّهَا *** فَيُنشَنَّ مِنْهَا ذلِكَ العِطْرَ وَ النَّشْرَا(4)

إِذَا هِيَ فِي الْمِحْرَابِ قَامَتْ فَنُورُهَا *** بِزَهْرَتِهِ يَحْكِي لأَهْلِ السَّمَا الزَّهْرَا

وَ إِنْسِيَّةُ حَوْرَاءُ فَالْحُورُ كُلُّهَا *** وَ صَائِفُهَا يَعْدُدْنَ خِدْمَتَهَا فَخْرَا(5)

وَ إِنَّ نِسَاءَ العَالَمِينَ إمَاؤُهَا *** بهَا شُرِّفَتْ مِنْهُنَّ مَنْ شُرِّفَتْ قَدْرَا(6)

ص: 56


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص25 قال: عن ابن عباس قال: لمّا نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»[سورة الشورى الآية: 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. رواه الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 ص103 ج9، ص168، نقلاً عن النحوي عن النحوي في تفسيره. و في لسان الميزان للعسقلاني، ج3 ص275. قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن ربك يحبُّ فاطمة علیها السلام، اسجد فسجدت، ثم قال: أن الله يحب الحسن و الحسين علیهما السلام فسجدت ثم قال ان الله يحب من يحبهما.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله امرني أزوج فاطمة علیها السلام من علي أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (أقول): و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204 و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي في فيض القدير في المتن ج2 ص215 و ذكره ابن حجر في صواعقه ص74 و قد مرَّ ذلك مراراً فلا نعيد.
3- انظر كتاب ينابيع المودة ج1 ص309.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص156 روی بسنده عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني جبريل عليه الصلاة و السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام.
5- إشارة إلى ما ورد في كتاب تاریخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث.
6- روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص309 عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لمّا خلق الله آدم و حواء علیهما السلام أخذا يفتخران في الجنة فقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منّا، فبينما هما كذلك إذ رأيا صورة جارية لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار على رأسها تاج و في أذنيها قرطان قالا: ما هذه الجارية؟ قال الله: هذه صورة فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأولين والآخرين. قالا: و ما هذا التاج على رأسها؟ قال: هذا بعلها علي بن أبي طالب علیه السلام. قال: و ما هذان القرطان؟ قال: الحسن و الحسين علیهما السلام ابناهما أوجدت ذلك قبل ان أخلقك بألفي عام.

فَلَمْ يَكُ لَوْلاَهَا نَصِيبٌ مِنَ الْعُلَى *** لِأُنْثَى وَ لَاكَانَتْ خَدِيجَةُ الْكُبْرَى

لَقَدْ خَصَّهَا البَارِي بِغُرِّ مَنَاقِبٍ *** تَجَلَّتْ وَ جَلَّتْ أَنْ نُطِيقَ لَهَا حَصْرَا

وَ كَيْفَ تُحِيطُ اللُّسْنُ وَصْفاً بِكُنْهِ مَنْ *** أَحَاطَتْ بِمَا يَأْتِي وَ مَا قَدْ مَضَى خُبْرَا؟(1)

وَ مَا خَفِيَتْ فَضْلاً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ *** فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ قَدْ خَفِيَتْ قَبْرَا؟(2)

وَ مَا شَيَّعَ الأَصْحَابُ سَامِيَ نَعْشِهَا *** وَ مَا ضَرَّهُمْ أَنْ يَعْتَمُوا الْفَضْلَ وَ الأَجْرَا؟(3)

بَلَى جَدَ القومُ النَّبِيَّ وَ أَضْمَرُوا *** لَهُ حِينَ يَقْضِي فِي بَقِيَّنِهِ المَكْرَا؟

لَقَدْ دَحْرَجُوا مُذْ كَانَ حَيَّا دِبَابَهُمْ *** وَ قَدْ نَسَبُوا عِنْدَ الوَفَاةِ لَهُ الهُجْرَا(4)

فَلَمَّا قَضَى ارْتَدُّوا وَ صَدُّوا عَنِ الهُدَى *** وَ هَدُّوا -عَلَى عِلْمٍ- شَرِيعَتِهِ الغَرّا

وَ حَادُوا عَنِ النَّهْجِ القَوِيمِ ضَلالَةٌ *** وَ قَادُوا عَلِيًّا فِي حَمَائِلِهِ قَهْرَا

وَحِيداً مِنَ الأَنْصَارِ لاَحَمْزَةٌ لَهُ *** وَ لاَجَعْفَرُ الطَّيَارُ فَادَّرع الصَّبْرَا(5)

وَطَأطأ لاَجُبْنَا وَ لَوْ شَاءَ لأَنْتَضَى *** الحُسَامَ الَّذِي مِنْ قَبْلُ فِيهِ مَحا الكُفْرَا(6)

ص: 57


1- اللَّسنُ: الألسنة. خُبْراً: تجربة و اختباراً. كنه: حقيقة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج8 ص241-240 ط الكمباني: فعمل أميرالمؤمنين علیها السلام بوصيّتها و لم يعلم أحداً بها فاصبح في البقيع ليلة دفنت فاطمة علیها السلام أربعون قبراً جدداً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً . الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- دبابهم: أواني للزيت.
5- أدرع: اتخذ درعاً، و الظاهر أن في هذا البيت و البيت الثاني الذي يليه إيطاء إلا إذا أريد بالأول التجلد و الثاني الحبس.
6- انتضى: سل. الحسام: السيف.

وَلكِنَّ حِلْمَ اللَّهِ جَارٍ وَ إِنَّهُ *** لأَصْبَرُ مَنْ فِي اللهِ يَسْتَعْذِبُ الصَّبْرَا

فَكَابَدَ مَا لَوْ بِالجِبَالِ لَهَدَّهَا *** وَ شَاهَدَ بَيْنَ القَوْمِ فَاطِمَةً حَسْرَى(1)

ص: 58


1- شعراء الغريّ ج3 ص3 و أدب الطف ج8 ص313.

(13) ربيبة الوحي

(بحر الخفيف)

الملا حسن آل جامع

يَا مُصِراً عَلَى الذُّنُوبِ الكِبَارِ *** عَاصِياً أَمْرَ رَبِّهِ الجَبَّارِ

غَارِقَاً طول عُمْرِهِ فِي هَوَاهُ *** غَافِلاً عَنْ حَوَادِثِ الأَقْدَارِ

أفَهَلاً تَفِيقُ مِنْ سِنَةِ الجَهْلِ *** وَ تَحُشَى عَوَاقِبَ الإِصْرَارِ؟

مَا بَرَاكَ الإِلهُ لِلَّهْوِ وَ الخَوْضِ *** وَ حَمْلِ الذُّنُوبِ وَ الأَوْزَارِ(1)

فَأَطِعْهُ تَفُرْ بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** وَ تَنَلْ فَضْلَهُ بِدَارِ القَرَارِ

وَ تَمَسَّكْ بِحَبْلٍ حَيْدَرَ تَسْلَمْ *** فِي غَدِ مِنْ لَهِيبِ حَرِّ النَّارِ

بَطَلٌ قَدْ فَدَى المُؤَيَّدَ بِالنَّفْسِ *** وَ وَاسَاءُ فِي الأُمُورِ الكِبَارِ(2)

ص: 59


1- براك: برأه: أي خلقه من العدم.
2- في كتاب/ علي بن أبي طالب علیه السلام بقية النبوَّة و خاتم الخلافة لعبد الكريم الخطيب/ ص103 قال : لقد دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عليّاً علیه السلام ليلة الهجرة و طلب إليه أن يبيت في المكان الذي اعتاد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يبيت فيه و أن يتغطى بالبُرد الحضرميّ الذي كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يتغطى به حتى إذا نظر ناظر من قريش إلى الدار رأى كأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم نائم في مكانه مغطى بالبرد الذي يتغطى به . و هذا الذي كان من علي علیه السلام في ليلة الهجرة إذا نظر إليه في فجر الأحداث التي عرضت للإمام عليّ علیه السلام في حياته بعد تلك الليلة فإنه يدفع لعين الناظر أمارات واضحة و إشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أجراً عارضاً، بل هو عن حكمة لها آثارها... إلى أن قال: إنه إذا غاب شخص الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كان عليّ هو الشخصية المهيأة لأن تخلفه و تمثل شخصه و تقوم مقامه. حين نظرنا إلى عليّ و هو في برد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و في مثوى منامه الذي اعتاد أن ينام فيه فقلنا: هذا خلف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و القائم مقامه.

وَ وَقَاهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَأُحدٍ *** حِينَ فَرَّتْ قَبَائِلُ الْأَنْصَارِ(1)

كمْ أَبَادَ الأبطال فِيهَا وَ قَاسَى *** غَمَرَاتِ الحُرُوبِ وَ الأَخْطَارِ(2)

بَطَلٌ جَدَّلَ ابْنَ وُدَّ وَ أَرْدَى *** مَرْحَباً بِالمُهَنَّدِ البَتّارِ(3)

صَاحِبُ المُعْجِزَاتِ قطب رَحَي *** الدِّينِ مُبِينُ العُلُومِ وَ الأَسْرَارِ

حَاكِمٌ عَادِلٌ حَكِيمٌ شُجَاعٌ *** مَاجِدٌ جَامِعٌ لِكُلِّ فَخَارِ

خَاشِع خاضِعُ إِمَامٌ هُمَامٌ *** عَابِدٌ طَائِعٌ لأَمْرِ البَارِي(4)

آيَةُ اللَّهِ حُجَّةُ اللَّهِ بَابُ اللَّهِ *** ذُو النُّسْكِ سَيِّدُ الأَبْرَارِ

بِوَلاهُ قَدْ أُكْمِلَ الدِّينُ بِخُمِّ *** وَ تَمَّتْ رِسَالَةُ المُخْتَارِ

بَايَعُوهُ يَوْمَ الغَدِيرِ وَ أَخْفُوا *** فِي الحَنَايَا مَا بَانَ مِنْ إِنْكَارِ

أَظْهَرُوا بَعْدَ أَحْمَدٍ كُلَّ حِفْدٍ *** أَضْمَرُوهُ لِلْمُرْتَضَى الكَرَّارِ

نَكَفُوا البَيْعَةَ الَّتِي هِيَ عَقدٌ *** فِي رِقَابِ الوَرَى لِيَوْمِ القَرَارِ(5)

ص: 60


1- في شرح النهج/ لابن أبي الحديد/ ج7 ص301 قال في شرح قوله علیه السلام لابنه الحسن عليه السلام: «لا تدعوَنَّ إلى مبارزة فإن دعيت إليها فأجب فإن الداعي إليها باغ و الباغي مصروع». قال: قد ذكر الحكم ثم ذكر العلة و ما سمعنا أنه علیه السلام دعا إلى مبارزة قط، و إنما كان يُدعى هو بعينه أو يُدعى من يبارز فيخرج إليه فيقتله. دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر فخرج علیه السلام فقتل الوليد و اشترك هو و حمزة في قتل عُتبة... و دعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم فخرج إليه فقتله و دعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله... فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ودّ فإنها أجلِّ من أن يقال جليلة و أعظم من أن يقال عظيمة و ما هي إلا كما قال شيخنا أبوالهذيل. و قد سأله سائل أيّما أعظم منزلة عند الله علي أم أبوبكر؟ فقال: يابن أخي واللَّه لمبارزة علي عمراً یوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين و الأنصار و طاعاتهم كلها تُربي عليها فضلاً عن أبي بكر وحده انظر أيضاً شرح النهج، ج19 ص60.
2- قاسي: عايَش أو عانى.
3- أردى: قتل. المهند: السيف.
4- همام: السيد الشجاع السخي.
5- الورى: الخلق.

خلَعُوهَا وَ خَالَفُوا قَوْلَ طَهَ *** يَوْمَ خُمُ في حَيْدَرِ المِغْوَارِ

وَ عَلَيْهِ تَقَحَمُوا الدَّارَ ظُلْماً *** وَ البَتُولُ الزَّهْرَا بِغَيْرِ خِمَارِ(1)

مُذْ رَأَتْهُمْ رَبِيبةُ الوَحْيِ لَاذَتْ *** عَنْهُمُ خِيفَةً بِبَابِ الدَّارِ

عَصَرُوهَا وَ أَسْقَطُوهَا وَ رَضُّوا *** ضِلْعَهَا بَيْنَ بَابِهَا وَ الجِدَارِ

وَ مِنَ العَصْرَةِ الَّتِي قَدْ عَرَتْهَا *** صَدْرُهَا قَدْ أُصِيبَ بِالمِسْمَارِ

لَطَمُوهَا وَ الَهُفَ نَفْسِي عَلَيْهَا *** لَطْمَةً أَثَرَتْ بِعَيْنِ الفَخَارِ

وَ بِحَبْلِ الحُسَامِ قَادَا عَلِيًّا *** يَابِنَفْسِي وَ هُوَ الهِزَبُرُ الضّارِي(2)

وَ أَتَتْ خَلْفَهُ البَتُولَةُ تَعْدُو *** وَ هُيَ تَدْعُو وَ قَلْبُهَا فِي انْكِسَارِ

عَجَباً بِالجِبَالِ قَادُوهُ قَسْراً *** وَ هُوَ حَبْلُ الإِلهِ حَامِي الذِّمَارِ

أَيُّهَا النّاكِثُونَ خَلُوا عَلِيًّا *** أَوْ لأَشْكُو لِلْوَاحِدِ القَهَّارِ

مُذْ رَآهَا اللَّعِينُ رُدَّ إِلَيْهَا *** عَابِساً مُغْضَباً كَلَيْثٍ ضَارِي

أَوْجَعَ البَضْعَةَ البَتُولَة ضَرْباً *** وَ هُيَ تَبْكِي بِدَمْعِهَا المِدْرَارِ

ثُمَّ جَاؤُوا بِهِ لِمَسْجِدِ طَهَ *** مَا لَهُ نَاصِرٌ مِنَ الأَنْصَارِ

وَ عَلَيْهِ سَلُوا السُّيُوفَ وَ قَالُوا *** قُمْ وَ بَايِعْ خَلِيفَةَ المُخْتَارِ

وَ إِلَى قَبْرِ أَحْمَدٍ دَارَ بِالطَّرْفِ *** يُنَادِي يَا صَفْوَةَ الجَبَّارِ

قَائِلاً: يَابْنَ أَمْ بِي غَدَرَ القَوْمُ *** وَ رَامُوا مَذَلَّتِي وَ احْتِقَارِي

وَ أَرَادُوا قَتْلِي عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ *** كَأَنَّ مِنِّي عَلَى البَرِيَّةِ جَارِي

ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَا لَقِي مِنْ عِدَاهُ *** يَابِنَفْسِي غَدًا جَلِيسَ الدّارِ

مَا لَهُ نَاصِرٌ يَرَى الأَمْرَ قَدْ *** صَارَ بِأَيْدِي اللِّئَام و الأشرارِ

لَمْ يَزَلْ طُولَ عُمْرِهِ فِي عَنَاءٍ *** لَمْ يَجِدْ رَاحَةٌ أَبُو الأَطْهَارِ(3)

ص: 61


1- خِمار: ما تغطي به المرأة رأسها.
2- الهزبر: الأسد.
3- مهراق المدامع ص25.

(14) كيف لاتبكي

(بحر الكامل)

الأستاذ حسن أحمد العامر(*)(1)

رفقاً بنَفْسِكَ أَيُّهَا المَغْرُورُ *** لاَيَقْعُدَنَّ بِعَزْمِكَ المَقْدُورُ

لاَأَلْفَیَنَّكَ لاَهِياً بمَلَذَّةِ *** تَفْنَى وَ يَبْقَى جُرْمُكَ المَحْظُورُ

وَدَع المَلاهِي لِلْمُرِيدِ فَحَظُّهُ *** نَصَبٌ وَ هَمْ زَادُهُ تَكْرِيرُ

وَاجْهَدْ لِنَفْسِكَ بالتَّقَى مُتَزَوِّداً *** إِنَّ التَّقِيَّ مُؤَيَّدٌ مَنْصُورُ

لاتُنْسِيَنَّكَ لَذَّةٌ بِنَعِيمِهَا *** ذِكْرَ المَمَاتِ فَذِكْرُهُ مَشْكُورُ

لاتُفْتَنَنَّ بِكَثْرَةٍ فَلَعَلَّهَا *** جَوْفَاءُ لاَعُمْرُ وَ لاَتَعْمِيرُ

وَاقْنَع بِرِزْقٍ وَ اقْتَصِدْ بِمَعِيشَةٍ *** وَ انْفِقْ بِعَدْلٍ مَا بِهِ تَبْذِيرُ

كُنْ دَائِماً مُتَذَكَّراً لِمُصِيبَةٍ *** هِيَ فِي فُؤَادِكَ عُمْرُهَا مَسْجُورُ(2)

ذِكْرَى مُصِيبَةِ فَاطِمٍ قَدْ أَشْعَلَتْ *** قَلْبِي هُمُومَاً وَصْفُهَا مَعْسُورُ

لاأَتَّقِي ذِكْرَ المُصَابِ تَجَاهُلاً *** حَاشَا فَقَلْبِي ذَاكِرٌ مَعْمُورُ

لَكِنَّنِي لَاأَسْتَطِيعُ تَصَوُّراً *** كَيْفَ اجْتَمَعْنَ عَلَى البُزَاةِ طُيُورُ(3)

وَ لِحَرْقِ ذَاكَ البَيْتِ أَضْحَى أَمْرُهُم *** عَزْماً وَ أَحْمَدُ لَحْدُهُ مَنْشُورُ

أَوَمَا عَلِمْتَ بأَنَّ بَضْعَةَ أَحْمَدٍ *** طَوَتِ الحَيَاةَ وَ ضِلْعُهَا مَكْسُورُ؟

هَجَمُوا عَلَى تِلْكَ المَصُونَةِ بَيْتَهَا *** حَنَفَاً وَ بُغْضَاً قَادَهُمْ مَغْرُورُ

ص: 62


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المسجور: الملتهب، و سجر التنور: أشعله.
3- البزاة: جمع مفرده البازي: جنس من الصقور.

عَصَرُوا البَتُولَ فَهَشَّمُوا أَضْلَاعَهَا *** وَ إِذَا الجَنِينُ بِقُرْبِهَا مَعْفُورُ(1)

وَ تَنَابَحَتْ حَوْلَ الوَصِيَّ كِلابُهُمْ *** وَ ثَبُوا عَلَيْهِ وَ شَرُّهُمْ مَشْهُورُ

هَجَمُوا فَقَادُوا حَيْدَراً بِنِجَادِهِ *** وَإِذَا الأَمِيرُ بِأَمْرِهِمْ مَأْمُورُ

عَجَباً تُقَادُ وَ أَنْتَ صَقْرُ طُيُورِهَا *** أَتُرَى الصُّفُورُ يَقُودُهَا عُصْفُورُ؟

وَ الَهْفَتَاهُ لِفَاطِمِ مُذْ عَايَنَتْ *** كَبْشَ الكَتِيبَةِ يَنْحَنِي وَ يَسِيرُ(2)

عَجَباً لِصَبْرِكَ يَا عَلِيُّ فَإِنَّهُ *** هَزَّ الرَّوَاسِي فَهيَ مِنْهُ تَمُورُ(3)

قَسَماً بحِلْمِكَ سَيْدي وَ بِسِرِّهِ *** قَسَمٌ لَعَمْرُكَ لَوْ عَلِمْتَ كَبِيرُ

لَوْلاَ احْتِمَالُكَ لِلأَذَى مُتَجَلْدَاً *** مَا كَانَ ذِكْرٌ لِلإِلَهِ يَدُورُ

لَوْلاَ اصْطِبَارُكَ يَا عَلَيَّ لِمَا بَدَا *** شَرْعٌ لأَحْمَدَ قَائِمٌ مَشْهُورُ

أيْنَ الحِميّةُ وَ العِدَى هَجَمَتْ عَلَى *** أَرْضِ الوِلايَةِ ضَرْعُهَا مَبْتُورُ؟

فَعَلَى البَتُولَةِ يَا سَمَاءُ تَفَطَّرِي *** حُزْناً فَإِنَّ فُؤَادَهَا مَفْطُورُ

وَ تَجَلْبَبِي يَا أَرْضُ ثَوْبَ كابَةٍ *** وَ دَعِي السُّرُورَ فَإِنَّهُ مَحْظُورُ(4)

وَ ابْكِي وَ نُوحِي وَ اعْوِلي مِنْ أَجْلِهَا *** دَهْراً طَوِيلاً مَا بِهِ تَفْتِيرُ

وَ لَوْ أَنَّكِ فَارَقْتِ كُلَّ سَعَادَةٍ *** حُزْناً فَلاَسَرَفٌ وَ لاَتَبْذِيرُ

وَ مُرِي العُيُونَ بِصَبٌ حُمْرِ دُمُوعِهَا *** وَ ارْضِي الجُفُونَ فَدَمْعُهَا مَذْخُورُ

عَجَباً لِعَيْنِ كَيْفَ لاتَبْكِي وَ قَدْ *** بَكَتِ الجِنَانُ لأَجْلِهَا وَ الحُورُ؟

ص: 63


1- المعفور: المصروع أو الممرّغ في التراب.
2- كبش الكتيبة: قائدها.
3- تمور: تهتز و تتحرك.
4- تجليبي: البسي الجلباب و الجلباب: الثوب المشتمل على الجسد كله، أو الخمار.

(15) أنتِ رَمْزُ العُلّى

(بحر الخفيف)

السيد حسن الشيرازي(*)(1)

ص: 64


1- (*) هو السيد حسن ابن السيد ميرزا مهدي ابن السيد ميرزا حبيب الله الحسيني الشيرازي. ولد في النجف الأشرف سنة (1354ه_) و نشأ منذ صغره على الايمان و الفضيلة و تكونت شخصيته الدينية الملتزمة المتجذِّرة في أعماق نفسه الكبيرة برعاية والده العالم الورع التقي و المجتهد الكبير المرجع السيد الميرزا مهدي الشيرازي «قدس سره الشریف». أما دراسته العلمية فقد بدأت في كربلاء حيث درس المقدمات و السطوح لدى أساتذتها المعروفين حتى تهيأ للدراسات العليا فدرس الخارج على والده و كذا على العالم الأصولي الكبير السيد هادي الميلاني كما درس العلوم العقلية على الفيلسوف الاسلامي الشهير الشيخ محمد رضا الاصفهاني، و أيضاً حضر دروس الفقيه المحقق الشيخ يوسف الخراساني مثلما درس الفقه و الأصول و الفلسفة لدى أخيه الفقيه المرجع المجاهد السيد محمد الشيرازي (قد سره الشریف) حتى حظي بمرتبة سامية من الكمال و العلم . و كان المترجم له مديراً لمدرسة ابن فهد الحلي الدينية و كنت أنا يومها طالباً فيها في المرحلة الأولى من دروس الحوزة. و منذ أوائل شبابه نهض بأعباء المسؤولية الدينية من كتابة و تأليف و تدريس، و تحقيق و توجيه و قد ساهمت نشاطاته الدينية و خطبه الشجاعة في توعية المجتمع مساهمة كبيرة و نظراً لدوره الكبير في قيادة المجتمع المتحرر سجن و واجه أنواعاً من المتاعب و الصعاب بما هو مشهور و مواقفه الصمودية في وجه الظلم و التعذيب لهي مدرسة في الشجاعة و الاباء و الدفاع عن الحق و الكرامة هاجر من العراق و استقر به المقام في لبنان ليواصل جهاده في سبيل الله، ففي عام (1391ه_) أسس مدرسة الامام المهدي عج الله فرجه الشریف الدينية في بيروت (في منطقة البراجنة) و في نفس السنة في شهر رمضان المبارك اقام فيها مجلساً برج حسينياً المدرسة و دعاني لكي ارتقي المنبر هناك للارشاد و وعظ الناس، و الجدير بالذكر أن من أهم الخطوات التاريخية التي أنشأها المترجم له و التي سوف يذكرها له التاريخ بكل فخر و اعتزاز هي انشاء الحوزة العلمية الدينية في الزينبية بدمشق فهو مُبتكرها و مؤسسها و حاميها و المشرف عليها لحين شهادته، و قد أصبحت هذه الحوزة راسخة الجذور و قائمة ناشطة تؤدي رسالتها على أحسن وجه حتى تخرج منها العديد من الأساتذة و الأفاضل و هم اليوم يمارسون دورهم العلمي فيها. و مما زاد من أهمية الحوزة الزينبية أن علماء و مجتهدين من العراق و إيران هاجروا إليها و هم الآن يُساهمون في تطوير الحركة العلمية فيها و يقومون بوظائفهم الدينية و العلمية ببركتها. كانت للشهيد موهبة كبيرة في الكتابة بأسلوب أدبي راقٍ وقد ألف كتباً دينية و أدبية كثيرة أهمها خواطري عن القرآن في 3 مجلدات كلمة اللَّه، كلمة الرسول الاعظم صلي الله علیه و آله و سلم، كلمة الامام الحسن علیه السلام كلمة الامام المهدي علیه السلام كلمة الاسلام العمل الادبي، الادب الموجه، التوجيه الديني، حديث رمضان الاقتصاد الاسلامي الاشتقاق إله الكون، انجازات الرسول، و غيرها و أخيراً جمع نظمه و شعره في ديوان و هو في طريق إعداده للطبع؛ و تفاصيل جهوده و جهاده في سبيل الدين و المذهب كثيرة مما لايسع المجال لذكرها فتركناها لمظانها. شهادته: في عصر يوم الجمعة 16 جمادى الآخرة سنة (1400ه_) كان يستقل سيارة أجرة في طريقه إلى مجلس تأبين أقامه في بيروت على روح آية الله الشهيد الصدر فهاجمه مجموعة اعداء الله و أصابوه بعدة طلقات في رأسه أدت إلى استشهاده، فكان مصرعه حدثاً جللاً، و نقل جثمانه من بيروت إلى دمشق، و شيِّع في الزينبية تشييعاً ضخماً منقطع النظير، ثم نقل إلى مدينة قم المقدسة و شيّع بمهابة و إجلال و دفن في حرم السيدة فاطمة المعصومة علیها السلام.

نَشْوَةُ العِيدِ مِنْ نَشِيدِ الهَزَارِ *** أَيْقَظَتْ فِي الرُّبَى شَذَا الأَزْهَارِ

وَ اسْتَفَاضَ الوُجُودُ بِشْراً بِذِكْرَى *** فَاطِمَ الطُّهْرِ بَضْعَةِ المُخْتَارِ

حَازَهَا تُحْفَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي المِعْرَاجِ *** بَعْدَ الصَّيَامِ وَ الأَذْكَارِ(1)

فَاطِمَا لَفَّهَا القَدَاسَةُ لَفَّ *** الضَّوْءِ لِلشَّمْسِ وَ الشَّذَا لِلْبَهَارِ(2)

ص: 65


1- في ذخائر العقبى ط بيروت ص36 : عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا قبَّلت فاطمة علیها السلام جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلاً فقال صلي الله علیه و آله و سلم: إنه لما أسري بي أدخلني جبرئيل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في ظهري فلما نزلت من السماء واقعت خديجة علیها السلام ففاطمة علیها السلام النطفة. و ذكرها الخوارزمي في فضل الحسين، ج1 ص63 في فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام، و راجع تاريخ بغداد ج5 ص87 و لسان الميزان لابن حجر ج5 ص160.
2- البهار: الجمال أو نبت طيب الرائحة، و يقال له عين البقر أو بهار البر.

يَا لَهَا نَجْمَةً عَلَتْ فِي لِقَاهَا *** الشَّمُسَ مَتْنَ البُرَاقِ لا الأَمْهَارِ

بَزَغَتْ تَكْسِبُ الوُجُودَ جَمَالاً *** وَ خُلُوداً يَنمُّ عَنْ إِكْبَارِ

أَطْلَقَتْ طَائِرَ الصِّيَاءِ فَسَالَتْ *** فِي الفَيَافِي الرِّمَالُ بِالأَنْوَارِ(1)

وَبَكَى الفَجْرُ فِي الوُرُودِ دُمُوعاً *** شَكَرَتْهَا بِنَفْحِهَا المَوَارِ(2)

نَشَرَتْ فِي فَضا الخُلُودِ جَنَاحَاً *** لَيْسَ تَطْوِيهِ صَوْلَةُ الأَقْدَارِ

حَمَلَتْ صَيتَهَا الأَثِيرَ فَطَارَتْ *** فِي جُفُونِ الأَسْحَارِ فِي الأَقْطَارِ(3)

وَ مَشَتْ خَلْفَهَا الطَّبِيعَةُ قِنَاً *** أَرْهَفَتْ حِسَّهَا عَلَى الأَسْرَارِ

مَلَكَتْ فِي الخُلُودِ عَرْشاً تَخَالُ *** الدَّهرَ لَمْحاً مِنْ صَرْحِهَا النَّوارِ

يَا جَزَاءَ الصَّلاَةِ يَا كَوْثَرَ القُرْآنِ *** يَا مَنْ حَوَيْتِ كُلَّ فَخَارِ(4)

ص: 66


1- الفيافي: الصحاري.
2- الموّار: المثار.
3- الأثير: عند علماء الطبيعة (مادة لا تقع تحت الوزن تتخلل الأجسام و يكون امتداد الصوت و الحرارة بواسطة تموجاتها).
4- في ذخائر العقبى للطبري ص19 فصل في ذكر الحث على الصلاة عليهم. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: الا أهدي لك هدية سمعتها من رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقلت: بلى فاهدها. قال: سألنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقلنا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كيف الصلاة عليكم أهل البيت علیهم السلام؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل ابراهيم انك حميد مجيد. و في جواهر العقدين/ العقد الثاني/ الذكر الثاني/ ص153 في حديث طويل بعد أن أدخل علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام تحت الكساء: ...اللهم هؤلاء آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم فاجعل صلواتك و رحمتك و مغفرتك و بركاتك على آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و في أسباب النزول للواقدي النيسابوري ط قم ص307 قال: أخبرنا يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لاعقب له و كان قد توفي قبل ذلك عبداللَّه ابن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و كان من خديجة علیها السلام. لو هلك انقطع ذكره و استرحتم منه فأنزل الله «تعالى» في ذلك. «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» . و راجع تفسير البرهان ج4 ص515 ح3 و راجع أسباب النزول للسيوطي في تفسير الآية من سورة الكوثر.

أَنْتِ رَمْزُ العُلَى فَدَتْكِ السَّجَايَا *** يَا ضَمِيرَ العُصُورِ فَخَرَ نِزَارِ

***

هِيَ رُوحُ الوُجُودِ وَ الجَوْهَرُ الفَرْ *** الَّذِي شَعَ فِي الخَيَالِ السَّارِي

جَلَّ عَقْلُ الفِعَالِ فِينَا مُطِلاً *** مِنْ خِلالِ الخَيَالِ فِي الأَفْكَارِ

رَفْرَقَتْ كَالمُنَى يُثِيرُ جَلالاً *** مِنْ جَبِينِ الشُّعَاع لا الأَوْكَارِ

طَبَّقَ الكَوْنَ فِي ثَوَانٍ بَهَاءً *** رَشَّ فِيهِ نَيَازِكَ الأَسْحَارِ

خَلَفَتْ رَوْعَةٌ تَهُزُ الرَّوَابِي *** بَيْنَ وَحْيِ الأَشْجَارِ وَ الأَطْيَارِ

وَ كَانَ الأَقَاحُ مَيَّاسَةَ الأَعْطَافِ *** تُصْغِي لِلْبُلْبُلِ الهَدَارِ

وَ كَانَ الصَّدَّاحُ جَاءَ بَشِيراً *** لِلسَّمَا لِلْهِضَابِ لِلْأَشْجَارِ

هَذِهِ فَاطِمٌ أَطَلَّتْ عَلَى الأَكْوَانِ *** تُزْرِي بِطَلْعِهِ الأَقْمَارُ(1)

هِيَ أَرْقَى مِنَ الطَّبِيعَةِ كَالأَرْوَاحِ *** مَا رَاقَهَا بَرِيقُ النُّضَّارِ(2)

لَمْ تُزَيِّنُ بِالعِقْدِ عِيداً وَ بِالخَاتَمِ *** كَفَاً وَ مِعْصَماً بِالسِّوَارِ(3)

ص: 67


1- فى ذخائر العقبى للطبري ط بيروت ص54 في حديث طويل. ... فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي النساء فلم يفعلن و قلن: لانأتيك و قد صرت زوجة محمد صلي الله علیه و آله و سلم فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف، فقالت لها احداهن أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى علیه السلام، و قالت الأخرى: أنا مریم بنت عمران أم عيسى علیه السلام جئنا لنلي من أمرك ما يلى النساء، قالت: فولدت فاطمة علیها السلام فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة أصبعها. و في مشارق الأنوار، ص85 جاء بعد حديث طويل عن الولادة: فلما وضعتها اشرقت الدنيا و امتلأت منها الاقطار بالطيب و الأنوار، وفاح عطر العظمة، و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا اشرق نوراً و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا.
2- النُّضار: الذهب و الفضة و قد غلب المعنى على الذهب أو الجوهر الخالص من التبر أو الخالص من كل شيء.
3- في مكارم الأخلاق للطبرسي ط بيروت الباب الخامس/ في الفصل السادس/ في التزيين للنساء بالحلي و غيره/ في الأسورة/ ص94 عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذا أراد السفر يكون آخر من يسلم عليه فاطمة علیها السلام، و إذا رجع بدأ بها. فسافر مدة و قد أصاب علي علیه السلام شيئاً من الغنيمة فدفعه إلى فاطمة علیها السلام ثم خرج فأخذت سوارين من فضة شيئاً و علقت على بابها ستراً. فلما قدم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم توجه نحو بيت فاطمة علیها السلام فنظر فاذا في يدها سواران من فضة و إذا على بابها ستر فرجع و لم يدخل عليها. فدعت ابنيها و نزعت الستر من بابها و خلعت السوارين من يدها ثم دفعت السوارين إلى احدهما و الستر إلى الآخر، ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام و قولا له ما أحدثنا بعدك غير هذا فما شأنك به؟ فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما ثم أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما دعا أهل الصُفّة. قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل و لاأموال. فقسمه بینهم قطعاً ثم جعل يدعو الرجل العاري منهم الذي لايستتر بشيء فيعطيه قطعة من ذلك الستر. و في كشف الغمة ج1 ص451 في رواية فيها اختلاف قليل إنه رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال بعد أن تصدق بالستر و السوارين. «إن هؤلاء أهل بيتي و لاأحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا». و في مكارم الأخلاق أيضاً الباب و الفصل نفسهما عن الكاظم علیه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم دخل على ابنته فاطمة علیها السلام و في عنقها قلادة فأعرض عنها، فقطعتها و رمت بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم هل انت منّي يا فاطمة علیها السلام ثم جاء سائل فناولته القلادة.

تَنْقُرُ التّبْرَ فِي المَسَاكِينِ كَفٌّ *** خِلْتُهَا لاَتُطِيقُ قَبْضَ النُّضَار

هِيَ كَفٌّ لَمْ تُمْسِكِ التَّبْرَيَوْماً *** فَتَرَاهَا عَدُوَّةَ الدِّينَارٍ

أَغْنَتِ المُعْدَمِينَ بَسْطاً وَلكِنْ *** لَيْسَ فِي بَيْتِهَا مَتَاعُ الدَّارِ(1)

ص: 68


1- في بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للطبري، ط النجف الأشرف ص137 في حديث نأخذ موضع الحاجة فيه. وقف أعرابي فقير على باب فاطمة علیها السلام و نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوَّة صلي الله علیه و آله و سلم و مختلف الملائكة. فقالت فاطمة علیها السلام: و عليك السلام فمن أنت يا هذا؟ قال: شيخ من العرب... عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمك الله... فعمدت فاطمة علیها السلام إلى جلد كبش مدبوغ كان ينام عليه الحسن و الحسين علیهما السلام، فقالت: خذ هذا أيها الطارق فعسى الله ان يرتاح لك ما هو خير منه قال الاعرابي: يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم شكوت اليك الجوع فناولتني جلد كبش، قال: فعمدت إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب فقطعته من عنقها و نبذته إلى الأعرابي و قالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه. و في مسند أحمد، ج1 ص106: أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لما زوجه فاطمة علیها السلام بعث معه بخميلة و وسادة من ادم حشوها ليف و رحائين و سقاء و جرتين، فقال علي الفاطمة علیها السلام ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، قال: و قد جاء الله اباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فقالت: و أنا واللَّه قد طحنت حتى مجلت يداي فأتت النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال: ما جاء بك اي بنيه؟ قالت: جئت لأسلم عليك و استحيت ان تسأله و رجعت فقال: ما فعلت؟ قالت استحييت ان اسأله فاتيناه جميعاً فقال علي علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري و قالت فاطمة علیها السلام: قد طحنت حتى مجلت يداي و قد جاءك الله بسبي وسعه فاخدمنا إلى ان قال: فاتاهما النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت اقدامهما و إذا غطيا اقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا فقال: مكانكما، ثم قال: الا اخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلى فقال: كلمات علمنيهن جبرئيل، فقال: تسبّحان في دبر كل صلاة عشراً و تحمدان عشراً وتكبران عشراً و إذا أوتيتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً و ثلاثين واحمدا ثلاثاً و ثلاثين و كبرا أربعاً و ثلاثين قال: فواللَّه ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فقال له ابن الكواء: و لاليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم و لاليلة صفين.

مَا لَهَا فِي مَبَاهِج الكَوْنِ مَيْلٌ *** وَ لَهَا المَكْرُمَاتُ خَيْرُ شِعَارِ

لاتَقِسُهَا بِرَبَّةِ الخَفْ يَكْفِيهَا *** هُنَافُ الكِتَابِ يَوْمَ الفَخَارِ(1)

***

رَبَّةُ الوَحْي زَوْجُ حَيْدَرَةَ *** الكَرَّارِ أُمُّ الأَئِمَّةِ الأَطْهَارِ(2)

ص: 69


1- يعني بها زبيدة زوجه هارون العباسي التي اتخذت خفاً من الماس كلفت بيت المال خمسين ألف ألف. و في مقتل الخوارزمي ج1 ص52 : عن علي بن موسى الرضا علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام: عليها حلة كرامة قد عجنت بماء الحيوان فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها، ثم تكسى أيضاً حلة من حلل الجنة و هي ألف حلة مكتوب على كل حلة بخط أخضر أدخلوا بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم الجنة على أحسن الصورة و أحسن الكرامة و أحسن المنظر فتزف إلى الجنة كما تزف العروس و يوكل بها سبعون ألف جارية. و في كنز العمال للمتقي الهندي ط بيروت ج12 ح34209 قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا کان یوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم و غضوا ابصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم على الصراط، فتمر مع سبعين الف جارية من الحور العين كمر البرق.. و راجع ح34210 ح34211 ح34229 و توجد في المستدرك ج3 ص153.
2- في مسند الإمام الرضا علیه السلام ج1 ص347 ح19 قال: ...فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فاحتضنها و قبل فاها و ضمّ علياً إليه و قبل بين عينيه و أجلس الحسن على فخذه الايمن و الحسين علیه السلام على فخذه الأيسر و قبلهما و قال: أنتم أولى بي في الدنيا و الآخرة و الى الله من والاكم و عادى من عاداكم انتم مني و انا منكم إلى آخر الحديث. و في البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، ج1 ص365 ح7 في تفسير قوله «تعالى» من سورة النساء، الآية 31. «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا» عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: الكبائر سبع فينا انزلت و منا استحقت و اكبر الكبائر: الشرك باللَّه و قتل النفس التي حرَّم الله و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و أكل مال اليتيم و الفرار من الزحف و انكار حقنا أهل البيت علیهم السلام. فاما الشرك باللَّه فان اللَّه قال فينا ما قال و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما قال فكذبوا رسوله و اما قتل النفس التي حرم الله فقد قتلوا الحسين بن علي علیه السلام و أصحابه و اما عقوق الوالدين فإن الله قال في كتابه: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» [سورة الأحزاب: 6] و هو اب لهم فقد عقوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ذريته و أهل بيته علیهم السلام و أما قذف المحصنات فقد قذفوا فاطمة علیها السلام على منابرهم، و أما أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا في كتاب الله و أما الفرار من الزحف فقد اعطوا اميرالمؤمنين علیه السلام بيعتهم غير كارهين ثم فروا عنه و خذلوه واما انكار حقنا فهذا مما لايتعاجمون فيه.

فَاطِمُ الطُّهْرِ بَسْمَةُ الدَّهْرِ وَ هَجُ *** البَدْرٍ سِرُّ الكِتَابِ طِيبُ النَّجَارِ(1)

قَصُرَ العَقْلُ عَنْ عُلاهَا وَتَاهَ *** الفِكْرُ فِيهَا وَ عَادَ كَالمُخْتَارِ

فِي سُكُوتٍ يَفُوقُ جَهْرَ ابْنِ عِمْرَانٍ *** وَ صَبْراً أَعَزَّ مِنْ ذِي الفقار

أَحْدَقَتْهَا ذَوَائِبُ المَجْدِ *** كَالأَزْهَارِ مَهْمَا تُحَاطُ بِالأَنْوَارِ

إِنْ تَكُنْ حَفَّهَا بُدُور تَمَامِ *** هَالَةُ الشَّمْسِ مَوْكِبُ الأنوارِ

ص: 70


1- النُجار: بضم النون أو كسرها بمعنى الاصل أو الحسب. و في احقاق الحق ج10 ص244 عن أخبار الدول ص87 ط بغداد عن عائشة قالت: إذا أقبلت فاطمة علیها السلام كانت مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت لاتحيض قطُّ لأنها خلقت من تفاحة الجنة و لقد وضعت الحسن علیه السلام بعد العصر و طهرت من نفاسها فاغتسلت وصلت المغرب. و راجع علل الشرائع ج1 ص290 ح1 عن أبي جعفر علیه السلام قال: إن بنات الانبياء «صلوات الله عليهم» لايطمئن إنما الطمث عقوبة و أول من طمئت سارة.

(16) يا كوكب الإيمان

(بحر الكامل)

السيد حسين السيد حسن هاشم

زَهْرَاءُ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** يَا فَرْعَ دَوْحَةِ أَحْمَدَ المُخْتَارِ

يَا كَوْكَبَ الإِيمَانِ فِي أُفُقِ الهُدَى *** يَسْمُو عَلَى الأَيَّامِ بِالأَنْوَارِ(1)

يَا قِمَّةَ التَّقْوَى وَ مِصْبَاحَ الدُّجَى *** وَ مَنَارَةٌ لِلتَّائِهِ المُحْتَارِ

يَا بِنْتَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ خَدِيجَةٍ *** يَا قُدْوَةَ الأَخْيَارِ وَ الأَبْرَارِ

يَا مَنْ وَرِثْتِ العِلْمَ عَنْ أَهْلِ النُّهَى *** وَ الوَحْيُ مَدْرَسَةٌ بَنَاهَا البَارِي(2)

يَا مِنْحَةَ اللَّهِ الكَرِيمِ بِأَرْضِنَا *** طَهُرَتْ فَأَعْطَتْ عِتْرَةَ الأَطْهَارِ

خُلِقَتْ لِتُصْبِحَ مِنْ عَلِيَّ زَوْجَةً *** أَكْرِمْ بِزَوْجَةِ حَيْدَرَ الكَرَّارِ(3)

وَلَدَتْ لَنَا حَسَناً حَفِيدَ مُحَمَّدٍ *** وَ ابْنَ الوَصِيِّ القَائِدِ المِغْوَارِ(4)

ص: 71


1- أشار الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد من أن الزهراء علیها السلام كوكب دري انظر المناقب لابن المغازلي ص317 كما في الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31 و انظر أيضاً كتاب البحار ج43 ص12 و علل الشرائع، ج1 ص215 ح3 و كتاب دلائل الإمامة للطبري ص54.
2- أهل النهي: مفرده النهية و هي العقل، سمي بذلك لأنه ينهى عن القبيح و عن كل ما ينافي العقل و الصواب.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام خلقت لعلي علیه السلام و خلق علي للزهراء علیها السلام و أحدهما كفؤ للآخر. انظر كتاب البحار ج 43 ص92 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص29، و كتاب دلائل الإمامة ص10: قال عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوّجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى يوم القيامة من آدم فمن دونه».
4- المغوار: كثير الغارات.

حَامَى عَنِ الدِّينِ الحَنِيفِ بِحِلْمِهِ *** بِوَثِيقَةٍ أَمْضَى مِنَ البَتّارِ(1)

كَشَفَتْ نَوَايَا المَاكِرِينَ وَ بَيَّنَتْ *** لِلْمُسْلِمِينَ مَسَاوِيءَ المَكَارِ

وَ تَرَضَّعَ السِّبْطُ الشَّهِيدُ إبَاءَهُ *** مِنْهَا بِفَرْعِ لِلإِبا دَرّارِ

فَحَمَى الشَّرِيعَةَ بِالدِّمَاءِ مُجَاهِداً *** زُمَراً مِنَ التُّجَارِ وَ الفُجَّارِ

وَغَدَا عَلَى شَفَةِ الزَّمَانِ مَدَائِحاً *** صَفَعَتْ عُتُوَّ المُجْرِمِ الجَبَّارِ

نَفْسِي الفِداءُ لِمَنْ بِتَارِيخِ العُلَى *** أَمْسَى مَحَجَّةَ أَشْرَفِ الثُّوَّارِ

زَهْرَاءُ يَا رَمْزَ الصَّلَاح لَنَابِهَا *** مَثَلٌ تَسَامَى فَوْقَ كُلِّ مَنَارِ

فِي يَوْمِ مَوْلِدِهَا الكَرِيمِ تَضَافَرَتْ *** نِعَمُ الوَفَا وَ الحُبِّ وَ الإِيثَارِ(2)

وَ الحِلْم و التَّقْوَى وَ نِبْرَاس الهُدَى *** وَ قَلائِدِ التَّكْرِيم وَ الإِكْبارِ(3)

نَرْجُو شَفَاعَتَهَا غَداً يَوْمَ اللقَا *** عِنْدَ الكَرِيمِ المُنْعِمِ الغَفَّارِ

ص: 72


1- أمضى: أقطع. البّتار: السيف القاطع.
2- تضافرت: تعاونت.
3- نبراس: مصباح.

(17) فأقبلت الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ حسين الشبيب(*)(1)

خَلِيلِيَ دَعْنِي لاَتَلُمْنِي فَقَدْ أَجْرَى *** عَظِيمُ الأسَى مِنْ مُقَلَتِي مُزْنَةٌ حَمْرَا(2)

وَ إِنَّ عَظِيمَ الْوَجْدِ بَيْنَ جَوَانِحِي *** أَثَارَ لَهِيباً شَبَّ فِي مُهْجَتِي جَمْرَا(3)

فَبِاللَّهِ كُفَّ اللُّومَ لاتُوْهِنِ الْحَشَا *** فَتَرْدَادُهُ صَعَبٌ عَلَى الكَبِدِ الحَرَّى

تُحَاوِلُ سَلْوَانِي وَ لاَتَسْتَطِيعُهُ *** لأَنَّ الَّذِي بِي لاتُحِيطُ بِهِ خُبْرَا

فَدَعْ عَنْكَ لَوْمِي لاُتُثِيرُ لَوَاعِجِي *** فَإِنِّي بِمَا قَدْ شَابَ نَاصِيَتِي أَدْرَى(4)

أَتَلْتَذُّ نَفْسِي أَمْ تَطِيبُ جَرَاحَتِي *** وَ قَلْبِيَ هَلْ تَرْجُو بِأَنْ يَسْتَطِعْ صَبْرًا؟

وَ قَدْ رُوِّعَتْ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَ أُسْقِطَتْ *** وَ رُضَّتْ بِجَنْبِ الْبَابِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

تَجَرَّى عَلَيْهَا الظَّالِمُونَ عَدَاوَةً *** وَ بُعْضاً لِطَهَ سَيّدِ الأَنْبِيَا طُرَا

أَدارُوهُ حَوْلَ البَابِ جَهْراً وَ أَشْعَلُوا *** بِهِ النَّارَ قَدْ جَاؤُوا بِهِ حَادِثاً نُكْرَا(5)

فَأَقْبَلَتِ الزَّهْرَا إِلَيْهِمْ وَ حَرَّجَتْ *** وَ ذَكَّرَتِ الأَعْدَا فَلَمْ تَنْفَعِ الذِّكْرَى

فَمَا رَاءَهُمْ إِلا الهُجُومُ بِجَمْعِهِمْ *** عَلَيْهَا جِهَاراً وَ هُيَ يَا لِلإِبَا حَسْرَى

ص: 73


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- مُزنة: سحابة ذات ماء.
3- شبَ: أشعل. مهجتي: روحي و قلبي.
4- لواعج: اللاعج هو الهوى المحرق.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص36 عن سلمان: و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل و الحديث طويل.

مُرَوَّعَةً مَحْرُونَةً مُسْتَضَامَةً *** تَحِنُّ حَنِينَ النِّيبِ مُقْلَتُهَا عَبْرَى(1)

فَلَاذَتْ بِجَنْبِ البَابِ عَنْهُمْ لأَنَّهَا *** بِغَيْرِ قِنَاعٍ كَيْ يَكُونَ لَهَا سِتْرَا

فَعَاجَلَهَا الطَّاغِي وَ دَمْلَجَ زَنْدَهَا *** وَ وَرَّمَ مَتْنَيْهَا وَ أَضْغَطَهَا عَصْرَا(2)

وَ رَوَّعَهَا بِاللَّطْم فَوْقَ خُدُودِهَا *** فَخَرَّتْ وَ مِنْهَا الْعَيْنُ شَاحِبَةٌ حَمْرَا(3)

وَ صَاحَتْ بِصَوْتٍ زَلْزَلَ الْعَرْشِ وَ السَّمَا *** وَ عَطَّلَ أَفَلاكَ السَّمَاءِ عَنِ الْمَجْرَى

شَكَتْ أَعْوَلَتْ نَاحَتْ بَكَتْ وَ تَحَسَّرَتْ *** فَلَمْ تَرَ مَنْ يَرْعَى لِحُرْمَتِهَا قَدْرَا

أَنَا بِنْتُ مَوْلاكُمْ أَنَا بِنْتُ غَوْئِكُمُ *** أُنَادِي وَ مَنْ نَادَيْتُ أَبْدَانِيَ الْعُذْرَا

أَتُكْسَرُ أَضْلاعِي وَ يُحْرَقُ مَنْزِلِي *** وَ يُغْصَبُ فَيْئِي يَا لَهَا فَجْعَةً كُبْرَى(4)

وَ يُسْقَطُ حَمْلِي يَا لَهَا مِنْ مَصَائِبٍ *** عَلَى بُعْدِ طَهَ أَقْبَلَتْ تَتْرَى(5)

أَتَغْدُو يَدِي مِنْ كُلِّ إِرْثِي وَ نِحْلَتِي *** وَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ خَالِيَةً صِفْرَا

وَجُلُّكُمْ رَاضٍ وَ بَعْضُكُمُ بِمَا *** جَنَوْهُ غَداً مُغْضٍ فَبُوءُوا بِهَا خُسْرَا

لأمكُمُ الوَيْلاتُ غَادَرْتُمُ الهُدَى *** بِجُرْحِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَايَبْرَى

فَلَهْفِي لَهَا كَمْ قَابَلَتْ مِنْ مَصَائِبٍ *** عَجَزْنَا بِأَنْ لاَنَسْتَطِيعَ لَهَا حَصْرَا

أُريعَتْ أُضيمَتْ أُسْقِطَتْ قَتَلُوا ابْنَهَا *** زَوَوَاْ إِرْثَهَا وَ اسْتَغْصَبُوا فَيْتَهَا قَسْرَا(6)

ص: 74


1- النيب: جمع ناب، و هي الناقة المسنة.
2- في البيت إشارة إلى ما روي في البحار ج53 ص 18-19. في حديث المفضل عن الصادق علیه السلام و إدخال قنفذ يده «لعنه الله» يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه.
3- إشارة إلى ما روي في البحار ج53 ، ص18 و هجوم قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدَّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
4- فيئي: غنيمتي.
5- تترى: تتابع.
6- زووا: احتازوا و قبضوا و جمعوا. و عن هذا البيت و الأبيات التي تليه انظر السيرة الحلبية ج3 ص362 تجد بعض ما جرى. و دلائل الإمامة للطبري ص46 و فرائد السمطين ج2 ص46.

أُهِينَتْ أُذِلَّتْ كُذِّبَتْ قِيدَ بَعْلُهَا *** أَسِيراً وَ قَدْ كَانَ الأَسودُ لَهُ أَسْرَى

وَ مَاتَتْ وَ زَنْدُ الْغَيْظِ وَارٍ بِقَلْبِهَا *** وَ يَكْفِيكَ حُزْناً أَنَّهَا دُفِنَتْ سِرَا

وَ أُخْفِيَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ قَبْرُهَا *** تُزَارُ وَ لَمْ يَعْرِفْ لَهَا أَحَدٌ قَبْرَا

وَلَكِنْ وَ إِنْ أُخْفِيَ فَقَدْ شَاعَ ذِكْرُهَا *** لَقَدْ عَمَّتِ الدُّنْيَا مَنَاقِبُهَا الغَرَا

رِضَاهَا رِضَى اللَّهِ الجَلِيلِ وَحُبُّهَا *** عَلَى كُلِّ مَنْ قَدْ نَالَهُ نِعْمَةُ كُبْرَى

تَمَسَّك بها تَلقَ المَسَرَّاتِ وَ اتَّخِذْ *** وَلاهَا إِذَا جَارَتْ يَدُ الإِبْتِلا فَخْرَا(1)

ص: 75


1- ديوان الشبيب ج1 ص22.

(18) أحرقوا الباب؟

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الشبيب (*)(1)

أدْهَى مَا كَانَ مِنْ بَلايَا الدُّهُورٍ *** مَوْتُ َطهَ الهَادِي البَشِيرِ النَّذِيرِ

حَيْثُ لَمَّا قَضَى أَبَانَتْ عِدّاهُ *** مَا أَكَنُّوهُ وَ مَا انْطَوَى فِي الصُّدُورِ

مِنْ ضُعُونٍ قَدْ أَضْمَرُوهَا وَ حِقْدٍ *** شَبَّ فِي قَلْبِ كُلِّ عِلْجٍ كَفُورِ(2)

أَظْهَرُوا الحِقْدَ وَ الضَّغَائِنَ إِذْ *** لَمْ يَجِدُوا قُوَّةً لَهُمْ فِي الظُّهُورِ

إِنَّمَا القَوْمُ حَيْثُ لَمْ تَتَأَنَّى *** لَهُمْ إِمْرَةٌ بِسُوءِ النُّفُورِ

أَذْعَنُوا خِيفَةً وَ دَانُوا إِلَيْهِ *** ظَاهِراً وَ الأَحْقَادُ مِلْءُ الصُّدُورِ

مَعَ هَذَا وَ لَمْ يُطِيقُوا اصْطِبَاراً *** أَنْ يَكِيدُوهُ فِي العِشيَ وَ البُكُورِ

كَايَدُوا دَحْرَجُوا الدِّبَابَ وَ فَرُّوا *** يَوْمَ أَحْدٍ وَ زَايَلُوا فِي الأُمُورِ(3)

كَيْ يَنَالُوا أَمْراً لَهُمْ فَأَبَى اللَّهُ *** أَنْ يَنَالُوا إِطْفَاءَ ذَاكَ النُّورِ

سَجَّلُوا بَيْنَهُمْ صَحِيفَةَ شَرِّ *** مَلؤُوهَا بِكُلِّ إِفْكِ وَ زُورِ(4)

صَوَّرُوهَا إِفْكاً وَ رَدَاً عَلَى اللَّهِ *** وَ نَقْضاً لِمَا فِي كِتَابِهِ المَسْطُورِ

وَ ارْتِدَاداً عَنِ الهُدَى وَاقْتِدَاءً *** بِالَّذِينَ ارْتَدُّوا بِمَاضِي الدُّهُورِ

يَوْمَ حَادُوا عَنِ الكَلِيم وَ هَارُونٍ *** إِلَى عِجْلٍ سَامِرِيٌّ كَفُورِ

ص: 76


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الدباب: إناء الزيت و غيره و هو كناية عن الزحلقة عن الطريق أو لعله كناية عن التخاذل و اللَّه العالم.
3- إفك: كذب و زور، كذب و باطل، الشرك باللَّه.
4- علج: الكافر الأجنبي.

فَلَعَمْرِي قَدِ اقْتَدَى القَوْمُ بِالقَوْمِ *** وَ زَادُوا عَلَيْهِمُ فِي أُمُورِ

أَسْقَطُوا حَمْلَ فَاطِمٍ أَحْرَقُوا البَابَ *** فَسَلْهَا عَنْ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ(1)

لَطَمُوا خَدَّهَا فَصَاحَتْ وَ أَنَّتْ *** يَوْمَ رِيعَتْ بِمَدْمَعٍ مَنْثُورِ(2)

رَوَّعُوهَا ضَرْباً عَلَى الرَّأْسِ وَ المَتْنِ *** بِلَا خَشْيَةٍ وَ لامَحْذُورِ

غَصَبُوا إِرْثَهَا فَيَالِتُرَاتٍ *** كَانَ مِنْ أَحْمَدٍ لَهَا مَأُثُورِ(3)

ص: 77


1- في الوافي بالوفيات، ج5 ص347. إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها... و عن إبراهيم بن سيار بن هانىء النظام أنه قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام... إلى آخر الخبر... راجع الملل و النحل للشهرستاني، ج1 ص57. و في مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية ص59: ...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر...، عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة... و في كتاب سليم بن قيس، ط قم، ص36. دعا عمر بالنار فإضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... و في الاحتجاج، ط النجف، ج1 ص109 في خبر طويل... . ...فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
2- في البحار للمجلسي، ج53 ص19، باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج اللَّه فرجه الشریف). عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله علیه السلام قال في حديث طويل و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعة خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وا أبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها...
3- في سنن البيهقي، ج6 ص300 باب بيان مصرف أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بإسناده عن عائشة قالت: «إن فاطمة علیها السلام أتت أبابكر تلتمس ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها أبوبكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: لانورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة علیها السلام و هجرته فلم تكلمه حتى ماتت. و في الاحتجاج للطبرسي، ط النجف، ج1 ص119. عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج6 ص284 في مسألة غصب فدك قال: سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له: أكانت فاطمة علیها السلام صادقة؟ قال: نعم. فقلت: فلم لم يدفع إليها أبوبكر فدك و هي عنده صادقة؟ فتبسّم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه و حرمته و قلة دعابته. قال: لو أعطاها اليوم فدک بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً و ادعت لزوجها الخلافة و زحزحته عن مقامه و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشيء لأنه يكون قد اسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة و لاشهود. ثم علق على ذلك ابن أبي الحديد قائلاً: و هذا كلام صحيح و ان كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل.

كُلُّ هَذَا جَرَى عَلَيْهَا بِمَرْأَى *** مِنْ عَلِيّ ذاك الأبِيِّ الغَيُّور

وَ اسْتَدَارُوا عَلَيْهِ جَهْراً وَ قَادُوهُ *** كَفَحْلٍ مُلبّبٍ مَأسُورِ(1)

أَخْرَجُوهُ سَحْباً وَ رَاحُوا يَجُرُّونَ *** بِنَفْسِي أَفْدِيهِ مِنْ مَجْرُورِ

وَ الَّذِي بايَعُوهُ فِي يَوْمِ خُمٍّ *** حَاصَرُوهُ تَباً لَهُمْ مِنْ حُضُورِ

إِنَّهَا النَّكْبَةُ الَّتِي لاسِوَاهَا *** يَا سَمَا يَا جِبَالُ يَا أَرْضُ مُورِي(2)

مَا سَمِعْنَا بِالضَّأْنِ تَفْتَرِسُ الذُّئْبَ *** وَ لَاالصَّقْر طُعْمَةَ العُصْفُورِ(3)

ص: 78


1- في كتاب سليم بن قيس، ط قم، ص37. انطلق قنفذ و اقتحم بيت فاطمة علیها السلام هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه و كائروه و هم كثيرون فألقوا في عنقه حبلاً ثم انطلقوا بعلي يعتل عتلاً.
2- موري: اضطربي.
3- ديوان الشبيب ج1 ص20.

(19) ذكرتُ باباً

(بحر البسيط)

الشيخ حسين النصراوي

ذرفتُ دمعي و قلبي باتَ مُنكسرا *** و فَرحُ عينيَ جرحاً في الحشا حَفَرَا

ذكرتُ باباً حزيناً دمعُهُ هَطِلٌ *** يشكُو الأسى و مُصاباً فطَّرَ الحجَرا

يشكو مُصاباً مآقي العين تذرفُه *** و الروحُ تذكُرهُ إذْ للفُؤادِ فرى(1)

ينعى البتولَ التي منْ خلفهِ وقفتْ *** و دمعُها مُسبَلٌ لازالَ مُنهمِرا

لمْ أنسها مُذْ أوتْ للبابِ يستُرُها *** فَمُذْ رآها بدا و الحِقدُ قدْ ظَهَرا

عدا وراحَ يُجاري البابَ يدفعُهُ *** فأسقطَ النُّورَ مُذْ ضِلعاً لها كَسَرا

و القلبَ أوجعَهُ و الوجهَ ألَّمَهُ *** و صدرَ فاطِمَ بالمسمار قدْ حَفَرا

و قالَ للعبدِ إضربها فأوجَعها *** لطماً على الوجهِ حَتَّى قِرطَها نَثَرا

و أحرَق البابَ بالنارِ التي سطعتْ *** نُوراً لِفاطِمةٍ ناراً لِمَنْ غَدَرا

لهفي لها ظُلمِتْ و الحُزنُ حيِّرها *** تبكي لأحمدَ أمْ للسقطِ مُذْ عُصِرا

تبَّاً لِظالِمها بُعداً لِمُبْغِضِها *** كأنَّهُ صُمَّ عَنْ قولٍ لها اشتَهَرا(2)

اللَّهُ يرضى لزهراء و إن غضبتْ *** يغضبْ و هلْ أحدٌ قد أنكرَ الخَبَرا

ص: 79


1- فرى: أي تفرّى، انشق و تقطع.
2- تباً: (التباب): الخسران و الهلاك.

(20) بضعة الهادي

(بحر البسيط)

الأُستاذ حميد أحمد المسري(*)(1)

لَقَدْ حَظِيَ الكَوْنُ قِدْماً بِالأَسَارِيرِ *** مُذْ قَدْ بَدَتْ بَضْعَةُ الهَادِي بِتَكْبِيرِ(2)

زَهْرَاءُ تَزْهَرُ فِي الآفَاقِ طَلْعَتُهَا *** فَيَنْجَلِي الكَوْنُ وَضَاءٌ مِنَ النُّورِ(3)

ص: 80


1- (*) هو الاستاذ حمید بن أحمد بن علي بن أحمد المسري. ولد في الكويت في الثالث من شهر شعبان سنة (1368ه_) الموافق (1948م)، في منطقة الشرق شارع الميدان. نشأ و ترعرع و تربى في أحضان أسرته، فنشأ نشأة صالحة كريمة حتى دفعه أبوه الحاج أحمد المسري إلى أحد الكتاتيب عند السيد ماجد البحراني و هو لم يتجاوز التاسعة من آنذاك، فتعلَّم القراءة و الكتابة ثم انتقل إلى المدرسة الجعفرية في الكويت و مديرها آنذاك كان الأستاذ المربي السيد محمد حسن الموسوي الذي كان متخصصاً بالعلم و التقوى و الصلاح فترعرع و نشأ كنفه جيل من الوجهاء و الصالحين حيث غرس في نفوسهم حب الفضيلة و الصلاح، وللَّه در القائل: قم للمعلم وفِّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا أكمل المترجم له دراسته الثانوية بكل جدارة و قوة حتى صلب عوده و سمت منزلته. و كان الأستاذ أحمد من صغر سنه هاوياً للشعر و الأدب فأخذ يقرض الشعر و هو في العقد الثاني من عمره و في مرحلة دراسته المتوسطة، و تدرج في سلّم الشعر حتى اصبح شاعراً في كل مناسبة، و قد حالفه التوفيق منذ نعومة أظفاره لأن يكون أكثر نظمه في مدح ورثاء أهل البيت علیهم السلام و نعم التوفيق هو. نُشر له ديوان باسم (رشح الخواطر في مدح محمد صلي الله علیه و آله و سلم و آله الزواهر) و لايزال المترجَم له يمارس دوره الثقافي و الديني في مختلف الأبعاد، وفقه اللَّه لذلك.
2- حَظي: حصل على مكانة عالية الأسارير: جمع سرور و هو الفرح و الغبطة.
3- و لعل مما يشير إلى هذا المعنى ما جاء في معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص64 و علل الشرائع ج1 ص215 رقم3، الطبعة الأولى عن الطالقاني عن الجلودي عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سمّيت زهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.

إِشْرَاقَةٌ قَدْ بَدَتْ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ *** مَا مِثْلُهَا وَرَدَتْ فِي سَائِرِ الدُّورِ

عَلَتْ عَلَى الشَّمْسِ نُوراً فَاسْتَضَاءَ بِهِ *** كُلُّ الوَرَى لَمْ يَكُنْ عَنْهُمْ بِمَسْتُورِ

مَا الشَّمْسُ مَا الضَّوْءُ مَا الْأَنْوَارُ أَجْمَعُهَا *** يَكِلُّ عَنْ وَصْفِهَا بِالنُّورِ تَعْبِيرِي(1)

فَهْيَ الأَسَاسُ لِنُورِ الكَوْنِ قَاطِبَةً *** مَقولَةٌ فِي حَدِيثٍ غَيْرِ مَنْكُورِ(2)

ص: 81


1- لعل في هذا البيت و ما سبقه من الأبيات و لعل الناظم يشير إلى الرواية المذكورة في كتاب «دلائل الإمامة» للطبري ص8 حيث قال: «...عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ قال نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوجها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة ... فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لافي غربها موضع إلا أشرق فيه النور، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، و دخلت عشر من الحور العين مع كل واحد طست من الجنة و إبريق فيه من ماء الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها و غسلتها بماء الكوثر، و أخرجت خرقتين بيضاوتين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى، ثم استنطقتها فنطقت بشهادة أن لا إله إلا الله و أن أباها محمداً صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء، و أن بعلها علياً علیه السلام سيد الأوصياء، و أن ولديها سيدا الأسباط ثم سلمت عليهن، و سمّت كل واحدة باسمها، و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادتها وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم. و بذلك لقبت الزهراء علیها السلام.»
2- المنكور: المجهول. و ربما أراد في هذا البيت التأكيد على الرواية التي وردت في كتاب «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ص396 «عن سدير الصيرفي عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خلق نور فاطمة علیها السلام قبل أن تخلق الأرض و السماء فقال بعض الناس: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم فليست هي إنسية؟ فقال: فاطمة علیها السلام حوراء إنسية. قال: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و كيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله «عزوجل» من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله «عزوجل» آدم عرضت على آدم قيل يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و أين كانت فاطمة علیها السلام؟ قال: كانت في حقّه تحت ساق العرش. قالوا: يا نبي اللَّه فما كان طعامها ؟ قال: التسبيح و التهليل و التحميد فلما خلق الله «عزوجل» آدم و أخرجني من صلبه، أحبّ الله «عزوجل» أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة و أتاني بها جبرئيل فقال لي: السلام عليك و رحمة الله وبركاته يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم، قلت: و عليك السلام و رحمة الله حبيبي جبرئيل. فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن ربك يقرئك السلام قلت: منه السلام وإليه يعود السلام. قال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن هذه تفاحة أهداها الله «عزّوجل» إليك من الجنة. فأخذتها و ضممتها إلى صدري. قال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم يقول الله جل جلاله: كُلها. ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً ففزعت منه فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم ما لك لاتأكل؟ كُلها و لاتخف، فإنَّ ذلك النور نور المنصورة في السماء و هي في الأرض فاطمة علیها السلام. قلت: حبيبي جبرئيل و لم سمّيت في السماء «المنصورة» و في الأرض «فاطمة علیها السلام»؟ قال: سُمّيت في الأرض فاطمة علیها السلام، لأنها فطمت شيعتها من النار و فطم أعداءها عن حبّها و هي في السماء المنصورة و ذلك قول الله «عزوجل»:«وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ» يعني نصر فاطمة لمحبيها.»

هذَا الحَدِيث أَتَى صِدْقاً مَقُولَتُهُ *** عَنْ سَيِّدِ جَاءَنَا لا عَنْ أَسَاطِيرِ(1)

نُورٌ بَدَا فَانْجَلَى عَنْهُ الدُّجَى فَزَهَا *** فِي الخَافِقَيْنِ جَلِيّاً غَيْرَ مَغْمُورِ(2)

وَ أَصْبَحَ الكَوْنُ شَعَاً يَوْمَ مَوْلِدِهَا *** حَتَّى بَدَا كُل مَسْتُورٍ بِدَيْجُورِ(3)

فَالأَرْضُ تَزْهَرُ بِالأَنْوَارِ مُشْرِقَةً *** وَ الفُلْكُ مُزْدَانَةٌ فِي حُسْنِ تَحْبِیرِ(4)

حَكَتْ أَبَاهَا رَسُولَ اللَّهِ فِي خُلُقٍ *** فَشَابَهَتْهُ بِحَزْمٍ ثُمَّ تَدْبِیرِ(5)

صَلَّى عَلَيْهَا مَلِيكُ الخَلْقِ إِذْ بَرَزَتْ *** وَ خَصَّهَا إِذْ تَوَلاهَا بِتَطْهِيرِ(6)

قَدْ خَصَّهَا لِنِسَاءِ الخَلْقِ سَيِّدَةً *** عَلَتْ عَلَى الخَلْقِ فِي فَضْلٍ وَ تَوْقِيرِ(7)

ص: 82


1- عن سيدِّ: المقصود بالسيد هنا هو سيد الكائنات محمد صلي الله علیه و آله و سلم.
2- الدجى: الظلام. الجلي: الظاهر البين. المغمور: الذي علاه الشيء فأخفاه. الخافقَين: هما المغرب و المشرق أو أفقهما لأن الليل و النهار يختلفان فيهما.
3- الشع: الشعاع. الديجور: الظلام.
4- التحبير: التزيين.
5- حکت: شابهت و لعل ما يروى في ذلك ما جاء في ذخائر العقبى للعلامة الحافظ محب الدین أحمد بن عبد الله الطبري ص40 تحت عنوان (ذكر شبهها بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم سمتاً) الرواية عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً و دلاً و هدياً و حديثاً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامه و قعوده من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.
6- قد يشير في هذا البيت إلى آية التطهير،كما ذكر الطبري في كتابه «ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى» ص23 عن أم سلمة «قالت كان النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم عندنا منكساً رأسه فعملت له فاطمة علیها السلام حريرة فجاءت و معها حسن و حسين علیهما السلام فقال لها النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أين زوجك اذهبي فادعيه فجاءت به فأكلوا فأخذ كساءً فأداره عليهم و أمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع اليمنى إلى السماء و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و حامتي و خاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، أنا حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم و عدو لمن عاداهم» أخرجه ابن القبالي في معجمه.
7- قريب من ذلك ما جاء في الرواية التي ذكرها الطبري في «ذخائر العقبى» ص43 في فضل فاطمة عن عمران قال: خرجت يوماً فإذا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قائم فقال لي: يا عمران إن فاطمة مريضة فهل لك أن تعودها قال: قلت فداك أبي و أمي و أي شرف أشرف من هذا قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و انطلقت معه حتى أتى الباب فقال : السلام عليكم أَدْخُلُ؟ قالت: و عليكم السلام ادخل فقال صلى الله عليه و آله و سلم: أنا و من معي؟ قالت و الذي بعثك بالحق نبياً ما علي إلا هذه العباءة قال: و مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ملاءة خلقة فرمى بها إليها فقال: شدّي بها رأسك ففعلت ثم قالت: ادخل فدخل و دخلت معه فقعد عند رأسها و قعدتُ قريباً منه فقال أي بُنية كيف تجدينكِ قالت: واللَّه يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إني لوجعة و إنه ليزيدني وجعاً إلى وجعي إني ليس عندي ما اكل قال فبكى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بكت و بكيت معهما فقال لها: أي بنية تصبري مرتين أو ثلاثاً ثم قال لها أي بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين قالت: و أين مريم بنت عمران قال لها أي بنية تلك سيدة نساء عالمها و أنتِ سيدة نساء عالمك و الذي بعثني بالحق لقد زوّجتك سيداً في الدنيا و الآخرة لايبغضه إلاّ منافق».

لَوْلاَ التَّفَاوُتُ فِي تَقْوَى وَ مَعْرِفَةٍ *** مَا مَازَ فَرْدٌ عَلَى فَرْدٍ بِتَقْدِيِرِ(1)

إِنَّ التَّفَاوُتَ فَرْقٌ قَدْ نَمِيزُ بِهِ *** كُلَّ الوَرَى عِنْدَ تَقْدِيمٍ وَ تَأْخِيرِ(2)

فَاللَّهُ فَضَّلَهَا، بِالخُلْقِ جَلَّلَهَا *** مَا مِثْلُهَا خُلِقَتْ فِي سَائِرِ الحُورِ(3)

بِنْتُ النَّبِيِّ نَبِيَّ الخَلْقِ قَاطِبَةً *** مَنْ قَدْ أَتَانَا بِإِنْدَارٍ وَ تَبْشِيرٍ

عَزَّ الخَلائِقُ حَقًّا فِي مَوَدَّتِهَا *** وَ حُبُّهَا الأمْنُ يَوْمَ النَّفْخَ فِي الصُّورِ(4)

ص: 83


1- ماز: عزل الشيء و فرزه عن غيره.
2- التفاوت: الاختلاف و التباعد ما بين الشيئين الاختلاف و التباين في الفضل. الورى: الخلق.
3- جلَّل: عَظَّمَ. و لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في ذخائر العقبى ص48. عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان. العرش: يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم، و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط فتمر و معها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع».
4- يوم النفخ في الصور: كناية عن يوم القيامة. قد يريد الناظم في هذا البيت أن يشير إلى ما جاء في الرواية المذكورة في (بحار الأنوار) جزء(43) ص64: «عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه و آله و سلم قال: قال جابر لأبي جعفر علیه السلام: جعلت فداك يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة علیها السلام إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك. قال أبوجعفر علیه السلام: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قال: إذا كان يوم القيامة... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بیت حبیبي ما التفاتك و قد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم فيقول اللَّه: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبُّ لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فادخليه الجنة. قال أبوجعفر علیه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحبَّ الجيد من الحب الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله «عزوجل»: يا أحبائي ما التفاتكم و قد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي، فيقولون: يا ربِّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا و انظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة علیها السلام، أنظروا من أطعمكم لحبِّ فاطمة علیها السلام، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة علیها السلام، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة علیها السلام، انظروا من ردَّ عنكم غيبة في حُبِّ فاطمة علیها السلام خذوا بيده و أدخلوه الجنة. قال أبوجعفر علیه السلام: والله لايبقى في الناس إلا شالاً أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى: «فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَ لَاصَدِيقٍ حَمِيمٍ» قال أبوجعفر علیه السلام: هيهات هيهات منعوا ما طلبوا. «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ».

أصْفَاكِ رَبُّكِ إِذْ أَتَاكِ مَكْرُمَةً *** مِنَ المَزَايَا بِوَفْرٍ غَيْرِ مَنْزُورِ(1)

بَلَغَتِ بِاللَّهِ فَضْلاً لانَظِيرَ لَهُ *** مُسْتَحْكُمَ الأَصْلِ طَلْقاً غَيْرَ مَحْصُورِ(2)

أَعْطَاكِ رَبُّكِ عِزّاً لا يُشَابِهُهُ *** عِزُ الخَلائِقُ فِي نَبْتٍ وَ تَأْثِيرِ(3)

جُودِي عَلَيْنَا بِفَضْلٍ مِنْكِ نَرْقَبُهُ *** مِنَ السَّمَاءِ بِخَيْرٍ مِنْكِ مَوْفُورِ

بَرَاكِ رَبُّكِ قَبْلَ الخَلْقِ أَجْمَعِهِمْ *** إِذْ لاَسَمَاءَ وَ لاَ شَيْءٌ بِمَذْكُورِ(4)

يَا بَضْعَةَ القَمَرِ الزَّاكِي الَّتِي ظُلِمَتْ *** فِي حَقِّهَا هُضِمَتْ مِنْ غَيْر تَبْرِير(5)

بِالسَّوْطِ قَدْ ضُرِبَتْ، وَ البَابِ قَدْ عُصِرَتْ *** ثُمَّ انْثَنَتْ تَرَحاً فِي ضِلع مَكْسُورِ(6)

وَ مُحْسِناً أَسْقَطَتْ جَرَاءَ رَفْسَتِهِ *** فَيَالَهُ حَدَتْ مِنْ كَفْ مَغْرُورِ(7)

ص: 84


1- الوفر: الكثير. النزور: القليل.
2- طلقا: أي مطلقاً غير مقيد. جاء في «ذخائر العقبى» أيضاً ص 39 ما للزهراء علیها السلام من فضل عند الله «تعالى» حيث اقترن غضب الله بغضب الزهراء علیها السلام و رضاه برضاها فيقول الطبري: عن علي بن أبي طالب علیه السلام يا فاطمة علیها السلام إن الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».
3- الثبت: العاقل الراجح الرأي الثابت.
4- براك: بمعنى خلقك.
5- هضمت: ظلمت و انتقص حقها من غير تبرير: أي من غير داع و سبب.
6- انثنت: انعطفت ترحا حزناً.
7- و ما سبقه من الأبيات إشارة إلى ما ورد في كتاب سليم بن قيس: عن سلمان و عبداللَّه بن العباس قالا: توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته، حتى نكث الناس و ارتدوا و أجمعوا على الخلاف و اشتغل علي برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إنَّ الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل و أهل بيته علیهم السلام فابعث إليه فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له:قنفذ، فقال له: يا قنفذ انطلق إلى علي علیه السلام فقل له أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فبعثا مراراً و أبي علي علیه السلام أن يأتيهم، فوثب عمر غضبان و نادى خالد بن الوليد و قنفذ فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة «صلوات الله عليهما» و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك لاتدعنا و ما نحن فيه. قال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم. فقالت: يا عمر: أما تتقي الله «عزوجل» تدخل علي بيتي و تهجم على داري؟ فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم. فوثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و همَّ بقتله فذكر قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ما أوصاه به من الصبر و الطاعة فقال: والذي كرم محمداً صلى الله عليه و آله و سلم بالنبوِّة يا بن صهّاك لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لاتدخل بيتي فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار و سلَّ خالد بن الوليد السيف ليضرب به علياً علیه السلام فحمل علي علیه السلام عليه بسيفه، فأقسم على علي فكفَّ. و هناك رواية أخرى في كتاب «أمالي الصدوق» ص990-100 [ط الخامسة] جاء فيها عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم کان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن علیه السلام فلما رآه بكى ثم قال: إلى أين يا بني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى. ثم أقبل الحسين علیه السلام فلما رآه بكى ثم قال: إلى أين يا بني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ثم أقبلت الزهراء علیها السلام فلما رآها بكى ثم قال: إليَّ إليَّ يا بنية فأجلسها بين يديه ثم أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام فلما رآه بكى ثم قال: إليَّ يا أخي فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن فقال له أصحابه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم من تُسر برؤيته؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على البرية إني وإياهم لأكرم الخلق على الله «عزوجل» و ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم أما علي بن أبي طالب علیه السلام فإنه ... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فانها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية مني قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، و يقول اللَّه «عزوجل» لملائكته: «يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة علیها السلام سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم اني قد أمَّنت شيعتها من النار و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها (كسرت جنبتها) و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلاتجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فراقي أخرى و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدتُ بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله «تعالى» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران فتقول يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عزوجل» إليها مريم بنت عمران تمرضها و تؤنسها فى علتها، فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلّد في النار من ضرب جنبها حتى ألقى ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين».

ص: 85

تَقَبَّلِي مِنْ صَمِيمِ القَلْبِ قَافِيَةً *** فِي الحُسْنِ زَاهِيَةً جَاءَتْ بِتَفْكِيرِي(1)

مَيْمُونَةٌ بِاسْمِكِ العَالِي قَدِ اتَّسَمَتْ *** مَعْلُومَةَ النَّهْجِ نَظْماً غَيْرَ مَنْثُورِ(2)

إِذَا تَلاَهَا امْرُؤٌ هَزَّتْ عَوَاطِفُهُ *** وَ أَرْدَفَتْ طَرَباً مِنْ حُسْنِ تَصْوِيرِ

نَظَمْتُهَا عَبْرَ تَفْكِيرِي بِلا مَلَلٍ *** غَدَتْ بِقُرْءٍ لَهَا بِالكَسْرِ مَجْرُورِ(3)

جَاءَتْ لِتُعْرِب عَنْ حُبِّي لَكُمْ أَبَداً *** وَ يُخْبِرَ النَّظْمُ عَمَّا كَنَّ تَامُورِي(4)

نَظَمْتُ لَفْظِي فَكَانَ النَّظْمُ دَاعِيَةً *** إِلَى نِظَامِ رَفِيعِ القَدْرِ مَنْظُورِ(5)

قَدْ أَرْسَلَتْ عَنْ هُدَى قَلْبِي مُعَلَّمَةً *** فِي حُبّكُمْ قَدْ أَتَتْ مِنْ دُونِ تَغْبِيرِ

ص: 86


1- القافية: القصيدة و العرب تطلق على القصيدة كلها قافية. قالت الخنساء: و قافية مثل حد السنان *** تبقی و یهلک من قالها و قافية: أي وقصيدة.
2- المنثور من الكلام ما كان نثراً و ليس منظوماً.
3- القرء: بضم القاف بمعنى القافية.
4- التامور: القلب.
5- المنظور: الذي يرجى خيره.

كَالشَّمْسِ فِي حُسْنِهَا لِلنَّاسِ زَاهِرَةً *** أَوْ كَوْكَبِ ظَاهِرِ فِي صَوْتِهِ يُورِي(1)

فَالْفِكْرُ فِيهَا غَدَا لِلأَمْرِ مُمْتَيْلاً *** وَ الشَّعْرُ ما بَيْنَ مَسْطُورِ(2)

تَقَبَّلِيهَا فَإِنَّ الفِكْرَ ذُو فَرَطٍ *** قَدْ قَرَّ بِالعَجْزِ مِنْ جَرَّاءِ تَقْصِيريِ(3)

فَالْقَلْبُ فِي سَرَفٍ، وَ الْفِكْرُ فِي دَلَفٍ *** وَ القَصْدُ مَا بَيْنَ مَطوِيٌّ وَ مَنْشُورِ(4)

قَدْ كُنْتُ آمَلُ أنْ أَرْقَى بِرَائِعَةٍ *** لَكِنَّمَا قَدْ جَرَى نَظْمِي بِمَقْدُورِي(5)

صَلَّى إِلهُ الوَرَى أَلْفاً عَلَيْكِ أَتَى *** مُؤَسِّسُ الأَلْفِ َألفاً غَيْرَ مَجْذُورِ(6)

ص: 87


1- يوري: يقدح ضوءاً.
2- المشطور: المقسوم نصفين لأن البيت الواحد من الشعر فيه شطران الأول يسمى الصدر و الثاني يسمى العجز و آخر تفعيلة من الصدر تسمى العروض و آخر تفعيلة من العجز تسمى الضرب. المسطور: وضع الكلمات و الجمل في صفوف (سطر).
3- الفرط: الذي لم يف بحق الأداء، المتهاون.
4- السرف: المولع في الشيء أي مولع في حبكم. الدلف: المقبل على الشيء أي الفكر مقبل على إظهار المعاني. القصد: المعنى الموجود في القلب. المطوي: هو الذي كان في القلب. المنشور: هو الذي ظهر في النظم.
5- الرائعة: المقصود بها القصيدة الجيدة.
6- مؤسس الألف ألفاً: أي الالف هذه مرفوعة إلى أس ألف هكذا (1000) فالعدد (1000) مضروب في نفسه (1000) مرة أي بمعنى واحد بجانبه من اليمين ثلاثة آلاف صفر و عليك الحساب المجذور: حاصل ضرب العدد في نفسه. رشح الخواطر في مدح محمد صلي الله علیه و آله و سلم وآله علیهم السلام الزواهر ص97.

(21) صاحب الطلعة الغزا

(بحر الطويل)

السيد خضر القزويني (*)(1)

إلامَ التَّوَانِي صَاحِبَ الطَّلْعَةِ الغَرًّا *** أَمَا آنَ مِنْ أَعْدَاكَ أنْ تَطْلُبَ الوِتْرَا؟(2)

ص: 88


1- (*) السيد خضر بن علي بن محمد بن جواد بن رضا أبو الأسرة القزوينية و يصل نسبه إلى زيد الشهيد. و هو من أسرة تعرف بآل القزويني، قطنت النجف الأشرف منذ زمن بعيد. ولد المترجم له، في النجف الأشرف عام (1323ه_) و نشأ بها و ترعرع حتى إذا بلغ سنّ رشده ركب طريق الادب و الكمال و ما انفاً عن مجالسة الشعراء و ممارسة الخطباء، فقرض الشعر و هو ابن عشرين عاماً، و قد جمع إلى موهبة النظم و إنشاد الشعر فن الخطابة و التبليغ بأسلوب جديد بليغ فكان خطيباً مفوهاً حباه الله حسن الصوت و جمال الوجه فأصبح يشار إليه بالبنان و ما انفك مثابراً على طلب الفضل و الفضيلة و تحصيل العلوم و الأخلاق، حتى انفرد من بين ذوي الفن بمواهبه العالية و أصبح نابغة من نوابغ الشعراء و الخطاء، و حلّق من بينهم إلى أوج الكرامة و الخلود. أكثر من النظم وأجاد في أكثره، و طرق أبواب الشعر فكان موفِّقا في أغلبها و كان غريد المحافل، و في عصره يعد من المجددين، فكان أدبه أكثر من خطابته و كان المترجَم له مثالاً للخلق الرفيع و النفس العالية، مرموقاً في وسطه محبوباً عند مختلف الطبقات، اريحي الطبع، ذكياً رقيق الأسلوب، و كان وفياً أصدقائه. و كان يختص بفئة طيبة من معشر الشباب الواعي و يمتاز بهم عن سائر الناس، و ما برح يلتقي بهم في معظم الاوقات و من بين هؤلاء الأصدقاء الاوفياء زميله فضيلة السيد مهدي الأعرجي. توفي «رحمة الله» و هو في أوائل العقد الرابع من عمره بعد أن قاسى المرض زمناً و ذلك يوم الثالث من رجب عام 1357ه_ و شيّع تشييعاً معظماً و دفن في الإيوان الذهبي في الحرم الحيدري «المقدس».
2- التواني: الفتور و التقصير. الوتر: الانتقام، بكسر الواو أو فتحها.

فَدَيْنَاكَ لِمَ أَغْضَيْتَ عَمَّا جَرَى عَلَى *** بَنِي المُصْطَفَى مِنْهَا وَ قَدْ صَدَّعَ الصَّخْرَا؟(1)

أَتُغْضِي وَ تَنْسَى أُمَّكَ الظُّهْرَ فَاطِماً *** غَدَاةَ عَلَيْهَا القَوْمُ قَدْ هَجَمُوا جَهْرَا؟(2)

أَتُغْضِي وَ شَبُوا النَّارَ فِي بَابٍ دَارِهَا *** وَ قَدْ أَوْسَعُوا فِي عَصْرِهِمْ ضِلْعَهَا كَسْرَا؟(3)

أَتُغْضِي وَمِنْهَا أَسْقَطُوا الطُّهْرَ مُحْسِناً *** وَ قَادُوا عَلِيَّ المُرْتَضَى بَعْلَهَا قَسْرَا؟

أَتُغْضِي و َسَوْطُ (العَبْدِ) وَ شَّحَ مَتْنَهَا *** وَ مِنْ لَطْمَةِ الطَّاغِي غَدَتْ عَيْنُهَا حَمْرَا؟(4)

أَتُغْضِي وَ قَدْ مَاتَتْ وَ مِلْءُ فُؤَادِهَا *** شَجِّى وَ عَلِيٌّ بَعْدُ شَيَّعَها سِرَّا؟(5)

أَتُغْضِي وَ قَدْ أَرْدَىٰ حُسَامُ (ابْنِ مُلْجَمٍ) *** «عَلِيًّا» وَ طَرْفُ الشِّرْكِ حِينَ قَضَى قَرّا؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ أَلْوَىٰ (لَوِيَّا) مُصَابُهُ *** وَ غَادَرَ حَتَّى الحَشْرِ أَكْبَادَهَا حَرَّى؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ دَسَّ السُّمَامَ أَخُو الشَّقَا *** إِلَى المُجْتَبَى كَيْمَا بِهِ يَفْجَعُ الزَّهْرَا؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ أَوْدَىٰ بِهِ فَتَقَطَّعَتْ *** غَدَاةَ بِهِ أَوْدَىٰ قُلُوبُ الوَرَى طُرَّا؟(6)

أتُغْضِي وَيَوْمَ الطَّف (آلُ أُمَيّةٍ) *** بِقَتْلِ سَلِيل الطُّهْرِ أَدْرَكَتِ الوَتْرَا؟

ص: 89


1- أغضيت: أغضى يُغضي: طبق جفنيه حتى لايُبصر شيئاً، أو سكت و صبر. صدّع: شقَّ.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إحراق بيت الزهراء علیها السلام و إلى كسر ضلعها.
4- وشحَّ: ألبسه الوشاح كناية عن أنه اسود متنها علیه السلام من آثار سياطة فكان و شاحاً على متنها. يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسوط و لطمها على خدها. انظر کتاب سليم بن قيس ص36 و ص40 و ص208 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109، و كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و كتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية.
5- و في هذا البيت إشارة إلى حزن الزهراء علیها السلام و إلى تشييعها سراً إلى قبرها. انظر كتاب البحار ج43 ص183، 195 و ص201. و كتاب مناقب ابن شهر آشوب كما في عوالم العلوم ج2 ص1080. و ج3 ص363. و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص54 . و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1898 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
6- أودي: أهلك.

أَتُغْضِي وَ فِيهِ مَثَّلَتْ بَعْدَ قَتْلِهِ *** وَ مِنْ دَمِهِ قَدْ رَوَّتِ البِيضَ وَ السُّمْرَا؟(1)

أَتُغْضِي وَ قَدْ طَافَتْ بِرَأْسِ فَخَارِهِ *** عَلَى ذَابِل أَمْسَى يُبَاهِي بِهِ البَدْرَا؟

أتُغْضِي وَ قَدْ سَارَتْ بِرَبَّاتِ خِدْرِهِ *** سَبَايَا وَ سَوْطُ الشِّمْر أَوْسَعَهَا زَجْرَا؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ طَافَتْ بِهَا كُلَّ بَلْدَةٍ *** عَلَى هُزَّلٍ تَنْعَى وَ أَعْيُنُهَا عَبْرَى؟

(وَأَعْظَمُ مَا يُشْجِي الغَيُورَ دُخُولُهَا *** إِلَى مَجْلِسٍ مَا بَارَحَ اللَّهْوَ وَ الخَمْرَ)(2)

فَحَتَّى مَتَى تُعْضِي وَ لَمْ تُلْفَ ثَائِراً *** بِوَثْرِ بَنِي الهَادِي الَّذِيْنَ قَضَوْا صَبْرَا

فَهُبْ لَهَا وَاسْقِ حُسَامَكَ مِنْ دِمَا *** عِدَاكَ وَ غَادِرُ نَظمَ هَامَاتِهَا نَثْرَا(3)

ص: 90


1- البيض: السيوف. السمر: الرماح.
2- ضمن الشاعر هذا البيت و هو من قصيدة للحاج محمد علي كمونة.
3- ديوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص230.

(22) أو الهداة

(بحر البسيط)

زين العابدين الكويتي (*)(1)

ص: 91


1- (*) هو زين العابدين بن حسن بن باقر ذي الرياستين الكويتي و المعروف «بملا عابدين»، ولد في الكويت عام (1866م) و نشأ في أسرة فقيرة ،الحال لم تهيَّأ له أسباب الدرس و التحصيل، غير أن تعطشه للعلم -و قد كان ذكياً سریع البديهة- دفعه لاقتناص أوقات فراغه لتلقيه على أيدي أصحابه ،و رفقائه و بعض من كان يتعاطف معه من المدرسين و الاساتذة. فاستطاع أن يثقف نفسه بنفسه، و ان يشتري عمدة الكتب اللغوية و الأدبية، في اللغتين العربية ،و الفارسية و ان ينكبّ عليها مستجلياً خفاياها و دفائنها. و قد جاء في ديوانه المخطوط (العرصات البديعة و الطرائز اللميعة) قوله: (فوفقت بمرور الزمن لمطالعتي الكتب، حتى نظمت القصائد الفرائد على عناوين شتى في كل فن من التخميس و التضمين و التوشيح و التشطير و التواريخ العددية الأبجدية... مقتحماً مقتحما بجنود الفكر لفنون الشعر العويصة، و رموزه الغالية النفيسة، و همزت جماح الفكر إلى ربواته المغدقة الأنيسة ثم نظمت باللغتين و تكلمت بالعبارتين العربية و الفارسية... و كان ابتدائي في الشعر قبل بلوغي أو ان الحلم في سن الثانية عشرة من عمري). و قد خلَّف لنا الشاعر، آثاراً كثيرة في الشعر و النثر، تربو على أربعين مؤلفاً، و قد لعبت بمعظمها يد العبث و الاقدار و لم يبق منها غير القليل، و لقد جاء على ذكر اسماء مؤلفاته في ديوانه المخطوط (العرصات البديعة ...) و لم يذكر أنه قد طبع شيئاً منها غيركتابه الموسوم ب_ (موعظة الرجال و بلغة الآمال) عربي في بومبي عام (1327ه_)، و قد رأيت له ديوان شعر في أهل البيت علیهم السلام مخطوطاً سمّاه (مرآة العارفين و مشكاة السالكين). فقد ساح في أقطار الخليج و التقى بأمرائها و أثريائها و نقل لي الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي: وجدت له شعراً كثيراً في الإحساء و القطيف عند هذا و ذاك. و زين العابدين، خطاط ماهر له لوحات خطية رائعة. وقد اطَّلعت على بعض خطَّة، في حسينية معرفي في الكويت لوحة ملصقة على الجدار فيها قصيدة له يذكر تاريخ تأسيس الحسينية بخَطه الجميل ومثلها في حسينية السيد علي في الكويت منطقة الشرق، فهو آية في الدقة و الحسن و الجمال. و له في الخط أسلوب عجيب يريك زهرة أو رجلاً أو أي صورة تشاء مرسومة على الورق، ثم يفضّ الورقة فتصبح الصورة آية قرآنية أو بيتاً من الشعر أو كلمة، و قد سكبت بخط رائع جذاب. و هذا فن تخصص به و أجاده وآثاره مشهورة في الكويت. وافته المنية رحمه اللَّه عام (1950م) عن عمر ناهزَ الثمانين.

أَرَى البَرَايَا تَسُحُّ الدَّمْعَ مِدْرَارَا *** وَ تَشْتَكِي الهَمَّ أَصَالاً وَ أَبْكَارَا(1)

كَأَنَّمَا شَبَّ فِي أَضْلاعِهَا شَرَرٌ *** مِنْ نَارٍ حُزْنٍ أَرَتْهَا ثُمَّ أَضْرَارَا(2)

فَبَانَ جَيْشُ الأَسَى فِي الكَوْنِ وَ انْصَدَعَتْ *** مِنْهُ الجِبالُ الرَّوَاسِي الشُّمُّ مُذْ صارا(3)

أَلا تَرَى الكَوْنَ دَاجِي اللَّونِ مُنْزَعِجاً *** لِفَقْدِ فَاطِمَ يُبْدِي الحُزْنَ تَكْرَارا؟

فَقْدُ البَتُولَةِ هَدَّ الدِّينَ صَارِخُهُ *** وَ زَلْزَلَ الْأَرْضَ لَمَّا شَاعَ تَذْكَارا

لِبَضْعَةِ المُصْطَفَى أَمْسَى الوَصِيُّ يَرَى *** إِزْهَاقَ نَفْسٍ فَأَجْرَى الدَّمْعَ أَنْهَارا

فَلاَ يُلاَمُ إِذَا مَا بَاتَ فِي جَزَعٍ *** لأَنَّ فِي عَيْنِهَا قَدْ شَامَ آثَارا(4)

وَ حُمْرَةُ العَيْنِ لِلزَّهْرَا لَهَا سَبَبٌ *** وَ تِلْكَ مِنْ لَطْمَةِ الجَانِي إِذْ جَارا(5)

وَ قَدْ رَأَى ضِلْعَهَا المَكْسُورَ حِينَئِذٍ *** أَرَادَ تَجْهِيزَهَا مُذْ رَامَ أَسْتَارا(6)

ص: 92


1- تسحَ: تسيل. أصالاً:جمع أصیل و هو بین العصر و المغرب أو العشي. أبکار: جمع بكرة و هي الصباح.
2- شب: أُشعل و اتقد.
3- انصدعت: انشقت. الجبال الرواسي الشم: الجبال الراسخة الثابتة.
4- شام: يقال مخايل مخايل الشيء: أي تطلع نحوه ببصره منتظراً له، و شام البرقَ: نظر إليه أين يتجه و أين يمطر.
5- في هذا البيت إشارة إلى صفع عمر بن الخطاب وجه الزهراء علیها السلام ظلما و جورا. ففي إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية، على لسان الزهراء علیها السلام فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ و قد تبرأ الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم منهم و تبرأت منهم».
6- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إلى تجهيز الزهراء علیها السلام و دفنها ليلاً انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص40 و ص208 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. أما دفنها ليلاً فانظر المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363. و كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص54. و كتاب البحار ج43 ص183. و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1898. و الظاهر أن الوزن الشعري يقضي أن نضيف كلمة (لم) أو (لا) حتى يستقيم البيت فيكون هكذا (بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم رأت ما لايرى أحد).

بِنْتُ الرَّسُولِ رَأَتْ مَا يَرَى أَحَدٌ *** كَمَا رَأَتْ مِنْ عَدُوٌّ كَانَ كَفَّارا

تَنَاهَبُوا فَيْثَهَا وَ الكُلُّ يَرْمُقُهَا *** وَ خَالَفُوا قَوْلَ طَهَ القَوْمُ إِجْهَارا(1)

مِنَ البُكَا مَنَعُوهَا بَعْدَ وَالِدِهَا *** وَ جَرَّعُوهَا كُؤُوسَ المُرٍّ أَطْوَارا(2)

كَانَتْ تَسِيرُ إِلَى ظِلٍّ الأَرَاكَةِ كَيْ *** تَقْضِي لَهَا فِي البُكَا وَ النَّوْحِ أَوْطَارا(3)

لَمْ يَكْفِهِمْ مَا جَنَوْا إِثْماً وَ قَدْ قَطَعُوا *** تِلْكَ الأَرَاكَةَ ظُلماً ثُمَّ إجْبَارا

بَنَى عَلِيٌّ لَهَا بَيْتاً تَنُوحُ بِهِ *** عَلَى فِرَاقِ أَبِيهَا بَعْدَ مَا سَارا

بَنَى لَهَا بَيْتَ أَحْزَانٍ لِتَسْكُنَهُ *** عِنْدَ البُكَاءِ فَتَذْرِي الدَّمْعَ مِدْرَارا

كَانَتْ تَرُوحُ مَعَ ابْنَيْهَا هُنَاكَ إِلَى *** البَيْتِ المُعَيَّنِ أصالاً وَ أَبْكَارا

وَ تَنْثُرُ الدَّمْعَ فِي حُزْنٍ وَ فِي حُرَقٍ *** يُذِيبُ صُمَّ الصَّفَا بِالنَّوْحِ إِذْ غَارَا(4)

ص: 93


1- فيئها: غنيمتها. يرمقها: يطيل النظر إليها و في هذا البيت إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص626، و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و السيرة الحلبية ج3 ص487.
2- و في هذا البيت إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام من البكاء فقد جاء في كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص322 قال: رأس البكائين ثمانية: آدم و نوح، و يعقوب و يوسف و شعيب و داود، و فاطمة علیها السلام، و زين العابدين علیه السلام قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة. فقالوا لها آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما ان تبكي بالنهار، و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي. و ذكره الشيخ الصدوق في أماليه ص121 ح رقم5.
3- أوطارا: جمع وطر، و هو الحاجة و البغية.
4- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى بيت الاحزان الذي بناه لها الإمام علي علیه السلام بعد اعتراضهم على بكائها ليلاً ونهاراً. ففي كتاب البحار ج34 ص177 ضمن حديث طويل قال: «ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها، و خرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها». و في كتاب رحلة ابن جبير ص174 قال: «ويلي هذه القبة العباسية بيت يُنسب لفاطمة علیها السلام بنت الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ويعرف ببيت الحزن يقال إنه الذي أوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم.

تُخَاطِبُ الحَسَنَيْنِ الطُّهْرُ فَاطِمَةٌ *** تَقُولُ أَيْنَ مَضَى مَنْ عَنْكُمُ سَارا

فَأَيْنَ جَدُّكُمُ الهَادِي النَّبِيُّ أَلاَ *** قُولاَ فَفِي مُهْجَتِي قَدْ أَوْقَدُوا النَّارا؟(1)

أَذَابَ جِسْمِي فِي يَوْمِ الرَّحِيلِ وَ كَمْ *** لأَقَيْتُ مِنْ بَعْدِهِ ضَيْماً وَ أَكْدَارا

أَيَّ المَصَائِبِ أَنْسَى بَعْدَ جَدْكُمَا *** إِحْرَاقَ دَارِي أَمِ الظُّلْمَ الَّذِي صَارا؟(2)

ص: 94


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما روي من أنَّ الزهراء علیها السلام كانت تخاطب الحسنين علیهما السلام بحزن ولوعة لفقد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. ففي كتاب البحار ج43 ص181 قال: «و روي أنها ما زالت بعد أبيها صلى الله عليه و آله و سلم مُعصَّبة الرأس ناحلة الجسم، منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرَّة بعد مرَّة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ و لاأراه يفتح هذا الباب أبداً و لايحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما».
2- ففي كتاب الاحتجاج ج1 ص109 قال ضمن رواية طويلة «ثم أمر (يعني عمر) أناساً حوله فحملوا حطبا و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع عليا علیه السلام والله لتخرجنَّ و لتبايعنَّ خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو لأضر منَّ عليك بيتك ناراً ناراً ثم ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته. ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 زيادة على ما في الاحتجاج «فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر تتقي الله تدخل عليَّ بيتي ؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه و دخل... الخ . و في ص208 من كتاب سليم قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم... الخ. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 إن أبابكر بعد أن أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة بن الجراح و جماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام، و جمع عمر على باب فاطمة علیها السلام (ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: السلام عليكم أهل بيت النبوَّة صلى الله عليه و آله و سلم وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان) و أحرق الباب بالنار . و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر، و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها».

أَمْ كَسْرَ ضِلْعِي وَ إِسْقَاطَ الجَنِينِ أوِ *** السَّوْطَ الَّذِي اسْوَدَّ كَتْفِي مِنْهُ إِجْهَارا(1)

أمْ مَنْعَهُمْ فِي تُرَاثِي بَعْدَ مَا عَلِمُوا *** أَنَّ النَّبِيَّ حَبانِي ذَاكَ إيثَارا(2)

أَمْ فَوْدَهُمْ لابْنِ عَمِّي يَوْمَ بَيْعَتِهِمْ *** إِلَى الخَلِيفَةِ مَنْ قَدْ بَاتَ مُخْتَارا

أمْ قَطعَهُمْ لأَرَاكٍ أَوْ لِمَنْعِهِمُ *** مِنِّي البُكَا لأَبي مَنْ قَدْ حَمَى الجَارا(3)

ص: 95


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إسقاط جنينها و ضربها بالسوط على كتفها . انظر کتاب سلیم بن قيس ص208. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. و في ص40 من كتاب سليم بن قيس قال: و قد كان قنفذ لعنه اللَّه حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها. أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بابها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى اللَّه عليها من ذلك شهيدة. و في كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 قال: ضمن حديث طويل «فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ اياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
2- و في هذا البيت إشارة إلى غصب فدك الزهراء علیها السلام انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 ، و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج3 ص487 فراجع.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى منع الزهراء علیها السلام من البكاء على أبيها و قطعهم الأراكة التي كانت تبكي تحتها و تستظل بظلها. انظرکتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص322. و الشيخ الصدوق في أماليه ص121 ح رقم 5.

لِلَّهِ صَبْرُ أَبِي الحَمْلَاتِ حِينَ رَأَى *** تِلْكَ المُلِمّاتِ لكِنْ كَانَ صَبّارا

لَوْلاً وَصَايَا رَسُولِ اللَّهِ تَمْنَعُهُ *** لَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ عَلَى الغَبْرَاءِ دَيّارا(1)

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى أُمَّ الهُدَاةِ أَلاَ *** عَطفاً عَلَى مَنْ لَكُمْ قَدْ صَاغَ أَشْعَارا

فَرِقُّكُمْ عَابِدِينَ انْصَاعَ مُعْتَرِفاً *** بِأَنَّكُمْ أُمَنَاءُ اللَّهِ إِشْهَارا

يَرْجُو الشَّفَاعَةَ مِنْكُمْ يَوْمَ مَوْرِدِهِ *** غَداً فَقَدْ حَمَّلَتْهُ النَّفْسُ أَوْزَارا

عَلَيْكُمُ صَلَوَاتُ اللهِ مَا بَزَغَتْ *** شَمْسٌ وَ مَا قَمَرٌ قَدْ شَعَّ أَنْوَارا(2)

ص: 96


1- الغبراء: الأرض.
2- نقلاً من مرآة العارفين و مشكاة السالكين ص116 مخطوط.

(23) البضعة الغزا

(بحر الطويل)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

خَدِيجَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ سَمَتْ فَخْرا *** بِتَزْوِيجِهَا لِلْمُصْطَفَى مُنِحَتْ قَدْرا(2)

لَهُ اخْتَارَهَا رَبُّ السَّمَاءِ حَلِيلَةً *** فَفَضَّلَهَا دُنْيَا وَ شَرَّفَهَا أُخْرَى(3)

وَ قَدَّرَ نَسْلَ الْمُصْطَفَى مِنْ طَرِيقِهَا *** وَ صَيَّرَهَا أُمَّاً إلَى البِضْعَةِ الغَرَّا(4)

وَ مُذْ حَمَلَتْهَا زَالَ عَنْهَا هُمُومُهَا *** تُحَدِّثُهَا سِرًّا وَ تُورِثُهَا سَرَّا(5)(6)

وَذِي آيةٌ كُبْرَى لِفَاطِم مَا جَرَتْ *** قَدِيماً لأُنْثَى لا وَ لابَعْدَها تُجْرَى

رَآهَا الْهُدَى تُبْدِي كَلاماً وَ لَمْ يَرَ *** سِوَاهَا فَنَادَى وَ السُّرُورُ مَلاَ الصَّدْرَا(7)

تُنَاجِينَ مَنْ؟ قَالَتْ جَنِينِي يُجِيبُنِي *** فَرَاحَ نَبِيُّ اللَّهِ يُهْدِي لَهَا البُشْرَى

يَقُولُ لَهَا البُشْرَى بِبِنْتِ كَرِيمَةٍ *** بِهَا تَزْهَرُ الدُّنْيَا وَ تَزْدَهِرُ الأُخْرَى(8)

ص: 97


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- سَمَتْ: عَلَتْ و ارتَفَعَتْ.
3- حليلة: زوجة.
4- الغرّا: الغراء مؤنث الاغر: الكريم الأفعال. السيد الشريف و الغُرَّة جمعها غُرَ، و الغُرَّةُ من كل شيء: أوَّلُه و معظمه و طلعتُه. و كل ما بدا لك من ضوءٍ أو صبحٍ فقد بَدَتْ غُرَّتُهُ.
5- في الروض الفائق، ص314. فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر و قد بان لخديجة علیها السلام حملها بفاطمة علیها السلام و ظهر قالت خديجة علیها السلام: واخيبة من كذب محمداً صلي الله علیه و آله و سلم و هو خير رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و نبي فنادت فاطمة علیها السلام من بطنها: يا أماه لاتحزني و لاترهبي فإن الله مع أبي.
6- السَّرّاء: كل ما سَرَّك من الأمور و هي نقيض الضَّرَّاء.
7- تُبدي: تُظْهِر.
8- تَزْهَرُ: تضيء.

وَ نَسْلِيَ مِنْهَا يَا خَدِيجَةُ فَاعْلَمِي *** هُمُ حُجَجُ البَارِي وَآيَتَهُ الكُبْرَى

وَ هُمْ مَدَدٌ لِلدِّينِ مِنْ بَعْدِ غَيْبَتِي *** يُقِيمُونَ لِي شَرْعِي وَ يُبْقُونَ لِي الذِّكْرَى

فَمَا بَرِحَتْ مَسْرُورَةٌ تَحْمِلُ الهَنَا *** وَ تَرْقَبُ يَوْماً فِيهِ تَبْدُو لَهَا السَّرَّا(1)

وَ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِخْرَاجَ قُدْسِهَا *** لِبَادِيَةِ الدُّنْيَا لِتَمْلَأَهَا خَيْرا

تَنَزَّلَ خَيْرَاتُ النِسَاءِ لأُمِّهَا *** لِيَقْبَلْنَها فِي وَضْعِهَا الدّرَّةَ النَّوْرَا(2)

لَهَا حَضَرَتْ عِنْدَ الْوِلَادَةِ سَارَةٌ *** وَاسِيَةٌ مَعْ كَلْثَمٍ مَعَهَا العَذْرَا

لِيُؤْنِسْنَهَا حَتَّى تَكُونَ بِقُرْبِهَا *** قَرِيرَةَ عَيْنٍ لاَتَرَى عِنْدَهَا عُسْرا

أَحَطَنَ بِهَا يُؤْنِسْنَهَا فَتَمَخَّضَتْ *** بِيُسْرٍ مِنَ الْبَارِي فَأَوْلَدَتِ الزَّهْرَا(3)

أَضَاءَتْ رِحَابَ الدَّارِ مِنْ نُورِ وَجْهِهَا *** كَمَا عَمَّ ذَاكَ النُّورُ دُنْيَا الْوَرَى طُرَّا(4)

فَصَلُّوا عَلَيْهَا وَ النَّبِيِّ وَ بَعْلِهَا *** وَ أَبْنَائِها مَنْ خَيْرُهُمْ أَبَداً يَتْرَى(5)

ص: 98


1- فما برحت: يريد به فما زالت. ترقب: تنتظر، ترتقب.
2- في البحار، ج16 ص80. عندما حضرت الولادة خديجة علیها السلام وصّت إلى نساء قريش و لنساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء فارسلني إليها: عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم أبي طالب فقيراً لامال له فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئاً. فاغتمت خديجة علیها السلام لذلك فبینا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن فقالت لها:إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن اخواتك: انا سارة و هذه اسية بنت مزاحم و هذه مريم بنت عمران علیها السلام و هذه صفراء بنت شعيب بعثنا الله «تعالى» إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء.
3- تَمَخَضتْ: جاءها مخاض الولادة. وَ خَلُصت إليه.
4- في عوالم العلوم، ج1 ص56 ح1. فوضعت خديجة فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض اشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا اشرق فيه ذلك النور.
5- يَتري: يُتابع، يُقال جاء القوم تَتْرَى و تَثرى، أي متتابعين، و أصلها وَ تْرَى و تَرِيَ تَرْياً في الأمر: تراخى فيه.

(24) طهارة فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(1)

بَحْرَانِ مَوْجُ تُقَاهُمَا زَخَّارُ *** وَ الْمَكْرُمَاتُ بِهَا الحَيَاةُ تُنَارُ(2)

سَطَعتُ بِآفَاقِ الحِجَازِ فَبَدَّدَتْ *** حَلَكَ الظَّلامِ وَ شَعَّتِ الأَقْمَارُ(3)

بَحْرَانِ لَمْ يَتَلاقَيَا إِلَّا عَلَى *** طُهْرٍ بِهِ تَتَفَاخَرُ الأَظهَارُ

مَا بَيْنَ طُهْرِهِمَا كَرَامَةُ خَالِقٍ *** فَتَبَارَكَ الإِيرَادُ وَ الإصْدَارُ

بِهِمَا مِنَ الرَّحْمَنِ نُورٌ بَاهِرٌ *** وَ مِنَ الرَّسُولِ مَهَابَةٌ وَ وَقَارُ

فَرَضَتْ لِقَاءَهُمَا إِرَادَةُ قَادِرٍ *** فَلَنِعْمَ مَا قَدْ شَاءَتِ الأَقْدَارُ

وَ أَقَامَ بَيْنَهُمَا بِطُهْرٍ بَرْزَخٌ *** لايَبْغِيَانِ لَوِ اسْتَبَدَّ الجَارُ(4)

ص: 99


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- زخار: طام ممتلىء. روى السيوطي في الدر المنثور ج6 ص142 قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» هما علي و فاطمة علیهما السلام «بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» هو النبي صلي الله علیه و آله و سلم «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» هما الحسن و الحسين علیهما السلام [سورة الرحمن آية 19-22] و وردت في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص318 ، و قد ولد الامام الحسن علیه السلام في شهر رمضان سنة (3ه_) راجع أعلام الورى ص205 و ذخائر العقبي ص118 و كشف الغمة ج2 ص140 و نور الأبصار للشبلنجي ص131 و الطبري ج2 ص485 و537 و فضائل الخمسة ج1 ص288 و الصواعق المحرقة لابن حجر ص138 و تذكرة الخواص ص212.
3- بدّدت: فرّقت. حلك الظلام: شدة سواده.
4- يشير الشاعر في هذه الأبيات السبعة إلى تزويج الزهراء علیها السلام و إلى الآية المباركة في سورة الرحمن رقم (19) ففي البحار ج43 ص104 نقلاً عن أمالي الطوسي قال: عن جابر بن عبد الله قال: لما زوَّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوَّجت علياً علیه السلام بمهر خسيس. فقال: ما أنا زوَّجت علياً علیه السلام ولكن الله «عز وجل» زوَّجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى، أوحى اللَّه إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدرَ و الجواهر و المرجان فابتدر الحور العين فالتقطن فهن يتهادينه و يتفاخرن و يقلن هذا من نثار فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و أما الآية ففي تفسير القمي ج2 ص344 عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: في قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» قال علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ»[سورة الرحمن الآية 19-20] الحسن و الحسين علیهما السلام ذكره عبد علي الحويزي في تفسيره نور الثقلين ج5 ص191 ح17 و ذكره السيوط في تفسيره الدر المنثور ج6 ص142 عن ابن عباس.

فَلَنِعْمَ غَرْسٌ طَابَ بَيْنَ كِلَيْهِمَا *** أغْنَى الزَّمَانَ وَ طَابَتِ الأَثْمَارُ

أَعْطَتْهُ لِلدُّنْيَا طَهَارَةُ فَاطِمٍ *** نُوراً وَجَادَ بِهِ الفَتَى الكَرَّارُ

زَهْرَاءُ عَالِيَةُ الجَبِينِ شَرِيفَةً *** مَا شَابَهَا ذَنْبٌ وَ لاَأَوْزَارُ

مَعْصُومَةٌ كَالوَرْدِ فِي أَكْمَامِهِ *** وَ العِطْرُ مِنْهَا نَبْعُهُ فَوَّارُ(1)

ص: 100


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى آية التطهير من سورة الأحزاب ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص24 قال: عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يمر بباب فاطمة علیها السلام ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر و يقول: الصلاة يا أهل البيت علیهم السلام «إنَّما يُريد اللَّه» [ الأحزاب الآية 33] و في مستدرك الصحيحين ج2 ص416 قال: عن ام سلمة «رضي الله عنها» أنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين «رضوان الله عليهم أجمعين». فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. قالت أم سلمة: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنك على خير و هؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق. و في كتاب مجمع الزوائد ج9 ص170 قال: عن شداد أبي عمار. قال: دخلت على واثلة الاسقع و عنده قوم فذكروا علياً رضي الله عنه فلما قاموا قال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ قلت بلى قال: أتيت فاطمة «رضي الله عنها» أسألها عن علي علیه السلام. قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و معه حسن و حسين علیهما السلام فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و معه حسن وحسين علیهما السلام أخذ كل واحد منهما بيد حتى دخل فأدنى علياً و فاطمة علیهما السلام و أجلس حسناً و حسيناً علیهما السلام كل واحد منهما على فخذه ثم لفَّ عليهم ثوبه أو كساءه ثم تلا هذه الآية«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و أهل بیتي أحق. و في كتاب أسد الغابة ج5 ص521 قال عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى فاطمة و علي و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال هؤلاء أهلي. قالت: فقلت يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أفما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى انشاء الله «عزوجل».

وَ لَهَا مِنَ الهَادِي بَسَامَةُ تَغَرَهِ *** وَ بِوَجْهِهَا مِنْ وَجْهِهِ أَنْوَارُ(1)

قَبَس يَفِيضُ عَلَى الوَرَى مِنْ رُوحِهِ *** فِيهَا وَ دَفْقُ حَنِينِهِ مِدْرَارُ(2)

وَ أَشِعَةٌ مِنْ هَدْيِهِ وَ وَلاَؤُهَا *** فَرْضٌ وَ طَاعَتُهَا هُدًى وَ مَنَارُ

فُرِضَتْ بِأمْرِ اللَّهِ بَلغَ نَصَّهُ *** وَحْيٌ وَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ خِيَارُ(3)

وَ لَهُ بِهَا صَفْوُ الحَدِيثِ كَوَاحَةٍ *** بِرِحَابِهَا تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ(4)

ص: 101


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى أن فاطمة علیها السلام كانت تشبه أباها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164 قال: عن أنس بن مالك. قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من الحسن بن علي و فاطمة «صلوات الله عليهم أجمعين». و في المستدرك على الصحيحين ج4 ص272 قال: عن عائشة أم المؤمنين «رضي عنها» قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها و قعودها قالت: و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقَّبلها و أجلسها في مجلسه و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها و أجلسته في مجلسها... الخ». و ذكره الحافظ الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك. و في كتاب الاستيعاب ج4 ص1896 قال: عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام، و كانت إذا دخلت عليه قام أبيها فقبَّلها و رحّب بها كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه و آله و سلم.
2- مدرار: كثير الخير.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى قوله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المودة في القربي» حيث فرض الله محبتهم و ولايتهم على المسلمين ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25 قال: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. و ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467. و ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7.
4- لقد أشاد النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقيم فاطمة علیها السلام و مثلها في منتدياته العامة و الخاصة و على منبره ليحفظه المسلمون فقد قال: إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. جاء ذلك في مستدرك الصحيحين ج3 ص153 و تهذيب التهذيب ج12 ص441 و كنز العمال ج7 ص111 و أسد الغابة ج5 ص522 و ميزان الاعتدال ج2 ص72 و ذخائر العقبى ص39 و قال: إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما أنصبها. جاء ذلك في صحيح الترمذي ج2 ص319 و مسند أحمد ج4 ص5 و في صحيح الترمذي قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة منّي يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها، و في كنز العمال ج6 ص219 قال صلي الله علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يبسطني ما يبسطها و يغضبني ما يغضبها. و في أسعد الغابة فاطمة علیها اللام سيدة نساء العالمين راجع ج5 ص522 و في صحيح البخاري، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين راجع حياة الحسين علیه السلام ج1 ص24.

و اللَّه يَغْضَبُ إِن بَدَتْ غَضْبَى وَإِنْ *** رَضِيَتْ سَيَرْضَى لِلرِّضَا الغَفَّارُ(1)

هِيَ بَضْعَةٌ مِنْهُ وَيُؤْذِيهِ إِذَا *** مَا أُوذِيَتْ وَ تُصِيبُهُ الأَكْدَارُ(2)

تَهْدِي مَنِ اتَّبَعَ الضَّلالَ إِلَى الهُدَى *** وَ بِهَا يَلُوذُ الخَائِفُ المُحْتَارُ

وَ قَدِ اسْتَشَفَّ المُصْطَفَى أَنَّ الَّتِي *** نَشَأَتْ وَ فِيهَا عِفَّةٌ وَ فَخَارُ

فِيهَا الأَمَانُ مِنَ الضَّلَالِ وَ نَسْلُهَا *** دُونَ الأنامِ أئِمَّةٌ أَبْرَارُ(3)

ص: 102


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى غضب الله لغضبها علیها السلام و رضاه لرضاها علیها السلام. ففي كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص154 قال: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیه السلام: إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522. و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378 و في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ذكر محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص39.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بعضة منّي من آذاها فقد آذاني. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و ذكره أبو نعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء ج2 ص40 و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378. و ذكره في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441 أيضاً.
3- و في هذا البيت إشارة إلى كون أهل البيت علیهم السلام و منهم الزهراء علیها السلام لأمان لأهل الأرض. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص17 قال عن أياس بن سلمة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأهل الارض». و عن علي «رضي الله عنه و رضوا عنه» قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء و أهل بيتي علیهم السلام أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي علیهم السلام ذهب أهل الأرض. و ذكر هما القندوزي في ينابيع المودة ج1 ص21 و 22.

فَهُمُ الوِلاةُ هُمُ الأَسَاةُ هُمُ الشَّفَا *** لِلْكَوْنِ إِنْ نَزَلَتْ بِهِ الأَضْرَارُ

وَ هُمُ الحُمَاةُ هُمُ الغُيُوتُ مِنَ الظَّما *** لِلنَّاسِ إِنْ لَمْ تَنْزِلِ الأَمْطَارُ(1)

ص: 103


1- ملحمة كربلاء ص24 و القصيدة (73) أخذنا منها ما نحن بصدده.

(25) يا فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

السيد شاكر المحنة

يُحلّقُ بي عزّاً و يملؤُني فَخْرا *** إذا ذُكِرَتْ في الناسِ فاطمةُ الزهرا

فؤادُ رسولِ اللَّه و البَضعةِ التي *** لها جَعَل الرحمنُ في ذِكْره ذِكْرا

هي الكوثرُ الصافي هي الطهرُ خالِصاً *** غدى حبُّها فَرضاً و طَاعَتُها أجْرا

و أكرمَها الباري فصارت شفيعةً *** لشيعتها و الناس منْ غيرِهم حَيْرى

بنفسي التي أعْطَتُ إلى اللَّهِ عمرَهَا *** فآونَةً نُسكاً و آونةً صبرا

و قد كابَدَتْ جمرَ الحياة رَضِيَّةً *** لئلا يَرَى في الحشرِ شيعتُها الجَّمْرا

فما شيّدت قصراً و لاكنزت تبراً *** و لم تَرَ للدُّنيا مَقاماً و لاقَدْرا

لذا ذَهَبَتْ كلُّ العروشِ مَضيعَةً *** فلا قيصرٌ في الناسِ ثمَّ و لاكِسرى

و ظلَّ لها عرشٌ لَهُ القلبُ موضعٌ *** و رؤضٌ على رغم التقادُم مُخضرَّا

يُجدِّدُ أحزاني و يُجري مُدامَعي *** إذا اشتقتُ يوماً أن أزور لها قَبرا

فَيَصْدِمُني قولٌ حقيقٌ مُؤَكَّدٌ *** لقد شيّعتْ ليلاً و قد أُلْحدَتْ سرّا

أرى الدَّمْعَ يُطغي كلَّ حُزنٍ وَإِنَّما *** بُكائي عَلى الزَّهْرا يُهيجُ بِيَ الذِّكرى

فأرنو إلى بنتِ النَّبيِّ و قد هوَتْ *** على قَبْرِ طه و هي تحتضِنُ القبرا

تقولُ أبي قد ضيَّعوني و هذِهِ *** فِعالُهم في مُهْجتي تَرَكَتْ سُعْرا

و عن جانبيها تَدْرِفُ الدَّمْعِ أَعيُنٌ *** يعزُّ على المختار رؤيتُها عَبْرى

فهذا حُسَينٌ سِبطُهُ و عزيزُهُ *** و ذا المجتبى يَبْكي وَ ذِي زَيْنَبُ الكبرى

وَ تَطلب منّي الصَّبْرَ مالصبرُ بعدهم *** جميل و قد ودَّعْتُ بعدَهُم الصَّبرا

و يا لائمي كُفَّ الملامَ فإنَّما *** مصيبةُ بنتِ المصطفى تقحِمُ الظَّهرا

ص: 104

وَ خُذني إلى الدّارِ الَّتي فُجِعَت بها *** و قُلْ لي أنَّى أسقطت محسناً قهرا

فأَسأَلُ باب الدار كيفَ احتراقُهَا *** و كيفَ غدا جِفنُ البتولةِ محمَّرا

و أيّ يدٍ شلّاء مدَّت لقدسِها *** فلم تُبقِ للإسلام شأناً و لاقدرا

و يا ضلعَها المكسور أبكيتَ شيعةً *** تَوَدُّ بِبَذلِ الروح لو تجبُرُ الكسرا

ص: 105

(26) فاطمة علیها السلام التقى

(بحر الطويل)

الشريف المرتضى(*)(1)

ص: 106


1- (*) هو السيد أبوالقاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم ابن الامام موسى بن جعفر علیه السلام، بينه و بين أميرالمؤمنين علیه السلام عشرة وسائط من جهة الام و الأب معاً، و بینه و بین الامام موسي بن جعفر علیه السلام خمسة آباه کرام. لقِّب بالمرتضى، و ذي المجدين و الأجلّ الطاهر، و لقِّب بعلم الهدى سنة (420 ه_) و ذلك لأن الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه أميرالمؤمنين علیه السلام يقول له: قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ، فقال: يا أميرالمؤمنين علیه السلام و من علم الهدى؟ فقال علي بن الحسين الموسوي: فكتب إليه فقال «رضي الله عنه»: اللَّه اللَّه في أمري فإن قبولي لهذا اللقَّب شناعة عليّ فقال الوزير: واللَّه ما كتبت إليك إلا ما أمرني به أميرالمؤمنين علیه السلام!! ولد السيد الشريف المرتضى علم الهدى في شهر رجب سنة (355 ه_) الموافق (966 م) في بغداد. و كان من صغر سنه شغوفاً بطلب العلم منصرفاً إليه حتى عظم شأنه في مجال الفضل فهو ما بين دراسة و تدريس فقد اتخذ من داره الواسعة مدرسة عظيمة تضم طلاب الفقه و الكلام و التفسير و اللغة و الشعر و الفلك و الحساب و غيرها، حتى سميت دار العلم، و كان له فيها مجلس للمناظرات. و من مكارم أخلاقه أنه كان محباً لتلامذته و ملازميه و الملفت للنظر ما روى المحققون من أن مدرسته كانت جامعة إنسانية، اجتمع فيها كثير من طلاب العلم من مختلف المذاهب و الملل دون تفريق بين ملة و ملة و مذهب و مذهب و هذا يدل على رحابة صدره وسعة أفقه و عمق نظرته الانسانية و ترفعه عن العصبية المذهبية التي كان يعتبرها نابعة من الجهل و ضيق الافق. قال صاحب روضات الجنات: كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلاً و علماً و كلاماً و حديثاً و شعراً و خطابة و جاهاً و كرماً إلى غير ذلك. قرأ هو و أخوه السيد الرضي على ابن نباتة صاحب الخطب و هما طفلان ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان «قدس سره الشریف» و كان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء علیها السلام دخلت عليه و هو في مسجده بالكرخ و معها ولداها الحسن و الحسين علیهما السلام و هما صغيران فسلمتهما إليه و قالت: علمَّهما الفقه، فانتبه الشيخ و تعجب من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر و حولها جواريها و بين يديها ابناها علي المرتضى و محمد الرضي فقام إليهما و سلم عليهما فقالت له: أيها الشيخ هذان ولداي قد احضرتهما اليك لتعلمهما الفقه، فبكى الشيخ المفيد و قصَّ عليها المنام و تولى تعليمهما، و أنعم الله عليهما و فتح الله لهما من أبواب العلوم و الفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا و هو باق ما بقي الدهر. و كان الشريف المرتضى (قدس سره الشریف) قد شغف بجمع الكتب و أولع باقتنائها و يكفي ما ذكر ان خزائنه ضمت ثمانين ألف مجلد من مصنفاته و محفوظاته و مقروءاته على ما حصره و احصاه تلميذه أبوالقاسم التنوخي. عاش الشريف المرتضى في أواخر القرن الرابع و أوائل القرن الخامس الهجريين و هي فترة انكماش الدولة العباسية و ضعفها و وهنها أيام سيطرة أمراء الأقاليم على حكم أقاليمهم و تولي بني بويه شؤون السلطة في بغداد. و كان له بفضل ما أوتي من شرف العلم و النسب و ما تحلّى به من غزارة العلم و قوة الشخصية و عزة النفس و وفارة المال و جميل الخصال و سمو الرتبة و جليل المكانة أصدقاء كثر جلّهم من أهل العلم و الأدب و الفضل و الشرف و يكفي أن نذكر بعض أساتذته و تلامذته ممن كانت لهم المراكز و الرتب العلمية و الدينية و الدنيوية. من أساتذته و مشايخه: 1- الشيخ المفيد: العالم المتكلم المشهور و هو محمد بن محمد بن عبدالسلام العكبري البغدادي و المكنى بأبي عبد الله و ابن المعلم. 2- ابن نباتة: الشاعر المشهور صاحب الخطب، و هو أبونصر عبدالعزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة السعدي. 3- المرزباني: و هو أبوعبدالله محمد بن عمران بن موسیٰ بن عبدالله المعروف بالمرزباني، كان راوية للأخبار و الآداب و الشعر. 4- ابن جنيقا: و هو أبوالقاسم بن عبدالله بن عثمان بن يحيى الدقاق المعروف بابن جنيقا، كان قاضياً محدثاً ثقة مأموناً حسن الخلق. 5- أبوعبدالله القمي: و هو الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه أخو الشيخ الصدوق، كان جليل القدر عظيم الشأن في الحديث. أما تلامذته: 1- الطوسي: هو أبوجعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، الفقيه الاصولي و المحدث الشهير. 2- أبويعلى الديلمي «سالار» و هو محمد بن حمزة أو ابن عبدالعزيز الطبرستاني و كان ينوب عن أستاذه المرتضى في التدريس و هو فقيه متكلم. 3- أبوالصلاح الحلبي: و هو الشيخ تقيّ الدين بن النجم الحلبي خليفة المرتضى في بلاد حلب. 4- أبوالفتح الكراجُكي: و هو الشيخ الامام العلامة أبوالفتح محمد ابن علي بن عثمان الكراجكي، عالم، فاضل، متكلم، فقيه، محدث، ثقة جليل القدر. 5- عماد الدين ذوالفقار: و هو السيد الامام عماد الدين ذوالفقار محمد بن معبد الملَّقب بحميدان، كان فقيهاً عالماً متكلماً و رعاً. و أما تصانيفه: فقد بلغت مائة و سبعة عشر مصنفاً كما ورد في كتابه «رسائل الشريف المرتضى» و أشهر كتبه كتاب الشافي في الإمامة، و كتاب الشيب و الشباب، و كتاب الغرر و الدرر و كتاب تنزيه الانبياء، و كتاب الثمانين، و كان «رحمه الله علیه» يلقب بالثمانين لأمور منها: ان مكتبته كما مر كانت تحتوي على ثمانين ألف كتاب وله من القرى ثمانون قرية تجبى إليه وعمره كان ثمانين سنة وثمانية أشهر، وصنف كتاباً يقال له الثمانون و له ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت طبع ببغداد و قد قيل: لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس و لولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس و قال العلامة الحلي سنة (693 ه_) و بكتبه استفادت الامامية منذ زمنه «رحمه الله علیه» إلى زماننا هذا و هو ركنهم و معلمهم «قدس الله الشریف»روحه و جزاه عن أجداده خيراً. و كانت وفاته «رحمه الله علیه» لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة (436 ه_) الموافق (1044 م) و قد تولى غسله أبوالحسين أحمد بن الحسين النجاشي و معه الشريف أبويعلى محمد بن جعفر الجعفري و سلار بن عبد العزيز الديلمي و صلى عليه ابنه أبوجعفر محمد، و دفن أولاً في داره ثم نقل إلى جوار جده الامام الحسين علیه السلام و دفن في مشهده «المقدس» مع أبيه و أخيه و قبورهم ظاهرة مشهورة عند السيد ابراهيم المجاب و هو جد المرتضى و حفيد الامام موسی بن جعفر علیه السلام و صاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن واللَّه أعلم. و نقل أن في سنة (942 ه_) نبش قبره فرئي كما هو لم تغير الارض منه شيئاً و حكى من رآه أن أثر الحنّاء في يديه و لحيته، و قد قيل إن الأرض لاتغير أجساد الصالحين.

ص: 107

عَلَيْكَ صَلاَةُ اللَّهِ يَا خِيرَةَ الوَرَى *** طَرِيدُكَ لايَنْجُو طَعِينُكَ لايَبْرَى

عَلَيْكَ سَلامُ اللهِ يَا قَاسِماً لَظَى *** وَ يَا قَائِماً لَيْلاً وَ يَا صَائِماً دَهْرَا(1)

وَ مَنْ كَلَّمَ المَوْتَى وَ مَنْ أَوْضَحَ الهُدَى *** وَ مَنْ صَدَّقَ... وَ مَنْ سَلَّمَ النَّذْرَا؟

ص: 108


1- اللظى: النار.

وَ زَوَّجَهُ الرَّحْمَنُ فَاطِمَةَ التَّقَى *** وَ عَلَّمَهُ الأَسْمَا وَ قَلَّدَهُ الأَمْرَا

وَ نَادَىٰ بِهِ يَوْمَ الغَدِيرِ مُبَلِّغاً *** عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ وَ الآيَةُ الكُبْرَى

وَ أَعْلَمُكُمْ عِلْماً وَ أَحْسَنُكُمْ تُقَى *** وَ أَظْهَرُكُمْ قَلْباً وَ أَشْهَرُكُمْ فَخْرَا

أَلاَ كُلٌّ مَنْ وَالَى عَلِيًّا فَقَدْنَجَا *** وَ خَابَ الَّذِي أَخْفَى لِحَيْدَرَةٍ غَدْرَا

رَقَا مَنْكِبَ الهَادِي إِلَى بَيْتِ رَبِّهِ *** وَ كَسَّر أَصْنَامَ الطَّغَاةِ عَلِي كَسْرَا

هُوَ النَّبَأُ الأَعْلَى هُوَ السُّمُ لِلْعِدَى *** هُوَ المَوْتُ يَوْمَ الرَّوْعِ وَ الأَسَدُ الأَجْرَا

فَكَمْ لِعَلِي المُرْتَضَى مِنْ مَنَاقِبٍ *** أَبَى اللَّهُ لَمْ تُحْصِ الرُّوَاةُ لَهَا عُشْرَا

كَأَحْدٍ وَ بَدْرٍ وَ النَّضِيرِ وَ خَيْبَرٍ *** وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَ اقْتِحَامَتِهِ بَدْرا

إلى أن يقول...

فَيَا قَائِساً بِالمُرْتَضَى الطُّهْرِ حَبْتَراً *** بِالذَّهَبِ العَالِي تَقِيسُ بِهِ الصُّفْرَا(1)

بَرِئْتُ إِلَى الرَّحْمَنِ مِمَّنْ لِفَاطِمٍ *** عَلَى فَدَكٍ بِالسَّوْطِ قَنَّعَهَا قَسْرَا(2)

فَمَاتَتْ وَآثَارُ السِّيَاطِ بَجَنْبِهَا *** وَ نَحْلَتُهَا غَصْباً وَ مُقْلَتُهَا عَبْرَى(3)

وَ غَسَّلَها الهَادِي الوَصِيُّ وَ ضَمَّهَا *** إِلَى قَبْرِهَا لَيْلاً وَ أَوْدَعَهَا سِرَا(4)

ص: 109


1- حبتر: الثعلب، القصير.
2- في دلائل الإمامة للطبري ص45 و في كتاب سليم بن قيس ص37-38 حين اقتحم، هو و أصحابه دار الإمام علي علیه السلام بغير إذن، ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كائروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكائروه فالقوا في عنقه حبلاً و حالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته.
3- في /دلائل /الإمامة للطبري/ ص30 و ما بعدها. قال مالك بن جعونة عن أبيه أنه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جعل لي فدكاً فأعطني إياها و شهد لها علي بن أبي طالب علیه السلام فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن. فقال: قد علمت يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه لاتجوز إلا رجلين أو رجل و امرأتين، و انصرفت و راجع السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى «و آت ذا القربي حقه» في سورة الإسراء و مجمع الزوائد للهيثمي ج7 ص49 و الغدير ج137/7.
4- في أنساب الأشراف للبلاذري ج138/3. أن أميرالمؤمنين علیه السلام غسلها من معقد الإزار و أن أسماء بنت عميس غسلتها من أسفل ذلك. عن أسماء بنت عميس بنت عميس قالت: أوصتني فاطمة علیها السلام أن لايغسّلها إذا ماتت إلاّ أنا و علي علیه السلام فغسلتها أنا و علی علیه السلام. و راجع سنن البيهقي ج3 / 396 و الإصابة ج378/4.

فَلَمَّا أَضَاءَ الصُّبْحُ جَاوُوا لِدَفْنِهَا *** فَمَا وَجَدُوا الزَّهْرَا وَ لَاعَرِفُوا القَبْرَا(1)

فَلَمَّا أَرَادُوا نَبْشَهَا ثَارَ مُغْضَباً *** وَ سَلَّ الحُسَامَ العَضْبَ وَ اعْتَقَلَ السُّمْرَا(2)

فَصَاحَ عَلَيْهِمْ مُغْضَباً يَا لَغَالِبٍ *** فَأَقْسَمَ بِالرَّحْمَنِ أَجْرُرُكُمْ جَزْرا(3)

فَمَا نَطَلِقُوا فِي نَبْشِهَا قَطُّ كِلْمَةً *** وَ لاشَهَرُوا سَيْفاً وَ لَابَرِحُوا شِبْرَا(4)

ص: 110


1- روي أنه بعد أن غسلها أميرالمؤمنين علیه السلام أخرجها إلى البقيع في الليل و معه الحسن و الحسين علیهما السلام و صلى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها بالروضة و عمي موضع قبرها. انظر البحار ج43 / 171 ح11.
2- في دلائل/الإمامة للطبري ص46 و ص47. أصبحت البقيع ليلة دفنت فاطمة الزهراء علیها السلام و فيها أربعون قبراً جديداً و ان المسلمين لما علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور فضجّ الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتاً واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها و لاتعرفوا قبرها.
3- ثم قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها. فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه فتلقاه عمر و من معه من أصحابه و قال له: ما لك يا أبا الحسن علیه السلام واللَّه لننبشن قبرها و لنصلين عليها. فقال علیه السلام: فوالذي نفس علي بيده لئن رمت و أصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم. فخلى عنه و تفرّق الناس و لم يعودوا إلى ذلك.
4- أكبر العبادات في أسرار الشهادات للدربندي ج3 ص772 و القصيدة ليست في ديوان المرتضى المطبوع و هي طويلة يذكر فيها بعض مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام لكنا أخذنا منها ما نحن بصدده.

(27) البدار البدار

(بحر السريع)

السيد صالح الحلي(*)(1)

ص: 111


1- (*) هو السيد صالح ابن السيد حسين ابن السيد محمد الحسيني الحلي، ولد في الحلة سنة (1289 ه_) و نشأ بها فقرأ مقدمات العلوم و هاجر منها إلى النجف سنة (1308 ه_) و هو في التاسعة عشرة من عمره و أخذ يواصل دروسه على رجال الفكر و العلم فدرس العربية و المعاني و البيان عند الشيخ سعيد الحلي و الشيخ عبد الحسين الجواهري و درس كتابي المعالم و القوانين في الأصول على العلامة السيد عدنان السيد شبر الغريفي و كتابي الرسائل و المكاسب عند الشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري و تناول الفقه من فقهاء بارزين منهم الملا محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية و الشيخ محمد طه نجف و الشيخ آغا رضا الهمداني و الشيخ جواد محيي الدين و غيرهم حتى بلغ درجة عالية من العلم. و نقل لي عن المرجع الورع السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره الشریف) قال: إن السيد صالح الحلي فقيه و مجتهد فكان يصعد المنبر في أيام قصاص التمر يتكلم شهراً كاملاً على المنبر المباحث الفقهية في الزكاة و يناقشها و يبدي رأيه فيها على طريقة المراجع و المجتهدين. و كان المترجَم له منذ صغره مولعاً بفن الخطابة فكان يتعاهد ملكته الادبية و لم يكن قد مارس الخطابة بالفعل حتى سنة (1318 ه_) حيث احسَّ من نفسه القدرة على الخطابة و قوة البيان و طلاقة اللسان فتوجه إلى حفظ خطب الامام أميرالمؤمنين علیه السلام من (نهج البلاغة) و لم يك في عصره من الخطباء المجددين في الفن إلا الخطيب الشيخ كاظم سبتي فهو اظهر الخطباء و المعهم فنبغ السيد صالح و اخذ يجاريه و يزاحمه، و من حسن الصدف أنه استفاد من توجيهات العالم الكبير و المؤرخ الخبير السيد باقر الهندي فتركت عليه توجيهاته و إرشاداته اثرها البالغ فكان بطلاً عملاقاً منبرياً. و قد شهد بنبوغة و قدرته الفائقة أحد العلماء فقال: (إنه خطيب العلماء وعالم الخطباء) و لخطيبنا الحلي مواقف جهادية يشهد لها التاريخ منها: وقوفه بجانب استاذه الشيخ ملا محمد كاظم الخراساني في (المشروطة والمستبدة) سنة (1325 ه_) و مواقفه في قضية الاحتلال الاجنبي للعراق حيث كان يحرِّك الجماهير و يثيرهم ضد المستعمرين فظفرت به مخالب الغزاة الاجانب و حكمت بإبعاده و نفيه إلى (الهند) و عندما مرّوا به على قصر الشيخ (خزعل خان) بالفيلية من خوزستان نادى: واخز علاه و لاخزعل لي اليوم فأغاثه وأنقذه من السلطات البريطانية و أبقاه عنده زهاء ثمانية أشهر و أصبح نديمه الخاص في جلّ أوقاته و بعد أن أطلق سراحه ورجع إلى العراق سكن (الكوفة). و في سنة (1344 ه_) عندما صرِّح السيد محسن الأمين العاملي بتحريم (التطبير) قام المترجَم له بالدفاع عنه و شنَّ حملة كبيرة على السيد الامين و في سنة (1347 ه_) عندما صدر كتاب (التنزيه لأعمال الشبيه) للسيد محسن الامين العاملي كان مترجَمنا في طليعة المعارضين له حيث شنَّ حملته الشديدة على السيد و مناصريه و مؤيديه أيضاً. و في عام (1352 ه_) نفته الحكومة العراقية إلى (البصرة) حينما هتف بمقاطعة الانتخابات للمجلس النيابي، و مكث منفياً ستة أشهر ثم عاد إلى النجف و له من الحسنات ما جعله ناصعاً في سجل الخلود و قد اتسم السيد ببغضه للأجنبي الكافر و مقاطعته له طيلة حياته و بذلك استمرَّ دون ان ينقلب عن رأيه و عقيدته فكان مصداقاً للصبر و الاستقامة و الثبات على المبدأ... له ديوان شعر مخطوط باسم (الباقيات الصالحات) و في أواخر حياته لازم الفراش زمناً طويلاً لمرض عضال ثم ارتحل إلى جوار ربه في ليلة السبت المصادف 29 من شهر شوال لعام (1359 ه_) في الكوفة فحمل على الرؤوس تعظيماً له حتى دفن بوادي السلام في (مقام المهدي) حسب وصيته.

يَا مُدْرِكَ النّارِ البِدَارَ البِدَارُ *** شُنَّ عَلَى حَرْبِ عِدَاكَ المَغَارْ(1)

وَائْتِ بِهَا شَعْوَاءَ مَرْهُوبَةً *** تَعْقِدُ لَيْلاً فَوْقَهَا مِنْ غُبَارْ(2)

يَا قَمَرَ التَّمِّ أَمَا آنَ أَنْ *** تَبْدُو فَقَدْ طَالَ عَلَيْنَا السِّرَارْ

يَا غِيرَةَ اللَّهِ أَمَا أَنَ أَنْ *** تَغِيرَ عَلَى أَعْدَائِكَ فَالصَّبْرُ غَارْ

يَا صَاحِبَ العَصْرِ أَتَرْضَى رَحَى *** عُصَارَةِ الخَمْرِ عَلَيْنَا تُدَارْ؟

فَاشْحَذْ شَبَا عَضْبِكَ وَ اسْتَأْصِلِ *** الكُفْرَ بِهِ قَتْلاً صِغَاراً كِبَارْ(3)

عَجِّلْ فَدَتْكَ النَّفْسُ وَاشْفِ بِهِ *** مِنْ غَيْظِ أَعْدَاكَ قُلُوباً حِرَارْ

فَهَاكَ قَلِّبْهَا قُلُوبَ الوَرَى *** أَذَابَهَا الوَجْدُ مِنَ الانْتِظارْ

ص: 112


1- البدار: العَجَل.
2- شعواء: غارة شعواء: ممتدة متفرقة.
3- إشحذ: أحِدَ. شبا: قدر ما يُقطع به من السيف العضب: السيف القاطع. استأصل: إقلع من الاصل أو أجتث من الجذور.

قَدْ ذَهَبَ العَدْلُ وَ رُكُنُ الهُدَى *** قَدْ هُدَّ وَ الجَوْرُ عَلَى الدِّينِ جَارْ

أغِثْ رَعَاكَ اللَّهُ مِنْ نَاصِرٍ *** رَعِيَّةً ضَاقَتْ عَلَيْهَا القِفَارْ

مَتَى تَسُلُّ البِيضَ مِنْ غِمْدِهَا *** وَ تَشْرَعُ السُّمْرَ وَ تَحْمِي الذِّمَارْ(1)

في فِتْيَةٍ لَهَا التُّقَى شِيمَةٌ *** وَ يَا لَثَارَاتِ الحُسَيْنِ الشَّعَارْ

كَأَنَّمَا المَوْتُ لَهَا (غَادَةٌ) *** وَ العُمْرُ (مَهْرٌ) وَ الرُّؤوسُ النَّثَارْ

مَا خِلْتُ قَبْلَ اليَوْمِ مِنْ هَاشِمٍ *** دِمَاؤُهَا تَذْهَبُ مِنْهَا جُبَارْ

تَنْسَى عَلَى الدَّارِ مُجُومَ العِدَى *** مُذْ أَضْرَمُوا البَابَ (بِجَزْلٍ وَ نَارْ)(2)

وَ رُضَّ مِنْ (فَاطِمَةٍ) ضِلْعُهَا *** وَ حَيْدَرٌيُقَادُ قَهْراً جِهَارْ(3)

كَيْفَ حُسّامُ اللَّهِ قَدْ فَلَّلَتْ *** مِنْهُ الأَعَادِي حَدَّ ذَاكَ الغِرَارْ

وَ الطُّهْرُ تَدْعُو خَلْفَ أَعْدَائِهَا *** يَا قَوْمُ خَلُّوا عَنْ عَلِيِّ الفِخَارْ(4)

قَدْ أَسْقَطُوا جَنِينَهَا وَ اعْتَرى *** مِنْ لَطْمَةِ الخدِّ العُيُونَ احْمِرَارْ

فَمَا سُقُوطُ الحَمْلِ مَا صَدْرُهَا *** مَالَطْمُهَا مَا عَصْرُهَا بِالجِدَارْ؟

مَا وَكُزُهَا بِالسَّيْفِ فِي ضِلْعِهَا *** وَ مَا انْتِثَارُ (قُرْطِهَا وَ السِّوَارْ)؟(5)

ص: 113


1- البيض: السيوف. السمر: الرماح. الذِّمار: كل ما يلزمك حمايته و حفظه و الدفاع عنه و إن ضيعته لزمك اللوم.
2- جزل: عظیم غليظ، أو صرام النخل و في البيت إشارة إلى هجوم القوم و حرق الدار على الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
3- يشير في هذا البيت إلى كسر ضلع فاطمة الزهراء علیها السلام انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفاع الزهراء علیها السلام عن الامام علي علیه السلام انظر كتاب الكافي ج1 ص490 . و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وكز الزهراء علیها السلام بالسيف و انتشار قرطها من أثر الضربة على خدها. انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص208 إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.

مَا ضَرْبُهَا بِالسَّوْطِ مَا مَنْعُهَا *** عَنِ البُكَا وَ مَا لَهَا مِنْ قَرَارْ؟(1)

ما الغَصْبُ (لِلعَقَارِ) مِنْهُمْ وَ قَدْ *** أَنْخَلَهَا رَبُّ الوَرَى (للعَقَارْ)؟(2)

مَا دَفْنُهَا بِاللَّيْلِ سِرّاً وَ مَا *** نَبْسُ الثَّرَى مِنْهُمْ عِناداً جِهَارْ(3)

تَعْساً لَهُمْ فِي ابْنَتِهِ مَا رَعَوْا *** نَبِيَّهُمْ وَ قَدْ رَعَاهُمُ مِرَارْ

قَدْ وَرِثَتْ مِنْ أُمِّهَا (زَيْنَبٌ) *** كُلَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهَا وَ صَارْ

وَزَادَتِ البِنْتُ عَلَى (أُمِّهَا) *** مِنْ دَارِهَا تُهْدَىٰ إِلَى شَرِّ دَارْ

تَسْتُرُ (بِاليُمْنَى) مُحَيَّاً فَإِنْ *** أَعْوَزَهَا السِّتْرُ تَمُدُّ (اليَسَارْ)(4)

لاَتَبْزُغِي يَا شَمْسُ كَيْ لاَتُرَىٰ *** (زَيْنَبُ) حَسْرَى مَا عَلَيْهَا خِمَارْ(5)

صَاحَتْ بِحَادِي العِيسِ دَعْنِي عَلَى *** جُسُومِهِمْ أُقِيمُ لَوْتَ الإِزارْ(6)

أَوْ خَلَّنِي عِنْدَ ابْنِ أُمِّي وَإِنْ *** تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِي وُ حُوشُ القِفَارْ

(ضِدَّانِ) فِيهَا اجْتَمَعَاعَيْنُهَا *** وَ قَلْبُهَا تَجْمَعُ (مَاءً وَ نَارْ)

فِي زَفْرَةٍ تُحْرِقُ (وَجْهَ الثَّرَى) *** وَ دَمْعَةٍ تُخْجِلُ (صَوْبَ القِطَارْ)

وَ أَعْظَمُ الخَطْبِ تَرَى حُجَّةَ اللَّهِ *** مَضَى مَا بَيْنَهُمْ لايُجَارْ

يُقَادُ فِي جَامِعَةٍ جَهْرَةً *** بِالحَبْلِ مَوْتُوقاً يَمِيناً يَسَارْ

ص: 114


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسوط و إلى منعها عن البكاء. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109. کتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص322.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى غصب فدك من فاطمة الزهراء علیها السلام. و انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج11/2 ص626، و ج1 13 عن كتاب مسند أحمد أيضاً. و شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص232. و السيرة الحلبية ج3 ص487.
3- و في هذا البيت إشارة إلى دفن الزهراء علیها السلام ليلاً و إلى معاوية نبشهم قبرها أنظر مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص33 و كتاب ذخائر العقبى ص54 و كتاب البحار ج43 ص183 و كتاب عيون المعجزات كما في البحار ج43 ص212.
4- محيّا: وجه. أعوزها: إفتقرت و ساءت حالتها.
5- حسرى: مكشوفة الرأس.
6- العيس: النوق البيض يخالط بياضها سواد خفيف.

يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ (زَيَّافَةً) *** تَطْوِي الفَيَافِي وَ تَجُوبُ القِفَارْ

عَرِّجٌ عَلَى البَطْحَاءِ وَ انْدُبْ بَنِي *** عَمْرِ وَ العُلَى أَشْيَاخَ عُلْيَا نِزَارْ

إِنْ أَجْدَبَ العَامُ هُمُ السَّيْلُ وَ الأَسْدَافُ *** إِمَّا النَّقْعُ فِي الحَرْب ثَارْ(1)

لَوْ حَارَبُوا جُنْدَ الفَلاَ لأَغْتَدَى *** مُنْهَزِماً يَطْلُبُ مِنْهُمْ فِرَارْ

قُومِي فَشَمْسُ الدِّينِ قَدْ كُوِّرَتْ *** وَ جُذَّ عِرْنِينُ الهُدَى وَ الفَخَارْ(2)

وَ اجْلِي دُجَى النَّفْعِ بِبِيضِ الظُّبَا *** وَ سَوِّدِي بِالنَّقَعِ وَجْهَ النَّهَارْ

وَ قَوْمِي سُمْرَ القَنَا وَ امْتَطِي *** لِلْحَرْب يَا هَاشِمُ قِبَّ المِهَارْ(3)

قَدْ سَئّمَتْ مَرْبَطَهَا خَيْلُكُمْ *** وَ مَلتِ الأَجْفَانُ بِيضَ الشَّفَارْ(4)

ص: 115


1- النفع: الغبار.
2- جُذَّ: كُسِر و قُطعَ. عرنين: أول الأنف، حيث يكون فيه الشمم.
3- قِبَّ: العظم الناتيء من الظهر بين الإليتين. المهار: الغيول.
4- الشفار: السيوف.

(28) أم العترة الأطهار

(بحر الهَرْج)

السيد صالح الحلي(*)(1)

إِذَا جَفَّتْ دُمُوعُ العَيْنِ فَابْكِ أَدْمُعاً حُمْرَا *** وَ أَسْعِدْ حَيْدَرَ الكَرارَ بِالنَّوْحِ عَلَى (الزَّهْرَا)

***

فَمَا بَالُ الثَّرَى قَرَّتْ وَلِمْ لاَتَقِفُ الأَفْلَاكْ *** بِرُزْءٍ نَاحَتِ الإِنْسُ لَهُ وَالجِنُّ وَ الأَمْلاكْ

بِرُزْءٍ فِيهِ قَدْ قَرَّتْ عُيُونُ الكُفْرِ وَ الإِشْرَاكْ *** وَ ذَابَتْ مُهْجَةُ الدِّينِ وَ أَمْسَتْ عَيْنُهُ عَبْرَىٰ

***

بنَفْسِي بَضْعَةٌ أَوْصَى بِهَا أُمَّتَهُ أَحْمَدْ *** فَلَمَّا أَنْ قَضَى لَمْ يُمْهِلُوهَا رَيْثَمَا يُلْحَدْ(2)

وَ أَطْفَوْا فِي أَذَايَاهَا جَوّى فِي صَدْرِهِمْ مُكْمَدْ *** وَ أَشْفَوْا حِقْدَهُمْ مِنْهَا وَ بَزُوا إِرْثَهَا جَهْرَا(3)

***

فَلَا أَنْسَى ابْنَةَ المُخْتَارِ أُمَّ العِتْرَةِ الأَطْهَارْ *** تَرَى حَيْدَرَةَ الكَرَّارَ فَرْداً جَالِساً فِي الدَّارْ

وَ ذَاكَ الفَاجِرُ الحَمَّارُ يَرْقَى مِنْبَرَ المُخْتَارْ *** وَ قَدْ فَوَّضَتِ الأَنْصَارُ إِلَيْهِ (النَّهْيَ وَ الأَمْرَا)

***

فَكَمْ مَوْعِظَةٍ مِنْهَا بِذَاكَ اليَوْم لَمْ تَنْفَعْ *** وَ كَمْ مِنْهَا أَحَادِيث بِذَاكَ الجَمْع لَمْ تُسْمَعْ

فَلَمَّا يَئِسَتْ مِنْهُمْ وَ نِيرَانُ الحَشَى تَلْذَعْ *** وَ عَادَتْ لأَبِي السِّبْطَيْنَ تَشْكُو عِنْدَهُ الضُّرّا

***

ص: 116


1- (*)مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- انظر أمالي الصدوق (الطبعة الخامسة) ص99 عن ابن عباس.
3- بزّوا : سلبوا.

فَجَاءَتْهُ وَ دَمْعُ العَيْنِ فِي وَجْنَتِهَا سَاكِبْ *** وَ نَادَتْهُ وَ جَمْرُ الوَجْدِ فِي أَحْشَائِهَا ثَاقِبْ

دَعَاهَا الخَطْبُ أَنْ قَالَتْ لَهُ (يَا بْنَ أَبِي طَالِبْ) *** وَ مَا زَالَتْ لَهُ تُبْدِي عِتَاباً يَصْدَعُ الصَّخْرَا

***

فَزَادَتْهُ بِشَكْوَاهَا عَلَى مِحْنَتِهِ مِحْنَهْ *** إِلَى أَنْ كَادَ أَنْ يُشْفَىٰ مِنْ أَعْدَائِهِ إِحْنَهْ(1)

وَلكِنْ صَدَّ حَامِي الدِّينِ عَنْهُمْ خَشْيَةَ الفِتْنَهْ *** وَ قَالَ احْتَسِبي اللَّه و لا... الصَّبْرَا

***

بِنَفْسِي مَنْ قَضَتْ غَضْبَى وَ لَمْ تُشْفَ لَهَا غُلَّهْ *** وَ مَا رَقَّ لَهَا القَوْمُ وَ لاَرَدُّوا لَهَا (النُّحْلَهْ)(2)

وَ لَمْ تَبْرَحْ عَلَى فَرْشٍ مِنَ الأَسْقَامِ وَ العِلَّهْ *** إِلَى أَنْ دُفِنَتْ سِرّاً وَ لَمْ نَعْلَمُ لَهَا قَبْرَا(3)

***

ص: 117


1- إحنة: حقد.
2- النحلة: المهر و الصداق و هنا كناية عن فدك. ففي البيت إشارة إلى ما ورد في أمالي الطوسي (ط.2 1981) ص207 مؤسسة الوفاء: «أن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها»: اسائلن عن هنة حلّق بها الطائر، و حفى بها السائر، و رفع إلى السماء أمراً، و رزئت في الأرض خبراً أن تخيف تيم، واحيوك عدي جازياً أبا الحسن علیه السلام في السباق حتى إذا تقربا بالخناق اسرّا له الشنآن و طوياه الأعلان، فلما خبا نور الدين و قبض النبي الأمين صلي الله علیه و آله و سلم نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و ادلاً بفدك فيا لها من ملك، تلك انها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينه فإن انتزعا مني البلغة و منعاني اللمظة و احتسبتها یوم الحشر زلفة، وليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم.»
3- و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد في (دلائل الإمامة) للطبري ص54 و في (روضة الواعظين) للنيسابوري (الطبعة الأولى مؤسسة الأعلمي. ص167). «روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم، منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها و تنظر مرة إلى الحسن علیه السلام و مرة إلى الحسين علیه السلام و هما بين يديها علیها السلام فتقول: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلا يدعكما تمشيان على الأرض فإنا لله وإنا إليه راجعون... ثم قالت علیها السلام: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أن لايصلي علي أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفنّي في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى من الليل، أخرجها علي علیه السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و عمار و عقيل و المقداد و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلوا عليها، و دفنوها في جوف الليل و سوى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتى لايُعرف قبرها». نقلت القصيدة من كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص121.

ص: 118

(29)ورثت خصال المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ صالح الفيلي(*)(1)

أَبْصِرْ أَخِي إِنَّ السَّمَاءَ تُنَوَّرُ *** وَ الأَرْضُ تَزْهُو بِالضِّيَاءِ وَ تَفْخَرُ

فَالشَّمْسُ مِنْ بَطْحَاءِ مَكَّةَ أَشْرَقَتْ *** وَ غَدَتْ إِلَى كُلِّ البِقَاعِ تُبَشِّرُ

وُلِدَتْ يَقُولُ بِالحِجَازِنَقِيَّةٌ *** حَوْرَاءُ رَمُزُ لِلطَّهَارَةِ مَصْدَرُ(2)

وَ تَبَلَّجَتْ أَفْنَانُ دَوْحَةٍ هَاشِمٍ *** نُوراً تَغَشَّاهُ النَّسِيمُ وَ عَنْبَرُ(3)

ص: 119


1- (*)هو الشيخ صالح ابن الشيخ حسين بن محمد حسين بن عبد الله الفيلي (آل دهمش). ولد في سنة (1369 ه_) الموافق (1950 م) في الكويت، و نشأ منذ صغره في جوّ من الايمان و الفضيلة و الورع برعاية والده العالم الفاضل الشيخ حسين الفيلي «رحمة الله علیه» فأحسن تربيته، حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح و الإيمان. درس الشيخ صالح الفيلي في الكويت المراحل الدراسية الثلاث، أي المرحلة الابتدائية و المتوسطة و الثانوية، و كان من الطلبة المتميزين و الحاصلين على الدرجات العليا في اللغة العربية. كما و أنه درس علم الفقه و البلاغة و اللغة العربية على والده العلامة الشيخ حسين الفيلي، و كان لمكتبة أخيه الفاضل الحاج عبدالأمير الفيلي «أبوتيسير» التي كانت في متناوله الدور الاكبر و الفضل الأول في تنمية مواهبه الأدبية و تغذية أفكاره و توسعة آفاقه.
2- في الكافي، ج1 ص457 ح10: عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: ولدت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بخمس سنين و توفيت و لها ثماني عشرة سنة و خمسة و سبعون يوماً.
3- في مشارق الأنوار، ص85 جاء بعد حديث طويل عن الولادة: ...فلما وضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطار بالطيب و الأنوار، وفاح عطر العظمة، و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق نوراً، و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. و في بحار الأنوار/ ج43 ص3 ح1 عن أمالي الصدوق. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

وَ ثِمَارُها قَدْ أَیْنَعَتْ وَ تَأَلَّقَتْ *** ثُمَّ البَرَتْ تَجْلُو الظَّلامَ وَ تُزَهِرُ(1)

وَ تَضَوَّعَ العُرْفُ الأَرِيجُ بِغُصْنِهَا *** وَ تَفَوَّحَ المِسْكُ الرَّحِيبُ الأَذْفَرُ(2)

صَلَّى الإِلهُ عَلَى الوَلِيدَةِ إِنَّهَا *** قُطْبُ الوِلايَةِ فَضْلُهَا لاَيُنْكَرُ

وُضِعَتْ فَسَبَّحَتِ الإِلهَ و قَدَّسَتْ *** وَ رَمَتْ بِطَرْفِ لِلسَّمَاءِ تُفَكِّرُ(3)

***

زَهْرَاءُ أَشْرَقَ لِلْمَلائِكِ نُورُهَا *** مِنْ قَبْلِ آدَمَ فِي السَّمَاءِ فَكَبَّرُوا(4)

وَ الرَّبُ أَوْدَعَ نُورَهَا فِي دَوْحَةٍ *** وَسُطَ الجِنانِ عَبِيرُهَا يَتَفَجَّرُ

حَتَّى إِذَا عَرَجَ النَّبِيُّ بِجِسْمِهِ *** وَاللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَ يَقْدِرُ

دَخَلَ الجِنَانَ فَهَللَتْ وَ تَبَسَّمَتْ *** فِيهَا أَزَاهِيرٌ وَ دَوْحٌ أَخْضَرُ

ص: 120


1- انبرت: اعترضت.
2- تضوع: انتشرت رائحته. العرف: نبات زهري سنوي من فصيلة القطيفيات يبلغ طوله مترين و نيفاً له سيقان و أزهاره أرجوانية مجتمعة حول محور. الأريج: الرائحة الطيبة. الرطيب: الندي. الأذفر: الشديد الرائحة الظاهرة.
3- في بحار الأنوار/ ج23 ص3 ح1: ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين و قالت أشهد أن لا إله إلا الله، و أن أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء، و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء، و ولدي سادات الأسباط.
4- في بحار الأنوار، ج43 ص17 ح16 في حديث إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن اللَّه خلقنى و خلق علياً علیه السلام و لاسماء و لاأرض و لاجنة و لانار. فلمّا أراد اللَّه «عزوجل» بدو خلقنا فتكلم بكلمة فكانت نوراً ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحاً فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني و علياً علیه السلام منهما... إلى أن قال: فلما أراد اللَّه أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمه فقالت الملائكة: إلهنا و سيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا... فقال اللَّه «عزوجل»: و عزتي و جلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة الزهراء علیها السلام يومئذ كالقنديل و علقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع و الأرضون السبع و كانت الملائكة تسبح الله و تقدَّسه. فقال الله «عزوجل»: و عزتي و جلالي لاجعلنّ ثواب تسبيحكم و تقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة و أبيها و بعلها و بنيها علیهم السلام.

أَكَلَ المُعَطَّرَ مِنْ لَذِيذِ ثِمَارِهَا *** فَأَتَى خَدِيجَةَ نُورُهُ لاَ يُسْتَرُ

أَفْضَى إِلَيْهَا فَاسْتَقَرَّ بِبَطْنِهَا *** نُورٌ لِفَاطِمَةَ الزَّكِيَّةِ يَبْهَرُ(1)

***

بِأَبِي وَ أُمِّي أَيُّ حَمْلٍ حَمْلُهَا *** بِنْتُ الشَّفِيعِ وَ فَرْعُهُ وَ الكَوْثَرُ(2)

كَانَتْ تُحَادِثُ أُمَّهَا فَتَزِيدُهَا *** أَنساً بِمَا تَتَلُو فَلا تَتَضَجَّرُ

حَتَّى إِذَا دَنَتِ الوِلادَةُ وَجَهَتْ *** لِلَّهِ قَلْباً يَسْتَزيدُ وَ يَشْكُرُ

مَوْلُودَةٌ طَابَتْ وَ طيِّبَ أَصْلُهَا *** وَ فُروعُهَا خَيْرُ البَرِيَّةِ طَهَّرُوا

حَازَتْ عُلُومَ الأَنْبِيَاءِ وَ فَضْلَهُمْ *** هِيَ مَجْمَعٌ لِلْمَكْرُمَاتِ وَ مِحْوَرُ(3)

ص: 121


1- يبهر: يضيء. و جاء في ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري، ط بيروت، ص36. عن أبي عباس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايكثر القبل الفاطمة علیها السلام. فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة علیها السلام؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: إن جبريل ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماء في صلبي فحملت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام، فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة علیها السلام فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها.
2- في ذخائر العقبى للطبري، ط ،بيروت، ص44-45 قال: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أتاني جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها و واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام، فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدثني الذي في بطني. فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش لتأتينها فيلين منها ما تلي النساء ممن تلد فلم يفعلن و قلن: لانأتيك و قد صرت زوجة محمد صلى الله عليه و آله و سلم فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف فقالت لها:إحداهن أنا أمك حواء، و قالت الأخرى أنا: آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى، و قالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء... و في بحار الأنوار، ج23 ص2 ح1 في حديث طويل: فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبرها و كانت تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدثين قالت: الجنين في بطني يحدثني و يؤنسني قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يخبرني أنها انثى و إنها النسلة الطاهرة الميمونة و إن اللَّه «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.
3- في كشف الغمة/ ج2 ص89: عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله «تبارك و تعالى» إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلي الله علیه و آله و سلم فسماها فاطمة علیها السلام ثم قال: إني فطمتك بالعلم، و فطمتك من الطمث، ثم قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها الله «تبارك و تعالى» بالعلم و عن الطمث في الميثاق.

قَدْ زَانَهَا خُلْقٌ عَظِيمٌ رَائِعٌ *** تُغْضِي حَيَاءٌ فِي الحَيَاةِ وَ تَخْفَرُ(1)

وَرِثَتْ خِصَالَ المُصْطَفَى وَ سَخَاءَهُ *** فَغَدَتْ تُفَرِّقُ فَيْئَهَا لاَتَحْجُرُ(2)

ص: 122


1- تخفر: تستحي أشد الاستيحاء. جاء في حلية الأولياء، ج2 ص40: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: أي شيء خير للمرأة؟ قالت أن لاترى رجلاً و لايراها رجل. فضمّها إليه و قال: ذرية بعضها من بعض... و في رواية أخرى أنها قالت: خير لهن أن لايرين الرجال و لايروهن. فقال: إنها بضعة مني. و في ملحقات إحقاق الحق ج10 ص258: عن علي بن الحسين علیه السلام أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لم حجبته و هو لايراك؟ فقالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن لم يكن يراني فأنا أراه و هو يشم الريح. فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أشهد أنك بضعة منّي.
2- في مكارم الأخلاق للطبرسي/ ط بيروت/ الباب الخامس/ في الفصل السادس/ في التزيين للنساء بالحلي و غيره/ في الأسورة/ ص94: أصاب علي علیه السلام شيئاً من الغنيمة فدفعه إلى فاطمة علیها السلام، ثم خرج فأخذ سوارين من فضة و علقت على بابها ستراً. فلما قدم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم توجه نحو بيت فاطمة علیها السلام فنظر فإذا في يدها سواران من فضة و إذا على بابها ستر فرجع و لم يدخل عليها. فدعت ابنيها و نزعت الستر من بابها و خلعت السوارين من يدها ثم دفعت السوارين إلى أحدهما و الستر إلى الآخر، ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام و قولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما، ثم أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما قطعاً قطعاً ثم دعا أهل الصفَّة. قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل و لاأموال. فقسمه بينهم ثم جعل يدعو الرجل العاري منهم الذي لايستتر بشيء فيعطيه قطعة من ذلك الستر. و في نور الثقلين في تفسير الآية الشريفة من سورة الحشر آية:9. «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» ورد أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: من لهذا الرجل الليلة؟ فقال علي بن أبي طالب علیه السلام: أنا له يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أتى فاطمة علیها السلام فقال لها: ما عندك يا بنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقالت: ما عندنا الأّ قوت العشية لكنا نؤثر ضيفنا. فقال علیه السلام: يا بنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم نوّمي الصبية. و اطفئي المصباح. فلما أصبح غدا على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخبره الخبر فلم يبرح حتى أنزل الله «عزوجل» «وَ يُؤْثِرُونَ» نور الثقلين، ج5 ص286. و في بحار الأنوار، ج43 ص26-28: عن علي بن الحسين علیه السلام قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت:كنت عند فاطمة علیها السلام جدتك إذ دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و في عنقها قلادة من ذهب كان علي علیه السلام اشتراها لها من فيء له، فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لايغرنك الناس أن يقولوا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و عليك لباس الجبابرة، فقطعتها و باعتها و اشترت بها رقبة فأعتقتها فسرَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بذلك.

وَاللَّهُ قَدَّرَ فِي السَّمَاءِ زَوَاجَهَا *** فَبَنَى بِهَا خَيْرُ البَرِيَّةِ حَيْدَرُ(1)

فَتزَيَّنَتْ حُورُ الجِنَانِ وَ عُطْرَتْ *** جَنَّاتُ عَدْنٍ وَ اللأَئِي تُنْثَرُ(2)

جِبْرِيلُ خَاطِبُهَا وَ إِنَّ صَدَاقَهَا *** نِصْفُ البَسِيطَةِ وَ البِحَارُ وَ أَنْهُرُ

يَا شِيعَةَ الزَّهْرَاءِ تُوْجَ مَهْرُهَا *** بِشَفَاعَةِ يَوْمَ الجَزَاءِ فَأَبْشِرُوا(3)

ص: 123


1- في كفاية الطالب/ للكنجي الشافعي/ ص164. عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب علیه السلام أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة علیها السلام و لقد خطبها الي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرئيل. فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و قد جمع الملائكة في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى و زوّج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام و أمرني فكنت الخاطب و اللَّه «تعالى» الولي. و في ذخائر العقبى للطبري، ص31: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن اللَّه «تعالى» يقرأ عليك السلام يقول لك إني قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوجها منه في الأرض.
2- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج 4 ص 129. عن عبد الله بن مسعود، قال: أصاب فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم صبيح العرس رعدة فقال لها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إنّي زوجتك سيداً في الدنيا وإنه في الأخرة لمن الصالحين، يا فاطمة علیها السلام إني لما أردت أن أملكك لعلي أمر الله جبريل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفاً ، ثم خطب عليهم جبريل فزوّجك من علي ثم أمر شجر الجنان فحملت الحلي و الحلل، ثم أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم يومئذ أكثر مما أخذ صاحبه أو أحسن افتخر به إلى يوم القيامة؛ قالت أم سلمة: فلقد كانت فاطمة علیها السلام تفتخر على النساء حيث أول من خطب عليها جبريل. في دلائل الإمامة للطبري/ ط قم/ ص18 في حديث طويل: فأوحى الله تعالى إلى محمد صلي الله علیه و آله و سلم أني قد زوَّجت علياً علیه السلام بفاطمة علیها السلام في سمائي تحت ظل عرشي و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في الأرض الفرات و دجلة و النيل و نهر بلخ.
3- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج4 ص210: عن بلال بن حمامة قال طلع علينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم متبسماً ضاحكاً و وجهه مسرور، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما هذا النور؟ قال: بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي بأن اللَّه زوّج بأن الله زوّج علياً علیه السلام من فاطمة علیها السلام و أمر رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً یعني صكاكاً بعدد محبي أهل البيت علیهم السلام و انشأ تحتها ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكاكاً فإذا استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلايق فلا يبقى محب لأهل البيت علیهم السلام إلا دفعت له صكاً فيه فكاكه من النار فصار أخي و ابن عمي و بنتي فكّاك رقاب رجال و نساء أمتي من النار. و أخرجه ابن الاثير في أسد الغابة، ج1 ص206.

لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةٍ وَ تَمَسَّكُوا *** بِوَلائِهَا وَ انْسُوا الخَطِيئَةَ وَ اهْجُرُوا

وَ تَزَوَّدُوا لِلْبَعْثِ مِنْ آدَابِهَا *** فِي الحِلْم وَ الأَخْلَاقِ لَا تَتأَخَّرُوا

وَ لْتَنتَهِجْ كُلُّ النِّسَاءِ سَبِيلَهَا *** فِي عِفَّةٍ تُحْيِي القُلُوبَ وَ تَعْمُرُ

***

وَتَيَقَّنُوا أَنّ النَّجَاةَ بِحُبِّهَا *** وَ لأَجْلِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ تُحْشَرُ

فَتَقُولُ هَذَا طَيِّبٌ مُتَمَنْعٌ *** بولايتي و فؤادُهُ مُتَعَطِّرُ

قُولُوا لَهُ إِنَّ الجِنَانَ جَزَاؤُهُ *** فِي رَوْضَةٍ يَلْقَى النَّعِيمَ وَ يُحْبَرُ(1)

وَ تَقُولُ هَذَا حَائِدٌ مُتَنَصْلٌ *** وَ إِمَامُهُ شَرُّ البَرِيَّةِ حَبْتَرُ(2)

فَلْيُصْلِ نَاراً أُوقِدَتْ لِإِمَامِهِ *** وَ لَهُ تُذِلُّ الظَّالِمِينَ وَ تَقْهَرُ

فَتَوَسَّلُوا بِمَقَامِهَا وَ بِالِهَا *** يَا إِخْوَتِي عِنْدَ النَّوَائِبِ وَ اصْبِرُوا

صَلُّوا عَلَى الهَادِي الأمين وَآلِهِ *** وَ عَلَى الشَّفيعة للعُصاةِ وَ كَبِّرُوا

ص: 124


1- يُحبَر: من الحبور أي السرور.
2- الحائد: المائل عن الطريق. و المتنصّل: من تنصل الرجل، إذا أخذ كل شيء معه.

(30) أهل بيت الوحي علیهم السلام

(بحر الرمل)

السيد صدر الدين الصدر(*)(1)

ص: 125


1- (*) هو السيد صدر الدين ابن السيد إسماعيل إبن السيد صدر الدين محمد ابن السيد صالح ابن السيد محمد إبن السيد شرف الدين ابراهيم. ولد في مدينة الكاظمية المقدّسة في مطلع الفجر يوم سابع عشر ذي القعدة سنة (1299 ه_) و أخذ العلوم العربية و ما إليها ثم المنطق و سطوح الفقه و الاصول و الحكمة و الكلام على عدة من الأساتذة المهرة في سامراء، كالشيخ حسن الكربلائي و الشيخ محمد حسين الطبسي و الشيخ محمد صادق الشيرازي و غيرهم من المحققين. و أخذ عن الامام الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، و أوغل في البحث عن هذه العلوم فإذا هو فسيح الخطوة غزير المادة فيها. هاجر المترجَم له إلى النجف الاشرف فوقف على الائمة من شيوخها كالشيخ كاظم الخراساني و الشيخ رضا الهمداني و الشيخ محمد طه نجف و أخذ عن العالمين السيد محمد بحر العلوم الحسني صاحب (البلغة) و الشيخ ضياء الدين العراقي، ثم رجع إلى أبيه السيد اسماعيل الصدر و هو في كربلاء المقدسة فعكف على دروسه فقهاً و أصولاً و وقف نفسه على خدمته ليلاً و نهاراً، يغدو و يروح ممعناً مع أبيه و إخوته و أعلام تلك الحوزة العريقة الفاضلة في التنقيب و التحقيق ثم إن المترجَم له هاجر إلى مدينة مشهد المقدسة و عاش فترة من الزمن هناك فكان أحد زعماء الشريعة بتلك الديار. ثم هاجر إلى مدينة قم المشرَّفة بناء على إلحاح من أستاذه الامام الشيخ عبد الكريم الحائري فكان المرشَّح الأول للزعامة الكبرى في ايران بعد الشيخ عبد الكريم و كان الشيخ يشير إليه بذلك، و من الجدير بالذكر أن المرجع الكبير و هو أبوزوجته السيد آغا حسين القمي «رحمه الله» أجاز تقليده و أرجع إليه احتياطاته، و من يعرف القمي و شدة ورعه جيداً يعلم أنه قلّما اطمأن إلى أحد أو اعتمد عليه و هذا يدل على علوّ مقامه و رفعة منزلته. و بعد أن توفي الشيخ عبد الكريم الحائري «أعلى الله مقامه» اجتمع الناس حوله متفقين على اختياره و لاسيما أهل الفضل منهم ولكنه أبى ذلك تحفظاً من الاعباء و احتياطاً لنفسه. لكنه بالرغم من إبائه تقدمت به مكانته فاقبل عليه الناس و حين رأى نفسه إزاء الأمر الواقع تولاها دروساً و خطابة و جماعة و قياماً بأمور العامة و طبعت رسالته العملية و أصبح من زعماء العلم و مراجع الدين و كبار المدرسين و كان يدرّس في الفقه و الاصول فيحضر درسه ما يقارب (400) طالب، و كان له في الادب باعاً طُولى و ضلوعاً في اللغتين العربية و الفارسية و قلمه مطبوع مسترسل في النثر و سهل في الشعر و له كثير من المؤلفات منها: مختصر تاريخ الاسلام - رسالة في الحقوق - المهدي - حاشية على كفاية الأصول - رسالة في أصول الدين - رسالة في إثبات عدم تحريف الكتاب - لواء الحمد - حقوق المرأة في الإسلام - منظومة في الحج - منظمومة في العلوم، و ترك ثروة علمية ضخمة في الفقه و الاصول و التاريخ و الأدب و الكلام و العقائد و الحديث و الأخلاق. و خلَّف ولديه العلمين الجليلين آية الله السيد رضا الصدر و الامام السيد موسى الصدر رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان. انتقل إلى «رحمة الله علیه» تعالى بعد مرض قلب لازمه سنين كثيرة و ذلك في يوم السبت 19 ربيع الثاني سنة (1373 ه_) فخسر به الاسلام أحد رجاله و العلم أحد أبطاله و كان يومه مشهوداً في قم المشرّفة، فقد بكته طبقات الناس و صلى عليه المرجع الكبير السيد البروجردي و دفن في بقعة العلماء في رواق حرم السيدة فاطمة المعصومة علیها السلام ابنة الامام الكاظم علیه السلام بجوار قبر الشيخ عبد الكريم الحائري و أقيمت له الفواتح في مختلف البلاد.

يَا خَلِيلَيَّ احْبِسَا الجُرْدَ المِهَارا *** وَ ابْكِيَا دَاراً عَلَيْهَا الدَّهْرُ جَارَا(1)

وَ رُبُوعاً أَقْفَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا *** وَغَدَتْ بَعْدَهُمُ قَفْراً بِرَارا(2)

حَكَمَ الدَّهْرُ عَلَى تِلْكَ الرُّبَى *** فَانْمَحَتْ وَ الدَّهْرُ لاَيَرْعَى ذِمَارا(3)

كَيْفَ يُرْجَى السَّلْمُ مِنْ دَهْرٍ عَلَى *** أَهْلِ بَيْتِ الوَحْيِ قَدْ شَنَّ المَغَارَا

لَمْ يُخَلَّف أَحْمَدُ إِلا ابْنَةً *** وَلَكُمْ أَوْصَى بِهَا القَوْمَ مِرَارا(4)

ص: 126


1- الجرد: جمع الجرداء أو الأجرد أي ما لاشعر عليه المهار: أولاد الفرس.
2- ربوعاً: دياراً، منازلاً، أحياء. أقفرت: خلت من الناس و الكلاء و الماء.
3- ذمارا: كل ما يلزمك حمايته و حفظه و الدفاع عنه و ان ضيعته لزمك اللوم.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من وصايا في حقها و عدم إيذائها و إغضابها. قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج27 ص166 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها». و ذكر الترمذي في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يُنصبني ما أنصبها». راجع المصدر ج5 ص699.

كَابَدَتْ بَعْدَ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** غُصَصاً لَوْ مَسَّتِ الطَّوْدَ لَمَارَا(1)

هَلْ تَرَاهُمْ أَدْرَكُوا مِنْ أَحْمَدٍ *** بَعْدَهُ فِي آلِهِ الأَظهَارِ ثَارا؟

فَصَبُوها حَقَّهَا جَهْراً وَ مِنْ *** عَجَبٍ أَنْ تُغْصَبَ الزَّهْرَا جِهَارَا

مَنْ لَحَاهَا إِذْ بَكَتْ وَالِدَهَا *** قَائِلاً فَلْتَبْكِ لَيْلاً أَوْ نَهَارا؟(2)

وَيْلَهُمْ مَا ضَرَّهُمْ لَوْ بَكَتْ *** بِضْعَةُ الْمُخْتَارِ أَيَّاماً قِصَارا

مَنْ سَعَى فِي ظُلْمِهَا مَنْ رَاعَهَا *** مَنْ عَلَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ جَارا؟

مَنْ غَدَا ظُلْماً عَلَى الدَّارِ الَّتِي *** تَخِذَتْهَا الإِنْسُ وَ الْجِنُّ مَزَارا؟

طَالَمَا الأَمْلاكُ فِيهَا أَصْبَحَتْ *** تَلْثِمُ الأَعْتَابَ فِيهَا وَ الْجِدَارا

وَ مِنَ النَّارِ بِهَا يَنْجُو الوَرَى *** مَنْ عَلَى أَعْتَابِهَا أَضْرَمَ نَارا؟(3)

وَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى كُمْ جَاءَهَا *** يَطْلُبُ الإِذْنَ مِنَ الزَّهْرَا مِرَارَا(4)

وَ عَلَيْهَا هَجَمَ القَوْمُ وَ لَمْ *** تَكُ لَاَنَثْ لاَوَعُلياهَا الْخِمَارَا(5)

لَسْتُ أَنْسَاهَا وَ يَا لَهُفِي لَهَا *** إِذْ وَرَاءَ الْبَابِ لاَذَتْ كَيْ تَوَارَى(6)

فَتَكَ الرِّجْسُ عَلَى البَابِ وَ لاَ *** تَسْأَلَنْ عَمَّا جَرَى ثمَّ وَصَارا

ص: 127


1- الطود: الجبل الشامخ. مار: اضطرب.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى طلب القوم من الإمام العلي علیه السلام أن تبكي الزهراء علیها السلام إما ليلاً أو نهاراً.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إضرام النار في بيت الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سلیم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر بغداد ص37 و الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر إلى ما ورد من أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لايدخل بيت الزهراء علیها السلام إلا بعد الاستئذان. ففي كتاب تاريخ مدينة دمشق ج1 ص268، عن عمران بن حصين «أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال له: ألا تنطلق بنا نعود فاطمة علیها السلام فإنها تشتكي قلت: بلى قال: فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلّم فاستأذن. فقال: أدخل أنا و من معي؟ قالت: نعم و من معك يا أبتاه... الخ». و ذكره أبونعيم في كتابه حلية الأولياء ج2 ص42.
5- لاثت: لفَّت. الخمار: ما تغطي به المرأة رأسها أو الستر عموماً. يشير الشاعر في هذين البيتين إلى هجوم القوم على الزهراء علیها السلام و هي حسرى دون خمار. انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص39.
6- كي تواري: كي تتواري أي تتخفّی.

لا تَسَلْنِي كَيْفَ رَضُوا ضِلْعَهَا *** وَ اسْأَلَنَّ الْبَابَ عَنْهَا وَ الجِدَارا(1)

وَ اسْأَلَنْ أَعْتَابَهَا عَنْ مُحْسِنٍ *** كَيْفَ فِيهَا دَمُهُ رَاحَ جُبَارا

وَ اسْأَلَنْ لُؤلُؤ قُرْطَيْهَا لِمَ *** انْتَشَرَتْ وَ الْعَيْنَ لِمْ تَشْكُو احْمِرارا؟(2)

وَ هَلِ المِسْمَارُ مَوْتُورٌ لَهَا *** فَغَدا فِي صَدْرِهَا يُدْرِكُ تارا؟(3)

ص: 128


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، ص208. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى لطم فاطمة علیها السلام على خدها و تناثر قرطيها. انظر كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و كتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول المسمار في صدرها علیها السلام. انظر كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 كما في عوالم العلوم ج2 ص586 و كتاب مأساة الزهراء علیها السلام ج1 ص353. نقلت من كتاب بغية الراغبين للسيد عبد الحسين شرف الدين ج1 ص247.

(31) قفا نبك دماً

(بحر الرمل)

صدر الدين الصدر(*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار(**)(2)

قد ذكرتُ الدارَ و الدمعُ تجارى *** و أحبّاءٌ لنا شطُّوا مَزَارا

مذ مررنا صحتُ بالصحبِ جهارا *** «یا خليليَّ احبسا الجردَ المِهارا

وابكيا داراً علیها الدهرُ جارا»

***

فقفا نبكِ دماً من أجلِها *** و الذي قد فرَّقُوا من شملِها

قد تذكّرتُ ليالي وصلِها *** «و ربوعاً أقفرتْ من أهلِها

و غدتْ بعدهُمُ قفراً بَوارا»

***

قلتُ للأطلالِ أينَ النجبا *** أينَ عن ربعهُمُ طيبُ الصّبا

فأجابتنِي جواباً عجَبا *** «حكم الدهرُ على تلكَ الرُّبى

فانمحتْ و الدهرُ لايرعى ذِمارا»

***

أو لا تدرِي بما قدْ فعلا *** دهرُ سوءٍ عمرَه ما عَدَلا

ص: 129


1- (*) مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- (**) مرت ترجمته في الجزء الثاني.

أمَّرَ التالي و أقصى الأوّلا *** «كيف يُرجى السلمُ من دهرٍ على

أهل بیتٍ الوحي قد شنّ المَغارا»

***

حينما قد عقدُوها ضلّةً *** لبني تيم بن مرِّ فلتةً

فانتحى منتهكاً فاطمةً *** «لم يخلّف أحمدٌ إلاّ ابنةً

و لَكَمْ أوصى بها القومَ مرارا»

***

غيرَ أنّ القومَ سامُوها الجفا *** برزايا فطَّرت صُمَّ الصَّفا

آهِ للزهرا أُضِيعت أَسَفا *** «كابدتْ بعد أبيها المُصطفى

غُصَصاً لومسَّتِ الطودَ لَمَارا»

***

ما لقلبِ القومِ هل من جَلمدَ *** نحتُوه أم ظلامٍ سرمدِ

كيف لم يعرف لها من مَلحَدِ *** «هل تراهم أدركوا من أحمدِ

بعدُه في آلهِ الأطهارِ ثارا»

***

ليسَ في زمرتِهم من مؤمنْ *** لا و لاذي عفّةٍ مؤتَمنْ

كم أذاقُوا فاطماً من مِحَنِ *** «غصبُوها حقّها جهراً و مِنْ

عجبٍ أن تُغصب الزهرا جَهارا»

***

كذَّبَ ابن المعتِفي شاهِدها *** وغدا من حقِّها جاحدَها

أوَ لم تسمعْ بمن عانَدَها *** «من لحاها إذ بكت والدَها

قائلاً فلتبكِ ليلاً أو نهارا»

***

ص: 130

فلبيتِ الحزنِ تبكي أُقصيتْ *** و بإيذاءِ الورى قد رُميتْ

ليتَ منهم أعيناً قد عُميتْ *** «ويلهم ماضرَّهم لو بكيتْ

بضعةُ المختار أياماً قصارا»

***

زمرةٌ قد ركبت أطماعَها *** و من الزهرا حَنَتْ أضلاعَها

أو تدري بالذي قد لاعَها *** «من سعى في ظلمِها مَن راعَها

من علي فاطمةَ الزهراءِ جارا»

***

إنّه نغلُ بنِي تيمٍ العتي *** و ابنُ خطابٍ أتى بالزمرةِ

لعَنَ الباري خبيث المنبتِ ** «مَن عدا ظلما على الدارِ التي

تخذتها الإنسُ و الجنّ مزارا»

***

فلتةٌ من تيمِها قد نبحَثْ *** و لقلبِ المصطفى قد جَرَحَتْ

أحرقُوا داراً بنورٍ طفحتْ *** «طالما الأملاكُ فيها أصبحَتْ

تلثمُ الأعتابَ منها و الجدارا»

***

هي دارٌ قدْ تسامَتْ للذرى *** كعبةُ الوفّادِ من أُمَّ القُرى

سلْ بها إذ طاولَتْ غار حِرا *** «و من النارِ بها ينجُو الوَرَى

من علی أعتابِها أضرمَ نارا»

***

من بيوتٍ ربُّها قدشاءَها *** و بأملاكٍ حَمَى أرجاءَها

دون إذن دخلُوا أفناءَها *** «و النبيّ المصطفى كم جاءَها

ص: 131

یطلبُ الإذن ب الإذن من الزهرا مِرارا»

***

بالذي قُدّر قد جفَّ القَلَمْ *** أن تموتَ الطهرُ من فرطِ الألمْ

هتکُوا من دارِها كلَّ الحُرَمْ *** «و عليها هجمَ القومُ و لَمْ

نكُ لاثتْ لاو علیاها خمارا»

***

أسقطُوها خلف بابٍ حَمْلَها *** و بحبلِ الرجس جرّوا بعْلَها

ما رأت عيناي رزءاً مثلها *** «لستُ أنساها و يا لهفِي لها

إذ وراءَ البابِ لاذتْ تتواري»

***

حقدُهم في الصدر كالقدر غلى **** فأتى كلُّ نبوحٍ يُشتلى

عمرٌ، قنفذُ، كُلُّ السفلا *** «فتكَ الرجسُ على البابِ و لا

تسْأَلَنْ عمّا جرى ثمَّ و صارا»

***

منعُوا فاطمَ تذري دمعَها *** و بليل الحقد أطفَوْا شمعَها

فابكها ما شئتَ حزناً وَانْعَها *** «لاتسلنِي كيف رضّوا ضِلعها

واسْأَلَنَّ البابَ و الجِدارا»

***

فاسألِ الدار تُجبْ في حُزُنِ *** عن رزاياها بقلبٍ شَجِنِ

لاتسلني ما جرى من مِحَنِ *** «واسألَنْ أعتابهَا عن محسنِ

کیف فیها دَمُهُ راحَ جُبارا»

***

ص: 132

منعُوا أعينَها طيبَ الوسَنْ *** روّعُوها و حُسيناً وَ حَسَنْ

لاتسلْ عمّا أُذيقوا من مِحَنُ *** «واسألنْ لؤلؤ قرطيْها لِمَا أنْ

سرت و العينَ لَمْ تشكو احمرارا»

***

قد سألتُ البابَ تحكي عَلَّها *** لِمَ بالنارِ أراعَتْ أهلَها

لِمَ جرَّ الحبلُ ظُلماً بعلها *** «و هل المسمارُ موتورٌ لها

فغدا في صدرِها يدركَ ثارا»

***

ص: 133

(32)تمضي الدهور

(بحر الكامل)

الأستاذ عباس أبوالطوس(*)(1)

غَنَّتْ وَ أَقْدَاحُ المُدَامِ تُدَارُ *** فَتَرَنَّحَتْ لِغَنَائِهَا السُّمَّارُ(2)

ص: 134


1- (*) هو الاستاذ الأديب عباس بن مهدي ابن الحاج حمادي ابن الحاج حسين أبي الطوس. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1349 ه_) الموافق سنة (1930 م). نشأ و تربى في أحضان أسرته الكريمة، حتى أرسله أبوه إلى أحد الكتاتيب و المترجَم له لم يتجاوز السادسة من عمره فتعلم القراءة و الكتابة حتى صلب عوده و سمت منزلته فكان من صغر سنه هاوياً للشعر و الأدب، فتدَّرج و هو يقرأ النحو كالقطر لابن هشام و الألفية لابن مالك و يطالع البيان و التبيين للجاحظ و جواهر البلاغة و تاريخ الاسلام و كان يقضي شطراً من وقته بقراءة الدواوين الشعرية كما حفظ خمسين خطبة من نهج البلاغة، و حفظ مايقارب عشرة آلاف بيت من الشعر و منها (المعلقات)، و ساعدته على صقل مواهبه الادبية أجواء مدينة كربلاء المقدسة التي كانت تزخر بالشعراء و الادباء البارعين مما رقي بشاعرنا إلى مصاف عباقرة الادباء. و المترجَم له، معروف بأنه شاعر وطني مرموق و كيف لا و قداكتحلت عيناه بمرأى مراقد الشهداء الابرار، و تعلِّم منهم الكرامة و الإباء و الشمم. فكان أبوالطوس لاتفوته مناسبة من المناسبات الدينية و الوطنية دون أن يكون له سهم فيها، و كان يشارك في الحفلات الأدبية و ينشر روائعه في الصحف المحلية حتى جمع أكثر من ديوان و ترك المترجَم له آثاراً أدبية غنيّة عن التعريف و قد تصدَّى أخونا الاستاذ الاديب السيد سلمان هادي آل طعمة لجمع قصائد أبي الطوس و هو الآن في طريقه إلى الطبع. ودَّع الحياة و هو في عمر الورد دون أن يتزوج، فقد وافاه الأجل يوم السبت المصادف (1958/12/26م) في كربلاء المقدسة فشيع إلى مثواه الأخير في وادي كربلاء.
2- المدام: الخمر. ترنَّحت: تمايلت من سكر و نحوه. السمّار: الذين لم يناموا و تحدثوا و سهروا ليلاً.

وَ مَشَتْ وَ أَلْبَابُ النَّدَامَى إِثْرَهَا *** تَخْطُو وَ قَدْ شَخَصَتْ لَهَا الأَنْظارُ(1)

فَتَمَايَلَتْ لِلسَّامِرِينَ تَذَلُّلاً *** تَرْوِي الغَصينَ فَرَنَّتِ الأَوْتَارُ

حَسْنَاءُ نَاعِمَةُ العُيُونِ وَ وَجْهُهَا *** قَمَرٌ تَخِرُّ لِحُسْنِهِ الأَقْمَارُ

بَرَّاقَةُ السَّاقَيْنِ ذَاتُ مَحَاسِنٍ *** وَ بِخَدِّهَا مَاءُ الصَّبَا نَوّارُ

يَهْفُو لَهَا الصَّبُّ الكَثِيبُ تَشَرُّقاً *** وَ تَهَيُّماً حَيْثُ الهَوَى جَبَّارُ

يَا رَبَّةَ اللَّفْتَاتِ مَهْلاً قَدْ كَوَى *** جَنْبَيَّ هَذَا الدَّلُّ وَ التَّخْطَارُ

وَ مِنَ التَّضَامُنِ وَ اهْتِزَازِ قِوَامِكِ *** شَبَّتْ عَلَى قَلْبِي المُتَيَّمِ نَارُ

***

بُورِكتَ مِنْ لَيْلِ بِكَ الأَحْرَارُ *** قَدْرُجْبَتْ وَ طَغَى اسْتِبْشَارُ

هَذَا هُوَ الحَفْلُ المُهِيبُ كَأَنَّهُ *** فَلَك تَضِحُ حِیَالَهُ الأَنْوَارُ

وَقَفَتْ لَكَ الشُّعَرَاءُ إِكْرَاماً وَ قَدْ *** أَوْدَى بِهَا الإِجْلاَلُ وَ الإِكْبَارُ

ضَرَبَتْ عَلَى وَتَرِ القَرِيضِ أَكُفُّهَا *** بِحَفَاوَةٍ فَانْهَلَّتِ الأَشْعَارُ(2)

وَ مَضَتْ تَسِيلُ وَ فِي المَسَامِع شَدْوُهَا *** طَرَباً كَمَا تَتَرَنَّمُ الأَطْيَارُ

وَ الشَّعْرُ مِصْبَاحٌ يُطِلُّ بِحِنْدِسٍ *** وَ الشَّعْرُ فِيهِ رِفْعَةٌ وَ وَقَارُ(3)

وَ الشَّعْرُ خَيْرُ هَدِيَّةٍ قُدْسِيَّةٍ *** لِلطَّيِّبِينَ وَ لِلطَّغَاةِ دَمَارُ

وَ الشَّعْرُ مُوسِيقَى وَ جَرسٌ سَاحِرٌ *** إِنْ رَنَّ هَبَّتْ نَحْوَةُ الأَفْكَارُ

***

بُورِكتَ مِنْ لَيْل تَخِرُّ لِسَعْدِهِ *** شُكراً لَيَالِي الدَّهْرِ وَ الأَسْحَارُ

أَلْقَ الجَبِينُ وَ بِالسُّرُورِ مُتَوَّجاً *** حَتَّى كَأَنَّكَ بِالوُضُوحٍ نَهَارُ

تَجْرِي الرِّيَاحُ ظَلِيقَةً وَ رَخِيَّةً *** بِكَ لِلأَنَامِ وَ ذَيْلُهَا مِعْطَارُ

ص: 135


1- ألباب: عقول. الندامى: الجلساء على الشراب.
2- القريض: الشعر.
3- حندس: ليل شديد الظلمة.

فِي مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ شَعَ مِنَ الهُدَى *** نُورٌ وَ لِلإِسْلامِ لاَحَ مَنَارُ

فَالكَوْنُ مُزْدَهِرُ الجَوَانِبِ ضَاحِکٌ *** وَ عَلَى الوَرَى عَبْقُ(1) الجِنَانِ نِثَارُ(2)

***

يَا صفْحَةٌ لَمَعَ القَرِيضُ فُويْقَهَا *** زِيدِي الْتِمَاعاً فَالسُّرُورُ مُثَارُ

وَ تَرَنَّحِي يَا عَاطِفَاتُ وَ سَارِعِي *** عَجَلاً كَمَا تَتَسَارَعُ الأَمْطَارُ

فَلَقَدْ طَرِبْتُ بِحَفْلِ ذِكْرَى مَوْلِدِ *** الزَّهْرَاءِ حَيْثُ نَمَتْ لَهَا الأَطْهَارُ

فَلِذَا وَقَفْتُ مُغَرِّداً بحفاوةٍ *** لِلسَّامِعِينَ كَمَا يَهُبُّ هَزَارُ(3)

حُيِّيْتِ مِنْ ذِكْرَى يُغَرِّدُ بِاسْمِهَا *** الدَّهْرُ وَ التَّارِيخُ وَ الأَسْفَارُ(4)

الْحَقُّ يَشْمُخُ عَالِياً فِي طَيِّهَا **** وَ الظُّلَمُ مِنْ لَمَعَانِهَا يَنْهَارُ

تَمْضِي الدُّهُورُ وَإِنَّهَا وَضَاءَةٌ *** مَهمَا بَدَتْ وَ تَغَيَّرَتْ أَطْوَارُ

***

أَمَّا حَيَاةُ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهَا *** عَارٌ و خِزْيٌ فَاضِحٌ وَ بَوَارُ

و الحَاكِمِينَ بِغَيْرِ حَقٌّ شُهْرَةً *** وَ الصَّامِتِينَ كَأَنَّهُمْ أَحْجَارُ

هذَا العِرَاقُ وَ لاَيَزَالُ بِذِلَّةٍ *** كَيْفَ الخَلاَصُ وَفَوْقَهُ اسْتِعْمَارُ

هذَا يُطَبّلُ مِنْ هُنَا لِلُبَانَةٍ *** وَ هُنَاكَ آخَرُ عَازِفٌ زَمَّارُ

وَيْلٌ لِجَامِعَةٍ تُغَيِّرُ لَوْنَهَا *** وَ سِوَى التَّكذُّبِ مَا لَهَا أَخْبَارُ

قَدْ هَدْأَتْنَا بِالسَّلام وَ غَيْرِهِ *** أَيْنَ السَّلاَمُ وَ هَذِهِ الأَخْطَارُ؟

ص: 136


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما صاحب ولادة الزهراء علیها السلام من نور و بهجة في الكون. و انظر كتاب مشارق الأنوار في أسرار فاطمة الزهراء علیها السلام ص85 كما في عوالم العلوم ج1/ 11 ص58 و كتاب البحار ج16 ص80. و في كتاب الروض الفائق ص214 مثله كما في عوالم العلوم ج11/1 ص56.
2- عبق: رائحة طيبة. نثار: منثور.
3- هزار: عندلیب.
4- الاسفار: الكتب.

إِنَّ المَشَاكِلَ لَاتَحُلُّ بِأَرْؤُسٍ *** لَعِبَتْ بِهَا قَبْلَ الحُلُولِ عُقَارُ(1)

***

عَمّا قَرِيبٍ تُرْفَعُ الأَسْتَارُ *** طُرّاً فَتَبْدُو خَلْفَهَا الأَسْرَارُ

وَ تَلُوحُ لِلْقَوْمِ النِّيَامِ غَمَامَةٌ *** سَوْدَاءُ مِنْهَا تَرْجُفُ الأَقْطَارُ

دَمْعُ الشَّبَابِ يُرَاقُ فِي أَوْطَانِهِ *** ظُلماً لِيُکْمِلَ عَيْشُهُ الغَدَّارُ

وَ الشَّمْسُ تَفْزَعُ فِي المَسَاءِ لَمَّا يُرَى *** تَهْتَزُّ مِنْ ثِقْلِ الجُيُوشِ قِفَارُ

فَخُذُوا الحِيادَ لَكُمْ وَإِلا تَنْدَمُوا *** إِنْ طَارَ مِنْ حَرْبِ الطَّغَاةِ شَرَارُ

***

كَيْفَ السُّكُوتُ عَلَى الأَذَى وَإِلَى مَتَى *** نَحْنُ العَبيدُ وَ لِلْعَدُوِّ صِغَارُ؟

غَمَرُوكُمُ وَاللَّهِ ذُلاً قاتلاً *** أَفَأَنْتُمُ الأَحْرَارُ وَ الأَبْرَارُ؟

إِنَّ المَشَانِقَ لِلْكِرَام مَرَاقِصٌ *** وَ السِّجْنُ فِي حُبِّ البِلادِ فَخَارُ

يَا نَاهِبِي الخَيْرَاتِ مِنْ أَوْطَانِنَا *** بَلْ يَا عَبيداً رَبُّهَا الذُّولارُ

خَلُوا مَوَاطِنَنَا وَ لَاتَتَقَرَّبُوا *** مِنْهَا فَإِنَّ رِجَالَهَا ثُوّارُ

***

يَا بِنْتَ مَنْ وَاللَّهِ لَوْلاَ شَخْصُهُ *** لَمْ يَسْتَقِمَ دِينُ وَ لاأَمْصَارُ

بَلْ لَمْ تَدُرْ كُرَةُ الصَّعِيدِ وَ لَمْ يَكُنْ *** هَذَا الأَثِيرُ الدَّافِعُ السَّيَّارُ(2)

كُمْ مَوْقِف لَكِ فِي الدَّفَاعِ مُعَظَّمٍ *** مِنْ حَيْثُ غَضَّتْ نَحْوَكِ الْأَبْصَارُ؟

دَافَعْتِ عَنْ دِينِ الرَّسُولِ فَمَا اهْتَدَتْ *** بِدِفَاعِكِ الجُهَّالُ وَ الأَشْرَارُ(3)

ص: 137


1- عقار: خمرة.
2- الصعيد: الأرض.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى مواقف الزهراء «سلام الله عليها» التي وقفتها للدفاع عن الاسلام و حق الإمام علي علیه السلام. و هذه المواقف كثيرة. انظر كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-132 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208. و كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص631.

فَإِلَيْكِ سَيِّدَتِي تَحِبَّةَ شَاعِرٍ *** كَمِدٍ وَ دُونَ وَلاكِ لايَخْتَارُ(1)

ص: 138


1- نقلت من ديوان عباس أبوالطوس. مخطوط...

(33) سر الحياة

(بحر الكامل)

الشيخ عبدالأمير النصراوي(*)(1)

يَا مَنْ زَهَتْ مِنْ نُورِكِ الأَنْوَارُ *** وَ تَنَسَّمَتْ عِطْراً بِكِ الأَسْحَارُ

سِرُّ الحَيَاةِ عَلَى وُجُودِكِ قَائِمٌ *** فُلكٌ بِهِ هَذَا الوُجُودُ يُدَارُ

صَاغَ الإِلهُ لآلِئاً مِنْ لُطفِهِ *** وَ قَدِ اصْطَفَاكِ وَاحِدٌ قَهَارُ

فِي يَوْمِ مَوْلِدِكِ الحَيَاةُ تَعَطَّرَتْ *** وَ عَلَى أَرِيجِكِ تُنْثَرُ الأَزهَارُ(2)

عَمَّتْ لَكِ الأَفْرَاحُ فِي أَرْجَائِهَا *** وَ إِلَيْكِ حُبّاً تُنْشَدُ الأَشْعَارُ

زَهْرَاءُ يَزْهَرُ نُورُهَا نَحْوَ السَّمَا *** حَوْرَاءُ قَدْ حَارَتْ بِهَا الأَفْكَارُ(3)

ص: 139


1- (*) هو الخطيب البارع الشيخ عبدالأمير بن نجم بن عبيدالنصراوي العبادي. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1374 ه_) الموافق (1954م)، و نشأ و ترعرع في ظل أسرته الكريمة و تحت رعاية والديه. تلقى دراسته الابتدائية و المتوسطة في مدارس كربلاء المقدسة ثم التحق بالحوزة العلمية فيها و درس المقدمات على أشهر أساتذتها أمثال العلامة الخطيب السيد مرتضى القزويني، و العلامة الشيخ جابر العفجاوي و العلامة الشيخ عبد الرضا الصافي و غيرهم. ثم تفرَّغ للخطابة الحسينية و تتلمذ على يدي الخطيبين العملاقين الشيخ هادي الخفاجي و العلامة الشيخ عبدالزهراء الكعبي، و ما لبث أن ذاع صيته و انتشر ذكره انتشار الطيب و صارت له صولات و جولات في مجال الوعظ و الارشاد و شهدت له مجالس كربلاء، و الكاظمية و الصويره و سوريا و لبنان و غيرها بالقدرة الخطابية، و يتمَّيز بصوته الشجي الحزين. و للمترجَم له مؤلفات منها: كتاب في الامام الحسين علیه السلام مخطوط و له أيضاً ديوان شعر طبع بعنوان: (عبير الأبرار و حنين الأحرار).
2- أريجك: رائحتك الطيبة.
3- إشارة لما روي في كتاب علل الشرائع ج1 ص179 عن جابر عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قلت له: لمَ سميّت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ قال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها. الحديث.

فِي مُحْكَم التَّنْزِيلِ اِسْمُكِ كَوْثَرٌ *** مِنْ نَبْعِهِ قَدْ فَاضَتِ الأَنْهَارُ

فِي سُورَةِ الإِنْسَانِ أَعْلَنَ نَاطِقاً *** وَلَدَاكَ أَنْتِ وَ حَيْدَرٌ أَبْرَارُ

مَنْ يَشْرَبُونَ وَ قَدْ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ *** كَأْساً لَهُمْ كَافُورُهُ فَوَارُ(1)

يَا بَضْعَةَ الهَادِي وَ زَوْجَةَ حَيْدَرٍ *** أُمَّ الأَئْمَةِ مَنْ هُمُ أَطْهَارُ(2)

أَنْجَبْتِ يَا أُمَّ الحُسَيْن عَمَالِقاً *** قَدْ نَوَّرُوا الدُّنْيَا وَ هُمْ أَقَمَارُ

أَنْتِ التَّقَى أَنْتِ البَتُولُ وَ فَاطِمٌ *** فَعَلَى خُطَاكِ يَقْتَدِي الأَحْرَارُ(3)

مَنْ لِي سِوَاكِ شَفِيعَةٌ يَوْمَ الجَزَا *** إِذْ عَزَّتِ الأَحْبَابُ وَ الأَنْصَارُ؟(4)

ص: 140


1- كافور: شجرة أريجية من فصيلة الغاريات مهدها الأصلي جنوب الصين. أوراقها دائمة الخضرة و أزهارها بيضاء ضاربة إلى الصفرة يستخرج منها الكافور و هو مادة عطرية تستخرج من الشجرة و تستعمل في الطب.
2- إشارة إلى ما روي في صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة بنت محمد عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة منّي.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و إنما سمِّيت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الانبياء أو قال: نقصان. و قد تقدم عن ذلك الكثير.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة أيضاً ج1 ص309 عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما سميت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن الله «تعالى» فطمها و فطم محبّيها من النار.

(34) حديث الباب

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي (*)(1)

أَنَائِحَةٌ مِثْلِي عَلَى العَرْصَةِ القَفْرَا *** تَعَالِي أَقَاسِمُكِ المَنَاحَةَ وَ الذِّكْرَى(2)

حَدِيثَ الجَوَى يَا وُرْقُ يَرْوِيهِ كُلْنَا *** عَن العَبْرَةِ الْوَطْفَاءِ وَ الْكَبِدِ الحَرَا(3)

كِلانَا كَثِيبٌ يُتبِعُ النَّوْحَ أَنَّةً *** إِذَا مَا وَعَاهَا الصَّحُرُ صَدَّعَتِ الصَّخْرَا(4)

خُذِي لَكِ شَطْراً مِنْ رَسِيسِ مُبَرِّحٍ *** وَلِي مِنْهُ يَا ذَاتَ الجَنَاحِ ذَرِي شَطرَا(5)

خَلا أَنَّهَا تَبْكِي وَ مَا فَاضَ دَمْعُهَا *** وَ أَجْرَيْتُهَا مِنْ مُقْلَتِي أَدْمُعاً حَمْرا

فَلاَجَمْرُ أَحْشَائِي يُخَفِّفُ عَبْرَتِي *** وَ لَاعَبْرَتِي فِي صَوْبِهَا تُخْمِدُ الجَمْرَا

وَ قَائِلَةٍ وَ هْيَ الْخَلِيَّةُ مِنْ جَوَّى *** مُعَرَّسُهُ أَضْحَى الْحَيَازِمَ وَ الصَّدْرَا(6)

رُوَيْدَكَ نَهْنِهْ مِنْ غَرَامِكَ وَ اتَّخِذْ *** شِعَارَيْكَ فِي الْخَطْبِ التَّجَلُّدَ وَ الصَّبْرَا(7)

فَقُلْتُ وَرَاكِ فَاتَّنِي الصَّبْرُ كُلُّهُ *** لِرُزْءٍ أُصِيبَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

غَدَاةَ تَبَدَّتْ مُسْتَبَاحاً خِبَاؤُهَا *** وَ مَهْتُوكَةً حُجْبَ الخَفَارَةِ وَ السِّتْرَا(8)

ص: 141


1- (*) مرّ ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- العرصة: بقعة أرض ليس فيها بناء؛ أو ساحة الدار و سميت بذلك لاعتراص الصبيان فيها و الاعتراص هو اللعب و المرح. القفراء: المتصحرة الأرض لاماء فيها و لاكلاً.
3- وُرْق: جدب. الوطفاء: المنهمرة.
4- صدَّعت: شطرت.
5- الرسيس: رسيس الحُمّى: أول مسها و رسيس الحب أوله.
6- الحيازم: الحيزوم وسط الصدر.
7- نَهْنِهُ: كُفَّ وإمتنع.
8- خباؤها: خيامها. الخفارة: الاستحياء أشدَّ الحياء.

عَلَى حِينٍ لاَعَيْنُ النَّبِيِّ أُمَامَهَا *** لِتُبْصِرَ مَا عَانَتْهُ بَضْعَتُهُ فَسْرَا

عَلَى حِينٍ لاَسَيْفُ الرَّسُولِ بِمُنْتَضَى *** الغَرَارِ وَ لَمْ تَنْظُرْ لِرَايَتِهِ نَشْرَا(1)

عَلَى حِينْ لاَمُسْتَأَصَلٌ مَنْ يَضِيمُهَا *** وَ لَاكَاشِفٌ عَنْهَا الْحَوَادِثَ وَ الضُّرَا(2)

(بِنِحْلَتِهَا) جَاءَتْ تُطَالِبُ مَعْشَراً *** بَدَا كُفْرُهُمْ مِنْ بَعْدِمَا أَضْمَرُوا الْكُفْرَا(3)

عَمُوا عَنْ هَوَاهَا ثُمَّ صَمُّوا كَثِيرُهُمْ *** كَأَنَّ بِسَمْعِ الْقَوْمِ مِنْ قَوْلِهَا وَ قْرَا

لَقَدْ أَرْعَشَتْ بِالوَعْظِ صِلَّ ضُغُونِهِمْ *** فَثَارُوا لَهَا وَ الصِّلُ إِنَّ يَرْتَعِشُ يَضْرَى(4)

فَلَوْ أَنَّهُمْ أَوْصَى النَّبِيُّ بِظُلْمِهِمْ *** لَهَا مَا اسْتَطَاعُوا غَيْرَ مَا ارْتَكَبُوا أَمْرَا

وَ أَنَّى وَ هُمْ طَوْراً عَلَيْهَا تُرَاثَهَا *** أَبَوْا وَ أَبَوْا مِنْهَا الْبُكَا تَارَةً أُخْرَى

وَ هُمْ وَ شَمُوهَا تَارَةً بِسِيَاطِهِمْ *** وَ آوِنَةٌ قَدْ أَوْسَعُوا ضِلْعَهَا كَسْرَا(5)

وَ خَلِّي حَدِيثَ (البَابِ) نَاحِيَةً فَمَا *** تَمَثَّلْتُهُ إِلا جَرَتْ مُقْلَتِي نَهْرَا(6)

بِنَفْسِي الَّتِي لَيْلاً تَوَارَثْ بِلَحْدِهَا *** وَ كَانَ بِعَيْنِ اللَّهِ أَنْ دُفِنَتْ سِرَا(7)

ص: 142


1- منتضیٰ: مسلول.
2- يضيمها: يقهرها و يظلمها.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك، و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: (لا نورّث، ما تركناه صدقة).
4- أرعشت: أرجفت. الصِّلِّ: الأول بمعنى المثل و الثاني بمعنى الداهية و الصَّل أيضاً: الحيّة.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص134 في حديث طويل: فنظر علي علیه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه ثم قال: نشكو له ضربة ضربها لفاطمة علیها السلام بالسوط فماتت، و في عضدها أثره كأنه الدملج.
6- الظاهر أنه (وخلَّ) بحذف الياء لأنه فعل أمر وفي البيت إشارة إلى ما روي في البحار ج43 ص198: فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و أن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنة الله علیه» فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها.
7- إشارة لما روي في (دلائل الإمامة) للطبري ص46: فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غير الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس و أخرجها إلى البقيع ليلاً. و في البحار ج8 ص240-241 (ط الكمباني) فعمل أميرالمؤمنين علیه السلام بوصيتها و لم يعلم أحداً بها فأنشأ في البقيع ليلة دفنت فاطمة علیها السلام أربعين قبراً جديداً.

بِنَفْسِي الَّتِي أَوْصَتْ بِإِخْفَاءِ قَبْرِهَا *** وَ لَوْلاَ هُمُ كَانَتْ بِإِظْهَارِهِ أَحْرَى

بِنَفْسِي الَّتِي مَاتَتْ وَ مِلْءُ بُرُودِهَا *** مِنَ الْوَجْدِ مَا لَمْ تَحْوِهِ سَعَةُ الْغَبْرَا(1)

رَمَوْهَا بِسَهُم عَنْ قِسِيَّ حُقُودِهِمْ *** فَأَصْبَحَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دَمُهَا هَدْرَا

عَلَيْهَا سَلامُ اللهِ و لازَالَ وَاصِلاً *** لَهَا فَصَلاةُ اللهِ مَا بَرِحَتْ تَتْرَى(2)

ص: 143


1- الغبرا: (الغبراء) الأرض.
2- وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام. للسيد المقرم ص121.

(35) إلى البضعة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

ص: 144


1- (*) هو الشيخ عبد الحسين بن عمران بن حسين بن يوسف بن أحمد بن روش بن نصار الحويزي، ولد في النجف الاشرف سنة (1287 ه_) و قيل سنة (1289 ه_)، هاجر جده حسين إلى النجف الاشرف سنة (1248 ه_) في عام الطاعون فكان تاجراً للأطعمة ذاك، و أما والده فكان بزازاً في النجف، و في ذلك العصر انتكس سوق النجف بخسارة فادحة فانصرف والد المترجَم له إلى مهنة الخياطة، و شيخنا الحويزي كان ملازماً لوالده و مقتدياً بعمله و ممتهناً بمهنته فترة من الزمن و بعد وفاة والده عاد إلى التجارة و بيع الاقمشة حتى صار من كبار التجار و الأثرياء، و كان بجانب عمله و تجارته متوجهاً إلى طلب العلم فدرس على فطاحل العلماء و الادباء في الحوزة العلمية في النجف الاشرف تتلمذ على السيد ابراهيم الطباطبائي أشهر أدباء و شعراء عصره فلازمه مدة طويلة نال خلالها كثيراً من المعلومات و اطلع على دقائق الادب و كان حاد الذكاء، وقَاد الذهن. و من العلماء الاعلام الذين اقتبس منهم الكثير من العلوم الشيخ هادي الطهراني، كما أخذ علوم المعاني و البيان و البديع من السيد محمد العاملي المعروف بالصحَاف، و أما علم الاصول فكان حضوره عند الشيخ عباس المشهدي، و الفقه أخذه من الشيخ عباس ابن الشيخ علي آل كاشف الغطاء. و كانت له ممارسات في علوم الرياضيات و الهندسة و الجفر و الرمل و الكيمياء و السيمياء و قد كتب فيها بعض الرسائل. و كان الشيخ الحويزي، موفقاً شجاعاً، مسانداً لاستاذ العلماء و المجتهدين صاحب الكفاية الشيخ ملامحمد كاظم الخراساني في قضية (المشروطة) و يعد المترجَم له: من مشاهير الشعراء و لقب (شيخ أدباء العصر) و من قوة شاعريته أنه في مجلس قد اجتمع فيه عدد كبير من الادباء و الشعراء، فاستنكر بعض الشعراء نسبة الشعر إلى الحويزي لقوته و جزالته فامتحنوه في المجلس فكان ذا جدارة وقوة في سرعة النظم، فأقرَّ جميع الشعراء بأنه حقاً شاعر ،فذّ، فتعجب ذلك المستنكر عليه من نباهته و نبوغه و رمقه شزراً، و قال: إنه لصغير فارتجل الحويزي له هذين البيتين: يستصغر الخصم قدري في لواحظه *** و نظم شعري كبير منه تبيان فلست أوهى قوىّ من نملة نطقت *** و ظل معتبراً منها سلیمان فصفّق له الحضور تعجباً و بزغ نجمه الأدبي من ذلك الحين. و قد مرَّ شاعرنا الحويزي بظرف صعب أفقره كثيراً حيث نهب منه كل ما يملك و وقعت بينه و بين اقربائه،خصومة، فخرج من النجف الاشرف إلى كربلاء المقدسة سنة (1335 ه_) فاستوطن في مدينة العلم و الادب و الفقه حيث كانت كربلاء تزخر بالفقهاء و العلماء و الشعراء و الادباء البارعين مما جعل شاعرنا الحويزي يأنس بهذا الجو الفكري الهادىء و منها أصبح ذا وطنين الوطن الأول النجف الاشرف، و الوطن الثاني كربلاء المقدسة فكلا الوطنين و البلدين تفتخر بأن الحويزي شاعرها و أديبها فالاستاذ علي الخاقاني يذكره في شعراء الغري و السيد سلمان آل طعمة يعده و يذكره في شعراء كربلاء، و قد اشتهر المترجَم له بالاكثار من نظم الشعر، و طرق جميع أنواعه و أجاد فيه كل الإجاده، و قد ترك خمسة عشر ديواناً في كل ديوان عشرة آلاف بيت فيكون المجموع (150) ألف بيت و قد طبع منها مجلدان و له ملحمة شعرية تزيد على الالفي بيت سماها (فريدة البيان) في مدح النبي و عترته الاطهار علیهم السلام. لبى نداء ربه سنة (1376 ه_) في كربلاء المقدسة و قد أوصى أن يدفن في النجف الأشرف مسقط رأسه فنقل جثمانه إلى هناك.

تُخَادِعُكَ الدُّنْيَا وَ تُبْدِي اغْتِرَارَهَا *** وَ نَفْسُكَ لَمْ تَأْخُذْ بِحَزْمٍ حِذَارَهَا

تُرَجي الأَمَانِي آمِناً مِنْ صُرُوفِهَا *** كَأَنَّكَ غِرِّ لَسْتَ تَدْرِي اعْتِبَارَهَا

تُسِيءُ إِذَا أَحْسَنْتَ صُنْعاً لَهَا فَلاَ *** تَكُنْ قَابِلا إِنْ أَسْمَعَتْكَ اعْتِدَارَهَا

سَفَتْكَ عِقاراً بالهَوَى وَ لَرُبَّمَا *** تَخَيَّلْتَ سُكْراً قَدْ مَلَكْتَ عِقَارَهَا(1)

عَمَدْتَ بَصِيرَ العَقْلِ يَحْسَبُ نُورَهَا *** ظِلالاً كَسَتْهُ الحَادِثَاتُ اعْتِكَارَهَا(2)

إِذَا عَظْمَتْ كُلُّ الوَرَى وَجْهَ نَعْتِهَا *** أَخُو الحَزْمِ أَبْدَى ذُلَّها وَ احْتِقَارَهَا

تَوَلَّتْ شِرَارَ النَّاسِ وُدَاً بِقُرْبِهَا *** وَ قَدْ أَبْعَدَتْ بِالبُغْضِ عَنْهَا خِیَارَهَا

تُصَغَّرُ قَدْرَ المَرْءِ إِنْ نَافَ عِزُّهَا *** وَ يَأْنَفٌ عِرنينُ الإِبَاءِ صِغَارَهَا(3)

جِنَايَتُها قَدْ مُثْلَتْ لَكَ جَنَّةٌ *** تُذِيقُكَ سُمّاً إِنْ جَنَيْتَ ثِمَارَهَا

ص: 145


1- عقاراً: خمراً.
2- الاعتكار: يقال اعتكرت الريح جاءت بالغبار، واعتكر المطر: اشتد.
3- ناف: أشرف و طال و العرنين: السيد الشريف. يأنف: يكره و يتنزه و يترفع عن الشيء.

بلُجَّتِهَا غُصْ فَالْتَقِط دُرَرَ الثَّنَا *** وَ لاتَخْتشِ أَهْوَالَهَا وَ غِمَارَهَا

ثَنَاءٌ جَمِيلٌ عِنْدَ تَرْدِيدِ ذِكْرِهِ *** يُطِيلُ لِسَاعَاتِ التَّلاقِي نِصَارَهَا

إِلَى البَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ تُهْدَىٰ فَرَائِدٌ *** تَشَوَّقَتِ السَّبْعُ المَثَانِي ابْتِكَارَها

فَكَمْ رَوْضَةٍ فِي مَدْحِهَا تَنْشُقُ الهُدَى *** بِطِيبِ الغَوَالِي رَنْدَها وَ عَرارَها(1)

فَتِلْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ شَمْسُ هِدَايَةٍ *** يُجَلِّي سَنَاها لِلدَّياجِي سِرَارَها(2)

عَلَى الطَّوْرِ كَانَتْ آيةُ النُّورِ مَوْهِناً *** فَانسَ مُوسَى نَارَهَا وَ مَنَارَهَا

تَدَلَّتْ عَلَى الإِحْسَانِ دِيمَةُ رَحْمَةٍ *** فَجَادَتْ بِنُورِ العَفْو تُزْجِي قِطَارَها(3)

لأَنْعُم بَارِي الخَلْقِ قَدْ كَانَ زَوْجُهَا *** قَدِيماً يَمِيناً وَ هْي كَانَتْ يَسَارَهَا

بِصِدِّيقَةٍ كُبْرَى تَلَقَّبَهَا العُلَى *** وَ أَبْنَاؤُهَا مَنْ ذَا يُطِيقُ صِغَارَها

جَمِيعُ نِسَاءِ العَالَمِينَ لِقَدْرِهَا *** يُصَغْرُ مِقْدَارُ القَضَاءِ كِبَارَهَا

رَبِيبَةُ حِجْرِ المُصْطَفَى عَزَّ شَأْنُهَا *** بِعِلْمٍ مَدَى العَشْرِ العُقُولِ غِمَارَها

أَقَرَّتْ مِنَ الإِيمَانِ عَيْناً بِشَخْصِهَا *** وَ قَدْ سَلَبَتْ أَيْدِي العِدَاةِ قَرَارَهَا

عَصَائِبُ فِي لَيْلِ الضَّلَالِ تَسَكَّعَتْ *** لإطفاء نُورِ اللَّهِ تُوقِدُ نَارَهَا

صَبِيحَةَ دَارَ القَوْمُ حَوْلَ رِوَاقِهَا *** وَ رَامَتْ بِنَارِ الحِقْدِ تُحْرِقُ دَارَهَا(4)

وَ قَدْ دَخَلَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ خِبَاءَهَا *** وَ عَنْهَا أَمَاطَتْ حُجْبَهَا وَ سِتَارَهَا(5)

فَمَا أَمْهَلَ الأَقْوَامُ بِنتَ مُحَمَّدٍ *** تَلُوتُ عَلَيْهَا مِرْطَهَا وَ خِمَارَهَا(6)

إِذَا كُنْتَ لَمْ تَعْلَمْ عَلَى الظُّهْرِ مَا جَرَى *** بِدَارِ الحِمَى سَلْ بَابَها وَ جِدَارَهَا

ص: 146


1- الرند: نبات من شجر البادية طيب الرائحة يشبه الآس و العرار بهار ناعم أصفر طيب الرائحة.
2- سناها: سناها ضوؤها. الدياجي: الظلمات سرارها خطوطها.
3- الديمة: مطر يدوم في سكون بلا رعد و لابرق تزجي: تروّج.
4- رامت: قصدت.
5- الخباء: ما يعمل من وبر أو صوف للسكن أماطت نحت و أبعدت عليها بغير إذن.
6- المرط: كساء صوفي يؤتزر به.

لَقَدْ أَسْقَطَتْ مِنْهَا الجَنِينَ بِحَنَّةٍ *** مِنَ الهَمِّ تُشْجِي خُمْسَهَا وَ عِشَارَهَا

و ربعَتْ بِوَكْرِ القُدْسِ مِنْهَا فِرَاخُهَا *** وَ أَعْيُنُهَا رُعْبُ الوِجَالِ أَطارَها

فَمَا هَجَعَتْ عَيْنٌ لَهَا ذَاتُ عَبْرَةٍ *** أَطَالَتْ شَجَاهَا لَيْلَهَا وَ نَهَارَهَا

أَتَكْسِرُ كَفُ البَغْيِ أَضْلُعَ فَاطِمٍ *** وَ مَا أَصْلَحَ الإِسْلامُ مِنْهَا الْجِبَارَهَا

وَ فِي صَدْرِهَا المِسْمَارُ قَدْ ظَلَّ نَابِتاً *** وَ قَدْ لَقِيَتْ مِنْهَا الضُّلُوعُ انْكِسَارَهَا

وَ قَادَتْ عَلِيًّا بِالنَّجَادِ وَ بَأْسُهُ *** لِبِيضِ المَنَايَا السُّودِ سَنَّ شِفَارَهَا

فَلَوْ شَاءَ عَنَّى لِلْوُجُودِ رُسُومَهُ *** بِبَاعِ بِهِ الْأَقْدَارُ تَنْضِي اقْتِدَارَهَا(1)

وَلكِنْ مِنَ المُخْتَارِ رَاعَى وَصِيَّةِ *** فَلَازَمَ حِفْظاً عَهْدَهَا وَ ذِمَارَهَا(2)

بِرَغْمِ الهُدَى الكَرَّارُ أَضْحَتْ تَقُودُهُ *** أُنَاسٌ تَوَلَّتْ فِي الحُرُوبِ فِرَارَها

فَكَيْفَ بُغَاثُ الطَّيْرِ يَفْتِكُ سِرْبُهَا *** بِأَجْدَلَ مِنْهُ الطَّيْرُ تَلْقَى انذِعَارَهَا؟(3)

وَ كَيْفَ عَرِينُ اللَّيْثِ تَجْمَعُ حَوْلَهُ *** تَعَالِبُ مِنْهُ لَمْ تُفَارِقْ نِفَارَهَا؟

إِذَا ثَارَ يَوْمُ الرَّوْعِ أَيْقَظَ عَزْمَةً *** تَكَادُ مِنَ الجَوْزَاءِ تُدْرِكُ ثَارَهَا

وِلادَتُهُ فِي كَعْبَةِ البَيْتِ لَمْ يَنَلْ *** مَنَاطُ الثَّرَيَّا مَجْدَهَا وَ فِخَارَها

وَ تَزْوِيجُهُ فَوْقَ السَّمَاءِ مَحَلُّهُ *** بِسَيْدَة العليا تَوَلَّتْ نِثَارَهَا

فَكَمْ خَطَبَتْ بِنْتَ النَّبِيِّ صِحَابُهُ *** وَ قَدْ عَرَفَتْ إِجْلالَهَا وَ وَقَارَها

بَنِي قَيْلَةٍ قَوْدُ الرَّدَى مَنْ يَقُلُّهَا *** وَ حُمْرُ المَنَايَا مَنْ يُقِيلُ عِثَارَها

وَ شُهْبُ المَعَالِي مَنْ يُنيرُ شِهَابَهَا *** وَ قُضْبُ الدَّوَاهِي مَنْ يَغُلُّ عِرَارَهَا

وَ أَرْحِيَةُ الهَيْجَاءِ مَهُمَا تَسَعَرَتْ *** لَظَاهَا عَلَىٰ هَامَ العِدَىٰ مَنْ أَدَارَهَا؟(4)

أَغَيْرُ أَبِي السُبْطَيْنِ مَنْ بِحُسَامِهِ *** مَشَاعِرُ دِينِ اللَّهِ أَبْدَتْ شِعَارَها؟(5)

ص: 147


1- تنضي: تخلع و تنزع.
2- الذمار: كل ما يلزمك حمايته و حفظه و الدفع عنه.
3- البغاث بتثليث الباء: طائر مائي بطيء الطيران ضعيف و يضرب به المثل في الضعف.
4- أرحية: جمع رحى و هي المطحنة اليدوية. الهيجاء: الحرب. تسعرَّت: اشتعلت.
5- الحسام: السيف.

أَيُعْزَلُ هَارُونٌ وَمُوسَى أَقَامَهُ *** خَلِيفَةَ حَقٌّ وَ المَسَاعِي أَنَارَها؟

وَ يُتْبَعُ كَيْدُ السَّامِرِيِّ وَ عِجْلُهُ *** لَهُ فِتْنَةٌ فِي الغَيِّ أَبْدَتْ خُوَارَهَا(1)

وَ تُدْفَعُ بِنْتُ الوَحْي عَنْ إِرْثِهَا وَ لَمْ *** تَجِدْ أَحَداً مِنْ جَوْرٍ تَيْم أَجَارَها

مُطالِبَةً جَاءَتْ بِإرثٍ بِنَحْلَةٍ *** حَبَاهَا بِهَا المُخْتَارُ وَاللَّهُ خَارَها(2)

وَسَائِلَةٌ عَنْ حَقَّهَا رَدَّهَا الشَّفَا *** مُخَيَّبَةٌ لَمَّا أَبَاحَ انْتِهَارَها

فَهَلْ نَاشِدٌ عَنْ سَوْطِ قُنْفُدَ كَفَّهَا *** غَدَاةَ الْتَوَىٰ بِالضَّرْبِ صَاغَ سِوَارَها؟

أَفَاطِمَةٌ بِالسَّوْطِ يَسْوَدُّ مَتْنُهَا *** وَ أَعْيُنُهَا بِاللَّطْمِ تُبْدِي احْمِرَارَها؟

فَمَا بَرِحَتْ مَسْجُورَةَ القَلْبِ بِالحَشَى *** تُصَوِّبُ مِنْ حُمْرِ الدُّمُوع غِزَارَها(3)

أَقُولُ لِمَنْ هَزَّتُهُ فِي اللَّهِ غَيْرَةٌ *** عَلَى الدِّينِ مَنْ خَيْلُ الضَّلَالِ أَغَارَها

بَنِي الوَحْي فِيكُمْ قَدْ مَلأتُ صَحَائِفاً *** مِنَ المَدْح لايَطْوِي الزَّمَانُ انتِشَارَها

وَ خَيْلُ ثُنَائِي فِي مَضَامِيرٍ مَجْدِكُمْ *** إِلَى الغَايَةِ القُصْوَى خَلَعْتُ عِذَارَها

خَزَنْتُ كُنُوزاً مِنْ وَلَاكُمْ ثَمِينةً *** بِقَلْبِي وَإِنِّي قَدْ حَفِظْتُ ادْخَارَها(4)

ص: 148


1- خوارها: الخوار: صوت البقر.
2- نحلة: مهر.
3- المسجور: المملوء.
4- نقلت من ديوان الحويزي ج 2.

(36) فَمَن المعزي؟

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

مَا بَالُ أَجْفَانِي جَفَتْ سِنَةَ الكَرَى *** تَرْعَى الثَّرَيَّا بَعْدَ مَا رَوَتِ الثَّرَى

هَلْ شَفَّهَا فَتْكُ الرَّدَى بِأَحِبَّةٍ *** كَانُوا لِيَوْمٍ كَرِيهَةٍ أَسْدَ الشَّرَى؟(2)

كَلاً وَلكِنْ قَدْ أَذَالَ دُمُوعَهَا *** يَوْمَ البَتُولِ وَ مَا عَلَيْهَا قَدْ جَرَى

سَاؤُوا أَبَاهَا المُصْطَفَى لَوْ أَنَّهَا *** كَانَتْ لِقَيْصَرَ لَمْ يُسِيثُوا قَيْصَرَا

أَضْحَتْ لِظَّامِيَّةِ الرَّزَايَا مَوْرِداً *** دُونَ الأَنامِ وَ لِلْفَجَائِعِ مَصْدَرَا

أَيُّ الخُطُوبِ الفَادِحَاتِ أَعُدُّهَا؟ *** هَيْهَاتِ جَلَّتْ أَنْ تُعَدَّ وَ تُحْصَرا

إضْرَامُهُمْ نَاراً عَلَيْهَا لَمْ يَرَوْا *** إِحْرَاقَ بَيْتِ الوَحْيِ فِيهَا مُنْكَرا(3)

أَمْ رَضُهَا بِالبَابِ أَمْ إِسْقَاطُهَا *** أَمْ ضَرْبُهَا بِالسَّوْطِ حَتَّى أَثَّرا

تَالِلَّهِ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِوَصِيَّةِ *** الهَادِي لَمَا قَادَ ابْنُ (...) حَيْدَرَا

وَ تَقَاعَسُوا عَنْ نَصْرِ فَاطِمَ مُذْ أَتَتْ *** وَ عَنِ النَّبِيِّ لِسَانُهَا قَدْ عَبَّرا

أنَّتْ هُنَالِكَ أنَّةً أَبْكَتْ بِهَا *** الهَادِي وَ أَبْكَتْ قَبْرَهُ وَ المِنْبَرَا

وَ دَعَتْ فَلَوْ وَعَتِ الجِبَالُ دُعَاءَهَا *** كَادَتْ لِعُظْمِ الخَطْبِ أَنْ تَتَفَطَّرَا(4)

ص: 149


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- شفّها: أهزلها و أوهنها. الرَّدى: الموت. كريهة: شدة الحرب. الشرى: مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل فيقال: هو كأسد الشرى.
3- انظر كتاب سليم بن قيس ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- تتفطر: تنشق. و في البيتين يشير الشاعر إلى خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد و قد ذهبت هناك للمطالبة بحقها علیها السلام في فدك و حق الإمام علي علیه السلام بالخلافة. انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص131-132.

هَلْ أَهْلُ بَيْتٍ غَيْرُنَا قَدْ أَذْهَبَ *** الأَرْجَاسَ عَنْهُمْ رَبُّهُمْ أَوْ طَهَّرا(1)

إِنَّ النُّبُوَّةَ وَ الخِلافَةَ بُرْدَةٌ *** فِيهَا المُهَيْمِنُ خَصَّنَا دُونَ الوَرَى

كَذَّبْتُمُ البَارِي بِنَا وَ رَوَيْتُمُ *** فِي غَصْبٍ مِيرَاثِي حَدِيثاً مُفْتَرَى(2)

وَ كَذَاكَ كَذَّبْتُمْ شَهَادَة حَيْدَرٍ *** جَهْراً وَ كَذَّبْتُمْ شَبِيرَ وَ شُبَّرَا(3)

إِنْ تُنْصِفُوا فَائلُوا الكِتَابَ فَإِنَّكُمْ *** سَتَرَوْنَهُ عَنْ أَرْضِ يَحْيَى مُخْبِرَا(4)

ص: 150


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول آية التطهير في أهل البيت علیهم السلام. انظر صحيح الترمذي ج2 ص209، و مشكل الآثار للطحاوي ج1 ص335، و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12، كما في كتاب فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج1 ص271. و ذكره العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى غصب فدك و افترائهم حديث «إنا معاشر الأنبياء لانورث». انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل. و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232.
3- شبر و شبير: الحسن و الحسين علیهما السلام و الظاهر أن شبر و شبير هي أسماؤهما باللغة العبرية.
4- في هذا البيت إشارة إلى إحتجاج الزهراء علیها السلام في خطبتها في المسجد على أبي بكر في إرث يحيى و سليمان علیهما السلام ففي كتاب الاحتجاج ج1 ص138 ضمن خطبة الزهراء علیها السلام «يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً أفعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «و ورث سلیمان داود» النمل الآية 16 و قال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة مريم الآية 6]. و قال «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» [سورة الأنفال آية : 75]. و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [سورة البقرة الآية : 180]. و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها، أم هل تقولون إن أهل ملتين لايتوارثان أفلست؟ أنا و أبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي ؟ .. الخ كلامها علیها السلام.

هَذَا وَ إِنِّي لَمْ أَسَلُكُمْ حَاجَةً *** بَلْ كَيْ أَدُلَّ عَلَى الهُدَى المُتَبَصِّرَا

ثُمَّ انْثَنَتْ عَبْرَىٰ تَجُرُّ رِدَاءَهَا *** تَحْكِي بِمِشْيَتِهَا البَشِيرَ المُنْذِرَا(1)

مَا شَأْنُهَا غَيْرُ البُكَاءِ وَ مُذْ قَضَتْ *** شَقَّتْ عَلَيْهَا جَيْبَهَا أُمُّ القُرَى؟

فَمَنِ المُعَزِّي لِلرَّسُولِ بِبَضْعَةٍ *** أَوْصَى بِهَا وَ مَنِ المُعَزِّي حَيْدَرَا؟(2)

وَ المُقْرِحُ الأَجْفَانَ وَ المُدْمِي لَهَا *** وَ المُودِعُ الأَحْشَاءَ وَجْداً مُسْعَرا

يَوْمَ الوَدَاعِ وَضَمُّهَا أَبْنَاءَها *** يَا لَيْتَهَا عَلِمَتْ عَلَيْهِمْ مَا جَرَى

يَا لَيْتَهَا نَظَرَتْ حَرَائِرَهَا وَ قَدْ *** سِيقَتْ عَلَى عُجْفِ المَطَايَا حُسَّرا(3)

وَ رُؤُوسُ فِتْيَتِهَا بِأَطْرَافِ القَنَا *** كَالشُّهْبِ بَلْ كَانَتْ أَشَعَّ وَ أَنْوَرا

وَ إِمَامُهَا يَتْلُو الكِتَابَ أَمَامَهَا *** فَوْقَ السِّنَانِ مُهَلّلاً وَ مُكَبِّرا

صَبْراً بَنِي الهَادِي عَلَى مَا نَابَكُمْ *** مِنْ مُعْظَمِ الأَرْزَاءِ مِمّا قُدْرَا

فَلَسَوْفَ يَبْرُغُ مِنْ سَمَاءِ عُلَاكُمُ *** قَمَرٌ إِذَا دَجَتٍ الغَيَاهِبُ أَسْفَرَا(4)

وَ كَأَنَّ فِيهِ السَّابِحَاتِ لَدَى الدِّمَا *** سُفُنْ تَشُقُ مِنَ الزَّوَاخِرِ أَبْحُرا

فَمَتَى نَرَى جِبْرِيلَ فِي أُفْقِ السَّمَا *** بِطُلُوعِ مُبْدِي الحَقِّ بَاتَ مُبَشِّرا؟(5)

ص: 151


1- انثنت: انعطفت. تحكي: تشابه. و في البيت إشارة إلى صفة الزهراء علیها السلام في المشي و شباهتها لمشي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص131-132. و ذكره أحمد بن حنبل في مسنده ج6 ص282 قال: عن عائشة. قالت: أقبلت فاطمة «سلام الله عليها» تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثاً ... الخ الحديث. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وصايا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام. انظر تفسير الفخر الرازي الكبير ج27 ص166. و الترمذي ج5 ص699 . و البحار ج43 ص54.
3- عجف: ضعاف غیر سمان. حُسَّر: متعبات.
4- دجت: أظلمت. الغياهب: الظلمات. أسفر: أضاء.
5- ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ص42.

(37) واحة الطهر

(بحر الكامل)

اأستاذ عبد الرحمن العلوي

زهراءُ يا ثغرَ الوجودِ و نغمة *** الآيِ الكريم و نفحةَ الأسحارِ

زهراءُ يا بنتَ الرسالة لم تزل *** نوراً يضيء مسالك الثوارِ

زهراءُ يا حُلُماً يدغدغ أفؤِداً *** تبغي الحياة بعزة و فخارِ(1)

زهراءُ يا رمزَ العفافِ و صفوة *** الطهرِ النصيعِ و كعبةَ الأبرارِ

يا لهجةَ الصدقِ التي دوّت *** و لا زالت تدوّي في الحِمى و الدارِ

يا عنفوانَ المكرَماتِ و ثورةً *** تأبى الخمود على مدى الأعصارِ

يا مصدَر الحبِّ الكبيرِ و منبعَ *** الفضلِ العميمِ و مخزنَ الأسرارِ

يا فرقَد المجدِ السنيِّ و كوكبَ *** الشرفِ الرفيع و روضةَ الزوّارِ(2)

يا دوحة الدينِ التي لم يُثنِها *** موجُ الخطوبِ و فورةُ الأعصارِ

***

زهراءُ يا بنتَ النبي و أُمَّه *** عنداشتدادِ الكَربِ و الأخطارِ

للَّه دَرُّك منِ مِلاكٍ لم يزَل *** يَطوي الزَمانَ مكللاً بالغارِ

يجتث أدغالَ الدروبِ و شوکَها *** و يقارعَ الأفكارَ بالأفكارِ

و يَهزّ للجور المُقيتِ صروحَه *** و يدكُ أسواراً من الأوزارِ

ص: 152


1- أفؤاداً: جمع فؤاد، و هو القلب.
2- السني: من السنا و هي الرفعة.

و يحطمُ الحقدَ الدفينَ بأنفُسٍ *** دُقّت بها الأحقادُ كالمسمارِ

يا فلذة الكبدِ الرحيم و عبقَة *** الخُلقِ العظيمِ و سلوةَ المختارِ

يا بضعةَ الرجلِ الذي شهدت له *** الأكوانٌ بالإخلاصِ و الإيثارِ

فانصاعَ للربّ العظيمِ ملبّياً *** و ممزّقاً للجهلِ كلّ إزارِ

و محطّماً زمرَ الضلال و غيَّها *** و مبشّر الدنيا بضوء نهارِ

يا زوجةَ الشهمِ الذي ما غيّرت *** منهُ الصعاب سياسة الإصرارِ

ذاك الذي عاشَ الحياةَ مكافحاً *** و مجاهداً لله دون شعارِ

قد أخلص القلبَ الكبيرَ لخالقِ *** لم يثنه وطرٌ من الأوطارِ

أُمّ الزكيِّ الناصِح العلم الذي *** للفضل كان كروضةٍ معطارِ

غالته أيدٍ حاقداتُ و ألسنٌ *** قد حاربتهُ بكاذب الأخبارِ

لكنه الجبل الأشمُّ لم تنلْ *** منه السهام و نشبة الأظفارِ

أُمَّ الحسين و مصنع السبطِ الذي *** رفضَ الحياةَ بذلةِ و شنارِ

فاستلَ سيفَ الانقضاض و قال لا *** للبغيِّ لا للضيم لا للعارِ

لولاكِ ما كان الحسينُ و ثورةٌ *** خَلُدت فصارت منهجَ الأحرارِ

يا أمَّ زينب إذ تحوَّل صوتُها *** يومَ الطفوفِ كصارم بتّارِ

بترت بهِ الجورَ الذي قَتلوا به *** سبطَ النبي و صفوةَ الأَنصارِ

کشفتْ قَناع الزيفِ و الكذبِ الذي *** خدعوا به الجُهَّالَ في الأمصارِ

قد أعلنتها ثورةً هدّارةً *** ضدَّ الطغاةِ و عسكرِ الفجّارِ

زهراءُ يا خيرَ النساء و خيرَ من *** يهدي النساءَ لعفَّةٍ و وقارِ

يا شمسَ دنيا الخيّراتِ و مطلعَ *** الفجرِ البهيّ و قدوةَ الأخيارِ

أنت البتولُ و واحةُ الطُهر التي *** تَروي الظِماء بفكرها المدرارِ

و تعمّقُ الورّعَ المليحَ بأنفسٍ *** سئمت حياةَ الرجس و الأقذارِ

و تعلَّم الأجيالُ إن نجاحَها *** في اقتحام الليلِ و الأسوارِ

و الانعتاقِ من الرُّكونِ لزمرةِ *** الشيطانِ و الطاغوتِ و الدينارِ

ص: 153

و الانتفاضِ على الفساد و واقعٍ *** مرّ سقيمٍ مضمحلٍ هاري(1)

و الانقضاضِ على الذِئاب و رمِيهاً *** في سلّة اللعنات و الأوضارِ

كي ينقضي عهدُ الظلام و تنطوي *** صفحاتُ ليلٍ دامس و إسارِ

***

يابنةَ القرآنِ هيا فابشِري *** بزَوالِ عهدٍ حالكٍ منهارِ

فالعهدُ عهدُ المسلمين، قد انتهى *** عهدُ الطغاةِ و لعبةَ الأدوارِ

العصرُ عصرُ الفارضين وجودَهم *** رغمَ الحرابٍ و شدّةِ التيارِ

اليومُ يومُ الواهبين صدورَهم *** و المشترين النصرَ بالأعمارِ

اليومُ يومُ الثائرين و إن غفَت *** بعضُ العيونِ على صدى الأوتارِ

الوقتُ وقتُ الباذلين دماءَهم *** من أجلِ نشرِ الخيرِ و الإعمارِ

فاليومَ دوّت في الوجودِ رسالةٌ *** ستظل رغمِ الحاقد المهذارِ(2)

ستعبّدُ الدربَ القويمَ لأمةٍ *** تأبى الرضوخ لحاكمَ دعارِ(3)

ص: 154


1- هاري: من الإهتراء، أي التمزّق.
2- المهذار: الكثير الكلام.
3- دعّار: فاسد.

(38) وليدة بيت الوحي

(بحر الطويل)

السيد عبد الرؤوف الأمين(*)(1)

أَظلَّتْ عَلَى الدُّنْيَا بِطَلْعَتِهَا الغَرا *** وَلِيدَةُ بَيْتِ الوَحْيِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

كَإِطْلالَةِ الفَجْرِ المُدِلِّ بِنُورِهِ *** وَ كَمْ سَاهِرٍ فِي الحَيِّ يَرْتَقِبُ الفَجْرَا

وَ بَشَّرَ فِيهَا الوَحْيُ عِنْدَ نُزُولِهِ *** وَ بَاهَى بِهَا جِبْرِيلُ مُذْ جَاءَ بِالْبُشْرَى

ص: 155


1- (*) هو السيد عبد الرؤوف ابن السيد علي ابن السيد محمود الأمين. و آل الامين من الأسر العلوية المعروفة في لبنان ذات المجد الأثيل و العزة و المنعة و قد أنجبت العديد من العلماء و الادباء و الشعراء و من أعلام هذه الاسرة الكريمة العالم الجليل السيد محسن الامين فإن حياته كلها عطاء سخي حيث أتحف المكتبة الاسلامية بكتب قيمة أشهرها الموسوعة الكبرى (أعيان الشيعة) و آثار أخرى لامجال لذكرها، و منهم الاستاذ السيد حسن الامين الذي حذا خلف والده المعَّظم و خدم المكتبة الثقافية بعطائه الفكري و من آثاره (مستدرك أعيان الشيعة) و (دائرة المعارف الشيعية) و غيرها، و أعلام آخرین. ولد المترجَم له في جنوب لبنان في قرية (شقراء) جبل عامل سنة (1318 ه_) فنشأ فيها نشأته الأولى بعد أن درس مقدمات العلوم و المعارف كالنحو و الصرف على بعض الاساتذة هناك ثم هاجر إلى العراق و استقر في النجف الأشرف و أكمل دراسته هناك، و تولى المترجَم له التدريس في الناصرية بالعراق ثم اشتغل مفتشاً في وزارة التربية الوطنية في لبنان ثم في وزارة الشؤون الاجتماعية و كان من الأوائل الذين أخذوا يجددون في الشعر العاملي سواء في موضوعاته أو اسلوبه أو أهدافه فنظم في الامور الاجتماعية و السياسية و الوطنية و غير ذلك. له ديوان شعر باسم (العواطف الثائرة). و افاه الاجل المحتوم سنة (1390 ه_) في بيروت و نقل جثمانه إلى جنوب لبنان و دفن في قرية (الصوانة).

فَأَشْرَقَ بِالنُّورَيْنِ بَيْتُ خَدِيجَةٍ *** فَنُورٌ مِنَ الكُبْرَى وَ نُورٌ مِنَ الصُّغْرَى

وَ قَدْ نَشَأَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** مُبَارَكَةً إِسْماً مُعَطَرَةً ذِكْرا

وَ مَنْ كَانَ يَدْعُوهَا البَتُولَ طَهَارَةً *** كَمَا دُعِيَتْ مِنْ قَبْلِهَا مَرْيَمُ العَذْرَا(1)

وَ زَوَّجَهَا مِنْ صِنْوِهِ وَ ابْنِ عَمْهِ *** فَأَعْظِمْ بِهَا زَوْجاً وَ أَعْظِمْ بِهِ صِهْرا!(2)

عَلِيٌّ أبوالسِّبْطَيْنِ أَفْصَحُ مَنْ رَقَا *** ذُرَى مِنْبَرٍ أَوْ خَطَ فِي صَفْحَةٍ سَطْرا

وَ أَمْضَى سَيُوفِ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ *** بِهِ الفَارِسُ المِغْوَارُ مِنْ هَلَع فَرَّا(3)

فَسَلْ عَنْهُ أَحْداً وَ النَّضِيرَ وَ خَيْبَراً *** وَ إِنْ شِئْتَ إِدْرَاكَ اليَقِينِ فَسَلْ بَدْرا

وَ سَلْ عَنْهُ عَمْراً وَ الوَلِيدَ وَ عُتْبَةً *** وَ مَنْ صُرِعُوا فِي سَيْفِهِ فَهُمُ أَدْرَى

وَ مَنْ حَضَنَ الإِسْلاَمَ بَعْدَنَبِيِّهِ *** كَمَا تَحْضُنُ الطَّيْرَ الَّتِي تَسْكُنُ الوَكْرَا

حَمَاهُ كَمَا تَحْمِي الأُسُودُ عَرِينَهَا *** مِنَ الكُفْرِ بَلْ قَدْ كَانَ مِنْ أَسَدٍ أَضْرَى

شَرَى فِي سَبِيلِ اللهِ نَفْساً أَبِيَّةً *** وَ عَاهَدَهَا أَنْ لَاتُبَاعَ وَ لَاتُشْرَى

فَيَا لِدَةَ الإِسْلامِ وَ البَضْعَةَ الَّتِي *** بِهَا أَوْدَعَ اللَّهُ القَدَاسَةَ وَ الطُّهْرَا

وَ أُمُّ الإِمَامَيْنِ الشَّهِيدَيْنِ مَنْ هُمَا *** أَجَلُّ وَ أَعْلَى النَّاسِ فِي نَسَبٍ قَدْرَا

«لَكِ اللَّهُ مِنْ مَفْجُوعَةٍ بِحَبِيبِهَا» *** تَشُمُّ تُرَابَ القَبْرِ مِنْ لَهْفَةٍ عِطْرَا

هَلُمَّ إِلَى التَّارِيخ نَسْبُرُ غَوْرَهُ *** وَ نُوْسِعُهُ بَحْثاً وَ نُعْلِنُهُ جَهْرا(4)

أمَا رُوِّعَتْ فِي بَيْتِهَا يَوْمَ حُزْنِهَا *** أَمَا حُرِمَتْ إِرْنَا أَمَا دُفِنَتْ سِرا؟(5)

ص: 156


1- انظر كتاب ينابيع المودة، ج1 ص310 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال: نقصان.
2- صنوه: الصنو الأخ الشقيق.
3- المغوار: كثير الغارة. هلع: جزع.
4- نسبرغوره: نمتحن غوره أو سره لنعرف مقدارة.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس، أخرجها إلى البقيع ليلاً. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 عن غصب إرثها ورد دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وَ مَا وَرِثَتْهُ عَنْ أَبِيهَا وَ أُمِّهَا *** سَمَتْ وَ تَعَالَتْ فِيهِ عَنْ «فَدَكِ» قَدْرَا

«لِسِرِّ مِنَ الأَسْرَارِ لَاتَجْهَلُونَهُ» *** أُسِيءَ لَهَا لاَ بَلْ أُرِيدَ بِهَا شَرَّا

وَ قَدْ نَسَبُوا القُرْبَى إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا *** وَ مَنْ وَلَدَ «الزَّهْراء» لَمْ يَلِدِ «الحَمْرَا»

وَ مَنْ أَغْضَبَ الحَوْرَاء بِنْتَ نَبِيْهِ *** فَلَيْسَ بِمَعْدُورٍ وَ إِنْ حَاوَلَ العُذْرَا(1)

ص: 157


1- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.

(39) تعلم ما جرى

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)

أَيُنْحِفُنِي ثَغْرُ انْتِظَارِكَ فِي البُشْرَى *** وَ قَدْ بَاعَدَ اللَّيْلُ الطَّوِيلُ لِي الفَجْرَا

وَ إِنِّي أَسِيرٌ وَ الهَوَى سَاقَ مَحْمَلِي *** إِلَى بَيْتِكَ السَّامِي القِبَابِ بِسَامُرَّا

فَوَاللَّهِ لاَ هَمَّ كَهَمِّكَ مُدْنِفِي *** فَأَرْبَكَ حَالِي بَعْدَ أَنْ أَذْهَلَ الفِكْرَا!

لَوَاعِجُ أَشْجَانِي اشْرَأَبَّ دَفِينُهَا *** فَأَكْتُمُهَا طَوْراً وَ أُظْهِرُهَا أُخْرَى(2)

يَقُولُونَ لِى صَبْراً فَقُلْتُ مَكَانَكُمْ *** وَ هَلْ تَرَكَتْ نَارُ التَّغَرُّبِ لِي صَبْرَا

فَلَيْلِي طَوِيلٌ وَ انْتِظَارُكَ قَاتِلِي *** وَ بَيْنَهُمَا لاَزِلْتُ أَحْتَمِلُ الجَمْرَا

أهِيمُ اشْتِيَاقاً عَلَّنِي أَبْلُغُ المُنَى *** إِلَى ذِي طُوَى لِلحِجْرِ للكَعْبَةِ الغَرَّا

أَفِي أَرْضِ رَضْوَىٰ أَمْ بِحَزْوَىٰ وَ سَهْلِهَا *** أَمِ الخَيْفِ خَافٍ رَهْنَ غَيْبَتِكَ الكُبْرَىٰ؟

بوَادِي قبا أَمْ بِالعَقِيقِ وَ طَيْبَةٍ *** تُرَى يَا لَعَمْرِي قَدْ تُرقُ لَنَا البُشْرَى؟

***

إلامَ رَهِينُ الصَّبْرِ يَا بْنَ مُحَمَّدٍ *** حَنَانَيْكَ يَا بْنَ الطُّهْرِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا؟

أَمِط حُجُبَ الأَسْتَارٍ ثَوْرُ غُبَارَهَا *** وَ عَاجِلْهُمُ فِي الثَّارِ ذَكَرْهُمُ بَدْرا(3)

وَ خَاطِبْهمُ يَا فَخَرَ هَاشِمَ بِالقَنَا *** وَ رَوِّ بِهِمْ بِيضَ الصَّفَائِحِ وَ السُّمْرَا(4)

ص: 158


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- لواعج: جمع لاعج و هو الهوى المحرق.
3- أمط: أماط لثامه: أزاله. ثوَّر: حرّك.
4- القنا: جمع قناة و هي الرمح الصفائح جمع صفيحة و هي وجه السيف. السمر: الرماح.

وَ ذَكَرْهُمُ بِالطُّهْرِ فَاطِمَةَ الَّتِي *** دَعَوْهَا مِنَ الأَشْجَانِ تَسْتَمْرِىءُ المُرَّا(1)

فَأَنْتَ وَلِيُّ الأَمْرِ تَعْلَمُ مَا جَرَى *** عَلِيمٌ خَبِيرٌ خَيْرُ مَنْ عَرَفَ الأَمْرَا

وَلكِنَّمَا لِلصَّبْرِ حَدٌ وَ إِنْ يَكُنْ *** بِصَدْرِكَ صَبْرٌ... مُسْتَمْكِناً وَكْرَا

فكَمْ كَانَ لِلَّهِ الدَّوَائِرُ وَ الرَّدَى *** عَلَى أُمَمٍ قَامَتْ تُحَارِبُهُ جَهْرَا(2)

فَهَلْ أَنَّهُمْ أَدْنَى مِنَ القَوْمِ بَعْدَ أَنْ *** أَذَاقُوا ابْنَةُ الهَادِي المَصَائِبَ وَ القَهْرَا

قَدِ اسْتَوْحَدُوهَا وَ الوَصِيُّ مُقَيَّدٌ *** وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوصَى لَعَاجَلَهُمْ كَرَّا

وَ لَنْ يَجْرَعَ المَحْتُومُ كَأَسَاً مُصَبَّراً *** وَعَايشَ الأماً مُفَتْنَةً تَتْرَى(3)

جُفَاةٌ عَلَى قُطبِ الرَّحَى قَدْ تَأَلُّبُوا *** وَ كَانَ بِعَيْنِ اللَّهِ مَا جَرَعَ الصَّبْرَا

أَمَامَ عَلِيٍّ حَاصَرَ البَيْتَ جَمْعُهُمْ *** وَ قَدْ أَمَرَ الخَطَّابُ فِي النَّارِ أَنْ تُذْرَى

فَلاَذَتْ وَرَاءَ البَابِ ابْنَةُ أَحْمَدٍ *** فَشَدُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ أنْ أرْعِبَتْ ذُعْرَا

فَمَا آنَ حَتَّى هَشَّمَ القَوْمُ ضِلْعَهَا *** وَ لَمَّا يُرَاعُوهَا وَ قَدْ رَوَّعُوا الطُّهْرَا

***

أَمَا آنَ أَنْ تَدْعُو لأمْكَ مُغْضَباً *** لِمَاذَا جَعَلْتُم فَاطِماً تَشْتَكِي الضُّرّا؟(4)

أَمَا آنَ أَنْ يَعْلُو لِوَاؤُكُمُ عَلَى *** رُبوع الدُّكَا بِالعَدْلِ مُؤتَلِقاً فَخَرَا؟

وَ تَدْعُو بِثَارَاتِ الظَّلِيمَةِ هَاتِفاً *** لِمَاذَا وَسِعْتُم ضِلْعَ فَاطِمَةٍ كَسْرَا؟

لِمَاذَا دَعَتْ خَلُوا ابْنَ عَمِّى وَ اتْرُكُوا *** عَلِيًّا وَإِلاَّ لِلدُّعَا أَكْشِفُ الشَّعْرَا؟(5)

لِمَاذَا أُهينَتْ بِالسِّبَاطِ وَ وَلْوَلَتْ *** وَ كَانَ لِضَرْبِ السَّوْطِ عَيْنٌ لَهَا حَمْرَا؟

وَ مِنْ بَعْدِ ذَاكَ الصَّبْرِ لَمْ يَتْرُكُوا لَهَا *** ضَرِيحاً وَ لَمْ يَسْتَهِدِ زَائِرُهَا قَبْرا

فَوَاللَّهِ يَا بْنَ الطَّاهِرِينَ وَيَا بْنَ مَنْ *** مَدَى الدَّهْرَ يَبْقَىٰ خَيْرَ دَاعِ إِلَى الْأُخْرَىٰ

ص: 159


1- تستمرىء: تأكل و تجده مريئاً.
2- الردَّى: الموت، الفناء. جهراً: علانية.
3- تترى: تتتابع.
4- الضُّر: الأذى.
5- الدُّعا: الدعاء.

مَصَائِبُكُمْ لَوْ فِي الْجِبَالِ لَدَكْدَكَتْ *** وَ أَعْظَمُهَا تَأْخِيرُ حَيْدَرَ مُضطرَّا(1)

وَ تَقْدِيمُ قَوْمِ لَمْ يُسَاوُوا لِقَنَّبَرٍ *** نِعَالاً بِهِ قَدْ كَانَ يَزْدَلِفُ الأَجْرَا

وَ تَرْكُهُمُ بَيْتَ النُّبُوَّةِ مُوصَداً *** وَ جَعْلُهُمُ سَاحَاتِ شَرْعِكُمُ قَفْرَى(2)

***

أَلاَ أَيُّهَا المَوْتُورُ ظُلْماً إِلَى مَتَى *** حُسَامُكَ لَمْ يُشْهَرْ أَمَا تُدْرِكُ الوَتْرَا؟(3)

أتَتْرُكُ مَا ذَاقَ الجَنِينُ وَ أُمُّهُ *** وَ مِنْ بَعْدُ هَذِي الْأَرْضُ قَدْ مُلِئَتْ جَوْرا

وَدَعْ عَنْكَ مَا ذَاقَ الحُسَيْنُ بِكَرْبَلاً *** وَ فِتْيَانُهُ فِي أَرْضِهَا جُزْرُوا جَزْرا(4)

ص: 160


1- دكدكت: دك البناء: سوّاه بالارض.
2- قفرى: خالية.
3- الوتر: الثأر.
4- جُزُروا: جزر الشيء: قطعه، و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(40) الزهراء علیها السلام في القرآن

(بحر الوافر)

الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)

سَأَدْعُو اللَّهَ لَوْ جِئتُ إِلَى الحَشْرِ *** وَ أَشْكُو لَوْعَةَ المِسْمَارِ فِي صَدْرِيْ

***

أَلاَ يَا رَبِّ احْكُمْ أَنْتَ يَا جَبَّارْ *** هُنَا فِي الحَشْرِ فِيمَنْ يَحْمِلُ الأَوْزَارْ

لِمَاذَا أَنْبَتُوا فِي صَدْرِيَ المِسْمَارْ *** لِتَغْسِيلِي دِمَائِي نَزْفُهَا يَجْرِي

***

دَعَاهُمْ وَالِدِي فِي مُحْكَمِ القُرآنْ *** وَ أَوْصَاهُمْ بِنَا بِالبِرِّ وَ الإِحْسَانْ

فَلَمَّا رَاحَ عَنَّا أَشْعَلُوا النِّيرَانْ *** وَ فِي ظُلْمِ وَ جَوْرٍ أَحْرَقُوا خِدْرِي

***

إِلَيْكَ المُشْتَكَى مِنْ عُصْبَةِ الجَهْلِ *** وَ حُزْنِي لَمْ يَزَلْ مِنْ ظُلْمِهِمْ يَغْلِي

فَفِي عَيْنِي أَمَامِي قَدَّمُوا بَعْلي *** وَ فِي الصَّبْرِ وَصَاهُ فِي الصَّبْرِ

***

وَرَاءَ المُرْتَضَى فِي وَضْعِيَ المُدْنَفْ *** مِنَ البَلْوَىٰ لِرَأْسِي كِدْتُ أَنْ أَكْشِفْ(2)

ص: 161


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المدنف: المريض.

فَنَادَى حَيْدَرٌ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُكْتَفْ *** أُجَرِّعُهُمْ كُؤُوسَ المَوْتِ فِي ذُعْرِ

***

أَبُوكِ جَاءَ لِلإِسْلامِ لِلرَّحْمَهْ *** أَلأَ يَا فَاطِمٌ مَا مَصْدَرُ العِصْمَهْ

فَلَا تُكْوَى وَ حَاشَاكَ مِنَ النِّقْمَهْ *** وَ إِنْ كَالُوا عَلَيْنَا الصَّبْرَ بِالغَدْرِ

***

صَبَرْنَا يَا إِلهِي فِي رَزَايانا *** وَ فِي عَيْنَيْكَ سَامَتْنَا رَعَايَانا

وَ ظُلْماً نَصَّبُوا لِلْحُكُم شيطانا *** يَسُوسُ النَّاسَ بَيْنَ الظُّلْم وَ الجَوْرِ(1)

***

مِنَ البَدْءِ لَقَدْ أَحْسَنْتَ بِي صُنْعَا *** وَ نُورٍ فِي جَبِينِ المُصْطَفَى يَسْعَى

فَيَا رَبِّي أَتَرْضَى أَسْكُبُ الدَّمْعَا *** وَ مِنْ حُزْنٍ لِحُزْنٍ طُلْتَ بِالعُمْرِ

***

بِمَا عَظَمْتَ شَأْنِي أَيُّهَا البَارِي *** وَ مَا بَوَّأْتَنِي فِي بَحْرِ أَسْرَارِي(2)

ألا إلَى مَنْ ضَامَنَا أَدْخِلْهُ فِي النَّارِ *** وَ لاَ تَرْحَمْهُ يَا جَبَّارُ مِنْ حَرِّ(3)

***

هُنَاكَ الطُّهْرُ عِنْدَ الحَشْرِ وَ المَفْزَعْ *** أَمَامَ الخَلْقِ فِي آيَاتِهَا تَطْلَعْ

صنيعَةُ رَبِّنَا فِي ظِلِّهِ تَشْفَعْ *** لأهْلِ الصَّبْرِ فِي أَمْنِ مِنَ الضُّرِّ

***

أَنَا الزَّهْرَاءُ فِي القُرآنِ وَ السُّنَّهْ *** أَنَا القُرْبَى وَ أَجْرُ الصَّبْرِ فِي المِحْنَهْ

بِنَا الفَوْزُ إِلَى الرِّضْوَانِ وَ الجَنَّهْ *** إِلَيْهَا تَدْخُلُ فِي رَفْرَفٍ خُضْرِ

ص: 162


1- يسوس الناس: من السياسة، أي يسيِّس الناس.
2- بوّأتني: أقمتني.
3- ضامنا ظلمنا و قهرنا. و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(41) يا سلوة الكرار

(بحر الرّمل)

السيد عبد الصاحب الموسوي

يَا آيةَ الرَّحمنْ *** يَا مَرْكَزَ الإِيمَانْ

يَا بَضْعَةَ المُخْتَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

أَنْتِ رَمْزُ لِلْمَعَالِي *** وَ المَعَالِي فِيكِ تَشْهَدْ

أَنْتِ نِبْرَاسٌ مُضِيءٌ *** فِي سَمَاءِ المَجْدِ فَرْقَدْ(1)

أَنْتِ عِلْمٌ أَنْتِ حِلْمٌ *** أَنْتِ فَخْرٌ لَيْسَ يَنْفَدْ(2)

أَنْتِ لِلْعَلْیَاءِ أُمٌّ *** أَنْتِ نُورٌ مِنْ مُحَمَّدْ(3)

ص: 163


1- نبراس: مصباح. فرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به.
2- لعل البيت يشير إلى علمها علیها السلام. ففي كتاب (مناقب آل أبي طالب) لابن شهر آشوب ج3 ص321 (مؤسسة انتشارات علامة. قم) «وإن الله «تعالى» أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء: التوبة لحواء زوجة آدم، و الجمال لسارة زوجة ابراهيم و الحفاظ لرحيمة زوجة أيوب و الحرمة لآسية زوجة فرعون و الحكمة لزليخا زوجة يوسف و العقل لبلقيس زوجة سليمان و الصبر البرحانة أم موسى و الصفوة لمريم أم عيسى علیه السلام و الرضا لخديجة علیها السلام زوجة المصطفى صلي الله علیه و اله و سلم و العلم لفاطمة علیها السلام زوجة المرتضى علیه السلام.
3- جاء في هذا المعنى عدة روايات تذكر أن الزهراء علیها السلام هي نور من محمد صلي الله علیه و اله و سلم نذكر منها ما جاء في كتاب (دلائل الإمامة للطبري) ص59 الطبعة الثالثة (منشورات) الرضي. (قم). «عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم قال: إن الله «تعالى» خلقني صلي الله علیه و اله و سلم و علياً علیه السلام و فاطمة علیها السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام. قلت: فأين كنتم يا رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم؟ قال: قدَّام العرش نسبُح اللَّه و نقدّسه و نحمده قلت: على علیه السلام أي مثال؟ قال: أشباح نور حتى إذا أراد الله أن يخلق صورنا صيَّرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمهات، لايصيبنا بخس الشرك و لاسفاح الكفر يسعد بنا قوم و يشقى آخرون فلما صيَّرنا إلى صلب عبدالمطلب أخرج ذلك النور فشقَّه نصفين فجعل نصفه في عبدالله و نصفه في أبي طالب ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة بنت وهب، و النصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة و أخرجت علياً علیه السلام فاطمة علیها السلام، ثم أعاد «عزوجل» العمود إليَّ فخرجت مني فاطمة علیها السلام و أعاده إلى علي فخرج الحسن و الحسين علیهما السلام يعني من النصفين جميعاً، فما كان من نور علي صار في ولد الحسن علیه السلام و ما كان من نوري صار في ولد الحسين علیه السلام فهو ينتقل في الأمة من ولده إلى يوم القيامة».

يَا مُنتَدَى الإِحْسَانْ *** يَا زَهْرَةَ الأَكْوَانْ

يَا قُدْوَةَ الأَبْرَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

كُنْتِ نُوراً مَعْ أَبِيكِ *** مُحْدِقاً بِالعَرْشِ مُشْرِقْ

ثُمَّ فِي قَوْسِ النُّزُولِ *** فِي جَبِينِ الدَّهْرِ يُبْرِقْ

كُلُّ مَا فِي الكَوْنِ أَضْحَى *** حَائِراً بِالرَّأْس مُطْرِقْ

أَنْتِ نُورُ اللَّهِ حَقاً *** بِالعُلَى وَ الفَضْلِ مُحْدِقْ(1)

يَا خِيرَةَ النُّسْوَانْ *** يَا مَظْهَرَ القُرْآنْ

يَا زُبْدَةَ الأَخْيَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

أَنَتِ يَا أُمَّ أَبِيهَا *** صِرْتِ لِلأَجْيَالِ أُمّا(2)

فَسَقَيْتِ الكَوْنَ طُرّاً *** مِنْ مَعَانِي الفَضْلِ عِلْما

وَ نَشَرْتِ الخَيْرَ نَشْراً *** وَ رَسَمْتِ المَجْدَ رَسْمَا

وَ سَبَقَتِ النَّاسَ فَضْلاً *** ثُمَّ إِحْسَاناً وَ حِلما

ص: 164


1- محدق: محيط.
2- جاء في هذا المعنى عن (مقاتل الطالبيين) ص29 (الطبعة الثانية سنة (1405 ه_) (الشريف الرضي) و (تهذيب التهذيب) للعسقلاني ج12 ص440 ط/ دار صادر بيروت: (فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام.)

يَا دُرَّةَ النيجَانْ *** يَا مَلْجَأَ الحَيْرَانْ

يَا بَلْسَمَ الأَفْكَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

قَدْ عَبَدْتِ اللَّهَ سِرَّاً *** قَدْ عَبَدْتِ اللَّهَ جَهْرا(1)

قَدْ مَلَاتِ الكَوْنَ عِلماً *** ثُمَّ إِحْسَاناً وَ فَخْرَا

قَدْ أَنَرْتِ الدَّرْبَ حَقَّاً *** وَ دَحَرْتِ الظُّلْمَ دَحْرا(2)

قَدْ سَمَوْتِ المَجْدَ طُرَّاً *** وَ نَصَرْتِ الحَقَّ نَصْرَا

يَا مَصْدَرَ البُرْهَانْ *** يَامُنْتَهَى التَّبْيَانْ

يَاقُرَّةَ الأَبْصَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

أَنْتِ سِرُّ اللَّهِ فِينَا *** أَنْتِ في الآفَاقِ شَمْسُ

أَنْتِ لِلأَنْوَارِ أَصْلٌ *** أَنْتِ لِلمُخْتَارِ نَفْسُ(3)

أَنْتِ لِلأَحْرَارِ نَهْجٌ *** لَكِ فَخْرٌ لاَ يُمَسُّ

أَنْتِ لِلْكَرَّارِ کُفْوٌ *** أَنْتِ لِلْكَرَارِ أُنْسُ(4)

ص: 165


1- في كتاب إحقاق الحق ج10 ص261 عن «ربيع الأبرار» للعلامة جار الله أبوالقاسم محمود بن عمر الزمخشري الحنفي ص195 مخطوط ما يشير إلى أن الزهراء علیها السلام كانت أعبد الأمة. فقد روي عن الحسن أنه قال: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام، كانت تقوم حتى تتورّم قدماها».
2- دحرت: طردت. أبعدت.
3- لعله أراد من هذا المعنى ما جاء في كتاب «عوالم سيدة النساء» ج1 ص43 باب «أنه لماذا لولا فاطمة علیها السلام لما خُلق النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي علیه السلام» رقم(1) عن كتاب (الجنة العاصمة) من أن الزهراء علیها السلام أصل الخلق: «عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عن الله تبارك و تعالى أنه قال: يا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا على علیه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما.
4- في ينابيع المودة ص208 و ص213: عن أم سلمة «رضي الله عنها» قالت: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو لم يخلق الله علياً علیه السلام ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ».

يَا نُدْبَةَ اللَّهْفَانْ *** يَا قِمَّةَ العِرْفَانْ

يَا كَوْكَبَ الأَسْحَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ(1)

***

أَوَلَيْسَ اللَّهُ أَوْصَى *** فِيكِ وَ القُرْآنُ يَشْهَدْ؟

أَوْ وجَبَ الرَّحْمنُ وُدّاً *** لَكِ يَا عُنْوَانَ أَحْمَدْ

فَلِمَاذَا القَوْمُ هَاجُوا *** هَتَكُوا خِدْراً مُؤَيَّدْ

أَضْرَمُوا بِالبَابِ نَاراً *** أَحْرَقَتْ قَلْبَ مُحَمَّدْ

قَدْ أَسَّسُوا العُدْوَانْ *** مُذْ أَشْعَلُوا النِّيرَانْ

فِي بَاب تِلْكَ الدَّارْ *** يَا سَلْوَةَ الكرارْ

***

دَخَلُوا البَیْتَ عِنَاداً *** مَا رَعَوْا لِلْبَیْتِ قَدْرا

وَ هْوَ بَيْتُ اللَّهِ وَ الأَنْوَارِ *** دَوْماً مِنْهُ تَتْرَى(2)

كَسَرُوا ضِلْعاً عَظِيماً *** قَدْحَوَى لِلَّهِ سِرَّا

أَسْقَفُوا مِنْهَاجَنِيناً *** ثُمَّ قَادُوا المجدَ قَسْرا

يا قَالِعَ البِيبَانْ *** كَيْفَ اعْتَدَى الذُّؤْبَانْ(3)

بِالنَّارِ وَ المِسْمَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

خَرَجَتْ خَلْفَ عَلِىِّ *** وَ هْيَ تُخْفِي مَا تُعَانِي

خَلُّوا عَمَّن كَانَ رَمْزاً *** لِلهُدَى فِي كُلِّ آنِ

خَلُّوا عَمَّنْ قَدْ هَدَاكُمْ *** فَهُوَ سِرٌّ لِلْمَثَانِي

ص: 166


1- قلائد الانشاد في النبي صلي الله علیه و آله و سلم وآله الأمجاد ص480.
2- تترى: متتابعة.
3- البيبان: جمع الباب و الذوبان: جمع الذئب.

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْهَضْ *** كَيْ تَرَىٰ مَا قَدْ دَهَانِ دَهَانِي

يَا مُنْقِذَ الإِنْسَانْ *** قُمْ وَ انْظُرِ الطَّغْيَانْ

مَاذَا جَنَى الأَشْرَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

ثُمَّ رَدَّتْ وَ هْيَ تَبْكِي *** بَعْدَ مَا قَلَّ النَّصِيرُ

قَدْ بَنَتْ لِلْحُزْنِ بَيْتاً *** سَمْكُهُ دَمعٌ غَزِیرُ

طَالَمَا كَانَتْ تُنَاجِي *** رَبَّهَا وَ هُوَ النَّصِیرُ

لَيْتَ هَذَا العُمْرُيَفْنَى *** لَيْتَهُ عُمْرٌ قَصِيرُ

يَا رَبِّ يَا ديَّانْ *** يَا مُنْزِلَ الفُرْقَانْ

أَلحِقْنِي بِالمُخْتَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

لَهْفِي مَاتَتْ بِنْتُ طهَ *** وَ الأَسَى مِلْءُ الفُؤَادِ

جَهَّزَ الزَّهراءعَلِيٌّ *** وَ هُوَ بِالوَيْلِ یُنَادي

يَا رَسُولَ اللَّهِ سَلْهَا ** عَنْ نَايَاتِ الأعَادِي

رَوَّعُوهَا أَطْعَمُوهَا *** بِالأَذَى مُرَّ السُّهَادِ

بِالذُلِّ و الأَشْجَانْ *** وَ النَّوْحِ وَ الأَحْزَانْ

وَ الوَجْدِ وَ الأَكْدَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ(1)

ص: 167


1- جمادى الأولى سنة (1415 ه_) لبنان. بعلبك.

(42) هي الزهرة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ عبد العزيز العندليب (*)(1)

عَلَيْكُمْ سَلامُ اللهِ فِي هَذِهِ الذِّكْرَى *** وَ رَحْمَتُهُ فِي مَولدِ الخَيْرِ وَ البُشْرَى

وَ يَا حَبَّذَا ذِكْرَى عَلَيْنَا عَزِيزَةٌ *** بِمَوْلِدِ بِنْتِ الوَحْيِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا

وَ مَاذَا أَرَانِي قَائِلاً فِي كَرِيمَةٍ *** مَحَاسِنُهَا قَدْ فَاقَتِ الحَدَّ وَ الحَصْرَا

وَ مَنْ قَدْ حَبَاهَا اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ *** مَقَاماً مَنِيعاً حَيَّرَ الوَهُمَ وَ الفِكْرًا

وَ مَنْ يَسْخِط البَارِي لِمَا سَخِطَت لَهُ *** وَ يَرْضَى بِمَا تَرْضَى بِهِ وَ كَفَىٰ قَدْرا(2)

ص: 168


1- (*) هو الاستاذ عبد العزيز ابن الشيخ علي بن عبد الله الملقب بالعندليب، و عبد العزيز العندليب اسم لامع في سماء الادب و العلم و الفضل و يشار إليه بأنه شاعر مبدع من ذوي الفضل و الصلاح و أيضاً يقال عنه بأنه دائرة معارف متنقِّلة. و كيف لايكون كذلك و هو من أسرة دينية و علمية عرف في الكويت، والده الخطيب الألمعي المرحوم الشيخ علي بن عبد الله العندليب. ولد في الكويت سنة (1362 ه_) الموافق (1943 م) و أخذ دراسته الابتدائية منها من المدرسة الجعفرية و تابع دراسته حتى نال عدداً من الشهادات الجامعية، من جامعة الكويت و مصر و لبنان و سوريا في مجال اللغة العربية و التجارة و الفلسفة و علم النفس و دراسات ،الشريعة و التاريخ و الحقوق إلى جانب ثقافته الذاتية و ذكائه المفرط. و قد شغل عدة، وظائف، و كان يدرس لفترة في جامعة الكويت. و يعد المترجَم له من مفاخر شعراء، الكويت، و هو مكثر و سريع في النظم و يفتخر أنه يدعى بشاعر أهل البيت علیهم السلام و من مفاخره أنه يشترك في الحفلات الدينية و دوره مشهود و قد رأيته مراراً و هو ينظم شعره قبل الالقاء بلحظات أو في طريقه إلى منصة الاحتفال و هذا يدل على قدرته و تمكنه من النظم و له أيضاً في كل محرَّم قصيدة في الحسين علیه السلام يقرأها بنفسه في الاذاعة الكويتية ليلة عاشوراء.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب فرائد السمطين ج2 ص46 قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إن اللَّه «عزوجل» ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام، و يرضى لرضاها.

لَهَا مَكْرُمَاتٌ لَيْسَ يُمْكِنُ عَدُّهَا *** وَ غُرُّ مَعَانٍ تُعْجِرُ النَّظمَ وَ النَّثْرَا

وَ مَاذَا يَقُولُ المادِحُونُ بِشَأْنِهَا *** وَ فِي شَأْنِهَا الرَّحْمَنُ قَدْ أَنْزَلَ الذِّكْرَا

هِيَ الزَّهْرَةُ الزَّهْرَاءُ فَاطِمَةُ الَّتِي *** يُنيرُ سَنَا أَمْجَادِهَا الْأَنْجُمَ الزُّهْرَا(1)

كَمَا تَتَوَارَى الشَّمْسُ مِنْ نُورٍ وَجْهِهَا *** وَ تُخْجِلُ بَدْرَ التَّمِّ بالطَّلْعَة الغَرَّا

وَ بَضْعَةُ خَيْرِ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ صلي الله علیه و آله و سلم *** وَ مَنْ سُمِّيَتْ فِي الذِّكْرِ كَوْثَرَةُ الثَّرَّا(2)

غَدَاةَ انْبَرَى (العَاصُ بنُ وَائل) سَاخِراً *** مِنَ المُصْطَفَى الهَادِي وَ عَيَّرَهُ كُفْرَا(3)

فَبَشَرَهُ اللَّهُ الجَلِيلُ كَرَامَةً *** بِذُرِّيَّةٍ مِنْهَا وَ إِذْ ذَاكَ قَدْ سُرَّا(4)

وَ أَنْجَبَتِ الزَّهْرَاءُ لِلطُّهْرِ عِتْرَةً *** تَتِيهُ بِهِمْ دُنْيَا الوُجُودِ و لانُكْرَا(5)

هُمُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ وُلْدِ آدَمٍ *** وَ أَرْفَعُهُمْ شَأناً وَ أَعْظَمُهُمْ أَمْرا

كِرَامٌ مَيَامِينْ هُدَاهُ أَئِمَّةً *** يَفِيضُ عَلَى كُلِّ الوَرَى فَيضُهُمْ غَمْرَا

***

تَجَلَّت فَجَلَّتْ فِي عُلى وَ مَحَامِدٍ *** أَجَلْ... إِنَّ لِلخَلاقِ فِي خَلْقِهَا سِرَّا

ص: 169


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة إلى الله «تعالى» أن يكشف عنهم الظلمة، فكلّم الله جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات، الحديث. و قد مرت أحاديث متضافرة عن ذلك عن مصادر عدة فراجع.
2- إشارة إلى ما روي في صحيح الترمذي ج2 ص319 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.
3- انبری: اعترض أو قام بالشيء. و عيرَّه: عيَّبه و نسبه إلى العار و قبح عليه فعله.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج16 ص80 في حديث طويل عن الصادق علیه السلام: فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً و سمع خديجة علیها السلام تحدّث فاطمة علیها السلام، فقال لها: يا خديجة علیها السلام، من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. فقال لها: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، و أنّها النسمة الطاهرة الميمونة، و ان الله «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمّة في الأمة.
5- تتيه: تتكبر و تتبختر فرحاً.

وَ قَدْ دُعِيَتْ فِي الابْتِهَالِ (نِسَاءَنَا) *** وَ لَاغَرْوَ إِذْ فَاقَتْ نِسَاءَ الوَرَى طُرَّا

وَ قِدْماً أَتَى فِي (هَلْ أَتَى) فِي مَدِيحِهَا *** بَيَانُ إِلهِيَّ بِإِيفَائِهَا النَّذْرا(1)

نَعَمْ... إِنَّهَا مَعْصُومَةٌ وَ زَكِيَّةٌ *** بَتُولٌ غَدَتْ مِنْ بَيْنِ أَتْرَابِهَا وِتْرَا(2)

كَمَا أَنَّهَا مَرْضِيَّةٌ وَ رَضِيَّةٌ *** وَ إِنْسِيَّةٌ حَوْرَاءُ صِدِّيقَةٌ كُبْرَى(3)

***

وَ مَا ابْنَةُ عِمْرَانٍ عَلَى رَغْمِ فَضْلِهَا *** بِبَالِغَةٍ مِنْ فَضْلِ فَاطِمَةٍ عُشْرَا(4)

وَ مَا أُمُّ إِسْمَاعِيلَ هَاجَرُ فِي العُلَى *** أَوِ المَجْدِ يَوْماً تُشْبِهُ البَضْعَةَ الطُّهْرَا

وَ لَوْلاً عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفْزَهَا امْرُؤٌ *** إِذِ اخْتَارَ بَارِيهَا لَهَا المُرْتَضَى البَرَّا

فَلِلَّهِ بِنْتٌ قَدْ دَعَاهَا لِفَضْلِهَا *** أَبُوهَا لَهُ أَمْاً فَزَادَتْ بِهِ فَخُرا

قَدِ انْعَقَدَتْ فِي الأَصْلِ نُطْفَتُهَا بِمَا *** تَنَاوَلَهُ المُخْتَارُ فِي (لَيْلَةِ الإِسْرَا)

ص: 170


1- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الانسان آية/7 «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا». فقد ورد في تفسير الأمثال ج19 ص226: (يُوفُونَ) فان المصداق الأتم و الأكمل لهذه الآيات هو أميرالمؤمنين و فاطمة الزهراء و الحسنان علیهم السلام لإيفائهم بما نذروه من الصوم ثلاثة أيام حيث لم يتناولوا فيها إلا الماء و قلوبهم مملوءة بالخوف من اللَّه و القيامة.
2- إشارة إلى ما روي في عصمتها و طهارتها و في ذخائر العقبى ص24. عن أبي سعيد الخدري قال: قوله تعالى في سورة الاحزاب آية/ 33 «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»: نزلت في خمسة. في رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام أخرجه أحمد في المناقب و أخرجه الطبراني. و ترا: فرداً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب الدر المنثور ج8 ص543: دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على فاطمة علیها السلام و هي تطحن بالرحى و عليها كساء من حملة الإبل، فلما نظر إليها قال: يا فاطمة علیها السلام تعجّلي فتجَري مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً. فأنزل الله «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى».
4- و قد ورد بعض ذلك في كتاب لسان الميزان ج3 ص346 ط بيروت: لما خلق الله آدم و حوّاء تبخترا في الجنة و قالا: من أحسن منّا ؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار: قالا يا رب ما هذه؟ قال: صورة فاطمة علیها السلام سيدة نساء ولدك. قال: ما هذا التاج على رأسها؟ قال: علي علیه السلام بعلها. قال: فما القرطان؟ قال: ابناهما علیهما السلام وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.

وَ مِنْ نُورِهَا فِي (طُورِ سَيناءَ) إِذْ غَدا *** رَأَى قَبْساً مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ إِذْ خَرَّا(1)

وَ لَوْ شَاءَ كُتابُ الوَرَى أَنْ يُسْجِّلُوا *** مَحَامِدَهَا يَوْماً وَ أَفْضَالَهَا الكُثْرَا

وَ كُلُّ بِحَارِ الأَرْضِ كَانَ مِدَادَهُمْ *** لَمَا كَتَبُوا مِنْ سِفْرٍ أَمْجَادِهَا سَطَرَا

***

فَيَا مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ هَدْياً وَ رِفْعَةً *** وَ يَا لَيْلَةَ القَدْرِ التِي خَفِيتْ قَدْرَا

وَ يَا آيَةَ الفَجْرِ الَّذِي نَسَمَاتُهُ *** إِلَى أَبَدِ الآبادِ فَوَّاحَةٌ عِطَرَا

يجَاهِكِ نَدْعُو رَبَّنَا أَنْ يُنيلَنَا *** شَفَاعَتَكِ المُرْجَاةَ إِذْ نَردُ الحَشْرَا

بِمَوْلِدِكِ الزَّاكِي تُقِيمُ احْتِفَالَنَا *** وَ قَدْ زَادَتِ الذِّكْرَى لَنَا الأُنْسَ و البِشْرَا

عَلَيْكِ مَدَى الأَيَّامِ خَيْرُ تَحِيَّةٍ *** وَ أَزْكَى صَلاةِ اللَّهِ دَائِمَةً تَتْرَى(2)

ص: 171


1- قبساً: شعلة النار تؤخذ من معظم النار. خرَّ: سقط من علو إلى أسفل.
2- قالها بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام جمادى الثانية سنة (1414 هجرية). الكويت.

(43) الفرحة الكبرى

(مجزوء الوافر)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

نَعَمْ فَالْفَرْحَةُ الكُبْرَى *** بِذِكْرَى مَوْلِدِ الزَّهْرَا

***

أَعِدْ فِي هَذِهِ الذِّكْرَى *** حَدِيثَ الخَيْرِ وَ البُشْرَى

فَفِيهَا الفَرْحَةُ الكُبْرَى *** تَزيدُ الأنْسَ و البِشْرَا

***

أَعِدْ بِالبِشْرِ وَ السَّعْدِ *** حَدِيثَ الحُبِّ و الوُدِّ

فَفِيهِ عَابِقُ النَّدِّ *** يَفُوحُ أريجُهُ نَشْرَا(2)

***

وَ وَجْهُ الكَوْنِ مُزْدَانُ *** بِهِ رَوْحٌ وَ رَيْحَانُ

وَ أَنْعَامٌ وَ أَلْحَانُ *** تَخَالُ نَشِيدَهَا سِحْرا

***

وَ لِلأَطيَارِ تَغْرِيدُ *** بِهِ لِلَّهِ تَوْحِيدُ

وَ تَسْبِيحَ وَ تَمُجِیدُ *** لَهُ سُبحَانَهُ شُكْرَا

ص: 172


1- (*) مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- أريجه: رائحته الطيبة.

بِمِیلادِ ابْنَةِ الطُّهْرِ *** وَ زَوْجِ المُرْتَضَى البَرِّ

وَ أُمْ السَّادَةِ الغُرِّ *** وَ مَنْ فَاقُوا الوَرَى طُرَّا

***

تَسامَتْ فِي مَعَانِيهَا *** تَعَالَى اللَّهُ مُنْشِيها

بَرَاهَا مُودِعاً فِيهَا *** صِفَاتٍ تُعْجِزُ الفِكْرَا(1)

***

لَهَا كُلُّ الكَمَالَاتِ *** وَ مَجْمُوعُ المَقَامَاتِ

وَ فِي الأَوْصَافِ وَ الذَّاتِ *** تَرَاهَا الفَرْدَ وَ الوِتْرَا

***

عَلَتْ فَضْلاً سَمَتْ مَجْدَا *** فَفَاقَ جَلالُهَا الحَدَّا

فَسُبْحَانَ الَّذِي أَبْدَى(2) *** لَهُ فِي خَلْقِهَا سِرَّا

***

دَعَاهَا المُصْطَفَى طهَ *** لَهُ أُمّاً فَأَسْمَاهَا

وَ رَبُّ العَرْشِ أَوْلاَهَا *** حَبَاهَا الجَاءَ وَ القَدْرَا

***

فَمَا أَحْلَى مَزَايَاهَا *** وَ مَا أَسْمَى سَجَايَاها

ص: 173


1- براها: خلقها.
2- لعله أشار إلى ما ورد في (دلائل الإمامة ص11 ، ط.3 منشورات الرضي) (عن إسحاق ابن جعفر قال: سمعت أبا عبدالله يقول: سُميَّت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران علیها السلام فتقول يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك... إلى قوله... و تحدثهم و يحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: ألست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و إن الله «تعالى» جعلك سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين).

يَفُوقُ اللَّفْظَ مَعْنَاهَا *** وَ يُعْيِي النَّظْمَ و النَثْرَا(1)

***

فَلاَ تُرْقَى مَرَاقِیهَا *** وَ لاَتُحْصَى مَعَالِيهَا

أَتّى فِي (هَلْ أَتَى) فِيهَا *** بَيَانُ الوَحْي لانُكْرا(2)

ص: 174


1- يُعيي: يعجز.
2- و في البيت إشارة إلى ما ورد في أمالي الصدوق ص212 (الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي 1980). (حدثنا مسلمة بن خالد عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام في قوله «عزوجل»: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» قال: مرض الحسن و الحسين علیهما السلام و هما صبيَّان صغيران، فعادهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و معه رجلان فقال أحدهما: يا أباالحسن علیه السلام لو نذرت في ابنيك نذراً إن اللَّه عافاهما. فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراًلله «عزوجل»، وكذلك قالت فاطمة علیها السلام، و قال الصبيان و نحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام و كذلك قالت جاريتهم فضة. فألبسهما الله عافية فأصبحوا صياماً و ليس عندهم طعام. فانطلق علي علیه السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم بثلاثة أصوع من شعير. قال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف و الشعير و أخبر فاطمة علیها السلام فقبلت و أطاعت ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً. و صلى علي علیه السلام مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان و جلسوا خمستهم فأول لتمة كسرها علي علیه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب. فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع اللقمة من يده ثم قال: فاطم ذات المجد و اليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين أما ترين البائس المسكين جاء إلى الباب له حنين *** يشكو إلى الله و يستكين يشكو إلينا جائعاً حزين کل امریٌ بکسبه رهین *** من يفعل الخير يقف سمين موعده في جنة رهين حرمها الله على الضنين *** و صاحب البخل يقف حزين تهوى به النار إلى سجين *** شرابه الحميم و الغسلين فأقبلت فاطمة علیها السلام تقول: أمرك سمع يابن عم و طاعة *** مابي من لؤم و لا وضاعة غذیت باللب و بالبراعة *** أرجو إذا أشبعت من مجاعة أن ألحق الأخيار و الجماعة *** و أدخل الجنة في شفاعة و عمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين و باتوا جياعاً، و أصبحوا صياماً يذوقوا إلا الماء القراح، ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثم أخذت صاعاً من الشعير... فلما وضع الخوان بين يديه و جلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي علیه السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون، أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع علي علیه السلام اللقمة من يده... ثم عمدت فأعطته ما على الخوان و باتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح و أصبحوا صياماً، و عمدت فاطمة علیها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف و طحنت الصاع الباقي و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً و صلى علي علیه السلام المغرب مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أتى منزله فقرب إليه الخوان و جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي علیه السلام إذا أسير من أسراء المشركين... و عمدوا إلى ما كان على الخوان فأتوه و باتوا جياعاً و أصبحوا مفطرين و ليس عندهم شيء... و أقبل علي بالحسن و الحسين علیهما السلام نحو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا أبا الحسن علیه السلام أشد ما يسوؤني ما أرى بكم. انطلق إلى ابنتي فاطمة علیها السلام فانطلقوا إليها و هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع و غارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ضمها إليه و قال و اغوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرائيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك. قال: و ما آخذ يا جبرائيل. قال: «هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» حتى إذا بلغ «إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا»... و نزلت «هَلْ أَتَى» فيهم إلى قوله تعالى: «وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا».

فَفَوْقَ الوَهُم وَ الفِكْرِ *** مَقَامُ البَضْعَةِ الطُّهْرِ

وَ مَا شَأْنِي وَ مَا قَدْرِي *** لأُوردَ مَدْحَهَا شِعْرا

***

لَهَا فِي الذِّكْرِ تِبْيَانُ *** وَ سِفْرِ المَجْدِ عُنْوَانُ

وَ مِنْهَا القَوْلُ يَزْدَانُ *** وَ حَسْبِي مَدْحُهَا فَخُرَا(1)

***

ص: 175


1- یزدان: يتزيَّن.

هي الصَّدِّيقَةُ الكُبْرَى *** هِيَ الإِنْسِيَّةُ الحَوْرَا(1)

هي المَرْضِيَّةُ الطُّهْرَا *** بَنُولَةُ فَاطِمُ الزَّهْرَا(2)

ص: 176


1- أشار الشاعر في قوله: (الإنسية الحورا) إلى الرواية الواردة في «دلائل الإمامة» الطبعة الثالثة. منشورات الرضي. ص53 جاء فيها: «عن زينب علیها السلام بنت علي علیه السلام قالت: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قد كنت شهدت فاطمة علیها السلام قد ولدت بعض ولدها فلم ير لها دم. فقلت: يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم إن فاطمة علیها السلام ولدت فلم نر لها دماً قال: إن فاطمة علیها السلام خلقت حورية إنسية».
2- إشارة إلى ما ورد في «علل الشرائع» ج1 ص215 الطبعة الأولى. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: عن علي بن أبي طالب علیه السلام أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم سُئِل: ما البتول فإنا سمعناك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تقول: إن مريم بتول علیها السلام و فاطمة بتول علیها السلام؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: البتول التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء». و الظاهر أن البيت خصوصاً في صدره لايخلو من خلل في الإعراب لنصب (طهر) و هو مما يستحق الرفع إلاَ إذا قلنا إن الضرورة الشعرية تسمح بمثل ذلك واللَّه العالم. نظمت القصيدة في سنة (1414 ه_).

(44) قدسية المعنى

( )

عبد العزيز العندليب(*)(1)

في يومِ ميلادِ ابنة المصطفَى الأَطْهَرْ *** عَمَّ الوجودَ البِشرُ و الأُفُقُ قَد أَزْهَرْ

وازدانَ وجهُ الكون إذ أشرَقَت شمسٌ *** في بيتِ طَه دُونَهَا النَّيْرُ الأكبَرْ

ما الشمسُ إلاَّ لمعةٌ مِن مُحَيَّاها *** والفَجْرُ مِن لَأَلاَءِ أَنوارِهَا أَسْفَرْ

إنسيَّةٌ حَوراءُ قُدْسِيَّةُ المَعنى *** نَوْرَاءُ فِردَوسِيَّةُ الذَّاتِ وَ الجَوهَرْ

قد خَصَّ بإيهابِهَا المصطفى الهادي *** في نَسلِهِ رَغْماً عَنِ الشَّانِي الأَبْتَرْ

صِدِّيقةٌ معصومةٌ مَالَها كُفؤٌ *** في الخَلقِ لَو لَم يُخلِقَ المُرتَضَى حَيدَرْ

لا (بِنتُ عِمْرَانٍ) لَهَا في العُلَى صِنوٌ *** كلاَّ و لا في الفضلِ مِثلٌ لها (هَاجَرْ)

يا بِضعةَ الهادي و يا أُمَّ سِبْطَيْهِ *** و النِسعَةِ الأطهار، لِلَّهِ مِن مَعشَرْ

يا أُسْوَةَ النِسوانِ في الفضلِ و التقوى *** و العِلمِ و الإيمانِ و الخُلقِ و المَظْهَرْ

ذكراكِ ذِكِرى الخيرِ يزهو بِها حفلٌ *** مِن دُونِ رَيَّاهُ شَذا المِسكِ و العَنبَرْ

يا فاطمُ الزَّهرَاءُ يا مَن بها نرجو *** مرضَاةَ رَبِّ العَرشِ و الفَوزَ في المحشَرْ

إِنَّا توسَّلْنَا بِكُم يا بني طَه *** لِلقادرِ الباري و مِن حُبِّكُمْ نَفخَرْ

يا عِترةَ الهَادي عليكم بِلاحَدَّ *** أزكى السَّلاَمِ الدائمِ الأَطيبِ الأَعطَرْ

ص: 177


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر سابقاً.

(45) زوجت في السماء

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم (*)(1)

أَنَا فِي بَهْجَةٍ وَ كُلِّ سُرُورِ *** مُذْ تَلاقَتْ شَمْسُ الضُّحَى بِالنُّورِ

أَيُّ وَقْتِ قُلْ لِي فَقِيلَ لِيَوْمٍ *** بِالتَّهَانِي أَتَى وَ كُلِّ الحُبُورِ

حِينَ جَاؤُوا مُحَمَّداً فِي خِطَابٍ *** نَحْو تِلْكَ العَذْرَاءِ بنتِ النَّذِيرِ

وَ رَسُولُ الهُدَى يُمِيطُ نِدَاهُمْ *** قَائِلاً لَيْسَ ذَاكَ مِنْ تَفْكِيرِي

رَاوَدُوهُ بِأَمْرِهَا بَعْدَحِينٍ *** لَمْ يُلَبَّ الرَّسُولُ قَوْلَ النَّظِيرِ

فَرَقَى أَحْمَدٌ خَطِيباً عَلَيْهِمْ *** عَازماً دَعْوَةَ الإِلَهِ المُجِيرِ

فَتَتَحَوْا وَ أَوْعَزُوا لِعَلِيَّ *** وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ فِي أَمَانٍ قَرِيرِ

فَأَتَى المُصْطَفَى عَلَيْهِ حَيَاءٌ *** فَوْقَ وَجْهٍ لَهُ كَبَدْرٍ مُنِيرِ

جَلَسَ المُرتَضَى يُقَابِلُ طَهَ *** خَاطِباً رَبَّةَ الحِجَا وَ الخُدُورِ

مِنْهُمَا جَاءَ بَعْضُ قَوْلٍ ظَرِيفٍ *** إِذْهُمَا يَذْكُرَانِ أَمْرَ الطَّهُورِ

وَإِذَا جَبْرَئِيلُ يَأْمُرُ طَهَ *** مِنْ إِلهٍ أَحَاطَ كُلَّ الأُمُورِ(2)

ص: 178


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ورد هذا المعنى في ينابيع المودة ص205 الجزء الأول - الطبعة الأولى (إنتشارات الشريف الرضي) و عن أنس قال: كنت عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم. فغشيه الوحي فلما أفاق قال: يا أنس أتدري بما جاءني به جبرائيل من عند صاحب العرش «عزوجل»؟ قلت: بأبي و أمي بما جاءك جبرائيل؟ قال: قال جبرئيل: إن اللَّه يأمرك أن تزوّج فاطمة علیها السلام بعلي علیه السلام فانطلق فادع لي أبا بكر و عمر و عثمان و طلحة الزبير و نفراً من الأنصار.

زَوجِ النُّورَ فَاطِمَاً مِنْ عَلِيَّ *** بِرِضَاءٍ مِنَ الإِلَهِ البَصِيرِ(1)

فَاسْتَفَاضَ الوُجُودُ نُوراً جَلِياً *** وَ اسْتَنَارَتْ حَنَادِسُ الدَّيْجُورِ(2)

و أَثَارَ الإِلهُ كُلَّ وُجُودٍ *** بقِرانِ الزَّهْرا لِذَاكَ النُّورِ

حَيْدَرُ الطُّهْرُ بَدْرُ كُلِّ المَعَالِي *** كُفُوٌ تِلْكَ البَتُولِ بنتِ الشَّكُورِ(3)

فَهيَ نُورٌ تَلاَهُ نُورٌ عَمِيمٌ *** نُور ذَاكَ الوَصِيَّ الزَّكِيَّ المُنيرِ

كُلُّ فَرْدِ لِكُفْرِهِ صَارَ كُفُواً *** مِنْ عَظِيمِ وَ قَاهِرٍ وَ قَدِيرِ

ص: 179


1- و فيه إشارة إلى ما ورد في كتاب (عوالم العلوم و المعارف و الأحوال ج1/11 ص365). «عن سلمان الفارسي (رضوان الله «تعالى» عليه) قال: دخلت على فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فقلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً؟ فقال: يا سلمان ليلة أُسرى بي إلى السماء إذ رأيت جبرئيل في سماواته و جنانه فبينما أنا أدور قصورها و بساتينها و مقاصرها إذ شممت رائحة طيبةً، فأعجبتني تلك الرائحة فقلت: يا حبیبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلها ؟ فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم، تفاحة خلقها الله «تبارك و تعالى» بيده منذ ثلاثمائة ألف عام، ما ندري ما يريد بها، فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة و معهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم ربنا السلام يقرأ عليك السلام و قد أتحفك بهذه التفاحة. فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل، فلما هبط إلى الأرض أكلت تلك التفاحة، فجمع اللَّه ماءها في ظهري فغشيت خديجة بنت خويلد علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام من ماء التفاحة، فأوحى الله «عزوجل» إليّ : أن قد ولد لك حوراء إنسية، فزوّج النور، من النور النور فاطمة علیها السلام من نور علي فإني قد زوّجتها في السماء و جعلت خمس الأرض مهرها و يستخرج فيما بينهما ذرية طيبة و هما سراجا الجنة: الحسن الحسين علیهما السلام. و يخرج من صلب الحسين علیه السلام أئمة يقتلون و يخذلون فالويل لقاتلهم و «خاذلهم»، و انظر كنز الفوائد ج1 236، ح1. و في بحار الأنوار ج43 ص109 في حديث خباب بن الأرت أن الله «تعالى» أوحى إلى جبريل: زوّج النور من النور و كان الوليُّ اللَّه و الخطيب و المنادي ميكائيل و الداعي إسرافيل و الناثر عزرائيل و الشهود ملائكة السماوات و الأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك فنثرت الدُّرَّ الأبيض و الياقوت الأحمر و الزبرجد الأخضر و اللؤلؤ الرطب فبادرن الحور العين يلتقطن و يهدين بعضهن إلى بعض».
2- حنادس:مفردها: حندس: الظلمة الليل الشديد الظلمة.
3- جاء هذا المعنى في كثير من الروايات ففي (ينابيع المودة) ط1 ص213 قال: (قال رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم: لو لم يخلق علي لما كان لفاطمة كفؤ».

أَمَرَ اللَّهُ خَادِماً فِي جِنَانٍ *** بِأُمُورٍ لَمْ تُحْصَ طُولَ العُصُورِ(1)

فَغَدَتْ حُورُهَا بِزِينَةِ قُدْسٍ *** بِازْدِهَارِ بِطَرْفِ عَيْنِ قَرِيرِ

وَ تَرَدَّتْ وِلْدَانُهَا بِحَرِيرٍ *** حِينَ مَاسَتْ للطُّهْرِ بِنْتُ البَشِيرِ(2)

وَ لِطُوبَى مَنَاقِبٌ أَظْهَرَتْهَا *** فَعَدَتْ تَنْفُرُ الصَّكَاكَ بِنُورِ

وَكَذَا دَرَّهَا عَلَى كُلِّ أَرْضٍ *** بِقِرانِ الوَصِي لِسِتِّ الحُورِ

نَتَرَتْ لِلصَّكَاكِ فِيهَا أَمَانٌ *** لِمُحِبِّيهِمَا عَنْ الزَّمْهَرِیرِ(3)

ص: 180


1- في هذا البيت و الأبيات التي تليه إشارة إلى بعض ما ورد في (ينابيع المودة) ص208: (عن بلال بن حمام) (رضي اللَّه عنه) قال: طلع علينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم مبتسماً ضاحكاً وجه كدائرة القمر ليلة البدر، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما هذا النور الذي رأيناه في وجهك المكرم قال: بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي و في ابنتي بأن الله «تبارك وتعالى» زوّج علياً علیه السلام بفاطمة علیها السلام و أمر رضوان خازن الجنان بهز شجرة طوبى فهزها فحملت صكاكاً بعدد محبي أهل البيت علیهم السلام و أنشأ الله تحتها ملائكة خلقها من النور و أصاب لكل ملك صك فإذا قامت القيامة نادت الملائكة في الخلائق فلايبقى محب لأهل بيتي علیهم السلام إلا دفعت إليه الملائكة صكا فيه فكاكه من النار فصار ابن عمي و ابنتي سبب فكاك رقاب الرجال و النساء من أمتي من النار».
2- ماست: مشت و هي تتمايل و تتبختر.
3- الزمهرير: شدة البرد. قد مرت بعض التفاصيل عن هذا المعنى في هوامش سابقة و لعل مما يشير إلى المعنى أيضاً ما ورد عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كان جالساً ذات يوم و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. فقال: اللهم انك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و أكرم الناس علي فأحب من أحبهم... و كأني أنظر إلى ابنتي فاطمة علیها السلام قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك و عن يسارها سبعون ألف ملك و بين بديها سبعون ألف ملك و خلفها سبعون ألف ملك تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة، فأيما امرأة صلت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجت بيت الله الحرام و زكت مالها و أطاعت زوجها و والت علياً علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين علیها السلام. فقيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أهي سيدة لنساء عالمها فقال صلي الله علیه و آله و سلم: ذاك لمريم بنت عمران فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم علیها السلام فيقولون: يا فاطمة علیها السلام إن اللَّه اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين علیها السلام، ثم التفت إلى علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إن فاطمة علیها السلام بضعة منِّي و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها و إنها أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فأحسن إليها بعدي».

أَيُّ يَوْمٍ لِبَضْعَةِ الطُّهْرِ طهَ *** فِي قِرَانِ الوَصِيَّ بَحْرِ البُحُورِ

رَابِعُ العَشْرِ شَهْرُ حَجٌ كَرِيمٍ *** تَلْتَقِي الشَّمْسُ مِنْ عَظِيمِ البُدُورِ

زُوجَتْ فِي السَّمَاءِ مِنْ قَبْلِ مَاءٍ *** وَ تُرَابٍ بِأَمْرِ رَبِّ غَفُورِ

وَ اسْتَنَارَتْ مَلَائِكُ اللَّهِ حَقّاً *** بِروَاجِ العَذْرَاء تِلْكَ الوَقُورِ

أَقامَ الإِلهُ حَفْلَ زَوَاجٍ *** لِوَصِيِّ النَّبِيِّ بِخَيْرِ أُمُورِ

فِي سَمَاءٍ لَهُ وَ فِي كُلِّ أَرْضٍ *** مَعْ جِنَانٍ قَدْ زُيِّنَتْ بِالحُبُورِ(1)

وَ المَلاَكُ الأَعْلَوْنَ قَامُوا بِحَفْلٍ *** فِي تَسَابِيحِهِمْ وَ فِي التَّكْبِيرِ

زَيَّنَ اللَّهُ عَرْشَهُ بِجَلالٍ *** وَ نُجُومِ تُنِيرُ أَجْمَلَ نُورِ(2)

فَتَغَنَّتْ كُلُّ الدُّنَا وَ مَاسَتْ *** طَرَباً لِلْبَتُولِ أُمِّ الصَّبُورِ

أَزْهَرَتْ بِنْتُ أَحْمَدِ لِعَلِيَّ *** كُلَّ وَقْتِ مِنَ النَّهَارِ بِنُورِ

ص: 181


1- الحبور: الحسن و الزينة و المسرة و النعمة.
2- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى ما يروى في (علل الشرايع) للشيخ الصدوق الجزء الأول الطبعة الأولى ص214... (أبي رحمه الله عن... عن محمد بن جعفر الهرمزاني عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: يا بن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لمَ سميت الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنها تزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيَّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيأتون منزلها علیها السلام فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها علیها السلام و من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة علیها السلام. فإذا انتصف النهار و ترتبت للصلاة زهر وجهها علیها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم فيأتون النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها علیها السلام بالصفرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها. فإذا كان آخر النهار و غربت الشمس احمّر وجه فاطمة علیها السلام فأشرق وجهها علیها السلام بالحمرة فرحاً و شكراً لله «عزوجل» فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمرَحيطانهم فيعجبون من ذلك و يأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها جالسة تسبّح الله و تحمده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة علیها السلام فلم يزل ذلك النور في وجهها علیها السلام حتى ولد الحسين علیه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت علیهم السلام إمام بعد إمام».

وَ هْيَ إِذْ ذَاكَ بِنْتُ تِسْعَ سِنِينِ *** لَمْ يَكُنْ مِثْلُ مَهْرِهَا فِي المُهورِ

بَعْضُهُ صَارَ مِنْ نِشَارِ لِطُوبَى *** حِين أَلْقَتْ لِدرْهَا المَنْثُورِ

وَ كَذَا أَلْقَتِ الصَّحَاكَ أَمَاناً *** مِنْ عَذَابٍ وَ حَرِّ نَارِ السَّعِيرِ(1)

وَغَدَا بَعْضُهُ كَنَهْرِ فُرَاتٍ *** وَ ابْنُهَا السِّبْطُ فِي ظَمَا مَحْضُورِ

قَدْ قَضَى طَامِئاً وَ رُوحِي فِدَاهُ *** عَاطِشاً صَارَ فَوْقَ حَرِّ الهَجِيرِ

فَبَكَتْهُ الأمْلاَكُ وَ ارْتَجَّتِ الأُفُقُ *** عَلَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ بِالكَثِيرِ

وَ بَكَتَهُ كُلُّ الخَلائِقِ طُرّاً *** مُذْ قَضَى بَيْنَ خَائِنٍ وَ كَفُورِ

وَ البَتُولُ الزَّهْرَاءُ تُبْدِي عَزَاهَا *** لِبَنِيهَا عَلَى تَمَادِي العُصُورِ

هَكَذَا مَهْرُ بَضْعَةِ الطُّهْرِ طَهَ *** مَالَهَا فِيهِ غَيْرُ حَرِّ الصُّدُورِ

كُلُّ هَذَا يُدْمِي لِقَلْبِي وَ يُجْرِي *** لِدُمُوعِي لِوَقْتِ يَوْمِ النُّشُورِ

غَيْرَ أَنَّ البَتُولَ عَلْيَاءُ قُدْسٍ *** شَأْنُهَا الصَّبْرُ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ

صَبَرَتْ وَ اغْمُتَدَتْ بِنُورٍ كَرِيمٍ *** فَلِذَا عُرْضَتْ بِفَضْلِ كَبِيرِ

ومما جاء في القصيدة قوله:

وَ أُعِدَّتْ بِأَنَّهَا السِّتْ طُرّاً *** لِنِسَاءِ الدُّنَا لِيَوْمِ قَرِيرِ(2)

فَرِضا فاطِمٍ رِضَاءُ إِلَهِ *** وَ كَذَا خُلْفُهَا خِلافُ الْمُجِيرِ(3)

ص: 182


1- لعله يشير إلى ما ورد في كتاب (أمالي الصدوق الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي) ص109 و غيره من المصادر عن الحسن بن زياد العطار قلت لأبي عبدالله علیه السلام: قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة سيدة نساء عالمها؟ قال: ذاك مريم و فاطمة علیهما السلام سيدة نساء أهل الجنة من الأولين و الآخرين. فقلت: يقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة. قال: هما واللَّه سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين».
2- لعله يشير إلى ما ورد في ذخائر العقبى ص39 للطبري: «عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: با فاطمة علیها السلام إن الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.
3- روي في علل الشرايع ج1 في الباب 49 ص219 الرواية الثانية عن الصادق علیه السلام في حديث طويل في ذكر دخول أبي بكر و عمر على علیه السلام فاطمة علیها السلام في مرضها بإذن عليّ علیه السلام لعيادتها و الاعتذار منها:... فقالت أنشدكما بالله هل سمعتما النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذاها بعد موتي فكان آذاها في حياتي في حياتي ومن آذاها في حیاتي کان بعد موتي»... و كذلك جاء في ذخائر العقبى ما يؤيد هذا المعنى في ص38 قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما رابها و يؤذيني ما يؤذيها و قد تقدم هذا المعنى في أحاديث عدة و مصادر عديدة فراجع. و القصيدة تربو على (219) بيتاً و قد أخذنا منها ما نحن بصده.

هكَذَا قَالَ سَيْدُ الخَلْقِ فِيهَا *** فِي حَدِيثٍ مِنْهُ بِقَوْلٍ مُنِيرِ

فِي أَذَاهَا إِيذَاءُ رَبِّ كَرِيمٍ *** وَ لِذَا جُنُبَتْ مِنَ التَّزْوِيرِ(1)

ص: 183


1- المراثي الاسلامية في رثاء العترة النبوية ص157.

(46) روح الحياة

(بحر البسيط)

الأستاذ عبود أحمد النجفي

حَوْرَاءُ يَعْجَرُ عن أَوْصَافِها البَشَرُ *** عِطرُ الجِنانِ عَلَى الآفاقِ يَنْتَشِرُ(1)

نُورٌ مِنَ الله فَوْقَ الأَرضِ يَنْغَمِرُ *** شَعَتْ فلاالشَّمْسُ تَحْكِيها وَ لاالقَمَرُ

«زهراءُ» من نورها الأكوان تزدهرُ

إِنْسِيةٌ مثلُ ضَوءِ الشَّمْسِ سَاطِعَةٌ *** رَضِيعَةٌ من لبانِ الطُهْرِ رَاضِعَةُ(2)

أمُّ الحُسَينِ غداً في الحَشْرِ شَافِعَةٌ *** بِنْتُ الخُلُودِ بها الأجيالُ خَاشِعَةُ

أمُّ الزّمانِ إِليها تَنْتَمِي العُصُرُ

صِدِّيقةٌ قَلبٌ خَيْر الخَلْقِ تَمْتَلِكُ *** وَ بَضْعَةٌ في صِفاتِ الطُهْرِ تَشْتَرِكُ(3)

كَفِضَةٍ في ثَنَايا التبرِ تَنْسَبكُ *** سَمَت عن الأُفقِ لاروحٌ و لامَلَكُ

وَفَاقَتِ الأَرْضَ لاجنَّ و لابشرُ

رُوحُ الحَياةِ بَلِ الدُّنيا وَ زِينَتُها *** وَ مَشْرِقُ النُّورِ و الأضْوَاءُ طَلْعَتُها

و هَيكلُ القُدسِ و َالإِيمَانِ عِفَّتُها *** مَجْبُولةٌ مِنْ جَلالِ الله طِينَتُها

يرِفُّ لُطفاً عليها الصَّوْنُ و الخَفرُ

ص: 184


1- انظر كتاب أمالي الصدوق ص99-100، ط5، مؤسسة الأعلمي في قول الرسول صلي الله علیه و آله و سلم: «و أما ابنتي فاطمة علیها السلام... إلى أن يقول: و هي الحوراء الانسية...»، و انظر بحار الأنوار.
2- اللبان الرضاع، يقال: هو أخوه بلبان أمه، و لايقال بلبن أمه.
3- انظر مسند أحمد ج4 ص5 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم «فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها ما أنصبها».

أُنشودةٌ الحَقِّ و التَّاريخِ يَكْتُبُها *** وَ دُرَّةٌ في إطارِ اللَّوْحِ رَكَّبَها

رَبُّ السَّمَاءِ لِجَنْبِ العَرْشِ قَرَّبها *** خِصَالُها الغُرُّ جَلَّتْ أَنَّ تَلوكَ بِها

منَا المَقَاوِلُ أَوْ تَدْنُو لَها الفِكَّرُ(1)

بتولةٌ عن صِفاتٍ الشَّينِ قَدْ عُزِلَتْ *** كَزَهْرَةِ الخُلدِ في الأغْصَانِ مَا ذَبَلتْ(2)

و آيةُ اللَّه مِنْ قُدراتِهِ احْتَزَلَتْ *** مَعْنَى النبوةِ سرُّ الوحيِ قَدْ نَزَلَتْ

في بَيْتِ عِصمَتِها الآياتُ و السُوَرُ

في عالم الذرِّ قَبْلَ الخلقِ أَبْدَعَها *** فِي صُلب آدَمَ عِنْدَ الخَلْقِ أَوْدَعَها

أُمُّ الأئمةِ باري الكَوْنِ يَرْفَعُها *** حَوَتْ خِلالَ رَسُولِ اللَّه أَجْمَعَها

لولا الرسالةِ سَاوَى أصْلُه الثَمَرُ

أُمّ النّبي وَ مَنْ كَانَتْ له سَنَداً *** وَ ذِكْرُها سَوْفَ يَبْقَى خَالِداً أَبَداً

ويلٌ لأعدائِها ممّا جَنَوهُ غدا *** قُل للذي رَاحَ يُحْفِي فَضْلَهَا حَسَدا

وَجْهُ الحَقِيقَةِ عَنَّا كَيْفَ يَسْتَتِرُ؟!

بُشرى السَّماءِ بها الأملاكُ نازِلةٌ *** وَ عَن لِسانِ إلَهِ الحَقِّ قَائِلةٌ

أُمّ الإمامينِ بِنْتُ المَجْدِ خَالِدةُ *** في عيد ميلادِها الأملاكُ حَافِلَةُ

و الحُورُ في الجَنَّةِ العُليا لَها السُّمَرُ(3)

ص: 185


1- المقاول: مفردها: المقول، و هو اللسان.
2- في شأن تسميتها بالبتول: انظر المناقب لابن شهر آشوب، ط. قم، ج3، ص33، و إحقاق الحق للتستري، ج10 ص25.
3- السُّمَر أو السُّمَّر: الجلساء في الليل أو أصحاب السُّمر، و السِّمر: الحديث في الليل.

(47) فقه فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

الدكتور عصام عباس(*)(1)

مِنْ فقهِ فاطمةٍ قَطَفْتُ زُهُوراً *** أضفَتْ لِشِعري نفحةً و عطورا

فَهي الأطايبُ إن ذَكَرتُ صِفَاتِها *** وَ هِي التي قَد طُهُرَتْ تطهِيرا

وَ هِيَ المُحدثةُ العِليمةُ دائِماً *** ترِوي الحديثَ مُنَفَّحاً مَسطورا

و هي الثنيةُ و النقيُّ حَديثُها *** قُمْ وَارتوِ مِن کَأسِها كَافُورا

كأسٌ أُعِدَّتْ لِلبَرِيَّةٍ شُربُها *** هِيَ زَنجَبيلٌ قُدْرَتْ تَقدِيرا

بَل جَنةٌ قَدْخُلْدَتْ ولدانُها *** وُصِفوا بقولٍ لُؤلؤاً مَنْثُورا

هذا جزاءُ السائرينَ بِنهجِها *** سعياً وَ سَعِيٌ قَد غَدًا مَشْكُورا

بِرِضَائِها يَرضَى الإلهُ مَوَدَّةً *** وَ بِخَصمِها لاقى اللَّدودُ ثُبورا(2)

مَن يُعْضِبِ الزَّهراءَ يُعْضِبْ رَبَّهُ *** يَشقَى و يلقى في العذابِ سَعيرا

ص: 186


1- (*) هو الدكتور عصام عباس ولد في مدينة الشامية جنوب النجف الأشرف في منطقة الفرات الأوسط بالعراق في 1953/11/17م بعد نيله درجة الدكتوراه في العراق و من ثم هاجر إلى سورية عام 1975 م و جاور عقيلة الهاشميين السيدة زينب علیها السلام في دمشق و هو يعمل حالياً طبيباً في عيادته مقابل مقام السيدة زينب علیها السلام و كتاباته و اهتماماته اختصت في شخصية السيدة العظيمة زينب علیها السلام و منها: 1- النفحات الوراثية في العقيلة الهاشمية. 2- النفحة المحمدية يصدر بمناسبة المهرجان الولائي الذي يقيمه الدكتور بمناسبة مولد السيدة زينب علیها السلام. 3- لوامع الفصول في سيرة حفيدة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم.
2- ثبورا: الثبور، الهلاك و الخسران.

عُدْ للكساءِ مُدَقِّقَاً بِحَديثِهِ *** تَروي المساندُ نَصَّهُ المشهُورا

قولُ الإله بِها دَليلٌ واضِحٌ *** وصفَ الزَّكِيَّةَ قِمَّةً وَ ظَهُورا

فَلَما خَلَقْتُ سَمَاءَها أو أَرضَها *** لافُلكُها تَسري و جُبْنَ بُحورا(1)

إلا لِحُبِّ مُحَمَّدٍ وَ وَصِيَّهِ *** وَ الطُّهرِ وَ ابنَيها خَلَقْتُ دُهورا

سِرْ في مَحَبَّتِهِم فَذاكَ وِقَايَةٌ *** تلقى بذلكَ نَضرةً و سُرورا

إن المحبَّةَ ليسَ في أقوالنا *** بَل أن نسيرَ بنهجِهِم تَطويرا

وَ بِيَومِ مَولدِ زَهرة الطّيبِ الَّتي *** فَاحَتْ بِها الدُّنيا شَذى و عُطُورا

أحلَى التّهاني للعقيلةِ قَدَّمَتْ *** هَذِي الخلائِقُ وَردةٌ وَ زُهورا

فاتَتْ مُهَنَّقَةٌ بقيض شُعُورِها *** لكِ يا سُكينةُ بهجةً و حُبورا

في أرضِ دَاريَّا أضاءَتْ شُعلَةً *** قَبَساً منَ الآلِ الكِرامِ و نُورا(2)

لَكُمُ التَّهاني أهلَ داريَّا بِها *** وَجَدَتْ بِلادُكُمُ غِنّى وَ سُرورا

فهي ابنة الأطيابِ طه المصطفَى *** وَ عَلِيَّ مَن مَلأ الدِّيارَ عَبيرا

ص: 187


1- جُبن بحورا: يجوب البحر، يخوض فيه.
2- داريا: ضاحية من ضواحي الشام.

(48) غاب النبي الهاشمي

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

دَاجِي الضَّلالِ سَجَى بِالجَوْرِ وَ اعْتَكَرًا *** وَ لِلْوَرَى أَصْبَحَتْ أَرْبَابُهُ أَمَرَا

وَ حَرَّفُوا سُنَنَ الإِسْلامِ وَ اجْتَهَدُوا *** أَنْ لاَيُبَقُوا لَهُ عَيْناً وَ لاَ أَثَرا

فَمَا بَقِي مِنْهُ عِنْدَ المُسْلِمِينَ سِوَى *** رَسْمِ بِأَسْفَارِهِمْ يَتْلُونَهُ خَبَرا

مُعَوِّلِينَ عَلَى تَأْسِيسِ مَنْ كَتَبُوا *** يَوْمَ السَّقِيفَةِ نَقضاً لِلْهُدَى سَفَرَا

مِنْ بَعْدِمَا نَقَضُوا عَهْدَ النَّبِيِّ وَ لَمْ *** يَرْضَوْا بِمَا نُصَّ فِي الهَادِي وَمَا ذُكِرا

إِذْ قَامَ يَصْدَعُ فِي خُمَّ وَ فِي يَدِهِ *** يَدُ الوَصِيِّ عَلِيٌّ يُسْمِعُ البَشَرَا:

هَذَا عَلِيٌّ لَكُمْ بَعْدِي إِمَامُ هُدًى *** مُهَيْمِنٌ وَ وَلِيٌّ كَانَ مُشْتَهِرَا

فَإِنَّهُ حُجَّةُ البَارِي العَلِيِّ عَلَى *** مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ السَّبْعِ المِهَادِ ذَرَى(2)

مِنْ رُشْدِهِ اقْتَبِسُوا أَحْكَامَ دِينِكُمُ *** فَهُوَ الإِمَامُ الَّذِي فِيهِ الهُدَى انْحَصَرَا

مَنْ مِنْكُمُ حَادَ عَنْهُ بَعْدَ مُنْصَرَفِي *** مِنْ بَيْنِكُمْ؟ سَوْفَ يَصْلَى فِي غَدٍ سَقَرَا

عَلَيْكُمُ جَعَلَ البَارِي وِلايَتَهُ *** فَرْضاً، فَمَنْ لَمْ يُؤدِّ الفَرْضَ قَدْ كَفَرَا

***

فَحِينَ غَابَ النَّبِيُّ الهَاشِمِيُّ طَغَى *** بَحْرُ الضّلالِ عَلَى أَهْلِ العَبَا وَ جَرَى

وَ أَصْبَحَتْ بَعْدَمَا غَابَ الخِلافَةُ فِي *** أَيْدِي المُضِلَّينَ بَيْعاً عِنْدَهُمْ وَ شِرا

مِنْ مَعْشَرٍ نَقَضُوا الإِسْلامَ وَ ارْتَكَبُوا *** مِنْ ظُلم آلِ عَلِي مَرْكَباً وَعِرا

ص: 188


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- داجي: ظلام. سجى: سكن .دام الجور: الظلم. اعتكر: اشتد سواده.

وَ أَحْرَقَ ابْنُ فُلاَنٍ بَابَ فَاطِمَةٍ *** وَ ظَهْرُهَا خَلْفَ ذَاكَ البَابِ قَدْ عُصِرَا(1)

وَ خَالِدٌ رَأْسُهَا بِالسَّوْطِ قَنَّعَهُ *** حَتَّى عَلَى الْأَرْضِ قُرْطَاهَا قَدِ انْتَثَرَا

وَ حَمْلُهَا حِينَ وَافَى السَّوْطُ أَضْلُعَهَا *** مِنْ بَطْنِهَا خَرَّ سِقْطاً وَ الوَصِيُّ يَرَى

وَ اسْتَخْرَجُوا المُرْتَضَى الكَرَّارَ مُصْطَبِراً *** عَلَى الهَوَانِ فَلَوْلاَ العَهْدُ مَا صَبَرَا

يُقَادُ مِنْ مَنْزِلِ الزَّهْرَا وَ كَانَ عَلَى *** اسْتِنْصَالِ أنْفُسِهِمْ بِاللهِ مُقْتَدِرَا

وَ بِالقَطِيع يَرَى الزَّهْرَا مُقَنَّعَةً *** وَ ضِلْعُهَا كَانَ بَعْدَ الضَّغْطِ مُنْكَسِرَا

بِاللَّهِ أُقْسِمُ لَوْلا الحِلْمُ كَفْكَفَهُ *** عَلَى الثَّرَى لَمْ يُغَادِرُ مِنْهُمُ أَثَرَا(2)

فَكَانَ مِنْ حِلْمِهِ عَنْهُمْ بِهِ طَمِعُوا *** فَاسْتَهْضَمُوهُ وَ قَاسَى مِنْهُمُ الضَّرَرَا

وَ جَرَّعُوا بَعْدَهُ أَبْنَاءَهُ غُصَصاً *** مِنَ المَنَايَا فَكَانُوا لِلْوَرَى عِبَرَا(3)(4)

ص: 189


1- المهاد: الأرضين:ذرى: استتر.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي تليه إلى ما جرى في خبر باب فاطمة علیها السلام و عصرها خلف الباب انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و40 و208 و الاحتجاج ج1 ص109 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37.
3- كفكفه: صرفه و منعه.
4- القصيدة (54 بيتاً) نقلت من ديوان ملا علي آل رمضان ص66.

(49) يا محيي النفوس

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

دُنْيَاكَ حَشْرُ مَزَادِهَا أَكْدَارُ *** وَ بِهَا كُرُّوسُ الحَادِثَاتِ تُدَارُ

كُلُّ امْرِىءٍ لا بُدَّ مَا بِزَمَانِهِ *** مِنْ شَرِّهَا يُحْشِي عَلَيْهِ شِرَارُ(2)

كمْ أُمَّةٍ فِيهَا فَنَتْ وَ دِيَارُهُمْ *** أَضْحَتْ رُسُومَاً لَيْسَ فِيهَا دَارُ؟

أيْنَ القُرُونُ المَاضِيَاتُ وَ مَنْ لَهُمْ *** قَدْ دَانَتِ الأَقْطَارُ وَ الأَمْصَارُ؟

أَيْنَ الفَسَاوِرَةُ المُلُوكُ فَهَلْ تَرَى *** بِدِيَارِهِمْ مِنْهُمْ بَقِي دَیَّارُ؟(3)

رَحَلُوا عَنِ الأَوْطَانِ وَ انْتَقَلُوا إِلَى *** حُفْرٍ عَلَيْهِمْ طُبقَتْ أَحْجَارُ

أَكَلَ التَّرَابُ لُحُومَهُمْ وَ تَقَطَّعَتْ *** وَ هُمُ رَمِيمٌ - مِنْهُمُ الأَخْبَارُ(4)

فَلَسَوْتَ نَلْقَى مَا رَأَوْهُ مِنَ الفَنَا *** مَهُمَا بِنَا قَدْ طَالَتِ الْأَعْمَارُ

وَ غَداً تَرَى كُلَّ امْرِىءٍ بِمِعَادِهِ *** مَأْوَاهُ إِمَّا جَنَّةٌ أَوْ نَارُ

يَوْماً بِهِ تُطْوَى السَّمَاءُ وَ تَنْمَحِي *** فِيهِ النُّجُومُ وَ تُطْمَسُ الأَقْمَارُ

وَ بِهِ تَقُومُ النَّاسُ مِنْ أَجْدَائِهَا *** وَ هُمُ عُرَاةٌ مَا لَهُمْ أَسْتَارُ

فَإِذَا جَهَنَّمُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُهَا *** قَامَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى المُخْتَارُ

ص: 190


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يُحثي: يصب.
3- القساورة: الأسود.
4- رميم: بالٍ.

يَدْعُو وَ أَفْئِدَةُ العِبَادِ خَوَافِقٌ *** كُلُّ عَرَتْهُ ذِلَّةٌ وَ صِغَارُ

إلى أن قال:

وَ تَقُومُ فَاطِمَةٌ وَ تَصْرُخُ صَرْخَةً *** وَ دُمُوعُهَا فَوْقَ الخُدُودِ نِثَارُ

وَ تَقُولُ: يَا مُحْيِي النُّفُوسِ وَ مُحْصِيَ *** الأَنْفَاسِ أَنْتَ الخَالِقُ الجَبَّارُ(1)

فَأَنَا الَّتِي بِسِيَاطِهِمْ قَدْ قَنَّعُوا *** رَأْسِي وَ شُبَّتْ فَوْقَ بَابِيَ النّارُ(2)

وَ اسْتَخْرَجُوا الهَادِي الوَصِيَّ مُلَبَّباً *** فَلَحِقْتُهُمْ لَمَّا بِهِ قَدْ سَارُوا

ص: 191


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى وقوف الزهراء علیها السلام يوم القيامة و تشكو إلى الله سبحانه ممن ظلمها. ففي كتاب أمالي الصدوق ص25 قال ضمن حديث طويل عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة... و جبرائيل أخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم، فلايبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلاّ غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله، فتزج بنفسها عن ناقتها و تقول: الهي وسيدي احكم بيني و بين من ظلمني، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله «عزوجل»: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازاني ظلم ظالم. فتقول: الهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي محبّي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «عزوجل» ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة.
2- انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37.

أَدْعُوهُمُ وَ أَنَا أُكَفْكِفُ أَدْمُعِي *** بِيَدِي وَ لاَوَجْهِي عَلَيْهِ خِمَارُ(1)(2)

خَلُوا عَلِيَّ المُرْتَضَى الهَادِي فَذَا *** قُطْبٌ عَلَيْهِ رَحَى الوُجُودِ تُدَارُ(3)

فَرَجَعْتُ كَاظِمَةٌ وَ لَمْ يُصْغَ إِلَى *** قَوْلِي وَ عَنِّي صَدَّتِ الأَنْصَارُ

فَهُنَاكَ تُلْقَى فِي لَظِّى مَصْفُودَةٍ *** بِسَلاسِلِ أَعْدَاؤُهَا الفُجَارُ

وَ إِلَى الجِنَانِ تُزَفُّ شِيعَتُهَا وَ هُمْ *** بِيضُ الوُجُوهِ كَأَنَّهُمْ أَقْمَارُ

يَتَنَعَّمُونَ بِهَا عَلَى فُرُشِ الهَنَا *** بِاليُمْنِ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ

شَتّانَ مَنْ هُوَ فِي الجِنَانِ وَ مَمَنْ لَهُ *** يَوْمَ القِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ دَارُ

فَإِذَا اسْتَغَاثَ مِنَ العَذَابِ تَغَلَّظَتْ *** وَ تَسَعَّرَتْ غَیْظاً عَلَيْهِ النَّارُ

ثُمَّ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** مَا جَنَّ لَيْل وَ اسْتَنَارَ نَهَارُ(4)

ص: 192


1- أكفكف: أمسح مرَّة بعد مرَّة. خمار: ما تستر به المرأة وجهها. و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى خروج الزهراء علیها السلام خلف الإمام علیه السلام حين أخرجوه ملبياً إلى البيعة . ففي كتاب البحار ج28 ص227 ضمن رواية طويلة قال: قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم. فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليها» أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف، ثم دخلوا فأخرجوا علياً مليباً فخرجت فاطمة علیها السلام الا فقالت يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي؟ والله لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي، و لآتين قبر أبي، و لأصيحنَّ إلى ربي ، فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم و ذكرها العياشي في تفسيره ج2 ص67.
2- و في هذا البيت يشير الشاعر إلى ما ورد في خطبة الزهراء علیها السلام، من حث الأنصار على نصرتها و عدم استجابتهم لذلك . ففي كتاب الاحتجاج ج1 ص139 حيث جاء في خطبتها علیها السلام «يا معشر النقيبة و أعضاد الملة و حضنة الاسلام ما هذه الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبي يقول: «المرء يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا اهالة و لكم طاقة بما أحاول و قوة على ما أطلب وأزاول أتقولون مات محمد صلى الله عليه و آله و سلم فخطب جليل... إلى أن تقول «أيهاً بني قيلة أهضم تراث أبي و أنتم بمرأى مني و مسمع و منتدى و مجمع تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدد و العدة و الأداة و القوة و عندكم السلاح و الجنّة توافيكم الدعوة فلاتجيبون و تأتيكم الصرخة فلاتغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح و معروفون بالخير و الصلاح و النخبة التي انتخبت و الخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت علیهم السلام...» الخ الخطبة.
3- إشارة إلى ما روي من أن الزهراء علیها السلام تشفع لشيعتها يوم القيامة. و انظر كتاب فوائد الكراكجي ج2 ص150 و كتاب دلائل الإمامة ص57 و كتاب أمالي الصدوق ص25 و البحار ج43 ص219.
4- ديوان ملا علي آل رمضان ص181.

(50) معدن القدس

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

مِنْ مَعْدِنِ القُدْسِ قَدْ فَازَتْ بِتَطْهِيرِ *** نَوْرَاءُ يَجْلُو سَنَاهَا كُلَّ دَيْجُورٍ(2)

مِنْ ذُرْوَةِ المَجْدِ مِنْ عُلْيَا قُرَيْشٍ وَ مِنْ *** فِهْرٍ أُولي الشَّرَفِ السَّامِي الجَمَاهِيرِ

مِنْ هَاشِمِ الغُرْ فِي بَحْبُوحٍ بَجْدَتِهَا *** مِنْ غَالِبِ الغُلْبِ وَ الأسْدِ المَغَاوِير(3)

مِنْ بَيْتِ طَهَ رَسُولِ اللَّهِ أَشْرَفِ خَلْقِ *** اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ وَ مَقْدُورِ

هذِي البَتُولُ ابْنَةُ الهَادِي الرَّسُولِ بَدَتْ *** حَوْرَاء إِنْسِيَّةً صِيغَتْ مِنَ النُّورِ(4)

لَهَا غَدَتْ جُمْلَةُ الأَمْلاكِ فِي المَلأِ *** الأَعْلَى تَضِجُّ بِتَهْلِيلٍ وَ تَكْبِيرِ

تَنَزَّلُوا مِنْ سَمَا الدُّنْيَا لأَحْمَدَ كَي *** يُهَنِّثُوهُ بِتَقْدِيرٍ وَ تَبْشِيرِ

بُشْرَاكَ أَحْمَدُ بِالزَّهْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** أُمِّ المَيَامِينِ مَنْ فَازَتْ بِتَطْهِيرِ

شَفِيعَةُ المَحْشَرِ المَرْهُوبِ مَوْقِفُهُ *** مُطَاعَةٌ بَيْنَ مَنْهىٍّ وَ مَأْمُورِ(5)

ص: 193


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يجلو: يكشف أو يعلو. سناها: ضوؤها. ديجور: ظلام.
3- الغرَ: الكرام الأفعال، السادة الشرفاء. بحبوح: وسط. بجدتها: باطنها و حقيقتها. المغاوير: الكثيرو الغارات كناية عن شجاعتهم.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة غضوا أبصاركم لتجوز: فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم مع قميص مخضوب بدم الحسين علیه السلام فتحتوي على ساق العرش فتقول: أنت الجبار العدل اقض بيني و بين من قتل ولدي فيقضي الله لبنتي و رب الكعبة ثم تقول: اللهم شفّعني فيمن بكى على مصيبته فيشفّعها الله فيهم.

مَعْصُومَةُ القَوْلِ لاَكِذْبٌ وَ لاَخَطَأُ *** قَوَّالَةُ الفَصْلِ مَا بَيْنَ الجَمَاهِيرِ

إِذَا حَكَتْ أَشْبَهَتْ طهَ بِمَقُولِهَا *** وَ فِي الخَلَائِقِ تَحْكِيهِ بِتَصْويرِ

فَاقَتْ عَلَى مَرْيَم فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ *** فِي الفَضْلِ فِي الزُّهْدِ فِي الإِيثَارِ فِي النُّورِ(1)

وَ فِي الطَّهَارَةِ وَ التَّقْدِيسِ عَالِمَةٌ *** بِكُلِّ أَمْرٍ جَرَى فِي اللَّوْحِ مَسْطُورِ

بِأَحْمَدَ سَيْدِ الكَوْنَيْنِ وَالِدِهَا *** قَدْ حَازَتِ الْفَحْرَ فِي كُلِّ الأَعَاصِيرِ(2)

ص: 194


1- لعله مما يشير إلى بعض مضمونه ما ورد في تفسير فرات الكوفي، ج1 ص83 في تفسير قوله تعالى: «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» [آل عمران الآية 37]. عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي بن أبي طالب علیه السلام ذات يوم قال: يا فاطمة علیها السلام عندك شيء تغذينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبَّوة و أكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء تغتذيه. فخرج علي علیه السلام من عند فاطمة علیها السلام واثقاً بالله بحسن الظن، فاستقرض ديناراً فبينما الدينار بيده يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم فلقيه المقداد بن الاسود فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع فانهملت عينا علي علیه السلام بالبكاء و قال له: قد استقرضت ديناراً فهاكه فقد آثرتك على نفسي، فرجع علي فوجد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جالساً و فاطمة علیها السلام تصلّي و بينهما شيء مغطى فلما فرغت احضرت ذلك الشيء فاذا حفنة من خبز و لحم قال: یا فاطمة علیها السلام انى لك هذا؟ قالت: هو من عندالله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب... ثم استعبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم باكياً ثم قال: الحمد لله الذي هو ابى لكم ان تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما هذا يا علي في المنازل الذي جزى فيها زكريا علیه السلام و يجزيك يا فاطمة علیها السلام في الذي أجزيت فيه مريم بنت عمران.
2- الازهار الأرجية في الآثار الفرجية ج11 ص225.

(51) العصمة الكبرى

(بحر الطويل)

الشيخ علي بن حسن الجشي

بِمَوْلِدِ بِنْتِ المُصْطَفَى لَكُمُ البُشْرَى *** فَذِي نِعَمُ البَارِي عَلَيْكُمْ بِهَا تَتْرَى(1)

فَحَقُّ لَكُمْ أَنْ تَعْقِدُوا نَادِيَ الهَنَا *** بِذِكْرِ أَيَّادِيهَا وَ أَوْصَافِهَا الغَرَّا

وَ لَنْ تَسْتَطِيعَ الخَلْقُ إِحْصَاءَ فَضْلِهَا *** كَمَا لَمْ يُحِيطُوا بِالَّذِي قَدْ حَوَتْ خُبْرَا(2)

وَ هَيْهَاتَ أَنْ يُحْصُوا أَبَادِي كَرِيمَةٍ *** لِخَلْقٍ جَمِيعِ الكَائِنَاتِ غَدْتَ سِرَا

فَمَا فِي نِسَاءِ العَالَمِينَ مُمَاثِلٌ *** إِلَيْهَا وَ لاَشَبَهُ وَ لامَرْيَمُ العَذْرَا

وَ هَلْ فِي نِسَاءِ العَالَمِينَ نَظِيرُهَا *** فَمَنْ ذَا تَرَى مِنْهُنَّ إِنْسِيَّةٌ حَوْرَا(3)

وَ خَيْرُ نِسَاءِ العَالَمِينَ تَنَزَّلَتْ *** إِلَى الْأَرْضِ فِي بِشْرِ لِكَيْ تُقْبِلَ الزَّهْرَا

وَ مَرْيَمُ عِيسَى أَعْقَبَتْ وَ هْيَ أَعْقَبَتْ *** هُدَاةٌ يَرَى عِيسَى اتِّبَاعَهُمُ فَخْرا

وَإِنْ تَكُ نَادَتْهَا المَلائِكُ بِاصْطِفَا *** إِلَيْهَا وَ تَطْهِيرٌ لَهَا أَوْجَبَ الفَخْرَا

فَفَاطِمُ نَادَتْهَا بِذَاكَ وَ أَيْنَ مَا *** بِهِ نُودِيَتْ مِمَّا بِهِ نُودِيَتْ قَدْرَا

فَسَلْ آيَةَ التّطْهِيرِ عَنْ فَضْلِ فَاطِمٍ *** فَقَدْ أُعْطِيَتْ مِنْ رَبِّهَا العِصْمَةَ الكُبْرَى(4)

ص: 195


1- تترى: تتابع.
2- خُبرا: تجربة و اختباراً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيّها عن النار، ذكره أيضاً ابن حجر في صواعقه ص96 و قال: أخرجه النسائي.
4- إشارة إلى قوله تعالى:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [ سورة الأحزاب آية:/33] فقد روي في كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147: خرج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (أقول) و رواه البيهقي أيضاً في سننه ج2 ص149 و رواه ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.

هِيَ العِصْمَةُ الكُبْرَى الَّتِي اللَّهُ مَا حَبَا *** بِهَا غَيْرَ طَهَ وَ الوَصِيِّينَ وَ الزَّهْرَا

فَلَوْلاً عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ لِلْبَتُولِ مِنْ *** شَبِيهِ وَ كُفْو مِنْ بَنِي آدَم طُرَا(1)

فَكُلِّ بَرَاهُ اللَّهُ مِنْ نُورٍ أَحْمَدٍ *** فَكُلِّ بِكُلِّ حَيْثُ شَابَهَتْ أُحْرَى(2)

لَعَمْرُكَ مَا الدُّنْيَا سِوَى عُمْرِ سَاعَةٍ *** حَوَتْ مَكْرُمَاتٍ لاَتُحِيطُ بِهَا خُبْرَا

وَمَا هِيَ إِلا سَاعَةٌ شَمْلُ حَيْدَرٍ *** بِفَاطِمَ مَجْمُوعٌ فَقَدْ طَوَتِ الدَّهْرَا

هِيَ النُّورُ مِنْ نُورٍ وَ بِالنُّورِ زُوِّجَتْ *** تَبَارَكَ رَبِّ فِيهِمَا جَمَعَ الخَيْرَا

فَنُورُ عَلِيٌّ قَدْ غَشَىٰ نُورَ فَاطِمٍ *** فَأَوْلَدَهَا نَجْماً وَ أَعْقَبَهَا بَدْرا

أَضَاءَتْ بِهَا الأَكْوَانُ وَ الْأَرْضُ وَ السَّمَا *** قَدِيماً وَ فِي الدُّنْيَا وَ فِي النَّشْأَةِ الأُخْرَى

وَ مَا زَالَ فِي الأَدْوَارِ يُشْرِقُ نُورُهَا *** وَ مِنْ أَجْلِ ذَاكَ النُّورِ سُمِّيَتِ الزَّهْرَا(3)

كَمَا اللَّهُ سَماهَا بِفَاطِمَ إِذْ قَضَى *** بِفَظم مُحِبيها مِنَ النَّارِ فِي الأُخْرَى(4)

بِأَمْ أَبِيهَا كُنْيَتْ إِذْ بِفَاطِمٍ *** بَقِيَ ذِكْرُهَا فِي النَّاسِ وَ المَلةِ الغَرّا(5)

عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّهِ تَشْرَى مُسَلِّماً *** كَمَا لَمْ تَزَلْ فِي الخَلْقِ أَيْدِيَكُمُ تَتْرَى(6)

ص: 196


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني ان اللَّه زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك (أقول) و روى أيضاً كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم: إن اللَّه أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
2- براه: خلقه.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب بحار الأنوار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فكلّم اللَّه جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء» لأن نورها زهرت به السموات.
4- انظر كنز العمال ج6 ص219.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص520 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: و كانت فاطمة علیها السلام تكنى أم أبيها.
6- نقلاً من ديوان الشيخ علي بن حسن الجشي ص76.

(52) وديعة طه

(بحر الخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

مَا لِقَلْبِي مِنْ بَعْدِ فَقَدِ النَّذِيرِ *** مِنْ سُلُوِّ عَلَى مُرُورِ الدُّهُورِ

هُوَ يَوْمٌ نَعَامَةُ العِزَّ شَالَتْ *** فِيهِ عَنْ آلِهِ حِمَى المُسْتَجِيرِ

نَبَذَ القَوْمُ نَصَّهُ وَ الوَصَايَا *** فِيهِمُ ضَلَّةً وَرَاء الظُّهُورِ

وَ تَنَاسَوْا وَصِيَّةَ اللَّهِ فِيهِمْ *** وَ وَصَايَا طهَ وَ يَوْمَ الغَدِير

فَارْتَقَوْا مُرْتَقَى عَظِيماً وَ هَمُّوا *** بِهُمُومٍ مَسْتُورَةٍ فِي الضَّمِيرِ

وَ لَعَمْرِي مَا أَسْلَمَ القَوْمُ رُشْداً *** أَوْ أَجَابُوا الهُدَى نِدَاءَ البَشِيرِ

بَلْ لِغَايَاتِهَا الَّتِي أَمَّلَتْهَا *** فَسَعَتْ سَعْيَهَا لِتِلْكَ الْأُمُورِ

سَلْ دِباباً قَدْ دَحْرَجُوهَا لِمَاذَا *** وَ لْتُسَلْ مِنْ صَحِيفَةِ التَّأْمِيرِ(1)

وَ لِمَاذَا عَادُوا عَنِ الجَيْشِ حَتَّى *** أَلْحَقُوا فِتْنَةٌ لِيَوْمِ النُّشُورِ

لَمْ يَقُولُوا: النَّبِيُّ يَهْجُرُ إِلاَّ *** خَوْف إِفْسَادِ كَيْدِهَا المَسْتُورِ

عَجَباً مِنْ عِصَابَةٍ رَكِبَتُ فِي *** نُصْرَةِ الدِّينِ كُلَّ أَمْرٍ خَطِيرِ

عَدَلُوا عَنْ مُحَمَّدٍ فَعَلِيٍّ *** نَفْسٍ طهَ وَ بَايَعُوا ابْنَ الأجِيرِ

بِأَبِي الصَّابِرُ المُلَبَّبُ لَمَّا *** أَخَذُوهُ مِنْ بَيْتِهِ كَالأَسِيرِ

جَرَّأَ القَوْمَ حِلْمُهُ وَ الوَصَايَا *** وَ ضَلاَلُ الوَرَى وَ غِلُّ الصُّدُورِ

لوْ بِهِمْ هَمَّ لَمْ يُفْدِهُمْ لَفِيفٌ *** وَ مَتَى اقْتَادَتِ القَطَا لِلصُّقُورِ

ص: 197


1- دباباً: آنية الزيت و غيره و لعله كناية عن إرسال ما يزحلق القدم عن الطريق.

وَ ابْنَةُ المُصْطَفَى تُنَادِي بِقَلْبٍ *** خَافِقٍ مِنْ صَنِيعِهِمْ مَذْعُورِ(1)

أَأَمِنْتُمْ لَمَّا صَبَرْتُ وَ رُمْتُمُ *** ضَلَّةٌ تَقْتُلُونَ خَيْرَ أَمِيرِ؟

لَكُمُ الوَيْلُ كَيْفَ يُحْمَدُ صَبْرِي *** عَنْ عَلِيِّ نَفْسِ النَّبِيِّ البَشِيرِ

ضُبعَتْ بَعْدَهُ وَ دِيعَةُ طَهَ *** يَا بِنَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ مِنْ نَصِيرِ

فَقَدَتْ أحمداً وَ أَضْحَتْ تُقَاسِي *** مِحناً قَدْ أَذَيْنَ صُمَّ الصُّخُورِ(2)

أوذِيَتْ صُغِّرَتْ مَقَاماً أُريعَتْ *** ضُرِبَتْ جَهْرَةً وَ لاَ مِنْ مُجِيرِ(3)

لاَتَسَلْنِي عَنِ الجَنِينِ لِمَاذَا *** أَسْقَطَتْهُ أَوْ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ(4)

قُلْ إِلَى الضّلْع بَعْدَ كَسْرِكَ قَلْبِي *** مَا لَهُ جَابِرٌ لِيَوْمِ النُّشُورِ

قَدْ جَفَوْهَا وَلَيْتَهُمْ تَرَكُوهَا *** فِي فَنَاهَا تَبْكِي لِفَقَدِ النَّذِيرِ

لَسْتُ أنْسَى أَرَاكَةٌ قَطْعُوهَا *** إِذْ تَفَيَّتْ بِهَا بِوَقْتِ الهَجِيرِ(5)

مُنِعَتْ نِحْلَةً وَ إِرْثاً بِقَوْلٍ *** زَوَّرُوهُ وَ رَمْيَهَا بِالزُّورِ(6)

ص: 198


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من بلاء و ذعر من جراء الهجوم على الدار و مناداتها لأبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. انظر سليم بن قيس ص208 و عوالم العلوم ج2 ص626 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.
2- صُمّ الصخور: صلابها.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من الأذى و الضرب. و قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه. انظر كتاب سليم بن قيس ص208، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج، ح1 ص109. و كثير غيره في قصائد أخرى فراجع.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما مرَّ من إسقاط جنينها المحسن و كسر ضلعها «سلام الله عليها» انظر کتاب سلیم بن قيس ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
5- الهجير: وقت اشتداد حرِّ الشمس.
6- نحلة: مهر و صداق. و في هذا البيت إشارة إلى ما مر من منعهم الزهراء(سلام الله عليها) حقها في إرثها و تكذيبها بحديث مزور عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. انظر مسند أحمد 9/1 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج11/2 ص626. و ج1 ص13 عن مسند أحمد أيضاً. و كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص232.

كَيْفَ تَأْتِي كِذْباً وَ تَجْهَلُ حَقّاً *** وَ هْيَ مِنْ أَهْلِ آيَةِ التَّطْهِيرِ؟(1)

وَ لَمَا نَالَها مِنَ الذُّلُّ أَمْسَتْ *** تَتَمَنَّى حُلُولَهَا فِي القُبُورِ

رَبِّ نَشْكُو إِلَيْكَ فُقَدَانَ طَهَ *** وَ اخَتِفَاءَ المُغَيَّبِ المَسْتُور

يَا بْنَ شُمِّ الأُنُوفِ يَا مُدْرِكَ الثَّاْرِ *** وَ مُرْوِي الظُّبَا بِفَيْضِ النُّحُورِ

أَوَ تُغْضِي وَفَيْئُكُمْ عَادَ نَهْباً *** بَيْنَ رجسٍ وَ كُلِّ وَغْدٍ حَقِيرِ؟

أوَ تُغْضِي وَ فَاطِمْ قَدْعَرَاهَا *** مَا عَرَاهَا وَ أَنْتَ خَيْرُ نَصِيرِ؟

قَدْ دَهَاهَا مَا نَغَّصَ العَيْشَ حَتَّى *** لَمْ تَجِدْ بَهْجَةً وَ يَوْمَ سُرُورِ(2)

أَنْتَ أَدْرَى بِمَا دَهَاهَا وَلَكِنْ *** ضَاقَ صَدْرِي عَنْ كَتْمِهِ فِي الضَّمِيرِ

لَسْتُ أَدْرِي مَاذَا أَبْثُّكَ مِمَّا *** قَدْ عَرَاهَا مِنْ كُلِّ خَطْبٍ كَبِيرِ؟

غُصِبَتْ جَهْرَةٌ وَ أُخْفِيَ قَبْرٌ *** ضَمَّهَا خَوْفَ كُلِّ رِجْسِ كَفُورِ

ما اكْتَفَتْ بالأَذَى حَيَاةً فَهَمُّوا *** حِينَ مَاتَتْ بِنَبْشِهَا فِي القُبُورِ

أَمِنَ العَدْلِ أَنَّ بَضْعَةَ طَهَ *** قَبْرُهَا لَمْ تَجِدْ بِهِ مِنْ خَبِيرِ؟

لَيْسَ يَدْرِي بِقَبْرِهَا زَائِرُوهَا *** فَتَرَاهُمْ فِي حَسْرَةٍ وَ زَفِيرِ(3)

ص: 199


1- في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء(سلام الله عليها) أحد الخمسة المطهَّرين بنص الآية المباركة في سورة الاحزاب. انظر كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209 و الطحاوي في مشكل الآثار ج1 ص335 و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12 كما في كتاب فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج1 ص271. و جاء ضمن حديث الكساء المروي في كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص933.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من الحزن و الأسى حيث لم تُرَ مسرورة بعدما أصابها من الأذى؛ انظر كتاب البحار ج43 ص195 و ص201 و كتاب عوالم العلوم ج2 ص1080.
3- يشير الشاعر في هذه الابيات الاربعة إلى اخفاء قبر الزهراء علیها السلام و محاولة نبشه من قبل القوم. ففي عيون المعجزات كما في البحار ج43 ص212 ح41 قال: روي أنَّ فاطمة علیها السلام توفيت و لها ثمان عشرة سنة و شهران و أقامت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً و روي أربعين يوماً، و تولّى غسلها و تكفينها أميرالمؤمنين علیه السلام و أخرجها و معه الحسن و الحسين علیهما السلام في الليل، و صلوا عليها و لم يُعلم بها أحد و دفنها في البقيع و جدد أربعين قبراً فاستشكل على الناس قبرها فأصبح الناس و لام بعضهم بعضاً و قالوا: إن نبينا صلي الله علیه و آله و سلم خلَّف بنتاً و لم نحضر وفاتها و الصلاة عليها و دفنها و لانعرف قبرها فنزورها. فقال من تولى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة علیها السلام فنصلي عليها و نزور قبرها، فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه و قد تقلَّد سيفه ذا الفقار حتى بلغ البقيع و قد اجتمعوا فيه فقال علیه السلام: لو نبشتم قبراً من هذه القبور لوضعت السيف فيكم فتولّى القوم عن البقيع.

لاتَلُمْهَا فِي نَوْحِهَا إِنَّ أَشْجَى *** مَا عَلَى الزَّائِرِينَ فَقَدُ المَزُورِ

لَوْ تَرَاهُمْ عِنْدَ الإِيَابِ حَيَارَى *** دَابُهَا بَثُّ نَفْثَةِ المَصْدُورِ(1)

ص: 200


1- ديوان الشيخ علي بن حسن الجشي ص86.

(53) دع تفاصيل ما جرى

(بحر الخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

مَا لَنَا بَعْدَجَحْدِيَوْمِ الغَدِيرِ *** وَ اغْتِصَابِ الوَصِي يَوْمُ سُرُورِ

يَا لَهَا فِتْنَةً تَفَرَّعَ مِنْهَا *** كُلُّ شَرٍّ عَلَى مُرُورِ الدُّهُورِ

فِتْنَةً ضَلَّ فِي ظَلَاَمِ دُجَاهَا *** جُمْلَةُ الخَلْقِ غَيْرُ نَزْرٍ يَسِيرِ

كَفَرُوا بِالإلهِ أَمْ بَعُدَ العَهْدُ *** عَلَيْهِمْ أَمْ جَاءَ غَيْرُ نَذِيرِ

أَوْ هَلْ جَابِرٌ لِكَسْرِ الهُدَى أَمْ *** هَلْ مُغِيثٌ لَهُ وَ هَلْ مِنْ مُجِيرِ؟

رَبِّ قَرِّبْ وَقْتَ الظُّهُورِ فَقَدْ *** طَالَ عَلَيْنَا انْتِظَارُ وَقْتِ الظُّهُورِ

مَا ابْنُ تَيْمِ وَ مَا الخِلَافَةُ أَيْنَ *** اللَّيْلُ مِنْ نُورٍ فَجْرِهَا المُسْتَطِيرِ؟(1)

أَفَمَنْ كَانَ عَنْ برَاءَةِ مَعْزُو *** لابِأَمْرٍ مِنَ السَّمِيعِ البَصِيرِ

يَرْتَضِيهِ الإِ لهُ مِنْ بَعْدِطه *** خَلَفَاً عَنْهُ فِي جَمِيعٍ الأُمُورِ

مَا لِقَوْمٍ ضَلُّوا عَنِ الرُّشْدِ سَارُوا *** بَيْنَ صُبْحِ الرَّشَادِ وَ الدَّيْجُورِ(2)

بَلْ قَفَوْا إِثْرَ قَوْم مُوسَى فَتَاهُوا *** وَ الهُدَى لأَحَ فِي الضَّلالِ الكَبِيرِ

عَزَلُوا المُرْتَضَى وَ سَامُوهُ ضَيْماً *** إِذْ أَبَى إِمْرَةَ المُضِلَّ الكَفُورِ

لَيْسَ هَارُونُ كَالوَصِيِّ ابْتِلاءً *** بَعْدَ مُوسَى إِذْ لَمْ يَجِدْ مِنْ نَصِيرِ

إنْ يَكُونُوا قَدْ خَالَفُوهُ فَهَذَا *** قَدْ دَعَوْهُ لِبَيْعَةٍ وَ حُضُورِ

أَوْ يَهُمُّوا بِقَتْلِهِ فَعَلِيٌّ *** قَتَلَتْهُ فِي كَيْدِهَا المَسْتُورِ

ص: 201


1- المستطير: الساطع المنتشر.
2- الديجور: الظلام.

مَا المُرَادِيُّ عِنْدَ ذِي الرُّشْدِ لَوْلاَ *** فِتْنَةُ القَوْمِ بَعْدَ فَقَدِ النَّذِير؟

أَسَّسُوا ظُلْمَهُ عِنَاداً وَ أَغْرَوْا *** لَهُمُ الوَيْلُ كُلَّ كَلْبٍ عَقُورِ(1)

بَلْ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِقُوا البَيْتَ حَتَّى *** لاَيُرَى ذَاكِرٌ لِخَيْرِ بَشِيرِ(2)

فَأَبَى اللَّهُ ذَلِكُمْ حَيْثُ فِيهِ *** مَنْ هُمُ عِلةُ البَقَا وَ الصُّدُورِ

وَ هُوَ بَيتٌ عِندَ المُهَيْمِنِ ضَاهَى *** شَانُهُ شَانَ بَيْتِهِ المَعْمُورِ

لَمْ يَكُنْ جِبْرَئِيلُ يَدْخُلُ إِلاَّ *** بَعْدَ إِذْنِ مِنْ أَهْلِهِ فِي الحُضُورِ

يَا بْنَ عَمِّ النَّبِيِّ صَبْرُكَ أَنْسَى *** صَبْرَ أَيُّوبَ فِي قَدِيمِ الدُّهُورِ

ضَاقَ ذَرْعاً بأَمْرِ رَحْمَةٍ لَمَّا *** جَزَّتِ الشَّعْرَ شَاكِياً لَلخَبِيرِ

وَ أَرَاكَ اصْطَبَرْتَ وَ القَوْمُ آذَوْا *** فَاطِمَاً فِى عَشِيِّهَا وَ الْبُكُورِ

أَمِنَ الصَّبْرِ كَانَ قُلْبُكَ آت *** لاأَرى يَسْتَطِيعُ قَلْبُ صَبُورِ

دَخَلُوا دَارَهَا وَ لَيْسَ عَلَيْهَا *** مِنْ قِنَاعَ وَ الحِقْدُ مِلْءُ الصُّدُورِ(3)

وَ عَلَى مَتْنِهَا السِّيَاطُ تَلَوَّتْ *** حَيْثُ لاَدَافِعٌ وَ لا مِنْ مُجيرِ(4)

يَا لَهَا مِنْ عَدَاوَةٍ أَظْهَرُوهَا *** وَ هُيَ مِنْ قَبْلُ فِي سُوَيْدا الضَّمِيرِ(5)

دَعْ تَفَاصِيلَ مَا جَرَى فَبَيَانِي *** بَعْضُ مَا كَانَ نَفْثَةَ المَصْدُورِ

مَا سَمِعْنَا مِنْ قَبْلُ بِنْتَ نَبِيَّ *** أُوذِيَتْ كَالبَتُولِ بَعْدَ النَّذِيرِ

عُصِرَتْ أُسْقِطَتْ أُضِيعَتْ ذِماماً *** غُصِبَتْ كُذِّبَتْ بِإِفْكِ وَ زُورِ(6)

ص: 202


1- عقور: مجروح.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إرادة القوم حرق دار الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 208 و ص36 و كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخولهم الدار على الزهراء علیها السلام و ليس عليها قناع. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39.
4- يشير في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسياط حين هجومهم على الدار. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص6 و ص40 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. انظر کتاب سلیم بن قيس ص208.
5- سويدا الضمير: حبة القلب.
6- و في هذا البيت إشارة إلى اسقاط جنين الزهراء (سلام الله عليها) و غصب فدك منها. أما إسقاط جنينها علیها السلام انظر كتاب سليم بن قيس ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج ج109/1. أما غصب فدك و تكذيبها في حديث موضوع فانظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 /300 كما في عوالم العلوم ج2 / 11 ص626 و كتاب النهج لابن أبي الحديد ج232/16 و مسند أحمد بن حنبل ج13/1 . و العوالم ج2/ 11 ص631 أیضاً.

جَحَدُوا آيَةَ الطَّهَارَةِ فِيهَا *** بَعْدَ عِلْمٍ كَجَحْدِهِمْ لِلْغَدِيرِ(1)

دَخَلُوا الدَّارَ أَضْرَمُوا النَّارَ قَادُوا *** حَيْدراً بِالنَّجَادِ قَوْدَ الأسيرِ(2)

وَ أَرَادُوا قَتْلَ الوَصِيِّ فَأَضْحَى *** قَلْبُهَا مِثلَ طَائِرٍ مَذْعُورِ

وَ عَرَاهَا الذُّهُولُ عَمَّا عَرَاهَا *** مِنْ سُقُوطٍ وَ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ

فَعَدَتْ خَلْفَهُ تَقُولُ دَعُوهُ *** وَ هْيَ تَكْلَى تَدْعُو بِدَمْعٍ غَزِيرِ

إنَّ قَلبي وَ إِن تَحَمَّلَ لَكِنْ *** لَيْسَ قَلْبِي عَنْ حَيْدَرٍ بِصَبُورِ

فَدَعُوهُ أَوْ أَنْشُرَ الشَّعْرَ أَدْعُو *** بَعْدَ كَشْفِ القِنَاعِ بِالتَّدْمِيرِ(3)

ثُمَّ أَمَّتْ قَبْرَ النَّبِيِّ لِتَشْكُو *** قَوْمَهُ يَا لِقَلْبِهَا المَفْطُورِ(4)

يَا حَبِيبَ الإِلَهِ قَوْمُكَ أَبْدَوْا *** مُذْ فَقَدْ نَاكَ مُضْمَرَاتٍ الصُّدُورِ

عَزَلُوا حَيْدَراً وَ قَادُوهُ قَسْراً *** لابْنِ تَيْمِ وَ لَمْ يَجِدْ مِنْ نَصِيرِ

غَصَبُوا نِحْلَتِي وَ رَدُّوا شُهُودِي *** مَنَعُونِي إرْنِي بِكِذْبٍ وَ زُورِ(5)

ص: 203


1- و في هذا البيت إشارة إلى نزول آية التطهير في الخمسة أصحاب الكساء و الزهراء علیها السلام. انظر كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209، و مشكل الآثار للطحاوي ج1 335، و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12 نقلاً عن فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص271 و ذكره العسقلاني في الإصابة ج4 ص378.
2- نجاده: حمائل سيفه. و في هذا البيت إشارة إلى إضرام النار في بيت الزهراء (سلام الله عليها) انظر كتاب سليم بن قيس ص208.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى دفاع الزهراء علیها السلام، انظر كتاب الكافي ج1 ص490 سليم بن قيس الهلالي ص37.
4- و في هذا البيت إشارة إلى شكوى الزهراء(سلام الله عليها) إلى أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام ورد شهودها. انظر مسند أحمد ج1 ص9، و السنن الكبرى ج6 ص300، كما في عوالم العلوم ج2 ص626، و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية للحلبي ج3 ص487.

كَرِهُوا أَنْ أُقِيمَ فِيهِمْ فَقَالُوا *** لِي آذبُيْنَا بِطُولِ الزَّفِيرِ

مَنَعُونِي مِنَ البُكَاءِ لأَقْضِي *** بِالجَوَى إِنْ كَتَمْتُهُ فِي الضَّمِيرِ(1)

وَ كَسَاهَا المُصَابُ أَثْوَابَ حُزْنٍ *** مَا اكْتَسَتْ بَعْدَهَا ثِيَابَ سُرُورِ(2)

قُلْ لِبَيْتٍ الأَحْزَانِ بَعْدَكَ حُزْنِي *** مُسْتَمِرٌ عَلَى امْتِدَادِ الدُّهُورِ(3)

ص: 204


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما لاقته الزهراء علیها السلام لامن الحزن. انظر كتاب البحار ج43 ص 195 و ص201 ، و كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص1080. و كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص787 و المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص119 و قال ابن شهر آشوب في ج3 ص322: رأس البكائين ثمانية: آدم و نوح ويعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين علیهم السلام. قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة. فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك، إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي.
2- انظر كتاب البحار ج43 ص177.
3- رياض المدح و الرثاء ص415 ديوان الشيخ علي بن حسن الجشي ص79.

(54) أم الفضائل

(بحر الوافر)

علي بن حماد العدوي العبدي(*)(1)

لَعَمْرُكَ يَا فَتَى يَوْمِ «الغَدِيرِ» *** لأنْتَ المَرْءُ أَوْلَى بِالأُمُورِ(2)

ص: 205


1- (*) هو أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد الله بن حماد العدوي العبدي البصري، و كان حماد والد المترجَم له أحد الشعراء أهل البيت علیهم السلام كما ذكره ولده بقوله: و إن العبد عبدكم عليّاً *** كذا حمّاد عبدكم الأديب رثاكم والدي بالشعر قبلي *** و أوصاني به أن لا أغيب قال الشيخ الأميني: جمع العلامة السماوي شعره في أهل البيت علیهم السلام فكان يربو على (2200) بيتاً و لم نقف على تاريخ ولادة ابن حماد و وفاته، غير أن النجاشي الذي أدركه و رآه لم يرو عنه، ولد في صفر سنة (372 ه_) و شيخه الذي يروي عنه و هو الجلودي البصري توفي في 17 من ذي الحجة سنة (332 ه_) فيستدعي التاريخان أن تكون ولادة المترجَم له في أوائل القرن الرابع ووفاته في أواخره. و المترجَم له، علم من أعلام الشيعة و فذَّ من علمائها و شعرائها و من حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق و نظرائه. و قال القمي في الكنى و الألقاب: أبوالحسن علي بن عبيد الله بن حماد العدوي الشاعر البصري من أكابر علماء الشيعة و شعرائهم و محدثيهم و من المعاصرين للصدوق و نظرائه. ملاحظة: هنالك جماعة من الأدباء و العلماء يعرفون بابن حماد و هم: 1- أبوالحسن علي بن حماد البصري الذي مرَّ ذكره. 2- الشيخ كمال الدين بن حماد الواسطي أحد مشاهير العلماء في أواخر القرن السابع الهجري. 3- علي بن حماد البصري الشاعر المشهور من المتأخرين. 4- محمد بن حماد الحلي ذكره الخاقاني في شعراء الحلة قال: هو أبوالحسن محمد ابن حماد الحلي و قبره قريب من قبر الخليعي.
2- قال الأميني: بيان في هذه القصيدة إيعاز إلى جملة من فضائل أميرالمؤمنين علیه السلام منها حديث المواخاة الذي أسلفناه في ج3 ص112-125 و قصة المباهلة و أنه فيها نفس النبي ج3 الأقدس بنص من الكتاب في قوله تعالى: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» [آل عمران الآية 61]. و منها حديث العين أخرجه الحافظ ابن السمان في الموافقة و عنه محب الدين الطبري في رياضه ج2 ص228: أن عمر أقطع علياً علیه السلام بنبع ثم اشترى أرضاً إلى جنب قطعته فحفر فيها عيناً فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء فأتي علي علیه السلام فبشر بذلك فقال: بشِّروا الوارث، ثم تصدَّق بها. الحديث. و بهذا اللفظ يوجد في كتاب (الامام علي علیه السلام) تأليف الشيخ محمدرضا المصري ص17. و قال ابن أبي الحديد في شرحه ج2/ 120: جاء في الأثر: أن أميرالمؤمنين علیه السلام جاءه مخبر فأخبره: ان مالاً له قد انفجرت فيه عين خرّارة يبشره بذلك. فقال: بشِّر الوارث. بشَّر الوارث يكررها ثمَّ وقف ذلك المال على الفقراء و كتب به كتاباً في تلك الساعة. وإلى صدقات أميرالمؤمنين علیه السلام في ينبع أشار الحموي في معجم البلدان ج 256/8 و السمهودي في وفاء الوفاء ج2 ص393 و غيرها. و منها قوله علیه السلام: يا دنيا غرِّي غيري. أخرجه جمع من الحفاظ كما مرَّ في ج2 ص287. و منها حديث طحن الرحي بلامدير. أخرجه لحفاظ بلفظ أبي ذر الغفاري قال: أرسله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ينادي علياً علیه السلام فرأى رحى تطحن في بيته و ليس معها أحد فأخبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم بذلك فقال: يا أباذر أما علمت أن الله ملائكة سياحين في الأرض قد و كلوا بمساعدة آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و منها حديث زواج الزهراء الصديقة علیها السلام و منها أن ودَّ آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم أجر رسالته صلي الله علیه و آله و سلم و قد مرَّ تفصيله راجع الغدير ج4 ص 143.

وَ أَنْتَ أَخٌ لِخَيْرِ الخَلْقِ طُرّاً *** وَ نَفْسٌ فِي مُبَاهَلَةِ البَشِيرِ(1)

وَ أَنْتَ الصَّنْوُ وَ الصِّهْرُ المُزَكَّى *** وَ وَالِدُ شُبَّرٍ وَ أَبُو شُبَّيرٍ(2)

وَ أَنْتَ المَرْءُ لَمْ تَحْفَلْ بِدُنْيَا *** وَ لَيْسَ لَهُ بِذلِكَ مِنْ نَظيرٍ

لَقَدْ نَبَعَتْ لَهُ عَيْنٌ فَظَلَّتْ *** تَفُورُ كَأَنَّهَا عُنُقُ البَعِيرِ

فَوَافَاهُ البَشِيرُ بِهَا مُغْذّاً *** فَقَالَ عَلِيُّ: أَبْشِرْيَا بَشِيرِي

لَقَدْ صَبَّرْتُهَا وَقْفاً مُبَاحاً *** لِوَجْهِ اللَّهِ ذِي العِزِّ القدِيرِ

وَ كَانَ يَقُولُ: يَا دُنْيَايَ غُرِّي *** سِوَايَ فَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الغُرُورِ

وَ صَابَرَ مَعْ حَلِيلَتِهِ الأَذَايَا *** فَنَالاَ خَيْرَ عَاقِبَةِ الصَّبورِ

ص: 206


1- مباهلة: ملاعنة.
2- الصنو: الأخ الشقيق. شبر و شبير: حسن و حسين علیهما السلام.

وَ قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: جِلْتُ يَوْماً *** إِلَى الزَّهْرَاءِ فِي وَقْتِ الهَجِيرِ(1)

فَلَمَّا أَنْ دَنَوْتُ سَمِعْتُ صَوْتاً *** وَ طَعْناً فِي الرَّحَاءِ بِلاَ مُدِيرِ

فَجِئْتُ البَابَ أَقْرَعُهُ نُغُوراً *** فَمَا مِنْ سَامِع لي فِي نُغُوري(2)

فَجِئْتُ المُصْطَفَى وَ قَصَصْتُ شَأْنِي *** وَ مَا أَبْصَرْتُ مِنْ أَمْرٍ ذَعُورِ

فَقَالَ المُصْطَفَى: شُكْرَاً لِرَبِّ *** بِإِتْمَامِ الحَباءِ لَهَا جَدِيرِ

رَآهَا اللَّهُ مُنْعَبَةً فَأَلْقَى *** عَلَيْهَا النَّوْمَ ذُوالمَنِّ الكَثِيرِ

وَ وَكَّلَ بِالرَّحَى مَلِكَاً مُدِيراً *** فَعُدْتُ وَ قَدْ مُلِلتُ مِنَ السُّرُورِ(3)

ص: 207


1- الهجير: شدة الحر.
2- نغور: صيحة و النقور بالقاف هو الضرب على الشيء ليصوّت.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات السبعة السابقة إلى ما روي عن أم أيمن من أنها رأت الرحى تدور في بيت فاطمة علیها السلام من قبل الملائكة. ففي البحار ج38/ 97-98. قال: رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا أن أم أيمن قالت: مضيت ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام لأزورها في منزلها. و كان يوماً حاراً من أيام الصيف، فأتيت إلى باب دارها و إذا بالباب مغلق، فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء علیها السلام نائمة عند الرحى و رأيت الرحى تطحن البرَّ و هي تدور من غير يدٍ تديرها و المهد أيضاً إلى جانبها و الحسين علیها السلام نائم فيه و المهد يهتز و لم أر من يهزُّه، و رأيت كفاً تسبّح اللَّه «تعالي» قربیاً من كف فاطمة الزهراء علیها السلام قالت أم أيمن: فتعجبت من ذلك فتركتها و مضيت إلى سيدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و سلمت عليه، و قلت له: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إني رأيت عجباً ما رأيت مثله أبداً، فقال لي: ما رأيت يا أم أيمن؟ فقلت: إني قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء علیها السلام، فلقيت الباب مغلقاً و إذا أنا بالرحى تطحن البرَّ و هي تدور من غير يد تديرها، و رأيت مهد الحسين علیه السلام يهتز من غير يدٍ تهزه، و رأيت كفاً يسبّح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة علیها السلام و لم أر شخصه، فتعجَّبت من ذلك يا سيدي. فقال يا أم أيمن: إعلمي ان فاطمة الزهراء علیها السلام، صائمة، و هي متعبة جائعة و الزمان قيظ فالقى الله «تعالى» عليها النعاس فنامت، فسبحان من لاينام فوكل الله ملكاً يطحن عنها قوت عيالها و أرسل اللَّه ملكاً آخر يهز مهد ولدها الحسين علیه السلام لئلا يزعجها من نومها و وكل اللَّه ملكاً آخر يسبح الله «عزوجل» قريباً من كف فاطمة علیها السلام يكون ثواب تسبيحه لها لأن فاطمة علیها السلام لم تفتر عن ذكر الله، فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخبرني من يكون الطحان؟ و من الذي يهز مهد الحسين علیه السلام و يناغيه؟ ومن المسبّح؟ فتبسم النبي صلى الله عليه و آله و سلم ضاحكاً و قال: أما الطحان فجبرائيل، و أما الذي يهز الحسين علیه السلام فهو ميكائيل و أما الملك المسبّح فهو إسرافيل. و ذكر في البحار أيضاً ج43 ص45 عن عمار و ميمونة حديثاً في هذا المضمون؛ و في دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص48 عن سلمان حديث آخر فيه.

تَزَوَّجَ فِي السَّمَاءِ بِأَمْرِ رَبِّي *** بِفَاطِمَةَ المُهَنَّبَةِ الطَّهُورِ(1)

وَ صَيَّرَ مَهْرَهَا خُمْسَ الأَرَاضِي *** بِمَا تَحْوِيهِ مِنْ كَرَمِ وَخَيرِ(2)

فَذَا خَيْرُ الرِّجَالِ وَ تِلْكَ خَيْرُ *** النُسَاءِ وَ مَهْرُهَا خَيْرُ المُهُورِ

وَ ابْنَاهَا الأُولَى فَضَلُوا البَرَايَا *** بِتَنْصِيصِ اللَّطِيفِ بِهَا الخَبِيرِ

وَ صَيَّرَ وُدَّهُمْ أَجْراً لِطهَ *** بِتَبْلِيعُ الرِّسَالَةِ فِي الأُجُورِ

ص: 208


1- يشير في هذا البيت إلى زواج علي علیه السلام من فاطمة علیها السلام في السماء بأمر اللَّه تعالى: ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31-32 قال: «عن علي «رضي عنه و رضوا عنه» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن الله «تعالى» يقرأ عليك السلام و يقول لك: إني قد زوّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوجها منه في الأرض. انظر بحار الأنوار ج43 ص92. و ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174. و ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31 و ص86 و الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص204. و دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص18.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن مهر الزهراء علیها السلام كان خمس الدنيا.

(55) يا فاطم علیها السلام أسمعي

(بحر الخفيف)

علي بن حماد العدوي العبدي(*)(1)

حَيْ قَبْراً بِكَرْبَلا مُسْتَنِيرا *** ضَمَّ كَنزَ التَّقَى وَ عِلْماً خَطِيرا(2)

وَ أَقِمْ مَأْتَمَ الشَّهِيدِ وَ أَذْرِفْ *** مِنْكَ دَمْعاً فِي الوَجْنَتَيْنِ غَزِيرا(3)

وَ الْتَثِمْ تُرْبَةَ الحُسَيْنِ بِشَجْوٍ *** وَ أَطِلْ بَعْدَ لَثْمِكَ التَّعْفِيرا(4)

ثُمَّ قُلْ: يَا ضَرِيحَ مَوْلاي سُقيتَ *** مِنَ الغَيْثِ هَامِياً نميرا(5)

تِهْ عَلَى سَائِرِ القُبُورِ فَقَدْ أَصْبَحْتَ *** بِالتّيهِ وَ الفَخَارِ جَدِيرا(6)

فِيكَ رَيْحَانَةُ النَّبِيِّ وَ مَنْ حَلَّ *** مِنَ المُصْطَفَى مَحَلاًّ أَثِيرا(7)

فِيكَ يَا قَبْرُ كُلُّ حِلْمٍ وَ عِلْمٍ *** وَ حَقِيقٌ بِأَنْ تَكُونَ فَخُورا

فِيكَ مَنْ هَد قَتْلُهُ عَمَدَ الدِّينُ *** وَ قَدْ كَانَ بِالهُدَى مَغْمُورا(8)

فِيكَ مَنْ كَانَ جِبْرَئِيلُ يُنَاغِيهِ *** وَ مِیکال بِالحَباءِ صَغِيرا(9)

فِيكَ مَنْ لاذَ فُطْرُسٌ فَتَرَقَّى *** بِجَنَاحَيْ رِضَى وَ كَانَ حَسِيرا

ص: 209


1- (*) مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- حيٍّ: اسم فعل بمعنى اثت و يحتمل أن يكون فعلاً و يراد منه الدعاء أي حيا الله و أبقى قبراً بكربلاء.
3- أذرف: أمر بمعنى أسل وصب من قولهم أذرف الدمع و ذرّفه: صبّه و أساله.
4- التثم: قبَل الشجو: الهم و الحزن، الشوط من البكاء. التعفير الدس و التمريغ.
5- هامياً: هاطلاً. الماء النمير: الماء العذب.
6- تهْ: أمر من قولهم: تاه يتيه.
7- الأثير: المكرَّم المكين.
8- هدَّ: هدم و ضعضع و كسر. العمد:جمع العماد: ما يسند به و يتكأ عليه.
9- يناغيه: يكلمه بكلام معجب كي يسرِّ به. و الحِباء بكسر الحاء: العطاء.

يَوْمَ سَارَتْ إِلَيْهِ جَيْشُ ابْنُ هِنْدٍ *** لِذُحُولٍ أَمْسَتْ تَحلُّ الصُّدُورا(1)

أو وَاحْسرَتِي لَهُ وَ هُوَ بِالسَّيْفِ *** نَحِيراً فَدَيْتُ ذَاكَ النَّحِيرا

آهِ إِذْ ظَلَّ طَرْفُهُ يَرْمُقُ الفُسْطَاطَ *** خَوْفاً عَلَى النِّسَاءِ غَيُورا(2)

آهِ إذ أَقْبَلَ الجَوَادُ عَلَى النِّسْوَانِ *** يَنْعَاهُ بِالصّهيلِ عَفِيرا(3)

فَتَبادَرْنَ بالعَوِيل هَتَكُنَ *** الأقْرَاطَ بارزاتِ الشُّعُورا

وَ تَبَادَرْنَ مُسْرِعَاتٍ مِنَ الخِدْرِ *** وَ مِنْ قَبْلُ مُسْبِلاَتِ السُّتُورَا(4)

وَ لَطمْنَ الخُدُودَ مِنْ أَلَمِ الثُّكْلِ *** وَ غَادَرْنَ بِالنِّيَاحِ الخُدُورا(5)

وَ بَدا صَوْتُهُنَّ بَيْنَ عِدَاهُنَّ *** وَ عِفْنَ الحِجَاب سفورا(6)

بَارِزَاتِ الوُجُوهِ مِنْ بَعْدِمَا غُودِرْنَ *** صُونَ الوُجُوهِ وَ التَّخْفِيرا(7)

ثُمَّ لَمّا رَأَيْنَ رَأسَ حُسَيْنِ *** فَوْقَ رُمْح حَكَى الهلال المُنيرا(8)

صِحْنَ بِالذُّلُّ أَيُّهَا النَّاسُ لِمَ نُسْبَى؟ *** وَ لَمْ نَأْتِ فِي الأَنَامِ نَكِيرا

مَا لَنَا لاَنَرَى لآلِ رَسُولِ اللَّهِ *** فِيكُمْ يَا هَؤُلاءِ نَصِيرا؟

فَعَلَى ظَالِمِيهِمْ سَخَطُ اللَّهِ *** وَ لَعْنٌ يَبْقَى وَبَفْنَى الدُّهُورا

قُلْ لِمَنْ لامَ فِي وِدَادِي بَنِي *** أَحْمَدٍ: لاَ زِلْتَ فِي لِظى مَدْحُورا(9)

أعلى حُبِّ مَعْشَرٍ أَنْتَ قَدْ كُنْتَ *** عَذُولاً وَ لاَ تَكُونُ عَذِيرا؟(10)

وَ أَبُوهُمُ أَقَامَهُ اللَّهُ فى (خُمِّ) *** إمَاماً وَ هَادِياً و أمِيرا

ص: 210


1- الذحول: بضم الذال جمع الذحَل بفتحه: الحقد.
2- يرمق الطرف: يلحظ لحظاً خفيفاً أو يطيل النظر إلى الشيء و يديم.
3- عفيراً: متمرغاً بالتراب.
4- الخدر: على زنة الخبر و يجمع على خدور و أخدار: الحجاب، كل ما يتوارى به.
5- الثكل، على زنة القفل: فقد الأحبة من الأهل و الأولاد و غادرن: تركن.
6- عفن الحجاب: تركن الحجاب. سفورا: أي كشف الوجه.
7- التخفير: شدة الحياء.
8- حكى: شابه.
9- مدحوراً: مطروداً و مبعداً.
10- عذولاً: لائماً.

حِينَ قَدْ بَايَعُوهُ أَمْراً عَنِ *** اللَّهِ فَسَائِلٌ دَوْحَاتِهِ وَ الغَدِيرا(1)

وَ أَبُوهُمْ أَفْضَى النَّبِيُّ إِلَيْهِ *** عِلْمَ مَا كَانَ أَوْلاً وَ أَخِيرا(2)

وَ أَبُوهُمْ عَلاَ عَلَى العَرْشِ لَمَّا *** قَدْرَقَى كَاهِلَ النَّبِيِّ ظَهِيرا

وَ أَمَاطَ الأَصْنَامَ كُلا عَنِ الكَعْبَةِ *** لَمَّا هَوَى بِهَا تَكْسِيرا(3)

قَالَ: لَوْ شِئْتُ أَلْمِسُ النَّجْمَ بِالكَفِّ *** إِذَنْ كُنْتُ عِنْدَ ذَاكَ قَدِيرا

وَ أَبُوهُمْ رُدَّ [تِ لَهُ] الشَّمْسُ بَيْضَاءَ *** وَ هْيَ كَادَتْ لِوَقْتِهَا أَنْ تَغُورا(4)

وَ قَضَى فَرْضَهُ أَدَاءً وَ عَادَتْ *** لِغُرُوبِ وَ كُورَتْ تَكْوِيرا(5)

وَ أَبُوهُمُ يَرُوي عَلَى الحَوضِ من وا *** لاهُمُ وَ يَرُدُّ عَنْهُ الكُفُورا(6)

ص: 211


1- الدوحات: جمع الدوحة : الشجرة العظيمة. و في غديرخم كانت أشجار أمر النبي صلي الله علیه و آله و سلم بكنس ما تحتها ثم وضع له من أهداج فصعد عليها و خطبهم و أبلغهم إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام و خلافته بعده. فليراجع كتاب العبقات و الغدير و البحار، و غيرها من كتب الإمامية.
2- ليلاحظ كتاب (أنا مدينة العلم و عليٌ بابها) من مجلدات عبقات الأنوار.
3- ليراجع الحديث: (122) من كتاب خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام تأليف الحافظ النسائي ص225 طبعة بيروت و ترجمة نعيم بن حكيم المدائني تحت الرقم: (7582) من تاريخ بغداد ج13 ص302 و مستدرك الحاكم: ج2 ص366 و ج3 ص5 و مسند علي علیه السلام من كتاب تهذيب الآثار ج1 ص236 و الحديث (18) من أربعين الخزاعي.
4- هذا هو الصواب و في الأصل: «و أبوهم قد ردَّ الشمس بيضاً». و ظاهر كلام الناظم أن ردَّ الشمس كان لأجل إدراك وقت الفضيلة و صريح كثير من الأخبار أن ردها كان لأجل إدراك الأداء. فليراجع الرسائل الكثيرة المؤلفة حول ردّ الشمس.
5- كورت الشمس: ذهب و اضمحل ضوؤها بغيبوبتها عن الأفق.
6- و بهذا المعنى جاءت عدة أحاديث عن طريق شيعة آل أبي سفيان أيضاً كما في (9) من ترجمة الإمام الحسن علیه السلام من أنساب الاشراف: ج3 ص10 ط1. و رواه أيضاً علي الطبراني في الحديثين (198) و (229) من ترجمة الامام الحسن من المعجم الكبير ج1 الورق131 و 133 /ب/ أ/ و في ط 1 ج3. و رواه أيضاً الثقفي كما في الحديث (124) من مختصر كتاب الغارات ص188 ط2. و رواه أيضاً ابن عساكر بطرق أربعة في ترجمة معاوية بن حديج من تاريخ دمشق. و رواه أيضاً الذهبي في ترجمة ابن حديج من سير أعلام النبلاء ج3 ص38 و رواه الحاكم أيضاً في الحديث (100) من فضائل علي علیه السلام من المستدرك ج3 ص138.

وَ أَبُوهُمْ يُقَاسِمُ النَّارَ وَ الجَنَّةَ *** فِي الحَشْرِ عَادِلاً لَنْ يَجُورا(1)

وَ رَوَى لِي عَبْدُ العَزِيزِ الجَلُودِي *** وَ لَقَدْ كَانَ صَادِقاً مَبْرُورا(2)

عَن ثِقَات الحَدِيثِ أَعْنِي العَلائِي *** هُوَ أَكْرِمْ بِذَا وَذَا مَذْكُورا

يَسْنَدُوهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسَ يَوْماً *** قَالَ: كُنّا عِنْدَ النَّبِيِّ حُضُورا

إذْ أَتَتْهُ البَتُولُ فَاطِمُ تَبْكِي *** وَ تَوَالَي شَهِيقها وَ الزَّفِيرا(3)

ص: 212


1- و هذا المعنى رواه ابن عساكر بطرق في الحديث (761) و ما بعده من ترجمة أميرالمؤمنين علیه السلام من تاريخ دمشق: ج2 ص243.
2- هو أبوأحمد بن يحيى البصري أحد مؤلفي الإمامية الثقات الاثبات، له في الفقه و الحديث و التاريخ تأليف قيمة. توفي في (17) من ذي الحجة سنة (332 ه_).
3- إشارة إلى ما أخرجه .م. الحافظ عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس الخطيب بإسناده في تاريخه ح4 ص195 عن ابن عباس قال: لما زوّج النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام قالت فاطمة علیها السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ زوّجتني من رجل فقير ليس له شيء فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أما ترضين ان الله اختار من أهل الارض رجلين أحدهما أبوك و الآخر زوجك. و ذكره الحاكم في المستدرك ج3 ص129 و صحّحه. و الهيثمي في «المجمع» 9/ ص112، و السيوطي في (المجمع) كما في ترتيبه 6 ص391 و الصفوري في النزهة ح2 ص226. و في نزهة المجالس 2/ 226 عن العقائق: أن فاطمة علیها السلام عنها بكت ليلة عرسها فسألها النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن ذلك فقالت له: تعلم أني لاأحب الدنيا ولكن نظرت إلى فقري في هذه الليلة فخشيت أن يقول لي عليُّ: بأي شيء جئت؟ فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لك الأمان فإن علياً علیه السلام لم يزل، راضياً مرضياً، ثمَّ بعد ذلك تزوَّجت امرأة من اليهود و كانت كثيرة المال فدعت النساء إلى عرسها فلبسن أفخر ثيابهن ثم قلن: نريد أن ننظر إلى بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، و فقرها فدعونها، فنزل جبرئيل بحلة من الجنة فلما لبستها و اتزرت و جلست بينهن رفعت الإزار فلمعت الأنوار، فقالت النساء: من أين لك هذا يا فاطمة علیها السلام؟! فقالت:من أبي، فقلن: من أين لأبيك؟ قالت: من جبريل، قلن: من أين لجبريل؟! قالت: من الجنة، فقلن: نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فمن أسلم زوجها استمرت معه و إلا تزوَّجت غيره. و في ذخائر العقبى/ للمحب الطبري/ ص29. عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما زوَّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عليا علیه السلام فاطمة علیها السلام دخل عليها و هي تبكي. فقال لها: ما يبكيك؟ فوالله لو كان في أهل بيتي علیهم السلام خير منه زوَّجتك، و ما أنا زوَّجتك ولكن الله زوجك و أصدق عنك الخمس ما دامت السماوات و الأرض. و البحار أيضاً ج43 ص94 ح5.

قَالَ: مَا لِي أَرَاكِ تَبْكِينَ يَا *** فَاطِمُ؟ قَالَتْ وَ أَخْفَتِ التَّعْبِيرا

اِجْتَمَعْنَ النِّسَاءُ نَحْوِي وَ أَقْبَلْنَ *** يَطُلْنَ التَّقْرِيعَ وَ التَّعْيِيرا(1)

قُلْنَ: إِنَّ النَّبِيَّ زَوَّجَكِ اليَوْمَ *** عَلِيًّا بَعْلاً عَدِيماً فَقِيرا

قَال: يَا فَاطِمُ اسْمَعِي وَاشْكُرِي اللَّهَ *** فَقَدْ نِلْتٍ مِنْهُ فَضْلاً كَبِيرا

لَمْ أُزَوِّجْكِ دُونَ إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ *** وَ مَا زَالَ يُحْسِنُ التَّدْبِيرا(2)

أَمَرَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ فَنَادَى *** رَافِعاً فِي السَّمَاءِ صَوْتاً جَهِيرا(3)

وَ أَتَاهُ الأمْلاكَ حَتَّى إِذَا مَا *** وَرَدُوا بَيْتَ رَبِّنَا المَعْمُورا

قَامَ جِبْرِيلُ قَائِماً يُكْثِرُ التَّحْمِيدَ *** لِلَّهِ جَلَّ وَ التَّكْبِيرا

ثُمَّ نَادَى: زَوَّجْتُ فَاطِمَ يَا رَبِّ *** عَلِيَّ الطُّهْرَ الفَتَى المَذْكُورا

قَالَ رَبُّ العُلاَ: جَعَلْتُ لَهَا المَهْرَ *** لَهَا خَالِصاً يَفُوقُ المُهُورا(4)

خُمْسُ أَرْضِي لَهَا وَ نَهْرِي وَ أَوْ *** جَبْتُ عَلَى الخَلْقِ رُدَّهَا المَحْصُورا

ص: 213


1- التقريع: التوبيخ و التصنيف. التعيير: نسبة الشيء إلى العار أو تقبيح الفعل على الشخص.
2- كانت فاطمة علیها السلام لايذكرها أحد الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا أعرض عنه حتى أيس الناس منها. فلما أراد أن يزوّجها من علي أسرَّ إليها، فقالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدّثني عنه أنه لامال له. فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام أما علمت أن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين ثم اطلع فاختار علياً علیه السلام على رجال العالمين ثم أطلع فاختارك على نساء العالمين، انظر البحار ج99/43 ح11.
3- أخرج محب الدين الطبري في [ذخائره] ص29. 30. 31: عن أنس بن مالك في حديث طويل قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن الله «تعالى» أمرني أن أزوِّج فاطمة علیها السلام بنت خديجة علیها السلام من علي بن أبي طالب علیه السلام فاشهدوا أني قد زوَّجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك علي بن أبي طالب علیه السلام فقال علي علیه السلام: «قد رضيت بذلك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال أنس: فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم «جمع الله شملكما و أسعد جدَّكما و بارك عليكما و أخرج منكما طيباً» قال أنس: فواللَّه أخرج اللَّه منهما الكثير الطيب.
4- في ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31. 32. عن علي علیه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن الله «تعالى» يقرأ عليك السلام و يقول لك: إني قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوَّجها منه في الأرض. و عن عمر و قد ذكر عنده علي علیه السلام قال: ذلك صهر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نزل جبريل فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن الله يأمرك أن تزوَّج فاطمة علیها السلام ابنتك من علي علیه السلام.

فَأَنْتَرْتُ عِنْدَ ذلكَ طُوبَى *** عَلَى الحُورِ عَنْبَراً وَ عَبِيرا

وَ أَبُوهُمْ بَرَأَ الإلهُ لَهُ شِبْهاً *** لأَمْلاكِهِ سَمِيعاً بَصِيرا(1)(2)

فَإِذَا اشْتَاقَتِ المَلاكِ

وَ أَبُوهُمْ أَحْيَا لِمَيْت ب_

وَ أَبُوهُمْ قَالَ النَّ

أنْتَ خِدْنِي وَ صَاحِبِي

أَنْتَ مِنِّي كَمَثَلِ هَارُونَ هِ

وَ أَبُوهُمْ أَوْدَىٰ بِعَمْ_

وَ أَبُوهُمْ لِبَاب خَيْبَرَ

حَامِلُ الرَّايةِ الَّتِي رَدَّه_َ

خَصَّهُ ذُو العُلا بِفَاطِ

بِهِم تَابَ ذُو الجَلاَلِ

وَ بِهِمْ قَامَتِ السَّمَاءُ

و بِهِمْ بِأهْلِ النَّبِيِّ

فِيهِمُ أَنْزَلَ المُهَيْمِن قرأنأ *** عْظِيما و ذاك جما خَطیرا

فِي الطَّوَاسِينِ وَ الحَوَامِيمِ و *** الرَحْمنِ آياً مَا كَانَ فِي الذِّكْرِ زُوراً

وَ خَلَقْنَاهُ نُطْفَةً نَبْتَلِيهِ *** فَجَعَلْنَاهُ سَامِعاً وَ بَصِيرا

لبَيَانٌ إِذَا تَأَمَّلَهُ العَارِفُ *** يُبْدِي لَهُ المَقَامَ الكَبِيرا

ثُمَّ تَفْسِیرُ «هَلْ أَتَى» فِيهِ يَا صَاحِ *** قُلْ لَهُ إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ التّفْسِيرَا

إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ بِكَأْسٍ *** كَانَ عِنْدِي مِزَاجُهَا كَافُورا

ص: 214


1- برأ: خلق.
2- (2) العجاج: الحمق، رعاع الناس، و الأنسب أنه أريد به الغبار و الدخان. (3) شبر و شُبير: ابنا نوح بمعنى الحسن و الحسين علیهما السلام في العربية. (4) تمور: تموج و تضطرب.

فَلَهُمْ أَنْشَأ المُهَيْمِنُ عَيْناً *** فَجَّرُوها لَدَيْهِمُ تَفْجِيرا

وَ هَدَاهُمْ و قَالَ: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» *** فَمَنْ مِثْلُهُمْ يُوفَّي النُّذُورا

وَ يَخَافُونَ بَعْدَ ذلِكَ يَوْماً *** شَرُّهُ كَانَ بِالوَرَى مُسْتَطِيرا

فَوَقَاهُمْ إِلهُهُمْ ذُلِكَ اليَوْمَ *** وَ يُلَقَّوْنَ نَضْرَةً وَ سُرُورا

وَ جَزَاهُمْ بِأَنَّهُمْ صَبَرُوا فِي السِّرِّ *** وَ الجَهْرِ جَنَّةً وَ حَرِيرا

فَاتَّكَوْا مِنْ عَلَى الْأَرَائِكِ *** لايُلْقَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَ لاَزَمْهَرِيرا(1)

وَ أَوَانٌ وَ قَدْ أُطِيفَتْ عَلَيْهِمُ *** سَلْسَبِيلٌ مُقَدَّرٌ تدبيرا(2)

وَ بِأَكْوَابٍ فِضَّةٍ وَ قَوَارِيرَ *** قَدَّرُوهَا عَلَيْهِمُ تَقْدِيرا

وَ بِكَأْسٍ قَدْ مَا زَجَتْ زَنْجَبِيلاً *** لَذَّةَ الشَّارِبِينَ تُشْفِي الصُّدُورا

وَإِذَا مَا رَأَيْتَ ثَمَّ نَعِيماً *** دَائِماً عِنْدَهُمْ وَ مُلْكاً كَبِيرا

وَ عَلَيْهِمْ فِيهَا ثِيابٌ مِنَ السُّنْدُسٍ *** خُضْرٌ فِي الحَشْرِ تَلْمَعُ نُورا

وَ يُحَلَّونَ بِالأَسَاوِرِ فِيهَا *** وَ سَقَاهُمْ رَبِّي شَرَاباً طَهُورا

وَ رَوْينَا عَنِ النَّبِيِّ حَدِيثاً *** فِي البَرَايَا مُصَصَّحاً مَأْثُورا

أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي الجَنَّةِ *** إِذْ عَايَنُوا ضِيَاءً وَ نُورا

كَادَ أَنْ يَخْطَفَ العُیُونَ فَنَادَوْا *** أَيَّ شَيْءٍ هَذَا وَ أَبْدَوْا نُكُورا

أَوَ لَيْسَ الإِلهُ قَال لَنا لاَ *** شَمْسَ فِيهَا تُرى وَ لاَزَمْهَرِيرا؟

وَإِذَا بِالنَّدَاءِ: يَا سَاكِنِي الجَنَّةَ *** مَهْلاً أَمِنْتُمُ التَّغْييرا

ذَا عَلِيُّ الوَليُّ قَدْ دَاعَبَ الزَّهُرَاءَ *** مَوْلاتَكُمْ فَأَبْدَتْ سُرُورا

فَبِذَا إِذْ تَبَسَّمَتْ ذَلِكَ النُّورَ *** فَزِيدَتْ كَرَامَةٌ وَ حُبُورا(3)

ص: 215


1- الزمهرير: شدة البرد.
2- تدبيرا: أي تدبير من اللَّه «سبحانه».
3- حبورا: الحسن علیه السلام و الزينة. حُبّرت زينت. و في كنز الفوائد ج1 / 236 ح16. أوحى اللَّه عز وجل إلى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، النور فاطمة علیها السلام من نور علي علیه السلام فإني قد زوّجتها علیها السلام في السماء و جعلت خمس الأرض مهرها... إلى آخر الحديث. و في کشف الغمة ج1/ 472. روي عن جابر بن عبد الله قال: لما زوّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي كان الله «تعالى» مزوّجه من فوق عرشه و كان جبرئيل الخاطب و كان ميكائيل و إسرافيل في سبعين ألفاً الملائكة شهوداً... و أوحى الله إلى شجرة طوبى ان انثري ما فيك من الدر و الياقوت و اللؤلؤ... و أوحى الله إلى الحور العين أن التقطنه، فهنّ يتهادينه إلى يوم القيامة فرحاً بتزويج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام.

يَا بَنِي أَحْمَدٍ عَلَيْكُمْ عِمَادِي *** وَ اتَّكَالِي إِذَا أَرَدْتُ النُّشُورا

وَ بِكُمْ يَسْعَدُ المُوَالِي وَ يَشْقَى *** مَنْ يُعَادِيكُمُ وَ يَصْلَى سَعِيرا

أَنْتُمُ لِي غَداً وَ لِلشَّيعَةِ الأَبْرَارِ *** ذُخْرٌ أَكْرِمْ بِهِ مَذْخُورا

فَاسْتَمِعْهَا كَالدُّرِّ لَيْسَ تَرَى فِيهَا *** مَلاهِي كَلاَّ وَ لاتَغْييرا

صَاغَ أَبْيَانَهَا عَلِيُّ بْنُ حَمَّادٍ *** فَزَانَتْ وَ حُبِّرَتْ تَحْبِيرا(1)

ص: 216


1- الغدير ج4 ص166.

(56) ابنة الهادي الأمين

(بحر الكامل)

السيد علي الترك(*)(1)

نَعْضاً فَقَدْ نَسِيَتْ لُؤَيُّ شِعَارَها *** فَأَزِلْ بِسَيْفِكَ عَنْ لُؤَيِّ عَارَها(2)

هَدِئَتْ على حَسَكِ الرُّوى مَوْتُورَةً *** فَانْهَضْ فَدَيْتُكَ طَالِباً أَوْتَارَها(3)

فَمَتى تَقَرُّ العَيْنَ طَلْعَتُكَ الَّتِي *** حَسَدَتْ مَصابِيحُ الدُّجى أَنْوَارَها

وَ مَتى تَشُنُّ عَلَى الأَعَادِي غَارَةً *** شَعْوَاءَ تَرْفَعُ لِلسَّمَاءِ غُبَارَها(4)

وَ مَتَى نَرَاكَ عَلَى الجَوَادِ مُشَمْراً *** تَحْتَ العَجَاجَةِ صَارِماً أَعْمَارَها(5)

ص: 217


1- (*) السيد علي ابن أبي القاسم بن فرج الله الموسوي الشهير ب_ (الترك) ولد في النجف الأشرف في العراق عام (1285 ه_) و نشأ بها بعناية والده العالم الكبير، و بعد أن درس المقدمات المتعارف عليها في الحوزات الدينية اختار لنفسه ان يدرس فن الخطابة، فأخذ الخطابة من الخطيب البارع أستاذ المنبر الشيخ أستاذ المنبر الشيخ محمد علي الجابري فعني بتربيته اضافة لتعليمه فن الخطابة لما وجده فيه من لياقة و نباهة، وحدة ذكاء، و حسن صوت، فجلب انتباه الرأي العام إليه، فأصبح من الخطباء المشهورين و الأدباء البارعين. و أمتاز على غيره من خطباء العرب كونه يجيد الفارسية و التركية بالإضافة إلى العربية. سافر المترجَم له إلى إيران فأقام في طهران في عهد الشاه مظفر الدين القاجاري، فحظي عنده و قدَّمه على مجموعة من الخطباء و مكث هناك أكثر من عامين كان فيهما موضع احترام كافة الطبقات، ثم رجع إلى النجف. و في عام (1324 ه_) سافر حاجاً إلى بيت الله الحرام، و بعد أداء المناسك و توجهه إلى منى في الرابع من عيد الاضحى توفي على أثر انتشار داء الهيضة الذي تفشى في ذلك العام و بوفاته خسر المنبر أحد الخطباء الكبار الذي لايعوّضه إلا خطيب بمستواه و مكانته الخطابية.
2- الظاهر أنها نهضاً على الإطلاق أو هي ((أنهض).
3- الروى الرواء: الأخضر الناعم من أغصان الشجر و نحوها موتورة التي قُتل لها قتيل فلم تدرك بدمه. أوتارها: مفردها الوتر أو الوتر و هو الانتقام.
4- غارة شعواء: منتشرة متفرقة ممتدّة.
5- العجاجة: الغبار أو الدخان أو الناس الحُمق أو الرعاع و غوغاؤهم.

وَ مَتَى تَصُولُ عَلَى الطَّغَاةِ مُطَهَّراً *** مِنْهَا البَسِيطَةُ مَاحِياً آثَارَها

تَفتَادُ مِنْ خَيْلِ السَّوَابِقِ ضُمَّراً *** وَ مِنَ الفَيَالِقِ قَائِداً جَرَّارَها(1)

بِمُسَرْبَلِينَ مِنَ الدُّرُوعِ سَوَابِغاً *** وَ مِنَ الصَّوَارِمِ وَ الرِّمَاحِ حِرَارَها(2)

وَ تُحِيلُ لَيْلَ النَّقْعِ بِالبِيض الظُّبَا *** صُبْحاً وَ لَيْلاً بِالقَتَامَ نَهَارَها(3)

وَ تُعِيدُ أَرْضَ الله قاعاً صَفْصَفاً *** حَتَّى تُطبِّقَ بالهُدَى أَقْطَارَها(4)

لاَصَبْرَ يَابْنَ العَسْكَرِي فَشِرْعَةُ *** الهَادِي النَّبِيِّ اسْتَنْصَرَتْ أَنْصَارَهَا

هُدِمَتْ قَوَاعِدُهَا وَ طَاحَ مَنَارُهَا *** فَأَقِمْ بِسَيْفِكَ ذِي الفِقَارِ مَنَارَها

حَتَّى مَ تَصْبِرُ وَ العَبيدُ طَغَتْ عَلَى *** السَّادَاتِ حَتَّى اسْتَعْبَدَتْ أَحْرَارَها ؟

وَ إِلَى مَ تُعْضِي وَالطَّغَاةُ تَحَكَّمَتْ *** فِي المُسْلِمِينَ فَحَكَمَتْ أَشْرَارَها؟(5)

وَ بَنَتْ عَلَى مَا أَسَّسَتْ آبَاؤُهَا *** مِنْ قَبْلُ حِينَ تَتَبَّعَتْ أَخْبَارَها

إِذْ قَدَّمَتْ رَأْسَ الفَسَادِ وَ أَخَرَتْ *** عَيْنَ السَّدَادِ وَ أَمَّرَتْ كُفَّارَها

رَأْسُ المَفَاسِدِ لَمْ يُهَيِّجُ فِتْنَةً *** إِلَّا وَ أَوْقَدَتِ السَّقِيفَةُ نَارَها

قَادَتْ عَلِيًّا بِالنَّجَادِ وَضَيَّعَتْ *** سُبُلَ الرَّشَادِ وَ خَالَفَتْ جَبَارَها(6)

جَارَتْ عَلَيْهِ بِبَغْيِهَا وَ لَطَالَمَا *** مِنْ جَوْرٍ جَائِرَةِ القَضَاءِ أَجَارَها

مَوْلاَيَ مَا سَنَّ الضَّلالَ سِوَى الأَلَى *** هَجَمُوا عَلَى القُهْرِ البَتُولَةِ دَارَهَا(7)

ص: 218


1- ضُمّراً: أضمر الفرس جعله و صيّره ضامراً و ذلك بأن يربطه و يكثر ماءه و علفه حتى يسمن، ثم يقلل ماءه و علفه مدة أو يُركِضَه في الميدان حتى يهزل و مدة التضمير عند العرب أربعون يوماً.
2- حِرارها: خيارها و أعتقها و أطيبها.
3- النقع: الغبار، القتام: الظلام و السواد.
4- قاعاً: القاع الأرض السهلة المطمئنة التي انفرجت عنها الجبال و الآكام. صفصفاً: مستوياً مطمئناً.
5- تغضي: تطبق جفنيك حتى لاتبصر شيئاً.
6- النجاد: حمائل السيف.
7- في هذا البيت إشارة لما ورد في كتاب (بحار الأنوار) ج53 ص14: (عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق علیه السلام هل للمأمور المنتظر المهدي عج الله فرجه الشریف من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال:... و ضرب سلمان الفارسي و إشعال النار على باب أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لإحراقهم بها و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة علیها السلام بالسوط و رفس بطنها و إسقاطها محسناً... و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها علیها السلام: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللَّه و اللَّه متم نوره و... و إدخال قنفذ يده لعنه اللَّه يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدُّملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: «وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تُكذِّب و تضرب و يقتل جنين في بطنها» و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمرَّ العين حاسراً حتى ألقى ملاءته عليها و ضمّها إلى صدره و قوله لها: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمتي أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فاللَّه اللَّه أن تكشفي خمارك و ترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة علیها السلام لئن فعلت ذلك لاأبقى الله على الأرض من يشهد أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لاموسى و لاعيسى و لاإبراهيم و لانوح و لاآدم و لادابة تمشي على الارض و لاطائراً في إلا أهلكه الله... ثم قال: يا بن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه اخرج قبل أن أُشهر سيفي فأفني غابر الأمة. فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار. و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة و ردّ الباب فأسقطت محسناً. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: «فانه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكو إليه».

مَنَعُوا البَتُولَ عَنِ النّيَاحَةِ إِذْ غَدَتْ *** تَبْكِي أَبَاهَا لَيْلَهَا وَ نَهَارَها(1)

ص: 219


1- هذا البيت و البيت الذي يليه فيهما إشارة إلى ما ورد في كتاب الخصال للشيخ الصدوق منشورات جماعة المدرسين ج1 ص272: «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: البكاؤون خمسة: آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و علي بن الحسين علیه السلام فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خدَّيه أمثال الأودية و أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره و حتى قيل له: «تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ». [ سورة يوسف آية 85] أما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى أهل السجن فقالوا له: إما أن تبكي الليل و تسكت بالنهار و إما أن تبكى بالنهار و تسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما، أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر. مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف و أما علي بن الحسين علیه السلام فبكى على الحسين علیه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله علیه السلام إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال: «إنَّما أشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لاَ تَعْلَمُونَ» إني ما أذكر مصرع بني فاطمة علیها السلام إلا خنقتني لذلك عبرة.

قَالُوا لَهَا قَرِّي فَقَدْ آذَيْتِنَا *** أَنَّى وَ قَدْ سَلَبَ المُصَابُ قَرَارَها

قَطَعُوا أَرَاكَتَهَا وَ مِنْ أَبْنَائِهَا *** فَطَعَتْ أُمَيٍّ يُمِينَهَا وَ يَسَارَهَا

جَمَعُوا عَلَى بَيْتِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** حَطَباً وَ أَوْقَدَتِ الصَّغَائِنُ نَارَهَا(1)

رَضُوا سَلِيلَةَ أَحْمَدٍ بِالبَابِ حَتَّى *** أَنْبَتُوا فِي صَدْرِهَا مِسْمَارَها

عَصَرُوا ابْنَةَ الهَادِي الأمينِ وَ أَسْقَطُوا *** مِنْهَا الجَنِينَ وَ أَخْرَجُوا كَرّارَها

قَادُوهُ وَ الزَّهْرَاهُ تَعْدُو خَلْفَهُمْ *** عَبْرَى فَلَيْنَكَ تَنْظُرُ اسْتِعْبَارَهَا

وَ العَبْدُ سَوَّدَ مَتْنَهَا فَاسْتَنْصَرَتْ *** أَسَفاً فَلَيْتَكَ تَسْمَعُ اسْتِنْصَارَهَا

عَاشَتْ سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ مِنْ بَعْدِهِ *** عَبْرَىٰ تُكَابِدُ ذُلَّهَا وَ صِغَارَها(2)

وَقَضَتْ وَآثَارُ السَّيَاطِ بِجَنْبِها *** يَالَيْتَ عَيْنَكَ عَايَنَتْ آثَارَها

واهاً لِبنْتِ المُصْطَفَى لِمْ جُهْزَتْ *** لَيْلاً وَ لِمَ عَفَّ الوَصِيُّ مَزَارَها؟(3)

مَا شَيَّعُوا بِنْتَ الرَّسُولِ وَ أَسَّسُوا *** ظُلْمَ البَتُولِ وَ هَتَكُوا أَسْتَارَها(4)

ص: 220


1- تقدم ذلك مفصلاً مع ذكر مصادره فلا نعيد.
2- تقدم ما ورد في كتاب (روضة الواعظين) (الطبعة الأولى مؤسسة الأعلمي. ص167): ( و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت أبيها صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كثيبة حزينة باكية العين محترقة القلب...».
3- في أمالي الصدوق ص523. الطبعة الخامسة: (عن الأصبغ بن نباتة قال: سئل علي بن أبي طالب علیه السلام علة دفنه لفاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليلاً فقال علیه السلام: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها». و تقدم ذكر مصادر عديدة من الفريقين أشارت إلى هذا المعنى فصلناها في هوامش عديدة فراجع.
4- أخذنا هذه القصيدة من الخطيب البارع السيد طاهر السيد حسن ملحم و هي كما تراها أمامك. ولكن يذكر الخاقاني في شعراء الغري و في الشعر في أدب الطف قصيدة أخرى بنفس القافية في الحسين علیه السلام إلا أنها تشترك في مطلع القصيدة بأحد عشر بيتاً فقط. رياحين الشريعة ج1 ص298.

(57) أراكة مجدكم

(بحر الكامل)

السيد علي السيد راضي الحكيم

قُلِعَت أراكَةُ مَجدِكُم و ثمارُهُ *** غُر الملائِكِ في السما عُمّارُها

أنِّى وَ قد أرسى الإله أصولَها *** فَتَشَيَّدَت تَسْمُو وَ دامَ قَرارُها

بَيتُ النُّبوَةِ أصلُها وَ فُروعُها *** و الكونُ طراً و السَّما أقطارُها

حَلَبت رِضابَ المُزنِ حتّى أينَعَت *** مِنها القُطوفُ و ضُوعَت أزهارُها

زادَت بهاءَ الكَونِ منها بَهجَةً *** زانَت كواكِبَ كونِها أنوارُها

ما خَطبُ تلك اليانِعات تَبدَّدت *** وَ يَدُ النّوائِبِ جُرِّدَت أظفارُها

نَشَبَت بدانِيةِ القطوفِ و حولَها *** حُمُر العيونِ تَفَجَّرت أنهارُها

وَ رَمَت ليالي الغَدرِ سادلَ سترِها *** فَتَضَمَّخَت بِدَمِ الهُدى أستارُها

عَجَّت بآفاقِ الوُجودِ مَلائِك *** لِرَزْيَةٍ ركبُ الوُجودِ مَدارُها

فَكَأَنَّما رَحلُ الزَّمانِ مسافِرٌ *** عُقِدَت عَلى أكتافِه أخبارُها

فَسلِ الذي صَحِبَ الزَّمانُ بمقلةٍ ** عَبْرى وَ قَلبٍ غَالهُ استِعبارُها

ما خَطبُ فاطِمَ ما حديثَ شُجونِها؟ *** ما صدرُها ما البابُ ما مِسمارها؟

مَولاي ما حالُ الجَنينِ مُخَضَّبٌ *** ما النارُ ما الجدرانُ ما استيضارُها؟

ما خَطبُ حَيدر و الحبالُ تقودُه *** أفعاقِر الأحزابِ ذا كرّارُها؟

ما حالُ زَينَبَ و الحُسَينِ و صنوهِ *** ما حمر عينك سَيدي و نثارُها؟

أتضام زَجراً بِنتُ أحمَدَ وَ الّتي *** خَلَقَ الجِنانَ بنورِها جَبَّارُها؟

ص: 221

فانهضُ بفتية شيمةٍ ما أُعمِدَتُ *** إلا لصبرِكَ سيّدي أوتارُها

و اجعلْ بهيجاءِ الوغى بين الخنَا *** بيضاً تَرنُّ إذا سطى بتارُها

يا حامي القرآنِ واشفِ بصرخة *** علياء أفئدةَ توهَّج نارُها

واحمِ الذمار فَدتَكْ نفسِي يابن من *** من أجلِهِ الأفلاكُ شيِّد دارُها

ص: 222

(58) فلهفي لبنت المصطفي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ علي الشيخ منصور المرهون

(خَلِيْلِي مَا لِي وَ الزَّمَانَ كَأَنَّهُ *** يُطَالِبُنِي فِي كُلِّ آنٍ بِأَوْتَارِ)(1)

وَ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي تُرَاثٌ يَرُومُهُ *** فَيَعْكِسُ أَمَالِي بِمَا فِيهِ إِخْطَارِي

رَجَوْتُ صَفَاءً مِنْ زَمَانِي سَاعَةً *** فَمَا رُمْتُهَا إِلا بِمَا فِيهِ أَكْدَارِي

فَقَالَ خَلِيلِي وَ الدُّمُوعُ غَزِيرَةٌ *** لَقَدْ قُلْتَ حَقاً كُلُّ هَذَا بِهِ جَارِي

تَأسُ بِخَيْرِ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ *** لَقَدْ كَانَ فِيهِ أَسْوَةٌ قَوْلُ جَبَّارِ

سَقَتْهُ العِدَى مُرَّ المُصَابِ وَ مَا اكْتَفَتْ *** إِلَى أَنْ سَقَتْهُ الحَتْفَ مِنْ سُمِّ أَشْرَارِ(2)

وَ رَاحَ ضَجِيعَ الفَرْشِ يَشْكُو أَوَامَهُ *** وَ يَنْظُرُ أَهْلِيهِ وَ مَدْمَعُهُ جَارِي(3)

وَ يَذْكُرُ مَا قَدْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِمُ *** فَيُوصِي بِهِمْ خَيْراً فَكُلِّ بِهِمْ دَارِي

إِلَى أَنْ قَضَى رُوحُ الوُجُودِ فَأَعْوَلَتْ *** عَلَيْهِ المَلاً وَ الطَّيْرَ مِنْ فَوْقِ أَشْجَارِ

***

فَلَهْفِي لِبنْتِ المُصْطَفَى قَدْ أَصَابَهَا *** مِنَ القَوْم هَضْمٌ سَارَ كَالمَثَلِ السّارِي

غَدَتْ بَعْدَ فَقَدِ المُصْطَفَى فِي كَآبَةٍ *** تَنُوحُ عَلَيْهِ لاَ تَزَالُ بِمِدْرَارِ

تَنُوحُ عَلَيْهِ لاتَزَالُ بِرَنَّةٍ *** وَ قَدْ أَشْبَهَتْ فِي دَمْعِهَا غَيْثَهَا الجَارِي

ص: 223


1- أوتار: جمع الوتر بفتح الواو وكسرها: الانتقام و الثأر.
2- الحتف: المنية و الموت.
3- الظاهر أن في هذا البيت و البيت الخامس الذي يليه إيطاء لتكرار كلمة واحدة في اللفظ و المعنى بلا فاصلة مقبولة عند أهل الأدب.

فَقَالَ لَهَا الأَقْوَامُ كُلِّي عَنِ البُكَاءِ *** وَ عِنْدَ عَلِيٌّ قَدْ شَكَوْهَا بِإِنْكَارِ(1)

لَقَدْ ظَلَمُوا بِنْتَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** بِمَا قَدْ أَتَوْهُ مِنْ عَظِيمٍ إِلَى الدَّارِ

فَأَوْجَرَهَا نَاراً وَ أَسْقَط مُحْسِناً *** وَ رَضٌ لَهَا ضِلْعاً وَ أدْمَى بِمِسْمَارِ(2)

"فَأَضْحَتْ تُعَانِي مِحْنَةً وَ أَذِيَّةً *** تَئْنُّ أَنِينَاً وَ الدُّمُوعُ كَأَنْهَارِ

إِلَى أَنْ قَضَتْ رُوحِي فِدَاهَا بِحَسْرَةٍ *** فَجَهَّزَهَا لَيْلاً عَلِيٌّ بِأَسْتَارِ(3)

***

وَ لَمْ أَنْسَ خَيْرَ الكُلِّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** عَلِيًّا أَبَا السِّبْطَيْنِ حَامَ إِلَى الجَارِ

بِهِ قَامَ دِينُ المُصْطَفَى وَ بِسَيْفِهِ *** وَ قَدْ كَانَ فِي أَفْعَالِهِ مَثَلاً سَارِي

فَحَقُّ عَلَيَّ وَاجِبٌ وَوَلاؤُهُ *** مِنَ اللَّهِ فَرْضٌ لازِمٌ كُنْ بِهِ دَارِي

فَلَمْ يَكُ أَهْلاً لِلْخِلافَةِ عِنْدَهُمْ *** وَ لَمْ يَكْفِهِمْ حَتَّى أَتَوْهُ إِلَى الدَّارِ

وَ قَادُوهُ جَهْراً فِي حَمَائِلِ سَيْفِهِ *** لِبَيْعَةِ ضِلِّيلِ يَعزُّ بِأَشْرَارِ

وَ لَمَّا اسْتَتَبَّ الأَمْرُ قَامَتْ بِوَجْهِهِ *** وَقَائِعُ يَعْلُو وَصْفُهَا كُلَّ مِقْدَارِ

فَفِي البَصْرَةِ الفَيْحَا وَ صِفِّينَ بَعْدَهَا *** خَوَارِجُ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ بِذِي قَارِ

ص: 224


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى بكاء الزهراء علیها السلام مما أصابها. انظر كتاب البحار ج43 ص195 و ص201 و كتاب مناقب ابن شهر آشوب كما في عوالم العلوم ج2 ص1080 . و كتاب أمالي الصدوق ص121 ح رقم 5 ضمن حديث طويل و كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص322.
2- أوجرها: أشعلها و في هذين البيتين إشارة إلى حرق الدار و اسقاط المحسن و كسر الضلع و دخول المسمار في صدرها «سلام الله عليها». انظر كتاب سليم بن قيس ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تجهيز الزهراء علیها السلام و دفنها ليلاً. انظر كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص54 و كتاب البحار ج43 ص183 ، و كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898.

وَ مَا هَدَأَتْ حَتَّى أَتَاهُ ابنُ مُلْجَمٍ *** بِسَيْفَ شَحِيذِ الحَدِّ أَبْيَضَ بَتّارِ(1)

فَأَمْهَلَهُ حَتَّى هَوَى لِسُجُودِهِ *** فَعَمَّمَ رَأْسَ المُرْتَضَى خِيرَةِ البَارِي

فَأُظْلِمَتِ الأَكْوَانُ حُزْنَا لِفَقْدِهِ *** وَ نَاحَ لَهُ الدِّينُ الحَنيفُ بِأَكْدَارِ

***

فَوَاحَزَنَى لابْنِ النَّبِيِّ تَنُوبُهُ *** نَوَائِبُ أَرْجَاسِ عِدَاةٍ وَ فُجَّارِ

تَنَازَلَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ فَلَمْ يَزَلْ *** يُقَاسِي أَذَاهُمْ فِي عِشَاء وَ إِبْكَارِ

إِلَى أَنْ سَقَوْهُ السُّمَّ مِنْ كَفْ جَعْدَةٍ *** فَقَطَّعَ أَحْشَاء لِخِيرَةِ أَخْيَارِ

فَلَهْفِي لَهُ أَضْحَى يَجُودُ بِنَفْسِهِ *** فَيَا لَكَ خَطْبٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ جَارِي(2)

فَمَاتَ شَهيداً بالسُّمُوم فَأَعْوَلَتْ *** عَلَيْهِ المَلَا حُزْناً وَ مَدْمَعُهَا جَارِي

يَمُوتُ إمَامُ الحَقِّ هَضْماً و آخراً *** يكُونُ مُعَفّى القَبْرِ مِنْ بَعْدِ آثَارِ

***

وَ لَمْ أَنْسٌ عُنْوَانَ الفَضِيلَةِ إِذْ أَتَى *** إِلَى كَرْبَلاً يَحْمِي حِمَى الدِّينِ وَ الجَارِ

أحَاطَتْ بِهِ أَبْنَاءُ حَرْبٍ عَدَاوَةٌ *** فَنَادَاهُمُ هَلْ مِنْكُمُ اليَوْمَ أَنْصَارِي؟

أَجَابُوهُ لَكِنْ بِالسُّيُوفِ وَ بِالقَنَا *** وَ رُمْحٌ أَصَابَتْ قَلْبَهُ وَ بِأَحْجَارِ

فَرَاحَ صَرِيعاً فِي الصَّعِيدِ مُجَدَّلاً *** تَدُوسُ عَلَيْهِ الخَيْلُ وَ الكَفَنُ الذَّارِي

وَ شِيلَ عَلَى رَأْسِ السِّنَانِ كَرِيمُهُ *** وَ ظَافُوا بِهِ فِي كُلِّ قُطْرٍ وَ أَمْصَارِ

وَ رَاحَتْ عَلَى النّيبِ الهِزَالِ نِسَاؤُهُ *** سَبَايَا إِلَى الشَّامَاتِ مَا بَيْنَ فُجَّارِ(3)

ص: 225


1- شحيد: شحذ السيف: أحدَّه. البتار: السيف القاطع.
2- و الظاهر أن في هذا البيت إقواء لأن أصل (جاري) جارياً من حيث كونه خبر (يكن).
3- النيب: النياق الهرمة. نقلت القصيدة من ديوان (المرهونيات) ص47.

(59) أم الفضل قاطبة

(بحر البسيط)

الأستاذ علي نوح المهنا (*)(1)

أَلشَّمْسُ وَ الكَوْكَبُ الوَضَّاحُ وَ القَمَرُ *** وَ الصُّبْحُ وَ الطَّلْعَةُ الغَرَّاءُ تَزْدَهِرُ

لأحَتْ وَ مِنْ أُفُقِ الأَنْوَارِ مَشْرِقُهَا *** نَحْوَ الطَّوَالِع لايَرْقَى لَهَا البَصَرُ

تَرْنُو إِلَى أَنْجُم الأَظهَارِ تَرْمُقُهَا *** حَجْلَى وَ مِنْ نُورِهَا الأفلاكُ تَنْبَهِر(2)

هَلْ فِي ذُرَى غُرَّةِ العَلْيَاءِ مِنْ شَرَفٍ *** إِلا وَأَضْحَى مِنَ الزَّهْرَاءِ يَنْحَدِرُ(3)(4)

***

ص: 226


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- ترنو: تديم النظر إلى الشيء بسكون الطرف. ترمقها: تطيل النظر إلى الشيء، تلحظهُ لحظاً خفيفاً تنبهر: تضاء.
3- في البحار/ للمجلسي ، ج43 ص12 ح5 و ح6: عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السموات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرَّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله اليهم: هذا نور من نوري اسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي.
4- في تاريخ بغداد/ للخطيب البغدادي / ج5 ص87 : عن عائشة قالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبَّلتها حتى تجعل لسانك في فيها کأنک ترید أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إنّي لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما نزلت واقعت خديجة علیها السلام ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة و هي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها. و راجع ذخائر العقبى للطبري/ ص36. و مستدرك الصحيحين/ ج3 ص156.

قُدْسِيَّةٌ مِنْ جَلاَلِ المُلْكِ قَدْ بُرئَتْ *** وَاللَّهُ طَهَّرَهَا إِذْ أَنَّهَا الطُّهرُ(1)

حُورِيَّةٌ مِنْ جِنَانِ الخُلْدِ نَفْحَتُهَا *** وَرُدُ الرِّيَاضِ هِيَ الأَطْيَابُ وَ الزَّهْرُ

أُمُّ الهُدَى بَلْ وَ أُمُّ الفَضْلِ قَاطِبَةً *** تَسْمُو مَنَاقِبُهَا بِالرَّوْعِ تَنْتَشِرُ

نَسْلُ النُّبُوَّةِ يَحْلُو مِنْ مَنَابِعِهَا *** سَيْلُ الشَّرِيعَةِ وَ الأَحْكَامِ يَنْهَمِرُ(2)

نَهْرُ الوِلايَةِ قَدْ أَضْحَى لِغَارِفِهِ *** وِرْدُ الشَّفَاعَةِ لاَ يَنْتَابُهُ الكَدَرُ(3)

قُطْبُ الوُجُودِ وَإِنْ تَبْدُو لِنَاظِرِهَا *** سِرُّ بِمَا عَجَزَ الإِمْكَانَ يَسْتَتِرُ

المُصْطَفَى فَخْرُهَا وَ المُرْتَضَى بَعْلُهَا *** وَ الفَرْقَدَانِ بَنُوهَا بِالعُلاَ دُرَرُ(4)

***

مَنْ ذَا عَسَاهُ يَنَالُ الفَخْرَ فِي رُتَبٍ *** غَيْرُ البَتُولَةِ بالأَمْجَادِ تَفْتَخِرُ

مَا طَاوَلَتْهَا سُفُوحُ المَجْدِ فِي أُفُقٍ *** كَلاً وَ لاَ قَرُبَتْ مِنْ ظِلْهَا الغُرَرُ

مَا أَنْتِ إِلاَّ نَهَارُ الدِّينِ إِنْ غَرَبَتْ *** شَمْسُ الهِدَايَةِ أَوْ هَبَّتْ بِهِ الغِيرُ

يَا غَايَةٌ بَلَغَتْ أَسْمَى مَرَاتِبِهَا *** عِنْدَ الجَلِيلِ فَأَيْنَ الشَّمْسُ وَ القَمَرُ؟

أَنْتِ المَكَارِمُ إِنْ لاَحَتْ مَشَارِقُهَا *** أَنْتِ الهِدَايَةُ وَ الإِيمَانُ وَ السُّورُ

أَنْتِ السّتُورُ فَلاَ ظِلُّ يُجَاوِرُهَا *** قَدْ حُجَبَتْ بِجَلالِ اللَّهِ تَسْتَتِرُ

ص: 227


1- في كنز العمال للمتقي الهندي، ج12 ح34253: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة علیها السلام، فأنا وليَّهم و أنا عصبتهم و هم خلقوا من طينتي ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبّهم أحبّه الله و من أبغضهم أبغضه الله. و في تفسير البرهان، ج3 ص177 ح7 في تفسير قوله تعالى من سورة الفرقان الآية 74: «هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لجبرئيل: من أزواجنا ؟ قال: خديجة علیها السلام. قال: ذريتنا؟ قال: فاطمة علیها السلام. قال: قرة أعين؟ قال: الحسن و الحسين علیهما السلام «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» اماماً؟ قال: على علیه السلام.
2- الورد: الماء الذي يورد. لاينتابه: لايصيبُه. الكدر: نقيض الصفاء.
3- الفرقدان: نجمان قريبان من القطب الشمالي يهتدى بهما، أحدهما أخفى من الأخر.
4- في مستدرك الصحيحين، ج3 ص153: روی بسنده عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: إن اللَّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.

أَنْتِ السَّبِيلُ إِلَى مَرْضَاةِ خَالِقِنَا *** يَا بَضْعَةٌ فِي رِضَاهَا الحَقُّ يَبْتَدِرُ(1)

حِجْرُ الإِمَامَةِ قَدْ أَضْحَى بِهَا كَنَفَاً *** لِلْعِتْرَةِ الغُرِّ حِجْرٌ فِيهِ قَدْ طُهِرُوا

قَدْ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهَا كُلَّ ذِي دَرَنٍ *** صَلَّتْ عَلَى نُورِهَا الأَمْلاكُ وَ البَشَرُ(2)

***

جَرَّدْتُ قَلْبِي مِنَ الْأَهْوَاءِ لَوْ جَنَحَتْ *** مِنْ جَانِبِ فِي عُبَابِ الغَيِّ يَنْغَمِرُ

وَ ارْتَدَّ طَرْفِي إِلَى العَلْيَاءِ يَبْلُغُهَا *** غَيْرُ النَّجَانِبِ وَ الأَطْيَابِ لايَذَرُ

رَوّيْتُ رُوحِي بِفَيْض مِنْ فَضَائِلِهَا *** وُدّاً وَ حُبّاً و إخلاَصاً لَهَا فُطِرُوا

وَ شَمَمْتُ هَدْيَكِ وَ الأَشْوَاقُ تَلْثِمُهُ *** طِيبُ الجَنَانِ شَذَاهُ العَابِقُ العَطِرُ (3)

غَيْثُ البَرَايَا مَلاَةُ الخَلْقِ إِنْ لَجَأُّوا *** مِنْكِ النَّجَاةُ وَ فِيكِ الذَّنْبُ يُغْتَفَرُ

بُعْداً لِغَيْرِ بَنِي الزَّهْرَاءِ يَنْفَعُنِي *** فِي مَحْشَرٍ زَاغَ مِنْ أَهْوَالِهِ البَصَرُ(4)

زَاغَتْ بِهِ أَعْيُناً لَيْسَتْ لِشِيعَتِهَا *** بَلْ لِلَّذِينَ لَآلِ اللَّهِ قَدْ نَكَرُوا

فَالْحَشْرُ يَوْمَئِذٍ يَزْهُو بِطَلْعَتِهَا *** نُوراً عَلَى ضِفَّةِ الفِرْدَوْسِ يَنْتَشِرُ

ص: 228


1- في إحقاق الحق، ج10 ص244 عن أخبار الدول ص87 ط بغداد. عن عائشة قالت: إذا أقبلت فاطمة علیها السلام كانت مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وكانت لا تحيض قط لأنها خلقت من تفاحة الجنة، و لقد وضعت الحسن علیه السلام بعد العصر و طهَّرت من نفاسها فاغتسلت وصلَّت المغرب. و في علل الشرائع ج1 ص290 ح1: عن أبي جعفر علیه السلام قال: «إن بنات الأنبياء «صلوات الله عليهم» لا يطمئن، إنما الطمث عقوبة و أول من طمئت سارة».
2- تلثمه: تقبُّله.
3- زاغ البصر: كلَّ.
4- في الصواعق المحرقة للهيثمي ، ص113 بإسناده عن أبي أيوب: ان النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نُكسوا رؤوسكم و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق.

سَقْياً بِكَوْثَرِهَا يَوْمَ الحِسَابِ غَداً *** مَاءٌ زُلالاً عَلَى الظُّمْآنِ يَنْهَمرُ

مِسْكُ الخِتَامِ صَلَاةٌ فِي تَرَنُّمِهَا *** ذِكرُ النَّبِيِّ وَإنّي مِنْهُ أَعْتَذِرُ(1)

ص: 229


1- في المناقب للمغازلي ص363 ح410. عن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال: دخلت على فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فبدأتني بالسلام و قالت: قال أبي و هو ذا حي من سلم عليك و عليَ ثلاثة أيام فله الجنة. قلت لها: ذا في حياته وحياتك، أوَ بعد موته و موتك؟ قالت: في حياتنا و بعد وفاتنا.

(60) من مهبط الوحي

(بحر البسيط)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

مِنْ مَهْبَطِ الوَحْيِ أَوْ مِنْ مَطْلَعِ النُّورِ *** نُورٌ أَضَاءَ كَمِثْلِ النُّورِ فِي الطُّورِ

أضَاءَ مِنْ مَكَّةٍ ثُمَّ اسْتَطَارَ إِلَى *** الآفَاقِ فِي كُلِّ مَعْمُورٍ وَ مَغْمُورِ

نُورُ البَتُولُ ابْنَةِ المُخْتَارِ بُورِكَ مِنْ *** نُورٍ مُنِيرٍ بِسَاقِ العَرْشِ مَسْطُورِ(2)

مُكَوَّنٌ نُورُهَا مِنْ نُورِ وَالِدِهَا *** وَ لَيْسَ يُنْكَرُ كَوْنُ النُّورِ مِنْ نُورِ

وَ نُورُطة هُوَ النُّورُ الأَتمَّ فَمَا *** الأنْوَارُ فِي نُورِه إِلا كَدَيْجُورِ(3)

بَرَاهُ مَوْلاهُ بُرْهَاناً لِقُدْرَتِهِ *** وَ مَصْدَرُ الفَيْضِ فِي خَلْقٍ وَ تَقْدِيرِ

مِنْ فَيْضِ جَدْوَاهُ خَلْقُ الْكَائِنَاتِ كَمَا *** جَرَتْ بِيُمْنَاهُ أَقْلَامُ المَقَادِيرِ

تِلْكَ الْمُطَهَّرَةُ الصِّدِّيقَةُ ابْنَتُهُ *** النَّوْرَاءُ مَنْ خُلِقَتْ مِنْ سِنْخِهِ النُّورِي(4)

قَدْ صَاغَهَا مُبْدِعُ الأَشْيَاءِ جَوْهَرَةً *** قُدْسِيَّةً وَ كَسَاهَا حُلَّةَ النُّورِ

تقاحَةٌ مِنْ جِنانِ الخُلْدِ صَوَّرَهَا *** البَارِي كَمَا شَاءَ شَخصاً أَي تَصْوِيرِ

ص: 230


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: وإنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الانبياء أو قال نقصان.
3- ديجور: ظلام.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص44 عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام قالت اسماء: فقلت يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إني لم أر لها دما في حيض و لا في نفاس، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لايُرى لها دم في طمث و لا ولادة؟

حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ سُبْحَانَ خَالِقِهَا *** سُبْحَانَ جَامِعِ نَوْعِ الإِنْسِ وَ الحُورِ(1)

زَهْرَاءُ شَعْشَعَتِ الأَكْوَانَ زَهْرَتُهَا *** وَ قَشَعَتْ مُكْفَهِرَّاتِ الدَّيَاجِيرِ(2)

قَدْ صُفْيَتْ كَأَبِيهَا أَيَّ تَصْفِيَةٍ *** وَ طُهَّرَتْ كَأَبِيهَا أَيَّ تَطْهِيرِ

بِفَضْلِهَا وَ مَعَالِيهَا وَ مَحْتِدِهَا *** نَاجَى المُهَيْمِنَ مُوسَى جَانِبَ الطُّورِ(3)

فِي يَوْم مَوْلِدِهَا الْمَيْمُونِ فِي البَلَدِ *** الأمين فِي دَارِ طة أفْضَلِ الدُّورِ

أَقَامَتِ الحُورُ حَفْلاً فِي مَقَاصِرِهَا *** مَا أَحْسَنَ الحَفْلَ فِي تِلْكَ المَقَاصِيرِ

وَ مُذْ أَتَى المَلأُ الأَعْلَى لِحَفْلِهِمُ *** تِلْكَ الْمَقَاصِبرَ غَصَّتْ بِالْجَمَاهِيرِ

كُلِّ يُقَدِّمُ مَا جَادَتْ فَرِيحَتُهُ *** مِنَ الثَّنَا بَيْنَ مَنْظُومٍ وَ مَنْثُورِ

يُثْنِي عَلَى البَضْعَةِ الزَّهْرَا يُمَجِّدُهَا *** يُهْدِي إِلَى الْمُصْطَفَى أَسْنَى التَّبَاشِيرِ(4)

وَ حِينَمَا أَكْمَلَ المُلْقُونَ مَدْحَهُمُ *** دَوَّى الهُتَافُ بِتَهْلِيلٍ وَ تَكْبِيرِ(5)

ص: 231


1- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث. الحديث طويل أخذنا منه منه موضع الحاجة.
2- قشعت: فرقت. مكفهرات: شديدات الظلمة و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص309 عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لما خلق الله آدم و حواء علیهما السلام يفتخران في الجنة فقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منّا فبينما هما كذلك إذ رأيا صورة جارية لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار، على رأسها تاج، و في اذنيها ،قرطان قالا: ما هذه الجارية؟ قال اللَّه: هذه صورة فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأولين و الآخرين. قالا: و ما هذا التاج على رأسها؟ قال: هذا بعلها علي بن أبي طالب علیه السلام. قال: وما هذان القرطان؟ قال: الحسن و الحسين علیهما السلام ابناها أوجدت ذلك قبل ان اخلقك بألفي عام.
3- محتدها: أصلها.
4- التباشير: البشرى أو أوائل كل شيء.
5- الأزهار الأرجية ج1 ص174.

(61) أكبر شاهد

(بحر الطويل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي(*)(1)

عَذَلتَ وَ لَوْ أَنْصَفْتَ أَوْسَعْتَنِي عُذْرا *** وَ ذُو الوَجْدِ بِالآلام مِنْ غَيْرِهِ أَدْرَى(2)

أَحِبَّتُهُ عَنْهُ نَأَوْا بِبِعَادِهِمْ *** وَ كَيْفَ وَ فِي أَحْشَاهُ أَذْكَى الهَوَى جَمْرا؟(3)

فَهَا هُوَ مُضْنَى الجِسْمِ ذَاوٍ كَأَنَّهُ *** الخِلالُ فَمَا مِنْهُ سِوَى الْأَعْيُنِ الْعَبْرَىٰ

يَرَى الطَّلَلَ البَالِي فَيَحْسَبُ قَفْرَهُ *** رِياضاً وَ مَأْهُولَ المَنَازِلِ كَالقَفْرَا(4)

وَ يَسْتَنْشِقُ الأَرْوَاحَ بَعْدَ هُبُوبِهَا *** عَسَاهَا عَنِ الأَحْبَابِ قَدْ نَقَلَتْ خَبرَا

وَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ اللَّقَا وَ هُوَ عَالِمٌ *** بِذَا لَكِنِ الآمَالُ تَسْتَغْرِقُ الفِكْرَا

وَ مِثْلُ نَوَاهُمْ كَانَ للصَّبْ مُقْنِطاً *** فَأَحْرَى لَهُ السُّلْوَانُ لَوْ مَيَّزَ الأَحْرَى(5)

نَعَمْ لااصْطِبَارَ لِلْفَتَى عِنْدَ فَقْدِهِ *** أَحِبَّتَهُ إِنَّ النَّوى يُعْدِمُ الصَّبْرَا

وَلكِنَّهُ يَسْتَصْغِرُ الوَجْدَ وَ الأَسَى *** إِذَا ذُكِرَتْ أَشْجَانُ فَاطِمَةَ الزَّهْرا

فَتِلْكَ الَّتِي كَأسَ الهَوَانِ تَجَرَّعَتْ *** وَ مَا انْفَكَ ذَاكَ الكَأْسُ حَتَّى قَضَتْ مُرَّا

ص: 232


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الوجد: الحزن.
3- أذكى: أشعل و أوقد.
4- الطلل: الشاخص من الآثار. القفر: المكان الخالي من الناس و الكلأ و الماء.
5- نواهم: بُعْدُهم. الصبّ: العاشق و ذو الولع الشديد. مقنطاً: مُؤيساً.

وَ جَلَّلَهَا أَعْدَاؤُها حُلَلَ الأَذَى *** حَوَالِكَ ظُلم عِنْدَمَا فَقَدُوا البَدْرا(1)

وَ مَا تَرَكُوا إِذْ يَمْنَعُوهَا عَنِ البُكَا *** عَلَى مَيْتها عُذْراً وَ مَنْ يَقْبَلُ العُذْرَا(2)

وَ قَدْ قَطَعُوا تِلْكَ الأَرَاكَةَ إِذْ بَغَوْا *** عَلَيْهَا فَمَا أَعْدَى اللِّئَامَ وَ مَا أَجْرَى

وَ غَصْبُهُمُ المِيراثَ أَكْبَرُ شَاهِدٍ *** عَلَى كُفْرِ مَنْ قَدْ أَبْطَنُوا الشِّرْكَ وَ الكُفْرَا؟(3)

وَ عَنْ قَتْلِهِمْ بِالدِّينِ يَوْمَ هُجُومِهِمْ *** عَلَى دَارِهَا فَاسْأَلْ بِهَا النَّارَ مَنْ أَوْرَى(4)

بَلَى قَدْ بَغَى بِالقَوْم بَغْياً عَدِيُّهَا *** عَلَيْهَا وَ قَادُوا بَعْلَهَا حَيْدَراً قَسْرَا

وَ بِالبَابِ رَضُوا ضِلْعَهَا حِينَ أُسْقِطَ *** الجَنِينُ وَ بِالمِسْمَارِ قَدْ خَرَقُوا الصَّدْرَا(5)

وَ كَرُّوا عَلَيْهَا بِالسَّيَاطِ وَ أدلم *** بِلَطْمَتِهِ أَفْدِي الَّتِي لُطِمَتْ جَهْرا(6)

فَعَجَّتْ كَمَا عَجَّ الفَصِيلُ لِرَبِّهِ *** بِوَالِدِهَا وَ هُوَ المُحِيطُ بِهِمْ خُبْرا(7)

ألاَ يَا رَسُول اللَّهِ بِنْتُكَ أَصْبَحَتْ *** مِنَ الذُّل بَعْدَ العِزَّ فِي المِحْنَةِ الكُبْرَى

أبِي إِنَّ مَنْ فِي الدِّينِ قدماً وَ تَرْتَهُمْ *** بِبَضْعَتِكَ الزَّهْرَاءِ قَدْ أَدْرَكُوا الوِتْرَا

ص: 233


1- حوالك: شديدة السواد.
2- حذفت نون يمنعونها للضرورة و في هذا البيت إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام عن البكاء.
3- و في هذا البيت إشارة إلى غصبهم ميراث الزهراء علیها السلام انظر مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص 232 و انظر السيرة الحلبية ج3 ص487.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجوم القوم على الدار وإحراقها على الزهراء علیها السلام. انظر سليم بن قيس الهلالي ص208 و ص40، و ص 38 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
5- في هذا البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إسقاط الجنين و دخول المسمار في صدرها.
6- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسياط و لطمها على خدها انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و ص208. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و كتاب ارشاد القلوب كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص574 . و كتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية.
7- عجَّت: صاحت. خُبْرا: تجربة و اختباراً. و في هذا البيت و الأبيات التي بعده إشارة إلى مناداة الزهراء علیها السلام لأبيها صلي الله علیه و آله و سلم حين هجم القوم عليها في دارها.

أَبِي إِنَّ مَتْنِي اسْوَدَّ مِنْ سَوْطِ عَبْدِهِمْ *** وَ هَذَا حِجَابِي مِنْهُ قَدْ هَتَكُوا السِّتْرَا(1)

بِنَفْسِي وَ أَهْلِي أَفْتَدِي مَنْ بِحُزْنِهَا *** قَضَتْ عُمْرَهَا وَ هْيَ الَّتِي لَمْ تُطِلْ عُمْرَا

إلَى أَنْ قَضَتْ مَكْسُورَةَ الضّلْع نَحْبَهَا *** وَ مَاتَتْ وَ إِنَّ العَيْنَ مِنْ لَطْمِهِمْ حَمْرا(2)

فَقَامَ عَلِيٌّ بِالظَّلام مُجهزاً *** لَهَا وَ عَلَيْهَا دَمْعُهُ مَازَجَ السِّدْرَا

وَ فِي اللَّيْلِ وَاراها وَ عَفَّى ضَرِيحَهَا *** كَمَا هِيَ أَوْصَتْهُ وَ هَاجَتْ بِهِ الذِّكْرَى(3)

ص: 234


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجومهم على دار الزهراء علیها السلام و هي دون ستر. انظر كتاب سلیم بن قيس الهلالي ص39.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إلى لطمها على وجهها. و قد مرَّت الإشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام؛ انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 و ص208. و انظر كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و أما لطمها على خدها فانظر ارشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى دفن الزهراء علیها السلام ليلاً بوصية منها. انظر كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363. و كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص54 . و كتاب البحار ج43 ص183. نقلاً من كتاب قلائد و فوائد ص109.

(62) في قلب فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد ماجد الجد حفصي البحراني

بَكَى وَ لَيْسَ عَلَى صَبْرِ بِمَعْذُورِ *** مَنْ قَدْ أَظلَّ عَلَيْهِ شَهْرُ عَاشُورِ

وَ إِنَّ يَوْماً رَسُولُ اللَّهِ سَاءَ بِهِ *** فَأَبْعَدَ اللَّهُ عَنْهُ قَلْبَ مَسْرُورِ

آلِيَّةٌ بِالهِجَانِ القَوْدِ حَامِلَةً *** نَعْشاً تَهَادَى عَلَى الأَقْتَابِ وَ الكُورِ(1)

إلى أن قال فيها:

بِنْتُ النَّبِيِّ أَلا قُومِي الغَدَاةَ إِلَى *** بَازِ تَنَشَب فِي مِخْلاَب عُصْفُورِ(2)

قُومِي إِلى الصَّقْرِ لَمْ يَظْفَرُ بِسَرْبٍ قَطَا *** بَلْ عُدْنَ مِنْ دَمِهِ حُمْرَ المَنَاقِيرِ

قُومِي إِلَى مَيِّتٍ مَا لُفَّ فِي كَفَنٍ *** يَوْماً وَ لاَنَالَ مِنْ سِدْرٍ وَ كَافُورِ

وَ جَثَّةٍ أَبْلَتِ الأَيَّامُ جِدِّتَهَا *** وَ غَيَّرَتْهَا اللَّيَالِي أَيَّ تَغْيِيرِ

تِلْكَ الدِّمَاءُ الزَّوَاكِي السَّائِلاتُ عَلَى *** السُّمْرِ اليَعَاسِيبِ وَ البيض المَبَاتِيرِ(3)

مَا عَسْعَسَ اللَّيْلُ حَتَّى بَاتَ سَائِلُهَا *** رَدْعاً يُضَمِّخُ جَيْبَ الحُرَّدِ الحُورِ(4)

ص: 235


1- الهجان: الخيل التي ولدتها برْذَوْنة من حصان عربي. القود: الخيل التي تقاد و لاتُركب يقال: «مرَّ بنا قودٌ» أي خيلٌ مقودة غير مركوبة. تهادى: مشى وحده مشياً غير قوي متمايلاً.
2- تنشب: تعلِّق.
3- اليعاسيب: جمع اليعسوب و له معانٍ كثيرة و المقصود هنا منه الفرَّة في وجه الفرس، و اليعاسيب كناية عن الخيل. المباتير: السيوف القاطعة.
4- عسعس الليل: أظلم أو مضى رَدْعاً: زعفراناً. يضمَّخ: يلطخ. الخرة: مفردها الخريدة و هي اللؤلؤة التي لم تثقب أو البكر التي لم تمس.

إلى أن يقول:

يَا فَجْعَةً أَوْ سَعْتَ فِي قَلْبِ فَاطِمَةَ *** الزَّهَرَاءِ جُرْحَ مُصَابٍ غَيْرَ مَصْبُورِ(1)

وَ هَلْ دَرَتْ أَنَّ فَحْلاً مِنْ سُلالَتِهَا *** وَ هُوَ المُؤَمَرُ مُنْقَادٌ لِمَأْمُورِ؟

وَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنَلْهُ السَّبْي تَأْسِرُهُ *** يَدَا طَلِيقٍ بِيَوْمِ الفَتح مَأْسُورِ

وَ أَنَّ ذَاتَ خِمَارٍ مِنْ عَقَائِلِهَا *** تُهْدَى إِلَى مُسْتَفَزِّ العَقْلِ مَخْمُورِ

وَ أَنَّ رَأْساً ثَوَى فِي حِجْرِهَا زَمَناً *** تَشْدُو القِيَانُ عَلَيْهِ فِي المَقَاصِيرِ(2)

يُؤْتَى بِهِ سَاطِعَاً فِي طَشْت مِنْ ذَهَبٍ *** وَ يُسْفَكُ الرَّاحُ بشراً فِي القَوَارِيرِ(3)

ص: 236


1- مصبور: ممتحن ليعرف مقداره.
2- ثوى: أقام. تشدو: تنشد شعراً و تمد صوتها به كالغناء، و القيان: المغنيات أو الإماء.
3- القصيدة من (56) بيتاً نقلناها من رياض المدح و الرثاء ص511.

(63) عبق الفردوس

(بحر الطويل)

الأستاذ ماجد الصيمري

تناثرَ صمتُ الكون منبعثاً عِطراً *** عشيةَ بالزهرا امتلا قلبُه بُشرى

ورفَّ رفيفُ الورد عكٍّر صفوَهُ *** نسيمٌ رأى حُسناً فلمّا يُطِقْ صبرا

فلا هو عندَ اللّيلِ أرخى جفونَهُ *** و لا هو أرخاها و قد عانَقَ الفجرا(1)

و ليس عجيباً ما عرَاهُ و قد درى *** بأنَّ التي في المهدِ صدّيقةٌ كبرى

***

إلى مَن بحالي من جميع الورى أدرى *** و مَنْ لستُ أرجو غيرَهُ أحداً ذُخرا

ابثُّ شُجُوني و الشجونُ كوامنُ *** تَفَجَّرُ من حزنٍ و منْ فَرحٍ طَوْرا

و عذراً إذا ما خالَطَ الحزنُ فرحةً *** فقد ترقُصُ الأغصانُ من غيمةٍ عبرى

و عذراً كتمتُ الواضحاتِ فلم أبحْ *** بما قد تسالَمْنا على قولهِ جَهْرا

بأنَّ جنانَ الخُلدتُؤوي مُحبَّها *** و شانِئها لا شكَّ في سقرٍ قَرّا

نقيضانِ أعيانقضَهُم كل مبرمٍ *** على أنَّ للزهراء في أمرِهم سرَا

هي الخلدُ إلا أنّها بعضُ أهلهِ *** عجبتُ لجزءٍ قد شأى كُلَّه فخرا(2)

***

عليكِ سلامُ الله ما حطَّ راحلٌ *** ركائِبَهُ مستنزلاً بكُمُ القَطرا

ص: 237


1- أرخى: أرسلَ.
2- شأى: (الشأو) الغاية و الأمد (شأواً) أي طلقاً.

سلامُ شجٍ أدمى جَنَاحَيْهِ دهرُهُ *** رهينُ أسي هدَّ الجوانِحَ و الصدرا

إذا ما غفا عنهُ الزمانُ هنيهةً *** تيقَّظ مذعوراً و أوسَعَهُ زَجْرا

و إن مدَّتِ الأيامُ كفّاً رحيمةً *** له أعقبَتْها بالمُدى تطعنُ الأُخرى

إلى أين نمضِي خبّري يَتُها الزهرا *** و مَن لضعون فارقتْ حيَّها قَسْرا؟

وعاثَ بها الدهرُ الخَؤونُ فلم تجدْ *** لعيشٍ كريمٍ غيرَ عزّتِها مَهْرا

و كم شاطىءٍ حلوِ الطُيوفِ تركته *** إلى شاطىءِ قد فارَقَ العُشب و الزّهرا

فها دي حسرى تصولُ بحبِّكم *** على حَدَثَانِ الدهر تنتظرُ النَّصرا

و قد طالما تَدرِي بأن مؤمِّلاً *** سماواتِكم يُحيى كواكِبَها الزُّهرا

***

فها

ترسّمتُ درباً من نثيثِ الندى أطرى *** لأُدرِك من آمالِ مُغتربٍ شَطْرا

و قلتُ و بعضُ القولِ هجرٌ و بعضُهُ *** قنوطُ و بعضٌ رايةٌ لم تزلْ حَمْرا(1)

ستُعشِبُ أيامٌ و ترسُو سفائِنٌ *** و تخمدُ آهاتٌ أضرَّ بها المَسْرى

و تطفُو على وجهِ الفراتين فرحةٌ *** بقهقهةِ السارين تختصِرُ العُمرا

و تغفُو لدى نخلِ العراقِ حمائمٌ *** بها قد نبا عشٌ ففارقتِ الوكرا

و تخضلٌ من دمعِ الحنينِ هضابُهُ *** إذا هي ممّا قد حباها الهوى خَضرا

و سرعان ما استيقظتُ و الحُلُمُ الذي *** رأيتُ سراباً و الرُّؤى حيَرة كبرى

أرى وطناً فذاً تعيثُ بساحِهِ *** كلابُ بني سفيان لاهثةً صفرا

تقطّر خير الرافدين لأهلِهِ *** توسِّدُهم خوفاً و تُطعِمهم قهرا

***

توهمتُ استقصيكَ مدحاً فهالَني *** قصيرٌ من الأعمارِ ممتنعٌ حصرا(2)

فيا عبقَ الفردوسِ ضمّخ نطفةً *** تميلُ له الأكوانُ لو أنّه مرّا

ص: 238


1- القنوط: اليأس.
2- هالني: أفزعني.

فإن قلتُ مشكاةً يقالُ زجاجةٌ *** و إن قلتُها قالُوا بدتْ كوكباً دُرّا

أتتك من الغيبِ القوابلُ تزدهي *** بأن إله الكونِ شرّفها قَدْرا

فيا بضعةَ المختار هذي يراعتِي *** بِكُمْ نطقتْ شِعراً و قد عُقمتْ دهرا(1)

و إنّي أنا الدّاري بأنَّ نهايتي *** تكونُ احتراقاً لو دنوتُ لكُم شِبرا

ص: 239


1- يراعتي: اليراعة: القصبة أو القلم.

(64) مقر الهدى والدين

(بحر الطويل)

الشيخ محسن آل جواهري(*)(1)

قِفَا رَوْحَا بِالبِيضِ عَنْ كَبِدِي الحَرَا *** وَ كِنَّا بِسُمْرِ الخَطَّ أَدْمُعِيَ الحَمْرَا(2)

ص: 240


1- (*) هو الشيخ محسن ابن الشيخ الشريف ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد حسن صاحب كتاب جواهر الكلام، ولد في النجف الاشرف سنة (1295 ه_) و نشأ بها نشأة عالية على أبيه فعني بتوجيهه و كان منذ نعومة أظفاره متشوقاً لطلب العلم و الفضيلة و مع شدة ظروفه العائلية لم ينفك عن مواصلة الدراسة بل سار شوطاً بعيداً في مقدمات العلوم فأتقنها و توغَّل في دراسة الفقه و الاصول فاختلف في أول امره على الشيخ عبد الحسين أسداللَّه ثم حضر على السيد علي الشرع و الشيخ علي الشيخ باقر آل صاحب الجواهر و استمر على الحضور عليهما فقهاً و أصولاً و أخيراً كان يحضر في حلقتي درس الشيخ ميرزا حسين النائيني و شيخ الشريعة الاصفهاني و أجازه الميرزا النائيني اجازة اجتهاد مفصلة. و أخذ عليه العلم فريق من العلماء العظام في النجف الأشرف و المترجَم له من أعلام الدين و المجتهدين المحققين لاتأخذه في الله لومة لائم، مجاهد في احياء الشرع الأقدس فى حله و مرتحله. فارق وطنه و مسقط رأسه النجف و سكن الاهواز و نواحيه للارشاد و الهداية رادعاً للظالم منتصفاً للمظلوم لايعبأ بمن بيده الدنيا ان رآه حائداً عن الصراط السوي فانعطفت عليه القلوب و قدسته الألسن. ترك تراثاً علمياً منه: 1- شرح نجاة العباد، 2- الفوائد الغوالي في شرح شواهد أمالي السيد المرتضى في الادب و التاريخ و النقد أربع مجلدات، 3- القلائد الغرر في إمامة الاثني عشر، 4- شرح منظومة السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي، 5- عدة أراجيز في الكلام و القراءة و المواريث. لبى نداء ربه ليلة الخميس 15 ذي القعدة سنة (1355 ه_) و حمل نعشه إلى النجف الأشرف و دفن في مقبرتهم الخاصة بجوار ضريح جدهم الأكبر صاحب الجواهر «قدس سره».
2- كنّا: استرا و غطيا و أخفيا.

وَ لاَ تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا بِشَبَا الظُّبَا *** حَوَادِثَ قَدْ أَبْكَتْ دِمَا (أَحْمَدَ) الطُّهْرَا(1)

حَوَادِثَ أَبْكَتْ أَحْمَداً وَ وَصِيَّهُ *** وَ بَضْعَتَهُ وَ اسْتَأَصَلَتْ آلهُ الغُرّا

حَوَادِثَ مَا أَبْقَتْ لِدِينِ مُحَمَّدٍ *** عِمَاداً وَ لا أَلْوَتْ عَلَى الحُجَّةِ الكُبْرَى

حَوَادِثَ أَعْطَتْ آلَهُ السَّيْفَ بَعْدَهُ *** وَ لَمْ يَتَّخِذْ إِلا مَوَدَّتَهُمْ أَجْرَا

غَدَاةَ عَدَتْ بَغْياً عَلَى دِينِ أَحْمَدٍ *** عَدِيٍّ وَ تَيْمٌ وَادَّعَتْ بَعْدَهُ الأَمْرَا

أذلاً قُرَيْشٍ جَانِباً وَ أَقَلُّهَا *** قَبِيلاً وَ أَجْفَاهَا وَ أَلأمُهَا نَجْرَا(2)

وَ أَخْسَرُهَا فِي سَاحَةِ المَجْدِ صَفْقَةً *** وَ أَحْمَلُهَا فِي يَوْمٍ مَفْخَرَةٍ ذِكْرَا

فَسَلْ عَنْهُمَا أَحْداً وَ سَلْ يَوْمَ خَيْبَرٍ *** فَفِي ذَا غِنَى إِمَّا عَقَلْتَهُمَا خُبْرَا

وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَعْطَيَا سَيِّدَ الوَرَى *** عُهُودَهُمَا أَنْ لا يَفِرّا وَ قَدْ فَرّا

وَ سَلْ يَوْمَ بَدْرٍ وَ المَشاهِدَ كُلَّهَا *** فَمَا أَحْرَزا فِيهَا غَنَاءً وَ لَا نَصْرَا

وَ لاَ قَتَلَا فِيهَا قَتِيلاً وَ أَغْنَيَا *** بِيَوْمِ فَتِيلاً لاَ وَ لاَ طَلَبَا وِتْرَا(3)

وَ لَا جَارَيَا فِي حَوْمَةِ الحَرْبِ مُسْلِماً *** وَ لَا أَبْلَيَا فِي مُلْتَقَى جَيْشِهَا عُذْرا

وَ سَلْ عَنْهُمَا أَحْكَامَ دِينِ مُحَمَّدٍ *** فَقَدْ رَكِبًا فِي أَمْرِهَا مَرْكباً وَعْرَا(4)

وَ كَمْ قَضَيَا بِالجَوْرِ فِيهَا فَرَدَّهَا *** إِلَى عَدلِ (أَقْضَاهَا) و أَشْرَفِهَا قَدْرَا

وَ أَوَّلِهَا سِلْماً وَ أَرْسَخِهَا حِجّى *** وَ أَوْفَرِهَا عِلْماً وَ أَعْظَمِهَا صَبْرَا

فَيا ضَلَّةً مَاذَا جَنَّتْ بَعْدَ أَحْمَدٍ *** صَحَابَتُهُ مِنْ سُبَّةٍ شَانَتِ الدَّهْرَا(5)

وَ يَا ضَلَّةً مَاذَا جَنَتْ بِفَرِيَّةٍ *** إِلَى الحَشْرِ لاتَنْفَكُ مُعْقِبَةً شَرَا

عَدَتْ بَعْدَهُ جَهْراً عَلَى بَيْتِ حَيْدَرٍ *** وَ حَاكَتْ ثِيَابَ الذُّلّ لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَا

ص: 241


1- شبا: مفردها الشباة حدّ كلّ شيء و من السيف قدر يُقطع به. الظبا: مفردها الظُّبة و هي حدَّ السيف أو السنان.
2- نجراً: أصلاً أو حسباً.
3- الوتر: بكسر الواو و فتحها: الثأر و الانتقام.
4- وغر: مخيف موحش.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232: قال: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها. الحديث.

وَ لَمْ يَجْنِ ذَنْباً عِنْدَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ *** أَقَامَ عَمُودَ الدِّينِ وَ اسْتَأَصَلَ الكُفْرَا

فَخَلْ قُرَيْشاً وَ السَّفَاهَةَ جَائِباً *** فَقَدْ طَلَبَتْ عِندَ النَّبِيِّ لَهَا وِتْرَا

وَ عَرَّجْ عَلَى أَبْنَاءِ قَيْلَةَ فَالحَشَا *** لِرَدَّتِهَا بَعْدَ الهُدَى احْتَدَمَتْ جَمْرَا

وَ سَلْهَا عُهُودَ المُصْطَفَى إِنَّ نَكْثَهَا *** أَرَاقَ دَمَ الإِسْلَامِ مَا بَيْنَهَا جَهْرَا

أَلَمْ تُعْطِهِ العَهْدَ الوَثِيقَ بِأَنَّهُ *** إِذَا جَاءَهَا لَمْ يَشْكُ ضَيْماً وَ لاَ ضَرَا

وَ أَنَّ لَهُ مِنْهُمْ حِمّى دُونَ نَفْسِهِ *** وَ أَهْلِيهِ وَاللَّهُ الشَّهِيدُ بهَا أَدْرَى

فَلِمْ غَيْرَتْ وَ اسْتَبْدَلَتْ بَعْدَ عَهْدِهِ *** وَ أَغْضَتْ عَلَى ظُلم المُطَهَّرَةِ الزَّهْرَا

وَ عَنْ مَلأ مِنْهُمْ أَتَتْ بِنْتُ أَحْمَدٍ *** تُنَاشِدُ حَقّاً نَصَّهُ اللهُ فِي الذِّكْرَى(1)

وَ عَنْ مَلا رُدَّتْ إِلَى عُقْرِ بَيْتِهَا *** تَجُرُّثِيَابَ الذُّلِّ مَهْضُومَةً عَبْرَى

وَ يَوْمَ اقْتِحَامِ الدَّارِ يَوْمَ تَهَنَّكَتْ *** بِهِ حُرُمَاتُ اللَّهِ حَتَّى بَدَتْ حَسْرَى

فَعَنْ مَلأ مِنْهُمْ أَتَوْا بَيْتَ فَاطِمٍ *** مَقَرَّ الهُدَى وَ الدِّينِ وَ الحُجَّةِ الكُبْرَى

غَدَاةَ غَدَا رُكُنُ الضَّلَالَةِ حَامِلاً *** عَلَى ظَهْرِهِ أَضْعَافَ مَا فِي الحَشَا أَوْرَى(2)

يُحَاوِلُ حَرْقَ الدَّارِ وَ الدَّارُ تَلْتَقِي *** عَلَى صِبْيَةٍ لَمْ تَعْرِفِ الخَوْف وَ الذُّعْرَا(3)

يُنَادِي بِهِ: اخْرُجُ عَلِيُّ) وَإِنْ تَقُمْ *** فَلِلنَّارِ أَعْمَالٌ سَتُخْرِجُكُمْ قَسْرَا

فَكُمْ ريعَةِ (الكُبْرَى) بهَذَا وَ كُمْ شَكَتْ *** إِلَى جَدْهَا مَا نَالَهَا مِنْهُمُ (الصُّغُرَى)

ص: 242


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص19180: في حديث المفضّل عن الصادق علیه السلام: و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه الحديث.
2- أورى: أخرج ناره.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص13: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر علي و العباس و الزبير و سعد بن عبادة، فأما علي و العباس و من معهما فقصدوا فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث اليهم أبوبكر و عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له: إن أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟

وَ كَمْ هَتَفَتْ بِالمُسْلِمِينَ وَ كَمْ دَعَتْ *** بِيالِرَسُولِ اللَّهِ لاِبْنَتِكَ (الزَّهْرَا )

وَ لاَ قَائِلٌ مِنْهُمْ دَعُوهَا فَإِنَّهَا *** سَلِيلَةُ خَيْرِ الخَلْقِ وَ البَضْعَةُ (الحَوْرَا)

تُنَا شِدُهُمْ وَ المُسْلِمِينَ وَ لَوْ دَعَتْ *** بِحَقِّ رَسُولِ اللهِ صُلْدَ الصَّفَا خَرّا(1)

تَقُولُ لَهُمْ يَا قَوْمُ بَيْنِي وَ لَمْ يَكُنْ *** نَبِيُّ الهُدَى يَوْماً لِيَدْخُلَهُ قَهْرَا

فَمَا كَفَّ عَنْهَا الرِّجْسُ بَلْ حَرَّكَتْ لَهُ *** حَشَّى فِيهِ نَارُ الحِقْدِ كَامِنَةً دَهْرَا

وَ هَاجَمَ بَيْتَ الوَحْي وَ البَابَ دُونَهُ *** عَقِيلَةُ آلِ اللَّهِ مُسْيَدَةً صَدْرَا(2)

وَ لَمْ يَرْعَهَا بَلْ رَاعَهَا وَ تَزَاحَمُوا *** عَلَى البَابِ أَفْوَاجاً فَأَبْئِسْ بِهِمْ طُرّا

فَقُلْ لِلَّذِي رَامَ اعْتِدَاراً لِبَغْيِهِمْ *** عَلَى المُصْطَفَى قُبْحَتْ مِنْ طَالِبٍ عُذْرَا

زَعَمْتَ ابْنَةَ الهَادِي اطْمَأَنَّتْ وَ أَذْعَنَتْ *** لِمَا لَفَقُوا يَا بِئْسَ مَا احْتَقَبُوا وِزْرَا

فَمَا بَالُهَا غَضْبَى فَضَتْ بَعْدَ عُذْرِهِمْ *** وَ مَا بَالُهَا لَمَّا قَضَتْ دُفِنَتْ سِرّا

إِلَى كَمْ تَرَىٰ نَهْجَ الضَّلالَةِ لأَجِباً *** جَلِيًّا وَ مَلْحُوبَ الهُدَى مُظْلَماً وَ عْرَا

و فِيمَ تَعُدُّ الغَيَّ رُشْداً وَ لا تَرَى *** سَبِيلَ الهُدَى إِلا الخَتَلَقْتَ لَهُ سِتْرَا

وَ حَتّامَ لاتُصْغِي لِعَذْلٍ وَ لَاتَعِي *** مَقَالَةَ ذِي رُشْدٍ وَ لاَتَسْمَعُ الذِّكْرَا

رُويْداً فَلَيْسَ الدِّينُ بِالرَّأْي يُبْتَغَى *** وَ عَمَّا قَلِيل يَظمَئِنُ بِكَ المَسْرَى(3)

ص: 243


1- صلد: صلب.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18-19: في حديث المفضل عن الصادق علیه السلام: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعه خدَّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء. و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها.
3- نقلاً من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص122.

(65) سطعت أنوار الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ محسن أبو الحب (الصغير)(*)(1)

لَقَدْ سَطَعَتْ أَنْوَارُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا *** فَأَضْحَتْ بِهَا الْآفَاقُ بَاسِمَةٌ ثَغْرَا(2)

ص: 244


1- (*) الشيخ محسن ابن الشيخ محمد حسن ابن الشاعر الشهير الشيخ محسن أبو الحب صاحب القصائد الحسينية المعروفة. و أسرة آل أبي الحب من الأسر العربية العريقة في كربلاء المقدسة و التي تنتسب إلى خثعم و كان مبدأ هجرتها من الحويزة إلى كربلاء بقصد طلب العلم الديني. ولد المترجَم له في كربلاء المقدسة سنة (1305 ه_) و هي السنة التي مات فيها جده الشيخ محسن أبوالحب الكبير، و نشأ بتوجيه والده الشيخ محمد حسن أبوالحب و درس المقدمات على أساتذة الحوزة. و تخصص المترجَم له بفن الخطابة حتى نال شهرة واسعة و قد احتضنته كربلاء المقدَّسة و اعتبرته خطيبها الأول و قد ترعرع و نشأ و تربى على يده عدد كبير من الخطباء اللامعين أمثال الخطيب الكبير الشيخ هادي الخفاجي و الشيخ عبد الزهراء الكعبي، و الشيخ علي الحلي، و الشيخ صادق الواعظ و السيد صدر الدين الشهرستاني و غيرهم وقد شارك في الحفل الحسيني الكبير الذي عقدته الشبيبة الكربلائية يوم 13 محرم الحرام سنة (1367 ه_) الموافق (1947 م) في ذكرى استشهاد الامام الحسين علیه السلام في الروضة الحسينية المقدسة، و قد ألقى المترجم له قصيدة رائعة و قد ألقى في الحفل نفسه محمد مهدي الجواهري رائعته الخالدة. و للمترجَم له ديوان يضم طائفة كبيرة من القصائد في أغراض مختلفة و طبع هذا الديوان بعد وفاته وكان ذلك بمساعي الاستاذ الأديب السيد سلمان السيد هادي آل طعمة. توفي المترجم له في كربلاء المقدّسة في 5 ربيع الأول سنة (1369 ه_) و دفن في مقبرة خاصة له في الروضة العباسية و أقيم له حفل تأبيني كبير في الصحن الشريف يوم أربعينه ساهم فيه ثُلَّة من الشعراء و الأدباء و رجال الفكر.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الأنوار التي ملأت الآفاق يوم ولادة الزهراء علیها السلام انظر كتاب مشارق الأنوار ص85 كما في عوالم العلوم ج1 ص58-59. و كتاب البحار، ج16 ص81. و ذكره أبوجعفر الطبري في كتابه دلائل الإمامة، ص9.

هِيَ ابْنَةُ طهَ المُصْطَفَى سَيِّدِ الوَرَى *** بِهِ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ رَبُّ السَّمَا أَسْرَى

وَ حَيْدَرَةُ الكَرَّارُ ذُوالفَخْرِ بَعْلُهَا *** بِهِ شِرْعَةُ المُخْتَارِ قَدْ نَالَتِ الفَخْرَا

هي البَرَّةُ الطُّهْرُ البَتُولَةُ مَنْ لَهَا *** مَلائِكَةُ الرَّحْمَنِ قَدْ خَضَعَتْ طُرّا(1)

لَقَدْ فَرِحَتْ فِيهَا خَدِيجَةُ أُمُّهَا *** وَ قَدْ سَعِدَتْ فِي وَقْتِ مَوْلِدِهَا بُشْرَا

بِنُورِ مُحَيَّاهَا قَدِ انْقَشَعَ الدُّجَى *** وَ نُورُ سَنَاهَا يُخْجِلُ الشَّمْسَ وَ البَدْرَا(2)

عَلَى بَضْعَةِ المُخْتَارٍ خَيْرُ تَحِيَّةٍ *** لَهَا مِنْ إله العَرْشِ لابَرحَتْ تَثرَى(3)

وَ نَرْجُو بِهَا نَيْلَ الشَّفَاعَةِ فِي غَدٍ *** لِكَيْ بِوَلاهَا نُدْرِكَ الفَوْزَ وَالأَجْرَا

ص: 245


1- و في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام طاهرة مطهرة و بتولة كما جاء ذلك في الأحاديث المتضافرة. ففي كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال: نقصان. و في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن كتاب مودة القربى ص78 ط لاهور، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة معناه ترجع كل ليلة بكراً. و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى علیه السلام بكراً . و في كتاب مصباح الأنوار كما في البحار، ج43 ص19 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم، الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفت و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً. و قال: في ج43 ص16 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: حرَّم الله النساء على علي ما دامت فاطمة علیها السلام حية لأنها طاهرة. و ذكره في كتاب ذخائر العقبى ص44.
2- محيّاها: وجهها و قيل: سمِّي الوجه بالمحّيا لأنه يخص بالذكر عندالسلام فيقال: (حيَّ اللَّه وجهك). و في هذا البيت إشارة إلى نور الزهراء علیها السلام و سناء وجهها المشرق. انظر كتاب البحار ج43 ص12 و علل الشرايع ج1 ص215 ح3 و البحار أيضاً ص 16-11 ج43.
3- تترى: تتابع و أصلها و ترى كما في كتب اللغة.

شَفِيعَتُنَا يَوْمَ القِيَامَةِ فَاطِمٌ *** وَ إِنَّ لَنَا فِي حُبِّهَا النَّعْمَةَ الكُبْرَى(1)

بِوَالِدَةِ السِّبْطَيْنِ سَيِّدَةِ النِّسَا *** تَمَسُّكُنَا لاَنَخْتَشِي البُؤْسَ وَ الضُّرّا(2)

وَ إِنَّ لَنَا فِيهَا الرَّجَاءَ وَ إِنَّنَا *** نُؤمِّلُ أَنْ نَحْظَى بِطَلْعَتِهَا الغَرّا

بِمَوْلِدِهَا قَدْ أَصْبَحَ الكَوْنُ مُشْرِفاً *** وَ قَدْ شَاهَدَتْ فِي الأُفْقِ أَنْجُمَهَا الزُّهْرَا

بِشَهْرٍ جُمَادَى فَاطِمُ الطُّهْرُ قَدْ أَتَتْ *** قَفِي كُلِّ عَامٍ فَلْتُجَدِّدْ لَهَا ذِكْرَا(3)

بِأَسْعَدِ يَوْم جَاءَ بِاليُمْنِ وَ الهَنَا *** وَ طَرْفُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى فِيهِ قَدْ قَرّا

فَيَا أَيُّهَا السَّادَاتُ بُشْرَاكُمُ بِمَنْ *** لَهَا الصَّيْتُ طُولَ الدَّهْرِ إنْسِيَّةٌ حَوْرَا(4)

ص: 246


1- و في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام شافعة يوم القيامة . انظر کتاب كنز الفوائد للكراجكي ج1 ص150 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص219 و ص65 ضمن ح57.
2- و في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين. انظر كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 و صحيح البخاري ج3 ح1326 و 3426 و ذكره الطبري في الاستيعاب ج4 ص375 في هامش الإصابة. و جاء في مسند أحمد بن حنبل ج6 ص282 و كتاب حلية الأولياء ج2 ص40.
3- و في هذا البيت إشارة إلى تاريخ الولادة المباركة للزهراء علیها السلام انظر البحار ج43 ص6 و كتاب دلائل الإمامة ص10.
4- ديوان أبي الحب ص82.

(66) حاكم و حكيم

(بحر الخفيف)

الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)(*)(1)

غَدَرَ القَوْمُ فِي الغَدِيرِ فَسَمَّوْهُ *** غَدِيراً لِغَدْرِهم بالأميرِ

بَعْدَمَا بَايَعُوا بِأَمْرِ مِنَ اللَّهِ *** وَ أَمْرِ مِنَ البَشِيرِ النَّذِيرِ

يَوْمَ قَامَ النَّبِيُّ يَدْعُوأَلاَ مَنْ *** كُنْتُ مَوْلى لَهُ فَهَذَا وَزِيري

فَأَجَابُوا وَ كُلُّهُمْ عَاقِصٌ قَرْنَيْهِ *** مَا بَيْنَ فَاجِرٍ وَ كَفُورِ(2)

ثُمَّ لَمَّا مَضَى الرَّسُولُ أَضَاعُوا *** عَهْدَهُ فهي ارْتِكَابِ أَمْرٍ خَطِيرِ

وَ عَلِيٌّ فِيهِمُ وَ فِيهِمُ كِتَابُ اللَّهِ *** يَتْلُونَهُ بِغَيْرِ شُعُورِ

وَ عَلِيٌّ فِيهِمُ وَ فِيهِمْ سِرَاجُ اللَّهِ *** فِي كُلِّ حَالِكٍ دَيْجُورِ

حَسَنُ الخَيْرُ وَ الحُسَيْنُ أَخُوهُ *** مَنْ هُمَا صَفْوَةُ الإِلهِ القَدِيرِ

صَيَّرُوهَا شَوْرَىٰ وَ مَا هِيَ إِلاَّ *** غَدْرَةٌ وَيْلُ أُمِّ ذَاكَ المُشِيرِ

أَعَمُوا عَنْ مَحَلهَا أَمْ تَعامَوْا *** أمْ أَصِيبُوا بِعَارِضِ العَنقَفِيرِ

أَيُّ يَوْمٍ فِيهِ ابْنُ آكِلَةِ الذُّبانِ *** يُدْعَى مُدَبِّراً لِلأُمورِ

أحْكَمُ اللَّهُ عَقْدَهَا لِعَلِي *** وَ ادْعَاهَا لَهُ ابْنُ أُمِّ الفُجُورِ

فيهِمُ مِنْ رِجَالِهِمْ كَعَلِيٍّ *** فِيهِمُ مَثَلُ شُبْرٍ وَ شَبِيرِ

فیهِمُ مِثْلُ فَاطِمٍ مِنْ نَسَاهُمْ *** رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهَا لِلأَشِیرِ

هُمْ شُمُوسُ الهُدَى وَلَكِنْ أَبَوَا أَنْ *** يُبْصِرُوهَا إِلا بِحُولٍ وَ عُورِ

ص: 247


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- عاقص: إلتوى قرناه على أذنيه من خلفه.

مَا تُلاقِينَ أَيَّتُهَا الأُمَّةُ الشَّنْعَا *** مِمَّا جَنيتِ يَوْمَ النُّشُورِ؟(1)

مَا تُلاقِينَ وَ الخَصِيمُ عَلِيٌّ *** وَ بَنُوهُ وَاللَّهُ خَيْرُ ظُهُورِ؟

إِذْ يَقُومُونَ وَ الخَلائِقُ تَرْعَاهُمْ *** دَوَامِي الشَّوا دَوَامِي النُحُورِ

وَ هُمْ مَا بَيْنَ عَاطِشٍ وَ أَسِيرٍ *** وَ صَرِيعٍ كَابٍ وَ ثَاوٍ عَفِيرِ

بَيْنَهُمْ فَاطِمٌ تَصِيحُ إِلَى اللَّهِ *** صِيَاحَ الْمُوَلَّهِ المُسْتَجِيرِ

أَنْتَ يَا رَبُّ حَاكِمٌ وَ حَكِيمٌ *** فَاقْضِ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَهْلِ الشُّرُورِ

جِئْتُ أَشْكُو إِلَيْكَ رَبِّي بِطَرْفٍ *** ذَائِبِ بِالبُكَا وَ قَلْبٍ كَسِيرِ(2)

شَاهِدِي أَنْتَ وَ الجَنِينُ و ضِلْعِي *** وَ قَطِيعٌ كَالدُّمْلُجِ المُسْتَدِيرِ(3)

وَ نِجَادُ السَّيْفِ الَّذِي سَحَبُوا فِيهِ *** عَلِيًّا مُلَبَّبَاً كَالأَسِیرِ

كُنتُ فِيهِمْ كَكَعْبَةِ البَيْتِ لكِنْ *** هَتَكُوا حُرْمَتِي وَ بَزُوا سُتُورِي(4)

ص: 248


1- الشنعاء: القسحة.
2- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام يوم القيامة إلى الله ممن ظلمها و قتل ذريتها. ففي كتاب أمالي الصدوق ص25 قال: في حديث طويل عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة... و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها «جل جلاله» فتزج بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني، اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفّعي، فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول: الهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي...» الخ الحديث، أنظر بحار الأنوار ج43 ص219 أيضاً...
3- و في هذا البيت إشارة إلى إسقاط الجنين و كسر الضلع و ضربها بالسياط «سلام الله عليها». انظر كتاب سلیم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجومهم على دار الزهراء «سلام الله عليها» و هتك سترها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 «قال قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها ،خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك، تنادي بأعلى صوتها، و في ص36 من كتاب سليم بن قيس قال «ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنَّ يا علي علیه السلام، ولتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و إلاّ أضرمتُ عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتقي الله، تدخل عليَّ بيتي؟! فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعها فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».

وَ أَذَاقُوا الحَتُوفَ وُلْدِي إِلَى أَنْ *** تَابَعُوهُمْ صَغِيرَهُمْ بِالكَبِيرِ

وَ أَبَا حُوا خُمْسِي لِكُلِّ طَلِيقٍ *** وَ أَبَاحُوا إِرْنِي لِكُلِّ كَفُورِ(1)

هذِهِ كَرْبَلاً وَ تِلْكَ قُبُورُ *** القَوْمِ فِيهَا زَوَاهِراً كَالبُدُورِ

هذِهِ كَرْبَلاَ وَ تِلْكَ دِيَارُ *** الْقَوْمِ فِيهَا دَوَارِسُ كَالقُبُورِ

نَزَلُوهَا وَ قَلَّ مَانَزَلُوهَا *** سَاعَةً ثُمَّ إِنَّ نُوا بِالنَّفِيرِ

وَ أَقَامَتْ جُسُومُهُمْ تَتَوقَّى *** بِظِلالِ الرِّمَاحِ حَرَّ الهَجِيرِ

نَبَتَتْ فَوْقَهُمْ كَمَا يَنْبُتُ الظَّالُ *** عَلَى أَنَّ نَبْتَهَا فِي الصُّدُورِ

إِنَّ يَوْمَ النَّحْرِ الَّذِي قَدْ عَرِفْنَاهُ *** قَدِيماً مَا كَانَ فِي عَاشُورِ

ذَاكَ فِيهِ نَحْرَ الأَضَاحِي وَ هَذَا *** نَحَرُوا فِيهِ كُلَّ لَيْثٍ هَصُورِ(2)

لَمْ يُبَقُوا مِنْهُمْ لُحُوماً لَهَا فِي *** الوَحْشِ مِنْهَا عَاكِفَات الطُّيُورِ

وَ زَّعُوهَا مَا بَيْنَ بِيضِ وَ سُمْرٍ *** بَيْنَ تُرْبِ الفَلاَ وَ بَيْنَ الصُّخُورِ

سَيُجَازِي الإلهُ فِيهَا أُناساً *** هَلْ يُجَازِئَ بِالسُّوءِ غَيْرُ الكَفُورِ؟

وَيْلَهُمْ يَعْلَمُونَ أَيَّ أَبِيٍّ *** بَا مَا بَيْنَ جَمْعِهِمْ كَالأَسِيرِ

ص: 249


1- و في هذا البيت يشير إلى اغتصاب القوم لفدك من الزهراء علیها السلام و ما بقي من خمس خيبر. انظر مسند أحمد ج1 ص9. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. وكتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. و كتاب الاحتجاج ج1 ص131-144 مطولاً و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن کتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300.
2- ليث: هصور: أسد كاسر فريسته.

إِنَّ مَنْ قَدْ قَتَلْتُمُوهُ لَحَيٌّ *** سَوْفَ يَلْقَاكُمُ بِيَوْمِ عَسِيرِ

سَوْفَ يُدْعُو بِثارِهِ فَتُلَبِّيهَا *** السَّمَاءُ وَ الثَّرَى وَ أَهْلُ القُبُورِ

وَ سَيسْمُوا لَهَا ابْنُهُ وَ لَعَمْرِيْ *** لَهُوَ أَوْلَى بِحَمْلِ ذَاكَ الخَطِيرِ

وَ هُوَ أَوْلَى بِحِفْظِ مَا ضَيَّعُوهُ *** مِنْ كِتابِ المُهَيْمِنِ المَسْطُورِ

يَا عَزِيزَ العَزِيزِيَانُخْبَةَ *** الرَّحْمَنِ يَابْنَ المُؤَيَّدِ المَنْصُورِ

قُمْ لَهَا عَاجِلا فَمَا هِي إِلاَّ *** سَاعَةً أَوْ يُقَالُ جَزُّ جَزُورِ

لَيْتَنِي كُنْتُ شَاهِداً يَوْمَ يَدْعُو *** فِي عِرَاضِ الطَفُوفِ هَلْ مِنْ مُجِيرِ؟

لَسْتُ مِنْ هَاشِمِ إِذَا لَمْ أَذُقْهَا *** الْيَومَ كَأْسَ الرَّدَى بِغَيْرِ مُدِيرِ

لَسْتُ مِنْ هَاشِمُ إِذَا لَمْ أَدَعْهَا *** مِنْ دِمَاءِ الكُمَاةِ مِثْلَ البُحُورِ

قَتَلُوا أَهْلِي الكِرَامَ وَ أَعْفُوا *** عَنْهُمُ لاَ وَ مَنْ إِلَيْهِ مَصِيرِي

لَوْ مَلأُتُ السَّمَاءَ وَ الأَرْضَ قَتْلَى *** مِنْهُمُ مَا أَشْقَى بِذَاكَ ضَمِيرِي

نَهْنِهُوا عَنْ مُلَامِكُمْ إِنَّ ثَارِي *** فَوْقَ مَا قَدْ رَأَيْتُمُ مِنْ نَكِيرِ(1)

وَ تُعْلِنُونَ أَنَّكُمْ تُعْجِزُونَ اللَّهَ *** فِي الأَرْضِ أَوْ تَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرِ(2)

أَبِقَتْلِ الحُسَيْنِ نَفْخَرُ مِنْكُمْ *** فَاخِرٌ وَيْلَ أُمِّهِ مِنْ فَخُورِ؟

أيَزِيدُ فَوْقَ السَّرِيرِ وَ رَأْسُ *** السَّبْطِ سِبْطِ النَّبِيِّ تَحْتَ السَّرِيرِ؟

إنْ نَسِيتُمْ فَلَسْتُ أَنْسَى جُسُوماً *** فِي الرَّوَابِي كَاللؤلوءِ المَنُثُورِ

إِنْ نَسِيتُمْ فَلَسْتُ أَنْسَى حَرِيماً *** سُقْتُمُوهَا حَسْرَى بِغَيْرِ سُتُورِ

نَادِبَاتٍ وَ مَا لَهَامِنْ مُجِیبِ *** صَارِخَاتٍ وَ مَا لَهَا مِنْ مُجِيرِ

ص: 250


1- نهنهوا: كفوا.
2- قطمير: فشرة رقيقة بين النواة و الثمرة.

(67) إنسية حورا علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محسن الأمين العاملي(*)(1)

لِي مُقْلَةٌ بِدُمُوعِهَا عَبْرَىٰ *** وَ حُشَاشَةٌ مِنْ وَجْدِهَا حَرَّى

وَ كَأَنَّ فِي الأَحْشَاءِ نَارَ غَضَىّ *** أَمْسَى الهِيَامُ يَزِيدُهَا سَعْرا(2)

ص: 251


1- (*)هو السيد محسن ابن السيد عبد الكريم ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين الحسيني العاملي، ولد في قرية شقراء التابعة لمرجعيون من جبل عامل في سنة (1282 ه_)، و بعد أن بلغ السابعة من عمره تعلَّم القرآن و الكتابة، و اتجه إلى دراسة مقدمات العلوم كالنحو و الصرف و المنطق و المعاني و بعض كتب الفقه و كتاب معالم الدين في الأصول في مدارس جبل عامل. ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسة العلوم فقدم العراق سنة (1308 ه_) يطوف في العتبات المقدسة بين سامراء و الكاظمية و كربلاء حتى قدم النجف و بقي فيها إلى سنة (1319 ه_)، و هنا اختلف على مشاهير المدرسين كالشيخ آغا رضا الهمداني و الشيخ محمد طه نجف و الشيخ ملاكاظم الخراساني و الشيخ ملا فتح الله الشهير بشيخ الشريعة، و على هؤلاء تخرج في الفقه و الاصول و أجازه معظمهم. و هاجر من النجف الأشرف إلى الشام في أواخر جمادى الثانية من سنة (1319 ه_) بطلب من أهلها، فأقام بها و ترك آثاراً عظيمة لاتزال باقية منها المدرسة المحسنية التي ربَّت جیلاً من أبناء المسلمين، و حياة السيد الامين صفحة مشرقة من الاعمال الصالحة. و المترجَم له أنتج كتباً قيمة كثيرة أشهرها الموسوعة الكبيرة (أعيان الشيعة)، و قد برهن في كتابة هذا و في سائر كتبه الأخرى على أنه الإنسان الذي فهم الخلود و العالم الذي وجب عليه أن يخدم أمته و مبدأه، فقد خدم خلال عمره الشريف الدين الاسلامي، و خدم المكتبة الثقافية بإتحافه لها بين حين و آخر بشتّى الآثار و سائر النواحي الاجتماعية و الدينية في بلاده. توفي في بيروت و شيع إلى دمشق بموكب رهيب فخم مشى خلف جثمانه رجال الحكومتين اللبنانية و السورية و ذلك في 4 رجب من سنة (1371 ه_) و دفن بجوار السيدة زينب علیها السلام بنت أميرالمؤمنين علیه السلام، و كان لنعيه رنّة أسى في العالم الاسلامي.
2- غضا: شجر من الأثل خشبه من أصلب الخشب و جمرهُ يبقى زمناً طويلاً لاينطفىء. الهيام: بكسر الهاء الحبّ و بضمها الجنون من العشق. سَعْرا: اشتعالاً.

مَا إِنْ صَبَا قَلْبِي لِغَانِيَةٍ *** تَهْوَى البِعَادَ وَ تَأْلَفُ الهَجْرَا

لكِنَّنِي أَبْكِي مُصِيبَةٌ مَنْ *** بِمُصَابِهَا قَدْ أَفْنَتِ الصَّبْرَا

أَبْكِي لِمَنْ كَادَتْ مُصِيبَتُهَا *** تُوهِي الجِبَالَ وَ تَصْدَعُ الصَّخْرَا(1)

لِمُصَابِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ نِسَاءِ *** العَالَمِينَ البَضْعَةِ الزَّهْرَا

بنتُ النَّبِي أَجَلْ وَبَضْعَتُهُ *** الفُضْلَى شَبيهَةً مَرْيَمَ العَذْرا

وَ الدُرَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ صَدَفِ *** العَلْيَاءِ فَاقَتْ بِالسَّنَا البَدْرَا

أمْسَتْ بِمَاءِ الوَحْي طينَتُهَا *** مَعْجُونَةً وَ كَفَى بِهِ فَخْرَا

المُصْطَفَى جِبْرِيلُ أَطْعَمَهُ *** تُفَّاحَةً فِي لَيْلَةِ الإِسْرَا

فَتَكَوَّنَتْ مِنْهَا لِذَاكَ غَدَتْ *** بَيْنَ الوَرَى إِنْسِيَّةٌ حَوْرَا

قَدْ أَغْضَبَ المُخْتَارَ مُغْضِبُهَا *** وَ يَسُرُّ أَحْمَدَ مَنْ لَهَا سَرَا(2)

لَمْ يُرْعَ فِيهَا أَحْمَدٌ عَجَباً *** حَتَّى قَضَتْ مَكْرُوبَةً حَسْرَى(3)

وَلأَيِّ حَالٍ فِي الدُّجَى دُفِنَتْ *** وَلأَيِّ حَالٍ أُلْجِدَتْ سِرَّا؟(4)

دُفِنَتْ وَ لَمْ يَحْضُرْ جِنَازَتَهَا *** أَحَدٌ وَ لاَعَرَفُوا لَهَا قَبْرَا(5)

ص: 252


1- توهي: تُضعف و توهن. تصدع: تشقّ.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب (دلائل الإمامة) ص45: و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً.
4- انظر كتاب البحار، ج8 ص240-241 ط الكمباني.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص213 قال ابن عباس: فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء، و دهشت الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأقبل أبوبكر و عمر يعزّيان علياً علیه السلام و يقولان: يا أبا الحسن علیه السلام لاتسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فلما كان في الليل دعا علي علیه السلام العباس و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها، و دفنوها، فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل إنهم سيفعلون؟! قال العباس: إنها أوصت أن لاتصليا عليها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

مَا كَانَ فِي تشييع فَاطِمَةٍ *** أَجْرٌ فَيَغْنَمَ مُسْلِمٌ أَجْرَا

أَفَهَلْ سِوَاهَا كَانَ بِنْتَ نَبِيٍّ *** فِي الوَرَى تَحْتَ السَّمَا الخَضْرَا؟

أمْ مِثْلُهَا بَيْنَ النَّسَا أَحَدٌ *** فِي كُلِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى الغَبْرَا

لَمْ يَحْلُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ لَهَا *** عَيْسٌ وَ أَصْبَحَ عَيْشُهَا مُرّا

مَاتَتْ بِغُصَّتِهَا وَ مَا ضَحِكَتْ *** مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى مَضَتْ عَبْرَى

مِنْ إِرْثِهَا مُنِعَتْ وَ مِنْ فَدَكٍ *** ظُلْماً فَيَا لِلْمِحْنَةِ الكُبْرَى(1)

وَ شَهَادَةُ الحَسَنَيْنِ إِذْ شَهِدَا *** وَ أَبِيهِمَا مَرْدُودَةٌ جَهْرَا

كَانُوا بِأَحْكَامِ النَّبِيِّ هُمُ *** مِنْ آلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ أَدْرَى

جَهِلَ الوَصِيُّ تَرَى بِمَا عَمِلُوا *** حَاشَا لَهُ بِالجَهْلِ هُمْ أَحْرَى

وَ المُصْطَفَى بِالعِلْمِ خَصَّصَهُ *** فِي النَّاسِ لاَزَيْداً وَ لاَعَمْرَا

وَ الذِّكْرُ بِالمِيرَاتِ جَاءَ وَ فِي *** تَفْصِيلِهِ آيَاتُهُ تَثرَى

فِي إِرْثِ يَحْيَىٰ مِنْ أَبِيهِ وَ فِي *** إِرْثِ ابْنِ دَاوُدَ لَنَا ذِكْرَى

خَبَرٌ بِهِ رَاوِيهِ مُنْفَرِدٌ *** تَرَكُوا بِهِ الآيَاتِ وَ الذِّكْرَا

حُكْمُ بِهَا قَدْ خَصَّ مُحْكَمَهُ *** فَبِعِلْمِهِ لِمْ لَمْ تُحِطْ خُبْرَا؟(2)

وَ لِغَيْرِهَا المُخْتَارُ أَفْهَمَهُ *** عَجَباً وَ أَسْدَلَ دُونَهَا سِتْرا

أمَرَ النَّبِيُّ بِذَاكَ بَضْعَتَهُ *** فَعَصَتْ لَهُ مَعَ عِلْمِهَا أَمْرَا

حاشا لِسَيدَةِ النِّسَاءِ وَ مَنْ *** مِنْ رَبِّهَا قَدْ نَالَتْ الطُّهْرَا؟(3)

يَا بِنْتَ مَنْ رَبُّ السَّمَا شَرفا *** لِلْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِهِ أَسْرَى

وَ حَلِيلَةُ الكَرَّارِ مَنْ قَتَلَ *** الأَبْطَالَ فِي أُحُدٍ وَ مَا فَرّا؟

ص: 253


1- إشارة إلى ما روي في السيرة الحلبية ج3 ص362: أنه كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها، فقال: مماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى، ثم أخذ الكتاب فشقَّه.
2- خُبرا: تجربة و امتحاناً و اختباراً.
3- إشارة إلى ما روي في البحار ج43 ص16 و 19. عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سمیت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم(الطاهرة ) لطهارتها من كل، دنس و طهارتها من كل رفث ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً و قد مرت تفاصيل ذلك مكرراً فلانعيد.

مَنْ تَرْهَبُ الأَرْضُونَ سَطوَتَهُ *** فَتَهُم بِالزِّلْزَالِ إِنْ كَرّا؟

مَنْ كَانَ فِي بَدْرٍ وَ فِي أُحَدٍ *** وَ سِوَاهُمَا بِفِعَالِهِ بَدْرَا؟

كُونِي الشَّفِيعَةَ لِلَّذِي عَظُمَتْ *** مِنْهُ الذُنُوبُ فَأَنْقَضَتْ طَهْرَا(1)

وَ لَطَالَمَا أَنْشَابِمَدْحِكُمْ *** مَدْحاً سَمَتْ وَ قَصَائِداً غَرّا

تَسْرِي مَسِيرَ الشَّمْسِ مَا تَرَكَتْ *** فِي سَيْرِهَا بَراً وَ لاَبَحْرَا

وَ رِثَاؤُهُ وَبُكَاؤُهُ لَكُمُ *** أَنْسَى خناسَ وَ نَدْبَهَا صَخْرَا

فِي ذِكْرِ مَدْحِكُمُ وَ فَضْلِكُمُ السامِي *** أَطَالَ النَّظْمَ و النَّثْرَا

يَا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدِ بِكُمُ *** أَنْجُو غَداً فِي النَّشْأَةِ الأُخْرَى

إِنَّي اتَّخَذْتُ وَلاَكُمُ وَزَراً *** فِي مَحْشَرِي أَمْحُو بِهِ الوِزْرا

حَسْبِي بِكُمْ ذُخْراً إِذَا اتَّخَذَ *** الأَقْوَامُ غَيْرَكُمُ لَهُمْ ذُخْرَا

لَمْ يَسْأَلِ المُخْتَارُ أُمَّتَهُ *** إِلَّا مَوَدَّتَكُمْ لَهُ أَجْرَا(2)

ص: 254


1- إشارة إلى ما روي في كتاب فرائد السمطين ج2 ص67: عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحب فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار. يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت، و القبر، و الميزان و المحشر ،و الصراط و المحاسبة. الحديث.
2- من كتاب المجالس السنية ج5 ص144.

(68) حَوَث مكرُمات

(بحر الطويل)

الشيخ محسن الفاضلي(*)(1)

توسَّلتُ بالحوراءِ فاطمةَ الزَّهرا *** لتُلهِمَنِي حتى أقولَ بها شِعْرا

فجاءَ بحمدِ الله ما كنتُ أبتغي *** فأبديتُ للمعبودِ خالقِيَ الشُّكرا

أجلْ هي روحُ المصطفى كُفءُ حيدرٍ *** و أمُّ أبيها هل تَرَى مثله فخرا؟

أو المثلُ الأعلى بكلِّ خصالها *** جلالاً كمالاً عفّةً شرفاً قَدْرا

حوتَ مَكرُماتٍ قطُّ لم يحوِ غيرُها *** فمنْ بالثّنا منها ألا قُلْ لَنا أَحْرى

وسيلتُنا واللَّهِ خيرُ وسيلةٍ *** بحقِّ كما و هي الشفيعةُ في الأُخْرى

أيا قاتَلَ اللَّهُ الذي راعها وقد *** عليها قَسَى ظُلماً و روَّعها عصْرا

و سوَّدَ متنيها و أحرقَ بابَها *** و أسقَطَها ذاكَ الجنينَ على الغبرا

أيا مَن تُواليها أتنسى مُصابَها *** و تَسلُو وقد أمسَتْ و مقلتُها حمرا؟

ص: 255


1- (*) هو الخطيب الشيخ محسن ابن الشيخ محمد علي ابن حيدر ينحدر من أصل خراساني و اشتهر بلقب الفاضلي و كذلك النجفي لولادته في النجف عام 1361 ه_ في شهر ذي الحجة الحرام و في مدينة النجف الأشرف نشأ و ترعرع و تلقى أوليات دروسه الدينية على أبيه و بعض المشايخ الآخرين و خطابياً تتلمذ على الخطيب المرحوم الشيخ عبد الوهاب الكاشي و قرأ المقدمة أمام عدة خطباء من المشاهير كالخطيب السيد جواد شبر و الخطيب الشيخ أحمد الوائلي و الشيخ الوائلي و الشيخ محمد الكاشي و غيرهم وقرأ في مدن عراقية عديدة كالبصرة و العمارة و الناصرية كما قرأ في الكويت و أبوظبي و مجالس قم و خوزستان و غيرها. و سكن إيران عام 1395 ه_ وجادت قريحته الشعرية ببعض القصائد في أهل البيت العصمة علیهم السلام.

من الضّربِ ضرِبِ الرّجس يومَ تمانَعَت *** بأن يذهَبُوا بالمُرتضى بَعلِها قَسْرا

و عادتْ تُعاني هظمَها ومصابَها *** بفقدِ أبيها و هي و الهفتا عَبْرى

إلى أن قُضَتْ رُوحي فداها و لاتَسل *** عن أحوالِها واللَّهُ من كلِّنا أدرى

ص: 256

(69) سرور البشير

(بحر المتقارب)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

رَأَى الكَوْنَ بَيْنَ سُرُورِ البَشَرُ *** وَضَحْكِ الصِّيَا وَ ابْتِسَامِ الزَّهَرْ

وَ زَهْوِ الزَّمَانِ وَ أَطْرَابِهِ *** فَرَاحَ يُسَائِلُنَا مَا الخَبَرْ(1)

وَ مَاذَا السُّرُورُ الَّذِي عَمَّكُمْ؟ *** كَأَنَّ بِهِ كُلَّ وَجْهٍ قَمَرْ

أَزَقَّتْ إِلَى البَدْرِ شَمْسُ الضُّحَى *** فَكَانَ لَهَا فَرَحٌ فَاسْتَمَرْ

أم الكَوْنُ أَصْبَحَ كَوْناً بِلا *** فَسَادٍ وَ لَيْسَ مَعَ الخَيْرِ شَرْ

لَئِنْ كَانَ لِلْكَوْنِ عُرْسٌ فَذَا *** وَ إِلا فَأَفْرَاحُ عِيدٍ كَبَرْ

فَقُلْنَا لَهُ دَعْكَ مِنْ ذَا وَذَاكَ *** فَفِي الأَمْرِ أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرْ

وَمَا ذَاكَ إِلا ابْتِهَاجُ الوُجُودِ *** بِمَوْلُودِ بَضْعَةِ خَيْرِ البَشَرْ

وَ مَا ذَاكَ إِلا سُرُورُ البَشِيرِ *** سَرَى سِرُّهُ فِي الوَرَى وَ انْتَشَرْ

وَ بَيْتُ الرَّسُولِ بِزَهْرَائِهِ *** أُضِيئَتْ جَوَانِبُهُ وَ ازْدَهَرْ

وَ سُرَّ لأَجْلِ سُرُورِ الحَبِيبِ *** مَا ضَمَّهُ الكَوْنُ حَتَّى الحَجَرْ

فَشَارِكْ نَبِيَّكَ أَفْرَاحَهُ *** إِذَا كُنْتَ يَا صَاحَ مِمَّنْ شَكَرْ

فَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ أُسْوَةٌ *** كَمَا جَاءَ فِي مُحْكَمَاتِ السُّوَرْ

وَمَوْلِدُ فَاطِمَةٍ رَحْمَةٌ *** وَ لُطْفٌ أَطَلَّ وَ عِيدٌ أَغَرْ(2)

وَ فِي طَيْهِ لِلْبَشِيرِ النَّذِيرِ *** مَوَالِيدُ مِنْ آلِهِ تُنْتَظَرْ

ص: 257


1- زَهْو: إشراق، إضاءة.
2- أغرّ: الحسن الابيض من كل شيء.

أتَتْ صِلَةُ الوَصْلِ بَيْنَ الرَّسُولِ *** وَ أَبْنَائِهِ الأَوْصِيَاءِ الغُرَرْ

وَ مِنْ نَسْلِهَا زَائِدٌ بَعْلُهَا *** يَكُونُ الأَئِمَّةُ اثْنَيْ عَشَرْ

لَهَا فِي الوِلايَةِ دَوْرٌ إِذَا *** تَفَكَّرْتَ فِيهِ عَظِيمُ الأَثَرْ

وَ سِرُّ الإِمَامَةِ مِنْ أَحْمَدٍ *** إِلَيْهِمْ سَرَى وَ عَلَيْهَا عَبَرْ

سَمَاءٌ أُولئِكَ أَبْرَاجُهَا *** وَ أَرْضٌ هُمُ نَبْتُهَا وَ الثَّمَرْ

بِهِمْ وَ بِهَا وَ بِخَيْرِ الوَرَى *** قِيَامُ الهُدَى وَ نَجَاةُ البَشَرُ

وَ لَوْلاهُمُ مَا دَرَوْا مَا الهُدَى *** وَ لاَمَيَّزُوا بَيْنَ خَيْرٍ وَ شَرْ

هُمُ رَحْمَةُ اللَّهِ لِلْعَالَمِينَ *** وَ هُمْ فَيْضُ أَلْطَافِهِ المُنْهَمِرْ(1)

وَ هُمْ حُجَجُ اللَّهِ فِي كَوْنِهِ *** وَ هُمْ سِرُّ أَسْمَائِهِ المُسْتَتِرْ

وَ هُمْ جَمْعُ أَحْرُفِ تَوْحِيدِهِ *** بِهِمْ عَمَّ تَوْحِيدُهُ وَ انْتَشَرْ

هَنِيئاً لِمَنْ حُبُّهُمْ زَادُهُ *** أَطَاعَ المُهَيْمِنَ فِيمَا أَمَرْ

وَ تَعْساً لِمَنْ زَادُهُ بُعْضُهُمْ *** أَخو الشِّرْكِ بِاللَّهِ لاَيُغْتَفَرْ

فَبَارِكْ لَنَا اللَّهُ فِي حُبِّهِمْ *** أَجَلُّ وَ أَنْفَعُ مَا يُدَّخَرْ

وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ وَ بَارِكْ لِمَنْ *** أَشَادَ احْتِفَالاً لَهُمْ أَوْ حَضَرْ(2)

ص: 258


1- المنهمر: المنسكب، المُنْصَبّ.
2- ألقاها الشاعر بمناسبة ميلاد سيدة النساء سنة (1407 ه_) في الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة الكريمة في حسينية آل هلال في حي الفيصلية (الذقيجان). عن مجلة الموسم عدد (9 - 10) ص557.

(70) الصديقة الكبرى علیها السلام

(بحر السريع)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

الْكَوْنُ بَيْنَ البِشْرِ وَ البُشْرَى *** يَخْتَالُ فِي فَيْضٍ مِنَ السَّرَّا(1)

يَنْشُرُ أَعْلاَم تَبَاشِيرِهِ *** الأَنْوَارَ وَ الأَنْهَارُ وَ العِطْرَا(2)

مُبتهِجاً فِي عُرْسِ أَفْرَاحِهِ *** بِمَوْلِدِ الصَّدِّيقَةِ الكُبْرى

فَاشْرَبْ كَمَا تَهْوَى كُؤُوسَ الهَنَا *** فَقَدْ أَتَتْ مُتْرَعَةٌ تَتْرَى(3)

فَالْيَوْمَ قَرَّتْ عَيْنُ خَيْرِ الوَرَى *** وَ اكْتَحَلَتْ بِالطَّلْعَةِ الغَرّا

وَ الكَوْثَرُ المُعْطَى مَقَادِيمُهُ *** بَتُولَةَ الطَّاهِرَةُ العَذْرا(4)

لِذَاكَ أَفْرَاحُ نَبِي الهُدَى *** لاتَعْرِفُ العَدَّ وَ لاَالحَصْرا

وَ المُؤْمِنُ الحَقُّ لَهُ أُسْوَةٌ *** بِالطُّهْرِ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرّا

فَشَارِكِ المُخْتَارَ أَفْرَاحَهُ *** وَ اسْعَدْ بِهَا وَاغْتَيم الأجْرا

وَحَيَّ ذِكْرَىٰ مِنْ مُوالاتِهَا *** وَسِيلَةُ الفَوْزِ لَنَا طُرَا

وَاسِطَةُ العِقْدِ لِأَهْلِ الكِسَا *** وَ دُرَّةُ التّاجِ لَهُمْ فَخْرا

ص: 259


1- يختال: يتبختر و يتكبر.
2- تباشيره: التباشير هي البشرى أو أوائل كل شيء.
3- مترعة: مملوءة. تترى: تتتابع.
4- مقاديمه: قادمته أو مقدمته و يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام الكوثر و أنها البتولة الطاهرة. انظر تفسير الرازي ج32 ص124. و أما كونها بتولة طاهرة علیها السلام فانظر ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310. و كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن كتاب مودة القربى ص78 ط لاهور. و كتاب مصباح الأنوار كما في البحار، ج43 ص19 و ص16 و ذكره محب الدين الطبري فى كتابه ذخائر العقبى ص44 فراجع.

مَنْ فَطَمَ اللَّهُ ذَوِي وُدِّها *** بلُطْفِهِ مِنْ نَارِهِ الحَرّا؟(1)

وَ ازْدَهَرِ الكَوْنُ بِميلادِهَا *** مِنْ أَجْلِ ذا قِيلَ لَهَا الزَّهْرَا(2)

أمُّ المَيَامِينِ الَّتِي فِي النَّسًا *** كَلَيْلَةِ القَدْرِ سَمَتْ قَدْرا

مَدَّ لَهَا اللَّهُ رِوَاقَ العُلَى *** مِنْ أَوَّلِ الدُّنْيَا إِلَى الأُخْرَى(3)

وَ لِلشَّفَاعَاتِ لَهَا وَقْفَةٌ *** مَذْخُورَةٌ تَنْتَظِرُ الحَشْرا(4)

يَوْمَ اسْألِي تُعْطَى وَ يَوْمَ *** أَسْفِعِى تُشَفَّعِي وَ الرَّحْمَةِ الكُبْرَى(5)

ص: 260


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الحديث الوارد من أن الزهراء علیها السلام سمِّيت فاطمة علیها السلام لأنها تفطم شيعتها من النار. انظر کتاب معاني الأخبار و علل الشرائع كما في البحار ج43 ص12 و ص13. و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام ان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: إن الله عز وجل فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولديها و من أحبّهم من النار فلذلك سميت فاطمة علیها السلام. و عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إذ لم تحض و لم تطمث و إنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن الله «عزوجل» فطمها و محبيها من النار. أخرجه النسائي. و ذكره القندوزي في ينابيع المودة ج1 ص309 عن علي و ذكره في دلائل الإمامة ص54.
2- و في هذا البيت إشارة إلى ازدهار الكون و بهجة الملائكة و إشراق الدنيا بميلاد الزهراء علیها السلام. ففي مشارق الأنوار في أسرار فاطمة الزهراء علیها السلام ص85 كما في عوالم العلوم ج11/1 ص 58: «إن خديجة علیها السلام لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق و ماء من حوض الكوثر. و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم بعثهن الله يعنّها على أمرها فلما وضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطار بالطيب و الأنوار وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق نوراً و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا». و في كتاب البحار ج16 ص80 في ولادة الزهراء علیها السلام جاء فيه «فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور». و ذكره أبوجعفر الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص9.
3- رواق: سقف في مقدم البيت أو كساء مرسل على مقدم البيت من أعلاه إلى الأرض.
4- مذخورة: مخبوءة لوقت الحاجة.
5- في هذا البيت والذي قبله إشارة إلى شفاعة الزهراء علیها السلام یوم القيامة. ففي كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150 قال عن يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق علیه السلام ضمن حديث طويل قال: قال جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يا فاطمة علیها السلام: البشرى، فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك و شيعتك فتشفّعين. و في كتاب دلائل الإمامة ص57 ضمن حديث طويل عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: ثم يبعث الله ملكاً لها لم يبعث لأحد قبلها و لايبعث لأحد بعدها فيقول: إن ربَّك يقرأ عليك السلام و يقول: سليني فتقول: هو السلام و منه السلام و قد أتم عليَّ نعيمه و هناني كرامته و أباحني جنته و فضَّلني على سائر خلقه أسأله ولدي و ذريتي و من ودَّهم بعدي و حفظهم فيَّ، فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه، أخبرها اني قد شفَّعتها في ولدها و ذريتها و من ودَّهم فيها و حفظهم بعدها. فتقول: الحمد لله الذي أذهب عنّي الحزن و أقرَّ عيني فيقرّ الله بذلك عين محمد صلي الله علیه و آله و سلم.

هي السَّمَا ذَاتُ البُرُوحِ الَّتِي *** كَمْ أَطلَعَتْ بَدْراً يَلِي بَدْرا

هِيَ بَضْعَةُ طة الطُّهرِ مِنْ رَبِّهِ *** بِهِ إِلَى حَضْرَتِهِ أَسْرَى(1)

وَ زَوْجُ مَنْ كَانَ لِخَيْرِ الوَرَى *** وَزِيرَهُ النَّاصِرَ وَ الصِّهْرا

بَحْرَانِ كَانَتْ لَهُمَا بَرْزَخاً *** أَخْرَجَتِ المَرْجَانَ وَ الدُّرَا(2)

هُمْ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ *** آتَاهُمُ الإمْرَةَ وَ الأمْرَا

ص: 261


1- في كتاب الصواعق المحرقة ص190 قال: أخرج أحمد و الترمذي و الحاكم عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما أنصبها». و ذكره أحمد في مسنده ج 4 ص328 قال: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منِّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها. و ذكره بنفس اللفظ أبونعيم في حلية الأولياء ج2 ص40. و ذكره الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ج1 ص202 قال: في صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و ذكره من مصادر أخرى و بألفاظ أخرى في نفس الصفحة فراجع.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله تعالى: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» سورة الرحمن 19-20. ففي تفسير القمي ج2 ص344 عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول في قول الله تعالى:«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» قال علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» الحسن و الحسين علیهما السلام. و ذكره عبد علي الحويزي في تفسيره نور الثقلين ج5 ص191 ح17. و ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص142 عن ابن عباس. و ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه ج3 ص318.

لَمْ يَسْأَلِ الهَادِي لِتَبْلِيغِهِ *** مِنَّا سِوَى وُدْهِمُ أَجْرَا

وَ هُمْ إِلَيْنَا نَفْعُهُمُ عَائِدٌ *** يَحُطُّ عَنا الإِثْمَ وَ الوِزْرَا

نَالَتْ بِهِ الرُّشْدَ مَوَالِيدُنَا *** وَ حَازَتِ الطَّيبَةٌ و الطُّهْرَا(1)

ص: 262


1- نظم القصيدة في (1406 ه_). نقلت من مجلة الموسم عدد ( 9-10) ص556.

(71) يا لها ذكرى

(بحر الرّمل)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

شَرَّفَ اللَّهُ جُمَادَى الآخِرَهْ *** فَغَدَتْ وَ هُيَ جُمادى الفاخِرَهْ

وَ تَبَاهتْ أَشْهُرُ الحَوْلِ بِهَا *** حَيْثُ جَاءَتْ بِالبَتُولِ الطَّاهِرَهْ(1)

فَاجْتَلُوا الأَنْوَارَ مِنْ أَيَّامِهَا *** فَمِنَ الزَّهْرَا عَلَيْهَا زَاهِرَهْ

وَ انْظُروا العِشْرِينَ مِنْهَا لِتَرَوْا *** فَرْحَةَ الهَادِي عَلَيْهَا طَاهِرَهْ

شَارِكُوا المَبْعُوثُ فِي أَفْرَاحِهِ *** فَرْحَةُ الهَادِي عَلَيْهَا ظَاهِرَهْ

وَ اجْعَلُوهُ بِالتَّأَسِّي عِيدَكُمْ *** فَهيَ لِلإِسْلامِ ذِكْرَى عَاطِرَهْ

وَ أَغْنِمُوا الأَجْرَ مِنَ البَارِي فَمَنْ *** طَلَبَ القُرْبَةَ مِنْهُ آجَرَهْ

وَ اشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى آلائِهِ *** لِيَزِيدَ اللَّهُ خَيْراً شَاكِرَهْ

يَا لَهَا ذِكْرَى عَلَى دَرْبِ الهَوَى *** فَاطِمَ أُمُّ النُّجُومِ الزَّاهِرَهْ

دُرَّةُ التَّاحِ لأَصْحَابِ الكِسَا *** أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا مَنْ آثَرَهْ

حَمَلَتْ سِرَّ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** وَ مِنَ الكَابِرِ جَاءَتْ كَابِرَهْ

وَ إِلَى أَسْبَاطِهِ مِنْهَا سَرَىٰ *** فَهْوَ المَرْكَزُ وَ هْيَ الدّائِرَهْ

فَلَكٌ دَارَ عَلَى قُطبِ الهُدَى *** وَ بَدَتْ فِيهِ البُروجُ العَامِرَهْ

بَضْعَةٌ مِنْهُ وَ لَاغَرْوَ إِذَا *** كَانَ جُزْءُ الشَّيْء يَحْكِيْ سَائِرَهْ(2)

ص: 263


1- تباهت: تفاخرت.
2- إشارة إلى ما ورد في (ينابيع المودة) انتشارات الشريف الرضي ج1 ص202... إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

حوتِ الحِكْمَةَ مِنْ خَيْرِ أَبٍ *** فَإِذَا قَالَتْ فَعَنْهُ صَادِرَهْ

وَ إِذَا شِئْتَ اسْتمِعْ خُطبَتَهَا *** فَهيَ آيَاتُ البَيانِ الباهِرَهْ(1)

وَ تَأَمَّلْ مُحْتَوَاهَا لِتَرَى *** عِلَلَ التّشْرِيع فِيهَا ظَاهِرَهْ

وَ تَرَى الحِكْمَةَ مِنْ شَرْع الهُدَى *** صُوراً تَهْدِي العُقُول الحَائِرَهْ

وَ تَرَى لِلْحَقِّ صَوْتاً هَادِراً *** يُنْشِدُ العَدْلَ وَ رُوحاً ثَائِرَهْ(2)

وَ تَرَى الحَقَّ الَّذِي احْتَجَّتْ بِهِ *** سَاطِعاً يَكْسِفُ شَمْسَ الهَاجِرَهْ(3)

وَهَبَ اللَّهُ بِهِ خَيْرَ الوَرى *** بَهْجَةَ الدُّنْيَا وَ نُورَ الآخِرَهْ

أَلَّفَ اللَّهُ بِهَا شَمْلَ الهُدَى *** وَ بِهَا قَوَّى وَ شَدَّ الآصِرَهْ(4)

وَغَدَا صِهْرُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** حَيْدَرٌ خَيْر وزير آزرهْ

وَ حَوَى مِنْ نَسْلِهَا ذُرِّيَّةً *** كَبَتَ اللَّهُ بِهِمْ مَنْ كَاثَرَهْ

ص: 264


1- لعله أراد خطبتها علیها السلام و هي احتجاجها علیها السلام على القوم لما منعوها فدك و قد وردت هذه الخطبة في كتاب «الاحتجاج» للطبرسي ج1 ص131 مطابع دار النعمان 1966. حيث روى عبد الله بن الحسن بإسناد عن آبائه علیهم السلام أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها علیها السلام على رأسها... فقالت علیها السلام: الحمدلله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم و الثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها و سبوغ آلاء أسداها و تمام منن أولاها، جم عن الإحصاء عددها و نأى عن الجزاء امدها و تفاوت عن الإدراك أبدها .... ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبله و أنشأها بلااحتذاء مثله وضعها لغير فائدة زادته إظهاراً لقدرته و تعبداً لبريته و اعزازاً لأهل دعوته ثم جعل الثواب على طاعته و وضع العقاب على معصيته زيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم إلى الجنة... أنا فاطمة علیها السلام و أبي محمد صلي الله علیه و آله و سلم أقولها عوداً على بدء و ما أقولها إذ أقول سرقا و لاشططا «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» إن تعزو تجدوه أبي دون نسائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم و لما اختار له الله «عزوجل» دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهرت حسكة النفاق وسمل جلباب الدين».
2- هادراً: من هدير الحمام إذا فرفر وكرر صوته في حنجرته.
3- الهاجرة: نصف النهار في القيظ أو من عند زوال الشمس إلى العصر لأن الناس يستكنون في بيوتهم قد تهاجروا.
4- الآصرة: ما عطفك على رجل من قرابة أو معروف و في البيت إشارة إلى ما ورد في كنز الفوائد ج1 ص236 ح1 و عوالم العلوم ج1/11 ص 365.

سُورَةُ الكَوْثَرِ هُمْ تَأْوِيلُهَا *** كَذَّبَتْ شَانِئَهُ إِذْ نَافَرَهْ(1)

وَجَدَ الإِسْلاَمُ مِنْهُمْ غَوْثَهُ *** فِي المُلِمَّاتِ وَ مِنْهُمْ نَاصِرَهْ(2)

بَلغَ الهَادِي عَنِ الحَقِّ وَ هُمْ *** بَلِّغُوا عَنْهُ فَكَانُوا حَاضِرَهْ

حَمَلُوا أَسْرَارَ مَا جَاءَ بِهِ *** وَ لَهُ كانُوا البِحَارَ الزَّاخِرَهْ(3)

وَ أَبَانُوا لِلْوَرَى مِنْهَاجَهُ *** وَ تَلَقَّى العِلْمَ مِنْهُمْ بَاقِرَهْ

وَ سَتَلْقَى بَعْدُ مِنْ مَهْدِيهِمْ *** عِزَّةَ الدُّنْيَا وَفَوْزَ الآخِرَهْ

عَجَّلَ اللَّهُ بِهِ نَيْلَ المُنَى *** وَ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَيْ نَاظِرَهْ(4)

ص: 265


1- شانئه: مبغضه مع عداوة. الملمات: النوازل الشديدة من نوازل الدنيا.
2- البحار الزاخرة: الطامية الممتلئة.
3- باقره: يقصد به الإمام الباقر علیه السلام.
4- نقلت من مجلة الموسم (عدد 9-10 ص1461) سنة (1410 ه_).

(72) مشكاة نُور العلم

(بحر الطويل)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف (*)(1)

أَمَا كُلُّ مَخْلُوقِ لَهُ رُسُلٌ تَتْرَىٰ *** تُنَادِيهِ يَا مَغْرُورُ حَيَّ عَلَى الْمَسْرَى

وَ كَمْ مِنْ جَلِيلٍ عَيْنُهُ شَاهَدَتْ لَهُ *** غَداً يَكْتَسِي ذُلاً وَ يُورِثُهُ كِبْرَا

فَيُعْرِضْ عَنْهُ صَاغِرَ الخَدَّ مُدْبِراً *** يَخْيْلُ مَا لأَقَاهُ فِي نَفْسِهِ سِحْرا

يُريدُ البَقَا فِي هَذِهِ وَ هُوَ رَاحِلٌ *** وَ إِنَّ الَّذِي فِيهَا جَمِيعُهُمُ أَسْرَى

لَعَمْرُكَ يَا مَنْ غَرَّهُ سُوءُ ظَنِّهِ *** إِذَا جِئْتَ يَوْمَ الحَشْرِ قُلْ هَلْ تَرَىٰ عُذْرَا؟

فَهَبْ لَمْ تَذُقْ فِيمَا مَضَى غُصَّةَ البَلاَ *** فَدَقْتُكَ مَنْ تَهْوَى هِي العِبْرَةُ الكُبْرَى

وَ كَمْ فِي اللَّيَالِي المَاضِيَاتِ لِمَنْ بِهَا *** جُرُوحٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لاَتَبْرَا(2)

لعَمْرُكَ كَمْ هَللتَ خَلْفَ جَنَازَةٍ *** تَوَدُّ سُوَيْدَ القَلْبِ كَانَ لَهَا قَبْرَا

شَقَقْتَ عَلَيْهِ الجَيْبَ إِذْ شَقَّ فَقْدُهُ *** وَ مِنْكَ سَقَتْ وَجْهَ الثَّرَى أَعْيُنٌ عَبْرَى

فَهَلْ كُنْتَ مِمَّا ذَاقَهُ فِي سَلاَمَةٍ *** فَكَيْفَ وَ مِنْهُ مَا نَجَا مِنْ عُلاً قَدْرَا؟

أَمَا لَكَ فِي المَاضِينَ وَعْظٌ لِفَقْدِهِمْ *** فَفِي سُوَرِ القُرْآنِ كَمْ لَهُمُ ذِكْرَى

فَأَيْنَ ابْنُ عَادٍ صَاحِبُ الجَنَّةِ الَّتِي *** بَنَاهَا عُتُوًّا كُلُهَا لِبْنَةٌ حَمْرَا؟

وَ أَيْنَ ابْنُ كَنْعَانَ الَّذِي رَامَ أَنَّهُ *** يُقَاتِلُ لِلرَّحْمَنِ مُتَّخِذاً نَسْرا؟

عَلَى أَلْسُنِ البَاقِينَ عَادُوا حِكَايَةً *** وَ هَلْ يَرْتَدِي بِالفَخْرِ مَنْ يَحْمِلُ الغَدْرَا؟

فَلا بُدَّ بَعْدَ الاجْتِمَاعِ تَفَرُّقٌ *** وَ بَعْدَ اتِّصَالِ الوَصْلِ أَنْ يَلِدَ الهَجْرَا

ص: 266


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- لاتبرا: لاتبرأ و لاتُشفى.

كَأَنَّكَ وَ المَوْتُ الَّذِي عَنْهُ غَافِلٌ *** أَتَاكَ وَ مِنْكَ الرُّوحَ أَخْرَجَهَا قَهُرَا

بَكَيْتَ قَدِيماً إِذْ وُلِدْتَ بِهَذِهِ *** فَعِنْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ كُنْ ضَاحِكاً بِشَرَا

وَ كُنْ زَاهِداً فِيمَا تَيَقَّنْتَ أَنَّهُ *** يَزُولُ وَذَا سَحِّ عَلَى النِّعَمِ الأُخْرَى

وَ كُنْ مَازِجاً لِلْعِلم بِالحِلْم وَاصِلاً *** لِمَا قُلْتَهُ فِعْلاً نَنَل يَا فَتَى أَجْرَا

فَلَاخَيْرَ فِيمَنْ غَاصَ فِي بَحْرِ عُمْرِهِ *** إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ دَهْرِهِ مُجْتَنِ دُرّا(1)

وَ أَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ بَعْدَ مَمَاتِهِ *** سِوَى عَمَلٍ يُنْجِيهِ مِنْ نَارِهِ الكُبْرَى

فَلَوْ جِئْتَ يَوْمَ الحَشْرِ فِي ذِي قَيْصَرٍ *** مِنَ الجُنْدِ أَوْ جَارَيْتَ فِي عَصْرِهِ كِسْرَى

لَمَا كَانَ يُنْجِي غَيْرُ حُبِّكَ مَعْشَراً *** بِهِمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ قَدْ أُيَدُوا طُرّا

هُدَاةٌ أَبُوهُمْ خَاتَمُ الرُّسُلِ أَحْمَدٌ *** وَ مِشْكَاةُ نُورِ العِلْمِ أُمُّهُمُ الزَّهْرَا(2)

طَهُورٌ تَعَالَتْ عَنْ مَثِيلٍ فَمَا لَهَا *** عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ عَلَتْ وَ سَمَتْ قَدْرَا(3)

ص: 267


1- مُجتن: الظاهر أن أصله مجتنياً لكنه اضطر إلى حذف الياء.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد عن الامام الصادق علیه السلام أن المشكاة من فاطمة علیها السلام. ففي كتاب تفسير القمي ج2 ص102-103 قال: حدثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام لايقول في قول اللَّه تعالى:«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ» المشکاة فاطمة علیها السلام « فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ» الحسن و الحسين علیهما السلام « فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ»كأن فاطمة علیها السلام كوكب دري بين نساء أهل الأرض «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» يوقد من ابراهيم علیه السلام و على نبينا وآله السلام « لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» يعني لايهودية و لانصرانية «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ» يكاد العلم يتفجر منها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ» إمام منها بعد إمام «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» يهدي الله للأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصاً « وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»[سورة النور، الآية : 35]. و ذكره الحويزي في تفسيره نور الثقلين ج3 ص602 ، نقلاً عن كتاب الكافي، و البحار ج43 ص32، نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب.
3- و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد من أنَّ الزهراء علیها السلام طاهرة مطهرة. ففي كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها علیها السلام تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء. و في كتاب مصباح الأنوار كما في البحار ج43 ص19 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس وطهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً . و قال في البحار أيضاً ج43 ص16 عن أبي عبدالله قال: حرَّم الله النساء على علي علیه السلام ما دامت فاطمة علیها السلام حيّة لأنها طاهرة. و ذكره الطبري في كتابه ذخائر العقبى من مناقب ذوي القربى ص44. و في كتاب البحار أيضاً ج16 ص80 ضمن رواية طويلة فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور».

فَمَا مَرْيَمٌ فِي الفَضْلِ وَ البَضْعَةُ الَّتِي *** يَقُومُ لَهَا خَيْرُ الوَرَىٰ وَ كَفَىٰ فَخْرَا(1)

وَ لاَامْتُحِنَتْ فِي دَهْرِهَا مَرْيَمُ كَمَا *** بِهِ امْتُحِنَتْ فِي دَهْرِهَا الدُرَّةُ الغَرّا

فَهَبْ مَرْيَمَ يَوْمَ المَخَاضِ تَقَطَّعَتْ *** حَشَاهَا وَوَدَّتْ أَنَّهَا فِي ثَرَى الغَبْرَا

غَدَاةَ أَتَاهَا سَائِقُ الطَّلْقِ فَالْتَجَتْ *** إِلَى جِذْعِ نَخْلٍ وَ هْيَ شَاكِلَةٌ عَبْرَىٰ

فَحَنَّتْ وَ قَالَتْ لَيْتَنِي مِن وَانْتَنَتْ *** تَهُزُّ لِجِذْعِ بَابِسِ وَ الحَشَا حَرَّى

فَأَسْقَطَ مِنْهَا مَا بِهِ سَدُّ فَاقَةٍ *** وَ رَوَى ظَمّاها الله إذ أَسْكَبَ النَّهْرَا

فَشَتّانَ مِمَّنْ جَاءَهَا الطلقُ وَ هْيَ لَمْ *** تَكُنْ بِشُهُورِ الطَّلْقِ بَلْ أَسْقَطَتْ عَصْرَا

وَ مِنْ عَصْرَةِ البَابِ الَّذِي اسْتَنَدَتْ بِهِ *** لَهَا ثَمَرٌ فِي الأَرْضِ قَدْ أُسْقِطَتْ قَسْرَا(2)

ص: 268


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما جاء في الحديث من أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كان يقوم للزهراء علیها السلام. «عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته و أجلسته في مجلسها». ذكره الحافظ النيسابوري في كتابه المستدرك ج3 ص160 و ذكره محب الدين الطبري في كتابه دخائر العقبى ص40. و ذكره القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة ج1 ص203. و عن عائشة أنها قالت: «ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً من فاطمة علیها السلام برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت إذا دخلت عليه رحب بها و قام إليها فأخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه ذكره الحافظ النيسابوري في كتابه المستدرك ج3 ص154 و ص160. و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1896 و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص41.
2- انظر: كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.

وَ كَمْ بَعْدَ إِسْقَاطِ الجَنِينِ رَزِيَّةٌ *** مِنَ الخِدْرٍ بَعْدَ الصَّوْنِ قَدْ بَرَزَتْ حَسْرَا

وَ أَنْسَتْ لِمَا حَلَّتْ بِهَا مِنْ مَصَائِبٍ *** مُصِيبَتُهَا بِالمُرْتَضى مُنْجِيَ العَذْرَا

رَأَتْ مَنْ يَقُودُ الأسْدَ فِي الحَرْبِ قَادَهُ *** عَصَایِبُ شِرْكِ فِي حَمَائِلِهِ قَسْرَا

فَخُذْ يَا أَمِيرَ النَّحْلِ مِنْ ثَاكِلٍ بِكُمْ *** هَدِيَّتَهُ الصُّغْرَى لِرَفْعَتِكَ الكُبْرَى(1)

مِن ابْنِ نَتِيفِ المُسَمَّى مُحَمّداً *** عَلَيْكُمْ مَدَى الأَيَّامِ يَهْدِي الثَّنَا شُكْرَا(2)

ص: 269


1- النحل: الدين و المذهب.
2- عبرة المؤمنين ص39.

(73) مصائب بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف (*)(1)

سِهَامُ المَنَايَا لاَتَزَالُ بِنَا تَسْرِي *** وَ مَهُمَا مَضَى يَوْمٌ فَذَاكَ مِنَ العُمْرِ

فَتَبّا لِدُنْياً لايُعَافَى سَقِيمُهَا *** فَكَمْ قَدْ سُقي كَأْساً أَمرَّ مِنَ الصَّبْرِ(2)

فَلا تَغْتَرِرُ فِيهَا فَذُو الحَزْمِ لَمْ يَزَلْ *** يَخَافُ لِمَا يَرْجُو كَمَا رَاكِبُ البَحْرِ

وَ كَمْ مِنْ فَتّى أَمْسَى غَرِيقاً بِحُبِّهَا *** يَخَالُ القَضَا فِي طَوْعِهِ فَهْوَ فِي كِبْرِ

يُؤَمِّلُ آمَالاً يَرَاهَا قَرِيبَةً *** فَمِنْ يَوْمِهِ يَرْجُو إِلَى آخِرِ الحَشْرِ

يُقَدِّرُ جُرْماً مَا أَرَادَ وَ رُبَّمَا *** يَمُوتُ بِإِحْدَى لَيْلَتَيْهِ وَ لَمْ يَدْرِ

لِهَذَا تَرَانَا كَمْ شَبَابٍ نَوَدُّ أَنْ *** نَزِفَّ لَهُ لِلْعُرْسِ زُفَّ إِلَى القَبْرِ

فَدُنْيَاكَ هَذِي لِلْفَتَى أَيُّ عِبْرَةٍ *** بَدَا غَدْرُهَا جَهْراً فَمَا الغَدْرُ بِالسِّرَّ

كَفَانِي أَسِّى فِيمَا لَقِيتُ بِمَا جَرَى *** عَلَى مَعْشَرٍ لَوْلَاهُمُ الشَّمْسُ لَمْ تَجْرِ

أَنَاحَتْ لَهُمْ مِنْ غَدْرِهَا فَتَفَرَّقُوا *** غَرَائِبَ مِنْ مِصْرٍ بِذُلٍّ إلَى مِصْرِ

فَسَلْ مَكَّةَ عَنْ أَحْمَدٍ كَمْ لَقِي بِهَا *** بَلَاءً وَ كَمْ فِي طَيْبَةٍ نَالَ مِنْ قَسْرِ

أَقَامَ قَلِيلاً يَا لَهُ اللَّهُ لَمْ يَزَلْ *** لَهُ كَبِدٌ حَرّىٰ تَوَقَّدُ كَالجَمْرِ

فَمَا زَالَ مَكْرُوباً وَ مَاتَ بِكَرْبِهِ *** وَ أَسْرَىٰ بِهِ البَارِي عَلَى رَفْرَفٍ خُضْر(3)

قَضَى سَأماً مِنْهُمْ وَ حُقَّ لَهُ بِأَنْ *** يَمَلَّ حَيَاةً عَاشَ فِيهَا عَلَى مُرّ(4)

ص: 270


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الصبر: القتل.
3- رفرف: ما تهدّل من الشجر و النبات.
4- في هذا البيت و الأبيات الستة التي تليه قد تكون إشارة إلى بعض الأحداث المؤلمة. و قد وصفت بعض ذلك السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام في خطبتها حين قالت: «فأنقذكم اللَّه بمحمد صلي الله علیه و آله و سلم بعد اللتيا و التي بعد أن مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها و انتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الاخبار و تنكصون عند النزال و تفرون من القتال... فلما اختار اللَّه لنبيه صلي الله علیه و آله و سلم الدار أنبيائه و مأوى اصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلبابُ الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الاقلين و هدر فتيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلعٍ الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مجيبين ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً فوسمتم غير ابلكم و أوردتم غير شربكم... أنظر الجزء الأول ففيه تفصيل عن خطبتها في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سندها.

وَ دَارَتْ رَحَاهَا حَوْلَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** تُجَرِّعُهَا مَا لاَيَهُونُ إلَى الحَشر

مَصَائِبُ بِنْتِ المُصْطَفَى قَدْ تَجَرَّعَتْ *** فَرَاحَتْ عَلَيْهَا العَشْرُ تَلْطِمُ بالعَشْرِ(1)

فَأَمْسَتْ عَقِيبَ المُصْطَفَى فِي مَذَلَّةٍ *** تُنَادِيهِ يَا صَوْنِي وَ قَدْ ضُمَّ فِي القَبْرِ

أَيُهنِيكَ خُلدٌ وَ الخُطُوبُ تَفَاقَمَتْ *** فَبِتُ أَقَاسِيهَا فَضَاقَ بِهَا صَدْرِي؟

فَمَا كُنتُ أدْرِي أَيُّ خَطبٍ أَنُوحُهُ *** وَ حَقِّكَ إِنِّي قَدْ تَحَيَّرْتُ فِي أَمْرِي؟

أَكَسْرُ ضُلُوعِي بَيْنَ بَابِي وَ حَائِطِي *** مِنَ القَوْم أَمْ لَطْمِي عَلَى الخَدٍّ أَمْ عَصْرِي؟(2)

أَأَبْكِي بِلا إِذْنٍ عَلَيَّ دُخُولَهُمْ *** بِبَيْنِي وَ إِنِّي كُنْتُ حَاسِرَةَ السِّتْرِ؟

أَأَبْكِي لِبَيْتِي شَبَّ بِالنَّارِ جَهْرَةً *** أَأَبْكِي لأَيْتَامٍ مَدَامِعُهُمْ تَجْرِي؟(3)

ص: 271


1- العشر: الأصابع العشر.
2- في كتاب سليم بن قيس/ ط قم/ ص36 قال: دعا عمر بالنار فأضرمها في باب دار فاطمة علیها السلام ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها، و قد كان قنفذ «لعنه اللَّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط ارسل اليه عمر إن حالت بينك و بين علي علیه السلام،فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها.
3- في کتاب سليم بن قيس/ ط قم/ ص36 قال: أمر عمر أناساً من حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر: واللَّه لتخرجن يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وإلا أضرمت عليك النار. فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و الاً احرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فابى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل. راجع الملل و النحل للشهرستاني، ج1 ص56 و أعلام النساء، ج4 ص114.

أَأَبْكِي ابْنَ عَمِّي أَخْرَجُوهُ مُلَبَّباً *** أم السِّقْطَ أَمْ وَقْعَ السَّبَاطِ عَلَى ظَهْرِي؟(1)

أَمَا قُلْتَ فِي الإِنْسَانِ يُحْفَظُ وُلْدُهُ *** فَقَوْمُكَ ذَلُّونِي وَ مَا عَرَفُوا قَدْرِي(2)

وَ مَا بَرِحَتْ تَنْعَاهُ ثَكْلَىٰ فَصَمَّمُوا *** عَلَى مَنْعِهَا أَنْ لاتَنُوحَ عَلَى الطُّهْرِ

فَصَارَتْ إِذَا شَاءَتْ تَنُوحُ تَخَمَّرَتْ *** بِخَمْرِ مُصَابٍ وَ الدُّمُوعُ دَماً تَجْرِي

وَ تَأْتِي إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ وَ تَنْثَنِي *** تَنُوحُ أَبَاهَا وَ هْيَ نَاشِرَةُ الشَّعْرِ

فتَقْضِي بُكَاهَا ثُمَّ تَأْتِي أَرَاكَةً *** تُظَلِّلُهَا كَيْمَا تَفِيقَ مِنَ الحَرِّ

فَمُذْ عَلِمُوا تَأْوِي لَهَا حَلَّ قَطْعُهَا *** فَأَمْسَتْ تَوَدُّ المَوْتَ قَبْلَ سَنَا الفَجْرِ

إِلَىٰ أَنْ قَضَتْ لَهْفِي لَهَا بِمُصابِهَا *** بِمَا بَيْنَ سَبْعِ أَوْ ثَمَانٍ عَلَى العُسْرِ

قَضَتْ عُمْرَهَا ثَكْلَى وَ عَادَ تُرَاثُهَا *** بِأَيْدِي أَعَادِيهَا وَ مَخْفِيَّةَ القَبْرِ(3)

ص: 272


1- ملبياً: مجروراً مأخوذاً بتلبيبه وذقد ذكر سليم بن قيس في كتابه ص37. ذكر سليم بن قيس في كتابه/ ط قم/ ص37: انطلق قنفذ فاقتحم الدار هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فألقوا في عنقه حبلاً ثم انطلق بعلي علیه السلام ليعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر... أما إسقاطها جنينها فقد أورده الذهبي في ميزان الاعتدال، ج1 ص139 تحت رقم 552. قال عند ترجمته لأحمد بن محمد السدي بن يحيى: قال محمد بن محمد بن حماد الكوفي بعد أن أرّخ موته: كان مستقيم الأمر عامة دهره حضرته و رجل يقرأ عليه: ان عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن. و عن ضربها بالسياط فقد ذكر سليم بن قيس في كتابه ص37 فرفع السيف. أي عمر. و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم... إلى آخر الخبر...
2- في خطبتها علیها السلام قالت... ما هذه الغميزة في حقي و الفترة عن نصرتي و السنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أبي يقول «المرء يُحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة، أتقولون مات محمد صلي الله علیه و آله و سلم فخطب جليل استوسع وهنه و اشتهر فتقه و انفق رتقه و اظلمت الارض لغيبته و كسفت النجوم لمصيبته و أكدت الامال و خشعت الجبال و أضيع بعده الحريم و أزيلت الحرمة عند مماته فتلك و الله النازلة الكبرى و المصيبة العظمى...
3- في صحيح البخاري، ج4 ح4193 لما مات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أجاب ربّاً دعاه... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم من جنة الفردوس مأواه... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة علیها السلام: يا أنس أطابت انفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم التراب. و في شفاء الغرام/ الفاسي الحسني/ ط دار الإحياء بمصر، ج2 ص350 قال: روی جعفر بن محمد الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جده علیه السلام: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت تختلف بين اليومين و الثلاثة إلى قبور الشهداء بأحد فتصلي هناك و تدعو و تبكي حتى ماتت علیها السلام. و في الخصال باب الخمسة فصل البكاؤون الخمسة ص272 أن الإمام علياً علیه السلام لبنى لها بيتاً في البقيع يسمى بيت الأحزان تذهب إليه تندب أباها و هي حزينة باكية حتى قضت نحبها و لحقت بربها. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص214 روی هشام بن محمد عن أبيه قال: فلما حضرتها علیها السلام الوفاة. علیه السلام- أوصت ألا يصلي عليها. أبوبكر. فدفنت ليلاً... و روى الحاكم النيسابوري في مستدركه ، ج3 ص162، بإسناده عن عائشة قالت: دفنت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليلاً، دفنها علي علیه السلام و لم يشعر بها أبوبكر حتى دفنت و صلى عليها علي بن أبي طالب علیه السلام. و في المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص363 أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام ج3 دفنوها ليلاً و غيبوا قبرها.

عَزِيزٌ عَلَى الكَرَّارِ بِاللَّيْلِ دَفْنُهَا *** وَ أَدْنَى الوَرَى فِي القَدْرِ يُدْفَنُ فِي جَهْرِ(1)

ص: 273


1- من كتاب عبرة المؤمنين ص36.

(74) بنت الخلود

(بحر البسيط)

السيد محمد جمال الهاشمي(*)(1)

شَعَتْ فَلاَ الشَّمْسُ تَحْكِيهَا وَ لَاالقَمَرُ *** (زَهْرَاءُ) مِنْ نُورِهَا الأَكْوَانُ تَزْدَهِرُ(2)

بنتُ الخُلُودِ بِهَا الأَجْبَالُ خَاشِعَةً *** أُمُّ الزَّمَانِ إِلَيْهَا تَنْتَمِي العُصْرُ

رُوحُ الحَيَاةِ فَلَوْلاً لُطْفُ عُنْصُرِهَا *** لَمْ تَأتَلِفْ بَيْنَنَا الأَرْوَاحُ وَ الصُّوَرُ

سَمَتْ عَنِ الأُفْقِ لارُوحٌ وَ لامَلَكٌ *** وَفَاقَتِ الأَرْضَ لاجِنَّ وَ لاَبَشَرُ

مَجْبُولَةٌ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ طِينَتُهَا *** يَرِفُّ لُطْفاً عَلَيْهَا الصَّوْنُ وَ الخَفَرُ(3)

مَا عَابَ مَفْخَرَهَا التَّأْنِيتُ أَنَّ بِهَا *** عَلَى الرِّجَالِ نِسَاءُ الأَرْضِ تَفْتَخِرُ

خِصَالُهَا الغُرُّ جَلَّتْ أَنْ تَلُوكَ بِهَا *** مِنّا المَقَاوِلُ أَوْ تَدْنُو لَهَا الفِكَرُ

مَعْنَى النُّبُوَّةِ سِرُّ الوَحْيِ قَدْ نَزَلَتْ *** فِي بَيْتِ عِصْمَيْهَا الآيَاتُ وَ السُّورُ

ص: 274


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- تحكيها: تشابهها؛ و يشير الشاعر في هذا البيت إلى النور الذي كان يشع من الزهراء علیها السلام فيملأ الكون ضياء. أنظر كتاب المناقب لابن المغازلي ص317 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31. و كتاب بحار الأنوار ج16 ص80 ، و كتاب الروض الفائق ص214 مثله كما في كتاب عوالم العلوم ج1 ص56. و في البحار ج43 ص12 قال: عن أبي عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميت زهراء؟ فقال: لأنها علیها السلام كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
3- الخفر: الحياء بشدة.

حَوَتْ خِلالَ رَسُولِ اللَّهِ أَجْمَعَهَا *** لَوْلاَ الرِّسَالَةُ سَاوَىٰ أَصْلَهُ الثَّمَرُ(1)

تَدَرَّجَتْ فِي مَرَاقِي الحَقِّ عَارِجَةً *** لِمَشْرِقِ النُّورِ حَيْثُ السِّرُّ مُسْتَتِرُ

ثُمَّ انْثَنَتْ تَمْلَأُ الدُّنْيا مَعَارِفُها *** تَطْوِي الفُرونَ عَيّاءً، و هي تَنتَشِرُ

قُلْ لِلَّذِي رَاحَ يُخْفِي فَضْلَهَا حَسَداً *** وَجْهُ الحَقِيقَةِ عَنّا كَيْفَ يَنْسَتِرُ

أَتَقْرِنُ النُّورَ بِالظَّلْمَاءِ مِنْ سَفَهٍ؟ *** مَا أَنْتَ فِي القَوْلِ إِلا كَاذِبٌ أَشِرُ(2)

بِنْتُ النَّبِيِّ الَّذِي لَوْلاَ هِدَايَتُهُ *** مَا كَانَ لِلْحَقِّ لَاعَيْنٌ وَ لاَ أَثَرُ

هِيَ الَّتِي وَرِثَتْ حَقاً مَفَاخِرَهُ *** وَ العِطْرُ فِيهِ الَّذِي فِي الوَرْدِ مُدْخَرُ

فِي عِيدِ مِيلادِهَا الأَمْلاَكُ حَافِلَةٌ *** وَ الحُورُ فِي الجَنَّةِ العُلْيَا لَهَا سَمَرُ(3)

تَزَوَّجَتْ فِي السَّما بِالمُرْتَضَى شَرَفاً *** وَ الشَّمْسُ يَقْرِنُهَا فِي الرُّتْبَةِ القَمَرُ(4)

عَلَى النُّبُوَّةِ أَضْفَتْ فِي مَرَاتِبِهَا *** فَضْلَ الوِلايَةِ لاتُبْقِي وَ لاتَذَرُ

أمُّ الأَئِمَّةِ مَنْ طَوْعاً لِرَغْبَتِهِمْ *** يَعْلُو القَضَاءُ بِنَا أَوْ يَنْزِلُ القَدَرُ

قِفْ يَا يَرَاعِيَ عَنْ مَدْحِ البَتُولِ فَفِي *** مَدِيحِهَا تَهْتِفُ الأَلْوَاحُ وَ الزُّبُرُ

وَ ارْجِعْ لِتَسْتَخْبِرَ التَّارِيخَ عَنْ نَبَأٍ *** قَدْ فَاجَأَتْنَا بِهِ الأَنْبَاءُ وَ السِّيَرُ

هَلْ أَسْقَطَ القَوْمُ ضَرْباً حَمْلَهَا فَهَوَتْ *** تَئِنُّ مِمَّا بِهَا وَ الضِّلْعُ مُنكَسِرُ؟

ص: 275


1- خلال: خصال. و فى هذا البيت إشارة إلى مشابهة أخلاق الزهراء علیها السلام و صفاتها أخلاق و صفات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ففي كتاب مستدرك الصحيحين ج4 ص272 قال: عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و لادلاً و لاهدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها وقعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و ذكره في كتاب ذخائر العقبى ص40.
2- أشر: بطر و مرح.
3- سمر: الذي لاينام بل يتحدث ليلاً. و في البيت إشارة إلى السرور الذي عم الملائكة عند ميلاد الزهراء (سلام الله عليها). أنظر كتاب عوالم العلوم ج11/1 ص58-59. عن كتاب مشارق الأنوار ص85 و كتاب البحار ج16 ص81.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن زواج الزهراء علیها السلام و كان في السماء؛ انظر: كتاب بحار الانوار ج43 ص92 و ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174، و ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31 و ص86 ، الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص204، و دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص81.

وَ هَلْ كَمَا قِيلَ قَادُوا بَعْلَهَا فَعَدَتْ *** وَرَاهُ نَادِبَةً وَ الدَّمْعُ مُنْهَمِرُ؟(1)

إِنْ كَانَ حَقَّاً فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ مَرَقُوا *** عَنِ الهُدَى وَ بِدِينِ اللَّهِ قَدْ كَفَرُوا(2)

ص: 276


1- في هذا البيت إشارة إلى دفاع الزهراء «سلام الله عليها» عن الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام.
2- وفاة فاطمة الزهراء علیها السلام: ص19.

(75) مشرق النور

(بحر البسيط)

السيد محمد جمال الهاشمي(*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار(**)(2)

حوراءُ يعجزُ عن أوصافها البشرُ *** عطرُ الجنان على الآفاق ينتشرُ

نورٌ من الله فوق الأرض ينغمرُ *** شعّت فلاالشمسُ تحكيها و لاالقمرُ

زهراءُ من نورها الأكوان تزدهرُ

إنسية مثلُ ضوءِ الشمسِ ساطعةُ *** رضيعةٌ من لبان الطُّهر راضعةُ

أمُّ الحسين غداً في الحشر شافعةُ *** بنتُ الخلود بها الأجيالُ خاشعةُ

أمُّ الزمان إليها تنتمي العُصُرُ

صديقةٌ قلبَ خير الخلق تمتلِكُ *** و بَضْعَةٌ في صفات الطُّهر تَشْتَركُ

كفضّة في ثنايا التِّير تنسبكُ *** سَمَتْ عن الأفق لاروحٌ و لامَلَكُ

و فاقت الأرض لاجنِّ و لابشرُ

رُوحُ الحياة بل الدنيا و زينتُها *** و مشرقُ النُّور و الأضواء طلعتها

و هيكلُ القُدس و الإيمان عفّتها *** مجبولةٌ من جلال اللَّه طينتها

يرفُّ لطفاً عليها الصَّونُ و الخَفَرُ

أُنشودةُ الحقِّ و التّاريخ يكتُبُها *** و دُرّةً في إطار اللَّوح ركّبها

ص: 277


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- (**)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

ربُّ السماء لجنب العرش قربّها *** خصالُها الغُرُّ جلَّت أن تلوك بها

منَا المقاول أو تدنو لها ال-فکَرُ

بتولةٌ عن صفات الشَّين قد عزلَتْ *** كزهرة الخُلْد في الأغصان ما ذَبَلَتْ

و آية اللَّه من قُدراته اختزلتْ *** معنى النبوّة سرَّ الوحي قد نزلتْ

في بیت عصمتها الآيات الآياتُ و السورُ

في عالم الذرِّ قبل الخلق أبدعها *** في صُلب آدم عند الخلق أودعها

أمُّ الأئمّة باري الكون يرفعها *** حَوت خلالَ رسول اللَّه أجمعها

لولا الرسالةُ ساوى أصله الثّمرُ

بُشرى السماء بها الأملاك نازلةُ *** و عن لسان إله الحقِّ قائلةُ

أمّ الإمامين بنت المجد خالدةُ *** في عيد ميلادها الأملاكِ حافلةُ

و الحُورُ في الجنّة العليا لها السّمر

ص: 278

(76) حامي الدين

(بحر المتدارك)

الشيخ محمد جواد الجنابي النجفي

أفَصِيحُ لِسَانِكَ مَا أَبْهَرْ؟ *** أَمْ نَشْرُ بَيَانِكَ مَا أَثْمَرْ(1)

سُبْحَانَ قَدِيرِ صَاغَكَ مِنْ *** أَصْفَى الأَلْوَانِ مِنَ الجَوْهَرْ

فَتَمَيَّزْ دَركَّ يَا زَاكٍ *** بِوُضُوحٍ مِنْ تَحْتِ المِجْهَرْ

إِنْ يَذْكُرْهُ رَاوِيُهْدِي *** لِحَوَاسِ النَّاسِ شَذَى العَنْبَرْ

أَوْ يَسْمَعُهُ وَاعِي قَلْبٍ *** فِیهِ اسْتَغْنَى وَ بِهِ اسْتَبْصَرْ

أَوْ يَقْرَأَهُ لاَهٍ عَنْهُ *** لِلرُّشْدِ تَرَاجَعَ وَ اسْتَغْفَرْ

أَوْ یَسْمَعُهُ طَرِبٌ غَنَّى *** أَوْيَسْمَعُهُ حَبْرٌ كَبَّرْ(2)

فَأَجَلُ الذِّكْرِ حُبِيتَ بِهِ *** وَ لِغَيْرِكَ مَا شَيْءٌ يُذْكَرْ

فَلِذَا وَزْنُكَ فَاقَ الدُّنْيَا *** عِلماً و تُقّى لاَ بَلْ أَكْثَرْ

يَا مَنْ بِمَحَبَّتِهِ أَرْجُو *** وَ شَفَاعَتِهِ ذَنْبِي يُغْفَرْ

فَسَيَرْبَحُ مَادِحُكُمْ حَتْماً *** بِالحَشْرِ وَ مُبْغِضُكُمْ يَحْسَرْ

يَا مَنْ فِي الْأَرْضِ لَهُ نُورٌ *** بَادٍ كَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرْ

وَ مَفَاخِرُكَ اللآتِي فَاقَتْ *** لِلْحَدِّ وَ كَادَتْ لَاتُحْصَرْ

تُحْيِي الأَمْوَاتَ بِإذن اللَّهِ *** وَ عِنْدَ المَوْتِ لَنَا تُحْضَرْ

وَ وَطَأتَ العَرْشَ بِأَقْدَامٍ *** هِيَ مِنْ مَاءِ الدُّنْيَا أَطْهَرْ

ص: 279


1- أبهر: أضاء. غلبه و قهره.
2- حَبْر: رجل دين يهودي.

يَا مَنْ ذِكْرُكَ يَرْوِي قَلْبِي *** كَالمَاءِ البَارِدِ عِنْدَ الحَرْ

قَدْ قَالَ لِشَخْصِكَ بَارِئُهُ *** (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرْ)

قَابَلْتَ الشَّرُكَ بِزُمَّتِهِ *** فَغَلَبْتَ عَلَيْهِ وَ لَمْ تُقْهَرْ

يَا مَنْ فِيهِ زَهَتِ الدُّنْيَا *** وَ بِهِ الفِرْدَوْسُ غَدَا يَرْهَرْ

يَا أَمْلَحَ مِنْ يُوسُفَ خَلْقاً *** يَا مَنْ هُوَ مِنْ نُوحٍ أَكْبَرْ

قِنْدِيلاً كُنْتَ بِسَاقِ العَرْشِ *** يَشِعُ بِكَ النُّورُ الأَخْضَرْ

إِنْ تَبْصُقْ فِي بِثرِيَحْلُو *** أَوْ تَنْزِلَ فِي قَفْرٍ أَزْهَرْ(1)

قَدْ حَنَّ لَكَ الجِذْعُ البَالِي *** يَا مَنْ قَدْ لاذَ بِهِ حَيْدَرْ

قَدْ قَامَ وَصِيُّكَ بِالمَطْلُوبِ *** وَ أَدَّى عَنْكَ وَ مَا قَصَّرْ

وَ تَحَمَّلَ مَا نَالُوا مِنْهُ *** مُذْ أَجْرَى اللَّهُ لِمَا قَدَّرْ

مَا أَعْمَاهُمْ عَنْ مَوْلاهُمْ *** وَ حِمَاهُمْ وَ الثّقْلِ الأَكْبَرْ

مَنْ هَدَّ الشَّرْكَ لَدَى بَدْرٍ *** مَنْ أَرْدَى مَرْحَبَ فِي خَيْبَرْ؟(2)

غَيْرُ الكَرَّارِ أَبِي الأَطْهَارِ *** وَ حَامِي الدِّينِ بِيَوْمِ الكَرْ

أفَتُضْرَبُ فَاطِمَةٌ جَهْراً *** وَ لَهَا ضِلْعٌ ظُلْماً يُكَسَرْ(3)

ص: 280


1- القفر: الأرض لاماء فيها و لاناس و لاكلاً.
2- أردى: قتل و أهلك.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام و كسر ضلعها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «و قد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها. و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت. صلى الله عليها. من ذلك شهيدة» و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109. و في کتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال العلوي: إن أبابكر بعدما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة بن الجراح و جماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام و جمع عمر علي الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوَّة صلى الله عليه و آله و سلم و ما كان يدخله إلا بعد (الاستئذان و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر وحزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها».

فَدَاکٌ تُعْصَبُ مِنْهَا قَهْراً *** وَ بِلَيْلِ فَاطِمَةٌ تُقْبَرْ(1)

ص: 281


1- و في هذا البيت يشير إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام و دفنها ليلاً. ففي كتاب مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم في هذا المال و إني والله لاأغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك إلى آخر الحديث. و في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هاني قال: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له: لئن مُتَّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي و أهلي، قالت فلم ورِثتَ أنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم أفعل حدثني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم...» الخ. و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج3 ص487. و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج ج1 ص131-144 مطولاً. و في كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9، و السنن الكبرى ج6 ص300 قال: عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنها أخبرته أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورِّث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المآل... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك. أما دفنها ليلا ففي مناقب ابن شهر آشوب قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك. و عن عائشة: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي ليلاً و صلى علیها. و عن الزهري أن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً. و في تاريخ الطبري أن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي علیه السلام و المقداد و الزبير، و في رواياتنا صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و العباس و ابنه الفضل و حذيفة و ابن مسعود ج3 ص363. و في كتاب الاستيعاب ج4 ص1898 قال: توفيت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بخمس و سبعين ليلة و قيل بستة أشهر إلا ليلتين و ذلك يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان و غسلها زوجها علي «رضي الله عنه» و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلاً. و في كتاب ذخائر العقبى ص54. و دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي «رضي الله عنه» أن يدفنها ليلاً. و في البحار ج43 ص183 قال: إن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيبوا قبرها.

وَ يُقَاسُ عَلِيٌّ فِي عُمَرٍ *** وَ أَبُوحَنِيفَةَ فِي جَعْفَرْ

إِنْ صَحَّ فَلاَ خَيْرٌ يُرْجَى *** لِلنَّاسِ وَ لاكَسْرٌ يُجْبَرْ

وَ عَلَيْهِ فَلاَ دِينٌ يَبْقَى *** الأَرْضِ وَ لاَسَعْيُ يُشْكَرْ

أَيُحْكَمُ فِي دِينِ الهَادِي *** مَنْ لَمْ يَنْجَرَّ بِحَرْفِ الجَرْ

وَمُعَاوِيَةٌ يَحْدُو فِينَا *** وَ أَخُوهُ ابْنُ العَاصِي الأَبْتَرْ(1)

وَ أَمَامَ ظُعُونِهِمُ يَسْرِي *** وَ يَشُدُّ عَزَائِمُهُمْ حَبْتَرْ(2)

فَكَثِيرُ الذِّكْرِ لِهَادِينَا *** وَ عَلَى الأَرْضِ النَّسْلُ الأَكْثَرْ

فَمَتَى يَبْسُمُ ثَغْرُ الدُّنْيَا *** لِلنَّاسِ وَ قَائِمُهُمْ يَظْهَرْ

ص: 282


1- الأبتر: المقطوع.
2- حَبْتَر: صفة تطلق على عمر بن الخطاب.

(77) إنا أعطيناك الكوثر

(بحر المتدارك)

الشيخ محمد حسين الأنصاري (*)(1)

يَا أَوَّلَ نُورٍ قَدْ صُوِّرْ *** وَ بِهِ كُلُّ نَبِيَّ بَشَرْ

إنّا أَعْطَيْنَاكَ «الزَّهْرَا» *** «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرْ»(2)

أَبْنَاءُ الزَّهْرَا وَ الزَّهْرا *** وَ أَبُوهَا وَ المَوْلَى حَيْدَرْ

مَا يَبْدُو خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا *** إِلأَ وَ هُمُ كَانُوا المَصْدَرْ

ص: 283


1- (*) هو الشيخ محمد حسین ابن الشيخ عبدالغفار الانصاري. ولد في العمارة جنوب شرق العراق سنة 1372 ه_ و نشأ و ترعرع تحت ظل والده الشيخ عبدالغفار. تلقى دراسته الأولية الأكاديمية حتى حاز على شهادة الهندسة، ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف في منتصف السبعينات (الميلادية) فأخذ دروسه الحوزوية، كالنحو،و الصرف و المنطق و البيان و الفقه و الأصول على مشاهير المدرسين في الحوزة النجفية، و كان مثابراً و مواظباً على الدروس و حضر بحث الخارج عند السيد الخوئي (قدس سره) حتى نال درجة كبيرة في الفضل و العلم. و للمترجَم له آثار علمية و أدبية منها: 1- المعايير العلمية لنقد الحديث. 2- ثورة الحسين عطاء دائم. 3- لمسات الشيخ المفيد على سنن التاريخ. 4- ديوان شعر (خاص بالحسين علیه السلام). 5- و كتابات فقهية. ما يزال الشيخ الانصاري يمارس دوره الثقافي و الديني في مختلف الأبعاد «زاد الله في توفيقه».
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن الكوثر هي الزهراء علیها السلام انظر تفسير الفخر الرازي ج32 ص124.

وَ مَكَارِمُهَا تَبْدُو عَرَضاً *** وَ هُمُ كَانُوا نِعْمَ الجَوْهَرْ

فَهُمُ أوّلُ مَنْ قَدْ صَلَّى *** أَوَّلُ مَنْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرْ

أَلجَنَّةُ أَكْبَرُ مِنْ وَصْفٍ *** وَ فَوَاكِهُهَا حُسْناً أَكْبَرْ

وَ الزَّهْرَا فَاكِهَةٌ مِنْهَا *** وَ لِذَا فِيهَا سِحْرٌ يُؤْثَرْ(1)

وَ الشُّعْرُ عَلاَ بِمَدَائِحِهَا *** لاَيُذْكَرُ شَيْءٌ إِنْ تُذْكَر

أَنْوَارُ مَدَائِحِهَا تَطغَى *** حَتَّى فِي الصُّبْحَ إِذَا أَسْفَرْ(2)

وَ عَبِيرُ مَدَائِحِهَا يَذْكُو *** حَتَّى فِي المِسْكِ أَوِ العَنْبَرْ(3)

وَ رَقِيقُ مَدَائِحِهَا حُرٌّ *** لِسِوَاهَا بِالمُلْكِ فَلَا قَرْ

وَ جَمَالُ مَدَائِحِهَا يَبْدُو *** كَجَمَالِ الرَّوْضِ إِذَا أَزْهَرْ

كَالوَرْدِ الأَحْمَرِ إِذْ يَبْدُو *** يَجْلِسُ فِي مِحْرَابِ أَخْضَرْ

وَ إِذَا مَا شِئْتَ لَهَا وَصْفاً *** فَالنُّورُ لَهَا أَقْرَبُ مَعْبَرْ

وَ لِذَا فِي المَحْشَرِ لاَتَبْدُو *** حَتَّى بِالغَضِّ لَنَا يُؤْمَرْ

فَسَنَا بَرْقِ «الزَّهْرَا» سِحْرٌ *** يَخْطَفُ أَلْبَابَ ذَوِي المَحْشَرْ(4)

وَ يَكَادُ سَنَا بَرْقِ «الزَّهْرَا» *** يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ إِذَا مَرْ(5)

وَ رَبِيعُ مَدَائِحِهَا فَيْضٌ *** مِنْ جَنَبَاتِ العَرْشِ تَحَدَّرْ

وَ بِهِ أَرْضُ الشَّعْرِ سَتَزْهُو *** وَ سَمَاوَاتُ الشِّعْرِ سَتَزهَرُ

وَ تَكَادُ سَمَاوَاتُ الشُّعَرَاءِ *** بِمَدْح «الزَّهْرَا» تَتَفَطَّرْ

«الزَّهْرَا» مِشْكَاةٌ فِيهَا *** مِصْبَاحٌ يَا حُسْنَ المَنْظَرْ

ص: 284


1- إشارة إلى الفاكهة التي هبط بها جبرئيل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فأكلها ثم لما واقع خديجة علیها السلام حملت منه بفاطمة علیها السلام راجع البحار ج43 ص4.
2- أسفر: أضاء.
3- يذكو: تسطع أو تفوح رائحته.
4- سنا برق: لمعانه.
5- يشير الشاعر فى هذه الأبيات الثلاثة إلى ما روي من مجيء الزهراء علیها السلام يوم القيامة و مرورها على الصراط. انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص224 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص48.

وَ المِصْبَاحُ إِذَا مَا يَبْدُو *** فِي نُورِ زُجَاجَتِهِ مُغْمَرْ

دُرِّيٌّ كَوْكَبُهَا يَعْلُو *** وَ بِهِ نُورُ اللَّهِ تَكَوَّرْ(1)

يُوقَدُ مِنْ زَيْتُونَةٍ خَيْرٍ *** وَ لَهُ اللَّهُ لِهَذَا اسْتَأْثَرْ

وَ يَكَادُ الزَّيْتُ يُضِيءُ وَ لَوْ *** لَمْ تَمْسَسْهُ النَّارُ فَيُؤْمَرْ

نُورٌ فِي نُورٍ مِنْ نُورٍ *** سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا صَوَّرْ(2)

قَدْ قَالَ لَهَا الهَادِي قَوْلاً *** حَسْبِي هُذَا وَ بِهِ أَفْخَرْ

البَارِي يَرْضَى لِرِضَاهَا *** وَ بِذَا حَتَّى الشَّانِيءُ قَدْ قَرْ(3)

وَ يُكَنِّيهَا «أُمُّ أَبِيهَا» *** وَ تُخَصُّ بِآيَاتٍ أَكْثَرْ(4)

ص: 285


1- تكوّر: جُمع النور ولُفّ.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات الستة إلى الآية المباركة من سورة النور آية 35. «كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ». انظر كتاب المناقب لابن المعازلي ص317 كما في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31. و كتاب رشفة الصادي ص28 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن للسيد صادق الشيرازي ص168.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما ورد عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من أن الله يرضى لرضاها و يغضب لغضبها. انظر كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري ص39. و ابن حجر العسقلاني في الإصابة ج4 ص378 و تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ابن الأثير في كتاب أسد الغابة ج5 ص522.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد من أن فاطمة علیها السلام كانت تكنى بأم أبيها. و إلى اختصاصها بآيات كثيرة نزلت في حقها علیها السلام أما كنيتها فقد ذكرها ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص520 قال: و كانت فاطمة علیها السلام تكنى أم أبيها و كانت أحب الناس إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و ذكره ابن عبدالبر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1899 قال: «و ذكر عن جعفر بن محمد قال: كانت كنية فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أم أبيها». أما الآيات فقد مرَّت الإشارة إلى بعضها في تفسير العياشي ج1 ص128 و كتاب البحار ج43 ص65 و ص23. و تفسير الدر المنثور للسيوطي ص299 و كتاب أسباب النزول للواحدي ص331. كما في كتاب فضائل الخمسة ج1 ص303، و انظر تفسير العياشي ج2 ص287. و كتاب تفسير الكشاف ج3 ص467 و كتاب ذخائر العقبى و قد وردت في المصادر المذكورة أعلاه آيات عديدة نزلت في حق الزهراء «سلام الله عليها» فلا نكرر نقلها و إنما أشرنا إلى الأجزاء و الصفحات فقط. فمن أراد التفصيل فليرجع إلى ما ذكرنا.

وَ يُقَبلُ حُبّاً إِكْرَاماً *** يَدَهَا وَ الأمْرُ هُنَا أَبْهَرْ(1)

فَالهَادِي لاَيَنْطِقُ هُجْراً *** لايَفْعَلُ إِلأَ مَا يُؤْمَرْ

شِيعَتُهَا فَازُوا بِوَلاهَا *** قَدْ فُطِمُوا مِنْ نَارٍ تُسْعَرْ(2)

ص: 286


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تقبيل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة علیها السلام. انظر أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 و كتاب ذخائر العقبى ص36 و كتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج8 ص42 و كتاب البحار ج43 ص42.
2- تسعر: تشتعل. و في البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من أن فاطمة علیها السلام تفطم شیعتها یوم القيامة من النار. معاني الأخبار. و علل الشرائع كما في البحار ج43 و ص12. و ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج12 ص331 عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سماها فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار. نقلت القصيدة عن مجلة رسالة الثقلين العدد السادس السنة الثانية ص52.

(78) تجلى المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الرمل)

الشيخ محمد حسين الأنصاري(*)(1)

غَلَتِ السَّاعَاتُ وَ اشْتَدَّتْ أَوَارا *** بِالْقِلابِ جَعَلَ النَّاسَ سُكَارَى(2)

مُنْذُ جَاؤُوا يَحْمِلُونَ الكِبْرَ فَخْراً *** مِثلَ إِبْلِيسَ أَبَى إلا افْتِخَارا

وَ لَهُمْ أَوْجُهُ بُؤسٍ كَالِحٍ *** تَطْلُبُ الظُّلْمَةُ مِنْهَا أَنْ تُوَارَى(3)

وَ لَهُمْ أَزَّ كَأَنَّ المَاءَ يَغْلِي *** وَ فَحِيحُ الصِّلِّ لَوْ خَافَ الغِمَارا(4)

وَ لَهُمْ أَعْيُنُ شَيْطَانٍ بِهَا *** شَرُّهُ الأَعْمَى عَلَى الإِيمَانِ فَارَا

وَ قُلُوبٌ لَهُمُ فَارِغَةٌ *** لَمْ يَكُنْ فِيهَا سِوَى الحِقْدِ شِغَارا

وَ لَهُمْ أَيْدٍ بَدَتْ مِنْ عُسْرِهَا *** أَيْدِ ذُلِّ تَطْلُبُ العِزَّ اغْتِرَارَا

لاَيَرَوْنَ الشَّمْسَ إِلا ظُلْمَةً *** وَ يَرَوْنَ الفُتْمَ مِنْ قُتمٍ نَهَارَا

أَيُّ مَعْنًى لَهُمُ أَدْرَكْتَهُ *** سَوْفَ تَلْقَاهُ هَبَاءً أَوْ عُبَارا

وَ لَهُمْ رَأْسٌ، وَ لاَرَأْسَ لَهُمْ *** لَوْ رَأَيْتَ الجِنَّ شَيْطاناً مُثارا

عُمَرٌ يَقدمُهُمْ فِي فِتْنَةٍ *** عَمَّتِ المِيزَانَ بَخْساً وَ خَسَارَا

عُمَرٌ يَقْدِمُهُمْ هَذَا الَّذِي *** مِنْ عَجِيبِ الأَمْرِ رَبَّ النَّاسِ صَارَا

ص: 287


1- (*) مرّت ترحمته في القصيدة السابقة.
2- أوار: أوْرَى الزند: أخرج ناره.
3- تواری: استتر.
4- أز: أزّت القدر : غَلَتْ.

يَطْلُبُ الأَعْوَانَ حَتَّى إِذْ رَأَى *** يَوْمَهَا الأَعْوَانَ قَدْ هَبَّ وَ ثَارا

وَ بَنُو الأَنْصَارِ مِنْ خَوْفٍ بِهِمْ *** مِنْ قُرَيْشٍ ضَيَّعُوا الأَمْرَ ابْتِدَارَا(1)

فَخَلَتْ سَاحَتُهَا يَوْمَئِذٍ *** لِبَنِي الخَطَّابِ خَيْلاً وَ قَرَارَا

لَوْ رَأَيْتَ القَوْمَ فِي هَجْمَتِهِمْ *** وَ هُمُ أَمْسَوْا لإبْلِيسَ حِمَارَا

حَصَرُوا كُلَّ قَوَانِينِ السَّما *** بَيْنَ قَوْسَيْنِ وَ زَادُوهَا حِصَارَا

بِسِهَامِ فُوّقَتْ فِي فُرْصَةٍ *** لِشَيَاطِينَ وَ شُدْهِ مِنْ حَيَارَى(2)

وَ أَتَوْا يَسْعَوْنَ فِي ظُلْمَتِهِمْ *** نَحْوَ نُورِ اللَّهِ كَيْ يُطْفَى جَهَارا

وَ الْتَقَتْ نَارَانِ فِي بَابِ الهُدَى *** وَ إِذَا بِالْكُفْرِ يَزْدَادُ اقْتِدَارَا

قِيلَ فِيهَا «فَاطِمٌ» قَالَ «وَإِنْ» *** فَبِذَا إِمضَاؤُنَا كَانَ وَدَارَا(3)

وَ تَجَلَّى «المُصْطَفَى» مِنْ خَلْفِهَا *** لَهُمُ فِي البَضْعَةِ الزَّهْرَا اخْتِبَارَا

غَيْرَ أَنَّ القَوْمَ قَدْ سَارُوا مَعاً *** نَحْوَ تَصْمِيمٍ لَهُمْ يُشْجِي الغَيَارَى

مُذْ رَأَتْهُمْ حَمَلُوا مِنْ حِقْدِهِمْ *** خَلْفَ بَاب الْبَيْتِ أَمْسَتْ تَتَوَارَى

مُذْ رَأَوْهَا عَصَرُوهَا عَصْرَةً *** لَمْ تَزَلْ تُلْبِسُهُمْ لِلْحَشْرِ عَارَا

طَلَّقُوا الإِيمَانَ تَطْلِيقاً بِهِ *** دَخَلُوا إِذْ أَدْخَلُوا فِي الدَّارِ نَارا

أَسْقَطُوهَا،كَسَرُوا ضِلْعاً لَهَا *** أَخْرَجُوا «حَيْدَرَهَا» مِثْلَ الأَسَارَى(4)

بَيْنَ تَصْدِيقِ وَ تَكْذِيبِ لَهُمْ *** أَسَدٌ قَائِدُهُ قَدْ كَانَ فَارَا

هُهُنَا صَوْتٌ خُذُوهُ، وَ هُنَا *** فَلْيُبَايِعُ أَوْ يُحَزُّ الرّأْسُ ثَارَا(5)

وَ هُمُ مَا اجْتَرَزُوا إِلا وَ هُمْ *** -مِنْهُمَا- يَدْرُونَهُ مُوصَّى مِرَارَا(6)

«إِنْ تَتُوبَا» لَمْ تُفِدْ فِي هَدْيِهِمْ *** لَمْ يَزِدْهُمْ رَدْعُهَا إِلا خَسَارَا

ص: 288


1- ابتدارا: ابتدر القوم أمراً: تسابقوا إليه.
2- فُوّقت: فاق السهم، كسر فَوْقه. شُدهٍ: شده الرجل: أدهشه.
3- أنظر أعلام النساء ج4 ص114.
4- أنظر الملل والنحل ج1 ص57.
5- أنظر إثبات الوصية ص123.
6- اجترؤوا: اجترأ على الأمر: أقدم عليه.

(79) أعلى النسا قدراً

(بحر الطويل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

أَجَلُّ الوَرَى شَأناً وَ أَعْلَى النِّسَا قَدْرا *** جُمَانَةُ بَيْتِ الوَحْي فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

مَنِ اشْتُقَّ قَبْلَ الخَلْقِ بِالنُّورِ سِرُّها *** فَأَزْهَرَتِ الآفَاقُ وَ اعْتَبقَتْ زَهْرَا

فَزُيِّنَ مِنْهَا العَرْشُ خَامِسَ خَمْسَةٍ *** حَبَتْ فِي السَّمَاءِ وَ الأَرْضِ أَهْلِيهِمَا بِشَرَا

حَبَا اللَّهُ مِنْهَا الخَلْقَ خَلْقاً فَأُودِعَتْ *** بِآدَمَ أَسْلاَفٌ لَهُمْ قُدَّسَتْ سِرّا

تَوَسَّلَ مِنْهُمْ فَاحْتَظَىٰ عَفْوَ رَبِّهِ *** بِأَسْمَاءِ نُورٍ تُخْجِلُ الشَّمْسَ وَ البَدْرَا

وَ أَوْدَعَ مِنْهُمْ نُورَ سَيِّدَةِ النِّسَا *** لَدَى ثَمَرِ فِي الخُلْدِ طَابَتْ بِهِ نَشْرَا

فَطَابَ بِهَا أَصْلاً وَ طَابَتْ بِهِ شَذّى *** إِلَى أَنْ جَنَاهُ المُصْطَفَى لَيْلَةَ الإِسْرَا

***

فَبَاتَ بِهِ فِي خَيْرِ صُلْبٍ نَمَا الهُدَى *** وَ صَبَّحَهُ فِي خَيْرِ رَحْمٍ مُلِي طُهْرَا

فَهَلْ عَلِمَتْ لِمَا حَوَتْهُ خَدِيجَةٌ *** حَوَىٰ رَحْمُهَا نُورَ الهُدَى وَ النَّدَى طُرّا(2)

فَإِنْ عَايَنَتْ قَدْ مَزَّقَ اللَّيْلَ نُورُهَا *** فَلَيْلُ الوَرَى مِنْ نُورِهَا احْتَطَى الفَجْرَا

وَ إِنْ أَنَسَتْ مِنْهَا... حَدِيثاً بِبَطْنِهَا *** فَقَدْ عَمَّتِ الدُّنْيَا أَحَادِيتُهَا ذِكْرَا

وَ مَا تَمَّ مِنْهَا الحَمْلُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ *** لَدَى الرَّحْمٍ حَتَّى ثُمَّ جَوْهَرُهَا فَخْرَا

فَجَاءَتْ بِوَصْفِ الحُورِ فِي خَيْرِ صُورَةٍ *** مِنَ الإِنسِ قَامَتْ فِيهِ إنْسِيَّةٌ حَوْرَا

***

ص: 289


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- طُراً: جميعاً.

أَبَى اللَّه أَنْ تَحْظَى يَدُ الشِّرْكِ مَسَّهَا *** فَأَوْحَى لَهَا حُوراً يَلِينَ لَهَا أَمْرَا

فَجِئنَ لَهَا حُورُ الجِنَانِ يَلِينَهَا *** فَطَهَّرْنَهَا جِسْماً وَ جَسَّمْنَهَا طُهْرَا

بِمَاءٍ مِنَ الحَيَوَانِ فِي طَشْتِ فِضَّةٍ *** بِإِبْرِيقِ تِبْرٍ صِرْنَ يَسْبِكْنَهَا تِبْرَا(1)

وَ فِي بُرْدَتَيْ وَ شْي وَ إِسْتَبْرَقٍ غَدَتْ *** تُؤَخِّرُهَا رِفْقاً وَ تُرْفِقُهَا إِزْرَا(2)

وَ عَادَتْ تُحْيِي كُلِّ حَوْراءَ بِاسْمِهَا *** فَمَا أَخْبَرَتْ خَطْأً و لاأخَطَأَتْ خُبْرَا

فَمَا أَجَلَتِ الأَيَّامُ عَنْ بِنْتِ سَاعَةٍ *** أَنَتْ بِاسْم مَنْ يُقْبِلْنَ مِنْ أُمِّهَا أَدْرَى

وَ لاشَاهَدَتْ قَطُّ النِّسَا مَنْ تَكَلَّمَتْ *** لَدَى الوَضْعَ حَتَّى مَرْيماً وَ الَّتِي أَحْرَى

***

فَحُقٌّ لَدَى مِيلادِهَا لَوْ تَهَلَّلَتْ *** وُجُوهُ السَّمَا وَ الأَرْضِ بِالأُنْسِ وَ السَّرِّا

وَ حُقَّ لَدَى المِيلادِ أَنْ تَنْفُرَ السَّمَا *** عَنِ اللُّؤْلُو المَكْنُونِ أَنْجُمُهَا نَثْرَا

فَقَدْ نَثَرَتْ طُوبَى عَلَى الخُلْدِ حَلْيَهَا *** وَ قَلَّ لَهَا أنْ تَنْفُرَ الجَزْعَ وَ الدّرَا(3)

وَ رَجَتْ جِنَانُ الخُلْدِ بِالأُنْسِ رَجَةً *** فَعَادَ الهَنَا وَ البِشْرُ يَجْرِي بِهَا بَحْرَا

وَ أَلْبَسَتِ الدُّنْيَا مِنَ النُّورِ خَلْعَةً *** يَكَادُ السَّنَا مِنْهَا يَهِلُّ الهَنَا قَطْرَا

وَ إِنَّ هَنَاءٌ سَرَّ قَلْبَ مُحَمَّدٍ *** لَتَزْهُو بِهِ الخَضْرَا وَ تَحْيَى بِهِ الغَبْرَا

حَباهُ بِهَا الجَبَّارُ جَوْهَرَ عِصْمَةٍ *** فَجَاءَتْ بَئُولاً صَفْوَةً طَاهِراً عَذْرَا

***

غَدَتْ آيَةٌ فِي كُلِّ خُلْقٍ وَ خِلْقَةٍ *** فَجَاءَ بَنُوهَا آيَةً أَحَدَ عَشْرَا(4)

ص: 290


1- تِبْراً: ذهباً.
2- وَشْي: نقش الثوب و الثياب الموشيَّة.
3- الجزع: خرز فيه السواد و البياض.
4- في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ص63. و شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني، ج1 ص58. قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً علیه السلام و زوجته و ابناءه حجج الله على خلقه و هم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم «هدي إلى صراط مستقيم». و في رشفة الصادي/ لأبي بكر الحضرمي/ ص70. و عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: نحن حبل الله الذي قال الله عنه: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» و في سفينة البحار، ص193. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام مهجة قلبي و ابناها ثمرة فؤادي و بعلها نور بصري ولدها أمناء ربي حبل ممدود بينه و بين خلقه من اعتصم بهم نجا و من تخلَّف عنهم هوی.

فَإِنْ كَانَ يَلْنَ السَّيِّدَاتُ عُلُومَهَا *** دُرُوساً بِكُلِّيَاتٍ اسْتَهْلَكَتْ عُمْرَا

فَإِنَّ بَتُولَ الفَضْلِ بِالمَهْدِ أَرْضَعَتْ *** مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ تَحْرِهِ العُلَما سرَا

لَقَدْ رَضَعَتْ فِي مَهْدِهَا العِلْمَ وَ الهُدَى *** فَمَا اسْتَفْسَرَتْ مَعْنَى وَ لاَأُرْفِقَتْ سِفْرَا(1)

تُحَدِّتُهَا الأَمْلاَكُ عِلْماً وَ هَلْ تَرَى *** بِهِ كَانَتِ الأَمْلَاكُ مِنْ قَبْلِهَا أَدْرَىٰ

فَلَمْ تَكُ إِلا مِثْلَ مَنْ حَمَلَ النَّدَى *** إِلَى السُّحْبِ أَوْ أَهْدَى إِلَى هَجَرٍ تَمْرَا

وَ مَا الظَّنُّ فِيمَنْ مِنْ مَعَارِفهَا اسْتَقَتْ *** رِجَالُ الوَرَى مَاءً فَأَغْنَتْهُمُ تَبْرَا

فَمِنْهَا اقْتَنَى سَلْمَانُ عِلْماً وَ جَابِرٌ *** فَفَاضَتْ لأَهْلِ العِلْم رَشْحَتُهُ بَحْرَا

فَسَلْ عَنْ عُلُوم الكيميًا مَنْ أَتَى بِهَا *** سِوَى فِضَّةٍ أَم مَنْ أَحَاطَ بِهَا خُبْرَا؟

***

فَإِنْ كَانَ فِي عِيسَى لِلنَّصَارَى وَ أُمِّهِ *** تَرَى يَوْمَ مِيلادَيْهِمَا تَجِبُ الذِّكْرَى

فَقَدْ حَقَّ فِي مِيلادِ سَيْدَةِ النَّسَا *** تُسَرُّ بَنُو الدُّنْيَا وَ تَحْيِي بَنُو الأُخْرَى

فَمَا مَرْيَمٌ نَالَتْ كَفَاطِمَةٍ أَباً *** وَ لاَ ابْناً وَ لاَنُسْكاً وَ لاَاسْماً وَ لاَفَخْرَا

فَلَمْ يَكُ عِمْرَانٌ أباً كَمُحَمَّدٍ *** وَ لا الرُّوحُ مِنْ أَبْنَائِهَا بِالعُلَى أَحْرَى

فَإِنَّ أَجَلَّ الخَلْقِ أَكْبَرُهُمْ بَلاً *** وَ أَقْرَبُهُمْ لِلَّهِ أَعْظَمُهُمْ صَبْرَا

فَمَا نَالَ عِيسَى كَالْحُسَيْنِ رَزِيَّةً *** وَ لَامَرْيَمُ نَالَتْ كَفَاطِمَةٍ إِصْرَا

فَإِنْ تَكُنِ العَذْرَاءُ سَيْدَةَ النَّسَا *** فَسَيْدَةُ السَّادَاتِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا(2)

ص: 291


1- سفراً: كتاباً.
2- دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص28/ 13. 4. 1371 ه_.

(80) فتلك فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ محمد علي العلي (*)(1)

إِنَّا عَلَى العَهْدِ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَتَرُ *** وَإِنْ نَأَى العيدُ أَوْ شَطَتْ بنَا العُصْرُ(2)

عَوْداً عَلَى البَدْءِ مِمَّا كَانَ مِنْ هَزَجٍ *** مَع الخيَالِ تُعَاطِيهِ بِهِ فِكَرُ

وَ عَوْدَةٌ لِرِحَابِ المَجْدِ فِي شَرَفِ *** الذِّكْرَى وَ حَيْثُ أَرِيجُ العِظر مُنتَشِرُ

هُنَاكَ حَيْثُ تَرَاهَا وَ هُيَ مَائِلَةٌ *** خَدِيجَةً إِذْ دَعَاهَا لِلْعُلَا قَدَرُ

وَ حَوْلَهَا مِنْ نُجُومِ الخُلْدِ كَوْكَبَةٌ *** تَحُوطُهَا وَ هْيَ فِيمَا بَيْنَهَا قَمَرُ

وَ فَاطِمٌ قَدْ بَدَتْ تَدْنُو لِعَالَمِها *** فَنُورُهَا مِثْلُ ضَوْءِ الصُّبْحِ يَنْتَشِرُ(3)

وَ سَاعَةً إِذْ تَجَلَّتْ وَ هيَ طَالِعَةٌ *** فَعَطرَ البِشْرُ إِذْ جَلَّى بِهَا الخَبْرُ

وَ زَغْرَدَ الحَفْلُ فِي إِشْرَاقِهَا طَرَباً *** فَطَائِرُ السَّعْدِ غَنَّى صَوْتُهُ الهَدِرُ

وَهَا تَرَاهَا بَدَتْ بَيْنَ الأَكُفِّ لَهَا *** كَوَرْدَةٍ يَتَهَادَى رِيحُهَا العَطِرُ

فَتِلْكَ تَلكُمُ نَعْراً تِلْكَ تَحْضُنُهَا *** شَوْقاً وَ تِلْكَ بِلَفْ البُرْدِ تَفْتَخِرُ(4)

ص: 292


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- نأى: بَعُد. شطت: بعدت.
3- في هذا البيت إشارة إلى النور الذي صاحب ولادة فاطمة علیها السلام و ملأ كل مكان بشعاعه: انظر کتاب مشارق الأنوار في أسرار فاطمة علیها السلام ص85 كما في كتاب عوالم العلوم ج1 ص58. و كتاب البحار ج16 ص80. و ذكر الطبري أبوجعفر في كتابه دلائل الإمامة ص9.
4- تلثم: تقبَّل.

وَ أُمُّهَا وَ هيَ قَلْبٌ تَسْتَحِيلُ لَهَا *** مِنَ الحَنَانِ وَ قَدْ جَلَّى بِهَا الأَثَرُ

أكَانَ أَرْوَعَ مِنْ أَمْ تُطَالِعُهَا *** شَمْسُ الوُجُودِ وَلِيداً فِيهِ تَبْتَكِرُ(1)

وَ لِلرَّسُولِ مَقَامٌ لاَيُصَوِّرُهُ *** وَصْفُ الخَيَالِ وَ لاَتُجْلَى لَهُ الفِكْرُ

وَ كَيْفَ يُوصَفُ شَانٌ خُصَّ فِيهِ لَهُ *** مِنَ الجَلالَةِ مَا لَا تَحْوِهِ السُّطْرُ؟

فَصَفْحَةُ الغَيْبِ تَبْدُو وَ هْيَ مَائِلَةٌ *** أَمَامَ عَيْنَيْهِ تَحْكِي مَا بِهَا صُوَرُ

مَشَاهِدٌ تَتَجَلَّى لِلْبَتُولِ بِهَا *** تُرِيهِ مَا سَيُجَلِّي شَأْنَهُ القَدَرُ

فَتِلْكَ فَاطِمَةٌ بِنْتُ يُدَاعِبُهَا *** رَيْحَانَةٌ إِنْ عَرَا فِي نَفْسِهِ كَدَرُ

وَ فَاطِمٌ وَ هْيَ فِي دَوْرِ الشَّبَابِ بَدَتْ *** لَهَا بِهِ لأَمْرِ مِن ادْرَاكِهَا نَظَرُ

وَ فَاطِمٌ وَ هْيَ زَوْجٌ حَيْثُ يُسْعِدُهُ *** بَأَنْ لَهَا فِي شُؤُونِ البَيْتِ مُنْصَهَرُ

وَ فَاطِمٌ وَ هيَ أُمُّ إِذْ يُبَارِكُهَا *** وَلِيدُهَا حِينَمَا يُزْكِي لَهُ خَبَرُ

وَ إِنَّهَا فِيهِ أُمُّ لِلْهُدَاةِ كَمَا *** شَاءَ الإِلهُ فَمِنْهَا السّادَةُ الغُرَرُ

وَ ذَاكَ يَقْرَؤُهُ فِي نُورِ غُرَّتِهَا *** فَفِي الجَبِينِ سُطُورُ الغَيْبِ تَنْتَشِرُ(2)

ص: 293


1- في هذه الأبيات الستة إشارة إلى يوم ولادة الزهراء علیها السلام و ما حدث فيه آیات و معاجز.. ففي كتاب دلائل الإمامة لأبي جعفر الطبري ص9 قال: ضمن خبر طويل «فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها... و غسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوتين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت علیها السلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ أباها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأنبياء، و أن بعلها علياً علیه السلام سيد الأوصياء، و أن ولديها علیهما السلام سيدا الأسباط، ثم سلمت عليهنَّ و سمت كل واحدة باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم فلذلك لقبت الزهراء علیها السلام، و قالت: خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهَّرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة علیها السلام فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها فدرَّ عليها و شربت و كانت علیها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر و في الشهر كما ينمو الصبي في السنة. و ذكره المجلسي في البحار ج16 ص80-81 و ج43 ص3.
2- أفراح الولاء ص78.

(81) أحامي الحمى

(بحر المتقارب)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

إلامَ لِوَاؤُكَ لاَ يُنْشَرُ *** وَ حَتَّى مَ سَيفُكَ لاَيُشْهَرُ؟

فَكَمْ أَكْبُدٍ لَكَ مِنْ شَوْقِهَا *** تَحِنُّ وَ كَمْ أَعْيُنٍ تَسْهَرُ؟

أتُغْضِي وَ أَسْيَافُ أَعْدَائِكُمْ *** إِلَى اليَوْمِ مِنْ دَمِكُمْ تَقْطُرُ؟(2)

أتَنْسَى القَتِيلَ بِمِحْرَابِهِ *** لَهُ الرُّوحُ يَبْكِي وَ يَسْتَعْبِرُ؟

وَ سِبْطَيْنِ بِالسُّمِّ هَذَا قَضَى *** وَ ذَاكَ عَلَى ظَما يُنْحَرُ

وَ أَكْبَرُ خَطبٍ دَهَاكُمْ لَدَيْهِ *** تَهُونُ الخُطُوبُ وَ تُسْتَصْغَرُ

مُصَابُ الرَّسُولِ وَ هَتْكُ البَتُولِ *** وَ مَا لَقِيَ المُرْتَضَى حَيْدَرُ(3)

يَعِزُّ عَلَى أَحْمَدٍ لَوْ دَرَىٰ *** لِمَنْ قَدَّمُوا وَ لِمَنْ أَخَّرُوا

و لا بِدْعَ أَنْ هَجُروا الإلهَ *** فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُ (يَهْجُرُ)(4)

فَيَا فِئَةَ ضَاعَ مَعْرُوفُهَا *** وَ قَدْ ذَاعَ مَا بَيْنَهَا المُنْكَرُ

قَدِ اعْتَسَفَتْ فِي دِيَاجِي الضَّلاَلِ *** وَ مِنْ حَوْلِهَا القَمَرُ الأَزْهَرُ(5)

أَاللَّهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِ الغَدِيرِ *** حُقُوقُ أَبِي حَسَنٍ تَغْدِرُ؟

ص: 294


1- (*)مرت ترجمته في الجزء الثاني.
2- تغضي: تُطبق جفنيك حتى لاترى و لاتبصر شيئاً.
3- أنظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- يهجر: يخلط و يهذي.
5- اعتسنت الطريق أي ركبته على غير هداية و لادراية و عن الطريق مالت عنه و عدلت و الامر أي ركبته بلا تدبّر و لادراية و فلاناً أي ظلمته.

يَرَاهُمْ عَلَى مِنْبَرِ المُصْطَفَى *** وَ مَا قَامَ إِلاَّ بِهِ المِنْبَرُ

وَ تَعُدُو الخِلافَةُ بِالاجْتِمَاع *** وَ نَصُّ الإلهِ بِهَا يُنْكَرُ

وَ أَيُّ اجْتِمَاعِ لَهُمْ إِنْ تَكُنْ *** بِهِ عِتْرَةُ الوَحْيِ لَاتَحْضُرُ؟

وَ أَضْحَى الوَصِيُّ وَ نَفْسُ النَّبِيِّ *** بِهَا لَيْسَ يَنْهَى وَ لاَيَأْمُرُ

لَقَدْ أَضْمَرُوا غَدْرَهُمْ فِي الصُّدُورِ *** فَلَمَّا مَضَى المُصْطَفَى أَظْهَرُوا

فَيَا لَوْعَةً لَمْ تَزَلْ فِي القُلُوبِ *** إِلَى الحَشْر نِيرَانُهَا تُسْعَرُ

أَمَنْ رَفَعَ اللَّهُ شَأْنَا لَهَا *** مِنَ العَدْلِ أَضْلاعُهَا تُكْسَرُ؟

تخَانُ وَدِيعةُ طهَ الأمِينِ *** لَدَيْهِمْ وَ ذِمَّتُهُ تُحْفَرُ(1)

وَ يَمْنَعُهَا القَوْمُ حَتَّى البُكَاءَ *** عَلَيْهِ وَ عَنْ إِرْلِهِ تُنْهَرُ(2)

وَ يُبْتَزُّ فِي فَدَكٍ حَقُهَا *** بِمَا اخْتَلَفُوا وَ بِمَا زَوَّرُوا(3)

زَوَوْا إِرْثَهَا إِذْ رَوَوْا فَافْتَرَوْا *** حَدِيثاً عَنِ الظُّهْرِ لايُؤْثَرُ(4)

قَضَتْ وَ هْيَ غَضْبَى عَلَى المُسْلِمِينَ *** فَمَاذَا يُلاَقُونَ إِنْ يُحْشَرُوا؟

أَيَظْلِمُهَا مِنْهُمُ مَعْشَرٌ *** وَ يَقْعُدُ عَنْ نَصْرِهَا مَعْشَرُ؟

لَهَا فِي غَدٍ مَعَهُمْ مَوْقِفٌ *** بِهِ الخَصْمُ وَالِدُهَا الأَطْهَرُ(5)

ص: 295


1- تُخفر ذمته: أي ينقض عهده و يغدر به.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى منع الزهراء علیها السلام من البكاء من قبل القوم. انظر كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص322.
3- يبتز: يسرق و يسلب.
4- زووا: اجتازوا جمعوا قبضوا يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ابتزاز فدك من الزهراء علیها السلام و تزويرهم حديث إنا معاشر الأنبياء لانورث». انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل. و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232.
5- يشير الشاعر في هذه الابيات الثلاثة إلى وقوفها يوم القيامة و شكواها إلى الله ممن ظلمها. انظر كتاب مقتل الخوارزمي ج1 ص52 . و البحار ج43 ص221 و ص219-220 نقلاً عن أمالي الصدوق. و لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في تفسير فرات الكوفي، ص171 في تفسير قوله تعالى من [سورة التوبة الآية 111]. «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ». عن أبي عبدالله علیه السلام قال: كان الحسين علیه السلام مع أمه تحمله فأخذه النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: لعن الله قاتلك، و لعن الله سالبك و أهلك الله المتوازرين عليك و حكم الله بيني و بين من عليك...: فقالت فاطمة علیها السلام: يا أبه أنا لله و بكت فقال لها يا فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أما أن تأمرين غداً فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب أما ترضين ان يكون ابنك من حملة العرش، أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك، أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي لابنك و يأسف عليه كل شيء، أما ترضين أن يكون من اناه زائراً في ضمان الله و يكون من اتاه بمنزلة من حجّ الى بيت الله؟ قالت: يا أبه سلمت و رضيت و توكلت على الله فمسح على قلبها و مسح على عينيها فقال: إني و بعلك علیه السلام و ابت و ابنيك في مكان تقرّ عيناك و يفرح قلبك.

أَحَامِي الحِمَى كَيْفَ ذَلَّ الحِمَى *** فَأَضْحَتْ بِهِ فَاطِمُ تُذْعَرُ؟

وَ يَا دَاحِيَ البَابِ هَلاً غَضِبْتَ *** لِبَابِ غَدَتْ خَلْفَهُ تُعْصَرُ

تُضَامُ ابْنَةُ المُصْطَفَى جَهْرَةً *** وَ سِرّاً بِجُنْحِ الدُّجَى تُقْبَرُ(1)

وَ أُقْسِمُ لَوْلاً وَصَايَا الرَّسُولِ *** لَضَاقَ بِهَا الوِرْدَ وَ المَصْدَرُ(2)

ص: 296


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفن الزهراء «سلام الله عليها» ليلاً؛ انظر مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص54 و كتاب بحار ج3 الأنوار ج43 ص183.
2- نظمت سنة (1340 ه_) و يندب فيها الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. الذخائر، ص14.

(82) شيعة فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر المتدارك)

الحاج محمد الكوفي القطيفي

زَمَنُ الإِقْبَالِ أَتَى يَفْرَى *** فِي نَيْلِ مُنَاكَ لَكَ البُشْرَى(1)

النَّحْسُ أَفَلْنَ كَوَاكِبُهُ *** وَ نُجُومُ السَّعْدِ بَدَتْ نُورا(2)

وَ لَيَالِي العُسْرِ مَضَتْ وَ أَتَتْ *** أَيَامُ اليُسْرِ بِنَا تَتْرَى

وَ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَاهَا *** الخَلاَّقُ وَ مَاحِلُهَا اخْضَرّا(3)

أَجْرَى فِيهَا نَهْراً عَذْباً *** فَتَبَارَكَ مَنْ أَجْرَى النَّهْرَا

بِرَبِيعٍ الخَصْبِ قَدِ اخْضَرَّتْ *** أَرْضٌ كَانَتْ قِدْماً قَفْرَا(4)

عَذُبَتْ مَاءٌ كَثُرَتْ رَوْضاً *** حَسُنَتْ مَرأى نَفْحَتْ عِطْرا

وَ قَدِ ابْتَسَمَتْ زَهْراً لَمَّا *** بَرَزَتْ فِي حُلَّتِهَا الخَضْرَا

تَهْتَزُّ مَعَاطِفُهَا طَرَباً *** لِنَسِیمِ الرَّوْضِ إِذَا مَرَّا

وَ الطَّيْرُ تُغَرِّدُ بِالمَغْنَى *** مُتَقَنَتَةً طَوْراً طَوْرا

وَ تُرِدِّدُ أَلْحَاناً تَحْكِي *** نَغَمَاتِ العُودِ إِذَا جَرَا

فَتَمَايَلَتِ الأغْصَانُ لَهَا *** مُتَثَنْيَةً يُمْنَى يُسْرَى(5)

ص: 297


1- يقرى: بمعنى الإقرار: أي الإعتراف بالحق.
2- أفلن: إختفين.
3- ماحِلُها: جَدْبُها.
4- قفراً: لاماء فيها و لاكلاً و لاناس.
5- متثنية: منعطفة.

نُزَهٌ حَفَّتْ بِرَيَا حِينٍ *** مَعْلُولُ الجِسْمِ بِهَا يَبْرَي(1)

طَرِبَ القُمْرِي فَشَدا نَظماً *** وَ البُلْبُلُ يَشْرَحُهَا نَثْرا

وَفَتَاةُ الحَيِّ لِعَاشِقِهَا *** سَمَحَتْ بِالوَصْلِ لَهُ جَهْرا

فَاهَتَ بِالوُدِّ عَلانِيَةً *** لَمْ تَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ حِذْرا

زَفَّتْ عُرْساً كَيْ مَا تُرْضِي *** إِلْفاً يَشْكُو مِنْهَا الهَجْرا

فدَنَتْ مُتَذَللَةٌ شَعَفاً *** مُتَضَرْعَةٌ تُبْدِي العُذْرا

رَفعَتْ أَطْرَافَ نِقَابِ *** الحُسْنِ فَبَانَ مُحَيَّاها بَدْرا(2)

جَرَحَتْ أَحْشَائِي حِينَ رَنَتْ *** فَكَأَنَّ بِمُقْلَتِهَا سِحْرا

لَوْلاَ لِينُ الأَعْطَافِ وَ *** حُسْنُ الخُلْقِ وَإعْلانُ البُشْرَى

مَا كُنتُ لِهَيْبَتِهَا أَدْنُو *** لأُقَبْلَ وَ جْنَتَهَا الحَمْرا

فِي الخَدَّ الوَرْدُ و فِي فِيهَا *** شَهْدٌ يَرْوِي الكَبِدَ الحَرَّي(3)

فَشَمَمْتُ الوَرْدَ وَذُقْتُ الشَّهْدَ *** بِتَرْشِيفِي ذَاكَ الثَّغْرا(4)

فَمَحَتْ عَنِّي شَطْراً مِمّا *** أَلْقَاهُ وَ أَبْقَتْ لِي شَطْرا

قَدْ سُرَّ القَلْبُ بِجَمْعِ الشَّمْلِ *** وَ نِلْتُ بِنَيْلِيهاخُبْرا(5)

وَ أَزَالَ الهَمَّ فِرَاقُ العُسْرِ *** فَلَمْ يَخشَ البَدَنُ الضُّرْا

يَا مَنْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ عَذْلي *** فِيهَا جِئْتُمْ شَيْئاً نُكْرا(6)

عَجَباً مِمَّنْ يَلْحُونِي عَلَى *** مَا لَيْسَ يُحِيطُ بِهِ خُبْرا(7)

ما كَانَ العِشْقُ لَهَا سَفَهاً *** لَكِنَّ بِعِشقَيْهَا سِرّا

ص: 298


1- يبرى: يبرأ ، يُشفى من المرض.
2- بانَ: ظهر. مَحياها: وجهها.
3- شَهْد: العسل ما دام لم يُعْصَر من شمعه.
4- ترشیف: مبالغة في المص.
5- خُبْرا: تجربة و خبرة.
6- عذلي: لومي.
7- يلحوني: يلومني.

نَالَتْ حُبِّي لَمّا كَانَتْ *** مِنْ شِيعَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرا

مَنْ قَدْ زَهَتِ الأَكْوَانُ بِنُورِ *** تَبَلُّج غُرَّتِهَا الغَرّا

حَدِّثْ يَا صَاحٍ بِمِدْحَتِهَا *** وَ أَعِدْ فَالَعَوْدُ بِهَا أَحْرَى

وَ اشْرَحْ بِتَذَكَّرِهَا صَدْرِي *** فَتَذَكُرُهَا يَشْرَحُ الصَّدْرَا

هِيَ بَضْعَةُ خَيْرِ الرُّسُلِ وَمَنْ *** عَظُمَتْ شَأْناً وَ سَمَتْ قَدْرا(1)

خُصَّتُ بِفَضَائِلَ قَدْ جَلَّتْ *** مِنْ أنْ تَسْتَطِيعَ لَهَا حَصْرا

مُدِحَتْ فِي الذِّكْرِ مِنَ البَارِي *** وَ الهَادِي إِذْ سَرَّتْ سِرّا

قَدْ أَتْحَفَهُ الجَبَّارُ بِهَا *** فَهِيَ الإِنْسِيَّةُ وَ الحَوْرا(2)

لَوْلاهَا مَا كَانَتْ حَوّاءُ *** وَ مَرْيَمُ مَا نَالَتْ فَخْرا

إنْ كَانَتْ مَرْيَمُ قَدْ سَادَتْ *** فِي عَالَمهَا وَ عَلَتْ قَدْرا

فَالطُّهْرُ سِيَادَتُهَا عَمَّتْ *** لِنِسَاءِ عَوَالِمِهَا طُرّا

يُرْضِي البَارِي مَايُرْضِيهَا *** يَاشِيعَتَهَا لَكُمُ البُشْرَى(3)

نِلْتُمْ أَمْناً بولايتِهَا *** فِي يَوْمِ النَّازِلَةِ الكُبْرَى

مَن والاها يَلْقَى خَيْراً *** مَنْ عَادَاهَا يَلْقَى شَرّا

عُقْبَى مَنْ وَالآهَا الحُسْنَى *** وَ لِعُقْبَى الغَيْرِ غَدَتْ خُسْرا(4)

ص: 299


1- في هذا البيت و البيت الخامس الذي يليه إيطاء و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد في «صحيح مسلم» المجلد الخامس ص64 (ط. 1987) تحت عنوان فضائل فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم: حدثني أبومعمر ... عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها».
2- انظر معاني الأخبار ص396 رقم (53).
3- تقدم ما ورد عن ذلك في (ينابيع المودة) ج1 ص203: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و هناك كثير من الروايات في هذا المعنى.
4- قد وردت روايات عديدة في شفاعة سيدة النساء علیها السلام لمواليها و محبيها ففي كتاب «علل الشرائع» ج1 ص213 الطبعة الأولى. «عن محمد بن مسلم الثقفي قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قدكثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة علیها السلام بين عينيه محباً فتقول: «إلهي و سيدي سمَّيتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولّى ذريتي من النار و وعدك الحق و أنت لاتخلف الميعاد فيقول الله «عزوجل»: صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سمّيتك فاطمة و فطمت بك من أحبك و تولاك، و أحب ذريتك و تولاهم من النار، و وعدي الحق و أنا لاأخلف الميعاد، و إنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك، و ليتبين لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقفك مني و مكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده و أدخليه الجنة».

وَإِذَا احْتَارَ المَوْلُودُ وَ مِنْ *** دَهَشٍ عَنْ وَالِدَةٍ فَرّا

وَ تَقَطَّعَتِ الأَسْبَابُ فَلاَ *** أَنْسَابَ هُنَاكَ وَ لاَنَصْرَا

أَنْتُمْ وَاللَّهِ المَنْصُورُونَ *** بِنُصْرَةِ فَاطِمَةَ الزَّهرْا

أَتَرُونَ النَّارَ تَمَسُّ غَداً *** جِسْمِي وَ أُذُوقُ لَهَا حَرّا؟

قَسَماً بِوِلايَتِهَا إِنِّي *** لَمْ أَخْشَ بِآخِرَتِي شَرّا

وَ لَئِنْ كَسَبَتْ نَفْسِي وِزْراً *** فَمَحَبَّتُهَا تَمْحُو الوِزْرا(1)

هِيَ شَافِعَةٌ لِمُحِبيها *** مُحِبٌ مُحِبيِّها طُرّا(2)

ص: 300


1- الوزر: الذنب، الإثم.
2- ربما أراد الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي سبقته أن يرشدنا إلى الرواية المذكورة في «أمالي الصدوق» الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي للمطبوعات. ص25 ح4 حيث جاء فيها: عن جعفر الأحمر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیه السلام قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطمها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها داخلها عفوا الله و خارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركناً كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء، و عن يمينها سبعون ألف ملك، و عن شمالها سبعون ألف ملك و جبرائيل أخذ بحطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم، تجوز فاطمة عیلها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها «جل جلاله» فتزج بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل اللَّه «جل جلاله»: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبي و محبي ذريتي. فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها؟ فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة».

لكِنَّ لَهَا شَأْنَاً يُشْجِي *** وَ يُصَدْعُ فَحْوَاهُ الصَّخْرا(1)

إِذْ تُبْدِي الشَّكْوَى نَاشِرَةً *** لِلشَّعْرِ وَ مُقْلَتُهَا عَبْرَى(2)

ص: 301


1- فحواه: معناه. يُشجي: يحزن أو يطرب أو يهيج.
2- شعراء القطيف المعاصرين ج1 ص42.

(83) أهل الكساء

(بحر البسيط)

السيد محيي الدين الغريفي(*)(1)

روتْ لنا الطُّهْرُ بنت المصطفى خبَرَا *** بنقلِ خَير ثقاتٍ كانَ مُعْتَبَرا

تلكَ البتولُ التي قدراً سَمَتْ وَ رَقَتْ *** عِزاً بخدمَتِها جبريلُ قد فَخَرا

قالتْ أتاني أبي يوماً و قالُ أيا *** بنتاهُ للضعفِ في جِسمي أرى أَثَرا

فقلتُ يا أبتي باللَّهِ عذتُكَ من *** ضعفٍ دهاكَ فمنهُ القولُ قد صَدَرا

غطّي بنيةُ جِسمي بالكساءِ و مذ *** غطّيتُهُ صرتُ منه أُكثِرِ النَظَرا

ص: 302


1- (*) هو السيد محيي الدين بن محمد جواد بن محسن بن محمد بن علي بن إسماعيل الموسوي الغريفي. عالم جليل شاعر. ولد في النجف 11 شعبان سنة 1350 و نشأ فيها على والده العالم الجليل، قرأ المقدمات الدينية و الأدبية على أساتذة أفاضل، ثم حضر الأبحاث العالية على السيد أبي القاسم الخوئي، و السيد محسن الحكيم و غيرهم. اشتغل بالتدريس، و تخرج عليه جمع من الفضلاء، و كان زاهداً و رعاً و شاعراً رقيقاً له يد في نظم التاريخ، أخذت شعره من كتابه «آية التطهير». مؤلفاته: طبع له «آية التطهير في الخمسة أهل الكساء» «قواعد الحديث» «الوقت و القبلة في الفقه و الهيئة». توفي في بغداد 13 شهر رمضان سنة 1412 ه_ و نقل إلى النجف و دفن فيه، و أرخ وفاته أستاذنا العلامة السيد عبد الستار الحسني بقوله: أي خطب دهى سراة لوي *** و البهاليل من بني ياسين حيث أودى الردى بذي الفضل منهم *** و حليف التقى و كهف اليقين و من العلم غاص بحر خضم *** كم حبانا بلؤلؤمكنون فاندب العلم يا مؤرخ «واكتب *** أثكل الدين فقد محي الدين»

إذا مُحَيَّاه تحكي البدرَ طلعَتُه *** في ليلةٍ بتمامِ النورِ قد ظَهَرا

فما انقَضَتْ ساعةٌ حتى أتى حسنٌ *** و بالسلام ابتدائي مِنهُ مُبْتَشِرا

و مُذ رددتُ سلامي قلتُ يا ثمرَ *** الفوائدِ أهلاً و من لي أَصْبَحَ البَصَرا

فقالَ إني أشُمُّ اليومَ رائحةً *** كأنَّها ريحُ من أُسري به سَحَرا

فقلتُ جدُّكَ ذا تحتَ الكسا فأتى *** مسلماً واقفاً للإذن مُنْتَظِرا

فجاءَ إذنُ دخولٍ للزكيِّ من *** الجدِ النبيِّ و بالإكرامِ قد ظَفَرا

وما انقَضَتْ ساعةٌ حتى أتى وَلِدي *** السبطُ الشهيدُ و بالتسليمِ قد بَدَرا

و قال رائحةً في الدارِ طيبةً *** أشُمُّ تعطي لريحِ المصطفى صُوّرا

فقلتُ جدُّكَ ذا و المُجتَبى حَسَنٌ *** تحتَ الكِساءِ فراحَ السبطُ منحَدِرا

نحوَ الكساءِ و مُذ بالمصطفى بَصَرا *** أهداهُ منه سلاماً للهمومِ بری

و قال هل يأذنُ الجَدُ الرسولُ بأن *** مُضاجعاً لَهُما تحتَ الكِساء أرى

فجاءَهُ الأذنُ من خيرِ الورى و أَتَى *** من بعدِهِ من بهِ الإسلامُ قد نَصَرا

ذاك الوَصيُّ وحيَّانِي تحيَّتَهُ *** و قال ريحُ أخي في دارِنا أَنْتَشَرا

فقلتُ: مع ولديكَ المصطفى التحفا *** بِذا الكساءِ اليمانيِّ الذي ازْدَهَرا

فجاء حيدرةٌ يَهدِي السَّلامَ إلى *** أخيهِ ذي الآيةِ العُظمى الَّذِي كَبرا

مستأذناً منه في أن يدخلَنْ إلى الكساء *** الذي لَهُمُ قد كانَ مُدَّخرا

أجابَهُ أُدخل أخي قالتْ فجئتُ أنا *** من بعدِ ما دخلُوا و البيتُ قد زهرا

و قلت من بعدِ أن سلَّمْتُ: يا أبتي *** هل أدخلَنْ مَعَكُم تحت الكساءِ تَرى

و بعدَ أن دخَلَتْ و الخمسةُ أكتمَلُوا *** تحتَ الكسا و بهم ذاك الكِسا أبْتَشَرا

نادى الإلهُ بسكانِ السما و *** بالملائكِ سامعين الأَمْرَ إِن أَمَرَا

و عزّتي و جلالي ما خلقتُ سماً *** و لاثرى و لاشمساً و لاقَمَرا

و لاسرَى الفُلك في بحرٍ و لافَلكٍ *** في الجوِ دارَ و لابحرٍ ترونَ جَرَى

الاّ لحبِ کرامٍ خمسةِ اجتمعُوا *** تحتَ الكسا الكونُ فيهم قد غَدا نَضِرا

فقالَ جبريل: يا ربَّ العبادِ و مَنْ *** تحتَ الكساءِ فأصغى كلُّ من حَضَرا

ص: 303

فقال من بيتهم في النبوة من *** همُ للرسالةِ أَضَحَوا مَعدِناً ذخرا

هُم فاطمُ الطهر و أبناها و والدُها *** و بعلُها حيدرٌ من شَرَّفُوا مُضرا

فقالَ جبريلُ للبارِي أتأذنُ لي *** أن اهبِطَن لأغدُوا سادسَ الأُمرا

أجابُه أهبِطْ فجاءَ الروحُ ممتثلاً *** يَهدِي السلام إلى خيرِ الوَرى بَشَرا

و قال: يقرئُكَ اللَّهُ السلامَ و *** بالإكرامِ خصَّك يا من بلَّغَ النذرا

و بالجلالةِ الى ما خلقتُ سَماً *** أو بدرَ أو شمسَ بل ما قد دحوتُ ثَرى

و لاجرى البحرُ في الدنيا و سارَ بهِ *** فُلكُ و لافَلَكٌ في الخافقينِ سَرَى

إلا لأجلِكُمُ و الإذنُ منهُ بَدت *** لي بالدخولِ فهلْ لي ذاكَ أنتَ تَرَى

أجابَهُ أدخل مَعِي فيه و مذ دخلِ *** الكِسا الأمينُ و في قرباهُمُ افْتَخَرا

«أضحى يبلِّغ أنَّ اللَّهَ طَهَّرَكُم *** و أذهبَ الرِجس عنكُم من بَرى البشرا»

فقال حيدرُ: ما فضلُ الجلوسِ لنا *** تحتَ الكسا يا رسولَ اللَّه مُختبرا

أجابَهُ والذي بالحقِ أرسلني *** ثم اصطفانِي نجياً ما رَوَى الخَبَرا

بمحفلٍ الأرضِ جمعٌ فيه شِيعتُنَا *** و من لنا مخلصاً أضحَى و مِنْتَصِرا

إلا و أنزل رَبُّ الخلق رحمتَهُ *** عليهم فعليهم خيرهُ انْتَثَرا

و فيهمُ كرماً حفّت ملائكةٌ *** و استغفرت لهم فالذنبِّ قد غُفِرا

فقال حيدرةٌ فزنا و شيعتُنا *** و ربُّ ذا البيتِ من سبعِ السما فطرا

و أقسمَ المصطفى من بعدِ ذا علنا *** بأنَّ حديثَ الكسا في الأرضِ ما ذُكرا

في محفلٍ فيه أشياعٌ لنا و بهم *** مهمومُ ألا و عنهُ الهمُّ قد دثرا

أو كانَ مغمومُ أو داعٍ لحاجتهِ *** الا و فرّج عنهُ الغَمِّ و انْدَحَرا

فأقسَمَ المُرتضى فزنا و شيعتُنا *** كما سُعدنا و هم نالُوا بنا الظَفَرا

دنياً و يوم يقوم الناسُ أجمعُهم *** لربّهم كلّهُم قد أشخَصُوا البصَرَا

ص: 304

(84) فاقت مفاخرها

(بحر البسيط)

السيد مرتضى النجفي البهبهاني

بِنْتُ النَّبِيِّ تَعَالَى شَأْنُهَا وَ عَلَتْ *** فَضْلاً وَ قَدْراً عَنِ التَّوْصِيفِ وَ النَّظَرِ

جَلَّتْ جَلاَلاً وَ عَمَّتْ فِي مَكَارِمِهَا *** كَلَّ اللِّسَانُ بَيَاناً فَهْوَ ذُو حَصَرِ(1)

فَاقَتْ مَفَاخِرُهَا شَاعَتْ مَكَارِمُهَا *** غَابَتْ مَدَارِجُهَا عَنْ مُنْتَهَى الْفِكَرِ

وَ بَعْدَمَا ظَهَرَتْ لِلنَّاسِ زِينَتُهَا *** دُنيا تَسَامَتْ بِيَوْمِ الحَشْرِ فِي خَفَرِ(2)

تَعْرِيفُ قُبَّتِهَا تَوْصِيفُ نَاقَتِهَا *** حُلِّيُّهَا تَاجُهَا يَسْمُو عَلَى الدُّرَرِ

تُضِيءُ كَالشَّمْسِ لِلرَّائِينَ طَلْعَتُهَا *** فَيَبْهُرُ الخَلْقَ مِنْهَا رَائِعُ الصُّوَرِ(3)

يَقُودُ جِبْرِيلُ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ غَداً *** إِمَامَ نَاقَتِهَا فِي رُوحِ مُفْتَخِرِ

يَصِيحُ فِي الخَلْقِ إِذْ مَرَّ مَوْكِبُهَا *** غُضُّوا لَهَا مِنْكُمُ الأَبْصَارَ فِي النَّظَرِ(4)

حَوَّاءُ مَرْيَمُ حَفُوهَا وَآسِيَةٌ *** وَ أُمُّهَا فِي ثِيَابِ العِزّ وَ الظَّفَرِ

كَذَاكَ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ مَلَائِكَةِ *** الرَّحْمَنِ مِنْ خَلْفِهَا فِي مَوْكِبٍ عَطِرِ

حَتَّى إِذَا وَقَفَتْ فِي وَسُطِ مَحْشَرِهَا *** مَكْسُوَّةٌ مِنْ جَلالِ اللَّهِ فِي أُزر

هُنَاكَ يُنْصَبُ بَيْنَ الخَلْقِ مِنْبَرُهَا *** مِنْ نُورِ خَالِقِهَا فِي شَكْلِهِ النَّضِرِ

ص: 305


1- كُلَّ: عجز.
2- خفر: أمن و حماية و إجارة.
3- يَبْهُرُ: يضيءُ.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن علي علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الحديث.

سَبْعُ مَرَاقِيهِ قَدْ حَفَّتْهُ كَوْكَبَةٌ *** مِنَ المَلائِكِ فِي تَسْبِيحَ مُؤْتَمَرِ

يَأْتِي يَصِيحُ لَهَا جِبْرِيلُ حِينَ بَدَتْ *** أَنِ اسْأَلِي حَاجَةً تُقْضَى بِلاَ عُسُرِ

فَتَبْدَأُ السؤل يَوْمَ الحَشْرِ عَنْ حَسَنٍ *** وَ عَنْ حُسَيْنِ قَطِيعِ الرَّأْسِ بِالبَتَرِ

وَ حِينَ تَنْظُرُ ذَاكَ السَّبْطَ جُنَّتهُ *** بِدُونِ رَأْسٍ خَضِيبَ الجِسْمِ وَ الشَّعَرِ

تَصِيحُ فِي شَهْقَةٍ مِنْ هَيْئَةٍ وُجِدَتْ *** فَيَشْهَقُ الخَلْقُ مِنْ مَلكٍ وَ مِنْ بَشَرِ

تَقُولُ رَبِّي انْتَقِمْ مِنْ قَاتِلِيهِ فَقَدْ *** حَقَّ الجَزَاءُ فَأَنْزِلْهُمْ إِلَى سَقَرِ

قَدْ سُمِّيَتْ، فَاطِماً فَظماً لِشِيعَتِهَا *** مِنْ حَرِّ نَارٍ بَعَيْدِ القَعْرِ مُسْتَعِرِ(1)

أَوْلاَدُهَا وَ مُحِبُّوهَا وَ شِيعَتُهَا *** وَ مَنْ أَحَبَّهُمُ النَّاجُونَ مِنْ خَطَرِ

أَسْمَاؤُهَا كَاشِفَاتٌ عَنْ مَنَاقِبِهَا *** وَ فِي كُنَاهَا يَمُوجُ الفَضْلُ كَالبَحَرِ

مَا كَانَ يَعْرِفُهَا إِلَّا الَّذِينَ هُمُ *** فِي القَدْرِ أَكْفَاؤُهَا مِنْ سَادَةِ غُرَرِ

كَمْ قَامَ أَحْمَدُ تَعْظِيماً لِمَقْدَمِهَا *** وَ كَمْ يُقَبِّلُ مِنْهَا الكَفَّ فِي وَطَرِ(2)

بِحُبِّ فَاطِمَةٍ كُلِّ يَفُوزُ غَداً *** بِجَنَّةٍ وَ هُوَ مَأْمُونٌ مِنَ الضَّرَرِ

وَ خَاسِرٌ يَتَمَنَّى قَائِلاً شَغَفَاً: *** يَا لَيْتَنِي فَاطِميٌّ مُدَّةَ العُمُرِ

كَانَ الإِلهُ يُبَاهِي فِي عِبَادَتِهَا *** إِذَا أَتَتْ بِصَلَاةِ الشَّفْعِ فِي السَّحَرِ

أَوْفَتْ مَعَ البَعْلِ وَالأَوْلادِ مُطْعِمَةً *** طَعَامَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَمْ تَحِرِ(3)

ص: 306


1- مستعر: مشتعل. و في البيت إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص619 و لفظه إنما سمَّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار.
2- الوُطَرْ: البغية و الحاجة.
3- في البيت إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الانسان آية: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَ أَسِيرًا» فقد ورد في تفسير الأمثل ج19 ص221 عن ابن عباس ان الحسن و الحسين علیهما السلام مرضا فعادهما الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام لو نذرت على ولديك فنذر علي و فاطمة علیهما السلام و فضة جارية لهما إن برئا مما بهما ان يصوموا ثلاثة أيام طبقاً لبعض الروايات ان الحسن والحسين علیهما السلام أيضاً قالاً نحن كذلك ننذر على أن نصوم) فشفيا و ما كان معهم شيء . فاستقرض علي علیه السلام ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً و اختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل و قال: السلام عليكم، أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلا الماء و أصبحوا صياماً فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه و باتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلا الماء و اصبحوا صياماً و وقف عليهم اسير في الثالثة عند الغروب ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و اقبلوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: (ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم) فانطلق معهم فرأى فاطمة علیها السلام في محرابها قد التصق بطنها بظهرها و غارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرئيل علیه السلام و قال: خذها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هنأك الله في أهل بيتك فاقرأ السورة.

غَدَاةَ يَأْتِيهِمُ المِسْكِينُ يَتْبَعُهُ *** ثُمَّ اليَتِيمُ وَ مَنْ قَدْ كَانَ فِي الأَسَرِ

صَامُوا ثَلاثاً بِلا أَكْلِ سِوَى جُرَعِ *** مِنَ المِيَاءِ وَ مِلْحِ صَوْمَ مُصْطَبِرِ

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعْظِيماً لِفِعْلِهِمْ *** آيَاتِ قُرآنِهِ فِي وَاضِح السُّوَرِ

وَ حَيْثُ مِنْ شَرِّ يَوْمٍ كَانَ خَوْفُهُمُ *** وَقَاهُمُ اللَّهُ مَا يَخْشَوْنَ مِنْ ضَرَرِ

لَقَّاهُمُ اللَّهُ مِنْهُ نَضْرَةٌ لَهُمُ *** فِيهَا السُّرُورُ بِفَضْلٍ مِنْهُ مُنْغَمِر

وَ جَنَّةً وَ حَرِيراً حِينَمَا صَبَرُوا *** مُنَعَّمِينَ بِأَنْوَاعِ مِنَ الثَّمَرِ

يَا طالباً فَضْلَ بِنْتِ الوَحْيِ فَاطِمَةٍ *** كُمْ جَاءَ فِي فَضْلِهَا فِي الذِّكْرِ وَالخَبَرِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا الكَرَّارَ حَيْدَرَةً *** مَا كَانَ كُفْؤٌ لَهَا فِي الشَّأْنِ وَ القَدَرِ(1)

رَاحِيلُ خَاطِبُهَا وَاللَّهُ عَاقِدُهَا *** فَوْقَ السَّمَوَاتِ فِي زَاءٍ مِنَ الصُّوَرِ

هُنَاكَ طُوبَى لَهَا فِي عُرْسِهَا انْتَثَرَتْ *** مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَ اليَاقُوتِ وَ الدُّرَر

فَكَانَتِ الحُورُ وَالأمْلكُ تَلْقِطْهَا *** هَدِيَّةً لِمُحِبيها مِنَ المَهرِ

وَ مِنْ فَضَائِلِهَا مَا جَاءَ مُشْتَهِرَاً *** عَنِ النَّبِيِّ بِلاَ رَدُّ وَ لاَنُكُرِ

رِضَاؤُهَا بِرِضَا الرَّحْمَنِ مُرْتَبِطُ *** وَ هَكَذَا سُخْطُهَا فِي النَّفْعِ وَ الضَّرِرِ(2)

ص: 307


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها اربعين ألف ملك وروى أيضاً صاحب كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ان الله امرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
2- اشارة إلى ما روي في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص153 عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: ان الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاكِ، قال: هذا حديث الإسناد صحيح (أقول): ورواه ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج5 ص522 و ابن حجر في اصابته ج8 ص159 و تهذيب التهذيب ج12 ص441 و ذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج7 ص111 و قال: أخرجه ابن النجار.

هَذَا وَ لَمْ يَحْفَظ الأَقْوَامُ حُرْمَتَهَا *** مِنْ بَعْدِ وَالِدِهَا بَاتَتْ عَلَى خَطرِ

حَتَّى قَضَتْ وَ هْيَ غَضْبَى مِنْ مُوَاجِهِهَا *** عَلَى الأُولَى أَغْضَبُوهَا دُونَمَا عُذرِ

لِذَاكَ أَوْصَتْ عَلِيًّا حِينَ يَدْفُنُهَا *** بِاللَّيْلِ دُونَ حُضُورِ الغَاصِبِ الأَشِرِ(1)

وَ بَعْدَ أَنْ غَسَّلَ الكَرَّارُ فَاطِمَةً *** وَ تَمَّ تَجْهِيزُهَا فِي ظُلْمَةِ السَّحَرِ

دَعَا هُنَالِكَ لِلتَّوْدِيع صِبْيَتَهُ *** فَأَقْبَلُوا يَذْرِفُونَ الدَّمْعَ كَالمَطَرِ

فَصَارَ لِلحَسَنَيْنِ السَّيِّدَيْنِ شَجِّى *** مِنْ فَوْقِ صَدْرِ ابْنَةِ المُخْتَارِ فِي ذُهُرِ

قَالَ الإِمَامُ وَ قَدْ أَشْجَاهُ مَا فَعَلاَ *** بِخَافِقٍ مِنْ لَهِيبِ الحُزنِ مُسْتَعِرِ

أنَّتْ وَ حَنَّتْ و مَدَّتْ لِلْيَدَيْن مَعَاً *** شَوْقاً تَضُمُهُمَا كَالوَالِدِ الحَذِرِ

إِذَا بِصَوْتٍ مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَلاَ *** يَا حَيْدَرُ ارْفَعْهُمَا عَنْها بِلاَ كَدَرِ

قَدْ أَبْكَيَا المَلأَ الأَعْلَى غَدَاةَ لَقَى *** المَحْبُوبُ مَحْبُوبَهُ فِي شَوْقِ مُنْكَسِرِ

وَ بَعْدَ ذَا رَاحَ يُودِيهَا التُّرَابَ بِذَاكَ *** اللَّيْلِ فِي سَاعَةٍ مِنْ هَدْأَةِ البَشَرِ

صَلَّى عَلَيْهَا إِلهُ الخَلْقِ مَا سَجَعَتْ *** وُرُقُ الحَمَامِ عَلَى غُصْنٍ مِنَ الشَّجَرِ

ص: 308


1- الاشر: البطر و المرح. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46: فغسلها الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة خادمتها و أسماء بنت عميس، أخرجها البقيع ليلاً. الحديث.

(85) يا قلب فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ مصطفى جواد (*)(1)

نُورٌ سَرَى فِي أَرْضِ مُكَّةَ زَائِرَا *** نِعْمَ المُضِيفُ وَ نِعْمَ نُوراً زَائِرَا

يَا طَيْفَهَا يَا نُورَ عَيْنِ المُصْطَفَى *** يَا نَفْحَةٌ حَمَلَتْ مُني وَ بَشَائِرَا(2)

أمُّ النَّبِيِّ وَ فِلْدَةً مِنْ كِبْدِهِ *** يَا رُوحَهُ ذَابَتْ وَ كُنْتِ مَنَائِرَا

كَمْ فَاضَ دَمْعُكِ فَوْقَ جُرْحِ نَبِيِّنَا *** آهاً حنوناً ثَائِراً أَوْ صَابِرَا

لَمْلَمْتِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّةِ مَايِلاً *** فِي مَنْ أَسَى أَضْنَى الفُؤَادَ القَادِرَا

وَ مَرَرْتِ فِي رِفْقٍ عَلَى أَوْجَاعِهِ *** فَكَسَوْتِهَا بَدَلَ القَتَادِ حَرَائِرَا(3)

ص: 309


1- (*) هو الاستاذ مصطفى بن جواد ولد في قرية الفوعة من محافظة إدلب سنة (1355 ه_) الموافق (1936م) و نشأ و ترعرع في أحضان أسرته الكريمة فنال تربية حسنة. و أخذ دراسته الابتدائية في مدارس الفوعة و إدلب، و تابع دراسته في دار المعلمين بحلب، و تخرّج منها سنة (1958م)، ثم واصل دراسته في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق . أحبَّ الشعر و شغف به فكان مولعاً بقراءة الدواوين الشعرية و كتب الادب، و لايخفى أن الدور الاكبر في تنمية مواهبه الادبية و الشعرية يعود إلى أخيه الاكبر الشيخ جواد حيث إنه كان يلقي قصائده في المناسبات. وللاستاذ مصطفى جواد كتب في الشعر الوطني و الاجتماعي و الغزل و المدح و الرثاء، و له ثلاث مجموعات شعرية مخطوطة كما أنه شارك في العديد من المهرجانات و نال الجوائز. و هو أيضاً يشارك في الأمسيات الشعرية في المراكز الثقافية و المنتديات الأدبية في مختلف المحافظات سائلاً المولى أن يوفقه للمزيد من العطاء الثقافي و الديني.
2- نفحة: طيّبة.
3- القتاد: شجر له شوك.

زَهْرَاءُ يَا شَوْقَ النَّبِيِّ وَ عِطَرَهُ *** زَهْرَاءُ يَا ذَاكَ السَّنَاءَ البَاهِرَا

خُلُقُ النُّبُوَّةِ صَاغَهُ رَبُّ السَّمَا *** وَ حَبَاكِ مِنْهُ قَلائِداً وَ أَسَاوِرَا

أَهْلُ الكِسَاءِ الرِّجْسُ أُذْهِبَ عَنْهُمُ *** وَ فُؤَادُهُمْ أَضْحَى نَقِيّاً ظَاهِرَا

يَا خَيْرَ سَيْدَةٍ فَدَتْكِ نُفُوسُنَا *** يَا خَيْرَ قَلْبِ كَانَ دَوْماً عَامِرَا

يَا خَيْرَ مَنْ يَرْعَى الأُبُوَّةَ فِي أَبٍ *** كَانَ الرَّسُولَ وَ كُنْتِ رُوحاً سَاهِرا

يَا خَيْرَ مَنْ يَرْعَى الإِمَامَ المُرْتَضَى *** وَ قَدِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ زَوْجاً آزِرَا

وَ إِذَا سَنَا الحَسَنَيْنِ أَشْرَقَ بَاسِماً *** أَلْفَى فُؤاداً بالأُمُومَةِ زَاخِرَا

إِنِّي فَدَيْتُكِ يَا ابْنَةَ الآلامِ *** صَابِرَةٌ فَقَدْ كَرِهَتْ قُرَيشٌ نَائِرَا

كَرِهَتْ نُبُوَّةَ أَحْمَدٍ وَ كِتَابَهُ *** كَرِهَتْ رَشَاداً لِلْعُرُوبَةِ غَامِرَا

كَرِهَتْ إِمَاماً لِلنَّبِيِّ مُنَاصِراً *** يَا لِلْغَرَابَةِ كَيْفَ تَكْرَهُ نَاصِرَا

سَدَرَتْ قُرَيْسٌ فِي غَيَابَةِ جَهْلِهَا *** وَ النُّورُ لَمْ يُوقِظُ ظَلُوماً سَادِرَا(1)

نَبَذَتْ إِمَاماً لِلْهِدَايَةِ وَ التَّقَى *** وَ تَقَبَّلَتْ عِلْجاً غَلِيظاً فَاجِرَا

يَا لِلْمَصَائِبِ وَ النَّوَائِب قَدْ طَغَتْ *** وَ تَفَجَّرَتْ مَوْجاً عَتِياً هَادِرَا(2)

لَبَّى النَّبِيُّ نِدَاءَ خَالِقِ كَوْنِهِ *** صَعَدَ الرَّسُولُ إِلَى الإِلهِ مُسَافِرَا

يَا قَلْبَ فَاطِمَ لايُطِيقُ فِرَاقَهُ *** يَا قَلْبَ فَاطِمَ قَدْ تَفَطَّرَ عَاثِرَا

ذَهَبَ الحَبِيبُ وَ صَارَ آلَ مُحَمَّدٍ *** هَدَفاً لِمَنْ حَمَلَ الوَلاَءَ تَظَاهرَا

يَا قَلْبَ فَاطِمَةٍ يَذُوبُ تَحَسُّرَاً *** مَا كَانَ قَلْبُكِ لِلْمَضَرَّةِ غَافِرَا

مَثْوَاكِ دَارٌ لِلنَّعِيمِ عَرِيضَةٌ *** وَ يَمُوتُ أَكْثَرُهُمْ شَقِيّاً خَاسِرَا

ص: 310


1- غيابة جهلها: قعر جهلها.
2- عتيا: المجاوز للحد في الإستكبار أو الجبّار.

(86) من بعد والدها

(بحر الكامل)

السيد مهدي الأعرجي(*)(1)

ص: 311


1- (*) السيد مهدي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد محمد بن جعفر الحسيني الأعرجي البغدادي، ينتهي نسبه إلى (عبيد الله الأعرج). ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة (1322 ه_) الموافق لعام (1904م) و نشأ بها على أبيه و كان كاسباً، فأودعه عند أحد الكتاتيب ليتعلّم القراءة و الكتابة، و منذ الصغر لاحت عليه علائم الذكاء، و ظهرت فيه إمارات النبوغ، فصار يغشى الأندية و المجالس العلمية و الأدبية، و بذلك انطبع في ذهنه ميل إليهما و صار يكثر من الإصغاء، و كان الفضل كله يعود إلى خاله الشاعر المعروف الشيخ جاسم الملّا الحلّي، فقد تعهده برعاية فائقة و عناية كثيرة، و التزم بتدريبه على الخطابة و سرد قصة الإمام الحسين علیه السلام فولع فيها و أجاد في رواية الشعر و أول قصيدة نظمها هي قصيدتة في رثاء الإمام الحسن المجتبى علیه السلام جاء فيها: قضى الزكي فنوحوا یا محبيه *** و ابكوا عليه فذي الأملاك تبكيه أخذ دروس العربية و العروض على العلامة الكبير السيد رضا الهندي، و نمت فيه قابليات في ذلك و صار مرموقاً من قبل إخوانه الشباب و المترجم له من الرجال الذين تميزوا بالدين و التقوى و الوعظ. حسن دينه و تميّز بتقواه فراح يكثر من الوعظ في شعره و يدلي بالنصح. و امتاز بظواهر كثيرة منها نبله العجيب و شرف محتده الذي أكسبه روحية القناعة و الصبر و سرعة البديهة فقد كان ينظم القصيدة بسرعة، و إلى جانب هذه الموهبة فهو ينظم باللغة الدارجة و يتفنن فيها، و يعد أيضاً من الخطباء المشاهير و نابغة من نوابغ زمانه كما يعرف بعبقريته و عرفانه. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب الأعرجي و تزيد صفحاته على الثلاثمائة صفحة، و له مخطوطات كتبها بيده. وفاته: كان رحمه الله قد اعتاد السفر إلى خاله في مدينة الحلة، و في إحدى سفراته استحم بشط الفرات في الحلة و صادف أن كان المكان عميقاً و هو لا يجيد السباحة فغرق، و بقي 24 ساعة في الماء مجهولاً حتى طفت جثته، و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف في موكب فخم و أودع في مقره الأخير بجوار جده أميرالمؤمنين علیه السلام، و ذلك في الخامس من شهر رجب من عام (1359 ه_ )الموافق لشهر آب سنة (1939م) و رثاه فريق من الشعراء، و قيل في مادة تاريخ وفاته (مهدي غرق).

أَشْجَاكَ طَعْنُ العَامِرِيَّةِ إِذْ سَرَى *** فَجَرَى عَلَيْكَ مِنَ التَفَجُعِ مَا جَرَى

أَمْ هَلْ تَذَكَّرْتَ (العَقِيقَ) فَأَسْبَلَتْ *** عَيْنَاكَ أَدْمُعَها عَقِيقاً أَحْمَرَا؟

أمْ هَلْ أَرَقْتَ (الحَاجِرَ) وَ ظِبَاءَهُ *** فَطَفِقْتَ تُدْمِي بِالمَدَامِع مِحْجَرا؟

مَا بَالُ جَفْنِكَ لاَيَذُوقُ رُقَادَهُ *** طُولَ الدُّجَى هَلْ كَانَ قَدْ نَسِيَ الكَرَى؟(1)

حَتّامَ تَنْدُبُ رَسُمَ رَبْعِ دَارِسٍ *** وَ إِلَى مَتَى تَبْكِي فِنَاءٌ مُقْفِرَا؟(2)

هَلاً بَكَيْتَ عَلَى (البَتُولَةِ فَاطِمٍ) *** حُزْناً فَوَاسَيْتَ النَّبِيَّ وَ حَيْدَرَا؟

لَمْ أَنْسَهَا مِنْ بَعْدِ وَالِدِهَا وَ قَدْ *** جَرَّعْنَها الأَيَّامُ كَأْساً مُمْقَرَا

هَجَمُوا عَلَيْهَا وَ هيَ حَسْرَىٰ فَانْزَوَتْ *** عَنْهُمْ وَرَاءَ البَابِ كَيْ تَتَسَتّرا

وَ عَلَى الوَصِئ تَجَمَّعُوا حَشْداً إِلَى *** أَنْ أَخْرَجُوهُ وَ هُوَ يَنْدُبُ (جَعْفَرَا)

عُصِرَتْ بمَرْآهُ وَ لَوْلاً أَنَّهُ *** مُوصَى لَمَا كَانَتْ هُنَاكَ لِتُعْصَرَا(3)

فَعَدَتْ وَرَاءَهُمُ تُنَادِيهِمْ أَلاَ *** خَلُوهُ أَوْ أَشْكُو إِلَى رَبِّ الوَرَى(4)

رَجَعُوا إِلَيْهَا وَ هْيَ تَصْرَخُ بَيْنَهُمْ *** أَيْنَ النَّبِيُّ فَلَيْتَ عَيْنَيْهِ تَرَى

ص: 312


1- الكري: النعاس و النوم.
2- مُمْقرا: مرّ، حامض.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123. قال المؤرّخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله، فهجموا عليه وأحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً، و ضغطوا سيَّدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب بيت الأحزان ص86-87. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ والله لئن لم تكف عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي، و لآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي...

أبْنَاهُ عَزَّ عَلَيْكَ أَنْ تَرْنُو إِلَى *** ضِلْعِي بِعَصْرِهِمُ العَنِيفِ تَكَسَّرَا(1)

غَصَبُوا مَقَامَ أَخِيكَ حَيْدَرَ مِنْكَ *** وَ اسْتَبَاحُوا المُصَلَّى و المِنْبَرَا

يَا بِئْسَ مَا صَنَعُوا وَ قَدْ عَدَلُوا بِهِ *** مَنْ لَمْ يُسَاوِ شِسْعَ نَعْلَيْ (قَنْبَرَا)

قَادُوهُ وَ هُوَ مُلَبَّبٌ بِثِيَابِهِ *** فَسْراً بِأَمْوَاتِ البِلَى مُسْتَنْصِرَا

وَ الظُّهْرُ فَاطِمُ خَلْفَهُ وَ دُمُوعُهَا *** لِجَوَى المُصَابِ تَبَلُّ عَاطِشَةَ الثَّرَى

خَرَجَتْ وَرَاهُ كَمَا خَرَجْنَ بَنَاتُهَا *** خَلْفَ (العَلِيل) تَنُوحُ لكِنْ حُسَّرَا

تَرْنُو الخِيَامَ خَوَالِياً وَ بَنُو الخَنَا *** قَدْ أَضْرَمُوا فِيهَا الحَرِيقَ المُسْعَرا(2)

وَ تَرَى الحَمِيَّ مُجَدَّلاً فَوْقَ الثَّرَى *** ثَاوِ وَمِنْهُ (الشِّمْرُ) حَزَّ المَنْحَرَا(3)

ذَبَحُوهُ ظَام (وَ الفُرَاتُ) بِجَنْبِهِ *** وَ أَبُوهُ يَوْمَ الحَشْرِ يَسْقِي (الكَوْثَرَا)(4)

وَ سَرَوْا عَلَى سُمْرِ القَنَا بِكَرِیمِهِ *** كَالْبَدْرِ يَزْهَرُ فِي الدَّيَاجِي مُسْفِرَا(5)

ص: 313


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198 فألجأها (أي قنفذ الملعون) إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- المسعر: المتقد و المشتعل.
3- مجدِّلا: مرتمياً و مرمياً.
4- ظامٍ: أصله ظامياً بالنصب جرَّ للضرورة الشعرية.
5- الدياجي: الظلمات. مسفر: مضيء. نقلت من كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص146.

(87) أصل كل الخير

(بحر الرمل)

السيد ميرزا مهدي الشيرازي (*)(1)

ص: 314


1- (*)السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي هو السيد ميرزا مهدي ابن السيد ميرزا حبيب الله ابن السيد آغا بزرك ابن السيد ميرزا محمود بن السيد اسماعيل الحسيني الشيرازي، و على هذا فوالد الميرزا مهدي هو ابن أخ المجدد الشيرازي، أي أن المجدد هو عم حبيب الله على ما جاء في (معارف الرجال). ولد في كربلاء المقدسة سنة (1304 ه_) و قضى بها سني شبابه الأولى، فأخذ مقدمات العلوم من نحو و صرف و حساب و منطق و سطوح الفقه و الأصول من حوزتها الدينية التي كانت حينذاك آهلة بكبار المحققين و المدرسين و الباحثين و من كان أساس دراسته الأولية قوياً و محكماً، مما أهله للدراسات العليا في فترة قياسية. ثم سافر بصحبة والده و أهله إلى سامراء التي كانت عامرة بالمعاهد العلمية و حلقات الدرس و البحث المتنوعة التي كان السيد المجدد الشيرازي قد أسسها خلال سنوات إقامته فيها، فكانت سامراء في عصر الميرزا الكبير مزدحمة بكبار العلماء المجتهدين و المدرسين من خيرة ،تلامذته، فاستمر هذا الجو المفعم بالحيوية التعليمية، و اشتغل بالبحث و التحقيق لفترة طويلة. ثم انتقل إلى مدينة الكاظمية المقدسة و بقي فيها قرابة سنتين مواصلاً التتلمذ على كبار العلماء و الفقهاء البارعين هناك، و بعد ذلك سافر إلى كربلاء المقدسة و بقي فيها فترة من الزمن مواصلاً بحثه و تحقيقه. ثم انتقل إلى النجف الأشرف وأقام بها بما يقرب من عشرين سنة حتى أصبح آية من آيات الدهر و مفخرة من مفاخر العصر. بالاضافة إلى سماته النبيلة و علو نفسه بالورع و التقوى و الزهد و العبادة، و رسوخ الايمان، و طهارة القلب، انتقل المترجم له من جديد إلى مسقط رأسه كربلاء المقدسة، و بقي فيها مجتهداً كبيراً و مرجعاً دينياً حتى وافاه الأجل فيها. تتلمذ على أساطين الفقه و الأصول و مشاهير المراجع في عصره أمثال: العالم المرجع السيد ميرزا علي آغا نجل المجدد الشيرازي و مرجع الأمة قائد ثورة العشرين الشيخ محمد تقي الشيرازي و العلامة الكبير آغا رضا الهمداني صاحب «مصباح الفقيه» و المرجع الكبير صاحب (العروة) و السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي و الأستاذ المحقق الكبير الشيخ محمد حسين النائيني، و كان من الأصحاب الخلّص و المقربين للمرجع الكبير السيد آغا حسين القمي. و بعد وفاة السيد القمي سنة (1366 ه_) رجع الناس إليه في أمر التقليد، و اشتهر اسمه و ذاع صيته و أصبح أحد المراجع الكبار للأمة و قد حظي باحترام الخاص و العام. و قد شهدت حوزة كربلاء المقدسة العلمية في عهد رئاسته فترة انتعاش و ازدهار غير عادية كان من نتاجها تربية جيل من العلماء الأفاضل و الدعاة الاسلاميين الذين انتشروا في بلدان مختلفة هادين و مرشدين و مبلِّغين للاسلام و فقه آل الرسول «صلوات الله عليهم أجمعين» و كان المترجم له يقيم صلاة الجماعة في صحن مولانا الامام الحسين علیه السلام فتقتدي به الجموع من الاتقياء و الأبرار الأخيار لشدة و ثوقهم بتقواه، و نسكه و عدله و زهده و ورعه. له مؤلفات عديدة في جوانب مختلفة من علوم الشريعة نذكر منها: 1- ذخيرة العباد، 2- ذخيرة الصلحاء، 3- الوجيزة، 4- تعليقة على العروة الوثقى، 5- تعليقه على وسيلة السيد أبي الحسن الاصفهاني، 6- بداية الأحكام، 7- شرح العروة، 8- رسالات في مباحث أصولية، 9- رسالة في التجويد، 10- رسالة حول فقه الرضا، 11- كشكول في مختلف العلوم، 12- الدعوات المجربات، 13- هدیة المستعين، 14- رسالة في الجفر، 15- أجوبة المسائل الاستدلالية، و إضافة إلى ذلك فقد كان ذا قريحة شعرية جيدة. و من محاسنه ومزاياه أنه كان حافظاً (للقرآن الكريم)، و (مقامات الحريري) و (ألفية ابن مالك) و (التهذيب) في المنطق و (الجزري) في التجويد و (متن الشاطبي) في التجويد وشطر من (متن المطول). و في يوم الثامن والعشرين من شعبان سنة (1380 ه_ ) لبى نداء ربه، فثلم بذلك في الاسلام ثلمة لايسدِّها شيء، و كان لرحيله رنّة حزن و أسى عمَّت أرجاء العالم الاسلامي، و شيّع جثمانه الطاهر في موكب مهيب قلما شهدت كربلاء، مثله و دفن في الصحن الحسيني بمقبرة الشيخ محمد تقي الشيرازي قائد الثورة ضد الاستعمار البريطاني و أقيمت على روحه مجالس الفاتحة و التأبين بمشاركة المراجع و العلماء و الفضلاء و مختلف الفئات و قد رثاه جمع من الشعراء و الأدباء.

ظَهَرَتْ زَهْرَةُ زَهْرَاءِ البَتُولْ *** فَاسْتَنَارَ الكَوْنُ مِنْ أَنْوَارِهَا

وُلِدَتْ فَاطِمَةٌ بِنْتُ النَّبِيِّ *** فَاسْقِنِي كَأسَ الهَنَا وَ الطَّرَبِ

وَ اتْرُكِ الزُّهْدَ وَ هَوْلَ اللَّهَبِ *** فَهِيَ الفَاطِمُ فِي اليَوْمِ المَهولْ

مُذْنِبِي شِيْعَتِهَا مِنْ نَارِهَا

ص: 315

وُلِدَتْ فَخْرُ العُلا بنتُ الجَلالْ *** وُلِدَتْ أُخْتُ النُّهَى أُمُّ الخِصالْ(1)

ظَهَرَتْ نُخْبَةُ أَوْصَافِ الكَمَالْ *** أَصْلُ كُلِّ الخَيْرِ بَلْ أُمُّ الأصولْ

وَ أصُولُ الدِّينِ مِنْ أَقْمَارِهَا

لَمْ تَكُنْ تُوْلَدُ مِنْ خَيْرِ الأَنَامْ *** هِيَ إِلا بَعْدَ جُهْدِ وَ صِيَامْ

بِفُطُورِ الخُلْدِ مِنْ خَيْرِ طَعَامْ *** جَلَتِ الزَّهْرَاءُ عَنْ هَذِي العُقُولْ

إِنْ تَرْعُهَا فِي عُلاً أَنْظَارِهَا

هِيَ بِنْتُ المُصْطَفَى خَيْرِ البَشَرْ *** هِيَ أُمُّ الأَوْصِيَا الظهرِ الغُرَرْ

زَوْجُهَا قَاسِمُ طُوبَى وَ سَقَرْ *** شَمْسُ غُرِّ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ أُفُولْ(2)

وَ سَمَا مَجْدٍ سَمَتْ آثَارُهَا

فَاسْقِنِي يَا صَاحِبِي كَأسَ المُنَى *** وَ أَدِرْ فِي جَمْعِنَا خَمْرَ الهَنَا

لاتَخَفْ ذَنْباً وَ تَخْشَى وَ هَنا *** بَشْرِ اليَوْمَ الأَمَانِي بِالحُصُولْ

فَالرَّجَا كُلُّ الرَّجَا فِي دَارِهَا

بزغَتْ شَمْسُ العُلاَ أُمُّ الهُدَاةُ *** بَلَغَتْ أعْلَى مَرَاقِي المُمْكِنَاتْ

شَرَّفَتْ آبَاءَهَا وَ الأُمَّهَاتْ *** وُلِدَتْ يَا لِلْهَنَا بِنْتُ الرَّسُولِ

بانَ سِرُّ اللَّهِ فِي إِظْهَارِهَا

هِي سِرُّ اللَّهِ مَا بَيْنَ الوَرَى *** سِرُّ غَيْب ذَاتُهَا كَيْفَ تُرَى

وَ لَهَا خَلْقُ الثَّرَيَّا وَ الثَّرَى *** لَيْسَ لِلْعَقْلِ بِمَعْنَاهَا وُصُولْ(3)

ص: 316


1- النهى: العقل.
2- طوبى و سقر: الجنة و النار.
3- الثري: التراب الذري. الثريا: مجموعة كواكب في عنق الثور سميت بذلك لكثرة كواكبها مع ضيق المحل و يشبّهون بها الجموع الخفيفة في حسن النظام و تناسب الأفراد و تلازم المجتمعين حتى كأنهم لا یتفارقون.

فَدَع الأوْهَامَ فِي أَظوَارِهَا

لايُدَانِي فَضلُهَا قَطُّ بَشَرْ *** لاَتَرِمُهَا إِنَّهَا إِحْدَى الكُبَرْ(1)

هِيَ لِلْمُخْتَارِ أَصْلٌ وَ ثَمَرْ *** أَيْنَ لَوْلاهَا الذَّرَارِي لِلرَّسُولْ

دَوْحَةُ نُورِكَ فِي أَنْمَارِهَا

هِيَ وِتْرٌ فِي نِسَاءِ العَالَمِينْ *** هِيَ شَفْعٌ بِأَمِيرِالمُؤْمِنِينْ(2)

هِيَ نُورُ اللَّهِ فِي الأُفقِ المُبِينْ *** حُبُّهَا دَارُ أَمَانٍ لا تَزُولْ

أهْلُهُ آمِنَةٌ فِي دَارِهَا

لاتُضَاهِي فَاطِمٌ فِي حَسَبِ *** كَرُمَتْ جَلَّتْ بِامِّ وَ أَبِ(3)

وَ بَنُوهَا فِي أَجَلِّ الرُّتَبِ *** كُلَّمَا فِي الخَلْقِ صَعْبٌ وَ سَهُولْ

فَلَهَا قَدْ أَذَعَنَتْ أَقْطَارُهَا

فَلَهَا مِنْ رَبِّهَا خَيْرُ الشُّؤُونِ *** وَ عَلَى عِرْفَانِهَا دَارَتْ قُرُونْ

وَ بِهَا تَفْخَرُ آبَا وَ بَنُونْ *** وَ هْيَ لَوْلا المُرْتَضَى خَيْرُ البُعُولْ(4)

لَمْ تَزَلْ مُفْرَدَةً فِي دَارِهَا

لَمْ يَكُنْ لَوْلاَهُ لِلطُّهْرِ قَرِينْ *** كَهِيَ كُفْوٌّ لأَمِيرِالمُؤْمِنِينْ

مِنْهُ جَاءَتْ بِالهُدَاةِ الأَنْجَبِينْ *** فَهيَ أُمُّ الأَوْصِيَا بِنْتُ الرَّسُولْ

وَ هيَ شَمْسُ الدَّهْرِ فِي أَسْتَارِهَا

أَيْنَ مِنْ أَدْنَى عُلاهَا مَرْيَمُ؟ *** أَيْنَ مِنْهَا سَارَةٌ أَوْ كَلْثُمُ؟(5)

أَيْنَ مِنْ مَخْدُومِهَا مَنْ تَخْدُمُ *** لاَ وَ رَبِّي مِثْلُ زَهْرَاءِ البَتُولْ

لَمْ تَرَ الدُّنْيَا عَلَى أَدْوَارِهَا

ص: 317


1- لايداني: لايقارب. لاترمها: لاتفارقها و لاتباعد عنها.
2- وتر و شفع: فرد و زوج، إنها سيدة نساء العالمين.
3- لاتضاهي: لاتشابه.
4- لولا علي لم يكن لها كفؤ.
5- إنها أفضل من مريم و إنها سيد النساء.

فَاطِمٌ سَادَتْ نِسَاءَ البَشَرِ *** بِمَزَايَا كَسَنَاءِ القَمَرِ(1)

وَغَدَتْ مَفْزَعَ يَوْمِ المَحْشَرِ *** لَيْسَ فِيمَا تَرْتَضِيهِ مِنْ نُكُولْ(2)

فَاسْأَلِ الأخبار فِي آثَارِهَا

فَهَنِيئاً لِمُحِبِّيهَا النَّجَاةْ *** مِنْ عَظِيمِ الوِزْرِ مِنْ بَعْدِ المَمَاتْ

كَيْفَ يَخْشَىٰ مِنْ عَظِيم السَّيِّئَاتْ *** مَنْ تَوَلَّى فَاطِماً أُمَّ الشَّبُولْ

لا وَ رَبَّي لَمْ يَذُقْ مِنْ نَارِهَا

لِعِدَاهَا الوَيْلُ إِذْ عَادُوا النَّبِيْ *** وَ غَدَوا مِنْ رَبِّهِمْ فِي غَضَبِ

عَمَّرُوا بَيْتَ لَهُمْ مِنْ لَهَب *** إِذْ بِنَارٍ أَحْرَقُوا بَابَ البَتُولْ

نَارُ حِقَد بَقيتُ الحظَارُهَا

لَمْ يَزَلْ يَغْلِي لَهِيبُ الكُفْرِ *** فِي قُلُوبِ طُبِعَتْ كَالْحَجَرِ

فَغَدا يُخرقُ بَاب الغررِ *** بَابَ فَوْزِ خَيْرَ بَابِ للسَّؤولْ

هُوَ بَابُ اللَّهِ فِي أَقْطَارِهَا

لَهْفَ نَفْسِي لِبَتُولٍ هُضِمَتْ *** ضُرِبَتْ طَوْراً وَ طَوْراً لُطمَتْ

وَ بِأَطْوَارِ الأَذَايَا ظُلِمَتْ *** لَهْفَ نَفْسِي لَكِ يَا بِنْتَ الرَّسُولْ

لَهْفَةٌ تَشْكُو الحَشَى مِنْ نَارِهَا

مَنَعُوا إِرْثَ أَبِيهَا عَلَناً *** وَ أَزَاحُوا الفَيْ عَنْهَا إِحْنَا(3)

أَسْقَطُوا مِنْهَا جَنِيناً مُحْسِناً *** كَسَرُوا أَضْلُعَهَا يَا للذُّحُول

هَجَمُوا بَغْياً عَلَيْهَا دَارَهَا

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ أَبِيهَا فُتِنَتْ *** وَ بَكَتْ شَجُواً إِلَى أَنْ زَمِنَتْ

قُتِلَتْ جَهْراً وَ سِراً دُفِنَتْ *** فَبِعَيْنِ اللَّهِ غَارَتْ فِي الرَّسُولْ

ص: 318


1- سناء القمر: ضوؤه و بهاؤه.
2- نكول: نكوص.
3- الفيء: الغنيمة. إحن: أحقاد.

بِنْتُ طهَ و عُفِي آثارُهَا

أَنْتِ يَا أُمَّ المَلَاذِ المُرْتَجَى *** أَنْتِ لِلأُمَّةِ كَهْفٌ وَ رَجَا

فَإِلَيْكِ العَيْنُ تَرْنُو بِالنَّجَا *** فِي صُرُوفِ الدَّهْرِ و الخَطْبِ المَهُولْ(1)

وَ لِعُقْبَى أَوْحَشَتْ أَخْبَارُهَا(2)

: 319


1- ترنو: تديم النظر إلى الشيء بسكون الطرف.
2- أعيان الشيعة ج50 ص118.

(88) زهراء الدين

(بحر المتدارك)

السيد هاشم السيد حسين الموسوي

اللَّيْلُ بَدا صُبْحاً أَنْوَرْ *** و الصُّبْحُ حَوَى مَعْنِّى أَكْبَرْ

و الأفقُ على الدنْيا يَحْنو *** وَ بِبُرْدَيْهِ أَمَلٌ يزهرْ

و شُروقُ الشَّمْسِ على الدُّنْيا *** لِجَلالِ المَوْقِفِ قَدْ كَبَّرْ

و الصبْحُ بَدا أحْلَى حُسْناً *** مِنْ كُلِّ صَباحٍ قَدْ بَكَرْ

و شُعاعُ البَدْرِ على الصحراءِ امْتَدَّ جَمَالاً أَكْثَرْ

و نُجُومُ الليلِ رَنَتْ نَشْوَى *** في ليلةِ عرسٍ لَمْ تُؤْثَرْ(1)

و سُهولُ الأرضِ قَدِ ازْدانَتْ *** بِالسُّندُسِ في أَبْهَى مَنْظَرْ(2)

و بهاءُ الروضِ يُناجيها *** بالأخْضَرِ مِنْهُ و بالأحْمَرْ

و نَشيدُ الطَّيْر عَلى الأغصانِ يُهَنِّي العَالَمَ بالكَوْثَرْ

و روابي البِيدِ وَ قَدْ بَرَزَتْ *** بِجَمَالٍ أَسْحَرَ مِنْ عَبْقَرْ(3)

و مُرُوجُ السِّحْرِ بهانَعمَتْ *** عينٌ لايَخْدَعُها المَظْهَرْ

و نَسِيمُ الفَجْرِ على الكثبانِ يَمُرُّ بأَحْلامٍ أَسْحَرْ(4)

ص: 320


1- رنت: رنا: أدام إليه النظر بسكون. و رنا الرجلُ: طربَ و لها مع شغلٍ و غَلَبة: هوى.
2- ازدانتْ: تزَيَّنَتْ.
3- عَبْقَر: عَبْقَرَ. عَبْقَرَةُ السَّرابُ: تَلَألَاً. و عَبْقَر أيضاً: السيد الذي ليس فوقه شيء. و عَبْقَر أيضاً كلُّ ما يُتَعَجَّب من كماله وقوتِهِ و حذَقِهِ.
4- الكثبان: التَّلُّ من الرمل.

وعليلُ الْجَنَّةِ قَدْ وَافَى *** برَحيقِ المِسْكِ الْعَنْبَرْ(1)

وَ شَدَى الفُرْدَوْسِ يحي الكُلِّ بهذا اليومِ الأنوَرْ

و الدُّرُ على الدنيا يُنْثَرْ *** و غوالي الطيبَ بها تَنشرْ

و طلوعُ الفجرِ روى خبراً *** فإذا الدنيا طرباً تَفتَرْ

زَهْراءُ الدينِ لَقَدْ وُلِدَتْ *** ما أحلاهُ خبراً يُشْهَرْ

وُلِدَتْ نوراً وُلِدَتْ فَيْضاً *** يَنْسابُ على الدنيا كَوْثَرْ

و النورُ على الملأ الأعلى *** قَدْ شَعَّ بميلادٍ يُزْهرْ

و ملائكةُ الرَّحْمَنِ غَدَتْ *** في غَمْرَةِ أعيادٍ تَفْخَرْ(2)

و تَهانيها تَحْمِيدُ المَوْلَى *** كَدُويِّ النَّحْل غداً يُؤثَرْ

الكُلُّ بميلادِ الزهراءِ اليومَ تفاءلَ و اسْتَبْشَرْ

ما أَعْذَبَهَا ذِكْرَى تُذكَرْ *** ما أَطْيَبَهُ عِيداً يَظْهَرْ

زهراءُ الدِّين لنا نَبْعٌ *** ترٍّ لايَنْضَبُ بَلْ يَرْخَرْ

هو مَوْرِدُنا هو مَصْدَرُنا *** ما أقوى المَوْرِدَ و المَصْدرْ

هي فاطمةُ الزهراءِ إِلَيْها كلُّ الألبابِ غَدَتْ تَنْجَرْ(3)

هي سِرُّ الباري إِذْ يَخْفَى *** في هذا الكونِ فَلا يَظْهَرْ(4)

ص: 321


1- عليل: العليل يقصد به هنا ريحها المتطيب طيباً بعد طيب.
2- الغَمرة: الماء الكثير، معظم البحر، الثوب السابغ، الكرم الواسع الخُلُق و غَمَرهُ الماء: غَطَاه. اغتمر: انغمس و غَمَرَ الماء الشيءَ: غَطَاه، و يُقال «عُمْرُ الناس» أي جماعتهم ولفيفهم. غَمْرَةُ الشيء: شدَّته و مزدحمه. و هذا المعنى الأخير هو مُراد الشاعر حسب الظاهر والله العالم.
3- في علل الشرائع ج1 ص179 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سميت الزهراء علیها السلام لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرت الملائكة الله ساجدين.
4- ورد في لسان الميزان ج3 ص275، روى ابن حجر بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله هل أتاني جبرائيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن ربك يحب فاطمة علیها السلام فاسجد فسجدت.

أمُّ الحَسَنَيْنِ هِيَ الكَوْثَرْ *** وَ لَها في الْحَشْرِ جَرى الكَوْثَرْ

قَدْ قال اللَّهُ لِمُرْسَلِهِ *** «إنا أعطيناك الكوثر»

هي في اللَّهِ إِرادَتُها *** وَ مَحَبَّتُها فيهِ أَشْهَرْ

و عِبادَتُها في الليلِ إِذا *** يَغْشى، تَغْشى الملأ الأطْهَرْ(1)

وَ بَلاغَتُها جَرْسٌ ربَّانيُّ الإبداعِ فَلا يُقْهَرْ

و الْجُودُ عَلَى يَدها نَهُرٌ *** يَجْرِي للقائع و المُعْتَرْ(2)

ومكارمُها و فضائِلُها *** نورُ القرآنِ بِهَا اسْتَأْثَرْ

آياتُ الذِّكرِ بِها حفلَتْ *** و«الدهرُ» كَفَتْنا و «الكَوْثَرُ»

بنْتُ لهادي ما أجْدَرُنا *** أن نحيي مَوْلِدَها الأَزْهَرْ

ذكرى الزهراء لنا مِشْعَلْ *** و لنا وحيٌ و لنا مِنْبَرْ

صوتٌ يَدعونا للإيمانِ الصادقِ و العَهْدِ الأَكْبَرْ

و يُنيرُ لنا الدَّرْبَ المُفضي *** للغايةِ إِن عَزَّ المَعْبَرْ

أَبْناءُ الزَّهراء لنا حِصنُ *** و لهُمْ في القلبِ هوىَ يَجْهَرْ

لا أَبْعَدَنِي المَوْلَى عَنْهُمْ *** وَ كَفَانِي بِوَلائِهِمُ المَحْشَرْ

مِيلادٌ الزهراءِ لَهُ طَعْمٌ *** أَحْلَى فِي النَّفْسِ مِنَ الكَوْثَرْ

فَلنُحْيِي الذِّكْرَى نُحْيِيها *** بخلوصِ الْقَلْبِ كما الجَوْهَرْ

و بِكُلِّ الْحُبُ و كُلِّ الوَرْدِ الأبيضِ والورْدِ الأحَمَرْ

يا فاطمةُ هذا حبّي *** وَ دَمِي في حِبْرِي قَدْ أَثَّرْ

ص: 322


1- جاء في علل الشرائع، ج1 ص181، ح1. عن الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها شيئاً.
2- المعتر: البائس، الفقير.

(89) للَّه أية محنة

(مجزوء الكامل)

الحاج هاشم الكعبي الحائري(*)(1)

یَا صَبُّ تَتَحَسَّرُ *** وَ لَكَمْ تَنُوحُ وَ تَزْفِرُ؟(2)

کَمْ یَنْظِمُ الآلام قَلْبُكَ *** وَ المَدَامِعُ تُنْثَرُ؟

کَمْ یَتْبَعُ الأظْعَانَ *** لَحْظاً جَفْنُکَ المُسْتَعْبِرُ(3)

کَمْ تَنْدُبُ الأَطْلاَلَ *** وَ هْيَ بِنَدْبِهَا لاَ تَشْعُرُ

کَمْ يَلْتَحِيكَ العَاذِلُونَ *** وَ كَمْ لَهُمْ تَتَعَذَّرُ؟(4)

كَمْ تَكْتُمَنَّ لَظَى الفُؤَادِ *** وَ مَاءُ دَمْعِكَ يَظْهَرُ؟

كَمْ لَوْنُكَ المُصْفَرُ يُفْصِحُ *** بِالغَرَامِ وَ يُخْبِرُ؟

كَمْ تَجْمِلُ الدَّعْوَى *** وَ مَا تُجْرِي الجُفُونُ يُفَسِّرُ؟

كَمْ ضَعْفُ صَبْرِكَ عَنْ *** أَحَادِيثِ الهَيَامِ يُعَبِّرُ؟(5)

كَمْ طَرْفُكَ المَطرُوفُ *** يَرْعَى النَّائِمِينَ وَ يَسْهَرُ؟

كَمْ لَيْلُ شَوْقِكَ صُبْحُهُ *** بِمَسَرَّةٍ لا يُسْفِرُ؟(6)

كَمِدَ الحَشَا تَقْضِي *** نَهَارَكَ وَ الدُّجَى تَتَزَفَّرُ

ص: 323


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الصّبُّ: العاشق وذو الولع الشديد.
3- المستعبر: الجاري دمعه.
4- يلتحيك: لحاه: لامه.
5- الهيام: الجنون من العشق.
6- يسفر: أسفر الصبح بان و أشرق.

وَ يفِكْرِكَ السّارِي *** عَهِدْتَ عَوَارِفاً لاَ تُحْصَرُ

مَا بَالُ سَمْعِكَ لاَ يَعِي *** ضحاً وَ لاَيَتَدَبَّرُ؟

إِنْ كَانَ عَنْ كَلَفٍ فَهَا *** تِي هَفْوَةٌ لاتُجْبَرُ(1)

هَبْ كَانَ مُوجِبُهُ وَ *** لَكِنْ ثُمَّ خَطبٌ أَكْبَرُ

أَنَسِيتَ مَشْهُورَ الطُّفُوفِ *** وَ مَا هُنَالِكَ يُذْكَرُ؟

يَوْمٌ عَلَى الطَّرْفِ الأَغَرِّ *** عَلاَ أَغَرَّ مُشَهَّرُ(2)

حَامِي الحَقِيقَةَ مَعْلَمٌ *** طَلْقُ الذَّرَاعِ غَضَنْفَرُ

ذُوْ نَجْدَةٍ عَنْ رَأْيهَا *** تَرِدُ المَنُونُ وَ تَصْدُرُ

سُلْطَانُ عِزَّ قَادِرٌ *** أَنْ لا يُطِلُّ مُقَدَّرُ

أَلجَدُّ أَحْمَدُ حِينَ يُنْسَبُ *** وَ المُضَاهِي شُبَّرُ(3)

وَ الأُمُّ فَاطِمَةُ التَّقَى *** وَ الفَحْلُ فِيهِ حَیْدَرُ

وَمُضَمَّخٌ بِدَمِ الوَرِيدِ *** وَ بِالتُّرَابِ مُعَفَّرُ

الجَوّ مِنْ صَادِي دِمَاهُ *** مُمَسَّكُ وَ مُعَنْبَرُ(4)

وَ اللَّيْلُ مِنْ أَنْوَارِهِ *** ضَاحِي العَشِیَّةِ مُقْمِرُ

لَبِسَتْ أَشِعَتُهُ اللَّيَالِي *** فَهْيَ بِیْضٌ تُزْهِرُ

لِلَّهِ مَا مِنْهُ يَقِلُّ *** السَّمْهَريُّ الأَسْمَرُ(5)

عَجَباً لَهُ أَنَّي یُقِلُّ *** عَوَالِماً لاَ تُحْصَرُ؟

أَلمَجْدُ أَدْنَى مَا تَحَمَّلَ *** وَ الْجَلالُ الأَکْبَرُ

و المَكْرُمَاتُ الغُرُّ طُرّاً *** وَ النَّدِيُّ الأَزهَرُ

وَ مَآتِمٌ فِيهَا البَتُولَةُ *** وَ النَّبِيُّ الأَفَخَرُ

ص: 324


1- كلف: الكلف: الحب الشديد.
2- الطِرف: بكسر الطاء الفرس.
3- المضامي: المشابه و المشاكل.
4- معنبر: الشيء المعنبر الذي رشَّ عليه العنبر.
5- السمهری: الرمح الصلب.

مِنْ أَجْلِهَا دَمْعُ الوُجُودِ *** عَلَى السَّوَالِفِ يَقْطُرُ(1)

وَ العَالَمُ العُلْوِيُّ مُفْتَقِدُ *** السُّرُورِ مُکَدَّرُ

وَ البَيْتُ بَاكٍ وَ المُقَامُ *** وَ زَمْزَمٌ وَ المَشْعَرُ

وَمِنّى وَ جَمْعٌ وَ المُعَرَّفُ *** بَاکِیاً وَ مُحَسَّرُ(2)

وَ الرُّسْلُ تَبْكِي وَ المَلاَئِكُ *** بِالعَزَاءِ تُبَکِّرُ

يَتَقَاسَمُونَ الشَّجْوَ غَادٍ *** بِالْعَزَا وَ مُهَجِّرُ(3)

أَهْدَى يَزِيدُ لَهَا مَلاَ *** بِسَ بِالدِّمَاءِ تَقَطَّرُ

وَ قَضَى لَهَا حُزْناً يَمُرُّ عَلَى *** الدُّهُورِ وَ یَعْبُرُ

أَبَداً لَهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ *** فَلَيْلُهَا لاَيَفْجُرُ

وَ بَنَى عَلَى مَا أَسَّسَ *** المُتَقَدِّمُ المُتَأَخِّرُ

خَلَفٌ كَسَابِقِهِ أَعَقُّ *** عَلَى الإِلَهِ وَ أَكْفَرُ

لِلَّهِ أَيَّةٌ مِحْنَةٍ *** لَقِيَ النَّ بِيُّ الأَطْهَرُ

مِنْ أُمَّةٍ عَدَتِ الهُدَى *** فَطَرِيقُهَا مُتَحَيِّرُ

كَدَرَتْ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ *** وَ الْعَيْشُ مِنْهُ مُكَدَّرُ

أَعْطَتْ يَداً لِلسَّيْفِ *** يَضْرِبُهَا عَلَيْهِ وَ يُجْبِرُ

عُنفاً أَمَالَ رِقَابَهَا *** إِذْ أَوْشَكَتْ تَتَکَثَّرُ

كَرِهُوا هِدَايَتَهُ وَقَا *** لُوهَا نَبِيُّ یَهجُرُ

تَرَكُوهُ مُلْقَى فِي *** الفِرَاش وَ أَسْرَعُوا فَتَأَمَّرُوا

وَ عَلَوْا بِحَيْثُ مَقَامُهُ *** يَبْكِي أَسِّى وَ المِنْبَرُ

وَ وَصِيُّهُ المُخْتَارُ فِيهِ *** تَجَنَّبُوهُ وَ أَخَرُوا

وَ تُرَاثُهُ نَهْبُ الأَ *** جَانِبِ يُسْتَبَاحُ وَ يُقْهَرُ

وَ كِتَابُهُ عَمَّا أَرَادَ *** مُحَرَّفٌ وَ مُغَيَّرُ

ص: 325


1- السوالف: جمع سالفة و هي صفحة العنق عند معلق الفرط.
2- محسّر: يعاني الحسرة و الحزن.
3- الشجو: الحزن.

وَ بِسَوْطِ أَعْدَاهُ *** كَرِيمَتُهُ تُهَانُ وَ تُحْقَرُ

وَ جَنِینُهَا سِقَطٌ *** وَ أَضْلُعُهَا لَعَمْرِي تُكْسَرُ

وَوَصِيُّهُ قَوْدَ الأسير *** يُقَادُ وَ هُوَ مُزَمْجِرُ

وَ حَبُیبُهُ كَالشَّاةِ *** ظُلْماً بِالمُهَنَّدِ يُنْحَرُ(1)

وَ رِجَالُهُ مِثلُ الأَ *** ضَاحِي بِالسُّيُوفِ تُجَزَّرُ

وَ بَنَاتُهُ فَوْقَ الرَّكَائِبِ *** بَادِيَاتٌ حُسَّرُ

حَسْرَى تُلاحظها الا *** جَانِبُ لَمْ تَجِدْ مَا يَسْتُرُ

مِثْلُ السَّبَايَا يُسْتَبَاحُ *** إِزَارُهَا وَ المِعْجَرُ(2)

وَ مُتُونُهَا بِيَدِ السِّيَاطِ *** يُشَقُّ فِيهَا أَنْهُرُ

وَعَلِیلهُ سَاقَاهُ *** قيِّدا بِالدِّمَا تَتَفَجَّرُ

وَ يَتِيمُهَا بِالعُنْفِ يُقْهَرُ *** بِالسِّيَاقِ وَ يُزْجَرُ

وَ سُؤَالُ سَائِهاإِذَا *** سَأَلَ التَّرَفُقَ یُنهَرُ

وَ رُؤُوسُ سَادَتِهَا *** بِأَطرَافِ الرِّمَاحِ تُشَهَّرُ

وَ قُلُوبُهَا بِالشُّكْلِ تُشْعَلُ *** وَ المَدَامِعُ تُمْطَرُ

حَالٌ تَكَادُ لَهُ *** الشَّدَادُ بِسَبْعِهَا تَتَفَطَّرُ

وَ يَرُوحُ مِنْهَا البَدْرُ *** مُنْخَسِفَ السَّنَا لاَيَبْدُرُ

وَ اليَوْمُ مُفْتَقِدُ الضَّيَا *** وَ شَمْسُهُ تَتَكَوَّرُ

خَطْبٌ تَصَاغَرُ عِنْدَهُ *** كُلُّ الخُطُوبِ وَ يَكْبُرُ

لَوْ كَانَ أَحْمَدُ حَاضِراً *** لَشَجَاهُ ذَاكَ المَحْضَرُ(3)

يَا قَوْمَنَاخَلُوا التَّعَصُّبَ *** وَ انْظُروا وَ تَفَكَّرُوا(4)

ص: 326


1- ينحر: يذبح من النحر.
2- يستباح: ينتهك المعجر: ثوب تشدَّه المرأة على رأسها.
3- شجاه: أحزنه المحضر: الحضور.
4- ديوان الشيخ هاشم الكعبي ص74.

(90) الثار - الثار

(مجزوء الرمل)

الأستاذ هيثم مسعودي الكربلائي

أَيْنَ المُسْتَنْظِرُ لِلْوَعْدِ *** أَيْنَ الغَائِبُ أَيْنَ المَهْدِي؟

بِمُصِيبَةِ بِنْتِ المُخْتَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثارْ الثارْ

***

أَيُّها المَحْجُوبُ عَنّا خَلْفَ أَسْتَارِ الوُعُودِ

يا إِمَامِي حَلَّ رُزْءُ الظُّهْرِ فِينَا مِنْ جَدِيدِ

وَدَأَبْنَا أَنْ نُعَزِّيكَ أَيَا سِرَّ الوُجُودِ

بِقُلُوبٍ نَازِفَاتٍ دَمُعَهَا فَوْقَ الخُدُودِ

کُلُّ قلبٍ فَجِیعْ *** سَارَ نَحْوَ البَقِیعْ(1)

ص: 327


1- هذه المقاصير و البيتان اللذان بعدها إشارة إلى ما ورد في (دلائل الإمامة) للطبري ص46 (منشورات الرضي. قم) من أحداث و مصائب: قال فخرجا من عندها ساخطة عليهما... فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس. أخرجها إلى البقيع ليلاً و معه الحسنان و صلى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها في الروضة و عفى موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة مدفنها فيه أربعون قبراً جديداً. و لما علم المسلمون بوفاتها جاؤوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً فأشكل عليهم قبر من سائر القبور، فضجَّ الناس، و لام بعضهم بعضاً و قالوا لم يخلف فيكم نبيكم إلاّ بنتاً واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و لادفنها و لاالصلاة عليها بل و لم تعرفوا قبرها؟ فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نعيِّن قبرها فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه، و درت أوداجه و عليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة و هو يتوكأ على سيف (ذوالفقار) حتى أتى البقيع فسار إلى الناس من أنذرهم و قال: هذا علي قد أقبل كما ترونه و هو يقسم باللَّه لئن حوَّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الأمرين فتلقاه الرجل و من معه من أصحابه و قال له: مالك يا أبا الحسن علیه السلام والله لننبشن قبرها و نصلي عليها فأخذ علي بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض، و قال: يابن السوداء أمّا حقي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم و أمّا قبر فاطمة علیها السلام فوالذي نفس علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فافعل يا ثاني. و جاء الأول و قال له: يا أبا الحسن علیه السلام بحق رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بحق فاطمة علیها السلام إلاّخليت عنه فإنا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه فخلى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك.

عَلَّهُ یَسْتَطِیعْ

أنْ يَكْشِفَ عَنْ قَبْرِ الزَّهْرَا *** وَ يُسَائِلَ لِمَ دُفِنَتْ سِرّا؟

لَيْلاَ عَنْ عَيْنِ الأَسْرَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثَّارْ الثّارْ

***

أَيُّ سِرِّيَا إِمَامِي أَيُّ مَكْرٍ وَ دَسِيسَهْ؟(1)

جعَلَتْ بِنْتَ مُحَمَّدْ بِفِنَا الحُزنِ حَبِيسهْ

أَوَ لَيْسَتْ بِنْتَ طهَ بَضْعَةُ الهَادِي النَّفِيسَهْ؟

مَا لَهَا تِلْكَ الأَعَادِي جَعَلَتْ مِنْهَا فَرِيسَهْ

کَهُجُومِ الذِّئَابْ *** عَصَرُوها بِبابْ

یَا لِعَظْمِ المٌصَابْ

حِينَ اسْتَسْقَطَ ذَاكَ الحَمْلُ *** ما هابوا الهادِي وَ مَا وَ جِلُوا(2)

ص: 328


1- دسيسة: ما أكمن من المكر و العداوة.
2- ما هابوا و ما وجلوا: ما خافوا و في دلائل الإمامة للطبري ص45: أقامت بمكة ثمان سنين و بالمدينة عشر سنين و بعد وفاة أبيها خمسة و سبعين يوماً، و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة و كان سبب وفاتها ان قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً و مرضت من ذلك مرضاً شديداً و لم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها».

شَعَلُوا النَّارَ بِبَابِ الدّارْ *** نَسْتَصْرِحُكَ الثّارْ الثَّارْ

لَيْسَ سِرّاً يا إِمَامِي تِلْكَ دَعْوَى مَنْطِقِيَّهْ

مَاتَتِ الزَّهْرَاءُ ظُلماً بِيَدِ الغَدْرِ الشَّقِيَّهْ

قُمْ إِلَى الثّارِ أَیَا مَن أنتَ لِلّهِ بَقِيَّهْ

قُمْ سَئِمْنَا العَيْشَ صَبْراً وَ انْتِظَاراً وَ تَقِيَّهْ

كُلُّ یومٍ یَفُوتْ *** فیهِ صَمْتاً نَموتْ

وَ بِهَذَا السُّکُوتْ

تَتَجَدَّدُ وَاقِعَةُ الطَّفِّ *** وَ الجُرْحُ يَعُودُ إلى النَّزْفِ

مِمَّا أَحْدَثَهُ المِسْمَارْ *** نَسْتَصْرِحُكَ الثّارْ الثَّارْ

***

فِعْلَةُ المِسْمَارِ فِينَا نَارُ حُزْنٍ تَتَجَدَّدْ

لاَنَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْهَا أَيُّهَا المَوْعودُ فَاشْهَدْ

لاَ وَ لاَتَمْتَدُّ لِلرَّاضِينَ عَنْهَا شَلَّتِ اليَدْ

إِنَّ مَنْ يَرْضَى بِظُلْمٍ لَيْسَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدْ

مَا يَزَالُ الجَنِینْ *** هَاتِفاً کُلَّ حِینْ

شِیعَتِي الطَّیِّبِینْ

في قَتْلِ بَتُولِكُمْ اِشْتَركا *** ضاربُ أُمِّي غَاصِبُ فَدَکا(1)

ص: 329


1- في ذكر فدك جاء في الاحتجاج ج1 ص119 (عن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله علیه السلام) قال: لما بويع أبي بكر و استقام له الامر على جميع المهاجرين و الانصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها ، فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر من الله تعالى؟ فقال: هاتي عليّ ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة» فقال: بلى قالت: فأشهد أن الله «عزوجل» أوحى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله فجاء علي فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً و دفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه ومزَّقه، فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي.

وَ الغَاصِبُ حَقَّ الكَرَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثّارْ الثَّارْ

دَفَنَ الزَّهْرا عَلِيٌّ وَ ارْتَمَى خَلْفَ الزَّمَانِ

مُسْتَعِيداً كَيْفَ كَانَتْ تَشْتَكِي مِمّا تُعَانِي

إِذْ تُنَادِي يَا عَلِيَّ إِنَّ قَوْمِي أَسْخَطَانِي(1)

يَا عَلِيُّ أُوصِي إِذْ مَا دَاعِي المَوْتِ دَعَانِي

ضُمَّنِي لِلتُرابْ *** دُونَ عِلْمِ الصِّحَابْ(2)

وَ بِیَوْمِ الحِسَابْ

أسْتَعْرِضُ لِلْخَالِقِ أَمْرِي *** أُخبِرُهُ عَنْ جُرْحِ الصَّدْرِ

وَ لَهُ الأَمْرُ بمَا يَخْتَارْ *** نَسْتَصْرخُكَ الثّارْ الثَّارْ

***

وَ سَيَأْتِي مَنْ يُنَادِي إِنَّ دَعْوَاكُمْ عَقِيمَهْ

إِنَّمَا الأَخْلاَقُ تَقْضِي نَبْذَ أَضْغَانٍ قَدِيمَهْ(3)

لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ نَنْسَى تِلكُمُ البَلوَى الأَلِيمهْ

ص: 330


1- في الأصل: أسخطوني، و جاءت للضرورة أسخطاني.
2- جاء في كتاب سليم بن قيس ص212 (نشر مؤسسة البعثة): «قال: فبقيت فاطمة علیها السلام بعد وفاة أبيها أربعين ليلة فلما اشتد بها الأمر دعت علياً و قالت: يا ابن عم ما أراني إلا لما بي و أنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب، تكون لولدي مثلي، و اتخذ لي نعشاً فإني رأيت الملائكة يصفونه لي وأن لايشهد أحد من أعداء الله جنازني و لادفني و لاالصلاة عليّ».
3- أضغان: أحقاد.

وَ بِوَادِي الطَّفِّ جُرْمٌ حِيكَ مِنْ تِلْكَ الجَرِيمَهْ

في ثَرَى كَرْبَلاءْ *** کَمْ أُسِیلَتْ دِمَاءْ

إِنَّ ذاك البَلاءُ

مِنْ بَيْنِ العَصْرَةِ بِالبَابْ *** وَ يَدِ القَاتِلِ بِالمِحْرَابْ

نَرْفُ دِمَاءِ أبي الأَحْرَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثّارْ الثَّارْ

***

قُمْ لأَخْذِ الثّارِ عَجِّلْ قُمْ أَيَا حَامِي الشَّرِيعَهْ

زُمْرَةُ البَغْيِ اسْتَسَاغَتْ فِعْلَةَ البَابِ الشَّنِيعَهْ(1)

وَ اسْتَبَاحَتْ كُلَّ دَمٍ سَارَ فِي عِرْقٍ لِشِيعهْ

ص: 331


1- استساغت: وجدته سائغاً مقبولاً.

(91) أم الخلود

(بحر البسيط)

لأحد الشعراء

أجلْ و حقَّكِ ما قالوا و ما ذَكروا *** يبقى مدى الدهرِ يَحكي أنهم قَصَروا

أجلْ و حقَّكِ إن الأرضَ عاجزةٌ *** من أن تضمَّ حياةٌ كلَّها عِبَرُ

و كيفَ يبغي هوانُ الأرضِ من زحلٍ *** ما يبتغيهِ على أصقاعِها البَشَرُ؟

أو يمسكُ النورَ كفٌّ حيثُ يَخْبُرُه *** أو يبدي الفهمَ في عليائه القَمَرُ؟

إنا مُعاقُونَ يا زهراءُ يخذلنا *** ساقٌ و إن السرى صعبٌ و مُحْتَذَرُ

و السائرونَ على الأشواكِ ما وصلُوا *** ذابوا جراحاً و قد عادُوا وما ظَفَرُوا

لم يَبْلغوا مِن قِلاع النورِ ما قصَدوا *** فسرّحوا الخيلَ إذ لم يُغنهم سَفَرُ

و رَغْمَ كل الهوَى الغافي بأعينِهم *** لم يكشفِ السترَ عن أحداقِهم بَصَرُ

و لاشَربْنا كؤوساً من قصائِدِهم *** كأنَّما جفَّ فيها الكأسُ و الوَتَرُ

و ليلُ بغداد ما زالتْ ملفعةً *** نجومُهُ الزهرُ و الأضواءُ تنتحرُ

ما زالَ في القَلبِ جرحٌ لايفارقها *** كم قيّدوه ليذوي في الأسى الأَثَرُ

ما زالَ داعي الهُدى فرداً يُحيط بِهِ *** أشياعُ هارونَ و القرّاءُ ما شَعَروا

و الكأسُ ما أخبرتْ سراً لصاحِبِها *** إلا بِهمسٍ سَرَى مِن زيفِهِ الخَدَرُ

و لاأذاعَ الأسى في صوتِ جاريةٍ *** يا حاسيَ الراحِ قد يغري بك السَحَرُ

يا حاسيَ الراحِ إن الليلَ يُخبرنا *** أنا الغريبُ فلا تَلهُو و تستمرُ

فهشِّم الكأسَ و أبدلها بثانيةٍ *** يُضيء في راحِها الأحداقُ و الشَرَرُ

لكنّها خَبّأت في صوتِها غُصصاً *** لو كان يعْلمها السُمّارُ ما سكَرُوا

إن البلايا إذا أودتْ بمنْ قعسَوُا *** فقلْ سلاماً لمن أودى بِهم خَوَرُ

ص: 332

جادُوا على تربِها عُمراً و قد تعبُوا *** ثم استراحُوا و في أو حالِها قُبرُوا

لايدرأ الضيمَ إلا من أبى فمضى *** أو يأمنُ الغيل إلا النابهُ الحَذِر(1)

إنا شهدناكِ أُمّاً في ملامِحها *** أتعابُ ألفٍ من الأحزانِ تنصهِرُ

تأتين في اللّيلِ حيثُ القيدُ في صخبٍ *** يمتصُّ من ثائرٍ قد شدّه الكبرُ

تضمّدين جراحَ الخوفِ في زمن *** يلغّ في دمِهِ الذئبانُ و التَتَرُ(2)

***

لمن تغنّي و ارضُ الحي خاويةً *** منها الديارُ و لايبدُو لها خَبَرُ

أنا زعتكَ لها الأشواقُ فارتعشتْ *** أوتارُ محتضرٍ تصبُو فتنتهرُ؟

أم أوقَرَ الليلُ أشجاناً على شجنٍ *** فأنّ من ثقلِها شاكٍ و مؤتسِرُ

و لاحَ في نجمِهِ من ركب من ظعَنُوا *** برقٌ تجودُ به الأعلامُ و السُّمُرُ

كأنّه المجدُ قد حازت سوابقَهُ *** فأمّه النجمُ و الأفلاكُ تعتمرُ

و فارقَ الأرضَ يسمُو و هي طائعةٌ *** ألقى له القودَ في ميدانِها الفَخَرُ

يَطوي الزمانُ بنا أحوالنا و بها *** نطوي دروبَ العلا كنّا و نَخْتَصِرُ

وَ رُبَّ مستأنسٍ أيامُه ضحِكَتْ *** زهواً و قد خبّأ الأدهى له القدّرُ

ص: 333


1- يدرأ: يدفع. الغيل: كل ما إغتال الإنسان فأهلكه.
2- يلغ: يشرب بلسانه. الذئبان: جمع ذئب.

ص: 334

قافية الزاي

اشارة

ص: 335

ص: 336

(1) بحبي للبتول

(بحر الوافر)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

بِحُبِّي لِلْبَتُولِ أَرَى اعْتِزَازِي *** وَ لِلْجَنَّاتِ يَوْمَ غَدٍ جَوَازي

وَ لِلزَّهْرَاءِ لَهْفِي إِذْ غَزَتْهَا *** نَوَائِبُهَا فَكَانَتْ شَرَّ غَازِي

بخَالِقِهَا احْتَمَتْ و بِهِ تَعَزَّتْ *** فَأَغْنَاهَا العَزَاءُ عَنِ التَّعَازِي

فَيَالِلَّهِ وَ الأَقْوامُ جَادُوا *** فَهُمْ عَنْ حَقٌّ فَاطِمَ فِي انْحِيَازِ

وَ مَا كَسَبُوا بِمَا صَنَعُوا فَتِيلاً *** بَلَىٰ كَنَرُوا بِهِ شَرَّ اكْتِنَازِ

فَلاَ هُمْ فِي اليَقِينِ ذَوُويَقِينِ *** وَ لَاهُمْ فِي الشُّكُوكِ ذَوُو احْتِرَازِ

وَ حَالُ المَرْءِ يُعْلَمُ فِي امْتِحَانٍ *** فَيَرْسُبُ أَوْ يَجُوزُ عَلَى امْتِيَازِ(2)

ص: 337


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- يجوز: الأظهر أيضاً أنه بالحاء: يحوز بمعنى يحصل على الشيء. الامتياز: إنعام خاصّ يُعطيه الحاكم رجلاً أو جماعة لبيع صنف من البضاعة أو عملٍ من الأعمال مانعاً غيرهم عن تعاطيه و الامتياز في أيّامنا هذه هو أرقى الدرجات التي تَمنح للطالب الناجح.

(2) فلا رقات دموع

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري (*)(1)

رُقَادِي بَعْدَ فَاطِمَةٍ عَزِيزُ *** وَ قَلْبِي مِنْ مَصَائِبِهَا حَزِيزُ(2)

وَ أَيَّامِي وَرِينَةٌ كُلِّ خَطْبٍ *** نِغَارُ حُرُومِهَا أَبَداً نَزِيرُ(3)

أَفَاطِمُ إِنَّ صَابَ الصَّبْرِ مُرٌّ *** وَ إِنَّ مُهَنَّدَ البَلْوَى جَرِيزُ(4)

فَلاَ رَقَأَتْ دُمُوعٌ فِي عُيُونٍ *** وَ لَابِوَجِيبِ أَفْئِدَةٍ هَزِيرُ(5)

وَ لاكَهَمَتْ سُيُوفُ الوِتْرِ حَتَّى *** تُزَاحَ مَوَاجِدٌ وَ يَدِي غَمِيزُ(6)

وَ عُودُ الجَوْرِ مُخْتَضِدٌ طَوِيٌّ *** وَ غُصْنُ الحَقِّ مُفْتَرعٌ دَرُوزُ(7)

وَ نَارُ الظَّالِمِينَ إِلَى رَمَادٍ *** وَ جَمْرُ الصَّابِرِينَ صَلٍ أزُوزُ(8)

وَ وَعْدُ اللَّهِ مُنْتَجَرٌ قَرِيبٌ *** وَ لاوَعْدٌ لأَناكِ نَجِيزُ(9)

ص: 338


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- حزيز: مقطوع رقادي: نومي. عزيز صعب و مشتدّ.
3- نغار: عيون الماء المالح. حروم: المواضع التي تجب حمايتها. نذير: يُتحلب الماء من أرضها.
4- صاب: شجر مرُّ، و قيل: هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن و المفرد صابة. مهنّد: سيف جريز: قاطع.
5- رَقَأت: جفت و انقطعت. و جيب: خفوق. هزیز: تردّد صوت الرعد أو دوي الريح.
6- کهمت: كلّتْ. غميز: ضعيف.
7- مختضد: منكسر-دروز: مرتفع و هو مأخوذ من درز الثوب.
8- صلِ: قاسِ حرُّها. أزوز: تغلي.
9- أفّاك: كذاب. نجيز: منجز و مقضيِّ و معجّل.

وَمِثْلُكَ لا يُصَارُ إِلَى سُلُوِّ *** إِذَا مَا ضَنَّ بِالذِّكْرَى لَحِيزُ(1)

أَأُمَّ السُبْطِ وَ الحَسَنِ افْتِخَاراً *** بِذَيْنِ وَ لاكَكَنْزِهِمَا الكُنُوزُ

وَ زَيْنَبُ أُمُّ مُلْقُومٍ سَمَاءً *** عَفَافِ قُطْبُ أُفَقِهِمَا رَكِيزُ

نَوافِحُ مِنْ لَطِيم المِسْكِ ضَوْعاً *** شَوَافِعُ حِرْزُ جَنَّتِهَا حَرِيزُ(2)

إِذَا اسْتَاف المُحَوِّبُ مِنْ شَذَاهَا *** فَعَفْرُ اللَّهِ كِسْوَتُهُ اللَّزِيزُ(3)

فَهَلْ لَكَ أَنْ تَلُومَ عَلَى وَلائِي *** لَآلِ البَيْتِ وَ المَوْلَى عَزِيزُ

ص: 339


1- سُلو: نسيان الشيء حيث تطيب نفس الإنسان عنه و يذهل عن ذكره و هجره. ضنَّ: بخل لحيز: شحيح و بخيل.
2- نوافح: انتشارات الروائح. لطيم المسك: اللطيم هو المسك أو نافجة المسك. ضوعاً: انتشار الرائحة. حِرْز: نصيب حريز: مُحرز.
3- استاف: اشتم. المحوّب: الآثم المذنب. لزيز: لصيق.

(3) شفيعة الحشر

(بحر المجتثَ)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أَفَقْتُ مِنْ بَعْدِ نَوْمٍ *** قَدْ طَالَ عَهْداً وَ مَغْزَى

وَجَدْتُ فِي القَلْبِ وَجْداً *** بَيْنَ الضُّلُوع تَنَزَّى

أَضْنَانِيَ البَحْثُ سَيْراً *** فَمَا تَلَکّأْتُ قَفزا(2)

وَ رُحْتُ أَطْلُبُ أَمْراً *** يَلُوحُ فِي الأُفُقِ رَمْزا(3)

كَيْفَ النَّجَاةُ بِحَشْرٍ *** لِمَنْ تَمَادَى وَ أَخْزَى

وَ مَا توَرَّعَ ذَنْباً *** فِي النَّاسِ غَمْزاً وَ لَمْزَا(4)

حَتَّي وَجَدْتُ طَرِيقاً *** أَنْ كَيْفَ أَنْجُو وَ أُجْزَى

وَجَدْتُ أَقْوَال طهَ *** وَمَا إِلَى اللَّهِ يُعْزَى(5)

يُوصِي بِفَاطِمَ حُبّاً *** يَقُولُ حَسْبُكَ كَنْزَا

شَفِيعَةُ الحَشْرِ تَبْدُو *** إِنْ سَاقَنِي الذَّنْبُ وَخْزا(6)

ص: 340


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أضناني: أمرضني بحيث تمكّن منّي الضعف و الهزال. تلكأتُ: أبطأت و توقَفْتُ.
3- يلوح: يبدو و يظهر.
4- غمزاً: غمز بالرجل و عليه بمعنى طعن عليه و سعى به شرّاً. لمزه: عابه أو أشار إليه بعينه و نحوها مع كلام خفيّ.
5- يُعزى: يُنسب.
6- وخزا: وخزه أي طعنهُ طعنة غير نافذة بإبرة أو رمح أو نحوهما و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب فرائد السمطين ج2 ص67 : عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي، و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبّ فاطمة علیها السلام ينفع في من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة...

وَ عِنْدَهَاسَأُنَادِي *** كَيْفَ المُحِبُّ سَيُجْزَى ندَهَا

هيْهَاتَ أَنْتِ وَلاَئِي *** أَفِي جَهَنَّمَ أُرْزا؟

إِنَّ الشَّيَاطِينَ رَاحَتْ *** تَؤُزُّ أَعدَاکِ أَزّا

إِلَى الجَحِيمِ وَ مِنْهُمْ *** فَلَسْتُ أَسْمَعُ رِكْزَا(1)

هَيْهَاتَ أُحْشَرُ فِيهِمْ *** وَإِنْ تَقَطَّعْتُ جَزّا

إِنَّ الجِنَانَ تُنَادِي *** يَكْفِي مُحِبَّكِ عِزَّا

ص: 341


1- الركز: الصوت الخفي أو الحسن.

ص: 342

ص: 343

قافية السين

اشارة

ص: 344

(1) بنت الكرام

(بحر الكامل)

الأستاذ إبراهيم محمد جواد (*)(1)

كُمْ ذَا أُريتُ بِعَثَمَةِ الأَغْلاسِ *** حُلْماً جميلاً هَزَّ لِي إِحْساسِي(2)

حَشْرٌ وَ نَشْرٌ وَ ازْدِحامٌ مُرْعِبٌ *** وَ تَرادُفُ الأَلْوانِ و الأَجْناسِ!

وَ تَزاوُجٌ وَ تَمازُجٌ وَتَماوُجٌ *** وَ تَدافُعٌ كَتَدافُعٌ الأَفراسِ!

وَ مَعَ الخَلائِقِ قَدْ حُشِرْتُ كَمَا أَنَا *** دُونِي و خَلْفِي جَنَّةٌ وَ أَناسِي

ص: 345


1- (*) هو الأستاذ إبراهيم بن محمد بن جواد. ولد في سوريا -إدلب- الفوعة سنة (1356 ه_) الموافق لعام (1937م) فنشأ و ترعرع في أحضان أسرته حتى صلب عوده و سمت منزلته. دخل المدارس الابتدائية و المتوسطة و الثانوية ثم واصل تحصيله العلمي إلى أن تخرج من جامعة دمشق و هو يحمل شهادة كلية الشريعة في سنة (1968 م). و المترجَم له أديب لامع في سماء العلم و الأدب و التأليف و هو يقرض الشعر و يتناول في نظمه أغراض الشعر المألوفة، فهو متنوّع الأغراض، حافل بالصور و الأخيلة و الأفكار، و أكثر نظمه في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام، و قد نشر الكثير من شعره في الصحف. ألف كتباً كثيرة منها: 1- فاطمة الزهراء علیها السلام صوت الحق و صرخة الصدق - مطبوع. 2- زينب الكبرى علیها السلام صوت الثورة و صدى الرسالة. 3- الأسس العامة للاقتصاد الإسلامي. 4- ديوان شعر بعنوان عرس الشهادة. 5- استمرار النشيد - شعر. 6- قيثارة الولاء -شعر. 7- الوعد الإلهي، و غير ذلك من الكتب القيمة.
2- الأغلاس: ظلمات أواخر الليل.

قَدْ كَدَّنِي عَرَقٌ نَصَبَّبَ سَیْلُهُ *** وَ أَصابَنِي بِالهَمِّ و الإِبْلاَسِ(1)

جَسَدِي تَجَهَّمَ لِي وَ أَبْدَى نُفْرَةً *** مِنِّي وَ رُوحِي مِنْ جَفَاهُ تُقاسِي(2)

وَ النَّفْسُ قَدْ نَدِمَتْ عَلى مَا قَدَّمَتْ *** وَ تَقَدَّمت لِلرُّوحِ بِالإِيئاسِ

***

بَيْنا أَنَا مُتَجَهَّمٌ مُتَحَيِّرٌ *** فَلِقٌ وَ قَدْ كَتَمَ الأَسَى أَنْفاسِي

وَإِذَا بِحانِيَةٍ عَليَّ تَقُودُنِي *** بَيْنَ الوُرودِ وَ خُضْرَةِ المِيماسِ(3)

وَ تَقُولُ لِي اخْتَرْ لِنَفْسِكَ دَوْحَةً *** فِي رَوْضَةٍ مَؤفُورَةِ الإِيناسِ

هذِي جِنانُ الخُلْدِ فَادْخُلُ هانِئاً *** وَ لَكَ التَّنَقُّلُ دُونَما حُرّاسِ

وَ لَكَ القُصُورُ الْعَالِياتُ وَ غُرْفَةٌ *** وَ الحُورُ تَخْطُرُ بُكْرَةً وَ أماسِي

***

فَشَكَرْتُ، حَانِيةً عَليَّ لِفَضْلِها *** و عَجِبْتُ كَيْفَ شَرِبْتُ مِنْ ذِي الكاسِ

وَ سَأَلْتُ با بنت الكرام أفاطِمٌ *** قَالَتْ أَیَا لِفُؤادِكَ الحَسّاسِ

زَهْراءُ سَيِّدةُ النِّساءِ تَحِيَّةً *** مِنْ مُذْنِبٍ قَدْ غاصَ فِي الأَدْنَاسِ(4)

لايَكْتَفِي بِالذَّنْبِ يَفْعَلُ خِلْسَةً *** حَتَّى يُذِيعَ بِرَنَّةِ الأَجْراسِ

ص: 346


1- الإبلاس: الانكسار و الحزن و التحيّر.
2- تجهَّم: استقبل بوجهٍ عبوسِ كريه.
3- الحانية: العاطفة، و الظاهر أنه أراد ب_ «الحانية» الزهراء علیها السلام ما جاء في المناقب الجزء الثالث ص357 مؤسسة انتشارات علامة. قم المطبعة العلمية بقم: «فاطمة، البتول، الحصان، الحرّة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدّثة، مریم الكبرى، الصديقة الكبرى. و يقال لها في السماء: النوريَّة، السماوية، الحانية».
4- الظاهر أنه أراد ب_ (الزهراء) ما ورد في الرواية الواردة في دلائل الإمامة الطبعة الثالثة منشورات الرضا. قم ص54: عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام: عن فاطمة علیها السلام لم سمّيت الزهراء؟ فقال: لأنها علیها السلام كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».

فيمَ الشَّفاعَةُ لي و إِنِّي غارِقٌ *** فِي الإِثْمِ مِنْ قَدَمي لِقِمَّةِ رَاسِي؟!

***

مالَتْ عَلَى الدَّاءِ الوَبِيلِ تَجُسُّهُ *** تَسْتَأْصِلُ الأَوْرَامَ مِثْلَ نِطَاسِي(1)

و تُهَدْهِدُ القَلب الحَزِينَ بِنَظرَةٍ *** نَبَويَّةٍ تَدْعُوهُ لِلإسْلاسِ(2)

قالَتْ ذُنُوبُكَ كُلُّها مَغْفُورَةٌ *** مُحِيَتْ بمَا قَدَّمْتَ من أغْراسِ(3)

لاتَعْجَبَنَّ إِذا أَتَتْكَ شَفاعَتِي *** فَلَكُمْ رَجَمْتَ وَ ساوِسَ الوَسْواسِ

وَ لَكُمْ هَتَفتَ بحبِّ آلِ مُحَمَّدٍ *** حَتَّى تَصَدَّعَ حَافِقُ الخَنَّاسِ

وَ بَلابِلُ الأَفْنانِ يَحْلُو شَدوُها *** فوقَ الغُصونِ وَ فَرْعِها المَياسِ(4)

فَبِكُلِّ قافِيةٍ زَهَتْ فَوْقَ الثَّرَى *** غَرْسٌ فَلاتَقْصُرْ عَنِ الأَعْراسِ

وَ بِكُلِّ أُغْنِيَةٍ شَدَتْ بَيْنَ الوَرى *** لَكِ مَنْزِلٌ يَعْلُو على الأَوْراسِ(5)

***

هِيَ ذِي المكارِمُ قَدْ عَلِمْتُ أُصُولَها *** أَلمُصْطَفَى أَرْكَانُها و مَراسِي

ص: 347


1- تجسُّهُ: تمسه بيدها لتتعرفه. تستأصل: تقلعها من أصولها. النطاسي: الطبيب الحاذق.
2- أسلس قياده: صيّره سلساً سهلاً و السلس: السهولة و الانقياد.
3- لعل ما جاء في «عوالم سيدة النساء ج2 ص1186 ط الثالثة مطبعة أمير/ قم عن كتاب «الثاقب في المناقب» ص293 ح2500 يشير إلى هذا المعنى: روي عن سلمان قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة علیها السلام في حديث إلى أن قال. قال صلي الله علیه و آله و سلم: والذي بعثني بالرسالة و اصطفاني بالنبوَّة، قد حَرّمَ الله «تعالى» النار على لحم فاطمة علیها السلام و دمها و شعرها و عصبها و عظمها و ذريتها و شيعتها. إن من نسل فاطمة علیها السلام من تطيعه النار و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و تضرب الجن بين يديه بالسيف و يوافي إليه الأنبياء بعهودهم و تسلّم إليه الأرض كنوزها وينزل عليه من السماء بركات ما فيها. الويل لمن شك في فضل فاطمة علیها السلام لعن الله من يبغضها و يبغض بعلها و لم يرض بإمامة. ولدها. إن لفاطمة علیها السلام يوم القيامة موقفاً و لشيعتها موقفاً. وإن فاطمة علیها السلام تدعى و تكسى و تشفع فتشفّع على رغم كل راغم».
4- الميّاس: المتمايل المتبختِر.
5- الأوراس: الوَرْس نبات كالسمسم يصبغ به و يتخذ منه الزعفران.

وَمِنَ النَّبِيِّ تَفَرَّعَتْ أَغْصَانُها *** و اخْضَوْضَرَتْ فِي الآلِ خَيْرِ النَّاسِ

زَهْراءُ قِمْتُها وَ تَاجُ كَمالِها *** وَ المُقْتَدَى للناسِ كالنِّبْراسِ

هِيَ لِلنَّبِيِّ الأُمُّ وَ البِنْتُ الَّتِي *** تَأْسُو الجِراحَ بِخِبْرَةٍ وَ مِراسِ(1)

كَمْ ذا تَشَوَّفتِ الرّجالَ لِمِعْصَمٍ *** يَرْجُونَ مِسْكَ طِباقِها و جِناسِ

رامُوا العُلُوَّ فمَا اسْتَطَاعُوا نَيْلَهُ *** وَ تَقاذَفَتْهُمْ خَيْبَةُ المُحْتاسِ(2)

لولا عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفُواً لها *** أَحَدٌ يُوانِسُ دَرْبَها وَيُواسِي(3)

هِيَ لِلْوَصِيِّ الزَّوْجُ تَفْرِسُ دَرْبَهُ *** بِالرَّوْحِ وَ الرَّيْحانِ و الأَقْواسِ(4)

هِيَ لِلْعَطاءِ مَواقِفٌ مَشْهُودَةٌ *** وَ عَزائِمٌ مِثْلُ الجبالِ رَواسِي(5)

ص: 348


1- يشير إلى ما جاء في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج12 الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية. دار صادر بيروت ص440 : فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام».
2- المحتاس: المتوجَع، أو المتحيَّر.
3- قد يشير هذا البيت إلى الرواية الواردة في ينابيع المودة ج1 انتشارات الشريف الرضي الطبعة الأولى في إيران 1413 ص208: «لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ».
4- لعل ما جاء في الرواية الواردة في «کشف الغمة» لأبي فتح الأربلي ج1 ص363 دار الكتاب الإسلامي -بيروت تشير إلى بعض هذا المعنى: قال علي علیه السلام: فواللَّه ما أغضبتها، و لاأكرهتها على أمر حتى قبضها الله «عزوجل» و لاأغضبتني و لاعصت لي أمراً، و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان».
5- في الرواية الواردة في «بحارالأنوار» ج43 ص56 ح50 ط / الثانية. مؤسسة الوفاء. بیروت، نقلاً عن كتاب «بشارة المصطفى» إشارة إلى بعض ذلك: «عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلَّى بنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم صلاة العصر فلما انقتل جلس في قبلته و الناس حوله فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلّل و أخلق و هو لايكاد يتمالك كبراً و ضعفاً فأقبل عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يستحثه الخبر فقال الشيخ: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم أنا جائع الكبد فأطعمني و عاري الجسد فأكسني و فقير فارشني... فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما أجد لك شيئاً ولكن الدال على الخير كفاعله انطلق إلى منزل من يحب الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم ويحبه الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم يؤثر الله على نفسه انطلق إلى حجرة، فاطمة علیها السلام و كان بيتها ملاصق بيت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه و قال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة علیها السلام، فانطلق الأعرابي مع بلال فلما وقف على باب فاطمة علیها السلام نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوَّة صلي الله علیه و آله و سلم و مختلف الملائكة و مهبط جبرائيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين. فقالت فاطمة علیها السلام: و عليك السلام فمن أنت يا هذا؟ قال شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجراً من شقّة و أنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمك الله و كان لفاطمة و علي علیهما السلام في تلك الحال و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً و قد علم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذلك من شأنهما... فعمدت فاطمة علیها السلام إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن و الحسين علیهما السلام. فقالت: خذ هذا أيها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه... قال الأعرابي: يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم شكوت إليك الجوع فناولتيني جلد كبش ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب، قال: فعمدت لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان فى عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب فقطعته من عنقها و نبذته إلى الأعرابي فقالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه، فأخذ الأعرابي العقد و انطلق إلى مسجد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و النبي صلي الله علیه و آله و سلم جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطتني فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم هذا العقد فقالت: بعه فعسى الله أن يصنع لك. قال: فبكى النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: و كيف لایصنع الله لك و قد أعطتكه فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم سيدة بنات آدم.

هِيَ للطَّهارَةِ أُسها وَ أَسَاسُها *** هِيَ لِلْفَضِيلَةِ عِصْمَةُ المِقْياسِ(1)

ص: 349


1- ربما أراد الإشارة إلى الرواية الواردة في «دلائل لإمامة» للطبري ص 8 الطبعة الثالثة... منشورات الرضا علیه السلام- قم... «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ قال: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوجها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هجرتها نسوة قلة فكن لايدخلن إليها و لايسلمن عليها و لايتركن امرأة تدخل إليها فاستوحشت خديجة من ذلك فلما حملت بفاطمة علیها السلام و كانت خديجة علیها السلام تغتم و تحزن إذا خرج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبرها وكان حزن خديجة علیها السلام من حذرها على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و كانت خديجة علیها السلام تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخل يوماً فسمع فاطمة تحدث خديجة فقال: يا خديجة علیها السلام من يحدثك ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني. فقال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرائيل يبشرني بأنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة علیها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش و بني هاشم ليلين منها ما تلي النساء من النساء... فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنهن من نساء هاشم ففزعت منهن فقالت إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فأنا رسل ربك إليك... فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا في غربها موضع إلاّ أشرق فيه النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها و دخلت عشر من الحور العين... و تباشرت الحور العين و بشِّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادتها و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم و بذلك لقبِّت بالزهراء علیها السلام ثم قالت: خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة علیها السلام فرحة مستبشرة.

هِيَ لِلْعُلوّ شَعائِرٌ وَ مَناسِكٌ *** وَ مَعارِجُ عَزَّتْ على الإِرْكاسِ(1)

ص: 350


1- الأركاس: جمع الركس و هو البناء الذي يرمم بعد الانهدام أو الجسر. من كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام صوت الحق و صرخة الصدق ص19.

(2) عظمت مقاماً

(بحر الكامل)

الشيخ جعفر العوامي(*)(1)

كَبُرَتْ عَوالِمُ جَوْهَرِ الْقُدْسِ *** و عَلَتْ مَعَالِمُها عَلَى الْكُرْسِي

مَلأَتْ مَصَائِبُها الْعَوالِمَ حَيْثُما *** وَقَعَتْ فَلاَ تُحْصَى عَلَى طِرْسِ(2)

أَعْنِي الْبَتُولَةَ فَاطِمَاً مَنْ قَدْ حَوَتْ *** نُوراً بِهِ تَعْلُو النُّجُومُ عَلَى الشَّمْسِ(3)

ص: 351


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- طرس: والجمع أطراس أو طروس و هو الصحيفة عموماً أو الصحيفة التي محيت ثم كتبت و في البيت إشارة إلى ما ورد في الرواية الواردة في (عوالم سيدة النساء) ج2/11 ص545 الطبعة الثالثة منقولة عن «كامل الزيارات». «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أُسري بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم قيل له: إن الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك. قال: أسلم لأمرك يا رب و لاقوة لي على الصبر إلا بك، فما هنّ؟ قيل أولاهن: الجوع و الأثرة على نفسك و على أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يا رب و رضيت و سلّمت و منك التوفيق و الصبر؛ و أما الثانية: فالتكذيب و الخوف الشديد و بِذَلَك مهجتك فيّ و في محاربة أهل الكفر بمالك و نفسك و الصبر على ما يصيبك منهم من الأذى و من أهل النفاق و الألم في الحروب و الجراح. قال: يا رب قبلت و رضيت و سلّمت و منك التوفيق و الصبر. و أما الثالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل: أمّا أخوك علي فيلقى من أمتك الشتم و التضعيف و التوبيخ و الحرمان و الجهد و الظلم و آخر ذلك القتل؛ فقال يا رب سلّمت و قبلت و منك التوفيق و الصبر. و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسّها هوان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، قبلت يا رب، و سلّمت و منك التوفيق و الصبر.
3- الإشارة إلى معنى «البتولة» وردت في «علل الشرايع» ج1 ص215 باب144 الطبعة الأولى - مؤسسة الأعلمي. عن عمر بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب علیه السلام: إن النبي صلي الله علیه و آله وسلم سُئِلَ ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم تقول: إن مريم بتول و فاطمة بتول علیهما السلام، فقال: البتول التي لم ترَ حمرة قط أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء».

بنْتُ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ أَحْمدَ مَنْ *** جَلَّتْ عَنِ الأهْوَاءِ وَ الحَدْسِ

عَظُمَتْ مَقَاماً أَنْ تُبَارَى فِي الوَرَى *** فَلِذَاكَ عَزَّتْ فِي الْعَلاءِ عَنِ اللَّمْسِ(1)

ص: 352


1- تباري: تسابق و تعارض و الأبيات فيها عيب من عيوب القافية و هو (التجريد). لاختلاف الضرب في الأبيات مضافاً إلى الزحاف. نقلت من أعلام العوامية لسعيد أبوالمكارم.

(3) خامسة الأشباح

(بحر الطويل)

السيد صالح الحلي (*)(1)

خَلِيلَيَّ عُوجا بِي عَلَى الْحَيِّ وَاحْبِسا *** فَلُوْصَيْكُما فِي رَامَةٍ لا تُغَلِّسا(2)

أَقِيما عَلى وَادِيهِمُ عُمْرَ سَاعَةٍ *** فَقَلْبِي مَعَ الْحَيُّ الْمُعَرِّسِ عَرَّسا

أسائِلُ عَنْهُمْ كُلَّما مرَّرَاكِبٌ *** أُعَلِّلُ نَفْسِي فِي لَعَلَّ وَ فِي عَسَى

إِذا مَا سَرَوْا فَالنَّجْمُ يَسْتُرُ نُورَهُ *** وَ هُمْ أَنْجُمُ السَّارِي إِذا اللَّيلُ عَسْعَسا

لَقَدْ صِرْتُ سَلْسَ الإِنْقِيادِ لِعِيسِهِمْ *** وَلَكِنَّ عِيسَ الظَّعْنِ قَدْ صِرْنَ شُمَّسَا(3)

سَقَوْني كُؤُوسَ الْحَتْفِ حَتَّى تَساقَطَ *** الَّذِي قَدْ سَقَوْنِي مِنْ جُفونِيَ أَكْوسا

وَ قَاسَمَني الدَّهْرُ الجِوارَ فَجَارُهُمْ *** فُؤَادِي وَ جَارِي الدَّمْعِ بِالحُمْرَةِ اكْتَسَى

تَكادُ الثَّرى تَخْضَرُّ مِنْ صَبْ دَمْعِهِ *** وَ تُحْرَقُ مِنْ أَنْفَاسِهِ إِنْ تَنَفَّسا

فَلا دَمْعُهُ يُظفِي حَرارَةَ وَجُدِهِ *** وَ لاالوَجْدُ لِلدَّمْعِ المُرَفرَقِ أَيْبَسا

خَلِيليَّ مَا وَجْدِي لِفَقْدِ أَحِبَّتِي *** وَلَكِنَّمَا وَجْدِي (لِسَيدَةِ النِّسَا)

هِيَ البَضْعَةُ الزَّهْرَا سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ *** وَ خامِسَةُ الأَشْبَاحِ صَاحِبَةُ (الْكِسَا)(4)

ص: 353


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- القَلوص: الانثى الشابَةَ و من الإبل: الطويلة القوائم أو الشابة منها. رامة: مستنقع يجتمع فيه الماء. لاتغلّس: : لاترد الماء في الغَلس و هو ظلمة آخر الليل.
3- العيس: الإبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف أو هي كرام الإبل. شُمَّسا: من الدوابَ ما لايمكنُ أحداً من ركوبه أو إسراجه و لايكاد يستقرَّ.
4- في سنن الترمذي ج5 كتاب المناقب باب فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم ح3869 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يُنصبني ما أنصبها». و في صحيح البخاري ج3 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ومنقبة فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم ح3510 ط بيروت عن المِسْوَرِ بن مخرمة: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و راجع صحيح مسلم ج5 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم ح93. و في الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ للسيوطي تفسير سورة الأحزاب الآية 33 ط بيروت: عن أم سلمة (رضي الله عنها) زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كان في بيتها على منافة لهم عليه كساء خيبري. فجاءت فاطمة علیها السلام ببرمة فيها خزيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ادعي زوجك و ابنيك حسناً و حسيناً علیهما السلام فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». فأخذ النبي صلي الله علیه و آله و سلم بفضلة إزاره فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء و أومأ بها إلى السماء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و خاصتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً» قالها ثلاث مرات. قالت أم سلمة «رضي الله عنها»: فأدخلت رأسي في الستر. فقلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أنا معكم فقال: إنك إلى خير مرتين. و راجع سنن الترمذي ج5 كتاب المناقب باب فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم ح 3871.

فَلَيْتَ رَسُولَ اللهِ يَنْظُرُ (صِهْرَهُ) *** عَلَى الرَّغْمِ مَرْؤُوساً (وَ تَيْماً) مُرَأْسَا

لَقَدْ كَانَ دَهْرِي قَبْلَ يَوْمِكَ بَاسِماً *** فَدَهْرِيَ مِنْ بَعْدِ افْتِقادِكَ عُبَّسَا(1)

لَقَدْ أَضْرَموا البَيْتَ الَّذِي فِيهِ لَمْ تَزلْ *** مَلائِكَةُ الرَّحْمَنِ تَرْعَاهُ حُرَّسَا(2)

قَدِ اسْوَدَّ مِنْهَا المَتْنُ وَ احْمَرَّ خَدُّها *** وَ أَسْعَدُ مَا لا قَتْهُ فِي النَّاسِ أَتْعَسَا(3)

ص: 354


1- كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في حياته يحنو على فاطمة علیها السلام فهي أحب الناس إليه «سنن الترمذي ح 3874» و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها و أجلسها في مجلسه «سنن الترمذي 3872» إلى آخر الروايات التي تشعرنا بأن الدهر كان يبتسم لها و بعد وفاة أبيها صلي الله علیه و آله و سلم أخذت المصائب تتوالى عليها حيث اغتصبوا إرثها في فدك «شرح نهج البلاغة 284/16» و هجموا على دارها و أحرقوا بابه «تاريخ الطبري ج 3/ 198» و ضربوها و كسروا ضلعها «الاحتجاج ج1 ص109» و أسقطوا جنينها الوافي بالوفيات ج5 ص347» و قد تقدمت تفاصيل كثيرة عن ذلك في قصائد متعددة.
2- في الإمامة والسياسة ج1 ص19 ط مصر. قال: و إن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له: يا أباحفص: إن فيها فاطمة علیها السلام فقال: وإن... راجع أنساب الاشراف ج1 ص268 في موضوع أمر السقيفة أيضاً.
3- في كتاب سليم بن قيس ص36 ط طهران. أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل عمر معهم فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ و دعا عمر بالنار فأحرقها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر ثم اقتحم قنفذ و أصحابه بغير إذن و ضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و إن في عضدها مثل الدملج من ضربته...

عَجِبْتُ لِمَنْ لَمْ يَنْسَ صَوْلَةً حَيْدَرٍ *** فَكَيْفَ لَحَاهُ اللهُ مِنْ بَعْدُ قَدْ نَسَى(1)

وَصَالَ عَلَى ذَاكَ الْهِزَبْرِ وَقَادَهُ *** بِحَبْلِ بِرَغْمِ الدِّينِ يَنْقَادُ مُبْلَسا(2)

عَلَى مِنْبَرِ الْهَادِي عَلَا (ابْنُ فُلانَةٍ) *** وَ وَارِثُ عِلْمِ اللهِ فِي الدَّارِ أُجْلِسا

لقد أَسْسَ الظُّلْمَ (ابنُ تَيْمِ بْنِ مُرَّةٍ) *** وَ عَلَّى (ابْنُ هِنْدٍ) فَوْقَ مَا كَانَ أَسَّسا

دَعَا ابْنُ الدَّعِي الرِّجْسُ نَغْلَ أُمَيَّةٍ *** وَ قَدْ كَانَ أَدْعِى مِنْ يَزِيدٍ وَ أَنْحَسَا

فأَثْبَتَ رُكْنَ الشِّرْكِ بَعْدَ انْهِدَامِهِ *** وَ خَفَّ بِطَوْدِ الدِّينِ مِنْ بَعدِ مَا رَسا

أَتَتْ مِثْلَ مَجْرَى السَّيْلِ فَاسْوَدَّتِ الْفَضا *** فَلَمْ تَرَ فِي أَرْضِ مِنَ الْجُنْدِ مَجْلِسا

أبَى أَنْ يَحلَّ الضَّيْمُ سَاحَةَ رَبْعِهِ *** وَ نَزَّهَ مِنْ تَيْمِ الدَّنِيَّةِ مَعْطَسا

سَعى للرَّدى في فِتْيَةٍ تُرْهِبُ العِدَى *** وَ تُفْدِي لِحِفْظِ الدِّينِ فِي اللهِ أَنْفُسا(3)

سَطَوْا فَسَقَوْا أَعْدَاءَهُمْ جُرَعَ الرَّدَى *** مَضَوْا فَقَضَوْا حَقَّ الهُدَى حِينَ أَطْمِسا

إِذا نَظَرُوا لِلشُّوسِ شَزْراً تَقَطَّعَتْ *** عَلَى وَجَلٍ أَكْبَادُ مَنْ كَانَ أَشْوَسا(4)

كَأَنَّ السُّيوف المَشْرَفِيَّاتِ أَنْجُمٌ *** بِأَفْقِ غُبارٌ مِنْ رُكامٍ تَحَنْدَسا(5)

كأَنَّ القَنا الخَطيَّ أَغصانُ دَوْحَةٍ *** تُخالِفُ مِنْهَا شَمَالُ الرِّيحِ أَرْؤُسا

ص: 355


1- لحاه: شتمه وعابه، أو لعنه.
2- في الاحتجاح للطبرسي، ط قم ، ج1 ص109: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و انطلقوا بعلي علیه السلام ملبباً بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر.
3- الردي: الموت.
4- الشوس: الطوال الأشداء في القتال. شزراً: النظر إلى الشيء بجانب العين مع إعراض أو غضب.
5- تحندس: أظلم.

كَأَنَّ اعتناق السُّوسِ في حَومَةِ الوغى *** به نَيْلُ آمال لها الدَّهرُ حَبَّسا

كأَنَّ اصْطِلكاكَ البِيْضِ في البيضِ عِنْدَهُمْ *** تَرَنُّمُ شَادٍ في حُمَيَّا قَدِ احْتَسَى

رَمَتْ آلَ حَرْبٍ حَرْبَ آلِ مُحَمَّدٍ *** بِجَيْشِ لُهام في الصَّلالَةِ أُرْكِسا(1)

وَ بَاعَ (ابْنُ سَعْدٍ) دِينَهُ بِدَنِيَّةٍ *** فَأَصْبَحَ مِنْ دُنْيَاهُ وَ الدِّينِ مُفْلِسا(2)

ص: 356


1- جيش لُهام: الجيش العظيم كأنه يلتهم كل شيء.
2- عن ديوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص91.

(4) تشتكي فاطم علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الواحد مظفر(*)(1)

سَلامٌ عَلَى بَابِ الْحَوَائِجِ عَبَّاسِ *** شِبْلِ الْوَصِيِّ عَليٍّ فارِسِ النَّاسِ

إِنَّ حَامِي الْحِمَى الْحُسْنَى مَوَاهِبَهُ *** فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَ الْمَعْرُوفِ وَ البَاسِ

هُوَ المِجَنُّ لاِحْدَاثِ الزَّمَانِ لَنَا *** وَ الْعَوْنُ عِنْدَ لِقَاءِ الْفَادِحِ الْقَاسِي(2)

إنّ الحدِيثَ الَّذِي يَرْوِي كَرَامَتَهُ *** عِنْدِي صَحِيحٌ عَلَى الْعَيْنَيْنِ وَ الرَّاسِ

قَدْ ثَبَّتَ اللَّهُ فِيهِمْ رُكْنَ مِلَّتِهِ *** لاَيَثْبُتَنَّ الْبِنَا إِلاَّ بآساسِ

وَ إِنَّهُمْ عِندَنَا سُفْنُ النَّجاةِ لَنَا *** وَمَا عَلَيْنَا بِنَقْدِ الْخَصْمِ مِنْ بَاسِ

نَرْجُو الشَّفَاعَةَ مِنْهُمْ فِي المَعادِ لَنا *** لَسْنَا مِنَ الْفَوْزِ بِالْفَرْدَوْسِ فِي يَاسِ

وَإِنَّمَا رِيُّنا مِنْ حَوْضِ كَوْثَرِهِمْ *** كَاسٌ هَيِّنٌ رَوِيٌّ طَابَ مِنْ كَاسِ

سَيأمُرون غَداً فِينَا إلى غُرَفٍ *** مَحْفُوقَة بِرِياضِ الوَرْدِ وَ الآسِ(3)

فَالأمِنونَ مِنَ النِّيرانِ شِيعَتُهُمْ *** إِنْ أُوقِدَتْ بِالْحِجَارِ الصُّلْدِ وَ النَّاسِ(4)

وَإِنَّ شِيعَتَهُمْ فِي الحَشْرِ مَنْزِلِهُمْ *** بَيْنَ النَّبِيِّينَ مِثْلَ الْخِفْرِ وَ الْيَاسِ

رَوْحٌ و رَيْحانٌ فِيهَا وَ النَّعِيمُ بِها *** عَرْفٌ ذَكَا نَشْرُهُ مِن طِيبِ انْفَاسِ

ص: 357


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المِجَنّ: كلّ ما وقى من السلاح الترس الذي يستر حامله.
3- الآس: جنس نبات من فصيلة الآسيات ورقه دائم الخضرة زهره أبيض ثماره صغيرة و لذيذة و هي بيضاء و سوداء و يسمّى أيضاً الريحان.
4- الحجار الصُّلْد: الصُّلب.

وَ الجَاحِدُونَ لَهُمْ فِي قَعْرِ مَظْلَمَةٍ *** مَعَ الشَّيَاطِينَ في ذُلُّ وَ إِبْلاسِ(1)

يُكَبُّ ظَالِمُهُمْ وَ الْقَاتِلُونَ لَهُمْ *** عَلَى المَناخِرِ فِي النِّيرانِ و الرَّاسِ

إِنْ تشتكِي فَاطِمُ الزَّهراءُ مَا لَقِيَتْ *** أَبْنَاؤُهَا مِنْ صَنِيع الأُمَّةِ القَاسِي

تَجِيءُ تَحْمِلُ رَأْسَ السِّبْطِ مُهْجَتِها *** و طفْلَهُ وَ يَدَيْ ذِي الْفَضْلِ عَبَّاسِ

هُنَاكَ يَشْتَدُّ سُخط اللَّهِ إِذْ غَضِبَتْ *** بِنْتُ النَّبِيِّ عَلَى الجَانِي مِنَ النَّاسِ(2)

ص: 358


1- إبْلاس: قلّة الخير، انكسار و حُزن، تحيّر.
2- بطل العلقمي ج3 ص427 و القصيدة في أبي الفضل العباس: ولكن حيث أشار الشاعر فيها إلى الزهراء علیها السلام ذكرنا قصيدته.

(5) الخدر المصون

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أعَلِّلُ فِي خُطُوبِ الدَّهْرِ نَفْسِي *** بِمَا قَدْ لأقَتِ الزَّهْرَاءُ أَمْسِ(2)

وَ مَنْ يَمْدُدْ لآلِ الْبَيْتِ حَبْلاً *** يَجِدثِقَلَ الخُطوب خَفِيفَ جَسِّ(3)

إذا ضَاقَتْ بِكَ الدُّنْيَا فَوَجُهُ *** سَفِينَ رَجاكَ نَحْوَ الصَّبْرِ وَارْسِ

تَأسَّ بِمَنْ تَحَيَّفَهُمْ زَمَانٌ *** أَبَى أَنْ لايُصاحِبَ غَيْرَ نِكْسِ(4)

عَلى قَدْرِ احْتِمَالِكَ فِي الرَّزَايَا *** تَجِيءُ خُطاكَ فِي دَرْبِ التَّأَسِّي

فَمَا الأمْرُ الَّذِي يُضْنِيكَ إِلاّ *** نَزائِرُ شِقْوَةٍ وَ خِفافُ مَيْسِ؟(5)

تَرُوحُ عَلَى التّاؤُه وَ التَّشَظْي *** وَ تَغْدُو حِلسَ أفَّ ثُمَّ تُمْسِي(6)

ص: 359


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- جاء في الرواية عن «أمالي الطوسي» ص191 مؤسسة الوفاء. بيروت، الطبعة الثانية .(1981). بعض الإشارة إلى مضمون البيت: «عن عبد الله بن العباس قال: لما حضرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي و ما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة علیها السلام ابنتي و قد ظلمت بعدي و هي تنادي «يا أبتاه يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم» فلا يعينها أحد من أمتي فسمعت ذلك فاطمة علیها السلام فبكت فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لاتبكين يا بنية. فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها: أبشري يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بسرعة اللحاق بي، فإنکَ أول من يلحق بي من أهل بيتي».
3- خفيف جس: خفيف المس باليد ليتعرَّفه.
4- تحيَّفهم: تنقصهم و أخذهم من جوانبهم. نكس: رجل ضعيف دنيء لاخير فيه.
5- يضنيك: يمرضك من التعب و الهزال مَيْسِ: رحل أو المشي على نحو التمايل و التبختر.
6- التشظى: الانشقاق و التفرق حلس: ملازم بحيث لايبرح.

فَأَيْنَ حَلاوَةُ الإِيمَانِ إِلاّ *** تُحَصِّدُ مِنْ يَقِينِكَ كُلَّ مَرسِ؟(1)

وَ أَيْنَ تَقَحُّمُ الأَبْطالِ إِلاّ *** تَخُضْ دَأْمَاهَا بِوَتَابِ حُمْس؟(2)

عَلَى قَدَرٍ قُسُومُ النَّاسِ تَجْرِي *** سَواسِيَةٌ بِلاَتَبْعِيضِ جِنْسِ

وَ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الرَّحْمنِ ناضٍ *** ثِيابَ السُّوءِ مِنْ دَرَنٍ مُخِسِّ(3)

أَلَمْ تَرَ لِلَّذِينَ مَضَوْا خِفافاً *** تَسامَوْا فِي الفَضِيلةِ دُونَ رِكْسِ؟(4)

عَلَى الشَّهَواتِ مَا سَجَرُوا أَتُونَا *** وَ فِي الشُّبُهَاتِ مَا انْتَقَبُوا بِلُبْسِ(5)

فَرائِصُهُمْ مِنَ المُثلَاتِ رَجْفَى *** بِيَوْمِ مِنْ عَذَابِ اللهِ نَحْسِ

وَ أَعْيُنُهُمْ مِنَ العَبَراتِ وَ كَفَى *** وَ أَنْفُسُهُمْ نَواشِجُ دونَ نَبْسِ(6)

أُولَئِكَ صَفْوَةٌ شَدُّوا رِحالاً *** إِلَى الأُخْرَى قُبَيْلَ نُزولِ رَمْسِ(7)

رَأَوْا مُتَعَ الحَياةِ إِلَى تَلاشٍ *** وَ أَعْراسَ الْخَطِيئَةِ شَرَّ عُرْسِ

تَقَفَّ خُطاهُمُ وَاجْنَحْ لِسِلْمٍ *** مَعَ الإِيمَانِ تُعْطِ قَرَارَ نَفْسِ

حذارَكَ إِنَّ تِنِّينَ الدَّنايا *** يَنْضِضُ يَدْرِيكَ لِكُلِّ فَرْسِ

وإِنَّ النَّفْسَ مَرْكَبُهَا جَمُوعٌ *** وَ إِنَّ حَلاوَةَ اللَّذَّاتِ تُنْسِي(8)

وَ إِنَّكَ إِنْ أَفَأْتَ إِلى رَشادٍ *** سَلِمْتَ عَلى المدى مِنْ كُلِّ دَهْسِ(9)

إلى جَدَدٍ بِهِ الزَّهْراءُ سارَتْ *** يُؤَطْرُهُ الخُلُودُ بِكُلِّ وَرْسِ(10)

تَضَرَّعَتِ النُّبوَّةُ في رِداها *** وَ عَمَّتْ هَضْبَتَيْ رَضْوَى و قُدْسِ

ص: 360


1- مَرس: سير دائم أو الشدة في معالجة الأشغال.
2- دأماها: بحرها. بوثاب: قفزات. حمس: شداد.
3- ناضِ: مُجرِّدٌ. درن وسخ. مُخس: منقص من القدرة.
4- رکس: رجس.
5- سجروا: أوقدوا. الأتون: موقد النار.
6- وكفى: سيّالة. نواشج: ذوات غصة بالبكاء من غير انتحاب. نبس: تكلم.
7- رمس: قبر ولحد.
8- جموح: يتغلب على راكبه و يذهب به ولا ينثني.
9- آفات: رجعت.
10- يؤطره: يعطفه و يثنيه أو يجعل له إطاراً ورس: نبات كالسمسم.

هِيَ الخِدْرُ المَصُونُ هِيَ التَّجَلِّي *** هِيَ السِّفْرُ المُنفَّدُ كُلَّ نَقْس(1)

هِيَ القَبَسُ الَّذِي ما غاضَ مِنْها *** سَليط في ليالٍ جِد دُمسِ(2)

هِيَ الدَّمْعُ السَّكُوبُ إِذَا اسْتَجاشَتْ *** مَواجِعُها وَ لَيْلُ الهَمْ يُؤْسِي(3)

تُطِيلُ سُجُودَها و تَرُودُ دُنْيا *** مِنَ الإِخْبَاتِ في سَبَحَاتِ حِسِّ(4)

ص: 361


1- النقس: المداد الذي يكتب به. و لعل في البيت إشارة لما في (عوالم العلوم ج1 ص276 الطبعة الثالثة مؤسسة الإمام المهدي (عج الله تعالي فرجه الشریف) قم المقدسة. منقولاً عن كتاب (نوادر الراوندي) ص13: «عن موسى بن جعفر علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: قال علي علیه السلام: استأذن أعمى على فاطمة علیها السلام فحجبته. فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لها : لم حجبته و هو لايراكِ؟ فقالت علیه السلام: إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : أشهد أنَّك بضعة منّي».
2- دُمس: شديدة الظلام. سليط: زيت جيد، كل دهنٍ عُصر من حب.
3- قد يشير الشاعر في هذا البيت إلى كثرة بكائها علیها السلام إشارة إلى الرواية الواردة في «أمالي الصدوق» ص121. (5) منشورات الأعلمي للمطبوعات الطبعة الخامسة (1980) حيث جاء فيها: «عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد علیه السلام قال: البكاؤون خمسة آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة علیهم السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و علي بن الحسين علیه السلام. فأما آدم علیه السلام فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية و أما يعقوب علیه السلام فبكى على يوسف علیه السلام حتى ذهب بصره و حتى قيل له «قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ»، وأما يوسف علیه السلام فبكى على يعقوب علیه السلام حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا إما أن تبكي بالنهار و تسكت بالليل وإما أن تبكي بالليل و تسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما و أما فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة و قالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، و أما علي بن الحسين علیه السلام فبكى على الحسين علیه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى :له جعلت فداك يابن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة علیها السلام إلا خنقتني لذلك عبرة».
4- ربما أراد في هذا البيت ذكر عبادتها و ركوعها و سجودها علیها السلام كما جاء في الرواية الواردة علل الشرائع ج1 ص215 (1) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات الطبعة الأولى (1988). «عن الحسين بن علي علیه السلام عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها بشيء فقلت لها: يا أماه لِمَ لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار». و في كتاب زهد النبي لأبي جعفر أحمد القمّي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلي الله علیه و آله و سلم ««وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» بكى النبي صلي الله علیه و آله و سلم بكاء شديداً و بكت صحابته لبكائه و لم يدروا ما نزل به جبرائيل و لم يستطع أحد من صحابته أن يكلمه. و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا رأى فاطمة علیها السلام فرح بها فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً و هي تطحن فيه و تقول: «وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى» فسلَّم عليها و أخبرها بخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و بكائه. فنهضت و التفت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة و بكى و قال: واحزناه إن بنات قيصر و كسرى لفي السندس و الحرير و ابنة و محمد صلى الله عليه و آله و سلم عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً، فلما دخلت فاطمة علیها السلام على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن سلمان تعجب من لباسي فوالذي بعثك بالحق ما لي و لعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا فإذا كان الليل افترشناه و إن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف. فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يا سلمان إن ابنتي لفي الخيل السوابق... ثم قالت: يا أبت فديتك ما الذي أبكاك؟ فذكر لها ما نزل به جبرائيل من الآيتين المتقدمتين قال: فسقطت فاطمة علیها السلام على وجهها و هي تقول: الويل ثم الويل لمن دخل النار... اعلموا أني فاطمة علیها السلام عبد الحميد المهاجر، ج2 ص233.

و مَنْ شَقَّتْ لَدَيْهِ الرُّوحُ يَسْمَعُ *** مُناجاةَ السَّمَاءِ بِكُلِّ جَرْسِ(1)

ص: 362


1- شفَتَ: رقَّت و نحلت و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

(7) آل فاطمة علیها السلام

(بحر المتقارب)

الشيخ محمد علي الأردوبادي(*)(1)

لِيُهنِي الهُدَى فَيْضُهُ الأَقْدَسُ *** غَداةَ زَهي الثِّقَلُ الأَنْفَسُ

ص: 363


1- (*) هو الشيخ محمد علي ابن الميرزا أبي القاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الأردوبادي التبريرزي النجفي. عالم متضلّع، فقيه بارع، و أديب كبير، و نسبته إلى أردوباد، مدينة تقع على الحدود بين آذربايجان و القفقاس قرب نهر أرس. و كانت ولادته في تبريز في 21 رجب سنة (1312 ه_). و أتى به والده إلى النجف الأشرف بعد عودته إليها في حدود سنة (1315 ه_) فنشأ عليه و وجهه خير توجيه. قرأ مقدمات العلوم على لفيف من رجال الفضل و العلم و حضر في الفقه والأصول على والده و شيخ الشريعة الأصفهاني، و قد أخذ عنه الحديث و الرجال أيضاً، و السيد ميرزا علي ابن المجدد الشيرازي و في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الأصفهاني، و في الكلام والتفسير على الشيخ محمد جواد البلاغي. و شهد له بالاجتهاد كل من أستاذه الشيرازي و الميرزا حسين النائيني و الشيخ عبد الكريم الحائري، و الشيخ محمد رضا (أبي المجد) الأصفهاني و السيد حسن الصدر و غيرهم. و الأردوبادي عالم كبير و شخصية فذَّة، و رجل دين مثالي، و قد لانكون مبالغين إذا ما وصفناه بالعبقرية، فقد ساعده ذكاؤه المفرط و استعداده الفطري على النبوغ في كلّ المراحل الدراسية و العلوم الإسلامية حيث برع في الشعر و الأدب حتى تفوَّق على كثير من فضلاء العرب و وهب أسلوباً رائعاً غبطه عليه الكثيرون، و أصبح حجة في علوم الأدب و اللغة و الفقه و أصوله و الحديث و الرجال و التفسير و الكلام و الحكمة و غيرها. قضى عمره الشريف في خدمة الدين و العلم، و وقف نفسه لخدمتها حتى أواخر أيامه و قد ساهم في مختلف ميادين الخدمة و مجالات الإصلاح، فقد قاوم حملات التبشير بعنف و حماس و كتب عشرات المقالات في مجلات البلاد الإسلامية، و دعا إلى مذهب أهل البيت علیهم السلام بما أوتي من حول و طول و ذبَّ عنهم، و نقد خصومهم، و حارب أعداءهم بلاهوادة، و صرف جهداً بالغاً في نشر فضائلهم، و الإسهام في إقامة شعائرهم، و الإشادة بذكرهم على الملأ، و اهتم بآثار السلف و مآثرهم اهتماماً كبيراً، فعُني بمؤلفاتهم المخطوطة و لاسيما القديمة و النادرة، فنسخ منها عدداً لايستهان به و أعان على نشر كثير منها. و للمترجَم له أيادٍ بيضاء في خدمة جماعة من المؤمنين في النجف الأشرف و غيرها، فقد ساعد الكثيرين خلال الأعوام المتمادية و مدّهم بمعلومات مما يخص بحوثهم و كان يهدف إلى خدمة العلم لنشر العلم و الأدب لتقدم الإنسانية. هكذا حفلت حياة المترجَم له بأعمال الخير و استنفدت جهده الباقيات الصالحات حتى وهت قواه و أصيب بالشلل، فانزوى في داره في السنوات الأخيرة، و كان لايخرج إلّا نادراً و بصعوبة إلاّ أنَّه لم يفتر عن العمل، فقد بدأ في تلك العزلة بتأليف تفسير القرآن الكريم و كان يمليه على سبطه و أنهى جزأه الأول. و ترك المترجَم له آثاراً قيمة متنوعة في النظم والنثر منها: *کتاب ضخم في ست مجلدات على نهج الكشكول. *حياة إبراهيم بن مالك الأشتر. *حياة سبع الدجيل، ترجمة السيد محمد ابن الإمام الهادي علیه السلام. *سبيك النضار في شرح حال شيخ الثار المختار. *الكلمات التامات، في المظاهر العزائية و الشعائر الحسينية. *الأنوار الساطعة. *حلق اللحية . *منظومة في واقعة الطف. *علي وليد الكعبة. *حياة الإمام المجدد الشيرازي. *سبك التبر فيما قيل في الإمام الشيرازي من الشعر. *ديوان شعر معظمه في مدح آل البیت علیهم السلام و هو أکثر من ستة آلاف بيت. *التقريرات في الفقه و الأصول. لبى نداء ربه في النجف الأشرف ليلة الأحد 1 صفر سنة (1380 ه_) و شيضع تشييعاً يليق بمكانته و خدماته، و دفن في الحجرة الرابعة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف من باب السوق الكبير و هي التي دفن فيها كثير من الاعلام.

شَأَتْ أَرْضُ مَكَّةَ فِيهِ السَّما *** فَذَلَّ لَها الْفَلَكُ الأَطْلَسُ(1)

وَ غَالَىٰ بِهَا الْقُدْسُ مِنْ فَاطِمٍ *** فَزَايَلَها الثَّمَنُ الأَوْكَسُ(2)

ص: 364


1- شأت: سبقت. الأطلس: المغبر إلى السواد.
2- الأوكس: الأنقص.

وَ غُصْنُ النُّبُوَّةِ أَعْيَاصُهُ *** بِرَوْضِ الْجِنانِ لَهَا مَغْرِسُ(1)

وَ نَسْجُ الخِلافَةِ أَبْرادُها *** فَمَا الْحُورُ جَلَّلَها السُّنْدُسُ!

مَشَتْ فِي الصَّعِيدِ وَ عَلْيَاؤُها *** لَها فَوْقَ مَامِ السَّما مَعْطِسُ

وَ عَنْ غَيرِ سُؤدَدِها المُسْتَفِيضِ *** غَدَتْ سُوَرُ الذَّكرِ لاتَنْبِسُ(2)

وَ قَدْ وَقَفَتْ فِيهِ فِي مُسْتَوّى *** بِوَصْم الرّجاسَةِ لايُدْنَسُ

فَعَنْ دَنَسِ الشّركِ مَفْطُومَةٌ *** وَ عَنْ كُلِّ شَانِئَةٍ تُحْرَسُ(3)

ص: 365


1- أعياصُه: العيص هو الشجر الكثير الملتف أو منبت خيار الشجر أو الأصل.
2- لاتنبس: لاتتكلّم.
3- شانئة: مبغضة مع العداوة، و ربما فيه إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب (دلائل الإمامة) للطبري الطبعة الثالثة - منشورات الرضا، قم ص10: (قال: قال أبوعبد الله علیه السلام: الفاطمة علیها السلام تسعة أسماء: فاطمة علیها السلام،و الصديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية، و الراضية و الرضية، و المحدثة، و الزهراء. ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة علیها السلام؟ قلت: أخبرني يا سيدي مما فطمت؟ قال: من الشرك... علم ثم قال: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى القيامة من آدم فمن دونه». و في المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص357-358. و قلنا: الصدّيقة بالأقوال و المباركة بالأحوال و الطاهرة بالأفعال الزكية بالعدالة... و الرضيّة بالمقالة... و المرضيّة بالدلالة... المحدّثة بالشفقة... و الحرة بالنفقة... و السيدة بالصدقة... الحصان بالمكان... و البتول في الزمان... و الزهراء علیها السلام بالإحسان... مريم الكبرى في الستر... و فاطم علیها السلام بالسر... و فاطمة علیها السلام بالبر... النورية بالشهادة... و السماويةَ بالعبادة... و الحانية بالزّهادة... و العذراء بالولادة . . الزاهدة الصفية... العابدة الرضية... الراضية المرضية... المتهجدة الشريفة... القانتة العفيفة... سيدة النسوان... و حبيبة حبيب الرحمن... المحتجبة عن خزّان الجنان. وصفيّة الرحمن... ابنة خير المرسلين صلي الله علیه و آله و سلم... و قرّة عين سيد الخلائق أجمعين... و واسطة العقد بين سيدات نساء العالمين... و المتظلمة بين يدي العرش يوم الدين... ثمرة النبوّة صلي الله علیه و آله و سلم... وأم الأئمة و زهرة فؤاد شفيع الأمة... الزهراء علیها السلام المحترمة... و الغرّاء المحتشمة... المكرّمة تحت القبة الخضراء... و الإنسية الحوراء... و البتول العذراء ست النساء... وارثة سيد الأنبياء صلي الله علیه و آله و سلم... و قرينة سيد الأوصياء... فاطمة الزهراء علیها السلام... الصديقة الكبرى... راحة روح المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم... حاملة البلوى من غير فزع و لاشكوى... و صاحبة شجرة طوبى... و من أنزل في شأنها و شأن زوجها و أولادها سورة هل أتى... ابنة النبي صلي الله علیه و آله و سلم... و صاحبة الوصي... و أم السبطين... و جدة الأئمة... و سيدة نساء الدنيا والآخرة... زوجة المرتضى علیه السلام... و والدة المجتبى علیه السلام... و ابنة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم... السيدة المفقودة... الكريمة المظلومة الشهيدة... السيدة الرشيدة... شقيقة مريم علیها السلام... و ابنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم الأكرم... المفطومة من كل شر... المعلومة بكل خير .. المنعوتة في الإنجيل... الموصوفة بالبر و التبجيل... درّة صاحب الوصي و التنزيل... جدّها الخليل و مادحها الجليل و خاطبها المرتضى علیه السلام بأمر المولى جبرائيل...

لَمِنْ تَسْعَ فِي نَيْلِهِ الْعَاثِرَاتُ *** يُؤَخِّرُها عِزُّها الأَقْعَسُ(1)

فَأَيْنَ مِنَ النُّورِ نُورِ الْهُدَى *** بِظَلْماءِ لَيلِ الْعَمَى حَنْدَسُ(2)

وَ فِي مُنْتَهى الْقَوْسِ عِنْدَ الصُّعُودِ *** لَيْسَ لِمَنْ يَبْتَغِي مَلْمَسُ

بإمكانها الأشرفُ الْمُسْتَنِيرُ *** نِبطَتْ بِآفَاقِهَا الأَنْفُسُ

وَ إِنَّ عَلَى وُدّها الأَنْبِيَاءَ *** عُلُوَّا بِنِيَّةِ مَا أَسْسُوا

وَ دَارَتْ عَلَيْهِ قُرُونٌ مَضَتْ *** تَقَفّى الْبَلِيعُ بِهِ المُبْلِسُ(3)

وَ فِي المَلَكُوتِ لَهَا مَوْقِفٌ *** وَ ذِكرُ إِلَى الْحَشرِ لايَدْرُسُ(4)

ص: 366


1- الأقعس: المنيع.
2- حندس: ليل شديد الظلمة، أو الظلمة.
3- المبلس: المتحير.
4- يُدْرَس: يمحى، و لعل الموقف هو ما ورد في الرواية الواردة في (تفسير فرات الكوفي) تحقيق محمد الكاظم مؤسسة النعمان للطباعة و النشر (1992) بيروت الجزء الأول حاشية ص362 ... «قال: حدثني الحسين بن سعيد معنعناً: عن جعفر عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إذا کان یوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر بنت حبيب الله إلى قصرها فاطمة علیها السلام ابنتي فتمر و عليها ريطتان خضرا و ان حواليها سبعون ألف حوراء فإذا بلغت إلى باب قصرها و جدت الحسن علیه السلام قائماً و الحسين علیه السلام نائماً مقطوع الرأس فتقول للحسن علیه السلام: من هذا؟ فيقول: هذا أخي إن أمة أبيك قتلوه و قطعوا رأسه، فيأتيها النداء من عند الله يا بنت حبيب الله صلي الله علیه و آله و سلم إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك إني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه وإني جعلت تعزيتك اليوم أني لاأنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت و ذريتك و شيعتك و من والاكم معروفاً ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد. فتدخل فاطمة علیها السلام ابنتي الجنة و ذريتها و شيعتها و من والاها معروفاً ممن ليس من شيعتها فهو قول الله «عزوجل»: «لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» [سورة الأنبياء الآية : 103] قال: هول يوم القيامة: «وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ» هي واللَّه فاطمة علیها السلام وذريتها علیهم السلام و شيعتها و من والاهم معروفاً ممن ليس هو من شيعتها».

وَ لَمْ يُلْفَ كُفْوٌلَهَا فِي الْوُجُودِ *** لَوْلا ابْنُ فَاطِمَةَ الأَقْدَسُ

وَ ذُرِّيَّةٌ بَعْدَها قَدْ رَكَوْا *** فَمَنْ أَقْعَسٌ بَعْدَهُ أَشْوَسُ(1)

أَئِمَّةُ حَقٌّ هُمُ الْمُصْطَفَوْنَ *** لأمر الخِلافَةِ مَا اسْتَيْأَسُوا

وَ تَيْمُ ابْنُ مُرَّةَ أَعْلامُها *** وَ نَوْكَى عَدِيٍّ بِهَا نُكَّسُ

وَ مَا لابْنِ عَفَّانَ فِي مُنْتَدَيَ *** الْقَدَاسَةِ إِمَّا احْتَبى مَجْلِسُ

سوى آلِ فَاطِمَةَ الأَكْرَمِينَ *** يُطَأَطَأُ مِنَّا لَهَا الأَرْؤُسُ

أَقُولُ وَ أُنْسُ اللَّسَانِ الثَّناءُ *** وَ قَلْبِي بِذِكْرَاهُمُ يَأْنَسُ

ذَخَرْتُ لمثوى اللُّحودِ الوَلاءَ *** و يوم هُوَ المُفْلِقُ المُخْرِسُ

وَ نَشْوَةُ حُبِّي بَنِي فاطِمٍ *** تُدارُ لها بَيْنَنا الأَكْؤُسُ

و إنْ كانَ قَصْراً عليها الفخاً *** رُفَإنَّ عليها الثَّنا يُحْبَسُ(2)

ص: 367


1- أشوس: من رفع رأسه تكبراً.
2- نقلت من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص131.

ص: 368

قافية الشين

اشارة

ص: 369

ص: 370

(1) ميلادك النور

(بحر البسيط)

الأستاذ حميد أحمد المسري(*)(1)

ميلادكِ النُّورُ فِي الآفاقِ يَفْتَرِشُ *** وَ فَضْلُكِ فِي صَدَى الأَزْمَانِ مُنْتَعِشُ(2)

وَ ذِكرُكِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ قَاطِبَةً *** لايَنْزَوِي وَ هُوَ فِي التَّارِيخِ مُنتقِشُ(3)

أَنْتِ الَّتِي كنتِ نُوراً شامخاً أَزَلاً *** عَبْرَ الدُّهُورِ بمرٌ لَيْسَ يَنْكَمِشُ(4)

ص: 371


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- يفترش: ينبسط. المعنى: إن مولدك هو النور الذي انتشر و انبسط في الآفاق وما زال فضلك يتردد عبر الدهور عبر ألسنة الموالين و المحبين لك فهو طري أبداً.
3- ينزوي: ينقبض، ينكمش.
4- في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فكلم الله «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، ولذلك سميت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات... أقول: أول شيء خلقه الله هو نور محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام كما جاءت بذلك الروايات لدى العامة و الخاصة... فالسنة و الشيعة أكدوا هذا المعنى... و يكفي إلقاء نظرة واحدة على كتب الصحاح للكشف عن هذه الحقيقة... حتى أن جابر بن عبد الله الأنصاري حين النبي صلي الله علیه و آله و سلم ما هو أول شيء خلقه اللَّه؟ قال: نور نبيك صلي الله علیه و آله و سلم يا جابر... و هنا نجد الملاحظة التي تشد القلوب و تلفت الانتباه و هي أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام و هم الخمسة أصحاب الكساء محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين «عليهم أفضل الصلاة و أزكى السلام» كانوا أنواراً بعرش الله محدقين... كما ورد في الروايات ثم هذه الأنوار انسكبت في صلب آدم و راحت تتقلب في الأصلاب و ترتحل ظاعنة من صلب إلى صلب حتى و صلت إلى صلب عبد المطلب ثم افترقت منه إلى صلب عبدالله و أبي طالب علیه السلام... فمن صلب عبدالله خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم و من صلب أبي طالب خرج الوصي... و لذلك فهما أي: محمد و علي علیهما السلام من صلب واحد و نور واحد... على أن الشيء اللافت هو العناية الخاصة بنور فاطمة علیها السلام... فنورها. «سلام الله عليها». لم يكن في صلب آدم... و إنما افترق عن أنوار أهل البيت علیهم السلام و بقي في مشكاة تحت ساق العرش ثم انتقل نور فاطمة علیها السلام إلى الجنة و بقي في الجنة في الوقت الذي كان فيه نور أبيها محمد صلي الله علیه و آله و سلم و نور بعلها علي علیه السلام و نور ولديها الحسن والحسين علیهما السلام. في الوقت الذي كانت فيه هذه الأنوار ظاعنة تنتقل من صلب إلى صلب كان نور فاطمة علیها السلام ظاعناً في ثمار الجنة و أغصانها... حتى إذا عُرِج بالنبي إلى السماء دخل الجنة... و جاء معه بنور فاطمة علیها السلام... أو قيل: ذهب النبي صلي الله علیه و آله و سلم إلى السموات العلى ليأتي إلينا بفاطمة الزهراء علیها السلام لأنها كانت في ثمار الجنة و في الجنة أكل النبي صلي الله علیه و آله و سلم تلكم الثمار فتحولت نوراً في صلبه ثم هبط إلى الأرض فواقع خديجة علیها السلام فكانت فاطمة علیها السلام... فهي حوراء إنسية تتضوّع بعطر الجنة و كان النبي يشم منها رائحة الجنة... هذا جانب، و جانب آخر و هو الذي ينطوي على معنى دقيق و عميق و هو: أن الله «سبحانه و تعالى» شاءت حكمته و عنايته أن تكون فاطمة علیها السلام من صلب الحبيب المصطفى محمد صلي الله علیه و آله و سلم مباشرة و بلا واسطة... ففي الوقت الذي يكون فيه النبي من صلب آدم تكون فاطمة علیها السلام من صلب محمد صلي الله علیه و آله و سلم. اعلموا أني فاطمة علیها السلام، عبدالحميد المهاجر، ج2 ص358.

أَعْطَاكِ رَبُّكِ شَأناً لَيْسَ يُدْرِكُهُ *** كلُّ البَرايَا لَهُ الأَلْبَابُ تَنْدَهِشُ(1)

حُزْتِ الْفَضَائِلَ وَ الْخَيْرَاتِ أَجْمَعَها *** إِذْ مِنْكُمُ الْخَيرُ وَ الإِحْسَانُ يُنْتَبَشُ(2)

ضَاءَت بطلعتِكِ الدُّنْيَا مُكَلَّلَةً *** مِنْ فَيْض جُودِكِ فَضْلاً لَيْسَ يَنْخَدِشُ

إنّ الألى لَمْ يُراعُوا حَقَّكِ حَسَداً *** لابدُّ أَعْيُتُهمْ فِي ضَوْتِهَا عَمَشُ

هُمْ رَوُّعوا بَضْعَةَ الْهَادِي بِبَغْيِهِمُ *** إِذْ إِنَّهُمْ سَفَهَاً بالجَزْلِ قَدْ حَفَشُوا

تَبَّا لَهُمْ لَمْ يُراعُوا حُرْمَةٌ أَبَداً *** بَلْ إِنَّهُمْ بِحِمَى الزَّهراءِ قَدْ بَطَشُوا

يَا بِنْتَ أَفْضَلِ مَنْ يَمْشِي عَلَى دَعَةٍ *** لَكِنْ لِهَيْبَتِهِ الأَوْصَالُ تَرْتَعِشُ

ولاؤُكِ الْحَقُّ إِنَّ الْحَقِّ مُرْتَهَنٌ *** مِنْ دُونِ وُدِّكِ لايُعطى و يُجْتَرَشُ(3)

ص: 372


1- البرايا:الخلق الناس.
2- ينتبش: يستخرج من مخبئه.
3- الجزل: العظيم الغليظ من الحطب، الحطب اليابس. حفشوا: جمعوا من كل جهة إلى مكان واحد و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص13: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر: علي و العباس و الزبير و سعد بن عبادة، فأما علي و العباس فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمربن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...

شأناً سَمَوْتِ تَعالى أَنْ يُحاطَ بِهِ *** نَوْعٌ مِنَ الْفِكْرِ حَيْثُ الْفِكْرُ يَحْتَوِشُ(1)

تَقَبَّلِي لِي نِظاماً قَدْ حَوَى دُرَراً *** فِي الْقَلْبِ مَكْنُونُهُ فِي الطَّرْس يُنتَقَشُ(2)(3)

عَلَيْكِ صَلَّى إله الْخَلْقِ مَا طَلَعَتْ *** شَمْسُ بَدا صَوْؤُهَا فِي الْجَوْ مُفْتَرِشُ

ص: 373


1- يجترش: يكتسب؛ و المعنى: أن الحق عندكم فمن يواليكم يكون عنده الحق لأن الحق متوقف على محبتكم فمن لايتولّى بكم لايحصل على الحق و لايكتسبه.
2- يحتوش: يحيط و المعنى أن لك شأناً عظيماً و منزلة رفيعة لاتحاط و لايدركها أي نوع من الفكر إذا ما كان هذا الفكر محيط بالأشياء.
3- الطرس: الورق أو ما يكتب عليه.

(2) بنت الرسالة

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة (*)(1)

أضحى فُؤادي عَنْ هَوَاهُ مُفتِّشا *** وَ أَقَضَّهُ شَوقٌ لِمُهْضَمَةِ الْحَشا(2)

للَّهِ فَجْرٌ كَادَ يَزْهُو بَهْجَةً *** يُحْكِي النَّسيمَ الْغَضَ وَ الْقَلبُ انْتَشَى(3)

فِي يَوْمٍ مَوْلِدِ فاطِمٍ قَدْ زَغْرَدَتْ *** كُلُّ الطُّیورِ مِنَ الصَّباحِ إِلى العِشا

أَوَلَيْسَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ جَلالُه *** فِي (هَلْ أَتى) كِتْمَانَ أَمْرٍ قَدْ فَشَا؟(4)

الدَّهْرُ أَصْبَحَ جَنَّةً بطُلُوعِها *** وَغَدا المُحِبُّ لِوَرْدِها مُتَعَطِّشا

مَنْ مثْلُها في عِلْمِها وَ نَوالِها *** كَالنَّجم فِي أُفُقِ المَجَرَّةِ عَشَّشا(5)

بَدْرٌ يَقَرُّ الْعَيْنَ يَمْلأُ بِشْرُهُ *** دُهِشَ العَدوُّ بِهِ وَ طَاشَ فَأَجْهَشا(6)

يَا حَبَّذا يَومٌ لِدَوْحَةِ فَاطِمٍ *** أَبْشِرْ فَيَا لَكَ مَغْرِساً أَوْ مَعْرِشا

وَ مَكَانَةٌ فِي الدِّينِ تُبْهِرُ أَعْيُناً *** يَكْفِي مَحَاسِنُ فَضْلِهَا أَنْ تَبْطِشا(7)

يَا بِنْتَ مَنْ حَمَل الرِّسَالةَ لِلْوَرَى *** عَبْرَ المَدَى عَنْهَا عَشا مَنْ قَدْ عَشا

وَقَفَتْ قُلُوبُ الْقَوْمِ مِنْكِ تَجِلَّةً *** وَ بَقِيتُ لَاحَالِي وَ لَاقَدَمي مَشى(8)

ص: 374


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- أقضّه: دَقّه.
3- يحكي: يشابه. الغضّ: الناعم. انتشى: ابتهج و فرح بمولدها علیها السلام.
4- فشا: انتشر وذاع.
5- عبّشا: اتّخذ عُشّاً.
6- طاش: ذهب عقله. أجهش: فزع باكياً.
7- تُبهر: تضيء أو تغلب و تفوق. و تبطشا: تفتك و تأخذ الشيء بصولة و شدّة.
8- 19/ ربيع الأول/ 1416ه_.

(3) فاطمة علیها السلام تجفى

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

سَقَيْتُ ثَراكِ أَدْمُعِيَ الْغَواشِي *** وَ فَصَّلْتُ الْجِدَادَ عَلى رِياشِي(2)

وَ كُنْتُ مَتَى اذكَرْتُكِ فِي مَرَاحِي *** نَأَى عنّي إِلَى كَمَدٍ بَشاشِي

أفاطِمُ إِنْ جَمْرَ الرُّزْءِ يَكْوِي *** صَلِيبَ النّقي مِنْ عَظْمِ المُشاشِ(3)

أَفَاطِمُ هَلْ جُبِلْتِ عَلَى رِهَانٍ *** مَعَ الآلامِ وَ النُّوبِ الْعَوَاشي؟(4)

ص: 375


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الغواشي: الغاشية هي الغطاء و وُصِفَتِ الأدمع بالغواش لأنّها تغطي العين. رياشي: ما كان فاخراً من الأثاث، المال، الخصب، ما كان فاخراً من اللباس، و هذا المقصود.
3- النَّقْي: مُخَ العَظْم. المُشاش: رأس العظم اللين.
4- العواشي: العاشية تعشي أي تجعل بصرك أعشى، أي يسوء البصر ليلاً و نهاراً أو ليلاً فقط و في کتاب (اعلموا أني فاطمة علیها السلام) ص329 ص330 للعلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر: أكدت الأرقام في التاريخ أن اسم فاطمة علیها السلام هو الذي قضى على الدولة الأموية فأسقطها... كما أسقط بعدها دولة العباسيين الظالمة و التي قامت ببركات هذا الاسم العظيم... ولكنها ما كادت تنحرف عن مسار فاطمة علیها السلام وتقف ضدها و ضد أبنائها حتى تهاوت أعمدة هذه الدولة العائدة و تحولت إلى حطام و أنقاض في الوقت الذي قامت فيه دول إسلامية بفضل اسم فاطمة علیها السلام... فدولة في افريقيا و أخرى في المغرب و ثالثة في مصر لازالت معالمها الحضارية باقية إلى يومنا هذا ... فما القاهرة إلا العاصمة التي بناها و أقام عمرانها أبناء فاطمة الزهراء علیها السلام الذين أقاموا أروع مجتمع حضاري في مصر يمكن أن يشهده ويراهُ العالم ... و هذا هو الجامع الأزهر خير شاهد و دليل على ذلك... فما الأزهر إلا جامعة إسلامية كبرى أسسها و أقام بنيانها أبناء فاطمة الزهراء علیها السلام و يجب أن نعلم أن اسم الأزهر مشتق من أسماء الزهراء علیها السلام... هذا و لاننسى الدولة البويهية في العراق التي كانت ممتدة على مساحة واسعة و رقعة جغرافية كبيرة من الأرض و هي دولة أقامها أبناء فاطمة علیها السلام و كان الشيخ المفيد و هو من قد عرفنا متصفاً بالعلم و الأدب و الورع و كان هذا الرجل العظيم يشرف على إدارة هذه الدولة البويهية في العراق كما كان يشرف على توجيه الدولة الفاطمية في مصر... و يكفي أن نعرف أن عضد الدولة البويهي و هو رئيس الدولة البويهية. كان واحداً من تلامذة الشيخ المفيد... على أننا نخرج من ذلك بحصيلة مفادها: إن اسم فاطمة علیها السلام لم يكن اسماً عادياً و باهتاً في الحياة و إنما كان له دور حضاري كبير... و كان يهزّ العروش و يسقطها. كما كان يقيم عروشاً و يثبتها.

أَمِثلُكِ بَضْعَةٌ تُجْفَى وَ لَمَّا *** يَجِبُّ الرَّوْضُ مِنْ بَلَلِ الرِّشَاشِ؟

أَمِثْلُكِ حُرَةٌ تُزْوَى وَ تُمْنَى *** رُبوعَ الوَحْيِ بِالرُّمَرِ الْغِشاشِ؟

وَ أَيْنَ وَصاةُ مَنْ أَرْباكِ ثِقْلاً *** وَ لَأثِقُلٌ يَؤُولُ إِلى تَلاشِ؟

وَ أَيْنَ خَصائِلُ الْحَسَنَيْنِ لَزّا *** جَدِيلَ أَبِيكِ مَرْدُوعَ الْحَوَاشِي؟(1)

يَشِيلُهُما عَلَى الْكَتِفَيْنِ حُبّاً *** وَ يَأْنَسُ مِنْهُمَا نَطُّ الفِراشِ

فَهلاً صِينَتِ الصُّوَرُ الْحَوَانِي *** وَهَلاً رُوعِيَتْ ذِكَرٌ نَوَاشِ؟(2)

وَ هَلْ زَجَرَتْ مَنايِحُهم أُموراً *** تُعَجِّلُهُمْ إِلَى قَرَفِ الهِراشِ؟(3)

عَلامَ وَ نَعْشُ هادِيهِمْ مُسَجّى *** وَ فِيمَ يُصارُ لِلَّدَدِ و النَّقَاشِ؟(4)

أَلَمْ يَئِلُوا الْغَدِيرَ غَدِيرَخُمْ *** وَ شَاعِرُهُمْ يُصَفِّقُ بِالهَشَاشِ؟(5)

لِحَيْدَرةَ انْتَخَتْ مِنْهُ القَوافِي *** مُدَبَّجَةٌ بِإِرْهاصِ الْحَشاشِ(6)

وَ أَيْنَ وَ أَيْنَ فاطِمٌ فَاسْتَعِيني *** بِصَبْرِكِ فَالدُّنى خَوَلُ الْمَعَاشِ(7)

وَلَوْ لاجَمْرَةُ الإيمانِ أَبْدَتْ *** نَواجِذها خَراطِيمُ الرُّقَاشِ

ص: 376


1- لزّاً : ملزماً و ملتصقاً بالشيء جديل: الحبل المفتول مردوع ملَّطخ. الحواشي: الجوانب.
2- الحواني: التي تجعلك تحنو و تعطف نواش: لها روائح طيبة.
3- قرف: المخالطة أو التهمة الهراش: الخصام و القتال.
4- للّدَدِ: شدة الخصومة.
5- الهشاش: الرخو الليِّن.
6- مدبَّجة: مزينة بالديباج.
7- خَوَلَ: عبد.

وَ لَوْ لا أَنَّ حَبْلَكِ ذَا مُمَدًّ *** إِلى القِيَمِ المُؤَصَّلةِ المَناشِي

لذَرَّ الرَّمْلُ فِي أَحْداقِ رَاءٍ *** وَ بَانَ الطَّبَعُ مِنْ خَلَلِ الرَّتاشِ

كِتَابُ اللهِ ثُمَّ هَواكِ دِرْءٌ *** لِمَنْ سَلَكَ الْمَحَجَّةَ وَ هُوَ خاشِ

ص: 377

(4) حال فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ فاضل الصفار (*)(1)

الْقَلْبُ مَا ذَاقَ السُّرورَ و لاانتشئ *** وَ الْحُزنُ ظِلِّ فِي حَيَاتِي عَرَّشا

ص: 378


1- (*) الشيخ فاضل إبن الحاج محمد الحاج صالح الصفار. ولد بمدينة كربلاء المقدسة سنة (1381 ه_) الموافق لعام (1962م). نشأ و ترعرع في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. درس الدروس الابتدائية في مدارس كربلاء النقدسة حتى أنهى الإعدادية؛ و المترجَم له منذ نعومة أظفاره تعشق العلم و الكمال و الأدب. هاجر من العراق إلى إيران بسبب الظروف القاسية و لتشوقه إلى ديمومة تحصيل العلم انجذب إلى الحوزة العلمية في قم المقدسة فكان مجداً في طلب العلوم الدينية، فأكمل مرحلة السطوح العالية من الدراسات الحوزوية و واصل دراسة الخارج في الفقه و الأصول عند كبار العلماء و المجتهدين، فقد حضر درس المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي و العالم الكبير أستاذ الفقه و الأصول الشيخ وحيد الخراساني و آية الله السيد صادق الشيرازي، و الأستاذ الكبير السيد حسين الشاهرودي و غيرهم من أكابر المدرسين في الحوزة. اهتم بتدريس جملة من الأفاضل في قم وقد برع على يديه العديد منهم في الأصول و الفقه و الكلام و بعض العلوم الأخرى. و المترجَم له عالم وكاتب مبدع و شاعر رقيق، أحب الشعر و شغف به فهو يبدع في نظم الشعر، و نظمه جملة و تفصيلاً في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام في القريض و الشعبي، و قد نشر منه الكثير. و المترجَم له عنده آثار علمية قيَّمة كثيرة في الحقول الفكرية والثقافية الإسلامية، و قد نشرت له عدة مقالات و دراسات في بعض المجلات الإسلامية و لايزال يواصل الكتابة و له المؤلفات المخطوطة و قد تجد طريقها إلى الطبع، و قد طبع له كتاب الحرية السياسية المعالم، و الضمانات و كتاب ضد الاستبداد و الحكومة الديمقراطية، و كتاب قاعدة لاضرر ادلتها و مواردها (بحث علمي استدلالي) و كتاب المظاهر الإلهية في الولاية التكونية (بحث علمي في مقامات الأئمة الطاهرين في علم الإسلام)، و كتاب إدارة المؤسسات من التاهيل إلى القيادة، و هناك كتب أخرى لازالت تحت الطبع. كما له ديوان شعر مخطوط، و لايزال يمارس دوره العلمي و الثقافي في مختلف الأبعاد.

لِلْبَضْعَةِ الزَّهراءِ طَالَتْ حَسْرَتي *** لِجَنينِها و أنينِها سقمي فشا(1)

ص: 379


1- في البيت إشارة إلى ما ورد في بحار الأنوار ج43 ص175 ح15 الطبعة الثالثة. مؤسسة الوفاء بيروت: «اعلم أنّه لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم افتجع له الصغير و الكبير و كثر عليه البكاء و قلَّ العزاء و عظم رزؤه على الأقرباء و الأصحاب و الأولياء و الأحباب و الغرباء و الأنساب و لم تلق إلا كلِّ باك و باكية و نادب و نادية. و لم يكن في أهل الأرض و الأصحاب و الأقرباء و الأحباب أشدَّ حزناً و أعظم بكاءاً و انتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام و كان حزنها يتجدَّد و يزيد و بكاؤها يشتدُّ. فجلست سبعة أيام لايهدأ لها أنين و لايسكن منها الحنين كلُّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تطق صبراً إذ خرجت و صرخت فكأنها من فم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تنطق فتبادرت النسوان و خرجت الولائد و الولدان وضح الناس بالبكاء و النحيب و جاء الناس من كلِّ مكان و أُطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء و خيّل إلى النسوان أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد قام من قبره وصارت الناس في دهشة و حيرة لما قد رهقهم و هي علیها السلام تنادي و تندب أباها واأبتاه واصفياه وامحمداه صلي الله علیه و آله و سلم واأبا القاسماه واربيع الأرامل و اليتامى من للقبلة و المصلّى و من لابنتك الوالهة الثكلى... ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لاتبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها و دام نحيبها و بكاها إلى أن أغمي عليها فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها و على صدرها و جبينها حتى أفاقت فلما أفاقت من غشيتها قامت و هي تقول: رفعت قوّتي و خانني جلدي و شمت بي عدوّي و الكمد قاتلي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغَّص عيشي و تكدر دهري فما أجد يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بعدك أنيساً لوحشتي و لارادًّا لدمعتي و لامعيناً لضعفي فقد فني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرائيل و محلُّ ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم الأسباب و تغلَّقت دوني الأبواب فأنا للدُّنيا بعدك قالية و عليك ما تردّدت أنفاسي باكية لاينفذ شوقي إليك و لاحزني عليك ثم نادت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم والباه ثم قالت: إنّ حزني عليك حزن جديد *** وفؤادي واللَّه صبُّ عنید كلُّ يوم يزيد فيه شجوني *** واكتيابي عليك ليس يبيد جلَّ خطّبي فبان عني عزائي *** فبكائي كل وقت جديد إن قلباً عليك يألف صبراً *** أو عزاءً فإنه لجليد ثم نادت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم انقطعت بك الدنيا بأنوارها و زوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة فقد اسودُّ نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم لازلت آسفة عليك إلى التلاق يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم من للأرامل و المساكين و من للأمة إلى يوم الدين يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أصبحت الناس عنا معرضين و لقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين فأيُّ دمعة لفراقك لاتنهمل و أيُّ حزن بعدك عليك لايتصل و أيُّ جفن بعدك بالنومِ يكتحل و أنت ربيع الدين و نور النبيين فكيف للجبال لاتمور و للبحار بعدك لاتفور و الأرض كيف لم تتزلزل؟ رُميتُ يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بالخطب الجليل و لم تكن الرزية بالقليل و طرقت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بالمصاب العظيم و بالنمادح المهول بكتك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم الأملاك و وقفت الأفلاك فمنبرك بعدك مستوحش، و محرابك خال من مناجاتك و قبرك فرح بحواراتك و الجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم ما أعظم مجالسك فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك و أثكل أبوالحسن علیه السلام المؤتمن أبو ولديك الحسن و الحسين علیهما السلام و أخوك و وليك و حبيبك و من ربّيته صغيراً وو اخيته كبيراً و أحلى أحبابك و أصحابك إليك من كان منهم سابقاً و مهاجراً و ناصراً و الشكل شاملنا و البكاء قاتلنا و الأسى لازمنا. ثم زفرت زفرة و أنت أنة كادت روحها أن تخرج ثم قالت: قلّ صبري و بان عني عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء عین یا عین اسكبي الدمع سمّا *** ويك لاتبخلي بفيض الدماء يا رسول الإله يا خيرة الله *** و كهف الأيتام و الضعفاء قد بكتك الجبال و الوحش جمعاً *** و الطير و الأرض بعد يبكي السماء و بكاك الحجون و الركن و المشعر *** يا سيدي مع البطحاء و بكاك المحراب و الدَّرس *** للقرآن في الصبح معلناً و المساء و بكاك الإسلام إذ صار في *** الناس غريباً مع سائر الغرباء لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه *** علاه الظلام بعد الضياء يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً *** فلقد تنغَّصت الحياة يا مولائي قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها. و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إنّ فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منَّا يتهنأ بالنوم في الليل على فُرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا. و إنا نخبَّرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال علیه السلام: حبُّا و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً. فقالت علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها».

ص: 380

وَ الْعَينُ مِنْ بَدَل الدُّموعِ جَرَتْ دَماً *** وَ لِضلعِهَا المَكْسُورِ حُزنِي عَشْعَشَا(1)

ليْلِي طويلٌ بالتَّسهُّدِ يَنْقَضِي *** وَ نَهارِي لَوْعَاتٌ تَلحُّ عَلَى الحَشَا(2)

ص: 381


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص40 قسم الدراسات الإسلامية. مؤسسة البعثة. طهران. تحقيق و تقديم: علاء الدين الموسوي: «وقد كان قنفذ لعنهُ الله» حین ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت «صلى الله عليها من ذلك شهيدة».
2- التسهّد: الأرق و عدم النوم أو قلة النوم. و في هذا البيت والبيت الذي يليه إشارة إلى ما ورد في بحار الأنوار ج53 ص18... و صور الأسى كثيرة هي... و لوعات الزهراء علیها السلام أحرقت أحشاءنا لهباً: «و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله و الله متم نوره. و انتهاره لها، و قوله: كفّي يا فاطمة علیها السلام فليس محمد صلي الله علیه و آله و سلم حاضراً و لاالملائكة آتية بالأمر و النهي و الزجر من عند الله و ما عليّ إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئتِ خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً... فقالت و هي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك و رسولك صلي الله علیه و آله و سلم و صفيك و ارتداد أمته عليك و منعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل. فقال لها: عمر دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقات النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوَّة و الخلافة. و أخذت النار في خشب الباب. و إدخال قنفذ يده «لعنه الله» يروم فتح الباب، و ضَرْبُ عمرٍ لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدُّملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه. و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها و هى تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنينها في بطنها، و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمّر العين حاسراً حتى ألقى ملاءته عليها و ضمْها إلى صدره... و صاح أميرالمؤمنين علي علیه السلام بفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب فأسقطت محسناً. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : «فإنه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكو إليه».

في كُلِّ آنٍ تَسْتَفِيقُ بِخَاطِري *** صُوَرُ الأسى ولأيّ سرٍّ قد نَشَا

بَابٌ و مِسْمَارٌ وَ صَدْرٌ طاهرٌ *** وَ أَنِينُ ثَكلى لَيْلَهَا قَدْ أَعْطَشا(1)

وَ ذُبُولُ جِسْمٍ بالسَّقامِ وَ قَدْ غَدَى *** لِسُقوط مُحْسِنِها نِجيلاً أُرْعِشا

وَ كُسُورُ أَضْلاعٍ وَ صَدْرِ نَازِفٍ *** وَ الْعَيْنُ وَ الْوَجْهُ الَّذِي قد خُمِّشا

في هَضْمِ حَقٌّ وَ استلابِ نَحِيلَةٍ *** وَ خَفَاءِ قَبْرٍ فِي التُرابِ تَشَوَّشا(2)

ص: 382


1- ليل أغطش: أظلم. و لعل ما ورد في كتاب «مؤتمر علماء بغداد» ص59 ، تأليف مقاتل بن عطية الطبعة الرابعة 1402 یؤکد هذا المعنی: «... و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب، لترد عمر و حزبه عصرَ عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها، و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى مَن حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وبضعته حتى أدموا جسمها... و بقيت آثار هذه العصرة القاسية و الصدمة المريرة تنخر في فاطمة علیها السلام، فأصبحت مريضة عليلة حزينة، حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام ففاطمة علیها السلام شهيدة بيت النبوَّة فاطمة قتلت بسبب عمر...».
2- تشير إلى الرواية الواردة في «مسند أحمد بن حنبل» ج1 ص90 دار صادر بيروت: إلى سلب حق الزهراء علیها السلام في فدك و المدينة و خيبر و مما ورثه الرسول للزهراء علیها السلام و هو الشطر الأول من البيت: عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنها أخبرته: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك». و ما جاء في «دلائل الإمامة» ص46 الطبعة الثالثة -منشورات الرضا- قم... يشير إلى مضمون الشطر الثاني من البيت: «... أخرجها إلى البقيع ليلاً و معه الحسنان و صلى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها في الروضة و عفى موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة مدفنها فيه أربعون قبراً جديداً و لما علم المسلمون بوفاتها علیها السلام جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً جديداً فأشكل عليهم قبر من سائر القبور فضج الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا: لم يخلف فيكم نبيكم إلا بنتاً واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و لادفنها و لاالصلاة عليها بل و لم تعرفوا قبرها...». و في روضة «الواعظين» للنيسابوري الطبعة الأولى (1986) ص167. مؤسسة الأعلمي قريبة من هذا المعنى: «... ثم قالت أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أن لايصلي علي أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهما السلام، و عمار و عقيل و المقداد و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصهُ صلوا عليها، و دفنوها في جوف الليل و سوّى عليّ حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها».

دَفَنُوا بِهِ نُورَ الإِلَهِ وَ سِرَّهُ *** فِي جَنْبِهِ الآهاتُ لَيْلاً أَوْحَشا

فَتَهيجُ بِي ذِكْرَى الْمُصَابِ كأَنَّها *** النِّيرانُ تَكْوِي فِي الْفُؤادِ كَمَا تَشَا

إن أبْكَ لَيْلاً أَسْتَفِقْ بصَباحِهِ *** و القلبُ جَمْرٌ لِلْبُكَاءِ تَعَطَّشَا

وَ إِذا كَظَمْتُ النَّوحَ صُبحاً خَانَنِي *** جَلَدِي فَعَدتُ أَنوحُ صُبحاً أغبشَا(1)

وَ يَعُودُ يَسْأَلُنِي الْفُؤَادُ بِحَرْقَةٍ *** وَ تُجِيبُهُ عَيْنَيْ بِدَمْعٍ قَدْ مَشَي

عَنْ حَالِ فَاطِمٍ حِينَ أَحْرِقُ دَارَهَا *** بِالنَّارِ جانٍ بِالْجِنَايَةِ قَدْ مَشى؟

وَلايَ ذَنْبٍ قَدْ أَتَتْهُ و علةٍ *** قَدْ غَصَّصُوهَا المَوْتَ مُراً أبطشا؟(2)

وَلأَيَّ ذَنْبٍ أُرْغِمَتْ مَهْضُومَةً *** وَ الْمَتْنُ مِنْ ضَرْبِ السِّياطِ تَنقَّشا(3)

ص: 383


1- کظمت: حبست. جلدي: صبري. صبحاً أغبشا: خالط بياض الصبح مع ظلمة الليل في آخره.
2- أبطش: فتك به، و أخذه بصولة و شدّة.
3- في الشطر الأول من البيت إشارة إلى ما ورد في عوالم سيدة النساء ج2 ص545 (ط3) منقولة عن كامل الزيارات. «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أُسري بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم قيل له: .... و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسها هوان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب...» و في الشطر الثاني إشارة إلى ما ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص38 تحقيق و تقديم علاء الدين الموسوي الناشر: قسم الدراسات الإسلامية. مؤسسة البعثة: و حالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله».

وَلأَيِّ ذَنْبٍ بِالْجِدَارِ وَ بَابِهِ *** عُصِرَتْ وَ أَسْقَطَتِ الْجَنِينَ وَ قَدْ غَشَا؟

وَلأَيِّ سِر قُيْدَ الْمَظْلُومُ فِي *** قَيْدِ التَّصَبُّرِ وَ هُوَ ليتٌ يُختشى؟(1)

فأَجَابَهُ قَلْبِي المُقَطَرُ بِالدِّمَا *** إِذْ كَانَ فِي شَرح الْحَقِيقةِ مُدْهِشا

لاأَسْتَطِيعُ بَيَانَ خَطبٍ فاظعِ *** مَا إِنْ تَذَكَّرَهُ الْفُؤَادُ تنهَّشا

فَدَع الْجَوَابَ وَ سِرَّهُ بِتَصَبُّرٍ *** وَ أجِبْ هُتافَ الْخَطْبِ مِن جَمْرِ الحَشَا

مَا كَانَت الأَيَّامِ عَنْ ذَاكَ الأَسى *** تَغْفُو و سَمْعُ الدَّهرِ لم يكُ أطْرَشَا

إِذ كلُّ حقٌّ يَسْتَغِيثُ بأهلِهِ *** كَيْ يَظْلِبُوهُ بِصُبْحِ يَومٍ أَوْ عِشَا(2)

ص: 384


1- جاء في عوالم سيدة النساء ج2 ص571 ط/ الثالثة. تحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عج الله فرجه الشریف) ما يوضح المعنى منقولة عن كتاب «علم اليقين» في أصول الدين ص686 الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل للكاشاني. «... ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقین و أتی بهم إلي منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه مغلقاً فصاحوا به اخرج يا علي فإن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك.... ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبياً بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: والله لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا... ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم و الكل حبيبك أبو الحسن علیه السلام المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام و من ربيته صغيراً و آخيته كبيراً و أجلّ أحبائك لديك و أحب أصحابك عليك أولهم سبقاً إلى الإسلام و مهاجرة إليك يا خير الأنام فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير... ثم إنهم أوقفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بين يدي أبي بكر و قالوا له: مد يدك فبايع. فقال: واللَّه لاأبايع و البيعة لي في رقابكم...».
2- نظمت بتاريخ14/ صفر/ لعام (1417 ه_).

قافية الصاد

اشارة

ص: 385

ص: 386

(1) الخطبة الغَراء

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة (*)(1)

أَنَا فِي هَوى الزَّهْرَاءِ دَوْماً أَخلِصُ *** وَ عَلى مَناقِبِهَا الْكَرِيمَةِ أَخْرِصُ

يَا مَوْلِداً يَهَبُ الْحَياةَ نَضَارَةً *** كَالصُّبْحِ لا يُرْجى إِلَيْه تَمَحْصُ(2)

ص: 387


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تَمَحُص الظلام انكشف. و في هذا البيت و البيتين اللذين بعده إشارة إلى بعض ما ورد في الرواية الواردة في (أمالي الصدوق الطبعة الخامسة. (1980) منشورات الأعلمي ص475 المجلس السابع و الثمانون رقم (1). «عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال علیه السلام: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوج بها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم... فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبّرها و كانت تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه... فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور و دخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة و إبريق من الجنة و في الإبريق ماء من الكوثر: ...ثم اسْتَنْطَقْنَها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين و قالت: أشهد أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط ثم سلمت عليهن و سمّت كل واحدة منهن بأسمائهن و أقبلن يضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة: خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها فدرَّ عليها فكانت فاطمة علیها السلام... أقول: كانت السيدة خديجة علیها السلام بنت خويلد أم الزهراء علیها السلام من أسرة أصلية لها مكانة و شرف في قريش عرفت بالعلم و العلماء و التضحية و الفداء و حماية الكعبة و [حينما جاء تَبَع. ملك اليمن. ليأخذ الحجر الأسود من المسجد الحرام إلى اليمن هبَّ خويلد لحمايته ومنعه عن ذلك]. و كانت السيدة خديجة بنت خويلد امرأة ذات شرف و مال تستأجر الرجال في مالها و تضاربهم... سيرة ابن هشام ج1 ص199. و كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يودها و يحترمها و يشاورها في أموره كلها و كانت وزير صدق و هي أول امرأة آمنت به و لم يتزوج في حياتها أحداً... و يروى عن الرسول صلي الله علیه و آله و سلم... و خير نساء أمتي خديجة بنت خويلد علیها السلام... تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، ص203. و قد ورد أن جبرائيل أتى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هذه خديجة علیها السلام قد أتتك فاقرأها السلام من ربها و بشرها ببيت في الجنة من قصب لاصخب فيه و لاتعب... تذكرة الخواص ص203.

وَ امْتَدَّ فَضْلٌ مِنْ فَضَائِلِ أَحْمَدٍ *** يَزْهُو بِهِ النَّبَأُ الْعَظِيمُ وَ يَشْخَصُ

وَ الطَّيْرُ تَصْدَحُ فَوْقَ أَغْصَانِ التَّقَى *** بِاليُمْنِ وَ النُّعْمَى غَداً يَتَرَقَّصُ(1)

يَا أَيُّهَا النَّبْعُ المُضَمَّحُ بِالوَلا *** يَرْوِي الْعِطَاشَ وَ مَاؤُهُ لايَنْقُصُ(2)

أنا والِمٌ أَنَّى انْطَوَيْتُ عَلَى التُّقى *** أَسْعَى إِلَيْهِ وَ لِلْفَوَاطِم أُخْلِصُ(3)

وَ الْحُظَبَةُ الغَرَّاءُ ذَاتُ طَلاوَةٍ *** طَهُرَتْ وَ حَارَ بِوَصْفِها المُتَخَصِّصُ(4)

جَحَدُوا الهُدَى غَيْضاً عَلَى فَخْرِ النِّسا *** و احَيْرَتِي إِنْ جِئْتُ يَوْماً أَفْحَصُ

كَمْ ذَا تَحَمَّلَتِ الرَّزَايَا وَ الأَسَى *** وَغَدَا العَدُوُّ بِبَابِها يَتَرَبَّصُ(5)

ص: 388


1- تصدح: ترفع صوتها بالغناء.
2- المضمخ: المتلطُّخ.
3- واله: حزين حزناً شديداً حتى كاد يذهب عقله أو متحير من شدة الوجد.
4- طلاوة: الحسن و البهجة فيقال: (هذا كلام ما عليه طلاوة) إذا كان غثاً لاملاحة له. و في البيت إشارة إلى (الخطبة الغراء) و هي الخطبة الفدكية و الذي ورد ذكرها في مصادر عديدة منها ما في (مروج الذهب) ج2 ص311. «...و أخبار من قعد عن البيعة و من بايع وما قالت بنوهاشم و ما كان من قصة فدك، و ما قاله أصحاب النص و الاختيار في الإمامة و من قال بإمامة المفضول و غيره وما كان من ..... فاطمة علیها السلام و كلامها متمثلة حين عدلت إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم...» و في كشف الغمة ج2 ص99-105 للأربلي دارالكتاب الإسلامي -بيروت: فإنها من محاسن الخطب و بدايعها عليها مسحة من نور النبوّة و فيها عبقة من أرج الرسالة...».
5- ربما هذه إشارة إلى الرواية الواردة في (عوالم سيدة النساء علیها السلام) ج2 ص545 منقولة عن كتاب «كامل الزيارات». «... و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يحسّها هوان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب...».

هَيْهَاتَ أَنْ يَنْجُوعَدُوُّ جَائِرٌ *** فَالْحَقُّ يَعْلُو و الفَرِيسَةُ تُقْنَصُ(1)

ص: 389


1- تُقنَص: تصطاد و لعل بعض ما ورد في البيت أشار إليه كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم» الطبعة الثانية ص532 (27) نقلاً عن نوائب الدهور للميرجهاني ص194 قال المفضل للصادق علیه السلام: يا مولاي ما في الدموع من ثواب؟ قال: ما لايحصى إذا كان من محق فبكى المفضل بكاءاً طويلاً و يقول: يا بن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم فقال له الصادق علیه السلام: و لاكيوم محنتنا بكربلاء و إن كان يوم السقيفة و إحراق النار على باب أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و قتل محسن بالرفسة أعظم و أدهن و أمر لأنه أصل يوم العذاب». نظمت في 18 / ربيع الأول/ 1416ه_.

(2) و أشاطر الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

دَامٍ وَ رِيشّكَ نَاصِلٌ و حَصِيصُ *** وَ جَناحُ حَظِّكَ فِي الحُظُوظ قَصِيصُ(2)

أَلأَنَّكَ الْعِرْقُ النَّبِيضُ عَلَى الشَّجَى *** لِلرّازِحِينَ ضَناً هَواكَ رَهِيصُ(3)

وَ لأَنَّ جُرْحَكَ لايُبَل نَغارُهُ *** إلا و جُرْحُ الآخَرِينَ قَلُوصُ(4)

يَهْتاجُكَ اللَّيْلُ الطَّوِيلُ وَ تَدَّرِي *** أَحْلامُكَ الأَشْباحَ وَ هْيَ شُخُوصُ

وَ يَفِيضُ وِرْدُكَ وَ الأجاجُ مَذاقُهُ *** وَ يَتِيهُ سِرْبُكَ وَ القِفَارُ لُصُوصُ(5)

لِمَنِ الجِفانُ المُفْهَقاتُ شِواؤُها *** بَشِمَتْ بِهَا الدُّنيا وَ أَنْتَ خَمِيصُ؟(6)

فَلأَسْبَغَنَّكِ يَا طَوِيَّاتِ المُنَى *** حَتَّى تَرِي مَوْتاً وَ لَيْسَ مَحِيصُ

ص: 390


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- ناصلٌ: خارج. حصيص: محلوق. الحظوظ: جمع حظَّ. قصيص: مقصوص. حليق: سقط شعره.
3- الرازحين: الساقطين و اللاصقين بالأرض و لم يستطيعوا النهوض هزالاً و تعباً. ضناً : مرضاً من تعب و هزال رهيص: الذي أصابته رهصة و هي ما يحصل لحافر الفرس إذا أصابه حجر و قد يقال: أسدٌ رهيص أي لايبرح من مكانه.
4- نغار: غليان جوف الإنسان غضباً . قلوص: نهر جارٍ تنصب إليه الأقذار و الأوساخ و له معانٍ كثيرة فليراجع.
5- ورد: الماء الذي يورد منه. الأجاج: الملح المر.
6- الجفان: القصاع الكبيرة. المفقهات: الممتلئات حتى صارت تتصبب. بشمت: أتخمت. خميص: ضامر البطن و خالية من الطعام.

الآنَ لَجَّ بِهَا العُرامُ وَ خُودِعَتْ *** مِنْكَ الظُّنونُ وَ نالٌ مِنْكَ وَ قِيصُ(1)

وَ انْثالَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ زَواهِياً *** أظيافُها وَ رَنَتْ رُؤاها الخُوصُ(2)

لاَدَرَّ دَركَ إِذْ حِياضُكَ غُيَّضٌ *** وَ فُؤَادُ طَيْرِكَ بِالضُّلُوعِ قَرِيصُ(3)

و إذ الأكِنَّةُ مِنْ زَغَابِكَ فُجَّعٌ *** يَعْتَامُها الْعُقْبَانُ فَهيَ قَنِيصُ(4)

وَإِذِ الأَوَابِدُ رُعَّفٌ أَشْداقُها *** بِدَمِ وَ إِذْ رُمْحُ الزَّمانِ حَرِيصُ(5)

وَلَديَّ منْ عِبَرِ الزَّمَانِ شَواهِدٌ *** وَلَدَيَّ مِنْ سِفْرِ العَذابِ نُصُوصُ(6)

وَلَدَيَّ عِنْدَ الغَوْصِ فِي غَمَراتِها *** مِنْ الشَّبَاكِ مِنَ الشَّكاةِ فُصُوصُ

أغْضِي عَنِ المُختَارِ لاأَعْتامُهُ *** فَرْقاً فَطَرْفُ الشَّامِنِيْنَ بَصِيصُ(7)

أَشاطِرُ الزَّهراء في آلأمِها *** فَيَهُونُ عِنْدِي مُوزَمٌ وَ عَوِيصُ(8)

لَمَّا اخْتَزَلْتُ بِهَا الْمَسَارَ تَرَقْرَقَتْ *** فِي ادْمُعِ الذِّكْرى وسَحَّ نُكُوصُ(9)

هِيَ آمَةُ الشَّجَنِ الَّذِي لايَنْطَفِي *** مِنْهُ الأَوَارُ وَ جَمْرُهُ المَقْبُوصُ(10)

ص: 391


1- العرام: وسخ القِدر. و قيص: ناقص.
2- انثالت: انصبت. زواهياً: مشرقات. أطيافها: الطيف: الخيال أو الطائف في النوم الخوص: الذين غارت أعينهم في رؤوسهم.
3- غُيَّضُ: نواقص أو نواضب. قريص: مقطوع.
4- الأكنة: الكن: هو البيت أو وقاء كل شيء و ستره زغاب فراخ القطا يعتام يرفرف عليها و لم يبعد العقبان: جمع العقاب طائر من الجوارح قوي المخالب و له منقار أعقف.
5- الأوابد: الطير المقيمة بأرض شتاء و صيفاً. أشداقها: زوايا الفم من باطن الخدين. رعفُ: ممتلئة حتى فاضت.
6- سفر: كتاب.
7- بصيص: بريق و متلألئء.
8- العويص: الصعب. مُؤزَمٌ: بمعنى أزمة و أَزمات.
9- سخ: صَبَّ. صباً متتابعاً غزيراً. نكوص: إجحاد عن الشيء.
10- الأوار: الحرّ، العطش الدخان. و في البيت (تحريد) و هو اختلاف الضرب في البحر فما قبل هذا البيت الضرب فيه (فعِلاتن) أما هذا و بعض ما بعده فالضرب فيه مُتفاعِل و هو من عيوب القافية و على أي حال ففي مناقب آل أبي طالب علیه السلام (24) لابن شهر آشوب ج2 المطبعة العلمية بقم ص205: «دخلت أم سلمة على فاطمة علیها السلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قالت: أصبحت بين كمد و كرب، فقدُ النبي و ظلم الوصي والله حجبه أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل...».

وَ هِيَ الذُّوابَةُ مِنْ أَراكَةِ هَاشمٍ *** فِي حَقِّها الْمَأْتُورُ وَ الْمَنْصُوصُ(1)

دَرَجَتْ عَلَى خَطْوِ الرَّسُولِ و لم تَحِدْ *** نَهْجاً وَ بُنْيَانُ الهُدى مَرْصُوصٌ(2)

و زَوَتْ عَنِ الدُّنيا وَ مَنْ يَكُ مِثْلَها *** مَا شَابَهُ التَّنْهِيرُ وَ التَّفْرِيصُ

إِن جُنَّ لَيْلٌ فَهيَ فِي مِحْرابها *** و كذَاكَ نَجْوى المُخْبِتِينَ قُلُوصُ(3)

ص: 392


1- الذؤابة: ذؤابة كل شيء أعلاه.
2- (هذا البيت و البيت الذي يليه فيه إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب «عوالم سيدة النساء» ج1 ص63 منقولة عن كتاب «أهل البيت» ص117. «روي عن أنس بن مالك، عن أمه: أنّ السيدة فاطمة علیها السلام كانت كأنها القمر ليلة البدر، و عندما وضعتها السيدة خديجة علیها السلام و رأت في وليدتها «فاطمة الزهراء علیها السلام» أنها صورة من أبيها العظيم، سرّها ذلك الشبه، و أنّه بركة من بركات الله عليها و على آل البيت علیهم السلام الكرام. و في «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج3 ص230 دارالكتاب العربي. بيروت، «عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً و كلاماً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام». «في ذخائر العقبى للطبري ص40 تحت عنوان ذكر شبهها بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم سمتاً...»: «عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً و حديثاً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامه و قعوده من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و الظاهر أن كلمة (شابهُ) فى أول العجز من البيت الذي يليه مرفوعة الهاء على أن الهاء ضمير متصل و الفعل شاب يشوب. والله العالم. و في جمال فاطمة علیها السلام: و ورد في تاريخ بغداد، ج5 ص86. قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية». و في نزهة المجالس، ج2 ص222. قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام هي الزهرة. و في المستدرك ، ج3 ص161. قالت أم أنس (رضي الله عنه): كانت فاطمة علیها السلام كالقمر ليلة البدر... أو كالشمس كفر غماماً إذا خرج من السحاب... بيضاء مشربة حمرة لها شعر أسود من أشد الناس برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم شبهاً، كما قال الشاعر: بيضاء تسحب من قيام شعرها *** و تغيب فيه و هو جثل أسحم فكأنها فيه نهار مشرق *** و كأنه ليل عليها مظلم
3- قلوص: أنثى شابَّةَ. جاء في (عوالم سيدة النساء) ج1 ص194 منقولاً عن «الثاقب في المناقب» ص291 ح249 الرواية و لعلها قريبة من هذا المعنى: إن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیها السلام لطول قنوتها بالليل».

حَتَّى إِذا غارَتْ لَوامِعُ نَجْمِهِ *** هَاجَتْ بها ذِكَرٌ قَبلَّ قَمِيصُ

لَيْلُ الأَحِبَّةِ لُسَّعٌ ساعاتُهَا *** وَ وِسادَ مَنْ ذاقَ الفِراقَ قَرُوصُ

ذِكْرَى أَبِيها الطّهْرِ فَوْقَ جُفُونِها *** خَضْلٌ و مِسْكُ لَطِيمِهِ مَبْصُوصُ(1)

بالأمْسِ كانَ على هَواجِرِ بَيْتِها *** دَوْحاً فَصَوَّحَ مِنْ ذُراها العِيصُ(2)

ما كانَ حُزْنُكِ يا بتولُ بِهَيْنٍ *** لَكِنَّما فَرَسُ المَنُونِ قَمِيصُ(3)

فَتَحَمَّلِي وِزْرَ الزَّمانِ وَ ذَنْبَهُ *** فَجِنانُ مِثْلِكِ في الخُطوبِ رَصِيصُ(4)

ص: 393


1- الخضل: اللآلي و الدرر الصافية. لطيم: نافجة المسك أو المسك. مبصوص: متلأليء. و في هذا البيت و البيتين اللذين بعده فيها إشارة إلى ما ورد في روضة الواعظين للنيسابوري (1986115.) ص167. «و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليهم ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليهم فيعظم حزنها و تنظر مرة إلى الحسن علیه السلام و مرة إلى الحسين علیه السلام و هما بين يديها علیها السلام فتقول: أين أبوكما صلي الله علیه و آله و سلم الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما صلي الله علیه و آله و سلم الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلايدعكما تمشيان على الأرض فإنا لله وإنا إليه راجعون...».
2- صوّح: يبس. العيص: الأشجار الكثيرة الملتفة، منبت خيار الشجر.
3- قميص: قمص الفرس رفع يديه معاً و طرحهما و عجن برجليه.
4- رصيص: مجتمع بعضه ببعض و منضم.

ص: 394

قافية الضاد

اشارة

ص: 395

ص: 396

397

(1) لها صرخة

(بحر الطويل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك

البحراني التوبلاني(*)(1)

إِذَا كَانَ مَدْحُ الْمُرْتَضَى لَكَ مُرْتَضَى *** فَقَدْ وافَقَتْ كُلُّ القُلُوبِ عَلَى الرِّضَى

وَ لاهَمَّ أَنْ يَسْتَكَّ سَمْعُ مُزَنَّمٍ *** مَتَى سَمِعَ القَوْلَ اسْتَشَاطَ وَ أَنْغَضا(2)

عَلِيُّ أَمِيرُالْمُؤْمِنينَ وَ مَنْ تَرَى *** سِواهُ لِمَدْحَ المَادِحِينَ المُعَرَّضا؟

يَهُشُ له قَلبي وَ شِعْرِي بِمِدْحَةٍ *** فَمَا رُمْتُ حِيناً أن أقول فَأَعْرَضا(3)

وَما لِي لاأَرْجُو بِمَدْحِيَ زُلْفَةً *** بَلى و أنا الآتِي لَها مُتَعَرِّضا(4)

سَأَغْدُو بِإِخْلاَصِي لَهُ مُتَفَوِّقاً *** وَ لابِدْعَ مني أَنْ أَطُولَ وَ أَعْرَضا

وَمَادِحُ غَيْرِ المُرْتَضَى مَا عَلِمْتُهُ *** يُحاوِلُ إِلا أَنْ يَقُولَ وَ يَنْقُضَا

وَ هَلْ كَانَ حَيَّ دُونَهُ غَيْرَ نَاقِضٍ *** تَساهَلَ فِي مَا كَانَ فِيهِ وَ أَغْمَضا

فَمَنْ مِثْلُهُ فِي الكَوْنِ حَتَّى كَأَنَّهُ *** هُوَ الكَوْنُ ممَّا كَوْنَ اللهُ أَوْ قَضى!؟

وَ عِلَّةُ هَذَا الْكَوْنِ إِنْ كانَ أَحْمَداً *** فَأَحْمَدُ هذا مُصْطَفَى وَ هُوَ مُرْتَضَى

وَإِنْ غَفَرَ اللهُ الذُّنوبَ بِأَحْمَدٍ *** فَذَاكَ بِهِ الغُفْرَانُ هَذَا بِهِ الرِّضَى

ص: 397


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- يستكَ: يُصمَّ. مزنّم: اللاحق بقوم ليس منهم و لا هم يحتاجون إليه فكأنّه فیهم زَنَمة استشاط: التهب غيظاً. أنْغَضَ: تحرّك و اضطرب.
3- بهش قلبي: يرتاح و ينشط.
4- زُلْفَة: درجة. منزلة. قُرْبَة.

وَ أَحْمَدُ إِنْ أَنْضَى حُساماً مُجاهِداً *** فَهَذَا هُوَ السَّيْفُ الَّذي هُوَ يُنْتَضَى(1)

وَ أَحْمَدُ لَمْ يَعْمَدُ لِتَقْوِيضِ دَوْلَةٍ *** مِنَ الشِّرْكِ إلا كان هذا المقَوِّضا

وَ أَحْمَدُ إِنْ يَعْقِدْ لِواءً مُؤَمِّراً *** فَمَنْ غَيْرُه كَانَ الأَمِيرَ المُفَوَّضا!؟(2)

وَ أَحْمَدُ إِنْ ذَلَّتْ جَبَابِرَةُ الوَرَى *** له هُوَ ذا كانَ الْمَسِيسَ المُروّضا

وَ أَحْمَدُ إِن شَبَّ الغَضَاء فِي جَوانِحِ *** الغُواةِ فَهَذَا فِي الْوَغَى جَمْرَةُ الغَضَا(3)

وَ أَحْمَدُ إِنْ سَنَّ الشَّرِيعَةَ لِلْهُدَى *** أَلَيْسَ بِهَذا لِلشَّرِيعَةِ يُسْتَضا؟

وَ أَحْمَدُ إِنْ يُنْقِذْ مِنَ الشِّرْكِ مَنْ مَضَى *** فَهَذا هُوَ الهَادِي إلى نهجِ مَنْ مَضَى

وَ إِنْ هَجَّرَ الأَصْنامَ أَحْمَدُ ماقتاً *** فَمَنْ هَشَّمَ الأَصْنَامَ كَسْراً وَ رَضَّضا؟

وَ إِنْ أَصْبَحَ الدَّاعِي إِلَى اللهِ أحْمَداً *** فَهذا هو الغَادِي مُحِضًا مُحَرِّضا

مَتَى رَعَدَتْ مِنْ أَحْمَدٍ أَي مُزْنَةٍ *** وَ أَبْرَقَ فيها سَيْفُ هذا وَ أَوْمَضَا(4)

هَمى صَيِّبٌ فيهِ شِفاءٌ لِمُهْتَدٍ *** و كانَ على الغاوِينَ داءً مُمَرِّضا(5)

لَحى اللَّهُ قَوْماً أَبْغَضُوهُ فليسَ مَنْ *** لَهُ الحَقُّ فِي فَرْضِ الوَلاءِ لِيُبْغِضا

وَيَا قَوَّضَ البارِي بِناءَ مُزنَّمٍ *** تَعَرَّضَ فِي مَبْنَى الهُدَى لِيُقَوِّضا

تَوَجَّهَ الدُّنيا بكُلِّ جُهُودِهِ *** و صَدَّ عن الدين الحنيف و أَعْرَضا

و خادَعَ بالأَطماعِ مَنْ يَسْتَمِيلُهُمْ *** و أَسْلَفَ قَوْماً آخَرِينَ و أَقْرَضا

مَعاشِرُ سُوءٍ مَا يُنيبُ لِرَبِّهِ *** مُنافِقُهُمْ إِلَّا إِذا هُوَ أَعْرضا

أَطاعَ الهَوى في كُلِّ ما هُوَ عامِلٌ *** وَ أَخْلَصَ للشيطانِ حتّى تَمَحَّضا

فجاءَ لبيتِ الوَحْيِ فِي مَنْ أَطاعَهُ *** و حَفَزَهُمْ أَنْ يُحْرِقُوهُ و حَرَّضا

ص: 398


1- ينتضى: يستل.
2- المقوّضا: المهدِّم.
3- الغضا: أشجار من الأثل أخشابها صلبة من أصلب أنواع الخشب و جمرها يبقى زمناً طويلاً لاينطفىء.
4- أومض: أبرق و لمع.
5- همی: سال. صَيّب: مطر.

و أَغْرَاهُم -لاأَرْشَدَ اللهُ أَمْرَهُمْ- *** وَ هَدَّ قُواهُمْ أَجْمَعِينَ وَ هَيَّضا(1)

فَأَقْحَمَهُمْ مِنْ غير إذْنٍ قَدِ اقْتَضَى *** دُخولَهُمْ ما يَعْلَمُ اللهُ مَا اقْتَضَى(2)

وَ أَخْرَجَ لَيْثاً خادِراً مِنْ عَرِينِهِ *** يُقادُ بِمَا أَوْحَى لَهُ الصَّبْرَ للقَضا

و فاطِمةُ الزهراءُ يُضْرَبُ جَنْبُها *** و تُعْصَرُ ما بينَ الجِدارِ لِتَجْهَضا

و ما كانَ هَذا مانِعاً مِنْ خُروجِها *** لَها صَرْخَةٌ مِنْ خَلْفِهِ تَمْلأُ الفَضَا(3)

ص: 399


1- هيَض: كسر.
2- في هذا البيت إشارة إلى دخولهم الدار على الزهراء علیها السلام دون إذن: ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 «قال: قلتُ لسلمان: ادخلوا على فاطمة علیها السلام، بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها من خمار، فنادت: يا أبتاه، يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك. تنادي بأعلى صوتها-.
3- في البيت إشارة إلى خروج الزهراء علیها السلام خلف الإمام علي علیه السلام حين أخرجوه إلى البيعة، ففي كتاب تفسير العياشي ج2 ص66-67. في رواية طويلة قال: قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليها» أغلقت الباب في وجوههم، و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف ثم دخلوا فأخرجوا عليا علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي واللَّه لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتينَّ قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي، فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم...» الخ. و ذكره المجلسي في البحار ج28 ص227. و في بحار الأنوار للمجلسي، ج8 ص220 (ط حجرية). قال المجلسي: أجاز لي بعض الأفاضل في مكة «زاد الله شرفها» رواية هذا الخبر و أخبرني أنه أخرجه من الجزء الثاني من كتاب «دلائل الإمامة» و هذه صورته... عن سعيد بن المسيب قال في حديث طويل يذكر فيه وصية عمر بن الخطاب و فيها... أتيت دار علي و فاطمة و ابنيهما الحسن و الحسين و ابنتيهما زينب و أم كلثوم علیهم السلام و الأمة المدعوة بفضة و معي خالد بن الوليد و قنفذ مولى أبي بكر و من صحب من خواصنا فقرعت الباب عليهم قرعاً شديداً فأجابتني فقلت لها علیها السلام: قولي لعلي علیه السلام. إلى أن قال: فقالت: إن أميرالمؤمنين علياً علیه السلام مشغول فقلت: خلي عنك هذا و قولي له يخرج و إلا دخلنا عليه و أخرجناه كرهاً. فخرجت فاطمة علیها السلام فوقفت من وراء الباب فقالت: أيها الغالون ،المكذبون، ماذا تقولون؟ و أي شيء تريدون؟ فقلت: يا فاطمة علیها السلام فقالت فاطمة علیها السلام: ما تشاء يا عمر؟ فقلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب، و جلس من وراء الحجاب؟ فقالت لي: طغيانك أخرجني يا شقي و ألزمك الحجة و كل ضال غوي. فقلت: دعي عنك الأباطيل و أساطير النساء و قولي لعلي يخرج لاحباً و لاكرامة، فقالت: أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر؟ و كان حزب الشيطان ضعيفاً... فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل و أضرمتها ناراً على أهل هذا البيت و أحرق من فيه أو يقاد علي إلى البيعة. و أخذت سوط قنفذ فضربتها و قلت لخالد بن الوليد: أنت و رجالنا هلموا في جمع الحطب. فقلت: أي مضرمها. فقالت: يا عدو الله و عدو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و عدو أميرالمؤمنين فضربت فاطمة علیها السلام يديها من الباب تمنعني من فتحة خرمته فتصعب علي فضربت كفيها بالسوط فآلمها. فسمعت لها زفيراً و بكاءً فكدت أن ألين و أنقلب عن الباب... فذكرت أحقاد علي و ولوغه في دماء صناديد العرب و كيد محمد صلي الله علیه و آله و سلم،و سحره فركلت الباب و قد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه و سمعتها و قد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها و قالت: «يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هكذا كان يفعل بحبيبتك و ابنتك... آه يا فضة إليك فخذيني فقد. واللَّه. قتل ما في أحشائي من حمل». و سمعتها تمخض و هي مستندة إلى الجدار فدفعت الباب و دخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها و تناثر إلى الأرض. و خرج علي علیه السلام فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار و قلت لخالد و قنفذ و من معهما: نجوت من أمر عظيم. و في رواية أخرى: قد جنيت جناية عظيمة لاآمن على نفسي و هذا علي علیه السلام قد برز من البيت و ما لي و لكم جميعاً به طاقة. فخرج علي علیه السلام و قد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها و تستغيث بالله العظيم ما نزل بها فاسبل علي علیه السلام عليها ملاءتها و قال لها علیها السلام: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن الله بعث أباك رحمة للعالمين وايم الله لئن كشفت عن ناصيتك سائلة إلى ربك ليهلك هذا الخلق لأجابك حتى لايبقي على الأرض منهم بشراً لأنك و أباك صلي الله علیه و آله و سلم أعظم عند الله من نوح الذي أغرق من أجله بالطوفان جميع من على وجه الأرض و تحت السماء إلاّ كان في السفينة و أهلك قوم هود بتكذيبهم له و أهلك عاداً بريح صرصر و أنت و أبوك أعظم قدراً من هود، و عذب ثمود و هي اثنا عشر ألفاً بعقر الناقة و الفصيل فكوني يا سيدة النساء علیها السلام رحمة على هذا الخلق المنكوس و لاتكوني عذاباً. و اشتد بها المخاض و دخلت البيت فأسقطت سقطاً سمّاه علي محسناً». و جمعت جمعاً كثيراً لامكاثرة لعلي علیه السلام ولكن ليشتد بهم قلبي و جئت و هو محاصر فاستخرجته من داره مكرهاً مغصوباً و سقته إلى البيعة سوقاً. و إني لأعلم علماً يقيناً لاشك فيه لو اجتهدت أنا و جميع من على الأرض جميعاً على قهره ما قهرناه ولكن لهنات كانت في نفسه أعلمها و لاأقولها...

و ما لَقِيتْ منهُمْ حناناً و رَحْمَةً *** سِوى كَمَدٍ أَدْمَى الفُؤادَ و أَمْرَضا(1)

ص: 400


1- نقلت عن المراثي الحسينية.

(2) بنت سيد الرسل صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الطرفي(*)(1)

إِنَّ مَنْ حُبُّها مِنَ اللهِ فَرْضُ *** لَيْسَ يَزْرِي بِهَا مِنَ الْقَوْمِ رَفْضُ(2)

بَضْعَهُ الْمُصْطَفى وَأُمُّ أَبِيهَا *** وَعَلى حُبِّها النَّبِيُّ يَحُضُّ(3)

حُبُّها حُبُّهُ وَنَاهِيكَ فِيمَنْ *** قَالَ عَنْها بِأَنَّها مِنْه بَعْضُ(4)

ص: 401


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- انظر القصيدة السابقة الهامش رقم (2) وما ورد فيه عن دلائل الإمامة للطبري ص28 يزري: يتهاون أو يضرّ ويؤثر.
3- يحض: يحث و يبعث؛ و في الشطر الأول من البيت جاء في صحيح مسلم المجلد الخامس مؤسسة عز الدين للطباعة و النشر الطبعة الأولى (1987) تحت عنوان فضائل فاطمة علیها السلام بنت النبي صلی الله علیه و آله و سلم (94) عن كونها بضعة النبي صلی الله علیه و آله و سلم: حدثني أبومعمر .... عن المسور ابن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم:« إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها». و انظر كنز العمال ج6 ص220 و مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328. و عن كونها «أم أبيها» ورد في تهذيب التهذيب للعسقلاني ج12 الطبعة الأولى. دار صادر بيروت ص440: «فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام» و عن الشطر الثاني ورد في كتاب «ينابيع المودة» ج1 ص314 الطبعة الأولى في إيران -انتشارات الشريف الرضي: «يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حبّ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه (ابنتي فاطمة علیها السلام) غضبت عليه و من غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذرّيتها و شيعتها.
4- في كتاب (المناقب) ج3 ص332، المطبعة العلمية -قم: «سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي من سرها فقد سرني و من ساءها فقد ساءني ، فاطمة علیها السلام أعز البرية عليَّ علیه السلام».

لايُساوَى بِها عُلاًمَنْ *** أَظَلَّتْهُ سَماءٌ وَمَنْ أَفَلَّتْهُ أَرْضُ(1)

ماعَدَا بَعْلَها فَذَلِكَ نَفْسُ *** المُصْطَفَى حَيْثُ إِنَّهُ مِنْهُ مَحْضُ

كَمْ أَراهُمْ مِنْ فَضْلِ فَاطِمَ مَا لَوْ *** أبْصَرُوا رُشْدَهُمْ لَمَا عَنْهُ غَضُّوا(2)

رَفَعَ اللهُ بَيْتَها فَتَحدَّى الرَّفْعَ *** مِنْهُمْ لِذلِكَ الْبَيْتِ خَفْضُ(3)

مانَای عَهْدُهُ وَلا الذِّكْرُ *** قَدْ اخْلَقَ مِنْهُ وَخَطْبُهُ بَعْدُ غَضُّ(4)

أَضْرَمُوا عِنْدَ بَابِهَا النَّارَتُذْكَى *** مِنْ لَظَى شَبَّها عِداءٌ وَ بُغْضُ(5)

منْ رِضَى اللهِ مِنْ رِضاها أَيَرْضَى *** عَنْ أُناسٍ ضُلُوعَ فَاطِمَ رَضُّوا؟

ص: 402


1- لعل في هذا البيت و البيت الذي يليه إشارة إلى ما ورد في «عيون أخبار الرضا علیه السلام» الجزء الأول . انتشارات جهان... ص225 (3) . «عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا علیه السلام عن آبائه عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا : خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت عليا علیه السلام، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوّجته بل الله منعكم و زوّجه». فهبط عليّ جبرئيل فقال: يا محمد صلی الله علیه و آله و سلم إن الله «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على علیه السلام وجه الأرض آدم فمن دونه».
2- في دلائل الإمامة للطبري ص8 تؤكد على فضل سيدة النساء و كرامتها عند الله «تعالى»: بإسناده عن الصادق علیه السلام في حديث كيفية ولادة فاطمة علیها السلام قال: فلما حملت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام لاتحدّثها من بطنها و تصبرّها [إلى أن قال]: فلما حضرت ولادتها و... دخل عليها أربع نسوة سمر طوال... فقالت إحداهنّ: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنّا رسل ربك إليك... و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أُخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك... فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور ودخل عشر من الحور العين...».
3- جاء في «ينابيع المودة» ج1 ص291 ط الأولى في إيران ط السابعة منشورات المكتبة الحيدرية (1965) . إشارة إلى بعض ذلك: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لو علم الله «تعالى» أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لأمرني أن أباهل بهم ولكن أمرني بالمباهلة هؤلاء و هم أفضل الخلق فغلبت بهم النصارى».
4- أخلَقَ: صيرّه بالياً. غضُّ: طري.
5- تذكى: تتقد. لظى: لهيب النار. شبَّها: أشعلها. أضرموا: أشعلوا. و في البيت إشارة لما ورد في الإمامة و السياسة ج1 ص12 الطبعة الثانية -مؤسسة الوفاء (1981).

اغْضَبُوهُ إِذْ أَغْضَبُوهَا فَأَوْحَى *** اللَّهُ فِي الظّالمين (يَومَ بَعَضُّ)

وَتَمَادَوْا فِي غَيِّهمْ فَتَنادَوْا *** وَتَناجَوْا فَكَانَ لِلْبَحْثِ خَوْضُ

واسْتَراحُوا لجحْدِ فَاطِمَ حَقًّا *** كَانَ مِنْ رَبِّهَا لَها فَهُوَ فَرْضُ(1)

صَدَعَتْهُمْ بِحُجَّةٍ وَبَرَاهِينَ بِها *** لِلَّذِي بِهِ احْتُجَّ دَحْضُ(2)

ص: 403


1- في (أمالي الطوسي) مؤسسة الوفاء، بيروت -الطبعة الثانية (1981) ص207 ما يشير إلى هذا المعنى: «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها»: أسائلن عن هنة حلّق بها الطائر وحفى بها السائر و رفع إلى السماء أمراً و رزئت في الأرض خبراً أن تخيف تيم واحيوك عدي جازيا أبا الحسن في السباق حتى تقربا بالخناق أسرّا له الشنآن و طوياه الإعلان فلما خبأ نور الدين وقبض النبي الأمين نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و أدلا بفدك فيا لها لمن ملك، تلك إنها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينة فإن انتزعا مني البلغة و منعاني اللحظة و احتسبتها يوم الحشر زلفة، و ليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم».
2- دَحَضَ: أبطل؛ و في الاحتجاج ج1 ص119-122 للطبري (ط دار النعمان-1966) ما يشير إلى هذا المعنى. عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأمر الله تعالى؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة» فقال: بلى قالت: فأشهد أن الله «عز وجل» أوحى إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، فجاء علي علیه السلام: فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً ودفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه ومزّقه فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي فلما كان بعد ذلك جاء علي علیه السلام إلى أبي بكر و هو في المسجد وحوله المهاجرون و الأنصار فقال: يا أبابكر لمَ منعت فاطمة علیها السلام ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد ملكته في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم. فقال أبوبكر: هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جعله لها وإلاّ فلا حق لها فيه. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين، قال: لاقال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك اسأل البينة، قال: فما بال فاطمة علیها السلام سألتها البينة على ما في يديها و قد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بعده و لم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهوداً كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟»

بَصَّرتْهُمْ لَوْ أَبْصَرُوا النُّورَ لَكِنْ *** كَانَ فِيهِمْ عُمْيُ البَصائِر مُرْضُ

ثُمَّ جَاؤُوا يَستَعطِفُونَ فُؤاداً *** فِيهِ مِنْ نابِ ما تُقَاسِيهِ عَضُّ(1)

فَأَبَتْ ما أبي لَها اللهُ منْ أنْ *** يَجِدوا لِلرَّضا طَرِيقاً فَيُفْضُوا(2)

وَانْثَنُوا خَائِبِينَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا *** غَسْلَ عارٍ لَمْ يُجْدِهِمْ فِيه رَحْضُ(3)

رَفَضَتْهُم فَانْهارَ مَا أَحْكَمُوهُ *** وَلِمَا أبْرَمُوهُ بِالرَّفْضِ نَقْضُ

وغدا قَلْبُها يُقاسِي شُجُوناً *** ضاقَ عَنْهَا لِلْكَوْنِ طُولٌ وَعَرْضُ(4)

يالَها اللَّهُ مِنْ نَوائِبَ باتَتْ *** وَبِهَا مَضْجَعُ البَتُولِ يُقَضُّ(5)

ص: 404


1- في كتاب (الإمامة و السياسة) ج1 ص13 لابن قتيبة، الطبعة الثالثة (1981) مؤسسة الوفاء-بيروت: «قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة علیها السلام قال: فإنّا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة علیها السلام فلم تأذن لهما. فأتيا علياً فكلّماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حوَّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها. فلم ترد علیها السلام، فتكلم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والله إنّ قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحبُّ إليّ من قرابتي، وإنك لأحب إليّ من عائشة ابنتي و لوددت يوم مات أبوك أني مت و لاأبقى بعده، أفتراني أعرفك و أعرف فضلك و شرفك و أمنعك حقك و ميراثك من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلا أني سمعت أباك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: لانورِّث ما تركناه، فهو صدقة. فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني ومن أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني»، قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما اسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي لأشكوّنكما إليه».
2- يفضوا: يبلغوا و ينتهوا إليه.
3- انثنوا: انعطفوا أو ارتدوا بعضهم على بعض. رحض: غسل.
4- أنظر لما ورد عن روضة الواعظين في القصيدة (2) من قافية السين.
5- يقضّ: يصير فيه القضض وهي صغار الحصى. وفي البيت إشارة إلى ما ورد في بحار الأنوار ج53 ص14. 18. 19. و هي رواية طويلة... نذكر منها: «عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق علیه السلام: هل للمأمور المنتظر المهدي عج الله فرجه الشریف من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال:... و ضرب سلمان الفارسي و إشعال النار على باب أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لإحراقهم بها و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة علیها السلام بالسوط و رفس بطنها و إسقاطها محسناً...و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة وإضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله والله متم نور... وإدخال قنفذ يده «لعنهُ الله» يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدُّملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء وتقول: «واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب ويقتل جنين في بطنها»...

يالِقلْبِ تَحَكَّمَ الغَمُّ فِيهِ *** عَادَ مِنْهُ لِلْحُزْنِ بَسْطٌ وَ قَبْضُ

وَ لِصَدْرٍ قَدْ ضاقَ بالهمِّ ذَرْعاً *** وَ لِضِلْعٍ فيهِ جِراحٌ تُمِضُّ(1)

وَ لِجِسْمِ تَنَاهَبَتْهُ الرَّزايا *** حَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِي الشَّرايينِ نَبْضُ

فَمَضَتْ بِنْتُ سَيِّدِ الرُّسْلِ غَضْبَى *** مِنْ أُناسٍ قَدْ أَغْضَبُوها لِيَرضُوا

وَ خَبَا نُورُها وَمِلْءُ حُشَاهَا *** لِلِقاءِ الرَّسُولِ شَوْقٌ وَ رَمْضُ(2)

ص: 405


1- تمضُّ: تؤلم و توجع.
2- رمض: احتراق. و في البيتين إشارة إلى ما ورد في «أمالي الصدوق» ص99-100 منشورات الأعلمي للطباعة الطبعة الخامسة (1980): (والبيت الذي يليه) «عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان جالساً ذات یوم... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية، إذا قامت في محرابها بين يدي ربها «جل جلاله» ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض و يقول الله «عز وجل» لملائكته: «يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار». و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها وكسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلی الله علیه و آله و سلم فلاتجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أخرى وتستوحش إذا جنَّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة...».

وَخَلاَ بَيْتُها فَأظْلَمَ لَوْلا *** أنَّ مِنْ ذِكْرَياتِها فِيهِ وَمْضُ(1)

فَلَكَ اللهُ يا علِيُّ فَهذا *** ثانِيَ اثْنَيْنِ مَنْ خُطُوبٍ تَقُصُّ(2)

فَمُصابُ النَّبِيِّ أعْظَمُ خَطْبٍ *** وَمُصابُ الزَّهْراءِ مِنْهُ أمَضُّ

وَعَزاءٌ لإِبنيكَ مِنِّي -وَإن قلَّ *** عَزاءً -أنْ يَهْجُرَ العَيْنَ غَمْضُ(3)

ص: 406


1- ومض: لمعان.
2- و في البيت إشارة لما ورد في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص361 المطبعة العلمية. قم مؤسسة انتشارات علامة: «عن جابر: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي قبل موته «السلام عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك عليك». قال: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال علي علیه السلام: هذا أحد الركنين فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال علي علیه السلام: هذا الركن الثاني.
3- نظمت في السابع عشر من جمادى الثانية سنة (1415 هجرية).

(3) بيت الرسالة

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أرَى بَعْضِي يَغارُكَ فيَّ بَعْضِي *** وصَحْوِي نَهْبَ أَضْناءٍ وعُمْضِ(2)

تُراوِدُنِي الْحَيَاةُ بِأَيِّ نُعْمَى *** لَئِنْ ساوَمْتُها بِجثًى مُمِضِّ

دَوَالٍ مِنْ رَغابٍ مُعْرِشاتٍ *** عَلَى سَمْتَيْنِ مِنْ طُولٍ و عَرْضِ(3)

ومُرْتَبَعٍ تَلَذُّ النَّفْسُ فِيه *** أطايبُ مَا يُصارُلَها بِحَضِّ

وَجَنَّاتٌ تَرُودُ الطَّيْرُ فِيهَا *** هَوادِل نَاغِماتٍ بِكُلِّ نَبْضِ

تَرى خَلَلَ الرَّوائِعِ مِنْ رُؤاها *** ظِلالَ الأَيْكِ تَرْفَعُ كُلَّ خَفْضِ(4)

عَلى أنِّي وَإِنْ خادَعْتُ نَفْسِي *** أَرانِي عَنْ عَمَى الشَّبعَاتِ أُغْضِي

أراني خَابِطاً عَشَواتِ وَهْمٍ *** تُزلِّقُ مِنْ خُطايَ بِكُلِّ دَحْضِ

تُسَاوِرُني المُنَى شَمْطاءَ شِيباً *** تَهَرَّأَ مِنْ شَواها كُلُّ نَحْضِ(5)

وَتَفْرُشُ لِي المَجَرَّةَ وَهْيَ أَنْأَى *** مِنَ العَبَّوقِ مِنْ سَكَنِي وَأَرْضِي

وَتَسْحَبُ مِنْ بِسَاطِي كُلَّ وَطْءٍ *** وَتَذْوِي مِنْ أَدِيمِي كُلَّ غَضِّ(6)

فَيَا نَفْسُ ائْلَفِي شَظَفَ التَّلَظَّي *** عَلَى الحِرْمَانِ وَارْتَكِني لِرَفْضِ

ص: 407


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أضناء: جمع الضنأ و هو الضعف من التعب والمرض.
3- رَغاب: الأرض التي تشرب كثيراً من ماء المطر فلا تسيل إلاّ من مطر كثير. و الرغاب من الناس الواسعو الجوف.
4- الأيك: الشجر الكثير الملتف.
5- شمطاء: التي خالط بياض رأسِها سواد. نَحْض: اللحم.
6- تذوي: تذبل. غَضّ: طَرِيّ، ناضر.

وَ يَا حُمَمَ الْهَوَاجِرِ جَرِّدِيني *** مِنَ الثَّوْبِ المُفَضَّضِ وَالمُقِضِّ

وَ يَا دُنيَا بَلَوْتُكِ لأضَمينٌ *** ذِمَامُكِ عِنْدَ مُحْتَكَمِ التَّقَضِّي

مَطَلْتِ فَلا نَجائِزَ مِنْ وُعودٍ *** وَرُضْتِ فَلا مَنادِحَ مِنْ مَرَضِّ

غَوالِي كِبْرِياءاتٍ أذالَتْ *** يَداكِ عَلَى مُداهَنَةِ التَّرَضِّي

و شمّاً مِنْ عَرانِينٍ تَخَطَّتْ *** بِكِ القِدْمانُ في دَهْياءَ تَنْضِي

وَ مُقْتَصدِيَّ لا أَرَباً أفادُوا *** وَلا هَضَمُوا الهَشِيمَ بِشُرْبِ حَمْضِ

تَأَنّوْا فِي الْمَسَافِ فَلا صوارٍ *** تَدُلُّهُمُ الطَّرِيقُ إِلَى مَفَضِّ(1)

أُولئِكُمُ الأَقَلُّونَ احْتِقَاباً *** مِنَ الثَّمراتِ مِنْ دَعَةٍ وَخَفْضِ

وَ يَا دُنْيَا جُبِلْتِ عَلَى هَوانٍ *** فَيا لَكِ مِنْ مَريرِ السُّوءِ جَرْضِ(2)

أعَنْتِ عَلى الفَواطِمِ زَعْنَفاتٍ *** إلى مُسْتَرْخَصِ الغاياتِ رُكْضِ(3)

وَما الدُّنْيا إِلى الأَطْماعِ غاياً *** وَمَا مَنْ لِيفَ مِنْ وَضَرٍ بِرَحْضِ

و ما الزَّهْراءُ إِلاَّ مِنْ أبِيهَا *** أَصالَةُ مَحْتِدِ ودَبِيبُ نَبْضِ(4)

ص: 408


1- صوار: النخل الصغير أو رؤوس الجبال أو شواطىء الأنهار.
2- جَرِض: غصّ، ابتلع ريقه بجهد على هم و حزن.
3- زعنفات: القِصار. الطوائف.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى شبه الزهراء علیها السلام بأبيها صلی الله علیه و آله و سلم ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164 قال: عن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من الحسن بن علي علیه السلام و فاطمة «صلوات الله عليهم أجمعين». و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 272 قال : عن عائشة أم المؤمنين. «رضي الله عنها» قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً وهدياً برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من فاطمة بنت رسول الله علیها السلام في قيامها وقعودها، قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته و أجلسته في مجلسها...» الخ. و ذكره الحافظ الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك، نفس الجزء و الصفحة؛ و في كتاب الاستيعاب ج4 ص1896: قال: عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها و رحبّ بها كما كانت تصنع به صلی الله علیه و آله و سلم. أقول : كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يحب فاطمة علیها السلام حباً جماً حتى عذلته عائشة في ذلك... و هذا الحب الذي لاتستطيع الكلمات أن تصفه لايصدر من الرسول صلی الله علیه و آله و سلم جزافاً؛ فالنبي صلی الله علیه و آله و سلم الذي قال فيه الله «تعالى»:«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» و هو: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» إنما كان يحب فاطمة علیها السلام كل هذا الحب لعلمه بمقامها الشامخ و لأنها أم الأئمة و مركز الولاية و الإمامة وإنها المرأة النموذجية في الإسلام و المعصومة من كل ذنب و دنس و لايعرفها حق المعرفة إلاّ الله سبحانه و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم و علي علیه السلام... و هي الإشعاع الملائكي في الأرض و منبع النور السماوي الملكوتي التي يشم فيها الرسول صلی الله علیه و آله و سلم رائحة الجنة كلما اشتاقها... فكيف لا يحبها صلی الله علیه و آله و سلم و قد خُلقت حورية في صورة إنسية؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و قد خُلقت من نور؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و هي بضعته و قلبه و روحه التي بين جنبيه؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و قد اصطفاها الله على نساء العالمين و على نساء الإسلام و هو خير دين؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و هي علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة؟ كيف لا يحبها صلی الله علیه وآله و سلم وهي التي عندما تقوم في محرابها يسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين؟ نعم إن فاطمة علیها السلام نور سماوي فلتقر عيناك بحبّها يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم. اعلموا أنى فاطمة علیها السلام ، عبد الحميد المهاجر ، ج 1 ص168.

هِيَ الطُّهْرُ البَتُولُ وَ مَنْ تَرَبَّتْ *** عَلى إيفاءِ نافِلَةٍ وَ فَرْضِ(1)

رَعَتْ بَيْتَ الرِّسالةِ وَ هْيَ رَضْعَى *** وَ لَمْ يَكُ وِرْدُ مُرْضِعِها بِبَرْضِ(2)

وَ حُقَّتْ بالمَلائِكِ تَصْطَفِيها *** تَنَزَّلُ مِنْ سَماواتٍ لأَرْضِ(3)

ص: 409


1- في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «إنما سميِّت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلتْ من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال: نقصان». و في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن کتاب مودة القربى ص78 ط لاهور، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «سميتْ فاطمة علیها السلام بتولا لأنها تبتلتْ كل ليلة، معناه ترجع كل ليلة بكراً وسميت مريم بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً». و في كتاب مصباح الأنوار كما في البحار ج43 ص19 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سميِّت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس، و طهارتها علیها السلام من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً. و قال في ص16: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حرَّم الله النساء على علي علیه السلام ما دامت فاطمة علیها السلام حية لأنها طاهرة. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص44.
2- بَرْض: قليل. ورد: ما يورد من الماء.
3- في هذا البيت إشارة إلى نزول الملائكة على الزهراء علیها السلام. ففي كتاب البحار ج43 ص24 قال: ضمن حديث طويل «فأيما امرأة صلت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجت بيت الله الحرام و زكت مالها و أطاعت زوجها و والت عليا علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين. فقيل: يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أهي سيدة نساء عالمها فقال صلی الله علیه و آله و سلم؟: «ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين وإنها لتقومُ في محرابها، فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة مریم فيقولون: يا فاطمة علیها السلام «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» يا فاطمة علیها السلام«اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» فتحدثهم و يحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران علیها السلام؟ فقالوا: إن مريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و إن الله «تعالى» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها وسيدة نساء الأولين و الآخرين. و في حديث طويل في البحار ج43 ص58 جاء فيه «ألا وأزيدكم من فضلها: إن الله قد وكَّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها و من خلفها و عن يمينها و عن شمالها و هم معها في حياتها و عند قبرها و عند موتها يكثرون الصلاة عليها و على أبيها صلی الله علیه و آله و سلم و بعلها و بنيها علیهم السلام».

سَلاماً يَوْمَ مَوْلِدِها شِهاباً *** وَ حُزناً يَوْمَ مَا ارْتَحَلَتْ كَوَمْضِ

ص: 410

(4) خلف بابٍ

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني (*)(1)

أَيُّ قَلْبٍ مَا كَانَ يَحْمِلُ *** لِلزَّهرَاءِ حُبّاً فَذَاكَ قَلْبٌ مَرِيضُ(2)

إن يَكُنْ مُسْلِماً فَيعْلَمُ أَنَّ *** الْحُبَّ فِيها مُسَلَّمٌ مَفْرُوضُ(3)

أَوْ تَراهُ مُعانِداً فَلَدی إلا *** سلامِ وَ الْعَقْلِ دِينُهُ مَرْفُوضُ

حَفِظَتْ نَسْلَ أَحْمدٍ فِي بَنِيها *** فَنَمَا ذلِكَ الْكِيانُ العَرِيضُ(4)

أَيُّ نَهْرٍ مِنَ النُّبوّةِ يَنْسا *** بُ فُرُوعاً أئِمَّةً وَيَفِيضُ

سَادةً يَحْمِلُونَ مِشْعَلَ طه *** وَ عَلِيِّ ما عاقَهُمْ تَحْرِيضُ

وَ أَنارُوا الدُّنيا فَإِنْ قِيلَ أَهْلُ **** البَيْتِ قَالَتْ هذِي الأَيادِي البِيضُ

ص: 411


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب (حلية الأولياء) للأصفهاني ج4 ص185 بيروت. «عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إن ابنتي فاطمة علیها السلام يشترك في حبّها الفاجر و البر؟ وإني كتب إليّ . أو عهد إليّ أنّه لايحبك إلا مؤمن و لايبغضك إلاّ منافق».
3- في دلائل الإمامة للطبري (ط.3 منشورات الرضا. قم. ص28 تشير إلى هذا المعنى: «عن أبي جعفر علیه السلام. في حديث طويل-: و لقد كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن و الإنس و الطير و الوحش و الأنبياء و الملائكة...».
4- في مناقب آل أبي طالب ج3 ص333-334 ( المطبعة العلمية. قم -مؤسسة انتشارات علامة): «و سأل بُزل الهرويَّ الحسين بن روح (رحمة الله علیه) فقال: كم بنات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟ فقال: أربع، فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة علیها السلام، قال: و لمَ صارت أفضل و كانت أصغرهن سنَّا و أقلّهن صحبة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما: إنها ورثت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و نسل رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم منها و لم يخصَّها بذلك إلاّ بفضل إخلاص عرفه من نيتها.

إنْ يَكُ الدِّينُ ظَلَّ لِلْيَوم حَيًّا *** فَبِهِمْ حَيْثُ شَأنُهمْ والنُّهوضُ

مِشْعَلٌ لِلأنامِ فِي كُلِّ عَصْرٍ *** شَعَّ فِيهَا مِنَ الْحُسَيْنِ وَمِيضُ(1)

وَ تَرَاهُمْ تَجرَّعُوا مِثْلَ سُمِّ الْ_ *** _حَسَنِ الْمُجْتَبَى لِتَحيا الفُروضُ

وَ تَوالَتْ مِنْ بَعْدِهِمْ تَضْحِیاتٌ *** كُلَّما الدِّينُ نالَهُ التَّعْرِيضُ

أينَ كانُوا مِنْ أمِّهِمْ يَوْمَ كَانَتْ *** خَلْفَ بَابٍ وَ ضِلْعُها مَرْضُوضُ؟(2)

لَمْ أَشأَ أَنْ أثِيرَ فِيهِمْ مُصاباً *** إِنَّما سَاقَنِي إِلَيْهِ الْقَرِيضُ(3)

ص: 412


1- وميض: لمعان خفيف.
2- مرضوض: مكسور؛ و لعل المراد منه الضلع الذي أصيب من أثر الضرب و العصر؛ ففي كتاب (مرآة العقول) للمجلسي ج5 ص320 (ط الثانية -دار الكتب الإسلامية- طهران). «فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعاً و ألقت جنيناً من بطنها...».
3- القريض: الشعر.

(5) خلف الباب

(بحر البسيط)

السيد محمد مهدي القزويني الحائري(*)(1)

ص: 413


1- (*) هو السيد محمد مهدي ابن السيد محمد طاهر ابن السيد مهدي ابن السيد محمد باقر ابن السيد عبد الكريم القزويني الموسوي الحائري. ولد عام (1287ه_) في كربلاء المقدسة مهد الحضارة و العلوم و الآداب، و ترعرع في أحضان أسرة علمية عرفت ب_ (آل القزويني) و مما يجدر التنويه به في هذا المقام أن هذه السلالة الكريمة أنجبت العديد من العلماء و الشعراء و الخطباء الذين كانت لهم مكانتهم الرفيعة في تاريخ العراق، ومن بين هؤلاء نبغ الزعيم الديني الكبير السيد إبراهيم القزويني الشهير ب_ (صاحب الضوابط) الذي تتلمذ عليه عدد غفير من أهل الفضل و الأدب، و برز فيهم آية الله السيد محمد هاشم وآية الله السيد محمد رضا وآية الله السيد محمد إبراهيم وآية الله السيد حسين القزويني أحد رجالات ثورة العشرين وآية الله السيد محمد حسن القزويني صاحب كتاب (الإمامة الكبرى). نبغ هذا العالم الكبير والأديب الشاعر السيد محمد مهدي القزويني و صار من الأفذاد الذين لمع نجمهم في سماء الأدب، و طبقت شهرتهم الأندية و المجالس الأدبية المنتشرة هنا و هناك . نظم الشعر في جميع الفنون الشعرية، غير أن شعر الرثاء كثير عنده، فقد رثى آل البيت علیهم السلام بقصائد نبعت من أعماق قلبه و تفجرت على لسانه شعراً حزيناً مفعماً بالأسى. تمكن الشاعر أن يجمع شعره في ديوان ما زال في حوزة أحفاده و قد أسماه (القصائد البهية في النصائح المهدية) و هو الآن محفوظ عند العلامة الكبير الخطيب السيد مرتضى القزويني، تناول فيه الشاعر مختلف الأغراض كالرثاء و الوصف و المدح و التشكي من الزمان و الغزل؛ و شعره على العموم يتمتع بفخامة التعبير و روعة الصور. وافته المنية و لبى نداء ربه صباح يوم الخامس من محرم الحرام من عام (1351 ه_) و دفن مع أفراد أسرة السادة آل القزويني في مقبرتهم الخاصة في الروضة العباسية المقدسة بكربلاء. و استخلف المترجَم له نجله الخطيب العلامة المرحوم السيد محمد صالح القزويني المتوفى عام 1376 ه_ . و أحفاد المترجم له هم إخوتي و أصدقائي الخطيب السيد مهدي القزويني، و الخطيب السيد هادي القزويني و الخطيب السيد جواد القزويني و أخوهم الكبير العلامة المرحوم السيد محمد باقر القزويني.

هِيَ الصَّفا فَاسحُ فِيها الطُّولَ والعَرْضَا *** وأَدِّ واجِبها الْمَسْنُونَ وَالفَرْضا

وطُفْ بِها سَبْعَةً عَنْ قَلْبِ وَالهةٍ *** وأَحْذَرْ عَلَيْهِ وَأَلْزِمْهُ يَداً قَبْضا(1)

وَسَلْ دَوارِسَ أَطْلالٍ بَقِينَ بِهَا *** مَا بَالُها رَفَضَتْها أَهْلُها رَفْضا

وَمَا لَها قَدْ غَدَتْ قَفْراءَ مُوحِشةً *** مَأْوَى الْوُحوشِ وَقَدْ كَانَتْ بِهِمْ رَوْضا(2)

مَنْ مُبْلِغَنَّ سَلاماً مِنْ حَليفِ جَوَىً *** يُفْرِي حَشاهُ كماضِي الهِنْدِ أَوْ أَمْضَى(3)

إلى الأُلى أَثْبَتُوا لِي بَعْدَ رِحْلَتِهِمْ *** دَاءَ الضَّنَا وَنَفَوْا عَنْ جَفْنِيَ الغَمْضَا(4)

عِنْدِي مِنَ الْوَجْدِ مَا لَوْ قَسَّمُوهُ عَلَى *** شُمِّ الرَّواسِي لأفْنَى بَعْضُهَا بَعْضا(5)

وإِنَّ وَجْدِي عَلَى الزَّهراءِ أَسْقَمَني *** فَصِرْتُ مِنْ سَقَمِي لَمْ أَسْتَطِعْ نَهْضا

وَقَدْ أَذَابَ فُؤادِي رُزْهُ فَاطِمَةٍ *** حُزْناً ونَغَّصَ لي مِنْ عَيْشِيَ الخَفْضا

وَيلٌ لِقَوْمٍ جَزَوْاطه نَبِيَّهُمْ *** فِي آلِهِ عِوَضاً عَنْ حُبِّهِمْ بُغْضا

قَدْ أَوْجَبَ اللهُ فِي الْقُرآنِ وُدَّهُمُ *** عَلَى البَرِيَّةِ لاَ العُدْوَانَ وَالبُغْضَا(6)

ص: 414


1- والهة: حزينة حزناً شديداً حتّى كاد يذهب عقلها، أو المتحيّرة من شدّة الوَجْد.
2- قفراء: خالية من الناس و الماء و الكلأ.
3- يُفْري: يقطّع و يشقّ. ماضي الهند: السيف. أمضى: أقطع.
4- الضنا: المرض و الضعف و هزال الجسم.
5- شمّ الرواسي: الجبال الراسخة العالية.
6- في هذا البيت إشارة إلى قوله «تعالى»:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] حيث فرض الله مودتهم على الناس. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25 قال: عن ابن عباس «رضي الله عنه» قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»قالوا: يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و أبناهما علیهم السلام». و ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467. و السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7.

فَأَضْمَرُوا لِلَّذي شَاءَ الإِلهُ لهُمْ *** نَقِيضَهُ وَلِعَهْدِ الْمُصْطَفَى نَقْضا

حَتَّى إِذَا الْمُصْطَفَى قَدْ غَابَ فَابْتَدَرُوا *** إِلَى الضُّغونِ وَعَهْدٌ بَيْنَهُمْ مُمْضَى

وَأَظْهَرُوا بَعْدَهُ أَحْقادَ قَلْبِهِم *** وَسارَعوا لِعُرَى إِسْلامِهِمْ قَرْضا

مَضَى وَخَلَّفَ فِيهمْ مِثْلَ فَاطِمَةِ الزَّ *** هْراءِ بِنْتاً فَهَضُّوا عَظْمَها هَضَّا(1)

و حَمَّلُوها رَزايا بَعْدَ وَالِدِها *** لَوْحَمَّلُوا جَبَلاً لاَنْدَكَّ وانْقَضّا

خَطْبٌ جَلِيلٌ وَمَا مِنْ حِيلَةٍ أبداً *** لِلْغَيْظِ إلاَّ عَلَى أَكْبَادِنَا العُضّا

أَوْ يَظْهَرُ الْمُرْتَجَيْ فِي كُلِّ نائِبَةٍ *** فَيَرْحَضُ الْغَيْظَ عَنْ صَدْرِ الهُدَى رَحْضَا(2)

يَا صَاحِبَ الأَمْرِ مَا للصَّبْرِ مُحْتَمِلٌ *** نَهْضاً فَدَتْكَ البَرايا مُسْرِعاً نَهْضا

غَضَضْتَ طَرْفَكَ يَابنَ الطَّاهِرِيْنَ فَقَدْ *** أَبَتْ رَزَايَاكُمُ الإِغْضاءَ وَالغَمْضا

مَولايَ عَجِّلْ فَمَا أَبْقى تَحَمُّلَنا *** إِلاّ تَلَهُّفُ أَكْبَادٍ لَنَا مَرْضى

تُغْضِي وَأُمُّكَ مَاتَتْ وَهْيَ وَاجِدَةٌ *** عَنْ مِثْلِ هذا وأَيْمُ اللهِ لايُغْضَى(3)

ص: 415


1- في البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «وكان قنفذ «لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها. و أرسل إليه عمر، إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبه فراش حتى ماتت. صلى الله عليها. من ذلك شهيدة». و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109. هضوا: كسروا و دقوا.
2- يرحض: يغسل.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى موتها، و هي غاضبة على القوم بعدما غصبوا إرثها و أحرقوا دارها و كسروا ضلعها... الخ. ففي كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص14 في قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: «رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحب فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني» قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أَسْخَطتُماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم لأشكونكما إليه فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ...». الخ. و في البحار ج43 ص199 في قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر حين جاءا ليسترضياها قالت: «نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني» قالا: نعم فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك صلی الله علیه و آله و سلم، لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله صلی الله علیه و آله و أخبره بما صنعتها فيكون هو الحاكم فيكما قال: فعند ذلك دعا أبوبكر بالويل و الثبور و جزع جزعاً شديداً فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من قول امرأة؟ . ...» الخ . و في ص209 قال: عن ابن نباتة قال: سُئل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عن علّة دفنه فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولّاهم أن يصلي على أحدٍ من ولدها».

أمثلُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ فَاطِمَةٍ *** مِنْ بَعْدِ وَالِدِها عَنْ شَأْنِها يُغْضَى؟

وَهْيَ الَّتي يَغْضَبُ البارِي إِذَا غَضِبَتْ *** عَلَى البَرايَا وَيَرْضَى اللهُ إِذْ تَرْضَى(1)

صَبُّوا عليها رَزاياً لا عِدادَ لها *** كَأَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا إيذاءَها فَرْضَا

مَصائِبٌ لَمْ أُطِقْ تِبْيَانَ عِدَّتِها *** كَلاّ وَلَمْ أَسْتَطِعْ تَفْصِيلَها بَعْضا

حَيْثُ النَّبِيُّ طَرِيحٌ في الفِراشِ وَقَدْ *** سَعَوْا لإطْفاءِ أَنْوارِ الهُدَى دَحْضا(2)

إلى السَّقِيفَةِ حَيْثُ القَوْمُ أَجْمَعُهُمْ تَراكَضُوا وَبَغَوْا فِي غَيِّهمْ رَكْضا

وأَشْرَعُوا لِلْعَمَى فِيها أَسِنَتَّهُمْ *** بِحَدِّها وَخَضُوا قَلْبَ الهُدَى وَخْضا(3)

رَدُّوا الوَصِيَّ الَّذِي كانَتْ ولايَتُهُ *** عَلَى النَّبِيِّينَ طُرًّا طاعَةً فَرْضا

فَهَلْ نَسُوا أَمْ تَناسَوْا يَوْمَ خُمِّهِمُ *** إِذْ أَعْلَنَ المُصْطَفَى بِالحَطِّ فِي الرَّمْضا

وَقالَ مَنْ كنتُ مَوْلاهُ فإِنَّ لَهُ ال_ *** _مَولَى عَلِيٌّ وَذا مِنْ رَبِّكُمُ مُمْضَى

أَغْضَوْا عَلَى المُرْتَضَى إِذْ أَخَّرْوه ولع_ *** نةُ الإلهِ عَلى مَنْ رَدَّ أَوْ أَغْضَى

ص: 416


1- في البيت إشارة إلى ما جاء في الحديث من أن الله «تعالى» يرضى لرضاها و يغضب لغضبها. ففي كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص154 قال: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: لفاطمة علیها السلام: «إنَّ الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك». ذكره ابن الأثير أيضاً في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378 و في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص39 .
2- دحضاً: باطلاً.
3- وَخَضُوا: طعنوا طعنة غير نافذة.

ثُمَّ اعْتَدَوْا بعدَ ذا بَغْياً على ابْنَتِهِ الزَّ *** هْراء إِذْ غَصَبُوا مِيراثَها الفَرْضا(1)

لمْ يَحْفَظُوا حَقَّها بَلْ قَدْرَها حَفِظُوا *** وَلَمْ تَجِدْ أَحَداً يَحْنُو لَها خَفْضا(2)

إذْ راجَعَتْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ طالِبةً *** أَنْ يَنْهَضُوا لانْتِصارِ المُرْتَضَى نَهْضا

تَخَاذَلُوا وَتَمادَوْا فِي ضَلالِهِمُ *** بَغْياً وَزادَوا لآِلِ المُصْطَفَى بُغْضا

تَعلَّلُوا لِرضَى الشَّيْطَانِ وَيْلَهُمُ *** إِذْ كانَ قَدْ جَيَّش قِدْماً مِنْهُمُ النَّبْضا(3)

ص: 417


1- في هذا البيت إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام: ففي كتاب مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال: «إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه وآله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه في المدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لانورِّث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم من هذا المآل و إني والله لاأغيّر شيئاً من صدقة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن حالتها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و الأعملنُّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذالک...» الخ. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هاني قال: دخلتْ فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له: اليوم من كان يرثك؟ فقال: ولدي و أهلي ، قالت: فلم ورثتَ أنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قالت: بلى إنك فدك و كانت صافية الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم أفعل، حدّثني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم...» الخ. و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج 3 ص 487 وذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج ج1 ص131-144 مطولاً.
2- خفضا: حنواً و عطفاً.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى ما جاء في خطبة الزهراء علیها السلام من طلبها منهم أخذ حقها. ففي كتاب الاحتجاج، ج1 ص139 حيث جاء في خطبتها علیها السلام لم. «يا معشر النقيبة و أعضاد الملة و حضنة الإسلام ما هذه الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي أما كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبي يقول: المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، صلى الله عليه و آله و سلم و عجلان ذا إهالة و لكم طاقة بما أحاول و قوة على ما أطلب و أزاول أتقولون مات محمد صلى الله عليه و آله و سلم فخطب جليل: ...إلى أن تقول: ايهاً بني قيلة أهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأى مني و مسمع و منتدى و مجمع تلبسكم الدعوة و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدة و العدد و الأداة و القوة عندكم السلاح و الجنّة توافيكم الدعوة فلاتجيبون و تأتيكم الصرخة لاتغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح معروفون بالخير و الصلاح و النخبة التي انتخبت و الخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت علیهم السلام...» الخ.

و إِنَّ أَعْظَمَ ما قَدْ جَلَّ فادِحُهُ *** في الدِّينِ خَطْبٌ بِهِ ظَهْرُ الهُدَى انتقضَا

اللهُ أَكْبَرُ مِنْ شَعْواءَ نائِرَةٍ *** أَذْكَتْ لَظاها الطَّباقَ السَّبْعَ وَ الأَرْضا(1)

لَمّا أَداروا على باب الهُدَى حَطَباً *** وَ قَدْ أَرادوا لأصحاب الكسا قَرْضا

فَجاءَتِ ابْنَةُ طه وَ هيَ تَزْعُمُ أَنْ *** تُرْعَى وَ لَمْ تُرْعَ فِيهِمْ حَقَّها الغَرْضا

فَأَضْرَمُوا النَّارَ في بابِ الهُدَى و بها *** شَفَوْا قُلُوبَهُمُ المَفْرُوحَةَ المَرْضَى(2)

فَلَمْ تَجِدْ غَيْرَ خَلْفِ البَابِ مُلْتَجَأَ *** بِنْتُ النَّبِيِّ فَرُضَّتْ خَلْفَهُ رَضَّا(3)

ص: 418


1- شعواء: واسعة منتشرة.نائرة: نار. أذكت: أشعلت و أحرقت. لظاها: لهيبها أو نارها.
2- في هذا البيت إشارة إلى عمر بن الخطاب و من معه حين أتوا بالحطب و إضرامهم النار في الباب. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 قال: ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و أبناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام والله لتخرجنَّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و إلا أضرمت عليك النار. فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه ود خل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الخ. و ذكره الطبرسي في الاحتجاج، ج1 ص109، و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة.
3- في هذا البيت إشارة إلى عصر الزهراء علیها السلام خلف الباب و كسر ضلعها سلام الله عليها. ففي كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها. و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «و قد كان قنفذ «لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبه فراش حتى ماتت. «صلى الله عليها». من ذلك شهيدة.

بَكَتْ وَ صاحَتْ وَ نَاحَتْ وَ هْيَ شَاكِيةٌ *** مِنَ الألى رَفَضُوا دِينَ الهُدَى رَفْضا

تَدْعُو أَباها رَسُولَ اللهِ صارِخَةً *** بِعَبْرَةٍ قَدْ حَكَتْ صَوْبَ الحَيا فَيْضا(1)

تَقُولُ: إِنَّ الألى كَانَتْ صُدورُهُمُ *** مَشْحُونَةً مِنْكَ بِالعُدْوَانِ وَ البُغْضا

دَعاهُمُ للْعَمَى داعِي الضَّلالِ و قَدْ *** مالُوا إلَيْه وَ مَلُّوا المِلَّةَ البْيَضَّا

بِعَيْنِي اسْوَدَّتِ الدُّنيا وَ زَهْرَتُها *** وَ احْمَرَّ دَمْعِي وَ فَوْدِي شابَ وَ ابْيَضَّا(2)

مَصَائِبٌ لَمْ أُطِقْ إحصاءَ عِدَّتِها *** كَلاً وَ لَمْ أَسْتَطِعْ تَفْصِيلَها بَعْضا

تَاللهِ مَا كَرْبَلاً لَوْلاً سَقِيفَتُهُمْ *** فَإِنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ ثَدْیِها مَحْضا

وَ حَقٌّ فَاطِمَةٍ مِنْ سِقْطِ مُحْسِنِها *** حُسَيْنُها خَرَّ مَطْرُوحاً عَلَى الرَّمْضا(3)

بِيَوْم رُضَّتْ ضُلُوعُ الطُّهْرِ فَاطِمَةٍ *** جِسْمُ الْحُسَيْنِ عَلَى بَوْغائِهَا رُضَّا

ص: 419


1- و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109. يشير الشاعر في هذين البيتين إلى بكاء الزهراء علیها السلام ومناداتها لأبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عند هجوم القوم على دارها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36-37. قال: و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر».و ذكره سليم في ص208 أيضاً. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، قال: «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار، و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة». و في كتاب البحار ج43 ص156 قال: عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي علیهم السلام و ما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي كأني بفاطمة علیها السلام بنتي و قد ظلمت بعدي و هي تنادي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فلا يعينها أحد من أمتي...». الخ الحديث.
2- فَوْد: جانب الرأس مما يلي الأذنين إلى الإمام أو الشعر الذي عليه.
3- قد مرت الإشارة إليه نقلاً عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109.

يَا بُقْعَةٌ ضُمِّنَتْ بِنْتَ النَّبِيِّ لَقَدْ *** شُرِّفْتِ فَوْقَ الطَّبَاقِ السَّبْعِ وَ الْأَرْضا(1)

مَا خَابَ مَنْ جاءَكُمْ فِي كُلِّ دَاعِيَةٍ *** لارَيْبَ أَنْ بِكُمُ حَاجَاتُهُ تُقْضَى

إِنِّي قَصَدْتُكِ مِنْ بُعْدِ عَلَى أَرَبٍ *** عَرَّضْتُها لِلَّذِي يُحْيِي الثَّرَى عَرْضا

ص: 420


1- في البيت إقواء فإن (الأرضا) في الأصل (و الأرض) بالكسر معطوفة على السبع الطباق.

قافية الطاء

اشارة

ص: 421

ص: 422

(1) بنت الهدى علیها السلام

(بحر الرمل)

الأستاذ حميد أحمد المسري(*)(1)

بِضْعَةُ الهَادِي إِلَيْكِ سَأَخُطْ *** مَا جَرى عَلَيْكِ مِنْ أَهْلِ الشَّطَطْ(2)

مِنْ حُدوثِ قَدْ تَعَالى أَمْرُهُ *** رَفَعَ المُحفوض وَ الْعَالِي الْتَمَطْ(3)

بِمُصابٍ زَلْزَلَ الْكَوْنَ شَجاً *** سَارَ فِي الدَّهْرِ زَمَاناً و مَعَطْ(4)

آه مِنْ قَوْمٍ تَولَّوْا فِعْلَهُ *** بَعدَ ما أَحْكَمَ بِالرَّأيِ الخُطَطْ

لَمْ يَكُنْ مَا قَدْ أَتَوْا مِنْ حَدَثٍ *** هَيْناً بَلْ كَانَ أمراً ذا سَخَطْ

ذَهَبُوا لكنّهمْ لَمْ يَعْلَمُوا *** مَايُلاقوا وَ إِلى اللهِ المَحَطْ

أَيْنَهُمْ قَدْ بَعُدُوا وَقتاً جَرى؟ *** فَهُمُ فِي شُعَبِ الماضِي نُقَطْ

نَقَضُوا عَهْداً لِطه المُصْطَفى *** وَ عَلَيْهِ ارْتَكَبُوا أَمْراً غَلَطْ

حَيْثُ جَاؤُوا وَ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي *** كَانَ طَه دائماً فِيهِ انْبَسَطْ

جَمَعُوا الجَزَلَ وَ فِي طَيَّاتِهِمْ *** حَسَدٌ لأمَسَ شراً فَاخْتَلَطْ(5)

ص: 423


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- الشطط: مجاوزة الحد في الظلم و التباعد عن الحق. المعنى: يا بنت الهادي الرسول صلي الله علیه و آله و سلم إنني سوف أخط هذه القصيدة مبيناً ما جرى عليك من حدث من أهل الظلم الذين بعدوا عن الحق و تجاوزوا الحد في التعدي و الاستبداد.
3- تغالى في الأمر: بالغ فيه. التمط بحقه: ذهب به. المعنى: أن هذا الحدث تسامى و تنامى أثره فكان من جراءه أن أصبح السافل المهين المنحط عالياً و العالي مأخوذاً حقه مظلوماً.
4- الشجا: الحزن. معط: امتد.
5- الجزل: الحطب اليابس. طياتهم: مفردها طية و هي النية أو ما كان مضمراً في القلب.

وَرَأَى أَدْلِمُ وَقْتاً سَانِحاً *** لِلَّذي ما كَنَّ فِي القَلْبِ وَلَطْ(1)

أَمَرَ الثَّانِي بِأَنْ يُشْعَلَ فِي *** بَابِها النارُ وَ مِنْ ثَمَّ افْتَرَطْ(2)

قِيلَ فِي الدَّارِ هُنَا فَاطِمَةٌ *** وَ هُنَا جِبْرِيلُ بِالوَحْي هَبَطْ

قَالَ فِي عُنْفٍ تَغشّاه «و إِنْ *** كَان مَنْ كان» بِزَجْرٍ وَ سَخَطْ(3)

أَشْعِلُوا النَّارَ َو لاَ تُبْقوا بِهَا *** أَحَداً يَحْيا بِهَذِي الدَّارِ قطْ

إِنَّ هَذَا لَبَيَانٌ صَادِقٌ *** لَيْسَ فِيما قُلْتُ هَذا مِنْ شَطَطْ

وَ إِذَا شِئْتَ ثُبُوتَ الْقَوْلِ سَلْ *** شَاعِرَ النِّيلِ تَجِدْ مَا كَانَ خَطْ

وَ أَتَتْ فَاطمةٌ خَلْفَ الذَّرَا *** وَ لَها عَمْداً عَلَى الْبَابِ ضَغَطْ(4)

جَرَّ مِنْ إحدَاثِ هذا عَصْرَةً *** مُحْسِنٌ مِن إثرها مِنْها سقَطْ

أَنْبَتَ المُسْمَارَ فِي الصَّدْرِ و قَدْ *** جَارَ بِالفِعْلِ عَلَيْهَا وَ قَسَطْ(5)

كَسَرَ الضّلعَ و أدْمى صَدْرَها *** فَأَصَابَ الجِسمَ مِنْ ذَاكَ وَبَطْ(6)

خَرَمَ الأُذْنَ لَهَا مِنْ صَفْعَةٍ *** آلْمَتْها وَ ارْتَمى منها القُرُطْ

وَ أَحاطوا بِعَليَّ ذِي التُقى *** حَلقاتٍ وَ هُوُ فيهِمْ بِالوَسَطْ

أَخَذُوا الكَرَّارَ لِلْبَيْعَةِ فِي *** لُمَّةٍ بَعْدَ اضْطِهادٍ و فُرُطْ(7)

عَجَباً كَيْفَ عَلَيْهِ اجْتَرؤُوا *** وَ هُوَ فِي الهَيْجاءِ كِشَافُ الضّغطْ(8)

إِنَّهُ الفَذُّ الَّذِي مِنْ فِعْلِهِ *** تاهَ فِي أَوْصَافِهِ أَهْلُ النَّمطْ(9)

ص: 424


1- كن: غطى و ستر: لط:كتم و ستر.
2- افترط: تقدم و سبق.
3- السخط: الغضب .
4- الذَّرا: كل ما استتر به مثل الباب و الحائط و الملجأ و غيره.
5- قسط: حاد و مال عن الحق.
6- الوبط: الضعف.
7- الفُرُط: الظلم و الاعتداء و مجاوزة الحد.
8- الهيجاء: الحرب. الضغط: الضيق و الشدة.
9- الفذ: المتفرد في ذكاء أو علم أو مكانة أو نحوها. النمط: الطريقة و المذهب.

خَسِنُوا لَوْلاً مَقالٌ سَابِقٌ *** مِنْ قَمه الْمُخْتارِ بِالْقَولِ نَبَطْ(1)

لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ هَذَا أبداً *** لا و لاما جرُؤَ الفظُّ الثَّبِطْ(2)

إنَّمَا اعْتَدَّ بِقَوْلِ المُصْطَفَى *** حَيْثُ حقاً بِوَصَايَاهُ ارْتَبَطْ(3)

أَخَذُوهُ صَابِراً محتسباً *** أَمْرُهُ للَّهِ مِنْ دُونِ قَنَطْ(4)

و مَشتُ مِنْ خَلْفِهِمْ بِنتُ الهُدى *** وَ هْيَ مِنْ ضَعْفٍ تَوَلاّها تَئِطْ(5)

و تُنَادِي القَوْمَ فِي شَجْو الا *** أتْرُكُوا مَن لَمْ يَزِلُ فِي اللَّهِ قَطْ(6)

وَ أَتى الرّجسُ إليها قُنْفُذٌ *** وَ على المَتْنِ بسوطٍ قَدْ خَبَطْ(7)

لعنةُ اللَّهِ عليهِ قَدْجَرَتْ *** و سَرَتْ للحشرِ مَدًّا تَمْتَغِطْ(8)

وَ مَضَتْ فِي دَائِهامَهُضُومَةً *** حَقَّهَا مِنْ بَعدِ هَذَا مُنْغَمِطْ(9)

وَ قَضى التقديرُ ما كانَ لها *** وَ جَرى ما صار في اللَّوح و خُطْ

فَعَلَيْها اللَّهُ صَلَّى دائماً *** ما رَقَى طَيْرٌ إِلَى الْجَوِّ وَ حَطْ(10)

ص: 425


1- نبط:خرج ظهر.
2- الثبِط: الأحمق في عمله.
3- اعتد: اهتم.
4- قنط: يئس.
5- تنط: تئن.
6- زل: أخطأ و مال عن الصواب.
7- خبط: ضرب بشدة.
8- تمتغط: تمتد و تطول.
9- منغمط: مُنكر و مجحُود المعنى: إنها ما زالت بدائها حزينة من جراء ما جرى لها منهم حتى وافاها الأجل و لبت نداء ربها و هي مظلومة في حياتها مهضومة حقها الذي أنكروه و جحدوه و أخذوه ظلماً و عدواناً.
10- انتهت يوم السبت1997/11/18.

(2) الزهراء علیها السلام تنادي

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

غَاضَ الوَفا و تَقَلَّصَتْ أَيْدِي العَطا *** وَ تَخَوَّفَتْ سِرْبُ البُزاةِ مِنَ القَطا(2)

وَ الشَّرْكُ سَلَّ حُسامَهُ وَ بِهِ عَلَى *** دِينِ النَّبِيِّ المُصْطَفَى الهَادِي سَطا

لَمّا عَلَى ينبوع أَسْرارِ القَضَا *** فِي كَرْبَلا بَحْرُ الضَّلالِ تَغَمَّطا(3)

وَاجْتَثَّ سَيْفُ الشِّرَكِ أَرْكَانَ الهُدى *** وَ عَلَيْهِ كَانَ دُجى غَيَاهِبِهِ غَطا(4)

وَ أَرَاكَ يَا بْنَ المُصْطَفى مُتحَجُباً *** وَ الدِّينُ بَيْنَ المارِقِينَ تَوَرّطا(5)

فَانْهَضْ وَ قُمْ عَجِلاً وَ خُذْ ثَارَاتِ مَنْ *** بِدِمَاءِ مِنْحَرِهِ الشَّرِيفِ تَشَحَّطا

حَتَّى أبنهُ الطِّفلُ الرَّضِيعُ قَدِ انْبرى *** سَهُم بِمِنْحَرِهِ وَ كَانَ مُقمَّطا

رَضَعَ المَنِيَّةَ مِنْ مَرَاشَةِ فَاجِرٍ *** وَ افَتْهُ عَمْداً لَيْسَ قَدْ كانَتْ خَطا(6)

فَأَتى بِهِ يَسْعَى إِلَى نَحْوِ الخِبَا *** فَاسْتَقْبَلَتْهُ نِسَاهُ وَ هُيَ بلا غطا

فَرَأَتْهُ مَقْطُوعَ الوَتِينِ فَمَزَّقَتْ *** أَزْيَاقَهَا وَ بَكتْ بُكاء مُفْرِطا(7)

فَدَعَا بِلامَةِ حَرْبِهِ وَ جَوادِهِ *** ابنُ المصطفى وَ عَلَى قِرَاهُ قَدِ امْتَطَى

ص: 426


1- (*)مرت ترجمة الشاعر فى هذا الجزء.
2- البُزاة: جمع بازي و هو طائر جارح.
3- تغمّطه: غطّاه حتّى قتله.
4- اجتله: قلعه من أصله. دجى: ظُلْمة. الغياهب: الظلمات، الليالي الشديدة السواد.
5- المارقين: الخوارج و الّذين خرجوا من الدين بضلالةٍ أو بدعة.
6- مراشة: في اللغة أنّ الرائش هو السهم ذو الريش و أنّ المَرْش الأرض التي مرش المطر وجهها، أو التي إذا أمطرت سالت سريعاً، أو حضيض الجبل يسيل منه الماء.
7- أزياق: جمع الزِّيق و هو من الثوب ما أحاط منه بالعنق و ما كُفَّ من جانب الجَيْب.

فَسَطا بِجَيْشِ الْمُشْرِكِينَ كَأَنَّهُ *** فِي الكَرِّ والدُهُ الفَتى لَمَّا سَطا

تَلْقاهُ وَ هُوَ يَشُقُ أَجْنَادَ الوَغَى *** شَقًّا وَيَخْتَطِفُ الكَمِي الأَعْيَطا(1)

يَلْقى القنا طَلْقَ المُحيَّا مثلَما *** يَلْقى الوفُودَ مِنَ الوَرى يَوْمَ العَطا

حتَّى أَتَتْهُ نَبْلَةً فَهوى بها *** فَوْقَ الثّرى بدِمائِهِ مُتَشَحْطا

فَاسْوَدَّ وَجْهُ الأُفُقِ حُزْناً و السّما *** كادَتْ عَلى وَجْهِ الثَّرَى أَنْ تَهْبِطَا

لَمّا على صَدْرِ ابْنِ بنتِ المصطفى *** أَزْكَى الوَرى شِمْرٌ بِأَخْمَصِهِ وَطا

فَاحْتَزَّ رأسَ ابْنِ النَّبِيِّ فَلَيْتَهُ *** قَدْ حَزَّ رَأْسِي عَنْهُ عَمْداً أَو خَطَا

فَأَقامَ في وَادِي الظُّفُوفِ مُضَرَّجاً *** بِدَمَائِهِ تَرِبَ الجَبِينِ بِلا وِطا

وَ حَرائِرُ المُخْتَارِ عَنْهُ قُوِّضَتْ *** أَسْرى مُشَقَّقَةَ الجُيُوبِ عَلى المَطا

فِي البِيدِ يُبْدِيها النَّهارُ لِمَنْ يَرى *** وإِذا أَكْفَهرَّ الليلُ كانَ لها غِطا(2)

فَأَتَوا بها ليزيدَ في أَسْرِ العَنا *** فَازْدادَ طُغْياناً بِهِ قَدْ أَفَرَطا

تاللَّهِ ما قَتَلَ الحُسَيْنَ وَ رَهْطَهُ *** وَ عَلَيْهِمُ البَاغِي يَزِيدُ تَسَلُّطا

إلا الَّذِي بالسَّوْطِ قَنَّعَ فاطِمَ *** الزَّهرا البتولَ و حَمْلَها قَدْ أَسْقطا

وَ إليهِ قِيدَ المُرْتَضَى مِنْ دارِهِ *** قَهْراً و كانَ عن القتالِ مُثَبَّطا(3)

مِنْ خَلْفِهِ الزَّهرا تُنادِي وَ هْيَ في *** أَذيالها من شِدَّةِ البَرْحا تَطا

خَلُّوا ابنَ عَمِّى قَبْلَما أَدْعُو و فى *** كَبِدِي شَجِّى قَبْسَاتُهُ لَنْ تُضْبَطا

أَيُقادُ قُطب رحى الوُجودِ لِمُعْتَدٍ *** قَدْ خَالَفَ البَارِي العَلِيَّ وَ أَسْخَطا؟(4)

ص: 427


1- الكمِيَّ: الشجاع. الأعيطا: طويل العنق.
2- اكفهر الليل: اشتدّ ظلامه.
3- مُثَبّطاً: متريئاً ومعوّقاً.
4- ديوان ملاعلي آل رمضان ص206.

(3) بيت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

لَيْسَ فِي قَوْلَتي يُظَنُ اعْتِبَاطُ *** لأ وَحَسْبُ الْمَذَاهِبِ الإفراطُ(2)

طَابَ لي أن أجُولَ فِي الْبَحْثِ كَيْما *** تَتَجَلَّى عَلَى الْحُرُوفِ النّقاطُ

فَغَداً مَوْقِفٌ مَعَ اللهِ صَعَبٌ *** وَ حِسَابٌ وَ جَنَّةٌ وَ صِرَاطُ

أَتَرانِي أَقولُ مَا قَالَ کَعْبٌ *** و أُخَلِّي مَا قَالَهُ الأَسْباطُ

وَ كِتَابُ اللهِ المَجِيدُ صَرِيحٌ *** لَيْسَ فِيهِ تَبَايُنٌ وَ شِطاطُ(3)

إِنَّ آلَ الرَّسُولِ عُرْوَتُنا الوثقى *** وَ فِيهِمُ قَدْ لاحَ ذَاكَ الرِّباطُ

أَمَرَ اللَّه بالمودَّةِ فِيهِمْ *** مَالَنا و الَّذينَ لَمْ يَحْتَاطُوا

أَسْأَلُ الْقَلْبَ كَيفَ تَهْوى عليَّا *** فَأَرى (نَشْوةً) تجِيبُ النِّياطُ(4)

إِنَّ فِي كُلِّ خَفْقَةٍ وَ وَجِيبٍ *** مِنْ هَواهُ مَسَرَّةٌ وَ اغْتِباطُ

وَبِحُبِّ البَتُولِ شُدَّتْ ضُلوعٌ *** كَيْ إِلَى اللهِ يَسْتَقِيمَ ارْتِبَاطُ

وَ حُوتْ جَنَبَتَايَ حُبًّا مِنَ السَّبْطَيْنِ *** فَارْتاحَنَا وَطَابَ اخْتِلاطُ

قَدْ تَعَذَّبْتُ حُبَّهِم كُلّ حُلْوٍ *** فَبِذَاكَ الْوِلاءُ مُدَّ السّماطُ(5)

فَلِساني بِحُبِّهِمْ وَ فُؤادِي *** مِنْ عُلاهُمْ لايَعْتَرِيهِ انْحِطاطُ

ص: 428


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- اعتباط: ما كان لغير علةٍ.
3- شطاط: إفراط أو تباعد عن الحقِّ.
4- النياط: الفؤاد.
5- السماط: ما يُبسَط ليوضع عليه الطعام.

وَدَليلِي عَلَى وَلائِي أَنِّي *** بِصُنُوفِ الأهوالِ قَلْبِي مُحاطُ

أنا فِي الأَرْبَعِينَ قَدْشابَ رَأْسِي *** لَمْ يَدُمُ مِنْ سَوادِهِ قِيراطُ

كَيْفَ أَرْنُو إلى الحياةِ بِشَوْقٍ *** وَ هُيَ دَوْماً إِلَى اللِّثامِ تُناطُ

خَذَلَتْ سَيْدَ الوَصِيِّينَ (حقاً) *** شَهِدَتْهُ الْوَرى فَلُمَّ الْبِساطُ

بايَعُوه بالأمس فيهم أميراً *** بَدَّلَتْهُ (سقيفةٌ) و حِياطُ

وَ كَأنَّ الإِسْلامَ كَانَ لِثاماً *** وَ بِمَوْتِ الرَّسولِ عَنْهُ أَمَاطُوا(1)

أَحْرَقُوا بَيْتَ فاطِمٍ وَ هُيَ حُبْلَى *** شَهِدَ الجُرْمَ بَابُها وَ الْبِلاطُ

عَصَرُوها بِالْبَابِ عَمْداً وَ مِنْهُ *** كَانَ كَسْرُ الضُّلوعِ و الإسْقاطُ

أَلِبَيْتِ الزَّهراءِ تُنْقَلُ نَارٌ *** وَ عَلى ظَهْرِها تَلُوحُ السِّياطُ؟

أَمْ عَلى خَدِّها تَطاوَلَ كَفُّ *** فَاسْأَلُوها تُجِبْكُمُ الأَقْراطُ؟(2)

كَيْفَ بِاللَّهِ يَرْتَجُون أَبَاهَا *** وَ شَفَاعَاتُهُ إِلَيْهَا تُنَاطُ؟(3)

ص: 429


1- أماطوا: تنحّوا و ابتعدوا.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب عمر بن الخطاب الزهراء علیها السلام على خدها و تناثر قرطها. ففي إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج11/2 ص574 و البحار ج8 ص240. (ط حجرية) على لسان الزهراء علیها السلام «فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ و قد تبرأ الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم منهم وتبرّأتُ منهم». و في البحار أيضاً ج30 ص294 ضمن رواية طويلة جاء فيها على لسان عمر بن الخطاب «فدفعت الباب و دخلت فأقبلت إليَّ بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها و تناثرت إلى الأرض و خرج علي فلما أحسستُ أسرعتُ إلى خارج الدار و قلت لخالد و قنفذ و من معهما: نجوت من أمر عظيم».
3- في هذا البيت إشارة إلى شفاعة الزهراء علیها السلام يوم القيامة ففي كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150 قال: عن يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق علیه السلام ضمن حديث طويل قال: قال جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «يا فاطمة علیها السلام: البُشرى، فلك عند الله مقام محمود، تشفعين فيه لمحبيك و شيعتك فتُشَفّعين». و في كتاب دلائل الإمامة ص57 ضمن حديث طويل عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «ثم يبعث الله ملكاً لها لم يبعث لأحد قبلها و لايبعث لأحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام و يقول: سليني فتقول: هو السلام و منه السلام و قد أتم عليَّ نعيمه وهناني كرامته و أبا حني جنته و فضلني على سائر خلقه، أسأله ولدي و ذريتي و من وَدَّهم بعدي و حفظهم فيَّ، فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مکانه، أخبرها أني قد شفِّعتها في ولدها و ذريتها و من وَدَّهم فيها و حفظهم بعدها، فتقول الحمد لله الذي أذهب عني الحزن و أقرَّ عيني فيقر الله بذلك عين محمد صلي الله علیه و آله و سلم». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام، إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إن الله «عز وجل» فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولداها علیهم السلام و من أحبَّهم من النار فلذلك سميِّت فاطمة علیها السلام». و عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إذ لم تحض و لم تطمث؛ و إنما سماها فاطمة علیها السلام لأن الله «عز وجل» فطمهما من النار». و ذكره القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة ج1 ص309.

ص: 430

قافية الظاء

اشارة

ص: 431

ص: 432

(1) قصة فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أَوْصىَ النَّبيُّ بِفَاطِم أَصْحَابَهُ *** إنْ كَانَ عَهْدٌ مِنْ مُحَمَّد يُحفَظُ

هَذِي بَقِيَّةُ مُهْجَتِي فِيكُمْ فَمَنْ *** يَتْلُو التِّلاوةَ في وَلاها يوعَظُ

إِيَّاكُمُ مِنْ ظُلْمِها بَعْدِي و لا *** حتَّىَ حديثُكُمُ إِلَيْهَا يَغْلُظُ

إِنّ الجِنانَ بِحُبِّها لَكُمُ وَإنْ *** غَضِبَتْ فَنيرانٌ لَهُنَّ تَغيُّظُ(2)

هِيَ بَضْعَتي فِيكُمْ وَ قَدْ أَيْقَظتُكُمْ*** إِنَّ اللَّبيبَ مِنَ النَّصِيحة يُوقَظ(3)

وَ تَحيَّرَالنَّاريخُ بَعْدَ وَفاتِهِ *** ما قَدْيَرىَ مِنْ ظُلْمِها أَوْ يَلْحَظُ

وَ بِمَا تُجابَهُ مِنْ وُلاةِ زَمانِها*** وَ بِمَا تَقُولُ لَهَا الطُّغَاةُ وَ تَلْفِظُ

فَالإِرْثُ مِنْهَا يُستَبَاحُ بِمَكرِهِمْ *** وَ كِتابُ ذَاكَ المُلْكِ رَاحَ يُفظّظ(4)

ص: 433


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص153 روى بسنده عن علي علیه السلام: قال: قال رسول الله صلی الله علیهم و آله و سلم الفاطمة علیها السلام:«إن الله يغضب لغضبكِ و يرضى لرضاك؛ قال: هذا حديث صحيح الإسناد، أقول: و رواه ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج5 ص522 و ابن حجر في إصابته ج8 ص159 و تهذيب التهذيب ج12 ص441 و ذكره المتقي في كنز العمال ج7 ص111 و قال: أخرجه ابن النجار.
3- اللبيب:العاقل؛ و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج2 ص328 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها».
4- يفظّظ: الظاهر أنه من باب التفعيل و لاوجود له في اللغة و الموجود يفظ من الثلاثي المجرد؛ مع أن هذا غير مناسب من حيث المعنى و الأنسب أنه بالضاد. (يفضض) بمعنى يموِّه. و حينئذ يكون الشاعر قد ارتكب الإكفاء و هو عدم تناسب حركة رويّ هذا البيت مع سائر أبيات القصيدة. و على أي حال ففي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف، فسألته ميراثها من أبيها فمنعها.

وَ النَّارُ تُضْرَمُ عِنْدَ مَدخلِ دَارِهَا ***وَ الضِّلْعُ يُكسَرُ و الجَنِينُ يُقَوَّظُ(1)

فَأَحَالَها التَّاريخُ يَسْأَلُ أُمَّةً *** أَيُّ الضمائِرِ هَهُنا يَسْتَيْقِظُ

فَإِذا الأَعادِي يُنْكِرُونَ مُصابَها *** وَ البَعْضُ مِنْ فَرْطِ العَمَى يَتَحَفَظُ

وَ تَظَلُّ قِصَةُ فَاطِم جَمراتُها *** بِقُلُوبِ شِيعَتِها جَوّى تتلظَّظُ

رَقَّتْ قُلوبٌ تَسْتَدِرُّ مَدَامِعاً *** وَ قُلوبُ قومٍ آخَرين تَغَلَّظُ

وَغَداً بِيَوْمِ الْحَشِرِ تَبْرُزُ فاطِمٌ *** بِجَلالِها بَيْنَ المَلائِكِ تُحْفَظُ

وَ هُناكَ تَلْتَقِطُ الَّذينَ تَودُّهُمْ *** و تُعات لِلنِّيرانِ مَنْ لايُوعَظُ(2)

ص: 434


1- يقوِّظ:الظاهر أنه بالظاء و لاوجود له أيضاً في اللغة بل الموجود. يقوُّض. بالضاد بمعنى يهدم أو يفرق و عليه يكون فيه إكفاء كما أسلفنا آنفاً - والله العالم. و قد تقدمت الإشارة عن ذلك نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40: فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- عاف. يعافُ عيافةً أي ترك.

قافية العين

اشارة

ص: 435

ص: 436

(1) سادت نساء العالمين علیها السلام

(بحر الرّمل)

الشيخ أبو الفضل الطهراني(*)(1)

حُرَّةٌ سَادَتْ نِسَاءَ العالَمِينْ *** أُمُّهَا الغَرّاءُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ

وَ أبُوها الطُّهْرُ خَيْرُ المُرْسَلِينُ *** فَهْيَ خَيْرُ النّاسِ أَمَّا وَ أَبا

شَرَفاً فَوْقَ الرَّقِيعِ الأرْفَعِ(2)

نَسَباً مِنْ نُورِهِ يَجْلُو الدُّجَى *** حَسَباً يُعْيِي الأقَبَّ الأعْوَجا(3)

كَرَماً مِن فَضْلِه نَيْلُ الرَّجا *** ضَرَبَت أطْنَابَه أَيْدِي الإبا

في ذُرَى المَجْدِ الأعَزِّ الأمْنَع

لَوْ سَرَى في تُرْبها غَادِي النَّسِيمْ *** فَضَحَ النَّدَّ بِمِسْكيِّ الشَّمِيمْ(4)

وَ أعادَ الرُّوحَ في العَظْمِ الرَّميمْ *** وَ اقْتَنى العُرْفَ الذَّكيَّ الطَّيِّبا(5)

ص: 437


1- (*) هو الشيخ الميرزا أبو الفضل بن الميرزا أبي لقاسم لكلانتري النوري الطهراني، كان عالماً مؤرخّاً شاعراً، ولد في سنة (1273 ه_) في طهران وهاجر إلى النجف و سامراء، ثم عاد إلى طهران سنة (1309 ه_)، و بقي فيها حتى توفي سنة (1316 ه_)، و دفن في مشهد السيد عبد العظيم الحسني، له تصانيف منها: (شفاء الصدور في شرح زيارة عاشوراء)،( تميمة الحديث)، (حاشية على رجال النجاشي)، (ديوان شعر عربي)، (الدر الفتيق)،( ميزان الفلك)، و غيرها. (مستدرك أعيان الشيعة: 10/1، ريحانة الأدب: 72/5).
2- الرَّقيع: السماء.
3- الأقب من الخيل: الرقيق الخصر الضامر البطن و أعوج فرس لبني هلال تنسب إليه الأعوجيات و بنات أعوج، و ليس في العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلاً منه.
4- الند: عود يتبخر به و قيل العنبر.
5- العرف:الرائحة مطلقاً و أكثر استعماله في الرائحة الطيبة.

مِنْهُ أورَادُ الرَّبيع المُرْبِعِ(1)

رُوحُهَا مِشْكاةُ مِصْبَاح الضيا *** قَلْبُها مِصْبَاحُ نُورِ الأوليا

بَضْعَةٌ مِنْ جِسْمِ خَيْرِ الأنبيا *** وَيْلُ مَنْ أَصْبَحَ مِنها مُغْضَبا

مِنْ قُحَيْفٍ أو عُبَيْدٍ الْكَعِ(2)

سَعْدُ أَنْصِفْني عَلى شَرْعِ الهُدَى *** وَ أَزحْ مِنْ صَيْقَلِ العَقْلِ الصَّدا(3)

ثُمَّ قُلْ مَا شِئْتَ وَأَحْكُمْ مَا بَدا *** أَيْنَ مِنها مَن تَمَطَّتْ أَذْنُبا

وبغَتْ حَرْبَ الوَصِيّ الأصْلَعِ؟

يَا لأُمٍّ أَهْلكَتْ أبْنَاءَها *** ضَيَّعَتْ مِن أحْمَدٍ عَلياءَها

تَبِعَتْ في غَيِّها آباءها *** بَلْ وَزَادَت حَيْثُ قادَت مِقْنَبا(4)

كصَفُورا إذْ غَزَتْ مَعْ يُوشَعِ(5)

نَبَذَتْ ما أَن لها قَدْ أُنْزِلا *** رَكِبَتْ مَشهُورةً بينَ المّلا(6)

بَغْلَةً يَوْماً وَ يَوْماً جَمَلا *** فَمَتَى تَابَتْ فَأَنْصِفْ وَأَعْجَبا

مِنْ مَساوِي فِعْلِها وَأَسْتَرْجِع

عَدِّ عن ذِكْرِ الدُّنابَى في القِمَمْ*** عُدْ إِلَى مَنْ قَصَّرتْ أيْدِي الهِمَمْ(7)

ص: 438


1- المربع: أي الكثير المطر.
2- الألكع: اللئيم.
3- الصَّيفل: السيف.
4- المقنب: جماعة من الخيل تجتمع للمفازة.
5- صفورا: هي ابنة شعيب علیه السلام و زوجة موسى علیه السلام حاربت يوشع وصي موسى من بعده فقتل مقاتليها و أسرها و أحسن أمرها و الشاعر يشير بهذا البيت إلى موقف عائشة من أميرالمؤمنين علیه السلام المشابه لموقف صفورا من يوشع.
6- يريد قوله تعالى:«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى» [سورة الأحزاب الآية: 33] في خطاب أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم.
7- الذُّنابى: ذنب الطائر.

وَعَلَيْها في العُلاجَفَّ القَلَمْ *** قَلَمُ الصُّنْع قَدِيماً كَتَبا

إنّها كُفْءُ البَطِينِ الأَنزَعِ

دُرَّةٌ لِلذُّرِّكانتْ كالصَّدَفْ *** زادَها اللَّهُ اختِصاصاً بالشَّرَفْ

فَحَبَاها وُلْدَها نِعْمَ الخَلَفْ *** سادَةَ الأشباطِ خَيْرَ النُّقَبا

شُفَعاءَ الخَلْقِ يَوْمَ المَجْمَعِ

خِيرَةُ النّسوانِ مَولاةُ الرِّجالْ *** لَوْتَرَاها مَرْيَمٌ ذاتُ الجَلالْ

خَلَّتِ الصَّدْرَ و قامَتْ بالنّعالْ *** و اعتَلَتْ قَدْراً وَ زَادَتْ رُتَبا

وَ غَدَتْ فِي رَوْض عزّ المرتَعِ

شَمْسُ قُدْسِ لاَيُوارِيها الأُفُولْ *** عَمِيَت في كُنْهِها عَيْنُ العُقُولْ(1)

لَيْتَ شِعْري في ثَناها ما أَقُولْ *** وَيْحَ نَفْسِي ما أَعَزَّ المَطْلَبا

عَجَبٌ عِيُّ الفَصِيحِ المُصْقِعِ

ضَرَبتْ عِفَّتُها دونَ الخَیالْ *** کَلُّ سِتْرٍ دون أذْنَاهُ المحالْ

فَمَتى جِيدي إلى المَدْحِ اسْتَطالْ *** طَردَتْني عَنْهُ حُجّابُ الخِبا

وَ دَعَوْني: خَلِّ ما لَنْ تَسْطَعِ

فَتَرى الشَّمْسَ لِتأنِيثٍ بها *** أقْبَلَتْ تَخْتَالُ في أثوابِها

وسعَتْ جَهْراً إلى أبوابها *** و كذاك البَدْرُ عَنهاخُیِّبا

وَ اختَفى مِن لَيْلِه في يُرْقعِ

ظَهَر الرَّحْمَنُ فيها بالبُطون *** حَجَب الأفكارَعَنها كالعُيون

قَصَرت عن ذَيْلها أيْدِي الظُّنُّون *** ما أضَلَّ الوَهْمَ يَسْعَى طَلَبَا

فَهو مُسْتَنُّ الفَصِيلِ الأقْرَعِ(2)

ص: 439


1- كنه الشيء: جوهره و حقيقته. و استنّ الفرس:جرى في نشاطه على سَنَنِهِ في جهة واحدة ومنه المثل استنت الفصال حتى القَرعَى يضرب للضعيف الذي يتعرّض لما ليس هو أهله.
2- فاطمة الزهراءعلیها السلام في ديوان الشعر العربي ص119.

(2) حنوط من الجنة

(بحر الرمل)

السيد إسماعيل الحميري(*)(1)

إِنَّ جِبْرِيلَ أتى لَيْلاً إلى *** طاهِرِ منْ بعدِ ما كانَ هَجَعْ

بِحَنُوطِ طَيِّبِ مِنْ جَنَّةٍ *** في صِرارٍ حَلَّ منه فَسَطَعْ

فَدَعَا أَحْمَدُ مَنْ كانَ بهِ *** واثِقاً عندَ مَعَضّاتِ الجَزَعْ

أوْثَقُ الناسِ معاً في نفسِهِ *** عندَ مكروهٍ إذا الخطبُ وَقَعْ

قَسَمَ الصَّرَّةَ أَثْلاثاً فَلَمْ *** يَأْلُ عَنْ تَسْويَةِ القسْمِ الشَّرَعْ

قالَ جُزْءٌ لي وَجُزْءٌ لابْنَتِي وَلكَ الثَّالِثُ فَاقْبِضْها جُمَعْ(2)

فإِذا مِتُّ فَحنَّظْنِي بِها *** ثُمَّ حَنَّظْها بِهذا لاتَدَعْ

إِنَّها أَسْرَعُ أَهْلِي مِيتَةً *** وَ لِحاقاً بي فلا تُكْثِرْ جَزَعْ(3)

ص: 440


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- في كتاب البحار ج22 ص504 إن جبريل علیه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بحنوط، و كان وزنه أربعين درهماً، فقسمه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثلاثة أجزاء: جزءاً له، و جزءاً لعلي علیه السلام، و جزءاً لفاطمة «صلوات الله عليهم أجمعين».
3- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 روى بسنده عن عائشة [أم المؤمنين] قالت: فلما مرض النبي و دخلت فاطمة علیها السلام فأكبت عليه فقبّلته ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت، عليه ثم رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء، فلما توفي النبي صلی الله علیه واله وسلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلی الله علیه و آله و سلم فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به فذاك حين ضحكت. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة؛ أقول: رواه الحاكم أيضاً في مستدرك الصحيحين ج4 ص272 و رواه صاحب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص40 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام :« أنتِ أول أهلي لحوقاً بي».

فَمَضَى وَ اتَّبَعَتْهُ و الِها *** بعدَ غَيْضٍ جُرْعَتْهُ و وَجَعْ(1)

ص: 441


1- والهاً: الوله: شدة الحزن حتى ذهاب العقل التحيِّر من شدة الوجد. نقلت من ديوان السيد الحميري ص288.

(2) وجد البتول علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

ما لي أَرَى حَسْرَتِيِ لا تَنْقَضِي جَزعا *** و مَدْمَعِي مِثْلُ غَيْثٍ جَاءَ مُنْهَمِعا(2)

وَ نارُ وَ جْدِي وَ أَحْزَانِي لها سُعُرٌ *** يكادُ يُحْرِقُ قَلْبِي كُلَّما انْدَفَعا

أحِنُّ مِنْ أَلَمٍ تُكْوَى بِه كَبِدِي *** و كنتُ مِنْ قَبْلِ ذا لا أَعْرِفُ الوَجَعا

أَهَلْ شَجانِي حُطامٌ كُنْتُ أَجْمَعُهُ *** وَكانَ يُفْرِحُني يَوْماً إِذا جَمعا

وَ قَدْ تَولَّی وَ عَنِّي فاتَ بارِقُهُ *** و أُفلِسَتْ منه كَفِّي ثُمَّ ما رَجَعا(3)

أَمْ هَلْ شَجبْتُ لِلذَّاتِ وَ قَدْ فُقِدَتْ*** مِنِّي فَأَصْبَحْتُ مِنْ تَذْكَارِها وَ لِعَا؟

أَمْ هَلْ شَجيتُ لأَحْبابٍ وَ قَدْ رَحَلُوا *** عنّي فَعُدْتُ حَزيناً أَصْحَبُ الجَزَعا؟

كلاّ وَحَقِّ الَّذي تَهْفُو القُلُوبُ له *** رَبِّ تَعَالَى عَنِ المَخْلُوقِ وارْتَفَعا

ما شَفَّني المالُ وَ الدُّنْيا و لَذَّتُها *** و لا أَحِبَّةُ قَلْبِ رَكْبُهُمْ طَلَعا(4)

فَفَارَقُونَي وَ قَدْ شَطَ البُعادُ بهمْ *** ظَعْنٌ لهمْ حُزّمَ البَيْداءِ قَدْ قَطَعا

لكنّما شَفَّني وَجدُ البَتُولَةِ مِنْ *** بَعْدِ الرَّسُولِ عَلَيْها الهَمُّ قَدْ وَقَعا

تَصِيحُ والهَمُّ أَشْجاها و أَرَقَّها *** البُكاءُ فَالنَّوْمُ من أَجْفانِها ارتدعا

فَجِسْمُها مِنْ لَهِيبِ الحُزْنِ مُشْتَعِلٌ*** وَقَلْبُها من تَصارِيفِ بِه انْصَدَعا

ص: 442


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جَزعاً:عدم الصبر وإظهار الحزن أو الكدر منهمعاً:مسالاً.
3- بارقه: لامعه و متلأالئه.
4- شفّني: أرقّني و أهزلني و أضعفني.

تَبْكِي و هَلْ مثلُها يَبْكِي الحَمامُ عَلَى *** غُصْنٍ من الدَّوْح طُولَ اللَّيْلِ ما هَجَعا

بِأَدْمُعِ حَكَت العِقْيانَ مُنْتَشِراً *** عَلَى الرُّبى و بِعَقَدِ الخَوْدِ قَدْ رُصِعا(1)

هذِي يَتامايَ لَوْ تَرْنُو لَهُمْ وَ عَلَى *** وُجُوهِهِمْ أَلَمُ البُرَحاءِ قَدْ سَفَعا(2)

لَرَقَّ قَلبُكَ ممّا نالَهُمْ وَ جَرَتْ *** مِنْكَ المَدامِعُ حُزناً كالعَقِيقِ معا

يا والِدِي شَفَّنِي مِنْكَ الفِراقُ لنا *** وَ انْهَدَّ رُكْنِي لَمَّا وَحْيُكَ انْقَطَعا

حتّى كأنَّي غَريبُ الحَيَّ ليسَ لَهُ *** سِلْوانُ قَلْبٍ و في أَحْزانِهِ ادَّرَعا

يا بِنْتَ خَيْرِ نَبِيِّ مالَهُ مَثَلٌ *** وَ فِي القِيامَةِ شَفَّاعٌ إذا شَفَعا

مُصابَكَ الصَّعْبُ أَبْكَى الأرضَ قاطِبَةً *** حُزناً و طَرْفُ السَّما مِنْ هَوْلِهِ دَمَعا

كَمَا وَ أَشْجى مُحِبِّيكَ فَأَوْرَثَهُمْ *** وَجدَ الحزينِ و منه النَّوْمُ قَدْ مُنِعا

مُسَهَّدٌ طُولَ لَيْلِ مَالَهُ جُفْنٌ *** غافٍ يَئِنُّ بأَفْعَى الهَمِّ قَدْ لُسِعا(3)

أَهُمْ لأَيِّ الرّزايا يَنْدُبُونَ و مِنْ *** أيِّ المَصائِبِ يَجْرِي دَمْعُهُمْ جَزَعا؟

أَلِلضُّلوع الَّتي كانَتْ مُكَسَّرَةً *** بين الجدارِ و منها المُرتَضَى افْتُجِعا؟

أَمْ لِلْجَنِينِ الَّذي قَدْ خَرَّ مُطَرَحاً *** عَلَى التُّرابِ وَ مِنْهُ النُّورُ قَدْ سَطعا؟(4)

أَمْ يَنْدُبُونَ لِعَيْنٍ مِنْكِ قَدْ لُطِمَتْ *** فَأَصْبَحَتْ وَ هْيَ حَمْرًا دَمْعُها قِطَعا؟

أمْ يَنْدُبونَ لِسَوْطِ الحِقْدِ وَ هُوَ عَلَى *** مَتْنَيَكِ يا بِنْتَ طه المُصْطَفَى وَقَعا؟(5)

فَيَا لَها من رزايا لَوْ دَرَىٰ جَبَلٌ *** بها لَهَدَّ ذُراهُ مَائِلاً فَزَعا

صَلَّى الإِلهُ عَلَيْكُمْ مَا هَمَتْ سُحُبِّ *** بِالغَيْثِ يَوْماً وَ ما بَدْرُ الدُّجَى طَلَعا(6)

ص: 443


1- حكت: شابهت. العقيان: الذهب الخالص. الخود: المرأة الشابة. رصع: نظم و قدر.
2- البرحاء: الشدة، الأذى.
3- مسهَّد: أرق لاينام غافٍ: ناعس نائم نومة خفيقة.
4- إِشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة ص45: و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً...
5- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198: فضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إنّ في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله»، فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
6- عن كنوز المدح و الرثاء ص39.

(4) فاطمة علیها السلام الشفيعة

(مجزوء الكامل)

الشيخ حسين البيضاني(*)(1)

ص: 444


1- (*)الشيخ حسين البيضاني هو الشيخ حسين بن صالح بن غالي بن مزيعل بن شاهين بن عبادة ابن معلى الملقب بالأبيض. ولد في النجف الأشرف عام (1339 ه_/1920م)، و نشأ بها و ترعرع في كنف أخيه الشيخ نعمة البيضاني الذي صحبه إلى كربلاء المقدسة و آثر الاستيطان بها، و ذلك في سنة (1356 ه_/ 1936م) كما نقل الأستاذ الكبير السيد سلمان هادي آل طعمة في كتابه شعراء كربلاء». و كانت بداية دراسته على أعلام كربلاء، أمثال آية الله العالم الكبير الشيخ محمد بن داود الخطيب، و آية الله السيد محمد علي آل خير الدين، ثم أخذ الأدب و الشعر على العلامة الشيخ عبد الحسين الدارمي و العلامة الشيخ جعفر العتابي، ثم انصرف إلى مزاولة الخطابة فكان يرقى المنبر في المجالس الحسينية التي تعقد هنا و هناك، حتى ذاع صيته و اشتهر و كان يؤثر العزلة، و يقضي معظم أوقاته في مدرسة المهدية الدينية لتدريس الطلبة و الانكباب على المطالعة. و كان كثير التواضع و الإباء شديد الاعتزاز بنفسه، و رغم صروف الدهر و عنت الأيام فقد ظلَّ صابراً محتسباً لايجهر بالشكوى، ينبض قلبه بالمحبة و العرفان. و للمترجَم له رصيد ضخم في حفظ دواوين العرب و قراءة الشعر البليغ و شعره يتميزَّ بالطابع التقليدي إذ ينحو منحى الشعراء القدامى، و يتناول في شعره أغراض الشعر المألوفة فهو متنوّع الأغراض حافل بالصور البديعة و الأفكار الرائعة، شديد الاتصال بالحياة الاجتماعية، و شعره على العموم أقرب إلى الوعظ يتسم بالبساطة و الرقة، و له، ديوان شعر حوى قصائد و منظومات في مدائح ورثاء الحسين علیه السلام الشهيد و أهل بيته علیهم السلام، كما حوى قصائد و طنية رائعة، و عرف بحرصه على تسجيل و فيات الرّجال و ذوي الأثر المحمود، فزاده ذلك ميلاً إلى التاريخ الشعري الذي اختص به بعض شعراء السلف. حل به الردى في 15 رمضان سنة (1395ه_) الموافق 1975/9/23 م، و دفن في كربلاء المقدسة.

يا مَنْ أَصَرَّ عَلَى القَطِيعَهْ *** مالِي لِوَصْلِكَ مِنْ ذَرِيعَهْ

لاتَهْجُرَنَّ ألِيفَكَ الدّانِي *** عَسَى تَهْوَى رُجُوعَهْ

وَ لَعَلَّهُ يَعْلُو عَلَيْكَ *** وَ أَنْتَ في الرُّتَبِ الوَضِيعَهْ

فَالهَجْرُ بَعْدَ الوَصْلِ *** لاعَنْ مُوجِبٍ حاذِرْ وُقُوعَهْ

فَاسْمَحْ لَهُ وَ أَطِلْ عَلَيْهِ *** بِطَلْعَةِ البَدْرِ البَدِيعَهْ

فَلَقَدْ أذابَ فُؤادَهُ *** فَرْطُ الأَسَى وَحَنَى صُلُوعَهْ

ما ذَنْبُ مَنْ بِشَبابِهِ *** ما حادَ عَنْ سُنَنِ الشَّرِيعَهْ؟(1)

یا راحِلاً بِحُشاشَتِی *** فَفِراقُها لَنْ أَسْتَطِيعَةْ

آثَرْتَ قَتْلِي عامداً *** وَأَبَيْتَ إلا بِالقَطِيعَةْ(2)

أُحْكُمْ عَليَّ بِما تَرى *** يامَنْ عَلَيَّ بأَنْ أطِيعَةْ

ما دُمْتَ في قَيْدِ الحَياةِ *** وَعُمْرُكَ اسْتَوْقَى رَبِيعَةْ

وَالعَقْلُ مِيزانُ الكَلامِ *** فَلا تَغُرَّنْكَ الخَدِيعَةْ

وَالعَيْنُ ناظورٌ بها الإنسانُ *** يَكْتَشِفُ الطَّبِيعَةْ

وَالنَّفْسُ تَطْمَعُ مَا هَوَتْ *** هَيْهاتَ أَمْرُكَ أَنْ تُطِيعَهْ

وَلَرُبَّما خَفَقَتْ *** بِصاحِبِها المفَوَّقِ كَيْ تَبيعَةْ

وَالمَرْءُ يُخْفِي أَمْرَهُ *** وَالدَّهْرُ لَمْ يَسْتُرْ صَنِيعَهْ

***

لا تَسْأَلَنَّ عَنِ الأُولى *** فَلَرُبَّما تَبْدُو الفَظِيعَةْ

ما بایَعَتْهُمْ أُمَّةُ الهادِي *** كَما قالُوا مُطِيعَةْ

يا قاتَلَ اللّهُ الَّتِی *** خَفَّتْ لِدَعْوَتِهِمْ سَرِيعَهْ

ص: 445


1- حادَ مال وعدل عن الشي.
2- أَثَرْتُ : اخترتُ وفَضَّلْتُ.

وَ تَنَاقَلَتْ عَمَّنْ لَهُ *** الأَمْرُ الَّذِي رَفَضَتْ رُجوعَهْ

يا أرْوَعاً يَوْمَ الوَغَى *** يُقْلُ الكَتائِبِ لَنْ يُرِيعَهْ(1)

لَوْلاً التَّقِيَّةُ مَذْهَبِي *** وَ الدِّينُ يَلْزَمُ أنْ أطِيعَهْ

وَ النَّفْسُ تَهْوَى هَجْرَهُمْ *** وَ العَقْلُ لايَهْوَى القَطيعهْ

لامِنْ جَلالَةِ قَدْرِهِمْ *** لَكِنْ لأَمْرٍ لَنْ أُذِيعَهْ؟

***

تَدْرِي أَذِيَّةَ فاطِمٍ *** مِنْ بَعْدِ والِدِها فَجِيعَهْ

أَلْغَوْا وَ صِيَّتَّهُ وَ ما *** قَدْ قالَهُ فِيها جَمِيعَهْ(2)

يا لَيْتَ َشاهِدَها وَ قَدْ *** ضاقَتْ بِعَيْنَيْها الوَسِيعهْ

و الغَيْثُ يَقْصُرُ عن بُلُوغَ *** دُمُوع عَيْنَيْها الهَمُوعَهْ(3)

مَهْما يَكُنْ مانَابَها *** قَدْ نابَهُ وَ حَنَى ضُلُوعَهْ

حتَى إذا ماتَتْ وَ ما *** ماتتْ مَكارِمُها الرفيعَهْ

فَلْيَنْدُبِ المَجدُ الأثِيلُ *** الطُّهْرَ فَاطِمَةَ الشَّفِيعَهْ(4)

وَ لْيَبْكِها وَجْهُ الصَّباحِ **** بأَدْمُعٍ تُخْفِي طُلْوعَهْ

وَ لتَبْكِها شَمْسُ النَّهارِ*** فَأُخْنُها غَابَتْ سَرِيعَهْ

ص: 446


1- أروع: الشجاع الشهم الذكي. الوغى: الحرب.
2- النبي صلي الله علیه و آله و سلم يوصي بفاطمة علیها السلام خيراً. يريد: حديث الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «فاطمة علیها السلام بضعة منّي». أو حديثه صلي الله علیه و آله و سلم «اللَّه يرضى لرضا فاطمة علیها السلام».
3- في معاني الأخبار للصدوق ص206. قال الشيخ الصدوق في معنى قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: يا علي علیه السلام لك كنز في الجنة و أنت ذو قرنيها». قال: و قد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسن وهو السقط ألقته فاطمة علیها السلام لما ضغطت بين البابين و احتج في ذلك بما روي في أنه يكون محنبطاً «أي مغضباً» على باب الجنة فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: لاحتى يدخل أبواي قبلي.
4- الأثيل: الأصيل.

وَ البَدْرُ في أُفُقِ السَّما *** لاتَقْبَلُ العَلْيا هُجُوعَهْ

آهٍ على بِنْتِ الهُدَى *** ماتتْ على أثَرِ الوَقِيعَهْ

لَمْ تَبْلُغِ العِشْرِينَ عاماً *** قَدْ قَضَتْ غَصْباً مَرُوعَهْ

لِمْ شُيِّعَتْ لَيْلاً وعُفِّيَ *** قَبْرُها وَ هِيَ الوَدِيعَهْ

***

يا رَبَّةَ الخِدْرِ الَّتِي *** هِي في الجَلالَةِ في الطَّلِيعَهْ(1)

سِيرِي عَلى نَهْجِ البَتُولِ *** الطُّهْرِ فاطِمَةَ الشَّفِيعَهْ

ما غَيَّرَتْ حُكْمَ الإلهِ *** وَ لَاعَدَتْ سُنَن الشَّرِيعَهْ

لَمْ يُهْمِلِ التَّارِيخُ مِنْ *** أيّامِها الغُرَّ التَّلِيعَهْ(2)

حَتَّي مِنَ الأَعمى و ذا *** جلبابها تَخْشَى وُقُوعَهْ

***

ليْسَ الحَضَارَةُ في الخِلاَعَةِ *** وَ التَّقالِيدِ الوَضِيعَهْ

ما في التَّبَرُّجِ فَاعْلَمِي *** إلا التَّوَحُشُ و الفَظِيعَهْ

ما بالُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ *** نِساؤهُمْ فِيهِ وَلُوعَهْ(3)

***

ص: 447


1- الخدر:كل ما تتوارى به. ستر يمدُّ للجارية في ناحية البيت، ما يفرد للجارية من السكن.
2- التليعة: طويلة العنق.
3- نشرت هذه القصيدة في سلسلة (ذكريات المعصومين علیهم السلام العدد (9) (ذكرى وفاة فاطمة الزهراء علیها السلام سنة (386 هجرية)، و من الواضح أن فضيلة الشيخ حسين البيضاني من الشعراء المجيدين في كربلاء المقدسة.

(5) انت بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

السيد حسين الصدر(*)(1)

ص: 448


1- (*)هو العلامة السيد حسين ابن السيد محمد هادی الصدر. ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في 11 / ربيع الأول / 1364 ه_ الموافق (1945م) في بيت علم وأدب و دين و في أسرة عريقة تولَّت الزعامة الدينية و السياسية في العراق في بعض الفترات و لها روافدها في العديد من البلدان الأخرى. أنهى تحصيله الجامعي بتفوّق، و تخرج من كلية الحقوق سنة (1966 - 1967م) بدرجة جيد جداً فاتّجه إلى جامعة النجف الأشرف إيماناً منه بحاجة الحوزة العلمية إلى دم جديد يهتم بتنشيط الأعمال الإسلامية. فأخذ المقدمات و السطوح عن أساتذتها البارزين حتى تهيأ للدراسات العليا فحضر بحوث الخارج في الفقه و الأصول، لا سيما عند الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر «رضوان الله عليه». وقع اختيار المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم عليه ليتولى أعباء المسؤولية الدينية في جامع و حسينية المرحوم (عباس مصطفى التميمي) في الكرادة الشرقية ببغداد. وكان نشاطه واسعاً في ترويج الإسلام فاعتقل سنة (1979م) و مورست بحقه أبشع أنواع التعذيب... و بعد خروجه من المعتقل اضطر إلى الهجرة من العراق، فاختار دمشق منزلاً له و بصماته الدينية و الاجتماعية هناك مشهورة. و في سنة (1985م) استقرَّ في لندن مواصلاً نشاطه و مسؤولياته. ألف كتباً دينية و أدبية كثيرة أهمها: 1- في قضايا الزواج و الأسرة -ط- النجف 1970. 2- الزواج و المرحلة الجهادية -ط- بيروت 1981. 3- الإمام الصادق علیه السلام إعطاء و إشعاع -ط- دمشق 1980. 4- لقاء على صنعة الشعر -ط- القاهرة 1977. 5- المرجعية الشهيدة -ط- طهران 1983. 6- لا لن يموت الصدر (شعر) -ط- طهران1983. 7- محاضرات في نهج البلاغة -ط- النجف 1967. 8- تقريرات بحث أستاذه الشهيد الصدر -مخطوط. 9- الصدر في الفقه و الأصول -مخطوط. 10- إيضاح الكفاية -مخطوط. 11- شرح المكاسب -مخطوط. 12- ديوان السيد حسين الصدر -مخطوط.

بدمائي أبكيكِ لا يدُمُوعي *** وَ لَهِيبُ الأَحْزانِ بَيْنَ ضُلُوعي(1)

يا ربيعاً ذوى سريعاً وَ أَوْدى *** لَهْفَ نَفْسِي عَلَى ذُبولِ الرَّبيعِ(2)

كَيْفَ أَنْسى الزَّهراءَ مَهْضُومَةَ *** الْحَقِّ تُعانِي مَرارَةَ النَّضْیِیعِ

ص: 449


1- في أمالي الصدوق ص 99 الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي للطباعة...: عن ابن عباس قال: «إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو كان جالساً ذات یوم... ثم أقبلت فاطمة علیها السلام. فلما رآها بكى ثم قال: «إلي إليّ يا بنية فأجلسها بين يديه... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية منّي؛... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسرت جنبتها (وأسقطت جنينها) و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فراقي أخرى و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدتُ بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله «تعالى» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» يا فاطمة علیها السلام «اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» ثم يبتدىء بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عز وجل» إليها مريم بنت عمران علیها السلام تمرضها و تؤنسها في علتها فتقول عند ذلك يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك: آمين».
2- ذوى: ذبل و نشف ماء النبات أودى أهلك. و قد يكون هذا إشارة إلى الرواية الواردة في (المناقب) لابن شهراشوب الجزء الثالث ص323 : إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: (أنت أسرع أهل بيتي لحاقاً بي...) و قد تقدم ذكرها أكثر من مرة.

وَ عِجَافُ الأَحْداثِ تَخْطَفُ مِنْهَا *** كُلَّ كَنُرٍ وَ كُلُّ رُكن مَنيعِ(1)

لَيْتَ شِعْرِي وَ لِلْفُؤادِ وَ جِيبٌ *** أَيَكُونُ المَوْصُولُ كَالمَقْطُوعِ

***

لَسْتُ أَنْساكِ يَا مُصارَةَ هَدْي *** سَكَبَتْهُ يَدُ الرَّسُولِ الشَّفيعِ

فَرِضاكِ رِضاهُ مِنْ دُونِ شَكٍّ *** ذاكَ نَصَّ في مُحْكَمِ التَّشْرِيعِ(2)

أَنتِ شَمْسُ في أَفْقِهِ قَدْ تَجلَّتْ *** وَ تَسامَتْ بِنُورِها وَ الطُلُوعِ

أَنتِ بِنْتُ الرَّسولِ رَيْحَانَةُ الهَادِي **** وَ زَوْجُ الوَصِيّ أمُّ الفُروعِ(3)

وَ لَكِ المَجْدُ ساطعاً بِالمَعالِي *** وَ بسامِي الجِهادِ كُلَّ سُطُوعِ

***

رِيعَ قلبِي لِقاطِم تَتَلَظَّى *** بِجِراحٍ و باعْتِسافٍ فَظِيعِ(4)

فُجعت بالحَبِيبِ وَ الأَبِ وَ القَائِدِ *** وَ الْكَهْفِ وَ العِمَادِ الرَّفِيعِ

ثُمَّ راحَتْ تَسْتَقْبِلُ المِحْنَةَ الكُبْرَى *** بِقَلْبِ مُمَزَّقٍ مَفْجُوعِ

ص: 450


1- عجاف: ضعاف و هزال. تخطف: تستلب الشيء بسرعة.
2- جاء في كتاب ينابيع المودة ج1 ص314 ط الأولى، إيران -انتشارات الشريف الرضي الطبعة السابعة منشورات المكتبة الحيدرية- النجف الأشرف، «يا سلمان من أحب فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه، و من غضبت عليه (ابنتي فاطمة علیها السلام) غضبت عليه و من غضبت عليه غضب اللَّه عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها».
3- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في عوالم العلوم و المعارف و الأحوال، ج1 ص116 و سفينة البحار، ج1 ص193. «عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: «فاطمة علیها السلام مهجة قلبي و ابناها ثمرة فؤادي و بعلها نور بصري و الأئمة من ولدها أُمناء ربي، حبل ممدود بينه و بين خلقه ومن اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوي».
4- اعتساف: ركوب الطريق بلا هداية و لادراية أو ركوب الأمر بلاتدبر و لاروية.

إنَّ ظُلْمَ الْوَصِيِّ أَجَّجَ ناراً *** في حنايا ذاكَ الفُؤادِ الوَجِيعِ(1)

وَ لَقَدْ صُبَّتِ الرزايا عَلَيْها *** وَ تَوالَتْ بِهَجْمَةٍ وَ وُقُوعِ(2)

ص: 451


1- و الرواية الواردة في «مناقب آل أبي طالب» لابن شهراشوب ج2 ص205 المطبعة العلمية. قم. تشير إلى هذا المعنى: «دخلت أم سلمة على فاطمة علیها السلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قالت علیها السلام: أصبحت بين كمد و كرب فقد النبي و ظلم الوصي، و الله حجبه أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل وسنها النبي صلى الله عليه و آله و سلم في التأويل ولكنها أحقاد بدرية و ترات أحديّة كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الأيمان من قسيٍّ صدورها، و ليس على ما وعد الله من حفظ الرسالة و كفالة المؤمنين أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار ممن فتك بآبائهم الكرب و منازل الشهادات».
2- لعل في هذا البيت و البيتين اللذين بعده إشارة إلى الرواية الواردة في الاحتجاج، للطبرسي الجزء الأول ط النعمان (1966) ص108-109: «و كان علي بن أبي طالب علیه السلام لما رأى خذلان الناس له و تركهم نصرته و اجتماع كلمة الناس مع أبي بكر و طاعتهم له جلس في بيته، فقال عمر لأبي بكر ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع؟ فإنه لم يبق أحد إلا و قد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة معه. و كان أبوبكر أرق الرجلين و أرفقهما و ادهاهما و أبعدهما غوراً و الآخر أفظهما و أغلظهما و أخشنهما و أجفاهما. فقال: من نرسل إليه؟ فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً و كان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء أحد بني تيم فأرسله و أرسل معه أعواناً فانطلق فاستأذن فأبى علي علیه السلام أن يأذن له فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما في المسجد و الناس حولهما. فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: هو إن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذنه فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة علیها السلام: احرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت كذا و كذا فحرجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء. ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجن و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضر من عليك بيتك ناراً ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي علیه السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلاّ فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً. فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسوداً و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها».

أَسْقَطوها جَنِينَها المُحْسِنَ الزَّاكِي *** وَ آبوا لكِنْ بِجُرْم مَرُوعِ

كَيْفَ أَنْسَى الضّلْعَ الكَسِيرَ المُدَمَّى *** وَ سِهاماً مِنْ مُوجِع التَّقْرِيعِ؟

هَرَعُوا يَعْصِبُونَها فَدَكَاً ظُلْماً *** وَ لِلنَّارِ مُنْكِراتُ الهُرُوعِ(1)

سَمِعُوها تُدْلِي بِبُرهانِها القَاطِعِ فِيهِمْ *** وَ لَمْ يَكُنْ مِنْ سَمِیعِ(2)

(فَدَكٌ) لَم تَكُنْ لَدَيْها سِوَى رَمْزٍ *** لِحَقِّ عَنْ أَهْلِهِ مَمْنوعِ

وَ لَقَدْ نَاءَتِ البَتُولُ بإغصارٍ عَنِيفٍ *** أَطفَا جَمِيعَ الشُّمُ الشُّموعِ

لأتَسَلْنى عَنْ ساعةٍ وَ دَّعَتْ فِيها *** فَمُرُّ الآلام في التَّوْدِيعِ(3)

ص: 452


1- و قد جاء في الاحتجاج ج1 ص119 للطبرسي (ط دار النعمان. 1966) ما يشير إلى هذا المعنى: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر الله تعالى؟...».
2- ذكر في (الاحتجاج ) ج1 للطبرسي ص131 خطبة الزهراء علیها السلام في فدك و احتجاجها عليهم: روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه علیه السلام: أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء فأرتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم. أمسكوا عادت في كلامها فقالت: «الحمد لله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم و الثناء بما قدّم... و أنتم الآن تزعمون. أن لاإرثَ لنا أفحكم الجاهلية تبغون و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته... أيها المسلمون أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً...».
3- في هذا البيت و الأبيات التي تليه جاء في بحار الأنوار ج43 ص178 ط الثانية (1983) مؤسسة الوفاء -بيروت. «...فقلن: يا أميرالمؤمنين علیه السلام أدرك ابنة عمك الزهراء علیها السلام وما نظنك تدركها. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام مسرعاً حتى دخل عليها و إذا بها ملقاة على فراشها و هو من قباطيّ مصر و هي تقبض يميناً و تمدّ شمالاً فألقى الرداء عن عاتقه و العمامة عن رأسه و حلّ إزاره و أقبل حتى أخذ رأسها و تركه في حجره و ناداها يا زهراء علیها السلام فلم تكلمه... فناداها: يا بنت محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فلم تكلمه. فناداها: يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه و بذلها على الفقراء فلم تكلمه فناداها: يا بنة من صلى بالملائكة في السماء مثنى مثنى فلم تكلمه. فناداها: يا فاطمة علیها السلام كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب علیه السلام؟ قال: ففتحت عينيها في وجهه و نظرت إليه و بكت و بكى. و قال: ما الذي تجدينه؟ فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب علیه السلام. فقالت: يابن العم إني أجد الموت الذي لابد منه و لامحيص عنه، و أنا أعلم أنك بعدي لاتصبر على قلة التزويج فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوماً و ليلة و اجعل لأولادي يوماً و ليلة، يا أبا الحسن علیه السلام و لاتصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنهما بالأمس فقدا جدّهما و اليوم يفقدان أمهما فالويل لأمة تقتلهما و تبغضهما ثم أنشأت تقول: إبكني إن بكيت يا خير هادي *** و أسبل الدمع فهو يوم الفراق يا قرين البتول أوصيك بالنسل *** فقد أصبحا حلیف اشتیاق إبكني و ابك لليتامى و لاتنسى *** قتيل العدى بطف العراق فارقوا فأصبحوا حياري *** يخلف الله فهو يوم الفراق قالت فضة: فقال لها علي علیه السلام: من أين لك يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هذا الخبر و الوحي قد انقطع عنّا؟ فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام رقدت ساعة فرأيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قصر من الدرّ الأبيض، فلما رآني قال: هلمي إليّ يا بنيّة، فإني إليك مشتاق فقلت: والله إني لأشد شوقاً بك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي و هو صادق لما وعد و الموفي لما عاهد. فإذا أنت قرأت (يس) فاعلم أني قد قضيت نحبي فغسلني و لاتكشف عني فإني طاهرة مطهرة و ليصلَ عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى و من رزق أجري و ادفني ليلاً في قبري بهذا أخبرني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال علي علیه السلام: والله لقد أخذت في أمرها و غسلتها في قميصها و لم أكشفه حبيبي عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهَّرة ثم حنطتها من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كفنتها و أدرجتها في أكفانها فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت: يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة، يا حسن علیه السلام، يا حسين علیه السلام. هلمّوا تزودوا من أمكم فهذا الفراق و اللقاء في الجنة. فأقبل الحسن و الحسين علیهما السلام و هما يناديان: واحسرة لاتنطفىء أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم و أمنا فاطمة الزهراء علیها السلام يا أم الحسن يا أم الحسين علیها السلام إذا لقيت جدنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فاقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أميرالمؤمنين علي علیه السلام: إني أشهد أنها قد حنت و أنت و مدت يديها و ضمتهما إلى صدرها مليًّا و إذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن علیه السلام ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب. قال: فرفعتهما عن صدرها و جعلت أعقد الرداء و أنا أنشد بهذه الأبيات: فراقك أعظم الأشياء عندي *** و فقدك فاطم أدهى الشكول سأبكي حسرة و أنوح شجواً *** على خلّ مضى أسنى سبيل ألا يا عين جودي واسعديني *** فحزني دائم أبكي خليلي ثم حملها على يده و أقبل بها إلى قبر أبيها و نادى: السلام عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا نور الله السلام عليك يا صفوة الله مني. السلام عليك و التحية واصلة مني إليك ولديك و من ابنتك النازلة عليك بفنائك وإن الوديعة قد استردت والرهينة قد أخذت فواحزناه على الرسول صلي الله علیه و آله و سلم ثم من بعده على البتول و لقد اسودت علي الغبراء و بعدت عني الخضراء فواحزناه ثم واأسفاه. ثم عدل بها على الروضة، فصلى عليها في أهله وأصحابه و مواليه و أحبائه و طائفة من المهاجرين و الأنصار فلما واراها و ألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات يقول: أرى علل الدنيا علي كثيرة *** و صاحبها حتى الممات عليل لکل اجتماع من خليلين فرقة *** و إن بقائي بعدكم لقليل و إن افتقادي فاطما بعد أحمد *** دليل على أن لايدوم خليل.

ص: 453

ها هنا صَرْخَةٌ (لِزَيْنَبَ) دَوَّتْ *** وَ هُنا زَفْرَةُ الوَصِيِّ الوَلُوعِ

و هُناكِ (الشَّيلانِ) أَصْنَاهُمَا الخَطْبُ *** فَأَنا كَأَنَّة المَلْ المَلْسُوعِ(1)

وَ لِسِرِّ أَخفى (عَلِيَّ) مَكَانَ القَبْرِ *** مِنْ بَعْدِ مُوحِش التَّشيِيعِ(2)

هِيَ أَوْصَتْهُ إذْ أَدانَتْ عِداها *** وَ هُيَ خَصْمَ لَهُمْ بِيَوْمِ الرُّجُوعِ

ص: 454


1- أضناهما: أمرضهما بحيث تمكن منهما الضعف والهزال.
2- في «روضة الواعظين» للنيسابوري ص168 ط الأولى مؤسسة الأعلمي -بيروت: «مرضت [فاطمة علیها السلام] مرضاً شديداً و مكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت علیها السلام فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و وجهت خلف علي علیه السلام فأحضرته فقالت: يابن عم إنه قد نعيت إليّ نفسي و إنني لاأرى ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة و أنا أوصيك بأشياء في قلبي، قال لها علي علیه السلام: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم عدوّي و عدو رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لاتترك أن يصلي عليَّ أحد منهم و لا من أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... ...فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها على و الحسن و الحسين علیهم السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلّوا عليها و دفنوها في جوف الليل، و سوّى علي علیه السلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها، و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايعرف موضعه».

(6) ظل الأراكة

(بحر الطويل)

السيد رضا الهندي(*)(1)

ص: 455


1- (*) هو السيد رضا ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الموسوي الهندي. ولد في النجف الأشرف في الثامن من شهر ذي القعدة سنة (1290ه_)، و نشأ بها، و لما بلغ عمره ثماني سنوات انتقل مع والده إلى سامراء عام (1298ه_) و هو عام الطاعون، فبقي فيها مع والده ثلاث عشرة سنة، و هو خامس إخوته الستة، و قد اشتهر من بينهم بالصلاح و الإصلاح و العلم و العمل و الجد و الاجتهاد و الورع و السداد. و في مدة إقامته في سامراء كان آية في الذكاء، فقد أولع بالدرس و التطلّع إلى حقائق العلوم و التوغل في معرفتها و كانت رعاية والده له و عنايته به شديدة فقد لقنه كثيراً من المعلومات التي عرف بها، و كان له ولع بآداب العرب و التتبع لأخبارهم، فكان مثال الشاب الوديع الذكي، و ما اجتاز العقد الثاني من عمره حتى أشير إليه بالبنان. و كان موضع عناية من آية الله المجدد الشيرازي لذكائه و سرعة بديهته و سعة اطلاعه. و عندما عاد إلى النجف سنة (1311ه_) واصل جهوده العلمية على أساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد، و في سنة (1323ه_) أصبح مشهوداً له في ذلك، و قد شهد له عدد من أكابر علماء ذلك العصر، منهم الشيخ محمد طه نجف و غيره من المراجع المبرزين. و عندما انتدبه المرجع الكبير السيد أبوالحسن الأصفهاني وكيلاً و مرشداً من قبله لناحية (الفيصلية) استجاب له و قام بوظائفه هناك خير قيام و استمر فيها عالماً و مربياً و مرشداً إلى آخر حياته. و كان المترجَم له يقرض الشعر بشتى فنونه و أساليبه ويعد شعره من الطبقة العالية قوة و رقة و انسجاماً، و شعره في أهل البيت أنشودة المجالس الحسينية إلى يومنا هذا. و أما مؤلفاته و آثاره العلمية فهي عديدة نذكر منها: 1- الميزان العادل بين الحق و الباطل. 2- بلغة الراحل فى الأخلاق و المعتقدات. 3- الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي. 4- سبيكة العسجد في التاريخ . 5-شرح الطهارة -من منظومة والده في الفقه المسماة باللآلي الكاظمية. 6- ديوان شعره. 7- ديوان شعر آخر في مدح آل البيت و رثائهم علیهم السلام. و كان المترجَم له متحمساً في ولائه و متفانياً في حبه لآل البيت علیهم السلام الا و كان إذا رأى ظاهرة تمس بقداسة المعتقدات المذهبية يقف أمامها موقفاً صلباً و شجاعاً. و من نوادره في هذا المجال لما كتب السيد محسن الأمين (التنزيه لأعمال الشبيه) و هي مجموعة ظنون نقلت إليه فبنى عليها و اعتقد بصحتها فاندفع السيد رضا قائلاً: ذرّية الزهراء إن عددت *** يوماً ليطري الناس فيها الثنا فلا تعدّوا مُحْسِناً منهم *** لأنها قد أسقطت محسنا وفاته في (الفيصلية المشخاب) من توابع محافظة الديوانية في 22 جمادى الأولى من عام (1362ه_) بالسكتة القلبية و حمل جثمانه على الأكتاف إلى النجف الأشرف و صار يوم وفاته مشهوداً فقد استقبله أهالي النجف بعزاء و حزن كبير حتى أودعوه في مقره الأخير بمقبرة الأسرة الخاصة في محلة الحويش و أقام زعيم الحوزة الدينية السيد أبوالحسن الأصفهاني الفاتحة على روحه، و قد رثاه شعراء عصره بقصائدهم.

بِنَفْسِي التي لاهُمْ أَعزُّوا جوارَها *** وَ لاَ تَرَكُوها تَسْتَجِيرُ بِدَمْعِها

رَأَوْها تُقَضِّى لَيْلَها وَ نَهارَها *** بُكاءً عَلَى الهادِي فَجَدُّوا بِمَنْعِها

وَمُذْ أَلِفَتْ ظِلَّ (الأَراكَةِ) لَمْ تَكُنْ *** تَطِيبُ نُفوسُ القَوْمِ إِلا بِقَطْعِها(1)

إذا كانَ قَصْدُ القومِ بَيْعَةَ (بَعْلِها) *** فَمَا كَانَ يَحْدُوهُمْ عَلَى كَسْرِ ضِلْعِها(2)

ص: 456


1- الأراكة: شجرة ذات شوكٍ، طويلة الساق كثيرة الورق و الأغصان خوّارة العُود، تأخذ منها المساويك. و كانت السيدة الزهراء علیها السلام تستظل بها فقطعوها في قصة مشهورة.
2- دیوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص81.

(7) على بابها الأملاك

(بحر الخفيف)

الشيخ سلمان البحراني(*)(1)

قِفْ عَلَى قَبْرِ فَاطِمَ بِالْبَقِيع*** بَعْدَ مَزْقِ الحَشَى وَسَكْبِ الدُّموعَ(2)

وَالْثُمِ التُّرْبَ مِنْ حَوالَيْهِ وَانْشُقْ*** مِنْ شَذاهُ نَسِيمَ زَهْرِ الرَّبيعِ

وَأَبْلَغَنْها السَّلامَ عَنِّي فَإِنِّي *** لَمَرُوعٌ فِيها بِخَطْبٍ مُرِيعِ

وَتَذَكِّرْ أَذِيَّةَ الْقَوْمِ فِيها *** وَابْكِ حُزْناً وَعُجْ بِقَبْرِ الشَّفِيعِ

قِفْ بِهِ مَوْقِفَ الْحَزِينِ وَلكِنْ *** لابِساً بُرْدَتَيْ تُقَّى وَخُشُوعِ

وَاشْكُ مانَالَ بِنْتَهُ مِنْ كُرُوبٍ*** مُفْجِعاتُ تَشِيبُ رَأْسَ الرَّضِيعِ

قُلْ لَهُ أَيُّها النَّبِيُّ شَكاةٌ *** لَكَ عِنْدِي مَشْفُوعَةٌ بِدُموعِي

فَأَعِرْنِي مِنْكَ المَسامِعَ فِيها*** فَصَداها يُصِمُّ أُذُنَ السَّمِيعِ(3)

إِنّ تلكَ الَّتِي عَلَى بابِها الاَمالكُ**** تُبْدِي الخُشوعَ بَعْدَ الخُضُوعِ

قَدْ أَحاطُوا بِالنَّارِ مَنْزِلَها السَّا *** مِي بِتَظهِيرهِ بِشَأْنٍ رَفِيعِ

أَسْقَطُوها بِالْبَابِ مُحْسِنَ عَصْراً *** بَعْدَ تَأْلِيمِها بِكَسْرِ الضَّلوعِ

دَخَلُوا بَيْتَها عَلَيْها وَقَادُوا *** بَعْلَها المُرْتَضَى بِحَالٍ فَظِيعِ

عَجَباً كيفَ في نِجادٍ له قِيدَ؟ *** وَقَدْ كانَ قائِداً لِلْجُمُوعِ(4)

ص: 457


1- (*) الملقب بالتاجر، وقد مرت ترجمته في الجزء الثاني.
2- سل على قبر فاطم علیها السلام بالبقيع *** واسقي تلك الربوع حمر الدموع.
3- صداها: الصدى ما يردّه الجبل أو غيره إلى المصوّت مثل صوته.
4- نجاد: حمائل السيف.

فَعَدَتْ خَلْفَهُ تَجُرُّ مِنَ الصَّوْ*** نِ ذُيولاً جُيوبُها مِنْ دُمُوعِ(1)

وَ دَعَتْ فِيهِمُ أرْجِعُوا ابْنَ عَمِّي *** أو لأَشكُو إِلى المُجِيبِ السَّمِيعِ

فَتَلافَوْا مِنَ البَتُولَةِ مَالَوْ *** أَغْفَلُوهُ لَزُلْزِلُوا عَنْ سَرِيع

غَصَبُوها حُقوقَها مِنْكَ ظُلْماً *** وَبِعَيْنِ الإلهِ غَصْبُ الْجَمِيع(2)

ص: 458


1- جيوبها أطواقها وفي هذا البيت والأبيات التي تليه إشارة إلى خروج الزهراءعلیهاالسلام خلف الإمام علي علیه السلام حين أرادوا إجباره على البيعة: ففي كتاب تفسير العياشي ج2 ص66-67 ضمن رواية طويلة جاء فيها «قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبوعبيدة ابن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ وقمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات اللَه عليها» أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلاّ بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف ثم دوخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیهاالسلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي؟ والله لئن لم تكف عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي ولاصيحنَّ إلى ربي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلی الله علیه واله وسلم فقال علي السلمان: أدرك ابنة محمد فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان والله إن نشرت شعرها وشقت جيبها واتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [وبمن فيها] فأدركها سلمان «رضي الله عنه» فقال: يا بنت محمد إن الله إنما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت: يا سلمان يريدون قتل علي ما عليَّ صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري وأشق جيبي، وأصيح إلى ربي، فقال سلمان: إني أخاف أن يخسف بالمدينة وعلي بعثني إليك يأمرك أن ترجعي له إلى بيتك ،وتنصرفي، فقالت: إذا أرجع و أصبر و أسمع له و أطيع. و ذكره المجلسي أيضاً في كتابه بحار الأنوار ج28 ص227-228.
2- یشیرفی هذه الأبيات الأربعة إلى غصب فدك و مجيئها بالشهود و البراهين على إثبات حقها ورد الشهود وتكذيبها «سلام الله عليها»: ففي كتاب مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال:«إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه واله و سلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك... الخ. و في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هاني قال: دخلت فاطمة على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له: لئن مُتَّ اليوم من كان يرتك؟ قال ولدي، و أهلي قالت: فلم ورثت أنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى فدک ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم أفعل حدثني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الخ. و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج3 ص487. و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج ج1 ص131. 144. و ذكره في عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص119. 122. قال: عن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر من الله «تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و أنشد لك الا بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة فقال: بلى، قالت، فأشهد أن الله «عزوجل» أوصى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» فجعل فدكاً لها بأمر الله فجاء على علیه السلام فشهد: بمثل ذلك فكتب لها كتاباً و دفعه إليها. فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك، و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه و مزقه فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي... الخ. و في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487 و 488. «و قال لها هل لك بينة فشهد لها علي كرم الله وجهه و أم أيمن فقال لها: أبرجل و امرأة تستحقيها؟ و قال: و أيضاً شهد لها بذلك الحسن و الحسين و أم كلثوم رضي الله تعالى عنهم.

طَلَعتْ تَصْحَبُ الشُّهودَ مِن الْبَيْتِ *** كَشَمْسِ النَّهارِ عِنْدَ الطُلوعِ

وَ بَدَتْ تُفرح البراهينَ مِنْ *** فيها بِأَسْمَاعِهِمْ بِأَيِّ سُطوعِ

فَأُجِيبَتْ لَكِنْ بِرَدُ شُهُودٍ *** بَعْدَ تَكْذِيبِ صَوْتِها المُسْمُوعِ

مَنَعُوها مِنَ البُكَاءِ عَلَى رُزْتِكَ *** يَا خَيْرَ فَاجِعٍ وَ مَفْجُوعِ

قَلْ لِدارِ الأَحْزانِ ما زِلْتِ لازالَتْ *** ضُلوعي تَحْوِي قبور البَقيعِ(1)

ص: 459


1- و في هذا البيت يشير إلى بيت الأحزان الذي بناه الإمام علي علیه السلام الفاطمة علیها السلام لأجل البكاء فيه. ففي كتاب البحار ج43 ص177 ، ضمن حديث طويل قال: «ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها». و في كتاب رحلة ابن جبير ص174 قال: «ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب لفاطمة علیها السلام بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و يعرف ببيت الحزن يقال: إنه الذي آوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم.

ما هُوَ السِّرُّ حِينَ تُدْفَنُ سِرًّا *** وَ جَهاراً أتَوْا إلى التَّشْيِيعِ؟(1)

يا لها مِنْ مَصائِبٍ قَدْ دَهَتْها *** رَمَتِ الثُّمَّ مِنْ شَجِّى بِصُدُوعِ(2)

وَ لَعَمْرِي لَحُزنُ زَيْنَبَ أَشْجَى *** عِنْدَ مَسْمُومِها و نَدْبِ الصَّرِيعِ؟(3)

ص: 460


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفن الزهراء علیها السلام ليلاً: انظر کتاب مناقب ابن شهر اشوب ج3 ص363 و ذكره عنه 363 و ذكره عنه المجلسي في كتابه بحار الأنوار ج43 ص183. و في البحار ج43 ص193 قال: عن أبي عبد الله الحسين علیه السلام قال: لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام سرًّا و عفا على موضع قبرها ثم قام فحوَّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثم قال:... الخ.
2- الشمّ: السادة ذوو الأنفة، الكرام، ذوو الشهامة و الرفعة. صدوع: شقوق. (ومصائب) ممنوعة من الصرف إلا أنه يجوز للشاعر ما لايجوز لغيره. و لذلك أخذت حركة التنوين.
3- نقلت عن رياض المدح و الرثاء ص216.

(8) أم الأئمة و الإمامة

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل)(*)(1)

إِنْ كُنْتُ في نَظْمِ القَصَائِدِ أُبْدِعُ *** فَلأَنَّ حُبَّكِ لِلْقَصَائدِ مَطْلَعُ

فَهُوَ الَّذِي زَادَ القَصَائِدَ رَوْنَقاً *** حتَّى غَدَتْ فِيها الفَصَاحَةُ تُجْمَعُ

فَمَتى عَصَانِي الشَّعْرُ حِينَ دَعَوْتُهُ *** وَ حُرُوفُ اِسْمِكِ قَافِياتٌ لُمَّعُ

وَ مَتَى وَجَدْتُ تَكَلَّفاً في نَظْمِهِ *** و يُحيط بي رَوْضُ القَريضِ المُمْرعُ(2)

وَ مَنى أَراني ظامِئاً و بِخافِقي *** مِنْ فَيْضِ حُبِّكِ مَا حَبِيتُ المَنْبَعُ(3)

(زَهْراءُ) حُبُّكِ نَعْمَةٌ أَهْفُو لها *** فَبِلَحْنِها و جَمالِها أَسْتَمْتعُ(4)

فَهْوَ الَّذي يُنْسِي الغَرِيبَ شُجُونَهُ *** إِنْ هَاجَهُ الوَجْدُ الدَّفِينُ المُوجِعُ

يَا هَمْزَةَ الوَصْلِ الَّتِي مِنْ شَأْنِها *** سِرَّ النُّبُوَّةِ بالإمامةِ تَجْمَعُ

يَا سُورَةَ الدَّهْرِ الَّتي آلاؤُها *** يَوْمَ القِيامَةِ لِلْبَرايَا تَشْفَعُ(5)

ص: 461


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- القريض الممرع: الشعر الخصب.
3- خافقي: قلبي.
4- في دلائل الإمامة (الطبعة الثالثة منشورات الرضا (قم) ص54: عن جعفر بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».
5- في هذا البيت و الأبيات التي تليه: جاء في كتاب «المناقب» لابن شهراشوب. ج3 ص325 ط/ المطبعة العلمية قم - مؤسسة انتشارات علامة -قم. «سئل عالم فقيل: إن الله تعالى قد أنزل: «هل أتى» في أهل البيت علیهم السلام و ليس شيء من نعيم الجنة إلا وذكر فيه إلا الحور العين. قال: ذلك إجلالاً لفاطمة علیها السلام. و في صحيح مسلم المجلد الخامس ص54 (ط1 -مؤسسة عز الدين بيروت): عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها [و يسرني ما أسرها] و في كنز العمال ج12 ص102 ح34191 (ط مؤسسة الرسالة بيروت. 1979): «عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خير رجالكم علي علیه السلام [بن أبي طالب] و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم».

يا بَضْعَةَ المختارِيَا خَيْرَ النِّسا *** يَا مَن إليها في القِيامَةِ نَفْزَعُ

يَا مَنْ هِيَ الغَيْثُ الذي لم يَنْسَكِبْ *** إلا و يَخْضَرُ اليَبابُ البَلْقَعُ(1)

يا مَنْ هِيَ النُّورُ الَّذي مَحَقَ الدُّجَى *** فَسَناهُ في أفُقِ الجَزِيرَةِ يَسْطَعُ(2)

يَا رَحْمَةً يَهْفُو لَها كُلُّ أَمْرِىءٍ *** حَتَّى بها لِذَوِي الكَبائِرِ مَطْمَعُ(3)

ص: 462


1- اليباب: الخراب. البلقع: الأرض القفر.
2- محق: أبطل و محا و قد جاء في (علل الشرائع) للصدوق ج1 ص214 (ط1 مؤسسة الأعلمي (بيروت). عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم سميت الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنها تزهر الأميرالمؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور: كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فُرشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيَّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيأتون منزلها فيرونها جالسة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة علیها السلام، فإذا انتصف النهار و ترتبت للصلاة زهر نور وجهها علیها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم. فيأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها بالصفرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها. فإذا كان آخر النهار و غربت الشمس احمرّ وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً و شكراً لله «عزوجل» فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمّر حيطانهم فيعجبون من ذلك و يأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها جالسة تسبح الله و تمجده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة علیها السلام فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين علیه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام.
3- في كتاب إحقاق الحق ج1 ص367 منقولة عن كتاب (أخبار الدول و آثار الأول): «و قد ورد في الخبر أنّها لما سمعت بأنّ أباها زوّجها و جعل الدراهم مهراً لها قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن بنات الناس يتزوَّجن بالدراهم فما الفرق بيني و بينهن؟ أسألك أن تردّها و تدعو الله «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك. فنزل جبريل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت و قالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي و شفعت في عصاة أمة أبي».

يَا رُكُن بَيْتِ بالغٍ هامَ السُّهَى *** هُوَ لِلْهِدَايَةِ و الرِّسالَةِ مَوْضِعُ(1)

يَا بَضْعَةَ المختارِ حَسْبِي مَفْخَراً *** إِنْ قِيلَ: عَنِّي إِنَّهُ يَتَشَيَّعُ

وَ أَنَا المُقِرُّ بِأَنَّ ربي واحِدٌ *** و له جَمِيعُ الكائناتِ سَتَرْجِعُ

و رَسُولُه طة الأمينُ نَبيُّنا *** لأصولِ سُنَّتِهِ الشَّرِيفَةِ نَتْبَعُ

و إذا سُئِلتُ مَن الخَليفَةُ بَعْدَهُ؟ *** أَفْصَحْتُ أنْ ذاكَ البَطِينُ الأَنْزَعُ(2)

بَارَكْتُ مولِدَكِ الشَّريف و بانَ لي *** أَنّ الكَواكِبَ مِنْ سَناكِ تَشَعْشَعُ(3)

وَ طَفِقْتُ أُنْشِدُ ما تَجُودُ قَرِيحَتي *** شِعْراً كَطَيْرِ في الحَمائِل يَسْجَعُ(4)

أُمُّ الأئمة و الإمامَةُ رُتْبَةٌ *** بِكِسِرُّها دُونَ النّسا مُسْتَوْدَعُ(5)

مَا نَالَها إلا الأُلَى أَسْمَاؤُهُمْ *** في اللَّوْح مُذْ نَشْءِ الخَليقةِ تُطبَعُ

لو لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الشُّرُوطُ لَنالَها *** مَنْ كانَ رَدْحاً لِلْحِجَارَةِ يَرْكَعُ(6)

يَكْفِيكِ أنَّ أباكِ لولا دِينُهُ *** شَمْسُ الهداية لِلوَرَى لاتَطْلَعُ

ص: 463


1- السهى: كوكب خفي من بنات نعش الصغرى.
2- البطين الأنزع: من أوصاف أميرالمؤمنين الإمام علي علیه السلام.
3- في أمالي الصدوق ص 86 (ط الخامسة.1980 مؤسسة الأعلمي بيروت): «...فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور... و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك...».
4- الخمائل: مفردها الخميلة و هي الشجر الكثير الملتف أو الموضع الكثير الشجر.
5- في دلائل الإمامة ص8 و في روضة الواعظين ص160 (ط الأولى1986 منشورات مؤسسة الأعلمي): «يا خديجة علیها السلام هذا جبرائيل يبشرني أنّها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها، و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه...».
6- ردحاً: مدة طويلة.

يَكْفِيكِ بَعْلُكِ مَنْ بِغَيْرِ حُسامِهِ *** بَيْتُ الهدايةِ رُكْنُهُ مُتَضَعْضِعُ(1)

يَكْفِيكِ أَنَّ ابنَيْكِ إن قاما وإنْ *** قَعَدا الأمْرِهِما الخَلائِقُ تَخْضَعُ

قُلْ لِلَّذِي سَلَبَ البَتُولَ حُقُوقَها *** أَرْكانُ بيتِ الوَحْيِ لاتَتَصَدَّعُ(2)

لا تُطْفِي الأفْواهُ نُورَ مُحَمَّدٍ *** فَاحْسَأَ فَلَيْسَ الحالُ ما تَتَوقَّعُ(3)

الحَقُّ يَبْقى بالِغاً هامَ الذُّرَى *** وَ الظُّلْمُ فِي كَنَفِ المَهانَةِ يَقْبَعُ(4)

ص: 464


1- مُتَضَعْضعُ: ضعيف، خاضع.
2- تتصدع: تنشق، و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب (صحيح مسلم) المجلد الرابع ط الأولى ((1987) مؤسسة عز الدين -بيروت. ص32. «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خیبر و فدك و صدقته بالمدينة، فأبى أبوبكر عليها ذلك».
3- في بحار الأنوار ج53 ص18 و في رواية طويلة: «...و قولها و يحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله والله متم نوره...».
4- يقبع في كنف المهانة: ينزوي فيه و يستتر. عن قلائد الأنشاد في النبي صلي الله علیه وآله و سلم و آله الأمجاد ص482.

(9) هجموا عليها

(بحر الوافر)

السيد صالح الحلي(*)(1)

يُحِنُّ لِمُقْلَتي تَهْمِي الدُّمُوعا *** عَلَى مَنْ رَضَضُوا مِنْهَا الضُّلوعا(2)

***

يَرُضُ ضُلُوعَ فَاطِمَةٍ جَهارا *** وَ يُدْخِلُ بَيْنَها خطباً و نَارا

عَجِبْتُ لِمَنْ إِذَا شَهِدَ المَغارا *** يَفِرُّ و يُحْرِقَ البَيْتَ الرَّفِيعا

***

هِيَ الزَّهْراءُ فاطِمَةُ البَتُولُ *** وَ مَنْ أَوْصَى بِنِحْلَتِها الرَّسُولُ

أيَغْصِبُها وَ لا أحدٌ يَقُولُ *** أسأْتَ ببضْعَةِ الهادِي الصَّنِيعا؟(3)

***

ص: 465


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- تهمي: تسيل.
3- جاء في الكافي للكليني، ج1 ص543 : عن علي بن اسباط قال: لما ورد أبوالحسن موسى علیه السلام على المهدي ثالث خلفاء العباس. رآه يرد المظالم. فقال: يا أميرالمؤمنين علیه السلام ما بال مظلمتنا لاتُرد؟ فقال له: و ما ذاك يا أبا الحسن علیه السلام؟ قال: إن الله «تبارك وتعالى» لما فتح على نبيه صلي الله علیه و آله و سلم فلكل و ما والاها لم يوجف عليه بخيل و لاركاب فأنزل الله على نبيه صلي الله علیه و آله و سلم «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»[سورة الإسراء الآية: 26] فلم يدر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من هم، فراجع في ذلك جبرائيل و راجع جبرائيل ربه فأوحى الله إليه أن دفع فدك إلى فاطمة علیها السلام. فدعاها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها: يا فاطمة علیها السلام إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من الله و منك. فلم يزل و كلاؤها فيها حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما ولي أبوبكر أخرج عنها و كلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها... إيتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك. فجاءت بأميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن فشهدا لها فكتب لها بترك التعرّض فخرجت و الكتاب لي معها. فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم؟ قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة قال: أرينيه. فأبت فانتزعه من يدها و نظر فيه ثم تفل فيه و محاه و خرقه، فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل و لاركاب فضعي الحبال في رقابنا... فقال له المهدي: يا أبا الحسن علیه السلام حدّها لي فقال: حدّ منها جبل أحد و حدّ منها عريش مصر، و حدّ منها سيف البحر، و حدّ منها دوحة الجندل... فقال له: كل هذا؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين علیه السلام هذا كله إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بخيل و لاركاب، فقال: كثير، وانظر فيه.

لَقَدْ حَكَمُوا بِلَيْلٍ أوْ نَهارٍ *** بُكاها لأ تَقِرُّ بِلا قرارِ

فَكَيْفَ قَرارُها وَ الحُكْمُ جَارِي *** عَلَيْها وَ هْيَ لَمْ تُطِقِ الهُجُوعا(1)

***

لَقَدْ هَجَمُوا عَلَيْها وَ هُيَ حَسْرَى *** وَ قادُوا (بَعْلَها) بِالحَبْلِ قَهْرا

و أَلْقَوْا (حَمْلَها) بُغضاً و كُفْرا *** فَضَتْ و فُؤادُها أَضْحَى مَرُوعا

***

فَمُذْ قادُوا (عَلِيًّا) بِالنَّجادِ *** عَدَتْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ الحُزْنُ بَادِي

أَلا خَلُوا (ابْنَ عَمِّى) أَوْ أَنادِي *** وَ أَكْشِفُ لِلدُّعا رأساً وَجِيعا

***

دَعَتْ مَا َصالِحٌ وَ هُوَ الرَّسُولُ *** وَ نَاقَتُهُ أَجَلُّ و لاالفَصِيلُ

مِنَ الحَسنَيْنِ أَوْ مِنِّي فَقُولُوا *** إلى الأوْثَانِ قَدْ عُدْتُمْ رُجُوعا

***

فمالَتْ دُونَهُ فَعدا عليها *** بِضَرْبِ مِنْهُ سَوَّدَ مَنْكِبَيْها

وَ أَوْدَعَ حُمْرَةً في مُقلَتَيْها *** وَ قُرْطاها بِهِ انْتَثَرا جَميعا

***

ص: 466


1- الهجوع: النوم.

فَأَخْرَجَها عَلِيٌّ (لِلْبَقِيع) *** بِأوراقِ (الأراكَةِ) وَ الفُروع

تُقِيمُ هُناكَ نَاثِرَةَ الدُّمُوعَ *** عَلَى منْ أوْرَثَ الدُّنْيا صُدُوعا(1)

***

أتى نَحْوَ (البقيع) بِها فَلَمّا *** رَأى قَطعَ (الأراكَةِ) كان ظُلْما

بنى بيتاً إلى (الأحزانِ) يُنْمَى *** لِتَبْكِي وَسْطَه الهادِي الشَّفيعا(2)

ص: 467


1- صدوعاً: شقوقاً.
2- نقلت من شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص122.

(10) مصائب الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

لِمصَائِبِ الزَّهْرا هَجَرْتُ المَضْجعا *** وَ أَذَلْتُ قَلْبِي مِنْ جُفونِي أَدْمُعا(2)

ص: 468


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- أَذَلْتُ: سفحتُ. و حول البيت الذي يليه ورد في بحار الأنوار ج53 ص17و18و19 مؤسسة الوفاء بيروت ط الثانية (1983) و هي رواية عن المفضل بن عمر و هو يسأل الإمام الصادق علیه السلام عن الإمام المنتظر (عج الله تعالی فرجه الشریف): «... ثم تبتدىء فاطمة علیها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر و أخذ فدك منها و مشيها إليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار و خطابها له في أمر فدك و ما ردّ عليها من قول: إن الأنبياء لاتورّث و احتجاجها بقول زكريا و يحيى و قصة داود و سليمان علیهم السلام... و قول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إيّاها منها ونشره لها على رؤوس الأشهاد من قريش و المهاجرين و الأنصار و سائر العرب و تفله فيها و تمزيقه إياها و بكائها و رجوعها إلى قبر أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها، و استغاثتها بالله و بأبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... ...و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و زينب و أم كلثوم و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ أتريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله والله متم نوره، و انتهاره لها. و قوله: كفي يا فاطمة علیها السلام فليس محمد صلي الله علیه و آله و سلم حاضراً و لا الملائكة آتية بالأمر و النهي و الزجر من عند الله و ما عليّ إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً... فقالت و هي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك و رسولك صلي الله علیه و آله و سلم و صفيك و ارتداد أمته علينا و منعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك صلي الله علیه و آله و سلم المرسل. فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقات النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة و الخلافة، و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه. و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول : واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنينها في بطنها... فخرج عمر وخالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب فأسقطت محسناً. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: فإنه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكو إليه...».

أَفَكانَ مِنْ حُكْمِ النَّبِيِّ وَ شَرْعِهِ *** أَنْ تُضْرَبَ الزَّهراءُ ضَرْباً مُوجِعا؟

أَوْصَى الإلَهُ بِوَصْلِ عِشْرَةِ أَحْمَدٍ *** فَكَأَنَّما أَوْصَى بها أَنْ تُقْطَعا

اللهُ مَا فَعَلُوا بِالِ نَبِيْهِمْ *** فِعْلاً لَهُ عَرْسُ الإِلَهِ تَضْعَضْعًا

قَادُوا عَلِيًّا بَعْدَهُ بِنجَادِهِ *** وَ مِنَ البَتُولِ الظهرِ رَضُوا الأَضْلُعا(1)

ص: 469


1- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص571 ح24 ط، الثالثة، مطبعة الأمير. قم المقدسة. و كتاب علم اليقين في أصول الدين ص686. «ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه مغلقاً فصاحوا به: اخرج يا علي فإن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك، فلم يفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فوضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر و قال: والله لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم فاختبأت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط، ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت والله لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت وقد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا و قال الله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، قال: فتركه أكثر القوم لأجلها فأمر عمر قنفذ ابن عمه أن يضربها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها «الشريف» و كان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها و قد كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و سمّاه محسناً و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزن و نحيب و هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة و إنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم و الكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام و من ربيته صغيراً و آخيته كبيراً و أجلّ أحبائك لديك و أحب أصحابك عليك أولهم سبقاً إلى الإسلام و مهاجرة إليك يا خير الأنام فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعیر. ثم إنها أنت أنّة و قالت: وامحمداه صلي الله علیه و آله و سلم واحبيباه واأباه صلي الله علیه و آله و سلم واأبا القاسماه واأحمداه واقلة ناصراه واغوثاه واطول كربتاه واحزناه وامصيبتاه واسوء صباحاه... و خرت مغشية عليها فضجّ الناس بالبكاء و النحيب و صار المسجد مأتماً ثم إنهم أوقفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بين يدي أبي بكر و قالوا له: مد يدك فبايع. فقال: والله لا أبايع والبيعة لي في رقابكم...

أَبْدَوْا عَداوَتَهُمْ لَها وَعَدَوْا عَلَى *** مِیرائِهَا فَابْتُزَّ مِنها أَجْمَعا(1)

وَ إِذا تَعَلَّقَتِ الإِشَاءَةُ لَمْ يَكُنْ *** عَجَباً إذا قَادَ الذَّئابُ(سَمَيْدَعا)

وَضَعَتْ وَراءَ البَابِ حَمْلاً لَمْ يَكُنْ *** قَدْ آنَ لَوْلاً عَصْرُها أَنْ يُوضعا

وَمَضَوْا لِكافِلِها يُهَرُولُ طَیِّعاً *** لَوْلا الوَصِيَّةُ لَمْ يُهَرُول طَیِّعا

خَرَجَتْ تَعَثَرُ خَلْفَهُمْ تَدْعُوهُمُ *** خَلُوا ابْنَ عَمِّى أَوْ لأَكْشِف لِلدُّعا

رجَعُوا إليها بالسياط فَسوَّدُوا *** بِالضَّرْبِ مِنْها مَتْنَها كَيْ تَرْجِعا

كَمْ أَضْمَرَتْ مِنْ عِلَّةٍ و تَجَرَّعَتْ *** يَا لَلْهُدَى مِنْ غُصَّةٍ لَنْ تُجْرَعا

خَطَبَتْ فَما اتَّعَظُوا بِخُطبَتِها وَلَوْ *** خَطبَتْ بِها صُمَّ الصُّخُورِ تَصَدَّعا(2)

عجباً لَهُمْ عَزَلُوا خَليفَةَ أَحْمَدٍ *** (وَضَئِيلُ تَيْمٍ) صارَ فِيهِمْ مَرْجِعا

حَكَمُوا عَلَيْهِ أنْ يُكَلِّمَها بأَنْ *** تَخْتارَ وَقْتاً لِلْبُكا أَوْ تَمْنَعا(3)

ص: 470


1- ابْتُزَّ: سُلِبَ قهراً. و في البيت إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم المجلد الرابع ص32 ط الأولى (1987) مؤسسة عز الدين، بيروت. «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة، فأبى أبوبكر عليها ذلك...».
2- تصدّع: انشق و قد جاء في كتاب «الاحتجاج» للطبرسي ج1 ص144 من خطبة الزهراء علیها السلام ط، النعمان في النجف الأشرف. رواية ربما تؤكد معنى البيت. «.. فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس وقالت معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المفضية على الفعل القبيح الخاسر «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا *كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ» ما أسأتم من أعمالكم فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأولتم و ساء ما به أشرتم و شرّ ما منه اغتصبتم...».
3- في «بحار الأنوار» ج43 ص177 ط الثانية مؤسسة الوفاء -بيروت. «... قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها، و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام:فقالوا يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكى الليل و النهار فلا أحد منّا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال علیه السلام: حباً و كرامة فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال لها: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك: إما أن تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك...».

اللَّه أمّةً أَحْمَدٍ قَدْ ضَيَّعَتْ *** مَا خَلَّف الهادِي النَّبِيُّ وَ أَوْدَعا

قَالَ احْفَظُونِي فِي الكِتَابِ وَ عِتْرَتي *** فَهُما يَضِيعُ الحقُّ مَهْما ضُيِّعا

أمَّا الكِتَابُ فَمَزَّقَتْهُ (أُمَيَّةٌ) *** وَ الْعِتْرَةُ الهادُونَ أَضْحَوْا صُرَّعا

وَ عَدَوْا عَلى الكَرَّارِ في مِحْرابِهِ *** وَ عَلَى الزَّكِي سَقَوْهُ سُمَّا مُنْقَعا

و عَلى الحُسَيْنِ فَغَادَرُوهُ بِكَرْبَلا *** شِلْوا بِمُرْهَفَةِ السُّيوفِ مُقَطَّعا

لكِنَّما أَدْهَى مَصائِبٍ كَرْبَلا *** أَنْسَتْ مَصَائِبُها المَصَائِبَ أَجْمَعا

عَرِّجُ عَلَى البَطْحَاءِ وَانْدُبْ هاشِماً *** قُومُوا فَلِلْمَظْلُومِ كُنْتُمْ مَفْزَعا(1)

ص: 471


1- نقلت من شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص92.

(11) قرآن البتول

(بحر الوافر)

الأستاذ صلاح الدين صاوي(*)(1)

لَيَالٍ حَظهُنَّ عَلَى یَراعِي *** دُمُوعُ الْفِكْرِ في مِحْرابِ رَاعِ(2)

قَطِيعٌ لأهِتُ الأَنْفاسِ حَوْلي *** يُحَدِّقُ فِي النُّجُومِ بلاانْقِطَاعِ

أمَا شَمْسُ تُظهرُها قُلُوباً *** تُهَدِّدُها المَطامِعُ بالتّداعِي؟

أما مِنْ رَجْعَةٍ تَعْلُو فَتَعْلُو *** بها الأَنْوارُ بِالحَقِّ المُضَاع؟

فيا نُورَ الإمامَةِ مِنْ دِمائي *** لَكُمْ زيتٌ وَحُبُّكُمُ شُعاعي

***

وَ هَاتِيكَ اللَّيَالِي في خُطاها *** تُؤَذِّنُ بالزَّوالِ وَ بالضَّياعِ

فَأَيْنَ الشَّامِحُونَ عَلَى سَحَابٍ *** وَ أَيْنَ الآمِنُونَ إلى القلاعِ

وَ هَلْ في الأرْضِ غَيْرُ الآلِ نُورٌ؟ *** وَ عِنْدَ الله إخلاصُ اتْباعِ

غَرِيقٌ حَسْبُهُ مِنْ آلِ طه *** شَفَاعَتُهُمْ لِيَرْسُو بالسِّراعِ

فَيَا زَهْراءُ إِنْ لَمْ تُدْرِكِيهِ *** فَكُلُّ القَوْلِ مِنْ سَقْطِ المَتاعِ(3)

***

أتى التَّنزيلُ للتَّنزيل هاتِي *** لِقُرْآنِ الْبَتُولِ عَلَى السَّماعِ

نَبِيُّ اللهِ بِالْبَابِ الذَنِيهِ *** يُجَبِّرُ كَسْرَ ضِلْعِ وَ انْصِداعِ

ص: 472


1- (*) من شعراء مصر.
2- يراعي: قلمي.
3- سَقط المتاع: رديئه.

أَتى الجَمَلُ الأمينُ لِرَاكِبِيهِ *** عَلى كَتِفَيْهِ فِي خُلْدِ الْمَتاعِ

سَلاماً إذ يُقَبْلُها شفاهاً *** و بَرْداً يا حُسَينُ عَلى الصِّراعِ

إِشاراتٌ و آياتٌ وَ حَقٍّ *** وَ هَلْ لِلْحَقِّ إلا كُلُّ واعِ؟

أَأَبْكِي؟ لَسْتُ أبْكِي غيرَ فَجْرٍ *** وَ مِصْباحُ اليَتِيمَةِ في اصْطِراعِ

أَنْعَى؟ لَسْتُ أنْعى غيرَ قَلْبِ *** عَلى أرْضِ الغَرِي بِغَيْرِ ناعِ

أإسلامٌ يُباعُ وَ لَيْسَ شارٍ *** فَكانَ دِمَاؤُكُمُ ثَمَنَ ارْتِجَاعِ

أبا الحَسَنَيْنِ غُفْراناً وَ عَفْواً *** إِذا خَرسَ اللِّسانُ عَنِ ابْتِداعَ

وَ طَوَّحتِ العَصا وَ الناي جَنْباً *** لِكَلْبِ نابِحٍ مِنْ غَيْرِ داعِ

كُؤوس تَسْتَبِدُّ بِنا وَلَكِنْ *** سَتَعْقبها الإفاقَةُ من صُداعِ

***

أفاطِمَةُ اطْمَئِنّي طابَ مَئواكِ *** أمْرُكِ في الوَصِيَّةِ بالمُطاعِ

فَدُونَكِ ذُوالفقارِ وَ قَدْ تَجَلَّى *** يُلَوِّحُ بِالمَنِيَّةِ لِلأفَاعِي

وَ قَد لَبِسَ الصَّفار لها شِعاراً *** فَبَعْثَرَها وتاهت في البِقاعِ(1)

ص: 473


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى وصية الزهراء علیها السلام أن تدفن ليلاً و محاولة نبش قبرها و منع الإمام علي علیه السلام لذلك: في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك. و في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898 قال: قيل توفيت الزهراء علیها السلام يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان، و غسلها زوجها علي رضي الله عنه و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلاً. و في كتاب ذخائر العقبى ص54 قال: دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي «رضي الله عنه» أن يدفنها ليلاً. و في كتاب البحار ج43 ص212 نقلاً عن کتاب عیون المعجزات للسید المرتضي «تولي غلسها و تكفينها أميرالمؤمنين علیه السلام و أخرجها معه الحسن و الحسین علیهما السلام فى الليل و صلوا عليها و لم يعلم بها أحد، و دفنها علیها السلام في البقيع و جدَّد أربعين قبراً فاستشكل على الناس قبرها، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا: إنَّ نبينا صلي الله علیه و آله و سلم خلف بنتاً و لم نحضر وفاتها و الصلاة عليها و دفنها و لانعرف قبرها فنزورها. فقال من تولى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة علیها السلام فنصلي عليها و نزور قبرها، فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمَّرت عيناه و قد نقلد سيفه ذا الفقار حتى بلغ البقيع و قد اجتمعوا فيه، فقال علیه السلام: لو نبشتم قبراً هذه القبور لوضعت السيف فيكم فتولى القوم عن البقيع».

لَئِنْ سَلَبُوكِ زائلةً فها هُمْ *** وراءَ القبر في فُلْكِ الضِّياعِ(1)

و مَنْ حُرمُوا من الجَنَّاتِ باباً *** تَلَقَّتْهُمْ جَهَنَّمُ باتِّساعِ

أدِرُ ذِكْرَى الأحِبَّةِ يا نَدِيمِي *** وَ ثَنِّ الكَأسَ للظَّمأى الجِياعِ

وَجَدِّدْ بَهْجَةَ الأَعْوامِ فِيهِمْ *** فَهُمْ نُورُ الزَّمانِ بِلا انْقِطَاعِ(2)

ص: 474


1- في هذا البيت إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام: و قد مرت الإشارة إليه في قصيدة سلمان البحراني العينية نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص 131و144. و ذكر كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300. و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام وتر في غمد لسليمان كتاني، ص147 كتب عن «فدك» يقول: ما أضيق فدكاً إرثاً لفاطمة علیها السلام... لن تكون قرية في الحجاز، مهما تطب أرضها أو تسق نخيلاتها أو يترطب جو واحتها، حدود إرث لتلك التي وعدها أبوها بكل ميراثه. و ميراث محمد صلي الله علیه و آله و سلم؟ في أية خريطة من الخرائط تنزلت له الحدود؟ ذلك الذي ربط الجزيرة بالآفاق... و اذاب الآفاق في الأجراء، لا الأرض وسعت و لاالخيال يطال، ذلك الذي فتح الغاد على الأغواد... لن تكون الأرض وحدها صدور رؤاه... و لن يكون النفاء أبعد من مداه... و لقد رمز الإمام موسى بن جعفر علیه السلام إلى هذا المعنى في الشمول إذ حدد «فدكاً» بهذا الرمز «الحد الأول لفدك: عدن و الحد الثاني: سمرقند و الحد الثالث، افريقيا و الحد الرابع: سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينيا... على هذا المفرق الحزين و بعد موت النبي وقفت فاطمة علیها السلام تنشد إرثها فلا تجد حدوداً له أوسع من قرية في الحجاز فيها واحة و فيها نخيل، و فيها عنصر من الناس ما كادوا يذوبون حتى عادوا فانفجروا اسافين تقوّض عز امبراطورية كانت تفتش عن حدودها فوق الأرض و تحت الأرض و فوق السماء و تحت السماء...
2- نقلاً عن مجلة (نامة استاث قدس) عدد (9) -(1381 هجرية).

(12) لست أنساها

(بحر الرمل)

الأستاذ عادل الكاظمي(*)(1)

أيُّ قَلْبِ بَعْدَكُمْ لا يَجْزَعُ *** وَ لَكُمْ فِي كُلِّ أَرْضِ مَصْرَعُ(2)

***

نَبْتَدِي مِنْ يَوْم أَنْ غابَ الأمينْ *** تاركاً ثِقَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِينْ

أربعاً خامِسُها الذِّكْرُ المُبِينْ *** وَ بِها شَرْعُ الهُدَى يُسْتَجمَعُ

***

ص: 475


1- (*) هو الدكتور عادل بن جليل بن كرم بن راهي البديري الكاظمي. ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في العراق سنة (1379 ه_) الموافق لعام (1960م). نشأ في أحضان الفضيلة في مجتمع زاهر بالعلم و الأدب، و من أسرة عجنت طينتها بعذب الولاء، فنشأ مكباً على شعر الطَفَ إلى جانب دراسته الأكاديمية التي أنهاها في جامعة بغداد -كلية العلوم قسم الفيزياء- و كان ملازماً لكبار العلماء. هاجر إلى سوريا و درَّس في إعداديّة دريكيش. و كان يحضر دروس بعض الأعلام كالمرحوم السيد جمال الخوئي. و في مطلع عام (1984 م) سافر إلى السويد، و كان إماماً للجمعة و الجماعة في استوكهولم حتى عام (1988م) مواصلاً نظم الشعر و إلقاء المحاضرات و الإجابة على الأسئلة و الشبهات الدائرة اليوم. له أبحاث علمية قيمة منها: رسالة في (أدلة وزن الظلمة). و ديوان شعر بعنوان: (بيت القصيد). و قصيدة ألفية بعنوان (ألف بيت في وليد البيت). نسأل الله «تعالى» أن يجعل مستقبله زاهراً في خدمة الإسلام و أهل البيت علیهم السلام.
2- لايجزع: لايظهر الحزن أو الكدر.

هُمْ دُعاةُ الحَقِّ مِنْ بَيْنِ العِبادْ *** وَهُداةٌ إِنْ دَجَى لَيْلُ الفَسادْ

و إذا ما طَبَّقَ الظُّلْمُ البِلادْ *** فِيهِمُ لابِسِواهُمْ يُدْفَعُ

***

إِنَّمَا المُخْتارُ قَدْ أَوْصَى بها *** قَوْمَهُ بَدْءاً وَعَوْداً وَ انْتِها

بِنُفُوسٍ أَذِنَ اللَّهُ لَها *** أَنْ يَكُونَ الحَقُّ فِيها تَصْنَعُ

***

مِنْهُمُ فاطِمةُ الظهرُ البَتُولْ *** طالَما أَوْصَى بها الهادِي الرَّسُولْ

فِعْلُها فِعْلي وَ قَوْلي ما تَقُولْ *** بَضْعَةٌ منِّي و سِرِّي المُودَعُ

***

لَسْتُ أنساها و قَدْ جاءَتْ إِلى *** مَعْشَر قَدْ قَطَّعُوا حَبْلَ الوِلا

تَبْتَغِي إرْثاً لها مِمَّنْ عَلا *** حاكماً و الجهلُ فِيهِ يَرْتَعُ(1)

***

طَلَبُوا منها عُدولاً يشهدون *** حَقَّها و الحقُ فيها أَوْكَدُ

سَلَبُوها فَدَكاً وَاجْتَهَدُوا *** مِنْ أذاها كلَّ فِعْلِ يُفْجَعُ(2)

***

ص: 476


1- يرتع: يقيم و يتنعم و يأكل و يشرب ما شاء في خصب وسعة و رغد.
2- في المناقب لابن شهر آشوب، ج1 ص142: نزل النبي صلي الله علیه و آله و سلم علي فدك يحاربهم ثم قال لهم: «وما يأمنكم أن تكونوا آمنين في هذا الحصن و امضي إلى حصونكم فافتحها؟ فقالوا: إنها مقفلة و عليها ما يمنع عنها و مفاتيحها عندنا، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «إن مفاتيحها دفعت إليَّ، ثم أخرجها و أراها القوم». فاتهموا ديّانهم أنه حبا إلى دين محمد صلي الله علیه و آله و سلم و دفع المفاتيح إليه فحلف أن المفاتيح عنده و أنها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه فلما فتش عنها فقدت، فقال الديّان: لقد أحرزتها و قرأت عليها من التوراة و خشيت من سحره و اعلم الآن أنه ليس ساحراً و أن أمره عظيم. فرجعوا إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قالوا: من أعطاكها؟ قال: «أعطاني الذي أعطى موسى الألواح جبرائیل»، فتشَّهد الديان ثم فتحوا الباب و خرجوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أسلم من أسلم منهم، فأقرّهم في بيوتهم و أخذ منهم اخماسهم فنزل «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» قال: و ما هو: قال: اعط فاطمة علیها السلام فدكاً و هي من ميراثها من أمها خديجة علیها السلام و من أختها هند بنت هالة. فحمل النبي صلي الله علیه و آله و سلم ما أخذ منه وأخبرها بالآية فقالت: لست أحدث فيها حدثاً و أنت حي أنت أولى بي من نفسي و مالي لك... فقال: «أكره أن يجعلوها عليك سبة فيمنعوك إياها من بعدي». فقالت: أنفذ فيها أمرك... فجمع الناس إلى منزلها وأخبرهم أن هذا المال الفاطمة علیها السلام ففرقه فيهم... و كان كل سنة كذلك و يأخذ منه قوتها فلما دنت وفاته دفعها إلیها...

رَجَعَتْ وَ الحُزْنُ ناراً تسعَرُ *** في الحَشَا وَ الجَفْنُ باكٍ أَحْمَرُ(1)

مَنْ لها في النَّاسِ لَوْلاً حَيْدَرٌ *** ناصِرٌ وَالظُّلْمُ داجِ أَسْقَعُ؟

***

ندبتْ تَبْكِي أباها بِانْكسارْ *** يا أبي بَعْدَكَ كاللَّيْلِ النَّهارْ

يا أَبي بَعْدَكَ ما صَانُوا الذُّمارْ *** وَ لَنَا الأَصْحَابُ عَهْداً مَا رَعُوا

***

ما رَعى الصَّحْبُ إليها حُرْمَةً *** حِينَما جاؤُوا لِيَبْغُوا بَيْعَةً

أحْرَقُوا الدَّارَ و ضَامُوا بَضْعَةً *** و لقلبِ المُصْطَفَى قَدْ رَوَّعُوا(2)

***

وَ هُيَ خَلْفَ البابِ مُدْجَاءَ اللَّعِينْ *** صَرَختْ تَدْعُو أميرَالمؤمنينْ

مانجا مِنْ ظُلْمِهِ حَتَّى الجَنِينْ *** مُنْغَدَتْ تُكْسَرُ مِنْها الأَضْلُعُ

***

لَيْتَ شِعري أيَّ ذَنْبِ قَدْ جَنَتْ *** دُونَ هذا الخَلْقِ سِرًّا دُفنتْ؟

أتُراها غُسْلَتْ أَوْ كُفْنَتْ *** أمْ تَوارَى أمْرُها وَ المَضْجَعُ؟

ص: 477


1- تسعر: توقد و تشتعل.
2- الذمار: الحرمة و الحق.

(13) سیبقي جاریاً دمعي

(بحر الهَرْج)

الشيخ عبدالستار الكاظمي(*)(1)

أَيا مَكُسُورة الضّلعِ *** سَيَبْقَى جاریاً دَمْعي

***

أَلأ يا أُمْيَ الزَّهْراءُ *** یَهْمِي طِيلَةَ العُمْرِ

أنا في حالِكَ أَدْرَىْ *** لأنَّي صاحِبُ الأَمْرِ(2)

يصَدْرِي أَحْمِلُ الصَّبْرا *** وَلكِنْ فَتَنِي صَبْرِي(3)

وَ عَيْنِي لم تَزَلْ عَبْرَىٰ *** لِذاكَ الضّلْعِ و الكَسْرِ

***

لِما لأقَيْتِ من صَدْعٍ *** سَيَبْقَى جارِياً دَمْعِي

***

مَعَ الأحْزانِ وَ الْهَمِّ *** سَكَنت دارَ أَحْزانِ

و مِنْ ضِلْعِكِ يا أُمّي *** وَ رِثْتُ نارَ أَشْجانِي

و مما ذُقْتِ مِنْ هَضْمٍ *** و جُرِّعْتِ مِنَ الثّاني

ص: 478


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- حالكٍ: شديد السواد.
3- فتني: شقّني و كسرني كِسراً صغيرة.

أثارَ الدَّهْرَ في الظُّلْمِ *** وَ أَبْدَى كُلَّ طُغْیانِ

***

فَمِنْ آلامِكِ طَبْعِي *** سَیَبْقی جاریاً دَمْعِي

***

أيا أُمّاهُ مَنْ يَقْوى *** و يَقْضِي طُولَ أَعْمارِ

و عَنْ فِكْرِي فَلا تُطْوَى *** وَ تُنْسی قِصَّةُ الدَّارِ

فَهُذِي مُهْجَتي تُكْوَى *** بِجَمْرِ البابِ وَ النَّارِ(1)

سَأَبْقى دُونَما سَلْوَى *** إلي ما قَدَّر البارِي

***

فَمِنْ أَغْطَانِكِ فَرْعِي *** سَيَبْقى جارياً دَمْعِي

***

أرى أحْبَابَنا تَنْعَى *** وَ تَدْعُو أيُّها المَهْدِي

أَتَنْسَى البابَ و الضِّلعا *** و تُجْرِي الدَّمْعَ في الخَدَّ؟

و لاستشهاضِهِمْ أَرْعَى *** قَضاءَ الواحِدِ الفَرْدِ

سانهَضُ أَسْحَقُ الجَمْعا *** إذا إذا ما حانَ لي وَعْدِي

***

لأخْذِ الثّأُرِ في الجَمْعِ *** سَیَبْقَى جارياً دَمْعِي

***

فَهَلْ للقلبِ أَنْ يَنْسَى *** نیناً طاحَ مَظْلُوما؟

لَهُ لمَ يَسْمَعُوا حِسًّا *** بَرِيئاً راحَ مَهْمُوما

ص: 479


1- مهجتي: روحي، دم قلبي.

لِقَلْبِ الرِّجْسِ ما أَقْسى *** وَ قَدْ أرْواهُ محتوما

تُلاقِي شِيعَتِي الشَّمْسا *** و يَبْدُو الأَمْرُ مَعْلُوما

***

مَعَ القرآنِ و الشَّرْعِ *** سَیَبْقي جاریاً دَمْعي

***

سَتَتَلُو آیةَ السَّیْفِ *** فُصُولُ الثّأُرِ في الصُّبْحِ

وَ لِلأَجدادِ وَ الَهْفِي *** وَ دَمْعِي جَدَّ في السَّحِّ(1)

عَلَى المَذْبُوحِ في الطَّفِّ *** سَتَعْلُو رَايَةُ الفَتْحِ

وَ فِي ثاراتِهِ أَشْفِي *** غَلِيلِي دُونَما صَفْحِ

***

و مِنْ أَحْزانِكُمْ وَضْعِي *** سَيَبْقى جارياً دَمْعِي

***

ص: 480


1- السحْ: الصبّ صباً متتابعاً غزيراً.

(14) للحشر تبقى

(بحر الوافر)

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي(*)(1)

شُجُونٌ تَسْتَهِلُّ لَهَا الدُّمُوعُ *** وَ تُحْرَقُ مِنْ لَواعِجِها الضُّلُوعُ(2)

وَقَفْتُ عَلَى البَقِيعِ فَسَالَ طَرْفي *** وَ قَلبي فَالدُّمُوعُ هِيَ النَّجِيعُ(3)

كَأَنَّ مُصِيبةَ الزَّهْرَاءِ بَيْتٌ *** بِقَلْبي لِلأَسَى وَ هُوَ الْبَقيعُ

أَمِثْلُ البَضْعَةِ الزَّهْراءِ تُجْفَى *** يُعْفَى قَبْرُها وَ هُوَ الرَّفيعُ(4)

وَ يُعْصَبُ حَقُها جَهْراً و تُؤذى *** بِحَيْثُ وَصِيَّةُ الْهَادِي تَضِيعُ(5)

ص: 481


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- لواعجها: مفردها اللاعج و هو الهوى المحرق.
3- النجيع: الدم المائل إلى السواد.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إخفاء قبر الزهراء علیها السلام ففي كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك. و قال: في تاريخ أبي بكر بن كامل عن سفيان بن عيينة أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيبَّوا قبرها. و قال: عن الأصبغ بن نباتة أنه سُئل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من تولاهم أن يصلي على أحد من ولدها. و روي أنه سوّى قبرها مع الأرض مستوياً و قالوا سوى حواليها قبوراً مزوَّرة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها. و روي أنه رش أربعين قبراً حتى لايبين قبرها من غيره فيصلوا عليها. و ذكره فى البحار ج43 ص183.
5- في هذا البيت إشارة إلى غصب فدك من الزهراء علیها السلام و إيذائها في حين أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم قال فيها: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني». أنظر مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487، و كتاب الاحتجاج، ج11 ص131 و144. و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 أما وصية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في عدم إيذائها: ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». ذكره أبونعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء ج2 ص40 و ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378 و ذكر أيضاً في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441.

تُصَدُّ عَنِ البُكاءِ عَلَى أَبِيهَا *** فَتُحْبَسُ في محَاجِرِها الدُّموعُ(1)

وَ تَقْتَطِعُ الأَراكَةَ حِينَ تَأْوِي *** لِظِلٍّ غُصُونِها كَفَّ قَطِيعُ

وَ يُحْرَقُ بَيْتُها بِالنَّارِ بِالنَّارِحِقْداً *** وَ يُهْتَكُ سِتْرُها وَ هُوَ المَنيعُ

وَ يُكْسَرُ ضِلْعُها بِالْبَابِ عَصْراً *** فَيُسْقَط حَمْلُها وَ هُوَ الشَّفيعُ

وَ يُدْمِي صَدْرَها المِسْمارُ كَسْراً *** فَيَنْبُعُ بَيْنَ ثَدْيَيْها النَّجِيعُ

وَ يُنَتَرُ فَرْطُها لَطْماً و يُلْوَى *** عَلَيْها السَّوْط و السَّيفُ الصَّنيعُ(2)

ص: 482


1- محاجرها: أي محاجر العين و هو من العين بما دار بها. و في البيت إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام عن البكاء على أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. ففي كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص322 قال: و رأس البكائين ثمانية آدم و نوح، و يعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين علیهم السلام. قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة. فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك، إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي». و ذكره الشيخ الصدوق في أماليه ص121 ح رقم 5.
2- في هذا البيت و ما قبله وما بعده من الأبيات إشارة إلى حرق دار الزهراء علیها السلام و هتك سترها بالدخول عليها دون إذن و كسر ضلعها و إسقاط جنينها و دخول المسمار في صدرها و ضربها على خدها بكفه و جسمها بسوطه. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «و كان قنفذ لعنه اللَّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط . حين حالت بينه و بين زوجها و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت «صلى الله عليها» من ذلك شهيدة». و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109 و في كتاب مؤتمر ص109 و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 «قال العلوي: إن أبابكر بعدما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة بن الجراح و جماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة صلي الله علیه و آله و سلم وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد على عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسیة حتي أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله ْصلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟ فالتفتَ عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها». و في كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ح2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية على لسان الزهراء علیها السلام «فضربني بيده حتى انتثر قرطى من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ و قد تبرأ الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم منهم و تبرأتُ منهم». و في البحار، ج30 ص294 ضمن رواية طويلة جاء فيها على لسان عمر بن الخطاب «فدفعت الباب و دخلتُ فأقبلت إليَّ بوجه أغشى بصري فصفقتُ صفقة على خدها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها و تناثرتْ إلى الأرض و خرج علي فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار و قلت لخالد و قنفذ و من معهما: نجوت من أمر عظيم». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 قال: قلت لسلمان : «أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار، فنادت: یا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك، تنادي بأعلى صوتها». و في كتاب سليم أيضاً ص208 قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً، به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم.

وَ حُمْرةُ عَيْنِها لِلْحَشْرِ تَبْقى *** بِهَا مِن کَفِّ لاطِمِها تَشِيعُ

تَنُوحُ فَتُسْمَعُ الشَّكوى وَ تَدْعُو *** وَ مَا في المُسْلِمِينَ لَها سَمِيعُ(1)

ص: 483


1- في هذا البيت إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام و بكائها حين هجوم القوم و عدم إجابة أحد لشكواها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208 قال: «فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى: يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك لاتدعنا و ما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب و إلا أحرقناه عليكم فقالت: يا عمر، أما تتقي الله «عزوجل» تدخل عليَّ بيتي و تهجم على داري فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم.» و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة بین الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة. و في البحار ج43 ص156 قال: عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي و ما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي كأني بفاطمة علیها السلام ابنتي و قد ظلمت بعدي و هي تنادي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فلايعينها أحد من أمتي فسمعت ذلك فاطمة علیها السلام فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لاتبكين يا بنية فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فقال لها: أبشري يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بسرعة اللحاق فإنك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي علیهم السلام.

مَصائِبُ بِالقطاعةِ قَدْ تَناهَتْ *** وَ كُلُّ مُصِيبةٍ خَطْبٌ فَظِيعُ

قَضَتْ أَلَماً مِنَ الزُّهْرَاءِ فِيها *** حُشاشَةُ قَلْبِها وَ هُوَ المَرُوعُ(1)

ص: 484


1- نقلت من ديوان الفرطوسي ج2. نظمت عام (1386ه_).

(15) قبل تربة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ عبود أحمد النجفي(*)(1)

ألا يا قاصِدَ الزهراءِ شَوْقاً *** تُعطرُكَ المَدِينَةُ وَ البَقِيعُ

فَقَبَّلْ تُرْبَةَ الزَّهْراءِ وَابْكِ *** مآسِيَ قَدْ تَناسَتْها الجُمُوعُ

و قُلْ بِنْتَ النَّبِيِّ إِلَيْكِ نَشْكُو *** عَذاباً ما لَهُ يَوْماً نُزُوعُ

فأيامُ السَّقِيفةِ فِي انقادٍ *** وَ نارُ الدّارِ وَ الكَفَّ الشَّنِيعُ(2)

ص: 485


1- (*) الشاعر الأستاذ عبود الأحمد النجفي: ولد في النجف الأشرف سنة (1367 ه_)، أكمل الدراسة الثانوية و اتجه بعدها للعمل الحر، مارس كتابة الشعر الشعبي، ثم الشعر العمودي و الحر قبل الثمانينيات، عمل في مؤسسات تحقيقية، و شارك في عدة ندوان أدبية و أمسيات شعرية أصدر مجموعة شعرية بعنوان (اهتزاز الذاكرة) عام (1417 ه_).
2- جاء في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص574ط/ الثالثة مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالي فرجه الشریف رواية توضح المعنى. نقلاً عن «إرشاد القلوب»: «فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم بالله و بأبي صلي الله علیه و آله و سلم أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم...». و في كتاب جمال الأسبوع، ص483، بإسناده عن أبي ص483، بإسناده عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري قال: الصلاة على السيدة فاطمة علیها السلام: اللهم صل على الصديقة فاطمة الزهراء علیها السلام الزكية حبيبة نبيك صلي الله علیه و آله و سلم و أم أحبائك و أصفيائك التي انتجبتها و فضلتها و اخترتها على نساء العالمين. اللهم كن الطالب لها ممن ظلمها و استخف بحقها... اللهم وكن الثائر لها بدم أولادها... اللهم و كما جعلتها أم أئمة الهدى و حليلة صاحب اللواء الكريمة عند الملأ الأعلى فصل عليها و على أمها خديجة الكبرى علیها السلام صلاة تكرّم بها وجه محمد صلى الله عليه و آله و سلم و تقر بها أعين ذريتها و أبلغهم عني في هذه الساعة أفضل التحية و السلام.

و رُزْهُ الطَّفِّ في التاريخ حَيٌّ *** وَ لَمْ يُدْفَنُ به الجَسَدُ الصَّرِيعُ

وَ قَدْ عادَتْ لنا كُل الرَّزايا *** وَعادَ الفِعْلُ أَقْبحَ وَ الصَّنِيعُ

و إِنْ رُدَّتْ سَبايا الشَّامِ يَوْماً *** سَبايانا تَمُوتُ و لارُجوعُ

***

سَلامٌ أَيُّها الطُّهْرُ المُفَدَّى *** سَلامُ أَيُّها المَجْدُ الرَّفِيعُ

تَوَدَّعَ فِيكِ سِرُّ اللهِ حَقًّا *** وَ فِى ميلادِكِ السِّرُّ الوَديعُ

فيا أُمَّ الحُسَيْن فَدَتْكِ دُنْيا *** وما ضَمَّتْ عَوالِمُنا الجَمِيعُ

أيا قُدْساً أفاضتْهُ سَماءٌ *** تُكَلِّلُهُ المَهابةُ و الخُشوعُ(1)

وَ يَا غُصْناً تَفَرَّعَ مِنْ سُمُوٍّ *** لِطِه أَثْمَرَتْ مِنْهُ الفُرُوعُ

ويا نَبْعاً مِنَ الإيمانِ مَحْضاً *** يُدَقِّقُ وَ اليَقِينُ لَه تَبُوعُ

و جَوْهرةً تَشِعُّ بها اللَّيالي *** وَ نُورُ اللَّهُ مُزْدَهِرٌ نُصُوعُ

تَجلَّتْ قُدْرَةُ الباري بخلق *** وَجَلَّ اللَّه بارِتُكِ البَديعُ

فيا حِضناً أحاطَ بنا أمَاناً *** إذا ما يُفْقَدُ الحِصْنُ المنيعُ

سأَسْأَلُكِ الشَّفاعَةَ رَغْمَ ذَنْبِي *** يُؤرقني بهِ الفَزَعُ المُرِيعُ

إذا ما ضَمَّني تُرْبٌ وَ قَبْرٌ *** وَ أَوْحَدَنِي به العَمَلُ المُضِيعُ

وأُغْلِقَ دُونَ أَحْبابِي رِتاجٌ *** وضاقَ بِقَبْرِيَ الكَوْنُ الوَسِيعُ(2)

وَ إِنّي إِذْ دَعَوْتُكِ يَوْمَ خَوْفِي *** فَأَنْتِ ليّ المُطَمْئِنُ وَ الشَّفِيعُ

فإن شُفْعتِ في عَبْدِ ذَلِيلٍ *** تَوَلأَنِي بِرَحْمَتِهِ السَّمِيعُ(3)

ص: 486


1- تكلله: تحيط به من كل جانب تلبسه الاكليل.
2- الرتاج: قفل باب.
3- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص316.

(16) أوصى النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أَفَضَّكَ فِي لَيْلِ الضَّنَى حَرٌّ مَضْجَعِ *** وَ شَفَّكَ دَمْعٌ لَيْسَ يَرْقَى بِمَدْمَعِي(2)

وَ لَيْلٌ تَغَشَانِي كَانَ نُجُومَهُ *** شَدَدنَ حِبَالَ الرُّزْءِ قَيْداً بأضْلُعِي

طَوالَ لَيالِي الحُزْنِ مِنْ بَعْدِ فَاطِمِ *** وَ نَارٌ تَشَظَّى جَمْرُها مِنْ تَوَجُّعِ

فَيا قَلْبُ لا أَبْلَلْتَ مِنْ هَاجِسِ الأَسَى *** وَ بَا جَفْنُ لاأَطْبَقَتَ غِبَّ تَفَجُّعِ

وَ يَا طَارِقاتٌ مِنْ هُمومٍ تَأَوَّبَتْ *** وِسادِي وَ انْسَلَّتْ ثِقالاً لِمَخْدَعِي

نفاراً إلى الطَّرحِ الَّذِي لاأُسِيغُهُ *** خِفافاً إلى السَّيْفِ الَّذِي حَزَّ أَخْدُعي

وَ لَسْتُ أَرَى الدُّنْيا خِلالَ طَمَاعَةٍ *** ولكِنْ طماحُ النَّفْسِ دُونَ التَّطَلُّعِ

بَلَوْتُ بِها صَبْرَ الْحَلِيمِ فَأَحْجَمَتْ *** خُطَايَ عَلَى نَوارِها المُتَبَرِّعِ

وَ ذُقْتُ مَذاقَ المُرِّ مِنْ صَبَراتِها *** وَ عُلِّلْتُ مِنْ سُمِّ القُلَيْبِ المُنَقَّعِ(3)

فَلا أَنا مَوْكُولٌ إلى الغَيْرِ مِقْوَدِي *** و لا أنا مَنْ أَرْضى الخِطامَ بِمَجْدَعي(4)

وَ لَسْتُ أَبالي إنْ جَفَتْنِي قُلوقُها *** بُكَيئات من دُرِّ الرِّعَابِ المُشَعْشَعِ

ص: 487


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أقضّك: قضّ الرجل إذا لم يَتم ولم يطمئنْ به النوم، و كذا أقض المضجع إذا خشن. الضنى: المرض و الهزال. شفّك: أوْهنَك.
3- المنقّع: المجتمع.
4- الخِطام: حبل يُجعل في عنق البعير و يُثنى في خطمه أو كلّ ما وُضِع في أنف البعير ليقاد به مجدع جدع الأنف أي قطعه و المجدَع هو الأنف.

فَلِي أُسْوَةٌ بالطَّيِّبِينَ تَقارَعُوا *** كُؤوسَ فُضَيْلاتٍ دِهَاقَ التَّضَوُّعِ

وَلي أَسْوَةٌ بالمُصْفِراتِ أَكُفُهُمْ *** مِنَ المَالِ حَسْرَى مِنْ حُطام التَّبَضُّعِ(1)

تَزُمُ بِأَكْمَامِ العَفافِ وَ تَدْرِي الخَصاصَةَ *** بالأخْلاقِ مِثْلِي و تَرْتَعِي

وَ تُعْطِي النَّدَى لأمِنْ خِلالِ تَفَضُّلِ *** وَ تَصْعِيرِ خَدِّ بالتَّكبُّرِ مُتْرَعِ(2)

وَلكنْ تَرى أَنَّ الزَّكَاةَ فَرِيضَةٌ *** وَ أَنَّ احْتِجامَ المَالِ أصْلُ التَّصَدُّعِ

وَ أَنَّ وَ شِيجَ الآدَمِيَّةِ جَمَّعَتْ *** بِأَعْياصِها جَذْرَ الإخاءِ المُقَطَّعِ(3)

وَ أَنّ بَني الدُّنيا سَواءٌ أَرُومُهُمْ *** وَ إِنْ ضَرَبُوا في كُلِّ عِرْقٍ مُوَزَّعِ(4)

أولئكَ آلُ المُصْطَفَى أَهْلُ بَيْتِهِ *** تَرَبَّوْا عَلى هذا الخَلاقِ المُرَفَعِ

وَ قَدْ آثَرُوا أَنْ لاتَبِيتَ عَلَى الطَّوَى *** حُشاشَةُ مَحْرُومِ وَ عَانٍ وَ مُوجَعِ

وَ أَعْطَوْا وَ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ مِنْ خَصَاصَةٍ *** مَساغِبُ لَمْ تُرْفَعُ جَداهُمْ وَ تَمْنَعِ

و شارکَتِ الزَّهْراءُ آلامَ أُمَّةٍ *** أبُوها تَوَلاهَا عَلَى كُلِّ مَهْيَعِ(5)

فَلِمَ أَثَرُوا أَنْ يَحْجَبُوا حُرَّ إِرْثِها *** وَ أَنْ يُولِجُوا أبْناءَها كُلَّ بَلْقَعِ(6)

أتِلْكَ الَّتي أوْصى الرَّسُولُ بِثِقلها *** تُصارُ إلى هذا الصَّعِيدِ المُصَدَّعِ؟(7)

ص: 488


1- التبضع: اتخاذ البضاعة.
2- مترع: ممتلىء.
3- بأعياصها: أصولها.
4- أرومهم: أصلهم و حسبهم.
5- المهيع: الطريقَ الواسع البين.
6- يولجوا: يُدخلوا بلقع قفر.
7- في البيت إشارة إلى قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي علیهم السلام» ففي كتاب سنن الترمذي ج5 ص663 قال: عن حبيب بن ثابت عن زيد بن أرقم «رضي عنهما» قالا: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. و ذكر ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12. و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص109 قال: عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم «رضي الله عنه» قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : «كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله «تعالى» و عترتي علیهم السلام فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. و ذكره الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك ج3 ص109. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص16 قال: عن أبي سعيد: قال قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إني أوشك أن أدعى فأجيب و إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا فيما تخلفوني فيهما. و هناك مصادر أخرى كثيرة لهذا الحديث لامجال لذكرها و في شواهد التنزيل، للحافظ الحسكاني، في تفسير قوله «تعالى»: ««فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَ رَيْحَانٌ وَ جَنَّتُ نَعِيمٍ»[سورة الواقعة الآيتان: 88 - 89] قال: حدثنا الحاكم الوالد بإسناده المذكور عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في حديث أنه قال: «...آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هم المقربون السابقون» ثم قال: رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي بن أبي طالب علیه السلام و خديجة و ذريتهم الذين اتبعوهم بإحسان»... و بالنتيجة حيث إن فاطمة الزهراء علیها السلام من ذرية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و خديجة كانت الآيتان الكريمتان نازلة بحقها أيضاً...

وَ تِلْكَ الَّتي لَنَّ الرَّسُولُ دِثارها *** تُراعُ فَلابُورِكَتْ أَيْدِي المُرَوّعِ(1)

و لاآبَ في عَيْنِ الدّنى وَ سَنِ الكَرَى *** وَ لالَزَّ في حَرِّ الصَّدَى بَرْدَ مَشْرَعِ

و لاباهَلَتْ عُلْيا قُرَيْشٍ خُصُومَها *** بأَنَّ لَها صَدْرَ النَّدِيِّ المُوَسَّعِ

وَ قَدْ شُجَّ من رَأْسِ البِناءِ عَمُودُهُ *** فَعِيبٌ وَ لَمْ يَنْهَضُ نَصُوحُ وَ يَهْرَعِ

ص: 489


1- لزَّ: ألزم و التصق و في هذا البيت إشارة إلى الصاق علیه السلام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جسمه المبارك بالإمام علي و الزهراء علیهما السلام. ففي البحار ج43 ص133 قال ضمن رواية طويلة «قال علي علیه السلام: و كانت غداة قرَّة و كنت أنا و فاطمة علیهما السلام تحت العباء، فلما سمعنا كلام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لأسماء ذهبنا لنقوم فقال: بحقي عليكما لاتفترقا حتى أدخل عليكما، فرجعنا إلى حالنا و دخل صلي الله علیه و آله و سلم و جلس عند رؤوسنا و أدخل رجليه فيما بيننا و أخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري، و أخذت فاطمة علیها السلام رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها و جعلنا ندفىء رجليه من القرّ». الخ. و في ص117 في رواية طويلة أيضاً قال: «ثم أتاهما في صبيحتها و قال: السلام عليكم أدخل رحمكم الله ففتحت أسماء الباب و كانا نائمين تحت كساء فقال: على حالكما فأدخل رجليه بين أرجلهما فأخبر الله عن أورادهما «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» [سورة السجدة الآية: 16] فسأل علياً علیه السلام كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على علیه السلام طاعة للَّه و سأل فاطمة علیها السلام فقالت: خير بعل فقال: اللهم اجمع شملهما و ألف بين قلبيهما...».

(17) محراب البناء

(بحر الكامل)

السيد عمران المير

ذِكْرَاكِ يا بِنْتَ الرِّسالَةِ مَنْبَعُ *** مِنْ فَيْضِهِ وَعَطائِهِ نَسْتَمْتِعُ

ذكراكِ مِحْرَابُ البِناءِ لأُمَّةٍ *** بَنَتِ الصُّرُوحَ وَ لِلْعَدالَةِ تَرْفَعُ

ذِكْراكِ نُورٌ شَعَّ في أُفُقِ السَّما *إِذْ أَنْتِ شَمْسٌ لِلْحَقِيقَةِ تَسْطَعُ(1)

ذِكْراكِ أَضْحَتْ نَعْمَةٌ غَنَّى بها *** طهَ َالأمينُ وَ حَيْدَرٌ وَ التَّبَعُ

ذِكْرَاكِ يا زَوْجَ الوَصِي ِّالمُرْتَضَى*** رُوحٌ لِفِكْرٍ فِيهِ أَضْحَى يُبْدِعُ

ذِكْراكِ دَرْسٌ للأنامِ وَ عِبْرَةٌ *** لِلثّائراتِ وَ مَفْخَرٌ وَ تَطَلُّعُ

ذِكْراكِ تُحْيِي الفِكْرَ مِنْ عَثَراتِهِ *** لِيَعُودَ يَبْنِي أُمَّةً لاتَجْزَعُ

ذِكْراكِ يُنْبُوعُ الحياةِ وَ سِرُّها *** لِجلالِهِ أَضْحَتْ تَقُومُ وَ تَركَعُ

ذِكْراكِ أضْحَتْ في فَمِي تَغْرِيدَةً *** وَ بِها عَلَى وَتَرِ الوَلاءِ أُرَجِّعُ(2)

ذكراك عنوانُ العَطاءِ لأمَةٍ *** حَفلتْ به فَخُراً و ها هِيَ تَسْمَعُ

ذِكْرَاكِ خَطُّ لِلْكِفاحِ وَ صَفْعَةٌ *** لِلظَّالمينَ عُرُوشُهُمْ تَتَزَعْزَعُ

ص: 490


1- لعل مما يشير إلى ذلك ما ورد في كتاب تأويل الآيات، ج1 ص137 ح 16، ضمن حديث طويل: سأل العباس بن عبد المطلب النبي الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: كيف كان بدء خلقكم يا رسول الله صلی الله واله وسلم؟ فقال: يا عمّ لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة و خلق منها نوراً ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ثم خرج النور بالروح فخلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام فكنا نسبحه حين لاتسبيح و نقدسه حين لاتقديس... إلى أن قال: ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیهاالسلام فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة علیهاالسلام و نور ابنتي فاطمة علیهاالسلام نور الله وابنتي فاطمة علیهاالسلام أفضل من السماوات والأرض.
2- أَرَجُّعُ: ترجيع الصوت، هو إدارتُهُ في الحلق، و تقاربُ حركات الصوت و النفس.

ذِكراكِ نَهْجٌ لِلْعَفَافِ وَ لِلتَّقى*** بِهِمَا غُيُومُ الإنحرافِ تَقَشَّعُ

يا بِنْتَ مَنْ قَدْ كانَ رَحْمَةً خالِقٍ*** لِلْعَالمينَ فبَاتَ فَضْلِكِ يَقْرَعُ

إِنَّا اجْتَمَعْنا كَيْ نُحْيِيَ مَوْقِفاً *** فِيهِ الشَّجاعةُ و المواقِفُ تُصْنَعُ

مَولاتِي يا بِنْتَ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ*** ماذا أَقُولُ وَ فِي الفُؤادِ تَوجُّعُ

ها نَحْنُ أَصْبَحْنا نُعاني فِكْرَةً *** هَدَّامَةً بِاسْمِ التَّطَوُّرِ تُطْبَعُ

شَلُّوا بِها دَوْرَالفَتاةِ وَ قَاوَمُوا *** نَهْجَ السَّماءِ وَ لِلْحَقِيقَةِ ضَيَّعُوا

أضْحَتْ ضَحِيَّتها الفَتاةُ فَأَصْبَحَتْ *** تُشرَى بِسُوقِ المُغْرِياتِ و تُخْدَعُ

دَفَعُوا بِها كَيْماتُنَمِّي ثَرْوَةَ *** وَفْقَ المقاييس الخَطِيرَةِ تَطْلَعُ

أَضْحَتْ َأسِيرَةَ نَظرَةٍ ماليَّةٍ *** وَ البَيْتُ مِنْها وَ الزّوايا بَلْقَعُ

وَالطَّفْلُ ضاعَ لأَنَّ أُمّاً ضَيَّعتُ *** حقًّا لَهُ إِنَّ الحُقوق تُضَيَّعُ

وَ تَعَرَّضَتْ أُسرّ لأعْنَفِ هزّةٍ *** عُظْمَى فَضَاق بِها الفَضاءُ الأَوْسَعُ

و البيتُ بلإهمالِ أَصْبَحَ جَوُّهُ *** جَوِّا مُخِيفاً نَجْمُهُ لاَيَلْمَعُ

بيتٌ بنى جيلاً لِحَمْلِ رسالةٍ *** بنّاءةٍ تَهْدِي الأنامَ و تَجْمَعُ

عَصَفَتْ به ريحٌ فأضْحَى مُهْمَلاً *** بالَلْخَسارةِ قَدْ عَراهُ تَصَدِّعُ

خَرَجَتْ بدونِ حَياً وَأَبْدَتْ وَجْهَهَا *** بَيْنَ الرِّجالِ و قَدْ أُزِيحَ المقنَعُ

نَسِيَتْ بأَنَّ اللهَ أَوْجَبَ سَتْرَها *** كَيْما تُصانُ فلا تُذَلُّ و تُلسَعُ

هذي المآسي أفرَزتها شَطْحَةٌ *** فكريَّةٌ زعرَعَتْ نَواها إِصْبَعُ

إيهاً فَتاةَ العَصْرِ لاتَتَأَثّري*** بالمُغْرِياتِ فَإنّهنَّ زَوابِعُ

لاتَسْمَعِي صَوْتَ الَّذينَ عَماهُمُ *** حُبُّ الخَطايا و الفَضِيلَةَ مَیَّعُوا

قُولي لَهُمْ إِنِّي انتميتُ لأمةٍ *** تأْبى الخُضوعَ و للعِدى لاَتَرْكَعُ

قُولي بأنّ الطُّهْرَ فاطِمَ قُدْوَتِي *** نحوَ البِنا لاللمَذلَّةِ أَخْضَعُ(1)

ص: 491


1- في بحار الأنوار/ ج43ص19 ح20: عن أبي جعفرعلیه السلام عن آبائه علیهالسلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس وطهارتها من كل رفث...

قُولي بأَنِي أَقتفِي خَطَّ الَّتي*** رَبَّتْ بَنيها وَ الطّفولَةَ تُرْضِعُ

و تَرسَّمي خَطَّ البَتُولَةِ فَاطِمٍ*** بِنْتِ النَّبِيَّ فإنّها لَكِ مَفْزَعُ(1)

وَ اقْفِي خُطاها إنّها بِنْتُ الهُدَى*** طه الأمِينِ وَ مَنْ إلَيْنا يَشْفَعُ(2)

ص: 492


1- فى الفتوحات الربانية ج2 ص50. تلقَّبت فاطمة علیها السلام بالبتول لتبتلها. أي انقطاعها. إلى الله. و في النهاية، ج1 ص94: سميت فاطمة البتول علیها السلام لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله.
2- في كتاب تهذيب الأحكام، ج6 ص9 .قال: حدَّثنا إبراهيم بن محمد العريفي قال: حدَّثنا أبو جعفر علیه السلام ذات يوم: إذا صرت إلى قبر جدتك فاطمة علیها السلام فقل: يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة و زعمنا أنا لك أولياء و مصدقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك علیه السلام و أتانا به وصيه علیه السلام فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلّا ألحقتنا بتصديقنا لهما بالبشرى لنبشِّر أنفسنا بأنا قد طُهرنا بولايتك.

(18) أعظم وزع

(بحر الطويل)

الشيخ قيس العطار (*)(1)

مَصائِبُكُمْ شَتَّى وَ شَتَّى قُبُورُكُمْ *** وَرُزْؤُكُمُ مِنْهُ الفُؤادُ تَصَدَّعا(2)

و أَعْظَمُ رُزْءٍ حَلَّ بالظُّهْرِ فَاطِمٍ *** لَهُ الكَوْنُ مِنْ حَرِّ المُصابِ تَزَعْزَعا(3)

وَ أَعْظَمُ مِنْهُ رُزْهُ سِبْطِ مُحَمَّدٍ*** غَداةَ بِيَوْمِ الطَّفَّ نادَى فَأَسْمَعا

لَئِنْ هَشَّمُوا ضِلْعاً مِنَ الظُّهْرِ وَاحِداً *** فَهذا حُسَيْنٌ هَشَّمُوا مِنهُ أَضْلُعا(4)

و إِنْ أَثَّرَ المِسْمارُ في جَنْبِ جِسْمِها *** فَجِسْمُ حُسَيْنِ بِالسُّيُوفِ تَوَزَّعا

وإِنْ أَسْقَطُوا مِنْهَا الجَنِينَ بِعَصْرَةٍ *** فَقَطْعُ وَ رِيدِ الطِّفْلِ قَدْ كانَ أَفْظَعَا(5)

ص: 493


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الرُّزء: المصيبة العظيمة، تصدّع: انشقّ.
3- تزعزع: تحرّك و تقلقل.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
5- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123. قال المؤرخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلی الله و آله و سلم فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً...كما ورد:كتاب/ الكوكب الدري/ للشيخ الحائري، ج1 ص149. عن بعض كتب التواريخ: لما بايع الناس الأول دخل عليه الثاني و قال له: ما أغفلك عن بيعة علي و العباس. إلى أن قال: ثم جعل الثاني يعالج الباب ليحرقه فلما رأت. أي فاطمة علیها السلام. إصرار القوم على ذلك أتت و فتحت لهم الباب ولاذت خلفه فعصرها الثاني مابین الحائط و الباب حتى كادت روحها أن تخرج من شدة العصر و نبع الدم من صدرها ومن ثدييها.

وإِنْ أَحْرَقُوا بَيْتَ البَتُولِ بِنارِهِمْ*** فَقَدْ أَحْرَقُوا أَبْيَاتَ زَيْنب أَجمعا(1)

وَ إِنْ لَمَ تَرَ الزّهراءُ مَصْرَعَ وُلْدِها *** فَقَدْ رَأَتِ الحوراءُ سَبْعِينَ مَصْرَعَا

وَ إِنْ مَنعُوها تَسْتَظِلُّ فَشِبْلُها *** تَجَرَّعَ مِنْ حَرِّ الظَّما ما تَجَرَّعا

وإِنْ ذَرَفَتْ دَمْعاً فَتِلْكَ بَناتُها *** خَلَطْنَ دَماً عِنْدَ البُكاءِ و أَدْمُعا

وَ إِنْ مَنَعُوها النَّوْحَ إِنَّ بَناتِهَا *** يُحِحْنَ فَمَا طِقْنَ النِّیاحَةَ و النَّعا

وَ إِنْ لَبِسَتْ لَمّا تَبَدَّتْ خِمَارَها *** فَما تَرَكُوا لِلْفاظِمِيَّاتِ بُرْقُعا(2)

وإِنْ صَارَ مِنْ ضَرْبِ السَّياطِ بِزِنْدِها *** كَمَا الدُّمْلَجِ المُسْوَدِّ أَدْمَى فَأَوْجَعا

فَإِنَّ سِياطَ الشَّمْرِ أَدْمَتْ جَوارِحاً *** مِنَ الضَّرَبِ حَتَّی لَمْ يُغَادِرُنَ مَوْضِعا

وَإِنْ كَفَلَ السِّبْطَيْنِ فِي اليُتْم حَيْدَرٌ*** فَهْذِي يَنامَى السَّبْطِ في البَرَّ ضُيَّعا

وَإِنْ سَحَبُوا الكرّارَ مِنْ بابِ دارِهِ*** فَقَدْ سَحَبوا السجّادَ للشَّامِ مُزْمَعَا

وإن قَيَّدُوا كَفَّيْ عليَّ بِحَبْلِهِمْ *** و قدْ كانَ لَيْثاً في الحُروبِ سَمَيْدَعا(3)

فكنّا أبي الفَضلِ العميدِ تَقَطَّعَتْ *** و زِنْداهُ والعينان أُطفِئَتا مَعا

وإِنْ شَيَّعُوا بِاللَّيْلِ جُثْمانَ فاطِمٍ *** فَقَدْ مَنَعُوا جُثْمانَهُ أَنْ يُشَيَّعا(4)

وإِنْ دُفِنَتْ سِرَّا فَإِنَّ حُسَيْنَها *** رَمَوْهُ ثَلاثاً فِي الفَلَاةِ مُضَيَّعا

وإنْ لَمْ يَكُونوا يَشْتِمُونَ أمامَها النَّبِيَّ *** فَقَدْ سَبُّوا الوصيیَّ لِتَسْمَّعا

وإن وَدَّعَتْ عندَ المَماتِ حَلِيْلَها *** فَقَدْ أَعْجَلُوا الحَوْراءَ عَنْ أَنْ تُوَدِّعا

ص: 494


1- في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12: فدعا (عمر) بالحطب و قال: - والذي نفس عمر بيده: لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها، فقيل له يا أباحفص:إن فيها فاطمة علیهاالسلام؟ فقال: وإن...
2- خمارها: ما تغطي به المرأة رأسها أو الستر عموماً. البرقع: ما تستر به المرأة وجهها. في كتاب البحار ج43 ص198 ضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إن: في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله»...
3- سميدعاً: أسداً.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسَّلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً.

أخاها حُسيناً يومَ راحَتْ تَشُمُّهُ *** وَ مَنْ حَوْلَهُ جيشُ الظَّلالِ تَجَمَّعا

تُقَبَّلُ منهُ النَّحْرَ طَوْراً و تارَةً *** على صَدْرِهِ تَدْري الدُّموعَ تَوَجُّعا

أخي هؤلاءَ القومُ يَبْغُونَ قَتْلَ مَنْ *** بِحِضْنِ النَّبيِّ المصطفى قَدْ تَرَعْرَعا

أخي يابْنَ أُمّي يا حسينُ لَقَدْ دَنَا *** فِراقُكَ عَنِّي، ما أَشَدَّ و أَفْجَعا

أراكَ وَحِيْداً قَدْ بَقَيْتَ فليتَني*** عُدِمْتُ حيَاتِي لأعَدِمتُكَ مَفْزَعا

لقدماتَ أصحابُ الكِساءِ جَمِيعَهُمْ *** بموتِكَ، و النَّاعِي نَعى الدينَ إِذْ نَعا

فقالَ: تَعَزّي يا أُخَيَّةُ و اصْبِرِي*** فَلَسْنَا لأَمْرِ اللَّهِ نَسْطِيعُ مَدْفَعا

أَلا كُلُّ مَنْ فوقَ البسيطةِ مَيِّتٌ *** و إِنَّ لَنا لِلَّهِ أَوْباً و مَرْجِعا

أفاطمةُ الزَّهْراءُ عُذْراً فإِنَّما *** أَبُثُ إليكُمْ زَفْرَةٌ و تَلَوُّعا

أَغَثتِ علياَّ حينَ لَمْ يَبْقَ ناصِرٌ *** فَمَنْ ذا أغاثَ السَّبْط في الطفَّ إِذْ دَعا؟

نَعَمْ جاءَته الحوراءُ لكنَّها رَأَتْ *** أَخاها على وَجْهِ الصعيدِ مُبَضَّعا(1)

فَلَوْ نَظَرَتْ عيناكِ زينبَ إِذْ هَوَتْ *** تَنُوحُ عليهِ حَسْرَةٌ وَ تَفَجُّعا

تُغَسْلُ نَحْرَ السِّبْطِ مِنْ فَيْضِ دَمْعِها *** وَ تَجْمَعُ جسماً بالسَّیوفِ مُقَطَّعا

تَقُولُ أَخِي لَوْ خَيَّرُونِي مَنْزِلاً *** حَفَرْتُ لموتي قُرْبَ قَبْرِكَ مَضْجَعا

لقدْ أُظْلِمَتْ من بَعْدِكَ الأَرْضُ و السّما *** فقدْ غَيَّبُوا من شمسِ وَجْهِكَ مَطْلَعا

و قَدْ رَفَعُوا الرأسَ الكريمَ على القَنا *** كأَنَّ عليهَا العَرْشَ أوكانَ أَرْفَعا

و أَمَّا الَّذي لم تَنْظُرِ العَيْنُ مِثْلَهُ *** مُصاباً أَذَلَّ الكائِناتِ و أَفْزَعا

غداةَ هَوى فوقَ الصعيدِ مُعَفَّراً *** و شِمْرٌ على الصَّدْرِ الشريفِ تَرَبَّعا

تُدافِعُهُ عن قَتْلِهِ بِنْتُ فاطِمٍ *** فَأَبعَدَها، و السیفُ بالنَّحْرِ أَوْلَعا

فللَّهِ رُزْءٌ ما رُزِئْنَا بمثلِهِ *** و لا مِثْلُهُ خَطْبٌ أَصَمَّ و أَسْمَعا

سلامٌ على الثَّاوِي لَدَى أَرْضِ كَرْبَلا *** وَ قَدْ صُرِعُوا حولَيهُ شَيباً و رُضَّعا(2)

ص: 495


1- مُبضّعا: مُقَطَّعا.
2- الثاوي: المقيم.

سلامٌ عَلَى الخدِّ التريبِ بكربلا *** ككيوانَ يَهْوِي مُتْرباً و مُشَعْشِعا

سلامٌ على الشَّيْبِ الخضيبِ منَ الدِّما *** يَفُوحُ عبيرُ المِسْكِ منه تَضَوُّعًا

سلامٌ على الجِسْمِ السَّليبِ بلا رِدا *** كَسَتْهُ الدِماءُ الحُمْرُ ثَوْباً و مِلْفَعا(1)

سلامٌ على الرأسِ المُشَالِ على القَنَا *** بِآيَةٍ أَهْلِ الكَهْفِ يَتْلُو مُرَجِّعا

سلامٌ على الصَّدْرِ الرَّضِيضِ بِخَيْلِهِمْ *** و قَدْ كانَ للسِّرَّ الإِلهيَّ مَوْضِعا

سلامٌ على تلك العِيالِ و قد مَشى *** بها الشَّمْرُ للشَّامِ المَشَّومِ و جَعْجَعا

سلامٌ على مَن رَحْلُهُ صارَ عُرْضَةً *** و نَهْباً لأَبناءِ اَللَّثأْم مَطْمَعا

سلامٌ على المهديَّ من آلِ أَحْمَدٍ *** مَتى يَنْشُرُ الراياتِ لِلَثَّارِ مُسْرِعا

أَغِثْنا -رعاکَ اللَّهُ- مِنكَ بطلعةٍ *** فلولا انْتِظارُ الثَّأْرِ مُتْنا تَوَجُّعا

أَغِثنا فإِنَّ الحُزْنَ مَزَّقَ قَلْبَنَا *** ولم يُبْقِ في قوسِ التَصبُّر مَنْزَعا

فإِنَّ شِفانَا أَنْ نَراكَ مُقَطَّعاً *** من الجبتِ و الطاغوتِ كَفَّا و أَذْرُعا

و أنْ ليسَ تُبْقِي مِنْ أُمیَّةَ عَادِراً *** و أَنْ تَسْقِيَ الأَرْضَ الدماءَ لِتَشْبَعا

ص: 496


1- ملفعاً:ما يتلفّع به من مرّط أو كسا: أو نحوها.

(19) حججاً واضحات

(بحر المتقارب)

الشيخ كاظم آل نوح

يَقِلُّ لِعَيْنِي تَذْرِي الدموعَا *** لِفَاجِعَةٍ وَ هْيَ تحني الضُّلوعَا(1)

لِفَاجِعَةٍ وَقَعَتْ في الطَّفُوفِ *** وَ عَمَتْ بِحُزْنٍ عَلَيْنا جَمِيعا

وَ أَذْرَتْ دُمُوعَ الهُدَى صَبِيبَاً *** وَ أَجْرَتْ لِعَه النَّبِيِّ الدُّمُوعا

وَ عمْروٌ وَ هاشِمُها قَدْ غَدَوْا *** بِذَا الخَطبِ وَ النَّاسُ كُلٌّ جَزُوعَا(2)

فَحادِثُ يَوْمِ الطَّفُوفِ اغْتَدَا *** لِقَتْلِ الصَّنادِيدِ خَطْبَاً مَرُوعَا(3)

قَضَوْا عَطَشًا بِالعَرَاكُلُّهُمْ *** وَ حَقَّهُمُ كَان قَسْراً أُضِيعًا

وَ مَا ضَاعَ حَقٌّ لآلِ الرَّسُولْ *** إلا لأمْرٍ دَهَاهُمْ فَظِيعَا

بِيَوْمِ بِهِ ماتَ طَة النَّبيَّ *** وَ انْقَلَبوابَعْدَ طَهَ سريعا

وَ فَاطِمَةٌ وَ هُيَ مَحْزُونَةٌ *** تَعَادَوْا عَلَى الدّارِ عَدْواً مُرِيعَا(4)

وَ جَاؤُوا بِحُزْمَتِهِمْ عَوْسَجاً *** عَلَى بَابِها كَانَ أَمْراً فَظِيعَا(5)

ص: 497


1- تذري: تذرف. الفاجعة: المصيبة أو الكارثة.
2- جزوعاً: جزع منه: لم يصبر عليه.
3- الصناديد: جمع صنديد و هو البطل الشجاع. مروعا: مُرَوّعاً و مخيفاً.
4- في «أمالي الصدوق» ص99 ح2. «... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني معها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي: يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص172 ح13. «عوالم سيدة النساء» ج2 ص546 ح2.
5- عوسجاً: جمع عوسجة و هي شجيرة شائكة و البيت الذي يليه؛ في «كتاب سليم بن قيس» ص36 ط، قسم الدراسات مؤسسة البعثة: «...ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: والله لتخرجن یا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وإلا أضرمت عليك النار». فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك ؟ فقال: افتحى الباب و إلا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتقي الله، تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل...». انظر: «الاحتجاج» ج1 ص109 ط دار النعمان النجف.

وَ صَاحَ اضْرِمُوا النَّارَ أَوْ يَخْرُجَنْ *** عَلِيٌّ وإلا أبِيدُوا جَمِيعا

قَالُوا لَهُ إِنَّمَا فَاطِمُ *** بِذِي الدَّارِ لِلْحُزْنِ تَدْرِيْ دُمُوعَا(1)

وَ صَاحَ الا اخْرُجْ إِلَى بَيْعَةٍ *** قَدْ بَايَعَ النَّاسُ كُل مُطِيعَا(2)

ص: 498


1- و البيت الذي يليه في «أعلام النساء» ص114 ط -مؤسسة الرسالة. «و تفقد أبوبكر قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب علیه السلام كالعباس و الزبير و سعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام فبعث أبوبكر إليهم عمربن الخطاب فجاءهم عمر فناداهم و هم في دار فاطمة علیها السلام فأبوا أن يخرجوا. فدعا بالحطب و قال: و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها . فقيل له: يا أباحفص إن فيها فاطمة علیها السلام. فقال: و إن...».
2- و الأبيات التي تليه في تفسير العياشي ج2 ص66 ح76. «فبعث إليه قنفذاً فقال له: إذهب فقل لعلى أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك: ما خلف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أحداً غيري. قال أرجع إليه فقل: أجب فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه و هؤلاء المهاجرون و الأنصار يبايعونه و قريش وإنّما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم و عليك ما عليهم و ذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع فقال: قال لك: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لي و أوصاني إذا واريته في حفرته أن لاأخرج من بيتي حتى أؤلف كتاب الله فإنه في جرائد النخل و في أكتاف الابل. قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبوعبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليه»ا أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها أحد إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف، ثم دخلوا فأخرجوا علياً مليباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم... قال: فأخرجوه من منزله ملبباً و مروا به على قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فسمعته يقول: يابن أم إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني و جلس أبوبكر في سقيفة بني ساعدة و قدم علي علیه السلام فقال له عمر: بايع فقال له علي علیه السلام: فإن أنا لم أفعل فمه؟ فقال له عمر: إذا أضرب واللَّه عنقك فقال له علي علیه السلام: إذا والله أكون عبداللَّه المقتول و أخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...». انظر «بحار الأنوار» ج28 ص227 ح14. «البرهان» ج2 ص93 ح4 ط3، مؤسسة الوفاء. بيروت.

أبَى حَيْدَرٌ أنْ يُلبِّي النِّدَاءَ *** فَأُخْرِجَ قَهْراً خروجاً شَنِيعا(1)

و أدْخِلَ وَ النَّاسُ في مَسْجِدِ *** النَبِيَّ وَ كُل يُعاني الهُلُوعَا

وَ لَمْ يَرْضَ حَيْدَرٌ فِي بَيْعَةٍ *** وَ لَمْ يَخْضَعَنْ أَوْ يَكُونَ الضَّرُوعَا

وَ هُدِّدَ بِالقَتْل لكِنَّما *** أَتَتْ فَاطِمٌ عَنْهُ ذَادَتْ خُنُوعَا(2)

فَاطلَقَ مِنْ أَجْلِهَا حُرْمَةً *** لَهَا مَنْ لَهَا دَقَ قَسْراً ضُلُوعَا

وَ رَاحتْ لِقَبْر أَبِيْها تَصيحُ *** أَبَا أَبَتِ قَدْ أُهِنَّا جَمِيعا

لَقَدْ غَصَبُوا حَيْدَراً حَقَّهُ *** وَ حَقِّي الصَّرِيحُ جَهَارَاً أُضِيعَا(3)

ص: 499


1- شنيعاً: منكراً. قهراً: قسراً و إرغاماً.
2- خنوعاً: الخنوع: الذلَ و خنع إلى اللَّه: تضرع.
3- في «بحار الأنوار» ج28 ص62 ضمن ح24. «و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقَّها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسها هو ان و ذل...». انظر «عوالم سيدة النساء» ج2 ص445. و في رواية أخرى: في «بحار الأنوار» ج36 ص264-265 ح85. «عن سلمان الفارسي، قال: قلنا يوماً: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من الخليفة بعدك حتى نعلمه؟ قال لي: يا سلمان ادخل عليّ أباذر و المقداد و أبا أيوب الأنصاري. و أم سلمة زوجة النبي صلي الله علیه و آله و سلم من وراء الباب. ثم قال لنا: اشهدوا وافهموا عنّي أن علي بن أبي طالب علیه السلام وصيي و وارثي و قاضي ديني و عداتي و هو الفاروق بين الحق و الباطل و هو يعسوب الدين... أشكو إلى الله جحود أمتي لأخي و تظاهرهم عليه و ظلمهم له وأخذهم حقه، قال: فقلنا له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ويكون ذلك؟ قال: نعم يقتل مظلوماً من بعد أن يملأ غيظاً و يوجد عند ذلك صابراً، قال: فلما سمعت ذلك فاطمة علیها السلام أقبلت حتى دخلت من وراء الحجاب و هي باكية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: ما يبكيك يا بنية؟ قالت: سمعتك تقول في ابن عمي و ولدي ما تقول قال: و أنت تظلمين وعن حقك تُدفعين و أنت أول أهل بيتي لحوقاً بي...». انظر: عوالم «سيدة النساء» ج2 ص548 ح5.

أَيَا أَبَتِ انْقَلَبُوا بَعْدَ أَنْ *** أَرَادُوا إِلَى دِين بُسْرِ رُجُوعَا

وَلكِنَّهُمْ نَافَقُوا فَاغْتَدَوْا *** بِأَيْدِيهِمُ الحُكْمُ حُكْماً فَظِيعا

وَ قَدْ غَصَبُوا فَدَكاً عُنْوَةً *** وَ جَاءَ وَكيلٌ إِلَيْنَا ضَرُوَعا(1)

فَرُحْتُ أُطَالِبُ فِي نِحْلَتي *** فَلَمْ أَجِدَنْ لِي مِنْهُمْ سَمِيعَا(2)

وَ طَالَبَ مِنّي في أنْ أُقِيمَ *** شَهَادَةً حَقٌّ تَرُدُّ المَنُوعَا(3)

فَقَلْتُ عَلِيٌّ وَ سِبْطا النَّبِيِّ *** شُهُودٌ عَلَى الحَقِّ رُدُّوا جَمِيعًا

فَأَدْلَتْ لَهُ حُجَجَاً وَاضِحَاتٍ *** فَأَعْرَضَ عَنْها وَ عَادَتْ سَرِيعَا(4)

إِلَى بَيْتِها وَ هْيَ مَهْضُومَةٌ *** لِغَصْبٍ لَهَا وَ هْي تَذْرِي الدُّمُوعَا

وَ كَانَ انْتِظَارُ عَلِيٌّ لَهَا *** عَلَى فَلَقِ مِنْهُ يَطْوِي الضُّلُوعَا(5)

ص: 500


1- ورد في الاحتجاج ج1 ص119 ط مطبعة النعمان. النجف. «عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها...».
2- في «معجم البلدان» ج4 ص238 مادة «فدک». «... و فيها عين فوّارة و نخيل كثيرة و هي التي قالت فاطمة علیها السلام: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نحلنيها، فقال أبوبكر: أريد بذلك شهوداً...».
3- انظر «عوالم سيدة النساء» ج2 ص635 ضمن ح 27. «... فقال لها عمر: دعينا من أباطيلك و احضرينا من يشهد لك بما تقولين. فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس. و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها جميعاً ما قالت و ادعته. فقال: أما علي علیه السلام فزوجها و أم الحسن و الحسين ابناها علیها السلام و أمّا أم أيمن فمولاتها و أمّا أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و قد كانت تخدم فاطمة علیها السلام و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم...».
4- ورد في أمالي «المفيد» ص40 ح8 ط جماعة المدرسين. قم. «... عن زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السلام قالت: لما اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة علیها السلام فدك و العوالي و أيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فألقت نفسها عليه و شكت إليه ما فعله القوم بها وبكت حتى بلت تربته صلى الله عليه و آله و سلم بدموعها و ندبته...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص801.
5- جاء في الاحتجاج ج1 ص145 ط دار النعمان. النجف. بعد خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد و رجوعها علیها السلام:«...ثم انكفأت علیها السلام و أميرالمؤمنين علیه السلام يتوقع رجوعها إليه و يتطلع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأميرالمؤمنين علیه السلام: يا بن أبي طالب اشتملت شملة الجنين و قعدت حجرة الظنين...».

وَ قَدْ دَخَلَتْ وَ هْيَ في ثَوْبِهَا *** تَعَثَرُ وَ الدَّمْعُ يَجْرِي هَمَوعا

فَقَالَ لَهَا صِنْوُطَهَ اصْبِرِيْ *** فَحَقِّي وَ حَقُّكِ قَسْراً أُضِيعا(1)

لَقَدْ صَبَرَتْ وَ بَكَتْ حَسْرَةً *** وَ رَاحَتْ إِلَى اللَّهِ تَشْكُو الصَّنِيعَا(2)

صَنِيعَ الَّذِينَ عَلَى غَصْبِهَا *** قَدِاتَّفَقُوا غَصْبَ حَقًّي جَمِيعَا

وَ مَاتَتْ و إِنَّ عَلِيًّا رَأَى *** بِجَنْبِ لَهَا قَدْ كُسِرْنَ الضُّلُوعَا

وَ انْزَلَها قَبْرَهَا فِي الظّلاَمِ *** وَ عَادَ إِلَى البَيْتِ يَدْرِي الدُّمُوعَا(3)

لَكَ اللَّهُ حَيْدَرُ إِمَا صَبَرْتَ *** وَ لَمْ تَكُ مِنْ أَي خَطْبٍ جَزُوعَا(4)

ص: 501


1- صنو: الأخ الشقيق أو العم أو الابن.
2- الصنيعا: صنيع القوم: عملهم، و هو اعتداؤهم هنا.
3- انظر: «الأمالي للمفيد» ص281 ح7، البحار ج43 ص210 ح40. «...فلما حضرتها الوفاة وصت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفي قبرها فتولى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها علیها السلام و عفى موضع قبرها. فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه و حوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».
4- دیوان آل نوح ص157.

(20) بنت خير المرسلين صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم الهر(*)(1)

قَدْ بَاتَ مِنْ نَارِ الخُطُوبِ لَسِيعا *** لَمْ تَأْلَفِ العَيْنَانِ مِنْهُ هُجُوعا

ص: 502


1- (*) هو الشيخ كاظم ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهرّ. و آل الهرّ أسرة أدبية علمية لها شهرتها و مكانتها و هي تنحدر من أسرة عربية عريقة تعرف ب_ «آل عيسى». ولد في كربلاء المقدسة سنة 1257 ه_، و ما إن شب و ترعرع و صلب عوده حتى اندفع يختلف إلى المجالس الأدبية العامرة في أرجاء هذا البلد المقدس، فدرس المقدمات و السطوح العالية و نبغ في علمي الفقه و الأصول، فكان عالماً فقيهاً، و قد قرأ على العالم الكبير السيد محمد حسين الشهرستاني، و الفقيه الجليل الشيخ محمد حسين الأردكاني، و العالم المتبحر الشيخ زين العابدين المازنداني، و كانت له حوزة للتدريس في مدرسة حسن خان المعروفة. و للمترجَم له ديوان شعر له ديوان شعر جله في مدح آل البيت «صلوات الله عليهم أجمعين»، و لم یزل مخطوطاً. كتب عن المترجَم له الشيخ السماوي في (الطليعة) و السيد الأمين في (الأعيان) و ترجم صديقنا الأديب اللامع السيد سلمان هادي آل طعمة في (شعراء كربلاء). و يعتبر المترجم له من مشاهير شعراء الأدب الفراتي في القرن الثالث عشر الهجري، و شعره يمثل مدرسة المحافظين و هو الأدب التقليدي الذي نحا منحى الأدب القديم و سار على نهجه، من حيث الأغراض و الأساليب، و من مزايا شعراء هذه المدرسة أن المدح هو الموضوع المحبّب إليهم، و قد أشار إلى ذلك الشيخ السماوي في أرجوزته قائلاً : و كان الأديب الكاظم بن الصادق *** ظریف آل الهر في الحقائق فشعره كان لأهل البيت *** مشتهر كغرّة الكميت و المترجم له اختاره الله و دعاه إليه فَلبّى النداء في عام (1333 ه_ ) عن عمر ناهز السبعين سنة، و دفن في كربلاء المقدسة، و يوافق تاريخه (للحور زفّوا كاظماً).

و يَبيتُ فِي لَيْلِ السّلام مُسَهْداً *** أرقاً عَلَى شَوْكِ القَتادِ فَجِيعا(1)

مَا لِلَّيالي النَّادِرَاتِ شُغِفْنَ بِي *** حَتَّى شُجِيتُ بِغَدْرِها مَفْجُوعا

وَ رَمَيْتَنِي غَدْراً بِسَهُم جَفائِها *** فَأَصَبْنَ مِنْ قَلبي الفَرِيح صُدُوعا

لَمْ أَسْتَطِعْ صَبْراً عَلَى ما نابَني *** بل بِتُّ مِنْ نُوَبِ الزَّمانِ جَزُوعا(2)

ذَابَتْ بِطارِقَةِ الرَّزايا مُهْجَتِي *** فَأَسَلْتُها مِنْ مُقْلَتَيَّ دُمُوعا

وَ أَسِئْتَ أحْرارَ الأنام صُرُوفُها *** مَا سَاءَ ذَیَّاكَ الوُلُوعُ وَلُوعا

يَجْرِي عَلَى عَكْسِ القَضِيَّةِ حُكْمُها *** رَفْعاً وَ خَفْضاً دانِياً وَ رَفِيعا

فَخَفَضْنَ مِنْ خَيْرِ الكِرامِ رَفِيعا *** وَ رَفَعْنَ مِنْ شَرِّ اللِّئامِ وَضِيعا

وَ تَرى الخِلافَةَ أَصْبَحَتْ فِي أَكْوُعٍ *** وَ تَرى أَمِيرَالمُؤْمِنينَ خَلِيعا

يَا مَنْ بِذَاتِ فقارِهِ مَهمَا سَطاً *** فَرْداً أَبادَ مِنَ الحُماةِ جُمُوعا(3)

أَوَ ما عَلِمْتَ بِفَاطِمِ قَدْ رُوِّعَتْ *** فِي دَارِها وَلَكَمْ أَغَثْتَ مَرُوعا؟(4)

قَدْ كَسَّرَتْ منها العِداةُ ضُلوعا *** أَضْحى الكِتابُ بِكَسْرِها مَصْدُوعا(5)

ص: 503


1- مسهداً: السهاد قلة النوم و الأرق. شوك القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر.
2- جزوع: الذي لايصبر و يظهر الحزن أو الكدر.
3- سطا. فرداً: قهره الكماة: الشجعان.
4- في (عوالم سيدة النساء ) ج11/2 ص570-571. منقولاً عن سيرة ابن هشام: «... إذا كان رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم أباح دم هبّار بن الأسود لأنه روع زينب علیها السلام فألقت ذا بطنها فظهر الحال أنه لو كان حیًّا لأباح دم من روع فاطمة علیها السلام حتى ألقت ذا بطنها... فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: إن فاطمة علیها السلام روعت فألقت المحسن فقال: لاتروه عني و لاترو عنّي بطلانه...».
5- ربما أراد الرواية الواردة في كتاب «الاحتجاج» ج1 طبعة دار النعمان (1966) تعليقات محمد باقر الخرسان ص109 (و البيت الذي يليه): «ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه عليٌّ و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجن و لتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم أو لأضرمنّ عليك بيتك ناراً ثم رجع إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته. ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلاَّ فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر عليَّ إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكَّثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بین زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي اثره في عضدها من ذلک مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنقذ إضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام».

وَ بِقَرْعِها بِسِياطِ قُنْفُذَلمْ أَجِدْ *** إلا فُؤادَكَ بِالسِّياطِ قَرِيعا

مَاذا يُرِيدُ القَوْمُ بِالْبَيْتِ الّذي *** زَكّى أصولاً قَدْ سَمَتْ وَ فُروعا

أُولَيسَ هَذا البَيْتُ بَيْتَ المُصْطَفَى *** أَلْمُرْتَجِي يَوْمَ الجَزَاءِ شَفِيعا

مَا ذَنْبُ أمّ النَّيْراتِ وَ مَنْ بِهِمْ *** قَدْشَعَّ ضَوْءُ النَّيْراتِ سُطُوعا

إِذْ أَسْقَطُوها مُحْسِناً فَتَساقَطَتْ *** دُرَرُ الدُّموعِ مِنَ الفَخارِ نَجِيعا

أَوَ لَيْسَ مُحْسِنُ دُرّةَ الشَّرَفِ الَّتي *** يَزْهُو بها جِيدُ الزَّمانِ نُصُوعا

يا بَضْعَةَ الهادِي الَّتي في فَخْرِها *** سَادَتْ نِساء العَالَمينَ جَمِيعا(1)

مَا بَالُ إِرْثِكِ مِنْ أَبِيكِ قَدْ غَدا *** دُونَ البَرِيَّةِ كُلّها مَمْنُوعا(2)

ماذا أَقولُ وَ فِي الفُؤادِ سَرائِرٌ *** مَا كُنْتُ في قَوْلي لَهُنَّ مُذيِعا

لِكِنْ أقُولُ إلى الصَّحابَةِ سائِلاً *** وَ أَوَدُّ لو أنَّي سَأَلْتُ سَمِيعا

هَلْ كَانَ فِي شَرْعِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** حُكْمُ التَّوارُثِ بِدْعَةً تَشْرِيعا؟(3)

ص: 504


1- لعله أشار إلى الرواية الواردة في «الخصال» للصدوق ص206 منشورات جماعة المدرسين في قم. عن علي بن أبي طالب علیه السلام عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال في وصّيته له: يا علي علیه السلام إن الله «عزوجل» أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطلع ثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علیها السلام على نساء العالمين».
2- جاء في كتاب «كشف الغمة» ج2، ص103. للمحقق أبي الفتح الأربلي ط دار الكتاب الإسلامي بيروت (1981) رواية تؤكد هذا المعنى: «... وروي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقالت: يا أبابكر من يرثك إذا مت قال: أهلي و ولدي قالت: فمالي لاأرث رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم؟ قال: يا بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم إن النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم لايوَّرث ولكن أنفق على من كان ينفق عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم و أعطى ما كان يعطيه قالت: واللَّه لاأكلمك بكلمة ما حييت فما كلمته حتى ماتت...».
3- يشير في هذا البيت إلى ما جاء في خطبة الزهراء علیها السلام في فدك و التي وردت في الاحتجاج ج1 ص131 للطبرسي: «...و أنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، «أنحكم الجاهلية تبغون؟» «ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون أفلا تعلمون» بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية... أني ابنته أيها المسلمون: أأُغلب على إرثي؟ يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟».

بُشرى الصَّحَابةِ أَنَّهُمْ قَدْ شافَقُوا *** حُكْمَ الإلهِ وَ نَهْجَهُ المَشْروعا

قَدْ أَنْكَرُوا الوَحْيَ المُبِينَ مُصَدِّقاً *** دَعْوَى المُتولِ فَلَمْ يَكُنْ مَسْمُوعا

شَرَوُا الضَّلالَةَ بالهُدَى وَ لَطالما *** اتَّخَذُوا الهُدَى دِيناً لَهُمْ مَتْبُوعا

يُهنِي الخِلافَةَ أَنَّهَا في مَعْشَرٍ *** قَدْ غَادَرُوا أَنْفَ الهُدَى مَجْدُوعا

نَبَذُوا كِتابَ اللَّهِ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ *** وَ اسْتَحْدَثُوا دِيناً هُناكَ بَدِيعا

قَدْ ضَيَّعُوا الثَّقَلَيْنِ قُرْآنَ الهُدَى *** ظُلْماً وَ بِنْتَ المُصْطَفَى تَضْييعا

مَا كانَ أَشْجاها وَ أَقْصَرَ عُمْرَها *** مُذْ جُرِّعَتْ كَأْسَ الأَسَى تَجْرِيعا؟(1)

نُزِعَتْ يَداً مِنْ إرْثِها وَ حُقُوقِها *** وَ تَلَفَّعَتْ ثَوْبَ الأَسَى تَلْفِيعا(2)

وَ لِبَيْتِ أَحْزانِ البَتُولِ قَدِ اكْتَسَى *** البَيْتُ الحَرامُ مِنَ الحِدادِ دُرُوعا(3)

ص: 505


1- في هذا البيت و الذي يليه إشارة إلى ما ورد في «أمالي الطوسي» ص156 الطبعة الثانية (1981) مؤسسة الوفاء، بيروت: «... فقال علي علیه السلام لرسوله صلي الله علیه و آله و سلم و أنا حاضر عنده أبلغ عمي السلام و قل: لاعدمت إشفاقك و تحننك و قد عرفت مشورتك و لرأيك فضله، إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم تزل مظلومة من حقها ممنوعة و عن ميراثها مدفوعة لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم و لارعي فيها حقه و لاحق اللَّه «عزوجل» و كفى بالله حاكماً و من الظالمين منتقماً...».
2- تلفعت: تغطت و اشتملت بالثوب.
3- ورد في الرواية الواردة في بحار الأنوار ج43 ص174 الطبعة الثالثة، مؤسسة الوفاء. بيروت « ...قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها؛ و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاینفع فيها العزاء... فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام افعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان...».

مَهُما تَذَكَّرْتُ الأَراكَةَ نُحْتُ ما *** ناحَ الحَمامُ عَلَى الأَراكِ سُجُوعا

قَطَعُوا أَراكَتَها عِناداً لَيْتَما *** أَضْحَى وَ تِينُ قَطِيمها مَقْطُوعا(1)

وَ احَسْرَةَ الدِّينِ الحَنِيفِ لِنَكْبَةٍ *** قَدْ فَجَّرَتْ صَلْدَ الصَّفا يُنْبُوعا

أنطولُ بَلْواها وَ يَقْصُرُ عُمْرُها *** وَ تَرُوحُ في إثرِ النَّبِيِّ سَرِيعا(2)

يَا لَيْتَ شِعْرِي وَ الأَسَى مِلْءُ الحَشَا *** وَ لَقَدْ طَوَيْتُ عَلَى الشَّجُونِ ضُلُوعا

مَا بَالُ قَبْرِ الظُّهْرِ بِنْتِ المُصْطَفَى *** مَا بَيْنَ هاتِيكَ القُبُورِ أُضِيعا؟(3)

يا بنت خير المُرْسَلِينَ وَ مَنْ لَهُ *** شَادَ الإله سِماکَها المَرْفُوعا

صَلَّى عليكَ اللَّهُ ما هَبَّتْ صَبا *** أو سَجَعَتْ وُرْقُ الحِمَى تَسْجِيعا

ص: 506


1- و تين عرق في القلب يجري منه الدم إلى العروق كلها -قطيمها: قاطعها.
2- جاء في «المناقب» ج3 ص357 ط مؤسسة انتشارات علامة، قم -المطبعة العلمية: «... قبض النبي الله صلي الله علیه و اله و سلم و لها يومئذ ثماني عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنين و سبعين يوماً. و يقال: خمسة و سبعين يوماً و قيل: أربعة أشهر و قال القرباني: قد قيل أربعون يوماً و هو أصح...». وكذلك رواية أخرى أيضاً في «المناقب» ج3 ص323: «أن النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال الفاطمة علیها السلام: «أنت أسرع أهل بيتي علیهم السلام لحاقاً بي» فوجمعت فقال لها: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء علیها السلام أهل الجنة؟ فتبسمت.
3- ورد في «روضة الواعظين» للنيسابوري ص168-169. ط الأولى (1986) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت. «...ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم عدوّي وعدو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لاتترك أن يصلي عليّ أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه، صلّوا عليها و دفنوها في جوف الليل. و سوّى علي علیه السلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها. و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايُعرف موضعه...».

(21) سر النبوة صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

رَأَى السَّنا وَ الهَنا في كَوْنِنَا اجْتَمَعَا *** فَقالَ بِاللهِ ماذا بينَكُمْ وَقَعا

قُلْنا وَ في كُلِّ غُصْنٍ طَائِرٌ سَجَعا *** لُطْفٌ أَطَلَّ وَ نورٌ لِلْهُدَى سَطَعا(1)

وَ رَحْمَةٌ خَلْقَهُ البارِي بها وَسِعا

تَبارَكَ اللهُ ما أَسْنى تَفَضَّلَهُ *** أَتَمَّ نِعْمَتَهُ وَ الدِّينَ أَکْمَلَهُ

فَقالَ أَوْضِح لنا ما الأمْرُ قُلْتُ لَهُ *** جاءَ النَّبِيُّ وَ جاءَتْ بِالوَصِي لَهُ

عِنايَةُ اللَّهِ تَأْكِيدٌ لِما شَرَعا

نُورانِ قَدْ كُوِّنا مِنْ نُورِ رَبِّهما *** وَ زَيَّنَ اللَّهُ أقطارَ السَّما بِهِما

حَتَّى تَجَلَّى عَلى الدُّنْيا بِهَدْيِهِما *** فَشَرَّف العالَمَ السُّفْلِيَّ إِذْ بِهما

سَما على العالَمِ العُلْوِيِّ وَ ارْتَفعا

وَ اهْتَزَّتِ الأَرْضُ بالأفْراحِ و ازْدَحَمَتْ *** بِمَوْلِدِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ إِذْ رُحِمَتْ

وَ ازّيَّنَتْ مَكَةُ الإسلام وَ ابْتَسَمَتْ *** وَ هَذِهِ الكَعْبَةُ البَيْتُ الحَرامُ سَمَتْ

قَدْراً بِمَوْلِدِ مَنْ فِي جَوْفِها وُضِعا

حَلَّ بِمَكَّةَ مَوْلُوداً صَفا و وَفا *** غَيْئاً مَغِيثاً عَلَى أَكْنَافِها وَكَفا(2)

جاؤوا لِكُلِّ البَرايَا رَحْمَةً وَ شِفاتِيهِي *** على الكَوْنِ يا أُمَّ القُرَى شَرَفا(3)

ص: 507


1- أَطَلَّ: أشرف.
2- وَكف: سال قليلاً قليلاً.
3- تيهي: تكبّري أو تباهي.

مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ لِلْهُدَى طَلَعا

شَرِيعَةُ اللَّهِ أعْلى اللَّهُ هامَتَها *** لُطْفاً وَ أَكْرَمَ بالتأيِيِدِ قادَتَها

وَ بِالهُدَى رَفَعَ النُّورانِ رَايَتَهَا *** وَ مِنْهُما تَأخُذُ الدُّنْيا هِدايَتَها

إذا النَّبِيُّ بآياتِ الهُدَى صَدَعا

خَيْرُ النَّبِيِّينَ أَعْلَى اللَّهُ مَوْضِعَهُ *** وَ خَصَّهُ بِأَخٍ بَرٍّ وَ أَتْبَعَهُ

صِنْوانٍ في اللَّهِ حازا الخَيْرَ أَجْمَعَهُ *** هذا إلى اللَّهِ يَدْعُو وَ الهُدَى مَعَهُ

وذا يَحُوطُ و يَرْعى ما إليهِ دَعا

شَمسا هُدًى رَفَعَ الرَّحْمَنُ ذِكْرَهُما *** هَيْهاتَ يَعْرِفُ غَيْرُ اللهِ قَدْرَهُما

كانا و قَدْ أخْلَصا للَّهِ أَمْرَهُما *** رُكْنَيْنِ لِلدِّينِ شَدَّ اللَّهُ أَزْرَهُما

حتَّى اسْتَقامَ بناءُ الدِّينَ وَاتّسعا

لايَبْلُغُ الوَصْفُ ما نالَتْ خصالُهُما *** مِنَ الكَمالِ و لايَشَا حالَهُما

وَمَا الهُدَى في الوَرَى الأنوالُهما *** وَ سَوْفَ يَتْلُوهُما لِلْهَدْي آلُهُما

خَيْرُ البَرِيَّةِ مَتْبُوعاً وَ مُتَّبِعا

ألطافُ رَبِّكَ لا تَنْفَكُّ هابِطَةً *** عَلَى الوُجُودِ وَ لِلْخَيْرَاتِ باسِطَةً

لِذاكَ أَوْجَدَ لِلنُّورَيْنِ رَابِطَةً *** فَجاءَتِ البَضْعَةُ الزَّهْراءُ واسِطَةً

لِلعَقْدِ تَحْمِلُ نَسْلَ المُصْطَفَيْن مَعا

خَرَّتْ لِمَقْدَمِها الأَمْلاكُ ساجِدَةً *** للَّهِ شُكْراً وَ لِلأَلْطافِ حَامِدَةً

عَدِيمَةَ المِثْل في التَّكْوِينِ وَاحِدَةً *** صِدِّيقَةٌ بَيْنَ صِدِّيقين والدةً(1)

ص: 508


1- في كونها علیها السلام صديقة أيضاً جاء في تفسير قوله «تعالى»: «وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ» قيل: سميت صدَّيقة لأنها تصدق بآيات ربها و منزلة ولدها و تصدّقه فيما أخبرها به بدلالة قوله «تعالى»: «وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا»[سورة التحريم آية: 12] و قيل لكثرة صدقها و عظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها». فاطمة علیها السلام من المهد إلى اللحد، ص53. إذن : ففاطمة الزهراء علیها السلام و إنما لقبت بالصديقة لأنها صدقت بكلمات ربها... و فاضت عبرتها من خشية الله تعالى في عبادتها و في دعائها... و في كل سيرتها الذاتية و كل عمل كانت تصنعه فاطمة علیها السلام. إنما كان تصنعه لوجه الله وحده دون أن تنتظر من أحد جزاءاً و لاشكوراً. «و روي عن النبي محمد صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: قال: يا علي علیه السلام إني قد أوصيت ابنتي فاطمة علیها السلام بأشياء و أمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها فهي الصادقة الصدوقة». ثم ضمها إليه و قبّل رأسها و قال:«فداك أبوك يا فاطمة علیها السلام». البحار، ج22 ص491. و في هذا المسعى جاء حديث آخر عن المفضل بن عمرو و هو أحد تلامذة الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام من غسل فاطمة علیها السلام؟ قال: ذاك أميرالمؤمنين علي علیه السلام... ثم قال لي: كأنك ضقت مما أخبرتك به؟ فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك. فقال: لاتضيقن فإنها. أي فاطمة علیها السلام. صديقة لم يكن يغسلها إلا صدّيق أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى؟».

كَوُلْدِها مَا رَأى راءٍ و لاسَمِعا

أرْضُ الوِلايةِ كَانَتْ رَحْمَةٌ و نَمَا *** لِلْخَلْقِ مَا بَيْنَ أَرْضِ لِلْوَرى وَسَما

وَ نِعْمَةً لأبيها أَصْبَحَتْ نِعَما *** سِبْطَا نَبِيِّ الهُدَى مِنْهَا اللَّذَانِ هُما

شَنْفانِ للعَرْشِ زانا حَيْثُما وُضِعا(1)

أهْلُ الكِسا خَمْسَةٌ سُبْحَانَ جَامِعُهُمْ *** وَ النِّسْعةُ الغُرُ وَ المَهْدِي نَاسِعُهُمْ

ما فَوْقَهُمْ ثَمَّ إلا اللَّهُ صانِعُهُمْ *** حازَ التُّقى و الرِّضا و القُرْب تابِعُهُمْ

تَبارَكَ اللهُ ماذا بَيْتُها جَمَعا

كانَ الوَلِيَّانِ نُوراً واحِداً كَمُلا *** فَصارَ نُورَيْنِ إِذْ مِنْ شَيْبَة انْفَصَلا

وَ في البَتُولَةِ عادَ النُّورُ فَاتَّصَلا *** سِرُّ النُّبُوَّةِ مِنْ طَهَ أُضِيفَ إلى

سِرِّ الإمامةِ في أَبْنائِها سَطَعا

هُمْ لِلْبَصائِرِ نُورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ *** وَ لِلْبَرِيَّةِ كَهْفٌ يُسْتَجارُ بِهِ

كَفُلْكِ نُوحٍ لِمَنْ رامَ النَّجاةَ بِهِ *** مجَمِّعاً رَحِمَ اللَّهُ العبادَ بِهِ

وَ لَمَّ لِلْخَلْقِ شَمْلَ الدِّينِ فَاجْتَمعا

أَصْفَاهُمُ اللهُ بِالتَّقْوَى وَ طَهَّرَهُمْ *** وَ خَصَّهُمْ مِنْهُ بالزُّلْفى وَ قَرَّبَهُمْ(2)

وَ بِالوِلايةِ أَعْلَاهُمْ وَ كَرَّمَهُم *** لِيُكْمِلَ الدِّينَ وَ النُّعمى تَتِمُّ بِهِمْ

ص: 509


1- شنفان: المفرد شنف و هو ما عُلّق فى الأذن أو أعلاها الأذن أو أعلاها من الحلي.
2- الزلفى: القربة، الدرجة المنزلة.

وَ يَرْتَضِي بِهِمُ الدِّينَ الَّذي شَرَعا

كانتْ مَوَدَّتُهُمْ وَ طاعَتُهُمْ *** عَلَى الوَرى إِذْ رِضا الرَّحْمَنِ غَايتَهُمْ

وَ لِلهُدَى فُرِضَتْ فينا إمامَتُهُمْ *** لِكَيْ تَتِمُّ و تَسْتَعْلِي و لايَتَهُمْ

لِكَوْنِها غَايَةَ البارِي لِمَا صَنَعا

أَلحَمْدُللَّهِ أَعْلَتْنا إمامَتَهُمْ *** وَ قَرَّبَتْنَا مِنَ البارِي قِيادَتُهُمْ

وَ ما اهْتَدَى مُهْتَدٍ لَوْلا هِدايَتُهُمْ *** وَ الدِّينُ جِسْم لَهُ كانَتْ وِلايَتُهُم

رُوحاً لِذلِكَ لَوْلاهُمْ لَمَا نَفَعا

هُم هُمُ أولياءُ اللهِ حَسْبُهُمُ *** رِضْوانُ بارِئِهمْ عنهُمْ و قُرْبُهُمُ

فازُوا وَ فازَ مُحِبُوهُمْ وَ حِزْبُهُمُ *** وَسِيلَةُ الفَوْزِ في الدَّارَيْنِ حُبُّهُمُ

بِهِمْ ُنفُوسُ المَوالِي تَأْمَنُ الفَزَعا

طُوبَى لِمَنْ بِوَلاهُمْ كَفُهُ عَلِقَتْ *** وَ رَحْمَةُ اللَّهِ بِالحُسْنَى لَهُ سَبَقَتْ

وَ الفَوْزُ رايَتُهُ فَوْقَهَ خَفَقَتْ *** وَ جَنَّةُ الخُلْدِ مِنْ أَنْوَارِهِمْ خُلِقَتْ

فَلَيْسَ تُقْبَلُ إِلا مَنْ لَهُمْ تَبِعا

كانُوا كَأَوَّلِهِمْ في الفَضْلِ آخِرُهُمْ *** قَوْمٌ أَبَى اللَّهُ أَنْ تُحْصَى فَضائِلُهُمْ

أوْ تَنْتَهِي في مَوالِيهِمْ مَآثِرُهُمْ *** هُمُ الرِّضا تَرْتَضِي فِينَا شَفاعَتُهُمْ(1)

وما لأعدائِهِمْ يَوْمَ الجَزا شُفَعا

ألمادِحُ الرَّبُّ وَ القُرْآنُ مِدْحَتُهُمْ *** ما قَدْرُ مَدْحِي لَهُمْ لَوْلاً مَحَبَّتُهُمْ

يا مَنْ عَن الحقِّ أَعْمَتْهُ عَداوَتُهُمْ *** أَجْرُ الرِّسالَةِ مَسْرُولٌ مَوَدَّتُهُمْ

لا قَرَّبَ اللَّهُ عَبْداً أَجْرَها مَنَعا(2)

ص: 510


1- مآثرهم: مفردها المأثرة و هي المكرمة المتوارثة و الفعل الحميد.
2- قالها في مولد مولاتنا الزهراء علیها السلام سنة (1408) هجرية و ألقاها بنفسه في الحفل الذي أقيم في حسينية آل هلال (نقلت من مجلة الموسم عدد 9 - 10 ص558).

(22) نبعة النور

(بحر الخفيف)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

كِدْتُ بالوَجْدِ أَنْ آذُوبَ الْتِبَاعًا*** ومِنَ الشَّوْقِ أَنْ أطِيرَ ارْتباعا(2)

حَسْرَةً للفراقِ قَلْبي منها *** مُترَعاً عادَ بالأَسى إِثْراعا

فإِلى كَمْ يا قلبُ بالوَجْدِ تَبْقَى *** ثَمِلاً لا تُطِيقُ منه انْتِزاعا؟

هَبْكَ قَدْ طُلْتَ مرَّةً في ضلالِ *** أَوَما آنَ للهُدَى أنْ تَداعي؟

أَوّتَرْجُو لومُتَّ بالهمَّ يَحْيى *** مَا مَضَى أو تصيب مِنْهُ ارتجاعا؟

فاتَ ما فاتَ لَنْ تَرى مِنْهُ عَوْداً *** عِشتَ صَبراً أَوْ مُتَّ فيه افتجاعا

باتَ دَهْراً لَدَيْكَ مُلْقّى ذَلِيلاً *** ثُمَّ لَمّا نَأَى نَدِمْتَ النْخِلاعا

فَاحْتَسِبُهُ لَوْ ظَلَّ عِنْدَكَ خُسْراً *** وَإِذا انْزاحَ يِلْتَ عنهُ التِفاعا

وَاعْتَبِرْ في عَزِيزَةٍ كانَ طه *** أوْدَعَ الخَلْقَ حِفْظَها إيداعا

***

نَبْعَةُ النُّورِ رَشْحَةُ القُدْسِ ذاتُ *** الفَضْلِ أُمُّ العُلَى الَّذِي لَنْ يُذاعا(3)

ص: 511


1- (*)مرت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول
2- التياعاً : لوعة واحتراقاً من الهم والشوق إرتياعاً خوفاً وفزعاً. والاتراع في البيت الثاني بمعنى الامتلاء...
3- ورد فى كتاب الخصائص الفاطمية للمحقق محمد باقر، ص1: سبحانك اللهم يا فاطر السموات العلى .. وفالق الحب والنوى .. أنت من اسمك واشتققته من نورك... فوهبت اسمك بنورك حتى يكون هوافجعلت ذلك الاسم جرثومة لجملة أسمائك.. . وذلك النور أرومة لسيدة في الملأ الأعلى: أنا الفاطر و هي فاطمة عیلها السلام... و بنورها ظهرت الأشياء من الفاتحة إلی الخاتمة .. فاسمها اسمك و نورها نورك و ظهورها ظهورك... و لا إله غيرك... وكل كمال ظلك وكل وجود ظل وجودك... فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية .. واختصصتها بالخصائص الفاطمية... مفطومة عن الرعونات العنصرية... ونزّهتها عن جميع النقائص... مجموعة من الخصائل المرضية بحيث عجزت العقول عن إدراكها... والناس فطموا عن كنه معرفتها... فدعا الأملاك في الأفلاك بالنورية السماوية وبفاطمة المنصورة علیها سلام... أم السبطين... و أكبر حجج الله على الخافقين... ريحانة سدرة المنتهى... وكلمة التقوى... والعروة الوثقى... وستر الله المرخى... والسعيدة العظمى و المريم الكبرى... و الصلاة الوسطى.. و الإنسية الحوراء التي بمعرفتها دارت القرون الأولى. . وكيف أحصي ثناها وإن فضائلها لا تحصى وفواضلها لا تقضى؟ البتول العذراء والحرة. البيضاء... أم أبيها... وسيدة شيعتها وبنيها... ملكة الأنبياء... الصديقة فاطمة الزهراءعلیها سلام. نعم ما قال: خجلاً من نور بهجتها تتوارى الشمس في الأفق *** و حياءً من شمائلها يغطى الغصن في الورق

فَبِسِتْ النّساءِ فَاطِمَةَ الزَّهْرا *** ءِأُمِّ الهُداةِ تَحْظَى اقْتِناعا

فَلَقَدْ نايّها الزَّمانُ بِيَوْمٍ *** فَقَدَتْ كُلَّ مَا لَدَيْها انْتِزاعا

فَقَدَتْ سيِّد الأنامِ أَباهاً *** وَعُلاها وإِزثَها والقناعا

مَنَعُوها حَتَّى البُكَاءَ عَلَى مَنْ *** فَقْدُهُ قَطَّعَ القُلوبَ اقْتِطاعا(1)

فَغَدَتْ بالزَّفِيرِ تُحْرِقُ ما قَدْ *** أعْشَبَ الدَّمْعُ بِالبَقِيعِ البَقاعا

فَأَبْوا أَنْ تَرى مِنَ الشَّمْسِ ظِلاًّ *** فِيهِ فَاجْتَثُّوا الأَراكَ اقْتِلاعا (2)

أفَهذا أَجْرُ الرِّسَالَةِ مِنْهُمْ *** مَحَضُوهُ النَّبِيَّ أَمْراً مُطاعا؟

أَنْ يَسُوموا بَنِيهِ ذُلاًّ وهَضْماً *** ضِدَّ ما قَدْ أَوْصى بِهِمْ مَا اسْتَطَاعا(3)

لم يُقِرُّوا حتّى نَفَوا عن فِناهُمْ *** آلَهُ أَنْ تُصِيبَ مَعْهُ اجتماعا

فامْتَطَوْا بِالسُّرُورِ إِذْ أَنْزَلُوهُمْ *** ما بَنَتْهُ الأخزانُ داراً وقاعا

***

ص: 512


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 43 ص 155 عن أبي عبد الله علیهم السلام قال : وأما فاطمة علیها سلام فبكت على رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم حتى تأذّى به أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر. مقابر الشهداء. فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف
2- إجتثوا: اقتطعوا
3- يسوموا: يكلفوا

ثمّ يا لَيْتَهُمْ بِذَاكَ اكْتَفَوْا فِي *** ظُلْمِهِمْ كُلَّ مَا اجْتَطَوْهُ ابْتِلاعا

غَصَبُوهُمْ حتّى الخلافة ظُلْماً *** وَ رمَوْهُمْ عَنِ الدِّيارِ انْقِشاعا

بَلْ أَرادوا الوَصِيَّ يَمْنَحُ ما قَدْ *** أَجْمَعُوا فِيهِ بَيْعَةً و اتّباعا

إِذْ أَتَوْا حَيْثُ قَدْ نَفَوْهُمْ بِجَزْلٍ *** وَ عَلَيْهِمُ بالحَرْقِ هَمُوا اصْطِناعا

لَيْتَ عِلْمِي مَنْ ذا أرادُوا بِحَرْقٍ *** مِنْهُمْ أمْ مَنِ اسْتَحقَّ الدِّفاعا؟

ما اسْتَحَقَّتْ ِللحَرْقِ مَنْ بِحماها *** أحْمَدُ كَانَ قَدْ مَلاَ الأَسْماعا

أَمْ بَنُوها كَيْلاً عَلَى الْأَرْضِ تَبْقَى *** مِنْهُ نَسْلُ فِيهِمْ حِماهُ يُراعى

أم علِىٍّ أحقُّ حَرْقاً لِئَلاً *** الخَلْقُ فيهِ لِلرُّشْدِ تَلْقى اطِّلاعا

حِينَ نادَوْهُ يا عَلِيُّ انْتِ بايِعُ *** مَنْ تَرى عَنْهُ لَيْسَ تَقْوَى امْتِناعا

أو فَهْذِي اللَّظى بِبَيْتِكَ تُلْقَى *** فَانْبَرتْ زَوْجُهُ تَكُفَّ النّزاعا

فَتَحَتْ بابها لِتُبْصِرَماقَدْ *** فيه جاؤُوا ظَنَّتْ بِهِمْ أتْباعا

وَ هْيَ تَرْجُو اَنْ لايَهُمَّ امْرُؤٌ مِنْ *** غيرِ إِذْنِ في ذا المقامِ انْدِفاعا

***

وَ إِذا القَوْمُ ذاكَ يَسْبِقُ هذا *** هَجَموا بَيْتَها اقتحاماً سِراعا

با لِئامَ النُّفُوسِ هَلْ جازَ هذا *** الفِعْلُ تَلْقى بهِ الرَّعاعُ الرعاعا؟

كَيْفَ أجْرَيْتُموهُ في بَيْتِ طَهَ *** ألِذَا القَدْرِ قَدْرُهُ لايُراعى؟

أبهذا تُجزى الرِّسالَةُ أَجْراً *** أَنْ تُمِيطُوا عَن البَتُولِ القِناعا؟(1)

ولدَى البابِ و الجدارِ يُرَضُّ *** الصَّدْرُ منها و كُسِّرَتْ أَضْلاعا(2)

حيثُ تُلْقِي مِنْ بَطْنِها الحَمْلَ سِقْطاً *** حينَ لَزُّوا بِجَنْبِها المِصْراعا(3)

وَ أَناطُوا عَلَى رَحَى الحَرْبِ حَبْلاً *** أوْثَقوُه به يَداً و ذرِاعا

ص: 513


1- تميطوا: تنحوا وتبعدوا.
2- الظاهر أن في البيت إقواء لأن الأصل هو رفع أضلاع لأنها نائب فاعل ولكن الشاعر جاء بها في حالة النصب.
3- لزّوا: ألصقوا وألزموا.

لَبَّبُوهُ يُقادُ صَبْراً وَ لَوْلاَ *** الصَّبْرُ نالُوا من بَأْسِهِ الزَّعْزاعا(1)

وَعَدَتْ خَلْفَهُ البَتُولُ تُنادِي *** إِذْ دَعَتْهُ فَلَمْ تَجِدْهُ تَدَاعَى

نَسِيَتْ كُلَّ ما به قَدْ أصِيبَتْ *** إِذْ مُصابُ الوَصِيَّ أدْهى افْتِجاعا

وَ دَعَتْهُمْ خَلُوا ابْنَ عَمّي و إلاّ *** سوفَ أَدْعُو الجليلَ عَزَّ ارْتِفاعا

خَرَجَتْ خَلْفَهُمْ و يُوشِكُ لولاها *** لوافي دَمُ الوَصِيِّ ضَياعا

لاتَسَلْنِي ماذا أجِيبَتْ به إذْ *** ما نَعَتْهُمْ فلم يُنيبُوا امْتِناعا

أوْجَعُوها بالسَّوْطِ ضَرْباً و هَوْناً *** حيثُ مِنْ ضَرْبِهِمْ قَضَتْ أَوْجاعا(2)

فَهيَ تَمْشِي طَوْراً و تُسْقِطَ وَهْناً *** فَلَها اللهُ كُرْبةٌ وَ ارْتِياعا

***

كُمْ عَلى الصَّبْرِ أَهْلُ بيتِ المَعالي *** حَمَلُوا مِنْ أذى الوَرى أَوْساعا؟

أترى المرتضى انْتفَى غِيرَة عَن *** زَوْجِهِ اَمْ عَنْ نَصْرِها شَلَّ باعا؟

أمْ تَرى الطُّهرَ ليسَ تَقْدِرُ فِيهِمْ *** أَنْ تَنالَ الَّذي تُريدُ اصْطِناعا؟

أَوَ لَمْ يُبْصِرُوا العذابَ تُدَلَّى *** حينَ هَمَّتْ تَدْعُو فَذَلُّوا ضِراعا؟

إِنَّما عامَلاَهُمْ بِالَّذي قَدْ *** عامَلَ المصطفى اللِّئامَ وراعى

فَلَكَمْ قابَلَ البَلايا بِصبرٍ *** فَحَذا حَذْوَهُ بَنُوهُ اتِّباعا

و علَى الغَيْظِ و القَذى قَدْ قَضى إِذْ *** بِنْتُهُ منهما قَضَتْ إِجماعا

أُلْقِيَتْ في الفِراش نَضْوَ سَقامٍ *** كُلُّ حِينٍ بالسُّقْمٍ تَصْلى النِّزاعا

أَوْدَعَتْها السَّقامُ بالبيتِ رَهْناً *** ثُمّ عنه للخُلدِ جَدَّتْ وِداعا

وغَدَتْ بعدَها المنازِلُ خِلُواً *** حينَ حَلَّتْ أعْلَى البقيعِ بِقاعا(3)

ص: 514


1- لبَّبوه: كتَّفوه و جروه.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص134 في حديث طويل: فنظر علي علیه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه ثم قال: نشكو له ضربة ضربها فاطمة علیها السلام بالسوط فماتت و في عضدها أثره كأنه الدملج.
3- عن ديوان عرائس الجنان و نفائس الجنان. ج1 ص420 كتبت في تأريخ 1371/4/4 هجرية.

(23) رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ينظر فاطماً علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

رَأَى بَرْقَ حَزْوى فَاسْتَهَلَّتْ دُمُوعُهُ *** وَ هاجَ بِمَنْ يَهواهُ فيها ولوعُهُ(2)

خَلِيلَيَّ ما لي كُلَّما صُنْتُ في الحَشا *** هَوايَ بَدا دَمْعُ الشَّؤُونِ يُذِيعُهُ(3)

أحِنُّ لِعَهْدٍ قَدْ خَلا بَعْدَما حَلا *** وَ هَيْهاتَ يُرْجَى عَوْدُهُ وَ رُجُوعُهُ

لِيَ اللَّه كَمْ نَهْنَهتُ قَلْبِيَ عَنْ هَوًى *** تَحَمَّلَ مِنْهُ فَوْقَ مَا يَسْتَطِيعُهُ(4)

وَ كَفْكَفْتُ مِنْ طَرْفِي الدُّمُوعَ فَلَمْ تَكُنْ *** لِغَيْرِ بَنِي الزَّهْراءِ تُهْمِي دُمُوعُهُ(5)

و خَطْبٌ جَرَى بِالطَّفِّ لم يُنْسَ وَقْعُهُ *** وَ لَمْ تَلْتَئِمْ طُولَ الزَّمانِ صُدُوعُهُ(6)

عَشِيَّةَ أَمْسَى مَنْزِلُ البَغْيِ آهلاً *** وَ مَنْزِلُ وَحْيِ اللهِ أَقْوَتْ رُبُوعُهُ(7)

لَقَدْ كانَ مِنْ يَوْمه السَّقِيفَةِ أَصْلُهُ *** وَ كُلُّ الرّزايا الحادِثاتِ فُروعُهُ

فما عُذْرُهُمْ عِندَ النَّبِيِّ وَ لَمْ يَزَلْ *** يَرَى كُلَّ آن مِنْهُمُ مَا يَرُوعُهُ؟

أفي غَصْبِهِمْ حَقَّ الوصي و ظُلْمِهِمْ *** لِبَضْعَتِهِ الزهراءِ يُجْزَىٰ صَنِيعُهُ؟

ص: 515


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الثاني.
2- هاج: ثار و تحرَّك و انبعث. ولوعه: شدة حبّه و تعلقه. حزوى: الحزازة. وجع في القلب.
3- الشؤون: مفرده الشأن له معان كثيرة و المقصود منها هو العِرْق الذي تجري منه الدموع يقال: (فاضتْ شؤونه أي عروق دموعه).
4- نهنهتُ: كففتُ و زجرتُ بالفعل أو القول.
5- كفكفت: مسحتُ مرّةً بعد مرّةٍ. تهمي: تسيل بحيث لايثنيها شيء.
6- لم تلتئم صدوعه: لم تلتحم و لم تبرأ شقوقه.
7- أقوت ربوعه: خلت دوره و منازله أو أحياؤه السكنية.

لَوَ أنَّ رَسُولَ اللهِ يَنْظُرُ فاطماً *** تَنُوحُ وَ لَمْ تَهْجَعُ لَعَزَّ هُجُوعُهُ(1)

فَلولا جَنِينٌ أَسْقَطُوهُ لَما هَوَى *** صَرِيعاً على صدرِ الحُسَيْنِ رَضِيعُهُ

و مِنْ رَبِّهِمْ ضِلَّعَ البَتُولةِ قَدْ غَدَتْ *** تُرَضُ بِجَرْيِ الصَّافِناتِ ضُلُوعُهُ(2)

ص: 516


1- انظر بكاءها في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم/ ص532 ح27. قال أبوعبدالله علیه السلام.... و يأتي محسن مخضباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت أسد أم أميرالمؤمنين علیه السلام و هما جدّتاه و أم هانىء و جمانة عمتاه ابنتا أبي طالب و أسماء ابنة عميس الخثعمية صارخات أيديهن على خدودهن و نواصيهن منشرة و الملائكة تسترهن بأجنحتهن و فاطمة علیها السلام أمه تبكي و تصيح و تقول: «هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»[سورة الأنبياء آية: 103] و جبرائيل يصيح. يعني محسّناً و يقول : «إنِّي مظلوم فانتصر» [سورة القمر، آية: 10] فيأخذ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم محسناً على يديه رافعاً له إلى السماء و هو يقول: «إلهي وسيدي صبرنا في الدنيا احتساباً و هذا اليوم الذي «تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا» إشارة إلى قوله «تعالى» في [سورة آل عمران الآية: 30].
2- الصافنات: الأفراس القائمة على ثلاث قوائم و طرف حافر الرابعة. نظمها سنة (1399 ه_)، الذخائر ص88 نقلاً من كتاب من لا يحضره الخطيب ج1 ص78.

(24) سلاماً أبا الزهراء صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الأستاذ مدين الموسوي

وَقَفْتُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ وَ أَعْيُنِي *** تَكَادُ بِأَنْ تَأْتِي عَلَيْهَا دُمُوعُهَا

وَ أَرْخَيْتُ أَجْفَانِي لِتَسْكُبَ عَبْرَةً *** تَفَجَّرَ مِنْ أَرْضِ العِراقِ نَقِيعُهَا(1)

بَكَيْتُ بِهَا حُزناً لآلِ مُحَمَّدٍ *** وَ قَدْ راعَنِي فِي كُلِّ أَرْضِ مَضِيعُهَا

لِمَاذَا عَفَتْ مِنْهُمْ قُبُورٌ وَ غَيْرُهُمْ *** تَلألأ نُوراً بِالنَّعِيمِ شُمُوعُهَا

لِمَاذَا خَبَتَ مِنْهُمْ شُمُوسٌ و غُيِّبَتْ *** بُدُورٌ مَعَ القُرآنِ كَانَ طُلُوعُهَا(2)

وَقَفْتُ وَ فِي حَلْقِي شَجَى يَسْتَفِزُّنِي *** وَ قَدْ هُدَّ مِنْ تِلْكَ العِمَادِ رَفِيعُهَا

أَسَائِلُهَا الزَّهْرَاءَ كَيْفَ تَهَشَّمَتْ *** عَشِيَّةَ خَلْفِ البَابِ عَمْداً ضُلُوعُها

أُسَائِلُ عَنْ نَارِ بِبَابِكَ لَمْ تَزَلْ *** تُحَرِّقُ أَكْباداً تَضَرَّى صَدِيعُهَا

أُسَائِلُ عَنْ أَرْضِ وَ قَدْ ضَمَّ تُرْبُها *** طَهَارَةَ أَجْدَاثِ عَبِيراً تَضُوعُها

فَمَا رَاعَنِي إِلا صَدِّى جَاوَبَ الصَّدَى *** وَ قَدْ صُمَّ مِنْ تِلْكَ القُلُوبِ سَمِيعُها

هِيَ الآنَ قاعاً صَفْصَفاً غَيرَ أَنَّها *** تُحَشِّدُ أمْلاكَ السَّمَاءِ رُبُوعُهَا(3)

***

سَلاماً أَبَا الزَّهْرَاءِ إِنَّ عِصَابَةً *** تَوَالَتْ عَلَى إيذاكَ سَاءَ صَنِيعُهَا

ص: 517


1- نقيعها: النقيع الماء العذب البارد، البئر الكثيرة الماء.
2- خبت: خمدت و سكنتْ و انطفأت.
3- قاعاً: أرضاً سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال و الآكام. صفصفاً: مستوياً مطمئنا.

وَ إِنَّ يَداً أغفَتْ قُبُوراً بِطَيْبَةٍ *** وَ بِاسْمِكَ بَعْدَ اللَّهِ زَالَ خُنُوعُهَا(1)

لَها مِنْ أَكُفِّ سَالِفَاتٍ وَرَاثَةٌ *** غَداةَ أَحَاطَتْ بِالْحُسَينِ جُمُوعُها

وَ إِنَّ أَكُفَّا أَضْرَمَتْ بَابَ حَيْدَرٍ *** بِنَارٍ وَ لِلزَّهْرَاءِ رَاحَتْ تَرُوعُهَا

هِيَ الآنَ تَمْرِي الضَّرْعَ سُمَّا تَدُوفُهُ *** فَتَقْطِرُ مِنْ حِمَّدٍ عَلَيْنَا ضُرُوعُهَا

تُبَادِلُنَا كَأْساً بِكَأْسٍ نَقِيعَةٍ *** فَنُسْكرُها حُبًّا وَ يَطْغَىٰ نَقِيعُهَا

لَقَدْ رَوِيَتْ مِنَّا دِمَاءَ وَ لَمْ يَزَلْ *** يُطَارِدُ أَشلاء الملايين جُوعُهَا

وَ قَدْ قَطَعَتْ مِنَّا رُؤوساً كَرِيمَةً *** وَ قَدْ أَضْرَمَتْ نَاراً تَرَامَى وَسِيعُهَا

فَمِنَّا بِكُوفانٍ أبِيحَتْ حَرائِرٌ *** وَ بَغْدَادُ مَا زَالَتْ نَسِيلُ صُدُوعُهَا

وَ فِي كَرْبَلاً حَيْثُ الزَّمَانُ تَفَصَّمَتْ *** عُرَاهُ وَ قَدْ جَلَّى السَّمَاءَ صَدِيعُهَا(2)

وَ فِي أرْضِ فَخِّ لا تَزَالُ جَمَاجِمٌ *** مُعَلَّقَةٌ مَالَتْ عَلَيْهَا جُذُوعُهَا

وَ قَدْ حَسِبَتْ أَنَّا إِذَا السَّيْفُ حُكِّمَتْ *** قَوَاعِدُهُ فِينَا تَطُولُ قُطُوعُهَا

وَ قَدْ حَسِبَتْ أَنَّا إِذَا غَابَ بَعْضُنَا *** وَ أَخْلَىٰ لَهَا دَرْباً يَسُودُ جَمِيعُهَا

وَ مَا عَلِمَتْ أَنَّا بَقِيَّةُ صَرْخَةٍ *** تَرَدَّدَ فِي صُمِّ الزَّمانِ رَجِيعُهَا

وَ أَنَّا غِرَاسٌ ثَابِتَاتٌ بِأَصلِهَا *** وَ قَدْ نَاطَحَتْ هَامَ السَّمَاءِ فُرُوعُهَا

***

عَزَاءً أَبَا الزَّهْرَاءِ لَسْتُ مُعَزِّياً *** سِوَاكَ بِمَنْ يَوْمَ الحِسَابِ شَفِيعُهَا

بِأمَّةِ ظُلْمٍ أَجْمَعَتْ فِيكَ رَأْيَها *** وَ عَنْكَ تَخَلَّى جِلْفُهَا وَ قَطِيعُهَا

وَ طالَ بِوَجهِ اللهِ عَمْدَاً وُقُوفُهَا *** وَ فِي حَضْرَةِ الشَّيْطَانِ دَامَ رُكُوعُهَا

غَداةَ أَزَاحَتْ عَنْ عُلاهَا عَلِيَّهَا *** وَ رُفْعَ مِنْ جَهْلٍ عَلَيْهَا وَضِيعُهَا

وَ راحَتْ تُكَافِيكَ الصَّنِيعَ فَتَارَةً **** بِنَارٍ وَ أُخْرَىٰ سُمُهَا وَ نَقِيعُهَا

وَ فِي كَرْبَلا لَمْ تُبْقِ مِنْكَ بَقِيَّةً *** لِيَفْنَى عَلَيْهَا شَيْحُهَا وَ رَضِيعُهَا

ص: 518


1- خنوعها: خضوعها و ذلّها.
2- تفصت عراه: انقطعت حِبالُه و العُرى جمع العروة وهي ما يوثق به من حبل أو غيره.

وَ أُخْرَى وَ قَدْ لأحتْ لآيكَ قُبَّةٌ *** يُلامِسُ أَبْرَاجُ السَّمَاءِ سُطُوعُهَا

عَفَتْهَا لِتَعْفِي نُورَهَا وَ سُمُوَّهَا *** وَ قَدْ خَابَ، إِلا أَنْ تَطُولَ، صَنِيعُهَا

عَزَاءَ أبا الزَّهراءِ في كُلِّ بُقْعَةٍ *** تَسَاوَى عَلَيْهَا طَفُّهَا وَ بَقِيعُها(1)

ص: 519


1- 25 ذو القعدة/1413 هجرية. المدينة المنورة.

(25)آية التطهير

(بحر الطويل)

الشيخ مفلح الصيمري(*)(1)

إلَى كَمْ مَصابِيحُ الدُّجى لَيْسَ تَطْلَعُ *** وَحَتَّامَ غَيْمُ الجَوْ لايَتَقَشَعُ؟

ص: 520


1- (*)هو الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد أو رشيد بن صلاح الصيمري البحراني. قال السيد الأمين في الأعيان: توفي في حدود سنة (900 ه_)، و قبره في قرية سنمآباد من قرى البحرين و قبر ابنه الشيخ حسين بجنبه. و الصيمري نسبة إلى صيمرة بصاد مهملة مفتوحة و مثناة تحتية ساكنة و ميم مفتوحة وراء مهملة وهاء في معجم البلدان كلمة أعجمية و هي في موضعين أحدهما في البصرة على فم نهر معقل و فيها عدة قرى تسمى بهذا الاسم وبلد بين ديار الجبل وديار خوزستان و هي مدينة بمهرجان. و في أنساب السمعاني: الصَّيمري هذه النسبة إلى موضعين أحدهما منسوب إلى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمري عليه عدة قرى. و أما الصيمرة فبلدة بين ديار الجبل وخوزستان وسألت بعضهم عن هذا النسب فقال: صيمرة و كودشت قريتان بخوزستان. و قال الشيخ سليمان البحراني: إن المترجَم له أصله من صيمر البصرة و انتقل إلى البحرين و سكن قرية سنمآباد. و في أمل الآمل قال: إن المترجم له فاضل علامة فقيه معاصر للشيخ علي بن عبد العالي الكركي. و في رسالة للشيخ سليمان البحراني وصفه بالفقيه العلامة. و ذكره الزركلي في الأعلام فقال: مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري فقيه إمامي. و للمترجم له تصانيف منها: 1- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام. 2- شرح الموجز لابن فهد الحلي. 3- مختار الصحاح. 4- منتخب الخلاف. 5- رسالة جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات. 6- رسالة في الفرائض. و ترجَم له السيد الخوانساري في روضات الجنات فقال: توفي سنة (933ه_) و عمره يزيد على الثمانين و كان له فضائل و مكرمات و كان يختم القرآن في كل ليلة الاثنين و الجمعة مرَّة.

لَقَدْ طَبَّق الآفاق شَرْقاً و غَرْبَها *** فَلا يَنْجَلِي آناً وَلا يَتَقَطَعُ

و أَمْطَرَ فِي كُلِّ الْبِلادِ صَواعِقاً *** وَ هَبَّتْ لَهُ رِيحٌ مِنَ الشَّرِّ زَعْزَعُ(1)

فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمُ غَيْرُ مَنْ بَاعَ دِينَهُ *** وَ قَالَ بِمَا يُرْضِي الضُّلُوعَ وَ يُقْنِعُ

وَ لا عَزَّ إِلا مَنْ أتى بِنَمِيمَةٍ *** وَ لاذُلَّ إِلا مُؤمنٌ مُتَوَرّعُ

مَنَازِلُ أَهْل الجَوْرِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ *** عمّارٌ و أَهْلُ العَدْلِ في تِلْكَ بَلْقَعُ(2)

يَقُولونَ في أَرْضِ العِرَاقِ مُشَعْشِعٌ *** وَ هَلْ بُقْعَةٌ إلا و فيها مُشَعْشِعُ؟(3)

فَلا فَرْقَ إلا عَجْرُهُمْ وَ اقْتِدَارُهُ *** وَ ظُلْمُهُمُ فَمَا يُطِيقُونَ أَشْنَعُ

لَقَدْ ضَاقَتِ الآفاقُ وَ أُرْتِقَ الفَضا *** فَلَيْسَ لأهلِ الدِّينِ فِي الأَرضِ مَوْضِعُ

فَهَلْ عَامِرٌ فِي الْأَرْضِ بَلْ أَوْ مَفَازَةٌ *** وَ لَيْسَ لَها فِي الظُّلْمِ جَمْعٌ مُجَمَّعُ؟

وَ مَا سَنَّ فِيها الظُّلْمَ إِلا عِصابَةٌ *** تَقُولُ عَلى آلِ النَّبِيِّ تَجَمَّعُوا

فَلَمْ يَتْرُكُوا للدِّينِ أَصْلاً يُقِلُّهُ *** وَ لَمْ يَتْرُكُوا فَرْعاً لَهُ يَتَفَرَّعُ

وَ قَادُوا عَلِيًّا في حَمائِلِ سَيْفِهِ *** وَ كُسْرَ أَسْيافُ لِقَوْمٍ وَ أَضْلُعُ

كَسَيْفِ زُبَيْرِ ثُمَّ ضِلْعِ ابْنِ یاسِرٍ *** وَ ضِلْعِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ الصُّحْفِ قَطَعُوا

إذا فَعَلُوا هذا بأصحابِ أَحْمَدٍ *** و قالُوا لنا إِنَّ الصَّحابَةَ أَجْمَعُوا

عَلَى حَبْتَرٍ ثُمَّ ارْتَضَوْهُ أَمِيرَهُمْ *** فَهَلْ عَاقِلٌ يَرْضَى بِهَذا وَ يَقْنَعُ؟

وَ فَاطِمَةُ الزَّهراءُ حَازُوا تُراثها *** عناداً فَجَاءَتْ حَبْتَراً تَتَشَّفَعُ(4)

ص: 521


1- زعزع: شديد.
2- البلقع: الأرض القفر.
3- مشعشع: من شعشع عليهم بمعنى أغار عليهم.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورث ما تركناه صدقة». كما ورد في معجم البلدان/ للبلاذري، ج4 ص238. فدك: قرية بالحجاز بينها و بين المدينة يومان و قيل: ثلاثة. افاءها الله على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم في صلحاً و ذلك أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لما نزل خيبر و فتح حصونها و لم يبق إلا ثلاث و اشتد سبع بهم الحصار راسلوا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء و فعل و بلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم و أموالهم فأجابهم إلى ذلك فهي مما لم يوجف عليه بخيل و لاركاب فكانت خالصة لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و فيها عين فوّارة و نخيل كثيرة و هي التي أقطعها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و فاطمة «صلوات الله عليها ».. و لما قالت فاطمة علیها السلام: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم نحلنيها، قال أبوبكر: أريد لذلك شهوداً...

فَقَال أَبوكِ الْمُصْطَفى قَالَ مُعْلِناً *** بأنَّ أولِي القُرْبَى مِنَ الإِرْثِ مُنْعُوا

فقالَتْ فَهاتُوا نِحْلَتِي وَ عَطيَّتي *** فَقالُوا لها هَلْ شَاهِدٌ لَكِ يُسْمَعُ؟

فَقَالَتْ شُهودِي أَذهَبَ الرِّجْسَ عَنْهُمُ *** لَهُمْ آيَةُ التَّطْهِيرِ مَا فِيهِ مَدْفَعُ

هُمُ حيدر و ابناهُ مَعْ أَمِّ أَيْمَنٍ *** فَهَلْ لَكَ فِي رَبِّ الشَّهادةِ مَطْمَعُ

فَقَالَ لَها ظُلماً وَ كُفْراً وَ قَسْوَةً *** فَلَسْنَا بِقَوْلِ البَعْلِ و الإِبْنِ نَقْنَعُ

فَلَمَّا رَأَتْ تَصْمِيمَهُ فِي ضَلالِهِ *** وَ لَيْسَ عَنِ العِصيانِ وَ الظُّلم يُقْلِعُ

فَقامَتْ وَ أَنَّتْ عِنْدَ ذلِكَ أَنَّةً *** يَكادُ لَها صُمُّ الصَّفا يتصدَّعُ

و تابَعَتِ الزَّفْراتِ وَ النَّوْحَ وَ البُكا *** إلى أَنْ قَضَتْ لم يَرْقَ لِلطُّهرِ مَدْمَعُ

فَيا عَجبا مِنْ رَدَّةٍ لِشُهُودِها *** وَ قَوْلِ أناسٍ لَيْس في الكُفْرِ تَطْمَعُ

أَلَمْ يَفْقَهُوا أقوالَهُ و فِعَالَهُ *** أَلَمْ يَنْظُروا يا وَيْلَهُمْ ثُمَّ يَسْمَعُوا؟

فَهَلْ ردَّ إِلا مَنْ نَفَى الرّجسَ عَنْهُمُ *** وَرَدَّ الَّذِي قَدْ جَاءَ بِالوَحْيِ يَصْدَعُ؟

يُزَكِّي إلَ العالَمِينَ وَ احْمَدٌ *** أناساً وَ يَأْتِي المُعانِدُ تَيْمٍ وَ يَمْنَعُ

فَتَبَّالَها مِنْ أُمَّةٍ ضَلَّ سَعْيُها *** تُوَالِي كَفُوراً بالإلهِ وَ تَتْبَعُ(1)

ص: 522


1- عن منتخب الطريحي ص145 و القصيدة في (82) بيتاً أخذنا منها ما يتعلق بموضوعة كتابنا.

قافية الغين

اشارة

ص: 523

ص: 524

(1) حُجةٌ بالغة

(بحر الرّمل)

الأستاذ عادل الكاظمي (*)(1)

أَوْدَعَ (المُخْتَارُ) فِيهِمْ زَهْرَةٌ *** وَصْفُها أَعْجز كُل البُلَغا

هِي لِلسِّبعَيْنِ أُمٌّ وَكَفَى *** أَنْ يَكُنْ كُفُواً لَها رَبُّ الوغى(2)

جَابَهَتْ خَصْماً ألدّاً مارِدا *** جاحِداً غَمْراً مَرِيداً وَزَغا(3)

ص: 525


1- (*)مرت ترجمته في هذا الجزء.
2- ربُّ الوغى: سيد الحروب ويقصد به الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام. جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام وتر في غمر لسليمان كتاني، ص151: لقد كانت فاطمة الزهراء علیها السلام ابنة النبي صلي الله علیه و آله و سلم أكثر مما كانت ابنة الأمين محمد صلي الله علیه و آله و سلم... لقد كانت ابنة الصفة في زوج خديجة علیها السلام... و أي معنى للإنسان يعيش بجسده و لايعيش بالصفة فيه؟ أية قيمة لحبة القمح إن لم تكن تاجاً فوق ساق تمتن بقوة الخصب من قلب الحياة؟ وأي معنى لبتلات الزهرة إن لم تكن فوحاً بين و ريقات تخضلت بأنفاس الربيع و انداء السحر؟ و فاطمة علیها السلام العفيفة كانت ابنة الصفة في النبي صلي الله علیه و آله و سلم، الصفة المخصبة بعبقرية الخلق و التوليد، لقد كان جسدها النحيل وعاء لروح شفت حتى اندغمت بالمصدر الذي بزغ منه أبوها... و هي التي أحبت أباها يأكل اللقمة على المائدة الكبرى و يشرب الكوب من رشح المنابع، هكذا أحبت أباها صفة في الوجود لاطينة من تراب، أحبته ذرة رمل تحضن سوسنة و ليس ذرة رمل تتطاير طحين غبار... أحبّته غماماً يتكاثف ليهمي غيثاً و ليس ضباباً يتناشف ليرتجف سراباً... تلك هي الرهافة في الصديقة الزهراء علیها السلام التي جعلتها ابنة نبي أكثر مما جعلتها ابنة عبقري... تلک هي القبلة المفتوحة على بواكير الصفاء... تخص رفيقة للرجل العظيم الذي شرع حسامین دفاعاً عن حق توطدت ركائزه على صلابة ساعده و مكانة منكبية كما تركزت على مكانة عقله و صفاوة وجدانه... و تلك هي البتول المحضة بحب أبيها صلي الله علیه و آله و سلم... حب ذابت فيه كما تذوب الشموع على مدارج الهياكل... لتكون أطهر أم عرفتها الأجيال...
3- ألدّ: و المؤنّث لدّاء و الجمع لِداء أو لُدِّ، يعني الخصم الشديد الخصومة، قيل: إن اشتقاقه من لَدِيْدَي العنق لأنّه عند ذلك يأخذ كلّ واحدٍ من الخصمين بعنق صاحبه أو لأن خصمه أيَّ وجه أخذ من وجوه الخصومة غلبه في ذلك. مارداً: عاتياً. جاحِداً منكراً الله. غمراً جاهلاً مريداً خبيثاً شريراً. وزغ الرجل:الجبان الفشيل.

إذْ أَتتْ تَطْلُبُ إِرْثاً خَصَّها *** وَإِلَيْهَا الْحَقُّ جَذْلاناً صَغا(1)

أَفْرَغَتْ في قَوْلِها قُرْآنَها*** عَلَّها تَبْلُغُ فيهِ المُبْتَغَى(2)

حُجَّةً بالِغةً مُحكَمَةً *** فَصَّرَتْ عَنْ مِثْلِها أُمُّ اللُّغى

فَبَغى(تَيْمٌ) عَلَى (فَاطِمَةٍ) *** وَ عَلَى(الكرّارِ) مِنْ قَبْلُ بغى

فَأَتاها بِحَدِيثٍ مُفتَرّى *** وَ لَغا فِي الْقَوْلِ جَهْلاً وَرَعَى(3)

أَتُرى(أَحْمَدُ) (تيماً) خَصَّهُ *** بِحَدِيثٍ دُونَها إِذْ أَبْلَغا؟

خَسِئَتْ مِنْهُمْ حُلومٌ أَنْكَرَتْ *** آيَةَ التَّبْلِيغِ لَمَّا بَلَّغا

وَ أَتَوْا وِزْراً بِقَوْلٍ مُنْكَرٍ *** كَخِضَمِّ اليَمِّ بِالإفكِ طَغى(4)

حَرَموها (فدكاً) تِلْكَ الَّتي *** نَالَها (مَرْوانُ) مَا هذا البِغا؟

ص: 526


1- جذلان: فرحاً. وورد في مجمع البحرين للطريحي، ج5 ص283. فدك: قرية من قرى اليهود بينها وبين المدينة يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة، و هي أفاء الله على رسوله صلی الله علیه و آله و سلم وكانت لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لأنه فتحها هو و أميرالمؤمنين علیه السلام لم يكن معهما أحد فزال عنها حكم الفيء و لزمها اسم الأنفال. فلما نزل «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء الآية: 26] أي أعط فاطمة علیها سلام فدكاً أعطاها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إياها و كانت في يد فاطمة علیها السلام إلى أن توفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأخذت من فاطمة علیها السلام لااله الا بالقهر و الغلبة... و قد حدّها علي علیه السلام: حدّ فيها جبل أحد وجد منها عريش مصر وحدّ منها سيف البحر و حدّ منها دومة الجندل يعني الجوف...
2- في كتاب العوالم ج2/11 ص647 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة(صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر ادعيت أنك خليفة أبي و جلست مجلسه و أنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك و قد تعلم أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم صدّق بها عليّ علیه السلام وأنّ لي بذلك شهود. فقال لها: إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لايورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه قولي له: رعمت أن النبی صلى الله عليه و آله وسلم لايورث، و ورث سليمان داود و ورث يحيى زكرّيا، و كيف لاأرث انا أبی؟ فقال عمر: أنت معلّمة قالت: و إن كنت معلّمة فإنما علّمني ابن عمي و بعلي...
3- رغى: البعير بمعنى: صوّت وضجّ .
4- اليمّ : البحر الإفك: الكذب.

الفهارس العامة

اشارة

1 - فهرس الشعراء

2 - فهرس التراجم

3 - فهرس القصائد والبحور

4 - فهرس الموضوعات

ص: 527

ص: 528

1- فهر الشعراء

الاسم *** المقطوعة

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني التوبلاني *** ر(1)، ض (1).

الأستاذ إبراهيم محمد جواد *** س(1).

الشيخ أبو حازم الباوي *** ر(2).

الشيخ أبوالفضل الطهراني *** ع(1).

الأستاذ أحمد رشيد مندو *** ر(3).

السيد إسماعيل الحميري *** ر(4)، ع(2).

السيد باقر الهندي *** ر(5)، ر(6).

الأستاذ بدر شبيب الشبيب *** ر(7).

الشيخ بهاء الدين محمد العاملي *** ر(8).

الأستاذة تغريد خطاب *** ر(9).

الشيخ جعفر العوامي (أبو المكارم) *** ر(10)، س(2).

الشيخ جعفر النقدي *** ر(11).

الشيخ حبيب شعبان *** ر(12).

الملا حسن آل جامع *** ر(13).

الأستاذ حسن أحمد العامر *** ر(14).

الشيخ حسن البحراني القيسي *** ع(3).

السيد حسن الشيرازي *** ر(15).

الشيخ حسين البيضاني *** ع(4).

السيد حسین حسن هاشم *** ر(16).

الشيخ حسين الشبيب *** ر(17)، ر(18).

السيد حسين الصدر *** ع(5).

الشيخ حسين الطرفي *** ض(2).

ص: 529

الشيخ حسين النصراوي *** ر(19).

الأستاذ حميد أحمد المسري *** ر(20)، ش(1)، ط(1).

السيد خضر القزويني *** ر(21).

السيد رضا الهندي *** ع(6).

الحاج زين العابدين الكويتي *** ر(22).

الحاج سعود الشملاوي *** ر(23).

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ر(24).

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني *** ع(7).

الأستاذ سلمان الربيعي (أبوأمل) *** ع(8).

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة *** ش(2)، ص(1).

السيد شاكر المحنة *** ر(25).

الشريف المرتضى *** ر(26).

السيد صالح الحلي *** ر(27)، ر(28)، س(3)، ع(9)، ع(10).

الشيخ صالح الطرفي *** ز(1).

الشيخ صالح الفيلي *** ر(29).

السيد صدر الدين الصدر *** ر(30)، (31)

الأستاذ صلاح الدين صاوي *** ع(11).

الأستاذ عادل الكاظمي *** ع(12)، غ(1).

الأستاذ عباس أبوالطوس *** ر(32).

الشيخ عبد الأمير النصراوي *** ر(33).

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي *** ر(34)

الشيخ عبد الحسين الحويزي *** ر(35).

الشيخ عبدالحسين شكر *** ر(36).

الأستاذ عبد الرحمن العلوي *** ر(37).

السيد عبد الرؤوف الأمين *** ر(38).

الشيخ عبد الستار الكاظمي *** ر(39)، ر(40)، ع(13).

السيد عبد الصاحب الموسوي *** ر(41).

الأستاذ عبد العزيز العندليب *** ر(42)، ر(43)، (44).

ص: 530

الشیخ عبدالمجید أبوالمکارم *** ر(45).

الشیخ عبدالمنعم الفرطوسي *** ع(14).

الشیخ عبدالواحد مظفر *** س(4).

الأستاذ عبود أحمد النجفی *** ر(46)، ع(15).

الدکتور عصام عباس *** ر(47).

الشیخ ملا علي آل رمضان *** ر(48)، ر(49)، ر(50)، ط(2).

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ر(51) ، ر(52) ، ر(53).

الأستاذ علي بن حماد العدوي العبدي البصري *** ر(54 )، ر(55).

السيد علي الترك *** ر(56).

السيد علي راضي الحكيم *** ر(57).

الأستاذ علي محمد الحائري *** ز(2)، س(5)، ش(3)، ص(2)، ض(3)، ع(16).

الشيخ علي منصور المرهون *** ر(58).

الأستاذ علي نوح المهنا *** ر(59).

السيد عمران المير *** ع(17).

الشيخ فاضل الصفار *** ش(14).

الشيخ فرج العمران القطيفي *** ر(60).

الشيخ قيس العطار *** ع(18).

الشيخ كاظم آل نوح *** ع(19).

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي *** ر(61).

الشيخ كاظم الهر *** ع(20).

لأحد الشعراء *** ر(91).

السيد ماجد الجدحفصي البحراني *** ر(62).

الأستاذ ماجد الصيمري *** ر(63).

الشيخ محسن آل جواهري *** ر(64).

الشيخ محسن أبوالحب (الصغير) *** ر(65).

الشيخ محسن أبوالحب (الكبير) *** ر(66).

السيد محسن الأمين العاملي *** ر(67).

ص: 531

الشيخ محسن الفاضلي *** ر(68).

الحاج محمد آل رمضان الاحسائي *** ر(69)، ر(70)، ر(71)، ع(21).

الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** ر(72)، ر(73).

السيد محمد جمال الهاشمي *** ر(74)، ر(75).

الشيخ محمد جواد الجنابي النجفي *** ر(76).

الشيخ محمد حسين الأنصاری *** ر(77)، ر(78).

السيد محمد رضا القزويني *** ز(3)، ض(4)، ط(3)، ظ(1).

السيد محمد صالح البحراني *** ر(79)، ع(22).

الشيخ محمد علي الأردوبادي *** س(6).

الأستاذ محمد علي العلي *** ر(80).

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** ر(81)، ع(23).

الحاج محمد الكوفي القطيفي *** ر(82).

السيد محمد مهدي القزويني الحائري *** ض(5).

السيد محيي الدين الغريفي *** ر(83).

الأستاذ مدين الموسوي *** ع(24).

السيد مرتضى النجفي البهبهاني *** ر(84).

الأستاذ مصطفى جواد *** ر(85).

الشيخ مفلح الصيمري *** ع(25).

السيد مهدي الأعرجي *** ر(86).

السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي *** ر(87).

السيد هاشم حسين الموسوي *** ر(88).

الحاج هاشم الكعبي الحائري *** ر(89).

الأستاذ هيثم مسعود الكربلائي *** ر(90).

ص: 532

533

2- فهرس التراجم

الاسم *** الصفحة

الأستاذ إبراهيم محمد جواد *** 345

الشيخ أبو الفضل الطهراني *** 437

الأستاذ أحمد رشيد مندو *** 19

السيد إسماعيل الحميري *** 22

السيد باقر الهندي *** 26

الشيخ بهاء الدين العاملي *** 41

الشيخ جعفر العوامي (أبو المكارم) *** 48

الشيخ جعفر النقدي *** 50

الشيخ حبيب شعبان *** 55

السيد حسن الشيرازي *** 64

الشيخ حسين البيضاني *** 444

السيد حسين الصدر *** 448

الأستاذ حميد أحمد المسري *** 80

السيد خضر القزويني *** 88

السيد رضا الهندي *** 455

الحاج زين العابدين الكويتي *** 91

الشريف المرتضى *** 106

السيد صالح الحلي *** 111

الشيخ صالح الفيلي *** 119

السيد صدر الدين الصدر *** 125

الأستاذ عادل الكاظمي *** 475

الأستاذ عباس أبوالطوس *** 134

ص: 533

الشيخ عبد الأمير النصراوي *** 139

الشيخ عبد الحسين الحويزي *** 144

السيد عبد الرؤوف الأمين *** 155

الأستاذ عبد العزيز العندليب *** 168

الأستاذ عبود أحمد النجفي *** 485

الدكتور عصام عباس *** 186

الأستاذ علي بن حماد العدوي العبدي *** 205

السيد علي الترك *** 217

الشيخ فاضل الصفار *** 378

الشيخ كاظم الهر *** 502

الشيخ محسن آل الجواهري *** 240

الشيخ محسن أبوالحب (الصغير) *** 244

السيد محسن الأمين العاملي *** 251

الشيخ محسن الفاضلي *** 255

الشيخ محمد حسین الأنصاري *** 283

الشيخ محمد علي الأردوبادي *** 363

السيد محمد مهدي القزويني الحائري *** 413

السيد محيي الدين الغريفي *** 302

الأستاذ مصطفى جواد *** 309

الشيخ مفلح الصيمري *** 520

السيد مهدي الأعرجي *** 311

السيد مهدي الشيرازي *** 314

ص: 534

3- فهرس القصائد و البحور

- الراء -

إذا سرى البرق من نجد بتذكار *** فقد تذکرت ما للدار من جار *** 11

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

كتبت الشعر فالتمس الشعورا *** فبعض الشعر يختصر العصورا *** 16

(المقطوعة 2 /بحر الوافر)

خديجة أم المؤمنين تهنئي *** بما نلت من فضل بدنياك و الأخرى *** 19

(المقطوعة 3 /بحر الطويل)

من كان أول من تصدّق راكعاً *** يوماً بخاتمه و كان مشيرا *** 22

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

كل غدر و قول إفك و زور *** هو فرع عن جحد نص الغدير *** 27

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

أيها السائلي عن المقدور *** كيف أقصوا آل البشير النذير *** 31

(المقطوعة 6/بحر الخفيف)

أيا سائلاً عني إذا شئت أن تقرا *** فقلب كتاب المجد لاتتركن سطرا *** 40

(المقطوعة 7 /بحر الطويل)

أهوى علياً أميرالمؤمنين و لا *** أرضى بسب أبي بكر و لاعمرا *** 41

(المقطوعة 8/ بحر البسيط)

قدسية ذكرى النبي و آله *** لألاء عابقة بسر وقار *** 45

(المقطوعة 9/بحر الكامل)

ص: 535

إن البتولة بضعة المختار *** مختارة في عالم الأنوار *** 48

(المقطوعة 10/بحر الكامل)

هجروا و ما من شأنهم أن يهجروا *** يوماً ولكن القضاء مقدر *** 51

(المقطوعة 11/ بحر الكامل)

هي الغيد تسقي من لواحظها خمرا *** لذلك لاتنفك عشاقها سکری *** 55

(المقطوعة 12/بحر الطويل)

يا مصراً على الذنوب الكبار *** عاصياً أمر ربه الجبار *** 59

(المقطوعة 13/ بحر الخفيف)

رفقا بنفسك أيها المغرور *** لایقعدون بعزمك المقدور *** 62

(المقطوعة 14 / بحر الكامل)

نشوة العيد من نشيد الهزار *** أيقظت في الربى شذا الأزهار *** 65

(المقطوعة 15/بحر الخفيف)

زهراء بنت النبي المصطفى *** یا فرع دوحة أحمد المختار *** 71

(المقطوعة 16/بحر الكامل)

خليلي دعني لا تلمني فقد أجرى *** عظيم الأسى من مقلتي مزنة حمرا *** 73

(المقطوعة 17/بحر الطويل)

أدهى ما كان من بلايا الدهور *** موت طه الهادي البشير النذير *** 76

(المقطوعة 18/ بحر الخفيف)

ذرفت دمعي و قلبي بات منكسراً *** و قرح عيني جرحاً في الحشا حفرا *** 79

(المقطوعة 19/ بحر البسيط)

لقد حظي الكون قدماً بالأسارير *** مذ قد بدت بضعة الهادي بتكبير *** 80

(المقطوعة 20/بحر البسيط)

إلام التواني صاحب الطلعة الغرا *** أما آن من أعداك أن تطلب الوترا *** 88

(المقطوعة 21/بحر الطويل)

ص: 536

أرى البرايا تسح الدمع مدرارا *** و تشتكي الهم أصالاً و أبكارا *** 91

(المقطوعة 22 / بحر البسيط)

خديجة أم المؤمنين سمت فخرا *** بتزويجها للمصطفى منحت قدرا *** 97

(المقطوعة 23/بحر الطويل)

بحران موج تقاهما زخار *** و المكرمات بها الحياة تنار *** 99

(المقطوعة 24/بحر الكامل)

يحلّق بي عزاً و يملؤني فخرا *** إذا ذكرت في الناس فاطمة الزهرا *** 104

(المقطوعة 25/بحر الطويل)

عليك صلاة الله يا خيرة الورى *** طريدك لاينجو طعينك لايبرى *** 108

(المقطوعة 26/بحر الطويل)

يا مدرك الثار البدار البدار *** شنّ على حرب عداك المغار *** 112

(المقطوعة 27/بحر السريع)

إذا جفت دموع العين فابك أدمعا حمرا *** و أسعد حيدر الكرار بالنوح على (الزهرا) *** 116

(المقطوعة 28/بحر الهزج)

أبصر أخي إن السماء تنور *** و الأرض تزهو بالضياء و تفخر *** 119

(المقطوعة 29/بحر الكامل)

يا خليلي احبسا الجرد المهارا *** و ابكيا داراً عليها الدهر جارا *** 126

(المقطوعة 30/بحر الرمل)

قد ذكرت الدار و الدمع تجارى *** و أحبّاء لنا شطوا مزارا *** 129

(المقطوعة 31/ بحر الرمل)

عنت و أقداح المدام تدار *** فترنحت لغنائها السمار *** 134

(المقطوعة 32/بحر الكامل)

یا من زهت من نورك الأنوار *** و تنسّمت عطراً بك الأسحار *** 139

(المقطوعة 33/ بحر الكامل)

ص: 537

أنائحة مثلي على العرصة القفرا *** تعالي أقاسمك المناحة و الذكرى *** 141

(المقطوعة 34/بحر الطويل)

تخادعك الدنيا و تبدي اغترارها *** و نفسك لم تأخذ بحزم حذارها *** 145

(المقطوعة 35/بحر الطويل)

ما بال أجفاني جفت سنة الكرى *** ترعى الثريا بعد ما روت الثرى *** 149

(المقطوعة 36/بحر الكامل)

زهراء يا ثغر الوجود و نغمة الآي *** الكريم و نفحة الأسحار *** 152

(المقطوعة 37/ بحر الكامل)

أطلّت على الدنيا بطلعتها الغرّا *** وليدة بيت الوحي فاطمة الزهرا *** 155

(المقطوعة 38/ بحر الطويل)

أيتحفني ثغر انتظارك في البشرى *** و قد باعد الليل الطويل لي الفجرا *** 158

(المقطوعة 39/ بحر الطويل)

سأدعو الله لو جئت إلى الحشر *** و أشكو لوعة المسمار في صدري *** 161

(المقطوعة 40/بحر الوافر)

یا آیة الرحمن *** یا سلوة الکرار *** 163

(المقطوعة 41/ بحر الرمل)

علیکم سلام الله في هذه الذكرى *** و رحمته في مولد الخير و البشرى *** 168

(المقطوعة 42/ بحر الطويل)

نعم فالفرحة الكبرى *** بذكرى مولد الزهرا *** 172

(المقطوعة 43/مجزوء الوافر)

في يوم ميلاد ابنه المصطفى الأظهر *** عم الوجود البشر و الأفق قد أزهر *** 177

(المقطوعة 44 / بحر...)

أنا في به-جة و كل سرور *** مذ تلاقت شمس الضحى بالنور *** 178

(المقطوعة 45/بحر الخفيف)

ص: 538

حوراء يعجز عن أوصافها البشر *** عطر الجنان على الآفاق ينتشر *** 184

(المقطوعة 46/ بحر البسيط)

من فقه فاطمة قطفت زهوراً *** أضفت لشعري نفحة و عطورا *** 186

(المقطوعة 47/ بحر الكامل)

داجي الضلال سجى بالجور و اعتكرا *** و للورى أصبحت أربابه أمرا *** 188

(المقطوعة 48/ بحر البسيط)

دنياك حشو مزادها أكدار *** و بها كؤوس الحادثات تدار *** 190

(المقطوعة 49/ بحر الكامل)

من معدن القدس قد فازت بتطهير *** نوراء يجلو سناها کل دیجور *** 193

(المقطوعة 50/ بحر البسيط)

بمولد بنت المصطفى لكم البشرى *** فذي نعم الباري عليكم بها تتری *** 195

(المقطوعة 51/ بحر الطويل)

ما لقلبي من بعد فقد النذير *** من سلو على مرور الدهور *** 197

(المقطوعة 52/بحر الخفيف)

ما لنا بعد جحد يوم الغدير *** و اغتصاب الوصي يوم سرور *** 201

(المقطوعة 53/ بحر الخفيف)

لعمرك يا فتی یوم «الغدیر» *** لأنت المرء أولى بالأمور *** 205

(المقطوعة 54/ بحر الوافر)

حيّ قبراً بكربلا مستنبرا *** ضم كنز التقى و علماً خطيرا *** 209

(المقطوعة 55/ بحر الخفيف)

نهضاً فقد نسيت لؤي شعارها *** فأزل بسيفك عن لؤي عارها *** 217

(المقطوعة 56/ بحر الكامل)

قلعت أراكة مجدكم و ثماره *** عز الملائك في السما عمارها *** 221

(المقطوعة 57/ بحر الكامل)

ص: 539

خليلي مالي و الزمان كأنه *** يطالبني في كل آن بأوتار *** 223

(المقطوعة 58/بحر الطويل)

الشمس و الكوكب الوضاح و القمر *** و الصبح و الطلعة الغراء تزدهر *** 226

(المقطوعة 59/ بحر البسيط)

من مهبط الوحي أو من مطلع النور *** نور أضاءكمثل النور في الطور *** 230

(المقطوعة 60/ بحر البسيط)

عذلت و لو أنصفت أوسعتني عذرا *** و ذو الوجد بالآلام من غيره أدرى *** 232

(المقطوعة 61/ بحر الطويل)

بكي و ليس على صبر بمعذور *** من قد أطلّ عليه شهر عاشور *** 235

(المقطوعة 62/ بحر البسيط)

تناثر صمت الكون منبعثاً عطراً *** عشية بالزهرا امتلا قلبه بشری *** 237

(المقطوعة 63/ بحر الطويل)

قفا روّحا بالبيض عن كبدي الحرّا *** و كنا بسمر الخط أدمعي الحمرا *** 240

(المقطوعة 64/ بحر الطويل)

لقد سطعت أنوار فاطمة الزهرا *** فأضحت بها الآفاق باسمه ثغرا *** 244

(المقطوعة 65/ بحر الطويل)

غدر القوم في الغدير فسموه *** غديراً لغدرهم بالأمير *** 247

(المقطوعة 66/ بحر الخفيف)

لي مقلة بدموعها عبرى *** وحشاشة من وجدهاحری *** 251

(المقطوعة 67/ بحر الكامل)

توسلت بالحوراء فاطمة الزهرا *** لتلهمني حتى أقول بها شعرا *** 255

(المقطوعة 68/ بحر الطويل)

رأى الكون بين سرور البشر *** وضحك الضيا و ابتسام الزهر *** 257

(المقطوعة 69/ بحر المتقارب)

ص: 540

الكون بين البشر و البشرى *** يختال في فيض من السرا *** 259

(المقطوعة 70/ بحر السريع)

شرف الله جمادى الآخرة *** فغدت و هي جمادى الفاخرة *** 263

(المقطوعة 71/ بحر الرمل)

أما كل مخلوق له رسل تتری *** تناديه يا مغرور حيّ على المسرى *** 266

(المقطوعة 72/ بحر الطويل)

سهام المنايا لاتزال بنا تسري *** و مهما مضى يوم فذاك من العمر *** 270

(المقطوعة 73/ بحر الطويل)

شعت فلا الشمس تحكيها و لاالقمر *** (زهراء) من نورها الأكوان تزدهر *** 274

(المقطوعة 74/ بحر البسيط)

حوراء يعجز عن أوصافها البشر *** عطر الجنان على الآفاق ينتشر *** 277

(المقطوعة 75/ بحر البسيط)

أفصيج لسانك ما أبهر *** أم نشر بيانك ما أثمر *** 279

(المقطوعة 76/ بحر المتدارك)

يا أول نور قد صوّر *** و به کل نبي بشر *** 283

(المقطوعة 77/بحر المتدارك)

غلت الساعات و اشتدت أوارا *** بانقلاب جعل الناس سكارى *** 287

(المقطوعة 78/ بحر الرمل)

أجل الورى شأناً و أعلى النسا قدرا *** جمانة بيت الوحي فاطمة الزهرا *** 289

(المقطوعة 79/ بحر الطويل)

أنا على العهد لم يكن لنا وتر *** و إن نأى العيد أو شطت بنا العصر *** 292

(المقطوعة 80/ بحر البسيط)

إلام لواؤک لا ینشر *** و حتى م سيفك لا يشهر *** 294

(المقطوعة 81/ بحر المتقارب)

ص: 541

زمن الإقبال أنى يقرى *** في نيل مناك لك البشرى *** 297

(المقطوعة 82/ بحر المتدارك9

روت لنا الطهر بنت المصطفى خبرا *** بنقل خير ثقات كان معتبرا *** 302

(المقطوعة 83/ بحر البسيط)

بنت النبي تعالى شأنها و علت *** فضلاً وقدراً عن التوصيف و النظر *** 305

(المقطوعة 84/بحر البسيط)

نور سرى في أرض مكة زائراً *** نعم المضيف و نعم نوراً زائراً *** 309

(المقطوعة 85/ بحر الكامل)

أشجاك طعن العامرية إذ سرى *** فجرى عليك من التفجع ما جرى *** 311

(المقطوعة 86/ بحر الكامل)

ظهرت زهرة زهراء البتول *** فاستنار الكون من أنوارها *** 314

(المقطوعة 87/ بحر الرمل)

الليل بدا صبحاً أنور *** و الصبح حوى معنّى أكبر *** 320

(المقطوعة 88/ بحر المتدارك)

یا صب کم تتحسر *** ولکم تنوح و تزفر *** 323

(المقطوعة 89/ مجزوء الكامل)

أين المستنظر للوعد *** أين الغائب أين المهدي *** 327

(المقطوعة 90/ مجزوء الرمل)

أجل وحقك ما قالوا و ما ذكروا *** يبقى مدى الدهر يحكي أنهم قصروا *** 332

(المقطوعة 91/ بحر البسيط)

-الزاي-

بحبي للبتول أرى اعتزازي *** و للجنات يوم غد جوازي *** 337

(المقطوعة 1/ بحر الوافر)

رقادي بعد فاطمة عزيز *** و قلبي من مصائبها حزيز *** 338

(المقطوعة 2/ بحر الوافر)

الجزء الثالث

ص: 542

أفقت من بعد نوم *** قد طال عهداً و مغزى *** 340

(المقطوعة 3/ بحر المجتث)

-السين-

كم ذا أريت بعتمة الأغلاس *** حلماً جميلاً هزلي إحساسي *** 345

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

كبرت عوالم جوهر القدس *** و علت معالمها على الكرسي *** 351

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

خليلي عوجا بي على الحي و احبسا *** فلوصيكما في رامة لاتغلسا *** 353

(المقطوعة 3/ بحر الطويل)

سلام على باب الحوائج عباس *** شبل الوصي علي فارس الناس *** 357

(المقطوعة 4/ بحر البسيط)

أعلل في خطوب الدهر نفسي *** بما قد لاقت الزهراء أمس *** 359

(المقطوعة 5/ بحر الوافر)

ليهني الهدى فيضه الأقدس *** غداة زهي الثقل الأنفس *** 363

(المقطوعة 6/ بحر المتقارب)

-الشين-

ميلادك النور في الآفاق يفترش *** و فضلك في صدى الأزمان منتعش *** 371

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

أضحى فؤادي عن هواه مفتشا *** و أفضه شوق لمهضمة الحشا *** 374

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

سيقت ثراك أدمعي الغواشي *** و فصلت الحداد على رياشي *** 375

(المقطوعة 3/ بحر الوافر)

القلب ما ذاق السرور و لاانتشى *** و الحزن ظلّ في حياتي عرشا *** 378

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

ص: 543

-الصاد-

أنا في هوى الزهراء دوماً أخلص *** و على مناقبها الكريمة أحرص *** 387

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

دام و ريشك ناصل و حصيص *** و جناح حظك في الحظوظ قصيص *** 390

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

-الضاد-

إذا كان مدح المرتضى لك مرتضى *** فقد وافقت كل القلوب على الرضى *** 397

(المقطوعة 1/ بحر الطويل)

إن من حبها من الله فرض *** ليس يزري بها من القوم رفض *** 401

(المقطوعة 2/ بحر الخفيف)

أرى بعضي يغارك في بعضي *** و صحوي نهب أضناء و غمض *** 407

(المقطوعة 3/ بحر الوافر)

أي قلب ما كان يحمل للزهراء *** حباً فذاك قلب مريض *** 411

(المقطوعة 4/ بحر الخفيف)

هي الصفا فاسح فيها الطول و العرضا *** و أدّ واجبها المسنون و الفرضا *** 413

(المقطوعة 5/ بحر البسيط)

-الطاء-

بضعة الهادي إليك سأخط *** ما جرى عليك من أهل الشطط *** 423

(المقطوعة 1/ بحر الرمل)

غاض الوفا و تقلّصت أيدي العطا *** و تخوّفت سرب البزاة من القطا *** 426

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

ليس في قولتي يظن اعتباط *** لاوحسب المذاهب الإفراط *** 428

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

ص: 544

-الظاء-

أوصى النبي بفاطم أصحابه *** إن كان عهد من محمد يحفظ *** 433

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

-العين-

حرة سادت نساء العالمين *** أمها الغراء أم المؤمنين *** 437

(المقطوعة 1/ بحر الرمل)

إن جبريل أتى ليلاً إلى *** طاهر من بعد ما كان هجع *** 440

(المقطوعة 2/ بحر الرمل)

مالي أرى حسرتي لاتنقضي جزعا *** و مدمعي مثل غيث جاء منهمعا *** 442

(المقطوعة 3/ بحر البسيط)

يا من أصر على القطيعة *** مالي لوصلك من ذريعة *** 444

(المقطوعة 4/ مجزوء الكامل)

بدمائي أبكيك لابدموعي *** و لهيب الأحزان بين ضلوعي *** 448

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

بنفسي التي لاهم أعزّوا جوارها *** و لاتركوها تستجير بدمعها *** 455

(المقطوعة 6/ بحر الطويل)

قف على قبر فاطم بالبقيع *** بعد مزق الحشى و سكب الدموع *** 457

(المقطوعة 7/ بحر الخفيف)

إن كنت في نظم القصائد أبدع *** فلأن حبّك للقصائد مطلع *** 461

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

يحق لمقلتي تهمي الدّموعا *** على من رضضوا منها الضلوعا *** 465

(المقطوعة 9/ بحر الوافر)

لمصائب الزهرا هجرت المضجعا *** و أذلت قلبي من جفوني أدمعا *** 468

(المقطوعة 10/ بحر الكامل)

ص: 545

ليال حظهن على يراعي *** دموع الفكر في محراب راع *** 472

(المقطوعة 11/ بحر الوافر)

أي قلب بعدكم لايجزع *** ولكم في كل أرض مصرع *** 475

(المقطوعة 12/ بحر الرمل)

أيا مكسورة الضلع *** سیبقی جارياً دمعي *** 478

(المقطوعة 13/ بحر الهزج)

شجون تستهل لها الدموع *** و تحرق من لواعجها الضلوع *** 481

(المقطوعة 14/ بحر الوافر)

ألا يا قاصد الزهراء شوقاً *** تعطرك المدينة و البقيع *** 485

(المقطوعة 15/ بحر الوافر)

أفضّك في ليل الضنى حر مضجع *** و شفك دمع ليس يرقى بمدمعي *** 487

(المقطوعة 16/ بحر الطويل)

ذكراك يا بنت الرسالة منبع *** من فيضه وعطائه نستمتع *** 490

(المقطوعة 17/ بحر الكامل)

مصائبكم شتّى و شتّى قبوركم *** ورزؤكم منه الفؤاد تصدعا *** 493

(المقطوعة 18/ بحر الطويل)

يقل لعيني تذري الدموعا *** لفاجعة و هي تحني الضلوعنا *** 497

(المقطوعة 19/ بحر المتقارب)

قد بات من نار الخطوب لسيعا *** لم تألف العينان منه هجوعا *** 502

(المقطوعة 20/ بحر الكامل)

رأى السنا و الهنا في كوننا اجتمعا *** فقال بالله ماذا بينكم وقعا *** 507

(المقطوعة 21/ بحر البسيط)

كدت بالوجد أن أذوب التياعا *** ومن الشوق أن أطير ارتياعا *** 511

(المقطوعة 22/ بحر الخفيف)

ص: 546

رأى برق حزوی فاستهلت دموعه *** وهاج بمن يهواه فيها ولوعه *** 515

(المقطوعة 23/بحر الطويل)

وقفت على قبر النبي و أعيني *** تكاد بأن تأتي عليها دموعها *** 517

(المقطوعة 24/بحر الطويل)

إلى كم مصابيح الدجى ليس تطلع *** و حتّام غيم الجوّ لايتقشع *** 520

(المقطوعة 25/بحر الطويل)

-الغين-

أودع (المختار) فيهم زهرة *** وصفها أعجز كل البلغا *** 525

(المقطوعة 1/بحر الرمل)

ص: 547

ص: 548

4- فهرست الموضوعات

سورة الفاتحة *** 5

تقریظ *** 7

قافیة الراء

(1) منزل الزهراء علیها السلام *** 11

(2) هي الزهراء علیها السلام *** 16

(3) بضعتي الزهراء علیها السلام *** 19

(4) الزّكيَّة فاطمة علیها السلام *** 22

(5) بعد بيت الأحزان *** 26

(6) يا إمام الزمان عج الله تعالی فرجه الشریف *** 31

(7) هم قدوتي *** 40

(8) حق الطهر فاطمة علیها السلام *** 41

(9) زهراء علیها السلام يا بنت الرسالة صلي الله علیه و آله و سلم *** 45

(10) محمودة الأفعال *** 48

(11) تنادي فاطم علیها السلام *** 50

(12) حبيبة خير الرسل صلي الله علیه و آله و سلم *** 55

(13) ربيبة الوحي *** 59

(14) كيف لاتبكي *** 62

(15) أنتِ رَمْزُ العُلَى *** 64

ص: 549

(16) يا كوكب الإيمان *** 71

(17) فأقبلت الزهراء علیها السلام *** 73

(18) أحرقوا الباب؟ *** 76

(19) ذكرتُ باباً *** 79

(20) بضعة الهادي *** 80

(21) صاحب الطلعة الغرّا *** 88

(22) أُمُّ الهُدَاةِ *** 91

(23) البضعةِ الغرّا *** 97

(24) طهارة فاطم علیها السلام *** 99

(25 يا فاطمة الزهراء علیها السلام *** 104

(26) فاطمة علیها السلام التقي *** 106

(27) البدار البدار *** 111

(28) أُمُّ العترة الأطهار علیها السلام *** 116

(29) ورثت خصال المصطفي صلي الله علیه و آله و سلم *** 119

(30) أهل بيت الوحي *** 125

(31) قفا نبكِ دماً *** 129

(32) تمضي الدهور *** 134

(33) سر الحياة *** 139

(34) حديث الباب *** 141

(35) إلى البضعة الزهراء علیها السلام *** 144

(36) فَمَن المعزّي؟ *** 149

(37) واحة الطهر *** 152

(38) وليدةُ بيت الوحي *** 155

ص: 550

(39) تعلم ما جرى *** 158

(40) الزهراء علیها السلام في القرآن *** 161

(41) يا سلوة الكرار *** 163

(42) هي الزهرة الزهراء علیها السلام *** 168

(43) الفرحة الكبرى *** 172

(44) قدسيّة المعنى *** 177

(45) زوّجت في السماء *** 178

(46) روح الحياة *** 184

(47) فقه فاطمة علیها السلام *** 186

(48) غاب النبي الهاشمي *** 188

(49) يا مُحيي النفوس *** 190

(50) معدن القُدس *** 193

(51) العصمة الكبرى *** 195

(52) وديعة طه *** 197

(53) دع تفاصيل ما جرى *** 201

(54) أمُّ الفضائل علیها السلام *** 205

(55) يا فاطم علیها السلام اسمعي *** 209

(56) ابنة الهادي الأمين *** 217

(57) أراكة مجدكم *** 221

(58) فلهفي لبنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 223

(59) أمّ الفضل قاطبةً *** 226

(60) من مهبط الوحي *** 230

(61) أكبر شاهدٍ *** 232

ص: 551

(62) في قلب فاطمة علیها السلام *** 235

(63) عبق الفردوس *** 237

(64) مقرّ الهدى و الدين *** 240

(65) سطعت أنوار الزهراء علیها السلام *** 244

(66) حاكم و حكيم *** 247

(67) إنسية حورا علیها السلام *** 251

(68) حوت مكرمات *** 255

(69) سرور البشير *** 257

(70) الصديقة الكبرى علیها السلام *** 259

(71) يا لها ذكرى *** 263

(72) مشكاة نُور العلم *** 266

(73) مصائب بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 270

(74) بنت الخلود *** 274

(75) مَشرق النور *** 277

(76) حامي الدين *** 279

(77) إنا أعطيناك الكوثر *** 283

(78) تجلى المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 287

(79) أعلى النسا قدراً *** 289

(80) فتلك فاطمة علیها السلام *** 292

(81) أحامي الحمى *** 294

(82) شيعة فاطمة الزهراء علیها السلام *** 297

(83) أهل الكساء *** 302

(84) فاقت مفاخِرُها *** 305

ص: 552

(85) يا قلب فاطم علیها السلام *** 309

(86) من بعد والدها علیها السلام *** 311

(87) أصل كل الخير *** 314

(88) زهراء الدين *** 320

(89) لله أية محنة *** 323

(90) الثار - الثار *** 327

(91) أمُّ الخُلود *** 332

قافية الزاي

(1) بحبّي للبتول *** 337

(2) فلا رقأت دموع *** 338

(3) شفیعة الحشر *** 340

قافية السين

(1) بنت الکرام *** 345

(2) عظمت مقاماً *** 351

(3) خامسة الأشباح *** 353

(4) تشتکي فاطم علیها السلام *** 357

(5) الخدر المصون *** 359

(6) آل فاطمة *** 363

قافية الشين

(1) ميلادك النور *** 371

(2) بنت الرسالة *** 374

ص: 553

(3) فاطمة علیها السلام تجفى *** 375

(4) حال فاطم علیها السلام *** 378

قافیة الصاد

(1) الخطبة الغرّاء *** 387

(2) و اشاطر الزهراء علیها السلام *** 390

قافية الضاد

(1) لها صرخة *** 397

(2) بنت سيد الرسل صلي الله علیه و آله و سلم *** 401

(3) بيت الرسالة *** 407

(4) خلف بابٍ *** 411

(5) خلف الباب *** 413

قافیة الطاء

(1) بنت الهدى *** 423

(2) الزهراء علیها السلام تُنادي *** 426

(3) بيت فاطم علیها السلام *** 428

قافية الظاء

(1) قصة فاطم علیها السلام *** 433

قافیة العین

(1) سادت نساء العالمين علیها السلام *** 437

(2) حنوط من الجنة *** 440

ص: 554

(3) وجد البتول علیها السلام *** 442

(4) فاطمة علیها السلام الشفيعة *** 444

(5) أنت بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم *** 448

(6) ظل الأراكة *** 455

(7) على بابها الأملاك *** 457

(8) أم الأئمة و الإمامة علیها السلام *** 461

(9) هجموا عليها *** 465

(10) مصائب الزهراء علیها السلام *** 468

(11) قرآن البتول علیها السلام *** 472

(12) لست أنساها *** 475

(13) سيبقى جارياً *** 478

(14) للحشر تبقى *** 481

(15) قبل تربة الزهراء علیها السلام *** 485

(16) أوصى النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 487

(17) محراب البناء *** 490

(18) أعظم رُزْءٍ *** 493

(19) حججاً واضحات *** 497

(20) بنت خير المرسلين *** 502

(21) سرّ النبوّة صلي الله علیه و آله و سلم *** 507

(22) نبعة النور *** 511

(23) رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ينظر فاطماً علیها السلام *** 515

(24) سلاماً أبا الزهراء علیها السلام *** 517

(25) آية التطهير *** 520

ص: 555

قافیة الغین

(1) حُجةٌ بالغة *** 525

الفهارس العامة

1 - فهرس الشعراء *** 529

2 - فهرس التراجم *** 533

-3 - القصائد و البحور *** 535

4 - فهرس الموضوعات *** 548

ص: 556

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.