الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام المجلد 2
هوية الکتاب
اَلْفَاطِمِيَّاتُ
مَشَاعِرِ اَلْوَلاَءِ فِي قَصَائِدِ اَلزَّهْرَاءِ علیها السلام
اَلْفَاطِمِيَّاتُ
مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام
اَلْخَطِيبِ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدَ
اَلجُزْءُ الثَّانِي
دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى
1426 ه_ - 2005م
ص: 1
اشارة
اَلْفَاطِمِيَّاتُ
مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام
اَلْخَطِيبِ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدَ
اَلجُزْءُ الثَّانِي
دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى
1426 ه_ - 2005م
دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع
المكتبة : حارة حريك - بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي - الهاتف: 01/545182 - 03/473919 - ص.ب : 13/6080
المستودع: حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650
www.daraloloum.com. Email: daraloloum@hotmail.com
ص: 4
الفاتحة
بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * ايَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ علَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ
ص: 5
تقريظ
(بحر السريع)
حَيَّ أبا أحمد في حفظه *** تراث أمجاد و سادات
بالكلم الطيب أعماله *** يرفعها نحو السموات
و هو كميت العصر في جمعه *** أعاد مجد «الهاشميات»
ينصر آل المصطفى حافظاً *** تراثهم من شر آفات
مهاجرٌ فرّق أيّامه *** يجمع منها خير أشتات
مخدرات السرّ قداسكنت *** من رائع الشعر بأبيات
فيها من الروعة ما سحره *** ينسيك سحر الأصمعيات
أكرم به من سابق جائلٍ *** منن أدب الآل بساحات
يا ذاكر الزهراء سجّل له *** سبقاً على الحاضر و الآتي
أهلاً فارخ (و بعلي أتى *** يصحب ركب الفاطميات)
السيد مسلم الجابري
1418ه_
ص: 7
تقريظ
(بحر البسيط)
دوّنتَ ما قيل شعراً في مَعاليها *** و أين للشعرِ أن يَرقى مراقيها
أَنْعِمُ بها و هي الزهراءُ فاطمةٌ *** و مَن فضائلها قد عزَّ مُحصيها
قد صاغها اللهُ من مكنونِ حكمتهِ *** في عالَم الذرِّ نوراً جلَّ باريها
ما يَبْلغُ الشعرُ في الزهراءِ ممتدحاً *** و هل تُنالُ الثريّا في تساميها
قد فاز و اللهِ في الدارين مغتبطاً *** مَنْ أصبحَ اليومَ يُدعى منْ محبّيها
في كل قطرِ لأهلِ البيت مقبرةٌ *** حضيرة القدسِ ما كانتْ تُضاهيها
قد أصبحت كعبةً يهفو لها ولهاً *** من الخلائقِ قاصيها ودانيها
ألم تكنْ آيةُ التطهير قد نزلتْ؟ *** بحقهم إنْ تناسى اليومَ ناسيها
أينَ المودّةُ في القُربى و قد حُرِقَتْ *** دارٌ و فاطمةٌ بنتُ الهدى فيها
أين الوفاءُ و أينَ الدين من زُمَرٍ *** أضحتْ إلى اليومِ من أعدى أعاديها
ألم يقلْ بضعتي الزهراءُ يُؤلِمني *** ما كانَ يُؤلمها يوماً و يؤذيها
و هذه كتبُ التاريخِ مسندةٌ *** عن النبي لسانُ الحقِّ يَرْوِيها
فالجاهليةُ ما زالتْ تناصِبُها *** شرِّ العداءِ و نارُ الحَقْدِ تُذْكِيها
قَدَّمْ (أبا أحمدٍ) في خيرِ مُكتسبٍ *** تَرْجو به اللهَ تنويراً و تفقيها
فهذه خيرُ آياتٍ تُقدِّمُها *** من البيانِ إلى الزهراءِ تُهْدِيها
أحمد الشيخ محمد السماوي
ص: 8
(1) أكبرتُ ذكراكِ
(بحر البسيط)
الشيخ إبراهيم النصيراوي
أَكْبَرْتُ ذِكْراكِ لا يرقى لَهَا أدبي *** فَيْضٌ مِنَ الوَحْيِ أَمْ سِرٌّ مِنَ العَجَبِ
في كُلِّ عام لَهُ لَحْنٌ عَلَى وَتَرٍ *** يَرِثُ في مَسمَعِ الدُّنيا بلا نَصَبِ
أكْبَرْتُ فيكِ حياةً ما لها شَبَهٌ *** كَالأنبياءِ حَوَتْ مِنْ أفْضَلِ الرُّتَبِ
يا رَحْمَةً لِوُجُودِ الكَوْنِ أَجْمَعِهِ *** وما سِواكُمْ لِهَذا الفَيْضِ مِنْ سَبَبِ
يا أُمَّ جِيلٍ تَخَطّى كُلَّ داجِيَةٍ *** حَتّى تَفَرَّدَ مِشكاةً مِنَ الشُّهُبِ(1)
بِنْتُ النَّبِيِّ وَ حَسْبِي أَنها خُلِقَتْ *** وِتْراً(2) لِطه وَ لَمْ تُشْفَعْ لأي نَبِيِّ
أَكْبَرتُ ذكراكِ أَنّ الحَرْفَ يُعْجِزُهُ *** أَنْ يَسْتَطِيلَ لِأُفْقِ مُشْرِقٍ رَحِبِ
ماذا سَأَكْتُبُ وَ الآيات ظاهِرةُ *** وَ الحَقُ حَقٌّ وَإِنْ قَدْ دِيفَ(3) بالكَذِبِ؟
هل تُحْجَبُ الشَّمْسُ عَنْ أَنوَارٍ طَلْعَتِها *** كَلاً و أَنْوَارُها تَبْدُو مَعَ الحُجُبِ؟
***
يا لَيْلَةً بِجُمادَى كُنْتُ أَحْسَبُها *** كَلَيْلَةِ القَدرِ فِي فَيْضٍ وَ فِي أَرَبٍ(4)
ص: 11
1- داجية: ظلام.
2- وِتْراً: فرداً.
3- ديف: خُلط (المنجد 229).
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى يوم ميلاد الزهراء علیها السلام ففي كتاب دلائل الإمامة ص 10 قال: عن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام قال: ولدت فاطمة علیها السلام في جمادى الأخرى يوم العشرين منه سنة خمس و أربعين من مولد النبي صلی الله علیه و آله و سلم فأقامت بمكة ثمان سنين و بالمدينة عشر سنين و بعد وفاة أبيها خمساً و سبعين يوماً و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة. و ذكره المجلسي في كتابه البحار ج43 ص9.
عجِبْتُ كَيْفَ سُرُورُ الأَرْضِ إِذْ وَضَعَتْ *** خَدِيجَةٌ بِنْتَها فِي مَرْبَعٍ جَدِبِ(1)
تَرَفْعَتْ عَنْ نِساءِ الْأَرْضِ تَحْضُنُها *** فَخَصَّها بِنِسَاءٍ طِبْنَ في النَّسَبِ
هِيَ البَتُولَةُ صاغَ اللَّهُ نُطْفتَها *** وَ قَالَ: كُونِي فَكانَتْ خَيْرَ ذِي حَسَبِ(2)
أم الأئمةِ مَنْ يُحْصِي فَضائِلَها *** أَنَّى وَ قَدْ مُلِئَتْ في وَصْفِها كتُبي!
وَإِنَّ بَعْضَ مَعانِيها يُرى عَجَباً *** وَ بَعْضَ أوصافِها في غايَةِ العَجَبِ
تَجَرَّعَتْ من خُطوبِ الدَّهْرِ أفظَعَها *** كأنّها خُلِقَتْ لِلْوَجْدِ و النُّوَبِ(3) (4)
ص: 12
1- يشير الشاعر إلى السرور و البهجة التي عمّت الأرض بميلاد الزهراء علیها السلام ففي مشارق الأنوار ص85 قال: من أسرار فاطمة علیها السلام مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ، إن خديجة لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوتٍ و أباريق و ماء من حوض الكوثر و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم علیهم السلام، بعثهن الله يعنها على أمرها فلما و ضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطار بالطيب و الأنوار وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق نوراً و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. و ذكره في دلائل الإمامة ج16 ص80. و ذكره في دلائل الإمامة ص9 قال: «فوضعت خديجة فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور».
2- يشير إلى ما ورد في الحديث من أن الزهراء علیها السلام بتولة لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس. ففي كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إنما سميت فاطمة البتول علیها السلام لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء». و في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن كتاب مودة القربى ص78 ط لاهور، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة، معناه، ترجع كل ليلة بكراً و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً».
3- يشير الشاعر إلى ما لاقت الزهراء علیها السلام من المصائب و الآلام في حياتها. منها غصبهم فدك و قد مرت الإشارة إليه نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626. و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج3 ص387. و انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 و 208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
4- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص133.
(2) أمنا الزهراء علیها السلام
(بحر السريع)
الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الدمستاني
يَا نَاقِصَ العَقْلِ البَلِيدِ الغَبِي *** وذا الفؤَادِ الطائِشِ المَرْعَبِ(1)
حَامَ طُولُ النَّوْحِ وَ المَنْدَبِ *** لِدَارِسِ المُنْزِلِ و المَلْعَبِ
***
تَبْكِي أَنَاساً حَتْفُهُم غَالَهُمْ *** مُسْتَعْبِراً تَسألُ أَطلَالَهُمْ(2)
و فِتْيَةً قَطَّعَ أوْصَالَهُمْ *** صَرْفُ الرَّدَى بِالنّابِ و المِخْلَبِ
***
ما لكَ حَزناً لِلْبُكَا مُدْمِنُ *** عَلى طُلولٍ مَا بِهَا قَطِنُ
ما ذاك إلا سَفَهٌ بَيِّنُ *** لايَبْلغ المرءُ إلى مَطْلَبِ
***
كَمْ مِنْ جَهولٍ دمعُهُ قَدْ حَكَى *** لَواطِفَ المُزْنِ وَ وَجْداً شَكَى(3)
لايَحْسُنُ النَّوْحُ وَ طُولُ البُكَا *** الأعَلَى الأظهَارِ آلِ النَبي
***
هُمْ أَوْضَحُ الآي عَلَى صِدْقِهِ *** مُشَارِكُوهُ مُوضّحُو طُرْقِهِ
ص: 13
1- البليد:ضد الذكي و الفطن. الطائش: المتهور.
2- حتفهم: الحتف الموت، غالهم: اغتالهم و أخذهم غيلة.
3- المُزْن: جمع مزنة: دفعة المطر.
هُمْ حُجَجُ الله عَلَى خَلْقِهِ *** طُرّاً مِنَ الحُضَرُ و الغُيَّبِ
***
قَالَ رَسُولُ اللَّه في حَقِّهِمْ *** مُؤكَّدَاً يُوْصِي عَلَى بِرهِمْ
بُكاؤهُمْ وَ النَّوْحُ في رُزْنِهِمْ *** يُكفِّرُ الذُّنْبَ عَنِ المذْنِبِ
***
وَحَيْثُ كانُوا للبَلَا مَرْكَزَا *** كَانَ بُكَاهُمُ المَحِبَا مُنْجِزَا
وَ يَبْلُغُ المَرْءُ بِيَوْمِ الجَزَا *** إلى النَّعِيمِ الأدْوَمِ الأطيَبِ
***
هُمْ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَ خَيرُ المَلَا *** الأَقْرَبُونَ الأنْجَبُونَ الأُلى
بلائهُمْ أعْظَمُ كلِّ البَلا *** لأنّهُ الأقْرَبُ للأقرَبِ
***
ما منهُمُ الأمُصَابٌ بِذِي *** كُفْرِشَديدٍ وَ لِسَانٍ بَذِي(1)
أما رَسُولَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي *** حَوْصِرَ في الشَّعبِ بِلا مُوجِبِ
***
فَطَالَمَا جَارَ عَلَيْهِ العِدَا *** وَ عَرَّضُوهُ لِسِهَامِ الرّدَى
وَ أَوْعَدُوهُ القَتْلَ حَتَّى غَدَا *** مُسْتَتِراً في الغارِ بالعَنْكَبِ
***
كُمْ ذِي نِفَاقٍ حَسَداً عانَهُ *** تَشَرَّدَ الكفّارُ أَعوانهُ
وَكَسَرُوا في الحَرْبِ أسْنانَهُ *** وَ هَدَّمُوا مِنْ تَغْرِهِ الأَشْنَبِ
ص: 14
1- بذي: لسانه بذي: فاحش.
***
كَمْ نَقَضُوا أَمْراً لَهُ أَبْرَمَا *** وَ حَلَّلُوا شَيْئاً لَهُ حَرَّمَا
و اغْتَصَبُوا حَقَّ عَلَيَّ وَ مَا *** لَهُ مِنَ الإمْرِةِ و المُنْصِبِ(1)
***
تَعَاقَدُوا أَلا يُطِيعونَهُ *** وَ قَلّدُوا أَمْرَهُمُ دُونَهُ
و اسْتَضْعَفُوهُ إذْ يَقُودُونَهُ *** مُلَبَّباً يُعْزَلُ عَنْ مَنْصِبِ
***
قَدْ أَظْهَروا إسْلامَهُمْ حِيلَةً *** بالكفْرِ و الإِلحَادِ مَوْصُولَةً
ثمّ اسْتَباحُوادَمَهُ غِيلَةً *** بِسَيْفِ أَشْقَى كَافِرٍ مُذْنِبِ(2)
***
وَآثَرُوا الدُّنْيا و أخبَاثَها *** قَدْ آمَنُوا الأُخْرَى و أَحْدَاثَهَا
و اغْتَصَبُوا الزَّهْرَاءَ مِيراثها *** وَ خَالَفُوا مَا قَالَ فِيها النّبِي(3)
ص: 15
1- في كتاب سليم بن قيس، ص40. لما انتهي بعلي علیه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر و قال: له بايع ودع عنك هذه الأباطيل... فقال له علي علیه السلام: فإن لم افعل ما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلاً و صغاراً. فقال: إذا تقتلون عبد الله و أخاً رسوله. قال أبوبكر: أما عبد الله فنعم و أما أخا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فما نقر بهذا قال أتجحدون أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم آخى بيني و بينه؟ قال: نعم.
2- غِيْلة: غدراً. استباحوا: انتهلوا.
3- في صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس باب فرض الخمس: عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سألت أبابكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن يقسم لها ميراثها من ترك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومما أفاء الله عليه. فقال لها أبوبكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت و عاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ستة أشهر.... قالت: و كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك و قال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعمل به إلّا عملت به فإني أخشى أن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و العباس فأما خيبر و فدك فامسكها عمر و قال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانتا لحقوقه التي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر منهما على ذلك إلى اليوم. و علق التيجاني السماوي على هذا الحديث قائلاً: رغم أن الشيخين البخاري و مسلم نمّقا هذه الرواية و اختصراها لئلا تنكشف الحقيقة للباحثين و هذا من معروف لديهما توحياه للحفاظ على كرامة الخلفاء الثلاثة. و الذي غيّره البخاري و مسلم من الحقيقة هو ادعاء فاطمة علیها السلام بأن أباها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعطاها فدك نحلة في حياته فليس هي من الإرث و على فرض أن الأنبياء لا يورثون كما روى أبوبكر ذلك عن النبي الله صلى الله عليه و آله و سلم و كذبته فاطمة الزهراء علیها السلام و عارضت روايته بنصوص القرآن الذي يقول و ورث سليمان داود فإن فدك لا يشملها هذا الحديث المزعوم لأنها نحلة و ليست هي من الإرث في شيء. فاسألوا أهل الذكر/ التيجاني/ ص 183 184.
سُحْقاً لَهُمْ قَدْ أَثَرُوا مَا يَضُرْ *** حَتَّى أَضَلُّوا النَّاسَ عَبْدَاً وَ حُرْ
و الحَسَنُ الزاكي أذاقوْهُ مُرُ *** المَوْتِ إِذْ سَموهِ في المشْرَبِ
***
كمْ بَدْرُ تَمَّ في الوَرَى ازْهَرَا *** قَدْغَيّبوهُ في طِبَاقِ الثّرى
وَ أَعْظَمُ الأرزاءِ أَمْرٌ جَرَى *** في كَرْبَلا مِنْ فَادِحٍ أَعْصَبِ(1)
***
مَا بَعْدَهُ كانَ وَ لَاقَبْلَهُ *** خَطبٌ عَظِيمٌ فَادِحٌ مِثْلُهُ
مَا وَلَدَتْ أمُّ الرَزَايَا لَهُ *** مِنْ مُشْبِهِ في سَالِفِ الأعْقُبِ
***
كَمْ مِنْ كُبودٍ مِنْهُ قَدْ أَحْرِقَتْ *** وَ أَعْيُنِ في دَمْعِهَا أُغْرِقَتْ
غَدَاةَ سِبْطَ المُصْطَفَى أَحْدَقَتْ *** بِهِ جنودُ الكفْرِ في مَوْكِبِ
ص: 16
1- فادح: الخطب الفادح: العظيم الشديد.
لَمْ يَبْصِرُوا نَهْجَ هَدَىً مِنْ عَمَى *** كَلَّا وَ لَاخَافُوا إِلَهَ السَّما
عِدْتُهُمْ سَبْعونَ أَلْفاً وَمَا *** لَهُمْ سِوَى الإِلْحَادِ مِنْ مَذْهَبِ
إلى أن يقول:
قَدْ ضَيْفُوا في الأسْرِ أَغْلَالَهَا *** وَ غَيّروا بالضَرْب أَحْوَالَها
وَ زَيْنَبٌ تَدْعُو لِمَانَالَهَا *** يَاغِيْرَةَ اللَّهِ لَنَا فَاغْضَبِي
***
يَا جدَّنَا فَقْدُ أَخِي مَضَنِي *** وَ ثِقْلُ ما بِي مِنْ أسَىً كظّني(1)
يَا أمَّنَا الزهراءَ إِنْ تَحْزَنِي *** لِفَقْدِ شَيْءٍ فَاحْزَنِي و انْدُبِي
***
يا أمّنَا قَدْ سَبّ عِرضي البَذِي *** و أسْهَر الأحزَانَ طَرْفي القَذِي
قَدْ وَقَعَ اليومَ عَلَيْنَا الَّذِي *** تَخْشَيْنَه مِنْ قَبْلِ أَنْ تَذْهَبِي
***
فَرخُكِ يَا زَهْراءُ و الملْتَجَى *** وَ كَنْزُنا الغَالي و كَهفُ الرَجَا
عَزيزُكِ المأمولُ و المرتَجَى *** و غَايَةُ البُغْيَةِ و المطْلَبِ(2)
***
يا أمّنا الزَهْرا عَلَيْهِ اعْتَدَى *** وَسُلِّطَ اليومَ عَلَيْهِ العِدَا
أَخِيْ حُسَيْنٌ وَ عَزِيزِي غَدَا *** يُذْبَحَ ذَبْحَ الشَاةِ في المقْصَبِ
***
يا أمْنَاهَا رَأْسُه في القَنَا *** يُسْرَى بِهِ جَهْراً وَ يُسْرَى بِنَا
و السيِّدُ السجَّادُ مَا بَيْنَنَا *** فِي الأَسْرِ فَوْقَ الأَعْجَفِ الأَجْرَبِ(3) ذ
ص: 17
1- مضَّني: أجهدني و أتعبني، كظَّني: أغاظني أشد الغيظ.
2- البُغْية: الغاية و المراد.
3- الأعجف: البعير الهزيل.
(3) زهراء علیها السلام تشفع
(بحر الكامل)
الدكتور أسعد علي
المُقْتَدِي بِمُحَمَّدٍ مَس الأدَبْ *** وَ كِتابُهُ ما مَسَّه إلا النُّجُبْ(1)
لامَوْتَ لِلصَّافِي بِحُبِّ مُحَمَّدٍ *** وَ آلِهِ... فكُنِ الصَّفَاءَ جَرَى بِحُبْ
لتقيمَ حَوْلَ الشَّاطِنَينِ حَضارَةً *** فُرقانُ أَمرِكَ: بالتَّروِّي... وَ انتَخِبْ(2)
لَيْسَ التُّرابُ كَما يُظَنُّ قَضِيَّةً *** إنَّ القَضِيَّةَ أنْ تُرى بالحُبِّ أَبْ
وَ الشَّعْرُ يَنْبُعُ من صَداقَةِ صادِقٍ *** عَذْباً يُوثَّرُ بِالبَعِيدِ فَيَقْتَرِبْ
عَرَبيُّ مَعْنِّى يَسْتَقِيمُ وُجُودَنا *** فَتُفَتِّحُ الأقوام أعيُنَها لِرَبْ
أَتَظُنُّ يُبْصِرُ جَنَّتَيْكَ ذَوُو العَمَى *** لُغَةُ الأُسُودِ... بَغِيضُها: ذئبُ و دُبْ
عَمِيَتْ قُلُوبُ الواقِعِينَ بأَسْرِهِ *** إبْلِيسُ لَبَّسَ مَن تَرى كَأَبِي لَهَبْ
فَاصْعَدْ بِقَلْبِ حُروفنا... عَظُمَ الرَّجَا *** حَسَني إبداع البراعَةِ بالنَّسَبْ
بَيْتُ البَدِيعِ عَلى الذُّرى مُتَنَزِّهٌ *** بِعَبِيدِهِ مِثْلُ المُنى أدباً و طِبْ
في مُرتقى «إفِرِسْتَ» تُسْفِرُ مُقْلَةٌ *** فترى بها الإبداعَ يَفْتَرِشُ الدَّابْ(3)
و تَرَى تُغُورَ الشَّمْسِ تَنْفُخُ شُعْلَةً *** في الثَّلْجِ تَجْعَلُهُ نُهُوراً مِنْ ذَهَبْ(4)
وَ تَراكَ مُنْجَذباً إلى ذَوْبِ الكَرَى *** و يَذُوبُ عنكَ الجِسْمُ و الفِتَنُ الكُرَبْ(5)
ص: 18
1- النُّجُب: جمع نجيب، و هو الفاضل النَّفيس.
2- انْتَخِبُ: اخْتَرْ.
3- الدَّأْب: هنا بمعنى: الجدَّ و النشاط.
4- ثغور الشمس، أي مسالكها و طرقها.
5- الكَرَى: النعاس. الكُرَب: الشدائد.
و يَسِيلُ سَيْلٌ ياؤُه مَدْعُومَةٌ *** تَلِدُ السَّماواتِ السَّوافِرَ في السُّحُبْ
وَ تَعِيشُ عَيْنَ حياتِها في جَذْبَةٍ *** حَتَّى «بِبِرْمُودًا» يدومُ المُنجذبْ
وَ تَكونُ في صَيْرُورَةٍ تَرْوِي المَدَى *** بِحَنِينِ آدَمَ مُدَّ في الضّلْع الأقَبْ(1)
رَحْمَنُ آلاءٍ يُمَوْجُها الجَنَى *** في الشَّمْسِ و القَمَرِ الشُّعُوبُ لها رُتبْ
أسبوعُ تَوْحِيدٍ يُصَحِّحُ رُؤْيَةً *** زاغَتْ بها الأَبْصارُ عن نَجْمٍ ثَقَبْ
وَ لِصِحَّة الرُّؤْيا نُدَرِّبُ عالماً *** فإذا الربيعُ بِرُوح يُشْرِينَيْنِ شَبْ
وإذا الخَرِيفُ مَوَائِدٌ صَيْفِيَّةٌ *** و إِذا الشَّتاءُ شَرابُ جَنَّاتٍ سُكِبْ
بَيْنَ المَدِينَةِ وَ الشَّام لنا قِبَبْ *** لِلْحِجْرِ صالِحُها و ناقَتَهَ احتَلَبْ(2)
فَخُذوا الكؤوسَ وَ رنِّموا في مولدٍ *** قَدِمَ الحَبِيبُ وَ رَحْمَةُ الهادي الطَّرَبْ
يا مَنْ شَرِيعَتُهُ السَّعادةُ كُلُّها *** حَيَوانُ جنَّتِكَ الثَّرَيَّاتُ الهُدُبْ(3)
وَ جَمالِ عَيْنِكَ لا يُقالُ ضِياؤُه *** فَهُوَ الحَياةُ بِذاتِها قَلْبِي انْجَذَبْ(4)
وَ رَأَيْتُ متَّسَعِي بِتِسْع جِنانِها *** و رَقِيتُ سِتَّ جهاتِها فَوْقَ الطَّلَبْ
حَسَنٌ يُرَبِّي طِفْلَةً لِعَلِيِّها *** ليكون باقِرُها البقاءَ المُسْتَحَبْ
حَضَّتْ بَرَاعَتُكَ العُيونَ جَمِيعَها *** عَيْنُ الأُلوهةِ فِي العِبادِ هي النَّسَبْ(5)
شيراز أو يافا وَطَيْبَةُ أو مِنّى *** في اللَّيْلِ كالأَخَوَاتِ يَأْسُوها العَتَبْ(6)
جَدَّ المُجِدُّ بِحَزْمِهِ مِنْ مازحٍ *** وسَطا سَحابُ العاشِقِينَ من اللَّعِبْ(7)
سَيَموتُ كُلُّ العالمينَ و تَزْدَهِي *** رَوْضاتُ جَنَّاتٍ بِمَعَناكَ المُحِبْ
ص: 19
1- الأقب من الخيل: الضامر البطن الدقيق الخصر.
2- صالحها: هو النبي صالح صلي الله علیه و آله و سلم، و الناقة هي ناقة النبي صالح علیه السلام و آيته.
3- الهُدب: الواحدة هُدْبة: شَعَر أشفار العينين.
4- لايُقال: لايُزال.
5- حَضَّتْ: حَثَّت.
6- شيراز: مدينة في إيران، و طيبة هي المدينة المنورة و منى في مكة. يأسوها: يداويها.
7- اللَّعِب: عكس الجدِّ.
حَيَوِيَّةُ الإِكْسِيرِ تَجْرِي بِالوَرَى *** عَنْ جَعْفَرٍ في الكيمياء وَ قُلْ تَثِبْ(1)
قَامُوسُ فِقْهٍ بِالبَيانِ مُعَلِّمٌ *** بِحُرُوفِهِ الأرْقَامَ مِنْ كُلِّ سَبَبْ
حُرِّنَمابِیمارِهِ لِمُحَمَّدٍ *** شِرَعُ الفُصُولِ المُجْمِلاتُ لِمَنْ يُحِبْ
زَيْنُ العِبادَةِ وَ الصَّدِيقُ بِصِدْقِهِ *** فَرَدَا جَناحَيْكَ المَرَاقِي فاشرَيبْ
فَبِكُلِّ بُرْجٍ تَسْتَرِيح لِشَمْسِهِ *** ابْراجُ جِبْرِيلٍ وَ عِيسَى مُرْتَحَبْ
حُسْنُ القَرابَةِ أَنْ تَظَلَّ مُدانِياً *** وَ مُباعِداً مِثْلَ الشُروقِ وَ قَدْ غَرُبْ
جَرَّت قَرَابَتُهُ المَوَدَّةَ بَيْنَنا *** فَالغَيْبُ يُصْحَبُ وَ الشَّهَادَةُ تَغْتَرِبْ(2)
وَعْيُ السَّعادَةِ أَمْرُه... فإذا رَأى *** هِبَةَ المَشِيئَةِ قَالَ لِلْوَاعِي اكْتَسِبْ
أَرَأَيْتَ زَمْزَمَ ادْمُعاً مِنْ هاجرٍ *** أكَفاكَ إسْمَاعِيلُ وَالِدَهُ حَسَبْ(3)
ستَقُولُ افَيدَةُ الشُّهُورِ سِرارَها *** وَ أَراكَ مُبْتهجاً بِسابعِها رَجَبْ
بَقَراتُ يُوسُفَ وَ الكَواكِبُ لا تَهَبْ *** حُلُمٌ يُؤَوِّلُهُ الذَّكِيُّ المُنتَجَبْ
سَارِيكَ بالمِرْآةِ صُورَتَكَ الَّتِي *** يَصْبُو إِلَيْهَا بِالمَثانِي كُلُّ صَبْ(4)
وَ يَقُولُ «لَقَمَانُ» التَّخاطِرُبَيْنَنَا *** لُغَةُ الصُّقُور لِغَيْرِ ما جُرَذٍ وَ ضَبْ
وَ النَّرْجِسُ الأحْنَى يُضَوِّعُ سِرَّهُ *** لِحِسابِ وَارِثِهِ الوَفِيِّ وَ يَحْتَسِبْ
أيُّوبُ يَصْبِرُ وَ البشارَةُ بِشْرُهُ *** ذو الكِفْلِ لُغْزٌ لا يُحَلُّ بِلا طَلَبْ
وَ بِمَجْمَع البَحْرَيْنِ مَن أدُّوا الرُّؤى *** لِنَرَى... وَ ذُو القَرْنَيْنِ يَلتَمِس السَّبَبْ
حَلَّ السَّلامُ بِمُهْجَتِي مُسْتَوْطِناً *** فَرَضِيتُ لِلرَّوْضَاتِ مَنْزِلَها الأَحَبْ
سُفُنٌ تَطُوفُ على مُحِيطٍ مَهْدُهُ *** وسِعَ السَّماواتِ الزَّواهِرَ بِالشُّهُبْ
وَ رَأَيْتُ جِدَّةَ مَوْلِدَيْنِ «بِيُوسُف» *** وَ «الكَهْفِ» فَاسْتَوْلَى على «الجنَّ» العَجَبْ
ص: 20
1- جعفر: هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام.
2- تغترب: تُصْبِحُ غريبة.
3- هاجر: هي إحدى زوجات النبي إبراهيم علیه السلام و هي أم إسماعيل علیه السلام.
4- الصب: المُتيّم العاشق.
وَ أَلِفْتُ نُوحاً وَ المَعارِج بالضُّحَى *** وَ سَرَى بنا قَلمُ الفُتُوحِ المُقْتَضَبْ(1)
تَتَمَوَّجُ الحُسْنَى عَن الأحَدِ الَّذِي *** صَمَدَتْ مَوَاهِبُهُ لِتَادِيَةِ الحِسَبْ
وَ يُزَوِّجُ الأَزْواج ذو زُهْدٍ بما *** فُتِنُوا... و ذاك لأنه الحُرُّ العَزَبْ
الأكْرَمُ الباقي يُعلَّمُ جودُهُ *** عَسَلَ البَيانِ ... وَ قُوتُهُ يُحْيِي العَصَبْ(2)
فإذا طهُرتَ مَسَسْتَهُ... تَقْوَى بِهِ *** وَ تَشِفُّ سُلْطاناً... وَ لَنْ يَصِلَ الجُنُبْ(3)
أيُرازُ بِالدُّرِّ الحَصَى في كُليَةٍ *** كُليّة الأمراض...؟ تعرف... لا تُجِبْ(4)
النَّحْلُ أضْوَانِي فَحُنَّ بِسَبْعَتِي *** وَدَعِ الرَّحِيمَ وَ رَهْطَهُ لا تَحْتَجِبْ(5)
وَ بِطُهْرِ بَكَّةَ أو بِطَيْبَةَ مَوْطِنٌ *** لِلشَّمْسِ أو مَشْفَى الطَّبِيبَةِ فَاسْتَطِبْ
إنَّا قَتَلْنَا القِرْدَ يُؤذِي كَعْبَةً *** بأظافِرِ السِّكِّينِ يَحْتَفِرُ المِكَبْ
وَ بَصُرْتُ بِالْوَعْيِ الحَبِيبَ مُحَمَّداً *** وَ النَّفْسُ مُلْهِمَةُ التَّفَوُّرِ وَ الحَبَبْ
ضَمَّ الكبيرُ صَغِيرَهُ فَتَقَارَبا *** وَ رَأَيْتُ فَوْقَ الطُّورِ لُقماناً يَثِبْ
تَمْضِي العُصُورُ عن التَّحَرُّرِ مَطَلَبْ *** وَ لَدُنْكَ بِالقُرْآنِ حُرِّزَ مَن صُلِبْ
عَذُبَ الحَبِيبُ عُذُوبَةٌ كَوْنِيَّةً *** وَ قَرَأْتُ مِنْ كُلِّ القُلُوبِ بهِ الكُتُبْ
وَ لِذاكَ وَحَّدْتُ المَشاغِلَ حِرْفَةً *** أجْلُو بها طِينَ البِلادِ المُلْتَزِبْ(6)
لِتَشفَّ عَنْ ماءِ الحَياةِ صُحُورُهُ *** وَ تُضِي أَعْمَاقُ التَّوَحُدِ بالشُّعَبْ(7)
قالوا... وَ قُلْنا... وَ النَّسِيمُ مُجَدَّدٌ *** لِلْمُقْتَدِي حُلَلَ الصَّفاءِ بِلا تَعَبْ
فَشَرابُهُ الصَّافِي مُقَطَّرَةُ القُوى *** و غِذَاؤُه النَّامِي عَلَى القُدُّوسِ لُبْ
ص: 21
1- المقتضب: المختصر.
2- العَصَب: واحدُ الأعصاب و هي الأوعية الدموية، و الأوردة و الشرايين.
3- الجُنُب: من كان على جنابة و هو غير طاهر.
4- أَيُراز رازَ رَوْزاً الحَجَر: وزَنَهُ ليعرف ثقله و -الدينار وزنه ليعرفَ قدره.
5- الرجيم: هو الشيطان و رهطه: أتباعه و بطانته لاتحتجب: لا تختبىء.
6- الملتزب: هو الطين الصلب.
7- الشُّعَب: مفردها شُعبة.
وَ كَما تُفَكَّرُ تَسْتَحِيلُ... فَكُنْ شذّى *** وَ سَنِّى... و لاتَكُ غاسِقاً إِمَّا وَقَبْ
إنِّي اسْتَعَذْتُ بِذِي الجَلالِ لِذِي رِضّى *** فيما نَقُولُ... وَ مَنْ تَشَكَّكَ فيهِ: «تَبْ»...(1)
وَ النَّجْمُ... ما ثُقِبَ الدُّجَى الاَّ بِهِ *** لِيَكُونَ شَلّالُ المَنائِرِ مُنْسَكِبْ
وَ عُطارِدِي أَوْفَى الوفاء لِزُهْرَةٍ *** وَ كَما تَرَى فَابْنُ السَّماءِ كذا يُحَبْ(2)
لابَأْسَ... تَأْتَلِقُ الشُّموعُ بِمَوْلِدٍ *** وَ الشَّمْسُ حَاضِرَةٌ... و بالحُبِّ المَصَبْ
وَ يَقُولُ بي عَنْ قَائِلٍ مِنْ فَنَّهِ *** بِلُغَاتِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَوْجَبَهَا المُحَبْ
القَلْبُ في كُلِّ الصُّدُورِ مُوَحّدٌ *** أهلَ القُلُوبِ وَ مَنْ يُكَابِرُ قَدْ كَذَبْ
سَاهَرْتُ رَعْدَكَ وَ البُرُوقَ وَمَا طَراً *** بَيْنَ الرَّبِيعَيْنِ الأذانُ دَعَا... وَ صَبْ
إنَّ الصَّحارِي في بديع قراءتي *** رِيٌّ صحا... فإذا الرِّمالُ غِنِّي خَصُبْ
مَوَّارَةٌ بِمُرُونَتِي إِبْدَاعُها *** قَلَبَ الثَّرى إرثاً لِذِي حَقِّ وَجَبْ(3)
بَدَوِیُّهُ بِدَوِّيهِ جذَبَ الهُدَى *** فَالخِصْبُ عَمَّ... فَلَا جَفَافَ وَ لَاسَغَبْ(4)
أَسْطُورَةُ الصَّحْرَاءِ وَ الصَّلَواتُ عَنْ *** نَبَأٍ تُحَدِّثُ بِالتُمُورِ وَ بالعِنَبْ
عَيْنَانِ طَابَقَتا برُؤيَتِنَا المَدَى *** وَ القَلْبُ آدَمُ وَ الفُتُوحَاتُ اقتَرِبْ
مُتَطَوّعٌ لِلْخَيْرِ «مِريخي» وَ فِي *** «زُحَلِي» ابْتَنَيْتُ «لِمُشْتريك» المُطَّلبْ
هَجَرُوا الكِتابَ مُحَمَّدٌ يَشْكُو العَرَبْ *** وَ بِيَاءِ «قومي» شافِعٌ... يا ربِّ: تُبْ
جَهِلوا القِرَاءَةَ مِن بِدايةِ أَمْرِهِمْ *** وَ لَذاكَ نُقْرِثُهُمْ عَلَى مَهَلٍ يَرُبّ(5)
تَعَبُ الرَّسولِ مُقَدَّسَ قُرْبانُهُ *** لِيُرِيحَ كَوْناً كَادَ يَأْكُلُهُ اللَّهَبْ
أمَراؤُهُ أَهْوَاؤُهُمْ أُمَرَاؤُهُمْ *** يا مَن يُريدُ القَمْحَ مِنْ ذَاكَ الحَطَبْ
ص: 22
1- تَبْ: التباب هو الخسران، وَ تَبَّ خَسِرَ.
2- عطارد: كوكب سيّار لزهرة: يقصد كوكب الزُّهرة.
3- موَّارة: مار يمورُ موراً البحرُ: ماج و اضطَرَب.
4- سَغَب: السَّغَب: المجاعة.
5- يَرُبّ: رَبَّ رَبِّاً الأمر: أصلحَهُ، و رَبَّ رَبّاً القومَ: ساسَهم.
مُتَحَوِّلُ بالصَّبْرِ عَاشِقُ أُمَّة *** شَرُفَتْ معانيها بِأَنْفُسِهِ العُرُبْ
مَنْ شاءَ يَتَّبِعُ النَّبِيَّ بِعِلْمِهِ *** عَنْ رَبِّهِ فَلِسانُهُ المُوحَى سَرَبْ
لَيْسَ العُرُوبَةُ أَنْ نُطَاوِلَ بالدُّمَى *** أَوْ بِالدِّمَاءِ فَفَوْقَ ذَلِكَ مُقْتَرَبْ
إنَّ التَّعارُفَ مَنْهَجٌ ذو نِعْمَةٍ *** جَنَّاتُهُ فَرَحُ الوُجُودِ المُرْتَقَبْ
رُتَبُ العُرُوبَةِ وَحْدَةٌ لُغَوِيَّةٌ *** فَاقْرَأْ بِرَبِّكَ أَحْرُفَ الأُمِّ الكُتُبْ
أَرَأَيْتَ مَعْنى العَيْنِ صافٍ وَحْيُهُ *** مُتَدَفَقٌ... يُغْنِي... يُوَحْد... يَنشعِبْ؟
مَن كانَ آدَمُ جَدَّه... أَوْ أُمُّهُ *** حَوَّاءَ... نال أُخوَّةً ما لم يُشَبْ
إِبْلِيسُ شَائِبَةُ التَّقارُبِ بَيْنَنَا *** يُغْرِي بِأَحْقادِ الفَواحِشِ وَ الغَضَبْ
فَتَذَكَّرِ الرَّحْمَنَ و الرَّحِمَ التي *** وَصَلَتْ بأم لاتَخونُ وَ لاتُسَبْ
سَأُشِيعُ في حِبْرِي اخْضِرَاراً أحمراً *** لِيَشِفَّ أَزْرَقُهُ بِأَصْفَرَ ذِي بَيَاضٍ مُنْتَقِبْ
حُجَجِي: المَشارِقُ وَ المَغَارِبُ كُلُّها *** وَ لِيُوسُفٍ سَعْيُ الحُسَيْنِ... وَ لَوْ بِجُبْ(1)
قالَ النَّبِيُّ بِمَنْ يَقُودُ عِيالَهُ *** وَ يَسُوقُ -نَفْعاً فِيهِمُ هَذَا الأَحَبْ
فَفَهِمْتُ في كُلِّ العُصُورِ رِسالَةً *** عُلْيا بِخاتِمِها تُؤَكِّدُ فَضْلَ رَبْ
وَ رَبِيتُ في تأديبِهِ بَيْنَ الْوَرَى *** عَرَبِيَّ جَناتٍ تُنَاغِمُنِي بِابْ
إنَّ القَضِيَّةَ فِي فِلِسْطِينَ: الهُدَى *** وَ عَجَمْتُ مُعْجَمَهُ فَقَدَّرَ ما وَهَبْ
أَرَأَيْتَ بَابَ الباءِ آبَ لِغَايَةٍ *** حَضَنَتْ سماواتِ الرضى... تلك العَربْ(2)
عَذَبَتْ بِإِسْرَافِيلَ مُوسيقى النَّسَبْ *** رَقَصَتْ بِنَفْحَتِهِ الأصولُ بِلا حُجُبْ
أنَا بِابْن خادمة أطوفُ بِزَمْزَمٍ *** أسقي الظِّماءَ... وَ ذاكَ يَحْمِلُ ما كَسَبْ
دانوبُ نَهْرِكَ بَعْضُ زَمْزَمَ طولُهُ *** وَ كَذاك إبراهيمُ نِعْمَ المُنتَسَبْ
رُوحي بروح أبي التُّرابِ كَواعِبٌ *** عُذرِيَّةُ القاماتِ يَخْدِمُها النَّصَبْ
ص: 23
1- الحُب: البئر.
2- آبَ: عادَ و رجع.
حُورٌ بِرَاحَتِهِ الرِّياحُ يَمِينُها *** وَ يَسارُها فَهيَ الرَّحَى و الجِسْمُ حَبْ
قَمْحِيَّةٌ قُمْ حَيَّهِ... أَوْ حِنْطَةً *** حَنَّتْ سَنَابِلُها بطة المُنتَسِبْ
وَ تَكَادُ تُذهِلُني النَّسَائِمُ بُرْهَةً *** في بِرَّهِ فَأَرى الشَّرابَ مِنَ القَصَبْ
مِنْ أَيْنَ جاءَ بَنُو البلادِ... وَ مَنْ دعا *** بالنَّحْلِ ذا عَسَلٍ... وَ بِالبَقَرِ احتُلِبْ
فيّاضةٌ حلماتُ حُبِّكَ بالرُّؤى *** خِصْبُ الأمومَةِ كالغُيوبِ لها صَبَبْ(1)
عُدْنَا لِنَعْمَةِ آدمِ مَعَ زَوْجِهِ *** فِي جَنَّةٍ وَزَهَا التُّرابُ بِمَن خَطَبْ
اللَّهَ...! ما أسخَى الرَّحِيمَ... بِخُبْزِهِ *** عن فَتْحِ مائِدَةٍ لِوَزْنِكَ ألْفُ قِبْ(2)
ها الإضافةِ عَيْنُهُ فِي عَيْنِهِ *** وَ تَرَى بِوَاوِ العَظفِ كَوْثَرَهُ اللَّجِبْ(3)
سَيَقُولُ مَن يُتروا عَلى أَصْنامِهِمْ *** عَجَباً لِسَارٍ كَيْفَ يَخْتَرِقُ الحُجُبُ...؟
وَ نَقُولُ: يَنْتَصِرُ المُحَرِّرُ نَفْسَهُ *** وَ الحُرُّ لا يَخْتارُ إلا ما وُهِبْ
وَ الجَبْرُ بِالجَبَّارِ أعْظَمُ مُرْتَجَى *** وَ لِذا التَّجَدُّدُ لايَرَى ما اللَّهُ جَبْ
بِلْقیسُ تَدْنُو وَفْقَ نِيَّةِ آصَفٍ *** ليُرى سليمانُ الوَفَاءِ كَمَا يَجِبْ
وَ عَزِيزُ قَلْبِكَ في التَّرانيم السُّرى *** وَ حَكيمُ حُورك في الحِوارِ إذا قلب قُلِبْ
أَلَمُ المُصِرْ عَلَى المَوَدَّةِ مُرْتَقٍ *** بِمَصِيرِهِ مَلَا... وَ قُلْ أمل اللَّقَبْ
سوري سرار و ابتِدارُ مَعَارِجٍ *** وَ نَوادِرُ الصاحي... وَ هَلْ يَسْهُو الأربْ(4)
شُعَراءُ طَهَ وَ الطَّواسِينِ ابْتَنَوا *** قِصَصَ الحُروفِ المُعْجِزَاتِ فَقِفْ وَ لُبْ(5)
فِصْحُ المَسِيحَ بِمَوْلِدِ الهَادِي جَذَبْ *** صَوْتاً بِبَكَّةَ يُستديمُ هوى الحِقَبْ
أنَّاتُ باك بالطَّهارةِ تُجْتَلَى *** بِقِيامَةِ المَعْنَى الهَياكِلُ تَضْطَرِبْ
ص: 24
1- صَبَبْ: من الصَبابه: رقّة الشوق و حرارته.
2- قِبْ: القِبُّ (بالكسر) العظم الناتيء بين الألیتین.
3- اللَّجِب: يُقالُ بحرٌ ذو لَجَبٍ إذا سُمِعَ اضطراب أمواجه.
4- الأرب: من الأريب و هو العاقل.
5- لُبّ: كُنْ لبيباً، و اللبيب هو العاقل و لُبّ: أقِمْ، من الإقامة.
وَ تَرَى اللُّغَاتِ بِأَحْرُفٍ قُدْسِيَّة *** كَالغَيْم يَدْمَعُ بِاليَنابيع انْسَرَبْ
وَ أكادُ الْمَسُ مَنْ يُدَغْدِغُ مُزْنَةً *** لِتَبُوحَ بِالمَطَرِ الصَّدُوقِ وَ تَعْتَشِبْ
فَالمَرْجُ مُنْبَسِطُ الرّضى يَدُهُ الهُدَى *** وَ يَدَاهُ حاضِنَتانِ مَهْدُكَ ذو لَعِبْ
جَنَّاتُهُ تَدْنُو وَ لِلأَقْصَى قُرًى *** فَرَّتْ بِباقِرِكَ السَّبورِ المُشْرَئِبْ(1)
صُوَرُ البَرارَةِ إِلَّهُ عَنْ آلِهِ *** لِتَعِيش التُكَ الإِلهَ بِكُلِّ حُبْ(2)
وَ تَرَى التَّوَجُعَ وَ التَّلَنُّدَ وَحْدَةً *** فِي كُلِّ مَخْلُوقِ لِمَنْشَيْهِ أَرَبْ
توليبُ مُبْتَكِرِ زُنُوجَةَ لَوْنِهِ *** لِتَعِيش نُورَانِي تَرْجَمَةِ القُطبْ
وَ بِبُرْهَةٍ تَحْنُو الجنانُ وَ رَبُّها *** بِسَعادَةِ الإبداعِ تَعْمُرُ مَن رَهِب
ذوالكِفْل بِشرٌ لا يَزالُ كَعَهْدِهِ *** فَعَلامَ تَأْخُذُكَ المَخاوِفُ وَ الرِّيَبْ(3)
يَرْعَى الصَّداقة صادِقٌ مَعَ رَبِّهِ *** بِمَساطِرِ التَّصْحِيح أسْطُرُنا تُطَبْ(4)
فَاعِدْ بِأَعْيادِ المَساعِي هاجِراً *** وَ الصّخْرَ رَخْصاً باقتِداهَا يَنْقَلِبْ
فَتِّش عَلَى بَرَدَى وَسَائِلُ ثَغْرَهُ *** عَنْ رِيقِهِ بَعْدَ التَّعَوُّج بالمَصَبْ(5)
لُغَةُ اللُّغَاتِ هِيَ الصَّفَاءُ فَقَوْمَنْ *** بِفَمِ المَبادِي كَالمَنابِع مَن تُحِبْ
غَمَزَتْكَ ناضِجَةُ السَّفَرْجَلِ فَأَعْطِهَا *** طَرَفاً مِنَ الغَزَلِ البَرِيءِ المُسْتَطِبْ(6)
رَبِّ النُّبُوَّةَ في الضَّمائِرِ طِفْلَةً *** تَنْمُو كَمَا قَالَتْ رُقَيَّةُ وَ انْتَدِبْ
إنَّ المَطارَ فَسِيحَةٌ أقطارُهُ *** وَ الباسِلُونَ عَلَى الفَضاءِ لَهُمْ دُرَبْ
مَوْلايَ رِفقاً بِالرَّفِيقِ وَ داوِهِ *** صَبُورُ إبراهيمَ لا يَرْضَى الهَرَبُ
زَهْرَاءُ تَشْفَعُ لِلْفَقِيرِ وَ سَارَةٌ *** قَيُّومُ حَيْكَ يا حَكِيمُ المُجْتَذَبْ
ص: 25
1- السَّبور: الذي يسبر الأغوار، أي ينظر في داخل الأشياء.
2- إِلَّهُ: الإلُّ: العهد، و إلُّهُ: عهدُهُ.
3- الرَّيَب: الشكوك.
4- تُطب: تُسْتَطاب.
5- الثغر: هو الفم و المراد هنا في «تَغْرَهُ» أي شواطئه.
6- المستطبَ: المستطاب.
أخَذَ الكُؤُوسَ مِنَ الفواطم مَن صَلُبْ *** بِالمُسْتَوَى القُدْسِيِّ لِلْعَذْراءِ أُبْ
أنا مِثْلَما تَهْوَى الصَّلاةَ صِلاتُنا *** في الجَنَّةِ العَذْراءِ مَن فِيهَا اغْتَرَبْ
رَوْضاتُ جَنَّاتِي عَلى مَدَّ الرُّؤى *** شَفَتاكَ مَقْرَبَةُ الصَّفاءِ بلا قِرَبْ
حُسْنٌ بِمُفْرَدِها البَشَائِرُ جُمْلَةٌ *** وَ يَكادُ يَطْفَحُ بِالمَعاجِزِ مَن شَرِبْ
اتَوَدُّ مَعْرِفَتي بذاتِكَ مُلْتَقَى *** سُبْحانَ رَبِّي بِالصَّمِيم لنا قِبَبْ
تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ الحِبالُ تَعَلَّقَتْ *** عُنقي... بِحَبْلِكَ قلتُ... فَانْفَتَلَتْ لِحُبْ
وَ الحَرْبُ دَارَتْ في مُسالَمَتِي رِضَى *** فَنُهّى بِزَيْنِ العابِدِينَ دعا... رَحُبْ
فَالْبَحْرُ طارَ إلى الفضاءِ وَأَمْطَرَتْ *** صَحْراءٌ مَدْيَنَ وَ ارْتَوَى الأرِبُ الوَصِب(1)
بَجَعُ البُحَيْرَةِ وَ الإِوَزُّ مَاذِنٌ *** رَفَعَتْ مَناقِيرَ الثَّناءِ لِمَنْ حَدَبْ
مَيْلُ الرِّمالِ لِمُزْنِ غَيْمِكَ مَوْكِبٌ *** قَدْ صارَ رِبَاً وَ اسْتَحالَ لِمَا وَكَبْ(2)
عادَتْ لِمَسْبحِها المَآذِنُ سُجَّداً *** جُمَعِي وَ أَسْبوعُ المَدَى الأَعْلَى سَحَبْ
فإذا حبالُ الخِصْبٍ وَاصِلَةُ النَّوَى *** فَكَأَنَّهَا عَمَدُ الغِنَى فِيمَن تَرِبْ
وَ كأَنَّ أَحْمَدَ ما يُقَالُ وَ يُنْتَوَى *** حَقٌّ بِمُطلَق ذاتِهِ العُليا انْتَصَبْ
أيَخِرُّ مُوسَى أَمْ يُصابِرُ خِضْرُهُ *** إِنِّي بآدَمَ قَدْ جَشَوْتُ عَلَى الرُّكَبْ
وَ بِكُلِّ حالٍ بانَ يَاسِينْ لَنا *** مِنْ فَوْقِ مُوسيقى على الطُّورِ الطَّرِبْ
وَ شَهِدْتُ بِلْقِيساً بِلَيْلَى قَلْبِها *** قَيْسٌ يُسَاقُ لِجِدّه بِيَدِ اللَّعِبْ
وَ مَسِيحُ عَذْرائِي بِبُولُسِهِ مَشَى *** لَمَّا انتقي في باب توما وانْقَلَبْ
أَيُقَالُ تَصْحِيحُ المَسارِليونُسٍ *** في نِينَوَى وَصَلَ الحَضَارَةَ بِالدَّابْ؟
لابَأْسَ مَن طَلَبُوا بِمَدْحِكَ بُرْدَةً *** بَلَغُوا بِكاظِمَة: الحَوائِجَ و اللَّقَبْ
وَعَدا نَشِيدِي مَنْ تأَمَّلَ ناقداً *** لِيَقِيسَ... أسْلُوبي البصائِرَ يَسْتَلِبْ
ص: 26
1- الأرب: المحتاج و الأرب: الماهر. الوصِب: المريض.
2- وكب: (المُوكِب) على وزن المْوضع: بابةٌ من السير (مختار الصحاح).
عَفْوَ البَدِيعِ لِمَنْ يَرَى الإبداع حُبْ *** وَ يَرَى شِفاء العالَمِينَ هُوَ الطَّلَبْ
المُبْحِرُونَ تَجَمَّعوا في بائنا *** و البَحْرُ أصْحَبُ ما يكونُ وَمَا نَضَبْ
وَ المُبْدِعونَ تَقَدَّمُوا في حائِهِ *** وَ تَصَيَّدوا الأصدافَ بالمَوْج الصَّخِبْ
وَ اللُّؤْلُؤُ المَحْمُولُ في أضدافِهِمْ *** لَمْ يَلمَحِ الفُقَراءُ مَخْبَأَهُ الخَرِبْ
فَالأَصْمَعِيُّ أصَمَّ أَعْمَى... و الرَّشِيدُ... *** و مَن رَأى لَعِبَ «الذُّبابِ» هو الأَدَبْ
وَ رَأى «الثآليل»... «البُصاق»: مُعَادِلاً *** لِمَذاقِهِ... أنَسُوا بِأَمَّتِنا الرُّطَبْ
مُتَحَوِّلٌ عَنْ ذَوْقِهِمْ في أَبْحُري *** هذا التَّمَوُّجُ فِي سَوَاكِنِه الخَبَبْ(1)
سَبَحَتْ على شُطَآنِها هِمَمُ الرُّؤى *** وَ المُطْلَقُ الصَّافِي على كَدِرٍ صَعُبْ
وَ هُوَ المُيَسَّرُ نِيَّةٌ لَكَ تُبْتَنَى *** فِي بُنْيَةٍ سَلِمَتْ مِنَ الكَلِمِ الكَذِبْ
مَلِكٌ تملك بالصَّداقةِ أَنْجُماً *** وَ هُوَ المُطَامِنُ كُوخَهُ بَيْنَ الخِرَبْ
طَهَّرْتُ نَفْسِي مِنْ ذُنوبِ تَعَلُّقِ *** بِالمُغْرِيَاتِ وَ طَوَّلُوا فِيهَا الذَّنَبْ
وَ قَدَرْتُ مُطلَقَ شَاعِرِينَ بِنَحْوَةٍ *** وَ أَصالة فاقَتْ عَلَى كُلِّ النَّسَبْ
وَ ذَبَحْتُ بِالحَرَمِ المُطَهَّرِ أَدْمُعِي *** وَ دِمَاءَ أَهْوَائِي ليَقْبَلَني النَّسَبْ
أُمِّي تَنامُ و تَسْتَفيقُ وَ وَجْهُها *** لِلْكَعْبَةِ العَذْراءِ لَمْ تُمْسَسْ بِسَبْ
أنا مِنْ أرومة مَنْ يَعُومُ على الشَّدَى *** لِيَبُثَّهُ لُطفَ الرِّياحِ إذا تَهبْ
وَ مِنَ الضّياءِ على العُيونِ أنا الرِّضَى *** يَرْنُو وَ يَسْخُو بِالرُّنُو مَتى وَجَبْ
وَعِيارُ شِعري بالكِتابِ وَ أُمِّهِ *** وَ صَفَاءُ رُوحِي نَفْخَةُ الباري وَهَبْ
خَشَعَتْ بِجَنَّتِنا السَّكِينَةُ رَحْمَةً *** وَ تَصابَحَ التُّعَساء في ذاتِ اللَّهَبُ
يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون بِأنَّنِي *** أجْنِي السَّعادَةَ لِلأعاجم و العَرَبْ
يَتَحَدَّثُ القُدُّوسُ في أَحْيَائِها *** وَ يُرِيكَ آيَاتِ التَّجَدُّدِ يابنَ أَبْ...
ص: 27
1- الخَبَبِ: ضَرْبٌ من العَدْو، يُقال: «يمشي خبباً». و الخَبَب السرعة. و الخَبَب: بحر من: بحور الشعر.
لِشُعَيْبِ مَدْيَنَ ما يقالُ وَ يُكْتَتَب *** بَيْنَ الشُّعُوبِ إذا تَنَصَّتَ أو خطَبْ
أرَأَيْتَ أجْنِحَةَ الحَدِيدِ بَصِيرَةً *** مَأواك بِالدَّارِ السَّلامِ قُوَى الكُتُبْ
مِثْلَ التَّفَكُرِ تَسْتَحِيلُ حقايقاً *** هَلْ تَسْتَحِي مِنْ أكرم الكُرَماء؟ طِبْ
أحَدٌ وَ جَنّاتُ السَّلام وَنُزْهَةٌ *** أَبَدِيَّةٌ فيها الحَياةُ كَمَا تُحَبْ
لَوْ كُنْتَ شاعِرَ أُمَّةٍ كَانَتْ لَهَا *** أُمَمٌ مِنَ الإبداع وَاحِدَةُ المَهَبْ
لكِنَّ خِدْمَتَنا الشَّرِيعَةَ عَارِشُ *** كُرْسِيُّهُ الحُسْنَى اتساعٌ مُجْتَذَبْ
جَذَابَةٌ غَمَرَاتُ عَيْنِكَ جَنَّةٌ *** لَكِنْ بِرَوْضاتِ القُلُوبِ لنا أَحَبْ
أنْهَارُ جَنَّاتٍ تَسِيلُ وَ نِعْمَةٌ *** لَيْسَتْ كَكَأْسٍ تُسْتَقَى مِنْ كَفٌ رَبْ
وَ مُحَمَّدٌ أَنْهارُهُ مَعْلُومَةٌ *** لِمَنِ اسْتَقى مِنْ بالِ صالِحِهِ و عَبْ
وَ الأَنْبِيَاءُ جَمِيعُهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا *** يَدُهُ... يَداهُ... وَ الحَنَانُ أَلَمْ تَذُبْ؟
ثَلْجُ الذُّرَى مَلِكاتُ حُسْنٍ ذُوِّبَتْ *** في شَمْسِه فَالخِصْبُ أَعْرَاسٌ وَ حُبْ
مَرْجُ السَّنابِل رَاقِصٌ بِمُحَمَّدٍ *** وَ عَلَى الدَّوالِي وَ النَّخِيل جَنِّى قَرُبْ
أهْلاً بِكُلِّ ثِمَارِهِ تَدْنو غِنّى *** بِالنذرِ... أوْ تَعْلُو على جِذْعِ الرُّطَبْ
يا مَنْ يُرِيدُ مِنَ الحَياةِ صَلاحَها *** هذي يَدُ الاكْسِيرِ شافِيَةً بِطُبْ
امْلأُ بِهِ فَمَكَ الشَّرِيفَ وَ مَضْمِضَنُ *** بِحُرُوفِهِ كُلَّ الثَّنايا وَ اسْتَطِبْ
وَ اللَّهِ -وَ القَسَمُ العَظِيمُ سَعَادَةٌ *** لَيْسَتْ لِتَأكِيد- هُنا عَجَبُ العَجَبْ
هِبَةُ الهباتِ: بِرَحْمَةٍ خُتِمَ الهُدَى *** فَتَوَحَّدَتْ بِمُحَمَّدٍ فِرَقُ الشُّعَبْ
فَتِّش أصابِعَ مَنْ تَخَتَمَ قُدْوَةً *** أَوْ مَن تَخَتَّم لِلزَّواج وَ مَنْ خَطَبْ
أَوَلَيْسَ «خاتَمُ» جَمْعِهِمْ امْنُولَةٌ *** لِوَحِيدِ لَفْظٍ لَفَّ مُطْلَقَةَ النِّسَبْ؟
وَطَنُ الخُلُودِ مَحَبَّةٌ لِبَدِيعِهِ *** وَ سُلُوكُ اخْلاقِ الحَبِيبِ هُوَ الأَدَبْ
ص: 28
(4) وهج القباب
(بحر الكامل)
الأستاذ جاسم محمد الصحيح (*)(1)
وهجُ القُباب أم المصيرُ المُتعبُ *** ذاك الذي لك شدَّني يا يثربُ
فأتيتُ أرفُلُ في الشقاءِ يزفُّني *** ما بينَ أشباحِ المتاهةِ موكبُ
تتسكعُ الآهات بين جوانحي *** و الأبجديةُ في دمائي تنحبُ
و أجنّةُ الأحلامِ حين تهزُّها *** نجواكِ يرعشُ روحُها المتكهربُ
أثرى النخيلُ اليثربيةُ لم تزلْ *** تلكَ التي تلدُ الشموخ و تُنجبُ
أم شكَّها سهمُ الزمان فأينعتْ *** جُرحاً بهِ المستضعفونَ تخضَّبوا
و أتَوْكِ من حيثُ الرجولة لم يزلْ *** تاريخُها بدمِ الكرامةِ يشخبُ(2)
يتلمسونَ ثمالةَ الأملِ الذي *** كانت على يده الجراحةُ تُخصبُ
يا طيبةَ النصر المنوَّرِ مالوى *** أبطالَهُ عبرَ المجاهلِ غيهبُ(3)
فإذا السماءُ تصبُّ في خلجاتِهم *** حُلم النبوة جامحاً يتلَهَّب
حتى إذا صقلُوا تُرابك و ازدهت *** ممّا تناثرَ من سناهُ الأحقُبُ
ص: 29
1- (*) جاسم محمد أحمد الصحيح: ولد في الأحساء عام (1384) ه)، التحق بشركة أرامكو عام (1980م)، و أكمل دراسته فيها و بعث عبرها إلى أمريكا، حيث حصل على البكالوريوس في الهندسة الفنية الميكانيكية، بدأ نظم الشعر عام (1409 ه_)، و له علاقة وطيدة مع الشاعر السيد كاظم الطباطبائي الذي كان له الدور في صقل موهبته الشعرية، شارك في العديد من المناسبات و الاحتفالات الدينية، و نشر أغلب نتاجه الأدبي في صحيفة (اليوم) الصادرة في الدمام، المملكة العربية السعودية (معلومات خاصة).
2- شخب أوداجه دماً: قطعها فسالت.
3- الغيهب: شدة سواد الليل.
وقفُوا على حدِ الرماح منائراً *** تمتدّ في أُفقِ الحياةِ فيُعشبُ
يا طيبةَ النصرِ الذي في شوطِهِ *** أفنى فُتوتَهُ النضالُ الأشيبُ
و تنفستْ عبقَ الفتوحِ رسالةٌ *** فيها تصاهرتِ السماءُ و يعربُ
و افتكِ يرتجلُ الصلاُبة ساعدٌ *** منها و يبتكر العزيمةَ منكِبُ
و مذ اقتحمت بها الحياةَ على خطى *** طه يشدُّك للفلاحِ و يجذبُ
شحذَ الفداءُ يراعهُ بكِ و انبرى *** يسقيه من برِ الخلودِ و يكتبُ
حتى إذا يومُ الإخاءِ تفصَّمَتْ *** حلقاتُهُ وسطتْ عليهِ العقربُ
نسيتْ جوامحكِ العتاقُ نفيرَها ***و أنهارَ في دمكِ الصهيلُ الأشهبُ(1)
و بقيتِ للأجيالِ نبعَ صبابةٍ *** ماعاد كوثُرُه يفورُ و يغضبُ
و رنتْ تطالعُكِ الدهورُ فراعَها *** فتحٌ بماضيكِ المجيدِ مُعلَّبُ
هرَّيتهُ طيفاً بذاكرةِ المُنى *** يزهُو و هيهاتَ الفتوحُ تُهرَّب
نسلَ الغبارُ عليهِ ألف قبيلةٍ *** راحتْ تنازعُهُ البريقَ و تسلبُ
و يداكِ لا شمسٌ تغالبُ فيهما *** عصفَ الشتاءِ الجاهلي فتغلبُ
مديهما نحو الوراءِ و سلسلي *** يوم الأخاءِ و لملمي ما يسكبُ
و تحضني أرواحَنا بصفائِهِ *** يهتزّنبضُ حياتِنا المُتَخَشِّبُ
فسنصهرُ الأفق البعيدَ على لظى *** عزماتِنا حتى يذوبَ الكوكبُ
و سنكنسُ التاريخَ مما اسندت *** فيه الذئاب و ما رواه الثعلبُ
و نُقشّر الحقِّ المُغَلَّف بالدُّجى *** حتى يشع لُبابُه المُتَلَهِّبُ
و نعودُ نفترعُ النجومَ و حسبُنا *** فيما نؤملُ أن متنَكِ مركِبُ
ص: 30
1- الأشهب: الأبيض الذي يصدعُهُ سواد في خلاله، الصعب، المجدب.
(5) ميلاد البتول علیها السلام
(بحر الطويل)
الأستاذ جعفر الجعفر
أَتَسْأَلُنِي مَا نُورُ تِلْكَ الْكَواكِبِ *** هَلِ النُّورُ إِلاَّمِنْ نُجومٍ ثَواقِبِ؟
هَلِ النُّورُ إلا مِنْ سَمَاءِ مُحَمّدٍ *** تَجَلَّى بِالِ البَيْتِ آلِ الْمَناقِبِ
أَلَمْ تَرَ ميلادَ الْبَتُولِ بِمَكَّةٍ *** سعى نورُها في كلِّ بَيْتٍ وَ جانِبِ(1)
فَأَشْرَقَتِ الْأَنْوَارُ مِنْهَا عَلَى الدُّجى *** فَقَشَّعَ مِنْهَا النُّورُ أُفق الْغَيَاهِبِ
وَ أَشْرَقَ لِلْمَوْلُودِ وَجْهُ نَبينا *** فَأَشْرَقَ بِالْوَجْهَيْنِ وَجْهُ المَغَارِبِ
وَ أَيْنَعَتِ الْأَغْصانُ يَوْمَ مَجِيئِها *** كَمَا افْتَرَ لِلْمَوْلُودِ تَغْرُ السَّحَائِبِ
كَأَنِّي بِمَهْدِ لِلْبَتُولَةِ فَاطِمٍ *** تَطُوفُ بِهِ الْأَمْلاكُ فَوْقَ الْمَنَاكِبِ
وَراحَ لسانُ الدَّهْرِ يَنْطِقُ بِاسْمِها *** يَزُفُّ عَلَى الْأَرْجَاءِ بُشْرَى الْأَطايِبِ
وَ راحتْ لها الأفلاكُ تُسْدِي تَحِيَّةً *** يَرِنُّ صَداها في صَريرِ الْكَواكِبِ
أجَلْ إنَّها الزهراءُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ *** وَ تُحْفَتُهُ مِنْ خَيْرِ هَادٍ وَ وَاهِبِ(2)
أَجَلْ إِنَّهَا بِنْتُ النَّبِيِّ وَ أُمُّهُ *** وَ سَلْوَتُهُ عِنْدَ اشْتِدادِ النَّوائِبِ(3)
ص: 31
1- إشارة لما ورد في أمالي الصدوق ص476 في رواية عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام: فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور.
2- إشارة لما ورد في البحار ج36 ص73 ح24. في رواية ابن مسعود: فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء علیها السلام فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام.
3- و ذلك إشارة لما ورد في تهذيب التهذيب ج12 ص44. فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء.
أَجَلْ يا رَسُولَ اللَّهِ خُذْهَا هَدِيَّةً *** مُطَهَّرَةً من كلِّ رِجْسٍ وَ شَائِبِ
فَلَيْسَ لَها في العالَمِینَ كَمِثْلِها *** وَ لَيْسَ كَنورِ الشَّمْسِ نُورُ الْغَيَاهِبِ(1)
سَلامٌ وَ حتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ نورُها *** سَلامٌ عَلَى مَنْ نُورُها غَيْرُ غائِبِ(2)
إِلَيْكِ تَحيَّاتِي أَصُوعُ حُروفها *** مِنَ الْقَلْبِ تُرجى مِثْلَ زَخِّ السَّحائِبِ
مُعَطَّرةُ مِنّي إِلَيْكِ تَحِيَّتِي *** بِها نَفحُ طِيبٍ طيِّبٌ مِنْ أَطايِبِ
فَلَوْ قِيلَ في حبي لها أنتَ هائمٌ *** إلامَ غَرامٌ لَسْتَ عَنْهُ بِتَائِبِ
لقُلْتُ اغْرُبُوا عنّي فإِنَّ ودَادَها *** مِنَ اللهِ فرضٌ ذاكَ أَوْجَبُ واجِبِ(3)
يَهُزُّ لِذِكْراها فُؤادِي وَ تَنْجَلِي *** هُمومٌ بِقَلْبِي جَعْجَعَتْ بِالنَّوائِبِ
تُغنّي و بالميلادِ حُبّي لِفاطِمٍ *** وَ عَجَّتْ بِي الْأَشْوَاقُ وَ الشَّوْقُ جاذِبي
إلى مَنْ بها نورُ الإلهِ وَ سِرهِ *** وَ آيَتُه الكُبرى برَغْمِ النَّواصِبِ(4)
وَ لاغَرْوَ فَالزَّهْرَاءُ عَيْنُ مُحَمَّدٍ *** مُرَكَّبَةٌ مَا بَيْنَ جَفْنٍ وَ حاجِبِ
كَأَنَّ حَشا الْمُخْتارِ فِي جَنْبِ فَاطِمٍ *** كَأَنَّ حَشَاهَا فِيهِ بَيْنَ الْجَوانِبِ(5)
ص: 32
1- إشارة لما ورد في خصائص النسائي ص34 و قال: سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء العالمين.
2- إشارة لما ورد في تفسير فرات الكوفي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ». الليلة فاطمة علیها السلام، و القدر الله، فمن عرف فاطمة علیها السلام حقَّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.
3- إشارة لما ورد في المناقب ج3 ص112، في كون الزهراء علیها السلام بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و مما جاء عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة مني من سرَّها فقد سرني و من ساءها فقد ساءني فاطمة علیها السلام أعز الناس عليَّ.
4- و ذلك إشارة في البحار ج37 ص87 ح54، عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لهم بمنزلة سفينة نوح من ركبها نجا و من تركها غرق. أقول: و لايكون الركوب في سفينتهم إلّا بشرائط منها بمحبتهم و شفاعة الزهراء علیها السلام للمذنبين من أمة محمد صلى الله عليه وآله و سلم، إذ ورد في الخبر أن جبرئيل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبیها.
5- في العوالم ج11/ 1 ص148 عن أمالي الصدوق عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: يا علي علیه السلام إن فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها و يسرني ما سرّها. و عن كتاب المختصر في الصفحة نفسها من العوالم بإضافة: «و هي قلبي الذي بين جنبي». و في مورد آخر من المصدر نفسه ص152 عن لسان العرب قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في حق فاطمة علیها السلام: منوط لحمها بدمي و لحمي.
كَفاهَا افْتِخاراً أَنَّ أَحْمَدَ َوالِدٌ *** كَفاهَا افْتِخاراً حَيْدَرٌ خَيْرُ صاحِبِ
كَفاها افْتِخاراً أَنْ تَكُونَ مَدارُهُمْ *** لِخَمْسَةِ أَصْحابِ الْكِسافِي الْمَراتِبِ(1)
كَفَاهَا افْتِخاراً أَنْ تُكَنِّي لِأَحْمَدٍ *** بِأُمِّ أبيها يا لَها مِنْ مَراتِبِ
كَفاهَا افْتِخاراً فَهِيَ كَوْثَرُ أَحْمدٍ *** وَ يُنْبُوعُ خَيْرِ مِنْهُ خَيْرُ الْمَشارِبِ(2)
كَفاهَا لها التَّسْبيحُ لَمْ يُحْصَ عَدُّهُ *** فما الجِنُّ تَحْصِيهِ و لاعَدُّ كاتِبِ
كَفانِيَ فَخْراً أنّني مِنْ عَبِيدِها *** كَفَانِيَ عِزّاً فَهْيَ أَقْصَى رَغائبي
صَلاةٌ عَلَيْها يَوْمَ أَشْرَقَ نورُها *** سَلَامٌ عَلَيْها وَاصِبٌ غَيْرُ نَاضِبِ(3)
هِيَ الْبَضْعَةُ الزَّهْرَاءُ بِضْعَةُ أَحْمَدٍ *** وَ فِلْذَةُ كَبِدٍ مِنْ جِنَاحٍ وَ جَائِبِ
سَفِينَتُها تُنْجِي الغريقَ مِنَ الرَّدى *** وَ تُبْحِرُ فيهِ عَنْ نُوبِ النَّوائِبِ
فَمَنْ مِثْلُها جَاءَتْ تُحَدِّثُ أُمَّهَا *** وَ تُؤْنِسُها بَيْنَ الْحَشا و الجَوانِبِ(4)
ص: 33
1- أشار إلى ذلك في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص294 في حديث الكساء في قول الله عزوجل: «ما خلقت سماء مبنية و لاأرضاً مدحية و لاقمراً منيراً... (إلى أن قال) إلّا المحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرئيل: يا ربِّ و من تحت الكساء؟ فقال الله «عزوجل»: هم أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و هم فاطمة علیها السلام و أبوها و بعلها و بنوها علیهم السلام. و في مورد آخر من الكتاب في ص86 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث (إلى أن قال) نور من نوري أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة علیهم السلام يقومون بأمري يهدون إلى حقي. و في البحار أيضا ج43 ص105. عن أبي عبد الله علیه السلام و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى. و يقدم في الجزء الأول كلام مفصل عن حديث الكساء مع مصادره فراجع.
2- ورد ذلك في تفسير «جامع الأخبار و الآثار» و قد نقلها في العوالم ج1/11 ص116 في تفسير «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا علي علیه السلام... و الماء من نهر يقال له الكوثر و هو لي و لك و لفاطمة علیها السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و ليس لأحد فيه شيء.
3- واصب غير ناضب: دائم غير قليل أو نافدٍ.
4- عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم قال: أتاني جبرئيل بتفاحة من الجنة فأكلتها و واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام، فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حَدثني الذي في بطني. راجع ذخائر العقبى ص44 أيضاً.
وَ مَنْ مِثْلُها مِنْ جَنَّةِ الْخُلدِ حُدِّرَتْ *** وَ مَنْ بَعْدَ طه حُدِّرتْ في التَّرائِبِ(1)
فَجَاءَتْ كَمَا قالَ الْإِلهُ بِوَصْفِها *** كَمِشْكَاةٍ نورٍ نورُها غَيْرُ ناضِبِ(2)
وَمَنْ مِثْلُها وَ اللَّهُ بارَكَ عُرْسَها *** وَ جِبْرِيلُ مِنْ طه لَهَا خَيْرُ خاطِبِ(3)
وَ مَنْ مِثْلُها فِي الْخُلْدِتَم زِواجُها *** بِنُورِ عَلِيَّ فَوْقَ سَبْع حَواجِبِ(4)
وَ مَنْ مِثْلُها دَوَّى رَنينُ خطابِها *** لِتُخْرِسَ فيهِ كُلَّ باغٍ وَ ناعِبِ(5)
هِيَ الْفَلَكُ الدَّوَّارُ وَ الْقُطْبُ حَيْدَرٌ *** لإحدى وَ عَشْرٍ ثَاقِبِ بَعْدَ ثَاقِبِ(6)
ص: 34
1- و ذلك إشارة لما ورد في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: أتاني جبرئيل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام. كما ورد في الدر المنثور للسيوطي في تفسير سورة الإسراء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: لما أُسري بي إلى السماء أُدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها و لاأبيض ورقاً و لاأطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فصارت نطفة من صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة علیها السلام.
2- و لعل ما ورد عن العوالم ج1/11 ص18 إشارة إليه عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فخلق نور فاطمة علیها السلام يومئذ كالقنديل و علقه في قرط العرش فزهرت السموات السبع، و الأرضون السبع.
3- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 1/11 ص418. قال جبرئيل علیه السلام: ثم أوصى الله إليَّ أن أعقد عقدة النكاح، فإني زوجت أمتي فاطمة علیها السلام بنت حبيبي محمد صلي الله علیه و آله و سلم، عبدي علي بن أبي طالب علیه السلام فعقدت عقدة النكاح و أشهدت على ذلك الملائكة أجمعين.
4- لعله إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 1/11 ص 449 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إن الله «تعالى» أمر بأن تفتح أبواب الجنان ففتحت و تغلق أبواب النيران فغلقت ثم زين الله «تعالى» العرش و الكرسي و شجرة طوبى و سدرة المنتهى (إلى أن قال) و يجلسوا لوليمة عرس فاطمة علیها السلام و أمر ملائكة السموات المقربين و الروحانيين و الكروبيين أن يجتمعوا تحت شجرة طوبى.
5- لعل الشاعر أراد أن يشير إلى خطبة الزهراء علیها السلام في مجلس عمر و أبي بكر بعد غصب الخلافة من أميرالمؤمنين علیه السلام و أشار إلى ذلك صاحب العوالم في ج1/11 ص652.
6- لعله إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج1/11 ص8 من الأحاديث القدسية: ألا يا ملائكتي و سكان جنتي اشهدوا أني قد زوجت فاطمة علیها السلام بنت محمد من علي بن أبي طالب رضاً مني بعضهما البعض إن من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي و اجعلهما حجتي على خلقي، و عزتي و جلالي لأخلقن منهما خلقاً و لأنشئنَّ منهما ذرية أجعلهم خزائن في أرضي و معادن لحكمي بهم أحتج على خلقي بعد النبيين.
و إنَّ لها في الدَّهْرِ سورَةَ هَلْ أَتَى *** و مِنْ سُورةِ التَّطْهِيرِ نَفْيَ الشّوائِبِ(1)
وَ إنَّ لها جبريل قرَّبِوُدِّها *** فكانَتْ لَهُ القُرْبى بِحُبُّ الأَقاربِ(2)
وَ إنّ إلهي غَيْرُ راضِ لِسُخْطِها *** وَ إِنَّ إلهي لَوْ رَضَتْ غَيْرُ غاضِبِ(3)
مقامٌ لَها عِنْدَ الجَليلِ مُكَرَّمٌ *** تَصاغر عَنْهُ أُفْقُ أَسْمَى المَراتِبِ
فَصَلُّوا عَلَى الزَّهْراءِ يَوْمَ مَجِيئِها *** سَلامٌ عَلَيْها وَاصِلٌ غَيْرُ آیِبٍ
أتيتُ لكمْ وَ الذَّنْبُ أَثْقَلَ لُمْتِيْ *** وَ مِنّي أَرَى الْأَوْزَارَ هَدَّتْ مَناكِبي
إذا لَمْ تَكونوا سادَني عِنْدَ مَطْلَبِي *** هَوَيْتُ وَ لَمْ تَنْفَعْ سِواكُمْ مَطالِبِي
يَقِرُّ لَكُمْ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ ناظِرِي *** وَ عَقْلِي وَ جَفْنِي وَ الجَوى مِنْ جَوانِبِ
فَما لِي سِواكُمْ آلَ أَحْمَدَ رَغْبَةٌ *** و مالي سوى حُب لكمْ مِنْ مارِبِ
بِحُبِّ يقيني من لظى يَوْمٍ مَحْشَرِي *** وَ يَحْشُرُني في ظلِّ خَيْر الْحَبائِبِ(4)
فَزِدْ يا إلهي حُبَّهُمْ فَوْقَ رَغْبَتِي *** وَزِعُ يا إلهِي عَنْ عِداهُمْ رَغائِبِي
أولئكَ دِيني لَوْ سُئِلْتُ وَ مَذْهَبِي *** وَ (حِصني) بهم لا فِي أُلوفِ الْمَذاهِبِ(5)
ص: 35
1- و لعل ذلك إشارة لما ورد في المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص106 سئل عالم فقيل: إن الله «تعالى» قد أنزل (هل أتى) في أهل البيت و ليس شيء من نعيم الجنة إلا و ذكر فيه (إلا الحور العين). قال: ذلك إجلالا لفاطمة علیها السلام.
2- ورد ذلك في العوالم ج2/11 ص705 بنقله عن البخاري و مسلم و أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: لما نزل: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك الذين وجب علينا مودّتهم؟ قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.
3- و ذلك إشارة لما ورد في كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إن اللَّه عزوجل يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها.
4- إشارة لما ورد في العوالم ج11/ 2 ص1161 قال أبو جعفر علیه السلام: و الله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء.
5- و لعل ما ورد في كتاب علم اليقين للكاشاني ج2/11 ص894 إشارة إلى بعض ذلك قالت الزهراء علیها السلام: ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا، فقال الله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا».
تَقَرُّ عُيوني يَوْمَ لُقيا أحِبّتِي *** وَ يُثْلِجُ صَدْرِي مِنْ ضَيْىءٍ فيه لاهِبِ
وَ يَحْكِي كتابي يَوْمَ إذْ ذاكَ إِنَّنِي *** بِحُبِّ ولاتي ناجحٌ غير راسبِ
هنالِكَ نَلْقاهُمْ فَيَهْنَأُ بالُنا *** كفانا بِرُؤياهُمْ عَنِ الْخُلدِ راغِبِ
نُساقُ إِلَى الْمَوْلَى لِنُسْقَى بِشَرْبَةٍ *** بِكَأْسٍ دِهَاقٍ مِنْ لَذيذ المَشارِبِ
هَنِيئاً لِقَلْبِ قَدْ رَأى بَرْدَ حُبِّهِمْ *** فَحُبُّهِمُ كَالنُّورُ فِي الْقَلْبِ ذائِبِ
وَ إنْ مُتُّ في حُبِّ البَتُولِ وآلِها *** فَلا أَخْتَشِي في القَبْرِ سُوءَ الْعَواقِبِ(1)
سَلامٌ وَ حَتّى مَطلَعِ الفَجْرِ نورُها *** سَلامٌ مَنْ نورُها غَيْرُ غالِبِ
نَعَمْ هَكَذا الزهراء فيها عقيدتي *** فَلا تَعْجَبنْ مِمَّنْ أَتَوْا بِالعَجَائِبِ
نَعَمْ فَاعْجَبَنْ مِنْ حِلْمِ رَبِّي وَحُكْمِهِ *** أيضفَعُ ذاكَ النُّورَ أرْجَسُ ضاربِ(2)
وَ يَا عَجَباً مِنْ قائمٍ طالَ مُكْثُهُ *** أما حَثَّهُ ثَارٌ لام المصائبِ
أتَرْضى إمامِي شَوَّهُوا نَهْجَ أَحْمَدٍ *** بِما أَبْدَعَتْ في الدِّينِ أيدي النَّواصِبِ
بِعَيْنِكَ ذِي الأحداثِ تَنْفُثُ سُمَّها *** يَفُوقُ الأذَى مِنْهَا سُمُومَ العَقَارِبِ
كَأَنَّ لَهُمْ ثأراً غَداً يَستَفِرُّهُمْ *** كَثأرِ بَنِي مَرْوَانَ في آلِ طالِبِ
وَإِنَّكَ فينا حاضِرٌ غَيْرُ غَافِلٍ *** وَإِنَّكَ فينا شاهدٌ غَيْرُ غائبِ
مَتَى يَنْتَضِي السَّيْفُ الذي في يَمينِكُمْ *** فَتَكْشِفُ ضُرّاً بِالسُّيوفِ القَواضِبِ(3)
ص: 36
1- عن العوالم ج2/11 ص1181 قول الزهراء علیها السلام في المحشر «سلام الله عليها»: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي، ومحبّي ذريتي. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبّوها و محبّو ذريتها؟ فيقبلون، و قد أحاط الرحمة ملائکة الرحمة، فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة.
2- لعل ما في إرشاد القلوب قصيدة للديلمي/ ص131 في حديث طويل إشارة إلى بعض ذلك حيث ورد (وركل -عمر- الباب برجله فرّده عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني).
3- ينتضي: يُسَلُّ من غمده.
متى يَسْطَعُ الْحَقُّ الذي في جبينِكُمْ *** فَيَمحو دياجيراً لأثَم شاحِبِ(1)
رَجَوْتُكَ ربّي أَنْ تُفَرِّجَ كَرْبَنا *** بِتَعْجِيل أَمْرٍ فيه تَكْذِيبُ كاذِبِ
و اخْتِمُ قَوْلي بالصَّلاةِ عَلَيهِمُ *** وَ لاسيّما الزَّهْراءُ أمُّ النَّحائِبِ
ص: 37
1- دياجير: جمع ديجور، و هو الظلام.
(6)حبيبةُ طه علیها السلام
(بحر الخفيف)
الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)
أصْفِياءٌ مُقامُهُمْ لا يُضَاهَى *** قَدْ عَلَوْا فِي الأنام قَدْراً وَجَاها(2)
ما ترى في الوَرى لَهُمْ أشباها *** أُمُّهُمْ فاطمٌ حَبيبَةُ طه(3)
حُبُّها في غَدٍ يَقِيكَ العَذابا
قَدْ عَلَتْ رُتْبَةً و جَلَّتْ مَحَلا *** إصطفاها الْإِلهُ عَزَّ وَجَلاً(4)
ص: 38
1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جاء في مجمع الزوائد ج9 ص168 و زين الفتى، للحافظ العاصمي: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: إن اللَّه عزوجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ثم اطَّلع الثانية فاختارك على رجال العالمين ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علیها السلام على نساء العالمين. و جاء أيضاً في هذا المعنى في تاريخ بغداد ج1 ص259: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علي حبيب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة الله فاطمة علیها السلام خيرة الله على باغضيهم لعنة الله.
3- و قد أشير إلى هذا المعنى في كتاب (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي) ص131 ط/ إسلامبول و ص291 ط/ انتشارات الشريف الرضي/ قم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لو علم اللَّه تعالى أن في الأرض عباداً أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لأمرني أن أباهل بهم و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء و هم أفضل الخلق فلغبت بهم النصارى.
4- روي في مكانتها علیها السلام في مجمع النورين ص14 عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لعن الله تبارك و تعالى أنه قال: (يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما) و ذلك لأنها علیها السلام أم الأئمة النجباء الذين بهم ثبتت معالم الإسلام. و راجع تفسير البرهان ج1 ص392 ح5 . فهي أصل شجرة النبوة و الإمامة. كما ورد في تفسير ميزان الاعتدال ج1 ص234: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: أنا شجرة و فاطمة علیها السلام أصلها و علي علیه السلام لقاحها و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمرها.
في مقامِ مِثْلِ الثَّرَيَّا وَ أَعْلَى *** بَضْعَةُ المُصْطَفَى تَرَى الذِّكْرَ يُتلى(1)
مُعْرباً عَنْ مَقامها إعْرابا
إنَّها لَلزَّهراءُ أُمُّ الكِرَامِ *** بِنْتُ له شفيعُ يَوْمِ الزحامِ(2)
فَضْلُها في الأنامِ عالٍ وَ سامِي *** خَصَّها بِالتَّطْهِيرِ رَبُّ الأنامِ
قَدْ سَمَتْ رِفْعَةً وَ عَزَّتْ جَنابا(3)
ص: 39
1- ربما يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد في لسان الميزان للعسقلاني ج3 ص346 عن الإمام الحسن بن علي العسكري علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم: لما خلق اللَّه آدم و حوّا تبخترا في الجنة و قالا: من أحسن منا؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار، قالا: يا رب ما هذه؟ قال: صورة فاطمة علیها السلام سيدة نساء ولدك قال: ما هذا التاج على رأسها قال: علي علیه السلام بعلها. قال: فما القرطان. قال: ابناها علیهما السلام، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.
2- يوم الزحام: يوم القيامة.
3- العترة الطاهرة ص24.
(7) ذكر فاطمة علیها السلام
(بحر البسيط)
الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)
أبْكِي وَ دَمْعِي عَلَى الْخَدَّيْنِ مُنْسَكِبُ *** وَ القَلْبُ مِنِّي بِنَارِ الْوَجْدِ مُلْتَهِبُ
وَ في الحَشَاشَةِ نِيرانُ الْجَواءِ ذَكَتْ *** لَمْ يُطْفِها عارِضٌ يَهْمِي وَ يَنْسَكِبُ(2)
تَمُرُّ بَيْنَ طُلُوعِي وَ الزَّفيرُ لَها *** يَعْلُو فَأَنْفاسُ نَفْسِي كُلُّها لَهَبُ
فَلا أنا بِلَذِيدِ العَيْشِ في رَغَدٍ *** مِنَ الحَيَاةِ وَ يَوْمِي كُلُّه صَحَبُ
و الليلُ إِنْ جَنَّ اذْكَى الْمَواقِدَ ما *** بَيْنَ الْجَوانِح مِنِّي فَالْحَشَا يَجِبُ
كَأَنَّنِي الْوُرْقُ إما لاحَ جُنْحُ دُجَى *** بِعَيْنِهِ راحَ فَوْقَ الدَّوحِ يَنْتَدِبُ
قالَ الْعَواذِلُ لي لَمَّا رَأَوْا شَجَنِي *** ماذا الْجَوى أنتَ طولُ الدهرِ تَنْتَحِبُ؟
أتَشْتَكِي نِعْمَةٌ فَارَقْتَ لَذَّتَها *** أَمْ تَشْتَكِي بُعْدَ أَحبَابٍ قَدِ اغْتَرَبُوا؟
أَمْ تَشْتَكِي مَنْزِلاً بَعْدَ الأنيسِ خَلا *** فَزادَ وَجْدَكَ ذاكَ المَنْزِلُ الْخَرِبُ؟
فَقُلْتُ كَلاً فما هاجَ الوَسَاوِسَ لي *** ذكرُ النَّوى وَ أُنَاسٌ دُونَنَا رَغَبُوا
لَكِنَّما قَدْ شَجَانِي ذِكْرُ فَاطِمَةٍ *** سِنًّ النِّسا إِذْ عَلَيْها صُبَّتِ الْكُرَبُ(3)
ذَكَرْتُها وَ هْيَ تَبْكِي فَقْدَ وَالِدِها *** قَدْ غَيَّبَتْ دونَها أَنْوَارَهُ التُّرَبُ(4)
ص: 40
1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ذكتُ: اشتدّ لهيبها. يهمي: يسيل.
3- و ذلك إشارة لما ورد أسد الغابة ج5 ص522 في قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم: ألا ترضين أن في تكوني سيدة نساء العالمين.
4- إشارة لما ورد في كتاب الخصال للشيخ الصدوق في ج1 ص273 باب الخمسة حديث 15 حيث ورد عن الإمام الصادق علیه السلام: البكاؤون خمسة (إلى أن قال) أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى لها أهل المدينة.
تَبْكِي لَهُ وَيَتَامَاهَا مُوَلُولَةً *** وَ كُلُّهُمُ بِفِرَاقِ الجَدِّ مُكْتَيْبُ
لَهْفِي لَها حِينَ وَافَتْ قَبْرَ وَالدِها *** تَبْكِي و أَدْمُعُها في الْخَدَّ تَنْسَكِبُ(1)
تَقُولُ: يَا وَالدي يا خَيْرَ مُعْتَمَدِي *** وَ يا مَلاذِي إذا ما نابَتِ النُّوبُ
(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْثُر الْخُطَبُ)
(إِنَّا فَقَدْناكَ فَقْدَ الأَرْضِ وَابِلَها *** وَ اخْتَل قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا )(2)
(أبْدَى رِجالٌ لَنَا نَجْوَى صُدورِهِمُ *** لَمّا مَضَيْتَ وَ حالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ)
(تَهَضَّمَتْنا رِجَالٌ وَاسْتُخِفَّ بنا *** لَمّا فُقِدْتَ، وَ كُلُّ الإِرْثِ مُعْتَصَبُ)
(وَ كُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِهِ *** عَلَيْكَ تَنْزِلُ مِنْ ذِي العِزَّةِ الْكُتُبُ)
(وَ كانَ جِبْرَئِيلُ بِالْآياتِ يُؤْنِسُنا *** فَقَدْ فُقِدْتَ وَ كُلُّ الخيرِ مُحْتَجَبُ)
ص: 41
1- في البحار/ للمجلسي / ج43 ص174 ح15 قال: ثم أقبلت تعثّر في أذيالها و هي تبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعها حتى دنت من قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها و دام نحيبها و بكاها و هي تقول: رفعت قوتي و خانني جلدي و شمت بي عدوّي و العمد قاتلي و انقطع ظهري و تنغص عيشي فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي فقد فني بعدك محكم التنزيل ومهبط جبرئيل انقلبت يا أبتاه بعدك الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب... وورد في كتاب العوالم ج2/11 ص792. في باب مدة بقائها «صلوات الله عليها» بعد أبيها. حيث ورد أنها دنت من قبر أبيها محمد صلي الله علیه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، و دام نحيبها و بكاؤها إلى أن أغمي عليها.
2- و في بعض النسخ: فاشهدهم فقد كذبوا. و هذة الأبيات الأخيرة المقوسة ممّا نسب إلى الزهراء علیها السلام. و الهنبئة: اختلاط في القول. و نقل هذه الأبيات عن فاطمة الزهراء علیها السلام بعد إيراد خطبتها التي أوضحت ما وقع عليها من الظلم و القهر و الإيذاء، و غصب حق الوصي و قهر الصديقة على فدك صاحب كتاب العوالم ج2/11 ص686 مع ذكره لمصادر كثيرة نقلت هذه الخطبة و ما تفوّهت و نطقت به من هذه الأبيات التي أشارت فيها إلى مظلوميتها «صلوات الله عليها» في تلك الصفحة. راجع أيضاً دلائل الإمامة/ للطبري/ ص35 حيث يقول: إن هذه الأبيات لصفية بنت عبد المطلب... تمثلت بها فاطمة الزهراء علیها السلام و في كشف الغمة ج1 ص480 : إن هذه الأبيات لهند ابنة أثاثة.
(فَلَيْتَ قَبْلَكَ كَانَ المَوْتُ صادَفَنا) *** (لَمّا مَضَيْتَ وَ حالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ)
(إِنَّا رُزِئْنَا بِمَا لَمْ يُرْزَذُو شَجَنٍ) *** (مِنَ الْبَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَ لا عَرَبُ)(1)
ص: 42
1- كنوز المدح و الرثاء ص53.
(8) ضاق الفضاء
(بحر البسيط)
الشيخ حسن بن حمود الحلي(*)(1)
سَلْ أربعاً فَطَمتْ أكْنَافَها السُّحُبُ *** عَنْ ساكنيها مَتى عَنْ أُفْقِهَا غَرَبُوا
سرعان ما صاحَ طَيْرُ الْبَيْنِ بَيْنَهُمُ *** فَأَصْبَحُوا فِرَقاً عَنْ عَقْرِها عَزَبُوا(2)
ص: 43
1- (*)هو الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن الحسين بن حمود الحلّي. ولد في النجف الأشرف سنة «1305ه»، و نشأ بها في كنف والده العالم الجليل و الفقيه الكبير الشيخ علي، هاجر والده من الحلة إلى النجف في سن الكهولة، و أكبّ على طلب العلم حتى نال درجة الاجتهاد. و لتقاه و ورعه كان موضع ثقة المجتمع على اختلاف طبقاته، فكان يقيم الصلاة في الصحن العلوي الشريف و كانت تأتم به مختلف الطبقات، حتى توفي في 7 شوال سنة «1344 ه»، و كان له ولدان فاضلان هما الحسن و الحسين علیهما السلام. أما الثاني و هو الأصغر فكان من المجتهدين العظام و ممن يشار إليه بالبنان، و قد توفي منذ فترة قريبة و كان يعد من المعمّرين. و أما الأول و هو المترجم له فقد كان من نوابغ عصره و من أشهر أساتذته الذين اتصل بهم و استفاد منهم في العربية و آدابها هو الشيخ محمد رضا الخزاعي و الشيخ عبد الحسين بن ملا قاسم الحلّي و السيد مهدي الغريقي البحراني و كان شاعرنا شديد الملازمة لحضور نادي العلّامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي، الأمر الذي أعطاه قوة و مكانة أكثر في الشعر و الأدب. ترك خلفه آثاراً، منها رسالة في علم الصرف و هي اليوم عند ولده الشيخ أحمد، و ديوان شعره الذي جمعه ولده المشار إليه، و هو يقارب 1500 بيتاً و مرتب على حروف الهجاء، و من أشهر قصائده هذه القصيدة التي نقلناها من الديوان و هي مشهورة و محفوظة. توفاه الله يوم الثلاثاء 11ربيع الثاني سنة «1337ه_» المصادف 1 كانون الثاني سنة (1919م) و دفن في الصحن الحيدري، أمام الإيوان الذهبي.
2- عزبوا: بعدوا و غابوا.
سَرَتْ تَجُوبُ الفَيافي فيهِمُ النُّجُبُ *** وَلِي فُؤاد قَفا آثارِهِمْ يَجِبُ(1)
أَتْبَعْتُهُمْ ناظراً خَيْلُ الدُّموع بهِ *** تَسَابَقَتْ فَهْوَ دامِي الْغَرْبِ مُخْتَضَبُ(2)
أضْحَتْ مَنازِلُهُمْ لِلْوَحْشِ مُعْتَكَفاً *** فِيهِنَّ طَيْرُ الفَنا ينعى وَ يَنْتَحِبُ
لَمْ يَبْقَ منها سوى رَسْمِ وَ ذِي شَعَثٍ *** رَأْسٍ أَشَجِّ عَلَتْ مِن فَوْقِهِ الْكُثُبُ
وَ ذِي انْحِنَاءٍ كَجِسْم الصَّبُ تَحْسَبُهُ *** نُوناً بها عُجْمُ شِينِ الخَط قَدْ كَتَبُوا
أَوْهَتْ قَواعِدَها كَفَ الصَّنَا فَعَفتْ *** آثارُها وَ مَحَتْ سيماءَهُ النُّوبُ
وَقَفْتُ فيها وَ دَمْعُ العَيْنِ مُنْسَكِبٌ *** كَالْغَيْثِ وَ النَّارُ فِي الْأَحْشاءِ تَلْتَهِبُ
وَ بِي لَواعِجُ وَجْدِ لَوْ رَمَيْتُ بِها *** صَدْرَ الفَضا ضاقَ وَ هُوَ الواسِعُ الرَّحِبُ
حَيْرانُ أَقْبضُ في رَغْشِ الْبَنانِ حَشاً *** حَرّى أنا خَتْ بها الأَحْزَانُ و الكُرَبُ
و قائل ليَ رَفّه عَنْ حَشَاكَ وَلِي *** وَجدٌ إذا ما نَزا بِالقَلْبِ يَضْطَرِبُ
فَقُلْتُ لَمْ يَشْجَنِي نَأْيُ الْخَلِيطِ وَلا *** رَبْعٌ مَحَتْ رَسْمَهُ الأعْوَامُ و الحقُبُ
لكِنْ أذابَ فؤادي حادِثٌ جَلَلٌ *** تُنمى إِلَيْهِ الرَّزايا حِينَ تَنْتَسِبُ
يَوْمٌ قَضَى المُصْطَفَى في صُبْحِهِ وَ عَلَى *** الأَعْقَابِ مِنْ بَعْدِهِ أَصْحابُهُ انْقَلَبُوا(3)
قادُوا أخاهُ وَ رَضُوا ضِلْعَ بَضْعَتِهِ *** بِجَوْرِهِمْ وَ لَهَا الْبَغْضَاءَ قَدْ نَصَبُوا(4)
ص: 44
1- الفيافي: الصحاري التي لا ماء فيها.
2- الغَرْبُ: جمعه غروب هو عرق في العين.
3- يشير في هذا البيت إلى الآية المباركة:«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران الآية: 144].
4- في حديث طويل في البحار في ذيله: «وجمعت جمعاً كثيراً لا مكاثرة لعلي و لكن ليشد بهم قلبي و جئت و هو محاصر فاستخرجته من داره مكرهاً مغصوباً و سقته إلى البيعة سوقاً» ج 8 ص220 ط حجرية وعنه في كتاب الزهراء بهجة قلب المصطفى ص553. و ذكر مسألة رض الضلع سليم بن قيس في ص40 حيث قال: «وکان قنفذ لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حین حالت بينه و بين زوجها أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضدة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها... إلخ راجع الاستيعاب ج2 ص460 و المستدرك من الصحيحين ج2 ص199 أيضاً. و في حديث طويل في البحار ج28 ص269. «فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبو بكر و عمر فوثب علي فأخذ بتلابيبه فصرعه... إلخ. و جاء في ج43 ص198 من البحار أيضاً، و ذكر ذلك الكليني ج6 ص18 و تفسير القمي في تفسير قوله «تعالى»: «زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ» [سورة آل عمران الآية: 185] و كامل الزيارات ص332 و ص333.
لَمْ انْسَهَا و هي تَنْعَاهُ وَ تَنْدبُهُ *** وَ قَلْبُها بِيَدِ الأَرْزَاءِ مُنْتَهَبُ
تَقُولُ يا والدي ضاقَ الْفَضاء بنا *** لَمّا مَضَيْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ
(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَها لَمْ تَكْثُرِ الْخُطَبُ)(1)
(إِنَّا فقدناكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وابِلَها *** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا)(2)
نَفَوْا أخاكَ عَلِيّاً عَنْ خِلافَتِهِ *** وَ شَيْخَ تَيْمٍ عِناداً مِنْهُمُ نَصَبُوا
كَقَومٍ مُوسى أطاعُوا الْعِجْلَ وَ اعْتَزَلُوا *** هارونَ وَ السَّامِرِيُّ الرِّجْسَ قَدْ صَحِبُوا
وَيْلٌ لَهُمْ نَبَدُّوا القُرْآنَ خَلْفَهُمُ *** وَ مَزَّقُوهُ عِناداً بِئْسَ ما ارْتَكَبُوا
مَا رَاقَبُوا غَضَبَ الجِبَارِ حِينَ إلَى *** الْمُخْتارِ أَحْمَدَ قَوْلَ (الْهَجْر) قَدْ نَسَبُوا(3)
ألْغَوْا وَصاياه في أهْلِيهِ وَ انتَهَبُوا *** مِيراثَهُ وَ إِلى حِرْمَانِهِمْ وَثَبُوا(4)
ص: 45
1- هنبئة: الاختلاط في القول.
2- هذان البيتان المقوسان مما نسب إلى الزهراء علیها السلام و في كشف الغمة نسبت إلى هند بنت أثاثة.
3- من كتاب السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص450 طبعة دار إحياء التراث العربي قال: قال: البخاري حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس و ما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله و سلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعده أبداً. فتنازعوا -و لاينبغي عند نبي تنازع- فقالوا ما شأنه أهجر؟.... الخ. و ذكره البخاري في صحيحه 279/2 و كتاب النهاية 255/4 و مصادر كثيرة أخرى.
4- وصايا النبي لعلي علیه السلام كثيرة منها وصيته يوم الغدير في صحيح الترمذي ج3 ص298، روي بسنده عن شعبة عن زيد بن أرقم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، و ذكره علي بن سلطان في مرقاته ج5 ص568 في الشرح عن الجوامع أنه روى الترمذي و النسائي و الضياء عن زيد بن أرقم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» نقلاً عن كتاب لفضائل الخمسة من الصحاح الستة و هناك روايات أخرى في الكتاب و منها في الرياض النضرة ج2 ص163: «علي مني بمنزلتي من ربي»، و ذكره في الصواعق ص106 ، و في تاريخ بغداد ج2 ص12 عن البراء: «علي مني بمنزلة رأسي من بدني» و منها في صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي علیه السلام قوله له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» و ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء ج7 ص194 و كثير غيرها. أيضاً من كتاب فضائل الخمسة. و منها في صحيح الترمذي ج2 ص299 عن ابن عمر و يذكر حديث المؤاخاة بطرق كثيرة، و منها في طبقات ابن سعد ج1 القسم 1 ص124 بعد ذكره دعوة أربعين نفراً من بني عبد المطلب و إطعامهم و قوله لهم: من «يؤازرني على ما أنا عليه على أن يكون أخي و له الجنة» فقال: علي علیه السلام، فقلت: أنا يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و إني لأحدثهم سناً و أحمشهم ساقاً و سكت القوم ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك، قال: دعوه فلن يألو ابن عمه خيراً و غيرها. هو أيضاً من كتاب فضائل الخمسة هذا بالنسبة لعلي علیه السلام أما أهل البيت علیهم السلام على العموم فالروايات لا تحصى منها أية المودة عن سعيد بن جبير قوله «تعالى»:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قال هي قربي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، تفسير ابن جرير الطبري ج25 ص16، و في كنز العمال ج6 ص217 قال: من أحب هؤلاء فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني يعني الحسن و الحسين و فاطمة و عليا علیهم السلام و كثير غيرها، و في كتاب فضائل الخمسة الصحاح الستة ج2 ص52، وصايا النبي صلي الله علیه و آله و سلم في أهل بيته علیهم السلام باب في قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم «إني تارك فيكم الثقلين»: عن «صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة في باب من فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام» روي بسنده عن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا و حصين بن سبرة، و عمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً -إلى قوله- ثم قال: قام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً مكة و المدينة فحمد الله و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال: أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول صلي الله علیه و آله و سلم ربي فأجيب و إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به فحث على كتاب الله و رغب فيه، ثم قال: و أهل بيتي علیهم السلام، أذكركم الله في أهل بيتي علیهم السلام أذكركم الله في أهل بيتي علیهم السلام إلى آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة. و في الكتاب نفسه ص53 عن (صحيح الترمذي ج2 ص308 ) روي بسنده عن أبي سعيد و الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. (أقول) و رواه ابن الأثير الجزري أيضاً في أسد الغابة (ج2 ص12) و السيوطي أيضاً في الدر المنثور في ذيل تفسير آية المودة في سورة الشورى و قال أخرجه ابن الأنباري في المصاحف. و في ص83 من (فضائل الخمسة ج 2) عن (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج2 ص146) روی بسنده عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: شفاعتي لأمتي من أحبّ أهل بيتي علیهم السلام و هم شيعتي.
جارُوا عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَغَدَتْ *** عَبْرَى النَّواظِرِ حُزْناً دَمْعُها سَرِبُ(1)
وَجَرَّعُوها خُطُوباً لَوْ وَقَعْنَ علَى *** صُمٌّ الجِبالِ لأَضْحَتْ وَ هُيَ نَضْطَرِبُ
أَبَضْعَةُ الظُّهْرِ طَهُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ *** بالبابِ يَعْصِرُهَا الطَّاغِي وَ مَا غَضِبُوا(2)
رَضُوا أَضَالِعَها أَجْرَوْا مَدامِعَها *** أَدْمَوْا نَواظِرَها مِيرَانَها غَصَبُوا(3)
ص: 47
1- و بيت الأحزان خير دليل على عبرات الزهراء علىها السلام علی رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بعد إيذاء القوم لها بناه لها الإمام علي علیه السلام نازحاً عن المدينة سمّي ببيت الأحزان، و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها. من كتاب فاطمة من المهد إلى اللحد ص584 .
2- في کتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: (لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... الخ، و راجع أيضاً كتاب مأساة الزهراء علیها السلام للعاملي ج1 ص353 و قال محمد حسين الأصفهاني من قصيدة له مشيراً إلى الحدث: و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار
3- قال السيوطي عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية: «وات ذا القربى حقه» [سورة الإسراء، الآية: 26] دعا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك/ الدر المنثور ج5 ص273. و في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى ص395. و عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال علي علیه السلام الفاطمة علیها السلام انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فجاءت إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال: النبي لا يورَّث. فقالت: ألم يرث سليمان داود فغضب و قال: النبي لا يورَّث. فقالت: ألم يقل زكريا: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة مريم، الآيتان 5 -6] . فقال: النبي صلي الله علیه و آله و سلم لا يورَّث. فقالت: ألم يقل: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [سورة النساء، الآية:11]. فقال النبي لا يورث راجع كتاب فاطمة علیها السلام بهجة القلب المصطفى ص422. و في شرح نهج البلاغة ج16 ص274 لقي عمر بن الخطاب فاطمة علیها السلام آتية من عند أبي بكر، فقال لها: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدكاً و كتبت بها لها؟ قال:نعم، فقال: إن علياً يجرّ إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و مزقه. و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص106... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها-أي فاطمة علیها السلام- فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها. و في البحار للمجلسي ج43، ص175، ح15 . كانت فاطمة علیها السلام تبكي و تقول: رفعت قوتي و خانني جلدي و شمت بي عدوي... و انقطع ظهري و تنغص عيشي و تكدَّر دهري... انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تغلقت دوني الأبواب... يا أبتاه أمسينا بعدك المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنّا ،معرضين و لقد كنَّا بك معظّمين غير مستضعفين... إلى آخر قولها «سلام الله عليها». و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص119: لما بويع اب أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة علیها السلام منها.
لِبَيْتِها وَ هْيَ حَسْرى في مَعاصِمها *** عَدَوْا فَلاذَتْ وَرَاءَ البَابِ تَحْتَجِبُ
فَالَمُوْا عَضُدَيْها في سِياطِهِمُ *** وَ أَسْقَطُوا حَمْلَها وَ المُرْتَضَى سَحَبُوا(1)
قادُوهُ بِالحَبْلِ قَهْراً وَ هْيَ خَلْفَهُمُ *** تَدْعُو وَ أَدْمُعُها كَالغَيْثِ يَنْسَكِبُ
يا قَوْمِ خَلُوا ابْنَ عَمِّي قَبْلَ أَنْ تَقَعَ *** الْخَضْرَاءُ فَوْقَ الشَّرِى وَ الْكُونُ يَنْقَلِبُ(2)
ص: 48
1- في كتاب الاحتجاج ج1 ص212: «فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط... إلخ. و راجع مأساة الزهراء علیها السلام ج1 ص299. «و روى المجلسي في البحار عن علي علیه السلام فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها و كسر ضلعها من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها». راجع أيضاً مرآة العقول ج5 ص320. و في كتاب الكافي: إن فاطمة علیها السلام لما أن كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها، ثم قالت: أما والله يا ابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سریع الإجابة الكافي ج1 ص460 ، راجع مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص55 أيضاً. و في الوافي بالوفيات/ ج5 ص347: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت (المحسن) من بطنها، و في المناقب لابن شهر آشوب/ ج3 ص358. إن (محسناً) فسد من زخم قنفذ العدوي. و في الاحتجاج للطبرسي/ ج1 ص113: روي عن الصادق علیه السلام أنه قال: لما استخرج الإمام علیه السلام من منزله مليباً خرجت فاطمة علیها السلام خلفه فما بقيت امرأة هاشمية إلّا خرجت معها فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً لله صلي الله علیه و آله و سلم بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري و لأصرخن إلى الله تبارك و «تعالى».
2- و أشار اليعقوبي في تاريخه و بلغ أبابكر و عمر أن جماعة من المهاجرين و الأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب علیه السلام في منزل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: واللَّه لتخرجنَّ أو لأكشفنَ شعري و لأعجنَّ إلى الله فخرجوا فخرج من في الدار تاريخ اليعقوبي ج2 ص126، و ذكرها العاملي عنه في مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص200 ، و في البحار ج28 ص227، و تفسير العياشي ج2 ص67 قال: «فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره -و كان من سعف- فدخلوا على علي علیه السلام و أخرجوه مليباً». فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفان عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي، فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام متوجهة إلى القبر فقال علي علیه السلام لسلمان: يا سلمان أدرك ابنة محمد علیها السلام فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان... الخ راجع أيضاً فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى ص547.
فَقَنَّعُوها بِقَرْع الأَصْبَحِيَّةِ لا *** عَدَاهُمُ سَخَطُ الجِبارِ وَالْغَضَبُ
وَ وَشَّحُوا مَتْنَهَا بِالسَّوْطِ فَانْكَفَأَتْ *** لِدارِها وَ حَشاها مِلؤُهُ عَطَبُ
حَرَّى الفُؤَادِ يُرَوِّي الأرضَ مَدْمَعُها *** فَكُلَّما سالَ هذا ذاكَ يَلْتَهِبُ
قَدْ حارَبَ النَّوْمُ عَيْنَيْهَا وَ أَنْحَلَها *** فَرْطُ البُكَاءِ وَ أَضْنَى جِسْمَهَا التَّعَبُ
مَا بَارَحَتْ قَلْبَها الأَحْزَانُ ذاتُ حشاً *** حَرَّى إلى أنْ أُهِيلَتْ فَوْقَهَا التَّرَبُ
قَضَتْ وَ في جَنْبِها أَثَرَ السَّيَاطِ وَ في *** فُؤادِها لِلرَّزايا جَحْفَلٌ لَجِبُ(1)
ما شَيَّعُوا نَعْشَها السَّامي عُلا وَ لَقَدْ *** تَزاحَمَتْ خَلْفَها الأمْلاكُ تَنْتَحِبُ(2)
سَلُّوا ظُبَا الظُّلم مِنْ أَغْمَادِها فَغَدا *** في حَدِّهَا سِبْطُ طَهَ الظُّهْرِ يَعْتَصِبُ
ص: 49
1- جحفل لَجبُ: جيش ذو كثرة.
2- عن البحار ج43 ص183 عن تاريخ أبي بكر بن كامل قالت عائشة، عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما توفيت دفنها علي ليلاً و صلى عليها. و في تاريخ الطبري: إن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي و المقداد و الزبير، و في روايات أنه صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و في رواية و العباس و ابنه الفضل، و في رواية و حذيفة و ابن مسعود. الأصبغ بن نباتة أنه سأل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً و قال: إنها كانت ساخطة على قوم کرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها... الحديث في ذلك طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
ثاوِ بِحَرُ هَجِيرِ الشَّمْسِ مُنْجَدِلاً *** تَظِلُّهُ السَّمْرُ وَ الهِنْدِيَّةُ القُضُبُ(1)
جالَتْ عَلَيْهِ العَوادِي بَعْدَ ما نَهَبَتْ *** أَشلاءه البيضُ وَ الْعَسّالَةُ السُّلُبُ(2)
يا ثاوياً بِمَحانِي الطَّفِّ قَدْ سَلَبُوا *** ثِيَابَهُ وَ كَسَتْ جُثْمَانَهُ الكُثُبُ
(تاللَّهِ ما سَيْفُ شِمْر نال مِنْكَ وَ لا *** يَدا سِنانٍ وَ إِنْ جَلَّ الَّذِي ارْتَكَبُوا)
(لَوْلا الأُولى أَغْضَبُوا رَبَّ العُلى وَ أَبَوْا *** نَصَّ الوَلاءِ وَ حَقَّ المُرْتَضَى غَصَبُوا)
(كَفُّ بِهَا أُمَّكَ الزَّهْرَاءَ قَدْ ضَرَبُوا *** هِيَ الَّتِي أُخْتَكَ الْحَوْرًا بِها سَلَبُوا)(3)
فَدُونَكُمْ يَا بَنِي الزَّهْرَاءِ مَرْثِيَةً *** إِنْ تُتْلَ شَجْواً فَقَلْبُ الصَّخْرِ يَنْشَعِبُ
أَرْجُو خَلاصِي بِهَا فِي يَوْم لا سَبَبٌ *** يُغْنِي سِواكُمْ وَ لامال و لاحَسَبُ
عَلَيْكُمُ صَلَوَاتُ اللهِ مَا طَلَعَتْ *** فِي الأُفُقِ شَمْسُ وَ لاحَتْ أَنْجُمٌ شُهُبُ(4)
ص: 50
1- منجدلاً: مرمياً على الأرض.
2- العسّالة: الرماح المضطربة.
3- الأبيات المقوسة من قصيدة للكعبي.
4- من كتاب شعراء الحلة ج1 ص312.
(9) خلوا ابن عمي
(بحر البسيط)
الشيخ حسن بن حمود الحلي (*)(1)
تخميس الشيخ جعفر الهلالي
و قد خمّس بعض أبيات القصيدة السابقة: الشيخ جعفر الهلالي
للَّهِ قَوْمٌ تَمادَوْا بَعْدَ مَا انْقَلَبُوا *** مُذْ فِي سَقِيقتهم لِلْغَدْر قَدْ نَصَبُوا
كأنَّ دُنْيا لَهُمْ مِنْ أَحْمَدٍ طَلَبُوا *** أَلْغَوْا وَصاياهُ فِي أَهْلِيهِ وَ انْتَهَبوا
ميراثَهُ وَ إلى حِرْمَانِهِمْ وَثَبُوا
قَدْ أَسْرَعَتْ تِلْكُمُ الأَصْحَابُ وَ اغْتَنَمَتْ *** مَوْتَ الرَّسُولِ وَ عَنْ حِقْدٍ لَهَا كَشَفَتْ
فَحُرْمَةُ الْآلِ فِيهِ قَطُّ مَا حَفِظَتْ *** جَارُوا عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَغَدَتْ
عَبْرَى النَّواظِرٍ حُزناً دَمْعُها سَرِبُ
مِنْ بَعْدِهِ أَوْرَثُوهَا السُّقْمَ وَ الْعِلَلا *** فَكَابَدَتْ مِحَناً مِنْهَا الْفُؤادُ غَلا
قَدْ نَاصَبُوهَا العِدَا مُذْ شَخْصُهُ رَحَلا *** وَ جَرَّعُوها خُطوباً لَوْ وَقَعْنَ عَلَى
صُمّ الصُّخُورِ لَأَضْحَتْ وَ هُيَ تَضْطَرِبُ
شَأَتْ نِسَاءَ البَرايا في عَوالِمِها *** بِمَا تَضَافَرَ مِنْ دنيا مَكارِمِها
لَكِنّما الصَّحْبُ جَدُّوا في مَظَالِمِها *** لِبَيْتِها وَ هْيَ حَسْرى في مَعَاصِمِها
عَدَوْا فَلاذَتْ وَرَاءَ البابِ تَحْتَجِبُ
مِنَ الْفَضَائِلِ قَدْ حازَتْ جَوامِعَهَا *** وَ نُورُها لِلسَّمَا يُطْفِي لَوامِعَها
بِضَرْبِهَا الصَّحْبُ قَدْ نالَتْ مَطامِعَهَا *** رَضُوا أضالِعَها أَجْرَوْا مَدامِعَها
ص: 51
1- (*)مرت ترجمه الشاعر في القصيدة السابقة.
أَدْمَوْا نَواظِرَها مِيراثَهَا غَصَبُوا
تَنَكَّبُوا بَعْدَ طَهَ عَنْ صِراطِهِمُ *** وَ أَظْهَرُوا كُلَّ جَوْرٍ في نِشَاطِهِمُ
خانُوا بِبَضْعَته بَعْدَ اشْتِراطِهِمُ *** فَالَمُوا عَضُدَيْهَا فِي سِياطِهِمُ
وَ أَسْقَطُوا حَمْلَهَا وَ الْمُرْتَضَى سَحَبُوا
فَاطمٍ حِينَ أَبْدَى الْقَوْمُ خَلْفَهُمُ *** وَ حَكَمُوا في أبي السِّبْطَيْنِ جَلْفَهُمُ(1)
جَاؤُوا إلى الدَّارِ يَسْتَعْدُونَ حِلْفَهُمُ *** قادُوهُ بِالْحَبْلِ قَهْراً وَ هْيَ خَلْفَهُمُ
تَدْعُو وَ أَدْمُعُها كَالْغَيْثِ تَنْسَكِبُ
سَرَتْ وَراءَهُمْ سَعْياً بِغَيْرِ مَلَلْ *** مُذْ أَخْرَجُوهُ إِلَى الطَّاغِي بِدُونِ مَهَلْ
تَقُولُ وَ النَّارُ مِنْها فِي الفُؤادِ شُعَلْ *** يا قَوْمُ خَلُّوا ابنَ عَمِّي قَبْلَ أنْ تقَعَ
الخضراءُ فَوْقَ الثَّرى وَ الكَوْنُ يَنْقَلِبُ
ما راقبوا الله فيها لا وَلا الرُّسُلاً *** وَ لااسْتَجَابُوا لِصَوْتِ الحَقِّ حِينَ عَلا
رامُوا لِتَرْجِعَ لَكِنْ لَمْ يَرَوْا حِوَلا *** فَقَنَّعُوها بِضَرْبِ الأَصْبَحِيّةِ لا(2)
عَداهُمُ سَخَطُ الجَبَّارِ وَالْغَضَبُ
لَمَّا رَأَوْا أَنَّها بِالْقَرْع ما رَجَعَتْ *** وَ أَنْها خَلْفَهُمْ بِالْعَدْهِ ما فَتِئَتْ
عَادُوا لَهَا بِسِيَاطٍ مِنْهُمُ ارْتَفَعَتْ *** وَ وَشَحُوا مَتْنَها بِالسَّوْطِ فَانْكَفَاتْ
لِدارِها وَحَشاها مِلْؤُهُ عَطَبُ(3)
ص: 52
1- الجلف: الغليظ الجافي، الظالم.
2- الأصبحية: جمع الأصحبي، و هو السوط.
3- عطبُ: غضبُ.
(10) يوم السقيفة
(بحر الطويل)
حسن بن علي بن جابر الهَبَل
أَيُغْنِيكَ دَمْعٌ أَنْتَ فِي الرَّبِعِ ساكِبُهُ *** وَ قَدْ رحَلَتْ غِزْلانُهُ و رَبارِبُهْ(1)
تُهَوِّنُ أَمْرَ الحُبِّ مُدَّعِيا لَهُ *** وَما الحُبُّ أهْلُ أنْ يُهوَّنَ جَانِبُهْ
لِكُلِّ مُحِبْ كَأْسُ هَجْرٍ وَ فُرْقَةٍ *** فَإِنْ تَصْدُقِ الدَّعْوَى فَإِنَّكَ شَارِبُهْ
عَجِبْتُ لِصَبٌ يَسْتَلِذُ مَعَاشَهُ *** وَ قَدْ ذَهَبَتْ أَحْبَابُهُ وَ حَبائِبُهْ
فَلا حُبَّ مَهُما لَمْ يَبِتْ وَ هُوَ فِي الْهَوى *** قَرِيحُ الْمَآقي(2) ذاهِلُ القَلْبِ ذاهِبُهْْ
«وَمُكْتَيْبٍ يَشْكُو الزَّمَانَ وَ قَدْ غَدَتْ *** مَشارِفُهُ مَسْلُوكةً وَ مَغَارِبُهْ»
وَ مُلْتَزِمُ الأَوْطَانِ يَشْكُو هُمُومَه *** وَ قَدْ ضَمِنَتْ تَفْرِيجَهُنَّ رَكائِبُهُ
فَشُقَّ أَدِيمَ الخَافِقَيْنِ(3) مُجَرِّداً *** مِنَ الْعَزْمِ سَيْفاً لَاتَكِلُّ مَضَارِبُهْ
وَ حَسْبُكَ أَدْراعٌ مِنَ الصَّبرِ إنّها *** لَتُحْمَدُ في جُلِّ الخُطُوبِ عَوَاقِبُهْ
فَأَيُّ لَئِيمٍ مَا الزَّمانُ مُسَالِمٌ *** لَهُ وَ كَريمِ مَا الزّمانُ مُحارِبُهْ(4)
فَلا كَانَ مِنْ دَهْرِ بِهِ قَدْ تَسوَّدتْ *** عَلَى الْأُسدِ في آجامِهِنَّ ثَعَالِبُهْ
كَفَى بِالنَّبِيِّ المُصْطَفَى وَ بِالهِ *** فَهَلْ بَعْدَهُمْ تَصْفُو لِحُرِّ مَشارِبُهْ
دَعاكُلُّ باغ في الْأَنامِ وَ مُعْتَدٍ *** إلى حَرْبِهِمْ وَ الدَّهرُ جَمْ عَجَائِبُهْ
ص: 53
1- رباربه: جمعُ الرَّبْراب و هو القطيع من بقر الوحش.
2- قريح المآقي: جريح مجاري الدمع.
3- أديم الخافقين: كامل المشرق و المغرب.
4- كلمة (ما) في الصدر و العجز نافية بمعنى ليس.
فَكَمْ غَادِرٍ أَبْدَى السَّخائِمَ(1) وَ اغْتَدَتْ *** تَنُوشُهُمُ أَظْفَارُهُ وَ مَخالِبُهْ
سَيَلْقَوْنَ يَوْمَ الحَشْرِ غِبَّ فِعَالِهِمْ *** وَ كُلُّ امْرىءٍ يُجْزَى بما هُوَ كَاسِبُهْ(2)
أُهِينَ (أبوالسِّبْطَيْن) فِيهِمْ وَ (فاطمٌ) *** وَ أَهْمِلَ مِنْ حَقِّ القَرابَةِ وَاجِبُهْ(3)
تَجارَوْا عَلَى ظُلْم الوَصيَّ وَ رُبّما *** تَجارَى على الرَّحمن مَنْ لا يُراقِبُهْ
وَ لَمْ يُرْجِعُوا مِيراثَ بِنْتِ (مُحَمَّدٍ) *** وَ قَدْيُرجِعُ المَغْصُوبَ مَنْ هُو غَاضِبُةْ(4)
فَما كَانَ أَدْنَى ما أَذَوْها بِأَخْذِ مَا *** أَبوهالها دُونَ البَريَةِ وَاهِبةْ
ص: 54
1- السخائم: الضغائن، مفرده السخيمة.
2- ربما في البيت إشارة إلى ما ورد عن الهيثمي، رواه الهيثمي في مجمعه ج9 ص172 قال: (و عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فسمعته و هو يقول: أيها الناس من أبغضنا أهل البيت علیهم السلام حشره الله يوم القيامة يهودياً، فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و إن صام و صلى؟ قال: و إن صام و صلى و زعم أنه مسلم... الحديث). و ورد أيضاً في الصواعق المحرقة ص240 ط2 عام1965 مكتبة القاهرة -عنه صلي الله علیه و آله و سلم: (من سب أهل بيتي علیهم السلام فإنما يرتد عن الله و الإسلام و من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله و من آذاني في عترتي فقد آذى اللَّه، إن اللَّه حرم الجنّة على من ظلم أهل بيتي علیهم السلام أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم... الحديث) كما فيه إشارة إلى قوله «تعالى»: «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» [سورة غافر، الآية: 17].
3- إشارة لما ورد في الصواعق المحرقة ص170 ، ج2/ عام1965 مكتبة القاهرة. في تفسير آية : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» عن ابن عباس أن هذه الآية لما نزلت قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.
4- في البيت إشارة لما ورد في الدر المنثور للسيوطي ج4 ص177 في تفسير آية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء، الآية : 26]. عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» دعا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً. و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فدكاً. و ورد أيضاً في صحيح البخاري ج3 باب كتاب الخمس/ ح2926 / عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم سألت أبابكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك صلى الله عليه وآله و سلم مما أفاء الله عليه فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فغضبت فاطمة علیها السلام فهجرت أبابكر فلم تزل مُهاجرته حتى توفيت... و قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك.
أَقاموا (فُلاناً) إماماً وَزُحْزِحَتْ *** إِلَى النَّاسِ عَنْ آلِ النَّبِيِّ مَناصِبُةْ
أَمَا لَوْ دَرَى (يَوْمُ السَّقِيفَةِ) مَا جَنَى *** لَشَابَتْ مِنَ الأَمْرِ الفَظِيعَ ذَوائِبُهْ
أَغَيْرَ (عَلِيٍّ )كَانَ بَعْدَ (مُحَمَّدٍ) *** لَهُ كَاهِلُ المَجْدِ الأَثِيلِ وَ غَارِبُهْ؟
وَمَنْ بَعْدَ (طة) كانَ أَوْلى بِإِرْثهِ *** أَأَصْحَابُهُ؟ قُولوا لنا: أَمْ أَقَارِبُهْ؟
وَ شَتّانَ بَيْنَ البَيْعَتَيْنِ لِمُنْصِفٍ *** إذا أُعْطِيَ الإنصافَ مَنْ هُوَ طالِبُهْ
فَبَيْعَةُ هَذا أَحْكَمَ اللَّهُ عَقْدَهَا *** وَ بَيْعَةُ ذاكُمْ فَلْتَةٌ قالَ صاحِبُهْ(1)
فَلا تَدَّعُوا إِجْمَاعَ أُمَّةِ (أحْمَدٍ) *** فَأَكْثَرُ مِمَّنْ شَاهَدَ الأَمْرَ غَائِبُهْ
وَ كُلُّ مُصَابِ نَالَ آلَ مُحَمَّدٍ *** فَلَيْسَ سِوى يَومِ السَّقِيفَةِ جَالِبُهْ(2)
ص: 55
1- قد مرَّ مراراً قول عمر بشأن خلافة أبي بكر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللَّه المسلمين شرَّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
2- ديوان الهبل أمير شعراء اليمن ص117. تحقيق أحمد الشامي -الدار اليمنية للنشر و التوزيع- طبعة أولى 1983.
(11) صرت إلى الزهراء علیها السلام
(بحر الطويل)
الشيخ حسن الدمستانى (*)(1)
أطَلْتُ وُقُوفِي فِي مِنَى فَالْمَحَصَّبِ *** لتذكار آثارِ النَّبِيِّ المُهَذَّبِ
ص: 56
1- (*) هو الشيخ حسن ابن الشيخ محمد بن علي بن خلق بن إبراهيم بن حنيف الله الدمستاني البحراني. و الدمستاني نسبة إلى دمستان قرية من قرى البحرين و أرضها تحتضن رُفات العالم الرّباني الشيخ محمد بن عيسى صاحب الكرامة المعروفة في كتب التاريخ و على الألسنة بقصة (الرمانة) و قرية الدمستان بلدة استيطانه -أي استيطان الشيخ حسن- فغلبت نسبتها عليه و إلا فبلدته الأصلية (عالي حويص) و قبر أبيه الشيخ محمد معروف فيها. و المترجَم له، كان من أعيان العلماء و الفقهاء و على مستوى كبير من المعرفة و الاطلاع و هو شاعر عملاق قلما يوجد مثله في العلم و التقوى. و مع كل مؤهلاته العلمية و الثقافية كان يعمل بيده و يشتغل في الزراعة لكسب قوته، فهو بالإضافة إلى دوره التوجيهي في المجتمع ينفق على عياله من مصدر العمل و الكد. اشتهر المترجَم له عند الناس بشعره الممّيز في الرثاء الحسيني و بالخصوص قصيدته اللامية التي مطلعها: من يلهه المرديان المال و الأمل *** لم يدر ما المنجيان العلم و العمل و قصيدته المعروفة عند أهل الأدب ب_ (المربعة الدمستانية) التي أولها: احرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور *** و أنا المحرّم عن لذاته كل الدهور فشعر الدمستاني رقيق و عميق تهز قوافيه الأفئدة، و تثير الأسى و الحزن في قلوب محبي أهل البيت علیهم السلام. أما آثاره العلمية و الثقافية فهي كثيرة منها: 1- الانتخاب الجيد لتنبيهات السيد -في علم الرجال . 2- تحفة الباحثين في أصول الدين -أرجوزة. 3- نفي الجبر و التفويض -منظومة. 4- رسالة في الجهر و الإخفات. 5- أوراد الأبرار في مأتم الكرار. 6- نيل الأماني ديوانه الشعري و غير ذلك من المصنفات. هاجر الدمستاني إلى (القطيف) و ذلك لبعض الوقائع التي نكبت بها البحرين و لعلها غزوة (اليعاربة) في سنة (1131ه) المصادف سنة (1718م). و افته المنية في دار هجرته القطيف في يوم الأربعاء الثالث و العشرين من شهر ربيع سنة (1181ه_)، و دفن في القطيف في المقبرة المعروفة ب_ (الحباكة). تغمده الله بواسع رحمته.
فَازْعَجَنِي شَوْقٌ إِلَيْهِ مُبَرِّحٌ *** و أَظرَبَنِي حَتَّى يَكَادُ يَطِيرُ بِي(1)
فَطِرْتُ مَعَ البَازِي عَلَى كُوْرِ نَاقَةٍ *** تَطِيرُ بِخُفَيها الحَصَى خَلْفَ مَنْكَبِي(2)
فَأمْسَيْتُ فِي خُمُ هِلالَ مُحَرَّمِ *** فَبِتُّ بِمِيقاتَيْنِ مُشْجٍ و مُظرِبِ
مَكَانُ سُرورٍ فِي زَمَانِ كَابَةٍ *** وَ ذَلِكَ ممَّا لَيْسَ يَخْفى على الغَبِي
وَ لَوْ قُلْتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَاعِثُ الأَسَى *** لِكُلِّ وَلِيّ مخلِص لَمْ اكْذِبِ
وَ ذَاكَ بِأَنَّ النَصَّ لَمْ يَبْقَ مُبْرَماً *** كَمَا هُوَ بَلْ حَلّتْهُ أيْدِي التَّعَصُّبِ
وَ زُحْزِحَ رَبُّ الحقِّ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ *** وَ قُرِّبَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بالمقربِ
وَ ذَلِكَ أصْلُ الخُلفِ في الدِّينِ و العَمَى *** عَنِ الحَقِّ و الإرْجَافِ في كُلِّ مَذْهَبِ(3)
وَ حُسْبانُ ظَنِّ المُخْطِئِينَ إصَابَةً *** وَ ظَنُّ مُصِيبِ الحَقِّ غَيْرَ مُصَوَّبِ
فَمِنْ ذَاكَ أَنِّي ظَلْتُ أَطْلُبُ طَيْبَةً *** وَ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ ذَلِكَ القَصْدِ مَطْلبي
فَزُرْتُ بعاشور النَّبِيَّ فَرَاعَنِي *** ظهورُ شِعارِ العِيدِ في حَضْرَةِ النَّبِي
فَقُلْتُ وَ لَم أمْلِكُ مِنَ الغَيْظِ مَنْطِقِي *** ثُبُوراً و تَثْرِيباً لَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبٍ(4)
مَتَى صَارَ عَاشُورَاءُ عِيداً لمُسْلِمٍ *** وَ قَدْ غَيْبَ الإِسْلامُ في جُنْحِ غَيْهَبٍ؟(5)
ص: 57
1- مُبرِّح: متعب و مؤذ أطربني: أفرحني.
2- البازي: طير من الجوارح يصاد به، المنكب: أعلى الظهر، الكتف.
3- الإرجاف: مفرد (أراجيف) و هي الأخبار.
4- ثبوراً: الثبور الهلاك و الاهلاك تثريب: لوم.
5- غيهب: الظلمة الشديدة.
وَ مَنْ يَجْعَلُ العَاشُورَ عِيداً عُقَيْبَ مَا *** جَرَى فِيهِ غَيْرُ النّاصِبِ المُتَعَصِّبِ؟
أَقَلْبُ رَسُولِ اللَّهِ ذُو فَرَحٍ بِمَا *** جَنَاءُ العِدَا أَمْ ذوأَسَى مُتَلَهِّبٍ؟
أَلا يَسْتَحِي مَنْ يَواسِيْهِ فِي الأَسَى *** عَلَى آلِهِ مَنْ ذِي عِيدٍ وَ مَلْعَبِ
لَقَدْ حَقَّ لِلْعِيدَيْنِ أَنْ يَتَحَوَلاَ *** إِلَى مَأْتَمَي حُزْنٍ وَ نَوْحٍ وَ مَنْدَبِ
أَمِنْ بَعْدِ ذَبْح السُبْطِ ظُلماً مِن القَفَا *** عَلَى ظَمَإِ يَلْتَذُّ مَوْلًى بِمَشْرَبٍ؟
وَ يَأْخُذُ حَظَاً مِنْ وِ سَادٍ وَ رَاسُهُ *** بِكَفِّ سِنَانٍ في سِنَانٍ مُكَعَبِ
وَ يَأْوِي إلى لِيْنِ الفِرَاشِ وَ جِسْمُهُ *** يُرَضُ بَرَكْضِ الخَيْلِ فِي بَطْنِ سَبْسَبِ
وَ أَخْفَيْتُ نَفْسِي دَاخِلاً في غِمَارِهِمْ *** وَ لَمْ آلُ جُهْداً في خَفَاءِ تَنَحُبِّي
وَ وَجْهُتُ وَجْهِي لِلنَّبِي مُعَزيّاً *** لَهُ بِابْنهِ الظَّامي الذُّبيحِ المُسَلَّبِ
وَ ظَلْتُ أَناجِيهِ خفياً وَ أَشْتَكِي *** مَلِيّاً و مدرار الدِّموعِ كصيِّبِ
لَكَ الأجْرُ يَا خَيْرَ الوَرَى بِابْتِكَ الَّذِي *** شُغِفْتَ بِهِ عَنْ كُلِّ مَالِكَ مُعْجِبِ(1)
إلى أن يقول:
وَ صِرْتُ إلى الزَّهْرَاءِ ابْكِي مُعزّيّاً *** لَهَا بِبَنِيها مُوْجِزَاً غَيْرَ مُطنِبِ(2)
لَكِ الأجْرُ يا بِنْتَ النّبي على الَّذِي *** رُزِيْتِ فَحَقُّ أنْ تَنوحِي وَ تَنْدُبِي
فَفَرْخُكِ يَا زَهْراءُ بالطف قَدْ قَضَى *** ذَبِيْحاً وَ لَمْ يَظْفَر بِمَاءٍ فَيَشْرَبِ(3)
وَ ظَلَّ اليَتَامَى تَسْتَعيتُ بِهِ فَلَمْ *** يُجِبُها فَظَلَّتْ تَسْتَغِيْتُ بِزَيْنَبِ
ص: 58
1- شغفت به: أولعت به الورى: الخَلْق أو الناس.
2- مطنب: الأطناب ضد الايجاز.
3- في مقتل الحسين للمقرم، ص282. قال هلال بن نافع: كنت واقفاً نحو الحسين علیه السلام و هو يجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلاً قط مضمخاً بدمه أحسن منه وجهاً و لاأنور... و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله... فاستقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه. و قال له رجل: لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فقال علیه السلام أنا أرد الحامية! و إنما أرد على جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و اسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
تُحاوِلُ خَوْف السبي و السلْبِ مُهْرَباً *** وَ قَدْ عَلِمَتْ أَنْ لَأتَ(1) سَاعَةً مَهْرَبِ(2)
فَسِيْقَتْ عَلَى عُجْفِ المَطَايَا حَواسِراً *** عَرَايا بِغَيْرِ الحُزْنِ لَمْ تَتَجَلْبَبِ(3)
وَ سِيقَ عَلِيُّ بْنُ الحُسينِ مُغَلغَلَاً *** عَلِيْلاً ذَلِيْلاً فَوْقَ أَعْجَفَ أجْربِ
فَيَا فَاطِمُ الزهراءُ حَقٌّ لَكِ البُكَا *** وَ حَبْسُ الرِّزَايَا فِي الفُؤَادِ المُرَعَبِ
و إِنْ تَتَسَلْيْ تَسْتَرِيْحِي فَإِنَّ مَنْ *** تَظَلُّ الرَزَايَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ تَنْصِبِ
فَقَدْرُكِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَتَوَجْعِي *** وَ أَنْ تَصْبري سام عَلَى كُلِّ مَنْصِبِ
وَ أَمَّا مَوالِيْكُم فَمَوْعِدُ صَبْرِهِمْ *** ظَهُورُ الإمام القائم المترقَّبِ
و إغْمَادُ سَيْفِ الحقِّ في خُصَمَائِهِ *** وَصَلبُ طَوَاغِيْتِ النِفَاقِ بِيَثْرِبِ
أرَى حَسَناً مَولاهُ أيَّامَ صَلْبِهِم *** فَفِيهِ شِفَاءٌ للفؤادِ المعذِّبِ
أيَا مَنْ بِهِمْ فَاض الوجودُ على الوَرَى *** مِنَ المُبْدِىءِ الفِيّاضِ مُنُّوا بِمَطْلَبِي(4)(5)
ص: 59
1- لات: من المشبهات بليس بمعنى أن الساعة ليست ساعة مهرب.
2- لما قتل الحسين علیه السلام مال الناس على ثقله و متاعه و انتبهوا ما في الخيام و اضرموا النار فيها و تسابق القوم على حرائر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففررن حواسر مسلبات باكيات و إن المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها و خاتمها من أصبعها و قرطها من أذنها و الخلخال من رجلها. ذكرها ابن الأثير/ في الكامل ج4 ص32 و الطبري ج6 ص260/ و مثير الأحزان/ لابن نما/ ص40.
3- في مقتل الحسين/ للمقرم/ ص344. بعث ابن زياد رسولاً إلى يزيد يخيره بقتل الحسين علیه السلام و من معه و إن عياله في الكوفة و ينتظر أمره فيهم فعاد الجواب بحملهم و الرؤوس معهم -و سرح في أثرهم علي بن الحسين علیه السلام مغلولة يديه إلى عنقه و عياله معه على حال تقشعر معها الأبدان.
4- مُنوُّا: أي أعطوني.
5- ديوان الدمستاني ص120.
(12) مسلماً و مودعاً
(بحر الكامل)
الأستاذ سعيد العسيلي العاملي (*)(1)
رُؤياً لَها حَنَّ الحُسَيْنُ وَ ذَابَا *** وَ الشَّوْقُ أَلْهَبَ قَلْبَهُ إلها با
يا لَيْتَها دامَتْ عَلَيْهِ لأَنَّها *** قَدْ أَلْبَسَتْهُ مِنَ الهَناءِ ثِيابا
حُلْمٌ لَهُ رَدَّ الطُّفولَةَ بَعْدَما *** مَرَّ الزَّمانُ وَ رَأْسُهُ قَدْ شابا
هِي ذِي مَطالِعُ نُورٍ وَجْهِ مُحَمَّدٍ *** قَدْ أَقْبَلَتْ وَ اللَّيْلُ مِنْها غابا
وَ حَنانَهُ بَيْنَ الجُفُونِ كَأَنَّهُ *** بَرْقٌ يَضُمُّ بِجانحَيْهِ سَحابا
وَ عُذُوبَةٌ بكَلامِهِ وَ كَأَنَّها *** نَغَمٌ حَلا للسَّامِعِينَ وَطابا
وَ لَقَدْ تَأكَّدَ مِنْهُ بَعْدَ حَدِيثِهِ *** أَنَّ الزَّمَانَ لَهُ أَعَدَّ صِعابا
مِنْها تَمِيدُ ذُرَى الجِبَالِ وَ تَنْحَنِي *** هَوْلاً وَ تَبْتَلِعُ السُّهولُ هِضابا
وَاللَّهُ شَاءَ بِأَنْ تَكُونَ شَهادَةً *** بِالقَتْلِ تُحْيِي سُنَةٌ وَ كِتابا
وَ يَكُونَ مَذْبُوحاً بساحَةِ كَرْبَلا *** وَ رِياحُها تُسْقِي عَلَيْهِ تُرابا
وَ الظُّلْمُ يَنْشُرُ ظِلَّهُ مِنْ فَوْقِهِ *** وَ الجَوْرُ يَذْبَحُ إِخْوَةً وَ صِحابا
وَ الظَّالِمُونَ كَأَنَّهُمْ مِنْ حَوْلِهِ *** قَدْ أَصْبَحُوا بَعْدَ الصَّلالِ ذِئابا
ما دامَ قَدْ حَكمَ القَضا بِمَصِيرِهِ *** سَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ إِلَيْهِ أَجابا(2)
ص: 60
1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- و استيقظ الحسين مرعوباً من رؤياه و قد ألمّت به تيارات الأسى و بات على يقين لا يخامره أدنى شك أنه لا بد أن يرزق الشهادة و بعد أن قصّ رؤياه الحزينة على أهل بيته طافت بهم الآلام و أيقنوا بنزول الرزء القاصم، فلم يكن في ذلك اليوم لافي شرق الأرض و لافي غربها أكثر غماً من أهل بيت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم راجع حياة الحسين ج2 ص260 و مقتل الخوارزمي ج1 ص187 و مقتل المقرم ص133.
مَرْحَى بِأمْرِ اللَّهِ وَ هُوَ مُقَدَّسٌ *** وَ عَلَيْهِ طاعَتُهُ وَ لَنْ يَرْتابا
وَ بَدَتْ عَلَى الثَّغْرِ الوَسِيم كابةٌ *** كَالغَيْمِ بَثَّ عَلَى التَّلالِ ضَبابا
هُوَ لا يَخافُ مِنَ المَنِيَّةِ بَعْدَما *** عَشِقَ الوَغَى و أَسِنَّةً وَ حِرابا
لكنَّ ما يَخْشَاهُ سَبْي حرائرٍ *** ما فَارَقَتْ طُول الحياة حِجابا
وَ غَدَتْ خواطِرُهُ تَهِيمُ مَعَ الأَسَى *** وَ الحُزْنُ فيه أَوْجَدَ الأَتُعابا(1)
وَ مَشَى لناحِيَةِ البَقيع يَقُودُهُ *** هَمُّ رآهُ مِنَ الزَّمانِ عُجابا(2)
وَ هُناكَ لِلزَّهْراءِ بَتْ هُمُومَهُ *** وَشَكَا مِنَ الألَمِ المَريرِ عَذابا
أمّاهُ جِئْتُ مُسَلْماً وَ مُوَدِّعاً *** قَبْلَ الرَّحِيلِ وَ لَنْ تَرَيْنَ إيابا(3)
أَمَاهُ مَنْ هَجَر الدِّيارَ فَإِنَّهُ *** لَيْسَ الغَريبُ وَ لَوْ رَأى أَغْرابا
إنّ الغريب مَنِ اسْتَكانَ لِذِلَّةٍ *** في قَوْمِهِ أَوْ فَارَقَ الأحْبابا(4)
ص: 61
1- خَطَرَ الأمرُ له: لاحَ في فكره و خَطرتِ الحوادث في باله و ببالِهِ: حدثت و اعترضت. الأسى: الحزن.
2- و توجه الحسين علیه السلام ليلاً إلى قبر أمه الزهراء علیها السلام في البقيع و ألقى عليه نظرة الوداع الأخيرة و تمثلت أمامه عواطفها الفياضة و شدّة حنوها عليه و قد ود أن تنشق الأرض لتواريه معها و انفجر بالبكاء ثم ودع القبر و انصرف إلى قبر أخيه الإمام الحسن علیه السلام، فأخذ القبر من دموعه و قد ألمت به الأحزان ثم رجع إلى منزله و هو غارق بالأسى و الشجون، راجع حياة الحسين علیه السلام ج2 ص261 و مقتل الخوارزمي ج1 ص187.
3- الإياب: العودة و الرجوع بعد الغياب.
4- كربلاء ص132.
(13) الزهراء علیها السلام بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم
(بحر الكامل)
الأستاذ سعيد العسيلي العاملي (*)(1)
جَلَّى غُبَارُ النَّقْعِ(2) شَرَّ هَزِيمَةٍ *** بِقُرَيْشَ فَارْتَدَّتْ عَلَى الأَعْقابِ
وَ عَلِيُّ عادَ مَعَ النَّبِيِّ لِيَثْرِبٍ *** لم يَخْشَ ضِغْنَ الكَافِرِ المُرْتَابِ
و لأنّ بَدْراً قَدْ أَفاءَتْ مَغْنماً *** لابَأْسَ إِذْ كَانَتْ بِخَيْرِ إيابِ
وَ هُوَ الذي لم يُبْقِ يَوْماً دِرْهَماً *** أو يَتَّخِذْ لِلْمَالِ أَي حِسابِ
وَ كأَنّها المِصْفاةُ كَانَتْ كَفُّهُ *** مَنْقُوبَةٌ لِلْمَالِ كَالمِيزابِ
قَدْ كانَ أَثْرَى ثَرْوَةٌ بِدَرَاهِم *** وَ تَعُدُّ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْحُسَابِ
فسَعَى لَها سِرّاً بِلَيْلٍ مُظْلِمٍ *** وَ نَهَارِهِ جَهْراً بِخَيْرِ عِقابِ
و عَلى ذَوِي الحاجاتِ أَنْفَقَها وَ قَد *** لاقَى مِنَ الإحسانِ خَيْرَ ثوابِ
إذْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِيهِ آيَةً *** قُدْسِيَّةٌ رُقِمَتْ بِخَيْر كِتابِ(3)
إنّ الّذينَ تَصَدَّقُوا في مالِهِمْ *** في لَيْلِهِمْ وَ نَهَارِهِمْ بِصَوابِ
سِرّاً عَلانِيَةً عَلى إِحْسانِهِمْ *** لَهُمُ الجِنانُ بِهَا وَ حُسْنُ مَآبِ
قَدْ كَانَ يَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنْ كَسْبِهِ *** وَ الجُودُ مَوْرُوثٌ عَنِ الأَحْسَابِ
يَسْقِي الزَّرَاعَةَ لِلْيَهُودِ بِيَثْرِبٍ *** حَتَّى يُعانِي كَفَرَةَ الأَوْصَابِ(4)
ص: 62
1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- النَّقْع: الغبار، أو اسم موضع قرب مكة.
3- الآية رقم (274) من سورة البقرة و هي: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَ عَلَانِيَةً». الخ انظر عبدالفتاح عبدالمقصود ج1 ص66.
4- الأوصاب: الوصب و هو المرض و الوجع الدائم و نحول الجسم، و قد يطلق على التعب و الفتور في البدن.
لكِنْ إذا نَقَدُوهُ كامِلَ أَجْرِهِ *** أَعْطاهُ لِلْمَحْرُومِ أَوْ لِمُصابِ
وَ يَبِيتُ مَعْ فَرْضِ الصَّلاةِ عَلَى الطَّوَى *** ما عاش في يَوْمِ بِزَهْوِ شَبابِ
ما غَرَّهُ مالٌ ولا هَرَجُ الصَّبا *** لِلَّهِ عاشَ رَهِينَةَ المِحْرابِ
وَ القُوتُ خُبُرِّيابِسٌ وَغِطَاؤُهُ *** وَبَرٌ وَ ثَوْبٌ نَسْجُهُ بِإِهابِ(1)
لَكِنَّهُ كانَ الحَنِينُ يَقُودُهُ *** نَحْوَ الزَّوَاجِ وَ نَحْوَ ذاتِ نقابِ
منْ غَيْرُها وَ هِيَ الَّتِي فِي ذِهْنِهِ *** خَيْرُ النِّساءِ وَ كُلِّ ذاتِ حِجاب
وَ لَطالَما قَدْ كانَ يَحْمِلُها على *** كَتِفَيْهِ بَيْنَ البِشْرِ وَ التّرحَابِ
وَ أَحَبَّ والدها المُعَظَّمَ قَبْلَها *** وَ الحُبُّ مَوْرُوتٌ لَدَى الأَحْبابِ
هي فاطِمُ الزَّهْراءُ بِنْتُ المُصْطَفَى *** خَيْرُ الأنام و نِعْمَةُ الوَهّابِ
هذا أبُوبَكْرِ أَتَاهَا خاطباً *** فَأَبَى عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى بِجَوَابِ(2)
وَ قَدْ أتَى عُمَرُ لِيَخْطِبَها فَلَمْ *** يُسْعَدْ وَ إِنْ أَمْسَى مِنَ الخُطابِ(3) (4)
ص: 63
1- الإهاب: جلد كل شيء.
2- إشارة إلى مجيء أبي بكر الخطبة فاطمة علیها السلام فأبى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم ذلك و قال: أمرها إلى اللَّه. فقد روي في المناقب/ ج2 ص30 أن أبابكر خطب إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فقال: انتظر لها القضاء، و روي أيضاً في المصدر نفسه ص380 أن أبابكر و عمر خطبا إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام مرّة بعد أخرى فردّهما.
3- إشارة إلى مجيء عمر بن الخطاب إلى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم الخطبة فاطمة علیها السلام فأبى ذلك الرسول صلي الله علیه و آله و سلم فقد روي في مناقب المغازلي/ ص347 ح399 عن أنس بن مالك، قال: جاء أبوبكر إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمت مناصحتي و قدمي في الإسلام، و إنّي و إنّي... قال: و ما ذاك؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام؟ قال: فسكت عنه، أو قال: فأعرض عنه. قال: فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: هلكت و أهلكت. قال: وما ذاك؟ قال: خطبت فاطمة علیها السلام إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال فأعرض عني. قال: مكانك حتى أتي النبي صلي الله علیه و آله و سلم فأطلب منه مثل الذي طلبت، فأتى عمر النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي و قدمي في الإسلام و إنّي و إنّي ... قال: و ما ذاك؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام، قال: فأعرض عني. قال: فرجع عمر إلى أبي بكر ، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها فلم يردّ إليه جواباً. ثم خطبها عمر فلم يردّ إليه جواباً، ثم جمعهم فزوجها علي بن أبي طالب علیه السلام، و قيل: أقبل على أبي بكر و عمر، فقال: إن الله «عزوجل» أمرني أن أزوجها من علي علیه السلام و لم يأذن لي في إفشائه إلى هذا الوقت، و لم أكن لأفشي ما أمر الله «عزوجل» به.
4- إشارة إلى قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني، كما في كنز العمال ج6 ص220: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. و روى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ج4 ص328 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها و روى الترمذي أيضاً في صحيحه ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها و يشير الشاعر أيضاً في نفس الشطر الشعري إلى قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى أن أمر فاطمة علیها السلام إلى الله «تعالى». و قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم ما زوّجت فاطمة علیها السلام إلا لما أمرني الله «عزوجل» بتزويجها.
كانَ الجَوابُ مِنَ الرَّسُولِ صَرَاحَةً *** لَهُمَا وَ إنْ كانا مِنَ الأَصْحاب
هِيَ بَضْعَةٌ مِنّي وَ أَنْتَظِرُ القَضا *** فيها بِوَحْي الخالق التَّوابِ
وَ عَلِيُّ يَخْشَى أَنْ يَعُودَ بِخَيْبَةٍ *** و يَرُدَّهُ الهَادِي عَلَى الأَعْقَابِ(1) (2)
ص: 64
1- إشارة إلى ما روي في كنزالعمال ج1 ص347 ح399 عن أنس بن مالك قال: فرجع عمر إلى أبي بكر، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها فانطلق بنا إلى علي علیه السلام حتى نأمره يطلب الذي طلبنا. قال علي علیه السلام: فأتياني و أنا أعالج فسيلاً، فقالا: ألا أتيت ابن عمّك تخطب ابنته؟ قال: فنّبهاني لأمر، فقمت أجرّ ردائي طرفاً على عاتقي و طرفاً على الأرض حتى أتيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمت قدمي في الإسلام و مناصحتي، و إنّي و إنّي... قال: وما ذاك يا علي علیه السلام؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام؟ قال: وما عندك ؟ قال: قلت عندي فرسي و درعي قال: أمّا فرسك فلا بدّ لك منها، و أما درعك فبعها. و في المصدر نفسه ص382 عن أنس: أن أبابكر خطب فاطمة علیها السلام إلى النبي و في بعض المصادر، فلما خطبها علي علیه السلام قال النبي: لقد أمرني بذلك ثم دعا الرسول صلي الله علیه و آله و سلم وجوه الصحابة فخطبهم خطبة طويلة و أخبرهم أن الله أمره أن الله أمره بتزويج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام. انظر الرياض النضرة ج2 ص183 و ذخائر العقبى ص29 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص133.
2- مولد النور ص270.
(14) صديقة خُلقت
(مجزوء الكامل)
سفيان بن مصعب العبدي الكوفيُّ
ألُ النَّبِيَّ مُحَمَّدٍ *** أهْلُ الفَضائلِ و المَنَاقِبْ
المُرْشِدونَ مِنَ العَمَى *** وَ المُنْقِذونَ مِنَ اللَّوازِبْ(1)
الصَّادِقُونَ النَّاطِقُونَ *** السَّابِقُونَ إلى الرّغائبْ(2)
ص: 65
1- اللوازب: جمع اللازب و هو الشدّة.
2- قوله: الصادّقون. إشارة إلى ما روي في قوله «تعالى»:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (سورة التوبة) من طريق الحافظ أبي نعيم و ابن مردويه و ابن عساكر و آخرين كثيرين عن جابر و ابن عباس: أي كونوا مع علي بن أبي طالب علیه السلام. و رواه الكنجي الشافعي في «الكفاية» ص111. و الحافظ السيوطي في (الدرَّ المنثور) 3 ص290. و قال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص10: قال علماء السير: معناه: كونوا مع عليّ و أهل بيته قال ابن عبّاس: علي سيِّد الصادقين. قوله: السابقون إلى الرغائب إشارة إلى قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ». (سورة الواقعة) و أنَّها نزلت في علي علیه السلام أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنَّها نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون. و حبيب النجّار الذي ذكر في يس. و علي بن أبي طالب علیه السلام. و كلّ رجل منهم سابق أُمَّته و عليّ أفضلهم. و في لفظ ابن أبي حاتم يوشع بن نون بدل حزقيل. و أخرج الديلمي عن عائشة. و الطبراني و ابن الضحاك و الثعلبي و ابن مردويه و ابن المغازلي عن ابن عبّاس: إنّ النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: السبِّق و في لفظ: السبّاق ثلاثة: السابق إلى موسى يوشع بن نون علیه السلام، و صاحب ياسين إلى عيسى علیه السلام و السابق إلى محمد صلي الله علیه و آله و سلم علي بن أبي طالب علیه السلام. و زاد الثعالبي في لفظه: فهم الصدّيقون و عليّ أفضلهم. و رواه محبُّ الدين الطبري في رياضه1 ص157، و الهيثمي في المجمع 9 ص102، و الكنجي في «الكفاية» ص46 بلفظ: سبَّاق الأُمم ثلاثةُ لم يشركوا بالله طرفة عين: عليِّ بن أبي طالب علیه السلام. و صاحب ياسين. و مؤمن آل فرعون. فهم الصدِّيقون و علي أفضلهم. ثمَّ قال: هذا سندُّ اعتمد عليه الدار قطني و احتجُّ به. و رواه باللفظ الأوّل الحافظ السيوطي في [الدرَّ المنثور] 6 ص154. و ابن حجر في «الصواعق» ص74. و سبط ابن الجوزي في «التذكرة» ص11.
فَوَلاهُمُ فَرْضٌ مِنَ الرَّحمنِ *** في القُرْآن واجِبْ(1)
ص: 66
1- قوله: فولاهُم فرضٌ من الرَّحمن *** في القرآن واجبٌ أشار به إلى قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» [الشورى: 23] توجد في الكتب و المعاجم أحاديث و كلمات عدّة حول الآية الشريفة لا يسعنا بسط المقال فيها غير أنا نقتصر بجملة منها. (أ) أخرج أحمد في المناقب. و ابن المنذر. و ابن أبي حاتم. و الطبراني. و ابن مردويه. و الواحدي. و الثعلبي. و أبو نعيم. و البغوي في تفسيره. و ابن المغازلي في المناقب بأسانيدهم عن ابن عباس قال: لَمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودَّتهم؟ فقال: عليٍّ و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. و رواه محبُّ الدين الطبري في «الذخائر» ص25، و الزمخشري في «الكشاف» 2 ص339. و الحموي في «الفرائد»، و النيسابوري في تفسيره، و ابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤل» ص8 و صححه، و الرازيّ في تفسيره، و أبو السعود في تفسيره 1 (هامش تفسير الرازي)7 ص665، و أبو حيَّان في تفسيره 7 ص516، و النسفي في تفسيره (هامش تفسير الخازن 4 ص99 ، و الحافظ الهيثميَّ في «المجمع» 9 ص168، و ابن الصباغ المالكي في [الفصول المهمَّة] ص12، و الحافظ الكنجي في «الكفاية» ص31، و القسطلاني في «المواهب» و قال: ألزم الله مودَّة قرباه كافَّة بريَّته، و فرض محبَّة جملة أهل بيته المعظَّم و ذريَّته فقال «تعالى»: «ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشوى: 23]. و رواه الزرقاني في (شرح المواهب) 7 ص3 و 21، و ابن حجر في الصواعق ص101 و135، م -و السيوطي في [إحياء الميت] هامش «الإتحاف» ص239 ، و الشبلنجي في «نور الأبصار»،112، و الصبّان في «الإسعاف» هامش نور الأبصار ص105. (ب) أخرج الحافظ أبوعبد الله الملاً في سيرته: إنَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: إنَّ الله جعل أجري عليكم المودَّة في أهل بيتي وإنّي سائلكم غداً عنهم. و رواه محبّ الدين الطبري في «الذخائر» ص25، و ابن حجر في الصواعق ص102 و 136، و السمهودي في [جواهر العقدين]. (ت) قال جابر بن عبد اللَّه: جاء أعرابيِّ إلى النبيِّ صلي الله علیه و آله و سلم و قال: يا محمَّد صلي الله علیه و آله و سلم اعرض عليَّ الإسلام فقال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده و رسوله. قال: تسألني عليه أجراً؟ قال: لا إلا المودة في القربى، قال: قرابتي أو قرابتك؟! قال: قرابتي. قال: هات، أبايعك فعلى من لايحبّك و لايحبّ قرابتك لعنة اللَّه. فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: آمين. أخرجه الحافظ الكنجي في «الكفاية» ص31 من طريق الحافظ أبي نعيم عن محمِّد بن أحمد بن مخلِّد عن الحافظ ابن أبي شيبة بإسناده. (ث) أخرج الحافظ الطبريِّ و ابن عساكر و الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل [لقواعد التفضيل] بعدِّة طرق عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنّ اللَّه خلق الأنبياء من أشجار شتّى و خلقني من شجرة واحدة فأنا صلي الله علیه و آله و سلم أصلها و عليّ علیه السلام فرعها، و فاطمة علیها السلام لقاحها، و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمرها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، و من زاغ عنها هوى، و لو أنَّ عبداً عبد اللَّه بين الصفا و المروة ألف عام ثمَّ ألف عام ثمَّ ألف عام ثمَّ لم يُدرك صحبتنا أكبه الله على منخريه في النّار. ثم تلا: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». و ذكر الكنجي في «الكفاية» ص178. (ج) أخرج أحمد و أبي حاتم عن ابن عباس في قوله «تعالى»: «و من يقترف حسنة»: قال: المودَّة لآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و رواه الثعلبي في تفسيره مسنداً، و ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول» ص13 و ابن المغازلي في «المناقب»، و ابن حجر في «الصواعق» ص101، و السيوطي في الدرِّ المنثور 6 ص7، و «إحياء الميت» -هامش الإتحاف ص239، و الحضرمي في «الرشفة» ص23، و النبهاني في [الشرف المؤبد] ص95. و أخرج أبو الشيخ بن حبّان في كتابه «الثواب» من طريق الواحدي عن علي علیه السلام قال: فينا أل حم آيةٌ لا يحفظ مودَّتنا إلا كلّ مؤمن. ثمَّ قرأ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». وذكره ابن حجر في «الصواعق» 101 و 136 ، و السمهودي في [جواهر العقدين]. (ح) عن أبي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام فحمد الله و أثنى عليه و ذكر أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه خاتم الأوصياء و وصي الأنبياء و أمين الصديقين و الشهداء ثمَّ قال: أيها الناس لقد فارقكم رجلّ ما سبقه الأولون و لايُدركه الآخرون لقد كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يُعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره فما یرجع حتّي يفتح الله عليه، و لقد قبضه الله في الليلة التي قُبض فيها وصيِّ موسى علیه السلام و عرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى ابن مريم علیه السلام و في الليلة التي أنزل الله «عزّوجلَّ» فيها الفرقان و اللَّه ما ترك ذهباً و لافضَّة و ما فى بيت ماله إلا سبعمائة و خمسون درهماً فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً لأُمِّ كلثوم. ثمَّ قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد علیه السلام ثمَّ تلا هذه الآية قول يوسف: «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ». ثمَّ أخذ في كتاب اللَّه. ثمَّ قال: أنا ابن البشير، و أنا ابن النذير، أنا ابن النبيِّ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، و أنا ابن السراج المنير، و أنا ابن الّذي أرسل رحمة للعالمين و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهِّرهم تطهيراً، و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين افترض الله «عزَّوجل» مودّتهم و ولايتهم فقال فيما أنزل على محمد صلي الله علیه و آله و سلم: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». (م) و في لفظ الحافظ الزرندي في [نظم درر السمطين] و أنا من أهل البيت الذين كان جبريل علیه السلام ينزل فينا و يصعد من عندنا و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين افترض الله «تعالى» مودتهم على كل مسلم و أنزل الله فيهم:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا». [واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت علیهم السلام]. أخرجه البزّار و الطبراني في الكبير. و أبو الفرج في مقاتل الطالبيين. و ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 ص11. و الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص146. و ابن الصباغ المالكي في الفصول ص166 و قال: رواه جماعةٌ من أصحاب السير و غيرهم. و الحافظ الكنجي في الكفاية ص32 من طريق ابن عقدة عن أبي الطفيل. و النسائي عن هبيرة و ابن حجر في الصواعق ص101 و 136. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص231. و الحضرمي في الرشفة 43. (خ) أخرج الطبري في تفسيره 24 ص16 بإسناده عن السدي عن أبي الديلم قال: لمّا جيء بعليِّ بن الحسين (الإمام السجاد) رضي الله عنهما أسيراً فأقيم على درج الدمشق قام رجلِّ من أهل الشام فقال: الحمدللَّه الذي قتلكم و استأصلكم و قطع قرني الفتنة. فقال له عليِّ ابن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن؟ فقال نعم، قال: فقرأت أل حم؟ قال: قرأت القرآن و لم أقرأ أل حم. قال: ما قرأت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». قال: وإنَّكم لأنتم هم؟ قال: نعم. و رواه الثعلبي في تفسيره بإسناده. و أشار إليه أبو حيان في تفسيره 7 ص516. و أخرجه السيوطي في الدرّ المنثور 6 ص7. و ابن حجر في الصواعق 101 و136 عن الطبراني. و الزرقاني في شرح المواهب 7 ص20. (د) روى الطبري في تفسيره 24 ص16 و 17 عن سعيد بن جبير و عمرو بن شعيب أنهما قالا: قُربى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و رواه عنهما و عن السدّي أبوحيّان في تفسيره و السيوطي في هي الدر المنثور. قال الفخر الرازي في تفسيره 7 ص390 : و أنا أقول : آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم هم الذّين يؤول أمرهم إليه فكلُّ مَن كان أمرهم إليه أشدّ و أكمل كانوا هم الآل، و لا شكُّ أن فاطمة و عليّاً و الحسن و الحسين علیهم السلام كان التعلّق بينهم وبين رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أشدّ التعلّقات، و هذا كالمعلول بالنقل المتواتر، وجب أن يكونوا هم الآل. و قال المناوي: قال الحافظ الزرندي. لم يكن أحدٌ من العلماء المجتهدين و الأئمة المهتدين إلاَّ و له في ولاية أهل البيت علیهم السلام الحظُّ الوافر و الفخر الزاهر كما أمر اللَّه بقوله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [م -وقفنا على نظم درر السمطين) للحافظ الزرندي فوجدنا الكلمة على ما حكاها (المناوي)]. و قال ابن حجر في الصواعق ص89: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» عن ولايّة عليّ. علیه السلام و كأنَّ هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله «تعالى»:«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» أي عن ولاية عليّ علیه السلام و أهل البيت علیهم السلام لأنَّ الله أمر نبيه صلي الله علیه و آله و سلم أن يعرف الخلق أنَّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القُربى. و المعنى أنَّهم يُسألون هل و الوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلي الله علیه و آله و سلم أم أضاعوها و أهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة و التبعة. و ذكر في الصواعق ص101 للشيخ شمس الدين بن العربي قوله: رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربا فما طلب المبعوث أجراً على الهدى *** بتبليغه إلاّ المودَّة في القربى و ذكر ابن الصباغ المالكي في الفصول ص13 لقائل: هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحي و إنزال مناقب في شورى و سورة هل أتى *** و في سورة الأحزاب يعرفها التالي و هم آل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروض بحكم و إسجالِ و ذكر لآخر: هم القوم من أصفاهم الودَّ مخلصاً *** تمسَّك في أخراه بالسبب الأقوى هم القوم فاقوا العالمين مناقباً *** محاسنهم تُجلی و آثارهم تُروى موالاتهم فرضٌ وحُبّهمُ هدّى *** و طاعتهم ودُّ ووُدُّهم تقوى و ذكر الشبلنجي في نور الأبصار ص13 لأبي الحسن بن جبير: أُحبُّ النَّبيّ المصطفى و ابن عمِّه *** عليّاً و سبطيه و فاطمة الزَّهرا همُ أهل بيت أذهب الرجس عنهمُ *** و أطلعهم أُفق الهدى أنجماً زهرا موالاتهم فرضٌ على كلِّ مسلم *** و حبّهمُ أسنى الذخائر للأُخرى و ما أنا للصحب الكرام بمبغض *** فإنّي أرى البغضاء في حقِّهم كفرا
وَهُمُ الصِّراطُ فَمُسْتَقِيمٌ *** فَوْقَهُ ناجٍ وَ ناکِبْ(1)
ص: 69
1- ناكب: نكِبَ الرجل عن الطريق أي مال عنه. قوله: و هم الصراط فمستقیمٌ *** فوقه ناجٍ و ناكبْ أخرج الثعلبي في الكشف و البيان في قوله «تعالى»:«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». قال مسلم بن حيان: سمعت أبا بُريدة يقول: صراط محمد صلي الله علیه و آله و سلم وآله علیهم السلام. و في تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السدّي عن أسباط و مجاهد عن عبد الله بن عبّاس في قوله «تعالى»: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلى حبِّ محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام. و أخرج الحمّوي في «الفرائد» بإسناده عن أصبغ بن نباتة عن عليِّ علیه السلام في قوله «تعالى»: «وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» [المؤمنين: 74] ، قال: الصِّراط ولايتنا أهل البيت علیهم السلام. و أخرج الخوارزمي في «المناقب»: الصراط صراطان: صراطُ في الدنيا. و صراطُ في الآخرة. فأما صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالب علیه السلام و أما صراط الآخرة فهو جسر جهنم. مَن عرف صراط الدنيا جاز على صراط الآخرة. و يوضح معنى هذا الحديث ما أخرجه ابن عدي و الديلمي كما في «الصواعق» ص111 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: أثبتكم على الصراط أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي علیهم السلام و لأصحابي. و أخرج شيخ الإسلام الحمّوي بإسناده في فرائد السمطين في حديث عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام قوله: نحن خيرةُ الله و نحن الطريق الواضح و الصراط المستقيم إلى اللَّه. فهم الصراط إلى اللَّه فمن تمسك بهم فقد اتَّخذ إلى ربِّه سبيلاً كما ورد فيما أخرجه أبو سعيد في شرف النبوَّة بإسناده عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيتي علیهم السلام شجرة في الجنَّة و أغصانها في الدنيا، فمن تمسك بنا اتَّخذ إلى ربِّه سبيلاً. [ذخائر العقبي ص16].
صِدِّيقةٌ خُلِقَتْ لِصديقٍ *** شریفٍ في المناسِبْ(1)
ص: 70
1- قوله: صدِّيقةٌ: يعني به فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم سمّاها بها أبوها فيما أخرجه أبو سعيد في «شرف النبوة» عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أنَّه قال لعليِّ علیه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يُؤتهنَّ أحدٌ و لاأنا: أوتيتَ صهراً مثلي و لم أُوت أنا مثلي. و أوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي علیها السلام و لم أُوت مثلها زوجة. و أوتيتَ الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أُوت من صلبي مثلهما، ولكنَّكم منّي و أنا منكم. الرياض النضرة 2 ص202. و عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة علیها السلام إلا أن يكون الذّي ولدها علیهم السلام. حلية الأولياء 2 ص42، الاستيعاب 2 ص751، ذخائر العقبى ص44، تقريب الأسانيد و شرحه 1 ص150، مجمع الزوائد 9 ص201 و قال: رجاله رجال الصحيح. يعني به أميرالمؤمنين «صلوات الله عليه» و هو صدّيقُ هذه الأمة و ذلك لقبه الخاصّ، قال محبُّ الدين الطبري في رياضه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم سمّاه صديقاً، و قال في ص155: قال الخجندي: و كان يلقِّب بيعسوب الأُمَّة و بالصدِّيق الأكبر. و هناك أخبار كثيرة نذكر بعضها. (أ) أخرج ابن النجَّار و أحمد في المناقب عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم الصدِّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجَّار صاحب آل ياسين و علي بن أبي طالب علیه السلام. و أخرجه أبونعيم في المعرفة و ابن عساكر عن أبي ليلى و زادا في لفظهما: و هو أفضلهم. و أخرجه محبُّ الدين الطبري في الرياض 2 ص154، و الكنجي في الكفاية 47 بلفظ أبي ليلى و السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص152، و ابن حجر في الصواعق ص74 بلفظ ابن عبّاس و ص 75 بلفظ أبي ليلى. (ب) عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: إنَّ هذا أول من آمن بي، و هو أوَّل مَن يصافحني يوم القيامة، و هو الصديق الأكبر، و هذا فاروق هذه الأمَّة، يفرّق بين الحقِّ و الباطل، و هذا يعسوب المؤمنين. أخرجه الطبراني عن سلمان و أبي ذر و البيهقي و العدني عن حذيفة و الهيثمي في المجمع 9 ص102، و الحافظ الكنجي في الكفاية 79 من طريق الحافظ ابن عساكر و في آخره: و هو بابي الذي أوتى منه و هو خليفتي من بعدي. و ذكره باللفظ الأوَّل المتَّقي الهندي في إكمال كنز العمّال 6 ص56. (ت) عن ابن عباس و أبي ذرّ قالا: سمعنا النبي الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول لعليّ علیه السلام: أنت الصدِّيق الأكبر، و أنت الفاروق الذي يفرق بين الحقِّ و الباطل. أخرجه محبُّ الدين في الرياض 2 ص155 و قال : و في رواية: و أنت يعسوب الدين. عن الحاكمي و القرشي في شمس الأخبار ص35 و فيه: و أنت يعسوب المؤمنين. و رواه مع الزيادة شيخ الإسلام الحموّي في الفرائد في الباب الرابع و العشرين. و ابن أبي الحديد عن أبي رافع في شرح النهج 3 ص257 و لفظه: قال أبورافع: أتيت أباذر بالربذة أُودِّعه فلما أردت الانصراف قال لي و لأناس معي: ستكون فتنةٌ فاتَّقوا الله و عليكم بالشيخ عليِّ ابن أبي طالب علیه السلام فاتَّبعوه، فإنّي سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول له: أنت أول من آمن بي، و أوَّل من يُصافحني يوم القيامة و أنت الصدّيق الأكبر، و أنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ و الباطل، و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين و أنت أخي و وزيري و خير أترك بعدي و تنجز موعدي و ذكره القاضي الإيجي في «المواقف» 3 ص276، و الصفوري في (نزهة المجالس) 2 ص205. (ث) عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال قال لي ربي «عزَّوجلَّ» ليلة أسرى بي: من خلفتَ على أُمَّتك يا محمّد صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: قلت يا ربّ أنت أعلم. قال: يا محمَّد صلي الله علیه و آله و سلم، انتجبتك برسالتي و اصطفيتك لنفسي، و أنت نبيّي و خيرتي من خلقي، ثمَّ الصدِّيق الأكبر الطاهر المطهر الّذي خلقته من طينتك و جعلته وزيرك و أبي سبطيك السيِّدين الشهيدين الطاهرين المطهَّرين سيّدي شباب الجنَّة: و زوجته خير نساء العالمين أنت شجرة و عليّ علیه السلام غصنها و فاطمة علیها السلام ورقها و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمارها خلقتهما من طينة علييِّن و خلقت شيعتكم منكم، أنَّهم لو ضُربوا على أعناقهم بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حبّاً. قلت: يا ربّ ومَن الصدِّيق الأكبر؟ قال: أخوك عليِّ ابن أبي طالب علیه السلام. أخرجه القرشي في «شمس الأخبار» ص33. (ج) عن عليِّ علیه السلام أنَّه قال: أنا عبداللَّه و أخو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و أنا الصديق الأكبر لايقولها بعدي إلا كذاب مفتر، لقد صلّيت قبل الناس سبع سنين. أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح. الخصائص ص3 بسند رجاله الثقات. و ابن أبي عاصم في «السنة». و حاكم في «المستدرك» 3 ص112 و صحَّحه. و أبو نعيم في «المعرفة». و ابن ماجة في سننه 1 ص57 بسند صحيح. و الطبري في تاريخه 2 ص213 بإسناد صحيح و العقيلي. و الخلعي. و ابن الأثير في «الكامل» 2 ص22. و ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص257. و محبّ الدين الطبري في «الذخائر» ص60 ، و «الرياض» 2 ص155 و 158 و 167. و الحمّوي في «الفرائد» في الباب التاسع و الأربعين و السيوطي في «جمع الجوامع» كما في ترتيبه 6 ص394. و في طبقات الشعراني 2 ص55: قال عليِّ علیه السلام رضي عنه: أنا الصِّدِّيق الأكبر لايقولها بعدي إلا كاذب.
اخْتارَهُ و اخْتارها *** طُهُرَيْنِ مِنْ دَنَسِ المَعايِبْ(1)
ص: 71
1- عن معاذة قالت: سمعت عليّاً علیه السلام و هو يخطب على منبر البصرة يقول: أنا الصدِّيق الأكبر آمنت قبل أن يُؤمن أبوبكر و أسلمت قبل أن يسلم أبوبكر. أخرجه ابن قتيبة في «المعارف» ص73 و ابن أيّوب و العقيلي و محبُّ الدين في «الذخائر» ص58، و «الرياض» 2 ص 155 و 157 ، و ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص251 257 ، و السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص405.
إسْماهُما قُرِنا على سطرٍ *** يظل العَرْشِ راتبْ(1)
كان الإلهُ وَلِيَّها *** وَ أَمِينُه جِبْرِيلُ خاطبْ(2)
ص: 72
1- قوله : إسماهما قُرنا على سطرٍ *** بظلِّ العرش راتب أشار إلى حديث كتابة أسماء فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها علیهم السلام في ظلِّ العرش و قد كتبت على باب الجنَّة كما أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه 1 ص259 عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلي الله علیه وآله و سلم: ليلة عُرّج بي إلى السماء رأيت على باب الجنَّة مكتوباً لا إله إلا الله، محمَّدٌ رسول الله صلي الله علیه وآله و سلم علي حبيب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة ،الله، فاطمة علیها السلام خيرة الله، على مبغضيهم. لعنة الله. و رواه الخطيب الخوارزمي في مناقبه ص240. كما روي في الاختصاص ص91 في حديث طويل عن الإمام الكاظم علیه السلام أنه قال: (نحن مكتوبون على عرش ربنا: مكتوبون محمد خير النبيين و علي سيّد الوصيين صلي الله علیه وآله و سلم و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين).
2- قوله : كان الإله وليّه *** و أمينه جبريل خاطبْ إشارة إلى أنَّ الله تعالى هو زوّج فاطمة علیها السلام عليّاً علیه السلام و كان وليٍّ أمرها و خطب فيه الأمين جبرئيل علیه السلام كما ورد عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أيّها الناس، هذا عليٍّ بن أبي طالب علیه السلام أنتم تزعمون أنَّني أنا زوجته ابنتي فاطمة علیها السلام و لقد خطبها إليَّ أشراف قريش فلم جب، كلُّ ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرئيل ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال يا محمَّد صلى الله عليه و آله و سلم: العليُّ الأعلى يقرأ عليك السَّلام، و قد جمع الروحانيِّين و الكروبيِّن في وادٍ يُقال له: الأفيح. تحت شجرة طوبى و زوّج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام و أمرني، فكنت الخاطب و اللَّه «تعالى» الوليّ. الحديث. [ كفاية الطالب ص164]. و أخرج محبُّ الدين الطبري في «الذخائر» ص31 عن عليّ قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟ إِنَّ الله «تعالى» يقرأ عليك السَّلام، و يقول لك: إنّي قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من عليٍّ بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوِّجها منه في الأرض. و أخرج النسّائي و الخطيب في تأريخه ج4 ص129 بالإسناد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أصاب فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم صبيحة العرس رعدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إنّي زوجتك سيّداً في الدنيا و إنَّه في الآخرة لمن الصالحين. يا فاطمة صلى الله عليه و آله و سلم؟ إنّي لمّا أردت أن أملكك لعّلي أمر الله جبريل فقام في السَّماء الرابعة فصفَّ الملائكة صفوفاً ثمَّ خطب عليهم جبريل فزوجِّك من عليّ ثمَّ أمر شجر الجنان فحملت الحليّ و الحُلل ثمَّ أمرها فنثرته على الملائكة، فمن أخذ منهم يومئذ أكثر مما أخذ صاحبه أو أحسن أفتخر به إلى يوم القيامة. أُمّ سلمة: فلقد كانت فاطمة علیها السلام تفخر على النساء حيث أوّل من خطب عليها جبريل و ذكره الكنجي في «الكفاية» ص165 ثمَّ قال: حديثٌ حسنٌ عال رزقناه عالياً و محبّ الدين في «الذخائر» ص32. و روى الصفوري في نزهة المجالس 2 ص225 عن جبرئيل أنّه قال لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إِنَّ الله أمر رضوان أن ينصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور و أمر ملكاً يُقال له: «راحيل» أن يصعده، فعلا المنبر و حمد الله و أثنى عليه بما هو أهله فارتجِّت السموات فرحاً و سروراً، و أوحى الله إليَّ أن أعقد عقدة النكاح، فإنّي زوَّجت عليّاً علیه السلام بفاطمة علیها السلام أمتي بنت محمد رسولي صلي الله علیه و آله و سلم، فعقدت و أشهدت الملائكة و كتبت شهادتهم في هذه الحريرة، و إنّي أمرت أن أعرضها عليك و أختمها بخاتم مسك أبيض و أدفعها إلى رضوان خازن الجنان. و هناك في هذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ.
وَ المَهْرُ خُمْسُ الأرضِ مَوْهِبَةً *** تَعالَتْ في المَوَاهِبْ(1)
وَ تَهَابُها مِنْ حَمْلِ طُوبَى *** طُببَتْ تِلْكَ المَناهِبْ(2)
ص: 73
1- قوله: و المهر خُمس الأرض مو *** هبة تعالت في المواهب أشار به إلى ما أخرجه شيخ الإسلام الحمّوي في (فرائد السمطين) في الباب الثامن عشر عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال لعليٍّ: يا عليُّ علیه السلام؟ إنَّ الأرض لِلَّه يورثها من يَشاءُ من عباده، و إنَّه أوحى إليَّ أن أزوجك فاطمة علیها السلام على خُمس الأرض، فهي صداقها فمن مشى على الأرض و هو لكم حرام عليه أن يمشي عليها.
2- قوله: و تهابها من حمل طوبی *** طیِّبت تلک المناهبْ أشار إلى حديث النثار المرويٍّ عن بلال بن حمامة قال: طلع علينا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذات يوم و وجهه مسرورٌ كدارة القمر فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما هذا النور؟ قال: بشارةٌ أتتني من ربِّي في أخي وابن عمّي بأنَّ الله زوَّج عليّاً علیه السلام من فاطمة علیها السلام، و أمر رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً -يعني صكاكاً- بعدد محبّي أهل البيت، و أنشأ تحتها ملائكة من نور و دفع إلى كلِّ ملك صكاكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبِّ لأهل البيت إلا دفعت له صكاً فيه فكاكه من النَّار، فصار أخي و ابن عمّي و بنتي فكّاك رقاب رجال و نساء أُمَّتي من النَّار. أخرجه الخطيب في تاريخه 4 ص210. و ابن الأثير في أسد الغابة 1 ص206. و ابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمة». و أبوبكر الخوارزمي في «المناقب». و ابن حجر في «الصواعق» ص103. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص225 . و الحضرمي في «رشفة الصادي» ص28. و أخرج أبوعبد الله الملاً في سيرته عن أنس قال بينما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل علیه السلام يخبرني أنّ الله زوجك فاطمة علیها السلام و أشهد على تزويجها أربعين ألف ملك و أوحى إلى شجرة طوبى: أن انثري عليهم الدرّ و الياقوت فنثرت عليهم الدرّ و الياقوت فابتدرت إليه الحور العين يتلَّقطن في أطباق الدرّ و الياقوت. فهم يتهادونه بينهم إلى يوم القيامة. و رواه محبّ الدين في «الذخائر» ص32. و في «الرياض» 2 ص184. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص223.
(15) دار فاطم علیها السلام
(بحر الطويل)
الشيخ سلمان البلادي البحراني
هُوَ الدَّهْرُ بِالْأَعْمَالِ تَسْرِي رَكائِبُهُ *** كما كانَ بِالرِّجالِ تَسْعَى نَوائِبُةْ
تولَّعَ بِالسّاداتِ في كُلِّ كُرْبَةٍ *** فَما سَيِّدٌ إِلا رَمَتْهُ صَوائِبُهْ(1)
فَيا لَكَ دَهْراً لا يُنيمُ وَ لَمْ يَنَمْ *** تَنِمُّ عَلى الأَعْمارِ دَاباً رقائِبُةْ(2)
فَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْهُ حُصُونُ مَنِيعَةٌ *** وَ لامَلِكٌ قَدْ حَصَّنَتْهُ مَقَانِبُهْ(3)
وَ حَسْبُكَ مَوْتُ المُصْطَفَى خَيْرِ سَيْدٍ *** وَ مَنْ عَمَّتِ الْأَكْوانَ طُرّاً مَواهِبُهْ
قضى فَقضى مِنْ بَعْدِهِ الحَقُّ وَ اخْتَفَتْ *** بِأَسْتَارِ لَيْلِ الجَوْرِ مِنْهُ كَواكِبُهْ(4)
ص: 74
1- صوائبه: من الصواب و هو ضد الخطأ.
2- لايُنيم: لا يدع أحداً ينام.
3- مقانبه: جماعة من الخيل تجتمع للغارة، و المراد جيوشه.
4- لعله إشارة إلى ما روي في إطماس الحق و إظهار الفتن و الأباطيل و التعدّي على أهل البيت علیهم السلام بعد موت الرسول الكريم صلي الله علیه و آله و سلم و من جملة ما عن كامل الزيارات ص332 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم قيل له: إن الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أسلم لأمرك يا رب، و لاقوة لي على الصبر إلاَّ بك، فما هنّ؟ إلى أن قال «تعالى»: و أما الثالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل: أما أخوك علي فيلقى من أُمَّتك الشتم و التضعيف و التوبيخ و الحرمان و الجهد و الظلم و آخر ذلك القتل، فقال: يا ربّ سلّمت، و قبلت و منك التوفيق و الصبر. و أما ابنتك فتظلم، و تُحرم، و يُؤخذ حقِّها غصباً الذي تجعله لها، و تُضرب و هي حامل، و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان و ذل ثم لا تجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب، و تموت من ذلك ،الضرب، قلت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قبلت يا رب و سلّمت و منك التوفيق. الحديث طويل أخذنا منه موضع الشاهد.
وَ جَلَّلَ ثَوْبُ الدِّينِ ثَوْبَ كُسُوفِها *** كَما خَسِفَتْ بَدْرَ الْوُجودِ غَيَاهِبُهْ
وَ أَذْرَتْ عُيُونُ الكائناتِ دَمُوعَها *** كَما وَ كَفَتْ مِنْهُ عَلَيْها سَحَائِبُهْ(1)
لَقَدْ أَظْهَرَتْ فِيهِ السَّقِيفةُ مُضْمَراً *** لإطفاء نُورِ اللَّهِ كَانَتْ مَنَاصِبُهْ(2)
كَما أَضْمَرتُ نيرانها مُسْتَطِيرَةً *** فَذا حَرُّها لِلدِّينِ عَمَّتْ لَوَاهِبُهْ
يِها صَمَّمُوا أَنْ يُحْرِقُوا دار فاطِمٍ *** وَ مِنْ نُورِهِ قَدْ نَوَّرَ الكَوْنَ ثاقِبُهْ(3)
ص: 75
1- أُذُرَتْ: أطارت و فرقت وَ كَفَتْ: سالت قليلاً قليلاً.
2- إشارة إلى ما تعاقدوا عليه في سقيفة بني ساعدة، كما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة، قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم، و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما فرغ من ذلك و صلى على النبي صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبابكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام، و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر، و معه عمر وأبوعبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتّى قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايعته الأنصار و الناس فقام عثمان و عبد الرحمن بن عوف و من معهما فبايعوا و انصرف علي و بنو هاشم إلى منزل علي و معهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين و سلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العفور فاكفونا شرّه، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره و أحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم و مضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا : بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس و ايم اللَّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب علیه السلام فقالوا له: بايع أبابكر. فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و تأخذونه منّا أهل البيت علیهم السلام غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سره و علمه، و أنا الصدّيق الأكبر و الفاروق الأعظم، أول من آمن به وصدَّق و أحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، و أعرفكم بالكتاب و السنة، و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور. الحديث.
3- إشارة إلى القوم الذين أحرقوا بيت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم في كتاب سليم بن قيس ص31 في حديث طويل عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، لما كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة علىها السلام علي حمار و أخذ بيده ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم اللَّه حقَّه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إيّاه لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلاَّ و قد بايع، غيره و غير هؤلاء الأربعة و كان أبوبكر أرقّ الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظّهما و أغلظهما، و أجفاهما، فقال له أبوبكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله إليه، و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن على علي علیه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم، و إلاّ فادخلوا عليه بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة علیها السلام: أحرّج عليكم أن تدخلوا عليّ بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ «الملعون»، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت:كذا و كذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام ثم نادى عمر، حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و إلاّ أضرمت عليك بيتك النّار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب، و إلا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتّقي الله تدخل عليّ بيتي صلي الله علیه و آله و سلم؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت یا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم. فرفع السوط فضرب به ذراعها.
بهَا البِضْعَةُ الزَّهْرَاءُ أَلْقَتْ جَنِينَها *** بِضَغْطِ رَقَتْ أَوْجَ السَّمَاءِ نَوادِبُهْ(1)
فَيا لكِ ناراً طبق الكَونَ نَشْرُها *** فَدَبَّتْ عَلَى آلِ النَّبِيِّ عَقَارِبُهْ
ص: 76
1- إشارة إلى إسقاط جنين الزهراء علیها السلام بعد أن ضربوها، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود، و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
بِهَا الحَيْدَرُ الكَرَّارُ قِيدَ مُلَبَّباً *** وَ شَنَّتْ عَلَيْهِ فِي الحَياةِ حَرائِبُهْ
وَ عَمَّمَ مِنْهُ الرَّأْسَ سَيْفُ ابنِ مُلْجَمٍ *** فَغُودِرَ في المِحْرابِ وَ الدَّمُ حَاضِبُةْ(1)
بِهَا الحَسَنُ الزّاكِي تَقَطَّعَ قَلْبُهُ *** بسم فَمِنْهُ الدِّينُ قُطِّعَ جانِبُةْ(2)
كَما جَدَّهُ المختارُ قَطعَ قَلْبُهُ *** بِسُمٌ فَمِنْهُ الدِّينُ هُدَّتْ شَناخِبُةْ
وَ مِنْهَا طَمَتْ في كَرْبَلا لُجَّةُ البَلا *** عَلَى فُلْكِ نُوحٍ وَ امْتَطَى الْكَرْبَ رَاكِبُهْ(3)
ص: 77
1- إشارة إلى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام بسيف عبد الرحمن بن ملجم المرادي. ففي كنز العمال ج6 ص412 قال: عرضت على علي علیه السلام الخيل فمرَّ عليه ابن ملجم فسأله عن اسمه (نسبه) فانتمى إلى غير أبيه فقال له: كذبت حتى انتسب إلى أبيه فقال: صدقت أما إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حدثني أن قاتلي شبه اليهود و هو يهودي فأمضه و راجع ابن حجر في صواعقه المحرقة ص80 قال: فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها أكثر الخروج -يعني عليّاً علیه السلام- و النظر إلى السماء و جعل يقول: واللَّه ما كَذبْتُ و لاكُذَّبْتُ و إنها الليلة التي وعدت، فلما خرج وقت السحر ضربه ابن ملجم الضربة الموعود بها (الخ).
2- إشارة إلى يوم السقيفة التي بها انقلب الناس على أعقابهم و تجرؤوا على أهل البيت علیهم السلام و مهدت لقتلهم علیهم السلام يشير الشاعر إلى استشهاد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام و أن قتله كان من نتائج السقيفة ففي حلية الأولياء لأبي نعيم ج1 ص38 روی بسنده عن عمير بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده فقال: يا فلان سلني قال: لاوالله لانسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك قال: ثم دخل ثم خرج إلينا فقال: سلني قبل أن لاتسألني فقال: بل يعافيك الله ثم أسألك، قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي و إني سقيت السم مراراً فلم أسق مثل هذه المرة ثم دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين علیهم السلام عند رأسه. الحديث طويل. و روى صاحب مستدرك الصحيحين ج3 ص176 روی بسنده عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سمت ابنة الأشعث بن قيس الحسن بن علي علیه السلام و كانت تحته و رُشيت على ذلك مالاً.
3- إشارة إلى واقعة كربلاء و استشهاد الإمام الحسين علیه السلام و أصحابه و أهل بيته علیهم السلام. و أن هذه الواقعة أيضاً من نتائج السقيفة. ففي تهذيب التهذيب ج2 ص347 قال: و قال عمار الدهني: مرَّ علي علیه السلام على كعب فقال: يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لايجف عرق خيولهم حتى يردوا على محمد صلي الله علیهی و آله و سلم، فمرّ حسن عیله السلام فقالوا هذا قال: لا، فمرّ حسین علیه السلام فقالوا: هذا قال: نعم. (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص193 باختلاف يسير في بعض الألفاظ و قال: رواه الطبراني و الروايات مستفيضة في ذلك.
فَمِنْ صَعْدَةِ الباغِينَ مِنْبَرَ أَحْمَدٍ *** عَلى صَعْدَةٍ رَأْس ابْنِهِ الْبَغْيُ ناصِبُةْ
وَ أَصْعَدَ شِمْراً فَوْقَ صَدْرِ ابن أحمدٍ *** وَ يَا طالما صَدْرُ النَّبِيِّ يُلاعِبةْ(1)
وَ سَيْفٌ لَهُ تِلْكَ السَّقِيفَةُ جُرِّدَتْ *** لَقَدْ جَرَّدَتْ رَأسَ الحُسَيْنِ ضَرائِبُهْ(2)
وَ جَزل ادَارُوهُ عَلَى دَارِ حَيْدَرٍ *** بهِ أُخرقَتْ في كَرْبَلاءَ مُضَارِبُهْ(3)
وَقَوْدُ الوَصِيِّ المُرْتَضَى بِنِجادِهِ *** يُقادُ بِهِ سَجَّادُهُ وَ نَجَائِبُهْ(4)
وَ جَيْشٌ عَلَى الكَرَارِ حُمَّتْ سُيُولُهُ *** لِقَتْلِ ابْنِهِ فِي الطَّفِّ جُرَّتْ كَتائِبُهْ
ص: 78
1- في الاستيعاب لابن عبد البر ج1 ص144 قال: سمعت أبا هريرة يقول: أبصرت عيناي هاتان و سمعت أذناي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بكفي حسين و قدماه على قدمي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وهو يقول: ترق ترق عين بقة، فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: افتح فاك ثم قال: اللهم أحبه فإني أحبه.
2- إشارة إلى تجرّؤ القوم الذين قتلوا الإمام الحسين علیه السلام و حزّوا رأسه بتجرؤ القوم الذين انقلبوا بعد موت النبي صلي الله علیه و آله و سلم على أعقابهم تحت سقيفة بني ساعدة، و تجاوزهم على بيت على و فاطمة علیهما السلام. من مستدرك الصحيحين ج3 ص176 في حديث طويل عن أم الفضل بنت الحارث قالت: فوضعته في حجره (و تعني الحسين علیه السلام) ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تهريقان من الدموع. قالت: فقلت: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم -بأبي أنت وأمي- ما لك؟ قال: أتاني جبريل علیه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا؟ فقال: نعم، و أتاني بتربة من تربته حمراء، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (أقول) و رواه أيضاً ص179 مختصراً.
3- إشارة إلى حرق القوم لبيت علي علیه السلام مما أدّى إلى تجرّؤ القوم في كربلاء لحرق خيام بنات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففي الكامل/ لابن الأثير/ ج4 ص32: لما قتل أبوعبدالله الحسين علیه السلام المال الناس على ثقله و متاعه و انتهبوا ما في الخيام و أضرموا النار فيها و تسابق على سلب حرائر الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففررن بنات الزهراء علیها السلام حواسر مسلبات باكيات. و الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- إشارة إلى ما روي من أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام قادوه بنجاده من بيته لكي يبايع و قد مهَّد ذلك إلى تجرّؤ القوم في كربلاء لسحب حفيده الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام مكبّلاً بالحديد، فقد روي في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرّم ص316 ناقلاً خطبة الإمام علي ابن الحسين السجاد علیه السلام، وجيء بعلي بن الحسين علیه السلام على بعير طالع والجامعة في عنقه ويداه مغلولتان إلى عنقه و أوداجه تشخب دماً فكان يقول (الخ).
و إسقاط بِنْتِ المُصْطَفَى الظَّهْرِ مُحْسِناً *** بِهِ لِحُسَيْنِ أَسْقَطَ الطِّفْلَ ناشِبُهْ(1)
وَخُطْبَتُها في مَجْلِسٍ عِنْدَ حَبْتَرٍ *** بِهِ زَيْنَبٌ لاقَتْ يَزِيدَ تُخاطِبُهْ(2)
وَ مِنْ مَشْبِها تَرْجُو لِتَخْلِيص حَيْدَرٍ *** مَشَتْ زَيْنَبٌ نَحْوَ العَلِيل نَجانِبهْ(3)
ص: 79
1- إشارة إلى تجرؤ القوم الذين أسقطوا جنين الزهراء علیها السلام و قد مهد إلى تجرؤ من بعدهم لقتل رضيع الحسين علیه السلام في كربلاء. فقد روي: في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرّم ص272 و دعا بولده (أي الحسين علیه السلام ) الرضيع يودّعه، فأتته زينب علیه السلام بابنه عبد الله علیه السلام و أمه الرباب فأجلسه في حجره يقبله و يقول: بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم خصمهم ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة ابن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين علیه السلام الدم بكفه و رمى به نحو السماء. و في تاريخ اليعقوبي/ ط النجف/ ج2 ص218: إن الحسين علیه السلام الواقف إذ أتي بمولود له ولد الساعة أذّن في أذنه و جعل يحنكه إذ أتاه سهم وقع في حلق الصبي فذبحه فنزع الحسين علیه السلام السهم من حلقه و جعل يلطخه بدمه و يقول: واللَّه لأنت أكرم على الله من الناقة و لمحمد صلي الله علیه و آله و سلم أكرم على اللَّه من صالح ثم أتى فوضعه مع ولده و بني أخیه.
2- إشارة إلى غصب الخلافة و حق الزهراء علیها السلام في فدك و في إرثها مما دعا الزهراء علیها السلام لأن تخطب أمام الخليفة الأول و الثاني و جمع من الناس بمطالبة حقها و نشر ظلامتها و قد تكرر هذا الموقف لزينب بنتها علیه السلام لأن تخطب أمام يزيد بن معاوية بعد مقتل أخيها الحسين علیه السلام و سبيها إلى يزيد و وقوفها في مجلسه و خطبتها لنشر ظلامة الحسين علیه السلام، و قد روي في الاحتجاج/ ج1 ص131، أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام لافدكاً و بلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمة حفدتها و نساء قومها، و تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنت أنّة، أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم، و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها. و في المصدر نفسه روي في ص969، أنه لما دخل علي بن الحسين علیه السلام و حرمه على يزيد (لعنة الله) جيء برأس الحسين علیه السلام، و وضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده -إلى أن تقول الرواية- فقامت إليه زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السللام و أمّها فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قالت: الحمد للَّه رب العالمين و صلى الله على جدّي سيد المرسلين، صدق الله سبحانه كذلك يقول، (الخ) الحديث و هو طويل أخذنا موضع الحاجة.
3- في تفسير العياشي ج2 في تفسير آية (65) من سورة الأنفال في حديث طويل فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي -والله- لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقّن جيبي، و لآتين قبر أبي، و لأصيحنّ إلى ربّي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقال علي لسلمان: أدرك ابنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفآن واللَّه إن نشرت شعرها و شقَت جيبها، و أتت قبر أبيها و صاحت إلى ربّها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها (و بمن فيها)، فأدرك سلمان (رضي الله عنه) فقال: يا بنت محمد علیها السلام، إن اللَّه إنما بعث أباك رحمة، فارجعي. فقالت: يا سلمان، يريدون قتل علي علیه السلام، ما على علي صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأنشر شعري و أشق جيبي، و أصيح إلى ربي، فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة، و علي علیه السلام بعثني إليك، و يأمرك أن ترجعي إلى بيتكِ، و تنصرفي، فقالت : إذاً أرجع، و أصبر، و أسمع له، و أطيع. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و ربط الشاعر بين الحادثين للزهراء علیه السلام و زينب علیها السلام في هذا البيت فموقف زينب علیها السلام السجاد علیه السلام حيث أنه كان عليلاً علیه السلام في واقعة الطف و كيف وقفت تحميه. فقد روي في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرم ص325 في حديث طويل و التفت إلى علي بن الحسين علیه السلام (أي عبيد الله بن زياد) و قال له: ما اسمك قال: أنا علي بن الحسين علیه السلام فقال له أو لم يقتل الله علياً علیه السلام؟ فقال السجاد علیه السلام: كان لي أخ أكبر مني يسمى علياً علیه السلام قتله الناس فرد عليه ابن زياد بأن الله قتله. قال السجاد علیه السلام: اللَّه يتوفى الأنفس حين موتها و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله. فكبر على ابن زياد أن يرد عليه فأمر أن تضرب عنقه. لكنّ عمته العقيلة اعتنقته و قالت: حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت و هل أبقيت أحداً غير هذا؟ فإن أردت قتله فاقتلني معه. و قد ذكر الحدث ابن جرير الطبري في المنتخب من الذيل ص89 ملحق بالتاريخ ج12 و أبو الفرج في المقاتل ص49 ط إيران و الدميري في حياة الحيوان بمادة بغل و المنتخب للطريحي ص238 المطبعة الحيدرية، و نسب قريش لمصعب الزبيري ص58. و انظر أيضاً الطبري ج6 ص263.
وَ لَمْ أنسَ مُهُمَا أَنْسَ فَاطِمَ إذْ دَعَتْ *** أَبَاهَا بِدَمْعِ أَفْرَحَ الطَّرْفَ ساكِبُهْ
لقَدْ كُنْتَ يا خَيْرَ الخلائقِ مَعْقِلاً *** تَحُلُّ عِقال النائباتِ جَوانِيةْ
بِنُورِكَ كَانَتْ تَسْتَضِيءُ أُولُو الحِجا *** فَبَعْدَكَ نُورُ الحَقِّ أَظْلَمَ لاحِبُهْ
وَ قَدْ أُثْكِلَتْ أُمُّ المَعَالِي وَ أَيَّمَتْ *** وَ خابَتْ بَنُو الآمال مما تُطالِبُةْ
تَهَضَّمَنَا القَوْمُ اللئَّامُ ببُغْضِهِمْ *** وَ أَدْرَكَ مِنا الوتْرَ مَنْ هُوَ طالِبُهْ
فَها نَحْنُ لَمَّا غِبْتَ عَنَا بِذِلَّةٍ *** يُجاذِبُنا صَرْفُ الْبَلا وَ نُجَاذِبُهْ
يَحِنُّ حَنِينَ الْهيمِ مَسْجِدُكَ الَّذِي *** بِنُورِ مُحَيَّاكَ اسْتَنَارَتْ مَحارِبُةْ
ص: 80
و مَخْطَبُكَ السّامِي أقامَ خُطُوبَهُ *** غَداةَ خَلا مِنْ أَوْجَ مَرْقَاهُ خَاطِبُهْ
وَ نادِيكَ مُذْ غَاضَ النَّدَى عَنْهُ صَوَّحَتْ *** رُباهُ كَأَنْ لَمْ يَغْنَ بِالأَمْسِ جَانِبُهْ
لَقَدْ تُرْبَتْ كَفُّ العَفَّاف وَ لَمْ تَنَلْ *** بِلالُ نَدى الاسراباً يُناوِبُهْ
أَتُحْيِي رُفاةٌ وَ الْحَيَاةُ تَفَشَّعَتْ *** بِعاصِفَةِ الْأَرْجَاءِ عَنْهُ سَحَائِبُهْ
فَوا ضَيْعَةَ الإسلام بَعْدَ كَفِيلِها *** وَ خَيْبَةَ مَنْ أَخْنَتْ عَلَيْهِ مَآرِبُهْ
وَ مِنْ أيْنَ تَعْلُو لِلْمَحامِدِ رايَةٌ *** وَ أَحَمَدُها في التُّرْبِ رُضَّتْ تَرائِبُهْ؟
وَ انّى بَنُو الحاجاتِ تَجْرِي سَفِينُها *** وَ زَاخِرُ مَجْراها بِفَقْدِكَ نَاضِبُهْ؟
أبِي فَتَحَتْ عَيْنُ الصَّلالِ لِظُلْمِنا *** بإغماض طَرْفٍ مِنْكَ فِينَا تُراقِبُهْ
فَذَا صِنْوُكَ الكَرَّارُ أَصْبَحَ صاغراً *** وَ نَازَعَهُ حَقَّ الخِلافَةِ غَاصِبُهْ
وَ سِبْطاكَ ما رَاعَوْا حُفُوقَكَ فِيهِما *** كَأَنَّكَ في أَجْرِ الْمَوَدَّةِ كاذِبهْ(1)
فَها مَدْمَعِي يَنْهَلُ كَالسُّحْبِ وابِلُه *** وَ عُمْرِيَ مِنْهُ زادُهُ وَ مَشارِبُهْ
وَ هَوَّنَ خَطبي أنَّ عُمْرِي مُنْقَضٍ *** وَ أَنَّ بُعَيْدَ الْمُلْتَقَى مُتَقارِبُهْ
وَ كَيْفَ بَقَاءُ الجِسْمِ مِنْ غَيْرِ رُوحِهِ *** وَ فِي القَلْبِ ما يُذْكِي لَظَى الْوَجْدِ لاهِبُهْ(2)
فَهذا هُوَ الرُّزْهُ العَظِيمُ الَّذِي بِهِ *** عَظِيمُ الْبَلَا يُنْسَى وَ تُسْلَى مَصَائِبُهْ
أيا سيِّد الرُّسُلِ الشَّفِيعَ لِمَنْ عَصَى *** أَغِثْ آبِقاً قَدْ أَوْبَقَتْهُ مَعَايِبُهْ
إذا خَفِّ مِيزاني بما كَسَبَتْ يَدِي *** فَتَقُلْهُ كَيْ لَا تَسْتَخِفَّ مَكاسِبُهْ
ص: 81
1- يصور لنا الشاعر عدم احترام القوم للسبطين الحسن و الحسين علیهما السلام بعد موت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و كأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يبلغ بآية الموّدة في قرباه. فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي (رضي الله عنه) ص43 في حديث طويل يشير إلى بعض ذلك حيث يقول: فقام عمر فقال لأبي بكر -و هو جالس فوق المنبر-: ما يجلسك فوق المنبر و هذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ (و يقصد الإمام علي علیه السلام ) أو تأمر به فتضرب عنقه!! و الحسن و الحسين علیهما السلام قائمان فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما علیهما السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- يذكي: يشعل، يؤجج.
فَحُبُّكَ يا مَوْلايَ أَحْمَدُ صالحٌ *** سَما فَسَمَا فَلْتَعْلُ مِنْهُ مَراتِبُهْ
عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ السَّلامُ سَلامُهُ *** تَروُحُ وَ تَعْدُو كُلَّ آنٍ رَكاتِبُهْ(1)
ص: 82
1- رياض المدح و الرثاء ص125 الشيخ حسن علي البحراني -مؤسسة البلاغ- بيروت- الطبعة الأولى.
(16) ريحانة المصطفى علیها السلام
(بحر البسيط)
الشيخ صادق جعفر الهلالي
حَيّ البَتُولَةَ وَ ابْلُغْ بالسَّنا رُتَبا *** شِعْراً تُطَرِّزُ في قِرْطاسِهِ العَجَبا
كالشمس أشْرَقَ مِنْ إشْعَاعِها أَلقاً *** عَمَّ الوُجُودَ أَضَاءَ العَالَمَ الرَّحِبَا
هِيَ ابْنَةُ المُصْطَفَى وَ البَعْلُ حَيْدَرَةٌ *** ذكراً بها مَوْلِدُ الزهراءِ قَدْ كُتِبا
تاهَ الفَرِيضُ بِمَعْناها وَ مَا بَرُدَتْ *** قَوافي الشعرِ تَسْمُو عِزّةً وإبَا
يا بَهْجَةَ القَلْبِ لِلْهَادِي البَشِيرِ وَمَا *** رَیْحانَةٌ بِشَذّاها لُطْفُهُ انْسَكبا(1)
ص: 83
1- إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص4 نقلاً عن أمالي الصدوق و عيون أخبار الرضا عن الرضا علیه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل علیه السلام فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیه السلام فحملت فاطمة علیها السلام ففاطمة علیها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام. و في ص5 نقلاً عن علل الشرائع عن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنك تلثم فاطمة علیها السلام و تلزمها و تدنيها منك و تفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك علیها السلام؟ فقال: إن جبرئيل علیه السلام أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحوّلت ماءً في صلبي ثم واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام فأنا أشم منها رائحة الجنة. و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص36 قال عن ابن عباس «رضي عنهما» قال: كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم لا يكثر القبل لفاطمة علیها السلام فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة فقال صلى الله عليه و آله و سلم إن جبريل علیه السلام ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماءً في صلبي فحملت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة علیها السلام فأصبت من رائحتها جمیع تلك الثمار التي أكلتها. و في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 قال: عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام.
أُمِّ تَوَرَّدَ منها بالهُدى حَسَنٌ *** وَذَا الحُسَيْنُ إباءً يَزْدَهِي رُتَبا(1)
أُمُّ الأئمّةِ زَهْراءٌ وَقَدْ عَظُمَتْ *** عِنْدَ الإلهِ عُلُوّاً زاحَمَ الشُّهُبا(2)
بُورِكَتِ زَيْنَبُ أمَّ أَنْتِ صُورَتُها *** صَبْراً يُفَجُرُ مِنْ بُرُكَانِهِ لَهَبا
قَوافِي الشَّعْرِ في ذِكْرَاكِ أَبْعَثُهَا *** نَهْجاً به أرتجي الإشفاع و الحَدَبا(3)
ذَابَ الفُؤَادُ وَلاءً في مَوَدَّتِكُمْ *** فَهْوَ الغِذاءُ لينجي كلَّ مكتَسِبا
فَأَنْتُمُ سُفَنُ البارِي وَ جَنَّتُهُ *** يحبِّكُمْ نَبْلُغُ الآمال و الإرَبا(4)
ص: 84
1- يزدهي: يفتخر.
2- يشير الشاعر إلى منزلة الزهراءعلیها السلام عند اللَّه «تعالى» كما في كنز العمال ج12 ص110. قال: عن أبي يزيد المدني إن أول شخص يدخل الجنة فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم و مثلها في هذه الأمة مثل مريم علیها السلام في بني إسرائيل. و في كتاب ذخائر العقبى ص48 قال: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «تحشر ابنتي علیها السلام القيامة و عليها حلة الكرمة قد عجنت بماء الحيوان فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها ثم تكسى حلة من حلل الجنة على ألف حلة مكتوب بخط أخضر أدخلوا ابنة محمد الله صلى الله عليه و آله و سلم الجنة على أحسن صورة و أكمل هيبة و أتم كرامة و أوفر حظ فتزف إلى الجنة كالعروس حولها سبعون ألف جارية». و في كنز العمال ج12 ص105 قال: عن أبي أيوب إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط، فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق. و ذكره محب الدين الطبري في ذخائره ص48. و ذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه ص190. و في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص161 قال: عن علي علیه السلام قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم حتى تمر فتمر و عليها ريطتان خضراوان». و ذكره محب الدين الطبري في ص48 و ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص523. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص215.
3- الحدب: العطف.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون أهل البيت كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك. ففي كنز العمال ج12 ص94 ح34144 قال: عن أبي ذر ، إن مثل أهل بيتي علیهم السلام فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك. و في كتاب ذخائر العقبي ص20 قال: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: مثل أهل بيتي علیهم السلام كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تعلق بها فاز و من تخلف عنها غرق. و ذكره الحاكم النيسابوري في مستدركه ص343.
فَبِاسْمِكِ اليَوْمَ قَدْ غَنّى القصيدُ شَداً *** بِهِ تَزاحَمَتِ الأَفْكَارُ ما وَجَبَا
يا أَمْ زَيْنَبَ يا لُطفا بهِ احْتَفَلَتْ *** دُنْيا الوُجودِ وَ لاصادِقاً عَذِبا
تَعَطَّرَ القَلَمُ المُهْرَاقُ في شَعَفٍ *** يَشْدُو علاكِ بذاك المَنْهَلِ الخَصِبَا
فَأَنْتِ سَيِّدَةٌ في العالَمِينَ عَلَى *** كُلِّ النِّساءِ تَهَاوَتْ دُونَكِ الرُّتَبا(1)
حُيِّيتِ يَابْنَةَ خَيْرِ الخَلْقِ قاطِبَةً *** شَمْساً لِتَكْشِفَ عَنْ آفَاقِنا الحُجُبا
***
يَسْتَأْذِنُ الدار إجلالاً و تَعْظِمَةً *** في ظِلّهِ تَسْكُنُ الزهراء و النُّجُبا(2)
ص: 85
1- ففي مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص156 قال: عن عائشة أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال قال في مرضه الذي توفي فيه: «يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين علیها السلام و سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين»؟ و ذكره الهندي في كنز العمال ج12 ص110. و في ذخائر العقبي ص43 قال: عن عمران بن حصين أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم عاد فاطمة علیها السلام و هي مريضة فقال لها: كيف تجدينك يا بنية قالت إني وجعة و إني ليزيدني أني ما لي طعام آكله، فقال: «يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين» فقالت: يا أبت صلي الله علیه و آله و سلم فأين مريم بنت عمران علیها السلام قال: تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء عالمك». و ذكره ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص522. و ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء ج2 ص40. و ذكره أحمد في ج6 ص282.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى استئذان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عند دخوله إلى دار فاطمة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص62 نقلاً عن الكافي قال: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يريد فاطمة علیها السلام و أنا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال: السلام عليكم فقالت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل أنا و من معي؟ قالت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليس عليٍّ قناع فقال: يا فاطمة علیها السلام خذي فضل ملحفتك فقنعي بها رأسك ففعلت ثم قال: السلام عليكم فقالت: و عليك السلام يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل؟ قالت: نعم ادخل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا و من معي قالت: أنت و من رسول صلي الله علیه و آله و سلم معك قال جابر: فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و دخلت أنا... الخ الحديث.
بها اسْتَضَاءَتْ رُبُوعُ الأَرْضِ وَانْتَشَرَتْ *** دنيا الوُجُودِ بِنُورِ المُصْطَفَى كُتُبا
يا بِنْتَ مُخْلِصَةِ الإِيمَانِ مَنْ بَدَلَتْ *** مِلْءَ اليَدَيْنِ لِنَصْرِ الحَقِّ ما وَجَبا
خَدِيجَةُ الظُّهْرُ زَوْجُ المُصْطَفَى حَفِلَتْ *** بالمَكْرُمَاتِ فَكَانَتْ مَوْقِفاً رَحِبا
بالمال واسَتْ وبالإيمانِ أوّلُ مَنْ *** قَدْبايَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ ما طُلِبا
وَ بِالبَنِينَ زَهَتْ بِالطُّهْرِ فَاطِمَةٌ *** نُورٌ يَشِعُّ على الأقمارِ ما غَرُبا
مُبارَكٌ لِرَسُولِ اللَّهِ مَولِدُها *** لُطْفٌ يَعُمُّ شَدَاهُ العُجمَ و العَرَبا
يَرْضَى الإِلهُ بما تَرْضاهُ فَاطِمَةٌ *** وَ مَا لَهَا غَضِبَتْ فاللَّهُ قَدْ غَضِبا(1)
قد خَصَّها اللَّهُ في فَضْلٍ و فِي كَرَمٍ *** فَأَشْرَقَتْ لتُسامي بِالهُدَى نَسَبا
و بارِكِ اليَوْمَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ بها *** وَ انْشُرْ فَرِيضَكَ و ابْلُغْ مُنتَهَى الطَّربا
ص: 86
1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما جاء في الحديث إن الله يرضى لرضى فاطمة علیها السلام و يغضب لغضبها عليها السلام. ففي كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص154 ح4730 قال: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لفاطمة علیها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 . و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378. و ذكره أيضاً في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ذكره المتقي الهندي في كتابه كنز العمال ج12 ص111 ح34238. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبی ص39. و ذكره الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة ج1 ص203.
(17) بنت السماء
(بحر الوافر)
الأستاذ عباس مرتضى عياد العاملي (*)(1)
هَبِيني مُقْلَةً تَحْكِي السَّحابا *** لَعَلَّكِ تَغْسِلينَ بِها العِتابا
وَ صُوغِيني عَلى شَفَةِ اللَّيَالِي *** نَشِيداً لِلْأَسى يَشْكُو اغْتِرابا
وَ ضُمِّي جائِحَ الْأَمْلاكِ عَطْفاً *** فَها هَبَطَتْ تُشارِكُكَ الْمُصْابا
تَمُدِّينَ الضُّحى حِيناً بَهاءً *** وَ حِيناً مِنْ رَدّى مُدَّ اكْتِئابا
تَوَسَّدَتِ الدُّنا كَيْفَ الرَّزايا *** وَ ماجَتْ وَ هُيَ تَخْتَلِجُ اضْطِرابا(2)
تَهُزُّ إِليكِ عِطْفَ الشَّمْسِ خَجْلَى *** وَ يُوسِعُ دَمْعُها الجُلَّى انْسكابا
نَعَمْ... كرمى انكسَارِ الضّلْعِ تا هَتْ *** بِأُفْقِ الرُّوحِ تَسْتَهْوِي الغِيابا
وَ شَعَّتْ في ربيع الْخُلْدِ لمَّا *** رسولُ اللَّهِ اوْلاكِ اقْترابا
جَفانِي الْحَرْفُ يَا أُمَّ الْمَعاني *** و مَرأَى الضَّيْمِ يُضْنِينِي عَذَابا
وَ يُذْهِلُنِي زَئيرُ الصَّمْتِ حَتَّى *** تَمَلكَ خَافِقي بِالرُّعْبِ غابا
لِرُؤيا تَسْتَطِيلُ عَلى خَيالي *** فَتَفْجَعُنِي وَ تَسْلُبُني الصَّوابا
فَمَزَّقَتِ العُرُوقُ غَوى سُكُوتِي *** وَ صَاغَتْ لِي الْحُروفَ دماً مُذابا
و فَجرتِ القصِيدَ قصيدَ روحي *** تَمُدُّ النفسَ و الفكرَ انْجِذابا
أرى فَدَكاً من التنزيلِ يَشْكُو *** إلَى الرحمنِ جَذباً وَ اغْتِصابا
وَ تِلْكَ خِلافَةٌ أَمْسَتْ تُعَانِي *** تَكالُب عُصْبَةٍ ناباً فَنَابا
ص: 87
1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ماجت: اضطربت.
أرى ناراً تُشَب بِدارِ وَحْيٍ *** لَهَا التاريخُ شَأن الطفلٍ شابا(1)
أرى ألماً لَدَى مِسْمارِحِقْدٍ *** بِصَدْرِ المصطفى يُوهِي اللُّبابا(2)
فَنَفَّضْتُ الجفونَ لَعَلَّ حِلْماً *** بخاطِرَتِي تَلَهَّى أَوْ سَرابا
ذَوَى أَمَلَي... نَعَمْ ذِي بِنْتُ طه *** وَرَاءَ البابِ يَسْتُرُها حِجَابا(3)
فَأَبْصَرتُ الزَّمانَ يَكُونُ غَيّاً *** عَلَى عَقِبَيْهِ يَنْقَلِبُ انْقِلابا
وَ ضَمَّتْنِي الرِّسَالَةُ مُذْ رَأَتْنِي *** يَلُفُّ جَناحِيَ الشَّكُّ ارْتِيابا
قشمتُ -وَ قَدْ تَبرَّجَتِ الأماني- *** مَعَ المَهْدِيِّ ثَاراً مُسْتَطابا
أيا أُمَّ الحُسَيْنِ وَ رُبَّ جُرْحٍ *** تَضَوَّعَ في الدُّجى عِطْراً مُذابا(4)
تُدَغْدِغُ بينَ أَنْغَامِ السَّواقِي *** فَأَسْكَرَ لَحْنُهُ الشُّمَّ الْهِضابا
تَساءَلَ سِنْدِيانُ اللَّيْلِ عنه *** و زَيْتُونُ الضُّحى زَفَّ الْجَوابا
تطلَّعَتِ التِّلالُ إلى عُلاهُ *** فَأَقْطرها دُعاءُ مُستَجابا
و نادَتْهُ الرَّوابِي و هي ظَمْآى *** فَأتْرعَ تُرْبَهَا الزَّاكِي شَرابا
أجابَ غياثُ وقتٍ مُسْتَحِيلٍ *** وَ قَدْ مَلَّتْ عُروبَتُهُ الدِّئابا
أتاهُ مِنْ عَلِيَّ... مِنْ حُسَيْنٍ *** لِيَكْسُو جَبْهَةَ الْعَلْيا إهابا
يُعَامِلُ حَيْثُمَا نَسَجَتْ وِصالِي *** وَ حَيْثُ تَرَى رِجالاتٍ غِضابا
ص: 88
1- انظر ما ورد في أعلام النساء ج4 ص114 و في العقد الفريد ج4 ص259 و في تاريخ الأمم و الملوك للطبري ج3 ص202 و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19.
2- و قد أشير إلى هذا المعنى في كتاب (مؤتمر علماء بغداد، لشبل الدولة مقاتل بن عطية) ص135 (و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه، عصر عمر فاطمة علیها السلام و الباب عصرة شديدة، حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها، و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... الخ). كما ورد في صحيح البخاري ج5 ص21 و 29: أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني صلى الله عليه و آله و سلم فمن أغضبها فقد أغضبني. و نقل البخاري أيضاً عن أبي الوليد: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني من آذاها فقد آذاني. يوهي: يضعف.
3- ذوي: ذبل.
4- تضوّع: انتشرت رائحته.
أيا بطل الجَنوبِ... أيا خُلودِي *** وَ يا قَمَرَ الْفِدى يَزْهُو مُهابا
عَلَى زَنْدَيْكَ مَلْحَمَةُ الْمَعَالِي *** فَضُمَّ الشَّمْسَ وَ اقْتَحَمِ الضَّبابا
وَ لُمَّ رُفاةَ يَعْرُبَ مِنْ خُنُوعٍ *** وَ أَمْطِرْ ساحَةَ الْمَجْدِ اَحْتِرابا(1)
فَطَوْعُ خُطاكَ تُزْرَعُ شاهِقَاتٌ *** وَ يُنْبِتُ دَرْبُكَ النَّصْرَ الغِلابا
أَمِيرَةَ عِفَّةِ الرَّحمنِ يا مَنْ *** بِبُرْدَيْهَا الْعَفَافُ زَهَا وَطَابا
و يا بِنْتَ السَّماءِ سَماءِطة *** أبِيدي في مَثُوبَتِكِ الْعِقابا
أنا مَنْ؟... مَنْ أنا؟ أنا تُرْبُ نَعْلٍ *** يُذَوِّبُ عندَ كَعْبَيْكِ الصَّعابا
(كَأَنَّ الْأُفُقَ في رأدِ الضُّحى كَمْ *** لَدَى نَعْلَيْكِ يَشْتَاقُ التُّرابا)
لتَوّاقٌ إلى تَعْفِيرِخَدٍّ *** فَآتِيني و إيّاهُ الطَّلابا
و في ذكراك أغْرِقْنِي دُموعاً *** لعلكِ تَغْسِلينَ بها العِتابا
ص: 89
1- خنوع: خضوع و ذلّ.
(18) بورك العرسُ
(بحر الرمل)
الشيخ عبد العظيم الربيعي (*)(1)
أيُّ شَهْرٍ قَدْ أَظَلَّ المُسلِمينْ *** بالتّهَاني وَ بِمَرْفُورِ الثَّوابْ(2)
هُو شَهْرُ اللَّهِ رَبِّ العَالَمِينْ *** حَيِّ مَن يَعْرِفُ سِرَّ الانتِسابْ(3)
***
بَعْدَ بَدْرٍ لاحَ لِلعَيْنِ الهِلالْ *** وَ كِلا الأمْرَيْنِ في شَهْرِ الصِّيامْ
لاتَخَلَهُ جَاءَ نَقصاً عَنْ كَمالْ *** بَل هُما قَدْراً تَمامٌ في تمَام
قُمْ فَسَلْ مِنِّي مُجيباً للسُّؤال *** و إليهِ يَنتَهِي فَصْلُ الكَلامْ
يَوْمَ بَدرٍ كان نَصْر المُسلِمِينْ *** وَ لأعدائِهمُ ضَرْبُ الرِّقابْ
و بِتَالي العامِ جبريلُ الأمينُ *** بَشَّرَ المُختارَ فِي خَيْرِ شَبابْ
***
يَوْمَ بَدْرٍ كانَ لِلَّهِ الغَلَبْ *** بِعَليّ وَ بِأَجْنادِ السَّماءْ
وَ لَقَدْ كانَ لَهُ نِصْفُ السَّلَبْ *** غَيْرَ أنَّ النَّفْسَ عَنْهُ في غَنَاءْ(4)
وَ بِدِرْعٍ وَاحِدٍ عَنْهاانقَلَبْ *** وَ هُوَبِالأجْرِ حَفِيٌّ و الجَزاءْ
وسَلِ المُختارَ و الذِّكرَ المُبِينْ *** مَنْ دَعاه لاِتَّباعِ فَأجابْ
حَسْبُكَ اللَّهُ وَ فَخْرُ المُؤمِنينْ *** حَسِبَ المَجْدُ له ألْفَ حِسَابْ
***
ص: 90
1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- موفور الثواب: كثير الثواب.
3- حيّ: قدم التحية.
4- غناء: أغني عنه: أجزاء و كفاه.
حَيَّ يَا رَبِّ وَضاعِفَ شَرَفاً *** بِضْعَةَ المُختارِ ما نَجْمُ بَزَغْ(1)
بَلَغَتْ بنتُ النَّبيِّ المُصْطَفَى *** مَبْلَغاً، مَنْ مِثلُها مَجْداً بَلَغْ
وإذا الأصحابُ كُلِّ ارْهَفا *** غَرْبَ عَزمِ و بامر ما نَبَغْ
خَطَبُوا بِضْعَةَ خَيْرِ المُرْسَلِينْ *** و لَقد رَدَّهُمُ ذاكَ الجَنَابْ(2)
وَرَقي يُنذِرُ كُل الخاطِبِينْ *** صاحِبُ المَنْبَرِ فِي فَصْلِ الخِطابْ
***
إيهِ يا مَن وَحْدَهُ قَدْ وُلِدا *** وَسَطَ الكَعْبَةِ مِن دُونِ مِراءْ(3)
ص: 91
1- بزغ النجم: طلع...
2- و الأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في ذخائر العقبى/ للطبري ص29-30-31 و غيره من المصادر: عن أنس بن مالك قال: خطب أبوبكر إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم ابنته فاطمة فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم يا أبابكر لم ينزل القضاء بعد. ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول مثل قوله لأبي بكر فقيل لعلي علیه السلام: لو خطبت إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم الا اهل الخليق أن يزوجكها. قال و كيف و قد خطبها أشراف قريش فلم يزوّجها؟ قال: فخطبتها فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد أمرني ربي «عزوجل» بذلك. قال أنس: ثم دعاني النبي صلي الله علیه و آله و سلم بعد أيام فقال لي: يا أنس أخرج أدع لي أبابكر و عمر و عثمان و عبد الرحمن و سعد بن أبي وقاص و طلحة و الزبير و بعدّة من الأنصار-قال: فدعوتهم فلما اجتمعوا عنده كلهم و أخذوا مجالسهم و كان علي غائباً في حاجة للنبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب في عذابه وسطوته النافذ أمره في سمائه و أرضه الذي خلق الخلق بقدرته و ميّزهم بأحكامه و أعزهم بدينه و أكرمهم بنبيه محمد صلي الله علیه و آله و سلم. إن الله تبارك اسمه و تعالت عظمته جعل المصاهرة نسباً لاحقاً و أمراً مفترضاً أوشج به الأرحام و الزم الأنام فقال عز من قائل: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» فأمر اللَّه يجري إلى قضائه و قضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» ثم إن الله «تعالى» أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام بنت خديجة من علي بن أبي طالب علیها السلام فاشهدوا أني قد زوّجته على أربعمائة مثقال فضّة إن رضي بذلك علي بن أبي طالب علیه السلام. ثم دعا بطبق من بسر فوضعت بين أيدينا ثم قال: انتبهوا فانتبهنا. فبينا نحن ننتبه إذ دخل علي علىه السلام النبي صلي الله علیه و آله و سلم فتبسم النبي صلي الله علیه و آله و سلم في وجهه ثم قال: إن اللَّه قد أمرني أن أزوجّك فاطمة علیها السلام على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذاك، فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال أنس: فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم جمع الله شملكما و أسعد جدكما و بارك عليكما و اخرج منكما طيباً. قال أنس: فواللَّه لقد اخرج منهما الكثير الطيّب.
3- مراء: جدال...
قُمْ وَ بادِرٌ خاطِباً مِن أحْمَدا *** فاطماً كُفْوَكَ مِنْ كُلِّ النِّساءْ
فَكَما كُنْتَ بِذَيْنِ المُفْرِدَا *** مُفْرَداً زُوِّجُتَ مِنها في السماءْ
وَ لَكَمْ خَصَّكَ رَبُّ العالَمِينْ *** بِمَزايا دُونَ أدناها الحِسابْ
ليْسَ للشَّمْسِ سوى البَدرِ قَرينْ *** قم إذنْ و اكشِفْ عن الحقِّ النِّقاب
***
طَرَقَ البابَ عَليُّ وَ إذا *** برَسُولِ اللَّهِ يَدْعُو زَوْجَهُ
إفتَحِي البابَ أخي حيدرُ ذا *** مَن رقى مِن كلِّ مَجدٍ أوْجَهُ(1)
هُوَ فِي عَيْنِ المُعادينَ قَذا *** وَ هوَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً أَوْجَهُ(2)
مِنْ جَمِيعِ النّاسِ، وَ الحَبْلُ المَتِينُ *** ما أتى مُعْتَصِمٌ فيهِ فَخابْ
وَ هُوَ سِرُّ اللَّهِ خَيْرِ النّاصِرِين *** وَ هُوَ أَغْلَى النَّاسِ ذِكْراً في الكِتَابْ
***
دَخَلَ الهادي على خیرِ نذیرْ *** مُطْرِقاً بالرّاسِ منه خَجِلا
وَ لَقَدْ بَشَرَهُ خَيرُ بَشيرْ *** فأماطَ الهمَّ عنهْ وَجَلا(3)
جاءَ جبريلُ لهُ خَيرَ سَفيرْ *** عن إلهِ عَزَّ قدراً وَ عَلا
زوَّج النُّورَ منَ النُّورِ المبين *** فاطماً مِنْ حَيدرٍ عالي الجنابْ
فَلقَد زَوْجَه الرَّبُّ المُعين *** في السِّما مِن قَبْلِ أَرْضٍ و تُرابْ
***
وَ هُنا دارَ حِوارٌ في الكلامْ *** وَ كِلا الشَّخصين في القولِ أَجَادْ
قال ما تمْلكُ مِن هذا الحُطامْ *** قالَ صَمصاماً مُعَدّاً للجهادْ(4)
و بعيراً يستقي فيهِ الإمامْ *** ثُمَّ دِرْعاً حازَها بَعدَ الجِلاد
ص: 92
1- أوجه: أوج الشيء ذروته.
2- أوْجَه: من الوجاهة أي قدراً وجيهاً.
3- أماط: أزاح أو أزال جلا: أوضح و بيّن.
4- صمصاماً: الصمصام: السيف.
يَوم بَدَرٍ و هْو في النِّصفِ قَمين *** و هْو عَنها في غِنَّى يومَ الحرابْ(1)
إنَّه يبرزُ ليثاً مِن عَرِين *** و الحُسامُ العَصْب يُنضى عنِ قراب
***
عندَها ازيَّنتِ الحُورُ وَ قَدْ *** صَدَر الأمرُ مِن الرَّبِّ الجَليل
و على فاطمة الزهراعَقَدْ *** لِعليٍّ فَتَامَّل -جبرئيلْ
جَدَّ لِلفضْلِ وَ من جَدَّ وَجدْ *** و جَميلُ الفِعلِ عُقباه جميلْ
و إذا الأملاكُ كانوا الخاطِبين *** بوركِ العِرسُ بِلا أدنى ارتيابْ
وإذا باركَ خَيرُ المُرسَلين *** لِلعَروسين لَه الحَقُّ استجابْ
***
وَجَرى في العُرس ما لا يَخطُرُ *** أبداً في البالِ مِن فَضلِ الكريمْ
وَ نِتاج العرس منهُ أكبرُ *** و عظيمٌ مُنتجٌ كلَّ عظيمْ
حسنٌ مؤْلِدُه إذ يذكَرُ *** هامت العَليا وَ حَقِّ أنْ تَهيمْ
جاءَ عالي النَّفسِ وضَاحَ الجَبينْ *** يَنتَهي المَجدُ لَه من كلِّ بابْ
و لَقَدْ نالَ أميرُالمُؤمنينْ *** بإبنِهِ أقصى أمانيه العِذابْ
***
وَ لقَد بَشَّر فيهِ المُصطفى *** بِنْتَه الزَّهراءَ عن وَحيِ الإلهْ
و إذا من نُورِه اشتُقَّت ذُكا *** فَهَلِ الوَصْفُ مُحِيطٌ بِسناهْ
وَ لَقَدْ لُقب مِنْهُ بالرّضا *** وَ هُو بالسَّيِّد و السِّبطِ اجْتَباهْ
و هو الحُجَّةُ و البَرُّ الأمِين *** و من العليا له أعْلى نِصابْ
و هو من يُعجزُ وصفَ الواصفين *** غُرفةَ الكفّ من البحر العُبابْ(2)(3)
ص: 93
1- قمين: جدير. الحراب: هنا بمعنى الحرب.
2- العُباب: عباب البحر: موجه، و المعنى هنا أن كل محاولةَ لوصف شجاعته، كغرفة الكف من البحر العظيم الواسع.
3- ديوان الربيعي ص32 موشَّحة في مولد الإمام الحسن السبط علیه السلام لا أخذنا ما نحن بصدده.
(19) عاشت قليلاً
(بحر الكامل)
الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)
دَهْرٌ يَحارُ بِهِ ذَوُو الألبابِ *** لازالَ يأتينا بِكُلِّ عُجابِ
أَعْلَى رَواسِيهِ تَطُولُ وهادُهُ *** وَ عَلى الرُّؤْوسِ تَطاوُلُ الأَذْنَابِ(2)
أوَ مِثْلُ حَيْدَرَ، وَ هُوَ لَيْثٌ خادِرٌ *** يَلِجُ العَدُوُّ عَلَيْهِ وَسْطَ الغَابِ(3)
عَلِمُوا بِأَفْعَى بَأْسِهِ مَرْصُودَةً *** بِوَصِيَّةٍ نَفَذَتْ وَ سَبْقِ كتابِ(4)
فَتَواثَبُوا بَغْياً عَلَيْهِ وَ أَحْدَقُوا *** في دارِهِ بِالنّارِ وَ الأَخطابِ(5)
ص: 94
1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الوهاد: الأرض المنخفضة.
3- خادر: ليتٌ خادرٌ أي أسدٌ لازمٌ لعرينه.
4- عن كتاب سليم بن قيس تقديم و تحقيق علاء الدين الموسوي ص20 «أقبل النبي صلي الله علیه و آله و سلم علي علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد أعواناً فاصبر واكفف يدك و لاتلق بيدك إلى التهلكة» و راجع ينابيع المودة ص182 عن أبي يعلى الموصلي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يا علي علیه السلام إنك ستبلى بعدي فلا تقاتلنَّ» و في التاريخ الكبير ج1 قسم/2 ص174 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم العلي: (إن الأمة ستغدر بك) راجع الكنى و الأسماء ج1 ص104 و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج11 ص216 تجد غير ذلك.
5- في كتاب سليم بن قيس ص36: ثم أمر عمر ناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام و ابنيهما علیهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام و فاطمة علیها السلام واللَّه لتخرجنَّ يا علي علیه السلام و لتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وإلا أضرمتْ عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب و في البحار ج8 ص59 نقلاً عن ابن أبي الحديد قال: قال عمر وايم اللَّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء الناس عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم» و في العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص252 جاء: إنَّ عمر بن الخطاب، جاء إلى بيت فاطمة علیها السلام بقبس من نار يريد أن يحرقه على من فيه فخرجت إليه فاطمة علیها السلام تقول: يا ابن الخطاب جئت تحرق دارنا؟ قال: نعم.
مَنْ ذَاكِرٌ بِنْتَ النَّبِيِّ ، وَ قَدْ رَاتْ ***حَرْقَ المَحَلِّ عَزِيمَةَ الأَصْحَابِ
لَمْ يَقْنَعُوا بِتَذَكَّرٍ، لَمْ يُقلِعُوا *** بِتَعَظُفِ، لَمْ يَرْجِعُوا بِعِتابِ
فَهُنالِكُمْ فَتَحَتْ لَهُمْ باباً لَهُ *** قَدْ كانَ جبريلٌ من الحُجَابِ
لَمْ يُمهِلُوها أَنْ تَلوُثَ خِمَارَها *** فَلِذالِكُمْ لاذَتْ وَرَاءَ البَابِ(1)
مَنْ عَاذِرِي مِنْ ذِكْرِ ما صَنَعُوا، وَ قَدْ *** هَاجَتْ هُناكَ ضَغَائِنُ الأحزابِ
اللَّهُ أكبرُ، مِثْلُ بَضْعَةِ أَحْمَدٍ *** تُسْقى كُؤُوسَ الذُّلّ وَ الأَوْصابِ
لَمْ أَنْسَها تَشْكُو إِلَيْهِ شُجُونَها *** وَ أَمَضٌ شَكْوَى المَرءِ لِلأحبابِ(2)
ص: 95
1- في كتاب سليم بن قيس ص39: «قال»: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله ما عليها من خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك -تنادي بأعلى صوتها- و قد صاغ الشاعر هذا المعنى في أبيات جاء فيها: قال سلیم قلت یا سلمان *** هل دخلوا و لم يك استئذان قال بلى و عزة الجبار *** و ما على الزهراء من خمار
2- في هذا البيت يشير إلى بكاء الزهراء علیها السلام عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و مناجاتها له بأشعارها و من تلك الأشعار قولها: اغبر آفاق السماء و كوّرت *** شمس النهار و أظلم العصران فالأرض من بعد النبي كثيبة *** أسفاً عليه كثيرة الرجفان فليبكه شرق البلاد و غربها *** و لتبكه مضر و كلِّ يمان يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه *** صلّى عليك منزّل القرآن و من أشعارها في شكواها لأبيها كما في أعيان الشيعة ج2 ص320: ماذا على من شم تربة أحمدٍ *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت عليَّ مصائب لو أنَّها *** صبت على الأيام صرنَ لياليا و مما نسب إليها في ذلك أيضاً قولها: إن حزني عليك حزن جديد *** و فؤادي والله صبِّ عنيد كل يوم يزيد فيه شجوني *** و اكتئابي عليك ليس يبيد جلَّ خطبي فبان عني عزائي *** فبكائي كل وقت جديد إن قلباً عليك يألف صبراً *** أو عزاءً فإنّه لجليد راجع البحار ج43 ص175، و جاء في البحار أيضاً ج43 ص156 قال: نقلاً عن کتاب الخرائج قال أبوعبدالله:«إن فاطمة علیها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً و كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل علیه السلام يأتيها و يطيَّب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه في الجنة و يخبرها ما يكون بعدها في ذريتها وكان علي علیه السلام يكتب». و راجع أيضاً الخصال للصدوق باب الخمسة -البكاؤون الخمسة.
أبتاهُ إِنَّ الجاهِلَيَّة أَظْهَرَتْ *** ما أَضْمَرَتْ في سالِفِ الأَحْقابِ
أبتاهُ أَدْرِكْنَا، فَقَوْمُك كُلُّهم *** مِن بَعدِكَ انْقَلَبُوا عَلَى الأَعْقابِ(1)
غَصَبُوا تُراثِي، لَبَّبُوا بَعْلِي، هَوَى *** مِن عَصرِهِمْ حَمْلي عَلَى الأَعْتَابِ(2)
ص: 96
1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران آية: 144]. كما ورد عن كتاب شرح خطبة الزهراء علیها السلام فقد روي عن صحيحي البخاري ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: ليردنَّ علي رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا اختلجوا دوني فلأقولن: أي ربّ أصحابي، فليقالن: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. و روي أيضاً عن الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي أو -قال من أمتي- فيحلؤون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك ارتدّوا على أعقابهم القهقري. عن البحار ج28 ص22- 24.
2- لببوا: جرَّوا. و يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة عن لسان الزهراء علیها السلام إلى غصب فدك منها و ادعائهم حديثاً عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة. و أخذهم الكتاب منها و تمزيقه بعد اعترافهم بأحقيتها لفدك و أخذهم الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام إلى البيعة مليباً مكرهاً. و في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص530 نقلاً عن كتاب البحار ج8 ص240-241: «فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا فوقّفتُ بعضادة الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي أن يكفّوا عنا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، و ركل الباب برجله فرده عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم... الخ. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص109. وحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
كِتْفَيَّ قَدْ ضَرَبُوهما، قُرْطَيَّ قَدْ *** نَشرُوهُمَا، هَتَكُوا عَلَيَّ حِجابِي
كَسَرُوا ضُلوعِي، أثْبَتُوا المِسْمارَ في *** صَدْرِي، وَ شَقُوا بَعْدَ ذاكَ كِتابِي
وَ كَذَلِكَ انْكَفاتُ لِمَسْجِدِ أَحْمَدٍ *** مُدْغَصَّ بالأنصارِ وَ الأصحابِ(1)
خَطبَتْ فَأَوْقَرَتِ المَسَامِعُ وَعْظَها *** بحَكِيمٍ أَسْلُوبِ وَ فَصْلِ خِطَابِ
بِالنُّطقِ تُفْرِغْ عَنْ لِسَانِ المُصْطَفَى *** وَ لَرُبَّ نُورٍ كان ذا القابِ
إني وَدِيعَةُ أَحْمَدِما بَيْنَكُمُ *** ياقومُ فَارْعَوْا جانبي و جنَابِي
ص: 97
1- يشير الشاعر في الأبيات الثمانية إلى ذهابها إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خطبتها فيه، ففي البحار ج8 ص109- 112 ط الكمباني قال: روى عبد الله بن الحسن علیه السلام بإسناده عن آبائه علیه السلام أنه لما أجمع أبوبكر على منع فاطمة علیها السلام فدك و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمةٍ من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها مُلاءة فجلست ثم أنت أنّةً أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيئةً حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأتْ فورتهم افتتحت الكلام بحمدالله... الخ. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص131. ورد في خطبتها سلام الله عليها تنبيه القوم إلى تبديل أحكام الله بأحكام الشيطان و ظهور النفاق بعد الإيمان و الانقلاب على الأعقاب. فقد قالت علیه السلام: فلما إختار اللَّه لنبيه دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الأقلين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين -إلى قولها علیها السلام-: بئس للظالمين بدلاً «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»، ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي و إطفاء أنوار الدين الجلي و إهمال سنن النبي صلي الله علیه و آله و سلم الصفي تشربون حسواً في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخَمَرِ و الضراء -إلى قولها سلام الله عليها- و قضاء حتم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران الآية: 144]. و الخطبة طويلة ذكرناها سابقاً.
الْمَرْءُ يُحفَظُ في بنيهِ و انْتُمُ *** ضَيَّعَتُمُ المُختارَ فِي الْأَعْقَابِ
أمِنَ المُرُوةِ أَنَّ إرثيَ مِنْ أَبِي *** يُزْوى وَ يُلغى كُلُّ ما أوصى بي؟(1)
أَيُرَدُّ نَصُّ الذُّكْرِ بِالمِيراثِ مِنْ *** جَاءِ كِذْبَةِ مُفْتَرٍ كَذَّابِ
أَرَضِيتمُ الدُّنيا عن الأخرى، وَ قَدْ *** غَرَّتْكُمُ بالمَنْظَر الخَلاّبِ
بأبي الّتي عاشَتْ قليلاً وَ هُيَ لَو *** لاَالْوَجْدُ قُلْتُ عَدِيمَةُ الأَتْرابِ(2)
من ذاكِرٌ أَهْلَ العَباءِ، وَ قَدْ قَضتْ *** خَطبٌ يَهُونُ لديهِ كلَّ مُصابِ؟
مَنْ مُسْعِفٌ بالنَّوْحِ قَلْبَ المُرْتَضَى *** مُذْجَرَّدَ الزَّهرا مِن الأَثْوَابِ؟
ماذا رأى في جَنْبِها فَنَحِيبُهُ *** بِتَتَابُعٍ وَ الدَّمعُ في تَسْكابِ؟
ألفى على المِصْباحِ بَعْضَ ضُلُوْعِها *** مَكسورةٌ مِن عَصْرِها بِالْبابِ
يا لَيْتَهُ ألفي حُسيناً عارياً *** رَضَتْ قَراهُ صَوافِنُ النِّصَّابِ(3)
وَ عَلَى القَنا يَتْلُو الكِتابَ كريمُهُ *** وَ يَصُونُ نِسوَتهُ عَلَى الأَقْتابِ(4)(5)
ص: 98
1- يزوى: يُمنع، يحتاز.
2- الأتراب: جمع ترب و هو الذي يولد مع الإنسان.
3- قراه: ظهره. و الصوافن: الخيل. روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خرج و عليه مرط مرجِّل من شعر أسود موشى منقوش فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فأدخله معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» الزمخشري في تفسيره الكشاف ج1 ص193، و الإمام الرازي في تفسيره ج2 ص700 طبعة الأستانة، و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12، و سبط ابن الجوزي في تذكرة الأئمة ص244 و غيرها.
4- الأقتاب: مفرده القتب و هو الرَّحْل. روي عن زيد بن أرقم قال: كنت في غرفة لي فمرّوا عليَّ بالرأس (رأس الحسين علیه السلام) و هو يقرأ: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» [سورة الكهف الآية: 9] فوقف شعري و قلت: واللَّه يا بن رسول اللَّه رأسك أعجب و أعجب الخصائص الكبرى ج2 ص125 و مقتل الحسين علیه السلام لأبي مخنف ص175، و صلب على شجرة فاجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع فأخذ يقرأ: «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» ابن شهر آشوب ج2 ص188.
5- من ديوان الربيعي ج1 ص109.
(20) المفروض نصاً
(مجزوء الرّمل)
الشيخ عبد الغني الخضري
أَيُّ خَطب باغَتَ الأُمّةَ شِيباً و شَبابا(1)
فَاضَ بِالأَرْزَاءِ حَتَّى طَبَّقَ الدُّنيا مُصَابا
شَمِلَ البَحْرَ فَعَادَ البَحْرُ مِلْحاً وَيَبَابا(2)
وَ لَوَى البَرَّ فَعَادَ البَرُّ بِالرُّزْءِ خَرابا
مَلَةَ الكَوْنَ مِنَ الفادِحِ خَوْفاً وَ ارْتِيابا
مَادَتِ الأَرْضُ وَ مَادَ الأُفْقُ فَانْهَدَّ انْقِلابا(3)
وَ سُوارُ اللّيل تنقضُ شِهَاباً فَشِهابا(4)
فَالَّذِي نَدَّ لَهُ قَلْبٌ دَماً فاضَ مُذابا
وَ الّذي ارْتَدَّ له طَرْفٌ هَمَى بَحْراً عُبابا(5)
***
ما الذي اهْتَزَّتْ له البِيدُ سُهولاً و هِضابا؟
ص: 99
1- باغَتَ: فاجأ.
2- يَبابا: خراباً.
3- مادت: تَحّركت و اضطربت و زاغت و دارت.
4- سُوار: جدَّة.
5- همی: سال. عُباباً: العُباب معظم السيل، ارتفاع السيل و عُباب البحر: موجه.
وَ عَلَيْهِ دَوَّتِ الأقرانُ كَالأُسْدِ غِضابا
إِنَّهُ اليَوْمُ الَّذي وَسَّعَ لِلْأَحْزانِ بابا
جَدَّدَ الرُّزءَ الذي أعْقَبَ طه يَوْمَ غابا
وَ لَوَى حَيْدَرَ حَتَّى انْصَاعَ لِلرُّزءِ اضْطِرابا
غالَبَ الصَّبْرَ مِنَ السِّبْطَيْنِ فَاسْتَعْلَى غِلابا
وَبَكَتْ زَيْنَبُ حَتَّى اخْضَلَّتِ الأَرْضُ جَنَابا
إِنَّه اليَوْمُ الّذي أَضْفَى عَلَى الرُّشْدِ حِجابا
وَعَلَيْهِ عَنْ عُيُونِ الأهْلِ قَدْ لاتَ نِقابا(1)
إِنَّهُ اليَوْمُ الّذي ماتَتْ بِهِ الزَّهْرا اكتتابا
وَ عَلَيْها حَسْرَةٌ حَتَّى فُؤَادُ الصَّخرِ ذابا
***
ساءَ قَوْمٌ دُونَ ما تَبْغِيهِ قَدْ حَالُوا ذِئابا
فَصَبُوها إزْلَها المَفْرُوضَ نَصْاً و كِتابا(2)
ص: 100
1- لاثَ: غطّى و اكتنف.
2- أشار إلى غصب القوم لفدك من الزهراء علیها السلام و هي المفروضة لها كما في النصوص. لما نزلت: «وآت ذا القربى حقه» [الإسراء، الآية : 26]. دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً ذكره السيوطي في الدر المنثور عن أبي سعيد الخدري ج4 ص177 و ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج7 ص52. و ذكره الهندي في كنزه ج3 ص767 ح رقم 8696 عن أبي سعيد الخدري أيضاً. و في مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم في هذا المال وإني والله لاأغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأبى أبوبكر يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علىها السلام أبي بكر في ذلك» إلى آخر الحديث. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هانىء قال: دخلت فاطمة علىها السلام أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له:لئن مُتَّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي و أهلي، قالت فلم ورثتَ أنتَ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت : بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم أفعل حدثني رسول الله...الخ». و ذكره في السيرة الحلبية ج3 ص487. و ذكره الطبرسي في الاحتجاج، ج1 ص131- 144 مطولاً. و في صحيح مسلم/ ج3 ص1371 ح54 عن عائشة في حديث لها قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من خيبر و فدك -و صدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك.
هاجَمُوا الدَّارَ وَ فِيها أَلْهَبُوا النَّارَ الْتِهابا(1)
ص: 101
1- إشارة إلى ما ورد في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 قال: ضمن حديث طويل: «ثم أمر «يعني عمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي علیه السلام و فاطمة و ابناهما علیهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام والله لتخرجنَّ ولتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضر منَّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلّا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 قال: زيادة على ما في الاحتجاج: فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت يا أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه و دخل...الخ. و في ص208 من كتاب سليم بن قيس قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ... إلى آخر الحديث. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: «إن أبابكر بعد أن أخذ البيعة لنفسه الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة ابن الجراح و جماعة أخرى -من المنافقين- إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام، و جمع عمر الحطب على باب فاطمة علیها السلام «ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: السلام عليكم أهل بيت النبوّة علیهم السلام و ما كان يدخله إلا بعد الاستئذان». و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه، عصر عمر بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة، فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وبضعته حتى أدموا جسمها.
كُمْ رَأَتْ مِنهم هَوَاناً وَ كَم انتابَتْ عَذابا
عَجباً! إِنْ سُئِلوا ماذا يَرُدّونَ الجَوابا؟
وَ إِذَا ما حُوسِبوا يُلاقُونَ الحِسابا؟(1)
ص: 102
1- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص225.
(21) بيت القدس
(بحر الكامل)
الشيخ عبد الكريم صادق (*)(1)
هي فاطمٌ كَمْ لِلْمَصائِبِ صابَها *** جَرَعَتْ وَ كَمْ قَدْ كَابَدَتْ أَوْصابَها
نَقَلَ الزَّمانُ لها كِنَانَةَ نَبْلِهِ *** وَ رَمَى وَ فِي كُلِّ السِّهامِ أَصَابَها
أحْنَى أَضالِعَها عَلَى جَمْرِ الغَضًا *** أَجْرَى مَدامِعَها أَمَرَّ شَرَابَها
ص: 103
1- (*) الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ حسن صادق. ولد في الخيام من قضاء مرجعيون في جبل عامل من جنوب لبنان في سنة (1311ه_) الموافق (1890م). نشأ و تربى في أسرة علمية اشتهرت بالفضل و الأدب و برع من هذه الأسرة رجال كثيرون، و كان والده الشيخ حسن أحد رجال الدين المعروفين بالعلم و الورع و الزهد و التقوى و كان المترجم له أحد أفراد هذه الأسرة الكريمة. فأنهى دراسته الابتدائية في جنوب لبنان على يد خاله الشيخ عبد الحسين صادق، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الدينية في الحوزة العلمية، و ذلك في عام(1325ه_). أكمل دراسته الحوزوية في النجف الأشرف على أساتذته العلماء اللامعين فكان من أساتذته الشيخ محمد كاظم الأخوند الخراساني صاحب (الكفاية). و حضر درس الخارج على يدي المرجع الديني الكبير السيد أبي الحسن الأصفهاني و المرجع الديني الشيخ ميرزا حسين النائيني. ثم عاد إلى مسقط رأسه الخيام عام (1339ه_) بعد أن حاز على رتبة الاجتهاد من الأساتذة المذكورين و عرف بالصلاح و الفضل و التقوى، و قد وفق المترجم له لتأسيس و بناء حسينية الخيام بجوار المسجد الجامع الذي بناه خاله العالم الكبير الشيخ عبد الحسين صادق. لبي دعوة ربه في 4 آذار عام (1972م) و أقيمت له مجالس التأبين في جنوب لبنان. (1) نثل الكنانة: استخرج نبالها و نثرها. (2) الغضا: شجر جمره شديد الالتهاب لا ينطفىء بسرعة.
أَعْدَى عَلَيْها مَنْ أراعَ جَنابَها *** وَ جَنَابُ خَيْرِ الرُّسُلِ كَانَ جَنابَها
هِيَ بِنْتُ أَحْمَدَ مَنْ حِماه حمى لها *** وَ هِيَ الَّتي مَنْ هَابَ أحْمَدَ هابَها
هِيَ بِضْعَةُ الهادي وَ مَنْ إغضابُهُ *** في النَّصَّ مِنْهُ مُلازِمٌ إغْضابَها(1)
هِيَ أَمْ أَشبالٍ وَ لَبْوَةُ ضَيْغَمٍ *** مَنْ جَاءَ مُجْتَرِنَا وَ هَاجَمَ عَابَها
مَنْ قَادَ عُنْفاً بَعْلَها وَ هُوَ الَّذي *** كَمْ قادَ مِنْ غُلْبِ الرِّجالِ صِعابَها؟
هِيَ حِكْمَةٌ لِلَّهِ أَدْهَشَ سِرُّها *** أهْلَ الْعُقولِ مُبليلاً الْبابَها
مَنْ حَوْلَ بَيْتِ الْقُدْسِ جَاءَ مُجَمْعاً *** خطباً لِيُحْرِقَ لِلزَّكِيَّةِ بابَها؟(2)
ص: 104
1- إشارة إلى ما روي في كنز العمال للمتقي الهندي ج6 ص220: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني، و ذكره المناوي أيضاً في القدير ج4 ص421 و قال: استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه و أنها أفضل من الشيخين و رواه النسائي أيضاً في خصائصه ص35 و روى الترمذي أيضاً في صحيحه ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد الله عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنها ابنتي فاطمة عليها السلام -بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.
2- إشارة إلى هجوم القوم على دار فاطمة علیها السلام و حرقهم بابها، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص35 في حديث طويل عن سلمان، لمّا كان الليل حمل علي فاطمة علیها السلام على حمار و أخذ بيده ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقّه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة فى نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إيّاه لزم بيته فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا و قد بايع غيره و غير هؤلاء الأربعة، و كان أبو بكر أرق الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظهما و أغلظهما و أجفاهما، فقال له أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظّ غليظ جافّ من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله إليه، و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن علي علي عليه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا ، فقالت فاطمة علیها السلام: أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت كذا وكذا، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء!! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر، حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، وإلاّ أضرمت عليك بيتك النار فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى آخر الحديث.
منْ عَنْوَةٌ وَلَجَ الْحِجَابَ على التي *** أَرْخَى عَلَيْهَا ذُو الجَلالِ حِجَابَها؟
مَنْ رَضَّها ضلعاً وَ أَوْسَعَ مَتْنَها *** ضَرْباً وَ سَوَّدَ بالسياط إهابها؟(1)
مَنْ صَدْرَها أَدْمَى و أَسْقَطَ حَمْلَها *** فَمَضَتْ تُقاسِي لِلْمَخَاضِ عَذَابَها؟(2)
مَنْ هَاجَ زَفْرَتَها وَ أَجْرَى دَمْعَها *** وَ ابْتَزَنِحْلَتَها وَ شَقَّ كِتابها؟(3)
ص: 105
1- إشارة إلى ضرب القوم لفاطمة الزهراء علیها السلام و كسرهم ضلعها. فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ «لع» فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و بادر علي إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ، اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام. الحديث طويل أخذنا منه موضع موضع الحاجة.
2- إشارة إلى إسقاط جنين الزهراء علیها السلام بعد هجوم القوم عليها فقد روي في البحار ج53 ص18 و أخذت النار في خشب الباب، و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صَفعة خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء، و تقول: وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- إشارة إلى اغتصاب القوم لفدك. فقد روي عن علي في شرح النهج ج16 ص274 قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت إن أبي أعطاني فدكاً و علي و أم أيمن يشهدان، فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحقّ قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها، فخرجت فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً، و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: اعطيت فاطمة فدكاً، و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن علياً علیه السلام يجرُّ إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و خرقه.
مَنْ رَدَّ حُجَّتَها وَ أَبْطَلَ إِرْثَها *** عَمْداً و أَغْلَظَ في الجِدالِ خِطابَها؟(1)
تَسْتَنْجِدُ الأصْحابَ وَ هْيَ كَطَالِبٍ *** في الْأَرْضِ رِيَّ ظَماً فَأَمَّ سَرابَها
وَ بِغَيْظها انْكَفَأَتْ تُناقِلُها الْخُطَى *** نَحْوَ الْوَصِيِّ لَهُ تَبُثُ عِتابَها
أَعَلِيُّ مَا عَهْدِي بِآسادِ الشَّرى *** تَعْنُو وَ تَلْوِي لِلذَّتَابِ رِقَابَها؟(2)
وَ مَتى بُغاثُ الطَّيْرِ صادَ عُقابَها *** لَمْ يَخْشَ مِنْسَرَها و لامِخْلابَها؟(3)
أعَلِيُّ هَلاً غَضْبَةً مُضَرِيَّةً *** رُعْباً تَهُزُّ مِنَ الجِبَالِ هِضابَها
هِيَ نِحْلَتِي ابْتُزَّتْ وَ ارْثي طُعْمَةً *** أَمْسى وَ عَيْنُكَ أَغْمَضَتْ أَهْدَابَها
أأَضامُ وَ الضَّرْعامُ وَسُطَ عَرِينَتِي *** جَاتٍ قَدِ افْتَرَضَتْ يَداهُ تُرابها؟
ص: 106
1- إشارة إلى رد حجة الزهراء علیها السلام في أمر فدك. جاء في الاختصاص للشيخ المفيد ص183 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر، ادعيت أنك خليفة أبي و جلست مجلسه و إنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك و قد تعلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم صدّق بها عليّ و أنّ لي بذلك شهوداً، فقال لها: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه و قولي له: زعمت أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث، و ورث سليمان داود، و ورث يحيى زكريا، و كيف لاأرث أنا أبي؟ فقال عمر: أنت معلّمة، قالت: و إن كنت معلّمة فإنما علّمني ابن عمي و بعلي علیه السلام. فقال أبوبكر: فإنّ عائشة تشهد و عمر أنهما سمعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هو يقول: إنّ النبي لايورّث فقالت: هذه أول شهادة زور شهدا بها في الإسلام. ثم قالت: فإنّ فدكاً إنما هي صدّق بها عليَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ولي بذلك بينة، فقال لها: هلمي ببينتك قال: فجاءت بأم أيمن و علي علیه السلام. فقال أبوبكر يا أم أيمن إنك سمعت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول في فاطمة علیها السلام؟ فقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة. ثم قالت أم أيمن: فمن كانت سيدة نساء أهل الجنة تدّعي ما ليس لها ؟ و أنا امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهد إلا بما سمعت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال عمر: دعينا يا أم أيمن من هذه القصص و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- آساد الشرى: أسد الشرى يضرب به المثل و الشرى يعني الجبل أو الطريق أو الناحية.
3- بغاث الطير: ضِعافها. و المِنْسَر هو الطير الجارح مثل المنقار لغير الجارح.
وَ صَفِيحَةُ الْهِنْدِيٌّ رَهْنَ قِرابِها *** أَمْسَتْ وَ مَا أَلْفَتْ، عَهِدَتْ قِرابَها
أَفَهَلْ وَهَتْ تِلْكَ العَزِيمَةُ مِنْ يَدٍ ***كَمْ لِلْمَعاقِلِ طَوَّحَتْ أَبْوابَها؟
حتَّى إِذَا نَفَثَاتُهَا مِنْ صَدْرِها *** أَنْهَتْ لهَا أَنْهَى الحكيم جُوابَها
يا بِنْتَ صَفْوَةِ رَبِّهِ وَ سُلالَةَ الأبرارِ *** مِنْ عَمرو العُلَى وَ لُبابَها
ما إنْ وَ نَيْتُ وَ لاجَبُنْتُ وَ لَمْ أَكُنْ *** خَوَّافَ مَعْرَكَةٍ وَ لاهيابَهَا
أَأَجَرِّدُ الماضِي وَ فِي تَجْرِيدِهِ *** تَقْوِيضُ أَبْنِيَةٍ رَفَعْتُ قِبابَها
أَأَجَرِّدُ الماضي فَتَمْضِي الْقَهْقَرَى عُصَبٌ *** تُوَلِّي دِينَها أَعقابَها؟
وَ لَكُمْ هُنالِكَ مِنْ عَقَارِبِ فِتْنَةٍ *** شالَتْ، لِتَنْفُثَ سُمَّها، أَذْنابُها
إنْ تَأْبَ ِإلاّ جَحْدَحَقِّكَ أُمَّةٌ *** مَلَكَتْ فَإِنَّ إِلَى الْمَلِيكِ إيابَها
هِيَ بُلْغَةٌ مَضمونةٌ لَكَ عِنْدَ مَنْ *** لِلظَّالمينَ لَقَدْ أَعَدَّ حِسابَها
فَاسْتَرْجِعِي يا بِنْتَ أَكْرَم سَيْدٍ *** وَ خُذِي مِنَ الرَّبِّ الجَلِيلِ ثَوابَها
وَلَدَيْهِ فَاحْتَسِبي ظُلامَتَكِ الّتي *** كادَتْ تُزَلْزِلُ لِلسّما أَقْطَابَها
فَاسْتَرْجَعَتْ و مَضَتْ بِغَلَّةِ مُهْجَةٍ *** حَرَّانةٍ لَفْحُ الزَّفيرِ أذابَها
أولِبِنْتِ مُحَمَّدِ مانابَها *** و الحادِثَاتُ لَها أَحَدَّتْ نابَها
هِيَ كالصَّلالِ مِنَ الرِّمالِ تَدافَعَتْ *** وَ ثَابُها مُسْتَتْبِعٌ مُنْسابَها(1)
ذَلَّتْ عَزيزةُ احْمَدٍ مِنْ بَعْدِ أَنْ *** جَاءَتْهُ دَعْوَةُ رَبِّهِ فَأَجابَها
وَ خِيَامُ ذاكَ العِزَّ قَدْ عَصَفَتْ بها *** رِيحُ الْخُطُوبِ وَ زَعْزَعَتْ أَطْنَابَها
هِيَ لَيْلَها شَغَلَتْ بِطُولِ حَنِينِها *** وَ نَهارَها و مَجِينَها و ذَهَابَها
مَعْصُوبَةً رَأْساً رَهِينَةَ عِلَّةٍ *** وَ السُّقْمُ يَمْلأُ وَ الضَّنا جِلْبَابَها
تَحْتَ الْأَراكَةِ نَوْحُها نَوْحُ الَّتي *** فَوْقَ الْأَراكَةِ رَجَعَتْ تنحابَها
وَ البَيْتُ لِلْأَحْزانِ تَسْقِي تُرْبَه *** دَمْعاً حَكَى مِنْ دِيمَةٍ تشكابَها
ص: 107
1- الصَّلال: من الطين هو اليابس الذي يصوّت كالحديد و من الحب ما صفي و نفي عنه التراب.
حَتَّى مَضَتْ مُتَفقداً مِحْرابَها *** تِلْكَ الَّتِي كَمْ لازَمَتْ مِحْرابَها
وَ تَفَقَدتْ مِنْهَا الدُّجُنَّةُ غُرَةً *** كَانَتْ، إذا الشُّهْبُ انْطَمُسْنَ، شِهَابَها
هِيَ نَجْمَةٌ سَطَعَتْ قَصِيراً عُمْرُها *** فَحَكَتْ بِأَسْحَارِ الدُّجى أَترابَها
وَ حَبِيبَةٌ عَجِلَتْ لِوَصْلِ حَبِيبِها *** وَ النَّفْسُ تَطْلُبُ دَائِماً أَحْبَابَها
لاقَتْ رَسُولَ اللَّهِ فَاجْتَمَعَا عَلى *** نَجْوى تَفُتُّ مِنَ الصُّخورِ صِلابَها
أبتاهُ بَعْدَكَ هَلْ عَلِمْتَ بِمَا جَرى *** وَ الْبُومُ بَعْدَكَ أَكْثَرَتْ تَنْعَابَها؟
وَ الطَّائرُ المَيْمُونُ أَخْفَتَ صَوْتَهُ *** وَ مَضى يَؤُمُّ مِنَ الْفَلَاةِ شِعَابَها
و يِدَفنِهَا وَ النّاسُ هُجَعُ نُوَّمٌ *** فِي لَيْلَةٍ سَدَلَ الظَّلامُ نِقابَها(1)
أدَّى وَصِيَّتَها وَصِيُّ مُحَمَّدٍ *** وَ اللَّهُ يَعْلَمُ و الوَرَى أَسْبَابَها
وَ عَلى ثَرى قَبْرِ الزَّكِيَّةِ أَرْخَصَتْ *** عَيْنَاهُ دَمْعَهُما فَبَلَّ تُرابَها
هَاجَتْ بهِ الزَّفَراتُ حَرَّى لَوْبها *** خَضْراءُ تَلْفَحُ أَحْرَقَتْ أَعْشَابَها
ما رِيع مِنْ خَيْرِ الوَرَى بِغِيَابِهِ *** حَتَّى عَلَى عَجَلٍ أُنِيل غِيابَها
وَ بِهَا لَهُ كانَ العَراءُ لِنَفْسِهِ *** فَمَضَتْ وَ جَرْعُ الْحُزْنِ أَصْبَحَ دَابَها(2)
ص: 108
1- إشارة إلى دفن فاطمة الزهراء علیها السلام بعد موتها ليلاً فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص213 ، قال ابن عباس (رضي الله عنه): فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء، و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فأقبل أبو بكر و عمر يعزيان علياً علیه السلام و يقولان:يا أبا الحسن علیه السلام لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فلمّا كان في الليل دعا علي العباس و المقداد و سلمان و أبا ذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها و دفنوها، فلمّا أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- في رحاب الخيام ديوان الشيخ عبد الكريم صادق ص133.
(22) أعلى الورى نسباً
(بحر البسيط)
الشيخ عبد الله بن معتوق (*)(1)
ص: 109
1- (*) هو العالم الفاضل الفقيه الشيخ عبد الله بن معتوق ابن الحاج درويش ابن الحاج معتوق ابن الحاج عبد الحسين ابن الحاج مرهون البحراني البلادي القطيفي التاروتي. ولد في بلاد آبائه وأجداده (تاروت) في حدود سنة (1274ه ، و تاروت من توابع القطيف الواقعة في المنطقة الشرقية في السعودية، فنشأ في حجر أبيه محباً للخير و ذويه، خفيف الروح قوي الهاجس حصيف الفكر. بدأ في طلب العلم سنة 1291 ه_) هو حينئذ ابن ثماني عشرة سنة تقريباً متتلمذاً على العلامة الشيخ علي ابن الشيخ حسن آل الشيخ سليمان البحراني القديحي، ثم على العالم الرباني الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طعان البحراني، استمر في دراسته عندهم إلى أن هاجر إلى النجف الأشرف سنة (1295ه_) فأقام في العراق مدة تقرب من أربعين سنة أقام شطراً منها في النجف الأشرف لطلب العلم الديني ثم في كربلاء المقدسة لتكميل دروسه و في مجموع هذه المدة كان مثابراً مكباً على الدرس و التدريس و الحضور تحت منابر العلماء الأعلام من مجتهدي عصره حتى حصلت له ملكة الاجتهاد مع فضيلة عالية، و شهد له أهل الخبرة بذلك منح إجازات علمية كثيرة من العلماء العظام مثل السيد علي أصغر الغروي الخثائي و السيد أبي تراب و الشيخ محمد تقي ابن الشيخ أسد الله و السيد محمد الحسيني الكاشاني و الشيخ الميرزا موسى الحائري. و للمترجَم له مؤلفات قيُّمة و مصنفات ثمينة منها رسالة و جيزة في بيان ما هو الأصل في الاشتقاق موسومة بمنية المشتاق لتحقيق الاشتقاق كتبها جواباً لصاحب الفضيلة الشيخ محمد صالح آل طعان البحراني. و منها رسالة في أحكام الشكوك المتعلقة بالصلاة سماها سفينة المساكين لنجاة الشاكين لم تكتمل. ومنها رسالتان وجيزتان في الرضاع. و منها تعليقة مبسوطة على رسالة السيد هاشم الأحسائي. و بعد رحلة طويلة عاد إلى بلاده القطيف عالماً و فقيهاً و مرشداً و موجهاً، و بأخلاقه و سماحة نفسه أصبح الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل، و على يده تنتهي المنازعات، ثم كان القدوة لهم في الأخلاق و الآداب و الكمالات، و كان على درجة عالية من العبادة و التقوى. لبى دعوة ربَّه و لحق بالرفيق الأعلى ليلة الخميس غرّة جمادى الأولى سنة (1362ه) عن عمر قارب التسعين سنة و أقيمت له الفواتح و أبنه الشعراء و الخطباء...
يا سَيِّد الكَوْنِ يا أَعْلَى الْوَرَى نَسبا *** يا خَيْرَ مُنْتَجَبِ مِنْ خِيرَةِ النُّجَبا
يا مَنْ سَمَا في سَمَا الْعَلْيَاءِ مُرْتَقِياً *** حَتَّى عَلا نورُهُ الأَنوارَ و الحُجُبا
و فاخَر الأنبياءَ المرسلينَ بِما *** قَدْ خُصَّ مِمّا لَهُ اللهُ الكَرِيمُ حَبا(1)
كَفاهُ فَخُراً بأَنْ كانَ النَّبِيُّ لَهُ *** جَدّاً وَ فاطِمُ أُمّاً وَ الوَصِيُّ أَبا(2)
فما ترى شرفاً في كُلِّ مُنْتَسِبٍ *** مِنْهُمْ إلى شَرَفِ إلا لَه نَسَبا
عَلَيْهِمُ فَرَضَ البارِي وِ لايَتَهُ *** فَمَنْ تَقَرَّبَ منهم بِالْوَلا قَرُبا
و قَدْ أبَى اللَّهُ أَنْ يَغْشَى بِرَحْمَتِهِ *** مَنْ كَانَ فِي الخَلْقِ طُرّاً لِلْوَلاءِ أَبَى(3)
ص: 110
1- حبا: أعطى من غير جزاء.
2- ربما يكون البيت إشارة إلى مولانا صاحب الأمر «عجل الله تعالى فرجه» و نسبه إلى أهل البيت (عليهم الصلاة و السلام). و في هذا جاء في مسند أحمد ج1 ص99: «حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج و أبو نعيم قالا: حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل، قال حجاج: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله «عزوجل» رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. قال أبو نعيم: رجلاً منا». و في أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص259-260 قال: «روى الأوزاعي عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: سيكون بعدي خلفاء و من بعد الخلفاء أمراء و من بعد الأمراء ملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي علیهم السلام يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً». راجع البحار ج51 ص84 أيضاً و الروايات في ذلك مفصلة في كتب الفريقين لايسعها المجال.
3- قد يكون إشارة إلى وجوب محبتهم علیهم السلام و أنها نجاة من النار و في هذا ورد في البحار ج51 ص73 ح20 عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية». و في تفسير الكشاف/ للزمخشري/ ج3 ص403 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: ألا و من مات على بغض آل محمد علیهم السلام جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللَّه... و في إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي/ ص34 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فلو أن رجلاً صفن بين الركن و المقام فصلى و صام ثم مات و هو مبغض لأهل بيت محمد علیهم السلام دخل النار... و الروايات في ذلك متضافرة في كتب الفريقين اقتصرنا نحن على الإشارة فقط.
فَما مِنَ الماءِ وَ الأَثْمَارِ مُرٌّ فَمِنْ *** بَعْضٍ وَ بِالْحُبِّ بَعْضُ طَابَ أَوْ عَذُبا(1)
وَ لَيْسَ يُوجَدُ مِنْ خَلْقٍ بِعَالَمِهِ *** إِلا وَ قَدْ كانَ في إيجادِهِ سَبَبا
فَمَنْ تَولاًهُ يَلْقَى خَيْرَ مُنْقَلَبٍ *** وَ مَنْ قَلاهُ(2) هَوَى في النَّارِ مُنْقَلِبا(3)
وَمَنْ أرادَ مُناجاةَ الْإِلَهِ وَ لَمْ *** يَمْدُدْ بِهِ سَبَباً لَمْ يَسْتَطِعْ طَلَبا
يا سَيِّداً كانَ في عَرْشِ الْجَلِيلِ لَهُ *** نُورٌ كَسا النَّيْرَيْنِ النُّورَ وَ الشُّهبا
يا آيَةَ الْحَقِّ حَقّاً يَا أَمانَتَهُ *** وَ البابُ وَ الوَجْهُ وَ السِّرُّ الَّذِي حُجِبا(4)
ص: 111
1- في كتاب البحار ج27 ص280 و ج63 ص197 قال: عن الرضا علیه السلام قال: أخبرني أبي عن أبيه عن جده أن أميرالمؤمنين علیه السلام أخذ بطيخة ليأكلها فوجدها مرة فرمى بها و قال: بعداً و سحقاً، فقيل: يا أميرالمؤمنين و ما هذه البطيخة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله تبارك و «تعالى» أخذ عقد مودتنا على كل حيوان و نبت فما قبل الميثاق كان عذباً طيباً و ما لم يقبل الميثاق كان مالحاً زعاقاً.
2- قلاه: أبغضه.
3- في ذخائر العقبى/ للطبري/ ص91-92. عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «يا علي علیه السلام طوبى لمن أحبك و صدق فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب فيك». و في تذكرة الخواص/ للسبط الجوزي/ ص28. عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من أحب علياً علیه السلام فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله و من أبغض علياً علیه السلام فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض الله». و ربما يتضمن البيت الإشارة إلى مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أيضاً و أن ولايته تؤدي إلى خير منقلب و فيها ورد في كتاب البحار ج51 ص143 ح4 عن إكمال الدين عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال من أقرَّ الأئمة و جحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء و جحد محمداً صلى الله عليه و آله و سلم نبوّته. فقيل يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ممن المهدي عج الله فرجه الشریف؟ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه و لايحل لكم تسميته».
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الآية المباركة: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»[ سورة الأحزاب، الآية: 72]. ففي كتاب تفسير نور الثقلين للحويزي ج4 ص311-312. عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله علیه السلام عن قول الله «عزوجل»: «إنا عرضنا الأمانة السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً» قال: «الأمانة الولاية». و إلى الآية المباركة من سورة البقرة: «ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» [سورة البقرة الآية 58]. ففي نور الثقلين عن مجمع البيان: روي عن الباقر علیه السلام قال: قال الباقر علیه السلام نحن باب حطتكم» و في كتاب ذخائر العقبى ص77: قال: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أنا دار العلم و علي علیه السلام بابها» أخرجه البغوي في المصابيح الحسان و أخرجه أبوعمرو قال: أنا مدينة العلم و زاد، فمن أراد العلم فليأته من بابه. و في المستدرك على الصحيحين ج3 ص126 قال: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص114. و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج4 ص348. و في كتاب البحار ج39 ص335 كما في أمالي الصدوق ص39 قال: عن النعمان بن سعد، عن أميرالمؤمنين علیه السلام قال: «أنا حجة اللَّه و أنا خليفة اللَّه، و أنا صراط اللَّه، و أنا باب اللَّه، و أنا خازن علم اللَّه، و أنا المؤتمن على سر اللَّه و أنا إمام البرية بعد خير الخليقة محمد نبي الرحمة صلى الله عليه و آله و سلم). و في ج39 ص349 أيضاً كما في كتاب معرفة أخبار الرجال ص138 قال عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال أميرالمؤمنين علیه السلام أنا وجه اللَّه و أنا جنب اللَّه و أنا الأوّل و أنا الآخر و أنا الظاهر و أنا الباطن و أنا وارث الأرض و أنا سبيل اللَّه و به عزمت عليه فقال معروف ابن خربود و لها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلو.
يا عُرْوَةَ اللَّهِ وَ الحَبْلَ المتينَ و مَنْ *** هُوَ الْكِتَابُ الذي في غَيْبِهِ كُتِبا(1)
وَ هُوَ الَّذِي نَزَلَ الْقُرآنُ فيهِ فَسَلْ *** حم يس عَمَّ المرسلاتِ سَبا
يَا خَاتَمَ الأوْصِياءِ الغُرِّيا خَلَفاً *** بهِ الخِلَافَةُ قامَتْ لا تَرَى عَقَبا
ص: 112
1- يشير في هذا البيت إلى قوله تعالى:«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [سورة البقرة الآية: 256]. ففي كتاب تفسير نور الثقلين أيضاً ج1 ص264 قال: «و في باب ما كتبه الرضا علیه السلام للمأمون من محض الإسلام و شرائع الدين و إن الأرض لا تخلو من حجة الله «تعالى» على خلقه في كل عصر و أوان و إنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». و إلى قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» [سورة آل عمران الآية: 103] ففي تفسير العياشي ج1 ص194: «عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال: آل محمد علیه السلام هم حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به فقال:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» [سورة آل عمران الآية: 103].
يَا ناصِرَ الدِّينِ يا غَوْثَ الصَّرِيخِ و يا *** مُجِيبَ دَعْوَةِ مَنْ ناداهُ مُنْتَدِبا(1)
أنْتَ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ العِبادَ بِهِ *** في آخِرِ الدَّهْرِ يَجْلُو عَنْهُمُ الكُرَبا(2)
وَ أَنْتَ مَنْ تَمْلأُ الدُّنْيا عَدالَتُهُ *** كَما مِنَ الْجَوْرِ قِدْماً نالَتِ النُّوَبا(3)
وَ لَيْسَ عِنْدِيَ شَكٍّ فِي حَياتِكَ بَلْ *** لَوْلا وُجُودُكَ فى ذا الكَوْنِ لأَنْقَلبا(4)
ص: 113
1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الإمام صاحب العصر (عجل الله «تعالی» فرجه الشريف) خاتم الأوصياء. فقي البحار ج51 ص93 الباب الحادي عشر باب ما ورد من الأخبار في القائم عج الله فرجه الشریف قال: عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال:«قلت»: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمنا آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم: المهديُّ أم من غيرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا بل منّا يختم اللَّه به الدين كما فتح بنا و بنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك و بنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك و بنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم قال هذا حديث حسن عال رواه الطبراني في المعجم الأوسط و أبو نعيم في حليته و عبدالرحمن في عواليه. و في فرائد السمطين/ للجويني الشافعي/ ج2 باب16 ص335: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المهدي عج الله فرجه الشریف من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي أشبه خلقاً و خلقاً تكون له غيبة و حيرة يغل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلما و جوراً.
2- ربما يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» [سورة النور، الآية: 55] . ففي البحار ج51 ص54 ح34 عن الإمام زين العابدين علیه السلام أنها نزلت في المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) و في البحار أيضاً ج51 ح35 غيبة الطوسي بسنده عن الإمام محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي علیه السلام في قوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» [سورة القصص الآية:5] قال هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم: فيعزهم ويذلُّ عدوهم.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الأحاديث المروية عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم و آل بيته علیهم السلام في أنه لا يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلما وجوراً. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص99 روی بسنده عن علي علیه السلام يقول: «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله «عزوجل» رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً و قد مرَّ في هامش رقم2 ص42 من هذه القصيدة مع حديث آخر نقلناه عن كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص559-260 و البحار ج51 ص84.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أن الأرض لاتبقى بغير إمام و إلا لساخت بأهلها. ففي كتاب الغيبة للنعماني ص89 قال: عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله المؤمن عن أبي هراشة عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنه قال: لو أن الإمام رُفع من الأرض ساعة لساخت بأهلها و ماجت كما يموج البحر «بأهله» و في المصدر ذاته: «عن أبي حمزة قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام أتبقى الأرض بغير إمام فقال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» و الأحاديث في ذلك متضافرة جداً لا تخفى على من راجع مظانها.
فَالغَوْتُ مِنْ عُصْبَةٍ ضَلَّتْ وَ قَدْ تَخِذَتْ *** مِنْ بَغْیِها وَ شَقاها دِينَكُمْ لَعِبا
وَ أَلْبَسَتْنَا بِمَا نَالَتْ وَ مَا ابْتَدَعَتْ *** ثَوْبَ الْأَسَى و عَلَيْنَا الدُّلَّ قَد ضُرِبا
وَ قَدْ أَبت أن ترى مِنْ نَسْلِكُمْ أَحَداً *** إلا أَنَالَتْهُ مِنْ طُغْيَانِهَا الْعَطَبَا(1)
وَ إِنْ نَسِيتُ فَلا أَنْسَى وَ حِلْمِكَ مَنْ *** بِكَفِّهِ أَمَّكَ الزَّهْراءَ قَدْ ضَرَبا(2)
وَ أَلْصَقَ الْبَابَ أخشاها وَ أَضْغَطها *** ظُلماً و أَسْقَطها يا عَظْمَ مَا ارْتَكَبا
وَ مَنْ عَلى ما حَباهَا اللَّهُ نازَعَها *** وَ إِرْثَهَا مِنْ أبيها المُصْطَفَى غَصَبا
وَرَدَّ شَاهِدَهَا الْعَدْلَ الَّذِي هُوَ فِي *** أُمِّ الْكِتَابِ عَلِيٌّ وَ افْتَرَى كَذِبا(3)
وَ مَنْ دَنا نَحْوَ بَيْتِ الْوَحْيِ مُجْتَرِنَا *** وَ قَدْ أَتَى بِجُمُوعِ جَمَّعَتْ حَطَبا
ص: 114
1- العطبا: العطب: الهلاك.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد على لسان فاطمة علیها السلام: «فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم... الخ» راجع عوالم العلوم ج2/11 ص574 و البحار ج8 ص240 طبعة حجرية. و في الاختصاص/ للمفيد / ص180 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل: فرفسها عمر برجله و كانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني انظر إلى قرط في أُذنها حين نقفت.
3- ورد في السيرة الحلبية للحلبي ج3 ص487 «و قال لها هل لك بينة فشهد لها علي علیه السلام وأم أيمن فقال لها أبو بكر أبرجل وامرأة تستحقينها». و في الاحتجاج للطبرسي/ ج1 ص90 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل: جاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لِمَ منعتني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر من الله «تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن و شهدت أن الله «عزوجل» أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «وات ذا القربى حقه» و جاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك... فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لانقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول و إلا فهو فيء للمسلمين لاحق لك و لالفاطمة علیها السلام فيه.
لِيَضْرِمَ النَّارُ فيهِ وَ هُوَ يَعْلَمُ مَنْ *** فِيهِ لِيَبْلُغَ مِنْ مَأْمُولِهِ أَرَبا(1)
يُرِيدُ إطفاء نور كانَ مُتَّقِداً *** و الله عمّا يُرِيدُ الظَّالِمُونُ أبَى(2)
وَلَيْتَهُمْ قَنِعُوا منها بِمَا ارْتَكَبُوا *** وَ إِنْ يَكُنْ جَلَّ في الإسلام مُرْتَكَبا
و لَمْ يَقُودُوا عَلِيّاً في حَمائِلِهِ *** فَوْدَ الأسير بِعَيْنِ اللَّهِ مُكْتَيْبا
مُلَبَّباً برداءِ الصَّبْرِ مُشْتَمِلاً *** مُسلّماً أَمْرَهُ لِلَّهِ مُحْتَسِباربما يشير الشاعر إلى إجبار علي علیه السلام على البيعة لأبي بكر و أخذه ملبباً و مقوداً بحبائل سيفه.
ففي كتاب سليم بن قيس ص37: «فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه، و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثُروه فألقوا في عنقه حبلاً و حالت بينه و بينهم فاطمة علیها السلام عند الباب فضربها قنفذ الملعون بالسوط... الخ.
و في ص208 من كتاب سليم بن قيس أيضاً: «فأخرج علي علیه السلام و اتبعه الناس و اتبعه سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و هم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخرجتم الضغائن التي في صدوركم؟ و قال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر أتيت على علیه السلام أخي رسول الله و وصيه و على ابنته فتضربها و أنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به؟ فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة و هو في عمده فتعلق به عمر و منعه من ذلك فانتهوا بعلي إلى أبي بكر ملبباً الخ.
يُدعى إلى بَيْعَةٍ كانَ الْأَحَقُّ بها *** مِنَ الأولى عَبدُوا الْأَوْثَانَ و الصُّلُبا(3)
ص: 115
1- إشارة إلى ما ورد في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12: «قال: و إن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي علیه السلام فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقتها على من فيها فقيل له يا أباحفص إن فيها فاطمة علیها السلام فقال: و إن... إلخ.
2- يشير الشاعر إلى قوله تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [سورة التوبة، الآية: 32]. و ربما يتضمن البيت أيضاً ما ورد في ينابيع المودة/ للقندوزي الحنفي/ ص114 في حديث طويل عن سليم بن قيس قال: رأيت علياً علیه السلام في مسجد المدينة في خلافة عثمان وكان جماعة المهاجرين و الأنصار يتذاكرون فضائلهم و علي علیه السلام ساكت فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام تكلم فقال: يا معشر قريش و الأنصار أسألكم ممن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم أم بغيركم؟ قالوا: اعطانا الله ومنَّ علينا بمحمد صلي الله علیه و آله و سلم. قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا و أهل بيتي علیهم السلام كنا نوراً نسعى بين يدي الله «تعالي» قبل أن يخلق الله «عزوجل» آدم بأربعة عشر ألف سنة؟ فقال أهل السابقة و أهل بدر و أحد نعم قد سمعناه...
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى عدم عبادة الإمام علي علیه السلام الأوثان و الصلبان قبل الإسلام في حين كان القوم قد عبدوا الأصنام في جاهليتهم على ديانة الشرك و بعضهم قد عبد الصلبان و ألَّه النبي عيسى ابن مريم علیه السلام. ففي كتاب تفسير الكشاف للزمخشري ج3 ص319 في تفسير قوله «تعالى»: «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» [سورة يس، الآية:20]. و عن تفسير الثعلبي ص238: «قال: ويروى عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين حزقيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجار صاحب يس و علي بن أبي طالب علیه السلام و هو أفضلهم». و راجع كنز العمال ج6 ص365 قال عن حبة: إن علياً علیه السلام قال: اللهم إنك تعلم أنه لم يعبدك أحد من هذه الأمة قبلي و لقد عبدتك قبل أن يعبدك أحد من هذه الأمة ست سنين».
و أُشْرِبُوا الْعِجْلَ حُبّاً في قُلُوبِهِمُ *** وَ قَلْبُهُ غَيْرَ حُبِّ اللَّهِ ما شَرِبا(1)
و خالَفُوا أحْمَدَ المُخْتارَ حَيْثُ نَهَى *** مِنَ التَّخَلُّفِ عَنْهُ أَيْنَمَا ذَهَبا(2) (3)
ص: 116
1- و هي مقارنة مع اليهود في قوم موسى علیه السلام... قال الله تعالى في محكم كتابه: «وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظَالِمُونَ» [سورة البقرة، الآية: 92 و الآية: 93] بدايتها «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ». و يتضمن البيت كناية عن عدم إيمان القوم كما لم يؤمن قوم موسى من قبل.
2- يشير الشاعر إلى حديث النبي صلي الله علیه و آله و سلم الذي ذكر في كتاب مناقب آل أبي طالب قال: عن تاريخ الخطيب عن ثابت مولى أبي ذر قال: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي و قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: علي علیه السلام مع و الحق مع علي علیه السلام و لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة. ج3 ص62. و في المناقب أيضاً: عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن هذا صراط مستقيماً فاتبعوه و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» سألت الله أن يجعلها لعلي ففعل. ج3 ص72. و في المناقب أيضاً قال: عن الرضاء علیه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى فليتمسك بحب علي بن أبي طالب علیه السلام. ج3 ص76 ففي البحار ج38 ص10 عن كتاب الروضة عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي خير من أترك بعدي، فمن أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني. و في البحار ج38 ص119 عن أمالي الصدوق ص310 قال: عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إن اللَّه «عزوجل» نصب علياً علماً بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً و من أنكره كان كافراً و من جهله كان ضالاً و من عدل بينه و بين غيره كان مشركاً و من جاء بولايته دخل الجنة و من جاء بعداوته دخل النار.
3- الأزهار الأرجية ج2 ص201.
(23) دار فاطمة علیها السلام
(بحر البسيط)
الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)
مِنَ الضّلالِ عَلَيْنا النَّصْبُ قَدْ وَثَبا *** لَمَّا اسْتَطَالَ وَ عَنّا كُنْتَ مُحْتَجِبا
وَ كَانَ سَيْفُكَ مَعْمُوداً لَدَيْكَ وَ لَمْ *** يَبْرَحْ يَمُجُّ دِمَاءَ حَدُّهُ غَضَبا(2)
يُرِيدُ يَوْماً به تُشْفَى غَلائِلُهُ *** مِنَ الضّرابِ إذا مِنْ غَمْدِهِ جُذبا
فَالغَوْثَ الغَوْثَ قَدْ ضاقَ الخِناقُ بنا *** فَكُفَّ عنا دَوَاعِي النَّصْبِ و الكُرَبا(3)
فَطَهِّرِ الأَرْضَ مِنْ أدْناسِهِمْ بِدِما *** أَرْجاسِهِمْ حِينَ فِيهِمْ تُثْبِتُ العَطَبا(4)
فَلَيْسَ يَطْهرُ وَجْهُ الأرْضِ بَعْدَهُمُ *** إلا إذا فَوْقَها سَيْلُ الدِّمَا انْسَكَبا
فَإِنَّ حِلْمَكَ عَنْهُمْ زادَهُمْ حَنَقاً *** عَلَيْكُمُ و أَرانا الذُّلَّ وَ الرَّهَبا(5)
فلا تَدَعْ لَهُمُ عَيْناً و لاأثراً *** وَ اجْتَثَّ دينَهُمُ حَتَّى يَكُونَ هَبا
فَهْذِهِ يَا بْنَ طه أَوْلِياؤُكُمُ *** فِيكُمْ تُكابدُ مِنْ أَعْداكُمُ الكُرَبا
يَرَوْنَ دِينَكُمُ مُلقَّى وَ شَرْعَكُمُ *** مُمَزَّقاً كانَ و الإسلامُ قَدْ ذَهبا
وَ الجَوْرَ مُجْتَمِعاً وَ الظُّلْمَ مُتَّسِعاً *** وَ الكُفْرَ مُرْتَفِعاً وَ النَّصْبَ مُنْتَصِبا
لمَّا على منبر الهادِي النَّبِيِّ أخُو *** تَيْم رَقَى وَ اجْتِراءٌ فَوْقَهُ خَطَبا
مِنْبَرِ وَ أَخَّرَ المُرْتَضَى عَنْ حَقِّهِ وَ نَفَى *** عَنْهُ خِلافَتَهُ حتّى بها احْتَقَبا(6)
وَ فاطِمٌ مَنَعُوها إِرْتَها فَدَكاً *** و أَسْقَطُوها جَنِيناً كانَ مُنْتَجَبا
ص: 117
1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يمجُّ: يرمي.
3- النصبُ: الداء و البلاء و الكرب: الحزن يأخذ بالنفس.
4- الرجس: القَذَر.
5- الحنق: شدّة الغيظ.
6- احتَقَبَ زيداً على ناقتِهِ: أركبَهُ و راءَهُ و احْتَقَبَ الإثمَ: جَمَعَهُ كأَنّهُ احْتَمَلَهُ خلْفِهِ.
فَإِنَّ إسقاطها ذاكَ الجَنِينَ غَدا *** لقطع رأسِ حُسَيْنٍ بَعْدَها سَبَبا
فلَيْسَ أَرْدَى حُسَيْناً مَعْ بَنِيهِ سِوى *** مَنْ أُمَّكَ البِضْعَةَ الزَّهْرَاءَ قَدْ ضَرَبا
وَ أَوْقَدَ النَّارَ ظُلْماً مِن جَراءَتِهِ *** في بابِ مَنْزِلِ بَيْتِ الوَحْيِ فَالْتَهَبا
بَيْتٌ بِهِ تَهْبِطُ الأَملاكُ خاضِعَةٌ *** مِنَ السَّما فيه شَبَّ النارَ و الحَطَبا
وَ أَخْرَجَ المُرْتَضَى مِنْ دارِ فاطِمَةٍ *** مُلَبَّباً صابِراً للَّهِ مُحْتَسِبا
مِنْ خَلْفِهِ فَاطِمُ الزَّهْراءُ صارِخَةٌ *** وَ دَمْعُها فَوْقَ خَدَّيْها قَدِ انْسَكَبا
***
يابْنَ النَّبِيَّ زَعِيمِ الرُّسلِ مَنْ وَطِئَتْ *** فَوْقَ السَّما قَدَماهُ العَرْشَ وَ الحُجُبا
لَوْلا صَحِيفةُ أصْحابِ السَّقِيفةِ ما *** شِمْرٌ عَلى صَدْرِ سِبْطِ المُصْطَفَى رَكِبا
وَ لَا اسْتَباحَتْ بَنُو حَرْبٍ حَرَائِرَكُمْ *** وَ لا لَكُمْ نَهَبُوا يومَ الطُّفوفِ خِبا
وَ لا لَكُمْ ذَبَحُوا طِفْلاً به فَجَعُوا *** عَلَيْهِ أُمّا لَهُ في كَرْبَلا وَ أَبا
فَكُمْ لَكُمْ في مَحانِي الطَّلفِّ مِنْ قَمَرٍ *** تَنْجابُ عَنْهُ غَرَابیبُ الُّدجَى غربا(1)
وَ شَمْس خِدْرٍ تَمَنَّی البَدْرُ أَنَّ لَها *** يَكُونُ طُلنْبَ خِباً أَضْحَتْ بِغَیْر خِبا(2)
وَ أَنْجُمٍ مِنْ بَناتِ الرُّسُلِ قَدْ بَرَزَتْ *** مِنْ خِدْرِها إذْ غدا بِالنَّارِ مُلْتَهِبًا
قد أَلْبَسُوها من الأَقیَادِ أَسورَةٌ *** مِنْ بَعْدِما سَلَبُوها الدُّرَّ و الذَّهَبا
كُلُّ تُنادِي بِصَوْتٍ لَوْ تَوَجَّسَهُ *** طَوْدٌ تَزَعْزَعَ ذاكَ الطَّوْدُ وَانْقَلَبا:
يا راكباً فَوْقَ نِضْو في قَوائِمِهِ *** يَطْوِي أديمَ فَيا فِي البِيدِ و الهُضُبا
عُجْ بِالمَدِينَةِ وَ اصْرُخْ: يا بَنِي مُضَر *** فَفِی الطُّفُوفِ انْطَفا مِصْباحُكُمْ وَ خَبا
فَأَطْلِقُوا الخَيْلَ كالعِقْبانِ غَائِرةً *** وَ قَوِّمُوا فَوْقَها الخُرْصانَ و القُصُبا(3)
وَ اسْتَنْقِذُوا مِنْ يَدِ الأَعْدا حَرائِرَكُمْ *** فَقَدْ سَرَتْ وَ هْيَ أَسْرَى بَيْنَهُمْ غُرَبا
ص: 118
1- غرابيب: سود.
2- خِبا: خِباء حُذفت الهمزةُ لضرورة القافية.
3- الخرصان: (الخرّاص): الكذّاب. القُضُبا : (إقتضاب): يرتجال الكلام (مختار الصحاح).
فَطَاطِئوا رؤوسَكُمُ حُزْناً فَإِنَّ عَلَى *** رَأْسِ القنا رَأْسُ سِبْطِ المُصْطَفَى نُصِبا
وَ لاتُوَارُوا لَكُمْ مَيْتاً بحُفْرَتِهِ *** فَجِسْمُهُ قَدْ غدا فَوْقَ الثَّرَى تَربا
و لاتَمُدُّوا عَلى أزواجِكُمْ كِلَلاً *** فَزَيْنَبٌ خِدْرُها في كَرْبَلا انْتُهِبا(1)
ص: 119
1- دیوان ملا علي آل رمضان ص376.
(24) سادات البرايا
(بحر الوافر)
الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)
عَجِيبُ الأَمْرِ مَنْ فَقَدَ الشَّبابا *** وَ مَفْرِقُ رَأْسِهِ الْمُسْودِّ شابا
وَ يَبْنِي الدُّورَ في الدُّنْيا وَ عَمّا *** قَلِيلِ يَسْكُنُ الْقَبْرَ الْخَرابا
وَ يَدَّرِعُ الْجَدِيدَ و عَنْ قَرِيبٍ *** مَعَ الديدانِ يَفْتَرِسُ التُّرَابا
و يَبْقَى رَهْنَ لَحْدِ لَوْ رآه *** بهِ أَبَواهُ مِنْ لُقياه هابا
وَ لَوْ ناداهُ ذُو رَحِمٍ قَرِيبٍ *** اليْهِ لَمْ يَرُدَّ لَهُ جَوابا
فَكَيْفَ يُجِيبُ و الدِّيدانُ تَرعى *** بِجِيفَتِهِ وَ لَوْ أَنْباهُ شابا
فَإِنَّ الْقَبْرَ يَدْعُو كُلَّ يَوْمٍ *** وَلكِنْ لاتَعُونُ لَهُ خِطابا
أنا بيتُ الَّذِي مَنْ حَلَّ فِيهِ *** تَناثَرَ لَحْمُ جُثَّتِهِ وذابا
أَنَا بَيْتُ بهِ الإِنْسانُ يَبْقَى *** وَ لَيْسَ يَرَى لَهُ عنِّي انْقِلابا
وَ يَنْظُرُ فيهِ ما كَسَبَتْ يَداهُ *** مِنَ الدُّنْيا نَعِيماً أَوْ عَذابا
و يَوْمَ الْبَعْثِ يُحْشَرُ فِي صَعِيدٍ *** يَخالُ تُرابه قِيراً مُذابا
تَقُومُ بهِ الْوَرَى وَ هُمُ سُكَارَى *** مِنَ الْأَجْدَاثِ تَضْطَرِبُ اضْطِرابا
وَ فِيهِ البِضْعَةُ الزَّهْراءُ تَأْتِي *** تُنادِي وَ هْيَ تَنْتَحِبُ انْتِحابا(2)
ص: 120
1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى وقوف فاطمة الزهراء علیها السلام يوم القيامة و شكواها إلى الله مظلوميتها و مظلومية أبنائها من بعدها. ففي كتاب مقتل الحسن للخوارزمي ج1 ص52 قال عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول يا عدل يا جبار احكم بيني و بين قاتل ولدي، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فيحكم الله لابنتي ورب الكعبة. و في البحار ج43 ص221 ح7 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«إذا كان القيامة نصب لفاطمة علیها السلام قبة من نور و أقبل الحسين «صلوات الله عليه» رأسه في يده يوم فإذا رأته شهقت شهقة لايبقى في الجمع ملك مقرَّب و لانبي مرسل و لاعبد مؤمن إلا بكي لها...». و في كتاب البحار ج43 ص219 ح1 نقلاً عن أمالي الصدوق عن الباقر علیه السلام: «قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان القيامة تُقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدرّجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرّد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان... حتى يقول و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزخ بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبي و محبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» أين ذرية فاطمة و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام علي حتى تدخلهم الجنة». و في كامل الزيارات/ لابن قولويه / ص334 في حديث طويل: عن أبي عبد الله علیه السلام... و أما ابنتك: فإني أوقفها عند عرشي فيقال لها: إن اللَّه قد حكمك في خلقه فمن ظلمك و ظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببت فإني أجيز حكومتك فيهم فإذا وقف من ظلمها أمرت به إلى النار... و أول من يحكم فيهم: محسن بن علي علیه السلام و في قاتله ثم في قنفذ فيؤتيان هو و صاحبه فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها و لو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رماداً فيضربان بها...
و تَصْرُخُ صَرْخَةً منها الرواسي *** تَكُونُ لِعُظمٍ صَرْخَتِها سَرابا(1)
إلهي أيْنَ مَنْ هَتَكُوا حِجابي *** وَ بَزُوا نِحْلَتي مِنّي المتصابا؟
وَ قادُوا المُرْتَضَى الْكَرَارَ لَمّا *** أَخُوهُ المصطفى المُخْتارُ غابا؟
و في المِحْرابِ أرْداهُ المُرَادِي *** بِسَيْفِ قَدْ سُقِي سُمّاً مُذابا؟
وَ أَسْقِي المُجْتَبى سُمّاً نَقِيعاً *** بِأخشاهُ قَدِ الْتَهَبَ الْتِهابا؟
ص: 121
1- الرواسي: الجبال الراسخة.
وَ وَقْعَةُ كَرْبَلا أَدْهَى مُصاباً *** وَ أَعْظَمُ فَجْعَةً وَ أَمَرُّ صَابا؟
فإِنَّ أُميّةٌ أَرْوَتْ بها مِنْ *** دِمارَقَباتِ أَوْلادِي الْحِرابا(1)
فَقَدْ قَتَلُوا حُسَيْناً و اسْتَباحُوا *** نِساهُ و قَيَّدُوا مِنْها الرقابا
وَ شَبُّوا في مضاربها حَرِيقاً *** وَ لَمْ يُبقِ الْحَرِيقُ لها حِجابا
وَ ساقُوها عَلَى قَتَبِ الْمَطايا *** بها تَطْوِي المَفَاوِزَ و الشِّعابا
تُنادي: يا حَوادي، وَيْلَكُمْ قَدْ *** أَضرَّ بنا الْهَجِيرُ، وَ لَنْ تُجابا
سِوى بِلِسانِ كُلِّ سِنانِ رُمْحٍ *** مِنَ الأعْدا وَ هُمْ كانوا غِضابا
فَتَهْتِفُ: ياأَباحَسَن أَغِثنا *** فَإِنَّكَ غَوْثُ مَنْ أَضْحَى مُصابا
فَتِلْكَ بَناتُكَ الْخَفِراتُ أَسْرَى *** بِذُلُّ رُكْبَتْ نُوقاً صِعابا!
على الكيرانِ مِنْها بِالْأَيادي *** تُدافِعُ عَنْ مَناكِبها الضِّرابا(2)
قَدِ انْفَطَرَتْ ضَمَائِرُها وَ سالَتْ *** بِإهْراقِ الدُّمُوع دَماً مُذابا
بَني المختار ساداتِ الْبَرايا *** و مَنْ كانوا لِتَغْرِ الْفَيْضِ بابا
خُذُوا مِنْ قِنْكُمْ نَظماً مَلِيحاً *** بهِ يَرْجُو مِنَ الباري الثِّوابا(3)
وَ يَرْجُو الْفَوْزَ مِنكُمْ مَعْ بَنِيهِ *** وَ آبَاهُ إذا حَضَر الحِسابا
وَ مَنْ عَلِقَتْ بِحَبْلِكُمُ يَداهُ *** وَ فازَ بِنَيْلِ حُبِّكُمْ وَطابا
كذلك سالِمٌ كُونُوا لَهُ عَنْ *** لَظى سَفَرٍ مَعَ الآبا حِجابا
وَ تَغْشَاكُمْ صَلاةُ اللَّهِ مَا إِنْ *** بَدا بَدْرٌ بِجُنْحِ دُجَى وَغابا(4)
ص: 122
1- الحراب: جمع حربة و هي آلة للحرب من الحديد قصيرة محددة مثل الرمح.
2- الكيران: جمع الكور و هو رحل البعير.
3- القنَّة:جمع قَنن و قنَّة كل شيء أعلاه.
4- دیوان ملا علي آل رمضان ص111.
(25) فاطمة الزهراء علیها السلام
(بحر الطويل)
الشيخ ملا علي آل رمضان(1)(*)
عَلامَكَ عَنْ سَمْتِ الرِّضا مُتَنَكِّبُ*** وَنَفْسُكَ فيما يَعْطِبُ العَقْلَ تَرْغَبُ؟
أَنَظرُقُ طَرْقَ اللَّهوِ دَأْباً وَلَمْ يَكُنْ*** لها في مَساعِي مَنْهَجِ الرُّشْدِ مَطْلَبُ ؟
وَكُلُّ أَمْرِى ءٍ يُرْخِي الْعِنَانَ لِنَفْسِهِ*** بِهِ في مَيادِينِ الْمَهالِكِ تَذْهَبُ
فَإِنَّ جَمالَ المَرْءِ عَقْلٌ يَزِينُهُ*** وَتَقْوَى بها مِنْ رَبِّهِ يَتَقَرَّبُ
وَحِلْمٌ وعِلْمٌ مُسْتَقَرٌّ وَعِفَّةٌ*** وَكَثْرَةُ آدابٍ بِهَا يَتَأَدَّبُ
وَحُسْنُ اعْتِقاداتٍ بِآلِ مُحَمَّدٍ*** هُداةٌ بِهِمْ يَرْضَى الإلهُ وَيَغْضَبُ
خَزائِنُ أسْرارٍ وَأبْحُرُ أَنْعُمٍ*** تَفِيضُ نَدًى مِنْهُ الخَلائِقُ تَشْرَبُ
يَنابِيعُ جُودِ لِلْمُهَيْمِنِ لَمْ تَزَلْ*** طَوامٍ وَمِنْ حافاتِها الْخَلْقُ تَشْرَبُ(2)
وَهُمْ أَنْجُمٌ كانَتْ بِهَا الخَلْقُ تَهْتَدِي*** إِلَى الْحقِّ إِلا أَنَّها لَيْسَ تَغْرُبُ(3)
كَلامُهُمُ نُورٌ وَقَوْلُهُمُ هُدًى*** وَرَأْيُهُمُ رُشْدٌ وَعِلْمٌ وَمَذْهَبُ
فَمِنْهُمْ نَبیٌّ أَوْضَحَ الدينَ لِلْوَرَى*** وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ دُجَى الشِّرْكِ غَيْهَبُ(4)
رَسُولٌ رَقَى السَّبْعَ السَّمَواتِ وَانْحَنَتْ*** لَهُ وَهُوَ يَرْقاها النَّبِيٌّ الْمُهَذَّبُ
ص: 123
1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- طوامِ:طمى النهر ارتفع ماؤه وامتلأ.
3- في مستدرك الصحيحين ج3 ص149: روي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الفرق وأهل بيتي أمان من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس .وراجع ابن حجر أيضاً في صواعقه (ص 140).
4- غيهب: ظلمة.
إِلى أَنْ دَنا من ذِي الْجَلالِ وَقَد بَدا *** إِلَيْهِ مِنَ السِّرِّ الخَفِيُّ المُحَجَّبُ(1)
وَأَوْدَعَهُ الرَّحْمَنُ أَسْرَارَ عِلْمِهِ*** وَأَعْطَاهُ مِنْهُ ما يُريدُ وَيَطْلُبُ
وَمِنْهُمْ إمامٌ وَحَّدَ اللَّهَ حَيْثُ لَمْ *** يَكُنْ آدَمٌ في الكَوْنِ وَهُوَ لَهُ أَبُ
فَتى لِلْهُدى بَحْرٌ وَلِلْفَيْضِ مَصْدَرٌ*** وَلِلْمُصْطَفى نَفْسٌ وَلِلدِّين مَذْهَبُ(2)
وَقَدْ كَانَ في الأكوانِ كَالْقُطْبِ في الرَّحَى*** تَدُورُ عَلَيْهِ الفُلْكُ وَهُوَ مَرْكَبُ
ص: 124
1- يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى الآية المباركة من سورة الإسراء«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»آية1. وإلى الآيات المباركات من سورة النجم«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* «وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» الآيات (5- 9).
2- في (الصواعق المحرقة ص 93) قال : إن علياً علیه السلام احتج على أهلها فقال لهم: أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلی علیه واله وسلم في الرحم مني و من جعله صلی الله علیه واله وسلم نفسه و أبناءه أبناءه و نساءه نساءه غيري قالوا: اللهم لا. (الحديث). و عن السيوطي في الدر المنثور، في تفسير آية المباهلة في سورة آل عمران قال: عن جابر قال: قدم على النبي صلی الله علیه وآله و سلم العاقب و السيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد صلی الله علیه واله سلم قال:كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام قالا: فهات، قال حبّ الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى الغد، فغدا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرا له فقال: و الذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً. قال جابر: فيهم نزلت: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم الآية قال جابر أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلی الله علیه واله سلم و عليّ و أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة علیهم السلام، و في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص395 قال: إشارة إلى كونه نفس النبي صلی اللَّه علیه و آله و سلم (روي بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال افتتح رسول الله صلی اللَّه علیه وآله و سلم مكة ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة ثم أوغل غدوة أو رواحة ثم نزل ثم هجر ثم قال: أيها الناس إني لكم فرط وإني أوصيكم بعترتي خيراً موعدكم الحوض والذي نفسي بيده لتقيمنَّ الصلاة ولتُؤتُنَّ الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليهم و ليسبين ذراريهم قال فرأى الناس أنه يعني أبا بكر أو عمر فأخذ بيد علي علیه السلام فقال: «هذا». مستدرك الصحيحين ج2 ص120 قال: هذا حديث صحيح الإسناد وذكره المتقي في كنز العمال ج6 ص405، وابن حجر في صواعقه ص 75، وذكره الهيثمي في مجمعه ج9 ص134.
فَيا عَجَباً هذا يُقادُ مُلَبَّباً *** إلى مُسْتَقَرٌّ في الصَّلالِ وَ يُسْحَبُ(1)
وَ فَاطِمَةُ الزَّهْراءُ يَدْخُلُ بَيْتَها *** عَلَيْها بلا إذنِ وَبِالسَّوْطِ تُضْرَبُ(2)
وَ تُضْغَط ما بَيْنَ الجدارٍ وَ بابِها *** وَ تُسْقِط حَمْلاً مِنْ حَشَاهَا وَ تُرْعَبُ(3)
وَ مَنْزِلُها بِالنَّارِيُورَى وَ لَمْ يَزَلْ *** بِهِ الرُّوحُ يَأْتِي بِالعُلُومِ وَ يَذْهَبُ(4)
فَأَقْسَمَ بالرَّحْمَنِ لَوْلا وَصِيَّةٌ *** مِنَ المُصْطَفَى مَا قِيدَ وَ هُوَ مُلبَّبُ(5)(6)
ص: 125
1- في كتاب بهجة قلب المصطفى ص547 و أخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي والله لئن... إلخ.
2- انظر کتاب سليم بن قيس ص39. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و قد جاء فيه: «فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط».
3- عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه فاطمة علیها السلام بین الباب و الحائط عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها... الخ. و في الاحتجاج: «و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها» الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر إلى ما مرَّ في قصيدة عبد العظيم الربيعي في كتاب سليم بن قيس ص36، و البحار ج8 ص59 و العقد الفريد ج2 ص252: «ثم أمر ناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً...». الخ.
5- ملبّب: مجرور. في کتاب سليم بن قيس ص154: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لعلي علیه السلام يا أخي إنَّك لست كمثلي إن اللَّه أمرني أن أصدع بالحق و أخبرني أنه يعصمني من الناس و أمرني أن أجاهد و لو بنفسي فقال: «فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلا نفسك» و قال: «وحرض المؤمنين» و قد مكثت بمكة لم آمر بقتال ثم أمرني بالقتال لأنه لايعرف الدين إلاّ بي و في و لاالشرائع و لاالسنن و الأحكام و الحدود و الحلال و الحرام. و إن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به و ما أمرتهم فيك من ولايتك و ما أظهرت من محبتك متعمدين غير جاهلين مخالفة ما أنزل الله فيك فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك، و اعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم. إنك يا أخي لست مثلي إني قد أقمت حجتك و أظهرت لهم ما أنزل الله فيك و أنه لم يعلم أني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أن حقي و طاعتي واجبان حتى أظهرت ذلك فإني كنت قد أظهرت حجتك و أقمت بأمرك فإن سكت عنهم لم تأثم غير أنه أحبّ أن تدعوهم و إن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك وتظاهرت عليك ظلمة قريش . فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى أن يقتولك و التقية من دين الله و لادين لمن لاتقية له و أن الله قضى الاختلاف بهم و الفرقة على هذه الأمة و لو شاء لجمعهم على الهدى و لم يختلف اثنان منهما و لامن خلقه و لم يتنازع في شيء من أمره و لم يجحد المفضول ذا الفضل فضله و لوشاء عجل النقمة و كان منه التغير حتى يكذب الظالم و يعلم الحق أين مصيره واللَّه جعل الدنيا دارالأعمال و جعل الآخرة دارالثواب و العقاب: «ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى» فقلت شكراً لله على نعمائه و صبراً على بلائه و تسليماً و رضاً بقضائه.
6- ديوان ملا علي آل رمضان ص57 و القصيدة في (95) بيتاً و قد أخذنا منها ما نحن بصدده.
(26) غيرة اللَّه
(بحرالخفيف)
الشيخ علي بن حسن الجشي
غَيْرَةُ اللَّهِ كَيْفَ تَسْطِيعُ صَبراً *** وَ لِشَّمْسِ الإسلام حانَ غُروبُ
بدأ الدِّينُ في الأنام غَرِيباً *** وَ أَراهُ قَدْ عَادَ وَ هُوَ غَرِيبُ(1)
شَبَّ عُمْرُ الهُدى عَن الطَّوْقِ فيكُمْ *** وَ طَريقُ الهُدى بكُمْ مَلْحُوبُ(2)
ما... لاتمَّ بشرعَلَيْهَا *** وَ... فَلَا عَدَتْهَا الخُطُوبُ
حَاوَلَتْ مَحْوَ دَعْوَةِ الحقِّ حتى *** تُظهِرَ الشَّرْكَ وَ الضَّلال ضَرُوبُ
كَتَبَتْ صَلَّها القَدِيمَ وَ قَالَتْ *** هَجَرَ المُصْطَفَى وَ ذاكَ عَجِيبُ(3)
وَ ابْتَغَتْ فُرْصَةَ اخْتِلاسِ فَلَمَّا *** حانَ مِنْ سيّدِ الهُداةِ المَغِيبُ
نَشَرَتْ ما طَوَى النِّفاقَ قَدِيماً *** وَ هُوَ فِي سِتْرِ كَيْدِها مَحْجُوبُ
ص: 127
1- إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «بدأ الإسلام غريباً ثم يعود كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس...» الحديث عن كنز العمال (1201) ج1 و ح (1192 و1193 و 1198 و 1199).
2- ملحوب: سالك و واضح.
3- إشارة إلى قول عمر بن الخطاب حين أمر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن يأتوا له بدواة و قلم ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فقال عمر كلمته المشهورة «إن النبي ليهجر» راجع تذكرة. الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص62 ط الحيدرية، و ص36 ط إيران و سر العالمين و كشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي مطبعة النعمان ص21، و النهاية في غريب الحديث و الأثر ج5 حرف الهاء بعده الجيم ص226. و نقلت بعض المصادر بدلاً من يهجر عبارة: (أن النبي غلبه الوجع). راجع صحيح البخاري/ كتاب المرض/ باب قول المريض قوموا عني و المصدر نفسه ج1 كتاب العلم و كتاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم إلى كسرى و قيصر/ باب مرض النبي صلي الله علیه و آله و سلم و وفاته، وجه كتاب الجزية باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.
وَ ادَّعَتْ مَنْصِبَ الْخِلافَةِ بَغْياً *** حَذَراً أَنْ يَفُوتَهَا الْمَطْلُوبُ(1)
وَ أَتَتْ تَطْلُبُ الوَلا مِنْ عَلِيّ *** وَ هُمْ يَعْلَمُونَ لايَسْتَجِيبُ
وَ لَعَمْرِي ما بُغْيَةُ الْقَوْمِ إلا *** لايُرَى لِلإِسْلامِ ثَمَّ رَقِيبُ
فَأَتَوْا دَارَهُ بِجَيْشِ ضَلالٍ *** زَعَمُوا أَنه بِهِ مَغْلُوبُ
وَ عَلاهُ مَا القَوْمُ كَفُوا وَلَكِنْ *** ذاكَ فِي سَابِقِ القَضَا مَكْتُوبُ
وَ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِقُوها فَصاحَتْ *** فاطمٌ إِنَّ أَمْرَكُمْ لَمُرِيبُ(2)
ص: 128
1- حيث كانت هذه الجماعة تعلم بوجود نصوص في حق الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام سمعوها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بين تلميح إلى الخلافة و تصريح مثل حديث المنزلة و حديث الدار و حديث الغدير و كثير من التلميحات الأخرى و التصريحات الواضحة و مع كل ذلك ادعت منصب الخلافة لها بأحاديث واهية وأبعدت صاحب المنصب الإلهي و سننقل لك ما ورد في هذه الأحاديث الشريفة حديث المنزلة: راجع صحيح البخاري/كتاب المغازي/ باب غزوة تبوك، ج5 ص129. و صحيح مسلم ج2 باب فضائل علي علیه السلام ص324. و المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص109. و قول الرسول صلي الله علیه و آله و سلم العلي علیه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى علیه السلام إلا أنه لا نبي بعدي». و حديث الدار راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص371، ح514 و580 ، و تاريخ الطبري ج2 ص319-321 طبعة بيروت، و الكامل ج2 ص62، و تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ج3 ص371 طبعة مصر، و ينابيع المودة الكتاب الحادي و الثلاثين ص122. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فأسمعوا له و أطيعوا». و حديث الغدير: فراجع كنز العمال ج6 ص403 و كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص63 و شواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص157 و راجع ترجمة الإمام علي في تاريخ مدينة دمشق/ لابن عساكر ج2 ص45، ح545: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في خطبة الوداع: «من كنت مولاه فهذا علي علیه السلام مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
2- نقل ابن خيزرانة في غرره: «قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي علیه السلام و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة علیها السلام: اخرجي من البيت و إلاأحرقته و من فيه. قال: و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقالت فاطمة علیها السلام: تحرق على ولدي؟ فقال: إي والله أو ليخرجنَّ و ليبايعن. نهج الحق في ص271 و قال في هامشه هذا قريب مما رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ص12، و ابن شحنة في تاريخه بهامش الكامل ج7 ص164 ، و أبو الفداء في تاريخه ج1 ص156، و ابن عبد ربه في العقد الفريد ج2 ص254، و اليعقوبي في تاريخه ج2 ص105.
أَوَ أو هَلْ مَنْصِبُ الوَلا لابن... *** وَ عَلَيْهِ أَسَامَةٌ مَنْصُوبُ؟(1)
أَنَسِيتُمْ نَصْبَ النَّبِيِّ عَليّاً *** يَوْمَ خُمَّ إِذْ قامَ وَ هُوَ خَطِيبُ(2)
لِمَ أضَعْتُمْ وَصيَّةَ اللَّهِ فينا *** و نَكَفْتُمْ وَ الْعَهْدُ مِنْكُمْ قَرِيبُ؟(3)
أكَفَرْتُمْ بِاللَّهِ يا قَوْمُ أَمْ ما *** قَالَهُ المُصْطَفَى لَكُمْ مَكْذُوبُ؟
فَارْعَرُوا لارَعَيْتُمُ وَ دَعُونَا *** فَعَتَتْ لَمْ يُفِدْ بِهَا التَّأْنِيبُ(4)
لاتَسَلْنِي ما نَالَ فاطِمَ لمَّا *** دَخَلُوا الدَّارَ فَالْخُطُوبُ شَعُوبُ(5)
وَ اسْتَدارُوا حَوْلَ الوَصِي وَ لَوْلا *** حِلْمُهُ ما أَفادَهَا التَّأْلِيبُ
أتَرَى يَرْهَبُ الحِمامَ عَلِيٌّ *** بَلْ عَلِيٌّ في صَدْرِهِ مَرْهُوبُ
ص: 129
1- يحتمل أن تكون الكلمة الساقطة من عجز هذا الشطر كلمة (آوى): بمعنى أوَهَلْ منصب الخلافة لابن آوى و الله العالم.
2- يشير إلى حديث الغدير الذي نصب الله فيه علياً علیه السلام إماماً للمسلمين و هو خبر مشهور بين المسلمين سنة و شيعة، و قد ذكر العلامة الأميني في كتابة الغدير عشرات المصادر لهذه الحادثة و في شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج1 ص157 ح211، و ص192 ح250. إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد جمع الناس يوم غدير خم و ذلك بعد رجوعه من حجة الوداع و كان يوماً أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر و جمع الرجال و صعد عليها و قال مخاطباً: معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى. قال: من كنت مولاه فعلي علیه السلام مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله.
3- لعله يشير هذا البيت إلى الآية المباركة من سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [آية، 23].
4- ارعوى: رجع عن الجهل أو رجع مطلقاً.
5- يشير في هذا البيت إلى هجوم القوم على بيت فاطمة علیها السلام و كسر الضلع و إسقاط الجنين وإحراق باب الدار و ما أصابها في ذلك اليوم. و قد أشارت المصادر العديدة إلى بعض تلك الأحداث كما يلي: إحراقهم دارها و هم فيها. [أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586]. و ضربها من قبل عمر [سليم بن قيس ص 37]. و ضربها بالسوط من قبل قنفذ [سليم بن قيس و الاحتجاج ج1 ص 109]. و اسقاط جنينها المحسن [شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص60] و كسر ضلعها [الاحتجاج ج1 ص210]. و شعوب علمٌ للمنية و هو اسم غير منصرف.
أَخْرَجُوهُ مُلَبَّباً لَيْتَ شِعْرِي ***كَيْفَ قِيدَ اللَّيْتُ الهُمامُ المَهِيبُ(1)
فَعَدَتْ خَلْفَهُ البَتُولَةُ تَدْعُو *** بِرَنِين لَهُ الصُّخُورُ تَذُوبُ(2)
اتُريدُونَ تَقْتُلُونَ عَلِيّاً *** لا وَ رَبِّي فَهُوَ السَّمِيعُ المُجِيبُ
فَدَعُوهُ أَوْ أَدْعُوَنَّ عَلَيْكُمْ *** ما ثَمُودُ أخرى بما قَدْ أُصِيبُوا
وَ زَوَوْا إِرثَها اعْتِداءَ فَجَاءَتْ *** وَ هْيَ عَبْرَى وَ دَمْعُهَا مَسْكُوبُ(3)(4)
ص: 130
1- «فانتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر ملبباً فلما بصر به أبوبكر صاح خلّو سبيله» راجع سليم بن يس- بتحقيق الأنصاري- ج2 ص862، و البحار ج28 ص297 و ج43 ص197. و أيضاً عن كتاب مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص88: «و أضرم النار ليحرق عليهم البيت و فيه فاطمة علیها السلام و جماعة من بني هاشم فأخرجوا علياً علیه السلام بحمائل سيفه يقاد نقلاً عن الفاضل المقداد. و أیضاً مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص47 في جواب علي على كلام معاوية حين أراد انتقاصه بكونه أُجبر على البيعة. قال علیه السلام: و قلتَ إني أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع و لعمري و اللَّه لقد أردتَ أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحتَ، و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه». قال المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء علیها السلام بالباب حتى أسقطت محسناً و أخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لاأفعل فقالوا: نقتلك فقال: إن تقتلوني فإني عبد الله و أخو رسوله علیه ...» إثبات الوصية ص123.
2- و أخرجوا علياً علیه السلام ملبّباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفّان لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتينَّ قبر أبي و لأصيحن إلى ربي فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام متوجهة إلى القبر فقال علي علیه السلام لسلمان: یا سلمان أدرك ابنة علیها السلام محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان... الخ نقلاً عن الاختصاص للشيخ المفيد ص186 و تفسير العياشي ج2 ص67: «و الذي بعث أبي محمداً بالحق نبياً لئن لم تخلّوا عن ابن عمي لأضعنّ قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسي و لأصرخنَّ إلى ربي صرخة ترون عواقبها فيكم جميعاً قبل أن تقوموا من مقامكم... الخ الاحتجاج للطبرسي ج1 ص113.
3- زَوَوا: منعوا احتازوا.
4- يشير في هذا البيت إلى قضية فدك إرث الزهراء علیها السلام من أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حيث روي عن السيوطي عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي فقال أبوبكر: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: إن اللَّه «عزوجل» إذا أطعم نبياً طعمة فهي للذي يقوم بعده. دلائل الصدق ج3 ص54. و عن عائشة: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال و إني والله لاأُغيّر من صدقة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم» فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي علیه السلام ليلاً و لم يأذن بها أبا بكر و صلى عليها، و كان لعلي علیه السلام من الناس وجه في حياة فاطمة علیها السلام فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس الحديث... راجع صحيح البخاري ج5 ص177.
أَيُّها النَّاسُ راقِبُوا اللَّهَ فينا *** وَ ارْقُبُوا فَالْإِلهُ فِيكُمْ رَقِيبُ
أتَقُولُونَ غَابَ أَحْمَدُ عَنَّا *** وَ جَفَانَا حَمِيمُنا و القَرِيبُ
وَ أَبانَتْ ضَلَالَةُ الْقَوْمِ لَكِنْ *** لَمْ يَكُنْ فِيهِمُ رَشِيدٌ مُنِيبُ
ثُمَّ آبَتْ كَما أَتَتْ وَ هِيَ صِفْرُ الكَفِّ *** وَ لَهَى وَ حَقُها مَغْصُوبُ(1)
فَانْتَنَتْ بِالأسَى لِما قَدْ عَراها *** في حَنِين كَما تَحِنُّ النِّيبُ(2)
منَعُوها مِنَ البُكاءِ لِتَقْضِي *** كَمَداً و الْفُؤادُ مِنْهَا يَذُوبُ(3)
قُلْ لِبَيْتِ الأحْزانِ ما زالَ حُزْنِي *** لا وَ لاعَيْشِي الهَنِيُّ يَطِيبُ(4)
ص: 131
1- الولهى: الحزينة حزناً شديداً.
2- النيب: مفردها النيوب و هي الناقة المسنّة.
3- و في حديث طويل روي عن الصدوق عن البكائين قال فيه: (و أما فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة و قالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، و أما علي ابن الحسين علیه السلام فبكى... الخ الخصال باب الخمسة 273 و الأمالي ص121 و البحار ج43 ص155.
4- في البيت يشير إلى المكان الذي بناه الإمام علي علیه السلام لفاطمة علیها السلام خارج المدينة المسمى ببيت الأحزان و قد ذكر ابن جبير الرحالة بيت الأحزان هذا في رحلته. فقال وَيَلي القبة العباسية بيت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و يُعرف ببيت الأحزان يقال إنه الذي آوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم راجع رحلة ابن جبير ص155 ط دار التراث العربي 1968م. و قال الأستاذ أبوعلم في رواية: إنّ علياً علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع سمي ببيت الأحزان و هو باقٍ إلى هذا الزمان و هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة علیها السلام في جهة قبة مشهد الحسن و العباس علیه السلام، و إليه أشار ابن جبير. كتاب أهل البيت علیهم السلام لتوفيق أبوعلم ص167.
قُلْ لِتلكَ الضُّلُوعِ بَعْدَكِ قَلْبِي *** مَالَهُ جَابِرٌ فَدَتْكِ الْقُلُوبُ(1)
لَسْتُ أنسى وُقوفَها وَ هْيَ تَشْكُو *** لأبيها وَ لاتَراهُ يُجِيبُ(2)
غَصَبُوا حَيْدَرَ الخِلافَة ظُلْماً *** وَ تُراثِي لَدَيْهِمُ مَغْصُوبُ(3)
وَ جَنِيني قَدْ أَسْقَطُوهُ وَ ضِلْعِي *** کَسَرُوهُ وَ قَدْ عَلانِي الشُّحُوبُ(4)
وَ زَوَوْا نِحْلَتي وَ رَدُّوا شُهُودِي *** وَ جَفَوْنِي فَما لِصَوْتِي مُجِيبُ(5)
ص: 132
1- اشارة إلى حديث كسر الضلع، فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها... راجع كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 و كتاب مرآة العقول ج5 ص320.
2- و عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: «لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
3- أشار في البيت إلى أحقية منصب الخلافة لعلي للنصوص و الأحاديث الواردة في أحقيته لها كحديث الغدير و حديث المنزلة و حديث الدار و عشرات بل و ربما مئات من الروايات و الأحاديث في هذا الخصوص كما ذكرها صاحب كتاب الغدير و كما غصبوا الخلافة من علي غصبوا فدك تراث فاطمة علیها السلام منها ففي كتاب بهجة المصطفى للهمداني ص422 عن عائشة: إنَّ فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال... الخ راجع صحيح البخاري ج5 ص177.
4- الشحوب: تغيير اللون من جراء المرض. و يشير في البيت إلى ما قد روي عن علي علیه السلام فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و مرآة العقول ج5 ص320.
5- النحلة: هي العطية و الهبة. في كتاب عوالم العلوم ج2 ص632 رقم (24) قرب الإسناد عن محمد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير قال: سأل صدقة بن مسلم أبا عبد الله و أنا عنده فقال: مَن الشاهد على فاطمة علیها السلام بأنها لاترث أباها: قال شهد عليها عائشة و حفصة و رجل من العرب يقال له أوس بن الحدثان من بني نضر شهدوا عند أبي بكر بأن رسول الله قال: لا أورث فمنعوا فاطمة علیها السلام الميراثها من أبيها. قرب الإسناد ص99 و عنه البحار ج22 ص101 ح59. و في كتاب عوالم العلوم أيضاً ج2/11 ص631 رقم21: «عن أبي جعفر علیه السلام قال: دخلت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على أبي بكر فسألته فدكاً قال: النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث قالت قد قال: الله «تعالى»: «و ورث سليمان داود» فلمّا حاجّته أمر أن يكتب لها و شهد علي بن أبي طالب علیه السلام و أم أيمن قال فخرجت فاطمة علیها السلام فاستقبلها عمر فقال: من أين جئت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت من عند أبي بكر في شأن فدك قد كتب لي بها فقال عمر: هاتي فبصق فيه و محاه. و عوالم العلوم ج2/11 أيضاً ص633 ج27 عن الكشكول: قال عمر لفاطمة علیها السلام حين طالبت بفدك: دعينا من أباطيلك و احضرينا من يشهد لك بما تقولين فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها بجميع قالت و ادّعته فقال أما علي علیه السلام فزوجها علیها السلام و أما الحسن و الحسين ابناها علیهما السلام و أما أم أيمن فمولاتها و أما أسماء فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسه هم.
منَعُونِي مِنَ البُكاءِ وَ قَالُوا *** لِيَ آذَيْتِنَا فَحَصْبِي الحَصِيبُ(1)
وَ رَمَوْنَا بِكُلِّ خَظبٍ عَظِيمٍ *** وَ أُمُورٍ مِنْهَا الْجَنِينُ يَشِيبُ
يَا لَهَا مِنْ مَصَائِبِ تتوالی *** وَ رَزَايا لِلْجَامِداتِ تُذِيبُ
وَ بِها أَصْبَحَتْ خَلِيفَةً سُقمٍ *** دَابُهَا الْبَتُ و الأسى و النَّحِيبُ
نَسِيَتْ نَفْسَها وَ ما هِيَ فيهِ *** مِنْ أَذَى القومِ إذْ أَتَتْها شَعُوبُ
وَ قَضَتْ تَندُبُ الحُسَيْنَ بِشَجوِ *** وَ لِأَرْزاهُ دَمْعُها مَسْكُوبُ
عَجَباً تُدْفَنُ البَتُولَةُ سِرّاً *** وَ جِهاراً تُراتُها مَغْصُوبُ(2)
ص: 133
1- قالت عائشة: «عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي علیه السلام ليلاً و صلى عليها» راجع الذهبي في تاريخ الإسلام ج2 ص93 و السبكي في المنهل ج9 ص115 و أبو نعيم في الحلية ج2 ص42 و السيرة الحلبية ج3 ص361 و كثيراً من المصادرغيرها. و في ص1084 عن تاريخ الطبري: «إن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي علیه السلام و المقداد و الزبير. و في رواياتنا أنه صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة.
2- نقل من ديوان الشيخ علي الجشي ص82 و رياض المدح و الرثاء ص476 الشيخ حسين علي البحراني مؤسسة البلاغ بيروت الطبعة الأولى 1991.
(27) القبر الشريف
(بحر الكامل)
السيد عيسى الكاظمي
خَطبٌ يُذِيبُ مِنَ الصُّخور صلابَها *** وَ يُزيلُ مِنْ ثُمَّ الجِبالِ هِضابَها
فَلو أن ما قاسَيْتُ مِنْهُ صادَقَتْ *** صُمُّ الصَّفا مِعْشَارَهُ لأَذابَها
خَطبٌ لَهُ أَمْسَيْتُ أَصْفِقُ راحَتِي *** وَ ذَوُو المعالي مِنْهُ تَقْرِعُ نابَهَا
أجداثَ تَيْم لاسَقَتْ لَكِ حُفْرَةٌ *** دِيمُ السَّحَابِ و َيَا عَدِمْتِ رَبابَها
كلاً وَ لاريحُ الصَّبا لَكِ رَوَّحَتْ *** أَرْضاً وَ لارَوى العَمَامُ تُرابَها
قَدْ ضَمَّ تُرْبُكِ مَنْ عَلى إشْراكِها *** يَوْمَ السَّقِيفَةِ نَكَصَتْ أَعْقَابَها(1)
ص: 134
1- إشارة إلى انقلاب القوم على أعقابهم بعد موت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة لغصب الخلافة فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضّل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة. قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلمّا فرغ ذلك و صلى على النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبابكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر و معه عمر و أبو عبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتى قوموا فبايعوا أبابكر إلى أن يقول أبي المفضل فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول و تأخذونه منّا أهل البيت علیهم السلام غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة، و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سره و علمه و أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم أول من آمن به و صدقه و أحسنكم بلاء في جهاد المشركين و أعرفكم بالكتاب و السنة و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور.
اللَّهُ ممّا قَدْ جَنَتْ إِذْ قَدَّمَتْ *** مَنْ سادَ فِيهِ بَنُو الصَّلالِ قِبابها(1)
قَدْ أَخَرَتْ مَنْ كانَ غَامِضُ عِلْمِهِ *** لِمَدِينَةِ العِلْمِ الرَّفِيعَةِ بَابَها
فَأَتَتْهُمُ «الزهراءُ» تَطْلُبُ إِرْثَها *** وَ لَهُمْ أطالَتْ في الكلام خِطابَها(2)
فَغَدَتْ تُنَمِّقُ تَيْمُ مِنْ إِشراكِها *** أَخْبَارَ زُورٍ ما عَدَتْ كَذَّابَها
حَتَّى إذا لَمْ تَرْعَ ذِمَّةً أَحْمَدٍ *** فيها و لاراعَتْ لَها أَنْسَابَها
عَطَفَتْ عَلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ بِرَنَّةٍ *** تَشْكُو إِلَيْهِ مِنَ اللَّئامِ مُصابَها
وَ اللَّهِ ما أَدْرِي لأيِّ مُصِيبَةٍ *** تَشْكُو فَقَدْ هَدَّ القِوَى ما نابَها
أَلِعَصْرِها بِالبَابِ حَتَّى أَسْقَطَتْ *** أَمْ حَرْقِهَا يا للْبَرِيَّةِ بابَها؟(3)
أمْ لَطْمِها حَتَّى تَناثَر قُرْطُها *** وَ بِهِ تَقَصَّدَ عَيْنَها فَأَصابَها(4)
أَمْ ضَرْبِها حَتَّى تَكَسَّر ضِلْعُها *** ضَرْباً يَرُومُ بِهِ الزَّنِيمُ إيابَها(5)
أَمْ غَصْبِهِمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ نِحْلَةً *** أَمْ أَنَّهُمْ خَرَقُوا لِذاكَ كِتابَها(6)
ص: 135
1- قبابها: ضخامها و بكسر القاف القبة و هي بناء سقفه مستدير مقعَّر.
2- انظر الاختصاص ص178.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى واقعتين عظيمتين الأولى عصر الزهراء علیها السلام بين الحائط و الباب و الثانية هي حرق بابها بالنار و قد نقلناهما عن كتاب سليم بن قيس ص36.
4- إشارة إلى ضرب القوم لفاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم كما روي في البحار ج53 ص18.
5- الزَّنيم: اللئيم- الدعي. و منه إشارة إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام و كسرهم لضلعها و تقدم ما ورد عن ذلك في كتاب سليم بن قيس ص36 و عوالم العلوم ج2/11 ص556.
6- إشارة إلى غصب القوم الفدك فاطمة علیها السلام و كما روي في شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص274 عن علي علیه السلام قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت: إنّ أبي أعطاني فدكاً و علي علیه السلام و أم أيمن يشهدان فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحقّ، قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها فخرجت فلقيت عمر فقال: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً، و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدكاً، و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن علياً علیه السلام يجر إلى نفسه و أم أيمن، امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه، و فرقه.
أمْ قَوْدِهِمْ لإمامِهِمْ بِنجادِهِ ***كَيْما يُبابِعَ جَهْرَةً أَذْنَابَها(1)
وَ الظُّهْرُ تَهْتِفُ خَلْفَهُمْ فى رَنَّةٍ *** مَلَأَتْ مِنَ البيدِ الْقِفَارِ رِحابَها
مَا عُذْرُهُمْ لِنَبِيِّهم فيها إذا *** ما قَدْ تَولّى فِي الْمَعَادِ حِسابها؟
يَوْمٌ بِهِ (الزَّهْرَاءُ) تَحْمِلُ (مُحْسِناً) *** سِقْطاً فَتَذْهَلُ لِلْوَرَى أَلْبابُها(2) (3)
ص: 136
1- إشارة إلى هجوم القوم على بيت علي علیه السلام و اقتيادهم له علیه السلام ليبايع. كما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 في حديث طويل: ثم انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً (أي يجذب) حتى انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح. الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
2- إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام لأبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم القيامة فقد روي في البداية الكبرى ص405 عن المفضل بن عمر بإسناده قال: سألت سيدي أبا عبد الله الصادق علیه السلام قال في حديث: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أميرالمؤمنين علیه السلام لابدَّ أن يطأ الأرض -والله- حتى يورثاها، أي -والله- ما في الظلمات و لافي قعر البحار، حتى لا يبقى موضع قدم إلاّ وطآه و أقاما فيه الدين الواصب إلى أن قال الإمام الصادق علیه السلام -ثم تبتدىء فاطمة علیها السلام بشكوى ما نالها من أبي بكر و عمر- إلى أن يقول الإمام علیه السلام و انتهار عمر لها و خالد بن الوليد و قولهم دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقة النساء، فكم يجمع الله لكم النبوّة و الرسالة. و أخذ النار في خشب الباب، و أدخل قنفذ «العنه الله» يده يروم فتح الباب، و ضرب عمر لها بسوط أبي بكر على عضدها، حتى صار كالدملج الأسود المحترق، و أنينها من ذلك و بكائها، و ركل عمر الباب برجله، حتى أصاب بطنها، و هي حاملة بمحسن لستة أشهر و إسقاطها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. راجع حلية الأبرار ج2 ص652 و البحار ج53 ص17.
3- كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص59 عبد الرزاق الموسوي المطبعة الحيدرية -النجف سنة (1951م).
(28) الدرة البيضاء
(بحرالطويل)
الشيخ غلام حسين الغروي الأصبهاني
سَقَى اللَّهُ أَنْفَاسِي مِنَ السَّلْسَلِ العَذْبِ *** لِأَنْظُمَ أبْكاراً مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ
بِمِدْحَةِ بِنْتِ المُصْطَفَى يَنْجَلِي كَرْبِي *** وَ إِنَّ مَعَالِيها لَأَسْنَى مِنَ الشُّهْبِ
و في مَدْحِها القُرْآنُ بَلْ سَائِرُ الْكُتُبِ
فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْ ما أقُولُ وَ لاتَدْرِي *** فَسَلْ آيةَ (الوسطى) وَ سَلْ (لَيلَةَ الْقَدْرِ)
وَ سَلْ آيةَ (الْكُبْرى) وَ سَلْ سورةَ (الدَّهْرِ) *** وَ سَلْ آيَةَ (القُرْبَى) وَ سَلْ آيَةَ (الأَجْرِ)(1)
ص: 137
1- أقول لعل المراد من آية الكبرى ما ورد في البحار ج43 ص23 ح16 قال: «الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام في قوله: «إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ* نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ» [سورة المدثر، الآيتان 35 و36] قال: يعني فاطمة علیها السلام و أما سورة الدهر فقد جاء في تفسير الدر المنثور للسيوطي ج6 ص299 في ذيل تفسير قوله «تعالى»:«وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» [سورة الإنسان الآية 8] في سورة هل أتى قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام و فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص303. و عن الواحدي في أسباب النزول ص331 في بيان نزول قوله «تعالى»: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مسكيناً و يتيماً و أسيراً» في سورة هل أتى قال: قال عطاء عن ابن عباس: و ذلك أن علي بن أبي طالب علیه السلام آجر نفسه يسقي نخلاً بشيء من شعير ليلة حتى أصبح و قبض الشعير و طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه إياه، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه و طووا يومهم فأنزلت فيه هذه الآية. و أما آية القربى و آية الأجر فقد ورد في كتاب تفسير العياشي ج2 ص287: «عن عطية العوفي قال: لما افتتح رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم خيبر و أفاء الله عليه فدك و أنزل عليه «وآت ذا القربى حقه» قال يا فاطمة علیها السلام لك فدك». و في قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى، آية: 23] قال الزمخشري في الكشاف ج3 ص467: روي «أنها لما نزلت قيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام و في الصواعق المحرقة ص101 قال: روى أبوالشيخ و غيره عن علي «كرم الله وجهه»: فينا أل (حم) آية لا يحفظ مودتنا إلّا كل مؤمن ثم قرأ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».
وَ كَانَتْ لِطة المُصْطَفَى الرُّوحَ بِالْجَنبِ(1)
حباها أبوها بِالْكَرامَةِ وَ الْبِشْرِ *** رَبِيبَةُ حِجْرِ الْوَحْيِ وَ النَّهْي وَ الْأَمْرِ
مُحَدَّثَةٌ كَانَتْ تُحَدَّثُ بِالسِّرِّ *** وَ تُخْبِرُها جَهْراً مَلائِكَةُ الْغُرِّ(2)
وَ مِنْ نُورِها ضَوء المَشَارِقِ وَ الْغَرْبِ
هِيَ الدُّرَّةُ البَيْضاءُ فِي صَدَفِ النُّهى *** هِيَ الغُرَّةُ النَّوْراءُ في ظُلَمِ الدُّجى
وَ مِشْكاةُ أَنْوَارِ الهِدَايَةِ لِلْوَرَى *** بِأَبنائها الغُرِّ الْكِرامِ أُولي الحِجى(3)
ص: 138
1- في البحار ج43 ص54 ح48 عن مجاهد قال : «خرج النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة علیها السلام فقال من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبيَّ فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».
2- في البحار ج43 ص78 ح65: عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنما سميت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرّك و اصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين إشارة إلى الآية 42 من سورة آل عمران) فتحدثهم و يحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران علیه السلام؟ فقالوا: إنَّ مريم علیه السلام كانت سيدة نساء عالمها، و إنَّ الله جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين».
3- في كتاب المناقب لابن المغازلي ص317 عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن قوله تعالى: «كمشكاة فيها مصباح» قال: المشكاة فاطمة علیها السلام، و المصباح الحسن و الحسين علیهما السلام «الزجاجة كأنها كوكب دريٍّ» قال: كانت فاطمة علیها السلام كوكباً درّياً من نساء العالمين «يوقد من شجرة مباركة» الشجرة المباركة إبراهيم «لا شرقية و لاغربية» لايهودية و لانصرانية «يكاد زيتها يضيء» قال يكاد العلم أن ينطق منها «و لو لم تمسسه نار نور على نور» قال: فيها إمام بعد إمام «يهدي الله لنوره من يشاء» [سورة النور، الآية 35] يهدي الله «عزوجل» لولايتنا من يشاء.
تَشَرَّفَتِ الآباء في سالِفِ الْحِقَب
هِيَ الزَّهْرَةُ الزَّهْرَا تَجَلَّتْ تَكَرُّمَا *** هِيَ اللَّمْعَةُ النَّوْرا فَعَزَّتْ وَ إنّما(1)
هِيَ الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ في أُفُقِ السَّما *** تُضِيءُ لِسُكَانِ السَّمَاوَاتِ كُلَّما
تَقُومُ بِمِحْرَابِ تُناجِي إلَى الرَّبِّ(2)
هِيَ الآيةُ الكُبرى فَكَلَّتْ أُولي النُّهى *** عُقُولُهُمُ ما يَبْلُغونَ الْمُنْتَهى
مَكارِمُها العَلْياءُ أَنَّى لَهُمْ بِها *** وَكَيْوانُ عُلْياها لَأَعْلى مِنَ السُّهى(3)
فَفي فاطم حَارَتْ عُقُولُ ذَوِي اللُّبِّ
هِيَ الشَّمْسُ قَدْراً و الأَشِعَةُ ساتِرُ *** بِخِدْمَتِهَا حُورُ الْجِنانِ تُفاخِرُ
لها جارياتٌ مَرْيَمَ ثُمَّ هَاجَرٌ *** هِيَ الْقُطْبُ خِدْراً وَ النِّسَاءُ دَوائِرُ(4)
ص: 139
1- في البحار ج43 ص2 ح6 قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لِمَ سمّيت زهراء؟ فقال: «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكوكب لأهل الأرض» و ذكره الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص54 و ذكره أيضاً الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج1 ص215 ح3.
2- في البحار ج43 ص16 ضمن ح14: عن أبي هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر علیه السلام لِمَ سميت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير و عند غروب الشمس كالكوكب الدري». و في البحار أيضاً ج43 ص11 ح2، عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام يا بن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لِمَ سمّيت الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنها تزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة علیها السلام... الخ.
3- كيوان اسم لكوكب زحل بالفارسية.
4- في البحار ج43 ص104 ح5 . قال: لما زوّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت علياً علیه السلام بمهر خسيس فقال: ما أنا زوجت علياً علیه السلام ولكن الله زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدر و الجوهر و المرجان فابتدر الحور العين فالتقّطن فهنّ يتهادينه و يتفاخرن و يقلن هذا من نثار فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و في ص45 ح44 من الجزء نفسه أنَّ كليهما قالا: وجدت فاطمة علیها السلام نائمة و الرحى تدور فأخبرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بذلك فقال: إن الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت». «و روي أنها ربما اشتغلت بصلاتها و عبادتها فلربما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرّك وكان ملك يحركه».
فَشَتَانَ ما بَيْنَ الدَّوائِرِ و القُطب
هِيَ بَضْعَةُ الهادي الرَّسُولِ المُمَجدِ *** وَ رَيْحَانَةُ المُخْتَارِ طَهُ مُحمَّدِ(1)
حَلِيلَةُ كَرَّارٍ حَبِيبَةُ أَحْمَدِ *** هِيَ الْعُرْوَةُ الوُثْقَى لِقَبْرِي وَ في غَدِ
شَفِيعَةُ مَنْ وَالى مِنَ الْعُجْمِ وَ الْعُرْبِ(2)
سفتباً لِمَنْ بِالدَّمْعِ أَسْجَمَ جَفْنَها *** وَ تَعْساً لِمَنْ بِالنَّارِ أَحْرَقَ وُكْنَها(3)
وَ سُحْقاً لِمَنْ بِالْعَصْرِ أَسْقَطَ ابْنَها *** وَ بُعْداً لِمَنْ بِالسَّوْطِ سَوَّدَ مَتْنَها
وَ في وَجْهِهَا الدَّمُ مِنَ اللَّطْم وَ الضَّرْبِ(4)
فَلَهْفِي عَلَيْها حِينَ أَبْدَتْ عَوِيلَها *** بِعَوْلَتِها تَنْسَى الْحَمامُ هَدِيلَها
ص: 140
1- في مجمع الزوائد ج2 ص206 عن أبي رافع عن المسور قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام شجنة مني يبسطني ما يبسطها و يقبضني ما يقبضها و إنه ينقطع يوم القيامة الأنساب و الأسباب إلّا نسبي و سببي.
2- ورد في كتاب كنز الفوائد للكراكجي ج1 ص150: «يا فاطمة البشرى فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك و شيعتك فَتُشَفَّعين».
3- أسجم: صبِّ.
4- في أنساب الأشراف/ للبلاذري/ ج1 ص556 قال: إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب فقالت: يا بن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك. و في الملل والنحل/ للشهرستاني/ ج1 ص57 قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح احرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و في كتاب سليم بن قيس/ ص38: حالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين علي علیه السلام عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط و ترك أثراً في عقدها كمثل الدملج.
وَ كادَتْ لأطوادِ الْفَلا أَنْ تُزيلها *** فَما حال مَنْ تَلْقَى مَقوداً كَفِيلَها
وَ يا عَجَباً مِنْ قَسْوَرٍ قِيدَ لِلْكَلْبِ(1)
فَأَوْقَفَتِ الأفلاكُ مِنْ فَرْطِ دَهْشَةٍ *** وَ أَذْهَلَتِ الْأَمْلَاكُ مِنْ طُولِ زَفْرَةِ
تُنادِيهِمُ خَلُوا ابْنَ عَمِّي وَ مُهْجَتِي *** وَ إِنْ لَمْ تُخَلُّوا عَنْهُ أَشْكُو بِعَوْلَتِي
إلَى اللَّهِ يا أَهْلَ الضَّلالةِ وَ الرَّيْبِ(2)
فَأَوْمَتْ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ وَ دَمْعُها *** يَسِيلُ سِجالاً(3) يَوْمَ قَدْ دِيسَ رَبْعُها
وَ نَادَتْ وَ نارُ الْغَيْظِ في القلبِ لَمْعُها *** أَتَدْرِي الرَّزايا قَدْ رَمانا فظيعُها
فَلِلَّهِ مِنْ رُزْءٍ عَظِيمٍ وَ مِنْ خَطبِ(4)
و أضاف الخطيب الشيخ جعفر الهلالي إلى الأبيات المتقدمة أصلاً و تخميساً:
أبِي لَمْ يُراعُوا بَعْدَ فَقَدِكَ عِمْرَةً *** وَ لَمْ يَحْفَظُوا لَمّا تَوارَيْتَ بَضْعَةً
كَأَنَّهُمُ لَمْ يَسْمَعُوا الأمر جَهْرَةً *** بِفَضلي، وَ قَدْ أَصْبَحْتُ فِيهِمْ أَسِيرةً
يَرُومونَ إذْلالي بما كَان مِنْ غَضَبِي
ص: 141
1- في كتاب سليم بن قيس ص38-39. بعد أن كاثروا الإمام علياً علیه السلام و ألقوا في عنقه حبلاً و انطلقوا به يعتل عتلاً حتى انتهيَ به إلي أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و سائر الناس حول أبي بكر.
2- في كتاب سليم بن قيس ص208: «فانطلق قنفذ فأخبر أبابكر فوثب عمر غضبان فنادى خالد بن الوليد و قنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة علیهما السلام و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب و إلاأحرقناه عليكم فقالت: يا عمر أما تتّقي الله «عزوجل» تدخل عليّ بيتي و تهجم على داري؟ فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام: و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه.
3- سجالاً: كثيراً.
4- شجرة طوبى ص33 ج2 الشيخ محمد مهدي الحائري منشورات مؤسسة الأعلمي بيروت.
(29) فرصة بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم
(بحر الطويل)
الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)(*)(1)
مَتَى تُدْرِكُ النّارَ الَّذي أَنْتَ طَالِبُهْ*** مَتَى تَمْلِكُ الأَمْرَ الَّذِي أَنْتَ صَاحِبُهُ؟
لَقَدْ مَلأَ الدُّنْيا سَناكَ وَلَمْ يَلُج*** لِعَيْنِي يَوْماً مِنْ جَبِينِكَ ثاقبة
ص: 142
1- (*) الشيخ محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب. ولد في كربلاء سنة (1235ه) و نشأ بها. و آل أبي الحب من الأسر العريقة في كربلاء المقدسة، و تصل بنسبها إلى قبيلة خثعم العربية كان المترجم له عالماً فاضلاً أديباً لامعاً، و بحاثة ثقة جليلاً، و من عيون الحفّاظ المشهورين و الخطباء البارعين، له القوة الواسعة في الرثاء و الوعظ و التاريخ و كان راثياً لآل الرسول و قرّة عين الزهراء البتول علیهاالسلام، فكان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام. فإن مجالس الحسين علیهم السلام مدارس سيّارة و هي من أقوى الوسائل لنشر الأدب و قرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين علیهم السلام من الشعر و الخطب ما يتعذّر على الأدباء و المعنيين بالأدب جمعه أو الإحاطة به فجزى اللَّه أحسن الجزاء الخطيبين الكبيرين السيد جواد شبّر في أدب الطف والشيخ جعفر الهلالي في معجم شعراء الحسين علیهم السلام لما بذلاه من جهد كبير و عمل عظيم في هذا الميدان الحضاري حيث جمعا ما أمكن جمعه من شعر جاء في حق الحسين علیهم السلام و يومه العظيم. و شاعرنا الشيخ محسن أبو الحب نظّم فأجاد وأكثر من النوح و البكاء على سيد الشهداءعلیهم السلام و صوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً مازال الأدباء و ما زالت مجالس العلماء تترشّفه و تستعيده و تتذوقه. و قد كتب عنه أخونا العزيز الأديب السيد سلمان هادي آل طعمة في موسوعته (شعراءكربلاء) وفي (خطباء كربلاء) أيضاً بعض الشيء بما لا يسعنا ذكره هنا. ودّع الحياة في ليلة الاثنين 20 ذي القعدة عام (1305ه)، و دفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد إبراهيم المجاب.
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ فَاجِرٌ وَابْنُ فَاجِرٍ*** يُحَكَّمُ فينا بادِياتٍ معايِبُهْ
تَرُوحُ بِكَ الدُّنْيا وَتَغْدُو مُنِيرَةٌ*** وَيَمْلِكُها مَنْ لَيْسَ يَخْفَى مَثالِبهْ(1)
وَسَيْفُكَ مَسْئُونٌ وَجَأْشُكَ ثَابِتٌ*** وَسَيْبُكَ لا يَنْفَكُّ تَهْمِي سَحَائِبُة(2)
مَضَى وَمَضَى جِيلٌ وَجِيلٌ وَلَمْ يَقِرَّ*** بِرُؤيَاكَ يا مَنْ لا يَقُلُّ مَواهِبُهْ
إذا لاحَ صُبحِي رَوَّحَتْنا مَشَارِقُهُ *** وإِنْ جَنَّ لَيْلٌ أَطْرَبَتْنا مَغَارِبُهْ
نَعُدُّ اللَّيالي لَيْلَةً بَعْدَلَيْلَةٍ *** لَعَلَّ لها صُبْحاً تُنِيرُ غَياهِبُةْ(3)
وها أنا حَتَّى بَيَّضَ الشَّيْبُ عارِضي*** أطالبُ دَهْرِي فِيكَ ثُمَّ أُعاتبُهْ
رَجَوْنَاكَ أنْ تَسْتَأْصِلَ القَوْمَ قَبْلَ أَنْ*** يَعُوثَ بِكُمْ شَيْطانُ تَيْمٍ وَ صَاحِبُةْ(4)
وَحَاشَاكَ أنْ تَنْسَى بِأُمِّكَ مَا جَنَی*** زَنِيمُ عُدَيِّ يَوْمَ هَبَّتْ حَواصِبُةْ(5)
رَأَى فُرصَةً بَعْدَ النَّبِیِّ فَلَمْ يَزلْ*** يُراقِبُها مِنْ قَبْلِ ذا وَتُراقِبُهْ
فَجَاءَ وَلَمْ يَعْبَأُ بهاثمَ هكذا*** عَلَى إِثْرِهِ جَاءَتْ تَدُقُّ خَطَائِبهْ
فَأَحْرَقَ بَيْتاً كانَ جِبْرِيلُ حاجِباً*** لَهُ وَكَفَى جِبْرِيلُ أَنْ هُوَ حَاجِبُهْ(6)
وَهيَّجَ سِرْبَ الوَحْيِ مِن مُسْتَقَرُهِ*** فَعَاشَتْ بِهِ عُقْبانُهُ وَقَطَارِبُهْ(7)
ص: 143
1- مَثالبه: عيوبه.
2- جاش: قلب-صَدْر، و ثابت الجأش أي الشجاع.
3- غناهيه: ظلماته.
4- يعوث بكم: يصرفكم عنه حتّى تتحيّروا.
5- زنيم: لئيم، دَعيّ ، حواصبه: الرياح الشديدة التي تثير الحصباء و هي الحصی.
6- في كتاب سليم بن قيس/ ص36 بعد حديث طويل. و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیهما السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في إثبات الوصية /للمسعودي/ ص123. أقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فتوجهوا إلى منزله وهجموا عليه و أحرقوا بابه و ضغطوا سيدة النساء الباب.
7- قطاربه:جمع القطرب و له معان كثيرة منها الذئب الأمعط ذكر الغيلان، صغار الكلاب، صغار الجن ،اللص، الجاهل، السفيه، الجبان، دويبة لا تستريح من الحركة.
وَ بَاتَ أمينُ اللَّهِ حَازِنُ وَحْيِهِ *** هُناكَ سليباً و ابنُ حَنْتُم سالِبُهْ
و أَصْبَحَ يَرْقَى مِنْبَرَ الوَحْي حاكماً *** عَلَى أَهْلِهِ بِالجَوْرِ ضَلَّتْ مَذاهِبهْ
خِلافَةُ يَوْمِ يَا لَقَوْمِي أَهْلَكَتْ *** مِنَ النَّاسِ جيلاً لَيْسَ يُحْصِيهِ حَاسِبُهْ
فَوَيْلُ أُمَّةٍ ماذا أعدَّ لِنَفْسِهِ *** إذا ما دعاه لِلْحِسابِ مُحاسبُهْ
أهذا رسولُ اللَّهِ أوصاهم به *** بأن لا ترى العَيْشَ القَرِيرَ أقارِبَهْ؟
أما بنْتُهُ تِلْكَ التي بات قَلْبُها *** يَشُبُّ إلى أعْلَى الكَواكِب لاهِبُهْ؟
أما ابْنُ أبيهِ ذاكَ وَ ابْنُ أُمِّه الَّذِي *** عَلَى حَقِّهِ أَمْسَى الزّنيمُ يُغَالِبُهْ؟
غَداةَ رآه مُفْرَداً وَ رَأَى لَهُ *** مِنَ الغَيِّ جَيْشاً لا تُحَدُّ كتائِبُهْ
وَ حارَبَهُ حَتَّى ذَوُوهُ وَ قَوْمُهُ *** وَ أَسْلَمَهُ حَتَّى أَخُوهُ وَ صاحِبُهْ
فَأَظهَر ما أَخْفَاهُ مِنْ حقِّهِ الَّذِي *** عَلَى مِثْلِهِ شَبَّتْ وَ شَابَتْ ذَوَائِبُهْ(1)
ألاَ عَقَمَتْ مِنْ قَبْلِ ذاكَ حُنَيْتِمٌ *** وَ جَفَّتْ عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْهُ مَخالِبُهْ
أتَتْنَا بِما لَمْ تَأْتِ فيه بِغَيَّهِ *** طِلاع السَّما وَ الأَرْضِ لَستَ مَغَايِبُهْ
ألَمْ تَرَهُ كاللَّيْثِ أَصْحَر كاشِراً *** بِلَحْمِ رسولِ اللَّهِ تُدْمَى مَخالِبُهْ؟(2)
أَلا يَوْمَ بَدْرٍ كانَ مِنْهُ الَّذي بَدا *** وَأُحْدٍ إِذا شُدَّتْ عَلَيْهِ مَداهِبُهْ
مَتَى خافَتِ النّقعَ المُثَوَّرَ رَجُلُهُ *** مَتَى ثُلَّ فِي وَجْهِ الكَتِيبَةِ قاضِبُهْ(3)
لقَدْ كانَ حَرْباً لِلنَّبِيِّ وَ لَمْ يَزَلْ *** كَذلِكَ حتى اليَومَ جَدَّتْ رَواحِبُهْ
وَ قَدْ زَعَمُوا أَنَّ الفتُوحَ جَمِيعَها *** لَهُ وَ بِهِ الإسلامُ قَرَّتْ جَوانِبُهْ
نَعَمْ فَتَح الشَّرُّ الّذي كانَ قَبْلَ ذا *** تَقاصر کشری دُونَهُ وَ مَرازِبُهْ
أَلَمْ تَرَكَيْفَ اسْتَأَصَلَ مِثْلَ مَا اشْتَهى *** عَصَائِبَ وَحْيِ اللَّهِ بَغْياً عَصَائِبُهْ؟
أبا حَسَنٍ مَا كُنْتَ نُهْزَةَ آخِذٍ *** و لاأَنْتَ مِمَّنْ تُسْتَهانُ مَراتِبُهْ
ص: 144
1- ذوائبه: الذؤابة: الشعر المضفور من شعر الرأس.
2- أصحر: أغبر اللون إلى الحمرة. كاشراً: كاشفاً عن أسنانه.
3- النقع: الغبار. المثوَّر: الذي أثاره الهواء. ثُلَّ: انهدم.
كَأَنْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَرْبِ أُمّاً وَ والِداً *** وَ لَمْ تَكُ يَوْماً فِيكَ تَزْهُو مَراكِبُهْ
فَمَا لَكَ وَ الزّهراءُ تُضْرَبُ ساكِتٌ *** و طِفْلُكَ مُلْقَى لا تُمَلُّ نَوَادِبُهْ؟
لَعَمْرِي رَأَيتُ الدِّينَ ضَاعَ وَ لَمْ يَفَعْ *** وَ أَنْتَ مُحَامِيهِ وَ أَنْتَ مُراقِبُهْ
فَكُنتَ مُحَامِيهِ أخيراً وَ أوْلاً *** نَعَمْ وَ إِلَيْكَ اليَوْمَ تُعْزَى مَناسِبُهْ
فَيَوْماً بِسَيْفٍ لاتَفِلُّ مَضَارِبُهْ *** وَ يَوْماً بِصَبْرِ لا تُذَمَّ عَواقِبُهْ
مَخَافَةَ أنْ يَعْدُوَ بِسُنَّةِ أَحْمَدٍ *** زَنِيمٌ بطُرْقِ الغَيّ طالَتْ مَلاعِبهْ
فَيَا أسَداً ما الأسْدُ الافرائِسٌ *** لَهُ افْتَرَسَتْهُ يا لَقَوْمي ثَعَالِبُهْ
كَأَنَّ صَفَايا المُلْكِ غَيْرُ مُبَاحَةٍ *** عَلَى غَيْرِ أَبْنَاءِ السَّفَاحِ أُطَالِبُهْ
نَعَمْ هَكذا مُذْ أَهبَطَ اللَّهُ آدَماً *** إلى أَنْ يَراهُ اللَّهُ قَدْ آبَ غائِبُهْ
وَ مَا هُوَ إلا أنتَ يا خَيْرَ مَنْ مَشَى *** وَ اكْرَمَ مَنْ فِيهِ تَخِبُّ رَكَائِبُهْ
أُعَزيكَ بالزَّهراءِ أُمِّكَ وَ ابنِها *** فَذا ابنُها سَارِقُ الوُجودِ وَشَارِبُهْ
وَجَدُّكَ مسحوباً بِمُجْمَلِ سَيْفِهِ *** كما سَحَبُ المَأْسور بالعُنْفِ ساحِبُهْ(1)
وَ دَاعيةً خَلّوا ابن عمّي وَ مَا لَهَا *** سِوَى اللَّهِ مَدْعُوٍّ هُناكَ تُخاطِبُهْ(2)
وَ وَاللَّهِ إنّ القَوْمَ ما كانَ هَمُّهُمْ *** سِوَى أَنَّ دِينَ اللَّهِ تُعْفَى مَراقِبُهْ
ص: 145
1- في الاحتجاج ج1 ص109: بعد أن اقتحموا دار فاطمة علیها السلام و خبطوا الإمام علياً علیه السلام ألقوا في عنقه حبلاً أسود و انطلقوا به ملبباً مقيداً حتى انتهوا به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه.
2- في الاختصاص/ للمفيد/ ص186. و أخرجوا عليّاً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي والله لئن لم تكفا عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي. و في تفسير العياشي ج2 ص67 قالت فاطمة علیها السلام: والذي بعث أبي محمداً صلي الله علیه و آله وسلم بالحق نبياً لئن لم تخلوا عن ابن عمي لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم على رأسي و لأصرخنّ إلى أبي صرخة ترون عواقبها فيكم جميعاً قبل أن تقوموا من مقامكم.
أصابوا عَلِياً يابن مُلجَم وَ ابنَهُ *** بِجَعْدَةَ والسُّم الذي هُوَ شَارِبُهْ
وَدَعْ عَنْكَ ما نال الحُسَيْنُ فإنّهُ *** أَجَلَّ وَ أَعْلَى أنْ تُعَدَّ مَصایِبُهْ
وَ مَاذا الذي أنْسَى وَ مَا أنا ذاكِرٌ *** وَ هَذا بأَعْلَى العَرْشِ يَزْعَقُ نادِبُهْ
و لاتَسْأَلَنْ مِنْ بَعْدِهِ كَيْفَ أَصْبَحَتْ *** حَلائِلُهُ بَيْنَ العِدى و نجائِبُهْ
ألا لاتَرى في كَرْبَلا غَيْرَ نَادِبٍ *** وَ آخَرَ مَحْلُولِ الوُطَاتِ تُجَاوِبُهْ(1)
وَ ذاتَ حِجَابٍ ما تَخالُ حِجَابَها *** عَلَيْهَا وَ لَمْ يَضْرِبْ لها السِّترَ ضَارِبُهْ
تَعُجُ وما يُجْدِي العَجِيجُ كأَنَّها *** زَماجِرُ رَعْدِ حَلَّلَتْهُ سَحائبُهْ(2)
ألَيْسَ عَلِيٌّ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** أخَاً وَ ابنَ عَمَّ حِينَ يَعْزُوهُ ناسِبُهْ؟
و هذا كتابُ اللَّهِ أَفْصَحُ ناطِقٍ *** عجائِبُهُ في مَدْحِهِ وَ غَرائِبُهْ
أيَخْفَى على مَنْ راقَبَ اللَّهَ قَدْرُهُ *** و ما هُوَ إِلا كالنَّبِيِّ مَنَاقِبُهْ
ص: 146
1- الوطات الوطأة: موضع القدم.
2- تعجّ: تصیح. زماجر: زمجرة كل شيء صوته.
(30) دوحة القدس
(بحر البسيط)
ملا محسن بن سلمان البحراني
الدَّهرُ شَقَّ جُيُوبَ الْفَخْرِ و الْحُجُبا *** عَلَى مُصيبة أم السادةِ النُقَبا
وَ أَصْبحَ الدِّينُ باكي الْعَيْنِ في ثَكَلٍ *** و الرّوحُ صاحَ بِصَوْتِ النَّعْيِ مُنْتَدِبا(1)
منادياً بَيْنَ أمْلاكِ السَّمَاءِ يَقُلْ *** بِنْتُ النَّبِيِّ قَضَتْ مَلْآنَةً كُرَبا
قَدْ جُرِّعَتْ غُصَصاً لَوْ أَنّها وَقَعَتْ *** على جبالٍ بِرَضْوَى هَدَّها رَهَبا(2)
وَيْلٌ لِظَّالِمِها وَيْلٌ لِغاصِبِها *** وَ حَوْلَ حُجْرَتِها قَدْ جَمَّعَ الْحَطَبا(3)
ص: 147
1- الروح: كناية عن جبرائيل (عليه الصلاة والسلام) كما في بعض الأخبار أو غيره من أشراف الملائكة.
2- رضوی: اسم جبل بين المدينة و ينبع.
3- و في ذلك إشارة لما ورد في ينابيع المودة للقندوزي/ طباعة انتشارات الشريف الرضي قم المقدسة ص314 عن نصر بن مزاحم عن زياد بن المنذر عن سلمان قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فهو معي في الجنة... يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها. ذكره أيضاً فرائد السمطين ج2 ص67. و في أعلام النساء ج4 ص114 (طباعة مؤسسة الرسالة للنشر و التوزيع) و في العقد الفريد ج4 ص259 (الناشر: الكتاب العربي 1983م): بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى بيت فاطمة علیها السلام فجاءهم عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا. فقال: نعم. و في أعلام النساء قال: والذي نفس عمر بيده لتخرّجن أو لأحرقتها على من فيها فقيل: يا أبا حفص إن فيها فاطمة علیها السلام. فقال: و إن ... و مثله في تاريخ الأمم و الملوك للطبري (ج3 ص202 و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19)
وَأَسْقَطَ الْحَمْلَ منها حينَ أَضْغَطها *** أو وفي صَدْرِها الْمِسْمارُ قَدْ نَشِبا(1)
وَ غُودِرَ الضّلْعُ مَكْسوراً فيا حُرَقِي *** شُبِّي و يا قَلْبِي الْمَحْزُونَ زِدْ لَهَبا
بَيْنَ الجِدارِ وَ بَيْنَ البابِ قَدْ وُضِعَتْ *** فَأَيْنَ عَنْها عَلِيَّ أفْضَلُ الْقُرَبا(2)
سَيْف الإلهِ رَفيعُ الْجاءِ حَيْدَرَةٌ *** أَهْكَذَا حَلَّ بِالزَّهْرَا وَ مَا وَ ثَبا
بَلْ أَخْرَجُوهُ مُقاداً فِي حَمائِلِهِ *** عَجِبْتُ مِنْ أَسَدٍ مِنْ غَابِهِ سُحِبا
تَباً وَ تَعْساً لِمَنْ قَادُوا إمامَهُمُ *** وَ هُوَ الْإمام الذي للحُكُم قَد نُصِبا
أيْنَ النَّبِيُّ يَرَى الْكَرَارَ بَيْنَهُمُ *** مُلَئِباً وَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ قَدْ جَلَبا(3)
وَ دَوْحَةُ الْقُدْسِ خَلْفَ الْقَوْمِ تَعْثُرُ فِي *** ذَيْلِ الْحِصانِ و تُجْرِي الدَّمْعَ مُنْسَكِبا(4)
وَ الزَّجْرُ رَوَّعَها و اللَّطْمُ المَها *** ومَتْنُها بسياط منهُمُ ضُرِبا
أو فَاَهٍ لِذاتِ الْفَخْرِ فاطِمَةٍ *** قاسَتْ و كابَدَتِ الْأَهْوَالَ وَ التَّعَبا
حتى قَضَتْ نَحْبَها بِالْهَضْم وَ هْيَ تَرَى *** ميراثها مِنْ أبيها المصطفى غُصِبا
فَأَيُّ بِنتِ نَبِيَّ بَعْدَوالِدِها *** قَهْراً تُهانُ و منها حَقُّها نُهبا
كَالظُّهْرِ فاطمةَ الزهراءِ قَدْ فَظَمَ *** البارِيِ مِنَ النارِ مَن مِنْ حُبِّها شَرِبا(5)
ص: 148
1- و فيه ورد أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. الملل و النحل للشهرستاني ج1 ص57 طباعة دار صعب بيروت عام (1986م)(1406ه_).
2- ورد في (اثبات الوصية للمسعودي) ص154-155 طباعة دار الأضواء بيروت عام 1988: فوجهوا إلى منزله (علي علیه السلام) فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً.
3- و قد أشير إلى هذا المعنى في الاختصاص للشيخ المفيد (رحمة الله علیه) ص184-187. أن القوم لما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره فدخلوا على علي علیه السلام و أخرجوه مليباً.
4- في الاختصاص للمفيد/ ص186: فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر و عمر أتريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفّان عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي.
5- و في ذلك إشارة لما ورد في تاريخ بغداد ج12 ص331 روي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار و ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة ص96 و جاء في كنز العمال ج6 ص219: (إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها ومحبيها عن النار).
وَ حَقٌّ مَنْ رَفَعَ السَّبْعَ الشَّدادَ فَلَوْ *** لاَالصَّبْرُ ما أَحَدٌ مِنْ دارِها قَرُبا
لكنّها صَبَرتْ للَّهِ وَ احْتَسَبَتْ *** لِنَيْلِ شِيعَتِها مِنْ رَبِّهَا الْأَرَبا
لاغَرْوَ أنْ صَنَعَتْ أهلُ الضّلالِ بها *** ما أَحْزَنَ الشَّمْسَ وَ الأفلاك و الشُّهُبا
فَلَوْ دَعَتْ وَقَعَتْ بالقومِ صاعِقَةٌ *** تُزَلْزِلُ الْأَرْضَ وَ الْأَجْبَالَ و الْهُضُبا(1)
و كيف لا وَ هْيَ بنتُ المصطفى وَ بِها *** رَبُّ الأنام يُزِيلُ الكَرْبَ وَ النُّوَبا
لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ نُورِ خالِقِها *** فَالْفَخْرُ مِنْهَا وَ مِنْهَا الْعِزَّ إِنْ طُلِبا(2)
خَفِّفَ وَ قَصْرُ ولا تَبْغِ مُحاوَلَةً *** فَكُلُّ عِزّ بِهَذَا الْعِزَّ قَدْ نُسِبا
فَبَعْلُهَا المُرْتَضَى وَ المُجْتَبَى حَسَنٌ *** شِبْلُ لَها وَ حُسَيْنُ سَيِّدُ الغُرَبا
يا رَبِّ فَاغْفِرْ لِرائيها وَ قائِلِها *** وَ لِلشَّابِ الَّذِي لِلنَّظم قَدْ كَتَبا(3)
ص: 149
1- أشير إلى هذا المعنى في الكافي ج1 ص460 باب مولد الزهراء علیها السلام عن أبي جعفر و أبي عبدالله قالا: إن فاطمة علیها السلام لما أن كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما واللَّه يابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له، لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجدهُ سريع الإجابة، و مثله ما ورد في الاختصاص للشيخ المفيد (رحمة الله علیه) ص186 فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیه السلام متوجهة إلى القبر فقال علي السلمان: يا سلمان أدرك ابنة علیها السلام محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان فوالله لو فعلت لايناظر بالمدينة أن يخسف بها و بمن فيها.
2- و في ذلك إشارة لما ورد في البحار ج43 ص12 ح5 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنّ الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السموات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرت الملائكة الله ساجدين و قالوا إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللَّه إليهم هذا نور من نوري... الحديث.
3- دیوان شعلات الأحزان ص212.
(31) فرحة الدهر
(بحر البسيط)
الحاج محمد آل رمضان الأحسائي
ذكرى هِيَ النُّورُ لِلْأَخِيالِ وَ الْحِقَبِ *** وَ فَرْحَةُ الدَّهرِ لِلْإِسْلامِ وَ الْعَربِ
ذِكْرَى لِمَنْ يَتَأَسَى بِالرَّسُولِ غَدَتْ *** عيداً إقامَتُهُ مِنْ أَشْرَفِ الْقُرَبِ
عيداً أفاض على الأيامِ بَهْجَتَهُ *** فَالدَّهْرُ في فَرَح وَ الْكَوْنُ فِي طَرَبِ
وَ أَحْمَدُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ مُبْتَهِجٌ *** بِخَيْرِ مَوْلُودَةٍ جَاءَتْ لِخَيْرِ أَبِ
وَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ فِي أَرْجَائِهِ بَزَغَتْ *** شَمْسُ إِلَى الْيَوْمِ لَمْ تَأْفُلْ وَ لَمْ تَغِبِ
شَمْسُ الفَضائِلِ مَنْ أُمُّ الأئمة في *** أُمّ القُرى وَ رِحابِ البَيْتِ ذِي الحُجُبِ
جَاءَتْ مَعَ المِلَّةِ الغَرّا عَلَى قَدَرٍ *** لأَنَّها بِالهُدَى مَوْصُولَةُ السَّبَبِ
تَبَاركَ اللهُ ماذا للْهُدَى جَمَعَتْ *** في النَّفْسِ في الرُّوح في الآباء في العَقَبِ
زَهْراءُ قيلَ لَها مِنْ أَنَّهَا ازْدَهَرَتْ *** بِهَا الْجِنَانُ وَ ما أَحْلاهُ مِنْ لَقَبِ(1)
ص: 150
1- يشير الشاعر إلى سبب تسميتها بالزهراء علیها السلام فقد جاء في البحار ج43 ص12 الحديث رقم 5 عن علل الشرائع عن أبي عن محمد بن معقل القرميسيني بسنده عن جابر عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: قلت: لم سميّت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء، فقال لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرَّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري و أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وصيي. و في مصباح الأنوار مثله عن أبي جعفر علیه السلام. و في کتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلوات الله عليها ص177 في الحديث الوارد عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم سميت الزهراء علیها السلام لأن نورها زهرت به السموات.
وَ فَاطِمٌ إِذْ مُوالُوها بِها فُطِمُوا *** لُطفاً مِنَ النَّارِ ذَاتِ الْحَرِّ وَ اللَّهَبِ(1)
تُكْنَى بِامّ أبيها يا لَهُ لَقَبٌ *** ثالث بهِ مِنْ أبيها أَشْرَفَ الرُّتَبِ(2)
وَ الْفَرْعُ يَحْمِلُ سِرَّ الْأَصْلِ وَ ابْنَتُها *** قُدْسُميت وَ بِأَمْرِ اللَّهِ زَيْنَ أبِ
وَ الفَاطِمِيةُ نُورٌ في تَسُلُسُلِها *** وَ نائِجُ النُّورِ نُورٌ غَيْرُ مُنْقَلِبِ
يا مَنْ بها مَرَجَ البَحْرَيْنِ و امْتَزَجَ النورانِ *** حَتَّى أَتَتْ بالسَّادةِ النُّجُبِ(3)
وَ مَعْدِنُ الطِيبِ فِي الدُّنْيا وَ مَصْدَرُه *** وَ كُلُّ ذِي طِيبَةٍ لولاكِ لَمْ يَطِبِ
عَظِيمُ قَدْرِكِ يا زَهْراء أكَدَهُ *** بِالفعل خَيْرُ الوَرى وَ القَوْلِ فِي الْخُطبِ(4)
ص: 151
1- إشارة لما ورد في الحديث عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: يا فاطمة علیها السلام تدرين لم سميت فاطمة؟ قال علي علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم سمّيت فاطمة؟ قال: إن الله «عزّوجلّ» قد فطمها و ذريتها عن النار يوم القيامة راجع ذخائر العقبى ص26.
2- عن الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص752 ذكر عن جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال: كانت كنية فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أم أبيها.
3- جاء في البحار ج43 ص320 الحديث39 عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام و اللفظ له في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» [سورة الرحمن الآية: 19] قال: علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه، و في رواية ««بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ»: رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» الحسن و الحسين علیهما السلام. و جاء في تفسير السيوطي (الدر المنثور ج6 ص140 قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»:قال علي وفاطمة علیهما السلام «بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال: الحسن والحسين علیهما السلام. و أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك في قوله «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» قال: علي و فاطمة علیهما السلام «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال: الحسن والحسين علیهما السلام. و في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى (صلوات الله عليها) ص633: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» يقول: أنا اللَّه أرسلت البحرين علي بن أبي طالب علیه السلام بحر العلم و فاطمة علیها السلام بحر النبوّة (يلتقيان) يتصلان أنا الله أوقعت الوصلة بَينهما.
4- عن أحمد بن حنبل في مسنده ج6 ص282 قال: سيدة نساء علیها السلام هذه الأمة أو نساء المؤمنين. و راجع ابن سعد في طبقاته ج2 ص40 قال: سيدة نساء علیها السلام هذه الأمة أو نساء العالمين. و رواه ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص522 و قال: سيدة نساء العالمين علیها السلام. و في صحيح الترمذي ج2 ص319. بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، قالت و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبَلته و أجلسته في مجلسها. كما ورد في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فصل في كمالها و منزلتها عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم ص107 عن الحسن علیه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمر بسد أبواب المسجد و كانت الزهراء علیها السلام منتظرة لأمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها: إن الله «تعالى» أمرهم بسد الأبواب و استثنى منهم رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و إنما أنتم نفس رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في حديث محمد بن قيس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة علیها السلام و قوله لها فداك أبوك ثلاث مرات ص108.
وَ بِالْحَفاوَةِ كَمْ قَدْ قَامَ مُبْتَدِراً *** مُرَحَباً بِكِ في عالٍ مِنَ الرُّتَبِ
وَمَنْ دَعاهُ أبا الزهراتُمَثْلُه *** يَمِيلُ حاشَاهُ مِنْ زَهْوِ وَ مِنْ طَرَبِ
وَ كَيْفَ لايَزْدَهِيهِ كَوْنُ فَاطِمَةٍ *** بنتاً لَهُ وَ هْيَ نَبْعُ الكَوْثَرِ الْعَذب(1)
مِنها نُجومُ الهُدى المهدي خاتمةُ *** وَ زَوْج خيرٍ وَصِيَّ بِنْتِ خَيْرِ نَبِي(2)
للَّهِ دَركِ يا زَهْرا من امرأةِ *** بِها تَباهَى رِجالُ الفَضْل و الحَسَب
لولا ذَوُوكِ بما أُوتِيتِ مِنْ شَرَفٍ *** فاز الإناتُ عَلَى الذُّكْرَانِ بِالْغَلَبِ
فَالْبَعْلُ وَ الأب و الأبناءُ فِيكِ غَدَوْا *** مِنْ شِدَّةِ الفَخْرِ بَيْنَ العُجبِ و العَجَبِ
ص: 152
1- إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص116 في باب فضائلها المشتركة مع سائر الخمسة علیهم السلام و غيرهم في القرآن و ذلك في تفسير: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: و الماء من نهر يقال له: الكوثر... و هو لي و لك و لفاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و ليس لأحد فيه شيء. و في التفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير سورة الكوثر قال: الكوثر أولاده، لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان، و في «مجمع البيان»/للطبري في تفسير سورة الكوثر قال: قيل الكوثر هو الخير الكثير. و قيل: هو كثرة النسل و الذرية و قد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة علیها السلام حتى لا يحصى عددهم و اتصل إلى يوم القيامة مددهم.
2- إشارة لما ورد في مجمع الزوائد ج9 ص168 باب في فضل أهل البيت علیهم السلام جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السللام: إن الله «عزوجل» اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالاته ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها بعلك و أوصى إليّ أن أنكحك إياه يا فاطمة علیها السلام و نحن أهل بيت علیهم السلام قد أعطانا اللَّه خصال -إلى أن قال-: و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن و الحسين علیهما السلام، و هما سیدا شباب أهل الجنة -إلى أن قال-: و إن منهما مهي هذه الأمة.
أمَّا مُوالُوكِ يا زَهْرَا فَرَأَیُهُمُ *** أنَّ الْوَلا لَكُمْ ضَرْبٌ مِنَ النَّسَبِ(1) (2)
ص: 153
1- إشارة لما ورد في بحار الأنوار ج39 ص309 في الباب87 في حب علي إيمان و بغضه كفر و نفاق س 5 إن اللَّه اختارهم بعلمه لنا من بين الخلق و خلقهم من طينتنا و استودعهم سرِّنا...
2- بمناسبة مولد الزهراء علیها السلام و ألقاها بنفسه في حسينية الشواف مجلة الموسم العدد 9-10 ص561 مجلد3-1991.
(32) ثياب المصاب
(بحر المتقارب)
الشيخ مُلا محمد بن علي
آل نتيف (*)(1)
إذا لَذَّ لي مَظعَمٌ أوْ شَرابْ *** بِشَهْرِ رَبِيعَ فَشَيْءٌ عُجابْ
فَانّى يَزُورُ لِقَلبي السُّرورْ *** وَ نارٌ بِأحْشاي ذاتُ الْتِهابْ
مُصابٌ أصابَ صَمِيمَ الفُؤَادْ *** فَفِي الْقَلْبِ باقٍ لِيَوْمِ الْمَآبْ
أَيَفْرَحُ قَلْبِي وَ طَة الرسولْ *** شَفِيعُ العِبَادِ ثَوى فِي التُّرابْ
بَكَتْهُ السَّماءُ وَ سُكَانُها *** جميعاً و ناحَ عَلَيْهِ الْكِتَابْ(2)
ص: 154
1- (*)هو الشيخ ملامحمد بن علي بن ضيف بن مهدي بن رضوان بن أحمد بن علي بن مكي (آل نتيف) و هو من أسرة يسري فيها هذا اللقب (آل نتيف) إلى أكثر من سبع طبقات، و هي به،معروفة و من بينهم الشيخ محمد كأنه علم في رأسه نار. ولد في القطيف سنة (1315ه ). و قد جمع المترجَم له في شخصيته المرموقة مكارم الأخلاق و مزايا المجد من كرم و خلق رفيع و محبة للناس و خضوع و خشوع و تواضع إلى غير ذلك من تلك المميزات الخاصة التي أهَّلته لأن يكون خالداً. و مكارم أخلاقه بين أقرانه ظاهرة، من مزايا حميدة و سجايا نبيلة في الصدق و حسن الحديث و الوفاء بالإخاء و صدق الوعد و طيب الضمير و المعاشرة و لين الجانب و تواضع النفس و رحابة الصدر و بسامة الثغر و ظرافة المجلس و خدمة الإنسانية و أداء حق المنبر، فهو خطيب ماهر و واعظ قدير و أديب كبير وبحّاثة مؤرخ يرقى المنبر فيمتلك قلوب المستمعين و يبعثها للنشاط و التشجيع و يتكلم مرشداً . توفي الشيخ محمد بن علي آل نتيف في (22) محرم سنة (1372ه_)، وقد تركت وفاته أثراً في البلاد وكأنما في شخصيته فقدت شخصيات، فهو فرد يعد بأفراد.
2- إشارة لما ورد في المستدرك على الصحيحين ج3 ص60 عن عبد الله بن مسعود: لما ثقل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قلنا: من يصلي عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فبكى و بكينا و قال: مهلاً غفر الله لكم و جزاكم عن نبيكم خيراً إذا غسلتموني و حنطتموني و كفنتموني فضعوني على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي خليلي و جليسي جبرائيل و ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة ثم ليبدأ بالصلاة عليَّ رجال أهل بيتي علیهم اسلام ثم نساؤهم ثم ادخلوا أفواجاً أفواجاً و فرادى.
وَهَبَّتْ عليهِ رِياحُ الْخُسوفْ *** وَ هَمَّ البسيط على الانقِلابْ
و باتَ الأنامُ بِلا والدٍ *** تُقاسِي الْمَصَائِبَ مِنْ كلِّ بابْ
و كيف أذُوقُ الْهَنَا وَ الْبَتُول *** لَها رَفْلَةٌ(1) في ثيابِ الْمُصَابْ
تَحِنُّ حَنِيناً يُزِيلُ الجِبَالُ *** وَ دَمْعُ الْعُيونِ كَصَوْبِ السَّحابْ(2)
أَلَيْسَ بذا الشهر قامَ العُداةُ *** بنقض العُهُودِ مِنَ الْمُسْتَطابْ(3)
وَ فِيهِ(4) أُدِيرَ علَى بَيْتِها *** بِجَزل(5) وَ عَنْها أَمِيطَ الْحِجَابْ
أما كَسَرُوا فيهِ أَضْلاعُها *** بِالْحَبْل قادوا الإمامَ المُهابْ(6)
لَها اللَّهُ إِذْ خَرَجَتْ خَلْفَهُ *** لِتَخْلِيصِهِ بِأَسَى وَ انْتِحَابْ
تُنادِي دَعُوا مَنْ أَشادَ الْهُدَى *** بِحَدّ حُسام أَذَلَّ الرِّقابْ
ص: 155
1- الرّفلة: جرُّ الذيل.
2- و ذلك إشارة لما ورد في بحار الأنوار أيضاً ج43 ص157 ح6 و7 في حديث عن علي علیه السلام قال: غسلت النبي صلي الله علیه و اله و سلم في قميصه فكانت فاطمة علیها السلام تقول أرني القميص فإذا شمَّتَهُ غشي عليها. و في حديث آخر قالت: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي صلي الله علیه و اله و سلم بالأذان... فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم شهقت فاطمة علیها السلام و سقطت لوجهها و غشي عليها حتى ظن الناس أنها قد ماتت فقطع بلال أذانه و لم يتّمه.
3- إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص20 في حديث عن سلمان عن النبي صلي الله علیه و اله و سلم في مرضه الذي قبض فيه و قد أقبل على علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد أعواناً فاصبر و اكفف يدك و لاتلق بيدك إلى التهلكة.
4- و لعّل أغير بدلاً عن أدير و في البيت إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص39 قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
5- جَزَلَ: جَزْلاً الشيء قطعه.
6- و ذلك إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص37 حيث انطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً.
فَما رُعِيَتْ إِذْ دَعَتْ في العدى *** فَعادَتْ وَ مِنْ ضَرْبها المتنُ عابْ(1)
وَ قَدْ لُطِمَتْ لَعْمَةً لَمْ تَزلْ *** عَلَى الخَدّ مِنْهَا بِظَهْرِ النِّقابْ(2)
وَ باتَتْ تَيْنُّ بِفَرْشِ السّقامْ *** حَلِيفَةَ وَجْد إذِ البَدْرُ غابْ
لِفَقْدِ الرَّسُولِ وَ سِقْطِ الجَنِينْ *** وَ كَسْرِ الضُّلوع وَ مَزْقِ الكِتابْ(3)
فَما وَقَعَةُ الطَّفْ لَوْلاً الأولى *** أماطُوا عَن الطُّهرِ ذاكَ الحِجابْ(4)
بِصَعْدَةِ مِنْبَرِ طة الأمينْ *** بِصَدْرِ الحُسَيْنِ رَقَى ابْنُ الضّبابْ
وَ مِنْ رَضِّهِمْ ضِلْعَ بِنْتِ الْهُدى *** بهِ رُضِّ أَضْلاع شِيبٍ وَ شَابْ(5)
وَ مِنْ قَتْلِهِمْ مُحْسِناً بِالطّفُوفِ *** بها کَمْ رَضِيعٍ بِسَهُم مُصابْ
و نارٍ تُوجَجُ في بَيْتِها *** وَراهَا ابْنُ سَعْدِ بِتِلْكَ الْقَبَابْ(6)
ص: 156
1- و أما عن كسر الضلع فورد في كتاب سليم بن قيس في كسر ضلع فاطمة علیها السلام ص40 فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها». إشارة لما ورد عن سليم بن قيس في كتابه ص37 باب ضرب الزهراء علیها السلام في جنبها و ذراعها حيث نقل عن سلمان «رضوان الله عليه» قال: دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر و هو في غمده فوجاً به جنبها، فصرخت: یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم! لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
2- إشارة لما ورد في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم صفحة560 قال عمر: أقبلت عليّ الزهراء علیها السلام بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدّيها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها و تناثر إلى الأرض.
3- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم الزهراءعلیها السلام ج2/11 ص574 في قولها ظلموني حقي، و أخذوا إرثي، و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، و كذبوا بشهودي وهم -والله- جبرئيل و ميكائيل و أميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن.
4- في الخصال/ للصدوق/ ج2 ص67. قال الصادق علیه السلام: لايوم كيوم محنتنا بكربلا، و إن يوم السقيفة، و إحراق النار على باب أميرالمؤمنين فاطمة و الحسن و الحسين و زينب علیهم السلام و فضة، و قتل محسن بالرفسة، أعظم و أدهى و أمر لأنّه أصل يوم العذاب راجع أيضاً نوائب الدهور ج3 ص194.
5- إشارة لما ورد في الاحتجاج ج1 شطر منه في صفحة97 عن الصادق علیه السلام سأله أبان بن تغلب في أنه هل أنكر أحد من الصحابة على أبي بكر في جلوسه مجلس رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم؟ فقا : نعم الذي أنكر عليه اثنا عشر رجلاً من المهاجرين. و كذلك في مورد آخر: فأفحم بعد أن حاججوه و لم يحر جواباً. ثم قال: و ليتكم و لست بخيركم أقيلوني أقيلوني. و ذلك في صفحة104 من نفس المصدر.
6- القباب: مفرده القبب من السيوف و نحوها القاطع.
وَ حَبْلِ بِهِ كُتِفَ المُرْتَضَى *** بهِ كَتَّفُوا زَيْنَبَاً وَ الرَّبابْ
وَ إِنْ خَرَجَتْ بَعْدَتَخْدِيرِها *** بِدَمْعِ سَفُوحٍ وَ قَلْبِ مُذابْ
أَلا بِابِيْ وَ رِثَتْ زَيْنَبٌ *** وَ زَادَتْ على أمِّها في المُصابْ
سَرَتْ في السِّبا ما لَها کافِلٌ *** بِحَالٍ فظيع يُزِيلُ الهِضَابْ
وَ مِنْ خَلْفِها آلها وَ العَلِيلُ *** لَهُنَّ صَجِيجٌ كَرَعْدِ السَّحَابْ
إذَا انْتَحَبَ الطِّفلُ مِنْ هَاشِمٍ *** يُقَنَّعُ بِالسَّوْطِ ذاك الشبابْ
فَما زَيْنَبُ الطّهْرُ أُمُّ الخُدورِ *** وَ قَطْعُ الفَیافِي وَ تِلْكَ الرّحابْ
تَرى رُوسَ إِخْوَتِها فِي الرِّماحْ *** قَدِاتَّخِذَتْ مِنْ دِمَاهَا الْخِضابْ
تُنادِيهِمُ إخْوَتِي هَلْ يَهُونُ *** عَلَيْكُمْ بِزَيْنَبَ ما قَدْ أصابْ
فَبالرغم مِنّي أرى رُوسَكُمْ *** وَ تَتْلُو الْكِتَابَ بِرُوسِ الحِرابْ
وَ حَقَّكُمُ لاعَرِفُتُ الهَنا *** وَ أَنْتُمْ بِعَيْنِي ذهاباً إيابْ
وَ عَيْنِيَ ما غُمِّضَتْ بَعْدَكُمْ *** وَ أَلْبَسُ حُزْنَا عَلَيْكُمْ ثِيَابْ
أيا إِخْوَتِي إِنَّ يَوْمَ الْفِراقِ *** أزالَ شُعوري و شَعْرِي أشابْ
أبَعْدَ الْأَحِبَّةِ عَيْش يَطِيبُ *** عَجِيبٌ لِمِثْلي إذا الْعَيْش طابْ
فَما عِشْتُ بَعْدَكُمُ فِي العَزاءْ *** إلى أنْ يُوسَّدَ خَدّي التُّرابْ
فَيا وَقْعَةً لا تَرى مِثْلَها *** مَتَى ذَكَرُوها فَكَفُّ الخِطَابْ
مِنَ المُصْطَفَى بَعْدَهُ آلُهُ *** لِقاؤُهُمُ بَدَدٌ في الشِّعابْ(1)
فَهاكُمْ مِنَ الْعَبْدِيا سادتي *** كَلاماً لَهُ أَدْمُعِي فِي انْصِبَابْ
مُحَمَّدُ يَرْجُوكُمُ في القيام *** خَدِينُ المَعَاصِي مِنْ كُلِّ بابْ(2)
أَلا أَنْتُمُ الْغَوْتُ سُفْنُ النَّجاةِ *** و لاكُمْ يُذِيبُ الذُّنوب الصِّعابْ
و لاسَهر اللَّيلَ مَنْ حادَ عَنْ *** ولاكُمْ فَفِي الحَشْرِ وَاللَّهِ خَابْ
سَلامٌ لَكُمْ دائماً ما أضاءُ *** بِأُفُقِ السَّمَاءِ هِلَالٌ وَ غَابْ(3)
ص: 157
1- بَدَدٌ: متفرّق.
2- خَدين: صديق.
3- من كتاب عبرة المؤمنين ص43.
(33) يوم الزهراء علیها السلام
(بحر الخفيف)
السيد محمد جمال الهاشمي (*)(1)
ص: 158
1- (*) هو السيد محمد ابن السيد جمال ابن السيد حسن ابن السيد محمد علي الموسوي الگلبایگاني الشهير بالهاشمي. ولد في النجف الأشرف ليلة العشرين من المحرم سنة (1332ه_)، و نشأ نشأة دينية في ظل والده المرجع الديني الكبير السيد جمال الگلبايگاني، و منذ نعومة أظفاره كان متعشقاً للعلم و الأدب، فعني بتربيته و توجيهه، فكان أول دراسته أنه أدخله المدرسة العلوية الإيرانية في النجف فبقي فيها خمس سنوات فكانت نفسه تواقة إلى الدروس الحوزوية، فدخل المسجد الهندي حظيرة الروحيين و عمره لم يبلغ الثانية عشرة فأخذ النحو و الصرف و البلاغة و المعاني و البيان و الفقه و الأصول و أنهى جميع مراحل السطوح على أساتذة عصره في الحوزة العلمية في النجف الأشرف أمثال الشيخ عبد الأمير البصري و الشيخ شمس التبريزي و الشيخ محمد تقي الأصفهاني و الشيخ محمد رضا المظفر و الشيخ محمد تقي و الشيخ راضي و السيد الميرزا حسن البجنوردي و السيد موسى الجصاني، ثم تأهّل إلى دروس الخارج فحضر حلقة درس الأستاذ الكبير آغا ضياء الدين العراقي و المرجع الديني الأعلى السيد أبي الحسن الأصفهاني. و أخذ أهم علومه من والده الذي حاز على المرجعية الدينية بعد وفاة الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني، فرجع إليه الناس من هنا وهناك. و لقد حصل على إجازة الاجتهاد من الشيخ آغا ضياء الدين العراقي و السيد أبي الحسن الأصفهاني كما أجازه والده على الاجتهاد. و المترجم له كان يقيم صلاة الجماعة في الجامع الذي يلي الرأس الشريف في الساباط من الحرم العلوي الشريف خلفاً لأبيه عندما أقعد في داره بسبب المرض الذي لازمه، و تولى حل المسائل و المشاكل الشرعية التي كانت ترد على والده من مقلديه و قام بأدائها خير قيام. و كان المترجم له من أركان الجهاز المرجعي للفقيه المرجع السيد محسن الحكيم (رحمة الله علیه)، و دوره مشهود في ذلك و سيرته واضحة. و للمترجَم له مؤلفات كثيرة منها: 1-كتاب الزهراء علیها السلام، 2-تاريخ الأدب العربي، 3- الأدب الجديد، 4- الأدب القديم فيه تراجم لسبعمائة شاعر، 5- ديوان الهاشمي في جزأين، 6-الأوتار منظوم على وزن واحد، 7- الأنغام و هو خاص بالموشحات على مختلف أنواعها، 8- الأراجيز، 9- ملحمة الجيل و هي قصيدة تشتمل على سبعمائة بيت 10-الهاشميات عبارة عما قاله في آل البيت علیهم السلام من الثناء و الرثاء، و قد طبع له في الآونة الأخيرة كتاب بعنوان (مع النبي وآله) و لعله هو الهاشميات، 11- هكذا عرفت نفسي، 12- الأخلاق في ضوء القرآن و غيرها من الكتب العلمية و الأدبية و أكثرها لم تطبع. وافته المنية ولبى نداء ربه سنة (1397ه_ ) و دفن في النجف الأشرف.
أيُّ خَطبٍ يَبْكِي عَلَيْهِ خِطابي *** وَ مُصابٍ قَدْ شابَ شَهْدِي بِصَابِ(1)
أو يَوْمَ الزّهراء أيُّ فُؤادٍ *** عَلَوِيٌّ عَلَيْكَ غَيْرُ مُذَابِ(2)
: 159
1- الشهد: العسل الصاب: شجر مر.
2- إشارة إلى ما حدث للزهراء علیها السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففي البحار ج43 ص197، باب ا وقع عليها من الظلم ج29. قال: توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس و أرتدوا و أجمعوا على الخلاف، و اشتغل علي برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل و أهل بيته علیهم السلام فابعث إليه فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له: یا قنفذ انطلق إلى عليّ علیه السلام فقل له: أجب خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فبعث مراراً و أبى علي علیه السلام أن يأتيهم. فوثب عمر غضبان و نادى خالد بن الوليد و قنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً، ثمَّ أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة «صلوات الله عليهما»، و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثمَّ نادى: يا ابن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه، قال افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم فقالت: يا تتقي الله «عزَّوجلَّ» تدخل على بيتي و تهجم على داري، فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثمَّ دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السَّوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه. فوثب عليَّ بن أبي طالب فأخذ بتلابيب عمر ثمَّ هزّه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و همَّ بقتله فذكر قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وما أوصاه به من الصبر و الطاعة فقال: والذي كرَّم محمَّداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوة يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي، فأرسل عمر يستغيث. فأقبلوا حتى دخلوا الدار فكاثروه و ألقوا في عنقه حبلاً فحالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله» فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت علیها السلام من ذلك شهيدة. و ساق الحديث الطويل في الداهية العظمى و المصيبة الكبرى... إلى آخره.
لَكَ في الدَّهْرِ رَنّةٌ رَدَّدَتْها *** بِخُشُوعِ أَجْيالُهُ وَ اكْتِئَابِ
فَهيَ نَارٌ تُذْكِي القُرونَ وَ نورٌ *** رَف لألاؤُه عَلَى الأحْقابِ(1)
وَ هْيَ لَلْمَجْدُ فيهِ لِلسَّا *** لِكِ تَبْدُو الصِّعَابُ غَيْرَ صِعَابِ
غاب نورُ النَّبيِّ وَ انْقَطَعَ الْوَحْيُ *** وَ خارَتْ عَزائِمُ الآرابِ(2)
وَارْتَمى مَوْكِبُ الحَيَاةِ وَ جَاشَتْ *** نَزَعَاتُ النِّفاقِ في الأحْزَابِ(3)
ص: 160
1- الأحقاب: الدهور.
2- الآراب: جمع الأرب: الغاية أو الحاجة.
3- و الأبيات التي تليه تشير إلى بعض تفاصيل الأحداث، و قد لخص بعضها العلامة الأميني في الغدير في الكتاب و السنة و الأدب ج7 ص74، يقول: ما عساني أن أقول؟ و التأريخ بين يدي الباحث يدرسهُ بأنَّ كلَّ رجل من سواد الناس يوم ذاك كان يرى الفوز و السلامة لنفسه في عدم التحزُّب بأحد من تلكم الأحزاب المتكثرة، و ترك الاقتحام في تلك الثورات النائرة و كانت الخواطر تهدَّده بالقتل مهما أبدى الشقاق أو التحيز إلى فئة دون فئة بعدما رأت عيناه فرند الصارم المسلول، و سمعت أذناه نداء محزِّ (المحز الرجل الغليظ الكلام) يتوعد بالقتل،كلَّ قائل بموت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ويقول: لاأسمع رجلاً يقول: مات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا ضربته بسيفي أو يقول من قال: إنَّه مات علوت رأسه بسيفي، و إنما ارتفع إلى السماء عن تاريخ الطبري ج3 ص198، و شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128 ، و تاريخ ابن كثير ج5 ص242، و تاريخ أبي الفداء ج1 ص156، و المواهب اللدنية للقسطلاني و غيرهم. یصيح: من قال نفس المصطفى قبضت *** علوت هامته بالسيف أبريها (لحافظ إبراهيم) بعدما تشازرت الأمة و تلاکمت و تكالمت، و قام الشيخان يعرض كلُّ منهما البيعة لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أيُّ أحد كأنَّ الأمر دبر بليل فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك فلأ بايعك، و يقول آخر: بل أنت و كلُّ منهما يريد أن يفتح يد صاحبه و يبايعه و معهما أبو عبيدة الجراح حفار القبور بالمدينة يدعو الناس إليهما، (تاريخ الطبري ج3 ص199) و الوصي الأقدس و العترة الهادية و بنوهاشم ألهاهم النبيُّ الأعظم و هو مسجى بين يديهم و قد أغلق دونه الباب أهله و خلِّى أصحابه بينه و بين أهله فولوا إجنانه (طبقات ابن سعد ص121 ليدن ج2 من القسم الثاني) و مكث ثلاثة أيام لايدفن أو من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته فدفنه أهله و لم يله إلّا أقاربه دفنوه في الليل أو في آخره و لم يعلم به القوم إلا بعد سماع صديق المساحي و هم في بيوتهم من جوف الليل، و لم يشهد الشيخان دفنه صلي الله علیه و آله و سلم (أخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال ج3 ص140)... إلى آخر الكلام في باب و صمات الانتخاب. و قول حافظ إبراهيم شاعر النيل في القصيدة العمرية: مدَّت لها الأوس كفَّا كي تناولها *** فمدَّت الخزرج الأيدي تباريها و ظنَّ كلِّ فريق أن صاحبه *** أولى بها و أتى الشعناء آتيها و كان مما حدث بتدبير حزبي مسبق قول عمر: لاأسمع رجلاً يقول: مات رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم إلا ضربته بسيفي... أو يقول: من قال إنه مات علوت رأسه بسيفي و إنما ارتفع إلى السماء... راجع تاريخ الطبري ج3 ص198، و شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128. و حين قام الشيخان يعرض كل منهما البيعة لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أحد فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك فلأبايعك و يقول الآخر: بل أنت... راجع الطبري ج3 ص199. و حين رئي عمر بن الخطاب محتجراً يهرول بين يدي أبي بكر و قد نير حتى أزبد شدقاه راجع سيرة ابن هشام ج4 ص344. وحين أحاطوا بدار فاطمة علیها السلام و أخذ عمر بن الخطاب يصيح: واللَّه لتحرقن أو لتخرجن إلى البيعة. فيقال له: إن فيها فاطمة: فيقول: و إن... راجع الإمامة و السياسة ج1 ص13. حین أخذت الزهراء علیها السلام تصرخ و تولول تنادي: يا أبابكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم واللَّه لا أكلم عمر حتى ألقى اللَّه راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص134 و ج2 ص19. و حين أخرجوا الإمام علياً ملبباً يُقاد إلى البيعة و يُدفع و يُساق سوقاً عنيفاً، و اجتمع الناس ينظرون و يقال له: بايع فيقول: إن أنا لم أفعل فمه؟ فيقال: إذن واللَّه الذي لا إله إلا نضرب عنقك. فيقول: إذن تقتلون عبد الله و أخا رسوله راجع الإمامة و السياسة ص13.
فَانْطَوى النُّورُ في ظَلام كَثِيفٍ *** نَشَرَتْهُ جرائم الانقلابِ
وَ انْمحَى الحيُّ و الصَّراحَةُ لَمّا *** سادَ عَهْدُ الصَّلالِ و الارِتيابِ
مَوْقِفٌ أَرْبَكَ العُصورَ فَأَخْفَتْ *** رَأْيَها فِي الْقُلوبِ و الأَهْدَابِ
غَضْبَةُ الحقِّ ثَوْرَةٌ تَجْرِف الباطلَ *** في مَوْجٍ عَزمِها الوَثَابِ
عَجَبٌ أَمْرُها و أَعْجَبُ مِنْهُ *** أَنَّهَا تَنْتَمِي لِذاتِ نِقابِ
وَإِذَا اللَّبْوَةُ الجَرِيحَةُ ثارتْ *** لَهَثَ المَوْتُ بَيْنَ ظُفْرِ وَ نابِ
شَمَّرَتْ لِلْجِهَادِ سَيّدةُ الإسلامِ *** عَنْ ذَيْلِ عَزْمِها الصَّخَابِ
ص: 161
وَ أَنَتْ ساحَةَ الجِهَادِ بِإِيمَانٍ *** يَرُدُّ السُّيُوفَ وَ هيَ نَوابِ(1)
حاكَمَتْ عَهْدَها المُدْمِيَّ بِقَلْبٍ *** وَاغِرٍ مِنْ شُجونِها لَهَابِ(2)
لَمْ تَدْعُ لِلْمُهَاجِرينَ وَ لِلْأَنْصَارِ *** رَأْياً إلا الْمَحَى كَالضَّبابِ(3)
ص: 162
1- نواب: غير قاطعة.
2- واغر: متوقد من الغيظ.
3- (خطبتها في مسجد النبي صلي الله علیه و آله و سلم) من البيت الثالث عشر إلى البيت السابع و العشرون من القصيدة في إشارة إلى حديث فاطمة الزهراء علیها السلام من الاحتجاج ج1 ص131 تحت عنوان: احتجاج فاطمة علیها السلام على القوم لما منعوها فدك و قولها لهم عند الوفاة بالإمامة. روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه علیهم السلام أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى دخلت على بكر وهو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنَّت أَنَّة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت: الحمدللَّه على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم... إلى آخر الخطبة و كلامها فاعملوا إنا عاملون و انتظروا إنا منتظرون. فأجابها أبوبكر عبد الله بن عثمان و قال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً و على الكافرين عذاباً أليماً... إلى قوله... و الله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لاعملت إلا بإذنه والرائد لايكذب أهله و إني أشهد الله و كفى به شهيداً أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: (نحن معاشر الأنبياء لانورث ذهباً و لافضة و لاداراً و لاعقاراً و إنما نورث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوّة و ما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه)، و قد جعلنا ما حاولته في الكراع و السلاح يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفار و يجالدون المردة الفجار و ذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي و لم أستبد بما كان الرأي عندي و هذه حالي و مالي هي لك وبين يديك لاتزوى عنك... إلى قوله: فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك صلى الله عليه و آله و سلم فقالت علیه السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن كتاب الله صادفاً و لا لأحكامه مخالفاً قولها: كلا بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال أبوبكر: صدق الله و صدق رسوله و صدقت ابنته أنت معدن الحكمة و موطن الهدى و الرحمة و ركن الدين و عين الحجة لاأبعد صوابك و لاأنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني و بينك قلدوني ما تقلدت و باتفاق منهم أخذتُ ما أخذت غير مكابر و لامستبد و لامستأثر و هم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس و قالت معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل (و في بعض النسخ قبول الباطل) المغضية على الفعل القبيح الخاسر... إلى آخر قولها (سلام الله عليها). و في الاحتجاج ج1 ص119 (احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على أبي بكر و عمر لما منعا فاطمة الزهراء علیها السلام فدكاً بالكتاب و السنة). عن حماد بن عثمان (ذو الناب عن أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا علیهم السلام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى بويع فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر الله؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة. فقال: بلى، قالت: فاشهد. إن الله «عزوجل» أوصى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «وآت ذا القربى حقه» فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، فجاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً و دفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه و مزّقه و خرجت فاطمة علیها السلام تبكي. فلما كان بعد ذلك جاء علي علیه السلام إلى أبي بكر و هو في المسجد و حوله المهاجرون و الأنصار فقال: يا أبابكر لم منعت فاطمة علیها السلام ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ و قد ملكته في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال أبوبكر: هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جعله لها و إلا فلاحق لها فيه فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين قال: لاقال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك أسأل البينة قال: فما بال فاطمة علیها السلام سألتها البينة على ما في يديها ، و قد ملكته في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و بعده و لم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهوداً، كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبوبكر فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لانقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول و إلا فهو فيء للمسلمين لاحق لك و لالفاطمة علیها السلام فيه، فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول الله «عزوجل»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم. قال : فلو أن شهوداً شهدوا على فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جاءت بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين قال: إذن كنت عند الله من الكافرين قال: و لم؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة و قبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله و حكم رسوله صلي الله علیه و آله و سلم أن جعل لها فدكاً قد قبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها و أخذت فدكاً منها و زعمت أنه فيء للمسلمين، و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فرددت قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه) قال: فدمدم الناس و أنكروا و نظر بعضهم إلى بعض و قالوا: (صدق واللَّه علي بن أبي طالب علیه السلام)، و رجع إلى منزله. و للحديث بقية: أخذنا منه موضع الحاجة و كمثال واحد على محو الحق و تعطيل الحدود و سيادة الضلال و الارتياب. و هناك قصص و روايات كثيرة جداً تشير إلى ما حدث...
وَ اسْتَعانَتْ بِالحَقِّ وَ الحَقُّ دِرْعٌ *** مِنْ أمانٍ و صارمٌ مِنْ صَوابِ
رَجَمَتْهُمْ بِالمُخْزياتِ فَابُوْا *** وَ هُمْ يَحْمِلونَ سُوء المآبِ
حُجَجٌ كَالنُّجُومِ يَنْثُرُها الحَقُّ *** وَ يَرْمِي الشَّهابَ اثْرَ الشَّهابِ
فَهيَ إمّا عَقَلَ وَ إما حديثٌ *** جاءَ عَنْ نَصْ سُنَّةٍ أَوْ كِتَابِ
فتهاوَتْ أخلامُهُمْ كَصُروحٍ *** شادَها الوَهْمُ عالياً في السَّرابِ
أهٍ لَوْلا ضَعْفُ النُّفُوسِ لَمَا *** اسْتَرجَعَ رَكْبُ الهُدى عَلَى الأَعْقَابِ
وَ لَمَا عَادَتِ الْإِمارةُ لِلْقَوْمِ *** وَ حَازوا إمامةَ المِحْرابِ
وَ اسْتَفَرْتْ هَوْجُ الْعَواصِفِ لَمّا *** قابَلَتْها سِياسَةُ الْإِرْهابِ
لاخطابٌ مِنْ عَاذِل لا جَوابٌ *** عَنْ سُؤال لاهَجْمَةٌ مِنْ عِتابِ
وَ مُذِ انْهَارَتِ الرِّجالُ وَ عَادوا *** بِتُلول مِنْ خِزْيِهِمْ وَ رَوَابِي
وَ اخْتَفَى النَّصُّ بالوَلايةِ لَمّا *** أَظْهَرَ الكَيْدُ فِكْرَةَ الانتِخَابِ(1)
ص: 164
1- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص116 عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن أبي رافع قال: إني لعند أبي بكر إذ طلع علي و العباس يتدافعان و يختصمان في ميراث النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم، فقال أبوبكر: يكفيكم القصير الطويل -يعني بالقصير علياً علیه السلام و بالطويل العباس- فقال العباس: أنا عم النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و وارثه، و قد حال علي بيني وبين تركته. فقال أبوبكر: فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلي الله علیه و آله و سلم بني عبد المطلب و أنت أحدهم فقال: (أيكم يوازرني و يكون وصيّي و خليفتي في أهلي ينجز عدتي و يقضي ديني) فأحجمتم عنها إلا علي علیه السلام، فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الاول: أنت كذلك؟ فقال العباس: فما أقعدك في مجلسك هذا تقدمته و تأمرت عليه؟ قال أبوبكر: اعذروني يا بني عبد المطلب. و روي في ص115 من نفس الكتاب عن أبي قحافة أنه كان بالطائف لما قبض رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم لأبي بكر فكتب ابنه إليه كتاباً عنوانه (من خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى أبي قحافة. أما بعد فإن الناس قد تراضوا بي فإني اليوم خليفة الله فلو قدمت علينا كان أقرلعينك). قال: فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول صلي الله علیه و آله و سلم: ما منعكم من علي علیه السلام؟ قال: هو حدث السن و قد أكثر القتل في قريش و غيرها و أبوبكر أسن منه. قال أبوقحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا علياً حقه و قد بايع له النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أمرنا ببيعته. و لعل الذي يؤكد ذلك ما رواه الطبري. و في صحيح البخاري في مناقب أبي بكر: أن أبابكر قال للأنصار في اجتماع السقيفة: نحن الأمراء و أنتم الوزراء و هذا الأمر بيننا و بينكم نصفاً من كشف الأيلمة -يعني الخوطة- و في شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128: قال عمر يوم السقيفة: من بايع أميراً من غير مشورة المسلمين فلابيعة له و لابيعة للذي بايعه.
أَوْقَدَ الغَدْرُ في السَّقيفةِ ناراً *** عَلَقَتْ في مواكبِ الأَحْقَابِ
وَ تَلاشَى (الغَديرُ) إلا بقايا *** تَتَرامى بِها بُطونُ الشُّعَابِ