الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام المجلد 2

هوية الکتاب

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرِ اَلْوَلاَءِ فِي قَصَائِدِ اَلزَّهْرَاءِ علیها السلام

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبِ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدَ

اَلجُزْءُ الثَّانِي

دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى

1426 ه_ - 2005م

ص: 1

اشارة

ص: 2

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبِ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدَ

اَلجُزْءُ الثَّانِي

دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى

1426 ه_ - 2005م

دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

المكتبة : حارة حريك - بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي - الهاتف: 01/545182 - 03/473919 - ص.ب : 13/6080

المستودع: حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com. Email: daraloloum@hotmail.com

ص: 4

الفاتحة

بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * ايَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ علَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ

ص: 5

ص: 6

تقريظ

(بحر السريع)

حَيَّ أبا أحمد في حفظه *** تراث أمجاد و سادات

بالكلم الطيب أعماله *** يرفعها نحو السموات

و هو كميت العصر في جمعه *** أعاد مجد «الهاشميات»

ينصر آل المصطفى حافظاً *** تراثهم من شر آفات

مهاجرٌ فرّق أيّامه *** يجمع منها خير أشتات

مخدرات السرّ قداسكنت *** من رائع الشعر بأبيات

فيها من الروعة ما سحره *** ينسيك سحر الأصمعيات

أكرم به من سابق جائلٍ *** منن أدب الآل بساحات

يا ذاكر الزهراء سجّل له *** سبقاً على الحاضر و الآتي

أهلاً فارخ (و بعلي أتى *** يصحب ركب الفاطميات)

السيد مسلم الجابري

1418ه_

ص: 7

تقريظ

(بحر البسيط)

دوّنتَ ما قيل شعراً في مَعاليها *** و أين للشعرِ أن يَرقى مراقيها

أَنْعِمُ بها و هي الزهراءُ فاطمةٌ *** و مَن فضائلها قد عزَّ مُحصيها

قد صاغها اللهُ من مكنونِ حكمتهِ *** في عالَم الذرِّ نوراً جلَّ باريها

ما يَبْلغُ الشعرُ في الزهراءِ ممتدحاً *** و هل تُنالُ الثريّا في تساميها

قد فاز و اللهِ في الدارين مغتبطاً *** مَنْ أصبحَ اليومَ يُدعى منْ محبّيها

في كل قطرِ لأهلِ البيت مقبرةٌ *** حضيرة القدسِ ما كانتْ تُضاهيها

قد أصبحت كعبةً يهفو لها ولهاً *** من الخلائقِ قاصيها ودانيها

ألم تكنْ آيةُ التطهير قد نزلتْ؟ *** بحقهم إنْ تناسى اليومَ ناسيها

أينَ المودّةُ في القُربى و قد حُرِقَتْ *** دارٌ و فاطمةٌ بنتُ الهدى فيها

أين الوفاءُ و أينَ الدين من زُمَرٍ *** أضحتْ إلى اليومِ من أعدى أعاديها

ألم يقلْ بضعتي الزهراءُ يُؤلِمني *** ما كانَ يُؤلمها يوماً و يؤذيها

و هذه كتبُ التاريخِ مسندةٌ *** عن النبي لسانُ الحقِّ يَرْوِيها

فالجاهليةُ ما زالتْ تناصِبُها *** شرِّ العداءِ و نارُ الحَقْدِ تُذْكِيها

قَدَّمْ (أبا أحمدٍ) في خيرِ مُكتسبٍ *** تَرْجو به اللهَ تنويراً و تفقيها

فهذه خيرُ آياتٍ تُقدِّمُها *** من البيانِ إلى الزهراءِ تُهْدِيها

أحمد الشيخ محمد السماوي

ص: 8

قافیة الباء

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) أكبرتُ ذكراكِ

(بحر البسيط)

الشيخ إبراهيم النصيراوي

أَكْبَرْتُ ذِكْراكِ لا يرقى لَهَا أدبي *** فَيْضٌ مِنَ الوَحْيِ أَمْ سِرٌّ مِنَ العَجَبِ

في كُلِّ عام لَهُ لَحْنٌ عَلَى وَتَرٍ *** يَرِثُ في مَسمَعِ الدُّنيا بلا نَصَبِ

أكْبَرْتُ فيكِ حياةً ما لها شَبَهٌ *** كَالأنبياءِ حَوَتْ مِنْ أفْضَلِ الرُّتَبِ

يا رَحْمَةً لِوُجُودِ الكَوْنِ أَجْمَعِهِ *** وما سِواكُمْ لِهَذا الفَيْضِ مِنْ سَبَبِ

يا أُمَّ جِيلٍ تَخَطّى كُلَّ داجِيَةٍ *** حَتّى تَفَرَّدَ مِشكاةً مِنَ الشُّهُبِ(1)

بِنْتُ النَّبِيِّ وَ حَسْبِي أَنها خُلِقَتْ *** وِتْراً(2) لِطه وَ لَمْ تُشْفَعْ لأي نَبِيِّ

أَكْبَرتُ ذكراكِ أَنّ الحَرْفَ يُعْجِزُهُ *** أَنْ يَسْتَطِيلَ لِأُفْقِ مُشْرِقٍ رَحِبِ

ماذا سَأَكْتُبُ وَ الآيات ظاهِرةُ *** وَ الحَقُ حَقٌّ وَإِنْ قَدْ دِيفَ(3) بالكَذِبِ؟

هل تُحْجَبُ الشَّمْسُ عَنْ أَنوَارٍ طَلْعَتِها *** كَلاً و أَنْوَارُها تَبْدُو مَعَ الحُجُبِ؟

***

يا لَيْلَةً بِجُمادَى كُنْتُ أَحْسَبُها *** كَلَيْلَةِ القَدرِ فِي فَيْضٍ وَ فِي أَرَبٍ(4)

ص: 11


1- داجية: ظلام.
2- وِتْراً: فرداً.
3- ديف: خُلط (المنجد 229).
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى يوم ميلاد الزهراء علیها السلام ففي كتاب دلائل الإمامة ص 10 قال: عن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام قال: ولدت فاطمة علیها السلام في جمادى الأخرى يوم العشرين منه سنة خمس و أربعين من مولد النبي صلی الله علیه و آله و سلم فأقامت بمكة ثمان سنين و بالمدينة عشر سنين و بعد وفاة أبيها خمساً و سبعين يوماً و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة. و ذكره المجلسي في كتابه البحار ج43 ص9.

عجِبْتُ كَيْفَ سُرُورُ الأَرْضِ إِذْ وَضَعَتْ *** خَدِيجَةٌ بِنْتَها فِي مَرْبَعٍ جَدِبِ(1)

تَرَفْعَتْ عَنْ نِساءِ الْأَرْضِ تَحْضُنُها *** فَخَصَّها بِنِسَاءٍ طِبْنَ في النَّسَبِ

هِيَ البَتُولَةُ صاغَ اللَّهُ نُطْفتَها *** وَ قَالَ: كُونِي فَكانَتْ خَيْرَ ذِي حَسَبِ(2)

أم الأئمةِ مَنْ يُحْصِي فَضائِلَها *** أَنَّى وَ قَدْ مُلِئَتْ في وَصْفِها كتُبي!

وَإِنَّ بَعْضَ مَعانِيها يُرى عَجَباً *** وَ بَعْضَ أوصافِها في غايَةِ العَجَبِ

تَجَرَّعَتْ من خُطوبِ الدَّهْرِ أفظَعَها *** كأنّها خُلِقَتْ لِلْوَجْدِ و النُّوَبِ(3) (4)

ص: 12


1- يشير الشاعر إلى السرور و البهجة التي عمّت الأرض بميلاد الزهراء علیها السلام ففي مشارق الأنوار ص85 قال: من أسرار فاطمة علیها السلام مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ، إن خديجة لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوتٍ و أباريق و ماء من حوض الكوثر و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم علیهم السلام، بعثهن الله يعنها على أمرها فلما و ضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطار بالطيب و الأنوار وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق نوراً و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. و ذكره في دلائل الإمامة ج16 ص80. و ذكره في دلائل الإمامة ص9 قال: «فوضعت خديجة فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور».
2- يشير إلى ما ورد في الحديث من أن الزهراء علیها السلام بتولة لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس. ففي كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إنما سميت فاطمة البتول علیها السلام لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء». و في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن كتاب مودة القربى ص78 ط لاهور، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة، معناه، ترجع كل ليلة بكراً و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً».
3- يشير الشاعر إلى ما لاقت الزهراء علیها السلام من المصائب و الآلام في حياتها. منها غصبهم فدك و قد مرت الإشارة إليه نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626. و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج3 ص387. و انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 و 208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
4- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص133.

(2) أمنا الزهراء علیها السلام

(بحر السريع)

الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الدمستاني

يَا نَاقِصَ العَقْلِ البَلِيدِ الغَبِي *** وذا الفؤَادِ الطائِشِ المَرْعَبِ(1)

حَامَ طُولُ النَّوْحِ وَ المَنْدَبِ *** لِدَارِسِ المُنْزِلِ و المَلْعَبِ

***

تَبْكِي أَنَاساً حَتْفُهُم غَالَهُمْ *** مُسْتَعْبِراً تَسألُ أَطلَالَهُمْ(2)

و فِتْيَةً قَطَّعَ أوْصَالَهُمْ *** صَرْفُ الرَّدَى بِالنّابِ و المِخْلَبِ

***

ما لكَ حَزناً لِلْبُكَا مُدْمِنُ *** عَلى طُلولٍ مَا بِهَا قَطِنُ

ما ذاك إلا سَفَهٌ بَيِّنُ *** لايَبْلغ المرءُ إلى مَطْلَبِ

***

كَمْ مِنْ جَهولٍ دمعُهُ قَدْ حَكَى *** لَواطِفَ المُزْنِ وَ وَجْداً شَكَى(3)

لايَحْسُنُ النَّوْحُ وَ طُولُ البُكَا *** الأعَلَى الأظهَارِ آلِ النَبي

***

هُمْ أَوْضَحُ الآي عَلَى صِدْقِهِ *** مُشَارِكُوهُ مُوضّحُو طُرْقِهِ

ص: 13


1- البليد:ضد الذكي و الفطن. الطائش: المتهور.
2- حتفهم: الحتف الموت، غالهم: اغتالهم و أخذهم غيلة.
3- المُزْن: جمع مزنة: دفعة المطر.

هُمْ حُجَجُ الله عَلَى خَلْقِهِ *** طُرّاً مِنَ الحُضَرُ و الغُيَّبِ

***

قَالَ رَسُولُ اللَّه في حَقِّهِمْ *** مُؤكَّدَاً يُوْصِي عَلَى بِرهِمْ

بُكاؤهُمْ وَ النَّوْحُ في رُزْنِهِمْ *** يُكفِّرُ الذُّنْبَ عَنِ المذْنِبِ

***

وَحَيْثُ كانُوا للبَلَا مَرْكَزَا *** كَانَ بُكَاهُمُ المَحِبَا مُنْجِزَا

وَ يَبْلُغُ المَرْءُ بِيَوْمِ الجَزَا *** إلى النَّعِيمِ الأدْوَمِ الأطيَبِ

***

هُمْ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَ خَيرُ المَلَا *** الأَقْرَبُونَ الأنْجَبُونَ الأُلى

بلائهُمْ أعْظَمُ كلِّ البَلا *** لأنّهُ الأقْرَبُ للأقرَبِ

***

ما منهُمُ الأمُصَابٌ بِذِي *** كُفْرِشَديدٍ وَ لِسَانٍ بَذِي(1)

أما رَسُولَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي *** حَوْصِرَ في الشَّعبِ بِلا مُوجِبِ

***

فَطَالَمَا جَارَ عَلَيْهِ العِدَا *** وَ عَرَّضُوهُ لِسِهَامِ الرّدَى

وَ أَوْعَدُوهُ القَتْلَ حَتَّى غَدَا *** مُسْتَتِراً في الغارِ بالعَنْكَبِ

***

كُمْ ذِي نِفَاقٍ حَسَداً عانَهُ *** تَشَرَّدَ الكفّارُ أَعوانهُ

وَكَسَرُوا في الحَرْبِ أسْنانَهُ *** وَ هَدَّمُوا مِنْ تَغْرِهِ الأَشْنَبِ

ص: 14


1- بذي: لسانه بذي: فاحش.

***

كَمْ نَقَضُوا أَمْراً لَهُ أَبْرَمَا *** وَ حَلَّلُوا شَيْئاً لَهُ حَرَّمَا

و اغْتَصَبُوا حَقَّ عَلَيَّ وَ مَا *** لَهُ مِنَ الإمْرِةِ و المُنْصِبِ(1)

***

تَعَاقَدُوا أَلا يُطِيعونَهُ *** وَ قَلّدُوا أَمْرَهُمُ دُونَهُ

و اسْتَضْعَفُوهُ إذْ يَقُودُونَهُ *** مُلَبَّباً يُعْزَلُ عَنْ مَنْصِبِ

***

قَدْ أَظْهَروا إسْلامَهُمْ حِيلَةً *** بالكفْرِ و الإِلحَادِ مَوْصُولَةً

ثمّ اسْتَباحُوادَمَهُ غِيلَةً *** بِسَيْفِ أَشْقَى كَافِرٍ مُذْنِبِ(2)

***

وَآثَرُوا الدُّنْيا و أخبَاثَها *** قَدْ آمَنُوا الأُخْرَى و أَحْدَاثَهَا

و اغْتَصَبُوا الزَّهْرَاءَ مِيراثها *** وَ خَالَفُوا مَا قَالَ فِيها النّبِي(3)

ص: 15


1- في كتاب سليم بن قيس، ص40. لما انتهي بعلي علیه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر و قال: له بايع ودع عنك هذه الأباطيل... فقال له علي علیه السلام: فإن لم افعل ما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلاً و صغاراً. فقال: إذا تقتلون عبد الله و أخاً رسوله. قال أبوبكر: أما عبد الله فنعم و أما أخا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فما نقر بهذا قال أتجحدون أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم آخى بيني و بينه؟ قال: نعم.
2- غِيْلة: غدراً. استباحوا: انتهلوا.
3- في صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس باب فرض الخمس: عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سألت أبابكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن يقسم لها ميراثها من ترك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومما أفاء الله عليه. فقال لها أبوبكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت و عاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ستة أشهر.... قالت: و كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك و قال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعمل به إلّا عملت به فإني أخشى أن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و العباس فأما خيبر و فدك فامسكها عمر و قال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانتا لحقوقه التي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر منهما على ذلك إلى اليوم. و علق التيجاني السماوي على هذا الحديث قائلاً: رغم أن الشيخين البخاري و مسلم نمّقا هذه الرواية و اختصراها لئلا تنكشف الحقيقة للباحثين و هذا من معروف لديهما توحياه للحفاظ على كرامة الخلفاء الثلاثة. و الذي غيّره البخاري و مسلم من الحقيقة هو ادعاء فاطمة علیها السلام بأن أباها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعطاها فدك نحلة في حياته فليس هي من الإرث و على فرض أن الأنبياء لا يورثون كما روى أبوبكر ذلك عن النبي الله صلى الله عليه و آله و سلم و كذبته فاطمة الزهراء علیها السلام و عارضت روايته بنصوص القرآن الذي يقول و ورث سليمان داود فإن فدك لا يشملها هذا الحديث المزعوم لأنها نحلة و ليست هي من الإرث في شيء. فاسألوا أهل الذكر/ التيجاني/ ص 183 184.

سُحْقاً لَهُمْ قَدْ أَثَرُوا مَا يَضُرْ *** حَتَّى أَضَلُّوا النَّاسَ عَبْدَاً وَ حُرْ

و الحَسَنُ الزاكي أذاقوْهُ مُرُ *** المَوْتِ إِذْ سَموهِ في المشْرَبِ

***

كمْ بَدْرُ تَمَّ في الوَرَى ازْهَرَا *** قَدْغَيّبوهُ في طِبَاقِ الثّرى

وَ أَعْظَمُ الأرزاءِ أَمْرٌ جَرَى *** في كَرْبَلا مِنْ فَادِحٍ أَعْصَبِ(1)

***

مَا بَعْدَهُ كانَ وَ لَاقَبْلَهُ *** خَطبٌ عَظِيمٌ فَادِحٌ مِثْلُهُ

مَا وَلَدَتْ أمُّ الرَزَايَا لَهُ *** مِنْ مُشْبِهِ في سَالِفِ الأعْقُبِ

***

كَمْ مِنْ كُبودٍ مِنْهُ قَدْ أَحْرِقَتْ *** وَ أَعْيُنِ في دَمْعِهَا أُغْرِقَتْ

غَدَاةَ سِبْطَ المُصْطَفَى أَحْدَقَتْ *** بِهِ جنودُ الكفْرِ في مَوْكِبِ

ص: 16


1- فادح: الخطب الفادح: العظيم الشديد.

لَمْ يَبْصِرُوا نَهْجَ هَدَىً مِنْ عَمَى *** كَلَّا وَ لَاخَافُوا إِلَهَ السَّما

عِدْتُهُمْ سَبْعونَ أَلْفاً وَمَا *** لَهُمْ سِوَى الإِلْحَادِ مِنْ مَذْهَبِ

إلى أن يقول:

قَدْ ضَيْفُوا في الأسْرِ أَغْلَالَهَا *** وَ غَيّروا بالضَرْب أَحْوَالَها

وَ زَيْنَبٌ تَدْعُو لِمَانَالَهَا *** يَاغِيْرَةَ اللَّهِ لَنَا فَاغْضَبِي

***

يَا جدَّنَا فَقْدُ أَخِي مَضَنِي *** وَ ثِقْلُ ما بِي مِنْ أسَىً كظّني(1)

يَا أمَّنَا الزهراءَ إِنْ تَحْزَنِي *** لِفَقْدِ شَيْءٍ فَاحْزَنِي و انْدُبِي

***

يا أمّنَا قَدْ سَبّ عِرضي البَذِي *** و أسْهَر الأحزَانَ طَرْفي القَذِي

قَدْ وَقَعَ اليومَ عَلَيْنَا الَّذِي *** تَخْشَيْنَه مِنْ قَبْلِ أَنْ تَذْهَبِي

***

فَرخُكِ يَا زَهْراءُ و الملْتَجَى *** وَ كَنْزُنا الغَالي و كَهفُ الرَجَا

عَزيزُكِ المأمولُ و المرتَجَى *** و غَايَةُ البُغْيَةِ و المطْلَبِ(2)

***

يا أمّنا الزَهْرا عَلَيْهِ اعْتَدَى *** وَسُلِّطَ اليومَ عَلَيْهِ العِدَا

أَخِيْ حُسَيْنٌ وَ عَزِيزِي غَدَا *** يُذْبَحَ ذَبْحَ الشَاةِ في المقْصَبِ

***

يا أمْنَاهَا رَأْسُه في القَنَا *** يُسْرَى بِهِ جَهْراً وَ يُسْرَى بِنَا

و السيِّدُ السجَّادُ مَا بَيْنَنَا *** فِي الأَسْرِ فَوْقَ الأَعْجَفِ الأَجْرَبِ(3) ذ

ص: 17


1- مضَّني: أجهدني و أتعبني، كظَّني: أغاظني أشد الغيظ.
2- البُغْية: الغاية و المراد.
3- الأعجف: البعير الهزيل.

(3) زهراء علیها السلام تشفع

(بحر الكامل)

الدكتور أسعد علي

المُقْتَدِي بِمُحَمَّدٍ مَس الأدَبْ *** وَ كِتابُهُ ما مَسَّه إلا النُّجُبْ(1)

لامَوْتَ لِلصَّافِي بِحُبِّ مُحَمَّدٍ *** وَ آلِهِ... فكُنِ الصَّفَاءَ جَرَى بِحُبْ

لتقيمَ حَوْلَ الشَّاطِنَينِ حَضارَةً *** فُرقانُ أَمرِكَ: بالتَّروِّي... وَ انتَخِبْ(2)

لَيْسَ التُّرابُ كَما يُظَنُّ قَضِيَّةً *** إنَّ القَضِيَّةَ أنْ تُرى بالحُبِّ أَبْ

وَ الشَّعْرُ يَنْبُعُ من صَداقَةِ صادِقٍ *** عَذْباً يُوثَّرُ بِالبَعِيدِ فَيَقْتَرِبْ

عَرَبيُّ مَعْنِّى يَسْتَقِيمُ وُجُودَنا *** فَتُفَتِّحُ الأقوام أعيُنَها لِرَبْ

أَتَظُنُّ يُبْصِرُ جَنَّتَيْكَ ذَوُو العَمَى *** لُغَةُ الأُسُودِ... بَغِيضُها: ذئبُ و دُبْ

عَمِيَتْ قُلُوبُ الواقِعِينَ بأَسْرِهِ *** إبْلِيسُ لَبَّسَ مَن تَرى كَأَبِي لَهَبْ

فَاصْعَدْ بِقَلْبِ حُروفنا... عَظُمَ الرَّجَا *** حَسَني إبداع البراعَةِ بالنَّسَبْ

بَيْتُ البَدِيعِ عَلى الذُّرى مُتَنَزِّهٌ *** بِعَبِيدِهِ مِثْلُ المُنى أدباً و طِبْ

في مُرتقى «إفِرِسْتَ» تُسْفِرُ مُقْلَةٌ *** فترى بها الإبداعَ يَفْتَرِشُ الدَّابْ(3)

و تَرَى تُغُورَ الشَّمْسِ تَنْفُخُ شُعْلَةً *** في الثَّلْجِ تَجْعَلُهُ نُهُوراً مِنْ ذَهَبْ(4)

وَ تَراكَ مُنْجَذباً إلى ذَوْبِ الكَرَى *** و يَذُوبُ عنكَ الجِسْمُ و الفِتَنُ الكُرَبْ(5)

ص: 18


1- النُّجُب: جمع نجيب، و هو الفاضل النَّفيس.
2- انْتَخِبُ: اخْتَرْ.
3- الدَّأْب: هنا بمعنى: الجدَّ و النشاط.
4- ثغور الشمس، أي مسالكها و طرقها.
5- الكَرَى: النعاس. الكُرَب: الشدائد.

و يَسِيلُ سَيْلٌ ياؤُه مَدْعُومَةٌ *** تَلِدُ السَّماواتِ السَّوافِرَ في السُّحُبْ

وَ تَعِيشُ عَيْنَ حياتِها في جَذْبَةٍ *** حَتَّى «بِبِرْمُودًا» يدومُ المُنجذبْ

وَ تَكونُ في صَيْرُورَةٍ تَرْوِي المَدَى *** بِحَنِينِ آدَمَ مُدَّ في الضّلْع الأقَبْ(1)

رَحْمَنُ آلاءٍ يُمَوْجُها الجَنَى *** في الشَّمْسِ و القَمَرِ الشُّعُوبُ لها رُتبْ

أسبوعُ تَوْحِيدٍ يُصَحِّحُ رُؤْيَةً *** زاغَتْ بها الأَبْصارُ عن نَجْمٍ ثَقَبْ

وَ لِصِحَّة الرُّؤْيا نُدَرِّبُ عالماً *** فإذا الربيعُ بِرُوح يُشْرِينَيْنِ شَبْ

وإذا الخَرِيفُ مَوَائِدٌ صَيْفِيَّةٌ *** و إِذا الشَّتاءُ شَرابُ جَنَّاتٍ سُكِبْ

بَيْنَ المَدِينَةِ وَ الشَّام لنا قِبَبْ *** لِلْحِجْرِ صالِحُها و ناقَتَهَ احتَلَبْ(2)

فَخُذوا الكؤوسَ وَ رنِّموا في مولدٍ *** قَدِمَ الحَبِيبُ وَ رَحْمَةُ الهادي الطَّرَبْ

يا مَنْ شَرِيعَتُهُ السَّعادةُ كُلُّها *** حَيَوانُ جنَّتِكَ الثَّرَيَّاتُ الهُدُبْ(3)

وَ جَمالِ عَيْنِكَ لا يُقالُ ضِياؤُه *** فَهُوَ الحَياةُ بِذاتِها قَلْبِي انْجَذَبْ(4)

وَ رَأَيْتُ متَّسَعِي بِتِسْع جِنانِها *** و رَقِيتُ سِتَّ جهاتِها فَوْقَ الطَّلَبْ

حَسَنٌ يُرَبِّي طِفْلَةً لِعَلِيِّها *** ليكون باقِرُها البقاءَ المُسْتَحَبْ

حَضَّتْ بَرَاعَتُكَ العُيونَ جَمِيعَها *** عَيْنُ الأُلوهةِ فِي العِبادِ هي النَّسَبْ(5)

شيراز أو يافا وَطَيْبَةُ أو مِنّى *** في اللَّيْلِ كالأَخَوَاتِ يَأْسُوها العَتَبْ(6)

جَدَّ المُجِدُّ بِحَزْمِهِ مِنْ مازحٍ *** وسَطا سَحابُ العاشِقِينَ من اللَّعِبْ(7)

سَيَموتُ كُلُّ العالمينَ و تَزْدَهِي *** رَوْضاتُ جَنَّاتٍ بِمَعَناكَ المُحِبْ

ص: 19


1- الأقب من الخيل: الضامر البطن الدقيق الخصر.
2- صالحها: هو النبي صالح صلي الله علیه و آله و سلم، و الناقة هي ناقة النبي صالح علیه السلام و آيته.
3- الهُدب: الواحدة هُدْبة: شَعَر أشفار العينين.
4- لايُقال: لايُزال.
5- حَضَّتْ: حَثَّت.
6- شيراز: مدينة في إيران، و طيبة هي المدينة المنورة و منى في مكة. يأسوها: يداويها.
7- اللَّعِب: عكس الجدِّ.

حَيَوِيَّةُ الإِكْسِيرِ تَجْرِي بِالوَرَى *** عَنْ جَعْفَرٍ في الكيمياء وَ قُلْ تَثِبْ(1)

قَامُوسُ فِقْهٍ بِالبَيانِ مُعَلِّمٌ *** بِحُرُوفِهِ الأرْقَامَ مِنْ كُلِّ سَبَبْ

حُرِّنَمابِیمارِهِ لِمُحَمَّدٍ *** شِرَعُ الفُصُولِ المُجْمِلاتُ لِمَنْ يُحِبْ

زَيْنُ العِبادَةِ وَ الصَّدِيقُ بِصِدْقِهِ *** فَرَدَا جَناحَيْكَ المَرَاقِي فاشرَيبْ

فَبِكُلِّ بُرْجٍ تَسْتَرِيح لِشَمْسِهِ *** ابْراجُ جِبْرِيلٍ وَ عِيسَى مُرْتَحَبْ

حُسْنُ القَرابَةِ أَنْ تَظَلَّ مُدانِياً *** وَ مُباعِداً مِثْلَ الشُروقِ وَ قَدْ غَرُبْ

جَرَّت قَرَابَتُهُ المَوَدَّةَ بَيْنَنا *** فَالغَيْبُ يُصْحَبُ وَ الشَّهَادَةُ تَغْتَرِبْ(2)

وَعْيُ السَّعادَةِ أَمْرُه... فإذا رَأى *** هِبَةَ المَشِيئَةِ قَالَ لِلْوَاعِي اكْتَسِبْ

أَرَأَيْتَ زَمْزَمَ ادْمُعاً مِنْ هاجرٍ *** أكَفاكَ إسْمَاعِيلُ وَالِدَهُ حَسَبْ(3)

ستَقُولُ افَيدَةُ الشُّهُورِ سِرارَها *** وَ أَراكَ مُبْتهجاً بِسابعِها رَجَبْ

بَقَراتُ يُوسُفَ وَ الكَواكِبُ لا تَهَبْ *** حُلُمٌ يُؤَوِّلُهُ الذَّكِيُّ المُنتَجَبْ

سَارِيكَ بالمِرْآةِ صُورَتَكَ الَّتِي *** يَصْبُو إِلَيْهَا بِالمَثانِي كُلُّ صَبْ(4)

وَ يَقُولُ «لَقَمَانُ» التَّخاطِرُبَيْنَنَا *** لُغَةُ الصُّقُور لِغَيْرِ ما جُرَذٍ وَ ضَبْ

وَ النَّرْجِسُ الأحْنَى يُضَوِّعُ سِرَّهُ *** لِحِسابِ وَارِثِهِ الوَفِيِّ وَ يَحْتَسِبْ

أيُّوبُ يَصْبِرُ وَ البشارَةُ بِشْرُهُ *** ذو الكِفْلِ لُغْزٌ لا يُحَلُّ بِلا طَلَبْ

وَ بِمَجْمَع البَحْرَيْنِ مَن أدُّوا الرُّؤى *** لِنَرَى... وَ ذُو القَرْنَيْنِ يَلتَمِس السَّبَبْ

حَلَّ السَّلامُ بِمُهْجَتِي مُسْتَوْطِناً *** فَرَضِيتُ لِلرَّوْضَاتِ مَنْزِلَها الأَحَبْ

سُفُنٌ تَطُوفُ على مُحِيطٍ مَهْدُهُ *** وسِعَ السَّماواتِ الزَّواهِرَ بِالشُّهُبْ

وَ رَأَيْتُ جِدَّةَ مَوْلِدَيْنِ «بِيُوسُف» *** وَ «الكَهْفِ» فَاسْتَوْلَى على «الجنَّ» العَجَبْ

ص: 20


1- جعفر: هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام.
2- تغترب: تُصْبِحُ غريبة.
3- هاجر: هي إحدى زوجات النبي إبراهيم علیه السلام و هي أم إسماعيل علیه السلام.
4- الصب: المُتيّم العاشق.

وَ أَلِفْتُ نُوحاً وَ المَعارِج بالضُّحَى *** وَ سَرَى بنا قَلمُ الفُتُوحِ المُقْتَضَبْ(1)

تَتَمَوَّجُ الحُسْنَى عَن الأحَدِ الَّذِي *** صَمَدَتْ مَوَاهِبُهُ لِتَادِيَةِ الحِسَبْ

وَ يُزَوِّجُ الأَزْواج ذو زُهْدٍ بما *** فُتِنُوا... و ذاك لأنه الحُرُّ العَزَبْ

الأكْرَمُ الباقي يُعلَّمُ جودُهُ *** عَسَلَ البَيانِ ... وَ قُوتُهُ يُحْيِي العَصَبْ(2)

فإذا طهُرتَ مَسَسْتَهُ... تَقْوَى بِهِ *** وَ تَشِفُّ سُلْطاناً... وَ لَنْ يَصِلَ الجُنُبْ(3)

أيُرازُ بِالدُّرِّ الحَصَى في كُليَةٍ *** كُليّة الأمراض...؟ تعرف... لا تُجِبْ(4)

النَّحْلُ أضْوَانِي فَحُنَّ بِسَبْعَتِي *** وَدَعِ الرَّحِيمَ وَ رَهْطَهُ لا تَحْتَجِبْ(5)

وَ بِطُهْرِ بَكَّةَ أو بِطَيْبَةَ مَوْطِنٌ *** لِلشَّمْسِ أو مَشْفَى الطَّبِيبَةِ فَاسْتَطِبْ

إنَّا قَتَلْنَا القِرْدَ يُؤذِي كَعْبَةً *** بأظافِرِ السِّكِّينِ يَحْتَفِرُ المِكَبْ

وَ بَصُرْتُ بِالْوَعْيِ الحَبِيبَ مُحَمَّداً *** وَ النَّفْسُ مُلْهِمَةُ التَّفَوُّرِ وَ الحَبَبْ

ضَمَّ الكبيرُ صَغِيرَهُ فَتَقَارَبا *** وَ رَأَيْتُ فَوْقَ الطُّورِ لُقماناً يَثِبْ

تَمْضِي العُصُورُ عن التَّحَرُّرِ مَطَلَبْ *** وَ لَدُنْكَ بِالقُرْآنِ حُرِّزَ مَن صُلِبْ

عَذُبَ الحَبِيبُ عُذُوبَةٌ كَوْنِيَّةً *** وَ قَرَأْتُ مِنْ كُلِّ القُلُوبِ بهِ الكُتُبْ

وَ لِذاكَ وَحَّدْتُ المَشاغِلَ حِرْفَةً *** أجْلُو بها طِينَ البِلادِ المُلْتَزِبْ(6)

لِتَشفَّ عَنْ ماءِ الحَياةِ صُحُورُهُ *** وَ تُضِي أَعْمَاقُ التَّوَحُدِ بالشُّعَبْ(7)

قالوا... وَ قُلْنا... وَ النَّسِيمُ مُجَدَّدٌ *** لِلْمُقْتَدِي حُلَلَ الصَّفاءِ بِلا تَعَبْ

فَشَرابُهُ الصَّافِي مُقَطَّرَةُ القُوى *** و غِذَاؤُه النَّامِي عَلَى القُدُّوسِ لُبْ

ص: 21


1- المقتضب: المختصر.
2- العَصَب: واحدُ الأعصاب و هي الأوعية الدموية، و الأوردة و الشرايين.
3- الجُنُب: من كان على جنابة و هو غير طاهر.
4- أَيُراز رازَ رَوْزاً الحَجَر: وزَنَهُ ليعرف ثقله و -الدينار وزنه ليعرفَ قدره.
5- الرجيم: هو الشيطان و رهطه: أتباعه و بطانته لاتحتجب: لا تختبىء.
6- الملتزب: هو الطين الصلب.
7- الشُّعَب: مفردها شُعبة.

وَ كَما تُفَكَّرُ تَسْتَحِيلُ... فَكُنْ شذّى *** وَ سَنِّى... و لاتَكُ غاسِقاً إِمَّا وَقَبْ

إنِّي اسْتَعَذْتُ بِذِي الجَلالِ لِذِي رِضّى *** فيما نَقُولُ... وَ مَنْ تَشَكَّكَ فيهِ: «تَبْ»...(1)

وَ النَّجْمُ... ما ثُقِبَ الدُّجَى الاَّ بِهِ *** لِيَكُونَ شَلّالُ المَنائِرِ مُنْسَكِبْ

وَ عُطارِدِي أَوْفَى الوفاء لِزُهْرَةٍ *** وَ كَما تَرَى فَابْنُ السَّماءِ كذا يُحَبْ(2)

لابَأْسَ... تَأْتَلِقُ الشُّموعُ بِمَوْلِدٍ *** وَ الشَّمْسُ حَاضِرَةٌ... و بالحُبِّ المَصَبْ

وَ يَقُولُ بي عَنْ قَائِلٍ مِنْ فَنَّهِ *** بِلُغَاتِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَوْجَبَهَا المُحَبْ

القَلْبُ في كُلِّ الصُّدُورِ مُوَحّدٌ *** أهلَ القُلُوبِ وَ مَنْ يُكَابِرُ قَدْ كَذَبْ

سَاهَرْتُ رَعْدَكَ وَ البُرُوقَ وَمَا طَراً *** بَيْنَ الرَّبِيعَيْنِ الأذانُ دَعَا... وَ صَبْ

إنَّ الصَّحارِي في بديع قراءتي *** رِيٌّ صحا... فإذا الرِّمالُ غِنِّي خَصُبْ

مَوَّارَةٌ بِمُرُونَتِي إِبْدَاعُها *** قَلَبَ الثَّرى إرثاً لِذِي حَقِّ وَجَبْ(3)

بَدَوِیُّهُ بِدَوِّيهِ جذَبَ الهُدَى *** فَالخِصْبُ عَمَّ... فَلَا جَفَافَ وَ لَاسَغَبْ(4)

أَسْطُورَةُ الصَّحْرَاءِ وَ الصَّلَواتُ عَنْ *** نَبَأٍ تُحَدِّثُ بِالتُمُورِ وَ بالعِنَبْ

عَيْنَانِ طَابَقَتا برُؤيَتِنَا المَدَى *** وَ القَلْبُ آدَمُ وَ الفُتُوحَاتُ اقتَرِبْ

مُتَطَوّعٌ لِلْخَيْرِ «مِريخي» وَ فِي *** «زُحَلِي» ابْتَنَيْتُ «لِمُشْتريك» المُطَّلبْ

هَجَرُوا الكِتابَ مُحَمَّدٌ يَشْكُو العَرَبْ *** وَ بِيَاءِ «قومي» شافِعٌ... يا ربِّ: تُبْ

جَهِلوا القِرَاءَةَ مِن بِدايةِ أَمْرِهِمْ *** وَ لَذاكَ نُقْرِثُهُمْ عَلَى مَهَلٍ يَرُبّ(5)

تَعَبُ الرَّسولِ مُقَدَّسَ قُرْبانُهُ *** لِيُرِيحَ كَوْناً كَادَ يَأْكُلُهُ اللَّهَبْ

أمَراؤُهُ أَهْوَاؤُهُمْ أُمَرَاؤُهُمْ *** يا مَن يُريدُ القَمْحَ مِنْ ذَاكَ الحَطَبْ

ص: 22


1- تَبْ: التباب هو الخسران، وَ تَبَّ خَسِرَ.
2- عطارد: كوكب سيّار لزهرة: يقصد كوكب الزُّهرة.
3- موَّارة: مار يمورُ موراً البحرُ: ماج و اضطَرَب.
4- سَغَب: السَّغَب: المجاعة.
5- يَرُبّ: رَبَّ رَبِّاً الأمر: أصلحَهُ، و رَبَّ رَبّاً القومَ: ساسَهم.

مُتَحَوِّلُ بالصَّبْرِ عَاشِقُ أُمَّة *** شَرُفَتْ معانيها بِأَنْفُسِهِ العُرُبْ

مَنْ شاءَ يَتَّبِعُ النَّبِيَّ بِعِلْمِهِ *** عَنْ رَبِّهِ فَلِسانُهُ المُوحَى سَرَبْ

لَيْسَ العُرُوبَةُ أَنْ نُطَاوِلَ بالدُّمَى *** أَوْ بِالدِّمَاءِ فَفَوْقَ ذَلِكَ مُقْتَرَبْ

إنَّ التَّعارُفَ مَنْهَجٌ ذو نِعْمَةٍ *** جَنَّاتُهُ فَرَحُ الوُجُودِ المُرْتَقَبْ

رُتَبُ العُرُوبَةِ وَحْدَةٌ لُغَوِيَّةٌ *** فَاقْرَأْ بِرَبِّكَ أَحْرُفَ الأُمِّ الكُتُبْ

أَرَأَيْتَ مَعْنى العَيْنِ صافٍ وَحْيُهُ *** مُتَدَفَقٌ... يُغْنِي... يُوَحْد... يَنشعِبْ؟

مَن كانَ آدَمُ جَدَّه... أَوْ أُمُّهُ *** حَوَّاءَ... نال أُخوَّةً ما لم يُشَبْ

إِبْلِيسُ شَائِبَةُ التَّقارُبِ بَيْنَنَا *** يُغْرِي بِأَحْقادِ الفَواحِشِ وَ الغَضَبْ

فَتَذَكَّرِ الرَّحْمَنَ و الرَّحِمَ التي *** وَصَلَتْ بأم لاتَخونُ وَ لاتُسَبْ

سَأُشِيعُ في حِبْرِي اخْضِرَاراً أحمراً *** لِيَشِفَّ أَزْرَقُهُ بِأَصْفَرَ ذِي بَيَاضٍ مُنْتَقِبْ

حُجَجِي: المَشارِقُ وَ المَغَارِبُ كُلُّها *** وَ لِيُوسُفٍ سَعْيُ الحُسَيْنِ... وَ لَوْ بِجُبْ(1)

قالَ النَّبِيُّ بِمَنْ يَقُودُ عِيالَهُ *** وَ يَسُوقُ -نَفْعاً فِيهِمُ هَذَا الأَحَبْ

فَفَهِمْتُ في كُلِّ العُصُورِ رِسالَةً *** عُلْيا بِخاتِمِها تُؤَكِّدُ فَضْلَ رَبْ

وَ رَبِيتُ في تأديبِهِ بَيْنَ الْوَرَى *** عَرَبِيَّ جَناتٍ تُنَاغِمُنِي بِابْ

إنَّ القَضِيَّةَ فِي فِلِسْطِينَ: الهُدَى *** وَ عَجَمْتُ مُعْجَمَهُ فَقَدَّرَ ما وَهَبْ

أَرَأَيْتَ بَابَ الباءِ آبَ لِغَايَةٍ *** حَضَنَتْ سماواتِ الرضى... تلك العَربْ(2)

عَذَبَتْ بِإِسْرَافِيلَ مُوسيقى النَّسَبْ *** رَقَصَتْ بِنَفْحَتِهِ الأصولُ بِلا حُجُبْ

أنَا بِابْن خادمة أطوفُ بِزَمْزَمٍ *** أسقي الظِّماءَ... وَ ذاكَ يَحْمِلُ ما كَسَبْ

دانوبُ نَهْرِكَ بَعْضُ زَمْزَمَ طولُهُ *** وَ كَذاك إبراهيمُ نِعْمَ المُنتَسَبْ

رُوحي بروح أبي التُّرابِ كَواعِبٌ *** عُذرِيَّةُ القاماتِ يَخْدِمُها النَّصَبْ

ص: 23


1- الحُب: البئر.
2- آبَ: عادَ و رجع.

حُورٌ بِرَاحَتِهِ الرِّياحُ يَمِينُها *** وَ يَسارُها فَهيَ الرَّحَى و الجِسْمُ حَبْ

قَمْحِيَّةٌ قُمْ حَيَّهِ... أَوْ حِنْطَةً *** حَنَّتْ سَنَابِلُها بطة المُنتَسِبْ

وَ تَكَادُ تُذهِلُني النَّسَائِمُ بُرْهَةً *** في بِرَّهِ فَأَرى الشَّرابَ مِنَ القَصَبْ

مِنْ أَيْنَ جاءَ بَنُو البلادِ... وَ مَنْ دعا *** بالنَّحْلِ ذا عَسَلٍ... وَ بِالبَقَرِ احتُلِبْ

فيّاضةٌ حلماتُ حُبِّكَ بالرُّؤى *** خِصْبُ الأمومَةِ كالغُيوبِ لها صَبَبْ(1)

عُدْنَا لِنَعْمَةِ آدمِ مَعَ زَوْجِهِ *** فِي جَنَّةٍ وَزَهَا التُّرابُ بِمَن خَطَبْ

اللَّهَ...! ما أسخَى الرَّحِيمَ... بِخُبْزِهِ *** عن فَتْحِ مائِدَةٍ لِوَزْنِكَ ألْفُ قِبْ(2)

ها الإضافةِ عَيْنُهُ فِي عَيْنِهِ *** وَ تَرَى بِوَاوِ العَظفِ كَوْثَرَهُ اللَّجِبْ(3)

سَيَقُولُ مَن يُتروا عَلى أَصْنامِهِمْ *** عَجَباً لِسَارٍ كَيْفَ يَخْتَرِقُ الحُجُبُ...؟

وَ نَقُولُ: يَنْتَصِرُ المُحَرِّرُ نَفْسَهُ *** وَ الحُرُّ لا يَخْتارُ إلا ما وُهِبْ

وَ الجَبْرُ بِالجَبَّارِ أعْظَمُ مُرْتَجَى *** وَ لِذا التَّجَدُّدُ لايَرَى ما اللَّهُ جَبْ

بِلْقیسُ تَدْنُو وَفْقَ نِيَّةِ آصَفٍ *** ليُرى سليمانُ الوَفَاءِ كَمَا يَجِبْ

وَ عَزِيزُ قَلْبِكَ في التَّرانيم السُّرى *** وَ حَكيمُ حُورك في الحِوارِ إذا قلب قُلِبْ

أَلَمُ المُصِرْ عَلَى المَوَدَّةِ مُرْتَقٍ *** بِمَصِيرِهِ مَلَا... وَ قُلْ أمل اللَّقَبْ

سوري سرار و ابتِدارُ مَعَارِجٍ *** وَ نَوادِرُ الصاحي... وَ هَلْ يَسْهُو الأربْ(4)

شُعَراءُ طَهَ وَ الطَّواسِينِ ابْتَنَوا *** قِصَصَ الحُروفِ المُعْجِزَاتِ فَقِفْ وَ لُبْ(5)

فِصْحُ المَسِيحَ بِمَوْلِدِ الهَادِي جَذَبْ *** صَوْتاً بِبَكَّةَ يُستديمُ هوى الحِقَبْ

أنَّاتُ باك بالطَّهارةِ تُجْتَلَى *** بِقِيامَةِ المَعْنَى الهَياكِلُ تَضْطَرِبْ

ص: 24


1- صَبَبْ: من الصَبابه: رقّة الشوق و حرارته.
2- قِبْ: القِبُّ (بالكسر) العظم الناتيء بين الألیتین.
3- اللَّجِب: يُقالُ بحرٌ ذو لَجَبٍ إذا سُمِعَ اضطراب أمواجه.
4- الأرب: من الأريب و هو العاقل.
5- لُبّ: كُنْ لبيباً، و اللبيب هو العاقل و لُبّ: أقِمْ، من الإقامة.

وَ تَرَى اللُّغَاتِ بِأَحْرُفٍ قُدْسِيَّة *** كَالغَيْم يَدْمَعُ بِاليَنابيع انْسَرَبْ

وَ أكادُ الْمَسُ مَنْ يُدَغْدِغُ مُزْنَةً *** لِتَبُوحَ بِالمَطَرِ الصَّدُوقِ وَ تَعْتَشِبْ

فَالمَرْجُ مُنْبَسِطُ الرّضى يَدُهُ الهُدَى *** وَ يَدَاهُ حاضِنَتانِ مَهْدُكَ ذو لَعِبْ

جَنَّاتُهُ تَدْنُو وَ لِلأَقْصَى قُرًى *** فَرَّتْ بِباقِرِكَ السَّبورِ المُشْرَئِبْ(1)

صُوَرُ البَرارَةِ إِلَّهُ عَنْ آلِهِ *** لِتَعِيش التُكَ الإِلهَ بِكُلِّ حُبْ(2)

وَ تَرَى التَّوَجُعَ وَ التَّلَنُّدَ وَحْدَةً *** فِي كُلِّ مَخْلُوقِ لِمَنْشَيْهِ أَرَبْ

توليبُ مُبْتَكِرِ زُنُوجَةَ لَوْنِهِ *** لِتَعِيش نُورَانِي تَرْجَمَةِ القُطبْ

وَ بِبُرْهَةٍ تَحْنُو الجنانُ وَ رَبُّها *** بِسَعادَةِ الإبداعِ تَعْمُرُ مَن رَهِب

ذوالكِفْل بِشرٌ لا يَزالُ كَعَهْدِهِ *** فَعَلامَ تَأْخُذُكَ المَخاوِفُ وَ الرِّيَبْ(3)

يَرْعَى الصَّداقة صادِقٌ مَعَ رَبِّهِ *** بِمَساطِرِ التَّصْحِيح أسْطُرُنا تُطَبْ(4)

فَاعِدْ بِأَعْيادِ المَساعِي هاجِراً *** وَ الصّخْرَ رَخْصاً باقتِداهَا يَنْقَلِبْ

فَتِّش عَلَى بَرَدَى وَسَائِلُ ثَغْرَهُ *** عَنْ رِيقِهِ بَعْدَ التَّعَوُّج بالمَصَبْ(5)

لُغَةُ اللُّغَاتِ هِيَ الصَّفَاءُ فَقَوْمَنْ *** بِفَمِ المَبادِي كَالمَنابِع مَن تُحِبْ

غَمَزَتْكَ ناضِجَةُ السَّفَرْجَلِ فَأَعْطِهَا *** طَرَفاً مِنَ الغَزَلِ البَرِيءِ المُسْتَطِبْ(6)

رَبِّ النُّبُوَّةَ في الضَّمائِرِ طِفْلَةً *** تَنْمُو كَمَا قَالَتْ رُقَيَّةُ وَ انْتَدِبْ

إنَّ المَطارَ فَسِيحَةٌ أقطارُهُ *** وَ الباسِلُونَ عَلَى الفَضاءِ لَهُمْ دُرَبْ

مَوْلايَ رِفقاً بِالرَّفِيقِ وَ داوِهِ *** صَبُورُ إبراهيمَ لا يَرْضَى الهَرَبُ

زَهْرَاءُ تَشْفَعُ لِلْفَقِيرِ وَ سَارَةٌ *** قَيُّومُ حَيْكَ يا حَكِيمُ المُجْتَذَبْ

ص: 25


1- السَّبور: الذي يسبر الأغوار، أي ينظر في داخل الأشياء.
2- إِلَّهُ: الإلُّ: العهد، و إلُّهُ: عهدُهُ.
3- الرَّيَب: الشكوك.
4- تُطب: تُسْتَطاب.
5- الثغر: هو الفم و المراد هنا في «تَغْرَهُ» أي شواطئه.
6- المستطبَ: المستطاب.

أخَذَ الكُؤُوسَ مِنَ الفواطم مَن صَلُبْ *** بِالمُسْتَوَى القُدْسِيِّ لِلْعَذْراءِ أُبْ

أنا مِثْلَما تَهْوَى الصَّلاةَ صِلاتُنا *** في الجَنَّةِ العَذْراءِ مَن فِيهَا اغْتَرَبْ

رَوْضاتُ جَنَّاتِي عَلى مَدَّ الرُّؤى *** شَفَتاكَ مَقْرَبَةُ الصَّفاءِ بلا قِرَبْ

حُسْنٌ بِمُفْرَدِها البَشَائِرُ جُمْلَةٌ *** وَ يَكادُ يَطْفَحُ بِالمَعاجِزِ مَن شَرِبْ

اتَوَدُّ مَعْرِفَتي بذاتِكَ مُلْتَقَى *** سُبْحانَ رَبِّي بِالصَّمِيم لنا قِبَبْ

تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ الحِبالُ تَعَلَّقَتْ *** عُنقي... بِحَبْلِكَ قلتُ... فَانْفَتَلَتْ لِحُبْ

وَ الحَرْبُ دَارَتْ في مُسالَمَتِي رِضَى *** فَنُهّى بِزَيْنِ العابِدِينَ دعا... رَحُبْ

فَالْبَحْرُ طارَ إلى الفضاءِ وَأَمْطَرَتْ *** صَحْراءٌ مَدْيَنَ وَ ارْتَوَى الأرِبُ الوَصِب(1)

بَجَعُ البُحَيْرَةِ وَ الإِوَزُّ مَاذِنٌ *** رَفَعَتْ مَناقِيرَ الثَّناءِ لِمَنْ حَدَبْ

مَيْلُ الرِّمالِ لِمُزْنِ غَيْمِكَ مَوْكِبٌ *** قَدْ صارَ رِبَاً وَ اسْتَحالَ لِمَا وَكَبْ(2)

عادَتْ لِمَسْبحِها المَآذِنُ سُجَّداً *** جُمَعِي وَ أَسْبوعُ المَدَى الأَعْلَى سَحَبْ

فإذا حبالُ الخِصْبٍ وَاصِلَةُ النَّوَى *** فَكَأَنَّهَا عَمَدُ الغِنَى فِيمَن تَرِبْ

وَ كأَنَّ أَحْمَدَ ما يُقَالُ وَ يُنْتَوَى *** حَقٌّ بِمُطلَق ذاتِهِ العُليا انْتَصَبْ

أيَخِرُّ مُوسَى أَمْ يُصابِرُ خِضْرُهُ *** إِنِّي بآدَمَ قَدْ جَشَوْتُ عَلَى الرُّكَبْ

وَ بِكُلِّ حالٍ بانَ يَاسِينْ لَنا *** مِنْ فَوْقِ مُوسيقى على الطُّورِ الطَّرِبْ

وَ شَهِدْتُ بِلْقِيساً بِلَيْلَى قَلْبِها *** قَيْسٌ يُسَاقُ لِجِدّه بِيَدِ اللَّعِبْ

وَ مَسِيحُ عَذْرائِي بِبُولُسِهِ مَشَى *** لَمَّا انتقي في باب توما وانْقَلَبْ

أَيُقَالُ تَصْحِيحُ المَسارِليونُسٍ *** في نِينَوَى وَصَلَ الحَضَارَةَ بِالدَّابْ؟

لابَأْسَ مَن طَلَبُوا بِمَدْحِكَ بُرْدَةً *** بَلَغُوا بِكاظِمَة: الحَوائِجَ و اللَّقَبْ

وَعَدا نَشِيدِي مَنْ تأَمَّلَ ناقداً *** لِيَقِيسَ... أسْلُوبي البصائِرَ يَسْتَلِبْ

ص: 26


1- الأرب: المحتاج و الأرب: الماهر. الوصِب: المريض.
2- وكب: (المُوكِب) على وزن المْوضع: بابةٌ من السير (مختار الصحاح).

عَفْوَ البَدِيعِ لِمَنْ يَرَى الإبداع حُبْ *** وَ يَرَى شِفاء العالَمِينَ هُوَ الطَّلَبْ

المُبْحِرُونَ تَجَمَّعوا في بائنا *** و البَحْرُ أصْحَبُ ما يكونُ وَمَا نَضَبْ

وَ المُبْدِعونَ تَقَدَّمُوا في حائِهِ *** وَ تَصَيَّدوا الأصدافَ بالمَوْج الصَّخِبْ

وَ اللُّؤْلُؤُ المَحْمُولُ في أضدافِهِمْ *** لَمْ يَلمَحِ الفُقَراءُ مَخْبَأَهُ الخَرِبْ

فَالأَصْمَعِيُّ أصَمَّ أَعْمَى... و الرَّشِيدُ... *** و مَن رَأى لَعِبَ «الذُّبابِ» هو الأَدَبْ

وَ رَأى «الثآليل»... «البُصاق»: مُعَادِلاً *** لِمَذاقِهِ... أنَسُوا بِأَمَّتِنا الرُّطَبْ

مُتَحَوِّلٌ عَنْ ذَوْقِهِمْ في أَبْحُري *** هذا التَّمَوُّجُ فِي سَوَاكِنِه الخَبَبْ(1)

سَبَحَتْ على شُطَآنِها هِمَمُ الرُّؤى *** وَ المُطْلَقُ الصَّافِي على كَدِرٍ صَعُبْ

وَ هُوَ المُيَسَّرُ نِيَّةٌ لَكَ تُبْتَنَى *** فِي بُنْيَةٍ سَلِمَتْ مِنَ الكَلِمِ الكَذِبْ

مَلِكٌ تملك بالصَّداقةِ أَنْجُماً *** وَ هُوَ المُطَامِنُ كُوخَهُ بَيْنَ الخِرَبْ

طَهَّرْتُ نَفْسِي مِنْ ذُنوبِ تَعَلُّقِ *** بِالمُغْرِيَاتِ وَ طَوَّلُوا فِيهَا الذَّنَبْ

وَ قَدَرْتُ مُطلَقَ شَاعِرِينَ بِنَحْوَةٍ *** وَ أَصالة فاقَتْ عَلَى كُلِّ النَّسَبْ

وَ ذَبَحْتُ بِالحَرَمِ المُطَهَّرِ أَدْمُعِي *** وَ دِمَاءَ أَهْوَائِي ليَقْبَلَني النَّسَبْ

أُمِّي تَنامُ و تَسْتَفيقُ وَ وَجْهُها *** لِلْكَعْبَةِ العَذْراءِ لَمْ تُمْسَسْ بِسَبْ

أنا مِنْ أرومة مَنْ يَعُومُ على الشَّدَى *** لِيَبُثَّهُ لُطفَ الرِّياحِ إذا تَهبْ

وَ مِنَ الضّياءِ على العُيونِ أنا الرِّضَى *** يَرْنُو وَ يَسْخُو بِالرُّنُو مَتى وَجَبْ

وَعِيارُ شِعري بالكِتابِ وَ أُمِّهِ *** وَ صَفَاءُ رُوحِي نَفْخَةُ الباري وَهَبْ

خَشَعَتْ بِجَنَّتِنا السَّكِينَةُ رَحْمَةً *** وَ تَصابَحَ التُّعَساء في ذاتِ اللَّهَبُ

يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون بِأنَّنِي *** أجْنِي السَّعادَةَ لِلأعاجم و العَرَبْ

يَتَحَدَّثُ القُدُّوسُ في أَحْيَائِها *** وَ يُرِيكَ آيَاتِ التَّجَدُّدِ يابنَ أَبْ...

ص: 27


1- الخَبَبِ: ضَرْبٌ من العَدْو، يُقال: «يمشي خبباً». و الخَبَب السرعة. و الخَبَب: بحر من: بحور الشعر.

لِشُعَيْبِ مَدْيَنَ ما يقالُ وَ يُكْتَتَب *** بَيْنَ الشُّعُوبِ إذا تَنَصَّتَ أو خطَبْ

أرَأَيْتَ أجْنِحَةَ الحَدِيدِ بَصِيرَةً *** مَأواك بِالدَّارِ السَّلامِ قُوَى الكُتُبْ

مِثْلَ التَّفَكُرِ تَسْتَحِيلُ حقايقاً *** هَلْ تَسْتَحِي مِنْ أكرم الكُرَماء؟ طِبْ

أحَدٌ وَ جَنّاتُ السَّلام وَنُزْهَةٌ *** أَبَدِيَّةٌ فيها الحَياةُ كَمَا تُحَبْ

لَوْ كُنْتَ شاعِرَ أُمَّةٍ كَانَتْ لَهَا *** أُمَمٌ مِنَ الإبداع وَاحِدَةُ المَهَبْ

لكِنَّ خِدْمَتَنا الشَّرِيعَةَ عَارِشُ *** كُرْسِيُّهُ الحُسْنَى اتساعٌ مُجْتَذَبْ

جَذَابَةٌ غَمَرَاتُ عَيْنِكَ جَنَّةٌ *** لَكِنْ بِرَوْضاتِ القُلُوبِ لنا أَحَبْ

أنْهَارُ جَنَّاتٍ تَسِيلُ وَ نِعْمَةٌ *** لَيْسَتْ كَكَأْسٍ تُسْتَقَى مِنْ كَفٌ رَبْ

وَ مُحَمَّدٌ أَنْهارُهُ مَعْلُومَةٌ *** لِمَنِ اسْتَقى مِنْ بالِ صالِحِهِ و عَبْ

وَ الأَنْبِيَاءُ جَمِيعُهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا *** يَدُهُ... يَداهُ... وَ الحَنَانُ أَلَمْ تَذُبْ؟

ثَلْجُ الذُّرَى مَلِكاتُ حُسْنٍ ذُوِّبَتْ *** في شَمْسِه فَالخِصْبُ أَعْرَاسٌ وَ حُبْ

مَرْجُ السَّنابِل رَاقِصٌ بِمُحَمَّدٍ *** وَ عَلَى الدَّوالِي وَ النَّخِيل جَنِّى قَرُبْ

أهْلاً بِكُلِّ ثِمَارِهِ تَدْنو غِنّى *** بِالنذرِ... أوْ تَعْلُو على جِذْعِ الرُّطَبْ

يا مَنْ يُرِيدُ مِنَ الحَياةِ صَلاحَها *** هذي يَدُ الاكْسِيرِ شافِيَةً بِطُبْ

امْلأُ بِهِ فَمَكَ الشَّرِيفَ وَ مَضْمِضَنُ *** بِحُرُوفِهِ كُلَّ الثَّنايا وَ اسْتَطِبْ

وَ اللَّهِ -وَ القَسَمُ العَظِيمُ سَعَادَةٌ *** لَيْسَتْ لِتَأكِيد- هُنا عَجَبُ العَجَبْ

هِبَةُ الهباتِ: بِرَحْمَةٍ خُتِمَ الهُدَى *** فَتَوَحَّدَتْ بِمُحَمَّدٍ فِرَقُ الشُّعَبْ

فَتِّش أصابِعَ مَنْ تَخَتَمَ قُدْوَةً *** أَوْ مَن تَخَتَّم لِلزَّواج وَ مَنْ خَطَبْ

أَوَلَيْسَ «خاتَمُ» جَمْعِهِمْ امْنُولَةٌ *** لِوَحِيدِ لَفْظٍ لَفَّ مُطْلَقَةَ النِّسَبْ؟

وَطَنُ الخُلُودِ مَحَبَّةٌ لِبَدِيعِهِ *** وَ سُلُوكُ اخْلاقِ الحَبِيبِ هُوَ الأَدَبْ

ص: 28

(4) وهج القباب

(بحر الكامل)

الأستاذ جاسم محمد الصحيح (*)(1)

وهجُ القُباب أم المصيرُ المُتعبُ *** ذاك الذي لك شدَّني يا يثربُ

فأتيتُ أرفُلُ في الشقاءِ يزفُّني *** ما بينَ أشباحِ المتاهةِ موكبُ

تتسكعُ الآهات بين جوانحي *** و الأبجديةُ في دمائي تنحبُ

و أجنّةُ الأحلامِ حين تهزُّها *** نجواكِ يرعشُ روحُها المتكهربُ

أثرى النخيلُ اليثربيةُ لم تزلْ *** تلكَ التي تلدُ الشموخ و تُنجبُ

أم شكَّها سهمُ الزمان فأينعتْ *** جُرحاً بهِ المستضعفونَ تخضَّبوا

و أتَوْكِ من حيثُ الرجولة لم يزلْ *** تاريخُها بدمِ الكرامةِ يشخبُ(2)

يتلمسونَ ثمالةَ الأملِ الذي *** كانت على يده الجراحةُ تُخصبُ

يا طيبةَ النصر المنوَّرِ مالوى *** أبطالَهُ عبرَ المجاهلِ غيهبُ(3)

فإذا السماءُ تصبُّ في خلجاتِهم *** حُلم النبوة جامحاً يتلَهَّب

حتى إذا صقلُوا تُرابك و ازدهت *** ممّا تناثرَ من سناهُ الأحقُبُ

ص: 29


1- (*) جاسم محمد أحمد الصحيح: ولد في الأحساء عام (1384) ه)، التحق بشركة أرامكو عام (1980م)، و أكمل دراسته فيها و بعث عبرها إلى أمريكا، حيث حصل على البكالوريوس في الهندسة الفنية الميكانيكية، بدأ نظم الشعر عام (1409 ه_)، و له علاقة وطيدة مع الشاعر السيد كاظم الطباطبائي الذي كان له الدور في صقل موهبته الشعرية، شارك في العديد من المناسبات و الاحتفالات الدينية، و نشر أغلب نتاجه الأدبي في صحيفة (اليوم) الصادرة في الدمام، المملكة العربية السعودية (معلومات خاصة).
2- شخب أوداجه دماً: قطعها فسالت.
3- الغيهب: شدة سواد الليل.

وقفُوا على حدِ الرماح منائراً *** تمتدّ في أُفقِ الحياةِ فيُعشبُ

يا طيبةَ النصرِ الذي في شوطِهِ *** أفنى فُتوتَهُ النضالُ الأشيبُ

و تنفستْ عبقَ الفتوحِ رسالةٌ *** فيها تصاهرتِ السماءُ و يعربُ

و افتكِ يرتجلُ الصلاُبة ساعدٌ *** منها و يبتكر العزيمةَ منكِبُ

و مذ اقتحمت بها الحياةَ على خطى *** طه يشدُّك للفلاحِ و يجذبُ

شحذَ الفداءُ يراعهُ بكِ و انبرى *** يسقيه من برِ الخلودِ و يكتبُ

حتى إذا يومُ الإخاءِ تفصَّمَتْ *** حلقاتُهُ وسطتْ عليهِ العقربُ

نسيتْ جوامحكِ العتاقُ نفيرَها ***و أنهارَ في دمكِ الصهيلُ الأشهبُ(1)

و بقيتِ للأجيالِ نبعَ صبابةٍ *** ماعاد كوثُرُه يفورُ و يغضبُ

و رنتْ تطالعُكِ الدهورُ فراعَها *** فتحٌ بماضيكِ المجيدِ مُعلَّبُ

هرَّيتهُ طيفاً بذاكرةِ المُنى *** يزهُو و هيهاتَ الفتوحُ تُهرَّب

نسلَ الغبارُ عليهِ ألف قبيلةٍ *** راحتْ تنازعُهُ البريقَ و تسلبُ

و يداكِ لا شمسٌ تغالبُ فيهما *** عصفَ الشتاءِ الجاهلي فتغلبُ

مديهما نحو الوراءِ و سلسلي *** يوم الأخاءِ و لملمي ما يسكبُ

و تحضني أرواحَنا بصفائِهِ *** يهتزّنبضُ حياتِنا المُتَخَشِّبُ

فسنصهرُ الأفق البعيدَ على لظى *** عزماتِنا حتى يذوبَ الكوكبُ

و سنكنسُ التاريخَ مما اسندت *** فيه الذئاب و ما رواه الثعلبُ

و نُقشّر الحقِّ المُغَلَّف بالدُّجى *** حتى يشع لُبابُه المُتَلَهِّبُ

و نعودُ نفترعُ النجومَ و حسبُنا *** فيما نؤملُ أن متنَكِ مركِبُ

ص: 30


1- الأشهب: الأبيض الذي يصدعُهُ سواد في خلاله، الصعب، المجدب.

(5) ميلاد البتول علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ جعفر الجعفر

أَتَسْأَلُنِي مَا نُورُ تِلْكَ الْكَواكِبِ *** هَلِ النُّورُ إِلاَّمِنْ نُجومٍ ثَواقِبِ؟

هَلِ النُّورُ إلا مِنْ سَمَاءِ مُحَمّدٍ *** تَجَلَّى بِالِ البَيْتِ آلِ الْمَناقِبِ

أَلَمْ تَرَ ميلادَ الْبَتُولِ بِمَكَّةٍ *** سعى نورُها في كلِّ بَيْتٍ وَ جانِبِ(1)

فَأَشْرَقَتِ الْأَنْوَارُ مِنْهَا عَلَى الدُّجى *** فَقَشَّعَ مِنْهَا النُّورُ أُفق الْغَيَاهِبِ

وَ أَشْرَقَ لِلْمَوْلُودِ وَجْهُ نَبينا *** فَأَشْرَقَ بِالْوَجْهَيْنِ وَجْهُ المَغَارِبِ

وَ أَيْنَعَتِ الْأَغْصانُ يَوْمَ مَجِيئِها *** كَمَا افْتَرَ لِلْمَوْلُودِ تَغْرُ السَّحَائِبِ

كَأَنِّي بِمَهْدِ لِلْبَتُولَةِ فَاطِمٍ *** تَطُوفُ بِهِ الْأَمْلاكُ فَوْقَ الْمَنَاكِبِ

وَراحَ لسانُ الدَّهْرِ يَنْطِقُ بِاسْمِها *** يَزُفُّ عَلَى الْأَرْجَاءِ بُشْرَى الْأَطايِبِ

وَ راحتْ لها الأفلاكُ تُسْدِي تَحِيَّةً *** يَرِنُّ صَداها في صَريرِ الْكَواكِبِ

أجَلْ إنَّها الزهراءُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ *** وَ تُحْفَتُهُ مِنْ خَيْرِ هَادٍ وَ وَاهِبِ(2)

أَجَلْ إِنَّهَا بِنْتُ النَّبِيِّ وَ أُمُّهُ *** وَ سَلْوَتُهُ عِنْدَ اشْتِدادِ النَّوائِبِ(3)

ص: 31


1- إشارة لما ورد في أمالي الصدوق ص476 في رواية عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام: فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور.
2- إشارة لما ورد في البحار ج36 ص73 ح24. في رواية ابن مسعود: فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء علیها السلام فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام.
3- و ذلك إشارة لما ورد في تهذيب التهذيب ج12 ص44. فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء.

أَجَلْ يا رَسُولَ اللَّهِ خُذْهَا هَدِيَّةً *** مُطَهَّرَةً من كلِّ رِجْسٍ وَ شَائِبِ

فَلَيْسَ لَها في العالَمِینَ كَمِثْلِها *** وَ لَيْسَ كَنورِ الشَّمْسِ نُورُ الْغَيَاهِبِ(1)

سَلامٌ وَ حتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ نورُها *** سَلامٌ عَلَى مَنْ نُورُها غَيْرُ غائِبِ(2)

إِلَيْكِ تَحيَّاتِي أَصُوعُ حُروفها *** مِنَ الْقَلْبِ تُرجى مِثْلَ زَخِّ السَّحائِبِ

مُعَطَّرةُ مِنّي إِلَيْكِ تَحِيَّتِي *** بِها نَفحُ طِيبٍ طيِّبٌ مِنْ أَطايِبِ

فَلَوْ قِيلَ في حبي لها أنتَ هائمٌ *** إلامَ غَرامٌ لَسْتَ عَنْهُ بِتَائِبِ

لقُلْتُ اغْرُبُوا عنّي فإِنَّ ودَادَها *** مِنَ اللهِ فرضٌ ذاكَ أَوْجَبُ واجِبِ(3)

يَهُزُّ لِذِكْراها فُؤادِي وَ تَنْجَلِي *** هُمومٌ بِقَلْبِي جَعْجَعَتْ بِالنَّوائِبِ

تُغنّي و بالميلادِ حُبّي لِفاطِمٍ *** وَ عَجَّتْ بِي الْأَشْوَاقُ وَ الشَّوْقُ جاذِبي

إلى مَنْ بها نورُ الإلهِ وَ سِرهِ *** وَ آيَتُه الكُبرى برَغْمِ النَّواصِبِ(4)

وَ لاغَرْوَ فَالزَّهْرَاءُ عَيْنُ مُحَمَّدٍ *** مُرَكَّبَةٌ مَا بَيْنَ جَفْنٍ وَ حاجِبِ

كَأَنَّ حَشا الْمُخْتارِ فِي جَنْبِ فَاطِمٍ *** كَأَنَّ حَشَاهَا فِيهِ بَيْنَ الْجَوانِبِ(5)

ص: 32


1- إشارة لما ورد في خصائص النسائي ص34 و قال: سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء العالمين.
2- إشارة لما ورد في تفسير فرات الكوفي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ». الليلة فاطمة علیها السلام، و القدر الله، فمن عرف فاطمة علیها السلام حقَّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.
3- إشارة لما ورد في المناقب ج3 ص112، في كون الزهراء علیها السلام بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و مما جاء عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة مني من سرَّها فقد سرني و من ساءها فقد ساءني فاطمة علیها السلام أعز الناس عليَّ.
4- و ذلك إشارة في البحار ج37 ص87 ح54، عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لهم بمنزلة سفينة نوح من ركبها نجا و من تركها غرق. أقول: و لايكون الركوب في سفينتهم إلّا بشرائط منها بمحبتهم و شفاعة الزهراء علیها السلام للمذنبين من أمة محمد صلى الله عليه وآله و سلم، إذ ورد في الخبر أن جبرئيل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبیها.
5- في العوالم ج11/ 1 ص148 عن أمالي الصدوق عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: يا علي علیه السلام إن فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها و يسرني ما سرّها. و عن كتاب المختصر في الصفحة نفسها من العوالم بإضافة: «و هي قلبي الذي بين جنبي». و في مورد آخر من المصدر نفسه ص152 عن لسان العرب قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في حق فاطمة علیها السلام: منوط لحمها بدمي و لحمي.

كَفاهَا افْتِخاراً أَنَّ أَحْمَدَ َوالِدٌ *** كَفاهَا افْتِخاراً حَيْدَرٌ خَيْرُ صاحِبِ

كَفاها افْتِخاراً أَنْ تَكُونَ مَدارُهُمْ *** لِخَمْسَةِ أَصْحابِ الْكِسافِي الْمَراتِبِ(1)

كَفَاهَا افْتِخاراً أَنْ تُكَنِّي لِأَحْمَدٍ *** بِأُمِّ أبيها يا لَها مِنْ مَراتِبِ

كَفاهَا افْتِخاراً فَهِيَ كَوْثَرُ أَحْمدٍ *** وَ يُنْبُوعُ خَيْرِ مِنْهُ خَيْرُ الْمَشارِبِ(2)

كَفاهَا لها التَّسْبيحُ لَمْ يُحْصَ عَدُّهُ *** فما الجِنُّ تَحْصِيهِ و لاعَدُّ كاتِبِ

كَفانِيَ فَخْراً أنّني مِنْ عَبِيدِها *** كَفَانِيَ عِزّاً فَهْيَ أَقْصَى رَغائبي

صَلاةٌ عَلَيْها يَوْمَ أَشْرَقَ نورُها *** سَلَامٌ عَلَيْها وَاصِبٌ غَيْرُ نَاضِبِ(3)

هِيَ الْبَضْعَةُ الزَّهْرَاءُ بِضْعَةُ أَحْمَدٍ *** وَ فِلْذَةُ كَبِدٍ مِنْ جِنَاحٍ وَ جَائِبِ

سَفِينَتُها تُنْجِي الغريقَ مِنَ الرَّدى *** وَ تُبْحِرُ فيهِ عَنْ نُوبِ النَّوائِبِ

فَمَنْ مِثْلُها جَاءَتْ تُحَدِّثُ أُمَّهَا *** وَ تُؤْنِسُها بَيْنَ الْحَشا و الجَوانِبِ(4)

ص: 33


1- أشار إلى ذلك في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص294 في حديث الكساء في قول الله عزوجل: «ما خلقت سماء مبنية و لاأرضاً مدحية و لاقمراً منيراً... (إلى أن قال) إلّا المحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرئيل: يا ربِّ و من تحت الكساء؟ فقال الله «عزوجل»: هم أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و هم فاطمة علیها السلام و أبوها و بعلها و بنوها علیهم السلام. و في مورد آخر من الكتاب في ص86 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث (إلى أن قال) نور من نوري أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة علیهم السلام يقومون بأمري يهدون إلى حقي. و في البحار أيضا ج43 ص105. عن أبي عبد الله علیه السلام و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى. و يقدم في الجزء الأول كلام مفصل عن حديث الكساء مع مصادره فراجع.
2- ورد ذلك في تفسير «جامع الأخبار و الآثار» و قد نقلها في العوالم ج1/11 ص116 في تفسير «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا علي علیه السلام... و الماء من نهر يقال له الكوثر و هو لي و لك و لفاطمة علیها السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و ليس لأحد فيه شيء.
3- واصب غير ناضب: دائم غير قليل أو نافدٍ.
4- عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم قال: أتاني جبرئيل بتفاحة من الجنة فأكلتها و واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام، فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حَدثني الذي في بطني. راجع ذخائر العقبى ص44 أيضاً.

وَ مَنْ مِثْلُها مِنْ جَنَّةِ الْخُلدِ حُدِّرَتْ *** وَ مَنْ بَعْدَ طه حُدِّرتْ في التَّرائِبِ(1)

فَجَاءَتْ كَمَا قالَ الْإِلهُ بِوَصْفِها *** كَمِشْكَاةٍ نورٍ نورُها غَيْرُ ناضِبِ(2)

وَمَنْ مِثْلُها وَ اللَّهُ بارَكَ عُرْسَها *** وَ جِبْرِيلُ مِنْ طه لَهَا خَيْرُ خاطِبِ(3)

وَ مَنْ مِثْلُها فِي الْخُلْدِتَم زِواجُها *** بِنُورِ عَلِيَّ فَوْقَ سَبْع حَواجِبِ(4)

وَ مَنْ مِثْلُها دَوَّى رَنينُ خطابِها *** لِتُخْرِسَ فيهِ كُلَّ باغٍ وَ ناعِبِ(5)

هِيَ الْفَلَكُ الدَّوَّارُ وَ الْقُطْبُ حَيْدَرٌ *** لإحدى وَ عَشْرٍ ثَاقِبِ بَعْدَ ثَاقِبِ(6)

ص: 34


1- و ذلك إشارة لما ورد في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: أتاني جبرئيل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام. كما ورد في الدر المنثور للسيوطي في تفسير سورة الإسراء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: لما أُسري بي إلى السماء أُدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها و لاأبيض ورقاً و لاأطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فصارت نطفة من صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة علیها السلام.
2- و لعل ما ورد عن العوالم ج1/11 ص18 إشارة إليه عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فخلق نور فاطمة علیها السلام يومئذ كالقنديل و علقه في قرط العرش فزهرت السموات السبع، و الأرضون السبع.
3- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 1/11 ص418. قال جبرئيل علیه السلام: ثم أوصى الله إليَّ أن أعقد عقدة النكاح، فإني زوجت أمتي فاطمة علیها السلام بنت حبيبي محمد صلي الله علیه و آله و سلم، عبدي علي بن أبي طالب علیه السلام فعقدت عقدة النكاح و أشهدت على ذلك الملائكة أجمعين.
4- لعله إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 1/11 ص 449 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إن الله «تعالى» أمر بأن تفتح أبواب الجنان ففتحت و تغلق أبواب النيران فغلقت ثم زين الله «تعالى» العرش و الكرسي و شجرة طوبى و سدرة المنتهى (إلى أن قال) و يجلسوا لوليمة عرس فاطمة علیها السلام و أمر ملائكة السموات المقربين و الروحانيين و الكروبيين أن يجتمعوا تحت شجرة طوبى.
5- لعل الشاعر أراد أن يشير إلى خطبة الزهراء علیها السلام في مجلس عمر و أبي بكر بعد غصب الخلافة من أميرالمؤمنين علیه السلام و أشار إلى ذلك صاحب العوالم في ج1/11 ص652.
6- لعله إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج1/11 ص8 من الأحاديث القدسية: ألا يا ملائكتي و سكان جنتي اشهدوا أني قد زوجت فاطمة علیها السلام بنت محمد من علي بن أبي طالب رضاً مني بعضهما البعض إن من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي و اجعلهما حجتي على خلقي، و عزتي و جلالي لأخلقن منهما خلقاً و لأنشئنَّ منهما ذرية أجعلهم خزائن في أرضي و معادن لحكمي بهم أحتج على خلقي بعد النبيين.

و إنَّ لها في الدَّهْرِ سورَةَ هَلْ أَتَى *** و مِنْ سُورةِ التَّطْهِيرِ نَفْيَ الشّوائِبِ(1)

وَ إنَّ لها جبريل قرَّبِوُدِّها *** فكانَتْ لَهُ القُرْبى بِحُبُّ الأَقاربِ(2)

وَ إنّ إلهي غَيْرُ راضِ لِسُخْطِها *** وَ إِنَّ إلهي لَوْ رَضَتْ غَيْرُ غاضِبِ(3)

مقامٌ لَها عِنْدَ الجَليلِ مُكَرَّمٌ *** تَصاغر عَنْهُ أُفْقُ أَسْمَى المَراتِبِ

فَصَلُّوا عَلَى الزَّهْراءِ يَوْمَ مَجِيئِها *** سَلامٌ عَلَيْها وَاصِلٌ غَيْرُ آیِبٍ

أتيتُ لكمْ وَ الذَّنْبُ أَثْقَلَ لُمْتِيْ *** وَ مِنّي أَرَى الْأَوْزَارَ هَدَّتْ مَناكِبي

إذا لَمْ تَكونوا سادَني عِنْدَ مَطْلَبِي *** هَوَيْتُ وَ لَمْ تَنْفَعْ سِواكُمْ مَطالِبِي

يَقِرُّ لَكُمْ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ ناظِرِي *** وَ عَقْلِي وَ جَفْنِي وَ الجَوى مِنْ جَوانِبِ

فَما لِي سِواكُمْ آلَ أَحْمَدَ رَغْبَةٌ *** و مالي سوى حُب لكمْ مِنْ مارِبِ

بِحُبِّ يقيني من لظى يَوْمٍ مَحْشَرِي *** وَ يَحْشُرُني في ظلِّ خَيْر الْحَبائِبِ(4)

فَزِدْ يا إلهي حُبَّهُمْ فَوْقَ رَغْبَتِي *** وَزِعُ يا إلهِي عَنْ عِداهُمْ رَغائِبِي

أولئكَ دِيني لَوْ سُئِلْتُ وَ مَذْهَبِي *** وَ (حِصني) بهم لا فِي أُلوفِ الْمَذاهِبِ(5)

ص: 35


1- و لعل ذلك إشارة لما ورد في المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص106 سئل عالم فقيل: إن الله «تعالى» قد أنزل (هل أتى) في أهل البيت و ليس شيء من نعيم الجنة إلا و ذكر فيه (إلا الحور العين). قال: ذلك إجلالا لفاطمة علیها السلام.
2- ورد ذلك في العوالم ج2/11 ص705 بنقله عن البخاري و مسلم و أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: لما نزل: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك الذين وجب علينا مودّتهم؟ قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.
3- و ذلك إشارة لما ورد في كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إن اللَّه عزوجل يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها.
4- إشارة لما ورد في العوالم ج11/ 2 ص1161 قال أبو جعفر علیه السلام: و الله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء.
5- و لعل ما ورد في كتاب علم اليقين للكاشاني ج2/11 ص894 إشارة إلى بعض ذلك قالت الزهراء علیها السلام: ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا، فقال الله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا».

تَقَرُّ عُيوني يَوْمَ لُقيا أحِبّتِي *** وَ يُثْلِجُ صَدْرِي مِنْ ضَيْىءٍ فيه لاهِبِ

وَ يَحْكِي كتابي يَوْمَ إذْ ذاكَ إِنَّنِي *** بِحُبِّ ولاتي ناجحٌ غير راسبِ

هنالِكَ نَلْقاهُمْ فَيَهْنَأُ بالُنا *** كفانا بِرُؤياهُمْ عَنِ الْخُلدِ راغِبِ

نُساقُ إِلَى الْمَوْلَى لِنُسْقَى بِشَرْبَةٍ *** بِكَأْسٍ دِهَاقٍ مِنْ لَذيذ المَشارِبِ

هَنِيئاً لِقَلْبِ قَدْ رَأى بَرْدَ حُبِّهِمْ *** فَحُبُّهِمُ كَالنُّورُ فِي الْقَلْبِ ذائِبِ

وَ إنْ مُتُّ في حُبِّ البَتُولِ وآلِها *** فَلا أَخْتَشِي في القَبْرِ سُوءَ الْعَواقِبِ(1)

سَلامٌ وَ حَتّى مَطلَعِ الفَجْرِ نورُها *** سَلامٌ مَنْ نورُها غَيْرُ غالِبِ

نَعَمْ هَكَذا الزهراء فيها عقيدتي *** فَلا تَعْجَبنْ مِمَّنْ أَتَوْا بِالعَجَائِبِ

نَعَمْ فَاعْجَبَنْ مِنْ حِلْمِ رَبِّي وَحُكْمِهِ *** أيضفَعُ ذاكَ النُّورَ أرْجَسُ ضاربِ(2)

وَ يَا عَجَباً مِنْ قائمٍ طالَ مُكْثُهُ *** أما حَثَّهُ ثَارٌ لام المصائبِ

أتَرْضى إمامِي شَوَّهُوا نَهْجَ أَحْمَدٍ *** بِما أَبْدَعَتْ في الدِّينِ أيدي النَّواصِبِ

بِعَيْنِكَ ذِي الأحداثِ تَنْفُثُ سُمَّها *** يَفُوقُ الأذَى مِنْهَا سُمُومَ العَقَارِبِ

كَأَنَّ لَهُمْ ثأراً غَداً يَستَفِرُّهُمْ *** كَثأرِ بَنِي مَرْوَانَ في آلِ طالِبِ

وَإِنَّكَ فينا حاضِرٌ غَيْرُ غَافِلٍ *** وَإِنَّكَ فينا شاهدٌ غَيْرُ غائبِ

مَتَى يَنْتَضِي السَّيْفُ الذي في يَمينِكُمْ *** فَتَكْشِفُ ضُرّاً بِالسُّيوفِ القَواضِبِ(3)

ص: 36


1- عن العوالم ج2/11 ص1181 قول الزهراء علیها السلام في المحشر «سلام الله عليها»: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي، ومحبّي ذريتي. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبّوها و محبّو ذريتها؟ فيقبلون، و قد أحاط الرحمة ملائکة الرحمة، فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة.
2- لعل ما في إرشاد القلوب قصيدة للديلمي/ ص131 في حديث طويل إشارة إلى بعض ذلك حيث ورد (وركل -عمر- الباب برجله فرّده عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني).
3- ينتضي: يُسَلُّ من غمده.

متى يَسْطَعُ الْحَقُّ الذي في جبينِكُمْ *** فَيَمحو دياجيراً لأثَم شاحِبِ(1)

رَجَوْتُكَ ربّي أَنْ تُفَرِّجَ كَرْبَنا *** بِتَعْجِيل أَمْرٍ فيه تَكْذِيبُ كاذِبِ

و اخْتِمُ قَوْلي بالصَّلاةِ عَلَيهِمُ *** وَ لاسيّما الزَّهْراءُ أمُّ النَّحائِبِ

ص: 37


1- دياجير: جمع ديجور، و هو الظلام.

(6)حبيبةُ طه علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

أصْفِياءٌ مُقامُهُمْ لا يُضَاهَى *** قَدْ عَلَوْا فِي الأنام قَدْراً وَجَاها(2)

ما ترى في الوَرى لَهُمْ أشباها *** أُمُّهُمْ فاطمٌ حَبيبَةُ طه(3)

حُبُّها في غَدٍ يَقِيكَ العَذابا

قَدْ عَلَتْ رُتْبَةً و جَلَّتْ مَحَلا *** إصطفاها الْإِلهُ عَزَّ وَجَلاً(4)

ص: 38


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جاء في مجمع الزوائد ج9 ص168 و زين الفتى، للحافظ العاصمي: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: إن اللَّه عزوجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ثم اطَّلع الثانية فاختارك على رجال العالمين ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علیها السلام على نساء العالمين. و جاء أيضاً في هذا المعنى في تاريخ بغداد ج1 ص259: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علي حبيب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة الله فاطمة علیها السلام خيرة الله على باغضيهم لعنة الله.
3- و قد أشير إلى هذا المعنى في كتاب (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي) ص131 ط/ إسلامبول و ص291 ط/ انتشارات الشريف الرضي/ قم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لو علم اللَّه تعالى أن في الأرض عباداً أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لأمرني أن أباهل بهم و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء و هم أفضل الخلق فلغبت بهم النصارى.
4- روي في مكانتها علیها السلام في مجمع النورين ص14 عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لعن الله تبارك و تعالى أنه قال: (يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما) و ذلك لأنها علیها السلام أم الأئمة النجباء الذين بهم ثبتت معالم الإسلام. و راجع تفسير البرهان ج1 ص392 ح5 . فهي أصل شجرة النبوة و الإمامة. كما ورد في تفسير ميزان الاعتدال ج1 ص234: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: أنا شجرة و فاطمة علیها السلام أصلها و علي علیه السلام لقاحها و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمرها.

في مقامِ مِثْلِ الثَّرَيَّا وَ أَعْلَى *** بَضْعَةُ المُصْطَفَى تَرَى الذِّكْرَ يُتلى(1)

مُعْرباً عَنْ مَقامها إعْرابا

إنَّها لَلزَّهراءُ أُمُّ الكِرَامِ *** بِنْتُ له شفيعُ يَوْمِ الزحامِ(2)

فَضْلُها في الأنامِ عالٍ وَ سامِي *** خَصَّها بِالتَّطْهِيرِ رَبُّ الأنامِ

قَدْ سَمَتْ رِفْعَةً وَ عَزَّتْ جَنابا(3)

ص: 39


1- ربما يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد في لسان الميزان للعسقلاني ج3 ص346 عن الإمام الحسن بن علي العسكري علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم: لما خلق اللَّه آدم و حوّا تبخترا في الجنة و قالا: من أحسن منا؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار، قالا: يا رب ما هذه؟ قال: صورة فاطمة علیها السلام سيدة نساء ولدك قال: ما هذا التاج على رأسها قال: علي علیه السلام بعلها. قال: فما القرطان. قال: ابناها علیهما السلام، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.
2- يوم الزحام: يوم القيامة.
3- العترة الطاهرة ص24.

(7) ذكر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

أبْكِي وَ دَمْعِي عَلَى الْخَدَّيْنِ مُنْسَكِبُ *** وَ القَلْبُ مِنِّي بِنَارِ الْوَجْدِ مُلْتَهِبُ

وَ في الحَشَاشَةِ نِيرانُ الْجَواءِ ذَكَتْ *** لَمْ يُطْفِها عارِضٌ يَهْمِي وَ يَنْسَكِبُ(2)

تَمُرُّ بَيْنَ طُلُوعِي وَ الزَّفيرُ لَها *** يَعْلُو فَأَنْفاسُ نَفْسِي كُلُّها لَهَبُ

فَلا أنا بِلَذِيدِ العَيْشِ في رَغَدٍ *** مِنَ الحَيَاةِ وَ يَوْمِي كُلُّه صَحَبُ

و الليلُ إِنْ جَنَّ اذْكَى الْمَواقِدَ ما *** بَيْنَ الْجَوانِح مِنِّي فَالْحَشَا يَجِبُ

كَأَنَّنِي الْوُرْقُ إما لاحَ جُنْحُ دُجَى *** بِعَيْنِهِ راحَ فَوْقَ الدَّوحِ يَنْتَدِبُ

قالَ الْعَواذِلُ لي لَمَّا رَأَوْا شَجَنِي *** ماذا الْجَوى أنتَ طولُ الدهرِ تَنْتَحِبُ؟

أتَشْتَكِي نِعْمَةٌ فَارَقْتَ لَذَّتَها *** أَمْ تَشْتَكِي بُعْدَ أَحبَابٍ قَدِ اغْتَرَبُوا؟

أَمْ تَشْتَكِي مَنْزِلاً بَعْدَ الأنيسِ خَلا *** فَزادَ وَجْدَكَ ذاكَ المَنْزِلُ الْخَرِبُ؟

فَقُلْتُ كَلاً فما هاجَ الوَسَاوِسَ لي *** ذكرُ النَّوى وَ أُنَاسٌ دُونَنَا رَغَبُوا

لَكِنَّما قَدْ شَجَانِي ذِكْرُ فَاطِمَةٍ *** سِنًّ النِّسا إِذْ عَلَيْها صُبَّتِ الْكُرَبُ(3)

ذَكَرْتُها وَ هْيَ تَبْكِي فَقْدَ وَالِدِها *** قَدْ غَيَّبَتْ دونَها أَنْوَارَهُ التُّرَبُ(4)

ص: 40


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ذكتُ: اشتدّ لهيبها. يهمي: يسيل.
3- و ذلك إشارة لما ورد أسد الغابة ج5 ص522 في قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم: ألا ترضين أن في تكوني سيدة نساء العالمين.
4- إشارة لما ورد في كتاب الخصال للشيخ الصدوق في ج1 ص273 باب الخمسة حديث 15 حيث ورد عن الإمام الصادق علیه السلام: البكاؤون خمسة (إلى أن قال) أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى لها أهل المدينة.

تَبْكِي لَهُ وَيَتَامَاهَا مُوَلُولَةً *** وَ كُلُّهُمُ بِفِرَاقِ الجَدِّ مُكْتَيْبُ

لَهْفِي لَها حِينَ وَافَتْ قَبْرَ وَالدِها *** تَبْكِي و أَدْمُعُها في الْخَدَّ تَنْسَكِبُ(1)

تَقُولُ: يَا وَالدي يا خَيْرَ مُعْتَمَدِي *** وَ يا مَلاذِي إذا ما نابَتِ النُّوبُ

(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْثُر الْخُطَبُ)

(إِنَّا فَقَدْناكَ فَقْدَ الأَرْضِ وَابِلَها *** وَ اخْتَل قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا )(2)

(أبْدَى رِجالٌ لَنَا نَجْوَى صُدورِهِمُ *** لَمّا مَضَيْتَ وَ حالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ)

(تَهَضَّمَتْنا رِجَالٌ وَاسْتُخِفَّ بنا *** لَمّا فُقِدْتَ، وَ كُلُّ الإِرْثِ مُعْتَصَبُ)

(وَ كُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِهِ *** عَلَيْكَ تَنْزِلُ مِنْ ذِي العِزَّةِ الْكُتُبُ)

(وَ كانَ جِبْرَئِيلُ بِالْآياتِ يُؤْنِسُنا *** فَقَدْ فُقِدْتَ وَ كُلُّ الخيرِ مُحْتَجَبُ)

ص: 41


1- في البحار/ للمجلسي / ج43 ص174 ح15 قال: ثم أقبلت تعثّر في أذيالها و هي تبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعها حتى دنت من قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها و دام نحيبها و بكاها و هي تقول: رفعت قوتي و خانني جلدي و شمت بي عدوّي و العمد قاتلي و انقطع ظهري و تنغص عيشي فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي فقد فني بعدك محكم التنزيل ومهبط جبرئيل انقلبت يا أبتاه بعدك الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب... وورد في كتاب العوالم ج2/11 ص792. في باب مدة بقائها «صلوات الله عليها» بعد أبيها. حيث ورد أنها دنت من قبر أبيها محمد صلي الله علیه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، و دام نحيبها و بكاؤها إلى أن أغمي عليها.
2- و في بعض النسخ: فاشهدهم فقد كذبوا. و هذة الأبيات الأخيرة المقوسة ممّا نسب إلى الزهراء علیها السلام. و الهنبئة: اختلاط في القول. و نقل هذه الأبيات عن فاطمة الزهراء علیها السلام بعد إيراد خطبتها التي أوضحت ما وقع عليها من الظلم و القهر و الإيذاء، و غصب حق الوصي و قهر الصديقة على فدك صاحب كتاب العوالم ج2/11 ص686 مع ذكره لمصادر كثيرة نقلت هذه الخطبة و ما تفوّهت و نطقت به من هذه الأبيات التي أشارت فيها إلى مظلوميتها «صلوات الله عليها» في تلك الصفحة. راجع أيضاً دلائل الإمامة/ للطبري/ ص35 حيث يقول: إن هذه الأبيات لصفية بنت عبد المطلب... تمثلت بها فاطمة الزهراء علیها السلام و في كشف الغمة ج1 ص480 : إن هذه الأبيات لهند ابنة أثاثة.

(فَلَيْتَ قَبْلَكَ كَانَ المَوْتُ صادَفَنا) *** (لَمّا مَضَيْتَ وَ حالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ)

(إِنَّا رُزِئْنَا بِمَا لَمْ يُرْزَذُو شَجَنٍ) *** (مِنَ الْبَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَ لا عَرَبُ)(1)

ص: 42


1- كنوز المدح و الرثاء ص53.

(8) ضاق الفضاء

(بحر البسيط)

الشيخ حسن بن حمود الحلي(*)(1)

سَلْ أربعاً فَطَمتْ أكْنَافَها السُّحُبُ *** عَنْ ساكنيها مَتى عَنْ أُفْقِهَا غَرَبُوا

سرعان ما صاحَ طَيْرُ الْبَيْنِ بَيْنَهُمُ *** فَأَصْبَحُوا فِرَقاً عَنْ عَقْرِها عَزَبُوا(2)

ص: 43


1- (*)هو الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن الحسين بن حمود الحلّي. ولد في النجف الأشرف سنة «1305ه»، و نشأ بها في كنف والده العالم الجليل و الفقيه الكبير الشيخ علي، هاجر والده من الحلة إلى النجف في سن الكهولة، و أكبّ على طلب العلم حتى نال درجة الاجتهاد. و لتقاه و ورعه كان موضع ثقة المجتمع على اختلاف طبقاته، فكان يقيم الصلاة في الصحن العلوي الشريف و كانت تأتم به مختلف الطبقات، حتى توفي في 7 شوال سنة «1344 ه»، و كان له ولدان فاضلان هما الحسن و الحسين علیهما السلام. أما الثاني و هو الأصغر فكان من المجتهدين العظام و ممن يشار إليه بالبنان، و قد توفي منذ فترة قريبة و كان يعد من المعمّرين. و أما الأول و هو المترجم له فقد كان من نوابغ عصره و من أشهر أساتذته الذين اتصل بهم و استفاد منهم في العربية و آدابها هو الشيخ محمد رضا الخزاعي و الشيخ عبد الحسين بن ملا قاسم الحلّي و السيد مهدي الغريقي البحراني و كان شاعرنا شديد الملازمة لحضور نادي العلّامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي، الأمر الذي أعطاه قوة و مكانة أكثر في الشعر و الأدب. ترك خلفه آثاراً، منها رسالة في علم الصرف و هي اليوم عند ولده الشيخ أحمد، و ديوان شعره الذي جمعه ولده المشار إليه، و هو يقارب 1500 بيتاً و مرتب على حروف الهجاء، و من أشهر قصائده هذه القصيدة التي نقلناها من الديوان و هي مشهورة و محفوظة. توفاه الله يوم الثلاثاء 11ربيع الثاني سنة «1337ه_» المصادف 1 كانون الثاني سنة (1919م) و دفن في الصحن الحيدري، أمام الإيوان الذهبي.
2- عزبوا: بعدوا و غابوا.

سَرَتْ تَجُوبُ الفَيافي فيهِمُ النُّجُبُ *** وَلِي فُؤاد قَفا آثارِهِمْ يَجِبُ(1)

أَتْبَعْتُهُمْ ناظراً خَيْلُ الدُّموع بهِ *** تَسَابَقَتْ فَهْوَ دامِي الْغَرْبِ مُخْتَضَبُ(2)

أضْحَتْ مَنازِلُهُمْ لِلْوَحْشِ مُعْتَكَفاً *** فِيهِنَّ طَيْرُ الفَنا ينعى وَ يَنْتَحِبُ

لَمْ يَبْقَ منها سوى رَسْمِ وَ ذِي شَعَثٍ *** رَأْسٍ أَشَجِّ عَلَتْ مِن فَوْقِهِ الْكُثُبُ

وَ ذِي انْحِنَاءٍ كَجِسْم الصَّبُ تَحْسَبُهُ *** نُوناً بها عُجْمُ شِينِ الخَط قَدْ كَتَبُوا

أَوْهَتْ قَواعِدَها كَفَ الصَّنَا فَعَفتْ *** آثارُها وَ مَحَتْ سيماءَهُ النُّوبُ

وَقَفْتُ فيها وَ دَمْعُ العَيْنِ مُنْسَكِبٌ *** كَالْغَيْثِ وَ النَّارُ فِي الْأَحْشاءِ تَلْتَهِبُ

وَ بِي لَواعِجُ وَجْدِ لَوْ رَمَيْتُ بِها *** صَدْرَ الفَضا ضاقَ وَ هُوَ الواسِعُ الرَّحِبُ

حَيْرانُ أَقْبضُ في رَغْشِ الْبَنانِ حَشاً *** حَرّى أنا خَتْ بها الأَحْزَانُ و الكُرَبُ

و قائل ليَ رَفّه عَنْ حَشَاكَ وَلِي *** وَجدٌ إذا ما نَزا بِالقَلْبِ يَضْطَرِبُ

فَقُلْتُ لَمْ يَشْجَنِي نَأْيُ الْخَلِيطِ وَلا *** رَبْعٌ مَحَتْ رَسْمَهُ الأعْوَامُ و الحقُبُ

لكِنْ أذابَ فؤادي حادِثٌ جَلَلٌ *** تُنمى إِلَيْهِ الرَّزايا حِينَ تَنْتَسِبُ

يَوْمٌ قَضَى المُصْطَفَى في صُبْحِهِ وَ عَلَى *** الأَعْقَابِ مِنْ بَعْدِهِ أَصْحابُهُ انْقَلَبُوا(3)

قادُوا أخاهُ وَ رَضُوا ضِلْعَ بَضْعَتِهِ *** بِجَوْرِهِمْ وَ لَهَا الْبَغْضَاءَ قَدْ نَصَبُوا(4)

ص: 44


1- الفيافي: الصحاري التي لا ماء فيها.
2- الغَرْبُ: جمعه غروب هو عرق في العين.
3- يشير في هذا البيت إلى الآية المباركة:«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران الآية: 144].
4- في حديث طويل في البحار في ذيله: «وجمعت جمعاً كثيراً لا مكاثرة لعلي و لكن ليشد بهم قلبي و جئت و هو محاصر فاستخرجته من داره مكرهاً مغصوباً و سقته إلى البيعة سوقاً» ج 8 ص220 ط حجرية وعنه في كتاب الزهراء بهجة قلب المصطفى ص553. و ذكر مسألة رض الضلع سليم بن قيس في ص40 حيث قال: «وکان قنفذ لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حین حالت بينه و بين زوجها أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضدة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها... إلخ راجع الاستيعاب ج2 ص460 و المستدرك من الصحيحين ج2 ص199 أيضاً. و في حديث طويل في البحار ج28 ص269. «فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبو بكر و عمر فوثب علي فأخذ بتلابيبه فصرعه... إلخ. و جاء في ج43 ص198 من البحار أيضاً، و ذكر ذلك الكليني ج6 ص18 و تفسير القمي في تفسير قوله «تعالى»: «زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ» [سورة آل عمران الآية: 185] و كامل الزيارات ص332 و ص333.

لَمْ انْسَهَا و هي تَنْعَاهُ وَ تَنْدبُهُ *** وَ قَلْبُها بِيَدِ الأَرْزَاءِ مُنْتَهَبُ

تَقُولُ يا والدي ضاقَ الْفَضاء بنا *** لَمّا مَضَيْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ

(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَها لَمْ تَكْثُرِ الْخُطَبُ)(1)

(إِنَّا فقدناكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وابِلَها *** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا)(2)

نَفَوْا أخاكَ عَلِيّاً عَنْ خِلافَتِهِ *** وَ شَيْخَ تَيْمٍ عِناداً مِنْهُمُ نَصَبُوا

كَقَومٍ مُوسى أطاعُوا الْعِجْلَ وَ اعْتَزَلُوا *** هارونَ وَ السَّامِرِيُّ الرِّجْسَ قَدْ صَحِبُوا

وَيْلٌ لَهُمْ نَبَدُّوا القُرْآنَ خَلْفَهُمُ *** وَ مَزَّقُوهُ عِناداً بِئْسَ ما ارْتَكَبُوا

مَا رَاقَبُوا غَضَبَ الجِبَارِ حِينَ إلَى *** الْمُخْتارِ أَحْمَدَ قَوْلَ (الْهَجْر) قَدْ نَسَبُوا(3)

ألْغَوْا وَصاياه في أهْلِيهِ وَ انتَهَبُوا *** مِيراثَهُ وَ إِلى حِرْمَانِهِمْ وَثَبُوا(4)

ص: 45


1- هنبئة: الاختلاط في القول.
2- هذان البيتان المقوسان مما نسب إلى الزهراء علیها السلام و في كشف الغمة نسبت إلى هند بنت أثاثة.
3- من كتاب السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص450 طبعة دار إحياء التراث العربي قال: قال: البخاري حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس و ما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله و سلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعده أبداً. فتنازعوا -و لاينبغي عند نبي تنازع- فقالوا ما شأنه أهجر؟.... الخ. و ذكره البخاري في صحيحه 279/2 و كتاب النهاية 255/4 و مصادر كثيرة أخرى.
4- وصايا النبي لعلي علیه السلام كثيرة منها وصيته يوم الغدير في صحيح الترمذي ج3 ص298، روي بسنده عن شعبة عن زيد بن أرقم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، و ذكره علي بن سلطان في مرقاته ج5 ص568 في الشرح عن الجوامع أنه روى الترمذي و النسائي و الضياء عن زيد بن أرقم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» نقلاً عن كتاب لفضائل الخمسة من الصحاح الستة و هناك روايات أخرى في الكتاب و منها في الرياض النضرة ج2 ص163: «علي مني بمنزلتي من ربي»، و ذكره في الصواعق ص106 ، و في تاريخ بغداد ج2 ص12 عن البراء: «علي مني بمنزلة رأسي من بدني» و منها في صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي علیه السلام قوله له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» و ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء ج7 ص194 و كثير غيرها. أيضاً من كتاب فضائل الخمسة. و منها في صحيح الترمذي ج2 ص299 عن ابن عمر و يذكر حديث المؤاخاة بطرق كثيرة، و منها في طبقات ابن سعد ج1 القسم 1 ص124 بعد ذكره دعوة أربعين نفراً من بني عبد المطلب و إطعامهم و قوله لهم: من «يؤازرني على ما أنا عليه على أن يكون أخي و له الجنة» فقال: علي علیه السلام، فقلت: أنا يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و إني لأحدثهم سناً و أحمشهم ساقاً و سكت القوم ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك، قال: دعوه فلن يألو ابن عمه خيراً و غيرها. هو أيضاً من كتاب فضائل الخمسة هذا بالنسبة لعلي علیه السلام أما أهل البيت علیهم السلام على العموم فالروايات لا تحصى منها أية المودة عن سعيد بن جبير قوله «تعالى»:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قال هي قربي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، تفسير ابن جرير الطبري ج25 ص16، و في كنز العمال ج6 ص217 قال: من أحب هؤلاء فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني يعني الحسن و الحسين و فاطمة و عليا علیهم السلام و كثير غيرها، و في كتاب فضائل الخمسة الصحاح الستة ج2 ص52، وصايا النبي صلي الله علیه و آله و سلم في أهل بيته علیهم السلام باب في قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم «إني تارك فيكم الثقلين»: عن «صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة في باب من فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام» روي بسنده عن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا و حصين بن سبرة، و عمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً -إلى قوله- ثم قال: قام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً مكة و المدينة فحمد الله و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال: أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول صلي الله علیه و آله و سلم ربي فأجيب و إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به فحث على كتاب الله و رغب فيه، ثم قال: و أهل بيتي علیهم السلام، أذكركم الله في أهل بيتي علیهم السلام أذكركم الله في أهل بيتي علیهم السلام إلى آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة. و في الكتاب نفسه ص53 عن (صحيح الترمذي ج2 ص308 ) روي بسنده عن أبي سعيد و الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. (أقول) و رواه ابن الأثير الجزري أيضاً في أسد الغابة (ج2 ص12) و السيوطي أيضاً في الدر المنثور في ذيل تفسير آية المودة في سورة الشورى و قال أخرجه ابن الأنباري في المصاحف. و في ص83 من (فضائل الخمسة ج 2) عن (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج2 ص146) روی بسنده عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: شفاعتي لأمتي من أحبّ أهل بيتي علیهم السلام و هم شيعتي.

ص: 46

جارُوا عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَغَدَتْ *** عَبْرَى النَّواظِرِ حُزْناً دَمْعُها سَرِبُ(1)

وَجَرَّعُوها خُطُوباً لَوْ وَقَعْنَ علَى *** صُمٌّ الجِبالِ لأَضْحَتْ وَ هُيَ نَضْطَرِبُ

أَبَضْعَةُ الظُّهْرِ طَهُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ *** بالبابِ يَعْصِرُهَا الطَّاغِي وَ مَا غَضِبُوا(2)

رَضُوا أَضَالِعَها أَجْرَوْا مَدامِعَها *** أَدْمَوْا نَواظِرَها مِيرَانَها غَصَبُوا(3)

ص: 47


1- و بيت الأحزان خير دليل على عبرات الزهراء علىها السلام علی رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بعد إيذاء القوم لها بناه لها الإمام علي علیه السلام نازحاً عن المدينة سمّي ببيت الأحزان، و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها. من كتاب فاطمة من المهد إلى اللحد ص584 .
2- في کتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: (لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... الخ، و راجع أيضاً كتاب مأساة الزهراء علیها السلام للعاملي ج1 ص353 و قال محمد حسين الأصفهاني من قصيدة له مشيراً إلى الحدث: و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار
3- قال السيوطي عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية: «وات ذا القربى حقه» [سورة الإسراء، الآية: 26] دعا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك/ الدر المنثور ج5 ص273. و في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى ص395. و عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال علي علیه السلام الفاطمة علیها السلام انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فجاءت إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال: النبي لا يورَّث. فقالت: ألم يرث سليمان داود فغضب و قال: النبي لا يورَّث. فقالت: ألم يقل زكريا: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة مريم، الآيتان 5 -6] . فقال: النبي صلي الله علیه و آله و سلم لا يورَّث. فقالت: ألم يقل: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [سورة النساء، الآية:11]. فقال النبي لا يورث راجع كتاب فاطمة علیها السلام بهجة القلب المصطفى ص422. و في شرح نهج البلاغة ج16 ص274 لقي عمر بن الخطاب فاطمة علیها السلام آتية من عند أبي بكر، فقال لها: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدكاً و كتبت بها لها؟ قال:نعم، فقال: إن علياً يجرّ إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و مزقه. و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص106... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها-أي فاطمة علیها السلام- فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها. و في البحار للمجلسي ج43، ص175، ح15 . كانت فاطمة علیها السلام تبكي و تقول: رفعت قوتي و خانني جلدي و شمت بي عدوي... و انقطع ظهري و تنغص عيشي و تكدَّر دهري... انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تغلقت دوني الأبواب... يا أبتاه أمسينا بعدك المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنّا ،معرضين و لقد كنَّا بك معظّمين غير مستضعفين... إلى آخر قولها «سلام الله عليها». و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص119: لما بويع اب أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة علیها السلام منها.

لِبَيْتِها وَ هْيَ حَسْرى في مَعاصِمها *** عَدَوْا فَلاذَتْ وَرَاءَ البَابِ تَحْتَجِبُ

فَالَمُوْا عَضُدَيْها في سِياطِهِمُ *** وَ أَسْقَطُوا حَمْلَها وَ المُرْتَضَى سَحَبُوا(1)

قادُوهُ بِالحَبْلِ قَهْراً وَ هْيَ خَلْفَهُمُ *** تَدْعُو وَ أَدْمُعُها كَالغَيْثِ يَنْسَكِبُ

يا قَوْمِ خَلُوا ابْنَ عَمِّي قَبْلَ أَنْ تَقَعَ *** الْخَضْرَاءُ فَوْقَ الشَّرِى وَ الْكُونُ يَنْقَلِبُ(2)

ص: 48


1- في كتاب الاحتجاج ج1 ص212: «فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط... إلخ. و راجع مأساة الزهراء علیها السلام ج1 ص299. «و روى المجلسي في البحار عن علي علیه السلام فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها و كسر ضلعها من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها». راجع أيضاً مرآة العقول ج5 ص320. و في كتاب الكافي: إن فاطمة علیها السلام لما أن كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها، ثم قالت: أما والله يا ابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سریع الإجابة الكافي ج1 ص460 ، راجع مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص55 أيضاً. و في الوافي بالوفيات/ ج5 ص347: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت (المحسن) من بطنها، و في المناقب لابن شهر آشوب/ ج3 ص358. إن (محسناً) فسد من زخم قنفذ العدوي. و في الاحتجاج للطبرسي/ ج1 ص113: روي عن الصادق علیه السلام أنه قال: لما استخرج الإمام علیه السلام من منزله مليباً خرجت فاطمة علیها السلام خلفه فما بقيت امرأة هاشمية إلّا خرجت معها فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً لله صلي الله علیه و آله و سلم بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري و لأصرخن إلى الله تبارك و «تعالى».
2- و أشار اليعقوبي في تاريخه و بلغ أبابكر و عمر أن جماعة من المهاجرين و الأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب علیه السلام في منزل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: واللَّه لتخرجنَّ أو لأكشفنَ شعري و لأعجنَّ إلى الله فخرجوا فخرج من في الدار تاريخ اليعقوبي ج2 ص126، و ذكرها العاملي عنه في مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص200 ، و في البحار ج28 ص227، و تفسير العياشي ج2 ص67 قال: «فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره -و كان من سعف- فدخلوا على علي علیه السلام و أخرجوه مليباً». فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفان عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي، فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام متوجهة إلى القبر فقال علي علیه السلام لسلمان: يا سلمان أدرك ابنة محمد علیها السلام فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان... الخ راجع أيضاً فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى ص547.

فَقَنَّعُوها بِقَرْع الأَصْبَحِيَّةِ لا *** عَدَاهُمُ سَخَطُ الجِبارِ وَالْغَضَبُ

وَ وَشَّحُوا مَتْنَهَا بِالسَّوْطِ فَانْكَفَأَتْ *** لِدارِها وَ حَشاها مِلؤُهُ عَطَبُ

حَرَّى الفُؤَادِ يُرَوِّي الأرضَ مَدْمَعُها *** فَكُلَّما سالَ هذا ذاكَ يَلْتَهِبُ

قَدْ حارَبَ النَّوْمُ عَيْنَيْهَا وَ أَنْحَلَها *** فَرْطُ البُكَاءِ وَ أَضْنَى جِسْمَهَا التَّعَبُ

مَا بَارَحَتْ قَلْبَها الأَحْزَانُ ذاتُ حشاً *** حَرَّى إلى أنْ أُهِيلَتْ فَوْقَهَا التَّرَبُ

قَضَتْ وَ في جَنْبِها أَثَرَ السَّيَاطِ وَ في *** فُؤادِها لِلرَّزايا جَحْفَلٌ لَجِبُ(1)

ما شَيَّعُوا نَعْشَها السَّامي عُلا وَ لَقَدْ *** تَزاحَمَتْ خَلْفَها الأمْلاكُ تَنْتَحِبُ(2)

سَلُّوا ظُبَا الظُّلم مِنْ أَغْمَادِها فَغَدا *** في حَدِّهَا سِبْطُ طَهَ الظُّهْرِ يَعْتَصِبُ

ص: 49


1- جحفل لَجبُ: جيش ذو كثرة.
2- عن البحار ج43 ص183 عن تاريخ أبي بكر بن كامل قالت عائشة، عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما توفيت دفنها علي ليلاً و صلى عليها. و في تاريخ الطبري: إن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي و المقداد و الزبير، و في روايات أنه صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و في رواية و العباس و ابنه الفضل، و في رواية و حذيفة و ابن مسعود. الأصبغ بن نباتة أنه سأل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً و قال: إنها كانت ساخطة على قوم کرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها... الحديث في ذلك طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

ثاوِ بِحَرُ هَجِيرِ الشَّمْسِ مُنْجَدِلاً *** تَظِلُّهُ السَّمْرُ وَ الهِنْدِيَّةُ القُضُبُ(1)

جالَتْ عَلَيْهِ العَوادِي بَعْدَ ما نَهَبَتْ *** أَشلاءه البيضُ وَ الْعَسّالَةُ السُّلُبُ(2)

يا ثاوياً بِمَحانِي الطَّفِّ قَدْ سَلَبُوا *** ثِيَابَهُ وَ كَسَتْ جُثْمَانَهُ الكُثُبُ

(تاللَّهِ ما سَيْفُ شِمْر نال مِنْكَ وَ لا *** يَدا سِنانٍ وَ إِنْ جَلَّ الَّذِي ارْتَكَبُوا)

(لَوْلا الأُولى أَغْضَبُوا رَبَّ العُلى وَ أَبَوْا *** نَصَّ الوَلاءِ وَ حَقَّ المُرْتَضَى غَصَبُوا)

(كَفُّ بِهَا أُمَّكَ الزَّهْرَاءَ قَدْ ضَرَبُوا *** هِيَ الَّتِي أُخْتَكَ الْحَوْرًا بِها سَلَبُوا)(3)

فَدُونَكُمْ يَا بَنِي الزَّهْرَاءِ مَرْثِيَةً *** إِنْ تُتْلَ شَجْواً فَقَلْبُ الصَّخْرِ يَنْشَعِبُ

أَرْجُو خَلاصِي بِهَا فِي يَوْم لا سَبَبٌ *** يُغْنِي سِواكُمْ وَ لامال و لاحَسَبُ

عَلَيْكُمُ صَلَوَاتُ اللهِ مَا طَلَعَتْ *** فِي الأُفُقِ شَمْسُ وَ لاحَتْ أَنْجُمٌ شُهُبُ(4)

ص: 50


1- منجدلاً: مرمياً على الأرض.
2- العسّالة: الرماح المضطربة.
3- الأبيات المقوسة من قصيدة للكعبي.
4- من كتاب شعراء الحلة ج1 ص312.

(9) خلوا ابن عمي

(بحر البسيط)

الشيخ حسن بن حمود الحلي (*)(1)

تخميس الشيخ جعفر الهلالي

و قد خمّس بعض أبيات القصيدة السابقة: الشيخ جعفر الهلالي

للَّهِ قَوْمٌ تَمادَوْا بَعْدَ مَا انْقَلَبُوا *** مُذْ فِي سَقِيقتهم لِلْغَدْر قَدْ نَصَبُوا

كأنَّ دُنْيا لَهُمْ مِنْ أَحْمَدٍ طَلَبُوا *** أَلْغَوْا وَصاياهُ فِي أَهْلِيهِ وَ انْتَهَبوا

ميراثَهُ وَ إلى حِرْمَانِهِمْ وَثَبُوا

قَدْ أَسْرَعَتْ تِلْكُمُ الأَصْحَابُ وَ اغْتَنَمَتْ *** مَوْتَ الرَّسُولِ وَ عَنْ حِقْدٍ لَهَا كَشَفَتْ

فَحُرْمَةُ الْآلِ فِيهِ قَطُّ مَا حَفِظَتْ *** جَارُوا عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَغَدَتْ

عَبْرَى النَّواظِرٍ حُزناً دَمْعُها سَرِبُ

مِنْ بَعْدِهِ أَوْرَثُوهَا السُّقْمَ وَ الْعِلَلا *** فَكَابَدَتْ مِحَناً مِنْهَا الْفُؤادُ غَلا

قَدْ نَاصَبُوهَا العِدَا مُذْ شَخْصُهُ رَحَلا *** وَ جَرَّعُوها خُطوباً لَوْ وَقَعْنَ عَلَى

صُمّ الصُّخُورِ لَأَضْحَتْ وَ هُيَ تَضْطَرِبُ

شَأَتْ نِسَاءَ البَرايا في عَوالِمِها *** بِمَا تَضَافَرَ مِنْ دنيا مَكارِمِها

لَكِنّما الصَّحْبُ جَدُّوا في مَظَالِمِها *** لِبَيْتِها وَ هْيَ حَسْرى في مَعَاصِمِها

عَدَوْا فَلاذَتْ وَرَاءَ البابِ تَحْتَجِبُ

مِنَ الْفَضَائِلِ قَدْ حازَتْ جَوامِعَهَا *** وَ نُورُها لِلسَّمَا يُطْفِي لَوامِعَها

بِضَرْبِهَا الصَّحْبُ قَدْ نالَتْ مَطامِعَهَا *** رَضُوا أضالِعَها أَجْرَوْا مَدامِعَها

ص: 51


1- (*)مرت ترجمه الشاعر في القصيدة السابقة.

أَدْمَوْا نَواظِرَها مِيراثَهَا غَصَبُوا

تَنَكَّبُوا بَعْدَ طَهَ عَنْ صِراطِهِمُ *** وَ أَظْهَرُوا كُلَّ جَوْرٍ في نِشَاطِهِمُ

خانُوا بِبَضْعَته بَعْدَ اشْتِراطِهِمُ *** فَالَمُوا عَضُدَيْهَا فِي سِياطِهِمُ

وَ أَسْقَطُوا حَمْلَهَا وَ الْمُرْتَضَى سَحَبُوا

فَاطمٍ حِينَ أَبْدَى الْقَوْمُ خَلْفَهُمُ *** وَ حَكَمُوا في أبي السِّبْطَيْنِ جَلْفَهُمُ(1)

جَاؤُوا إلى الدَّارِ يَسْتَعْدُونَ حِلْفَهُمُ *** قادُوهُ بِالْحَبْلِ قَهْراً وَ هْيَ خَلْفَهُمُ

تَدْعُو وَ أَدْمُعُها كَالْغَيْثِ تَنْسَكِبُ

سَرَتْ وَراءَهُمْ سَعْياً بِغَيْرِ مَلَلْ *** مُذْ أَخْرَجُوهُ إِلَى الطَّاغِي بِدُونِ مَهَلْ

تَقُولُ وَ النَّارُ مِنْها فِي الفُؤادِ شُعَلْ *** يا قَوْمُ خَلُّوا ابنَ عَمِّي قَبْلَ أنْ تقَعَ

الخضراءُ فَوْقَ الثَّرى وَ الكَوْنُ يَنْقَلِبُ

ما راقبوا الله فيها لا وَلا الرُّسُلاً *** وَ لااسْتَجَابُوا لِصَوْتِ الحَقِّ حِينَ عَلا

رامُوا لِتَرْجِعَ لَكِنْ لَمْ يَرَوْا حِوَلا *** فَقَنَّعُوها بِضَرْبِ الأَصْبَحِيّةِ لا(2)

عَداهُمُ سَخَطُ الجَبَّارِ وَالْغَضَبُ

لَمَّا رَأَوْا أَنَّها بِالْقَرْع ما رَجَعَتْ *** وَ أَنْها خَلْفَهُمْ بِالْعَدْهِ ما فَتِئَتْ

عَادُوا لَهَا بِسِيَاطٍ مِنْهُمُ ارْتَفَعَتْ *** وَ وَشَحُوا مَتْنَها بِالسَّوْطِ فَانْكَفَاتْ

لِدارِها وَحَشاها مِلْؤُهُ عَطَبُ(3)

ص: 52


1- الجلف: الغليظ الجافي، الظالم.
2- الأصبحية: جمع الأصحبي، و هو السوط.
3- عطبُ: غضبُ.

(10) يوم السقيفة

(بحر الطويل)

حسن بن علي بن جابر الهَبَل

أَيُغْنِيكَ دَمْعٌ أَنْتَ فِي الرَّبِعِ ساكِبُهُ *** وَ قَدْ رحَلَتْ غِزْلانُهُ و رَبارِبُهْ(1)

تُهَوِّنُ أَمْرَ الحُبِّ مُدَّعِيا لَهُ *** وَما الحُبُّ أهْلُ أنْ يُهوَّنَ جَانِبُهْ

لِكُلِّ مُحِبْ كَأْسُ هَجْرٍ وَ فُرْقَةٍ *** فَإِنْ تَصْدُقِ الدَّعْوَى فَإِنَّكَ شَارِبُهْ

عَجِبْتُ لِصَبٌ يَسْتَلِذُ مَعَاشَهُ *** وَ قَدْ ذَهَبَتْ أَحْبَابُهُ وَ حَبائِبُهْ

فَلا حُبَّ مَهُما لَمْ يَبِتْ وَ هُوَ فِي الْهَوى *** قَرِيحُ الْمَآقي(2) ذاهِلُ القَلْبِ ذاهِبُهْْ

«وَمُكْتَيْبٍ يَشْكُو الزَّمَانَ وَ قَدْ غَدَتْ *** مَشارِفُهُ مَسْلُوكةً وَ مَغَارِبُهْ»

وَ مُلْتَزِمُ الأَوْطَانِ يَشْكُو هُمُومَه *** وَ قَدْ ضَمِنَتْ تَفْرِيجَهُنَّ رَكائِبُهُ

فَشُقَّ أَدِيمَ الخَافِقَيْنِ(3) مُجَرِّداً *** مِنَ الْعَزْمِ سَيْفاً لَاتَكِلُّ مَضَارِبُهْ

وَ حَسْبُكَ أَدْراعٌ مِنَ الصَّبرِ إنّها *** لَتُحْمَدُ في جُلِّ الخُطُوبِ عَوَاقِبُهْ

فَأَيُّ لَئِيمٍ مَا الزَّمانُ مُسَالِمٌ *** لَهُ وَ كَريمِ مَا الزّمانُ مُحارِبُهْ(4)

فَلا كَانَ مِنْ دَهْرِ بِهِ قَدْ تَسوَّدتْ *** عَلَى الْأُسدِ في آجامِهِنَّ ثَعَالِبُهْ

كَفَى بِالنَّبِيِّ المُصْطَفَى وَ بِالهِ *** فَهَلْ بَعْدَهُمْ تَصْفُو لِحُرِّ مَشارِبُهْ

دَعاكُلُّ باغ في الْأَنامِ وَ مُعْتَدٍ *** إلى حَرْبِهِمْ وَ الدَّهرُ جَمْ عَجَائِبُهْ

ص: 53


1- رباربه: جمعُ الرَّبْراب و هو القطيع من بقر الوحش.
2- قريح المآقي: جريح مجاري الدمع.
3- أديم الخافقين: كامل المشرق و المغرب.
4- كلمة (ما) في الصدر و العجز نافية بمعنى ليس.

فَكَمْ غَادِرٍ أَبْدَى السَّخائِمَ(1) وَ اغْتَدَتْ *** تَنُوشُهُمُ أَظْفَارُهُ وَ مَخالِبُهْ

سَيَلْقَوْنَ يَوْمَ الحَشْرِ غِبَّ فِعَالِهِمْ *** وَ كُلُّ امْرىءٍ يُجْزَى بما هُوَ كَاسِبُهْ(2)

أُهِينَ (أبوالسِّبْطَيْن) فِيهِمْ وَ (فاطمٌ) *** وَ أَهْمِلَ مِنْ حَقِّ القَرابَةِ وَاجِبُهْ(3)

تَجارَوْا عَلَى ظُلْم الوَصيَّ وَ رُبّما *** تَجارَى على الرَّحمن مَنْ لا يُراقِبُهْ

وَ لَمْ يُرْجِعُوا مِيراثَ بِنْتِ (مُحَمَّدٍ) *** وَ قَدْيُرجِعُ المَغْصُوبَ مَنْ هُو غَاضِبُةْ(4)

فَما كَانَ أَدْنَى ما أَذَوْها بِأَخْذِ مَا *** أَبوهالها دُونَ البَريَةِ وَاهِبةْ

ص: 54


1- السخائم: الضغائن، مفرده السخيمة.
2- ربما في البيت إشارة إلى ما ورد عن الهيثمي، رواه الهيثمي في مجمعه ج9 ص172 قال: (و عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فسمعته و هو يقول: أيها الناس من أبغضنا أهل البيت علیهم السلام حشره الله يوم القيامة يهودياً، فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و إن صام و صلى؟ قال: و إن صام و صلى و زعم أنه مسلم... الحديث). و ورد أيضاً في الصواعق المحرقة ص240 ط2 عام1965 مكتبة القاهرة -عنه صلي الله علیه و آله و سلم: (من سب أهل بيتي علیهم السلام فإنما يرتد عن الله و الإسلام و من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله و من آذاني في عترتي فقد آذى اللَّه، إن اللَّه حرم الجنّة على من ظلم أهل بيتي علیهم السلام أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم... الحديث) كما فيه إشارة إلى قوله «تعالى»: «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» [سورة غافر، الآية: 17].
3- إشارة لما ورد في الصواعق المحرقة ص170 ، ج2/ عام1965 مكتبة القاهرة. في تفسير آية : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» عن ابن عباس أن هذه الآية لما نزلت قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.
4- في البيت إشارة لما ورد في الدر المنثور للسيوطي ج4 ص177 في تفسير آية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء، الآية : 26]. عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» دعا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً. و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فدكاً. و ورد أيضاً في صحيح البخاري ج3 باب كتاب الخمس/ ح2926 / عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم سألت أبابكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك صلى الله عليه وآله و سلم مما أفاء الله عليه فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فغضبت فاطمة علیها السلام فهجرت أبابكر فلم تزل مُهاجرته حتى توفيت... و قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك.

أَقاموا (فُلاناً) إماماً وَزُحْزِحَتْ *** إِلَى النَّاسِ عَنْ آلِ النَّبِيِّ مَناصِبُةْ

أَمَا لَوْ دَرَى (يَوْمُ السَّقِيفَةِ) مَا جَنَى *** لَشَابَتْ مِنَ الأَمْرِ الفَظِيعَ ذَوائِبُهْ

أَغَيْرَ (عَلِيٍّ )كَانَ بَعْدَ (مُحَمَّدٍ) *** لَهُ كَاهِلُ المَجْدِ الأَثِيلِ وَ غَارِبُهْ؟

وَمَنْ بَعْدَ (طة) كانَ أَوْلى بِإِرْثهِ *** أَأَصْحَابُهُ؟ قُولوا لنا: أَمْ أَقَارِبُهْ؟

وَ شَتّانَ بَيْنَ البَيْعَتَيْنِ لِمُنْصِفٍ *** إذا أُعْطِيَ الإنصافَ مَنْ هُوَ طالِبُهْ

فَبَيْعَةُ هَذا أَحْكَمَ اللَّهُ عَقْدَهَا *** وَ بَيْعَةُ ذاكُمْ فَلْتَةٌ قالَ صاحِبُهْ(1)

فَلا تَدَّعُوا إِجْمَاعَ أُمَّةِ (أحْمَدٍ) *** فَأَكْثَرُ مِمَّنْ شَاهَدَ الأَمْرَ غَائِبُهْ

وَ كُلُّ مُصَابِ نَالَ آلَ مُحَمَّدٍ *** فَلَيْسَ سِوى يَومِ السَّقِيفَةِ جَالِبُهْ(2)

ص: 55


1- قد مرَّ مراراً قول عمر بشأن خلافة أبي بكر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللَّه المسلمين شرَّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
2- ديوان الهبل أمير شعراء اليمن ص117. تحقيق أحمد الشامي -الدار اليمنية للنشر و التوزيع- طبعة أولى 1983.

(11) صرت إلى الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ حسن الدمستانى (*)(1)

أطَلْتُ وُقُوفِي فِي مِنَى فَالْمَحَصَّبِ *** لتذكار آثارِ النَّبِيِّ المُهَذَّبِ

ص: 56


1- (*) هو الشيخ حسن ابن الشيخ محمد بن علي بن خلق بن إبراهيم بن حنيف الله الدمستاني البحراني. و الدمستاني نسبة إلى دمستان قرية من قرى البحرين و أرضها تحتضن رُفات العالم الرّباني الشيخ محمد بن عيسى صاحب الكرامة المعروفة في كتب التاريخ و على الألسنة بقصة (الرمانة) و قرية الدمستان بلدة استيطانه -أي استيطان الشيخ حسن- فغلبت نسبتها عليه و إلا فبلدته الأصلية (عالي حويص) و قبر أبيه الشيخ محمد معروف فيها. و المترجَم له، كان من أعيان العلماء و الفقهاء و على مستوى كبير من المعرفة و الاطلاع و هو شاعر عملاق قلما يوجد مثله في العلم و التقوى. و مع كل مؤهلاته العلمية و الثقافية كان يعمل بيده و يشتغل في الزراعة لكسب قوته، فهو بالإضافة إلى دوره التوجيهي في المجتمع ينفق على عياله من مصدر العمل و الكد. اشتهر المترجَم له عند الناس بشعره الممّيز في الرثاء الحسيني و بالخصوص قصيدته اللامية التي مطلعها: من يلهه المرديان المال و الأمل *** لم يدر ما المنجيان العلم و العمل و قصيدته المعروفة عند أهل الأدب ب_ (المربعة الدمستانية) التي أولها: احرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور *** و أنا المحرّم عن لذاته كل الدهور فشعر الدمستاني رقيق و عميق تهز قوافيه الأفئدة، و تثير الأسى و الحزن في قلوب محبي أهل البيت علیهم السلام. أما آثاره العلمية و الثقافية فهي كثيرة منها: 1- الانتخاب الجيد لتنبيهات السيد -في علم الرجال . 2- تحفة الباحثين في أصول الدين -أرجوزة. 3- نفي الجبر و التفويض -منظومة. 4- رسالة في الجهر و الإخفات. 5- أوراد الأبرار في مأتم الكرار. 6- نيل الأماني ديوانه الشعري و غير ذلك من المصنفات. هاجر الدمستاني إلى (القطيف) و ذلك لبعض الوقائع التي نكبت بها البحرين و لعلها غزوة (اليعاربة) في سنة (1131ه) المصادف سنة (1718م). و افته المنية في دار هجرته القطيف في يوم الأربعاء الثالث و العشرين من شهر ربيع سنة (1181ه_)، و دفن في القطيف في المقبرة المعروفة ب_ (الحباكة). تغمده الله بواسع رحمته.

فَازْعَجَنِي شَوْقٌ إِلَيْهِ مُبَرِّحٌ *** و أَظرَبَنِي حَتَّى يَكَادُ يَطِيرُ بِي(1)

فَطِرْتُ مَعَ البَازِي عَلَى كُوْرِ نَاقَةٍ *** تَطِيرُ بِخُفَيها الحَصَى خَلْفَ مَنْكَبِي(2)

فَأمْسَيْتُ فِي خُمُ هِلالَ مُحَرَّمِ *** فَبِتُّ بِمِيقاتَيْنِ مُشْجٍ و مُظرِبِ

مَكَانُ سُرورٍ فِي زَمَانِ كَابَةٍ *** وَ ذَلِكَ ممَّا لَيْسَ يَخْفى على الغَبِي

وَ لَوْ قُلْتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَاعِثُ الأَسَى *** لِكُلِّ وَلِيّ مخلِص لَمْ اكْذِبِ

وَ ذَاكَ بِأَنَّ النَصَّ لَمْ يَبْقَ مُبْرَماً *** كَمَا هُوَ بَلْ حَلّتْهُ أيْدِي التَّعَصُّبِ

وَ زُحْزِحَ رَبُّ الحقِّ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ *** وَ قُرِّبَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بالمقربِ

وَ ذَلِكَ أصْلُ الخُلفِ في الدِّينِ و العَمَى *** عَنِ الحَقِّ و الإرْجَافِ في كُلِّ مَذْهَبِ(3)

وَ حُسْبانُ ظَنِّ المُخْطِئِينَ إصَابَةً *** وَ ظَنُّ مُصِيبِ الحَقِّ غَيْرَ مُصَوَّبِ

فَمِنْ ذَاكَ أَنِّي ظَلْتُ أَطْلُبُ طَيْبَةً *** وَ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ ذَلِكَ القَصْدِ مَطْلبي

فَزُرْتُ بعاشور النَّبِيَّ فَرَاعَنِي *** ظهورُ شِعارِ العِيدِ في حَضْرَةِ النَّبِي

فَقُلْتُ وَ لَم أمْلِكُ مِنَ الغَيْظِ مَنْطِقِي *** ثُبُوراً و تَثْرِيباً لَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبٍ(4)

مَتَى صَارَ عَاشُورَاءُ عِيداً لمُسْلِمٍ *** وَ قَدْ غَيْبَ الإِسْلامُ في جُنْحِ غَيْهَبٍ؟(5)

ص: 57


1- مُبرِّح: متعب و مؤذ أطربني: أفرحني.
2- البازي: طير من الجوارح يصاد به، المنكب: أعلى الظهر، الكتف.
3- الإرجاف: مفرد (أراجيف) و هي الأخبار.
4- ثبوراً: الثبور الهلاك و الاهلاك تثريب: لوم.
5- غيهب: الظلمة الشديدة.

وَ مَنْ يَجْعَلُ العَاشُورَ عِيداً عُقَيْبَ مَا *** جَرَى فِيهِ غَيْرُ النّاصِبِ المُتَعَصِّبِ؟

أَقَلْبُ رَسُولِ اللَّهِ ذُو فَرَحٍ بِمَا *** جَنَاءُ العِدَا أَمْ ذوأَسَى مُتَلَهِّبٍ؟

أَلا يَسْتَحِي مَنْ يَواسِيْهِ فِي الأَسَى *** عَلَى آلِهِ مَنْ ذِي عِيدٍ وَ مَلْعَبِ

لَقَدْ حَقَّ لِلْعِيدَيْنِ أَنْ يَتَحَوَلاَ *** إِلَى مَأْتَمَي حُزْنٍ وَ نَوْحٍ وَ مَنْدَبِ

أَمِنْ بَعْدِ ذَبْح السُبْطِ ظُلماً مِن القَفَا *** عَلَى ظَمَإِ يَلْتَذُّ مَوْلًى بِمَشْرَبٍ؟

وَ يَأْخُذُ حَظَاً مِنْ وِ سَادٍ وَ رَاسُهُ *** بِكَفِّ سِنَانٍ في سِنَانٍ مُكَعَبِ

وَ يَأْوِي إلى لِيْنِ الفِرَاشِ وَ جِسْمُهُ *** يُرَضُ بَرَكْضِ الخَيْلِ فِي بَطْنِ سَبْسَبِ

وَ أَخْفَيْتُ نَفْسِي دَاخِلاً في غِمَارِهِمْ *** وَ لَمْ آلُ جُهْداً في خَفَاءِ تَنَحُبِّي

وَ وَجْهُتُ وَجْهِي لِلنَّبِي مُعَزيّاً *** لَهُ بِابْنهِ الظَّامي الذُّبيحِ المُسَلَّبِ

وَ ظَلْتُ أَناجِيهِ خفياً وَ أَشْتَكِي *** مَلِيّاً و مدرار الدِّموعِ كصيِّبِ

لَكَ الأجْرُ يَا خَيْرَ الوَرَى بِابْتِكَ الَّذِي *** شُغِفْتَ بِهِ عَنْ كُلِّ مَالِكَ مُعْجِبِ(1)

إلى أن يقول:

وَ صِرْتُ إلى الزَّهْرَاءِ ابْكِي مُعزّيّاً *** لَهَا بِبَنِيها مُوْجِزَاً غَيْرَ مُطنِبِ(2)

لَكِ الأجْرُ يا بِنْتَ النّبي على الَّذِي *** رُزِيْتِ فَحَقُّ أنْ تَنوحِي وَ تَنْدُبِي

فَفَرْخُكِ يَا زَهْراءُ بالطف قَدْ قَضَى *** ذَبِيْحاً وَ لَمْ يَظْفَر بِمَاءٍ فَيَشْرَبِ(3)

وَ ظَلَّ اليَتَامَى تَسْتَعيتُ بِهِ فَلَمْ *** يُجِبُها فَظَلَّتْ تَسْتَغِيْتُ بِزَيْنَبِ

ص: 58


1- شغفت به: أولعت به الورى: الخَلْق أو الناس.
2- مطنب: الأطناب ضد الايجاز.
3- في مقتل الحسين للمقرم، ص282. قال هلال بن نافع: كنت واقفاً نحو الحسين علیه السلام و هو يجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلاً قط مضمخاً بدمه أحسن منه وجهاً و لاأنور... و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله... فاستقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه. و قال له رجل: لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فقال علیه السلام أنا أرد الحامية! و إنما أرد على جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و اسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

تُحاوِلُ خَوْف السبي و السلْبِ مُهْرَباً *** وَ قَدْ عَلِمَتْ أَنْ لَأتَ(1) سَاعَةً مَهْرَبِ(2)

فَسِيْقَتْ عَلَى عُجْفِ المَطَايَا حَواسِراً *** عَرَايا بِغَيْرِ الحُزْنِ لَمْ تَتَجَلْبَبِ(3)

وَ سِيقَ عَلِيُّ بْنُ الحُسينِ مُغَلغَلَاً *** عَلِيْلاً ذَلِيْلاً فَوْقَ أَعْجَفَ أجْربِ

فَيَا فَاطِمُ الزهراءُ حَقٌّ لَكِ البُكَا *** وَ حَبْسُ الرِّزَايَا فِي الفُؤَادِ المُرَعَبِ

و إِنْ تَتَسَلْيْ تَسْتَرِيْحِي فَإِنَّ مَنْ *** تَظَلُّ الرَزَايَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ تَنْصِبِ

فَقَدْرُكِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَتَوَجْعِي *** وَ أَنْ تَصْبري سام عَلَى كُلِّ مَنْصِبِ

وَ أَمَّا مَوالِيْكُم فَمَوْعِدُ صَبْرِهِمْ *** ظَهُورُ الإمام القائم المترقَّبِ

و إغْمَادُ سَيْفِ الحقِّ في خُصَمَائِهِ *** وَصَلبُ طَوَاغِيْتِ النِفَاقِ بِيَثْرِبِ

أرَى حَسَناً مَولاهُ أيَّامَ صَلْبِهِم *** فَفِيهِ شِفَاءٌ للفؤادِ المعذِّبِ

أيَا مَنْ بِهِمْ فَاض الوجودُ على الوَرَى *** مِنَ المُبْدِىءِ الفِيّاضِ مُنُّوا بِمَطْلَبِي(4)(5)

ص: 59


1- لات: من المشبهات بليس بمعنى أن الساعة ليست ساعة مهرب.
2- لما قتل الحسين علیه السلام مال الناس على ثقله و متاعه و انتبهوا ما في الخيام و اضرموا النار فيها و تسابق القوم على حرائر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففررن حواسر مسلبات باكيات و إن المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها و خاتمها من أصبعها و قرطها من أذنها و الخلخال من رجلها. ذكرها ابن الأثير/ في الكامل ج4 ص32 و الطبري ج6 ص260/ و مثير الأحزان/ لابن نما/ ص40.
3- في مقتل الحسين/ للمقرم/ ص344. بعث ابن زياد رسولاً إلى يزيد يخيره بقتل الحسين علیه السلام و من معه و إن عياله في الكوفة و ينتظر أمره فيهم فعاد الجواب بحملهم و الرؤوس معهم -و سرح في أثرهم علي بن الحسين علیه السلام مغلولة يديه إلى عنقه و عياله معه على حال تقشعر معها الأبدان.
4- مُنوُّا: أي أعطوني.
5- ديوان الدمستاني ص120.

(12) مسلماً و مودعاً

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي (*)(1)

رُؤياً لَها حَنَّ الحُسَيْنُ وَ ذَابَا *** وَ الشَّوْقُ أَلْهَبَ قَلْبَهُ إلها با

يا لَيْتَها دامَتْ عَلَيْهِ لأَنَّها *** قَدْ أَلْبَسَتْهُ مِنَ الهَناءِ ثِيابا

حُلْمٌ لَهُ رَدَّ الطُّفولَةَ بَعْدَما *** مَرَّ الزَّمانُ وَ رَأْسُهُ قَدْ شابا

هِي ذِي مَطالِعُ نُورٍ وَجْهِ مُحَمَّدٍ *** قَدْ أَقْبَلَتْ وَ اللَّيْلُ مِنْها غابا

وَ حَنانَهُ بَيْنَ الجُفُونِ كَأَنَّهُ *** بَرْقٌ يَضُمُّ بِجانحَيْهِ سَحابا

وَ عُذُوبَةٌ بكَلامِهِ وَ كَأَنَّها *** نَغَمٌ حَلا للسَّامِعِينَ وَطابا

وَ لَقَدْ تَأكَّدَ مِنْهُ بَعْدَ حَدِيثِهِ *** أَنَّ الزَّمَانَ لَهُ أَعَدَّ صِعابا

مِنْها تَمِيدُ ذُرَى الجِبَالِ وَ تَنْحَنِي *** هَوْلاً وَ تَبْتَلِعُ السُّهولُ هِضابا

وَاللَّهُ شَاءَ بِأَنْ تَكُونَ شَهادَةً *** بِالقَتْلِ تُحْيِي سُنَةٌ وَ كِتابا

وَ يَكُونَ مَذْبُوحاً بساحَةِ كَرْبَلا *** وَ رِياحُها تُسْقِي عَلَيْهِ تُرابا

وَ الظُّلْمُ يَنْشُرُ ظِلَّهُ مِنْ فَوْقِهِ *** وَ الجَوْرُ يَذْبَحُ إِخْوَةً وَ صِحابا

وَ الظَّالِمُونَ كَأَنَّهُمْ مِنْ حَوْلِهِ *** قَدْ أَصْبَحُوا بَعْدَ الصَّلالِ ذِئابا

ما دامَ قَدْ حَكمَ القَضا بِمَصِيرِهِ *** سَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ إِلَيْهِ أَجابا(2)

ص: 60


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- و استيقظ الحسين مرعوباً من رؤياه و قد ألمّت به تيارات الأسى و بات على يقين لا يخامره أدنى شك أنه لا بد أن يرزق الشهادة و بعد أن قصّ رؤياه الحزينة على أهل بيته طافت بهم الآلام و أيقنوا بنزول الرزء القاصم، فلم يكن في ذلك اليوم لافي شرق الأرض و لافي غربها أكثر غماً من أهل بيت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم راجع حياة الحسين ج2 ص260 و مقتل الخوارزمي ج1 ص187 و مقتل المقرم ص133.

مَرْحَى بِأمْرِ اللَّهِ وَ هُوَ مُقَدَّسٌ *** وَ عَلَيْهِ طاعَتُهُ وَ لَنْ يَرْتابا

وَ بَدَتْ عَلَى الثَّغْرِ الوَسِيم كابةٌ *** كَالغَيْمِ بَثَّ عَلَى التَّلالِ ضَبابا

هُوَ لا يَخافُ مِنَ المَنِيَّةِ بَعْدَما *** عَشِقَ الوَغَى و أَسِنَّةً وَ حِرابا

لكنَّ ما يَخْشَاهُ سَبْي حرائرٍ *** ما فَارَقَتْ طُول الحياة حِجابا

وَ غَدَتْ خواطِرُهُ تَهِيمُ مَعَ الأَسَى *** وَ الحُزْنُ فيه أَوْجَدَ الأَتُعابا(1)

وَ مَشَى لناحِيَةِ البَقيع يَقُودُهُ *** هَمُّ رآهُ مِنَ الزَّمانِ عُجابا(2)

وَ هُناكَ لِلزَّهْراءِ بَتْ هُمُومَهُ *** وَشَكَا مِنَ الألَمِ المَريرِ عَذابا

أمّاهُ جِئْتُ مُسَلْماً وَ مُوَدِّعاً *** قَبْلَ الرَّحِيلِ وَ لَنْ تَرَيْنَ إيابا(3)

أَمَاهُ مَنْ هَجَر الدِّيارَ فَإِنَّهُ *** لَيْسَ الغَريبُ وَ لَوْ رَأى أَغْرابا

إنّ الغريب مَنِ اسْتَكانَ لِذِلَّةٍ *** في قَوْمِهِ أَوْ فَارَقَ الأحْبابا(4)

ص: 61


1- خَطَرَ الأمرُ له: لاحَ في فكره و خَطرتِ الحوادث في باله و ببالِهِ: حدثت و اعترضت. الأسى: الحزن.
2- و توجه الحسين علیه السلام ليلاً إلى قبر أمه الزهراء علیها السلام في البقيع و ألقى عليه نظرة الوداع الأخيرة و تمثلت أمامه عواطفها الفياضة و شدّة حنوها عليه و قد ود أن تنشق الأرض لتواريه معها و انفجر بالبكاء ثم ودع القبر و انصرف إلى قبر أخيه الإمام الحسن علیه السلام، فأخذ القبر من دموعه و قد ألمت به الأحزان ثم رجع إلى منزله و هو غارق بالأسى و الشجون، راجع حياة الحسين علیه السلام ج2 ص261 و مقتل الخوارزمي ج1 ص187.
3- الإياب: العودة و الرجوع بعد الغياب.
4- كربلاء ص132.

(13) الزهراء علیها السلام بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي (*)(1)

جَلَّى غُبَارُ النَّقْعِ(2) شَرَّ هَزِيمَةٍ *** بِقُرَيْشَ فَارْتَدَّتْ عَلَى الأَعْقابِ

وَ عَلِيُّ عادَ مَعَ النَّبِيِّ لِيَثْرِبٍ *** لم يَخْشَ ضِغْنَ الكَافِرِ المُرْتَابِ

و لأنّ بَدْراً قَدْ أَفاءَتْ مَغْنماً *** لابَأْسَ إِذْ كَانَتْ بِخَيْرِ إيابِ

وَ هُوَ الذي لم يُبْقِ يَوْماً دِرْهَماً *** أو يَتَّخِذْ لِلْمَالِ أَي حِسابِ

وَ كأَنّها المِصْفاةُ كَانَتْ كَفُّهُ *** مَنْقُوبَةٌ لِلْمَالِ كَالمِيزابِ

قَدْ كانَ أَثْرَى ثَرْوَةٌ بِدَرَاهِم *** وَ تَعُدُّ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْحُسَابِ

فسَعَى لَها سِرّاً بِلَيْلٍ مُظْلِمٍ *** وَ نَهَارِهِ جَهْراً بِخَيْرِ عِقابِ

و عَلى ذَوِي الحاجاتِ أَنْفَقَها وَ قَد *** لاقَى مِنَ الإحسانِ خَيْرَ ثوابِ

إذْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِيهِ آيَةً *** قُدْسِيَّةٌ رُقِمَتْ بِخَيْر كِتابِ(3)

إنّ الّذينَ تَصَدَّقُوا في مالِهِمْ *** في لَيْلِهِمْ وَ نَهَارِهِمْ بِصَوابِ

سِرّاً عَلانِيَةً عَلى إِحْسانِهِمْ *** لَهُمُ الجِنانُ بِهَا وَ حُسْنُ مَآبِ

قَدْ كَانَ يَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنْ كَسْبِهِ *** وَ الجُودُ مَوْرُوثٌ عَنِ الأَحْسَابِ

يَسْقِي الزَّرَاعَةَ لِلْيَهُودِ بِيَثْرِبٍ *** حَتَّى يُعانِي كَفَرَةَ الأَوْصَابِ(4)

ص: 62


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- النَّقْع: الغبار، أو اسم موضع قرب مكة.
3- الآية رقم (274) من سورة البقرة و هي: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَ عَلَانِيَةً». الخ انظر عبدالفتاح عبدالمقصود ج1 ص66.
4- الأوصاب: الوصب و هو المرض و الوجع الدائم و نحول الجسم، و قد يطلق على التعب و الفتور في البدن.

لكِنْ إذا نَقَدُوهُ كامِلَ أَجْرِهِ *** أَعْطاهُ لِلْمَحْرُومِ أَوْ لِمُصابِ

وَ يَبِيتُ مَعْ فَرْضِ الصَّلاةِ عَلَى الطَّوَى *** ما عاش في يَوْمِ بِزَهْوِ شَبابِ

ما غَرَّهُ مالٌ ولا هَرَجُ الصَّبا *** لِلَّهِ عاشَ رَهِينَةَ المِحْرابِ

وَ القُوتُ خُبُرِّيابِسٌ وَغِطَاؤُهُ *** وَبَرٌ وَ ثَوْبٌ نَسْجُهُ بِإِهابِ(1)

لَكِنَّهُ كانَ الحَنِينُ يَقُودُهُ *** نَحْوَ الزَّوَاجِ وَ نَحْوَ ذاتِ نقابِ

منْ غَيْرُها وَ هِيَ الَّتِي فِي ذِهْنِهِ *** خَيْرُ النِّساءِ وَ كُلِّ ذاتِ حِجاب

وَ لَطالَما قَدْ كانَ يَحْمِلُها على *** كَتِفَيْهِ بَيْنَ البِشْرِ وَ التّرحَابِ

وَ أَحَبَّ والدها المُعَظَّمَ قَبْلَها *** وَ الحُبُّ مَوْرُوتٌ لَدَى الأَحْبابِ

هي فاطِمُ الزَّهْراءُ بِنْتُ المُصْطَفَى *** خَيْرُ الأنام و نِعْمَةُ الوَهّابِ

هذا أبُوبَكْرِ أَتَاهَا خاطباً *** فَأَبَى عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى بِجَوَابِ(2)

وَ قَدْ أتَى عُمَرُ لِيَخْطِبَها فَلَمْ *** يُسْعَدْ وَ إِنْ أَمْسَى مِنَ الخُطابِ(3) (4)

ص: 63


1- الإهاب: جلد كل شيء.
2- إشارة إلى مجيء أبي بكر الخطبة فاطمة علیها السلام فأبى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم ذلك و قال: أمرها إلى اللَّه. فقد روي في المناقب/ ج2 ص30 أن أبابكر خطب إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فقال: انتظر لها القضاء، و روي أيضاً في المصدر نفسه ص380 أن أبابكر و عمر خطبا إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام مرّة بعد أخرى فردّهما.
3- إشارة إلى مجيء عمر بن الخطاب إلى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم الخطبة فاطمة علیها السلام فأبى ذلك الرسول صلي الله علیه و آله و سلم فقد روي في مناقب المغازلي/ ص347 ح399 عن أنس بن مالك، قال: جاء أبوبكر إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمت مناصحتي و قدمي في الإسلام، و إنّي و إنّي... قال: و ما ذاك؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام؟ قال: فسكت عنه، أو قال: فأعرض عنه. قال: فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: هلكت و أهلكت. قال: وما ذاك؟ قال: خطبت فاطمة علیها السلام إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال فأعرض عني. قال: مكانك حتى أتي النبي صلي الله علیه و آله و سلم فأطلب منه مثل الذي طلبت، فأتى عمر النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي و قدمي في الإسلام و إنّي و إنّي ... قال: و ما ذاك؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام، قال: فأعرض عني. قال: فرجع عمر إلى أبي بكر ، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها فلم يردّ إليه جواباً. ثم خطبها عمر فلم يردّ إليه جواباً، ثم جمعهم فزوجها علي بن أبي طالب علیه السلام، و قيل: أقبل على أبي بكر و عمر، فقال: إن الله «عزوجل» أمرني أن أزوجها من علي علیه السلام و لم يأذن لي في إفشائه إلى هذا الوقت، و لم أكن لأفشي ما أمر الله «عزوجل» به.
4- إشارة إلى قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني، كما في كنز العمال ج6 ص220: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. و روى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ج4 ص328 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها و روى الترمذي أيضاً في صحيحه ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها و يشير الشاعر أيضاً في نفس الشطر الشعري إلى قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى أن أمر فاطمة علیها السلام إلى الله «تعالى». و قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم ما زوّجت فاطمة علیها السلام إلا لما أمرني الله «عزوجل» بتزويجها.

كانَ الجَوابُ مِنَ الرَّسُولِ صَرَاحَةً *** لَهُمَا وَ إنْ كانا مِنَ الأَصْحاب

هِيَ بَضْعَةٌ مِنّي وَ أَنْتَظِرُ القَضا *** فيها بِوَحْي الخالق التَّوابِ

وَ عَلِيُّ يَخْشَى أَنْ يَعُودَ بِخَيْبَةٍ *** و يَرُدَّهُ الهَادِي عَلَى الأَعْقَابِ(1) (2)

ص: 64


1- إشارة إلى ما روي في كنزالعمال ج1 ص347 ح399 عن أنس بن مالك قال: فرجع عمر إلى أبي بكر، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها فانطلق بنا إلى علي علیه السلام حتى نأمره يطلب الذي طلبنا. قال علي علیه السلام: فأتياني و أنا أعالج فسيلاً، فقالا: ألا أتيت ابن عمّك تخطب ابنته؟ قال: فنّبهاني لأمر، فقمت أجرّ ردائي طرفاً على عاتقي و طرفاً على الأرض حتى أتيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمت قدمي في الإسلام و مناصحتي، و إنّي و إنّي... قال: وما ذاك يا علي علیه السلام؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام؟ قال: وما عندك ؟ قال: قلت عندي فرسي و درعي قال: أمّا فرسك فلا بدّ لك منها، و أما درعك فبعها. و في المصدر نفسه ص382 عن أنس: أن أبابكر خطب فاطمة علیها السلام إلى النبي و في بعض المصادر، فلما خطبها علي علیه السلام قال النبي: لقد أمرني بذلك ثم دعا الرسول صلي الله علیه و آله و سلم وجوه الصحابة فخطبهم خطبة طويلة و أخبرهم أن الله أمره أن الله أمره بتزويج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام. انظر الرياض النضرة ج2 ص183 و ذخائر العقبى ص29 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص133.
2- مولد النور ص270.

(14) صديقة خُلقت

(مجزوء الكامل)

سفيان بن مصعب العبدي الكوفيُّ

ألُ النَّبِيَّ مُحَمَّدٍ *** أهْلُ الفَضائلِ و المَنَاقِبْ

المُرْشِدونَ مِنَ العَمَى *** وَ المُنْقِذونَ مِنَ اللَّوازِبْ(1)

الصَّادِقُونَ النَّاطِقُونَ *** السَّابِقُونَ إلى الرّغائبْ(2)

ص: 65


1- اللوازب: جمع اللازب و هو الشدّة.
2- قوله: الصادّقون. إشارة إلى ما روي في قوله «تعالى»:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (سورة التوبة) من طريق الحافظ أبي نعيم و ابن مردويه و ابن عساكر و آخرين كثيرين عن جابر و ابن عباس: أي كونوا مع علي بن أبي طالب علیه السلام. و رواه الكنجي الشافعي في «الكفاية» ص111. و الحافظ السيوطي في (الدرَّ المنثور) 3 ص290. و قال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص10: قال علماء السير: معناه: كونوا مع عليّ و أهل بيته قال ابن عبّاس: علي سيِّد الصادقين. قوله: السابقون إلى الرغائب إشارة إلى قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ». (سورة الواقعة) و أنَّها نزلت في علي علیه السلام أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنَّها نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون. و حبيب النجّار الذي ذكر في يس. و علي بن أبي طالب علیه السلام. و كلّ رجل منهم سابق أُمَّته و عليّ أفضلهم. و في لفظ ابن أبي حاتم يوشع بن نون بدل حزقيل. و أخرج الديلمي عن عائشة. و الطبراني و ابن الضحاك و الثعلبي و ابن مردويه و ابن المغازلي عن ابن عبّاس: إنّ النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: السبِّق و في لفظ: السبّاق ثلاثة: السابق إلى موسى يوشع بن نون علیه السلام، و صاحب ياسين إلى عيسى علیه السلام و السابق إلى محمد صلي الله علیه و آله و سلم علي بن أبي طالب علیه السلام. و زاد الثعالبي في لفظه: فهم الصدّيقون و عليّ أفضلهم. و رواه محبُّ الدين الطبري في رياضه1 ص157، و الهيثمي في المجمع 9 ص102، و الكنجي في «الكفاية» ص46 بلفظ: سبَّاق الأُمم ثلاثةُ لم يشركوا بالله طرفة عين: عليِّ بن أبي طالب علیه السلام. و صاحب ياسين. و مؤمن آل فرعون. فهم الصدِّيقون و علي أفضلهم. ثمَّ قال: هذا سندُّ اعتمد عليه الدار قطني و احتجُّ به. و رواه باللفظ الأوّل الحافظ السيوطي في [الدرَّ المنثور] 6 ص154. و ابن حجر في «الصواعق» ص74. و سبط ابن الجوزي في «التذكرة» ص11.

فَوَلاهُمُ فَرْضٌ مِنَ الرَّحمنِ *** في القُرْآن واجِبْ(1)

ص: 66


1- قوله: فولاهُم فرضٌ من الرَّحمن *** في القرآن واجبٌ أشار به إلى قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» [الشورى: 23] توجد في الكتب و المعاجم أحاديث و كلمات عدّة حول الآية الشريفة لا يسعنا بسط المقال فيها غير أنا نقتصر بجملة منها. (أ) أخرج أحمد في المناقب. و ابن المنذر. و ابن أبي حاتم. و الطبراني. و ابن مردويه. و الواحدي. و الثعلبي. و أبو نعيم. و البغوي في تفسيره. و ابن المغازلي في المناقب بأسانيدهم عن ابن عباس قال: لَمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودَّتهم؟ فقال: عليٍّ و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. و رواه محبُّ الدين الطبري في «الذخائر» ص25، و الزمخشري في «الكشاف» 2 ص339. و الحموي في «الفرائد»، و النيسابوري في تفسيره، و ابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤل» ص8 و صححه، و الرازيّ في تفسيره، و أبو السعود في تفسيره 1 (هامش تفسير الرازي)7 ص665، و أبو حيَّان في تفسيره 7 ص516، و النسفي في تفسيره (هامش تفسير الخازن 4 ص99 ، و الحافظ الهيثميَّ في «المجمع» 9 ص168، و ابن الصباغ المالكي في [الفصول المهمَّة] ص12، و الحافظ الكنجي في «الكفاية» ص31، و القسطلاني في «المواهب» و قال: ألزم الله مودَّة قرباه كافَّة بريَّته، و فرض محبَّة جملة أهل بيته المعظَّم و ذريَّته فقال «تعالى»: «ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشوى: 23]. و رواه الزرقاني في (شرح المواهب) 7 ص3 و 21، و ابن حجر في الصواعق ص101 و135، م -و السيوطي في [إحياء الميت] هامش «الإتحاف» ص239 ، و الشبلنجي في «نور الأبصار»،112، و الصبّان في «الإسعاف» هامش نور الأبصار ص105. (ب) أخرج الحافظ أبوعبد الله الملاً في سيرته: إنَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: إنَّ الله جعل أجري عليكم المودَّة في أهل بيتي وإنّي سائلكم غداً عنهم. و رواه محبّ الدين الطبري في «الذخائر» ص25، و ابن حجر في الصواعق ص102 و 136، و السمهودي في [جواهر العقدين]. (ت) قال جابر بن عبد اللَّه: جاء أعرابيِّ إلى النبيِّ صلي الله علیه و آله و سلم و قال: يا محمَّد صلي الله علیه و آله و سلم اعرض عليَّ الإسلام فقال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده و رسوله. قال: تسألني عليه أجراً؟ قال: لا إلا المودة في القربى، قال: قرابتي أو قرابتك؟! قال: قرابتي. قال: هات، أبايعك فعلى من لايحبّك و لايحبّ قرابتك لعنة اللَّه. فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: آمين. أخرجه الحافظ الكنجي في «الكفاية» ص31 من طريق الحافظ أبي نعيم عن محمِّد بن أحمد بن مخلِّد عن الحافظ ابن أبي شيبة بإسناده. (ث) أخرج الحافظ الطبريِّ و ابن عساكر و الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل [لقواعد التفضيل] بعدِّة طرق عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنّ اللَّه خلق الأنبياء من أشجار شتّى و خلقني من شجرة واحدة فأنا صلي الله علیه و آله و سلم أصلها و عليّ علیه السلام فرعها، و فاطمة علیها السلام لقاحها، و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمرها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، و من زاغ عنها هوى، و لو أنَّ عبداً عبد اللَّه بين الصفا و المروة ألف عام ثمَّ ألف عام ثمَّ ألف عام ثمَّ لم يُدرك صحبتنا أكبه الله على منخريه في النّار. ثم تلا: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». و ذكر الكنجي في «الكفاية» ص178. (ج) أخرج أحمد و أبي حاتم عن ابن عباس في قوله «تعالى»: «و من يقترف حسنة»: قال: المودَّة لآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و رواه الثعلبي في تفسيره مسنداً، و ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول» ص13 و ابن المغازلي في «المناقب»، و ابن حجر في «الصواعق» ص101، و السيوطي في الدرِّ المنثور 6 ص7، و «إحياء الميت» -هامش الإتحاف ص239، و الحضرمي في «الرشفة» ص23، و النبهاني في [الشرف المؤبد] ص95. و أخرج أبو الشيخ بن حبّان في كتابه «الثواب» من طريق الواحدي عن علي علیه السلام قال: فينا أل حم آيةٌ لا يحفظ مودَّتنا إلا كلّ مؤمن. ثمَّ قرأ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». وذكره ابن حجر في «الصواعق» 101 و 136 ، و السمهودي في [جواهر العقدين]. (ح) عن أبي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام فحمد الله و أثنى عليه و ذكر أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه خاتم الأوصياء و وصي الأنبياء و أمين الصديقين و الشهداء ثمَّ قال: أيها الناس لقد فارقكم رجلّ ما سبقه الأولون و لايُدركه الآخرون لقد كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يُعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره فما یرجع حتّي يفتح الله عليه، و لقد قبضه الله في الليلة التي قُبض فيها وصيِّ موسى علیه السلام و عرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى ابن مريم علیه السلام و في الليلة التي أنزل الله «عزّوجلَّ» فيها الفرقان و اللَّه ما ترك ذهباً و لافضَّة و ما فى بيت ماله إلا سبعمائة و خمسون درهماً فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً لأُمِّ كلثوم. ثمَّ قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد علیه السلام ثمَّ تلا هذه الآية قول يوسف: «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ». ثمَّ أخذ في كتاب اللَّه. ثمَّ قال: أنا ابن البشير، و أنا ابن النذير، أنا ابن النبيِّ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، و أنا ابن السراج المنير، و أنا ابن الّذي أرسل رحمة للعالمين و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهِّرهم تطهيراً، و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين افترض الله «عزَّوجل» مودّتهم و ولايتهم فقال فيما أنزل على محمد صلي الله علیه و آله و سلم: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». (م) و في لفظ الحافظ الزرندي في [نظم درر السمطين] و أنا من أهل البيت الذين كان جبريل علیه السلام ينزل فينا و يصعد من عندنا و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين افترض الله «تعالى» مودتهم على كل مسلم و أنزل الله فيهم:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا». [واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت علیهم السلام]. أخرجه البزّار و الطبراني في الكبير. و أبو الفرج في مقاتل الطالبيين. و ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 ص11. و الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص146. و ابن الصباغ المالكي في الفصول ص166 و قال: رواه جماعةٌ من أصحاب السير و غيرهم. و الحافظ الكنجي في الكفاية ص32 من طريق ابن عقدة عن أبي الطفيل. و النسائي عن هبيرة و ابن حجر في الصواعق ص101 و 136. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص231. و الحضرمي في الرشفة 43. (خ) أخرج الطبري في تفسيره 24 ص16 بإسناده عن السدي عن أبي الديلم قال: لمّا جيء بعليِّ بن الحسين (الإمام السجاد) رضي الله عنهما أسيراً فأقيم على درج الدمشق قام رجلِّ من أهل الشام فقال: الحمدللَّه الذي قتلكم و استأصلكم و قطع قرني الفتنة. فقال له عليِّ ابن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن؟ فقال نعم، قال: فقرأت أل حم؟ قال: قرأت القرآن و لم أقرأ أل حم. قال: ما قرأت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». قال: وإنَّكم لأنتم هم؟ قال: نعم. و رواه الثعلبي في تفسيره بإسناده. و أشار إليه أبو حيان في تفسيره 7 ص516. و أخرجه السيوطي في الدرّ المنثور 6 ص7. و ابن حجر في الصواعق 101 و136 عن الطبراني. و الزرقاني في شرح المواهب 7 ص20. (د) روى الطبري في تفسيره 24 ص16 و 17 عن سعيد بن جبير و عمرو بن شعيب أنهما قالا: قُربى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و رواه عنهما و عن السدّي أبوحيّان في تفسيره و السيوطي في هي الدر المنثور. قال الفخر الرازي في تفسيره 7 ص390 : و أنا أقول : آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم هم الذّين يؤول أمرهم إليه فكلُّ مَن كان أمرهم إليه أشدّ و أكمل كانوا هم الآل، و لا شكُّ أن فاطمة و عليّاً و الحسن و الحسين علیهم السلام كان التعلّق بينهم وبين رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أشدّ التعلّقات، و هذا كالمعلول بالنقل المتواتر، وجب أن يكونوا هم الآل. و قال المناوي: قال الحافظ الزرندي. لم يكن أحدٌ من العلماء المجتهدين و الأئمة المهتدين إلاَّ و له في ولاية أهل البيت علیهم السلام الحظُّ الوافر و الفخر الزاهر كما أمر اللَّه بقوله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [م -وقفنا على نظم درر السمطين) للحافظ الزرندي فوجدنا الكلمة على ما حكاها (المناوي)]. و قال ابن حجر في الصواعق ص89: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» عن ولايّة عليّ. علیه السلام و كأنَّ هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله «تعالى»:«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» أي عن ولاية عليّ علیه السلام و أهل البيت علیهم السلام لأنَّ الله أمر نبيه صلي الله علیه و آله و سلم أن يعرف الخلق أنَّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القُربى. و المعنى أنَّهم يُسألون هل و الوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلي الله علیه و آله و سلم أم أضاعوها و أهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة و التبعة. و ذكر في الصواعق ص101 للشيخ شمس الدين بن العربي قوله: رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربا فما طلب المبعوث أجراً على الهدى *** بتبليغه إلاّ المودَّة في القربى و ذكر ابن الصباغ المالكي في الفصول ص13 لقائل: هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحي و إنزال مناقب في شورى و سورة هل أتى *** و في سورة الأحزاب يعرفها التالي و هم آل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروض بحكم و إسجالِ و ذكر لآخر: هم القوم من أصفاهم الودَّ مخلصاً *** تمسَّك في أخراه بالسبب الأقوى هم القوم فاقوا العالمين مناقباً *** محاسنهم تُجلی و آثارهم تُروى موالاتهم فرضٌ وحُبّهمُ هدّى *** و طاعتهم ودُّ ووُدُّهم تقوى و ذكر الشبلنجي في نور الأبصار ص13 لأبي الحسن بن جبير: أُحبُّ النَّبيّ المصطفى و ابن عمِّه *** عليّاً و سبطيه و فاطمة الزَّهرا همُ أهل بيت أذهب الرجس عنهمُ *** و أطلعهم أُفق الهدى أنجماً زهرا موالاتهم فرضٌ على كلِّ مسلم *** و حبّهمُ أسنى الذخائر للأُخرى و ما أنا للصحب الكرام بمبغض *** فإنّي أرى البغضاء في حقِّهم كفرا

ص: 67

ص: 68

وَهُمُ الصِّراطُ فَمُسْتَقِيمٌ *** فَوْقَهُ ناجٍ وَ ناکِبْ(1)

ص: 69


1- ناكب: نكِبَ الرجل عن الطريق أي مال عنه. قوله: و هم الصراط فمستقیمٌ *** فوقه ناجٍ و ناكبْ أخرج الثعلبي في الكشف و البيان في قوله «تعالى»:«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». قال مسلم بن حيان: سمعت أبا بُريدة يقول: صراط محمد صلي الله علیه و آله و سلم وآله علیهم السلام. و في تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السدّي عن أسباط و مجاهد عن عبد الله بن عبّاس في قوله «تعالى»: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلى حبِّ محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام. و أخرج الحمّوي في «الفرائد» بإسناده عن أصبغ بن نباتة عن عليِّ علیه السلام في قوله «تعالى»: «وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» [المؤمنين: 74] ، قال: الصِّراط ولايتنا أهل البيت علیهم السلام. و أخرج الخوارزمي في «المناقب»: الصراط صراطان: صراطُ في الدنيا. و صراطُ في الآخرة. فأما صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالب علیه السلام و أما صراط الآخرة فهو جسر جهنم. مَن عرف صراط الدنيا جاز على صراط الآخرة. و يوضح معنى هذا الحديث ما أخرجه ابن عدي و الديلمي كما في «الصواعق» ص111 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: أثبتكم على الصراط أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي علیهم السلام و لأصحابي. و أخرج شيخ الإسلام الحمّوي بإسناده في فرائد السمطين في حديث عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام قوله: نحن خيرةُ الله و نحن الطريق الواضح و الصراط المستقيم إلى اللَّه. فهم الصراط إلى اللَّه فمن تمسك بهم فقد اتَّخذ إلى ربِّه سبيلاً كما ورد فيما أخرجه أبو سعيد في شرف النبوَّة بإسناده عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيتي علیهم السلام شجرة في الجنَّة و أغصانها في الدنيا، فمن تمسك بنا اتَّخذ إلى ربِّه سبيلاً. [ذخائر العقبي ص16].

صِدِّيقةٌ خُلِقَتْ لِصديقٍ *** شریفٍ في المناسِبْ(1)

ص: 70


1- قوله: صدِّيقةٌ: يعني به فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم سمّاها بها أبوها فيما أخرجه أبو سعيد في «شرف النبوة» عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أنَّه قال لعليِّ علیه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يُؤتهنَّ أحدٌ و لاأنا: أوتيتَ صهراً مثلي و لم أُوت أنا مثلي. و أوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي علیها السلام و لم أُوت مثلها زوجة. و أوتيتَ الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أُوت من صلبي مثلهما، ولكنَّكم منّي و أنا منكم. الرياض النضرة 2 ص202. و عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة علیها السلام إلا أن يكون الذّي ولدها علیهم السلام. حلية الأولياء 2 ص42، الاستيعاب 2 ص751، ذخائر العقبى ص44، تقريب الأسانيد و شرحه 1 ص150، مجمع الزوائد 9 ص201 و قال: رجاله رجال الصحيح. يعني به أميرالمؤمنين «صلوات الله عليه» و هو صدّيقُ هذه الأمة و ذلك لقبه الخاصّ، قال محبُّ الدين الطبري في رياضه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم سمّاه صديقاً، و قال في ص155: قال الخجندي: و كان يلقِّب بيعسوب الأُمَّة و بالصدِّيق الأكبر. و هناك أخبار كثيرة نذكر بعضها. (أ) أخرج ابن النجَّار و أحمد في المناقب عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم الصدِّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجَّار صاحب آل ياسين و علي بن أبي طالب علیه السلام. و أخرجه أبونعيم في المعرفة و ابن عساكر عن أبي ليلى و زادا في لفظهما: و هو أفضلهم. و أخرجه محبُّ الدين الطبري في الرياض 2 ص154، و الكنجي في الكفاية 47 بلفظ أبي ليلى و السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص152، و ابن حجر في الصواعق ص74 بلفظ ابن عبّاس و ص 75 بلفظ أبي ليلى. (ب) عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: إنَّ هذا أول من آمن بي، و هو أوَّل مَن يصافحني يوم القيامة، و هو الصديق الأكبر، و هذا فاروق هذه الأمَّة، يفرّق بين الحقِّ و الباطل، و هذا يعسوب المؤمنين. أخرجه الطبراني عن سلمان و أبي ذر و البيهقي و العدني عن حذيفة و الهيثمي في المجمع 9 ص102، و الحافظ الكنجي في الكفاية 79 من طريق الحافظ ابن عساكر و في آخره: و هو بابي الذي أوتى منه و هو خليفتي من بعدي. و ذكره باللفظ الأوَّل المتَّقي الهندي في إكمال كنز العمّال 6 ص56. (ت) عن ابن عباس و أبي ذرّ قالا: سمعنا النبي الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول لعليّ علیه السلام: أنت الصدِّيق الأكبر، و أنت الفاروق الذي يفرق بين الحقِّ و الباطل. أخرجه محبُّ الدين في الرياض 2 ص155 و قال : و في رواية: و أنت يعسوب الدين. عن الحاكمي و القرشي في شمس الأخبار ص35 و فيه: و أنت يعسوب المؤمنين. و رواه مع الزيادة شيخ الإسلام الحموّي في الفرائد في الباب الرابع و العشرين. و ابن أبي الحديد عن أبي رافع في شرح النهج 3 ص257 و لفظه: قال أبورافع: أتيت أباذر بالربذة أُودِّعه فلما أردت الانصراف قال لي و لأناس معي: ستكون فتنةٌ فاتَّقوا الله و عليكم بالشيخ عليِّ ابن أبي طالب علیه السلام فاتَّبعوه، فإنّي سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول له: أنت أول من آمن بي، و أوَّل من يُصافحني يوم القيامة و أنت الصدّيق الأكبر، و أنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ و الباطل، و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين و أنت أخي و وزيري و خير أترك بعدي و تنجز موعدي و ذكره القاضي الإيجي في «المواقف» 3 ص276، و الصفوري في (نزهة المجالس) 2 ص205. (ث) عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال قال لي ربي «عزَّوجلَّ» ليلة أسرى بي: من خلفتَ على أُمَّتك يا محمّد صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: قلت يا ربّ أنت أعلم. قال: يا محمَّد صلي الله علیه و آله و سلم، انتجبتك برسالتي و اصطفيتك لنفسي، و أنت نبيّي و خيرتي من خلقي، ثمَّ الصدِّيق الأكبر الطاهر المطهر الّذي خلقته من طينتك و جعلته وزيرك و أبي سبطيك السيِّدين الشهيدين الطاهرين المطهَّرين سيّدي شباب الجنَّة: و زوجته خير نساء العالمين أنت شجرة و عليّ علیه السلام غصنها و فاطمة علیها السلام ورقها و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمارها خلقتهما من طينة علييِّن و خلقت شيعتكم منكم، أنَّهم لو ضُربوا على أعناقهم بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حبّاً. قلت: يا ربّ ومَن الصدِّيق الأكبر؟ قال: أخوك عليِّ ابن أبي طالب علیه السلام. أخرجه القرشي في «شمس الأخبار» ص33. (ج) عن عليِّ علیه السلام أنَّه قال: أنا عبداللَّه و أخو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و أنا الصديق الأكبر لايقولها بعدي إلا كذاب مفتر، لقد صلّيت قبل الناس سبع سنين. أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح. الخصائص ص3 بسند رجاله الثقات. و ابن أبي عاصم في «السنة». و حاكم في «المستدرك» 3 ص112 و صحَّحه. و أبو نعيم في «المعرفة». و ابن ماجة في سننه 1 ص57 بسند صحيح. و الطبري في تاريخه 2 ص213 بإسناد صحيح و العقيلي. و الخلعي. و ابن الأثير في «الكامل» 2 ص22. و ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص257. و محبّ الدين الطبري في «الذخائر» ص60 ، و «الرياض» 2 ص155 و 158 و 167. و الحمّوي في «الفرائد» في الباب التاسع و الأربعين و السيوطي في «جمع الجوامع» كما في ترتيبه 6 ص394. و في طبقات الشعراني 2 ص55: قال عليِّ علیه السلام رضي عنه: أنا الصِّدِّيق الأكبر لايقولها بعدي إلا كاذب.

اخْتارَهُ و اخْتارها *** طُهُرَيْنِ مِنْ دَنَسِ المَعايِبْ(1)

ص: 71


1- عن معاذة قالت: سمعت عليّاً علیه السلام و هو يخطب على منبر البصرة يقول: أنا الصدِّيق الأكبر آمنت قبل أن يُؤمن أبوبكر و أسلمت قبل أن يسلم أبوبكر. أخرجه ابن قتيبة في «المعارف» ص73 و ابن أيّوب و العقيلي و محبُّ الدين في «الذخائر» ص58، و «الرياض» 2 ص 155 و 157 ، و ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص251 257 ، و السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص405.

إسْماهُما قُرِنا على سطرٍ *** يظل العَرْشِ راتبْ(1)

كان الإلهُ وَلِيَّها *** وَ أَمِينُه جِبْرِيلُ خاطبْ(2)

ص: 72


1- قوله : إسماهما قُرنا على سطرٍ *** بظلِّ العرش راتب أشار إلى حديث كتابة أسماء فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها علیهم السلام في ظلِّ العرش و قد كتبت على باب الجنَّة كما أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه 1 ص259 عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلي الله علیه وآله و سلم: ليلة عُرّج بي إلى السماء رأيت على باب الجنَّة مكتوباً لا إله إلا الله، محمَّدٌ رسول الله صلي الله علیه وآله و سلم علي حبيب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة ،الله، فاطمة علیها السلام خيرة الله، على مبغضيهم. لعنة الله. و رواه الخطيب الخوارزمي في مناقبه ص240. كما روي في الاختصاص ص91 في حديث طويل عن الإمام الكاظم علیه السلام أنه قال: (نحن مكتوبون على عرش ربنا: مكتوبون محمد خير النبيين و علي سيّد الوصيين صلي الله علیه وآله و سلم و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين).
2- قوله : كان الإله وليّه *** و أمينه جبريل خاطبْ إشارة إلى أنَّ الله تعالى هو زوّج فاطمة علیها السلام عليّاً علیه السلام و كان وليٍّ أمرها و خطب فيه الأمين جبرئيل علیه السلام كما ورد عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أيّها الناس، هذا عليٍّ بن أبي طالب علیه السلام أنتم تزعمون أنَّني أنا زوجته ابنتي فاطمة علیها السلام و لقد خطبها إليَّ أشراف قريش فلم جب، كلُّ ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرئيل ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال يا محمَّد صلى الله عليه و آله و سلم: العليُّ الأعلى يقرأ عليك السَّلام، و قد جمع الروحانيِّين و الكروبيِّن في وادٍ يُقال له: الأفيح. تحت شجرة طوبى و زوّج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام و أمرني، فكنت الخاطب و اللَّه «تعالى» الوليّ. الحديث. [ كفاية الطالب ص164]. و أخرج محبُّ الدين الطبري في «الذخائر» ص31 عن عليّ قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟ إِنَّ الله «تعالى» يقرأ عليك السَّلام، و يقول لك: إنّي قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من عليٍّ بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوِّجها منه في الأرض. و أخرج النسّائي و الخطيب في تأريخه ج4 ص129 بالإسناد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أصاب فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم صبيحة العرس رعدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إنّي زوجتك سيّداً في الدنيا و إنَّه في الآخرة لمن الصالحين. يا فاطمة صلى الله عليه و آله و سلم؟ إنّي لمّا أردت أن أملكك لعّلي أمر الله جبريل فقام في السَّماء الرابعة فصفَّ الملائكة صفوفاً ثمَّ خطب عليهم جبريل فزوجِّك من عليّ ثمَّ أمر شجر الجنان فحملت الحليّ و الحُلل ثمَّ أمرها فنثرته على الملائكة، فمن أخذ منهم يومئذ أكثر مما أخذ صاحبه أو أحسن أفتخر به إلى يوم القيامة. أُمّ سلمة: فلقد كانت فاطمة علیها السلام تفخر على النساء حيث أوّل من خطب عليها جبريل و ذكره الكنجي في «الكفاية» ص165 ثمَّ قال: حديثٌ حسنٌ عال رزقناه عالياً و محبّ الدين في «الذخائر» ص32. و روى الصفوري في نزهة المجالس 2 ص225 عن جبرئيل أنّه قال لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إِنَّ الله أمر رضوان أن ينصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور و أمر ملكاً يُقال له: «راحيل» أن يصعده، فعلا المنبر و حمد الله و أثنى عليه بما هو أهله فارتجِّت السموات فرحاً و سروراً، و أوحى الله إليَّ أن أعقد عقدة النكاح، فإنّي زوَّجت عليّاً علیه السلام بفاطمة علیها السلام أمتي بنت محمد رسولي صلي الله علیه و آله و سلم، فعقدت و أشهدت الملائكة و كتبت شهادتهم في هذه الحريرة، و إنّي أمرت أن أعرضها عليك و أختمها بخاتم مسك أبيض و أدفعها إلى رضوان خازن الجنان. و هناك في هذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ.

وَ المَهْرُ خُمْسُ الأرضِ مَوْهِبَةً *** تَعالَتْ في المَوَاهِبْ(1)

وَ تَهَابُها مِنْ حَمْلِ طُوبَى *** طُببَتْ تِلْكَ المَناهِبْ(2)

ص: 73


1- قوله: و المهر خُمس الأرض مو *** هبة تعالت في المواهب أشار به إلى ما أخرجه شيخ الإسلام الحمّوي في (فرائد السمطين) في الباب الثامن عشر عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال لعليٍّ: يا عليُّ علیه السلام؟ إنَّ الأرض لِلَّه يورثها من يَشاءُ من عباده، و إنَّه أوحى إليَّ أن أزوجك فاطمة علیها السلام على خُمس الأرض، فهي صداقها فمن مشى على الأرض و هو لكم حرام عليه أن يمشي عليها.
2- قوله: و تهابها من حمل طوبی *** طیِّبت تلک المناهبْ أشار إلى حديث النثار المرويٍّ عن بلال بن حمامة قال: طلع علينا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذات يوم و وجهه مسرورٌ كدارة القمر فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما هذا النور؟ قال: بشارةٌ أتتني من ربِّي في أخي وابن عمّي بأنَّ الله زوَّج عليّاً علیه السلام من فاطمة علیها السلام، و أمر رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً -يعني صكاكاً- بعدد محبّي أهل البيت، و أنشأ تحتها ملائكة من نور و دفع إلى كلِّ ملك صكاكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبِّ لأهل البيت إلا دفعت له صكاً فيه فكاكه من النَّار، فصار أخي و ابن عمّي و بنتي فكّاك رقاب رجال و نساء أُمَّتي من النَّار. أخرجه الخطيب في تاريخه 4 ص210. و ابن الأثير في أسد الغابة 1 ص206. و ابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمة». و أبوبكر الخوارزمي في «المناقب». و ابن حجر في «الصواعق» ص103. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص225 . و الحضرمي في «رشفة الصادي» ص28. و أخرج أبوعبد الله الملاً في سيرته عن أنس قال بينما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل علیه السلام يخبرني أنّ الله زوجك فاطمة علیها السلام و أشهد على تزويجها أربعين ألف ملك و أوحى إلى شجرة طوبى: أن انثري عليهم الدرّ و الياقوت فنثرت عليهم الدرّ و الياقوت فابتدرت إليه الحور العين يتلَّقطن في أطباق الدرّ و الياقوت. فهم يتهادونه بينهم إلى يوم القيامة. و رواه محبّ الدين في «الذخائر» ص32. و في «الرياض» 2 ص184. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص223.

(15) دار فاطم علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ سلمان البلادي البحراني

هُوَ الدَّهْرُ بِالْأَعْمَالِ تَسْرِي رَكائِبُهُ *** كما كانَ بِالرِّجالِ تَسْعَى نَوائِبُةْ

تولَّعَ بِالسّاداتِ في كُلِّ كُرْبَةٍ *** فَما سَيِّدٌ إِلا رَمَتْهُ صَوائِبُهْ(1)

فَيا لَكَ دَهْراً لا يُنيمُ وَ لَمْ يَنَمْ *** تَنِمُّ عَلى الأَعْمارِ دَاباً رقائِبُةْ(2)

فَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْهُ حُصُونُ مَنِيعَةٌ *** وَ لامَلِكٌ قَدْ حَصَّنَتْهُ مَقَانِبُهْ(3)

وَ حَسْبُكَ مَوْتُ المُصْطَفَى خَيْرِ سَيْدٍ *** وَ مَنْ عَمَّتِ الْأَكْوانَ طُرّاً مَواهِبُهْ

قضى فَقضى مِنْ بَعْدِهِ الحَقُّ وَ اخْتَفَتْ *** بِأَسْتَارِ لَيْلِ الجَوْرِ مِنْهُ كَواكِبُهْ(4)

ص: 74


1- صوائبه: من الصواب و هو ضد الخطأ.
2- لايُنيم: لا يدع أحداً ينام.
3- مقانبه: جماعة من الخيل تجتمع للغارة، و المراد جيوشه.
4- لعله إشارة إلى ما روي في إطماس الحق و إظهار الفتن و الأباطيل و التعدّي على أهل البيت علیهم السلام بعد موت الرسول الكريم صلي الله علیه و آله و سلم و من جملة ما عن كامل الزيارات ص332 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم قيل له: إن الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أسلم لأمرك يا رب، و لاقوة لي على الصبر إلاَّ بك، فما هنّ؟ إلى أن قال «تعالى»: و أما الثالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل: أما أخوك علي فيلقى من أُمَّتك الشتم و التضعيف و التوبيخ و الحرمان و الجهد و الظلم و آخر ذلك القتل، فقال: يا ربّ سلّمت، و قبلت و منك التوفيق و الصبر. و أما ابنتك فتظلم، و تُحرم، و يُؤخذ حقِّها غصباً الذي تجعله لها، و تُضرب و هي حامل، و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان و ذل ثم لا تجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب، و تموت من ذلك ،الضرب، قلت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قبلت يا رب و سلّمت و منك التوفيق. الحديث طويل أخذنا منه موضع الشاهد.

وَ جَلَّلَ ثَوْبُ الدِّينِ ثَوْبَ كُسُوفِها *** كَما خَسِفَتْ بَدْرَ الْوُجودِ غَيَاهِبُهْ

وَ أَذْرَتْ عُيُونُ الكائناتِ دَمُوعَها *** كَما وَ كَفَتْ مِنْهُ عَلَيْها سَحَائِبُهْ(1)

لَقَدْ أَظْهَرَتْ فِيهِ السَّقِيفةُ مُضْمَراً *** لإطفاء نُورِ اللَّهِ كَانَتْ مَنَاصِبُهْ(2)

كَما أَضْمَرتُ نيرانها مُسْتَطِيرَةً *** فَذا حَرُّها لِلدِّينِ عَمَّتْ لَوَاهِبُهْ

يِها صَمَّمُوا أَنْ يُحْرِقُوا دار فاطِمٍ *** وَ مِنْ نُورِهِ قَدْ نَوَّرَ الكَوْنَ ثاقِبُهْ(3)

ص: 75


1- أُذُرَتْ: أطارت و فرقت وَ كَفَتْ: سالت قليلاً قليلاً.
2- إشارة إلى ما تعاقدوا عليه في سقيفة بني ساعدة، كما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة، قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم، و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما فرغ من ذلك و صلى على النبي صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبابكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام، و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر، و معه عمر وأبوعبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتّى قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايعته الأنصار و الناس فقام عثمان و عبد الرحمن بن عوف و من معهما فبايعوا و انصرف علي و بنو هاشم إلى منزل علي و معهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين و سلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العفور فاكفونا شرّه، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره و أحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم و مضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا : بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس و ايم اللَّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب علیه السلام فقالوا له: بايع أبابكر. فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و تأخذونه منّا أهل البيت علیهم السلام غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سره و علمه، و أنا الصدّيق الأكبر و الفاروق الأعظم، أول من آمن به وصدَّق و أحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، و أعرفكم بالكتاب و السنة، و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور. الحديث.
3- إشارة إلى القوم الذين أحرقوا بيت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم في كتاب سليم بن قيس ص31 في حديث طويل عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، لما كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة علىها السلام علي حمار و أخذ بيده ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم اللَّه حقَّه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إيّاه لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلاَّ و قد بايع، غيره و غير هؤلاء الأربعة و كان أبوبكر أرقّ الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظّهما و أغلظهما، و أجفاهما، فقال له أبوبكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله إليه، و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن على علي علیه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم، و إلاّ فادخلوا عليه بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة علیها السلام: أحرّج عليكم أن تدخلوا عليّ بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ «الملعون»، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت:كذا و كذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام ثم نادى عمر، حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و إلاّ أضرمت عليك بيتك النّار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب، و إلا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتّقي الله تدخل عليّ بيتي صلي الله علیه و آله و سلم؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت یا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم. فرفع السوط فضرب به ذراعها.

بهَا البِضْعَةُ الزَّهْرَاءُ أَلْقَتْ جَنِينَها *** بِضَغْطِ رَقَتْ أَوْجَ السَّمَاءِ نَوادِبُهْ(1)

فَيا لكِ ناراً طبق الكَونَ نَشْرُها *** فَدَبَّتْ عَلَى آلِ النَّبِيِّ عَقَارِبُهْ

ص: 76


1- إشارة إلى إسقاط جنين الزهراء علیها السلام بعد أن ضربوها، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود، و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

بِهَا الحَيْدَرُ الكَرَّارُ قِيدَ مُلَبَّباً *** وَ شَنَّتْ عَلَيْهِ فِي الحَياةِ حَرائِبُهْ

وَ عَمَّمَ مِنْهُ الرَّأْسَ سَيْفُ ابنِ مُلْجَمٍ *** فَغُودِرَ في المِحْرابِ وَ الدَّمُ حَاضِبُةْ(1)

بِهَا الحَسَنُ الزّاكِي تَقَطَّعَ قَلْبُهُ *** بسم فَمِنْهُ الدِّينُ قُطِّعَ جانِبُةْ(2)

كَما جَدَّهُ المختارُ قَطعَ قَلْبُهُ *** بِسُمٌ فَمِنْهُ الدِّينُ هُدَّتْ شَناخِبُةْ

وَ مِنْهَا طَمَتْ في كَرْبَلا لُجَّةُ البَلا *** عَلَى فُلْكِ نُوحٍ وَ امْتَطَى الْكَرْبَ رَاكِبُهْ(3)

ص: 77


1- إشارة إلى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام بسيف عبد الرحمن بن ملجم المرادي. ففي كنز العمال ج6 ص412 قال: عرضت على علي علیه السلام الخيل فمرَّ عليه ابن ملجم فسأله عن اسمه (نسبه) فانتمى إلى غير أبيه فقال له: كذبت حتى انتسب إلى أبيه فقال: صدقت أما إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حدثني أن قاتلي شبه اليهود و هو يهودي فأمضه و راجع ابن حجر في صواعقه المحرقة ص80 قال: فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها أكثر الخروج -يعني عليّاً علیه السلام- و النظر إلى السماء و جعل يقول: واللَّه ما كَذبْتُ و لاكُذَّبْتُ و إنها الليلة التي وعدت، فلما خرج وقت السحر ضربه ابن ملجم الضربة الموعود بها (الخ).
2- إشارة إلى يوم السقيفة التي بها انقلب الناس على أعقابهم و تجرؤوا على أهل البيت علیهم السلام و مهدت لقتلهم علیهم السلام يشير الشاعر إلى استشهاد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام و أن قتله كان من نتائج السقيفة ففي حلية الأولياء لأبي نعيم ج1 ص38 روی بسنده عن عمير بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده فقال: يا فلان سلني قال: لاوالله لانسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك قال: ثم دخل ثم خرج إلينا فقال: سلني قبل أن لاتسألني فقال: بل يعافيك الله ثم أسألك، قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي و إني سقيت السم مراراً فلم أسق مثل هذه المرة ثم دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين علیهم السلام عند رأسه. الحديث طويل. و روى صاحب مستدرك الصحيحين ج3 ص176 روی بسنده عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سمت ابنة الأشعث بن قيس الحسن بن علي علیه السلام و كانت تحته و رُشيت على ذلك مالاً.
3- إشارة إلى واقعة كربلاء و استشهاد الإمام الحسين علیه السلام و أصحابه و أهل بيته علیهم السلام. و أن هذه الواقعة أيضاً من نتائج السقيفة. ففي تهذيب التهذيب ج2 ص347 قال: و قال عمار الدهني: مرَّ علي علیه السلام على كعب فقال: يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لايجف عرق خيولهم حتى يردوا على محمد صلي الله علیهی و آله و سلم، فمرّ حسن عیله السلام فقالوا هذا قال: لا، فمرّ حسین علیه السلام فقالوا: هذا قال: نعم. (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص193 باختلاف يسير في بعض الألفاظ و قال: رواه الطبراني و الروايات مستفيضة في ذلك.

فَمِنْ صَعْدَةِ الباغِينَ مِنْبَرَ أَحْمَدٍ *** عَلى صَعْدَةٍ رَأْس ابْنِهِ الْبَغْيُ ناصِبُةْ

وَ أَصْعَدَ شِمْراً فَوْقَ صَدْرِ ابن أحمدٍ *** وَ يَا طالما صَدْرُ النَّبِيِّ يُلاعِبةْ(1)

وَ سَيْفٌ لَهُ تِلْكَ السَّقِيفَةُ جُرِّدَتْ *** لَقَدْ جَرَّدَتْ رَأسَ الحُسَيْنِ ضَرائِبُهْ(2)

وَ جَزل ادَارُوهُ عَلَى دَارِ حَيْدَرٍ *** بهِ أُخرقَتْ في كَرْبَلاءَ مُضَارِبُهْ(3)

وَقَوْدُ الوَصِيِّ المُرْتَضَى بِنِجادِهِ *** يُقادُ بِهِ سَجَّادُهُ وَ نَجَائِبُهْ(4)

وَ جَيْشٌ عَلَى الكَرَارِ حُمَّتْ سُيُولُهُ *** لِقَتْلِ ابْنِهِ فِي الطَّفِّ جُرَّتْ كَتائِبُهْ

ص: 78


1- في الاستيعاب لابن عبد البر ج1 ص144 قال: سمعت أبا هريرة يقول: أبصرت عيناي هاتان و سمعت أذناي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بكفي حسين و قدماه على قدمي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وهو يقول: ترق ترق عين بقة، فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: افتح فاك ثم قال: اللهم أحبه فإني أحبه.
2- إشارة إلى تجرّؤ القوم الذين قتلوا الإمام الحسين علیه السلام و حزّوا رأسه بتجرؤ القوم الذين انقلبوا بعد موت النبي صلي الله علیه و آله و سلم على أعقابهم تحت سقيفة بني ساعدة، و تجاوزهم على بيت على و فاطمة علیهما السلام. من مستدرك الصحيحين ج3 ص176 في حديث طويل عن أم الفضل بنت الحارث قالت: فوضعته في حجره (و تعني الحسين علیه السلام) ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تهريقان من الدموع. قالت: فقلت: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم -بأبي أنت وأمي- ما لك؟ قال: أتاني جبريل علیه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا؟ فقال: نعم، و أتاني بتربة من تربته حمراء، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (أقول) و رواه أيضاً ص179 مختصراً.
3- إشارة إلى حرق القوم لبيت علي علیه السلام مما أدّى إلى تجرّؤ القوم في كربلاء لحرق خيام بنات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففي الكامل/ لابن الأثير/ ج4 ص32: لما قتل أبوعبدالله الحسين علیه السلام المال الناس على ثقله و متاعه و انتهبوا ما في الخيام و أضرموا النار فيها و تسابق على سلب حرائر الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففررن بنات الزهراء علیها السلام حواسر مسلبات باكيات. و الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- إشارة إلى ما روي من أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام قادوه بنجاده من بيته لكي يبايع و قد مهَّد ذلك إلى تجرّؤ القوم في كربلاء لسحب حفيده الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام مكبّلاً بالحديد، فقد روي في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرّم ص316 ناقلاً خطبة الإمام علي ابن الحسين السجاد علیه السلام، وجيء بعلي بن الحسين علیه السلام على بعير طالع والجامعة في عنقه ويداه مغلولتان إلى عنقه و أوداجه تشخب دماً فكان يقول (الخ).

و إسقاط بِنْتِ المُصْطَفَى الظَّهْرِ مُحْسِناً *** بِهِ لِحُسَيْنِ أَسْقَطَ الطِّفْلَ ناشِبُهْ(1)

وَخُطْبَتُها في مَجْلِسٍ عِنْدَ حَبْتَرٍ *** بِهِ زَيْنَبٌ لاقَتْ يَزِيدَ تُخاطِبُهْ(2)

وَ مِنْ مَشْبِها تَرْجُو لِتَخْلِيص حَيْدَرٍ *** مَشَتْ زَيْنَبٌ نَحْوَ العَلِيل نَجانِبهْ(3)

ص: 79


1- إشارة إلى تجرؤ القوم الذين أسقطوا جنين الزهراء علیها السلام و قد مهد إلى تجرؤ من بعدهم لقتل رضيع الحسين علیه السلام في كربلاء. فقد روي: في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرّم ص272 و دعا بولده (أي الحسين علیه السلام ) الرضيع يودّعه، فأتته زينب علیه السلام بابنه عبد الله علیه السلام و أمه الرباب فأجلسه في حجره يقبله و يقول: بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم خصمهم ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة ابن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين علیه السلام الدم بكفه و رمى به نحو السماء. و في تاريخ اليعقوبي/ ط النجف/ ج2 ص218: إن الحسين علیه السلام الواقف إذ أتي بمولود له ولد الساعة أذّن في أذنه و جعل يحنكه إذ أتاه سهم وقع في حلق الصبي فذبحه فنزع الحسين علیه السلام السهم من حلقه و جعل يلطخه بدمه و يقول: واللَّه لأنت أكرم على الله من الناقة و لمحمد صلي الله علیه و آله و سلم أكرم على اللَّه من صالح ثم أتى فوضعه مع ولده و بني أخیه.
2- إشارة إلى غصب الخلافة و حق الزهراء علیها السلام في فدك و في إرثها مما دعا الزهراء علیها السلام لأن تخطب أمام الخليفة الأول و الثاني و جمع من الناس بمطالبة حقها و نشر ظلامتها و قد تكرر هذا الموقف لزينب بنتها علیه السلام لأن تخطب أمام يزيد بن معاوية بعد مقتل أخيها الحسين علیه السلام و سبيها إلى يزيد و وقوفها في مجلسه و خطبتها لنشر ظلامة الحسين علیه السلام، و قد روي في الاحتجاج/ ج1 ص131، أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام لافدكاً و بلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمة حفدتها و نساء قومها، و تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنت أنّة، أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم، و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها. و في المصدر نفسه روي في ص969، أنه لما دخل علي بن الحسين علیه السلام و حرمه على يزيد (لعنة الله) جيء برأس الحسين علیه السلام، و وضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده -إلى أن تقول الرواية- فقامت إليه زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السللام و أمّها فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قالت: الحمد للَّه رب العالمين و صلى الله على جدّي سيد المرسلين، صدق الله سبحانه كذلك يقول، (الخ) الحديث و هو طويل أخذنا موضع الحاجة.
3- في تفسير العياشي ج2 في تفسير آية (65) من سورة الأنفال في حديث طويل فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي -والله- لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقّن جيبي، و لآتين قبر أبي، و لأصيحنّ إلى ربّي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقال علي لسلمان: أدرك ابنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفآن واللَّه إن نشرت شعرها و شقَت جيبها، و أتت قبر أبيها و صاحت إلى ربّها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها (و بمن فيها)، فأدرك سلمان (رضي الله عنه) فقال: يا بنت محمد علیها السلام، إن اللَّه إنما بعث أباك رحمة، فارجعي. فقالت: يا سلمان، يريدون قتل علي علیه السلام، ما على علي صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأنشر شعري و أشق جيبي، و أصيح إلى ربي، فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة، و علي علیه السلام بعثني إليك، و يأمرك أن ترجعي إلى بيتكِ، و تنصرفي، فقالت : إذاً أرجع، و أصبر، و أسمع له، و أطيع. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و ربط الشاعر بين الحادثين للزهراء علیه السلام و زينب علیها السلام في هذا البيت فموقف زينب علیها السلام السجاد علیه السلام حيث أنه كان عليلاً علیه السلام في واقعة الطف و كيف وقفت تحميه. فقد روي في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرم ص325 في حديث طويل و التفت إلى علي بن الحسين علیه السلام (أي عبيد الله بن زياد) و قال له: ما اسمك قال: أنا علي بن الحسين علیه السلام فقال له أو لم يقتل الله علياً علیه السلام؟ فقال السجاد علیه السلام: كان لي أخ أكبر مني يسمى علياً علیه السلام قتله الناس فرد عليه ابن زياد بأن الله قتله. قال السجاد علیه السلام: اللَّه يتوفى الأنفس حين موتها و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله. فكبر على ابن زياد أن يرد عليه فأمر أن تضرب عنقه. لكنّ عمته العقيلة اعتنقته و قالت: حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت و هل أبقيت أحداً غير هذا؟ فإن أردت قتله فاقتلني معه. و قد ذكر الحدث ابن جرير الطبري في المنتخب من الذيل ص89 ملحق بالتاريخ ج12 و أبو الفرج في المقاتل ص49 ط إيران و الدميري في حياة الحيوان بمادة بغل و المنتخب للطريحي ص238 المطبعة الحيدرية، و نسب قريش لمصعب الزبيري ص58. و انظر أيضاً الطبري ج6 ص263.

وَ لَمْ أنسَ مُهُمَا أَنْسَ فَاطِمَ إذْ دَعَتْ *** أَبَاهَا بِدَمْعِ أَفْرَحَ الطَّرْفَ ساكِبُهْ

لقَدْ كُنْتَ يا خَيْرَ الخلائقِ مَعْقِلاً *** تَحُلُّ عِقال النائباتِ جَوانِيةْ

بِنُورِكَ كَانَتْ تَسْتَضِيءُ أُولُو الحِجا *** فَبَعْدَكَ نُورُ الحَقِّ أَظْلَمَ لاحِبُهْ

وَ قَدْ أُثْكِلَتْ أُمُّ المَعَالِي وَ أَيَّمَتْ *** وَ خابَتْ بَنُو الآمال مما تُطالِبُةْ

تَهَضَّمَنَا القَوْمُ اللئَّامُ ببُغْضِهِمْ *** وَ أَدْرَكَ مِنا الوتْرَ مَنْ هُوَ طالِبُهْ

فَها نَحْنُ لَمَّا غِبْتَ عَنَا بِذِلَّةٍ *** يُجاذِبُنا صَرْفُ الْبَلا وَ نُجَاذِبُهْ

يَحِنُّ حَنِينَ الْهيمِ مَسْجِدُكَ الَّذِي *** بِنُورِ مُحَيَّاكَ اسْتَنَارَتْ مَحارِبُةْ

ص: 80

و مَخْطَبُكَ السّامِي أقامَ خُطُوبَهُ *** غَداةَ خَلا مِنْ أَوْجَ مَرْقَاهُ خَاطِبُهْ

وَ نادِيكَ مُذْ غَاضَ النَّدَى عَنْهُ صَوَّحَتْ *** رُباهُ كَأَنْ لَمْ يَغْنَ بِالأَمْسِ جَانِبُهْ

لَقَدْ تُرْبَتْ كَفُّ العَفَّاف وَ لَمْ تَنَلْ *** بِلالُ نَدى الاسراباً يُناوِبُهْ

أَتُحْيِي رُفاةٌ وَ الْحَيَاةُ تَفَشَّعَتْ *** بِعاصِفَةِ الْأَرْجَاءِ عَنْهُ سَحَائِبُهْ

فَوا ضَيْعَةَ الإسلام بَعْدَ كَفِيلِها *** وَ خَيْبَةَ مَنْ أَخْنَتْ عَلَيْهِ مَآرِبُهْ

وَ مِنْ أيْنَ تَعْلُو لِلْمَحامِدِ رايَةٌ *** وَ أَحَمَدُها في التُّرْبِ رُضَّتْ تَرائِبُهْ؟

وَ انّى بَنُو الحاجاتِ تَجْرِي سَفِينُها *** وَ زَاخِرُ مَجْراها بِفَقْدِكَ نَاضِبُهْ؟

أبِي فَتَحَتْ عَيْنُ الصَّلالِ لِظُلْمِنا *** بإغماض طَرْفٍ مِنْكَ فِينَا تُراقِبُهْ

فَذَا صِنْوُكَ الكَرَّارُ أَصْبَحَ صاغراً *** وَ نَازَعَهُ حَقَّ الخِلافَةِ غَاصِبُهْ

وَ سِبْطاكَ ما رَاعَوْا حُفُوقَكَ فِيهِما *** كَأَنَّكَ في أَجْرِ الْمَوَدَّةِ كاذِبهْ(1)

فَها مَدْمَعِي يَنْهَلُ كَالسُّحْبِ وابِلُه *** وَ عُمْرِيَ مِنْهُ زادُهُ وَ مَشارِبُهْ

وَ هَوَّنَ خَطبي أنَّ عُمْرِي مُنْقَضٍ *** وَ أَنَّ بُعَيْدَ الْمُلْتَقَى مُتَقارِبُهْ

وَ كَيْفَ بَقَاءُ الجِسْمِ مِنْ غَيْرِ رُوحِهِ *** وَ فِي القَلْبِ ما يُذْكِي لَظَى الْوَجْدِ لاهِبُهْ(2)

فَهذا هُوَ الرُّزْهُ العَظِيمُ الَّذِي بِهِ *** عَظِيمُ الْبَلَا يُنْسَى وَ تُسْلَى مَصَائِبُهْ

أيا سيِّد الرُّسُلِ الشَّفِيعَ لِمَنْ عَصَى *** أَغِثْ آبِقاً قَدْ أَوْبَقَتْهُ مَعَايِبُهْ

إذا خَفِّ مِيزاني بما كَسَبَتْ يَدِي *** فَتَقُلْهُ كَيْ لَا تَسْتَخِفَّ مَكاسِبُهْ

ص: 81


1- يصور لنا الشاعر عدم احترام القوم للسبطين الحسن و الحسين علیهما السلام بعد موت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و كأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يبلغ بآية الموّدة في قرباه. فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي (رضي الله عنه) ص43 في حديث طويل يشير إلى بعض ذلك حيث يقول: فقام عمر فقال لأبي بكر -و هو جالس فوق المنبر-: ما يجلسك فوق المنبر و هذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ (و يقصد الإمام علي علیه السلام ) أو تأمر به فتضرب عنقه!! و الحسن و الحسين علیهما السلام قائمان فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما علیهما السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- يذكي: يشعل، يؤجج.

فَحُبُّكَ يا مَوْلايَ أَحْمَدُ صالحٌ *** سَما فَسَمَا فَلْتَعْلُ مِنْهُ مَراتِبُهْ

عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ السَّلامُ سَلامُهُ *** تَروُحُ وَ تَعْدُو كُلَّ آنٍ رَكاتِبُهْ(1)

ص: 82


1- رياض المدح و الرثاء ص125 الشيخ حسن علي البحراني -مؤسسة البلاغ- بيروت- الطبعة الأولى.

(16) ريحانة المصطفى علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ صادق جعفر الهلالي

حَيّ البَتُولَةَ وَ ابْلُغْ بالسَّنا رُتَبا *** شِعْراً تُطَرِّزُ في قِرْطاسِهِ العَجَبا

كالشمس أشْرَقَ مِنْ إشْعَاعِها أَلقاً *** عَمَّ الوُجُودَ أَضَاءَ العَالَمَ الرَّحِبَا

هِيَ ابْنَةُ المُصْطَفَى وَ البَعْلُ حَيْدَرَةٌ *** ذكراً بها مَوْلِدُ الزهراءِ قَدْ كُتِبا

تاهَ الفَرِيضُ بِمَعْناها وَ مَا بَرُدَتْ *** قَوافي الشعرِ تَسْمُو عِزّةً وإبَا

يا بَهْجَةَ القَلْبِ لِلْهَادِي البَشِيرِ وَمَا *** رَیْحانَةٌ بِشَذّاها لُطْفُهُ انْسَكبا(1)

ص: 83


1- إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص4 نقلاً عن أمالي الصدوق و عيون أخبار الرضا عن الرضا علیه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل علیه السلام فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیه السلام فحملت فاطمة علیها السلام ففاطمة علیها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام. و في ص5 نقلاً عن علل الشرائع عن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنك تلثم فاطمة علیها السلام و تلزمها و تدنيها منك و تفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك علیها السلام؟ فقال: إن جبرئيل علیه السلام أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحوّلت ماءً في صلبي ثم واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام فأنا أشم منها رائحة الجنة. و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص36 قال عن ابن عباس «رضي عنهما» قال: كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم لا يكثر القبل لفاطمة علیها السلام فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة فقال صلى الله عليه و آله و سلم إن جبريل علیه السلام ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماءً في صلبي فحملت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة علیها السلام فأصبت من رائحتها جمیع تلك الثمار التي أكلتها. و في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 قال: عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام.

أُمِّ تَوَرَّدَ منها بالهُدى حَسَنٌ *** وَذَا الحُسَيْنُ إباءً يَزْدَهِي رُتَبا(1)

أُمُّ الأئمّةِ زَهْراءٌ وَقَدْ عَظُمَتْ *** عِنْدَ الإلهِ عُلُوّاً زاحَمَ الشُّهُبا(2)

بُورِكَتِ زَيْنَبُ أمَّ أَنْتِ صُورَتُها *** صَبْراً يُفَجُرُ مِنْ بُرُكَانِهِ لَهَبا

قَوافِي الشَّعْرِ في ذِكْرَاكِ أَبْعَثُهَا *** نَهْجاً به أرتجي الإشفاع و الحَدَبا(3)

ذَابَ الفُؤَادُ وَلاءً في مَوَدَّتِكُمْ *** فَهْوَ الغِذاءُ لينجي كلَّ مكتَسِبا

فَأَنْتُمُ سُفَنُ البارِي وَ جَنَّتُهُ *** يحبِّكُمْ نَبْلُغُ الآمال و الإرَبا(4)

ص: 84


1- يزدهي: يفتخر.
2- يشير الشاعر إلى منزلة الزهراءعلیها السلام عند اللَّه «تعالى» كما في كنز العمال ج12 ص110. قال: عن أبي يزيد المدني إن أول شخص يدخل الجنة فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم و مثلها في هذه الأمة مثل مريم علیها السلام في بني إسرائيل. و في كتاب ذخائر العقبى ص48 قال: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «تحشر ابنتي علیها السلام القيامة و عليها حلة الكرمة قد عجنت بماء الحيوان فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها ثم تكسى حلة من حلل الجنة على ألف حلة مكتوب بخط أخضر أدخلوا ابنة محمد الله صلى الله عليه و آله و سلم الجنة على أحسن صورة و أكمل هيبة و أتم كرامة و أوفر حظ فتزف إلى الجنة كالعروس حولها سبعون ألف جارية». و في كنز العمال ج12 ص105 قال: عن أبي أيوب إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط، فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق. و ذكره محب الدين الطبري في ذخائره ص48. و ذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه ص190. و في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص161 قال: عن علي علیه السلام قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم حتى تمر فتمر و عليها ريطتان خضراوان». و ذكره محب الدين الطبري في ص48 و ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص523. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص215.
3- الحدب: العطف.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون أهل البيت كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك. ففي كنز العمال ج12 ص94 ح34144 قال: عن أبي ذر ، إن مثل أهل بيتي علیهم السلام فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك. و في كتاب ذخائر العقبي ص20 قال: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: مثل أهل بيتي علیهم السلام كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تعلق بها فاز و من تخلف عنها غرق. و ذكره الحاكم النيسابوري في مستدركه ص343.

فَبِاسْمِكِ اليَوْمَ قَدْ غَنّى القصيدُ شَداً *** بِهِ تَزاحَمَتِ الأَفْكَارُ ما وَجَبَا

يا أَمْ زَيْنَبَ يا لُطفا بهِ احْتَفَلَتْ *** دُنْيا الوُجودِ وَ لاصادِقاً عَذِبا

تَعَطَّرَ القَلَمُ المُهْرَاقُ في شَعَفٍ *** يَشْدُو علاكِ بذاك المَنْهَلِ الخَصِبَا

فَأَنْتِ سَيِّدَةٌ في العالَمِينَ عَلَى *** كُلِّ النِّساءِ تَهَاوَتْ دُونَكِ الرُّتَبا(1)

حُيِّيتِ يَابْنَةَ خَيْرِ الخَلْقِ قاطِبَةً *** شَمْساً لِتَكْشِفَ عَنْ آفَاقِنا الحُجُبا

***

يَسْتَأْذِنُ الدار إجلالاً و تَعْظِمَةً *** في ظِلّهِ تَسْكُنُ الزهراء و النُّجُبا(2)

ص: 85


1- ففي مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص156 قال: عن عائشة أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال قال في مرضه الذي توفي فيه: «يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين علیها السلام و سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين»؟ و ذكره الهندي في كنز العمال ج12 ص110. و في ذخائر العقبي ص43 قال: عن عمران بن حصين أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم عاد فاطمة علیها السلام و هي مريضة فقال لها: كيف تجدينك يا بنية قالت إني وجعة و إني ليزيدني أني ما لي طعام آكله، فقال: «يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين» فقالت: يا أبت صلي الله علیه و آله و سلم فأين مريم بنت عمران علیها السلام قال: تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء عالمك». و ذكره ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص522. و ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء ج2 ص40. و ذكره أحمد في ج6 ص282.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى استئذان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عند دخوله إلى دار فاطمة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص62 نقلاً عن الكافي قال: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يريد فاطمة علیها السلام و أنا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال: السلام عليكم فقالت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل أنا و من معي؟ قالت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليس عليٍّ قناع فقال: يا فاطمة علیها السلام خذي فضل ملحفتك فقنعي بها رأسك ففعلت ثم قال: السلام عليكم فقالت: و عليك السلام يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل؟ قالت: نعم ادخل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا و من معي قالت: أنت و من رسول صلي الله علیه و آله و سلم معك قال جابر: فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و دخلت أنا... الخ الحديث.

بها اسْتَضَاءَتْ رُبُوعُ الأَرْضِ وَانْتَشَرَتْ *** دنيا الوُجُودِ بِنُورِ المُصْطَفَى كُتُبا

يا بِنْتَ مُخْلِصَةِ الإِيمَانِ مَنْ بَدَلَتْ *** مِلْءَ اليَدَيْنِ لِنَصْرِ الحَقِّ ما وَجَبا

خَدِيجَةُ الظُّهْرُ زَوْجُ المُصْطَفَى حَفِلَتْ *** بالمَكْرُمَاتِ فَكَانَتْ مَوْقِفاً رَحِبا

بالمال واسَتْ وبالإيمانِ أوّلُ مَنْ *** قَدْبايَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ ما طُلِبا

وَ بِالبَنِينَ زَهَتْ بِالطُّهْرِ فَاطِمَةٌ *** نُورٌ يَشِعُّ على الأقمارِ ما غَرُبا

مُبارَكٌ لِرَسُولِ اللَّهِ مَولِدُها *** لُطْفٌ يَعُمُّ شَدَاهُ العُجمَ و العَرَبا

يَرْضَى الإِلهُ بما تَرْضاهُ فَاطِمَةٌ *** وَ مَا لَهَا غَضِبَتْ فاللَّهُ قَدْ غَضِبا(1)

قد خَصَّها اللَّهُ في فَضْلٍ و فِي كَرَمٍ *** فَأَشْرَقَتْ لتُسامي بِالهُدَى نَسَبا

و بارِكِ اليَوْمَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ بها *** وَ انْشُرْ فَرِيضَكَ و ابْلُغْ مُنتَهَى الطَّربا

ص: 86


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما جاء في الحديث إن الله يرضى لرضى فاطمة علیها السلام و يغضب لغضبها عليها السلام. ففي كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص154 ح4730 قال: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لفاطمة علیها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 . و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378. و ذكره أيضاً في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ذكره المتقي الهندي في كتابه كنز العمال ج12 ص111 ح34238. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبی ص39. و ذكره الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة ج1 ص203.

(17) بنت السماء

(بحر الوافر)

الأستاذ عباس مرتضى عياد العاملي (*)(1)

هَبِيني مُقْلَةً تَحْكِي السَّحابا *** لَعَلَّكِ تَغْسِلينَ بِها العِتابا

وَ صُوغِيني عَلى شَفَةِ اللَّيَالِي *** نَشِيداً لِلْأَسى يَشْكُو اغْتِرابا

وَ ضُمِّي جائِحَ الْأَمْلاكِ عَطْفاً *** فَها هَبَطَتْ تُشارِكُكَ الْمُصْابا

تَمُدِّينَ الضُّحى حِيناً بَهاءً *** وَ حِيناً مِنْ رَدّى مُدَّ اكْتِئابا

تَوَسَّدَتِ الدُّنا كَيْفَ الرَّزايا *** وَ ماجَتْ وَ هُيَ تَخْتَلِجُ اضْطِرابا(2)

تَهُزُّ إِليكِ عِطْفَ الشَّمْسِ خَجْلَى *** وَ يُوسِعُ دَمْعُها الجُلَّى انْسكابا

نَعَمْ... كرمى انكسَارِ الضّلْعِ تا هَتْ *** بِأُفْقِ الرُّوحِ تَسْتَهْوِي الغِيابا

وَ شَعَّتْ في ربيع الْخُلْدِ لمَّا *** رسولُ اللَّهِ اوْلاكِ اقْترابا

جَفانِي الْحَرْفُ يَا أُمَّ الْمَعاني *** و مَرأَى الضَّيْمِ يُضْنِينِي عَذَابا

وَ يُذْهِلُنِي زَئيرُ الصَّمْتِ حَتَّى *** تَمَلكَ خَافِقي بِالرُّعْبِ غابا

لِرُؤيا تَسْتَطِيلُ عَلى خَيالي *** فَتَفْجَعُنِي وَ تَسْلُبُني الصَّوابا

فَمَزَّقَتِ العُرُوقُ غَوى سُكُوتِي *** وَ صَاغَتْ لِي الْحُروفَ دماً مُذابا

و فَجرتِ القصِيدَ قصيدَ روحي *** تَمُدُّ النفسَ و الفكرَ انْجِذابا

أرى فَدَكاً من التنزيلِ يَشْكُو *** إلَى الرحمنِ جَذباً وَ اغْتِصابا

وَ تِلْكَ خِلافَةٌ أَمْسَتْ تُعَانِي *** تَكالُب عُصْبَةٍ ناباً فَنَابا

ص: 87


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ماجت: اضطربت.

أرى ناراً تُشَب بِدارِ وَحْيٍ *** لَهَا التاريخُ شَأن الطفلٍ شابا(1)

أرى ألماً لَدَى مِسْمارِحِقْدٍ *** بِصَدْرِ المصطفى يُوهِي اللُّبابا(2)

فَنَفَّضْتُ الجفونَ لَعَلَّ حِلْماً *** بخاطِرَتِي تَلَهَّى أَوْ سَرابا

ذَوَى أَمَلَي... نَعَمْ ذِي بِنْتُ طه *** وَرَاءَ البابِ يَسْتُرُها حِجَابا(3)

فَأَبْصَرتُ الزَّمانَ يَكُونُ غَيّاً *** عَلَى عَقِبَيْهِ يَنْقَلِبُ انْقِلابا

وَ ضَمَّتْنِي الرِّسَالَةُ مُذْ رَأَتْنِي *** يَلُفُّ جَناحِيَ الشَّكُّ ارْتِيابا

قشمتُ -وَ قَدْ تَبرَّجَتِ الأماني- *** مَعَ المَهْدِيِّ ثَاراً مُسْتَطابا

أيا أُمَّ الحُسَيْنِ وَ رُبَّ جُرْحٍ *** تَضَوَّعَ في الدُّجى عِطْراً مُذابا(4)

تُدَغْدِغُ بينَ أَنْغَامِ السَّواقِي *** فَأَسْكَرَ لَحْنُهُ الشُّمَّ الْهِضابا

تَساءَلَ سِنْدِيانُ اللَّيْلِ عنه *** و زَيْتُونُ الضُّحى زَفَّ الْجَوابا

تطلَّعَتِ التِّلالُ إلى عُلاهُ *** فَأَقْطرها دُعاءُ مُستَجابا

و نادَتْهُ الرَّوابِي و هي ظَمْآى *** فَأتْرعَ تُرْبَهَا الزَّاكِي شَرابا

أجابَ غياثُ وقتٍ مُسْتَحِيلٍ *** وَ قَدْ مَلَّتْ عُروبَتُهُ الدِّئابا

أتاهُ مِنْ عَلِيَّ... مِنْ حُسَيْنٍ *** لِيَكْسُو جَبْهَةَ الْعَلْيا إهابا

يُعَامِلُ حَيْثُمَا نَسَجَتْ وِصالِي *** وَ حَيْثُ تَرَى رِجالاتٍ غِضابا

ص: 88


1- انظر ما ورد في أعلام النساء ج4 ص114 و في العقد الفريد ج4 ص259 و في تاريخ الأمم و الملوك للطبري ج3 ص202 و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19.
2- و قد أشير إلى هذا المعنى في كتاب (مؤتمر علماء بغداد، لشبل الدولة مقاتل بن عطية) ص135 (و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه، عصر عمر فاطمة علیها السلام و الباب عصرة شديدة، حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها، و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... الخ). كما ورد في صحيح البخاري ج5 ص21 و 29: أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني صلى الله عليه و آله و سلم فمن أغضبها فقد أغضبني. و نقل البخاري أيضاً عن أبي الوليد: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني من آذاها فقد آذاني. يوهي: يضعف.
3- ذوي: ذبل.
4- تضوّع: انتشرت رائحته.

أيا بطل الجَنوبِ... أيا خُلودِي *** وَ يا قَمَرَ الْفِدى يَزْهُو مُهابا

عَلَى زَنْدَيْكَ مَلْحَمَةُ الْمَعَالِي *** فَضُمَّ الشَّمْسَ وَ اقْتَحَمِ الضَّبابا

وَ لُمَّ رُفاةَ يَعْرُبَ مِنْ خُنُوعٍ *** وَ أَمْطِرْ ساحَةَ الْمَجْدِ اَحْتِرابا(1)

فَطَوْعُ خُطاكَ تُزْرَعُ شاهِقَاتٌ *** وَ يُنْبِتُ دَرْبُكَ النَّصْرَ الغِلابا

أَمِيرَةَ عِفَّةِ الرَّحمنِ يا مَنْ *** بِبُرْدَيْهَا الْعَفَافُ زَهَا وَطَابا

و يا بِنْتَ السَّماءِ سَماءِطة *** أبِيدي في مَثُوبَتِكِ الْعِقابا

أنا مَنْ؟... مَنْ أنا؟ أنا تُرْبُ نَعْلٍ *** يُذَوِّبُ عندَ كَعْبَيْكِ الصَّعابا

(كَأَنَّ الْأُفُقَ في رأدِ الضُّحى كَمْ *** لَدَى نَعْلَيْكِ يَشْتَاقُ التُّرابا)

لتَوّاقٌ إلى تَعْفِيرِخَدٍّ *** فَآتِيني و إيّاهُ الطَّلابا

و في ذكراك أغْرِقْنِي دُموعاً *** لعلكِ تَغْسِلينَ بها العِتابا

ص: 89


1- خنوع: خضوع و ذلّ.

(18) بورك العرسُ

(بحر الرمل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي (*)(1)

أيُّ شَهْرٍ قَدْ أَظَلَّ المُسلِمينْ *** بالتّهَاني وَ بِمَرْفُورِ الثَّوابْ(2)

هُو شَهْرُ اللَّهِ رَبِّ العَالَمِينْ *** حَيِّ مَن يَعْرِفُ سِرَّ الانتِسابْ(3)

***

بَعْدَ بَدْرٍ لاحَ لِلعَيْنِ الهِلالْ *** وَ كِلا الأمْرَيْنِ في شَهْرِ الصِّيامْ

لاتَخَلَهُ جَاءَ نَقصاً عَنْ كَمالْ *** بَل هُما قَدْراً تَمامٌ في تمَام

قُمْ فَسَلْ مِنِّي مُجيباً للسُّؤال *** و إليهِ يَنتَهِي فَصْلُ الكَلامْ

يَوْمَ بَدرٍ كان نَصْر المُسلِمِينْ *** وَ لأعدائِهمُ ضَرْبُ الرِّقابْ

و بِتَالي العامِ جبريلُ الأمينُ *** بَشَّرَ المُختارَ فِي خَيْرِ شَبابْ

***

يَوْمَ بَدْرٍ كانَ لِلَّهِ الغَلَبْ *** بِعَليّ وَ بِأَجْنادِ السَّماءْ

وَ لَقَدْ كانَ لَهُ نِصْفُ السَّلَبْ *** غَيْرَ أنَّ النَّفْسَ عَنْهُ في غَنَاءْ(4)

وَ بِدِرْعٍ وَاحِدٍ عَنْهاانقَلَبْ *** وَ هُوَبِالأجْرِ حَفِيٌّ و الجَزاءْ

وسَلِ المُختارَ و الذِّكرَ المُبِينْ *** مَنْ دَعاه لاِتَّباعِ فَأجابْ

حَسْبُكَ اللَّهُ وَ فَخْرُ المُؤمِنينْ *** حَسِبَ المَجْدُ له ألْفَ حِسَابْ

***

ص: 90


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- موفور الثواب: كثير الثواب.
3- حيّ: قدم التحية.
4- غناء: أغني عنه: أجزاء و كفاه.

حَيَّ يَا رَبِّ وَضاعِفَ شَرَفاً *** بِضْعَةَ المُختارِ ما نَجْمُ بَزَغْ(1)

بَلَغَتْ بنتُ النَّبيِّ المُصْطَفَى *** مَبْلَغاً، مَنْ مِثلُها مَجْداً بَلَغْ

وإذا الأصحابُ كُلِّ ارْهَفا *** غَرْبَ عَزمِ و بامر ما نَبَغْ

خَطَبُوا بِضْعَةَ خَيْرِ المُرْسَلِينْ *** و لَقد رَدَّهُمُ ذاكَ الجَنَابْ(2)

وَرَقي يُنذِرُ كُل الخاطِبِينْ *** صاحِبُ المَنْبَرِ فِي فَصْلِ الخِطابْ

***

إيهِ يا مَن وَحْدَهُ قَدْ وُلِدا *** وَسَطَ الكَعْبَةِ مِن دُونِ مِراءْ(3)

ص: 91


1- بزغ النجم: طلع...
2- و الأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في ذخائر العقبى/ للطبري ص29-30-31 و غيره من المصادر: عن أنس بن مالك قال: خطب أبوبكر إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم ابنته فاطمة فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم يا أبابكر لم ينزل القضاء بعد. ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول مثل قوله لأبي بكر فقيل لعلي علیه السلام: لو خطبت إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم الا اهل الخليق أن يزوجكها. قال و كيف و قد خطبها أشراف قريش فلم يزوّجها؟ قال: فخطبتها فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد أمرني ربي «عزوجل» بذلك. قال أنس: ثم دعاني النبي صلي الله علیه و آله و سلم بعد أيام فقال لي: يا أنس أخرج أدع لي أبابكر و عمر و عثمان و عبد الرحمن و سعد بن أبي وقاص و طلحة و الزبير و بعدّة من الأنصار-قال: فدعوتهم فلما اجتمعوا عنده كلهم و أخذوا مجالسهم و كان علي غائباً في حاجة للنبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب في عذابه وسطوته النافذ أمره في سمائه و أرضه الذي خلق الخلق بقدرته و ميّزهم بأحكامه و أعزهم بدينه و أكرمهم بنبيه محمد صلي الله علیه و آله و سلم. إن الله تبارك اسمه و تعالت عظمته جعل المصاهرة نسباً لاحقاً و أمراً مفترضاً أوشج به الأرحام و الزم الأنام فقال عز من قائل: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» فأمر اللَّه يجري إلى قضائه و قضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» ثم إن الله «تعالى» أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام بنت خديجة من علي بن أبي طالب علیها السلام فاشهدوا أني قد زوّجته على أربعمائة مثقال فضّة إن رضي بذلك علي بن أبي طالب علیه السلام. ثم دعا بطبق من بسر فوضعت بين أيدينا ثم قال: انتبهوا فانتبهنا. فبينا نحن ننتبه إذ دخل علي علىه السلام النبي صلي الله علیه و آله و سلم فتبسم النبي صلي الله علیه و آله و سلم في وجهه ثم قال: إن اللَّه قد أمرني أن أزوجّك فاطمة علیها السلام على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذاك، فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال أنس: فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم جمع الله شملكما و أسعد جدكما و بارك عليكما و اخرج منكما طيباً. قال أنس: فواللَّه لقد اخرج منهما الكثير الطيّب.
3- مراء: جدال...

قُمْ وَ بادِرٌ خاطِباً مِن أحْمَدا *** فاطماً كُفْوَكَ مِنْ كُلِّ النِّساءْ

فَكَما كُنْتَ بِذَيْنِ المُفْرِدَا *** مُفْرَداً زُوِّجُتَ مِنها في السماءْ

وَ لَكَمْ خَصَّكَ رَبُّ العالَمِينْ *** بِمَزايا دُونَ أدناها الحِسابْ

ليْسَ للشَّمْسِ سوى البَدرِ قَرينْ *** قم إذنْ و اكشِفْ عن الحقِّ النِّقاب

***

طَرَقَ البابَ عَليُّ وَ إذا *** برَسُولِ اللَّهِ يَدْعُو زَوْجَهُ

إفتَحِي البابَ أخي حيدرُ ذا *** مَن رقى مِن كلِّ مَجدٍ أوْجَهُ(1)

هُوَ فِي عَيْنِ المُعادينَ قَذا *** وَ هوَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً أَوْجَهُ(2)

مِنْ جَمِيعِ النّاسِ، وَ الحَبْلُ المَتِينُ *** ما أتى مُعْتَصِمٌ فيهِ فَخابْ

وَ هُوَ سِرُّ اللَّهِ خَيْرِ النّاصِرِين *** وَ هُوَ أَغْلَى النَّاسِ ذِكْراً في الكِتَابْ

***

دَخَلَ الهادي على خیرِ نذیرْ *** مُطْرِقاً بالرّاسِ منه خَجِلا

وَ لَقَدْ بَشَرَهُ خَيرُ بَشيرْ *** فأماطَ الهمَّ عنهْ وَجَلا(3)

جاءَ جبريلُ لهُ خَيرَ سَفيرْ *** عن إلهِ عَزَّ قدراً وَ عَلا

زوَّج النُّورَ منَ النُّورِ المبين *** فاطماً مِنْ حَيدرٍ عالي الجنابْ

فَلقَد زَوْجَه الرَّبُّ المُعين *** في السِّما مِن قَبْلِ أَرْضٍ و تُرابْ

***

وَ هُنا دارَ حِوارٌ في الكلامْ *** وَ كِلا الشَّخصين في القولِ أَجَادْ

قال ما تمْلكُ مِن هذا الحُطامْ *** قالَ صَمصاماً مُعَدّاً للجهادْ(4)

و بعيراً يستقي فيهِ الإمامْ *** ثُمَّ دِرْعاً حازَها بَعدَ الجِلاد

ص: 92


1- أوجه: أوج الشيء ذروته.
2- أوْجَه: من الوجاهة أي قدراً وجيهاً.
3- أماط: أزاح أو أزال جلا: أوضح و بيّن.
4- صمصاماً: الصمصام: السيف.

يَوم بَدَرٍ و هْو في النِّصفِ قَمين *** و هْو عَنها في غِنَّى يومَ الحرابْ(1)

إنَّه يبرزُ ليثاً مِن عَرِين *** و الحُسامُ العَصْب يُنضى عنِ قراب

***

عندَها ازيَّنتِ الحُورُ وَ قَدْ *** صَدَر الأمرُ مِن الرَّبِّ الجَليل

و على فاطمة الزهراعَقَدْ *** لِعليٍّ فَتَامَّل -جبرئيلْ

جَدَّ لِلفضْلِ وَ من جَدَّ وَجدْ *** و جَميلُ الفِعلِ عُقباه جميلْ

و إذا الأملاكُ كانوا الخاطِبين *** بوركِ العِرسُ بِلا أدنى ارتيابْ

وإذا باركَ خَيرُ المُرسَلين *** لِلعَروسين لَه الحَقُّ استجابْ

***

وَجَرى في العُرس ما لا يَخطُرُ *** أبداً في البالِ مِن فَضلِ الكريمْ

وَ نِتاج العرس منهُ أكبرُ *** و عظيمٌ مُنتجٌ كلَّ عظيمْ

حسنٌ مؤْلِدُه إذ يذكَرُ *** هامت العَليا وَ حَقِّ أنْ تَهيمْ

جاءَ عالي النَّفسِ وضَاحَ الجَبينْ *** يَنتَهي المَجدُ لَه من كلِّ بابْ

و لَقَدْ نالَ أميرُالمُؤمنينْ *** بإبنِهِ أقصى أمانيه العِذابْ

***

وَ لقَد بَشَّر فيهِ المُصطفى *** بِنْتَه الزَّهراءَ عن وَحيِ الإلهْ

و إذا من نُورِه اشتُقَّت ذُكا *** فَهَلِ الوَصْفُ مُحِيطٌ بِسناهْ

وَ لَقَدْ لُقب مِنْهُ بالرّضا *** وَ هُو بالسَّيِّد و السِّبطِ اجْتَباهْ

و هو الحُجَّةُ و البَرُّ الأمِين *** و من العليا له أعْلى نِصابْ

و هو من يُعجزُ وصفَ الواصفين *** غُرفةَ الكفّ من البحر العُبابْ(2)(3)

ص: 93


1- قمين: جدير. الحراب: هنا بمعنى الحرب.
2- العُباب: عباب البحر: موجه، و المعنى هنا أن كل محاولةَ لوصف شجاعته، كغرفة الكف من البحر العظيم الواسع.
3- ديوان الربيعي ص32 موشَّحة في مولد الإمام الحسن السبط علیه السلام لا أخذنا ما نحن بصدده.

(19) عاشت قليلاً

(بحر الكامل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

دَهْرٌ يَحارُ بِهِ ذَوُو الألبابِ *** لازالَ يأتينا بِكُلِّ عُجابِ

أَعْلَى رَواسِيهِ تَطُولُ وهادُهُ *** وَ عَلى الرُّؤْوسِ تَطاوُلُ الأَذْنَابِ(2)

أوَ مِثْلُ حَيْدَرَ، وَ هُوَ لَيْثٌ خادِرٌ *** يَلِجُ العَدُوُّ عَلَيْهِ وَسْطَ الغَابِ(3)

عَلِمُوا بِأَفْعَى بَأْسِهِ مَرْصُودَةً *** بِوَصِيَّةٍ نَفَذَتْ وَ سَبْقِ كتابِ(4)

فَتَواثَبُوا بَغْياً عَلَيْهِ وَ أَحْدَقُوا *** في دارِهِ بِالنّارِ وَ الأَخطابِ(5)

ص: 94


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الوهاد: الأرض المنخفضة.
3- خادر: ليتٌ خادرٌ أي أسدٌ لازمٌ لعرينه.
4- عن كتاب سليم بن قيس تقديم و تحقيق علاء الدين الموسوي ص20 «أقبل النبي صلي الله علیه و آله و سلم علي علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد أعواناً فاصبر واكفف يدك و لاتلق بيدك إلى التهلكة» و راجع ينابيع المودة ص182 عن أبي يعلى الموصلي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يا علي علیه السلام إنك ستبلى بعدي فلا تقاتلنَّ» و في التاريخ الكبير ج1 قسم/2 ص174 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم العلي: (إن الأمة ستغدر بك) راجع الكنى و الأسماء ج1 ص104 و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج11 ص216 تجد غير ذلك.
5- في كتاب سليم بن قيس ص36: ثم أمر عمر ناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام و ابنيهما علیهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام و فاطمة علیها السلام واللَّه لتخرجنَّ يا علي علیه السلام و لتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وإلا أضرمتْ عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب و في البحار ج8 ص59 نقلاً عن ابن أبي الحديد قال: قال عمر وايم اللَّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء الناس عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم» و في العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص252 جاء: إنَّ عمر بن الخطاب، جاء إلى بيت فاطمة علیها السلام بقبس من نار يريد أن يحرقه على من فيه فخرجت إليه فاطمة علیها السلام تقول: يا ابن الخطاب جئت تحرق دارنا؟ قال: نعم.

مَنْ ذَاكِرٌ بِنْتَ النَّبِيِّ ، وَ قَدْ رَاتْ ***حَرْقَ المَحَلِّ عَزِيمَةَ الأَصْحَابِ

لَمْ يَقْنَعُوا بِتَذَكَّرٍ، لَمْ يُقلِعُوا *** بِتَعَظُفِ، لَمْ يَرْجِعُوا بِعِتابِ

فَهُنالِكُمْ فَتَحَتْ لَهُمْ باباً لَهُ *** قَدْ كانَ جبريلٌ من الحُجَابِ

لَمْ يُمهِلُوها أَنْ تَلوُثَ خِمَارَها *** فَلِذالِكُمْ لاذَتْ وَرَاءَ البَابِ(1)

مَنْ عَاذِرِي مِنْ ذِكْرِ ما صَنَعُوا، وَ قَدْ *** هَاجَتْ هُناكَ ضَغَائِنُ الأحزابِ

اللَّهُ أكبرُ، مِثْلُ بَضْعَةِ أَحْمَدٍ *** تُسْقى كُؤُوسَ الذُّلّ وَ الأَوْصابِ

لَمْ أَنْسَها تَشْكُو إِلَيْهِ شُجُونَها *** وَ أَمَضٌ شَكْوَى المَرءِ لِلأحبابِ(2)

ص: 95


1- في كتاب سليم بن قيس ص39: «قال»: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله ما عليها من خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك -تنادي بأعلى صوتها- و قد صاغ الشاعر هذا المعنى في أبيات جاء فيها: قال سلیم قلت یا سلمان *** هل دخلوا و لم يك استئذان قال بلى و عزة الجبار *** و ما على الزهراء من خمار
2- في هذا البيت يشير إلى بكاء الزهراء علیها السلام عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و مناجاتها له بأشعارها و من تلك الأشعار قولها: اغبر آفاق السماء و كوّرت *** شمس النهار و أظلم العصران فالأرض من بعد النبي كثيبة *** أسفاً عليه كثيرة الرجفان فليبكه شرق البلاد و غربها *** و لتبكه مضر و كلِّ يمان يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه *** صلّى عليك منزّل القرآن و من أشعارها في شكواها لأبيها كما في أعيان الشيعة ج2 ص320: ماذا على من شم تربة أحمدٍ *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت عليَّ مصائب لو أنَّها *** صبت على الأيام صرنَ لياليا و مما نسب إليها في ذلك أيضاً قولها: إن حزني عليك حزن جديد *** و فؤادي والله صبِّ عنيد كل يوم يزيد فيه شجوني *** و اكتئابي عليك ليس يبيد جلَّ خطبي فبان عني عزائي *** فبكائي كل وقت جديد إن قلباً عليك يألف صبراً *** أو عزاءً فإنّه لجليد راجع البحار ج43 ص175، و جاء في البحار أيضاً ج43 ص156 قال: نقلاً عن کتاب الخرائج قال أبوعبدالله:«إن فاطمة علیها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً و كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل علیه السلام يأتيها و يطيَّب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه في الجنة و يخبرها ما يكون بعدها في ذريتها وكان علي علیه السلام يكتب». و راجع أيضاً الخصال للصدوق باب الخمسة -البكاؤون الخمسة.

أبتاهُ إِنَّ الجاهِلَيَّة أَظْهَرَتْ *** ما أَضْمَرَتْ في سالِفِ الأَحْقابِ

أبتاهُ أَدْرِكْنَا، فَقَوْمُك كُلُّهم *** مِن بَعدِكَ انْقَلَبُوا عَلَى الأَعْقابِ(1)

غَصَبُوا تُراثِي، لَبَّبُوا بَعْلِي، هَوَى *** مِن عَصرِهِمْ حَمْلي عَلَى الأَعْتَابِ(2)

ص: 96


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران آية: 144]. كما ورد عن كتاب شرح خطبة الزهراء علیها السلام فقد روي عن صحيحي البخاري ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: ليردنَّ علي رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا اختلجوا دوني فلأقولن: أي ربّ أصحابي، فليقالن: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. و روي أيضاً عن الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي أو -قال من أمتي- فيحلؤون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك ارتدّوا على أعقابهم القهقري. عن البحار ج28 ص22- 24.
2- لببوا: جرَّوا. و يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة عن لسان الزهراء علیها السلام إلى غصب فدك منها و ادعائهم حديثاً عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة. و أخذهم الكتاب منها و تمزيقه بعد اعترافهم بأحقيتها لفدك و أخذهم الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام إلى البيعة مليباً مكرهاً. و في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص530 نقلاً عن كتاب البحار ج8 ص240-241: «فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا فوقّفتُ بعضادة الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي أن يكفّوا عنا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، و ركل الباب برجله فرده عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم... الخ. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص109. وحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».

كِتْفَيَّ قَدْ ضَرَبُوهما، قُرْطَيَّ قَدْ *** نَشرُوهُمَا، هَتَكُوا عَلَيَّ حِجابِي

كَسَرُوا ضُلوعِي، أثْبَتُوا المِسْمارَ في *** صَدْرِي، وَ شَقُوا بَعْدَ ذاكَ كِتابِي

وَ كَذَلِكَ انْكَفاتُ لِمَسْجِدِ أَحْمَدٍ *** مُدْغَصَّ بالأنصارِ وَ الأصحابِ(1)

خَطبَتْ فَأَوْقَرَتِ المَسَامِعُ وَعْظَها *** بحَكِيمٍ أَسْلُوبِ وَ فَصْلِ خِطَابِ

بِالنُّطقِ تُفْرِغْ عَنْ لِسَانِ المُصْطَفَى *** وَ لَرُبَّ نُورٍ كان ذا القابِ

إني وَدِيعَةُ أَحْمَدِما بَيْنَكُمُ *** ياقومُ فَارْعَوْا جانبي و جنَابِي

ص: 97


1- يشير الشاعر في الأبيات الثمانية إلى ذهابها إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خطبتها فيه، ففي البحار ج8 ص109- 112 ط الكمباني قال: روى عبد الله بن الحسن علیه السلام بإسناده عن آبائه علیه السلام أنه لما أجمع أبوبكر على منع فاطمة علیها السلام فدك و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمةٍ من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها مُلاءة فجلست ثم أنت أنّةً أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيئةً حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأتْ فورتهم افتتحت الكلام بحمدالله... الخ. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص131. ورد في خطبتها سلام الله عليها تنبيه القوم إلى تبديل أحكام الله بأحكام الشيطان و ظهور النفاق بعد الإيمان و الانقلاب على الأعقاب. فقد قالت علیه السلام: فلما إختار اللَّه لنبيه دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الأقلين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين -إلى قولها علیها السلام-: بئس للظالمين بدلاً «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»، ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي و إطفاء أنوار الدين الجلي و إهمال سنن النبي صلي الله علیه و آله و سلم الصفي تشربون حسواً في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخَمَرِ و الضراء -إلى قولها سلام الله عليها- و قضاء حتم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران الآية: 144]. و الخطبة طويلة ذكرناها سابقاً.

الْمَرْءُ يُحفَظُ في بنيهِ و انْتُمُ *** ضَيَّعَتُمُ المُختارَ فِي الْأَعْقَابِ

أمِنَ المُرُوةِ أَنَّ إرثيَ مِنْ أَبِي *** يُزْوى وَ يُلغى كُلُّ ما أوصى بي؟(1)

أَيُرَدُّ نَصُّ الذُّكْرِ بِالمِيراثِ مِنْ *** جَاءِ كِذْبَةِ مُفْتَرٍ كَذَّابِ

أَرَضِيتمُ الدُّنيا عن الأخرى، وَ قَدْ *** غَرَّتْكُمُ بالمَنْظَر الخَلاّبِ

بأبي الّتي عاشَتْ قليلاً وَ هُيَ لَو *** لاَالْوَجْدُ قُلْتُ عَدِيمَةُ الأَتْرابِ(2)

من ذاكِرٌ أَهْلَ العَباءِ، وَ قَدْ قَضتْ *** خَطبٌ يَهُونُ لديهِ كلَّ مُصابِ؟

مَنْ مُسْعِفٌ بالنَّوْحِ قَلْبَ المُرْتَضَى *** مُذْجَرَّدَ الزَّهرا مِن الأَثْوَابِ؟

ماذا رأى في جَنْبِها فَنَحِيبُهُ *** بِتَتَابُعٍ وَ الدَّمعُ في تَسْكابِ؟

ألفى على المِصْباحِ بَعْضَ ضُلُوْعِها *** مَكسورةٌ مِن عَصْرِها بِالْبابِ

يا لَيْتَهُ ألفي حُسيناً عارياً *** رَضَتْ قَراهُ صَوافِنُ النِّصَّابِ(3)

وَ عَلَى القَنا يَتْلُو الكِتابَ كريمُهُ *** وَ يَصُونُ نِسوَتهُ عَلَى الأَقْتابِ(4)(5)

ص: 98


1- يزوى: يُمنع، يحتاز.
2- الأتراب: جمع ترب و هو الذي يولد مع الإنسان.
3- قراه: ظهره. و الصوافن: الخيل. روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خرج و عليه مرط مرجِّل من شعر أسود موشى منقوش فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فأدخله معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» الزمخشري في تفسيره الكشاف ج1 ص193، و الإمام الرازي في تفسيره ج2 ص700 طبعة الأستانة، و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12، و سبط ابن الجوزي في تذكرة الأئمة ص244 و غيرها.
4- الأقتاب: مفرده القتب و هو الرَّحْل. روي عن زيد بن أرقم قال: كنت في غرفة لي فمرّوا عليَّ بالرأس (رأس الحسين علیه السلام) و هو يقرأ: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» [سورة الكهف الآية: 9] فوقف شعري و قلت: واللَّه يا بن رسول اللَّه رأسك أعجب و أعجب الخصائص الكبرى ج2 ص125 و مقتل الحسين علیه السلام لأبي مخنف ص175، و صلب على شجرة فاجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع فأخذ يقرأ: «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» ابن شهر آشوب ج2 ص188.
5- من ديوان الربيعي ج1 ص109.

(20) المفروض نصاً

(مجزوء الرّمل)

الشيخ عبد الغني الخضري

أَيُّ خَطب باغَتَ الأُمّةَ شِيباً و شَبابا(1)

فَاضَ بِالأَرْزَاءِ حَتَّى طَبَّقَ الدُّنيا مُصَابا

شَمِلَ البَحْرَ فَعَادَ البَحْرُ مِلْحاً وَيَبَابا(2)

وَ لَوَى البَرَّ فَعَادَ البَرُّ بِالرُّزْءِ خَرابا

مَلَةَ الكَوْنَ مِنَ الفادِحِ خَوْفاً وَ ارْتِيابا

مَادَتِ الأَرْضُ وَ مَادَ الأُفْقُ فَانْهَدَّ انْقِلابا(3)

وَ سُوارُ اللّيل تنقضُ شِهَاباً فَشِهابا(4)

فَالَّذِي نَدَّ لَهُ قَلْبٌ دَماً فاضَ مُذابا

وَ الّذي ارْتَدَّ له طَرْفٌ هَمَى بَحْراً عُبابا(5)

***

ما الذي اهْتَزَّتْ له البِيدُ سُهولاً و هِضابا؟

ص: 99


1- باغَتَ: فاجأ.
2- يَبابا: خراباً.
3- مادت: تَحّركت و اضطربت و زاغت و دارت.
4- سُوار: جدَّة.
5- همی: سال. عُباباً: العُباب معظم السيل، ارتفاع السيل و عُباب البحر: موجه.

وَ عَلَيْهِ دَوَّتِ الأقرانُ كَالأُسْدِ غِضابا

إِنَّهُ اليَوْمُ الَّذي وَسَّعَ لِلْأَحْزانِ بابا

جَدَّدَ الرُّزءَ الذي أعْقَبَ طه يَوْمَ غابا

وَ لَوَى حَيْدَرَ حَتَّى انْصَاعَ لِلرُّزءِ اضْطِرابا

غالَبَ الصَّبْرَ مِنَ السِّبْطَيْنِ فَاسْتَعْلَى غِلابا

وَبَكَتْ زَيْنَبُ حَتَّى اخْضَلَّتِ الأَرْضُ جَنَابا

إِنَّه اليَوْمُ الّذي أَضْفَى عَلَى الرُّشْدِ حِجابا

وَعَلَيْهِ عَنْ عُيُونِ الأهْلِ قَدْ لاتَ نِقابا(1)

إِنَّهُ اليَوْمُ الّذي ماتَتْ بِهِ الزَّهْرا اكتتابا

وَ عَلَيْها حَسْرَةٌ حَتَّى فُؤَادُ الصَّخرِ ذابا

***

ساءَ قَوْمٌ دُونَ ما تَبْغِيهِ قَدْ حَالُوا ذِئابا

فَصَبُوها إزْلَها المَفْرُوضَ نَصْاً و كِتابا(2)

ص: 100


1- لاثَ: غطّى و اكتنف.
2- أشار إلى غصب القوم لفدك من الزهراء علیها السلام و هي المفروضة لها كما في النصوص. لما نزلت: «وآت ذا القربى حقه» [الإسراء، الآية : 26]. دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً ذكره السيوطي في الدر المنثور عن أبي سعيد الخدري ج4 ص177 و ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج7 ص52. و ذكره الهندي في كنزه ج3 ص767 ح رقم 8696 عن أبي سعيد الخدري أيضاً. و في مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم في هذا المال وإني والله لاأغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأبى أبوبكر يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علىها السلام أبي بكر في ذلك» إلى آخر الحديث. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هانىء قال: دخلت فاطمة علىها السلام أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له:لئن مُتَّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي و أهلي، قالت فلم ورثتَ أنتَ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت : بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم أفعل حدثني رسول الله...الخ». و ذكره في السيرة الحلبية ج3 ص487. و ذكره الطبرسي في الاحتجاج، ج1 ص131- 144 مطولاً. و في صحيح مسلم/ ج3 ص1371 ح54 عن عائشة في حديث لها قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من خيبر و فدك -و صدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك.

هاجَمُوا الدَّارَ وَ فِيها أَلْهَبُوا النَّارَ الْتِهابا(1)

ص: 101


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 قال: ضمن حديث طويل: «ثم أمر «يعني عمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي علیه السلام و فاطمة و ابناهما علیهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام والله لتخرجنَّ ولتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضر منَّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلّا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 قال: زيادة على ما في الاحتجاج: فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت يا أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه و دخل...الخ. و في ص208 من كتاب سليم بن قيس قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ... إلى آخر الحديث. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: «إن أبابكر بعد أن أخذ البيعة لنفسه الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة ابن الجراح و جماعة أخرى -من المنافقين- إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام، و جمع عمر الحطب على باب فاطمة علیها السلام «ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: السلام عليكم أهل بيت النبوّة علیهم السلام و ما كان يدخله إلا بعد الاستئذان». و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه، عصر عمر بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة، فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وبضعته حتى أدموا جسمها.

كُمْ رَأَتْ مِنهم هَوَاناً وَ كَم انتابَتْ عَذابا

عَجباً! إِنْ سُئِلوا ماذا يَرُدّونَ الجَوابا؟

وَ إِذَا ما حُوسِبوا يُلاقُونَ الحِسابا؟(1)

ص: 102


1- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص225.

(21) بيت القدس

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم صادق (*)(1)

هي فاطمٌ كَمْ لِلْمَصائِبِ صابَها *** جَرَعَتْ وَ كَمْ قَدْ كَابَدَتْ أَوْصابَها

نَقَلَ الزَّمانُ لها كِنَانَةَ نَبْلِهِ *** وَ رَمَى وَ فِي كُلِّ السِّهامِ أَصَابَها

أحْنَى أَضالِعَها عَلَى جَمْرِ الغَضًا *** أَجْرَى مَدامِعَها أَمَرَّ شَرَابَها

ص: 103


1- (*) الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ حسن صادق. ولد في الخيام من قضاء مرجعيون في جبل عامل من جنوب لبنان في سنة (1311ه_) الموافق (1890م). نشأ و تربى في أسرة علمية اشتهرت بالفضل و الأدب و برع من هذه الأسرة رجال كثيرون، و كان والده الشيخ حسن أحد رجال الدين المعروفين بالعلم و الورع و الزهد و التقوى و كان المترجم له أحد أفراد هذه الأسرة الكريمة. فأنهى دراسته الابتدائية في جنوب لبنان على يد خاله الشيخ عبد الحسين صادق، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الدينية في الحوزة العلمية، و ذلك في عام(1325ه_). أكمل دراسته الحوزوية في النجف الأشرف على أساتذته العلماء اللامعين فكان من أساتذته الشيخ محمد كاظم الأخوند الخراساني صاحب (الكفاية). و حضر درس الخارج على يدي المرجع الديني الكبير السيد أبي الحسن الأصفهاني و المرجع الديني الشيخ ميرزا حسين النائيني. ثم عاد إلى مسقط رأسه الخيام عام (1339ه_) بعد أن حاز على رتبة الاجتهاد من الأساتذة المذكورين و عرف بالصلاح و الفضل و التقوى، و قد وفق المترجم له لتأسيس و بناء حسينية الخيام بجوار المسجد الجامع الذي بناه خاله العالم الكبير الشيخ عبد الحسين صادق. لبي دعوة ربه في 4 آذار عام (1972م) و أقيمت له مجالس التأبين في جنوب لبنان. (1) نثل الكنانة: استخرج نبالها و نثرها. (2) الغضا: شجر جمره شديد الالتهاب لا ينطفىء بسرعة.

أَعْدَى عَلَيْها مَنْ أراعَ جَنابَها *** وَ جَنَابُ خَيْرِ الرُّسُلِ كَانَ جَنابَها

هِيَ بِنْتُ أَحْمَدَ مَنْ حِماه حمى لها *** وَ هِيَ الَّتي مَنْ هَابَ أحْمَدَ هابَها

هِيَ بِضْعَةُ الهادي وَ مَنْ إغضابُهُ *** في النَّصَّ مِنْهُ مُلازِمٌ إغْضابَها(1)

هِيَ أَمْ أَشبالٍ وَ لَبْوَةُ ضَيْغَمٍ *** مَنْ جَاءَ مُجْتَرِنَا وَ هَاجَمَ عَابَها

مَنْ قَادَ عُنْفاً بَعْلَها وَ هُوَ الَّذي *** كَمْ قادَ مِنْ غُلْبِ الرِّجالِ صِعابَها؟

هِيَ حِكْمَةٌ لِلَّهِ أَدْهَشَ سِرُّها *** أهْلَ الْعُقولِ مُبليلاً الْبابَها

مَنْ حَوْلَ بَيْتِ الْقُدْسِ جَاءَ مُجَمْعاً *** خطباً لِيُحْرِقَ لِلزَّكِيَّةِ بابَها؟(2)

ص: 104


1- إشارة إلى ما روي في كنز العمال للمتقي الهندي ج6 ص220: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني، و ذكره المناوي أيضاً في القدير ج4 ص421 و قال: استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه و أنها أفضل من الشيخين و رواه النسائي أيضاً في خصائصه ص35 و روى الترمذي أيضاً في صحيحه ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد الله عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنها ابنتي فاطمة عليها السلام -بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.
2- إشارة إلى هجوم القوم على دار فاطمة علیها السلام و حرقهم بابها، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص35 في حديث طويل عن سلمان، لمّا كان الليل حمل علي فاطمة علیها السلام على حمار و أخذ بيده ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقّه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة فى نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إيّاه لزم بيته فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا و قد بايع غيره و غير هؤلاء الأربعة، و كان أبو بكر أرق الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظهما و أغلظهما و أجفاهما، فقال له أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظّ غليظ جافّ من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله إليه، و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن علي علي عليه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا ، فقالت فاطمة علیها السلام: أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت كذا وكذا، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء!! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر، حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، وإلاّ أضرمت عليك بيتك النار فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى آخر الحديث.

منْ عَنْوَةٌ وَلَجَ الْحِجَابَ على التي *** أَرْخَى عَلَيْهَا ذُو الجَلالِ حِجَابَها؟

مَنْ رَضَّها ضلعاً وَ أَوْسَعَ مَتْنَها *** ضَرْباً وَ سَوَّدَ بالسياط إهابها؟(1)

مَنْ صَدْرَها أَدْمَى و أَسْقَطَ حَمْلَها *** فَمَضَتْ تُقاسِي لِلْمَخَاضِ عَذَابَها؟(2)

مَنْ هَاجَ زَفْرَتَها وَ أَجْرَى دَمْعَها *** وَ ابْتَزَنِحْلَتَها وَ شَقَّ كِتابها؟(3)

ص: 105


1- إشارة إلى ضرب القوم لفاطمة الزهراء علیها السلام و كسرهم ضلعها. فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ «لع» فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و بادر علي إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ، اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام. الحديث طويل أخذنا منه موضع موضع الحاجة.
2- إشارة إلى إسقاط جنين الزهراء علیها السلام بعد هجوم القوم عليها فقد روي في البحار ج53 ص18 و أخذت النار في خشب الباب، و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صَفعة خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء، و تقول: وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- إشارة إلى اغتصاب القوم لفدك. فقد روي عن علي في شرح النهج ج16 ص274 قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت إن أبي أعطاني فدكاً و علي و أم أيمن يشهدان، فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحقّ قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها، فخرجت فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً، و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: اعطيت فاطمة فدكاً، و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن علياً علیه السلام يجرُّ إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و خرقه.

مَنْ رَدَّ حُجَّتَها وَ أَبْطَلَ إِرْثَها *** عَمْداً و أَغْلَظَ في الجِدالِ خِطابَها؟(1)

تَسْتَنْجِدُ الأصْحابَ وَ هْيَ كَطَالِبٍ *** في الْأَرْضِ رِيَّ ظَماً فَأَمَّ سَرابَها

وَ بِغَيْظها انْكَفَأَتْ تُناقِلُها الْخُطَى *** نَحْوَ الْوَصِيِّ لَهُ تَبُثُ عِتابَها

أَعَلِيُّ مَا عَهْدِي بِآسادِ الشَّرى *** تَعْنُو وَ تَلْوِي لِلذَّتَابِ رِقَابَها؟(2)

وَ مَتى بُغاثُ الطَّيْرِ صادَ عُقابَها *** لَمْ يَخْشَ مِنْسَرَها و لامِخْلابَها؟(3)

أعَلِيُّ هَلاً غَضْبَةً مُضَرِيَّةً *** رُعْباً تَهُزُّ مِنَ الجِبَالِ هِضابَها

هِيَ نِحْلَتِي ابْتُزَّتْ وَ ارْثي طُعْمَةً *** أَمْسى وَ عَيْنُكَ أَغْمَضَتْ أَهْدَابَها

أأَضامُ وَ الضَّرْعامُ وَسُطَ عَرِينَتِي *** جَاتٍ قَدِ افْتَرَضَتْ يَداهُ تُرابها؟

ص: 106


1- إشارة إلى رد حجة الزهراء علیها السلام في أمر فدك. جاء في الاختصاص للشيخ المفيد ص183 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر، ادعيت أنك خليفة أبي و جلست مجلسه و إنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك و قد تعلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم صدّق بها عليّ و أنّ لي بذلك شهوداً، فقال لها: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه و قولي له: زعمت أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث، و ورث سليمان داود، و ورث يحيى زكريا، و كيف لاأرث أنا أبي؟ فقال عمر: أنت معلّمة، قالت: و إن كنت معلّمة فإنما علّمني ابن عمي و بعلي علیه السلام. فقال أبوبكر: فإنّ عائشة تشهد و عمر أنهما سمعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هو يقول: إنّ النبي لايورّث فقالت: هذه أول شهادة زور شهدا بها في الإسلام. ثم قالت: فإنّ فدكاً إنما هي صدّق بها عليَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ولي بذلك بينة، فقال لها: هلمي ببينتك قال: فجاءت بأم أيمن و علي علیه السلام. فقال أبوبكر يا أم أيمن إنك سمعت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول في فاطمة علیها السلام؟ فقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة. ثم قالت أم أيمن: فمن كانت سيدة نساء أهل الجنة تدّعي ما ليس لها ؟ و أنا امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهد إلا بما سمعت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال عمر: دعينا يا أم أيمن من هذه القصص و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- آساد الشرى: أسد الشرى يضرب به المثل و الشرى يعني الجبل أو الطريق أو الناحية.
3- بغاث الطير: ضِعافها. و المِنْسَر هو الطير الجارح مثل المنقار لغير الجارح.

وَ صَفِيحَةُ الْهِنْدِيٌّ رَهْنَ قِرابِها *** أَمْسَتْ وَ مَا أَلْفَتْ، عَهِدَتْ قِرابَها

أَفَهَلْ وَهَتْ تِلْكَ العَزِيمَةُ مِنْ يَدٍ ***كَمْ لِلْمَعاقِلِ طَوَّحَتْ أَبْوابَها؟

حتَّى إِذَا نَفَثَاتُهَا مِنْ صَدْرِها *** أَنْهَتْ لهَا أَنْهَى الحكيم جُوابَها

يا بِنْتَ صَفْوَةِ رَبِّهِ وَ سُلالَةَ الأبرارِ *** مِنْ عَمرو العُلَى وَ لُبابَها

ما إنْ وَ نَيْتُ وَ لاجَبُنْتُ وَ لَمْ أَكُنْ *** خَوَّافَ مَعْرَكَةٍ وَ لاهيابَهَا

أَأَجَرِّدُ الماضِي وَ فِي تَجْرِيدِهِ *** تَقْوِيضُ أَبْنِيَةٍ رَفَعْتُ قِبابَها

أَأَجَرِّدُ الماضي فَتَمْضِي الْقَهْقَرَى عُصَبٌ *** تُوَلِّي دِينَها أَعقابَها؟

وَ لَكُمْ هُنالِكَ مِنْ عَقَارِبِ فِتْنَةٍ *** شالَتْ، لِتَنْفُثَ سُمَّها، أَذْنابُها

إنْ تَأْبَ ِإلاّ جَحْدَحَقِّكَ أُمَّةٌ *** مَلَكَتْ فَإِنَّ إِلَى الْمَلِيكِ إيابَها

هِيَ بُلْغَةٌ مَضمونةٌ لَكَ عِنْدَ مَنْ *** لِلظَّالمينَ لَقَدْ أَعَدَّ حِسابَها

فَاسْتَرْجِعِي يا بِنْتَ أَكْرَم سَيْدٍ *** وَ خُذِي مِنَ الرَّبِّ الجَلِيلِ ثَوابَها

وَلَدَيْهِ فَاحْتَسِبي ظُلامَتَكِ الّتي *** كادَتْ تُزَلْزِلُ لِلسّما أَقْطَابَها

فَاسْتَرْجَعَتْ و مَضَتْ بِغَلَّةِ مُهْجَةٍ *** حَرَّانةٍ لَفْحُ الزَّفيرِ أذابَها

أولِبِنْتِ مُحَمَّدِ مانابَها *** و الحادِثَاتُ لَها أَحَدَّتْ نابَها

هِيَ كالصَّلالِ مِنَ الرِّمالِ تَدافَعَتْ *** وَ ثَابُها مُسْتَتْبِعٌ مُنْسابَها(1)

ذَلَّتْ عَزيزةُ احْمَدٍ مِنْ بَعْدِ أَنْ *** جَاءَتْهُ دَعْوَةُ رَبِّهِ فَأَجابَها

وَ خِيَامُ ذاكَ العِزَّ قَدْ عَصَفَتْ بها *** رِيحُ الْخُطُوبِ وَ زَعْزَعَتْ أَطْنَابَها

هِيَ لَيْلَها شَغَلَتْ بِطُولِ حَنِينِها *** وَ نَهارَها و مَجِينَها و ذَهَابَها

مَعْصُوبَةً رَأْساً رَهِينَةَ عِلَّةٍ *** وَ السُّقْمُ يَمْلأُ وَ الضَّنا جِلْبَابَها

تَحْتَ الْأَراكَةِ نَوْحُها نَوْحُ الَّتي *** فَوْقَ الْأَراكَةِ رَجَعَتْ تنحابَها

وَ البَيْتُ لِلْأَحْزانِ تَسْقِي تُرْبَه *** دَمْعاً حَكَى مِنْ دِيمَةٍ تشكابَها

ص: 107


1- الصَّلال: من الطين هو اليابس الذي يصوّت كالحديد و من الحب ما صفي و نفي عنه التراب.

حَتَّى مَضَتْ مُتَفقداً مِحْرابَها *** تِلْكَ الَّتِي كَمْ لازَمَتْ مِحْرابَها

وَ تَفَقَدتْ مِنْهَا الدُّجُنَّةُ غُرَةً *** كَانَتْ، إذا الشُّهْبُ انْطَمُسْنَ، شِهَابَها

هِيَ نَجْمَةٌ سَطَعَتْ قَصِيراً عُمْرُها *** فَحَكَتْ بِأَسْحَارِ الدُّجى أَترابَها

وَ حَبِيبَةٌ عَجِلَتْ لِوَصْلِ حَبِيبِها *** وَ النَّفْسُ تَطْلُبُ دَائِماً أَحْبَابَها

لاقَتْ رَسُولَ اللَّهِ فَاجْتَمَعَا عَلى *** نَجْوى تَفُتُّ مِنَ الصُّخورِ صِلابَها

أبتاهُ بَعْدَكَ هَلْ عَلِمْتَ بِمَا جَرى *** وَ الْبُومُ بَعْدَكَ أَكْثَرَتْ تَنْعَابَها؟

وَ الطَّائرُ المَيْمُونُ أَخْفَتَ صَوْتَهُ *** وَ مَضى يَؤُمُّ مِنَ الْفَلَاةِ شِعَابَها

و يِدَفنِهَا وَ النّاسُ هُجَعُ نُوَّمٌ *** فِي لَيْلَةٍ سَدَلَ الظَّلامُ نِقابَها(1)

أدَّى وَصِيَّتَها وَصِيُّ مُحَمَّدٍ *** وَ اللَّهُ يَعْلَمُ و الوَرَى أَسْبَابَها

وَ عَلى ثَرى قَبْرِ الزَّكِيَّةِ أَرْخَصَتْ *** عَيْنَاهُ دَمْعَهُما فَبَلَّ تُرابَها

هَاجَتْ بهِ الزَّفَراتُ حَرَّى لَوْبها *** خَضْراءُ تَلْفَحُ أَحْرَقَتْ أَعْشَابَها

ما رِيع مِنْ خَيْرِ الوَرَى بِغِيَابِهِ *** حَتَّى عَلَى عَجَلٍ أُنِيل غِيابَها

وَ بِهَا لَهُ كانَ العَراءُ لِنَفْسِهِ *** فَمَضَتْ وَ جَرْعُ الْحُزْنِ أَصْبَحَ دَابَها(2)

ص: 108


1- إشارة إلى دفن فاطمة الزهراء علیها السلام بعد موتها ليلاً فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص213 ، قال ابن عباس (رضي الله عنه): فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء، و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فأقبل أبو بكر و عمر يعزيان علياً علیه السلام و يقولان:يا أبا الحسن علیه السلام لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فلمّا كان في الليل دعا علي العباس و المقداد و سلمان و أبا ذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها و دفنوها، فلمّا أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- في رحاب الخيام ديوان الشيخ عبد الكريم صادق ص133.

(22) أعلى الورى نسباً

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الله بن معتوق (*)(1)

ص: 109


1- (*) هو العالم الفاضل الفقيه الشيخ عبد الله بن معتوق ابن الحاج درويش ابن الحاج معتوق ابن الحاج عبد الحسين ابن الحاج مرهون البحراني البلادي القطيفي التاروتي. ولد في بلاد آبائه وأجداده (تاروت) في حدود سنة (1274ه ، و تاروت من توابع القطيف الواقعة في المنطقة الشرقية في السعودية، فنشأ في حجر أبيه محباً للخير و ذويه، خفيف الروح قوي الهاجس حصيف الفكر. بدأ في طلب العلم سنة 1291 ه_) هو حينئذ ابن ثماني عشرة سنة تقريباً متتلمذاً على العلامة الشيخ علي ابن الشيخ حسن آل الشيخ سليمان البحراني القديحي، ثم على العالم الرباني الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طعان البحراني، استمر في دراسته عندهم إلى أن هاجر إلى النجف الأشرف سنة (1295ه_) فأقام في العراق مدة تقرب من أربعين سنة أقام شطراً منها في النجف الأشرف لطلب العلم الديني ثم في كربلاء المقدسة لتكميل دروسه و في مجموع هذه المدة كان مثابراً مكباً على الدرس و التدريس و الحضور تحت منابر العلماء الأعلام من مجتهدي عصره حتى حصلت له ملكة الاجتهاد مع فضيلة عالية، و شهد له أهل الخبرة بذلك منح إجازات علمية كثيرة من العلماء العظام مثل السيد علي أصغر الغروي الخثائي و السيد أبي تراب و الشيخ محمد تقي ابن الشيخ أسد الله و السيد محمد الحسيني الكاشاني و الشيخ الميرزا موسى الحائري. و للمترجَم له مؤلفات قيُّمة و مصنفات ثمينة منها رسالة و جيزة في بيان ما هو الأصل في الاشتقاق موسومة بمنية المشتاق لتحقيق الاشتقاق كتبها جواباً لصاحب الفضيلة الشيخ محمد صالح آل طعان البحراني. و منها رسالة في أحكام الشكوك المتعلقة بالصلاة سماها سفينة المساكين لنجاة الشاكين لم تكتمل. ومنها رسالتان وجيزتان في الرضاع. و منها تعليقة مبسوطة على رسالة السيد هاشم الأحسائي. و بعد رحلة طويلة عاد إلى بلاده القطيف عالماً و فقيهاً و مرشداً و موجهاً، و بأخلاقه و سماحة نفسه أصبح الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل، و على يده تنتهي المنازعات، ثم كان القدوة لهم في الأخلاق و الآداب و الكمالات، و كان على درجة عالية من العبادة و التقوى. لبى دعوة ربَّه و لحق بالرفيق الأعلى ليلة الخميس غرّة جمادى الأولى سنة (1362ه) عن عمر قارب التسعين سنة و أقيمت له الفواتح و أبنه الشعراء و الخطباء...

يا سَيِّد الكَوْنِ يا أَعْلَى الْوَرَى نَسبا *** يا خَيْرَ مُنْتَجَبِ مِنْ خِيرَةِ النُّجَبا

يا مَنْ سَمَا في سَمَا الْعَلْيَاءِ مُرْتَقِياً *** حَتَّى عَلا نورُهُ الأَنوارَ و الحُجُبا

و فاخَر الأنبياءَ المرسلينَ بِما *** قَدْ خُصَّ مِمّا لَهُ اللهُ الكَرِيمُ حَبا(1)

كَفاهُ فَخُراً بأَنْ كانَ النَّبِيُّ لَهُ *** جَدّاً وَ فاطِمُ أُمّاً وَ الوَصِيُّ أَبا(2)

فما ترى شرفاً في كُلِّ مُنْتَسِبٍ *** مِنْهُمْ إلى شَرَفِ إلا لَه نَسَبا

عَلَيْهِمُ فَرَضَ البارِي وِ لايَتَهُ *** فَمَنْ تَقَرَّبَ منهم بِالْوَلا قَرُبا

و قَدْ أبَى اللَّهُ أَنْ يَغْشَى بِرَحْمَتِهِ *** مَنْ كَانَ فِي الخَلْقِ طُرّاً لِلْوَلاءِ أَبَى(3)

ص: 110


1- حبا: أعطى من غير جزاء.
2- ربما يكون البيت إشارة إلى مولانا صاحب الأمر «عجل الله تعالى فرجه» و نسبه إلى أهل البيت (عليهم الصلاة و السلام). و في هذا جاء في مسند أحمد ج1 ص99: «حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج و أبو نعيم قالا: حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل، قال حجاج: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله «عزوجل» رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. قال أبو نعيم: رجلاً منا». و في أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص259-260 قال: «روى الأوزاعي عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: سيكون بعدي خلفاء و من بعد الخلفاء أمراء و من بعد الأمراء ملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي علیهم السلام يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً». راجع البحار ج51 ص84 أيضاً و الروايات في ذلك مفصلة في كتب الفريقين لايسعها المجال.
3- قد يكون إشارة إلى وجوب محبتهم علیهم السلام و أنها نجاة من النار و في هذا ورد في البحار ج51 ص73 ح20 عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية». و في تفسير الكشاف/ للزمخشري/ ج3 ص403 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: ألا و من مات على بغض آل محمد علیهم السلام جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللَّه... و في إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي/ ص34 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فلو أن رجلاً صفن بين الركن و المقام فصلى و صام ثم مات و هو مبغض لأهل بيت محمد علیهم السلام دخل النار... و الروايات في ذلك متضافرة في كتب الفريقين اقتصرنا نحن على الإشارة فقط.

فَما مِنَ الماءِ وَ الأَثْمَارِ مُرٌّ فَمِنْ *** بَعْضٍ وَ بِالْحُبِّ بَعْضُ طَابَ أَوْ عَذُبا(1)

وَ لَيْسَ يُوجَدُ مِنْ خَلْقٍ بِعَالَمِهِ *** إِلا وَ قَدْ كانَ في إيجادِهِ سَبَبا

فَمَنْ تَولاًهُ يَلْقَى خَيْرَ مُنْقَلَبٍ *** وَ مَنْ قَلاهُ(2) هَوَى في النَّارِ مُنْقَلِبا(3)

وَمَنْ أرادَ مُناجاةَ الْإِلَهِ وَ لَمْ *** يَمْدُدْ بِهِ سَبَباً لَمْ يَسْتَطِعْ طَلَبا

يا سَيِّداً كانَ في عَرْشِ الْجَلِيلِ لَهُ *** نُورٌ كَسا النَّيْرَيْنِ النُّورَ وَ الشُّهبا

يا آيَةَ الْحَقِّ حَقّاً يَا أَمانَتَهُ *** وَ البابُ وَ الوَجْهُ وَ السِّرُّ الَّذِي حُجِبا(4)

ص: 111


1- في كتاب البحار ج27 ص280 و ج63 ص197 قال: عن الرضا علیه السلام قال: أخبرني أبي عن أبيه عن جده أن أميرالمؤمنين علیه السلام أخذ بطيخة ليأكلها فوجدها مرة فرمى بها و قال: بعداً و سحقاً، فقيل: يا أميرالمؤمنين و ما هذه البطيخة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله تبارك و «تعالى» أخذ عقد مودتنا على كل حيوان و نبت فما قبل الميثاق كان عذباً طيباً و ما لم يقبل الميثاق كان مالحاً زعاقاً.
2- قلاه: أبغضه.
3- في ذخائر العقبى/ للطبري/ ص91-92. عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «يا علي علیه السلام طوبى لمن أحبك و صدق فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب فيك». و في تذكرة الخواص/ للسبط الجوزي/ ص28. عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من أحب علياً علیه السلام فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله و من أبغض علياً علیه السلام فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض الله». و ربما يتضمن البيت الإشارة إلى مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أيضاً و أن ولايته تؤدي إلى خير منقلب و فيها ورد في كتاب البحار ج51 ص143 ح4 عن إكمال الدين عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال من أقرَّ الأئمة و جحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء و جحد محمداً صلى الله عليه و آله و سلم نبوّته. فقيل يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ممن المهدي عج الله فرجه الشریف؟ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه و لايحل لكم تسميته».
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الآية المباركة: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»[ سورة الأحزاب، الآية: 72]. ففي كتاب تفسير نور الثقلين للحويزي ج4 ص311-312. عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله علیه السلام عن قول الله «عزوجل»: «إنا عرضنا الأمانة السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً» قال: «الأمانة الولاية». و إلى الآية المباركة من سورة البقرة: «ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» [سورة البقرة الآية 58]. ففي نور الثقلين عن مجمع البيان: روي عن الباقر علیه السلام قال: قال الباقر علیه السلام نحن باب حطتكم» و في كتاب ذخائر العقبى ص77: قال: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أنا دار العلم و علي علیه السلام بابها» أخرجه البغوي في المصابيح الحسان و أخرجه أبوعمرو قال: أنا مدينة العلم و زاد، فمن أراد العلم فليأته من بابه. و في المستدرك على الصحيحين ج3 ص126 قال: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص114. و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج4 ص348. و في كتاب البحار ج39 ص335 كما في أمالي الصدوق ص39 قال: عن النعمان بن سعد، عن أميرالمؤمنين علیه السلام قال: «أنا حجة اللَّه و أنا خليفة اللَّه، و أنا صراط اللَّه، و أنا باب اللَّه، و أنا خازن علم اللَّه، و أنا المؤتمن على سر اللَّه و أنا إمام البرية بعد خير الخليقة محمد نبي الرحمة صلى الله عليه و آله و سلم). و في ج39 ص349 أيضاً كما في كتاب معرفة أخبار الرجال ص138 قال عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال أميرالمؤمنين علیه السلام أنا وجه اللَّه و أنا جنب اللَّه و أنا الأوّل و أنا الآخر و أنا الظاهر و أنا الباطن و أنا وارث الأرض و أنا سبيل اللَّه و به عزمت عليه فقال معروف ابن خربود و لها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلو.

يا عُرْوَةَ اللَّهِ وَ الحَبْلَ المتينَ و مَنْ *** هُوَ الْكِتَابُ الذي في غَيْبِهِ كُتِبا(1)

وَ هُوَ الَّذِي نَزَلَ الْقُرآنُ فيهِ فَسَلْ *** حم يس عَمَّ المرسلاتِ سَبا

يَا خَاتَمَ الأوْصِياءِ الغُرِّيا خَلَفاً *** بهِ الخِلَافَةُ قامَتْ لا تَرَى عَقَبا

ص: 112


1- يشير في هذا البيت إلى قوله تعالى:«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [سورة البقرة الآية: 256]. ففي كتاب تفسير نور الثقلين أيضاً ج1 ص264 قال: «و في باب ما كتبه الرضا علیه السلام للمأمون من محض الإسلام و شرائع الدين و إن الأرض لا تخلو من حجة الله «تعالى» على خلقه في كل عصر و أوان و إنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». و إلى قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» [سورة آل عمران الآية: 103] ففي تفسير العياشي ج1 ص194: «عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال: آل محمد علیه السلام هم حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به فقال:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» [سورة آل عمران الآية: 103].

يَا ناصِرَ الدِّينِ يا غَوْثَ الصَّرِيخِ و يا *** مُجِيبَ دَعْوَةِ مَنْ ناداهُ مُنْتَدِبا(1)

أنْتَ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ العِبادَ بِهِ *** في آخِرِ الدَّهْرِ يَجْلُو عَنْهُمُ الكُرَبا(2)

وَ أَنْتَ مَنْ تَمْلأُ الدُّنْيا عَدالَتُهُ *** كَما مِنَ الْجَوْرِ قِدْماً نالَتِ النُّوَبا(3)

وَ لَيْسَ عِنْدِيَ شَكٍّ فِي حَياتِكَ بَلْ *** لَوْلا وُجُودُكَ فى ذا الكَوْنِ لأَنْقَلبا(4)

ص: 113


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الإمام صاحب العصر (عجل الله «تعالی» فرجه الشريف) خاتم الأوصياء. فقي البحار ج51 ص93 الباب الحادي عشر باب ما ورد من الأخبار في القائم عج الله فرجه الشریف قال: عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال:«قلت»: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمنا آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم: المهديُّ أم من غيرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا بل منّا يختم اللَّه به الدين كما فتح بنا و بنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك و بنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك و بنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم قال هذا حديث حسن عال رواه الطبراني في المعجم الأوسط و أبو نعيم في حليته و عبدالرحمن في عواليه. و في فرائد السمطين/ للجويني الشافعي/ ج2 باب16 ص335: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المهدي عج الله فرجه الشریف من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي أشبه خلقاً و خلقاً تكون له غيبة و حيرة يغل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلما و جوراً.
2- ربما يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» [سورة النور، الآية: 55] . ففي البحار ج51 ص54 ح34 عن الإمام زين العابدين علیه السلام أنها نزلت في المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) و في البحار أيضاً ج51 ح35 غيبة الطوسي بسنده عن الإمام محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي علیه السلام في قوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» [سورة القصص الآية:5] قال هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم: فيعزهم ويذلُّ عدوهم.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الأحاديث المروية عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم و آل بيته علیهم السلام في أنه لا يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلما وجوراً. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص99 روی بسنده عن علي علیه السلام يقول: «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله «عزوجل» رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً و قد مرَّ في هامش رقم2 ص42 من هذه القصيدة مع حديث آخر نقلناه عن كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص559-260 و البحار ج51 ص84.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أن الأرض لاتبقى بغير إمام و إلا لساخت بأهلها. ففي كتاب الغيبة للنعماني ص89 قال: عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله المؤمن عن أبي هراشة عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنه قال: لو أن الإمام رُفع من الأرض ساعة لساخت بأهلها و ماجت كما يموج البحر «بأهله» و في المصدر ذاته: «عن أبي حمزة قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام أتبقى الأرض بغير إمام فقال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» و الأحاديث في ذلك متضافرة جداً لا تخفى على من راجع مظانها.

فَالغَوْتُ مِنْ عُصْبَةٍ ضَلَّتْ وَ قَدْ تَخِذَتْ *** مِنْ بَغْیِها وَ شَقاها دِينَكُمْ لَعِبا

وَ أَلْبَسَتْنَا بِمَا نَالَتْ وَ مَا ابْتَدَعَتْ *** ثَوْبَ الْأَسَى و عَلَيْنَا الدُّلَّ قَد ضُرِبا

وَ قَدْ أَبت أن ترى مِنْ نَسْلِكُمْ أَحَداً *** إلا أَنَالَتْهُ مِنْ طُغْيَانِهَا الْعَطَبَا(1)

وَ إِنْ نَسِيتُ فَلا أَنْسَى وَ حِلْمِكَ مَنْ *** بِكَفِّهِ أَمَّكَ الزَّهْراءَ قَدْ ضَرَبا(2)

وَ أَلْصَقَ الْبَابَ أخشاها وَ أَضْغَطها *** ظُلماً و أَسْقَطها يا عَظْمَ مَا ارْتَكَبا

وَ مَنْ عَلى ما حَباهَا اللَّهُ نازَعَها *** وَ إِرْثَهَا مِنْ أبيها المُصْطَفَى غَصَبا

وَرَدَّ شَاهِدَهَا الْعَدْلَ الَّذِي هُوَ فِي *** أُمِّ الْكِتَابِ عَلِيٌّ وَ افْتَرَى كَذِبا(3)

وَ مَنْ دَنا نَحْوَ بَيْتِ الْوَحْيِ مُجْتَرِنَا *** وَ قَدْ أَتَى بِجُمُوعِ جَمَّعَتْ حَطَبا

ص: 114


1- العطبا: العطب: الهلاك.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد على لسان فاطمة علیها السلام: «فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم... الخ» راجع عوالم العلوم ج2/11 ص574 و البحار ج8 ص240 طبعة حجرية. و في الاختصاص/ للمفيد / ص180 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل: فرفسها عمر برجله و كانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني انظر إلى قرط في أُذنها حين نقفت.
3- ورد في السيرة الحلبية للحلبي ج3 ص487 «و قال لها هل لك بينة فشهد لها علي علیه السلام وأم أيمن فقال لها أبو بكر أبرجل وامرأة تستحقينها». و في الاحتجاج للطبرسي/ ج1 ص90 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل: جاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لِمَ منعتني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر من الله «تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن و شهدت أن الله «عزوجل» أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «وات ذا القربى حقه» و جاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك... فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لانقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول و إلا فهو فيء للمسلمين لاحق لك و لالفاطمة علیها السلام فيه.

لِيَضْرِمَ النَّارُ فيهِ وَ هُوَ يَعْلَمُ مَنْ *** فِيهِ لِيَبْلُغَ مِنْ مَأْمُولِهِ أَرَبا(1)

يُرِيدُ إطفاء نور كانَ مُتَّقِداً *** و الله عمّا يُرِيدُ الظَّالِمُونُ أبَى(2)

وَلَيْتَهُمْ قَنِعُوا منها بِمَا ارْتَكَبُوا *** وَ إِنْ يَكُنْ جَلَّ في الإسلام مُرْتَكَبا

و لَمْ يَقُودُوا عَلِيّاً في حَمائِلِهِ *** فَوْدَ الأسير بِعَيْنِ اللَّهِ مُكْتَيْبا

مُلَبَّباً برداءِ الصَّبْرِ مُشْتَمِلاً *** مُسلّماً أَمْرَهُ لِلَّهِ مُحْتَسِباربما يشير الشاعر إلى إجبار علي علیه السلام على البيعة لأبي بكر و أخذه ملبباً و مقوداً بحبائل سيفه.

ففي كتاب سليم بن قيس ص37: «فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه، و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثُروه فألقوا في عنقه حبلاً و حالت بينه و بينهم فاطمة علیها السلام عند الباب فضربها قنفذ الملعون بالسوط... الخ.

و في ص208 من كتاب سليم بن قيس أيضاً: «فأخرج علي علیه السلام و اتبعه الناس و اتبعه سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و هم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخرجتم الضغائن التي في صدوركم؟ و قال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر أتيت على علیه السلام أخي رسول الله و وصيه و على ابنته فتضربها و أنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به؟ فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة و هو في عمده فتعلق به عمر و منعه من ذلك فانتهوا بعلي إلى أبي بكر ملبباً الخ.

يُدعى إلى بَيْعَةٍ كانَ الْأَحَقُّ بها *** مِنَ الأولى عَبدُوا الْأَوْثَانَ و الصُّلُبا(3)

ص: 115


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12: «قال: و إن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي علیه السلام فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقتها على من فيها فقيل له يا أباحفص إن فيها فاطمة علیها السلام فقال: و إن... إلخ.
2- يشير الشاعر إلى قوله تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [سورة التوبة، الآية: 32]. و ربما يتضمن البيت أيضاً ما ورد في ينابيع المودة/ للقندوزي الحنفي/ ص114 في حديث طويل عن سليم بن قيس قال: رأيت علياً علیه السلام في مسجد المدينة في خلافة عثمان وكان جماعة المهاجرين و الأنصار يتذاكرون فضائلهم و علي علیه السلام ساكت فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام تكلم فقال: يا معشر قريش و الأنصار أسألكم ممن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم أم بغيركم؟ قالوا: اعطانا الله ومنَّ علينا بمحمد صلي الله علیه و آله و سلم. قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا و أهل بيتي علیهم السلام كنا نوراً نسعى بين يدي الله «تعالي» قبل أن يخلق الله «عزوجل» آدم بأربعة عشر ألف سنة؟ فقال أهل السابقة و أهل بدر و أحد نعم قد سمعناه...
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى عدم عبادة الإمام علي علیه السلام الأوثان و الصلبان قبل الإسلام في حين كان القوم قد عبدوا الأصنام في جاهليتهم على ديانة الشرك و بعضهم قد عبد الصلبان و ألَّه النبي عيسى ابن مريم علیه السلام. ففي كتاب تفسير الكشاف للزمخشري ج3 ص319 في تفسير قوله «تعالى»: «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» [سورة يس، الآية:20]. و عن تفسير الثعلبي ص238: «قال: ويروى عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين حزقيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجار صاحب يس و علي بن أبي طالب علیه السلام و هو أفضلهم». و راجع كنز العمال ج6 ص365 قال عن حبة: إن علياً علیه السلام قال: اللهم إنك تعلم أنه لم يعبدك أحد من هذه الأمة قبلي و لقد عبدتك قبل أن يعبدك أحد من هذه الأمة ست سنين».

و أُشْرِبُوا الْعِجْلَ حُبّاً في قُلُوبِهِمُ *** وَ قَلْبُهُ غَيْرَ حُبِّ اللَّهِ ما شَرِبا(1)

و خالَفُوا أحْمَدَ المُخْتارَ حَيْثُ نَهَى *** مِنَ التَّخَلُّفِ عَنْهُ أَيْنَمَا ذَهَبا(2) (3)

ص: 116


1- و هي مقارنة مع اليهود في قوم موسى علیه السلام... قال الله تعالى في محكم كتابه: «وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظَالِمُونَ» [سورة البقرة، الآية: 92 و الآية: 93] بدايتها «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ». و يتضمن البيت كناية عن عدم إيمان القوم كما لم يؤمن قوم موسى من قبل.
2- يشير الشاعر إلى حديث النبي صلي الله علیه و آله و سلم الذي ذكر في كتاب مناقب آل أبي طالب قال: عن تاريخ الخطيب عن ثابت مولى أبي ذر قال: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي و قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: علي علیه السلام مع و الحق مع علي علیه السلام و لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة. ج3 ص62. و في المناقب أيضاً: عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن هذا صراط مستقيماً فاتبعوه و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» سألت الله أن يجعلها لعلي ففعل. ج3 ص72. و في المناقب أيضاً قال: عن الرضاء علیه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى فليتمسك بحب علي بن أبي طالب علیه السلام. ج3 ص76 ففي البحار ج38 ص10 عن كتاب الروضة عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي خير من أترك بعدي، فمن أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني. و في البحار ج38 ص119 عن أمالي الصدوق ص310 قال: عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إن اللَّه «عزوجل» نصب علياً علماً بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً و من أنكره كان كافراً و من جهله كان ضالاً و من عدل بينه و بين غيره كان مشركاً و من جاء بولايته دخل الجنة و من جاء بعداوته دخل النار.
3- الأزهار الأرجية ج2 ص201.

(23) دار فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

مِنَ الضّلالِ عَلَيْنا النَّصْبُ قَدْ وَثَبا *** لَمَّا اسْتَطَالَ وَ عَنّا كُنْتَ مُحْتَجِبا

وَ كَانَ سَيْفُكَ مَعْمُوداً لَدَيْكَ وَ لَمْ *** يَبْرَحْ يَمُجُّ دِمَاءَ حَدُّهُ غَضَبا(2)

يُرِيدُ يَوْماً به تُشْفَى غَلائِلُهُ *** مِنَ الضّرابِ إذا مِنْ غَمْدِهِ جُذبا

فَالغَوْثَ الغَوْثَ قَدْ ضاقَ الخِناقُ بنا *** فَكُفَّ عنا دَوَاعِي النَّصْبِ و الكُرَبا(3)

فَطَهِّرِ الأَرْضَ مِنْ أدْناسِهِمْ بِدِما *** أَرْجاسِهِمْ حِينَ فِيهِمْ تُثْبِتُ العَطَبا(4)

فَلَيْسَ يَطْهرُ وَجْهُ الأرْضِ بَعْدَهُمُ *** إلا إذا فَوْقَها سَيْلُ الدِّمَا انْسَكَبا

فَإِنَّ حِلْمَكَ عَنْهُمْ زادَهُمْ حَنَقاً *** عَلَيْكُمُ و أَرانا الذُّلَّ وَ الرَّهَبا(5)

فلا تَدَعْ لَهُمُ عَيْناً و لاأثراً *** وَ اجْتَثَّ دينَهُمُ حَتَّى يَكُونَ هَبا

فَهْذِهِ يَا بْنَ طه أَوْلِياؤُكُمُ *** فِيكُمْ تُكابدُ مِنْ أَعْداكُمُ الكُرَبا

يَرَوْنَ دِينَكُمُ مُلقَّى وَ شَرْعَكُمُ *** مُمَزَّقاً كانَ و الإسلامُ قَدْ ذَهبا

وَ الجَوْرَ مُجْتَمِعاً وَ الظُّلْمَ مُتَّسِعاً *** وَ الكُفْرَ مُرْتَفِعاً وَ النَّصْبَ مُنْتَصِبا

لمَّا على منبر الهادِي النَّبِيِّ أخُو *** تَيْم رَقَى وَ اجْتِراءٌ فَوْقَهُ خَطَبا

مِنْبَرِ وَ أَخَّرَ المُرْتَضَى عَنْ حَقِّهِ وَ نَفَى *** عَنْهُ خِلافَتَهُ حتّى بها احْتَقَبا(6)

وَ فاطِمٌ مَنَعُوها إِرْتَها فَدَكاً *** و أَسْقَطُوها جَنِيناً كانَ مُنْتَجَبا

ص: 117


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يمجُّ: يرمي.
3- النصبُ: الداء و البلاء و الكرب: الحزن يأخذ بالنفس.
4- الرجس: القَذَر.
5- الحنق: شدّة الغيظ.
6- احتَقَبَ زيداً على ناقتِهِ: أركبَهُ و راءَهُ و احْتَقَبَ الإثمَ: جَمَعَهُ كأَنّهُ احْتَمَلَهُ خلْفِهِ.

فَإِنَّ إسقاطها ذاكَ الجَنِينَ غَدا *** لقطع رأسِ حُسَيْنٍ بَعْدَها سَبَبا

فلَيْسَ أَرْدَى حُسَيْناً مَعْ بَنِيهِ سِوى *** مَنْ أُمَّكَ البِضْعَةَ الزَّهْرَاءَ قَدْ ضَرَبا

وَ أَوْقَدَ النَّارَ ظُلْماً مِن جَراءَتِهِ *** في بابِ مَنْزِلِ بَيْتِ الوَحْيِ فَالْتَهَبا

بَيْتٌ بِهِ تَهْبِطُ الأَملاكُ خاضِعَةٌ *** مِنَ السَّما فيه شَبَّ النارَ و الحَطَبا

وَ أَخْرَجَ المُرْتَضَى مِنْ دارِ فاطِمَةٍ *** مُلَبَّباً صابِراً للَّهِ مُحْتَسِبا

مِنْ خَلْفِهِ فَاطِمُ الزَّهْراءُ صارِخَةٌ *** وَ دَمْعُها فَوْقَ خَدَّيْها قَدِ انْسَكَبا

***

يابْنَ النَّبِيَّ زَعِيمِ الرُّسلِ مَنْ وَطِئَتْ *** فَوْقَ السَّما قَدَماهُ العَرْشَ وَ الحُجُبا

لَوْلا صَحِيفةُ أصْحابِ السَّقِيفةِ ما *** شِمْرٌ عَلى صَدْرِ سِبْطِ المُصْطَفَى رَكِبا

وَ لَا اسْتَباحَتْ بَنُو حَرْبٍ حَرَائِرَكُمْ *** وَ لا لَكُمْ نَهَبُوا يومَ الطُّفوفِ خِبا

وَ لا لَكُمْ ذَبَحُوا طِفْلاً به فَجَعُوا *** عَلَيْهِ أُمّا لَهُ في كَرْبَلا وَ أَبا

فَكُمْ لَكُمْ في مَحانِي الطَّلفِّ مِنْ قَمَرٍ *** تَنْجابُ عَنْهُ غَرَابیبُ الُّدجَى غربا(1)

وَ شَمْس خِدْرٍ تَمَنَّی البَدْرُ أَنَّ لَها *** يَكُونُ طُلنْبَ خِباً أَضْحَتْ بِغَیْر خِبا(2)

وَ أَنْجُمٍ مِنْ بَناتِ الرُّسُلِ قَدْ بَرَزَتْ *** مِنْ خِدْرِها إذْ غدا بِالنَّارِ مُلْتَهِبًا

قد أَلْبَسُوها من الأَقیَادِ أَسورَةٌ *** مِنْ بَعْدِما سَلَبُوها الدُّرَّ و الذَّهَبا

كُلُّ تُنادِي بِصَوْتٍ لَوْ تَوَجَّسَهُ *** طَوْدٌ تَزَعْزَعَ ذاكَ الطَّوْدُ وَانْقَلَبا:

يا راكباً فَوْقَ نِضْو في قَوائِمِهِ *** يَطْوِي أديمَ فَيا فِي البِيدِ و الهُضُبا

عُجْ بِالمَدِينَةِ وَ اصْرُخْ: يا بَنِي مُضَر *** فَفِی الطُّفُوفِ انْطَفا مِصْباحُكُمْ وَ خَبا

فَأَطْلِقُوا الخَيْلَ كالعِقْبانِ غَائِرةً *** وَ قَوِّمُوا فَوْقَها الخُرْصانَ و القُصُبا(3)

وَ اسْتَنْقِذُوا مِنْ يَدِ الأَعْدا حَرائِرَكُمْ *** فَقَدْ سَرَتْ وَ هْيَ أَسْرَى بَيْنَهُمْ غُرَبا

ص: 118


1- غرابيب: سود.
2- خِبا: خِباء حُذفت الهمزةُ لضرورة القافية.
3- الخرصان: (الخرّاص): الكذّاب. القُضُبا : (إقتضاب): يرتجال الكلام (مختار الصحاح).

فَطَاطِئوا رؤوسَكُمُ حُزْناً فَإِنَّ عَلَى *** رَأْسِ القنا رَأْسُ سِبْطِ المُصْطَفَى نُصِبا

وَ لاتُوَارُوا لَكُمْ مَيْتاً بحُفْرَتِهِ *** فَجِسْمُهُ قَدْ غدا فَوْقَ الثَّرَى تَربا

و لاتَمُدُّوا عَلى أزواجِكُمْ كِلَلاً *** فَزَيْنَبٌ خِدْرُها في كَرْبَلا انْتُهِبا(1)

ص: 119


1- دیوان ملا علي آل رمضان ص376.

(24) سادات البرايا

(بحر الوافر)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

عَجِيبُ الأَمْرِ مَنْ فَقَدَ الشَّبابا *** وَ مَفْرِقُ رَأْسِهِ الْمُسْودِّ شابا

وَ يَبْنِي الدُّورَ في الدُّنْيا وَ عَمّا *** قَلِيلِ يَسْكُنُ الْقَبْرَ الْخَرابا

وَ يَدَّرِعُ الْجَدِيدَ و عَنْ قَرِيبٍ *** مَعَ الديدانِ يَفْتَرِسُ التُّرَابا

و يَبْقَى رَهْنَ لَحْدِ لَوْ رآه *** بهِ أَبَواهُ مِنْ لُقياه هابا

وَ لَوْ ناداهُ ذُو رَحِمٍ قَرِيبٍ *** اليْهِ لَمْ يَرُدَّ لَهُ جَوابا

فَكَيْفَ يُجِيبُ و الدِّيدانُ تَرعى *** بِجِيفَتِهِ وَ لَوْ أَنْباهُ شابا

فَإِنَّ الْقَبْرَ يَدْعُو كُلَّ يَوْمٍ *** وَلكِنْ لاتَعُونُ لَهُ خِطابا

أنا بيتُ الَّذِي مَنْ حَلَّ فِيهِ *** تَناثَرَ لَحْمُ جُثَّتِهِ وذابا

أَنَا بَيْتُ بهِ الإِنْسانُ يَبْقَى *** وَ لَيْسَ يَرَى لَهُ عنِّي انْقِلابا

وَ يَنْظُرُ فيهِ ما كَسَبَتْ يَداهُ *** مِنَ الدُّنْيا نَعِيماً أَوْ عَذابا

و يَوْمَ الْبَعْثِ يُحْشَرُ فِي صَعِيدٍ *** يَخالُ تُرابه قِيراً مُذابا

تَقُومُ بهِ الْوَرَى وَ هُمُ سُكَارَى *** مِنَ الْأَجْدَاثِ تَضْطَرِبُ اضْطِرابا

وَ فِيهِ البِضْعَةُ الزَّهْراءُ تَأْتِي *** تُنادِي وَ هْيَ تَنْتَحِبُ انْتِحابا(2)

ص: 120


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى وقوف فاطمة الزهراء علیها السلام يوم القيامة و شكواها إلى الله مظلوميتها و مظلومية أبنائها من بعدها. ففي كتاب مقتل الحسن للخوارزمي ج1 ص52 قال عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول يا عدل يا جبار احكم بيني و بين قاتل ولدي، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فيحكم الله لابنتي ورب الكعبة. و في البحار ج43 ص221 ح7 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«إذا كان القيامة نصب لفاطمة علیها السلام قبة من نور و أقبل الحسين «صلوات الله عليه» رأسه في يده يوم فإذا رأته شهقت شهقة لايبقى في الجمع ملك مقرَّب و لانبي مرسل و لاعبد مؤمن إلا بكي لها...». و في كتاب البحار ج43 ص219 ح1 نقلاً عن أمالي الصدوق عن الباقر علیه السلام: «قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان القيامة تُقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدرّجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرّد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان... حتى يقول و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزخ بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبي و محبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» أين ذرية فاطمة و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام علي حتى تدخلهم الجنة». و في كامل الزيارات/ لابن قولويه / ص334 في حديث طويل: عن أبي عبد الله علیه السلام... و أما ابنتك: فإني أوقفها عند عرشي فيقال لها: إن اللَّه قد حكمك في خلقه فمن ظلمك و ظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببت فإني أجيز حكومتك فيهم فإذا وقف من ظلمها أمرت به إلى النار... و أول من يحكم فيهم: محسن بن علي علیه السلام و في قاتله ثم في قنفذ فيؤتيان هو و صاحبه فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها و لو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رماداً فيضربان بها...

و تَصْرُخُ صَرْخَةً منها الرواسي *** تَكُونُ لِعُظمٍ صَرْخَتِها سَرابا(1)

إلهي أيْنَ مَنْ هَتَكُوا حِجابي *** وَ بَزُوا نِحْلَتي مِنّي المتصابا؟

وَ قادُوا المُرْتَضَى الْكَرَارَ لَمّا *** أَخُوهُ المصطفى المُخْتارُ غابا؟

و في المِحْرابِ أرْداهُ المُرَادِي *** بِسَيْفِ قَدْ سُقِي سُمّاً مُذابا؟

وَ أَسْقِي المُجْتَبى سُمّاً نَقِيعاً *** بِأخشاهُ قَدِ الْتَهَبَ الْتِهابا؟

ص: 121


1- الرواسي: الجبال الراسخة.

وَ وَقْعَةُ كَرْبَلا أَدْهَى مُصاباً *** وَ أَعْظَمُ فَجْعَةً وَ أَمَرُّ صَابا؟

فإِنَّ أُميّةٌ أَرْوَتْ بها مِنْ *** دِمارَقَباتِ أَوْلادِي الْحِرابا(1)

فَقَدْ قَتَلُوا حُسَيْناً و اسْتَباحُوا *** نِساهُ و قَيَّدُوا مِنْها الرقابا

وَ شَبُّوا في مضاربها حَرِيقاً *** وَ لَمْ يُبقِ الْحَرِيقُ لها حِجابا

وَ ساقُوها عَلَى قَتَبِ الْمَطايا *** بها تَطْوِي المَفَاوِزَ و الشِّعابا

تُنادي: يا حَوادي، وَيْلَكُمْ قَدْ *** أَضرَّ بنا الْهَجِيرُ، وَ لَنْ تُجابا

سِوى بِلِسانِ كُلِّ سِنانِ رُمْحٍ *** مِنَ الأعْدا وَ هُمْ كانوا غِضابا

فَتَهْتِفُ: ياأَباحَسَن أَغِثنا *** فَإِنَّكَ غَوْثُ مَنْ أَضْحَى مُصابا

فَتِلْكَ بَناتُكَ الْخَفِراتُ أَسْرَى *** بِذُلُّ رُكْبَتْ نُوقاً صِعابا!

على الكيرانِ مِنْها بِالْأَيادي *** تُدافِعُ عَنْ مَناكِبها الضِّرابا(2)

قَدِ انْفَطَرَتْ ضَمَائِرُها وَ سالَتْ *** بِإهْراقِ الدُّمُوع دَماً مُذابا

بَني المختار ساداتِ الْبَرايا *** و مَنْ كانوا لِتَغْرِ الْفَيْضِ بابا

خُذُوا مِنْ قِنْكُمْ نَظماً مَلِيحاً *** بهِ يَرْجُو مِنَ الباري الثِّوابا(3)

وَ يَرْجُو الْفَوْزَ مِنكُمْ مَعْ بَنِيهِ *** وَ آبَاهُ إذا حَضَر الحِسابا

وَ مَنْ عَلِقَتْ بِحَبْلِكُمُ يَداهُ *** وَ فازَ بِنَيْلِ حُبِّكُمْ وَطابا

كذلك سالِمٌ كُونُوا لَهُ عَنْ *** لَظى سَفَرٍ مَعَ الآبا حِجابا

وَ تَغْشَاكُمْ صَلاةُ اللَّهِ مَا إِنْ *** بَدا بَدْرٌ بِجُنْحِ دُجَى وَغابا(4)

ص: 122


1- الحراب: جمع حربة و هي آلة للحرب من الحديد قصيرة محددة مثل الرمح.
2- الكيران: جمع الكور و هو رحل البعير.
3- القنَّة:جمع قَنن و قنَّة كل شيء أعلاه.
4- دیوان ملا علي آل رمضان ص111.

(25) فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(1)(*)

عَلامَكَ عَنْ سَمْتِ الرِّضا مُتَنَكِّبُ*** وَنَفْسُكَ فيما يَعْطِبُ العَقْلَ تَرْغَبُ؟

أَنَظرُقُ طَرْقَ اللَّهوِ دَأْباً وَلَمْ يَكُنْ*** لها في مَساعِي مَنْهَجِ الرُّشْدِ مَطْلَبُ ؟

وَكُلُّ أَمْرِى ءٍ يُرْخِي الْعِنَانَ لِنَفْسِهِ*** بِهِ في مَيادِينِ الْمَهالِكِ تَذْهَبُ

فَإِنَّ جَمالَ المَرْءِ عَقْلٌ يَزِينُهُ*** وَتَقْوَى بها مِنْ رَبِّهِ يَتَقَرَّبُ

وَحِلْمٌ وعِلْمٌ مُسْتَقَرٌّ وَعِفَّةٌ*** وَكَثْرَةُ آدابٍ بِهَا يَتَأَدَّبُ

وَحُسْنُ اعْتِقاداتٍ بِآلِ مُحَمَّدٍ*** هُداةٌ بِهِمْ يَرْضَى الإلهُ وَيَغْضَبُ

خَزائِنُ أسْرارٍ وَأبْحُرُ أَنْعُمٍ*** تَفِيضُ نَدًى مِنْهُ الخَلائِقُ تَشْرَبُ

يَنابِيعُ جُودِ لِلْمُهَيْمِنِ لَمْ تَزَلْ*** طَوامٍ وَمِنْ حافاتِها الْخَلْقُ تَشْرَبُ(2)

وَهُمْ أَنْجُمٌ كانَتْ بِهَا الخَلْقُ تَهْتَدِي*** إِلَى الْحقِّ إِلا أَنَّها لَيْسَ تَغْرُبُ(3)

كَلامُهُمُ نُورٌ وَقَوْلُهُمُ هُدًى*** وَرَأْيُهُمُ رُشْدٌ وَعِلْمٌ وَمَذْهَبُ

فَمِنْهُمْ نَبیٌّ أَوْضَحَ الدينَ لِلْوَرَى*** وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ دُجَى الشِّرْكِ غَيْهَبُ(4)

رَسُولٌ رَقَى السَّبْعَ السَّمَواتِ وَانْحَنَتْ*** لَهُ وَهُوَ يَرْقاها النَّبِيٌّ الْمُهَذَّبُ

ص: 123


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- طوامِ:طمى النهر ارتفع ماؤه وامتلأ.
3- في مستدرك الصحيحين ج3 ص149: روي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الفرق وأهل بيتي أمان من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس .وراجع ابن حجر أيضاً في صواعقه (ص 140).
4- غيهب: ظلمة.

إِلى أَنْ دَنا من ذِي الْجَلالِ وَقَد بَدا *** إِلَيْهِ مِنَ السِّرِّ الخَفِيُّ المُحَجَّبُ(1)

وَأَوْدَعَهُ الرَّحْمَنُ أَسْرَارَ عِلْمِهِ*** وَأَعْطَاهُ مِنْهُ ما يُريدُ وَيَطْلُبُ

وَمِنْهُمْ إمامٌ وَحَّدَ اللَّهَ حَيْثُ لَمْ *** يَكُنْ آدَمٌ في الكَوْنِ وَهُوَ لَهُ أَبُ

فَتى لِلْهُدى بَحْرٌ وَلِلْفَيْضِ مَصْدَرٌ*** وَلِلْمُصْطَفى نَفْسٌ وَلِلدِّين مَذْهَبُ(2)

وَقَدْ كَانَ في الأكوانِ كَالْقُطْبِ في الرَّحَى*** تَدُورُ عَلَيْهِ الفُلْكُ وَهُوَ مَرْكَبُ

ص: 124


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى الآية المباركة من سورة الإسراء«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»آية1. وإلى الآيات المباركات من سورة النجم«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* «وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» الآيات (5- 9).
2- في (الصواعق المحرقة ص 93) قال : إن علياً علیه السلام احتج على أهلها فقال لهم: أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلی علیه واله وسلم في الرحم مني و من جعله صلی الله علیه واله وسلم نفسه و أبناءه أبناءه و نساءه نساءه غيري قالوا: اللهم لا. (الحديث). و عن السيوطي في الدر المنثور، في تفسير آية المباهلة في سورة آل عمران قال: عن جابر قال: قدم على النبي صلی الله علیه وآله و سلم العاقب و السيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد صلی الله علیه واله سلم قال:كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام قالا: فهات، قال حبّ الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى الغد، فغدا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرا له فقال: و الذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً. قال جابر: فيهم نزلت: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم الآية قال جابر أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلی الله علیه واله سلم و عليّ و أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة علیهم السلام، و في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص395 قال: إشارة إلى كونه نفس النبي صلی اللَّه علیه و آله و سلم (روي بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال افتتح رسول الله صلی اللَّه علیه وآله و سلم مكة ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة ثم أوغل غدوة أو رواحة ثم نزل ثم هجر ثم قال: أيها الناس إني لكم فرط وإني أوصيكم بعترتي خيراً موعدكم الحوض والذي نفسي بيده لتقيمنَّ الصلاة ولتُؤتُنَّ الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليهم و ليسبين ذراريهم قال فرأى الناس أنه يعني أبا بكر أو عمر فأخذ بيد علي علیه السلام فقال: «هذا». مستدرك الصحيحين ج2 ص120 قال: هذا حديث صحيح الإسناد وذكره المتقي في كنز العمال ج6 ص405، وابن حجر في صواعقه ص 75، وذكره الهيثمي في مجمعه ج9 ص134.

فَيا عَجَباً هذا يُقادُ مُلَبَّباً *** إلى مُسْتَقَرٌّ في الصَّلالِ وَ يُسْحَبُ(1)

وَ فَاطِمَةُ الزَّهْراءُ يَدْخُلُ بَيْتَها *** عَلَيْها بلا إذنِ وَبِالسَّوْطِ تُضْرَبُ(2)

وَ تُضْغَط ما بَيْنَ الجدارٍ وَ بابِها *** وَ تُسْقِط حَمْلاً مِنْ حَشَاهَا وَ تُرْعَبُ(3)

وَ مَنْزِلُها بِالنَّارِيُورَى وَ لَمْ يَزَلْ *** بِهِ الرُّوحُ يَأْتِي بِالعُلُومِ وَ يَذْهَبُ(4)

فَأَقْسَمَ بالرَّحْمَنِ لَوْلا وَصِيَّةٌ *** مِنَ المُصْطَفَى مَا قِيدَ وَ هُوَ مُلبَّبُ(5)(6)

ص: 125


1- في كتاب بهجة قلب المصطفى ص547 و أخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي والله لئن... إلخ.
2- انظر کتاب سليم بن قيس ص39. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و قد جاء فيه: «فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط».
3- عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه فاطمة علیها السلام بین الباب و الحائط عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها... الخ. و في الاحتجاج: «و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها» الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر إلى ما مرَّ في قصيدة عبد العظيم الربيعي في كتاب سليم بن قيس ص36، و البحار ج8 ص59 و العقد الفريد ج2 ص252: «ثم أمر ناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً...». الخ.
5- ملبّب: مجرور. في کتاب سليم بن قيس ص154: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لعلي علیه السلام يا أخي إنَّك لست كمثلي إن اللَّه أمرني أن أصدع بالحق و أخبرني أنه يعصمني من الناس و أمرني أن أجاهد و لو بنفسي فقال: «فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلا نفسك» و قال: «وحرض المؤمنين» و قد مكثت بمكة لم آمر بقتال ثم أمرني بالقتال لأنه لايعرف الدين إلاّ بي و في و لاالشرائع و لاالسنن و الأحكام و الحدود و الحلال و الحرام. و إن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به و ما أمرتهم فيك من ولايتك و ما أظهرت من محبتك متعمدين غير جاهلين مخالفة ما أنزل الله فيك فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك، و اعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم. إنك يا أخي لست مثلي إني قد أقمت حجتك و أظهرت لهم ما أنزل الله فيك و أنه لم يعلم أني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أن حقي و طاعتي واجبان حتى أظهرت ذلك فإني كنت قد أظهرت حجتك و أقمت بأمرك فإن سكت عنهم لم تأثم غير أنه أحبّ أن تدعوهم و إن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك وتظاهرت عليك ظلمة قريش . فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى أن يقتولك و التقية من دين الله و لادين لمن لاتقية له و أن الله قضى الاختلاف بهم و الفرقة على هذه الأمة و لو شاء لجمعهم على الهدى و لم يختلف اثنان منهما و لامن خلقه و لم يتنازع في شيء من أمره و لم يجحد المفضول ذا الفضل فضله و لوشاء عجل النقمة و كان منه التغير حتى يكذب الظالم و يعلم الحق أين مصيره واللَّه جعل الدنيا دارالأعمال و جعل الآخرة دارالثواب و العقاب: «ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى» فقلت شكراً لله على نعمائه و صبراً على بلائه و تسليماً و رضاً بقضائه.
6- ديوان ملا علي آل رمضان ص57 و القصيدة في (95) بيتاً و قد أخذنا منها ما نحن بصدده.

ص: 126

(26) غيرة اللَّه

(بحرالخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

غَيْرَةُ اللَّهِ كَيْفَ تَسْطِيعُ صَبراً *** وَ لِشَّمْسِ الإسلام حانَ غُروبُ

بدأ الدِّينُ في الأنام غَرِيباً *** وَ أَراهُ قَدْ عَادَ وَ هُوَ غَرِيبُ(1)

شَبَّ عُمْرُ الهُدى عَن الطَّوْقِ فيكُمْ *** وَ طَريقُ الهُدى بكُمْ مَلْحُوبُ(2)

ما... لاتمَّ بشرعَلَيْهَا *** وَ... فَلَا عَدَتْهَا الخُطُوبُ

حَاوَلَتْ مَحْوَ دَعْوَةِ الحقِّ حتى *** تُظهِرَ الشَّرْكَ وَ الضَّلال ضَرُوبُ

كَتَبَتْ صَلَّها القَدِيمَ وَ قَالَتْ *** هَجَرَ المُصْطَفَى وَ ذاكَ عَجِيبُ(3)

وَ ابْتَغَتْ فُرْصَةَ اخْتِلاسِ فَلَمَّا *** حانَ مِنْ سيّدِ الهُداةِ المَغِيبُ

نَشَرَتْ ما طَوَى النِّفاقَ قَدِيماً *** وَ هُوَ فِي سِتْرِ كَيْدِها مَحْجُوبُ

ص: 127


1- إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «بدأ الإسلام غريباً ثم يعود كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس...» الحديث عن كنز العمال (1201) ج1 و ح (1192 و1193 و 1198 و 1199).
2- ملحوب: سالك و واضح.
3- إشارة إلى قول عمر بن الخطاب حين أمر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن يأتوا له بدواة و قلم ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فقال عمر كلمته المشهورة «إن النبي ليهجر» راجع تذكرة. الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص62 ط الحيدرية، و ص36 ط إيران و سر العالمين و كشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي مطبعة النعمان ص21، و النهاية في غريب الحديث و الأثر ج5 حرف الهاء بعده الجيم ص226. و نقلت بعض المصادر بدلاً من يهجر عبارة: (أن النبي غلبه الوجع). راجع صحيح البخاري/ كتاب المرض/ باب قول المريض قوموا عني و المصدر نفسه ج1 كتاب العلم و كتاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم إلى كسرى و قيصر/ باب مرض النبي صلي الله علیه و آله و سلم و وفاته، وجه كتاب الجزية باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.

وَ ادَّعَتْ مَنْصِبَ الْخِلافَةِ بَغْياً *** حَذَراً أَنْ يَفُوتَهَا الْمَطْلُوبُ(1)

وَ أَتَتْ تَطْلُبُ الوَلا مِنْ عَلِيّ *** وَ هُمْ يَعْلَمُونَ لايَسْتَجِيبُ

وَ لَعَمْرِي ما بُغْيَةُ الْقَوْمِ إلا *** لايُرَى لِلإِسْلامِ ثَمَّ رَقِيبُ

فَأَتَوْا دَارَهُ بِجَيْشِ ضَلالٍ *** زَعَمُوا أَنه بِهِ مَغْلُوبُ

وَ عَلاهُ مَا القَوْمُ كَفُوا وَلَكِنْ *** ذاكَ فِي سَابِقِ القَضَا مَكْتُوبُ

وَ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِقُوها فَصاحَتْ *** فاطمٌ إِنَّ أَمْرَكُمْ لَمُرِيبُ(2)

ص: 128


1- حيث كانت هذه الجماعة تعلم بوجود نصوص في حق الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام سمعوها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بين تلميح إلى الخلافة و تصريح مثل حديث المنزلة و حديث الدار و حديث الغدير و كثير من التلميحات الأخرى و التصريحات الواضحة و مع كل ذلك ادعت منصب الخلافة لها بأحاديث واهية وأبعدت صاحب المنصب الإلهي و سننقل لك ما ورد في هذه الأحاديث الشريفة حديث المنزلة: راجع صحيح البخاري/كتاب المغازي/ باب غزوة تبوك، ج5 ص129. و صحيح مسلم ج2 باب فضائل علي علیه السلام ص324. و المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص109. و قول الرسول صلي الله علیه و آله و سلم العلي علیه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى علیه السلام إلا أنه لا نبي بعدي». و حديث الدار راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص371، ح514 و580 ، و تاريخ الطبري ج2 ص319-321 طبعة بيروت، و الكامل ج2 ص62، و تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ج3 ص371 طبعة مصر، و ينابيع المودة الكتاب الحادي و الثلاثين ص122. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فأسمعوا له و أطيعوا». و حديث الغدير: فراجع كنز العمال ج6 ص403 و كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص63 و شواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص157 و راجع ترجمة الإمام علي في تاريخ مدينة دمشق/ لابن عساكر ج2 ص45، ح545: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في خطبة الوداع: «من كنت مولاه فهذا علي علیه السلام مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
2- نقل ابن خيزرانة في غرره: «قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي علیه السلام و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة علیها السلام: اخرجي من البيت و إلاأحرقته و من فيه. قال: و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقالت فاطمة علیها السلام: تحرق على ولدي؟ فقال: إي والله أو ليخرجنَّ و ليبايعن. نهج الحق في ص271 و قال في هامشه هذا قريب مما رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ص12، و ابن شحنة في تاريخه بهامش الكامل ج7 ص164 ، و أبو الفداء في تاريخه ج1 ص156، و ابن عبد ربه في العقد الفريد ج2 ص254، و اليعقوبي في تاريخه ج2 ص105.

أَوَ أو هَلْ مَنْصِبُ الوَلا لابن... *** وَ عَلَيْهِ أَسَامَةٌ مَنْصُوبُ؟(1)

أَنَسِيتُمْ نَصْبَ النَّبِيِّ عَليّاً *** يَوْمَ خُمَّ إِذْ قامَ وَ هُوَ خَطِيبُ(2)

لِمَ أضَعْتُمْ وَصيَّةَ اللَّهِ فينا *** و نَكَفْتُمْ وَ الْعَهْدُ مِنْكُمْ قَرِيبُ؟(3)

أكَفَرْتُمْ بِاللَّهِ يا قَوْمُ أَمْ ما *** قَالَهُ المُصْطَفَى لَكُمْ مَكْذُوبُ؟

فَارْعَرُوا لارَعَيْتُمُ وَ دَعُونَا *** فَعَتَتْ لَمْ يُفِدْ بِهَا التَّأْنِيبُ(4)

لاتَسَلْنِي ما نَالَ فاطِمَ لمَّا *** دَخَلُوا الدَّارَ فَالْخُطُوبُ شَعُوبُ(5)

وَ اسْتَدارُوا حَوْلَ الوَصِي وَ لَوْلا *** حِلْمُهُ ما أَفادَهَا التَّأْلِيبُ

أتَرَى يَرْهَبُ الحِمامَ عَلِيٌّ *** بَلْ عَلِيٌّ في صَدْرِهِ مَرْهُوبُ

ص: 129


1- يحتمل أن تكون الكلمة الساقطة من عجز هذا الشطر كلمة (آوى): بمعنى أوَهَلْ منصب الخلافة لابن آوى و الله العالم.
2- يشير إلى حديث الغدير الذي نصب الله فيه علياً علیه السلام إماماً للمسلمين و هو خبر مشهور بين المسلمين سنة و شيعة، و قد ذكر العلامة الأميني في كتابة الغدير عشرات المصادر لهذه الحادثة و في شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج1 ص157 ح211، و ص192 ح250. إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد جمع الناس يوم غدير خم و ذلك بعد رجوعه من حجة الوداع و كان يوماً أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر و جمع الرجال و صعد عليها و قال مخاطباً: معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى. قال: من كنت مولاه فعلي علیه السلام مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله.
3- لعله يشير هذا البيت إلى الآية المباركة من سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [آية، 23].
4- ارعوى: رجع عن الجهل أو رجع مطلقاً.
5- يشير في هذا البيت إلى هجوم القوم على بيت فاطمة علیها السلام و كسر الضلع و إسقاط الجنين وإحراق باب الدار و ما أصابها في ذلك اليوم. و قد أشارت المصادر العديدة إلى بعض تلك الأحداث كما يلي: إحراقهم دارها و هم فيها. [أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586]. و ضربها من قبل عمر [سليم بن قيس ص 37]. و ضربها بالسوط من قبل قنفذ [سليم بن قيس و الاحتجاج ج1 ص 109]. و اسقاط جنينها المحسن [شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص60] و كسر ضلعها [الاحتجاج ج1 ص210]. و شعوب علمٌ للمنية و هو اسم غير منصرف.

أَخْرَجُوهُ مُلَبَّباً لَيْتَ شِعْرِي ***كَيْفَ قِيدَ اللَّيْتُ الهُمامُ المَهِيبُ(1)

فَعَدَتْ خَلْفَهُ البَتُولَةُ تَدْعُو *** بِرَنِين لَهُ الصُّخُورُ تَذُوبُ(2)

اتُريدُونَ تَقْتُلُونَ عَلِيّاً *** لا وَ رَبِّي فَهُوَ السَّمِيعُ المُجِيبُ

فَدَعُوهُ أَوْ أَدْعُوَنَّ عَلَيْكُمْ *** ما ثَمُودُ أخرى بما قَدْ أُصِيبُوا

وَ زَوَوْا إِرثَها اعْتِداءَ فَجَاءَتْ *** وَ هْيَ عَبْرَى وَ دَمْعُهَا مَسْكُوبُ(3)(4)

ص: 130


1- «فانتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر ملبباً فلما بصر به أبوبكر صاح خلّو سبيله» راجع سليم بن يس- بتحقيق الأنصاري- ج2 ص862، و البحار ج28 ص297 و ج43 ص197. و أيضاً عن كتاب مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص88: «و أضرم النار ليحرق عليهم البيت و فيه فاطمة علیها السلام و جماعة من بني هاشم فأخرجوا علياً علیه السلام بحمائل سيفه يقاد نقلاً عن الفاضل المقداد. و أیضاً مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص47 في جواب علي على كلام معاوية حين أراد انتقاصه بكونه أُجبر على البيعة. قال علیه السلام: و قلتَ إني أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع و لعمري و اللَّه لقد أردتَ أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحتَ، و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه». قال المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء علیها السلام بالباب حتى أسقطت محسناً و أخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لاأفعل فقالوا: نقتلك فقال: إن تقتلوني فإني عبد الله و أخو رسوله علیه ...» إثبات الوصية ص123.
2- و أخرجوا علياً علیه السلام ملبّباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفّان لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتينَّ قبر أبي و لأصيحن إلى ربي فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام متوجهة إلى القبر فقال علي علیه السلام لسلمان: یا سلمان أدرك ابنة علیها السلام محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان... الخ نقلاً عن الاختصاص للشيخ المفيد ص186 و تفسير العياشي ج2 ص67: «و الذي بعث أبي محمداً بالحق نبياً لئن لم تخلّوا عن ابن عمي لأضعنّ قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسي و لأصرخنَّ إلى ربي صرخة ترون عواقبها فيكم جميعاً قبل أن تقوموا من مقامكم... الخ الاحتجاج للطبرسي ج1 ص113.
3- زَوَوا: منعوا احتازوا.
4- يشير في هذا البيت إلى قضية فدك إرث الزهراء علیها السلام من أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حيث روي عن السيوطي عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي فقال أبوبكر: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: إن اللَّه «عزوجل» إذا أطعم نبياً طعمة فهي للذي يقوم بعده. دلائل الصدق ج3 ص54. و عن عائشة: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال و إني والله لاأُغيّر من صدقة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم» فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي علیه السلام ليلاً و لم يأذن بها أبا بكر و صلى عليها، و كان لعلي علیه السلام من الناس وجه في حياة فاطمة علیها السلام فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس الحديث... راجع صحيح البخاري ج5 ص177.

أَيُّها النَّاسُ راقِبُوا اللَّهَ فينا *** وَ ارْقُبُوا فَالْإِلهُ فِيكُمْ رَقِيبُ

أتَقُولُونَ غَابَ أَحْمَدُ عَنَّا *** وَ جَفَانَا حَمِيمُنا و القَرِيبُ

وَ أَبانَتْ ضَلَالَةُ الْقَوْمِ لَكِنْ *** لَمْ يَكُنْ فِيهِمُ رَشِيدٌ مُنِيبُ

ثُمَّ آبَتْ كَما أَتَتْ وَ هِيَ صِفْرُ الكَفِّ *** وَ لَهَى وَ حَقُها مَغْصُوبُ(1)

فَانْتَنَتْ بِالأسَى لِما قَدْ عَراها *** في حَنِين كَما تَحِنُّ النِّيبُ(2)

منَعُوها مِنَ البُكاءِ لِتَقْضِي *** كَمَداً و الْفُؤادُ مِنْهَا يَذُوبُ(3)

قُلْ لِبَيْتِ الأحْزانِ ما زالَ حُزْنِي *** لا وَ لاعَيْشِي الهَنِيُّ يَطِيبُ(4)

ص: 131


1- الولهى: الحزينة حزناً شديداً.
2- النيب: مفردها النيوب و هي الناقة المسنّة.
3- و في حديث طويل روي عن الصدوق عن البكائين قال فيه: (و أما فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة و قالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، و أما علي ابن الحسين علیه السلام فبكى... الخ الخصال باب الخمسة 273 و الأمالي ص121 و البحار ج43 ص155.
4- في البيت يشير إلى المكان الذي بناه الإمام علي علیه السلام لفاطمة علیها السلام خارج المدينة المسمى ببيت الأحزان و قد ذكر ابن جبير الرحالة بيت الأحزان هذا في رحلته. فقال وَيَلي القبة العباسية بيت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و يُعرف ببيت الأحزان يقال إنه الذي آوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم راجع رحلة ابن جبير ص155 ط دار التراث العربي 1968م. و قال الأستاذ أبوعلم في رواية: إنّ علياً علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع سمي ببيت الأحزان و هو باقٍ إلى هذا الزمان و هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة علیها السلام في جهة قبة مشهد الحسن و العباس علیه السلام، و إليه أشار ابن جبير. كتاب أهل البيت علیهم السلام لتوفيق أبوعلم ص167.

قُلْ لِتلكَ الضُّلُوعِ بَعْدَكِ قَلْبِي *** مَالَهُ جَابِرٌ فَدَتْكِ الْقُلُوبُ(1)

لَسْتُ أنسى وُقوفَها وَ هْيَ تَشْكُو *** لأبيها وَ لاتَراهُ يُجِيبُ(2)

غَصَبُوا حَيْدَرَ الخِلافَة ظُلْماً *** وَ تُراثِي لَدَيْهِمُ مَغْصُوبُ(3)

وَ جَنِيني قَدْ أَسْقَطُوهُ وَ ضِلْعِي *** کَسَرُوهُ وَ قَدْ عَلانِي الشُّحُوبُ(4)

وَ زَوَوْا نِحْلَتي وَ رَدُّوا شُهُودِي *** وَ جَفَوْنِي فَما لِصَوْتِي مُجِيبُ(5)

ص: 132


1- اشارة إلى حديث كسر الضلع، فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها... راجع كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 و كتاب مرآة العقول ج5 ص320.
2- و عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: «لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
3- أشار في البيت إلى أحقية منصب الخلافة لعلي للنصوص و الأحاديث الواردة في أحقيته لها كحديث الغدير و حديث المنزلة و حديث الدار و عشرات بل و ربما مئات من الروايات و الأحاديث في هذا الخصوص كما ذكرها صاحب كتاب الغدير و كما غصبوا الخلافة من علي غصبوا فدك تراث فاطمة علیها السلام منها ففي كتاب بهجة المصطفى للهمداني ص422 عن عائشة: إنَّ فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال... الخ راجع صحيح البخاري ج5 ص177.
4- الشحوب: تغيير اللون من جراء المرض. و يشير في البيت إلى ما قد روي عن علي علیه السلام فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و مرآة العقول ج5 ص320.
5- النحلة: هي العطية و الهبة. في كتاب عوالم العلوم ج2 ص632 رقم (24) قرب الإسناد عن محمد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير قال: سأل صدقة بن مسلم أبا عبد الله و أنا عنده فقال: مَن الشاهد على فاطمة علیها السلام بأنها لاترث أباها: قال شهد عليها عائشة و حفصة و رجل من العرب يقال له أوس بن الحدثان من بني نضر شهدوا عند أبي بكر بأن رسول الله قال: لا أورث فمنعوا فاطمة علیها السلام الميراثها من أبيها. قرب الإسناد ص99 و عنه البحار ج22 ص101 ح59. و في كتاب عوالم العلوم أيضاً ج2/11 ص631 رقم21: «عن أبي جعفر علیه السلام قال: دخلت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على أبي بكر فسألته فدكاً قال: النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث قالت قد قال: الله «تعالى»: «و ورث سليمان داود» فلمّا حاجّته أمر أن يكتب لها و شهد علي بن أبي طالب علیه السلام و أم أيمن قال فخرجت فاطمة علیها السلام فاستقبلها عمر فقال: من أين جئت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت من عند أبي بكر في شأن فدك قد كتب لي بها فقال عمر: هاتي فبصق فيه و محاه. و عوالم العلوم ج2/11 أيضاً ص633 ج27 عن الكشكول: قال عمر لفاطمة علیها السلام حين طالبت بفدك: دعينا من أباطيلك و احضرينا من يشهد لك بما تقولين فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها بجميع قالت و ادّعته فقال أما علي علیه السلام فزوجها علیها السلام و أما الحسن و الحسين ابناها علیهما السلام و أما أم أيمن فمولاتها و أما أسماء فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسه هم.

منَعُونِي مِنَ البُكاءِ وَ قَالُوا *** لِيَ آذَيْتِنَا فَحَصْبِي الحَصِيبُ(1)

وَ رَمَوْنَا بِكُلِّ خَظبٍ عَظِيمٍ *** وَ أُمُورٍ مِنْهَا الْجَنِينُ يَشِيبُ

يَا لَهَا مِنْ مَصَائِبِ تتوالی *** وَ رَزَايا لِلْجَامِداتِ تُذِيبُ

وَ بِها أَصْبَحَتْ خَلِيفَةً سُقمٍ *** دَابُهَا الْبَتُ و الأسى و النَّحِيبُ

نَسِيَتْ نَفْسَها وَ ما هِيَ فيهِ *** مِنْ أَذَى القومِ إذْ أَتَتْها شَعُوبُ

وَ قَضَتْ تَندُبُ الحُسَيْنَ بِشَجوِ *** وَ لِأَرْزاهُ دَمْعُها مَسْكُوبُ

عَجَباً تُدْفَنُ البَتُولَةُ سِرّاً *** وَ جِهاراً تُراتُها مَغْصُوبُ(2)

ص: 133


1- قالت عائشة: «عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي علیه السلام ليلاً و صلى عليها» راجع الذهبي في تاريخ الإسلام ج2 ص93 و السبكي في المنهل ج9 ص115 و أبو نعيم في الحلية ج2 ص42 و السيرة الحلبية ج3 ص361 و كثيراً من المصادرغيرها. و في ص1084 عن تاريخ الطبري: «إن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي علیه السلام و المقداد و الزبير. و في رواياتنا أنه صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة.
2- نقل من ديوان الشيخ علي الجشي ص82 و رياض المدح و الرثاء ص476 الشيخ حسين علي البحراني مؤسسة البلاغ بيروت الطبعة الأولى 1991.

(27) القبر الشريف

(بحر الكامل)

السيد عيسى الكاظمي

خَطبٌ يُذِيبُ مِنَ الصُّخور صلابَها *** وَ يُزيلُ مِنْ ثُمَّ الجِبالِ هِضابَها

فَلو أن ما قاسَيْتُ مِنْهُ صادَقَتْ *** صُمُّ الصَّفا مِعْشَارَهُ لأَذابَها

خَطبٌ لَهُ أَمْسَيْتُ أَصْفِقُ راحَتِي *** وَ ذَوُو المعالي مِنْهُ تَقْرِعُ نابَهَا

أجداثَ تَيْم لاسَقَتْ لَكِ حُفْرَةٌ *** دِيمُ السَّحَابِ و َيَا عَدِمْتِ رَبابَها

كلاً وَ لاريحُ الصَّبا لَكِ رَوَّحَتْ *** أَرْضاً وَ لارَوى العَمَامُ تُرابَها

قَدْ ضَمَّ تُرْبُكِ مَنْ عَلى إشْراكِها *** يَوْمَ السَّقِيفَةِ نَكَصَتْ أَعْقَابَها(1)

ص: 134


1- إشارة إلى انقلاب القوم على أعقابهم بعد موت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة لغصب الخلافة فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضّل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة. قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلمّا فرغ ذلك و صلى على النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبابكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر و معه عمر و أبو عبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتى قوموا فبايعوا أبابكر إلى أن يقول أبي المفضل فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول و تأخذونه منّا أهل البيت علیهم السلام غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة، و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سره و علمه و أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم أول من آمن به و صدقه و أحسنكم بلاء في جهاد المشركين و أعرفكم بالكتاب و السنة و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور.

اللَّهُ ممّا قَدْ جَنَتْ إِذْ قَدَّمَتْ *** مَنْ سادَ فِيهِ بَنُو الصَّلالِ قِبابها(1)

قَدْ أَخَرَتْ مَنْ كانَ غَامِضُ عِلْمِهِ *** لِمَدِينَةِ العِلْمِ الرَّفِيعَةِ بَابَها

فَأَتَتْهُمُ «الزهراءُ» تَطْلُبُ إِرْثَها *** وَ لَهُمْ أطالَتْ في الكلام خِطابَها(2)

فَغَدَتْ تُنَمِّقُ تَيْمُ مِنْ إِشراكِها *** أَخْبَارَ زُورٍ ما عَدَتْ كَذَّابَها

حَتَّى إذا لَمْ تَرْعَ ذِمَّةً أَحْمَدٍ *** فيها و لاراعَتْ لَها أَنْسَابَها

عَطَفَتْ عَلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ بِرَنَّةٍ *** تَشْكُو إِلَيْهِ مِنَ اللَّئامِ مُصابَها

وَ اللَّهِ ما أَدْرِي لأيِّ مُصِيبَةٍ *** تَشْكُو فَقَدْ هَدَّ القِوَى ما نابَها

أَلِعَصْرِها بِالبَابِ حَتَّى أَسْقَطَتْ *** أَمْ حَرْقِهَا يا للْبَرِيَّةِ بابَها؟(3)

أمْ لَطْمِها حَتَّى تَناثَر قُرْطُها *** وَ بِهِ تَقَصَّدَ عَيْنَها فَأَصابَها(4)

أَمْ ضَرْبِها حَتَّى تَكَسَّر ضِلْعُها *** ضَرْباً يَرُومُ بِهِ الزَّنِيمُ إيابَها(5)

أَمْ غَصْبِهِمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ نِحْلَةً *** أَمْ أَنَّهُمْ خَرَقُوا لِذاكَ كِتابَها(6)

ص: 135


1- قبابها: ضخامها و بكسر القاف القبة و هي بناء سقفه مستدير مقعَّر.
2- انظر الاختصاص ص178.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى واقعتين عظيمتين الأولى عصر الزهراء علیها السلام بين الحائط و الباب و الثانية هي حرق بابها بالنار و قد نقلناهما عن كتاب سليم بن قيس ص36.
4- إشارة إلى ضرب القوم لفاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم كما روي في البحار ج53 ص18.
5- الزَّنيم: اللئيم- الدعي. و منه إشارة إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام و كسرهم لضلعها و تقدم ما ورد عن ذلك في كتاب سليم بن قيس ص36 و عوالم العلوم ج2/11 ص556.
6- إشارة إلى غصب القوم الفدك فاطمة علیها السلام و كما روي في شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص274 عن علي علیه السلام قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت: إنّ أبي أعطاني فدكاً و علي علیه السلام و أم أيمن يشهدان فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحقّ، قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها فخرجت فلقيت عمر فقال: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً، و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدكاً، و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن علياً علیه السلام يجر إلى نفسه و أم أيمن، امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه، و فرقه.

أمْ قَوْدِهِمْ لإمامِهِمْ بِنجادِهِ ***كَيْما يُبابِعَ جَهْرَةً أَذْنَابَها(1)

وَ الظُّهْرُ تَهْتِفُ خَلْفَهُمْ فى رَنَّةٍ *** مَلَأَتْ مِنَ البيدِ الْقِفَارِ رِحابَها

مَا عُذْرُهُمْ لِنَبِيِّهم فيها إذا *** ما قَدْ تَولّى فِي الْمَعَادِ حِسابها؟

يَوْمٌ بِهِ (الزَّهْرَاءُ) تَحْمِلُ (مُحْسِناً) *** سِقْطاً فَتَذْهَلُ لِلْوَرَى أَلْبابُها(2) (3)

ص: 136


1- إشارة إلى هجوم القوم على بيت علي علیه السلام و اقتيادهم له علیه السلام ليبايع. كما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 في حديث طويل: ثم انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً (أي يجذب) حتى انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح. الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
2- إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام لأبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم القيامة فقد روي في البداية الكبرى ص405 عن المفضل بن عمر بإسناده قال: سألت سيدي أبا عبد الله الصادق علیه السلام قال في حديث: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أميرالمؤمنين علیه السلام لابدَّ أن يطأ الأرض -والله- حتى يورثاها، أي -والله- ما في الظلمات و لافي قعر البحار، حتى لا يبقى موضع قدم إلاّ وطآه و أقاما فيه الدين الواصب إلى أن قال الإمام الصادق علیه السلام -ثم تبتدىء فاطمة علیها السلام بشكوى ما نالها من أبي بكر و عمر- إلى أن يقول الإمام علیه السلام و انتهار عمر لها و خالد بن الوليد و قولهم دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقة النساء، فكم يجمع الله لكم النبوّة و الرسالة. و أخذ النار في خشب الباب، و أدخل قنفذ «العنه الله» يده يروم فتح الباب، و ضرب عمر لها بسوط أبي بكر على عضدها، حتى صار كالدملج الأسود المحترق، و أنينها من ذلك و بكائها، و ركل عمر الباب برجله، حتى أصاب بطنها، و هي حاملة بمحسن لستة أشهر و إسقاطها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. راجع حلية الأبرار ج2 ص652 و البحار ج53 ص17.
3- كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص59 عبد الرزاق الموسوي المطبعة الحيدرية -النجف سنة (1951م).

(28) الدرة البيضاء

(بحرالطويل)

الشيخ غلام حسين الغروي الأصبهاني

سَقَى اللَّهُ أَنْفَاسِي مِنَ السَّلْسَلِ العَذْبِ *** لِأَنْظُمَ أبْكاراً مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ

بِمِدْحَةِ بِنْتِ المُصْطَفَى يَنْجَلِي كَرْبِي *** وَ إِنَّ مَعَالِيها لَأَسْنَى مِنَ الشُّهْبِ

و في مَدْحِها القُرْآنُ بَلْ سَائِرُ الْكُتُبِ

فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْ ما أقُولُ وَ لاتَدْرِي *** فَسَلْ آيةَ (الوسطى) وَ سَلْ (لَيلَةَ الْقَدْرِ)

وَ سَلْ آيةَ (الْكُبْرى) وَ سَلْ سورةَ (الدَّهْرِ) *** وَ سَلْ آيَةَ (القُرْبَى) وَ سَلْ آيَةَ (الأَجْرِ)(1)

ص: 137


1- أقول لعل المراد من آية الكبرى ما ورد في البحار ج43 ص23 ح16 قال: «الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام في قوله: «إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ* نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ» [سورة المدثر، الآيتان 35 و36] قال: يعني فاطمة علیها السلام و أما سورة الدهر فقد جاء في تفسير الدر المنثور للسيوطي ج6 ص299 في ذيل تفسير قوله «تعالى»:«وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» [سورة الإنسان الآية 8] في سورة هل أتى قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام و فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص303. و عن الواحدي في أسباب النزول ص331 في بيان نزول قوله «تعالى»: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مسكيناً و يتيماً و أسيراً» في سورة هل أتى قال: قال عطاء عن ابن عباس: و ذلك أن علي بن أبي طالب علیه السلام آجر نفسه يسقي نخلاً بشيء من شعير ليلة حتى أصبح و قبض الشعير و طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه إياه، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه و طووا يومهم فأنزلت فيه هذه الآية. و أما آية القربى و آية الأجر فقد ورد في كتاب تفسير العياشي ج2 ص287: «عن عطية العوفي قال: لما افتتح رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم خيبر و أفاء الله عليه فدك و أنزل عليه «وآت ذا القربى حقه» قال يا فاطمة علیها السلام لك فدك». و في قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى، آية: 23] قال الزمخشري في الكشاف ج3 ص467: روي «أنها لما نزلت قيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام و في الصواعق المحرقة ص101 قال: روى أبوالشيخ و غيره عن علي «كرم الله وجهه»: فينا أل (حم) آية لا يحفظ مودتنا إلّا كل مؤمن ثم قرأ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».

وَ كَانَتْ لِطة المُصْطَفَى الرُّوحَ بِالْجَنبِ(1)

حباها أبوها بِالْكَرامَةِ وَ الْبِشْرِ *** رَبِيبَةُ حِجْرِ الْوَحْيِ وَ النَّهْي وَ الْأَمْرِ

مُحَدَّثَةٌ كَانَتْ تُحَدَّثُ بِالسِّرِّ *** وَ تُخْبِرُها جَهْراً مَلائِكَةُ الْغُرِّ(2)

وَ مِنْ نُورِها ضَوء المَشَارِقِ وَ الْغَرْبِ

هِيَ الدُّرَّةُ البَيْضاءُ فِي صَدَفِ النُّهى *** هِيَ الغُرَّةُ النَّوْراءُ في ظُلَمِ الدُّجى

وَ مِشْكاةُ أَنْوَارِ الهِدَايَةِ لِلْوَرَى *** بِأَبنائها الغُرِّ الْكِرامِ أُولي الحِجى(3)

ص: 138


1- في البحار ج43 ص54 ح48 عن مجاهد قال : «خرج النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة علیها السلام فقال من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبيَّ فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».
2- في البحار ج43 ص78 ح65: عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنما سميت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرّك و اصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين إشارة إلى الآية 42 من سورة آل عمران) فتحدثهم و يحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران علیه السلام؟ فقالوا: إنَّ مريم علیه السلام كانت سيدة نساء عالمها، و إنَّ الله جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين».
3- في كتاب المناقب لابن المغازلي ص317 عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن قوله تعالى: «كمشكاة فيها مصباح» قال: المشكاة فاطمة علیها السلام، و المصباح الحسن و الحسين علیهما السلام «الزجاجة كأنها كوكب دريٍّ» قال: كانت فاطمة علیها السلام كوكباً درّياً من نساء العالمين «يوقد من شجرة مباركة» الشجرة المباركة إبراهيم «لا شرقية و لاغربية» لايهودية و لانصرانية «يكاد زيتها يضيء» قال يكاد العلم أن ينطق منها «و لو لم تمسسه نار نور على نور» قال: فيها إمام بعد إمام «يهدي الله لنوره من يشاء» [سورة النور، الآية 35] يهدي الله «عزوجل» لولايتنا من يشاء.

تَشَرَّفَتِ الآباء في سالِفِ الْحِقَب

هِيَ الزَّهْرَةُ الزَّهْرَا تَجَلَّتْ تَكَرُّمَا *** هِيَ اللَّمْعَةُ النَّوْرا فَعَزَّتْ وَ إنّما(1)

هِيَ الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ في أُفُقِ السَّما *** تُضِيءُ لِسُكَانِ السَّمَاوَاتِ كُلَّما

تَقُومُ بِمِحْرَابِ تُناجِي إلَى الرَّبِّ(2)

هِيَ الآيةُ الكُبرى فَكَلَّتْ أُولي النُّهى *** عُقُولُهُمُ ما يَبْلُغونَ الْمُنْتَهى

مَكارِمُها العَلْياءُ أَنَّى لَهُمْ بِها *** وَكَيْوانُ عُلْياها لَأَعْلى مِنَ السُّهى(3)

فَفي فاطم حَارَتْ عُقُولُ ذَوِي اللُّبِّ

هِيَ الشَّمْسُ قَدْراً و الأَشِعَةُ ساتِرُ *** بِخِدْمَتِهَا حُورُ الْجِنانِ تُفاخِرُ

لها جارياتٌ مَرْيَمَ ثُمَّ هَاجَرٌ *** هِيَ الْقُطْبُ خِدْراً وَ النِّسَاءُ دَوائِرُ(4)

ص: 139


1- في البحار ج43 ص2 ح6 قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لِمَ سمّيت زهراء؟ فقال: «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكوكب لأهل الأرض» و ذكره الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص54 و ذكره أيضاً الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج1 ص215 ح3.
2- في البحار ج43 ص16 ضمن ح14: عن أبي هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر علیه السلام لِمَ سميت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير و عند غروب الشمس كالكوكب الدري». و في البحار أيضاً ج43 ص11 ح2، عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام يا بن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لِمَ سمّيت الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنها تزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة علیها السلام... الخ.
3- كيوان اسم لكوكب زحل بالفارسية.
4- في البحار ج43 ص104 ح5 . قال: لما زوّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت علياً علیه السلام بمهر خسيس فقال: ما أنا زوجت علياً علیه السلام ولكن الله زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدر و الجوهر و المرجان فابتدر الحور العين فالتقّطن فهنّ يتهادينه و يتفاخرن و يقلن هذا من نثار فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و في ص45 ح44 من الجزء نفسه أنَّ كليهما قالا: وجدت فاطمة علیها السلام نائمة و الرحى تدور فأخبرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بذلك فقال: إن الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت». «و روي أنها ربما اشتغلت بصلاتها و عبادتها فلربما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرّك وكان ملك يحركه».

فَشَتَانَ ما بَيْنَ الدَّوائِرِ و القُطب

هِيَ بَضْعَةُ الهادي الرَّسُولِ المُمَجدِ *** وَ رَيْحَانَةُ المُخْتَارِ طَهُ مُحمَّدِ(1)

حَلِيلَةُ كَرَّارٍ حَبِيبَةُ أَحْمَدِ *** هِيَ الْعُرْوَةُ الوُثْقَى لِقَبْرِي وَ في غَدِ

شَفِيعَةُ مَنْ وَالى مِنَ الْعُجْمِ وَ الْعُرْبِ(2)

سفتباً لِمَنْ بِالدَّمْعِ أَسْجَمَ جَفْنَها *** وَ تَعْساً لِمَنْ بِالنَّارِ أَحْرَقَ وُكْنَها(3)

وَ سُحْقاً لِمَنْ بِالْعَصْرِ أَسْقَطَ ابْنَها *** وَ بُعْداً لِمَنْ بِالسَّوْطِ سَوَّدَ مَتْنَها

وَ في وَجْهِهَا الدَّمُ مِنَ اللَّطْم وَ الضَّرْبِ(4)

فَلَهْفِي عَلَيْها حِينَ أَبْدَتْ عَوِيلَها *** بِعَوْلَتِها تَنْسَى الْحَمامُ هَدِيلَها

ص: 140


1- في مجمع الزوائد ج2 ص206 عن أبي رافع عن المسور قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام شجنة مني يبسطني ما يبسطها و يقبضني ما يقبضها و إنه ينقطع يوم القيامة الأنساب و الأسباب إلّا نسبي و سببي.
2- ورد في كتاب كنز الفوائد للكراكجي ج1 ص150: «يا فاطمة البشرى فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك و شيعتك فَتُشَفَّعين».
3- أسجم: صبِّ.
4- في أنساب الأشراف/ للبلاذري/ ج1 ص556 قال: إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب فقالت: يا بن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك. و في الملل والنحل/ للشهرستاني/ ج1 ص57 قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح احرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و في كتاب سليم بن قيس/ ص38: حالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين علي علیه السلام عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط و ترك أثراً في عقدها كمثل الدملج.

وَ كادَتْ لأطوادِ الْفَلا أَنْ تُزيلها *** فَما حال مَنْ تَلْقَى مَقوداً كَفِيلَها

وَ يا عَجَباً مِنْ قَسْوَرٍ قِيدَ لِلْكَلْبِ(1)

فَأَوْقَفَتِ الأفلاكُ مِنْ فَرْطِ دَهْشَةٍ *** وَ أَذْهَلَتِ الْأَمْلَاكُ مِنْ طُولِ زَفْرَةِ

تُنادِيهِمُ خَلُوا ابْنَ عَمِّي وَ مُهْجَتِي *** وَ إِنْ لَمْ تُخَلُّوا عَنْهُ أَشْكُو بِعَوْلَتِي

إلَى اللَّهِ يا أَهْلَ الضَّلالةِ وَ الرَّيْبِ(2)

فَأَوْمَتْ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ وَ دَمْعُها *** يَسِيلُ سِجالاً(3) يَوْمَ قَدْ دِيسَ رَبْعُها

وَ نَادَتْ وَ نارُ الْغَيْظِ في القلبِ لَمْعُها *** أَتَدْرِي الرَّزايا قَدْ رَمانا فظيعُها

فَلِلَّهِ مِنْ رُزْءٍ عَظِيمٍ وَ مِنْ خَطبِ(4)

و أضاف الخطيب الشيخ جعفر الهلالي إلى الأبيات المتقدمة أصلاً و تخميساً:

أبِي لَمْ يُراعُوا بَعْدَ فَقَدِكَ عِمْرَةً *** وَ لَمْ يَحْفَظُوا لَمّا تَوارَيْتَ بَضْعَةً

كَأَنَّهُمُ لَمْ يَسْمَعُوا الأمر جَهْرَةً *** بِفَضلي، وَ قَدْ أَصْبَحْتُ فِيهِمْ أَسِيرةً

يَرُومونَ إذْلالي بما كَان مِنْ غَضَبِي

ص: 141


1- في كتاب سليم بن قيس ص38-39. بعد أن كاثروا الإمام علياً علیه السلام و ألقوا في عنقه حبلاً و انطلقوا به يعتل عتلاً حتى انتهيَ به إلي أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و سائر الناس حول أبي بكر.
2- في كتاب سليم بن قيس ص208: «فانطلق قنفذ فأخبر أبابكر فوثب عمر غضبان فنادى خالد بن الوليد و قنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة علیهما السلام و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب و إلاأحرقناه عليكم فقالت: يا عمر أما تتّقي الله «عزوجل» تدخل عليّ بيتي و تهجم على داري؟ فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام: و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه.
3- سجالاً: كثيراً.
4- شجرة طوبى ص33 ج2 الشيخ محمد مهدي الحائري منشورات مؤسسة الأعلمي بيروت.

(29) فرصة بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)(*)(1)

مَتَى تُدْرِكُ النّارَ الَّذي أَنْتَ طَالِبُهْ*** مَتَى تَمْلِكُ الأَمْرَ الَّذِي أَنْتَ صَاحِبُهُ؟

لَقَدْ مَلأَ الدُّنْيا سَناكَ وَلَمْ يَلُج*** لِعَيْنِي يَوْماً مِنْ جَبِينِكَ ثاقبة

ص: 142


1- (*) الشيخ محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب. ولد في كربلاء سنة (1235ه) و نشأ بها. و آل أبي الحب من الأسر العريقة في كربلاء المقدسة، و تصل بنسبها إلى قبيلة خثعم العربية كان المترجم له عالماً فاضلاً أديباً لامعاً، و بحاثة ثقة جليلاً، و من عيون الحفّاظ المشهورين و الخطباء البارعين، له القوة الواسعة في الرثاء و الوعظ و التاريخ و كان راثياً لآل الرسول و قرّة عين الزهراء البتول علیهاالسلام، فكان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام. فإن مجالس الحسين علیهم السلام مدارس سيّارة و هي من أقوى الوسائل لنشر الأدب و قرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين علیهم السلام من الشعر و الخطب ما يتعذّر على الأدباء و المعنيين بالأدب جمعه أو الإحاطة به فجزى اللَّه أحسن الجزاء الخطيبين الكبيرين السيد جواد شبّر في أدب الطف والشيخ جعفر الهلالي في معجم شعراء الحسين علیهم السلام لما بذلاه من جهد كبير و عمل عظيم في هذا الميدان الحضاري حيث جمعا ما أمكن جمعه من شعر جاء في حق الحسين علیهم السلام و يومه العظيم. و شاعرنا الشيخ محسن أبو الحب نظّم فأجاد وأكثر من النوح و البكاء على سيد الشهداءعلیهم السلام و صوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً مازال الأدباء و ما زالت مجالس العلماء تترشّفه و تستعيده و تتذوقه. و قد كتب عنه أخونا العزيز الأديب السيد سلمان هادي آل طعمة في موسوعته (شعراءكربلاء) وفي (خطباء كربلاء) أيضاً بعض الشيء بما لا يسعنا ذكره هنا. ودّع الحياة في ليلة الاثنين 20 ذي القعدة عام (1305ه)، و دفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد إبراهيم المجاب.

أَفِي كُلِّ يَوْمٍ فَاجِرٌ وَابْنُ فَاجِرٍ*** يُحَكَّمُ فينا بادِياتٍ معايِبُهْ

تَرُوحُ بِكَ الدُّنْيا وَتَغْدُو مُنِيرَةٌ*** وَيَمْلِكُها مَنْ لَيْسَ يَخْفَى مَثالِبهْ(1)

وَسَيْفُكَ مَسْئُونٌ وَجَأْشُكَ ثَابِتٌ*** وَسَيْبُكَ لا يَنْفَكُّ تَهْمِي سَحَائِبُة(2)

مَضَى وَمَضَى جِيلٌ وَجِيلٌ وَلَمْ يَقِرَّ*** بِرُؤيَاكَ يا مَنْ لا يَقُلُّ مَواهِبُهْ

إذا لاحَ صُبحِي رَوَّحَتْنا مَشَارِقُهُ *** وإِنْ جَنَّ لَيْلٌ أَطْرَبَتْنا مَغَارِبُهْ

نَعُدُّ اللَّيالي لَيْلَةً بَعْدَلَيْلَةٍ *** لَعَلَّ لها صُبْحاً تُنِيرُ غَياهِبُةْ(3)

وها أنا حَتَّى بَيَّضَ الشَّيْبُ عارِضي*** أطالبُ دَهْرِي فِيكَ ثُمَّ أُعاتبُهْ

رَجَوْنَاكَ أنْ تَسْتَأْصِلَ القَوْمَ قَبْلَ أَنْ*** يَعُوثَ بِكُمْ شَيْطانُ تَيْمٍ وَ صَاحِبُةْ(4)

وَحَاشَاكَ أنْ تَنْسَى بِأُمِّكَ مَا جَنَی*** زَنِيمُ عُدَيِّ يَوْمَ هَبَّتْ حَواصِبُةْ(5)

رَأَى فُرصَةً بَعْدَ النَّبِیِّ فَلَمْ يَزلْ*** يُراقِبُها مِنْ قَبْلِ ذا وَتُراقِبُهْ

فَجَاءَ وَلَمْ يَعْبَأُ بهاثمَ هكذا*** عَلَى إِثْرِهِ جَاءَتْ تَدُقُّ خَطَائِبهْ

فَأَحْرَقَ بَيْتاً كانَ جِبْرِيلُ حاجِباً*** لَهُ وَكَفَى جِبْرِيلُ أَنْ هُوَ حَاجِبُهْ(6)

وَهيَّجَ سِرْبَ الوَحْيِ مِن مُسْتَقَرُهِ*** فَعَاشَتْ بِهِ عُقْبانُهُ وَقَطَارِبُهْ(7)

ص: 143


1- مَثالبه: عيوبه.
2- جاش: قلب-صَدْر، و ثابت الجأش أي الشجاع.
3- غناهيه: ظلماته.
4- يعوث بكم: يصرفكم عنه حتّى تتحيّروا.
5- زنيم: لئيم، دَعيّ ، حواصبه: الرياح الشديدة التي تثير الحصباء و هي الحصی.
6- في كتاب سليم بن قيس/ ص36 بعد حديث طويل. و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیهما السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في إثبات الوصية /للمسعودي/ ص123. أقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فتوجهوا إلى منزله وهجموا عليه و أحرقوا بابه و ضغطوا سيدة النساء الباب.
7- قطاربه:جمع القطرب و له معان كثيرة منها الذئب الأمعط ذكر الغيلان، صغار الكلاب، صغار الجن ،اللص، الجاهل، السفيه، الجبان، دويبة لا تستريح من الحركة.

وَ بَاتَ أمينُ اللَّهِ حَازِنُ وَحْيِهِ *** هُناكَ سليباً و ابنُ حَنْتُم سالِبُهْ

و أَصْبَحَ يَرْقَى مِنْبَرَ الوَحْي حاكماً *** عَلَى أَهْلِهِ بِالجَوْرِ ضَلَّتْ مَذاهِبهْ

خِلافَةُ يَوْمِ يَا لَقَوْمِي أَهْلَكَتْ *** مِنَ النَّاسِ جيلاً لَيْسَ يُحْصِيهِ حَاسِبُهْ

فَوَيْلُ أُمَّةٍ ماذا أعدَّ لِنَفْسِهِ *** إذا ما دعاه لِلْحِسابِ مُحاسبُهْ

أهذا رسولُ اللَّهِ أوصاهم به *** بأن لا ترى العَيْشَ القَرِيرَ أقارِبَهْ؟

أما بنْتُهُ تِلْكَ التي بات قَلْبُها *** يَشُبُّ إلى أعْلَى الكَواكِب لاهِبُهْ؟

أما ابْنُ أبيهِ ذاكَ وَ ابْنُ أُمِّه الَّذِي *** عَلَى حَقِّهِ أَمْسَى الزّنيمُ يُغَالِبُهْ؟

غَداةَ رآه مُفْرَداً وَ رَأَى لَهُ *** مِنَ الغَيِّ جَيْشاً لا تُحَدُّ كتائِبُهْ

وَ حارَبَهُ حَتَّى ذَوُوهُ وَ قَوْمُهُ *** وَ أَسْلَمَهُ حَتَّى أَخُوهُ وَ صاحِبُهْ

فَأَظهَر ما أَخْفَاهُ مِنْ حقِّهِ الَّذِي *** عَلَى مِثْلِهِ شَبَّتْ وَ شَابَتْ ذَوَائِبُهْ(1)

ألاَ عَقَمَتْ مِنْ قَبْلِ ذاكَ حُنَيْتِمٌ *** وَ جَفَّتْ عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْهُ مَخالِبُهْ

أتَتْنَا بِما لَمْ تَأْتِ فيه بِغَيَّهِ *** طِلاع السَّما وَ الأَرْضِ لَستَ مَغَايِبُهْ

ألَمْ تَرَهُ كاللَّيْثِ أَصْحَر كاشِراً *** بِلَحْمِ رسولِ اللَّهِ تُدْمَى مَخالِبُهْ؟(2)

أَلا يَوْمَ بَدْرٍ كانَ مِنْهُ الَّذي بَدا *** وَأُحْدٍ إِذا شُدَّتْ عَلَيْهِ مَداهِبُهْ

مَتَى خافَتِ النّقعَ المُثَوَّرَ رَجُلُهُ *** مَتَى ثُلَّ فِي وَجْهِ الكَتِيبَةِ قاضِبُهْ(3)

لقَدْ كانَ حَرْباً لِلنَّبِيِّ وَ لَمْ يَزَلْ *** كَذلِكَ حتى اليَومَ جَدَّتْ رَواحِبُهْ

وَ قَدْ زَعَمُوا أَنَّ الفتُوحَ جَمِيعَها *** لَهُ وَ بِهِ الإسلامُ قَرَّتْ جَوانِبُهْ

نَعَمْ فَتَح الشَّرُّ الّذي كانَ قَبْلَ ذا *** تَقاصر کشری دُونَهُ وَ مَرازِبُهْ

أَلَمْ تَرَكَيْفَ اسْتَأَصَلَ مِثْلَ مَا اشْتَهى *** عَصَائِبَ وَحْيِ اللَّهِ بَغْياً عَصَائِبُهْ؟

أبا حَسَنٍ مَا كُنْتَ نُهْزَةَ آخِذٍ *** و لاأَنْتَ مِمَّنْ تُسْتَهانُ مَراتِبُهْ

ص: 144


1- ذوائبه: الذؤابة: الشعر المضفور من شعر الرأس.
2- أصحر: أغبر اللون إلى الحمرة. كاشراً: كاشفاً عن أسنانه.
3- النقع: الغبار. المثوَّر: الذي أثاره الهواء. ثُلَّ: انهدم.

كَأَنْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَرْبِ أُمّاً وَ والِداً *** وَ لَمْ تَكُ يَوْماً فِيكَ تَزْهُو مَراكِبُهْ

فَمَا لَكَ وَ الزّهراءُ تُضْرَبُ ساكِتٌ *** و طِفْلُكَ مُلْقَى لا تُمَلُّ نَوَادِبُهْ؟

لَعَمْرِي رَأَيتُ الدِّينَ ضَاعَ وَ لَمْ يَفَعْ *** وَ أَنْتَ مُحَامِيهِ وَ أَنْتَ مُراقِبُهْ

فَكُنتَ مُحَامِيهِ أخيراً وَ أوْلاً *** نَعَمْ وَ إِلَيْكَ اليَوْمَ تُعْزَى مَناسِبُهْ

فَيَوْماً بِسَيْفٍ لاتَفِلُّ مَضَارِبُهْ *** وَ يَوْماً بِصَبْرِ لا تُذَمَّ عَواقِبُهْ

مَخَافَةَ أنْ يَعْدُوَ بِسُنَّةِ أَحْمَدٍ *** زَنِيمٌ بطُرْقِ الغَيّ طالَتْ مَلاعِبهْ

فَيَا أسَداً ما الأسْدُ الافرائِسٌ *** لَهُ افْتَرَسَتْهُ يا لَقَوْمي ثَعَالِبُهْ

كَأَنَّ صَفَايا المُلْكِ غَيْرُ مُبَاحَةٍ *** عَلَى غَيْرِ أَبْنَاءِ السَّفَاحِ أُطَالِبُهْ

نَعَمْ هَكذا مُذْ أَهبَطَ اللَّهُ آدَماً *** إلى أَنْ يَراهُ اللَّهُ قَدْ آبَ غائِبُهْ

وَ مَا هُوَ إلا أنتَ يا خَيْرَ مَنْ مَشَى *** وَ اكْرَمَ مَنْ فِيهِ تَخِبُّ رَكَائِبُهْ

أُعَزيكَ بالزَّهراءِ أُمِّكَ وَ ابنِها *** فَذا ابنُها سَارِقُ الوُجودِ وَشَارِبُهْ

وَجَدُّكَ مسحوباً بِمُجْمَلِ سَيْفِهِ *** كما سَحَبُ المَأْسور بالعُنْفِ ساحِبُهْ(1)

وَ دَاعيةً خَلّوا ابن عمّي وَ مَا لَهَا *** سِوَى اللَّهِ مَدْعُوٍّ هُناكَ تُخاطِبُهْ(2)

وَ وَاللَّهِ إنّ القَوْمَ ما كانَ هَمُّهُمْ *** سِوَى أَنَّ دِينَ اللَّهِ تُعْفَى مَراقِبُهْ

ص: 145


1- في الاحتجاج ج1 ص109: بعد أن اقتحموا دار فاطمة علیها السلام و خبطوا الإمام علياً علیه السلام ألقوا في عنقه حبلاً أسود و انطلقوا به ملبباً مقيداً حتى انتهوا به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه.
2- في الاختصاص/ للمفيد/ ص186. و أخرجوا عليّاً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي والله لئن لم تكفا عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي. و في تفسير العياشي ج2 ص67 قالت فاطمة علیها السلام: والذي بعث أبي محمداً صلي الله علیه و آله وسلم بالحق نبياً لئن لم تخلوا عن ابن عمي لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم على رأسي و لأصرخنّ إلى أبي صرخة ترون عواقبها فيكم جميعاً قبل أن تقوموا من مقامكم.

أصابوا عَلِياً يابن مُلجَم وَ ابنَهُ *** بِجَعْدَةَ والسُّم الذي هُوَ شَارِبُهْ

وَدَعْ عَنْكَ ما نال الحُسَيْنُ فإنّهُ *** أَجَلَّ وَ أَعْلَى أنْ تُعَدَّ مَصایِبُهْ

وَ مَاذا الذي أنْسَى وَ مَا أنا ذاكِرٌ *** وَ هَذا بأَعْلَى العَرْشِ يَزْعَقُ نادِبُهْ

و لاتَسْأَلَنْ مِنْ بَعْدِهِ كَيْفَ أَصْبَحَتْ *** حَلائِلُهُ بَيْنَ العِدى و نجائِبُهْ

ألا لاتَرى في كَرْبَلا غَيْرَ نَادِبٍ *** وَ آخَرَ مَحْلُولِ الوُطَاتِ تُجَاوِبُهْ(1)

وَ ذاتَ حِجَابٍ ما تَخالُ حِجَابَها *** عَلَيْهَا وَ لَمْ يَضْرِبْ لها السِّترَ ضَارِبُهْ

تَعُجُ وما يُجْدِي العَجِيجُ كأَنَّها *** زَماجِرُ رَعْدِ حَلَّلَتْهُ سَحائبُهْ(2)

ألَيْسَ عَلِيٌّ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** أخَاً وَ ابنَ عَمَّ حِينَ يَعْزُوهُ ناسِبُهْ؟

و هذا كتابُ اللَّهِ أَفْصَحُ ناطِقٍ *** عجائِبُهُ في مَدْحِهِ وَ غَرائِبُهْ

أيَخْفَى على مَنْ راقَبَ اللَّهَ قَدْرُهُ *** و ما هُوَ إِلا كالنَّبِيِّ مَنَاقِبُهْ

ص: 146


1- الوطات الوطأة: موضع القدم.
2- تعجّ: تصیح. زماجر: زمجرة كل شيء صوته.

(30) دوحة القدس

(بحر البسيط)

ملا محسن بن سلمان البحراني

الدَّهرُ شَقَّ جُيُوبَ الْفَخْرِ و الْحُجُبا *** عَلَى مُصيبة أم السادةِ النُقَبا

وَ أَصْبحَ الدِّينُ باكي الْعَيْنِ في ثَكَلٍ *** و الرّوحُ صاحَ بِصَوْتِ النَّعْيِ مُنْتَدِبا(1)

منادياً بَيْنَ أمْلاكِ السَّمَاءِ يَقُلْ *** بِنْتُ النَّبِيِّ قَضَتْ مَلْآنَةً كُرَبا

قَدْ جُرِّعَتْ غُصَصاً لَوْ أَنّها وَقَعَتْ *** على جبالٍ بِرَضْوَى هَدَّها رَهَبا(2)

وَيْلٌ لِظَّالِمِها وَيْلٌ لِغاصِبِها *** وَ حَوْلَ حُجْرَتِها قَدْ جَمَّعَ الْحَطَبا(3)

ص: 147


1- الروح: كناية عن جبرائيل (عليه الصلاة والسلام) كما في بعض الأخبار أو غيره من أشراف الملائكة.
2- رضوی: اسم جبل بين المدينة و ينبع.
3- و في ذلك إشارة لما ورد في ينابيع المودة للقندوزي/ طباعة انتشارات الشريف الرضي قم المقدسة ص314 عن نصر بن مزاحم عن زياد بن المنذر عن سلمان قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فهو معي في الجنة... يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها. ذكره أيضاً فرائد السمطين ج2 ص67. و في أعلام النساء ج4 ص114 (طباعة مؤسسة الرسالة للنشر و التوزيع) و في العقد الفريد ج4 ص259 (الناشر: الكتاب العربي 1983م): بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى بيت فاطمة علیها السلام فجاءهم عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا. فقال: نعم. و في أعلام النساء قال: والذي نفس عمر بيده لتخرّجن أو لأحرقتها على من فيها فقيل: يا أبا حفص إن فيها فاطمة علیها السلام. فقال: و إن ... و مثله في تاريخ الأمم و الملوك للطبري (ج3 ص202 و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19)

وَأَسْقَطَ الْحَمْلَ منها حينَ أَضْغَطها *** أو وفي صَدْرِها الْمِسْمارُ قَدْ نَشِبا(1)

وَ غُودِرَ الضّلْعُ مَكْسوراً فيا حُرَقِي *** شُبِّي و يا قَلْبِي الْمَحْزُونَ زِدْ لَهَبا

بَيْنَ الجِدارِ وَ بَيْنَ البابِ قَدْ وُضِعَتْ *** فَأَيْنَ عَنْها عَلِيَّ أفْضَلُ الْقُرَبا(2)

سَيْف الإلهِ رَفيعُ الْجاءِ حَيْدَرَةٌ *** أَهْكَذَا حَلَّ بِالزَّهْرَا وَ مَا وَ ثَبا

بَلْ أَخْرَجُوهُ مُقاداً فِي حَمائِلِهِ *** عَجِبْتُ مِنْ أَسَدٍ مِنْ غَابِهِ سُحِبا

تَباً وَ تَعْساً لِمَنْ قَادُوا إمامَهُمُ *** وَ هُوَ الْإمام الذي للحُكُم قَد نُصِبا

أيْنَ النَّبِيُّ يَرَى الْكَرَارَ بَيْنَهُمُ *** مُلَئِباً وَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ قَدْ جَلَبا(3)

وَ دَوْحَةُ الْقُدْسِ خَلْفَ الْقَوْمِ تَعْثُرُ فِي *** ذَيْلِ الْحِصانِ و تُجْرِي الدَّمْعَ مُنْسَكِبا(4)

وَ الزَّجْرُ رَوَّعَها و اللَّطْمُ المَها *** ومَتْنُها بسياط منهُمُ ضُرِبا

أو فَاَهٍ لِذاتِ الْفَخْرِ فاطِمَةٍ *** قاسَتْ و كابَدَتِ الْأَهْوَالَ وَ التَّعَبا

حتى قَضَتْ نَحْبَها بِالْهَضْم وَ هْيَ تَرَى *** ميراثها مِنْ أبيها المصطفى غُصِبا

فَأَيُّ بِنتِ نَبِيَّ بَعْدَوالِدِها *** قَهْراً تُهانُ و منها حَقُّها نُهبا

كَالظُّهْرِ فاطمةَ الزهراءِ قَدْ فَظَمَ *** البارِيِ مِنَ النارِ مَن مِنْ حُبِّها شَرِبا(5)

ص: 148


1- و فيه ورد أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. الملل و النحل للشهرستاني ج1 ص57 طباعة دار صعب بيروت عام (1986م)(1406ه_).
2- ورد في (اثبات الوصية للمسعودي) ص154-155 طباعة دار الأضواء بيروت عام 1988: فوجهوا إلى منزله (علي علیه السلام) فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً.
3- و قد أشير إلى هذا المعنى في الاختصاص للشيخ المفيد (رحمة الله علیه) ص184-187. أن القوم لما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره فدخلوا على علي علیه السلام و أخرجوه مليباً.
4- في الاختصاص للمفيد/ ص186: فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر و عمر أتريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفّان عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي.
5- و في ذلك إشارة لما ورد في تاريخ بغداد ج12 ص331 روي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار و ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة ص96 و جاء في كنز العمال ج6 ص219: (إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها ومحبيها عن النار).

وَ حَقٌّ مَنْ رَفَعَ السَّبْعَ الشَّدادَ فَلَوْ *** لاَالصَّبْرُ ما أَحَدٌ مِنْ دارِها قَرُبا

لكنّها صَبَرتْ للَّهِ وَ احْتَسَبَتْ *** لِنَيْلِ شِيعَتِها مِنْ رَبِّهَا الْأَرَبا

لاغَرْوَ أنْ صَنَعَتْ أهلُ الضّلالِ بها *** ما أَحْزَنَ الشَّمْسَ وَ الأفلاك و الشُّهُبا

فَلَوْ دَعَتْ وَقَعَتْ بالقومِ صاعِقَةٌ *** تُزَلْزِلُ الْأَرْضَ وَ الْأَجْبَالَ و الْهُضُبا(1)

و كيف لا وَ هْيَ بنتُ المصطفى وَ بِها *** رَبُّ الأنام يُزِيلُ الكَرْبَ وَ النُّوَبا

لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ نُورِ خالِقِها *** فَالْفَخْرُ مِنْهَا وَ مِنْهَا الْعِزَّ إِنْ طُلِبا(2)

خَفِّفَ وَ قَصْرُ ولا تَبْغِ مُحاوَلَةً *** فَكُلُّ عِزّ بِهَذَا الْعِزَّ قَدْ نُسِبا

فَبَعْلُهَا المُرْتَضَى وَ المُجْتَبَى حَسَنٌ *** شِبْلُ لَها وَ حُسَيْنُ سَيِّدُ الغُرَبا

يا رَبِّ فَاغْفِرْ لِرائيها وَ قائِلِها *** وَ لِلشَّابِ الَّذِي لِلنَّظم قَدْ كَتَبا(3)

ص: 149


1- أشير إلى هذا المعنى في الكافي ج1 ص460 باب مولد الزهراء علیها السلام عن أبي جعفر و أبي عبدالله قالا: إن فاطمة علیها السلام لما أن كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما واللَّه يابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له، لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجدهُ سريع الإجابة، و مثله ما ورد في الاختصاص للشيخ المفيد (رحمة الله علیه) ص186 فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیه السلام متوجهة إلى القبر فقال علي السلمان: يا سلمان أدرك ابنة علیها السلام محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان فوالله لو فعلت لايناظر بالمدينة أن يخسف بها و بمن فيها.
2- و في ذلك إشارة لما ورد في البحار ج43 ص12 ح5 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنّ الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السموات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرت الملائكة الله ساجدين و قالوا إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللَّه إليهم هذا نور من نوري... الحديث.
3- دیوان شعلات الأحزان ص212.

(31) فرحة الدهر

(بحر البسيط)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

ذكرى هِيَ النُّورُ لِلْأَخِيالِ وَ الْحِقَبِ *** وَ فَرْحَةُ الدَّهرِ لِلْإِسْلامِ وَ الْعَربِ

ذِكْرَى لِمَنْ يَتَأَسَى بِالرَّسُولِ غَدَتْ *** عيداً إقامَتُهُ مِنْ أَشْرَفِ الْقُرَبِ

عيداً أفاض على الأيامِ بَهْجَتَهُ *** فَالدَّهْرُ في فَرَح وَ الْكَوْنُ فِي طَرَبِ

وَ أَحْمَدُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ مُبْتَهِجٌ *** بِخَيْرِ مَوْلُودَةٍ جَاءَتْ لِخَيْرِ أَبِ

وَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ فِي أَرْجَائِهِ بَزَغَتْ *** شَمْسُ إِلَى الْيَوْمِ لَمْ تَأْفُلْ وَ لَمْ تَغِبِ

شَمْسُ الفَضائِلِ مَنْ أُمُّ الأئمة في *** أُمّ القُرى وَ رِحابِ البَيْتِ ذِي الحُجُبِ

جَاءَتْ مَعَ المِلَّةِ الغَرّا عَلَى قَدَرٍ *** لأَنَّها بِالهُدَى مَوْصُولَةُ السَّبَبِ

تَبَاركَ اللهُ ماذا للْهُدَى جَمَعَتْ *** في النَّفْسِ في الرُّوح في الآباء في العَقَبِ

زَهْراءُ قيلَ لَها مِنْ أَنَّهَا ازْدَهَرَتْ *** بِهَا الْجِنَانُ وَ ما أَحْلاهُ مِنْ لَقَبِ(1)

ص: 150


1- يشير الشاعر إلى سبب تسميتها بالزهراء علیها السلام فقد جاء في البحار ج43 ص12 الحديث رقم 5 عن علل الشرائع عن أبي عن محمد بن معقل القرميسيني بسنده عن جابر عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: قلت: لم سميّت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء، فقال لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرَّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري و أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وصيي. و في مصباح الأنوار مثله عن أبي جعفر علیه السلام. و في کتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلوات الله عليها ص177 في الحديث الوارد عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم سميت الزهراء علیها السلام لأن نورها زهرت به السموات.

وَ فَاطِمٌ إِذْ مُوالُوها بِها فُطِمُوا *** لُطفاً مِنَ النَّارِ ذَاتِ الْحَرِّ وَ اللَّهَبِ(1)

تُكْنَى بِامّ أبيها يا لَهُ لَقَبٌ *** ثالث بهِ مِنْ أبيها أَشْرَفَ الرُّتَبِ(2)

وَ الْفَرْعُ يَحْمِلُ سِرَّ الْأَصْلِ وَ ابْنَتُها *** قُدْسُميت وَ بِأَمْرِ اللَّهِ زَيْنَ أبِ

وَ الفَاطِمِيةُ نُورٌ في تَسُلُسُلِها *** وَ نائِجُ النُّورِ نُورٌ غَيْرُ مُنْقَلِبِ

يا مَنْ بها مَرَجَ البَحْرَيْنِ و امْتَزَجَ النورانِ *** حَتَّى أَتَتْ بالسَّادةِ النُّجُبِ(3)

وَ مَعْدِنُ الطِيبِ فِي الدُّنْيا وَ مَصْدَرُه *** وَ كُلُّ ذِي طِيبَةٍ لولاكِ لَمْ يَطِبِ

عَظِيمُ قَدْرِكِ يا زَهْراء أكَدَهُ *** بِالفعل خَيْرُ الوَرى وَ القَوْلِ فِي الْخُطبِ(4)

ص: 151


1- إشارة لما ورد في الحديث عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: يا فاطمة علیها السلام تدرين لم سميت فاطمة؟ قال علي علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم سمّيت فاطمة؟ قال: إن الله «عزّوجلّ» قد فطمها و ذريتها عن النار يوم القيامة راجع ذخائر العقبى ص26.
2- عن الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص752 ذكر عن جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال: كانت كنية فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أم أبيها.
3- جاء في البحار ج43 ص320 الحديث39 عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام و اللفظ له في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» [سورة الرحمن الآية: 19] قال: علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه، و في رواية ««بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ»: رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» الحسن و الحسين علیهما السلام. و جاء في تفسير السيوطي (الدر المنثور ج6 ص140 قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»:قال علي وفاطمة علیهما السلام «بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال: الحسن والحسين علیهما السلام. و أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك في قوله «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» قال: علي و فاطمة علیهما السلام «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال: الحسن والحسين علیهما السلام. و في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى (صلوات الله عليها) ص633: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» يقول: أنا اللَّه أرسلت البحرين علي بن أبي طالب علیه السلام بحر العلم و فاطمة علیها السلام بحر النبوّة (يلتقيان) يتصلان أنا الله أوقعت الوصلة بَينهما.
4- عن أحمد بن حنبل في مسنده ج6 ص282 قال: سيدة نساء علیها السلام هذه الأمة أو نساء المؤمنين. و راجع ابن سعد في طبقاته ج2 ص40 قال: سيدة نساء علیها السلام هذه الأمة أو نساء العالمين. و رواه ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص522 و قال: سيدة نساء العالمين علیها السلام. و في صحيح الترمذي ج2 ص319. بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، قالت و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبَلته و أجلسته في مجلسها. كما ورد في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فصل في كمالها و منزلتها عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم ص107 عن الحسن علیه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمر بسد أبواب المسجد و كانت الزهراء علیها السلام منتظرة لأمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها: إن الله «تعالى» أمرهم بسد الأبواب و استثنى منهم رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و إنما أنتم نفس رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في حديث محمد بن قيس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة علیها السلام و قوله لها فداك أبوك ثلاث مرات ص108.

وَ بِالْحَفاوَةِ كَمْ قَدْ قَامَ مُبْتَدِراً *** مُرَحَباً بِكِ في عالٍ مِنَ الرُّتَبِ

وَمَنْ دَعاهُ أبا الزهراتُمَثْلُه *** يَمِيلُ حاشَاهُ مِنْ زَهْوِ وَ مِنْ طَرَبِ

وَ كَيْفَ لايَزْدَهِيهِ كَوْنُ فَاطِمَةٍ *** بنتاً لَهُ وَ هْيَ نَبْعُ الكَوْثَرِ الْعَذب(1)

مِنها نُجومُ الهُدى المهدي خاتمةُ *** وَ زَوْج خيرٍ وَصِيَّ بِنْتِ خَيْرِ نَبِي(2)

للَّهِ دَركِ يا زَهْرا من امرأةِ *** بِها تَباهَى رِجالُ الفَضْل و الحَسَب

لولا ذَوُوكِ بما أُوتِيتِ مِنْ شَرَفٍ *** فاز الإناتُ عَلَى الذُّكْرَانِ بِالْغَلَبِ

فَالْبَعْلُ وَ الأب و الأبناءُ فِيكِ غَدَوْا *** مِنْ شِدَّةِ الفَخْرِ بَيْنَ العُجبِ و العَجَبِ

ص: 152


1- إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص116 في باب فضائلها المشتركة مع سائر الخمسة علیهم السلام و غيرهم في القرآن و ذلك في تفسير: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: و الماء من نهر يقال له: الكوثر... و هو لي و لك و لفاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و ليس لأحد فيه شيء. و في التفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير سورة الكوثر قال: الكوثر أولاده، لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان، و في «مجمع البيان»/للطبري في تفسير سورة الكوثر قال: قيل الكوثر هو الخير الكثير. و قيل: هو كثرة النسل و الذرية و قد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة علیها السلام حتى لا يحصى عددهم و اتصل إلى يوم القيامة مددهم.
2- إشارة لما ورد في مجمع الزوائد ج9 ص168 باب في فضل أهل البيت علیهم السلام جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السللام: إن الله «عزوجل» اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالاته ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها بعلك و أوصى إليّ أن أنكحك إياه يا فاطمة علیها السلام و نحن أهل بيت علیهم السلام قد أعطانا اللَّه خصال -إلى أن قال-: و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن و الحسين علیهما السلام، و هما سیدا شباب أهل الجنة -إلى أن قال-: و إن منهما مهي هذه الأمة.

أمَّا مُوالُوكِ يا زَهْرَا فَرَأَیُهُمُ *** أنَّ الْوَلا لَكُمْ ضَرْبٌ مِنَ النَّسَبِ(1) (2)

ص: 153


1- إشارة لما ورد في بحار الأنوار ج39 ص309 في الباب87 في حب علي إيمان و بغضه كفر و نفاق س 5 إن اللَّه اختارهم بعلمه لنا من بين الخلق و خلقهم من طينتنا و استودعهم سرِّنا...
2- بمناسبة مولد الزهراء علیها السلام و ألقاها بنفسه في حسينية الشواف مجلة الموسم العدد 9-10 ص561 مجلد3-1991.

(32) ثياب المصاب

(بحر المتقارب)

الشيخ مُلا محمد بن علي

آل نتيف (*)(1)

إذا لَذَّ لي مَظعَمٌ أوْ شَرابْ *** بِشَهْرِ رَبِيعَ فَشَيْءٌ عُجابْ

فَانّى يَزُورُ لِقَلبي السُّرورْ *** وَ نارٌ بِأحْشاي ذاتُ الْتِهابْ

مُصابٌ أصابَ صَمِيمَ الفُؤَادْ *** فَفِي الْقَلْبِ باقٍ لِيَوْمِ الْمَآبْ

أَيَفْرَحُ قَلْبِي وَ طَة الرسولْ *** شَفِيعُ العِبَادِ ثَوى فِي التُّرابْ

بَكَتْهُ السَّماءُ وَ سُكَانُها *** جميعاً و ناحَ عَلَيْهِ الْكِتَابْ(2)

ص: 154


1- (*)هو الشيخ ملامحمد بن علي بن ضيف بن مهدي بن رضوان بن أحمد بن علي بن مكي (آل نتيف) و هو من أسرة يسري فيها هذا اللقب (آل نتيف) إلى أكثر من سبع طبقات، و هي به،معروفة و من بينهم الشيخ محمد كأنه علم في رأسه نار. ولد في القطيف سنة (1315ه ). و قد جمع المترجَم له في شخصيته المرموقة مكارم الأخلاق و مزايا المجد من كرم و خلق رفيع و محبة للناس و خضوع و خشوع و تواضع إلى غير ذلك من تلك المميزات الخاصة التي أهَّلته لأن يكون خالداً. و مكارم أخلاقه بين أقرانه ظاهرة، من مزايا حميدة و سجايا نبيلة في الصدق و حسن الحديث و الوفاء بالإخاء و صدق الوعد و طيب الضمير و المعاشرة و لين الجانب و تواضع النفس و رحابة الصدر و بسامة الثغر و ظرافة المجلس و خدمة الإنسانية و أداء حق المنبر، فهو خطيب ماهر و واعظ قدير و أديب كبير وبحّاثة مؤرخ يرقى المنبر فيمتلك قلوب المستمعين و يبعثها للنشاط و التشجيع و يتكلم مرشداً . توفي الشيخ محمد بن علي آل نتيف في (22) محرم سنة (1372ه_)، وقد تركت وفاته أثراً في البلاد وكأنما في شخصيته فقدت شخصيات، فهو فرد يعد بأفراد.
2- إشارة لما ورد في المستدرك على الصحيحين ج3 ص60 عن عبد الله بن مسعود: لما ثقل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قلنا: من يصلي عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فبكى و بكينا و قال: مهلاً غفر الله لكم و جزاكم عن نبيكم خيراً إذا غسلتموني و حنطتموني و كفنتموني فضعوني على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي خليلي و جليسي جبرائيل و ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة ثم ليبدأ بالصلاة عليَّ رجال أهل بيتي علیهم اسلام ثم نساؤهم ثم ادخلوا أفواجاً أفواجاً و فرادى.

وَهَبَّتْ عليهِ رِياحُ الْخُسوفْ *** وَ هَمَّ البسيط على الانقِلابْ

و باتَ الأنامُ بِلا والدٍ *** تُقاسِي الْمَصَائِبَ مِنْ كلِّ بابْ

و كيف أذُوقُ الْهَنَا وَ الْبَتُول *** لَها رَفْلَةٌ(1) في ثيابِ الْمُصَابْ

تَحِنُّ حَنِيناً يُزِيلُ الجِبَالُ *** وَ دَمْعُ الْعُيونِ كَصَوْبِ السَّحابْ(2)

أَلَيْسَ بذا الشهر قامَ العُداةُ *** بنقض العُهُودِ مِنَ الْمُسْتَطابْ(3)

وَ فِيهِ(4) أُدِيرَ علَى بَيْتِها *** بِجَزل(5) وَ عَنْها أَمِيطَ الْحِجَابْ

أما كَسَرُوا فيهِ أَضْلاعُها *** بِالْحَبْل قادوا الإمامَ المُهابْ(6)

لَها اللَّهُ إِذْ خَرَجَتْ خَلْفَهُ *** لِتَخْلِيصِهِ بِأَسَى وَ انْتِحَابْ

تُنادِي دَعُوا مَنْ أَشادَ الْهُدَى *** بِحَدّ حُسام أَذَلَّ الرِّقابْ

ص: 155


1- الرّفلة: جرُّ الذيل.
2- و ذلك إشارة لما ورد في بحار الأنوار أيضاً ج43 ص157 ح6 و7 في حديث عن علي علیه السلام قال: غسلت النبي صلي الله علیه و اله و سلم في قميصه فكانت فاطمة علیها السلام تقول أرني القميص فإذا شمَّتَهُ غشي عليها. و في حديث آخر قالت: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي صلي الله علیه و اله و سلم بالأذان... فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم شهقت فاطمة علیها السلام و سقطت لوجهها و غشي عليها حتى ظن الناس أنها قد ماتت فقطع بلال أذانه و لم يتّمه.
3- إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص20 في حديث عن سلمان عن النبي صلي الله علیه و اله و سلم في مرضه الذي قبض فيه و قد أقبل على علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد أعواناً فاصبر و اكفف يدك و لاتلق بيدك إلى التهلكة.
4- و لعّل أغير بدلاً عن أدير و في البيت إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص39 قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
5- جَزَلَ: جَزْلاً الشيء قطعه.
6- و ذلك إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص37 حيث انطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً.

فَما رُعِيَتْ إِذْ دَعَتْ في العدى *** فَعادَتْ وَ مِنْ ضَرْبها المتنُ عابْ(1)

وَ قَدْ لُطِمَتْ لَعْمَةً لَمْ تَزلْ *** عَلَى الخَدّ مِنْهَا بِظَهْرِ النِّقابْ(2)

وَ باتَتْ تَيْنُّ بِفَرْشِ السّقامْ *** حَلِيفَةَ وَجْد إذِ البَدْرُ غابْ

لِفَقْدِ الرَّسُولِ وَ سِقْطِ الجَنِينْ *** وَ كَسْرِ الضُّلوع وَ مَزْقِ الكِتابْ(3)

فَما وَقَعَةُ الطَّفْ لَوْلاً الأولى *** أماطُوا عَن الطُّهرِ ذاكَ الحِجابْ(4)

بِصَعْدَةِ مِنْبَرِ طة الأمينْ *** بِصَدْرِ الحُسَيْنِ رَقَى ابْنُ الضّبابْ

وَ مِنْ رَضِّهِمْ ضِلْعَ بِنْتِ الْهُدى *** بهِ رُضِّ أَضْلاع شِيبٍ وَ شَابْ(5)

وَ مِنْ قَتْلِهِمْ مُحْسِناً بِالطّفُوفِ *** بها کَمْ رَضِيعٍ بِسَهُم مُصابْ

و نارٍ تُوجَجُ في بَيْتِها *** وَراهَا ابْنُ سَعْدِ بِتِلْكَ الْقَبَابْ(6)

ص: 156


1- و أما عن كسر الضلع فورد في كتاب سليم بن قيس في كسر ضلع فاطمة علیها السلام ص40 فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها». إشارة لما ورد عن سليم بن قيس في كتابه ص37 باب ضرب الزهراء علیها السلام في جنبها و ذراعها حيث نقل عن سلمان «رضوان الله عليه» قال: دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر و هو في غمده فوجاً به جنبها، فصرخت: یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم! لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
2- إشارة لما ورد في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم صفحة560 قال عمر: أقبلت عليّ الزهراء علیها السلام بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدّيها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها و تناثر إلى الأرض.
3- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم الزهراءعلیها السلام ج2/11 ص574 في قولها ظلموني حقي، و أخذوا إرثي، و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، و كذبوا بشهودي وهم -والله- جبرئيل و ميكائيل و أميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن.
4- في الخصال/ للصدوق/ ج2 ص67. قال الصادق علیه السلام: لايوم كيوم محنتنا بكربلا، و إن يوم السقيفة، و إحراق النار على باب أميرالمؤمنين فاطمة و الحسن و الحسين و زينب علیهم السلام و فضة، و قتل محسن بالرفسة، أعظم و أدهى و أمر لأنّه أصل يوم العذاب راجع أيضاً نوائب الدهور ج3 ص194.
5- إشارة لما ورد في الاحتجاج ج1 شطر منه في صفحة97 عن الصادق علیه السلام سأله أبان بن تغلب في أنه هل أنكر أحد من الصحابة على أبي بكر في جلوسه مجلس رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم؟ فقا : نعم الذي أنكر عليه اثنا عشر رجلاً من المهاجرين. و كذلك في مورد آخر: فأفحم بعد أن حاججوه و لم يحر جواباً. ثم قال: و ليتكم و لست بخيركم أقيلوني أقيلوني. و ذلك في صفحة104 من نفس المصدر.
6- القباب: مفرده القبب من السيوف و نحوها القاطع.

وَ حَبْلِ بِهِ كُتِفَ المُرْتَضَى *** بهِ كَتَّفُوا زَيْنَبَاً وَ الرَّبابْ

وَ إِنْ خَرَجَتْ بَعْدَتَخْدِيرِها *** بِدَمْعِ سَفُوحٍ وَ قَلْبِ مُذابْ

أَلا بِابِيْ وَ رِثَتْ زَيْنَبٌ *** وَ زَادَتْ على أمِّها في المُصابْ

سَرَتْ في السِّبا ما لَها کافِلٌ *** بِحَالٍ فظيع يُزِيلُ الهِضَابْ

وَ مِنْ خَلْفِها آلها وَ العَلِيلُ *** لَهُنَّ صَجِيجٌ كَرَعْدِ السَّحَابْ

إذَا انْتَحَبَ الطِّفلُ مِنْ هَاشِمٍ *** يُقَنَّعُ بِالسَّوْطِ ذاك الشبابْ

فَما زَيْنَبُ الطّهْرُ أُمُّ الخُدورِ *** وَ قَطْعُ الفَیافِي وَ تِلْكَ الرّحابْ

تَرى رُوسَ إِخْوَتِها فِي الرِّماحْ *** قَدِاتَّخِذَتْ مِنْ دِمَاهَا الْخِضابْ

تُنادِيهِمُ إخْوَتِي هَلْ يَهُونُ *** عَلَيْكُمْ بِزَيْنَبَ ما قَدْ أصابْ

فَبالرغم مِنّي أرى رُوسَكُمْ *** وَ تَتْلُو الْكِتَابَ بِرُوسِ الحِرابْ

وَ حَقَّكُمُ لاعَرِفُتُ الهَنا *** وَ أَنْتُمْ بِعَيْنِي ذهاباً إيابْ

وَ عَيْنِيَ ما غُمِّضَتْ بَعْدَكُمْ *** وَ أَلْبَسُ حُزْنَا عَلَيْكُمْ ثِيَابْ

أيا إِخْوَتِي إِنَّ يَوْمَ الْفِراقِ *** أزالَ شُعوري و شَعْرِي أشابْ

أبَعْدَ الْأَحِبَّةِ عَيْش يَطِيبُ *** عَجِيبٌ لِمِثْلي إذا الْعَيْش طابْ

فَما عِشْتُ بَعْدَكُمُ فِي العَزاءْ *** إلى أنْ يُوسَّدَ خَدّي التُّرابْ

فَيا وَقْعَةً لا تَرى مِثْلَها *** مَتَى ذَكَرُوها فَكَفُّ الخِطَابْ

مِنَ المُصْطَفَى بَعْدَهُ آلُهُ *** لِقاؤُهُمُ بَدَدٌ في الشِّعابْ(1)

فَهاكُمْ مِنَ الْعَبْدِيا سادتي *** كَلاماً لَهُ أَدْمُعِي فِي انْصِبَابْ

مُحَمَّدُ يَرْجُوكُمُ في القيام *** خَدِينُ المَعَاصِي مِنْ كُلِّ بابْ(2)

أَلا أَنْتُمُ الْغَوْتُ سُفْنُ النَّجاةِ *** و لاكُمْ يُذِيبُ الذُّنوب الصِّعابْ

و لاسَهر اللَّيلَ مَنْ حادَ عَنْ *** ولاكُمْ فَفِي الحَشْرِ وَاللَّهِ خَابْ

سَلامٌ لَكُمْ دائماً ما أضاءُ *** بِأُفُقِ السَّمَاءِ هِلَالٌ وَ غَابْ(3)

ص: 157


1- بَدَدٌ: متفرّق.
2- خَدين: صديق.
3- من كتاب عبرة المؤمنين ص43.

(33) يوم الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد محمد جمال الهاشمي (*)(1)

ص: 158


1- (*) هو السيد محمد ابن السيد جمال ابن السيد حسن ابن السيد محمد علي الموسوي الگلبایگاني الشهير بالهاشمي. ولد في النجف الأشرف ليلة العشرين من المحرم سنة (1332ه_)، و نشأ نشأة دينية في ظل والده المرجع الديني الكبير السيد جمال الگلبايگاني، و منذ نعومة أظفاره كان متعشقاً للعلم و الأدب، فعني بتربيته و توجيهه، فكان أول دراسته أنه أدخله المدرسة العلوية الإيرانية في النجف فبقي فيها خمس سنوات فكانت نفسه تواقة إلى الدروس الحوزوية، فدخل المسجد الهندي حظيرة الروحيين و عمره لم يبلغ الثانية عشرة فأخذ النحو و الصرف و البلاغة و المعاني و البيان و الفقه و الأصول و أنهى جميع مراحل السطوح على أساتذة عصره في الحوزة العلمية في النجف الأشرف أمثال الشيخ عبد الأمير البصري و الشيخ شمس التبريزي و الشيخ محمد تقي الأصفهاني و الشيخ محمد رضا المظفر و الشيخ محمد تقي و الشيخ راضي و السيد الميرزا حسن البجنوردي و السيد موسى الجصاني، ثم تأهّل إلى دروس الخارج فحضر حلقة درس الأستاذ الكبير آغا ضياء الدين العراقي و المرجع الديني الأعلى السيد أبي الحسن الأصفهاني. و أخذ أهم علومه من والده الذي حاز على المرجعية الدينية بعد وفاة الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني، فرجع إليه الناس من هنا وهناك. و لقد حصل على إجازة الاجتهاد من الشيخ آغا ضياء الدين العراقي و السيد أبي الحسن الأصفهاني كما أجازه والده على الاجتهاد. و المترجم له كان يقيم صلاة الجماعة في الجامع الذي يلي الرأس الشريف في الساباط من الحرم العلوي الشريف خلفاً لأبيه عندما أقعد في داره بسبب المرض الذي لازمه، و تولى حل المسائل و المشاكل الشرعية التي كانت ترد على والده من مقلديه و قام بأدائها خير قيام. و كان المترجم له من أركان الجهاز المرجعي للفقيه المرجع السيد محسن الحكيم (رحمة الله علیه)، و دوره مشهود في ذلك و سيرته واضحة. و للمترجَم له مؤلفات كثيرة منها: 1-كتاب الزهراء علیها السلام، 2-تاريخ الأدب العربي، 3- الأدب الجديد، 4- الأدب القديم فيه تراجم لسبعمائة شاعر، 5- ديوان الهاشمي في جزأين، 6-الأوتار منظوم على وزن واحد، 7- الأنغام و هو خاص بالموشحات على مختلف أنواعها، 8- الأراجيز، 9- ملحمة الجيل و هي قصيدة تشتمل على سبعمائة بيت 10-الهاشميات عبارة عما قاله في آل البيت علیهم السلام من الثناء و الرثاء، و قد طبع له في الآونة الأخيرة كتاب بعنوان (مع النبي وآله) و لعله هو الهاشميات، 11- هكذا عرفت نفسي، 12- الأخلاق في ضوء القرآن و غيرها من الكتب العلمية و الأدبية و أكثرها لم تطبع. وافته المنية ولبى نداء ربه سنة (1397ه_ ) و دفن في النجف الأشرف.

أيُّ خَطبٍ يَبْكِي عَلَيْهِ خِطابي *** وَ مُصابٍ قَدْ شابَ شَهْدِي بِصَابِ(1)

أو يَوْمَ الزّهراء أيُّ فُؤادٍ *** عَلَوِيٌّ عَلَيْكَ غَيْرُ مُذَابِ(2)

: 159


1- الشهد: العسل الصاب: شجر مر.
2- إشارة إلى ما حدث للزهراء علیها السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففي البحار ج43 ص197، باب ا وقع عليها من الظلم ج29. قال: توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس و أرتدوا و أجمعوا على الخلاف، و اشتغل علي برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل و أهل بيته علیهم السلام فابعث إليه فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له: یا قنفذ انطلق إلى عليّ علیه السلام فقل له: أجب خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فبعث مراراً و أبى علي علیه السلام أن يأتيهم. فوثب عمر غضبان و نادى خالد بن الوليد و قنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً، ثمَّ أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة «صلوات الله عليهما»، و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثمَّ نادى: يا ابن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه، قال افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم فقالت: يا تتقي الله «عزَّوجلَّ» تدخل على بيتي و تهجم على داري، فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثمَّ دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السَّوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه. فوثب عليَّ بن أبي طالب فأخذ بتلابيب عمر ثمَّ هزّه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و همَّ بقتله فذكر قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وما أوصاه به من الصبر و الطاعة فقال: والذي كرَّم محمَّداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوة يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي، فأرسل عمر يستغيث. فأقبلوا حتى دخلوا الدار فكاثروه و ألقوا في عنقه حبلاً فحالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله» فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت علیها السلام من ذلك شهيدة. و ساق الحديث الطويل في الداهية العظمى و المصيبة الكبرى... إلى آخره.

لَكَ في الدَّهْرِ رَنّةٌ رَدَّدَتْها *** بِخُشُوعِ أَجْيالُهُ وَ اكْتِئَابِ

فَهيَ نَارٌ تُذْكِي القُرونَ وَ نورٌ *** رَف لألاؤُه عَلَى الأحْقابِ(1)

وَ هْيَ لَلْمَجْدُ فيهِ لِلسَّا *** لِكِ تَبْدُو الصِّعَابُ غَيْرَ صِعَابِ

غاب نورُ النَّبيِّ وَ انْقَطَعَ الْوَحْيُ *** وَ خارَتْ عَزائِمُ الآرابِ(2)

وَارْتَمى مَوْكِبُ الحَيَاةِ وَ جَاشَتْ *** نَزَعَاتُ النِّفاقِ في الأحْزَابِ(3)

ص: 160


1- الأحقاب: الدهور.
2- الآراب: جمع الأرب: الغاية أو الحاجة.
3- و الأبيات التي تليه تشير إلى بعض تفاصيل الأحداث، و قد لخص بعضها العلامة الأميني في الغدير في الكتاب و السنة و الأدب ج7 ص74، يقول: ما عساني أن أقول؟ و التأريخ بين يدي الباحث يدرسهُ بأنَّ كلَّ رجل من سواد الناس يوم ذاك كان يرى الفوز و السلامة لنفسه في عدم التحزُّب بأحد من تلكم الأحزاب المتكثرة، و ترك الاقتحام في تلك الثورات النائرة و كانت الخواطر تهدَّده بالقتل مهما أبدى الشقاق أو التحيز إلى فئة دون فئة بعدما رأت عيناه فرند الصارم المسلول، و سمعت أذناه نداء محزِّ (المحز الرجل الغليظ الكلام) يتوعد بالقتل،كلَّ قائل بموت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ويقول: لاأسمع رجلاً يقول: مات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا ضربته بسيفي أو يقول من قال: إنَّه مات علوت رأسه بسيفي، و إنما ارتفع إلى السماء عن تاريخ الطبري ج3 ص198، و شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128 ، و تاريخ ابن كثير ج5 ص242، و تاريخ أبي الفداء ج1 ص156، و المواهب اللدنية للقسطلاني و غيرهم. یصيح: من قال نفس المصطفى قبضت *** علوت هامته بالسيف أبريها (لحافظ إبراهيم) بعدما تشازرت الأمة و تلاکمت و تكالمت، و قام الشيخان يعرض كلُّ منهما البيعة لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أيُّ أحد كأنَّ الأمر دبر بليل فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك فلأ بايعك، و يقول آخر: بل أنت و كلُّ منهما يريد أن يفتح يد صاحبه و يبايعه و معهما أبو عبيدة الجراح حفار القبور بالمدينة يدعو الناس إليهما، (تاريخ الطبري ج3 ص199) و الوصي الأقدس و العترة الهادية و بنوهاشم ألهاهم النبيُّ الأعظم و هو مسجى بين يديهم و قد أغلق دونه الباب أهله و خلِّى أصحابه بينه و بين أهله فولوا إجنانه (طبقات ابن سعد ص121 ليدن ج2 من القسم الثاني) و مكث ثلاثة أيام لايدفن أو من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته فدفنه أهله و لم يله إلّا أقاربه دفنوه في الليل أو في آخره و لم يعلم به القوم إلا بعد سماع صديق المساحي و هم في بيوتهم من جوف الليل، و لم يشهد الشيخان دفنه صلي الله علیه و آله و سلم (أخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال ج3 ص140)... إلى آخر الكلام في باب و صمات الانتخاب. و قول حافظ إبراهيم شاعر النيل في القصيدة العمرية: مدَّت لها الأوس كفَّا كي تناولها *** فمدَّت الخزرج الأيدي تباريها و ظنَّ كلِّ فريق أن صاحبه *** أولى بها و أتى الشعناء آتيها و كان مما حدث بتدبير حزبي مسبق قول عمر: لاأسمع رجلاً يقول: مات رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم إلا ضربته بسيفي... أو يقول: من قال إنه مات علوت رأسه بسيفي و إنما ارتفع إلى السماء... راجع تاريخ الطبري ج3 ص198، و شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128. و حين قام الشيخان يعرض كل منهما البيعة لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أحد فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك فلأبايعك و يقول الآخر: بل أنت... راجع الطبري ج3 ص199. و حين رئي عمر بن الخطاب محتجراً يهرول بين يدي أبي بكر و قد نير حتى أزبد شدقاه راجع سيرة ابن هشام ج4 ص344. وحين أحاطوا بدار فاطمة علیها السلام و أخذ عمر بن الخطاب يصيح: واللَّه لتحرقن أو لتخرجن إلى البيعة. فيقال له: إن فيها فاطمة: فيقول: و إن... راجع الإمامة و السياسة ج1 ص13. حین أخذت الزهراء علیها السلام تصرخ و تولول تنادي: يا أبابكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم واللَّه لا أكلم عمر حتى ألقى اللَّه راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص134 و ج2 ص19. و حين أخرجوا الإمام علياً ملبباً يُقاد إلى البيعة و يُدفع و يُساق سوقاً عنيفاً، و اجتمع الناس ينظرون و يقال له: بايع فيقول: إن أنا لم أفعل فمه؟ فيقال: إذن واللَّه الذي لا إله إلا نضرب عنقك. فيقول: إذن تقتلون عبد الله و أخا رسوله راجع الإمامة و السياسة ص13.

فَانْطَوى النُّورُ في ظَلام كَثِيفٍ *** نَشَرَتْهُ جرائم الانقلابِ

وَ انْمحَى الحيُّ و الصَّراحَةُ لَمّا *** سادَ عَهْدُ الصَّلالِ و الارِتيابِ

مَوْقِفٌ أَرْبَكَ العُصورَ فَأَخْفَتْ *** رَأْيَها فِي الْقُلوبِ و الأَهْدَابِ

غَضْبَةُ الحقِّ ثَوْرَةٌ تَجْرِف الباطلَ *** في مَوْجٍ عَزمِها الوَثَابِ

عَجَبٌ أَمْرُها و أَعْجَبُ مِنْهُ *** أَنَّهَا تَنْتَمِي لِذاتِ نِقابِ

وَإِذَا اللَّبْوَةُ الجَرِيحَةُ ثارتْ *** لَهَثَ المَوْتُ بَيْنَ ظُفْرِ وَ نابِ

شَمَّرَتْ لِلْجِهَادِ سَيّدةُ الإسلامِ *** عَنْ ذَيْلِ عَزْمِها الصَّخَابِ

ص: 161

وَ أَنَتْ ساحَةَ الجِهَادِ بِإِيمَانٍ *** يَرُدُّ السُّيُوفَ وَ هيَ نَوابِ(1)

حاكَمَتْ عَهْدَها المُدْمِيَّ بِقَلْبٍ *** وَاغِرٍ مِنْ شُجونِها لَهَابِ(2)

لَمْ تَدْعُ لِلْمُهَاجِرينَ وَ لِلْأَنْصَارِ *** رَأْياً إلا الْمَحَى كَالضَّبابِ(3)

ص: 162


1- نواب: غير قاطعة.
2- واغر: متوقد من الغيظ.
3- (خطبتها في مسجد النبي صلي الله علیه و آله و سلم) من البيت الثالث عشر إلى البيت السابع و العشرون من القصيدة في إشارة إلى حديث فاطمة الزهراء علیها السلام من الاحتجاج ج1 ص131 تحت عنوان: احتجاج فاطمة علیها السلام على القوم لما منعوها فدك و قولها لهم عند الوفاة بالإمامة. روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه علیهم السلام أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى دخلت على بكر وهو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنَّت أَنَّة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت: الحمدللَّه على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم... إلى آخر الخطبة و كلامها فاعملوا إنا عاملون و انتظروا إنا منتظرون. فأجابها أبوبكر عبد الله بن عثمان و قال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً و على الكافرين عذاباً أليماً... إلى قوله... و الله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لاعملت إلا بإذنه والرائد لايكذب أهله و إني أشهد الله و كفى به شهيداً أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: (نحن معاشر الأنبياء لانورث ذهباً و لافضة و لاداراً و لاعقاراً و إنما نورث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوّة و ما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه)، و قد جعلنا ما حاولته في الكراع و السلاح يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفار و يجالدون المردة الفجار و ذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي و لم أستبد بما كان الرأي عندي و هذه حالي و مالي هي لك وبين يديك لاتزوى عنك... إلى قوله: فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك صلى الله عليه و آله و سلم فقالت علیه السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن كتاب الله صادفاً و لا لأحكامه مخالفاً قولها: كلا بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال أبوبكر: صدق الله و صدق رسوله و صدقت ابنته أنت معدن الحكمة و موطن الهدى و الرحمة و ركن الدين و عين الحجة لاأبعد صوابك و لاأنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني و بينك قلدوني ما تقلدت و باتفاق منهم أخذتُ ما أخذت غير مكابر و لامستبد و لامستأثر و هم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس و قالت معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل (و في بعض النسخ قبول الباطل) المغضية على الفعل القبيح الخاسر... إلى آخر قولها (سلام الله عليها). و في الاحتجاج ج1 ص119 (احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على أبي بكر و عمر لما منعا فاطمة الزهراء علیها السلام فدكاً بالكتاب و السنة). عن حماد بن عثمان (ذو الناب عن أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا علیهم السلام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى بويع فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر الله؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة. فقال: بلى، قالت: فاشهد. إن الله «عزوجل» أوصى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «وآت ذا القربى حقه» فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، فجاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً و دفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه و مزّقه و خرجت فاطمة علیها السلام تبكي. فلما كان بعد ذلك جاء علي علیه السلام إلى أبي بكر و هو في المسجد و حوله المهاجرون و الأنصار فقال: يا أبابكر لم منعت فاطمة علیها السلام ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ و قد ملكته في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال أبوبكر: هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جعله لها و إلا فلاحق لها فيه فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين قال: لاقال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك أسأل البينة قال: فما بال فاطمة علیها السلام سألتها البينة على ما في يديها ، و قد ملكته في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و بعده و لم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهوداً، كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبوبكر فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لانقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول و إلا فهو فيء للمسلمين لاحق لك و لالفاطمة علیها السلام فيه، فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول الله «عزوجل»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم. قال : فلو أن شهوداً شهدوا على فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جاءت بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين قال: إذن كنت عند الله من الكافرين قال: و لم؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة و قبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله و حكم رسوله صلي الله علیه و آله و سلم أن جعل لها فدكاً قد قبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها و أخذت فدكاً منها و زعمت أنه فيء للمسلمين، و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فرددت قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه) قال: فدمدم الناس و أنكروا و نظر بعضهم إلى بعض و قالوا: (صدق واللَّه علي بن أبي طالب علیه السلام)، و رجع إلى منزله. و للحديث بقية: أخذنا منه موضع الحاجة و كمثال واحد على محو الحق و تعطيل الحدود و سيادة الضلال و الارتياب. و هناك قصص و روايات كثيرة جداً تشير إلى ما حدث...

ص: 163

وَ اسْتَعانَتْ بِالحَقِّ وَ الحَقُّ دِرْعٌ *** مِنْ أمانٍ و صارمٌ مِنْ صَوابِ

رَجَمَتْهُمْ بِالمُخْزياتِ فَابُوْا *** وَ هُمْ يَحْمِلونَ سُوء المآبِ

حُجَجٌ كَالنُّجُومِ يَنْثُرُها الحَقُّ *** وَ يَرْمِي الشَّهابَ اثْرَ الشَّهابِ

فَهيَ إمّا عَقَلَ وَ إما حديثٌ *** جاءَ عَنْ نَصْ سُنَّةٍ أَوْ كِتَابِ

فتهاوَتْ أخلامُهُمْ كَصُروحٍ *** شادَها الوَهْمُ عالياً في السَّرابِ

أهٍ لَوْلا ضَعْفُ النُّفُوسِ لَمَا *** اسْتَرجَعَ رَكْبُ الهُدى عَلَى الأَعْقَابِ

وَ لَمَا عَادَتِ الْإِمارةُ لِلْقَوْمِ *** وَ حَازوا إمامةَ المِحْرابِ

وَ اسْتَفَرْتْ هَوْجُ الْعَواصِفِ لَمّا *** قابَلَتْها سِياسَةُ الْإِرْهابِ

لاخطابٌ مِنْ عَاذِل لا جَوابٌ *** عَنْ سُؤال لاهَجْمَةٌ مِنْ عِتابِ

وَ مُذِ انْهَارَتِ الرِّجالُ وَ عَادوا *** بِتُلول مِنْ خِزْيِهِمْ وَ رَوَابِي

وَ اخْتَفَى النَّصُّ بالوَلايةِ لَمّا *** أَظْهَرَ الكَيْدُ فِكْرَةَ الانتِخَابِ(1)

ص: 164


1- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص116 عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن أبي رافع قال: إني لعند أبي بكر إذ طلع علي و العباس يتدافعان و يختصمان في ميراث النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم، فقال أبوبكر: يكفيكم القصير الطويل -يعني بالقصير علياً علیه السلام و بالطويل العباس- فقال العباس: أنا عم النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و وارثه، و قد حال علي بيني وبين تركته. فقال أبوبكر: فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلي الله علیه و آله و سلم بني عبد المطلب و أنت أحدهم فقال: (أيكم يوازرني و يكون وصيّي و خليفتي في أهلي ينجز عدتي و يقضي ديني) فأحجمتم عنها إلا علي علیه السلام، فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الاول: أنت كذلك؟ فقال العباس: فما أقعدك في مجلسك هذا تقدمته و تأمرت عليه؟ قال أبوبكر: اعذروني يا بني عبد المطلب. و روي في ص115 من نفس الكتاب عن أبي قحافة أنه كان بالطائف لما قبض رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم لأبي بكر فكتب ابنه إليه كتاباً عنوانه (من خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى أبي قحافة. أما بعد فإن الناس قد تراضوا بي فإني اليوم خليفة الله فلو قدمت علينا كان أقرلعينك). قال: فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول صلي الله علیه و آله و سلم: ما منعكم من علي علیه السلام؟ قال: هو حدث السن و قد أكثر القتل في قريش و غيرها و أبوبكر أسن منه. قال أبوقحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا علياً حقه و قد بايع له النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أمرنا ببيعته. و لعل الذي يؤكد ذلك ما رواه الطبري. و في صحيح البخاري في مناقب أبي بكر: أن أبابكر قال للأنصار في اجتماع السقيفة: نحن الأمراء و أنتم الوزراء و هذا الأمر بيننا و بينكم نصفاً من كشف الأيلمة -يعني الخوطة- و في شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128: قال عمر يوم السقيفة: من بايع أميراً من غير مشورة المسلمين فلابيعة له و لابيعة للذي بايعه.

أَوْقَدَ الغَدْرُ في السَّقيفةِ ناراً *** عَلَقَتْ في مواكبِ الأَحْقَابِ

وَ تَلاشَى (الغَديرُ) إلا بقايا *** تَتَرامى بِها بُطونُ الشُّعَابِ(1)

ص: 165


1- إشارة إلى انقلاب القوم و اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضّل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقات. قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم، و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما فرغ من ذلك و صلى على النبي صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبا بكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر و معه عمر و أبوعبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتی قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايعته الأنصار و الناس، فقام عثمان و عبد الرحمن بن عوف و من معهما فبايعوا و انصرف علي و بنوهاشم إلى منزل علي و معهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين و سلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره و أحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم و مضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس، وايم اللَّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضروا إلا علي بن أبي طالب علیه السلام فقالوا له: بايع أبابكر. فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول و تأخذونه منّا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم، ألمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة، و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً، و أنا وصيه و وزيره و مستودع سره و علمه و أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم أول من آمن به و صدّقه، و أحسنكم بلاءً في جهاد المشركين و أعرفكم بالكتاب و السنة، و أفقهكم في الدين، و أعلمكم بعواقب الأمور و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وَ تَوالَتْ مَنَاظِرٌ مُؤلِماتٌ *** مَثَلَتْها عَدَاوَةُ الأَصْحَابِ

مِنْ هُجُومِ الأَرْجاسِ بِالنَّارِ كَيْ *** تُحْرِقَ بَيْتَ الأَكارِمِ الأَطيَابِ

وَ انْكِسَارُ الضّلْعِ المُقَدِّسِ بِالضَّغْطِ *** وَ سِقْطُ الجَنِينِ عِنْدَ البابِ(1)

ص: 166


1- إشارة إلى هجوم القوم على بيت الإمام علي علیه السلام فقد روي في كتاب العوالم ج2/11 . ص558 عن كتاب سليم بن قيس ص35 في حديث طويل، فلما كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة علیها السلام على حمار و أخذ بيدي ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا أتاه في منزله فناشدهم الله حقه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إياه، لزم بيته فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا و قد بايع، غيره و غير هؤلاء الأربعة، و كان أبو بكر أرقَّ الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظهما و أغلظهما و أجفاهما، فقال له أبوبكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظَّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب فأرسله إليه و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن على علي علیه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم، و إلا فادخلوا (عليه) بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة علیها السلام: أُحرّج عليكم أن تدخلوا عليَّ بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت:كذا و كذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء!! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: والله لتخرجن يا علي علیه السلام و لتبايعنّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و إلا أضرمت عليك (بيتك) النار فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه، يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم، فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه! فرفع السوط فضرب به ذراعها إلى آخر ما حدث. و في كتاب العوالم ج11/ 2 ص556 عن سلمان الفارسي (رضي الله علیه) فكما في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام. الحديث طويل أخذنا منه أخذنا منه موضع موضع الحاجة.

وَ انْتِزَاعُ الوَصِي سَحْباً مِنَ الدَّارِ *** بِنَبَارِ ثَوْرَةِ الأعصابِ(1)

وَ اغْتِصَابُ الحَقِّ الصَّرِيح جهاراً *** بِاخْتِلافِ الأغذارِ لِلاغْتِصَابِ(2)(3)

ص: 167


1- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 في حديث طويل. ثم انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبوعبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر.
2- لعل مما يشير إليه ما في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص41 في حديث طويل عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: ثم أقبل عليهم علي علیه السلام فقال: يا معشر المسلمين و المهاجرين و الأنصار أنشدكم الله أسمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعل الله يقول يوم غدير خم كذا و كذا، فلم يدع علیه السلام شيئاً قاله فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علانية للعامة إلَّا ذكرهم إيَّاه، قالوا: نعم، فلما تخوّف أبوبكر أن ينصره الناس و أن يمنعوه، بادرهم، فقال: كل ما قلت حق، قد سمعناه بآذاننا و وعته قلوبنا ولكن قد سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول بعد هذا: إنا أهل بيت علیهم السلام اصطفانا الله و أكرمنا و اختار لنا الآخرة على الدنيا و إن اللَّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و الخلافة. فقال علي علیه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم شهد هذا معك؟ فقال عمر: صدق خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد سمعته منه كما قال و قال أبوعبيدة و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال علي علیه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاقدتم عليها في الكعبة. إن قتل الله محمداً صلي الله علیه و آله و سلم أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت علیهم السلام فقال أبوبكر: فما علمك بذلك ما أطلعناك عليها؟ فقال علیه السلام: أنت يا زبير و أنت يا سلمان و أنت يا أباذر و أنت يا مقداد أسألكم بالله و بالإسلام، ما سمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول ذلك، و أنتم تسمعون أن فلاناً و فلاناً -حتى عدهم هؤلاء الخمسة- قد كتبوا بينهم كتاباً و تعاهدوا فيه و تعاقدوا على ما صنعوا؟ فقالوا: اللهم نعم قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول ذلك لك أنهم قد تعاهدوا و تعاقدوا على ما صنعوا و كتبوا بينهم كتاباً إن قتلت أو مت أن يزووا عنك هذا يا علي علیه السلام، قلت: بأبي أنت و أمي يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم و نابذهم و إن أنت لم تجد أعواناً فبايع و أحقن دمك. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام، ص146.

(34) قبض النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ محمد جمعة الكويتي(*)(1)

قَلْبي يُقِلُ أسّى طَما أهْدابي *** وَ يَسِيخُ مَتْنِي كارِها أَثوابي(2)

ص: 168


1- (*) هو الشيخ محمد ابن الحاج جمعة بن عبد الرضا الكويتي. ولد في الكويت سنة (1971م). نشأ و ترعرع في ظل أسرته و في كنف والديه و قد قاما بتربيته أحسن قيام و غذياه بأخلاقهما الفاضلة فكوّنا منه إنساناً محبوباً فاضلاً. و المترجَم له: أخذ دراسته في مدارس الكويت الابتدائية و المتوسطة و الثانوية، و بعدها اتجه إلى الدروس الحوزوية و ابتدأ في الكويت عند نخبة من أجلاء رجال الدين الأفاضل فدرس عند العلّامة السيد محمد باقر المهري، و عند العالم الفاضل السيد إبراهيم الزنجاني و عند آية الله الشيخ محمد الخاقاني، فكان مجداً في طلب العلم. و لرغبته الشديدة في طلب العلم هاجر إلى قم المشرّفة ليواصل نشاطه الدراسي هناك، فتتلمذ عند السيد جعفر علم الهدى و الشيخ عبد الله اللنكراني و السيد محمد رضا الجلالي و السيد عادل العلوي و الشيخ محمد باقر الإيرواني و السيد مهدي الروحاني. و المترجَم له له رغبة شديدة جداً في ممارسة الخطابة، و قد أخذ يتمرن عليها منذ صغره، و كانت بداياته في سنة (1986م) حتى صلب عوده و سمت منزلته الخطابية، و هو اليوم من الخطباء الناجحين، و قد ذاع صيته و اشتهر ذكره يرقى المنبر بكل جدارة في المناسبات الدينية، كما أحب الشعر وشغف به وابتدأ بقرضه سنة (1989م)، و هو ينظم بالفصحى و الدارج (النبطي). ومن آثاره القيمة: 1- مقتل الحسين علیه السلام برواية أهل السنة. 2- ربيبة الخدر السيدة زينب علیها السلام. 3- الحسين علیه السلام في الوجدان الشعري. 4- ديوان شعر. و له مساهمات في تحقيق الكتب التراثية كأسرار الشهادة و شرح الشافية، و غير ذلك. و لايزال المترجم له يمارس دوره الديني و الثقافي، نرجو له التوفيق و السداد.
2- طَمَا: مَلَأَ. أهدابي: جمع الهُدْبَة و هي شَعَر أشفار العينين. يسيخ: ينخسف.

مِنْ حادِثٍ فَضَ السُّلُوَّ كَابَةً(1) *** وَ أَلَجَّ بِالغِرْبانِ لِلتَنْعَابِ

قَدْ عَمَّني حُزْناً و أَبْكَى مُقْلَتِي *** وَ الوَجْدُ فيهِ قَدْ غَدا جِلْبابي

قُبِضَ النَّبيُّ فَعُودِرَتْ أَبْياتُه *** بِالجَزْلِ وَ النَّيرانِ وَ الأحْطابِ

عَصَرُوا البَتُولَةَ أَسْقَطُوها مُحْسِناً *** اللَّهُ ما اقترفتْ يدُ الأض الأصْحابِ(2)

هَجَمُوا وَ بَابُ البَيْتِ تَشْريفاً له *** قَدْ كانَ جبريلٌ مِنَ الحُجّابِ

هَتَكُوا حِماها وَ اسْتَباحُوا دارَها *** وَ تَجَرَّعَتْ غُصَصاً مِنَ الْأَوْصَابِ(3)

حتّى إذا ما المُطْمَئِنَةُ نَفْسُها *** قبضَتْ قَتِيلةً عُصْبَةِ الأَعْرَابِ

خَرَجَ الوَصِيُّ لِدَفْنِها لَيْلاً كَما *** أَوْصَتْ بِصُحْبَةِ نَيْفٍ أَنْجَابِ(4)

وَ عَلَى شَفِيرِ القَبْرِ صاحَ مُؤنُباً *** وَ دُموعُهُ تَحْكِي صَبيبَ رَبَابِ(5)

ما لي وَقَفْتُ عَلَى القُبورِ مُسَلْماً *** قَبْرَ الحَبيبِ فَلَمْ يَرُدَّ جوابي

أَحَبِيبُ ما لَكَ لا تَرُدُّ جَوابَنا *** أَنَسِيتَ بَعْدِي خِلْةَ الأَحْبَابِ

أحَبِيبُ عَهْداً فَالسُّلُوُّ مُحَرَّمٌ *** قَدْ هَدَّ أركاني مُصابُ البابِ

ص: 169


1- فضّ:كسر أو فرّق. السلو: نسيان الشيء بحيث طابت نفسه عنه و ذهل عن ذكره و هجره.
2- إشارة إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام و عصرها بين الحائط و الباب مما أدى إلى إسقاط جنينها. راجع كتاب عوالم العلوم ج2/11 ص568 و غيره.
3- الأوصاب: الأمراض و الأوجاع الدائمة و نحول الجسم.
4- إشارة إلى دفن فاطمة الزهراء علیها السلام ليلاً وذلك لوصيتها (سلام الله عليها) بذلك. فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص213، قال ابن عباس (رضي الله عنه) فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء، و دهشت الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فأقبل أبوبكر و عمر يعزيان علياً و يقولان له: يا أبا الحسن علیه السلام لاتسبقنا على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فلما كان في الليل دعا علي علیه السلام العباس و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها، و دفنوها، فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لاتصليا عليها. الحديث طويل أخذنا منه موضع موضع الحاجة.
5- تحكي: تشبه صبيب رباب: ما يُصَبّ من السحاب الأبيض.

(35) يا باب فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ محمد حسن سميسم (*)(1)

مَنْ مُبْلِعٌ عنّي الزمانَ عِتابا *** و مُقرّعٌ مِنّي له أبوابا؟

و مُذكَّرٌ ما راحَ مِنْ عَهدِ الصِّبا *** لوعاد رائقُ صفوه أو آبا؟(2)

أيَّامَ أَفتَرِشُ النَّعِيمَ أرائِكاً *** و أعبُّ بِالثعرِ الأنيقِ رِضابا(3)

ص: 170


1- (*)هو الشيخ محمد حسن ابن الشيخ هادي بن أحمد ابن الحاج محمد سميسم اللامي الطائي . و قد اشتهرت أسرة آل سمیسم بهذا اللقب لأن جدّها سميسم بن خمير كانت له الزعامة و الإمارة في بني لام و هو الذي نزح من الشام في حدود سنة 902ه و أسس مشيخة بني لام في محافظة العمارة (ميسان) في العراق، ثم انتشروا و تفرَّقوا في مختلف مدن العراق و قد نزح آل سميسم الذين منهم صاحب الترجمة إلى النجف الأشرف منذ قرابة قرن أو يزيد و فيها ولد المترجم له سنة (1279ه_) و نشأ بها فترعرع في مدارسها العلمية و ندواتها الأدبية يرعاه أبوه فتخرّج على أساتذة قديرين في العلوم الحوزوية من نحو و صرف و منطق و معانٍ و بيان و بديع و فلسفة و فقه و أصول و من أساتذته السيد علي الشرع و الشيخ محمد طه نجف و الشيخ علي رفيش. فكان المترجم له، يعد من أصحاب الفضل و الأدب الرفيع و من الشعراء اللامعين. له نوادر أدبية و شعرية جيدة و أكثر شعره في أهل البيت و له ديوان شعر طبع أخيراً باسم (سحر البيان وسمر) الجنان وافاه الأجل في «25» جمادى الأولى سنة (1343ه_) و كان لنعيه رنّة أسف على عارفيه و أبنه جماعة من الشعراء، منهم الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة رائعة.
2- الرائق: الخالص، وراق الماء تردّد و انصب و الريق هو الماء، و سمي بذلك للمعانه، الصفو: النقي الخالص من كل شيء، و في الماء ضد الكدر.
3- الأرائك: جمع أريكة: سرير مزين يضطجع عليه، عب الماء: شربه من غير تنفّس، الثغر: هنا الفم، الأنيق: الحسن، المعجب من أنق الشيء إذا صار أنيقاً.

وَ أَداعِبُ الظَّبياتِ حتّى خِلتَني *** مِن فَرْطِ ما آتي به تَلْعَابَا(1)

يا ويحَ دَهْرِي راحَ يَشْرَعُ لِلأسى *** مِنْ بعد ما ذُقْتُ النَّعِيمَ شَرابا(2)

دَهُرٌ تعامى عن هداهُ كأَنَّه *** أصحابُ أَحْمَدَ أشركوا مُذْ غابا

نَكَصُوا على الأعقاب بعد مماتِهِ *** سَيَرَوْنَ في هذا النكوص عِقابا(3)

سل عنهمُ القُرآنَ يَشْهَدُ فيهِمُ *** إن كنتَ لَمْ تَفَقَهُ لِذاك خِطابا(4)

فكَأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدوا خُمْاً وَ لا *** بَدْراً وَ لاأَحداً وَ لَا الأحزابا(5)

ص: 171


1- الظبيات: جمع ظبية و هي أنثى الغزال تشبه بها النساء التلعاب: الكثير اللعب أو المزاح أو المداعبة.
2- نزع إلى الشيء: ذهب إليه.
3- إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران آية 144: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» و في صحيح البخاري ج7 ص208 و ج4 ص94 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لأصحابه: «سيؤخذ بكم يوم القيامة إلى الشمال فأقول: إلى أين؟ فيقال: إلى النار والله فأقول: يا رب هؤلاء أصحابي فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك إنهم لايزالون مرتدين منذ فارقتهم فأقول: «سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي و لاأرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم» نكص على عقبيه: رجع عما كان عليه و الأعقاب جمع عقب و هو مؤخر القدم.
4- الضمير في (عنهم) يعود على معهود نفسي و هم أهل البيت علیهم السلام، فقه: الشيء إذا فهمه.
5- يشير في هذا البيت إلى واقعة غدير خم و تنصيب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم عليا علیه السلام لخليفة في حضور أكثر من ألف من الصحابة و بطولاته في معركة بدر و أحد والأحزاب و خيبر كالشمس في رابعة النهار. و قد ورد عن ذخائر العقبى للمحب الطبري ص74 و في الرياض النضرة ج2 ص190، قال: عن أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام قال: نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان أن لاسيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي علیه السلام. و راجع كتاب أميرالمؤمنين علیه السلام لمحمد جواد الشَّرِّي: «إن الذين قتل علي علیه السلام يوم بدر أو شارك في قتلهم عشرون أو اثنان و عشرون و راجع سيرة ابن هشام ج1 ص708-713 و كتاب المغازي للواقدي ج1 ص152، مطبعة اكسفورد تجد عن ذلك الكثير. و عن كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج4 ص20 روى بسنده عن سعيد بن المسيب قال: لقد أصابت علياً علیه السلام يوم أحد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض فما كان يرفعه إلاجبرئیل علیه السلام و في كنز العمال ج15 ص126 قال: «لما قتل علي يوم أحد أصحاب الألوية قال جبرئیل علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن هذه لهي المواساة فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إنه مني و أنا منه فقال جبرئيل علیه السلام: و أنا منكما». و في مستدرك الصحيحين ج2 ص32 روی بسنده عن سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «المبارزة علي بن أبي طالب علیه السلام لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة». و رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج13 ص19 أيضاً. و أما خيبر ففي صحيح البخاري في باب الجهاد و السير، في باب ما قيل في لواء النبي صلي الله علیه و آله و سلم روى بسنده عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي علیه السلام تخلف عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في خيبر و كان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «لأعطين الراية -أو قال: ليأخذن- غداً رجل يحب الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم -أو قال: يحبه الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم- يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي علیه السلام و ما نرجوه، فقالوا هذا علي علیه السلام، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ففتح الله عليه». و رواه مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة في باب من فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام. و راجع البيهقي أيضاً في سننه ج6 ص362، و أبونعيم أيضاً في حليته ج1 ص26: «قال ج6 سلمة: إن مرحباً اليهودي برز إليه مرتجزاً متحدياً فضربه علي ففلق رأسه فقتله و كان الفتح» راجع المستدرك للحاكم ج3 ص28-29. و عن كنز العمال ج6 ص398، قال: عن جابر بن سمرة قال: إن علياً علیه السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون ففتحوها و إنه جرب فلم يحمله إلا أربعون قال: أخرجه ابن أبي شيبة. و الحديث عن ذلك طويل لا يسعه المجال.

وَ بِخَيْرٍ مَنْ راحَ يَرْقُلُ باللَّوَى *** مَنْ قَدْ مَرْحَب مَنْ أَزَالَ البابا(1)

وَ مَنِ اشترى للَّهِ نَفْسَ مُحَمّدٍ *** في نَفْسِهِ لمَّا دُعِي فأجابا(2)

ص: 172


1- اللوى: هو اللواء -بالمد- و هو الراية قد الشيء: إذا قطعه مستأصلاً.
2- ربما أشار بهذا إلى نوم الإمام مكان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم -و فدائه بنفسه- ليلة هجرة الرسول إلى المدينة. قال «تعالى»:«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» [سورة البقرة الآية 207]. و قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص123: «و شرى علي نفسه لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم نام مكانه و كان المشركون يرومون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فجاء أبوبكر و علي نائم قال أبوبكر يحسب أنه نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال له علي علیه السلام: إن نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه، فانطلق أبوبكر فدخل معه الغار. قال: و جعل علي يُرمى بالحجارة كما كان يُرمى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو يتصورَّ قد لف رأسه في الثوب لايخرجه حتى أصبح ثم كشف رأسه فقالوا إنك للئيم كان صاحبك نرميه و لايتصوّر و أنت تتضوّر و قد استنكرنا ذلك... الخ.

مَنْ في الصّلاةِ يَرى الصَّلاتِ فَرِيضةً *** مَن نال خَاتَمَهُ الثمينَ جَوابا(1)

مَنْ بابُ حِطَّةَ غَيْرُ حَيْدَرَةٍ وَ مَنْ *** لِمَدِينَةِ المختار كانَ البابا(2)

ص: 173


1- الصلات: جمع و هي العطية و الإحسان و هو يشير إلى الحادثة المشهورة في التاريخ من تصدق الإمام علیه السلام بخاتمه و هو راكع في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و نزول قوله «تعالى»: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» [سورة المائدة الآية 55]. و في كتاب التفسير الكبير للرازي قال عن أبي ذر أنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء و قال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فما أعطاني أحد شيئاً و علي كان راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى و كان فيها خاتم فأقبل السائل حتى الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: «اللهم إن أخي موسى سألك فقال: «رب اشرح لي صدري» إلى قوله: «أشركه في أمري» [النور الآية 25 و 32]. فأنزلت قرآناً ناطقاً «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا». اللهم و أنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم نبيك و صفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري و اجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشد به ظهري. قال أبوذر: فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل علیه السلام فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم اقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» [سورة المائدة الآية 55 إلى آخرها] ج12 ص26. و في تفسير الكشاف للزمخشري ج1 ص624 قال: إنها نزلت في علي «كرم الله وجهه» حين سأله سائل و هو راكع في صلاته فطرح له خاتمه. و في تفسير الطبري ج6 ص186 روي بسنده عن غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله «تعالى»:«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام تصدق و هو راكع عن كتاب فضائل الخمسة ج2 ص20.
2- يشير في هذا البيت إلى كون علي و أهل البيت علیهم السلام هم باب حطة و إلى كون علي علیه السلام هو باب مدينة علم النبي فالأول ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج1 ص71 قال: أخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح و كباب حطة في بني إسرائيل. و الثاني: ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج9 ص117 قال: عن ابن عباس قال: قال رسول الله الله صلي الله علیه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد فليأته من بابه. و رواه ابن حجر العسقلاني في كتابه تهذيب التهذيب ج6 ص320 و ج7 ص427، عن ابن عباس، أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها... الخطة: الاسم من استخطه وزره. أي سأله أن يحط عنه وزره و باب خطة هو الباب الذي أمر بنو إسرائيل بدخوله و قيل هو الباب الثامن من بيت المقدس قال «تعالى»: «وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ» [سورة البقرة الآية 58] أي: ادخلوا الباب و اسجدوا لله شكراً و اطلبوا من الله أن يحط عنكم ذنوبكم. و قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: (إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له): أخرجه الطبراني في الأوسط والنبهاني في الأربعين و قال الإمام الباقر علیه السلام: (نحن باب حَّطتكم) التبيان ج1 ص263.

عَجَباً لِقَوْمٍ، أَخَروا مِقْدامَهُمْ *** بَعْدَ النبي و قدَّموا الأذنابا

قد أضمروها لِلْوَصيَّ ضَعَائِناً *** مُذْ دَخرَجُوها للنبيِّ دِبابا(1)

ليُنفّروا العَصْباءَ عَن درب الهُدى *** حَتَّى يَعُودَ الدِّينُ بَعْدُ يَبابا(2)

نَسَبُوا لَهُ هَجْراً لِخَوْفِ كِتابِهِ *** فَكَأَنَّهُم لايَسْمَعُونَ كِتابا(3)

ما كانَ يَنْطِقُ عَنْ هَواهُ وَ إِنَّما *** وَحْيٌ لَهُ يُحْيِي النَّبِيَّ خطابا(4)(5)

ص: 174


1- الضغائن جمع ضغينة و هي الحقد الدباب في الحقد الدباب: في الأصل هي صفة لمشية الناقة الكثيرة لأنها تدبّ دبيباً. و دبّ دبيباً: مشى على هيئته و لم يسرع و الدباب: جمع دبة، و هي الفعلة الواحدة من الدبيب.
2- نفرت الدابة: شردت و جزعت و العضباء: الناقة أو الشاة المشقوقة أذنها و الأعضب: من لا أخ له أو من لاناصر له، و المؤنث: عضباء، و هي هنا للكناية فتأمل، و العضباء ناقة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في البيت إشارة إلى تآمر بعض الصحابة على علي في زمن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ففي روضة الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام في قوله «تعالى»: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ» [سورة المجادلة، الآية 7] قال: نزلت في فلان و فلان و أبي عبيدة الجراح و عبد الرحمن بن عوف و سالم مولى أبي حذيفة و المغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم و تعاهدوا و تواثقوا لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم و لاالنبوّة أبداً فأنزل الله فيهم هذه الآية. الكافي ج8 ص179-180 كتاب الروضة.
3- الهجر الهذيان في النوم أو المرض، و أشار بهذا إلى الحادثة المعروفة عند مرض الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الذي مات فيه. و قول عمر بن الخطاب حين أمرهم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن يأتوا له بدواة و قلم ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً. فقال عمر كلمته المشهورة إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم ليهجر أو هجر، انظر صحيح البخاري ج1 ص279 و كتاب النهاية في غريب الحديث و الأثر ج4 ص255.
4- يشير في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا يوحي» (3-4) من سورة النجم. و هو جواب لقولة عمر المشهورة و نسبة الهجر لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
5- و هذه أبيات ثلاثة نظمها الخطيب الشيخ جعفر الهلالي لإكمال فكرة القصيدة يقول فيها: و أمض ما يدمي الفؤاد من الأسى *** و يذيب من صم الصخور صلابا لما على بيت النبوة أقبلوا *** ظلماً كأن لهم بذاك طلابا عصروا ابنة الهادي و رضُّوا ضلعها *** لما عليها القوم ردّوا البابا

يا باب فاطِمَ لاطَرِقْتَ بِخِيفَةٍ *** وَ يَدُ الهُدَى سَدَلَتْ عَلَيْكَ حِجابا(1)

أَوَلَسْتَ أنتَ بكل آن مَهْبَط *** الأمْلاكِ فِيكَ تُقَبلُ الأعتابا(2)

أَوْهِ عَلَيْكَ فَمَا اسْتَطَعْتَ تَصُدُّهُم *** لما أتَوْكَ بَنُو الصَّلالِ غِضَابا(3)

نَفْسِي فِداكَ أَمَا عَلِمْتَ بِفَاطِمٍ *** وَقَفَتْ وَ رَاكَ تُوَبِّحُ الأَصْحَابَا(4)

أوَ ما رَفَقْتَ لِضِلْعِها لَمَّا انْحَنَى *** كَسْراً وَ عَنْهُ تَزْجُرُ الخِطَابا

أَوَ مَا دَرى المِسْمارُ حِينَ أَصابَها *** مِنْ قَبْلِهَا قَلْبَ النّبِيِّ أصابا

عتبى عَلَى الأغتاب أُسْقِطَ مُحْسِنٌ *** فيها وَ مَا انْهَالَتْ لِذاكَ تُرابا(5)

حتَّى تُوارِيهِ لِئَلَّا تَسْحَق الأَقْدَامُ *** مِنْهُ أضلُعاً وَ إهابا(6)

هُوَ أَوَّلُ الشُّهَدَاءِ بَعْدَ مُحَمّدٍ *** وَ يُرَى المُصَابَ عَلَى المُصَابِ صَوابا

ص: 175


1- أشار إلى الخوف و الرعب الذي أحدثه القوم حول الباب و إحراقه بالنار و دخول البيت بلا إذن في الوقت الذي كان الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لايدخل إلا بعد أن يستأذن و يسلم على أهل البيت علیهم السلام لأنه كان بيتاً مستوراً بحجاب الإيمان و الهدى.
2- في كتاب البحار ج43 ص78 ح65: عن أبي عبد الله علیه السلام يقول: إنما سميت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران علیها السلام فتقول: يا فاطمة علیها السلام: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» [سورة آل عمران الآيتان 42 و 43] فتحدّثهم و يحدّثونها فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و إن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها و سيدة نساء الأولين والآخرين.
3- أوه: مصدر من آه إذا شكا و توجع.
4- في كتاب سليم بن قيس ص208: ثم نادى يعني عمر يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: ما لنا و لك ألا تدعنا و ما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب و إلا أحرقناه عليكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله «عز وجل» تدخل عليَّ بيتي و تهجم على داري؟ فأبى أن ينصرف».
5- الأعتاب:جمع عتبة، و هي أسكفة الباب أو الدرجة الأولى منه.
6- الإهاب: الجلد.

ما اسْطَاعَ يَدْفَعُ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ *** فَمَضى لِأَحْمَدَ يَشْتَكِي الأَصْحابا

لَمَّا عَدَوْا لَلْبَيْتِ عَدُوةَ آمنٍ *** مِن لَيْث غابٍ حين داسوا الغابا

لَوْ يَنْظُرُون ذُباب صارم حَيْدرٍ *** لَرَأَيْتَهُمْ يَتَطايَرونَ ذُبابا(1)

لَكِنَّهُمْ عَلِمُوا الوَصِيَّةَ أَنَّها *** صَارَتْ لِصَارِمِهِ الصَّقيلِ قِرابا(2)

ص: 176


1- ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به و يشار إلى ما في كتاب سليم بن قيس ص36: «ثم أمر ناساً حوله -يعني عمر- أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابنيهما علیهم السلام. ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنَّ يا علي علیه السلام و لتبايعنَّ خليفة رسول الله علیه السلام و إلّا أضرمت عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ علیه السلام بيتي. و في ص40 من الكتاب نفسه. و قد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه وبين زوجها- و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها». و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: «و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص109. «انطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن إلى قوله و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها».
2- إشارة إلى وصية الرسول صلي الله علیه و آله و سلم العلي علیه السلام كما في كتاب سليم بن قيس ص154-155 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم العلي علیه السلام: «إن الناس يدعون ما أمرهم الله به و ما أمرتهم فيك من ولايتك و ما أظهرت من محبتّك متعمّدين غير جاهلين مخالفة ما أنزل الله فيك فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك و اعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك فلا تدعنَّ أن تجعل الحجة عليك.» إنك يا أخي لست مثلي إنّي قد أقمت حجتك و أظهرت لهم ما أنزل الله فيك و إنه لم يُعلم أني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أن حقي و طاعتي واجبان حتى أظهرت ذلك فإني كنت قد أظهرت حجتك و قمت بأمرك فإن سكتّ عنهم لم تأثم غير أنه أحب أن تدعوهم و إن لم يستجيبوا لك و لم يقبلوا منك و تظاهرت عليك ظلمة قريش. فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى بهم أن يقتلوك و التقية من دين الله و لادين لمن لاتقية له.

فَهُنَاكَ قَدْ جَعَلُوا النَّجادَ بِعُنْقِ مَنْ *** مَدُّوالَهُ يَوْمَ (الغَدِير) رقابا(1)

سَحَبُوهُ وَ الزَّهْرَاهُ تَعْدُو خَلْفَهُ *** وَ الدَّمعُ أَجْرَتْهُ عَلَيْهِ سَحابا(2)

فَدَعَتْهُمُ خَلُوا ابنَ عَمِّي حَيْدَراً *** أوِ اكْشِفَن إلى الدعاء نِقابا

حارَبتُمُ الباري وَ آلَ نَبِيْهِ *** وَ عَصَيْتُمُ الأَعْوَادَ و المِحْرابا(3)

وَ نَكَنْتُمُ كَثَمُودَ، هَذا صَالِحٌ *** لِمَ تَسْحَبُونَ الصَّالِحَ الأَوَّابا(4)

ص: 177


1- النجاد: حمائل السيف. و يوم الغدير يوم شهير أشهر من أن يذكر و قد أكمل الحديث به الحجة الجليل صاحب الغدير فجاء بما يشفي الغليل.
2- نقبت النار: اتقدت و النجم: أضاء و كذا النور. و قد جاء في كتاب سليم بن قيس ص209 عن أبان بن عياش في رواية طويلة: «فلما نظر به أبوبكر صاح خلوا سبيله فقال علیه السلام: ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت علیهم السلام نبيكم يا أبابكر بأي حق و بأي ميراث و بأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال عمر: دع عنك هذا يا علي علیه السلام فوالله إن لم تبايع لنقتلنك. فقال علي علیه السلام: إذا والله أكون عبدالله وأخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم المقتول فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم، و أما أخو رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلا، فقال علي علیه السلام: أما والله لولا قضاء من الله سبق و عهد عهده إليَّ خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصراً و أقل عدداً و أبوبكر ساكت لايتكلم -الخ. و في كتاب الإمامة و السياسة ج1 ص14 قولها لأبي بكر: والله لأدعون اللَّه عليك في كل صلاة أصليها و قولها: «والله لو لم تكفَّ عنه تعني علياً لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي». راجع كتاب البحار ج8 ص339 أيضاً.
3- و لعل ما ورد في كتاب مسند أحمد ج2 ص442. «عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: نظر النبي صلي الله علیه و آله وسلم إلى علي و الحسن و الحسين و فاطمة علیهم السلام فقال: أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم» يشير إلى بعض ذلك.
4- يشير الشاعر إلى نكث القوم البيعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حيث بايعه في غدير خم من مئة ألف شخص و لم يكتفوا بذلك بل حاربوهم و آذوهم. و يشبُّه الشاعر هنا الإمام علياً علیه السلام بصالح النبي صلى الله عليه و آله و سلم الذي عقروا ناقته و نكثوا عهده، قال الله تعالى في كتابه الكريم: «فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» سورة الأعراف [الآية 77].

رَجَعُوا إِلَيْهَا بالسياطِ لِيُخْمِدوا *** نُورَ النّبيِّ السَّاطِعَ الثّقابا(1)

فَتَهَا فَتُوا مِثْلَ الفِرَاشِ وَ نُورُهَا *** قَدْ صارَ دونَهُمُ لَهَا جِلبابا(2)

ص: 178


1- في هذين البيتين إشارة إلى ما ذكره سليم بن قيس في ص208 عن أبان بن عياش في رواية طويلة: ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فوثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و ما أوصاه به من الصبر و الطاعة فقال له: والذي كرّم محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوة -يابن صهاك- لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار و سلَّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة علیها السلام فحمل عليه بسيفه فأقسم على علي علیه السلام كف.
2- دیوان سحر البيان و سمر الجنان ص164.

(36) من قذ مرحباً؟

(بحر الكامل)

الشيخ محمد حسن سميسم (*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار

و قد خمّس القصيدة السابقة للشيخ سميسم الشيخ قيس العطار.

ذهب الشبابُ فما رأيتُ شبابا *** و بقيتُ أنظرُ شَيْبَتِي مرُتابا

و سألتُ نفسِي لم تردّ جوابا *** «مَنْ مُبْلِغْ عنّي الزمانَ عِتابا

و مقرّع مني له أبوابا»

أُفِّ لدهر كيف شاءَ تَقَلُّباً *** بالموجعات فلمْ يدَعْ لي مَهْرَبا

من مُرجعٌ لي من شَبابي الأطْيَبا *** و مذكَرُ ما راح من عهدِ الصِّبا

لو عادَ رائقُ صفوهِ أو آبا»

لجمعتُ من بيضِ الوجوهِ ملائكاً *** و لصُغتُ من صُفْرِ الرمالِ سبائكاً

و أعدتُ شيب الرأس أسودَ حالكاً *** أيام أفترشُ النعيمَ أرائكاً

و أعبُّ بالثغرِ الأنيقِ رِضابا»

***

ص: 179


1- (*)مرت ترجمته في القصيدة السابقة.

يا ليتَهُ عادَ الشباب و ليتني *** يوماً أعودُ لبيتِ حلِمي أبتِني

أيامَ كنتُ ورودَ عشقٍ أَجْتَنِي *** «و أداعب الظبياتِ حتّى خلتنِي

من فرطِ ما آتي به تلعابا»

***

قضيتُ بين «العل» عمري أو «عسىَ» *** و تركتُ ما قد كانَ لهوي بالنسا

دهري عَلَيَّ بُعيدَ تحنانٍ قسا *** «یاویح دهري راح يَنزعُ للأسى

من بعدما ذقتُ النّعيمَ شرابا»

***

قلبي عليلٌ لايفارِقُ أَنَّهُ *** مما عليه الدهر ظُلماً سَنَّهُ

ماذا ترجَّي قَيْسُ ويحكَ إِنَّهُ *** «دهرٌ تعامى عن هداهُ كأنَّهُ

أصحابُ أحمدَ أشركُوا مذ غابا»

***

قدبيَّتُو اللغدرِ عندَ حياتِهِ *** و تنكروُا ظلماً لحقِّ ولاتِهِ

نعساً لهُم لمْ يوعظُوا بعظاتِهِ *** «نکَصُوا على الأعقابِ بعد مماتِه

سَيَرَون في هذا النكوص عقابا»

***

عن أن يَرَوا شمس الحقيقةِ أظلمُوا *** لم يعرفِ الإسلامَ قلبٌ منهُمُ

لا تسألنّي ويكَ عنهم من هُمُ *** «سل عنهُمُ القرآن يشهدُ فيهمُ

إن كنتَ لم تفقهْ لذاكَ خطابا»

***

صبَّ الإلهُ عليهمُ سوطَ البلا *** و أحلَّهُم درك الجحيمِ الأسَفْلا

ص: 180

جحدُوا وصيَّ محمّدٍ حقّ الولا *** «فكأنّهم لم يشهَدوا خُمَّا و لا

أحُداً و لابَدراً و لاالأخزابا»

***

سلهُمْ ببدرٍ من عليهم قد هَوى *** و بيومِ أُحدٍ مَن أكفَّهُمْ لَوّى

و سل ابنَ ودَّ من لمهجتِهِ احتوى *** «و بخيبرٍ من راحَ يرفلُ باللوا

من قدّ مرحبَ من أزالَ البابا»

***

سلهُم أَلَمْ يكُ في الحُروب بأوحَدِ *** و بذي الفَقار يصوُلُ صولةَ محردِ

من غيرُهُ بالبُردِ فدّى مرتدِ *** «و من اشترى اللَّه نفس محمّدِ

في نفسهِ لمّا دُعي فأجابا»

***

سَل من بها ذهبُوا هناكَ عريضةً *** و قلوبُهُم رجفتْ تطيرُ مريضةً

و سلِ الأُلى كنزُوا الكنوزَ ربيضةً *** «مَن في الصلاةِ يَرى الصِلاتِ فريضةً

من نال خاتمُهُ الشريفُ جوابا»

***

من غيرُ حيدرةِ الإمامِ المؤتمنْ *** كان المحطّمَ عندَ مكّة للوثنْ

من ألفُ بابٍ للمعارفِ قد ضمَن *** «من بابُ حطةَ غيرُ حيدرةٍ و مَنْ

لمدينةِ المختارِ كانَ البابا»

***

نصبُوا الوضيعَ ابن الوضيعِ أمامَهم *** و على الظهورِ تحمَّلوا آثامَهُم

بُعداً لقومٍ ضيَّعوا أحلامَهُم *** «أعجبت ممن أخَّروا مقدامَهُم

بعد النبيّ و قدَّموا الأذنابا»

***

ملأوا القلوبَ من الغديرِ دَفائناً *** و تواطؤوا في أن يولُّوا خائناً

ص: 181

كتبُوا صحيفتَهُم تضجُّ شوائناً *** «قد أضمرُوها للوصيّ ضغائناً

مذ دحرجوُها للنبيِّ دبابا»

***

قدبيَّتُوهاخطةً فيها الردَّى *** متلثمين و واطؤُوا كُلَّ العِدى

صعدُوا لهرشي و هي شاسعةُ المدى *** «لينفِّروا العضباءَ في قطبِ الهدى

حتَّى يعودَ الدينُ بعدُ يبابا»

***

وثبُوا بمكرِهِمُ على محرابِهِ *** و سقَوْهُ سُمّاً قاتلاً من صابهِ

قالوا: لَيَهْجُرُ، و النبيُّ لِمابِهِ *** «نسبُوا له هجراً لخوفِ کتابهِ

فكأنّهم لايسمعُون كتاباً»

***

تلك النفوسُ المظلماتُ لها العمى *** من كُلِّ وغدٍ كالظّلامِ تجهَّما

أو ما تلُوا فيه قُراناً محكما *** «ماكان ينطقُ عن هواه وإنّما

وحيٌ يحيى لهُ النبيّ خطابا»

***

لُعنتْ جماعتُهُم بشرِّ سقيفةٍ *** قتلُوا البتولةَ و هي جِدُّ أسيفةٍ

هجمُوا على بابٍ هناك منيفةٍ *** «يا بابَ فاطمَ لاطُرقتَ بخيفةٍ

ويدُّ الهدى سَدَلت عليكَ حجابا»

***

يا بيتَ حامي الجار حيدرةً البطلْ *** النّورُ نورُ اللهِ فوقكَ قد هَطَلْ

إبليسُ كيفَ عليكَ مجترئاً أطلْ *** «أَوَلستَ أنت بكل آنٍ مهبطَ

الأملاكِ فيكَ تقبِّلُ الأعتابا»

***

ص: 182

يا بابَ مالَكَ لم تكنْ لتردَّهُمْ *** عن آلِ أحمدَ حينَ غُيِّب جدُّهُمْ

هجمُوا جموعاً ليسَ يحصى عدّهم *** «أوهاً عليك فما استطعتُ تصدُّهُمْ

لمّا أتوكَ بنُو الضلالِ غضابا»

***

و لقد سألتُ سؤال شَخصٍ عالِمِ *** یا بابُ حسبُك من عظيم جرائمٍ

كيف اندفعتْ بكفّ رجسٍ ظالمٍ *** «نفسي فداك أما علمتَ بفاطمٍ

وقفتْ وراك توبّحُ الأصحابا»

***

أَوَمَا كفاك عتيق منهُم ما جنى *** و ابن الوليدِ و قنفذُ ابن الفرتني

أوما كفاكَ قتلتَ ويحكَ محسناً *** «أو ما رققتْ لضلعِها لمّا انحنى

كسراً و عنه تزجُرُ الخطّابا»

***

صاحتْ فما سمعَ الشقيُّ خطابَها *** و بضربةِ السوطِ اللعين أجابَها

هبْ سوطَهُم لم يدرِ كيفَ ألابها *** «أو ما درى المسمارُ حين أصابها

من قبلِها قلبُ النبيّ أصابا»

***

فلتبكِ للزهراءِ منّا أعينٌ *** فالرزءُ رزءٌ للخليقةِ مُحزنٌ

سقطَ الجنينُ و ليس ثمَّ مكفِّنٌ *** «عتبي على الأعتاب فيها محسنٌ

ملقّى و ما انهالتْ عليهِ تُرابا»

***

يا بابَ مالكَ قد قرحتَ لنا المُقَلْ *** حين ابنُ حنتمةٍ لمحسن قد قَتلْ

ص: 183

ملا استَحَلْتَ لهُ تراباً أو أقَلْ *** «حتى تواريه لئلّا تسحقُ

الأقدامُ منه أضلعاً و إهابا»

***

قد غيِّبُوا بالقتلِ عترةَ أحمدِ *** كم فرقدٌ منهم أُغيب و فرقدِ

لهفِي لسقطٍ سيّدٍ مستشهدِ *** «هو أوّلُ الشهداءِ بعدَ محمّدِ

و یرى المصابَ على الصواب صوابا»

***

لما رأى الثانِي و سافل جُرمهِ *** و عتيقاً الملعونَ قاءَ لسمِّهِ

رَفَضَ الحياةَ ملفّعاً من دمَّهِ *** «ما اسطاعَ يدفعُ عن أبيهِ و أمّهِ

فمضى لأحمدَ يشتكي الأصحابا»

***

جدّاهُ أشكُو من قديم ضغائنٍ *** بصدورهمْ كانتْ كسلِّ كامِنِ

رجعوُا على الأعقاب ردّةَ خائنٍ *** لمّاعَدَوا للبيت عدوة آمنٍ

من ليث غابٍ حين داسُوا الغابا»

***

خانُوا الوصيَّ بشرِّ غدرٍ مضمَرٍ *** يا قُبِّحوا تعساً لهم من معشرٍ

والله لو نظرُوا لليثٍ مصحِرِ *** «لوينظِرِونَ ذبابَ صارمِ حيدرٍ

لرأيتهُم یتطايرون ذبابا»

***

أعليٌّ الكرّارُ يسمعُ أَنَّها *** و يرى السياطَ السودَ تؤلمُ متَنْها

لولا الوصيةُ كانَ زَلْزَلَ ركنّها *** «لكنّهم علَمُوا الوصيّةَ أنّها

صارت لصارمِهِ الصقيلِ قِرابا»

***

و ثبُوا على هارونَ و هو الممتحنْ *** و أبوفصيل كانَ عجلُهُم الوثَنْ

ص: 184

علمِوُا الوصيةَ قُيّدت لأبي الحسن *** «فهناكَ قد جعلُوا النجادَ بعنقِ مَنْ

مدُّوا لهُ يومَ الغديِرِ رقابا»

***

علمُوا عليّاً لا يجرِّدُ سيفَهُ *** فطغى عتيقٌ ثمّ أرسل جِلفَهُ

آهٍ لرزءٍ لستُ أبلُغُ وصفَهُ *** «سحبُوهُ و الزهراءُ تعدُو خلفَهُ

و الدمعُ أجرتهُ عليهِ سحابا»

***

ركضتْ تَعَثَّرُ بالدِّيولِ تعثراً *** من مقلتَيْها الدمعُ يجري أبحراً

صاحتْ لتُسْمِعَ حين صمُّوا معشراً *** «فدعتهم خلُّوا ابن عمّي حيدراً

أو أكشِفَنَّ إلى الدعاءِ نقابا»

***

سرعانَ ما خنتُم أبي بوصيّه *** و ثكلتُمُ دينَ الهُدى بعليّهِ

ويلٌ لأوّلِكُمْ و ويلُ دعيِّهِ *** «حاربتُمُ الباري و آل نَبِيّه

و عصيتُمُ الأعوادَ و المحرابا»

***

جئتُم و وجهُكُم قبيحُ كالحٌ *** و الفعلُ منكُم شرُّ فِعْلِ طالِحٌ

فعلام حدتُّم و المعبد واضحٌ *** «و نكثتُمُ كثمودَ، هذا صالحٌ

لِمْ تسحبونَ الصالحَ الأوّابا»

***

صاحتْ أما فيكُمْ حَلِيمٌ برشدُ *** أو ليس منكُمْ للإلهِ مُوَحْدُ

أوليسَ يُرعَى في ذويهِ محمّدُ *** «رجِعُوا إليها بالسياطِ ليخمُدُوا

نورَ النبيِّ الساطعَ النّقَابا»

***

ص: 185

هي عينُ وادي القدسِ ثَمَّ و طُورُهُ *** و شعاعُ نورِ الله حانَ ظهوُرُه

راموا تُهنَّك للنبيِّ ستورُهُ *** «فتهافتُوا مثل الفراشِ و نورُهُ

قد صارَ دونَهُمُ لها جِلبابا»

***

ص: 186

(37) باب الوصي

(بحر البسيط)

الشيخ محمد حسن سميسم(*)(1)

يا خاطِبَ العِزّ و العَلْياءِ في الخُطُبِ *** لاتكْشِف الكَرْبَ حتى تمشِي في الكُرَبِ(2)

كَراكِبِ النَّخْلِ يَعْلُوهُ بِكُرْبَتِهِ *** فَالكَفُّ في رُطَبٍ وَ الرِّجْلُ فِي كَرَبِ

وَ امِشِ إِلى العِزِّ مَشْيَ الليثِ مُقْتَنِصاً *** لامِشْيَةَ الخَوْدِ فِي لَهْوِ وَ فِي لَعِبِ(3)

و كَشِّرِ النّابِ إِن تَغْضَبْ بِقارِعَةٍ *** فَاللَّيْثُ يَبْسِمُ مَهْما حَلَّ في الغَضَبِ(4)

و اضْرِبْ بِكَفِّكَ وَ أَعْدِلْ كُلَّ ذِي عِوَجٍ *** فَالضَّرْبُ لِلْمُجْتَنِي ضَرْبٌ من الضَّرَبِ(5)

واطلُبْ بِنَفْسِكَ أَمْراً دونَهُ قَصُرَتْ **** آمَالُ قومٍ جَرَتْ في حَلْبَةِ الطَّلَبِ

واخْلَعْ جَلابِيبَ ذُلِّ قَدْ رَفَلْتَ بها *** و إنْ تَكُنْ مِنْ دِمَقْسٍ أو من الزَّغَبِ(6)

وَالْبَسْ جَلابِيبَ نَفْع البِيدِ مُتْرَفَةً *** مَنْسُوجَةً بِيمينِ الجُرْدِ و النُّجُبِ(7)

ص: 187


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- الخُطب: جمع خطب: و هو الأمر صَغَر أم كبر و غلب استعماله للأمر العظيم المكروه. و الأصل في جمعه أن يُقال «خطوب» و قد خفّفت الواو و نُطق بها فأبدلت بالضمة للوزن و القافية، الكرب: الغَم الذي يأخذ النفس، أو الحزن و المشقة و الجمع كروب، و كُرَبة: و هي نفس المعنى السابق.
3- الخَوْدِ: جمع خَوْد: و هي المرأة الشابة.
4- كَشَر عن أسنانه: كشف عنها و أبداها و كشّر السَبعُ عن نابه هرَّ للراش.
5- الضَّرب: هنا المِثل و الشَكل، الضَّرَب: العسل الأبيض الغليظ خاصة.
6- الجلابيب: جمع جلباب الملحفة أو القميص الواسع رفل في ثيابه: أطالها و جرّها مُتبختراً، الدمقس: الحرير الأبيض و الديباج، الزّغب: أول ما يبدو من الشعر أو الريش و قيل: الشعيرات الصّفر على ريش الفَرْخ.
7- النقع: الغبار، البيد: جمع بيداء و هي المفازة أو الفلاة، الجُّرد: أجرد و هو من الخيل السِّباق النُجُب: نجيب: و هو الفاضل النفيس و الكريم و النجيب من الخيل و الإبل هي عتاقها التي يُسابق عليها، و هو رأي الأزهري.

و لاتَبِت لَيْلَةً غافٍ على فُرُشٍ *** ما أَهنأَ النَّوْمَ فَوْقَ السَّرْجِ و القَتَب(1)

وَ فَوْقَ رَأْسِكَ بَيْتُ النَّفْع مُرْتَفِعاً *** مُشَيَّداً بِنَواصِي العُمرِ الشُزُبِ(2)

بَيْتُ وَ لَامِثْلُهُ بَيْتٌ بِبَادِيَةٍ *** عَالِ بِلا عَمَدٍ سَامِ بِلا طُنُبِ(3)

رَأسٍ على كُرَةِ الأرباح لا بثرىً *** فلم تَجَدْ فِيهِ مِنْ ذُل و لانَصَبِ(4)

فَالأَرْضُ لاارْتَضِيها مَنْزِلاً و أبي *** فَلَمْ أجِدُ في ثَراهَا موضِعاً لأبي

أَمَا تَرى آل وحْيِ اللَّهِ مذ سُلِبَتْ *** أَزْواحُهم نَزَلُوا فَوْقَ القَنَا السَّلِبِ(5)

إلى أن يقول:

أيَقْتُلُونَ ابْنَ وحْيٍ بينَ عَبْشِهِمُ *** و لانَرَى أُمَوِياً ماتَ بَيْنَ نَبِي

وَلَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ سَيْقَتَ نِسَاؤُكُمْ *** حَسْرَى على كلِّ مَهْزُولِ المَطِي نِقَبِ(6)

وَ زَيْنَبُ مُذ رَأَتْ أَشلاءَ أخْوَتِهَا *** مَا بَيْنَ دَامٍ وَ مَنْحورٍ و مُستَلَبِ

قَامَتْ تُخاطِبُهُمْ و العِيسُ(7) قد حُدِيَت(8) *** بِمَدْح آل أبي سفيان بِالغَلَبِ

ص: 188


1- القَتَب: الرحل الذي يُجعل على الإبل.
2- النواصي: جمع ناصية و هي مقدم الرأس أو شعر مقدم الرأس إذا طال، الضُّمَّر:جمع ضامر و هو صفة للحصان و الضَّمرُ: الضامر الهضيم البطن اللطيف الجسم، الشُّزُب: جمع شازب: و هو الضامر من الخيل، و شزب شزباً و شزوباً إذا كان خشناً أو ضامراً يابساً.
3- العَمَد: جمع عماد و هو ما يُسند به، الطُّنب: حَبلِ الخِباء.
4- الأرياح: جمع ريح و تُجمع أيضاً رياح و أرواح، النَّصب: الهَمّ و التَّعَب.
5- القنا: جمع قناة: و هي الرمح، السَّلب: الطويل الخفيف.
6- حسری: جمع حسیر: اکلیل، الضعيف و التّلهف: الحزن على الشيء الفائت و التحسر النَّقب: البعير الرقيق الأخفاف و هي صفة غير مستحسنة عندهم، و النَّقب: جمع نُقبة: و هي أول الجَّرَب.
7- العيس: الإبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف و أريد منه في الشعر مطلق الإبل، و الواحد أعيس و الواحدة عيساء جاء في مقتل الحسين للمقرم ص306-307 قال: ...فقلن النسوة. بالله عليكم إلا ما مررتم بنا على القتلى و لمّا نظرن إليهم مقطَّعي الأوصال قد طعمتهم سمر الرماح و نهلت من دمائهم بيض الصفاح و طحنتهم الخيل بسنابكها صحن و لطمن الوجوه و صاحت زينب علیها السلام يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم هذا حسين علیه السلام بالعراء مرمّل بالدماء مقطع الأعضاء و بناتك سبايا و ذريتك مقتلّه فابكت كل عدو و صديق... ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس و رفعته نحو السماء و قالت: الهي تقبّل منّا هذا القربان.
8- حُدِيت: بمعنى سيقت، من حدا الإبل و بالابل: ساقها و غنّى لها فهو حادٍ.

يَا أُخْوَتِي هَلْ رَأَيْتُم قَبْلَ ذَا رَحَلَتْ *** أُخْتٌ و أخوتُها صَرْعَى على الكُثُبِ

فَلَيْتَهُمْ وَقَفُوا حَتَّى أُوَدُعَكُمْ *** حتى أُغَسَلَكُم فِي ادْمُعِي السُكُبِ

فَلَيْتَهُمْ وَقَفُوا حتّى أكَفِّنَكُمْ *** في الصَّبْرِ في جَلَدي في العينِ في الهُدُبِ

فَلَيتَهُمْ وَقَفُوا حَتَّى أُوَارِيَكُمْ *** بينَ التَرَائِبِ لافي التُرْبِ و الرَّحَبِ(1)

وَ لَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ قَادُوا عَلَيْكُمُ *** مُقَيَّداً يَشْتَكِي من نَهسَةِ القَتَبِ(2)

وَ لَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ أَضْحَى رَضِيْعُكُمُ *** بِسَهْمِهِ رَاضِعاً عن ثَدْي مُحْتَلَبِ

وَ لَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ دَاسُوا جُسَومَكُمُ *** بِكُلِّ بِرْذونَةٍ مَعْدومَةٍ النَّسَبِ(3)

لكِنَّ ذَا الأمر من ماضٍ تأسُّسُهُ *** يومَ السقيفَةِ مَبْنِيٌّ على الخَشَبِ

و لم يَكُنْ من بني حَمالَةِ الحَطَبِ *** وَ إنّما أصْلُهُ من حامِلِ الحَطَبِ

مَنْ أَضْرَمَ النّارَ في بابِ الوصيِّ و لَا *** بابٌ سِوَاهُ أتى وحْيٌ به لِنَبِي

لِيَقْلِبَ النّاسَ طُرّاً عن هِدَايَتِهِمْ *** لِأَنَّهُ عَادَ مَقْلُوبَاً عَلَى العَقَبِ

ص: 189


1- الترائب: جمع تَريبة: و هي أعلا الصّدر، و عظام الصّدر.
2- قصد بالعليل: الإمام زين العابدين علي بن الحسين علیه السلام. النهسة: من نهست الحية فلاناً. نهشته و نهس اللحم أخذه بمقدم أسنانه و نتفه. القتب: الرَّحل. و جاء في مقتل الحسين علیه السلام للمقرم/ ص305 قال: حين سيّروا السبايا كان معهم السجاد علي بن الحسين علیه السلام و عمره ثلاث وعشرون سنة و هو على بعير ضالع و قد أنهكته العلة.
3- البرذونة: و البرذون التركي من الخيل التي لا تستحسنها العرب. و نادى ابن سعد: الا من ينتدب إلى الحسين علیه السلام فيوطىء الخيل صدره و ظهره فقام عشرة، فداسوا بخيولهم جسد ريحانة الرسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و اقبل هؤلاء العشرة إلى ابن زياد يقدمهم أسيد بن مالك يرتجز: نحن رضضنا الصدر بعد الظهر *** بكل يعبوب شديد الأسر فأمر لهم بجائزة يسيرة. قال البيروني: لقد فعلوا بالحسين علیه السلام ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالسيف و الرمح و الحجارة و إجراء الخيل و قد وصل بعض هذه الخيول إلى مصر فقلّعت نعالها و سمّدت على أبواب الدور تبركاً و جرت بذلك السنّة عندها فصار أكثرهم يعمل نظيرها و يعلق على أبواب الدور. ذكرها: الطبري/ ج6 ص161 / مقتل الخوارزمي ج2 ص 39/ الآثار الباقية/ ص 329: كتاب التعجب/ للكراجكي ص46 ملحق بكنز الفوائد.

من ثَدْي فاطمةَ المِسْمارَ أَرْضَعَهُ *** و أَسْقَطَ الحَمْلَ مِنْهَا غَيْرَ مُرتَقِبِ

وَقَادَ حَيْدَرَ قَوْداً في حَمَائِلِهِ *** للهُ مِنْ حِكَمِ للَّهِ مِنْ إِرَبِ(1)

لايُنْقِصُ اللّيْثَ وَطّأ الكَلْبِ غابَتَهُ *** مَنْ يَأْمَن البَطْشِ أبْدَى سَوْءَةَ الأَدَبِ

أَتَعْجَبُ الكُفْرُ أَضْحَى فاتِكاً بِهُدَىً *** فَلَمْ تَزَلْ تُحْدِثُ الأَيَّامُ مِنْ عَجَبِ

سمْعاً بَنِي حَيْدَرٍ مَنْظُومَةً بِكُمُ *** مِنْ ثَغْرِ مَنْ حارَبَ التَبْسِيمَ مُكْتَيْبِ

أعَدَّهَا سَبَباً لِلْعَفُو عِنْدَكُمُ *** وَ عَفْوُكُمْ عَنْ مُوَالِيْكُمْ بِلا سَبَبِ

هَذِي قَصِيدةُ عِنْ كانَ مَطلَعُهَا *** يَا خَاطِبَ العِزّ و العلياءِ في الخُطُبِ(2)

ص: 190


1- و رُوِيَ أيضاً: «سَمْعاً بَنِي أَحْمَدٍ مَنْظُومَةٌ لَكُمُ *** لِأَنَّنِي عَنْ هُدَاكُمْ غَيْرُ مُنْقَلِبِ» وإرّب من أرب فهو أريب: أي عقل و صار بصيراً.
2- دیوان سحر البيان و سمر الجنان ص173.

(38) تنادي أباها

(بحر الطويل)

الشيخ محمد الخليلي

بُلوغُ الأماني في حِدادِ المَضَارِبِ *** وَ نَيْلُ المَعالِي فِي افْتِحَام المعَاطِبِ(1)

ومَا العِزُّ إلا أنْ تَرى المَوْتَ في الظُّبا *** مُنِّى وَ اكْتِسَابَ العِزْ أَسْنَى المَكَاسِبِ(2)

وَ كَيْفَ يَهابُ المَوْتَ مَنْ كانَ عالِماً *** بأنْ لَيْسَ مَنْجى مِنْهُ قَط لِهاربِ

وما المرءُ في الدُّنيا سوى ظِل شاخِصٍ *** تَفَيّا لَمْ تُبْصِرْ بِهِ غَيْرَ ذاهِبِ

كَفَى عِبَراً ماضي القرون أَهَلْ تَرى *** لِطالِبها الدُّنيا صَفَتْ في المَشارِبِ

فَأَيْنَ مُلوكُ الأَرْضِ كِسْرَى وَ قَيْصَرٌ *** وَ جُنْدٌ أَعَدُّوهُ لِرَدُ النَّوائِبِ

أصِخْ هَلْ تَعِي مِنْهُمْ إِذا ما دَعاهُمُ *** لِمُعْضِلَةٍ داعٍ لهمْ مِنْ مُجاوِبِ

وَ أَيْنَ مَبَانٍ شَيَّدُوها وَ أَوْصَدُوا *** جَوانِبَها عَنْ كلّ جاءٍ وَ ذَاهِبِ

تَطرَّقَها صَرْفُ البِلى فَأَبادَها *** فَلَسْتَ ترى مِنْ ذَاكَ غَيْرَ الخَرائِبِ

فَلَوْ كانَ لِلدُّنيا وَفَاءٌ لَما جَنَتْ *** عَلَى آلِ بيتِ الوَحْيٍ خَيْرِ الأطايبِ

رَمَتْ بَيْتَهُمُ بالمُرْجِفَاتِ وَ هَدِّمَتْ *** قواعِدَ ذاكَ البَيْتِ مِنْ كُلِّ جانِبِ(3)

فَلِلْمُصْطَفَى كَمْ جَرَّعَتْ غُصَصَ الْأَسَى *** وَ لِلْمُرْتَضَى كُمْ قَدْ دَهَتْ بالمَصائِبِ

تَرَى الدِّينَ مُنْهَدَّ البناء و طَالَما *** أشادَ مبانيهِ بِحَدِّ المَضارِبِ(4)

ص: 191


1- المعاطب: مواضع الهلاك.
2- الظبا: حد السيف.
3- المرجفات: الفتن.
4- أشار بهذا البيت إلى بطولات و مواقف الإمام علي علیه السلام المشهورة في نصرة الإسلام و الذب عن حرمته في الحروب التي خاضها الإسلام ضد الشرك في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وضد الناكثين و القاسطين و المارقين بعد حياته حتى قيل: لولا حماية أبي طالب ومال خديجة و سيف علي علیه السلام لما قامت للإسلام قائمة و قد جاء في كتاب الاستراتيجية عند الإمام علي المحمد البستاني ص22-23 في معركة بدر قتل الإمام علي علیه السلام(35) مبارزاً. و في يوم أحد قتل كثيراً من المشركين من بينهم كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة و بقي مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الفئة القليلة الباقية، بينما فر باقي المسلمين. و یوم الأحزاب برز إلى عمرو بن عبد ود العامري فقتله و قتل آخرين معه. و قتل يوم حنين أربعين رجلاً و فارسهم أبوجرزل . و في غزاة السلسلة قتل السبعة الأشداء. و في بني قريظة ضرب أعناق رؤساء اليهود. و يوم الفتح قتل فاتك العرب أسد بن غويلم. و في حرب خيبر قتل قائدهم وحباً وذا الخمار و عنكبوتاً.

فَلِلَّهِ مِنْ يَوْمٍ دَهَى الدِّينَ وَ الهُدَى *** يُقَادُ بِهِ الكَرَارُ قَوْدَ الجَنَائِبِ(1) (2)

وَمِنْ خَلْفِهِ تَعْدُو سُلالَةُ أَحْمَدٍ *** تُدِيرُ بِطَرْفٍ جَاهِدِ الدَّمْعِ ناضِبِ(3)

تُنَادِي أباها صَحْبُكَ اليَوْمَ أَصْبَحَتْ *** تُطالِبُ أَوْتَارَ السِّنينَ الذَّواهِبِ

وَاَلَتْ بأن تَسْتَأصِلَ الدِّينَ ضَلَّة *** وَ أَهْلِيهِ مِنْ كَهْلٍ وَ شَيْخٍ وَ شائِبِ

وَ لَمْ يَبْقَ مِنْ حامٍ لِشِرْعَةِ أَحْمَدٍ *** وَ لالِحدُودٍ سَنَّهَا مِنْ مُراقِبِ

أَرَادَتْ كما كانَ الوَرى جَاهِلِيَّةً *** تُعِيدُهُمْ رَغماً على كُلِّ غَاضِبِ

وَلَكِنْ قَضَى الباري لِشِرْعَةِ أحمدٍ *** عُلُوّاً و إعزازاً و نَسْخَ المَذاهِب(4)

إلى آخر القصيدة و هي 33 بيتاً.

ص: 192


1- الجنائب: الأفراس التي يسهل انقيادها.
2- عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 عن سلمان (رضي الله عنه) إلى قوله: ثم انطلق بعلي علیه السلام يقتل انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبوعبيدة ابن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن خضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر إلى قوله قال: فانتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر -إلى قوله- قال: و لما انتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر و قال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل، فقال له علي علیه السلام: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلاً و صغاراً !!!
3- قد مرت إشارات مفصلة ذلك.
4- شعراء الغري ج1 ص456.

(39) همسة إلى الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أفاطِمَةُ البَتُولُ وَ إِنَّ قَلْبِي *** تَمَيَّز بالهَوَى بَيْنَ القُلُوبِ

ص: 193


1- (*) هو السيد محمد رضا ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد رضا ابن السيد هاشم الموسوي القزويني. ولد في مدينة مشهد المقدسة سنة (1940م). و كان سبب ولادة السيد المترجَم له في مشهد هو أن والده آية الله السيد محمد صادق القزويني كان يزور إيران إبان الحرب العالمية الثانية برفقة عائلته و احتلت روسيا الجزء الشمالي من إيران و كانت مشهد جزءاً منها، فلم يسمح للسيد بالمغادرة إلى العراق، فولد السيد محمد رضا في مشهد إثر ذلك. و المترجَم له من أسرة عريقة في كربلاء متخصصة بالعلم و الأدب و ممتازة بالتقوى و الصلاح. ترعرع و نشأ في كنف أبيه فأحسن والده تربيته، حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح. أنهى دراسته القانونية في كربلاء، ثم انتقل إلى الجامعة المستنصرية في بغداد و من ثم تخرج من كلية التجارة عام (1963م) ، ثم انتقل للعمل في سلك البنوك حتى عام (1977م) حيث تحوّل إلى العمل التجاري. شارك بشكل فعّال في الحركة الأدبية في العراق و الكويت و بعض البلاد العربية الأخرى، و كان عضواً في منتدى النشر في النجف الأشرف فهو شاعر رقيق و أديب ذوّاقة، و يعدّ من مشاهير الشعراء و أعلام الأدب، شارك في ندوات أدبية و حفلات دينية و سياسية كثيرة، فكان له قصب السبق و كان أبرزها الحفلات التي أقامتها كربلاء أواخر الستينيات متصدّية لدورها الرِّيادي الديني إزاء تحديات التيارات المنحرفة. عرفته كما عرفه غيري هادىء الطبع لطيف المعاشرة أنيقاً و أحب شيء إلى نفسه الندوات الأدبية له في الشعر طريقة متميزة و أسلوب عذب رقيق، بدأ نظم الشعر و هو فتى لم يتجاوز العاشرة من عمره و قد استنفد شعره في أهل البيت علیهم السلام، و له في غيرهم شعر قليل. و له في الهجاء نمط يكاد ينفرد فيه حيث يجمع بين قوة الشعر و النكتة التي تُضحك الثکلي. و نثبت هنا نموذجاً من نظمه و هو بعيد عن كربلاء أرسلها إلى بعض أصدقائه الشعراء و هو متشوقّ إلى كربلاء المقدسة و هي أبيات من قصيدة طويلة: أحبتي و الهوى الجيّاش في كبدي *** يجرني لفِناكم عبر آهاتي لكلِّ فردٍ أرى في القلب زاويةً *** و موطني نُصب عيني خير مرآةِ لكنَّهُ رغم وسع الدار أنفرني *** و ضاق بي موطئاً حتى لأنّاتِ أشتاق هل تدركون الشوق لا قسماً *** و هل يُصوَّرُ شوقُ بالعباراتِ تلك المرابعُ ما أحلى المقام بها *** ما أجمل العمر فيها بضع ساعاتِ تلك البساتين و الهفاه أرقبها *** و في ضلوعي آثار الممرّات يجري الفراتُ بعيني كلّ أُمسيةٍ *** و وَجْنَتاي له أروى المَصبَّاتِ تلك المرابع لوتاه الغريبُ بها *** لاحت له قببِّ بين المناراتِ تختالُ بالنور في زهو ملوّحةً *** هنا الحسين و أصحاب الكراماتِ هنا ضريح أبي الفضل الذي عجزت *** عن وصف إيثاره أجلى الكتاباتِ و للمترجَم له ديوان شعر ضخم غیر مطبوع ، و هو الآن يقيم في إيران في مدينة مشهد المقدسة.

يُقارعُ في هَواكِ كُلَّ هَوْلٍ *** تَداوَلَهُ صِباهُ إلى المَشيبِ(1)

يُناجِيكِ إذا أضناه أمرٌ *** مُناجاةَ الحَبِيبِ مَعَ الحَبِيبِ(2)

وَ قَدْ عَوَّدْتِ إِيَّاهُ جَواباً *** أَيَجْدُرُ مَرَةٌ أَنْ لا تُجِیبيِ

أَيَقْنَطُ كَيْ يَسُرَّ عِداكِ يَوْماً *** فَإِنَّ جَفَاكِ بالأَمْرِ العَجِيبِ

فلا وَاللَّهِ لا يَنْتَابُ يَأْسٌ *** فؤاداً فيكِ يَنْبُضُ بالوَجيبِ(3)

تَعوَّدَ مِنْ عَطَائِكِ كُلَّ خَيْرٍ *** فَلَمْ يَعْبَأُ بِفَادِحَةِ الخُطوبِ

رَضِينَا أَنْ نُشَرَّدَ عَنْ ديارٍ *** فَوا أَسَفاً عَلَى الوَطنِ السَّليبِ

وَ أَنْ نَحيى بِذِكْركُمُ وَ نُحْيِي *** دياراً بالولاء بِكُلِّ طِيبِ

فَتَنْتَعِشُ الرُّبى وَ تَقولُ يَوْماً *** بأنَّ الفَضْلَ عادَ إلى الغَرِيبِ

ص: 194


1- يقارع: يضارب.
2- أضناه: أضعفه و هزله.
3- الوجيب: رجفان القلب و خفقانه و هو ضرب من السير.

(40) مرايا النبوءات

(بحر الخفيف)

محمد سعيد الأمجد

أي شعرٍ سينفتُ الروح في الشلو، *** فيرمى عن متنهِ الاكتئابا

أي سحرٍ مخبأ في عيونٍ *** تتشظى لتوقدَ الأكوابا

هنا أنا مقفلُ الحرائق في الثلج *** و رؤياي تستحيلُ حِرابا!

لستُ أشكو لغيرِ مقلة ذا البحرِ، *** فتستنفرَ الدموعَ جوابا

و أعاصِي الأمواجَ، فالرملُ عرسٌ *** يهزمُ الليلَ وجهُهُ و الضبابا

أتخطَى حرائقَ الأمِس، خجلى *** أمنياتِي، و استميتُ اغترابا

مثلُ بحارٍ... استوتْ لحظاتي *** قدراً يمنح السفينَ عُبابا

أدلجتْ في معابِر النور روحي *** و تهاوتْ تقبِّل المحرابا

صحتُ و الشعر موسويٌ هواه *** طلقٌ عانق السماء انتسابا

أنا أشواق طائرٍ متعبٍ *** حطِّ على نخلةِ الرجاءِ و آبا

امنحيني -يا حانة الصبح- همساتِ *** حنينٍ، فقد سئمتُ الشرابا

وقفَ القلبُ حائر النبض يستجدي *** سميم الأنفاسِ و الأصيابا

قلق الخطوبين أروقةِ *** الحب.. يغنِّي ويلثمُ الأعتابا

عتَّقَ الشعر في التوجّع كأساً *** فاحتساهُ الضميرُ شهداً وصابا(1)

و أتى غايةَ المرايا خجولاً *** و احتضاراته تثمُّ الرِحابا

ص: 195


1- عتق من عَتَقَ الشيءُ، إذا قَدُمَ و حَسُن الصاب: شجر ،مُرّ ، و قيل هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن.

فاعتراهُ الذهول و القلقُ الأخضرُ *** و الغيبُ ممسكين سحابا

هكذا تنبتُ السمارُ دم الورد، *** فیزهو فوق النضار قبابا

فاغترابُ الآمالِ ظلِّ شفيفُ الروح *** يحكي اغترابَها و العذابا(1)

حينما أُسرجتْ لها الخيلُ تقفو *** رشحاتِ الضياء و الأحبابا

فيراعُ التأريخ يحدُو خطى *** الركبِ ويتلُو فمُ الخلودِ الكِتابا

و سكبتِ الروحّ الزكيَةَ في عرسِ *** حضورِ المدى إليكِ، فغابا!

هذه أنتِ يا مرايا النبوءاتِ، *** فرشّي بالاخضرارِ اليبابا

أنت (معصومةُ) الجَناح، و قلبُ *** الكون يهوي لخفقتيكِ اغترابا

ص: 196


1- الشفيف: الرقيق.

(41) وديعة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(مجزوء الكامل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي (*)(1)

ص: 197


1- (*) الشيخ محمد علي اليعقوبي هو الشيخ محمد علي ابن الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر بن حسين اليعقوبي. ولد في النجف الأشرف في منتصف شهر رمضان سنة (1313ه) و نشأ برعاية والده الخطيب التقي و الواعظ الشهير الشيخ يعقوب. هاجر والده إلى الحلة الفيحاء فنشأ شيخنا اليعقوبي في مستهل صباه و مطلع شبابه في مدينة الأدب و الشعر و بعد أن بلغ التاسعة من عمره. ابتدأ خطواته التعليمية الأولى في مكاتب القرآن الكريم، فتعلم القراءة و الكتابة و كان أستاذه الأول السيد سلمان آل و توت ثم محمد حسن مبارك و لشدة فطنته و ذكائه كان أستاذه يعطيه القطع الشعرية المختارة كهائية الأزري الشهيرة ليحفظها عن ظهر قلب، كما كان والده الشيخ يعقوب يرى في ولده القابلية و الاستعداد و الرغبة في حفظ الشعر، فكان يختار له القصائد و الروائع الأدبية و يوصيه بحفظها ثم لينشدها في المسجد الذي كان يقيم فيه لجماعة العالم الجليل العلامة السيد محمد القزويني على حشد المصلين بعد أداء الفريضة فكان يقوم بذلك بتفوّق حيث كان يرى التشجيع و العناية من السيد القزويني و والده و سائر الناس. و كان لهذا التشجيع الأثر البالغ في نفسه، فأخذ يتردد على محافل العلماء و أندية الأدباء فصقلت تلك الأندية مواهبه و فتّحت أكمام قابلياته و حببت إليه الأدب فانصرف إليه حتى أصبح من أعلامه و أقطابه. كما أخذ المترجَم له دروسه في النحو و الصرف و المعاني و البيان و البديع على يد والده الشيخ يعقوب حتى برع في هذه العلوم، و نظراً لميله الشديد نحو المنبر و الخطابة و الإرشاد و الوعظ أعطاه اهتماماً كبيراً، و كان لمكانة والده في المنبر -حيث كان من الخطباء البارعين- الأثر الكبير في سلوكه مجال الخطابة: بابهِ اقتدى عديِّ في الكرم *** و من يشابه أبه فلما ظلم فكان والده يوليه العناية و الرعاية ليكون خطيباً ناجحاً فكان يهيء له المواضيع الدينية و المحاضرات الأخلاقية و التاريخية ليلقيها على المنبر و قد اختار له قراءة ديواني (الشريف الرضي) و (السيد حيدر الحلي) فعكف على قراءتهما حتى استوعب أغلب شعرهما فكان اليعقوبي يرقى المنبر الحسيني بكل جدارة و قوة و هو في سن مبكرة و في سنة (1329ه_) توفي والده فازدادت ملازمته للسيد محمد القزويني فغمره برعايته و أفاض عليه من علمه الغزير و أدبه الجم و ثقافته الواسعة حتى برع في الفقه و الأصول و تفسير القرآن الكريم و الأدب و اللغة و النقد و التاريخ فكان السيد القزويني مدرسته التي نشأ في حجرها و كان على يديه جلّ تحصيله العلمي و الأدبي. ذكره الخاقاني في شعراء الغري فقال: (عرفته منذ ربع قرن إنساناً مرح الروح لطيف المعشر رقيق الحديث مليح النكتة، قصاصٌ بارعٌ، و فكهٌ متينٌ متواضعٌ ما وسعه التواضعُ، يحب الامتزاج و يهوى الدعابة ألوانها، يحسن رواية الشعر و فهمه و ينتبه إلى كثير من دقائقه و هو ذكي). و وصفه الخطيب السيد داخل في معجم الخطباء ج 3 قائلاً: (الشيخ اليعقوبي هو الطاقة الملخّصة لجهود السابقين و التلخيص المختصر و العصارة المركزة و الخلاصة المكثّفة للأدب و الخطابة و التحقيق، حتى أصبح بحق (شيخ الخطباء) و لازمه هذا اللقب حتى إذ أطلق و لم يقيّد ينصرف إليه تلقائياً و يتبادر إلى شخصيته و يؤشر إلى اختصاصه به دون سواه بكفاءة و جدارة و استحقاق). و كان المترجَم له من المجاهدين ضد الاحتلال البريطاني شهدت جهاده مدن البصرة و السماوة و الرميثة و الناصرية و الحلة و غيرها و بعد انتهاء المعارك عاد إلى النجف الأشرف فألقى فيها عصا الترحال و بعد فترة وجيزة من تأسيس (جمعية الرابطة الأدبية) انتخبه أعضاؤها بالإجماع عميداً لها تقديراً لمكانته الأدبية و اعترافاً بمنزلته العلمية و بقي يتجدد انتخابه عميداً لها إلى أن لبى نداء ربه الكريم. أما آثاره العلمية و الأدبية فكثيرة نذكر منها : 1- المقصورة العلية و هي قصيدة تناهز (450) بيتاً و هي في سيرة الإمام علي علیه السلام. 2- عنوان المصائب في مقتل الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام. 3- الذخائر، و هو ديوان خاص في أهل البيت علیهم السلام. 4- البابليات في أربعة أجزاء عن شعراء و أدباء الحلة. كما جمع الكثير من نظم الشعراء التي كانت مبعثرة هنا و هناك مثل شعر السيد جعفر القزويني و الشيخ عبد الحسين شكر و الشيخ عباس الملا علي و الشيخ يعقوب و الشيخ محمد حسن المحاسن و الشيخ صالح الكواز و الحاج حسن القيم الحلي وحفظها من الضياع. و للمترجم مجموعة خطية أيضاً و يمتاز اليعقوبي في كل ما يقوله من نظم و نثر بالسهل الممتنع و لاتكاد تفوته مناسبة إلا و ينظم فيها فكان بحق أديباً بارعاً و خطيباً مفوهاً قليلاً ما يشهد من أمثاله. توفي في فجر يوم الأحد (21) جمادى الثانية (1385ه_) الموافق (17 / 10 / 1965م) مودعاً الحياة عن عمر يناهز الثلاثة و سبعين عاماً فنعته الأدباء و الشعراء و أحدث رحيله دویاً في أوساط العلماء و الخطباء و عمّت الناس موجة حزن و أسى جليلين.

ص: 198

تَرَكَ الصَّبا لَكَ وَ الصَّبَابَهْ *** صَبٌّ(1) كَفاهُ ما أَصَابَهْ

أنْسَتْهُ أيَّامُ الْمَشِيبِ *** هَوًى بهِ أَفْنَى شَبابَهْ

أَوَ بَعْدَ ما ذَهَبَ الشَّبابُ *** مُوَدِّعا يَرْجُو إيابهْ

وَ سَرى بهِ حادِي اللَّيالي *** لِلرَّدى يَحدُو رِكابَهْ

هَيْهاتَ دَأْبُكَ فِي الْهَوَى *** لَمْ يَحْكِ بَعْدَ اليَومِ دابهْ

لَيْسَ الْخَلِيُّ (2)كَمَنْ غَدًا *** رَهْنَ الْجَوى حِلْفَ الكآبهْ

ماشابَ لكِنَّ الحَوَادِثَ *** قَدْ رَمَتَهُ بِما أشابَهْ

(3)مِمَّا نابَهُ *** وَ الْوَجْدُ أَنْشَبَ فِيهِ نابَهْ

لَمْ يَدْعُهُ لِبَنِي الهُدى *** داعِي الأسَى إلا أَجَابَهْ

صَبَّ الإلهُ عَلَ لَى بَنِي *** صَخْرٍ وَ حِزْبِهِمُ عَذَابَهْ

لاجازَ بِالشَّامِ النَّسِيمُ *** وَ لاهَمَتْ فِيهِ سَحابَهْ

سَنُّوا بِها سَبَّ الْوَصِيِّ *** لَدَى الفَرائِضِ و الخطابَهْ

سَدُّوا عَلى الآلِ الْفَضَاءَ *** وَضَيَّقُوا فِيهِمْ رِحابَهْ

حَتّى قَضَوْا و الْمَاءُ حَوْلَهُمُ *** وَ مَا ذاقوا شرابَهْ

بِالطَّفِّ بَيْنَ مُصَفَّدٍ *** وَ مُجَرَّدِ سَلَبُوا ثِيَابَهْ

ضَرَبُوهُمُ بمُهَنَّدٍ *** شَحَدَّ الْأُولى لَهُمْ ذُبابَهْ(4)

وَ لَقَدْ يَعِزُّ عَلَى رَسُولِ *** اللَّهِ ما جَنَتِ الصَّحابَهْ

ص: 199


1- صبُّ: عاشقٌ ذو الولع الشديد.
2- الخليّ: الخالي من الهم.
3- أسوان: حزين.
4- شحذ: أَحَدَّ ذباب السيف: طَرَفُه الذي يُضْرَب به.

قَدْ مَاتَ فَانْقَلَبُوا عَلَى *** الْأَعْقَابِ لَمْ يَخْشَوْا عِقابَهْ

مَتَعُوا البَتُولَةَ أَنْ تَنُوحَ *** عَلَيْهِ أَوْ تَبْكِي مُصابَهْ(1)

نَعْشُ النَّبِيِّ أمامَهُمْ *** وَ وَرَاءَهُمْ نَبَذُوا كِتابَهْ

لَمْ يَحْفَظُوا لِلْمُرْتَضَى *** رَحِمَ النُّبُوَّةِ وَ الْقَرابَهْ

لَوْ لَمْ يَكُنْ خَيْرَ الْوَرى *** بَعْدَ النَّبِيِّ لَمَا اسْتَنابَهْ

قدْ أَطْفَأُ وا نُورَ الهُدى *** مُذ أضرَمُوا بالنَّارِ بابَهْ

أَسَدُ الإلهِ فَكَيْفَ قَدْ *** وَ لِجَتْ ذِتَابُ القَوْمِ غَابَهْ(2)

وَ عَدَوْا على بِنتِ الهُدَى *** ضَرْباً بِحَضْرَتِهِ الْمُهَابَهْ(3)

في أي حُكْمٍ قَدْ أباحُوا *** إرْثَ فاطِمَ وَ اغْتِصابَهْ

بَیْتُ النُّبوَّةِ بَیْتِها *** شادَتْ يَدُ الْبَارِي قِبابَهْ

أَذِنَ الْإِلهُ بِرَفْعِهِ *** وَ القَوْمُ قَدْ هَتَكُوا حِجَابَهْ

بِأَبِي أيي وَدِيعَةً أَحْمَدٍ *** جُرَعاً سَقاهَا الظُّلْمُ صابَهْ(4)

عَاشَتْ مُعَصَّبَةَ الْجَبِينِ *** تَئِنُّ مِنْ تِلْكَ الْعِصابَهْ

حَتَّى قَضَتْ وَ عُيُونُها *** عَبْرَى وَ مُهْجَتُها مُذابَهْ(5)

وَ أمَضُّ خَطبٍ في حَشا *** الإسلامِ قَدْ أَوْرَى الْتِهابَهْ

ص: 200


1- في الخصال ص272 ح15 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل قال: و أما فاطمة علیها السللام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر -مقابر الشهداء- فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- ولجت: دخلت.
3- ورد في كتاب سليم بن قيس ص38 في حديث طويل عن سلمان (رضي الله عنه)، فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها.
4- صابه: الصاب شجر مرَّ إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن.
5- المصدر السابق ص38 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام.

بالليل واراهَا الوَصِيُّ *** وَ قَبْرُها عَفَّى تُرابَهْ(1)(2)

ص: 201


1- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363 عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايُصلّيا عليها. قال: فدفنها علیها السلام علي علیه السلام ليلاً.
2- من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص140 عبد الرزاق الموسوي المطبعة الحيدرية -النجف سنة (1951م). و كتاب الذخائر ص11 نظمت القصيدة سنة (1345ه_).

(42) خطى الزهراء علیها السلام

(مجزوء الكامل)

الأستاذ محمود البستاني

يا غَرْسَةَ الهادي، وَ يَغْسِلُ راحَتيَّ. هَدِيرُ خُطْبَهْ

تَنْسَلُّ مِنْ رَشَح العُصُورِ... و في دَمِي، مَطَرٌ، وَ تُرْبَهْ

غَمَّسْتُ فيها، ما تَتِيهُ بهِ، هِضابُ الرُّوحِ، خِصْبَهْ

وَلْهَى، تُحَدِّقُ في العُصُورِ، وَ تَسْتَشِتُ رُؤى الأحِبَّهْ

و تَلُمُّ مَجْدَ الخُطبَةِ المَلْأَى شَذَى قُدسٍ، وَ رَهْبَهْ

اللَّهُ في هَدَراتِها أَلْمَحْتُ، مَوْكِبَهُ، وَ دَرْبَهُ

وَ مُحَمَّدٌ يَهتزُّ، يَسْفَحُ في ضَمِيرِ القَوْمِ عَتْبَهْ

وَ الجُرْحُ لَمَّا يَنْدَمِلْ إنّي أكادُ، أُحِسُّ نَدْبَهْ

و هَدَرْتِ شَامِخَةَ البَلاغَةِ و الخَنَاجِرُ مُشْرَئِيَّهْ(1)

حَرْفُ يَسِيلُ، وَ أَلْفُ مَعْذِرَةٍ وَ أَقْوَى أَنْ أَصْبَهْ!

حَرْفُ البَلاغَةِ، مِنْ سَماءِ اللَّهِ، وَ اسْتَجمَعْتُ شُهْبَهْ

لِتُرَنْجِيهِ عَلَى سَماعِ القَوْمِ مَلْحَمَةً وَ خُطبهْ

***

قَسَماً وَ أَوْدِيَةُ الحَيَاةِ ملاعِبٌ سَمْحَاءُ، رَحْبَهْ

ص: 202


1- مشرئبة: ممدودة الأعناق.

سَنَظَلُّ نَنْسُجُ مِنْ خُطى الزهراءِ أَلْفَ رُؤى محبَّهْ

بيضاءَ تَنْشُرُ جيلَ أُنثى يَحْضُنُ التاريخُ رَكْبَهْ

جِيلٌ يُمَوْسِقُ مِنْ هُدى الزَّهْراءِ مِشْعَلَهُ، وَ دَرْبَهْ

لاوَحْلَة الفَوْضَى، تُشِلُّ خُطى الحُقُوقِ المُسْتَتبّهْ

لِتُرَبِّه مَعْنَى يَغِيمُ صَدَاه في عَتَماتِ رَغْبَهْ

صُرِعَتْ بِأَبْوَابِ الشّراكِ وَ سَمَّرَتْها أَلْفُ عَتْبَهْ

البَهْرَجُ المَسْحُورُ طاووسٌ، يَجُرُّ ، يَجُرُّ ، ثَوْبَهْ(1)

وَهَجٌ عَلَى مُسْتَتَقَعٍ، وَ الأَعْيُنُ الحَوْلاءُ شُرْبَهْ

لا، لن نَعُلَّ بَهَارِجَ العُقْمِ البَلِيدِ، وَ لَنْ نُعَبَّهْ(2)

شَيْئاً إياحِيَّ الهَوى شَيْئاً إباحيَّ المَغَيَّهْ(3)

ص: 203


1- البَهْرج: الباطل، الرديء.
2- البليد: غير الذكي.
3- المغبة: العاقبة، عن كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص400.

(43)كأس الرزايا

(بحر الوافر)

الأستاذ منذر الساعدي

ألا يا دهرُ يكفِي الاغترابُ *** و مهلاً ليسَ يرحَمُنا العذابُ

نهَلنا الصابَ من كأس الرزايا *** و إن الحُلو في المأساةِ صابُ

مآسٍ مُذ وُلِدنا داهمَتنا *** و بَعدَ القَهرِ يصطفُّ الغيابُ

فما إن طابَ جُرحٌ مُستجدُّ *** بنا فغداً سينکوهُ مَصابُ

فبعدَ محمدٍ نورِ البرايا *** دهانا الخَطبُ ثم الاحترابُ

وطالَ الظلمُ آلَ البيتٍ طرَّا *** و ما احتُرمَ الرسولُ و لاالكتَابُ

بأهواءِ المُلوكِ يُقادُ شَعبٌ *** و مِن وحي الخليفة يُسترابُ

و يُخنقُ صوتُ مظلومٍ توالى *** و صوتُ المُترفِ الباغي يُجابُ

و يُصبُ حقٌّ مَن هزَمَ الأعادي *** و لايخشى و يخشاهُ الضرابُ

و أما مَن تَوارى في فرارٍ *** يُبايع بعدما اكتمل النصابُ

و تأتى الحكمَ أزلامُ قُساةُ *** و يقطرُ سمُّها المنقوعُ نابُ

فويلهُمُ بفاطمةِ استهانُوا *** و للشيطان داعيةٍ أجابُوا

أتيتكَ بفاطمةَ أشكُو و دمعي *** غزيرٌ لايفارقُهُ انسكابُ

أتيتكَ ليسَ عندي غير شعرٍ *** فلو يرثيكِ يرفعُهْ انتسابُ

فلا أرجو به عِزاً وجاهاً *** و لادنياً تزينها الرِّغابُ

ص: 204

(44) بنت الكرام

(بحر الكامل)

الأستاذ منذر الساعدي

دمع كغيثٍ هاطلٍ ينسابُ *** و تأثر و تحسّرٌ و عذابُ

تتوسدُ الأرواحُ صخرةَ همِّها *** و بنصلِ حزن لا يلينُ تصابُ

و الليلُ يبكي و النهارُ يجيبُهُ **** فهما بأحزانِ الجَوى الأصحابُ(1)

و أسودَّ وجهَ الأرضَ و اختلجَ الثَّرَى *** حقاً بكى بنت الكرام ترابُ

و صدى السماء تألُّم و توجعٌ *** فلذا التوجّع توجدُ الأسبابُ

اليومَ فاطمةٌ يعودُ مُصابُها *** فلكبر محنتِها يُعادُ مصابُ

فلكم تحيّرنا لَه إطلالة *** رغم التعدّي ما ارتداهُ حِجابُ

و لكم جَهَشنا بالبكاء لأجلِهِ *** و لأجلِ فاطمة القلوبُ تذابُ

فُجِعَ الرسول ببضعةٍ محبوبةٍ *** هي للفضائلِ و التُقى محرابُ

هي للنزاهة شعلةٌ وهّاجةٌ *** هي للطهارةِ و الجلالِ كتابُ

اليومَ يلعنُ من أساء لفاطمٍ *** فلقد أساءَتْ للبتولِ ذِئابُ

وغدٌ رجيمٌ غالها في ضِلعِها *** وجنى عليها ظالمٌ كذَّابُ

دُفِعَتْ بلاذنب و ان وقوعها *** هزَّ السماءَ لتحزنَ الأحبابُ

سيكون (للمسمار) ردّ في غد *** عمّاجَرى و به يحدّث بابُ

و ينال من آذى البتول قصاصه *** فعلى الأعادي لا يهونُ حسابُ

ص: 205


1- الجوى: حرقة القلب.

هجمُوا على الزهراءِ و هي ببيتها *** أفذا لما أوصى الرسول جَوابُ؟

أفذا جزاء للنبي وآلهِ *** في وجه بضعته تسلُّ حِرابُ؟

يا ويحَ من رضع الخساسةَ أولاً *** و على الدناءة شاب و هو شبابُ

الجرمُ و التقتيلُ من عاداتِهِ *** ودمُ الضحايا في يديه خِضابُ

لم ينتسبْ للحقِّ منذُ مجيئهِ *** و الدينُ في شرع الدنيء ثيابُ

حقاً لنذکرَها و نذکر فضلها *** أُمُّ الأئمةِ ذكرُها آدابُ

يا أيها اليومُ الذي نأسى به *** و لنابه للحزنِ يغرز نابُ

أرخى له الشعرُ الكئيبُ أعنّة *** و أتى إليه يجرُّه الإيجابُ

من لوعةِ الزهراءِ شِید بناؤه *** و بيانُه للوالهين خطابُ

إن رام شعري وصفَ بنتِ محمدٍ *** لابدّ أن يطفُو بهِ الإسهابُ

فيه أرومُ من البتولِ شفاعةً *** يومَ القيامة فالصديدُ شرابُ

أنا رازحٌ تحتَ الخطايا أرتجي *** غوثاً فهل ستغيثُنِي الأنسابُ؟

أم أن فاطمةَ ستسمعُ صرختي *** و نداءَ من أبدى الولاءَ يُجابُ

ص: 206

(45) سنا فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد مهند جمال الدين(*)(1)

أنتَ في البحرِ و القوافِي تَغِيبُ *** وسلَا قلبَكَ الشعورُ المجيبُ

تَرتَجِي الشارداتِ و هي حيارى *** أقتيلٌ بكَ الحِجي أم سليبُ

***

هل جفَتْكَ الحروفُ أم هدّكَ *** السعيُ إليها أم قدْ بلاكَ المشيبُ

لاربيعٌ يدعُو إليكَ الأقاحي *** أوصفاءٌ ترعى دماهُ القلوبُ

و الشعاعُ الذي عقدتَ عليه *** كلَّ فجرٍ مکفّنٌ محجوبُ

و الرجاءُ الذي علاكَ فضاهَ *** قد تعامى و صبحُهُ منهوبُ

و الأمانيُّ كلُّها قد تبدّتْ *** في فؤادٍ توطّنتهُ الكروبُ

و المقاديرُ محنةٌ و شقاءٌ *** و الرزايا و دمعُها المسكوبُ

وحشةٌ مالها ختامٌ و عمرٌ *** يتلوّى على السرابِ كثيبُ

كيف تطوِي النوى و أنتَ شقيٌّ *** و عليكَ الزمانُ وقتٌ مريبُ

و صريحٌ تغافَلَ القبرُ عنهُ *** و غريبٌ يبكِي عليهِ غريبُ

ص: 207


1- (*) هو الفاضل الشاعر السيد مهند ابن الشاعر الكبير المرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين ولد سنة (1395 ه_) في سوق الشيوخ إحدى مدن العراق الجنوبية، تخرّج من معهد التكنولوجيا ببغداد سنة 1407 ه، التحقّ بالحوزة العلمية في قم المقدسة (1412 ه_)، و من نتاجه الأدبي ديوان شعر (مخطوط)، و كتابات أخرى، و له مشاركات في النوادي الأدبية و الثقافية.

كيفَ تسري فيكَ الليالي و جَفنٌ *** راحَ في هذه الدموعِ يذوبُ

***

كيفَ تجرِي الحياةُ في خافقٍ *** لمّا يزَلْ في دمائه يستريبُ

و عجيبٌ عدا الربيعُ يغذّي *** قاحلاً سوف تغتديه الطيوبُ

أسَنَاءٌ عليكَ قد راحَ يلقى *** أم تولّى هذي الجراحَ طبيبُ

***

أم سقاكَ الإلهُ فيضاً من *** الحبِّ و شهداً كأنّهُ شؤبوبُ

ما تُرى أن يكونَ سحراً تغالى *** أم هوًى ضجَّ بالدماءِ يجيبُ

و سرى فيكَ ضوؤه يتمطّى *** فكأنّ الذي وقاكَ حبيبُ

حبُّ آلِ الرسولِ فيك هيامٌ *** أبداً قد سماعليه نسيبُ

فزها في الغصون نوراً بهياً *** يتحاشي أن يحتويهِ مغيبُ

مرحباً بالهوى إذا اجتاح قَلباً *** حجرياً و جمرُهُ مشبوبُ

ليس يهوى من فيه صرحٌ عمیدٌ *** شادهَ الوجدُ و السنى و اللهيبُ

و مصيرُ الخلودِ أن يترقّى *** لِسنى فاطم و ما يستطيبُ

هذه زهرةٌ بها صدحَ الكونُ *** و أغفَتْ على شذاها طيوبُ

أشرقتْ فانتمى السناءُ إليها *** و تباهى و نبعُهُ الموهوبُ

فبدتْ غرّةُ الصباحِ بوهجٍ *** يالها من براعةِ ما تصيبُ

تَتَمَلّي بوجهِ أحمدَ لمّا *** بشَرَ الروحُ قلبَه و الرقيبُ

***

هَتفت هذه الملائك للفجرِ *** فقد حلَّها الضياءُ العجيبُ

كشفتْ نجمةٌ لأخرى سروراً *** فالدياجي من غيِّها ستثوبُ

و لقد عانقتْ سناها الصحارى *** فاهتدَى قلبُها و غنَّى الوجيبُ

ص: 208

و بدا نورها و نورُ أبيها *** كنهارٍ شموسُه لاتغيبُ

***

و بميلادِها سَمَتْ رايُة *** الدين و فرَّتْ من العقولِ العيوبُ

و تسامتْ أنشودةٌ تتغنّى *** في شفاهِ الوجودِ و هي لعوبُ

أنتِ ترنيمةُ الأناشيدِ تهفُو *** أنتِ روحُ الخلودِ أنتِ اللهيبُ

جُنّةٌ أنتِ للصلاحِ حماها *** ساعدٌ يزدهِي و صوتٌ مهيبُ

وفتّی صافحتَّ سناهُ الثريّا *** و القصيُّ البيعدُ منه قريبُ

يا بنةَ المرسلين إنّا سلَکَنا *** لاحباً صدرُهُ سخيُّ رحيبُ

و انتهجنا من حبّه ما هدانا *** و صراطاً عاشتْ عليه الدروبُ

فعلى عُتمةِ الطريق ضياءٌ *** و شذاً ناعمٌ و قلبٌ طروبُ

مذهبُ الحقِ منهلٌ قد سقانا *** فيضَ نورٍ و قلبُه ملهوبُ

ما يبالي فقد دهتْهُ الدواهي *** و الكرَى يستبيحُنا و اللغوبُ

و هو يرعى فينا جفوناً تعامتْ *** و دماءً قد هدَّها التخريبُ

أيّها العاشقُون إنّا لنَصحُو *** و الدُّجى في عيوننا و المغيبُ

قدركِبْنا الرياحَ لكنْ وَصَلْنا *** لمتيهِ يضحُّ فيهِ النعيبُ

نصطلي بالعذابِ و الدمعُ فينا *** يتناهى لكنّهُ مكذوبُ

و شعاراتُ حولَها نتباکی *** و رؤانا عن ذلِها لاتؤوبُ

فالنعيمُ الذي عبرنا إليهِ *** بالأماني مخادعٌ مقلوبُ

و الضَياعُ الذي وصلنا إليه *** بعدَ جهدٍ نعيشُه تعذيبُ

***

فامنحينايامَن لها قد شدا *** حرفي و غنّى الفؤادُ و هو قطوبُ

من رؤّى تزدهي عليكِ صلاحاً *** و سلاماً يشدُّنا و يطيبُ

ص: 209

و اخذلي الانكسارَ فينا و بثِّي *** في دمانافيومُنا سيثوبُ

و انطوِيا سياطُ مادام نبتي *** جذورهُ في الدِّما عصيٌّ غضوبُ

***

سوفَ نصحُو يوماً و أضغاثُنا *** تُدمى و ثأرُ العيونِ فيها رهيبُ

ص: 210

(46) ما كربلا لولا السقيفة

(بحر البسيط)

الحاج هاشم الكعبي (*)(1)

عَدَتْكَ نَجْدٌ فَماذا أَنْتَ مُرْتَقِبُ *** يَدْنُو إليكَ الحِمَى أَمْ تُنْقَل الهُضُبُ

أَبَعْدَ انْ بنتَ عَنْها بتَّ تَرْقُبُهَا؟ *** فَاذْهَبْ فَلَيْسَ لكَ العُتْبَى وَ لاالعَتَبُ(2)

ص: 211


1- (*) الحاج هاشم إبن الحاج جردان بن إسماعيل الكعبي الدورقي. ولد في (الدورق) و هي من توابع محافظة الأهواز. و الكعبي نسبة إلى قبيلة كعب العربية التي تسكن في منطقة خوزستان من جنوب إيران. هاجر المترجَم له إلى مدينة كربلاء المقدّسة يدفعه إلى ذلك ولاؤه وحبه إلى آل البيت علیهم السلام و خصوصاً لسيدنا الإمام الحسين علیه السلام ليستنشق عبير روضته الطاهرة و ينهل من معين الحوزة العلمية العملاقة في كربلاء المقدّسة فحضر على علمائها الكبار عدة سنين حتى أصبح في الرعيل الأول من أهل الفضل و العلم و هو يعدّ من فحول الأدباء و الشعراء الذين رثوا أهل البيت علیهم السلام و خصوصاً الإمام الحسين علیه السلام فأكثر و أبدع و أجاد و كل شعره من الطبقة العالية الممتازة. مائة وستين و قد ذكر السيد شبّر في (أدب الطف) (يمضي على وفاة الشاعر الكبير أكثر من عاماً و شعره يعاد و يكرّر في محافل سيد الشهداء علیه السلام و يحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني و هو مقبول مستملح بل نجد الكثير يطلب تلاوته و تكراره و كأن عليه مسحة قبول). له ديوان أكثره في أهل البيت علیهم السلام و من أشعاره «المقصورة» و كأنه عارض بها مقصورة ابن دريد و التي تنيف على مائتين و خمسين بيتاً. و كان شاعرنا الكريم، حاضراً في كربلاء يوم هجوم الوهابيين بقيادة سعود بن عبد العزيز آل سعود في يوم الغدير من عام 1216هجرية فشاهد بنفسه تلك الفضائح التي ارتكبها الوهابيون، و ما أحدثوا في المدينة المقدسة من نهب و سلب و قتل فتأثّر بالحادث غاية التأثير و نظم فيها قصيدته الميمية الرائعة و إليك مطلعها: أنت الملوم فمن يكون الألوما *** فلك الظما هيهات معسول اللمى توفي سنة (1231ه_).
2- العتبى: الرضى.

لَوْ كُنْتَ صادقَ دَعْوَى الحُب ما بَرِحَتْ *** بكَ المَطِيُّ وَ لازُمَّتْ بِكَ النُّجُبُ

أعرابُ بَادِيَةٍ تُبنى بُيُوتُهُمُ *** حَيْثُ العَوَامِلُ وَ الهِنْدِيَّةُ القُضُبُ(1)

لَمْ يَعْدُ مُلْكَهُمُ بَأْسٌ و لاكَرَمٌ *** وَ لاعَدُوٌّ لَهُمْ يَلْقى وَ لانَشَبُ(2)

تَجْرِي عَلَى العَكْسِ مِنْ قَوْلِي ظُعُونُهُمُ *** فَلَوْ سَرَتْ مُطْلَقاً ما فاتَنِي الأَرَبُ

فَكُلَّما قُلْتُ رِفْقاً بِالحَشَى عَنُفوا *** فَلَيْتَ لَوْ قُلْتُ بُعْداً بِالسُّرَى قَرُبوا

يَسْتَعْذِبُ القَلْبُ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ أَبَداً *** كَأَنَّهُمْ كُلّما قَدْ عَذَّبوا عَذِّبُوا

يا مُنْزِلاً بِمَحَانِي الطَّلفِّ لابَرِحَتْ *** سَقَى الصَّحَائِبُ مِنْكَ البانَ وَ الكُتُبُ

كمْ قُلْتُ نَجْداً وَ مَا أعني سِواكَ بِهِ *** وَ عُرْبُ نَجْدٍ وَ مَنْ فِي ضِمنِكَ العَرَبُ

إنّي وَ إِنْ عِنْكَ عاقَتْني بَدا قَدْرِ *** بِبَيْنِ جِسْمي فَقَلْبِي مِنْكَ مُقْتَرِبُ

لاتَحْسَبَنْ كُلَّ دانٍ مِنْك ذا كَلَفٍ *** الدَّارُ بِالجَنْبِ لَكِنَّ الهَوى جُنُبُ(3)

أَقَائِلُ أَهْلَ وُدّي إِنَّهُمْ عَزَبُوا *** عَنْ خَاطري إِنَّهُمْ عَنْ نَاظِرِي غَرُبُوا؟(4)

لا وَ الهَوَى لَيْسَ بُعْدُ الدَّارِ يَشْغَلُنِي *** عَنْهُمْ وَ لامِحْنَةٌ كَلاً وَ لاوَصَبُ(5)

يا سائِقَ الحرّةِ الوَجْنَاءِ أَنْخَلَهَا *** طَيُّ السُّرى و طواها الأَيْنُ وَ النَّصَبُ(6)

وَجْناء مَا أَلِفَتْ يَوْماً مَبارِكَها *** و لاانْتَنَتْ عِنْدَ تَعْرِيسٍ لَهَا رُكَبُ(7)

عَلامَةٌ بِضُرُوبِ السَّيْرِ أَقْرَبُها *** مِنْهَا إلَى رَأْيها التَّقْريبُ و الخَبَبُ(8)

تَأْبَى جَوانِبُها تَأْتِي مَبَارِكَها *** حُبُّ السُّرَى فكأنَّ الرَّاحِةَ التَّعَبُ

عُج بي إذا جِئْتَ غَرْبِيَّ الحِمَى و بدتْ *** مِنْهُ لِمُقْلَتِكَ الأعْلامُ و القُبَبُ

ص: 212


1- العوامل: الرماح ما يلي سنان الرمح القضب: جمع السيف اللطيف الدقيق.
2- النشب: المال.
3- الجنب: بضم الجيم و النون، و يقال: جار الجنب هو الذي جاورك.
4- غربوا: أي بعدوا.
5- الوصب: الوجع و المرض.
6- الأين و النصب: التعب.
7- تعريس: التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة ثم يرحلون.
8- التقريب و الخبب: ضربان من ضروب المشي.

وَحَيَّ عنّي الأُولى أقمارُهُمْ طَلَعَتْ *** مِنْ طَيْبَةٍ وَلدَى كَرْبِ البَلا غَرُبُوا(1)

فَاعْجَبْ لَهُمْ كَيْفَ حلوا كَرْبَلاءَ وَ كَمْ *** كَانَتْ بِهِمْ تُفْرَجُ الغَمَّاءُ وَ الكُرَبُ(2)

ص: 213


1- إشارة إلى مقتل الإمام الحسين علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام و أصحابه يوم كربلاء. فقد روي في مستدرك الصحيحين ج4 ص397 في كتاب تعبير الرؤيا، روى بسنده عن عمار بن عمار عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعثا و أغبراً معه قارورة فيها فقلت: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين علیه السلام و أصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم. قال: فأحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك اليوم، و راجع أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ج1 ص242 و قال: فحفظنا ذلك اليوم فوجدنا قتل ذلك اليوم. و راجع الخطيب البغدادي في تاريخه ج1 ص142 و ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج2 ص 22 و ابن عبد البر أيضاً في استيعابه ج1 ص144 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام و ابن حجر أيضاً في إصابته ج2 ص17.
2- إشارة إلى كرم الحسين علیه السلام و ما كان يصنعه في التفريج عن هموم الناس و غمومهم و قد ورد عن ذلك الكثير منها ما روي في فضائل الخمسة ج3 ص332 نقلاً عن التفسير الكبير للفخر الرازي في ذيل قوله تعالى : «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» في سورة البقرة. قال: أعرابي قصد الحسين بن علي علیه السلام فسلم عليه و سأله حاجته و قال: سمعت جدّك يقول: إذا سألتم حاجة فاسألوها من أربعة إمّا عربي شريف أو مولى كريم أو حامل القرآن أو صاحب وجه صبيح، فأما العرب فتشرّفت بجدك، و أما الكرم فدأبكم و سيرتكم، و أما القرآن ففي بيوتكم نزل، و أما الوجه الصبيح فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إذا أردتم أن تنظروا إلي فانظروا إلى الحسن و الحسين علیهما السلام فقال الحسين علیه السلام: ما حاجتك؟ فكتبها على الأرض. فقال الحسين علیه السلام: سمعت أبي علياً علیه السلام يقول: قيمة كل امرىء ما يحسنه و سمعت جدّي صلي الله علیه و آله و سلم يقول : المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث مسائل إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما عندي، و إن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي و إن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي و قد حمل إليّ صرّة مختومة من العراق، فقال: سل و لاحول و لاقوة إلا باللَّه. فقال: أي الأعمال أفضل؟ قال الأعرابي: الإيمان بالله، قال: فما نجاة العبد من الهلكة، قال: الثقة بالله، قال: فما يزين المرء. قال: علم معه حلم، قال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فمال معه كرم. قال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فقر معه صبر، قال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه، فضحك الحسين علیه السلام و رمى بالصرّة إليه. و منها ما ورد في بحار الأنوار ج44 ص987 ، ح16. عن عيون المعجزات للمرتضى «رحمة الله»: عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام لي جده علیه السلام. قال: جاء أهل الكوفة إلى علي علیه السلام فشكوا إليه إمساك المطر و قالوا له استسق لنا فقال للحسين علیه السلام: قم و استسق، فقام و حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: اللهم معطي الخيرات و منزل البركات أرسل السماء علينا مدراراً و اسقنا غيثاً مغزاراً واسعاً غدقاً مجلَّلاً سحاً سفوحاً فجاجاً تنفس به الضعف من عبادك و تحيي به الميت من بلادك آمين ربّ العالمين، فما فرغ من دعائه حتى غاث الله غيثاً بغتة. و أقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال: تركت الأودية و الآكام يموج بعضها في بعض.

فَأَيْنَ تِلْكَ البُدُورُ النَّمَّ لاغَرُبُوا *** وَ أَيْنَ تِلْكَ البُحورُ الفُعْمُ لانَضِبُوا(1)

قَوْمُ لَهُمْ شَرَفُ العَلْيَاءِ مِنْ مُضَرٍ *** وَ الْمَرْءُ يُؤْخَذُ فِي تَحْدِيدِه النَّسَبُ(2)

قَوْمٌ كَأوّلِهِمْ فِي الفَضْلِ آخِرُهُمْ *** وَ الفَضْلُ أنْ يَتساوى البَدْءُ وَ الْعَقَبُ(3)

ص: 214


1- نضب الماء: جفَّ.
2- إشارة إلى الإمام الحسين و أهل بيته علیهم السلام. فقد روى صاحب المستدرك على الصحيحين ج2 ص164 بسنده عن عاصم بن بهدلة قال: و اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن علي علیه السلام فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي صلي الله علیه و آله و سلم و عنده يحيى بن يعمر فقال له: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتيني على ما قلت ببينة و مصداق من كتاب الله «عزوجل» أو لأقتلنك قتلاً فقال: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى» إلى قوله «عزوجل» «وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ» [سورة الأنعام، الآية: 85] فأخبر الله «عزوجل» أن عيسى من ذرية آدم بأمه و الحسين بن علي علیه اللسام من ذرية محمد صلي الله علیه و آله و سلم بأمه. قال: صدقت فما حملك على تكذيبي في مجلسي قال: ما أخذ الله على الأنبياء ليبّينه للناس و لايكتمونه. قال الله «عزوجل»: «فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا» [سورة آل عمران الآية: 187] قال فنفاه إلى خراسان. و راجع البيهقي أيضاً في سننه في ج6 ص166. كما روي في حلية الأولياء لأبي نعيم ج7 ص314 بسنده عن جابر قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ينقطع يوم القيامة كل سبب و نسب إلَا سببي و نسبي. و روى الهيثمي في مجمعه ج9 ص173 قال: و عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي و نسبي. و راجع فيض القدير للمناوي ج5 ص20 في المتن، كل و نسب منقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي. راجع كنز العمال للمتقي ج1 ص98 قال: عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و هو يقول على المنبر: ما بال رجال يقولون: رحم رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم لاتنفع يوم القيامة واللَّه إن رحمي لموصولة في الدنيا و الآخرة. و راجع ابن حجر أيضاً في صواعقه ص138 و زاد في آخره: وإني أيها الناس فرطكم على الحوض.
3- إشارة إلى ما روي في الصواعق المحرقة لابن حجر ص13 عن عائشة قالت: قال رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم: قال جبرئيل علیه السلام: قلّبت مشارق الأرض و مغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد صلي الله علیه و آله وسلم، و قلبت الأرض مشارقها و مغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم. و راجع المناوي أيضاً في فيض القدير ج4 ص499 في المتن. و روي في قصص الأنبياء للثعلبي ص14 قال: الباب الخامس في ذكر ما زين به الأرض و هي سبعة أشياء، الأزمنة و زيّن الأزمنة بأربعة أشهر (إلى أن قال) و الأمكنة و زينّها بأربعة أشياء (إلى أن قال) و زينّها أيضاً -يعني الأمكنة- بالأنبياء علیهم السلام، و زيّن الأنبياء بأربعة إبراهيم الخليل و موسى الكليم و عيسى الوجيه و محمد الحبيب علیهم السلام (إلى أن قال) و زيّنها أيضاً بال محمد صلي الله علیه و آله و سلم، و زيّنهم أيضاً بأربعة: علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و روي في كنز العمال ج6 ص218 و لفظه : نحن أهل بيت علیهم السلام لايقاس بنا أحد و ذكره المناوي أيضاً كنوز الحقائق ص153، و المحب الطبري أيضاً في ذخائره ص17، و ذكره في الرياض النضرة أيضاً ج2 ص208 قال: قال رجل لأبي عمر: يا أبا عبد الرحمن فعلي علیه السلام، قال: ابن عمر: علي علیه السلام من أهل البيت علیهم السلام لايقاس بهم أحد (إلخ).

إلي أن یقول:

تَاللَّهِ ما سَيْفُ شِمْرِ نالَ مِنْكَ وَ *** لايَدا سِنانٍ وَ إِنْ جَلَّ الذي ارْتَكَبُوا

لولا الأولى أغْضَبُوا رَبَّ العُلا وَ أَبَوْا *** نَصَّ الوَلاء وَ لِحَقِّ المُرْتَضَى غَصَبُوا(1)

ص: 215


1- إشارة إلى عزل الإمام علي علیه السلام عن الخلافة التي أوصى بها الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فقد روى الهيثمي في مجمعه ج8 ص314 عن عبد الله بن مسعود. قال: استتبعني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلة الجن فانطلقت معه حتى بلغنا أعلى مكة فخط لي خطاً (و ساق الحديث إلى أن قال) قال: إني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إني وعدت أن يؤمن بي الجن و الإنس، فأما الإنس قد آمنت و أما الجن فقد رأيت قال: و ما أظن أجلي إلّا قد اقترب قلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ألا تستخلف أبابكر؟ فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ألا تستخلف عمر؟ فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ألا تستخلف علياً علیه السلام؟ قال: ذاك والذي لا إله إلا هو إن بايعتموه و أطعتموه أدخلكم الجنة اكتفيت. و راجع المناوي في كنوز الحقائق ص145 قال: من قاتل علياً علیه السلام بالخلافة فاقتلوه كائناً كان و راجع ابن حجر في صواعقه المحرقة ص75 قال: و في رواية أنه صلي الله علیه و آله و سلم قال في مرض موته: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، إلا إني مخلف فيكم كتاب ربي «عزوجل» و عترتي أهل بيتي علیهم السلام، ثم علي علیه السلام فرفعها فقال: هذا علي علیه السلام مع القرآن و القرآن مع علي علیه السلام لايفترقان حتى يردا علي الحوض فاسألوهما ما خلفت فيهما. و روى الطبري في تاريخه ج2 ص319-321 ط دار المعارف بمصر عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال لما نزلت هذه الآية: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»... (وفي آخر الحديث قال الرسول صلي الله علیه و آله و سلم): يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني أن أدعوكم فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي وخليفتي فيكم ((بعدي)؟ قال: فاصحبكم القوم عنها جميعاً، و قلت: و إني (أي علياً) لأحدثهم سناً... أنا يا نبي اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: (أي الرسول صلي الله علیه و آله و سلم: إن هذا أخي و وصیي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا... إلخ. و راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج2 ص62-63 ط دار صادر في بيروت، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج13 ص210 و 244 و صححه ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، و رواه أيضاً الحلبي الشافعي في سيرته الحلبية ج1 ص311 ط البهية بمصر و منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص41 و 42 ط الميمنية بمصر، و التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ج2 ص118 ط 3 مصطفى الحلبي، و تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ج3 ص371-390 ط مصر.

أأصابَكَ النَّفَرُ المَاضِي بِمَا ابْتَدَعُوا *** وَ مَا المُسَبِّبُ لَوْ لَمْ يَنْجَحِ السَّبَبُ(1)

ص: 216


1- إشارة إلى ما صدر من بعد موت الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من أبي بكر و عمر و عثمان و أتباعهم، فقد روى الطبري في تاريخه ج3 ص430 ط دار المعارف بمصر و ج2 ص619 ط أخرى، قال أبوبكر في مرض موته: (أما أني لاآسى على شيء في الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن و ودت أني لم أفعلهن -إلى قوله- فأما الثلاثة التي فعلتها فوددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة علیها السلام و تركته و لو أغلق على حرب...) راجع أيضاً مروج الذهب ج2 ص301 و الإمامة و السياسة ج1 ص18، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص130 و ج2 ص20 أوفست بيروت على ط1بمصر و ج 2 ص46-47 و ج6 ص51 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، و العقد الفريد ج4 ص268 لجنة التأليف و النشر و ج2 ص254 ط آخر، و كنز العمال ج3 ص135 و منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج2 ص271 و الأموال لأبي عبيدة ص131، و تاريخ الذهبي ج1 ص388. و روى صحيح البخاري كتاب الحدود باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت ج8 ص26، أوفست دار الفكر على ط أستانبول و ج8 ص210 ط مطابع الشعب و ج8 ص208 ط محمد علي صبيح و ج4 ص179 ط دار إحياء الكتب و ج4 ص119 ط المعاهد و ج4 ص125 ط الشرفية و ج8 ص140 ط الفجالة و ج4 ص110 ط الميمنية بمصر و ج8 ص8 ط بمبي بالهند و ج4 ص128 ط الخبرية بمصر، قال عمر بن الخطاب: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها. و رواه ابن هشام في السيرة النبوية صلي الله علیه و آله و سلم ج4 ص226 ط دار الجليل و ص338 ط آخرى و الصواعق المحرقة ص5 و 8 ط الميمنية بمصر و ص8 و12 المحمدية بمصر، ثم إن عائشة قالت في عثمان: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، تعني عثمان، رواه تاريخ الطبري ج4 ص459، و الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري الشافعي ج3 ص206، و تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص61 و64 ، و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص49 و فيه (فجر) بدل (كفر) ط مصطفى محمد بمصر و السيرة الحلبية لعلي برهان الدين الحلبي الشافعي ج3 ص286 ط البهية بمصر سنة 1320ه. و قول أبي بكر لعمر لما طلب منه عزل أسامة: ثكلتك أمك و عدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و تأمرني أن أنزعه، رواه تاريخ الطبري ج3 ص226 و الكامل ج2 ص335، و السيرة الحلبية ج3 ص209 ، و السيرة النبوية بهامش الحلبية ج2 ص340. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ ج1 ص164 «فلما فرغ من الكتاب -كتاب عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر بن الخطاب- دخل عليه قوم من الصحابة فيهم فقالوا: ما أنت قائل لربك غداً و قد و ليت علينا فظاً غليظاً تفرّق منه النفوس و تنفض عنه القلوب. و في در بحر المناقب لابن حسنويه الموصلي الحنفي/ ص 60: «قال حادثة: ويحك يا عمر كيف تقدمتموه -يعني علياً علیه السلام- و قد سمعت ما قاله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقال عمر: يا حادثة بأمر كان. فقلت: من اللَّه أم من رسوله صلي الله علیه و آله و سلم أم من علي علیه السلام؟ فقال: لابل الملك عقيم و الحق لابن أبي طالب علیه السلام».

و لا تَزالُ حُيُولُ الحِقْدِ كَامِنَةً *** حَتَّى إذا وَجَدُوها فُرصَةً وَ ثَبُوا(1)

فَأدْرَكَ الكُلُّ مَا قَدْ كانَ يَطْلُبُه *** وَ القَصْدُ يُدْرَكُ لما يُمكن الطَّلَبُ

كَفَّ بِها أُمَّكَ الزهراء قَدْ ضَرَبُوا *** هي التي أُخْتَكَ الحورا بِهَا سَلَبُوا(2)

وَ أَنْ نار وغى صالَيْتَ جَمْرَتَها *** أضْحَتْ لها كف ذاكَ البَغْيِ تَحْتَطِبُ

فَلْيَبْكِ يَوْمَكَ مَنْ يَبْكِيهِ يَوْمَ غَدَوْا *** بِالظُّهْرِ فَوْداً وَ بِنْتَ المُصْطَفَى ضَرَبوا

ص: 217


1- في بلاغات النساء/ لابن طيفور/ ص12-14 مما جاء في خطبة الزهراء علیه السلام: «فلما اختار لنبيه صلي الله علیه و آله و سلم دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبع خامل الأقلين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً و أحمشكم فألفاكم غضاباً فوسمتم غير إبلكم و أوردتم غير مشربكم» إلى أن قالت: «ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لنداء الشيطان الغوي و إطفاء أنوار الدين الجلي تسرون حسواً في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخمرَةِ و الضراء و نصبر منكم على مثل حز المدى و وخز السنان في الحشى...
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج في ضرب فاطمة الزهراء علیها السلام ج1 ص212 قال الطبرسي: فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط... إلى أن قال: فأرسل أبوبكر إلى قنفذ، لضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، و رواه في مرآة العقول ج5 ص320، و روى سليم بن قيس الهلالي قال: فألجأها قنفذ «لعنه الله» إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتي ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة، راجع كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري ج2 ص588.

تَاللَّهِ ما كَرْبَلا لَوْلا السَّقِيفةُ وَ *** الأقوام تَعْلَمُ لَوْلا النَّارُ ما الحطب(1)(2)

ص: 218


1- إشارة إلى واقعة السقيفة التي اجتمع فيها القوم لينقلبوا عن بيعة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام و النبي صلي الله علیه و آله و سلم مسجَّى. فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص29 عن أبان ابن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال سمعت سلمان الفارسي قال: لما قبض النبي صلي الله علیه و آله و سلم و صنع الناس ما صنعوا، جاء أبوبكر و عمر و أبوعبيدة بن الجراح، فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي علیه السلام. فقالوا: يا معشر الأنصار، قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من قريش، و المهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه و فضلهم، و قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: الأئمة من قريش. و قال سلمان: فأتيت علياً علیه السلام و هو يغسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أوصى عليا علیه السلام أن لا يلي غسله غيره فقال يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من يعينني على ذلك؟ فقال: جبرائيل فكان علي علیه السلام لايريد عضواً إلا قلب له. إلى أن قال سلمان الفارسي: فأخبرت عليا علیه السلام و هو يغسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بما صنع القوم، و قلت: إن أبابكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يرضون يبايعونه بيد واحدة و أنهم ليبايعونه بيديه جميعاً بيمينه و شماله. فقال علي علیه السلام: يا سلمان و هل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قلت: لا، إلّا إني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار و كان أول من بايعه المغيرة بن شعبة، ثم بشير بن سعيد، ثم أبو عبيدة ابن الجراح، ثم عمر بن الخطاب، ثم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل. قال: لست أسألك عن هؤلاء ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد المنبر؟ قلت: لا ولكن رأيت شيخاً كبيراً يتوكأ على عصاه، بين عينيه سجادة شديدة التشمير صعد المنبر أول من صعد، و هو يبكي و يقول: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان أبسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم قال: (يوم كيوم آدم) ثم نزل فخرج من المسجد. فقال علي علیه السلام: يا سلمان أتدري من؟ قلت: لا و لقد ساءتني مقالته،كأنه شامت بموت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... فقال علي علیه السلام: فإن ذلك إبليس أخبرني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن إبليس و رؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إياي يوم غدير خم بأمر الله، و أخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم و أمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلى آخر الخبر. أقول معلوم: إن غصب الخلافة من علي علیه السلام و تجاوزهم على الزهراء علیها السلام هو الذي جرَّ من جاء بعدهم من أهل الدنيا للتجاوز على الحسن و الحسين و سائر الأئمة المعصومين عليهم الصلاة و السلام ... و لعل الحديث الشريف: (من سنَّ سنَّةَ سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة يتضمن في ضمن ما يتضمنه هذا المعنى والله العالم.
2- ديوان الشيخ هاشم الكعبي ص28، الدر النضيد ص30، رياض المدح و الرثاء ص339.

(47) الزهراء علیها السلام باسطة يديها

(بحر الوافر)

الشيخ يحيى الراضي

تَوَفَّدَ حِينَ بَلَّلَهُ انْسِيابُ *** فُؤاد شَب و انْتَفَضَ الحُبابُ(1)

تُلامِسُ جُرْحَهُ المَشْبُوبَ نارٌ *** فَيَسْرِي مِنْ جَوانِحِهِ الْتِهابُ

وَ يَنْهَمِرُ اللَّهِيبُ عَلَى جَرِيحٍ *** مِنَ الآهات لوّعه انسکَابُ

يَراهُ الظامِئونَ زُلال ماءٍ *** فَتَسْقِيهم بهِ الكأس الرُّضَابُ(2)

أَلا يَا أَيُّها العَطشانُ صَبْراً *** أفي الأقداح عَذْبٌ يُسْتَطابُ

أُنادِي، أَكْسِرُ الأَقْدَاحَ، أَدْنُو *** فَلا سَمْعُ هُنَاكَ وَ لاجَوَابُ

كُؤوسُ الإِثْمِ تَعْتَنِقُ ابْتِهَاجاً *** فَيَنْهَلُ مِنْ عُقُولِهِمُ الشَّرابُ

وَ تَمْتَصُّ الثمالَةُ ماءَ وَجْهٍ *** تَرَقْرَقَ في مَلامِحِهِ السَّرابُ

وَ مَنْ رَشَفَ السَّرابَ كَمَنْ تَرَوَّى *** بِمَوْجِ البَحْرِ يُضْنِيهِ العُبَابُ

فَيَا شَعْبَ الهَجِيرِ سَقاكَ طَيْفٌ *** مِنَ الأوْهامِ يُمْطِرُهُ السَّحابُ

تَمَادَى في حديثٍ أريحِيِّ *** عن الأسلافِ مَنْ شَادُوا وَ غَابُوا

هُمُ فَتَحُوا القِلاعَ وَ شَيَّدُوها *** تُزَخْرِفُها الجَماجِمُ وَ الرِّقابُ

وَ هُمْ سَلَبُوا الجِياعَ فُتات عَيْشٍ *** مِنَ الأَوْحَالِ تَأباه الكِلابُ

غِنَاءُ البُحْتُرِي يُرِيكَ فِيهِمْ *** عَباقِرَةٌ وَ إِنْ عَبْنُوا وَ خَابُوا

وَ ظِلُّ اللَّهِ في الدُّنيا و مَنْ *** لايُوَالِيهِمْ يُظَلّلُهُ عَذَابُ

ص: 219


1- الحباب: الفقاقيع التي تعلو الماء أو الخمر.
2- الرُّضاب: الرِّيق المرشوف، لعاب العسل و رغوته.

وَ إِنْ أَنْسَاكَ يا تاريخَ شَعْبٍ *** تَنَاسَاه الأباعِدُ و الصِّحابُ

فَلِلا مُجادٍ مِنْ صَمْتِي وَ بَوْحِي *** تَرانِيمٌ يُسَلْسِلُها انْتحِابُ

كأَنَّ الآة في نَوْح العَذارَى *** نَواعِيرٌ تَعِنُ فلا تُجَابُ

تَعَوَّدَتِ الفَضَاضَةَ مِنْ وُلُوعِ *** بِوَادِ الرُّوحِ يُسْلِيهِ اغْتِصَابُ(1)

فَرَاحَتْ وَ هُيَ غَاضِبَةٌ تَكُولٌ *** وَ فِي الأضلاع إغصارٌ يُهابُ

فَوَالَهُفِي عَلَى قَلْبِ جَرِيحٍ *** تَولّى نَهْشَهُ ظُفْرٌ وَ نَابُ

وَ يا لَهُفِي على ضِلْعِ تَوارى *** يُضَلِّلُ فَوْقَ مَصْرَعِهِ ارْتِيَابُ(2)

فَکَيْفَ يَتِمُّ جَبْرُ الكِسْرِ فينا *** وَ كَاسِرُهُ المُعَزّى وَ المُصابُ

وَ كَيْفَ يَجِفُّ نَزْفُ الجُرْحِ مِنَّا *** وَ لِلأضلاع اشْباهٌ تُصابُ

فَلَوْ كانَ العِداءُ كَمَا حَسِبْنا *** طَواهُ الأمْسُ ما طَاشَ الخِطابُ

وَ مَا غَنَّى عَلَى لَيْلَاهُ قَيْسٌ *** وَ لَمْ تَرْعَ ضَحاياها ذِئابُ

و ما دَقَّتْ طُبُول الأمْسِ تَدْعُو *** إلى تاراتِ أحْقاد تُجابُ

ولكِنَّ البداوةَ في بَنيِها *** كوشْمِ العارِ يَنْقُشُه احْترابُ(3)

فلا خَيْلٌ تَثُورُ و لاحَمامٌ *** يُرَفْرِفُ بِالسَّلام وَ لاغُرابُ

نَحُثُّ السَّيْرَ في خَطْرٍ مُدَمِّى *** إلى وَهْجِ الحَضارةِ لا نَهابُ

فأعْيانا اللُّهاثُ وَ مَا لَحِقْنا *** بِمَنْ بَلَغُوا أمانِيَهُمْ وَ طابُوا

وَ لَوْلا الشّامُ وَ اللَّيْثُ المُفَدَّى *** و أَشبالٌ يُؤَرِّفُها الطِّلابُ

لَما غَنَّيْتُ مَجْداً يَعْرُبيّاً *** لَهُ فِي كُلِّ خافِقَةٍ ضِرابُ

أنا ضَيْفٌ دِمَشْقِيٌّ تَغَنَّى *** بِحُبُّ الشَّامِ يَنْمِيهِ انْتِسَابُ

فَإِنْ تَقُلَتْ حُروفُ الشُّكْرِعَمًا *** بأعماقِي فَأَعْياها اضْطِرَابُ

ص: 220


1- اغتصاب: اغتصبَ الشيء: أخذه قهراً و ظلماً.
2- انظر كسر الضلع.
3- احتراب: احتربَ القومُ: أوقدوا نارَ الحرب.

لِسانِي ما تَعَوَّدَ مَدْحَ قَوْمٍ *** بِتَظريز الثناءِ وَ إِنْ أصابُوا

هَوَايَ النَّارُ تَكْوِي رُوحَ شَعْبٍ *** تُناغِيهِ الأَمَانِيُّ الكِذابُ

إذا ما لامسَ الوِجْدانَ عَتَبٌ *** فَإِنَّ الحُبُّ يَرْوِيهِ العِتابُ

وَيُورِقُ ما زَرَعْتَ رَدَاذُ دَمْعِ *** يُسَطِّرُ فَيْضَهُ الحُبُّ المُذَابُ

يُلَمْلِمُ ما تَناثَرَ مِنْ قُلُوبٍ *** مُعَلَّفَةٍ وَ آمَالٍ تُشَابُ

فيا شَعْبَ الوَلاءِ إِلَيْكَ نَجْوَى *** مِنَ الأعْماقِ يُبْدِيها انْجِذَابُ

هِيَ الأوْهامُ نَحْسَبُها يَقِيناً *** فَتَصْطَكُ النَّهَايَةُ وَ المَآبُ

يُسَفّهُ بَعْضُنَا بَعْضاً وَ يَهْذِي *** بما يُزْرِي شُيُوخَهُمُ الشَّبابُ

يَطُوفُ بنا الجَمَالُ فَنَزْدَرِيهِ *** وَ يُؤْنِسُنَا بِمَرآهُ اليَبَابُ(1)

وَ نَسْتَجْدِي الدُّمُوعَ عَلَى مُصابٍ *** مِنَ الماضِي ليُنْجِينَا ثَوَابُ

أَيَرْوِي الدَّمعُ آمال العطاشَی *** فَبِاللهِ مَبْكانا العُجاب؟

فإِنْ يَرْنُ الطَّرِيدُ إلى مَلاذٍ *** وَ ظِلُّ مُسْتَدِيم لا يُعَابُ

يَرى الزَّهْراءَ باسِطَةٌ يَدَيْها *** لِمَنْ َتاهُوا وَ مَنْ خَطِقُوا فَتَابوا(2)

بانداءٍ مُنَمْنَمَةٍ وَ عَطْفٍ *** وَ نُور لا يَضِلُّ بِهِ رِكابُ

أَلا قُومُوا إلى الزَّهْراءِ نَسْعَى *** إِلى أَحْضَانِ أشْواقِ تُجَابُ

إلى الأم الَّتِي تَرْعَى بَنِيها *** فَيَحْجُبَهُمْ عَنِ الأُمِّ اغْتِرَابُ

إلى ناعُورَةِ الزَّهْراءِ تَطْفُو *** على مَوْجَ القَصِيدِ فَيُسْتَطابُ

ص: 221


1- اليباب: الخراب.
2- انظر شفاعتها.

(48) بضعة خير الأنبياء

(بحر الرّمل)

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر

أَيُّ رَأْسٍ بِالأسى لَمْ يَشبِ *** لابْنَةِ المُخْتَارِ نُورِ الْحُجُبِ

***

في الْبَرايَا مَنْ سِوى أُمِّ الْحُسَيْن *** لِلنَّبِيِّ المُصْطَفَى قُرَّةُ عَيْنِ

نُورُها قَدْ مَدَّ ضَوْءَ الْقَمَرَيْنُ *** وَ بِهِ أَزْهَرَ نُورُ الشُّهُبِ

***

مَنْ تَرى في الناس طُرّاً مِثْلَها *** أَوْجَبَ الله تعالى وَصْلها

وَبِنَصٌ مِنْهُ أَبْدَى فَضْلَها *** وَ هُيَ أُمُّ الأُمَاءِ النُّجُبِ

***

لَمْ تَزَلْ ذاتَ بُكاءٍ وَ حَنِينْ *** كلَّ صُبْحِ وَ مَسَاءٍ فِي رَبينْ(1)

يَصْدَعُ الصُّمَّ الصَّفَا مِنْهَا الأنينْ *** لِأَبِيهَا المصطفى خَيْر أَبِ

***

ص: 222


1- إشارة لما ورد في كتاب عوالم العلوم ج2/11 ص794 أقبل أمير المؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال لها: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك: إما أن تبكي أباك ليلاً و إما نهاراً، فقالت يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم.

فَقْدُها قَدْ هَدَّ رُكْنَ المُرْتَضَى *** وَ جَمِيلُ الصَّبر مِنْهُ قُوّضا(1)

وَدَّ لمَّا أَنْ قَضَتْ وَجْداً قضى *** للذي حَلَّ بِهَا مِنْ نُوَبِ

***

أسْبَلَتْ دَمْعَ أمير المُؤْمِنِينُ *** وَ أَذابَتْ قَلْبَ خَيْر الْمُرسَلينْ

كَيْفَ لَا تَهْمِي(2) دُمُوعُ المُسْلِمِينْ *** بِمُذابٍ عَنْ حَشَى مُنْسَكِبِ

***

قَلَّ لَوْ أَنَا نُذِيبُ الْمُهَجا *** جَزَعاً فِيها وَ وَجْداً وَشَجا

دُفِنَتْ سِراً مُذِ اللَّيلُ دَجا *** وَ هْيَ غَضْبى غَيْرَةَ اللَّهِ اغْضَبِي(3)

***

فيكِ يا بَضْعَةَ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءُ *** إِنَّني مِنْ عِلَلِي أَرْجُو الشّفاءْ(4)

وَ بِذِكْراكِ الدَّوا مِنْ كُلِّ داءْ *** وَ بِهِ الرَّاحَةُ عِنْدَ النَّصَبِ(5) (6)

ص: 223


1- و ذلك إشارة لما ورد في ذخائر العقبى (طبعة مصر) ص56 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال لعلي بن طالب علیه السلام: سلام عليك يا أبا الريحانتين فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي عليك، فلما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال علي علیه السلام: هذا أحد الركنين، فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال: هذا الركن الآخر.
2- لاتهمي: لاتسيل.
3- إشارة لما ورد في مصباح الأنوار ص256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أمير المؤمنين علیه السلام فاطمة بنت محمد علیها السلام بالبقيع ورش الماء حول تلك القبور لئلا يعرف القبر. و بلغ أبابكر و عمر أن علياً علیه السلام دفنها ليلاً فقالا له: فلم لم تعلمنا -إلى أن قال-: فإنها استحلفتني بحق الله و حرمة رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و بحقها عليّ أن لاتشهدا جنازتها.
4- في سنن الترمذي ج2 ص319 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: (إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها) و عن أمالي الصدوق بنقل صاحب العوالم ج1/11 ص148 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: إن فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني وثمرة فؤادي.
5- النَّصَبَ: النصب بفتحتين و بضمتين الداء أو البلاء.
6- من ديوان الحاج يعقوب الحاج جعفر.

(49) يا طالباً فضلها

(بحر البسيط)

لأحد الأدباء

بُشرى لنَا مَعْشَرَ الأحباب بالطربِ *** وَ استَبْشِرُوا بِزَوَالِ الغَم وَ الكُرَبِ

يا نَفْسُ طيبي فقَدْ طابَ الزَّمانُ لنا *** وَ لْنَشْرَبِ الرَّاحَ كَيْ نَرْتاحَ مِنْ تَعَبِ

بُشْراكِ يا نَفْسُ مِنْ عِيدٍ ظَفِرْتِ بِهِ *** وَ النَّفْسُ مَيَالَةٌ لِلهْوِ وَ اللَّعِبِ

وَ كَيْفَ تَخْشَى مِنَ العُقْبِى فَفَاطِمَةٌ *** جاءَتْ لنا بِبَراةِ الفُظمِ فانْتدِبِ

وَ بِاسْمِها فاطِرُ الأفلاكِ قد فَطَما *** مُحِبَّها مِنْ سَعِيرِ الحَشْرِ وَالعَطَبِ(1)

ص: 224


1- إشارة إلى ما روي في عوالم العلوم ج1/11 ص68 عن المناقب لابن شهرآشوب: ابن شيرويه في الفردوس عن جابر الأنصاري: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إنما سميت ابنتي فاطمة علیها السلام، لأن الله فطمها و فطم محبّيها من النار، و رواه عنه ينابيع المودة ص240 عن سلمان، و إسعاف الراغبين ص118، و الصواعق المحرقة لابن حجر ص230 و مشارق الأنوار للحمزاوي ص107، و بشارة المصطفى ص131، و مودة القربى ص101 و إرشاد القلوب ص232، و رواه المغازلي في مناقبه ص65 عن الحسين بن علي علیه السلام. و روي أيضاً في عوالم العلوم ج1/11 ص68 من تاريخ بغداد بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية، لم تحض و لم تطمث، و إنما سُمِّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها ومحبّيها عن النار. و رواه منتخب كنز العمال ج5 ص97، و التحذير ص32 و مفتاح النجا ص100 (مخطوط)، و أخرجه في غالية المواعظ ص95، و الصواعق ص96، و رشفة الصادي ص47، و ذخائر العقبى ص26، و أرجح المطالب ص240 و250، و جميعها من طريق النسائي. و أخرجه في ينابيع المودة ص194 و وسيلة المآل ص78 ، و آل محمد ص97 من طريق الغسّاني. و روي أيضاً في معاني الأخبار و علل الشرائع: القطان عن السكري عن الجوهري عن مخدج بن عمير الحنفي، عن بشير بن إبراهيم الأنصاري عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي هريرة قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله «عزوجل» فطم من أحبّها من النار. رواه أيضاً صاحب التحذير ص32 و ينابيع المودة ص397، عن جواهر العقدين و في آخره: (و ذريتها و محبيها و مفتاح النجا ص100 (مخطوط)، و نور الأبصار ص53، و تفسير آية المودة ص30. و في كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص89: عن سبب تسميتها فاطمة علیها السلام. قال: روي عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله تبارك و «تعالى» إلى ملك فأنطق به لسان محمد فسماها فاطمة ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث. ثم قال أبو جعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها الله تبارك و «تعالى» بالعلم و عن الطمث في الميثاق. و في رواية أخرى عن أبي هريرة، قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله «عزّوجل» فطم من أحبها من النار و عن أبي جعفر علیه السلام قال: لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة علیها السلام بين عينيه محباً فتقول: إلهي و سيدي سميتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولّى ذريتي من النار و وعدك الحق، و أنت لاتخلف الميعاد فيقول اللَّه «عزوجل» صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سميتك فاطمة علیها السلام و فطمت بك من أحبّك و تولاك... إلى بقية الحديث.

مِنْ صُبْحِ غُرَّتِها لَيْلُ النَّوى انْسَلَخَتْ *** بِهَا اهْتَدَيْنَا إِلى الأَنْوارِ وَ الشُّهُبِ(1)

في أرضِ مكةَ شَمْسُ المَجْدِ قَدْ بَزَغَتْ *** يَا شَمْسَ أُفْقِ السَّمَا مِنْ ضَوْئِها اكتَسِبِي(2)

ص: 225


1- إشارة إلى ما روي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً علیه السلام و زوجته و أبناءه علیهم السلام حجج الله على خلقه و هم أبواب العلم في أمتي، من اهتدى بهم هُدي إلى صراط المستقيم. راجع شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني الحنفي ج1 ص58-59. عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: اهتدوا بالشمس، فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة، فإذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين. فقيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما الشمس و ما القمر و ما الزهرة و ما الفرقدين؟ قال: الشمس أنا، و القمر علي علیه السلام، و الزهرة فاطمة علیها السلام، و الفرقدان الحسن و الحسين -صلوات الله عليهم أجمعين- راجع الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج1 ص58-59 و قريب من هذا في كنز العمال ج12 ص102 الحديث 34189 فراجع.
2- في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص179 عن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر علیه السلام: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير، و عند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ. أيضاً و روي عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميّت (زهراء علیها السلام) ؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. و عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السموات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة، و خرّت الملائكة الله ساجدين، و قالوا: إلهنا و سيّدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري و أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبيِّ من أنبيائي، و أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري و يهدون إلى حقي، و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وصيي . و أيضاً عن أنس بن مالك قال: سألت أمي عن صفة فاطمة علیها السلام فقالت: كأنها القمر ليلة البدر، أو الشمس كُفرت غماماً، أو خرجت من السحاب، و كانت بيضاء بضةً. و عن أمالي الصدوق ص486 بسنده عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال: نعم إن خديجة علیها السلام... إلى حديثه علیه السلام فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها (موضع) إلّا أشرق فيه ذلك النور... و تباشرت الحور العين، و بشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك... و للحديث بقية. و كذا في ص58 عن مشارق الأنوار نفس الحديث.

فلا أقولُ لَها إنْ كُنْتِ آفلةً *** تُضِيءُ دَهْراً بِوَجْهِ عَنْكِ مُحْتَجِبِ

باهَتْ بهِ الأرْضُونَ السَّبْعُ وَافْتَخَرَتْ *** عَلَى السَّماواتِ يَوْمَ الوَفْدِ في التُّرَبِ

يا طالباً فَضْلَها أقصِرْ خُطَاكَ فَما *** تَنَالُ مِنْهُ فَسرُّ اللَّهِ في الحُجُبِ

لو سُوِّدَتْ صُحُفُ الأفلاكِ ما بَلَغَتْ *** مِعْشَارَ عُشْرِ مَعالِيها بِلا كَذِبِ(1)

لِمُصْطَفَاهُ اصْطَفاها اللَّهُ بارِئُها *** وَ مَا ارْتَضَاهَا لِغَيْرِ المُرْتَضَى الأَرَبِ(2)

ص: 226


1- عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في بعض فضائل فاطمة علیها السلام قال: و لو كان الحُسْنُ شخصاً لكان فاطمة علیها السلام، بل هي أعظم، إن فاطمة علیها السلام ابنتي خير أهل الأرض عنصراً و شرفاً و كرماً. و عن علي علیه السلام قال: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جالس و الحسن علیه السلام عن يمينه و الحسين عن يساره علیه السلام و فاطمة علیها السلام بين يديه و هو يقول: يا حسن علیه السلام و يا أنتما كفّتا الميزان و فاطمة علیها السلام لسانه و لاتعدل الكفّتان إلا باللسان و لايقوم حسین علیه السلام، اللسان إلا على الكفتين... أنتما الإمامان و لأمّكما الشفاعة، رواه صاحب كشف الغمة ج1 ص506 ، و راجع فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم ص10.
2- ربما يشير إلى ما ورد في صحيح الترمذي ج2 ص319 بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها قبلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته و أجلسته في مجلسها . أقول: و رواه أبوداود أيضاً في صحيحه ج33 في باب ما جاء في الصيام ص223، و رواه الحاكم أيضاً في مستدرك الصحيحين ج4 ص272، و رواه البخاري أيضاً الأدب المفرد ص136، و ذكر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص200، أنه رواه ابن حبان أيضاً. ثم يشير الشاعر في نفس البيت إلى تزويج فاطمة الزهراء علیها السلام من علي علیه السلام بأمر الله «تعالى»، فقد روي في ذخائر العقبى للمحب الطبري ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام هذا جبريل يخبرني أن الله «عزوجل» زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك (الحديث) قال: أخرجه الملّا في سيرته. و روي في كنز العمال ج6 ص152 قال: إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام، قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود أقول: و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204، و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي أيضاً في فيض القدير في المتن ج2 ص215 و قال: رواه الطبراني عن ابن مسعود و هو حسن، و في كنوز الحقائق ص29، و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص74 و قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود. و لعل مما يشير إلى الاصطفاء بالتضمن ما ورد في إحقاق الحق/ للمرعشي/ ج18 ص457. عن علي بن أبي طالب علیه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: يا بنية إن الله سبحانه و «تعالى» اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار أباك فجعله نبياً، ثم اطلع الثانية فاختار منهم زوجك علياً فجعله لي أخاً و وصياً، ثم اطلع الثالثة فاختارك وأمك فجعلكما سيدتي النساء.

لَوْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يكنْ كُفُواً لَهَا أَحَدٌ *** وَ تِلْكَ كُفْ لَهُ في الفَضْلِ وَ الحَسَبِ(1)

لَوْانَّ الْمَجْدِ أُمّاً فهي بجدتها *** أوْ يَمَّمَ(2) الذّرْوَةَ العُليا مِنَ الحَسَبِ

ص: 227


1- و لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى ص68 عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أميرالمؤمنين يقول: واللَّه لأتكلمنَّ بكلام لايتكلم به غيري إلا كذاب: ورثت نبي الرحمة و زوّجني خير نساء الأمة و أنا خيرالوصيين. و عن علي علیه السلام قال: فواللَّه ما أغضبتها و لاأكرهتها على أمر حتى قبضها الله «عزوجل»، و لاأغضبتني و لاعصت لي أمراً و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان. و في كشف الغمة ج1 ص472 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم : لولا علي علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفؤ.
2- يمَّم: قصد.

فَالأَوْلِيَاءُ لَهَا كَالْجُنْدِ وَ الحَشَم *** و الأنبياءُ لها كَالْعَيْنِ وَ الهُدُبِ(1)

وَ لَوْ دَرَتْ بِنْتُ عِمْرانَ الَّتِي احْتَضَنَتْ *** عِيسى لَخَرَّت لها في سَجْدَةِ الأَدَبِ(2)(3)

ص: 228


1- لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما رواه الثعلبي في قصص الأنبياء ص14 قال: الباب الخامس في ذكر ما زيَّن به الأرض و هي سبعة أشياء: الأزمنة و زيّن الأزمنة بأربعة أشهر -إلى أن قال-: و الأمكنة و زيّنها بأربعة أشياء -إلى أن قال-: و زينّها أيضاً -يعني الأمكنة- بالأنبياء علیهم السلام و زيّن الأنبياء بأربعة: إبراهيم الخليل و موسى الكليم و عيسي الوجيه و محمد الحبيب علیهم السلام -إلى أن قال-: و زينها أيضاً بآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم، وزينهم أيضاً بأربعة علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و روي في كنز العمال ج6 ص218 و لفظه نحن أهل بيت علیهم السلام لايقاس بنا أحد قال: أخرجه الديلمي عن أنس، و ذكره المناوي أيضاً في كنوز الحقائق ص153، و المحب الطبري أيضاً في ذخائره ص17، و قال أخرجه الملا -أي في سيرته- و ذكره في الرياض النضرة أيضاً ج2 ص208 قال: قال رجل لابن عمر: أبا عبد الرحمن فعلي علیه السلام؟ قال ابن عمر: علي علیه السلام من أهل البيت علیهم السلام لايقاس بهم أحد (إلخ).
2- و مما يشير إلى أفضليتها «عليها الصلاة و السلام» على أم عيسى علیها السلام ما روي في كتاب عوالم العلوم ج1/11 ص122، عن ذخائر العقبى عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات، سادات عالمهنّ: مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد علیهم السلام و أفضلهنّ عالماً فاطمة علیها السلام. و روي أيضاً في عوالم العلوم ص126 في حديث طويل عن الإمام الكاظم علیه السلام أنه قال: نحن مكتوبون على عرش ربِّنا: مكتوبون محمد خير النبيين صلي الله علیه و آله و سلم و علي سيد الوصيين علیه السلام و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين. و روي في عوالم العلوم أيضاً ص133 عن الهمداني عن علي عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام: إنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم علیها السلام، كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين. و رواه صاحب دلائل الإمامة ص54، و روضة الواعظين ص180 و عنهما، و روى أيضاً عوالم العلوم بإسناد التميمي عن الرضا علیه السلام عن آبائه قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام خير أهل الأرض بعدي و بعد أبيهما و أمهما أفضل نساء أهل الأرض. راجع عن ذلك أيضاً: ذخائر العقبى ص42. و الاختصاص ص91. و معاني الأخبار ج1 ص107. و عيون أخبار الرضا ج2 ص62، حديث252.
3- شجرة طوبى ص32 ج2.

قافیة التاء

اشارة

ص: 229

ص: 230

(1) أفاطم علیها السلام لاأنساك

(بحر الطويل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني(*)(1)

ص: 231


1- (*) هو الشيخ إبراهيم ابن الشيخ ناصر بن عبد النبي بن يوسف بن إبراهيم ابن الشيخ مبارك الهجيري التوبلي البحراني. ولد في قرية (توبلي) من البحرين سنة (1326ه_). و تلقى دراسته العلمية في النحو و الصرف و البلاغة و التجويد و الكلام و الفقه و المنطق على يد والده الشيخ ناصر ثم على يد أخيه الشيخ محمد بن ناصر و قرأ على الشيخ محسن العريبي الكوري علم الحساب و معالم الأصول، و بعد ذلك هاجر إلى النجف الأشرف و بقي فيها يرتوي من معين الحوزة العلمية و كان مثابراً و مواظباً جداً في الدروس حتى حضر بحث الخارج عند المرجع الأعلى السيد أبي الحسن الأصفهاني و بحث السيد محسن الحكيم و بحث الشيخ محمد رضا آل ياسين و كذلك بحث الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، و قد أجازه جماعة من العلماء منهم السيد أبوالحسن الأصفهاني و السيد محمد علي التبريزي و الشيخ عبد المحسن الخاقاني و الشيخ قاسم الخاقاني و غيرهم حتى نال درجة كبيرة في الفضل و العلم و كانت له شهرة واسعة في البحرين، و ذلك لبعض آرائه الفقهية التي انفرد بها فهو عالم فقيه و فاضل مثابر. و للمترجَم له آثار علمية تعرب عن مقدرته و طول باعه في تلك العلوم منها: 1-عمود الدين و هي رسالة فقهية. 2- بلاغ العابدين في (الفقه). 3- منار الهدى في (الفقه). 4- المختصر في هداية البشر في (الفقه). 5- الدليل الواضح في (مناسك الحج). 6-حاشية على أربعين البهائي. 7- علي علیه السلام و أولاده «سلام الله عليهم أجمعين». 8- علي علیه السلام ولي الله. 9- نهضة الحسين علي علیه السلام. 10-كتاب الأضداد. 11- السوانح النجفية (ديوان شعر). 12- ماضي البحرين و حاضرها. 13- المجربات في الطب. 14- الكليات في الحكم و الأمثال. 15- العقائد الحقة (شعر). 16-شرح قصيدته المسماة ب_ (نفاهة الخاطر). 17- تعليقه على ديوان أبي البحر الخطي. 18- النور المشرق في أحكام المنطق. و غيرها من الكتب. وفاته: انتقل إلى جوار ربه في (عالي) بالبحرين يوم الخميس الرابع من شهر رجب سنة (1399ه)و شيع تشییعاً مهیباً یلیق بمکانته و خدماته.

أَتَتْنِي مِنَ الحِبِّ الخَدِينِ ألُوكَةٌ *** مُغَلغَلَةٌ في القَلبِ تُنْفِي وَ تُثبتُ(1)

تَقُولُ تَثبَتْ لَوْ أَرَدْتَ زِيارَتِي *** وَ ما عَهْدُنا بِالوالِهِينَ تَتَبَّتُوا

وَ قَالَتْ أَطِلْ غِب الزيارَةِ وَاكْتَتِمُ *** فَلَوْ ذاعَ هَذا تَسْتَتِبُ وَ تَثْبُتُ(2)

وَ لاتَأْتِنَا إلا بِلَيْلِ دُجُنَّةٍ *** وَ اجْعَلْ خُطاك الهُونَ و الجَرُّ مُكْمَتُ(3)

فَإِنْ عَلى أبوابنا وهي غابةٌ *** أسوداً هَمُوساتٍ فَتُصْغِي وَ تُنْصِتُ

قرَأْتُ وَصاياها وَهاجَ بِي الجوى *** فَقُمْتُ وَ قُلْتُ الوَصْل أو أنا مَيِّتُ

فَجَرَّدْتُ عَزْمِي وَ امْتَطَيْتُ عَزِيمَتِي *** وَ أَوْصَيْتُ أَهْلِي بِالدّعاءِ أَنِ اقْنُتُوا

وَ سِرْتُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ أَشْتَدُّ تارَةٌ *** و أَرْجِعُ أُخْرَى اسْتَكِينُ وَ أُخْبِتُ

وَ نَكَّرْتُ هِنْدامِي و جِئْتُ مُبادِراً *** إلى بابها مُسْتَخْفِياً أَتَلَفْتُ

لَعلَّ الذي أَخْشاهُ عَاطَ بِرَقْبَةٍ *** وَ كَانَ عَشِيُّ السَّبْتِ يَنْسَى وَ يَسْبِتُ(4)

وَ أَخْرَسْتُ نَفْسِي لَوْ تَكُونُ طَلائِعٌ *** وَ يَسْتَخْبِرُونِي ما مُرادُكَ أَسْكُتُ

ص: 232


1- الألوكة: الرسالة.
2- غِبّ الزيارة: عاقبتها.
3- دُجّنة: ظلام.
4- عاط: طال.

وَ شَدَّدْتُ عَزْمِي لَوْ يَكُونُ هُنالِكُمْ *** رَقِيبٌ يُفاجي غُرَةَ الأَمْرِ أُفْلِتُ

وَ أَحْكَمْتُ فَنَّ العَسَ حَتَّى كَأَنَّنِي *** لَمِنْ أَهْلِهِ أَوْ صَادَفُونِي لَا ثَبَتُوا(1)

فَلَمَّا رَأَتْنِي حِينَ ذاكَ تَبسَّمَتْ *** وَ قَالَتْ أَتَيْتَ الآنَ وَ السَّيْفُ مُصْلَتُ

فَقُلْتُ لَها اللَّه اللَّه فِي دَمِي *** وَ لايَسْمَعُ الوَاشُونَ هذا فَيَشْمَتُوا

وَ لَسْتُ بِمَكْبُوتٍ مِنَ السَّيْفِ مُصْلَناً *** وَلَكِنّني مِنْ مَنْعِكِ الْوَصْل أُكْبَتُ

وَ هَلْ أَنْتِ كَالدّنيا تَجَمَّعَ أَهْلُهَا *** إِلَيْها فَلَمّا أَيْأَسَتْهُمْ تَشَتَّتُوا

وَ لاؤُكِ يا دُنْيَا فَأَنْتِ دَنِيَّةٌ *** وَ كَمْ باطِلٍ يُطْرَى بِخَيْرٍ وَ يُنْعَتُ

عَرَفْتُكِ يا هَوْجَاءُ زَوْجَةَ أَحْمَقٍ *** وَ مَا غَرَّنِي مِنْكِ الزُّهَا وَ التَّزَمُتُ(2)

فَإِنْ كَانَ مَنْ غَرَّيْتِ بُلْها فإنَّني *** أذَمِّمُ مِنْكِ التُّرَّهاتِ وَ أَمْقُتُ

تَعَاظَمَ أهْلُ الغَيْ حَتَّى تَحَكَّمُوا *** بِالِ رَسُولِ اللهِ ظُلماً و عَنتُوا

أزالُوهُمُ عَنْ حَقِّهِمْ وَ تَواثَبُوا *** عَلَيْهِمْ وَ غَتُّوهُمْ حُقُوقاً و عَمَّتُوا(3)

وَ رَضُّوا مِنَ الزَّهْرَاءِ جَنْباً و أَسْقَطُوا *** جَنِيناً وَ حَطُّوا مِنْ عُلاهَا وَ بَكَّتُوا(4)

وَ صَبُّوا عَلَى المَثْنَيْنِ مِنها سِياطَهُمْ *** وَ خَانُوا عُهودَ اللَّهِ فِيها وَ خَوَّتُوا(5)

وَ كَانَتْ مِنَ الهادِي الْوَدِيعَةَ فِيهِمُ *** فِيا بِئْسَ ما خانُوهُ فيها وَبَيَّتُوا

زَوَوْا حَقَّها بِالْغَضب إرْناً وَ نِحْلَةً *** سَحِيناً أدالَ اللَّهُ مِنْهُمُ وَ اسْحَتُوا(6)

ص: 233


1- العس: العاسّ هو الذي يطوف بالليل يحرس الناس و يكشف أهلّ الريبة.
2- هَوْجَاء: طويلة في الحمق و الطّيش و التسرّع.
3- غتّوهم: أخفوهم. عمَّتوا: قهروا.
4- انظر العوالم ج2/11 ص568 و البحار ج53 ص18.
5- خوّتوا: صوّتوا و قد تقدم أيضاً ذلك عن كتاب سليم بن قيس ص36 و العوالم ج2/11 ص556 عن سلمان الفارسي في حديث طويل فراجع.
6- زَوَوا: قبضوا و احتازوا و في البيت إشارة إلى ما روي في الاحتجاج ج1 ص119 عن عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله و اعتراضها (عليها الصلاة والسلام) عليه.

وَ قَادوا عَلِيّاً آخِذِينَ خِنَاقَهُ *** يَكَادُ بإصْغَاطِ التَّنَفسِ يُحْفَتُ

وَ لَمَّا أَهَاضَتْهُمْ بِدَفَع وَ ضَجَّةٍ *** أهاضَ بها سَوْطٌ يُضِجُّ وَ يُضمِتُ

إلى أَنْ قَضَتْ مَفْرُوحَةَ الْجَفْنِ وَ الْحَشا *** بِقَلْب يَصُلُّ الهَمُّ فِيهِ و يَنْكَتُ

وَ هُمُ قَتَلُوها لارعى اللَّهُ أمَّهُمْ *** وَ لاطابَ مِنْهُمْ في الوَشائجِ مُلْفِتُ(1)

وَ قَدْباتَ إبْناها بأَطْوَلِ لَيْلَةٍ *** يَبِيتُ بها مُضنَى الفُؤَادِ مُفَتَّتُ

و هَاجَ بِقَلْبِ المُرْتَضَى الحُزْنُ وَ الأسى *** كَأَنَّ حَشَاءُ بِالرَّزِيَّةِ تُسْلَتُ

أَفَاطِمُ لاأَنْسَاكِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** وَ هَلْ كَانَ مِثْلِي فِي فَقِيدَيْنِ يُقْلَتُ

فَما أَنَا إِلا كَالشَّكِينِ بِعُشْهِ *** وَ رَائِشُهُ الحانِي عَلَيْهِ مُكَفَّتُ(2)

أَأَنْسَاكِ لاأَنْسَاكِ وَ الحُزْنُ قاتِلي *** وَ يَوْمُكِ يَوْمٌ أكدَرُ الْوَجْهِ أمْقَتُ

إذا سَرَّ هذَا البَدْرُ أَظْلَمَ لَيْلُهُ *** و إنْ صَوَّحَ المَرْعَى مِنَ النَّاسِ أَسْنَتُوا(3)

فَما أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ إِنْ عَابَ بَدْرُها *** وَ ما أَكْدَرَ الْغَبْرَاءَ إِنْ جَفَّ مَنْبِتُ

فِداكِ الْوَرَى طُرّاً وَ قَلَّ لَكِ الْفِدَا *** وَ لكِنَّمَا الْآجال وَقْتٌ مُوَقَّتُ

أُصِيبَتْ بكِ الدنيا و أَظْلَمَ نُورُهَا *** وَ أَخْرَسَ منها ناطِقٌ أَوْ مُصَوّتُ

وَ عَجِّتْ عَلَيْكِ الكائناتُ بِنَوْحِها *** وَ تِلْكَ الجبالُ الشُّمُ تَدْرِي وَ تَنْحِتُ(4)

ص: 234


1- الوشائج: الأقارب المتصلة المشتبكة. و تقدم ما ورد عن ذلك من كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه).
2- كفَّت الشيء: ضمَّه.
3- صوّح يبس أو جفَّ. أسنتوا: أصابهم الجدب و القحط.
4- من كتاب المراثي الحسينية.

(2) قصة الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ أبوذر الشويلي

للشمس نورٌ ولي في عشق مولاتي *** نورٌ يُنزّه عن شأنِ الكُسُوفاتِ

نورٌ سعى من سعى، يُطفي توهُّجَهُ *** بفيهِ مُذْ سنَّ حُكماً للظُلاماتِ

لكنْ أبى اللَّهُ إلا أن يتمَّ لهُ *** في قلبِ كلِّ محبٍ نورُ مشكاةِ

فاسكبْ معي صاحِبي إن كنتَ مدّخِراً *** دمعَ العيونِ و لاتبخلْ بدَمْعاتِ

إنَّ الجراحَ كثيراتُ و آلمُها *** جُرحٌ لقدّيسةِ الأوصافِ و الذاتِ

تُدعى بأمِّ أبيها عمرَ والدِها *** فلندْعُها بعدَه أُمَّ الجُراحاتِ

***

فطالما هاجَ بي شوقٌ فأنشُرُهُ *** شِعراً و يطويهِ بَضٌ من خيالاتي

ماذا ترَى أحرفٌ صفراء خاويةٌ *** في فِي(1) شويعر صيغت بعض أبياتٍ

تحكِي لنا قصةَ الزهراءِ و هي دمٌ *** ينزُّ من أضلعٍ بالبغي مُحناةِ

لكن سأشرعُ بالتحميدِ منتشياً *** فرشفةُ الحمد فاقت كلُّ كاساتِي

ثمَّ الصلاةِ على أُسِّ الجمالِ على *** عقل العقولِ و فيّاضِ الكمالاتِ

و صحَ صاحبُ هذا الدين ليسَ له *** رضِّى بغيرِ رضاها -في الصريحاتِ

كذاكَ يغضبُ إن زهراؤهُ غضبتْ *** فالمُصْطفى مصطفاها في المُلّماتِ

و قلبُهُ بهواها مولعٌ وَلهٌ *** يضمُّها تارةً ضمَّ الحماماتِ

ص: 235


1- في: أي فم.

كأنَّما هي بُقيا أمّهِ وصدى *** خديةٍ في رؤاها و المواساةِ

و قالَ مَنْ يؤذِها آذَى نبيَّكُمُ *** و ذاك مُؤذٍ لفطّارِ السماواتِ

لولا عليّ لظلّت دونما أحدٌ *** كفو، فسبحانَ من أجرى المشيئاتِ

***

و حينما أقَلَ النجمُ العظيمُ و قدْ *** أبقى لهم قَبَساً في المُدِلهمّاتِ

كلٌّ سعى بأكُفِّ الغدرِ يُطفِئُهُ *** فما رعَوْهُ و ضلّوا في المفازاتِ(1)

إذ قال خلفّتُ فيكم عترتي فيها *** و بالكتاب اهْتَدوا دون الضلالاتِ

لالنَ تضلُّوا إذا أمسكْتُمُ بهما *** لايُفرقان إلى يومِ المُلاقاتِ

قامَتْ على مسمعٍ الأقوام خاطبَةً *** لكنَّ آذانهُمْ آذانُ أمواتِ

ما كانَ ذاك لدُنيا تستلذُّ بِها *** حاشاكِ سيدتي كلّ الملذّاتِ

لكنّهُ غضبٌ لله طار بِهِ *** قلبُ المُوحْدِ فِي صَعْبِ الدياناتِ

و صوتُ حقٍ يُدوّي في العُلى أبداً *** ما أجبنَ الحقّ من دون الطِّلاباتِ

يظلُّ يتلو على الأجيال آيتَها *** (لاتركنوا)، لاولو رفضاً بأصواتِ

لكنّني يا بنةَ المُختار ذا خَجل *** يَحولُ بَحرُ الحيا دون السؤالاتِ

هل في صحيفتكِ الغرّا لنا وطنٌ *** نصبوا لهُ في غدٍ مُسْتَوسِقٍ آتي؟

ص: 236


1- المفازات: مفردها مفازة و هي الصحراء القفر الواسعة.

(3) ذروة المجد

(بحر السريع)

أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم

التخميس لعبد الرسول الفراتي

يهن دلالاً يا صُحيباتي *** و انشدنَ في أحلى العِبارات

تموجُ شوقاً للسماواتِ *** (سرنَ بعونِ اللَّه جاراتي)

(و اشكرنَ في كلِّ حالاتِ)

و اهتُفنَ للهادي نشيدَ الوِلا *** و اذكرنَ طه المصطفى المرسلا

لولاهُ شرعُ اللَّه لن يمثلا *** (و اذكرنَ ما أنعَمَ ربِّ العُلى)

(من کشفِ مكروه وآفاتِ)

قد جاءنا بفضلِ فردٍ صَمَدْ *** و نصِّ قل هو الإلهُ أحَدْ

فلعنةُ اللَّه على من جَحَدْ *** (فقد هدانا بعدَ كفرٍ و قد)

(انعشنا ربُّ السماواتِ)

و انظرنَ هذا اليوم ما قد جرى *** فالكونُ يزهو بالهنا و الثَّرَى

ففاطمٌ قد زُوِّجت حيدرا *** (و سرنَ مَعْ خيرِ نساءِ الورى)

(تُفدى بعمَّات و خالاتِ)

يا دُرَّةٌ مذ ضوؤهُا قدجلا *** منها البدورُ حقَّ أن تَخجلا

في ذِروة المجد سَبَقْتِ الأُلى *** (يابنتَ من فَضَّلَهُ ذوالعُلي)

(بالوحي منهُ و الرسالاتِ)

ص: 237

(4) يا قبر فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

ديك الجن الحمصي (*)(1)

يا قَبْرَ فاطِمَةَ الَّذِي ما مِثْلُهُ *** قَبْرٌ بطَيْبَةَ طَابَ فِيهِ مَبِيتَا(2)

إذْ فِيكَ حَلَّتْ بضعَةُ الهادي الَّتي *** تُجْلَى مَحاسِنُ وَجْهِها حُلِّيتا

ص: 238


1- (*) ديك الجن الحمصي ترجمه السيد جواد شبر في أدب الطف ج1 ص290: و قال عنه: هو: أبومحمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن مزيد بن تميم الكلبي الحمصي، ولد سنة (161ه_) بسلمية و توفي سنة 235ه_ أو 236ه_، فعمره أربع و سبعون سنة أو خمس و سبعون، ذكره ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت علیهم السلام. و يعتبر ديك الجن في طليعة شعراء القرن الثالث الهجري ومن أبرزهم في الرثاء مدح آل البيت علیهم السلام و شعره القوي ينهض دليلاً قوياً على أنه شاعر مطبوع ترتاح له النفس و تتذوقه الاسماع و القلوب و ولاؤه لأهل البيت علیهم السلام ظاهر على شعره. قال ابن خلكان: و هو من أهل سلمية و لم يفارق الشام مع أن خلفاء بني العباس في عصره ببغداد، فلا رحل إلى العراق و لاإلى غيره منتجعاً بشعره، و له مراث في الحسين علیه السلام. قال ابن شهر آشوب: افتتن الناس بشعره في العراق و هو في الشام حتى أعطى أبا تمام قطعة من شعره و قال له يا فتى اكتسب بهذا واستعن به على قولك، فنفعه في العلم و المعاش. قال عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزبيدي: كنت جالساً عند ديك الجن، فدخل عليه حدث فأنشده شعراً عمله فأخرج ديك الجن من تحت مصلاه درجاً كبيراً فيه كثير من شعره فسلمه إليه و قال له: يا فتى تكسب بهذا واستعن به على قولك، فلما خرج عنه فقال هذا فتى من أهل جاسم يذكر أنه من طيء يكنى أبا تمام واسمه حبيب بن أوس، و فيه أدب و ذكاء و له قريحة و طبع.
2- طيبة: المدينة المنورة.

إنْ تَنْأَ عَنْهُ فَمَا نَأَيْتَ تَباعُداً *** أوْ لَم تَبِنْ بَدْراً فَما ألخْفِیتنا

فَسَقَى تَراكَ الغَيْثُ ما بَقِيَتْ بِهِ *** لُمَعُ القُبُورِ بطيبةٍ وَ بَقِيتا

فَلَقَدْ بِرَيّاها ظَلَلْتَ مُطَيَّباً *** تَسْتَافُ مِسْكاً في الأُنُوفِ فَتِيتا(1)

وَ لَقَدْ تَأَمَّلْتُ القُبُورَ وَ أَهْلَها *** فَتَشَتَّتَتْ فِكَري بها تَشْتِيتا

کَم مُقْرَبٍ مُقْصَى وَ كَمْ مُتَبَاعِدٍ *** مُدنّي، فَسَاوَرَتِ الحَشَا عِفْريتا(2)

ص: 239


1- رياها:ريحها الطيبة. إستاف: إشتم، الفتيت: المفتوت.
2- دیوان ديك الجن ص55.

(5) بنت خير الناس

(مجزوء الكامل)

الأستاذ سالم محمد علي(*)(1)

أَلدَّمْعُ قَرَّحَ مُقْلَتِي *** وَ اللَّيْلُ أثْقَلَ وَحْشَتِي

أَوَاهُ لاعقدُ النُّجُومِ *** تُشِعُ تُظرِبُ عَتْمَتِي

لاشَيْءَ غَيْرُ الْبُومِ *** وَ الغِرْبَانِ تَأْكُلُ ضَحْكَتِيْ

لاشَيْءَ مَزَّقَنِي الْخَرِيفُ *** غَداةَ ماتَتْ وَرْدَتِي

لاشَيْءَ مَاتَ الْعُشْبُ *** ماتَ الْحَقَّلُ جَفَّتْ تُرْعَتِي(2)

لاشَيْءَ ماتَتْ نَغْمَةُ *** الْقِيثارِ ضَاعَتْ غَنْوَتِي

لاشَيْءَ غَيْرُ الدَّمْعِ *** غَيْرُ الرِّيحِ تُطْفِي شَمْعَتِي

لاوَرْدَ لاشَدْوَ الطُّیورِ *** فَمَنْ سَيُؤْنِسُ وَحْدَتِي

قَدْ تِهْتُ طَوَّقَنِي الظَّلامُ *** أَصِيحُ ماتَتْ صَيْحَتِي

وَ أَضَعْتُ قافِلَتي وَ دَرْبِي *** أَيْنَ مِنّي صُحْبَتِي

ص: 240


1- (*) هو سالم محمد علي ولد في كربلاء المقدسة في العراق سنة (1363 ه_) 1944م، و نشأ و ترعرع بها، و أتم دراسته الابتدائية و المتوسطة و الاعدادية ثم انتقل إلى العاصمة بغداد حيث و اصل تحصيله العلمي في كلية اللغات بجامعة بغداد و تخرج منها. و المترجَم له أحب الشعر حباً جماً و شغف به شغفاً ملك عليه فؤاده وكيانه، و أخذ يطالع الدواوين الشعرية و كتب الأدب و اندفع يقرض الشعر على اختلاف فنونه و أوزانه و أنواعه، و تناول أغراض الشعر المألوفة، فأجاد في كثير من النصوص التي كتبها بدافع من شعوره الديني. و عرف شاعرنا بكتابة القصيدة العمودية و تطالعنا في قصائده صور ولوحات خيالية رائعة تدل على قدراته الشعرية و الأدبية الابداعية.
2- تُرعتي: روضتي، و الظاهر أن المقصود بالترعة في البيت مسيل الماء أو النهر الجاري.

يا بِنْتَ خَيْرِ النَّاسِ یا *** نِبْراسَ دَرْبِ عَقِیدتِي

أنا مِنْ لُهَاثِ الْحُزْنِ مِنْ *** خُلْجَانِ أَدْمُع أُمَّتي

أنا مِنْ خُيوطِ اللَّيْلِ مِنْ *** قَلْبِي وَ حُرْقَةِ آهَتِي

لَمْلَمْتُ قَافِيَتِي الْحَزِينَة *** كَيْ أَصُوغَ قَصِيدَتِي

أَرْثِيكِ وَ الأَلَمُ الدَّفِينُ *** يَحُزُ بُرْعُمَ مُهْجَتِي

ذِكْرَاكِ واها كَمْ تُعَذِّبُنِي *** وَ تُوجِعُ حُرْقَتِي

أوَّاهُ تُؤْلِمُنِي تَهُدُّ *** القَلْبَ تُوحِشُ عَتْمَتِي

دُنْیا مِنَ الآلامِ *** ذِكْرَاكِ و تِلْكَ فَجِيعَتِي

يا وَقْفَةٌ لَكِ قَوَّضَتْ *** أرکانَ کُلّی الطُّغْمَةِ(1)

يا وَقْفَةٌ لَكِ تَصْرُخینَ *** بِهِمْ كَصَرْخَةِ لَبْوَةِ(2)

أنا بِنْتُ (أحْمَدَ) يا *** رَعاعُ وَ لاأَبِيعُ عَقِيدَتِي(3)

ص: 241


1- الطُّغْمَة: الجماعة التي يكون أمرهم واحداً.
2- يشير الشاعر في البيت و الذي قبله إلى مواقف الزهراء سلام الله عليها من ظالميها و سالبي حقها و حق زوجها الامام علي بن أبي طالب علیه السلام. و من مواقفها في وجوههم يوم سلبوا فدك منها. فقد جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-132. «روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست أنَّت أنَّة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجَّ المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد اللَّه و الثناء عليه والصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت كلامها فقالت علیه السلام: الحمدللَّه على ما أنعم... إلى آخر الخطبة. و من مواقفها أيضاً يوم هجوم عمر بن الخطاب و جماعته على بيتها و وقوفها في وجوههم. انظر كتاب سليم بن قيس ص37، 208. و من مواقفها يوم احتجاجها على أبي بكر. انظر كشف الغمة478/1 و العوالم 631/2.
3- الرعاع: سَفَلة الناس.

فالدِّينُ لاالدُّنْيَا طَرِيقُ *** النُّورِ تِلْكَ شَرِيعَتِي

قد تاءَ زَوْرَقُكُمْ *** غَرِقْتُمْ في بحارِ الظُّلْمَةِ

فغداً جُموع الكفرِ *** أحْمِلُ لِلْإِلَهِ فَجِيعَتِي(1)(2)

ص: 242


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وقوف الزهراء علیها السلام يوم القيامة بين يدي الله و شكواها إليه ممن ظلمها و غصب حقِّها. انظر مقتل الحسين للخوارزمي 52/1 و البحار ج43 ص221. و البحار أيضاً ج43 ص219-220 نقلاً عن أمالي الصدوق.
2- هذه القصيدة نشرت في سلسلة ذكريات المعصومين بمناسبة ذكرى وفاة فاطمة الزهراء علیها السلام سنة 1386 للهجرة و كان إهداء هذه القصيدة بهذا العنوان (إلى التي أنجبت أعظم ثائر عرفه التاريخ و لازال مخلداً عبر الأجيال إلى الصديقة الطاهرة الزهراء علیها السلام).

(6) بنتُ الخلود

(بحر الخفيف)

سلمان هادي آل طعمة(*)(1)

أَيُّ ذِكْرَى تَمُوجُ بِالْحَسَراتِ *** زُخِرَتْ بِالأَنِينِ وَ الزَّفَراتِ

هِيَ ذِكْرَى حَوَتْ خِلالَ رَسُولِ اللَّهِ *** أَكْرِمْ بِهَا مِنَ الذِّكْرَياتِ

تَوَّجَتْها ذَوائِبُ المَجْدِ فَخْراً *** فَتَسامَتْ بِها عَلَى النَّرِّاتِ

فاطِمُ الطُّهْرُ زَوْجُ حَيْدَرَةَ الكَرَّارِ *** تِرْبُ العُلى، وَ سِرُّ الحَياةِ(2)

أَغْنَتِ البَائِسِينَ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ *** وَ بَاتَتْ حَيْرَى بِدُونِ فُتاتِ(3)

كَيْفَ تُطْوَى مَكارِمٌ وَ مَزَايا *** هِيَ رَمْزٌ لِلْخَيْرِ وَ البَرَكَات

كَيْفَ تُحْصَى مَاثِرٌ جَلَّلَتْهَا *** عِصْمَةُ النَّفْسِ بالتُّقى و السِّماتِ

إنّها فاطِمُ البَتُولُ وَ بِنْتُ الخُلْدِ *** يا مَنْ حَوَتْ جَمِيلَ الصِّفاتِ(4)

***

ص: 243


1- (*) مرت ترجمه الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة لما ورد في علل الشرائع ج1 ص179 ح6 عن أبي جعفر علیه السلام: قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوصى اللَّه «عز وجل» إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلی الله علیهم و آله و سلم فسماها فاطمة علیها السلام ثم قال: إني فطمتك بالعلم و فطمتك عن الطمث.
3- إشارة لما ورد في إحقاق الحق ج9 ص116 - 123 في تفسير هذه الآية المباركة:«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيراً» عن ابن عباس في نزول الآية في علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام حيث باتا جائعين و أطعما طعامهما للمسكين و اليتيم و الأسیر.
4- إشارة لما ورد في معاني الأخبار ص64 ح17 و علل الشرائع ج1 ص181 ح1 أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناكَ يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، تقول: إن مريم بتول و فاطمة بتول علیهما السلام، فقال صلى الله عليه و آله و سلم:البتول التي لم تر حمرة قطُّ أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء.

أيُّ حُزْنٍ سادَ البِلادَ عَظِيم*** باتَ فَخْرَ الْقُرونِ والسَّنوات

وَمُصابٍ هَزَّ النُّفُوسَ وَأَوْدَى*** بِابْنَةِ الظُّهْرِ فِي أَعَزِّ حَياةِ

فَإِذَا الْخَطْبُ فَادِحٌ كادَ يَغْرِي*** سَهْمُهُ في القُلُوبِ كَالْجَمَراتِ(1)

وَاللّيالِي كَئِيبَةٌ تَنْدُبُ الطُّهْرَ*** بِعَيْنٍ غَزِيرَةِ الْعَبَراتِ

تِلكَ أُمُّ الْحُسَيْنِ حَيْثُ تَوارَتْ*** بَيْنَ أَجْدَاثِ نِسْوَةٍ طاهِراتِ

سَوْفَ تَبقى ذِكرَى البَتُولِ بِقَلْبِ المَجْدِ*** تَزْدانُ بِالهَوى وَالثَّبَاتِ(2)(3)

ص: 244


1- يغري: يلتصق به ويلزمه.
2- تزدان: تتزين.
3- نشرت هذه القصيدة في سلسلة ذكريات المعصومين علیهم السلام سنة 1386ه في كربلاء المقدّسة، و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(7) بنت المصطفى علیها السلام

(بحر الطويل)

عبد الله بن عمار البرقي

إذا جَاءَ عَاشُورا تَضَاعَفُ حَسْرَتي *** لآلِ رَسُولِ اللَّهِ وَ انْهَلَّ عَبْرَتِي

هُوَ الْيَوْمُ فِيهِ اغْبَرَّتِ الأَرْضُ كُلُّها *** وُجُوماً عَلَيْهِمْ وَ السَّماءُ اقْشَعَرَّتِ

مَصائِبُ سَاءَتْ كُلَّ مَنْ كانَ مُسْلِماً *** وَلكِنْ عُيُونُ الْفَاجِرِينَ أَقَرَّتِ

إذا ذَكَرَتْ نَفْسِي مُصِيبَةً كَرْبَلا *** وَ أَشلاءَ ساداتٍ بِهَا قَدْ تَفَرَّتِ

أضاقَتْ فُؤَادِي و اسْتَباحَتْ تَجَلُّدِي*** وَ زَادَتْ عَلى كَرْبِي وَ عَيْشِي أَمَرَّتِ

أُرِيقَتْ دِماءُ الفاطِمِیِّينَ بِالْفَلا *** فَلَوْ عَقَلَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لَخَرَّتِ

أَلا بِأَبي تِلْكَ الدِّماءُ الّتي جَرَتْ *** بِأَيْدِي كِلابِ في الجَحِيمِ اسْتَقَرَّتِ

تَوَابيتُ مِنْ نارٍ عَلَيْهِمْ قَد أُطْبِقَتْ *** لَهُمْ زَفْرَةٌ فِي جَوْفِها بَعْدَ زَفْرَةِ(1)

فَشَتَانَ مَنْ في النارِ فِي جَوْفِ طَابِقٍ*** وَ مَنْ هُوَ فِي الفِرْدَوْسِ فَوْقَ الْأَسِرِّةِ

بنَفْسِي خُدُودٌ في التّرابِ تَعَفَّرَتْ *** بِنَفْسِي جُسُومُ بِالعَرءِ تَعَرَّتِ

بِنَفْسِي رُؤُوسٌ مُشرِقاتٌ عَلَى الْقَنَا *** إلى الشام تُهْدَى بارِقاتِ الْأَسِرَةِ

ص: 245


1- قال علي علیه السلام: لست بقائل غير شيء واحد، أذكركم اللَّه أيها الاربع يقول: إن تابوتاً فيه اثنا عشر رجلاً ستة من الأولين و ستة من الآخرين في جب في قعر جهنم، في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرة، فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم ذلك الجب و من حره... إلى أن (قال و في الآخرين الدجال و هؤلاء الخمسة من وهج أصحاب الصحيفة و الكتاب وجبتهم و طاغوتهم الذين تعاهدوا عليه و تعاقدوا على عداتك يا أخي و تظاهروا عليك بعدي هذا و هذا... حتى سماهم وعدهم لنا. قال سلمان فقلنا: صدقت نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم راجع كتاب سليم بن قيس ص48-49.

بنَفْسي شِفاءٌ ذابلاتٌ مِنَ الظَّما *** وَ لَمْ تُرْوَ مِن ماءِ الفُراتِ بِقَطرَةِ

بِنَفْسِي عُيُونُ غائِراتٌ شَواخِصٌ *** إِلَى المَاءِ مِنْهَا نَظْرَةً بَعْدَ نَظْرَةِ

بِنَفْسِي مِنْ آلِ النَّبيِّ خَرائِدٌ *** حَواسِرُ لم يُرْأَفَ عَلَيْهَا بِسُتْرَةِ(1)

تَفِيضُ دُموعاً بِالدِّماءِ مَشُوبَةً *** كَقَطر الْغَوادِي مِنْ مَدامِعَ ثَرَّةِ(2)

عَلى خَيْرِ قَتْلَى مِنْ كُهولٍ و فِتْيَةٍ *** مَصالِيتَ أَنْجَادٍ إِذَا الْخَيْلُ كَرَّتِ(3)

رَبيعِ اليّتامى وَ الأراملٍ في الْمَلا *** دَوارِسَ لِلْقُرْآنِ في كُلِّ سَحْرَةِ

وَ أَعْلامِ دينِ المُصْطَفَى وَ وُلاتِهِ *** وَ أَصْحَابِ قُرْبانٍ وَ حَجٌ وَ عُمْرَةِ

يُنادِينَ يا جَدَاهُ أَيَّةُ مِحْنَةٍ *** تَراها عَلَيْنَا مِنْ أُمَيَّةَ مَرَّتِ

صغائِنُ بَدْرٍ بَعْدَ سِتّينَ أَظْهِرَتْ *** وَ كانَتْ أحنّتُ في الحَشَا وَ أُسِرَّتِ

شَهِدْتُ بأن لم تَرْضَ نَفْسٌ بِهذِهِ *** وَ فيها مِنَ الإسلام مِثْقَالُ ذَرَّةٍ

كَأَنِّي بِبِنْتِ المُصْطَفَى قَدْ تَعلَّقَتْ *** يَداها بِسَاقِ الْعَرْشِ وَ الدَّمعَ أَذْرَتِ(4)

و في حِجْرِهَا ثوبُ الحُسَيْنِ مُضَرَّجاً *** وَ عَنْها جَمِيعُ العَالَمِينَ بِحَسْرَةِ

تَقُولُ: أيا عَدْلُ اقْضِ بَيْنِي وَ بَيْنَ مَنْ *** تَعَدَّى عَلَى ابْنِي بَعْدَ قَهْرٍ وَ قَسْوَةِ(5)

أَجَالُوا عَلَيْهِ بِالصَّوارِمِ وَ الْقَنَا *** وَ كَمْ جال فيهِ مِنْ سِنانٍ وَ شَفْرَةِ

ص: 246


1- خرائد: جمع الخريدة و هي اللؤلؤة التي لم تثقب.
2- الغوادي: مفردها الغادية و هي السحابة التي تنشأ غُدْوَة ثَرَّةً: غزيرةً.
3- مصاليت أنجاد: المصاليت هم الشجعان الماضون في حوائجهم، و الأنجاد: الشجعان الماضون فيما يُعْجِز غيرهم أو السريعو الإجابة إلى ما دعوا إليه.
4- إشارة لما ورد في معاني الأخبار ص396-53 و مثله في البحار ج43 ص4 ح3: سئل النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقيل يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و أين كانت فاطمة علیها السلام؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش. و في ينابيع المودة ص104 و ص260 عن علي علیه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم مع قميص مخضوب بدم الحسين علیه السلام فتحتوي على ساق العرش فتقول أنت الجبار العدل اقض بيني و بين من قتل ولدي، فيقضي الله بسنتي و رب الكعبة انظر ما ورد في فضلها في الجزء الأول.
5- هذا المضمون قد ورد عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في مصادر عديدة، و قد رواه ابن المغازلي في الحديث (91) من كتاب مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام، و الحافظ الجنابذي الحنبلي بن الأخضر المتوفى سنة (611 هجرية) في كتابه معالم العترة الطاهرة و الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين علیه السلام: ج1 ص52 و الحموئي في الباب (52) من السمط الثاني من فرائد السمطين ج2 ص265. و رواه الشيخ الصدوق بسندين في الباب (30 و 31) من كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام: ج2 ص12 و ص29 قال في الحديث من الباب (31): و حدثني أبو عبد الله الحسين الأشناني الرازي العدل ب_(بلخ) قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني عن داود بن سليمان الفراء عن علي بن موسى الرضا علیه السلام قال: حدثني أبي موسى بن جعفر علیه السلام قال: حدثني أبي جعفر بن محمد علیه السلام قال: حدثني أبي محمد بن علي علیه السلام قال: حدثني أبي علي بن الحسين علیه السلام قال: حدثني أبي الحسين بن علي علیه السلام قال حدثني أبي علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بالدم فتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل احكم بيني و بين قاتل ولدي (ثم ) قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فيحكم الله «تعالى» لابنتي علیها السلام و رب الكعبة و إن الله يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها. و رواه عنه المجلسي العظيم في سيرة فاطمة صلوات الله عليها في بحار الأنوار ج43 ص220.

عَلى غَيْرِ جُرْم غَيْر إنكارِ بَيْعَةٍ *** لِمُنْسَلِحْ عَنْ دينِ أَحْمَدَ عُرَّةِ(1)

فَيُقْضَى عَلى قَوْمٍ عَلَيْهِ تَأَلَّبُوا *** بِسُوءٍ عَذَابِ النَّارِ مِنْ غَيْرِ فَتْرَةِ

وَ يُسْقَوْنَ مِنْ مَاءِ الصَّدِيدِ إِذا دَنا *** شَوَى الوَجْهَ وَ الأَمْعَاءُ مِنْهُ تَهرَّتِ(2)

مَودَّةُ ذِي الْقُرْبى رَعَوْهَا كَما تَری؟ *** وَ قَوْلُ رَسولِ اللَّهِ: «أُوصِي بِعِترتي»(3)

فكُمْ فَجْرَةٍ قَدْ أَتْبَعُوها بِفَجْرَةٍ *** وَ كَمْ غَدْرَةٍ قَدْ الْحَقُوها بِغَدْرَةِ

هُمُ أوّلُ العادِينَ ظُلْماً عَلَى الْوَرى *** وَ مَنْ سادَ فيهم بالأذَى وَ الْمَضَرَّةِ

مَضَوْا وَ انْقَضَتْ أَيَّامُهُمْ وَ عُهُودُهُمْ *** سِوى لَعْنَةٍ باؤُوا بِها مُسْتَمِرَّةِ(4)

ص: 247


1- العُرّة: العيب و الجرم.
2- ماء الصديد: الصديد هو القيح المختلط بالدم. تهرَّت: تمزقت.
3- في ذخائر العقبى ص250 عن ابن عباس قال: لما نزل قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا...» قالوا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك الذين وجب علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام...
4- زفرات الثقلين في مآتم الحسين علیه السلام ج1 ص325 نقلاً عن الخوارزمي في فصل مراثي الحسين علیه السلام من مقتله: ج2 ص137 تحقيق الشيخ محمد السماوي مطبعة الزهراء علیها السلام في النجف -1948 و رواها المجلسي رحمه الله بزيادة ثمانية أشطار بعدها في باب مرائي الحسين من بحار الأنوار: ج5 ص280 مؤسسة الوفاء -بيروت- الطبعة الثانية 1983.

(8) مصونة وحي اللَّه

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الواحد مظفر (*)(1)

فَيَا بْنَ أَبي سُفْيَانَ كَمْ لَكَ غَدْرَةٍ *** تَناقَلها الأجيالُ في الحَفَلاتِ

وَ فَى لكَ سِبْطُ المُصْطَفَى بِعُهُودِهِ *** وَ خُنْتَ وَ لَمْ تَنْفَكَ ذا غَدَراتِ

أبُوكَ أَبُوسُفْيانَ أَفْجَرُ فاجرٍ *** وَ أنْتَ ابْنُهُ أُورِثْتَ شَرَّ صِفَاتِ

وَ إِنّ الزَّكِيَّ المُجْتَبَى شِبْهُ جَدِّهِ *** بأَخْلاقِهِ الحُسْنَى وَ خَيْرِ سِماتِ

نَفَى عَنْهُ شَيْنَ الرَّيْبِ سِبْطُ مُحَمَّدٍ *** وَ قِسْتَ وَ لَمْ تُقْلِعْ عَنِ الفَجَرَاتِ(2)

وَ تَخْدَعُ أَوْبَاشاً لَدَيْكَ تَجَمَّعَتْ *** مِن الطُّغْم بِالتَّعْلِيل في الشُّبُهَاتِ(3)

فَحَسْبُكَ أَنْ تُنْمَى لِهِنْدِ وَ إِنَّهَا *** لَآكِلَةُ الأَكْبادِ بالشَّهَواتِ

منَ النِّسْوَةِ اللاتي تُعَدُّ فَواجِراً *** مِنَ السُّكْرِ لاتَنْفَتُ في النَّشَواتِ

وَ حَسْبُ الزَّكِيّ المُجْتَبَى أَنَّهُ انْتَمَى *** لِفاطِمَةَ الزهراء بِنْتِ هُداةِ

لَها أُمَّهاتٌ طُهْرُها مُتَيَقَّنٌ *** مِنَ الزَّاكِياتِ النَّفْسِ وَ الخَفِراتِ(4)

ص: 248


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- قِسْتَ: تبخترت و اشتددت.
3- أوباشاً: سفلة الناس و أخلاطهم. الطُّغم: أوغاد الناس.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى طهارة الزهراء علیها السلام و أمها علیها السلام. ففي كتاب البحار ج16 ص80 ضمن رواية طويلة قال: «فوضعت خديجة فاطمة علیهما السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور».

أَلِفْنَ مَقاصِيرَ الحِجالِ صِيانةً *** وَ لَمْ يَخْرُجْنَ كَالنِّسوانِ مُبْتَذلاتِ(1)

وَ فاطِمَةُ الزَّهْراءُ سَيِّدةُ النّسا *** مَصُونَةُ وَحْيِ اللَّهِ في الحُجُراتِ(2)

وَ آبَاؤُهُ هَلْ تَلْقَى مِثْلَ مُحَمَّدٍ *** وَ مِثْلَ عَلِيٌّ حَائِضِ الغَمَراتِ

وَ عَمْرُو العُلى أَوْ الحَمْدِ لَمْ يَكُنْ *** كَصَخْرٍ وَ حَرْبٌ دَائِمُ الهَفَواتِ(3)

ص: 249


1- مقاصير الحجال المقاصير: النساء المحبوسات المحصنات. الحجال: أستار تضرب للعروس في جوف البيت.
2- يشير في هذا البيت إلى ما ورد في الحديث من أن الزهراء علیها السلام سيدة النساء. ففي كتاب ذخائر العقبى ص44 قال: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات سادات عالمهن مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد علیهم السلام و أفضلهن عالماً فاطمة علیها السلام. و عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون و خديجة بنت خويلد و فاطمة علیهم السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و في كتاب أسد الغابة ج5 ص522 قال: عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرَّ إليها حديثاً فبكت ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن. فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلما قبض سألتها فأخبرتني أنه أسرَّ إليَّ فقال إن جبرائيل كان يعارضني بالقرآن في السنة مرة و إنّه عارضني العام مرتين و ما أراه إلّا و قد حضر أجلي، و إنك أوّل أهلي لحوقاً بي و نعم السلف أنا لك فبكيت فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين. و ذكره ابن سعد في طبقاته ج8 ص26-27.
3- بطل العلقمي ج3 ص48 و القصيدة في غدر معاوية بالإمام الحسن (عليه الصلاة و السلام).

(9) هي الذرة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

ص: 250


1- (*) هو الأستاذ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ محمد علي بن زين العابدين الحائري. ولد في مدينة كربلاء المقدّسة سنة (1352ه_) الموافق (1933م) في ظل أسرة زاهرة بالعلم و الفضيلة و الخطابة المتجذرة في أصولها شهد لهم الولاء فكان والده الموجه الأول له. أنهى دراسته الابتدائية و المتوسطة و الإعدادية في كربلاء المقدّسة، ثم تخرج من الدورة التربوية سنة (1955م)، و عيّن معلماً في المدارس الابتدائية و رغب في إكمال تحصيله العالي فانخرط في سلك الدراسة الجامعية فدخل كلية الآداب فرع اللغة العربية بجامعة المستنصرية ببغداد و تخرّج سنة (1973م) و مارس التعليم فترة طويلة ثم أحيل على التقاعد. و المترجَم له ولع بقرض الشعر منذ أوائل الخمسينات حيث بدأ محاولاته الشعرية عمودياً ملتزماً أوزان الخليل، و من هواياته المفضلة مطالعة الآداب العالمية عامة و التربوية خاصة فهو لايفتر عن قراءة النقد الأدبي و ترجمة الأشعار عن اللغات الشرقية و الانكليزية بتصرف. عُرف المترجم له بالعمق الفكري و النظر الصائب إلى الحياة و لم تشغله متاعب التدريس عن قرض الشعر و المطالعة، فقد أظهر نشاطاً ملموساً في ذلك حيث شارك في المناسبات الدينية التي تعقد في كربلاء المقدّسة مشاركة جادة فضلاً عن مساهمته في نشر العديد من القصائد في الصحف و المجلات. و شاعرنا يجنح إلى الالتزام بالأدب الواقعي المعبرِّ عن الحالة الاجتماعية و عوامل التراث و التاريخ لما لذلك من أثر في رفد العطاء الإنساني و الأدبي العربي. آثاره الأدبية: 1- أغنيات في سهر شهرزاد -شعر- صدر سنة (1986). 2- قناديل في أروقة الليل -شعر- مخطوط. 3- الركب الضائع -شعر- مخطوط. 4- ترجمة كاملة لرباعيات الخيام عن الفارسية -مخطوط. و يتصف شعر الحائري بالرصانة و المحافظة و حسن السبك و إشراقة الديباجة و انتقاء الكلمة المؤثرة، و ينزع في نظمه إلى اتباع الطريقة التقليدية، و هو مكثر يكتب بدماء قلبه و وجدانه و عواطفه، و له في الأغراض الشعرية قصائد و مقتطفات رائعة. يعيش أحداث وطنه و يترجم أماني شعبه وآماله و يعبر عنها بشعر صادق، و هذا الضرب من الشعراء أصحاب قضية و قضيتهم دائماً كانت الشعب.

أَفِيءُ إلى النَّفْسِ الَّتي مَا اسْتَقَرَّتِ *** إِذَا احْتَدَمَتْ في خَمْرَةِ الْيَأْسِ آهَتِي

أُنَهْنِهُ مِنْ مَوْحِ الذُّنونِ وَ أَلْتَجِي *** إلى ساحِلٍ تَرْسُو بِهِ وَكْفُ عَبْرَتِي

فَيا لَكِ مِنْ بَلوى مُرَّ مَذاقها *** إذا ما لُباناتُ النُّفوسِ اسْتَفَزَّتِ(1)

وَ يَا لَكِ مِنْ ذِكْرَى تَحُطُّ بِكَلْكَلٍ *** عَلى جُرْحِ مَسْلُوبِ الْفُؤادِ مُشَبَّتِ(2)

فَتَحْتُ لَهَا كُلَّ الْكُوَى فَتَدَفَّقَتْ *** بِأَسْخَنَ مِنْ نارِ الْمُعاناة مُقْلَتِي

وَ رُحْتُ أرى الزهراء في عوالِمٍ *** مِنَ الرّوح تَسْتَغْشِي دِنَارَ رَزِيَّةِ

علَى المُجْتَبَى حَطَّتْ يَمِيناً وَ أَسْنَدَتْ *** حُسَيْناً إِلى سَمْتِ الشّمالِ وَلَزَّتِ(3)

خُطاوى رَسولِ اللَّهِ شَرْوَى الْخُطى بها *** وَ رَيَّا رَسُولِ اللَّهِ فِي كُلِّ نَفْثَةِ

مُحَرَّقَةُ الأَنْفاسِ وَ الِهَةُ الْخُطَى *** تَهَضَمَها رَيْبُ الزَّمانِ بِعَسْفَةِ

وَ جَشَّمَها مَوْتُ النَّبِيِّ فَوادِحاً *** مِنَ الْخَطْبِ سُدَّتْ دُونَها كُلُّ وِجْهَةِ

هِيَ الدُّرَّةُ الزَّهْراءُ كانَتْ وَ لَمْ تَزَلْ *** تَغَوَّلَهَا الغَوّاصُ فِي بَحْرِ ظُلْمَةِ(4)

وَطَيُّ غَيابَاتِ الصُّدورِ عَوالِمٌ *** مِنَ الدُّجْنِ تُخْفِي مِنْ شُمُوسِ الحَقِيقَةِ

وَ عِنْدَ مَجَسَاتِ اللَّهِي تَعْمُرُ النُّهى *** وَ تَهْوَى إلى الدُّنيا مَعاييرُ قِمَّةِ(5)

وَ إِنَّكَ إِلَّا تَرْتَفِعُ بِقَوادِمٍ *** مِنَ الْخُلْقِ لَمْ تَسْمُقُ إلى ظَهْرِ قُلَّةِ(6)

ص: 251


1- لُبانات: مفردها اللُّبانة و هي الحاجة من غير فاقة بل من همةٍ.
2- الكلكل: الصدر.
3- لَزّت: شَدَّتْ و ألصقتْ و ألزمتْ.
4- تَغوّلها: أهلكها أو ضَلَّلَها.
5- مجسَّات اللهى: المجسّة موضع اللمس و اللُّهى أفضل العطايا و أجزلها أو الحفنة من المال.
6- لم تسمق: لم تَعْلُ. و كلمة (إلا) في الشطر الأول في البيت أصلها إن لا.

أَتُنْتَزَعُ الزَّهْراءُ مِنْ حُرِّ ارْثِها *** بِمَرْعُمَةٍ لِيثَتْ عَلَى كُلِّ ظَنَّةِ(1)

وَ كانَ سُلَيْمَانُ لِدَاوُدَ وارثاً *** كَما فَنَّدَتْ خَيْرُ النسا رَثَّ حُجَّةِ(2)

وَ يَا بْنَةَ خَيْرِ الْوارِثِينَ مُحَمَّدٍ *** نَبيَّ الهُدى وَرَتْتِ مِنْ فَيْءٍ جَنَّةِ

قصارٌ لَيالِيكِ التي كُنَّ بَعْدَهُ *** كَذاكَ قَصِيراتٌ لَيالِي الْأَهِلَّةِ

وَآيَاتُ طُهْرٍ فِيكِ بِالذِّكْرِ نُزِّلَتْ *** وَ آلُكِ نَشْوَى مِنْ عَبِيدِ الْفَضِيلَةِ(3)

ص: 252


1- الحرُّ: الخيار و الأعتق و الطيب من كل شيء. ليثت: صارت كالليث أي غلبت. و في البيت إشارة إلى انتزاع أبي بكر إرث الزهراء علیها السلام و دعواه أنه سمع من رسول الله صلي الله علیه و آله سلم أنه قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة. و قد جاء تخريجه في بائية الإحسائي عن عوالم العلوم ج2/11 ص626 نقلاً عن مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300. و في كتاب مسند أحمد أيضاً ج1 ص13 قال عمر: حدثني أبوبكر و حلف بأنه الصادق علیه السلام أنه سمع النبي صلي الله علیه و آله و سلم و يقول: (إن النبي لا يورث وإنما ميراثه في فقراء المسلمين و المساكين).
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ردّ الزهراء علیها السلام على ما زعمه أبوبكر من أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث و تفنيد دعواه في عدم الإرث. كما ورد عن كتاب كشف الغمة ج1 ص478. قال: عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال علي لفاطمة علیها السلام: انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فجاءت إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، قال: النبي لا يورث. فقالت علیه السلام: ألم يرث سليمان داود؟ فغضب و قال: النبي لايورث فقالت علیه السلام: ألم يقل زكريا: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سوره مریم، الآیتان:5-6]. فقال : النبي لايورث. فقالت علیه السلام: ألم يقل الله: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» [سورة النساء الآية: 11]. فقال: النبي لايورث.
3- يشير الشاعر هنا إلى ما جاء من آيات في حق الزهراء «سلام الله عليها» منها ما جاء في كتاب تفسير العياشي ج1 ص177 عن عامر بن سعد قال لما نزلت آية المباهلة : «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» [سورة آل عمران الآية: 61] أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، قال: هؤلاء أهلي.» و منها ما جاء في تفسير الكشاف للزمخشري ج3 ص467 في قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية : 23] قال: «إنها لما نزلت قيل يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام». و قوله تعالي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب، الآية: 33] عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت في خمسة: في رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، أخرجه أحمد في مناقبه و أخرجه الطبراني». ذخائر العقبى ص24 نقلاً عن كتاب بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص33. و انظر تفسير العياشي ج1 ص128. و كتاب البحار ج43 ص65 و ص23. و كثير غيرها.

هنيئاً لَكِ البَيْتُ الْمُوَظَدُ رُكْنُهُ *** نَماهُ رَسولُ اللَّهِ فِي كُلِّ لِبْنَةِ

سُرادِقُ مِنْ مَجْدٍ يَطَالُ عَمُودُهُ *** سَنا الْفَجْرِ إِنْ عمَّتْ دَيَاجٍ وَ جَنَّتِ

وَ بَحْرٌ مِنَ الإِيمَانِ طَامِ عُبابُهُ *** إذا نَضَبَتْ كُلُّ البُحُورِ وَ جفَّتِ(1)

ص: 253


1- طامٍ عُبابُهُ: حَسَنٌ موجه.

(10) اختلف الرواة

(بحر الوافر)

الشيخ كاظم آل نوح

أبا الزهراءِ قَدْ عُقِدَتْ عَلَيْنَا *** لإخراج الوصيِّ مُؤَامراتُ

و أُخْرِجَ مُرْعَماً لعَمِيدِ تَيْمٍ *** أَتَرْضَى أَهْلُهُ وَهُمُ الأَبَا(1)؟

فَأَيْنَ مَضَوْا وَ قَدْ أَخَذُوا ابْنَ عَمِّي *** أَأَيْقَاظٌ هُمُ أَمْ هُمْ سُبَاتُ(2)؟

فَلَيْتَ أَبَا عِمَارَةَ(3)كَانَ حَيّاً *** وَ جَعْفَرَ أَيْنَ مَنْ قُتِلُوا وَ مَاتُوا؟

خرجتُ وَرَءَاهمْ ودُموعُ عَيْنِي *** تَهلُ كَمَا نَهِلُ الغَادِيَاتُ(4)

ص: 254


1- جاء في كتاب «سليم بن قيس» ص37 / قسم الدراسات الإسلامية -مؤسسة البعثة- طهران: «... فقال أبوبكر لقنفذ: أرجع فإن خرج و إلّا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار. فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه ،و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً و حالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله»، ثم انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح».
2- سُبات: أول النوم.
3- أباعمارة : حمزة بن عبد المطلب.
4- الغاديات: جمع غادية و هي السحابة. تهل: تدمع و البيت الذي يليه في «المناقب» ج3 ص339 ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم. «... إنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لأن لم تخلوا لأنشرنَّ شعري و لأضعنَّ قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى الله «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي...». و انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص47.

وَ صِحْتُ بِهِمْ أَلَا خَلُوا ابْنَ عَمِّي *** فَهَلْ لَكُمُ عَلَى زَوْجِي تِراتُ(1)

فَخَلّوا عَنْهُ ثُمَّ قَصَدْتُ دَارِي *** وَ وِلْدُكَ و البَنَاتُ مُروعَاتُ

وَ بَعْدَكَ قَدْ أَهانُونَا و إِنَّا *** بَقِيْنا لاتطيبُ لنَا الحَيَاةُ(2)

وَ حِيْنَ قَضَتْ وَ جَهَزَهَا عَلِيٌّ *** وَ عَفَى قَبْرَهَا وَ هُمُ سُبَاتُ(3)

وَ لَمَّا أَصْبَحُوا سَمِعُوا بِدَفْنِ *** البَتَولِ وَضَمّ هَيْكَلَها الرُّفَاتُ(4)

وَ مَا عَرَفُوا مكانَ القَبْرِ حَتَّى *** لِهَذَا اليَوْمِ و الخْتَلَفَ الرّواةُ(5)

ص: 255


1- تِرات: جمع تِرَة و هي هنا الثأر.
2- في «بحار الأنوار» ج43 ص176 ضمن ح15. «...انقلبت بعدك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم الأسباب و تغلقت دوني الأبواب فأنا للدنيا بعدك قالية و عليك ما تردَّدت أنفاسي باكية لاينفد شوقي إليك و لاحزني عليك... ثم نادت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أنقطعت بك الدنيا بأنوارها وزوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة فقد إسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أصبحت الناس عنا معرضين و لقد كنَّا معظمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لاتنهمل...».
3- في كتاب» «الأمالي» للشيخ المفيد ص281 ط/ جماعة المدرسين -قم ح7 المجلس الثالث و الثلاثون: «...لما مرضت فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم وصَّت إلى علي علیه السلام أن يكتم أمرها و يخفي خبرها و لايؤذن أحداً بمرضها علیها السلام ففعل ذلك و كان يمرّضها بنفسه و تعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها الله علیه) على إستسرار بذلك كما وصَّت به فلمّا حضرتها علیها السلام الوفاة وصَّت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفي قبرها فتولى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها و عفى موضع قبرها فلمّا نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه...». «أمالي الطوسي» ص107 ط/ مؤسسة الوفاء -بيروت، و «بحار الأنوار» ج43 ص210-211 ح40.
4- الرفات: الحطام أو كل ما تكسر و بلي و هو هنا القبر أو التراب.
5- في «دلائل الإمامة» ص46 ط الثالثة/ منشورات الرضا علیه السلام -قم: «و صلّى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلّى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها في الروضة و عفي موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة مدفنها فيه أربعون قبراً جديداً و لمَّا علم المسلمون بوفاتها جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً فأشكل عليهم قبر من سائر القبور. فَضَجَّ الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا: لم يخلف فيكم نبيكم إلاّبنتاً واحدة علیها السلام تموت و تدفن و لم تحضر وفاتها و لادفنها و لاالصلاة عليها علیها السلام بل و لم تعرفوا قبرها فقال ولاة الأمر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نعين قبرها فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد أحمرت عيناه و درت أوداجه و عليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة و هو يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى أتى البقيع فسار إلى الناس من أنذرهم و قال هذا علي قد أقبل كما ترونه و هو علیه السلام يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الأمرين فتلقاه الرجل و من أصحابه و قال له علیه السلام: ما لَكَ يا أباالحسن علیه السلام والله لننبشنَّ قبرها علیها السلام و نصلي عليها علیها السلام فأخذ علي علیه السلام بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض و قال: يابن السوداء أما حقي فقد تركته مخافة إرتداد الناس عن دينهم و أما قبر فاطمة علیها السلام فوالذي نفس علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فافعل يا ثاني وجاء الأول و قال له يا أبا الحسن علیه السلام بحق رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بحق فاطمة علیها السلام إلا خليت عنه فإنا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه فخلّى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك».

فَهَلْ دُفِنَتْ بِحُجْرَتِها بِلَيْلٍ *** وَ هَلْ ضُمَّتُ بجُنّتِها الفَلاةُ(1)؟

وَ هَل دُفنَتْ بِقُربِ مِنْ أَبِيْها *** بِقَبْرِ وَ القُبُورُ مُجَدّداتُ(2)؟

و هَلْ ضَمِّ البَقِيعُ لَها وَ هَذا *** يُعَرِّفُنا بِمَا فَعَلَ الجُفَاةُ(3)؟

وَ هَذَا يُلْفِتُ الأَنْظَارَ فِيْمَا *** أَصَابَ مِنْ ابْنِةِ الهَادِي الْجُنَاةُ(4)

ص: 256


1- الفلاة: الصحراء.
2- في «إعلام الورى» ص152 ط الثالثة/ دار الكتب الإسلامية: «و أما موضع قبرها فاختلف فيه: فقال بعض أصحابنا: إنها دفنت بالبقيع و قال بعضهم: إنها دفنت في بيتها فلما زادت بنوأمية في المسجد صارت في المسجد و قال بعضهم: إنها دفنت فيما بين القبر و المنبر و إلى هذا أشار النبي الله بقوله: ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة و القول الأول بعيد و القولان الآخران أشبه و أقرب إلى الصواب فمن استعمل الإحتياط في زيارتها زارها في المواضع الثلاثة.» و انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص1117 ح18.
3- الجفاة: جمع جاف، القاسي القلب.
4- الجناة: جمع جانٍ، القائم بالاعتداء.

(11) ماذا أقول

(بحر الكامل)

السيد محمد كاظم الكفائي

لاقَيْتُ مِنْ دَهْرِي وَ مِنْ صَدَمَاتِهِ *** حُزناً أَذابَ القَلْبَ فِي حَمَلاتِهِ

وَ رَجَعْتُ أَهْتِفُ لاأرى لِي مُصْغِياً *** يُطْفِي فُؤادِي مِنْ سَنَى لَهَبَاتِهِ

فَبَقِيتُ أَخْضَعُ لِلزَّمانِ وَ فِعْلِهِ *** أَبَدَ الزَّمانِ أُجُورُ مِنْ سَطَواتِهِ

لاتَهْدَأُ الأَرْواحُ مَهُما صَعَّدَتْ *** زَفَراتِها فَالقَلْبُ فِي زَفَراتِهِ

فَاخْضَعْ لِدَهْرِكَ في حَياتِكَ كُلِّها *** وَ احْذَرُ إِذَنْ يا صاحِ مِنْ وَ ثَبَاتِهِ

فالدَّهْرُ يَرْفَعُ لِلَّئِيمَ مَنازِلاً *** وَ تَرَى الْكَرِيمَ يَئِنُّ مِنْ نَكَباتِهِ

يا صاحِ قِف وَانْدُبْ بِصَوْتِكَ حَیْدَراً *** إِنْ كُنتَ مِمَّنْ يَنْتَمِي لِهواتِهِ

إن كُنتَ مِمَّنْ يَعْرِفُ النُّورَ الَّذِي *** يَرْنُو إليهِ القَلْبُ فِي ظُلُماتِه

إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ حَيْدَرَ أَفْضَلُ الباقِينَ *** فِي وَ ثَباتِهِ و ثباتِهِ(1)

فَانْظُرُ إلَى الدَّهْرِ المَشُومِ وَ حُكْمِهِ *** وَ انْظُرْ مَلِيكاً خاضعاً لِعُصاتِهِ

عشرين عاماً ثُمَّ خَمْساً بَعْدَها *** أَضحى يُلاقِي الحُزنَ في سَنَواتِهِ

قَدْ أَنْكَرُوا الحَقَّ الذِي أَمْسَى لَهُ *** وَ نَوَوْا عَلى إيذائِهِ بِحَياتِهِ

يَوْمُ بهِ انْقَلَب الأنامُ جَمِيعُهُمْ *** فِي نِيَّةِ وَ الْمَرْهُ فِي نِيَّاتِهِ

قَدْ أَظْهَرُوا ذاكَ الصَّلالَ وَ أَظْهَرُوا *** حِقْداً تَوارَى الْغَدْرُ في طَيّاتِهِ

وَ لَقَدْ بَدا ذاكَ النّفاقُ بِقَوْلِهِمْ *** هَجَرَ النَّبِيُّ اليَوْمَ في كَلِماتِهِ

ص: 257


1- وثباته: نهضاته و قياماته.

وَيْلٌ لَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ وَإِنَّهُ *** حَيٌّ فَلاقَى الغَدْرَ فِي سَكَراتِهِ

وَيْلٌ لَهَا مِنْ أُمَّةٍ مَلْعُونَةٍ *** قَدْ أَجْمَعَتْ في الكُفْرِ قَبْلَ مَمَاتِهِ

هذا يَقُولُ قَضَى مُحَمَّدُ فَانْهَضُوا *** لِيُحَقِّقَ الإِنْسَانُ مِنْ رَغَباتِهِ

وَ لَقَدْ غَدَا الثَّانِي يُكَذِّبُ مَوْتَهُ *** وَ يَقُولُ لَمْ يَمُتِ النَّبِيُّ بِذَاتِهِ

وَ المُرْتَضَى جَاتٍ يُشاهِدُ أُمَةً *** ضَلَّتْ فَتَنْدَى الْأَرْضُ مِنْ عَبَراتِهِ

يَوْمٌ لَعَمْرُكَ ما رَأَيْنَا مِثْلَهُ *** طالَ الضَّلالُ بهِ بِشَرُ طُغَاتِهِ

يَوْمٌ لَعَمْرُكَ ما رَأَيْنَا مِثْلَهُ *** كُلِّ يَئِنُّ الْيَوْمَ مِنْ وَيُلاتِهِ

كُلُّ الذي لاقَتْهُ شِيعَةُ حَيْدَرٍ *** مِنْ يَوْمِهِمْ هَذا وَ مِنْ حَرَكاتِهِ

يَوْمُ السَّقيفَةِ يَوْمُ شَرِّ قَدْ بَدا *** فَوْقَ الْمَلأ، أَللَّهُ مِنْ ساعاتِهِ

يَوْمٌ بِهِ الدِّينُ القَويمُ تَضَعْضَعَتْ *** أَرْكَانُهُ وَ تَزَلْزَلَتْ بِعِدَاتِهِ

قَلَبُوا الحَقِيقَةً يَوْمَ مَوْتِ نَبِيِّهِمْ *** فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا آيَاتِهِ

ماذا أَقُولُ وَ فِي لِساني شَوْكَةٌ *** لايَسْتَطِيعُ النُّطْقَ فِي كَلِماتِهِ

ماذا أقولُ وَكُلُّ قَلْبِي حَسْرَةٌ *** تَنَقَطَعُ الأَحْشَاءُ مِنْ جَذَواتِهِ(1)

إنْ قُلْتُ إِنَّ الظُّهْرَبِنْتَ مُحَمَّدٍ *** ظُلِمَتْ بِهذَا اليَوْمِ فِي غَدَواتِهِ

وَ أَقُولُ إِنَّ الطُّهْرَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ *** أَمْسَتْ تَئِنُّ الْيَوْمَ مِنْ ضَرَباتِهِ

لَمّا أتاها السَّامِرِيُّ لِبَيْتِها *** وَ الْحَمْلُ أَسْقَطَهُ عَلَى عَتَباتِهِ(2)

وَعَدَوْا عَلَى الكَرَّارِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ *** قَيْدُ الْوَصِيَّةِ ناءَ مِنْ حَلَقاتِهِ

قادُوهُ قَهْراً وَ هُوَ سَيْدُ جَمْعِهِمْ *** وَ نَسُوا إمامَ الحَقِّ في سطواتِهِ

لَوْلَا الوَصِيَّةُ ما اسْتَطَاعَ بَغِيُّهُمْ *** يَدْنُو إِلَيْهِ يَقُودُه لِطُغَاتِهِ(3)

ص: 258


1- جذواته: جمراته الملتهبة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و البيتين اللذين قبله إلى ما أصاب الزهراء «صلوات الله عليها» المصائب و المحن جراء سلب الخلافة من الامام علي علیه السلام یوم السقیفة. فاغتصاب فدك و حرق بيتها وكسر أضلاعها و إسقاط جنينها و ما جرى عليها يرجع كله إلى ذلك اليوم.
3- كتاب الزهراء علیها السلام، للكفائي ج2 ص5.

(12) من وحي يومك

(بحر الكامل)

الأستاذ منذر الساعدي

مِنْ وحيِ يومِكِ انتقي كلماتِي *** يا فاطمُ الزهراءُ يا مولاتِي

هانت جرِاحي فيكِ حتى زغردَتْ *** و تفتّتتْ من صيحةٍ آهاتي

ضاءَ الوجودَ سراج مولدكِ الذي *** كالشمس عادَ يضُيءُ في الجنباتِ

و يضوّعُ الزهرَ النديِّ بمرجِهِ *** و الطيرُ يطلقُ أجملَ النَّبَراتِ

يا بضعةَ الهاديِ و سلوةَ روحِهِ *** فجرتُ شعري و انتضيتُ دواتي

في يومك المهيوبِ خُطَّت أسطرٌ *** في خافقِي فتدَّفقتْ نفحاتِي

أتلوكِ هذا الشعرَ فهو خلاصةٌ *** لمحبَّتي و هو الرحيقُ لذاتي

أنا في محبَّتِكِ ارتديتُ كرامةً *** و حسوتُ شهداً طيِّبَ الدفقاتِ

و نضوتُ صبركِ فهو أحسنُ مدرعٍ *** في لجةِ الأحداثِ و الأزماتِ

(يا خيرامِّ) للنبيِّ و قالها *** أُمي البتول بأحلَكِ الساعاتِ

قال الرسولُ بفاطمٍ هي بِضْعَتِي *** و سرورِّ قلبي و ابتهاجُ حياتي

يؤذي فؤادي من نَوَى إيذاءها *** فغداً سيُحرَمُ من شفيعٍ آتِ

و يسرِّني من ذالفاطمةٍ أتى *** يُبدي الولاءَ بأروعِ الوَقَفاتِ

هذي ولادتُكِ الجميلةُ أشرقتْ *** كالنورِ يمحُو دامسَ الظُّلُماتِ

هذي ولادتُكِ أسرَّتْ خاطراً *** أمسى حزيناً باهِتَ القَسَماتِ

لكنّما تبدو المصيبةُ كلُّها *** فيها و ننحى نحنُ للعَبَراتِ

نلهُو قليلاً و السرورُ يحيطُنا *** و إذا بنا فِي أتعسِ اللحَظاتِ

ص: 259

لما تذكَّرنَا الولادةَ بالضَّنى *** و الضلعُ يشكُو قسوةَ الضرباتِ

و البابُ و المسمارُ حين تحدّثا *** قد أجّجا الآلامَ كالحجراتِ

حتی نسينا أننا بولادةٍ *** علويةٍ شعَّت على الفَلَواتِ

لكنَّ آلامَ البتولِ عديدةٌ *** تطغى على الأفراحِ و البَسَماتِ

فتشفَّعِي لِمَنِ ارتجاكِ بهمَّه *** فذنوبُهُ عَطَتْ على الحَسَناتِ

أنتِ لنا يومَ الجزاءِ شفيعةٌ *** فلقَدْ بُلِينا اليومَ بالزلآتِ

ص: 260

(13) يا بنت خير الذرى علیها السلام

(بحر المتقارب)

الأستاذ ناجي داود الحرز

ثمانٌ و عشرٌ من السنوات *** أضاءَتْ بعمرك عمر الحياةْ

أفاطمُ يا أُمَّ خيرالبنين *** و يا بنت خيرِ الذُّرى الشامخاتْ

من الخُلد موهبة للنبيِّ *** براكِ الإلهً العظيمْ الهباتْ

فلّما تفتحتِ كالزّهر في *** الرياضِ الإلهيةِ المشمساتْ

تلقّيتِ من نورِ طه أبيكِ *** الشّعاعَ الذي أخجلَ النيِّراتْ

فكنتِ المنارةَ للسالكين *** على منهج الحقِّ درب الحياةْ

و كنتِ الهداية للمهتدين *** و كنتِ الدليل لَركبِ الهداةْ

***

و أسقتكِ أمُّكِ بنتُ الحنيفِ *** لبانَ التعالِي عن المغرياتْ

و صاغتكِ للطهرِ رمزاً آغارَ *** قلوبَ الملائكِ في الصَّومعاتْ

فكنتِ يداً فصلت بالعفافِ *** و حاكت رداءَ التُّقى للبناتْ

و كنتِ الجمالَ و كنتِ الكمال *** و كنتِ السّعادةَ للمؤمناتْ

***

و لما تنزَّلَ أمرُ اصطفائِكِ *** زوجاً لخير فتيِّ فتاةْ

توسّطتِ بينَ عليّ و أحمدَ *** تستلهمينَ دروسَ الحياةْ

فنلتِ من الهَدِي مالم ينلَهُ *** و ما لم يصلهُ جميعُ الرواةْ

ص: 261

فكنتِ السحابَ الثقال الذي *** تفجَّرَ في لهواةِ الصداةْ

***

و في روحِ شبليكِ ذبتِ الفداء *** فشبّا كما تنهضُ العاصفاتْ

فكنتِ انتفاضَة جذرِ السلام *** الذي علَّم الأرض هزَّ الطغاةْ

و كنتِ المعينَ الذي أورقتْ *** على ضفتيهِ سيوفُ الأباةْ

***

حنانكِ خيرَ نسا العالمين *** من الأوليات إلى الأخرياتْ

فماذا عسى قائلٌ أن يقولَ *** و أنتِ تجاوزتِ كلُّ اللُّغاتْ

هو الصمتُ في حضرةِ الخالدين *** مجالٌ فقد ضاقت المفرداتْ

***

ص: 262

(14) من مخبر الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ يوسف البحراني (*)(1)

ص: 263


1- (*) هو الشيخ يوسف أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور البحراني، ولد في قرية الماحوز بالبحرين سنة (1107ه) ثم هاجر إلى كربلاء المقدّسة و هو من أفاضل علمائنا المتبحّرين وله شخصية فذة و يعدّ من زعماء الطائفة الإمامية. كان والده الشيخ أحمد أجلّة تلامذة شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي، و كان عالماً فاضلاً محققاً مدققاً مجتهداً كثير التشنيع على الاخباريين كما صرح به ولده شيخنا المذكور في إجازته الكبيرة و كان هو قدّس سره أولاً اخبارياً صرفاً، ثم رجع إلى الطريقة الوسطى، و كان يقول: إنها طريقة العلامة المجلسي صاحب البحار. المترجَم له أخذ علومه و معارفه من والده طاب ثراه، ثم من العالم الجليل الشيخ حسن الماحوزي و الشيخ أحمد بن عبد الله البلادي و غيرهما. له مؤلفات نافعة نذكر في مقدمتها: 1- موسوعة (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) طبع مرات عدة. 2- الدرر النجفية. 3- سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد؛ ردّ به على شرح النهج. 4- الشهاب الثاقب في معنى الناصب. 5- جليس الحاضر و أنيس المسافر المعروف ب_ (الكشكول). 6- الأربعون حديثاً في مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام استخرجها من كتب أبناء السنة و الجماعة. 7- لؤلؤة البحرين . و قيل إن عدد مؤلفاته أكثر من 45 مؤلفاً. ودع الحياة عن عمر ناهز الثمانين كرَّسه لخدمة العلم و الدين و في تدوين الفقه و فروعه و أصوله و جمع شتات أحاديث أئمة أهل بيت الوحي «صلوات الله و سلامه عليهم». لبى نداء ربه بعد زعامة دينية امتدت زهاء عشرين عاماً. توفي بكربلاء ظهر السبت في 4 ربيع الأول سنة (1186ه_) و هرعت كربلاء المقدّسة يوم لتشييعه، و كان ذلك اليوم مشهوداً في تاريخ كربلاء، و دفن بالحائر الشريف في الرواق الحسيني الأطهر عند أرجل الشهداء، و أقيمت له الفواتح في كربلاء المشرّفة و سائر البلاد الشيعية، و أول من أقام له الفاتحة تلميذه الاكبر السيد محمد مهدي بحر العلوم (قدس سره).

بَرْقٌ تَأَلَّقَ بالحِمَى لِحُماتِها *** أَمْ لامِعُ الأَنْوَارِ في وَجَناتِها

وَ عَبِيرُ نَدٌ عَطَّرَ الأکوانَ أَمْ *** ذا عَنْبَرٌ أَهْدَتْهُ مِنْ نَفَحاتِها(1)

أَكَرِيمَةَ الحَسَبَيْنِ هَلْ مِنْ زَوْرَةٍ *** تَشْفِي الْمُعَنَّى مِن عَنا حَسَراتِها(2)

شاب العِذارُ وَ لَمْ تَشُوبُوا هَجْرَكُمْ *** مِنْهَا بِشَيْءٍ لا وَ لابِعِداتِها(3)

جُودوا وَ لَوْ بالطَّيْفِ إِنَّ خيالَكُمْ *** يُطْفِي مِنَ الأحْشا لَظَى لَهَباتِها

قُمْ يَا خَلِيلُ فَخَلِّ عَنْ تِذْكَارِهِمْ *** وَ احْبِسْ سَخِينَ الدَّمعِ مِنْ عَبْراتِها

يا هَلْ رَأَيْتَ مُتَيَّماً تَمَّتْ له *** في هذِهِ الدُّنْيا سِوَى نَكَباتِها؟

وَ أَعِدْ عَلَيَّ حديثَ وَقْعَةِ نِينَوَى *** وَ لَواعِجَ الأَشْجَانِ فِي ساحاتِها

لِلَّهِ أَيَّةُ وَقْعَةٍ لِمُحَمَّدٍ *** في كَرْبَلا أَرْبَتْ عَلى وَقَعَاتِها

ضَرَبَتْ عِرانَ الذُّلِّ فِي أَنْفِ الْهُدَى *** فَغَدا يُقادُ به بَنُو قاداتِها(4)

للَّهِ مِنْ يَوْمِ بِهِ قَدْ نُكْسَتْ *** تِلْكَ الكُمَاةُ الصِّيدُ عَنْ صَهَواتِها

مَنْ مُخْبِرُ الزّهراءِ أَنَّ حُسَيْنَها *** طُعْمُ الرَّدى وَ العِزُّ مِنْ ساداتِها

أثَرَى دَرَتْ أَنْ الحُسَيْنَ عَلَى الثّرى *** بَيْنَ الْوَرى عَارٍ عَلى تَلَعَاتِها(5)

وَ رُؤُوسُ أَبْناها عَلى سُمْرِ الْقَنَا *** و بناتُها تُهدى إلى شاماتِها

يا فاطِمُ الزَّهْراءُ قُومِي وَ انْدُبِي *** أَسْراكِ في أشراكِ ذُلِّ عِداتِها

ص: 264


1- الندِّ: عودٌ يُتَبَخَّر به.
2- زَوْرَة: المرّة من زار. المُعَنِّى: الذي أوذي و كُلّف بما يشقّ عليه.
3- العِذار: جانب اللحية أي الشعر المحاذي للأذن.
4- العِران: عودٌ يُجعَل في أنف البعير.
5- تلعاتها: ما علا من الأرض أو ما سفل من الأرض، و المفرد تَلْعَة.

يا عَيْنُ جُودِي بِالبُكاءِ و ساعِدِي *** سِنَّ النِّساءِ عَلى مُصابٍ بَناتِها

نَفْسٌ تَذُوبُ وَ حَسْرَةٌ لاتَنْقَضِي *** وَجَوّى عَراها مُدَّ في سنواتِها

هذي المَصائِبُ لايُدَاوَى جُرْحُها *** إلا بِسَكْبِ الدَّمْعِ مِنْ عَبَراتِها

إنّي إذا هَلَّ المُحَرَّمُ هاجَ لي *** حُزْناً يُذِيقُ النَّفْسَ طَعْمَ مَماتِها

يا يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَمْ لكَ لَوْعَةٌ *** تَتَفَقَّتُ الأكبادُ مِنْ صَدَماتِها(1)

ص: 265


1- و القصيدة في الحسين علیه السلام و عدد أبياتها 56 بيتاً. أنيس المسافر ج2 ص51.

ص: 266

قافیة الثاء

اشارة

ص: 267

ص: 268

(1) فابكِ البتول علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

إن كُنتَ تَطْلُبُ مَاتَماً وَ مَراثِي *** فَابْكِ الْبَتُولَ سَلِيبَةَ المِيراثِ(2)

ص: 269


1- (*) هو الشيخ صالح ابن الشيخ عبد العالي بن محمد الطرفي من أسرة مشايخ بني طرف الكرام. ولد عام 1353ه_ - 1934م في البستان مدينة من توابع الاهواز الايرانية. نشأ نشأة دينية في ظل والده المرحوم الشيخ عبد العالي الطرفي، فدرس في مدارس البستان حتى أكمل الصف الرابع الابتدائي فهاجر مع والده إلى النجف الاشرف بصحبة أخويه الشيخ مهدي و الشيخ حسين من أجل طلب العلم فأخذ دروسه العلمية في الحوزة مثل النحو و الصرف و الفقه و الاصول، و بعد أربع سنين رجع إلى ايران و أقام في قم المقدّسة لتكميل مراحل الدراسة حتى أنهى السطوح و حضر دروس الخارج عند أساتذة الحوزة منهم آية الله السيد علي الغاني و آية الله الشيخ هاشم الآملي، و واصل درس الخارج في الأهواز عند آية الله الشيخ محمد الكرمي. و أخيراً استقرّ في الاهواز، فواصل مسؤولياته الدينية و الاجتماعية و للشيخ الطرفي منجزات موفقة حيث جدّد بناء مسجد في الاهواز، و أسس مسجداً آخر، و يقيم فيه صلاة الجماعة. و أيضاً شكّل لجاناً في كثير من المساجد لتدريس القرآن الكريم و تفسيره و إلقاء الخطب النافعة في الوعظ و الارشاد و تعليم الناس ما يهمهم من المسائل الشرعية، و قد عرف شيخنا الطرفي بقضاء الحوائج للمحتاجين بالأخص مع أرحامه و أقربائه، كما أعدّ جماعة من الشعراء في اللغة الدارجة فاصبحوا و قد لمع نجمهم في هذه المنطقة التي لم يرجٍ الشعر فيها كرواجه في أيامهم هذه، و قد أخرج كل واحد منهم ديواناً من نظمه متوجاً بتقريظ و مقدمة للشيخ الطرفي، ما يزال المترجَم له يواصل خدماته و عمله العلمي و نشاطاته الدينية و الاجتماعية. كما أن للمترجم له بعض المؤلفات الثقافية منها: تاريخ بني طرف و ديوان شعر و المجالس الحسينية على ضوء الاحاديث النبوية.
2- عن نوائب الدهور ج3 ص157 ما قاله علي علیه السلام: أيتها الغدرة الفجرة فاستعدوا للمسألة جواباً، و لظلمكم لنا أهل البيت علیهم السلام احتساباً أو تضرب الزهراء علیها السلام نهراً، و يؤخذ منّا حقّنا قهراً و جبراً، فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد. و تقدم عن موضوع سلب إرثها عليها الصلاة و السلام الشيء الكثير فراجع.

وَ تَتَابَعَتْ بَعْدَ اغْتصاب حُقوقِهَا *** الأحداثُ فَهيَ صَريعَةُ الْأَحْداثِ(1)

هَاكَ النَّتِيجَةَ مِنْ مَقَالَةِ بَاحِثٍ *** وَدَع الشُّكُوكَ وَ كُلفَةَ الْأَبْحَاثِ

لِلطُّهْرِ ضِلْعٌ هَشَّمَتْها ضَعْطَةٌ *** بِالْبابِ إذْ لا مِنْ حِمَى وَ غِياثِ(2)

و به و بالمِسْمارِ وَ السِّقْطِ اعْتَقِدُ *** ابْعِدْ بِثَانِ قَدْ أَتى بِثَلاثِ(3)

وَ ابْكِ الْبَتُولَ وَ نُحْ عَلَيْها دائماً *** وَاحْثُ التُّرابَ عَلَى الدُّنا يا حاثِي

وَ اعْمُرُ مَدَى الْأَيَّامِ مَأْتَمَها وَصِحْ *** هَيا بِنا لِرِثائِها يا رائِي

ص: 270


1- في عوالم العلوم ج2/11 ص574 بنقله عن إرشاد القلوب قالت الزهراء علیها السلام: أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل، فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي؛ فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني (إلى أن قالت) فعمل أميرالمؤمنين علیه السلام بوصيتها و لم يعلم أحداً بها.
2- إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص40 فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعها من جنبها.
3- و ذلك إشارة لما ورد في مؤتمر علماء بغداد ص135 «... و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و ضربه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها، و نبت مسمار الباب في صدرها، و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه، يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...» و ذكر الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الاصفهاني (قدس سره الشریف) في كتاب الشعر الذي سمّاه «الأنوار القدسية» في باب ذكر فاطمة الزهراء علیها السلام حيث ورد هذا البيت من شعره. و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار

(2) ناديت باسمك

(بحر الكامل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

نادَيْتُ بِاسْمِكَ في الخُطُوب غِيانا *** و الدَّهْرُ أَرْهَضَ مِنْ ذَمَايَ وَعاثا(2)

وَ لَأَنْتَ ذُخْرُ الْمُعْتَفِينَ إذا هُمُ *** حَدُّوا الْمَطِيَّ إِلَى الْمَنُونِ حَثاثا

خُدَعٌ هِيَ الدُّنْيا وَ مَنْ يُعْلِنُ بها *** ليثَتْ بَوائِقُها عَلَيْهِ لِياثا(3)

وَ تَوَهُّمْ هَذَا السَّرابُ فَمَنْ ثَنا *** شَكَمَ الرّغاب و جانَتِ الأرْفاثا(4)

و مَشَى الْهُوَيْنا و الطَّريقُ وَ عُورَةٌ *** وَ وَعى وشَطَّ عَنِ الذُّنُوبِ غِثاثا(5)

وَ امْتَارَ مِنْ طِيبِ الْجِنَانِ غِذاءَهُ *** و استافَ مِنْ نَفْحِ البَتولِ نِفاثا(6)(7)

ثَقُلَتْ بِمِيزان الحِجى حَسَناتُهُ *** وَ زَوَتْ لُبُوسَ الغَيِّ عَنْهُ رَثاثا(8)

ص: 271


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- أرهص: عَصر عَصراً شديداً. ذمايَ: الذماء بقَيَة الروح. عاث: أفسد.
3- ليثتُ بوائقها عليه: لُفّت شرورها عليه، أو غطته و اكتنفته شرورها.
4- شَكَم: أعطى و جزى -الرغاب: جمع الرغيب و هو الواسع الجوف من كلّ شيء -جانت: اسودّت. الأرفاث: مفردها الرفث و هو قول الفُحش.
5- الهُوَينا: تصغير الهُونى مؤنث الأهون أي التؤدة و الرفق. غثاثاً: مهزولاً.
6- امتار: جمع الطعام و المؤونة. في مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص63 عن عائشة قالت: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنه لما كان ليلة أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أر في الجنة شجرة هي أحسن حسناً و لاأبيض منها ورقة و لاأطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فعادت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام.
7- نفاثا: (النفث) شبيه بالنفخ، و هو أقل من التَّفل و النفّاثات في العقد النساء السواحر.
8- زوت قبضت و احتازت و جمعت. رثاثاً: قديماً و بالياً.

يا بِنْتَ مَنْ نَهَجَ الطَّرِيقَ سَنِيَّةً *** وَ دَعا إلى غَرْسِ الْخَلاقِ حِراثا

مَا كَانَ حُبُّكِ غَيْرَ حَبْلِ عَقيدَةٍ *** شَدَّ القُلُوبَ وَ قَدْ لَغِبْنَ لِهاثا(1)

وَ لَقَدْ صَبَرْتِ عَلَى الْفَوادِح بَرَةً *** بِالعَهْدِ إِذْ وُرَّثْتِ منه وِراثا(2)

ما كانَ صَدْرُكِ أَنْ يَضِيقَ وَ قَدْ *** رَوَى الإيمانُ حَقْلَ يَقينكِ الميَّاثا(3)

دَوْحُ النُّبوَّةِ أنْتِ مِنْ أَعْيَاصِها *** فَإذا وَهَنْتِ فَمَا بَقِينَ لباثا(4)

و كذلكَ العَنْقَاهُ كُلُّ رُوَيْشَةٍ *** فُتِلَتْ بِهَا مَا إِنْ تُحَلَّ نِكاثا

هَذا الغِراسُ الفَذُّ و النَّبْتُ الذي *** ما إنْ يُصَوَّحُ في الزَّمانِ غِثاثا

وَ هُنَا عَلَى جَدَثِ الحُسَيْنِ شَهادَةً *** مِمَّا سَنَنْتِ شَاى بها الأجداثا

أيْنَ القُبورُ العَافِناتُ تُرابُها *** ذَرَّالْخَنا حباتِهنَّ وَلاثا(5)

ص: 272


1- لغبن: وَلِغْنَ. في فرائد السمطين/ ج1 ص67 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو يخاطب سلمان الفارسي: يا سلمان من أحب فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار... يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة.
2- يشير الشاعر إلى صبرها و تحملها للآلام و المصائب و فيّة لعهد أميرالمؤمنين علیه السلام الذي كان مأموراً بالصبر. ففي كتاب سليم بن قيس ص154 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فإن وجدت أعواناً عليهم في فجاهدهم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك و اعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم. فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى بهم أن يقتلوك.
3- المياث: كثير المطر.
4- أعياصها: أصولها.
5- الخنا: جمع الخناة أي نوائب الدهر، و قد تقدمت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

(3) أرزاء آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(*)(1)

ص: 273


1- (*) الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء هو الشيخ محمد حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن شيخ الطائفة الشيخ جعفر الجناجي النجفي، صاحب (كشف الغطاء). ولد في النجف الأشرف سنة (1294ه_)-(1876م) و قد أرَّخ عام ولادته الشاعر المعروف السيد موسى الطالقاني بقوله: سرور به خص أهل الغري *** فعم المغارب و المشرقين بمولد من فيه تم الهنا *** و قرّت برؤيته كل عين و قد بشَّر الشرع من أرّخوا *** (ستثنیٰ وسایده للحسين) و أسرة (كاشف الغطاء) أسرة علمية عريقة أنجبت العدد الكبير من رجالات العلم و الأدب و كتب التراجم و التراث تزخر بذكرهم و عرفت هذه الاسرة بآل(كاشف الغطاء) نسبة إلى جدهم الشيخ الكبير الشيخ جعفر صاحب كتاب (كشف الغطاء) حيث أخذت الأسرة شهرتها من اسم هذا الكتاب الذائع الصيت في الأوساط العلمية. و يعدّ المترجم له من أبرز مشاهير علماء الدين. نشأ في بيت طافح بالعلم و العلماء فأخذ معارفه و علومه من والده العالم الجليل البحّاثة الشيخ علي صاحب (الحصون)، فورث منه السماحة و الفصاحة و قرأ المقدمات و النحو و الصرف و المنطق و المعاني و البيان و أكمل دراسة الفقه و الأصول. فأتم مرحلة (السطوح) مقدمة للدراسات العليا في الحوزة، حتى تأهل إلى أن يلتحق لبحوث الخارج في الفقه و الأصول، فحضر دروس الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي و الشيخ آغا رضا الهمداني صاحب (المصابيح) و السيد محمد الاصفهاني و الشيخ ميرزا محمد التقي الشيرازي قائد ثورة العشرين و في سائر العلوم على الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي و الشيخ أحمد الشيرازي و الشيخ محمد رضا نجف آبادي و غيرهم من مشاهير العلماء حتى استوعب ما فيه الكفاية. و أخذ عنه العلم المئات من الشخصيات العلمية، فكانت له حلقة درس عامرة، و استمر طيلة أربعين سنة دؤوباً في نشر العلم و في بادىء أمره كان يدرس في مدرسة السيد محمد كاظم اليزدي و بعدها انتقل إلى الصحن الحيدري في مقبرة الامام الشيرازي فقضى عمره الشريف في خدمة الدين و العلم و وقف نفسه لخدمة شريعة سيد المرسلين حتى أواخر أيامه و ساهم في مختلف ميادين الخدمة و مجالات الاصلاح، فقد قام بمناظرة الكثير من علماء الدين المسيحي أمثال أمين الريحاني و أنستاس الكرملي و جرجي زيدان و له أيضاً مع علماء الازهر الشيء الكثير، و لمّا انعقد المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف في سنة (1350ه_) الموافق (1931م) دعي من قبل لجنة المؤتمر عدة مرات فأجاب و سافر إلى القدس، و هناك ما روته الصحف و كتبت عنه الكتب من نصر و إقبال في خطبه التاريخية و إذعان الجميع لآرائه و أفكاره و كان موضوع خطبته (كلمة التوحيد و توحيد الكلمة). و بعد الفراغ من خطبته الارتجالية التي دامت ساعتين أو أكثر تقدم للصلاة فأتمَّ به في الصلاة أكثر من عشرين ألفاً بينهم أعضاء المؤتمر و هم مائة و خمسون عضواً من أعيان العالم الاسلامي. و للمترحَم له الامام كاشف الغطاء جولات في البلاد الاسلامية فانه زار إيران سنة (1353ه_) فمكث نحو ثمانية أشهر يتجوّل في مدنها فكان أينما حلّ التفت حوله القلوب. و لخطبه الحماسية في المدن الاسلامية حرارة يحسها السامعون، فقد خطب باللغة الفارسية في همدان و طهران و خراسان و شیراز و كرمانشاه و المحمرة و عبادان و اجتمع یومذاك بملك ایران رضا شاه البهلوي، و عاد من طريق البصرة فكانت له مواقف خطابية في البصرة و الناصرية و الحلة. و دعي أيضاً إلى حضور المؤتمر الاسلامي في كراتشي فكان له هناك خطبة إصلاحية أذاعتها دار الاذاعة الباكستانية. و للمترجَم له باع طويل في الأدب، و قلمه مطبوع مسترسل في النثر و سهل في الشعر، و له الكثير من المؤلفات يزيد عددها على الثمانين منها: 1- أصل الشيعة و أصولها. 2- الأرمن و التربة الحسينية علیه السلام. 3- الآيات البينات. 4-العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية. 5- تحرير المجلة. 6- المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون. 7-الميثاق العربي الوطني. 8-الفردوس الاعلى. 9-جنة المأوى. 10- ديوان شعر وغير ذلك. وفاته اشار عليه البعض بالسفر إلى (کرند في ايران) للاستجمام و الراحة فوافاه الأجل المحتوم فجر يوم 18 من شهر ذي القعدة سنة (1373ه_) و نقل جثمانه إلى النجف الاشرف و شيع تشييعاً يليق بمكانته و خدماته فخسر به الاسلام أحد رجاله و العلم أحد أبطاله، و كان يومه مشهوداً و دفن بمقبرة خاصة أعدها لنفسه في وادي السلام، و قد أقيمت على روحه الفواتح في مختلف المدن إلى يوم الاربعين، و رثاه الشعراء و ناح عليه الخطباء.

ص: 274

لكَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِ بِأَيْدِي الحَوادِثِ *** لَعِبْنَ بِهِ الْأَشْجَانُ لُعْبَةَ عَابِثِ

تَمُرُّ بِهِ الأفراح مَرَّةَ مُسْرعٍ *** وَ تُوقِفُهُ الأتراحُ وقَفَةَ مَاكِثِ

تَذَكَرْتُ مِنْ أرْزاءِ آلِ مُحَمَّدٍ *** مَصائِبَ جَلَّتْ مِنْ قَدِيم وَ حادِثِ

عَشِيَّةَ خان المصطفى كُلُّ غادِرٍ *** وَ بَزَّ حُقُوقَ المُرْتَضى كُلِّ نَاكِثِ(1)

وَ هَاجَتْ عَلَى الزَّهْراءِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** دَفَائِنُ أَضْغَانٍ رَمَوْها بِنابِثِ

فَالَمَها في سَوْطِهِ كُلُّ ظَالِم *** وَ دَفَعَها عَنْ حَقِّهَا كُلُّ رافِثِ(2)

وَ رَدّوا الهُدَى و الدِّينَ في الأَرْضِ دَوْلةً *** تُداوَلُ فِيها بَيْنَهُمْ كَالْمَوارِثِ

فَأَدْلى إلى (الثاني) بِهَا شَرُّ (أَوَّلٍ) *** وَ دَسَّى بها الثَّانِي إِلَى شَرِّ (ثَالِثِ)(3)

وَ ما ذَاكَ إلا أنَّهُمْ مَا تَمَسَّكُوا *** مِنَ الدِّينِ حَتَّى بِالْحِبالِ الرَّثائِثِ

ص: 275


1- ناکث: نكثَ (على وزن نَصَرَ) نكث العهد و الحبل: نقضه.
2- إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص574 . عن فاطمة الزهراء علیها السلام قالت: فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج. و في المصدر قالت: «أذكرهم بالله و برسوله صلي الله علیه و آله و سلم ألا تظلمونا و لاتغصبونا حقنا الذي جعله الله لنا».
3- إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص109 عن علي علیه السلام قال: زعموا أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم يستخلف أحداً، و أنهم أقروا بالشورى ثم أقروا أنهم لم يشاوروا، و أن بيعته كانت فلتة، و أي ذنب أعظم من الفلتة. ثم استخلف أبوبكر عمر و لم يقتد برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقيل له في ذلك فقال: أدع أمة محمد صلي الله علیه و آله و سلم كالنعل الخلق أدعهم بلا استخلاف؟! طعناً منه على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و رغبة عن رأيه «حتى قال» و جاء بشيء ثالث جعلها شورى بين ستة نفر، و أخرج منها جميع العرب، ثم حظي بذلك عند العامة. ثم بايع ابن عوف عثمان، و قد سمعوا من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في عثمان ما سمعوا من لعنه إياه في غير موطن.

إلَى أنْ دَبَتْ تَسْرِي بِسُمٌ نِفاقِهِمْ *** إلى كَرْبَلا رَقْشُ الأفاعِي النَّوافِثِ

فَأَحْنَتْ عَلَى آلِ النَّبِيِّ بِوَقعَةٍ *** بها عاثَ فِي شَمْلِ الهُدَى كُلُّ عَائِثِ

غَداةَ اسْتَغاثَ الدِّينُ بِابْنِ نَبِيِّهِ *** فَهَبَّ له مِنْ نُصْرَةٍ خَيْرُ غَائِثِ

بِحِلمٍ إذَا اشْتَدَّ الْبَلاغَيْرَ طَائِشِ *** وَ عَزمِ إِذَا الدَّاعِي دَعَا غَيْرَ رايثِ

و نَجْدَةِ عَزْمٍ مِنْ (لَوِيِّ) وُجُوهِهِمْ *** تُعَدُّ لِكَشْفِ النَّائِباتِ الْكَوارِثِ

رمى لَهَواتِ الْخَطب فِيهِمْ فَجَرَّدُوا *** مِنَ الْعَزْمِ أَمْثالُ الرِّقاقِ الْفَوارِثِ(1)

و هاجُوا اشتياقاً لِلْهِياج كَأَنَّما *** لَهُمْ في الوَغَى خَوْرُ الظَّباءِ الرَّواعِثِ(2)

وَ أَطْرَبَهُمْ وَقُعُ الظُّبا فَكَأَنَّهُ *** رَنِينُ (الْمَثَانِي) عِنْدَهُمْ (و الْمَثَالِثِ)

لَقَدْ ثَبَتُوا في مَوْقِفٍ هانَ عِنْدَهُ *** زَوالُ الْجِبالِ الرّاسِياتِ المَواكِثِ

وَ لمَّا قَضَوْا مِنْ ذِمَّةِ الْمَجْدِ حَقَّهَا *** وَ صَانُوا حِمَى التَّوْحِيدِ مِنْ شَعْثِ شَاعِثِ

مَضَوْا تَأْرَجُ الْأَرْجَاءُ مِنْ طِيبِ ذِكْرِهِمْ *** وَ تُسْتَدْفَعُ اللَّدُّوا بِهِمْ في الهنابِثِ(3)

وَ ما رَحَلُوا إلا بكُلِّ كريمةٍ *** بها أَلْبَسُوا (حَرْباً) ثِيَابَ الْخَبَائِثِ

(أباحَسَنٍ) يَهْنِيكَ مَجْدٌ مُؤَثَّلٌ *** لِأَبْنَاكَ مَعْقُودُ القَدِيمِ بِحَادِثِ

لَقَدْ جَدَّدُوا ذِكْراً لِعُلياكَ ما عَفى *** وَغُرَّ مَساعِ مِنْكَ غَيْرَ رَثَّائِثِ

لأَوْرَثْتَهُمْ ذاكَ الْحِفاظ و ما بِهِمْ *** وَ عُلياهُمُ مِنْ حاجَةٍ لِلتَّوارُثِ

مَصاعِبُ تَأْبَى لَوْثَةَ الذُّلِّ مِنْهُمُ *** مَفارِقُ لَمْ تُعْصَبْ بِضَيْمِ لِلائِثِ

وما فُجِعَتْ أُمُّ الإباءِ بِمِثْلِهِمْ *** أَجَادِلُ أَضْحَتْ مَغْنَماً لِلْأَباغِثِ

وَ عَزَّ على الإسلامِ يَوْمُهُمُ الَّذِي *** أُحِيطُوا بِهِ بِالمَارِقِينَ النَّواكِثِ

وَما فَشِلُوا لَكِنْ جَرى نافِذُ الْقَضا *** بِأَنَّ بِهِمْ لِلدِّينِ لَمَّ الْمَشَاعِثِ

ص: 276


1- الفوارث: المتفرقة.
2- الخَوْر: المنخفض من الأرض بين النشزين. الرواعث: التي ابيضَّت أطراف زَنَمَتيها.
3- اللأواء: الشدة و المحنة الهنابث مفردها الهنبثة أي الأمر الشديد أو الاختلاط في القول.

وَ ما بَرحُوا حتَّى تَفانَوْا عَلَى الْهُدَى *** وغاثَ بهم في سَيْلِهِ كُلُّ غَائِثِ

فَلَهْفِي لَهُمْ مِنْ كُلِّ لاهِبِ عَزْمَةٍ *** تَنَاهَشَ مِنْ أَشْلائِهِ كُلُّ لاهِثِ

وَ مِنْ غارِثٍ ظامِ وَ لَيْسَتْ ظَوامِياً *** صُدُورُ القَنا مِنْهُ وَلا بِغَوارِثِ(1)

وَ فِي الْأَسْرِ كَمْ مِنْ بِنْتِ وَحْيِ سَرَوْابِهَا *** إِلَى الشَّامِ فَوْقَ الْمُزْعِجاتِ الدَّلائِثِ(2)

وَ مُرْضِعَةٍ غَصَّتْ بِرُزْهِ رَضِيعِها *** فَحَنَّتْ حَنِينَ الهائِمَاتِ الرَّواغِثِ(3)

أبا حَسَنٍ ما كُنْتَ إِنْ صَارِخٌ دَعَا *** لِتَسْعَدَ بِالْوَانِي وَ لَاالمُتَماكِثِ

و تِلْكَ نِساكُمْ مُذْ أَحَاطَتْ بِهَا الْعِدَى *** دَعَتْ بِالْمُلاجِي مِنْكُمُ وَ المُغَاوِثِ(4)

فَما عَثَرَتْ بِالأَسْرِ مِنْكُمْ بِمُنْجِدٍ *** وَ لاظَفِرَتْ فِي السَّبْيِ مِنْكُمْ بِغَائِثِ

وَ ما هَاجَكُمْ مِنْ نَعْيِهَا نَوْحُ نائِحٍ *** وَ لَاهَزَّكُمْ مِنْ عَتْبِهَا بَعْثُ بَاعِثِ

وَ أَنْتُمْ مَساعِيرُ الهِياجِ مَواقِداً *** تُسَعِّرُ في أَسْيَافِكُمْ لالِحَارِثِ

رِزانُ الْحِجى لكِنْ تَطِيشُونَ في خُطا *** إلى دَعْوَةِ الْمُسْتَصْرِخِينَ حَثَائِثِ

فَلا صَبْرَ حتَّى تَرْجِعَ البيضُ مِنْهُمُ *** تَفِيضُ دَماً فَيْضَ الْجَوارِي الطَوامِثِ

وَ حَتّى تُثِيرَ الخيْلُ كُلَّ عَجَاجَةٍ *** يُرَى الْجَوُّ منها كَالْمَلَا الْمُتَواعِثِ(5)

وَ مُقْصِرَةٍ عُمْرَ العَدُوِّ إِذَا انْبَرَتْ *** عَلَى الضَّنْكِ مِنْكُمْ بِالطُّوالِ المَلاوِثِ(6)

وَ لاصَبْرَ حتَّى تَجْعَلُوا الصَّبْرَ مَشْرَباً *** لِقَوْمِ لَهُمْ لَذَّتْ طُعُومُ الحَبائِثِ

يميناً بني الهادِي بِفُرْقَانِ مَجْدِكُمْ *** وَ ما أَنَا بِالفُرْقَانِ يَوْماً بِحانِثِ

لَقَدْ غَرَسَتْ أَرْزَاؤُكُمْ فِي حَشَاشَتِي *** مِنَ الْوَجْدِ أَفْنَانَ الشُّجُونِ الْأَثَائِثِ

ص: 277


1- غارث: جائع.
2- الدلائثِ: النوق السريعة.
3- الرّواغث: الأمهات المرضعات للولد.
4- المغاوث: المغيث، من الإغاثة.
5- الملا: الصحراء و الواسع من الأرض المتواعث: المتعسر سلوكه من الطريق.
6- الملاوث: السادة الشرفاء.

تَبْتَنِ عَلَى جَمْرٍ قَدِيمِ مِنَ الْجَوَى *** يَشُبُّ عَلى مَرِّ الليالي الحَوادِثِ

مَصائِبُ أَشْجَتْنِي وَ صَيَّرْنَ مقوّلِي *** يَنُوبُ لَكُمْ مِنْ كُلِّ رَقْشَاءَ نَافِثِ

نَوافِذُ في أَعْدائِكُمْ وَ لِنَوْحِكُمْ *** إِلَى الْبَعْثِ عادَتْ مِنْ أشدِّ الْبَواعِثِ

مراثي تُذِيبُ الصَّخْرَ إِنْ عِشْتُ نُحْتُكُمْ *** بِهِنَّ و إنْ أَهْلِك يَرْثِهِنَّ وارِثِي(1)

ص: 278


1- كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص24 محمد باقر النجفي.

قافية الجيم

اشارة

ص: 279

ص: 280

(1)حجة الحُجَج

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

لا رُسلَنَّ بَرِيداً غَيْرَ مُنْعَرجٍ *** إلا إلَيْكِ بِلا أَمَتٍ وَلا عِوَجِ

وَ إِنْ يَكُنْ، فَلِأَنَّ الْقَلْبَ يَعْمُرُهُ *** فَيْضُ اعْتِقادٍ طَغَى مِنْ أَعْمَقِ اللُّجَجِ

وَ قَدْ رَأَيْتُكِ يا زَهْرَاءُ مُزْهِرَةً *** شَمْساً لِتَهْدِيَ مِنْ إِشْرَاقِهَا الْوَهَجِ

عَفْواً وَ هَلْ لِضياءِ الشَّمْسِ مِنْ أَثَرٍ *** وَسْطَ الْقُلُوبِ وَ أَنْتِ قُمْتِ فِي الْمُهَجِ

و هَلْ سِواكِ لَنا مِنْ حُجَّةٍ ظَهَرَتْ *** و ابْنُ الرِّضا قالَ أُمِّي حُجَّةُ الْحُجَحِ(2)

أَمِنْ بَراهِينَ حَتَّى يَنْتَهِي لَغَطٌ *** لِقَوْمِ سُوءٍ و جِلْفٍ(3) أَهْوَجٍ هَمَجِي

نَحْوَ الضَّلالَةِ بِاسْمِ الإِنْفَتاحِ أَتَى *** لِفَتْحِ بَابٍ عَلى أَهْوائِهِ رَتَجِ(4)

وَ مَنْ يُصَدِّقُ َذا الْغَواءَ أَنَّ لَهُ *** نُسْكاً يُمَرِّرُ في تَزْوِيقِهِ السَّمجِ(5)

وَ يَحْسَبُ الْحَقَّ غَوْغَانِيَةً طَفِقَتْ *** و لم يَقُمُ دُونَها فِي الْمَوْقِفِ الْحَرِج

يا خَط ماسُونَ دَعْ ما كُنْتَ تَطْرَحُهُ *** مِنَ الْفُضُولِ أَمامَ الْأَعْيُنِ الدُّعُج(6)

وَ اسْتَنْصِحِ الْعَدْلَ لَوْ أَنْصَفْتَ إِذْ صَرَخَتْ *** بِكَ الشَّرِيعةُ قَدْ أَفْرَيْتَ لِي وَدَجِي

ص: 281


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة إلى حديث الإمام العسكري علیه السلام حيث قال: (نحن حجة الله على الخلق و فاطمة علیها السلام حجة علينا) تفسير طيب البيان ج13 ص235.
3- لَغَط: صوت مبهم لايُفهم. حِلْفٍ: غليظ جافٍ. و أهوج: شديد الحمق.
4- رتج: الباب المغلق.
5- تزويقه السمج: التزويق هو التحسين و التزيين أو التنقيش، و السمج هو القبيح.
6- الدُّعُج: جمع دعجاء، و هي الواسعة العينين.

حَقَّقَتَ أَحْلامَ وَقابِيَّةٍ نَصَبَتْ *** رُؤُوسَ غَيْ لِبَابِ الرّشدِ لَمْ تَلِج

دَع الْأَبَاطِيلَ وَ اهْدَأْ لاتَجُرُ عَنَتاً *** وَ صَوتُ طَيْشِكَ مَنْ يَسْمَعُهُ يَنْزَعِجِ

كُمْ كَانَ قَبْلَكَ لِلتَّجْدِيدِ دَعْوَتُهُ *** فَأَفْسَدَ الْأَمْرَ في التَّضْلِيلِ وَ الْمَرَجِ

وَإِنَّ إسْلامَنا مِنْ نُورِ فاطِمَةٌ *** أَضْحَى كَأَعْظم نَهْجِ لاحِبٍ بَهِجِ

هَلاً يَقولُ رَسُولُ اللَّهِ فَاطِمَةٌ *** حَوْراءُ إِنْسِيَّةُ التَّكوينِ و الْمَشَجِ(1)

زَهْرَاءُ مِنْ نُورِهَا الْجَنَّاتُ مُشْرِقَةٌ *** كَشَغْرِ وَجْهِ عَمُودِ الصُّبْحِ مُنْبَلِجِ(2)

تَبَسَّمَ الْحَقُّ وَ ازْدَانَتْ مَعَالِمُهُ *** في ظِلُّ أُمِّ الْهُداةِ الْأَنْجمِ السُّرُجِ

هِيَ الْمَوَدَّةُ وَ الْقُرْبَى وَآيَتُها *** تَسْتَلُّ أَلْوِيَةَ الْبُرْهانِ وَ الْحُجَجِ(3)

أوْكَلْتُ أَمْرِي عَلَيْها فَهْيَ مُعْتَمَدِي *** وَ ذِكْرُها أَبَداً فِي تَغْرِيَ اللَّهِجِ(4)

ص: 282


1- المشج: ما كان مختلطاً. و في البيت إشارة إلى ما روي في تاريخ بغداد ج12 ص331 عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سماها فاطمة علیها لأن الله فطمها و محبيها عن النار»، و ذكره أيضاً ابن حجر في صواعقه ص96 وقال: أخرجه النسائي.
2- منبلج: مشرق مضيء. و في البيت إشارة إلى ما روي في كنز الفوائد ج2 ص620 ج7 عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فعند ذلك أظلمت المشارق و المغارب فضجّت الملائكة و نادت: يا إلهنا و سيدنا بحّق الأشباح التي فلقتها إلّا ما فرّجت عنا هذه الظلمة، فعند ذلك تعلّم الله بعلة أخرى فخلق منها ،روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة علیها السلام فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق و المغارب. فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام. الخبر الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. و روي أيضاً في المصدر نفسه ص116 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها، و غشيت أبصار الملائكة، و خرّت الملائكة الله ساجدين.
3- إشارة إلى ما روي في ذخائر العقبى ص25 قال: عن ابن عباس قال: لما نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. رواه الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 ص103 و ج9 ص168. و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص101. و ذكره الشبلنجي أيضاً في نور الأبصار ص101 نقلاً عن البغوي في تفسيره.
4- اللهج: هو الذي يغرى بالشي فيثا برعليه.

في حُبِّها عِشْتُ مَأْموناً وَلِي أَمَلٌ *** عَلَى شَفَاعَتِهَا فِي وَقْتِ مُندْرَجِي(1)

لِكُلِّ قَوْمِ تَقالِيدٌ وَ مَنْهَجَةٌ *** تَسِيرُ حُكْمَا بِمَفْهُومَيْهِمَا الثَّبَجِ(2)

وَ أَيُّ مِلَّة لَمْ تُحْيِي الطقوس بِها *** في ذِكْرِ رَمْزِ تَفَضل بَيْنَهُمْ وَلِجِ

في بَيْتِ لَحْمِ دَكَّةٌ نُصِبَتْ *** تَأْتِي الْيَهُودُ إِلَيْهَا نَحْوَ مُنْفَرَجِ

يُحْيُونَ ذِكرى أَصَالِيلَ وَ فِي سَفَهٍ *** يُؤَمِّلُونَ حِبَالَ النَّفْسِ بِاللُّجَجِ

وَ حَافِراً لِحِمَارِ لِلْمَسِيحِ لَهُ *** بَيْنَ الكَنائِسِ أَرْجَازٌ مِنَ الْهَزَجِ

و لِلْمَجُوسِ زَرادشتِ الَّذِي انْصَرَمَتْ *** عَلَيْهِ عِدَّةُ آلافٍ مِنَ الْحِجَجِ

لِلْآنَ تَنْظُرُه نِيراناً تُقَدِّسُها *** بِاسْمٍ الشَّيَاطِينِ يا لَلشِّدَّةِ انْفَرِجِي

وَ نَحْنُ قُرآنُنَا الْمَكْنُونُ يُنْبِتُنا *** في مُحْكَم الذِّكْرِ في تِبْيَانِهِ الْفَلَجِ(3)

أَلْوِتْرُ فَاطِمَةٌ طُهْرٌ مُطَهَّرَةٌ *** مِنْ أَهْلِ بَيتٍ سَمَا كَالرُّوحِ فِي الْمُهَجِ

بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَ الهادي يُبَشِّرُها *** في سُرْعَةِ الْأَجَلِ الْمَحْتُومِ حين هَجِي(4)

ص: 283


1- إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار.
2- الثبج: الذي عُمِّي و تُرِك بيانه أو لم يؤت به على وجهه.
3- الفلج: الغالب على خصمه أو كان له حكم على خصمه. و في البيت إشارة إلى ما روي في ذخائر العقبى، ص44 ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني لم أر لها دماً في حيض و لافي نفاس، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهّرة لايُرى لها دم في طمث و لاولادة ؟
4- إشارة إلى ما روي في صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة بنت محمد علیها السلام، روى بسنده عن عائشة [أم المؤمنين] قالت: فلما مرض النبي صلي الله علیه و آله و سلم دخلت فاطمة علیها السلام لافأكبت عليه فقبلته ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء، فلما توفي النبي صلي الله علیه و آله و سلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به فذاك حين ضحكت. و رواه الحاكم أيضاً ج4 في مستدرك الصحيحين ج4 ص272. و روى أبو نعيم في حلية الأولياء ج2 ص40 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: أنت أول أهلي لحوقاً بي.

وَرَاحَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ فَاسْتَبَقَتْ *** تِلْكَ الصِّباعُ عَلَى الزَّهْراءِ في رَهَجِ(1)

إذْ رَوْعُوها وخَلْف البابِ باغَتَها *** ذاكَ الظُّلُومُ بِدَفْعِ حانِقٍ سَمِج(2)

أَنَّتْ وَ نَاحَتْ فَناحَ الْكَوْنَ مُكْتَئِباً *** وَ الشَّرْعُ ضَجَّ لَها فِي عَبْرَةٍ نَشَجِ(3)

لِكَسْرِ ضِلْعِكِ أَضْلاعُ الْهُدَى كُسِرَتْ *** وَ عُفِّرَ الْعَدْلُ في دَهْمَاءَ مُدَّلِجِ

وَاحَرَّ قلبي لِذاكَ السِّقْطِ إِذْ فَطَمَتْ *** يَدُ الْمَنُونِ بِرَأْياه لِمُنْدَرِجِ(4)

وَ الَهُفَتاهُ عَلَيْها بَعْدَمُحْسِنِها *** فَحَالُها ظَلَّ فِي طُولِ الزَّمَانِ شَجِي

يَا بْنَ البقولِ أَغِثنا فَالْبَلاءُ بِنَا *** سَاجِ مِنَ الظُّلْمِ كَاللَّيْلِ البَهِيمِ سَجِي

وَ ضاقَتِ الْأَرْضُ مِنْ جَوْرٍ كَما مُلِئَتْ *** مِنَ المَفَاسِدِ و الأيامِ في مَرَجِ

فَانْهَضْ بِطَلْعَتِكَ الغَرّاءِ مُنْتَفِضاً *** لِكَشْفِ هَمَّ بِصَدْرِ الطُّهْرِ مُعْتَلِجِ(5)

وَ قَبْرُ فَاطِمَةَ المَجْهُولُ تَعْلَمُهُ *** لِلنَّارِ يَحْتَسِبُ الأَحْزَانَ لِلْفَرَجِ(6)

ص: 284


1- رهج: فتنة وشغب.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضِ الله عنه) في حديث طويل.
3- عبرةِ نشج: لها صوت أو كمجرى الماء.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب بحار الأنوار ج3 ص18 عن الصادق علیه السلام في حديث طويل: و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه.
5- معتلج: مجتمع.
6- إشارة إلى ما روي في مصباح الأنوار ص256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أميرالمؤمنين علیه السلام فاطمة بنت محمد علیها السلام بالبقيع ورش ماء حول تلك القبور لئلا يعرف القبر. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

(2) دموع الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

فَلْجِي بِالْهَوى قَوافِيَّ فَلْجا *** هُنَّ لوَلاكِ قَدْ تَوَلَّدْنَ خَدْجا(2)

مَرْكَبِي الشِّعْرُ يَمْتَطِي الْمَوْجَ رَهْواً *** بِشِراع من آل ياسينَ مُزْجى(3)

مِنْ هُمْ سِراجِي إذا تَعَسَّفَتِ الْأَحْلاكُ *** يُظفِين في الغِياباتِ سُرجا(4)

وَ هُمُ الحافِلُونَ ضَرْعِي مِنَ الدَّرِّ *** إذا بَكَأَ الرَّجَاءُ وَلَجَا(5)

وَ هُمُ المالثونَ هَذَا الْخَوَاءَ المُرَّ *** فِي غَرْسَتِي، و لاثَمَّ مَنْجى(6)

يا سُهاد الغريبِ عَلقَ بالنَّجم *** جُفُوناً وَحَطَّ بالظَّنِّ سَرْجا

و التِّباعُ الْمَهِيضِ حِيصَ مِنَ الرِّيشِ *** وَ شُجَّتْ بهِ الْأَصَالِعُ شَجَّا(7)

و غَرابيبُ من طُيُوفٍ تَلَقَّعْنَ *** مُسُوخاً وَحِمْنَ شَوْهاءَ سَمْجا(8)

ص: 285


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- فلّجي: فُوزي. خدج : الولادة قبل تمام الأيام.
3- رَهْواً: سيراً سهلاً.
4- تعسّفت: مالت عن الطريق و عَدَلت الأحلاك: مفردها الحَلَك شدّة السواد. الغيابات: القبور الهبطات من الأرض.
5- الحافلون: المليئون -ضرعي: الضرع مدرّ اللبن من الشاة و البقر وهو كالثدي للمرأة. بكا: قلَّ -لجَّا: لجَّ أي عَنَد عِند الخصومة أو تمادى في العناد إلى الفعل المزجور عنه.
6- الخواء: خلوّ الجوف من الطعام أو الفضاء بين الشيئين.
7- التياع: القيء وإلقاء الإنسان ما أكله من فمه -المهيض: الطائر الذي سلخ و انطلق بطنه و تقياً. حيص: أحيد -شجَّت: كسرت.
8- غرابيب جمع غربيب و هو الأسود الحالك الطيوف:الطيف: الخيال الطائف في النوم. تلفّعن اشتملن -مسوخاً: المسخ هو الذي تحوّلت صورته إلى صورة أقبح منها وحمن: اشتهين. شوهاء: قبيحة الوجه أو العابسة -سمجاء: قبيحة.

و تُخُومُ المَجْهولِ وَسْطَ قَفْرِ اليأسِ *** تُمْلِي الْمَدَى غُباراً وَ رَهْجا(1)

فَهيَ لَوْلا الأسى بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ *** لَمْ آلُها سماحاً و فَرْجا

قُلْتُ لِلنَّفْسِ هَوْنِي ثُمَّ هِيدِي *** وَلِجِي الصَّبْرَ فِي المُلِمَاتِ وَلَجا(2)

إنَّ هذا الأتُونَ حَابَ أُواراً *** إنَّ هذا الرِّهانَ بِالْخَلْقِ يَفْجا(3)

فَخُذِي خِلَّةَ البَهالِيلِ خِيماً *** وَ اسْلُكِي مَنْهَجَ الْفَواطِمِ نَهْجا

إنَّ دَهْراً الوَى بِهِنَّ لِدَهْر *** شِيبَ وَرُدُ الأحرارِ فيه وَمَجا

وَ زَماناً سَاوى مَعَ الْقِمَمِ الْوَهْدَ *** زَماناً ما إن بهِ النُّصْفُ يُرجى(4)

و دُموعُ الزَّهراءِ في شِدَّةِ اللَّأْواءِ *** أشجى مِنْ دَمْعَتَيْكَ وَ أَشْجى(5)

(بنتُ مَنْ أُمُّ مَنْ حَلِيلَةُ مَنْ)؟ *** هَلْ مُدانٌ لَهُمْ عُلُوّاً وَ يُرْجا(6)

ص: 286


1- تخوم: حدود -رهج: ما أثير من الغبار.
2- هيدي: احلمي -ولجي: ادخلي.
3- الأتون: موقد نار الحمّام -الأوار: الحر و الدخان -يفجا: يفتح.
4- الوهد: الأرض المنخفضة.
5- اللأواء: الشدّة.
6- يشير الشاعر إلى مكانة و عظمة الزهراء علیها السلام و فضلها، فهي بنت رسول الله علیها السلام و زوجة أمير المؤمنين علي علیه السلام و أم الحسنين علیهما السلام و هؤلاء الخمسة لهم المنزلة التي لم و لن ينالها غيرهم عند الله تعالى، فقد روي في كنز العمال ج1 ص11 و لفظه. لايؤمن أحدكم: حتى أكون أحبّ إليه من نفسه و أهلي أحب إليه من أهله و عترتي أحب إليه من عترته و ذريتي أحب إليه من ذريّته. ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج1 ص88 ، و قد روى أيضاً في نفس الكتاب ج1 ص309 نقلاً عن ذخائر العقبى ص25 قال عن ابن عباس قال: لما نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 ص103 و ج9 ص168 و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص101 و روي في صحيح الترمذي ج2 ص301 روى بسنده علي بن أبي طالب علیه السلام أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو أخذ بيد حسن و حسين علیهما السلام فقال: من أحبّني و أحبّ هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.»

يا هَوانَ الّذي تَجاهَلَ مِنْها *** شَرَفاً باذخاً و حُسْناً وَ مَلْجا

هُمْ قِلاعُ الْإِيمَانِ و الدَّوْحَةُ الفَرْعاءُ *** مَدَّ الزَّمانِ تَأَرَجُ ارْجا

بهم باهَلَ الرَّسُولُ وَ عَنْهُمْ *** ذَهَبَ الرّجسُ طَاهِرِينَ وَهْجا

لِلبِلَى ثَوْرَى النُّفُوسِ مَالٌ *** فإذا مَا انْطَفَى اللَّظى رُحْنَ دَرْجا

وَ لَعُوبٌ طبع الليالي وَ وَهُمٌ *** إِنْ تَصادى وإنْ تَطَرَّيْنَ غَنْجا(1)

ص: 287


1- الغنج: التدلل و الدلال.

(3)ظُلْم النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ قيس العطار(*)(1)

هُمُومٌ مَدَى الأَيَّامِ لا تَتَفَرَّجُ *** وَ حُزْنٌ لآلام القُلُوبِ مُهَيِّجُ(2)

ص: 288


1- (*) هو الشيخ قيس بن بهجت بن رضا العطار. ولد في مدينة الكاظمية المقدّسة سنة (1381 ه) الموافق لعام (1963م)، نشأ و ترعرع في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. درس الدروس الابتدائية في مدارس بغداد حتى أنهى الصف الخامس العلمي عام (1980م) ثمّ نُفي مع عائلته إلى إيران فكان متشوقاً لتحصيل العلوم الدينية فانخرط في الحوزات العلمية في طهران و قم ومشهد حتى أكمل مرحلة المقدمات و السطوح على نخبة الأساتذة المعروفين من العلماء منهم: الشيخ محمد حسن الاصطهباناتي، و الشيخ محمد تقي شريعتمدار، و الشيخ عباس زين العابدين و غيرهم من الفضلاء. ثم حضر الدرس الخارج في الفقه و الأصول عند الفقيه المربي الشيخ علي الفلسفي في مدينة مشهد المقدّسة و اختار طريق الخطابة الحسينية و قد أخذ أصول الخطابة عن الشيخ فاضل المالكي، ثم راح يرتقي المنبر في مشهد المقدّسة. و بدأ بقرض الشعر في عام (1980م) حيث ساهمت أجواء الهجرة و الغربة في الكشف عن موهبته الإبداعية في الشعر. و المترجَم له يتناول في شعره أغراض الشعر المألوفة فكان ذا خيال خصب، و شعره حافل بالصور نظمه في مدح أهل البيت علیهم السلام و رثائهم ، و قد نشرت له الصحف الكثير من شعره. ألف كتباً دينية و أدبية عديدة أهمها: 1- قيثارة الدم، و هي مجموعة قصائد نظمها في الدفاع عن حق أهل البيت و بيان مظلوميتهم. 2- شرح و تحقيق ديوان مالك الأشتر. 3- مالك الأشتر خطبه و آراؤه . 4- تحقيق و شرح منظومة (بيان العروض). 5- ديوان بعنوان (من وحي الغربة) مخطوط و غيرها.
2- مهيج: هيِّج الشيء حرّكهُ و أثاره.

لنَكْثِ أُناسٍ لَمْ يُطِيعُوا نَبِيَّهِم *** وَشَطَ بِهِمْ دَرْبٌ من الغَدْرِ أَعْوَجُ

هُمُ اسْسُوا ظُلْمَ النَّبِي وَآلِهِ *** وسُنَّ بهم للظُّلمِ و الجُورِ مَنْهَجُ

أرادوا عَلِيّاً أنْ يُبابِعَ تَيْمَها *** و قادُوهُ قَسْراً بالجِبالِ وَ أَزْعَجُوا(1)

وَ قَدْ غَصَبُوا الزَّهْراءَ نِحْلةَ ربِّها *** وَ حُكْمَ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ أَهْوَجُ(2)

و دَارُوا على آلِ الرِّسالةِ جَهْرَةً *** وَ صاحَ شَقِيُّ القَوْمِ لِلبَيْعَةِ اخْرُجُوا

و إلا حَرَقْتُ الدّارَ قالُوا: فَفَاطِمْ؟ *** فَقَالَ: و انْ كانَتْ فَإِنِّي مؤججُ(3)

أراعُوا كَيَوْمِ الشِّعب آلَ مُحَمَّدٍ *** وَ لِلْحَطَبِ الْجَزْلِ الْمُجَمَّع أَجَّجُوا(4)

بَلَى أَضْرَمُوا النيران في بَابِ فاطمٍ *** فَصَارَتْ عَلَيْها نارُهُمْ تتوَهَّجُ

و دَافَعَها الرِّجْسُ الشَّقِيُّ بِكَفِّهِ *** وَرامَ انْفِتَاحَ البابِ وَ البَابُ مُرْتَجُ

وَ مِن خَلقِهِ تَدْعُو البَتُولُ مُحَمَّداً *** وَ عَبْرَتُها بَيْنَ الجُفُونِ تَلَجْلَجُ

أبِي يا رَسُولَ اللَّهِ هذا عَتِيقُهُمْ *** وَذا ابنُ صُهاك للشَّرِيعَةِ انْهَجُوا

لَقَدْ ضَرَبُوا بالسَّوْطِ زِنْدِي كأَنَّما *** بِهِ مِنْ بَقايَا ضَرْبَةِ السَّوْطِ دُمْلُجُ(5)

وَ قَدْ كَسَروا ضِلْعِي وَ أَسْقَطَ عَصْرُهُمْ *** جَنِينِي وَ نَفْسِي بَيْنَ صَدْرِي تُحَشْرِجُ(6)

وَ قَدْ نَبَتَ المسمار في الصلع يا أبي *** فَهذي دمائِي و المَدَامِعُ تُمْزَجُ

وَ ما كَانَ يَوْمُ الطَّفْ إِلا بِمَا جَنَتْ *** سَقِيفَتُهُم إذ القَحَتْ رَبثَ تُنْتِجُ(7)

فَذَا كَسْرُ ضِلْعِي مِثْلُ رَضِّ ضُلُوعِهِ *** وَذا بَابُ دارِي كَالْخِيامِ تَأجَّجُ

وَ هَذا جَنِينِي مُسْقَطاً مِثْلُ طِفْلِهِ *** ذَبِيحاً لِشُرْبِ المَاءِ يَبكي وَ يَلْهَجُ

ص: 289


1- قسراً: القسر الإجبار بالقوة.
2- الأهوج: الأحمق المتسرّع.
3- انظر التهديد بإحراق الدار.
4- أراعوا: أرعبوا -أججوا: أشعلوا و أحرقوا.
5- الدملج: حلي يلبس في المعصم.
6- انظر كسر الضلع و اسقاط الجنين.
7- القحت الناقة: حملت. تنتجُ: تَلِد.

و هذي جُمُوعُ المُرْهِجِينَ بِيَثْرِب *** كَخَيْلِ بَنِي سُفْيانَ في الطَّلفٌ تُرْهِجُ(1)

فَلِلَّهِ رُزْهُ لَمْ تَرَ العَيْنُ مِثْلَهُ *** وَ مَا فَزِعَتْ أَوْسَ عَلَيْهِ وَ خَزْرَجُ

أَتُمْنَعُ بِنْتُ المُصْطَفَى النَّوْحَ عِنْدَهُ *** وَ تَبْكِي بِبَيْتِ الحُزْنِ سِرّاً وَ تَنْشُحُ؟

فَإِنْ ضَمَّها صُبْحٌ فَبِالْحُزْنِ مُظْلِمٌ *** وَ إِنْ جَنَّهَا لَيْل فَبالدَّمْعِ مُسْرَجُ(2)

وَ مِنْ عَجَبِ الأيّامِ وَالدَّهْرُ كُلُّهُ *** عَجَائِبُ في أحداثِهِ يَتَمَوَّجُ

بأنْ تَبِعُوا الحَمْراءَ لَمَّا أَتَتْهُمُ *** عَلَى جَمَلٍ بَيْنَ الرِّجالِ تَبَرَّجُ

وَ لَمْ يَتبعوا الزهراءَ لَمَّا أَتَتْهُمُ *** تُداعِي بِحَقِّ اللَّهِ وَ الحَقُّ أَبْلَجُ

فَلَوْ حَضَرُوا في كَرْبَلاءَ لأَلْجَمُوا *** خُبُول ضَلالٍ لِلْقِتالِ وَ أَسْرَجُوا

فيا قَائِماً بِالنَّارِ مِنْ آلِ أَحْمَدٍ *** مَتَى تَشْتَفِي مِنّا الصُّدورُ وَ تُخْلَجُ

يصَلبِكَ فَوْقَ الجِذْع جِبْتَ ضَلالَةٍ *** وَ طاغُوتَها؛ كُلِّ طَرِيَّا سَيُخْرَجُ(3)

لَيَخترقا فيما لُهُ أمس جَمَّعُوا *** وَ ذاكَ قِصاصُ الله أَعْلَى و أَفْلَجُ

عَلَيْكِ سَلامُ اللَّهِ سَيِّدَةَ النِّسا *** فَلِي بِكُمُ حَبْلٌ مِنَ الشَّعرِ أَوْشَجُ(4)

إذا احتاجَكُمْ عَبْدٌ لِدُنْيَاهُ طَالِبٌ *** فَإِنِّي إليْكُمْ فِي القِيامَةِ أَحْوَجُ

ص: 290


1- ترهج -الرهج: الفتنة و الشغب.
2- مسرج: أسرج السراج: أوقده.
3- الطاغوت: كل رأس ضلال.
4- أوشجُ: وشجت الأغصان: اشتبكت.

(4) الهادي النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي (*)(1)

مالي ما لي سِوَى الهادي النَّبِيِّ وَآلِهِ *** حِصْنَ إِلَيْهِ لَدَى الشَّدائِدِ أَلْتَجِي

أَنا مُرْتَجِ لَهُمْ وَإِنْ نَزَلَ الرّجا *** بِسِواهُمُ يَنْزِلْ بِبابٍ مُرْتَ مُرْتَجِ

مَا بَيْنَ مَسْمُومٍ وَبَيْنَ مُشَرَّدٍ *** وَ مُجَدَّلٍ بِدَمِ الْوَرِيدِ مُضَرَّجِ

***

بَيْتُ بهِ الْأَمْلاكُ تَهْبِطُ خُشعاً *** وَ إلَى السَّمَا مِنْ غَيْرِهِ لم يَعْرُجِ

دَرَجَتْ لِهَتْكِ حِجابِهِ عُصُبُ الشَّقا *** وَ المُصْطَفى بِرِدائِهِ لَمْ يُدْرَجِ(2)

غَضِبَ النَّبِيُّ لِزَيْنَبٍ مُذْرَاعَها *** (هَبَارُ) حَتَّى أَسْقَطَتْ في الهَوْدَجِ(3)

ما كانَ يَصْنَعُ لَوْ يُشَاهِدُ فَاطِماً *** تَرْتاعُ مِنْ ضَرْبِ العُتُلُ الأهْوَجِ(4)

ص: 291


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- إشارة إلى هتك حجاب بيت الزهراء علیها السلام عندما قام القوم بالهجوم عليه. فقد روي في كتاب بحار الأنوار ج53 ص18 باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج الله فرجه الشریف). عن الصادق علیه السلام -في حديث طويل- و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها وهي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها ايّاه و هجوم عمر و خالد بن الوليد و صفعة خدّها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها و هي تجهش بالبكاء. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- هبار: الفرد الكثير الشعر و المقصود به هنا اسم علم للشخص الذي أراع زينب بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و دفعها بنصل رمحه فأسقطت جنينها.
4- العُتُلّ الأهوج: العتلُّ هو الأكول أو الجاني الغليظ و هو الأنسب هنا أو الشديد من كل شيء، و الأهوج يعني الأحمق.

حتى قَضَتْ وَ مِنَ السَّيَاطِ بِجَنْبِها *** أَثَرُ وَفي أَعْضَادِها كالدُّمْلُجِ

أَبْكِي لِضَيْعَتِها وَضَيْعَةِ قَبْرِهَا *** أَمْ دَفْنِها في حالِكِ اللَّيْلِ الدَّجِي(1)

ص: 292


1- يشير الشاعر إلى معنيين، الأول إلى ضيعة الزهراء علیها السلام بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله سلم من غصب بيتها تارةً أخرى و إلى ضياع قبرها بعد دفنها سراً و هذه إحدى وصاياها. فقد روي في كتاب مصباح الأنوار ص56 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أمير المؤمنين علیه السلام فاطمة بنت محمد علیها السلام بالبقيع و رشّ ماءً حول تلك القبور لئلاً يعرف القبر، و بلغ أبابكر و عمر أن علياً علیها السلام دفنها ليلاً، فقالا له: فلم لم تعلمنا ؟ قال: كان الليل و كرهت أن أشخصكم. فقال له عمر ما هذا ولكن شحناء في صدرك. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: أما إذ أبيتما فإنها استلحفتني بحق الله، و حرمة رسوله صلى الله عليه و آله سلم، و بحّقها عليّ أن لا تشهدا جنازتها. و روي أيضاً في دلائل الإمامة/ ص46 أن الإمام علياً علیه السلام سوى في البقيع سبعة قبور، أو أربعين قبراً الحديث. أما بالنسبة للمعنى الثاني الذي أشار إليه الشاعر فقد روي في كتاب العوالم أيضاً ج11 2 ص1083 عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر، ولا يُصلّيا عليها. قال: فدفنها علیها السلام علي علیه السلام ليلاً، و لم يعلمهما بذلك. و روی أيضاً في المصدر نفسه المصدر نفسه عن عائشة : عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله سلم ستة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها علي ليلاً، و صلى عليها. رواه أيضاً الذهبي في تاريخ الإسلام ج2 ص93، و رواه أبونعيم في الحلية ج2 ص42، و ابن عبدالله النصري في تاريخ أبي زرعة ج1 ص290، و رواه الطبري في التاريخ ج2 ص448، و ذكر ذيله ابن سعد في الطبقات ج8 ص29 من طرق مختلفة.

قافية الحاء

اشارة

ص: 293

ص: 294

(1) يابنة الطيبين

(بحر الخفيف)

الأستاذ جاسم محمد الصحيح (*)(1)

نورُ ذكراكِ فكَّ قيدَ الصَّباحِ *** فازدَهى الكونُ بالشُّموس الضَّواحِي

و استفاقت من الكَرَى مُقلةُ الآ *** مالِ ترنُو إلى الضُّحى اللَّماحِ

و أطَلَّ التحريرُ من كُوَّةِ النور*** يُنادي بصوتِهِ الصَّدَّاحِ

يا زمان الضلالِ شيِّع أمانيك *** فقد ثارَ ثائرُ الإصلاحِ

واضغ يا موكبَ الظّلام ألا لتسمعَ *** إيقاعَ موكبِ الإصباحِ

***

يابنةَ الطيبينَ ميلادُك السمحُ *** نشيدٌ على ثُغورِ الأفاحِ

يزرعُ الحُبَّ في رُبُوع المُحبِّينَ *** رياضاً مُخضرةً الأدواحِ

يالحُلمٍ تحضَّن الصَّخرَ شَوقاً *** فتشظَّى عن ألفِ آحٍ و آحِ

یا لإطلالةٍ تمايسَ فيها الأنسُ *** فاختالَ في جميلِ و شاحِ

شعَّ من وجهِ (أحمدَ) حينما التاحَ *** أساريرَ وَجهكِ الوضَّاحِ

و التقتهُ «خديجةٌ» في حُنُو *** مُشفقٍ فوقَ مهدِكِ النفّاحِ

فطوى الحزنُ بُرْدَهُ و أطلتْ *** تتهادى مواكبُ الأفراحِ

تستثيرُ البيانَ في نشوةِ الذِّکْرِ *** فهبَّتْ فوارسُ الإنصاحِ

ص: 295


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

وانْتدى السّامرونَ فاصطفَّت الأقداحُ *** ظمآى إلى السَّلافِ الصُّراحِ

فَفَضَضْنا الختامَ عن كُلِّ رُوحِ *** و سكبنا الأرواحَ في الأقداحِ

و انبرى الشعرُ يعزفُ النَّغمَ العذْب *** و يجلُو عرائسَ الأمْداحِ

فإذا الحفلُ مائسُ العطْفِ ما بينَ *** كؤوس النُّهى و شدو الفصَاحِ

ساعةً و انطوى النّديُّ و أغفى *** سامرُ الحيّ بعدَ طُولِ صُدّاحِ

فتساميتُ في سمائكِ إحساساً *** أُناجيك رافعاً ألواحِي

عيدُك السَّمْحُ روضةُ لاقتطافِ الأُنس *** منْها أم لاقتطاف الصَّلاحِ

أتَرَى استلهمَ المحبونَ ما أمْلَتْ *** عليهِم روائعُ المُدَّاحِ

حيثْ ذكراكِ موسمٌ يغدقُ *** الأثمارَ ريّاً من التُّقى و الفلاحِ

نجتَنِي من قطافِها عِبَراً *** غَرّاءَ تَفْتَنُّ بالهُدى و السَّماحِ

تُنبىءُ الصّامدين كيفَ قَهَرَتِ *** الريح والموْجَ في خضَمِّ الكفَّاحِ

تُنبىءُ الصّامدينَ كيفَ تهاوى *** دُونَ شُمَّ الذُّرى غرورُ النطاحِ

كيف خُضْتِ الجهادَ حافيةَ الأقدام *** هُزءاً بجَمْرهِ و اللفّاحِ

ألهبي في كياننا جذوة الوعي *** فقد آل وقدُها للبَرَاحِ

و اسكبِي في القلوب روح الشُّجاعاتِ *** فَقَد راعَها خيالُ السَّلاحِ

***

يا غرامَ القلوبِ ينسابُ فيهن *** برَوْحِ الصَّبابَةِ الفَوَّاِح

نحنُ آلُ الغَرَامِ شيعتُك الماضونَ *** في دَرْبِ هديكِ المِسماحِ

حارَبتْنا على هواك أولُوا الطُّغيان *** من كُلِّ مُجْرمٍ سَفّاحِ

و أدارتْ ما بينَنا أكوسَ التَّهْديدِ*** ملآى بالقتلِ و الإكتساحِ

فاشْرَابَّتُ أعناقُنا تَسبِقُ البرقَ *** لتقبيل شَفْرَة الذَّباحِ

ص: 296

أيُّ حُلْم يهفُو له الصَبُّ أسمَى *** من فداءِ الحبيبِ يومَ الكفاحِ

نحنُ آل الغرامِ... أحْكَمَ حَبْلَ *** الودِّ ما بيننا صليلُ الصفاحِ

كُلُّ حُبِّ يخبُو ضياهُ و يبقى *** حبُّنا الطَّلْقُ مُشرقَ الإصباحِ

عشقُنا ألهَمَ الفَراشَ معاني *** العشقِ حتَّى استهامَ بالمصباحِ

و التَّفاني في الحُبِّ نحنُ ابتدعناهُ *** كتاباً مُدَبَّجاً بالأضاحِي

بالقلوبِ الولهى تميسُ حواشيه *** و تزهو المتونُ بالأرواحِ

تتباهى الألواحُ بالأحرفِ الزُّهر *** تباهي الحروفِ بالألواحِ

نحنُ إِن خَيَّمَ الظَّلامُ بدنيا *** ناوضجَّتْ حياتُنا بالنُّواحِ

حسبُنا السّيرُ خلفَ إشعاعة *** الحقِّ تجلَّت بنهجكِ الوضَّاحِ

و تساءلتُ في غمارِ نجاوايَ *** لأطوي الغُموضَ بالإيضاحِ

ما النشيدُ الذي هَزَزْتِ به *** الدنيا فماسَتْ عن مزهر صدَّاح؟

الأنَّ النَّبيَّ والدُك الأسمي *** مَلَكتِ الخُلودَ في الأرواح؟

و تغنَّتْ بكِ الليالي أغاريدَ *** تَعَالَتْ رُغْمَ اشتدادِ الرِّياح

فَرَوَى ليَ التاريخُ في صَفَحات *** الخَيْرِ عن فيض جُودكِ المُسْمَاحِ

و تجلَّتْ لي «العقيلةُ» تُرسي *** منهجَ الطُّهْر للغوانِي الملاحِ

و «الزكيُّ» التفاتَةٌ تسكبُ الأفراحُ *** رياً في خافقِ الأتراحِ

و«الحسينُ» انتفاضةٌ تحمل التحريريرَ *** رَمْزاً على رؤوس الرِّماحِ

و المحبّونَ ثورةٌ شلَّت البَغْيَ *** وَ أَلْقَتْهُ في قيودِ الكُسَاحِ

ثورةٌ تعبُرُ المدى ضارعَ الخدِّ *** فَتَدْعُو أفراسَهُ للجمَاحِ

هكذا جُدْتِ للسَّماءِ فحيَّتُكِ *** بزهْرٍ من خُلدِها نَفَّاحِ

ص: 297

و تساءلت عن عزائكِ فيما *** سامَكِ الدَّهرُ من ضنّى وِ نيَاحِ

ما الأماني التي وَهَبتِ لها الأضلاعَ *** قُرْبى.. في منتهى الإرتياحِ

و تَحمَّلتِ في سبيلَ مَراميها *** صُنُوف الآلامِ و الأتراحِ...

فَتَبيَّنْتُ أن غايتكِ الشَّمَّمَّاءَ *** دفعُ الفتاةِ نحو النَّجاحِ

***

آه يا بضعةَ الرَّسولِ فأحلامُكَ *** اَلَتْ جميعُها للبَرَاحِ

و الفتاةُ التي تجشَّمتِ من أجل *** هُداها الجراحَ إثر الجراحِ

عَدَلَتْ عن طريقكِ العَدْل وا *** خْتارتْ طريقاً يقودُها للطَّلاحِ

إنَّها الطَّعْنَةُ التي أَوْرَثَتْ قلبَك *** جُرْحاً يعصى على الجرَّاحِ

ها هي اليوم في المجامعِ كالرِّيشةِ *** تلهُو بها عَصُوفُ الرِّياحِ

تستطيبُ الحياةَ في زهوة الأيام *** للعيشِ حُرَّةٌ في سَرَاحِ

غَرَّها النَّاهبونَ باسمِ الحضاراتِ *** فسارَتْ وراءهُمْ في طمَاحِ

قَدْ أَجَادوا صُنْعَ النِّفَاقَ فقُلنا: *** رَحمَ اللَّهُ أدمُعَ التّمساحِ

أوقعُوها أسيرةً في حبالِ المدْحِ *** ... والمدحُ فتْنَةٌ للملاحِ

فَتَتَنَّتْ على الخداعِ و قد دارَبها *** العُجْبُ بين عُودٍ و رَاحِ

واستْبيحَتْ فَرَاقَها أن تعيشَ الذُّلَّ *** و العارَ في حَمّى مُستباحِ

***

يَا لَها من حَمَامةٍ شاقَها أفقٌ *** وحياةٌ من الخداعِ البَواحِ

حَلَّقَتْ في سماءِ دُنْياً من اللهْو *** و وَغابَتْ في نَشْوَةٍ و ارتياحِ

فادلهمَّ الفضاءُ عَنْ غيمة *** سَودَاءَ تسري بعاصفٍ لَفَّاحِ

ما استفاقَتْ إلا وقد سَلَبَتْها *** عاصفاتُ اللذَّات ريشَ الجناحِ

فَتَهاوَت على الثَّرى ترمقُ الأفقَ *** ... وعينُ الحنينِ نَهْبُ النِّياحِ

ص: 298

ما الَّذي ضَرَّها لو اخْتَارَت التَّحليق *** في ظلِّ أفْقكِ الفَيَّاحِ

حيثُ رَخْوُ النَّسيم يَسْري عليلاً *** أريحيَّ الشَّذا بكُلِّ النَّواحِي

يا بنةَ المصطفى فَمُدِّي أياديک *** ظلالاً على فَضَاها الضَّاحِي

أنقذيها على سفينتكِ النَّوراء *** من مَوْجٍ لَيْلِها الجَمَّاحِ

أنتِ أنتِ النجاةُ من لُجَّةِ التِّيه *** إذا اللجُّ تَاهَ بالملاَّحِ

ص: 299

(2) حورية إنسيةً علیها السلام

(بحر الكامل)

الحافظ البرسي الحلّي(*)(1)

ص: 300


1- (*)هو الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلّي المعروف بالحافظ، كان حياً سنة 813ه، و توفي قريباً من هذا التاريخ و البرسي نسبة إلى برس، بضم الباء و سكون الراء ثم السين المهملة قرية بين الكوفة ،و الحلة و منها أصل المترجَم له و فيها مولده و سكنه و كان يعد من أشهر علمائها في أواخر القرن الثامن، و هو طويل الباع واسع الاطلاع، و كان ماهراً في أكثر العلوم، و له يد طولى في أسرار علم الحروف و الأعداد و في الحديث و التفسير. و قال صاحب الروضات: كان معاصراً لأمثال صاحب المطوّل و السيد الشريف و الشيخ مقداد السيوري و ابن المتوج البحراني و اشتهر بالحافظ لكثرة حفظه فقد كان فقيهاً حافظاً محدثاً أديباً شاعراً مصنفاً في الاخبار و غيرها، و ذكر الاميني في الغدير تأليفاته القيمة و منها: 1- مشارق أنوار اليقين. 2- مشارق الامان و لباب حقائق الايمان. 3- رسالة في الصلوات على النبي صلي الله علیه و آله وسلم و المعصومين علیهم السلام. 4- رسالة في زيارة أميرالمؤمنين علیه السلام. 5- رسالة اللمعة في أسرار الصفات و الحروف. 6- الدر الثمين في خمسمائة آية نزلت في مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام. 7- أسرار النبي صلي الله علیه و آله وسلم و فاطمة و الأئمة علیهم السلام. 8- لوامع الأنوار، في أصول العقائد. 9- تفسير سورة الإخلاص. 10- رسالة مختصرة في التوحيد . 11-كتاب في مولد النبي صلي الله علیه و آله وسلم و فاطمة علیها السلام و فضائلهم. 12- في فضائل أميرالمؤمنين علیه السلام. 13-كتاب الألفين في وصف سادة الكونين و قد ذكرت ترجمته مفصلة في الغدير الجزء السابع فراجع.

دَمْعٌ يُبَدِّدُهُ مُقيمٌ نازحُ *** ودَمٌ يُبَدِّدُه مُقيم نازحُ

وَ العَيْنُ إِنْ أَمْسَتْ بِدَمْعِ فُجِّرَتْ *** فَجَرَتْ يَنابِيعُ هُناكَ مَوانِحُ

أَظْهَرْتُ مَكْنُونَ السُّجُونِ فَكُلَّما *** شَجَّ الأَمُونُ سجَا الحَرونَ الْجَامِحُ(1)

وَ عَلَيَّ قَدْ جُعِلَ الْأَسى تَجْدِيدُهُ *** وَقْفاً يُضافُ إِلَى الرَّحِيبِ الفاسِحُ

وَ شُهودُ ذُلِّي مَعْ غَرِيمِ صَبابَتي *** كَتَبُوا غَرامي و السقامُ الشّارِحُ

أوْهَى اصْطَبَارِي مُطلَقٌ وَ مُقَيَّدٌ *** غُرْبٌ وَ قَلْبٌ بالكآبةِ بائِحُ(2)

فَالْجَفْنُ مُنْسَجِمٌ غَرِيقٌ سائِحٌ *** وَ الْقَلْبُ مُضْطَرِمٌ حَرِيقٌ قادِحُ

وَ الْخَدُّ خَدَّدَهُ طَليقٌ فاتِرٌ *** وَ الْوَجْدُ جَدَّدَهُ مُجِدٌّ مازِحُ

أَصْبَحْتُ تَخْفِضُني الْهُمُومُ بِنَصْبِها *** وَ الجِسْمُ مُعْتَلٌ مِثالٌ لائِحُ(3)

حَلَّتْ لَهُ حُلَلُ النُّحولِ فَبُرْدُهُ *** بُرْدُ الذُّبُولِ تَحِلُ فيهِ صَفَائِحُ

وَ خَطيبُ وَجْدِي فَوْقَ مِنْبَرِ وَحْشَتِي *** لِفِراقِهِمْ لَهْوَ الْبَلِيعُ الفاصِحُ

وَ مُحَرِّمٌ حُزْنِي وَ شَوّالُ الْعَنا *** و العيدُ عِنْدِي لاعِجٌ وَ نَوائِحُ

وَ مَديدُ صَبْرِي في بَسِيط تَفَكَّرِي *** هَزَجٌ وَ دَمْعِي وَافِرٌ وَ مُسَارحُ(4)

سَارُوا فَمَعْناهُمْ وَ مَغْنَاهُمْ عَفا *** وَ اليَوْمَ فيهِ نَوائِحٌ وَ صَوائِحُ

دَرَسَ الجَديدَ جَديدُها فَتَنَكَّرَتْ *** وَرنا بها لِلْخَطب طَرْفٌ طامِحُ(5)

ص: 301


1- الشج من شجّ المفازة: قطعها. الأمون من الناقة: و ثيقة الخلق القوية. سجا يسجو سجواً: مدّ حنينه. الحرون من الدابة الذي لاينقاد، و إذا استدبر جريه وقف. الجامح: المتغلّب على راكبه و الذاهب به و هو لاينثني.
2- بائح: من باح يبوح بوحاً بسرّه: أظهره.
3- أشار الشاعر إلى مصطلحات نحوية (تخفضني) (بنصبها) و مصطلحات صرفية (معتلّ-مثال).
4- إشارة إلى أنواع الشعر.
5- رنا إليه و له: أدام النظر إليه بسكون الطرف. الطامح من طمح البصر: ارتفع و نظر شديداً.

نَسَجَ البِلى مِنْهُ مُحَقِّقُ حُسْنِهِ *** فَفَنَاؤُه ماحِي الرُّسومِ الماسِحُ

فَطَفِقْتُ أَنْدِبُهُ رَهِينُ صَبَابَةٍ *** عَدَمَ الرَّفِيقِ وَ عابَ عَنْهُ النَّاصِحُ

وَ أَقُولُ وَ الزَّفَراتُ تُذْكِي جَذْوَةً *** بَيْنَ الضُّلوع لَهَا لَهِيبٌ لافِحُ

لاغَرْوَ إِنْ غَدَرَ الزَّمانُ بِأَهْلِهِ *** وَ جَفَا وَ حَانَ وَ خَان طَرْفٌ لامِحُ

فَلَقَدْ غَوى في ظُلْم آلِ محمّدٍ *** وَعَوى عَلَيْهِمْ مِنْهُ كَلْبٌ نابِحُ

وسطا على البازي غُرابٌ أَسْحَمٌ *** وَشَبا عَلَى الأشبالِ زِنْجٌ ضَابِحُ(1)

وَ تَطَاوَلَ الكَلْبُ الْعَقُورُ فَصاولَ *** اللَّيثَ الهَصُورَ وَ ذاك أمْرٌ فادِحُ(2)

وَ تَواثَبتْ عُرْجُ الصِّباعِ وَ رَوَّعَتْ *** وَ السِّيدُ أضحَى لِلْأُسُودُ يُكافِحُ(3)

آلُ النَّبِيِّ بَنو الوَصِيَّ وَ مَنْبَعُ *** الشَّرَفِ العَلِيِّ وَ لِلْعُلُومِ مَفاتِحُ

ما تَبْلُغَ الشُّعَراءُ مِنْهُمْ في الثَّنا *** وَاللَّهُ في السَّبْعِ المَثاني مادِحُ

نَسَبٌ كَمُنْبَلِجِ الصَّباحِ وَ مُنْتَمِّى *** زاكٍ له يَعْنُو السَّماكُ الرّامِحُ(4)

و يقول فيها:

الجَدُّ خَيْرُ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدُ *** الهادِي الأمِينُ أخُو الخِتامِ الفاتِحُ

هُوَ خَاتِمٌ بَلْ فاتِحٌ بَلْ حاكِمٌ *** بَلْ شَاهِدٌ بَلْ شافِحٌ بَلْ صافِحُ

هُوَ أوَّلُ الأنوارِ بَلْ هُوَ صَفْوَةُ *** الجبّارِ و النَّشْرُ الأَرِيجُ الفائِحُ(5)

هُوَ سَيِّدُ الكَوْنَيْنِ بَلْ هُوَ *** أَشْرَفُ الثَّقَلَيْنِ حَقَّاً وَ النَّذِيرُ النَّاصِحُ

لَوْلاكَ ما خُلِقَ الزَّمانُ وَ لابَدَتْ *** لِلْعَالَمِينَ مَساجِدٌ وَ مَصابِحُ

ص: 302


1- البازي: من طيور الصيد، و له أنواع كثيرة. الأسحم: الأسود. شبا: علا. الزنج: قوم من السودان. الضابح: المتغير اللون كلون الضبح أي الرماد.
2- صاوله: و اثبه. الهصور من الأسد الذي يهصر فريسته أي يكسرها كسراً. الفادح: الصعب المثقل.
3- السِّيدُ: بسكون الياء الخفيفة: الذئب.
4- المنبلج: المشرق، المضيء.
5- النشر: الريح الطيبة -الأريج: الذي تفوح منه رائحة طيبة.

و الأم فاطِمَةُ البَتُولُ وَ بَضْعَةُ الهادِي *** الرَّسُولِ لَها المُهَيْمِنُ مانِحُ(1)

حُورِيَّةٌ إنْسِيَّةٌ لِجَلالِها *** و جمالها الْوَحْيُ المُنَزَّلُ شارحُ(2)(3)

ص: 303


1- إشارة لما ورد في النهاية في غريب الحديث باب بتل/ج2 ص64. و سميت فاطمة البتول علیها السلام لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى اللَّه. و في تاج العروس عن الزمخشري قال لقبت فاطمة بنت سيد المرسلين «عليهما الصلاة و السلام» و على ذريتهما (بالبتول) تشبيهاً بها في المنزلة عند الله «تعالى».
2- و ذلك إشارة لما ورد في مولد فاطمة علیها السلام، لابن بابويه يرفعه إلى أسماء بنت عميس، قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: و قد كنت شهدت فاطمة علیها السلام و قد ولدت بعض ولدها فلم أرَ لها دماً فقال صلي الله علیه و آله و سلم: إن فاطمة علیها السلام خلقت حوريّة في صورة إنسيّة.
3- القصيدة في (100) بيت -الغدير ج7 ص57.

(3) فبعين اللَّه

(بحر الرّمل)

الشيخ عبد الكريم الممتن(*)(1)

أيُّها الغافِلُ لايُلْتَ نَجاحا *** خَالِفِ النَّفْسَ وَدَع عَنْكَ المِلاحا

وَ أَفِقْ مِنْ سَكْرةِ الْعَيِّ و لا *** تَحْسَبَنَّ الْجِدَّ مِنْ قَوْلي مِزاحا

كَمْ تُمارِي فِي الْهَوى لا تَرْعَوِي *** وَ غُرابُ الْبَيْنِ يَدْعُوكَ الرَّواحا(2)

ص: 304


1- (*) هو الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد الممتن الأحسائي الجبيلي ولد، في قرية (الجبيل) بالأحساء سنة (1304ه_) و بها نشأ و ترعرع تحت رعاية والده الشيخ حسين، فكان أوائل تحصيله العلمي على يد والده، و بعد وفاته التحق بالحوزة العلمية في مدينة الهفوف، و حضر مدة عند الحجة الكبير الشيخ موسى أبوخمسين، ثم انتقل إلى النجف الاشرف للتزود من العلم، فحضر هناك لدى جملة من العلماء الاعلام، منهم العلامة الحجة السيد ناصر الاحسائي و عند المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم. و بعد أن أخذ قسطاً وافراً من العلم و أصبح في عداد العلماء الكاملين عاد إلى مسقط رأسه و مسكن أسرته (الأحساء) و هو يحمل الوكالة الشرعية عن أستاذه الكبير السيد الحكيم. و قد اعترف معاصروه بأنه: غزير العلم، جليل القدر، فقيه، عارف، متفوق في كثير من العلوم سيّما في علم النحو و المنطق و في الفلسفة و الكلام و كانت له يد طولى في علم الفلك أيضاً، و بالاضافة إلى فضيلته العلمية كان شاعراً مبدعاً و قد ذكره الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي قائلاً عنه: (الشيخ عبد الكريم الممتن كان من الشعراء المتأخرين الذين عاشوا في هذا القرن و لانجازف إذا قلنا: إنه يأتي في الطبقة الأولى من شعراء قطره الاحساء، بل إنه بشاعريته يحاكي أدباء و شعراء النجف و الحلة». و كان أستاذاً و معلماً بارعاً تخرّج عليه عدد من رجال الدين الأفاضل. وفاته: وافاه الأجل المحتوم في قرية الجبيل بالاحساء ليلة الجمعة 12 رجب سنة (1375ه_)، و دفن جثمانه الطاهر في مقبرة الجبيل.
2- تُماري: تجادل و تنازع. لاترعوي: لا تكفّ البَين: البعد و الفراق و الموت.

كَيْفَ لاتُفْلِعُ عَنْ مَعْصِيَةٍ *** وَ نَذِيرُ الشَّيْبِ فِي الْمَفْرِقِ لاحا

أذِنَتْ فِيكَ الليالي بِالْفَنا *** وَدَنَا المَوْتُ مَساءً أَوْ صَباحا

أَنْتَ مِنْ فَوْقِ مَعَى الأيام وَ الفَلَكُ *** الأَطْلَسُ يَحْدُوكَ لِحاحا

فَاتَّخِذْ زاداً مِنَ التَّقْوَى وَكُنْ *** خَافِضاً للَّهِ مِنْ ذُلِّ جَناحا

مُعْرِضاً عَنْ زَهْرَةِ الدُّنيا فَهَلْ *** لِفَتَى يَغْتَرُّ في الدُّنيا فَلاحا

إنّها دارُ غُرورِ طَبْعُها *** الغَدْرُ وَ الْمَكْرُ فَبُعْداً وَ انْتِزاحا

أَوَ لَمْ تَسْمَعْ بِما قَدْ صَنَعَتْ *** بِبَنِي أَحْمَدَ لَمْ تَخْشَ افتضاحا؟

شَئَتَتْهُمْ فِرَقاً وَ اجْتَرَحَتْ *** سَيِّنَاتٍ تَمْلَأُ الْقَلْبَ جراحا

صوَّبَتْ فيهم سهاماً لَمْ تُصِبْ *** غَيْرَ قَلْبٍ الدِّينِ و اسْتَلَّتْ صِفاحا(1)

أَظْهَرَتْ أَنْبَاؤُها ما أَضْمَرَتْ *** وَ اسْتَباحُوا كُلَّ ما لَيْسَ مُباحا

عَقَدُوا الشُّورى و خَلَّوابَيْعَةً *** أَنْكَحُوها حَبْتراً ساءَ نكاحا

وَيْلَهُمْ ما نَقِمُوا مِنْ حَيْدَرٍ *** زَوَّجُوها مِنْ أخِي تَيْمٍ سِفاحا

وَ اسْتَباحُوا إِرْثَ بِنْتِ المُصْطَفَى *** أَيُّ شَرْعِ لَهُمُ ذاك أباحا(2)

لَيْتَ ذَا أَغْنَاهُمُ عَنْ عَصْرِها *** عَصْرَةٌ مِنْهَا ابْنُها المُحْسِنُ طاحا(3)

ص: 305


1- الصفاح: السیوف العریضة.
2- إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام عن إرثها فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها، فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر الله «تعالى»؟
3- إشارة إلى عصر الزهراء علیها السلام بين الحائط و الباب وإسقاطها جنينها المحسن كما روي في البحار ج53 ص18 ضمن باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف). و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتى صار كالدُّملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها اياه.

ثُمَّ لَمْ يَقْتَنِعُوا بَلْ أَمَرُوا *** (قُنْفُذاً) بالسَّوْطِ يَكْسُوها وِشاحا(1)

لَيْتَ شِعْرِي أَيَّ ذَنْبٍ أَذْنَبَتْ *** فَاسْتَحَقَّتْ مِنْ (عَدِيٍّ) أَنْ تُجاحا

لَطَمَ الْوَجْهَ فَأَدْمَى عَيْنَها *** و انْثَنَى يَصْفِقُ كَفَّيْهِ ابْتِجاحا(2)

حَرَّ قَلْبِي لِطغاةٍ هَجَمُوا *** بَيْتَ قُدْسِ شَرَفاً فاق الضُّراحا

ثُمَّ قَادُوا أَسَدَ اللَّهِ فَيا *** أَعْيُنَ الْعَلْيَا اسْكُبِي الدَّمْعَ انْسِفاحا

أَشْخَصُوا فَوَّارةَ العِلْمِ عَلى *** حالَةٍ طَبَّقَتٍ الدُّنيا صِياحا

أَوْقَفُوهُ عِنْدَتَيْمٍ مَوْقِفاً *** ماجَ قَبْرُ المُصْطَفَى فِيهِ نِياحا

فَبِعَيْنِ اللَّهِ (تَيْمٌ) تَرَكُوا *** حَرَمَ اللَّهِ صَرِيعاً مُسْتَباحا

و بِرَغْم المَجْدِ أَنْ يَحْنَوشُوا *** طَوْدَ عِزِّ ما لَوى ذُلاَّ جَناحا

بِأَبِي فَرْداً عَلَيْهِ اعْصَوْصَبَتْ *** عُصَبٌ رَامَتْ لِيُمْنَاهُ افتِتاحا(3)

يَرْفَعُ الطَّرْفَ وَ يَشْكُو تارةً *** وَ بِأَخْرى يَلْمَحُ القَبْرَ ارْتِياحا

وَ هَلُمَّ الخَطْبَ في فَاطِمَةٍ *** مُذْعَدَتْ خَلْفَهُمُ تُبْدِي النِّياحا(4)

هِيَ تَدْعُو أيها الناسُ دَعُوا *** خَيْرَ كُلِّ الْخَلْقِ جُوداً وَ سَماحا

ص: 306


1- تقدم ما ورد عن ذلك في كتاب سليم بن قيس ص40 فراجع.
2- ابتجاحا: ميلاناً عن الطريق و العدول عنه.
3- اعصوصبت عُصَب: اجتمعت و تألبت. رامت: قصدتْ.
4- لعله إشارة إلى خروج فاطمة علیها السلام من بيتها إلى أبي بكر بعدما أخذوا الإمام مكبلاً لكي يبايع. فقد روي في روي في كتاب تفسير العياشي في تفسير الآية (150) من سورة الأعراف فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ -واللَّه- لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي.

(4) إمش خلف المرتضى علیه السلام

(بحر الرمل)

الشيخ عبد الكريم الممتن(*)(1)

و قد خمَس القصيدة السابقة

الشيخ قيس العطار(** )(2)

هذه الدنيا تناديكَ صراحا *** لرحيل عاجلٍ ليلاً صباحا

كفَّ من نفسكَ يا هذا جماحا *** «أيّها الغافل لانِلْتَ نجاحا

خالِفِ النفسَ ودع عنك الملاحا»

***

لاتغرَّنكَ بيضاءُ الطلى *** إنها واللَّهِ شرِّ و بلا

خالفِ النفسَ تنلْ أعلى العُلى *** «و أفِق من سكرةِ الغىّ و لا

تحسبنَ الجِدَّ من قولِي مزاحا»

***

لا يغرَّنك إبليسُ الغوِي *** إنّه يزوي عن الدربِ السوِي

كم عن اللَّهِ ضلالاً تنتوِي *** «كم تماري في الهوى لاترعوي

و غرابُ البين يدعوكَ الرَّواحا»

***

ص: 307


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- (**)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

كم ليالٍ قد مضتْ مدبرةٍ *** و ليالٍ مثلها مقبلةٍ

شِبْتَ منها فهي أجلى عِضَةٍ *** «كيف لا تقلع عن معصيةٍ

و نذيرُ الشيبِ في المفرقِ لاحا»

***

لاتخَلْ أنّكَ باقٍ ههنا *** إنّما الدنيا خَدُوعٌ فرتَنى

أيّها الجاهلُ دعَ طولَ المنى *** «أذنتْ فيكَ الليالي بالفنا

ودنا الموتُ مساءً و صباحا»

***

هذه الدنا كما كانتْ دُولْ *** غدرتْ قبلكَ بالناس الأوَلْ

كل من فيها لها قسراً خَوّلْ *** «أنتَ من فوقِ مطى الأيّامِ

والفلكُ الأطلسُ يحدوكِ لحاحا»

***

سر على هدي خطى من لم يَخُنُ *** ولآلِ المصطفى ويحكَ صُنْ

إن منْ لم يتبَع الآل يَهُنْ *** «فاتخذْ زاداً من التقوى و كُنْ

خافضاًللّه من ذُلِّ جناحا»

***

فالعن الشيخين أتباعَ هُبَلْ *** والأُلى قد نكثُوا يومَ الجَمَلْ

وامشِ خلف المرتضى الليثِّ البطلْ *** «معرضاً عن زهرةِ الدنيا و هلْ

لفتَّى يغترُّ في الدنيا فلاحا»

***

ص: 308

و العنِ النغلَ ابنَ هندٍ ذا الذُّحَلْ *** ثم منْ تابع ذا الثديِّ الأَذَلْ

لا تَقُلْ يا صاحبي قولاً خَطَلْ: *** «إنّها دارُ غرورِ طبعُها

الغدرُ و المكرُ فبُعداً و انتزاحا»

***

فِتنٌ ملعونةٌ قد وقعتْ *** حيدراً عن حقّه قد دَفَعَتْ

عجباً أُذُنُكَ منها ما وعتْ *** «أوَ لم تسمعْ بما قد صنعتْ

ببني أحمدَ لم تخشَ افتضاحا»

***

لا تقلْ دنیاهُمُ ما نصحتْ *** بل هي الفلتةُ لما نبحَتْ

كُلَّ آل المصطفى قد ذبحتْ *** «شتّتتهم فِرقاً و اجترحتْ

سيئاتِ تملأُ القلبَ جراحا»

***

فالعن الطاغوت و الجبت تُصِبْ *** و إذا استشكلتَ في هذا تَخِبْ

كفهُم للآلِ راحتْ تستلبْ *** «صوّبتْ فيهم سهاماً لم تُصِبْ

غير قلبِ الدين و استلّتْ صفاحا»

***

لُعِنت بيعتهم هل قد دَرَتْ *** أنّها نافع سُمِّ قد مَرَتْ

بل لدفنِ المصطفى ما حضرتْ *** «أظهرت أبناؤُها ما أضمرتْ

و استباحت كلَّ ما ليسَ مباحا»

***

صيَّروا الإمرةَ فيهم سلعةً *** و أشاعُوا الغدرَ ساءت شرعةً

بعد أن مات عتيقُ ضعةً *** «عقدُوا الشورى و حلوا بيعةً

أنكحوها حبتراً ساءَ نكاحا»

ص: 309

أمروا كل وضيعِ مُفتر *** زفرٍ أو نعثلٍ أو حبترِ

خيَّب الله لهم من معشرِ *** «ويلهم ما نقموا من حیدرِ

زوجوها من أخي تیمٍ سفاحا»

***

حادث أنَّت له صُمُّ الصَّفا *** فعلى ما قد جنى القومُ العفا

أنكرُوا النحلةَ منها جنفا *** و استباحُوا إرثَ بنتِ المصطفى

أيّ شرعِ لهمُ الإرثَ أباحا»

***

أبرزُوا فاطمةً من خدِرها *** ثم رضّوا أضلعاً من صدرِها

بل أضاعْوا أثراً من قبرِها *** «اليتَ ذا أغناهُمُ عن عصرها بل

عصرةً منها ابنُها المحسنُ طاحا»

***

نفّذواماقدعليهِ ائتمروا *** يوم خُمِّ والذي قد دبَّروا

أحرقَ البابَ بنارٍ عُمَرُ *** «ثم لم يقتنعُوا بل أمَروا

قنفذاً بالسوطِ يكسوها وشاحا»

***

فعلامَ الدارُ ناراً أُلهبتْ *** و علامَ الطهرُ جهراً ضُربتْ

و لِمَ الأثدا دماءَ شَخبَتْ *** «ليت شعري أيُّ ذنبٍ أذنبتْ

فاستحقتْ من عديٍ من عدي أن تجاحا»

***

هجَمَ الثاني ينادي ايْنَها *** فعديِّ سوفَ تقضي دينَها

ص: 310

بقلوبٍ لم تفارِق رينَها *** «لطمَ الوجهَ فأدمى عينَها

و انثنى يصفقُ كفّيه ابتجاحا»

***

يالقومِ ليسَ فيهم مسلمُ *** لاهب النارَ عليها أضرموا

و هي إذ تدعو أباها تُلطَمُ *** «حرَّ قلبي لطغاةٍ هجمُوا

بيتَ قدسٍ شرفاً فاقَ الضراحا»

****

نزعوا عن كنههم ثوبَ الحيا *** وسعَوْا أن يخمدُوا منها الضِّيا

رمَّموا الكرارَ يدعُو شاكياً *** «ثمّ قادُوا أسدَالله فيا

أعينَ العليا اسكبِي الدمعَ انسفاحا»

***

سحبوهُ عنوةً بين الملا *** صبَّ ربّي فوقهمْ سوطَ البِّلا

و من الطغيان ضلّوا السُّبُلا *** «أشخصوا فوّارةَ العلمِ على

حالةٍ طبَّقتِ الدنيا صياحا»

***

لم يبايعْ قطُّ لكن جَنَفا *** قيل: بايِعْ أو ستلقى تَلَفا

جعلُوه للرزايا هدفا *** «أوقفوُه عند تیمٍ موقفا

ماجَ قبرُ المصطفى فيه نياحا»

***

قد بدا من ذي النفاق الحَسَكُ *** و بربِّ الكون طرّاً أشركُوا

ص: 311

أيّ دربِّ مظلمٍ قدسلكوا *** «فبعینِ اللَّه تیمٌ ترکُوا

حرمَ اللَّه صريعاً مستباحا»

***

من دمِ الآلِ ارتووا إذ عطشوا *** و للحم المصطفى قد نهشُوا

فبعينِ اللَّه ما قد بطشُوا *** و برغم المجدِ أن يحتوشُوا

طودَ عزّ مالوی ذلًّا جناحا»

***

زمرةُ الغدرِ كتاباً كتبتْ *** ثمّ بعدَ المصطفى قد وثبَتْ

لعليٍّ بحبالٍ سحبَتْ *** «بأبي فرداً عليه اعصوصبتْ

عُصَبٌ رامتْ ليمناهُ افتتاحا»

***

أسرعتْ زمرتُهُم منهارةْ *** صَرَخَتْ: بايَعَنَا، غدّارةْ

و عليُّ نفُسه محتارةْ *** «يرفعُ الطرفَ ويشكو تارةْ

وبأخرى يلمحُ القبر ارتياحا»

***

ما جرى من خطةٍ آئِمة *** و حقودٍ قلبُهُم لازمَة

كلَّ ذا دعْ عنك من لائمة *** «و هَلُمَّ الخطبَ في فاطمة

مذ دعت خلفَهُم تُبدِي النياحا»

***

صرختْ فيهم و لامَن يسمعُ *** بل بكفِّ الرجسِ راحت تُصفَعُ

تارةَ تمشي و طوراً تَقعُ *** «و هي تدعو أيّها الناسُ دعوا

خيرَ كل الخلقِ جوداً و سماحا»

***

ص: 312

(5) الزهراء علیها السلام نهج

(بحرالوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أرى كَبِدِي تُمَزْقُهَا الْقُرُوحُ *** وَمِلْءُ دَمِي الْحَرَائِقُ وَ الجُروحُ

نَكَأْتُ شِغَافَها ضَرَماً وَ سُهْداً *** وَ عَيَّفْتُ الْمُنَى فَهَوى السَّنِيحُ(2)

شَرَائِدُ في مهبِّ الرِّيحِ طَيْرِي *** تُؤوِّبُها المَذائِبُ والسُّفُوحُ(3)

أرى ظِلَّ الْمَجَرَّةِ سَمْهَرِياً *** يُلاحِقُنِي وَ غِيلاناً تَلُوحُ(4)

حَائِبُ جَانَفَتْهَا الْمُزْنُ جُهْماً *** فَلاوَدْقٌ بِهِنَّ وَلا نُضُوحُ(5)

فَفِيمَ تَزُمُّ مَخْطِمِيَ اللَّيالِي *** وَ تُمْعِنُ في مَخارِقِيَ النَّصُوحُ(6)

وَ تُصْلِينِي الْهَواجِرُ في لَظاها *** وَ ظِلُّ اللَّهِ مُنْفَرِجٌ فَسِيحُ

أُدارِي نَفْقَةَ التِّنِّينِ وَهْناً *** فَما يَهْدا بهِ كِبراً فَحِيحُ(7)

وَ أَقْرِي الذَّئْبَ مِنْ رَهَبٍ طَعَامِي *** وَ فَوْقَ خِوانِيَ الْأَمَلُ الذَّبِيحُ(8)

ص: 313


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- نكأتُ قشرتُ الشغاف: غلاف القلب أو حبّة القلب -ضَرَماً: جمرة، ناراً. سُهْداً:أَرَقاً. السّنيح: هو السانح و هو الذي يأتي من جانب اليمين والعرب تتفاءَل به.
3- شرائد: جمع شريدة و هي الطريدة أو بقية الشيء.
4- سمهرياً: رُمحاً صلباً. غيلان: جمع غول، و أراد به هنا الشرّ.
5- جانفتها المُزن: انفصلت عنها الأمطار. جُهماً: عابسات الوجه. وَدْق: مَطَر.
6- تزمَ: تربط و تشدّ. مخطمي: أنفي. مخارقي: المنافذ المعلومة في البدن كالفم و الأنف.
7- التنيّن: الأفعى. فحيح صوتُ الأفعى من فمها.
8- أقري: أطعم. رهبٍ: خوفٍ. خِوان: ما يُوضع عليه الطعام ليُؤكل.

وَ ما وَسَّعْتُ مِنْ خَطْوِي انْتِفَاجا *** وَ لاَبَاهَلْتُ إِذْ فَرَسِي جَمُوحُ(1)

وَ لَمْ آلُ الْمَكَارِمَ وَهْيَ حَبْلٌ *** إلى الجُلَّى وَ حَمْلٌ لا يَطِيحُ

بَنُو الدُّنْيَا مَحَضْتُهُمُ إخاءً *** وَ لاكَالْوُدُ فَوَازُ رَبِيحُ

أَرَى الإِنْسانَ مِنْ خَلَلِ التَّعَاضِي *** وَ خَيْرُ أَرُومَةٍ طَبْعٌ سَجِيعُ(2)

وَ بَرّأتُ العَقيدَةَ مِنْ جُمُودٍ *** بَطيء الْخَطَّ حَامِلُها طَلِيحُ

وَ إِنِّي إِذْ أَرَى الزَّهْراءَ نَهْجاً *** عَلى سُفُنٍ فَمَنْهَجِيَ الْوُضُوحُ(3)

فَما غَالَيْتُ في حُبِّي اعْتِسافاً *** وَ قَدْ يَغْلُو عَلى لَسَنٍ مَدِيحُ

وَما ما حَكَتُ حَقّاً مِنْ سِوَاهُ *** وَ عِنْدَ الْغُلبِ يُخْتارُ الْمُتِيحُ

وَ بِنْتُ المُصْطَفى أَزْكَى نِجَاراً *** وَ تُعْرَفُ مِنْ مَهاوِيهَا السُّطُوحُ

فَمَنْ أَسْنَى مَحاريباً وَ أَبْكَى *** تَهاجِيداً و أَدْمُعُها سُفُوحُ(4)

وَ مَنْ أكْوَى بِمَظْلَمَةٍ فُؤاداً *** وَ قَدْ عَزَّ الْمُناصِرُ وَ النَّصِيحُ

إِذا غَلَتِ النُّفوسُ فَلا خَساراً *** وما الدّنيا سِوى وَهْمٍ يَزِيحُ

ص: 314


1- انتفاجاً: افتخاراً بما ليس عندي. باهَلْتُ: تلاعنتُ:جموح فرس متغلَب على راكبه و لاينثني له.
2- أرومة: حَسَبٌ. سجيع: قاصد لايميل عن قصده و عدله.
3- يشير في هذا البيت إلى كون أهل البيت علیهم السلام هم كسفينة نوح كما ورد في تفسير الدر المنثور ج1 ص71 قال: أخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح و كباب حطة في بني إسرائيل.
4- محاريب: أصحاب الحرب و الشجعان. تهاجيد: المصلين في الليل الساهرين. سفوح: مراقة، منصبة. و قد تقدمت ترجمة الشاعر فى هذا الجزء.

(6) عزيزة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

سَلَبُوا حِجَاهُ فَما عَلَيْهِ جُناحُ *** لَوْجُنَّ إذْ مِنْهُ أُهِيضَ جَناحُ

هَيْهاتَ يَأْنَسُ بالسُّلُوِ وَ لَوْرَقى *** لِلْخُلْدِ لَمْ تَخْلُدْ بِهِ أَفْراحُ

فَالجُلْدُ في حَالِ الْجَفَا فَشَلُ وفي *** حالِ اللقا حَتَّى الجَحِيمِ نَجاحُ

مَنْ لي بِلَيْلِ كِدْتُ أَثْمَلُ بِالْهَنَا *** جُلِبَتْ عَلَيَّ بِوَصْلِهِ أَقداحُ

قَدْ كِدْتُ أنْ أصِلَ السَّمَاءَ مَسَرَّةً *** إِذْ ضَمَّنِي بالوَصْل مِنْهُ وِ شاحُ

لَيْلٌ لَمَسْتُ بِهِ نَعِيمَ الْخُلْدِ إِذْ *** فِيهِ بروحي قَدْ سَرتُ أَزْواحُ

لَوْ كُنْتُ فيهِ أَعَرْتُ قلبي سُؤلَهُ *** أُنساً لَشُقَّ بِهِ الضُّلُوعَ جَنَاحُ

لَكِنّني دَوْماً مِنَ الدُّنْيا عَلى *** حَذَرٍ فَفِيهَا الصَّفْوُ لَيْسَ يُبَاحُ

لَذَّاتُها أَشباحُ طَيْفٍ قَدْ سَرَى *** وَ هَلِ اللَّبِيبُ تَمُزُّهُ الْأَشْباحُ(2)

ما بتُّ لَيْلَ الْوَصْلِ الأخائِفاً *** أَنْ يَأْتِني بالصُّدودِ ضَيَاحُ(3)

وَ إذَا الْقَضَاءُ كَما ارْتَأَيْتُ فَلَمْ أَزِدْ *** عِلماً بِهِ إذْ نَابَتِ الأتْراحُ

يا نَفْسُ صَبْراً ما بِذِي الدُّنْيا هَوًى *** فَالْأَنْسُ غَسٍّ وَ الصَّلاحُ طَلاحُ(4)

كُمْ خَادَعَتْ قَوْماً بِسِلْمٍ ظَاهِرٍ *** فَأَبَادَهُمْ مِمَّا تُجِنَّ كِفَاحُ

ص: 315


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- اللّبيب: العاقل. تمزّه: تمصُّه.
3- الصدود: مفردها (صَدّاء) و هي ركية عذبة الماء. ضياح لبن ممزوج بالماء.
4- غَسٌ: عَيبٌ. طَلاح: فساد.

أَغْرَتْهُمُ طَمَعاً كَمَا أَغْرَى الْعِدَى *** بِنْتَ النَّبِيِّ بما سَعَوْا وَ أَناحُوا

***

إِذْ كَانَ يَأْمُلُ كُلُّ فَرْدِ يَحْتَظِي *** وَصْلاً بِمَنْ هِيَ لِلْهُدَى مِصْبَاحُ

إذْ فَضْلُهَا عَمَّتْ بِهِ الْأَنْبا كَمَا *** فَاحَتْ بِنَشْرِ الْأَقْحُوانِ رِياحُ

وَ مِنَ النَّبِيِّ فَكَمْ بَدَتْ في فَضْلِها *** مِدَحٌ بِرُوضِ المَجْدِ لَهْيَ أقاحُ(1)

فأتى لِنَيْلِ الْوَصْلِ كُلِّ باذلاً *** ما قُدْرَتْ في وُسْعِهِ الأَكْدَاحُ

فَيُجِيبُهُمْ يا قَوْمُ أُغْلِقَ أَمْرُها *** بِيَدِ المَلِيكِ فَما لَهُ مِفْتَاحُ(2)

ص: 316


1- أقاح: جمع الأقحوان نبات أوراق زهره معلَّجة صغيرة يشبهون بها الأسنان. و في البيت إشارة إلى أحاديث النبي صلي الله علیه و آله و سلم في فضل الصدّيقة الطاهرة فاطمة علیها السلام و من تلك الأحاديث ما روي في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 بسنده عن سعد بن مالك. قال: قال رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني جبرئيل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي خديجة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام. و روي أيضاً في كتاب ذخائر العقبى ص44 قال: روى الملا في سيرته أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أتاني جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها و واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمةعلیها السلام فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني، فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش لتأتينها فيلين منها ما تلي النساء ممن تلد فلم يفعلن و قلن: لا نأتيك و قد صرت زوجة محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى و قالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أم عيسى علیه السلام، جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء قالت: فولدت فاطمة «سلام الله عليها»، فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها، و روى صاحب كنز العمال ج6 ص219 و لفظه : إنها سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبّيها عن النار، قال: أخرجه الديلمي عن أبي هريرة يعني عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم، و روى أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص520 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: و كانت فاطمة علیها السلام تكنّى أم أبيها. و روى أحمد بن حنبل أيضاً بن حنبل أيضاً في مسنده ج5 ص275 كان رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة علیها السلام و أول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة علیها السلام، رواه البيهقي أيضاً في سننه ج1 ص26.
2- إشارة إلى مجيء القوم لخطبة الزهراء علیها السلام ولكن الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و كان يرفض ذلك فقد روي في كتاب المناقب ج2 ص30 ، إن أبابكر خطب إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فقال: انتظر لها القضاء.

لِلْكُلِّ أَوْضَحَ أَنَّهُ في أَمْرِها *** يَرْجُو الخِطابَ فَلَمْ يُفِدْ إيضاحُ(1)

حَتَّى غَدا يَعِدُ الشَّكايةَ مَنْ أتى *** عَوْداً لها إذْ سَاءَهُ الْإِلْحَاحُ

وَبِذَاكَ أَغْرَوْا حَيْدِراً حَسَداً لَهُ *** كَيْمَا يَحِلَّ بِهِ الْبَلا الْمُجْتاحُ

فَأَتَوْهُ في حَرْثٍ لَهُ قَدْ أَضْمَرُوا *** غَيْرَ الَّذِي قَدْ أَظْهَرُوا وَ أَبَاحُوا

إنْ لَمْ يَشُحَّ بها النَّبِيُّ عَلَى الوَرى *** إلا إلَيْكَ فَمَا سِواكَ صَلاحُ

وَ مَضَى عَلى أَثَرِ الْمَشُورَةِ خاطباً *** وَ قَدِ اقْتَفَوْهُ كَمَنْ لَهُ نُصَاحُ

وَ عَلَى النَّبِيِّ الوَحْيُ قَبْلَ بِلُوغِهِمْ *** حَيَا بِمَا نَزَلُوا بِهِ وَ أَرَاحُوا

أنْ زَوّج النُّورَ العَلِيَّ بِنُورِكَ *** النَّبوِيِّ فَهْوَ لِضَوْنِهِ مِصْباحُ(2)

***

فَأَجَابَهُ إِذْ جَاءَ يُصْدِقُها لَهُ *** بِالدِّرْعِ وَ الْتَمَعَتْ بهِ الأَرْبَاحُ

وَ أتَى النَّبِيُّ بِهِمْ خَطِيباً إنّما *** فِيهِ فَتَمَّتْ في علي الفتاح

وَ هُنَاكَ عَمَّتْ أَوْجُهُ القَوْمِ الأُولى *** كادُوا لَهُ وَ إِذَا الفَسادُ صَلاحُ

كَادُوهُ حُسْراً فَاحْتظَى خَيْراً وَ كَمْ *** فَشَلُ امْرِى لِسَواهُ قَامَ نَجاحُ

فَتَمَيَّزُوا حَسَداً وَ جَدُوا جُهْدَهُمْ *** أَنْ لايَكُونَ لَهَا بِهِ أَجْنَاحُ

ص: 317


1- إشارة إلى المعنى المتقدم فقد روي في كتاب مسند أحمد، باب الفضائل ج3 ص123 أن أبابكر و عمر خطبا إلى النبى صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام مرَّة بعد أخرى فردّهما.
2- إشارة إلى أمر الباري «تعالى» لرسوله صلي الله علیه و آله و سلم بأن فاطمة علیها السلام من علی علیه السلام. في ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك (الحديث) قال: أخرجه الملا في سيرته. و روى أيضاً صاحب كنز العمال ج2 ص152 قال: إن الله امرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204 و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي أيضاً في فيض القدير في المتن ج2 ص215 وقال: رواه الطبراني عن ابن مسعود و هو حسن، و في كنوز الحقائق ص29، و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص74 و قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود.

وَ غَدَتْ تَسُوقُ إلى البَتُولِ مِنَ النّسا *** مَنْ كادَ يَثْنِيهَا لَهُنَّ جِمَاحُ(1)

إذما وَعَتْ مِنْهُنَّ فِيهِ نَقائِصاً *** وَ مَساوِئاً طَفَحَتْ بِهَا الْأَتْرَاحُ

مُلِئَتْ جَوانِحُها سَامَةَ قُرْبِهِ *** فَغَدَتْ تَفِيضُ بِقَلْبِها الْأَرْزَاحُ(2)

حَتَّى إذا جَاءَ النَّبِيُّ وَ لَمْ يَزَلْ *** مِنْهُ عُدوّ نَحْوَها وَ رَواحُ(3)

أَفْشَتْ لَهُ هَجْوَ النِّسَاءِ بِحَيْدَرٍ *** فَغَدابِهِ عَنْهَا القِنَاعُ يُشاحُ

وَ إذَا الْمَثَالِبُ حُوِّلَتْ بِمَنَاقِبِ *** و الْمُدَّعَى غَسَقاً هُدًى وَ صَباحُ(4)

***

قَالَتْ إِذا كانَ الجَلِيلُ اخْتارَهُ *** فَالمَهْرُ لَيْسَ له بِوَزْنِ ساحُ(5)

إنِّي رَضِيتُ بهِ قَرِيناً لي و لا *** أرْضَى الصَّداقَ فَصِدْقُهُ مُنْزَاحُ

وَ إِذا أَمينُ الْوَحْيِ يَهْتِفُ قُلْ لها *** في المَهْرِ لَيْسَ عَلَيْكِ ثَمَّ مُشَاحُ

فَإِلَيْكِ رُبعَ الأَرْضِ مَهْراً مَنْ وَطى *** فيها وَ لاَيَهْواكِ لَيْسَ يُبَاحُ

قَالَتْ رَضِيتُ المُرْتَضَى بَعْلاً وَلَكِنَّ *** الصَّداق به تَشُلُ الرَّاحُ

فَأَتَى الأَمِينُ يَقُولُ أَصْدِقها بما *** مِنْهُ الظَّمَاءُ عَنِ العِبَادِ يُزاحُ

بِحَصَى الزَّبَرْجَدِ وَ العَقِيقِ وَ كُلّما *** سَاواهما فِيهِ الْغَدُ الوَضَاحُ

قَالَتْ رَضِيتُ المُرْتَضَى بَعْلاً وَ إِنْ *** كانَ الصَّداقْ بِهِ تَشُلُّ الرَّاحُ

فَأَتَى الأمينُ يَقُولُ أَصْدِقها *** باًنهارٍ ثَمَانِيَةٍ بِهنَّ تُمَاحُ

فَلَهَا الفُراتُ وَ نَهْرُ سَيْحُونٍ وَجَيْحُونٍ *** وَ نَهْرُ النَّيلِ حَيْثُ تُساحُ(6)

ص: 318


1- جماح: جمحت المرأة زوجها أي تركته و غادرت بيتها إلى أهلها، و جمح الرجل إذا ركب هواه و أسرع إلى الشيء و لم يمكن رده.
2- الأرزاح: الضعف و سوء الحال.
3- غدو و رواح: الغدو: ما بين الفجر و طلوع الشمس و الرواح: العشي.
4- المثالب: جمع المثلبة و هي العيب.
5- ساح: الساحة.
6- سيحون و جيحون: نهران في تركيا.

وَ الشَّهْدُ وَ التَّسْنِيمُ -ثَمَّ- وَ سَلْسَبيلٌ *** وَ الرَّحِيقُ لَدَى النَّعِيمِ تُباحُ(1)

قَالَتْ رَضِيتُ المُرْتَضَى بَعْلاً وَلَكِنَّ *** الصَّداق بِهِ تَشلُّ الرَّاحُ

لَمْ تُلْغْ ذَلِكَ ُكلَّهُ طَمعاً بِما *** هُوَمِنْهُ أَعْلَى بِالحَياةِ يُشَاحُ

لكِنَّ مَرْمَى كُلِّ عالٍ فِكْرُهُ *** نَحْوَ الرُّقِيِّ لما بهِ الْإِصْلاحُ

وَ لِذاكَ لَمْ تَرْضَ الصَّدَاقَ لَها سوى *** أنْ لاتَبُوءَ بِقَوْمِها الْأَرْزَاحُ

رَضِيَتْ لَها مَهْراً شَفَاعَتَها غَداً *** فِيمَنْ تُحِبُّ فَبَرَّهَا المَنَّاحُ

وَ بِقَدْرِ ما مُنِحَتْ فَأَدَّتْ شُكْرَهُ *** مُحِنَتْ فَضَاقَ لِصَبْرِهَا الْأَفْسَاحُ

***

فَلَقَدْ رَأَتْ مَعْ قصْرِ مُدَّتِها أَذًى *** وَ مَصائِباً عَنْهَا تَضِيقُ بِطَاحُ(2)

مِنْ عَصْرِهَا بِالْبَابِ إِذْ دَخَلُوا بِلا *** إِذْنِ عَلَيْها و القِناعُ يُشَاحُ(3)

فكَسَرْنَ أَضْلُعَها وَ أُسْقِطَ حَمْلُهَا *** وَ بِلَطْمِهَا فِي الْخَدِّ بانَ جِراحُ(4)

وَ كَمَنْعِها عَنْ إِرْثِها وَ بُكائِها *** وَ بِهِ غَدَتْ عَنْ بَيْتِها تَنْزَاحُ(5)

ص: 319


1- الشهد: العسل ما دام لم يعصر من شمعه. التسنيم: ماء في الجنة يتنزل من علوٍ. سلسبيل: اسم عين في الجنة. رحيق: ضرب من الطيب.
2- بطاح: مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصى و مفرده البطحاء.
3- إشارة إلى عصر الزهراء علیها السلام بين الحائط و الباب، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص38 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن -إلى أن يقول- فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط.
4- انظر ما ورد عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في كتاب سليم بن قيس ص38 و ص40 حديث طويل قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن. و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم -إلى أن يقول- سلمان فأرسل عمر إلى قنفذ اضربها فالجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها.
5- إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام من إرثها. كما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لمّا بویع أبوبكر و استقام له الأمر على المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر الله «تعالى» الحديث.

تَأْوِي لِظِلٍّ أَرَاكَةٍ فَأَبْوا لها *** الأتُجَزَّ فَجَزَّهَا السَّفَاحُ

وَ بِقَرْعِها بِسِياطِ قُنْفُذَ قَدْ بَدا *** لِلنَّاظِرِينَ عَلَى المُتُونِ وِشاح(1)

اللهُ كَمْ قَاسَتْ عَزيزَةُ أَحْمَدٍ *** مِنْ بَعْدِهِ حَيْثُ الحُطُوبُ رَداحُ(2)

نَتَلُوا لَهَا وَ لِبَعْلِها حَسَداً بِهِمْ *** أَنْ دُونَهُمْ مِنْهَا أَتاهُ نِكَاحُ

فَغَدوا لِكُلِّ مِنْهُما لَوْ أَمْكَنُوا *** جَزَرَتْهُما بِيضٌ لَهُمْ وَ رِماحُ

أَبِعَيْنِ أَهْلِ الدِّينِ بِنْتُ مُحَمَّدٍ *** تُرْزَى وَ تُمْنَعُ لا بُكاً وَ نِياحُ؟

وَ تَمُوتُ مِنْ قَرْع السياطِ وَ قَلْبُها *** قَدْ مَضَّهُ بِشَبا الخُطوبِ سِلاحُ(3)

فَاعْجَبْ لِقَلْبِ المُرْتَضَى فِي غُسْلِها *** كَيْفَ اسْتَطَاعَ فَمَا اعْتَراهُ جِماحُ

كَيْفَ استطاع يُتِمُّها غُسْلاً وَلا *** يَلْوِي بِهِ دونَ التّمامِ صِياحُ

كَيْفَ استطاعَ يُقِيمُ صَبراً دونَ أَنْ *** فِي نارِها مِنْهُ يَشِنُّ كِفَاحُ

وَاللَّهِ إِنْ تَكُ فاطِمٌ صَبَرَتْ عَلى *** مَضَضٍ تُذلُّ لَها قَنا وَ صِفاحُ

فَالمُرْتَضَى قاسَى بها أضعافَ ما *** قاسَتْهُ إِذْ عَصَفَتْ عَلَيْهِ رِياحُ

فَلِكُلِّ ضَيْمٍ نالَ فاطمةً شبا *** بِحَشَى الْوَصِيِّ لَهُ دَمٌ وَ جِرَاحُ(4)

ص: 320


1- إشارة إلى ضرب قنفذ للزهراء علیها السلام كما روي في كتاب سليم بن قيس ص38 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه). في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، إلى أن يقول- و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج.
2- رداح: ظلمة.
3- مضَّه: آلمه و أوجعه -شبا الخطوب: شبا مفردها الشباة و هي حدَّ كل شيء. و في البيت إشارة إلى استشهاد الزهراء علیها السلام من جرّاء ما جرى عليها من قبل القوم فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام.
4- دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص33-1371/4/23 هجري.

(7) مكامن الحزن

(بحر الكامل)

منذر الساعدي

بمناسبة الذكرى الأليمة لشهادة بضعة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة الزهراء علیها السلام:

يُفشِي التألمَ هاطلٌ نضّاحُ *** و تبوحُ سرَّ العاشقين جراحُ

في قبضةٍ الهمّ القلوب أسيرةٌ *** فمتى سيُطلقُ للقلوبِ سَراحُ

اليومَ هاجَتْ للنفوس مكامنٌ *** للحزنِ يرفدُها شجِّى ونواحُ

و بكتْ ملائكةُ السماءِ بأسرِها *** في أدمعٍ كالغيثِ حينَ تُساحُ

هذا مصابٌ َجلَّ فی میعادِهِ *** ذكراهُ فينا غصةٌ و قراحُ

لمّا بهِ الزهراءُ عجّ أنينُها *** و بلا انقطاعٍ للوجودِ يُباحُ

تشكُو مصيبتَها و تشكوهمَّها *** يا ويحَهُ ماذا جنى السّفاحُ

بُعدَ النبي توشحتْ في غربةٍ *** لم تأتِها من بعده الأفراحُ

بُعداً لقومٍ لم يراعُوا حرمةً *** و لحرمةٍ الدين الحنيفِ أباحُوا

يبقى صدَى الضلعِ الكسيرِ مدوياً *** للآنَ تسمعُهُ رُبِّى و بطاحُ

و البابُ يُنطقهُ الزمانُ محدثاً *** عمّا جَريِ لتسجلَ الألواحُ

يا فاطمُ الزهراءُ جئتكُ منشداً *** شعري كأَني بلبلٌ صداحُ

يا فاطمُ الزهراءُ أبديتُ الجوى *** لايستكينُ بجانبيه جماحُ

هذا مصابٌ لاحَ في آلامهِ *** سيف لأفئدةِ الورى جرّاحُ

فخذي الولاءَ من القلوبِ جريحة *** إن الولاءَ إليكُمُ لنجاحُ

يا بضعةَ المختارِ جنتُ موالياً *** لينالَنِي فيما رجوتُ فلاحُ

ص: 321

يا فاطمُ الزهراءُ أدمى خافِقِي *** وقعُ المصاب فكيفَ لي أرتاحُ

هذا هوايَ بخافِقِي متجمعاً *** إن الخوافقَ للهوى أقداحُ

تطفُو على قلبي الذنوبُ عصيةً *** كالأرض تطفُو فوقَها الأملاحُ

هي حسرةُ هو جاءُ قضَّتْ مضجعي *** عن محتواها يعجزُ الإفصاحُ

في يومكِ الدامي بكتكِ قصائدي *** إنَّ القصيدةَ للولاء لقاحُ

سُدّتْ عليّ منافذٌ أحيا بها *** لكنَّ حُبَّكُمُ لَهُنَّ رِياحُ

و غدوتُ كالطيرِ الكسيرِ مهرولاً *** لايرتقي لو قُصَّ منه جَناحُ

فتشفّعي إني أسيرُ خطيئتِي *** يامَن لديك إلى الذنوب سماحُ

ستزالُ بين يَديكِ كلُّ خطيئةِ *** كاللَّيلِ حينَ يزيلُهُ الإصباحُ

ص: 322

قافية الخاء

اشارة

ص: 323

ص: 324

(1) حرام على عيني

(بحر الطويل)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

جِبالُ هُمُومِي لاتَرِيمُ رَواسِخُ *** رَسَتْ وَ تَعالَتْ فِيَّ فَهْيَ شَوامِخُ(2)

وَ لايَسْتَطِيعُ القَلْبُ مِنْ تِلْكَ مَخْرَجاً *** فَشِبْرُ لِمَنْ يُمنى بِهِمْ فَراسِخُ

عَدِمْتُ التَّصابِي فِي حَياتِي كَأَنَّنِي *** لِفَرْطِ هُمُومِي مُنْذُ أُوجِدْتُ شائِخُ

حَرامٌ عَلَى عَيْنِي سُكُونٌ وَ هَجْعَةٌ *** وَ فِي الْأُذُنِ مِنْ أَنَّاتِ فاطِمَ صارخُ

أَلَمَّتْ بها بَعْدَ النَّبِيِّ نَوازِلٌ *** مَحَتْ آيَ صَبْرِي مِنْ أساها نَواسِخُ

وَ أَضْرَمَ جَمْرَ الْوَجْدِ في القَلْبِ حُزْنُها *** وَ في الجَمْرِ مِنْ تِلْكَ الدَّواعِج نَافِخُ(3)

لَها اللَّهُ إِذْ سِيمَتْ بِظُلْمٍ وَ صَادَرُوا *** نُحَيْلَتَها مِنْها وَسُلَّتْ رَضَائِخُ(4)

وَ رامُوا الرّضا مِنْها وَ هَيْهَاتَ مِنْهُمُ *** وَ أَنَّى لِدانِ نَيْلُ ما هُوَ باذِخُ(5)

ص: 325


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- لاتريم: لاتبعد.
3- اللواعج: اللاعج هو الهوى المحرق.
4- رضائخ: جمع الرضيخة و هي العطاء القليل و قد تقدم عن كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن مولانا الصادق عليه الصلاة و السلام بعض ما جرى من ذلك فراجع.
5- باذخ: مرتفع. و لعله إشارة إلى عيادة الأول و الثاني للزهراء علیها السلام في مرضها و طلبهما لرضاها. فقد روي في كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص13 : فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة علیها السلام فإنا قد أغضبناها. فانطلقا جميعاً فأستأذنا على فاطمة علیها السلام فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط فسلَّما عليها فلم تردَّ عليهما السلام. و لهذا الموقف بعض الدلالات التي لا مجال هنا لذكرها.

(2) تربة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

يُونُبُنِي الزَّمانُ وَ لاأُصِيخُ *** وَ كُلُّ في الحَياةِ لَهُ رَضِيخُ(2)

ألا يا كاهلي أَثْقَلْتَ ذَنْباً *** وَ هَذِي تَوْبَةٌ فَمَتَى تُنِيخُ؟(3)

وَ تَرْهَدُنِي الْحَيَاةُ وَ طَيْبُها *** و إنّي في حَبائِلِها فَخِيخُ(4)

فَأُبْ يا قلبُ فَالْأَحْلامُ وَهُمٌ *** وَ يَا نَفْسُ اتْرُكِي أَرِباً يَبُوخُ(5)

شَرابُكِ مِنْ رِضَا الرَّحْمَنِ صَرْدٌ *** وَ وَجْهُكِ مِنْ بُلَهْنِيَةٍ لَطِيخُ(6)

وَ مَهُما لَذَّ كَأَسُكِ فَالْمَنَايَا *** رَواصِدُ رَكْبُها أَبَداً مُنِيخُ

وَ أُمِّي ساحَةَ الزَّهْرَاءِ تَكْفِي *** غَوائِلُ كُلِّ مَنْ فيها يَدُوخُ(7)

ص: 326


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- لاأُصيخ: لاأضغي و لاأستمع إليه. رضيخ: النوى المكسّر.
3- كاهلي: أعلى ظَهْري مما يلي العنق. تنيخ: تَبْركُ و تقيم.
4- فخيخ: واقع في الفخ.
5- يبوخ: يفسد، يعيا، يسكن.
6- صَرْد: البَحْتُ الخالص. بلهنيةٍ: رخاء العيش.
7- لعل في البيت إشارة إلى فضائل الصديقة فاطمة الزهراء علیها السلام باعتبار أنها خيرة الله، فقد روي في كتاب الرياض النضرة ج2 ص202 قال: روى أبوسعيد في شرف النبوّة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لاأنا، صهراً مثلي و لم أوت أنا مثلي، و أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة، و أوتيت الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني ولكنكم مني و أنا منكم. و روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج1 ص259 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي علیه السلام حب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة الله فاطمة علیها السلام خيرة الله على باغضهم لعنة الله.

وَ لُزِّي تُرْبةَ الزَّهْراءِ خَدّاً *** بَغِضُ مِنْهُ التَّصَعُّرُ وَ الشَّموخُ(1)

وَجُودِي مِنْ قُلَيْبِ الْحُزْنِ دَمْعاً *** يُرَقْرِقُهُ اللَّهِيفُ بِهَا الصَّرِيخُ

وَ مِنْ شَرْخ تَصَدَّعَ في حَشاهَا *** بِكُلِّ حُشاشَةٍ مِنْهَا شُرُوخُ(2)

وَ منْ عِرْقٍ تَنَغّرَ مِنْ بَنِيها *** بِأَوْدَاجِ الْمُحِبِّ غَدَتْ شُدُوخُ(3)

أفاطِمُ إِنَّ هَذَا الْجُرْحَ دامٍ *** ألا شَلَّتْ يَدُ الْقَدَرِ الطَّخُوخُ(4)

وَأَجَّ أوارَ نارِ الثَّارِ حتّى *** تُسَكِّنَ لَوْعَةٌ وَتَدِي الْمَسوخُ(5)

يُلامُ الْجُرْحُ وَ الْأَوْتَارُ يَقْظَى *** و بُرْكَانُ الْمَواجِدِ لا يَبُوخُ

ص: 327


1- لزّي: ألصقي. التصعُّر: إمالة الخد تهاوناً و كبراً. يغض: ينقص.
2- الشروخ: الشقوق. و قد تقدمت تفاصيل بعض الأحداث في كتاب البحار ج53 ص18 في باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف) و العوالم ج11/ 2 ص568 و غيرها فراجع.
3- تنفَّر: غلا. شدوخ: انتشرت من الناصية إلى الأنف.
4- الطخوخ: الشرسة سيئة العشرة.
5- أج: أوقد. أوار: موقد النار.

(3) وصايا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

خَرَجَتْ تَجُرُّ ذُيولها في مِحْنَةٍ *** يَوْماً لَهَا سَمْعُ الزَّمانِ يُصِيخُ(2)

خَطَبَتْ فَظَنَّ الناسُ أَنَّ مُحَمّداً *** قَدْ عادَ يَخْطُبُ وَ الجُمُوعُ رُضُوخُ(3)

وَ عَظَتْهُمُ بَعْدَ الثناءِ لِرَبِّها *** عِظَةً وَ فِيها عِزَّةٌ وَ شُمُوخُ

وَ تَنَهَّدَتْ فَبَكَى لَها مِنْ شَجْوِها *** رَغْمَ الْجَفاءِ شَبابُهُمْ وَ شُيُوخُ

رَدَّتْ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ عُذْرَهُ *** أَنَّ النُّبُوَّةَ إِرْثُها مَسْلُوخُ(4)

ص: 328


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- يُصيخ: يصغي و يستمع.
3- إشارة إلى خطبة الزهراء علیها السلام التي ألقتها أمام أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار، فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص131 روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه علیهم السلام: أنه لما أجمع أبو بكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار، و غيرهم، فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنَّه أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها...الخ. الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة. و قد تقدم في الجزء الأول فصل خاص عن خطبتها «عليها الصلاة والسلام» مع ذكر مصادرها فراجع.
4- إشارة إلى احتجاجها و دحض أقاويل أبي بكر في أمر إرثها فقد روي في كتاب الاختصاص ص178. عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك -إلى أن قال- فقال لها (أي أبوبكر): إن النبي صلي الله علیه و آله وسلم لايورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه قولي له: زعمت أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لايورّث و ورث سليمان داود و ورث يحيى زكريا و كيف لاأرث أنا أبي؟ الحديث.

أوْ غَصْبَهُ فَدَكاً وَ حُكْمَ شَهادَةِ الكَرَّار *** فيها باطِلٌ مَفْسُوخُ

حَتَّى إِذَا أَدْلَتْ بِأَبْلَغِ حُجَّةٍ *** مِنْهَا لِآيَاتِ الْكِتَابِ رُسُوخُ

عَطَفَتْ عَلَى الْأَنْصَارِ تَرْجُو نُصْرَةً *** وَمُهَا جِرِينَ وَ لَيْسَ ثَمَّ صَرِيخُ

فَغَدَتْ تَنُوحُ عَلَى فِراقِ زَعِيمِها *** وَ القَوْمُ عِنْدَ النَّائِباتِ مُسُوخُ

و مَضَتْ تُذَكِّرُهُمْ وَصايا أَحْمَدٍ *** فَكَأَنَّ ما أَوْصَى بِهِ مَنْسُوخُ

فَعَجِبْتُ كَيْفَ الْأَرْضُ لَمْ تَخْسِفُ بِهِمْ *** كَيْفَ الجِبالُ رَسَتْ وَ لَيْسَ تَسِيخُ(1)

كَيْفَ الثُّريَا لَمْ تَثُرْ مِنْ غَضْبَةٍ *** وَ يَظَلُّ يَرْقُبُ فِي الفَضا المِرِّيخُ

كَيْفَ القُصُورُ تَضُمُّ آلَ أُمَيَّةٍ *** وَ يَضُمُّ آلَ اللَّهِ ذاكَ الكُوخُ

المالُ لِلْآلِ الكرام مُحَرَّمٌ *** وَ لآخَرِينَ مُحَلَّلٌ مَبْذُوخُ

فَقَضَتْ وَ فِي الأضلاعِ كَسْرٌ مِثْلُها *** بِقُلوبِ شِيعَتِها تَئِنُّ شُرُوخُ(2)

وَمَضَتْ إِلَى الرَّحْمَنِ تَشْكُو عُصْبَةً *** لَمْ يُجْدِهَا عِظَةٌ و لاتَوْبِيخُ

بَدَأُوكِ يَا بْنَةَ أَحْمَدٍ فِي ظُلْمِهِمْ *** آلَ الرَّسُولِ فَأُظْلِمَ التاريخُ

ص: 329


1- تسيخ: تنخسف.
2- شروخ: شقوق و تقدمت تفاصيل ما أشار إليه الشاعر في هذا البيت عن سليم بن قيس و في البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام من قبل القوم.

ص: 330

قافیة الدال

اشارة

ص: 331

ص: 332

(1) غَدَر الزمان

(مجزوء الكامل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني(*)(1)

لا يَبْرَحُ الدَّهْرُ المُعَانِدُ *** وَ لَهُ بِإضراري مَقاصِدْ

يا دَهرُ لاحيّاكَ رَبُّكَ *** مِنْ عدوِّ أيِّ حاسِدْ

فَلَقَدْ جَنَيْتَ مِنَ الْمَصائِب *** شَرُّها لِلْحَشْرِ عَائِدْ

قَدْ زَعْزَعَت رُكْنَ الْهُدَى *** فَتَهَدَّمَتْ مِنْهُ القَواعِدْ

وَ بَكَتْ لَها عَيْنُ الهِدايَةِ *** وَ الْمَكارِمِ وَ المَحامِدْ

ماتَ النَّبِيُّ وَ مَوْتُهُ *** هَدَّ الأقارب و الأباعِدْ

للَّهِ يَوْمٌ لاتُقاسِ *** بِمِثْلِ مَوْرِدِه المَوارِدْ

لايومَ يَأْتِي مِثْلُهُ *** في خَيْر مَفقودٍ و فاقِدْ

أَوْ نَكْبَةٍ قَدْ أَسْمَعَتْنا *** قَيْدَ ناعِيَّةِ الفوائدْ

إِنْ تَبْكِ فاطِمَةُ البَتُولُ *** فَخَيْرُ مَوْلُودٍ وَ وَالِدْ

لَهْفِي لَها وَ دُموعُها *** كَالْجَمْرِ تَلْفِظُهُ الوَقائِدْ(2)

وَ فُؤادُها مُتَلَهِّبُ *** مِمّا تُؤَجِّجُهُ الْمَواجِدْ

نَدَبَتْ بِصَرْخَة والِهٍ *** فَتَحَرَّكَتْ تِلْكَ الرَّواكِدْ

وَ تَدَكْدَكَتْ شُمُّ الجِبَالِ *** وَ حُطَّ مِنْ أَوْجِ الفَراقِدْ(3)

ص: 333


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- تلفظه الوقائد ترمي به و تطرحه النيران المتوقدة.
3- أوج الفراقد: علّق الفراقد، و الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يُهتدى به.

نادَتْ فَأُسْقِطَتِ النُّجُومُ *** وَ خَرَّ سَجْراً كُلُّ صاعِدْ

مَنْ لِلصَّلاةِ وَ لِلدُّعا؟ *** مَن لِلنَّوادِي وَ المَساجِدْ؟

مَنْ لِلْأَرامل و المحَاوِیجِ *** العُفاةِ وَ كُلّ وافِدْ؟(1)

مَنْ لِلْعُرا مَنْ يَسْتَرِدُّ *** لِبايها النَعَمَ الشَّوارِدْ؟

شَهِدَتْ لِرُزْئِكَ كُلُّها *** وَ لِكُلِّ مُعْضِلَةٍ شَواهِدْ

قَدْ جَدَّ رُزُؤُكَ مِنْ قُوى *** أهْلِ المَكارِم كلّ ساعِدْ(2)

هَلْ لِلْفَضَائِلِ بَعْدَيَوْ *** مِكَ مِنْ مُعِينٍ أَوْ مُسَاعِدْ

تنْعَاكِ نَعْيَ النّاكِلاتِ *** وَ تَشْتَكِي وَ لَهَ الْفَواقِدْ

جَعَلَتْ مُصابَكَ وِرْدَها *** في كُلِّ صادِرَةٍ وَ وارِدْ

مُتَجَدِّداً ما عادَ إِسْمُكَ *** أَوْ تَجَدَّدَتِ الْعَوائِدْ

أنْتَ المُبلغ وَ المُصَابِرُ *** و المُرابِطُ وَ المُجَاهِدْ

أَنتَ المُؤَيَّد بالمَعاجِزِ *** وَ المُسَدَّدُ بِالْمَراشِدُ

أنْتَ المُنَوِّرُ لِلْبَصَائِرِ *** وَ الْمُصَحْحُ لِلْعَقائِدْ

أَنتَ الرَّجاءُ لِمَنْ تَوالى *** وَ المُبِيرُ لِكُلِّ جاحِدْ

أَنتَ الْوَحِيدُ بِقُدْسِ *** ذاتِكَ أَنْتَ فِي النَّاسُوتِ واحِدْ(3)

أنْتَ الحَمِيدُ عَلَى الغِيابِ *** وَ أَنْتَ أَحْمَدُ في المَشاهِدْ

أنْتَ المُهَيْمِنُ وَ المُسَيْطِرُ *** أَنْتَ فى المَشْهُودِ شاهدْ

أنتَ المُرادُ لِمَنْ يُريدُ الْخَيْرَ *** مِنْكَ و أَنْتَ رائِدْ

تَبْكِيكَ ولدانُ الْجِنَانِ *** وَ حُورُهَا الْعِينُ الْخَرائِدْ(4)

ص: 334


1- المحاويج العفاة: المحتاجين، و العفاة الذين يطلبون فضلاً أو رزقاً.
2- جذّ: قطع و كسر.
3- الناسوت: الطبيعة الإنسانية.
4- الخرائد: مفردها ،الخريدة و هي البكر لم تمس قط.

أترى بأنْ أنْسَى مُصابَكَ *** وَ هُوَ تَذْكُره الأماجِدْ؟

أنَّى وإنّي قَدْ رَجَوْتُكَ *** أَنْ تَكُونَ لِي المُعاضِدْ

ما كانَ يَوْمُكَ غَيْرَ أَنَّ *** الدَّهْرَ يُسْرعُ بِالمَفاسِدْ

فَلَئِنْ سَجَمْتُ مَدامِعِي *** وَ نَثَرْتُ مِنْ دُرَرِ الفَرائِدْ

فَلَقَدْ سَجَرْتُ لِمُهْجَتِي *** بِالْحُزْنِ مُؤصَدةَ المَواقِدْ

وَ اغْرَوْرَقَتْ بِالدَّمْعِ *** آماقِي فَأَغْرَقْتُ الْهَوَامِدْ(1)

آه مَنيَّةَ والِدِي *** سَدَّدْتِ صامیَةِ الْمَکَائِدْ(2)

فَأَصَبْتِ أَلْبابَ الكَمالِ *** وَكُلُّ مَجْدٍ فَهْوَ واجِدْ

مَا خِلتُ أَنَّ سِهامَ قَوْسِكِ *** تَسْتَكِرُّ عَلَى الدَّوابِدْ(3)

وَاللَّهِ تِلْكَ مُصِيبَةٌ *** قَدْ کَدَّرَتْ صَفْوَ المَوَارِدْ

كَلاً وَ لَيْسَ لَها نَفادٌ *** وَ كُلُّ شَىءٍ فَهْوَ نافِدْ

لَکِنَّ أَنجَعَ طاردٍ *** لِتَوارُدِ الْخَطبِ المُطارِدْ

الصَّبْرُ فَهُوَ مَصاعِدٌ تُؤْوِي *** إِلَى النِّعَمَ الْأَوابِدْ

للَّهِ أَشْكُرُ وَ هُوَ يَعْلَمُ *** ما ا أعانِي أَوْ أُكَابِدْ

وَ مَصائِبٌ تُوهِي قُوايَ *** وَ لَيْسَ لِي عَنْهُنّ ذائِدْ

غَدَرَ الزَّمانُ فَلَسْتُ *** أَعْرِفُ مَنْ أُوالي مَنْ أَحَايدْ

وَ بَقِيتُ بَعْدَ العِزَّ في *** ذُلُ الْمُعَادِي وَ الْمُعَانِدْ

ص: 335


1- آماقي: عيوني، الهوامد: هي الأراضي التي لم يكن بها لانبت و لامطر.
2- صامية المكائد: صامية أي سدَّدْت السهام المكيدة: و هي الخديعة أو الخبث أو المكر على نحو الاصماء و هو الرمي إلى الهدف و قتله في مكانه من غير أن يراه.
3- اللوابد: الأسود. تستكرّ : ترجع و تعطف على اللوابد. و قد تقدمت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

(2) فاطم و علي علیهما السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ أحمد علي الناصر

في السَّماواتِ كُلُّ أُنْسٍ بادي *** وَ عَلَى الأرضِ مَوْكِبُ الأَعْيادِ

أيُّ ذِكْرَى في الكَوْنِ تَمْلَأُ قَلْبِي *** فَكَأَنَّ الذِكْرَى تُنيرُ فُؤادي

وُلِدَتْ فاطمٌ فَذَلِكَ قَلْبِي *** راقَ بَلْ رَقَّ فِيهِ صَوْتُ المُنادي

فَالتَّغَارِيدُ لِلْحَمائِم وِرْدٌ *** رَدَّدْتُها في غُصْنِها المَيّادِ(1)

جاءَ مِیلادُها وَلَكِنْ بِنُورٍ *** حَصَّنَتْهُ تِلْكَ القُلُوبُ الصَّوادِي

أَشْرَقَ الضَّوْءُ في سَماءٍ وَ أَرْضِ *** عِنْدَما أَعْلَن البَشِيرُ يُنادِي

أَزْهَرَ الكونُ وَ اسْتَتَمَّ كَمالاً *** مِنْ سَناءِ الزَّهْراءِ بِنْتِ الهادي(2)

مَوْكِبُ النُّورِ سائِرٌ كُلَّ يَوْمٍ *** مِثلَ ما سارَ مَوْكِبُ الرُّوَادِ

أيُّها الرَّاكِبُ المُغِدُّ رُوَيْداً *** وَ اسْتَمِعْ صاحِ ما يَقُولُ الشَّادِي(3)

أيُّها الشَّاعِرُ المُواطِنُ إِنِّي *** أَنْطِقُ الشَّعْرَ عَنْ ماسِي بِلادِي

هذِهِ تُرْبَتِي أَعِيشُ عَلَيْها *** وَ عَلَيْها يا صاحِ سَوْفَ أُنادي

أَنَا مِنْ مَطْلَعِ الَّذِينَ تَرَبَّوْا *** وَ اسْتَقاموا عَلى مُحِيط الجهادِ

أَنا جُزْءٌ مِنَ البِلادِ وَ إِنِّي *** أَتَمَشَى عَلَى طَريقِ الرَّشادِ

ص: 336


1- الورد: الجزء من القرآن يقوم به الإنسان كلّ ليلة.
2- وردت الإشارة إلى الصفة الزهراوية لفاطمة علیها السلام في كتاب بحار الأنوار ج36 ص73 في الرواية الواردة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم و في آخر الرواية: تكلّم اللّه بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، فاحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة علیها السلام فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام.
3- المُغِذَّ: المسرع -الشادي: الذي ينشد شعراً و يمدُّ صوته به.

يا بِلادي رَسَمْتِ في الوَرْدِ قَلْبِي *** حَيْثُ إِنَّ القُلُوبَ دَرْبُ السَدادِ

بَسَماتِي وَ أُمْنِيَاتِي وَ أُنْسِي *** وَ وِدَادِي مِن غابِرِ الأجدادِ

وَ حَياتِي ذِكْرَى وَ أَشْرَفُ ذِكْرَى *** لِلشَّبابِ الطَّموح لِلأَوْلادِ

خَيْرُ ذِكْرى أَزُفُها مِنْ شُعُورِي *** عَنْ حَياتِي إلى شَبابٍ الوادي

كُلُّ جُرْحٍ فِي مَوْطِني هُوَ جُرْحِي *** وَ هَلِ الجُرْحُ فِي قُلوبِ الْأَعادِي؟

كُلُّ جُرْحٍ في الجِسْمِ دَاءٌ دَفِينٌ *** ضَمِّدُوا الجُرْحَ فَهْوَ في الازْدِيادِ

وَ اعْلَمُوا أنّنا إلى النَّشءِ ننشِي *** لِحَياةِ الأطْفالِ وَعْيَ الجِهادِ

يَتَمَشى رَغْمَ الجُرُوحٍ لِيَحْمِي *** كُلِّ مَجْدٍ حَتَّى بِوَقْتِ الرُّقادِ

أوَ ما راعَكَ الحَنِينُ بِشِعْرِي *** هَزَنِي وَ الرُّؤُوسُ فَوْقَ الوِسادِ؟

يَوْمَ مِیلادِ فَاطِمِ صارَعَتْنِي *** أُمْنِيَاتٌ غَزَتْ قُوَى الإِلْحَادِ(1)

قَدْ رَأَيْتُ التَّاريخَ في كُلِّ عَهْدٍ *** بِصِراعٍ وَ لِلْحَقائِقِ هادي

و رِجالُ التَّاريخِ كُلُّ أديبٍ *** مُرْسِلٌ سَهْمَهُ إلى الحُسَّادِ

قُمْ معي نُنْضِر الحقائِقَ شَوْقاً *** لِنَرَى كُل حرَّةٍ في البَوادي

وفتاةٌ قَديمَةُ العَهْدِ فينا *** فَضْلُها صانَنا وَ صانَ المَبادِي

فَاطِمٌ مَنْ كَفَاطِمٍ وَ أَبُوها *** أحْمَدُ وَ هُوَ سَيِّدُ الأَشيادِ؟

مَهْدُها خَفَّ حَوْلَهُ كُلُّ طُهْرٍ *** وَ عَفَافٍ وَ المَهْدُ مَهْدُالرَّشادِ

حَفَّهُ النُّورُ وَ انْجَلَى النُّورُ مِنْهُ *** لِحَياةِ القُرُونِ حَتَّى المَعَادِ

جَوْهَرُ الشَّيْء فَاطِمٌ وَ عَلِيٌّ *** قَبَسُ النُّورِ سَيِّدُ الأمْجادِ

لِلنِّساءِ الزَّهْرَاءُ زَهْرَةُ جِيلٍ *** زَهْرَةُ العِلْمِ وَ السَّنَا الوَقَّادِ

ص: 337


1- فإن ميلاد فاطمة علیها السلام على ما ورد في الكافي ج1 ص457 ح10 عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: ولدت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بعد مبعث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بخمس سنين. و في دلائل الإمامة وإقبال الاعمال و مصباح الكفعمي و مصباح الطوسي ولدت في العشرين من جمادى الآخرة قبل البعثة بخمس سنين.

يا وَصِيَّ الرَّسُولِ يا بَيْتَ طه *** أنا في فَرْحَةِ الغَدِيرِ أُنادي

فَاطِمٌ مَنْ كَفَاطِم وَ عَلِيٌّ *** زَوْجُهَا وَ هُوَ قُدْوَةٌ لِلْعِبادِ

لَمْ يَكُنْ في الأنام كُفُواً إِلَيْها *** غَيْرَ خَيْرِ الأَنامِ بَعْدَ العِمَادِ(1)

الْتَقَى قَلْبُها بِقَلْبِ عَلِيٍّ *** و الْتَقَى المَدْحُ في فَمِ الإِنْشَادِ

الْتَقَى قلبُ فاطِمٍ بعليٍّ *** وَ اكْتَسَى الكونُ كُلِّ أُنَسٍ بادِي

وَ حَيَاةُ الزَّوْجَيْنِ خَيْرُ حَياةٍ *** وَ بِعِيدِ الغَدِيرِ خَيْرُ اعْتِقادِ

تَتَجَلَّى الأعْيادُ في كُلِّ عامٍ *** تَتَجلّى بِحُلَّةِ الْأَبْرادِ(2) (3)

تَتَجَلّى وَ فِي غديرِ عليٍّ *** تَتَهاوَى القُلوبُ قَبْلَ الأَيَادِي

حَيْدَرٌيازعيمَتا كُلُّ جِيلٍ *** لَكَ بَيْتُ الوَلا بِكُلِّ فُؤادِ

يا زعيمَ الأَنامِ هذا قَصِيدِي *** خَطَهُ القَلْبُ وَ انْتَمي في المِدادِ

لازعيمٌ سِواكَ نَبْغِي إِلَيْنا *** لا وَ لا قائِدٌ مِنَ الأوْغادِ

أنْتَ أنْتَ الّذي رَسَمْتَ المَعالي *** وَ شَرَعْتَ الجِهَادَ بَعْدَ الجِهادِ

أنتَ أنتَ الذي بِنُورِكَ تَمْشِي *** أُمَّةُ الحَقِّ في طرِيقِ الرَّشادِ

أنْتَ أنْتَ الذي بِعِلْمِكَ يَحْيَى *** كُلُّ شَيْءٍ نَشَا مِنَ الأفرادِ

ص: 338


1- السّنا: البرق و الضياء و الرفعة -الوقاد كثير الاشتعال.
2- وردت الإشارة لذلك في كشف الغمة 472/1 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لولا عليٌ لم يكن لفاطمة علیها السلام کفو. و في البحار ج43 ص145 ح49 أورد الحديث المتقدم لولا علي علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفو. و في مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي ص42 ح68 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.»
3- حُلّة: ثوب جديد أو عموم الثوب الساتر لجميع البدن -الأبراد: مفرده البرد و هو الثوب المخطّط.

(3) قلم الولاء

(بحر الكامل)

أحمد محمد الأنصاري الشيرواني

قَلَمُ الولاءِ جَرى بنورِ سوادِي *** لذوي الفَخَارِ السادةِ الأَمجادِ

فبدتْ به کِلماتُ مقْوَلِ شاعرٍ *** يسمُو بها شعراءُ كلِّ بلادِ(1)

أهلَ الكسا مِنّوا عليَّ بنظرةٍ *** لأنالَ منها ما يسرُّ فؤادِي

أهلَ الكسا ما رُمتُ غير جنابِكُم *** و ودادكُم فأرعَوْا عظيمَ ودادي

أهلَ الكسا ما حِدْتُ عن منهاجِكم *** و بكمْ أنالُ الفوزَ يومَ معادِي

أهلَ الكسا إنّي أسيرُ هواكُمُ *** و به وجاهكُمُ حصولُ مرادِي

أهلَ الكسا أنا لا أميلُ وحقِّكم *** عنكُم بلومِ ذَوي قلاً و عَنادِ(2)

أهلَ الكسا إنّي ابتليتُ بعصبةٍ *** كرهتْ سماعَ حديثِكُم في نادِي

و إذا ذكرتُ مناقباً ظهرتْ لكُم *** في محفلِ أعزى إلى الإلحادِ

أهلَ الكسا جحدَ النواصبُ فضلَكُم *** و الفضلُ كالشمسِ المنيرةِ بادِي

أهلَ الكسا من لامني في حُبِّكُم *** يصلى غداً ناراً معَ ابن زيادِ

هو ذاك من آذى النبيَّ بسوءِ ما *** أبداه بغضاً في أبي السجَّادِ

و معَ الذين لَهُم فضائحُ جمّةٌ *** و قلوبُهُم مُلئت من الأحقادِ

والله لستُ براغبٍ عما به *** يرضى الإله و سيُد الأَمجادِ

ص: 339


1- المقول: اللسان.
2- القلى: الهجر.

(4) يا بنت أحمد صلی الله علیه واله وسلم

يا بنت أحمد صلی الله علیه واله وسلم(*)(1)

(بحر الطويل)

الأستاذ أنور الجندي

أفاطمةُ الزهراء يا بنةَ أحمدِ*** و ياعَبَقَ الريحانِ في كلِ مَعبدِ

أما كنتِ أشواقاً، أما كنتِ جَنَّةٌ *** أما كنتِ عطراً في شفاءِ محمدِ؟

أما كنتِ نوراً في الزمان و روضةً *** يفيءُإليها كُلُّ عانٍ، و مجُهَدِ؟

و راعَكِ أن تُمسي لظلمٍ ضحيةً *** و راعَكِ أن يجتاحَ حقَّكِ مُعتَدِ

وما لِنْتِ خوفاً للجُناة، و رهبةً *** و كنتِ كحدّ السيفِ لم يتردَّدِ

و ليسَ عجيباً، أن يهابكِ ظالمٌ *** تقحَّم شرَّاً، ناسياً غضبةَ الغدِ

و لم يكُ يدري، أنه انصاع للهوى *** و لم يكُ يدري، أنه غير مُهتدِ

ويا بنة من هزّ الزّمانَ بلاغةً *** وحظم أصناماً، و أوفى بموعِدِ

تمرَّس بالصبر الجميل على الأذى *** و لم يك هيّاباً، و لاطائش اليدِ

و كم قبّل الزهراء في الليل باكياً *** فهل كان يخشى من لجاجة أَرْبَدِ؟

و كان يمنّيها بكل هناءةٍ *** وكان يمنّيها بكل مهنّدِ

و غابَ عن الدنيا، متشوُّقاً لخالق *** أحبَّ رسولَ و الحبُّ سرمَدي

وماتتْ، كما مات الربيع مُجرَّحاً *** و غابت غياب الناسكِ المتهجِّدِ

أتمنعُ عن إرث النبي محمدٍ *** فياويلَ من أفتى، و لم يتزوّدِ

ص: 340


1- (*) قام الأستاذ علي العباس بإلقائها في الحفل الذي أقامه أهالي مدينة مصياف، بمناسبة مولد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها سلام بتاريخ (1999/10/2م).

يا بضعة المختار يا جنّة الهُدی *** و يا غُربة الدنيا، و يا حُلْمَ أصيدِ(1)

حنانيك، لاتبكي من الظلم حسرةً *** فدنياكِ أوهامٌ أبيحت لأعْبُدِ

و في جنّة الفردوس، عَدْل، و حاكمَّ *** و حاشاهُ أن يُعرى بدمعة معتدِ

سلاماً على الزهراء في كلّ ساعةٍ *** سلاماً على الدين الحنيف المخلّدِ

سلاماً على الليثِ المكفّن في الثری *** سلاماً على سيفٍ هنالك مُغْمدِ

تفانوا نضالاً في الحياة و حكمةً *** و هيهات أن تُمحی بهذر معربدٍ

عليكِ سلام الله، ما لاح كوكبٌ *** و ما غرّد الشحرور في ظلّ أملَدِ

و ما كنتِ إلاّ كالنجوم قداسةً *** و ماكنتِ إلاّ آهة المتعبّد

و أنت صلاةُ المؤمنين محبةً *** تنزَّهتِ عن سهم اللئيم المسددِ

لئن غال إرثَ الأنبياء صنيعةٌ *** لطاغٍ، فحقّ الله غير مُبدَّدِ

و أنتِ، وإن طالَ الزمانُ قصيدةٌ *** يُردّدها باكِ تغنّى بأحمدِ

ص: 341


1- الإمام علي علیه السلام.

(5) تسبيحة الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ جعفر الجعفر

أُبدي و باسم الله جئت أردد *** لا بالحسان الغيد رحت أُمهَدُ(1)

كلا و لاأُبدي التغزل إنني *** بحمى البتول و ذكرها أتهجّدُ

فلأجلها لم يأتنا في هل أتى *** ذكر لحور العين حيث تخلدُ

بل أتلو تسبيحاً لأجل مديحها *** في حبها يحلو المديحُ ويسعدُ

اللَّه أكبر قد بدأت بذكرِه *** فإلی رضاه بمدحهم أتقصدُ

اللَّه أكبر قد وقفتُ ببابها *** أرجو المديح وذي دموعي شهَّدُ

اللَّه أكبر كم يسائلني فمي *** مالي أراك بمدحها تتردّدُ

اللَّه أكبر قلت لا أقوى على *** مدح السماء فكيف من هي أبعدُ

اللَّه أكبر قد سعيت بنورِه*** فإذا كبوّت فبالبتوَل أسددُ(2)

اللَّه أكبر قد قصدت مديحَها *** فلها بها منها إليها المقصدُ

اللَّه اکبر في دمائي حبُّها *** حبِّ يجول وبالحشا يتوسّدُ

اللَّه اکبرهلّلوا لوليدةِ *** وُلِدَ الوجودُ لأجلها و محمدُ

اللَّه أكبرفالجنان تألّقت *** و الحور من عليائها تتحشّدُ

اللَّه أكبر يالها من روعةٍ *** فكأن نورُ الشمس منها عَسجدُ(3)

ص: 342


1- العيد:جمع غيداء، و هي المرأة ذات القد الممشوق.
2- كبوت: عثرت. أسدد: من السداد و هو الرأي الصحيح الحكيم.
3- عسجد: نوع من أنواع اللؤلؤ.

اللَّه أكبريالنفحِ قدومِها *** خَدُّالورود بذكرهای يتورّدُ

اللَّه أكبر هل بدت أنوارُها *** كلاً فبعض ضيائها يتوقّدُ

اللَّه أكبر طَلَّ فرعُ محمدٍ *** أكرِمْ بفرعٍ للأصولِ موطَّدُ

اللَّه أكبر قد حُبيتَ هديةً *** هي فاطم فانعم بها يا أحمدُ

اللَّه أكبريا ملائك ربّنا *** فقعواسجوداً للبتول ومجّدوا

اللَّه أكبر قد تطيّبَ حفلُنا*** طيباً أتى من حيث طاب المولدُ

اللَّه أكبر كبّر و الوليدة *** و دعُوا الصلاة بذكرها تتصعّد

اللَّه أكبر من يعددُ فضلّها *** تفنى الدهورُ و لاتزال تعدّدُ

اللَّه أكبر من يحدِّد نورَها *** کلا فأصلُ النور لايتحدّدُ

اللَّه أكبر من يقل لي كُنهَهَا *** ذا نورُ ربي في البتول مجسّدُ

اللَّه أكبر ماكفاطمُ كوثرُ *** درُّ الأئمة من سناه ينضّدُ

اللَّه أكبر ما حلاوةُ اسمِها *** كالشهد لا أحلى وقلبي يشهدُ

اللَّه أكبر يا جبالُ فأوّبي*** هذي الأمانة حملها كم يجهدُ

اللَّه أكبر قد تجلّی فَخُرُها*** حقاً بها إذما تفاخر أحمدُ

اللَّه أكبر من عتابك عاذلي*** زادَتْ ظهوراً ما لعينِك تجحدُ(1)

اللَّه أكبريالبِنْتِ محمدٍ *** يا أمّه بل نوره المتوقّدُ

اللَّه أكبر قد فَديت ترابها *** فمن البقيع شذا النبوّة يصعّدُ

اللَّه أكبر نورُ عين محمدٍ *** لولا عيونك كل عين ترمدُ

اللَّه أكبر يوم زفّت مثلما *** شمسُ الشموسِ إلي المجرةِ تعقدُ

اللَّه أكبر ليلةَ القدرِ التي*** لا ألفَ قدرٍ قدرُها بل أزيدُ

اللَّه أكبر ما أجلُّكِ فاطمُ *** حبُّ الإلهِ بحبِّها يتوكَّدُ

ص: 343


1- تجحد: من الجحود و هو إنكار النعمة.

اللَّه أكبر من شروطِ شروطِها *** حبُّ البتول فكيف لا أتودّدُ

اللَّه أكبر زد إلهي حبَّها *** أنا إفنيت بحبهالمخلّدُ

اللَّه أكبر قَد تَنوَّر اسمُها *** زهِرُاء تزهِرُ للجنان وتسعدُ

صلّوا عليهم فالصلاة عليهم *** هي شاهد التسبيح هيا فاشهدوا

حمداً لرب قد تعاظم شأنُه *** حمداً يليق بذي الجلالِ ويسعَدُ

حمداً إلهي قد رحمت بأمةٍ *** لم لا و فيها قد تنزَّل أحمدُ

حمداً إلهي إننا من فرقة *** كتب النجاة لها فحيدر سيِّدُ

حمداً إلهي فالبتولُ منارُنَا *** أفهل نخافُ و نور فاطم يرشدُ

حمداً إلهي قد تزكّى أمرُنَا *** بالمجتبى الحسنِ الزكي يُسَدَّدُ

حمداً إلهي فالحسينُ شفيعنا *** فعلی دماه دموع عيني شُهَّدُ

حمداً إلهي قد دعوتُك مخلِصاً *** بدعاء زين العابدين أردَّدُ

حمداً إلهي قد هديت بباقرٍ *** بقرالعلوم بخيرِ وِردِ يورَدُ

حمداً إلهي قد تجمع أمرُنا *** فبصادقٍ شمل الجماعةِ يُحشدُ

حمداً إلهي أن رُشدِنا بكاظمٍ *** موسى الكليمُ برشدِه يترشَّدُ

حمداً إلهي من رضاك إلهَنا *** تكميل هديك بالرضا يتحدَّدُ

حمداً إلهي فالجوادُ بجوده *** أسدی لنانِعَماً بهِ تتجدَّدُ

حمداً لربٍ قد هُديتُ بهديهِ *** لامامِنا الهادي فكيف أُشرَّدُ

حمداً لربِ إن جعلت عقيدتي *** بالعسكري ونهجه تتقيِّدُ

حمداً لربٍ صادقٍ في وعدِهِ *** فالقائم المهدي نعم الموعدُ

حمداً إلهي سوف ينهض ثائراً *** وبروح قُدْسِك لانشك يؤيَّدُ

حمداً إلهي سوفَ يأتينا غداً *** إنا بانتظارِك سيّدي فمتى غَدُ

صلُّوا عليهم فالصلاةُ عليهم *** هي شاهد التسبيح هيّا فاشهدوا

الحمدُ لله الذي من فضله *** أنا مسلمُ لامشركٌ لاملحدُ

ص: 344

الحمدُ حمدُ الشاكرين لفضلِه *** فبمنَّه و بجودِه نسترفدُ

الحمدُ لله الذي عهدي به *** في الذَّر كان بحبهم معتقدُ

حمداً لربِّ قد سُقيت وِلاءَهم *** في حُضن أُمٍ بالولاية تَشهُدُ

حمداً لربّي قد حباني والداً *** لهجاً بحبِ المرتضى و مردّدُ

حمداً لربّي قد هديتُ سِراطهم *** فهم الصراط المستقيم لمن هدوا

حمداً لرب قد أراني فضلهم *** لم لا و قلبي فيهمُ يتنهّدُ

حمداً لربي إنني لولاهم *** لبصرتُ لكن جَفْنَ قلبي أرمدُ

حمداً لربي ما بقلبي غيرُهم *** فالقلبُ من أعدائِهم متجرِّدُ

حمداً إلهي قد سُعِدتُ بحبّهم *** دنياً و في يوم القيامة أسعدُ

الحمد لله الذي جعلَ الهدى *** بمحمدٍ و بآله يتأبَدُ

الحمد لله الذي كَشفَ الدُجى*** فبفاطمٍ كل الظلام مبدّدُ(1)

حمداً لمن جعل النجوم هدايةً *** و الكوكبُ الدريُّ فاطَمُ فرقدُ(2)

الحمد لله الذي هم بابُه *** لُذنا ببابِ من عُلاك مشيّدُ

الحمد لله الذي سعيي بهم *** أفهلْ تخيِّبُ من سعى يا أجودُ

حمداً إلهي فالحساب عليهم *** يومِ المعادِ لذا اطمئنوا واسعُدوا

صلّوا على نور النبي وآله *** فالحرز فيها من حسود يحسِدُ

سبحان ربّي أن تنجزَ وعدُه *** وعد الخلاص لما به يتوعَدُ

سبحان من سجدَ الأنامُ له وذا *** جسمي و قلبي و الجوارحُ تسجدُ

سبحانه من مالكٍ من حاكمِ *** من راحمٍ من عادلٍ متفرِّدُ

سبحانه هل من مجيرٍغيرُه ***کلاّ فذا الواحدُ المتفرّدُ

ص: 345


1- الدجى: الظلمة الشديدة. مبدد: من التبديد و هو الإزالة.
2- فرقد: و هو الكوكب المضيء اللامع.

سبحان ربَّ لا نراه و إنّما *** الآثار دلت والقرائن تشهدُ(1)

سبحان ربَّ قد دنافي بعده *** لمن ارتجى و لمن عصى هو أبعدُ

سبحانه طرُب اللسان بمدحه *** أنا إن مدحت أرى لزاماً أحمدُ

سبحان من لي خيره متنزّلُّ *** ياحلمه و الذنب منّي يصعدُ

سبحانه فالكل جاء مسبّحاً *** و الرعدُ من تسبيحهِ يترعّدُ

سبحان ذي اللطف الخفي فنجِّني *** و الطف بعبد في هواك مسهدُ

سبحان ربّي كُنتَ كنزاً خافياً *** فخلقتَ نورَ محمدٍ لك يرشدُ

سبحان ربّ لايُكيَّف وصفُه *** فهم الصفات لربِنا و هم اليدُ

سبحان ربيّ ما لغيرك مقصدٌ *** أنا إن قصدت لهم فوجهك أقصدُ

سبحان ربي هم إليك توسّلي *** أفهل إلهي من جنابك أُطردُ؟

سبحان ربّي هم إليك طريقنا *** إن الطريق بهديهم لمعبُدُ

صلّوا على نورِ النبي وآله *** خِصّوا التي من بالجلالِ تمهدُ

سبحانه البحران حيث تلاقيا *** بحر البتول بحيدر يترفّدُ

سبحانه لايبغيان فبينهم *** ذا البرزخ المذكور و هو محمدُ

سبحانه من بينهم خرجت لنا *** مرجان خير و اللآلي زبرجدُ

سبحانه قل للمكذب فيهمُ *** فبأي آلاء لربك تجحدُ

سبحانه إن يجحدون فإنهم *** خشب كما قال الإله مسندُ

سبحان من ردَّ البغاة بكيدهم *** مكروا و مكرُ الله أدهى أنكدُ

سبحان ربّ لاانطفاء لنوره *** هذي المحافل يا عذولي تشهدُ

سبحان ربيّ لو شقيت لأجلها *** أُدمى ولكني بها أتضمّدُ

سبحانه لا شقاء بحبّها *** كيف الشقاء وحبُّ فاطمَ يسعُدُ

ص: 346


1- القرائن: مفردها قرينة و هي الشواهد أو الأدلة الثابتة.

سبحانه من راحمٍ جعل الحمى *** من ناره بحمى البتول يقيّدُ

سبحانه سأل المودة فيهم *** و هي المودةُ كيف لاأتودّدُ

سبحانه فلذا ارتضى لرضائها *** و السخط حلّ لمن لها يتصدّدُ

سبحانه جعل الملائك طوعها *** سل جبرئيل لهز المهدكم يفدُ

سبحانه آياته نطقت بها *** فالدهر و التطهير فيها تنشدُ

سبحانه قد قال في قرآنه *** و تزوّدوا فلذا بهم أتزوّدُ

سبحان ربي أن جعلت ضياءهم *** نوراً لوجهي يوم يوم فيه تسوّدُ

سبحان ربّي أن جعلت ولاءَهم *** نوراً بقبري حيث فيه أوسّدُ

سبحان ربّي إن عاد حشري فيكم *** يا سادتي فالعودُ فيكم أحمدُ

صلّوا عليهم فالصلاة عليهم *** هي شاهد التسبيح هيا فاشهدوا

ص: 347

(6) هل أتى في فضلها

(بحر الطويل)

الأستاذ جعفر عباس الحائري (*)(1)

لَكَ الشُّكْرُ رَبِّي وَ الثَّنا وَ المَحامِدُ*** لَكَ الْحَمْدُ إِذْ تُبْدِي وَ حِينَ تُعاوِدُ

لَقَدْ كُنْتَ أَبْدَعْتَ الخليقةَ صُنْعَها *** وَ أَنْتَ عَلَى الْإِبْدَاعِ فَذْ وَ واحِدُ

وَمَا كُنْتَ تَنْسَى الْخَلْقَ حاشاك بُرْهَةٌ *** وَ أَنْتَ لَهُ رَاعٍ وَ طَرْفُكَ راصِدُ

ص: 348


1- (*)هو الأستاذ جعفر ابن الشيخ عباس ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد حسن الحائری. ولد شاعرنا الفذ في مدينة كربلاء المقدّسة (1349ه) الموافق لعام(1930م)، من أسرة علمية عريقة في كربلاء المقدّسة. ترعرع و نشأ في كنف والده المغفور له حجة الاسلام والمسلمين الشيخ عباس الحائري، و كان علماً معروفاً في أوساط كربلاء المقدّسة، و إن أغلب العقود الشرعية من عقود النكاح و الوصايا والميراث كانت تتم لديه، و كان فريد عصره في علم المواريث لا في كربلاء فحسب بل في المنطقة، و هو نجل المغفور له حجة الاسلام الشيخ جعفر الذي كان يلقب بالطويل لطول قامته،كما أن جده الأعلى حجة الاسلام الشيخ محمد حسن. تعلّم القراءة و الكتابة و الحساب في مكتب في صحن أبي الفضل العباس بكربلاء، ثم توجّه إلى العلوم الحوزوية فدرس (الصرف و النحو و المنطق و الفقه و مقدمات الاصول و اتجه أيضاً إلى الدراسات الحديثة فأكمل الابتدائية و الثانوية و درس القانون في كلية الحقوق في بغداد، و تخرّج بدرجة ليسانس في عام (1950 م- 1951م)، و انتمى إلى نقابة المحامين في بغداد ولكنه لم يمارس مهنة المحاماة بل اتجه إلى التجارة ومسك السجلات التجارية. ثم ان المدير العام للبنك اللبناني المتحد الاستاذ عباس كاشف الغطاء عيّن المترجّم له مديراً لفرع البنك المذكور في كربلاء، و ذلك في سنة (1958م) و حتى سنة (1965م) و تدّرج في عدة بنوك و مصارف لمدن ومحافظات عديدة في العراق. و بعد خدمة طويلة تجاوزت الثلاثين سنة قدّر لشاعرنا الكريم ان يهاجر من وطنه ومسقط رأسه إلى إيران في عام (1983م) تاركاً وراءه كل اتعابه و خدماته إلا أنه ظل حنينه إلى وطنه هاجسه وهمّه و شاغله حتى أنك تجده في كل قصائده بعد الهجرة يشير إلى حبه لوطنه و شوقه إلى أهله هناك و لعل لسان حاله يقول: بلادي و ان جارت عَليَّ عزيزة *** و أهلي و إن جاروا عَليَّ كرامُ

عَلَيْنا نَدَى أَلْطَافِ جُودِكَ نَازِلٌ *** وَ سُوءُ فِعالِ الْخَلْقِ نَحْوَكَ صاعِدُ

جُحُودٌ وَ نُكْرانُ لِفَضْلِكَ واضِحٌ *** وَ لُطْفُكَ رَغْمَ النُّكْرِ فِي الْخَلْقِ سائِدُ

أَتَيْتَ بِسِلْمٍ لِلْعِراقَيْنِ شامِلٍ *** وَ أَنْتَ لِسَيْفِ الْحَرْبِ بِاللَّطْفِ غَامِدُ

فقَدْ مَزَّ قَتْنا الْحَرْبُ شَرِّ مُمَزِّقٍ *** وَ قَدْ لَعِبَتْ فينا الرِّقاقُ البَوارِدُ

وَ قَدْ أثْقَلَتْ مِنّا الهُمومُ كَواهِلاً *** وَ مِنّي عَلَى قَوْلِي دَلِيلٌ وَ شاهِدُ(1)

فَقَدْ كُنْتُ قَدْ أُبْعِدْتُ عَسْفاً بِلَيْلَةٍ *** مِنَ الوَطَنِ الغالِي وَ لا مَنْ يُعاضِدُ

وَ قَدْ مَسَّنِيْ ضُرِّ وَ حَوْلِيَ أُسْرَتِي *** وَ مَا لِي لِدَفْعٍ الصَّيْمِ عَنْهُنَّ ذائِدُ

خَرَجْنَا وَ سِرْنا فِي الْفَيافِي بِلَوْعَةٍ *** وَ كَادَتْ أسّى تَبْكِي عَلَيْنَا الْفَدافِدُ(2)

وَ عِشْتُ بعيداً عَنْ بِلادي وَ مَرْبَعِي *** وَ أهلي وَ أَصْحابي وَ طَالَ التَّباعُدُ

تَوَغَّلَ لي جَذْرٌ بِتُرْبَةِ كَرْبَلا *** و غَرْسِي نَما فيها وَ فِيها التَّوالُدُ

وَلِي عَبْرَ أَجْيالٍ بها مِنْ مَعالِمٍ *** وَلِي فِي ثَراها لِلْجُدُودِ مَراقِدُ

جِوارُ أبِي الأحرارِ عِشْتُ وَ جَنَّتِي *** هُناكَ جَرى مِنْ تَحْتِها لِي رافِدُ

مَرابِعُ أُنسِي في العِراقِ دَوارِسٌ *** وَ قَدْ لَعِبَتْ فيها الرِّياحُ الصِّوارِدُ(3)

فَهَلْ لِيَ أَنْ أَنْسَى لَيالِيَ شَقْوَتِيْ *** وَ قَدْ كُنْتُ فِي قَيْدِ الْهَوانِ أُكَابِدُ

وَ كَيْفَ وَ قَدْ صُبَّتْ عَلَيَّ مَصائِبٌ *** لِبُعْدِيَ مِنْها وَاحْتَوتْنِي الشَّدائِدُ

و لازِلْتُ مِنْ بُعْدِ الدِّيارِ بِمِحْنَةٍ *** وَلِي مَطعَمٌ مُرَّ وَ مَسْقايَ راكِدُ

وَمَا لِي سِوى التَّرْجِيعِ حَوْلٌ و قُوَّةٌ *** وَ مَا لِي سِوىَ الصَّبْرِ الجَمِيلِ مُسَانِدُ

***

ص: 349


1- كواهلاً: الكاهل: أعلى الظهر مما يلى العنق.
2- الفيافي: الصحاري التي لاماء فيها و لاكلأ. الفدافد: جمع فدفد، و هي الأرض المستوية.
3- مرابع: مفردها مربع، و المربع: الموضع يقام فيه زمن الربيع. و دوارس: منمحيات، ذهبت آثارها. الصوارد: البوارد.

تَناسَ هُمُومَ الْهَجْرِ وَ انْسَ مَصائِباً *** مِنَ الْهَجْرِ قَدْ صَبَّتْ عَلَيْكَ الرَّواعِدُ

دَعِ الْحُزْنَ فَالدُّنْيا بِبشْرٍ وَ بَهْجَةٍ *** وَ لِلْخَيْرِ تَرْسُو في رُبانا القَواعِدُ

فهَذِي تَبَاشِيرُ السَّلامِ بِأُفْقِنا *** تَجَلَّتْ وَ عَهْدُ الحَرْبِ لاشَكَّ بائِدُ

سَتَصْفُو سَمَاءٌ لِلْعِراقَيْنِ كُدِّرَتْ *** وَ يَجْمَعُ شَعْبَيْهِ الهُدى وَ التَّوادُدُ

وَ هَذِي ثُغُورُ الفَجْرِ تَبْدُو بِرَوْعَةٍ *** وَ عَنْ مَبْسمٍ تَفْتَرُّ وَ الكَوْنُ شَاهِدُ

فُيوضٌ مِنَ الرَّحمنِ تَجْرِي رَوافِداً *** لَنا مَنْهَلٌ مِنْ عَذْبِها وَ مَوارِدُ

وَ قَدْ صَدَحَ الطَّيْرُ الهَزارُ مَسَرَّةً *** وَ جاءَتْ بِأَنْبَاءِ السُّرورِ الهَداهِدُ

بأِنَّ رسولَ اللَّهِ طابَتْ حَياتُهُ *** بِفَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ وَ الْعَيْشُ راغِدُ

فيا نَفْسُ هَبِّي وَابْشِرِي وَ تَهَلَّلِي*** فَإِنَّ صَباحَ الخير بالسَّعْدِ عائِدُ

فَقَدْ وُلِدَتْ بنتٌ لِطَه أمامَها *** تَصاغَرَ أَفْذاذٌ رِجالٌ أَجَاوِدُ(1)

حَبا المُصْطَفى رَبُّ البَرِيَّةِ كَوْثَراً *** تَسِيلُ بِفَيْضِ الْخَيْرِ مِنْهَا الرَّوافِدُ(2)

وَ أَعْطاهُ إِكراماً عَظِيمَ عَطِيَّةٍ *** بِبِنْتٍ لَهُ مِنْهَا بَنُوهُ الْأَماجِدُ

فَمِنْ بِنْتِهِ الزَّهْرَاءِ نَسْلٌ مُطَهَّرٌ *** نُجومٌ وَ أَقْمارُ الهُدى وَ فَراقِدُ(3)

ص: 350


1- أجاود: أكارم. و في بحار الأنوار ج43 ص92 ح3 ط بيروت، باب تزويجها عليه السلام: عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت علياً علیه السلام؟ فقلت لهم والله ما أنا منعتكم و زوّجته بل الله منعكم و زوّجه فهبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمد إن اللَّه «جلّ جلاله » يقول: لو لم أخلق علياً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه.
2- في أسباب النزول للواحدي النيسابوري طبعة قم ص307 قال: اخبرنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم قال: دعوه فإنما هو رجل ابتر لاعقب، له لو هلك انقطع ذكره و استرحتم منه. فأنزل الله «تعالى» في ذلك -(إنا أعطيناك الكوثر)- و كان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلی عليه و آله و سلم و كان من خديجة علیها السلام. و راجع «تفسير البرهان ج4 ص515 ح3 و راجع» أسباب النزول/ للسيوطي في تفسير الآية.
3- في كنز العمال ط بيروت ج12 ح34253 و ح 34254 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلاَّ ولد فاطمة علیها السلام فأنا وليّهم و أنا عصبتهم » و راجع «ح34266 و ح 34267». و راجع مجمع الزوائد/ للهيثمي ط بيروت ج9 ص175، كتاب المناقب باب في فضل أهل البيت علیهم السلام. و ما في مسند الإمام الرضا عليه السلام ج1 ص347 ح190 لعله إشارة إلى ذلك قال: ...فأخذ فاطمة علیها السلام فاحتضنها و قبل فاها و ضمَّ علياً إليه و قبَّل بين عينيه و أجلس الحسن علیه السلام على فخذه الأيمن و الحسين علیه السلام على فخذه الأيسر و قبلهما و قال:«أنتم أولى بي في الدنيا و الآخرة والى الله من والاكم وعادى الله من عاداكم أنتم منّي وأنا منكم ...» إلى آخر الحديث.

لَهُ الحَسنانِ ِالسَّيَّدانِ وَ مِنْهُما *** أَئِمَّةُ حَقٌّ تِسْعَةٌ وَ مَرَاشِدُ(1)

أَتَتْ هَلْ أَتَى في فَضْلِها وَ صِفاتِها *** و فيها صِفاتُ الخَيْرِ غُرِّ فَرائِدُ(2)

وَ فِي آيةِ التَّطْهِيرِ رِفْعَةُ شَأْنِها *** تَجَلَّتْ وَ فِي الْقُرْبَى لها الوُدُّ وارِدُ(3)

ص: 351


1- في كنز العمال ج12 ص112 ح34249 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟ هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطُّ قبل هذه الليلة أستأذن ربه «عزّوجلّ» أن يسلم علي علیه السلام و يبشرني أن الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة و أن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة؛ و راجع «ح34246 و ح34247 و ح 34248 و ح 34259 و ح 34260 و ح34274 و ح 34282 من المصدر نفسه».
2- في تفسير البرهان ج4 ص409 روي عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: من قرأ هذه السورة كان جزاؤه على الله جنة، و حريراً، و من أدمن قراءتها قويت نفسه الضعيفة و من كتبها و شرب ماءها نفعت وجع الفؤاد و صح جسمه و برىء من مرضه. و ذكر الواحدي في أسباب النزول ط قم ص296 قال: قال عطاء عن ابن عباس: و ذلك أن علي بن أبي طالب عليه السلام أجّر نفسه نوبة يسقي نخلاً بشيء من شعير ليلة حتى أصبح و قبض الشعير وطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوا فلما تم إنضاجه اتى مسكين فأخرجوا له الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم انضاجه اتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى اسير من المشركين فأطعموه و طووا يومهم ذلك... و في تفسير البرهان أيضاً ج4 ص412 رقم4، و رقم5 الآية «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً» [سورة البقرة الآية 274]. و قوله «تعالى» «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ») [سورة الإنسان الآية 7] فهبط جبريل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم خذ ما هنالك في أهل بيتك علیهم السلام فقال: و ما آخذ يا جبريل علیه السلام؟ قال:«هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» إلى آخر الآيات.
3- فی أسباب النزول/ للواحدي ط قم ص239) قوله «تعالى» من سورة الاحزاب آية 33 «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» قال: نزلت في خمسة: في النبي صلی الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليها السلام. و راجع الدر المنثور/ للسيوطي في تفسيره للآية من سورة الأحزاب ج5 ص198... و في تفسير البرهان ج3 ص309 في تفسيره للآية من سورة الأحزاب ح7 [اجمعوا أنها نزلت في النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن والحسين عليهم السلام]. في الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله «تعالى» من سورة الشورى آية/ 23«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» عن ابن عباس: قالوا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال علي و فاطمة و ولداهما علیهم السلام. راجع«تفسير البرهان ج4 في تفسير سورة الشورى آية 23»ح2.

يُعَلَّمُها الرَّحْمَنُ وَ المُصْطَفَى لَهُ *** مَواقِفُ فِي تَعْظِيمِها وَ مَشاهِدُ(1)

وَ أَنَّ لها شأناً عَظِيماً وَ مَوْقِعاً *** لَدَى اللَّهِ لاتَدْرِي مَداهَا المَراصِدُ(2)

مَقامُ لَها فَوْقَ الثَّرَيَّا وَ مَنْزِلٌ *** رَفِيعٌ فَلا يَدْنُو إليهِ عُطارِدُ

فِداكِ أَبُوكِ قال طهَ لِبنْتِهِ *** وَ ما ناكِرُ لِلْقَوْلِ هذا وَ جاحِدُ(3)

يُسَرُّ إذا سُرَّتْ وَ يَغْتَمُّ قَلْبُهُ *** إذا ما أَتَتْها المُؤْلِماتُ النَّواكِدُ(4)

مَوَدَّتُها فَرْضٌ عَلى كُلِّ مسلم *** وَ مَنْ يُبْغِضِ الزَّهْراءَ في النّارِ خالِدُ(5)

***

ص: 352


1- في حديث طويل عن الله «عزوجل»: يا فاطمة علیها السلام و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأعذب محبّيك و محبّي عترتك بالنار... راجع البحار/ ج27 ص139 ح144 و في كشف الغمة ج1 ص453 في حديث : و كانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه، و كان إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته و أخذت بيده فأجلسته في مكانها.
2- المراصد: أماكن الرصد و المراقبة.
3- عن ابن عمر أن النبي صلی الله عليه و آله و سلم قبّل رأس فاطمة علیها السلام و قال: «فداك أبوك كما كنت فكوني». راجع مقتل الحسين علیه السلام للخوارزمي ط قم ج1 ص66.
4- النواكد: الشدائد و في صحيح البخاري تحقيق د. مصطفى ديب البغا ج3 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم و منقبة فاطمة عليها السلام ح3510 عن المسور بن مخرمة: إن رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» و في لابن حجر ج4 ص378 حذف الفاء/ القسم الأول عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم على المنبر يقول : «فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يريبني ما رابها».
5- لعل ما يشير إلى ذلك ما ورد في مجمع الزوائد و منبع الفوائد/ للهيثمي ج169/9 عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: و من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام» و في ينابيع المودة/ للقندوزي / الباب الخامس و الستون/ ص370 عن المقداد بن الأسود، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «معرفة آل محمد صلى الله عليه وآله و سلم براءة من النار و حب آل محمد صلى الله عليه وآله و سلم جواز على الصراط و الولاية لآل محمد صلى الله عليه وآله و سلم أمان من العذاب». و راجع الدر المنثور/ للسيوطي في تفسير الآية من سورة الشورى، و تفسير البرهان ج4 في تفسير الآية من سورة الشورى ح2.

فَيَا رَوْعَةَ الذَّكْرَى وَ بَهْجَةَ مَوْلِدٍ *** لِبِنت لها خَيْرُ البَرِيَّةِ والد

لها أَلْسُنُ الدُّنْيا ثَنَاءٌ وَ مِدْحَةٌ *** وَ فِيها حَلَتْ عَبْرَ الزَّمانِ الْقَصَائِدُ

ص: 353

(7) يوم البتول علیها السلام

(بحر الوافر)

الشيخ جعفر الهلالي (*)(1)

ص: 354


1- (*) هو الخطيب الكبير الشيخ جعفر ابن الشيخ عبد الحميد بن إبراهيم بن حسين بن علي بن محمد بن عبد الله بن هلال بن أحمد الهلالي. ولد في مدينة البصرة سنة (1346ه_) الموافق (1927م) في مجتمع زاهر بالعلم و الأدب و الفضيلة، و من أسرة عجنت طينتها بعذب الولاء فنشأ في كنف أبيه، فأحسن تربية نجله حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح. و أسرة الهلالي من الاسر العربية العريقة تنتسب إلى قبيلة بني هلال العربية كانت تسكن الحجاز قديماً، ثم نزح بعض رجالها إلى الاحساء، و استوطنوا مدينة الهفوف، ثم هاجر بعض رجالها إلى العراق و استوطنوا البصرة، ثم إن جد المترجّم له ابراهيم الهلالي انتقل إلى مدينة المحمرة في خوزستان جنوب إيران و بعد سنوات عاد مع عائلته إلى البصرة مرة ثانية، و بعض أفراد هذه الأسرة انتقلوا إلى مدينة سوق الشيوخ في محافظة الناصرية واستقروا فيها. و المترجم له قضى صباه الأول و قسطاً من أيام شبابه في مدينة البصرة يتلّقى دراسته الأولية، ثم هاجر مع والديه إلى النجف الأشرف عاصمة العلم والفضيلة، فترعرع في مدارسها العلمية ومجالسها الأدبية، فانكب على طلب العلم و المعارف الدينية و الكمالات النفسانية، فأخذ دراسته العلمية في الفقه و الاصول و المنطق و العلوم العربية على مجموعة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، منهم العلامة الكبير السيد حسين بحر العلوم و آية الله السيد محمد تقي الحكيم و السيد أحمد النحوي والسيد جواد العاملي والشيخ علي البصري و الشيخ علي القطيفي و الشيخ حسين الفرطوسي ثم انتسب لكلية الفقه في أوائل تأسيسها و تخرج منها ستة (1964م) حاملاً البكالوريوس في العلوم العربية و الاسلامية. و المترجم له: إلى جانب دراسته العالية مارس الخطابة بكل ثقله وطاقته، فأخذ الخطابة على والده المرحوم الخطيب الكبير الشيخ عبد الحميد الهلالي حتى برع وتخصص بفن الخطابة فنال شهرة واسعة، وتفوّق في خدمة المنبر الحسيني الشريف فهو اليوم موضع التقدير والإعجاب عند مختلف الطبقات الاجتماعية، رقى المنبر الشريف في مدن العراق و في دول الخليج كدولة الكويت والبحرين وقطر وعمان والإمارات العربية المتحدة، و کذلک في سوريا و لبنان و إفريقيا و إيران. و المترجَم له من أعلام الأدب ومن مفاخر الشعراء، و هو مكثر في النظم و لاتفوت مناسبة إلا و نجد شاعرنا الهلالي له سبق، الرماية، و أغلب نظمه في أهل البيت علیهم السلام. وله آثار علمية منها: 1- معجم شعراءالحسين عليه السلام(5)مجلدات - في طريقها إلى الطبع. 2- المراكز الأدبية لشعراء الشيعة. 3- الأوليات. 4- الأذواء و الذوات. 5- وقفة مع المؤرخين أو محاكمات تاريخية. 6- المجالس المنبرية . 7- الملحمة العلوية في مدح أمير المؤمنين عليه السلام في ألف و مائة و أربعة و سبعين بيتاً. 8- ديوان الهلالي -مجموعة كبيرة من القصائد و أغلبها في أهل البيت عليهم السلام، و غیر ذلک من الاثار العلمية. و لاتسع هذه الإلمامة أن نذكر شخصية من كرّس حياته المباركة في خدمة أهل البيت عليهم السلام و العلم و الفضيلة.

أتَى يَوْمُ البَتُولَةِ وَ هْوَعِيدُ *** فَطَابَ بِذِكْرِ مَوْلِدِهَا الْقَصِيدُ

بَدَتْ كَالشَّمْسِ تَغمُرُأُفْقٍ *** مِنَ الدُّنيا وَ قَدْ سَعِدَ الْوُجُودُ(1)

هِيَ الزَّهْرَاءُ فَاقَتْ كُلِّ أُنْثَى*** لَها فَضْلٌ فَهَلٌ تُوفِي الْحُدُودُ(2)

أبوها سَيِّدُ الْكَوْنَيْنِ (طه) *** وَ (حَيْدَرَةٌ) لَهَا بَعْلٌ مَجِيدُ

وَ شِبْلاها هُما الحَسَنُ المُصَفّى*** وَ ذاكَ حُسَيْنُها السَّبْطُ الشَّهِيدُ

وِلاهَا الدَّيْنُوالْإِيمانُ حَقّاً *** وَ تِلکَ هِيَ السَّعادَةُ وَ السَّعُودُ

***

أبِنْتَ المُصْطَفَى وَ افَاكِ شِعْرِي *** بِمِدْحَتِهِ وَ إِنْ غَضِبَ الْحَسُودُ

ص: 355


1- إشارة إلى ما روي في كتاب علل الشرائع، ج1 ص179 عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عز وجل» خلقها من نور عظمته، فلّما اشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها. الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في خصائص النسائي ص34 قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «خلقها من السماء لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي فأخبرني و بشرني أن فاطمة علیها السلام ابنتي سيدة نساء أمتي»، (أقول) و ذكره أيضاً المتقي الهندي في كنز العمال ج6 ص221.

شَرِبْتُ وِلاكِ مِنْ لَبَنٍ زَكِيِّ *** تُغَذِّينِي بِهِ أُمِّ وَلُودُ

وَ ذاكَ مِنَ الإلهِ عَظِيمُ فَضْلِ*** وَ مَنْ عِنْدَهُ شُكْرِي يَزِيدُ

فَبِاسْمِكِ قَدْ أَذَعْتُ بِكُلِّ نَادٍ *** تَزاحَمَ عِنْدَ سَاحَتِهِ الْحُشودُ

و كَمْ لي في عُلاكِ سَما قَصِيدٌ *** لَهُ انْحَطَّ الْفَرَزْدَقُ وَ الْوَلِيدُ

سَأَبْقَى ما حَيِيتُ وَلِي وِصالٌ *** بحُبكِ لاأَزِلُّ وَ لاأَحِيدُ

***

أَسيَّدَةَ النِّساءِ إِلَيْكِ قَصْدِي*** إِذا اخْتَلَفَتْ مِنَ النّاسِ الْقُصُودُ

فأَنْتِ الْبَضْعَةُ الكُبْرَى تَسامَتْ *** بِعَلْيَاها وَ مِنْلُكِ مَنْ يَسُودُ

حَباكِ اللَّهُ مِنْهُ بِكُلِّ فَضْلِ *** وَفَضْلُكِ كُلُّهُ كَرَمٌ وَجُودُ

بِفَضْلِكِ لاحَ في(مِصْرِ) كِيانٌ *** لَهُ حُكْمٌ وَ سُلطانٌ مَشِيدُ

بهِ لِلْفاطميين اعْتِزازٌ *** بِنِسْبَتِهِمْ إِلَيْكِ عَلا وُجُودُ

وَ ذَاكَ (الأَزْهَرُ) السَّامِي بِناءٌ *** عَلَى مَرَّ الزَّمانِ لَهُ صُعُودُ(1)

فكَمْ فِيهِ اسْتَفادَ النَّاسُ عِلْماً *** بِهِ دَفَّتْ عَلى الدُّنْيا بُنُودُ(2)

***

أَفاطِمَةُ البَتُولُ وَ مَا عَسَانِي*** أَقُولُ وَ مَجْدُكِ السَّامِي عَتيِدُ؟

رِضاكِ رِضا الإلهِ بِلاجِدالٍ *** وَ سَخُطُكِ سَخَطُهُ وَ هُوَ الشهيدُ

وَ مِنْ عَجَبٍ وَ أَنْتِ الظُّهْرُ ذاتاً *** تَنَزَّلَ فيكِ قرآن مَجِيدٌ(3)

ص: 356


1- من آثار الخلفاء الفاطميين الخالدة الجامع الأزهر. و سمي بذلك تيمناً باسم فاطمة الزهراءعليها السلام التي ينتسب إليها الفاطميون، و قد بني للصلاة جماعة و جمعة و محلاً للتدريس، و لايزال هذا الجامع يؤدي وظيفته في دراسة العلوم الإسلامية و قد تخرج منه فطا حل علماء وأدباء مصر ويسمى اليوم بالجامعة الأزهرية.
2- دفَّت: تراكمت و تتابعت -البنود الأعلام الكبيرة.
3- لعله إشارة إلى ما روي في مستدرك الصحيحين ج3 ص147: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم غداة و عليه مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي عليه السلام فأدخله ثم جاء الحسين عليه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة عليها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية 33]. (أقول) و رواه البيهقي أيضاً فيه سننه ج2 ص149، و رواه ابن جرير أيضاً في تفسيرة ج22 ص5.

يَرُومُ البَعْضُ فَضْلَ سِواكِ جَهْلاً *** بِمَضْحَكَةٍ على الرّاوي تَعُودُ

وَ لَمْ يَرَ مِنْ حَديثٍ يَصْطَفِيهِ *** فَكانَ لَهُ لدى الفضل (الثَّريدُ)(1)

أَتَجْحَدُ نُورَ قُرْصِ الشَّمْسِ عيَنٌ *** أَعْيُنُ هَذِهِ الدُّنيا شُهُودُ

فَأَيْنَ الحُكْمُ عِنْدَ العَقْلِ وَلَّى؟ *** أَحَقَّاً قَدْ عَرى العَقْلَ الجَمُودُ

سُمُواً يا بنةَ الهادِي سُمّواً *** لَهُ الأَملاكُ صَارِعَةٌ سُجُودُ؟

***

وَ عُذْراً يابْنَةَ المُخْتارِ عُذْراً *** إِذا لَمْ يُسْعِفِ القَوْلَ القَصِيدُ

أَبَعْدَ مَديحِ رَبِّ الكَوْنِ هَلْ لِي *** إلى عَلْياكِ يَأْخُذُ بِي صَعُودُ؟

لكِ القِدْحُ المُعَلَّى يَوْمَ حَشْرٍ*** وَ فِي الفِرْدَوْسِ طَابَ لَهُ الخُلُودُ

رَجَوْتُكِ مِنْ ذُنوبي و الخَطَايا *** إذا ما النَّارُ شَبَّ لَهَا وَقُودُ(2)

فَأَنْتِ لَكِ المَلاذ إذا تَرامَتْ *** هناك صَحائِفٌ لِي وَ هُيَ سُودُ(3)

فَمَا لي غَيْرُ جاهِكِ مِنْ مُغِيثٍ*** وَ مِثْلُكِ بِالشَّفاعَةِ مَنْ يَجُودُ

فما خابَ الَّذِي مَسَكَتْ يَدَاء*** بِحَبْلِ وِلاكِ إِنْ وَهَنَتْ زُنُودُ(4)

ص: 357


1- لعله إشارة إلى الحديث الذي رووه في فضل عائشة عن النبي صلی الله عليه و آله و سلم أنه قال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
2- إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار.
3- ترامت: تراجمت و رميت.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص301 روى بسنده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخذ بيد حسن و حسين عليهما السلام فقال: «من أحبني و أحبّ هذين و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة».

و عطفاً يَا بْنَةَ الهادي فَدَهْرِي *** يُؤَرِّقُنِي بِهِ هَمِّ شَدِيدُ

وَهَاكِ لَدَى الخِتامِ عَظِيمَ وُدٌ *** سَلاماً كُلَّ آوِنَةٍ يَزِيدُ(1)

ص: 358


1- مجلة النبراس عدد (2) ص151.

(8) و أتت للمسجد

(بحر المتدارك)

الشيخ جعفر الهلالي (*)(1)

وَ صَبَرْتَ عَلَى عِظَم البَلْوى *** وَ لِقَلبِكَ بانَ تَجَلُّدُهُ(2)

تَتَجَرَّعُها غُصَصاً غُصَصاً *** كاللَّيْلِ تَراكَمْ مُلْبِدُهُ(3)

ماذا سَأَعَدَّدُ مِنْ نَبَإٍ *** قَدْ كُنْتَ تَراه وَ تَشْهَدُهُ

(يَوْمُ)(المُخْتَارِ) وَ(حادِثُهُ) *** أمْ (حَقَّكَ) خَصْمُكَ يَجْحَدُهُ(4)

أَمْ (إرثُ) حَلِيلَتِكَ (الزَّهْراء) *** و ذا القُرْآنُ يُؤَكِّدُهُ

دَفَعَ الأقْوامُ بِهِ (نَصْاً) *** مُذْ أَضحَتْ عَنْهَا تُبْعِدُهُ(5)

ص: 359


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- نقلنا هذا الفصل الخاص (بالزهراء علیه السلام) من الملحمة العلوية الرائعة التي نظمها الخطيب الشاعر الشيخ جعفر الهلالي، و قد تناول فيها سيرة الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام من المهد إلى اللحد و قد تضمنت عرضاً رائعاً لسيرته و سائر مزاياه و الاستدلال على خلافته و أحقيته بها و ذكر جهاده و إبداعاته و يبلغ عدد أبيات الملحمة (1147) بيتاً و هي جديرة باطلاع كل قارىء مثقف... و في هذه الأبيات ذكر صبر أميرالمؤمنين علیه السلام و أشار في بعضها إلى مصيبة الزهراء علیه السلام.
3- تراكم مُلْبده: اجتمع بعضه ببعض.
4- لاشك أن الإمام علياً علیه السلام لم يترك الدعوة لنفسه و استنكار حادث السقيفة و إن بايع بعد ذلك فلم يبايع عن طيب خاطر و اطمئنان إلى الوضع و هو الذي يقول: بالصراحة في الشقشقية «فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى أرى تراثي نهباً». ثم التاريخ يحدثنا أنه لم يبايع إلا بعد أن رأى راجعة الدين قد رجعت كما يقول علیه السلام: كم تذمر و تظلم من دفعه عن حقه مثل قوله من كلام له في النهج: «فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً منذ قبض نبيه صلي الله علیه و آله و سلم حتى يوم الناس هذا و يشير بهذا اليوم إلى عصره في خلافته علیه السلام.
5- روى الواقدي و غيره من نقلة الأخبار و ذكروه في أخبارهم الصحيحة: «أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرءاً من قرى اليهود»، فنزل جبرئيل بهذه الآية:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء الآية 26]. فقال محمد صلی علیه و آله و سلم : «و من ذوي القربى؟ وما حقه؟ قال: فاطمة علیها السلام ترفع إليها فدكاً ،و العوالي فاستغلتها حتى توفي أبوهاصلی علیه و آله و سلم فلما بويع أبوبكر منعها فكلمته في ردها عليها و قالت: إنها لي وإن أبي دفعها إلي؟ فقال أبو بكر: فلا أمنعك ما دفع إليك أبوك فأراد أن يكتب لها كتاباً فاستوقفه عمر بن الخطاب و قال: إنها امرأة فطالبها بالبينة على ما ادعت فأمرها أبو بكر فجاءت بأم أيمن وأسماء بنت عميس مع علي علیه السلام فشهدوا بذلك فكتب لها أبوبكر فبلغ ذلك عمر فأخذ الصحيفة و مزَّقها فمحاها فحلفت أن لا تكلمهما و ماتت ساخطة عليهما (راجع السيرة الحلبية 362/3 و تاريخ اليعقوبي 106/2 و كنز العمال 3/ 135 حرف الخاء كتاب الخلافة و الإمامة و صحيح البخاري (طبعة دمشق 1126/3 كتاب الخمس الباب (1) الحديث 2926 و صحيح مسلم كتاب الجهاد و السير باب قول النبي صلی علیه و آله و سلم و لانورث رقم ((1759)، و البلاذري فتوح البلدان/ 43 بيروت (1957).

أمْ (ردُّكَ) حِينَ شَهِدْتَ لَها*** بِحَدِيث النَّخْلَةِ ِتُوِردُهُ(1)

أَمْ تِلْكَ النَّارُ) وَقَدْ لَهِبَتْ *** بِالبَابِ لِبَيْتِكَ نَقْصِدُهُ(2)

أَمْ (كَسْرُ الضّلْعِ) لِفَاطِمَةٍ ***أَمْ ذاكَ (المُحْسِنُ) تَفْقِدُهُ(3)

لتُبايِعَ أوَّلَهُمْ فَأَبَيْتَ*** وحَقَّكَ رُحْتَ تُؤكدُهُ

ص: 360


1- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى تأييد القرآن لحق فاطمة علیها السلام في فدك و دفع القوم فاطمة علیها السلام عن حقها بنص باطل بعد ردّ شهادة الإمام علي علیه السلام، و تقدم ذكر الأحداث نقلاً عن تفسير العياشي ج2 ص287. و الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص52 . و ذكره السيوطي في تفسير الدر المنثور ج4 ص177 قال: عن أبي سعيد الخدري «رضي الله عنه» قال: لما نزلت هذه الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء الآية 26] دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك و ذكره في حديث آخر عن ابن عباس. انظر كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300، عن كتاب عوالم العلوم ج2 ص626. و كتاب السيرة الحلبية للحلبي ج3 ص487. و مسند أحمد ج1 ص13 و كتاب عوالم العلوم ج2 ص631.
2- ذكر الطبري في تاريخه 198/3 (أتى عمر بن الخطاب منزل علي علیه السلام فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة). راجع أيضاً شرح النهج 124/1 و الملل و النحل 75/1 و سليم ابن قیس ص208.
3- إن لفاطمة علیها السلام ولداً اسمه المحسن أسقطته بعد هجوم القوم عليها لإخراج علي إلى البيعة. انظر كتاب سليم بن قيس ص40 وكتاب الاحتجاج (1/ 109) و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135.

وَ وَرَاءَكَ بِنْتُ نَبِيِّهم *** تعْدُو و الصَّوْتُ تُرَدِّدُهُ

وَتَصِيحُ الاخَلُوا الكَرًا *** رَوَذَاكَ الصَّوْتُ تُصَعِّدُهُ(1)

أوْ لافَسَادْعُو اللَّهَ عَلَى *** قَوْم تَعْصِيهِ وَ تَجْحَدُهُ

وَ أَتَتْ لِلْمَسْجِدِ مُعَولَةً *** وَ لِذَاكَ الجَمْعِ تُهَدِّدُهُ

فَهُنالِكَ كَفُّوا غَيَّهُمُ *** مُذلاحَ السُّخْطُ وَ مَوْعِدُهُ

وَ رَجَعْتَ وَ عَادَتْ مُنْقَلَةً *** وَالهَمُّ يَزِيدُ تَوَقُدُهُ

وَ غَدَتْ تَشْكُو المُخْتَارَ لِما *** قَدْ نالَتْهُ وَ تُعَدِّدُهُ

و بَكَتْ ألماً لِمُصِيبَتِهَا *** وَ الحُزْنُ تَفَجَّرَ مُكْمَدُهُ

لَيْلاً وَ نَهاراً مَا فَتِئَتْ *** بِبُكاها وَ هْيَ تُشَدِّدُهُ

فَأرادَ القَوْمُ لها مَنْعاً *** عَمَّا تَأْتِيهِ وَ تَقْصِدُهُ

ص: 361


1- قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (19/1 (20) قال عمر: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبوبكر لقنفذ و هو مولى له: إذهب فادع علياً علیه السلام فذهب إلى علي علیه السلام فقال له: ما حاجتك؟ فقال يدعوك خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال علي علیه السلام: (السريع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم) فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً فقال عمر ثانية: إن لاتمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبوبكر لقنفذ: عد إليه فقل له: أميرالمؤمنين علیه السلام يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبوبكر طويلاً ثم قام فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة علیها السلام فدقوا الباب. فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا أبت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين و بقي عمر و معه قوم فخرج علي علیه السلام و مضى معهم إلى أبي بكر فقالوا له: بايع فقال: وإن أنا لم أفعل؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال: إذا تقتلون عبدالله و أخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال عمر: فأما عبد الله فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبوبكر ساكت لايتكلم فقال له:عمر ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لاأكرهه على شيء ما كانت فاطمة علیها السلام إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يصيح و يبكي و ينادي: يا بن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني». و في كتاب الكافي (490/1) قال: عن عبدالله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر و أبي عبدالله قالا: إن فاطمة علیها السلام لما كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما والله يا بن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لاذنب له لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سريع الإجابة».

قالُوا آذَتْنا فاطِمَةٌ *** بِبُكاءٍ مِنْها تُوجِدُهُ

فَلْتَبْكِ نَهاراً والدها *** أولافَبِلَيْلِ مَوْعِدُهُ

فَأَبَتْ وَغَدَتْ لِ_ (بَقيعِ الغَرْ *** قَدِ) ثَمَّ نَهَاراً تَشْهَدُهُ(1)

وَ هُناكَ بِظِلُّ (أرَاكَتِها) *** تَخِذَتْ مَأَوّى تَتَعَهَّدُهُ(2)

وَ تَعُودُ اللَّيْلَ تَؤُمُ الدّا *** رَلِذاكَ النَّدْبِ تُجَدِّدُهُ(3)

فَسَعَوْا في قطع أراكَتِها *** شُلَّتْ لِمُعادِيها يَدُهُ

فَبَنَى الكَرَارُ لَها (بَيْتاً) *** لِلْحُزْنِ أَقِيمَ مُشَيَّدُهُ

ص: 362


1- سارت فاطمة علیها السلام إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم وقفت عليه و بكت ثم أخذت من تراب القبر فجعلته على عينها و وجهها ثم أنشأت تقول: ماذا على من شم تربة أحمد *** أن لايشم مدى الزمان غواليا صُبّت علي مصائب لو أنها *** صبت على الأيام صرن لياليا
2- الأراكة: أراك و هو شجر معروف اتخذ منه السواك.
3- و في هذه الأبيات التسعة إشارة إلى شكواها لأبيها و حزنها على فراقه و بكائها في الليل و النهار و منع القوم لها عن البكاء علیه السلام. انظر كتاب عوالم العلوم ج2 ص787 و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص119 و ص322. و بحار الأنوار ج43 ص156. و في كتاب صحيح البخاري ج4 ص1619 عن أنس قال: لما ثقل النبي صلي الله علیه و آله و سلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة علیها السلام واكرب، أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أجاب رباه، يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم من جنة الفردوس، مأواه، يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة علیها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم لحثوا على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم التراب. و في كتاب أمالي الصدوق ص121 ح رقم 5 قال: في ضمن حديث رقم 5 «وأما فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة، قالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر، مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف... الخ. و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب قال: و رأس البكائين ثمانية آدم و نوح، و يعقوب، و يوسف و شعيب و داود علیهم السلام و فاطمة علیها السلام و زين العابدين علیه السلام، قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك، إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء، فتبكي. ج3 ص322.

و كذاكَ تَواصَلَ مِنْهَا الحُزْنُ *** وَ زادَ القَلْبُ تَوَقُدُهُ(1)

وَ تَضَاعَفَ مِنْها السُّقْمُ وَ قَدْ *** أوْدَى بالجِسْمِ تَشَدُّدُهُ

فَقَضَتْ وَ القَلْبُ بِهِ شَجَنٌ *** تُبْدِيهِ وَ طَوْراً تَكْمِدُهُ(2)

وَ بِلَيْلِ قَدْ دُفِنَتْ سِرًّا *** وَ بِذَا لِلسُّخْطِ تُؤَكِّدُهُ(3)

ص: 363


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى حزن الزهراء علیها السلام الشديد على رسول الله صلى الله عليه و آۀه و سلم و بناء علي لها بيت الأحزان. ففي كتاب البحار ج43 ص177 ضمن ح15 في ضمن حديث طويل قال: «ثم إنه -علي علیه السلام- بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان، و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها، و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها».
2- و في هذين البيتين إشارة إلى شدة حزن الزهراء علیها السلام و سقمها و نحول جسمها علیها السلام. ففي البحار ج43 ص200 ضمن ح30 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عاشت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر ما رئيت ضاحكة و عنه أن فاطمة علیها السلام كفنت في سبعة أثواب.
3- و في هذا البيت إلى ما روي من أنها علیها السلام دفنت ليلاً. ففي كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي علیه السلام ليلاً و لم يعلمهما بذلك». نقله عن الواقدي. و قال محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص54. «و دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي رضي الله عنه أن يدفنها ليلاً». و في البحار ج43 ص183 ضمن ح16 قال: «الأصبغ بن نباتة أنه سأل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب 4/ 1898 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و قال النووي: (و أوصت -فاطمة علیها السلام- أن تدفن ليلاً ففعل -علي- ذلك و نزل في قبرها علي و العباس و الفضل بن العباس (تهذيب الأسماء و اللغات 353/2) و في نظم درر السمطين/ 181 «عاشت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم أربعين يوماً و دفنت ليلاً بالبقيع». و قال الخوارزمي: «فلما توفيت دفنها علي بن أبي طالب علیه السلام ليلاً و لم يؤذن بها أبوبكر و صلى عليها علي». مقتل الحسين علیه السلام 83/1، و مثل ذلك في مجمع الزوائد 211/9. و (بقيع الغرقد) مدفن مشهور في المدينة، و قد سمي بقيع الغرقد لما فيه من أروم الشجر من ضروب شتى. قال ياقوت: و هو مقبرة أهل المدينة 473/1. و قال الفتال النيسابوري في روضة الواعظين/167: روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة...»

محَنِّ ما غَيْرُكِ يَجْرَعُها *** في هذا العالم نَعْهَدُهُ(1)

ص: 364


1- الملحمة العلوية (ص95).

(9) من وحي الولاء

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب الهريبي(*)(1)

ولا يتُكُم فخرِي ومجدي و سُؤدَدِي *** وخدمتُكُم ذُخرِي وزادي في غدِي

سأرفعُكُم دوماً شعاراً ومبدءاً *** أردّدهُ في محشدٍ إثرَ محشدِ

سأدعُو إليكُم ما حييتُ و إنّما *** حياتِي أن أدعُو إلى آلِ أحمدِ

فما ضرّني من نالَ منّي بحقده *** لأنّي أستسقي هداكُم فأهتديِ

فقومٌ رمَوْني بالغُلو لأنّني*** أقدَّسكم في اللهِ قربى محمدِ

وكم تهمةِ قد لفَّقوها و فريةٌ *** أقاموُا لها الدنيا على سوءِ مقصدِ

فعنكُم أخذنا و الكتابُ قرينُكُم *** يؤيِّدكُم أعظِمْ به من مؤيّدِ(2)

فتوحيدُنا عنكُم و منكُم و هذه *** علومُكُمُ كانت لنا خيرَ موردِ

فلم نعتقدْ إلاّ بما صحَّ عنكُمُ*** فقولُكُمُ الحقُّ الذي فيه نهتدِي

ص: 365


1- (*) هو الخطيب الشيخ حبيب بن إبراهيم بن عبد العزيز بن محمد الهريبي، ولد في بلدة العمران الأحسائية عام 1368 ه و بها نشأ حتى تجاوز عقد حياته الأول قليلاً نزح منها، و اتّخذ بلدة المنصورة موطناً لإقامته، حيث هاجرت أسرته إليها، و قد انتسب لحوزة النجف الأشرف و واصلٍ دراسته الدينية أيضاً في الأحساء على يد العلامة الشيخ محمد الهاجري، و تتلمذ أيضاً على جملة من الخطباء، منهم السيد محمد السيد ياسين الصفواني، و الشيخ حسن القيسي البحراني و السيد محمد صالح العدناني، و ارتقى المنبر الحسيني في بعض دول الخليج كالكويت و البحرين و الإمارات. و له مؤلفات عدة منها: إشراقات فكريّة من أنوار الخطبة الفدكيّة، و هو عبارة عن شرح لخطبة الزهراءعلیها السلام يقع في ثلاثة أجزاء، وقد نظم أشعاراً في المناسبات الدينية مثل المولد النبوي الشريف، و مواليد أهل البيت الطاهرين علیهم السلام و مراثي العلماء.
2- قرينكم: قرين الشيء شبيهه في الصفات.

أيا بضعةَ المختارِ عفواً إذا انبرى *** لمدحِكِ مثلِي في نشيدٍ مردِّدِ

فقدسُكِ أسمى من مديحِي و إنّما *** أتيتُكِ أستجدي نداك المحمدي

فأنتِ العطاءُ الجمُّ و الكوثَرُ الذي*** تحدَّر من ذي العرش في خيرِ مولدِ

فمثلُكِ أنثى لم ير الدهرُ في العلا *** تضاهِكِ يا أمُّ الفَخَارِ المُخَلَّدِ

أيا مولدَ الزهراء يا مشرِقَ الهدى *** و يا نبعَ التُّقى و نور الموحِّدِ

و يا مفخرَ الإسلامِ يا رمزَ عزّه *** و يا جوهرَ الحقَّ الصريحِ المجسَّدِ

فأنتِ لناهديُّ نجدِّد ذكره *** لنبقى به أحياءُ في اليومِ و الغدِ

ص: 366

(10) نور البتول علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

الخْضَرَّ وَجْهُ الرُّبَى وَاعْشَوْشَبَ الوادِي *** وَ الطَّيْرُ غَنَّى بِأَلْحانِ إنشادِ

وَ الكَوْنُ أبْلَجُ بالأنوارِ مُتَّقِداً *** يَزْهُوْ كما ازْدَانَ في أَنْوارِهِ النَّادِي(2)

نُورٌ وَ رَبِّكَ لاتَخْفَى مَظَاهِرُهُ *** نُورُ البَتُولَةِ بِنْتِ المُصْطَفى الْهَادِي

وَ ذِي مَلائِكَةُ الرَّحمَنِ مَا بَرِحَتْ *** تُسَبِّحُ اللَّهَ تَسْبِيحَاً بِتِرْدَادِ

وَ يَمَّمَتْ نَحْوطه المُصْطَفَى وَ هُما *** على أساريرِها تِبشارُها بادِ(3)

تَدْعُوه يا سَيِّداً قامَ الوُجُودُ بِهِ *** منّا عَلَيْكَ سلامٌ ما حَدَا الحادي

إلَيْكَ أَرْسَلَنَا الباري فَدُونَكَها *** مِنْهُ التَّحِيَّةَ وَ هُوَ الموجِدُ البادي

جِئْنَا نُهَنِّيكَ بِالزَّهْرًا فَإِنَّ لَهَا *** فَضْلاً وَ رَبِّكَ لا يُحْصَى بِتَعْدَادِ

أَحِبَّةَ المُرْتَضَى الهادي وَ شِيعَتَهُ *** وَ مَنْ لَكُمْ حُبُّهُ مِنْ خَيْرِ أَوْلَادِ

قُومُوا تُهَنِّي خَدِيجَ الخَيْرِ عَنْ فَرَحٍ*** بِتُحْفَةِ اللَّهَ وَ هُوَ الواهِبُ السادِي(4)

خَدِيجَةَ الخَيْرِ يا مَنْ رَاحَ سُؤدَدُهَا *** يَعْلُوْ سَوامِخَ أطام وَ أَطْوَادِ(5)

يا مَنْ حَبَاهَا بِخَيْرِ الخَلْقِ قاطبةً *** رَبُّ السَّمَا وَ كَسَاهَا أُسَّ إسْعادِ

ص: 367


1- (*)مرت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول.
2- أبْلج الصبح: أسفر و أنار.
3- يمَّمت: قصدت.
4- السادي: المعطي.
5- الآطام: جمع أطم و هو الحصن أو البيت المرتفع. الأطواد: الجبال.

بِالمُصْطَفَى خَصَّها هادِي الأنام إلى *** دَرْبِ الرَّشادِ فَأَضْحَى خَيْرَ رَشَادِ

قَادَ السَّفِينَ إلى شاطي الأمان ألا *** أكْرِمْ بِهِ رَائِداً بَلْ خَيْرَ رُوَّادِ

بنَتْ بِهِ وَ قُرَيْشٌ في عَدَاوَتِها *** لَهَا بِأَعْظَم نُقَادٍ وَ حُسَّادِ

فَالنّاسُ وَ المالُ لم يَبْغُوا بِهِ بَدَلاً *** إلا الَّذِي كَانَ فِيهِ خَيْرَ زُهَادِ

وَ أُمُّ فاطِمَةٍ في المالِ زاهِدَةٌ *** أكرِمْ بِأُمِّ بِهِ مِنْ خَيْرِ زُهَادِ

جادَتْ بِهِ لِرَسولِ اللَّهِ مِنْ كَرَمِ *** أَكْرِمْ بأُمِّ غَدَتْ مِنْ خَيْرِ أجوادِ

فَيا خَدِيجَةُ تِلْتِ الخَيْرَ اجْمَعَهُ *** بالمصْطَفَى خَيْرِ مِعْطاء و مُرْتَادِ(1)

أعطاكِ رَبُّكِ بِالمختارِ مَرْتَبَةً *** فَاقَتْ مَرَاتِبَ أَشْرافٍ وَ أَمْجَادِ

وَ خَصَّكِ مِنْهُ بالزّهراء فاطِمَةٍ *** كأَنَّها وَ الهُدَى جَاءَتْ بمِيعادِ(2)

أكْرِمْ بِفَاطِمَةَ الزهراء سيدةَ *** النِّسْوانِ مِنْ حاضِرِ في النَّاسِ أَوْبادي(3)

يا بِنْتَ أَشْرفِ خَلْقِ اللَّه قاطِبَةً *** إِنْ جِيءَ فِيهِمْ بأَوْلَادٍ وَ أَحْفَادِ

وَ يَا رَبِيبَة بَيْتِ المَجْدِ مِنْ مُضَرٍ *** وَ خَيْرِ هَاشِمٍ مِنْ آتِ وَ مِنْ غَادِ

وَ يَا رَضِيعَةَ ثَدْيِ الوَحْيِ يا أَمَلِي *** يَا مَنْ لَهَا كَلِمٌ مِنْ خَيْرِ إِرْشَادِ

لِلَّه ميلادُكِ المَيْمونُ إِنَّ بِهِ *** اهْتَزَّتْ رُبانا فَأَضْحَى بمِيلادِ

تَقَبَّلي وَ دَنَا في حَفْلِنَا فَبِهِ *** مِنْ خالص الوُدُ مِنَّا أيُّ إِنْشَادِ

حتَّى وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَعْلُو بَلاغَتُهُ *** لَكِنْ بِكُمْ يَتَبَاهَى لَابِنُقَادِ

لأَنَّكُمْ أَنْتُمُ أَهْلُ القَبُولِ وَ أَصْحَابِ *** العَطَا لِرَفَّادِ وَ وَفَّادِ

يا رَبِّ بِالْآلِ بَلْغْنَا مَقاصِدَنَا *** فَأَنْتَ أكْرَمُ مَقْصُودٍ لِقَصَّادِ

وَ زِدْ لَنَا يا إلهي في مَحَبَّتِهِمْ *** فَإِنَّ حُبَّهُمُ مِنْ أَفْضَلِ الزَّادِ

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى المُخْتَارِ سَيِّدِنَا *** وَ المُرْتَضَى عَلَيَّ مَا حَدَا الحَادِي

ص: 368


1- مرتاد هنا اسم مفعول و هو الذي يراد منه الخير.
2- انظر تسميتها الزهراء علیها السلام.
3- حاضر: من الحضر و هم سكان المدن. و البادي: سكان البادية. و في تسميتها فاطمة علیها السلام.

و فَاطِمِ وَ بِنِيها ما بَدَاقَمَرٌ *** أَوْلاحَ نَجْمٌ بِنورِ مِنْهُ وَقَادِ(1)

أعْنِي بِهِمْ آل طه المُصْطَفَى فَبِهِمُ *** تُنْفَى الكُرُوبُ بِدَهْرٍ جَائِرٍ(2) عادِ

ص: 369


1- وقاد: النور. الوقاد : المشع المضيء.
2- جائر: ظالم.

(11) إمام المرسلين

(بحر الوافر)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عَلَى الزَّهْراءِ حُزني في ازْدِيادِ *** وَ دَمْعِي فَوْقَ صَحْنِ الخَدّ بادِي

لِبَلْواها أَنُوحُ بلا انْقِطَاعٍ *** وَ أَنْدُبُ مِثْلَما قَدْ ناحَ شادِي(2)

أُمَنْلُها وَ قَدْ فَقَدَتْ أَباها *** إمامَ المُرْسَلِينَ وَ خَيْرَ هَادِي

وَ عجَّتْ بِالبُكاءِ تَنُوحُ شَجُواً *** لَهُ وَ تَعِجُ مِنْ أَقْصَى الفُؤادِ

وَ عَيْناها مِنَ الأحزانِ قَرْحَى *** تَصُبُّ لَهُ المَدامِعُ كالغَوادِي(3)

تُنادي وَ الدُّمُوعُ بها احْمِرارٌ *** وَ نَارُ الوَجْدِ تُضْرَمُ في الفؤادِ

ألا يا والدي قَدْ كُنْتَ ذُخْرِي *** فَوا ذُلّاهُ بَعْدَكَ يا عِمادي

ألا يا والدي قَدْ كُنْتَ حِصْناً *** أَلُوذُ بِهِ بِمُعْتَرَكِ الشّدادِ

ألا يا والدي كُنْتَ الْمُرَجّى *** إِلَيَّ وَ كُنْتَ يا أَبَتِي سِنادِي

فَها أنا بَعْدَ فَقْدِكَ يا مَلاذِي *** أَحِنُّ جَوّى لِعُظمٍ الاضِطهاد

وَ كُنْتَ حِمايَ مِنْ جَوْرِ اللَّيالي *** وَ كُنْتَ حِمَايَ مِنْ جَوْرِ الأَعادِي(4)

عَليَّ تَراكَمَتْ مُذْ غِبْتَ عَنِّي *** مَصائِبُ مِثلُ أَظوادٍ صِلادِ(5)

وَ نَوْحِي كَالحَمامَةٍ في بُكاها *** تَحِنُّ بلا انقطاع أَوْ نَفادِ

ص: 370


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الشادي: الذي يمدّ صوته كالغناء.
3- الغوادي: مطر الغداة مفرده الغادية.
4- جور الليالي: سوادها جَوْر الأعادي: ظلمهم.
5- أطواد: جبال عظيمة. صلاد: صُلْبَة.

أو الهَيْمَانِ ضَيَّعَهُ أَلِيفٌ *** فَها هُوَ هائِمٌ في كُلِّ وادي(1)

فواحُزْنِي عَلَيْكَ أَبِي سَأَبْكِي *** عَلَيْكَ إلى مَمَاتِي وَ افْتِقادِي

وَ أَنْدُبُ لاأُفَتِّرُ مِنْ شُجُونِي *** وَ اتَّخِذُ البُكا شُرْبِي وَ زادي

بَنِي المُخْتَارِ ما أَدْهَى رَزَايَا *** دَهَتْكُمْ عُنْوَةٌ دُونَ العِبادِ

عَلَيْكُمْ لَمْ يَزَلْ يَنْهَلُ دَمْعِي *** مُذاباً كَالجُمَانِ و كَالغَوادِي(2)

صَلاةُ اللَّهِ وَ الأَمْلاكِ جَمْعاً *** عَلَيْكُمْ ما حَدا لِلرَّكْبِ حَادِي(3)

ص: 371


1- الهيمان: رجلٌ محبّ شديد الوَجْد كأنّه جُنّ من العشق فذهب على وجهه من غير قصد. هائم: ذاهب لايدري أين يتوجّه.
2- الجمان: اللؤلؤ.
3- كنوز المدح و الرثاء ص25.

(12) رَكْرُ الشريعة

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

حَسْبِي على ما حَلَّ بي إنشادي *** وَ تَلَبَّسِي بالنوح و التَّعْدادِ

حُزْنِي يَزِيدُ وَ حَسْرَتِي لاتَنْقَضِي *** وَ الوَجْدُ يُشْعِلُ بالصِّرامِ فُؤادي

لِي حَرْقَةٌ لاتَنْطَفِي طُولَ الْمَدَى *** وَ أَنُوحُ كالقُمْرِيّ في الأَعْوادِ(2)

يا صاح دَعْنِي فَالْوُلُوعُ أَمَضَّنِي *** وَدَع العِنابَ فَلَسْتَ مِنْ أَنْدَادِي(3)

دَعْنِي أَكَابِدُ مِحْنَتِي وَ صَبابَتِي *** فَلِمَا بُلِيتُ مُلازِمَ التّسْهادِ(4)

لَمْ أَبْكِ فَقَدَ أَحِبَّةٍ كَلا ولا *** رَسُمٌ عَفَاهُ تَرادف الآبادِ

کَلا و لاأبكِي حُطاماً زائِلاً *** عنِّي و لالطوارِفٍ وَ تِلادِ(5)

لكِنْ شَجانِي ما أُصِيبَ مُحَمَّدٌ *** في آلِهِ مِنْ مِحْنَةٍ وَ نِكادِ

وَ يَكَيْتُ لِلزَّهْرا وَ مَا بُلِيَتْ بِهِ *** فَتَجَلْبَبَتْ مِنْ حُزنِها بِسَوادِ

لَمْ أَنْسَهَا لَمَّا أَتَتْ مُلْتَاعَةً *** قَبْرَ النَّبِيِّ وَ دَمْعُها كَغَوادِي(6)

تَدْعُو: أَلا يا والِدِي يا مَنْ بِهِ *** رُكْنُ الشَّرِيعَةِ ثَابِتُ الأَوْتَادِ

ص: 372


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- القُمري: ضربٌ من الحمام حسن الصوت.
3- الولوع: شدة الوَلَع و الحب والتعلّق. أمضني: آلمني و جرحني و أحرقني.
4- التسهاد: الأرق و قلة النوم.
5- طوارف: جمع طارف و هو المال المستحدث، و يقابله التلاد و هو جمع التالد، أي المال القديم.
6- ملتاعة: مصابة بلوعة و مرض -غوادي: أوائل الأمطار.

أبْنَاهُ قُمْ و انْظُرْ لِحالِي كَيْ تَرى *** أَثَرَ التألمِ فَوْقَ وَجْهِيَ بادِي

ما شُمْتُ مِنْبَرَكَ العَظِيمَ وَ زُرْتُهُ *** الأَ بَكَيْتُ لِوَحْشَةِ الأَعْوادِ

يا وَحْشَةَ المِحْرابِ زادَتْنِي أَسَى *** وَ كَأَنَّهُ بِاكٍ عَلَيْكَ يُنادِي

أَوْحَشْتَنِيَ يَا خَيْرَ مَبْعُوثٍ وَ يَا *** خَيْرَ الأنام وَ قُدْوَةَ الأَمْجادِ

تَاللَّهِ يا أَبَتاهُ لَوْعايَنْتَنِي *** مَكْسُورَةَ الأضلاع بالأحقادِ(1)

صَدْرِي يَسِيلُ دَماً وَوَجْدِي ما *** لَهُ حَدَّ مَدَى الأَيام وَ الآبادِ

قَدْ وَ رَّمُوا مَثْنِي بِضَرْب سِياطِهِمْ *** وَ أَنا أَحِنُّ مِنَ الأسى و أُنادِي

مَلْطُومَةٌ عَيْنِي وَ بَعْلِي بَيْنَهُمْ *** أَضْحَى يُقادُ مُلَبَّباً بِنِجَادِ(2)

وَ أَشدُّ ما أَجْرَى دُموعِي وُكَفاً *** كالغَيْثِ مُنْهَمِراً بكا أولادي(3)

يا بِنْتَ طَهَ ما أَمَضَّ مُصابَكُمْ *** مُجْرِي الدُّمُوعَ وَ مُحْرِقُ الأَكْبَادِ

صَلَّى الإلهُ عَلَيْكُمْ ما زَمْجَرَتْ *** سُحْبُ السَّما بِالبَرْقِ وَ الإِزعادِ(4)(5)

ص: 373


1- هذا البيت و الأبيات التي تليه إلى ما رويناه عن كتاب سليم بن قيس ص40 عن الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل و العوالم ج2/11 ص558.
2- ملبياً: مجروراً -نجاد: حمائل السيف.
3- وكَفاً: سائلة قليلاً قليلاً.
4- زمجرت: أكثرت الصياح و الصخب و التهديد.
5- كنوز المدح و الرثاء ص41.

(13) یا خیر داع...!

(بحر الكامل)

الشيخ حسين الشبيب (*)(1)

يا خَيْرَ داعٍ لِلْإِلَهِ وَهادِي *** شَمِئَتْ بِمَوْتِكَ جُمْلَةُ الحُسَّادِ

وَلِفَقْدِكَ انْفَجَعَتْ مَلائِكَةُ السَّما *** وَلَهُ تَهَدَّمَ شامِخُ الأَطْوادِ(2)

وَعَلَيْكَ زُلْزِلَتِ السَّماءُ وَأَعْوَلَتْ*** زُمَرُ المَلائِكِ فَوْقَ سَبْعِ شِدادِ

وَبَكَتْ عَلَيْكَ الكائناتُ بِأَسْرِها *** وَخَبا ضِيَاءُ الكَوْكَبِ الوَقَّادِ(3)

ص: 374


1- (*) الشيخ حسين الشبيب هو الخطيب الفاضل الشيخ حسين بن شبيب بن محمد بن علي آل شبيب، وآل شبيب من الأسر العربية العريقة في المنطقة الشرقية في السعودية وفي بلادهم أم الحمام بل في القطيف وعرفت هذه العائلة بالذكاء والفطنة وجودة الحفظ بصورة عامة . و شاعرنا المترجّم له بصورة خاصة عرف بذكائه وفطنته ونظره البعيد فلذلك اشتهر ذكره في تلك البلاد، وكان رجلاً اجتماعياً ودينياً ووطنياً ، وهو جميل المعاشرة غير متصنعِّ في بشاشته فهو على جانب عظيم من الشمم والإباء وسمو الهمة وشرف النفس، وقد انغمس في حب أهل البيت علیه السلام وأخذ على عاتقه خدمتهم طيلة حياته ، فعقد في داره مجلساً للعزاء عليهم في كل ليلة على الدوام والاستمرار بصورة عامة وفي عشرة محرم بصورة خاصة ، وكان أكثر نظمه في أهل البيت علیه السلام مدحاً ورثاءّ، ومن ذلك جاء ديوان له في جزأين، الأول باللغة الفصحى والثاني باللغة الدارجة ،طبع في النجف الأشرف سنة (1374ه)، وديوانه المذكور هو الذي خلَّف له الذكر الخالد الذي لا يبيد وحقاً ما قال الشاعر . و ما من كاتب الا سيبلى *** و يبقى الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء *** يسرُّك في القيامة أن تراه و افاه الأجل المحتوم في 29 صفر (1369ه).
2- الأطواد :مفرده الطَّوْد، وهو الجبل العظيم.
3- خبا: انطفأ و خمد.

اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّ يَوْمَكَ في الوَرَى *** قَدْ كانَ أَدْهَى مِن صَواعِقِ عادِ

أَشْجَى الخَلائِقَ وَ القُلُوبَ أذابها *** حُزْناً وَ أَصْبَحَ جِبْرَئِيلُ يُنادِي

اليَوْمَ ماتَ مُحَمَّدٌ وَ الأنْبِيا *** لَبِسَتْ لِفَجْعَتِهِ ثِيَابَ سَوادِ

اليَوْمَ رُكْنُ الدِّينِ زُلْزِلَ وَ الهُدَى*** اليَوْمَ قامَتْ دَوْلَةُ الأَوْغادِ

اليومَ أَصْبَحَتِ البَتُولُ يَتِيمَةً *** مِنْ بَعْدِ فُقدانِ النَّبِيِّ الهادِي

اليَوْمَ رُضَّتْ بالجِدارِ ضُلُوعُها *** اليَوْمَ قَدْ لَبِسَتْ لِبَاسَ حِدادِ(1)

اليَوْمَ أُسْقِطَ مُحْسِنٌ وَ بَنُو الشَّقا *** جَهْراً أَبانُوا مَكْمَنَ الأَحْقَادِ

اليَوْمَ بالنيِّرانِ أُحْرِقَ بابُها *** وَقَضَتْ حَلِيفَةً رَنِّةٍ وَ سُهادِ(2)

اليَوْمَ قَادُوا المُرْتَضَى بِنِجادِهِ *** قَسْراً وعانى ذِلَّةَ الأَصْفادِ

اليَوْمَ حَيْدَرَةٌ قَضَى فِي فَرْضِهِ *** في وَسْطِ مَسْجِدِهِ بِسَيْفِ مُرادِي

اليَوْمَ ماتَ المُرْتَضَى وَقَضَى ابْنُهُ *** الحَسَنُ الزَّكِيُّ وَجَفَّ زَرْعُ الوادِي

اليَوْمَ جُمِّعَتِ الجُمُوعُ بِكَرْبَلا *** مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ وَكُلِّ بِلادِ

اليَوْمَ قَدْ عَقَدَ ابْنُ هِنْدٍتاجَهُ *** وغَدَا الحُسَيْنُ فَرِيسَةَ ابْنِ زِيَادِ

اليَوْمَ خَرَّ عن الجوادِبِنَبْلَةٍ *** عَيْطَاءَ قَدْ شَقَّتْ لِكُلِّ فُؤادِ(3)

اليَوْمَ بات َعلى التُّرابِ مُعَفَّراً *** مُلفّى ثَلاثاً في رُبىً و وِهادِ(4)

اليَوْمَ خَيْلُ أُمَيَّةٍ قَدْ أَصْبَحَتْ *** تَحْمِي مَغارَتَها عَلَى الْأَجْسَادِ

اليَوْمَ رَأْسُ ابنِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** حَمَلُوهُ جَهْراً في القَنا المَيَّادِ

اليَوْمَ قَدْ حَرَقُوا الخِيامَ بِكَرْبَلا *** وَ بَدَتْ عَزيزاتُ الرَّسُولِ بَوَادِي(5)

ص: 375


1- في هذا البيت والأبيات التي تليه إشارة إلى أحداث كثيرة. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 37 والبحار ج 53 ص 18 وعوالم العلوم ج 2/11 ص 558.
2- رنّة:(الرنّة): الصوت، أرنّت المرأة: أي صاحت.
3- نبلة عيطاء: السهم الطويل.
4- الرَّبي: ما ارتفع عن الأرض، التلّة. وهاد: أراضي منخفضة.
5- نقلت من ديوان الشبيب ج1 ص 18.

(14) و حق الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الشبيب (*)(1)

لِيَ عَيْنٌ دُموعُها كَالْغَوادِي*** وَمُصابٌ أَدامَ سُقمَ الْفُؤادِ(2)

بِتُّ والقَلْبُ مُبْتَلًى بِشُجونٍ*** وَ سَلَوْتُ الْكَرَى وَطِيبَ الرُّقادِ(3)

أَلْبسَتْنِي يَدُ الذُّنُوبِ لِباساً *** أَضْجَعَتْنِي مِنْ فَوْقِ شَوْكِ الْقَتادِ(4)

وَعَدَتْنِي بِحَسْرَةٍ أَتَرامَى *** جائِلُ الفِكْرِ في صَميمِ فُؤادِي(5)

أَطْلُبُ الرِّفْدَ والأَمانَ وَ مَا مِنْ*** مَلْجَأٍ غَيْرَ سيّدي وَ سِنادِي(6)

صاحِبُ الحَوْضِ وَاللِّوا سَيّدُ الكُلِّ*** مَلاذُ الوَرى بِيومِ المَعادِ

قَلَعَ البابَ مَنْ أَبادَ ابْنَ وُدٌ *** وَفَنى مَرْحَباً بِحَدِّالْحِدادِ

مَنْ بَنى الدِّينَ بالحُسَامِ وَأَرْوَى *** عَطَشَ الأرضِ مِنْ دِماء الأَعادي

مَنْ فَدَى المُصْطَفَى وَباتَ يَقِيهِ *** حِينَ قَلَّ الفِدا وَعَزَّ المُفادِي(7)

مَنْ بِهِ اللَّهُ في السماواتِ باهَى*** وَحَباهُ مِنْ مَنِّهِ بِأَيادِي(8)

أَمَرَ المُصْطَفَى وَنَادَاهُ بَلِّغْ *** مَنْ أَنا رَبُّهُمْ وَ مَنْ هُمْ عِبادِي؟

ص: 376


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- الغوادي: السُّحب التي تنشأ غدوة، أو أمطار الغداة.
3- سلوت الكرى: نسيت النوم وذهلتُ عن ذكره، طيب الرقاد: لذة النوم.
4- القَتاد: شجر صلب له شوك كالإبر.
5- أترامى جائل الفكر: أتابع إدارة الفكر و دورانه.
6- الرّفد: المعونة والعطاء.
7- عزّ المفادي: قلَّ من يفدي و يضحيّ بنفسه.
8- حباه بأيادي: أعطاه النعم من غير مقابل.

هُوَ مَوْلاهُمُ وَ أَنْتَ نَبِيٌّ *** حُكْمُكُمْ نافِةٌ لِيَوْمِ المَعادِ

فَأَقَامَ النَّبِيُّ في يَوْم خُمٍّ *** واضِعاً كَفَّهُ بکفِّ العِمادِ

قائلاً وَ العُيونُ تَرْنُوهُ شَزْراً *** وَ هُوَ فَوْقَ الأَعْوادِ جَهْراً يُنادِي(1)

داعِياً مَنْ أَنا لَهُ كُنْتُ مولّى *** فَعَلِيٌّ لَهُ إمامٌ وَ هادِي

و أتَى جِبْرَئيلُ يَتْلُو كَلاماً *** قالهُ اللهُ فوقَ سَبْعِ شِدادِ

أنَا أَكْمَلْتُ دينَكُمْ ثُمَّ أَتْمَمْتُ *** نِعْمَتِي وَ ارْتَضَيْتُكُمْ لِلرَّشادِ

يا ذَوِي العقل و البصائرِ سَمْعاً *** ثُمَّ طَوْعاً يا مَعْشَرَ الحُسّادِ

عقَدَ المُصْطَفَى لِحَيْدَرَ عَقْداً *** بِحُضُورٍ مِنْ كُلِّ حَضْرٍ وَ بادِي

بَيْعَةً في الرّقابِ طَوَّقَ عَقْداً *** لازمٌ ثابتٌ لِيَوْمِ المَعادِ

يا لَقَوْمِي كَيْفَ العِدَى أَنْكَرُوها *** وَ أَخَلُوا عَقِيدَةَ الإعتقادِ؟

هَلْ أَتَى بَعْدَها الإمامُ بِجُرْمٍ *** نَقَضُوا العَهْدَ نَقْضَةَ الإِرْتِدادِ؟

لا وَ حَقِّ الزَّهْراءِ و الطُّورِ و النَّجْمِ *** وَ رَبِّ العِبادِ غَوْثِ البِلادِ

ما لَهُ عَثْرَةٌ و لا ذَنْبَ إِلا *** فَضْلُهُ وَ الْعُلا وَ قَوْلُ السَّدادِ

فَلَقَدْ قابَلَتْهُ بِالْبُغْضِ حَتَّى *** أَظْهَرُوا فيهِ كامِنَ الأَحْقادِ

بايَعُوا حامِلَ القُ صُعِ أخاتَيْمٍ *** وَخانُوا أخا النَّبِيِّ الهادِي(2)

وَ أَتَوْهُ بِجَمْعِهِمْ وَ اسْتَدارُوا *** حَوْلَ أَعْتابِهِ كَطَيْرِ الجَرادِ

فَأَتَتْ فاطمٌ فَأَبْدَتْ عِتاباً *** بِأَنِينٍ وَ حَسْرَةٍ و اتِّقادِ

مُذْ أَحَسَّ ابنُ... بِنِداها *** کَسَر البابَ وَ البَتولُ تُنَادِي

وَ اسْتَدَارُوا عَلى حِمى بَيْضَةِ الدِّينِ *** وَ قَادُوهُ وَ هُوَ صَعْبُ القِيادِ

عَجَباً وَ الزَّمانُ يُبْدِي اعْتِجاباً *** كَيْفَ أَعْطَى القِيادَ بِالانقيادِ

ص: 377


1- ترنوه شزراً: تديم إليه النظر بسكون الظرف. شزراً: نظر إليه بجانب عينه مع إعراض أو غضب.
2- هكذا كان في الديوان و الظاهر أنه كناية عن معان قصدها الشاعر، والله العالم.

وَ هُوَ غَوْتُ المَلْهُوفِ فِي كُلِّ كَرْبٍ *** وَ مَلاذُ الْمَخُوفِ في كُلِّ نادي(1)

وَ الّذي شَبَّ في القلوبِ ضِراماً *** وَ أَشابَ الطِّفْلَ الّذي في المِهادِ

ما جَناهُ ابْنُ مُلجَم في ذُرى العرشِ *** وَ مِنْهُ انْفَطَرْنَ سَبْعُ شِدَادِ

يا عُيون الإسلامِ هِلي دِمَاءً *** شَجَّ رَأْسَ الأميرِ سَيْفُ المُرادِي(2)

ص: 378


1- نادي: المكان الذي يجتمع فيه القوم للجلوس و المشاورة.
2- نقلت من ديوان الشبيب ج2 ص4.

(15) تشدو الطيور

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين النصراوي (*)(1)

يا لهذا الصباحِ كمْ من جمالٍ *** فيهِ كمْ من سماحةِ المعبودِ

فيهِ شدُو الطيورُ و الحقلُ يزهو *** و يحاكي النسيمُ عطرَ الورود

في ظلال الحقولِ أقحمتُ نفسي *** و تنسمتُ مسكَ يومٍ جديدِ

و توجّهتُ مفرداً لأقضّي *** بين تلكَ المروجِ روعةَ عيدي

خلتُ نفسي مسافراً في وجودٍ *** أخرويٍ في غيرِ هذا الوجودِ

فسألتُ الطيور عن فرحةِ الغابِ *** فغنّتْ و أبدعتْ بالنشيدِ

صاحِ ماذا تقولُ فاليومُ عيدٌ *** فترنّم بقولِ خيرِ القصيدِ

ص: 379


1- (*) هو الشيخ حسين بن عبد الأمير بن نجم بن عبيد بن جاسم النصراوي، ينتمي إلى عشيرة النصاروة في العراق. موطنه الأصلي هو مدينة كربلاء المقدسة، لكن المترجم له نتيجة لهجرة والده من العراق ولد في سورية في معر تمصرين التابعة لمدينة أدلب الشمالية في نهاية عام 1981 م ثم انتقل إلى مدينة نبّل الواقعة بالقرب من محافظة (حلب) المعروفة، و من ثم دخل المدرسة الابتدائية، و أتمها ثم بدأ بالدراسة المتوسطة، ثم انتقل مع عائلته إلى دمشق إلى جوار السيدة زينب علیه السلام و أتم هناك دراسة المتوسطة فالثانوية، ثم بدأ بالدراسة الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة العربية وبالموازاة مع الدراسة المدرسية، بدأ دراساته الحوزوية، و هو الآن ما زال في مرحلة السطوح و اهتم بصعود المنبر و قراءة نتف من العزاء على سيد الشهداء علیه السلام و قد استفاد في هذا المجال من ثلة من خطباء المنبر الحسيني علیه السلام، و بالأخص والده الخطيب الشيخ عبد الأمير النصراوي، و كذلك بدأ تجربته الشعرية منذ سن مبكرة، و في السن الرابعة عشرة تمكّن من كتابة أول قصيدة طبقاً للأوزان الشعرية شعره من السهل الممتنع فهو يرفض التعقيد و استخدام الألفاظ الصعبة.

جاءتِ اليومَ درةٌ لرسولٍ *** فتغنّى الوجودٌ بالتغريدِ

وردةٌ ضوّعتْ فطابَ شذاها *** و تسامى و حازَ مجدَ الخلودِ

من رحابِ الجنانٍ جاءتْ لتسمو *** في ربيعِ الحقولِ فوقَ الورودِ

ما رآها الأنامُ بالحقِّ لكنْ *** كبّلوها ببغيهمْ بالقيودِ

هي في جوهرِ الحقيقةِ نورٌ *** جاءَ يسعى خلالَ أفقٍ بعيدِ

لينيرَ الوجودَ بالخيرِ و العدلِ *** و يدعو لخلقِ كونٍ سعيدِ

دوحةٌ مدّتِ الغصونَ لتعطي *** بُرعُم الخيرِ و الجمالِ الفريدِ

ص: 380

(16) قبرها عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

لِبِنْتِ النَّبِي الهَادِي الحَشَا تَتَوَقَّدُ *** فَمَا عُذْرُ دَمْعِ العَيْنِ أنْ لا يُبَدَّدُ

سَابْكِي لَهَا حَتَّى تَذُوبَ حُشَاشَتِي *** وَ جِسْمِي يَبْلَى وَ المَدامِعُ تَجْمُدُ

فَقَدْ كَابَدَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ مَصَائِباً *** إِذَا رُمْتَ إِحْصَاهَا تَعَيَّا التَّعَدُّدُ(2)

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلا فِراقُ مُحَمَّدٍ *** كَفَاهَا وَ هَلْ مِثْلُ المُفَضَّلِ يُوجَدُ؟!!

ص: 381


1- (*) هو الخطيب الحاج سعود بن عبد العزيز بن أحمد الشملاوي. ولد في منطقة (أم الحمام) من توابع المنطقة الشرقية في السعودية في حوالى عام (1335ه_)، و نشأ تحت ظل والده نشأة حسنة، و قام بتعليمه و الاهتمام به، حيث بعثه للتعلّم بالطريقة المألوفة آنذاك، فضمه إلى معلّمي القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، و كان تعلّمه القرآن عند عند الملّا حسن مسلم المرهون. ثم بعد ذلك انضم لتعلم الكتابة عند السيد حبيب الهاشم الملقب بالمعلّم، ثم عند الشيخ عبد الحي المرهون، و تتلمذ على عدة من فضلاء عصره كالعلامة الشيخ منصور المرهون و العلامة الشيخ فرج العمران. ثم أخذ نهج الخطابة الحسينية فبرع في فنونها و تركيبتها، و من مميزاته أنه كان يمتلك حافظة قوية بحيث كان يحفظ القصيدة للمرة الأولى من سماعها فأستمر في تحقيق اكبر مستوى في الميدان الخطابي حتى قطع شوطاً كبيراً بفضل جهوده و طموحاته، و بفضل اتصالاته ببعض الخطباء و العلماء أمثال العلامة الشيخ فرج العمران، و الشيخ عبدالحميد المرهون تكونت لديه الثروة الثقافية الكبيرة التي تحمل في طياتها الأساليب المختلفة الاقناعية و الاستدلالية عقائدية و تاريخية و أخلاقية و فقهية و بفضل الطريقة التي اعتاد عليها من كتابة المواضيع التي كان يُحضرها للقراءة فقلّما يُلقي موضوعاً لم يكتبه -بفضل ذلك استطاع أن يتمكن من تنسيق البحث و إلقائه على الوجه الأكمل، و كل هذه المؤهلات العلمية جعلته شاعراً مبدعاً. فجنّد نفسه لخدمة مبدئه فأثراه بالعطاء المفعم. مالئاً حياته بالصور المضيئة كما أنه يتمنى أن تُختم حياته بذلك فيقول (أرجو أن أموت و أنا في خدمة أهل البيت علیهم السلام).
2- إذا رمت إحصاها تعيَّاً التعدد: إذا قصدت إحصاءها عجز التعدد.

فَمِنْ أَجْلِهِ عَافَتْ كَرَاهَا وَ عَيْشَهَا *** فَمَا شُغْلُهَا إلا البُكَا يَتَرَدَّدُ

مُعَصْبَةٌ لِلرَّاسِ نَاحِلَةَ القُوَى *** وَ مُنْهَدَّةَ الأَرْكَانِ مِمَّا تُشَاهِدُ

تُشَاهِدُ أعَدَاهَا لَها نَصَبُوا العِدَا *** وَرَدُّوا وَصَايَا أَحْمَدٍ وَ تَمَرَّدُوا

فَمَهُمَا أرَادَتْ أنْ تَنُوحَ لِفَقْدِهِ *** تُمَانِعُهَا عَنْ نَوْحِهَا وَ تَوَعَّدُ

وَ قَالُوا إلى الكَرَّارِ فَاطِمُ تُؤذِنَا *** وَ حَتَّامَ هَذَا النَّوْحُ هَلاً يَنْفَدُ؟!(1)

فَإِمَّا تَنُوحُ اللَّيْلَ نَهْدَأْ نَهَارَنَا *** وَ إِمَّا نَهَاراً وَ الخَلائِقُ تَهْجُدُ

هُنَاكَ عَلِيٌّ فِي البقيع بَنَى لَهَا *** إلَى الحُزْنِ بَيْتاً فَهيَ فِيهِ تُرَدَّدُ

وَ قَدْ مَنَعُوهَا إرْتَها وَ تَحَالَفُوا *** عَلَى ظُلْمِها يَا وَيْلَهُمْ وَ تَعَاقَدُوا(2)

أَتَتْهُمْ تُنَادِيهِمْ إلى رَدْحَقِّهَا *** فَمَا سَمِعُوا بَلْ كَذَّبُوها وَ فَنَّدُوا(3)

وَ قَالُوا (شُهُوداً) يا بَتُولَةُ قَدِّمِي *** فَجَاءَتْ بِخَيْرِ النَّاسِ لِلَّهِ يَشْهَدُ(4)

عَليَّ وَ ابْنَيْها فَلَمْ يَقْبَلُوهُمُ *** لَحَى اللَّهُ قَوْماً فِي الضّلالِ تَرَدَّدُوا(5)

ص: 382


1- إشارة إلى ما روي في كتاب الخصال ص272 ح15 عن أبي عبدالله علیه السلام في حديث طويل، قال: و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر -مقابر الشهداء- فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف. الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله علیه السلام، قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. الحديث.
3- إشارة إلى ما روي في الاحتجاج ج1/ ص119 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: فجاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و أخرجت وكيلى من فدك، و قد جعلها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بأمر الله «تعالى»؟ الحديث.
4- إشارة إلى ما روي في شرح نهج البلاغة/ لابن أبي الحديد ج16 ص274 عن علي علیه السلام قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت: إن أبي أعطاني فدكاً و أم أيمن و عليّ يشهدان. الحديث.
5- لحى: فعل ماضي يأتي من اللحاء. يقال لحى الله فلاناً -و ألحاء- قبحه و لعنه.

يُرَدُّ عَلِيٌّ مَعْ بَنِيهِ لِيَقْبَلُوا *** شَهَادَةَ عِلْجِ لاأُقِيمُوا وَ سُدْدُوا(1)

وَ مَا تَرَكُوهَا بَلْ أَتَوْهَا بِجَمْعِهِمْ *** إلى دَارِهَا وَ البَابَ بِالنَّارِ أَوْقَدُوا(2)

وَ قَدْ هَجَمَ الطَّاغِي -وَ لاإِذْنَ- دَارَهَا *** وَ آلمَهَا بِالسَّوْطِ وَغَدٌ وَ مَارِدُ

وَرَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ يَلْطِمُ وَجْهَهَا *** وَ قَدْ قُبِضَتْ وَ اللَّظمُ فِي العَيْنِ يُوجَدُ

وَ الجَاهَا بَيْنَ الجِدَارِ و بَابِهَا *** وَ كَسَّرَ أَضْلاعَ البَتُولَةِ جَاحِدُ

وَ أسْقَطَهَا ذَاكَ الجَنِينَ بِعَصْرَةٍ *** فَخَرَّتْ تُنَادِي وَ الحَشَى تَتَوَجَّدُ

أَبِي كَسَرُوا ضِلْعِي وَ حَمْلِي أَسْقَطُوا *** وَ مِسْمَارُ بَابِي رَاحَ في الصَّدْرِ يَمْرُدُ

فَمَا بَرِحَتْ فَوْقَ الفِرَاشِ عَلِيلَةً *** تُكَابِدُ مِنْ آلامِهَا مَا تُكَابِدُ

إلى أنْ قَضَتْ مَغْصُوبَة يَا لِهَضْمِهَا *** و أَحْشَاؤُهَا مِمَّا بِهَا تَتَوَقَّدُ

فَقَامَ عَلِيٌّ لِلْبَتُولِ مُغَسْلاً *** فَمَرَّتْ عَلَى الأَضْلاعِ للمُرْتَضَى يَدُ

فَرَاحَ بِجَنْبِ الدَّارِ يَسْبُلُ دَمْعَهُ *** وَ نُورُ الضُّحَى مِمَّا اغْتَدَى فِيهِ أَسْوَدُ

فَنَادَتْه (أسْمَا) يا عَلِيُّ (تُعِزْنَا) *** وَ لَمَّا دَهَاك الخَطْبُ دُقَتْ سَواعِدُ

فَقَال ذَرِينِي إِنَّهَا لَوَدِيعَةٌ *** وَ عَادَتُها بِاليُمْنِ لِلأَهْلِ تُرْدَدُ

و هَذي بِهَذا الحَالِ كَيْفَ ارُدُّهَا *** وَ لاَعُذْرَ عِنْدِي لِلْمُؤمن يُوجَدُ

فَأَكْمَلَ بَعْدَ النَّوْح حَيْدَرُ غُسْلَهَا *** وَ شَيَّعَهَا بِاللَّيْل وَ النَّاسُ هُجَّدُ(3)

وَ اخْفَى عَلِيٌّ قَبْرَهَا حِينَ لُحْدَتْ *** وَ لَمْ يَدْرِجُلُّ النّاسِ عَنْه فَيَقْصُدُ

فَبَعْضُ رَآهَا فِي البَقِيع وَ بَعْضُهُمْ *** رَوَى قَبْرَها عِنْدَ النَّبِيِّ وَ أَوْجَدُوا

ص: 383


1- علج: الحمار الوحشي، القوي السمين. و من معانيه أيضاً الرجل الضخم من كفّار العجم و يطّلقه البعض على الكافر عموماً.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص36 في حديث طويل عن سلمان: ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل. الحديث.
3- هُجَّد: نُيَّمُ.

مَقَالَتَهُ ما بَيْن قَبْرِي وَ مِنْبَرِي *** لَرَوْضَتُها مِنْ رَوْضِ خُلْدِ تُشَاهَدُ

وَ رَبُّكَ أدْرَى بالصَّوابِ وَ عِنْدَه *** مَفَاتِيحُ كُلِّ الغَيْبِ وَ هُوَ المُسَدِّدُ(1)

ص: 384


1- نبضات الولاء ص177.

(17) مولد الكوثر البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ سعيد معتوق الشبيب (*)(1)

ياسماءُ افرحي و يا أرضُ جودي *** نجمُ سعد أنارَ كلَّ الوجود

كَتَبَ الفجُر في شفاهِ الليالي *** وُلدت فاطمُ ابنةُ المحمودِ

***

قد تباركتَ يا إلهُ فبارِكْ *** مولدَ الكوثَرِ البتولِ الولودِ

باركُوا للنبيِّ أفضلَ يومٍ *** و لزوج الرسُولِ تلكَ الودود

ثم للمرتضى الوصيٍّ عليٍّ *** بركات من ربَّنا المعبودِ

فاطمُ الأمّ تلك أُمّ أبيها *** بضعةُ منه أورثت كلِّ جودِ

لعلِيَّ رَبُّ العباداجتباها *** فحوتْ فخرَ كلِّ مجدٍ تليدِ

هي أُم لشبَّر و شَبيرٍ *** سادتْ الخلقَ في جنانِ الخلودِ

و لها زينبٌ أماً قد تجلّى *** دُرَّها الفذُّ في الفدا و الصمودِ

فاطمٌ أنتِ، مَن أنا أين شعري *** كيف يرقى لوصف سِرِّ الوجود؟

فاطمٌ أنتِ مَن أكون تراني *** كيف أصبحتِ في قوافي قصيدي؟

لستُ أدري و قد أحارُ جواباً *** غير أنّي عرفتُ سرّ وجودِي

قل لتاريخِنا الذي قد تساوى *** سيّدَ القوم رتبةً بالمسودِ

مَن تكونُ التي فداها أبُوها *** و هو طه رسولُ ربِّ حميدِ

ص: 385


1- (*) شاعر و أديب معاصر من القطيف، السعودية.

مَن تكونُ التي رضاهُ رضاها *** و أذاها يؤذي الإله... أفيدِي

لي عتابٌ على الذين تناسَوْا *** فضلَها و العتابُ جدّ شديدُ

أين أقلامُكُم و أين القوافي *** ألف أهٍ أقولُها في نشيدِي

***

ص: 386

(18) صوت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني(*)(1)

أَتَبْكِي عَلَى رَسْمِ بِدَارَةِ ثَهْمَدِ *** عَفَتْهُ اللَّيالي فَهْوَ كَالْوَشْمِ فِي اليَدِ؟(2)

ص: 387


1- (*) هو الشيخ سلمان ابن الحاج أحمد بن عباس (التاجر) بن علي ابن الشيخ إبراهيم بن محمد بن حسين آل نشرة الماحوزي. و آل التاجر أسرة معروفة في المنامة عاصمة البحرين، لها مكانتها المرموقة في الأوساط البحرانية و لقب الأسرة في الأصل (آل نشرة) و هم من (الماحوز) إحدى القرى البحرانية الشهيرة و من أعلامهم في القرن الثالث عشر جد المترجَم له الشيخ إبراهيم آل نشرة. و قد خرّجت هذه الأسرة عدداً كبيراً من رجال الفضل و العلم و الأدب منهم المترجم له و ابنه الشيخ أحمد بن سليمان التاجر و أخوه الشيخ محمد علي التاجر صاحب منتظم الدرين، ولآلىء البحرين. نشأ المترجَم له و ترعرع في ظل أسرته و نال التربية الصالحة و تعشّق العلم منذ نعومة أظفاره و درس على أساتذة عصره أصحاب الفضيلة فكان تلميذاً أصحاب الفضيلة فكان تلميذاً للشيخ سلمان بن العصفور، خليفة الشيخ خلف العصفور و أخذ عنه عدد من أصحاب الفضيلة علومهم و معارفهم و منهم الشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم العريض و غيره. و للمترجَم له نشاطات ثقافية و اجتماعية وقف بالمرصاد للتبشير المسيحي في البحرين فكان هو و جماعة من رجال الدين و المثقفين يزوّدون شباب البحرين بالمعارف الإسلامية الأصيلة لمواجهة الحملات التبشيرية فشلّوا نشاطات الحركة في البحرين، و للمترجم له مؤلفات منها: 1- شرح المزمور الخامس و الأربعين من كتاب (المزامير ) و لعله كان يهدف بذلك إلى مواجهة المد التبشيري بإطلاع الشباب المثقف في البلاد على الكتب المقدّسة المحرّفة و مناقشتها. 2- رسالة في (أسرار اللغة العربية). 3- نظم كتاب (جوامع الكلم) لغستاف لوبون. و افاه الأجل في20 من رجب لسنة (1342 ه_) بسبب و باء اجتاح المنطقة يومئذ.
2- ثهمد: علم مؤنث. عفته الليالي: درسته و محَتْهُ.

وَ تَصْبُو إلى تِذكارِ مَسْرَحِ لَذَّةٍ *** وَ مَلْعَبِ أَفْراحِ لِشَادٍ وَ أَغْيَدٍ(1)

لَكَ الوَيْلُ فَاعْزُبْ عَنْ ضَلالِكَ وَ اتَّخِذُ *** مِنَ الْوَجْدِ سِرْ بالاً لِحُزْنٍ مُجَدَّدِ

فَلَسْتَ تَرى واللَّهِ ما عِشْتَ فادِحاً *** بأفجَعَ مِنْ رُزءِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

نَعَتْهُ إِلى عَلْيَاهُ عَلْيَاءُ نَفْسِهِ *** و عَزّى بهِ التَّوْحِيدُ كُلَّ مُوَحِدِ

وَ هَمَّ بِأَنْ يُوصِي بِثِقْلَيْهِ قَوْمَهُ *** وَ بِالعَكْسِ هُمْ فيما يُرِيدُ بِمَرْصَدِ

و قالَ أناسٌ ظَلَّ يَهْجُرُ أَحْمَدٌ *** وَ نَجْمٌ هَوى ما ضَلَّ بَلْ وَحْيُ مُرْشِدِ

وَ كَمْ غُصَصٍ قَدْ جَرَّعُوهُ أَقَلُّها *** لَيُشْعِل ناراً في حَشى كُلِّ جَلْمَدِ(2)

إلى أن قَضى فانْقَضَّتِ الشُّهْبُ للثَّرى *** لِتَشْيِيعهِ في بِنْتِ نَعْشٍ وَ فَرْقَدِ

وَ قامَ يُعَزِّيهِ إلى عالَمِ السَّما *** أخُو الوَحْيِ في نَوْحِ الحَمامِ المُغَرِّدِ

وَ مَزَّقَتِ الدُّنْيا عَلَيْهِ فُؤَادَها *** وَ شَقَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ جَيْبَ التَّجَلدِ(3)

وَ أَظْلَمَ وَجْهُ الكَوْنِ وَ الشَّمْسُ الْبِسَتْ *** بِشَوْبِ مِنَ الأحْزانِ بالكَسْفِ أَسْوَدِ

وَ عَيْنُ الهُدَى لَمْ تُرْق دَمْعَتَها أَسَى *** عَلَيْهِ وَ لازالتْ بِجَفْنٍ مُسَهَّدِ(4)

قضى نَحْبَهُ فَلْتَنْتَحِبْ لافتقادِهِ *** أرامِلُ كانَتْ مِنْهُ في خَيْرِ مَسْنَدِ

قَضَى فَقَضَتْ ما تَشْتَهِيهِ بِآلِهِ *** عَدَيٌّ وَ تَيْمٌ وَ هُوَ غَيْرُ مُلَحِّدِ

زَوَوْا صِنْوَهُ عَنْ حَقِّهِ و رَقَوْا عَلَى *** مَنابِرِهِ يَهْذُونَ هَذْيَ المُعَرْبِدِ(5)

خلا مِنْبَرٌ مِنْهُ بَناهُ بِصَيْفِهِ *** وَ لَمْ يَخْلُ مَتْنُ الطَّرْفِ مِنْهُ بِمَشْهَدِ

ص: 388


1- تصبو: تحنّ. شادٍ و أغيد شاد هو من يرفع صوته بالغناء و يترنّم به. أغيد الغلام الناعم الذي مالت عنقه و لانتْ أعطافه.
2- جلمد: صخر صلب.
3- التجلد: الصبر.
4- مسهّد: مؤرّق لم يعرف النوم و قلّ نومه.
5- زووا صنوه: منعوا، و الصنو: أي الأخ الشقيق.

و حاطُوا بِنارِ الجَزْلِ لِلْوَحْيِ مَنْزِلاً *** وَ قادُوا عَلِيّاً في نجادِ المُهَنَّدِ(1)

وَ فاطِمَةٌ بِالبَابِ أُسْقِطَ حَمْلُها *** بِعَصْرِ شَدِيدٍ مُؤْلِمٍ عَنْ تَعَمُّدِ(2)

وَ كُسْرَ مِنْها أَضْلَعُ لَيْتَ أَضْلَعِي *** فَدَتْها و إنْ لم تَكْفِ بِالنَّفْسِ أَفْتَدِي

وَ لَفَّعَها ذاكَ الزَّنِيمُ بِلَطْمَةٍ *** عَلَى وَجْنَةِ الخَدِّ الأصِيلٍ المُوَرَّدِ(3)

وَ مِنْ حَقِّها ابْتَزُّوا تُراثاً وَ نِحْلَةً *** وَرَدُّوا شهوداً صَوْتُها صَوْتُ أَحْمَدِ(4)

وَ كَمْ سَيِّئاتٍ سَوَّدتْ أَوْجُها لَهُمْ *** جَنَوْها عَلَى أَهْلِ الكِساءِ المُمَجَّدِ(5)

ص: 389


1- نجاد المهند: حمائل السيف. و في البيت إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص36-37 في حديث سلمان (رضي الله عنه) قال: بعد ذكر أحداث السقيفة -إلى أن قال:- نادى عمر حتى أسمع علي و فاطمة علیهما السلام و قال: والله لتخرجن يا علي علیه السلام، و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و إلّا أضرمت عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك ؟ فقال: افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي اللَّه، تدخل عليّ بيتي؟! فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل. (إلى أن قال:) و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون، فألقوا في عنقه حبلاً.
2- إشارة لما ورد في المصدر المتقدم ص40 و أرسل عمر إلى قنفذ: إن حالت بينك و بينه (أميرالمؤمنين علیه السلام) فاطمة علیها السلام فاضربها! فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
3- الزنيم: اللئيم، الدَّعي و في البيت إشارة لما ورد في العوالم ج/ 2/11 ص568 عن المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام في حديث طويل إلى أن قال: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعة خدّها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وا أبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
4- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص 574 في قولها سلام الله عليها: ظلموني حقّي، و أخذوا إرثي، و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، و كذبوا شهودي و هم -والله- جبرئيل وميكائيل و أميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن.
5- إشارة لما ذكره سليم بن قيس في كتابه ص41 حين قال أميرالمؤمنين علیه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل محمداً أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت فقال أبوبكر: فما علمك بذلك، ما أطلعناك عليها؟! فقال علیه السلام: أنت يا زبير، و أنت يا سلمان و أنت يا أباذر و أنت يا مقداد، أسألكم باللَّه و بالإسلام أما سمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول ذلك.

فَناشِدْ بِهِمْ شُورَى السَّقِيفَةِ كَمْ بها *** بنَوْا مِنْ أساسِ بِالضَّلالِ مُشَيَّدِ(1)

فَهُمْ عَمَّمُوا بِالسَّيْفِ هامَةَ حَيْدَرٍ *** وَ هُمْ قَطْعُوا بِالصُمِّ كَبُدَ المُسَدَّدِ

وَ هُمْ حَشَدُوا تلكَ الجُنُودَ وَ حارَبُوا *** بها ذلِكَ المَمْنُوعَ عَنْ عَذْبِ مَوْرِدِ

وَ هُمْ كَسَّرُوا أَضْلاعَهُ لاأُمَيَّةٌ *** بِجُرْدِ عَلَيْهِ كَمْ تَرُوحُ وَ تَعْتَدِي(2)

وَ هُمْ أَحْرَقُوا تِلْكَ الخِيامَ بِنَارِهِمْ *** وَ هُمْ نَهَبُوا ما في الخِباءِ المُوَطَّدِ(3)

وَ هُمْ رَفَعُوا تِلْكَ الرُّؤوسَ كَأَنَّها *** مَصاحِفُ مِنْ فَوْقِ القَنَا المُتَقَصّدِ

وَ هُمْ قَيَّدُوا ذاكَ العَلِيلَ وَ هُمْ مَشَوْا *** بِزَيْنَبَ حَسْرَى تَسْتُرُ الوَجْهَ بِاليَدِ

وَ هُمْ قَنَّعُوها بِالسِّياطِ و في المَطا *** هُمُ رَكَّبُوها بَعْدَ خِدْرِ مُحَمَّدِ

وَ هُمْ أَدْخَلُوها في الشَّامِ وَ اشْمَتُوا *** يَزِيدَ بها بَلْ كُلَّ وَاشٍ وَ مُلْحِدِ

وَ هُمْ لابَنُوالعبّاس شادُوا بناءَهُمْ *** عَلَى جُئَّتٍ لِلْآلِ فِي كُلِّ مَعْهَدِ

وَ هُمْ شَرَّدُوهُمْ في البلادِ و أَسْهَرُوا *** عَلَيْهِمْ عُيُوناً بالبُكا غَيْرَ هُجَّدِ(4)

كمثلِ ابْنِ موسى قاسِمٌ ماتَ نازِحاً *** بِأَرْضِ بَكَتْ فِيهِ لِأَكرَمِ صُيَّدِ(5)

ص: 390


1- في المصدر المتقدم ص25 عن البراء بن عازب قال: إذ فقدت أبابكر و عمر ثم لم ألبث حتى أنا بأبي بكر و عمر و أبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة لايمر بهم أحد إلا ضبطوه فإذا عرفوه مدَّوا يده على يد أبي بكر شاء ذلك أم أبى.
2- تروح و تغتدي: من الرواح و الغداة و هما العشيّ و الصباح.
3- الخباء الموطد: الخباء ما يعمل للسكن من وبر أو صوف أو شعر الموطد: الراسخ الثابت.
4- غير هجَّد: غير نُيَّم.
5- رياض المدح و الرثاء ص319.

(19) أم الحسين علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ سليمان الجابري

غَنَّتْ حَماماتٌ بِدارِ مُحَمَّدِ *** طَرَباً بِمَوْلِدِ بِنْتِ أَكْرَم سَيْدِ

وَ لَهُ انْتَشَى قَلْبُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** بِسُرورِهِ طُوبَى لَهُ مِنْ مَوْلِدِ

وَ تَهادَتِ الْأَمْلاكُ في أُفُقِ السَّما *** باقاتِ أزْهارِ الهَنا بِتَوَدُّدِ(1)

و استأذنَتْ رَبَّ العُلَى بِنزُولِها *** لِلأَرْضِ تُبْدِي بِشْرَها لمُحَمَّدِ

أَحْلَى الأماني وَ الهَنا في فاطِمٍ *** إذْ قارَنتْ بِرُوغِها لِلْفَرْقَدِ(2)

وَ سَرَتْ عَلَى أَرْضِ البِطاحِ وَ مَكَةٍ *** نَسَماتُ قُدْسِ فَهْيَ كالقَطْرِ النَّدِي(3)

وَكَذاكَ حورُ العِينِ في غُرُفاتِها *** كَمْ أَرْسَلَتْ أَلْحَانَها بِتَزَغْرُدِ

***

ص: 391


1- تهادت الأملاك: أهدى بعضها بعضاً. عن أمالي الصدوق ص63 ح5 «و تباشرت الحور العين و بشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.
2- الفرقد: نجم في جهة القطب الشمالي يهتدى به. و إذا جاء بالمفرد يريدون به نجما لايغرب، و أصلها (فرقدان) و هما نجمان في السماء لايغربان.
3- في الروض الفائق ص214 في حديث طويل... فلما تم أمد حملها و انقضى وضعت فاطمة علیها السلام فأشرق بنور وجهها الفضاء... و في أمالي الصدوق/ص476 عن كيفية ولادتها علیها السلام عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ قال... فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الارض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور و تباشرت الحور العين و بشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.

أمَّ الحُسَيْنِ أفاطمٌ يا بَضْعَةً *** لِلظُّهْرِ طَهُ بَلْ شَبِيهَةً أَحْمَدِ(1)

هذِي الحُشودُ أَتَتْ و يَدْفَعُها الْوَلا *** لَكُمْ وَ حَقِّ الواحدِ المُتَفَرِّدِ

وَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ عَجِيئَةِ طيئَةٍ *** طَابَتْ بفاضلِ طِيبِ ذاكَ الْمَحْتِدِ(2)

هيّا اوْرِدي يا فاطِمٌ سِتُّ النِّسا *** بِرِحابنا أَنْعِمُ بهِ مِنْ مَوْرِدِ(3)

وَ تَفَقَّدينا شيعةً لكِ خُلَّصاً *** يا سَعْدَ مَنْ يَحْظَى بِكُمْ بِتَفَقُدِ(4)

ص: 392


1- عن صحيح الترمذي ج2 ص319 بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام و في ص158 و نقل عن مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164 بسنده عن أنس بن مالك لم يكن أحد أشبه برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من الحسن بن علي علیه السلام و فاطمة سلام الله عليها. و رواه أيضاً أبوداود ج33 ص223 و الحاكم في مستدرك الصحيحين ج4 ص272 و البخاري في الأدب المفرد ص136 و غيرهم. و عن الجامع الصحيح سنن الترمذي (ط المكتبة الإسلامية) ج5 باب67 ص70 الحديث3872 حدثنا محمد بن بشار. حدثنا عثمان بن عمر. أخبرنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمر عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً (معناها الهيئة و الطريقة و حسن الحال) برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامه و قعوده من فاطمة بنت رسول الله علیها السلام الخ للحديث بقية غيرالمراد.
2- المحتد: الأصل، و في البيت إشارة لما ورد في أصول الكافي ج1 ص389 باب خلق أبدان الأئمة، و أرواحهم و قلوبهم علیهم السلام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: وإن الله خلقنا من عليين و خلق أرواحنا من فوق ذلك و خلق أرواح شيعتنا من عليين و خلق أجسامهم من دون ذلك. فمن أجل ذلك القرابة بيننا و بينهم و قلوبهم تحن إلينا.
3- عن تاريخ بغداد ج12 ص331 بسنده عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: وإنما سماها فاطمة لأن الله فطمها و محبيها عن النار. و في باب تسميتها بفاطمة علیها السلام و بالبتول ص155 نقل عن ذخائر العقبى عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله عز وجل فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولدها ومن أحبهم من النار. و في مسند أحمد بن حنبل/ ج5 ح2281 و 2663 و 22896 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «نزل ملك من السماء فاستأذن الله أن يسلّم عليّ فبشرني أن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة و قال صلي الله علیه و آله و سلم: «يا فاطمة علیها السلام الا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟».
4- إشارة لما ورد في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام البهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص617 في نقله عن أبي جعفر علیه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحب الرديّ.

هَذِي القُلُوبُ تَنَوَّرَتْ بِوَلائِكُمْ *** یا شاهِداً بالحَقِّ فينا فَاشْهَدِ(1)

***

أُمَّ الحُسَيْنِ وَ إِنَّنِي مُسْتَذْكِرٌ *** لِلظُّلْمِ وَ الجَوْرِ العَظِيمِ المُجْهِدِ

مِمّا أصابَكِ مِنْ شِرارِ عِصابَةٍ *** تَباً لهم عِنْدَ القِيامَةِ في غَدِ

ما عُذْرُها عِنْدَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** عِنْدَ السُّؤال بِمَا جَنَتْ بِتَعَمُّدِ

عَنْ عَصْبِهِمْ عَنْ عَصْرِهِمْ عَنْ سِقْطِهِمْ *** لِجَنِينِكِ الزَّاكِي بِنَفْسِي أَفْتَدِي(2)

عَنْ ضَرْبِ قُنْفُدِّ يا لَهُ مِنْ ظَالِمٍ *** تَبَّتْ يدا ذاكَ الشَّقِيِّ الأَنْكَدِ

فَسَتِ القُلُوبُ وَ غَابَ عَنْهَا رُشْدُها *** فَغَداً هُنالِكَ أَحْمَدٌ في مَوْعِدِ

وَ تَيَقَّنِي يا بِنْتَ خَيْرِ الأَنْبِيا *** فَاللَّهُ لِلْمُتَجَبْرِينَ بِمَرْصَدِ

***

فتَقَبَّليها فاطِمٌ لَكِ تُحْفَةً *** هذا وَ غَيْرَ جَنابِكُمْ لَمْ أَقْصِد

الجابريُّ أَنا و أَنْتُمْ سادَتِي *** فِيكُمْ أنا في كلِّ شيءٍ مُقْتَدِ

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** ما شَعَّ نُورٌ مِنْ سَماءِ الْفَرْقَدِ

ص: 393


1- في أصول الكافي ج1 ص195 باب أن الأئمة نور الله «عزوجل». عن أبي عبد الله علیه السلام قال: يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار و هم الذين ينورون قلوب المؤمنين.
2- في هذا البيت و الأبيات التي تليه إشارات إلى ما جرى من ظلم و جور. أشار إلى بعضها في البحار ج53 ص18-19. عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث مفاده: إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب.. و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعة خدها حتى بان قرطاها تحت خمارها و عندما حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند الباب ضربها قنفذ بالسوط على عقدها فصار مثل الدملج. و في البحار ج53 ص23 المفضل يسأل الصادق علیه السلام: يا مولاي ثم ماذا؟ قال: الصادق علیه السلام تقوم فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فتقول: اللهم أنجز وعدك و موعدك فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و جزعني بكل أولادي فتبكيها ملائكة السماوات السبع و حملة العرش... فلا يبقى أحد ممن قاتلنا و ظلمنا و رضي بما جرى علينا إلا قتل... الخ. الحديث.

(20) هذي المنازل

(بحر الكامل)

الشريف الرضي (*)(1)

ص: 394


1- (*) هو أبو الحسن محمد إبن أبي أحمد الحسين الطاهر الملقب ب_ (ذي المنقبتين) و أيضاً لُقَّب ب_ (الرضي ذي الحسبين) و (الشريف الأجل)، و اشتهر ب_ (الشريف الرضي الموسوي) و يرتقي بنسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام. ينتهي نسبه من قبل أمه -فاطمة بنت الناصر نقيب بغداد- من سلالة الإمام زين العابدين و نعم ما قال الفرزدق الشاعر. أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ ولد الشريف الرضي في بغداد سنة (359ه_)، نشأ و شبِّ و تثقَّف في أسرة و بيت شامخ كان مفعماً بالنقباء و الأمراء و العلماء و الأدباء: فإمام الفقهاء في أسرة أبيه الامام موسى الكاظم علیه السلام، و شيخ الطالبيين و عالمهم و زاهدهم في أسرة أمه بني الناصر أبومحمد الحسن صاحب الديلم، مالك الأمر في بلاد الجبل كله. تتلمذ الشريف الرضي مع أخيه الشريف المرتضى علم الهدى، عند أعلم علماء الإمامية و أبرعهم في الفقه و الكلام و الجدل و أعرفهم بالأخبار و الأشعار أستاذ الكل (الشيخ المفيد) «قدس سره الشریف» فمن كان هذا أستاذه لحقيق أن يكون سيد العلماء. و لم يكتف السيد الرضي بأخذ علومه و معارفه و ثقافته من الخاصة بل أخذ من علماء العامة فقرأ هو و أخوه المرتضى و هما صبيان على ابن نباتة صاحب الخطب، و لعلهما قرآ عليه شيئاً من علم البلاغة و آداب اللغة العربية و قرأ على قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبار أحمد الشافعي المعتزلي كتابه المعروف شرح الاصول الخمسة و المغني و العمدة في أصول الفقه، و على أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي أبواباً في الفقه، و على أبي عبدالله محمد بن عمران المرزباني في الحديث، و غيرهم من كبار العلماء و مما يذكر من طرائف السيد الرضي، ما ذكره الفتح بن جنّي: (ان الشريف الرضي أُحضر إلى السيرافي النحوي، و هو طفل لم يبلغ عمره عشر سنين فلقنَّه النحو. و قعد معه یوماً في حلقته فذاكره بشيء من الاعراب على عادة التعليم فقال له: إذا قلنا رأيت عمر فما علامة النصب في عمر؟ فقال له الرضي: يُغضُ عليّ. فتعجب السيرافي و الحاضرون من حدّة خاطره). أما مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره، حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه. و مؤلفاته تعطينا صورة جليَّة عن براعته، فكان متعمَّقاً في علوم القرآن، متبحراً في علم الكلام و اللغة و النحو و المعاني و البيان، و السيد الرضي (رحمة الله علیه) هو الذي جمع كلام أميرالمؤمنين علیه السلام و أسماه (نهج البلاغة)، و كفى بعظمته ان تكون فيه اللياقة و الأهلية لأن ينسب الناس اليه نهج البلاغة و هل يليق بأحد كلام سيد البلغاء و إمام الفصحاء و هو فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق؟ فإنه مما علم بطلانه قطعاً و ما أورده السيد الرضي في نهج البلاغة مختارات من خطبه علیه السلام عالم و هي بتمامها مع الزيادات التي أسقطها الرضي مذكورة في كتب العلماء المتقدمين على السيد الرضي و هنا نذكر أن العلامة السيد عبدالزهراء الخطيب أفرد كتاباً في أربعة مجلدات و سماه (بمصادر نهج البلاغة) يذكر للخطب و الكلمات مصادر قبل ولادة الرضي. و من مؤلفاته: (حقائق التأويل في متشابه التنزيل)، و كتاب (المجازات النبوية)، و كتاب (تلخيص البيان عن مجازات القرآن) و كتاب (خصائص الأئمة)، و (ديوان الشريف الرضي). و كان للسيد الرضي مكتبة كبيرة تشتمل على ثمانين ألف كتاب و لم يسمع بمثله الّا ما يحكى ان للصاحب بن عباد مكتبة كبيرة يحملها سبعمائة بعير. و الرضي: ابتدأ بنظم الشعر في عهد الطفولة و لم يزد عمره على عشر سنين فأجاد و حلّق و حاز قصب السبق بغير منازع و لم تكن للرضي سقطات كما لغيره من الشعراء، فلقَّب في هذا المجال ب_ (أشعرالطالبيين) و ب_ (أشعر قريش) و أيضاً قيل له (أمير الشعراء) و قد قيل إن الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى و المرتضى أشعر العلماء لولا الرضي. و على تبحّر الرضي في مختلف العلوم و ما كان عليه من ثقافة مكينة فإنه تمسك بطريقة الأقدمين، يحافظ على اسالبيهم و معانيهم، و هذا هو دأب و ديدن الأسر العريقة و النبيلة التي كانت تحافظ على تراث الأجداد و أمجاد الآباء و مفاخر الماضين. فكان شعره و أدبه ظاهر البلاغة، يجمع إلى السلاسة متانة و إلى السهولة رصانة قوي النسج واضح التعبير. و كان أبوه يتولى نقابة نقباء الطالبيين و يحكم فيهم أجمعين كان له النظر في المظالم و الحج بالناس، ثم ردّت هذه الأعمال كلها إلى ولده الرضي، و أبوه حيّ . جاء في رجال النيسابوري: أنه كان يوماً عند الخليفة الطائع بالله العباسي و هو يأخذ بلحيته و يرفعها إلى أنفه و يشمها، فقال له الطائع أظنك تشمّ منها رائحة الخلافة، فقال بل رائحة النبوّة!! و حسبك من شجاعته و علوّ نفسه ما خاطب به القادر بالله الخليفة العباسي. عطفاً أميرالمؤمنين فإننا *** في دوحة العلياء لا نتفرّق مابيننا يوم الفخار تفاوت *** أبداً كلانا في المعالي مُعرق إلا الخلافة ميَّزتك فإنني *** أنا عاطل منها، و أنت مطوّق فقال: القادر عندما سمع ذلك منه: على رغم أنف الشريف. و من حسن الصدف ينقل ابن خلكان في وفيات الأعيان: ان بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي ببغداد و هو لايعرفها و قد جنى عليها الزمان و ذهبت بهجتها و أخلقت ديباجتها، و بقايا رسومها تشهد لها بالنضارة و حسن الشارة، فوقف عليها متعجباً من صروف الزمان و طوارق الحدثان، و تمثَّل بقول الشريف الرضي. و لقد وقفت على ربوعهم *** و طلولها بيد البلى نهبُ فبكيتُ حتى ضجّ من لغب *** نضوي، ولجّ بعذلي الرّكبُ و تلفتت عيني، فمذ خفيت *** عنّي الديار تلفَّت القلبُ فمرَّ، شخص و سمعه و هو ينشد الأبيات، فقال له: هل تعرف لمن هذه الدار؟ فقال: لا، فقال: هي لصاحب هذه الأبيات الشريف الرضي، فتعجب من حسن الاتفاق. و نقل عن الشريف «عطّر اللَّه» مرقده أنه اشترى كتباً قيمتها عشرة آلاف دينار و أزيد، فلما حملت إليه و تصفَّحها رأى فى ظهر كتاب منها مكتوباً. و قد تحوج الحاجات يا أمّ مالكٍ *** إلى بيع أوراق بهنّ ضنين فأمر بإرجاعها إلى صاحبها و وهبه الثمن. و هو أول طالبي جعل عليه السواد، شعار العباسيين و اتصف الشريف الرضي بإباء النفس و علوِّ الهمة، و كان رفيع المنزلة سامي المكانة يطمح إلى معالي الأمور، و قد بلغ من إبائه و عفته أنه لم يقبل من أحد صلة أو جائزة، و تشدَّد في ذلك فرفض قبول ما يجريه الملوك و الأمراء على أبيه من صلات و هبات مدة حياته و بذل آل بويه كل ما في وسعهم على قبول صلاتهم فلم يقبل. نقل أنه ولد له غلام فأرسل إليه الوزير أبو محمد المهلبي طبقاً فيه ألف دينار، فردّه الرضي و قال: قد علم الوزير أني لاأقبل من أحد شيئاً، فردّه الوزير و قال: إنّي إنما أرسلته للقوابل، فردّه الرضي ثانية و قال: قد علم الوزير أنه لاتقبل نساؤنا هديته، و إنما عجائزنا يتولين هذا الامر من نسائنا و ليس ممن يأخذن اجرة و لايقبلن صلة، فردّه الوزير إليه و قال: يفرّقه الشريف على ملازميه من طلاب العلم، فلما جاء الطبق و حوله طلاب العلم و قال: ها هم حضور فليأخذ كل أحد ما يريد فلم يأخذ أحد منهم شيئاً إلا رجل منهم أخذ ديناراً فقرض من جانبه قطعة و أمسكها و ردّ الدينار إلى الطبق فسأله الشريف عن ذلك فقال إني احتجت إلى دهن السراج ليلة و لم يكن الخازن حاضراً، فأقرضت من فلان البقال دهناً للسراج فاخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه، و كان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضي في عمارة قد اتخذها لهم سمّاها دار العلم و عيّن لهم جميع ما يحتاجون إليه، فلما سمع الرضي ذلك أمر في الحال بأن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة، و يدفع إلى كلّ منهم مفتاحاً ليأخذ منها ما يحتاج إليه، و لاينتظر خازناً يعطيه و ردّ الطبق على هذه الصورة على الوزير. و افاه الأجل المحتوم فاختار الله له دار بقائه فناداه ولبّاه و فارق دنياه، و ذلك في يوم الأحد السادس من شهر محرم الحرام سنة (406ه_) فقامت عليه نوادب الأدب و انثلم حدُّ القلم، و فقدت عين الفضل، و بكاه الافاضل مع الفضائل، و رثاه الأكارم مع المكارم فحضر جميع الأعيان و الأشراف و القضاة و الوزير فخر الملك أبوغالب و سائر الوزراء حفاة مشاة، و صلى عليه فخر الملك، و لم يشهد جنازته أخوه الشريف المرتضى و لم يصلّ عليه، و كان هو أولى بذلك إلا أن الجزع الشديد منعه من أن ينظر إلى جنازة أخيه و دفنه، فقصد مشهد جده الإمام موسی بن جعفر علیه السلام، فمضى الوزير فخر الملك في آخر النهار إلى السيد المرتضى إلى المشهد الكاظمي فألزمه بالعودة إلى داره. و دفن الشريف الرضي في داره بالكرخ و نقل جثمانه إلى كربلاء المقدّسة فدفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى فسلام على روحه الطاهرة.

ص: 395

ص: 396

هَذِي المَنَازِلُ بِالغَمِيم فَنَادِها *** وَ اسْكُبْ سَخِيَّ العَيْنِ بَعْدَ جَمَادِها

إِنْ كانَ دَينٌ لِلْمَعَالِمَ فَاقْضِهِ *** أَوْ مُهْجَةٌ عِنْدَ الطُلولِ فَفَادها(1)

وَ لَقَدْ حَبَسْتُ عَلَى الدِّيارِ عِصابةً *** مَضْمُومَةَ الأيْدِي إلى أكْبادِها

حَسْرَى تَجَاوَبُ بِالبُكاءِ عُيُونُها *** وَ تَعُطُّ لِلزَّفَراتِ في أَبْرَادِها(2)

وَقَفُوا بِهَا حَتَّى كَانَ مَطِيَهُمْ *** كَانَتْ فَوَائِمُهُنَّ مِنْ أَوْتَادِها(3)

ثُمَّ انْثَنَتْ وَ الدَّمْعُ مَاءُ مَزادِهَا *** وَ لَواعِجُ الأَشْجَانِ مِنْ أَزْوَادِها

هَلْ تَطْلُبُونَ مِنَ النّواخِرِ بَعْدَكُمْ *** شَيْئاً سِوَى عَبَراتِها وَ سُهَادِهَا

لَمْ يَبْقَ ذُخْرِّ لِلْمَدَامِعِ عَنْكُمُ *** كَلاً وَ لَاعَيْنٌ جَرَى لِرُقادِهَا

شَغَلَ الدُّمُوعَ عَنِ الدِّيارِ بُكَاؤنا *** لِبُكَاء فاطِمَةٍ عَلَى أَوْلادِها

لَمْ يَخْلُفُوها في الشَّهِيدِ وَ قَدْ رَأَى *** دُفَعَ الفُراتِ تُذادُ عَنْ وُرّادِها(4)

أتُرى دَرَتْ أنَّ الحُسَيْنَ طَرِيدةٌ *** لِقَنَا بَنِي الطُرَدَاءِ عِنْدَ وِلَادِها(5)

كانَتْ مَآتِمُ بِالعِراقِ تَعُدُّها *** أَمَرِيّة بالشّامِ مِنْ أعْيادِها

ص: 397


1- المهجة: دماء القلب أو الروح.
2- عَطُّ الثوب: شقه. البرود و الأبراد: الثياب.
3- المطايا: الخيل و نحوها مما يمتطى.
4- دفع: جمع دفعة دفقة: المطر و الورّاد: جمع وارد، و هو من يرد الماء.
5- الطريدة: ما يُطرد من الصيد و غيره.

(21) حتى متى الصبر

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

حَتَّى مَ سَيِّدَنا تَبْقَى العِبادُ سُدَى *** فَصارِمُ الصّيدِ مِنْ فَرْطِ الصُّدُودِ صَدا؟(2)

قُمْ كَيْ تَرى عَرَصَاتِ الدِّينِ قَدْ طُمِسَتْ *** بِالجَوْرِ و الجِبْتُ و الطَّاغوتُ قَد عُبِدا

زَلْزِلْ بِعَزمِكَ أَرْجَاءَ البَسِيطِ أبِنْ *** عزماً إذا ما وَعَاهُ يَذْبُلُ سَجَدا(3)

ص: 398


1- (*) هو الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ أحمدابن الحاج حسين بن شكر. و آل شكر أسرة كبيرة ممتدة الأطراف و أصلهم من عرب الحجاز، و قد نزحوا إلى العراق منذ زمن بعيد، و في منتصف القرن الحادي عشر نزح الحاج محمود والد شكر إلى النجف الأشرف فاتخذه موطناً له ولأولاده. و المترجَم من مشاهير الأدباء و الشعراء، و هو صاحب فضيلة عالية، و ذو بديهة بادية، و هو مكثر في الشعر، و أكثر شعره في أهل البيت علیهم السلام و قد أجزل في نظمه حتى صار شعره مشهوراً بين خطباء المنبر الحسيني الشريف يقرأونه في المحافل و الأندية و مراسم العزاء منذ عشرات السنين و للمترجم له شهرة كبيرة نشأت من قوة شعره و تخصيصه في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام و لهذه الخدمة آثار وضعية يعرفها ذووالألباب و قد بلغ عدد قصائده فيهم علیهم السلام حوالى الخمسين قصيدة، و كان المترجم له كثير السفر فسافر عدة مرات إلى إيران لزيارة الامام الرضا علیه السلام، و سكن برهة من الزمن في كربلاء المقدّسة و اتصل ببعض ساداتها و علمائها و فضلائها و أدبائها ثم عاد إلى إيران فقرّبه الشاه ناصر الدين القاجار و أجزل له العطاء، و أكرم مثواه و عيّن له راتباً سنوياً، فأقام في طهران إلى أن وافته المنية فيها عام (1285ه_) و تلف ديوان شعره الذي كان يصحبه في أسفاره. و قد تصدّى الخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيت علیهم السلام في ديوان.
2- سُدى: مهملة. صارم: سيف. فرط الصدود: شدّة الإعراض و الميل -صدا: تصدأ.
3- أرجاء البسيط: أطراف الأرض -وعاه: جمعه و حواه أو وضعه في وعائه.

ألَسْتَ مَنْ فيهِ أَبْدَى اللَّهُ قُدْرَتَهُ *** لِلْخَلْقِ وَ اخْتَارَهُ دُونَ الأنام يَدا؟

حاشاكَ حاشاكَ أنْ تُغْضِي وَ قَد تَرَكَتْ *** بِالطَّفُ أَرْجَاسُ حَرْبٍ شَمْلَكُمْ بَدَدا

يا غَيْرَةَ اللَّهِ حَتَّى مَ التَّجَرُّعُ مِنْ *** جُنْدِ الضَّلالِ الرَّدى فالصَّبْرُ قَدْ نَفِدا؟

إلى مَنِ المُشْتَكَى إِلَّا إِلَيْكَ فَقُمْ *** أَما تَرَى الظُّلْمَ أَوْ هَى بَعْدَكَ الْجَلَدا(1)

هَلْ مِنْ غِيَاثٍ لَنا إلا بكَفِّكَ أَمْ *** هَلْ غَيْرُ وَكْفِكَ لِلْعَافِينَ غَيْثُ نَدَى؟(2)

حَتَّى مَتَى الصَّبْرُ يابْنَ المُرْتَضَى وَ لَنا *** فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْأَعْدَاءِ كَأْسُ رَدَى؟(3)

أَلَمْ يَكُنْ آن أنْ تُرْوَى صَوارِمُكُمْ *** مِمَّنْ عَلى أُمِّكَ الزَّهْرَاءِ مَدَّيَدا؟(4)

نَسيتَ حاشاكَ أَنْ تَنْسَى وَ قَدْ صَنَعُوا *** أَهْلُ (النفاق) ما لَمْ نَنْسَهُ أَبَدا(5)

أيُّ الرَّزايا لَها تَنْسَى وَ قَدْ تَرَكَتْ *** لَهِيبٌ نِيرانها في القَلْبِ مُتَّقِدَا؟

إسقاط مَوْءُودَةٍ عَنْ ذَنْبِها سُئِلَتْ *** أَمْ ضَرْبُ مَنْ أَحْرَقَتْ مِنْ أَحْمَدٍ كَبدا(6)

ص: 399


1- أوهى الجلدا: أضعف القوة أو الشدّة أو الصبر أو الصلابة.
2- وكفك: الدمع الذي يسيل قليلاً قليلاً أو الماء -غيث ندى مطر و الندى: المطر أو الخير و الجود و الفضل.
3- كأس: ردى شراب المنية و الموت.
4- يشير الشاعر إلى حادثة مهاجمة عمر و أصحابه دار فاطمة الزهراء علیها السلام حيث رفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت: یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم! فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم! لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر. راجع كتاب سليم بن قيس ص37 و الاحتجاج109/1.
5- يشير إلى جملة من المطاعن و الموبقات التي ارتكبت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من اغتصاب حق علي علیه السلام و إحراق الدار على فاطمة علیها السلام و ضربها و إسقاط جنينها و غصبها إرثها في فدك إلى آخر ما اغتصبوا من حقوقهم. راجع ذلك في الاحتجاج ج1/ عوالم العلوم ج 2/11 و الغدير ج7 إلى كثير من المصادر الأخرى.
6- يتساءل الشاعر هنا من خلال مقارنة بين آية قرآنية تتحدث عن قتل الموؤودة الذي كان ساریاً في الجاهلية دون ذنب جنته و بين إسقاط جنين فاطمة الزهراء علیها السلام دون ذنب اقترفه. حيث جاء في كتاب سليم بن قيس/ ص40 و قد كان قنفذ العنه الله حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه -علي علیه السلام- فاطمة علیها السلام فاضربها. فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها. و قد ذكره الجزيري في كتابه/ أسد الغابة في ج4 ص 308 باب الميم.

أَمْ كَسْرُهُمْ ضِلْعَها أَمْ جَمْعُهُمْ حَطَباً *** لِحَرْقِ دارِ إِمَامٍ قَوَّمَ الأَوَدا(1)(2)

أمْ يَوْمَ قَادُوا فَتًى أَلْقَى الوُجُودُ *** لَهُ مِنْهُ القِيادَ مُطِيعاً إِذْ بهِ وَجَدا(3)

وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُ الآسادُ سَطْوَتَهُ *** لَوْصاحَ بِالرَّعْدِ يَوْمَ الرَّوْعَ لَارْتَعَدا

لكِنَّهُ جَلَّ مَعْناهُ وَعَزَّ عُلاً *** أنْ لا يَفِي بِاصْطِبارٍ بَعْدَما وَعَدا(4)

وَإِثْرَهُمْ بَضْعَةُ المُخْتارِ نادِبَةً *** خَلُّوا ابْنَ عَمِّي فَما مِنْهُمْ أَجابَ نِدا

فَمَدَّتِ الطَّرْفَ نَحْوَ المُصْطَفَى وَدَعَتْ *** يا مَلْجَئِي إِذْ على ضَعْفِي الزَّمانُ عَدا

قُمْ كَي تَرَى كَيْفَ مالَ القَوْمُ عَنْ خَلَفٍ *** لَهُ الخِلافَةُ كَانَتْ بُرْدَةً وَرِدا

قَدِارْتَضَى القَوْمُ حَذْفَ الْمُرْتَضَى وَحَذَوْا *** حَذْوَ (قومٍ) غَداةَ العِجْلُ إِذْ عُبدا

فَلَيْتَ تَحْضُرُ يا غَوْثَ الوَرَى فِئَةً *** خانُوا العُهُودَ وَحَلُّوا بَعْدَكَ العُقَدا

ص: 400


1- ذكرنا في الهامش السابق كسر الضلع و نذكر هنا حادثة الإحراق حيث ذكرها سليم بن قيس ص306 في كتابه قائلاً: ثم أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابنيهما علیهم السلام ثم نادى عمر: واللَّه لتخرجن يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و إلّا أضرمت عليك النار... فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و إلّا أحرقنا عليكم بيتكم راجع أيضاً نهج الحق وكشف الصدق ص271.
2- قوّم الأودا: أقام العوج.
3- يشير الشاعر إلى ما حدث بعد أن اقتحموا الدار على علي و فاطمة علیهما السلام حيث انطلقوا بعلي علیهم السلام ملبباً بحبل حتى انتهوا إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبو عبيد بن الجراح و سالم و المغيرة بن شعبة و سائر الناس قعود حول أبي بكر علیهم السلام راجع الحدث في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109 و في كتاب سليم بن قيس ص39.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وصية الرسول صلی الله علیه و آله و سلم إلى علي علیه السلام و ما قطعه الإمام علي علیه السلام على نفسه من عهد أمام الرسول صلی الله علیه و آله و سلم و ملخص الحادثة كالآتي: همّ الإمام على علیه السلام بقتل عمر بعد اقتحامه الدار فذكر قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و ما أوصاه به فقال: والذي كرَّم محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوّة يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلمت أنك لا تدخل بيتي راجع كتاب سليم بن قيس ص37.

تَأَلَّبُوا لاِغْتِصابِي نِحْلَتِي وَزَوَوْا *** إِرْثِي وسِبْطَاكَ لي وَ المُرْتَضَى شَهدا(1)

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهادِي النَّبِيِّ ومَنْ *** على البَرايا وَلاها اللهُ قَدْ عَقدا

أَلِيَّةً فِيكِ بَرَّتْ يا حَبِيبةَ مَنْ *** أَنْشاهُ رَبُّ البَرايَا لِلسَّما عَمَدا

سَوْطٌ بهِ هَتَكُوا العَلْيا بِهِ قَرَعُوا *** بِالشَّامِ ثَغْرَ حُسَيْنٍ سَيِّدِ الشُّهَدا(2)

وَكَأسُ حَتْفٍ أذاقُوهُ الجَنِينَ بهِ *** قَدْ جَرَّعُوا طِفْلَهُ فِي كَرْبَلاءَ رَدَى(3)

وَإِنَّ ناراً أدارُوها عَلَيْكِ ضُحًى *** لَها ابْنُ سَعْدٍ غَدَاةَ الطَّفِّ قَدْ وَقَدا(4)

ص: 401


1- إشارة إلى غصب فدك من فاطمة الزهراء علیها السلام كما أشار إلى ذلك سليم بن قيس في كتابه ص99 حيث يقول: مات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و فدك في يد فاطمة الزهراء علیها السلام مقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلی الله علیه و آله و سلم و سألها أبوبكر البينّة على ذلك فشهد علي علیه السلام و شهدت أم أيمن و لم يصدق أحداً منهما. تألبوا: اجتمعوا زووا: حازوا.
2- يقول الشاعر: إن السوط الذي قرعوا به فاطمة الزهراء علیها السلام بعد سنوات من الاغتصاب للحق الى قضيب يقرع به ثغر الحسين بعد أن قطعوا رأسه في كربلاء، و جاؤوا به إلى مجلس يزيد حيث دعا برأس الحسين علیه السلام و وضعه أمامه بطست من ذهب ثم أذن للناس أن يدخلوا وأخذ يزيد القضيب و جعل ينكت ثغر الحسين ويقول يوم بيوم بدر وأنشد قول الحصين بن الحمام: إلى قومنا أن ينصفونا فأنصفت *** قواضب في أيماننا تقطر الدما نفلّق هاماً من رجال أعزة *** علينا وهم كانوا أعق وأظلى راجع مرآة الجنان/ لليافعي ج1 ص135 و الكامل لابن الأثير ج4 ص35 و تاريخ الطبري ج6 ص267.
3- يقارن الشاعر في هذا البيت بين ما فعله عمر و جماعته من إسقاط لجنين الزهراء علیها السلام و ما فعله بعد سنوات جيش ابن زیاد بحفيدها الرضيع .. حين دعا الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء بولده الرضيع يودعه فأتته زينب علیها السلام بابنه عبد الله علیه السلام فأجلسه في حجره يقبله ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين علیه السلام الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة. راجع المناقب لابن شهر اشوب ج2 ص222 ومقاتل الطالبين للأصفهاني ص35 واللهوف ص65 و تاريخ اليعقوبي ج2 ص218.
4- يعقد مقارنة هنا أيضاً بين النار التي أضرموها حول دار فاطمة الزهراء علیها السلام و كيف أنها امتدت إلى خيام الحسين علیه السلام في كربلاء أنها الجريمة تلد الجريمة فبعد أن اشتد القتال و أكثر أصحاب الحسين علیه السلام في جيش ابن زياد الجراح حتى عصروا خيولهم و ارجلوهم و لم يقدروا أن يأتوهم من وجه واحد لتقارب أبنيتهم فأرسل ابن سعد الرجال ليفوضوها عن ايمانهم و عن شمائلهم ولما لم ينفع هذا الإجراء قال ابن سعد: اضرموها بالنار فأضرموا فيها النار فصاحت النساء و دهشت الاطفال إلى آخر الحديث. راجع اعلام الورى ص145 و ابن الأثير ج4 ص28 و مقتل الخوارزمي ج2 ص16.

تَاللَّهِ لَوْلاهُمُ ما غادَرُوهُ لَقًى *** بَنُو زِيادٍ ولا رَضُّوا لَهُ جَسَدا(1)

ولا انْثَنَى مُفْرَداً عَزَّ الفِداءُ له *** غَيْرُ الوُجُودِ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ فِدا

وَلا أَقَامَ عَلَى الرَّمْضَاءِ مُنْفَرِداً *** (ما غَسَّلُوهُ ولا مَدُّوا عليهِ رِدا )

لكِنَّمَا السُّمْرُ وَارَتْهُ وَمِنْ دَمِهِ *** عَلَيْهِ قَدْ نَسَجَتْ بِيضُ الظُّبا بُرُدا

قُلْ لِلْأُلى قَدْ نَما غَرْسُ الضَّلالِ بِهِمْ *** وَ مُذْ تَوَلَّى يَزِيدٌ زَرْعُهُمْ حُصِدا

يا عُصْبَةَ الغَىِّ مَهْلاً خابَ سَعْيُكُمُ *** أَيْنَ المَفَرُّ إِذا بَدْرُ الرَّشادِ بَدا

أيْنَ المَفَرُّ وَ سَيْفُ اللَّهِ إثْرَكُمُ *** أَحاطَ عِلْماً وَأَحْصَى جَمْعَكُمْ عَدَدا

لَيْثٌ إِذا ما رَنَا شَزْراً بِلَحْظَتِهِ *** فَتَّ الجَلِيدَ وَ أَوْهَى رُعْبُهُ الْجَلَدا(2)

ذُوْ عَزْمَةٍ لو وَعاها الصَّلْدُ ذابَ لها *** وَالبَحْرُ لو شامَها مِنْ خِيفةٍ جَمُدا(3)

يَوْمٌ بهِ الرُّوحُ يَدْعُو قامَ قَائِمُنا *** يُخْفِي وَ يُبْدِي سَنَاهُ الغَيَّ وَ الرَّشَدا

يَا مَنْ حَبَاهُمْ إِلهُ العَرْشِ مَنْزِلَةً *** مُقَامُ قُدْسٍ وَ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ أَحَدا

إلَيْكُمُ غادَةٌ عَذْراءُ تُرْقِلُ في *** ثَوْبِ مِنَ الشَّجوِ مَدَّتْ لِلسُّؤالِ يَدا(4)

ص: 402


1- و لولا ما أسسه عمر وأبو بكر من غصب حق آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لما تجرأ ابن زياد على فعلته في كربلاء حين نادى ابن سعد بعد استشهاد الحسين علیه السلام إلّا من ينتدب إلى الحسين علیه السلام فيوطىء الخيل صدره و ظهره فقام إليه عشرة فداسوا بخيولهم جسد ريحانة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فأمر لهم بجائزة يسيرة. راجع تاريخ الطبري ج6 ص161 و الكامل لابن الأثير ج4 ص33 و مروج الذهب للمسعودي ج2 ص91.
2- رنا: أدام النظر بسكون الطرف -شزراً: النظر إلى الشيء بجانب العين مع إعراض و غضب -لحظته: باطن عينه -فتَّ: كسر.
3- وعاها: جمعها أو جعلها وعاءه. الصلد: الصلب اليابس. شامها: نظر اليها.
4- غادة: المرأة اللينة جداً. ترقل: تسرع.

ذَخِيرَتِي إِنَّنِي عَبْدُ الحُسَيْنِ كَفَتْ *** لِمَوْقِفٍ لَيْسَ يُغْنِي وَالِدٌ وَلَدا

عَلَيْكُمُ مِنْ صَلاةِ اللَّهِ أَشْرَفُها *** ما دُمْتُمُ لِلْوَرَى غَوْثاً وَ غَيْثَ نَدَى(1)

ص: 403


1- ديوان عبد الحسين شكر ص25.

(22) روعوا الطهر

(بحر الرّمل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

مِنْ بني أحْمَدَعادٍ وَثَمُودُ *** رَوَّعا مِرْآةَ أنْوارِ الوُجُودْ

***

كَمْ دَعَا أَحْمَدُ في أُمَّتِهِ *** لِهُدى البارِي إِلى رَحْمَتِهِ

وَأَتمَّ الدِّينَ في نِعْمَتِهِ *** وَ مَضَى لِلْغَيْبِ نامُوسُ الشُّهودْ

***

حِينَ ماتَ ارْتَدَّ لِلْكُفْرِ السَّلَفْ *** وَ عَلى بَضْعَتهِ الأَمْرُ اخْتَلَفْ(2)

أَشْعَلُوا النِّيرانَ في بابِ الشَّرَفْ *** بابِ أهلِ البَيْتِ أَشْرارُ اليَهُودْ(3)

***

ص: 404


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة إلى ما ورد في أنساب الأشراف للبلاذري/ ج2 أمر السقيفة ص268 توفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس و ارتدوا و أجمعوا على الخلاف و اشتغل علي بن أبي طالب علیه السلام برسول الله صلی الله علیه و آله حتى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته ثم أقبل على تأليف القرآن.
3- إشارة إلى ما ورد في عوالم العلوم ج2/11 في باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان في ذکر ملخص ما تقدم حول الهجوم و إحراق الباب و كسره و دخول البيت ص584 ملتقى البحرين، إن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها. الغدير: أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة علیها السلام. أنساب الأشراف: فجاء عمر و معه قبس من نار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا بن الخطاب، أتراك محرقَاً عليّ بابي؟ و في ص585 مؤتمر علماء بغداد: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار.

فَاطِمٌ جاءَتْ إِلَى بَابِ الهُدَى *** لِتَرى الْخَطْبَ المُثيرَ الْأَنْكَدا(1)

وإذا فِي الصَّدْرِ مِسْمارُ الرَّدَى *** صابَها فانْكَفَاتْ مِنْها تَجُودُ(2)

***

فَعَلَ الشَّيْخانِ ما قَدْ فَعَلا *** ضَجَّ مِن ظُلْمِهِما كُلُّ الفَلا

هَلْ جَنَتْ فاطِمَةٌ كَيْ يُنْزِلا *** حُكْمَ مُقْتَضٍّ عَلَيْهَا مِنْ حُدُودْ

***

رَوَّعَ الطُّهْرَ فُلانٌ و فُلانْ *** جَرَّعاها كَمَداً كَأسَ الْهَوانْ

وَعَلَيْها مُذْ بَكَتْ عَيْنُ الزَّمانْ *** حُفِرَتْ في وَجْهِها السّامِي خُدُودْ(3)

***

شاهَدَتْ فاطِمَةٌ قَوْماً جُفاةْ *** عَجَباً مِنْهُمْ أَذا قُوها الْمَماتْ

لَمْ يَكُونُوا قَبْلُ في الحَرْبِ كُماةْ *** فَلِماذا نَحْوَها صارُوا أُسُودْ(4)

ص: 405


1- الخطب الأنكد: الأمر العظيم المكروه العسير. و في البيت إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 2/11 في باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان ص579 نقل عن العقد الفريد أن عمر أقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار. فلقيته فاطمة فقالت: يابن الخطاب اجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم. و نقل عن ملتقى البحرين: أخذت فاطمة علیها السلام باب الدار و لزمتها عن ورائها فمنعتهم عن الدخول فضرب عمر برجله على الباب. و في ص 580 أن عمر هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها «سلام الله عليها».
2- انكفأت: رجعت. إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان سلام الله عليها ص582 نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله و بضعته حتى أدموا جسمها. و تقدم عن ذلك الكثير فلا نعيد.
3- خدود: حفر مستطيلة أو جداول الماء.
4- كماة شجعان. و في البيت إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص113 عن علي علیه السلام أنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لاعناء معه في جميع مشاهده فرمی بسهم و لاطعن برمح و لاضرب بسيف حيناً و لؤماً و رغبة في البقاء.

عَجَباً وَاللَّهِ في الدُّنْيا الْعَجَبْ *** هَلْ لِبَيْتِ المُصْطَفَى الْحَرْقُ وَجَبْ

وَعَلَى بَضْعَتِهِ الدَّهْرُ كَتَبْ *** أُنْكِرَ اللَّيْثُ بِسُلطانِ القُرودْ

***

صَاحَ قَلْبُ العَدْلِ وَ القُرْآنُ أَنْ *** مُذْبَكَتْ في عَبْرَةٍ أُمُّ الْحَسَنْ

شاهَدتْ ما بَيْنَ عُبّادِ الْوَثَنْ *** قائِدَ الحَقِّ إِلَى الظُّلْمِ مَقُودْ(1)

***

رَأَتِ الأصْحابَ عادتْ كُفْرَها *** كَتَّفَتْ في الجَوْرِ قَسْراً فَخْرَها

كادَ أَنْ تَحْسَر مِنْها شَعْرَها *** فَنَهاها لِلْوَصايا والعُهُودْ

***

مَضَتِ الزَّهْراءُ في أدْهى بَلاءْ *** ضِلْعُها قَدْ كَسَّرَتْهُ الْأَدْعِياءُ

رَحَلَتْ وَ الأَرْضُ تَبْكِي وَ السَّماءْ *** وَ جَمِيعُ الحُورِ في دارِ الخُلُودْ

***

ص : 406


1- عباد الوثن: عبدة الأصنام.

(23) فضائل فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

بُشْرَى عَلِيٍّ والنَّبِيِّ مُحَمَّدِ *** بِوِلادَةِ الزَّهْراءِ بِضْعَةِ أَحْمَدِ

نَظَمَ الوُجُودَ إلهُهُ مِنْ حِكْمَةٍ *** يَا حُسْنَ نَظْم جاءَ غَيْرَ مُعَقَّدِ

و أتتْ لَهُ بَيْتَ القَصِيدِ كَأَنَّهُ *** لِسِوَى بَدِيعِ بَيانِها لَمْ يَقْصُدِ

فَطَمَتْ مِنَ النّيرانِ فَاطِمَةُ الْعُلى *** أشياعَها بَلْ كُلِّ هَوْلٍ فِي غَدِ(2)

زَهَرَ الوُجُودُ بِهَا عَقِيبَ ظَلامِهِ *** وَالصُّبْحُ لِلَّيْلِ البَهِيمِ بِمَرْصَدِ(3)

يا فاطِمُ الزّهْرا هَلُمَّ بِوَمْضَةٍ *** عَلِّي إِلى سَبِيلَ مَدْحِكِ أهْتَدِي

طعِمَ النَّبِيُّ فَواكِةَ الفِرْدَوْسِ إِذْ *** عَرَجَ الإِلهُ بِهِ لِأَشْرَفِ مَصْعَدِ

إيهٍ خِتَامَ الأنْبِياءِ وَ فاتِحَ *** الإرْشادِ فِي الدُّنيا وَ أَعْظَمَ مُرْشِدِ

يَتَوقَّفُ الرُّوحُ الأمِينُ وَ سِرْتَ *** لا تُلْوِي عَلَى خَوْفٍ وَ لَمْ تَتَردَّدِ

هذا طَرِيقٌ عَبَّدَتْهُ إرَادَةٌ *** قُدْسِيَّةٌ لِسِواكَ غَيْرُ مَعَبَّدِ

أو بابُ وَصْلٍ مُوصَدٌ، لَكِنَّهُ *** فِي وَجْهِ أَصْدَقِ عاشِقٍ لَمْ يُوصَدِ

وَ رَجَعْتَ كالرُّوّادِ تَرْجِعُ لِلْحِمَى *** لِتَدُلَّ أَهْلِيهِ لأعْذَبِ مَوْرِدِ

وَغَشا خَدِيجَةَ فَاعْتَدتُ بَيْنَ النِّسا *** أَرَأَيْتَ فِي الظَّلْمَاءِ نُورَ الفَرْقَدِ(4)

ص: 407


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يشير الشاعر إلى ما ورد من أن فاطمة علیها السلام تفطم شيعتها يوم القيامة من النار. انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص13 و ص12.
3- الليل البهيم: المظلم. مرصد: مرتقب.
4- الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به.

بُشْراكِ أمَّ المُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةٍ *** غَمَرَتْكِ فَاقْتَرِبي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي

هَجَرَتْ سَناكِ المُشْرِكاتُ وَ مَنْ تَرَى *** لِلشَّمْسِ يَنْظُرُها بِطَرْفٍ أَرْمَدِ

رمَقَتْ عُيُونُ الازدِراءِ خَدِيجَةً *** كَلاَّ فَقَدْ كانَتْ عُيُونَ الحُسَّدِ(1)

مَهْلاً خَدِيجَةُ لا تَلِي هَذِي النِّسا *** فِي الوَضْعِ مِنْكِ وَ لِلسَّما عَنْهَا ابْعِدي

المُشْرِكُونَ -كَما يَقُولُ كِتابُنا- *** نَجَسٌ وَ هَذَا الحَمْلُ أطْهَرُ مَسْجِدِ

أفَلَمْ تَكُونِي تَسْمَعِينَ حَدِيثَها؟ *** لا تَجْزَعِي يا أُمُّ بَلْ فَتَجَلَّدِي(2)

وَ يُبَشِّرُ المُخْتارُ عَنْ ربِّ السَّما *** أنَّ الجَنينَ مُبَارَكٌ في المَوْلِدِ

سَتَكُونُ أُنْثَى وَ هْيَ طُهْرٌ بَرَّةٌ *** تَلِدُ الأئِمَّةَ هَادِياً عَنْ مُهْتَدِي(3)

ص : 408


1- رمقت لحظت لحظاً خفيفاً، أطالت النظر. الازدراء: العتاب و العيب.
2- تجلَّدي: اصبري، و في هذه الأبيات إشارة إلى ما في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 - 45 قال: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أتاني جبريل بتفاحة من الجنة. فأكلتها و واقعت خديجة فحملت بفاطمة علیها السلام، فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي النساء ممن تلد فلم يفعلن و قلن لا نأتيك و قد صرت زوجة محمد صلی الله علیه و آله و سلم فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء ، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، و قالت الاخرى: أنا كلثم أخت موسى علیه السلام، و قالت الأخرى أنا مريم بنت عمران أم عيسى علیها السلام جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء، قالت: فولدت فاطمة علیها السلام فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها». و في كتاب الروض الفائق ص314 قال: «فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر و قد بان لخديجة علیها السلام حملها بفاطمة علیها السلام و ظهر قالت خديجة علیها السلام: واخيبة من كذَّب محمداً صلي الله علیه و آله و سلم و هو خير رسول و نبي، فنادت فاطمة علیها السلام من بطنها: يا أماه لاتحزني و لاترهبي فإن الله مع أبي، فلما تمَّ أمد حملها و انقضى وضعت فاطمة علیها السلام، فأشرق بنور وجهها الفضاء. راجع كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى ص129.
3- في هذا البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من أن الزهراء علیها السلام ستلد أئمة هداة مهديين. ففي كتاب إحقاق الحق للتستري ج10 ص12 قال: « ذكر الشيخ عز الدين عبد السلام الشافعي في رسالته مدح الخلفاء الراشدين» أنه لما حملت خديجة سلام الله علیها بفاطمة علیها السلام كانت تكلمها في بطنها و كانت تكتمها عن النبي صلی الله و علیه و آله و سلم فدخل عليها يوماً و وجدها تتكلم و ليس معها غيرها فسألها عمن كانت تخاطبه. فقالت: مع ما في بطني فإنه يتكلم معي، فقال النبي صلی الله و علیه و آله و سلم: أبشري يا خديجة علیها السلام هذه بنت جعلها الله أم أحد عشر من خلفائي يخرجون بعدي وبعد أبيهم». و في البحار ج16 ص80 ضمن ج20 قال في حديث طويل: فدخل رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم يوماً و سمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: «يا خديجة علیها السلام من يحدّثك؟ فقالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني، فقال صلی الله و علیه و آله و سلم لها: هذا جبريل يبشرني أنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله تبارك و«تعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة».

وَ إذا الأئِمَّةُ أَظْهَرُوا دِينَ الهُدَى *** فَلْتُدْعَ أمَّ أَبِي عُلاها الأمْجَدِ

لا تَبْقَ أمُّ المُؤمِنِينَ بِحَيْرَةٍ *** مِنْ أمْرِها فَاللَّهُ أعْظَمُ مُسْعِدِ

حوّاءُ تُزْجِي الفُضليَاتِ مِنَ النّسا *** بَلْ خَيْرَ مَنْ وُلِدَتْ وَ مَنْ لَمْ تُولَدِ(1)

أُمَّ المَسِيحِ وَ سارَةٌ ثمَّ الَّتِي *** كَفرَت إلهَةً زَوْجِها المُتَمَرِّدِ

كَانَتْ قَوابِلُها نَظائِرَ مَجْدِها *** وَيَدُ الفَتَى أقوى مُعِينٍ لِلْيَدِ(2)

وُلِدَتْ فَعَمَّ الكَوْنَ بَهْجَةُ فَرْحَةٍ *** وَجلالُ أُبَّهَةٍ وَ رَوْعَةُ مَشْهَدِ(3)

ص: 409


1- تزجي: أزجى بمعنى ساق فتزجي تسوق و هو أنسب من تؤخر.
2- في الأبيات الأربعة أعلاه إشارة إلى ما مرَّ من أن حواء و آسية بنت مزاحم و كلثم أخت موسى و مريم بنت عمران علیهم السلام كنَّ قابلات لخديجة يوم ولدت فاطمة علیها السلام نقلاً عن كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44-45. و في البحار ج16 ص80 ضمن ح20 في حديث طويل في ولادة فاطمة علیها السلام قال: «فلم تزل خديجة «رضي الله عنها» على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجّهت إلى نساء قريش و نساء بني هاشم يجئن ويلين منها ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهنَّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهن فقالت لها:إحداهنّ لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك: أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه صغراء بنت شعيب بعثنا الله «تعالى» إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء... إلخ الحديث . وذكره أبوجعفر الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص8 .
3- أبهة: عظمة، كبر، و في البيت إشارة إلى البهجة التي عمت الكون بولادة الزهراء علیها السلام. ففي مشارق الأنوار في أسرار فاطمة الزهراء علیها السلام ص85. «أن خديجة لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق و ماء من حوض الكوثر و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم علیهم السلام و بعثهن الله يعنّها على، أمرها فلما وضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطاربالطيب و الأنوار وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق نوراً، وظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. و قالت النسوة خذيها يا خديجة طاهرة علیها السلام معصومة بنت نبي زوجة وصي نور وضي عنصر زکی، أمّ أبرار حبيبة جبار صفوة أطهار، مباركة بورك فيها و في ولدها، و لما تناولتها خديجة قالت: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن أبي صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و أن ولديَّ سادة الاسباط، ثم سلّمت على النسوة و سمّت كل واحدة باسمها، و بشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة الزهراء علیها السلام، وكانت تحدِّث خديجة علیها السلام في الأحشاء و تؤنسها بالتسبيح و التقديس ، و كان نورها و خلقها و خلالها و جمالها لا يعدو رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم.

فَكَأَنَّ فاتِحَةَ الكِتابِ تَنَزَّلَتْ *** عَنْ عَرْشِ قُدْسٍ فَوْقَ قَلْبِ مُحَمَّدِ

وَ إذا الوُجُودُ وَ دُورُ مَكَّةَ كُلُّها *** نُورٌ يُسَبِّحُ لِلْقَدِيرِ الأَوْحَدِ(1)

وَمشَتْ على المَلَكوتِ أقْدَسُ سُبْحَةٍ *** مِنْ نُورِها كُلُّ الكَواكِب تَجْتَدِي

أوَ ما هي المِصباحُ تَكْذِبُ إِنْ تَقُلْ *** مِنْ دَوْحَةٍ زَيْتُونَةٍ لَمْ يُوقَدِ؟(2)

ص: 410


1- يشير هذا البيت كالبيت السابق إلى النور الذي ملأ بيوت مكة بسبب ولادة الزهراء علیها السلام. ففي حديث طويل في البحار ج 16 ص 80 ضمن ح 20 عن ولادة الزهراء علیها السلام جاء فيه. «فوضعت خديجة فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور... الخ الحديث. و راجع الروض الفائق ص214 و أيضاً دلائل الإمامة ص9 لأبي جعفر الطبري.
2- يشير الشاعر في هذا البيت والذي قبله إلى ما ورد بحق فاطمة علیها السلام في سورة النور آية (35) قوله «تعالى»:«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَاشَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» الآية و قد مرَّ ذلك في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية نقلاً عن كتاب المناقب لابن المغازلي ص317، و راجع كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله وسلم ص13. و روى أبوبكر الحضرمي في كتابه: «رشفة الصادي ص28 » بسنده عن أبي الحسن قال :«كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ» قال المشكاة فاطمة علیها السلام و المصباح الحسن و الحسين علیهما السلام، و «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» قال: كانت فاطمة علیها السلام كوكباً درياً بین نساء العالمين، «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» إبراهيم علیه السلام «لَاشَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» لايهودية و لانصرانية «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ» قال: كاد العلم ينطق منها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ» قال: من ذريتها إمام بعد إمام « يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» يعني يهدي الله لولايتنا من يشاء و راجع كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن للسيد صادق الشيرازي ص168.

وَ نَمَتْ بَشائِرُ فِي السَّماواتِ العُلى *** كَالرِّيحِ نَمَّتْ عَنْ شَذَى الوَرْدِ النَّدي

وَهُنالِكُمْ هَبَطَتْ على ستِّ النِّسا *** عَشْرٌ مِنَ الحُورِ الحِسانِ الخُرَّدِ(1)

وَغسَلْنَ فاطِمَةَ النَّقِيَّةَ حِسْبَةً *** بِالكَوْثَرِ العَذْبِ الهَنِيءِ المَوْرِدِ

وَكَسوْنَها حُلَلَ الجِنانِ بِدايَةً *** وَ كَذا بِيَوْمِ الحَشْرِ فِيها تَرْتَدي

وَإذا تَضَوَّعَ في الوُجُودِ أريحُها *** فَعُرْفُ طِيبِ الخُلْدِ لم تَتَزيَّدِ(2)

واستُنطِقَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ فَلَمْ تَكُنْ *** إلاّ بِتَوْحِيدِ المُهَيْمِنِ تَبْتَدِي

وَشَهِدْتُ أنَّ رَسُولَهُ الهادِي أبي ***وَخَطِيبَهُ بِالحَمدِ يَوْمَ المَوْعِدِ

وَشهِدْتُ أَنَّ وَصِيَّهُ بَعْلِي وَأَوْلادي *** عَلى رَغْمِ الحَسُّودِ المُلحِدِ

أنا أمُّ سِبْطَيْهِ وَكَوْثَرُ نَسْلِهِ *** مِنْ خَيْرِ نَاصِرِ دينِه وَمُؤَيَّدِ

فَتَضاحَكَتْ حُورُ الجِنانِ بِوَجْهِهَا *** عَنْ دُرِّ تَغْرٍ كالأقاحِ مُنَضَّدِ(3)

يا مَنْ يُجادِلُ أنَّ فاطِمَ قدْسَمَتْ *** قَدْراً عَلَى أُمَّ المَسيحِ السَّيِّدِ

عِمْرانُ بَضْعَتُهُ وَ إِنْ جَلَّتْ عُلاً *** أنّى تُساوِي بَضْعَةً مِنْ أَحْمَدِ؟

فَضَلَتْ نِسَاء العالَمِينَ جَمِيعَهُمْ *** فَضْلاً مِنَ الرَّحْمَن غَيْرَ مُحَدَّدِ

ص: 411


1- الخُرَّد: الأبكار اللاتي لم يُمسَسْن.
2- تضوَّع أريجها: فاحت و انتشرت رائحتها الزكية.
3- أقاحي: جمع أقحوان نبات زهرته مفلجّة صغيرة يشبهِّون بها الأسنان. منضد: متراصف؛ و في هذه الأبيات العشرة إشارة إلى ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام كما في البحار ج16 ص80-81 ضمن ح20 ضمن حديث طويل حيث قال: «فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بشهادة «أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم سيد الأنبياء و أن بعلى علیه السلام سيد الأوصياء و أن ولديّ سيدا الاسباط علیهم السلام» ثم سلَّمت عليهنَّ وسمَّت كل واحدة منهنّ باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و ذكره الطبري في كتاب دلائل الإمامة ص9 فراجع.

وَ لِمَرْيَمٍ فَضْلٌ عَلَى نِسْوَانِ عالَمِها **** وَحَسْبُكَ بِالحَدِيثِ المُسْنَدِ(1)

وَ لَقَدْ أتَتْ بِنْتُ الرَّسُولِ بِمَوْحَدٍ *** كُلٌ يُسامِي فَضْلَ عِيسى المُفْرَد

وَاللَّهُ يؤذِيه أذِيَّةُ فاطِمٍ *** هذا حَدِيثٌ نَصُّهُ لَمْ يُجْحَدِ(2)

و إذا مَلائِكَةُ السَّمابِهِما دَعَتْ *** فَالفَرْقُ بادٍ لِلْبَصِيرِ النَّيْقَدِ(3)

هاتِيكَ نادَوْها أَمَرْيَمُ فَارْكَعِي *** لِلَّهِ رَبِّكِ وَاقنُتي ثُمَّ اسْجُدِي

أمَّا البَتُولُ فنُودِيَتْ في مُصْحَفٍ *** لاشَيْءَ فيه حُكْمُهُ لَمْ يُوجَدِ

وَ أتَتْ إِلَيْها بالجِفانِ، دُخانُها *** يَعْلُو الثَّريدَ و مَسُّه لَمْ يَبْرُدِ(4)

ص: 412


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى أن الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 قال: عن ابن عباس عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات سادات عالمهن مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد علیهم السلام و أفضلهن عالماً فاطمة علیها السلام» و في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 قال: «عن مسروق عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة علیها السلام تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو شماله ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم فلما قبض سألتها فأخبرتني أنه أسر اليَّ فقال: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين و ما أراه إلاّ و قد حضر أجلي و أنك أول أهلي لحوقاً بي و نعم السلف أنا لك فبكيت فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين»، و راجع صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب علامات النبوّة، و راجع القرطبي في الاستيعاب ج4 ص375 في هامش الإصابة، ومسند أحمد بن حنبل ج6 ص282، و حلية الأولياء ج2 ص40.
2- و في هذا البيت إشارة إلى الحديث الوارد عن النبي صلی الله و علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني من آذاها فقد آذاني. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 «إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و رواه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح في باب ذبّ الرجل عن ابنته ، و حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ج2 ص40. و قد مرت لك تفاصيل كثيرة في ذلك في القصائد المتقدمة فراجع.
3- النيْقد: الذي ينظر إلى الأشياء ليعرف جيِّدها من رديئها.
4- جفان: مفرده الجفنة و هي القصعة الكبيرة. و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى ما روي أن علياً علیه السلام أصبح يوماً فقال لفاطمة علیها السلام: عندك شيء تغذِّينيه قالت: لافخرج و استقرض ديناراً ليبتاع ما يصلحهم فإذا المقداد في جهد و عياله جياع فأعطاه الدينار و دخل المسجد وصلى الظهر و العصر مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثم أخذ النبي صلی الله علیه و آله و سلم بيد علي علیه السلام وانطلقا إلى فاطمة علیها السلام و هي في مصلاّها و خلفها جفنة تفور. فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خرجت فسلَّمت عليه و كانت أعز الناس عليه فرد السلام و مسح بيده على رأسها ثم قال: عشّينا غفر الله لك و قد فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام أنى لك هذا الطعام الذي لم انظر إلى مثل لونه قط و لم أشم مثل رائحته قط و لم أكل أطيب منه و وضع كفه بين كتفي و قال: هذا بدل عن دينارك إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب». بحار الأنوار ج43 ص29 ح 35. و رواه محب الدين الطبري في كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى بصورة أوسع مما في البحار و أطول ص45-47 و تقدم في الجزء الأول فصل طويل عن فضائلها و معجزاتها علیه السلام.

هَزَّتْ لَها مَهْدَ الحُسَيْنِ وَ سَبَّحَتْ *** عَنْها بِكَفِّ مُسَبِّحٍ وَ مُمَجِّدِ(1)

وَتَلَقَّتِ الوَحْيَ المُبِينَ دُرُوسَهُ *** في خَيْرِ مَدْرسَةٍ وَ أَكْرَمِ مَعْهَدِ(2)

وَنَمَتْ كَما يَنْمُو بِشَهْرٍ غَيْرُها *** فِي جُمْعَةٍ ، وَخُذِ القِياسَ عَلَى الغَدِ(3)

ص: 413


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أن الملائكة كانت تهز مهد الحسين علیه السلام في كتاب بحار الأنوار ج43 ص45 ضمن ح44 قال: روي أنها علیها السلام يعني فاطمة علیها السلام، ربما اشتغلت بصلاتها و عبادتها فربما بكى ولدها فرأى المهد يتحرك و كان ملك يحرِّكه.
2- في هذا البيت إشارة إلى ما ورد من أن الملائكة كانت تنزل على فاطمة علیها السلام. قال سلیمان: قال محمد بن أبي بكر: لما قرأ:«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ »[سورة الحج الآية 51] و لامحدَّث قلت: و هل يحدِّث الملائكة إلّا الأنبياء. قال: إن مريم علیها السلام لم تكن نبية و كانت محدَّثة و أم موسى بن عمران علیها السلام كانت محدَّثة و لم تكن نبية و سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق و يعقوب و لم تكن نبية و فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كانت محدَّثة و لم تكن نبية. راجع بحار الأنوار ج43 ص79 ح66.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص11، وكتاب البحار ج43 ص0 ح16 من أن فاطمة علیها السلام كانت تنمو في اليوم كالجمعة و في الجمعة کالشهر و في الشهر كالسنة. ففي الدلائل ذكر، قال: عن ابن عباس: «لم تزل فاطمة علیها السلام تشب في اليوم كالجمعة و في الجمعة كالشهر و في الشهر كالسنة، فلما هاجر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من مكة إلى المدينة و ابتنى بها مسجداً و أنس أهل المدينة به و علت كلمته و عرف الناس بركته و سارت إليه الركبان و ظهر الإيمان و درس القرآن و تحدث الملوك و الأشراف و خاف سيف نقمته الأكابر و الأشراف ، هاجرت فاطمة علیها السلام مع أميرالمؤمنين علیه السلام و نساء المهاجرين وكانت عائشة فيمن هاجر معها فأنزلها النبي صلی الله علیه و آله و سلم على أم أيوب الأنصاري و خطب رسول الله النساء وتزوَّج سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمة علیها السلام إليها ثم تزوج أم سلمة فقالت: تزوجني رسول الله و فوّض أمر ابنته إليَّ فكنت أؤدبها و أدلها و كانت و الله أأدب مني وأعرف بالأشياء كلها». و في البحار مثله فراجع.

فَتَناوَبَ الأصْحابُ خِطْبَتَها فَلَمْ *** يَكُ حَظُّهُمْ في نَيْلِها بِالمُسْعِدِ

غَضِبَ النَّبِيُّ فَقامَ فِيهِمْ مُنذِراً *** أعْظِمْ بِهِ مِنْ مُنذِرٍ وَ مُهَدِّدِ(1)

فَهُنَاكَ خَفُّوا لِلْوَصِيِّ وَ أَيْقَظُوا *** عَزْماً لَهُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَرْقُدِ

رامُوا بِهِ شَرَّاً وَ رامَ بِعَبْدِهِ *** خَيْراً إِلهٌ غَيْرُهُ لَمْ يُحْمَدِ

وَاللَّهُ لِلأسْبابِ خَيْرُ مُسَبِّبٍ *** وَاللَّهُ للأحْبابِ خَيْرُ مُسَدِّدِ

وَ إِذا المُهَيْمِنُ نَفْسُه قَدْ زَوَّجَ ال_ *** _زَّهْرا مِنَ الكَرّارِ خَيْرِ مُوَحِّدِ

النُّورُ زَوَّجَهُ الإِلهُ بِنُورِهِ *** وَ أضافَ مَحْضَ نُضارِه لِلْعَسْجَدِ(2)

ص: 414


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كيفية زواج الزهراء علیها السلام. ففي كتاب دلائل الإمامة للطبري ص12 قال: «في حديث طويل عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري و عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تزوجني فاطمة علیها السلام ابنتك؟ وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محمولة كلها قباطي مصر و عشرة آلاف دينار و لم يكن من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أيسر من عبد الرحمن و عثمان، و قال عثمان: و أنا أبذل ذلك و أنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً فغضب النبي صلی الله علیه و آله وسلم من قالتهما فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبدالرحمن و قال له: «إنك تهول عليّ بمالك... الخ» و في البحار ج43 ص92 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام عن أبيه عن آبائه علیهم السلام عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا خطبناها إليك فمنعتنا و زوجت علياً علیه السلام فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم و زوجته بل الله منعكم و زوجه فهبط عليَّ علیه السلام جبرئيل فقال: يا محمد صلی الله علیه و آله و سلم إنَّ الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الارض آدم فمن دونه». و ذكر في كتاب ذخائر العقبى ص29 أيضاً.
2- العسجد: الذهب و في البيتين إشارة إلى تزويج الزهراء علیها السلام لعلي علیه السلام من قبل الله تبارك و «تعالى». انظر بحار الأنوار ج43 ص92 ح3. و في ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174 قال: في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم: فوالذي بعثني بالكرامة و استحضنِّي بالرسالة ما أنا زوجته ولكن الله «تبارك و تعالى» زوجه من فوق عرشه و ما رضيت حتى رضي عليٌّ علیه السلام و ما رضي علي علیه السلام حتى رضیت و ما رضيت حتى رضيت فاطمة علیها السلام و ما رضيت فاطمة علیها السلام حتى رضي الله رب العالمين» و راجع ذخائر العقبى ص31 و ص86 ، و الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص204.

أَمّا الصَداقُ فَإِنَّه الفَضْلُ الَّذي *** لايَنْتَهِي مِنْ واسِعٍ مُتَفَرِّدِ

مِنْ بَعْضِهِ نَهْرُ الفُراتِ، وَشِبْلُها *** يَقْضِي بِضِفَّتهِ عَلَى قَلْبٍ صَدِي(1)

أمّا النِّثارُ فَكانَ خَيْرَ هَدِيَّةٍ *** مِنْ ُكلِّ حَوْراءِ لِكُلِّ مُخَلَّدِ

دُرّاً وَلكِنْ عادَ يَكْسُوبَعْضَهُ *** ثَوْبَ العَقِيقِ دَمُ ابْنِها المُسْتَشْهَدِ

سَبْعُونَ أَلْفاً مِن مَلائِكَةِ السَّما *** لِزَفافِها بالرُّوح جاءَت تقتَدِي(2)

ص: 415


1- يشير الشاعر في هذين البيتين أيضاً إلى أن مهر فاطمة علیها السلام نصف الدنيا و أن نهر الفرات بعضه. ففي كتاب دلائل الإمامة للطبري ص18 عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ضجت الملائكة إلى الله فقالوا إلهنا و سيدنا أعلمنا مهر فاطمة علیها السلام لنعلم و نتبين أنها أكرم الخلق عليك فأوحى الله إليهم يا ملائكتي و سكان سماواتي أشهدكم أن مهر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم نصف الدنيا». و في حديث عن جابر الجعفي قال: قال سيدي الباقر علیه السلام«و قد شكى المؤمنون إلى جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عرفنا من الأئمة بعدك؟ فما مضى نبي إلّا و له أوصياء و أئمة بعده و قد علمنا أن علياً وصيّك فمن الأئمة بعده؟ فأوحى الله «تعالى» إليه: إني قد زوجت علياً بفاطمة علیها السلام في سمائي و تحت ظل عرشي و جعلت جبرئيل خطيبها و ميكائيل وليها و إسرافيل القابل عن عليّ علیه السلام، و أمرت شجرة طوبى فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب و الدر و الياقوت و الزبرجد الأحمر و الأخضر و الأصفر و المناشير المخطوطة بالنور فيها أمان للملائكة مدخور إلى يوم القيامة و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في الأرض: الفرات، و دجلة، والنيل، و نهر بلخ، فزوجها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك... الخ».
2- يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة إلى زفاف الزهراء علیها السلام من قبل سبعين ألفاً و من الملائکة و نثرهم الدر و الياقوت و الجوهر. ففي كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري ص32 قال: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة علیها السلام إلى علي علیه السلام كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم أمامها و جبريل عن يمينها و ميكائيل عن يسارها و سبعون ألف ملك من خلفها يسبّحون الله و يقدّسونه حتى طلع الفجر. أخرجه الحافظ أبوالقاسم الدمشقي. و في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص25 قال: عن علي بن عبد الله عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد علیه السلام قال: «لما زفت فاطمة علیها السلام إلى علي علیه السلام نزل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و نزل معهم سبعون ألف ملك قال: فقدمت بغلة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم دلول و عليها سُملة ، فأمسك جبرئيل باللجام و أمسك إسرافيل بالركاب و أمسك ميكائيل بالثغرة و رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يسوي عليها ثيابها فكبر جبرئيل و كبر إسرافيل و كبر ميكائيل و كبرت الملائكة و جرت سنة التكبير في الزفاف». و في البحار ج43 ص104 ح15 قال: عن موسى بن جعفر علیه السلام عن أبيه عن جده علیه السلام عن جابر بن عبد الله قال: لما زوج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت علياً علیه السلام بمهر خسيس فقال: «ما أنا زوَّجت علياً علیه السلام ولكن الله «عز وجل» زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى، أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدرَّ و الياقوت و الجوهر و المرجان فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه و يتفاخرن و يقلن: هذا من نثار فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی الله و علیه و آله و سلم». و ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج5 ص7، و ذكره ابن الأثير في كتاب أسد الغابة ج2 ص358.

وَ يَقُودُ يَوْمَ الحَشْرِ ناقَتَها، وَ فِي *** يدِه الزِّمامُ مُرَصَّعاً بِزَبَرْجَدِ(1)

وَ هُناكَ تَشْفَعُ لِلْمُحِبِّ وَ تَنْتَقي *** كَالطَّيرِ يَلْتَقِطُ النَّقِيَّ مِنَ الرَّدي(2)

ص: 416


1- مرصَّعا: منظَّماً.
2- و في هذين البيتين إشارة إلى مجيء فاطمة علیها السلام يوم القيامة على ناقتها و شفاعتها لمحبيها و شيعتها و التقاطهم كالتقاط الطير للحب. ففي بحار الأنوار ج43 ص219 ح1 قال: عن جعفر الأحمر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیه السلام قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: اذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان. عليها قبّة من نور يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها داخلها عفو الله و خارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركناً كل ركن مرصّع بالدُّر و الياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدُّري في أفق السماء وعن يمينها سبعون ألف ملك و عن شمالها سبعون ألف ملك، و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله و سلم، فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصدّيق و لاشهيد إلاّ غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزح بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي، واشفعي تشفعي فوعزَّتي و جلالي لا جازاني ظلم ظالم، فتقول: الهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي و محبّي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله»: أين ذريّة فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذرّيتها فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة تتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة . و في حديث طويل عن الباقر قال: قال أبو جعفر علیه السلام والله يا جابر إنها ذلك اليوم -يعني یوم القيامة- لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرَّديء فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فيقول الله «عز وجل»:يا أحبائي ما التفاتكم و قد شفَّعت فيكم بنت حبيبي، فيقولون: يا رب أحببنا ان يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا و انظروا من أحبكم لحب فاطمة علیها السلام انظروا من أطعمكم لحب فاطمة علیها السلام، أنظروا من كساكم لحب فاطمة علیها السلام، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة علیها السلام، انظروا من ردِّ عنكم غيبة في حب فاطمة علیها السلام خذوا بيده و أدخلوه الجنة... الخ» راجع البحار ج43 ص65 ضمن ح57.

أتُريدُ أنْ تُحْصِي فَضَائِلَ فاطِمٍ *** نَفِدَ الحِسابُ وَ فَضْلُها لَمْ يَنْفَدِ

بَعُدَتْ عَنِ المُخْتارِ مُذْ زُفَّت على*** الكَرّارِ ، لكِنْ قَلْبُها لَمْ يَبْعُدِ

فَالشَّوقُ يَأْكُلُ قَلْبَ كُلِّ مِنْهُما *** ما شَوْقُ وِرْدِ العَذْبِ لِلظَّامِي الصَّدِي

وَ دَنَتْ لِوالِدِها وَ أَصْبَحَ بابُها *** مِنْ دُونِ صَحْبِ المُصْطَفَى لَمْ يُسْدَدِ(1)

يَرْنُو مُحَيَّاها فَيَذْهَبُ غَمُّهُ *** وَ لها بِنَفْسِ عُلاه دَوْماً يفْتَدِي(2)

وَ غدا يُقَبِّلُها وَيلْثِمُ صَدْرَها *** ما بَيْن ثَدْيَيْها بِكُلِّ تَوَدُّدِ(3)

وَهُناكَ يَذْكُرُ ضَرْبَةَ المِسْمارِ أَوْ *** أَثَرَ السِّبَاطِ بِكَتْفِها كَالمِعْضَدِ(4)

ص: 417


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من سد أبواب الصحابة إلّا باب علي و فاطمة علیهما السلام. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص175، روی بسنده عن عبد الله بن الرقيم الكناني قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك بها فقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد و ترك باب علي علیه السلام. و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد ج9 ص114. و ذكره أحمد أيضاً ج1 ص330. و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج7 ص205 فراجع.
2- يرنو محيّاها: أطال النظر إلى وجهها.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى محبة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام ففي كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 روى عن ابن عباس أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة علیها السلام و في كتاب ذخائر العقبى ص36، قال: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قبَّل يوماً نحر فاطمة علیها السلام قالت: فقلت له يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فعلت شيئاً لم تفعله فقال: يا عائشة اني إذا اشتقت الجنة قبلت نحر فاطمة علیها السلام و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج8 42. و في البحار ج43 ص42 ضمن ح42 قال: «الباقر و الصادق علیهما السلام انه كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم لاينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة علیها السلام، يضع وجهه بين ثديي فاطمة علیها السلام و يدعو لها، و في رواية حتى يقبّل عرض و جنة فاطمة علیها السلام أو بين ثدييها».
4- في هذا البيت إشارة إلى ما مرَّ من دخول المسمار في صدرها و ضربها بالسياط و قد خرّجناه في قصيدة حسن سميسم البائية نقلاً عن كتاب سليم بن قيس ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109. و قصيدة ابن مرهون البائية نقلاً عن کتاب سليم بن قيس ص37.

مِنْ ثَمَّ بَشَّرَها بِسُرْعَةِ مَوْتِهَا *** فَالفَرْعُ إِن يَفْقِدُ لأَصْلِ يُفْقَدِ(1)

عَاشَتْ خِلالَ الأرْبَعِينَ عَقِيبَهُ *** في حُزْنِ شَاكِلَةٍ وَقَلْبٍ مُكْمَدِ(2)

مَظْلُومَةً مَهْضُومَةً مَكْسُورَةً *** أضلاعُها وَدُمُوعُها لَمْ تَجْمُدِ(3)

تَدْعُو بِوَالِدِها الرَّؤوفِ بِزَفْرَةٍ *** مِنْ حَرِّها قد ذابَ قَلْبُ الجَلْمَدِ(4)

إنِّي وَدِيعَتُكَ الَّتي خَلَّفتَنِي *** في أمَّةٍ ما لي بها مِن مُنْجِدِ

ص: 418


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام من أنها أول أهله لحوقاً به. ففي كتاب البحار ج3-4 ص180-181 ضمن ح16 قال: «روت عائشة أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم دعا فاطمة علیها السلام في شكواه الذي قبض فيه فسارَّها بشيء فبكت ثمَّ دعاها فسارَّها فضحكت فسئلت عن ذلك فقالت: أخبرني النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه مقبوض فبكيت ثم أخبرني أني أوّل أهله لحوقاً به فضحكت» ومناقب ابن شهراشوب ج3 ص161 و كتاب ابن شاهين قالت أم سلمة و عائشة: إنها لما سئلت عن بكائها و ضحكها قالت: أخبرني النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه مقبوض ثم أخبرني أنه سيصيبهم بعدي شدة فبكيت ثم أخبرني أني أوّل أهله لحوقاً به فضحكت. المصدر نفسه والصفحة نفسها.
2- وفي هذا البيت إشارة إلى مقدار مكوث الزهراء علیها السلام بعد أبيها صلي الله علیه و آله و سلم وحزنها على فراقه ففي البحار ج43 ص180 ضمن ح16 قال: «قبض النبي صلی الله علیه و آله و سلم و لها يومئذ ثماني عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنين و سبعين يوماً ويقال: خمسة و سبعون يوماً و قيل : أربعة أشهر. و قال القرباني: قد قيل: أربعون يوماً و هو أصح و توفيت علیه السلام ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة و مشهدها بالبقيع و قالوا: إنها دفنت في بيتها. و قالوا: قبرها بين قبر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و منبره». و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص362 قال: «روي أنها ما زالت بعد أبيها صلي الله علیه و اله و سلم معصّبة الرأس ناحلة الجسم منهدّة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض، و لا أراه يفتح هذا الباب أبداً و لا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما؟ ثم مرضت ومكثت أربعين ليلة».
3- و في هذا البيت إشارة إلى ظلمها و ضربها و كسر اضلاعها «سلام الله عليها». انظر کتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، 208 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- الجلمد: الصخر.

كَمْ قَدْ خَطَبْتُهُمُ مُذَكِّرَةً لَهُمْ *** وَ وَعَظْتُهُمْ فِي مَحْشَدٍ عَنْ مَحْشَدِ

إنِّي أمانَةُ ربِّكُمْ ، لَكِنَّكُمْ *** خُنْتُمْ أمانَةَ ربِّكُمْ بِتَعَمُّدِ(1)

وَصَلاتُهُ الوُسْطَى عَلَيَّ فَحافِظوا *** يا...، غُضِّي مِنْ ضَلالِكِ يا...(2)

يا والِدِي ضاقَ الفَسِيحُ وَ عادَ فِي *** عَيْنِي نَهارِي جُنْحَ لَيْلٍ أَسْوَدِ

يا والِدِي قَدْ أحْرَقُوا داري، فَذِي *** فِي القَلْبِ جُذْوَةُ نارِهِمْ لَمْ تَخْمُدِ(3)

يا والِدِي هذا وَصِیُّكَ أَخْرَجُوا *** مُذلبّبُوهُ في نِجَادِ مُهَنَّدِ(4)

يا والِدِي هذا الحُسَيْنُ وَ صِنْوُهُ *** باتا بِلَيْلِ في الهُمُومِ مُسَهَّدِ(5)

وَقَضَتْ وَ لَمْ يَبْرَحْ مُصابُ المُصْطَفَى *** غَضّاً فَلَمْ يَبْرَحْ وَ لَمْ يَتَجَدَّدِ

لكِنْ تَأكَّدَ، فَالسَّلامُ عَلَيْهِمُ *** مَهْماتَاكَّدَ رُزْؤُهُمْ يَتأَكَّدِ(6)

ص: 419


1- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى ما لحق بالزهراء علیها السلام من آلام و أشجان. انظر سليم بن قيس ص208 . و جاء في كتاب البحار ج43 ص156 ح2 عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: «أبكي لذريتي و ما تصنع بهم شرار أمّتي من بعدي، كأني بفاطمة علیها السلام بنتي و قد ظُلمت بعدي و هي تنادي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فلايعينها أحد من أمتي» ، فسمعت ذلك فاطمة علیها السلام فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لاتبكين يا بنيّة» فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك، و لكني أبكي لفراقك يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فقال لها : أبشري يا بنت محمد صلی الله علیه و آله و سلم بسرعة اللحاق بي فإنك أوّل بي من يلحق بي من أهل بيتي».
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام و علي علیه السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و جدهما صلي الله علیه و آله و سلم هم الصلاة الوسطى، «سلام الله عليهم». و قد مرَّ ذلك في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية نقلاً عن كتاب تفسير العياشي ج1 ص128 فراجع و لايخفى أن بعض الكلمات المحذوفة في البيت فيها من الكناية ما لا يخفى.
3- انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
4- لبّبوه: جرّوه -نجادِ مهند: حمائل سيف.
5- مسهَّد: سَهِدَ أي أرق و قلَّ نومه.
6- ديوان الربيعي ج1 ص27.

(24) دُرةُ الكونين

(بحرالكامل)

الشيخ عبد الله الوائل الأحسائي(*)(1)

ص: 420


1- (*) هو الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله الإحسائي المعروف ب_ (الصائغ) و القاري. ولد المترجَم له في مدينة الهفوف عاصمة الإحساء في أوائل القرن الثالث عشر، ولم يحدد بالضبط تاريخ ولادته غير أنه كان حياً سنة (1238ه_) و هو تاريخ نظم فيه قصيدة له. و المترجم له من ذوي الفضيلة و الثقافة العالية، و هو أحد العلماء المخلصين. أخذ دراسته العلمية في الإحساء، فدرس فيها النحو و البلاغة و الصرف و العروض و مبادىء الفقه و الأصول و الحكمة الإلهية على بعض علماء الإحساء و منهم الشيخ محمد أبو خمسين و غيره. وكان أديباً وشاعراً فذاً مرموقاً، و قد طغى هذا الجانب الأدبي على شخصيته و تميّز به، فكان ذا باعٍ طويل في نظم الشعر و قرضه في المناسبات المختلفة، بما فاق به معاصريه من أبناء قطّره بل رأيناه يأتي في مصاف الشعراء المشهورين في العراق كالشيخ حسين نجف و الشيخ محمد علي الأعسم و الشيخ عبد الحسين شكر و الحاج جواد بركت الحائري و غيرهم من شعراء العراق، و كان متأثراً بهم إلى حدّ كبير و قد خمَّسَ الكثير من أشعارهم و شطرها بما يشعر و يؤكد إلمامه بأشعارهم و هو في الغالب لا يكون إلاّ بمجالستهم، و حضور نواديهم الأدبية و مبارياتهم الشعرية إذ لم نعهد ذلك قد حصل لغيره من شعراء الإحساء. و لايخفى ما كانت تزخر به نوادي كربلاء و النجف و غيرهما من حركة أدبية و لاسيما نظم الشعر في مدح ورثاء أهل البيت علیهم السلام، و مما لاشك فيه أن المترجم له قضى فترة من عمره في العراق و ربما كان نزيلاً في العتبات المقدّسة كما يظهر من بعض قصائده حيث يشير إلى ذلك. و قد طرق الشاعر المترجَم له أنواع الشعر كافة من العمودي، و الموشح و التخميس و التشطير و التربيع و غيرها . و تميّز شعره بطابع الولاء العميق لأهل البيت علیهم السلام، و هو ينحو بشعره منحى الشيخ رجب البرسي و الشيخ حسين نجف و الشيخ محمد علي الأعسم و الشيخ عبد الحسين شكر و الحاج جواد بركت و أمثالهم كما أشرنا. و كان شاعرنا أحد خطباء الأحساء الذين شهدتهم منابرها... ترك شاعرنا الفذ آثاراً قيمة منها: 1- ديوان شعر كبير يتألف من ثلاثة أجزاء. 2-كشكول كبير في مجلدين. وافته المنية ولبى نداء ربه في قرية (سيهات) إحدى قرى القطيف و كانت وفاته سنة (1305ه_).

باتَتْ عَلَى فَنَنِ الْأَراكِ تُغَرِّدُ *** بِفُنونِها وَبِيَ الْمُقِيمُ الْمُقْعِدُ(1)

وَرْقَاءُ عَنْ إسحاقَ أَخْذُ فُنونِها *** وَ غَرامُها يَنْمِيهِ فِيهَا مَعْبَدُ(2)

بانَتْ تُطارِحُنِي الغَرامَ وَ بِثُّ مِنْ *** شَغَفٍ أُطَارِحُها كِلانا يُنْشِدُ

لكِنّما ذاتُ الجَناحِ مَناحُها *** طَبْعٌ بِخِلَّةِ ذاتِها مُتَوَلِّدُ

لَوْ كانَ مِنْ حُزْنٍ لَمَا اتَّخَذَتْ لها *** طَوْقاً وَلا مِنْهَا قَدِ اخْتُضِبَتْ يدُ

بَلْ لَمْ تَبِتْ فَوْقَ الْغُصونِ قَرِيرَةً *** عَيْناً بِناعِمِهَا الْغَضِيضِ تُمَهِّدُ(3)

وَمَناحُها إمّا لِفَقْدِ هَدِيلِها *** أَوْ إِنّه إِلْفٌ لَدَيْها يَفْقِدُ

هذا وَ لمَّا تَجْرِ مِنْها دَمْعَةٌ *** وَ أَخُو الكآبةِ دَمْعُهُ لا يَجْمُدُ

وَ لَوَانَّها تَحْوِي يَسِيرَ كابتي *** ماشاقَها إلْفٌ وَ غُصْنٌ أَمْلَدُ(4)

أَيْنَ الْخَلِيُّ مِنَ الشَّجِيِّ وَ أيْنَ *** مُثْلُوجُ الْحَشى مِنْ ذِي جَوًى لا يَبْرُدُ

وَ شَجايَ لَيْسَ لِفَقْدِخِلٍّ قَدْ نَأَى *** عَنِّي وَ مَحْبُوبٍ حَواهُ مُلْحَدُ

لَكِنْ شَجانِي ذِكْرُ فَاطِمَةٍ وَ ما *** لاقَتْهُ مُذْ قُبِضَ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ

ص: 421


1- فنن الأراك: الغصن الملتف لشجرة الأراك.
2- الورقاء: الحمامة.
3- الغضيض: الطريّ.
4- الأملد: الغصن إذا اهتزّ ولان.

صُبَّتْ عليها لِلزَّمانِ مَصائِبٌ *** عُظْمَى عَلى مرَّ الجديدِ تُجَدَّدُ

جَارتْ عَلَيْها عُصْبَةٌ وَاعْصَوْصَبُوا *** في ظُلْمِها دونَ الْوَرَى و تَقَصَّدوا(1)

لم يَرْقُبوا فيها النبيَّ وَحُرْمَةَ اللَّهِ *** الْعَلِيِّ و في الضَّلالِ تَرَدَّدُوا(2)

لِرِضَاهُمُ بِابْنِ الْأَجِيرِ وَ تَرْكِهِمْ *** في المرتضى ما قَدْ حَكاهُ أَحْمَدُ

إذْ قَدْ أَقامَ لَهُ بِخُمٍّ بَيْعَةً *** واللَّهُ والأَمْلاكُ فِيها تَشْهَدُ

وَلَوى عَلى أَعْنَاقِهِمْ لِلْمُرتَضَى *** منها عُقُوداً مِثْلُها لا يُعْقَدُ

وَمُذِ انْقَضَى مِنْ بينِ أَظْهُرِهِمْ له *** عَهْدٌ عَنَوْا فِي غَيِّهِمْ وَتَمَرَّدُوا

واسْتَبْدَلُوا بابنِ الْأَجِيرِ سَفَاهَةً *** عَنْ حَيْدَرٍ وَ هُوَ الوَليُّ المُرْشِدُ

وَأَبَوهُ وَ هُوَ أبِيُّهُمْ وَ إِمَامُهُمْ *** وَعِمَادُهُمْ وَ عَمِيدُهُمْ وَ السَّيِّدُ

وَلَوَوْا إلى التَّيْمِيِّ جِيدَ قَبُولِهِمْ *** حَسَداً لِحَيْدَرَةٍ وَ خَابَ الحُسَّدُ(3)

فَطَوَى لَهَا كَشْحاً عَلَى الكُفْرِ انْطَوى *** مِنْ فُرْصَةٍ دَأْباً لَهَا يَتَرَصَّدُ(4)

وأدالَ مالَ اللَّهِ في أعْدائِهِ *** دُوَلاً وآلُ اللَّهِ عَنْهُ تُطْرَدُ

مُتَصدِّراً في دَسْتِ أَحْمَدَ جُرْأَةً *** و وَصِيُّهُ عَنْهُ يُذادُ وَ يُبْعَدُ

وَأَدافَ لِلزَّهْراءِ كُلَّ مَضاضَةٍ *** بِأَقَلَّ أَيْسَرِها يَذُوبُ الْجَلْمَدُ(5)

ص: 422


1- اعصو صبوا: اجتمعوا و صاروا عصابة.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى ما لاقته الزهراء علیها السلام من ظلم و أذى بعد وفاة والدها النبي صلی الله علیه و آله و سلم. انظر سليم بن قيس ص208. و عوالم العلوم ج2 ص626. و عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية. و سليم بن قيس ص208.
3- التَّيمي: المنفرد. جيد: عنق. (جيد قبولهم بمعنى بيعتهم).
4- كشحا: عداوة.
5- أداف: خلط. (ولعل التعبير بأذاق أولى من أداف). المضاضة: الحرقة والألم.

وَابْتَرَّ مِنْهَا إرْنَها ظُلْماً وَمَا *** قَدْ كَانَ أَنْحَلَها أَبُوهَا الْأَمْجَدُ(1)

وَوَشَى بِهَا الْعَدَوِيُّ مِنْهُ عَداوَةً *** كَيْمَا يَكِيدُ بها الوَصِيَّ وَ يُضْهِدُ(2)

وأدارَ في فِئَةِ الضَّلالِ بِبابِها *** خطباً لِيُحْرِقَها بهِ إِذْ يُوقَدُ

دارٌ لِآلِ اللَّهِ مَهْبِطُ وَحْيِهِ *** بِالنَّارِ يُحْرِقُهَا الدَّعِيُّ المُلْحِدُ(3)

وَ لَطالَما جِبْرِيلُ وَالْأَمْلاكُ قَدْ *** طَلَبُوا بِهَا إِذْنَ الدُّخولِ وَعَوَّدُوا(4)

فَأَتَتْ لَهُ الزَّهْرا فَفَنَّعَ رَأْسَها *** بِالسَّوْطِ شَلَّتْ بِالعَذابِ لَهُ يَدُ(5)

وَ وَجا لِأَضْلُعِها وَأَسْقَطَ حَمْلَها *** مِنْهَا وَ لَيْسَ لَها بِذَلِكَ مُنْجِدُ(6)

وَ جَرى بِحَيْدَرَ ما جرى مِنْهُ و *** لاتَسْأَلُ وَ ناهِيكَ الفَظِيعُ الأَوْحَدُ

قَسَماً بهِ لَوْلا وَصِيَّةُ أَحْمَدٍ *** و قَدِيمُ عَهدِ لِلإِلَهِ مُؤَكِّدُ

ما حامَ نَغْلُ صُهَاكَ حَوْلَ حِمائِهِ *** وَ لَضاقَ مِنْهُ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَوْرِدُ(7)

لكِنَّهُ أَغْضَى عَلى فَرْطِ القَذا *** جَفْناً لَهُ طَرْفُ الهدايَةِ أَرْمَدُ

وَيْلٌ لِأَذلَم أيُّ غاشِيَةٍ عَلَتْ *** بَيْتَ الرِّسالة مِنْهُ لَيْسَتْ تَنْفَدُ(8)

ص: 423


1- يشير الشاعر إلى ابتزاز إرث الزهراء علیها السلام من قبل أبي بكر. انظر مسند أحمد ج1 ص9 و ص63 و السنن الكبرى ج6 ص300.
2- يُضهد: يغلبه و يقهره.
3- يشير في هذين البيتين إلى ما مرَّ إتيانه بالحطب هو و أصحابه و إحراق البيت على الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
4- عوّدوا: زاروا و منه عيادة المريض.
5- و في هذا البيت إشارة إلى ضرب الزهراء بالسوط انظر سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
6- ويشير في هذا البيت إلى وجي أضلاعها و اسقاط حملها. انظر سليم بن قيس أيضاً ص40، 218 كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
7- نغل: حيوان متولد من الفرس و الحمار (الأتان) كما أن صهاك اسم أم عمر بن الخطاب.
8- أدلم: دَلَم (الديلم): جيل من الناس.

أوَ مِثلُ جَوْهَرَةِ الْعَفَافِ وَ دُرَةِ *** الْكَوْنَيْنِ يَجْلُوهَا الغَوِيُّ المُفْسِدُ

وَ يَسُومُ في سُوقِ البَلاءِ جَلالَها *** بِالْخَسْفِ وَ الْهَوْنِ الذَّرِيعِ وَ يَجْهَدُ

لادَرَّيا للنّاسِ دَرُّ عِصَابَةٍ *** قَدْ وازَرُوهُ بِمَا جَناهُ و أَسْعَدُوا

أتُهانُ بَيْنَهُمُ الْبَتُولُ وَ إِنَّهُمْ *** لِجَلالِها بالرغم مِنْهُمْ أَعْبُدُ؟

وَ يُقادُ مُقْتَادُ الْأُسُودِ لِعِلْجِهِمْ *** مِنْ بَيْنِهِمْ وَ هُوَ الإمامُ الْمُرْشِدُ

تَاللَّهِ لاأَنْسَى البَتُولَةَ إِذْ نَحَتْ *** ذاكَ الْغَوِي بِحَسْرَةِ تَتَوَقَدُ

وَ أَتَتْ لِمَسْجِدِ أَحْمَدٍ وَالرِّجْسُ في *** حَشْدِ لَهُ قَدْ غَصَّ مِنْهُ الْمَسْجِدُ

فَهُناكَ أَنَّتْ أَنَّةٌ مِنْ زَفْرَةٍ *** تَنْفَكُ فِي أَحْشَائِها تَتَصَعَدُ(1)

فَلَو إنَّهَا لَمْ تَحْتَسِبُها أَحْرَقَتْ *** في لابَتَيْها كُلَّ خَلْقٍ يُوجَدُ

إيه أخَا تَيْمٍ عَلامَ تَجِدُّ في *** ظُلْمِي وَ هَضْمِي فِي الْأَنامِ وَ تَجْهَدُ؟

وَ تَحُوزُ نِحْلَةً والِدِي وَ تُراثَهُ *** لي دونَ كلّ المُسْلِمِينَ وَ تُبْعِدُ

أَيَجُوزُ تَحْكُمُ بِي عَلى خُلْفِ الَّذي *** نَصُّ الكتابِ بهِ عَلَيْكَ يُؤَكِّدُ

أَوْ والِدِي أَوْصَاكَ تَحْكُمُ بِي عَلى *** خُلْفِ الكِتَابِ فَأَنْتَ مِنْهُ مُسَدَّدُ

أوْ كانَ ديني غير دين أبي فَلا *** ميراث لي دُونَ الأنام وَ أَبْعَدُ

أَیَحُوزُ كُلَّ مِنْ أَبِيهِ تُراثَهُ *** عَفُواً وَ عَنْ إِرْنِي أَذَادُ و أَظرَدُ؟(2)

ص: 424


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص131-132.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي قبله إلى احتجاج الزهراء علیها السلام على أبي بكر في حقها بالإرث ففي كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232، عن مولى أم هانىء قال: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له: لئن متَّ اليوم من كان يرتك؟ قال ولدي وأهلي قالت فلم وَرثت أنتَ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم دون ولده وأهله قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وآله و سلم له فأخذتها، و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنّا، فقال يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لم أفعل حدثني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الخ».

أمَعاشِرَ الإِسْلامِ أَظْلَمُ بَيْنَكُمْ *** وَ الْكُلُّ مُطَّلِعُ بِذَلِكَ يَشْهَدُ؟

رُدُّوا عَلَيَّ ظَلامَتِي أَوْ فَارْدَعُوا *** عنّي ظَلُوماً في الغوى يَتَرَدَّدُ

فَتَقَاعَدُوا عَن نَصْرِها طَراً كَأَنَّ *** الطَيْرَ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ وَ تَجَرَّدُوا

ثُمَّ انْتَنَتْ مِنْ بَيْنِهِمْ في حَسْرَةٍ *** حَرَّى لَواعِجُ حُزنِها لا تَخْمَدُ

يا دُرَّةَ الكَوْنَيْنِ أُقْسِمُ بِالَّذي *** تَحَوَّلْتِهِ وَ هُوَ العُلى وَ السُّؤْدَدُ

ما هانَ عِنْدَ اللَّهِ هَوْنُكِ لا و *** لاإِعْزازَ مَنْ لَكِ بِالأذى يَتَقَصَّدُ

وَ عَلَى النَّبِيِّ أبيكِ يَعْزُزُ لَوْ رأى *** ما قَدْ عَرَاكِ وَ إِنَّهُ لكِ مُکْمَدُ(1)

قَسَماً لَنَارٌ فَوْقَ بابِكِ أُوقِدَتْ *** في الطَّفُ أَضْحَتْ لِلْحُسَيْنِ تَوَقَّدُ(2)

وَيَدٌ عَلَتْكِ بِسَوْطِها قَدْ جَرَّدَتْ *** سَيْفاً بِنَحْرِ السِّبطِ أَضْحَى يُغْمَدُ(3)

وَ كَما لِمُحْسِنَ أسْقَطَتْ قَدْ غَادَرَتْ *** طِفْلَ الحُسَيْنِ بِسَهْمِهَا يُسْتَشْهَدُ(4)

وَ كَما وجعتِ بِضَرْبِهَا قَدْ أَوْجَعَتْ *** بالطَّفْ نِسْوَتَهُ الحَرائِر أَعْبُدُ(5)

ص: 425


1- مكمد: حزن حزناً شديداً و تغير لونه.
2- إشارة إلى حرق الدار من قبل عمر بن الخطاب انظر كتاب سليم بن قيس فراجع.
3- و في هذا البيت يشير الشاعر إلى ضرب الزهراء بالسوط انظر سليم بن قيس ص36 و 40. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109. انظر کتاب سليم بن قيس ص208.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى سقوط جنين الزهراء سلام الله عليها المحسن انظر کتاب سليم بن قيس ص 40 . و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
5- أَعْبُدُ: العبد و هو إشارة إلى جيش بني أمية الذين أوجعوا حرائر الحسين علیه السلام جمع و الرسالة يوم الطف و ربما أعيد بدل أعبد و هو ما اعتادك من مرض أو حزن أو هم و فيه إشارة أيضاً إلى نسوة الحسين علیه السلام اللواتي لازمهن الحزن و الهم لما دهاهن من البلاء فلعل المعنى الاول تقرأ (أوجعت) مبنية للمعلوم و على الثانية للمجهول.

تِلْكَ الرَّزِيَّةَ يَوْمَ رُزْئِكِ أُنْتِجَتْ *** وَ بِأَسِّها ذاكَ البِناءُ مُشَيَّدُ(1)(2)

ص: 426


1- بأسها: بأساسها و عمودها.
2- القصيدة (128) بيتاً من ديوان الدرر الفاخرة في مدائح و مراثي العترة الطاهرة مخطوط.

(25) من بيت فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ علاء الدين البهادلي

بِنْتَ الهدَى وَ ساعَةِ الميعادِ *** وَ الصُّبْحُ يَرْقُبُ لَحْظَةَ المِيلادِ

أَطْفِي شُمُوعَكَ إِنْ كَوْكَبَ فَاطِمٍ *** شَعَّتْ بِنُورِ ساطِعٍ وَقَّادِ(1)

وُلِدَ الصَّباحُ عَلَى نَسِيمٍ عَبِيرِها *** يا فَرْحَةَ المِيلادِ فِي المِيلادِ

زَهْراءُ أنفاسُ الجِنَانِ بِشِعْرِها *** وَ عَبيرِهَا مِنْ غُصْنِها المَيَّادِ(2)

هَبَطَتْ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ بِبَيْتِها *** تُلْقِي التَّحِيَّةَ لِلنَّبِيِّ الهَادِي

أبْشِرْ -حَبَاكَ اللَّهُ-كَوْثَرَ خَيْرِهِ *** انْحَرْ كَثِيرَ الضَّيْرِ وَ الأوْلادِ(3)

هَبَطَتْ بِمَكَّةَ وَرْدَةٌ لِمُحَمَّدٍ *** وَ مَضَتْ كَمَوْجِ النُّورِ في المِيعَادِ

تَخْبُو المَشَاعِرُ في الصُّدُورِ كأَنَّها *** رَيْعُ الشَّبابِ وَ خَطْوَةُ الأَمْجادِ(4)

مِنْ بَيْتِ فاطِمَ نُورُ كُلِّ هِدايَةٍ *** مِنْ دارِ «فاطِمَ» خِطَّةُ الإِرْشادِ

مِنْ حُزْنِ آلِ مُحَمَّدٍ حُزْنِي وَ فِي *** أَعْيادِ آلِ مُحَمَّدٍ أعيادي

كُمْ مِنْ شَقِيٌّ غاص في طُغْيانِهِ *** يَقْتات أوهاماً بلا أسنادِ(5)

ص: 427


1- في إشراق النور بولادتها.
2- الميَّاد: المتمايل.
3- حباك: أعطاك.
4- تخبو: خبَّ البحر: هاج و اضطرب. ريع: الريع من كل شيء أوله و أفضله.
5- يقتاتُ: يقتاتُ الشيء يتخذه قوتاً أو يأكله. أسناد: جمع سند و هو ما يُستند إليه.

وَ الحُزْنُ أمْسَى رَغْمَ كُلِّ مُشَكِّكٍ *** فِي كُلِّ قَلْبٍ مَوْطِنَ الآبادِ

وَ القَلْبُ مِنْ فَرْطِ الحَنِينِ تَنَاثَرَتْ *** أسلاؤُهُ تَسْعَى لِكُلِّ بِلادِ

فَعَلَيْكِ يا بنتَ الهُداةِ تَحِيَّةً *** ما غَرَّدَ العُصْفُورُ في مَيَّادِ

ص: 428

(26) مهرجان البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

لِمَنِ النُّورُ قَدْ أَضَاءَ الوُجُودا *** وَ أرانا فَجْراً جَدِيداً سَعِيدا

أَيُّ نُورٍ بَدا مِنَ العَالَمِ القُدْسِيِّ *** وَ انْسابَ كَوْكَباً مَوْقُودا

شَعَ مِنْ مَكَةٍ بِكُلِّ ازْدِهارٍ *** يتحَدَّى تَهائِماً وَ نُجُودا(2)

في جُمادى الثَّانِي بِعِشْرِينَ مِنْهُ *** مِهْرَجَانُ البَتُولِ بُورِكَ عِيدا(3)

أَيُّ حَوْراءَ مَنْ لِمِيلادِها الحُورُ *** أَقامَتْ في الْخُلْدِ حَفْلاً مَجِيدا(4)

ص: 429


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تهائم و نجود: جمعان لتهامة و نَجْدِ.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تاريخ ميلاد الزهراء علیها السلام. ففي البحار ج43 ص6 ح7 قال: عن جابر بن عبد الله: ما رأيت فاطمة علیها السلام تمشي إلّا ذكرت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تميل إلى جانبها الأيمن مرة وعلى جانبها الأيسر مرة، و ولدت فاطمة علیها السلام بمكة بعد النبوة بخمس سنين و بعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الآخرة و أقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت معه إلى المدينة فزوجها من علي علیه السلام بعد مقدمها المدينة بسنتين أوّل يوم من ذي الحجة... الخ». و في كتاب دلائل الإمامة ص10 قال: عن أبي بصير عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: ولدت فاطمة علیها السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه سنة خمس و أربعين من مولد النبي فأقامت في مكة ثماني سنين و بالمدينة عشر سنين... الخ.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى البهجة التي عمّت الكون بميلاد الزهراء علیها السلام. و قد مرَّ في قصيدة عبد العظيم الربيعي الدالية نقلاً عن كتاب عوالم العلوم ج1 ص58-59 نقلاً عن كتاب مشارق الأنوار ص85. و في حديث طويل في كتاب البحار ج16 ص81 ضمن ح20 قال في ذيله: فلما سقطت فاطمة علیها السلام إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام شهادة أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و أن ولدي سيدا الأسباط ثم سلمت عليهنَّ وسمت كل واحدة منهنَّ باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام... الخ .

أَيُّ تُفَاحَةِ يُقَبْلُهَا الهادِي *** فَتَعْدُو نَداً يَضُوعُ وَ عُودا(1)

فَلِتَهُناخَديجَةٌ بِفَتاةٍ *** ضَمَّ أَبْرادُها عَفافاً وَجُودا

مَهْبِطُ الوَحْي بَيْتُها قَدْ شَأَتْ مَرْيَمَ *** شَأْنا كَرَامَةً وَ مَزيدا(2)

و شأنها البَتُولُ فَضْلاً وَ عِلْماً *** وَ كَمَالاً وَ مَحْيَداً و جُدودا(3)

ص: 430


1- نداً الند عود يتبخر به و جاء بمعنى المطر و الجود و الخير أيضاً إلّا أن الظاهر: أن المعنى الأول أنسب بمضمون البيت يضوع تنتشر رائحته و في البيت إشارة إلى الأحاديث الواردة في انعقاد نطفة فاطمة علیها السلام من تفاحة الجنة. ففي كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج5 ص87 قال: عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبلتها حتى تجعل لسانك في فيها كله كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرائيل إلى الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما نزلت واقعت خديجة علیها السلام، ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة وهي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها». و في ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص36 قال: عن ابن عباس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم الهلال يكثر القبل لفاطمة فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة علیها السلام فقال: إن جبريل ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماء في صلبي فحملت خديجة سلام الله علیها بفاطمة علیها السلام فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها».
2- شأت: سبقت.
3- مَحْتِد: أصْل. و يشير الشاعر في هذين البيتين إلى هبوط الوحي على بيتها و على أفضليتها على مريم علیها السلام بنت عمران. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 قال: عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات سادات،عالمهن مريم علیها السلام بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة سلام الله علیها بنت خويلد و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أفضلهن عالماً فاطمة سلام الله عليها». انظر كتاب البحار ج43 ص78.

و وقاراً وَ سُؤدَداً وَ نجاراً *** وَ فَخاراً وَ وَالِداً وَ وَلِيدا(1)

مَنْ أَبُوها شَمْسُ الرِّسالَةِ طَه؟ *** هَلْ لها مُشْبِهُ يَكُونُ نَدِيدا؟

أيْنَ عِمْرانُ مِنْ أبيها وَ لَوْلا *** أَحْمَد ما برا الإلهُ الوُجُودا؟

ما برا مَرْيَماً وَ عِيسَى وَ عِمْرانَ *** و لاسَيِّداً بَرَا وَ مَسُودا

دَأْبها في الدُّجَى تُطِيلُ إلى اللَّه *** رُكُوعاً بخَشْيَةٍ و سُجُودا(2)(3)

ص: 431


1- نجار: أصل و حسب.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كثرة ركوعها و سجودها و عبادتها في الليل من خشية الله. ففي كتاب البحار ج43 ص84 ح7 قال: «الحسن البصري ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم الليل حتى تورم قدماها». و في كتاب أمالي الصدوق مجلس24 ص100 قال: قال النبي فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض و يقول الله عز وجل» لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة علیها السلام سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار». و في كتاب دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص56 قال: عن الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام عن أخيه الحسين: قال رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها يا أماه لم لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيِّ الجار ثم حالدار. انظر البحار ج43 ص81 ح3.
3- الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية ج11 ص324.

(27) ذات أحزان

(بحر الوافر)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

طغَى بَحْرُ الضَّلالِ عَلَى العِبادِ *** وَ أَخْفَى طُرْقَ أَبْنِيَةِ الرَّشادِ

وَ أَحْمَدَ نَيْراتِ الدِّينِ لَمَّا *** تَلاطم و العِبادُ بِغَيْرِ هادي

وَ أَنْتَ تَرَى وَ تَسْمَعُ يَابْنَ طُهُ *** وَ تَعْلَمُ مَا اكْفَهَرَّ مِنَ الفَسادِ(2)

وَ حُكْمُكَ نافِةٌ وَ قَضاكَ ماضٍ *** وَ قَدْ كُنْتَ الرَّقِيبَ على العبادِ

وَها نَحْنُ نُنَاجِي في الدَّياجِي *** بكَ الرَّحْمَنَ، يا غَوْثَ المُنَادِي

نُرَجِّي في صَبِيحَةِ كلِّ يَوْمٍ *** طُلُوعَكَ وَ البَلايا في ازْدِيادِ

أمُهْرُكَ قَدْ ألَمْ بهِ عِثَارٌ *** وَ لَمْ يَجْرِ بِمَيدانِ الطْرادِ؟

وَ سَيْفُكَ هلْ تَعاوَرَهُ كَهَامٌ *** وَ لَمْ يَمْضِ بِهَامَاتِ الأعادي؟(3)

ألا عَجِّلْ وَقُمْ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ *** عَلَيْكَ أَبَاالفُتُوحِ بلاتَمادِي

لأَرْجَاسِ أَوائِلُهُمْ قَدِيماً *** سَقَتْ أباكَ أَوْصابَ النِّكادِ(4)

وَ أُمُّكَ وَ هْيَ مِنْ دُرّرِ الْمَعَالِي *** سُلالَةُ أحْمَدَ الهادي الجَوادِ(5)

ص: 432


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- اكفهر: اشتدّ.
3- كهامٌ: ضَعْفٌ.
4- أوصاب: مفرده الوصب و هو المرض و الوجع الدائم و نحول الجسم. نكاد: العسر و قلّة الخير.
5- ورد في أسد الغابة 522/5 قال: سيدة نساء العالمين.

عِناداً أَسْقَطُوامِنْها جَنِيناً *** بِضَرْبَةِ سَوْطِ ضِلِّيلِ مُعادِي(1)

فَخَرَّتْ وَ هيَ ماسِكَةً حَشاها *** عَلَى حَرِّ الظَّهيرةِ بِالْأَيادِي(2)

بلاجَلَدِ تُنادِي: يا عَلِيُّ *** جَنِينِي كَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ فُؤادِي؟(3)

أَتَرْضَى يا أخا الهادي بِذُلّي *** وَ أَنْتَ عَلَيْكَ قَد جَلَّ اعْتِمَادِي(4)

فَأَضْحَتْ ذات أخزان إلى أن *** تُوفَّتْ وَ هْيَ في كُرَبِ شِدادِ(5)(6)

ص: 433


1- تقدم ذكره في قصيدة الشيخ سلمان البحراني.
2- إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص574 في قولها: أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل، فسقطت لوجهي و النار تسعر وتسفع وجهي.
3- ورد ذلك في عوالم العلوم ج2/11 ص568 عن المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام قال: في حديث طويل (إلى أن قالت) وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك تكذَّب و تُضرب و يُقتل جنين في بطنها.
4- ورد ذلك في عوالم العلوم ج11/ 2 ص568 قال أميرالمؤمنين علیه السلام لعمر بعد دخول الدار: يابن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة، فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبدالرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار.
5- أشارة إلى ما في عوالم العلوم ج 2/11 ص794-795 أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل علي فاطمه علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء. ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة، يسمى: بيت الأحزان.
6- دیوان ملا علي آل رمضان ص154 ، يستنهض الإمام المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف).

(28) الدهر الخؤون

(بحر الكامل)

الشيخ علي بن حسن الجشي

لايُؤْمَنُ الدَّهْرُ الخَرُّونُ عَلى أَحَدْ *** وَ مَتَى أَسَرَّ أسا وَإِنْ وَهَبَ اسْتَرَدْ

فَالدَّهْرَ لاتَأْمَنْ إذا أَسْدَى يَداً *** فَلَرُبَّما أَسْدَى يداً و بِها حَسَدْ

وَ يُذِيقَهُ مَكْراً ضَرُوبَ حَلاوَةٍ *** مِنْ خَمْرِهِ الْمُلْهِي وَ قَدْ وَضَعَ الرَّصَدْ

حَتَّى إذا ثَمِلَ الفَتى وَ تَلاعَبَتْ *** بِالْعَقْلِ خَمْرَتُهُ رَماهِ بِمَا أعَدْ

ما راكِبُ الدُّنيا وَآمِنُ مَكْرِها *** إِلا كَأَمْنِ فَتًى عَلا ظَهْرَ الْأَسَدْ

لَيْتَ الزَّمَانَ لِمُجْتَنِي ثَمَرَاتِهِ *** أَرْدَى وَلكِنْ قَدْ رمَى مِنْ كَفَ يَدْ

فَهَلِ اجْتَنَتْ آلُ النَّبِي ثِمَارَهُ؟ *** بَلْ حَادَ عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ وَ مَا اقْتَصَدْ(1)

أوَ ما أَباحَ حِمَى الْوَصِيِّ المُرْتَضَى *** إِذْ حَكُم الْعِجْلَ الْمُضِلَّ وَ عَنْهُ صَدْ؟

عَقْدَ الولا حَلُوا وَ بَغْياً أَجْمَعُوا *** أنْ يُظفِئُوا بالنَّارِ أَنْوارُ الرَّشَدْ

لَمْ أَنْسَ لَمّا أَوْقَدُوا ناراً عَلَى *** بَيْتِ الْهُدَى وَ ضَرامُها فيهِ اتَّقَدْ(2)

هَجَمُوا وَ بِالبابِ البَتُولُ قَدِ اخْتَفَتْ *** إِذْ لاقِنَاعَ فَرُضَ بِالبَابِ الْجَسَدْ(3)

ص: 434


1- حاد عن قصد الطريق: عَدَل عن الطريق الوسط.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18 و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده (لعنه اللَّه) يروم فتح الباب برجله. انظر العوالم ج2/11 ص568.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها. انظر العوالم ج 2/11 ص556.

وَ غَدَتْ بِطه تَسْتَغِيثُ وَ لَمْ تُغَثْ *** بِسِوَى السَّيَاطِ وَ مَنْ لَها بَعْدَ الْعَمَدْ(1)

عُصِرَتْ وَ أَسْقَطَتِ الجَنِينَ وَ أُلْمَتْ *** بِالسَّوْطِ بَلْ لُعِمَتْ عَلى عَيْنٍ وَ خَدْ(2)

وَ اقْتِيدَ مُقْتَادُ الْأُسُودِ مُلَبَّباً *** إذْ بِالوَصِيَّةِ صابراً قَدْ كَفَّ يَدْ

وا لَهْفَتاهُ عَلَى الْأَطايبِ ما رَعَوْا *** بَعْدَ النَّبِيِّ وَ رَاحَ شَمْلُهُمُ بَدَدْ(3)

أَيُقادُ حَيْدَرَةٌ وَ تُؤذى فاطمٌ *** وَ يُرَوَّعُ أَبْنَاهَا وَ عَنْ إِرْثٍ تُصَدْ

فهرَتْ ضَلالاً بَعْدَ طُولِ خِصامِها *** وَ عُلُوحُجَّتِهَا عَلَى الْخَصْمِ الْأَلدْ(4)

رُغِمَتْ فَعَادَتْ وَ هْيَ صِفْرُ الكَفِّ إذْ *** لامُنجِدٌ وَ بِهَا قَدِ اشْتَدَّ الكَمَدْ

وَ تَقَمَّصَتْ ثَوْبَ الهُموم وَ مَا اكْتَسَتْ *** إِلا بِبُشْرَى الموتِ أَثواباً جُدُدْ

وَ لَقَدْ قَضَتْ مَظْلُومَةٌ مَقْهُورَةً *** مَهْمُومَةً لَمْ يَرْعَ حُرْمَتَها أَحَدْ

لَمْ أَنْسَ إِذْ وَضَعَ الوَصِيُّ أَمامَهُ *** جَسَدَ الْبَتُولِ وَ مَدَّ للتَّغْسِيلِ يَدْ

كانَتْ تُكَتِّمُ ما عَراها رَحْمَةً *** بِالْمُرْتَضَى قَبْلَ الْمَمَاتِ وَ إِنْ ضَهَدْ(5)

ص: 435


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18 من هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفعه خدِّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وارسول الله صلي الله علیه و اله و سلم. الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) -في حديث طويل- قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها. فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها. الحديث: انظر العوالم ج2/11 ص556 أيضاً.
3- راح شملهم: بدد: جعل الله جمعهم تفريقاً.
4- إشارة إلى احتجاج الزهراء علیه السلام على الرجلين اللذين غصبا حقها. فقد روي في كتاب الاختصاص ص178 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك -إلى أن قال- فقال لها -أبو بكر-: إن النبي صلي الله علیه و اله و سلم لا يورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه قولي له: زعمت أن النبي صلي الله علیه و اله و سلم لايورث و ورث سلیمان داود، و ورث يحيى زكريا، و كيف لاأرث أنا أبي؟ الحديث. انظر العوالم ج2/11 ص647 و تقدم ذلك مفصلاً.
5- ضهد: قهر.

فَرَأى بها ما هَدَّ رُكْنَ الصَّبْرِ مِنْ *** أَثَرِ السَّاطِ وَ كَسْرِ ضِلْع بِالْجَسَدْ(1)

فَهُنَاكَ حَنَّ شَجّى عَلى ما نابَها *** وَ بَكَى أَسى أسَفاً وَ قَدْ ضَعُفَ الْجَلَدْ(2)

وَ قَدِ انْحَنَتْ مِنْهُ الضُّلُوعُ وَ مِثْلُها *** فيهِ العَرَاءُ يَعُزُّ مِمَّنْ قَدْ فَقَدْ

وَ بِفَقَدِها فَقَدَ النَّبِيَّ فَإِنَّها *** تَحْكِيهِ فِي نُطْقٍ و في مَشْيِ وَ قَدْ(3)

وَ لَقَدْ شَجَانِي ضَمُّهَا السُبْطَيْنِ في *** وَقتِ الْوِداعِ وَ ما عَراها مِنْ كَمَدْ(4)

حَنَّتْ وَ أَنَّتْ من جَوّى بِأَبِي وَ قَدْ *** الْوَتْ عَلى كُلِّ مِنَ السَّبْطِينِ يَدْ

لَهْفِي لَها ما شُیِّعَتْ جَهْراً وَ قَدْ *** دُفِنَتْ وَ لَمْ يَعْلَمُ بِمَثواها أَحَدْ(5)

وَ لِدَفْنِها سِرّاً وَإِخْفَا قَبْرِها *** قَدْ أَوْرَثا أَشْيَاعَها كَمَدَ الْأَبَدْ

وَغَدا عزاءُ المُسْلِمِينَ لِحَيْدَرٍ *** بَغْياً بِأَنْ هَمُّوا بِإِخراج الْجَسَدْ

وَ لَكَمْ مُصابٍ قَدْ عَراهُ بِفَقْدِها *** مِمّابِها وَ مِنَ الأَعَادِي لاتُعَدْ

أَوَ لَمْ تَكُنْ فِي المُسْلِمِينَ وَدِيعَةً؟ *** كَيْفَ الوَدِيعَةُ غَيْرُ سالِمَةٍ تُرَدْ؟(6)

ص: 436


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18 عن الصادق علیه السلام -في حديث طويل- و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. ثم تشير رواية أخرى إلى كسر ضلعها «سلام الله عليها». و في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) -في حديث طويل- قال: فأرسل عمر إلى قنفذ اضربها.
2- الجلد: الشديد الصبر.
3- تحكيه: تشابهه.
4- كمد: حرقة القلب الحزن.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2/11 ص1083 عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايُصليا عليها. قال: فدفنها علي علیه السلام ليلاً و لم يعلمهما بذلك. الحديث. و في كتاب مصباح الأنوار ص256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أميرالمؤمنين علیه السلام فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم له بالبقيع و رشَّ ماء حول تلك القبور لئلّا يعرف القبر. و قد مرَّ ذلك مفصلاً في قصائد عديدة.
6- لعله إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص220 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و روى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ج4 ص328 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها».

هَبْ أنَّها لَمْ تَشْكُهُمْ لِلْمُصْطَفَى *** كَيْلا يُساءَ بِهَا عَلَيْها قَدْ وَرَدْ

أتُرَاهُ حِينَ يَضُمُّهَا وَ يَشُمُها *** يَخْفَى عَلَيْهِ اللَّطْمُ مِنْ عَيْنٍ وَ خَدْ

ص: 437

(29) يا بنت أشرف مرسَلِ صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الحاج علي حمدان الرياحي

ماذا أقُولُ بِعِيدِ بِنْتِ مُحَمَّدِ *** وَ بَالِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ

وَ لَهُمْ صَفاءُ مَوَدَّتِي وَ مَحَبَّتي *** و بِهِمْ لِرَبِّ العَالَمِينَ تَعَبُّدِي(1)

و بِهِمْ سَبَکْتُ حِسانَ كُلِّ قَصائِدي *** وَ بِمَدْحِهِمْ عَرَفَ الأنامُ تَوجُّدِي(2)

***

ماذا أقولُ بِفَاطِمٍ وَ جَلالِها *** وَ أَزِتْ مِنْ شِعْرِي لِأَشْرَفِ مَوْلِدِ(3)

ص: 438


1- وردت الروايات المتضافرة في افتراض مودة أهل البيت علیهم السلام منها عن مستدرك الصحيحين172/13 بسنده عن علي بن الحسين علیه السلام قال: خطب الحسن بن علي علىه السلام علي الناس حين قتل علي علیه السلام فحمدالله و أثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لايسبقه الأولون بعمل، و لايدركه الآخرون، (إلى أن قال) و أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك و تعالى لنبيه: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» [سورة الشورى الآية23] فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت علیهم السلام. و ذكره المحب الطبري في ذخائره ص183 و ابن حجر في صواعقه ص136.
2- سبكت: أحسنت ترصيف الكلام و تهذيبه. توجدي: حبّي.
3- في شرف فاطمة علیها السلام و جلالة قدرها. ورد عن مستدرك الصحيحين156/3 بسنده عن عائشة عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين و سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين؟ قال: هذا إسناد صحيح و في تفسير أطيب البيان ج13 ص225 قال العسكري علیه السلام: نحن حجة الله على الخلق و فاطمة علیها السلام حجة علينا. و في شواهد التنزيل58/1 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً و زوجته و أبناءه حجج الله على خلقه. و معلوم أن مقتضى حجيتهم على الخلق أفضليتهم و علو رتبتهم.

ماذا أُقَدِّمُ لِلْبَشِيرِ هَدِيَّةً *** وَ يَدِي تَنُوءُ بما يُقَصَّرُ عَنْ يَدِي(1)

نَفْسِي الفِدَاءُ لِفاطِمٍ وَ لَأُمَّهَا *** وَ لِزَوْجِهَا وَإِلَى الْأَبِ البَرِّ النَّدِي

خَيْرُ الخَلائِقِ أَرْضِها وَ سَمَائِها *** وَ أَجَلُّ مَنْ وُجِدَتْ وَ مَنْ لَمْ يُوجَدِ

***

يا بِنْتَ أَشْرَفِ مُرْسَلِ بِرِسالَةٍ *** غَرّاءَ زاهِيَةٍ بِدِينٍ أَوْحَدِ(2)

صَدَعَ الجَبَابِرَة الطَّغَاةَ بِهَدْيِهِ *** رَغْمَ الكَفورِ بِهِ و رَغْمَ المُلْحِدِ

***

ماذا أُحَدِّثُ عَنْكِ وَ الذِّكْرَى شَذّى *** يُذْكِيهِ في النَّسَمَاتِ طِيبُ الْمَحْتِدِ(3)

ماذا أقولُ وَ قَدْ تَجِيشُ بِخاطِرِي *** كَلِماتُ أُمَّكِ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدِ(4)

واللَّهِ يا خَيْرَ البَرِيَّةِ عِنْدَما *** وُلِدَتْ عَجِبْتُ بِنُورِها المُتَوَقِّدِ(5)

فلَقَدْ رَأَيْتُ بهِ البَسِيطَةَ كُلَّها *** مِنْ مَغْرِبِ أَقْصَى وَ شَرْقٍ أَبْعَدِ(6)

وَ أَتاحَ َربُّكَ سَيِّدَاتِ جِنانِهِ *** عَوْناً إِلَيَّ وَ كُنَّ خَيْرَ الْعُودِ(7)

ص: 439


1- تنوء: تنهض بجهد و مشقة.
2- و ذلك إشارة إلى كونه أشرف نبي و مرسل صلي الله علیه و اله و سلم، ففي مستدرك الصحيحين ج2 ص546 قال: سادة الانبياء خمسة و محمد صلي الله علیه و اله و سلم السيد الخمسة ،نوح و إبراهيم و موسى و عيسى علیهم السلام و محمد صلي الله علیه و اله و سلم.
3- يذكيه: يحمل رائحته الفواحة.
4- تجيش: تضطرب و تغلي.
5- و ذلك إشارة إلى ما ورد في كتاب العوالم ج1 ص18 باب نورها «صلوات الله عليها». خلق الله نور فاطمة الزهراء علیها السلام يومئذ كالقنديل، و علّقه في قرط العرش، فزهرت السموات السبع و الأرضون السبع، و من أجل ذلك سميت فاطمة الزهراء علیها السلام.
6- البسيطة: الأرض.
7- لورود الحديث الشريف عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن ذخائر العقبى ص44 حيث قال: «أتاني جبريل علیه السلام بتفاحة من الجنة فأكلتها (إلى أن قال) دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف. فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى و قالت الأخرى: أنا مريم سلام الله علیها بنت عمران أم عيسى علیه السلام: جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء، قال فولدت فاطمة «سلام الله عليها».

حَوَّاءُ وَ السَّمْحاءُ بِنْتُ مُزاحِمٍ *** وَ البَرَّةُ العَذْراءُ أُمُّ السَّيدِ

ها هُنَّ يا طه يَقُمْنَ بِخِدْمَتِي *** مُنْذُ المَخاضِ بِرَأْفَةٍ وَ تَوَدُّدِ

السَّيْداتُ مِنَ السَّمَاءِ أَتَيْنَني *** بِراً بِفَاطِمَةٍ وَ عَوْزَ تَوسُّدِي(1)

***

ماذا أُحدِّثُ عَنْكِ يا بُنَةَ أَحْمَدِ *** وَ مَثِيلُ فَضْلِكِ في الوَرَى لَمْ يُشْهَدِ؟

ما دُمْتِ سَيِّدةَ النِّساءِ وَ خَيْرَها *** و أَجَلَّ مَنْ وُلِدَتْ ومَنْ لَمْ تُولَدِ(2)

***

أُمُّ الأَئِمَّةِ وَ المَصابيح الَّتِي *** شَعَ الزَّمانُ بِنُورِها المُتَوَقِّدِ

ماذا أُحَدِّثُ عَنْ أَبِيكِ وَ قَدْ أَتى *** لَمّا وُلِدْتِ بِلَهْفَةِ المُتَوجد؟

وَحَبا لِوَجْهِكِ لائماً مُتَشوّقاً *** حُبًّا تَرَعْرَعَ مِنْ قديم سَرْمَدِي(3)

وَ تَماثَلَ النُّورانِ نُوراً واحداً *** مِنْ كَوْكَبِ مُتَفَرِّدِ مُتَجَرِّدِ(4)

ص: 440


1- عوز توسدي: العوز الحاجة أو الفقر توسدي: جعل رأسي على الوسادة.
2- وردت الأحاديث الشريفة في عظيم قدرها و شرف منزلتها فعن صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ح3426 و ح5928 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة.؟ و عن أسد الغابة 522/5 قال: سيدة نساء العالمين علیها السلام.
3- حبا: بمعنى دنا أو زحف و في البيت إشارة إلى ما ورد في ذخائر العقبى ص36 عن ابن عباس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله وسلم يكثر القبل لفاطمة علیها السلام. و راجع الترمذي ج2 ص319 بسنده عن عائشة قالت: إذا دخلت فاطمة علیها السلام على النبي صلي الله علیه و آله و سلم قام إليها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه.
4- إشارة إلى ما ورد في كتاب العوالم ج1 ص19 في باب بدو نورها و مبدأ ظهورها عن مقتضب الأثر في خطاب الله عز وجل لمحمد صلي الله علیه و آله و سلم فقال له: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم! إني وخلقت عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام من سنخ نوري و عرضت ولايتكم على أهل السموات و الأرضين. و في عوالم العلوم ج1/11 ص 19 عن فاطمة علیها السلام: اعلم يا أبا الحسن علیه السلام أن الله «تعالى» خلق نوري و كان يسبُّح اللَّه «جل جلاله» ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلمّا دخل أبي الجنة أوحى الله «تعالى» إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك، ففعل فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد سلام الله علیها فوضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و من لم يكن يا أبا الحسن علیه السلام المؤمن ينظر بنور الله «تعالى».

فكأَنَّ صُورَةَ أَحْمَد في فاطِمٍ *** وَ كَأَنَّ صورَة فاطِمٍ في أَحْمَدِ

***

ماذا أُحَدِّثُ عَنْكِ بَعْدَ طُفولةٍ *** وَ ضِيَاءِ وَجْهٍ مَا تَلَالًا يَزْدَدِ؟

وَ تَطاوَلُ الأَعْنَاقُ لِابْنَةِ أَحْمَدٍ *** مِنْ كُلِّ ذي جاءٍ وَ كُلِّ مُسَوَّدِ(1)

فَيُشِيحُ خَيْرُ المُرْسَلِينَ بِوَجْهِهِ *** وَ يَخِيبُ مَنْ يَأْتِي إليهِ و يَغْتَدِي(2)

وَ ثَناكِ عَنْ كُلِّ الصَّحابةِ وَ الْوَرى *** وَ أَباكِ إِلا لِلْكَمِيّ الأَصْيَدِ(3)

القاصِمِ الهاماتِ قَصْمَةَ عادِلٍ *** بالقِسْطِ غَيْرَ مُقَلِّلٍ وَ مُزَيْدِ(4)

***

أَمْرٌ مِنَ المَلِكِ العَزِيزِ أَتَى بِهِ *** جِبْرِيلُ يَحْمِلُهُ لِأَعْظَمِ سَيِّدِ

أَنْ زَوِّحِ الْبَطَلَ الكَمِيَّ بِفَاطِمٍ *** وَ اقْرِنْ عَلَيْهِ دُونَ أَي تَردُّدِ

ص: 441


1- عن عيون أخبار الرضا ج177/1 ح3و4. في قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلي: يا علي علیه السلام، لقد عاتبني رجال قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا. و ينقل صاحب العوالم أيضاً في ج1/11 ص375 عن الروض الفائق خطبها أبوبكر و عمر فقال لهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إن أمرها إلى الله «تعالى» و خطبها الأشراف فردّهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: «إن امرها إلى اللَّه «عزوجل» و تقدمت المفصلات عن ذلك فلانعيد. و كلمة تطاول في البيت فعل مضارع بمعنى (تتطاول).
2- يشيح بوجهه: أعرض متكرّها يغتدي يبكر.
3- الكميَ الأصيد: الشجاع و الأصيد هو الرجل الذي يرفع رأسه كبراً، كما یعني الأسد. و في البيت إشارة إلى ما ورد عن مسند فاطمة ج1 ص472. للسيوطي عن أنس قال: كنت قاعداً عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم فغشيه الوحي، فلما سرى عنه قال: «أتدري يا أنس! ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال: إنّ اللَّه أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من عليّ علیه السلام.» و في ذخائر العقبى للمحب الطبري ص32 عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك».
4- جاء في مستدرك الصحيحين ج2 32 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لمبارزة علي علیه السلام لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى أعمال أمتي إلى يوم القيامة . و نقل أيضاً في الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص780 قال: شهدت أم سلمة غزوة خیبر فقالت: سمعت وقع السيف في أسنان مرحب.

فَلَقَدْ عَقَدْتُ قِرانَها مِنْ حَيْدَرٍ *** في جَنَّتِي فَاهْنَأُ وَ فِي الأَرضِ اعْقَدِ(1)

وَ تَراقَصَتْ حُورُ المَلائِكِ في السَّما *** وَ الكُلُّ بَيْنَ مُصَفِّقٍ وَ مُغَرِّدِ(2)

عُرْسٌ وَ مَا الأَعْرَاسُ تُذْكَرُ عِنْدَهُ *** يَوْماً و لاعُرف المَشِيلُ بِأَبْجَدِ(3)

***

ماذا أُحَدِّثُ عَنْكِ وَ الذِّكْرَى شَجّى *** يُدْمِي الْحُلُوقَ لِمُسْهِبٍ وَ مُفَنِّدِ

ماذا أُحَدِّثُ وَالفَضَائِلُ جَمَّةٌ *** مَهُمَا كَلِفْتُ بِعَدهَا لَمْ تَنْفَدِ

***

يا بِنْتَ خَيْرِ المُرْسَلِينَ تَلَفتاً *** مَسْرَى أبيكِ يَعِيثُ فيهِ المُعْتَدِي(4)

وَ أَقَلُّ ما يُرْوَى بِحُبِّكِ مِنْ أبٍ *** أنْ كنتِ بالنَّفْسِ الكَرِيمَةِ تُفْتَدِي(5)

ص: 442


1- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج5 ص7 روی بسنده عن ابن عباس قال: لما زفت فاطمة علیها السلام إلى علي علیه السلام كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم أمامها و جبريل عن يمينها و ميكائيل عن يسارها و سبعون ألف ملك خلفها يسبحون الله و يقدسونه حتى طلع الفجر.
2- في حلية الأولياء لأبي نعيم ج5 ص59 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام لما أراد الله «تعالى» أن املكك من عليّ أمر اللَّه جبريل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفاً ثم خطب عليهم فزوجك من علي علیه السلام، ثم أمر الله شجر الجنان فحملت الحلي و الحلل ثم أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم شيئاً يومئذ أكثر ممّا أخذه غيره افتخر به إلى يوم القيامة.
3- في أسد الغابة لابن الأثير. ج2 ص358 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن جبريل علیه السلام: إن الله «عزوجل» لما زوّج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام أمر رضوان شجرة طوبى فحملت رقاقاً بعدد محبي آل بيت محمد صلى الله عليه و آله و سلم فإذا كان يوم القيامة أهبط الله «تعالى» ملائكة بتلك الرقاق فتعطي كل رجل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم رقاً فيه براءة من النار.
4- تلفتاً مسرى أبيك: صرف الوجه إلى مسرى و مصعد أبيك. يعيث: يفسد.
5- في الصواعق المحرقة لابن حجر ص109 إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر أتى فاطمة علیها السلام و أطال المكث عندها، ففي مرة صنعت لها مسكيناً من ورق و قلادة و قرطين و ستر باب بيتها فقدم صلى الله عليه و آله و سلم و دخل عليها ثم خرج. و قد عرف الغضب في وجهه متى أجلس على المنبر فظنت أنه إنما فعل ذلك لما رأى ما صنعته فأرسلت به إليه ليجعله في سبيل الله فقال: فعلت فداها أبوها ثلاث مرات.

وَ عَلِيُّ لَمْ يَمْنَعْكِ يَوْماً مطلباً *** مهما فَلا ثَمَناً وَ مَهُمَا يُجْهِدِ

قولي لَهُ عادَتْ وَ قِيعَةُ خَيْبَرٍ *** وَغَدا لِمَرْحَبَ ألف ألفِ مُقلِّدِ(1)

قُولِي لَهُ احْزِمُ لِلُقْيَةِ مَرْحَبٍ *** وَ أَعِدْ لِضَرْبَتِكَ الزَّمَانَ وَجَوْدِ

وَ اقْصِمْ بِهَا هَامَ اليَهُودِ مُطَهَّراً *** أَقْصَى نَبِيِّكَ يا عليُّ وَ بَدِّدِ

قولي لَهُ احْزِمُ جَوادَكَ وَ انْبَرِ *** لِلسَّاح يا خَيْرَ الكُمَاةِ وَجَرِّدِ

لم يَنْتَنِ إِنْ شئتِ لا وَمُحَمَّدٍ *** وَ يُبِدْجُمُوعَهُمُ وَ لَمْ يَتَردَّدِ(2)

ص: 443


1- لعله يشير في الشطر الأول الى الحادثة المشهورة في غزوة خيبر حين قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و يحبه الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم يفتح الله عليه». فدعا علياً علیه السلام فبعثه ثم قال: «اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك و لاتلتفت» و قال عمر وقتها: فما أحببت الإمارة إلّا يومئذ. السيرة النبوية لابن هشام ج3 سنة7 هجرية ص352. و في الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص710 قال: شهدت أم سلمة غزوة خيبر فقالت: سمعت وقع السيف في أسنان مرحب. أو لعله إشارة إلى ما يمثله مرحب بالنسبة لليهود الذين كانوا يعترفون بنبوة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من خلال توراتهم و كتبهم ولكنهم جحدوا و انكروا و اختبؤوا خلف حصونهم و منهم من أظهر الاسلام و أضمر الكفر و هم في كل ذلك يكيدون للإسلام فمرحب هنا كناية و إشارة إلى النموذج اليهودي مقابل النموذج الذي ظهر بعد موت الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من المنافقين، و الذين ارتدوا على أعقابهم. كما في تفسير الميزان ج4 ص37 في تفسير الآية 144 من سورة آل عمران «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» حيث يقول الطباطبائي: المراد بالانقلاب على الأعقاب الرجوع إلى الكفر السابق... و في تفسير نور الثقلين في ج1 ص397 ما يستدل على أن أصحاب محمد صلى الله عليه و آله و سلم قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن و منهم من كفر ح 381 و ح 382. و في تفسير البرهان للآية نفسها ج 1 ص 319 عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلا ثلاثة؟ فقلت: و من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود و أبوذر الغفاري و سلمان الفارسي إلى ان قال: حتى جاؤوا بأميرالمؤمنين علیه السلام مكرها فبايع و ذلك قول الله «عزوجل» «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ».
2- إشارة لما ورد في كتاب العوالم ج2/11 ، باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم في غصب الخلافة و غصب فدك. ص589 إلى ص598 و في جزء من حديث سليم بن قيس الهلالي ص39 و ثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و همَّ بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ما أوصى به من الصبر و الطاعة.

قُولِي بِأنَّ القُدْسَ دُنْسَ قَدْسُهُ *** وَ القَوْمُ بَيْنَ مُكَبَّلٍ وَ مُشَرَّدِ(1)

***

يا بِنْتَ مَنْ نَصَر الإلهُ بِهَدْيِهِ *** وَ بِنُورِهِ كُلُّ الأهِلَّةِ تَهْتَدِي

أوَ ما شَكَتْ أُمُّ المسيح تُراثَهَا *** لِمُحَمَّدٍ وَ لابنها البَرِّ النَدِي؟

عَبَثُوا بِهِ َو تَكَسَّرَتْ صُلْبانُهُ *** بِصَلِيبِ مَنْ حَمِلُوا شِعار المُفْتَدِي

لَوْلاَ الدُّعاةُ بِحُبِّهِ مَا كُسْرَتْ *** صُلْبانُ مَقْدِسِهِ وَ لَمْ تَتَهَوَّدِ

***

قُولِي لِعِيسَى خُذْ بِنَارِكَ مَرَّةً *** وَدَع السَّلام لِعاجِزٍ وَ تَمرَّدِ

وَإِذا خَشِيتَ مِنَ العَدوّ لِقَاءَهُ *** فاصْحَبْ عَلِيّاً مَرَّةً تَتَعَوَّدِ

عَجَبٌ قَبُولُكَ مِنْ عَدوّكَ ضَرْبَهُ *** وَإِذَا اسْتَزَادَكَ مِنْهُ قُلْتَ لَهُ زِدِ

خَلْ الخُنُوعَ فَلا يَلِيقُ بِسَيْدٍ *** مِثل المسيح و لايُلِيقُ بأَمْجَدِ(2)

لَنْ يُرْجِعَ الحَقَّ السَّلامُ بحالةٍ *** يَوْماً بِغَيْرِ مُسْمَهَرٍ وَ مُهَنَّدِ(3)

***

أَحْيَيْتَ مَيْتَهُمْ وَ زِنْتَ كَسِيحَهُمْ *** وَ شَفَيْتَ أَبْرَصَهُمْ وَ قُمْتَ بِمُقْعَدِ

وَ تَقاذَفُوكَ شَعَائِماً وَضعَائِناً *** مِنْ كُلِّ أَفَاكٍ وَ كُلِّ مُعرْيدِ

لاكانَ أَبْرَضُهُمْ لِيَنْعُمَ سالِماً *** أَوْ عَاشَ مَيْتُهُمْ لِيَفْسُدَ في غَدِ

ص: 444


1- عن نهج الحق و كشف الصدق ص271 لما قال عمر لفاطمة علیها السلام: أخرجي من في البيت وإلّا أحرقته و من فيه. و وردت الأحاديث عن ذلك في الصفحات 562 و 563 و 578 و 592 و 593 .
2- الخنوع: الذل.
3- المسمهر: الرمح و المهند السيف.

أوَ بَعْدَ ذلكَ تَسْتَكِينُ مُباركاً *** لَعَناتِهِمْ وَ تَقُولُ يَا ثَأَرُ اقْعُدِ؟

يا بْنَ البَتُولِ وَ مَا أَتَيْتُ مُعَلِّماً *** وَإِذا اجْتَرَاتُ فَلَيْسَ بالمُتَعَمِّدِ

فاصْفَحْ وَ عامِلْنِي بِمَا عَامَلْتَهُ *** مِنْ كُلِّ مُجْتَرِىءٍ عَلَيْكَ وَ مُعْتَدِي

***

أُمُّ الأَئِمَّةِ خَيْرِ أَعْلامِ الوَرى *** عَفْواً إذا شَط اليَراعُ عَلَى يَدِي(1)

وَ لَقَدْ عَیِيتُ مِنَ اليَهُودِ وَضاقَ بي *** ذَرْعِي وَهانَ عَلَى السُّكُوتِ تَجَلُّدِي

فَتَقَبَّلي مِنِّي هَدِيَّةَ شاعرٍ *** لِمُحَمَّدٍ وَ لَآلِ بَيْتِ مُحَمَّدِ(2)

ص: 445


1- شطَّ اليراع: شطَّ: أُفرط أو أُبعد أو تباعد عن الحق. اليراع: القلم.
2- 1977/1/20 الشعر الحلال في محمد و الآل ص261.

(30) فؤاد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ علي منصور المرهون(1)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(2)

أرى زَمَنِي أَخْنَى عَلَيَّ وَعانَدا *** (و لازَالَ في تَكْدِيرٍ عَيْشِي مُجَاهِدا)

أَتَاحَ خُطوباً لَسْتُ أَسْتَطِيعُ حَمْلَها *** (لها الشُّمُّ تَهْوِي لَوْ تَحَمَّلْنَ واحِدا)

فَما زِلْتُ وَ الأَشْجَانُ مِلْءُ حُشَاشَتِي *** (مُتَيَّمَ قَلْبِ مُدْنَفَ الجَسْمِ وَاجِدا)(3)

وَ مَنْ أَنا حَتَّى أَسْتَطِيعَ تَحَمُّلاً *** (خُطوباً مِنَ الْأَطْوادِ تُوهِي القَواعِدا)(4)

وَلكِنَّ خَطْبِي هَوَّنَتْهُ مُصِيبَةٌ *** (تَهُونُ لها الأرزا طريفاً و تالِدا)(5)

أَصَابَتْ فُؤادَ المُصْطَفَى الظُّهْرِ َفاطِماً *** (عَشِيّةَ جاءَ الجَوْرُ لِلدَّارِ قاصِدا)

إلى الدّارِ لَمّا جاءَها الرِّجْسُ حامِلاً *** (وقوداً و فيها المُرْتَضَى كانَ قاعِدا)

و نادَى أَلا اخْرُجْ بايِعَنَّ خَلِيفَةَ *** (النَّبِيِّ وَ مَنْ في الغارِ كَانَ المُعَاضِدا)

سأخرِقُ إنْ لَمْ تَخْرُجَنَّ لدارِكُمْ *** (وَ لَمْ أَرْعَ مَنْ فِيهَا وَليداً و والِدا)

ص: 446


1- يقول العالم الجليل الشيخ فرج العمران: زرت صديقي الماجد الشيخ علي ابن العلامة الشيخ منصور المرهون. فقدم لي صدور هذه القصيدة ملتمساً مني إتمام كل صدر بعجز فبادرت إلى ملتمسه حتى حصل الإتمام فهاكها مصدرة معجزة وقد طبعناها في ديوانه المرهونيات. و حيث قد تقدم ذكر أكثر هوامشها الروائية فلم نذكر هنا إلا القليل.
2- (*) مرّت ترجمة القطيفي في الجزء الأول.
3- الأشجان: الأحزان. حشاشتي: باطني. متيم قلب: مستعبد القلب و مذلل. مدنف الجسم: العليل و المريض. واجداً: حزيناً أو محباً.
4- الأطواد: الجبال العظيمة. توهي: تضعف.
5- طريفاً وتالداً: مستحدثاً و قديماً.

فَنَادَتْهُ بِنْتُ المُصْطَفَى وَ دُموعُها *** (جَوَارٍ أَلا كُفُّوا فإنّي بِلا رِدا)

فما شَعَرَتْ إِلا وَ قَدْ هَجَمَ العِدى *** (عَلَيْها بلا إِذْنٍ وَ كَانُوا أَباعِدا)

فَلاذَتْ وَراءَ البابِ عَنْهُمْ تَسَتَرَتْ *** (فَرَضُوا لها ضلعاً و دَقُّوا لَها يدا)

بفِضَّةَ صَاحَتْ آه ِمِمّا أصابَها *** (لِتُسْعِفَها في وَضْعِها وَ تُساعِدا)

وَلَكِنَّها لَمْ تَأْتِ خَوْف عِداتها *** (الجُفَاةِ الَّتِي لَمْ تَرْعَ حَتَّى الْأَماجِدا)

وَ ناهِيكَ أَنَّ القَوْمَ قَدْ دَخَلُوا على *** (عَليَّ لِيَقْضُوا مِنْ عليٍّ مَقاصِداً)

وَ قادُوهُ قَوْداً كالأسيرِ مُلَبَباً *** (فَتَباً لِمَنْ لِلْمُرْتَضَى كانَ قائِدا)(1)

فَبايَعَ حَقْناً للدِّمَاءِ وَإِنَّهُ *** (لَهُ الحَقُّ عَنْهُ الحَقُّ مَا كَانَ حَائِدا)(2)

وَ أمّا البَتُولُ الطُّهْرُ جَاءَتْ وَ قَلْبُها *** (مَرُوعٌ لكي تَحْمِي الحَمِيَّ المُساعِدا)(3)

فَرَدَّ إِلَيْهَا الرِّجْسُ بِالسَّوْطِ ضارِباً *** (فَنَادَتْ وَ لَمْ تَسْمَعْ عِداها لها ندا)

تُنادِي ألا خَلُوا ابْنَ عَمِّي حَيْدراً *** (وَإِلا بِأَمْرِ اللَّهِ لَمْ أَبْنِ وَاحِدا)(4)

فَمَا رَجَعَتْ لِلدَّارِ إلا وَ بَعْلُها *** (تَخَلَّصَ مِنْ كَيْدِ الذي كان كائِدا)

وَ مَا بَرِحَتْ تَبْكِي أباها بِرَنَّةٍ *** (تُصَدِّعُ أصْداها الجِبالَ الجَلامِدا)(5)

إلَى أنْ َقضَتْ مَظْلُومَةً وَ تُراثُها *** (زُوِي وَلَهَا القُرْآنُ لازالَ شاهِدا)(6)(7)

ص: 447


1- مليباً: مسحوباً مجروراً .
2- حقناً للدماء: حفظاً للدماء من الإراقة. حائداً: مائلاً عنه.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث». الحديث.
4- إشارة إلى ما روي في تفسير العياشي تفسير الآية رقم (150) من سورة الأعراف: فخرجت فاطمة علیها السلام و قالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي -واللَّه- لأن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي. الحديث.
5- تصدع: تشقق الجبال. الجلامد: الجبال الصلبة.
6- زُوي: نهب و سرق.
7- الأزهار الأرجية ج2 ص10 و ديوان المرهونيات ص17.

(31) النور المشخ

(بحر الوافر)

الأستاذ علي نوح المهنا(*)(1)

أتُوقُ إِلَى لِقائِكَ يا جُمادَى *** إِذا ما عُدت هذا الشَّوْقُ عادا

أُسِيلُ لَكَ المَشاعِرَ فَيْضَ دَمِّ *** وَ أَنْحَرُ في مَحَبَّتِكَ الفُؤادا

و نارُ الحُبِّ أَشْعِلُها بصَدْرِي *** وَ أُذُرِي كُلَّ ماضِيهِ رَمادا

وَ أَطْوِي ثَوْبَ آلامِي وَ حُزْنِي *** وَ أَنْثُرُ رَوْضَ أَحْشائي وِدادا

فَلا سَكَنَتْ بِرُوحِي مِنْكَ إلاّ *** نَوازِعُ مِنْ هَوَى قَضَّ الرُّقادا(2)

ص: 448


1- (*) هو الأستاذ علي بن نوح بن علي المهنا الكويتي. ولد في الكويت سنة (1382ه) (1962/1/26م)، درس في مدارسها في جميع مراحلها الدراسية ابتداءً من مدرسة ابن سينا الابتدائية، ثم مدرسة علي بن أبي طالب علیه السلام المتوسطة، ثم ثانوية الرميثية. و بعدها التحق بجامعة الكويت بتخصص الحاسب الآلي و الكمبيوتر. و كان المترجم له شغوفاً بالشعر و النظم الديني، و ذلك من خلال تراث أهل البيت علیهم السلام الزاخر بالبلاغة و الروعة الأدبية فضلاً عن سمو المعنى و عمق المضمون التي يعجز افذاذ الأدباء عن مجاراتها و كيف لا و هم سادة البلغاء و المتكلمين و قدوة الخطباء و المحدثين؟ قال الامام علي علیه السلام: (وإنا لأمراء الكلام و فينا تنشبت عروقه و تهدّلت غصونه). و الاحتفالات الدينية التي تقام في الحسينيات العامرة في الكويت من موالد و وفيات تخص أهل البيت الأطهار علیهم السلام لها ذلك الأثر الكبير في تحريك المشاعر المفعمة بالولاء والمحبة لهم الأمر الذي يجذب بعض ذوي المواهب للدخول في حلبة النظم و الشعر، و من الذين تأثروا ببيان الخطباء و بشعر الشعراء و نظم الأدباء المترجم له فكانت له قريحة وقّادة للشعر، و قد حالفه التوفيق في أن يكون شعره في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام. و كانت أول قصيدة نظمها بمناسبة عيد الغدير الأغر ألقاها في الاحتفال الذي أقيم بتلك المناسبة الزاهرة في حسينية آل بوحمد سنة 1409ه في الكويت. و هذه البداية تنم عن بداية خير حيث إن القصائد في أغلب المناسبات كان ينظمها بكل شوق ولهفةٍ.
2- نوازع: أشواق. قضّ: هدّ و أسقط. الرُّقاد: النوم.

لِذِكْرَى قَدْ حَمَلْتَ وَ أَيَّ ذِكْرَى *** بَلَغْتَ بِشأنها السَّبْعَ الشَّدادا(1)

فَلا يَوْمٌ كَيَوْمِكَ حِينَ أَضْحَتْ *** بهِ الأمْلاكُ تَحْتَضِنُ المهادا

أيا مَهْداً بِهِ الأسْرَارُ ضُمَّتْ *** حَمَلْتَ مَكارِماً جَمَعَتْ فُرادى

لِمَنْ جَلَّتْ فَكانَتْ حَيْثُ كَانَتْ *** أَرادَ لَها المُهَيْمِنُ ما أرادا

أرادَ لِيُذْهِبَ الْأَرْجَاسَ عنها *** وَ يُلبسها الظهارَةَ وَ الرَّشادا(2)

هي النُّورُ المُشِعُّ على البرايا *** فَإِن يَخْبُو بِطَلْعَتِها اسْتَزادا(3)

هِيَ الزَّهْراءُ رَبُّ الكَوْنِ أَضْفَى *** عَلَيْهَا مِنْ جَلالَتْهِ وَزادا(4)

أَبُوها سَيِّدُ الأكْوَانِ طه *** ذُرَى العَلْيَاءِ أَسْرَجَهُ جَوادا

وَ أَوْرَثَها الْمَناقِبَ وَ السَّجايا *** وَ أَكْرَمَها الفضائِلَ حيثُ جادا

وَ تَمَّ بها الكَمالُ بِكُلِّ فِعْلٍ *** وَيَمْلأُ قَوْلُها الدُّنْيا سَدادا

وَ أُمُّ الفَضْلِ رَبُّ الْعَرْشِ أَهْدَى *** لَها بِالخُلْدِ قَصْراً إذ أشادا(5)

ص: 449


1- السبع الشداد: السماوات السبع.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول قوله «تعالى»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية 33] في الخمسة أصحاب الكساء و قد مرَّ في قصيدة الوايل الإحسائي البائية نقلاً عن كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209 و مشكل الآثار للطحاوي ج1 ص335 و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12 و ذكره العسقلاني في الإصابة ج4 ص378 تفصيل عن ذلك فراجع.
3- يخبو: يخمد، يسكن، ينطفىء.
4- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما مرَّ من أن الزهراء علیها السلام تزهو و يشع نورها أثناء صلاتها فتملأ المدينة بذلك النور. ذكرناه في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية رقم (16) نقلاً عن كتاب البحار ج43 ص16.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن الله «تعالى» بنى لفاطمة علیها السلام قصراً في الجنة. عن عبد الله بن سليمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلي الله علیه و اله و سلم نكاح النساء ذو النسل القليل إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لاصخب فيه و لانصب يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك لها فرخان مستشهدان بحار الأنوار ج43 ص22. و عن عبد الله بن مسعود يقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول في تبوك و نحن نسير معه: إنَّ الله «عزوجل» أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي ففعلت و قال لي جبرئيل: إنَّ الله «عزوجل» قد بنى جنة من قصب اللؤلؤ بين كل قصبة إلى الأخرى لؤلؤة من ياقوتة مشدودة بالذهب و جعل سقوفها زبرجداً أخضر فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت و جعل عليها غرفاً لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من در ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد و قباباً من در وقد شيعت بسلاسل من ذهب و حفت بأنواع التحف و بنى في كل قصر قبة و جعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء فرشها السندس و الأستبرق و فرش أرضها بالزعفران و المسك و العنبر و القبة لها مائة باب في كل باب جاريتان و شجرتان و في كل قبة فرش و كتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي فقلت: يا جبرئيل لمن هذه في الجنة فقال: بناها لعلي ابن أبي طالب علیه السلام و فاطمة علیها السلام ابنتك تحفة لهما منه أتحفهما و أقر بها عينك يا محمد». من كتاب دلائل الإمامة للطبري ص50 . و في البحار ج43 ص16 ح14. «الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ قال: لأن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلَّقة بقدرة الجبار لا علاقة لها من فوقها فتمسكها و لادعامة لها من تحتها فتلزمها لها مائة ألف باب على كل باب ألف من الملائكة يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدرِّي الزاهر في أفق السماء فيقولون هذه الزهراء لفاطمة علیها السلام.»

و حيدرُ مُرْدِيُّ الأبطالِ بَعْلٌ *** فَتَى الإسْلامِ أَوَّلُهُمْ جِهادا

فَقُلْ مَنْ ذا يُجَارِيها انتساباً *** وَ قُلْ مَنْ ذا يُضاهيها اعْتِدادا

سَماءٌ لَيْسَ نَبْلُغُهَا اعْتِلاءً *** وَ قَدْرٌ لَيْسَ نُدْرِكُهُ اجتِهادا

***

و لازالتْ لِدِينِ اللَّهِ رُكناً *** كما كانَتْ لِأَسْقُفِهِ عِمادا

لَها القُرْآنُ يَشْهَدُ في مَقامٍ *** بِآيَاتٍ مُقَدَّسَةٍ أَشادا

و تُوفِي نَذْرَها لِلَّهِ صَوْماً *** وَ طَارِقُ بابِها يَلْقَى المُرادا

فَما مَنَعَتْ يَتِيماً أَوْ أَسِيراً *** وَ لَمْ تَحْجُبْ عَنِ المُسْكِينِ زادا(1)

ص: 450


1- و في هذه الأبيات الثلاثة أشار إلى ما ورد من أنَّ نزول سورة (هل أتى) بحقها و حق علي و الحسن و الحسين «صلوات الله عليهم». و قد مرّ ذلك في قصيدة الشيرازي الدالية رقم (2) نقلاً عن أسباب النزول للواحدي ص331 و الرياض النضرة لمحب الدين الطبري و نور الأبصار للشبلنجي كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص301-305 و ذكره ابن الأثير الجزري في كتابه أسد الغابة ج5 ص530 كما ذكره السيوطي في جه تفسيره الدر المنثور ج6 ص299 فراجع.

و طَهَّرَها الإلهُ عَن الخَطايا *** وَ كُلِّ الرِّجْسَ عِصْمَتَها تَفادى(1)

مُجَلَّلَةٌ مُقَدَّسَةٌ مُقَرَّبَةٌ *** عَلَتْ في شَأْنِها الرُّتَب البعادا

مُعَلَّمةٌ مُحَدَّثَةٌ مُصَدَّقَةٌ *** وَ كَمْ بِمَقامِها جِبْرِيلُ نادى(2)

ص: 451


1- تفادى: تنزوي عنه أو تحاشاها. و يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول آية التطهير في سورة الأحزاب 33 في فاطمة و أهل بيتها علیهم السلام. انظر الهامش (3) من هذه القصيدة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام معلَّمة و محدثة و صديقة مصدقة. أما كونها عالمة معلَّمة فقد جاء في كتاب عيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب ص57 قال: عن سلمان الفارسي عن عمار (رضوان الله عليهم). و قال: أخبرك عجباً؟ قلت: حدّثني يا عمار. قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب علیه السلام و قد ولج على فاطمة علیها السلام. فلما بصرت به نادت ادن لأحدثك بما كان و ما هو كائن و بما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة، قال: فرأيت أمير المؤمنين علیه السلام يرجع القهقرى فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال له: ادنُ يا أبا الحسن علیه السلام فدنا فلما اطمأن به المجلس قال له: تحدثني أم أحدثك؟ فقال: الحديث منك أحسن يا رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم. فقال: كأني بك و قد دخلت على فاطمة علیها السلام و قالت لك كيت و كيت فرجعت، فقال علي علیه السلام: نور فاطمة علیها السلام من نورنا فقال صلي الله علیه و آله و سلم: أولا تعلم ؟ فسجد علي شكراً الله «تعالى». قال عمار: فخرج أميرالمؤمنين علیه السلام و خرجت بخروجه فولج على فاطمة علیها السلام و ولجت معه، فقالت: كأنك رجعت إلى أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان كذلك يا فاطمة علیها السلام، فقالت اعلم يا أبا الحسن علیه السلام إنّ الله تعالى خلق نوري و كان يسبّح الله جل جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي إلى الجنة أوصى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك ففعل فأودعني الله تعالى صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد سلام الله علیها فوضعتني و أنا من ذلك النور، اعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن يا أباالحسن علیه السلام، المؤمن ينظر بنور الله «تعالی». و أما كونها محدثة فانظر كتاب البحار ج43 ص78 و أما كونها صديقة مصدقة فانظر كتاب البحار ج43 ص105 و مرآة العقول ج5 ص315. و قد جاء في كتاب الرياض النضرة ج2 ص202 قال: روى أبو سعيد في شرف النبوة أنَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لا أنا صهراً مثلي و لم أوت صلى الله عليه و آله و سلم أنا مثلي أوتيت زوجة صديقة علیها السلام مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة و أوتيت الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما علیهما السلام، ولكنكم منّي و أنا منكم. راجع كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص180.

مُشَقَّعَةٌ وَ شافِعَةٌ وَ زاهِرَةٌ *** بِهَا الجَنَّاتُ قَدْ لَبِسَتْ قِلادا(1)

رضاها مِنْ رِضًا المَعْبُودِ أَضْحَى *** فَإِنْ سَخِطَتْ فَمَنْ يُنْجِي العبادا(2)

***

لنا في مَوْلِدِ الزَّهْراءِ عِيدٌ *** صَفا كالنُّورِ وَ انْتَزَعَ السَّوادا

وَ أَشْرَقَتِ السَّماءُ لها بُدُوراً *** وَ قَدْ سُدَّتْ مَغارِبُها انْسِدادا

وَ سَرَّتْ كُلُّ نَفْسٍ حَيْثُ طَابَتْ *** عَقائِدُها وَ ما زَلَتْ عِنادا

فآثارُ التَّقى وَ الزُّهْدِ رَسُمٌ *** بِسِيرَةِ مَجْدِها أَضْحَتْ عِدادا

تُحَبِّي رَوْعَةَ الإجلالِ مِنْها *** وَ نَفْحاً مِنْ مَرابِعِها تَهادَی(3)

وَ بَحْرٌ يَغْمُرُ الدُّنْيا فَخاراً *** وَ لِلْأَجيال قَدْ أَضحى مِدادا

تُشَدُّ لها الرّحالُ بِكُلِّ عَصْرٍ *** و تَقْصُدُها ذَهاباً وَ ارْتِيادا

ص: 452


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كونها علیها السلام شافعة مشفّعة و إلى كونها زاهرة كما ورد في الأحاديث. أما شفاعتها فانظر كتاب البحار ج43 ص219 و أمالي الصدوق ص65 ضمن حديث 57. و أما كونها زاهرة فقد مرَّ أيضاً في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية نقلاً عن البحار ج43 ص12 عن علل الشرائع و دلائل الإمامة للطبري ص54 . و البحار ج43 ص16 و في البحار أيضاً ج43 ص11.
2- و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من أنَّ الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها «سلام الله عليها». ففي كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري ص39، قال: عن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» أنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يا فاطمة علیها السلام إنَّ الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك». و ذكره ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج12 ص442 قال: عن علي بن الحسين علیه السلام عن أبيه عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام إنَّ الله «تعالى» يرضى لرضاك و يغضب لغضبك. و ذكره ابن الأثير في كتاب أسد الغابة ج5 ص522. و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتاب الإصابة ج4 ص378.
3- تهادى يهديه بعضهم إلى بعض و من معانيه التمايل في المشي و لعل المرادفة هنا الكناية عن انتشار النفح و اللَّه العالم.

أبِنْتَ المُصْطَفَى هذا وَلائِي *** أُوَفِّيهِ التزاماً و اعْتِقادا

وَ لا شَكٌّ يُساوِرُنِي وَ حَبْلِي *** بِعِشْرَةِ أَحْمَدٍ عُقِدَ العِقادا

وَمَنْ يَمْسَكْ بِحَبْلِ اللَّهِ يَحْظَى *** بِكُلِّ الأَجْرِ يَجْنِيهِ حَصادا

وَ حُسْنُ خِتامِها ذِكْرٌ لِطهُ *** بِحَفْلٍ ضَمَّ فَرْحَتَهُ جُمادَى

ص: 453

(32) بيت الهدى

(بحر الكامل)

الشيخ قاسم محيي الدين

أَوْضِحُ بِنَهْجِ الرُّشْدِ لِلْمُسْتَرْشِدِ *** إذ لاسَبِيلَ إِلَى جُحُودِ الْمُلْحِدِ

ما عُذْرُ مَنْ جَحَدَ الهُدَى بِضَلالِهِ *** لَوْجَاءَ مَدْحُوضَ الدَّلالةِ في غَدِ(1)

حَضَرُوا بِمَشْهَدِ دَوْحِهِ وَ رَسُولُهُمْ *** يُنَبِّئُهُمْ عَنْ نَصَّ ذاكَ المَشْهَدِ

جَحَدُوا عليّاً حقَّهُ أَفَهَلْ لَهُمْ *** بَعْدَ الجُحُودِ تَمَسُّكٌ بِمُحَمَّدِ؟

جَحَدُوا الغَدِيرَ بغَدْرِهِمْ حَسَداً لِمَنْ *** مُلِئَتْ قَذاً مِنْهُ عُيونُ الحُسَّدِ

عَقَدُوا لَهُ الشُّورى وَ تِلْكَ سَقِيفَةٌ *** بِسِوَى الضّلالِ عَرِيشُها لَمْ يُعْقَدِ

عَجَباً لَهُمْ جَحَدُوا وَلاة إمامِهمْ *** وَ الشَّمْسُ مُشْرِقَةُ السَّنَا لَمْ تُجْحَدِ

جَحَدُوا النَّبِيَّ بِجَحْدِهِمْ لِوَصِيْهِ *** وَ أَبَوْا مُصافَحَة الهِدايَةِ باليَدِ

وَ تَأَلَّبُوا زُمَراً لِغَصْبِ وَلِيْهِمْ *** مِنْ غَائِرِ تَبِعَ الشَّقَاقَ وَ مُنْجِدِ(2)

وَ أَتَى اللَّعِينُ... مُهَدِّداً بَيْتَ الهُدَى *** إِذْ ضَلَّ عَنْ نَهْجِ الرَّشادِ وَ مَا هُدِي

وَعَتَى وَ مَا راعى وَدِيعَةَ أَحْمَدٍ *** مُذْ راعَها في حِقْدِهِ المُتوقِّدِ

وَ أَلَمَ في بَيْتِ الرِّسالَةِ مُوقِداً *** نيرانَ أَضْعَانٍ لَهُ لَمْ تَحْمُدِ

سَلَّ فاطِمَاً عَنْ نَكْثِ عَهْدِ مُحَمَّدٍ *** فِيها بِظُلْمِ مِثْلُه لَمْ يُعْهَدِ

سل فاطماً عَنْ دَمْعِها الْمُنْهَلِّ مَنْ *** أَجْراهُ مِنْ ذَوبِ الفُؤادِ المُکْمَدِ؟(3)

ص: 454


1- مدحوض الدلالة: باطل الحُجّة.
2- تألّبوا: تجمعوا و تحشدوا.
3- الفؤاد المكمد: المتألّم المنكسر.

سل فاطماً عَنْ نَوْحِهَا وَ نَحِيبِها *** عَنْ حُزْنِها عَنْ سُقْمِها المُتَجَدِّدِ

سَلْ فاطِماً عَنْ ضِلْعِها مَنْ غَالَهُ *** كَسْراً بِرَد البابِ بَعْدَ تَهَدُّدِ؟(1)

سَلْها عَنِ المِسْمَارِ حَيْثُ أَمَضَّهَا *** وَ عَنِ الجَنِينِ وَ قُرْطها المُتَبَدِّدِ

سَلَّ فاطِماً عَنْ ضَرْبِها بِسِياطِهِمْ *** حَتَّى غَدتُ مِثْلَ الدَّمَالِجِ بِالْيَدِ(2)

سل فاطماً عَنْ قَبْرِها عن دَفْنِها *** سِرًّا بِظُلْمَةِ جُنْحِ لَيْلٍ أَرْبَدِ(3)

سَلْهَا عَن السَّوْطِ الَّذي قَدْ راعَها *** عَنْ غَضبها ميراثها مِنْ أَحْمَدِ

سَلْهَا عَنِ الهادي الوَصِيِّ مُلَبَّباً *** بِنِجادِهِ مُسْتَنْجِداً لَمْ يُنْجَدِ

حَيْثُ الشَّقِيُّ بِمَوْقِدٍ مِنْ ظُلْمِهِ *** قادَ الوَصِيَّ المُرْتَضَى لِلْمَسْجِدِ

وَ الطُّهْرُ تَدْعُو وَ هْيَ تَعْدُو خَلْفَهُ *** بَنداً يُذِيبُ حَشَى الصَّفا وَ الجَلْمَدِ(4)

خلُوا ابْنَ عَمِّي أَوْ عَلَيْكُمْ بِالدُّعا *** أعْدُو وَ أَبْسُطُ لِلْإِلَهِ بِهِ يَدِي

ص: 455


1- غاله : أخذه من حيث لايدري أهلكه.
2- الدمالج: الحلي التي تُلبّس بالمعصم.
3- ليل أربد: ليلٌ فيه الغبرة.
4- الصفا و الجلمد: الصخر. بنداً(البَند) العلم الكبير، فارسي معّرب، جمعه (بنود).

(33) ريحانة الهادي

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم آل نوح

يَوْمَ بِهِ بُعِثَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ *** يَوْمٌ يُؤرِّخُهُ الزّمانُ الأَبْعَدُ

يَوْمُ بِهِ ازْدَهَر الزمانُ بِيعْثَةٍ *** لِمُحَمّدٍ الرَاحُها تَتَجَدَّدُ

إلى أن يقول :

أَمُحَمّدٌ وَ لَأَنْتَ رَحْمَةُ رَبِّنَا *** وَ عَلَى عِبَادِهِ أنْتَ أنْتَ السَّيِّدُ

أحْيَيْتَ شَعْباً مَيْتاً وَ حَفِظْتَهُ *** دمماً بِسَيفِ الحقِّ وَ هُوَ مُجرَّدُ

وَ بِسَيْفِ عَزْمِ كانَ حَيدِرُ قاصِماً *** ظَهْرَ الصَّلالِ وَ سَيْفُهُ لايُعْمَدُ

خَلَّفْتَ حَيَدرَ وَ هُوَ يعْبُدُ رَبَّهُ *** في الليل يحيا ساهِرَاً لايَرْقُدُ(1)

مُتَهَجِّداً مُتوسّلاً في ربِّهِ *** مِنْ خَشْيَةٍ يَبْكِي يَقوْمُ وَ يَقْعُدُ

يَشْكُو لَهُ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ مَا جَرَى *** مِنْ ظُلْمِهِم لِعَلِيّ وَ هُوَ مُنَكَّدُ(2)

ص: 456


1- في بحار الأنوار للمجلسي/ ج41 ص22-23. عن حبة العدني قال: بينا أنا ونوف نائمين في رحبة القصر إذ بأميرالمؤمنين علیه السلام في بقية من الليل واضعاً يده على الحائط شبيه الواله و هو يقول: «إن في خلق السموات و الأرض» [ سورة آل عمران الآية 190] قال: ثم جعل يقرأ هذه الأبيات و يمر شبه الطائر عقله... ثم وعظهما و ذكرهما و قال في أواخره: فكونوا من الله على حذر فقد أنذرتكما ثم جعل يمر و هو يقول: ليت شعري في غفلاتي أمعرض أنت عني أم ناظر إليَّ، وليت شعري في طول منامي و قلّة شكري في نعمك علي ما حالي قال: فوالله ما زال في هذا الحال حتى طلع الفجر. و في المصدر نفسه قال أيضاً: و أنه ما فرش له فراش في ليل قط و لاأكل طعاماً في هجير قط»...
2- منكّد: قليل الخير.

يَشْكُو هُجَوْمَهُمُ عَلَى الدّارِ الَّتِي *** هِيَ لِلْنَبِيّ وَ لِلْمَلائِكِ مَقْصَدُ

يَشْكُو لهُ إذْ اخْرَجُوهُ مُرَغَماً *** مِنْ دَارِهِ وَ هُوَ المُصابُ المُجهَدُ

يَشْكُوْلهُ إذْ قَدْ فَزِعْنَ عِيَالُه *** مِنْ ضَرْب سَوْطِ لِلْمُتونِ تُسوِّدُ

يَشْكو لِكَسْرِ الضلع مِنْ رَیْحَانَةِ الهادِي *** وَ يَشْكُو نَارَ حِقْدٍ تُوقَدُ

يَشْكُو إِلَيْهِ غَاصِباً حقاً له *** وَ أَغارَ مِنْ حِقْدٍ عَليهِ الحُسَّدُ(1)

يشكُوْ لهُ مَنْ قَدْ دَعَوهُ لِبَيْعَةٍ *** وَ تَهدّدوهُ إِنْ أَبَى وَ تَوعّدوا

قَدْ أنْقذتْهُ فاطمٌ مِنْ مَازِقٍ *** فِيهِ أَحَاطَ و لانَصِيرٌ يُوجَدُ(2)

وَدَعَتْهُمُ خَلّوا ابْنَ عَمِّي إِنَّهُ *** أَوْلاكُمُ بِمَكَانِ أَحْمَدَ يَقْعُدُ(3)

قَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ دَعُوهُ فَإِنَّهَا *** لَمْ تَرْجِعَنْ عَنْهُ وَ بَعْضُ تَردَّدوا

حَتَّى يُبايعَ أَوْ تُحَزُّ عَلاصِمٌ *** مِنْهُ وَ إِنَّ حُسَامَنَا لايُغْمَدُ(4)

صاحَ ابْنَ أُمّ أَلَمْ تُشَاهِدْ أَنَّهُمْ *** يَبْعَونَ قَتْلي وَ الحُسَامَ مُجَرِّدُ

وَ أَبِيَكَ لَوْ لَمْ تَأْتِ فَاطِمَةٌ لَمَا *** كَفُوا عَنِ الكرارِ وَ هُوَ مُؤكِّدُ

ص: 457


1- في أصول الكافي للكليني ج1 ص381. عن أبي عبد الله الحسين بن علي علیه السلام قال: لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام الدفنها سراً و عفا على موضع قبرها ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم... أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهَّد و همَّ لايبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم،كمد مقيِّح و هم مهيِّج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال و استجرها الحال.
2- مأزق: مضيق و يستعار للموقف الحرج.
3- في الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج1 ص19. و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره مليباً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: والله لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا فقال الله «تعالى»:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23]قال: فتركه أكثر القوم لأجلها.
4- غلاصم: جمع و هي اللحم بين الرأس و العنق.

يَا لَيْتَ أَحْمَدَ قَدْ رآهم بَعْدَهُ *** في ذِلَّةٍ وَ العَيْشُ عَيْشٌ أَنْكَدُ

تركوهُمُ حَلْسَ البُيُوتِ بِقُوَّةٍ *** قَدْ سَاءَ عَيْشُهُمُ وَ سَاءَ المَوْرِدُ(1)

وَ البَضْعَةُ الزَّهْرَاءُ ماتَتْ بَعْدَهُ *** وَ لَهَا بِجُنْحِ اللَّيْلِ سِرّاً الحَدُوا

وَ بَكَى عَلِيٌّ بَعْدَها وَ الحُزْنُ قَدْ *** أَوْهاهُ طولَ اللَّيْلِ وَ هُوَ مُسَهَدُ

فَعَلَيْكَ يَا خِدْنَ النَّبِيِّ تَحِيَّةٌ *** مِنّي وَ نَارُ حَشَايَ دَوْماً تُوقَدُ(2)

ص: 458


1- حَلس البيوت: كساء يُبسط تحت صُرّ الثياب.
2- خِدْن: الحبيب و الصاحب.

(34) أفاطم علیها السلام قومي

(بحر الطويل)

لطف الله بن محمد البحراني

سِهَامُ المَنَايَا فِي البَرَايَا نَوَافِدُ *** وَ حَادِي المَنَايا مُسْتَضِيفٌ وَ وَافِدُ(1)

يَسُوقُ إِلَى وِرْدِ الْمَنُونِ ظَعَائِناً *** فَمَا صَادِرٌ إِلا وَ تِلْوُهُ وَارِدُ(2)

كَأَنَّا وَ صَرْفُ الدَّهْرِ خَيْلٌ مُرَاهِنٌ *** تَعُضُّ شَكيماً لِلسِّبَاقِ تُطَارِدُ(3)

فَمَا رَدَّهُ عَنَّا مُرَادٌ وَ نَالَهُ *** وَ لافَاتَهُ مِنَّا سَرِيٌّ وَ مَاجِدُ

وَلُوعٌ بِحِفْظِ الأَكْرَمِينَ كَأَنَّهُ *** خَصِيمٌ لِمَنْ نَالَ العُلاَ وَ مُعَانِدُ(4)

تَقَصَّدَنِي مِنْ بَيْنِهِمْ فَأَصَابَنِي *** بِمَا لَمْ تُطِقْهُ الشَّامِخَاتُ الجَلاَمِدُ(5)

صَبَرْتُ وَ فِي حَلْقِي شَجِيِّ وَ بِمُقْلَتِي *** قَذَى لَمْ تُزَحْزِحْهُ الرُّقَى وَ المَرَاوِدُ(6)

ص: 459


1- البرايا: الناس أو الخلق. المنايا: جمع منية و هي الموت. الحادي: حادي المنايا هو الذي يسوق الموت.
2- الورد: توارد القوم إلى المكان: حظروا الواحد تلو الآخر. المنون: المراد هنا الموت لأنه ينقص الورد و يقطع المدد. الوارد: هنا الداخل.
3- شكيما: الشكيمة: اللجام و هي الحديدة المعترضة في فم الفرس. و منه (فلان ذوشكيمة) أو (شديد الشكيمة) أي أنوف أبيُّ لاينقاد.
4- الولوع: الشديد الوُلوع و التعلق . الخصيم: على وزن فعيل و هو شديد الخصومة من الخصام.
5- الشامخات: جمع شامخ و هو العالي المرتفع الشاهق الجلامد: الصَّلد الصلب شديد الصلابة.
6- شجيّ :من الشجن الهم و الحزن و في حلقي شجى: النوح و الشجن و أصله شجت الحمامة ناحت و تحزّنت و باعتبار أن النوح مصدره من الحلق فلقد قال في حلقي شجى. المقلة سواد العين. قذى: جمع قذيّ و أقذاء و القذاة: ما يقع في العين أو في الشراب من تبنة و نحوها يقال: فلان يغضي على القذى، أي يحتمل الضيم و لايشكو و «صار الأمر قذى في عينه» أي أقلقه و اجتهد في إزالته، فيكون المعنى «و بمقلتي قذى» أي بعيني ضيم و قلق. -المراود: مفردها المرود، و هو الميل من الزجاج أو المعدن يُكتحل به.

وَلِي رَائِدٌ شَخَصْتُهُ جَانِبَ الرَّجَا *** وَ لاَرَدَّ لِي مِنْ حَيْثُ رَوَّدْتُ رائِدُ

فَمِلْتُ إِلَى أَنْ أَقْمَعَ النَّفْسَ بِالْعَرَى *** وَ قَدْ نُغْصَتْ مِنْهُ لَدَيَّ المَزَاوِدُ(1)

فَلاَرَيْبَ أَعْطَيْتُ الزَّمَانَ مَقَادَتِي *** بِرَغْمِي وَ فِي الأَحْشَاءِ لِلْوَجْدِ وَاقِدُ(2)

عَلَى أَنَّنِي مَالِدتُّ يَوْماً لِحَادِثٍ *** بِمُسْتَصْرَحَ كَلاً وَ غَوْثٌ يُسَاعِدُ

وَ مَا بَرِحَ الدَّهْرُ الأَلَدُّ يَسُومُنِي *** بِخِطَّةِ خَسْفٍ ضُرِّهَا كَمْ أُكَابِدُ(3)

فَلاغَرْوَ قَدْ أُودَى بِآلِ مُحَمَّدٍ *** كَأَنَّ عَلَيْهِمْ لِلْبَلايَا مَرَاصِدُ

مَهَابِطُ وَحْيِ اللَّهِ خُزَّانُ عِلْمِهِ *** فَمَا مِنْهُمُ إِلا إِلَى اللَّهِ قَائِدُ

قُوَامٌ لِدِينِ اللَّهِ قَدْ حَفِظُوا الوَرَى *** بِحِلْم وَ عِلْم حَيْثُ تُثْنَى الوَسَائِدُ

خَلَتْ عَرَصَاتُ الدَّارِ مِنْهُمْ وَ أَقْفَرَتْ *** فَمَا تَمَّ إِلا غَيْبَةٌ وَ مَشَاهِدُ(4)

مَضَوا شُهَدا فِي اللَّهِ كُلٌّ وَ خَلَّفُوا *** مَمَادِحَ لَمْ تُبْلَى وَ تُتْلَى مَحَامِدُ(5)

فَبِالْمُصْطَفَى طَابَتْ مَرَابِعُ طَيِّبَةٍ *** تَسَامَتْ عَلاءَ لَنْ تَنَلُهُ الْفَرَاقِدُ(6)

ص: 460


1- المزاود: ما يوضع فيه الزاد، نفاضة المزاود: ما بقي من حطام الزاد في المزود و ينفضه القادم من السفر و هو عندهم قتلٌ في الخساسة.
2- مقادتي: قيادي، أي أعطيت الزمان قيادتي أن يقودني ولكن بالرغم مني و برغمي أي بغير رضاي بل مكرهاً مجبراً. الوجد الحزن واقد: اسم فاعل لمن يوقد موقد النار.
3- الألد: الشديد في العداوة و الخصومة.
4- غيبة و مشاهِدُ: لعله يقصد في «غيبةٌ» الغائب منهم علیه السلام و مشاهِدُ: يقصد فيها آثارهم و هي قبورهم و تسمى (مشاهد) كما هو معروف و هي الأضرحة.
5- محامد: كل ما هو محمود و ممدوح من عمل أو فعل أو قول أو نهج و نحوها.
6- الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به و بجانبه آخر أخفى منه فهما فرقدان.

وَ بِالْفَرْقَدِ السَّامِي الزَّكِي وَ حَبَّذَا *** مَقَامٌ لَهُ يَنْحَطُ قَدْراً عَطَارِدُ(1)

وَ سَاحَةُ قُدْسِ لِلْغَرِي مَحَلُّهَا *** إِمَامُ هُدًى تُلقَى إِلَيْهِ المَقَالِدُ(2)

وَ إِنَّ لَهُمْ فِي جَانِبِ الطَّفْ وَقْعَةً *** تَهُونُ لَدَيْهَا الحَادِثَاتُ الشَّدَائِدُ

إلى أن يقول :

أَفَاطِمٌ قُومِي مِنْ تَرَى الْقَبْرِ وَ انْظُرِي *** حَبِيبَكِ فِي أَحْشَائِهِ السَّهُمُ نَافِدُ(3)

لَهُ جَسَدٌ مُلْقَى عَلَى عِثير الثرى *** وَ رَأْسٌ عَلَى أَعْلا الأَسِنَّةِ صَاعِدُ(4)

أفَاطِمُ أَمَّا دُورنا فَبَلاقِعُ *** وَ لَمْ يَبْقَ مِمَّا تَعْهَدِينَ مَعَاهِدُ(5)

لِضَرْبٍ وَ ثَلْبِ وَ انْتِهَاكٍ وَ ذِلَّةٍ *** وَ نَهْبٍ وَ لَمْ يَبْقَ طَرِيفٌ وَ تَالِدُ(6)

أَفَاطِمُ قُومِي وَ انْظُرِينَا كَأَنَّنَا *** مِنَ الزَّنْج يَلْحَانَا إِلَى الشَّامِ قَائِدُ

لِدَارٍ يَزِيدٍ لا حِمَى اللَّهُ جَارُهُ *** وَ خَرَّعَلَيْهِ سَقْفُهُ وَ القَوَاعِدُ

وَ لاَحَادَهَا خَسْفٌ وَ نَسْفٌ قَوْمُهَا *** وَ لَاجَادَهَا غَيْثُ مِنَ المُزْنِ جَائِدُ(7)

وَ صَلَّى عَلَى آلِ النَّبِيِّ وَ عَمَّهُمْ *** سَلاَمٌ عَلَى مَرِّ الْجَدِيدَيْنِ خَالِدٌ(8)

ص: 461


1- الفرقد: الفرقد من الأرض المستوي الصلب -عطارد: أحد الكواكب السيارة كما هو معروف.
2- المقالد: صيغة الفاعل من مقاليد (مفاعيل) و هي أزمة الأمور مفردها زمام و هو القياد.
3- الثرى: يريد به تراب القبر.
4- العِثيَر: التراب و العجاج الأسنة: مفردها سنان. نصل الرمح.
5- البلاقع: الدور البلاقع و هي التي ارتحل عنها أهلوها و تركوها و بقيت خالية مقفرة فهي بلاقع واحدها بلقع.
6- الطريف: الحديث النادر الحسن. التالد: القديم النادر المستحسن.
7- المزن: السحائب الممطرة، مفردها مزنة و هي السحابة الممطرة. جائد: اسم فاعل للجواد الكريم ذي الجود و الكرم.
8- الجديدَيْنِ: الليل و النهارو و جاء في ينابيع المودة ص295: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لاتصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد و تسكتون بل قولوا: اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد، فقيل له: من أهلك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ قال: علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.

(35) الموسم عيد

(بحر الرَّمل)

السيد محمد جمال الهاشمي(*)(1)

مَوْلِدُ الزَّهْراءِ لِلْإِيمَانِ عِيدُ *** كُلُّ شِيعِيٍّ بِذِكْراهُ سَعِيدُ

ذِكْرَياتُ الْفَجْرِ في مُطلَعِهِ *** تَتَجَلَّى وَ لنَا فِيهِ عُهُودُ

يَوْمَ كانَ الدِّينُ في مِنْهَاجِهِ *** نَغْمَةٌ كُل معانيها جَدِيدُ

يَتَوَخَّى السَّيْرَ بالتاريخ في *** أَبْحُرٍ مَرْقَاهَا الْأَدْنَى بَعِيدُ

وَ الفَضا مُعْصَوْصِبٌ، و الْأَرْضُ قد *** زَلْزَلَتْها عاصِفاتٌ وَ رُعُودُ(2)

التَّقالِيدُ وَ ما أَفْتَكَها *** وَقَفَتْ مِنْ دُونِهِ فَهيَ سُدُودُ

وَ الْمَرامِي وَ هْيَ في أَطْمَاعِها *** كالْعَفَارِيتِ تَرامَتْ وَ هْيَ سُودُ

وَ رَسولُ اللَّهِ في دَعْوَتِهِ *** يُفْزِعُ الْأَحْلامَ و النّاسُ هُجُودُ

یَقْظَةُ الْفِطْرَةِ وَحْيٌ رائع *** صاغَهُ اللَّهُ لَنا فَهُوَ نَشِيدُ

***

مَوْلِدُ الزَّهْرَاءِ فِي مَوْكِبِهِ *** يَتَهادى، وَ بِهِ الْماضِي يَعُودُ(3)

يَهْزِمُ الْأَوْهَامَ فِي أَلْطَافِهِ *** فَالْفَيافِي مِنْ مَعَانِيهِ وُرُود(4)

ص: 462


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- معصوصب: مشتدّ.
3- يتهادى: يتمايل و هو كناية عن تنقله عبر الزمن من جيل إلى جيل و ربما المعنى يتهاداه الناس بمعنى أن يهدي بعضهم إلى بعض.
4- الفيافي: المفازة التي لاماء فيها.

و رمال البيدِ سالَتْ عَسْجَداً *** وَ الحَصى فيهِ لَآلِ و عُقُودُ(1)

وَ اسْتَطالَتْ قِمَمُ الْمَجْدِ بها *** فَهيَ في الشرقِ رَوابٍ وَ نُجُودُ(2)

وُلِدَ الْإِنْسَانُ فِي اكْنَافِها *** فَهيَ أُمَّ لِلْكَرامَاتِ وَلُودُ(3)

لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِها فِي ظِلُّها *** لِلْهُدَى عَيْنٌ، وَ لِلْحَقِّ وُجُودُ

عجباً لِلصَّخْر كَيْفَ الْبَثَقَتْ *** جَانِبَاهُ، فَهُمَا فَضْلٌ وَجُودُ

قُدِّسَ الإسلامُ في دُسْتُورِهِ *** يُورِقُ الصَّخْرَ وَيَنْشَقُ الحَدِيدُ

***

مَوْلِدُ الزَّهْراءِ هذا فابْسَمِي *** أَيُّهَا الشَّيعَةُ، فَالْمَوْسِمُ عِيدُ

وَدَعِي عَنْكِ الأسى و احْتَفِلي *** فِيهِ، فَالْعِیدُ بِهِ الْحُزْنُ يَبِيدُ

وَ اتْرُكي الْأَمْرَ إلى رَبِّ السَّما *** فَهُوَ بِالْوَضْع خَبِيرٌ وَ شَهِيدُ

سَوْفَ يَنْجَابُ الدُّجى مُنْهَزِماً *** مِنْ سَنَا الفجرِ، فَلِلْفَجْرِ جُنُودُ

فَإِذا وَجَّهَهَا اللَّهُ إلى *** أُفُقِ بادَ بهِ اللَّيْلُ الْمُبِيدُ

***

يا حَكِيمَ(4) الدَّهْرِ يَا مَنْ بِاسْمِهِ *** تُصْقَلُ البِيضُ وَ تَهْتَزُ البُنُودُ(5)

قائِدُ الإيمانِ لِلنَّصْر على *** خُططٍ كانَ بِهَا النَّهْجُ الْحَمِيدُ

آيةُ اللَّهِ الَّتِي مِنْ بَأْسِها *** يَلْتَوِي الكُفْرُ وَ يَرتَدُّ الجُحُودُ

مرجِعُ الأُمَّةِ إِنْ جَارَ بها *** زَمَنُ باغ و تاريخٌ عَنِيدُ

ص: 463


1- عسجداً: ذهباً.
2- روابٍ ونجود: الرابية ما علا و ارتفع من الأرض التلة. النجد: ما ارتفع من الأرض.
3- أكنافها: (أكناف). جمع كنف: ( على وزن نصر) (كنفه): حاطه وصانه.
4- يشير إلى المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم.
5- تصقل البيض: تُصْقَل: تُجلى و تُملَّس و يُكشف صداها. البِيض: السيوف. البُنود: الأعلام و البيارق الكبيرة.

وَ إمامٌ تَهْتَدِي الدُّنيا بهِ *** إِنْ نَبا وَضَعُ وَ إِنْ ضَاعَتْ حُدُودُ(1)

أمُّكَ الزّهراء هذا عِيدُها *** فيهِ يَلْتَةُ لِأَمْثَالِي الْقَصِيدُ

لكَ قَدَّمْتُ التَّهانِي مُخلِصاً *** بثنائي، فَهُوَ لِلرّوح يَعُودُ

وَ لْتَدُمْ لِلدِّينِ فَجْراً نُورُهُ *** خَالِدٌ فينا، وَ لِلْحَقِّ الخَلُودُ(2)

ص: 464


1- نبا: تجافى.
2- جمادى الثانية 1384ه نقلت من ديوان بعنوان (مع النبي وآله صلوات الله علیه) ص36.

(36) يابنة الطهر

(بحر الخفيف)

السيد محمد جواد فضل الله(*)(1)

في الدُّرَى أَنْتِ إِذْ يَرِثُ العيدُ *** مَطلَعُ مُشْرِقٌ وَ لَحْنٌ فَرِيدُ

وَ مَعَانٍ مِنْ طُهْرِ ذاتِكِ يَسْتَلْهِمُ *** مِنْ وَجْهِهَا الجَمالَ الْقَصِيدُ

هِيَ دُنْيَاكِ مَشْرِقُ لِلقداساتِ *** ثلاشَتْ عَلى ذُراهُ الحُدُودُ

مَجْدُكِ الشَّمْسُ يَنْطَفِي إِنْ تَبَدَّتْ *** كُلُّ نَجْمِ مِنْ حَوْلِها وَ يَبِيدُ

ص: 465


1- (*)هوالسيد محمد جواد ابن السيد عبد الرؤوف ابن السيد نجيب آل فضل الله. ولد في النجف الأشرف 23 شوال سنة (1357ه) درس في النجف الأشرف المقدمات و السطوح من العلوم العربية و المنطق و الأصول و الفقه، ثم حضر بحث الخارج على علماء النجف الكبار في الفقه و الأصول، و منهم السيد محمد الروحاني و السيد نصر الله المستنبط و حضر درس المرجع الأعلى السيد أبي القاسم الخوئي. و قام المترجم له بتدريس العلوم الدينية في النجف الأشرف و في لبنان، و تتلمذ عليه الكثير من طلبة العلوم الدينية، و كان يتمّيز بالروح المرحة المنفتحة على الآخرين و بالقلب الكبير الذي يعيش آلام الناس ومشاكلهم وبالوفاء في الصداقة إلى حدّ التضحية، وبالسخاء في الانفاق فيما يملكه من المال وبالسعي في حوائج الناس مهما أمكنه ذلك. و المترجَم له نظم الشعر منذ طفولته، و ربما بدأ قول الشعر في العاشرة من عمره، و كان يتلوه في بعض محافل النجف و كان ينال الاستحسان عليه آنذاك، و للمترجَم له مؤلفات عدة منها: 1-صلح الحسن علیه السلام، 2-الامام علي الرضا علیه السلام، 3- حجر بن عدي، 4-الامام الصادق علیه السلام، 5-دیوان شعر. و قام بتأسيس مشروع مؤسسة النادي الحسيني في منطقة (حي السلم) ببيروت، و يشتمل المشروع على نادٍ حسيني و مسجد للصلاة و مدرسة لطلاب العلوم الدينية و مكتبة عامة و مستوصف خيري. توفي في بيروت إثر نوبة قلبية حادة في أثناء نومه في 23 رجب عام (1395ه) و دفن في بنت جبيل.

النُّبوّاتُ دَوْحَةٌ أَنْتِ منها *** أَلَقٌ مُشْرِقٌ وَنَفْحٌ وَدُودُ

كَيْفَ يَرْقَى لِشَأْوِ عِزَّكِ مَجْدٌ *** وَبِكِ المَجْدُ تاجُهُ مَعْقُودُ(1)

نَفْحَةٌ مِنْ مَجْهَرِ صاغَها اللَّهُ *** مِثالاً لِلطُّهْرکَیْفَ یُریدُ(2)

وَحَباها مِنْهُ الجَلالَ إهاباً *** یَتَدانی عَنْ نَعْتِهِ التَمْجِیدُ(3)

یابنةَ الطُّهْرِ یاحِکایةَتارِیخٍ *** أفاضَتْ عَنْها الحدیثَ العُهودُ

وَتَلاحَی بِها الرُّواةُ فسارَ***بِهُدَی الحَقِّ شَوْطُهُ وَ حُقُودُ(4)

وَ مِنَ الزَّیْفِ أنْ یُحَرَّرَ تاریخٌ *** غریبٌ عَنِ الهُدی وَ صَدُودُ

کَیْفَ یَسْمُو إلی العَقِیدَةِ فِکْرٌ *** لَعِبَتْ فِیهِ في الصِّراعِ الحُقُودُ

یَتَمادَی فَیَمْسَحُ الحَقَّ بِالوَهْم*** ضَلالاً وَ الحَقُّ صَلْدٌ عَنِیدُ(5)

لَنْ یَضِیرَ الضُّحَی إذا نعَقَ الْإِ *** صْباحُ أَعْشَی إلی الدُّجی مَشْدُودُ(6)

یالِذُلِّ التّاریخِ أَنْ یَجْحَفَ الحقَّ *** ظَلُومٌ وَیَسْتَبِدَّ مُریدُ

حَسْبُ دُنْیا الزَّهْراء أَنَّ أَباها *** أحْمَدٌ وَ هْيَ سِرُّهُ المَحْمُودُ

حَسْبُها أَنْ تَکُونَ کُفْ ءَ عَلِیِّ *** وَ هْيَ لَولاهُ کُفؤها مَفقُودُ(7)

رَفَعَ اللَّهُ شأْنَهافَتَباهَتْ *** بِاسْمِهافي الجِنانِ حُورٌ وَ غِیدُ(8)

ص: 466


1- لشأو: (شأو) الغاية و الأمد.
2- مجهر: له معانٍ كثيرة أنسبها هنا حُسن المنظر.
3- حباه: أعطاه دون مقابل. إهاباً: هَيْبَةً.
4- شوطه: الجَرْيَ مرّة واحدة إلى الغاية. تلاحى: تلاعَن و تشاتم و تلاوم و تباغض و تنازع.
5- يتمادى: يدوم على الشيء و يلحّ.
6- نعق: صاح. أعشى: مَنْ ساء بصره بالليل و النهار أو أبصر بالنهار دون الليل.
7- ورد ذلك في بحار الأنوار ج43 ص92 ضمن ح3 عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلی الله علیه وسلم: هبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمدصلی الله علیه وسلم إنَّ الله جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه.
8- عن دلائل الإمامة الطبري ص26 عن محمد بن عمار بن ياسر قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي علیه السلام يوم زوجه فاطمة علیها السلام: يا علي علیه السلام ارفع رأسك إلى السماء فانظر ما ترى»؟ فقال : أرى جواري مزينات معهن هدايا، قال: «فهي خدمك و خدم فاطمة علیها السلام في الجنة».

وَرِثَتْ طُهْرَ أَحْمَدٍ وَهُداهُ *** فَهْيَ مِنْ رُوحِهِ امْتدادٌ حَمِيدٌ(1)

فَلْذَةٌ مِنْهُ أَوْدَعَ اللَّهُ فيها *** كُلَّ ما فيهِ فَهيَ مِنْهُ وُجُودُ(2)

يا بْنَةَ الظُّهْرِ... يا جهاداً مَرِيراً *** خَذَلَتْهُ مَطامِعٌ وَ قُصُودُ(3)

إِنَّ حَقاً أُضِيعَ في غَمْرَةِ الفِتْنَةِ *** ما ضاعَ لَوْ رَعَتْهُ الشُّهُودُ

حَدَثٌ كان للسّياسةِ فِيهِ *** دَوْرُها لَوْ وَعى الأمينُ الرَّشيدُ

سَلْ بُطُونَ التّاريخِ عَنْ هَزَّة *** المأْساةِ يُنْبِيكَ حَقًّها المَنْشُودُ(4)

فَلَتاتٌ كانَتْ وَكَانَ حديث *** مُوجِعٌ يُلْهِبُ الأسى وَ يَزِيدُ(5)

أيُّ فَتْحٍ فَنِمْتُمُوهُ فَهَذِي فَدَكَ *** فَاهُنؤوا بها وَاسْتَزِيدُوا(6)

ص: 467


1- في كشف الغمة 457/1 في تفسير (إنما يريد الله ليذهب )نزلت في النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين «صلوات الله عليهم »وورد عن صحيح الترمذي 319/2 بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلی اللهُ علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.
2- أمالي الصدوق ص393 عن النبي صلی الله علیه وسلم أنه قال: يا علي علیه السلام إن فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها ويسرُّني ما سرها. و تقدم عن ذلك الكثير من المصادر.
3- ورد ذلك في كتاب سليم بن قيس ص25 في باب ما جرى بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم من أمر البيعة عن البراء بن عازب قال: لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تخوفت أن تتظاهر قريش على اخراج هذا الأمر من بني هاشم فلما صنع الناس ما صنعوا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فجعلت أتردد وآمق وجوه الناس وقد خلا الهاشميون برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الغسله و تحنيطه و قد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جملة أصحابه فلم أحفل بهم و علمت أنه لا يؤول إلى شيء.
4- راجع عن ذلك كتاب سليم بن قيس وارشاد القلوب و الاحتجاج و تاريخ الطبري، و أنساب الأشراف، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد و بحار الأنوار، و عوالم العلوم و غيرها من الموسوعات و الكتب التي كتبها المؤلفون في مظلومية الزهراء علیها السلام. و قد المحت إلى ما يغني اللبيب في موارد عديدة من الجزء الأول و الثاني فراجع.
5- عن كتاب سليم بن قيس ص109 زعموا أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لم يستخلف أحداً، و أنهم أقروا بالشورى، ثم أقروا أنهم لم يشاوروا، و أن بيعته كانت فلتة، و أي ذنب أعظم من الفلتة.
6- قال الهيثمي في مجمعه ج7 ص49 عن أبي سعيد قال:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» دعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً. و ذكر ذلك الذهبي في ميزان الاعتدال ج2 ص228 و في كنز العمال للمتقي الهندي ج2 ص158 عن أبي سعيد قال: لما نزلت «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام لك فدك.

وَ اسْتَدارتْ أمُّ الحُسَيْنِ وَ قَدْ *** جَكَ وَ رَيْقٌ مِنْ حِلْمِها مَنْكُودُ(1)

يَتَلَظَّى صَفْحَةُ المُروءاتِ وَ امتَدَّ *** أَصِيل على المدى مَرْصُودُ

سُلِبَ اللَّيْتُ فَاسْتُبِيحَ عَرِينٌ *** وَ انْطَوَى مَرْتَعٌ لَهُ مَعْدُودُ

كَيْفَ تَلْقَى طَلِيعَةَ الفَتْح يا ذُلَّ *** البطولاتِ كَيْفَ تُمْحَى العُهودُ؟

يَأْنَفُ الصَّيْدُ مِنْ مَنَاهَةِ دَرْبٍ *** لِلسُّرَى فيه ضَيْعَةٌ وَ شُرودُ(2)

عَشَرَ الشَّوْطُ بالكَمِيّ فَلاَ الشَّوْطُ *** حَميدٌ و لاالسُّرى مَحْمُودُ

وَ تَلاقَتْ بالمُرْزِحاتِ صُرُوفٌ *** كَبُرَتْ عَتْمَةٌ بها و رُعُودُ(3)

يا بنةَ الطّهْرِ إنْ يَكُنْ وَهَجُ *** الْمَأُساةِ أعْياكِ وَ النَّصِيرُ قَصِيدُ(4)

وَ أَذابَ الشَّباب من عُودِكِ *** الغَضِّ صِراعٌ مُرٌّ وَ خَطبٌ شَدِيدُ

فَضَمِيرُ التّاريخِ حُرٌّ وإنْ لَوَّحَ *** بالرَّيْبِ شانِيءٌ و عَنُودُ(5)

باسْمِكِ الفَذْ يَهْيَفُ الحَقُّ في *** الأجيالِ وَ لْيَلْعَقِ التُّرابَ حَسُودُ

كَيْفَ يَخْفَى الضُّحى على قِمَمِ المَجْدِ *** فَلَنْ يُريكِ الرُّؤى ترديدُ

إن بيتاً حَواكِ عَرْشٌ مِنَ المجدِ *** رَفِيعٌ بِهِ الهُدى مَشْدُودُ

حَرَمٌ تَعلَّقُ المَلائِكُ... فيه *** فَنُزُولٌ في رَحْبِهِ وَ صُعُودُ(6)

ص: 468


1- وُرَيْق: تصغير ورق أي ورقة صغيرة. منكود: ألح عليه.
2- يأنف: يتنزه عنه و يكرهه متاهة درب: طريق و مسير يتيه و يضيع فيه الإنسان.
3- المرزحات: الأمور التي تضعف و تذهب ما في اليد صروف: نوائب و مصائب.
4- وهج: لهب. أعياك: أضعفك أو أتعبك.
5- شانيء: مبغض.
6- نقلت من كتاب المجالس السنية 134/5.

(37) فقد الهادي

(بحر الكامل)

الشيخ محمد حسن دكسن(*)(1)

عُجْ بِالنِّياقِ لِيَشْرِب يا حادِي *** نَبْكِ الْأُولى مِنْ أَهْلِ ذاكَ النَّادِي

حَتَّى إذا ما جِئْتَ غَرْبِيَّ الحِمَى *** أيخ النياق فَسَلْ أُهَيْلَ الوادي

ص: 469


1- (*) هو الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال الله بن طاهر الأسدي البصري الملقب ب_ (دکسن). و عن سبب تلقيبه ب_ (الدكسن) سئل المترجَم له فقال: كنت قصير القامة جهوري الصوت شبَّهني الناس بالبندقية المعروفة ب_ (الدكسن) لامتيازها بالقصر و قوة الصوت. ولد في النجف الأشرف سنة (1296ه)، و نشأ بها على أبيه و درس المقدمات، و أخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف ب_ (ابن عيّاش) فكان من ألمع تلاميذه، فنال شهرة واسعة في الخطابة و توالى عليه الطلب في البصرة و خوزستان من جنوب إيران للخطابة هناك، فكان له الدور المميز في احياء مأتم سيد الشهداء علیه السلام و لمنبر المترجَم له مسحة من قبول، فلا يكاد يخطب و يتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته. و هو يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسين علیه السلام و أكثر ما يقرأ مراثي شاعر أهل البيت عليهم السلام الحاج هاشم الكعبي. أما أساتذته في الدراسة فهم 1- العلامة السيد مهدي البحراني في النحو و المنطق، 2- العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه 3- العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء في معالم الأصول، 4- العلامة الشيخ نعمة الله الدامغاني في الاسفار و الحكمة، مضافاً إلى انضمامه إلى حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري. و للمترجَم له آثار علمية منها 1- شرح الصحيفة السجادية، 2- الروضة الدكسنية، و هو ديوانه باللغة الدارجة و جميع قصائده في رثاء أهل البيت علیهم السلام. و له ديوان باللغة الفصحى أيضاً. توفاه اللَّه في قرية الدعيجي من محافظة البصرة سنة 1368ه و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف و دفن بها، و أرّخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي قائلاً: (ومنبر السبط بکی تاریخه *** لما توفي الخطيب الحسن)

وَ اذْرِ الدُّموعَ وَ خَلْنِي وَ لَواعِجِي *** وَ حُشاشتي وَ زَفِيرِها الوَقَادِ(1)

يا أَهْلَ هذا الحي أينَ تَرَحْلُوا *** أَهْلُوه عَنْهُ وَ كَعْبَةِ الوَفَادِ

ما لي أَرَى الدّارَ التي قَدْ أَشْرَقَتْ *** بِالْبِشر دَهْراً جُلْبِبَتْ بِسَوادِ

فَأَجَابَ بِالدَّمْع الْهَطُولِ لِحَادثٍ *** أهلُ الحِمى وَ بِنَفْنَةِ الْأَكْبَادِ

فإلَيْكَ عَنِّي لاتَسَلْ عَمَّا جَرَى *** فَالْأَمْرُ صَعْبُ وَ الخُطُوبُ عَوادِي(2)

وَ أَمَضُ ما لاقى الحِمَى يَوْمُ بهِ *** طَرَقَتْهُ طارقةُ النَّوى بِالهادِي

ما مَرَّ يَوْمٌ مِثْلُ يَوْمٍ مُحَمَّدٍ *** أَشْجَى الْأَنَامَ أَسَى إِلَى الْمِيعَادِ

يَوْمٌ بهِ جِبْرِيلُ أَعْلَنَ قَائِلاً *** اللَّه أكبرُ وَ الدُّموعُ بِوَادِي

وَيْحَ الزَّمانِ وَ يَا لَهُ مِنْ غَادِرٍ *** أَبْكَى الأَمِينَ وَفَتَّ بِالْأَعْضَادِ

(وَ أَمَضُّ شيءٍ فِي الْحَشَى صَدَعَ الْحَشَا *** صَوْتُ البَتُولَةِ مِنْ حَتَّى وَقَادِ)(3)

(أبْتَاهُ مَنْ لى بعدَ فَقَدِكَ سَلْوَةٌ *** فَلَأَبْكِيَنَّكَ يَقْظَتِي وَ رُقادِي)

(كَيْف اصْطِبَاري أَنْ أراكَ مُفارقي *** فَالعَيْنُ عَبْرَى وَ الأسَى بِفُؤَادِي)(4)

(لم أَدْرِ أَيُّ رَزِيَّةٍ أَبْكِي لها *** أَلِغَصْبٍ حَتَّى أَمْ لِفَقَدِ الهَادِي)(5)

(اللَّهُ أَكْبَرُ يا لَها مِنْ فَجْعَةٍ *** قامَتْ نَوَادِبُها بِسَبْعَ شِدادِ)(6)

ص: 470


1- لواعجي: جمع اللاعج و هو الهوى المحرق حشاشتي: أي بقية روحي و الحشاشة: بقية الروح في المريض أو الجريح.
2- عوادي: صوارف وعوائق.
3- أمض: آلم و أجرح و أحرق.
4- يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة إلى بكاء الزهراء علیها السلام على أبيها صلي الله علیه و آله و سلم. و قد جاء ذلك في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص119 و ص322 كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص787.
5- يشير إلى ما مرَّ من غصب حق الزهراء علیها السلام من قبل أبي بكر كما جاء في عوالم العلوم ج2 / 11 ص626 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300 و مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و ص13.
6- أدب الطف ج9 ص329.

(38) زينة عرش اللَّه

(بحر الطويل)

الشيخ محمد حسن سميسم(*)(1)

بِفاطِمَ بِنْتِ المُصْطَفَى الظُّهْرِ أَحْمَدا *** أَرُدُّ الرَّدَى قَسْراً بِقَارِعَةِ الرَّدى(2)

بها مَوْثِقُ الأَقْدارِ قَدْ عَادَ مُطلَقاً *** وَ إنْ كانَ في قَيْدِ الْمَنايا مُقَيَّدا(3)

تُلَبِّي الصَّرِيخَ المُسْتَغِيثَ إذا دعا *** بِعِصْمَتِها مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرْجِعَ الصَّدَى

بها و أبيها ضُرُّ أيُّوبَ قَدْ غَدا *** سُرُوراً وَ لَوْلاها لما انْفَكَ سَرْمَدا(4)

وَ فِيها خَلِيلُ اللَّهِ مِنْ نارِهِ نَجَا *** كَذاكَ ذَبِيحُ اللَّهِ مِنْ شَفْرَةِ الْمُدى(5)

وَ رَابِطَةٌ أُمّ الكَلِيم فُؤادَها *** إذا مَا ابْنُهَا خَافَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعِدا(6)

وَ مُؤنِسَةٌ أُمّ النَّبِيحِ بِقَفْرِها *** وَ عَائِدَةٌ أُمّ المسيح مِنَ الرَّدَى(7)

وَ مُرْجِعَةٌ مُوسَى إِلَى ثَدْيِ أُمِّهِ *** وَ مُثْلِجَةٌ قَلْبَ الذَّبِيحِ مِنَ الصَّدَى(8)

ص: 471


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- الردى: الهلاك. القسر: القهر، و ذلك من أقوالهم: قسره على الأمر قسراً: قهره و أكرهه: عليه القارعة: الداهية و النكبة المهلكة.
3- الموثق: العهد.
4- السّرمد: الدائم.
5- و ذبيح الله: هو نبي الله اسماعيل علیه السلام و قصته مشهورة لاتحتاج إلى تعقيب و شرح، الشفرة: هي حد السيف و السكين و غيرهما المُدى: جمع مدية و هي الشفرة الكبيرة.
6- و أم الكليم: هي أم موسى علیه السلام و قد ذكر القرآن قصتها مع ولدها موسى علیه السلام.
7- أم الذبيح: هي هاجر أم إسماعيل علیه السلام، القفر: الخلاء من الارض لاماء به ولانبات و أشار بذلك إلى وصول هاجر و ابنها مع رسول الله إبراهيم علیه السلام أرض مكة و أم المسيح هي مريم العذراء سلام الله علیها.
8- الصدى: العطش الشديد.

وَ مُنْقِذَةٌ ذا النُّونِ بَعْدَ ابْتِلاعِهِ *** وَجَدَّكِ مِنْ ذَبْحِ التَّقَرُّبِ بِالغَدا(1)

فَلَيْسَ لنا إلآكِ يا بْنَةَ أحمدِ *** إذا صَوَّبَ المَقْدورُ فينا وَ صَعَّدا(2)

سُئِلْنا بِكِ القُرْبَى فَلَبَّتْ قُلو*** لِسائِلِها قَبْلَ اللّسانِ تَوَدُّدا(3)

وَ هَا أَنَا ذا أَرْجُو أباكِ مُحَمَّداً *** وَ مَا خَابَ مَنْ يَرْجُو أباكِ مُحَمَّدا

يُبَلِّغُكِ عني إذا ما سَأَلْتُكِ *** شِفَاءَ عَلِيلٍ باتَ يَشْكُو مُوَسَّدا

أَلَسْتِ الّتي أَنْجَيْتِ نُوحاً وَ فُلْكَه *** إذا البَحْرُ مِنْ تَنُّورِه فَارَ مُزبدا(4)

أَلَنْتِ لِدّاودَ الحَدِيدَ وَ شِبْلَهُ *** سُليمانَ سَخَّرْتِ لَه الرِّيحَ سَرْمَدا

وَ هَدَّ قِوَى بلقيس مِنْكِ فَأَسْلَمَتْ *** وَ لَمْ تَرَ مَكْتُوباً وَلَمْ تَرَ هُدْهُدا(5)

لذا كَشَفَتْ عَنْ ساقِها ما فاضَلَ الرِدًا *** غَداةَ رَأَتْ كَاللُّجْ صَرْحاً مُمَرَّدا(6)

وَ نَجَّيْتِ رُوحَ اللَّهِ مِنْ مَكْرِ مَعْشَرٍ *** عَلَيْهِ تَعادَوْا إِذْ أرادوا بِهِ الرَّدى(7)

وَ بِاسمِكِ أحيا الميّتِينَ وَ قَدْ شَفَى *** ذَوِي العَاهَةِ العُظْمَى وَ بِاسْمِكِ مَجّدا

ص: 472


1- و ذا النون: و هو نبي الله يونس علیه السلام الذي ابتلعه الحوت و قصته ذكرت في القرآن الكريم، و أشار بقوله «وجدّك...» إلى قصة عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم التي ذكرتها كتب السِيَر وما جرى له مع ولده عندما رام ذبحه ايفاء لنذره. الغدا: مصدر: غدى يغدي و الغدو: مصدر: غدا يغدو، و هو أول النهار أو بين الطلوعين.
2- صعد: اشتدّ، و شدّد، و ذلك من قولهم: صعد فيه النظر: أي شدد بأن تأمله ناظراً إلى أعلاه، و أسفله و أصعد في العدو اشتد.
3- و أشار بقوله «سُئلنا بك القربى» إلى قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» التي ينص المفسرين على نزولها بحق أهل البيت التودد التحبب من قولهم تودد إليه، أي تحبب.
4- مُزبدا: هي صفة لما قبلها يقولون هذا البحر مزبد: أي هائج يقذف بالزبد و الزبد: ما يعلو الماء و نحوه من الرغوة.
5- أشار في هذا البيت إلى قصة بلقيس مع النبي سليمان و هي قصة مشهورة ذكرت في القرآن.
6- اللُّج: معظم الماء والتّج البحر: اضطرب و هاج و غمر. الصرح: القصر و كل بناء عال. ممرَّد: مصقول أملس من قولهم: مدّد البناء: سواه و ملسه و طوله فهو ممرّد.
7- أشار إلى نجاة عيسى من المكر و عروجه إلى السماء بأمر.

وَ فِيكِ ارْتَقَى إِدرِيسُ أَرْفَعَ مَوْضِعٍ *** وَ لَوْلاكِ ما خَرَّ المَلائِكُ سُجَّدا

أزِينَةَ عَرْشِ اللَّهِ فِيكِ اهْتِداؤُنَا *** وَ لَوْلاكِ لَمْ تُهْدَ الأنامُ إِلَى الهُدَى

رَجَوْتُكِ لِلْجُلّى وَ كُلِّ مُلِمَّةٍ *** تَلُم بنا فِي الدَّهْرِ مِنْ مَعْشَرِ العِدا(1)

وَ سَمَاكِ في الذِّكْرِ المُهَيْمِنُ رِفْعَةً *** لِشَانِكِ بالوُسْطَى وَ بِالحِفْظِ أَكَّدا(2)

كَذَاكَ أَبُوكِ الظُّهْرُ مَا زَالَ مُوصِياً *** بِحِفْظِكِ يا رُوحَ النَّبِيِّ مُؤكِّدا

فَاسْمَعَ كُلَّ الخَلْقِ شَرْقاً و مَغْرباً *** نِداه و أَبْداء جِهاراً وَ أَشْهَدا(3)

ألا أيها النّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ فاطِماً *** فُؤادِي فلاتَشْقَوْا بها، فَهِيَ الهُدَى

وَ رَیْحانَتِي مِنْ جَنَّةِ الْخُلْدِ لم أزلْ *** أشُمُّ بها رِيحَ الجِنانِ فَأَخْلُدا(4)

فَوَيْلٌ لِمَنْ قَدْ ساءَهَا بَعْدَ فَقْدِهِ *** و هَدَّ مِنَ الإسلام مَا قَدْ تَوطَّدا(5)(6)

ص: 473


1- الجلّى: و هي مؤنث الأجلّ: الأمر العظيم و الأمر الشديد أو الخطب الشديد الملمة: النازلة الشديدة من نوازل الدنيا.
2- أشار إلى ما أفاده صاحب تفسير البرهان في تفسيره «وحافظوا على الصلوات» و هو أنها نزلت في حق أهل البيت و الزهراء علیهم السلام و هو أحد وجوه التفسير -طبعة حجرية.
3- أشار إلى بعض الأحاديث التي قالها الرسول صلي الله علیه و آله و سلم في حق فاطمة علیها السلام و منها قوله: «إن فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني أو قوله لله وهو آخذ بيد فاطمة علیها السلام «من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هي بضعة مني و هي قلبي وهي روحي التي بين جنبي من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله و غيره كثير من الأحاديث.
4- إشارة إلى ما روي في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 روی بسنده عن سعد بن مالک قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني جبريل (عليه الصلاة و السلام) بسفرجلة من الجنة فأكلتها فعلقت خديجة بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ليلة أسري بي فاطمة علیها السلام.»
5- توطد: من وطد و هي بمعنى وطد يطدُ: الشيء قواه و أثبته و ثقله.
6- دیوان سحر البيان وسحر الجنان ص161.

(39) أشرقت الدنيا

(بحر الرمل)

السيد محمد حسن الشخص(*)(1)

ص: 474


1- (*) هو السيد محمد حسن ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد أحمد بن ابراهيم بن رضي بن ابراهيم بن علي بن محمد ابن السيد علي الشخص -جد الاسرة- و ينتهي نسبه إلى الامام موسى بن جعفر علیه السلام. ولد في النجف الأشرف سنة (1336ه). و أسرة آل الشخص من أقدم الاسر الاحسائية التي لها مكانتها المرموقة، و هذه الاسرة الكريمة هاجرت إلى عدة أقطار و استوطنتها و منها اسرة المترجَم له حيث جاورت مرقد سيد الأوصياء أمير المؤمنين في النجف الأشرف. و من هذه الاسرة تخرّج عدد كبير من العلماء و الخطباء و الشعراء الذين كانت لهم مكانتهم الرفيعة، و من بين هؤلاء نبغ الفقيه السيد محمدباقر الشخص الذي كان من ألمع أساتذة الفقه و الأصول في حوزة النجف الأشرف، و كان جد المترجَم له السيد علي الشخص عابداً و رعاً تقياً حتى اشتهر بحمامة الحرم الحيدري لكثرة ملازمته و حضوره فيه للعبادة و التهجد. و المترجَم له نشأ و ترعرع في ظل أسرته، و أخذ دروسه في النحو و الفقه و المنطق على يد أفاضل الحوزة العلمية في النجف الأشرف ومنهم العلامة الجليل الشيخ كاظم الهجري. ثم إنه مارس الخطابة، فقد أخذ فنون الخطابة وأصولها على خطيبين شهيرين هما المرحوم الشيخ محمد حسن دكسن و الخطيب المرحوم السيد صالح الحلي الذي لازمه ملازمة وثيقة واستفاد منه حتى برع وتخصص بفن الخطابة ونال شهرة واسعة. و يصفه الخطيب السيد داخل حسن في معجم الخطباء قائلاً (بطل من أبطال المنبر و علم من أعلام الخطابة ذائع الصيت، لامع الاسم، واسع الشهرة، عظيم الخبرة، أحاديثه منمقة، و مواضيعه محققة، يطغى عليها الجانب التقليدي للتاريخ ولكنه يُشبع الموضوع الذي يريد طرحه استقصاء و تتبعاً و يحيط بأبعاده و شواهده، ويلم بأطرافه بمهارة الاستاذ و مقدرة الخطيب الخبير، ثم يطعمه بنكتة لاذعة أو عبارة رائعة أو التفاتة بارعة يشد بها انتباه الجمهور، ويلفت أنظار الحضور، و للمترجم له آثار علمية بين مطبوع ومخطوط منها: 1-كتاب ذكرى السيد ناصر الاحسائي. 2-كتاب هداية العباد إلى الحق و الرشاد -في أصول الدين- للشيخ محمد بن عبدالله العيثان. 3-كتاب ذكرى السيد ماجد العوامي. 4-كتاب وقائع الأيام. وافته المنية ولبى نداء ربه في المدينة المنوّرة و هو قاصد وزائر قبر جده رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أئمة البقيع علیهم السلام و ذلك في الثالث من شهر ربيع الأول سنة (1408ه) و دفن في جنة البقيع في ظلال روضة الأئمة، و إلى جانب المراقد المهدومة لأربعة من أئمة الهدى الامام الحسن المجتبى و الامام زین العابدين و الامام محمد الباقر و الامام جعفر الصادق علیهم السلام وثوى في مرقده ورقد في مثواه الأخير راضياً مرضياً. و قد تحققت له أمنية طالما راودته في ان يدفن بأرض من الأراضي المقدّسة، فهنيئاً له الرقاد بجوار سادة العباد علیه السلام.

هَلَّلَ السَّعْدُ بِيَوْمِ المَوْلِدِ *** فَاهْزجِي يا نَفْسُ بُشراً وَاسْعَدِي

وَ اخْطرِي زَهْواً لِأَعْرَاسِ الهَنا *** وَ ابْنِي فَوقَ الشَّمْسِ مَجْدَ المَحْتِدِ(1)

وَ تَعالَيْ نَعْزِفِ اللَّحْنَ عَلى *** مَوْلِدِ الظهْرِ وَ طُهْرِ المَوْلدِ

فاطِمُ أَشْرَقَتِ الدُّنيا بها *** فَسَناهَا قَبَسٌ مِنْ أَحْمَدِ

إنَّهُ يومٌ تَعالى صَرْحُهُ *** فَتَسامَى فَوْقَ هام الفَرْقَدِ

وَ ارْدَهَى الحَفْلُ بذكراها وَقَد *** عَمَنَا البشرُ بلُطفِ المَوْلِدِ

و تَحَشَتْ فيهِ أنفَاسُ الهُدَى *** تُنْعِسُ العُلَّةَ مِنْ ظام صَدِي(2)

مَوْلِدٌ َفاخَرَتِ الدُّنيا بهِ *** نُورُهُ مَزَّقَ عَيْنَ الْحُسَّدِ

هذه فاطِمَةٌ قَدْ وُلِدَتْ *** وَ بِهَا يَبْيَضَ وَجْهُ المُهْتَدِي

مَنْ أَبُوها؟ زرَعَ الأرضَ مُنِّى *** فَنَمتْ خَیْراً بِکَفِّ المُنْجِدِ

مَنْ أبوها؟ أَنْقَذَ النَّاسَ مِنَ *** الجَهْلِ وَ الظُّلْمِ وَسَوْطِ المُعْتَدِي

مَنْ أبوها؟ رَفَعَ الدُّنيا عُلاً *** وَ شُموخاً فَازْدَهَتْ في سُؤدَدِ

ص: 475


1- زهواً: فخراً.
2- تحشّت: انقطعت. الغلة: العطش الشديد.

مَنْ أبوها؟ نَشَرَ العَدْلَ عَلى *** أُمَّةٍ مَاجَتْ بِظُلْمٍ مُجْهِدِ

مَنْ أبوها؟ وَحدَ النَّاسَ فلا *** فارق في أبيض أو أسْوَدِ

***

یابْنَةَ الظُّهْرِ وَ هُذي لَيْلَةٌ *** شُرِّفَتْ فِيكِ وَأَعْلَتْ مَقْصَدِيْ

وَإِذا طَرَّزَ شِعْرِي ذِكْرُكُمْ *** وَ سَمَتْ أبياتُهُ في مَوْرِدِ

حُبُّ آلِ البَيْتِ عُنْوانُ الهُدَى *** وَ لَقَدْ غُدِّيتُهُ مِن مَولِدِي

أيُّها اللائِمُ مَهْلاً أنا مِنْ *** شيعَةٍ حُبُّ الهُدى مُعْتَقَدِي

كَمْ نُوالي الطُّهْرَ عَن عاطِفَةٍ *** فَجَّرَتْ فِينَا وِلاءَ المُفْتَدِي(1)

فَلَقَد عَرَّفَها اللَّهُ لَنا *** في كتابٍ مُنْزَلٍ مُعْتَمَدِ

قُلْ لِمَنْ أَعْرَضَ عَن رَوْض الوِلا *** وَ أَدَارَ الْوَجْهَ شَطْرَ الفَرْقَدِ

وَ نَأَى عَنْ حُبِّ آلِ المُصْطَفَى *** خَصَّهُ اللَّهُ بِذِكْرِ مُفْرَدِ

لاتَخَلْ شِرْعَةً طه بِدْعَةً *** إِنّها مِن لُطفِ رَبِّ أَوْحَدِ

و رَسُولُ الله مِنْ أَنْوارِهِ *** وَ عَلِيّاً ذاكَ مَجْدُ المُهْتَدِي

وَ سَنا السَّبْطَيْنِ سِرٌّ رائِعٌ *** في ضَمِيرِ الكَوْنِ عِندَ المَوْعِدِ

رَفَعَ اللَّهُ لَهُمْ ذِكرى وَ قَد *** تَحْمُدُ الدُّنيا وَ لمَّا يَخُمُدِ

***

أيُّها الطُّهْرُ وَهذِي أُمَّتِي *** عَصَفَتْ فيها رِياحُ المُجْحِدِ

هذهِ صَهيُونُ رَاحَتْ تَبْتَنِي *** دَوْلَةَ البَغْيِ بِأَعْلَى مَشْهَدِ

ص: 476


1- البيت إشارة إلى ما ورد في ذخائر العقبى ص25 قال: عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23]. قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. رواه الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 / 103 ج9 / 168 نقلاً عن اليعقوبي في تفسيره.

وَ لَها في كُلِّ يَومِ غارَةٌ *** فَوْقَ (لُبْنانَ) وَ لَامِنْ مُنْجِدِ

أيْنَ سيناءُ وَجَوْلانُ وَ قَدْ *** رَاحَتِ الأحزانُ تَفْرِي كَبِدِي

أُمَّتي يا أُمَّةَ المَجْدِ انْهَضِي *** وَ اقْحَمِي لِلثّارِ جَمْرَ المَوْقِدِ

لاتَقُولِي مَلَكَ الأرْضَ العِدا *** إِنَّهَا مُلْكُ الجَسُورِ السَيِّدِ

وَ اصْنَعِي للنَّصْرِ أَعْراسَ الفِدا *** إنّ يَوْمَ الثَّأْرِ عِزُّ المَقْصَدِ(1)

ص: 477


1- تاريخ النظم 20/ جمادى الثانية/ 1406 ه_.

(40) مباركة ميمونة

(بحر الطويل)

السيد محمد الحسيني الشيرازي(*)(1)

ألا أَبْشِرُوا فَالْيَوْمُ أَزْهَرُ أَمْجَدُ *** بهِ الْعَيْشُ بِالْأَفْرَاح وَ اليُمْنِ أَرْغَدُ(2)

تَبَدّى جَلالُ اللَّهِ فِي الكَوْنِ عَمَّةً *** غَدا منهُ كُلُّ الكَوْنِ للَّهِ يَسْجُدُ

وَ عَمَّ الْوَرى بُشْرَى وَ لَفَّهُمُ السَّنا *** فَكُلُّ الْوَرى في أَفْضَلِ الحالِ يَسْعَدُ

لَقَدْ قَرُبَ الميلاد مِنْ بنتِ أَحْمدٍ *** فَبُورِكَ مِنْ يَوْمٍ و بُورِكَ مَوْلِدُ

وَ قَدْ جاءَتِ البُشْرَى بِأَنَّ البَتُولةَ *** الزَكِيَّةَ في خَيْرِ البِقاعِ سَتُولَدُ

وَ حينَ وَلادِ الْخَيْرِ أُنْزِلْنَ نِسْوَةٌ *** حَفَفْنَ بِأُمِّ الطُّهْرِ وَالكُل تُمْجِدُ(3)

فَفَاطِمَةُ الزَّهراءُ جَاءَتْ إِلَى الدُّنَا *** مُبَارَكَةً مَيْمُونَةٌ حَيْثُ تُوجَدُ(4)

***

ص: 478


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- أرغد: رَغد العيشُ: طاب واتسع.
3- في هذا البيت إشارة إلى نزول النسوة من الجنة حين ولادة خديجة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص2-3 ج1 قال: فلم تزل خديجة علیها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش و بني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم يتيم أبي طالب علیه السلام فقيراً لامال له فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئا فاغتمت خديجة علیها السلام علي لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهنَّ من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها و أخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة. و راجع دلائل الإمامة ص8 أيضاً.
4- إشارة إلى ما جاء في البحار ج43 ص22 ح14 من كون الزهراء علیها السلام مباركة. عن سلمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلي الله علیه و آله و سلم ذو النسل القليل إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لاصخب فيه و لانصب يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك... إلخ.

خَديجَةُ أُمِّ لِلْبَئُولِ شَرِيفَةٌ *** وَ وَالِدُها خَيْرُ النَّبِيِّينَ أَحْمَدُ

عَلِيُّ لها زَوْجُ وَ أَعْظِمْ بِمِثْلِهِ *** فَتَى مِنْ إله الكائناتِ يُؤَيَّدُ

فَأَكْرِمْ بِها زَوْجاً لِأَفْضَلِ سَيْدٍ *** وَ أَبْناؤُها كُلُّ إِلَى الخَيْرِ مُرْشِدُ

أئِمَّةُ حَقٌّ أَوْصِياءُ مُحَمَّدٍ *** كَرِيمٌ لَهُمْ أصْلٌ وَ فَرْعٌ وَ مَحْتَدُ(1)

زَكِيٌّ شَهِيدٌ ثُمَّ سَجَادُ باقِرٌ *** وَ جَعْفَرُ مَنْ لِلْمَذْهَبِ الحَقِّ يُرْشِدُ

وَ كَاظِمُ موسى وَالرّضا الطُّهرُ وَ ابْنُهُ *** الجَوَادُ الذي لِلدِّينِ وَالخَيْرِ مَوْرِدُ

وَ عاشِرُهُمْ هادِي الأنام مِنَ الْعَمى *** وَ ثُمَّ الإمامُ العَسْكَرِيُّ المُسَدَّدُ

وَ آخِرُهُمْ مَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ كُلَّهَا *** مِنَ الْعَدْلِ مَهْدِيُّ الأنام مُحَمَّدُ

فَلَوْلاهُمُ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقَهُ *** وَ لَمْ تَكُنِ الدّنيا وَ لَمْ يَكُ مَوْعِدُ

***

لها جُمِعَتْ كُلُّ الفِخارِ فَبَيْتُها *** مَشَعُ الهُدَى لِلْعِلْمِ وَ الْفَضْلِ مَعْهَدُ

وَ أَسْماؤُها صِدِّيقَةٌ وَبَتُولَةٌ *** و فاطمُ إِذْ باباً مِنَ النَّارِ تُوصِدُ(2)

ص: 479


1- محتد: أصل.
2- إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام فاطمة صديقة. ففي البحار ج43 ص105 ح19: «عن أبي عبدالله علیه السلام قال: إن الله تبارك و تعالى أمهر فاطمة علیها السلام ربع الدنيا فربَّعها لها و أمهرها الجنة و النار تدخل أعداءها النار و تدخل أولياءها الجنة و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى». و في مرآة العقول ج5 ص315. «عن محمد بن يحيى عن العمركي بن علي عن علي بن جعفر عن أخيه عن أبي الحسن علي علیه السلام قال: «إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة». في كتاب ينابيع المودة للقندوزي ص260 ط اسلامبول قال: «عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم انما سمّيت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس إلخ. و في المناقب المرتضوية للكشفي الحنفي ص119 ط بمبي في حديث عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: وسمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت و تقطعت عمّا هو معتاد العورات في كل شهر و لأنها ترجع كل ليلة بكراً، و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى علیه السلام بكراً». و قال ابن الأثير: و امرأة بتول: منقطعة عن الرجال لاشهوة لها فيهم و بها سميت مريم علیها السلام المسيح و سمّيت فاطمة علیها السلام «البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله «تعالى». كتاب النهاية مادة بتل. و أما علة تسميتها بفاطمة فقد جاء في كتاب البحار ج43 ص13 ح5 عن أبي هريرة قال: «إنما سمّيت فاطمة علیها السلام فاطمة لأن الله «عزوجل» فطم من أحبها من النار» و في الجزء نفسه ص12. «عن المنصور عن أبيه عن جده قال: قال ابن عباس لمعاوية أتدري لم سميت فاطمة علیها السلام فاطمة؟ قال: لا، قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله».

وَ قَدْ طَهُرَتْ عَنْ كُلِّ رِجْسٍ وَمَأْثَمِ *** وَ فِي طُهْرِها رَبُّ السَّماواتِ يَشْهَدُ(1)

فَسَلْ آيَة التَّطْهِيرِ عَنْها وَ كَوْثراً *** و فيها ابْتِهالٌ لِلنَّصَارَى يُسَدِّدُ(2)

وَ فِي شَأْنها جِبْرِيلُ جَاءَ بِهَلْ أتى *** فَقَدْ أَطْعَمَتْ في اللهِ مَنْ جَاءَ يَنْجُدُ(3)

ص: 480


1- إشارة إلى الآية المباركة من سورة الأحزاب: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية : 33] حيث إنها نزلت في الخمسة أصحاب الكساء: النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و قد مر ذلك في بائية الإحسائي عن صحيح الترمذي ج2 ص209، و الطحاوي في مشكل الآثار ج1 ص335، و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12، نقلاً عن كتاب فضائل الخمسة عن الصحاح الستة ج1 ص271، و جاء ضمن حديث الكساء المروي في كتاب عوالم العلوم ج2 ص993.
2- في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي الكوثر، قال الفخر الرازي في التفسير الكبير ج32 ص124: «و القول الثالث: الكوثر أولاده يعني النبي صلى الله عليه و آله و سلم -قالوا إن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه بعدم الأولاد فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان. إلخ». أما الابتهال فقد جاء في مسند أحمد بن حنبل ج1 ص185 قال: ولما نزلت هذه الآية «ندع أبناءنا و أبناءكم» [سورة آل عمران الآية : 61] دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علياً و فاطمة وحسناً وحسيناً رضوان الله عليهم أجمعين فقال: «اللهم هؤلاء أهلي». و في سنن الترمذي ج5 ص638 قال: أنزلت هذه الآية: «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» الآية دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فقال: اللهم هؤلاء أهلي».
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول سورة هل أتى في فاطمة علیها السلام ففي كتاب تفسير الدر المنثور ج6 ص299 قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» [سورة الإنسان آية ] قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب و فاطمة علیهما السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و ذكره ابن الأثير الجزري في أسد الغابة ج5 ص530 . و الواحدي في كتاب أسباب النزول ص331 و المحب الطبري في الرياض النضرة ج2 ص227، و الشبلنجي في نور الأبصار ص102، نقلاً عن كتاب فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج1 ص301-305.

أَلا يا شَبابَ المُسْلِمِينَ تَيَقَّظُوا *** فَفِي الْأُفْقِ سُحْبِّ بِالْأَصَالِيلِ تُرْعِدُ

بِلادُكُمُ مَخْطُورَةٌ مُحْدِقٌ بِهَا *** الْبَلايا فَمُ الْأَقْوَامِ فاغِرُ(1) يُزبِدُ(2)

يَسِيلُ لُعابُ الكُفْرِ مِنْ أَجْلِ ثَرْوَةٍ *** حَبَاكُمْ بِهَا رَبِّ كَرِيمٌ مُمَجَّدُ

فَذَا الغَرْبُ لايَبْغِي سِوى سَلْبِ خَيْرِكُمْ *** وَ ذَا الشَّرْقُ فِي أَوْطَانِكُمْ لَيُعَرْبِدُ

فَذا مُلْحِدٌ يَدْعُو إلى شَرِّ مَبْدَا *** وَ ذَاكَ صَلِيبِيُّ يَعِيثُ وَيُفْسِدُ

وَ أَمْسِ قَدِ احْتُلَّتْ فِلِسْطِينُ عَنْوَةً *** وَ سِينَا وَ جَوْلانٌ وَ قُدْسٌ وَ مَسْجِدُ

وَ مِنْ بَعْدِ ذاكُمْ قِمَّةٌ بَيْنَ ذا وذا *** لإِذْلالِكُم فِي مَغْرِبِ الأَرْضِ تُعْقَدُ

فَلاَ لَكُمُ في الغرب أَيُّ صَداقَةٍ *** و لا لَكُمُ في مَشْرِقِ الأَرْضِ مُنْجِدُ

وَ لَيْسَ لَكُمْ مِنْ مَلْجَةٍ غَيْرَ دِينِكُمْ *** وَ يُنْقِدُكُمْ صَف قَويٌّ مُوَحَّدُ(3)

ص: 481


1- فاغر: منفتح
2- يزبد: يقذف بالزبد و بحر يزبد أي هائج يقذف بالزبد.
3- نظمت سنة (1392ه) في ميلاد الزهراء علیها السلام الكويت.

(41) آية التطهير

(بحر البسيط)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

لما أحاطَتْ بِيَ الأهوال شاخِصَةً *** أَنْظارُها الشَّزْرُ نَحْوِي كُلَّ مِرْصَادِ(2)

وَ قَدْ بَقِيتُ وَحِيداً في مَراتِعِها *** مُشَرَّدَ الدّارِ عَنْ أهلِ وَ أَوْلادِ

وَ لَمْ أَجِدُ مِنْ حُطام الدَّهْرِ باقِيَةً *** أَسُدُّ دَيْنِي بِها فَكَاً لأصفادِي

نادَيْتُ ثُمَّ رَسُولَ اللَّهِ يَشْفَعُ لِي *** إِنَّ الشَّفاعَةَ قَدْ نِبطَتْ بِأَجدادي(3)

أولك آل رَسُولِ اللَّهِ يَتْبَعُهُمْ *** أئِمَّةُ الحَقِّ مِنْ ذُريَّةِ الهادي

هُوَ الحَبِيبُ فَلَوْ قَدْ شَاءَ يَشْفَعُ لِلدُّنْيا *** فَكَيْفَ لِأَبْنَاءِ وَ احْفادِ

وَكِدْتُ أجْارُ لَوْلا عِلَّةٌ حَبَسَتْ *** أَوْتَارَ صَوْتِيَ أَن تَرْقَى لِأَبْعَادِ

وَ قَدْ ذَكَرْتُ رَسُولَ اللهِ مُلْتَجِئاً *** يَوْماً لَدَى ابْنَتِهِ في جَمْع أَكْبَادِ

وَ عِنْدَها أَقْبَلَ السِّيْطانِ قَدْ سَبَقا *** أباهُما حَيْدَراً في غَيْرِ مِيعَادِ

فَضَمَّهُمْ بِكِساءٍ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ *** ما خَصَّهُ بِهِمُ المَوْلَى بِإِسنادِ

فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّطْهِيرِ ساعَتَها *** فَرَاحَ يُعْلِنُها فِي جَمْع أَشْهَادِ

قَدْ أَذْهَبَ الرِّجْسَ عَنْكُمْ رَبُّكُمْ أَبَداً *** يا أهْلَ بَيْتِي فَأَنْتُمْ رَمُزُ إِسْعَادِي

فَاللَّهُ يَرْضَى بِما تَرْضَوْنَ في كَرَمٍ *** وَ السُّخط كانَ نَصِيبَ المُبْغِضِ العادي

ص: 482


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- شاخصة أنظارها: فتحت عيونها و لم تطرف الشزر: النظر بجانب العين مع إعراض و غضب و الشزر: العيون الحمر.
3- نيطت: انحصرت.

فَحَنَّ قَلْبي إلى الزَّهْرَاءِ قَدْ جَمَعَتْ *** أباً وَبَعْلاً وَضَمَّتْ خَيْرَ أَوْلادِ

كَالشَّمْس حاطَتْ بها الأَقْمارُ زاهِيَةً *** لِتَبْعَثَ النُّورَ لِلدُّنْيا بإرصادِ(1)

وَ أيّ رَابِطَةٍ قُدْسِيَّةٍ حَفِظَتْ *** سِرَّ النُّبُوَّةِ في سَيْبٍ وَإِمْدادِ(2)

فَتَزْدَهِي مِنْهُ إشراقاً وَ تَعْكِسُهُ *** إلى الإمامَةِ في عَزْمِ وَ إيقادِ

لِيَحْفَظَ الكَوْنُ مِنْها أَي سَيِّدَةٍ *** وَ تَنْقَلُ العَهْدَ أسْياداً لِأَسْيادِ

ناجَيْتُها بِفُؤادٍ عَادَ مُنْكَسِراً *** مِنَ المَصائِبِ تَعْلُوهُ بِتَرْدادِ

أَمَاهُ قَلْبُكَ مَشْهُودٌ لِرِقَّتِهِ *** عَلَى مُوالِيكُمُ ما بالُ أَوْلادِ

فَخِلْتُ نَجْوايَ قَدْ لاحَتْ أَضالِعُها *** مَكْسُورَةٌ بَيْنَ مِسْمَارٍ وَأَعْوادِ(3)

لكِنَّها أَدْرَكَتْ قَلْباً تُدارُ بِهِ *** رَحَى الحَياةِ وَ سِرّاً خَلْفَ أبعاد

ص: 483


1- لعله إشارة إلى ما جاء في مصباح الأنوار ص69 عن أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في بعض الأيام صلاة الفجر ثم أقبل علينا بوجهه الكريم... فسأله العباس بن عبدالمطلب: كيف كان بدء خلقكم يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة و خلق منها نوراً، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثم مزج النور بالروح فخلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام... ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام و نور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور الله، و ابنتي فاطمة علیها السلام أفضل من السماوات والأرض، ثم فتق نور ولدي الحسن علیه السلام وخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من ولدي الحسن علیه السلام و نور الحسن من نور الله و الحسن علیه السلام أفضل من الشمس و القمر ثم فتق نور ولدي الحسين علیه السلام فخلق منه الجنة و الحور العين فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين علیه السلام و نور ولدي الحسين علیه السلام من نور الله و ولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين.
2- سيب بكسر السين مجرى الماء و بفتح السين المطر الجاري، العطاء، المال، النافلة.
3- يشير الشاعر إلى مأساة كسر الضلع ونبت مسمار الباب في صدر الزهراء علیها السلام.

(42) بضعة خير الخلق

(بحر الطويل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

بكِ العَيْش يا دنيا مريرٌ مُنَكَّدُ *** عَلَى كُلِّ حُرِّ ما لَهُ فِيكِ مَقْصَدُ

عَفيفٍ نَقِيُّ لم يَمِلْ لِزخارفٍ *** إلى جَنْبِها سُودُ الرزايا تَرَصَّدُ

وَ ما مُؤمِنٌ يَريُغَرُّ بِعَاجِلٍ *** وَ غَايَتُهُ الحُسنى إذا ما أتى الْغَدُ

فَمَا أَنْتِ إلا الهَمُّ وَ الغَمُّ وَ الأَسى *** وَ ذا غائِبٌ يُرْجِي وَآخَرُ يُفْقَدُ

وَ مَا المَوْتُ إلا واعِظُ لِمَنِ اهْتَدَى *** وَ ذَلِكَ أَمْرٌ دونَ رَيْبٍ مُؤَكَّدُ

فَكَمْ ِفيهِ مِنْ أيَّامٍ كَرْبِ تَتابَعَتْ *** على النّاسِ لاتُحْصَى وَ لاتَتَعَدَّدُ

وَ كَمْ مَرَّ مِن يوم بهِ ماتَ سَیِّدٌ *** بَكَى أَهْلُهُ شَجُوا عَلَيْهِ وَعَدَّدُوا

وَلكِنْ فما يَوْمٌ أَتانا بِنَكْبَةٍ *** بِأَعْظَمَ مِنْ يَوْمِ بهِ ماتَ (أَحْمَدُ)

نَبِيُّ الهُدَى مَن زَلْزَلَ الكَوْنَ فَقْدُهُ *** وَ سَهَّدَ أَجْفاناً وَ أُوحِشَ مَسْجِدُ(2)

قَضَى فَيَكاهُ العِلْمُ وَالحِلْمُ والحِجَى *** وَ فارَقَ بَيْتَ المَجْدِ جُودٌ، وَسُؤدَدُ

وَ قامَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ وَفاطِمٌ *** وَ أَبناؤُهُمْ في مَأتم يَتَجَدَّدُ(3)

حَنِيناً وَأَشجاناً وَحُزْناً وَلَوْعةً *** هُناكَ لِفَقْدِ المُصْطَفَى حِينَ يُعْقَدُ

ص: 484


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- سَهْد: أَرَقَ و قَلَّلَ النوم.
3- و في ذلك إشارة في ذخائر العقبى (طبعة مصر) ص56 عن النبي صلي الله علیه و اله و سلم أنه قال لعلي بن أبي طالب علیه السلام: يا أبا الريحانتين فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي عليك فلما قبض رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم قال علي هذا أحد الركنين فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال: هذا الركن الآخر. و أما فاطمة بكت على رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم حتى تأذى به أهل المدينة. البحار ج43 ص155 ضمن ح1.

وَ فاطِمَةٌ قَدْرادَهَا الْوَجْدَعُصْبَةٌ *** عَلَيْهَا بِظُلْمِ لايُطاقُ تَعَمَّدُوا

زَوَوْا إِرْثَها عَنْها ضَلالاً وَ أَسْقَطُوا *** جنيناً لها في غَيْهِمْ مُذْ تَلدَّدُوا(1)

وَ لَمْ أَنْسَ مِسْماراً أَضَرَّ بِصَدْرِها *** غَداةَ عَلَيْهَا مِنْهُمُ جَسُرَتْ يَدُ(2)

وَ قَدْ أُوجِعَتْ ضَرْباً شَدِيداً مُبَرْحاً *** لَهُ نَارُ وَجْد في القُلُوبِ تَوَقَّدُ(3)

عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُغْصَبُ الظُّهْرُ حَقَّهَا *** وَنَصُّ كتابِ اللهِ يُلْغَى وَ يُجْحَدُ(4)

وَ راحَتْ على آلامها تَمْلَأُ الفَضا *** لِوالِدِها بالنَّعْيِ حينَ تُردِّدُ

إلى أَنْ قَضَتْ قَرْحَى الفُؤادِ وَ ضِلْعُها *** كَسِيرٌ وَمِنْهَا المَثْنُ بِالضَّرْبِ أَسْوَدُ(5)

ص: 485


1- في الشطر الأول من البيت إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص574 في وصية فاطمة علیها السلام لأميرالمؤمنين «صلوات الله عليه» حيث قالت لاتصل علي أمة نقضت عهد الله و عهد أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في أميرالمؤمنين علي علیه السلام و ظلموني حقي و أخذوا إرثي و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك و كذبوا شهودي و هم والله جبرئيل و ميكائيل، أميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن. و في الشطر الثاني اشارة لما ورد في رواية سليم بن قيس الهلالي ص40 في حادثة الهجوم على دار علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام حينما ألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة.
3- في رواية سليم بن قيس ص37 في حادثة الدار: دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام. فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم: لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
4- ورد في تفسير الدر المنثور ج4 ص177 في تفسير وآت ذا القربى حقه دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً. و ورد ذلك في مجمع الزوائد أيضاً ج7 ص49.
5- عن بحار الانوار ج43 ص73 ضمن ح13 في باب ما أخبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم بظلم أهل البيت علیهم السلام. (إلى أن قال): وانتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم. و عن البحار أيضاً ج28 ص299 ضمن ح48 من كتاب الفتن و المحن عن ابن عباس في حديث ما جرى بعد وفاة النبي صلي الله علیه و آله و سلم(إلى أن قال : ) ثم دفع الباب عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم.

فَسَلْ ما جَنّى الأصْحابُ حَتَّى تَأَثَرَتْ *** فَأَوْصَتْ بأَنْ لايَحْضُرُوها وَ يَشْهَدُوا(1)

ذَوى جِسْمُها مِنْ ظُلْمِهِمْ وَيْلُ أُمِّهِمْ *** وَأَدَّى بها لِلْمَوْتِ ما تَتَكَبَّدُ(2)

أَبَضْعَةُ خَيْرِ الخَلْقِ تُلْطَمُ عَيْنُها *** وَ حامِي الحِمى بالصَّبْرِ عَنْهَا مُقَيَّدُ؟(3)

وَ تُدْفَنُ في جُنْحِ الظَّلامِ وَ لَمْ يَكُنْ *** هُناكَ لها قَبْريُزارُ وَيُقْصَدُ

فيا حَسْرَةً لاتَنْقَضِي لِمُصَابِها *** وَ يَا جَمْرَةً وَسْطَ الحَشَا لَيْسَ تَحْمُدُ

ص: 486


1- أشار إلى ذلك صاحب كتاب بحار الأنوار ج43 ص199 ح29 عن ابن عباس: قبضت فاطمة علیها السلام فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأقبل أبوبكر و عمر يعزيان عليّاً و يقولان له: يا أبا الحسن علیه السلام لاتسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما كان الليل دعا علي العباس و الفضل و المقداد و سلمان و أبا ذر و عماراً، فقدّم العباس فصلى عليها ودفنوها. فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیه السلام فقال المقداد قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لاتصليا عليها.
2- ذوى جسمها: ذَبُلَ و ضعف. و قد ورد في كتاب سليم بن قيس ص40 ما جرى عليها من قبل الصحابة فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلوات الله عليها من ذلك شهيدة فراجع المصدر.
3- ورد ذلك في كون فاطمة علیها السلام بضعة النبي صلي الله علیه و آله و سلم في أحاديث مستفيضة ورد ذلك في مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي، و خصائص النسائي، و كفاية الطالب، و معجم الصحابة، و صحيح مسلم، و مسند أحمد، و من كتبنا قرب الاسناد و المناقب لابن شهر آشوب، و مجالس المفيد و أمالي الطوسي، و البحار و عوالم العلوم، و غيرها كثير. و من هذه الكتب الكثيرة اخترنا ما ذكره مسلم في صحيحه ج4 ص1903 ح94 بإسناده عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها (ويسرني ما أسرّها). و أما صفعه وجه الزهراء علیها السلام بيده فقد ذكر ذلك في عوالم العلوم ج574/11 في الصفحة فقالت «سلام الله عليها» فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم. و أما مقالة أميرالمؤمنين علیه السلام في وصف حالاته و صبره فيقول: فالصبر أيمن و أجمل و الرضا بما رضي الله أفضل لكيلا يزول الحق عن و قره و يظهر الباطل من وكره حتى ألقى فأشكو إليه ما ارتكبتم من غصبكم حقي و تماطلكم صدري و هو خير الحاكمين و أرحم الراحمين و سيجزي الله الشاكرين و الحمد للَّه رب العالمين ثم سكت عن عوالم العلوم ج11، ص576.

فَطُوبَى لها نَالَتْ مَقاماً وَ رِفْعَةً *** و ذكرى إلى يَوْمِ المعادِ تُخَلَّدُ(1)

فَإِنْ ضاعَ مَثواها فَقَبْرٌ مُعَظَّمٌ *** لها في قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مُشَيَّدُ(2)(3)

ص: 487


1- في مسند أحمد بن حنبل64/3 عن أبي سعيد الخدري إشارة إلى بعض ذلك قال: قال رسول اللهصلط الله علیه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة و فاطمة علیها السلام سيدة نسائهم.
2- وردت الإشارة إلى هذا البيت في كتاب سليم بن قيس ص213: فلما كان الليل دعا علي العباس و الفضل و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها و دفنوها، فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام، فقال المقداد قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها وفي دلائل الإمامة ص46. سوّى أميرالمؤمنين علي في البقيع أربعين قبراً، و ما عرف الشيوخ قبرها و في البقيع قبور جدد.
3- نقلاً عن ديوان ميراث المنبر ص40.

(43) أم الأئمة علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

أتَرُومُ في دار الصُّدودِ خُلُودا *** و تَسُومُ جَنَّاتِ الخُلُودِ صُدُودا(2)

أَتَعِزُّ داراً ما خُلِقْتَ لَها عَلَى *** دارِخُلِقْتَ لها وَ نِلْتَ وُجُودا

وَ تَشِيدُ بَيْتاً مِلْؤُهُ نَحْسُ الفَنَا *** و تَهِيرُ ما فيهِ البَقاءُ سُعُودا(3)

وَ لَأَنْتَ عَنْ بَيْتٍ تَعَمَّرَ زائِلٌ *** فَتُصِيبُ فيما قَدْ هَدَمْتَ نُكُودا

ماذا يَرُوقُكَ مِنْ غَرُورٍ مِلْؤُها *** فِتَنٌ تَسُلُّ عَلَى الأنام حُدُودا

أبِمَكْرِها بِمَنِ اطْمَأنُوا نَحْوَها *** فَتُعِيضَهُمْ بَعْدَ القُصور لُحُودا؟(4)

أمْ تَكْلِها الباقين فيما أَوْدَعَتْ *** بالأرْضِ مِنْهُم إِخْوَةٌ وَ جُدُودا

ما أَكْرَمَتْ مَنْ كانَ أَكْرَمَها *** و لاإن عاهَدتْ أَدَّتْ إِلَيْهِ عُهُودا

أتَرَى الوَرَى أذرى بها مِن ربِّها *** فَتَسُومُ ما بِالخَسْفِ سامَ صُعودا؟

وَلَدَيْهِ لَوْ سَاوَتْ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ *** لَمْ يُسْقَ ماءً مَنْ جَفاهُ جُحُودا

لَمْ تَرْعَ في أحَدٍ رَعاها ذِمَّةً *** يَرْجُو الصعودَ فَتَرْهَقَتْهُ صُعُودا

دارُ ابْتِلاءِ لَوْ رَعَتْ حقَّ امْرِىءٍ *** لَرَعَتْ لِماتِحِها الوُجُودَ صَعُودا

ص: 488


1- (*) مرت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول.
2- تروم تقصد الصدود: الإغراض. تسوم: تعرض و تذكر ثمن الشيء.
3- تهیر: تسقط و تضعف.
4- تعيضهم: تعوضهم.

خَيْرُ الخَلائِقِ أَحْمَدُ المُخْتارُ مَنْ *** لولاه ما نالَ الوُجودُ وُجُودا

فَلَقَدْ أَتَتْ في آلِهِ مِنْ شَرِّها *** مالم يُبِحْهُمْ في الورودِ وُرُودا

هَذِي عَزيزَتُهُ البَتُولُ وَ مَنْ بِها *** أَوْصَى الأنامَ رِعايةً وَ نُهودا(1)

وَ البَضْعَةُ الزهراءُ مَنْ زَهَرَ اسْمُها *** فَحَبا العَوالِمَ نُورُها المَمْدُودًا(2)

وَ الحُرَّةُ العَذْرَاءُ وَ الإِنْسِيَّةُ الحَوْراءُ *** مَنْ فاقت أباً وَجُدُودا

أُمُّ الأَئِمَّةِ مَنْ أَتَتْ أَوْلادَها *** تَرِثُ الإمامَةَ سَيِّداً وَ مَسُودا

مَلَأَتْ جَوانِحَها مَحَبَّةُ رَبِّها *** فَأَبَتْ تَنالُ اللَّيْلَ منه هُجُودا

وَ تَمثَّلَتْ يَوْمَ الحِسابِ فَلَمْ تَزَلْ *** تَقْضِي رُكُوعاً عُمْرَها وَ سُجُودا

وَ تَشَوَّقَتْ عَيْشَ النَّعِيمِ فَزَيَّنَتْ *** بِالصَّوْمِ عَيْشَتَها طِلّى وَ زُنُودا

وَ اسْتَغْرَقَتْ في الحُب حَيْثُ تَوَرَّمَتْ *** أَقدامُها تَجِدُ القِيامَ قُعُودا

***

وَ تَمَحْضَتْ صَبْراً تَخالُ بِهِ الْأَسَى *** عَسَلاً و انواعَ البَلاءِ وُرُودا

لَمْ تَلْقَ بَعْدَ عِمَادِها عِزّاً ولا *** يَوْماً و لانالَتْ کَرًی وَ رُكُودا(3)

ما إِنْ قَضَى حَتَّى أُحِيطَ فِناؤُها *** ناراً تَسُومُ النُّورَ فِيهِ خُمُودا

وَلدَى الجِدارِ وَ بابِها عُصِرَتْ كَما *** بِالرَّضٌ صَدْراً أَسْقَطَتْ مَوْلُودا

و غَدَتْ على كَسْرِ الضُّلُوعِ تُعِيرُها *** ضَرْباً فَتَكْسُوها السياط بُرُودا

وَ بِكُلِّ ذلِكَ مَا اكْتَفَوْا عَنْ إِرْثْها *** غَصْباً نَفَوْا صَكّاً لَها وَ شُهُودا

وَ لِمَنْعِها عَنْ نَدْبِها خَيْرَ الوَرَى *** بَعَثُوا عَلى قَطْعِ الْأَرَاكِ حَسُودا(4)

ص: 489


1- نهوداً: تعضيماً.
2- إشارة إلى ما روي في علل الشرائع ج179/1 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها الحديث.
3- كرى ضخم الذراعين. كناية عن صحة الجسم. ركوداً: سكوناً.
4- الأراك: شجرة كانت الزهراء علیها السلام تستظل بها و تبكي على أبيها و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب الخصال ص272 ح15 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و اله وسلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر-مقابر الشهداء- فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.

قَعَدَتْ لِذلِكَ بالسّقامِ رَهِينَةً *** بالفَرْشِ تُوسِعُها الهُمُومُ وَقُودا

وَ قَدِ اجْتَمَعْنَ لَها نِسا الأَنْصَارِ فِي *** حَشْد يُكَلِّلُ بِالدُّمُوعِ خُدُودا

وَ تَقولُ يا عَيْنَ الجَمَالِ وَ شَمْسَهُ *** نُوراً وَ عَقْدَ فِخارِنا المَنْضُودا

مهلاً فَتَوْحُكِ قَدْ أَطارَ نُفوسَنا *** وَجْداً يُمَزِّقُنا حَشَى وَ كُبُودا

فِيهِ قَدْ أَصْبَحَتِ يا سِتَّ النِّسا *** فَلَعَلَّ حالك ما يَسُرُّ وَدُودا

قالَتْ لَقَدْ أَصْبَحْتُ قالِيَةٌ لِدُنْيا *** كُنَّ شانِئَةٌ لَكُنَّ وُرُودا(1)

فَرِجَا لُكُنَّ عَجَمْتُهُمْ فَلَفَظْتُهُمْ *** قَدْ أَظْهَرُوا ما أَضْمَرُوه حُقُودا

أَصْبَحْتُ بَعْدَ أبي لَدَيْهِمْ ضَيْعَةً *** لاوالداً أَدْعُو وَ لامَوْلُودا

أَوَلَيْسَ هذا المُرْتَضَى مَنْ خَصَّهُ *** في خُمِّ نَص مقامَهُ المَعْهُودا

ما بالُهُمْ خَذَلُوا لِمَنْ قَدْبايَعُوا *** وَ نَفَوْهُ عَنْ سُلْطانِهِ مَطْرُودا؟

أتَرَوْنَ مَنْ وَلَّوْهُ أَرْفَعُ حِكْمَةً *** مِنْهُ وَ عِلْماً أَمْ يُذَلُّ قُعودا؟

أَمْ لايَكُونُ اللَّهُ لمّا الختارَهُ *** بَعْدَ النَّبِيِّ خَلِيفَةً مَحْمُودا

و أنا الَّتِي وَصَّى بِي المُخْتارُ فِي *** حِفظ وحُبِّ لا يَحِلُّ عُقُودا

عَنْ مَنْزِلِي أُنْفَى لِنَدْبِ أبي أسِّى *** وَ أُصَدُّ عَنْ إِرْنِي يَداً و شُهُودا

وَ يُحاط للإحراق ناراً مَنْزِلِي *** وَ تَسُومُ هَتْكاً خِدْرِيَ الْمَوْصُودا

ص: 490


1- قالية شانثة: غاضبة مبغضة. و لعل في البيت هذا أو الذي يليه إشارة إلى خطبة الزهراء علیها السلام في مرضها عند عيادة نساء المدينة لها علیها السلام. فقد روي في كتاب معاني الأخبار ص354 ح1. لما اشتدت علّة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم اجتمع عندها نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كيف أصبحت من علتك؟ [فحمدت الله وصلت على أبيها صلي الله علیه و آله و سلم] ثم قالت صلي الله علیه و آله و سلم: أصبحت -والله- عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن -الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.

لم يَكْفِهِمْ رَضٌي وكَسْرُ أَضَالِعِي *** وَ سُقُوطُ حَمْلِي عافِراً مَمْرُودا(1)

حَتَّى أرادُوا بِابْنِ عَمّي القَتْلَ إِذْ *** أَخَذُوا الهُمامَ مُلَبَّباً مَصْفُودا(2)

وَ أَتَيْتُ ناصِرةً فَوُرّمَ كاهِلِي *** بِالسَّوطِ مِنْهُمْ أَذْرُعاً وَ زُنُودا

أَفَبَعْدَ ذاكَ تَريْنَنِي أَنْسَى الأذى *** أَمْ عِلَّتِي تُشْفَى لِذاكَ جُمُودا؟

هَيْهاتَ أَنْسَى بالرِّضا أَفْعَالَهُمْ *** حَتَّى أجاوِرَ عِزّيَ المَفْقُودا

فَأُرِيهِ ما قَدْ بَعْدَهُ فَعَل العِدَى *** في آلِهِ فَلَقَدْ وَفَوْهُ وُعُودا

و أَنا عَلَى وَشكِ اللحاق بهِ فَقَدْ *** تَركَ البَلا جِسْمي يَشفُّ جُلُودا(3)

ص: 491


1- عافراً: ممرغاً ضارباً به الأرض. ممروداً: ممزقاً عرضه.
2- الهمام: السيد الشجاع السخي مصفوداً مقيداً بالأصفاد.
3- يلاحظ في هذه القصيدة التزام الشاعر بما لايلزم التزام الواو بعدها دال وألف في الروى بينما يجوز له أن يضع الياء مكان الواو في جملة من أبياتها فيقول مثلاً وريداً وحيداً بدل ورود و وجود لكنه التزم بالواو. دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص48.

(44) من هدي البتول علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

باسم البَتُولِ وَبِاسمِ عِبدِ المَوْلِدِ *** حَرَّرْتُ في الذِّكْرَى بَدِيعَ فَصائِدِي

وَ نَظَمْتُ لُؤلؤها تَحِيَّةَ وَ الِهٍ *** تُهْدَى و أَرْفَعُها لِرُوحِ مُحَمَّدِ

وَ وَقَفْتُ أُنْشِدُها يَهُزُّ جَوائِحِي *** وَحْیُ الوَلاءِ وَ عَزَمَةُ المُتَوَدِّدِ

فَسَرَى بِرُوحِي لِلْخيالِ تَمَوُّجُ *** قَدْراحَ يَرْفَعُها لأَسْمَى سؤددِ

فَهُناكَ حَيْثُ مُحَمَّدٌ وَ مَقامُهُ *** وَ هُنا البَتُولُ بِنُورِها المُتَوَلِّد

وَ تَرَى خَدِيجَةً وَ هُيَ قَلب نابضٌ *** بِالحُبْ تَرْمُقُها بِطَرْفِ أَسْعَدِ

وَ تَكادُ تَلْتَهِمُ البَتُولَ تَشَرُّقاً *** لَوْلاَ الحَياءُ يَمُدُّها بِتَرَدُّدِ

فَهُناكَ شَخْصُ المُصْطَفَى فِي هَيْبَةٍ *** تَأْبَى عَلَيْها أَنْ تَجُورَ لِمَقْصَدِ

فَتَعُودُ وَ الِهةً تُسارِقُ طَرْفَهُ *** قَبْلَ الحَنانِ عَلَى الجَبِينِ الأَسْعَدِ

هذي هِيَ الذِّكْرَى وَ أَحْلامُ الهَنا *** نَغَمِّ يَرِنُّ بِلَحْنِ مَجْدِ خَالِدِ

***

زَهْراءُ شافِعَةُ الحِسابِ وَ رَحْمَةُ *** اللَّهِ العَظِيمَةُ عِنْدَ ضِيقِ المَوْرِدِ

أُمّاهُ يُسْعِدُنِي و فَخْرِي التي *** قَدْ قُلْتُها أُمَاهُ صَوْتَ مُرَدّدِ

أُمّاه في يَوْمِ المَعادِ إذا دَعا داعِي *** النُّشُورِ وَ قُمْتُ فِيهِ لِمَوْعِدِي(2)

ص: 492


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- النشور: يوم القيامة، الحياة بعد الموت.

أَمَّاهُ يُرْهِقُنا الحِسابُ بَلاؤُهُ *** وَ نَظَلُّ في تَوْبِ النَّدَامَةِ نَرْتَدِي

أمّاهُ تُنْشَرُ في الحِسابِ صحائِفي *** ياللشَّقاء و لِلْمَصِيرِ الأَسْوَدِ

واللَّهُ يُخْرِسُ في السُّؤالِ لِسانَنا *** يالِلفَضِيحَةِ أَنْ تُكَلِّمَهُ يَدِي

أَوَ هَلْ نَجُوزُ عَلَى الصِّراطِ بِخِفَّةٍ *** وَاللَّهُ لِلْعَاصِي هُناكَ بِمَرْصَدِ

أَمَّاهُ يُهْنِيكِ النَّعِيمُ وَإِنّنا *** لَنَظَلُّ في قَعْرِ الجَحِيمِ المُوقَدِ

هَيْهَاتَ حَدَّثنا الخبيرُ بِمَوْقِفٍ *** لَكِ في القِيَامَةِ مِثْلُهُ لَمْ يُشْهَدِ

في حِينِ يَأْتِيكِ النِّدَاءُ تَعَجَّلي *** نَحْوَ الجِنَانِ وَلِلْكَرَامَةِ فَاقْصَدِي

وَيِجيءُ النِّداءُ إلى الخَلائِقِ كلِّها *** غُضُّوا فَيَخْضَعُ طَرْفُ مَنْ فِي المَشْهَدِ(1)

فَيَسِيرُ مَوْكِبُكِ يَحُفٌ جَلالةً *** شَرَفٌ يَضِيقُ عَلَى العَدُوِّ الحَاسِدِ

لكِنَّكِ تَقِفِينَ بَعْدَ مَسِيرِكِ *** وَ الرَّكْبُ عَنْ عَرَصاتِها لَمْ يَبْعُدِ(2)

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا وُقُوفُكِ عِندَها *** يَأْتِي النداء خُذِي مُحِبَّكِ بِاليَدِ

فَتُمَدُّ مِنْكِ الكَتُ تَلْفُظُ جَيِّداً *** فِيها تُمَيِّزُهُ عَنِ العافِي الرَّدِي

وَ يَسِيرُ رَكْبُكِ حافلاً بَيْنَ المَلا *** فَيَرَاهُ شانِتُك بطَرْفِ أَرْمَدِ(3)

هذا هُوَ الشَّرَفُ الأصِيلُ وَ كَيْفَ لا *** أَوَلَسْتِ أَفْضَلَها وَ بَضْعَةً أَحْمَدِ؟

يا شِيعَةَ الزَّهْراءِ لَيْسَ تَنالُنَا *** تِلْكَ الشَّفَاعَةُ بالرَّخيص الأَزْهَدِ

لا بُدّ مِنْ عَمَلٍ يَكُونُ مُقَرَّباً *** لِلَّهِ فِي جُهْدِ وَ حُسْنِ تَعَبُّدِ

لافَرْقَ بَيْنَ النّاس إلا بالتُّقَى *** فَهُوَ المُؤَمِّلُ لِلشَّفَاعَةِ في غَدِ

***

أخْتاه يا أُخْتَ العَقِيدَةِ و الوَلا *** عَنْ نَهْجِ شِرْعَةِ أَحْمَدٍ لَا تَبْعُدي

ص: 493


1- غضوا: امنعوا أبصاركم مما لايحل لكم رؤيته.
2- عرصاتها: عرصات مفردها (عرصة ) على وزن ضربة و هي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.
3- شانئك: مبغضك. طرف أرمد مصاب بالرمد في عينه.

وَ إِلَيْكِ مِنْ هَذي البَتُولَةِ مَنْهَجاً *** فيهِ خُذي وَ بِنَيْرِ مِنْهُ اهْتَدِي

وَ لَكِ بِنَهْجِ سُلُوكِها مُتَطَلَّعاً *** نَحْوَ الكَمَالِ فَطَبقي وَ بِهَا اقْتَدِي

فُرِضَ الحِجابُ وَ كانَ أَعْظَمَ حِشْمَةٍ *** وَ حِمّى لَكِ عَنْ كُلِّ وَحْشٍ مُعْتَدِي

أضْفَى عَلَيْكِ مِنَ الجَلالَةِ هَيْبَةً *** تَحْمِيكِ مِنْ رَصْدِ العُيُونِ لِتَسْعَدي

أمِنَ التَّقَدُّم إِذْ خُدِعْتِ بِإِسْمِهِ *** أَنْ تَبْرُزِينَ كَسِلْعَةِ المُسْتَوْرِدِ

و يَطُوفُ فيك العابِثُونَ يَقُودُهُمْ *** نَزَقُ الشَّبابِ وَ بِطَيْشِهِ المُتَعَمدِ(1)

عُودِي إلى أمْنِ الشَّرِيعَةِ وَ اسْدُلِي *** حُجُبَ الجَلالِ وَ لِلْمَهابَةِ فَارْتَدِي

وَ دَعِي كَلامَ الطَّامِعِينَ وَ زِبْرِجاً *** خَدَعُوكِ فِيهِ مِنَ البَيانِ الفاسِدِ

ما ذاك إلا السُّمُّ إِذْ دافوهُ في *** عَسَل الوُعُودِ وَ كَانَ حَبْلَ الصَّائِدِ(2)(3)

ص: 494


1- نزق الشباب: النزق هو الخفة في كل أمر، العجلة و الجهل و الحمق. طيش: خفة و نزق و ذهاب العقل.
2- دافوه: خلطوه.
3- أفراح الولاء ص57.

(45) أشرف خلقة

(بحر الكامل)

السيد مصطفى

السيد محمد فضل الله

تَحْيا القُلوبُ بِذِكْرَ آلِ مُحَمَّدِ *** هُمْ نِعْمَةُ البَارِي وَ نُورُ الأَوْحَدِ

هُمْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ طَابَ نَعِيمُها *** هُمْ في السَّمَاءِ وَ خَصْمُهُمْ فِي الأَوْهَدِ(1)

هُمْ في كِتابِ اللَّهِ أَشْرَفُ خَلْقِهِ *** هُمْ يَنْتَمُونَ إلى العُلَى وَ السُّؤْدَدِ

هُمْ أَظهَرُ الأَرْحَامِ قَبْلَ المَوْلِدِ *** وَ عَدُوُّهُمْ في الرِّجْسِ قَبْلَ المَوْلِدِ

***

تَحْيَا القُلُوبُ بِفاطِمِ خَيْرِ النِّسا *** أَكْرِمْ بِفاطِمَ كَوْثَراً مِنْ أَحْمَدِ

يا بِنْتَ خَيْرِ الخَلْقِ يا طُهُرَ الوَرَى *** يا جَنَّتِي يَا قِبْلَةَ المُتَعَبدِ

يا نَهْدَتِي لِلَّهِ أَعْظَم خالِقٍ *** خَلَقَ الوُجُودَ كَرَامَةٌ لِمُحَمَّدِ

أعْطِيتِ نوراً للهُدَى وَ مَنارَةً *** فيها نَلُوذُ وَ تَسْتَنِيرُ وَ نَهْتَدِي

أَنْتِ الرَّجاءُ وَ أَنْتِ عُنْوانُ التَّقى *** أَنْتِ الكَرامَةُ وَ الشَّفَاعَةُ فِي غَدِ

أنْتُمْ مَصابِيحُ الدُّجى طُولَ المدَى *** مِنْ حَيْدَرِ الكرارِ أَعْظَم سَيّدِ

زَهْرَاءُ إنّي في رِحابِكِ طائِرٌ *** فيها أرُوحُ وَ اسْتَرِيحُ وَ اغْتَدِي

زَهْرَاءُ لُفّي بِالحَنانِ وَ بَرِّدِي *** قَلْبِي فَإِنِّي مُوجَعٌ عانٍ صَدِي

مَنْ مِثْلُكُمْ يَا آلَ بَيْتِ المُصْطَفَى *** مِنْ رُكَّعِ، مِنْ خُشَعٍ، مِنْ سُجَّدِ

يا نَهْدَتِي لِلَّهِ أَعْظَم خالِقٍ *** خَلَقَ الوُجودَ كَرَامَةٌ لِمُحَمَّدِ

ص: 495


1- الأوهَدِ: معناها الوهاد: و هي الأرض المترامية غير المسكونة.

(46) سيدة العالمين علیها السلام

(بحر المتقارب)

الأستاذ مصطفى المهاجر

أَرِيجُ النُّبُوَّةِ فِيكِ ابْتَدا *** وَ فَيْضُ الهِدايَةِ مِنْكِ اهْتَدَى

وَ أنْغَامُ عِزّكِ في الخافِقَيْنِ *** لَها الدَّهْرُ مِنْ وَلَةٍ... أَنْشَدَ(1)

وَ نُورُكِ يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى *** أضاءَ... أضاءَ فَغَطَّى المَدى(2)

***

حَنانَيْكِ... أُمَّ النَّبِيِّ الكَرِيم *** وَ أُمَّ الأَئِمَّةِ... نُورَ الهُدَى

شَرِبْنا وَلاءَكِ مُنْذُ الرَّضَاعَ *** فَأَوْرَقَ حُبّاً... غزِيرَ النَّدَى

وَ حَلَّقَ في حُزْنِكِ المُسْتَدِيم *** حَنِين بِأَشْواقِهِ... يُقْتَدَى

فَحُزْنُكِ يُسْكِنُ أَضلاعنا *** لَهيباً... تَوَقَّدَ لَنْ يَخْمِدًا

وَ صَوْتُكِ رَغْمَ رَنِينِ الأَسَى *** لَهُ في نفوس الهُداةِ... صَدَى

فَصَارَتْ شُعاعاً بما تَحْتَوِي *** قُلُوبٌ لدى وَجْدِها سُجَّدًا

***

وَ صارَتْ بِذِكْراكِ أَيَّامُنا *** مُعَطَّرَةٌ... عِزَّةٌ سُؤدَدا

ص: 496


1- الخافقين: المشرق و المغرب لأن الليل و النهار يخفقان فيهما. وَ لَهٍ: حزن شديد حتى كاد يذهب عقله.
2- إشارة إلى ما روي في البحار ج40 ص44 ضمن ح81 في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام الهوامش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام و لذلك سمّيت (الزهراء) لأن نورها زهرت به السموات.

وَ صارَتْ لَيالِي الأسى ثَرَةٌ *** بِذِكْراكِ نَيرة... فَرْقَدا(1)

وَ صِرنا إذا ضامناحاقِدٌ *** وَ طَوَّقَنا بالهُمُومِ... العِدَى

طَلَبْناكِ نَسْتَكْشِفُ العادِياتِ *** ذَكَرْناكِ نَسْتَنْجِحُ المَقْصَدًا

فَذابَتْ عَلَى عَتَباتِ الهَوَى *** مَغالِيقُ... أَحْكامُها كالرَّدَى(2)

وَ عَادَتْ لِأَنْفُسِنابَسْمَةٌ *** تَكادُ مِنَ الحُزْنِ... أنْ تُوأَدَا(3)

***

حَنانَيْكِ... سَيِّدَةَ العَالَمِينَ *** حَنانَيْكِ... يا نَسْمَةٌ تُفْتَدَى(4)

تَرِقُ الحَيَاةُ عَلَى شَاطِنَيْكِ *** وَ تَزْهَرُ أَفياؤها... بِالنَّدى

وَ تَشْمَخُ ذِكْراكِ نَحْوَ السَّماءِ *** تُعانِقُ في مَجْدِها... أَحْمَدا

وَ تَمْلَا دُنْيا الوفاءِ العَظِيمِ *** بِفَيْضٍ مِنَ الطُّهْرِ لَنْ يَنْفَدا

وَ تُوقدُ في الدّاجياتِ الشُّموسُ *** لِتَكْشِفَ مِنْ ظُلْمَةٍ مَا بَدا

فَتَرْدانُ بِالنُّورِ... أيامُنا *** و تَفْتَحُ دَرْباً لنا... مُوصَدا(5)

وَ تَشْعَلُ أَحْلامُنا بالرَّجاءِ *** لِنُوصِلَ بِالأَمْسِ زَهْواً... غدا

أَسَيِّدَةَ الحُزْنِ وَ الأُمْنِيَاتُ *** شُمُوعاً عَلَى الدَّرْبِ لَنْ تُوقَدا

بِغَيْرِ ابْتِهَالِكِ أَنَّ الطّريقَ *** إلَى اللَّهِ... مَفْروشَةٌ عَسْجدا(6)

وَ غَيْرِ نِدائِكِ أَن الحَياةَ *** بلا طاعَةِ اللَّهِ لَنْ تُحمَدا

ص: 497


1- ثرَّة: واسعة.
2- الردى: الموت.
3- توأدا: تدفن في التراب و هي حية.
4- لعله إشارة إلى ما روي في كتاب خصائص النساء ص34 قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن ملكاً من السماء لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي فأخبرني و بشّرني أن فاطمة علیها السلام بنتي سيدة نساء أمتي (أقول)، و ذكره أيضاً المتقي الهندي في كنز العمال 221/6.
5- تزدان: تتحسن و تتزخرف.
6- عسجداً: ذهباً.

و غير دعائِكِ أَبْنَاءَنَا *** لِحَمْلِ العَقِيدَةِ كَيْ تُرْشَدا

وَ غَيْرِ وُقُوفِكِ بَيْنَ الصُّفوفِ *** لِتَصْحِيحِ مَا اعْوَجَ أَوْ قُدِّدا(1)

***

حَنانَيْكِ... سَيِّدةَ العَالَمِينَ *** و عَفْوَكِ مِنْ بَضعَةٍ تُقْتَدى

شَرِبْنا وَلاءَكِ مُنْذُ الرَّضاعِ *** فَأَوْرَقَ حُبّاً غَزِيرَ النَّدى

وَ نَرْجُو الشَّفَاعَةَ فِي حُبِّكُمْ *** فَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لَنْ نُطْردا

ص: 498


1- قدد: شقِّق.

(47 ) آل بيت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي(*)(1)

حَيّا الإلهُ كَتِيبَةً مُرْتادُها *** يُطوى لَهُ سَهْلُ الفَلا وَوِهادُها(2)

قصدتْ أَمِيرَالمؤمِنِينَ بِقُبَّةٍ *** يبنى على هامِ السِّماكِ عِمادُها(3)

وَفَدَتْ على خَيْرِ الأنام بِحَضْرَةٍ *** عِندَ الإلهِ مُكَرَّمَ وُفَّادُها

فيها الفَتَى وَ ابْنُ الفَتَى وَ أَخُو الفَتَى *** أَهْلُ الفُتُوَّةِ رَبُّها مُقْتادُها

فَلَهُ الفَخارُ قَدِيمُهُ وَ حَدِيثُهُ *** وَ الفَاضِلاتُ طَرِيفُها وَ تِلادُها(4)

ص: 499


1- (*)هو الشيخ مغامس بن داغر الحلي المتوفى حوالى سنة (850ه_) و هو من شعراء أهل البيت المكثرين المتفانين في حبهم و ولائهم علیهم السلام. ينتسب الشيخ مغامس إلى إحدى القبائل العربية القاطنة في ضواحي الحلة الفيحاء، استوطن الحلة للدراسة، و لم يبارحها حتى قضى بها نحبه شاعراً و خطيباً في أواسط القرن التاسع. و كان والده (داغر) شاعراً موالياً، و هو الذي علّمه قرض الشعر و مرَّنه على ولاء العترة الطاهرة كما صرح بذلك في قوله. أعملت في مدحكم فكري فعلّمني *** نظم المديح و أوصاني بذاك أبي فحيا الله الوالد و الولد. و جاء ذكره في كتب التراجم للمتأخرين كالحصون المنيعة للعلامة كاشف الغطاء، و الطليعة للعلامة، السماوي و البابليات للخطيب اليعقوبي وذكر شعراً من شعره شيخنا الطريحي في المنتخب و غيرهم وتضمن غير واحد من المجاميع قريضه المتدفق بمدح أهل بيت علیهم السلام الوحي أئمة الهدى و رثائهم «صلوات الله عليهم» حتى جمع منها الشيخ السماوي ديواناً بإسم المترجم له يربو على ألف و ثلاثمائة و خمسين بيتاً و لعل ما تلف منها أكثر و أكثر.
2- الفلا: الصحراء. و هادها: أراضيها المنخفضة.
3- هام السِّماك: رأس السماك هو كوكب نيرّ.
4- طريفها: مستحدثها، تلادها: قديمها.

مَوْلَى البَرِيَّةِ بَعْدَ فَقْدِنَبِيِّها *** وَ إِمَامُها وَ هُمَامُها وَ جَوادُها

وَ إِذ القُرُومُ تَصادَمَتْ في مَعْرَكٍ *** وَ الخَيْلُ قَدْ نَسَجَ القَامَ طِرادُها(1)

وَ تَرَى القَبائِلَ عِنْدَ مُخْتَلِفِ القَنا *** مِنْهُ يُحَدِّرُ جَمْعَها آحادُها

وَ الشُّوسُ تَعْثَرُ في المَجالِ وَ تَحْتَهَا *** جُرْدٌ تَجِذُّ إِلَى القِتَالِ جِيادُها(2)

فَكَأَنَّ مُنْتَشِرَ الرِّعالِ لدَى الوغى *** زُجَلٌ تَنَشَّرَ في البلادِ جَرادُها(3)

وَ رِماحُهُمْ قَدْ شُظِّیَتْ عِيدانُها *** وَ سُيُوفُهُمْ قَدْ كُسِّرَتْ أَغْمَادُها(4)

وَ الشُّهْبُ تَعْمِدُ في الرُّؤوسِ نُصُولُها *** و السُّمْرُ تَصْعَدُ فِي النُّفُوسِ صِعَادُها

فَتَرَى هُناكَ أخَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَ عَلَيْهِ مِنْ جُهْدِ البَلاءِ جِلادُها(5)

مُتَرَدِّياً عِندَ اللّقا بِحُسامِهِ *** مُتَصَدِّياً لِکُماتِها يَصْطادُها

عَضَدَ النَّبِيَّ الهاشِمِيَّ بِسَيْفِهِ *** حَتَّى تَقَطَّعَ في الوغى أَعْضادُها

وَ أخَاهُ دُونَهُمُ وَ سَدَّ دُوَيْنَهُ *** أَبْوَابَهُمْ فَتَاحُها سَدَادُها(6)

وَ حَباهُ في (يَوْمِ الغَدِيرِ) وَلايَةً *** عامُ الوَداعِ و كُلُّهُمْ أَشْهادُها

فَغَدا بهِ (يَوْمَ الغدِيرِ) مُفَصَّلاً *** بَرَكاتِهِ ما تَنْتَهِي أَعْدادُها

قَبِلَتْ وَصِيَّةَ أحْمَدٍ وَ بِصَدْرِها *** تُخْفَى لآلِ مُحَمَّدٍ أَحقادُها

حتى إذا ماتَ النَّبِيُّ فَأَظْهَرَتْ *** أَضْغَانَها في ظُلْمِها أَجْنادُها

ص: 500


1- القروم: الجمال الفحول إذا تركت عن الركوب و العمل. القتام: الغبار الأسود غبار الحرب الظلام، السواد طراد الخيل: فرسان الطراد هم الذين يعمل بعضهم على بعض.
2- الشوس: الطوال، أو الأشداء الجريئين في القتال الجُرد الخيل التي لارجالة فيها، تجد: تسرع.
3- الرعال: جمع رعيل و هي كل قطعة متقدمة من الرجال أو الخيل، زُجلٌ: جماعة من الناس.
4- شظيت: فُرِّمت.
5- جلادها: كبارها و صلابها.
6- دوينه: تصغير دونه.

مَنَعُوا الخِلافَةَ رَبَّها ووَلِيَّها *** بِبَصائِرٍ عَمِيَتْ وَضَلَّ رَشادُها

وَاعْصَوْصَبُوا في مَنْعِ فاطِمَ حَقَّها *** فَقَضَتْ وَقَدْ شابَ الحَيَاةَ نَكَادُها(1)

وَ تُوُفِّيَتْ غُصَصاً وَ بَعْدَ وَفَاتِها *** قُتِلَ الحُسَيْنُ وَ ذُبِّحَتْ أَوْلادُها(2)

وغَدا يُسَبُّ عَلى المَنابرِ بَعْلُها *** في أُمَّةٍ ضَلَّتْ وَ طَالَ فَسادُها

وَ لَقَدْ َوقَفْتُ عَلى مَقالَةِ حاذِقٍ *** في السَّالِفِينَ فَرَاقَ لِي إِنْشادُها

(أَعَلَى المَنابِرِ تُعْلِنُونَ بِسَبِّهِ *** وَبِسَيْفِهِ نُصِبَتْ لَكُمْ أَعْوادُها )؟

يا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ يا سَادَةٌ *** سَادَ البَرِيَّةَ فَضْلُها وَ سَدادُها

أَنْتُمْ مَصابيحُ الظَّلامِ وَأَنْتُمُ *** خَيْرُالأنامِ وَأَنْتُمُ أَمْجَادُها

فُضَلاؤُها عُلَماؤُها حُلماؤُها *** حُكَماؤُها عُبَّادُها زُهَّادُها

أمَّا العِبادُ فَأَنْتُمُ سَادَاتُها *** أمّا الحُرُوبُ فَأَنْتُمُ آسادُها

تِلْكَ المَساعِي لِلْبَرِيَّةِ أَوْضَحَتْ *** نَهْجَ الْهُدَى وَمَشَتْ بِهِ عُبَادُها

ص: 501


1- أعصو صبوا : اجتمعوا و في هذا البيت إشارة إلى منع القوم فاطمة علیها السلام فدكاً و قد مرَّ ذلك الالام في قصيدة الوايل الإحسائي نقلاًعن أحمد بن حنبل في مسنده9/1 والسنن الكبرى6/ 300 كما في عوالم العلوم ج2/11 ص626 و ج1 ص13 من مسند أحمد أيضاً والعوالم ج 2/11 ص 631.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أنها «سلام الله عليها »ماتت كمداً على الحزن و الأسى. ففي كتاب البحار ج43 ص95 ح24 قال: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلی الله علیهم و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً لم تر كاشرة و لاضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين و الخميس فتقول علیها السلام: ههنا كان رسول الله صلی علیه و آله و سلم و ههنا كان المشركون و في رواية أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام أنها كانت تصلي هناك و تدعو حتى ماتت». و في البحار أيضاً ج43 ص201 ضمن ح30 عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله و آله و سلم عاشت بعد النبى ستة أشهر ما رئيت ضاحكة و عنه علیه السلام أن فاطمة علیها السلام كفنت في سبعة أثواب). و في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص137 قال: روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محرقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة... الخ».

و إلَيْكُمُ مِنْ شارِداتِ (مُعَامِسٍ) *** بِكْراً يُقِرُّ بِفَضْلِها حُسّادُها(1)

كَمُلَتْ بِوَزْنِ كَمالِكُمْ وَ تَزَيَّنَتْ *** بِمَحاسِنٍ مِنْ حُسْنِكُمْ تَزْدادُها

نادَيْتُها صَوْتاً فَمُذْ أَسْمَعْتُها *** لَبَّتْ و لَمْ يَصْدُرْ عليَّ زِنادُها

نَفَقَتْ لَدَيَّ لِأَنَّها في مَدْحِكُمْ *** فَلِذاكَ لا يُخْشَى عَلَيَّ كَسَادُها

رَحِمَ الإِلهُ مُمِدَّها أَقْلَامَهُ *** و رَجَاؤُهُ أنْ لايَخِيبَ مِدادُها

فَتَشَفَّعُوا لِكَبَائِرَ أَسْلَفْتُها *** قَلِقَتْ لَها نَفْسِي وَقَلَّ رُقادُها(2)

جُرْماً لَوَ أنَّ الرَّاسِياتِ حَمَلْنَهُ *** دُكَّتْ وَذابَ صُخُورُها وَ صِلادُها(3)

هَيْهَاتَ تُمْنَعُ عَنْ شَفَاعَةِ جَدَّکُمْ *** نَفْسٌ وَحُبُّ أبي تُرابٍ زادُها

صَلّى الإِله عَلَيْكُمُ ما أَرْعَدَتْ *** سُحُبٌ وَ أَسْبَلَ مُمْطِراً إزعادُها(4)

ص: 502


1- مغامس: من رمى نفسه في وسط الحرب أو الخطب.
2- رقادها: نومها.
3- الراسيات: الجبال الراسخة - صلادها :صلابها و شديدها.
4- أدب الطف ج4 ص297.

(48) ولادة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ منذر الساعدي

كأنَّ ولادةَ الزهراءِ عيدُ *** لذا ينسابُ كالنهرِ القَصِيدُ

و تنهمرُ القوافي من عُلوٍ *** كشلالٍ له تشتاقُ بیدُ

وآمالٌ كثلجٍ فوقَ قَلبِي *** فقلبي النارُ في دمهِ تزيدُ

ستطفى ءُجمرة الأحزان فينا *** ولادتُها و للشكوى تبیدُ

ففاطمةٌ لها درجاتُ عِزِّ*** و منزلةٌ و تاريخٌ مجيدُ

ومن قد جهلَ الزهراء يوماً *** تحدَّثُهُ الدهورُ فيستعيدُ

سيخبرُه بما كانتْ تعاني*** وماكانتْ من البارِي تُريدُ

إلهي لا تُرِيني من تعدّى *** على حقَّي فأنّي لا أزيدُ

إلهي أشتكي ظلماً وجوراً *** و كيفّ أهانَتِي الزمنُ العنيدُ

يقابلُني بشتمٍ ثم ضربٍ*** و يدفعُنِي كما دُفعَ العبيدُ

و فوقَ الأرض يا مولاي أهوى*** فألقى الأرضَ كالصرِعَى تميدُ

و يسقطُ محسنٌ والآه تترى *** ألا ياقومُ قد حانَ الوعيدُ

أفاطمُ بضعةُ المختار تلقى*** و تنسوها ليبكيها الصعيدُ

ويُكسر ضلعُها من دون ذنبٍ *** و حيدرةُ يكبِّلهُ الحديدُ

أما تدرونَ من هي من أبوها؟ *** و هل يعلوكُمُ شيءٌ جديدُ؟

ولكنَّ الضمائر قد أُمِيتت *** و لم يَردَعكُمُ خَلقٌ حميدُ

و قد أغراكُمُ مالٌ و جاهٌ *** و دنيا لاتضرُ و لاتفيدُ

ص: 503

خُذُوها في جهنم مستقرِّ *** و مثلكمُ سيدخُلُها المزيدُ

***

ألا يا ساعةَ الميلادِ طوبى *** على شفةِ الزمانِ لك نشيدُ

و في مقل الكرامةِ أنتِ نورٌ*** وفكرٌ ملهمٌ حرَّ سديدُ

هي الزهراءُ صومعةُ المعالي *** بها الأحقابُ ما زالتْ تشيدُ

و ما زالتْ بها الأيامُ تشدو *** و يفخرُ في طهارتِها العديدُ

ولكنَّ المآسي داهمَتْها *** و ما قدمرَّها يومٌ سعيدُ

فمنذُ جريمةِ الأوغادِ دامت *** مصائِبُها و والدُها فقيدُ

و سامُوها العذابَ بلا ضمير*** و أربابُ الضلالِ لها تكيدُ

إلى أن فارقَتْها الروحُ يوماً *** و في أوصالِها همِّ مديدُ

سلاماً في ولادتِكِ سلاماً *** بعثناهُ و أَدْمُعُنا البريد

سلاماً يا بقيعُ بلا انقطاعٍ *** قريبٌ أنتَ ما أنت البعيدُ

ص: 504

قافیة الذال

اشارة

ص: 505

ص: 506

(1) قَصَب السبق

(بحر المتقارب)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

عَذِيرِي مِنْ غافِلِ مَا اسْتَعَاذَا *** مِنَ الْمُنْكَراتِ وَ بالله لاذا(2)

حَسْبُكَ مِنْ تَوْبَةِ نِیَّةٌ *** فَمَا الْوَدْقُ في الْبَدْءِ إِلاّ رَذَاذا(3)

و لاتَسْتَهِنْ بصِغارِ الذنوبِ *** فَمِنْهَا الكَبائِرُ تَأْتِي جُذاذا(4)

وَ لِلنَّفْسِ فِي لَهْوِهَا جَنَّةٌ *** تَرُود الرَّغابُ كثاراً لِذاذا(5)

مَنْ شَبَّ فِي نَزَعَاتِ الشَّبابِ *** شابَ عَلَيْها سِقاطاً حُذاذا(6)

وَمَنْ أَمَّ فى نَهْجِهِ فاطِماً *** و نافَحَ شَيْطَانَهُ وَاسْتَعاذَا

حَوَى قَصَبَ السَّبْقِ مِضمارُهُ *** وَبَدَّخُيُولَ المَعاصَي بَذاذا(7)

وَ قالَتْ لَهُ حَلَباتُ الفَضِيلَةِ *** مَنْ يَمْتَطِي المَجْدَ ظَهْراً كَهذا؟

ص: 507


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- عذيري: نصيري.
3- الودق: المطر. الرذاذ: المطر الضعيف.
4- جُذاذا:ما تكسرّ من الشيء، فضل كلّ شيء.
5- ترود: تطلب. رغاب: وسع الأجواف من الناس.
6- حُذاذا: سريعاً.
7- بَدَّ: ساءت حالته.

(2) حكم الإله

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

حارَ الفُؤادُ إِذِ اعْتَرَتْهُ نَوائِبُ *** لِلدَّهْرِ يَسْأَلُ أَيْنَ أَيْنَ الْمَنْفَذُ

فَهَوَى عَلَى الْقُرْآنِ في صَفَحاتِهِ *** بَحْثاً وَ مِنْ آباتِهِ يَتَلَذَّذُ

وَ إِذا بِهِ في(هَلْ أتى) مُتَلَمِّساً *** دَرْباً يَلُوحُ بهِ الْبَشِيرُ المُنْقِذُ(2)

حَلَّتْ بهِ الزَّهراءُ نُوراً ساطِعاً *** لازالّ فِي قَلْبِ الْعَوالِمِ يَنْفُذُ(3)

وَ بِآيَةِ النَّظْهِيرِ خَصَّصَ بَيْتَها *** عَنْ كُلِّ شَانِئَةٍ بِهِ يَتَعَوَّذُ(4)

فَإِذا مَوَدَّتُها انْتَقَتْ مِنْ مُسْلِمٍ *** فإِلى جَهَنَّمَ وَالسّشعِيرِ سَيُنبَذُ(5)

ص: 508


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- فى المناقب (106/3) أن اللَه «تعالى» قد أنزل (هل أتى) في أهل البيت علیهم السلام و ليس شيء من نعیم الجنة إلّا و ذكر فيه إلّا الحور العين. قال: ذلك إجلالاً لفاطمة علیها السلام.
3- وذلك إشارة لما ورد أيضاً في بحار الأنوار (73/36) آخر الصفحة فضحَّت الملائكة و نادت: إلهنا و سيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما فرَّجت عنا هذه الظلمة فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء علیها السلام فاطمة فأقامها أمام العرش. فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام.
4- في البحار، ج40 ص66 ح100، قال رسول الله صلی الله علیهم و آله و سلم الله في آية التطهير: «إن الله أختارني من أهل بيتي علیهم السلام و اختار علياً و الحسن و الحسين علیهم السلام و اختارك. فأنا سيد ولد آدم و علي سيد العرب و أنتِ سيدة النساء و الحسن و الحسين علیهم السلام سيدا شباب أهل الجنة. ومن ذريتكما المهدي يملأ الله «عزوجل» به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً».
5- الزمخشري في كشافه: في تفسير: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قال: إنها لما نزلت قيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علیه السلام: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.

حَكَمَ الْإلهُ بِحُبَّ بِنْتِ نَبِيِّهِ *** وَ بِحَقَّ أعْداءِ البَتُولِ يُنَفَّذُ(1)

أَفَيَدَّعِي الإِسْلامَ غاصِبُ حَقِّها؟ *** كَلاَّ فَذَلِكَ في الأنامِ مُشَعْوِذُ(2)

ص: 509


1- عن الإمامة والسياسة ص14 : في قول رسول الله صلی الله علیم و آله و سلم:«من أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني ومن أرضي فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني».
2- مشعوذ: من استعمل الشعوذة و هي خفة اليد و أعمال كالسحر تري الشيء للعين بغير ما هو عليه و في كتاب الإمامة و السياسة أيضاً ص14: في حديث فاطمة علیها السلام لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تعرفان و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم لأشكونكما إليه. و في تفسير علي بن إبراهيم القمي ص533 و ذلك في شرح الآية :«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ» قال: نزلت في من غصب أميرالمؤمنين علیه السلام حقه و أخذ حق فاطمة علیها السلام و آذاها. و قد قال النبي صلی اللَّه علیه و آله و سلم: «من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، و من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه» و راجع البحار ج43 ص25 ح23.

(3) يقف الأمين مسلماً

(بحر الكامل)

الدكتور السيد مسلم الجابري(*)(1)

يا دار فاطِمَ ما تَرَاءَى طَيْفُها *** إلا وَ أَصْبَحَ مِنْهُ فِي عَيْنِي قَذَى

حَتّامَ هذا القَلْبُ يَتْرَعُهُ الأسَى*** لَمْ يُلْفَ مِنْ شِرْكِ المَصائِبِ مُنْقَذا(2)

عَهْدٌ لِعِتْرَةِ أَحْمَدٍ فِي صَحْبِهِ *** غَضِّ يَفُوحُ بِهِ مِن الوَحْيِ الشَّذَى(3)

أمْسَى يُؤَكِّدُهُ الرَّسُولُ لِقَوْمِهِ *** فَكَأَنَّهُ أَوْحَى بِهِ أنْ يُنْبَذا

لاحَبَّذا الغَدْرُ الشَّنِيعُ وَ يَوْمُهُ *** مِنْ بَعْدِ مَوْتِ المُصْطَفَى لاحَبَّذا

يَوْمٌ أَنَاخَ بِهِ الظَّلامُ فَلَمْ يَجِدْ *** نُورُ الهِدايةِ في الضَّمائِرِ مَنْفَذا

لَهفي لِبنتِ مُحَمَّدٍ مِنْ بَعْدِهِ *** ذاقَتْ مِنَ الأصْحابَ ألوانَ الأذَى

خَرَجَتْ تَذُودُ النَّارَ عَنْ بابِ بِهِ *** يَقِفُ الأمينُ مُسَلِّماً وَمُعَوِّذا

وَ لَقَدْ أصابَ مِنَ الهِدايَةِ قَلْبَها *** ما أَلَمَ المِسْمَارُ مِنْهُ، و أَوْقَذَا

وَ السَّوْطُ يَلْعَنُ حامِلِيهِ بما جَنَى *** حِقْدٌ على الزَّهْراءِ حَرَّضَ قُنْفُذا

يا سَوْط قُنْفُذَ قَدْ شَهَرْتَ عَلَى الهُدَى *** سَيْفاً تَعَوَّدَ أَنْ يُسَلَّ و يُشْحَذا(4)

نُهِبَتْ به مُهَجٌ لِآلِ مُحَمَّد(صلي الله علیه و آله و سلم)*** رَاحَ العَدُوُّ بِسَفْكِها مُتَلَذَّذا

ص: 510


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يترعه:يملأه.
3- غضّ: ناضر.
4- يُشحذ: يُحدّ.

يَوْمَ اسْتَفاقَتُ في الصُّدورِ صَغَائِنٌ *** وَ غَدا الضَّلال على الهُدَى مُسْتَخوِذا(1)

كانَتْ بِهِ أبناء فاطِمَ بَعْدَها *** في كُلِّ نازلَةٍ مِثالاً يُحْتَذي(2)

ما هَمَّهُمْ خَصْمٌ تَنازَعَ حَقَّهُمْ *** كَلاً وَ لَمْ يُسْكِتْهُمُ هاذٍ هَذى

وَ لَئِنْ تَلَمَّظَ في زَكِيٌّ دِمَائِهِمْ *** خَصْمٌ غَدا في ظُلْمِهِمْ مُتنَفّذا

فاللَّهُ يَوْمَ الحَشْرِ يَأْخُذُ ثَارَهُمْ *** وَ الصُّورُ يَدْعُو ظَالِماً كَيْ يُؤْخَذا(3)

ص: 511


1- ضغائن: أحقاد.
2- نازلة: مصيبة.
3- الصور: القرن، و منه قوله «تعالى» «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ».

ص: 512

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد والبحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 513

ص: 514

1- فهرس الشعراء

الإسم*** المقطوعة

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني *** ت(1)، د(1)

الشيخ إبراهيم النصيراوي *** ب(1)

الأستاذ أبوذر الشويلي *** ت(2)

الشيخ أحمد بن حسن الدمستاني *** ب(2)

الأستاذ أحمد علي الناصر *** د (2)

أحمد محمد الأنصاري الشيرواني *** د (3)

الدکتور أسعد علي *** ب (3)

السيدة أم سلمة زوجة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم *** ت (3)

الأستاذ أنور الجندي *** د (4)

جاسم محمد الصحيح *** ب (4)، ح (1)

الأستاذ جعفر الجعفر *** ب (5)، د (5)

الأستاذ جعفر عباس الحائري *** د (6)

الشيخ جعفر الهلالي *** د (7)، د (8)

الأستاذ الحافظ البرسي الحلي *** ح (2)

الشيخ حبيب الهريبي *** د (9)

الشيخ حسن البحراني القيسي *** ب(6)، ب (7)، د (10)، د (11)، د (12)

الشيخ حسن بن حمود الحلي *** ب (8)، ب (9)

الأستاذ حسن بن علي بن جابر الهبل *** ب (10)

الشيخ حسن الدمستاني *** ب (11)

الشيخ حسين الشبيب *** د (13)، د (14)

الشيخ حسين النصراوي *** د (15)

ص: 515

الأستاذ ديك الجن الحمصي *** ت (4)

الأستاذ سالم محمد علي *** ت (5)

الحاج سعود الشملاوي *** د (16)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ب (12)، ب (13)

الأستاذ سعيد معتوق الشبيب *** د (17)

الأستاذ سفيان بن مصعب العبدي (أبومحمد) *** ب (14)

الشيخ سلمان البلادي البحراني *** ب (15)

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني *** د (18)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة *** ت (6)

الشيخ سليمان الجابري *** د (19)

الشريف الرضي *** د (20)

الشيخ صادق جعفر الهلالي *** ب (16)

الشيخ صالح الطرفي *** ث (1)، خ (1)

الأستاذ عباس مرتضى عياد العاملي *** ب (17)

الشيخ عبدالحسين شكر *** د (21)

الشيخ عبد الستار الكاظمي *** ج (1)، د (22)

الشيخ عبد العظيم الربيعي*** ب (18)، ب (19)، د(23)

الشيخ عبد الغني الخضري *** ب (20)

الشيخ عبد الكريم صادق *** ب (21)

الشيخ عبد الكريم الممتن *** ح (3)، ح (4)

الأستاذ عبدالله بن عمار البرقي *** ت (7)

الشيخ عبد الله بن معتوق *** ب (22)

الشيخ عبد الله الوائل الإحسائي *** د (24)

الشيخ عبد الواحد مظفر *** ت (8)

الأستاذ علاء الدين البهادلي *** د (25)

الشيخ ملا علي آل رمضان *** ب (23)، ب (24)، ب (25)، د (26)، د (27)

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ب (26)، د (28)

الحاج علي حمدان الرياحي *** د (29)

ص: 516

الأستاذ علي محمد الحائري *** ت (9)، ث (2)، ج (2)، ح (5)، خ (2)، ذ (1)

الشيخ علي منصور المرهون *** د (30)

الأستاذ علي نوح المهنا *** د (31)

السيد عيسى الكاظمي *** ب (27)

الشيخ غلام حسين الغروي الأصبهاني *** ب (28)

الشيخ فرج العمران القطيفي *** د (30)

الشيخ قاسم محيي الدین *** د (32)

الشيخ قيس العطار *** ج (3)

الشيخ كاظم آل نوح *** ت (10)، د (33)

لأحد الأدباء *** ب (49)

الأستاذ لطف الله بن محمد البحراني *** د (34)

الشيخ محسن أبوالحب الكبير *** ب (29)

ملامحسن بن سلمان البحراني *** ب (30)

الحاج محمد آل رمضان الإحسائي *** ب (31)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** ب (32)

السيد محمد جمال الهاشمي *** ب (33)، د (35)

الأستاذ محمد جمعة الكويتي *** ب (34)

السيد محمد جواد فضل اللَّه *** د (36)

الشيخ محمد حسن دكسن *** د (37)

الشيخ محمد حسن سميسم *** ب (35)، ب (36)، ب (37)، د (38)

السيد محمد حسن الشخص *** د (39)

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء *** ث (3)

السيد محمد الحسيني الشيرازي *** د (40)

الشيخ محمد الخليلي *** ب (38)

السيد محمدرضا القزويني *** ب (39)، خ (3)، د (41)، ذ (2)

محمد سعيد الأمجد *** ب (40)

الشيخ محمد سعيد المنصوري *** د (42)

ص: 517

الأستاذ محمد صالح البحراني *** ح (6)، د (43)

السيد محمد علي العلي *** د (44)

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** ب (41)، ج (4)

السيد محمد كاظم الكفائي*** ت (11)

الأستاذ محمود البستاني *** ب (42)

السيد مسلم الجابري *** ذ (3)

السيد مصطفى محمد فضل اللَّه *** د (45)

الأستاذ مصطفى المهاجر *** د (46)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي *** د (47)

الأستاذ منذر الساعدي *** ب (43)، ب (44)، ت (12)، ح (7)، د (48)

السيد مهند جمال الدين *** ب (45)

الأستاذ ناجي داود الحرز *** ت (13)

الحاج هاشم الكعبي *** ب (46)

الشيخ يحيى الراضي *** ب (47)

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر *** ب (48)

الشيخ يوسف البحراني *** ت (14)

ص: 518

2- فهرس التراجم

الإسم *** الصفحة

- الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني *** 231

الأستاذ جاسم محمد الصحيح *** 29

- الأستاذ جعفر عباس الحائري *** 348

- الشيخ جعفر الهلالي *** 354

- الحافظ البرسي الحلي *** 300

- الشيخ حبيب الهريبي *** 365

الشيخ حسن بن حمود الحلي *** 43

- الشيخ حسن الدمستاني *** 56

- الشيخ حسين الشبيب *** 374

الشيخ حسين النصراوي *** 379

- ديك الجن الحمصي *** 238

- الأستاذ سالم محمد علي *** 240

- الحاج سعود الشملاوي *** 381

الأستاذ سعيد معتوق الشبيب *** 385

- الشيخ سلمان بن أحمد البحراني *** 387

- الشريف الرضي *** 394

- الشيخ صالح الطرفي *** 269

- الشيخ عبد الحسين شكر *** 398

- الشيخ عبد الكريم صادق *** 103

- الشيخ عبد الكريم الممتن *** 304

- الشيخ عبد الله بن معتوق *** 109

- الشيخ عبد الله الوائل الاحسائي *** 420

ص: 519

- الأستاذ علي محمد الحائري *** 250

- الأستاذ علي نوح المهنا *** 448

- الشيخ قيس العطار *** 288

- الشيخ محسن أبوالحب (الكبير) *** 142

- الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** 154

- السيد محمد جمال الهاشمي *** 158

- الأستاذ محمد جمعة الكويتي *** 168

- السيد محمد جواد فضل اللَّه *** 465

- الشيخ محمد حسن دكسن *** 169

- الشيخ محمد حسن سميسم *** 170

- السيد محمد حسن الشخص *** 174

- الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء *** 273

- السيد محمد رضا القزويني *** 193

- الشيخ محمد علي اليعقوبي *** 197

- الشيخ مغامس بن داغر الحلي *** 499

- السيد مهند جمال الدين *** 207

- الحاج هاشم الكعبي *** 211

- الشيخ يوسف البحراني *** 263

ص: 520

3- فهرس القصائد و البحور

الاشارة

-لباء-

أكبرت ذكراك لايرقى لها أدبي *** فيض من الوحي أم سرَّ من العجب *** 11

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

يا ناقص العقل البليد الغبي *** وذا الفؤاد الطائش المرعب *** 13

(المقطوعة 2 / بحر السريع)

المقتدي بمحمد مس الأدب *** و كتابه ما مسه إلا النجب *** 18

(المقطوعة 3 / بحر الكامل)

و هج القباب أم المصير المتعب *** ذاك الذي لك شدني يا يثرب *** 29

(المقطوعة 4 / بحر الكامل)

أتسألني ما نور تلك الكواكب *** هل النور إلا من نجوم ثواقب *** 31

(المقطوعة 5 / بحر الطويل)

أصفياء مقامهم لايضاهي *** حبها في غد يقيك العذابا *** 38

(المقطوعة 6 / بحر الخفيف)

أبكي و دمعي على الخدين منسكب *** و القلب مني بنار الوجد ملتهب *** 40

(المقطوعة 7 / بحر البسيط)

سل أربعاً فطمت أكنافها السحب *** عن ساكنيها متى عن أُفقها غربوا *** 43

(المقطوعة 8/ بحر البسيط)

للَّه قوم تمادوا بعد ما انقلبوا *** مذ في سقيفتهم للغدر قدنصبوا *** 51

(المقطوعة 9 / بحر البسيط)

أيغنيك دمع أنت في الربع ساكبه *** و قد رحلت غزلانه و رباربه *** 53

(المقطوعة 10/ بحر الطويل)

أطلت وقوفي في منى فالمحصّب *** لتذكار آثار النبي المهذّب *** 56

(المقطوعة 111 /بحر الطويل)

ص: 521

رؤياً لها حن الحسين و ذابا *** و الشوق ألهب قلبه إلهابا *** 60

(المقطوعة 12 / بحر الكامل)

جلّى غبار النقع شر هزيمة *** بقريش فارتدت على الأعقاب *** 62

(المقطوعة 13 / بحر الكامل)

آل النبي محمد *** أهل الفضائل و المناقب *** 65

(المقطوعة 14 / مجزوء الكامل)

هو الدهر بالأعمال تسري ركائبه *** كما كان بالآجال تسعی نوائبه *** 74

(المقطوعة 15 / بحر الطويل)

حي البتولة و ابلغ بالسنا رتباً *** شعراً تطرز في قرطاسه العجبا *** 83

(المقطوعة 16 / بحر البسيط)

هبيني مقلة تحكي السحابا *** لعلك تغسلين بها العتابا *** 87

(المقطوعة 17 / بحر الوافر)

أي شهر قد أظل المسلمين *** بالتهاني و بموفور الثواب *** 90

(المقطوعة 18 / بحرالرمل)

دهر يحاربه ذوو الألباب *** لازال يأتينا بكل عجاب *** 94

(المقطوعة 19 / بحر الكامل)

أي خطب باغت الأمة شيباً و شبابا *** 99

المقطوعة 20 / مجزوء الرمل)

هي فاطم كم للمصائب صابها *** جرعت و کم قد كابدت أوصابها *** 103

(المقطوعة 21 / بحر الكامل)

يا سيد الكون يا أعلى الورى نسباً *** يا خير منتجب من خيرة النجبا *** 109

(المقطوعة 22 / بحر البسيط)

من الضلال علينا النصب قد وثبا *** لما استطال و عنا كنت محتجبا *** 117

(المقطوعة 23 / بحر البسيط)

عجيب الأمر من فقد الشبابا *** و مفرق رأسه المسود شابا *** 120

(المقطوعة 24 / بحر الوافر)

علامك عن سمت الرضا متنكب *** و نفسك فيما يعطب العقل ترغب *** 123

(المقطوعة 25 / بحر الطويل)

ص: 522

غيرة اللَّه كيف تسطيع صبراً *** ولشمس الإسلام حان غروب *** 127

(المقطوعة 26 / بحر الخفيف)

خطب يذيب من الصخور صلابها *** و يزيل من شم الجبال هضابها *** 134

(المقطوعة 27 / بحر الكامل)

سقى الله أنفاسي من السلسل العذب *** لأنظم أبكاراً من اللؤلؤ الرطب *** 137

(المقطوعة 28 / بحر الطويل)

متى تدرك الثأر الذي أنت طالبه *** متى تملك الأمر الذي أنت صاحبه *** 142

(المقطوعة 29 / بحر الطويل)

الدهر شق جيوب الفجر و الحجبا *** على مصيبة أم السادة النقبا *** 147

(المقطوعة 30 / بحر البسيط)

ذكرى هي النور للأجيال و الحقب *** و فرحة الدهر للإسلام و العرب *** 150

(المقطوعة 31 / بحر البسيط)

إذ لذّ لي مطعم أو شراب *** بشهر ربيع فشيء عجاب *** 154

(المقطوعة 32 / بحر المتقارب)

أي خطب يبكي عليه خطابي *** و مصاب قد شاب شهدي بصاب *** 158

(المقطوعة 33 / بحر الخفيف)

قلبي يقل أسّى طما أهدابي *** و يسيخ متني كارهاً أثوابي *** 168

(المقطوعة 34 / بحر الكامل)

من مبلغ عني الزمان عتابا *** و مقرع مني له أبوابا *** 170

(المقطوعة 35 / بحر الكامل)

ذهب الشباب فما رأيت شبابا *** و بقيت أنظر شيبتي مرتابا *** 179

(المقطوعة 36 / بحر الكامل)

يا خاطب العز و العلياء في الخطب *** لاتكشف الكرب حتى تمشي في الكرب *** 187

(المقطوعة 37 / بحر البسيط)

بلوغ الأماني في حداد المضارب *** و نيل المعالي في اقتحام المعاطب *** 191

(المقطوعة 38 / بحر الطويل)

أفاطمة البتول و إن قلبي *** تميز بالهوى بين القلوب *** 193

(المقطوعة 39 / بحر الوافر)

ص: 523

أي شعر سينفث الروح في الشلو *** فيرمي عن متنه الاكتئابا *** 195

(المقطوعة 40 / بحر الخفيف)

ترك الصَبا لك و الصبابه *** صبّ كفاه ما أصابه *** 197

(المقطوعة 41 / مجزوء الكامل)

يا غرسة الهادي، و يغسل راحتي هدير خطبه *** 202

(المقطوعة 42 / مجزوء الكامل)

ألا يا دهر يكفي الاغتراب *** و مهلاً ليس يرحمنا العذاب *** 204

(المقطوعة 43 / بحر الوافر)

دمع كغيث هاطل ينساب *** و تأثر و تحسّر و عذاب *** 205

(المقطوعة 44 / بحر الكامل)

أنت في البحر و القواقي تغيب *** وسلا قلبك الشعور المجيب *** 207

(المقطوعة 45 / بحر الخفيف)

عدتك نجد فماذا أنت مرتقب *** يدنو إليك الحمى أم تنقل الهضب *** 211

(المقطوعة 46 / بحر البسيط)

توقد حين بالله إنسياب *** فؤاد شب و انتفض الحباب *** 219

(المقطوعة 47 / بحر الوافر)

أي رأس بالأسى لم يشب *** لابنة المختار نور الحجب *** 222

(المقطوعة 48 / بحر الرمل)

بشرى لنا معشر الأحباب بالطرب *** و استبشروا بزوال الغم و الكرب *** 224

(المقطوعة 49 / بحر البسيط)

-التاء-

أتتني من الحب الخدين ألوكة *** مغلغلة في القلب تنفي و تثبت *** 231

(المقطوعة 1 / بحر الطويل)

للشمس نور ولي في عشق مولاتي *** نور ينزّه عن شأن الكسوفات *** 235

(المقطوعة 2 / بحر البسيط)

تهن دلالاً يا صحيباتي *** و انشدن في أحلى العبارات *** 237

(المقطوعة 3/ بحر السريع)

ص: 524

یا قبر فاطمة الذي ما مثله *** قبر بطيبة طاب فيها مبيتا *** 238

(المقطوعة 4 / بحر الكامل)

الدمع قرح مقلتي *** و الليل أثقل و حشتي *** 240

(المقطوعة 5 / مجزوء الكامل)

أي ذكرى تموج بالحسرات *** زخرت بالأنين و الزفرات *** 243

(المقطوعة 6 / بحر الخفيف)

إذا جاء عاشورا تضاعف حسرتي *** لآل رسول الله و انهل عبرتي *** 245

(المقطوعة 7 / بحر الطويل)

فيابن أبي سفيان كم لك غدرة *** تناقلها الأجيال في الحفلات *** 248

(المقطوعة 8 / بحر الطويل)

أفيء إلى النفس التي ما استقرت *** إذا احتدمت في خمرة اليأس آهتي *** 250

(المقطوعة 9 / بحر الطويل)

أبا الزهراء قد عقدت علينا *** لإخراج الوصي مؤامرات *** 254

(المقطوعة 10 / بحر الوافر)

لاقیت من دهري ومن صدماته *** حزناً أذاب القلب في حملاته *** 257

(المقطوعة 11 / بحر الكامل)

من وحي يومك انتقي كلماتي *** يا فاطم الزهراء مولاتي *** 259

(المقطوعة 12 / بحر الكامل)

ثمان و عشر من السنوات *** أضاءت بعمرك عمر الحياة *** 261

(المقطوعة 13 / بحر المتقارب)

برق تألق بالحمى لحماتها *** أم لامع الأنوار في و جناتها *** 263

(المقطوعة 14 / بحر الكامل)

-الثاء-

إن كنت تطلب مأتماً و مرائي *** فابك البتول سليبة الميراث *** 269

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

ناديت باسمك في الخطوب غياثا *** و الدهر أرهص من ذماي و عاثا *** 271

(المقطوعة 2 / بحر الكامل)

لك الله من قلب بأيدي الحوادث *** لعبن به الأشجان لعبة عابث *** 273

(المقطوعة 3 / بحر الطويل)

ص: 525

-الجيم-

لأرسلن بريداً غير منعرج *** إلا إليك بلا أمت و لاعوج *** 281

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

فلجي بالهوى قوافي فلجا *** هن لولاك قد تولدن خدجا *** 285

(المقطوعة 2 / بحر الخفيف)

هموم مدى الأيام لاتتفرج *** و حزن لآلام القلوب مهیّج *** 288

(المقطوعة 3 / بحر الطويل)

مالي سوى الهادي النبي و آله *** حصن إليه لدى الشدائد التجي *** 291

(المقطوعة 4 / بحر الكامل)

-الحاء-

نور ذكراك فك قيد الصباح *** فازدهى الكون بالشموس الضواحي *** 295

(المقطوعة 1 / بحر الخفيف)

دمع يبدّده مقيم نازح *** ودم يبدده مقیم نازح *** 300

(المقطوعة 2 / بحر الكامل)

أيها الغافل لانلت نجاحا *** خالف النفس ودع عنك الملاحا *** 304

(المقطوعة 3 / بحر الرمل)

هذه الدنيا تناديك صراحا *** لرحيل عاجل ليلاً صباحاً *** 307

(المقطوعة 4 / بحر الرمل)

أرى كبدي تمزقها القروح *** وملء دمي الحرائق و الجروح *** 313

(المقطوعة 5 / بحر الوافر)

سلبوا حجاه فما عليه جناح *** لو جنّ إذ منه أُهيض جناح *** 315

(المقطوعة 6 / بحر الكامل)

يفشي التألم هاطل نضاح *** و تبوح سر العاشقين جراح *** 321

(المقطوعة 7 / بحر الكامل)

ص: 526

-الخاء-

جبال همومي لاتريم رواسخ *** رست و تعالت فيّ فهي شوامخ *** 325

(المقطوعة 1/ بحر الطويل)

يؤنبني الزمان و لاأصيخ *** و كل في الحياة له رضيخ *** 326

(المقطوعة 2 / بحر الوافر)

خرجت تجرّ ذيولها في محنة *** يوماً لها سمع الزمان يصيخ *** 328

(المقطوعة 3/ بحر الكامل)

-الدال-

لا يبرح الدهر المعاند *** و له بإضراري مقاصد *** 333

(المقطوعة 1 / مجزوء الكامل)

في السماوات كل أنس بادي *** و على الأرض موكب الأعياد *** 336

(المقطوعة 2 / بحر الخفيف)

قلم الولاء جرى بنور سوادي *** لذوي الفخار السادة الأمجاد *** 339

(المقطوعة 3 / بحر الكامل)

أفاطمة الزهراء يابنة أحمد *** و يا عبق الريحان في كل معبد *** 340

(المقطوعة 4 / بحر الطويل)

أبدي و باسم الله جئت أردد *** لابالحسان الغيد رحت أُمهّد *** 342

(المقطوعة 5/ بحر الكامل)

لك الشكر ربي و الثنا و المحامد *** لك الحمد إذ تبدي و حين تعاود *** 348

(المقطوعة 6 / بحر الطويل)

أتى يوم البتولة و هو عيد *** فطاب بذکر مولدها القصيد *** 354

(المقطوعة 7 / بحر الوافر)

و صبرت على عظم البلوى *** و لقلبك بأن تجلده *** 359

(المقطوعة 8/ بحر المتدارك)

ولايتكم فخري و مجدي و سؤددي *** و خدمتكم ذخري و زادي في غدي *** 365

(المقطوعة 9/ بحر الطويل)

اخضرَ وجه الربى و اعشوشب الوادي *** و الطير غنى بألحان إنشاد *** 367

(المقطوعة 10 / بحر البسيط)

على الزهراء حزني في ازدياد *** و دمعي فوق صحن الخد بادي *** 370

(المقطوعة 11 / بحر الوافر)

ص: 527

حسبي على ما حل بي إنشادي *** و تلبسي بالنوح و التعداد *** 372

(المقطوعة 12 / بحر الكامل)

یا خیر داع للإله وهادي *** شمتت بموتك جملة الحساد *** 374

(المقطوعة 13 / بحر الكامل)

لي عين دموعها كالغوادي *** و مصاب أدام سقم الفؤاد *** 376

(المقطوعة 14 / بحر الخفيف)

يا لهذا الصباح كم من جمال *** فيه كم من سماحة المعبود *** 379

(المقطوعة 15 / بحر الخفيف)

لبنت النبي الهادي الحشا تتوقد *** فما عذر دمع العين أن لايبدد *** 381

(المقطوعة 16 / بحر الطويل)

یا سماء افرحي و يا أرض جودي *** نجم سعد أنار كل الوجود *** 385

(المقطوعة 17 / بحر الخفيف)

أتبكي على رسم بداره ثهمد *** عفته الليالي فهو كالوشم في اليد *** 387

(المقطوعة 18 / بحر الطويل)

غنّت حمامات بدار محمد *** طرباً بمولد بنت أكرم سيد *** 391

(المقطوعة 19 / بحر الكامل)

هذي المنازل بالغميم فنادها *** و اسكب سخي العين بعد جمادها *** 394

(المقطوعة 20 / بحر الكامل)

حتى م سيدنا تبقى العباد سدى *** فصارم الصيد من فرط الصدود صدا *** 398

(المقطوعة 21 / بحر البسيط)

من بني أحمد عاد و ثمود *** روعا مرآة أنوار الوجود *** 404

(المقطوعة 22 / بحر الرّمل)

بشرى عليّ و النبي محمّد *** بولادة الزهراء بضعة أحمد *** 407

(المقطوعة 23 / بحر الكامل)

باتت على فنن الأراك تغرد *** بفنونها و بي المقيم المقعد *** 420

(المقطوعة 24 / بحر الكامل)

بنت الهدى و ساعة الميعاد *** و الصبح يرقب لحظة الميلاد *** 427

(المقطوعة 25 / بحر الكامل)

ص: 528

لمن النور قد أضاء الوجودا *** و أرانا فجراً جديداً سعيدا *** 429

(المقطوعة 26/ بحر الخفيف)

طغى بحر الضلال على العباد *** و أخفى طرق أبنية الرشاد *** 432

(المقطوعة 27 / بحر الوافر)

لايؤمن الدهر الخؤون على أحد *** و متى أسرّ أسا و إن وهب استرد *** 434

(المقطوعة 28 / بحر الكامل)

ماذا أقول بعید بنت محمد *** و بآل بيت محمد و محمد *** 438

(المقطوعة 29 / بحر الكامل)

أرى زمني أخنى عليَ و عاندا *** و لازال في تكدير عيشي مجاهدا *** 446

(المقطوعة 30 / بحر الطويل)

أتوق إلى لقائك يا جمادی *** إذا ما عدت هذا الشوق عادا *** 448

(المقطوعة 31 / بحر الوافر)

أوضح بنهج الرشد للمسترشد *** إذ لا سبيل إلى جحود الملحد *** 454

(المقطوعة 32 / بحر الكامل)

یوم به بعث النبي محمد *** يوم يؤرخه الزمان الأبعد *** 456

(المقطوعة 33 / بحر الكامل)

سهام المنايا في البرايا نوافد *** و حادي المنايا مستضيف و وافد *** 459

(المقطوعة 34/ بحر الطويل)

مولد الزهراء للإيمان عيد *** کل شيعي بذكراه سعيد *** 462

(المقطوعة 35 / بحر الرمل)

في الذرى أنت إذ يرف العيد *** مطلع مشرق و لحن فريد *** 465

(المقطوعة 36 / بحر الخفيف)

عج بالنياق ليثرب يا حادي *** نبك الأولى من أهل ذاك النادي *** 469

(المقطوعة 37 / بحر الكامل)

بفاطم بنت المصطفى الطهر أحمدا *** أرد الردى قسراً بقارعة الردى *** 471

(المقطوعة 38 / بحر الطويل)

هلّل السعد بيوم المولد *** فاهزجي يا نفس بشراً و اسعدي *** 474

(المقطوعة 39 / بحر الرمل)

ألا أبشروا فاليوم أزهر أمجد *** به العيش بالأفراح و اليمن أرغد *** 478

(المقطوعة 40 / بحر الطويل)

ص: 529

لما أحاطت بي الأهوال شاخصة *** أنظارها الشزر نحوي كل مرصاد *** 482

(المقطوعة 41 / بحر البسيط)

بك العيش يا دنيا مرير منکَد *** على كل حرّ ما له فيك مقصد *** 484

(المقطوعة 42 / بحر الطويل)

أتروم في دار الصدود خلودا *** و تسوم جنات الخلود صدودا *** 488

(المقطوعة 43 / بحر الكامل)

باسم البتول و باسم عيد المولد *** حرّرت في الذكرى بديع قصائدي *** 492

(المقطوعة 44 / بحر الكامل)

تحيا القلوب بذكر آل محمد *** هم نعمة الباري و نور الأوحد *** 495

(المقطوعة 45 / بحر الكامل)

أريج النبوة فيك ابتدا *** و فيض الهداية منك اهتدى *** 496

(المقطوعة 46 / بحر المتقارب)

حيّا الإله كتيبة مرتادها *** يطوى له سهل الفلا و وهادها *** 499

(المقطوعة 47 / بحر الكامل)

كأن ولادة الزهراء عيد *** لذا ينساب كالنهر القصيد *** 503

(المقطوعة 48 / بحر الوافر)

-الذال-

عذيري من غافل ما استعاذا *** من المنكرات و باللّه لاذا *** 507

(المقطوعة 1/ بحر المتقارب)

حار الفؤاد إذ اعترته نوائب *** للدهر يسأل أين أين المنفذ *** 508

(المقطوعة 2 / بحر الكامل)

یا دار فاطم ما تراءى طيفها *** إلا وأصبح منه في عيني قذى *** 510

(المقطوعة 3 / بحر الكامل)

ص: 530

4- فهرس الموضوعات

الفاتحة *** 5

تقریظ *** 7

تقريظ *** 8

قافیة الباء

(1) أكبرتُ ذكراكِ *** 11

(2) أمنا الزهراء علیها السلام *** 13

(3) زهراء علیها السلام تشفع *** 18

(4) وهج القباب *** 29

(5) ميلاد البتول علیها السلام *** 31

(6) حبیبةُ طه *** 38

(7) ذكرُ فاطمة علیها السلام *** 40

(8) ضاق الفضاء *** 43

(9) خلّوا ابن عمّي *** 51

(10) يوم السقيفة *** 53

(11) صرت إلى الزهراء علیها السلام *** 56

(12) مسلماً و مودعاً *** 60

(13) الزهراء علیها السلام بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 62

(14) صديقة خُلقت *** 65

(15) دار فاطم علیها السلام *** 74

(16) ريحانة المصطفي صلي الله علیه و آله و سلم *** 83

(17) بنت السماء *** 87

ص: 531

(18) بورك العرسُ *** 90

(19) عاشت قليلاً *** 94

(20) المفروض نصاً *** 99

(21) بيت القدس *** 103

(22) أعلى الورى نسباً *** 109

(23) دار فاطمة علیها السلام *** 117

(24) سادات البرايا *** 120

(25) فاطمة الزهراء علیها السلام *** 123

(26) غيرة الله *** 127

(27) القبر الشريف *** 134

(28) الدرة البيضاء *** 137

(29) فرصةً بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 142

(30) دوحة القدس *** 147

(31) فرحة الدهر *** 150

(32) ثياب المصاب *** 154

(33) يوم الزهراء علیها السلام *** 158

(34) قبض النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 168

(35) یا باب فاطم علیها السلام *** 170

(36) من قد مرحباً؟ *** 179

(37) باب الوصي *** 187

(38) تنادى أباها *** 191

(39) همسة إلى الزهراء علیها السلام *** 193

(40) مرايا النبوءات *** 195

(41) وديعة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 197

(42) خُطى الزهراء علیها السلام *** 202

(43) كأس الرزايا *** 204

(44) بنت الكرام *** 205

ص: 532

(45) سنا فاطم علیها السلام *** 207

(46) ما كربلا لولا السقيفة *** 211

(47) الزهراء علیها السلام باسطة يديها *** 219

(48) بضعة خير الأنبياء *** 222

(49) يا طالباً فضلها *** 224

قافیة التاء

(1) أفاطم علیها السلام لاأنساك *** 231

(2) قصة الزهراء علیها السلام *** 235

(3) ذروة المجد *** 237

(4) يا قبر فاطمة علیها السلام *** 238

(5) بنت خير الناس *** 240

(6) بنتُ الخلود *** 243

(7) بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 245

(8) مصونة وحي اللَّه *** 248

(9) هي الدُّرةُ الزهراء علیها السلام *** 250

(10) اختلف الرواة *** 254

(11) ماذا أقول *** 257

(12) من وحي يومكِ *** 259

(13) یا بنت خير الذري *** 261

(14) من مخبر الزهراء علیها السلام *** 263

قافیة الثاء

(1) فابكِ البتول علیها السلام *** 269

(2) ناديتُ باسمك *** 271

(3) أرزاء آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 273

ص: 533

قافیة الجیم

(1) حُجَّة الحُجَج *** 281

(2) دموع الزهراء علیها السلام *** 285

(3) ظُلم النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 288

(4) الهادي النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 291

قافية الحاء

(1) يابنة الطيبين *** 295

(2) حورية إنسية *** 300

(3) فبعين الله *** 304

(4) إمش خلف المرتضى علیه السلام *** 307

(5) الزهراء علیها السلام نهج *** 313

(6) عزيزة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 315

(7) مكامن الحزن *** 321

قافية الخاء

(1) حرام على عيني *** 325

(2) تُربة الزهراء علیها السلام *** 326

(3) وصايا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 328

قافية الدال

(1) غَدَر الزمان *** 333

(2) فاطمٌ و عليّ علیهما السلام *** 336

(3) قلمُ الولاء *** 339

(4) يا بنت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 340

(5) تسبيحة الزهراء علیها السلام *** 342

(6) هل أتى في فضلها *** 348

(7) يوم البتول *** 354

ص: 534

(8) وأتت للمسجد *** 359

(9) من وحي الولاء *** 365

(10) نور البتول علیها السلام *** 367

(11) إمام المرسلين *** 370

(12) رُكْنُ الشَّريْعَة *** 372

(13) يا خير داع...! *** 374

(14) و حق الزهراء علیها السلام *** 376

(15) تشدو الطيور *** 379

(16) قبرها عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 381

(17) مولد الكوثر البتول علیها السلام *** 385

(18) صوت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 387

(19) أُمّ الحسين علیه السلام *** 391

(20) هذي المنازل *** 394

(21) حتى متى الصبر *** 398

(22) روّعوا الطهر *** 404

(23) فضائل فاطم علیها السلام *** 407

(24) دُرةُ الكونين *** 420

(25) من بيت فاطم علیها السلام *** 427

(26) مهرجان البتول علیها السلام *** 429

(27) ذاتُ أحزان *** 432

(28) الدهرُ الخؤون *** 434

(29) يا بنت أشرف مرسَلِ صلي الله علیه و آله و سلم *** 438

(30) فؤاد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 446

(31) النور المشع *** 448

(32) بيت الهدى *** 454

(33) ريحانة الهادي *** 456

(34) أفاطم علیها السلام قومي *** 459

ص: 535

(35) الموسم عيد *** 462

(36) يابنة الطهر *** 465

(37) فقد الهادي *** 469

(38) زينة عرش اللَّه *** 471

(39) أشرقت الدنيا *** 474

(40) مباركة ميمونة *** 478

(41) آية التطهير *** 482

(42) بضعة خير الخلق *** 484

(43) أمُّ الأئمة علیها السلام *** 488

(44) من هدي البتول علیها السلام *** 492

(45) أشرف خلقة *** 495

(46) سيدة العالمين علیها السلام *** 496

(47) آل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 499

(48) ولادة الزهراء علیها السلام *** 503

قافية الذال

(1) قَصَب السبق *** 507

(2) حكم الإله *** 508

(3) يقف الأمين مسلماً *** 510

الفهارس العامة

1- فهرس الشعراء *** 515

2- فهرس التراجم *** 519

3- فهرس القصائد و البحور *** 521

4- فهرس الموضوعات *** 531

ص: 536

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.