الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام المجلد 1

هوية الكتاب

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي

1426 ه_ - 2005 م

ص: 1

اشارة

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع

ص: 2

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي

1426 ه_ - 2005 م

دارالعلوم التحقيق والطباعة والنشر والتوزيع(1)

ص: 3


1- المكتبة: حارة حربك -بئر العبد- شارع السيد عباس الموسوي -الهاتف: 01/545182- 03/473919- ص. ب: 13/6080 المستودع: حارة حريك -بئر العبد- مقابل البنك اللبناني الفرنسي-تلفاكس: 01/54165 www.daraloloum.com E-mail: daraloloum@hotmail.com

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَ بِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ الرَّ حْمَنِ الرَّ حِيمِ ﴿3﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ اهْدِنَا الصِّرَ اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿6﴾ صِرَ اطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿7﴾

ص: 4

الإهداء

إِلَيْكَ... يَا فَلَذِهُ الْإِنْسَانُ الرَّسُولُ... الَّذِي اسْتَطَالَ رَاسَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ فَلاَمَسَهَا فَإِذَا كُلُّ أَبْوَابِ رحمتها وَ نِعْمَتِهَا وَ هُدَاهَا مَفْتُوحَةً إِلَيْكَ عَلَي الرَّحَابِ...

إِلَيْكَ... أَيُّهَا الْكَوْثَرُ عليها السلام الصَّيْبُ الَّذِي اهْتَزَّتْ لَهُ بَرَكاتُ الأَرْضِ خَيْراً وَصِدْقاً و براءةً... إِلَيْكَ... أَيَّتُهَا الْحَوْراءُ الإِنسِيَّةُ عليها السلام... يا نُورَ الوُجُودِ وَنَشيجَهُ الْحَزِينَ...

إلَيك... أَيَّتُهَا المَهضُومُهُ المَقْهُورُهُ... أَيَّتُها المَجهولُهُ قَدْراً و الْمَدْفُونُهُ سِرّاً...

إِيهٍ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ... ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرَي وَ لا فُتُوناً يَتَرَدَّدُ ذلِكَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي يَرْوِي بِهِ التَّأْرِيخُ أَنْبَاءُ مِسْمَارٍ وَ بَابٌ... و سَقَطَ جَنِينٌ... وَ حُمْرَةُ خَدٍ وَ عَينٍ... وَ قُرْطٌ مَنْثُورٌ... وَ نَفْئَةُ قَلْبٍ مصدوع مَوْجُوعٌ... ثُمَّ ذبولٌ... فغيَّاب فِي التُّراب...

إيهِ يا سَيِّدَتي... كانَ وَلا زالَ أَنينُكَ وَ حَنِينُكَ الهَادِفُ الشَّجِيُّ مِلءَ كُلِّ أُذُنٍ وَ قَلْبُ.

يَا فَاطِمُه... يَا مَنْ ذَكَرَكَ عِطْرَ اَلْحَيَاةِ... أَيَّتُهَا الْمَفْطُومُهُ بِالْجَلاَلِ وَ اَلْجَمَالِ... أَيَّتُهَا الحانيه الآسِيَةُ... هَا هِيَ أَخْزَّائُنَا وأَشْوَاقُنَا نَنْشُرُها دُموعاً مُقْفَّاةً... وَ نَنْظُمُهَا شُعُوراً وزَفَراتٍ نَرفَعُهَا لِرِحَابِ الْوَاسِعِ الْفَسِيحِ... و نَعْلَمُ أَنَّك أهْلٌ لِلقَبولِ وَ إن لَم نَكُن نَحنُ أهلاً لِلقَبولِ.

هَا هِيَ... يَا سَيِّدَتِي وَرِيقَاتُ ولائِي... جَمَعْتُهَا عَلَي ضَعَتِي وَ قِلَّةَ باعِي... أَضَعُها بَيْنَ يَدَيْكَ الْحانِيَةَ لِتَكُونَ شَفِيعِي عِنْدَكَ... وَ كُلِي أَمَلٌ وَ رَجَاءَ أَنْ تَقْبَلِيها مِنِّي بَعْدَ أَنْ تَقْبَلِينِي... فَهَا هِيَ بَيْنَ يَدَيْكِ سَيِّدَتِي... اقبَليها قَبْلَ أَن يَطْوِيَنِي المُؤتُ... وَيَطُوحَ بِها النِّسْيانُ...

المؤَلّف

ص: 5

ص: 6

تقريظ

(بحر السريع)

بِحُبِّ طه كُلِّ أَوْقَاتِيٍ *** أَدْرَأ ْأَفْوَاجُ اَلْمُلِمَّاتِ

لي خافَقٌ يُعلِنُ لِلمُرتَضي *** و البَضعَةُ اَلطُّهْرُ مُوَالاَتِي

وَ مَقُولٌ يُعْرَّبُ لِلْمُجْتَبَي*** عَنْ فَرْطُ حُبِّي لاَ مُحَابَاتِي

تَخَذْتَ مِنْ حُبِّ حُسَيْنٍ سُدِّي *** حِينَكَتْ بِهِ لَحْمُهُ رَايَاتِي

بِحُرْمَةِ اَلسَّجَّادِ ثُمَّ اِبْنُهُ *** اَلْبَاقِرُ أدْنُو بِمُنَاجَاتِي

بِجَعْفَرٍ ثُمَّ سَليلُ التَّقِيِّ *** الْكَاظِمِ تَقْضِئُ كُلُّ حَاجاتٍ

وَ بِالرِّضَا اَلْعَالِمِ كَهْفِ اَلْوَرَي *** اِدْفَعْ أَمْوَاجَ اَلْبَلِيَّاتِ

وَ لِلْجَوَادِ فِي اَلْحَشَا جَذْوُهُ *** تَرُوئُ بِأَشْجَانِي وَآهَاتِي

لِلْعَسْكَرِيَّيْنِ أَسَي قَدْ ثَوَي *** فِي اَلْقَلْبِ تَنْبِي عَنْهُ أَنَاتِي

وَ الْحُجَّةُ المُنْتَظَرُ الْمُرْتَجي *** لِلثَّأْرِ والنَّصِّ بِهِ آتٍ

بِشِرَاكٍ يَاشِيخَ عَلَيَّ لَنَا *** سَادَاتُ حَقٌ خَيْرُ ساداتٍ

وَ أَنْتَ يَا خَيْرَ نَصِيرٍ لَهُمْ *** خُذْهَا فَذِي مِنْهُمْ مُوَاسَاتِي

وَ إِنَّمَا سَفَرُكَ فِي مَا أَرَي *** يُسْفِرُ عَنْ أَجْمَلِ آيَاتٍ

بنشر صَوْتِ اَلْعَدْلِ يَا شيْخنَا *** يَأْمُرُنَا رَبُّ اَلسَّمَاوَاتِ

كَأَنَّ أَمْرَ اَلْوَحْيِ (تاريخه) *** (اكتُب كِتابَ الفاطميّات)

الأستاذ جابر الكاظمي

19/ شوال / 1418ه

ص: 7

تأريخ التقريظ لكتاب الفاطميات

هذا كتابٌ ماله مشبه *** من دهرنا الماضي ولا الآتي

جاء من الشعر بأعجوبة *** أو قل بآيات و آيات

ماجال فيه الطرَّف إلا كما *** جال من الحسن بجنات

من تابح الزهراء يهفوله *** في كل حرف بالمناجاة

و من قلاها لها هداهُ الهدي *** مَلَّ ووالي عابدي اللات

و مذ رايت الله قد خصّه *** بفيضه من السماوات

و أن أهل البيت سُرُّوا به *** لما به من المواساةِ

أرخت «قد سّرعلي حيدر *** أهل الكسا بالفاطميات»

الشيخ قيس العطار

1418 ه. ق

ص: 8

كلمة الديوان

أول الكلام

لكل حديث بداية ونهاية... إلّا الحديث عن فاطمة عليها السلام، و من يتصل بها بنبوة أو إمامة. فإن الكلام عنهم لا نهاية له. و كلما أمعن المتحدث أن يلمَّ بجوانب الكلام حتي يصل إلي خاتمة في المطاف لايصل يوما إلي ساحل... إذ كلما يتصوّر -المتحدِّث- عنهم أنه وصل إلي نهايته يجد أنه لا زال في البداية.

إن هذا الشيء عجيب... ربما لا تدركه عقولنا الناقصة و ربما لا تستوعب عمقه في يوم من الأيام ولكنها أيضاً لا تملك إلا أن تصدِّق بهذا عندما تسمع كلمات السماء تشير إلي بعض جوانب العظمة فيها «سلام الله عليها».

فمثلنا و نحن نتحدث عن فاطمة عليها السلام كمثل من وقف يتأمل في الفضاء الواسع الرحيب ليعرف جوهره أو ليكتشف ما به من أسرار وخفايا... فإنّه كلّما أمعن النظر وحدّق طويلاً و استنفد كل ما بعينه من قدرة علي الرؤية و الإبصار فإنه لا يصل إلي حدود أو سدود سوي تموّجات النور المتوهِّج في عيون الكواكب...

فهو يري النور فيحركه و ينبهر به و ربما يصفه أو ينسبه لمصدره و لكن دون أن يعرف جوهره المكنون وراء إشراقه...

و هكذا حينما نتحدث عن فاطمة الحوراء الإنسية عليها السلام... فكلَّما ندِّقق و نمعن النظر تأملاً وتفكيراً لا نتمكن أن نري حقيقةَ

ص: 9

أو جوهراً غير أنوار الزهراء عليها السلام الساطعة التي تحرّكنا و تشدّنا و تبهرنا ... و تمزّق ظلمات القلوب و الضمائر فينا، و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بأن وراء هذا النور سراً خفياً وعالماً عميقاً أمامنا لانتمكن أن نعرفه ولكن نعرف صفته و مصدره ...

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام:

لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزهراء عليها السلام زَهْرَاءَ ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٌ خَلَقَهَا مِن نُورِ عَظَمَتِهِ فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَوَاتُ و الأَرضُ بِنُورِهَا وَغُشِيَتْ أَبْصَارَ الْمَلائِكَةِ و خَرَّتَ المَلائِكَةُ لِلَّهِ سَاجِدِينَ وَ قَالُوا:

إِلَهُنَا وَسِيدَنَا مَا هَذَا اَلنُّورُ ؟ فَأَوْحَي اللَّهُ إِلَيْهِمْ: هَذَا نُورٌ مِن نُورِي و أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي خَلَقْتُهُ مِن عَظَمَتِي أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍ مِن أنبِيائِي أُفَضِّلُهُ عَلي جَميعِ الأَنْبِيَاءِ وأُخرِجُ مِن ذَلِكَ النُّورِ أئِمَّةً يَقُومُونَ بِأَمْري يَهدُونَ إلي حَقِّي وأَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِي فِي أَرْضِي بَعْدَ انْقِضَاءِ وحْيِي.(1)

هذا نور الزهراء... نور فاطمة عليها السلام... و عظمته، فلا غرابة إذا اعترفنا بعجزنا عن إدراكه، ليس لنقص فيه بل لنقص فينا، و عجز في مداركنا و حواسنا عن الوصول إلي عالم المعني و إدراك الماورائيات...

و نبقي هكذا نولد علي حبها عليها السلام و نقتفي خطاها و نموت علي ذكرها دون أن نفهمها كما ينبغي أو نعرفها كما يحق...

فنحن و فاطمة عليها السلام... نحن و بحر عميق أو فضاء رحيب لا نملك إلاّ أن نذعن لهذا السر العجيب و نؤمن بمزاياه و خصوصياته التي تفوق مزايا البشر و إن لم نتوصل لم و لن نتوصل إليه يوماً.

و هذا ليس نسجاً من الخيال، و الكلام المجرد نعبّر به عن مشاعرنا تجاه السيدة الطاهرة - أم النبوة و الإمامة عليها السلام - أم أبيها عليها السلام؛ بل هو حقيقة كونية موجودة في هذا الكون الرحب يحس آثارها القريب و البعيد دون أن يتوصّل إلي كنهها وجوهرها .

و ذلك لأنها سلام الله عليها قطب من أقطاب دائرة الإمكان و لا

ص: 10


1- البحار ج43، الباب الثاني ، الحديث 5، الصفحة 12 - طبعة بيروت.

يمكن أن يستوعبها غير المعصوم عليهم السلام لأن الضيّق المحدود لا يمكن أن يحيط بالواسع كما قالوا في عجز مدارك الإنسان عن الوصول إلي حقيقة الخالق سبحانه لأن اللامتناهي الوجود يستحيل أن يحيط به المتناهي أو يدرك كنهه. (1)

بل هي أيضاً: أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام السابقين علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و درجتها المعنوية أسمي و أرفع كما دلّت علي ذلك الأدلة الخاصة.

و هي أيضاً أفضل من أولادها عليهم السلام كما قال مولانا الحسين عليه السلام: أُمِّي خَيْرٌ مِنِّي. (2)

بل هي حجة علي كل أولادها الطاهرين كما قال مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام: وَ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْنَا. (3)

كما هي سيدتهم وقدوتهم عليهم السلام كما قال مولانا الحجة و صاحب الأمر عجل الله تعالي فرجه الشريف: وَفِي إِبْنَةُ رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .(4)

و من كان كذلك لا يتمكن الإنسان العادي المحدود أن يصل إلي معرفته كما ينبغي ...

قيل في الخصائص الفاطمية:

وَ لَعَمري فَحَسَرَ عَن إِدْراكِها كُلُّ إِنْسَانٍ عَارِفٍ و قَصَّرَ عَن وَصْفِهَا و إِحْصائِها لِسانَ كُلِّ مَحصٍ وَ وَاصِفٍ وَ الْكِلْ بِضُروبِ فَضائِلِها مُعْتَرِفونَ و علي بَابِ كَعْبَةَ فَوَاضِلُها مُعْتَكِفونَ وَ خَصَّها اللَّهُ مِن وَ صائِفِ فَضلِهِ وَ شَرائِفِ نَبْلِهِ بِأَكمَلِ ما أعَدَّهُ لِغَيرِها مِن ذَوي النُّفوسِ القُدسِيَّةِ وَ الأعراقِ الزَّكِيَّةِ وَ الأخلاقِ

ص: 11


1- من الواضح: أن المعصومين عليهم السلام ليسوا كالباري تعالي في اللاتناهي و اللامحدودية بل هم مهما بلغوا من السعة في السمات و القدرات فهم بالنتيجة ضمن عالم الإمكان المفصول عن عالم الواجب بدرجات لاحد لها و لاحصر. و إنما المقصود سعتهم الوجودية في قبال سائر المخلوقات.
2- الإرشاد المفيد ص232 طبعة بيروت.
3- تفسير أطيب البيان ج 13 ص 225
4- البحار ج53 ، باب31 ج9 ص178 طبعة بيروت.

الرَّضِيَّةُ و الحُكمُ الإلهِيَّةُ و سَطَعَ صُبْحُ النُّبُوَّةِ بِطَلْعَتِها اَلْحَمِيدَةِ وَ غَرَتْهَا اَلرَّشِيدَةُ فَلَهَا الكَمَالاتُ الإنْسانِيَّةُ ومَلِكَاتُ الْفَضَائِلِ النَّفسانِيَّةِ كَأنَّ طِينَتَهَا قَدْ عُجِنَتْ بِمَاءِ الْحَيَاةِ وَعَيْنُ الفَضلِ في حَظِيرَةِ الْقُدُسِ فَهِيَ نُورُ الْحَقِّ وحَقِيقَةُ الصِّدْقِ وَ آيَةُ الْعَدْلِ فَتَعالَي مَجْدُها وَ تَوَالي إِحْسانِها. (1)

و من هنا... فإنها عليها السلام تملك الولاية كالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة الطاهرين عليهم السلام بتفويض من الله سبحانه و منحه.

و هي أيضاً ... كسائر المعصومين عليهم السلام ... مجري الفيض الإلهي لهذا العالم.

كما إنّها العلة الغائية اولتي لها أو لمحبتها خلق الله سبحانه العالم...

و أيضاً هي...كسائرهم عليهم السلام... سبب دوام الفيض الإلهي علي الكون و علة استمراره بقاءً...

و غير ذلك من مقامات معنوية خاصة منحها الله سبحانه لها و لهم بما لم يمنحه لأي أحد سواهم عليهم السلام. و هذا من المعاني العميقة التي قامت عليها الأدلة العقلية و النقلية التي بحثها علماء الحكمة والكلام في كتبهم الخاصة...

ولكن... لتقريب بعض هذا المعني إلي الأذهان سأقوم بنقل بعض الأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السلام -أمناء الله سبحانه علي سرِّه- و هي تتحدث عن فاطمة عليها السلام و مقاماتها الرفيعة كي نفهم بعض ذلك بقدرنا لا بقدرها...

ص: 12


1- الكوكب الدري، ج1، الشيخ محمد مهدي الحائري، ص120، طبعة النجف.

من خصائص فاطمة عليها السلام

اشارة

طبعاً... لا أريد أن أتحدث عن الزهراء عليها السلام و ما حوته -الصديقة الكبري عليها السلام- من الكمالات الهائلة التي لم يكن بإمكان أحد منّا أن يستوعبها أو يدرك بعضها إلّا من خلال ما قاله عنها أهل البيت عليهم السلام... و لكن اقتباساً من بعض كلماتهم عليهم السلام سأحاول أن أشير إلي بعض ما ذكروه عن مقامها و عظمتها و كمالاتها حسب فهمنا القاصر...

الحوراء الإنسية

ليست الزهراء «سلام الله عليها» بالمرأة العادية التي تعيش أيامها في المطبخ و أسواق الملابس و المحلي و غيرها من المواطن التي ألفتها المرأة العادية فألفت ثقافتها و عاشت بمستواها في الغالب.

بل كانت عليهم السلام فوق ذلك كله فهي إلي جانب إنسانيتها الرفيعة تحمل خصائص الملائكة و صفات الحور المترفعة عن الدنيا و شؤونها و اهتماماتها...

بل تفوق حتي الملائكة و الحور... ذلك لأن الملائكة و أخواتها ترفّعن عن الدنيا و لذائذها قهراً بمقتضي صنعها و جبلّتها الأولي التي لا تميل إلي الدنيا و رغائبها المادية...

بينما الزهراء «سلام الله عليها» و هي الإنسانة... تعيش كسائر الناس في الدنيا... بما فيها من لذائذ و مغريات... ولكنها تأبي إلاّ أن تتنزّه عن دناءة هذه الدنيا و تترفّع عن خسَّتها بالعلم و الإرادة و الاختيار...

فهي إنسانة جسداً و لكنها ملك و حوراء روح و نفساً و ضميراً...

ص: 13

فكانت بذلك إنسانة... وكانت حوراء فقال عنها أبوها صلي الله عليه و آله و سلم المتحدث بلسان الغيب: فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ. (1)

ومن هنا حملت «سلام الله عليها» صفات الحور العين و اتسمت بسماتها ... فكما أن الحور العين لاتطمث كانت هي أيضاً «سلام الله عليها» طاهرة من الطمث و قد وردت في مجاميعنا الروائية أخبار عديدة تدل علي ذلك:

ففي حديث روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله عن مصادر العامة يقول صلي الله عليه و آله: إِبْنَتِي فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءَ آدَمِيَّةٌ لَمْ تَحُضْ وَ لَمْ تَطْمَثْ.(2)

فكانت بذلك طاهرة مطهَّرة من كلِّ دنس مادي و معنوي و هذه ميزة فريدة امتازت بها مولاتنا عليها السلام علي بنات حوّاء.

البتول

و إظهاراً لهذا المقام الرفيع و المنزلة السامية التي امتازت بها علي سائر النساء و ردت الأخبار في تسميتها بالبتول... لتبتّلها عن الطمث كما روي القندوزي: وَ إنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام البَتُولُ لِأَنَّها تَبَتَّلَت مِنَ الحَيضِ وَالنِّفاسِ.(3)

و روي الكشفي الحنفي عن أم سلمة أنها سلام الله عليها: سُمِّيَتْ فاطِمَةُ عليها السلام بَتُولاً لِأنَّها تَبَتَّلَتْ و تَقَطعَتْ عَمَّا هُوَ مُعتاد الْعَوْرَاتِ في كُلِّ شَهْرٍ.(4)

و البتول كما في رواية الحاكم: الَّتي لَمْ تَرَ مَرَّةً قَطُّ أَيْ لَمْ تَحِضْ فَإِنَّ اَلْحَيْضَ مَكْرُوهٌ فِي بَنَاتِ اَلْأَنْبِيَاء.(5)

و لاغرابة في ذلك أبداً... إذ أن الله سبحانه جعل لمخلوقاته قوانين و سنناً هي عليهم السلام خاضعة لهذه القوانين لاتملك منها حيلة... و بهذه

ص: 14


1- ناسخ التواريخ، ج 3، ص 12، طبعة قم 1378 ه_.
2- راجع كنز العمال، ج 13، ص 94. و تاريخ بغداد، ج 13، ص 331 و غيرها من المصادر و هي كثيرة.
3- ينابيع المودة، ص 260 طبعة اسلامبول.
4- المناقب المرتضوية، ص119، طبعة بومباي.
5- راجع أرجح المطالب، و راجع كشف الغمة للأربلي، ج 2، ص 90، طبعة بيروت .

القوانين والسنن ينتظم نظام الكون ويسري نحو هداه و كماله...

فمثلاً: النار قانونها الإحراق و هو سنَّة الله سبحانه في النار.

و سنَّة الله في النبات أنه يبذر في مكان و زمان وفق ظروف طبيعية خاصة ملائمة ، فينمو و يكبر حتي يثمر...

و سنَّة الله في الشمس أنها تطلع في كل صباح و تغيب في كل مساء التعطي الحرارة و النور و نحو ذلك...

و الإنسان أيضاً لم يخرج عن هذه السنن و القوانين الكونية فطبيعته الجسمية و حالاته النفسية و الروحية أيضاً خاضعة لقوانين و سنن لا تشطّ عنها... إلّا إذا أراد الله سبحانه أن تتخلّف بعض هذه القوانين لمصالح خاصة و هذا ما أراده الله سبحانه لأوليائه...

حيث عكس فيهم «القانون» فجعل القوانين و السنن الطبيعية هي الخاضعة لهم و المحكومة بإرادتهم بإذنه تبارك و تعالي و ليس العكس و ذلك لحكم و مصالح خاصة و هو الذي يسميه علماء الكلام -بالمعجزات و الكرامات- في خرق قوانين الطبيعة.

فالنار التي قانونها الإحراق جعلها الله سبحانه و تعالي برداً و سلاماً علي وليّه إبراهيم الخليل عليه السلام.

و شجرة اليقطين التي تحتاج إلي زمان و ظروف خاصة لكي تزرع ثم تنمو و تكبر حتي تصبح شجرة حسب قوانين النبات و سننها الكونية جعلها الله سبحانه تنبت و تورق و تنتشر أغصانها الوارفة لوليِّه يونس عليه السلام في فترة لاتعد بالحسبان.

و قانون النطفة وتحوّلها إلي جنين في رحم طواه الأم الذي يستغرق ستة أشهر أو تسعة أشهر ليكتمل في أطواره وأدواره جعله الله سبحانه المريم ابنة عمران عليه السلام بتسع ساعات أو ست ساعات فقط بلا مسّ بشر.(1)

ص: 15


1- راجع مجمع البيان في تفسير سورة مريم.

و علي غرار هذا تصدر المعجزات في خرق قوانين الطبيعة عن أولياء الله سبحانه و بهذا ترتفع الغرابة عن إمكان نقاء الحوراء الإنسية عليها السلام من دم الحيض و النفاس...

فإنَّ الحيض الذي تراه المرأة عادة في كلّ شهر ما هو إلاّ دم فاسد تخزّن في جسم المرأة ليصبح فيما بعد غذاء للجنين في حالة الحمل، حتي إذا لم تنعقد نطفته نبذه الرحم إلي الخارج بواسطة الدورة الشهرية... لأنه إذا بقي في رحم المرأة يضرها و يسبب لها الأذي الروحي و البدني... كما بناكر ذلك الأطباء.

قال تعالي: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ اذي .(1)

ولكونه أذي... أسقط الله سبحانه عنها بعض التكاليف الشرعية و وضع لها بعض الأحكام الخاصة...

فالصلاة و الصيام ساقطة عنها أيام الدورة الشهرية مع ملاحظة أنَّ عليها قضاء الصيام فيما بعد و حرّم عليها اللبث في المساجد ودخول المسجد الحرام و النبوي و غير ذلك من الأحكام التي ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهية.

ومن الواضح أن أحكام الحيض تجري علي النفاس أيضاً «للحكم والأسباب نفسها»...

فالنساء بشكل عام خاضعات لهذا القانون التكويني محكومات بسننه... ولكن لا غرابة إذا تخلَّف هذا القانون في فاطمة عليها السلام بعد أن كانت حوراءَ أنسية وسيدة نساء العالمين عليها السلام و قدوتهنّ في الدين والدنيا كما أكدّت ذلك الروايات... و جعلتها من خصائصها الخاصة عليها السلام.

عن الحافظ السيوطي : ومِنْ خَصَائِصِ فَاطِمَةَ عليها السلام أَنَّهَا كَانَتْ لا تَحِيضُ وَكَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ طَهُرَتْ مِنْ نِفَاسِهَا بَعْدَ سَاعَةٍ حَتَّي لاَ تَفُوتَهَا صَلاَةٌ .(2)

ص: 16


1- سورة البقرة، الآية 222.
2- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص139.

عن أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام قال: حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَجِل علي عَلي اَلنِّسَاءِ مَا دَامَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام حَيَّةً -أَيْ عَلَي قِيدِ اَلْحَيَاةِ- قُلْتُ و َكَيْفَ ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لاَ تَحِيض. (1)

المنقطعة إلي ربّها

ومن هنا ذكر علماء اللغة أيضاً في وجه تسميتها بالبتول وجهاً آخر مستفاداً مما ورد في بعض الروايات... فقالوا:

إِنَّهَا سُمِّيَتْ بُتُولاً لانقطاعها عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلاً وَ دِيناً .

قال ابن منظور في لسان العرب: البتلِ: اَلْقَطْعُ... و َسئْلُ أَحْمَدُ بْنُ يحْيي عَنْ فَاطِمَةَ رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهَا بِنْتُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم: لِمَ قِيلَ لَهَا اَلْبَتُولُ؟ فَقَالَ: لاِنقِطَاعِهَا عَن نِساءِ أهْلِ زَمَانِهَا و نِساءِ الأُمَّةِ عِفافَةً وَ فَضلاً وَ ديناً وَحَسباً.(2) و مثل هذا قاله ابن الأثير في النهاية أيضاً.(3)

أقول: و من معاني البتول أيضاً: اَلاِنْقِطَاعُ عَنِ اَلدُّنْيَا إِلَي اَللَّهِ سبحانه و هذا المعني أيضاً جاء في بعض كتب اللغة و هو ما قيل عن فاطمة عليها السلام لانقطاعها عن الدنيا إلي الله عزّوجل.(4)

فإنّ التبتّل: الانقطاع عن الدنيا إلي الله تعالي و الإخلاص له سبحانه. فيقال للعابد «متبتّل» إذا ترك كلَّ شيء و أقبل علي العبادة لأنه قطع كل شيء إلا أمر الله و طاعته، قال تعالي: واذكُرِ اسمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إليهِ تَبْتِيلاَوُهُ.(5) أي أخلص له إخلاصاً.

و تعني الآية الشريفة: في ضمن ما تعنيه اذكر ربِّك بأسمائه «تعالي» التي إذا تعدت بالدعاء بها... تقطعك من كل ما سواه.

ص: 17


1- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص139.
2- راجع المصدر، ج11 ص43، طبعة بيروت.
3- راجع النهاية ج1 ص94، طبعة قم بإيران.
4- لسان العرب ج 11 ص 43 بتصرف.
5- سورة المزمل، آية 8.

و في مفردات الراغب الأصفهاني: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً أي انقطع في العبادة و إخلاص النية انقطاعاً يختص به.

و سميّت فاطمة الزهراء عليها السلام بالبتول لإنقطاعها إلي عبادة الله عزوجل فقد كان دأبها العبادة و الانقطاع إلي الله سبحانه.

روي عن مولانا جعفر بن محمد عليه السلام الي عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام عن فاطمة الصغري عن الحسين بن علي عليه السلام عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: رَأَيْتُ أُمِّي فاطِمة عليها السلام قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً و سَاجِدَةً حَتَّي انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبحِ و سَمِعَتُهَا تَدْعُو لِلمُؤمِنينَ و المُؤمِناتِ و تُسَمِّيهِمْ و تُكْثِرُ الدُّعاءَ لَهُمْ ولا تَدْعُو لِنَفسِها بِشَيءٍ... فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّاهْ لِمَ لاَ تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ اَلْجَارَ ثُمَّ الدَّار.(1)

و روي عن الحسن البصري: مَا كَانَ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَعْبَدُ مِنْ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَقُومُ حَتَّي تَوْمَ قَدَمَاهَا.(2)

و في البحار عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: مَتَي قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا جَلَّ جلاَلُهُ زهي نُورها لِمَلاَئِكَةِ اَلسَّمَاءِ كَمَا يَزْهُو نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الأَرْضِ و يَقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجلٌ لِمَلاَئِكَتِهِ:

يَا مَلاَئِكَتِي اُنْظُرُوا إِلَي أَمَتِي؛ فَاطِمَةَ عليها السلام سَيِّدَةِ إِمَائِي قَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي و قَدْ أَقْبَلَ بِقَلْبِهَا علَي عِبَادَتِي؛ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَمِنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ اَلنَّار. إلي آخر الحديث.(3)

و في كتاب «عدة الداعي» لصاحب الكرامات أحمد بن فهد الحلّي: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام اَلَّتِي تَنْهَجُ فِي اَلصَّلاَةِ مِنْ خِيفَةِ اَللَّهِ و النهج -بفتح النون و الهاء- تتابع النفس.(4)

ص: 18


1- كشف الغمة، ج 2، ص 94.
2- فاطمة من المهد إلي اللحد، ص258.
3- راجع المصدر نفسه، ص259.
4- المصدر نفسه .

و لهذه المزايا و الخصوصيات صارت «سلام الله عليها» محل العناية الإلهية...

فأحبها الله سبحانه... و أحبّها رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم... و لأنها كانت خالية من نواقص البشر و دناءاتهم فلا تحب إلاّ بميزان و لاتبغض إلاّ بميزان ، صارت معيار حبهما و بغضهما... فإذا أحبَّت شيئاً أحبه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و إذا أبغضت شيئاً أبغضه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم. حتي قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام:

إِنَّ اللَّهَ يَغضَبُ لِغَضَبٍك وَ يَرْضَي لِرِضاك .(1)

إنَّ اللَّهَ عَزَّوَجِل يَغضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ و َيَرضي لِرِضَاها.(2)

و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أَيضاً:

فَاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا فَقَدْ أَغْضَبَنِي.(3)

و قال أَيضاً :

فاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنّي يُؤْذِينِي مَنْ آذَاهَا ويَسُرُّنِي مَا أسَرَّهَا.(4)

ومن الواضح أن حبّ الله سبحانه و حبّ رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و ليس كحبّنا نحن -البشر- يتحرك للعاطفة و يتفاقم لفرطها فنرضي لرضا المحبوب و نغضب لغضبه بلا موازين... لأننا قد نحب و نبغض بلا معرفة أو وعي الجوهر المحبوب و حقيقته و ربما أحببنا ما لا يليق بالحب استسلاماً للعواطف... و ربما أبغضنا من هو جدير بالحب، استسلاماً للعواطف أيضاً.

ص: 19


1- و قد روي الحديثين طائفة من أقطاب العامة : راجع: مستدرك الصحيحين للنيسابوري، ج3، ص153، طبعة حيدر آباد لعام، 1324 و وصفه أنه حديث صحيح الإسناد. و أسد الغابة الابن الأثير، ج5، ص522، طبعة مصر لعام، 1285. و الإصابة لابن حجر، ج8، ص109. و كنز العمال للمتقي الهندي، ج6، ص219. و ميزان الاعتدال للذهبي، ج2، ص72 و غيرها من المصادر.
2- و قد روي الحديثين طائفة من أقطاب العامة: راجع: مستدرك الصحيحين للنيسابوري، ج3، ص153، طبعة حيدر آباد لعام، 1324 و وصفه أنه حديث صحيح الإسناد. و أسد الغابة الابن الأثير، ج5، ص522، طبعة مصر لعام، 1285. و الإصابة لابن حجر، ج8، ص109. و كنز العمال للمتقي الهندي، ج6، ص219. و ميزان الاعتدال للذهبي، ج2، ص72 و غيرها من المصادر.
3- ينابيع المودة، ص171. و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص198 و صحيح الترمذي، ج2 ص319.
4- ينابيع المودة، ص 171. و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص198 و صحيح الترمذي، ج2 ص319.

أما حب الله «سبحانه» و حب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فهو يرجع إلي المعرفة بما للمحبوب من المواهب و الخصوصيات التي يستحق بها كل هذا الحب... و بغضهما أيضاً خاضع (للقانون نفسه).

ومن هنا أيضاً: صار حبها و بغضها عليها السلام ميزاناً للإيمان و الكفر... و معياراً لتمييز الحق من الباطل...

فاطمة عليها السلام قطب البيت

في بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي سلام الله عليه... لا توجد امرأة أشرف و لاأعظم من فاطمة عليها السلام... بل علي وجه الأرض أبداً. بعد أن جعل الله سبحانه فاطمة عليها السلام أمّاً لأبيها و اختار لها علياً زوجاً و اختارها له زوجة...

قال مولانا الصادق عليه السلام: لَوْلاَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالي خَلَقَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيّاً عليه السلام مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَي ظَهْرِ اَلْأَرْضِ مِنْ آدَمَ فَمَا دُونَهُ.(1)

و في خبر ابن مسعود عن النبي، قال: إِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالي أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ فَاطِمَةَ عليها السلام مِنْ عَلِيٍ عليه السلام.(2)

و لهذا كان بينهم مدرسة... في كل ما للحياة من معني و حاجة...

و هذا لا يجري في مقياس الجسد و مظاهره فقط و إن كانوا بمقاييسه أيضاً هم الأفضل و الأكمل إلاّ أن العناية الكبري منصرفة إلي الروح والمعني.

و لعّلك تجد إشارة أخري في كلمات رسول الله صلي الله عليه و آله تسوق أنظار المسلمين إلي هذا البيت الطاهر... تدعوهم إلي التزكية و التربية و التعلم... من أهل هذا البيت عليهم السلام.

و أيضاً... في حديث المباهلة -بقصّته المفصَّلة و دلالاته القوية المتينة -قد لا نجد تصويراً أكبر لسموّ فضلهم و رفيع مكانتهم و عظيم منزلتهم في هذا القول الشريف: لَو عَلِمَ اللَّهُ أنَّ في الأَرضِ أكرَمَ مِن عَلِيٍ و فَاطِمَةَ و الْحَسَنُ و الْحُسَيْنُ عليهم السلام لَأَمَرَنِي أَنْ أُبَاهِلَ بِهِم.(3)

ص: 20


1- راجع ينابيع المودة، ص179.
2- الصواعق المحرقة، ص107.
3- راجع تفسير العياشي و مجمع البيان و البرهان و الصافي في تفسير آية المباهلة.

و هذا التعبير بدلالاته القوية ينشيء في نفوسنا صوراً شتي للقيم و الفضائل تكشف عن مقاماتهم الرفيعة في العالم الروحاني... و هذا هو الشرف العظيم الذي تخشع له القلوب والضمائر .

و بهذا يتوصّل الإنسان مهما أوتي من فهم... أن عقله لا يتصوّر مثالية و لا عبقرية أرفع من مثاليتهم و عبقريتهم.

فهم الأكملون في مقاييس الفضل و السبق و معايير الشرف و الإيمان بل من أي النواحي أتيتهم تجدهم المُكَمَّلين المقرّبين...

ففي حياة علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و في حياة ولديهما عليهم السلام إلتقت و شائج الفضائل و المثل العليا مذ تفتّحت أكمام حياتهم و عرفوا هذا الوجود .

و إذا نظرنا إليهم من البداية إلي النهاية لرأيناهم يتقلَّبون بين أحضان الفضيلة و قد أسدلت عليهم بُردها تلفّهم من الفرع إلي القدم فلا يساويهم في سموّهم أحد و لا يدانيهم مخلوق.

و لا جرم إن كانوا كذلك وقد تربّوا في البيت الذي خرجت منه الدعوة إلي الإسلام و كفلهم صاحب الدعوة الإسلامية... ربيب الوحي ومختار الله وحبيبه صلي الله عليه و آله و سلم.

وليس عجباً بعد هذا إن كان في كل ناحية من نواحي حياتهم ملتقي للفضائل... فإن لهذه التربية أثراً فعّالاً في صبغهم بالصبغة المثالية و توجيههم إلي الفضيلة و الكمال.

حقاً... لقد كان كل واحد منهم بحكم التربية و بحكم الوراثة معجزة خالدة انفصلت من جسم رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم لتكون معجزة في صميم الحياة.

و إن حياة كل واحد منهم تتصل بحياة رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم و وجوده الكامل يتصل بوجوده صلي الله عليه و اله وسلم المثالي و فضائله تتصل بفضائله من الساعة الأولي التي انفصلوا فيها من وجود واستقروا في وجود آخر.

إن عرضاً موجزاً لحياتهم كفيلٌ بأن يرينا أنه بعد النبّوة لا نجد فواصل أخري بين كمال وجوده صلي الله عليه و اله وسلم و كمال وجودهم وأنَّ الله تعالي أعدَّهم للإنسانية في أعلي مثالية كما أعد رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم من قبل.

ص: 21

والحق... أنهم المعجزة الخالدة التي كشف الزمن عنها فجاؤوا في وسط المعترك الهائج و ليسوا منه و جاؤوا بين طرفي الزمن و ليسوا من الزمن و إنما هم إشعاعة من نور الله سبحانه أفاضه علي هذا الوجود و علي هذه الإنسانية المعذَّبة يشقّ الطريق ليهديها في كل أجيالها إلي الخير و السعادة و إلي المثل العليا من الكمالات النفسية... و من هنا جعلهم قدوة لنا و للبشرية أجمع.(1)

و بهذا يتجلّي لنا الإنسان الذي يسمو في كفة الميزان في معادلات التقييم... فالراجح هو الذي تحفُّ بشخصه أعلي القيم و أقدسها و ذلك باكتساب أمثل الصفات و أزكاها و التي هي الأخري تجعله فريداً وحيداً في السمات و الخصوصيات و بالتالي ينال مقام القرب من الله سبحانه فتكون إنسانيته أكمل و منزلته أعلي و أرفع و بذا ينال درجات الولاية و يرقي عن مستوي السنن و القوانين الطبيعية للكون و الحياة. فيصبح حبّه حبّ الله سبحانه و بغضه بغض الله أيضاً... و هذا ما تجده... في بيت علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام...

فعلي عليه السلام: في كل ناحية من نواحي الإنسانية ملتقي بسيرته.(2)

و قد ورث بحكم مولده و مرباه مناقب النبّوة و مواهب الرسالة و بلاغة الوحي و صراحة المؤمن.(3)

و قد تجمّعت فيه أخلاق محمد صلي الله عليه و اله وسلم و محمد صلي الله عليه و اله وسلم إنسان تجمعت في إنسانيته صفات روحية جعلته أفضل مخلوق و أشرف مخلوق و فوق كل مخلوق.(4)

من سمات علي عليه السلام

فعلي عليه السلام تالي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ... و فرعان لشجرة واحدة هذا للنبّوة و هذا للإمامة لم يعرف الإسلام قط أصدق إسلاماً ولا أشدّ إيماناً منه.

ص: 22


1- المباهلة عبد الله السبتي، ص1-2 بتصرف.
2- عبقرية الإمام علي عليه السلام للعقاد نقلاً عن المباهلة للسبتي.
3- تاريخ الآداب العربية للزّيات نقلاً عن المصدر نفسه .
4- المباهلة للسبتي، ص72 - 73.

و لم يملأ الإيمان أعماق قلب مسلم قط كما ملأ قلبه عليه السلام فكان يؤثر الآخرة علي الأولي و يعمل لإرضاء ربه و إرضاء نبيّه و إرضاء شعبه ...

وصفه ضرار أمام معاوية -ألد أعدائه- فأجاد الوصف و أذعن معاوية إلي الحق الدامغ و قال:

كَانَ وَ اللَّهُ بَعِيدَ اَلْمَدْي شَدِيدَ اَلْقُوَي يَقُولُ فَصّلاً وَ يْحَكُمْ عدلاً يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِن جَوَانِبِهِ و تَنْطِقُ الحِكْمَةُ مِن لِسانِهِ يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنيا و زَهْرَتِهَا و يَأْنَسُ بِاللَّيْلِ و وَحْشَتِهِ وَ كانَ غَزِيرَ الدَّمعَةِ طَويلَ الفِكْرَةِ يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ و مِنَ الطَّعَامِ ما جَشِبَ و َكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِنْ سَأَلْنَاهُ و يَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ و نَحْنُ و اللَّهِ مَعَ قُرْبِنَا مِنهُ و قُرْبِهِ مِنَّا لا نَكادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ و يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ لا يَطْمَعُ القَوِيُّ في باطِلِهِ وَ لا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِن عَدْلِهِ وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ و قَدْ أَرْخَيَ اللَّيْلُ سُدُولَهُ و غَارَتْ نُجُومُهُ قَابِضَاً عَلَي لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَ يَبكي بُكاءَ الْحَزِينِ وَ هُوَ يَقُولُ : إِلَيْكَ عَنّي يا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي أَلِيّ تَعَرَّضْتِ أم إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَإِنِّي قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثَاً لا رَجْعَةَ لِي فِيكِ فَعُمُرُكِ قَصِيرٌ و خَطَرُكِ كَبِيرٌ وَ عَيْشُك حَقِيرٌ... ثُمَّ قالَ عليه السلام آوِ آه مِن قِلَّةِ الزَّادِ و بُعْدِ السَّفَرِ و وَحْشَةِ الطَّرِيقِ ثُمَّ بَكَي ضِرَارَ و بَكَي مُعَاوِيَةَ وَ قَالَ: رَحِمَ اَللَّه أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام كَانَ وَ اللَّهِ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ قَالَ حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حَجْرِهَا فَهِيَ لاَ تَرْقَي لَهَا دَمْعَةٌ وَلاَ تَسْكُنُ لَهَا زَفْرَة.(1)

هذا هو علي في كفّة الميزان... فهل يرجح عليه أحد أم هل يساويه أحد في صحبه أو صحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟

و حسبه فضلاً... أن يكون مع القرآن و القرآن معه... و أن يكون مع الحق و الحق معه يدور معه كيفما دار هذا في الدنيا و في الآخرة فهو عنوان صحيفة المؤمن.(2)

و أما فاطمة عليها السلام

كفؤ علي عليه السلام... ولولاها «سلام الله عليها»، لما كان كفؤٌ له «سلام الله

ص: 23


1- المجالس السنية، ج 3، ص 104 .
2- في كل هذه المعاني جاءت الروايات و قد ذكرها العلامة المجلسي في البحار فراجع.

عليها» و لولاه عليه السلام لما كان كفؤ لها... و حسبنا دلالة علي سمو الشرف و عظم المنزلة أنها كفؤ علي عليه السلام...

قال الشاعر:

المصطفاه اصطفاه الله بارئها *** وما ارتضاه لغير المرتضي الارب

لو لم يكن لم يكن كفوا لها أحد *** و تلك كفوله في الفضل والحسب(1)

و حسبها أن تكون مختارة الله سبحانه ليباهل بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نصاري نجران... و من أجل هذا الاختيار نفهم التفضيل المطلق علي سائر النساء بدون مشاركة لأن العقل لا يفهم الاختيار مع التساوي في الفضيلة و المشاركة في الكمال و إلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح و هو مستحيل علي الحكيم... فلا بدّ إذن من أفضلية و أكملية ليقع الاختيار صحيحاً طبق العقل.

و إذا كانت «سلام الله عليها» قد اختارها الله سبحانه مع من اختار فما ذلك إلاّ من سموّ القدس و غلبة الروحانية في الإنسانية الطاهرة المهذَّبة و إذا غلبت الروحانيّة فقد تكاملت المثل العليا في النسوية العالمية.

و علي قدر نشأة النواميس الروحيّة في النفس البشرية تسمو الإنسانية و ترتفع إلي منزلتها السامية التي أعدّت لها في المكان الأرفع.

و حيث تجمّعت القوي الروحيّة و النواميس القدسية في هذا الملاك النسوي الطاهر فقد تهيّأت النفس للمثل العليا و خرقت المألوف و المعتاد في اطّرادها البشري حتي تستحيل إلي معجزة في كمال الوجود و كمال الفضيلة.(2)

و لهذا كانت فاطمة سلام الله عليها... أم النبوة و الإمامة بعد أن تجمّعت في كيانها النسوي فضائل روحية و كمالات نفسية رفعتها في الإنسانية إلي أرقي الدرجات التي يمكن أن ترتفع إليها إمرأة... فكانت

ص: 24


1- الكوكب الدري، ج1، المازنداني الحائري، ص153 طبعة النجف.
2- المباهلة للسبتي، ص 76 بتصرف .

صورة فريدة للكمال الإنساني في جانبه النسوي و مدرسة إنسانية كاملة تجمّعت في شخصها كل معاني العظمة و الفضيلة و الشرف و الكمال بل سمت في كل مجال...

فكانت خير بنت لأبيها...

و خير زوجة لزوجها...

و خير أم لبنيها...

و خير قدوة لأمثالها...

و من أجل ذلك كلّه... و أكثر... كانت جديرة بأن تمثّل القمة في مستوي الكمال البشري في بُعده النسوي... و من أجل ذلك أيضاً صارت سيّدة نساء العالمين كما وصفها المتحدث بلسان الغيب صلي الله عليه و آله و سلم.(1)

قالت عائشة و هي تزفّ فاطمة سلام الله عليها إلي علي عليه السلام مع سائر نساء النبي و نساء المهاجرين و الأنصار ليلة العرس:

يا نسوةُ استترنَ بالمعاجر *** و اذكرنَ ما يَحسُنُ في المَحاضرِ

و اذكرنَ ربَّ الناس إذ يخصُّنَا *** بدينه مع كلّ عبد شاكر

و الحمدلله علي أفضاله *** و الشكرُلله العزيز القادر

سرنَ بها و الله أعلي ذكرها *** و خصّها منه بطهرٍ طاهر

و أخذت حفصة تنشد في مدحها أيضاً في نفس الليلة و المناسبة :

فاطمة خيرُ نساءِ البشر *** و مَن لها وجهٌ كوَجهِ القمر

فضّلك اللهُ علي كلِّ الوري *** بفضلِ مَن خُصَّ باي الزُمر

زوجك الله فتّي فاضلاً *** أعني علياً خيرَ مَن في الحَضر

فَسرنَ جاراتي بها إنّها *** كريمةٌ بنتُ عظيم الخطر (2)

ص: 25


1- روي ابن سعد في الطبقات الكبري، ج8، ص28 طبعة بيروت: حديثا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين»... و قد روي الحديث طائفة أخري من أعلام العامة أيضاً.
2- فاطمة من المهد إلي اللحد للقزويني، ص 196.

في مدرسة علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام

تمَّ الزواج المبارك بين أعظم غصنين لأعظم رسالة هبطت علي الأرض...

فماذا كان الصداق؟ هل الكثير من الأموال... و أنواع الملابس... و الأطعمة و الأشربة؟... كلاّ... و لا القصر العاجي و لا هذا و لا ذاك... أبداً... وحُقَّ له أن يكون هكذا... لأن الذي سمت فيه الروحانية... و تجلّي فيه القدس و الطهارة و عذوبة القيم... يأبي أن يعيش في حضيض المادة و دناءتها التي تخدع و لا تخصب، يأبي أن تصفّده الدنيا التي تغرّ و تضر و تمر بأصفادها فتحدّ من سموّه و رفعته... الذي سمي فيه المعني يأبي إلاّ أن يعيش المعني أيضاً و يتعامل مع الحياة هكذا أيضاً.

أعود وأسأل ماذا كان الصداق؟ كان الصداق درعاً حطمية... شاركت الإمام في جهاده في سبيل الله سبحانه وصدّت عنه سيوف الأعداء و رماحهم المغموسة بالكفر و النفاق و العداوة للدين... هذه الدرع التي حمت الإمام في أشد المواقف و أصعبها لتحفظه من المكاره و الآلام هي الأخري ... صارت مهراً لفاطمة عليها السلام.

هذه الدرع باعها علي عليه السلام بأربعمائة و ثمانين درهماً و أتي بالمبلغ و وضعه بين يدي النبي صلي الله عليه و آله... وزَّع النبي المال علي النحو التالي:

160 درهماً لشراء العطور و كلَّف بلالاً بشرائها.

160 درهماً لشراء الثياب.

66 درهماً لمتاع البيت.

96 درهماً دفعها إلي أمّ سلمة لتبقيه لديها.

و قد اختار هيئة من الصحابة لشراء الثياب و المتاع كان منهم أبوبكر و عمار بن ياسر فاشتروا جهاز العرس و هو كالتالي: (1)

1- قميص بسبعة دراهم !

ص: 26


1- أخذنا التفاصيل عن كتاب فاطمة أم أبيها للسيد فاضل الميلاني، ص 55 - 57.

2- خمار بأربعة دراهم!

3- قطيفة سوداء خيبرية!

4 - سرير ملفوف بشريط من الخوص!

5- فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم!

6- أربع مرافق (مُتكَات) من أدم الطائف حشوها «إذخر» و هو نبات طيِّب الرائحة.

7- ستر رقيق من الصوف!

8- حصير هجري!

9- رحي يد.

10 - مخضب من نحاس لغسل الثياب !

11 - قربة صغيرة !

12 ۔ قدح من خشب !

13- قرية صغيرة لتبريد الماء !

14- مطهرة «إناء مزفّت» !

15- جرَّة خضراء!

16- أكواز من خزف!

17- بساط من الجلد!

18- عباءة قطوانية!

هذا هو الجهاز... فحملته الهيئة إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وضعته أمامه فجعل صلي الله عليه و آله و سلم يقلّبه بيده و يقول: (بَارَكَ اَللَّهُ لِأَهْلِ اَلْبَيْتِ؛(1) اَللَّهُمَّ بَارِكْ لِقَوْمٍ جُلُّ آنِيَتِهِمُ الخزف .(2)

ص: 27


1- بيت الأحزان للشيخ عباس القمي، ص17.
2- الإمام علي رجل الإسلام المخلّد. عبد المجيد لطفي، ص60.

أما الإمام عليه السلام فماذا كان إعداده لبيت الزوجية؟ كان كما يلي:

- فرش حجرة النوم بالرمل الناعم.

- نصبَ خشبة من حائط إلي حائط.

- إهاب كبش و مخدّة ليف وضعها علي الأرض.

- منشفة علّقها علي الحائط.

- وضع علي الأرض قربة ماء و منخلا لنخل الدقيق.(1)

هذا هو جهاز الزوجية لأطهر بيت عرفته الإنسانية علي طول التاريخ أنجب لها طاهراً بعد طاهر يربّون أجيالها علي القدس و الطهارة.

و هذه هي الصورة المثلي لواقعية الإسلام... و مناهجه السهلة السمحة في التعامل مع الحياة و التخفيف عن كاهل الأزواج بالنسبة للمهور و الإعداد لتكوين الأسرة السعيدة ... و هو الحل الحاسم لكثير من المشاكل الروحية و الجنسية التي يضج بها العالم المتمدّن اليوم.

فأين مجتمعنا الإسلامي اليوم من هذا؟

فاطمة عليها السلام لا في بيتها

و بعد ذلك كلّه... فهي عليها السلام غير علي عظمتها و علّو منزلتها و سموّ درجتها عاشت في بيتها مع زوجها و أولادها كأيّ امرأة أخري... لتكون أسوة و قدوة لأجيال النساء... تعال لنسمع ما يقوله علي عليه السلام عنها و هو الأعرف بها في البيت...

قال علي عليه السلام لرجل من بني سعد: ألا أحدّثك عنّي و عن فاطمة عليها السلام؟

إنّها كانت عندي و كانت من أحبّ أهل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم...

- و إنّها استقت بالقِربة حتي أثَّر في صدرها.

- و طحنت بالرحي حتي مجلت -يداها ثخن جلدها-.

- و كسحت البيت حتي اغبرَّت ثيابها.

ص: 28


1- الإمام علي رجل الإسلام المخلّد. عبد المجيد لطفي، ص60.

- و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت -اغبرّت و اتّسخت- ثيابها.

فأصابها من ذلك ضرر شديد... فقلت لها:

لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل،

فأتت النبي صلي الله عليه و آله و سلم فوجدت عنده حُداثاً -جماعة يتحدثون- فاستحت فانصرفت.

قال: فعلم النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنّها جاءت لحاجة...

قال: فغدا علينا و نحن في لفاعنا -لحاف- فقال:

السلام عليكم، فسكتنا (1) و استحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم فسكتنا. ثم قال: السلام عليكم... فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف و قد كان يفعل ذلك ثلاثاً فإن أذن له و إلا انصرف...

فقلت: و عليك السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ادخل .

فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال:

يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟

قال: فخشيت إن لم تجبه أن يقوم... قال:

فأخرجت رأسي فقلت: أنا -و الله- أخبرك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!

إنها استقت بالقربة حتي أثّر في صدرها وجرّت بالرحي حتي مجلت يداها و كسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت ثيابها فقلت لها:

لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنتِ فيه من العمل.

فقال صلي الله عليه و آله و سلم:

أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟

ص: 29


1- الظاهر أن السلام إذا كان للاستئذان لا يجب ردّه و الله العالم . راجع فاطمة من المهد إلي اللحد للقزويني، ص 261.

إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين... و احمداً ثلاثاً و ثلاثين... و كبّرا أربعاً و ثلاثين.

قال: فأخرجت عليها السلام رأسها فقالت:

رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.(1)

فلزمت «صلوات الله عليها» هذا التسبيح بعد كل صلاة و نسب إليها هذا التسبيح فيقال: تسبيح فاطمة عليها السلام.

و عن قرب الإسناد عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:

يَا أَبَا هَارُونَ إِنَّا نَأْمُرُ صبيانَنا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ عَلَيها السلام كَما نَأمُرُهُم بِالصَّلاةِ فَالْزَمْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ . (2)

و في مجمع البيان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ عليها السلام لاَ فَقَدْ ذَكَرَ اَللَّهَ ذِكْراً كَثِيرَاً.(3)

و الروايات في فضل تسبيح فاطمة «سلام الله عليها» كثيرة و مختلفة في كيفيتها و في بعضها... التكبير ثم التحميد ثم التسبيح... و هو الأشهر و الأقوي عند فقهائنا الأعاظم.

عطاء و إيثار

و قد اتضح مما تقدم... أن مولاتنا الصديقة سلام الله عليها مع جلالة قدرها و عظم شأنها و شرف نسبها كانت تقوم بأعمال البيت و تدير أموره بنفسها و كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و هو الصديق الأكبر سلام الله عليه يعينها علي ذلك أيضاً ففي جامع الأخبار عن علي عليه السلام قال:

دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ و سَلَّمَ وَ فَاطِمَةُ عليها السَّلاَم جَالِسَةٌ عِنْدَ اَلْقِدْرِ وَ أَنَا أُنَقِّي اَلْعَدَس

ص: 30


1- راجع المصدر ص 260 - 265 و قد نقلنا الرواية مع بعض التوضيح.
2- المصدر نفسه.
3- راجع ج 8 تفسير الآية و راجع المصدر السابق.

قَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله. قَال: اِسْمَعْ مِنِّي و مَا أَقُولُ إِلاَّ مِن أَمْرِ رَبِّي مَا مِن رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعرَةٍ عَلي بَدَنِهِ عِبادَةُ سَنَةٍ صِيامٍ نَهَارُها و قِيامٍ لَيْلُها... إلي آخر الحديث.(1)

وهكذا... نري في بيت فاطمة عليها السلام، أروع صور التعاون و المحبة و المواساة، و البساطة في العيش، كما نري البيت، المدرسة...

فمع أنها بنت النبي عليها السلام و وعاء رضا الله سبحانه و غضبه، فقد بدأت تمارس وظائف البيت من أول يوم حلت زوجة فيه و دأبت علي ذلك أياماً طوالاً حتي وهبها الله الحسن والحسين عليهم السلام.

لكن مسؤولية البيت و مسؤولية الزوج و مسؤولية الأولاد... و إضافة إلي مسؤولية المجتمع و نشر الأحكام و تعليم النساء الدين و الأخلاق... صباح مساء، كل ذلك جعلها ترجو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في استئجار خادمة لها تعينها في بعض شؤون المنزل...

فأنفذ لها جارية للخدمة سماها «فضّة»... و لما حصلت علي خادمة لم تخلد إلي الراحة أبداً بل و زّعت الوظيفة و جعلت يوماً لها و يوماً لخادمتها في إدارة شؤون البيت. فيا لروعة الإسلام و عظمة الإنسانية فيه...

ابنة رسول الله عليها السلام... المرأة الأولي في الإسلام و الزوج القمة... تأبي أن تترك العمل إلي الخادمة... و تأبي أن تكون السيّدة التي لا تهمها شؤون الزوج و الأولاد... دون أن تسهر عليها... و تتفاني في سبيلها...

إنّها بذلك... جسَّدت أروع الصور للزوجة الحريصة... و الأم المسؤولة... و في الوقت نفسه المواسية لمن هو دونها في المقام و الشرف. و لهذا كانت أجواء البيت نقيّة هادئة تزيّنها العواطف و يحكمها الحب و التفاهم و يعيش في أكنافها الوئام ففي البحار عن المناقب قال علي عليه السلام:

فَوَاللَّهِ مَا أَغْضَبْتُهَا وَ لاَ أَكْرَهْتُهَا عَلَي أَمْرٍ حَتَّي قَبَضَهَا الله عزّوجل

ص: 31


1- المصدر نفسه.

ولا أَغْضَبْتَنِي ولا عَصَتْ لِي أَمراً لَقَد كُنتُ أَنظُرُ إلَيْهَا فَتَنْكَشِفُ عَنِّي الهُمُومُ وَالأَحْزانُ .(1)

وفي تفسير العياشي عن مولانا الباقر عليه السلام:

إِنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ ضَمِنَتْ لِعَلِيٍ عليهِ السَّلامُ عَمَلَ الْبَيْتِ و الْعَجِينَ وَ الْخُبْزَ و قُمَّ الْبَيْتَ و ضَمِنَ لَهَا عَلِيٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ما كانَ خَلفَ البابِ: ثِقَلُ الحَطَبِ و أن يَجيءَ بِالطَّعامِ.(2)

وفي هذه القصة التي رواها الأربلي في «كشف الغمة» من الدلالات ما يغنينا عن مزيد من البيان لأخلاق فاطمة عليها السلام و أسلوبها في التعامل داخل البيت... و من هذا نعرف مستوي السمو في المرأة و كيف تصبح المرأة مدرسة . قال : أصبح علي عليه السلام ذات يوم فقال:

يَا فَاطِمَةُ عليها السلام عِنْدَكِ شَيْءٌ تُغَذِّينِيهِ ؟

قَالَتْ لا وَالَّذي أكرَمَ أبِي بِالنُّبُوَّةِ و أكْرَمَك بِالوَصِيَّةِ ما أصبَحَ الْيَوْمَ عِنْدِي شَيْءٌ أُغَذِّيكَاهُ و مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مُنْذُ يَوْمَيْنِ إِلآ شَيْءٍ كُنْتُ أُوثِرُكَ بِهِ عَلَي نَفْسِي و عَلَي ابْنَيَّ هَذَيْنِ حَسَنٍ وَحُسَينٍ عليهم السلام.

فَقَالَ عَلِيٌ عليه السلام: يَا فَاطِمَةُ عليها السلام أَلا كُنْتِ أعلمتني فَأَبْغِيكُمْ شَيْئاً ؟

فَقَالَتْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ إِلَهِي أَنْ تُكَلِّفَ نَفْسَكَ مَا لاَ تَقْدِرْ عَلَيْهِ.(3)

وفي هذا خير عبرة... و نموذج لنسائنا اليوم!!

هذا غيض من فيض من سيرة الصديقة الكبري عليها السلام... و تعاملها مع الحياة...

و أما عن علومها و بلاغتها و جهادها و صبرها... و سائر ما جمعه لنا التاريخ عنها من فضائل و خصوصيات فلا يسع لها هذا المجال... فراجع في ذلك كتب الروايات و التاريخ .

ص: 32


1- راجع المصدر، ص 212 - 213.
2- راجع المصدر ص212 - 213.
3- كشف الغمة، ج2، ص95 و الحديث طويل إكتفينا بنقل محل الشاهد.

فاطمة عليها السلام محور الكمال

الاشارة

في حديث الكساء جعلها ربها «سبحانه وتعالي» محورا للمعصومين سلام الله عليهم تدور عليه أفلاك النبوة و الإمامة... و ذلك عندما قال الأمين جبرئيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال عزّوجل : هم أهل بيت النبّوة و موضع الرسالة... هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها.

فقد جعلها «سبحانه» المحور في تعريفهم و الإشارة إليهم فهي مركزهم و قطب رحاهم أجمعين عليهم الصلاة و السلام.

ولعل السرّ في ذلك يكمن في وجوه منها:

أولا: إنَّ الملائكة كانوا قد عرفوا فاطمة حين كانوا في الظلمة ثم ببركة نور فاطمة رأوا النور.

و لعلّ في حديث جابر الذي نقله عن مولانا الصادق عليه السلام المتقدم إشارة إلي هذا المعني .

ثانياً: أو لعلّ السرّ هو نفس مفاد الحديث القدسي المتقدم:

لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ الْأَفْلاكَ وَ لَولا فَاطِمَةُ عليها السلام لَمَّا خَلَقْتُكُمَا .(1)

بلحاظ أنَّها عليها السلام غاية الغايات كما تقدم.

ثالثاً: وربّما يكون السرّ ما ورد في الحديث الشريف عن مولانا الصادق عليه السلام: هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكُبري عليها السلام وَعَلي مَعرِفَتِها دَارَتِ اَلْقُرُونُ اَلْأُولَي.(2)

ص: 33


1- عوالم العلوم، ج11، باب3، ح1، ص29 الطبعة الثانية .
2- أمالي الطوسي، ج2، ص280 طبعة قم و راجع البحار، ج43، ص105. حديث19 طبعة بيروت.

و الصديق علي وزن فعّيل للمبالغة و هو المداوم علي التصديق بما يوجب الحق و في الخبر: فَاطِمَةُ عليها السلام صِدِّيقَةً و لَمْ يَكُنْ بَعْلُهَا إِلاَّ صِدِيقَةٌ وَ مَريَمَ عليها السلام كانَت صِدِّيقَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَي: «وَ أُمُّهُ صِدِيقَةٌ»(1) إِلاَّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكبْري.(2)

و قد قرَّر الله سبحانه لنظام الكون محاور و أقطاباً و سيَّر المخلوقات بحركة دورانية حول القطب فكل مجموعة منها تدور حول قطبها و محورها بمعني أنَّها ترجع إلي حيث ابتدأت في مسيرها الأول...

و هذه الحركة لا تختص بأجزاء الكون الصغيرة دون الكبيرة و لا العكس... كلاَّ... فإنَّ نظام الكون و حركته ابتداءً من الذرّة إلي المجرّة كلها متشابهة المسير و الحركة متطابقة النظام مما يدلّل علي وحدة الخالق و حكمته...

فالذرّة نواتها قطب رحاها و تدور حول القطب الالكترونات التي تحمل الشحنات السالبة بأعدادها الخاصة و مداراتها الخاصة و بسرعة خاصة و نظام خاص أيضاً كما ثبت في علم الذرّة.

و كذلك نظام الأفلاك يجري علي القانون و النظام نفسه... فالشمس و القمر و الكواكب يدور كل واحد منها حركة دورية حول القطب...

و هكذا ماء البحار تبخّره الشمس نهاراً فيصعد إلي السماء ثم ينزل منها إلي البحار ثانية بشكل أمطار... و هكذا سائر المخلوقات من الأشجار و الحيوانات تبتديء من الأرض و تنتهي إلي الأرض بما فيها الإنسان أشرف مخلوقات الله سبحانه.

و قد أشار القرآن الحكيم إلي هذه الحقيقة في الخلق فقال: وَاللَّهِ أَنْبَتَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ نَبَاتَاً.(3)

فالإنسان نبات ينبت في الأرض القريبة بلحاظ نطفة الأب التي تنشأ من الأرض و ثمارها.

ص: 34


1- سورة المائدة، آية: 75.
2- الكوكب الدري للمازنداني الحائري، ص 127.
3- سورة نوح، الآية : 17.

أو الأرض الأبعد بلحاظ رحم الأم. لأن النطفة تنبت في رحم الأم و بمجاز الأوّل ترجع إلي الأرض لأن رحم الأم خلق هو الآخر من الأرض.

و علي أيِّ حال... ينبت الإنسان نباتاً في الأرض فإذا مات عاد ثانية إلي الأرض و مِنها خَلَقْناكُم و َفيها نُعِيدُكُم .(1)

و هكذا الأمر في المعنويات أيضاً. فعندما نقول إنهم عليهم السلام محور الكون بمعني أنهم سبب إضافته.

و لذلك صاروا قطب رحي الوجود و عليهم تدور القرون و فاطمة سلام الله عليها هي محور هذا القطب العظيم. وَ عَلَي مَعْرِفَتِها دارَتِ القُرونُ الأولَي.(2)

هذا بالنسبة للكون بشكل مطلق و أما بالنسبة للبسر بشكل خاص فإنهم ليسوا فقط محور خلقه و وجوده بل هم أيضاً محور هداه و كماله...

فكلّ مجالات البشر للوصول إلي الكمال، لتدور حول قطب كمالهم عليهم الصلاة و السلام و تقتبس منه ما تقدر.

و هذا ليس بالأمر المستحيل و ذلك لأن الله سبحانه جعل للماديات مخازن يستمد من خزينها الآخرون...

فالشمس مخزن النور و الحرارة و الدفء يستمد العالم منها هذه العناصر الأساسية للحياة.

و البحار مخازن المياه و الأرض مخزن التراب و الجبال مخازن المعادن و الفلزات و الأزهار مخازن العطور... و هكذا...

وَللَّهُ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأرضِ.(3)

فكذلك جعل الله سبحانه المعنويات هكذا. فالأم مخزن العاطفة و الحب و الرحمة و الأب مخزن الشفقة و هكذا.

ص: 35


1- سورة طه، الآية: 55.
2- تقدم مصدره.
3- سورة المنافقون، الآية: 7.

و لعلّه من هنا أيضاً صارت فاطمة الزهراء عليها السلام -أمّ أبيها- لأنه كان يلمس فيها الحنان و الدفء و العطوفة التي تحنو بها الأم علي ولدها.

فهي بضعة منه جسداً و فلذة منه تكويناً إلاّ أنه منها سكناً و عطفاً و حناناً و لهذا تواترت الأخبار بأنه كان إذا أراد السفر كان آخر عهده بفاطمة عليها السلام و إذا رجع كان أوّل عهده بها.

لأنّها «سلام الله عليها» خزانة العاطفة و الحب و الرحمة.

و أهل البيت عليهم الصلاة و السلام خزانة علم الله سبحانه و أخلاقه و آدابه... و كلّ البشرية تستمد منهم مختلف العلوم و المعارف و الكمالات الإنسانية.

إذ كلّ علم و معرفة يعود إليهم و كل كمال هم مصدره و منبعه كما في الروايات المتضافرة و لهذا صاروا قدوة للبشر. لأنهم قطب رحي الكمال المعنوي في الكون.

ماذا تعني فاطمة عليها السلام؟

و بعد كلّ ما تقدم من مقامات لا يبقي مجال للاستغراب إذا قلنا بأننا لا ندرك من فاطمة «سلام الله عليها» سوي أنوارها القاهرة التي تخرق حجب النفس فتبهرنا كمالاتها السامية.

و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بعظمتها دون أن نعرف سرَّها الغيبي المكنون حق المعرفة و هذا الأمر لا يختص بإنسان دون إنسان بل كل ما علي الأرض من البشر -سوي المعصومين عليهم السلام- لا يدركون سرَّ العظمة في فاطمة عليها السلام و لا بوسعهم استيعاب مضامينها الرفيعة كما ينبغي.

كيف؟ و قد سمّاها ربها فاطمة عليها السلام لما فطم الناس عن معرفتها.(1)

و في الآخرة تفطم شيعتها و محبيها من نار جهنم.(2)

و هي بين الدنيا و الآخرة منفطمة عن الطمث و الشر و كل منقصة بشرية...

ص: 36


1- تفسير فرات الكوفي، ص218 طبعة النجف و ص581 من طبعة طهران.
2- البحار، ج43 باب2 ص12 ح3.

بل و قد فطمها سبحانه بالعلم بالميثاق.(1)

و أيضاً شق الله سبحانه لها اسماً من أسمائه الحسني فهو الفاطر و هي الفاطمة عليها السلام.(2)

و بهذا كله و بغيره صارت سلام الله عليها قطب رحي الوجود الذي دارت عليه سنن التكوين... و عليها دارت القرون الأولي.

و من هنا... أصبحت سلام الله عليها وعاء مشيئة الله و رضاه و غضبه فيغضب الله لغضب فاطمة عليها السلام ويرضي لرضاها عليها السلام في الدنيا والآخرة.(3)

قال الشاعر:

مشكاةُ نوِر الله جَلَّ جلالُه *** لَمّا تنزّلت أكثرت كثراتُها

هي قطب دائرة الوجود و نقطة *** زيتونة عمَّ الوري بركاتُها

هي أحمدُ الثاني و أحمد عصرِها *** هي عنصر التوحيدِ في عرصاتِها(4)

ص: 37


1- البحار، ج43 باب2، ص13 ح9.
2- المصدر السابق، ص 15.
3- المصدر السابق، الباب3 ح2 ص19.
4- الكوكب الدري، ص120.

فاطمة عليها السلام في الشعر والأدب

رغم كل ما تقدم من معان و أسرار عن مقام الصديقة سلام الله عليها و عظمتها عند الله سبحانه و دورها الكبير في هذا الكون الرحيب فإن الأدباء عمومة والشعراء منهم علي الخصوص كانوا و ما زالوا يترنّمون باسم فاطمة عليها السلام مدحاً و رثاءَ.

إن الشعراء مهما أُوتوا من قدرة علي الخيال و الإبداع و الإلهام... و هم الذين صوّروا لنا الكثير و ربطوا بين حقائق الكون و نفذوا برؤيتهم الخارقة إلي بطون الأشياء و أضفوا عليها سحراً و إبداعاً من صنع خيالهم وعبّروا في كثير من الأحيان من المظاهر الخارجية إلي البطون و من المادة إلي المعني و استطاعوا أن يصوّروا لنا المعاني المجرّدة الغائبة عن الحس و يقرّبوها إلي الفهم و الإدراك...

و بكلمة:

إنَّ الشعراء الذين و ظّفوا الشعور لربط عناصر الكون و استخدموا الذوق لإكتشاف الحقائقِ و تصويرها... هم أيضاً فطموا عن معرفة فاطمة عليها السلام و عجزوا في الوصول يوماً إلي ساحل بحرها.

فهم مهما أوغلوا في التأمّل و سرحوا في الخيال وعمّقوا النظرة تبقي نظراتهم جوّالة في هذا العالم الغيبي العجيب، فلا يتمكنون أن يبصروا فيه ، سوي إشراقات روحية باهرة يخطف ضوؤُها الأبصار.

و عندها لا يملكون إلاّ أن يفجّروا مواهبهم الخلاّقة لتصوير هذا النور

ص: 38

الساطع و ذكر سماته و خصوصياته مدحاً و ثناءً و حباً و شوقاً دون أن يصلوا إلي جوهره المكنون.

و من هنا... فإن الشعراء عندما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام لا يهدفون منه اكتشاف هذا السر الإلهي العظيم و قد اعترفوا بعجزهم عن ذلك.

ص: 39

دوافع الشعراء

اشارة

و إنما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام بدوافع عديدة سنذكر بعضها علي التوالي:

الأول: دافع العقيدة

الأول: دافع العقيدة :

بمعني إبراز العقيدة و نشرها في مقابل العقائد الأخري.

و كان هذا الدافع الأكثر حظاً في العصور الأولي من الهجرة نظراً التموّج العقائد و رواجها الكثير في ذلك الوقت و الذي كانت من ورائه السياسة في أغلب الأحيان حتي انقسمت الأمة الإسلامية إلي مذاهب و مسالك عديدة و كل مذهب له أنصاره و مفكروه و مروّجوه.

و من الواضح... أنّه في ذلك الزمان كان الشعر و الشعراء يحتلان مكان الصدارة في المجتمع لأنّهما المرآة العاكسة للأوضاع و أفضل وسيلة إعلامية لترويج المباديء و الأفكار فما من حدث أو مبدأ أو دين إلاّ و استخدم الشعر سلاحاً و الشعراء أنصاراً له دعماً لنفسه و تشهيراً بأعدائه.

و لذلك كان الشعراء يمثّلون واجهة المذاهب و موجّهي المجتمع...

و قليلاً ما تجد للشعراء موقفاً بعيداً عن الأوضاع و الحياة الاجتماعية و السياسية التي يعايشونها...

فأكثر الأحداث كان للشعراء فيها موقف و فكرة... خاصة في ذلك الوقت. حيث مواسم إزدهار الشعر و شموخ حضارته و نبوغه.

ص: 40

شعراء العقيدة

شعراء العقيدة:

وقد برز في ذلك الزمان بالذات رجال من كبار شعراء العرب و الإسلام ، بلغوا قمة الأدب العربي بلاغةً و فصاصة، كالكميت بن زيد الأسدي و السيد الحميري و الفرزدق و العبدي و دعبل الخزاعي و أمثالهم من الرعيل الأول...

اعتنقوا التشيّع مذهباً و امتداداً لخط النبوّة و آمنوا بأهل البيت عليهم الصلاة و السلام إيماناً واضحاً وقوياً فوقفوا يبرّزون عقيدتهم و يظهرونها علي العقائد الأخري التي كان الحكّام يرّوجونها و يسخّرون من أجل نشرها الكثير الكثير من الشعراء و أهل الأدب ... و كان هدفهم في ذلك ترويج التشيّع و نشر مبادئه السامية بين الناس أو الذبّ و الدفاع عنه أمام شبهات المبطلين... و خاصة قضية الولاية و الإيمان بالأئمة عليهم السلام و قد ذكر العلامة الأميني في الغدير الكثير منهم و هنا نشير إلي بعضهم علي عجالة...

الكميت الأسدي

الكميت الأسدي:

أبو المستهل الكميت الأسدي المولود سنة (60 ه_) و المتوفي سنة (126 ه_) و يجد الباحث في خلال السيَر شواهد واضحة علي أن الرجل لم يتخَّذ شاعريته وما كان يتظاهر به من التهالك في ولاء أهل البيت عليهم السلام وسيلة لما تقتضيه النهمة و موجبات الشره من التلمّظ بما يستفيده من الصلات و الجوائز أو الحصول علي رتبة أو راتب و لو أراد لوصل بعد أن انهالت الدنيا و مغرياتها علي الأمويين و أخذوا يرتعون فيها ما يشاؤون... و لكنّه يلوي بوجهه عنهم إلي أناس مضطهدين مقهورين و يقاسي من جرّاء ذلك الخوف و الاختفاء تتقاذف به المفاوز و الحزون ليس من الممكن أن يكون ما يتحداه إلا خاصة فيمن يتولاهم و هذا هو شأن الكميت مع أئمة الدين عليهم السلام فقد كان يعتقد فيهم اعتقاد المؤمن الحق الذي يؤمن بأنهم وسائله إلي المولي سبحانه و واسطة نجاحه في عقباه و أن موّدتهم أجر الرسالة الكبري...

و من شعره الذي قاله شارحاً أوضاع زمانه و عقيدته بأهل البيت عليهم السلام قوله:

فقل لبني أميّةَ حيث حَلُّوا *** و إن خفتَ المهنَّدَ و القطيعا

ص: 41

ألا أفِّ لدهر كنت فيه *** هدانا طائعالكم مطيعا

أجاعَ الله من أشبعتموه *** و أشبعَ مَن بِجورِكم أُجيعا

ويلعَنُ فأمته جهاراً *** إذا ساسَ البريةَ و الخليعا

بمرضيّ السياسةِ هاشميِّ *** يكونُ حياً لأمّته ربيعا

و ليثاً في المشاهد غير نكسِ *** لتقويم البرية مستطيعا

يقيم أمورَها و يذبّ عنها *** و يتُرك جَّدبها أبداً مرِيعا

و لشدة ولاء الكميت لأهل البيت عليهم السلام و تمسّكه الصادق بمذهبهم كان يحظي بمكانة خاصة عندهم و كانوا يدعون له أيضاً.

روي الشيخ الأكبر الصفّار في «بصائر الدرجات» بإسناده عن جابر قال:

دخَلت عَلَي الْبَاقِرِ عَلَيه السلام فَدَخَلَ الْكُمَيْتُ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْشُدُكَ؟ فَقَالَ: أنشد فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً فَقَال: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ مِنْ ذَلِكَ اَلْبَيْتِ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إِلَي اَلْكُمَيْتِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أنشدُكَ أُخْرَي؟ فَأَنْشَدَهُ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إلَيْهِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاك و اللَّهِ مَا أُحِبُّكُم لِعَرَضِ الدُّنيَا وَ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إلاَّ صِلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم وَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ اَلْحَقِّ فَدَعَا لَهُ البَاقِر عليه السلام.

و كان أهل البيت عليهم السلام لا يردّدون شعره و يكلّمونه في الرؤي الخاصة التي كان يراها هو أو أصحابه...

روي الكراجكي في كنز الفوائد صفحة 154 بإسناده عن هناد بن السري قال:

رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في المنام فقال لي: يا هناد، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت:

ويوم الدوّح دوح غديرخمِّ *** أبان له الولاية لو أطيعا

قال : فأنشدته . فقال لي: خذ إليك يا هنّاد ؟ فقلت : هات يا سيدي ؟ فقال عليه السلام :

وَ لَم أرَ مثل ذاك اليوم يوماً *** و لم أرَ مثله حقاً أضيعا

و قال المرزباني في معجم الشعراء 348 : مذهب الكميت في التشيّع

ص: 42

و مدح أهل البيت عليهم السلام في أيام بني أمية مشهور.

و قال السندوي: كان الكميت من خيرة شعراء الدولة الأموية و كان عالماً بلغات العرب و أيامهم و من خير شعره و أفضله الهاشميات و هي القصائد التي ذكر فيها آل بيت الرسول سلام الله عليهم بالخير.

و روي أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ج15 صفحة124 بإسناده عن محمد بن علي النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لمّا قال الكميت الشعر كان أوّل ما قال الهاشميات فسترها ثم أتي الفرزدق بن غالب فقال له : يا أبا فراس؟ إنّك شيخ مضر و شاعرها و أنا ابن أخيك الكميت قال له: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟

قال: نفث علي لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحاً أمرتني بستره و كنت أوّلي من ستره عليَّ .

فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن و إنّي لأرجو أن يكون شعرك علي قدر عقلك فأنشدني ما قلت فأنشده:

طربت و ما شوقاً إلي البيض أطربُ.

قال فقال لي: فيمَ تطرب يا بن أخي؟ فقال : و لا لعباً منّي و ذوالشيب يلعب؟!

فقال : بلي يا بن أخي؟ فالعب فإنّك في أوان اللعب فقال:

و لم يلهني دار و لا رسم منزل *** و لم يتطرَّبني بنان مخضَّب

فقال: ما يطربك يا بن أخي؟ فقال:

و لا السانحات البارحات عشيّة *** أمرَّ سليم القرن أم مرَّ أعضب

فقال: أجل لا تتطيَّر فقال:

ولكن إلي أهل الفضائل و التقي *** و خير بني حوّاء والخير يُطلبُ

فقال: و من هؤلاء ؟ و يحك... قال:

إلي النفر البيض الذين بحبِّهم *** إلي الله فيما نابني أتقرَّب

ص: 43

قال: أرحني و يحك مَن هؤلاء؟! قال:

بني هاشم رهط النبي فإنّني *** بهم و لهم أرضي مراراً و أغضب

خفضت لهم مني جناحي مودّة *** إلي كنف عطفاه أهل و مرحب

و كنت لهم من هؤلاء وهؤلا *** محباً علي أنّي أذمُّ و أغضب

و أرمي و أرمي بالعداوة أهلها *** و إني لأوذي فيهم و أؤنّب

فقال له الفرزدق: يا بن أخي ؟ أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضي و أشعر من بقي.

و روي الكشّي في رجاله صفحة 136 بإسناده عن زرارة قال: دخل الكميت علي أبي جعفر عليه السلام و أنا عنده فأنشده:

من القلب متيَّم مستهام *** غير ماصبوةِ و لا أحلام؟

فلما فرغ منها قال للكميت: لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما دمت تقول فينا.

و قال المسعودي في مروج الذهب ج2 صفحة 195: قدم الكميت المدينة فأتي أبا جعفر عليه السلام فأذن له ليلاً و أنشده فلما بلغ الميمية قوله:

و قتيل بالطفّ غودر منهم *** بين غوغاء أمَّة و طغام

بَكَي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ثُمَّ قالَ: يَا كُمَيْتُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَيْنَاكَ ولَكِنْ لَك مَا قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِحَسَّان بْنِ ثَابِتٍ: لاَ زِلْتُ مُؤَيَّدَا بِرُوحِ اَلْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ عليهم السلام فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَأُتِيَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ بن علي عليه السلام فأنشده فَقَالَ يَا أَبا اَلْمُسْتَهِلِّ إِنَّ لِي ضَيْعَةٍ أَعْطَيتَ فِيهَا أرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ و هَذَا كِتَابُهَا و قَدْ أَشْهَدْتُ لَكَ بِذلِكَ شُهودٌ و نَاوَلَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي إنِّي كُنْتُ أَقُولُ الشَّعْرَ فِي غَيْرِكُمْ أُرِيدُ بِذَلِكَ الدُّنْيَا و لا و اللَّهِ مَا قُلْتُ فِيكُمْ إِلاَّ لِلَّهِ و مَا كُنْتُ لأَخَذَ علَي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ مالاً و لا ثَمَناً فَأَلَحَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَيهِ و أَبِي مِن إِعْفَائِهِ. فَأَخَذَ الْكُمَيْتُ الْكِتَابَ و مَضَي فَمَكَثَ أَيَّاماً ثُمَّ جَاءَ إِلَي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَابْنَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام؟ إنَّ لِي حَاجَةً. قالَ: وَ ما هِيَ و َكُل حاجَةٍ لَكَ مَقْضِيَّةً قالَ: و كائِنَةُ مَا كانَتْ؟ قال: نِعَمْ.

قال: هذا الكتاب تقبله و ترتجع الضيعة و وضع الكتاب بين يديه

ص: 44

فقبله عبد الله و نهض عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فأخذ ثوباً جلداً فدفعه إلي أربعة من غلمانه ثم جعل يدخل دور بني هاشم و يقول:

يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ هَذَا اَلْكُمَيْتُ قالَ فِيكُمُ الشِّعرُ حِينَ صَمَتَ النَّاسُ عَنْ فَضْلِكُمْ و عَرَضِ دَمِهِ لِبَني أُمَيَّةَ فَأَثِيبُوهُ بِمَا قَدَرتُم . فَيَطرَحُ اَلرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِن دَنانيرَ و دَرَاهِمَ... و أَعْلَمَ النِّسَاءَ بِذلِكَ فَكَانَتِ المَرْأَةُ تَبْعَثُ مَا أَمْكَنَهَا حَتَّي أَنَّهَا لتخلع الحَليَّ عن جَسَدِها فَاجْتَمَعَ مِنَ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ مَا قِيمَتُهُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا إِلَي الْكُمَيْتِ فَقَالَ:

يَا أَبَا الْمُسْتَهِلِ أَتَيْنَاكَ بِجُهْدِ المُقلِ ونَحْنُ فِي دَوْلَةِ عَدُوِّنَا و قَدْ جَمَعَنَا هَذَا اَلْمَالَ و فيهِ حلِيَّ اَلنِّسَاءِ كَمَا ترَي فَاسْتَعِنْ بِهِ عَلَي دَهْرِكَ.

فَقالَ بِأَبي أَنْتَ وأُمِّي قَدْ أَكْثَرْتُمْ و َأَطْيَبْتُم وَ مَا أَرَدْتُ بِمَدْحِي إِيَّاكُمْ إِلاَّ اللَّهُ وَ رَسولُهُ و لَمْ أَكُ لآخُذَ لَكُمْ ثَمَناً مِنَ الدُّنيا فَاردُدْهُ إلي أَهْلِهِ .

فَجَهَدَ بِهِ عَبْدُ اَللَّهِ أَنْ يُقَبِّلْهُ بِكُلِّ حِيلَةٍ فَأَبَي.(1)

و أنت إذا تأملت في هذه الشواهد تجد المصداقية الكبيرة لما ذكرنا سابقاً.

السيد الحميري

السيد الحميري المتوفي سنة 173 ه_.

لقد فاق الكثير من الشعراء بالجد و الاجتهاد في الدعاية إلي مبدئه القويم و الإكثار في مدح العترة الطاهرة و ساد الشعراء ببذل النفس و النفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع و إحياء ميّت القلوب ببث فضائل آل الله و نشر مثالب مناوئيهم و مساويء أعدائهم قائلاً:

أيا رب إنِّي لم أرد بالذي به *** مدحتُ علياً غير وجهك فارحم

و قال كما قال أبو الفرج: لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذمِّ غيرهم ممن هو عنده ضدّ لهم.

ص: 45


1- أكثر هذه الشواهد نقلناها عن كتاب الغدير للعلامة الأميني، ج 2 ص180 فما بعد ، طبعة النجف.

و قال ابن المعتز في طبقاته -صفحة 7-: «كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث و الأخبار و المناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب عليه السلام فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلي الشعر و كان يملّه الحضور في محتشد لا يُذكر فيه آل محمد «صلوات الله عليهم» و لم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم عليهم السلام».

روي أبو الفرج عن الحسن بن علي بن حرب بن أبي الأسود الدؤلي قال: «كنّا جلوسا عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء فجلس و خضنا في ذكر الزرع و النخل ساعة فنهض فقلنا : يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال:

إنّي لأكره أن أطيل بمجلس *** لا ذكر فيه لفضل آل محمد

لا ذكر فيه لأحمد و وصيّه *** و بنيه ذلك مجلس نطف(1) ردي

إن الذي ينساهم في مجلس *** حتي يفارقه لغير مسدّد

وكان إذا استشهد شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاَّ بقوله:

أجد بآل فاطمة البكورُ *** فدمع العين منهمر غزير(2)

و من شعره في إظهار عقيدته و ولائه قوله:

إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد *** و لا عهده يوم الغدير مؤكدا

فإنّي كمن يشري الضلالة بالهدي *** تنصّر من بعد الهدي أو تهودّا

و مالي و تيماً أوعديّاً و إنّما *** أولو نعمتي في الله من آل أحمدا

تتم صلاتي بالصلاة عليهم *** و ليست صلاتي بعد أن أتشهدا

بكاملة إن لم أصلّ عليهمُ *** و أدعولهم ربّاً كريماً ممجدا

بذلت لهم ودّي و نصحي و نصرتي *** مدي الدهر ما سمّيت يا صاح سيّدا

و إن أمرأ يُلحي علي صدق وُدّهم *** أحقُ و أولي فيهمُ أن يفنَّدا

فإن شئت فاختر عاجل الغم ضّلةَ *** و إلاّ فأمسك كي تصان و تحمدا

و في حديث موته له مكرمة خالدة تذكر مدي الدهر و تقرأ في صحيفة التاريخ مع الأبد و تكشف عن أنّ الذين يقفون إلي جانب الحق والإيمان ينالون حظوظهم الوفيرة في الدنيا و الآخرة قال بشير بن عمار:

ص: 46


1- النطف: النجس.
2- الأغاني، ج7 ص299 - 299.

حضرت وفاة السيد في الرميلة ببغداد فوجه رسولا إلي صف الجزّارين الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فغلط الرسول فذهب إلي صف الممسوسين فشتموه و لعنوه فعلم أنه قد غلط فعاد إلي الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فوافاه سبعون كنفاً قال: و حضرنا جميعاً و إنه ليتحسَّر تحسُّراً شديداً و إن وجهه لأسود كالقار و ما يتكلّم إلا أن أفاق إفاقة و فتح عينيه فنظر إلي ناحية القبلة جهة النجف الأشرف ثم قال:

يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بوليّك؟ قالها ثلاث مرات مرة بعد أخري، فتجلّي و الله في جبينه عرق بياض فما زال يتسع و لبس وجهه حتي صار كله كالبدر و افترّ السيد ضاحكاً و أنشأ يقول:

كذب الزاعمون أنَّ علياً *** لن ينجّي محبّه من هنات

قد و ربّي دخلت جنة عدن *** و عفالي الإله عن سيئاتي

فابشروا اليوم أولياء عليِّ *** و تولّوا علياً حتي الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه *** واحدة بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً و أشهد أن محمداً رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حقاً حقاً و أشهد أن علياً أميرالمؤمنين عليه السلام حقاً حقاً أشهد أن لا إله إلا الله ثم غمّض عينيه فكأنّما كانت روحه حصاة سقطت.(1)

و فيما تقدم من شواهد دليل يعضد ما تقدم ذكره.

العبدي الكوفي

العبدي الكوفي : و هو من شعراء أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم المتزلفين إليهم بولائه المقبولين عندهم لصدق نيته و انقطاعه إليهم و هو من أكثر من مدحهم و تفجّع علي مصائبهم و لم نجد في غير آل الله له شعراً.(2)

استنشده الإمام الصادق عليه السلام من شعره كما في رواية الكليني في روضة الكافي بإسناده عن أبي داود المسترق عنه قال : دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقال: قولوا لأمّ فروة : تجيء فتسمع ما صنع بجدّها. قال:

ص: 47


1- نقلنا أكثر هذه الشواهد عن الغدير، ج2 ص213- 275.
2- الغدير ج2 ص294.

فجاءت فقعدت خلف الستر. ثم قال: فأنشدنا، قال: فقلت:

فروُجودي بدمعك المسكوب...

قال: فصاحت و صحّن النساء فقال أبوعبد الله عليه السلام: الباب. فاجتمع أهل المدينة علي الباب فبعث إليهم أبوعبد الله عليه السلام قال: صبياً لنا غشي عليه فصحنَ النساء.

و قد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام و لم تك صحبته مجرد ألفة معه أو محض اختلاف إليه أو أن عصراً واحداً يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الودّ و خالص الولاء و عن إيمان لا تشوبه أيةُ شائبة حتي أمر الإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم و قال: إِنَّهُ عَلَي دِينِ اَللَّهِ.

روي الكشي في «رجاله» بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ عَلِّمُوا أولادكم شِعْرَ اَلْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ عَلَي دِينِ الله.

و ينّم عن صدق مهجته و استقامة طريقته في شعره و سلامة معانيه عن أي مغمز أمر الإمام عليه السلام إيّاه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي.(1) و من شعره في إظهار عقيدته قوله:

بلّغ سلامي قبراً بالغريِّ حوي *** أو في البريّة من عجمٍ و من عرب

و اجعل شعارك الله الخشوعَ به *** وناد خير وصيّ صنوّ خير نبي

إسمع أبا حسن إن الألي عدلوا *** عن حكمك انقلبوا عن شرّ منقلب

إلي آخر أبياته...

دعبل الخزاعي

دعبل الخزاعي الشهيد في سنة 246 ه.

كان شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل بيت عليهم السلام العصمة صلوات الله عليهم أجمعين أشهر من نار علي علم.

ص: 48


1- راجع رجال الكشي، ص254. و راجع الغدير أيضاً.

قال عنه العلامة الآميني: فما ظنّك برجل كان يُسمع منه و هو يقول: أنا أحمل خشبتي علي كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها.

و قيل للوزير محمد بن عبد الملك الزّيات: لِمَ لا تجيب دعبلاً عن قصيدته التي هجاك فيها؟ قال: إنّ دعبلاً جعل خشبته علي عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة و هو لا يبالي كل ذلك من جرّاء ما كان ينافح و يناضل في الذب عن البيت النبوّي الطاهر و التجاهر بموالاتهم و الوقيعة في مناوئيهم لا يقرُّ به قرار فلا يقلّه مأمن و لا يظله سقف منتجع.

ما زال مطارداً من خلفاء الوقت و أعداء العترة الطاهرة و مع ذلك كلّه فقصائده تلهج بها الركبان و تزدان بها الأندية و هي مسرّات للموالين و محفظات للأعداء و مثيرات للعهن و الضغائن حتي قتل علي ذلك شهيداً.(1)

و هذه ناحية واسعة النطاق تحمل في طياتها الشواهد الكثيرة و الأدلة القوية علي صدق إيمانه و قوة عقيدته و التهالك في سبيل نصرتها و الذب عنها...

عن يحيي بن أكثم قال: إنَّ المأمون أقدم دعبل رحمه الله و أمنّه علي نفسه فلمّا مثل بين يديه و كنت جالساً بين يدي المأمون فقال له: أنشدني قصيدتك الرائية فجحدها دعبل و أنكر معرفتها فقال له: لك الأمان عليها كما أمّنتك علي نفسك فأنشده جملة من الأبيات حتي قال:

كم من ذراعٍ لهم بالطف بائنةٍ *** و عارضٍ بصعيد التُربِ منعفرِ

أمسيِ الحسينُ و مسراهم لمقتلهِ *** و هم يقولون هذا سيّد البشر

يا أمة السوءِ ما جازيتِ أحمد في *** حُسن البلاءِ علي التنزيل و السور

خلّفتموه علي الأبناء حين مضي *** خلافة الذئب في إنفاذ ذي بقر

قال يحيي: و أنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه و قد انتهي إلي قوله :

لم يبقَ حيِّ من الأحياءِ نَعلَمهُ *** من ذي يمانٍ و لا بكر و لا مُضَر

إلا وهم شركاءٌ في دمائهم *** كما تشارك أيسارٌ علي جزر

ص: 49


1- الغدير، ج 2، ص 399 بتصرف.

قتلاً وأسراً و تخويفاً و منهبةً *** فعل الغزاة بأرض الروم و الخزر

أري أميّة معذورينَ إن قَتلوا *** و لا أري لبني العبّاس من عُذرِ

حتي قال:

أربِع بطوسٍ علي قبرِ الزكيّ بها *** إن كنت تَربَعَ من دينٍ علي وَ طر

قبرانِ في طوسَ خير الناس كلِّهمُ *** و قبر شرّهم هذا من العِبَرِ

ما ينفع الرِّجس من قرب الزكي و لا *** علي الزكي بقربِ الرجسِ من ضررِ

هيهات كلُّ امرئٍ رهنٌ بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذرِ

قال: فضرب المأمون عمامته الأرض و قال: صدقت و الله يا دعبل.(1)

قال أبو الفرج في الأغاني: قصيدة دعبل:

مدارسُ آيات خلت من تلاوة *** و منزلُ وحي مقفر العرصات

من أحسن الشعر و فاخر المدائح المقولة في أهّل البيت عليهم السلام قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان قال : دخلت علي علي بن موسي الرضا عليه السلام فقال لي: أنشدني شيئاً مما أحدثت فأنشدته:

مدارس آيات خلت من تلاوة...

حتي انتهيت إلي قولي:

إذا وتروا مدّوا إلي واتريهم *** أكفّاً عن الأوتار منقبضات

قال: فبكي... و أومأ إلي الخادم كان علي رأسه: أن اسكت. فسكت فمكث ساعة ثم قال لي: أعد. فأعدت حتي انتهيت إلي هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولي و أومأ الخادم إليَّ : أن اسكت و هكذا الأمر تكرر ثلاث مرات حتي انتهي إلي آخر القصيدة فقال لي: أحسنت ثلاث مرات.

ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه و لم تكن دفعت إلي أحد بعد و أمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إليَّ الخادم... إلي آخره.(2)

ص: 50


1- الأغاني، ج 18، ص 57.
2- راجع المصدر نفسه؛ ص29.

و قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء: قصيدته التائية في أهل البيت عليهم السلام من أحسن الشعر و أسني المدائح قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان ( و ذكر حديث البردة التي خلعها عليه الإمام الرضا عليه السلام بعد إنشاد القصيدة) ثم قال: و يقال إنه كتب القصيدة في الثوب و أحرم فيه و أوصي بأن يكون في أكفانه.

و عن دعبل الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا عليه السلام:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

قال لي الرضا عليه السلام: أفلا ألحق البيتين بقصيدتك؟! قلت: بلي يا بن رسول الله عليه السلام، فقال:

و قبر بطوسٍ يا لها من مصيبة *** ألحّت علي الأحشاء بالزفرات

إلي الحشر حتي يبعث الله قائماً *** يفرّج عنا الهمَّ و الكربات

و قد ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل:

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمّنها الرّحمن في الغرفات

قال دعبل : ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلي قولي :

خروج إمام لا محالة خارجٌ *** يقوم علي اسم الله و البركات

بكي الرضا عليه السلام بكاءً شديداً ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام؟! قلت: لا، إلاّ أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً و عدلاً...

فقال: إنَّ الإمام بعدي ابني محمد عليه السلام و بعد محمد ابنه علي عليه السلام و بعد علي ابنه الحسن عليه السلام و بعد الحسن ابنه الحجة القائم عجل الله فرجه الشريف و هو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره... إلي آخر الحديث.(1)

و الحديث عن شعر العقيدة طويل و طويل لا مجال للتفصيل فيه هنا و ما ذكرناه كان من باب المثال.

و من كل ما تقدم من شواهد و دلالات تجد عمق الولاء و شدّة

ص: 51


1- الغدير، ج 2، ص 355.

الحماس من أجل المذهب و العقيدة و أن أهل البيت سلام الله عليهم شجّعوا هذا اللون من الشعر لنصرة مذهبهم و ترويج مبادئهم في قبال المباديء المنحرفة التي روّجها الحكّام للتغطية علي التشيّع و محاولة منهم الإطفاء نور أهل البيت عليهم السلام.

و لهذا كان ترويج العقيدة و إبرازها في النظم المقفّي من أكبر الدوافع عند الشعراء الكبار في القرن الأول و الثاني و الثالث الهجري دفاعاً عن المذهب و مناصرة لزعمائه من آل الرسول سلام الله عليهم أجمعين.

الثاني: دافع الولاء و المحبة

الثاني: دافع الولاء و المحبة:

و أيضاً... كان الشعراء ينظمون عنهم عليهم السلام از بدافع التعبير عن عواطفهم و مشاعرهم حباً و ولاءً و تأثراً بما اتسموا به عليهم السلام من مزايا و فضائل و خاصة تجاه سيدة النساء التي دارت عليها سنن التكوين و التشريع و براءة من أعدائها عليها الصلاة و السلام الذين اتسموا بكل خصال الشر و القبح الإنساني.

إن الشاعر الذي يتذوّق الجمال في الكون و يفتّش عن مظاهره و خفاياه ثم يهريق ما بمخزونه من طاقة في الفن و التصوير من أجل مغازلته و التغنّي به كيف لا يستقطبه كمال فاطمة المعنوي؟!

و كيف لا يتحرّك شعوره المرهف تجاه هذه العظمة و هذا و الجمال؟!

إنّ الشاعر الذي يستفز مشاعره بلبل غرّيد علي غصن شجرة أو وردة غانية علي فم الشلال فتفيض عليه صوراً ساحرة فاتنة كيف لا تفيض عليه آيات الجمال و الجلال في فاطمة سحراً و عذوبة؟!

إنّ الشاعر الذي يبهره ضوء القمر في الليل الداجن كيف لا تبهره أنوار أهل البيت عليم السلام الساطعة؟!

و كيف يطيق الوقوف صامتاً تجاه هذا الطهر و الكمال و لا يعلن عن انفعاله و حبه و عشقه؟!

و كيف تجفّ شاعريته عند مظاهر القدس و ألوان العظمة و آيات البهاء فلا يغازلها و يسكب عليها عواطفه و أحاسيسه؟!

ص: 52

من الواضح... أنّ الشاعر إذا كان شاعراً حقاً يسوقه الجمال و تأسره العاطفة لا يمكنه أن يَغضَّ نظره عن أسرار آل محمد سلام الله عليهم أجمعين . أو يتغافل عنها... و لا يمكنه أبداً -إذا كان شاعراً حقاً- أن يتعامي عن مظاهر الجمال و الكمال فيهم عليهم الصلاة و السلام.

و قد خلقهم الله أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين وطهرّهم من كل منقصة و صاغ أرواحهم القدسية صياغة ربّانية فكانوا أنوار هدايته و محالّ عظمته و آيات جماله و مظاهر كماله.(1)

إنّ الشاعر الحق كالفراش العاشق دوّار عن جمال الحياة و سحر الطبيعة يهفو إليه في الحقول و المزارع... في نور الصباح... و في نسيم السحر... في خرير الماء... و حفيف الشجر... فكيف يتغاضي عن جمال الطبيعة الخلاّب؟!

إذن الشاعر... مهما أوتي من نبوغ و قدرة علي الوحي و الإلهام فإنه و إن فطم عن معرفتها عليهم السلام و لم يبلغ غورها... إلا أنه لا يمكنه أن يتجاهل أسرار العظمة فيها ولا بدَّ له أن يشيد بمظاهر جمالها و كمالها و هي آية جمال الله سبحانه و كماله إلاّ إذا أراد أن يلغي شاعرّيته أو يتسافل بشعوره!!

و من هنا كان الأدباء و الشعراء و ما زالوا -علي اختلاف مذاهبهم و عقائدهم ينظمون في الحب و الولاء و إبداء التعاطف رثاءً أو مدحاً و تمجيداً بها عليها الصلاة والسلام.

روي الأربلي في كشف الغمة: أنَّ بعض الوّعاظ ذكر فاطمة سلام الله عليها و ما وهبها الله من مزايا الجمال و الكمال و الفضائل العالية فاستخفّه الطرب فأنشد:

خجلاً من نور بهجتها *** تتواري الشمس بالشفق

و حياءً من شمائلها *** يتغطّي الغصن بالورق

ص: 53


1- هذه المضامين وردت في الزيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام الهادي عليه السلام فراجع مفاتيح الجنان.

قال: فشقَّ كثير من الناس ثيابهم و أوجب وصفها بكاءهم و انتحابهم تأثراً و شوقاً.(1)

و روي أنس بن مالك قال: سألت أمي عن صفة فاطمة عليها السلام فقالت: كانت كأنّها القمر ليلة البدر أو الشمس كفّرت غماماً أو خرجت من السحاب.(2)

قال المرحوم السيد كاظم القزويني قدس سره:

إنَّ عَظَمَةَ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سلام الله عَلِيٍها و فَضَائِلِهَا وَ مَزَايَاهَا وَ مَصَائِبِهَا وَ ما رَأَت مِنَ الضَّغَطِ و الْكَبَتِ و الاِضْطِهَادِ كانَتْ كَافِيَةً لِتَهْيِيجِ العَوَاطِفِ اَلْجِيَاشَةِ تُجَاهَهَا فَلاَ عَجَبَ إِذَا طَفِقَ اَلشُّعَرَاءُ يَنْثُرُونَ مَدَائِحَهم لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ سلام الله عليها بِمُخْتَلَفِ اللُّغاتِ وَ يُعَبِّرونَ عَن شُعورِهِم وَ حُبِّهِم وَ مَوَدَّتِهِم و ذَلِكَ حِينَمَا اهْتَزَّتْ ضَمَائِرُهُمْ فَتَفَتَّحَتْ قَرَائِحُهُمْ و فَاضَتْ أَحَاسِيسُهُمْ فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَي السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ سلام الله عَلَيها أحسَنَ الثَّناءِ وَ يَرِثونَها بِأوجَعِ الرّثاءِ .

و أيُّ شَاعِرٍ يُشْعِرُ بِآلامِ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ سلام الله عليها و لا يُهَيِّجُ شُعورَهُ ؟ وَ أيُّ إِنْسَانٍ يُدْرِكُ مَواهِبَ السَّيِّدَةِ الزَّهْراءِ سلام الله عليها وَ مَزاياها وَلا يُعَبِّرُ عَن مَشاعِرِهِ ؟ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شُعُورُهُ مُتَحَجِّرَاً أو إِدْرَاكُهُ مُعْطٍلاً أَوْ أَحَاسِيسُهُ رَاكِدَةً جَامِدَةً .

إِنَّ جمالَ حَياةِ السَّيِّدَةِ الزَّهراءِ يَأخُذُ بِمَجامِعِ قَلبِ كُلِّ حَرٍ وَ كُلُّ قَلبٍ حَرٍ سَليمٍ .(3)

حقاً كان للشعراء المخلصين مواقف نبيلة تجاه مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» في هذا المجال و خاصة شعراء القرون الأخيرة حيث نظموا أروع مشاعر الحب و الولاء بأجمل تعبير و صبّوها في مصب الشعر مدحاً و رثاء.

أقول: و كشواهد عملية لما ذكرنا من تأثّر الشعراء علي اختلاف أذواقهم و مشاربهم بمزايا الزهراء سلام الله عليها و آيات الكمال و الجمال فيها و انشدادهم إليها حتي اعتصروا مهجهم و عواطفهم لمدحها و إظهارها أنقل لك بعض النماذج من شعراء عدة عاشوا في بلدان و عصور مختلفة.

ص: 54


1- كشف الغمة، ج2، ص90، طبعة بيروت بتصرف.
2- البحار، ج43، الباب1، ح7، ص6.
3- فاطمة الزهراء من المهد إلي اللحد، ص 664 بتصرف.

(شعر الولاء)

قال السيد عبد اللطيف فضل الله:

هتفَ البيانُ بمولدِ الزهراءِ *** سرِّ الوجود و شمس كلِّ سماءِ

فرأي الجلالَ علي تواضع قدسه *** تنحطُّ عنه مدارِكُ العقلاء

شمخَ الأديمُ بفاطم و تطاولت *** غبراؤه فيها علي الخضراء

برأَ العوالمَ و اصطفاها ربُّها *** مما اصطفاه بها مع الأمناء

فتجسّمت في الأرضِ منه رحمةٌ *** و شفاعةٌ للناسِ يوم جزاء

حتي قال:

و الاكِ ربُّك إذ رضعَتِ ولاءِه *** وحباكِ منه ولايةَ الأشياء

جبلت بأسرارِ السما و تكوّنت *** مما يساق العرش في لَألاءِ

آلاوُها ملءُ الزمانِ و بيتُها *** في الكائناتِ أساسُ كلّ بناءِ

حوراءُ إذ رِفعَ الإلهُ لواءَها *** كرماً وضمَّ الخلقَ تحتَ لواء

و بري مناقبها و قال لعزّها *** كوني بلا عدَّ و لاإحصاء

قلنا لها سرِّ يُصانُ و جوهرٌ *** فوقَ الأنامِ وطينِهم و الماء

نشأَت بظلِّ اللهِ لم يَعلُق بها *** دنَسٌ و لا وقَعت علي الأخطاءِ

إلي آخر القصيدة (1) و سيأتيك بعض الشرح لهذه القصيدة في حرف الهمزة فانتظر.

و أنشد شيخ الفقهاء و الفلاسفة الشيخ محمد حسين الأصفهاني قائلاً:

ص: 55


1- المجالس السنية، ج5، ص132 ط بيروت.

جوهرةُ القدسِ من الكنز الخفي *** بدَت فأبدت عالياتِ الأحرف

و قد تجَلّي من سماءِ العظمَة *** في عالم السماءِ أسمي كلمة

بل هي أمُّ الكلماتِ المُحكَمة *** في غيب ذاتِها فكانت مُبهَمة

أمُّ أئمةِ العقولِ الغرِّ بلْ *** أمُّ أبيها و هو علّةُ العلل

تمثلتْ رقيقة الوجود *** لطيفةَ جُلَّتْ عن الشُهود

تَصوَّرتْ حقيقة الكمال *** بصورةِ بديعة الجَمال

فإنّها قطبُ رحي الوجودِ *** في قوْسَي النزولِ و الصعود

مصونةٌ عن كلّ رسمٍ وَسِمَه *** مرموزةٌ في الصحفِ المُكَرَّمة

إلي آخر القصيدة .(1)

و أنشد السيد محمد جواد فضل الله:

مجدكِ الشمسُ ينطفي إن تبدّتْ *** كلُّ نجمٍ من حولها ويبيدُ

النبوّاتُ دوحةٌ أنت منها *** ألَقٌ مشرق و نفحٌ ودوُد

كيف يَرقي لشأو عزك مجد *** وبكِ المجدُ تاجُه معقودُ

نفحةٌ من مجهرٍ صاغها اللهُ *** مثالاً للطُهرِ كيف يُريد

وحباهامنه الجلالُ إهاباً *** يتداني عن نَعمتِهِ التمجيدُ

رفع اللهُ شأنَها فتباهتْ *** باسمِها في الجنانِ حُورٌ و غِيْدُ

إلي آخر القصيدة.(2)

و أنشد المرجع الديني الكبير المرحوم السيد الميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره الشريف):

درةٌ أشرقتْ بأبهي سَناها *** فتلألأ الوري فيا بشُراها

لمعٍ الكونُ من سنا نورٍ قدسٍ *** بسنا نوره أضاءَ طُواها

يا لها لمعةٌ أضاءتْ فأبدتْ *** لمعاتٍ أهدي الأنامَ هداها

إلي آخر القصيدة.(3)

ص: 56


1- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص668.
2- المجالس السنية، ج 5، ص 134 ط بيروت.
3- راجع معارف الرجال للشيخ حرز الدين، ج 3، ص 166.

و أنشد الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي:

أتي يؤمُ البتولةِ و هوعيدُ *** فطابَ بذكرِ مولِدها القصيدُ

بدتْ كالشمس تَغْمُر كل أفقٍ *** من الدنيا و قد سَعَدَ الوُجود

هي الزهراءُ فاقَتْ كلِّ أنثي *** لها فضلٌ فهل تُوفي الحدودُ ؟

أبوها سيِّد الكونين (طه) *** و (حيدُرة) لها بَعْلٌ مجيدُ

و شبلاها هما الحسنُ المصفّيِ *** و ذاك حسينُها السبطُ الشهيدُ

ولاها الدينُ و الإيمانُ حقاً *** و تلكَ هي السعادةُ و السعوُد

أبنتَ المصطفي وفاك شعري *** بمدحتهِ و إن غَضِبَ الحَسُود

شربتُ ولاكِ من لبنِ زكئِّ *** تُغَذَّيني به أمِّ وَلُود

و ذاك من الإله عظيمُ فضلٍ *** و من عندي له شكري يَزيدُ

فباسمِكِ قد أذعتْ بكلِّ نادِ *** تزاحَم عند ساحته الحُشودُ

سأبقي ماحييتُ ولي وصال *** بحبّك لا أزلُّ و لا أحيدُ

و قد حوي الديوان العديد من قصائد المدح الفريدة في نوعها كما سيمر عليك فانتظر.

ص: 57

(شعر الرثاء)

اشارة

و أما في الرثاء فقد تجاوز الشعر حدّ العدّ و الحصر كما ستري في الديوان و قد ضم حوالي (600) قصيدة جاء الكثير منها في الرثاء و هنا نذكر بعض النماذج...

أنشد الشيخ محسن أبوالحبّ الكبير الحائري مقارناً بين الزهراء البتول و مريم العذراء عليهم السلام الي قائلاً:

إن قيل حوّا قلتُ فاطمُ فخرُها *** إن قيلَ مريمُ قلتُ فاطمُ أفضلُ

أفهل لَحّوا والدٌ كمحمدٍ ؟ *** أم هلْ لمريمَ مثل فاطمَ أَشبُلُ

كلِّ لها حينَ الولادةِ حالةٌ *** منها عقولُ ذوي البصائرِ تَذْهَلُ

هذي لنخلتِها التجتْ فتساقطتْ *** رُطباً جَنياً فهي منه تأكُلُ

وضعتْ بعيسي و هي غيرُ مروعةٍ *** أنّي و حارسُها السريُّ الأبسلُ

و إلي الجدارِ و صفحةِ البابِ التجتْ *** بنتُ النبي فأسقطتْ ما تَحمِلُ

سقطتْ و أسقطتِ الجنينَ و حولَها *** من كلِّ ذي حسبٍ لئيمِ جَحْفلُ

هذا يُعَنّفها وذاك يدُعُّها *** ويَردُّها هذا و هذا يَرْكلُ

و أمامَها أسدُ الأسودِ يقوده *** بالحبلِ قنفذُ هل كهذا مُعضِلُ

و لسوف تأتي في القيامةِ فاطمٌ *** تشكو إلي ربّ السماءِ و تُعَوِلُ

و لَتَرفعنَّ جنينَها و حنينَها *** بشكايةٍ منها السما تَتزلزلُ

ربّاه ! ميراثي و بعلي حقَّه *** غَصبوا و أبنائي جميعاً قُتّلوا

ولدايْ ذا بالسمّ أمسي قلبُه *** قِطَعاً و هذا بالدماءِ مُغَسَّلُ (1)

ص: 58


1- فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد القزويني، ص675 - 676 ط بيروت.

و أنشد آخر فقال:

بأبي الّتي ماتتْ و ما *** ماتتْ مكارمُها السنيّة

بأبي التي دُفِنَتْ وعُفّي *** قبرُها السامي تَقِيَّة

و أنشد بعض أشراف مكة قصيدة جاء فيها :

وأَتتْ فاطمةٌ تطالب بالإرثِ *** من المصطفي فما وّرثاها

ليت شعري لِمْ خُولِفَتْ سننُ *** القرآنِ فِيها ؟ و اللُه قد أعلاها

نُسِخَتْ آيةُ المواريث منها *** أم هما بعدَ فرضِها بَدّلاها ؟

أم تري آية المودّة لم تأتِ *** بودّ الزهراءِ في قُرْباها

بنتُ من؟ أمُّ من؟ حليلةُ من؟ *** ويلٌ لِمَنْ سنَّ ظلمَها و آذاها(1)

و قال آخر:

فمضتْ و هي أعظم الناسِ وَجْداً *** في فمِ الدهر غصةٌ من جَواها

وثَوَتْ لا يَري النسا لها مثوّي *** إلي قَدس يضمُّه مَثْواها

و ستقرأ الكثير من ذلك فانتظر.

الثالث: دافع النصرة

و كان الشعراء ينظمون بدافع النصرة لأهل البيت عليهم السلام و الندبة لهم أيضاً و ذلك لأنه بنصرتهم تتجسّد نصرة الدين و المبدأ الحق و بندبتهم يندبون حقوقهم الضائعة و دماءهم المهدورة بأيدي الظلم و الظالمين.

و من الواضح... أن كل صاحب ضمير و قلب صفيّ ينصر أهل الحق و يندب مأساتهم و إن لم يتمسك بهم كأئمة عليهم السلام و أولياء.

و في التاريخ الكثير الكثير من الشعراء و الأدباء الذين وقفوا يدافعون عن أهل البيت عليهم السلام و ينتصرون لظلاماتهم و يهاجمون أعداءهم الذين أعماهم الهوي و أغواهم الشيطان فصادروا حقوقهم و سحقوهم تحت سنابك الخيل أو خلف قضبان السجون!! كما ستري...

ص: 59


1- المصدر السابق نفسه.

فشعراء الشيعة الذين يندبون أهل البيت عليهم السلام و ينظمون فيهم قصائد الشعر ليس لغرض أن يقال بأن أهل البيت عليهم السلام عندهم أولياء و أتباع يبكونهم و ينصرونهم... كلاّ... إنّ أهل البيت عليهم السلام صاروا لأصحاب الضمائر و ذوي المباديء الحرّة الشريفة و المواقف النبيلة رمزاً عميق الدلالة و المضمون لكّل معاني القيم الإنسانية و هذه الدرجات الرفيقة من السمو يعشقها حتي أعداؤهم و يشهدون لهم بذلك.

و لعل كتب التاريخ و الأدب مشحونة باعترافات الكثير من أعدائهم بفضلهم و مكانتهم السامية في القلوب و الضمائر .

و بعض مخالفيهم نظم فيهم شعراً رائعاً بما يدلّل علي مكانتهم السامية، و محبوبيتهم عند الجميع ، و لعلّ من أفضل الشواهد علي ذلك القصيدة الجلجلية التي نظمها عمرو بن العاص في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و هو يخاطب صاحبه و رفيق دربه و شريكه في مخططاته، معاوية بن أبي سفيان.

يقول فيها:

معاويةٌ الحقَّ لاتَجهَل *** و عن سبيلِ الحقِّ لا تَعْدِل

إلي آخر الأبيات:

و قد نقلها العلامة الأميني في الغدير(1) و غيرها من القصائد المؤثرة التي لها وقع في النفوس .

كما نظم فيهم بعض زعماء المذاهب و أئمتها بما يعدّ من مفاخر الشعر الولائي كقصيدة ابن أبي الحديد المعتزلي العينية، و ما نظمه الشافعي في ذلك صار أشهر من نار علي منار.

قال النبهاني: روي السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلي الربيع بن سليمان المرادي صاحب الإمام الشافعي قال: خرجنا مع الشافعي في مكة نريد مني فلم ينزل و ادياً و لم يصعد شعباً إلاّ و هو يقول:

ص: 60


1- راجع المصدر السابق؛ ج 2 ط، طهران، ص 116.

يا راكباً عُجْ بالمحصَّبِ من مني *** و اهتفْ بساكنِ خيفها و الناهِضِ

سحراً إذا فاضَ الحجيجُ إلي مني *** فيضاً كملتطمِ الفراتِ الفائضِ

إن كانَ رفضاً حبُّ آل محمدٍ *** فليشهدِ الثقَلانِ أنّي رافضي

بل صرّح بشعره أنَّ محبة أهل البيت عليهم السلام من فرائض الدين فقال:

يا آلَ بيتِ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حبُكُمُ *** فَرْضٌ من اللِه في القرآنِ أَنزلهُ

كفاكمُ من عظيمِ الشأنِ أنَّكم *** مَنْ لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ له(1)

و جاء في الصواعق المحرقة لابن حجر صفحة 101 و للشيخ شمس الدين ابن العربي قوله:

رأيت ولائي آل طه عليهم السلام فريضةً *** علي رغمِ أهلِ البُعْدِ يُورِثُني القُرْبي

فما طلبَ المبعوثُ أجراً علي الهدي *** بتبليِغَه إلا المودَّةَ في القُرْبي

هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الإسلام ظاهرة عواطف وأسي عميقة علي ما أصاب أهل البيت عليهم السلام من كوارث و ما تعرّضوا له من نكبات في مختلف الأوطان و العصور الإسلامية، ما جعل الحديث عنها شجي كل نفس ولوعة كل قلب.

إنَّ المبالغة في التنكيل بهم و الظلم و الحيف و الإعتداء الذي وقع عليهم جعل الحزن و الأسي عليهم أعم و التأثر لمصابهم أوجع هذه العواطف غير المشوبة و لا المصطنعة أضفت علي الشعر الشيعي و كل ما قيل في أهل البيت عليهم السلام لوناً حزيناً باكياً يمور بجيشان العواطف الصادقة الثائرة، ذلك لدمهم المطلول و هذا لحقهم الممطول و بين هذا و ذاك فخر يفرع في السماء بريق و مجد يطاول الأجيال.

يقول محمد بن هانيء الأندلسي في قصيدة له:

غَدوْا ناكِسي أبصارِهمْ عن خليفةٍ *** عليم بسرِّ اللهِ غير معلَّمِ

و روح هدي في جسم نورِ يَمُدُّهُ *** شعاعٌ من الأعلي الذي لم يُحْسَمِ

إمامُ هُديً ما التفَّ ثوب نبوّة *** علي ابنِ أبي منه باللِه أعلمِ

ص: 61


1- أدب الطف، ج1، ص20.

بكُمْ عزَّ ما بينَ البقيعِ و يثربٍ *** و نُسِّك ما بينَ الحطيمِ و زمزم

فلا بَرِحَتْ تَتْري عليكم من الوري *** صلاةُ مصلِّ أو سلامُ مسَلِّمِ(1)

هذا بالنسبة لأصحاب الأدب بشكل عام و أما أدباء الشيعة فقد صارت ظلامات أهل البيت عليهم السلام شغلهم الشاغل و استمّروا يندبونهم ليل نهار و يتوجّعون لما أصابهم علي أيدي الأعداء ليس فقط لنيل الثواب المؤكَّد في الآخرة... و ليس فقط لإبراز العقيدة و التولّي لهم و التبرّي من أعدائهم... بل لأنَّ المظلومية عند أهل البيت عليهم السلام سلاح عظيم رفعه الشيعة علي طول التاريخ للمطالبة بحقوق أئمتهم عليهم السلام المهضومة و التي هي الأخري تشكِّل حقوق الإنسانية جمعاء .

و الملاحظ... إن ما نظمه الشعراء الشيعة علي طول التاريخ و ما زالوا ، يدلّ بوضوح أنه يعكس الاستنكار الصارخ المقرون بالتوجّع و الندبة علي الظلم و الظالمين في كل زمان و مكان .

ص: 62


1- أدب الطف، ج 1، ص 20 - 21.

فاطمة و الحسين عليهما السلام قضية واحدة

و قد صار أهل البيت «عليهم الصلاة و السلاَّم» و خاصة مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» و الحسين «عليه السلام» الرمز لهذه الظلامات و الشعار الذي تلخّصت فيه كل المطالب المشروعة لهم...

كما تحوّل من قابلهما -فاطمة و الحسين «عليهما السلام»- الرمزالأكبر للجور و العدوان و ستتضح لك أسباب ذلك .

إنَّ كلمتي الزهراء و الحسين عليهما السلام لم تبق عندنا فقط في الدائرة العلمية و المذهبية الخاصة و ما فيها من دلالات عميقة علي الولاية و الإمامة كما تقدم . بل أصبحت كلمة فاطمة عليها سلام لا تمثِّل رمز المظلومية و شعار الحزن و الندبة لحقوق مهضومة و كرامات مهدورة بأيدي لا تتورع عن التلبّس بالدين و التظاهر بمظاهره... كما أن فاطمة سلام الله عليها لا تتورع من أن تدّعي أنَّها خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم في الأرض، و هكذا الحسين عليه السلام أيضاً صار كأمِّه سلام الله عليها رمز الحزن و البكاء و المصيبة التي يتوجع لأجلها كل قلب بالإضافة إلي كونه رمز الإباء و التضحية و الفداء قال الشاعر:

أَنْسَتُ رزّيتُكمْ رزايانا الّتي *** سَلفتْ و هوَّ نتِ الرزايا الآتيةْ

و فَجائعُ الأيامِ تبقي مدةً و تزولُ *** وَ هْيَ إلي القيامةِ باقيةْ

و هذه الحقيقة نحسّها من خلال أدب الشيعة و كلمات أدبائهم .

فلقد كان الأدب الحقيقي الصادق و ما زال الصورة الحية التي تجسد أصدق تجسيد عقلية الأمة و عقيدتها و عواطفها... و رؤيتها المستقبلية...

ص: 63

و قد مضي علي ظلامات أهل البيت عليهم السلام قرون مديدة و من ذلك اليوم و إلي اليوم تجد أجيال الشعراء . فضلاً عن العلماء و الخطباء و كل أهل الفضل -من قوميات شتي ينظمون الشعر في ندبهم و نصرتهم سواء بالفصحي أو العامية.

و رغم تطور الحياة و تبدل أحوالها و تغيير الكثير فيها فإنَّ نصرة أهل البيت عليهم السلام و الدفاع عنهم و التعاطف مع قضاياهم لا زالت باقية ينوح عليها، و يتأسي بها محبّوهم، و مناصروهم جيلاً بعد جيل...

بل إن العواطف الجيّاشة تجاه أهل البيت عليهم السلام و مظلوميتهم تنمو و تكبر و تشتد من عصر إلي عصر و من جيل إلي آخر رغم كلّ الحاقدين... و رغم كلِّ شيء.

و لا أظنّ أن البشرية جمعاء عرفت أناساً قيل فيهم من الشعر و الأدب نصرة و دفاعاً و تضامناً كما قيل في آل محمد «صلوت الله عليهم أجمعين»...

قال الشاعر:

وما فاتني نصرُ كمْ باللسان *** إذا فاتني نصرُكمْ باليدِ

و قال عبد الحسيب طه في «أدب الشيعة»:

و الواقع أن قتل الحسين عليه السلام علي هذه الصورة الغادرة -و الحسين عليه السلام غني عن التعريف ديناً و مكانة بين المسلمين- لا بد أن يلهب المشاعر و يرهف الأحاسيس و يطلق الألسن و يترك في النفس الإنسانية أثراً حزيناً دامياً و يجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.

و هال الناس هذا الحادث الجلل -حتي الأمويين أنفسهم- فأقضّ المضاجع و أذهل العقول و ارتسم في الأذهان و صار شغل الجماهير الشاغل، و حديث النوادي.

تجاوبتِ الدنيا عليك مآتماً *** نواعيك فيها للقيامة تهتفُ

فما تجد مسلماً إلّا و تجيش نفسه لذلك الدم المهدور وكأنّه هو الموتور!! أجل... فلا تختص بذلك فئة دون فئة و لا طائفة دون طائفة

ص: 64

وكأنَّ الشاعر الذي يقول:

حبُّ آل النبيِّ خالطَ قلبي *** كاختلاطِ الضيا بماءِ العُيونِ

إنما يترجم عن عاطفة كلّ مسلم و هل التشيّع إلا حب آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و من هذا الذي لا يحب آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرة؟ ملامكَ في آل النبيِّ فإنّهمْ *** أحِبايَ ما داموا و أهلُ تقاةِ(1)

و قال السيد جواد شبّر في أدب الطف:

ما عرف التاريخ من أوّل الناس حتي يومهم هذا أنَّ شخصاً قيل فيه من الشعر و النثر كما في الحسين بن علي عليه السلام فقد رثاه كل عصر و كل جيلِ بكل لسان في جميع الأزمان و وجد الشيعة مجالاً لبث أحزانهم و متنفّساً لآلامهم عن طريق رثاء الحسين عليه السلام سيّما و هذه الفرقة محارَبة من كل الحكومات و في جميع الأدوار.

و مما ساعد علي ذلك؛ أنَّ فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في التاريخ بمصائبها و فوادحها.(2)

و قال محسن علي المعلّم:

نجد الشعر الحسيني قد تجاوز الحدود و السدود و لم يعد وقفاً علي شيعته و أوليائه القائلين بإمامته بل شاركهم الشعور ذوو الأفكار الحرة المتنوّرة من المسلمين و المسيحيين و سواهم و بالفصيح من العربية و غيرها من اللغات و اللهجات الأخري و لم يقتصر فيض الشعر الزاخر علي جوانب الأسي و بواعث الحسرة و الشجن، و إنما شمل ملكات الإمام العظيمة و مكامن شخصيته و مواطن عظمته.(3)

أقول: شاركت الزهراء سلام الله عليها ولدها الحسين عليه السلام في كثرة الندب و الرثاء

ص: 65


1- أدب الطف، ص 19.
2- المصدر السابق نفسه، ص 21.
3- الحسين في موكب الخالدين، ص200.

كما قد لا توجد أبداً قضية كقضيتهما معاً عليهم السلام حَظَيِتْ بمثل هذا الاهتمام الكبير من قبل الشعراء و الأدباء أبداً.

و هذا الاهتمام لم ينشأ من مكانتهما فقط لأن كلَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام يحظون بمكانتهم السامية عند الله «سبحانه» و عند الناس...

و ليس فقط لوجود حبّ الحسين و الزهراء عليهما السلام في قلوب أهل الحق.

كلاّ... فإنّ جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام حبّهم فرض و موالاتهم دليل صفاء القلب و نزاهة الضمير و صدق الإيمان... بل لأنَّ ظلامة الزهراء و ظلامة الحسين «عليهما السلام» كمَّلت إحداهما الأخري و صارتا حلقة واحدة تضمّنت ظلامات الجميع... فظلامة الزهراء سلام الله عليها كانت فاتحة الظلامات علي آل الرسول عليهم السلام بمآسيها المفجعة...

و ظلامة الحسين عليه السلام كانت الأكثر وقعا في شدّتها و فظاعتها هذا أولاً.

و ثانياً... لأنّ ظلامة الزهراء سلام الله عليها تشكّل ظلامة النبوّة و أوّل خطوة خطاها القوم للابتعاد عن منهاج الإسلام و اغتصاب الخلافة الشرعية و الاعتداء علي بيت النبوّة بلا جهل و لا قصور بل إنَّ القوم هتكوا حرمتها و سحقوا حقوقها و قتلوها علماً و عمداً و عن سابق إصرار -و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعدُ لم يهجع في قبره- و لذا كانت أول خطوة في طريق الظلم و الجور في تاريخ المسلمين التي جرَّت الويلات تلو الويلات علي المسلمين حتي اليوم.

و أما ظلامة الحسين عليه السلام فقد شاركت الظلامة الأُولي -ظلامة فاطمة الزهراء سلام الله عليها- في القتل والتعدّي عن علم و عمد و سابق إصرار كما قالوا له:

«نقتلك و نعلم أنَّك ابنُ فاطمة سلام الله عليها... ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم »!!

ولكن زادت هذه علي الأولي بالدناءة و الخسَّة و الشمولية فتلخَّصت فيها كل ظلامات الأنبياء و الأئمة و الأولياء... لوجود الشبه الكبير بين واقعة الطف و وقائع أنبياء الله و أوليائه في الهتك و السحق...

و من هنا ربط الشعراء بين القضيتين معاً و اعتبروا الثانية امتداداً

ص: 66

للأولي فشدّدوا أكثر علي هاتين القضيتين... ليس لنكران ما دهي سائر الأئمة عليهم السلام من ظلم و جور إذ كلُّهم مظلوم مقهور...

ولكن لأنَّ هاتين الظلامتين تضمَّنتا ظلاماتهم و أكثر، كانوا عليهم السلام يركّزون علي هذا البعد و يربطون ما يجري عليهم بما جري علي الحسين عليه السلام و كانوا يقولون ( لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَاعبدالله).(1)

فالترابط وثيق جداً بين القضيتين ليس عند الشعراء فقط بل الأمر هكذا أيضاً في الآخرة كما سنري من خلال الشواهد.

ص: 67


1- راجع أمالي الصدوق، ص 78.

الشعراء بين فاطمة و الحسين عليهما السلام

سلَّط شعراء الشيعة و غيرهم أيضاً قديماً و حديثاً الأضواء علي الترابط الوثيق بين السقيفة و كربلاء و ساقوا ما جري علي الحسين عليه السلام في كربلاء مساق ما جري في المدينة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي الزهراء البتول سلام الله عليها.

و اعتبروا الحادثين حادثاً واحداً في الأهداف و الدوافع -و هم علي حق في ذلك- إذ لا فاصلة بين الاعتداء علي الزهراء عليها السلام و غصب حقها سلام الله عليها و الاعتداء علي الحسين عليه السلام و لو كان القوم في الحادثة الأُولي هجموا علي الزهراء سلام الله عليها و أحرقوا دارها و أسقطوا جنينها ثم قتلوها بتلك الطريقة الشنيعة...

و بكلمة: لو كان أولئك الذين هجموا علي الزهراء عليها السلام حاضرين يوم الطف لقادوا بأنفسهم خيول بني أمية لسحق الحسين عليه السلام و أهل بيته و أضرموا في خيامهم النار.

و لو حضر أعداء الحسين عليه السلام و الأوائل يضربون الزهراء عليها السلام و يغصبون حقوقها لما قصّروا هم عن ذلك أبداً و هكذا.

لأنّ طبيعة العدوان واحدة و الذي لدية استعداد لسحق النبوّة و يسعي لإطفاء نورها مستعد أيضاً لسحق الإمامة و إطفاء نورها إذ لا فاصلة بين المقامين بل أحدهما امتداد للآخر، و مكملاً له...

و بين يديَّ الآن جملة وافرة من المنظومات الأدبية الرفيعة لشعراء عاشوا في قرون مختلفة و في بلدان مختلفة حكموا بتلك الصلة و هذا الامتداد لخط الظلم و العدوان.

ص: 68

سنقرأ الكثير منها في هذا الديوان وسنتعرف علي أذواق مختلفة لشعراء مختلفين إتفقوا جميعهم علي هذه النتيجة. سأنقل إليك بعض النماذج منها:

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في هذا الصدد نظماً:

تاللهِ ما كربلا لولا سقيفتُهم *** و مثلُ ذا الفرعِ ذاك الأصلُ يُنْتِجُه

و في الطفوفِ سقوطُ السبطِ منجدلاً *** من سقطِ محسن خلفَ البابِ منهجُه

و بالخيامِ ضرامُ النارِ من حطبِ *** ببابِ دارِ ابنةِ الهادي تَأَجُّجُه(1)

و يقول الحاج جواد بدقت الحائري :

عُقِدت بيثربَ بيعةٌ قضيت بها *** للشركِ منه بعد ذاكَ ديونُ

بُرِقيِّ منبرِه رُقِيْ في كربلا *** صدرٌ و ضُرِّجَ بالدماءِ جبينُ

لولا سقوطُ جنينِ فاطمةٍ سلام الله عليها لما *** أودي لها في كربلاءَ جنينُ

و بكسرِ ذاك الضلع رُضَّتْ أضلٌ *** في طيِّها سِرُّ الإلهِ مَصوُن

و كما لفاطمَ رنَّةٌ من خلفِهِ *** لبناتِها خلفَ العليلِ رنينُ

و بزجرِها بسياط قنفذَ و شَجتْ *** بالطفِّ من زجرٍ لهنَّ متُونُ

و بقطعهمْ تلكَ الأراكةَ دونها *** قُطِعَتْ يدٌ في كربلا و وتينُ(2)

و السيد محمد مهدي القزويني الحائري في قصيدته يقول :

تاللِه ما كربلا لولا سقيفتُهمْ *** فإنّها ارتضعتْ من ثديِها محضا

و حقّ فاطمةٍ من سقطِ محسِنها *** حسينها خَرَّ مطروحاً علي الرَمْضا

بيومِ رضّ ضُلوعٍ الطُهْرِ فاطمةٍ سلام الله عليها *** جسمُ الحسين علي بَوْغائِها رُضضا

و الشيخ محمد حسين الأصفهاني أنشد :

و ما رماه إذ رماه حرملةْ *** و إنَّما رماه مَنْ مَهَّد لَهْ

سهمٌ أتي من جانبِ السقيفةْ *** و قوسُه علي يَدِ الخليفةْ(3)

ص: 69


1- مقتل الحسين عليه السلام للمقرم، ص 490.
2- ديوان الحاج جواد بدقت - مخطوط.
3- ديوان شعراء الحسين عليه السلام، ج 1، ص 97.

و قال الحاج هاشم الكعبي :

تاللهِ ما سيفُ شمرِ نالَ منك و لا *** يدا سنانٍ جلَّ الّذي ارتكبوا

لولا الألي أغضبوا ربَّ العُلا وأبوْا *** نصَّ الولاءِ و حقَّ المرتضي غَصبوا

أصابكَ النَفَرُ الماضي بما ابتدعوا *** و ما المسبِّبُ لو لم ينجحِ السببُ

ولا تزال خيولُ الحقدِ كامنةً *** حتي إذا أبصروها فرصَةً و ثَبوا

فأدركَ الكلُّ ما قد كانَ يطلبُه *** و القصدُ يُدْرِكُ لمّا يمكنُ الطَلبُ

كفِّ بها أمَّك الزهراءَ قد ضَربُوا *** هي الّتي أختَك الحورا بها سَلبُوا

و أنّ نارَ وغّي صاليت جمرتها *** كانتْ لها كفُّ ذاك البغيِ تَحتطِبُ

فليَبْكِ يومَك مَنْ يَبكْيه يومَ غَدَوْا *** بالصنوِ قوداً و لبنتَ المصطَفي ضَربوا

تاللهِ ما كربلا لولا السقيفةُ و الأ *** حياءُ تدري و لولا النارُ ما الحطبُ

و الخطيب السيد صالح الحلي يقول :

قَبساً به بابَ البتولةِ أجَّجوا *** منه بعرصةِ كربلا نيرانُ(1)

و للشيخ محمد خليفة أبيات يقول فيها :

إنّي أقولُ و لستُ أولَ قائلٍ *** قولاً ثوابتُ صدقِه لاتُنْكَرُ

تاللهِ ما قَتلَ الحسينَ سوي الأُلي *** قدماً علي الهادي عَحتوا و استكبروا

هُمْ أسّسوا فبنَتْ بنو حربٍ و قد *** هدَموا الرشادَ و للضلالةِ عَمّروا (2)

و للشيخ كاظم السبتي أبيات جاء فيها :

فإنَّ يداً مُدَّتْ إلي هتكِ زينبٍ *** يَدٌ هتَكتْ من قبلِ زينبَ أَمَّها

و كفّاً بها قادوا علياً لبيعةٍ *** ثقالُ الرواسي لا تقاومُ جُرْمَها

بها صارَ زين العابدينَ مقيَّداً *** يكا بُد ضِغنَ الشامتينَ و هَضْمَها

و له أيضاً :

فهتكُ بناتِ الوحي عن هتكِ فاطمٍ *** و طفلُ حسينِ كانَ فرعاً عن السقطِ

و إنَّ سياطاً ألبستْهُنَّ أسوِراً *** الموروثةٌ عن دملجِ الطُهْرِ و القرطِ(3)

ص: 70


1- الأنوار القدسية، ص 82.
2- شعراء الحلة، ج 5، ص 186.
3- الكوكب الدري، ص 259.

والسيد مهدي ابن السيد داود الحلي يقول :

اليومَ من إسقاطِ فاطمَ محسناً *** سقطَ الحسينُ عن الجوادِ صريعا

اليومَ جرَّدت السقيفةُ سيفَها *** فغدا به رأسُ الحسين قطيعا(1)

أقول: و ليس الشعراء و حدهم و جدوا الترابط بين ظلم الزهراء و قتل الحسين «عليهما السلام» و ثيقاً لا ينفك بل حتي الولاة و أصحاب الحكم أنفسهم الذين مارسوا هذا الظلم...

روي البلاذري قال :

لما قتل الحسين عليه السلام كتب عبدالله بن عمر إلي يزيد بن معاوية :

أمَّا بَعدُ... فَقَد عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجِلَتِ المُصِيبَةُ وَحَدَثَ في الإِسلامِ وَحَدَثٌ عَظيمٌ وَلا يَومَ كَيَومِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ.

فكتب إليه يزيد:

أمَّا بَعْدُ يَا أَحْمَق فَإِنَّنَا جِئْنَا إِلَي بُيُوتٍ مُنَجَّدَةٍ وَ فُرُشٍ مُمَهَّدَةٍ وَ وسائد منضدةٍ فَقَاتَلْنَا عَنْهَا فَإِنْ يَكُنِ اَلْحَقُّ لَنَا فَعن حقِّنا قاتَلْنَا...

و إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِغَيْرِنَا فَأَبُوك أَوَّلُ مَن سينَ هذا و ابْتُزَّ وَ استَأْثَرَ بِالحَقِّ علي أهلِهِ.(2)

يقول التيجاني السماوي:

لو قدر لعلي عليه السلام أن يقود الأمة ثلاثين عاماً علي سيرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم العّم الإسلام و لتغلغلت العقيدة في قلوب الناس أكثر و أعمق و لما كانت فتنة صغري و لا فتنة كبري... و لا كربلاء و لا عاشوراء... إلي آخر كلامه.(3)

ص: 71


1- الروضة الندية، ص 200.
2- البحار، ج 45، ص 328.
3- راجع كتاب مع الصادقين.

فاطمة و الحسين عليهما السلام في المحشر

ليس اتصال السقيفة بكربلاء جاء بذوق الشعراء و نتاج مشاعرهم الجيّاشة تجاه ظلامة فاطمة و الحسين عليهما السلام بلِ أخذ الشعراء هذا المعني في الروايات العديدة التي ربطت بين الحدثين معاً ليس في الدنيا فقط بل تجد الربط وثيقاً حتي يوم القيامة ...

اليوم الذي تري فيه الناس سكاري و ما هم بسكاري و لكنَّ عذاب الله شديد اليوم الذي تذهل فيه المرضعات عما أرضعن...

اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه... «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ».(1)

في هذا اليوم الذي لا يفكر فيه الناس بسوي النجاة و الخلاص مما قدموا و أخّروا ... في هذا اليوم العصيب يظهر الترابط أكثر بين قضية فاطمة سلام الله عليها و قضية الحسين عليه السلام . فتحشر «سلام الله عليها» مطالبة بحق الحسين عليه السلام و دمه المهدور...

فلماذا فاطمة عليها السلام؟ و لماذا بدم الحسين عليه السلام ؟

لعل هذا من الأسرار التي ربما نتوصل إلي بعض تفسيرها و قد لا نصل أيضاً كما قدمنا...

إنّ الروايات التي جاءت متحدّثة عن هذا الموقف كثيرة ننقل منها رواتيين...

ص: 72


1- سورة عبس، آية: 37.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (تُحْشَرُ ابْنَتي فَاطِمَةُ عليها السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَها ثِيابٌ مَصْبُوغَةٌ بِالدِّمَاءِ تَتَعَلَّقُ بِقائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَتَقُولُ يا عَدْلُ يَا حَكِيمُ احْكُمْ بَيْني وَبَيْنَ قاتِلِ وَلَدِي...).

قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (وَيْحَكُمُ اَللَّهُ لاِبْنَتِي وَ رَبِّ الكعبة).(1)

و في رواية أخري: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : (يُمثَّلُ لِفاطِمَةَ عليها السلام رَأسُ الحُسَينِ عليه السلام مُتَشَحِّطَةً بِدَمِهِ فَتَصيحُ وَا وَلَداهْ وا ثَمَرَةَ فُؤَادَاهْ فَتَصْعَقُ المَلائِكَةُ لِصَيْحَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام ويُنَادِي أهْلَ القِيَامَةِ قَتَلَ اللَّهُ قاتِلَ وَلَدِكِ يا فاطِمَةُ عليها السلام).

فيقول الله «عزّوجل» ذلك: (افعَل بِهِ وَبِشيعَتِهِ وَأحِبَّائِهِ وَأتباعِهِ) إلي آخر الرواية.(2)

قال الشاعر :

لا بدّ أن ترِدَ القيامةَ فاطمٌ *** و قميصُها بدمِ الحسينِ عليه السلام مُلَطّخُ

ويلٌ لمنْ شُفعاؤُه خُصَماؤُه *** والصُوْرُ في يومِ القيامةِ يُنْفَخُ

ص: 73


1- الكوكب الدري، ص 83.
2- المصدر السابق نفسه.

أهل البيت عليهم السلام و الشعر

اشارة

إنَّ أئمة الهدي أنفسهم «سلام الله عليهم أجمعين» و نظراً لظروف الإرهاب القاسية التي كانوا يعيشونها دائماً مع جبابرة الأمويين و العباسيين... و نظرا لسياسة العنف و القتل التي كانوا يمارسونها ضدهم و ضد أتباعهم حتي قضوا جميعاً قتلاً و تشريداً...

و جدوا أن من أفضل الطرق للدفاع عن الحق و نصرة مبادئه و الذب عن حياض الدين هو الشعر و منظومات الشعراء...

لأن الشاعر في ذلك الزمان كان يمثل أقوي وسيلة إعلام للتوعية و التثقيف و نشر الفكرة و نصرة الدين و بيان الحقوق المهدورة بأيدي الظالمين.

خاصة و أنَّ الحكّام أنفسهم وظَّفُوا الوسيلة نفسها -الشعر و الشعراء- الترويج مبادئهم الباطلة و تلميع وجوههم المظلمة بالمساويء و التزلّف إليهم مدحاً و تمجيداً طمعاً في المال أو الشهوة أو المناصب.

فشجع الأئمة عليهم السلام في الشعر و الشعراء و دفعوهم نحو الإكثار من النظم بهدف:

1- نشر الحق و نصرة مبادئه .

2- تخليص الشعراء من أيدي الظالمين ليستخدم الشعر في أهدافه الرفيعة في التعليم و التهذيب و خدمة الأغراض النزيهة.

3- فضح الظالمين و التحريض عليهم و لغيرها من الأسباب .

ص: 74

و قد عدّوا عليهم السلام الشعر الهادف المربّي و المعلّم الناصر للحق مقبولاً و من الطاعات التي ينال عليها صاحبها الأجر و الثواب في الآخرة...

قال الإمام الصادق عليه السلام : (مَنْ قَالَ فِينَا بَيْتاً مِنَ اَلشِّعْرِ بَنَي اَللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي اَلْجَنَّةِ) .(1)

و قال عليه السلام: (مَن قالَ في الحُسَينِ عليه السلام شَعرَةً فَبَكي وَ أبكي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ووجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ).(2)

كما أن ناصرهم و المتعاطف معهم عليهم السلام كان يحظي بدعائهم و عنايتهم فضلاً عن المكانة السامية التي يحتلها في نفوسهم.

كما جاء في دعائهم للكميت و دعبل و الحميري و أضرابهم في تلك العصور التي قلّ فيها الناصر و كمَّت أفواه الناس و غلَّت أيديهم عن نصرة التشيع و مذهب أهل البيت عليهم السلام.

و لم يعد يجسر أحد من الشعراء علي المجاهرة بحبه لهم و وقوفه إلي جانب قضاياهم لشدة الضغط إلآّ الشاذ الذي ينظم البيت و البيتين، اللذين تنطلق بهما شاعريته و تفيض بهما عاطفته سراً و في تقية شديدة.

و لم يكن الحال في الدور العباسي بأفضل من العصر الأموي في ذلك...

حتي أن الذكريات الحسينية و النوح علي مأساة كربلاء مرَّت بردح من الزمن و هي لا تقام إلاّ تحت الغطاء في زوايا البيوت مع غاية التحفظ و السرية...

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين:

(كَانَتِ الشُّعَرَاءُ لا تقْدِمُ عَلَي رِثَاءِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام مَخَافَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ خَشْيَةً مِنْهُم) .(3)

و قال السيد المقرم في المقتل:

ص: 75


1- عيون أخبار الرضا للصدوق، ج 1، ص4.
2- رجال الكشي، ص 289.
3- أدب الطف، ج 1، ص 22.

(بما أنَّ ذكري أهل البيت عليهم السلام قوام الدين و روح الإصلاح و بها تدرّس تعاليمهم و يقتفي أثرهم طفق الأئمة المعصومون عليهم السلام يحثّون مواليهم بنشر ما لهم من فضل كثير و ما جري عليهم من المصائب و لا قوة في سبيل إحياء الدين من كوارث ومحن لأنّ فيه حياة أمرهم و رحم الله من أحيا أمرهم و دعا إلي ذكرهم).

و قد تواتر الحثّ من الأئمة عليهم السلام علي نظم الشعر فيهم مدحاً و رثاء بحيث عدَّ من أفضل الطاعات و في ذلك قالوا عليهم السلام: من قال فينا بيتاً من الشعر بني الله تعالي له بيتاً في الجنة.

و في آخر: (حتي يؤيَّد بروح القدس . و في ثالث : بني الله له بيتاً في الجنة مدينة يزوره فيها كل ملك مقرَّب و نبي مرسل).(1)

شواهد تاريخية

استأذن الكميت علي الصادق عليه السلام في أيام التشريق ينشده قصيدته فكبر علي الإمام أن يتذاكروا الشعر في الأيام العظام «أيّام الحج» و لمّا قال له الكميت: إنها فيكم، أنس أبوعبد الله عليه السلام... حيث إنه من الذكر اللازم لأنه فيه إحياء أمرهم و هو إحياء للدين و نصرة لمبادئه... ثم دعا بعض أهله فقرب ثم أنشده الكميت فكثر البكاء و لما أتي علي قوله:

يُصِيبُ به الرامونَ عن قوسِ غيرِهمْ *** فيا آخراً أسْدي له الغيَّ أوَّلُ

رفع الصادق عليه السلام يديه و قال: «اللهم اغفر للكميت ما قدَّم و أخَّر و أسرّ و أعلن و أعطه حتي يرضي».(2)

و دخل جعفر بن عفان علي الصادق عليه السلام فقال له: (إنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام و تجيده) قال: نعم. فاستنشده فلمّا قرأ عليه بكي حتي جرت دموعه علي خديه و لحيته و قال له: (لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون قولك في الحسين عليه السلام و إنّهم بكوا كما بكينا . و لقد أوجب الله لك الجنة) ثم قال عليه السلام:

ص: 76


1- مقتل الحسين للمقرم، ص 112 طبعة قم.
2- الأغاني، ج 15، ص 118.

(من قال في الحسين شعراً فبكي و أبكي غفر الله له و وجبت له الجنة).(1)

و هكذا فقد صبغت مأساة الحسين عليه السلام و الزهراء عليها السلام و لا تزال تصبغ أدب الشيعة بالحزن العميق و التوجّع لما حلّ بالإسلام و المسلمين جرّاء ما دهاهما من مصائب و محن فرثوهم رثاءً مؤلماً موشّحاً بالدموع حتي غطي الكثير من أعمالهم الأدبية و محافلهم و أنديتهم... و الذي يحسّه المرء و هو يطالع ما كتب في هذا المجال اللوعة و المضاضة و التأسّف علي الأحداث يحسّ إلي جانبها أيضاً بالاستنهاض و الثورة لأنها صادرة عن نفوس شاعرة متوثّبة صارخة بوجه الظلم و الطغيان و الفساد و الاستبداد مندّدة بأولئك الظلمة الذين قادوا الناس إلي البؤس و الشقاء... و ستجد مثل هذا الكثير من خلال مطالعتك للديوان...

ص: 77


1- رجال الكشي، ص 187.

من شعر الزهراء عليها السلام

و أيضاً فإن الأئمة الطاهرين «عليهم الصلاة و السلام» أنشدوا الشعر بأنفسهم في سبيل التربية و التعليم و نصرة مبادئهم الحقة و دفاعا عن حقوقهم المهدورة وظلاماتهم. و فضحة لأعدائهم... أعداء الله.

و بعضه كان من إنشائهم غلق و بعضه كانوا ينشدونه عن غيرهم.

وقد مرّ العديد من الشواهد في نظم الشعر أو تطعيم قصائد الشعراء كما في قصيدة دعبل عندما قرأها علي الإمام الرضا عليه السلام و غيرها و قد جمع العلامة الأميني في الغدير الكثير من هذه الشواهد... كما جمع الشعر المنسوب إلي مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في ديوان خاص اسمه «ديوان الإمام علي عليه السلام» و قد حوي العديد من الأبيات الشعرية الرفيعة في مختلف شؤون الإنسان و الحياة.

و أما ما ورد عن الصديقة الطاهرة «سلام الله عليها» من الشعر المنظوم في رثاء النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و إظهار الحب و الولاء له و شرح ما جري من الأحداث عليها بأيدي الصحابة...

أقول: ما ورد عنها «سلام الله عليها» إنشاداً أو إنشاءً و كله يكشف عن عمق المعني و شدّة العاطفة الجيّاشة فكثير أنقل إليك بعض عينّاته:

في رثاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:

إنَّ حزني عليكَ حزنٌ جديدُ *** و فؤادي و الله صَبّ عنيدُ

كلُّ يومٍ يزيدُ فيه شُجوني *** و اكتئابي عليكَ ليس يَبيدُ

جَلَّ خَطَّبي و بان عنّي عزائي *** فبُكائي كلَّ وقتٍ جديدُ

ص: 78

إنَّ قلباً عليك يألفُ صبراً *** أوعزاءً فإنّه لجلِيدَ(1)

و في رثائه أيضاً قالت :

قلَّ صبري و بانَ عنّي عَزائي *** بعدَ فَقدي لِخاتمِ الأنبياءِ

عينُ يا عينُ اسكبي الدمعَ سحَاً *** ويكِ لا تبخلي بفيضِ الدماءِ

يا رسولَ الإلهِ يا خيرةَ اللهِ *** و كهفَ الأيتام و الضعفاء

قد بكتكَ الجبالُ و الوحشُ جمعاً *** و الطيرُ و الأرضُ بعد بكي السماءِ

و بكاكَ الحجونُ و الركنُ *** و المشعرُ يا سيّدي مع البطحاءِ

و بكاكَ المحرابُ و الدرسُ *** للقرآن في الصبحِ معلناً و المساءِ

و بكاكَ الإسلامُ إذ صار في *** الناسِ غريباً في سائرِ الغُرَباء

لوتري المنبرَ الذي كنتَ تعلوه *** عَلاه الظلامُ بعدَ الضياءِ

يا إلهي عجل وفاتي سريعاً *** فلقد نغص الحياة يا مولائي(2)

و عندما دنت منها الوفاة و أخذت توصي وصاياها لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قالت في ضمن ما قالت:

و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... أوصيك يا أبا الحسن عليه السلام بولدي الحسن و الحسين عليهما السلام و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين بالأمس فقدا جدهما و اليوم يفقدان أمهما فالويل لمن يقتلهما ثم أنشأت تقول:

ابكِني إن بكيتَ يا خيرَهادِ *** واسبلِ الدمعَ فهو يومُ الفراقِ

يا قرينَ البتولِ أوصيكَ بالنسلِ *** فقد أصبحاحليفَ اشتياقِ

ابكِني و ابكِ لليتامي و لا *** تنسَ قتيلاً لعدي بطفِّ العراقِ

فارَقُوا أصبحوا يتامي حَياري *** أخلفوا اللهَ فهو يومُ الفراقِ

ثم دعت بأولادها فودعتهم جميعاً و تهيأت للقاء ربها إلي آخرالرواية .(3)

ص: 79


1- الكوكب الدري، ج 1، ص 240.
2- المصدر السابق، ص 241.
3- المصدر السابق، ص 246.

و بعد غصب الخلافة و فدك و وقوف الزهراء عليها السلام للذب عن القضيتين، خطبت عدّة خطب بليغة و فريدة، لم يشهد لها تاريخ الأدب نظيراً... كان منها الخطبة التي ألقتها العامّة الناس، حرّضتهم و شكتهم و بصّرتهم ببعض الخفايا التي تستَّر عليها القوم و في خاتمة الخطبة عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثةُ(1) *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخِطبُ

إنّا فقدناكِ فقد الأرض و ابلَها *** و اختلّ قومُكَ فاشهدهم فقد نكُبوا

أبدي رجالُ لنا نجوي صدوِرِهمْ *** لمّا مضيتَ و حالت دونك التُرَبُ

تجّهمتْنا رجالُ و استخفّ بنا *** لما فقدت و كلُّ الإرث مغتصب

وكنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك تَنزلُ من ذي العزّةِ الكتُب

و كان جبريلُ بالآياتِ يُؤنِسُنا *** فقد فُقدتَ و كلِّ الخير محتجبُ

فليتَ قبلكَ كان الموت صادَفَنا *** لمّا مضيتُ و حالت دونك الكثبُ

إنا رُزتنا بما لم يرز ذو شجَّنِ *** من البريةِ لاعجم و لا عربُ

قال صاحبُ «بلاغات النساء»: فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً و لا باكية، من ذلك اليوم.(2)

و في البحار نقلاً عن المناقب، قال : أنشدت الزهراء سلام الله عليها و بعد وفاة أبيها عليه السلام.

وقد رُزئنا به محضاً خليقتُه *** صافي الضرائبِ و الأعراقِ و النسب

و كنتَ بدراً و نوراً يُستضاء به *** عليك تنزلُ من ذي العزةِ الكتب

و كان جبريلُ روحُ القدسِ زائرنا *** فغابَ عنَّا وكلُّ الخيرِ محتجب

فليتَ قبلك كان الموتُ صادفَنا *** لما مضيتَ و حالتْ دونك الحجب

إنا رُزئنا بما لم يرز ذو شجن *** من البريةِ لا عجم و لا عرب

ضاقتْ عليَّ بلادٌ بعد ما رحُبَتْ *** وسِيمَ سبطاكَ خسفاً فيه لي نصَب

فأنت و اللهِ خيرُ الخلقِ كلِّهمُ *** و أصدقُ الناس حيث الصدقُ و الكذب

فسوفَ نبكيك ما عشنا و ما بقيت *** منّا العيونُ بتهمالٍ لها سكب

ص: 80


1- الهنبثة هنبثة: اختلاط القول.
2- المجالس السنية، ج 5، ص113 - 114.

عن الباقر عليه السلام قال: ما رئيتُ فاطمة عليها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلي الله عليها حتي قبضت.(1)

و قالت عليه السلام أيضاً:

اغبرَّ آفاقُ السماءِ فكُوِّرَت *** شمسُ النهارِ و أَظلمَ العَصرانِ

و الأرضُ من بعدِ النبي كئيبةٌ *** أسفاً عليه كثيرةُ الأحزانِ

فليَبكِهِ شرقُ البلادِ و غربُها *** و ليَبكِه مُضَرٌ وكل يَمانِي

و ليبكِهِ الطَؤدُ الأشمُّ وجوده *** و البيتَ والأستارُ و الأركانِ

يا خاتمَ الرسلِ المبارك ضوؤُه *** صلي عليكَ منزّلُ القرآنِ(2)

و لها أيضاً حينما أخذت قبضة من تراب قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شمتها قالت: قل للمغيَّب تحتَ أطباقِ الثري *** إن كنتَ تسمعُ صرختي و ندائيا

ماذا علي مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ *** أن لا يشمَّ مدي الزماني غواليا

صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنَّها *** صُبَّت علي الأيّامِ عدنَ لياليا

قد كنتُ ذات حمّي بظلّ محمدٍ *** لا أَختشي ضيماً و كان حِمَي ليا

فاليومَ أخشعُ للذليلِ و أتّقي *** ضَيمي و أدفعُ ظالمي بردائيا

فإذا بكت قُمرِيةٌ في لَيلِها *** شجناً علي غُصنِ بكيتُ صباحيا

فلأجعلنَّ الحزنَ بعدكَ مؤنسي *** و لأجعلنَّ الدمعَ فيك و شاحيا(3)

و لها أيضاً و قد لحقت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتخلّصه من القوم فلم تتمكن فعدلت إلي قبر أبيها و أشارت إليه بنحيب و حرقة قلب قائلة:

نفسي علي زفراتِها محبوسةٌ *** يا ليتها خرجت مع الزفراتِ

لاخيرَ بعدَكَ في الحياةِ و إنّما *** أبكي مخافةَ أَن تَطُولَ حياتي(4)

و انعطفت بعد خطبتها علي قبر أبيها شاكية

ص: 81


1- البحار، ج43، الباب7، ص199، حديث27، ط بيروت.
2- الفصول المهمة، ص 132.
3- نهاية الأرب، ج18، ص403 - وفاء الوفاء، ج1، ص145 - المشرع الروي، ص88 - الدر المنثور، ص360.
4- بيت الأحزان للقمي، ص 48.

قد كنت ذات حميةٍ ما عشتَ لي *** أعشي البراح وأنتَ كنتَ جناحي

فاليومَ أخضعُ للذليل و أتقي *** منه و أدفعُ ظالمي بالراح

و إذا بكت قُمرِيةٌ شَجناً لها *** ليلاً علي غُصنِ بكيتُ صباحي(1)

و لها أيضاً في أبيها صلي الله عليه و آله و سلم:

إذا ماتَ يوماً ميِّتٌ قلَّ ذكرُه *** و ذكرُ أبي مذ ماتَ و اللهِ أزيَدِ

تذكّرتُ لمّا فرّق اللهُ بيننا *** فعزّيتُ نفسي بالنبيِّ محمدٍ

فقلتُ لها إنّ المماتَ سبيلُنا *** و من لم يمت في يومِه ماتَ في غدٍ(2)

و أنشأت في الرثاء أيضاً قائلة :

إذا اشتَّد شوقي زرتُ قبرَك باكياً *** أنوح و أشكو لا أراكَ مجاوبي

فيا ساكنَ الغبراءِ عَلّمَتني البُكا *** وذكركَ أنساني جميعَ المصائب

فإن كنتَ عنّي في الترابِ مغيَّباً *** فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(3)

و في كل ما تقدم من شعرها إنشاداً أو إنشاءً تحس الثورة و الصرخة العارمة انتصاراً للحق ...

كما تحس العاطفة الجيّاشة لما حلّ بالمسلمين و قبلهم الإسلام جرّاء تخلّف أصحاب أبيها عن بيعتهم و ارتدادهم عمّا أوصاهم به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم...

ص: 82


1- أعلام النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، ص 127 علي محمد دخيل.
2- بيت الأحزان، ص 71.
3- المصدر السابق نفسه.

كلمات في عظمة فاطمة عليها السلام

إن كلمات المشاهير و العلماء الأعلام و المؤلفين في الصديقة سلام الله عليها قد ملأت الكتب، قد يتمكن المتتبع لها أن يجمع منها كتاباً مستقلاً نسجِّل منها:

1- قالت عائشة لمن سألها أيّ الناس أحبّ لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟

قلت: فاطمة عليها السلام.

قيل: من الرجال ؟

قالت: زوجها، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً.(1)

و قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من فاطمة عليها السلام و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقّبلها و رحّب بها و كذلك كانت هي تصنع به.(2)

و قالت أيضاً: ما رأيت قط أحداً أفضل من فاطمة «سلام الله عليها» غير أبيها .(3)

و قالت أيضاً: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة سلام الله عليها إلا أن يكون الذي ولدها.(4)

و عن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي علي عائشة فسمعتها من

ص: 83


1- سير أعلام النبلاء، 2/ 92.
2- المصدر السابق نفسه.
3- الإصابة، 4/ 366.
4- سير أعلام النبلاء، 2/ 95.

وراء الحجاب و هي تسألها عن علي فقالت: تسألين عن رجل ما أعلم رجلاً أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من علي و لا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من امرأته.(1)

2- قال أبو نعيم الأصبهاني:

من ناسكات الأصفياء و صفيّات الأتقياء ، فاطمة رضي الله تعالي عنها، السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ألوط أولاده بقلبه لصوقاً و أولهم بعد وفاته به لحوقاً. كانت عن الدنيا و متعتها عازفة و بغوامض عيوب الدنيا و آفاتها عارفة.(2)

3 - قال علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري -ابن الأثير:

كانت فاطمة «سلام الله عليها» تكنّي أم أبيها و كانت أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم -إلي أن قال- و انقطع نسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلاّ منها.(3)

4 - قال زين العرب عن شرح المصابيح:

إنَّ فاطمة سميت بتولاً لإنقطاعها عن نساء الأمة فضلاً و ديناً و حسباً.(4)

5 - قال الهروي من الغريبين:

سميت مريم عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سمّيت فاطمة عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظر.(5)

6- قال عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد:

و أكرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليها السلام إكرامة عظيمة، أكثر مما كان الناس يظنونه و أكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتي خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاص و العام مراراً لا مرّة واحدة و في مقامات

ص: 84


1- المستدرك علي الصحيحين، 3/ 156.
2- حلية الأولياء، ج2، ص39.
3- أسد الغابة، ج 5، ص 520.
4- أعلام النساء، ج4، ص127.
5- المناقب، ج3/ 110.

مختلفة لا في مقام واحد: إنّها سيدة نساء العالمين و إنها عديلة مريم بنت عمران عليها السلام و إنّها إذا مرّت في الموقف نادي مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد عليها السلام و هذا من الأحاديث الصحيحة و ليس من الأخبار المستضعفة و إن إنكاحه علياً إيّاها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالي إيّاها في السماء، بشهادة الملائكة. و كم قال لا مرة: (يُؤْذِينِي ما يُؤْذِيهَا و يُغْضِبُنِي مَا يُغْضِبُهَا و إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا).(1)

7- قال علي بن الصباغ المالكي:

هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، بنت من أنزل عليه («سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي) ثالثة الشمس و القمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيدة بإجماع أهل السداد.(2)

8- قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي :

إنَّها عليها السلام غير قد خصَّت بفضل سجايا منصوص عليها بانفرادها و فضّلت بخصائص مزايا صرح اللفظ النبوي بإيرادها و ميّزت بصفات شرف تتنافس الأنفس النفيسة في آحادها و ألبست شرف صفات غادرت ملابس الشرف دون أيرادها و بين أولادها دخلت في عداد من خصَّهم الله تعالي من القرآن الكريم بإنزال آيات يلزم فرض اعتقادها ... الخ.(3)

9- قال شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي:

سيدة نساء العالمين سلام الله عليها في زمانها، البضعة النبوية، و الجهة المصطفوية ، أم أبيها، بنت سيّدة الخلق رسول الله صلي الله عليها، أبي القاسم محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلي الله عليه و آله و سلم، القرشية الهاشمية، أم الحسنين. مولدها قبل المبعث بقليل... و قد كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يحبها و يكرمها و يسرّ إليها. و مناقبها غزيرة و كانت صابرة، دينة، خيّرة، قانعة، شاكرة لله.(4)

ص: 85


1- شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 193.
2- الفصول المهمة، ص 128.
3- مطالب المسؤول، ص20.
4- سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 88.

10 - قال أحمد الشرباصي:

فاطمة البتول الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلوات الله عليه وآله و أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أفضل نساء الدنيا و سيدة نساء الجنة في الآخرة.(1)

11 - قال الدكتور علي إبراهيم حسن :

و حياة فاطمة عليها السلام هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس، أو كيلو باطرة، استمدت كل منهما عظمتها من عرش كبير و ثروة طائلة و جمال نادر و هي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش و تتحدي الرجال و لكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلي العالم و حولها هالة من الحكمة و الجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب و الفلاسفة و العلماء و إنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات و المفاجآت، و جلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء و إنما من صميم النفس.

و لعل عظمة فاطمة عليها السلام هي التي جعلت عائشة تقول: لم أجد من هو أحسن من فاطمة عليها السلام إلا أباها صلي الله عليه و آله و سلم.

و قال: و كما كانت في حياتها عظيمة كانت في موتها عظيمة أيضاً، فهي أوّل عربية مسلمة جعل لها نعش صنعته لها أسماء بنت عميس و كانت قد رأت مثله في الحبشة.

و قال أيضاً: و تركت فاطمة «رضي الله عنها» أثر كبيراً في الإسلام و يكفي أنه سمّيت علي اسمها تلك الدولة الفاطمية ، كما أنّ الجامع الأزهر اشتق اسمه منها أيضاً.(2)

12 - قالت الدكتورة بنت الشاطيء :

أحب بنات الرسول إليه و أشبهه به في خلق و خُلقُ، آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث (زينب و رقية و أم كلثوم) فكتب لها أن تكون

ص: 86


1- نفحات من سيرة السيدة زينب، ص 17.
2- نساء لهنّ في التاريخ الإسلامي نصيب، ص 46 - 48.

وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة و المنبت الطيّب الدوحة الأشراف من آل البيت عليهم السلام.(1)

13 - قال سليمان كتاني:

و فاطمة عليها السلام العفيفة كانت ابنة الصفة في النبي صلي الله عليه و آله و سلم -الصفة المخصبة بعبقرية الخلق و التوليد- لقد كان جسدها النحيل وعاء لروح شفّت حتي اندغمت بالمصدر الذي بزغ منه أبوها.(2)

ص: 87


1- بطلة كربلاء، ص 13.
2- فاطمة وتر في غمد، ص 137.

ملاحظات أخيرة

هذه بعض النقاط البارزة التي كان ينبغي الإشارة إليها من قريب أو بعيد عن الزهراء سلام الله عليها و ما يرتبط بها من مقامات و شؤون في الحكمة و الأدب و الشعر ذكرناها كمدخل إلي الديوان الذي بين يديك -عزيزي القاريء- تحدثنا عنها تيمّناً و تبرّكاً بذكرها «سلام الله عليها» و إبرازاً لبعض الجوانب التي ربّما تكون قد خفيت علي البعض.

و قبل أن أتركك تعيش في رحاب الزهراء فاطمة سلام الله عليها و تتفاعل مع ما جادت به قرائح الشعراء عنها مدحاً و رثاءً أري من الضروري الإشارة إلي بعض الملاحظات باختصار سريع.

أولاً: ولدت فكرة تأليف هذا الكتاب علي أثر كلمة ألقاها سماحة آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي «دامت بركاته» علي جمع من المؤمنين و أشار فيها إلي مظلومية السيدة الزهراء سلام الله عليها و كذلك قلة الكتب المؤلفة حول شخصيتها عليهم السلام... مقارنة بالكتب التي ألّفت حول آخرين لا يمثلون شيئاً يستحق الذكر في قبال عظمة الزهراء سلام الله عليها و علوّ مقامها و شموخ منزلتها فعقدت العزم علي إعداد هذا الكتاب كمساهمة متواضعة منّي في خدمة الزهراء سلام الله عليها و إحياءً لذكرها بين الناس.

ثانياً: كان في النية أن نجمع كل ما قيل عنها «سلام الله عليها» في الشعر مما توفر في المصادر ثم يبوّب الديوان بشكل موسوعة أدبية تضم ما قيل فيها من المدح و الرثاء معا ابتداء من القرن الأول الهجري و إلي يومنا هذا مع تفصيل تراجم الشعراء الذين نظموا فيها «سلام الله عليها» علي غرار كتاب - أدب الطفّ - للسيد جواد شبر...

ص: 88

و ما زال هذا العزم و التصميم يتحرك في النفس و يشكل دافعاً قوّياً نحو إنجازه إلاّ أن صعوبة العمل و ما يتطلبه من جهد كبير و وقت طويل ... مضافاً إلي القلق الذي يساورني مخافة أن يضيع ما جمعته من قصائد و أشعار كلاَّ أو بعضا و ما يمكن أن يسبّبه من خسارة معنوية للمكتبة الإسلامية عموماً و الأدب الشيعي علي الخصوص، دفعني إلي القيام بنشر القصائد المتوفرة عندنا أولاً بشكل ديوان خاص حتي إذا سنحت فرصة أكبر و فراغ أوسع أنجزت فكرتي الأولي و أعددت القصائد بشكل موسوعة أدبية كاملة عما جاء عنها «سلام الله عليها». فجاء هذا الكتاب و هو كما تراه بين يديك يضم حوالي (600) قصيدة لشعراء شتي عاشوا في عصور و أمصار مختلفة متباعدة أو متقاربة.

و هو... يمثل مسيرة طويلة و متكاملة في الشعر و الأدب مثَّل الآراء و المواقف علي مر العصور و الأدوار و واكب ما جري فيها من تغييرات و أطوار و عايش مختلف الظروف السياسية الحرجة و المنفتحة...

ابتداءً من الشعر العقيدي الذي غطّي علي الشعر في القرون الأولي كما ذكرنا فيما تقدم إلي الشعر الولائي إلي شعر النصرة الذي يعد اليوم أكثر أنواع الشعر رواجاً في الأندية و المحافل... نظراً لشدة الظلامات التي يتعرّض لها المجتمع البشري اليوم جرّاء السياسة الاستعمارية و الحكومات الديكتاتورية المتمكنة علي رقاب المسلمين و التي تسوقهم بالحديد و النار و تسومهم سوء العذاب و نظراً لحاجة المجتمع الجديد إلي مبادئهم عليهم السلام و تعطّشه لسيرتهم العادلة عليهم السلام التي أبعدتها السياسات عن الساحة عن علم و سابق تخطيط...

و علي أي حال... فقد جاءت بعض القصائد في الديوان في مدحها «سلام الله عليها» و بعضها جاء في رثائها... كما أنّ بعض القصائد جاءت خاصة بالزهراء سلام الله عليها و بعضها ألمحت إليها في بعض أبياتها...

و قد رتّبتها حسب حرف الرويّ و حركته متبعاً في هذا العمل سنن الذين صنّفوا في مثل هذا العمل و قواعد التحقيق و مناهجه، فابتدأت بقافية الألف ثم انتقلت إلي قافية الباء و هكذا.

و في كل قافية اتبعت الترتيب المعروف فبدأت بالهمزة الساكنة منتقلاً

ص: 89

إلي المفتوحة فالمضمومة، فالمكسورة. و لجأت في ترتيب كل قسم من هذه الأقسام علي الترتيب العروضيّ، ففي القافية الساكنة مثلاً رتبت القصائد: البحر الطويل، فالمديد، فالبسيط، فالوافر، فالكامل... و هكذا إلي آخر الأبحر، متبعاً في ذلك الطريقة العلمية المعروفة. فليس تقديم شاعر أو تأخير آخر في الديوان دليلاً علي قوة المقدَّم وضعف المؤخَّر...

كما لا يعني أهمية القصيدة السابقة علي الثانية اللاحقة... كلّا... و إنما ضرورة النظم و التبويب و تسلسل الحروف الهجائية الطبيعي هي التي أملت علينا هذا النوع من النظم و هذا اللون من التقديم و التأخير...

ثالثاً: تسهيلاً للقاريء و بياناً لبعض الحقائق حَشَّيت علي الأبيات التي تحتاج إلي بعض التوضيح سواء من الناحية الأدبية و اللغوية أو من الناحية التاريخية أو الروائية أو الاعتقادية أو غيرها... بعد شكل كلمات القصائد شكلاً كاملاً.

و أملي من سيدتي و مولاتي «سلام الله عليها» أن تقبل مني هذا العمل الضئيل و الجهد المتواضع... و تسدّده و تعفو عن زلّاته و عثراته...

كما آمل من أصحاب الفضل و الأدب أن يقوّموا ما فاتني في ذلك فإني أعترف سلفاً بأن هذه المحاولة لا تخلو من قصور...

و من الله أستمد العون و التوفيق.

و من سيدتي الصديقة الكبري سلام الله عليها أرجو العناية و الرضا... و السلام عليها و علي آبائها و أبنائها الطاهرين و رحمة الله و بركاته.

26 من ربيع الأول لعام 1416 ه

المؤلف

الشيخ علي حيدر المؤيد

ص: 90

قافية الألف

اشارة

ص: 91

ص: 92

(1) بنت النبي صلي الله عليه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ إبراهيم بري

نَشَأَت بِيَثرِبَ طفلةٌ زَهراء سلام الله عليها *** في وَجهِها، وَجهُ النَّبِيَّ تَراءَي(1)

نَشَأَت بِيَثرِبَ فَهيَ أَطهَرُ نَجمَةٍ *** تَهَبُ الشُّعَاعَ و تَمنَحُ الأَضواءَ

بِنتُ عَلَي صَدرِ النبيِّ تَرَعرَعَت *** و نَمَت كَزَنبَقَةِ الرُّبي فَيحاءَ

بِنْتِ اَلنَّبِيِّ وَ يَا لهَا مِنْ حُرَّةٍ *** تَلِدُ اَلْكُمَاةَ وَ تَنْجُبُ اَلشُّهَدَاءُ

الرَّافِعِين اِلي اَلنُّجُومُ لِواءَهُمْ *** اِكْرَمْ بِمَنْ رَفَعُوا اَلْخُلُودَ لِوَاء

بذلوا لِرَيِّ اَلظَّامِئِينَ كَوُؤْسِهِمْ *** وَ قَضَوْا عَلَيَّ شَفَةَ اَلْكُوؤُس ظِمَاءً

وَ سِوَاهُمْ حَسَبُ اَلرِّيَاءِ مُكَارِماً *** حَاشَا اَلْمَكَارِمِ أَنْ تَصِيرَ رِيَاءَ

قَوْمٍ لَهُمْ تَخِذُوا اَلشَّهَادَةَ رَأْسَهَا *** وَ تَسِيرُ تَحْتَ ظِلاَلِهِمْ خُيَلاءَ(2)

فَتَحُوا بِسَاحَاتِ اَلْجِهَادِ صُدُورَهُمْ *** حَتِّي تُلاَقِي اَلطَّعْنَةَ اَلنُّجَلاَءَ(3)

ص: 93


1- و يمكن تصحيح ذلك بإعراب طفلة علي أنها حال منصوبة و زهراء سلام الله عليها صفتها لموافقتها مع القافية إلَّا أنه لا يخلو من ضعف و الله العالم و في تشبهها بأبيها صلي الله عليه و آله و سلم انظر في الأدب المفرد للبخاري، ص 244. عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً من الناس أشبه بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم كلاماً و لا حديثاً و لا جلسة من فاطمة. و في مرآة الجنان لليافعي، ص 6. و كانت إذا دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم رحّب بها و كانت أشبه الناس بأبيها في مشيها و حديثها.
2- خُيَلاء : أي مسيرة خُيَلاء و هي مشية فيما نوع من الكبر.
3- طعنة نجلاء: واسعة.

وَ جَراحِهِم كَم مِن شِفاهُ جِراحُهُم *** فَجُر أطِلَّ عَلَي الدُّنيِّ(1) وَ أضاءَ

وُ دَماؤُهُم ... إنِّي لَمَحْتُ دِمَاءَهُم *** تَجْرِي عَنِ اَلدِّينِ اَلْحَنِيفِ فِدَاءٌ

لَمْ يُنحَّنوا يُؤُمَّا لِصَوْلَةٍ ظالِمٍ *** كَلَّا وَ لاَلَبِسُوا الْهَوانَ رِداءً

وَ اِذَا اَلْمُرُوءَةَ فِي اَلنُّفُوسِ تَجَسَّدَتْ *** لَمْ تَلْقَ أَنْذَالاً وَ لاَ جَبْنَاءَ

نشات بيثرَتْ، فَهِيَ اطهر شَمْعَةٌ *** ذَابَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا شَذِي وَ سَنَاءٌ

وَ حياتهَا برِبِّي اَلنُّبُوَّةِ وَ رْدَةٌ *** بَيْضَاءَ حَيَّ اَلْوَرْدَةِ اَلْبَيْضَاءِ

حَي الامام الزَّوْجِ وَ الْبَطَلِ اَلَّذِي *** دَحَرَ الْمُلُوكَ وَ دَحْرَجَ اَلاِمْرَاةِ

وَ اَللَّهِ شَاءَ بَانَ تَمُوتُ حَزِينَةً *** وَ اَللَّهُ يَفْعَلُ مَا اِرَادَ وَ شَاءَ

أعرفتها سلام الله عليها؟ أَعْرَفْتُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم؟ *** فَاتلُ الصَّلاةَ وَ كَرِّمِ الزَّهْراء سلام الله عليها

ص: 94


1- الدَّنا: الدنيا.

(2) نبع المكارم

(بحر الخفيف)

الشيخ إبراهيم النصيراوي

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** هاتفاً بالوليدة الزهراءِ

هي نبع من المكارم يزهو *** خصُّ للأرض من عيون السماءِ

تتباهي بها السماوات فخراً *** و تغنّت بها ربي الغبراءِ

لاكيوم الزهراء يوم بهيّ *** دائم العطر من أريج الثناءِ

و الأهازيج باسمها تتعالي *** و هي فوق المديح و الإطراءِ

فكأنّي بكل قلب ينادي *** ولدت بنت سيد الأنبياءِ

***

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** فهي حسبي و غايتي و رجائي

كل عرق جري بجسمي حيٌ *** حبُّها فيه لا مسيل الدماءِ

إنّ قلباً خلا من الحب يوماً *** ليس يُنمي لهذه الأحياءِ

كلما جلتُ خاطراً تهتُ فيها *** بسناهايغيب كل سناءِ

حشدت نفسها الملائك زحفاً *** خُلقت بيت بلهفة و انحناءِ

علّها أن تري سناء وجوه *** خُلقت قبل خلق هذا الفضاءِ

تتمنّي بأن تظلّ عكوفاً *** و لتحظي بحمل فضل الرداءِ

هكذا البضعة الزكية كانت *** منبت اليُمن منبت الآلاءِ

غطت الشمس شمسها فأنارت *** هذه الأرض من سني الزهراءِ

هي أنثي و خلفها ألف معني *** كل معني به مدي للخفاءِ

ص: 95

إنّها المرأة التي قيل فيها *** ما علي الأرض مثلها في النساءِ

هي سرٌ حسبها إنّ فيها *** نزل الوحي هاتفاً بالثناءِ

ليس يرقي لفضلها أي فضل *** من أبينا و أُمّنا حواءِ

ص: 96

(3) لذ بالبتول

(بحر الكامل)

الأستاذ أحمد فهمي محمد

لُذْ بِالبَتُولِ وَنادِ بِالزَّهراءِ *** وَ اضْرَعْ لِرَبِّكَ خيفةٌ بِدُعاءِ(1)

وَ ارْفَعْ لِفاطِمَةَ اللِّواءَ فَاِنَّها *** بِنْتُ الرَّسُولِ سَلِيلَةُ الحَنَفاءِ(2)

حُورِيَّةٌ انْسِيَّةٌ فَطَرْتَ عَلَيَّ *** خَلْقٌ سَمّاً فِي الذِّرْوَةِ اَلْعَلْيَاءِ

فَاقَتْ نِسَاءُ اَلْعَالَمِينَ وَ انَّها *** يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ تزْدَهي بِسَنَاءٍ

وَ اَللَّهُ يَغْصِبُ حِينَ تَغْصَبُ فَاطِمُ *** وَ اَللَّهُ يُرْضِي فِي مَقامِ رِضاءِ

شَهِدَ الْخَلَائِقُ اِنَّها لَكَرِيمَةٌ *** وَ هِيَ اَللِّيَادُ لَنَا مِنَ الاواءِ(3)

وَ هِيَ الْوَسِيلَةُ لِلنَّجاةِ وَ عِصْمَةٌ *** وَ ذَخِيرَهِ الْعَانِي مِنَ الضَّرَّاءِ(4)

وَ لَهَا الشَّفَاعَةُ فِي اَلْعُصَاةِ وَ جَنَّةٌ *** وَ لَنَا بِهَا الزلفي لِيَوْمِ لِقَاءٍ(5)

فَاللَّهُ يَنْفَعُنَا بِهَا وَ بِنَسْلِهَا *** حَتِّي نَصِيرُ بِهِمْ مَعَ اَلسُّعَدَاء

ص: 97


1- لُذْ: عُذْ و الجأ.
2- الحُنَفاء: جمع حنيف: و هو المائل من شرِّ إلي خير و الحنيف: المسلم الذي يتحنّف عن الأديان، أي يميل إلي الحق و فيه أقوال عديدة، محصَّلها ما ذكرناه. انظر لسان العرب.
3- لاذَ به يلوذُ لَوذاً و لُوذاً و لَوذاً و لياذاً : لجأ إليه و عاذ به و لاوَد ملاوَذَةً و لِواذاً و لياذاً: استتر، عن اللسان. و اللأواء: الشدّة و المشقة.
4- العصمة: الرحمة و الحفظ و الملجأ و منه قوله تعالي: «وَلاَ عَاصِمَ اَلْيَوْمَ مِن أَمْرِ الله» و قوله : «و اعْتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعاً» سورة آل عمران/ آية : 103. و العاني: العبد و الخاضع و الأسير و منه قوله تعالي: «وَ عَنَتِ اَلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اَلْقَيُّومِ» سورة طه/آية : 111.
5- الشفاعة: كلام الشفيع لمالك الأمر في حاجةٍ يسألها لغيره و في أمور الآخرة هي السؤال من الله سبحانه للتجاوز عن الذنوب و المعاصي و الجنة معروفة لكن لعلها بضمّ الجيم فتكون بمعني الحصن و الدِّرع و الزُّلفي: القُربة و القرب و الدنوّ و منه قوله تعالي: «وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ» سورة الشعراء/آية:90 أي: قُرْبت.

(4) الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ أحمد الوائلي(*)(1)

ص: 98


1- (*) هو الخطيب الكبير الدكتور الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد ابن حمود الليثي الوائلي. و أسرة الوائلي من الأسر العربية العريقة في النجف الأشرف و قد أنجبت العديد من الشخصيات العلمية و الأدبية و الثقافية أمثال الشاعر إبراهيم الوائلي و الدكتور فيصل الوائلي و غيرهما من أعلام الأسرة . و لد الوائلي في مدينة النجف الأشرف يوم الجمعة، 17/ ربيع الأول سنة 1342 ه. و قد استخرج اسمه من القرآن الكريم عندما تفاءل والده متيمناً بكتاب الله «سبحانه» لاختيار اسمه فكانت الآية السادسة من سورة الصف ««وَإِذْ قَالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...» و كان وقعها مطابقاً لمقتضي الحال حيث كانت ولادته في السابع عشر من شهر ربيع الأول ذكري مولد سيد الأنبياء محمد صلي الله عليه و آله و سلم و ذكري مولد حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام فسماه أحمد. و لما درج ابتدأ تعليمه في مكاتب القرآن الكريم بتعلّم القراءة و الكتابة، ثم التحق بالمدارس الرسمية و واصل دراسته في مدارس منتدي النشر في النجف الأشراف حتي تخرج من كليتها عام (1962 م) محرزاً درجة البكالوريوس في اللغة العربية و العلوم الإسلامية، ثم أكمل مرحلة الماجستير في جامعة بغداد، ثم تقدم لّنيل درجة الدكتوراه في كلية العلوم بجامعة القاهرة فنالها علي أساس أطروحته و إلي جانب دراسته الأكاديمية و بلوغه أعلي المستويات اتجه إلي الدراسة (الحوزوية) فقرأ مقدمات العلوم العربية و العلوم الدينية العقلية و النقلية متتلمذاً علي أساتذة الحوزة في النجف منهم الشيخ علي ثامر و الشيخ عبد المهدي مطر و الشيخ علي سمّاكة و الشيخ هادي القرشي و السيد حسين مكي العاملي و الشيخ علي كاشف الغطاء و السيد محمد تقي الحكيم و الشيخ محمد حسين المظفر و الشيخ محمد رضا المظفر و الشيخ محمد تقي الإيرواني و قد مضي في دراسة العلوم الحوزوية حتي تأهل فيها بالكامل.

(1) كَيْفَ يَدُونُو الي حشاي اَلدَّاءِ *** وَ بِقَلْبِيَ اَلصِّدِّيقَةُ اَلزَّهْرَاءُ

مَنِ اِبُوهَا وَ بَعْلِهَا وَ بَنَوْهَا *** صَفْوَةَ مَا لِمِثْلِهِمْ قُرَنَاءُ

ص: 99


1- أما خطابته الحسينية فإنه بدأ يتدرّج في مراتبها منذ أوائل حياته و قد ارتقي المنبر الحسيني وهو لا يزال في العقد الأول من عمره واستمر في الخطابة أكثر من نصف قرن، و يعتبر الشيخ أحمد الوائلي خطيباً حسينياً بكل معني الكلمة لأنه خدم المنبر الحسيني لأطول فترة بالقياس إلي سائر الخطباء و بقدرات و مواهب خطابية هائلة و من منطلق العلم و الثقافة الأمر الذي أظهر للمنبر الحسيني قيمة أكبر و أوجد له معطيات متجدّدة. إن الأستاذ الوائلي رمز من أبرز رموز المنبر الحسيني و واجهة من واجهات جامعة النجف الأشرف و مؤسس المدرسة المعاصرة للخطابة الحسينية و العميد الفعلي لسلك الخطابة العربية فهو الذي لم يضارعه خطيب في قوة شخصيته و تأثير أسلوبه و سحر بيانه، لذا انتسب لمدرسته جيل من نوابغ الخطباء و استفادت من مناهجه الطلائع اللامعة من أرباب الفن المنبري. و المترجم له من الخطباء القلائل الذين لم يخفقوا أو يتعثّروا في مسيرة حياتهم المنبرية، فلقد بقي محافظاً علي المستوي الرفيع لخطابته طيلة هذه الفترة الزمنية حتي أصبح مقياساً المستوي الخطيب الناجح فإذا ما أرادت الجما، هير أن تقوّم خطيباً بارعاً تقول إنه كالوائلي و خلاصة القول أنه الخطيب الرائد الذي أنسي من قبله و أتعب من بعده. و المترجم له شاعر مجيد يمتاز شعره بفخامة الألفاظ و بريق الكلمات و إشراقة الديباجة، إذ يعتني كثيراً بصياغة قصائده، فهو شاعر محترف مجربّ و من الرعيل المتقدم من شعراء العقيدة ، شاعر ذو لسانين فصيح ودارج، و قد أجاد وزأبدع بكليهما. كما اهتم المترجم له، منذ شبابه بالنشاطات الثقافية ذات المنحي الديني فقد انتسب إلي (منتدي النشر) و هي مؤسسة ثقافية دينية متميزة في النجف الأشراف أسّسها المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر أحد أساطين العلم و الفضيلة بمساندة و مشاركة رجال الفكر و العلم في الحوزة العلمية في النجف الأشرف فقد دخلها الخطيب الوائلي في البداية تلميذاً ثم أصبح أستاذاً فيها إلي أن شغل منصب الأمين العام لها في مطلع السبعينيات، ثم انتخب رئيساً لها في منتصف السبعينيات. أتحف الأستاذ الوائلي المكتبة الإسلامية بآثاره العلمية القيمة فمؤلفاته المطبوعة: 1- هوية التشيّع. 2 - من فقه الجنس. 3- أحكام السجون. 4 - نحو تفسير علمي للقرآن. 5- ديوان شعر الأول و الثاني. 6- استغلال الأجير ... و كتب أخري في طريقها إلي الطبع. توفي بتاريخ 2003/7/14م ودفن في مدينة النجف الأشرف.

أُفُقٌ يَنْتَمِي إِلَي أُفُقِ اَللَّهِ *** و ناهِيكَ ذَلِكَ اَلْإِنْتِمَاءُ

وَ كِيَانٌ بَنَاهُ أَحْمَدُ خَلْقاً *** وَرعتهُ خَدِيجُةُ اَلْغَرَّاءُ

وَ عَلِيٌ ضَجِيعُهُ بِالرُّوحِ *** صَنَعْتَهُ وَ بَارَكَتْهُ السَّماءُ

اَيْ دَهْماءُ جَلَّلْتَ اُفْقَ الاِسْلامِ *** حَتّي تُنَكِّرِ الْخُلَصاءُ(1)

اَطْعَمُوكِ اَلْهَوَانَ مِنْ بَعْدِ عِزِّ *** وَ عَنِ الْحُبِّ نابَتِ البَغْضَاءُ

أَأْضِيعَتْ الاءُ احْمَدَ فِيهِمْ *** وَ ضُلاَّلٌ أَنْ تجْحَدَ الالاءُ(2)

اولم يَعْلَمُوا بَانَكَ حُبُّ الْمُصْطَفِي *** حِينَ تَحْفَظُ الاباء(3)

أُفَاجِرُ اَلرَّسُولَ هَذَا وَ هَذَا *** لِمَزِيدٍ مِنَ اَلعطاء اَلْجَزَاءَ؟

اَيُّهَا اَلْمُوسع اَلْبَتُولَةُ هَضْماً *** وَيْكَ مَا هَكَذَا يَكُونُ اَلْوَفَاءُ(4)

بِلُغَةٍ خَصَّهَا النَّبِيُّ لِذِي الْقُرْبِي *** كَمَا صَرَّحَتَ بِهِ الانْبَاءَ(5)

لَاتُسَاوِي جَزَاءً لِمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ *** اُعْطَتْهُ اُمَّكِ السُّمَحَاءُ(6)

ص: 100


1- أراد بالدهماء : الداهية و الفتنة. لكن المعروف أنها الدُهيماء بالتصغير . و جل بمعني عمَّ و غطي : و منه قولهم: جلل المطرُ الأرضَ.
2- الآلاء: النِّعم.
3- الحِبّ، بكسر الحاء: الحبيب المحبوب.
4- ويكَ : كلمة تعجب مركبة من ويّ و كاف الخطاب. و قيل : هي ويلك، أو ويحك أو ويبك مخففة.
5- روي الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل، قال: أخبرنا أبو سعد السعدي بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» دعا فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً و العوالي، و قال صلي الله عليه و آله و سلم: هذا قسم قسمه الله لكِ و لعقبك. قد يجدنا القاريء النبيه نتعمّد ذكر روايات علماء العّامة و هو بالضبط ما عاهدنا عليه أنفسنا. لأنّه أقوم للحجّة و أقوي للاحتجاج، و إلاّ فإن هذه القضايا ممّا قام عليها الإجماع عند أصحابنا الإماميّة، و امتلأت بالتنصيص عليها الأسفار و مع ذلك كله فلك أن تراجع غير ما ذكرناه في شواهد التنزيل و الذهبي في ميزان الاعتدال و الدر المنثور و منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد و ينابيع المودة للقندوزي و غيرهم و فيما ذكرنا الكفاية.
6- كانت السيدة خديجة سلام الله عليها عندما تزوجت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد جعلت كل ما لديها من مال و هو كثير جداً -تحت تصرف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يضعه حيث يشاء دون الرجوع إليها لاستئذانها، و قد صرفه النبي صلي الله عليه و آله و سلم في سبيل الدعوة إلي الله و نصر الإسلام، فكان مال خديجة سلام الله عليها و سيف أبي طالب أهم معينين لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أثناء الدعوة في مكة، فلما تمّ فتح حصون خيبر استسلم بقية اليهود و جاؤوا يصالحون النبي و آل إليه ملك فدك فنحلها لابنته فاطمة سلام الله عليها مقابل مال أمها علي رأي.

ثُمَّ فِيهَا اَلْيَّ مَوَدَّةِ ذِي الْقُرِّبِي *** سَبِيلٌ يَمْشِي اَلاِتِّقِيَاءُ

لَوْ بِهَا اَكْرَمُوكِ سُرَّ رَسُولُ اَللَّهِ *** يَا وَيْحَ مِنِ اليهِ أساءُوا

أَيْذَادُ اَلسِّبْطَانِ عَنْ بُلْغَةِ الْعَيْشِ *** وَ يُعْطِي تُراثَهُ اَلْبُعَدَاءُ؟(1)

وَ تَبِيتُ الزَّهْرَاءُ غَرْثِي وَ يُغذُّني *** مِنْ جَنَاهَا مَرْوَانُ وَ اَلْبَغْضَاءُ؟(2)

أَتْرُوحُ اَلزَّهْرَاءَ تَطْلُبُ قُوتاً *** وَ اَلَّذِينَ اِسْتَرْفَدُوا بِهَا أَغْنِيَاءُ(3)

نُهَنِي يَا بِنَةَ اَلنَّبِيِّ عَنِ اَلْوَجْدِ *** فَلاَ بَرِحَتْ بِكِ اَلْبُرْحَاءُ(4)

وَ أرِيحِي عَيْناً وَ إِنْ أَذْبَلَتْهَا *** دَمْعَةٌ عِنْدَ جَفْنِهَا خَرْسَاءُ

وَ اِنْطَوِيَ فَوْقَ أضلعٍ كَسَرُوهَا *** فَهِيَ مِن بَعْدِ كَسْرِهِمْ أَنْضَاءُ(5)

ص: 101


1- أيذاد : أيُدفَع.
2- غرثي: جائعة وجوعي . وجناها : ثمارها و حاصلها.
3- استرفدوا: استعانوا. و الرَّفد: المعونة و العطاء.
4- نهنهي: كفي و الوجد: الحزن و الفعل: وجد، بفتح الجيم و كسرها، عن اللحياني، إلّا أن الفعل يتعدي بالباء، فتقول وجدت به وجداً، عن المصباح المنير. و برحت به بُرّحَت: آذته أذّي شديداً و البُرَحاء - كالعلماء: الشدة و الأذي و الشرَّ.
5- أنضاء : جمع نِضْوِ، و هو المهزول. و إنّما سمّي السهم نضواً أو نضياً لكثرة ما وقع عليه من البري و النحت و الموصوف بالأنضاء هنا هو الأضلاع. و قد نقل الشهرستاني في الملل و النحل، عن النّظام المعتزلي أستاذ الجاحظ قوله: إن عمر ضرب بطن فاطمة سلام الله عليها يوم البيعة، حتي ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي عليه السلام و فاطمة سلام الله عليها و الحسن و الحسين عليهما السلام. و في العقد الفريد لابن عبد ربه، ج2، ص250 و تاريخ أبي الفداء، ج1، ص156 و أعلام النساء، ج3، ص127: «و بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب و قال لهم : فإن أبوا فقاتلهم و أقبل عمر بقبسٍ من نار علي أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة سلام الله عليها، فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة. و في الإمامة والسياسة، ج1، ص13 و تاريخ الطبري، ج3، ص 198: دعا بالحطب و قال: والله لتُحَرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلي البيعة، أو لتخرجن إلي البيعة أو لأحرقنها علي من فيها. فيقال للرجل: إن فيها فاطمة عليها السلام فيقول: و إن!! و قال شاعر النيل، حافظ إبراهيم في قصيدته المعروفة بالعمريّة: و قولةٍ لعلي قالها عمرُ *** أكرمْ بسامعها أعظِم بمُلقيها حرَّقت دارَك لا أبقي عليك بها *** إن لم تبايع و بنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها *** أمام فارس عدنان و حاميها و أخرج أبوبكر الجوهري في كتابه (السقيفة) من حديث أبي لهيعة عن أبي الأسود: أن عمر و أصحابه اقتحموا الدار، و فاطمة سلام الله عليها تصيح و تناشدهم الله و أخرج أيضاً في نفس الكتاب، عن الشعبي حديثاً قال فيه: فانطلق عمر و خالد بن الوليد إلي بيت فاطمة سلام الله عليها، فدخل عمر و وقف خالد بالباب. و ابن خرداذبه في الغرر ذكر أن زيد بن أسلم قال: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلي باب فاطمة سلام الله عليها حين امتنع عليّ و أصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة سلام الله عليها: أخرجي من البيت أو الأحرقنّه و من فيه! قال: في البيت علي عليه السلام و فاطمة سلام الله عليها و الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم. فقالت فاطمة سلام الله عليها أفتُحرق عليّ و علي ولدي؟؟ فقال: إيْ والله، أو ليخرجن و ليبايعن! و لا شك أنّ ما ذكرناه هنا ليس إلاّ الدخان المتعالي الذي يحكي الغليان و تصاعد ألسنة النيران. و في روايات أهل البيت عليهم السلام ذكر أسماء آخرين قد شاركوا في ارتكاب هذه الجريمة العظمي، من أمثال قنفذ بن عمير التميمي، و المغيرة بن شعبة و غيرهما. و سوف تأتي -إن شاءالله- بعض إشارات إلي ذلك، فيما يأتي من قصائد.

وَ تُنَاسَيْ ذَاكَ اَلْجَنِينَ اَلْمَدمَّي *** وَ إِنِ اسْتَؤْحِشَتْ لَهُ الأَحشاءُ

وَجَبَينٌ مُحَمَّدٌ كَانَ يَرْتَاحُ *** إِلَيْهِ مُبَارَكٌ وَضَّاءٌ

لَطَمَتْهُ كُفٌّ عَنِ الْمَجْدِ و النَّخْوَةِ *** فِيهَا عَهِدْتُهَا شَلاءُ

وَ سَوارٌ عَلَيَّ ذِرَاعَيْك مِنْ سَوْطٍ *** تَمَطَّتْ بِضَرْبِهِ اللُّؤماءُ(1)

فِي حَشَايَا الظَّلَامِ فِي مَخْدَعِ اَلزَّهْرَاءِ *** آهِ وَ لَوْعَةٌ وَ بُكاءُ

وَ هِيَ فَوْقَ الْفِرَاشِ نِضْوٌ مِنَ اَلاِسْقَامِ *** كَالْغُصْنِ جَفَّ عَنْهُ اَلْمَاءُ

ألرَزَايَا اَلسَّوْدَاءَ لَمْ تَبْقَ مِنْهَا *** غَيْرَرُوحٌ أَلوي بِهَا اَلْإِعْيَاءُ(2)

وَ مُسْجِّي مِنْ جِسْمِهَا وَ سَمْتِهُ *** بِالنُّدُوبِ اَلسِّيَاطُ كَيْفَ تَشَاءُ(3)

وَ كَسِيْرٌ مِنَ اَلضُّلُوعِ تَحَامَّتْ *** أَنْ يَرَاهُ اِبْنُ عَمِّهَا فيُساءُ(4)

فَاسْتَجَارَتْ بِالْمَوْتِ وَ الْمَوْتُ لِلرُّوحِ *** الَّتي آدها الْعَذَابُ شِفَاءُ(5)

ص: 102


1- الشاعر يشير إلي الذين ضربوها بالسوط علي يدها حتي أصبحت كالدملج، كما جاء في الروايات، و الدملج: السواد.
2- وألوي بها: ذهب بها و أهلكها.
3- المسجَّي: الممدّد و هو صفة لاسم مقدّر يرجع في روحه إلي الجسم و السمة: العلامة. الندوب: جمع نَدَب، أو نَدبة - كلاهما بفتح الدال: و هو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.
4- تحامت: تحاشت و حاذرت.
5- آدها: دهاهاو أثقلها و عظم عليها.

وَبِجَفْنِ الزَّهْرَاءِ طَيْفٌ تُبْدِي *** فِيهِ وَجْهَ اَلْحَبِيبِ وَ اَلسِّيمَاءُ(1)

وَ ذِرَاعاً خَدِيجَةَ وَ اِبْتِهَالُ اَلْأُمِّ *** تَشْتَاقُ فَرْخهَا وَ دُعَاءٍ(2)

فَتَمَشَّتْ بِجِسْمِهَا خَلَجَاتٌ *** وَ مَشَي فِي جُفُونِهَا إِغْمَاءُ(3)

وَ بَدَتْ فِي شِفَاهِهَا هَمْهَماتٌ *** لِعَلِيَّ فِي بَعْضِهَا إِيصَاءٌ(4)

بِيَتِيمَيْنِ وَ اِبْنَتَيْنِ وَ يَاللامُ *** نَبَضَ بِقَلْبِهَا الأبْنَاءَ

ووِصَايَا نِمَّتَ عَنِ الْهَضْمِ والْعَتْبِ *** رُوَتُهَا مِن بَعدِهَا أسْمَاءُ(5)

ثُمَّ مَاتَتْ وَ لَهَي فَمَا أَقْبَحَ اَلْخَضْرَاءَ *** مِمَّا جَنَوْهُ وَ الْغَبْراءُ(6)

سُجِّيتْ فِي فِرَاشِهَا وَ عَلِيِّ *** وَ بَنُوهُ عَلَي الْفِرَاشِ اِنْحِنَاءُ

وَ تَلاَقَتْ دُمُوعُهُمْ فُؤْقَ صَدْرٍ *** كَانَ لِلْمُصْطَفَي عَلَيْهِ ارتِماءٌ

وَ عَلَيَّ بِدَمْعٍ يَقْتَضِيهِ *** اَلْحُزْنُ سَكْباً وَ تَمْنَعُ اَلْكِبْرِيَاءَ

ص: 103


1- السيماء: العلامة و اللام هنا عهدية قامت مقام المضاف إليه، فكأنه قال: و سيماؤه و منه قوله تعالي: «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»- الفتح: آية 29.
2- يقال: ابتهل في الدعاء: إذا اجتهد فيه و الابتهال: التضرع و الاجتهاد في الدعاء و إخلاصه لله «عزّوجل» عن اللسان و الفرخ في أصل اللغة، ولد الطائر، لكنه قد استُعمل في كل صغير من الحيوان و النبات و غيرها. بما في ذلك الإنسان و منه خطاب سيد الشهداء عليه السلام لقبر جدّه: أنا الحسين بن فاطمة عليه السلام، فرخّك و ابن فرختك و سبطك الذي خلّفتني في أمّتك.
3- أصل الاختلاج: الحركة و الاضطراب و الخلج بالتحريك: أن يشتكي الرجل لحمه و عظامه من عمل يعمله أو طول مشي و تعب، قاله ابن منظور و قال ابن الأعرابي: الخُلْجُ: التعبون و الخُلْجُ: المرتعدون الأبدان.
4- الهمهمة: الكلام الخفيّ.
5- الهضم و الهضيمة: الظلم، و هضيم و مهتضم: مظلوم و المراد من أسماء: هي أسماء بنت عميس الخثعمية، كانت تحت جعفر بن أبي طالب، ثم من بعده تزوجها أبوبكر، ثم من بعده آلت إلي عليّ عليه السلام و قد كانت من المؤمنات و المواليات لأميرالمؤمنين عليه السلام و الحواريّات اللاتي كانت علاقتهن بآل بيت النبوة صلي الله عليه و آله و سلم علاقة اعتقاد و إيمان راسخ.
6- الوَلَه: الحزن الشديد و قيل: هو ذهاب العقل و التحيّر من شدّة الوجد أو الحزن أو الخوف أو السرور و المعني الأول هو المراد ولا يخفي أنّ في البيت إقواءً، لأن المفروض انعطاف الغبراء علي الخضراء، ولكن يمكن دفع ذلك بالقول بالاستيناف و أنّها مرفوعة علي الابتداء، بتقدير: و الغبراءُ كذلك ما أقبحها.

فَاحْتَوَيَ فَاطِمَاً إِلَيْهِ وَ نادي *** عزَّيا بَضْعَةَ اَلنَّبِيِّ اَلْعَزَاءَ(1)

وَ تَوَلِّي تَجْهِيزَهَا مِثْلَمَا أَوْ *** صُتَّهُ مِنْ حَيْنَ مُدَّتِ اَلظَّلْمَاءُ

وَ عَلَيَّ اَلْقَبْرُ ذابَ حُزْناً وَ نَدَّتْ *** دَمْعَةٌ مِنْ عُيُونِهِ وَ كِفَاءُ(2)

ثُمَّ نَادِي: وَدِيعَةٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ *** رُدَّتْ وَ عَيْنُهَا حَمْرَاءُ(3)

ص: 104


1- عزَّ: قلَّ وندر. و منه الحديث : المؤمنة أعزَّ من المؤمن و المؤمن أعزَّ من الكبريت الأحمر.
2- ندّت: شدت و طفرت. وَ وَكَف الدمعُ: سال قليلاً قليلاً.
3- إشارة إلي خطاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للنبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و بعد دفنه للزهراء عليها السلام إذ فاضت عيناه و قال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عني و عن ابنتك النازلة في جوارك و السريعة اللحاق بك قلَّ يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن صفّينك صبري... إلي أن قال: فلقد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة إلي آخر كلامه عليه السلام. راجع نهج البلاغة، الخطبة 193.

(5) دار الوحي

(بحر الوافر)

الأستاذ بشار كامل الزين

بدارِ الوحي ياخير النساء *** حظيت بكل آيات الثناءِ

تجمّعتِ الفضائلُ فيك حتي *** كسَتكِ بنفسها مثل الرداءِ

فإنّك بنتُ خير نساء أرض *** تولّت دينها قبل النساء

و من بيتِ النبوة بيتِ طه *** نشأت عي ابتهالات الدعاءِ

حباكِ الله نعمتَهُ و ساماً *** به قد صرت من أهل الكساءِ

فنلتِ الحبّ و التقديس منّا *** لأنّ الله خصّك بالنداءِ

و عطفُ أبيك ما جاراه عطفٌ *** عليك مع المحبة و الرجاءِ

أم أبيك من سمّاك هذا؟ *** سوي من كان يحنث في حراءِ

أطعتِ أبا و مبعوثاً رسولاً *** لينعم بالسعادة و الهناءِ

و ينشر دعوة الإسلام حتي *** تعمَّ العالمين علي السواءِ

و زوَّجَكَ النبي إلي علي *** ربيبِ المصطفي بطل الفداءِ

فكنت المرأةَ المُثلي لزوج *** كريمِ الخلقٍ مشهودِ الولاءِ

و كنت الأم للحسينِ أماً *** سقت أبناءها وَحْي السماءِ

و ربتهم علي نورٍ و تقوي *** و إيمانٍ و خلقٍ مستضاءِ

أبنت الأكرمين و أهل بيت *** لهم في الدهر مأثرة العطاءِ

ولادتُكِ الضياءُ أليس يعني *** ضياءً للأمومة و الوفاءِ

أبا الزهراء يا روحاً مفدّي *** بفاطمة هنيئاً للنساءِ

ص: 105

و ترفع زينب الحوراء صوتاً *** يهز قواعد البغي المرائي

***

و هاهي كل إمرأة تراها *** تساهم في الصمود و في البقاءِ

لتعطي من حضارتها مثالاً *** يقوم علي الطهارة و الصفاءِ

و ترجعُ صورة الإسلام عنها *** بصدقِ أمانة و عري انتماءِ

و تجعل يوم فاطمة مناراً *** لدنيا العالمين بلا ادعاء

وعذراً أهل بيت الحق عذراً *** إذا القلب اشتكي بعضَ العناءِ

و يا زهراءَ أمتناهنيئاً *** لمن أنجبتِ من أهل الفداءِ

لقد دار الزمان وعاد يحدو *** بثوراتِ النبوة و السماءِ

***

ص: 106

(6) زواج علي عليه السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ بولس سلامة(*)(1)

عَادَ إِثرَ الوقيعةِ البِكْرِ لَيْتٌ *** رَمَقَتْهُ القُلُوبُ بِالإِيماءِ(2)

ص: 107


1- (*) ولد الأستاذ بولس سلامة في قضاء جزين إحدي مدن لبنان الجنوبية سنة 1910 م. و درس الحقوق في الجامعة اليسوعية و عمل قاضياً في سنة 1928 م و نظمه معروف بسلاسة الألفاظ و عذوبتها و رقَّتها الوجدانية و جمال التراكيب و العبارات و الجمل و هذا ما يتلمّسه القاريء إذا تأمل أبياته . و يعد بولس سلامة، من مشاهير الأدباء البارعين و من الرعيل المتقدم من شعراء العرب فهو من عباقرة العصر الذين ذاعت شهرتهم في كل مكان. له آثار و مؤلفات عديدة نذكر منها: 1- أيام العرب - ملحمة. 2- عيد الغدير - ملحمة إسلامية. تناول فيها سيرة أهل البيت «عليهم السلام» في ما يتصل بهم و قد أنتج هذه الملحمة علي فراش الألم كما يُذكر و ذلك بإقتراح من المرحوم العالم الجليل السيد عبد الحسين شرف الدين «عليه الرحمة» و الجدير بالذكر أن الأستاذ المترجَم له كان مسيحي العقيدة كجورجي زيدان الذي كتب (تاريخ التمدن الإسلامي) و جورج جرداق الذي كتب موسوعته البارعة في الإمام علي «عليه السلام» (صوت العدالة الإنسانية) و سليمان كتائمي الذي كتب عدة كتب في أهل البيت «عليهم السلام» التي حاز بعضها الجائزة الأولي في مسابقات الكتابة و كان من أهمها (الإمام علي عليه السلام نبراس و متراس) و (فاطمة سلام الله عليها وترّ في غمد). توفي الأستاذ بولس سلامة في العام (1979 م) عن عمر يناهز التاسعة و الستين.
2- الوقيعة البكر: بدر الكبري علي أغلب التقادير، جمعاً بين الروايات. فإنّ المشهور في ولادة الإمام الحسن عليه السلام هو النصف من رمضان سنة ثلاث للهجرة، فإذا حذفت منها تسعة أشهر كان انعقاد النطفة في ذي الحجة سنة اثنتين للهجرة، كما ذكره غير واحد. مضافاً إلي أنهم ذكروا بين الزواج و الدخول قرابة شهر ينقص أو يزيد، فيصادف ذلك رجوعهم من بدر الكبري في أواخر شهر رمضان، أو في أوائل شهر شوال سنة اثنتين للهجرة.

سَارَ خَلْفَ اَلنَّبِيِّ غَيْرَ حَفيِّ *** بِالرَّيَاحِينِ فِي أَكُفِّ اَلْإِمَاءِ(1)

قَادِمَاتٍ مِنْ يَثْرِبَ بِالْمَثَانِي *** بِالزَّغَارِيدِ طَلْقَةً بِالْغِنَاءِ(2)

نَاقِرَاتِ اَلدُّفُوفِ بِالرَّاحِ حُمْراً *** فَالْعَذْرَايُ فِي مَوْسِمِ الْحِنَّاءِ(3)

سارَ وَ اَلْوَجْهُ حَائِرٌ كِشَرِيدٍ *** ضَلَّ فِي اَللَّيْلِ مَوَاطِنَ الانواءِ(4)

عَابِساً تَارَةً وَ طوراً تَنَمُّ اَلْعَيْنُ *** عَنْ بَهْجَةٍ وَ طِيفِ هَنَاءِ

يَلْمِسُ اَلدِّرْعَ فَيْئَهُ وَ هِيَ كَنْزٌ *** لِفَقِيرٍ لَمْ يَلْتَفِتْ لِلثَّرَاءِ(5)

أَترَاهُ يَفِي بِمَهْرٍ عَرُوسٍ *** أَمْ تَرَاهُ يُردُّ رَدَّ جَفَاءِ؟

وَ اِبُوهَا لَوْ رَامَ عَدْلَ صَدَاقٍ *** مَالُ قَارُونَ ظَلَّ دُونَ اَلْوَفَاءِ

دُونَ ماتُسحِقُّ ايوانُ كسْرِي *** وَ اَلْآلِي وَ حُلِيُّةُ اَلزُّبَاءِ(6)

وَ لَوْ انَّ الدَّهْناءَ تِبْرٌ لَكانَتْ *** بَعضَ شَيْءٍ بِجَانِبِ اَلزَّهْرَاءِ(7)

بَضْعَةٌ مِنْ أَبٍ عَظِيمٍ يَرَاهَا *** نُورَ عَيْنَيْهِ مُشْرِقاً فِي رِدَاءٍ(8)

فَهِيَ أَحَلِي فِي جَفْنِهِ مِنْ لَذِيذِ الْحِلْمِ *** غِبَّ الْهُجُودِ وَ اَلْإِعْيَاءِ(9)

وَ هِيَ قُطْبُ اَلْحَنَّانِ فِي صَدْرِ طهَ *** وَ اِخْتِصَارُ اَلْبَنَاتِ وَ اَلْأَبْنَاءِ

غَيَّبَ اَلْمَوْتُ مِنْ خَدِيجِةَ وَجْهاً *** فَاِذا فَاطِمٌ مُعِينُ اَلْعَزَاءِ(10)

ص: 108


1- غير حفيّ به: غير آبهٍ و ملتفتٍ إليه و أصل الحَفاء و الحفاوة: الاهتمام المبالَغ فيه.
2- المثاني: واحدها مثني، من أوتار العود و في الصحاح في تفسير المثناة: أنها التي تُسمَّي بالفارسيّة دو بَينْي و هو الغناء، انظر اللسان. و رجلٌ طِلقُ اللسان، بفتح الطاء و كسرها: فصيح اللسان و الإطلاق الترك و الإرسال و فلكّ القيد.
3- ناقرات: ضاربات. و الراح: جمع راحة و هي الكفّ و حمراً: كناية عن الاختضاب بالحناء.
4- الأنواء: جمع نَوء و هو سقوط النجم.
5- الفيء: الغنيمة. و فيئَهُ: منصوبة علي البدل.
6- الزّباء: هي زنوبيا ملكة تدمر و العرب تسميها الزّباء.
7- الدهناء : الفلاة و هي موضع كلّه رمل، انظر لسان العرب و التُبْرُ: الذهب.
8- البضعة: القِطعة و الفلذة.
9- غِبَّ: بعد، أو عند. قال الشاعر: غِبَّ الصباح يحمدُ القومُ السري. و الهجود: النوم.
10- معين: تحتمل فتح الميم و ضمِّها، لأنَّها بالفتح تعني الظاهر الذي تراه العين جارياً علي وجه الأرض و بالضم تعني المساعد و الظهير. و علي الأوّل تكون ذكري له عن الفقيدة الحنون و علي الثاني تكون بمثابة الطاقة التي تلهمه الصبر و العزاء.

تُحْسَبُ اَلْكَوْنَ بِسَمِّهةً مِنْ أَبِيهَا *** فَهِيَ أَمْ تَذُوبُ فِي اَلْإِضَاءِ

هَا لَهَا مَايِنَالُهُ مِنْ عَذَابٍ *** وَ اِمْتِدَادِ اَلْكُفَّارِ فِي اَلْأَسْوَاءِ

وَ تراهُمُ يَرْمُونَهُ بِحِجَارٍ *** أو يَكَبُّونَهُ عَلَي اَلدَّقُعَاءِ(1)

فَجِرَاحٌ كَانَهُنَّ شِفَاءٌ *** شَاكِيَاتٌ لِلَّه فَرْط اَلْبَلاَءِ(2)

فَاطِمٌ تَمْسَحُ الْجِرَاحَ بِعَيْنٍ *** حِينَ تَنْهَلُّ اِخْتُهَا بِالْبُكَاءِ

جَاءَ بَيْتُ اَلنَّبِيِّ وَ اَلْقَلْبُ خَفَقٌ *** فَهُوَ فِي مِثْلِ رَجفةِ البُردَاءِ(3)

قَالَ: «اِنِّي ذَكَرْتُ فَاطِمَةٌ عليها السلام» وَ انْبَثَّ *** صَوْتٌ مُكَبَّلٌ بالحياءِ(4)

فَأَجَابَ اَلنَّبِيُّ: أَبْشر عَلِيّاً *** خَيْرُ صهْرٍ مَشْيُ عَلِيٍ الغبراء

بِيعَتُ اَلدِّرْعُ فِي اَلصَّدَاقِ و زُفَّت *** لِعَلِيّ سَلِيلَةُ اَلْأَنِيبَاءِ

هُوَ خَيْرُ اَلْأَزْوَاجِ عَفَّةَ ذَيْلٍ *** وَ هِيَ خَيْرُ اَلزَّوْجَاتِ مِنْ حَوَّاءِ(5)

ص: 109


1- الدقعاء: الأرض: ومن هذا القبيل قولهم: فقير مدّقع، أي: ألصقه الفقر بالتراب.
2- مراد الشاعر: حين تنهل عينها الأخري بالبكاء.
3- البُرَداء: الحمَّي مع البرد.
4- جاء عليٌّ عليه السلام يخطب فاطمة عليها السلام و من أبيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. ولكنّه ما بلغ الباب حتي أخذته الرهبة فقد ذكر أن أبابكر جاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يطلب منه فاطمة عليها السلام فلم يفز منه بغير أن أجاب: أنتظر بها القضاء و كذلك كان جواب النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعمر و بعد تردد كثير دخل عليٌّ عليه السلام علي مربيه و ابن عمّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم باسماً: ما حاجة ابن أبي طالب عليه السلام؟ فغالب الفتي حياءه هنيهة ثم أجاب: ذكرت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. -مرحباً و أهلاً! بهذا تمّت خطبة علي عليه السلام و بمثله و أيسر منه تمّ زواجه الذي كان أغلي أمنيات الحياة عنده و حمل الشاب درعه التي أفاءتها عليه (بدر) فباعها بسوق المدينة بدراهم دفعها إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مهر ابنته و اجتمع في دار النبيَّ صلي الله عليه و آله و سلم ليلة الزفاف، أهله و الكثرة من صحبه المهاجرين و الأنصار يحتفلون، فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيهم يخطبهم بما اقتضاه المقام و قال في ختام حديثه: «إنّ الله تعالي أمرني أن أزوِّج فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام و أُشهدكم أني زوجتُ فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام، علي أربعمائة مثقالّ فضة، إن رضي بذلك علي السنّة القائمة و الفريضة الواجبة» من كتاب (علي بن أبي طالب عليه السلام) لعبد الفتاح عبد المقصود، ج1، من ص67 إلي ص 69، نقلناه باختصار. راجع فاطمة سلام الله عليها في الأحاديث النبوية، من ص84 إلي ص94، تحت عنوان الفصل السابع زواج فاطمة الزهراء عليها السلام من علي بن أبي طالب عليه السلام.
5- العفّة: الكفّ عما لا ينبغي و لا يجمل و عفة الذيل: كناية عن بلوغ الغاية في الطهارة و التحصّن.

فِي نِقَاءِ اَلسَّحَابِ خَلْقاً وَ طُهْراً *** فِي صَفَاءِ اَلزَّنَابِقِ الْعَذْرَاءِ(1)

و يَضُمُّ النَّبِيُّ تَحْتَ جَناحَيهِ *** المُدِيدَينِ مُنِيَّةَ الاخشاءِ

فَعَلَي وَ زَوْجُهُ مِنهُ بَعْضُ *** شَمْيَّةِ الْكُلِّ شِيمَةَ الأجْزاءِ

رَفْرَفَ اَلسَّعْدُ فَوقَ كوخٍ حَقِيرٍ *** لَمْ يُدَنَّسْ بِقَسْوَةِ اَلْأَغْنِيَاءِ

إِنْ تَكُنْ قِسْمَةُ الْغَنِيِّ مَتَاعاً *** فَالْإِلَهُ الرَّحْمَنُ لاأَتَّقِياءُ

ذَلِكَ الْبَيْتِ بَعْدَ (غَمْدَانَ) بَاقٍ *** ذِكْرُهُ يَمْلَأُ اَلزَّمَانَ اَلنَّائِيَ(2)

وَ يُحَوِّلُ الْقَصْرُ الْمُنِيفُ رَمَاداً *** فَيَذُوبُ اَلْهَبَاءُ إِثْرَ اَلْهَبَاءِ(3)

وَ يَصُونُ الْخُلُودُ دَارَ شَريفٍ *** زَيَّنْتُهَا بِسَاطَةِ اَلْفُقَرَاءِ

مرَّ عَامٌ فَاسْتَقْبَلَ اَلْكُوخُ طِفْلاً *** بَثَّ فِيهِ البهاءُ كُلَّ البهاءِ(4)

فَدُعَاءُ الأَبُ الغَضَنفَرُ (حَرْباً) *** يَحْسُبُ اَلْحَرْبَ أَنْبَلَ اَلْأَسْمَاءِ(5)

(حَسنٌ) قَالَ جِدَّهُ فَالْتِمَاعُ *** اَلْحُسَنِ فِيهِ تدفُّقُ اَلْأَلاَءِ

ص: 110


1- الزنابق: جمع زنبق و هو نبات من فصيلة الزنبقيات، زهرته من أجمل الأزهار، تفوح منها رائحة ذكية، لونه أبيض، يرمز إلي الطهارة. انظر المنجد و العذراء: التي لم تُمسَّ بعد.
2- غمدان: هو القصر المعروف بهذا الاسم في اليمن و قد بلغ من الزخرف و الأناقة ما بلغته حضارة الأقدمين في فن البناء.
3- المنيف: الشاهق.
4- أغلب الروايات و أشهرها علي أن ولادة الإمام الحسن عليه السلام كانت في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة.
5- روي الصدوق بإسناده عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي بن الحسين عليه السلام عن أسماء بنت عميس، قالت: قبلتُ جدتك فاطمة عليها السلام عن الحسن والحسين عليهما السلام، فلمّا ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا أسماء، هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقةٍ صفراء، فرمي بها النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا أسماء، ألَمْ أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقةٍ صفراء، فلففته في خرقةٍ بيضاء، فدفعته إليه، فأذّن في أذنه اليمني و أقام في اليسري، ثم قال لعليّ عليه السلام: بأيّ شيءٍ سميت ابني؟ قال: ما كنت أسبقك باسمه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قد كنت أحبّ أن أسمّيه حرباً. فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ولا أسبق أنا باسمه ربي. ثم هبط جبرئيل، فقال : يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، العلي الأعلي يقرئك السلام و يقول: عليٍّ منك بمنزلة هارون من موسي، ولا نبيّ بعدك، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ما اسم ابن هارون؟ قال : شبّر. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لساني عربي. قال جبرئيل: سمَّه الحسن، فسماه الحسن عليه السلام.

حال حؤلٌ فلاحَ فَجْرٌ جَدِيدٌ *** وَ صَبيِّ مغلَّبٌ بِالسَّنَاءِ(1)

وَ عَلِيٌّ يَكادُ يَدْعُوهُ (حَرْباً) أَلْفَ *** اَللَّيثُ لَذَّةَ اَلْهَيْجَاءِ

فَيُجِيبُ اَلنَّبِيَّ هَذَا حُسَيْنٌ *** هُوَ سِبْطَي وَ خَامِسٌ فِي اَلْكِسَاءِ(2)

وَ عَلَتْ جَبْهَةُ اَلنَّبِيِّ طُيُوفٌ *** كوشاحِ اَلْغَمَامَةِ اَلدَّكْنَاءِ(3)

لَمْحُ الْغَيْبِ يَا لُهَوْلَ اللَّيَالِي *** مُرْعِدَاتٍ بِالنَّكْبةِ اَلدَّهْيَاءِ(4)

وَ كَأَنَّ الْجُفُونَ تَنْطِقُ هَمْسَاً *** «يَا الهَ اَلسَّمَاءِ صُنْ أَبْنَائِي»

ص: 111


1- السناء: النور و الضياء.
2- ولد الحسين عليه السلام علي المشهور في ثالث شعبان، بناءً علي اختيار المفيد و الطوسي في مسار الشيعة و المصباح و هو موافق أيضاً للتوقيع الشريف. و ثمة رأي آخر يقول: إنه عليه السلام ولد في آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة و قد اختاره المفيد و الشيخ أيضاً في المقنعة و التهذيب و الشهيد في الدروس و البهائي في توضيح المقاصد، و الشيخ جعفر الكبير في كشف الغطاء و هذا الاحتمال الثاني يوافق ما رواه الكليني في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: كان بين الحسن و الحسين عليهما السلام طهرّ و كان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشراً حيث أراد بالطهر مقدار أقلّ زمان الطهر و هو عشرة أيّام. ولكن هذا الرأي الثاني إنّما يتوجه عند القول بوقوع التصحيف في السنة، فكتبت سنة ثلاث بدل سنة إثنتين. ثم إنه قد روي في تسمية الإمام الشهيد عليه السلام كما روي في تسمية أخيه الزكي عليه السلام ففي رواية الصدوق عن جابر: فلما ولد الحسين عليه السلام جاء إليهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام و هبط جبرئيل علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: إن الله عزَّوجل يقرئك السلام و يقول لك : إنّ علياً عليه السلام منك بمنزلة هارون من موسي، فسمِّه باسم ابن هارون، قال: و ما كان اسمه؟ قال: شبير. قال: لساني عربي، قال : فسمُه الحسين عليه السلام، فسمَّاه الحسين عليه السلام.
3- قال القمي في الأنوار البهية، ص 85: و روي أن الله تعالي هنا النبي صلي الله عليه و آله و سلم بحمل الحسين عليه السلام و ولادته و عزّاه بقتله، فعرفت فاطمة سلام الله عليها فكرهت ذلك، فنزلت «حملته أمُّه كرهاً و وضعته كرهاً و حمله و فصاله ثلاثون شهراً». و نقل العلامة الحائري في شجرة طوبي، روايةً مفصّلةً بهذا المضمون.
4- الداهية: المصيبة و الدهياء: الشديدة. و النكبة: المصيبة أيضاً.

(7) حِمي الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبو زكي)

فِي اسْتَقَرَّ وَلاؤُكُمْ بِدِمَائِي *** يَا خَيْرَ مَنْ عَاشُوا عَلَيَّ اَلْغَبْرَاءِ(1)

يَا خَيْرَ مَنْ خَلَقَ الإِلَهُ بِأَرْضِهِ *** وَ تَظَلَّلُوا بِغَمامَةٍ وَ سَماءِ

مِنْ نُورٍ وَجْهٍ قَدِّسَتْ أَسْرَارُهُ *** أَرْوَاحَكُمْ صيغَتْ مِنْ آلالاَءِ

وَ تَغَلْغُلِ اَلْخُلْقُ اَلْعَظِيمُ بِنَهْجِكُمْ *** وَ إنسابَ كَالْأَنْوَارِ فِي اَلْأَرْجَاءِ

وَ أَصَابَنِي طَلِّ شَفِيفٌ سَاحِرٌ *** مِنْ فَيْضِهِ فَتَعَطَّرَتْ اِحْشَائِي(2)

فَغَدَا وَلاءُ الْمُصْطَفَي فِي مُهجَتي *** وَلآلِهِ الأطهارِ طُهْرُ وَلائِي

بِاللَّحْمِ بِالْعَظْمِ اَلدَّقِيقِ بِمُقْلَتِي *** بِوَجِيبِ قَلْبِي هَائِماً بِدُعَائِي(3)

وَ بِعُمْقِ ذَرَّاتِي بِرُوحِ مَشَاعِرِي *** بِجَمِيلِ إِحساسِي اَلشَّذَا وَ هَوَائِيَّ

وَ بِمِلْحِ زَادِي وَ اِزْدِحَامِ خَوَاطِرِيٍ *** وَ بَطِيفٌ احلامي اَلْحِسَّانِ وَ مائِي

بِشَهِيقِ أَنْفَاسِيٍ وَ رَجَعَ زَفِيرُهَا *** بِخُشُوعٍ رُوحِي فِي اَلدُّعَا وَ بُكَائِي

فِي أَنْتِي فِي اَللَّيْلِ، فِي غَسَقِ اَلدُّجِيِّ *** فِي هُدْآةِ الإِنْسانِ وَ الْإِشْيَاءُ(4)

فِي لَمْحَةِ اَلتَّفْكِيرِ تُعَبِّرُ خَاطِرِي *** فِي بُرْهَةِ اَلْإِحْسَاسِ وَ الْإِيحاءِ

فِي الطَّيْفِ فِي الْأَحْلامِ فِي كَبِدِ اَلْكَرِي *** فِي حَرْفَيِ اَلْمَنْطُوقِ فِي آرَائِي(5)

ص: 112


1- الغبراء: الأرض.
2- طلّ: المطر الضعيف أو الندي. شفيف: رقيق.
3- وجيب: خفقان.
4- الغسق: أول ظلمة الليل. الدجي: الظلمة.
5- الكري: النعاس.

حَتِّي تَشْرَبَ خَافِقِي بِوَلاَئِكمْ *** وَ حَلَلْتُمُ في مُفرَداتِ بِنائي(1)

فَغَدَوْتُ مِنْ فَرْطِ الْمَوَدَّةِ هَائِماً(2) *** أَرْجُو الحاقَّ بِزُمْرَةِ اَلسُّعَداءِ

يَا أَحْمَدُ الْمُخْتَارُ جِئْتَ بِمَنْهَجٍ *** وَ بِشِرْعَةٍ مَحْمُودَةٍ سَمْحَاءَ

وَ بضيفمٍ كرّار سَاحَاتِ اَلْوَغْي *** وَ مُفُوَّةٍ ذِي لَهْجَةٍ عَصَمَاءِ(3)

آخِيْتُهُ فِي اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا وَ فِي *** حَمْلِ الرِّسَالَةِ وَ ارْتِفَاعِ لِوَاءِ(4)

أَبوانِ لِلنَّاسِ الْكِرَامُ وَ أَنْتُمَا *** لِلْمُؤْمِنِينَ لْأَكْرَمُ اَلشُّفَعَاءِ

وَ كَذا أُتِيتَ بِفَاطِمٍ وَ بِنُورِها *** وَ بِسِرِّهَا الْمَكْنُونِ وَ الْمِعْطاءِ

فَتَجاوَبَتْ كُلُّ السَّماواتِ العَليُّ *** بِالْحَمْدِ لِلرَّحمنِ ذِي النَّعْماءِ

هِيَ كوثرٌ أَعْطَاكَهُ مُتَكَرِّماً *** لِتَقَرَّ عَيْنُكَ يَا أَبَا اَلزَّهْرَاءِ(5)

وَ لَسَوْفَ تُرْضِي بِالعليِّ وَ فَاطِمٍ *** وَ بشُبَّرٍ وَ شَبِيرَ تَحْتَ الْكِساءِ(6)

وَ بِرُوحِهِ مُسْتَأْذِناً فِي جَمْعِكُمْ *** وَ بِآيَةِ التَّطْهِيرِ وَ الإسْراءِ

وَ بِهَلْ أُتِيَ حِينَ مِنَ اَلدَّهْرِ اَلَّذِي *** كُنْتُمْ بِهِ فِي الحَضْرَةِ اَلْعُلْيَاءِ

وَ بِعَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ اَلنَّبَا *** ذَاكَ الْعَظِيم اللَّيثِ فِي الْبَأْساءِ

وَ الدَّمْعَةِ الْحَرِيِّ الْمُرْوعَةِ اَلَّتِي *** مِنْ فَرَّطَ خَشْيَتِهَا تُذِيبُ اَلرَّائِيَ

وَ بانَّةِ اَلثَكْلِي يَكَادُ نَحِيبُهَا *** يَسْتَلُّ أَجْزَاءً مِنَ اَلْأَحْشَاءِ

هُوَ آيَةٌ مَجْهُولَةٌ فِي خَلْقِهِ *** هُوَ نُقْطَةُ مَعْلُومَةٌ فِي الْبَاءِ

يَا أَيُّهَا الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ *** كَالنُّورِ فَاطِمَةُ، كَبُحْرِ سَخَاءِ

جَاءَتْ كَمَا الْفَجْرُ اَلْبَهِيُّ كَمَا اَلسَّمَا *** كَالْعِطْرِ كَالْأَحْلاَمِ، كَالْأَضْوَاءِ

ص: 113


1- خافقي: قلبي.
2- هائماً: الهيام: أشد العطش.
3- ضيغم: الفارس الشجاع. الكرّار : المهاجم. الوغي: الحرب. لهجة عصماء: خالية من الخطأ.
4- لواء: الراية.
5- كوثر : من أسماء الجنة. لتقرّ عينك: لترتاح عينك.
6- شبّر و شبير: الحسن و الحسين عليهما السلام

جَاءَتْ بِنُورِ اَللَّهِ يَمْشِي حَوْلَهَا *** فَتَصَوَّرَتْ كَالْبَدْرِ في الظَّلْماءِ

تَدْعُو اَلْخَلاَئِقَ لِلنَّجَاةِ بِهَدْيِ مَنْ *** بَعَثَ الإ لَهُ لِرَحْمَةٍ وَ هناءٍ

وَ تَرُدُّ كَيْدَ اَلشَّانِئِينَ لِنَحْرِهِمْ *** وَ لِمَنْ تَعوَّدَ دَيْدَنَ اَلْإِيذَاءِ(1)

وَ تَكُونُ أَمّاً لِنَبِيِّ تَصُونُهُ *** مِنْ كُلِّ هَمٍ نازِلٌ وَ بَلاءِ(2)

وَ تُذِيقُهُ العطفُ الْحَنَّانَ تَوَدُّداً *** لَوْ يَشْتَكي مِن وُطَاةِ الإعْياءِ

أَوْ مِنْ تَجَنِّي اَلنَّاسِ فِي أَحْجَارَهُمْ *** وَ مُقَالِلَهُمْ وَ تَكَالُبَ اَلاِعْدَاءِ

أَوْ مِنْ جُرُوحٍ قَدْ أَصَابَتْ جِسْمَهُ *** فَتَشَكَّلَتْ مِنْ زرقة وَ دِمَاءٍ

فَتَضَمَّدَ اَلْجُرْحُ اَلْكَرِيمَ بِرُوحِها *** وَ تَكَادُ تَفْدِي اَلْجُرْحَ بِالْأَبْنَاءِ

وَ تَنِثُّ مِنْ عَبَقِ اَلشُّعُورِ لآلِئاً *** وَ تَسِيلُ هُمَا مُوجَعاً بِرَجَاءِ

أَنْ يَسْتَجِيبَ اَللَّهُ فِي مَلَكُوتِهِ *** لِدُعَائِهَا فِي سَيِّدِ اَلْبَطْحَاءِ(3)

وَ تروح تَبْكِي فِي ظُلاَمَةٍ مُرْسَلٍ *** لَمْ يَلْقَ مِنْ قَوْمٍ سوي الضّرّاء

وَ تُهِيمُ شَوْقاً لِلْإِلَهِ تَعَبُّداً *** وَ تَذُوبُ شِعْراً فِي جَمِيلِ ثَنَاءِ(4)

فَتَخَالُهَا فِي اَلشَّوْقِ أملاكُ اَلسَّمَا *** فَاضَتْ لِبَارِئِها الي اَلْعَلْيَاءِ

يَا خَيْرَ إِمْرَأَةٍ عَلَي طُولِ المَدي *** مِنْ مَرْيَمَ اَلْعُذْرَا الي حَوَّاءِ

يَا بَضْعَةُ اَلْهَادِيَ وَ زَوْجِ الْمُرْتَضِي *** وَسَلِيلَةَ اَلْأَظْهَارِ وَ النُّجَبَاءِ

يا مِن أَقَرَّ اَلْقَوْمُ فَضْلَ مَقَامِهَا *** حَتِّي مِنَ الْكُفَّارِ وَ اَلْأَعْدَاءِ

يَا مَنْ يَقُومُ الرُّوحُ جِبْرِيلٌ عَلَيَّ *** تَأْمِينُ خِدْمَتِهَا بِلاَ إِبْطَاءِ

سَلْمَانَ خَادِمُهَا وَ مريم شَأْنُهَا *** فِي خِدْمَةِ الإِنْسِيَّة اَلْعَذْرَاءِ

وَ مَلاَئِكَ اَلرَّحْمَنِ جَمْعٌ طَائِعٌ *** وَ اَلْحُورُ طَوْعُ بَنَانِهَا كَإِمَاءِ

ص: 114


1- الشانئين: المبغضين.
2- كان الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم يُلقبها عليها السلام غير أمُّ أبيها.
3- البطحاء: المسيل الواسع الذي يتكوّن من رمل ودقاق الحصي - و يراد به هنا المكّةالمكرمة.
4- تهيم: تحبّ.

اَللَّهِ مَسْرُورٌ إِذَا مَا اِسْتَبْشَرْتْ *** وَ يُسْرُّ للحوريَّة اَلْحَوْرَاءِ

وَ إِذَا يُكدِّرُهاحقودٌ مُبْغِضٌ *** فَاللَّهُ يُبْغُضُ عُصْبَةَ اَلْعَنَاءِ

يَرْضَي وَ لِمَا تَرْضِي وَ يَغْضَبُ ساخِطاً *** لِوْ شابَها شَيْءٌ مِنَ الْبَلْواءِ

وَ تَنَزَّهْتْ عَن كُلِّ رِجسٍ مُضْمَرٍ *** أَوْ ظاهِرٍ، عَنْ مُجْمِلِ الْأَخْطَاءِ

إِنِّي اِسْتَجَرْتُ مِنَ الْجَحِيمِ وَ نَارُهَا *** مِنْ مَائِهَا اَلْمَغْلِيِّ فِي الْأَمْعَاءِ

وَ سَلاَسِلٍ سَبْعِينَ فِي عَرَصَاتِهَا *** وَ تَقْطُّعِ الأَوْصَالِ و الأجْزَاءِ

مِن كِيِّ وَجْهِي فِي أَوارِ لَهِيبِها *** وَمِنَ الْخُلُودِ بِقعْرِها وَ شَقَائِي

وَ تَباعَدٍ عَن رَحْمَةٍ مَن خالِقِي *** بِجِنانِهِ وتَصَرُّمٍ و تَنائي(1)

إنِّي أَعُوذُ مِنَ الشُّرُورِ تُخِيفُنِي *** وَ أَلُوذُ مِنْهَا فِي حِمي الزَهراءِ

يا مَنْ بَعَثْتَ إِلَي الوَرِيِّ بِمُحَمَّدٍ *** وَ بِآلِهِ الْأَطْهَارِ وَ اَلشُّرَفَاءِ

وَجَعَلْتَهُمْ أَقْطابَ نُورٍ سامِقٍ *** يُنْبُونَ خَلْقَكَ صادِقَ الْأَنْباءِ

يَهدُونَهُمْ لِلْمَكْرُمَاتِ وَ لِلْعُلاَ *** وَيُوَحِّدُونَ صُفُوفَهُمْ بِإِخَاءِ

وَ لِيُطْفِئُوا نَارَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ *** فَيَضْرَعُ عِطْرُ اَلْؤَدِّ فِي اَلْأَحْيَاءِ

وَ تَرِدُّ شَارِدَةٌ إِلَي جَمْعٍ لَهَا *** وَيؤُوبُ لِلأهلِ اَلْأَ حُبَّةِ نَائِي

وَوَعَدْتَ مَنْ يَهْوَي اَلرَّسُولَ و آلَهُ *** بِجِنَانِ خُلْدٍ رَائِقٍ فَيْحَاءِ(2)

وَ جَعَلْتَ مَنْ وَالَي عَلِيّاً آمِناً *** وَ عَدَدْتَهُ مِنْ مَعْشَرِ الصُّلَحاءِ

حَرَّمْتَ نَارَكَ اَنْ تَمَسَّ مُوَادِداً *** لبتُولِ آلِ اَلْمُصْطَفَي اَلْغَيْدَاءِ(3)

فَأَنَا بِسُورِكَ أَحْتِمِي يَا سَيِّدِي *** خَالٍ مِنَ اَلْحَسَنَاتِ دُونَ مُرَاءِ

أَرْجُو اغْتِرَافاً مِنْ بِحَارِ نَعِيمِهَا *** وَ لَأَنْتَ تَعْرِفُنِي مِنَ الْفُقَرَاءِ

و قَرْنَتُ مَا أَرْجُو بِذِكْرِ حَدِيثِهَا *** كَيْ تَرْتَقِي نَحْوَ العُلا نَجْوائي

رَبَّاهُ إِنِّي مُذْنِبٌ، و مُقِصِّرٌ *** وَ خَفِيفُ وَزنٍ في دُنِيِّ العُلَماءِ

ص: 115


1- تضرُم: تقطع.
2- فيحاء: واسعة.
3- الغيداء: ليّنة الأعطاف.

فَحَشَرْتُ نَفْسِي فِي رِكَابٍ أُحِبَّهٍ *** لِحَلِيلَةِ الْمَوالِي مَعَ الشُّعَراءِ

وَ نَظَمْتُ عَقْداً مِنْ نَفِيسٍ جَوَاهِرِي *** و َنَحْتُّهُ صِدْقاً بِدُونِ رِيَاءٍ

كَيْ يَكْتُبَ الْمَكَانِ عَنِّي أَنَّنَيَ *** قَدْ قُلْتُ شِعْراً فِي هَوِيِّ اَلزَّهْرَاءِ

يَا صَحْبُ لَوْ تَدْرُونَ أَيُّ ثَرَاءِ *** فِي نِعْمَةٍ تَعْدُو عَلَيَّ اَلْإِحْصَاءِ

فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا وَ فِي تِلْكَ اَلَّتِي *** تَاتِي قَرِيباً فِي ديارِ ثَواءِ(1)

لِلصَّادِقِينَ بِحُبِّهِمْ لِلْمُصْطَفِي *** ولآَلِهِ الأخْيَارِ وَ الْحُلَمَاءِ

فَتَمَسَّكُوا بِالْعِلْمِ وَ اَلْعَمَلِ الَّذِي *** يُرْضِي الْإِلَهَ مَوَدَّةِ الكُرَمَاءِ

لاَتَجْعَلُو مَعْنِي التَّشَيُّعَ خَالِياً *** مِنْ مَسْلَكٍ مُتَوَافِقِ الْإِيحَاءِ

فَلَنَحْنُ مَرْصُودُونَ فِي أَعْمَالِنَا *** وَ الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً وَ فِجَائِي

لَاتَحْسَبُوا أَنَّ النَّعِيمَ بِدَائِمٍ *** فَلَرُبَّ بيتٍ غَصَّ بِالنُّدَمَاءِ

دَارَتْ دَوَائِرُ دَهْرِهِ فِي لَحْظَةٍ *** فَغَدَا خَرَاباً مُوحِشَ الْأَفْنَاءِ(2)

وَ اَلْمَالِ فِي اَلدُّنْيَا قَلِيلٌ، نَافِذٌ *** وَ كَذَا اَلْبَنُونَ وَ سَالِفُ الْآبَاءِ

وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحاتُ هِيَ اَلَّتِي *** تُبْقِي وَ لَيْسَ تَعَدُّدُ اَلْأَهْوَاءِ

فَتَنَافَسُوا فِي اَلْخَيْرِ يَصْفُو عَيْشُكُمْ *** حَتّي وَلَوْ أبْتُمْ اليَّ الصَّحْرَاءِ(3)

وَ تَعَاهَدُوا بِالْحَبِّ بَيْتَ اَلْمُصْطَفَيِّ *** وَ اِسْتَكْثِرُوا فِي ذَاكِ بِالْإِنْمَاءِ

وَ اَللَّهِ أَنَا رَاحِلُونَ لِحَتْفِنَا *** وَ سَنَرْتَدِي الْأَكْفَانَ فِي اَلْغَبْرَاءِ(4)

فَتَزَوَّدُوا بِمُحِبِّةٍ لِأُلِي النَّهْيِ *** اَلسَّادَةِ اَلْأَطْهَارِ وَ اَلرُّحَمَاءِ

يَا شَيَّعَهُ اَلْمُخْتَارُ قُولُوهَا مَعِي *** مَرْحِي بِيَوْمِ وِلاَدَةِ اَلزَّهْرَاءِ

ص: 116


1- ثواء: إقامة.
2- الأفناء: ساحات أمام البيوت.
3- أبْتُمْ: عدتم و رجعتم.
4- الغبراء: الأرض.

(8) سيدة النساء عليها السلام

بحرالكامل)

الشيخ جاسم الخاقاني

مَولايَ يا بنَ المُرتضي *** يَا سِبْطَ خَيْرِ الأنبيا

وَ ابنَ البتولَةِ فاطِم *** الزَّهْرَاء سيّدَةِ النّسا

وَ أخَا الزّكيِّ المُجتَبَي *** و أبَا الهُداةِ الأذِكِيا

يا من بتُربَةِ قَبْرِه *** يُشفي السَّقِيمُ مِنَ البَلا

وَ يُجابُ تَكْرِيماً لَدَيْهِ *** بِمَنْ تَوَسَّلَ بِالدُّعا

وَ اِفاكَ عَبْدُكَ جَاسِمٌ *** بِقَبَائِحٍ مِلْءَ الْفَضَا

مَنِعَتْ عَنِ النَّوْمِ اَلْجُفُونَ *** وَأَوْدَعْت جِسْمِي اَلْعَنَا

وَ اَلْعَبْدُ مُحْتَاجُ لفضْلِ *** الأكرمِينَ اَلْأَغْنِيَا

فَبِحَقِّ مَنْ ضَمَّ اَلْكِسَا *** وَ نَجْلِ مِنْ تَحْتِ اَلْكِسَا

كُنْ لِي كَفِيلاً فِي الْأُمُورِ *** وَ شَافِعاً يَوْمَ اَلْجَزَا

أَسْمَعْتَ مَا قَدْ جَاءَ فِي *** خَبَرِ اَلْكِسَا مِمَّنْ رَوِيَ

عَنْ جَابِرٍ وَ سِوَّاهُ مِنْ *** زُمَلاَئِهِ أَهْلُ التُّقي

عَن فَاطِم اَلزَّهْرَاءِ *** بِضعَةِ خَيْرِ مَنْ وَطِيءِ اَلثَّرِي

قَالَتْ أُتِيَ يَوْمٌ مِنَ اَلْأَيَّامِ *** بِالْفَضْلِ امْتَلَا

و إِذَا أَنَا بِأَبِي *** نَبِيٍ الْخَافِقَيْنِ الْمُصْطَفَي(1)

ص: 117


1- الخافقين: المشرق و المغرب لأن الليل والنهار يخفقان فيهما.

فِي بَيْتِ وَحْيِ اَللَّهِ فَاجانِي *** فَطَابَ لِي اَللِّقَا

وَ عَلَيَّ سَلَّمٌ ثُمَّ لِي *** فِي جِسْمِهِ ضَعْفاً شَكّاً

فَأَجَبْتُه يَا وَالِدِي *** بِاللَّهِ عُدْتَ مِنَ اَلضَّنَا(1)

فَدَعَا أَلاَ قُومِي فَغَطِّينِي *** بُنيَّةُ بِالْكَسَا

أَعْنِي الْيَمَانِيَّ اَلَّذِي *** نَسَجَتْهُ أَنْوَالُ الْهَدْيِ(2)

فَحَظِيَ اَلْكِسَاءُ وَ مَا اَلَّذِي *** أَدْرَاكَ مَا فيهِ حظي

غطَّي اَلنَّبِيَّ اَلْمُصْطَفِي *** عَظُمَ اَلمُغَطِّي وَ الغطا

فَنَظَرْتُ وَجْهَ أَبِي اَلْوَسِيمِ *** وَ قَدْ تَهَلَّلَ بِالضِّيا

كالبَدْرِ لاَ بَلْ وَجهُهُ *** مِن حُسْنِهِ خَجِلَت ذُكا(3)

وَ شَمِمْتُ رَائِحَةَ اَلنَّبِيِّ *** تَضوع مِسْكاً قَدْ ذَكَا

قَالَتْ سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ *** فَأَتَانِي اَلْحَسَنُ اَلرِّضَا

وَ عَلِيَّ سَلم قَائِلاً *** يَا أُمِّ يَا سِتَّ اَلنَّسَا

إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكِ رَائِحَةً *** بِها عَبَقَ الفَضَا

كَأَرِيجِ جَدِّيَ اَلْمُصْطَفَي *** اَلْهَادِي خِتَامِ اَلْأَنْبِيَا

فَأَجَبْتُ هَذَا جَدُّكَ اَلْهَادِي *** اَلنَّبِيُّ اَلْمُجْتَبِي

تَحْتَ الكسَا فَأُتِيَ لَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ يَهفُو لِلحْمي

وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي *** صَلَّي وَ صَلَّي لِلْعُلاَ

مُسْتَأْذِناً مِن جَدِّهِ *** رَبِّ الْمَفَاخِرِ وَ اَلنَّدِي

فِي أَنْ يَضُمَّ كِسَاءَهُ *** بَدْرَيْنِ في تَمِّ ثَنَا

فَدَعَا بِهِ يَا مَرْحَباً *** اَلْآنَ أَدْرَكَتُ اَلْمَنِي

قَالَتْ كَرِيمَةُ خَيْرُ مَنْ *** وَطَأَ اَلْجَنَادِلَ وَ اَلْحَصَي(4)

ص: 118


1- الضنا: المرض و الضعف و الهزال.
2- أنوال: جمع النّؤل و هو خشبة الحائك أو آلته يُنَسج عليها و يُلَفّ عليها الثوب وقت النسيج.
3- ذكا: اسم علم للشمس.
4- الجنادل، الصخر العظيم.

وإِذا أَنَا بِابْنِي الحُسَينِ *** أعز خَافٍ قَدْ مَشِي

قَدْ جَاءَ يَخْطِرُ مَاشِياً *** أَرَايَتُ عَسالَ اَلْقَنَا(1)

فَهُنَاكَ حَيَاني و كَانَ اَلرَّدُّ *** وِفِّقاً فِي الْجِزْيِ

فَانْصَاعَ يَسْأَلُنِي وَ قَدْ *** مَلَأَ اَلسُّرُورُ بِهِ اَلْحَشَا

أُمَّاهُ مَا لجوارِحِي *** تَحْوِي المَسرَّة وَ اَلْهَنَا

إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكَ رَائِحَةً تضُوعُ *** إلي السَّما(2)

فَأَشَرْتُ هَذَا اَلْمُصْطَفِي *** تَحْتَ اَلْكِسَاءِ مَعَ اَلرِّضَا

فَدَنَا لَهُ مُسْتَأْذِناً *** فَحَبَاهُ أَحْمَدُ مَا حبا(3)

أُتْرِي اَلنَّبِيَّ يَرِدُّهُ *** لاَ وَ اَلْمَعَالِيَ و الوَفَا

قَالَتْ حَبِيبُهُ خَيْرِ مَنْ *** لَبَّي و أَفْضَلُ مَنْ سَعِي

وَ إِذَا أَنَا بِأَبِي الْهُدَاةِ *** الْأُؤْصِياءُ الأَصْفيا

فِي الْبَيْتِ شَرَّفْنِي *** وَ أَهْدِي لِيْ التَّحِيَّةَ وَ الثَّنا

وَ عَلَيْكَ تَسْلِيمُ اَلْمُهَيْمِنِ *** لاَ اِنْقِطَاعَ وَ لاَ انْتِها

وَ دَعَا أَشُمُّ لَدَيْكِ *** رَائِحَةً تُعْطِّرُ لِلْفَضَا

مَا خِلْتُهَا إِلاَّ أرِيجَ *** أَخِي اَلنَّبِيِّ اَلْمُجْتَبِي

فَأَشَرْتُ لِلْهَادِي، إِذَا *** غُصِنَ عَلَيَّ اَلْغُصْنِ أنحني

حَيَاهُ لَكِنْ كُلُّ شَخْصٍ *** مِنْهُمَا نِعْمَ الفَتَي

مُسْتَأْذِناً مِنْ صِهْرِهِ *** بَلْ خَيْرِ أَصْهَارِ اَلْوَرِي

فِي أَنْ يَضُمَّهُمَا الكسَا *** فَهَمَّا بِفَضْلِمِهِمَا سَوا

فَأَجَابَ مُنْشَرَحَ اَلْفُؤَادِ *** قَرِيرَ عَيْنٍ باللِّقَا

قَالَتْ وَحِيدَةُ خَاتَمُ اَلرُّسُلِ *** اَلْكِرَامُ اَلْأَصْفِيَا

ص: 119


1- عَسَال القنا: هزّاز الرمح.
2- تضوع: تنتشر رائحته.
3- حباه: أعطاه إيّاه بلا جزاء.

فَغَطْتُهُمْ وَ دَنَوْتُ مِنْهُمْ *** بِالتَّحِيَّةِ وَ الثَّنا

فَدَعَوْتُ شَرَّفَنِي بِإِذْنِكَ *** فِي قِرانِكَ يَا أَبَا

فانا أَعُدُّ الْبُعْدَ شِبْراً ***عَنْكَ مِنْ مُرِّ اَلْجَفَا

فَدَعَا بِنِيَّةُ فَاقْرَبِي *** مَرَحِي بِدَاعٍ قَدْ دَعَا

فَدَعَا الإ لهُ بِخَلْقِهِ *** وَ أَهابَ فِي كُلِّ الْوَري

فَوَ عِزَّتِي اَلْعَظمِيُّ وَ مَنْ *** فِي قَدْرِهَا غيْرِي دري

لَوْلاَ اَلْأُلِي تَحْتَ اَلْكَسَا *** وَ كَفَّي بِهِمْ فَخْراً كَفَي

لَمْ أَخْلُقِ اَلْقَمَرَ اَلْمُنِيرَ *** وَ لاَ اَلنُّجُومَ وَ لاَ ذُكّا

كَلاَّ وَ لَمْ أُدْحِ اَلْبَسِيطَ *** وَ لاَ نَهَارٌ قَدْ أَضَا(1)

كَلا وَ لَمْ أُخْرِجْ جَمِيعَ *** اَلْخَلْقِ مَنْ كَتَمَ اَلْفَنَا

فَدَعَاهُ جِبْرِيلُ اَلْأَمِينُ *** وَ ذَلَّ فِي ذَاكَ الحِمَي(2)

مَنْ هُم بِحَقِّكَ سَيِّدِي *** فَلَهُمْ أَرَي قَلْبِي صَغا

فَأَجَابَهُ الزَّهْرَاءُ وَالِدَّةُ *** اَلْكِرَامِ اَلْأَوْصِيَا

وَ اَلْمُرْتَضِي وَ ابناهُما *** وَ أَبُوجَمِيع اَلْأَزْكَيَا

فَهُنَالِكَ اِشْتَاقَ اَلْأَمِينُ *** لِقُرْبِهِمْ وَ دَعَا اَلْوَحْي(3)

يا سَاعَةً قَدْ تُوجَتْ *** بِالْبِشْرِ إِذْ هَبَطَ اَلنَّدَا

كُنْ سَادِساً لَهُمْ فَكَمْ *** عَبْدٍ لِمَوْلاَهُ دَنَا

يَا بِشْرَ جِبْرِيلَ اَلْأَمِينِ *** وَ مَا لَهُ الباري سَخَا

هَذَا اَلهُبُوطِ هُوَ الصُّعُود *** مِنَ السَّمَاءِ إِلَي الثَّري

فَهُنَاكَ قَالَ اَلْمُرْتَضِي *** لِأَخِي عُلاهُ الْمُصْطَفِي

قُلْ لِي فَدَتْكَ اَلنَّفْسُ مَا *** لِجُلُوسِنَا قَلَّ الْفِدَا

ص: 120


1- لم أدحُ البسيط: دحا أي بسط و البسيط الأرض الواسعة.
2- الحمي: القرب.
3- الوَحا : السيد الكبير - الملك.

عِنْدَ الإلَهِ مِنَ الْكَرَامَةِ *** وَ الحَفاوَةِ وَ الْحِبا(1)

فَأَجَابَهُ ومَنِ اصْطَفانِي *** بِالرِّسَالَةِ وَاجْتَبِيْ

مَا دَارَ ذِكَرُ حَدِيثَنا *** فِي مَجْلِسٍ بَيْنَ الملاَ

إِلاَّ قَضَي حَاجَاتِهِمْ *** رَبِّ تَمْدَّحَ بِالندَا

إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُشتَكٍ *** أُؤْمِبْتَلِي كُشِفَ اَلْبَلا

أَمَّا اَلْمَدِينُ فدينُهُ *** عَنْهُ يُحَطُّ وَ إِنْ عَلا

وَ أَعَادَ قَوْلَتَهُ اَلنَّبِيُّ *** وَ كَانَ أَصْدَقَ مَن رَوِيَ

مَا دَارَ ذَكَرُ حَدِيثَ مَجْلِسِنَا *** إِلَي يَوْمِ اَللِّقَا

إِلاَّ وَحْفَّ بِجَمْعِهِمْ *** شَوْقاً لهم جُندُ اَلسَّمَا

يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ بِأَنْ *** يُمْحِيَ لَهُمْ كُلُّ الخَطَا

فَاللَّهُ أَكْرَمُ غَافِرٍ *** وَ اللَّهِ أَعْظَمُ مَنْ عَفَا

فَدَعَا اَلْوَصِيُّ إِذَنْ فَقَدْ *** فُزْنَا وَ فَازَ اَلْأَولِيَا

بِوَلاَئِنَا وَ هُمْ بِنَا *** سُعِدُوا إِلَيَّ يَوْمِ اَلْجَزَا

ص: 121


1- الجبا: العطاء من غير جزاء.

(9) هتف البشيرُ

(بحر الكامل)

الأستاذ جعفر الجعفر

تاهَتْ بِبِنْتِ نَبِيِّها الخَضْراءُ *** وَ اسْتَبْشَرَتْ بِقُدُومِهَا الْغَبْرَاءُ

هَلَّتْ فَهَلَّكَ الْمَلَائِكُ كُلُّهُمْ *** وَ تَهَلَّلَ الإِصْبَاحُ وَ الإمْساءُ

وَ كَأَنَّمَا الْإِسْعَادُ يَوْم مَجِيئِهَا *** وَ لِذَا اَلْوُجُودَ تَرَنَّمٌ وَ ثَنَاءٌ

فَالْبَرْقُ أُؤْمَضُ لِلَولِيدَةِ نُورُهُ *** وَ تَقَهقَهَتْ بِرُعُودِهَا الأَنْواءُ

وَ تخضَّبتْ سُحُبُ الغَمَامِ بِعِطْرِهَا *** وَ تَمَخَّضتْ بِعَبِيرِهَا اَلْأَرْجَاءُ

و اسْتَمْطَرَتْ مَاءَ الْوُرُودِ سَمَاؤُنَا *** خَيْراً يُبَشِّرُ بالْأُلي(1) قَدْ جَاؤُوا

وَ كَأَنَّمَا اَلْأَفْلاَكُ بَعْضُ عَبِيدِهَا *** وَ كَأَنَّمَا هَذِي اَلنُّجُومُ إِمَاءُ

فَالرُّوحُ جِبْرِيلٌ بِمُقَدَّمِ رَكِبِهَا *** وَ عَلَيَّ الشّمالِ مَلائِكٌ نُجَبَاءُ

وَعَلَي الْيَمِينِ مُحَمَّدٌ جَذَلاً بِهَا *** يَغْشَاهُ مِنْ لألائِها لِأَلاَءُ(2)

وَ اَلْأَرْضُ قَدْثَقَلْتْ بِها وَ كَأَنَّمَا *** هَبَطَتْ عَلَيْهَا بِالْجَلالِ سَمَاءُ

وَتَسَاءَلَتْ مِن ذا الَّذِي سَفَرَ اَلدَّجِي*** بِقُدُومِهَا وَ اخْضَرَّتِ الغَبْرَاء

هَتَفَ الْبَشِيرُ مُبَارَكاً ومُهْنِّئاً *** وَلَدَتْ لِطه البَضعَةُ الزهراءُ

بَزَغَتْ كَعَيْنِ اَلشَّمْسِ عِنْدَ مَجِيئِهَا *** وَ اَلشَّمْسُ لَوْلاَ نُورُهَا ظَلْمَاءُ

زَهْرَاءُ يُعْمِي نُورُهَا حُسَّادَهَا *** وَ يُنِيرُ قَلْبَ مُحِبِّهَا وَ يُضاءُ

ص: 122


1- الألي: بمعني الذين.
2- جذلاً: فرحاً. لألاءَ: البرق و اللمع و هنا بمعني الإشراق.

حُورِيَّةٌ قُدسِيَّةٌ صِدِّيقَةٌ *** حَارَتْ بِوَصْفِ جِلاَلِهَا اَلْفُصَحَاءُ(1)

فَكَأَنَّما قَدَّسُ اَلْإِلَهُ مُحَمَّدٌ *** وَ كَأَنَّمَا مِنْ قُدْسِهِ إِسْرَاءُ

وَ كَأَنَّمَا اَلْمِشْكَاةُ أَعْيَا(2)كُنْهُهَا *** عُشْرُ اَلْعُقُولِ وَ خَابَتِ اَلْحُكَمَاءُ(3)

بَاهِيَ بِهَا رِبِّي اَلْمَلاَءَكِ كُلَّهُمْ *** فَلِذَا اَلسُّجُودِ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ

يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرُّ اَلسُّجُودُ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ

يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرّ اَلْوُجُودِ وَ سِينُهُ وَ اَلرَّاءُ(4)

أَنْتَ اَلْبَتُولُ فَمَا لِمَرْيمَ وَالِدٌ ***كَمُحَمَّدٍ كَلاَّ وَ لا الْأَبْنَاءُ

وَ لَأَنْتَ أَمْ لِلنَّبِيِّ وَ آلِهِ *** وَ لَأَنْتَ لِلسِّرِّ الْمَصُونِ وِعاهُ

وَ لَأَنْتَ فِي يَوْمِ اَلْكِسَاءِ مَدَارُهُمْ *** وَ لَأَنْتَ نُورٌ للْكساءِ بَهَاءُ

وَ اَللَّهِ قَالَ وَ بَعْدَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ *** هُمْ فَاطِمُ وَ اَلْبَعْلُ وَ اَلْأَبْنَاءُ

هِيَ فَاطِمٌ مِنْ فاطر شَقَّ اسْمُهَا *** فَالْأَرْضُ قَدْ فَطِرَتْ بِها وَسماءُ(5)

ص: 123


1- عوالم العلوم، ج 11، ص 39. عن علل الشرائع: القطان عن السكري عن الجوهري عن عمر بن عمران عن عبيد الله بن موسي العبسي عن جبلة المكي عن طاوس اليماني عن ابن عباس قال: دخلت عائشة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقبّل فاطمة عليها السلام فقالت له: أتحبها يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال أما لو علمت حبّي لها لازددت لها حباً - إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- فلما أن هبطت إلي الأرض واقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء أنسية فإذا اشتقت إلي الجنة شممت رائحة فاطمة عليها السلام و في ص66، عن أمالي الصدوق و علل الشرائع و الخصال: ابن المتوكل عن السعد آبادي عن البرقي عن عبد العظيم الحسني عن الحسن بن عبد الله بن يونس، عن يونس بن ظبيان قال: قال أبوعبد الله عليه السلام لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّوجل: فاطمة عليها السلام و الصّديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدّثة و الزهراء. إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
2- أعيا: أتعب و أكَلَّ.
3- الظاهر أنه إشارة إلي العقول العشرة التي يري بعض الحكماء أنهم وسائط الفيض الوجودي من عالم الوجوب إلي عالم الإمكان. راجع عن ذلك الأسفار للملا صدرا و شرح المنظومة للسبزواري.
4- تقدمت الإشارة إلي أنها «عليها الصلاة و السلام» قطب أهل البيت عليهم السلام في و المحور الذي يقوم عليه عالم التكوين بإذن الله «تعالي» و السين و الراء الحرفان اللذان اجتمعا في حكمة سرَّ فهي السرَّ الذي أودعه الله «سبحانه» في هذا الوجود تكويناً و اللّه العالم.
5- في إشارة إلي حديث الكساء -و الشطر الثاني عن البحار، ج 43، ص 15، قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام: شقّ الله لك اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة عليها السلام.

لَوْ مَرَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ظِلُّهَا *** غَضَّتْ لَهُ أَبْصَارَهَا الأرجَاءُ(1)

فَعَلي الْأَلِي مِنْ حُبِّهَا سَرَّاءُ *** وَ عَلَي العَدِيُّ مِن بُعْضِها ضَرَّاءُ

لَكَ فِي اَلْقُلُوبِ مِنَ الصَّمِيمِ تَحِيَّةٌ *** يَجْرِي بِهَا لَكَ فِي الدِّمَاءِ وَلَاءُ

لَوْلَاكَ مَا خُلَقَ الْوُجُودُ وَ لَابَري *** رَبِّي الأَنامَ وَ لاَبَدَّتْ أشْياءُ

لَوْلاكَ لاَجْتُثَّتْ شُجِيرَةُ أَحْمَدٍ *** وَ لَمَّا أُتِيَ مِنْ صُلْبِهِ اَلنُّجَبَاءُ

لَوْلاَكَ مَا كَانَ الْكِسَاءُ يَضُمُّهُمْ ***كَلاَّ وَ لاَ ضَمَّ اَلنَّبِيَّ كِسَاءُ(2)

طَهُرْتْ بِهَا و بآلها أُمَّ اَلْقُري *** وَ تَطَهَّرَتْ مِنْ مَكَّةَ اَلْبَطْحَاءُ(3)

لِمَ لاَ وَ هَذِي اَلشَّمْسُ مِنْ أَنْوَارِهَا *** وَ مِنَ الشُّمُوسِ أَرِي الْوُجُودَ يُضَاءُ

إِذ إِنَّهَا اَلمَرْأَةُ يَعْكسُ صَفْوُهَا *** نُورَ اَلْأَلَهِ فَتَنْجَلِي اَلظَّلْمَاءُ

إِذْ لَوْ تَجَلَّي بَعْضُ نُورِكَ فَاطِمٌ *** لَتَدْكْدَكَتْ فِي طُورِهَا سَيْنَاءُ

فَلَكَ اَلْفَخَّارُ فَأَنْتِ كَوْثَرُ أَحْمَدٍ *** نَسْلُ اَلْأَمِينِ وَ نَسْلُكِ اَلْأُمَنَاءُ(4)

فَتَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّ عيسي مَرْيَمٌ *** وَ تَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّنَا حَوَّاءُ

وَ لَقَدْ أَقُولُ لِمَنْ يَرُومُ مَدِيحَهَا *** أَوْ مَا قَصَرْتَ ورَدَّكَ اَلْأَعْيَاءُ

ص: 124


1- البحار، ج 43، ص 219. عن أمالي الصدوق: الطالقاني عن محمد بن جرير الطبري عن الحسن بن عبد الواحد عن إسماعيل بن علي السدّي عن منيع بن الحجاج - إلي- عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة عليها السلام علي ناقة من نوق الجنة -إلي قوله- و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلي صوته: غضوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة بنت محمد عليها السلام -إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: أين ذرية فاطمة عليها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتتقدمهم فاطمة عليها السلام حتي تدخلهم الجنة.
2- إشارة إلي حديث الكساء و قد تقدم ذكرها مع أسانيدها.
3- البطحاء: المسبل الواسع الذي رمل.
4- عن فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي، ص193. قال العلامة القزويني (في تفسير قوله تعالي «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» -إلي قوله تعالي- «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» و وجه المناسبة أن الكافر شمت بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و حين مات أولاده و قال إن محمداً صلي الله عليه و آله و سلم أبتر فإن مات مات ذكره، فأنزل الله هذه السورة علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم كأنه تعالي يقول إن كان ابنك قد مات فإنا أعطيناك فاطمة عليها السلام و هي و إن كانت واحدة و قليلة ولكن الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.

لا لاَتَقُلْ مَاتَصْنعُ الشُّعَرَاءُ *** لَا بَلْ فَقُلْ مَا تَصْنَعُ الْحُكَمَاءُ

حُبِّي لَكُمْ آلُ الرَّسُولِ ذَخِيرَتِي *** يُؤْمَا بِهِ لَاتَنْفَعُ الشُّفَعاءُ

وَ تَذَلُّلِي فِي حُبِّكُمْ هُوَ مَسْعَدِي *** هُوُمَنْجَدِيٌ يَا أَيُّهَا اَلسُّعَدَاءُ

صَادَ إِلَي رَشْفِ اَلْحَقِيقِةِ مِنْهُمْ *** إِذْ نَحْنُ حَؤُلُ حِيَاضِهِنَّ ظِماءُ

ظَماٌ لِمَن يَرْتَوِي مِن حُبِّهِمْ *** وَ هُمُ الْمَعِينُ و غَيْرُهُم أقْذَاءُ(1)

أخْلَصْتُ فِي حُبِّي لَهُمْ فَجَعَلْتُهُ *** وَ تَرأ لَكُم يَا أَيُّهَا اَلشُّفَعَاءُ

شَمِلَتْكُمْ يَؤُمُّ اَلْكِسَاءَ تَحِيَّةٌ *** لُؤْلاَكُمْ لِكِسَا اَلْؤُّجُودَ عَمَّاءُ

آتُونَ إِذْ لاَ شِيءَ قَبْلَ وُجُودِكُم *** بَاقونَ لَوْعُمَ الوُجُودَ فَنَاءُ

وبِإِسْمِكُمْ غُفِرَتْ لآِدَمَ زِلَّةٌ *** سَل آدَماً مِنْ غَيْرُهُم أسْمَاءُ(2)

مِعْراجُنا لِرِضا الإلهِ وَدادَهِم *** وَ تَقَرُّبي فِي حُبِّهِمْ إِسْرَاءُ

وهُمُّ الْمَشِيئِةُ و الفُيُوضُ فُيوضُهُمْ *** فَاللَّهُ قَدْ شَاءَ اَلَّذِي قَدْ شَاؤُوا

مِنْ جُودِكُمْ هَذَا اَلْوُجُودَ بِمَا حَوَي *** فؤُجودُهُ لِؤُجُودِكُمْ أُسْدَاءُ(3)

إِذْ كَانَ فِي عَدَمٍ قُبَيْلَ وُجُودِكُمْ *** يَطْوِيهِ قَبْلَ وُجُودِكُمْ إِخْفَاءُ(4)

ص: 125


1- أقذاء: جمع قذّي و القذي جمع قذاة و هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو تبن أو وسخ و غير ذلك (عن لسان العرب).
2- لعلة إشارة إلي قوله تعالي: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» البقرة، 37. في الدر المنثور ج ا، ص90 - 91، طبعة بيروت قال: أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام والحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام إلا تبت عليّ فتاب عليه.
3- أسداء: جمع سداة أي اللحمة في نسيج الثوب (مختار الصحاح) و معنا ههنا وُجدَ الوجود لوجود أهل البيت «عليهم السلام»، و هم أصل الوجود.
4- عن عوالم سيدة النساء، ج 1/11، ص 22، عن فرائد السمطين: بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: لما خلق اللّه تعالي آدم أبو البشر و نفخ فيه من روحه إلتفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسَة أشباح سجّداً و ركّعاً. قال آدم: يا رب! هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة و لا النار و العرش و الكرسي و لا السماء و لا الأرض و لا الملائكة و لا الإنس و لا الجن. فأنا المحمود و هذا محمد و أنا العالي = و هذا علي و أنا الفاطر و هذه فاطمة عليها السلام و أنا الإحسان و هذا الحسن عليه السلام و أنا المحسن و هذا الحسين عليه السلام. آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري و لا أبالي يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم و بهم أهلكهم فإذا كان لك إليّ حاجة فيهؤلاء توسل... إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.

جَاؤُوا بِصُورَتِنَا لَنَا لَكِنَّهُمْ *** أُسَمي فَمَا فَوْقَ السَّمَاءِ سَمَاءُ

جُعِلْتْ مِنَ اَلْمَاءِ اَلْحَيَاةُ لِخَلْقِنَا *** وَ هُمُ الحَياةُ لِخَلْقِنَا وَ الْمَاءُ

مِنْ عَاذِلِي فِي حُبِّهِمْ مِن لاَئِمِي؟ *** والنَّفْسُ فِي مَنْ قَدْ عَشِقْتُ فِدَاءُ

دَعْنِي إِذَا اِشْتَغَلَ اَلْفُؤَادُ بِذِكْرِهِمْ *** سُكْرِي بِهِمْ بَلْ حُبُّهُمْ صَهْبَاءُ(1)

إِنِّي اِتَّخَذْتُ سَبِيلَهُمْ لِي شِرْعَةً *** لاَ بِالْأَلِيِّ ظَلَمُوهُمْ وَ أَساؤُوا

أَعْنِي اِبْنَ آكِلَةِ الْكُبُودِ(2) وَ وَ زَغَةٌ(3) *** مِمَّنْ لَهُمْ فِي السَّاقِطَاتِ نَمَاءُ(4)

أَعْنِي الَّذِينَ تَأْبَوْا فِي غَدْرِهِمْ *** مَعَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ

وَ وَعَوْهُ لَكِنْ عَيْنُهُمْ عَمْيَاء *** سَمِعُوهُ لَكِنْ أُذُنُهُمْ صَمَّاءُ

إِنَّ اَلْجَزَاءَ مَوَدَّةٌ فِي آلِهِ *** أَكَذا يُرَدُّ إِلَي اَلرَّسُولِ جَزَاءً(5)

ص: 126


1- صهباء: يرُمز بها إلي لون الخمرة - و يشير الشاعر هنا إلي حبّه و عشقه الصوفي لأهل البيت «عليهم السلام» حتي أسكره هذا الحب، كما تُسكر الخمرة الندماء.
2- آكلة الكبود: إشارة إلي (هند) زوجة أبي سفيان و أم معاوية آكلة كبد الحمزة عم النبي صلي الله عليه و آله و سلم في وقعة أحد.
3- وزغة: وزغ دويبة و في التهذيب : الوزغ سوام أبرص (لسان العرب).
4- جاء في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 2، ص 257، عن (تاريخ بغداد ج 3، ص 290) روي بسنده عن عبد الله قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال : رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عند الصفا وهو مقبل علي شخص في صورة الفيل و هو يلعنه فقلت: ومن هذا الذي يلعنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال : هذا الشيطان الرجيم، فقلت: و اللّه يا عدو اللّه لأقتلنك و لأريحن الأمة منك. قال: ما هذا جزائي منك. قلت : و ما جزاؤك مني يا عدو اللّه؟ قال: واللّه ما أبغضك أحد قط إلاّ شاركت أباه في رحم أمه. قال الخطيب: وهكذا رواه القاضي أبو الحسين الأشناني عن إسحاق بن محمد النخعي و هو إسحاق الأحمر و قد روي في البحار، ج 8، ص290، عن ابن شهر آشوب ما هو أعظم من ذلك فراجع.
5- عن فضائل الخمسة في الصحاح الستة، ج 2، ص 75، عن مستدرك الصحيحين، ج 3، ص172 روي بسنده عن علي بن الحسين عليه السلام قال خطب الحسين بن علي عليه السلام حين قتل علي عليه السلام فحمد اللّه و أثني عليه -إلي قوله- و أنا من أهل البيت عليهم السلام الذين افترض الله مودتهم علي كل مسلم فقال تبارك و تعالي لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت عليهم السلام (أقول) و ذكره المحب الطبري في ذخائره، ص138 و ابن حجر في صواعقه، ص136. ولكن ورد عن زينب بنت عقيل بن أبي طالب سلام الله عليها و هي تندب الحسين عليه السلام ما يكشف عن هذا الجزاء قالت: ماذا تقولون إن قال النبي لكم *** ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي *** منهم أساري و منهم ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 4، ص 46، و اللهوف لابن طاوُس ص 96، و مثير الأحزان لابن عامر ص 51، و نور الأبصار، ص 146، وأيضاً مقتل المقرم، ص336.

وَكأنَّماكَسْرُ الضُّلوعِ تَقَرُّبُ *** وَكَأَنَّمَا قَتَلُ الحُسَينِ وَفاءُ

دَعْهُمْ يَخُوضُوا بِالضَّلاَلَةِ إِنَّهُمْ *** بِجَهَنَّمَ بَل هُمْ لَها حَصْبَاءُ(1)

هذا جَزَاؤُهُم ولكِنَّ اللِّظِي*** فِي أضْلُعِي وَلَظَي اَلْعُيُونِ بُكَاءُ

لاَ تَنْطَفِي اَلْحَسَرَاتُ مِنْهُ عَلَي اَلْمُدَي *** إِلاَّ بِثَارٍ طَالَ مِنْهُ ثَوَاءُ

عَجِّلْ إِمَامِي فَالْمَصَائِبُ أَزْمَنَتْ *** فِينَا وَ لَيْسَ لجرْحِهنَّ بِرَاءُ(2)

قُولِي لَهُ يَابنَتُ طه إِنَّنَا *** فِينَا لِأَجْلِكُمْ ضَنّي وَ شَقَاءُ

عُدْنَا كَمَا اَلْإِسْلاَمُ فِينَا لَمْ يَكُنْ *** ضَيْمٌ وَ لَهْوٌ مِحْنَةٌ وَ غَنَاءُ

ص: 127


1- حصباء: حصي و الحقب كلّ ما يرمي في النار كالحطب.
2- استغاثة بصاحب العصر «عجل الله تعالي فرجه الشريف» الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إنه الإمام القائم بالحق يحيي به اللّه الأرض بعد موتها و يظهر به دين الحق علي الدين كله و لو كره المشركون. و في البحار، ج 51، ص 50، عن تفسير علي بن إبراهيم: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» سورة براءة 34 إنها نزلت في القائم من آل محمد عجل الله تعالي فرجه الشريف و هو الإمام الذي يظهره الله علي الدين كله فيملأ الأرض قسطاً و عدلاَ كما ملئت ظلماً و جوراً و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله. و في البحار أيضاً ج 53، ص17 فيما يكون عند ظهوره «عجل الله تعالي فرجه» برواية المفضل ابن عمر. أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل و عليّ بن عبد الله الحسني عن أبي شعيب و محمد بن نصير عن عمر بن الفرات عن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام هل للمأمور المنتظر المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف من وقت موقت يعلمه الناس؟ ... إلي قوله ... ثم تبتديء فاطمة عليها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر و أخذ فدك ... إلي كل المصائب التي جرت عليها عليه السلام.

وَاَلْمُسْلِمُونَ أرِي تَشَتَّتَ أَمْرُهُمْ *** فتفشت اَلْفَحْشَاءُ وَ اَلْبَأْسَاءُ

نَالَتْ مَعاوِلُهُم بَقَايَا دِينِنَا *** فَاسْفَعْ بَقِيَّةَ رَبِّنا مَنْ سَاؤُوا(1)

وَ اِدْرِكْ أَيَا أَمَلَ اَلشُّعُوبِ فَإِنَّنَا *** جَذَتْ أيادينا اليَد اَلْجَذَّاءُ(2)

مَلَّ اَلتَّصَبُّرِ أَضْلُعِي فَمَتِي نُرِي *** عِلْمَ اَلْهِدَايَةِ بِالْهُدَاةِ يُضَاءُ

ص: 128


1- فاسفع: سفعَ و سفعته النار و السموم إذا لفحته لفحاً يسيراً فغيّرت لون البشرة.
2- الجذّاء : المقطوعة - المكسورة.

(10) روح النبي

(بحر الكامل)

الأستاذ حسن أحمد العامر(*)(1)

يَمَّمْتُ ذِكْرِي مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ *** فَطَفِقْتُ أنظمُ لِلْمَدِيحِ ثَنائِي(2)

وَ شَحَذْتُ فِكْرِي طَالِباً نَفْخَ اَلْهَدْيِ *** وَ مَزِيدِ أَلْطَافٍ لِسَبِّكَ وَلاَئِي

وَ وقفتُ فِي بَهْوِ اَلْبَتُولَةِ رَامِقاً *** فَرْعَ اَلنُّبُوَّةِ مَجْمَعَ الْآلاء

مُتسائِلاً فِي شَأْنِهَا كَمْ قِيلَ مِنْ *** شَعْرٍ وَ مِنْ نَثْرٍ وَ مِنْ إِطْرَاءِ

حُبّاً لَهَا وَ لَكُمْ أشادوا بِاسْمَعِهَا *** فِي صَدْرِ كُلِّ فَرِيضَةٍ وَ نِدَاءِ

قَالُوا اَلْكَثِيرُ وَ لَمْ يُؤَدُّوا حَقَّهَا *** وَ مَضَوْا لِيُبْقِيَ ذِكْرَهَا بِضِيَاءِ

ص: 129


1- (*) هو الاستاذ حسن بن أحمد بن سليمان بن إبراهيم العامر. ولد في الكويت سنة (1961م) الموافق (13/رجب/1980ه). نشأ و تربي في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. أخذ دراسته الأولية في مدارس الكويت، من الابتدائية و المتوسطة حتي الثانوية و بعدها التحق بجامعة الكويت و تخرّج منها بشهادة بكالوريوس بالمحاسبة. أحبّ الشعر وتعشّقه في سن مبكرة؛ و أول قصيدة قالها و هو لم يتجاوز العشرين من العمر و هو متأثر بروح الولاء لأهل البيت عليهم السلام و نظمه ذائب في فلكهم عليهم السلام و يشترك شاعرنا في الاحتفالات و التجمعات التي تقام في الكويت بمناسبة الأحداث التي مرّت فيها حياة المعصومين عليهم السلام وله الدور الفاعل في إلقاء قصيدته بالمناسبة و دائماً يلقي القبول و الاستحسان من الحضور و هذا دليل علي حسن نظمه و إخلاصه وتواضعه. و للمترجم له محاولات في التأليف، فله ديوانه الخاص الذي جمع نظمه الكثير و أيضاً له مجموعة شعرية لمختلف الشعراء و الأدباء سماها ب- (صفوة الأشعار في مرائي الاطهار) و غيرها من المؤلفات و كلها لم يطبع. ولا يزال منكباً علي نشاطه الديني و الثقافي في مختلف المجالات؛ زاد الله في توفيقه.
2- يمّمتُ: قصدت.

يَبقَي لِيَبْقَيَ ذِكْرُ آلِ مُحَمَّدٍ *** نَبْعَ الْعَطَاءِ وَ قَائِماً بِبَقَاءِ

وَ مَسَائِلَ اَلتَّارِيخِ أَيْن نَظِيرُهَا *** حَتَّي يُقَاسَ بِأَنْمُلِ اَلزَّهْراءِ

أَزَكِيَّةِ اَلْحَسَبَيْنِ هَلْ لَكَ مَشَبَّةٌ *** فِي الْخافِقَيْنِ(1) بِأَرْضِهِ وَ سَمَاءِ

أَمْ أَنَّكَ النُّورُ الْفَرِيدُ وَ مَا لَهُ *** مِثْلٌ يُنَافِسُهُ بِلا اسْتِثْناءِ

رُكْنِ الْفَضِيلَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةُ *** وَ مآلُ كُلِّ سَجِيَّةٍ حَسناءِ

تُفَّاحَةُ الْفِرْدَوْسِ سرُّ مُحَمَّد *** ثَمَرُ اَلْجِنَانِ وَ نَسَمَةُ اَلْعَليَاءِ(2)

وَ رَبِيبَةِ اَلْوَحْيِ الْمُعلي ذِكْرُهُ *** وَ كَرِيمَةٌ سُلَّتْ مِنَ الْكُرَمَاءِ

وَ رُوحُ اَلنَّبِيِّ اَلْهَاشِمِيِّ وَ رُوحُهُ *** وَ نَصِيبُهُ الْبَاقِي مِنَ اَلْأَبْنَاءِ(3)

وَ عَلَيهِ صَلُّوا فَالصَّلاةُ تَحيَّة *** تُهْدِي لِحَضْرَةِ سَيِّدِ اَلْأُمَنَاءِ

هِيَ تَاجُ فَخْرٍ فَوْقَ رَأْسِ المُرتَضِي *** بَاقٍ عَلَيْهِ بِرِفْعَةٍ وَ بَهَاءِ

كَمْ زُيِّنَتْ فَوْقَ اَلْجَبِينِ بِضُؤْئِهَا *** هَامُ اَلْإِمَامَةِ بِالسَّنَا اَلْوَضَاءُ(4)

طَهُرَتْ مِنَ الإِشْكَالِ طُهْراً مُطْلَقاً *** مَعْصُومَةً خَلُصَتْ مِنَ اَلْأَسْوَاءِ

مَا مَسَّهَا الاّ الجَلالُ مُطَهَّراً *** فَهِيَ الجَلِيلَةُ زهْرَةُ الزَّهْرَاء

ص: 130


1- الخافقين: المشرق و الغرب.
2- لعله إشارة إلي ما ذكرناه من أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما أسري به وعرج إلي السماء فكان من ربه قاب قوسين أو أدني تجوّل به جبرئيل عليه السلام في الجنة و أطعمه من رطبها و في رواية أخري ناوله تفاحة فأكلها فتحولت نطفة في صلبه فلما هبط إلي الأرض واقع زوجته خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام. انظر تاريخ الخطيب البغدادي، ج5، ص87 ح2481، و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص383.
3- إشارة إلي قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حديث له حول فاطمة عليها السلام : هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله تعالي. أخرج الحديث ابن البطريق في كتابه العمدة، برقم 769. و في حديث آخر تروية فاطمة الزهراء عليها السلام عندما نزل قوله تعالي : «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» رغب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فأعرض عليَّ مرة أو اثنتين أو ثلاثاً ثم أقبل عليّ فقال: يا فاطمة عليها السلام إنها لم تنزل فيك و لا في نسلك و أنت منيّ و أنا منك و هناك الكثير من الأحاديث المتضمنة هذا المعني مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة منيّ - فاطمة عليها السلام شحنة منيّ - فاطمة عليها السلام شعرة منيّ- إلخ.
4- الهام والهامّة: الرأس.

وَ ضَمِيمَةُ اَلْمَجْدِ اَلْمُقَدَّسِ وَ اَلَّتِي *** نَظَمَتْ عُقُودَ العِزِّ نَظْمَ إِبَاءِ

أُمِّ اَلنُّبُوَّةِ كَهْفَهَا وَ مَلاَذُهَا *** وَ مُقَامُ كُلِّ شَرِيعَةٍ بَيْضَاءِ

لَوْلاَهَا مَا كَانَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفِي *** نَالَ الظُّهُورَ بِعَالِمِ الْأَسْمَاءِ(1)

وَ لَمَّا غَدَا اَلْمُخْتَارُ يُعْرَفُ قَدْرُهُ *** فِي غَابِرِ الأزمانِ بِالْعَيَاءِ

مِنْ حَيْثُ كَانَتْ نُورَ عالَمِها اَلَّذِي *** عُرِفَتْ بِهِ اَلْأَسْمَاءُ بِالْأَشْيَاءِ

مَعَنِي يُشفُّ مِنَ اَلْحَدِيثِ موضَّحاً *** شَأْنَ اَلَّتِي فاقَتْ علَي اَلْعَذْرَاءِ(2)

لَوْلاَ اَلرَّسُولُ مُحَمَّدٌ وَ وَصِيُّهُ *** مَا كَانَتِ الْأَفْلاكُ غَيْرَ هَبَاءٍ

وَ بِفَاطِمٍ كَانَ السَّنَاءُ عَلَيْهِمَا *** وَكَستهُمَا حُلَلاً مِنَ الأَضْوَاءِ(3)

وَ بِهَا تَكْأمُنُّ كُلُّ غَايَاتِ اَلْمُنِي *** لمّا بَراهَا بَارِيءُ اَلْأَحْيَاءِ(4)

فَخَرَتْ بِها الْجَوْزاءُ حِينَ تسنَّمَتْ *** هَامُ الْمَجْرَّةِ فَوْقَ كُلِّ سَماءِ(5)

وَ تَحَيَّرَتْ فِيهَا الْعُقُولُ وَ أَدْهَشْتْ *** لِفَضَائِلِ جُلَّتْ لَدَيِ الْفُضَلاَءِ

فَرِضَاهَا مِرْآةُ اَلرِّضَا وَ عَلاَمَةٌ *** لِرِضَا إِلَهِ الْكَوْنِ وَ اَلْأَنْحَاءِ

فَهِيَ الْوَدِيعَةُ وَ الْمُطِيعَةُ وَ الشَّفِيعَةِ *** وَ الرَّفِيعَةِ مُلْتَقَي الْأَسْمَاءِ(6)

وَ هِيَ النَّبِيلَةُ وَ اَلْجَلِيلَةِ مَحْتِداً *** وَ دَلِيلُ كُلِّ مَعَاشِرِ النُّبَلاءِ(7)

وَ هِيَ اَلْبَصِيرَةُ قَدْ أَحَاطَتْ عَيْنُهَا *** بِجَزِيءِ كُلِّ خَلِيَّةٍ بِخَفَاءِ

ص: 131


1- لعله إشارة إلي الحديث القدسي عن الله «عزّوجل»: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا عليّ عليه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة عليها السلام لما خلقتكما). انظر فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي نقلاً عن كشف اللآليء لصالح بن عبد الوهاب العرندس و عن ملتقي البحرين.
2- يُشَفّ: يُتبَّنُ منه، يُستخْلَصُ. يُنْظَرُ ما وراءَه...
3- الإشارة إلي الحديث المنسوب للرسول صلي الله عليه و آله و سلم (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة لما خلقتكما).
4- برأها: خلقها.
5- تستنمت: ركبتْ و عَلتْ.
6- صح في الأخبار أن لفاطمة عليها السلام عشرين اسمة كل اسم يدل علي فضيلة ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة و نقل عنه ذلك ابن شهر آشوب في مناقبه، ج3، ص409. راجع بيت الأحزان للشيخ عباس القمي، ص26.
7- محتداً: أصلاً.

عِرْفَانُهَا قُطْبٌ يَدُورُ بأُفقِهِ *** حِقَبُ اَلدُّهُورِ بِرَهْبَةٍ وَ رَجاءِ(1)

وَ لِمَنْ حَظِيَ مِنْ حُبِّها بِشَعِيرَةٍ *** نَالَ اَلْمُنِي وَ كَرَامَةَ اَلْكُرَمَاءِ

وَ اَللَّهِ لَوْلاَ فَاطِمٌ وَ مُقَامُهَا *** لِمَ تَقْتُرُنْ حَاءٌ لَنَا بِالْيَاءِ(2) (3)

وَ لَما عَرَفْنَا دِينَ أَحْمَدَ وَ الْهُدَي *** و لَمَا سَلَكْنَا مَسْلَكَ الأُمَنَاءِ

وَ لَكَانَتِ اَلْأَحْكَامُ خَلْقاً كَالَّذِي *** يَتْلُوا اَلنِّسَاءُ بنيةَ الشُّعَرَاءِ

رَكَعْتْ أَسَاطِينَ الْعُلُومِ لِفَضْلِهَا *** وَ تَقَهّقَرْتْ بِمَخَافَةٍ وَ حَيَاءِ

أَنِّي وَ قَدْ عَجَزُوا بِزَعْمٍ نُفُوذِهِمْ *** عَنْ حِلِّ فَاءٍ بِاسْمِهَا وَ اَلطَّاءِ

فَتَعَالَيْ رَبِّ قَدْ حَبَاكَ مُعَاجِزاً *** عَرَجَتْ إلهيا أَنْفُسُ اَلْعُرَفَاءِ

هِيَ سِرٌ سِرِّ لَوْ يَفُوزُ بِبعضهِ *** عَقْلٌ لَطَارَ مُحَلَّقاً بِجَلاَءِ

وَ لَسارَ فَوْقَ الْمَاءِ مُمْتَثِلاً لَهُ *** أَجْزَاءُ كُلِّ حَبِيبَةٍ فِي الْمَاءِ

يَا صَفْحَةَ الْأُفُقِ الْمُضِيءِ تَلَأْلَأَتْ *** فِيهَا نُجُومُ مَكَارِمٍ بِصَفَاءِ

لِلنَّاظِرِينَ وَ لاَ مِسَاسَ تَهَابُهُ *** وَ اَلْأُفُقُ يَخْشِيُ مِسْاسَ لِرَّاءِ

ص: 132


1- ورد في الخبر (هي الصديقة الكبري عليها السلام وعلي معرفتها دارت القرون الأولي) انظر بحارالأنوار ج43، ص10 - 12.
2- اقتران الحاء بالياء يشكل كلمة حي و المقصود لولا مقام فاطمة الزهراء عليها السلام عند ربها لم تكتب لنا الحياة ولا كنا من الأحياء.
3- اقتران الحاء بالياء يشكل كلمة (حي) و لعل المقصود لولا فاطمة الزهراء عليها السلام ومقامها عند ربها لم تكتب لنا الحياة و دليل ذلك ما ورد في أحاديث كثيرة منها الحديث القدسي الذي أوردناه تحت رقم (3) و حديث الكساء المروي في عوالم العلوم للشيخ البحراني و ينقله عنه صاحب مفاتيح الجنان بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء عليها السلام ثم يروي حديث الكساء الذي اقترن بآية التطهير و أوردناه سابقاً حتي يصل إلي قوله تعالي في الحديث: يا ملائكتي و يا سكان سماوات إني ما خلقت سماء مبنية و لا أرضاً مدحية و لا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة و لا فلكاً يدور و لا بحراً يجري و لا فلكاً يسري إلاّ في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرئيل: يا رب و من تحت الكساء فقال «عزّوجل»: هم أهل بيت النبوة عليهم السلام و معدن الرسالة هم فاطمة عليها السلام و أبوها و بعلها و بنوها... إلخ. و بما أن أهل بيت النبوة عليهم السلام هم الواسطة في خلق الخلق بإذن الله «سبحانه» و إرادته و فاطمة عليها السلام هي المحور في ذلك كما تقدم ذكر الشاعر في بيته ذلك و الله أعلم.

شَمْسِ الْحَقِيقَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةً *** وَ سَنَاؤُكِ الْأَلْطافُ فِي الْأَحْياءِ

مِنْ وَجْهِكَ الْأَنْوارُ تُشْرِقُ كَيْفَ مَا *** تهوِينَ يَا رَمْزَ اَلْعَلِي كَذُكَاءِ

مَنْ أَبْيَض زَاهٍ وَ أَصْفَرَ فَاقِعٍ *** يَتْلُوهُ أَحْمَرُ إِذْ دَنَتْ لِمَسَاءِ

وَ تَلُوحُ فَوْقَ هَيَاكِلِ اَلتَّوْحِيدِ مِنْ *** إِشْرَاقِكَ اَلْأَنْوَارُ فِي الأرْجَاءِ

أزْجَاجَةَ الْمِصْبَاحِ فِي مَشْكَاتِهِ *** وَالْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ في الأجْواءِ(1)

لِلَّهِ أَنْتِ فَكَمْ حَوَيْتِ فَضَائِلاً *** أَرْخَي عَلَيْهَا اَلْغَيْرُ ثَوْبَ خَفَاءِ

وَ بِرْغْمِ هَذَا قَدْ بَدَا مَا قَدْ بَدَا *** أَثْرَي العقُول بِنفحِكِ اَلْمِعْطَاءِ

فَتَنَافَسَ الْعُلَمَاءُ فِي إِظْهَارِهَا *** وَ تَسَابَقَ الشُّعَرَاءُ فِي اَلْإِطْرَاءِ

وَ كَمْ تَشَرِّفَ فِي مَديحِكِ ناظِمٌ *** قَصْدَ الْمَنِي بِقَصِيدَةٍ غَرَّاءِ

وَ إِلَيْكَ قَدْ سَطَّرتُ رَمْزَ مَحَبَّتِي *** لِأَفُوزَ فِي يَومِ اللّقا بِجَزَاءِ

وَ لِأَجْلِ مُؤَلِّدِكِ الشَّرِيفِ تَنَزَّلتْ *** مِنْ عَالَمِ اَلْأَلْفَاظِ وَ اَلْأَسْمَاءِ

هَجَرِيَّةٌ طَابَتْ وَ طَابَ نَشِيدُهَا ***حَسَنِيَّةً مَا شَوَّهَتْ بَرِيَاءِ(2)

فَتَقبَليها تُخَفَةً مِنْ فَيْضِكُمْ *** تُهَنِّي اَلسُّرُورَ حُلَّةٍ حَسْنَاء(3)

وَ خِتَامُهَا صَلُّوا علَي خَيْرِ النِّسَّا *** وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ وآله الأمناءِ

ص: 133


1- إشارة إلي قوله تعالي في سورة النور الآية (35): «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ»، و قد وردت الأخبار الكثيرة من طرف أهل البيت عليهم السلام و غيرهم أن أظهر مصاديق هذه الآية هم أهل بيت النبوة عليهم السلام كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أن المشكاة هي فاطمة الزهراء عليها السلام. انظر تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 602 و تفسير الميزان، ج 15، ص 141.
2- هَجرية أي من هَجَر و هَجَر اسم يطلق سابقاً علي القطيف و الإحساء و البحرين و الآمد يعني منطقة الإحساء فقط.
3- في الأصل: و حلةَ حسناءِ و هو تصحيف واضح.

(11) بَيتُكِ السَّامِي

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عِزُّ اَلْعَزَاءِ عَلَيْكَ يَا زَهْرَاءُ *** فَلَقَدْ دَهَتْكَ مُصِيبَةٌ شَنْعَاءُ(2)

ص: 134


1- (*) هو الشيخ حسن بن عبد الله بن حسين البحراني القيسي، ولد في البحرين سنة (1940م) الموافق (1360 ه) في قرية الدية. نشأ و ترعرع في ظل أسرته و تحت رعاية والده و نال منه التربية الصالحة و منذ صغره كان مولعاً بالعلم و الأدب فأخذ دراسته الابتدائية في البحرين و في سنة (1960م) هاجر إلي مدينة العلم النجف الأشرف لينهل من معين الحوزة العلمية فيها، فتتلمذ علي المدرسين مثل الشيخ جعفر الإيرواني و الشيخ حبيب الغروي و الشيخ عباس الدرازي و غيرهم من الأساتذة، فدرس النحو و الصرف و المعاني و البيان و الفقه و الأصول و بعد أن أخذ قسطاً وافراً من العلم و الفضل عاد إلي البحرين موطن آبائه و أجداده و لم يكتف بطلب العلم، فاتصل بالعالم الجليل السيد علوي ابن السيد أحمد الغريفي ليزداد منه معرفةً و علماً. و المترجم له، صاحب موهبة كبيرة في مجال المنبر الحسيني، فهو بحق خطيب بارع و منطيق فذ يرقي المنبر بكل جدارة و كفاءة، و قد شاهدته في الكويت يصعد المنبر و يجيد فنون الخطابة بأسلوبه القديم متأثراً بأستاذه في الخطابة «ملا أحمد بن رمل» بطل المنبر الحسيني و شيخنا القيسي، أحب الشعر و شغف به، و ابتدأ بقرض الشعر و عمره ثلاث عشرة سنة و أول قصيدة نظمها في الإمام موسي بن جعفر « عليه السلام» و هو مكثر في النظم، ولعّله لا تفوته مناسبة دينية إلاّ وله فيها قطعة شعرية. و للمترجم له مؤلفات كثيرة منها 1- الدعوات المستجابة في التوبة والإنابة (خمسة مجلدات)، 2 - الشذرات النورانية جزءان 3 - شرح القصيدتين في رثاء العباس و الحسين عليهما السلام، 4 - تفسير الأحلام في الرؤيا و المنام، 5- كنوز المدح و الرثاء، 6- العترة الطاهرة، 7- خير المساعي تخميس قصيدة دعبل الخزاعي، و لا يزال مكباً علها خدمة أهل البيت «عليهم السلام».
2- عزَّ: قلَّ، فكاد لا يوجد و منه الحديث: المؤمنة أعزّ من المؤمن، و المؤمن أعز من الكبريت الأحمر و الشناعةُ: الفظائع و الشنعاء: الفظيعة.

قُومِي اِلْبَسِي ثَوْبَ اَلْمُصِيبَةِ وَ اعولي *** حَزْناً فَدَهْرِكِ لَوْعَةٌ وَ بُكَاءٌ

نَصَبَتْ لَكَ الْأَعْداءُ حِقْداً كامناً *** اَللَّهُ مَانْصَبتْ لِكِ اَلْأَعْداءُ!

قَدْ أَسْقَطُوا مِنْكَ الْجَنِينَ وَهَشَّمُوا *** اَلْأَضْلاَعَ فِي عُرْضِ اَلْجِدَارِ وَ جَاؤُوا(1)

بِالنَّارِ لِلْبَابِ الشَّرِيفِ لِيُحْرِقُوا *** بَيْتاً بِهِ اَلْقُرْآنُ وَ اَلْأُمَنَاءُ

تَاللَّهِ لاَ أَنْساكِ حِينَ تَجْمَعتْ *** بِفِنَاءِ دَارِكِ خِفْنَةٌ لُؤْماءُ

وَ تَقَحَّمُوا فِي بَيْتِكِ اَلسَّامِي اَلَّذِي *** هُوَ دُونَهُ فِي قَدْرِهِ اَلْجَوْزَاءُ

لَطمُوكِ لَطْمَةً حَاقِدٍ مِنْ شَرِّهِمْ *** لِلَّهِ يَا لِكِ لطمةً شُنْعَاءُ (2)

اَللَّهِ يَا لَكَ لَطْمَةً بَكَتِ اَلسَّمَاءُ *** لَهَا دَماً وَ ارْتَجَّتِ الْأَرْجَاءُ

يَا وَخِزَةَ الْمِسْمَارِ صوبتِ العُلا *** فَأَصابَ قَلْبَ اَلدِّينِ مِنْكِ الدُّاءُ

صَوَّبْتَ فَاطِمَةَ اَلْبَتُولِ بِصَدْرِهَا *** مَا أَنْتَ الاّ طَعْنَةٌ نجلاءُ

وَقَعَتْ عَلَيَّ قَلْبِ اَلْهُدْي فَإِذَا اَلْهَدْيُ *** بَاكٍ وَ تِلْكَ دُمُوعُهُ حَمْراءُ

صَوَّبْتِ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ بِضَرْبَةٍ *** فَالصَّدْرُ مِنْكِ تَسِيلُ مِنْهُ دِمَاءُ

وَ احْسَرْتَاه لِمَا أَصَبْتِ فَإِنَّهُ *** لَبِعِينٍ رَبِّ اَلْبَيْتِ يَا زَهْرَاءُ

حُتِّي مِنَ الدُّنْيَا خَرَجتِ كَثِيبَةً *** تَبْكِي عَلَيكِ الشِّرعةُ الْغَرَّاءُ

وَ تَتَّبِعُوا أَبْنَاكِ أَيْ تتَّبُعٍ *** فَإِذَا هُمْ حَرْبٌ لَهُمْ بَلاءُ

حَتي اذادُوهُم بِكُلِّ تَنُوفَةٍ *** تَنْتَابُهُم دُونَ اَلْمَلاَ لَأْوَاءُ (3)

مَا جُزْتُ أَرْضاً أَوْ نَزَلْتُ بِقِيعَةٍ *** إِلاَّ لمحنتِهِم بِهَا أَصْدَاءُ

فَبِأَرْضِ سامرا وَ بَغْدَادٍ وَ فِي *** طُوسَ لَهُمْ حَفَرٌ بِهَا أَشْلاَءُ(4)

ص: 135


1- عُرض الجدار: ناحيته. هشموا: بالغوا في الكسر.
2- يجوز نصب لطمة بناءً علي إرجاع لطمة إلي التعجب بقوله: يا لك و علي هذا يكون النصب علي نزع الخافض، لأن الأصل يا لك من لطمةٍ. و أما رفع شنعاء فهو علي النعت المقطوع.
3- دُوهُمْ: من (المداهمة) و هو الهجوم السريع المباغت. التنوفة: من التَّنَف و الجمع تَنائفُ: الأرض القفر؛ البعيدة الماء؛ المفازة؛ التي لا ماء بها من الفلوات و لا أنيس و إن كانت معشبة. لسان العرب و اللأواء: المشقّة و الشدّة و ضيق المعيشة.
4- في سامّراء يرقد الإمامان العاشر و الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام و هما: علي بن محمد النقي الهادي و الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) و في بغداد الإمامان السابع و التاسع منهم «عليهما السلام» و هما: موسي بن جعفر الكاظم و محمد بن علي الجواد( عليهما السلام) و في طوس كذلك مثوي الإمام الثامن من الأئمة الإثني عشر و هو علي بن موسي الرضا عليه السلام.

وَ اعْطِفْ عَلَي وادِيَ الْغَرِيِّ فَاِنَّهُ *** فِيهِ الْوَصِيُّ الطّاهِرُ الْوَضَّاءُ(1)

وَ بِأَرْضِ طَيْبَةَ وَ اَلْبَقِيعِ تُرِي لَهُمْ *** حُفَراً يَهِيجُ لِشَجوهَا الإبْكَاءُ(2)

لِلَّهِ أَقْمَارُ السَّمَاءِ تَجَرَّعتْ *** سُمّاً فَهُمْ دُونَ اَلْمَلاَ غُرَبَاء

سَمّا تَذُوبُ لَهُ اَلصُّخُورُ وَ وَقْعَهُ *** نَارٌ لَهَا وَسَطَ اَلْقُلُوبِ ذَكَّاءُ(3)

و بِكَربِلاَ طُعْمَ اَلْأَسِنَّةِ وَ الْقَنَا *** أَمْسِي اَلْحُسَيْنُ وَ مَا لَهُ رُحَمَاءُ(4)

طُعْمَ اَلسُّيُوفِ وَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ *** صَرْعِي وَ مَا لَهُمُ هُنَاكَ غِطَاءُ

جَرَعُوا اَلْحُتُوفَ عَلَي ظَمّا وَ بِجَنْبِهِمْ *** شَاطِي اَلْفُرَاتِ بِهِ يَلُوحُ الْماءُ(5)

يا آلَ أَحْمَدَ رُزُؤُكُمْ تَبْكِي لَهُ *** شُهُبُ السَّماءِ وَ تَنْحَبُ اَلْغَبْرَاءُ

ثُمَّ اَلصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ مَا يَمَمتْ *** عِيسٌ وَ فِيهَا تَرْتَمِي اَلصَّحْرَاءُ(6)

ص: 136


1- هو أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام و هو أول أئمة أهل البيت عليهم السلام.
2- طيبة (علي وزن شيبة): هي المدينة المنورة و البقيع مقبرة بالمدينة مشهورة و يقال لها أيضاً: بقيع الغرقد -بالغين المعجمة- و الغرقد: شجر له شوك كان ينبت هناك فذهب و بقي الاسم لازماً للموضع و ذكر ابن منظور في اللسان: أنّ من الأسماء التي وضعها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ليثرب: طَيْبَة و طابة و طيبِّة و المطيِّبة و الجابرة و المجبورة و الحبيبة و المحبَّبة.
3- الذَّكاء للنار: شدّة و هجها و منه قولهم: أحرقني ذكاؤها.
4- الطُّعم، بضم الطاء و سكون العين: الطعام، عن المصباح المنير.
5- الحُتُوف علي وزن صُفوف: جمع حتف، و هو الموت و جرعوا: يمكن أن تُقرأ مبنّية للمجهول أو المعلوم و الأولي للمعني أنسب، ولكن العادة جرت علي قراءة الفعل حينئذٍ بالتشديد.
6- يمَّمَت: قصدت. عيس: الواحد أعيس و الواحدة عيساء الإبل البيِض يخالط بياضها سوادٌ خفيف و هي كرام الإبل.

(12) درةُ المجد

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ زَكِيٌ مُهَيْمِنْ *** وَ تَرَاهُ فِي اَلْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ مُمْعَنْ

لَيْسَ فِيهِمْ الاّ الوليُّ المُؤمِنْ *** ثُمَّ سَلْنِي عَنْ أُمِّهِمْ و اسْتَمِعْ مِنيَ

وَصفاً مَا لَيْسَ فِيهِ خَفَاءُ

إنَّها بَضعَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدْ *** وَ هيَ بَحرُ العِلمِ الّذي مَا لَهُ حَدّ

وَ رِضَاهَا مِنْ رِضاها تَأكدْ *** هِيَ أَمْ نَظِيرُهَا لَيْسَ يُوجَدْ

إِنَّهَا الطُّهْرُ فاطِمُ الزَّهْراءُ(2)

ص: 137


1- (*) مرت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- في البيت إشارة إلي أمور خمسة تتصف بها ابنة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و هي: أ- كونها بضعة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو ليس محل شاهد، بل أراد الشاعر بذلك الكناية عن أحاديث رضاها و أذاها و قد أورد الهمذاني في كتابه فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي ص47- 50 قرابة عشرين حديثاً تشبه ما نقلناه و قد نقل ذلك عن كثب أعيان العامة و أئمتهم منها صحيحا البخاري و مسلم و المستدرك عليهما و مسند أحمد و كنز العمال و طبقات ابن سعد و نور الأبصار للشبلنجي و إرشاد الساري و هامشه و فيض القدير و مثله يمكن مراجعة فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي، ج3، ص151 و ما بعدها. ب- وصفها بالعلم غير المحدود و يشهد لذلك كونها محدّثة و حديث مصحفها الذي كان الأئمة عليهم السلام يرجعون إليه و كونها معصومة عليه السلام و العصمة لا تتأتّي إلاّ بمعرفة الصحيح و ارتكابه و تشخيص الخطأ و الباطل و اجتنابه و ذلك أوضح مراتب العلم و أعلاها. و في الأحاديث أن آل البيت المعصومين عليهم السلام كانوا «يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن» كما في فضائل ابن شاذان، ص80 - 82 و البحار، ح163/56، باب23 و في عوالم العلوم والمعارف ج11، ص 6 - 7. ج- أن الله سبحانه يرضي لرضاها و هو من أجلي مظاهر =القداسة و العصمة و لك أن تراجع (2/ 5) و (4/7) و (8/12) و (6/18). د- أنها أمّ لا كسائر الأمهات، فراجع ينابيع المودّة ص 227، قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم : ألا أدلكم علي خير الناس أبا و أماً؟ قالوا: بلي يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. قال الحسن و الحسين عليهما السلام أبوهما عليّ ... (إلي أن قال :) و أمّهما فاطمة سيدة نساء أهل الجنة عليها السلام. ه- أن من أسمائها الطاهرة و الزهراء و فاطمة عليها السلام.

لَوْ سَأَلْتَ اَلْقُرْآنَ سَطْراً فسطرا *** فَهُوَ فِي فَضْلِهَا يُشِيدُ وَ يُقِرَّا

وَ بِهِ قَدْ عَلْتَ مَقَاماً وَ قَدَرا *** وَ كَفَي بِالْقُرْآنِ مَدْحاً وَ فَخْرا

وَ لَنِعْمَ الْإِفْصَاحُ وَ اَلْإِطْرَاءُ(1)

دِرَّةُ اَلْمَجْدِ قدْرُهَا كانَ سَامِي *** هِيَ قُطْبُ اَلْعُلاَ وَ قُطْبُ النِّظَامِ

هِيَ ذَاتُ اَلْكَمَالِ وَ اَلْإِعظَامِ *** هِيَ أَمِ اَلْهُدَاةِ أَمِ اَلْمَيَامِين

وَ نِعْمَ اَلْأَمَاجِدُ اَلنُّجَبَاءُ(2)

هَذِهِ فاطمٌ حَبِيبَةُ طهَ *** إِنْ تَكُنْ قَدْ شَكَكْتَ فِي عُلْيَاهَا

ص: 138


1- يصعب حقاً تحديد أعداد الآيات التي نزلت في حق سيدة النساء عليها السلام، بشكل خاصّ بها أو عامِّ لها و لأهل البيت جميعاً، بحيث يندر أن توجد سورة من سور القرآن الكريم و هي خالية من آية أو آيتين علي الأقل تصرحّان بفضلهم و تناديان بحسن بلائهم و تقدُّم حقّهم علي سائر المسلمين. ومن نافلة القول: أن هذا الأمر لا يختص بالشيعة الإمامية، بل يشاركهم في ذلك علماء العامة أيضاً، حتي لقد جمع بعض الأعلام الآيات النازلة بحق الزهراء عليها السلام و أهل البيت عليهم السلام من طرق العامة فقط، فبلغت أكثر من مائتين و خمسين آية، موزَّعة علي قرابة سبعين سورة من سُوَر الكتاب العزيز.
2- في البيت إشارة إلي ثلاث خصال لها عليها السلام؛ و هي: أ- أنها قطب النظام و مركز العلا و المقصود: هي مع أبيها و بعلها و بنيها، و يمكن أن يراجع ذيل حديث الكساء المتواتر و قدم خلقهم و توسّل الملائكة و النبيّين بهم. ب- أنها متصفة بالكمال و العظمة و قد ورد في فرائد السمطين للجويني، ج 2، ص 68 عن النبي عليهم السلام: «و لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة عليها السلام، بل هي أعظم، إن فاطمة عليها السلام بنتي خير أهل الأرض عنصراً و شرفاً و كرماً» مع ملاحظة أن الحسن و الكمال هنا واحد. ج- . أنها أم الأئمة الميامين (عليهم السلام) و هو من أوضح الواضحات التي لا تحتاج إلي دليل و شاهد، بل هو مورد اتفاق المؤالف و المخالف و إجماع أهل القبلة أجمعين.

فَانْظُرِ اَللَّهَ مَا اَلَّذِي أَعْطَاهَا *** ثُمَّ سَلْ هَلْ أَتِيَ وَ عَمَّا حَبَاهَا

رَبَّنَا وَ هُوَ قَادِرُ مَا يَشَاءُ

كَمْ حَفَاهَا بِمِدْحَةٍ وَ مَزَايَا *** وَ حَبَاهَا مِنْهُ بِحُسْنِ اَلسَّجَايَا

وَ بِهَاكُمْ أَبَانَ مِنْهُ وَصَايَا *** وَ هُوَ مُعْطِي اَلْأَرْزَاقِ مُنْشِي اَلْبَرَايَا

وَ لَدَيْهِ اَلْإِنْعَامُ وَ اَلنَّعْمَاءُ

ص: 139

(13) أبكي عَلَيكِ

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عُرِّجْ بِتُرْبَةِ فَاطِمِ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ انْدُبْ وَ نَادِ بِخِرْقَةٍ و بكاءِ

وقُلِ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَنْ أَصْبَحَتْ *** أَرْزاؤُها مِنْ أَعْظَمِ الْأَرْزَّاءِ

يَا مَنْ عَلَيْها الْحُزْنُ صَبَّ كَأَنَّهُ *** سُحُبُ اَلسَّمَاءِ وَ قَدْ هَمَّتْ بِالْماءِ

ما زُرْتُ قَبْرَكَ طالِباً لِمَثُوبَةٍ *** اِلاّ انْدَفَعْتُ بِحُرْقَتِي وَ بُكائِي

وَ تَفَجَّرَتْ عَيْنَايَ دَمْعاً هَامِياً ***كَالسَّيْلِ إِذْ يَجْرِي عَلَي اَلْبَطْحَاءِ(2)

وَ تَسَعَّرتْ نَارُ الجَوَي بِحُشَاشَتِي *** وَ أَنُوحُ كَالْقَمَرِيِّ وَ اَلْوَرْقَاءِ(3)

أَبْكِي عَلَيكَ كَثيبَةً مُستَوْحِشاً *** بَعدَ النَّبِيِّ عَلَيْكِ كُلُّ ثَواءِ(4)

وَ مِنَ الشِّجاءِ تُخاطِبِينَ دِيارَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ مِنْكِ يَنُوءُ بِالْأَرِزَّاءِ(5)

تَدعِينَهَا يا دَارُ أَيْنَ مُحَمَّدٌ؟ *** فَمُحَمَّدٌ عَنِّي وَ عَنْكِ نَائِي

ص: 140


1- (*) مرت ترجمة الشاعر سابقاً.
2- هَمَتْ عينهُ هَمْياً و همُيِّاً و هَمَياناً: صبَّت دمعها، أو سال دمعها، لسان العرب.
3- سَعَّر الحرب و النار: أو قدهما وهيّجهما و تستمرت: استوقدت ومنه قوله تعالي: «وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ». و الجوي: الحُرقة و شدّة الوجد من عشق أو حزن و الحُشاشة: روح القلب و رمق حياة النفس، أو هي بقية الروح في المريض. و القُمرَيّ: طائر يشبه الحمامَ القُمرَ البيض و القمْريَّةُ و الورقاء: ضربان من الحمام. قيل : و ذلك يشير إلي لونيهما، فالورقاء بمعني السمراء و القمرّية بمعني البيضاء و الجمع وُرْقّ و قُمْرّ و قماري.
4- التَّواء: طول المقام، عن اللسان و هو الموت، عن المنجد.
5- الشجا: مقصورة، الهمُّ و الحزن و المدّ للضرورة. انظر المنجد وينوء بالأرزاء: ينهض بها بثقل و مشقّة. و الأرزاء: جمع رُزْء و هو المصيبة.

يَا دَارُ كُنْتِ مُضِيئَهةً بِضِيَائِهِ *** وَ اَلْيَوْمَ قَدْ غُشِيتِ بِالظَّلْمَاءِ

لاَ تَرْتَجِي يَا دَارُ عَوْدَةَ عَائِدٍ *** مِنْهُ وَ لاَ تَرْدِيدَ أَيَّ نِدَاءِ

مَاتَ اَلنَّبِيُّ فَأَعْوِلِي يَا دَارَنَا *** مَا فِيكِ الاّ وَحْشَةُ الاصداءِ

أَلْيَوْمَ ماتَ أَبِي وَ مَنْ عَمَّ الوَرِي *** بِالْفَضْلِ وَ اَلْإِحْسَانِ وَ اَلنَّعْمَاءِ

مَاتَ اَلَّذِي نُسْقِي اَلْغَمَامَ بِوَجْهِهِ *** وَ نُعَمُّ بِالْأَنْدَاءِ وَ اَلْأَنْوَاءِ(1)

تَاللَّهِ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ مُصابُكمْ *** رُزْءٌ يُقْصِّرُ جُمْلَةَ اَلْأَرِزَّاءِ

عَنْهُ، فَلَيسَ هُنَاكَ رِزْءٌ مِثْلُهُ *** أَبَداً لَدَي الأَرِزَّاءِ وَ اَللَّأْوَاءِ

أَبْكِيكِ مَغْشِيّاً عَلَيْكَ كَسِيرَةِ اَلضِّلْعَيْنِ *** مُلْقَاةً عَلَي الْغَبْراءِ

دَخَلُوا عَلَيْكَ اَلدَّارَ جَهْراً عُنْوَةً *** قَسْراً وَ أَنْتِ بِهَا بِغَيْرِ رِدَاءِ

أَبْكِيكِ وَالمِسمارُ أمسي نَافِذاً *** فِي الصَّدرِ وَ هُوَ مُضَرَّجٌ بِدِماءِ(2)

أَبْكِيكَ خَلفَ الْمُرْتَضِي تَدَعِينَهُمْ *** وَ اَلْقَلْبُ غَصَّ بلوعَةٍ وَ شُجَاءِ

ص: 141


1- الأنداء: جمع ندّي و هو البلل و القطر و الغيث. و الأنواءُ: جمع نوء و هو المطر، أو إشارة إلي وضع مخصوص للنجم يلازمه هطول المطر. أو هو سقوط نجمٍ في الغرب و طلوع آخر في الشرق و من هناك عبّروا عنه بالنَّوء.
2- المستحصل من مجموع النصوص، من مصادر الفريقين أن الاعتداء من قبل القوم، علي الزهراء عليها السلام و أمير المؤمنين عليه السلام قد جري في صور متعدّدة: الأولي: ضرب بضعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باليد و السوط و نعل السيف و قد نسبت النصوصُ كُلَّ ذلك إلي عمر و قنفذ و المغيرة بن شعبة و في بعضها أن قنفداً إنما تجرّأ علي ذلك بأمر أبي بكر و في بعضها أنه بإيعاز و أمر من عمر، بحيث إن ذلك الضرب أحدث في جسدها الحراج و الندوب و الدماليج إلي أن وافاها الأجل متأثرةً بالجراحات و الأوجاع. الثانية: إحراق باب بيتها سلام الله عليها، أو التهديد بإحراقه، وقد صرّحت النصوص بجمع الحطب و الجزل علي باب بيتها و تهديد عمر بالإحراق و قد نبّهه من اجتمعوا معه بأن في الدار فاطمة عليها السلام، فقال: و إن . بل إن الزهراء عليها السلام قد ناشدته عدم الإقدام، لكنه كان مصرّاً علي أن يخرجوا و يبايعوا أبابكر مكرهين. الثالثة: إسقاط الجنين و هو المحسِن، أو المحسَّن و قد نسبته النصوص بصراحة تارة إلي عمر و أخري إلي قنفذ ابن عمه و ثالثة إلي المغيرة بن شعبة و لا يبعد أن يكون الإجهاض قد نتج عن فعل الثلاثة جميعاً. الرابعة: اقتحام الدار بالسلاح، من دون استئذان، مع تصريح سيدة نساء العالمين لهم بأنها تحرّج عليهم دخول بيتها. لكن النصوص تتفاوت في عدد المقتحمين لبيت الرسالة و العصمة، علي أن القدر المتيّقن منه كونهم عشرة أو ما يقرب من ذلك و لعلّ ما يوضّح ذلك قول بعض الروايات: «أن عمر و أصحابه اقتحموا الدار و فاطمة عليها السلام تصيح وتناشدهم الله» و في أخري: «فانطلق قنفذ فاقتحم الدار هو و أصحابه بغير إذن فبادر علي إلي سيفه ليأخذه فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه، فقبضوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود» و في ثالثة: «فجاء عمر في عصابة فيهم فلان و فلان فاقتحموا الدار، فصاحت فاطمة عليها السلام و ناشدتهم الله...» و قد أتينا في الهامش السابع عشر من القصيدة الثالثة عشرة علي ذكر اثني عشر رجلاً من القوم الذين هاجموا البيت و اقتحمه أكثرهم، إن لم يكن كُلّهم، فراجع. الخامسة: العصر من وراء الباب و الإدماء و قد نسبته النصوص التي بأيدينا إلي قنفذ بن عمير و المغيرة بن شعبة و عمر علي الأقلّ و لئن كان ثمة ترديد في البين فإنّه راجع إلي تحديد الباب الذي وقعت بوسيلته الجريمة. فهل هو باب الدار كلها، أم باب حجرة الزهراء عليها السلام نفسها؟ حيث يفهم من بعض النصوص الأول و من بعضها الآخر الثاني. السادسة: كسر الضلع و قد نصت عليها بعض النصوص بصراحة و وضوح. حيث ورد في بعضها : «فألجأها قنفذ إلي عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها». هذا كله بخصوص ما جري بحقّ الزهراء عليها السلام و أما ما جري بحق أميرالمؤمنين عليه السلام في تلك الواقعة، فهو اغتصاب الخلافة و اقتحام بيته و انتهاك حرمته و التهديد بإحراق بيته وإخراجه ملبّياً و سوقه من بيته إلي المسجد سوقاً عنيفاً و تهديده بالقتل إن لم يبايع. و كما هو واضح فإن ما قمنا به هنا هو فرز الأحداث و توضيحها بشكل ممنهج، لكي يتسنّي للقاريء ملاحظة ذلك، عند ذكرها منثورة بين الهوامش. مضافاً إلي كتاب السقيفة و فدك لأبي بكر الجوهري الصفحات 44، 45، 50، 51، 60، 69، 70، 71، 72 و غيرها و بيت الأحزان للمحدث القمي، نقلاً عن: المجلد الثامن من البحار بطبعته القديمة ص 222، 223، 224، 231 و غيرها من الصفحات . السابعة: الشتم و الإهانة قولاً و فعلاً بحقّها عليها السلام و قد صرّحت النصوص بصدوره من عمر ابن الخطاب علي وجه الخصوص و من أبي بكر و غيره علي وجه العموم. أما عمر فقد ذكرت مصادر الفريقين مع شيءٍ من التفاوت أنه حينما جاء مصحوباً بعصابته يريد هتك حرمة بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و كانت فاطمة عليها السلام وراء الباب و دقّ الباب دقاً عنيفاً، فقالت له فاطمة عليها السلام: يا عمر مالنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه؟! قال: افتحي الباب و إلاّ أحرقناه عليكم! فقالت: يا عمر أما تتقي الله «عزّوجل» تدخل عليّ بيتي و تهجم علي داري... فأبي أن ينصرف. ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة عليها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه! وحينما طالبت فاطمة عليها السلام أبابكر بفدك و العوالي و سائر حقوقها، فرأي نفسه محجوجاً أمامها و قرّر أن يكتب لها ذلك، إذ جاء عمر مسرعاً و هو يقول: يا خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لاتكتب لها حتي تقيم البينة بما تدّعي! و لمّا جاءت بعلي عليه السلام و أم أيمن و الحسنين عليهما السلام يشهدون، قال عمر: أم أيمن امرأة أعجمية لا تفصح و أما علي عليه السلام فيجر النار إلي قرصه، فرجعت فاطمة عليها السلام مغتاظة فمرضت... إلخ. ومرة تذكر الروايات أنها (عليها السلام) حجت أبابكر فكتب لها بذلك كتاباً، فلقيها عمر، فسألها، فقالت: كتاب كتبه لي أبوبكر، فجرّ عمر منها الكتاب و بصق فيه و خرّقه. و في رواية : أنه طلب الكتاب منها فامتنعت، فرفسها برجله و أخذ الكتاب منها قهراً و بصق فيه و خرّقه و قال: هذا فيء للمسلمين... فقالت: بقرت كتابي بقرالله بطنك. و عندما جاء هو (عمر) و أبوبكر يزعم طلب الصفح و العفو من فاطمة عليها السلام بعد كل الذي ارتكباه بحقّها... و كان منها عدم الصفح، فجعل أبوبكر يبكي، لكن عمر صار يقول: تجزع يا خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قول امرأة. و أما أبوبكر فليس أدلّ علي إهانته لها من ردّها حين طالبت بحقّها و هي الصدّيقة الطاهرة عليها السلام التي أذهب الله عنها الرجس و طهّرها تطهيراً و كذلك ردّ و كلاءها في فدك و حيطانها السبعة و أوضح من ذلك أمره لقنفذ بن عمير أن يهجم علي دارها و إن لم تأذن، ثم المزها و بعلّها (صلوات الله عليهما) في خطبته المعروفة بعد أن خرجت في طلب حقّ علي عليه السلام في الخلافة.

ص: 142

خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي مَا لَكُمْ يا عُصْبَةٌ *** رَوَّعْتُمْ بِفِعَالِكُمْ أَبْنَائِي(1)

رَجَعُوا إِلَيْكَ بِالسِّياطِ وَ آلَمُوا *** مِنْكَ الْمُتونَ بِقَسْوَةٍ وَ عَنَاءِ

لَطَمُوا عُيُونَكِ يَا لَهَا مِنْ لَطْمَةٍ *** قَدْ أَوْرَثَتْهَا حُمْرَةً بعماءِ

يَا بِنْتَ أَحْمَدَ مَا ذَكَرْتُ مُصَابَكُمْ *** الاّ غَصَصْتُ بلوعَةٍ وَ بُكَاءِ

صَلِّيَ عَلَيْكِ اَللَّهُ مَا قَمَرٌ بَدَا *** وَ بِنُورِهِ أجَلي دُجِّيُّ اَلظَّلْمَاءِ

ص: 143


1- إشارة إلي موقفها و صرختها في المسجد التي حالت بها دون أن يقدم القوم علي قتل علي عليه السلام، فراجع.

(14) حياة الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن الصفار (*)(1)

رَوْعُةُ اَلْحَقِّ وَ اَلْعَفَافِ تَجَلَّتْ *** مَنْ مُحْيَا اَلصِّدِّيقَةِ اَلزَّهْرَاءِ

ص: 144


1- (*) هو الشيخ حسن ابن الحاج موسي ابن الشيخ رضي ابن الحاج علي ابن محمد بن حسن ابن فردان الصفار التاروتي. ولد في القطيف في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية في الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة (1377 ه)، نشأ بها نشأة طيبة و تربّي في كنف والده الصالح و شبّ علي حب العلم و الأخلاق الحسنة. و المترجّم له تعلّم القرآن في مدرسة أهلية ثم انضم إلي المدارس الحكومية (الابتدائية و المتوسطة). ولدت له رغبة شديدة جداً لممارسة الخطابة و هو في عنفوان شبابه و قد تعلّق بخدمة أهل البيت «عليهم السلام» و نصرتهم فحالفه التوفيق و ذاع صيته و اشتهر اسمه حتي بات يعدّ بطلاّ من أبطال المنبر الحسيني الشريف و علماً من أعلام الخطابة و بالإضافة إلي قدرته الخطابية فإنه يحظي بتقدير العلماء و الأدباء في القطيف و غيرها و له جمهور منقطع النظير. أما دراسته الحوزوية الدينية فقد بدأها في بلاده القطيف ثم هاجر إلي النجف الأشرف في عام (1391 ه) و تتلمذ علي أفاضل الأساتذة هناك ثم انتقل إلي قم المشرفة و واصل نشاطه الدراسي عبر حلقاتها العلمية كما تلقّي بعض الدراسات الإسلامية في الكويت علي أفاضل الأساتذة و العلماء. أقام المترجم له في عمان/ مسقط ثلاث سنوات ممارساً لنشاطه الديني و الفكري و كان إمام جماعة للمؤمنين هناك من سنة (1394 ه - 1397 ه). ثم عاد إلي القطيف سنة (1397 ه) منشغلاً بإمامة الجماعة و إلقاء المحاضرات و الإصلاح الاجتماعي. و شيخنا الصفار له إسهامات فعّالة و ناشطة في تشييد المؤسسات الدينية و الثقافية و الاجتماعية في مختلف البلدان و الدول و يُعدّ الآن من رموز و قيادات الحركة الإسلامية و أحد العلماء و المفكرين الإسلاميين. و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة نذكر منها: ا- ولكل أمة رسول صلي الله عليه آله و سلم/ ترجم إلي اللغة السواحلية. 2 - الصوم مدرسة الإيمان. 3 - الحسين و مسؤولية الثورة/ ترجم إلي اللغة الفارسية. 4 - رؤي الحياة في نهج البلاغة/ ترجم إلي اللغة الفارسية. 5 - المرأة مسؤولية و موقف/ ترجم إلي اللغة الإنكليزية . 6- المرأة العظيمة و غيرها. و لا يزال الشيخ الصفار يمارس دوره الثقافي و الاجتماعي علي مختلف الأصعدة.

بُضْعِةُ اَلْمُصْطَفِي وَ زَوَّجُ عَلِيِّ *** وَ هِيَ أُمُّ اَلْأَئِمَّةِ اَلْأُمَنَاءِ

وَ عَلَي صَدْرِهَا وَ سَامَاتُ مَجْدٍ *** مِنْ أَبِيهَا لَكِنْ بِأَمْرِ اَلسَّمَاءِ

فَاطِمٌ بَضْعِتي وَ يَرْضَي لَهَا اَللَّهُ *** وَ يُرِدي مَنْ نَالَهَا بِأَذَاءِ(1)(2)

هِي سِتُّ اَلنِّسَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ *** لاَ عَلَي مَرْيَمٍ وَ لاَ حَوَّاءِ(3)

لَيْسَ يَعْني بِذَا مجرَّدَ حُبِّ *** إِنَّمَا الحُبُّ سُلِّمُ الاِقْتِدَاءِ

نَبَتَتْ فِي رَبِّي الْكِفاحِ فَمَا مَرَّتْ *** عَلَيْهَا دَقِيقَةٌ بَرْخَاءِ

فَتَحَتْ عَيْنَهَا عَلَي مَشْهَدِ اَلْوَحْيِ *** كَذَا سَمِعُهَا بِنُطْقِ اَلسَّمَاءِ

وَ تَرَي اَلْوَالِدَ اَلْحَنُونَ يعانِي *** مَنْ أَذَي قُؤمِهِ أَشَدَّ اَلْعَنَاءِ

أَلَّفَتْ نَفْسُهَا الْجِهَادَ فَصَارَ *** اَلْحَقُّ مِنْهَا يَجْرِي بِمَجْرَي اَلدِّمَاءِ

وَ لِهَذَا قَامَتْ بِأَعْظَمِ دُورٍ *** تَنْشُرُ اَلْوَعْيَ فِي صُفُوفِ اَلنِّسَاءِ(4)

وَ اعْتَدَّتْ بَيْنَهُنَّ فِي أُحَدٍ تَبْكِي *** حَمْزَةُ اَلْخَيْرِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ(5)

لَمْ تَزَلْ تَخدِمُ الشَّريعَةَ حَتّي *** خَطَفَ المَوتُ خاتَمَ الأنبياءِ

ص: 145


1- يُردي: يهلك.
2- يشير الشاعر إلي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يسرني ما أسرّها و إن الله «تبارك وتعالي» ليغضب لغضب فاطمة عليها السلام و يرضي لرضاها.
3- إشارة إلي أنها «سلام الله عليها» سيدة نساء العالمين جميعاً. انظر: تاريخ التواريخ، ج 3.
4- إشارة إلي خطبتها عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله وسلم عند مطالبتها بفدك عند ذهابها مع مجموعة من نساء المهاجرين و الأنصار و كذا خطبتها عندما زارتها مجموعة من نساء المهاجرين و الأنصار في مرضها «سلام الله عليها».
5- اغتدتْ: جاءت في الصباح الباكر.

فاجؤُوهَا بِالإِنْقِلاَبِ وَ وَلَّوْا *** أَمْرَهُمْ غَيرَ سَيِّدِ الْأَوْصِيَاءِ

حُمِلَتْ رَايَةَ اَلْجِهَادِ إِلَي الْمَسْجِدِ *** تَدْعُو بِمَحْضَرِ (اَلْخُلَفَاءِ)(1)

أَنْذَرْتُهُمْ بِأَنَّهُمُ بَدَوؤا اَلسَّيْرَ *** بِعُنفٍ عَلِي طَرِيقِ الشَّقاءِ

يَا حَيَاةَ الزَّهْراءِ أَنْتِ كِتابٌ *** كُلُّ حَرْفٍ فِيهِ مَشَعُ ضِياءِ

كُلُّ سَطْرٍ مِنْهُ طَرِيقُ نَضَّالٍ *** لِلْمَعَالِي وَ مَنْبَعٌ لِلصَّفَاءِ

يَا بِنَةَ الْمُصْطَفِيَ اَلصِّرَاعُ طَوِيلٌ *** بَيْنَ خَطِّ اَلْهُدي وَ خَطِّ الْمِرَاءِ(2)

لَمْ نَزَلْ فِي سَعَادَةٍ وَ هناءٍ *** حَيْثُ إِنَّا مِنْ شِيعَةِ الزَّهْراءِ(3)

ص: 146


1- إشارة إلي الخطبة الجليلة التي ألقتها عليها السلام في المسجد النبوي وما لهذه الخطبة من أدلة و حجج علي القوم و إنذار.
2- خطّ المراء: خطّ الجحود.
3- لعل هذا إشارة إلي شفاعة الزهراء عليها السلام لمحبيها و شيعتها يوم القيامة.

(15) البضعة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ حسن طراد العاملي(*)(1)

ص: 147


1- (*) الشيخ حسن طراد ولد في بلدة معركة، إحدي قري جبل عامل جنوب لبنان سنة (1931م) و بدأ دراسته الحوزوية بعد أن طوي مرحلة من الدراسة في المدرسة العصرية و أصبح مستعداً لتلقّي الدروس العلمية الحوزوية المعهودة و بدأ بدراسة المقدمات المعلومة الممهّدة لتلقّي ما يترتب عليها و يُؤخذ بعدها مباشرة و هو ما يسمي بالسطوح و بعدها تأتي مرحلة بحث الخارج و بعد انهائه مرحلة المقدمات المذكورة في وطنه لبنان علي يد أفاضل علمائه سافر إلي النجف سنة (1954م) و طوي مرحلة السطوح المعهودة أصولاً علي يد سماحة حجة الإسلام المرحوم السيد إسماعيل الصدر (قد سرّه العالي)، حيث درس علي يده كتابي الكفاية بجزئيها - و الرسائل خلال أربع سنوات تقريباً- و فقهاً كتابي اللمعة و المكاسب علي يد حجة الإسلام الشيخ محمد تقي الجواهري فرج الله عنه خلال أربع سنوات تقريباً و بعد أن أنهي مرحلة السطوح بدراسة الكتب المذكورة بدأ مرحلة بحث الخارج العالي أصولاً و فقهاً علي يد أستاذه آية الله العظمي السيد أبي القاسم الخوئي (قد سرّه العالي)، مدة ثلاث عشرة سنة تقريباً و أصولاً علي يد أستاذه آية الله العظمي الشهيد محمد باقر الصدر (قد سرّه العالي)، خلال المدة المذكورة، و بعد ذلك طُلبَ منه الحضور إلي لبنان ليملأ الفراغ الذي حصل بوفاة عمه السببي حجة الإسلام «المغفور له» الشيخ حسين معتوق (قد سرّه العالي)، فلبي الطلب و ملأ الفراغ بالقيام بالدور الذي كان يمارسه «رحمه اللَّهُ» بإقامة صلاة الجماعة و إلقاء الخطبة التوجيهية ظهر يوم الجمعة، مع سائر المهام التي يقوم بها رجل العلم الديني عادة و أضاف المترجم له لتلك المهمام إعطاءه الدروس الحوزوية ابتداء بأصول المظفر و مروراً بالكفاية و الرسائل و المكاسب و انتهاء ببحث الخارج في علم الأصول و قد أنهي القسم الأول منه و هو مباحث الألفاظ و سيشرع قريباً إن شاء الله تعالي، بالبحث حول القسم الثاني منه و هو بحث الامارات و الأصول العملية، شرع بالتأليف مؤخراً نتيجة ظروف استثنائية حالت دون مبادرته له أول حضوره من النجف سنة (1981 م) صدر من مؤلفاته: (1) الجزء الأول من وحي الإسلام، (2) فلسفة الصيام في الإسلام، (3) فلسفة الحج في الإسلام، صدرت خلال سنتين تقريباً و سيصدر له كتاب رابع و هو (فلسفةالصلاة في الإسلام) بعونه تعالي و توفيقه. بدأ بنظم الشعر و هو ما يزال في المرحلة الأولي من مراحل دراسته العصرية و ساهم في إلقائه في بعض المناسبات الاجتماعية رثاء و مدحاً و تهنئة و بعد سفره إلي النجف استمر علي النظم و المشاركة في المناسبات الدينية و الاجتماعية و بقي علي ذلك بعد عودته إلي وطنه ولكن في إطار محدود مقتصراً علي المناسبات الجليلة و بمقدار لا يتجاوز حد المقطوعة غالباً، ركّز في شعره علي الجانب التربوي الإصلاحي في أغلب المناسبات و قد أشار إلي ذلك بالمقطوعة التالية: لستُ أهوي القريضُ فناً و وزناً *** فاقداً روحَ حِكمةِ الإيمانِ قمةُ الشعرِ حكمةٌ تتجلّي *** في سَناها حقائِقُ العِرفانِ تبعثُ النقدَ في العقولِ وتَجلُو *** غَيهَبَ الجهلِ، عن سمَا الأزمانِ إن هذا سرُّ السمُوِّ لشعرِ *** نرتئيه لا روعةُ الأوزانِ و كان لأهل البيت عليهم السلام - عامة و سيد الشهداء عليه السلام خاصة- النصيب الأوفي من شعره حيث كان و ما يزال ينظم مقطوعات مختصرة معبّرة ومربيّة من وحي مناسبات ولادتهم أو شهادتهم و فيما يلي بعض ما نظم من وحي عاشوراء مشيداً ومقدراً تضحية سيد الشهداء. من وحيِ عاشوراءَ أَشرَق كوكبُ *** للحقِّ يَجلُو غَيهَبَ الظلماء ويُنيرُ دَربَ التضحياتِ لثائرٍ *** رَفَضَ الخُضوعَ لزُمرةِ الأعداءِ

غَابَتْ فَغَابَ شُعَاعُهَا اَلْوِضَاءُ *** شَمْسٌ تَنَارُ بِضَوْئِهَا اَلْأَجْوَاءُ

وَ تَضاءُ آفاقُ اَلْعُقُولِ لِتَزْدَهِي(1) *** بِضِيَائِهَا اَلْأَفْكَارُ وَ اَلْآرَاءُ

بِنْتِ اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي زَوْجُ الْوَصِيِّ *** المرتضي وَ البَضعةُ اَلزَّهْرَاءُ

أُمِ اَلْهُدَاةِ اَلطَّاهِرِينَ وَ كُلُّهُمْ *** مِثْلٌ تُشَعُّ وَ رِفْعَةٌ وَ سَنَاءُ

هُمْ عِلَّةُ الْإِيجادِ لَوْلا نُورُهُمْ *** مَا كَانَ خَلَقٌ وَ اِسْتَقَامَ بِنَاءُ

مِنْ أَجْلِهِمْ سَجَدَتْ مَلاَئِكُةُ اَلسَّمَا *** لِأَبِيهِمُ وَ تَجَلَّتِ الاسماءُ

الْكَوْنُ جِسْمٌ جَامِدٌ وَ مُحَمَّدٌ *** وَ الْآلُ رُوحٌ طَاهِرٌ وَ نَمَاءُ

وَ هُم سفِين نَجَاةِ مَنْ لَزِمَ اَلْهُدْيَ *** نَهْجاً وَ وجَّهَ سَيرِهُ الْأُمَنَاءُ

وَ هُمْ كِتَابٌ نَاطِقٌ لَمْ يَتَضِحْ *** لَوْلاَهُ وَحَيٌ صَامِتٌ وَ نِدَاءُ

وَ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي زَمَانٍ غيابهمْ *** بِهَدْيِ اَلْأَنَامِ السَّادةُ الْعَمَاءُ

أَقْوَالَهُمْ قَوْلُ اَلْإِمَامِ وَ نَهْجُهُ *** وَ نَهْجُ اَلرَّسُولِ وَ مَا بِذَاكَ خَفَاءُ

ص: 148


1- الإزدهاء: هو الإشراق والإضاءة.

وَ بسيرنا فِي نَهْجِهِمْ نُحْيِي لَهُمْ *** ذِكْرَاهُمُ وَ هِيَ السَّنَا الْوَضاءُ

هِيَ لَيْسَ تُحْيِي بِالْبُكاءِ وَ اِنَّما *** تُحْيِي سِناها عِفَّةٌ وَ حَيَاءُ

وَ تضامنٌ يَحْمِي اَلْهُدْيَ وَ تعاونٌ *** يَمْحُو الشَّقَا وَ مَوَدَّةٌ وَ إِخاءُ

مِن أَجْلِ ذَا قَتْلَ اَلْحُسَيْنُ وَ بَعْدَهُ *** أَبْنَاؤُهُ وَ اَلصَّفْوَةُ اَلصُّلَحَاءُ

فَاِذَا مَضَيْنَا فِي الطَّرِيقِ تَحَقَّقَتْ *** أَهْدَافُهُ وَ اِنْهَارَتِ الْأَعْدَاءُ

وَ إِذَا أُكْتَفِينَا بِالْمُظَاهِرِ دُونَ أَنْ *** نَجِّنِي مُرَاداً رَامَهُ الشُّهَدَاءُ(1)

لاَنَسْتَفِيدُ وَ لا نُحَقِّقُ مُقصَداً *** كَلاَّ وَ هَل يُحيِي الرَّمِيمَ بُكَاءُ؟(2)

فَلنَعتَصِمْ بِهَديِ السَّما وَلَنَتَحِدْ *** صَفاً يَهابُ صَمُودَه الْخُصَمَاءُ

لَنَحْرِّرِ الوطنَ اَلسَّلِيبَ بِوَحْدِةٍ *** نَجِّنِي بِها مَا نَبْتَغِي وَ نَشَاءُ

وَ إِذَا عرا وَطَنَّاً نُقْدِسُه ظَمّا *** تَرْوِيهِ مِنْ جِسْمِ اَلشَّهِيدِ دِمَاءُ

وَ إِذَا تَدَنسَ بِاحْتِلاَلٍ غَادِر *** تَجْلُوهُ مِنَّا ثَوْرَةٌ وَ فِدَاءُ(3)

ص: 149


1- رامه: قصده.
2- الرميم: البالي من العظم.
3- تجلوه: من الجل، . و و الخروح من البلد (مختار الصحاح، ص 108).

(16) و مَضَت الي الرحمن

(بحر الكامل)

السيد حسين الشامي(*)(1)

قَلْبِي يَذُوبُ عَلَيَّ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ مَدَامِعِي تَجْرِي دَماً بسخاءِ

حُزْناً عَلَيَّ اَلطُّهْرِ اَلْبَتُولَةِ إِنَّها *** رَحَلَتْ بِقَلْبٍ غَصَّ بِالْبَلْوَاءِ

ص: 150


1- (*) هو السيد حسين ابن السيد إبراهيم ابن السيد بركة الموسوي الشامي. ولد في مدينة الشامية (العراق) سنة (1372 ه) الموافق (1953 م). نشأ و ترعرع في ظل أسرته و ربِّي تربية صالحة و أخذ دراسته الابتدائية و المتوسطة و الثانوية في مدينة الشامية. و بعدها انتقل إلي النجف الأشرف ليرتشف من معين العلم و الفقه و الأدب و المنطق. فقطع شوطاً في مقدمات العلوم الحوزوية علي يد الأفاضل من العلماء، فكان منهم السيد كاظم الحكيم و السيد كمال الحكيم و السيد كاظم الحائري و السيد محمود الهاشمي و الشيخ حسن طراد العاملي و غيرهم. و في سنة (1400 ه) (1980 م) هاجر إلي إيران و استقرَّ في مدينة قم المقدسة ليواصل دراسته الحوزوية فحضر درس الخارج عند آية الله السيد كاظم الحائري و عند آية الله السيد محمود الهاشمي، فأخذ قسطاً وافراً من العلم و الفضل و أخيراً استقرّ في لندن، و مارس دوره الديني مبلغاً و مرشداً إلي الحق و الفضيلة و هو اليوم محل تقدير المثقفين و الأدباء، أحبَّ الشعر و شغف به و جعل يقرض الشعر فأجاد في النظم، فشارك في الندوات الدينية و الأدبية فكان له قصب السبق - و هو يجيد الشعر علي النهجين الشعبي و القريض و للمترجَم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة منها: 1- التوازن في الشخصية الإسلامية. 2 - أزمة العراق -رؤية من الداخل- 3 - الزمن في حركة العاملين. 4 - تهذيب التفسير الكبير -للفخر الرازي- في سبع مجلدات. 5- ديوان بعنوان (مناجاة القلب). ما يزال مثابراً في دورة الثقافي و الديني.

رَحَلْتْ بِحَسْرَتِهَا وَ ظَلَّ وَ رَاءَهَا *** سِرُّ الجَوي وَ اَلْجَمْرُ فِي الْأَحْشَاءِ(1)(2)

وَ مَضَتْ إِلَي اَلرَّحْمَنِ تَشْكُو أُمَّةً *** نَقَضَتْ عُهُودَ الشرعةِ اَلْغَرَّاءِ(3)

تَدْعُو أَبَاهَا وَ هِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ *** أَدْرَي بِمَا فَعَلَتْ يدُ الطُّلقاءِ(4)

أَبَتِي أَتُسَلَّبُ نِحْلَتِي(5) مِنِّي وَ فِي *** بَيِّتي تُشَبُّ مَوَاقِدُ اَلْبَغْضَاءِ؟!(6)

أبتِي أَلاَّ تَدْرِيَ بِمَا فَعَلَ اَلْعِدَي *** فِينَا وَ قَدْ جَارُوا عَلَي أَبْنَائِي؟!

مِنْ بَعْدِ أَنْ حَمَلُوا اَلْإِمَامَ مُبَايِعاً *** وَ هُوَ الْوَصِيُّ و أَوَّلُ الْخُلَفاءِ

و نَسُوا وَصَاياكَ الَّتِي وَصَّيْتَهُمْ *** فِيهَا بِخُمِّ فِي غَديْرِ اَلْمَاءِ(7)

أَوْ لَمْ تَقُلْ: هَذَا عَلَيٌ فِيكُمْ *** خَلْفِي وَ مَنْ عَادَاهُ مِنْ أَعْدَائِي

أبَتِي أَضَاعُوا اَلْعَهْدَ ثُمَّ تَكْشفَتْ *** أَحْقَادُهُمْ بِالشَّرِّ وَ الضَّرَّاءِ

صَعِدُوا عَلَي بَابِ اَلنَّبِيِّ كَأَنَّهُمْ *** يُحْيَوْنَ ثَارَاتٍ لَدَي اَلْآبَاءِ

قَدْ قِيلَ: فِيهِ فَاطِمُ! قَالوا و إنْ *** فَاليَوْمَ نُحَرِّقُهَا عَلَي الزَّهْرَاءِ(8)

ص: 151


1- الجوي: الحرقة و شدّة الوَجدْ من الحزن.
2- يشير الشاعر في هذين البيتين إلي ما لاقت الزهراء عليها السلام من حزن وبلاء بعد وفاة والدها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. راجع كتاب صحيح البخاري، ج 4، ص 1619، وأمالي الصدوق، ص121، ح رقم 5، و مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 119 و ص 322 و كتاب عوالم العلوم، ج 2، ص 787.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلي شكواها إلي الله يوم القيامة من جور ما أصابها وأصاب ذريتها. راجع مقتل الخوارزمي، ج 1، ص 52 و البحار، ج 43، ص 221 و ص 219 ۔ 220 نقلاً عن أمالي الصدوق.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلي مناداة أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما أصابها من ظلم و أذي عليه السلام. راجع كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد، ص135.
5- نحلتي: النحلة بكسر النون أو ضمّها الهبة و العطيّة و مهر المرأة (المنجد 795).
6- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سلب نحلتها فدك و حرق دارها عليها السلام راجع كتابا مسند أحمد، ج 1، ص 9، و ج 1، ص 13 و السنن الكبري، ج 6، ص 300، كما في عوالم العلوم، ج 2، ص 129 و ج 2، ص 631.
7- غدير: نهر، القطعة من الماء يُفادرها السيل.
8- يشير الشاعر في هذا البيت إلي ما روي من أنّ عمر بن الخطاب أقبل بالنار علي دار فاطمة عليها السلام ليحرقها فقيل له إن فيها فاطمة فقال و إن. راجع كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج 1، ص 12.

أَبَتَاهْ غَاضِبَةً أَظَلُّ عَلَيْهِمُ *** وَيَظَلُّ حَتَّي اَلْحَشْرِ صَوْتُ بُكَائِي(1)

ص: 152


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سخط فاطمة عليها السلام علي من آذاها. ففي كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج 1، ص 14 حين جاء أبوبكر و عمر لاسترضاء فاطمة عليها السلام، قال: قالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة عليها السلام أحبّني فقد أحبني و من أرضي فاطمة عليها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني، قال : نعم سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأشكوكما إليه ... إلخ. و في كتاب دلائل الإمامة للطبري، ص 45، قال : و كان رجلان من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم سألا أمير المؤمينن عليه السلام أن يشفع لهما فسألها فأجابت و لما دخلا عليها قالا لها: كيف أنتِ يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقالت بخير بحمد الله ثم قالت لهما أما سمعتما من النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله؟ قالا بلي قالت : و اللَّه لقد آذيتماني فخرجا من عندها و هي ساخطة عليهما و ذكره الصدوق في علل الشرائع، ج 1، ص 220 - 222 و في البحار، ج 36/ 308.

(17) الإنسية الحوراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الطرفي(*)(1)

هِيَ إِنْسِيَّةٌ نِمَتْهَا اَلسَّمَاءُ *** بَارَكَتْهَا اَلْخَضْرَاءُ وَ اَلْغَبْرَاءُ(2)

ص: 153


1- (*) هو الشيخ حسين إبن الشيخ عبدالعالي بن محمد الطرفي و هو من أسرة مشايخ بني طرف الكرام. ولد في (بستان) و هو من توابع مدينة الأهواز جنوب إيران في الثالث من شهر شعبان سنة (1356 ه) الموافق 3/ 3/ 1937 م فنشأ في جوّ من الفضيلة و العلم و كان برعاية والده المرحوم الشيخ عبد العالي الطرفي فأخذ منه تعليمه الأوّلي في القراءة و الكتابة و تعلم قراءة القرآن الكريم و هو ابن سبع سنين. هاجر المترجم له مع والده إلي النجف الأشرف في عام (1366 ه) و هو ابن عشر سنين فدرس المقدمات من النحو و الصرف و الفقه و كانت مدة إقامته فيها أربع سنوات. ثم غادرها راجعاً إلي إيران، فأقام في مدينة قم المقدسة لتكميل مراحله الدراسية في حوزتها، فأكمل السطوح العالية ثم حضر بحث الخارج فلازم درس آية الله الشيخ هاشم الآملي وآية الله السيد علي الفاني في قم وآية الله الشيخ محمد الكرمي في الأهواز. حتي برع فاضلاً يشار له بالبنان وراح يرتقي منبر الوعظ و الإرشاد لرغبة أكيدة من والده في أن يسجل اسم ولده في سجل خدمة الحسين «عليه الصلاة و السلام» و كان حقاً مثالاً للولد البار بأبيه حيث استجاب لرغبته و صار من الخطباء الناجحين. و قد رأيته في الكويت يرقي المنبر و الحق أنه بطل في الخطابة و العلم و له نظم جيد رائع، بدأت بواكيره و هو في الخامسة عشرة من العمر. و لم تنحصر خدمات الشيخ الجليل بالمنبر و الشعر و إنما له دور جيد في بناء المؤسسات الدينية. إبتدأ المترجم له بقرض الشعر و هو في الخامسة عشرة من عمره. فقد شارك أخاه الأكبر حجة الإسلام الشيخ صالح الطرفي في تأسيس مسجد في إحدي مناطق الأهواز، ثم انفرد بإحداث حسينية في مدينة البستان حيث قضي فيها ثمان عشرة سنة من عمره قضاها بالوعظ و الإرشاد و بعد أن نشبت الحرب العراقية الإيرانية انتقل إلي مدينة الأهواز ليمارس دوره الديني و التبليغي هناك ما يزال يؤدي وظائفه الدينية و التربوية . و لشيخنا الطرفي إنجازات ثقافية مخطوطة في التاريخ و التفسير و السيرة و الأخلاق و له ديوان شعر. عسي اللّه أن يهييء له ظروفاً مناسبة لتجد مخطوطاته طريقها إلي الطبع.
2- الخضراءُ: السماء: صفة غلبت غلبة السماء. و الغبراءُ: الأرض، بنفس التقريب و في الحديث: ما أظلّت الخضراءُ و لا أقلت الغبراءُ أصدقَ لهجةً من أبي ذرٌ. انظر لسان العرب و الحديث منه أيضاً.

تُحْفَةُ اَللَّهِ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اَللَّهِ *** فَهِيَ الإنسيةُ اَلْحَوْرَاءُ(1)

بَشَّرَ اَلْمُصْطَفَي خَدِيجَةَ لَمَّا *** بَشَّرَتْهُ المَلائِكُ الْأُمَنَاءُ(2)

أَنَّهَا اَلنَّسْلَةُ اَلَّتِي بَارَكَ اللهُ *** عليها فَنَسْلُهَا اَلْأَوْصِيَاءُ

أَنَّهَا الْبَضْعَةُ الْبَتُولُ وَ رَيْحَانَةُ *** قَلْبِي وَ فَاطِمُ اَلزَّهْرَاءُ

حَدَّثَتْ أُمَّهَا جَنِيناً فَأَلَّفَتْ *** أُمُّهَا فِي حَدِيثِهَا مَا تَشَاءُ(3)

وُجِدَتْ سَلوةً بِهَا عَنْ جَفَاءٍ *** سَمَنَهَا فِيهِ مِنْ قُرَيْشٍ نِسَاءُ(4)

ص: 154


1- و عن ابن عباس، كما في بحار الأنوار 5/43 - 6/ ح 5، قال: دخلت عائشة علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقبّل فاطمة عليها السلام، فقالت : أتحبّها يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال : أما والله، لو علمتِ حبّي لها لازددتِ لها حبّاً، إنه لما عُرجِ بي إلي السماء الرابعة ... إلي أن يقول: فإذا أنا برطبِ ألين من الزبد و أطيَب رائحةً من المسك و أحلي من العسل، فأخذتُ رطبةً فأكلتُها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا أن هبطتُ إلي الأرض واقعتُ خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسيّة، فإذا اشتقت إلي الجنة شممتُ رائحة فاطمة عليها السلام. و قد روي هذا الحديث مع بعض الاختلاف: الخطيب البغدادي في تاريخه، ج 5، ص 87 و الخوارزمي في مقتل الحسين، ص 63 و محب الدين الطبري في ذخائر العقبي، ص 43 و الدمشقي في ميزان الاعتدال، ج 1، ص 38، و العسقلاني في لسان الميزان، ج 5، ص 160، و القندوزي في ينابيع المودة و الزرندي في نظم درر السمطين، و الشيخ شعيب المصري في الروض الفائق، ص 214.
2- انظر روضة الواعظين، للفتال النيسابوري ص124، كما رواه أيضاً الدهلوي في تجهيز الجيش، ص 99، عن كتاب مدح الخلفاء الراشدين.
3- انظر الروض الفائق لشعيب بن سعد المصري، ص 216، و نزهة المجالس العبد الرحمن الشافعي، ج 2، ص 227، و فيه : قالت أمها خديجة (رضي الله عنها): لما حملت بفاطمة عليها السلام كانت حملاً خفيفاً، تكلمني من باطني. و روي الدهلوي: أنه لمّا حملت خديجة سلام الله عليها بفاطمة عليها السلام كانت تكلمها في بطنها و كانت تكتمها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فدخل عليها يوماً و وجدها تتكلّم و ليس معها غيرها، فسألها عمن كانت تخاطبه، فقالت: ما في بطني، فإنه يتكلم معي. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أبشري يا خديجة سلام الله عليها... إلخ.
4- فقد رووا أن القرشيين و لا سيّما نساءهم كنّ قد اعتزلن خديجة و قاطعنها و شدَّدن عليها، بسبب اختيارها لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم زوجاً و شريكاً و هو قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فيها: «واللّهِ لقد آمنت بي إذ كذّبني الناس و آوتني إذ رفضني الناس». راجع الإصابة لابن حجر بترجمة خديجة سلام الله عليها و ذخائر العقبي لمحبّ الدين الطبري و نزهة المجالس للصفوري الشافعي و ينابيع المودّة اللقندوزي.

وَ تَبَاهَتْ بِهَا خَدِيجَةُ إِذْ قَدْ *** وَلَدَتْ مِنْ تَغَارُ مِنْهَا ذَكَاءُ

وَلَدَتْ مَنْ بِهَا لِشِيعَتِهَا اَلْبُشَرِي *** لِيَوْمٍ تُرْجِي لَهُ الشُّفَعاءُ

وَ تُلْقِّي بِهَا اَلنَّبِيُّ عَطَاءً *** وَ تَوَالَتْ بِها لَهُ اَلْآلاَءُ

وَ فَهِيَ اَلْكَوْثَرُ اَلَّذِي قَالَ عَنْهُ اَللَّهُ *** فِيمَا أَتِيَ لَنَا، لاَ اَلْمَاءُ(1)

يَا لبُشْرِي الْكَمَالِ إِذْ لَقِيتهُ *** قَرَّ عَيْناً بِهَا وَطَّابَ اللِّقاءُ

إِذْ بِها تَمَّ أرْبَعاً عَدَدَ الْكَمْلِ *** مِنْ بَيْنِ مَنْ نَمَتْ حَوَّاءُ(2)

ص: 155


1- إشارة إلي قوله تعالي: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» سورة الكوثر: 1. وأكثر المفسرين علي أن المراد هو كثير الخير من كل شيء و من ذلك كثير الذرية. فالكوثر علي وزن (فَوعل) بمعني الكثير المبالّغ في كثرته. قال أمير الإسلام الطبرسي في تفسير مجمع البيان: و قد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السلام حتي لا يحصي عددهم و اتصل إلي يوم القيامة مددهم 510. و قال السيد صادق الشيرازي، في كتابه (فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن) عند تعرضه لسورة الكوثر: أخرج أصحاب العديد من التفاسير (من أهل العامة) نزول هذه السورة بشأن فاطمة الزهراء بنت الرسول عليها السلام و إليك عدداً منها: منهم البيضاوي في تفسيره، عند تفسير كلمة الكوثر، قال: و قيل أولاده و منهم الفخر الرازي في تفسيره الكبير، قال: الكوثر أولاده صلي الله عليه و آله و سلم، لأن هذه السورة إنما نزلت علي من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعني: أنه يعطيه نسلاً يبقون علي مرّ الزمان، فانظرْ كَمْ قُتل من أهل البيت، ثم العالم ممتليء منهم و لم يبق من بني أميّة في الدنيا أحدٌ يُعبأ به. و منهم شيخ زادة في حاشيته علي تفسير البيضاوي و منهم شهاب الدين في حاشيته علي تفسير البيضاوي و منهم عثمان بن حسن المشتهر ب- (كوسة زادة) في كتابه المسمّي بالمجالس، ص 222، و منهم العلامة أبوبكر الحضرمي في كتابه القول الفصل، ص457 و منهم غير هؤلاء 510.
2- إشارة إلي حديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: «كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران سلام الله عليها و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون سلام الله عليها و خديجة بنت خويلد سلام الله عليها و فاطمة بنت محمد عليها السلام» و طبعاً هذا الحديث قد استفاضت فيه النقول و تعدّدت به الطرق و من الفريقين أيضاً و إن اختلفت التعابير فيها. ففي بعضها: أفضل نساء أهل الجنة أربع و بعضها: خير نساء العالمين أربع و بعضها حسبك من نساء العالمين و ما أشبه. راجع مسند أحمد، ج 2، ص 293 و صحيح البخاري كتاب بدء الخلق و باب علامات النبوّة في الإسلام و سنن الترمذي، ج 2، ص 306 باب مناقب الحسنين عليه السلام و مستدرك الصحيحين، ج 3 ص 156 و حلية الأولياء، ج 2، ص 42، و الاستيعاب لابن عبدالبر في ترجمة خديجة و الزهراء سلام الله عليهما، و أسد الغابة لابن الأثير، ج 5، ص 574، و ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري، ص 49، و الفصول المهمة، ص 129، و كنز العمال للمتقي الهندي، ج 6 ص 217 و غيرهم .

وَ تَبَاهِي بِهَا اَلْجِمَالُ بِقسمَيْةِ *** فَأَضْحِي لَهَا اَلسَّنِي وَ اَلسَّنَاءُ(1)

وَ تَبارَتْ غُرُّ اَلْخِصَالِ إِلَيْهَا *** فَاسْتَوَتْ عِنْدَهَا و جِلَّي اَلْحَيَاءُ(2)

حُشَدَتْ عِنْدَهَا و رَفَّ لَوْاهَا *** وَ بِكَفِّ اَلزَّهْرَاءِ ذَاكَ اَللِّوَاءُ(3)

وَ تَغَذَّتْ بِالْوَحْيِ يَأْتِي أَبَاهَا *** فَهِيَ لَوْلاَهُ وَ اَلنَّبِيُّ سَوَاءُ

وَ اِسْتَعَاضَتْ بِاللَّهِ عَمَّنْ سِوَاهُ *** إِذْ بِهِ -جَلَّ- عَنْ سِوَاهُ غَنَاءُ

وَ اِزْدَرَّتْ عَيْنُها الْحُطَامَ فَمَا *** فَازَتْ لَدَيْهَا بِنَظْرَةٍ أهواءُ(4)

أيْضيرُ اَلزَّهْرَاءَ أَنْ تَرْتَدِيَ *** اَلصُّوفَ وَ يُبْكِي سَلْمَانَ هَذَا اَلرِّدَاءُ

وَ هِيَ مِنْ أَسْبَقِ اَلْعِبَادِ إِلَي *** اَللَّهِ تَعَالَي، وَ مَنْ عَدَاهَا وَرَاءُ

وَ اُصْطُفِيَ اَللَّهُ للبتولِ عَلِيّاً *** وَ اِصْطَفَاهَا لَهُ فَتَمَّ اَلْعَلاَءُ

فَهِيَ لَوْلاَهُ لَمْ تَعُدْ ذَاتَ كُفْؤٍ *** حَيْثُ مَا فِي الْوَرِي لَهَا أَكْفَاءُ

زُوِّجَتْ فِي السَّماءِ وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ *** فَالْحُورُ لِلْبَتُولِ إماءُ(5)

ثُمَّ زُفَّتْ إلَيَّ عَليِّ عَلِي اَلشَّهْبَاءِ *** تَمْشِي بِجَنْبِهَا أَسْمَاءُ(6)

وَ نِسَاءُ النَّبِيِّ يَهْزِجنَ بُشَراً *** و الْهُتَافَاتُ مَرْحَةٌ وَ ثَنَاءُ

أَدْخَلْتْ بَيْتَهَا وَ قَدْ كَلَّلتْهَا *** مِنْ أَبِيهَا يَدٌ لَهُ بَيْضَاءُ

مَدَّهَا بِالدُّعَاءِ لِلطُّهْرِ *** لِلصِّهْرِ ليُنمِي اَلْبَنِينَ هَذَا اَلبنَاءُ

فَاسْتَجَابَ اَللَّهُ اَلدُّعَاءَ فَأَنْمِي *** الحسنَينِ اَلسِّبْطَيْنِ ذَاكَ اَلدُّعَاءُ

فَبَطَّهُ وَ صِهْرِهِ وَ بِسِبْطَيْهِ *** وَ بِالطُّهْرِ تُكْشِفُ اَللَّأْوَاءُ

ص: 156


1- السَّنا، مقصور: حدُّ منتهي ضوء البرق. والسناء، ممدود: من المجد و الشرف.
2- الغُرَّة: البياض الرفعة و المقدَّم و منه سمِّيت الجبهة غُرَّة و الليالي الغُرّ: البيض. و فلانّ غُرَّة من غُرَر قومه: أي شريف من أشرافهم و أسيادهم و جلَّي: غطي و غشي و تقدَّم، انظر لسان العرب.
3- رفَّ: خفق و اهتز.
4- ازدرتْ: احتقرت و استخّفت به.
5- أزلفت : قُرِّبت.
6- الشهباء: فرس أبيض يتخللّه السواد.

(18) عرس الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

عُرْسُ اَلنَّبُؤَةِ شَاعَ فِي اَلْبَطْحَاءِ *** فَحُدَّتْ لَهُ اَلْأَمْلاَكُ بِالْجَوْزَاءِ(2)

ص: 157


1- (*) هو الأستاذ سعيد بن الحاج عبد الحسين بن محمد بن يوسف بن حسين ابن الشيخ سلمان العسيلي الرشافي العاملي. ولد في جنوب لبنان في قرية (رشاف) من جبل عامل قضاء بنت جبيل سنة (1348 ه) الموافق لسنة (1929 م) و منذ القديم امتاز جبل عامل بإنجابه للعلماء و رجالات الفكر و الفقه و الأصول و التفسير و التاريخ و الحكمة و الأخلاق، و لا غرو إذا قيل إن ثلث علماء الشيعة هم من جبل عامل -و هذا هو ثمرة يانعة لجهاد الصحابي الجليل (أبي ذر الغفاري) الذي بذر في هذه الأرض الطاهرة معاني الخير و الصلاح «والبَلَدُ الطَّيِّبُ يُخرِجُ نَباتَهُ بِإِذنِ رَّبه». و شاعرنا الكريم من هذه الأرض الطيبة المعطاءة ، نشأ و ترعرع في ظل والده و بعد أن بلغ السابعة من عمره ابتدأ خطواته التعليمية الأولي في كتاتيب القرآن الكريم يتعلم القراءة و الكتابة. ثم قام بقرض الشعر و هو في سن العاشرة و لاعجب في ذلك فإن والده كان شاعراً مجيداً و قد ورث ذلك منه و سار علي نهجه و الولد سر أبيه. تدرّج المترجَم له في سلّم الشعر حتي أصبح شاعراً معروفاً، ثم أخذ ينشر بعض قصائده في بعض المجلات الأدبية بإسم الشاعر الحزين و هذا اللقب أطلقه عليه بعض الشعراء لما اتسّم به شعره من شفافية ورقة و رنة حزن و ذلك بسبب حادثتين ألمّتا به كانت الأولي فقدان والده بحادثة أليمة و الثانية مقتل ولده البالغ من العمر أربعة عشر عاماً بحادث سيارة مؤسف. و علي أي حال فقد جمع المترجَم له نظمه في ديوان باسم (الشاعر الحزين) ضمّن فيه عدة قصائد غزلية و وطنية مستوحاة من واقع الأحداث الأليمة التي تعرض لها جنوب لبنان، كما صدر لشاعرنا الحزين ملحمة باسم (مولد النور) و هي ملحمة عربية إسلامية تاريخية تتناول التاريخ الإسلامي منذ بدء بنيان الكعبة و حتي وفاة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم. توفي الحاج سعيد العسيلي «رحمه الله» تاركاً وراءه تراثاً شعرياً إسلامياً رائعاً فجزاه الله عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء.
2- البطحاء: الحجاز. و هي في الأصل: المسيل الواسع فيه الرمل و دقاق الحصي. الجوزاء برج في السماء.

وَالزَّهْرُ غَنِي وَ الورودَ تَمَايَلَتْ *** فَرَحاً وَ سَادَ اَلْكَوْنَ حُسْنُ غِنَاءِ

وَ مَوَاكِبُ الأحلامِ شِبْهُ عَرائِسِ *** مَجْلُوَّةٍ تَسْعَي إِلَي النَّعْماءِ

وَ الْهَيْنَمات(1) عَلَي النَّسِيمِ تَمَاوَجَتْ *** بِالنُّورِ تَجلُو شِدَّةَ الظَّلْمَاءِ

وحَناً عَلَيْها البَدْرُ مِن عَلْيَائِهِ *** لَهفا عَلَي مَا جَدَّ مِنْ أَنْبَاءِ

مُتَسَائِلاً عَنْ فَرْحَةٍ أَنْوَارَهَا *** شَمِلَتْ بِطَاحَ اَلْأَرْضِ وَ اَلْعَلْيَاءِ

و إِذَا شِفَاهُ الْهَيْنَمَاتِ تُجِيبُهُ *** بِسِمَاتُهَا فِي رِقَّةٍ وَ صَفاءِ

اَلْيَوْمَ عُرْسُ اَلْكَوْنِ بَيْنَ رُبُوعِنَا *** فِينَا يُقَامُ بِمَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ

هِيَ فَاطِمٌ صِغري بَنَاتِ مُحَمَّدٍ *** وَ قَرِينَةِ الكرارِ فِي الْهَيْجَاءِ

قَبْلَ النُّبُوَّةِ كَانَ مَوْلِدُهَا وَ قَدْ *** فَاقَتْ عَلَيَّ الأَشْباهِ وَ الْقَرْنَاءِ(2)

فَزَكَتْ عَلَي كُلِّ النِّساءِ طَهَارَةً *** وَ فَصَاحَةٌ وَ سَمَّتْ عَلِي اَلْعَذْرَاءِ

وَ عَلِي أمِّ مُوسي ثُمَّ بِنْتِ مُزَاحِمٍ *** وَ عَليَّ نِساءِ الكَونِ مِن حَوَّاءِ

وَعَلِي الصِّبَا ضَمَّ الرَّسولُ جُفُوفَهُ *** حِرْصاً عَلَيْهَا مِنْ يَدِ الْغُرَبَاءِ

وَ تَمَرَّغَ الْخِطَابُ فِي أَعْتَابِهِ *** و عَتِيقُ وَ الْخِطَابُ فِي الْخُطَبَاءِ(3)

ص: 158


1- الهينمات: الأصوات الخفية.
2- قيل إنها ولدت عليه السلام قبل النبوة بخمس سنين و عمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و خمس و ثلاثون سنة و كانت قريش تبني الكعبة و في رواية طبقات ابن سعد و الاستيعاب أنها ولدت سنة 41 من مولد النبي صلي الله عليه و آله و سلم و في شرح البخاري للعجلوني أنها ولدت قبل البعثة بسبع سنين و هي صغري بناته صلي الله عليه و آله و سلم. و راجع في ذلك أيضاً كتاب البحار، ج 43، ص 7 و قد فصّل المرحوم السيد كاظم القزويني «أعلي الله مقامه» في كتابه فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص 61 ذلك و أشار إلي وجوه الاختلاف في الروايات.
3- تمرّغ: تقلَّب - تردّد. عتيق هو اسم أبي بكر و الخطاب هو عمر بن الخطاب و كان كل منهما قد طلبها لنفسه زوجة فيجيبه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنتظر بها القضاء و يذهب علي عليه السلام يتكفّأ في مشيته علي غرار مشية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و لم يطل مقامه في حضرته حتي قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باسماً ما حاجة ابن أبي طالب؟؟ و يجيب عليّ في حياءِ ظاهر ذكرت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ويردّ النبي صلي الله عليه و آله و سلم مرحباً و أهلاً و بهذه البساطة تمت الخطبة، راجع عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 69 و صفوة الصفوة، ج 2، ص 9 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 3، ص 122، أعلام الوري ص 81 و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 141.

لَكِنَّمَا قَدْ كَانَ رَدُّ مُحَمَّدٍ *** لَهُما بِكُلِّ مَهابَةٍ وَ بَهاءِ

إِنِّي لَمنْتَظِرٌ بِفَاطِمَةَ الْقَضَا *** و قَضَاءِ رَبِّ اَلْعَرْشِ خَيْرُ قَضاءِ

وَ إِذَا بِوَحْيِ اَللَّهِ جَاءَ وَ حُكْمُهُ *** فَصْلٌ لِيَخْمُدَ حُرَّةَ الْغَلَوَاءِ(1)

زَفَّ الكَرِيمَةَ لِلْكَرِيمِ لِأَنَّها *** سِتُّ النساءِ لِسَيِّدِ اَلْبُلَغَاءِ

وَ اَلْبَحْرُ أَولِي أنْ يَضُمَّ عِبَابَهُ *** لَمَعَانِ تِلْكَ اَلدِّرَّةِ اَلْغَرَّاءِ(2)

وَ جَهَازُهَا لِلْعُرْسِ كَانَ وِسَادَةً *** مَحْشُوَّةً بالليفَةِ الْبَيْضَاءِ(3)

وَ رَحْي لِأَجْلِ الطَّحْنِ يَأْكُلُ كَفَّهَا *** بِقَسَاوَةٍ تَبْدُو بِغَيْرِ حَيَاءِ

وَ اَلْقِرْبَةُ الحُبْلَي تُحُزُّ بِنَحْرِها *** وَ السَّيْرُ فَوْقَ حَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ

عاشَتْ عَلَيَّ ضَنْكِ(4) الْحَياةِ بِزُهْدِهَا *** وَ الزُّهْدِ مَوْرُوثٌ عَنِ الْآبَاءِ

لَوْ شَاءَتِ اَلدُّنْيَا وَ طيب مناخِهَا *** لَأَتَتْ إِلَيْهَا دُونَ أَيِّ عَيَاءِ(5)

لَكِنَّهَا سَارَتْ عَلَي خَطَّ اَلَّذِي *** قَدْ طَلَّقَ اَلدُّنْيَا بِغَيْرِ عَنَاءِ

ص: 159


1- الغُلواء : الزيادة و الارتفاع .
2- عُبابه: كثرة الموج و ارتفاعه.
3- كان ذلك بعد وقعة بدر و أما جهازها فكان و سادة من أدم يعني جلد حشوها ليف و رحاءان و قد جرّت الرحي حتي أثّرت في يدها و حملت القربة حتي أثّرت في نحرها و عاشت علي شرف قدرها عيشة ضنك و فقر راجع عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 66 و أعلام النساء، ج 4، ص108، و قيل إنها لما تزوجت بكت فقال لها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ما لك تبكين يا فاطمة عليها السلام فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً و أفضلهم حلماً و أولهم سلماً و جاء في البحار، ج 43، ص 94 - ومن قوله عليه السلام- ثم قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الدراهم بكلتا يديه فأعطاه أبابكر و قال: ابتع لفاطمة عليها السلام ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت و أردفه بعماربن ياسر -إلي قوله- فكان مما اشتروه: قميص بسبعة دراهم و خمار بأربعة دراهم و قطيفة سوداء خيبرية و سرير مزمل بشريط و فراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف و حشو الآخر من جز الغنم و أربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر و ستر من صوف و حصير هجري و رصّ للسيد و مخضب من نحاس و سقاء من أدم... - إلي قوله- فلما عرض المتاع علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جعل يقلبّه بيده و يقول بارك الله لأهل البيت و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- ضنك الحياة: ضيقها.
5- عياء: عجز.

وَ مَضَتْ عَلَيَّ دَرْبُ الْحَياةِ تَشُقُّهُ *** شَقّاً وَ تَنْجِبُ خِيرَةَ الأَبْنَاءِ

وَ هُمُ الأئمةُ لِلْوَري مَفْرُوضَةٌ *** طَاعَاتُهُمْ بِمَحَبَّةٍ وَ وَلاَءِ

لَكِنَّ صَفْوَ حَيَاتِهَا لَمَا يَدُمْ *** وَ الصَّفْوُ يُعَقِّبُهُ كَثِيرُ شَقَاءِ

وَ إِذَا بِعَاصِفَةٍ تُهْزُّ كِيَّانَهَا *** وَ تُذِيبُ فِيهَا فِلْذَةَ الْأَحْشَاءِ

هِيَ فَقَدْ وَالَدَهَا اَلْكَرِيمِ وَ مَنْ بِهِ ***كَانَتْ تجابِهُ غَارَةَ اَلْأَعْدَاءِ

كَانَتْ قُبَيْلَ الإحتضارِ بِقُربِهِ *** تَبْكِي وَ تَنْدُبُ شِدَّةَ اَلْأَرِزَّاءِ

وَ إِذا بهَمْسَتِهِ تُدغدِغُ أُذُنَهَا *** فَتَبَسَّمَتْ فَرَحاً لِخيْر رَجَاءِ(1)

عَلِمْتْ يَقِيناً أَنَّها مِن بَعْدِهِ *** سَتَسِيرُ إِثْرُ اَلْكَوْكَبِ اَلْوَضَّاءِ

لِلَّهِ يَا ذَاكَ اَلْبَنَانَ وَ طَالَمَا *** مَسَحَ الأسي عَنْ رَاكِبِ اَلْقَصْوَاءِ(2)

حَرُمَتْ أَرَاضِيَهَا بِقَوْلِ رِوَايَةٍ *** فِيهَا تَفَرَّدَ واحِدُ الآراءِ

فَدَكٌ وَ لَمْ يَشْهِدْ عَلَي حِرْمانِها *** مِنْهَا وَ لَو إِثْنَانِ مِن شُهَداءِ(3)

وَ عِداكَ عَنْ سَلْبِ الوَصِيِّ حُقُوقَهُ *** وَ عَدَاوَةٍ بانَتْ بكلِّ جَلاءِ

كَم كافَحتْ مِن أَجْلِهِ وَ تَحَمَّلَتْ *** ظُلْمَ اَلسِّيَاسَةِ فِي عَظِيمِ بَلاءِ(4)

نَفَثَتْ صُدُورَ الظُّلَمِ كُلَّ سُمُومِها *** عَلْناً كَمَثَلِ الْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ(5)

ص: 160


1- قيل إنها عليه السلام كانت تبكي فأسرّ لها صلي الله عليه و آله و سلم و أنها أول أهله لحاقاً به فتبسمت. راجع عبد المقصود، ج 1 ص 123 و فضائل الخمسة، ج 3، ص 191. رواه عن (صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق) في باب علامات النبوّة في الإسلام روي بسنده عن عائشة قالت: دعا النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليها السلام ابنته في شكواه الذي قبض فيه فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت قالت: فسألتها عن ذلك فقالت: سارني النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته عليهم السلام أتبعه فضحكت. (أقول) ورواه في باب مرض النبي صلي الله عليه و آله و سلم بطريق آخر و قال : إني أول أهل بيته عليهم السلام يتبعه فضحكت، و رواه مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل فاطمة، و راجع أيضاً صحيح مسلم المجلد 5 ص 55، ط مؤسسة عز الدين، بيروت الحديث (2450) تجد مثل هذا.
2- القصواء: و هي القصية... الناقة الكريمة النجيبة.
3- راجع كتاب فدك لعبد الفتاح عبدالمقصود، و كتاب فدك للسيد محمد باقر الصدر.
4- إشارة إلي ما وقع عليها عليهم السلام من الظلم والجور.
5- نفثت صدور الظلم: ألقت و رمت ما فيها. الحيّة الرقطاء: السوداء المشوبة بالنقط البيضاء أو البيضاء بالنقط السوداء.

ضَرَبَتْ بِسَوْطِ اَلظُّلْمِ فَوْقَ بَنَانِهَا *** فَبَدَا بِهِ أَثَرٌ مِنَ اَلْإِيذَاءِ

هَذِي اَلْمَصَائِبُ لَوْ تَحَوَّلَ ثِقْلُهَا *** عَنَّا إِلَيَّ طَوْدٍ كَطودِ حراءِ(1)

حَتْماً لَكَانَ اَلطَّوْدُ دكَّ أَسَاسُهُ *** وَ تَهَدَّمَتْ أَرْكَانُ كُلِّ بناءِ

وَ اشْتَدَّتِ الْأَحْزَانُ بَيْنَ ضُلُوعِهَا *** إِذْ لَمْ تَجِدْ فِي اَلنَّاسِ أَيْ عَزاءِ

وَ إِذَا بِعِلَّتِهَا تَزِيدُ وَ دَمْعُهَا *** تُخْفِيهِ خَوْفَ شِماتِهِ اَلرُّقَبَاءِ

مُنِعَتْ مِن التَّصريحِ عَنْ أَحْزانِها *** بِالنَّوْحِ أَوْ بِالدمْعَةِ اَلْحَمْرَاءِ(2)

كانَتْ تُغَادِرُ بَيْتَهَا مَقْهُورَةً *** مَظْلُومَةً نَحْوَ البَقِيعِ النائي

وَ إِذَا استبدَّ بِهَا الأسَي خَرجَتْ إلي *** قَبْرٌ يُوَارِي سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ

هُوَ حَمْزَةٌ عَمُّ اَلرَّسُولِ وَ إِبْنُ مَنْ *** يَسْقِي حَجِيجَ اَللَّهِ عَذْبَ اَلْمَاءِ

وَ لَبَيْتُ أحزان بَنَاهُ حَلِيلُهَا *** قَرُبْتْ وَ بَانَ اَلْأَمْرُ بَعْدَ خَفَاءِ

قَالَتْ: أَمِيرُالْمُوْمِنِينَ وَصِيَّتِي *** فَأَجَابَهَا وَ أَنَا اَلسَّمِيعُ اَلرَّائِي

قَالَتْ وَ حَقِّكَ مَا كَذَبْتُ عَلَيْكَ فِي *** شَيءٍ وَ لاَ أَدْنِي مِنَ اَلْأَشْيَاءِ

كلاَّ وَ لَا خَالَفْتُ مِنْكَ أَوَامِراً *** صَدَرَتْ وَ لاقابَلْتُهَا بِجَفَاءِ

أُوصِيكَ أَنْ لاَ يَشْهَدْنَّ جَنازَتي *** أَحَدٌ تَعَمَّدَ فِي اَلْوَرِيِّ إِيذائِي(3)

ص: 161


1- حراء: جبل بأعلي مكة.
2- قيل إن المدينة ضجت لبكاء فاطمة عليها السلام و لذلك كانت تخرج إلي البقيع و هو مكان قرب سجده و فتبكي هناك و لم يرض أهل المدينة عن ذلك حتي أخذت تخرج إلي أحد قرب قبر الحمزة فتبكي هناك بعيدة عن أهل المدينة في بيت أحزان بناه لها علي عليه السلام و ما يزال هذا البيت يزار حتي الآن و قد أشرنا إلي ذلك في الهامش رقم (4) من القصيدة رقم (9) انظر عوالم العلوم، ج2/11، ص 783 عن كفاية الأثر: بإسناده عن محمود بن لبيد قال لما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء و تأتي قبر حمزة و تبكي هناك. إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
3- يقول عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 193 إن أبابكر و عمر انطلقا و استأذنا علي فاطمة عليها السلام فأبت في أول الأمر استقبالهما و توسط لهما عليّ ففعلت و بعد حديث طويل من أجل فدك قالت أرأيتما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعرفانه و تعملان به فأجابا نعم قالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي فمن أحب فاطمة عليها السلام فقد أحبني ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني؟ قالا قد سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فرفعت وجهها و كفيها إلي السماء و راحت تقول في حرارة، فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت رسول الله لأشكونكما إليه، و لذلك أوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يدعهما يشهدان جنازتها. راجع مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 318 و إسعاف الراغبين علي هامش نور الأبصار ص 189 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 3، ص 151 و 155 و 157.

تَجَلْبَبِ(1) اللَّيلِ الْبَهِيمِ لِنَقْلِي *** وَ اُخْفِ اَلْجَنَازَةَ وَ اِسْتَجِبْ لِنِدَائِي

وَ بَكَتْ وَ أَبْكِي مُقلَتيهِ فِرَاقُهَا *** وَ تَعَانَقَا بالدمعَةِ اَلْخُرَاسَاءِ(2)

وَ كَأَنَّ دَمْعَتَهَا تَقُولُ لَهُ إِذَا *** مَا مُتُّ فَاذْكُرُونِي بِكُلِّ مَسَاءِ

وَ مَشَتْ بِرَكْبِ اَلْخَالِدِينَ تَسِعُّ فِي *** نُورِ اَلتُّقيِّ لِلْجَنَّةِ الْخَضْرَاءِ

زهْرَاءُ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ قَصِيدَتِي *** فِيكَ تُعْبِّرُ عَنْ عَظِيمِ وَلائِي

يَامِنٌ زَرَعَتِ اَلْوَعْيَ بَيْنَ محَاجِرِي *** فَأَزَاحَ عَنْهَا ظُلْمَةَ اَلْعَشْوَاءِ(3)

إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَصَائِدِي *** ذُخْرَ اَلْيومِ تَعَاسَتِي وَ شَقَائِي

ص: 162


1- تجلبب الليل البهيم: أي خذ من الليل المظلم جلباباً لتشييع جنازتي.
2- الخرساء: التي لم يسمع لها صوت.
3- محاجري : محاجر العين ما دار بها. العشواء: الظلمة. و الركب العشواء أي الذين يسيرون في أمورهم عن غير هدي.

(19) مختارة الرب

(بحر الخفيف)

الشيخ سعيد الشيخ علي العوامي

عَمَّ فَيْضُ اَلْجَلاَلِ اَلرُّحَمَاءِ *** بِوِلاَدَةِ البتولةِ اَلزَّهْرَاءِ

حُسِرَ اَلنَّاظِرُونَ عَنْ دَرْكِ مَعَنَا *** هَا و هُمْ قَبْلُ سَادَةُ النُّظَرَاءِ

وَ لِسَانُ اَلْعِرْفَانِ عَنْ وَصْفِهَا رُدَّ *** كَلِيلاً وَ لَمْ يَكُنْ ذَاعِياءِ

فَتَرِي الْكُلَّ عَنْ ضُرُوبِ مَزَايَا *** هَا عَلِيُّ ظَهْرِ قَلْبِهِمْ فِي اسْتِوَاءِ

وَ عَلِيٌ بَابُ كَعْبَةِ اَلْفَضْلِ مِنْهَا *** عُكَّفاً مِنْ قُصَيِّهَا وَ اَلنَّائِي

خَصَّهَا اَللَّهُ مِنْ وَظَائِفِ علياهُ *** قُرباه أَشْرَفَ اَلْأَسْمَاءِ

أَيْنَ مَنْ قَدَّسَ الْمَلِيكُ لَهُ اَلنَّفْسُ *** أَلاَ فَهِيَ بَضْعَةُ الْأَوْلِيَاءِ

بَضْعَةٌ اَلْمُصْطَفَي اَلْعَرِيقَةُ فِي اَلْأَصْلِ *** وَ مَنْ قَدْ عَلَتْ عَلاً لِلسَّمَاءِ

وَ لَمَنْ حُكْمَهَا وَ أَحْكَامَهَا الْغُرَّ *** قَدِ اخْتَارَ جُمْلَةُ الحُكَمَاءِ

إِنَّ صُبْحَ الْإِرْسَالِ يَسْطَعُ نُوراً *** عَنْ عَلا طَلْعَةِ الهَدْيِ الغَرَّاءِ

طُرَّةُ الْإِصْطَفَا وَ مُخْتَارَةُ اَلرَّبِّ *** وَ مَعْنِي اَلسِّيمَاءِ فِي اَلْأَزْكِيَاءِ(1)

فَغَدَا هَدْيُهَا يَعُمُّ الْبَرَايَا *** وَ عَلاَ جُودُهَا عَلَيَّ اَلْجَوْزَاءِ

مَلِكَاتُ اَلنُّفُوسِ عَنْهَا تَبَدَتْ *** وَ كَمَالُ اَلْإِنْسَانِ فِي الْإِجْتِبَاءِ

عُجِنَتْ طَيِّبَةُ الْبَتُولِ بِمَاءِ اَلْقُدْسِ *** وَ اَلْعِلْمِ وَ اَلْهَدْيِ وَ اَلْحَيَاءِ

ص: 163


1- السيماء: العلَامة و الهيئة.

فَهِيَ نُورُ اَلْحَقِيقَةِ اَلَّتِي لَوْلاَ *** هَا لَمَا اَلْعَدْلُ كَانَ بالأولاءِ(1)

فَتَعَالَيْ لَهَا التَّمجُّدُ و الْفَضْلُ *** وَكفُّ الْحُسنَي وَ كُفُّ الْحِبَاءِ

فَاطِمٌ كُفْوُ خِيَرَةِ الخَلْقِ طُرّاً *** أُمُّ طه أُمُّ الكِتابِ اَلسَّمَائِي

طَهُرَتْ مِنْ دَنَائِسٍ وَ رِفَاثٍ *** فَزَكَتْ كَالْأُصُولِ فِي اَلْأَبْنَاءِ(2)

وَ كَفَاهَا اَلْجَلِيلُ يَغْضَبُ فِيهَا *** أَيْ وَ يُرْضِي لِمَنْ لَهَا فِي الرِّضَاءِ

فَهِيَ رَبِّ لِكُلِّ فَضْلٍ وَ نَعْتٍ *** وَ هِيَ جَفْرٌ لِكُلِّ رَمْزِ بَلاَءِ(3)

عَصَبَتْ رَأْسَهَا بِفَقْدِ رَسُولِ اَللَّهِ *** وَ اَلدَّهْر خَلَّفَهَا بالعَنَاءِ

فَلِكُلِّ اَلْمُوَحِّدِينَ جَمِيعاً *** أنعي فُقْدَانِ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ

إِنَّ نَفْساً تَعَلَّقَتْ بِوْلَاهَا *** قَدْ أُسِيلَتْ بِفَقْدِهَا فِي اَلْوَلاَءِ

أَسَفاً كَيْفَ ضَمَّهَا اَلتُّرْبُ لَيْلاً *** وَ هِيَ تَقْضِي أَسَي بِوَجْهِ اَلدَّنَاءِ(4)(5)

ص: 164


1- لعل الشاعر يقصد بكلمة الأولاء: الأقدمين و لعل الأولاء مأخوذة من الأول أي المال و المرجع في النهاية و لعلها كناية عن مولانا صاحب العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف إذ ستؤول الأمور إليه في نهاية المطاف فيملأ الأرض قسطاً و عدلاً و الله أعلم.
2- رفاث: فحش.
3- جفَرْ: (جَهَرَ) جنباه: إتسعّا.
4- أوصت فاطمة الزهراء عليها السلام قبل وفاتها زوجها الإمام علي عليه السلام بأن يغسلها و يدفنها ليلاً لكيلا يحضر جنازتها أبوبكر و عمر بن الخطاب فعمل الإمام سلام الله عليه بوصيتها و بعد أن جاء القوم إليه ليشاركوا في الجنازة صرفهم و في الليل غسلها و كفنها ثم خرج معه الحسن و الحسين عليهما السلام و العباس بن عبدالمطلب عمه و سلمان الفارسي و أبوذر الغفاري و المقداد و أخوه عقيل بن أبي طالب و عمار بن ياسر و دفنوها ليلاً، و روي أن الإمام علي عليه السلام رش أربعين مع قبرها عليه السلام حتي لا يبيّن قبرها من غيره فيصلوا عليها و عنده سأل الأصبغ بن نباتة الإمام عليه السلام لم دفنت فاطمة عليها السلام ليلاً أجابه قائلاً: إنها كانت ساخطة علي قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام علي من يتولَاهم أن يصليَ علي أحد من ولدها. انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 412، أمالي الصوري، ص 562.
5- لعل الشاعر يقصد بكلمة الدناء: الدنيا.

(20) بنت الهادي

(بحر مشطور الخفيف)

الأستاذ سلمان الربيعي (أبوأمل)(*)(1)

مُولِدُ الزهْراءِ *** مَصْدَرُ لَالَاءِ

يَوْمَ بِنْتِ الْهادِي*** أَجْمَلُ اَلْأَعْيادِ

فَارْتَشِفْ يَا صَادِي *** جُرْعَةَ اَلصَّهْبَاءِ(2)(3)

شَعَّ فِي اَلْأَكُونِ *** كَوْكَبُ اَلْإِيمَانِ

مُنْقِذُ اَلْإِنْسَانِ *** مِنْ دُجْيِّ اَلظَّلْمَاءِ

ص: 165


1- (*) هو الأستاذ سلمان بن عاصي الرّبيعي، الشهير ب- (أبي أمل الربيعي). ولد في مدينة الحلّة سنة (1370 ه) الموافق (1951 م) نشأ و ترعرع في مدينة العلم و الأدب الحلة الفيحاء، فأكمل دراسته المتوسطة، ثم ترك الدراسة لظروفه العائلية و مع كل ذلك لم ينفكَ عن مواصلة العلم و الفضيلة. قام بقرض الشعر سنة (1989 م) و نشر الكثير من قصائده في الصحف العراقية و عبر الإذاعة و التلفزيون الإيراني و المعروف أن شعره من النوع الفاخر في المدح و الرثاء في حق أهل البيت عليهم السلام. و لشاعرنا مؤلفات شعرية، منها: الديار المحجوبة -علي أعتاب الديار- طيف الوطن. و ما يزال ينظم في شؤون الشعر و الأدب، ممارساً دوره كشاعر متغرّب عن وطنه و يعيش حنينه و آهاته.
2- صادي: من الصدئ و هو العطش الشديد.
3- الصهباء: الخمر التي يميل لونها إلي الصغار (المعجم الوسيط، ج 1، ص 529).

زغْرَدَتْ أَشْعَارِي *** لاِبْنَةِ الْمُخْتَارِ

زَوْجَةِ اَلْكَرَارِ *** أَصْدَقَ الإِطْرَاءِ

إِنَّ مَنْ أَرْضَاهَا *** فَهُوَ أَرْضِي اَللَّهَ

جَاءَ ذَا عَنْ طه *** أَشْرَفَ اَلْآبَاءِ

حُبُّهَا فِي قَلْبِي *** حَيْثُ يَمْحُو ذَنْبِي

يَوْمَ أَلْقِيَ رَبِّي *** فُزْتُ بِالسَّراءِ

حُبُّهَا أَهْدَانِي *** أَجْمَلَ اَلْأَلْحَانِ

وَ هُوَ فِي وِجْدَانِي *** حَلَّ وَ اَلْأَعْضَاءِ

دَعْ كَلاَمَ اَلنَّاسِ *** شَابَ مِنِّي رَاسِي

قُمْ و قَدِّمْ كَاسِي *** مِنْ يَدٍ مِعْطَاءِ

لَاتَدَعْ خَفَاقِي *** فِي ضِرَامِ بَاقِ(1)

وَ اِسْقِنِي يَا سَاقِي *** مِنْ نَمِيرِ اَلْمَاءِ(2)

لِلْهَدْيِ أَعْلاَمُ *** زَانَهَا اَلْإِسْلاَمُ

كُلُّنَا خُدَّامُ *** نَحْنُ لِلزَّهْرَاءِ

ص: 166


1- الخفّاق: الكثير الخفق و أراد القلب
2- نمير الماء: الزاكي من الماء.

(21) فخر النساء

(بحر الكامل)

السيد سلمان هادي آل طعمة (*)(1)

مَرْحِي بِإِشْرَاقِ اَلسَّنَا اَلْوَضَاءِ *** غَمَرَ الْحَيَاةَ بِرُونَقٍ وَ بَهَاءِ

وَ أَطَلَّ كَالْأَلَقِ مُرَتِّلاً *** آيَاتِهِ بِالْحَمْدِ وَ اَلنَّعْمَاءِ

ذِكْرِي تُطِلُّ عَزِيزَةً وَ كَأنَّهَا *** شَمْسُ اَلضُّحِي تَفْتَرُّ بِالْأَضْوَاءِ

ص: 167


1- (*) هو السيد سلمان ابن السيد هادي آل طعمة، ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1354 هه 1935 م). و أسرة آل طعمة أسرة عريقة و معروفة في كربلاء و قد أنجبت العديد من الخطباء و العلماء و الأدباء و كتب التراث و التراجم تذكر الكثير منهم. ترعرع المترجم له و نشأ في كنف والده المغفور له السيد هادي آل طعمة فأحسن تربيته حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح و أول دراسته كانت في مدارس كربلاء الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن تخرج من كلية التربية بجامعة بغداد سنة (1970 م) و عيّن مدرساً في كربلاء المقدسة. أحبَّ الشعر و شغف به فكان يطالع الدواوين الشعرية و كتب الأدب و يجالس الشعراء و الأدباء و يشترك في الندوات الأدبية و الشعرية التي تقام في كربلاء و أخذ يقرض الشعر علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة، فأجاد في كثير من النصوص التي كتبها بدافع من شعوره الديني و عرف في نظمه بكتابة القصيدة العمودية . و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة و أشهرها تراث كربلاء - و شعراء كربلاء و كربلاء في الذاكرة و خطباء كربلاء و تاريخ مرقد الحسين و العباس و رجال الفكر في كربلاء و عشائر كربلاء و الشعراء الشعبيين في كربلاء و كثير من الكتب التي تشيد بتاريخ و تراث كربلاء في الماضي، أقول إن الأستاذ السيد سلمان آل طعمة خدم مدينة كربلاء بكل ما استطاع و قد سخّر قلمه و مواهبه لخدمتها و إحياء تراثها و إظهار معالمها التاريخية و الحضارية و هذا دور كبير و خدمة عظيمة لمدينة تتعاضد المخططات علي محو اسمها و تعطيل دورها الروحي و المعنوي في العالم الإسلامي و الإنساني فأسأل المولي الجليل أن يزيد في توفيقه و يحسن عاقبته.

في كُلِّ قلبٍ نَشوَةٌ وَ مَسَرَّةٌ *** وَ بِكُلِّ بَيْتٍ فَرَحَةٌ لِلِقاءِ

وَ اَلشَّوْقُ يُسْرِجُ كُلَّ قَلْبٍ هائِمِ *** نُوراً يَفيضُ بِعِزَّةٍ قُعَسَاءِ(1)

اَللَّيْلُ يُوغَرُ بِالمَسِيرِ كَأَنَّهُ *** شَلاّلُ ضَوْءٍ فَاضَ بِالإِرْوَاءِ

وَ تَأَلَّقَتْ آفَاقُ مَكَّةَ فجَاةً *** بِمَحَاسِنِ اَلْأَنْوَارِ وَ اَلْأَبْهَاءِ(2)

وَ اَلطَّيْرُ مِنْ شَوْقٍ يزغْردُ حَالَماً *** مِثْلَ اِنْهِمَارِ اَلدِّيمَةِ اَلْوَطْفَاءِ(3)

فَإِذَا الْقُلُوبُ الْواجِماتُ تَرَنَّحَتْ *** سُكْرَي بِطِيبِ الجنَّةِ الْفَيْحاءِ(4)

بُشْرَي بِفَاطِمَةٍ سَلِيلَةِ أَحْمَدٍ *** فَخْرِ النِّساءِ وَ تَحِيَّةِ اَلْعَلْيَاءِ

مَا أَوْرَعَ الذِّكري تَفِيضُ بَشَاشَةً *** وَ هَوّي يَفُوحُ كَنَسْمَةٍ عَذْرَاءِ

هَبَطَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا مكارمُ جَمَّةٌ *** بِالْفَضْلِ تَعْلُو هامَةَ اَلْجَوْزَاءِ

يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ مَوْئِلاً *** لِلْعِزِّ لِلتَّقَوي وَ نَبْعِ عَطاءِ

كَم مِن يَدٍ لَكِ بِالنَّدِيِّ مَشْهُودَةٍ *** تَجْتَاحُ كُلُّ جَرائِرِ اَلدُّخَلاَءِ؟

لَكَ مثْلَما لِمُحَمَّدٍ و َقَفاتُهُ *** تَهْدِي اَلْوَرِيَّ لِلشِّرْعةِ اَلسَّمْحَاءِ

سَلَبُوكِ إِرْثاً وَ هُوَ مَلِكُ مُحَمَّدٍ *** (فدكَ) غَداً نَهَباً إِلَيَّ اللَّوْمَاءِ(5)

وَ عَدَا عَلَيْكَ الْمُشْرِكُونَ وَ إِنَّهُمْ *** مَنْ ظَلَمَهُمْ جُبِلوُا عَلَيَّ الْأَوْرِزَاءِ

أَوْ لَمْ تَكُونِي قُدْوَةً لِنِسَائِنَا *** وَ مُلاَذكُلِّ اَلْإِنْسِ مِنْ حَوَّاءِ؟

ص: 168


1- قعساء: ثابتة منيعة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي النور الذي ملأ آفاق مكة حين ولادة الزهراء عليها السلام. راجع كتاب مشارق الأنوار، ص 85، و البحار، ج 16، ص 81، و عوالم العلوم، ج 1 ص 58 - 59، و في كتاب عوالم العلوم، أيضاً، ج 1، ص 56 عن كتاب الروض الفائق، ص 214 مثله.
3- الديمة الوطفاء: المطر المنهمر.
4- الواجمات : وَجَمَ أي سكت و عجز عن التكلم من شدّة الغيظ أو الخوف، أو عبس وجهه و أطرق لشدة الحزن، ترتّحت: تمايلتْ. الفيحاء: الواسعة.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سلب القوم فدك من فاطمة عليها السلام. راجع كتاب مسند أحمد ج 1 ص 9، و ج 1 ص 13، و السنن الكبري ج 6 ص 300. و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 16، ص 232، كما في كتاب عوالم العلوم، ج 2 ص 626، و ج 2 ص 631.

يَا دَوْحَةَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ مُضِيئَةً *** وَ مَنَارَةً للهِمَّةِ الشِّماءِ

تَارِيخُكَ الوَضَّاءُ نُورٌ مُشْرِقٌ *** مَتَالِقٌ فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ

مَا زَالَ فِينَا سَاطِعاً مُتَوَهِّجاً *** يَجْلُو ظَلامَ دُجْنَةٍ سَوْدَاءِ(1)

ذِكْرَاكَ سَفْرٌ لِلْمَاثِرِ وَ اَلْإِبَا *** يَهْدِي اَلْوَرَي لِمَحَجَّةٍ بيْضاءِ

مِيلادُكَ اَلْمُعْطارُ مُصْدَرُ رَحْمَةٍ *** سَيَظَلُّ رَمْزَ مَوَدَّةٍ وَ إِخَاءِص: 169


1- جنة : ظلام.

(22) باركوا اليوم للبشير

(بحر الخفيف)

الشيخ صادق الشيخ جعفر الهلالي

طالَ شوقِي فصاغَهُ إنشائِي *** لحنَ حب بمولدِ الزهراءِ

خيرُ بشري لأحمدَ حين وافت *** و هي قدسٌ من لطفِ رب السماءِ

يوم أسرت خديجة الطهر فخراً *** فاطمياً بروضة الأنبياءِ

بضعةُ المصطفي و ليس سواها *** أوجبَ اللَّه وُدَّهُمْ بالولاءِ

و حباها الهادي الأمينُ و ساماً *** يوم سادتْ علي عموم النساءِ

قَصَّرَ الشعرُ كيف يرقي مقاماً *** شاءه الله رحمة الاقتداءِ

منحَ اللَّه من حباها فطاماَ *** فيه منجي من اللظي و البلاءِ

من يرومُ الولاء نصاً و روحاً *** و اقتداءً يجزي بخير جزاءِ

أيُّ بنتٍ تُدعي بأم أبيها *** و تراه قد خصها بحباءِ

فهي من خافقيه نبضٌ و شجنٌ *** و نسيجٌ من فيضه المعطاءِ

من سواها غيرُ البتولة تدعي *** فاطمُ بنت سيد الأنبياءِ

***

هلَّ الصبحُ في سمانا ابتهالاً *** شرفاً شادَ لحنَه إنشائي

و كسا الأرضَ بهجةً و رخاءً *** من جلالِ الوليدةِ الحوراءِ

فاضَ منها علي البرية نورٌ *** ملأَ الكونَ بالسَّنا الوضاءِ

من سيرقي سُموَّها و عُلاها *** و هي شمسٌ قد أزهرتْ بسناءِ

فيطيبُ القصيدُ فيها نَسيِماً *** أحمدياً بمُهْجتي و غنائي

ص: 170

حين راح الشعورُ يغمرُ حباً *** و ولاءً بفرحة الأصفياءِ

إن يوم الزهراء تسعدُ فيه *** أمة الحق و الهدي بحباءِ

و زهورُ الزهراءِ تورق نشوي *** زاهراتٍ بالروضة الغناءِ

تتناغي تألقاً و انسجاماً *** شدها الشوق في جميل اللقاءِ

و طيور البطحاء ترقص عشقاً *** في زغاريد لحنها الحسناءِ

فهو عيدٌ لفاطمَ تهدي *** صلواتٌ فاضت بكل عطاءِ

***

بنتُ طه قد نوَّرت في سمانا *** قبساتٌ من فيضها بجلاءِ

لاحُ منها فجرٌ تبسَّم فيه *** قمرٌ شعَّ في سما الظلماءِ

وببيتُ الإيمانِ نجمان منها *** قد أطلّا من نفحةِ الأوصياءِ

فرعُ ذاك الوصي سبطا نبيِّ *** جاءَ بالحقِ خاتم الأنبياءِ

و كذا زينبٌ عقيلةُ طهر *** كأبيها في قمةِ البُلغاءِ

و هي فيها من أُمِّها نبضاتٌ *** في جهادٍ و رفعةٍ و وفاءِ

في تُقاها كانتْ لأمٍ بتول *** و أبٍ كان سيد الأتقياءِ

أخذتها كرامة و اتصالاً *** باقتداء من آلها الأصفياءِ

باركُوا اليوم للبشيرِ سروراً *** حلِّ فيه بمولدِ الزهراءِ

ص: 171

(23) فيض الوجود

(بحر الخفيف)

الأستاذ عباس مرتضي عيّاد العاملي(*)(1)

مُزْقِي صَمْتَ أَحْرُفِي وَ اَلسَّمَاءَ *** وَ اسْكُبِي اَلشَّعْرَ فِي دَمِي وَ اَلضِّيَاءَ

وَ انْثُرِي غَابَةَ اَلْجَرَّاحِ بِرُوحِي *** وَ أَحِيلِيهَا دوحةً خَضْرَاءَ

لَكَ حَرْفُ اَلْقَصِيدِ يَنْشُرُ فَرْعَيْهِ *** فَيَكْسِي نِصَارَةً وَ بَهَاءَ

يَتَغَاوَيُ عَلَيَّ صِفَافِ اَلْمَعَانِي *** وَ هِيَ نشوي، وَ يَغْمِزُ اَلْعَيَاءَ(2)

وَ يَشِفُّ الْحَرْفَ الْحَرُونَ لَعِيَّاك *** وِلَاءٌ يَسِيلُ فِيهِ صَفَاءَ(3)

فَيَرِقُّ اَلْإِلَهُ فِي جَامِ قَلْبِي *** لِأُغْنِّي الصدِّيقَةَ اَلزهْرَاءَ(4)

هَفهفِي يَا أَمِيرَةَ اَلْعِفَّةِ اَلسَّحَاءِ *** فِي مَرْتَعِ اَلْجَلاَلِ اِنْتِشَاءَ

ص: 172


1- (*) هو الأستاذ عباس ابن الشيخ مرتضي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ موسي آل عياد. وآل عياد من الأسر المعروفة في لبنان (جبل عامل) و لها مكانتها المرموقة و قد أنجبت العديد من العلماء العاملين. ولد المترجم له سنة (1391 ه) الموافق (1972 م) من أبوين صالحين كريمين، فقاما بتربيته أحسن قيام وغذّيانهِ بأخلاقهما الفاضلة، فكوّنا منه إنسانا فاضلاً محبوباً. و أول دراسته كانت في مدارس لبنان الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن تخرج في جامعة بيروت العربية قسم المحاسبة بشهادة بكالوريوس. أحب الشعر و شغف به و في سنّة الخامسة عشرة من عمره قام بقرض الشعر، شارك في الحفلات الدينية التي تقام في مسجد و حسينية الإمام علي «عليه السلام» في الخندق الغميق و غيرها فهو مولع في مدح ورثاء أهل البيت «عليهم أفضل الصلاة و السلام»، «زاد الله في توفيقه».
2- يغمز : تغامز القوم، أشار بعضهم إلي بعض بأعينهم أو بأيديهم.
3- الحرون: حرنّ فلان بالمكان -لزمه فلم يفارقه و معناه هنا الحرف أو الكلمة التي تستعصي علي الشاعر أو القائل.
4- الجام: الكأس: أو الإناء من الفضة. الأولي عن المنجد و الثانية عن اللسان.

مَا عَفَافُ اَلنِّسَاءِ؟ مَدْي لِلْعَفِّ *** يَكْسُو عُرْيَ اَلزَّمَانِ حَيَاءَ

يَتَمَادِي مَعَ اَلخُلُودِ رُؤُاهُ *** بِالنَّوَامِيسِ مُخْصَبَاً مِعْطَاءَ

الْقَداَسَاتُ أَنْتِ صُغْتِ هُدَاهَا *** فَهِيَ أِنْدِي ظِلاًّ وَ أَبْهِي سَنَاءَ

أَنْتِ فَيْضُ اَلْوُجُودِ يأتلِقُ اَللَّهُ *** بِبُرْدَيْكِ مُشرِقاً وَضَاءَ

أَنْتَ أَمُّ اَلْوَقَارِ بَلْ أَمُّ طه *** ذَابَ فِيهَا حُبّاً وَ ذَابَتْ وَفَاءَ(1)

ص: 173


1- يكاد يكون الحديث عن الحب العجائبي المتبادل بين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ابنته الزهراءعليه السلام... صلوات الله و سلامه عليهما، من أركان الحديث عن شخصية سيدة النساء عليها السلام. حيث يستدل به الأعلام علي عصمتها و علي شدة قبح أذاها و علي إبراز مكانتها الفريدة و علي ذلك دارت القرون الأولي و أجمع أهل القبلة و أطبقوا، عامهم و خاصَّم و المخالف منهم قبل المؤالف. فمن ذلك ما رووه عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قوله: «فاطمة عليها السلام روحي التي بين جنبي» و قوله: «أحبّ الناس إليّ فاطمة عليها السلام» و قوله : «خير بناتي فاطمة عليها السلام» و قوله : «فاطمة عليها السلام أم أبيها» و قوله : «فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها أو يريبني ما أرابها و يقبضني ما يقبضها و يبسطني ما يبسطها و يسرّني ما يسرّها» و مثل قوله : «من أحبّ فاطمة عليها السلام ابنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار» و قوله : «حبّ فاطمة عليها السلام ينفع في مائةٍ من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة...» و مثل قول ابن عمر: إن النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم قبّل رأس فاطمة عليها السلام و قال: «فداك أبوك، كما كنتِ فكوني». و عن عائشة؛ في ذخائر العقبي: أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قبل يوماً نحر فاطمة عليها السلام، فقلت له: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فعلت شيئاً لم تفعله؟ فقال : يا عائشة، إني إذا اشتقت إلي الجنة قَبَلت نحر فاطمة عليها السلام. و عن عائشة أيضاً، كما في ينابيع المودّة، أنها قالت: كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم إذا قدم من سفرِ قَبَل نحر فاطمة عليها السلام و قال : منها أشمّ رائحة الجنة. و في الاستيعاب: عن أبي ثعلبة الخشني، قال : كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إذا قدم من غزو أو سفر، بدأ بالمسجد فصلّي فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة عليها السلام، ثم يأتي أزواجه. و في مستدرك النيسابوري بطريقه إلي أبي ثعلبة الخشني أيضاً أنه قال : قدم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من غزاةِ له، فدخل المسجد فصلي فيه ركعتين، فكان يعجبه إذا قدم من سفرِ أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتي فاطمة فبدأ بها، فاستقبلته، فجعلت تقبّل وجهه و عينيه و تبكي، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أراك قد شحب لونك. و في تاريخ بغداد : عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما لك إذا جاءت فاطمة عليها السلام قَبَلتها حتي تجعل لسانك في فيها و في لسان الميزان: مثله. إلي غير ذلك من الروايات و الأخبار التي لها أوّل و ليس لها آخر. مع أن الذي ذكرناه ليس إلاَّ نبذة مختصرة جدّاً من كتب الجمهور و أما ما يرويه الثقاة من شيعتها و محبيها فإنه يختصر الإسلام كله، بل و القرآن بأجمعه في حبَّها و أبيها و بعلها و بنيها، وولايتهم و معاداة عدوهم. و لك إن شئت أن ترجع إلي كتب القوم الذين ذكروا أضعاف أضعاف ما ذكرنا، و إليك بعضها: (1) الصحيح للبخاري، ج 5، (2) صحيح مسلم، ج 7، (3) صحيح الترمذي، ج 13، (4) الخصائص للنسائي، (5) المستدرك للنيسابوري، ج 2، (6) حلية الأولياء لأبي نعيم، ج 3، (7) تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر ج 1، 9، (8) الفائق للزمخشري ج 1، (9) مقتل الحسين للخوارزمي، (10) المناقب للخوارزمي، (11) التذكرة لسبط ابن الجوزي، (12) تفسير ابن كثير، (13) البداية و النهاية لابن كثير، ج 7، (16) مجمع الزوائد للهيثمي، ج 9، (10) الجامع الصغير للسيوطي، (16) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي، (17) كنز العمال للمتقّي الهندي، ج 13، ج 5 - المطبوع بهامش المسند، (18) كنوز الحقائق للمناوي، (19) ينابيع المودة للقندوزي، (20) أعلام النساء لعمر رضا كحالة، ج 3، (21) مقتل الحسين لابن الموفق، (22) مودة القربي للهمداني، (23) مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي، ج 3، (24) و تحفة الأشراف للحافظ المزي، ج 2، (25) ذخائر المواريث للنابلسي الدمشقي، ج 1، نظم درر السمطين للزرندي، (27) تاريخ ابن عساكر، ج 2، (28) إرشاد الساري، ج 6، (29) الإتحاف للزبيدي، ج 6، (30) تاريخ الإسلام للذهبي و غيرها كثير من كتب القوم و أكثر من كتاب الأصحاب و إنما لم نذكر الصفحات مقابل الكتب بسبب تعدّدها.

هَامَ فِي وَحْشَةِ اَلْحَنَّانِ طَوِيلاً *** فَجَلَوْتِ الأُمُومةَ اَلشِّمَّاءَ(1)

وَ حَبَاهُ(2) اَلْإِلَهُ نُعَمِي اَلْبَنَوَّاتِ *** فَكُنْتِ الريحانةَ الْحَوْرَاءِ(3)

هَاكِ مِيلاَدَكَ اَلسَّنِيَّ فَيَا قَلْبُ *** دَعِ الشَّمْسَ تَحْجُبِ الْآلاءَ

إِنَّ قَلْبَ اَلرَّسُولِ يَبْتَسِمُ بهِ *** بَعْدُ هَلْ تَرِي ظَلماءَ

هاكِ مِيلادَكِ اَلنَّدِيَّ يَمُدُّ *** اَلطُّهْرُ ظِلاًّ بِرَبْعَةِ كَيْفَ شَاءَ

ص: 174


1- إشارة إلي الحديث المتقدم عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في حق الزهراء عليها السلام: «فاطمة عليها السلام أم أبيها». و قد تعدّدت الآراء في تفسيرها و أوضحها ثلاثة علي ما عثرنا عليه أ- أنها صارت له بمثابة الأم، بعد أمه آمنة و بعد فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام ب - مبالغة في حقّها لأن أم كلَّ شيءٍ أصله، كما تقول : أم الكتاب و أم القري و أم العلوم ج-- أن ذلك جاء احترازاً عن تخيّل وجود فضل النساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم عليها، لما كانت نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم أمهاتٍ للمؤمنين، فهن أمهات لها، فجاء قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كرفع لها عليهن و تقديمٍ لها دونهن، لأنها قد تبوّأت بذلك مكاناً أعلي و أشمخ و لكلِّ من هذه التفسيرات شواهد تعضده.
2- حباه: أعطاه إياها من غير مقابل.
3- راجع ما نقلناه في ولادتها و سبب تسمياتها و ألقابها.

وَ رَبيعُ العَفافِ يُتَّلِعُ(1) جَيِّداً(2) *** وَ يَزِفُّ اَلْأَنْدَاءَ وَ اَلْأَشِدَّاءَ

هَاكِ مِيلاَدُكِ اَلزُّهْيَّ تُهادِي *** فِيهِ حَوَّاءُ مَريَمَ اَلْعَذْرَاءَ(3)

يَسْتَبِيحُ اَلْخَيَّالُ سِحْراً نَدِيّاً *** فَيُثِيرُ القَصائِدَ العَصْمَاءَ

إِيه أُمَّ الْحُسَيْنِ مَا فَتِيءَ اَلرَّفْضُ *** دَماً يَجْرِي فِي الْعُرُوقِ إِبَاءَ

وَ تَشَكِّي الْمَيْدَانُ مِنْ غُرْبَةِ اَلشَّوْطِ *** فَخُضْنَاهُ غَضْبَةً وَ اِنْتِخَاءَ

هَكَذَا دَأْبُنَا... نُنَاغِي دِمانَا *** وَ يُنَاغِي(4) عَدُوُّنَا اَلصَّهْبَاءَ(5)

أَسْكَرَتْهُمْ ثَمَالَةُ الصَّمْتِ ذُلاً *** فَجَلَوْنَا الْحُرِّيَّةَ الْحَمْرَاءَ

مَرْحَباً يَا أَسِي اَلْكَرَامَاتِ مَا انفَكَّ *** عُلانَا يُنَادِمُ اَلْأَرِزَّاءَ

نَحْنُ نَسْلُ الجِراحِ لَسْنَا نُبَالِي *** بِالَّذِي جِئْتَ لَوْعَةً وَ شَقَاءَ

قَدعَرَفْنَا عَلَي حَوَاشِيكَ لِلنَّصْرِ *** زَهَاءً وَ لِلْعِمْرَاكِ صَفَاءَ

إِنَّنَا فِي يَدَيْكَ نحْفِرُ شَمْسَ اَلْمَجْدِ *** حَفَراً وَ نَبْهَرُ اَلظَّلْمَاءَ

ثُمَّ مَا هُمَّ أَنْ تُنِيرَ دُرُوباً *** أَنْفُسٌ قَدْ هَوَتْ بِهَا شُهَدَاءَ

مِنْ دِمَاهُمْ لِلْخُلْدِ نُبْدِعُ فَجْراً *** كَانَ فِيهِ أُفُقُ اَلْفِدَاءِ مُضَاءَ

إِنَّنَا فِيهِمْ بَلَغْنَا مُنَانَا *** وَسَقَيْنَا سَمْعَ اَلْمَعَالِي صَدَاءَ(6)

كَذَبَ اَلْقَبْرُ لَيْسَ فِي اَلْقَبْرِ مَوْتٌ *** حُجُبُ اَلْغَيْمِ لاَ تُمِيتُ ذكاءَ(7)

زَرَعُوا فِي التُّرَابِ وَ التُّرَبُ خِصْبٌ *** وَحَصَدْنَا الكرامَةَ اَلشِّمَاءَ

تِلْكَ عَادَاتُنَا، فَإِمَّا حَيَاةٌ *** مُدَّ فِيهَا شُمُوخُنَا اَلْأَفْيَاءَ

ص: 175


1- يتلع: يمد عنقه.
2- جيداً: عنقاً.
3- يمكن أن تراجع ذخائر العقبي للطبري، ص 44 و ينابيع المودة للقندوزي، ص 198، ا و وسيلة المآل للحضرمي و نزهة المجالس للصفوري، ج 2، ص 227.
4- يناغي: يغازل.
5- الصهباء: المرأة التي يخالف بياض شعرها حمرة - اليوم البارد.
6- كان حق الصدي أن يقصر و إنما مدّه لضرورة الشعر.
7- ذُكاء: الشمس.

تَتَفَانَيَ قُلُوبُنَا فِي هَوَاهَا *** أَوْ نَرَي اَلْمَوْتَ عَادَةً حَسْنَاءَ

يا ابْنَةَ الْمُصْطَفَي وَ عِنْدَكِ وَافَانِي*** فَأَشْرَفْتُ كَيْ أَزُفَّ الْوَلاءَ

أَتَحَدَّي بِهِ خُطُوبَ اللَّيَالِي *** وَ أُضِيءُ اَلْخَوَاطِرَ اَلسَّوْدَاءَ

وَ عَلَي مُقْلَتِيَّ عَربَدَ لَيْلٌ *** جَامِعُ اَلرُّعْبِ فَاسْكُبِي اَللَّأْلاَءَ

وَ مَرَايَا اَلْجَبِينِ تَعْكِسُ أَلْوَانَ *** انْزُوَائِي فَهَلْ كَشَفْتِ انزواءَ

أَرْهَفَتْنِي مَسَالِكُ الْعُمْرِ حَتِّي *** جِئْتُكِ الْيَوْمَ أَغْسِلُ الْإِعْياءَ(1)

ص: 176


1- في الأصل: أرهفتني بالفاء بنقطة واحدة، أي شحذتني و السياق يقتضي أن تكون بالقاف بنقطتين، بمعني: أتعبتني و أعيتني، لكي تنسجم مع غسل الإعياء.

(24) في رحاب الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الجبار الساعدي(*)(1)

ص: 177


1- (*)الشيخ عبد الجبار بن عبد الرضا بن محسن الغراوي الساعدي. عالم و كاتب و شاعر. ولد في قلعة صالح - العمارة سنة 1369 ه و نشأ في الكحلاء. دخل المدارس الرسمية و تخرّج فيها. هاجر إلي النجف سنة 1387 ه للدراسة و طلب العلم، فقرأ الأوليات الأدبية و الشرعية علي بعض الفضلاء، ثم حضر الأبحاث العالية - فقهاً و أصولاً ۔ علي السيد أبي القاسم الخوئي و السيد نصر الله المستنبط و الشيخ محمد تقي الراضي. نال إجازات شرعية و روائية عن أعلام الدين بلغت «22» إجازة و قد اطّلعت عليها كلّها و فيها بالغ الإطراء علي علمية المترجم له و أدبه و له مشايخ كثيرون بالرواية ذكرتهم في كتابي «الثبت الجديد في معرفة المشايخ الأسانيد» و أجازني إجازة عامة برواية الحديث و غيره. نظم الشعر مبكّراً و أجاد فيه و نشر منه في الصحف العراقية و العربية و ارتاد النوادي الأدبية و شارك بها و له مقالات قيّمة نشرت في مجلة «العدل» النجفية و مجلة «العرفان» اللبنانية و صحيفة «المنار» البغدادية و غيرها. نال عضوية «رابطة الأدب الحديث» بالقاهرة و عضوية «اتحاد الأدباء و الكتاب العراقيين» و «اتحاد المؤرخين العرب» و«الجمعية الفلسفية» في بغداد و الهيئة الإدارية ل- «جمعية التحرير الثقافي» في النجف و الهيئة الإدارية ل- «لجمعية التوجيه الديني» في النجف و أمين مكتبتها. مؤلفاته: طبع له. الدعاء في المعتقد الشيعي، القرآن في نظر الشيعة. دموع الكحلاء -مجموعة شعرية- ديوان السيد حسن الياسري تحقيق. القاسم بن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام. ناعية الطف السيد حيدر الحلي، الإمام الخنيزي من أعلام مدرسة الفقه الشيعي، الوفاء في شعر الشيخ عبد الغني الخضري، سليل الإمام الكاظم العلوي الغريب، أثر التربية الإسلامية في حياة الفقيد الجلالي، سطور من حياة أهل البيت عليهم السلام. فلسفة الصوم في الإسلام. ملامح من شاعرية السيد محمد سعيد الحبوبي. نغم الولاء -مجموعة شعرية- و المخطوطة: لمعة من علوم القرآن. تقريرات الفقه و أصوله. وقفة مع بعض مسائل المكاسب. من حديث الفقاهة الصادقية. دروس في التربية. في رحاب الإسلام.

ماذا أَقُولُ بمولدِ الزَّهراءِ *** فهيَ البتولُ ومنتهي العلياءِ

صاغَ الإلهُ من الجلال كيانها *** فَتَأَلَّقْتْ تسمُو علي الجوزاء

هيَ عفةً و نزاهةً و قداسةً *** تمشي علي أرضٍ من اللألاء

لولا عليُّ ينبرِي لزواجِها *** ما صادَفَتْ أحداً من الأكفاءِ

نوران قد قَرَنا فؤاداً بهجةً *** غَمَرا الوجودَ بمشرقِ الأضواءِ

والكُلُّ مفتقرٌ إلي نوريهما *** حتي الذي في الصخرةِ الصمَّاءِ

سرَّ تقاصَر عن بلوغِ قراره *** فكرٌ الحصيفِ و حكمةُ الحكماءِ

كلّا و لا أهلُ الكلامِ و من لَهُمْ *** وَلَعٌ بحبِّ تفلسفِ الآراءِ

قَدْ خاطبَ النعمانُ يوماً جعفراً *** و هوَ المعينُ لحكمةٍ وعطاءِ

ارجعْ لربِّك يا بن ثابتَ تائباً *** فالدينُ ليسَ بقولةِ العقلاءِ

لا وجهَ تذهبُ للقياسِ مقارناً *** إن القياسَ مقالةُ السفهاءِ

فهناكَ أسرارٌ لعمرِي جمة *** تبقي رهينةَ محبسٍ و غطاءِ

و عليُّ و الزهراءُ أعظمُ ملغزاً *** و عميقُ سرِّ موغلٍ بجفاءِ

فهما شعاعُ القدسِ من ملكُوِتها *** ليمدّ كُلَّ عوالِمِ الأحياءِ

دعْ عنكَ كلَّ تحذلقٍ و تمنطقٍ *** و اتركْ حديثَ مقالةِ العُلماءِ

أتراكَ تدركُ سرّهم و مقامهم؟ *** جنبْ قواكَ مغبة الإعياءِ

أتظنُ زهراءَ الأنامِ كغيرها *** ممن وُلِدْنَ لأُمِّنا حواءِ؟

ورددتْ قولي إنّها من آدمٍ *** و الأصلُ يُنْمي للثري و الماءِ

فأجبتهُ أو ما دريتَ بفاطمٍ *** أنسيةٌ من معدنِ الحوراءِ؟

هي شعلةُ النورِ المبينِ توهجاًّ *** لتزيحَ عنا حندسَ الظَلماءِ(1)

فبِها و شِبلَيْها اللذين تَوَقَّدا *** بدراً بليلِ غمائمِ الأهواءِ

ص: 178


1- حندس الظلماء: الظلمة الشديدة.

للصح مَالَ زَكيُّهَا لِيَصُونَهَا *** مِمَّا أُتِيَ مِنْ زُمْرَةِ الطُلَقَاءِ

أَمَّا دِمَاءُ أَبِي عَلِيِّ إنهَا *** تَدْعُوا لِكُلِّ فَضْلِيَّةٍ و علاءِ

وَ بِبَعْلِهَا اَلزَّاكِي اَلرَّشِيدِ صِرَاطُنَا *** لِنَكُونَ مِنْ أَهْلِ الحِجا السعَدَاءِ

وَ بِأَحْمَدَ اَلْهَادِي اَلْأَمِينِ نَبِيِّنا *** أَزَكي الخَلِيفَةِ خَاتَمِ اَلْأُمَنَاءِ

لِتَتِمَّ فِي يَوْمِ اَلْحِسَابِ نَجَاتُنَا *** رَغْماً عَلَيَّ أَهْلِ اَلْعُمْيِ اَلْأَعْدَاءِ

ص: 179

(25) تربة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي(*)(1)

ص: 180


1- (*) الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ ابراهيم ابن الشيخ صادق العاملي يتصل نسبه بآل يحيي القبيلة المعروفة في (جبل عامل)، ولد في النجف الأشرف في حدود سنة (1282ه) و بعد بضعة أشهر من ولادته عاد به والده إلي لبنان (جبل عامل) و بعد وفاة والده عاد إلي النجف لتحصيل العلوم العقلية و النقلية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف و ذلك بعد أن تعلمَّ المقدمات علي العلماء في جبل عامل فتتلمذ علي أساتذة كبار منهم الشيخ محمد حسين الكاظمي و الأخوند ملا محمد الشربياني و مرزا حبيب الله الرشتي و مرزا حسين الخليلي الطهراني و الآخوند ملا محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و المجدد ميرزا حسن الشيرازي في سامراء و قد شهد العالمان الكبيران الأخوند الخراساني صاحب الكفاية و ميرزا حسين الخليلي له بالاجتهاد . و المترجَم له علم معروف و عالم تضلّع في سائر العلوم و تخصص في الفقه حتي أصبح من الفقهاء المشتهرين و كان يتوقّد ذكاءً و يتفجَّر فضلاً مع حسن أخلاق و طلاقة وجه. و أيضاً كان المترجم له من أشهر مشاهير أدباء عصره، عالم كبير و شاعر مبدع لم ينازع في فضله، أديب ينتمي الادب منه إلي أهله فهو عريق أباً عن جد في العلم و في الشعر و له شعر كثير في مدح أهل البيت «عليهم السلام» و رثائهم و كلها من الشعر العالي المقبول. و لما عاد إلي جبل عامل و ذلك بالزام من كبار أساتذته إجابة منهم لطلب جمهور من العامليين و كللّوه بإجازاتهم و شهاداتهم له ليرقي منصب الاجتهاد. و عندما استقرّ في النبطية أسسَّ حسينية هي أم الحسينيات في الجنوب اللبناني، و ولاؤه أهل البيت عليهم السلام يذكر فيشكر و نجد بلدة النبطية - اليوم - من معاقل أهل البيت «عليهم السلام» فالمآتم و المواكب و الشعائر المختلفة التي تقيمها الحسينية هي ركن من أركان التشيع و لا عجب فهو من أسرة شعارها الولاء لآل رسول الله «عليهم أفضل الصلاة والسلام». ومن فضل الله علي المترجم له أن نجِّي بسعيه طائفة كبيرة من المسلمين من سوقهم إلي ساحة الحرب العامة الطاحنة و هذا الموقف مشهود له. و أما تصانيفه وتأليفه فتزيد علي العشرين كتاباً منها (المواهب السنية في فقه الامامية) مجلدان و له منظومة فقهية استدلالية تبلغ أربعة آلاف بيت و منظومة كلامية تبلغ الفي بيت و غير ذلك من المحاضرات و المناظرات مطبوعة و مخطوطة. توفي في النبطية في (12) ذي الحجة الحرام (1361 ه) و دفن إلي جانب الحسينية التي أسسها في حياته. فرثاه الشعراء بقصائد أعربت عن مقامه الرفيع و أبَّنته الصحافة و الأدباء بشتَّي أساليب الحزن و الألم. و خلف المترجم له ثلاثة أنجال كلهم من أهل الأدب و الفضل هم الشيخ حسن و الشيخ محمد تقي و الاستاذ عبد الرضا.

يا زائراً أرضَ البقيعِ وصيَّةً *** عني تُقبِّلُ تربةَ الزهراءِ

فإذا تشابَهتِ القبورُ بعطرِها *** فَتَتَبَّع التعريفَ بالأرزاءِ

كلُّ الأئمةِ حولَها قد غُيِّبُوا *** بالسُّمِّ و هيَ بغُصَّةٍ و جَفاءِ

عَفِّر خُدودَكَ بِالتُّرَابِ فَرُبَّمَا *** أُفْضِي إِلَيْكَ بِفَادِحِ اَلْأَنْبَاءِ

قَبْرُ الْبَتُولَةِ لَوْ شَمِمْتَ تُرَابَهُ *** أَشْجَاكَ صَوْتٌ مُفعَمٌ ببكاءِ

أَبَتَاهُ قَوْمُكَ مَا وَفَوْا بِوَصِيَّةٍ *** أَبَتَاهُ بِعْدَاكَ أَيْتَمُّوا أَبْنَائِي(1)

قَادُوا اِبْنُ عَمِّي كَالْأَسِيرِ أَمَامَهُمْ *** وَ أَجَابُوا بِالشَّتْمِ الْفَظِيعِ نِدَائِي

خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي أَوْ لَأَكْشِفَ لِلدُّعا *** رَأْسِي وَ أشكُو لِلْإِلَهِ بَلائِي(2)

كَسَرُوا ضُلُوعِي وَ الْجَنِينُ بِعَصْرَةٍ *** قَدْ أَسْقَطُوهُ وَ لَوَّعُوا أَحْشَائِي

رَكْلاً وَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَ أَحْرِقُوا *** دَارِي فَهَلْ أَوْصَيْتَ فِي إِيذَائِي؟

ص: 181


1- في بحار الأنوار ج 43 ص 54: عن مجاهد قال: خرج النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة عليها السلام فقال : من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد عليها السلام و هي بضعة منّي و هي قلبي و روحي التي بين جنبيّ من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذن الله.
2- في تفسير العياشي، ج 2، ص67 في حديث طويل «... فلما انتموا إلي الباب فرأتهم فاطمة عليها السلام أغلقت الباب في وجوههم و هي لا تشك الّا يدخل عليها إلّا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره ثم دخلوا فأخرجوا علياً ملبياً فزجت فاطمة عليها السلام فقالت: أتريد أن ترمِّلني من زوجي و الله لئن لم تكف عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتينّ قبر أبي و لأصيحنّ إلي ربي»...

(26) حب الزهراء عليها السلام

(بحر المتدارك)

الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)

فِي قَلْبِي حُبُّ اَلزَّهْرَاءِ *** يُنْجِينِي مِنْ كُلِّ بَلاَءِ

فِي رُوحِي كَنْزٌ لَوْلاَءٍ *** بَاقٍ فِي مُدِّ اَلْإِبْقَاءِ

أَسْمَاءُ اَلطُّهْرِ مَعَانِيهَا *** طَالَتْ عِرْفَانَ اَلْحُكَمَاءِ

هِيَ نُورٌ نُبُوِّيُّ صِيغَتْ *** فِي بَدْءِ زَمَانِ اَلْإِنْشَاءِ

ص: 182


1- (*)هو الشيخ عبد الستار بن جليل بن كرم بن راهي البديري الكاظمي ولد في مدينة الكاظمية سنة (1372) الموافق (1953) م في وسط حافل بالعلماء و الأدباء و المواكب الحسينية من أسرة حسينية معروفة بالشعر والأدب. نشأ منذ صغره متشوّقاً لطلب العلم و الفضيلة و كانت بداية دراسته في مدارس الكاظمية الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن نال شهادة الماجستير في الأدب العربي و التحق بأستاذه الحافظ الأديب صفاء الشلبي و لازمه عامة واحداً و درس عنده النحو و فنون الأدب العربي و درس عند الشيخ الغراوي حتي هاجر إلي سورية سنة (1980 م) و بقي فيها إلي سنة (1982 م)، ثم سافر إلي قم المقدسة لينهل من كبار الأساتذة دروس الفقه و الأصول و التفسير، كما أنه درس في الحوزة بعض العلوم مثل المنطق و النحو و الصرف و البلاغة. و للمترجم باع طويل في مجال المنبر الحسيني الشريف، إذ إنه خطيب بارع ومنطيق فذّ له يرقي المنبر بكل جدارة في المناسبات الدينيّة. أحبّ الشعر و شغف به و ابتدأ بقرض الشعر سنة (1973) م علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة و عُرِف في نظمه بكتابة القصيدة العمودية و قد أنتجت قريحته الخصبة ديواناً بإسم (حديث القافية) في جزأين و هما في طريقهما إلي الطبع. و مما يذكر أنه أيضاً ينظم الشعر (النبطي) الشعبي الدارج و هو من الشعراء المطبوعين في اللغة الفصحي و أغالب نظمه في أهل البيت «عليهم السلام».

فَالْإِنْسِيَّةُ فِي مَوْلِدِهَا *** حَوْرَاءُ جِنَانٍ خَضْرَاءِ(1)

أُمُّ أَبِيهَا شَمْسُ هُدَاهَا *** تُشْرِقُ مِن بُرْجِ الْعَلْيَاءِ

فِي مَكَّةَ مِن نُورٍ وُلِدتْ *** زَهْراءٌ أَيَّةُ زَهراءِ(2)

شَرَّفْتِ اَلدُّنْيَا فِي مَجْدٍ *** أُحْيِي دَائِرَةَ اَلْأَحْيَاءِ

أُولاَهَا ذُو اَلْعِزَّةِ قَدْراً *** يَتَسَامَي فِي طِيبِ نَقَاءِ(3)

بَقِيَتْ فِي مَعْنَاهَا فَرْداً *** قُرْآنِياً فِي اَلْآلاَءِ(4)

جَوْهَرَةُ الْأَسْمَاءِ الْحَسَنِي *** فِيها أَسْرارُ الْأَسْمَاءِ

وَ عَلَيْهَا يَا رَبِّ صَلِّ *** فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ

ص: 183


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي كون الزهراء سلام الله عليها حوراء إنسية. راجع كتاب أمالي الصدوق مجلس 24 ص 100 و في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج 12، ص 331 قال: عن ابن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابنتي فاطمة حوراء عليها السلام آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سماها فاطمة عليها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار و في البحار، ج 43، ص 4، قال : نقلاً عن أمالي الصدوق و عيون أخبار الرضا عن الرضا عليه السلام قال : قال النبي عليه السلام، لما عرج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلي الأرض و اقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلي رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي نور ولادة الزهراء. راجع كتاب مشارق الأنوار ص 85 و البحار، ج 16، ص 81 و عوالم العلوم، ج 1، ص 58 - 59.
3- أولاها: جعلها و إلية عليه.
4- الآلاء: النعم.

(27) القرار الظالم... و الدفاع البطولي الفذ

اشارة

(بحر الرمل)

الأستاذ عبد العباس الأسدي(*)(1)

الرواية

روي عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه، أنه لما أجمع أبوبكر

ص: 184


1- (*) هو الأستاذ عبد العباس مصطفي محمد علي الأسدي الكربلائي ولد سنة 1954 م في كربلاء المقدسة. أكمل دراسته الأكاديمية و أنهي المراحل الابتدائية و المتوسطة و الثانوية في كربلاء المقدسة. و هاجر إلي إيران عام 1981 م و سكن مدينة قم المقدسة و ابتدأ الدراسة الحوزوية فيها و تتلمذ مراحل المقدمات علي الأساتذة الكرام: آية الله السيد محمد رضا الشيرازي و آية الله السيد أحمد الخاتمي و حجة الإسلام والمسلمين العلامة الخطيب السيد محمد باقر الغالي و المرحوم آية الله السيد محمد كاظم المدرسي و العلامة الحجة السيد عباس المدرسي و قد حضر بحوث سماحة آية الله العظمي السيد محمد الشيرازي (قدس سره) و آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي (حفظه الله) و عمل في مجال التحقيق في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام و التدريس مدرسة الباقر و الصادق عليه السلام و قد درس المقدمات و التجويد و فن الخط العربي. أحب الشعر و مارس نظم الشعر في مختلف الأصعدة و قد ألف ديوان شعر باسم ديوان الأسدي و هو يتضمن ثلاثة أنواع من الفنون الشعرية، الشعر الفصيح و الحر و الدارج و له كتاب آخر قد طبع باسم ملحمة الزهراء و هو عبارة عن ثلاثة فصول الأول حول الرسالة و الخلافة و الثاني حول فدك و الثالث هو عبارة عن ترجمة شعرية لخطب فاطمة الزهراء عليها السلام. و له مؤلفات أخري لم يتم طبعها حتي الآن ترجمة الثورة الحسينية بالشعر الدارج و تخميس كتاب الأنوار القدسية للعلامة الشيخ محمد حسين الأصفهاني . و هو الآن لا يزال مستمر في نظمه للشعر ومواكبة مع الشعراء.

علي منع فاطمة فدك و بلغها ذلك:

رُوِيتْ مَسْنُودَةً دُونَ خَطَاءِ *** عَنْ كَرِيمٍ مِنْ سَلِيلٍ الْكُرمَاءِ

هُوَ «عِبْداللَّهِ وَ اِبْنُ اَلْحَسَنِ» *** نَسَبٌ كَالشَّمْسِ مِن دُونِ خَفَاءِ

قَدْ رُوِيَ: مُسْتَنِداً عَنْ فِدَاكٍ *** قِصَّةَ اَلْغَدْرِ وَ آثَارَ اَلْجَفَاءِ

سَانِداً ذَاكَ اِلي آبَائِهِ *** وَ هُمْ فِي النَّقْلِ نِعَمَ الْأُمَنَاءِ

إِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ «الصَّديقُ» فِي *** أَمْرِهِ مَنْعُ اَلْبَتُولِ مِنْ حِبَاءِ

فَدَكِ أَرْضٌ حَبَاهَا سَيِّدٌ *** بِنْتِهِ اَلزَّهْرَاءَ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ

نَفْلَةٌ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً *** وَ هُوَ عِنْدَاللَّهِ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

أَبْلِغُوا فَاطِمَةَ فِي مَنْعِهَا *** فَدَكاً مِنْ دُونِ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ

الزهراء عليها السلام تخرج للدفاع عن حقّها

لاثت خمارها علي رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخترم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. حتّي دخل علي أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم.

عِنْدَهَا لاثَتْ خِمَاراً وَسَعَتْ *** فِي اشتمال زانَها ثَوْبُ النَّقاءِ

أَقْبَلَتْ فِي لُمَةٍ قَدْ ضَمَّهَا *** خَيْرُ أحفادٍ وَ مِن خَيْرِ النِّسَاءِ

سَتَرَتْ نَفْساً وَ أَبْدَتْ عِفَّةً *** تَطَأُ الْأَدْيَالُ صَوْتاً لِلْحَيَاءِ

لَايَجِدُهَا طَاعِنٌ فِي مَشْيَةٍ *** دُونَ أَنْ يَصْدِرَ عَهْداً بالبراءِ

مِشيَةٌ مَا تَخْتَرِمْ كَيْفِيَّةً *** عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ مِنْ دُونِ اِقْتِفَاءِ

دَخَلَتْ حتي تَدَانَتْ فَاطِمٌ *** مِنْ «أَبِي بَكْرٍ» بَعْزَّ وَ إِبَاءِ

وَ هُوَ قَدْ كَانَ بِحَشَدٍ هَاجَرُوا *** وَ بِهِمْ مَنْ نَاصِرُوا دِينِ اَلسَّمَاءِ

دخولها علي أبي بكر

فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثمَّ أنَّت أَنَّةً أجهش القوم بالبُكاء،

ص: 185


1- نفلة: عطيّة.

فارتجَّ المجلس، ثمَّ أمهلت هنيئة، حتي إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم. إفتتحت الكلام بحمد الله و الثّناء عليه،

فَأُنِيطَتْ دُونَ بِنْتِ اَلْمُصْطَفِي *** بِمُلاَءَاتٍ أحالَتْ عَنْ تَرَاءِ

جَلَسْتْ هَوْناً... وَ أَنَّتْ أَنَّةً *** أَجْهَشَ اَلْقَوْمُ جَمِيعاً بِالْبُكَاءِ

وَ لَهَا اِرْتَجَّتْ زاوياً مَجْلِس *** كَادَ مِنْهَا يَنْطوِي صَرْحُ اَلْبِنَاءِ

أَمْهَلَتْ أُمُّ أَبِيهَا لَحْظَةً *** لِتُقِرَّ اَلنَّاسَ فِي حِينِ اِسْتِوَاءِ

سَكَنَ اَلْقَوْمُ وَ مِنْ أنشجةٍ *** تَرَكَتْ فِي اَلْقَلْبِ آثَارَ اَلْعَياءِ

هَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ مِنْ مُعْضِلٍ *** وَ كَأَنَّ اَلنَّارَ رَشَّتْهَا بِمَاءِ

بَدَأَتْ فَاطِمَةُ فِي قَوْلِهَا *** تَحْمِدُالِلَّهَ وَ تُضْفِي بِالثَّنَاءِ

الحمد و الثناء

و الصلاة علي رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلمَّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليه السلام: الحمدلِلَّهِ علي ما أَنعم و له الشكر علي ما ألهَمَ و الثّناء بما قدَّم، من عموم نعمٍ ابتدأها و سبوغ آلآءٍ أسداها.

ثُمَّ صَلَّتْ بَعْدَهَا ذَاكِرَةً *** خَيْرَ مَبْعُوثٍ، رَسُولَ الْأُمَنَاءِ

فَإذَا اَلْقَوْمُ أَعَادُوا فِي اَلْبُكَا... *** بَعْدَ أن فَلَّ بِهِمْ عَزْمُ اَلرُّغَاءِ

أَمْسكُوا... عَادَتْ وَ فِي خُطْبَتِهَا *** هِيَ قَدْ قَالَتْ وَ هَمَّتْ فِي دهَاءِ

نِعَمٌ... أَحْمَدُ رَبِّي وَ لَهُ الشُّكرُ *** عَلَي الهامِهِ مِلْءَ الجَواءِ

و با قَدَّمَ رَبِّي أَسَدِهِ *** لِعُمُومِ نِعَمٍ حَمْدَ اَلرَّجَاءِ

نِعَمٌ رَبِّي ابْتَداهَا رَحْمَةً *** مِنْهُ لِي دائِمَةً مُنْذُ ابْتِدَاءِ

وَلَالَاءٍ أَتَتْ سَابِغَةٌ *** رَبِّي أَسْدَاهَا وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

و تمام مننٍ والاها، جمَّ عن الإحصاء عددها و نأي عن الجزاء أمدها و تفاوتَ عن الإدراك أبدها و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتِّصالها،

مِنَنٌ تَتْري وَ رَبِّي رَبُّها *** هُوَ قَدْ تَمَّمَها لِي بِالْعَطاءِ

مِنَنٌ تَكْثُرُ فِي إِحْصَائِهَا *** عَدَدَ اَلْأَرْقَامِ مِنْ دُونِ اِحْتِوَاءِ

ص: 186

مِنَنٌ نَائِيةٌ حَتِّي غَدَتْ *** هِيَ فِي اَلْآمَادِ تَنْأَي عَنْ جَزَاءِ

مِنَنٌ مَاحِضَةٌ فِي غَوْرِهَا *** لَيْسَ تُدْرِكُهَا أَسَارِيرُ الذَّكَاءِ

مِنَنٌ بِالشُّكْرِ تَنْمُو سَعَةً *** وَ هِيَ تَزْدَادُ نَمَاءً فِي اَلْأَدَاءِ

نَدَبَ اَللَّهُ لَهَا مَنْ يَبْتَغِي *** وَ ارْفَ الْخَيْرِ وَ مِدْرارَ النَّماءِ

أَنْ يُؤَدِّيَ اَلشُّكْرَ إِذْ فِي شُكْرِهِ *** سَيَزِيدُ اَللَّهُ مِنْ النَّعماءِ

عرفانها

و اسْتحمد إلي الخلائق بإجزالها و ثني بالنّدب إلي أمْثالها و أشهد أنّ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وحده لا شريك له. كلمةٌ جعل الإخلاص تأويلها و ضمَّن القلوب موصولها. و أنار في التفكير معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته،

وَ هُوَ اَللَّهُ الَّذِي أَسْتَحْمَدَهَا *** فِي ضَمِيرِ الْخَلْقِ مَؤْفُورَ الْإِتَاءِ

وَ ثَن بِالنَّدْبِ فِي أَمْثَالِهَا *** لِيَكُونَ اَلْخَيْرُ مِنْهُمْ فِي حِذَاءِ

ثُمَّ قَالَتْ فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا: *** «كَلِمَةُ التَّوْحيدِ» تَجْسِيدُ اَلرِّفَاءِ(1)

جَعَلَ اَلْإِخْلاَصَ فِي تَأْوِيلِهَا *** مَنْ لَهُ اَلْأَمْرُ و آثَارُ اَلْقَضَاءِ

ضَمَّنَ اَلْقَلْبَ وَ مِنْ مَوْصُولَهَا *** وَحَّدُوهُ وَ اسْتَلانُوا لِلرِّضَاءِ

وَ أَنَارَ اَلْفِكْرَ فِي مَعْقُولِها *** وَ لَهُ دَانَ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ

وَ هُوَ الْمُمْتَنِعُ عَنْ رَوِيَّةٍ *** تَعْجِزُ اَلْأَبْصَارُ إِدْرَاكَ اَلسَّنَاءِ

ومن الألسُنِ صفته و من الأوهام كيفيتّه، إبتدع الأشياء لا من شيءِ كان قبلها و أنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ إمتثلها، كونها بقدرته و ذرأها بمشيَّتِهِ ، من غير حاجةٍ منه إلي تكوينها و لا فائدةٍ في تصويرها، وَ أَكَلَ اللَّهُ عَنْ أَوْصافِهِ *** أَلْسُنَ الْخُلُقِ وَ أَوْتارَ الْحَوَّاءِ

وَ مِنَ الْأَوْهَامِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ *** قَدْ تَعَالَي... فَهُوَ فَرْدٌ فِي الْعَلاءِ

ص: 187


1- الرفاء: الصلاح.

أَبْدَعَ اَلْأَشْيَاءَ مِنْ شَكْلَةٍ *** هِيَ كَانَتْ قَبْلَهَا مُنْذُ إبتداءِ

وَ بلاَ أَمْثِلَةٍ أَنْشَأَهَا *** جَلَّ أَنْ يَحْتَاجَهَا فِي الإحتذاءِ

كَوَّنَ الْأَشْياءَ فِي قُدْرَتِهِ *** ذَرَأَ الْأَشْيَاءَ مِنْ دُونِ اقْتِدَاءِ

خَلَقَ اَلْأَشْيَاءَ إِذْ شَاءَ فَلاَ *** حَاجَةٌ مِنْهُ إِلَيْهَا فِي اَلْبَدَاءِ

وَ بِلاَ فَائِدَةٍ صُوَّرَهَا *** فَهْيَ لاَ تُغْنِيهِ شَيْئاً فِي ثَرَاءِ

إلاَّ تثبيتاً لحكمته و تنبيهاً علي طاعته و إظهاراً لقدرته و تعبداً لبرّيته و إعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثّواب علي طاعته،

دُونَ أَنْ يُثْبِتَ فِي حِكْمَتِهِ *** سُنَنَ اَلْخَلْقِ لِفَهْمِ الْحُكَمَاءِ

وَ لِتَنْبِيهٍ عَلَيَّ طاعَتَهٍ *** أَلْهَمَ الأَحْياءَ مَيْسُوءرَ اَلرِّضَاءِ

وَ أَبَانَ وَ هُوَ فِي قُدْرَتِهِ *** لِذَوِي الْأَلْبابِ مَنْظُومَ الرَّقَاءِ

وَ الْبَرَايَا رَامَ أَنْ يَأْتِينَهُ *** عَابِدَاتٍ دُونَ شَكِّ أَوْ رِثَاءِ(1)

وَ لِإِعْزَازٍ لِمَا أَلْهَمَهُمْ *** لدعاويهِ هَداهُمْ فِي الدُّعاءِ

وَ أَعَزَّ اَلْخَلْقِ فِي دَعْوَتِهِ *** وَ بِهَا اَلْإِعْزَازُ رَاسٍ بِالْحَوَّاءِ

جَلَّ اَللَّهُ ثَوَابَ خَلْقِهِ *** إِنْ أَطَاعُوهُ عَلَيَّ قَدرَ الْوَلاءِ

و وضع العقاب علي معصيته، زيادة لعباده من نقمته و حياشةً لهم إلي جنَّتِهِ و أشهد أنَّ أبي (محمداً صلي الله عليه و آله و سلم) عبده و رسوله، إختاره وانْتجبه قبل أن إجتبله و اصْطفاهُ قبل أن ابْتعثه،

وَ لِمَنْ يَعْصِيهِ مِنْهُمْ نَارُهُ *** كعِقَاب مَوْضِعِ يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

سَنَّهَا صَوْناً وَ ذُوداً لَهُمَا *** مِنْ نَقَّامٍ طَائِلاَتٍ لِلرِّعَاءِ(2)

وَ حِيَاشَاتٍ لَهُمْ فِي رَحْمَةٍ *** لِجنَانٍ وَاسِعَاتٍ فِي الرَّهاءِ

وَ أَنَا أَشْهَدُ مِنْ أَنَّ أَبِيْ *** أَحْمَدُ اَلنَّاسِ نَبِيُّ الصُّلَحَاءِ

هُوَ عَبْدٌ وَ رُسُولٌ لِلَّذِي *** خَلَقَ الْأَكْوَانَ مِنْ غَيْرِ عَنَاءِ

ص: 188


1- رثاءِ: الرياءو هو الكذب.
2- الرِّعاء: الرعية و هي عامة الناس.

وَ هُوَ أَخْتَارَ أَبِي مِنْ قَبْلِ أَنْ *** فِي اَلْجَبَلاَّتِ يُوَازَي بِانْتِفَاءِ

وَ اِصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ *** أَوْ يُسَاوِيهِ نَبِيٌ فِي اِصْطِفَاءِ

إذ الخلائق بالغيب مكنونة و بستر الأهاويل مصونة و بنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالي بمآئل الأمور و إحاطة بحوادث الدهور و معرفة بمواقع المقدور،

وَ إِذَا اَلنَّاسُ وَ مَا خُلِقُوا *** بِالْمَغِيبَاتِ كُنُونٌ فِي الْخَوَاءِ

وَ بِسِتْرٍ مِنْ أَهَاوِيلِ الْقَنَا ***كَانَ فِيهِ الصَّوْنُ مِنْ حُكْمٍ الْفَنَاءِ

وَ هِيَ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً *** بِنِهَايَاتِ عُدُومٍ فِي خَفَاءِ

وَ لَعِلْمِ اَللَّهِ فِي مَائِلٍ *** لِأُمُورِ اَلْخَلْقِ أُنْدِي فِي اَلرَّخَاءِ

وَ هُوَ الْقَائِمُ فِي إِحَاطَةٍ *** لَيْسَ أَحْدَاثٌ سَتَبْقِي فِي الْخَفاءِ

أَبَدَ اَلدَّهْرِ سِنّاً مَعْرِفَةٍ *** مِنْهُ يَحْوِي مَا بِلِيلٍ وَ ضِحَاءِ

أَوْ بِأَزْمَّانِ أُمُورٍ صَرْفَةٍ *** قَدْ قَضَاهَا قَبْلُ فِي مَحْضِ اَلْقَضَاءِ

البعثة و أسبابها

ابتعثهُ الله إتماماً لأمره و عزيمةً علي إمضاء حكمه و إنفاذاً لمقادير حتمه، فرأي الأمم فِرقاً في أديانها،

بَعَثَ اَللَّهُ أَبِي فِي دَعْوَةٍ *** وَ بِهِ إِتْمَامُ أَمْرِ السُّفَرَاءِ

وَ أَتَتْ مِنْهُ بِهِ عَزِيمَةٌ *** لِقَضَاءٍ هُوَ إِمْضَاءُ اَلْمَضَاءِ

وَ بِهَا أَمْضِي مَبَانِي حُكْمِهِ *** وَ بَدَتْ شَاخِصَةً لِلْحُكَمَاءِ

وَ لِإِنْفَاذِ اَلْمَقَادِيرِ اَلَّتِي *** هُوَ قَدْ حَتَّمَهَا حَتْمَ الْفَنَاءِ

أَرْسَلَ اَللَّهُ أَبِي «مُحَمَّداً» *** وَ بِهِ ثَارَ عُقُولَ اَلْأَذْكِيَاءِ

حِينَ كَانَ اَلنَّاسُ فِي أَدْيَانِهِمْ *** فِرَقاً يَشْكُّونَ أَمْرَاضَ الْخَوَاءِ

قَدْ رَآهُمْ أُمَماً عَاكِفَةً *** سَبَرُوا فِي اَلغَيِّ أَقْصي اَلْهَدَوَاءِ

عكَّفاً علي نيرانها و عابدة لأوثانها، منكرة اللَّه مع عرفانها، فأنار اللَّهُ

ص: 189

بمحمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم ظلمها و كشف عن القلوب بهمها و جلي عن الأبصار غممها،

حَيْثُ كَانُوا عُكَّفاً مِن جَهْلِهِمْ *** حَوْلَ أصْنامٍ ومِيقَادِ الصَّلاءِ(1)

أنْكَرُوا اللَّهَ عَلَي مَعْرِفَةٍ *** فَهُوَ فِي إِحجِيَةٍ بَرْقُ اَلْجَلاَءِ

قَدْ تَجَلَّي اَللَّهُ فِي إدراكهمْ *** إِنَّهُ اَلْوَاهِبُ أَنْفَاسَ اَلسَّدَاءِ

فَأَنَارَ اَللَّهُ فِيهِمْ «بِأَبِي» *** ظُلَمَ الشَّرْكِ ضُرَّ الْعَمْيَاءِ

كَشَفَ اَللَّهُ «بفَضْلٍ» بُهَمَاً *** عَنْ قُلُوبٍ مشْقلاتٍ بِالْبَلاَءِ

وَ جَلَي اَللَّهُ عَنِ اَلْأَبْصَارِ فِي *** أُمَم تَاهَتْ بِمَسْتُورِ الْعَيَاءِ

غُمْماً كَانَتْ بِهَا حَائِرَةً *** أُمَمٌ فِي ثِقلِ جَهْلٍ و ضَرَاءِ

حديثها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم... دعوته و وفاته

و قام في النَّاس بالهداية و بصَّرهم من العماية و هداهم إلي الدَّين القويم و دعاهم إلي الصراط المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة،

و «أَبِي» قَامَ بِجِدِّ هَادِيَّاً *** يَرْشُدُ النَّاسَ لِأسْبَابِ اَلشِّفَاءِ

و لَقَدْ أَنْقَذَهُمْ مِن هُوَّةٍ *** لِلغَوَاياتِ بِها حَرَّ الطِّلاءِ

وَ بِنُورِ الِلِّهِ قَد بَصَّرَهُمْ *** مِن عَمَّيَّاتٍ... لمِشْكاةِ الضِّياءِ

و هَدَاهُمْ لِطَرِيقٍ وَاضِحٍ *** يَسْعَدُ النَّاسُ بِدِينٍ لِلسَّمَاءِ

وَ دَّعَاهُمْ لِسَبِيلٍ قَيِّمٍ *** لَيْسَ فيهِ ضَرَرٌ لِلعُقَفَاءِ(2)

ثُمَّ إنَّ اللَّهَ مِنْ رَأْفِتهِ *** وَ اخْتِيَارٍ مِنْهُ فَاضٍ بِالرِّباءِ(3)

قَبَضَ اَللَّهُ «أَبِي» فَاخْتَارَهُ *** رَأْفَةً فِيهِ إِلَي أَعْلَي اَلْعَلاَءِ

و اختيار و رغبة و إيثار

فمحمَّدٌ صلي الله عليه و آله و سلم من تعب هذه الدَّار في راحة، قد حفّ بالملائكة الأبرار و رضوان الرِّبِّ الغفّار و مجاورة الملكِ الجبِّار،

ص: 190


1- الصلاء: من الصلي و هو الإدخال في النار.
2- العقفاء: من التعقيف و هو التعويج.
3- الرباء: من التربية.

دُونَ سَخَطٍ مِنْهُ أَو عَنْ غَضَبٍ *** بَلْ بِإِيثَارٍ و شَوْقٍ لِلِقَاءِ

«فَأبِي» مِن تَعَبِ الدُّنْيَا سَلا *** فَهُوَ فِي رَاحَةِ صَفْوٍ و َهْنَاءِ

و هُوَ قَدْ حُفَّ بِأمْلَهِك السَّمَا *** و هُمُ الْأَبْرَارُ حَقّاً... فِي اَلْخَلاَءِ

قَدْ عَلاَ «اَلرُّوْحُ» بِرُوحٍ طَاهِرٍ *** حُفَّ بِالرِّضْوانِ مِن رَبِّ السَّمَاءِ

وَ هُوَ الغَفَّارُ وَ الجَبَّارُ لا *** مَلِكٌ إِلاَّهُ فِي حُكْمِ اَلسَّوَاءِ

«فَأبِي» فِي حِفْظٍ رَبِّ مَاجِدٍ *** فِي ثَوَابٍ رَاتعٍ بَيْنَ الْوِضَاءِ

صَلَّي اللَّهُ علي أبي، نَبِيّهِ وَ أَمينِهِ عَلَي الوَحيِ وَ صَفيِّهِ وَ خِيَرَتُهُ مِن الخَلقِ وَ رَضِيِّهُ و السَّلامُ عَلَيهِ و رَحمَةُ اللَّهِ و َبَرَكاتُهُ

ثُمَّ صَلَّتْ «فاطِمُ» قائِلَةً: *** صَلَوَاتُ الَّه حَاطَتْ بِالْهَوَاءِ

خَصَّهَا اَللَّهُ عَلَي رُوحِ أَبِي *** بَعْدَ أَنْ صَلَّي عَلَيْهِ فِي ثَنَاءِ

فَأَبِي كَانَ نَبْيّاً صَادِقَاً *** وَ أَمِينَ اللَّهِ فِي وَحْيِ اَلسَّمَاءِ

وَصَفِيَّ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ و قَد *** خَصَّهُ خِيَرَتُهُ فِي الإرتْضَاءِ

و سَلامُ اللَّهِ يَبْقَي أَبَداً *** «لِأَبِي» فِي كُلِّ صُبْحٍ و مَساءٍ

وَ عَلَيْهِ رَحَمَاتُ اللَّهِ قَدْ *** نَزَلَتْ لَيْلاً و سَادَتْ لِلضَّحَاءِ

وَ حُوتُهُ بَرَكَاتُ اَللَّهِ فِي *** عَيْشِهِ وَ اَلمؤتَ تَتْرَي للْنَهَاءِ

خطابها بالحضور وإشعارهم بالمسؤولية

ثمَّ التفتتْ إلي أهل المجلس و قالت: أنتم -عباد الله- نصب أمره و نهيه و حملة دينه و وحيِهِ،

ثُمَّ قَرَّتْ فَاطِمٌ و الْتَفَتَتْ *** ثُمَّ قَالَتْ لِجُمُوعِ الجُلَساءِ

أَنْتُمْ كُنْتُمْ «عِبَادَ اَللَّهِ» قَدْ *** خَصَّكُم لِلدِّينِ فِي حُكْمِ اَلْفَلاَءِ(1)

نَضَبُ أَمْرِ اللَّهُ مَنْصُوبُونَ فِي *** مِثْلِ هَذَا الْحَالِ رُوَّادَ الإِبَاءِ

و النَّوَاهِي مِنْهُ فِي أغْناقِكُم *** حَيثُ كَتَنُم في حُضُورٍ وَ ثَراءِ

ص: 191


1- الفلاء: من الفلاة، و هي الصحراء القفر التي ليس فيها ماء.

أَنْتُمْ شَاهَدْتُّمُ أَحْكَامَكُم *** فِي نُزُولِ اَلْوَحْيِ مِنْ رَبِّ السَّماءِ

وَحَمَلْتُمْ حُكْمَ دِينِ اَللَّهِ فِي *** سُورِ اَلْقُرْآنِ مِنْ حِينِ اَلنِّدَاءِ

حِينَمَا «جِبْرِيلُ» قَدْ أوحي بِهَا *** «لِأَبِي» أَؤْرَدَكُمْ عَذْبَ اَلرَّوَاءِ

و أمناء الله علي أنفسكم و بلغاؤه إلي الأمم، زعيم حقّ له فيكم، و عهدٌ قدّمه إليكم و بقيّة استخلفها عليكم،

أُمَنَاءُ اَللَّهِ فِي أَحْكَامِه *** كَيْ تُؤَدُّوهَا لِأَيْدِي اَلْأُمَنَاءِ

بَلاَءُ اَلدِّينِ اَللَّنَاسِ بِمَا *** هَوَحَقِّ وَ ائْتِمانٌ لِلإِدَاءِ

أَنتُمْ عاصرْتُمْ اَلْهَادِي اَلَّذِي *** هُوَ قَدْ أَلْزَمُكُمْ عَهْدَ اَلْوَفَاءِ

تَارِكاً فِيكُمْ إِلَيْكُمْ خَلَفاً *** مِثلَمَاخَلَّفَ كُلُّ الأنْبِيَاءِ

و عَلِيِّ كانَ مَعهُوداً لَهُ *** فِيكُمْ إِمْرَةُحَقِّ اَلْأَوْصِيَاءِ

وَ هوعَهْدٌ كانَ قَدْ قَدَّمُه*** لَكُمْ مَنْ كَانَ مَعْهُودَ الْهَنَاءِ

و هَواستخْلَّفَ فِيكُم ثِقَلَهُ *** مَن بِهِم تُحْكُمُ آياتُ الوَلاءِ

حديثها عن القرآن

كتاب الله الناطق و القرآن الصادق و النور الساطع و الضياءاللَّامع، بيَّنةٌ بصائرهُ، منكشفةٌ سرائره، متجلِّيةٌ ظاهره، مغتبطٌ به أشياعه.

«آلُ بَيْتِ اَلْمُصَطَّفي» مِنْ ثِقَلِهِ *** وَ «كتابِ اللَّهِ» مِن ثِقَلِ السَّمَاءِ

و هَوالنَاطِقُ و الصَّادِقُ لَمْ *** يُخَفَ نُؤْرٌ فيهِ أو نَفعُ الضِّواءِ

وَ هُوَ الضَوءُّ المُضِيءُكُلَّمَا *** ظُلَمْةٌ حَلَّتْ غَزَاهَا بِالضِّياءِ

فِيهِ لِلنَّاسِ بَدَتْ بَيْنَةٌ *** حُجَجُ اَللَّهِ بَصِيرَاتُ اَلْقَضَاءِ

وَ بِهِ اَلْأَسْرَارِمُهُمَا خَفِيتْ ***كَشْفَ اَلرَّبُّ بِهِ سِرَّ الخَفاءِ

وَ لِقَدْجَلَّي بِهِ ظَاهِرُهُ *** و بِه قَدْصِيبَ نَفَعٌ بِالْجَلاءِ

وَ بِه مُغتَبِطٌ أشياعُهُ *** وَبه نالُوا سَعَاداتِ الرِّضاءِ

قائدٌ إلي الرضوان اتّباعه، مؤدِّ إلي النجاة استماعه، به تنال حججُ

ص: 192

اللَّهِ المنوَّرة و عزائمه المفسَّرة و محارمه المحذَّرة و بيِّناته الجالية و فضائله المندوبة،

وَإِلَي «الرِّضْوَانِ» فِي اتِّبَاعِهِ *** قَائِدٌ أَتِبَاعَهِ نَحْوَ الْوِقَاءِ

ومُؤَدِّ لَنَجَاةٍ آكِدٍ*** مِن صَغّي لِلذَّكْرَ، فِي يَومِ الجَزاءِ

و تَنَالُ حُجَجُ اللَّهِ بِهِ *** و بِهَا الأَنْوَارُ شَئِعَتْ في ضَوَاءِ

وَ بِهِ مَا فَرَضَ اَللَّهُ بَدَا *** مِنْ فَرِيضَاتٍ بها عَزْمُ اَلسَّوَاءِ

وَ بِهِ مَاحَرَّمَ اَللَّهُ وَ قَدْ *** حَذَّرَ اَلنَّاسَ بِمَا بَعدَ الفَناءِ

بَيِّناتٌ قدْ بِدَتْ جَالِبَةً *** لِذَوِي الأَفْهَامِ مِن غَيْرِ كِفَاءِ

وَ فَضِيْلَتُ بِهِ مَندُوبَةٌ *** تاقَهَا مَن آثَرُوا دِينَ اَلسَّمَاءِ

ذكرها لعلل الأحكام و فلسفتها

و رُخصة الموهوبة و شرائعه المكْتوبة، فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشِّرك و الصّلاة تنزيهاً لكم من الكبر و الزكاة تزكية اللنَّفس و نماءً في الرزق و الصيام تثبيتاً للإخلاص،

رُخَصٌ فيهِ أَتتْ مَؤهُوبَةً **** مِن كَرِيمٍ داحِضٍ ثِقْلِ الْعَنَاءِ

وَ بِهِ ماشَرَّعَ الرَّبُّ زَهَا *** وَغَدَا مَكْتُوبِ حُكْمُ اَلرَّجَاءِ

جَعَلَ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيرَاً لَكُمْ *** مِنْ و بَالِ اَلشِّرْكِ فِي هَذَا اَلْوَلاَءِ

وَ صَلاَةً جَعَلَ اَلتَّنْزِيهَ مَنْ ***كِبَرٍ فِيهَا أَمَاناً مِنْ بَلاَءِ

وَ زَكاةً هِي لِلنَّفْسِ غَدَتْ *** لَكُمْ مِنْ كِبَرٍ خَيْرَ اَلشِّفَاءِ

وَ صِيَاماً جَعَلَ اَللَّهُ بِهِ *** عَمَدَ اَلْإِخْلاَصِ رَاسٍ فِي اِسْتِوَاءِ

وَ حَجَّ تَشْيِيدَاً لِلدِّينِ تَنْسيقاً للَّقلوبِ وإِطَاعَتَنَا نِظَاماً للمِلَةِ وإِمامَتَنا أَمَاناً لِلْفُرْقَةِ واجْلِهَادِ عِزّاً لِلإِسْلامِ والصَّبْرَ مَعونَةً عَلَي اسْتِيجَابِ الأَجرِ

وأَدَاءَ الْحَجِّ تَشَيبُّداً بَدَا *** هو لِلذَّينِ بِه حِفْظُ اَلْإِخَاءِ

وَ لِتَنْسيقِ قُلُوبٍ فِضَّةٍ *** سُنَنُ الْعَدْلِ أَتَتْكُمْ لِلْإِدَاءِ

ص: 193

وَلْآلِ الْمُصْطَفَي الطَّاعَةُ قَدْ *** جُعِلَتْ مِنْهَا نِظَاماً لِلْوَلاَءِ

وَ أَمَاناً مِنْ تَنَامِيَّ فِرْقَةٍ *** إِصْطَفَي اَللَّهِ إِمَاماً لاِهْتِدَاءِ

فَلَهُمْ فِي النَّاسِ أَسْمِي طَاعَةٍ *** لِرَسُولٍ وَ إِمَامٍ فِي الْبَدَاءِ

وَ جِهَادُ الْكُفْرِ عِزّاً ظَاهِراً *** فِيهِ لِلْإِسْلامِ فِي نَهْجِ السَّماءِ

وَ لِمَن يُسَلِّمُ لِلَّهِ ومَنْ *** يَسْتَدِيمُ الصَّبْرَ فِي الْبَلاءِ

والأمر بالمعروف مصلحة للعامة و برّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد و القصاص حقناً للدماء و الوفاء بالنّذر تعريضاً للمغفرة.

جَعَلَ اَللَّهُ لَهُ مَعُونَةً *** هِيَ بِالْأَجْرِ تَفِي عِنْدَ اَلْعَطَاءِ

وَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمعروفِ فِي *** كُلِّ حَالٍ شادَ صَرْحاً للبنَاءِ

حَيْثُ فِيهِ لِلْعُمُومِ سَعَةٌ *** وَ بِهِ ملصحَةٌ لِلسُّعَداءِ

وَ لِبِرِّ الْوالِدَيْنِ وَ مَنَعَةٌ *** و رِقَايَاتٌ مِنَ اَلسُّخطِ اَلْمُضَاءِ

وَ لِمنْماةِ عَشِيرٍ عَدَداً *** صِلَةُ اَلْأَرْحَامِ سُنَّتْ لِلنَّمَاءِ

وَ لِأَحْكَامِ قِصَاصٍ حِكْمَةٌ *** ي جَاءَتْ حَاقِنَاتٍ لِلدِّمَاءِ

وَ وَفاءَ النَّذْرِ تَغْرِيضاً لِمَنْ *** يَطْلُبُ اَلْغُفْرَانَ مِنْ رَبِّ اَلسَّمَاءِ

و توفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة و ترك السرقة إيجا باًل للعفة و حرَّم الشَّركَ إخلَاصاً له بِالرُّبوبية، فاتّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ و لاتَموتنَّ إلا وَ أنتم مسلِمون.

وَ وَفَاءَ اَلْكَيْلِ وَ اَلْمِيزَانِ قَدْ *** جَاءَ تَغْيِيراً لِبَخْسٍ وَ رِمَاءِ(1)

وَ لِتَنْزِيهِ عَيْنُ اَلرِّجْسِ نَهَي *** عَنْ شَرَابِ اَلْخَمْرِ دَفْعاً لِلْعَيَاءِ

وَ اجْتِنَابِ القذفِ سِتْراً صَائِناً *** عَنْ لِعَانٍ و هِيَ صَوْناً لِلنِّسَاءِ

ص: 194


1- رماء: الربا.

وَ لِتَرْكِ اَلسَّرِقَةِ اِخْتَارَ لَهَا *** حِكْمَةَ اَلْإِيجَابِ فِي عَفِّ الروَاءِ

حَرِّمَ اَلشِّرْكَ لِإِخْلاَصٍ لَهُ *** بِالرُّبُوبِيَّةِ فِي آيِ اَلسَّمَاءِ

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ فِي *** كُلِّ حَالٍ؛ حَقَّ تَقْوَي فِي الْخَلَاءِ

إِرْتَضَي الْإِسْلامِ دِيناً لَكُمْ *** لاَتَمُوتُنَّ عَلَي غَيْرِ اهْتِدَاءِ

تذكرتها و إنذارها لهم

وَ أطيعوا الله فيما أمركم به و نهاكم عنه، فإنه إنّما يخشي الله من عباده العلماء.

وَ أَطِيعُوا اَللَّهَ فِيمَا جَاءَكُمْ *** فِيهِ مِنْ أَمْرٍ ونَهْيٍ فِي ارْتِضَاءِ

إِنمَايَخْشَاهُ عَبْدٌعالِمٌ *** نَاسِكٌ فِي كُلِّ شَأْنٍ بِاتِّقَاءِ

ص: 195

خطبتها عليها السلام في المسجد

إني فاطمة عليها السلام و أبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم

ثم قالت: أيها الناس! إعلموا إنِّي فاطمة عليها السلام! و أبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، أقول عوداً و بدءاً و لا أقول ما أقول غلطاً و لا أفعل ما أفعل شططاً(1)، لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم؛

ثُمَّ قَالَتْ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِعْلَمُوا *** إِنَّنِي فاطمةٌ قَوْلَ مَضَاءِ

وَ أَبِي الْهَادِي الْبَشِيرُ أحمَد *** أشْرَفُ الْخَلْقِ بِأَرْضٍ وَ فضَاءِ

وَ أَقُولُ فِيهِ عُوداً وَ إِذَا *** قُلْتُ كَانَ الْعُؤَدُ فِيهِ كَابْتِدَاءِ

لاَ أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً *** أَوْ بِفِعْلٍ شَطِّ مِني فِي ازدِهَاء

فَلِقَدْ جَاءَ رَسْؤُلٌ لَكُمُ *** هُوَمِنْ أَنْفُسَكُمْ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ

وَ عَلَيْهِ مَا غَنْتُّمْ عِزَّ فِي *** كُلِّ مَامِنِهُ أَتَاكُمْ مِنْ شَقَاءِ

حِرْصِهُ عَلَيكُم وَ لَكُم *** لِتَكُونُوا سادَةً في الإِرتِقَاءِ

ذكرها لأوصافه و تبليغه لرسالته

بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه(2) و تعرفوه تجدوه أبي دن نسائكم و أخا ابن عمَّي دون رجالكم و لنعم المَعزيُّ إليه صلي الله عليه و آله و سلم فبلَّغ بالرّسالة،

وَ رَؤُوفٌ وَ رَحِيمٌ كَانَ بِالا*** مُؤمِنينَ حاملاً وَحْيَ السَّمَاءِ

ص: 196


1- شططاً: شطط: القدر في كل شيء بدون زيادة.
2- تعزوه: تنسبوني إليه.

ذكرها لأوصافه و تبليغه لرسالته

إِنْسبُوهُ تَعْرِفُوهُ عِلْماً *** هو في كُلِّ عُلْوِّ وَ مَضَاءِ

تَجِدُوهُ فِي اَلْمَسَانِيدِ أَبِي *** نَسَبٌ لِي هُوَمِنْ دُونَ النِّسَاءِ

و لِقَذْكَانَ اخَاهُ لِلْمُرْتَضَي *** و هُوَ مِن دُونِ الرِّجَالِ فِي إِزَاءِ

«يَوْمَ آخاهُ» وَ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ ***كُفواً إلاَّهُ في يَوْمِ الإِخاءِ

و لنِعمَ العَبْدُ و الْمُغْرِيُّ لَهُ *** إِذْكَالشَّمْسِ نُورُ اَلْإِنْتِمَاءِ

فَرَسُولُ اَللَّهِ قَدْبَلَغَ مَا *** قُدْتَلَقَاهُ بِإِيحَاءِ اَلسَّمَاءِ

صادعاً بالنِّذارة(1)، مائلاً علي مَدرَجَة المشركين، ضارباً ثبجهم،(2) آخذاً بأكظامهم،(3) داعياً إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يكسر الأصنام و ينكتُ الهامَ، حتي انْهزمَ الجمع،

أَظْهُرِ الإِنْذَارَ والتَّخْوِيفَ فِي ***كُلِّ حَالٍ صَادِعاً دُونَ اخْتِفَاءِ(4)

مَائِلاً كَانَ عَلَي مُدْرَجَةٍ *** شادَهَا الشِّركُ بِظُلْمٍ و عَنَاءِ

ضَارِباً لِلْمُشْرِكِينَ ثَبَجَهُمْ *** آخِذاً مِنْهُمْ بِأَكْضَامٍ بِذَاءِ

دَاعِياً كَانَ أَبِي فِي حِكْمَةٍ *** لِسَبِيلِ رَبِّهِ دَغْوَي اِهْتِدَاءِ

وَ دَعَاهُمْ هُو فِي مُؤْعِظَةٍ ***حُسْنُهَا شَادَبِهَا حَتَّي اَلسَّمَاءِ

يَكْسِرُ الاِصِنَامَ كَسَراً مَا حِقاً *** يَنْكُتُ اَلْهَامَ وَ يُلْقِيهِمْ بِدَاءِ

فِي سَبِيلِ اَللَّهِ حَتِّي جَمَعَهُمْ *** هُزِمُوا قَهْراً وَ فِرُّواً مِنْ رَجَاءِ

ذكرها لإنجازاته

وولُّوا الدُّبر،(5) حتَّي تفرَّي(6) اللّيل عن صبحه و أسفر الحقّ عن

ص: 197


1- النذارة: من الإنذار، و هو الإبلاغ.
2- ثبجهم: (الثَبَج) بالفتحتين ما بين الكاهل إلي الظهر و ثبج كل شيء وسطه.
3- أكظامهم : أخذ بكظام الأمر: ملكه متوثقاً منه.
4- صادعاً: (الصدع) التكلم جهاراً.
5- و لَّوا الدّبر : إنهزموا في القتال.
6- تفرّي: إنشقَّ.

محضة(1) و نطق زعيم الدَّين و خرست شقاشق(2) شياطين، وطاح و شيظ(3) النفاق و انحلَّت عقد الكفر و الشقاق و فهتم بكلمة الإخلاص و نفر من البيض الخماص،(4)

وَ تَوَلَّوْا ثُمَّ وَلَّوْا دُبُرَهُمْ *** لَيْسَ تُؤْوِيهِمْ مَعَاقِيلُ اَلشَّقَاءِ

ذَاكَ حتي مُذْ تَفَرَّي اللَّيْلُ عَنْ *** صُبْحِهِ فَانْقَادَ كُرْهاً للضِّياءِ

أَسفَرَ الحَقُّ بِهِ عَنْ مَخْضِهِ *** وَ زَعِيمُ اَلدِّينِ يَنْطِقْ فِي سَوَاءِ

عِنْدَهَا قَدَ خْرَسَتْ شِقْشِقَةٌ *** وَ لَقَدْطَاحَ و شَيظٌ فِي عَنَاءِ

عَقْدَ الْكَفْرَبَهْ انْحَلَّتْ كَذَا *** مِنْ خِلافٍ و شِقَاقٍ وخَطَاءِ

و لَقَدَ فَهْتُمْ بِ- «لا» فِي أَلْسُنٍ *** كَلِمَةُ الإِخْلاَصِ فِيهَا كَالذَّكَاءِ

أَنْتُمْ كُنْتُمْ... وَ فِيكُمْ نَفِرٌ *** مِنْ خِمَاصِ النَّاسِ بِيضٌ مِن وَضَاء

ذكرها لحالتهم قبل البعثة

و كنتم علي شفا حفرة من النَّار، مذقة(5) الشَّارب و نهزه(6) الطامع و قبسة(7) العجلان و مؤطيءُ الأقدام، تشربون الطّرق(8) و تقتاتون القِدَّ(9) و الورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم النّاس من حولكم،

ومِنَ النَّارِ لَقَدْ كُنْتُم عَلَي *** شُرُفاتٍ مِن شَفَاها في إزاءِ

مُذْقَةُ الشَّارِبِ كُنتُم وَ لِمن *** طامِعٌ فِيكُم نَهيزاتُ الرَّهاءِ(10)

ص: 198


1- محضه: المحض، الخالص.
2- شقاشق: شقشقة: ضجة أو فتنة ثارت ثم هدأت.
3- و شيظ : الوشيظ: التابع.
4- الخماص: مفردها (خميص) و يقال خمص الجوع فلاناً: أضعفه و أدخل بطنه في جوفه.
5- مذقة: (المذقة) الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.
6- نهزة: فرصة.
7- قبسة العجلان: قبس النار قبساً: أوقدها و طلبها.
8- الطرق : بالفتح و(المطروق) ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
9- القد: (تقدّد) الشيء: تشقّق ويبس.
10- الرهاء : المكان الواسع المستوي.

فَبْسَةُ اَلْعَجْلاَنِ كُنْتُمْ وَ لِهمْ *** مُوْطِيءُ اَلْأَقْدَامِ أَصْبَحْتُمْ بِذَاءِ

تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ تَفْتَاتُونَ مِنْ *** قَدْ حَيَوَانٍ وَ أوذاقِ إِتَاءِ(1)

قَدْ ذُلِلْتُمْ وَ خَسِئْتُمْ بَعْدَ مَا *** فِي رِيَاضِ الْعِزِّ كُنْتُمْ فِي انْتِشَاءِ

وَ تَخَافُونَ اِخْتِطَافَ النَّاسِ اَنْ *** يَخْطِفُوا مِنْكَمْ حُقُوقاً فِي دَهَاءِ

لَيْسَ مَنْ يُرْجِعُ مَا ضَاعَ لَكُمْ *** وَ هُمْ لاَ يَرْهَبُونَ مِنْ جَزَاءِ

ذكرها لمعاناته

فأنقذكم الله تعالي بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم بعد اللّتيّا و الّتي،(2) بعد أن مُنِيَ بِبُهَم الرّجال، و ذؤبان العرب(3) و مردة أهل الكتاب، كلّما أو قدوا نَاراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرنُ الشّيطان،

بِأَبِي أَنْقُدَكُمْ رَبِّي وَ مِنْ *** بِهُدَاهُ اَلْخَلْقِ يَنْجُو بِاقْتِدَاءِ

ذَاكَ مِنْ بَعْدِ اللَّتَيَّا وَ اَلَّتِي *** بَعْدَ أَن كَانَ أَبِي فِي اَلْإِبْتِلاَءِ

قَدْ مُنِّي مِنْ بُهِم اَلنَّاسِ وَ مِنْ *** كُلِّ ذوبَانٍ قُرَيْشِ بِالْعَدَاءِ

وَ عُتَاةٍ مَرَّدٍ قَدْ أَجَّجُوا *** ضِدَّهُ اَلْحَرْبَ بِمَكْرٍ وَ جَفَاءِ

وَ هُمْ مِنْ أَهْلِ أَدْيَانٍ مَضَتْ *** مِنْ يَهُودٍ وَ نصارَي بُلْهَاءِ

كُلَّمَا قَدْ أَوْقَدُوا نَارَ اَلْوَغْي *** أَطْفَا اَللَّهُ لَهُمْ نَارَ اِهْتِدَاءِ

أَوْ إِذَا مَا نَجْمَ فِي أُفُقِكُمْ *** قَرْنُ شَيْطَانٍ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ

ذكرها لمواقف عليّ عليه السلام

أو فغرت فاغرةُ من المشركين، قذف أخاه في لهواتها،(4) فلا ينكفيء حتّي يطأ صماخها(5) بأخمص و يخمد لهيبها بسيفه، مكدوداً في ذات اللَّه،

ص: 199


1- إتاء: الريع والغلّة.
2- اللتيا و التّي: فلان يلت و يعجن: إذا كان ثرثاراً و يعيد فيما يقول. بهم: البهمة: الصخرة الصلدة الملساء.
3- ذؤبان: جمع ذئب.
4- لهواتها: (اللّهو) : يقال فلان لهو عن الخير: كثير اللّها عنه.
5- صماخها: (صمخه) صمخاً : أصاب صماخه، رأسه.

مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله.

أَوْ إِذَا مَا فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ *** لِقَوِيِّ اَلشِّرْكِ بِهَا مُكْمَنُ دَاءِ

قَذَفَ اَلْهَادِي أَخَاهُ حَاسِماً *** فِي لَهَاةِ اَلْحَرْبِ وَ اَلنَّارِ اَلصَّلاَءِ

أَبَداً لاَ يَنْكَفِيءُ حُتِّي يَطَأُ *** صَمْخَهَا بِالرَّجُلِ مِنْ دُونِ سَدَاءِ

وَ لَهِيبِ اَلْحَرْبِ قَدْ أَحْمَدَهَا *** هُوَ فِي سَيْفٍ بِهِ حُكْمُ اَلسَّوَاءِ

كَانَ مَكْدُوداً بِذَاتِ اَللَّهِ فِي *** أَمْرِهِ مُجْتَهِداً دُونَ ازدِهَاءِ

هُوَ بِالْقُرْبِ قَرِيبٌ إِنَّهُ *** مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي حُكْمِ اَلْإِخَاءِ

سَيِّداً كَانَ وَ فِي أَمْرِ اَلسَّمَا *** هُوَ عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرُ اَلْأَوْلِيَاءِ

تذكرهم بمواقفهم المتخاذلة

مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً و أنتم في رفاهية من العيش و ادعون فاكهون آمنون، تربصون بنا الدوائر و تتوكّفون الأخبر و تنكصون عند النَّزال و تفرَّون من القتال،

هُوَ قَدْ كَانَ مُجِدّاً كَادِحاً *** نَاصِحاً شِمَّرَ أَكَامَ اَلرِّدَاءِ

فِي رَفَاهِيَةِ عَيْشٍ أَنْتُمُ *** وَ ادِعُونَ فِي صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ

فَاكِهُونَ آمِنُونَ كُنْتُمْ *** قَدْ تَرَبَّصْتُم بِنا عَقِبِي الضَّرَّاءِ

قَدْ تَوَكَّفْتُمْ عَلَيَّ اَلْأَخْبَار كَي *** لاَ يَفُوتَنَّكُمُ خُبَرُ اَلْفَنَاءِ

وَ نَكَصْتُمْ فِي النَّزالاتِ وَ كَمْ *** قَدْ فَرَرْتُمْ مِنْ قِتَالِ اَلْأَدْعِيَاءِ

تخبرهم عن نفسياتهم و رجوعهم إلي الجاهلية

فلمّا اختار الله لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: دار أنبيائه و مأوَي أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، و سَمُلَ جلباب الدَّين و نطق كاظم الغاوين،

ذَاكَ لَمَّا أَخْتَارُ رَبِّي لِأَبِي*** جَنَّةَ اَلْخُلْدِ وَ دَارَ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 200

جَنَّةُ الفِرْدَوسِ مَأْوَاهُ وَ قُدْ *** خَصَّهُ اَللَّهُ بِمَأْوي اَلْأَصْفِيَاءِ

وَ دَعَاهُ اَللَّهُ لِمَّا اِخْتَارَهُ *** لِلْكَرَامَاتِ أَجَابَ لِلدُّعَاءِ

عِنْدَهَا قُذْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَي *** آلِهِ اَلْأَطْهَارِ آثَارُ الْجَفَاءِ

فِي عَدَاوَاتِ نِفَاقٍ ظَهَرَتْ *** بِحُسِيْكَاتِ نِفَاقٍ وَ بغاءِ

سَمُلَ اَلدِّينُ وَبَانَ ضَعْفُهُ *** مِن جَلاَبِيبِ اِنْدَارَسٍ وازْدَراءِ

كَاظِمُ الْغَاوِينَ فِيكُمْ قَدْ بَدَا *** نَاطِقاً مِنْ بَعْدِ خَوْفٍ وَ خَفَاءِ

وَ نبغ خامل اَلْأَقلِّين و هدر فنيق الْمبطلِينَ فَخَطَر فِي عرصَاتكُمْ وَ أَطْلع اَلشَّيْطان رأْسهُ من مغرزِه هاتفاً بكم فأَلْفاكم لدعوتهِ مستجيبينَ و للغِرَّة فيه ملاحظينَ ثُمَّ استنهضَكم فوجدَكم خفافَاً،

نَبَغَ خَامِلُ قُلِّ بَيْنَكُمْ *** هُوَ لَمْ يُعْرَفْ بِجَمْعِ اَلنَّبْهَاءِ

وَ فَنِيقُ الْكُفْرِ أَمْسِي هَادِراً *** يَمْلَأُ بِأَصْداءِ اَلْجَوَاءِ

خَطَرَ مِنْكُمْ وَ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** بِعِرَاصٍ لَكُمْ بِالْكِبْرِيَاءِ

أَطْلَعَ اَلشَّيْطَانُ مِن معْرِزِهِ *** رَأْسِهُ يَهْتِفُ فِيكُمْ مِنْ إِزاءِ

هُوَ أَلْقاكُمْ لِدَعْواهُ الَّتِي *** قَدْ دَعَاكُمْ مُسْتَجِيبِينَ اَلدُّعَاءِ

وَ لِغَرَّاتٍ لَهُ أَغْرَاكُمْ *** فِيهِ لأحظتُم لَهُ حَسْنَ اَلرِّفَاءِ

ثُمَّ لمَّا للهَوي اِسْتَنْهَضَكُمْ *** وَجَدَ مِنْكُمْ خِفَافاً فِي اَلرَّجَاءِ

تحذّرهم من إطاعة الشيطان و سوء العواقب

و أحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير أبلكم و أوردتم غير شربكم، هذا و العهد قريب و الكَلِمُ رحيب و الجرح لمّا يندمل و الرّسول لمّا يُقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة.

هُوَ قَدْ أَحْمَسَكُمْ فِي أَمْرِهِ *** ثُمَّ أَلْفَاكُمْ غُضَاباً فِي عَيَاءِ

فوسَمْتُم إِبِلاً لَيْسَتْ لَكُمْ *** وَ فَعَلْتُمْ مُنْكَراً فِي الْإِرْتِضَاءِ

ص: 201

وَ لَقَدْ أَوْرَدْتُمُوهَا فَلْتَةً *** غَيْرَ شِرْبٍ لَكُمْ دُونَ دُهَاءِ

ذَاكَ و الْعَهْدُ قَريبٌ وَ بِهِ *** كَلِّمُ الْفَوْتِ رَحِيبٌ فِي رِمَاءِ

وَ بِهِ اَلْجُرْحُ عَمِيقٌ نَازِفٌ *** وَ هُوَ لَمَّا يَنْدَمِلْ مُنْذُ اَلْفَنَاءِ

وَ رَسُولُ اَللَّهِ لَمْ يُقْبَرْ وَ قَدْ *** إنْقَلَبْتُمْ مِنْ وِدَادٍ لِلْجَفَاءِ

و بِداراً قَد زَعَمتُم أَنَّهُ ***كَانَ ما حَلَّ لِخَوْفٍ وَ بَلاَءِ

ألا: في الفتنة سقطوا و إن جهنّم محيطة بالكافرين، فهيهات منكم ! و كيف بكم؟ و أني تؤفكون(1) و كتاب الله بين أظهركم،

فِتْنَةٍ حَلَّتْ... أَلاَ فِي فِتْنَةٍ *** سَقَطُوا فِيهَا عَلَيَّ غَيْرَ اِهْتِدَاءِ

سَقَطُوا فِيهَا وَ إِنَّ اَلنَّارَ قَدْ *** وَرَدُوا فِيهَا إِلَي يَوْمِ الْجَزَاءِ

هِيَ حَاطَتْهُمْ بِضُرِّ دَائِمٍ *** وَ عَذَابٍ وَ ضَرَّاءٍ و شقاءِ

عَجَباً... هَيْهَاتَ مِنْكُمْ مَا جَرِيَ ***كَيْفَ أَقْدَمْتُمْ بِظُلْمٍ فِي عَيَاءِ؟

بِجِنَايَاتٍ أَتَتْنَا غِيلَةً *** كَيْفَ لاَقَتْ بِكُمْ مُنْذُ ابْتِداءِ؟!

كَيْفَ... أَنِّي تُؤْفَكُونَ عَنْ هَدًي *** لِضَلاَلٍ وَ ظَلاَمٍ وَ رِثَاءِ؟!

وَ كِتَابُ اَللَّهِ عزَّ شَأنُهُ *** بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ نُورٌ اِهْتِدَاءِ

دعوتهم للتفكّر بالقرآن و الرجوع إليه

أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره(2) لايحة و أوامره واضحة و قد خلفتموه وراء ظهوركم،

وَ بِهِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ظَاهِرٌ *** لاَ ارْتِيابَ فِيهِ أَوْ نَقَصَ الضِّيَاءِ

وَ بِهِ أَحْكَامُهُ زَاهِرَةٌ *** هِيَ كَالنُّورِ كآثَارِ الذَّكَاءِ

ص: 202


1- تؤفكون: الإفك: الكذب.
2- زواجره: الزجر: المنع والنهي.

وَ بِهِ أَعْلامُهُ باهِرَةٌ *** تَخْطِفُ اَلْأَبْصَارَ أَمْوَاجُ اَلسَّنَاءِ

وَ نَوَاهِيهِ اَلَّتِي تَزْجُرُكُمْ *** عَنْ هَوًي لاَئِحَةٌ لِلْعُقَلاَءِ

وَ بِهِ طَاعَتُنَا ظَاهِرَةٌ *** أَوْضَحَ اَللَّهُ بِهَا أَمْرَ اَلْوَلاَءِ

وَ لَقَدْ خَلَّفْتُمُوهُ رَغْبَةً *** عَنْهُ خَلْفَ اَلظُّهْرِ فِي سِرِّ اَلْخَفاءِ

لَيْسَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ قَولهُ *** لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْجَزاءِ!!

أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظَّالمين بدلاً و من يبتغي غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها،

أَتَرَيَّدُونَ بِهَذَا رَغْبَةً *** عَنْهُ كَالْكَافِرِ مِنْهُ فِي بِرَاءِ

أَمْ بِغَيْرِ الذِّكْرِ فِيكُمْ رَغْبَةٌ *** تَحْكُمُونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اهْتِدَاءِ

بِئْسَ لِلظَّالِمِ فِي ذَا بَدَلاً *** إِذْ أَخَذتُم مِنْهُ أحْكامَ السَّمَاءِ

ثُمَّ لَمَّا تَلْبَثُوا فِي فِتْنَةٍ *** هِيَ كَالنَّاقَةِ فَرَّت مِن رِشَاءِ

هِيَ لاتَنْسَاقُ إِلاَّ رَيْثَ أَنْ *** تَنْتَهِيَ نِفرتُها... بَعدَ اِهْتِدَاءِ

أَو تَسْكُنُ أو إِذَا يُسْلَسُ لَكُمْ *** بَعْدُ مِنْهَا قِيَادٌ فِي ارْتِضَاءِ

فِتْنَةٍ ثَارَ وَ شَاعَتْ بَيْنَكُمْ *** وَ تَمَادَيْتُمْ بَغْيِّ وَ جَفَاءِ

تألّمها و توجّعها من مواقفهم

ثمّ أخذتم تورن و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ و إطفاء أنوار الدّين الجليّ و إخماد سنن النّبيّ الصّفي،

هِيَ كَالْجَمْرَةِ كَانَتْ نَارُهَا *** تَخْتَفِي لَوْلاَكُمْ مَنْذُ اِبْتِدَاءِ

ثُمَّ أَنْتُمْ قَدْ آثَرْتُمْ نَارَهَا *** وَ أَخَذْتُمْ تَنْفُخُونَ فِي اَلصَّلاَءِ

جَمْعَكُمْ أُورِي بِهَذَا وَقَدْتَهَا *** وَ تُهَيِّجُونَ بِهَا دُونَ روَاءِ

هَتَفَ اَلشَّيْطَانُ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** فَاسْتَجَبْتُمْ لِهُتَافٍ رَغْوَاءِ

ص: 203

وَسَعَيْتُمْ مُسْتَجِيبِينَ لَهُ *** دَعْوَةً مِنْهُ رَمَتْكُمْ بِالْبَلاءِ

وَ لِإِطْفَاءِ هَدْيِ الدِّينِ اَلْجَلِيْ *** كَانَ مَسْعَاكُمْ لَهُ مَحْضَ اِعْتِدَاءِ

وَ لِإِخْمَادِ هُدْي مَا جَاءَكُمْ *** مِنْ نَبِيِّ كانَ خَيْرَ الأَصْفِياءِ

تسرون حسواً في ارْتغاء و تمشون لأهله و وُلدِهِ في الخَمَرِ و الضَّرَّاء و نصبر منكم علي مثل حزَّ المُدَي،

أَنْتُمْ كُنْتُمْ تُسِرُّونَ بِهَا *** وَ حَسَوْكمْ حُسْوْكُمْ فِي إِرتِغَاءِ

قُلْتُمْ شَيْئاً وَ جَاءَ فِعْلُكُمْ *** بِخِلاَفِ اَلْقَوْلِ مِنْكُمْ بِادِّعَاءِ

فَأَقَمْتُمْ وَ تَدَّ اَلْبَاطِلِ فِي *** أُمَّةٍ رامَتْ قوانين اَلسَّمَاءِ

قَدْ حَكمتُمْ وَ اِدَّعَيْتُمْ فِتْنَةً *** وَ عَزَلْتُمْ مَنْ لَهُمْ فَصْلُ الْقَضَاءِ

آل بَيْتِ اَلْوَحْيِ تَمْشُونَ لَهُمْ *** وَ لأَهْلِيهِمْ بِضُرٍ و ضَرَّاءِ

وَ لِأَوْلادٍ لَهُ فِي خَمْرٍ *** قَدْ سَعَيْتُمْ لَهُمْ فِي اِعْتِدَاءِ

وَ صَبَرْنَا مِنْكُمْ مَا صَابَنَا *** مثل حَزِّ لِلْمُدْي صَبِرَ اِرْتِضَاءِ

تحذرهم من مغبة حكمهم بعدم وراثتها

و وخز السّنان في الحشي و أنتم - الآن - تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهليّة تبغون؟ و من أحسن من اللَّهِ حكماً لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلي تجلّي لكم كالشّمس الضّاحية أنّي ابنته،

أَوْ كَمَثْلِ الْوَخْزِ مِنْ طَعْنِ الْعَدَي *** بِسِنَانٍ فِي اَلْحَشْي أَوْ بِالْحَشَاءِ

أَنْتُمُ اَلْآنَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ *** إِرْثَ لِلْهَادِي لَنَا... مَحْضَ اِفْتِرَاءِ!

أَفْحِكُمُ الْجَاهِلِيِّينَ ارْتَضَوْا *** أَمْ هُمْ يَبْغُونَ حُكْمَ الْجَهْلاءِ؟!

وَ مِنَ اَلْأَحْسَنُ حُكْماً لِلْوَرَي *** مِن إِلَهِ اَلْخَلْقِ ربِّ الْحُكَمَاءِ

صَادِرٌ مِنْهُ لِقَوْمٍ أَيْقَنُوا *** وَ هُمْ مِنْهُ عَلِي خَيْرِ اهْتِداءِ

أَفَلاَ يَعْلَمُ كُلٌ مِنْكُمُ *** حَقَّنا فِي نَسَبٍ أَوْ فِي حِبَاءِ؟

ص: 204

قَدْ تَجْلِي لَكُمُ أَنِّي اِبْنَتُهْ *** وَ بَدَا ذَاكَ كشمْسٍ فِي ضُحَاءِ

توبّخهم علي سكوتهم

أيُّها المسلمون! أأُغلب علي إرثيه؟

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُ مَنْ كَانَ هُنَا *** حَاضِراً قَوْلِيَ أَوْ يَأْتِيَ وَرَائِي!

كَيْفَ أُغْلِبْ فِي حُقُوقٍ هِيَ لِي *** نَصَّهَا اَللَّهُ عَلَيْنَا بِالسَّوَاءِ

هُنَّ آيَاتٌ أَتَتْ بَيِّنَةً *** فِي اَلْمَوَارِيثِ تُشِعٌ كَالسَّنَاءِ

لَكِنَّ اَلْأَعْدَاءُ بَزُّوا نِحْلَتِيْ *** فَغَدَتْ نَارَ سَعِيرٍ فِي اَلْمِعَاءِ

كَيْفَ أَبتَزُّ مَوَارِيثَ أَبِي *** بِحُضُورٍ مِنْكُمْ فِي ذَا الْبَلَاءِ؟

لَيْسَ فِيكُمْ مِنْ يَقِينِي كَيْدَهُمْ *** وَ يَفِي لِي فِي مَصَادِيقِ الْوَلَاءِ!

وَ أَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّنِي *** إِبْنَةُ اَلْمَأْمُونِ آيَاتُ اَلسَّمَاءِ

ص: 205

خطابها عليها السلام لأبي بكر في المسجد

أثرت أباك ولا أرث أبي

يا بن أبي قحافة!

أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي؟!!

ثُمَّ كَنَّت(1) فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا *** لِأَبِي بَكْرٍ وَ أَخَفَتْ بِأَهْتِدَاءِ

إِسمَهُ أَوْ مَا يُكَنُّوهُ بِهِ *** وَ لَمَنْ يُنْسَبُ نَادَتْ في دَهَاءِ

حَيْثُ كَانَ اَلْبَعْضُ مِنْهُمْ عَالِماً *** أَنَّهُ كَانَ عَلِيٌ غَيْرِ سَوَاءِ

بِأَبِيهِ -أَيْ- أبي قُحَافَةٍ! *** خَاطَبَتْهُ بِخِطَابِ اَلْبُلَغَاءِ

أُتْرِي آيَةُ ذَكَرٍ أُنْزِلَتْ *** تَمْنَعُ اَلْإِرْثَ بِدَسْتُورِ اَلسَّمَاءِ؟!

تَمْنَعُ اَلْأَبْنَاءَ مَا قَدْ تَرَكَتْ *** لَهُمُ اَلْآبَاءُ شَيْئاً مِنْ حِبَاءِ

أيُ أَيِّ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَنْ *** تَرِثُ اَلْآبَاءَ دُونِي فِي خَفَاءِ

لقد جئت شيئاً فريّاً !!

أفَعَلَي عمدٍ تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول: «وورث سليمان داوُد» و قال فيما اقتص من خبر زكريّا - إذا قال:

وَ لَقَدْ جِئْتَ فَرِياً حِينَمَا *** جِئْتَ شَيْئاً دُونَ تَشْرِيعِ السَّمَاءِ

وَ بِهِ كَذَّبْتَ قُرْآناً بِهِ *** فِي صَرِيحِ اَللَّفْظِ إِرْثُ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 206


1- كنّت: من الكناية.

أفعَنْ عَمْدٍ تَرَكتُم خَلْفَكُمْ *** مَا بِهِ نُورُ اِهْتَدَاءٍ وَ شِفَاءِ

وَ نَبَذْتُمْ ذَلِكُمْ مِنْ دُونِ أَنْ *** -تَأْسَفُوا- قَوْلاً وَ فِعْلاً فِي وَرَاءِ

إِذْ يَقُولُ اَللَّهُ فِيهِ ذِكْراً *** وَ هُوَ اَلنُّورُ وَ مِنْ دُونِ اِنْطِفَاءِ

فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي و رَيْثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ إِرْثَ مالٍ وَ فَثَآءِ

وَ كَمَا اقْتَصَّ مِنَ اَلْأَخْبارِ عَنْ *** زَكَرِيَّا حِينَ ناجِي بِالدُّعَاءِ

دلائلها عليها السلام في الإرث

«فَهَب لي من لدنك ولياً يرثني و يرث من آل يعقوب» و قال: «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌهمْ هُوَ أُولِي ببَعْض فِي كتاب الله» و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» و قال: «إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ» و زعمتم أن لا حظوة لي! و لا إرث من أبي! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون: أن أهل ملَّتين لا يتوارثان؟

أَنْ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ... وَارِثاً *** يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ثَرَائِي

أَوْ «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌ مِنْهُمْ *** هُوَ أُولِي...» فِي قَوَّانِينَ اَلسَّمَاءِ

أَوْ «يُوصِّيْكُمْ...» أَوْ «إِنْ تَرَكَ...» *** وهما نَصِّ بِإِرْثِ اَلْأَقْرِبَاءِ

وَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ حُظْوَةَ لِي *** مِنْ أَبِي فِي اَلْإِرْثِ أَوْ سَهْمَ حِبَاءِ

أفخصصتُمْ بِشَرْعِ اَللَّهِ أَنْ *** خَصَّكُمْ دُونَ عَظِيمِ اَلْأَنْبِيَاءِ؟!

أَمْ قُولُونَ: بِأَنِّي وَ أَبِي *** مُلْتَانِ مَا لَهَا أَصْلُ اَلرِّفَاءِ؟!

أَوْلَسْتُ وَ أَبِي مِنْ مِلَّةٍ *** وَ كِلاَنَا دينُهُ دِينَ اهْتِداءِ؟!

أولست و أبي...

أولست و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمِّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك،

مِلَّةً وَاحِدَةٌ أدْيانُنا *** وَ هِيَ الحقُّ ازْدَهَتْ لِلحُكمَاءِ

أَمْ عَلِمْتُمْ بِكِتَابِ اَللَّهِ مَا *** لَمْ يَصِلْ مِنْهُ لِخَيْرِ اَلْأَوْصِيَاءِ؟!

ص: 207

بِخُصُوصٍ مِنْهُ أو فِي عَمِّهِ *** مِن عَلِيِّ الْحَقِّ خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ!

أَفَأَنْتُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ *** مِنْ أَبِي أَمْ مِنْ عَلِيِّ الْأُمَنَاءِ؟!

و هُمَا لِمَ بِمَنْعَانِي فَدَكاً *** حَيْثُ لَامَانِعَ فِي حُكْمِ السَّمَاءِ

يَا أَبَا بَكْرٍ فَخُذْهَا غَاصِباً *** بِخِطَامٍ وَ زِمَامٍ وَ رِشَاءِ

هِيَ تَلْقَاكَ بِحَشْرٍ لَكَ فِي *** يَوْمِ حَقٍ عِنْدَ جَبَّارِ اَلسَّمَاءِ

تهديدها له بيوم الجزاء

فنعمَ الحكم الله و الزعيم محمّد صلي الله عليه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لاينفعكم إذ تندمون و لكلّ نبأٍ مستقر،

هُوَ نَعَمْ الْحَكَمُ المَرجُوُّ لِي *** بَعْدَمَا نَنْقَلُ عَنْ دَارِالْفَنَاءِ

وَ زَعِيمُ اَلْخَلْقِ فِيهَا أَحْمَدٌ *** وَ اَلْمُحَامِي عَنْ حُقُوقِ اَلضُّعَفَاءِ

وَ بِهَا مَوْعِدُنَا اَلْآتِيَ اَلَّذِي *** فِيهِ يُقْضِي فِي مَوازِينِ اَلْقَضَاءِ

يَخْسَرُ الْمُبْطِلُ فِيهِ مَا ادُّعِي *** يَوْمَ حَشْرِ اَلنَّاسِ مِنْ دُونِ وَقَاءِ

سَاعَةٌ يَخْسَرُ فِيهَا مُبْطِلٌ *** وَ بِهَا لاَ شَيْءَ يَلْغِي بِالْفِدَاءِ

حَيْثُ لاَ يَنْفَعُكُمْ فِيهَا إِذا *** مَا نَدِمْتُمْ، أَوْ دَعَوْتُمْ بِدُعاءِ

وَ لِكُلِّ مُسْتَقَرٌ وَ بِهِ ***كُلُّ ذِي اَلْأَنْبَاءِ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

كلامها مع الأنصار

«فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم».

ثمَّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت:

يا معشر النَّقِيبَة،

سَوْفَ يَدْرِي فِيهِ كُلِّ مِنْكُمْ *** مِنْ سَيَأتِيهِ عَذَابٌ فِي اَلنَّهَاءِ

وَ لِمَنْ يُخْزِيهِ رَبِّي فِي غَدٍ *** وَ يَحِلُّ فِي عَذَابٍ لِلسَّمَاءِ

بِعَذَابٍ دَائِمٍ لاَ تَنْطَفِي *** نَارُهُ فِي الصُّبْحِ أَوْ عِنْدَ الْمَساءِ

هَدَّدْتُهُمْ فاطِمُ فِيما ادَّعَتْ *** بِعَذابٍ مُسْتَمِرٍ وَ ضَرَّاءِ

ص: 208

وَهِيَ دَعْوَي مَا بِهَا مِنْ كَذِبٍ *** أطلقتْهَا فاطمٌ خَيْرُ اَلنِّسَاءِ

ثُمَّ دَارَتْ طَرفَهَا فَاطِمَةُ *** نَحْوَ أَنْصَارٍ وَ قَالَتْ بِإِهْتِدَاءِ

أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ مَنْ *** كُنْتُمْ لِلدِّينِ خَيْرِ اَلنُّجَبَاءِ

ما هذه الغميزة في حقّي

و أعضاد الملّة و حضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقِّي؟ و السِّنَةٌ ظُلامِتِي؟ أما كان «رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم» أبي يقول:

وَ لَهُ أَعضَادُ عِزِّ شَامِخٍ *** كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ آفَاقَ اَلرَّجَاءِ

وَحَضِنْتُمْ و حَفِظْتُمْ شِرْعَةً *** هِيَ لِلإِسْلامِ رُوحٌ مِنْ نَهَاءِ

وَ غَمَزْتُمْ عَنْ حُقُوقِي فُجْأَةً *** مَا بِكُمْ فِي غَفْلَةٍ أَمْ فِي عَمَاءِ؟؟

وَ فَتَرْتُمْ عَنْ ظُلاَمَاتِيَ اَلَّتِي *** هِيَ لِلْأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءِ!

كَيْفَ كُنْتُمْ أَنْتُمْ فِي سُنَّةٍ *** وَ تَرَكْتُمْ نَجْدَتِي بَعْدَ اِهْتِدَاءِ؟!

أَوْ مَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ مَنْ *** قَدْ عَرَفْتُمْ نُطْقَهُ وَحْيُ السَّمَاءِ؟!

قَالَهَا: فِي جَمْعِكُمْ عَنْ حَقِّنَا... *** أَولِسْنَا نَحْنُ مِنْ ذِي الأَقْرِبَاءِ؟

سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة

«المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم و عجلانَ ذا إهَالة و لكم طاقة بما أحاول و قوّة علي ما أطلب و أُزاول،

إِنَّمَا الْمَرْءُ يُكْرَّمْ حَيْثُمَا *** يُحْفَظُ الْبَاقُونَ مِنْهُ فِي وَلَاءِ

أَوْ مَا كَانَ مِنَ الْإِكْرَامِ أَنْ *** تَحْفَظُونِي بَعْدَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

عَجَباً... سُرْعَانَ مَا أَحْدَثْتُمُ *** وَ تَعَدَّيْتُمْ بَهَتَكٍ وَ اِعْتِدَاءِ

وَ لَهَا عَجْلاَنَ ذَا إِهَالَةٍ *** قَدْ تآمرتُم عَلَيْنَا فِي اَلْخَفَاءِ

أَلْكُمْ طَاقَةُ إِسْعَا فِي بِمَا *** أَنَا قَدْ حَاوَلتُ رِدَّاً لِلْحِبَاءِ

أَلْكُمَ فِيما طَلَبْتُ قُوَّةً *** وَ لَمَّا زَاوَلْتُ عَزْمَ اَلْأَقْوِيَاءِ؟

أَمْ تَخَاذَلْتُمْ بِصَمْتٍ ضَعَةً *** وَ وَصَمْتُمْ عَارَهَا فِي اَلضُّعَفَاءِ

ص: 209

و أزيلت الحرمة عند مماته

أتقولون: مات «محمّد صلي الله عليه و آله و سلم».

فخطب جليل، أستوسع وهنه و استنهر فتقه و انفتق رتقه و اظلمّتِ الأرض لغيبتهِ،

أَتَقُولُونَ لِمَنْ زَكَّاكُمْ... *** مَاتَ مَنْ كَانَ أَخْيَرَ الْأَنْبِيَاءِ

وَ اِسْتَبَحْتُمْ بَعْدَهُ فِي قَوْلِكُمْ: *** -مَاتَ- مَا سَاءَ لَكُمْ يَوْمَ اَلْجَزَاءِ

آه... فَالْخَطْبُ جَلِيلٌ وَقْعُهُ *** وَعَظِيمُ أَمْرِ مَوْتِ اَلْعُظَمَاءِ

وَ بِهِ اسْتَنْهَرَ جُرْحٌ فَتْقُهُ *** وَ عَدَا يَغْزُو عَلَيْنَا كُلُّ دَاءِ

وَ اِنْفِتَاقُ اَلْجُرْحِ أَوْدِي رَتَقَهُ *** أَنْ نُعانِيَ اَلدَّاءَ مِنْ دُونِ شِفَاءِ

وَ اِدْلَهِمَّ اَلْكَوْنُ وَ اَلْأَرْضُ بِهِ *** حِينَ غَابَ اَلنُّورُ عَنْ هَذَا اَلْفَضَاءِ

و كسفت النّجوم لمصيبته و أكدَتِ الآمال و خشعت الجبال و أضيع الحريم و أُزيلتِ الحرمة عند مماتهِ، فتلك -والله- النّازلة الكبري و المصيبة العظمي لا مثلها نازلة،

وَ نُجُومُ اَللَّيْلِ فِي قَلْبِ اَلسَّمَا *** كَسَفَتْ حُزْناً وَ أَمْسَتْ فِي عَزاءِ

لِمُصَابٍ زَلْزِلَ الْعَرْشُ بِهِ *** وَ بِهِ أَكَّدَتْ مَوَازِينُ اَلرَّجَاءِ

وَ بِهَذَا الخَطْبِ حُزْناً خَشَعَتْ *** رَاسِيَاتُ اَلْأَرْضِ مِنْ هَذَا اَلنَّعَاءِ(1)

وَ أُضيعَتْ حُرَمٌ مَنْ بَعْدِهِ *** وَ أُزِيلَتْ حُرْمَةٌ بَعْدَ اَلْفَنَاءِ

تِلْكَ -وَاَللَّهِ- أَتَتْ نَازِلَةٌ *** كَانَتْ الكبري عَلَي هَذَا اَلقِوَاءِ

وَ هِيَ الْفَاجِعَةُ اَلْعَظْمِي اَلَّتِي *** لَيْسَ يُثْنِيهَا سُرُورٌ فِي اِنْتِهَاءِ

لاَ... وَ لاَ حَلَّتْ بِنَا نَازِلَةٌ *** -مِثْلَهَا- أَبْقَتْ لَنَا ثِقْلَ اَلْغِنَاءِ

ولا بائقةٌ عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه -جل ثناؤُه- في أفنيتكم، في ممساكم ومصْبحكم، هتافاً، و صراخاً و تلاوةً و ألحاناً و لقبله ما حلَّ

ص: 210


1- راسيات الأرض: الجبال.

بأنبيائه و رسله، حكمٌ فصل و قضاءٌ حتمي،

لاَ... وَ لاَ بَائِقَةٌ عَاجِلَةٌ *** أَحْكَمَتْ فِيهَا أَسَاليبُ الدَّهاءِ

أَعْلَنَ اَللَّهُ بِهَاجِلَّ اِسْمُهُ *** بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ مُنْذُ ابْتِدَاءِ

وَ تَلَوْتُمْ مِنْهُ فِي مُمْسَاكُمْ *** وَ بِصُبْحٍ مِنْهُ فِي كُلِّ فناءِ

فَهُوَ الْهاتِفُ وَ الصَّارِخُ فِي *** كُلِّ يَوْمٍ بَيْنَكُمْ بِالْعُقَلاءِ

وَ هُوَ اَلْمَقْرُوءُ فِي تِلاَوَةٍ *** وَ بألحانٍ بِهَا جَذَبُ اِهْتِدَاءِ

وَ لَقَدْ أَخْبَرَكُمْ مَنْ قَبْلِهِ *** مَا برُسلٍ حَلَّ أَوْ بِالْأَنْبِيَاءِ

حُكْمُ فَصْلٍ وَ قَضَاءٍ مُحْتَمٍ *** فِيهِ تَصْدِيقُ قَضَاءٍ بِقَضَاءِ

الإنقلاب علي الأعقاب

«وما محمّد صلي الله عليه و آله و سلم إلا رسول قد خلت من قبله الرّسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم»،

سُنَّةُ الْمَوْتِ ارْتَضَاهَا رَبُّنَا *** لِجَمِيعِ اَلنَّاسِ حَتي اَلْأَنْبِيَاءِ

لَمْ يُنْجِّ اَللَّهُ مِنْهَا مُرْسَلاً *** وَ بِهَا يُقْهَرُ كَلاِّ بِالْفَنَاءِ

وَ أَتَتْنَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ *** أحْكَمَتْ حُجيَّةً بِالْإِدْعَاءِ

حَيْثُ قَالَ اَللَّهُ فِي قُرْآنِهِ *** قَوْلَ صِدْقٍ حُكْمَ فَصْلٍ وَ سَنَاءِ

فِي «ومَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ...» وَ قَدْ *** كَانَ لِلْخَلْقِ رَسُولاً لِلسَّمَاءِ

«قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...» اَلَّتِي *** قَدْ مَضَتْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ اَلْبَقَاءِ

«أَفَان مَّاتَ» بِحَتْفٍ «أَوْ قُتِل *** إِنْقَلَبْتُمْ» عَنْهُ فِي أَقْصَي اَلْوَرَاءِ

«ومن ينقلب علي عقبيه ، فلن يضرَّالله شيئاً و سيجزي اللَّه الشاكرين»

إِنْقَلَبْتُمْ وَ عَلَيَّ أَعْقَابِكُمْ *** قَدْ رَجَعْتُم بِشَنَارِ اَلْعُقَبَاءِ(1)

وَ مِنَ الْيَوْمِ عَلَي أَعقَابِهِ *** يَنْقَلِبْ عَنْهُ يُرِي سُوءَ الجَزاءِ

«لَنْ يَضُرَّ اَللَّهَ شَيْئاً» إِنَّمَا *** ضَرَرٌ الْخُلَفِ وَ بَالٌ فِي اَللِّقَاءِ

ص: 211


1- شنار: عار.

ما حَقُّ مَن يَكتُمُ الحَقَّ ومَنْ *** حَرَّفَ الدّينَ لِمَالٍ وُ ترَاءِ

«وَ سَيَجْزِيِ اَللَّهُ...» مَنْ كَانَ لِمَا *** نَالَهُ بِالشُّكْرِ خَيْراً بِالْجَزاءِ

وَ هلَ الشَّاكِرُ الاّ مَن بَقِي *** حافِظاً لِلْحَقِّ حَقّاً فِي الوَلاءِ؟

ناصِراً لِلدِّينِ وَالحَقِّ وَ مَنْ *** نَصَّ فيهِمْ ذَكَرُهُ بِالإقتِداءِ

أأَهضم تراث أبي..؟

إيْهاً... بني قِيْلة! أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأي و مسمع و منتدي و مجمع، تلبسكم الدّعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذو العدد و العدَّة،

يَا بَنِي قَيْلَةَ إِيهاً مِنْكُمْ... *** قَدْ تَخَطِّي عَنْكُمْ عَقَدُ اَلرَّجَاءِ

أَأْنَا أَهْظَمُ فِي إِرْثِ أبِي *** فِي حُضُورٍ مِنْكُمْ لا فِي خَفَاءِ

و بِمَرْأَي مِنِّي أنْتُمْ كُنْتُمُ *** قُدْسْمِعْتُمْ وَ وَعَيْتُمْ لادِّعائِي

كُنْتُمُ فِي مَجْمَعٍ فِي مُنْتَدَي *** ضَمِنا، إِذْ فِيهِ أعْلَنْتُ نِدائِي

فِيهِ مَا تُلْبِسُكُمْ مِنْ حَقِّنَا *** دَعْوَةً تَشْمَلُكُمْ مِثْلُ الرِّدَاءِ

خِبْرَةٌ فِيهَا خُصَصْتُمُمْ وبِهَا *** شَمِلَتْكُم عِلْمُها شِبْهُ اَلرِّدَاءِ

وَ لَهَا أَنْتُمْ ذَووالْعْدَةِلا *** نَقْصَ فِي أَعْدَادِكُمْ أو فِي الرِّفاءِ

توافيكم الدعوة فلا تجيبون!

و الأداة و القوّة و عندكم السلاح و الجُنَّة، توافيكم الدّعوة فلاتجيبون!، و تأتيكم الصّرخة فلا تعينون!، و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصّلاح و النّخبة الّتي انتخبت،

وَ ذَوُو اَلْقُوَّةِ أَنْتُمْ وَ لَكُمْ *** فِي مَرَامِيهَا أَدَاةٌ مِنْ ثَرَاءِ

وَ سِلاحٌ عِنْدَكُمْ مَا بَعْضُهُ *** جُنَّةٌ مِنَحُ كُلِّ كَرْبٍ وَ بَلاَءِ

إِنَّ تَوَافِيَكُمْ بِنَصْرِ دَعْوَتِي *** لاَ تُجِيبُونَ جَمِيعاً لِدُعَائِي!

لاَ تُعِينُونِي إِذَا مَا صَرْحَةٌ *** مِنِّي تَاتِيكُمْ بِظُلْمٍ وَ عَنَاءِ!

وَوَصَفْتُمْ أَنْتُمْ فِي خَوْضِهَا *** بِكِفَاحٍ وَ سَفَكْتُمْ لِلدِّمَاءِ

ص: 212

وَ عُرِفْتُمْ بِصَلَاحٍ وَارِفٍ *** و بِخَيْرٍ فِي مَلاءٍ وَ خَلاَءِ

وَ نُخْبَةٌ لِلْحَقِّ حِينَ انتُخِبَتْ ***كُنْتُمْ أَنْتُمْ لَهُ أُسَّ الرَّجَاءِ

و أنتم موصوفون بالكفاح

و الخيرة الَّتِي اختيرت، قاتلتم العرب و تحمّلتهم الكدَّ و التّعب و ناطحتم الأُّمم و كافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون،

وَ لَهُ اخْتِيرَتْ بِحَقِّ خِيَرَةٌ *** مِنْكُمْ ذَوْداً و صَوْناً لِلْقَضَاءِ

وَ لَهُ قَاتَلْتُمُ اَلْعَرَبَ فَمَا *** ضَعُفَتْ فِيكُمْ مَقَادِيمُ اَلْفِتَاءِ

وَ تَحَمَّلْتُمْ لَهُ الْكَدَّ وَ فِي *** ذلِكم هدَّدَكُمْ سَيْلُ اَلْعَيَاءِ

وَ لَهُ نَاطِحتُمْ مِنْ فَوْرِكُمْ *** أُمَماً رَاقَتْ بِكُمْ ذُلَّ اَللِّفَاءِ(1)

وَ لَهُ كَافَحْتُمُ الشُّجْعَانَ مَنْ *** بم اَلْقَوْمٍ بِمِصْرٍ وَ قُوَاءِ

وَ لَهُ لاَ نَبْرَحُ اَلْهَادِينَ فِي *** سُنَنٍ لِلْخَيْرِ فِي حُكْمِ اَلسَّمَاءِ

وَ لَهُ نَامِرُكُمْ فِي طَاعَةٍ *** وَ لَنَا تَصْغُونَ دُوماً لِلنِّدَاءِ

دارت بنا رحي الإسلام

نأمركم فتأتمرون، حتَّي دارت بنا رَحَي الإسلام و درَّ حُلبُ الأيَّام و خضعت ثغرة الشِّرك و سكنت فورة الإفكِ(2) و خُمدت نيران الكفر،

وَ تُطِيعُونَ وَ لاَ نَبْرَحُ أَوْ *** تَبْرَحُونَ طَائِعِينَ فِي وَلاَءِ

وَ اِسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي خَيْرٍ فَمَا *** مَالَ مِنْهُ لِأَهَاوِيلَ اَلشَّقَاءِ

ذَاكَ حُتِّيَ اَلْأَمْرُ فِينَا وَ بِنَا *** سَادَ فِي نَظْمٍ وَ فِي سير اِهْتِدَاءِ

وَ رَحِيَ اَلْإِسْلاَمِ دارتْ وَ لَهُ *** حَلْبُ الْأَيَّامِ دَرَّتْ بِالْعَطاءِ

وَ ثَغْرَةُ الشِّرْكِ إِذا ما خَضَعَتْ *** وَ رِقابَ الْكُفْرِ ذَلَّتْ لِلسِّناءِ

ص: 213


1- اللّفاء: الخسيس من الشيء و كل شيء يسير حقير فهو لَفاء.
2- الإفك: الكذب.

وَ لَهُ قَد سَكَنَتْ مِنْ فَوْرِها *** فَوْرَةُ الإِفْكِ وَ قَرَّتْ كَالرُّخاءِ

خُمِدَتْ نِيْرَانُ كُفْرٍ بَعْدَما *** سَجِّرَتْ مِنْ فِيْحِ حِقْدٍ وَ عِدَاءِ

فَاَنَّي حِرتُم بعد البيان؟

و هدأت دعوة الهرج و استوسق نِظام الدِّين، فَاَنَّي حِرتُم بعد البيان؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتم بعد الإقدام؟ و أشركتم بعد الإيمان؟

هَدَأَتْ دَعْوَةُ إفك بَاطِلٍ *** هَرَجُ الدَّعْوَةِ فِي أَيْدِي الْفَنَاءِ

وَ لَهُ اسْتَوْسِقَ أَمْرُ الدِّينِ فِي *** كُلِّ نَظْمٍ وَ اِجْتِمَاعٍ و اسْتِوَاءِ

بَعْدَمَا كَانَ شَتَاةً أَمْرُهُ *** وَ شُمُوسُ الْحَّقَّ كَانَتْ فِي اِنْطِفَاءِ

كَيْفَ وَ الْآنَ... وَ أَنِّي حِرْتُم *** عَنْ بيان بَعْدَهُ عَنْ ذَا السَّنَاءِ؟!

وَ بِهِ أَسْرَرْتُمُ اَلْحَقَّ وَ قَدْ *** بَانَ فِيهِ لَكُمْ نُورُ اهْتِدَاءِ؟!

وَ نَكَصْتُمْ بَعْدَ إِقْدَامٍ لَكُمْ *** كَانَ لِلْإِسْلَامِ ضَرْباً مِنْ وِقَاءِ

وَ لَقَدْ أَشْرَكْتُمْ مِنْ بَعْدَما *** ذَلَّلَ الْإِيمَانُ أَسْبَابَ الْإِخَاءِ

ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم و همّو بإخراج الرّسول و هم قد بدؤوكم أوّل مرَّةٍ، أفتخشونهم؟

و قَطَعْتُمْ لُحْمَةَ اَلْإِيمَانِ فِي *** نَصْرِ أَهْلِ اَلْفِسْقِ في هذا اَلْوَلاَءِ

وَ لَقَدْ خَالَفْتُمْ اَلْحَقَّ بِمَا *** قَدْ نَكَثْتُمْ فيهِ أَمْرَ الْأَنْبِياءِ

وَ بِهِ خالَفْتُمْ «الْهادِيَ» الَّذِي *** حَثَّكُمْ نَصْرُ أَصْحَابِ اَلْكِسَاءِ

هَؤُلاَءِ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ *** قَاتِلُوهُمْ وَانْصُرُونَا فِي وَلاَءِ

وَ هُمْ هَمُّوا بِإِخْرَاجٍ لَكُمْ *** وَ بإِخْرَاجِ رَسُولٍ لِلسَّمَاءِ

وَ هُمْ قَدْ بَدَؤُوكُمْ أَوَّلاً *** بِقِتَالٍ وَ أَصَرُّوا فِي جَفَاءِ

أَفْتَخِشُونَهُمْ فِي مَعْرِكٍ *** وَ تَفِرُّونَ جَمِيعاً لِلْوِرَاءِ؟

الخلود إلي الدنيا و إبعاد من هو أحق بالبسط و القبض

فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ألاّ: قد أري أن قد أخلدتّم

ص: 214

إلي الخفض(1) و أبعدتّم من هو أحقّ بالبسط و القبض و خلدتم إلي الدّعة و نجوتم من الضِّيق بالسعة، فمججتم(2) ما وعيتم و دسعتم(3) الّذي تسوَّغتم.

إِذْنِ: اَللَّهُ أَحَقُّ خَشْيَةً *** مِنْهُمْ ظاهرٍ أو فِي خَفَاءِ

وَ بِدِينِ اَللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُمْ *** مُؤْمِنِينَ فَاسْتَجِيبُوا لِلنِّدَاءِ

قَدْ أَرِيَ قَدْ خَلَّدْتُمْ دَعَةً *** لرِياضِ الخَفْضِ فِي عَيْشِ الهَناءِ

وَ لِذَا أُبْعِدتُمْ مِن حَقُّهُ *** هُوَ فِي بسطٍ وَ قَبِضٍ فِي اَلْعَلاَءِ

وَ خُلِّدْتُمْ بَعدَهُ فِي دَعَةٍ *** وَ نَسِيتُمْ مَنْ لَهُ حَقُّ اَلْوَفَاءِ

وَ نَجَوْتُمْ مِنْ مَعَاشٍ ضِيقٍ *** لِمَعَاشٍ وارفٍ جَمِّ اَلرَّخَاءِ

فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُم أَمْرَهُ *** و دَسَعْتُمْ مَا تُسَوَّغْتُمْ لِدَاءِ

الخذلان و الغدر

فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً، فإنّ الله لغني حميد ألآ: قد قلت ما قلت علي معرفةٍ منِّي بالخذلة الَّتي خامرتكم(4) و الغدرة الّتي استشعرتها قلوبكم.

فَإِنَّ اَلْيَوْمَ جَمِيعاً تَكْفُرُوا *** أَنْتُمُ أَوْ مَنْ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ

فَهُوَ اَللَّهُ غَنِيِّ عَنْكُمُ وَ حَمِيدٌ فِي اِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ

وَ أَنَا قَدْ قُلْتُ مَا قُلْتَ عَلَي *** بَالَغِ اَلْعِرْفَانِ فِي هَذَا اَلْوَنَاءِ

وَ عَلَي عِلْمٍ وَ فِي مَعْرِفَةٍ *** مِنِّي بالخذلَةٍ فِي هذَا اَلْخَوَاءِ

خَذْلَةٌ قَدْ خَامَرَتْكُمْ وَ لَها *** قَدْ رَكَنْتُمْ وَ فَرَرْتُمْ فِي دَهَاءِ

وَ قُلُوبٍ عَمِيَتْ فَاسْتَشْعَرَتْ *** غِدْرَةً قَدْ لَبِسَتْهَا كَالرِّدَاء

ص: 215


1- الخفض: الدعة و الراحة.
2- مججتم: (مجّ) الشراب من فيه: رمي به.
3- دسعتم: الدسعة : الدُفعة.
4- خامرتكم: المخامرة: المخالطة.

وَ لِعرْفَانِي بِكُمْ لاَ أَرْتَجِي *** مِنْكُمْ نَصْراً وَ لاَ حَقَّ اَلْوَفَاءِ

حجّتها عليهم

و لكنّها فيضة النّفس و نفثة الغيظ و خور القنا و بثّة الصّدر و تقدمة الحجّة.

فَيْضَةٌ لَكِنَّهَا مَأْلُومَةٌ *** وَ بِهَا اَلنَّفْسُ أَفَاضَتْ فِي مِلاَءِ

نَفْثَةُ الْغَيْظِ وَ خَوْرٌ فِي اَلْقَنَا *** بِهِمَا ضَاقَتْ مَسَامَاتُ الجَوَاءِ

بَثَّةُ الصَّدْرِ وَ مِنْ كِتْمانِها *** ضَاقَتِ النَّفْسُ بِهِمْ وَقْوَاءِ

وَ لأَمْرِ الصَّدْرِ اَلدِّينُ قَولي حُجَّةٌ *** وَ بَيانِي مُلْزَمٌ يَوْمَ الْجَزاءِ

لَيْسَ يُرْضِي بَعْدَهُ مِنْ غَافِلٍ *** أَوْ جهولٍ رَبُّنَا عُذْرَ اَلْجَفَاءِ

لَيْسَ بَعْدَ الْيَوْمِ قَولٌ نافِعٌ *** لَيْسَ يُجْدِي بَعْدَهُ كُلُّ فِدَاءِ

حُجَّتِي قَائِمَةٌ فِي جَمْعِكُمْ *** أَنَّا قَدْ قَدِمْتُهَا لِلْعُقَلاَءِ

نتائج الخذلان و الغدر

فدونكموها، فاحتقبوها دبرة الظّهر، نقبة الخُفِّ، باقية العار، موسومة بغضب اللّه و شنار الأبد، موصولة بنار اللّه الموقدة،

فَخُذُوا اَلْإِمْرَةَ مِنَّا عَنْوَةً *** وَ اِنْصُبُوا فِيهَا شُخُوصَ اَلْخُلَفَاءِ

إِمْرَةً دُونَكُمُوهَا... فَأذنوا *** بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ فَي حَرْبِ السَّمَاءِ

هيَ ذِي فَاحْتَقِبُوهَا نَاقَةً *** دِبِرَةَ الظَّهْرِ لِجُرْحٍ وَ دِمَاءِ

لَمْ تَلْ بَاقِيَةَ اَلْعَارِ فَلاَ *** خِزْيُهَا يَفْنِي بِدُنْيَاً وَ فَنَاءِ

عُلِمْتْ فِي غَضَبِ اَللَّهِ وَ قَدْ *** عُلِمَتْ مَوْسُومَةٌ بِاللَّعَنَاءِ

وَ شَنَارِ الْأَبَدِ الْآتِي غَداً *** لَمْ تَزَلْ مُوْصُولَةً دُونَ خَفَاءِ

وَ بِنَارِ اَللَّهِ مُسْتَوْقَدَةً *** هِيَ فِي عَارٍ وَ نَارٍ وَ صَلاَءِ

اَلَّتِي تَطْلَّعُ علي الأفئدة، فبعين اللّه ما تفعلون، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».

ص: 216

نَارُهَا مُوقَدَةٌ سَجَّرَهَا *** لِعَذَابِ اَلْخِزْيِ جَبَّارُ السَّمَاءِ

وَ عَلِيٌ اَلْأَفْئِدَةِ اَلنَّارُ الَّتي *** تَطْلِعْ غَيْضاً بِصُبْحٍ وَ مَسَاءِ

فَبِعَيْنِ اَللَّهِ مَا كَانَ وَ مَا *** تَفْعَلُونَ ظَاهِرٌ دُونَ خَفَاءِ

وَ اَلَّذِينَ ظَلَمُونَا حَقَّنَا *** سَوْفَ يَزْدَادُونَ عِلْماً فِي اَلْجَزَاءِ

أَيْ حَالٍ فِي غَدٍ مُنْقَلَبٌ *** هُمْ لَهُ يَنْقَلِبُونَ بِالْفَناءِ

فِي جُحْتُمَ و عَذَابٍ دَائِمٍ *** وَ سَعِيرٍ فِيهِ آثَارُ الْبَقَاءِ

سَتَصِيرُونَ إِلَيْهِ نَكْساً *** فِيهِ مِنْ خِزْيٍ و عَارٍ وَ عَنَاءِ

فاعملوا إنَّا عاملون

و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنَّا عاملون و انتظروا إنَّا منتظرون.

وَ أَنَا بِنْتُ نَذِيرٍ لَكُمْ *** لِشَنَارٍ و عَذَابٍ وَ فَنَاءِ

فَاعْمَلُوا مَا شِئْتُمُ مِنْ ظُلْمِنَا *** لَيْسَ يَبْقِي الْحَقُّ دَوماً فِي خَفَاءِ

وَ لَهُ نَعْمَلُ إِنَّا وَ بِهِ *** وَجَبَ الصَّبْرُ عَلَيْنَا فِي الْبَلَاءِ

بَعْدَ ذَا فَانْتَظِرُوا وَ أَفْعَالَكُمْ ***كَيْفَ يَحُدُوها فَناءٌ مِنْ فَنَاءِ

وَ لِأَجْرِ الصَّبْرِ إِنَّا نَنْتَظِرْ *** وَ بِهِ فَوْزٌ وَ بُشَرِي فِي اَللِّقَاءِ

كُلُّنَا مُنْتَظِرُونَ فِي غَدٍ *** أَجْرَ أَعْمَالٍ لَنَا يَوْمَ الْجَزاءِ

أَيُّنَا يُخْزِي وَ يُنْجِي حِينَهُ *** وَ بِهِ يَحْكُمُ جَبَّارُ اَلسَّمَاءِ

ص: 217

جواب أبي بكر

ذكره لصفات أبيها

فأجابها «أبوبكر» (محمد بن عثمان) و قال: يابنة رسول الله ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، علي الكافرين عذاب أليماً،

بَعْدَ ذَا قَالَ «أَبُوبِكْرٍ» لَهَا: *** مَادِحاً يُضفِّي عَلَيْهَا بِالثَّنَاءِ

وَ عَلِي خَيْرُ نَبِيِّ مُرْسَلٍ ***كَانَ وَصْفاً زَاهِراً مِثْلَ اَلسَّنَاءِ

وَ هُوَ اَلْخَصْمُ اَلْأَلَدُّ وَ لِذَا *** صَاغَ ذَا فِي ضَلِّ مَكْرٍ وَ دَهَاءِ

قَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اَللَّهِ قَدْ *** كَانَ بِالنَّاسِ أَبُوكِ كَالْفَضَاءِ!

هُوَ لِلْمُؤْمِنِ قَدْ كَانَ أَباً *** وَ بِهِ كَانَ عَطُوفاً كَالْهَوَاءِ

وَ بِهِ كَانَ كَرِيماً وَ بِهِ *** هُوَ قَدْ كَانَ رَوْؤُفاً فِي اَلْقَضَاءِ

وَ بِهِ كَانَ رَحِيماً وَ لِمَنْ *** آثَرَ الْكُفْرَ عَذَاباً كَالصَّلاَءِ

اعترافه بنَسَبها و زوجها ومكانتهم

و عقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النِّساءِ و أخا إلفكِ دون الأخِلَّاء، آثره علي كلّ حميم و ساعده علي كلّ أمر جسيم، لا يحبّكم إلَّا كلّ سعيد و لا يبغضكم إلا كلّ شقيَّ،

وَ عِقَاباً عَظُمَ الْخِزْيُ بِهِ *** وَ عَظِيماً فِي إِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ

أَنْ عَزَوْنَاهُ وَ جدْنَاهُ لَكَ *** هُوَ قَدْ كَانَ أَباً دُونَ اَلنِّسَاءِ

وَ أَخَا إِلْفِكِ قَدْ كَانَ لَهُ *** نَعَمٌ خَلِّ فِي خَلاءٍ وَ مَلاءِ

وَ عَلِيَّ كُلِّ حَمِيمٍ هُوَ قَدْ *** آثَرَ الخَلَّ «عَلِيّاً» فِي الإِخاءِ

ص: 218

هُوَ قَدْ سَاعَدَهُ فِي كُلَّمَا *** حَلَّ مِنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ وَ بَلاَءِ

لَيْسَ إِلاَّ كُلِّ ذِي سَعْدٍ هوِي *** حُبَّكُمْ يَا آلَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

وَ لَعَنَ أَبْغَضَكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَا *** لَيْسَ إِلاَّ كانَ أشقي اَلْأَشْقِيَاءِ

اعترافه بصدق قولها

فأنتم عترة رسول الله الطّيّبون و الخيرة المنتجبون، علي الخير أدلَّتنا و إلي الجَنَّة مسالكنا و أنتِ يا خيرة النساء و ابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك،

لِرَسُولِ اَللَّهِ أَنْتُمْ عِتْرَةٌ *** طَيِّبُونَ كَمَلٌ حَتَّي اَلنَّهَاءِ

خِيَرَةٌ مُنْتَجَبُونَ وَ لَنَا *** أَنْتُمْ فِي اَلْخَيرِخَيْرُ اَلنُّجَبَاءِ

أَنْتُمُ الهادُون لِلْخَيْرِ لَنَا *** و أَدِلاَّءِ بِعِلْمٍ و اهْتِداءِ

وَ إِلَيَّ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ قادَةٌ *** وَ طَرِيقُ الْفَوْزِ حُبُّ الْأَصْفِيَاءِ

مسْلكُ الْجَنَّةِ وَ اَلْفَوْزِ وَ مَا *** عَدَّهُ اَللَّهُ بِكُمْ سَهْلُ اَللِّقَاءِ

أَنْتِ يَا فَاطِمُ مِنْ خَيْرِ النَّسَا *** وَ ابْنَةُ الْمَبْعُوثِ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ

أَنْتِ فِي قَوْلِكِ لِي صَادِقَةٌ *** لَيْسَ مِينٌ قَطُّ فِي ذَا اَلْإِدْعَاءِ(1)

اعترافه بعقلها و حقّها

سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقكِ و لامصدودة عن صدقك، و للِّه ما عدوت رأيَ رسولِ اللّه صلي الله عليه و آله و سلم !!! و لاَعملت إلاَّ بإذنه و إنَّ الرَّائِدَ لا يُكَذِّبُ أهله و إنِّي أُشهد الله و كفي به شهيداً،

أَنْتِ فِي وَفْرَةِ عِلمٍ وَحَجا *** فِيهِمَا سَابِقَةُ كُلِّ اَلنِّسَاءِ

غَيْرُ مَرْدُودَةِ حَقِّ عِنْدَنَا *** وَ لَكَ حَقِّ عَلَيْنَا بِالْوَفاءِ

وَ عَنِ الصِّدْقِ فَلا مصدودَة *** شَأنُكِ اَلصِّدْقُ بِجَمْعٍ وَ خَلاَءِ

أَنَا وَلَلُهُ -بِحُكْمٍ وَ قَضَا- *** مَاعَدَوتُ رَأْيَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ!!!

ص: 219


1- ميْن: (المَيْن): الكذب.

عَمَلِي هَذَا بِإِذْنٍ مِنْهُ لِي *** مَاعَمَلْتُ دُونَ إِذْنٍ وَ اِقْتِفَاءِ

أَبَداً لاَ يَكْذِبُ اَلرَّائِدُ إِنْ *** عُدَّ مِنْ أَهْلٍ لَهُ فِي الإنتماءِ

أُشْهِدُ اَللَّهَ بِأَمْرِي وَ كفِّي *** إِنَّهُ فِي اَلْأَمْرِ نِعْمَ اَلشُّهَدَاءِ

الإدعاء الكاذب

أنِّي سمعت رسول الله يقول: «نحن معاشر الأنبياء، لا نورّث ذهبا و لَا فضّة و لَا داراً و لا عقاراً؛ وإنَّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبّوة و ما كان لنا من طعمة فلوالي الأمر بعدنا، أن يحكم فيه بحكمه».

إِنَّنِي فِي ذَا سَمِعْتُ قَوْلَةً *** لِرَسُولِ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

إِذْ يَقُولُ: -وَ هُوَ الاصادِقُ فِي *** كُلِّ قَوْلٍ قالَهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ

لَانُوَرِّثْ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً *** أو عَقَاراً... نَحْنُ جَمَعَ اَلْأَنْبِيَاءَ!

إنَّما نَحنُ نُوَرِّثْ بَعْدَنَا *** حِكْمَةً تَنْضَجُ فَهُمُ اَلْحُكَمَاءِ!

أَوْ كتاباً نَافِعاً فِي كُلَّمَا *** خُصَّ مِن عِلْمٍ وَ نُورٍ و شِفَاءِ!

أَوْ نُبُوءَاتٍ ومَاكَانَ لَنَا *** بَعْدَنَا مِن طُعْمَةٍ أَوْ مِنْ حِبَاءِ!

فَلِوَالِي الْأَمْرِ يَحْكُمُ فِيهِ مَا *** يَجِدُ الْحُكْمَ بِهِ كَالْأُمَرَاءِ!

صرف الأموال المغتصبة في الجهاد

و قد جعلنا ما حاولته في الكُراع و السّلاح، يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفّار و يجالدون المردة الفجّار و ذلك بإجماع من المسلمين !! لم أنفرد به وحدي و لم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي و هذه حالي و مالي؛ هي لَكِ و بين يديكِ؛ لا تزوي عنكِ و لا تدَّخر دونكِ، أنتِ سيدة أمّة أبيكِ،

وَ جَعَلناما بِنَا حَاوَلْتِهِ *** فِي كُرَاعٍ وَ سِلاَحٍ وَ كِرَاءِ

وَ بَهَا قَدْ جَهَّزُوا مَنْ أَسْلَمُوا *** لِقِتَالٍ وَ جِهَادٍ... بِسَخَاءِ!

و لِكُفَّارٍ وَ فُجَّارٍ بِهَا ***جَالدوا مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ اَلسَّمَاءِ

وَ بإجماع... وَ مَا ذَاكَ سِوَي *** رَأْيُ مَنْ أَسْلَمَ، فِي أَمْرِ اَلْحَبَاءِ!!

ص: 220

أنَا فِيهِ لَسْتُ وَحْيَ قَاطِعاً *** حُكْمَ فَرْدٍ مُسْتَبِدٍ بِالْقَضَاءِ

هَذِهِ حَالِي ومَالِي هِيَ ذِي *** عَنْكَ لاَ تُزْوِي بِعُسْرٍ وَ رَخَاءِ!(1)

دُونَكِ لاَ شَيءَ حَتماً يُدَّخَر *** أَنْتَ فِي الْأُمَّةِ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ

محاولته لتطييب خاطرها

الشجرة الطيّبة لبنيكِ، لا يُدفع ما لَكِ من فضلك و لا يوضعُ في فرعك وأصلكِ، حكمك نافذ فيما ملكت يَدايَ، فهَل ترين أن أُخُالف في ذلكَ أبَاكِ صلي الله عليه و آله و سلم.

لِبَنِيكِ أَنْتِ كُنْتِ شَجَراً *** طابَ مِنْهَا أَصْلُهَا فِي الإِنْتِمَاءِ

فَلَكَ مَالَكَ مِنْ فَضْلٍ فَلَا *** يَدْفَعُ الْفَضْلُ... لَكِ حَتِّي النَّهَاءِ

لَا وَ لَايُوضَعُ فِي فَرْعٍ وَ لاَ *** لَكِ فِي أَصْلٍ نَقِيِّ كَالسَّنَاءِ

حُكْمُكِ فِيما مَلَكَتُ نَافِذٌ *** هُوَ قَطْعِيِّ كَحُكْمِ اَلْأُمَرَاءِ

أَفْهَلْ تَرْضَيْنَ فِي ذَاكَ لَنَا *** أَنْ نُخَالِفْ فِيهِ خَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ

ص: 221


1- تُزوي : زوي الشيء: جمعه و قبضه.

جواب فاطمة الزهراء عليها السلام لأبي بكر

ردّ الإدعاء بالبيان و البرهان و الحجة

فقالت عليها السلام: سبحان اللّه... ما كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم عن كتاب اللّه صادفاً(1) و لا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره و يقفو سُوَرَهُ، أَفَتَجْمعون إلي الغدر؛ اعتلا لاً عليه بالزور.

فَأَجَابَتْ فَاطِمٌ مِنْ عَجَبٍ *** ثُمَّ قَالَتْ فِي هُدُوءٍ وَ اهْتِدَاءِ

-لِأَبِي بَكْرٍ- فَسُبْحَانَ الَّذِي *** مَرْجِعُ اَلْخَلْقِ إِلَيْهِ فِي اَلنَّهَاءِ

عَنْ كِتَابِ اَللَّهِ مَا كَانَ أَبِي *** صَادِفاً عَنْهُ بِلَيْلٍ وَ ضِحَاءِ

وَ لِأَحْكَامٍ أَتَتْهُ فِيهِ لاَ ***كَانَ يَوْماً فِي خِلاَفٍ وَ عَدَاءِ

بَلْ أَبِي كَانَ يُؤَدِّي مَا بِهِ *** وَ لَقَدْ كَانَ لَهُ فِي أَقْتِفَاءِ

وَ لآثَارٍ لَهُ أَوْ سُورٍ *** كَانَ يَقْفُو مَا بِهَا مِنْ أَهْتِدَاءِ

أفإجماعٌ إِلَي اَلْغَدْرِ لَكُمْ *** وَ عَلَيْهِ الزُّورُ زِدْتُمْ فِي اِفْتِرَاءِ؟!

هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً

و هذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغِي لهُ من العوائل في حياتهِ، هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً و ناطقاً فصلاً يقول: «يرثُنِي و يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»، «وَوَرَثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ»، فبَّين (عزّوجلّ) فيما وزَّع من الأقساط،

كُلُّ هَذَا بَعْدَما فَارَقَنَا *** فِيهِ بِالْمَوْتِ أَمِيرٌ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 222


1- صادفاً: معرضاً.

هُوَ ذَا بَغْيٌ لَكُمْ فِي مَوْتِهِ *** يَشْبِهُ اَلْبَغْيَ لَهُ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ

فَرَسُولُ اَللَّهِ لاَقِي مِنْكُمُ *** مِنْ أَذِيَ فِي عُمُرِهِ، أَوْ مِنْ بَلاَءِ

وَ كِتَابُ اَللَّهِ هَذَا حُكْماً *** نَاطِقاً فَصْلاً وَ عَدْلاً فِي الْقَضَاءِ

وَ هُوَ الْقائِلُ فِي حُكْم لَهُ *** وَاضِحٍ فِي اَلْإِرْثِ إِرْث الْأَنْبِيَاءِ

فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي تَوْرِيثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ بَيْنٌ شِبْهُ اَلضِّيَاءِ

بَيَّنَ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** كُلَّ أَقْسَاطِ فُرُوضٍ وَ حِباءِ

بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً

و شرّع من الفرائض و الميراث؛ ما أزاح علّة المبطلين و أزال التظنِّي والشُّبهات في الغابرين كلَّا، بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً، فصبرٌ جميلٌ، و اللّه المستعان علي ما تصفون.

وَ بِهِ قَدْ شَرَعَ اَلْمِيرَاثَ مِنْ *** فَرْضِ إِرثٍ لِذُكُورٍ و نِسَاءِ

مَا أَزاحَ عِلَّةَ المُبطِلِ في *** كُلِّ قَولٍ بَاطِلٍ أوْ إِفْتِرَاءِ

وَ أَزالَ الظَّنَّ وَ اَلشُّبْهَةَ فِي *** حِكْمِهِ فِي الْغَابِرِينَ لِلنَّهاءِ

لَيْسَ فِي اَلْأَمْرِ عَلَيْكُمْ لَبْسَةٌ *** بَلْ تَنَكَّرْتُم لِإِرْثِ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

سَوَّلَتْ أَنْفُسُكُمْ أمراً بِذا *** لَيْسَ غَيْرُ الْمَكْرِ فِيهِ وَ اَلدهَاءِ

لَيْسَ إِلاَّ اَلصَّبْرُ أَحَجِّي وَ عَلَي *** مِثْلِ هَذَا لَجَمِيلٌ لِي بَلاَئِي

وَ هُوَ اَللَّهُ قَدِيرٌ وَ بِهِ ***مُستَعانِي بِبَلاَءٍ وَ رَخَاءِ

وَ عَلَي مَا تَصِفُونَ اَلْيَوْمَ لاَ *** أَرْتَضِي إِلاَّهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

ص: 223


1- لُبسة: شُبهة.

جواب أبِي بكر لها

لا أبعد صوابكِ

فقال أبوبكرٍ: صدق الله و صدق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و صدقت ابْنتُهُ، أنتِ معدن الحكمة و موطن الهدي و الرحمة و ركن الدِّين و عين الحجّة، لا أُبعد صوابكِ و لاَ أُنكرُ خطابكِ، هؤُلَاء المسلمون بيني وبينك، قلَّدونِي ما تقلَّدتُ؛

وَ «أَبُوبَكْرٍ» لِذَا قَالَ لَهَا: *** صَدَقَ اللَّهُ وَخَيرُ الأنبِياءِ!!

و بَذا قَدْ صَدَقَتْ إبْنَتُهُ *** مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ أَنتَ والذّكاءِ

مَوْطِنُ الرَّحِمِةِ أَنْتِ وَ اَلْهُدْي *** أَنْتَ رُكْنُ اَلدِّينِ فِي هَذَا اَلْبِنَاءِ

أَنْتِ لِلْحُجَّةِ عَيْنٌ أَنَا لاَ *** أُبْعِدُ مِنْكَ صَوَاباً فِي اَلْقَضَاءِ

لاَ وَ لاَ أَنْكِرُ مِنْكَ خُطْبَةً *** وَ خِطَاباً شَافِياً فِيهِ شِفَائِي

هَؤُلاَءِ وَ هُمْ مَنْ أَسْلَمُوا *** بَيْنَنَا نَحْنُ جَمِيعاً بِالْإِزَاءِ

وَ هُمْ قَدْ قَلَّدُونِي ما بِهِ *** قَدْ تَقَلَّدْتُ بِحُكْمِ الفُهَماءِ

إلقاء اللوم علي المسلمين

و باتِّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابرٍ و لا مستبدٍ، لا مستأثرٍ و هُم بذَلِكَ شهودٌ.

إِنْفاقٌ مِنْهُمْ قَدْ قَادَنِي *** أَنْ أَخَذْتُ مَا أَخَذْتُ مِنْ حِبَاءِ

غَيْرَ مَا مُسْتَأْثِرٍ فِيهِ وَ لاَ *** مُسْتَبِدِّ فِيهِ فِي شرعِ اَلْقَضَاءِ

غَيْرَ مَفْتُونٍ وَ لَا مُكَابَرٍ *** فِيهِ فَاسْتَفْتَوْا جَمِيعَ الشُّهَدَاءِ

وَ هُمْ أَيْضاً شُهُودٌ وَ هُنَا *** حَضَرُوا جَهْراً وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

ص: 224

فاطمة الزهراء عليها السلام توجه الخطاب إلي الحاضرين

بَل رانَ عَلي قلوبكم

بل رانَ(1) عَلي قلوبكم

فالتفتت فاطمة عليها السلام إلي النّاس و قالت: معاشر النَّاس المسرعة إلي قيل الباطل، المغضية علي الفعل القبيح الأسر، ««أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَي قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟» كلاَّ .. بل رانَ علي قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم،

وَ إِلَي الناسِ الحُضُورِ الْتَفَتتْ *** فَاطِمٌ فِي كُلِّ عِزٍ و إباءِ

ثُمَّ قَالَتْ: مَعْشَرَ اَلنَّاسِ اَلْأَلِي *** تَشْرَعُ اَلْيَوْمَ لَقِيلٍ وَ افْتِراءِ

هِيَ لِلْبَاطِلِ أَوْ أَقْوَالِهِ *** شَاأَنَهَا مُسْرِعَةٌ فِي ذَا اَلْعَيَاءِ

وَ عَلَيَّ فِعْلٍ قَبِيحٍ خَاسِرٍ *** هِيَ ذِي مُغْضِيَةٌ دُونَ حَيَاءِ

هَا هُوَ القُرْآنُ حَقٌ أَفَلا *** فيهِ يُدَبِّرُ عَقْلُ الْفُهَمَاءِ

أَمْ عَلَيْهِ وَ عَلَي أَحْمَازِهِمْ *** قَفِلَتْ أَقْفَالُهَا فِي ذَا اَلْجَفَاءِ

فِيهِ بَلْ رَانَ عَلَي قُلُوبُكُمْ *** مَا أَسَأْتُمْ فِي جَفَاءٍ وَ قَضَاءِ

جزاء الأعمال السّيئة و عواقبها

فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأوَّلتم و ساء ما به أشرتم و شرّ ما به إعتضتم، لتجدُّنَّ -واللّه- محمله ثقيلاً و غيّه وبيلاً،(2) إذا كُشف لكم الغطاءُ؛ وبان ما ورائه الضرَّاء،

أَخَذ اللَّه لِهَذَا سَمْعَكُمْ *** وَ بِأَبْصَارِكُمْ فِي اَلإِنْتهَاءِ

ص: 225


1- ران: الصدأ.
2- وبيلاً: وبيل، أي ثقيل وخيم.

بِئْسَ مَا أَحْدَثْتُمْ أَوْ مَا بِهِ *** قَدْ تَأَوَّلْتُمْ لِأَحْكَامِ السَّمَاءِ

وَ لَقَدْ سَاءَ بِحُكْمٍ مَا بِهِ *** قَدْ أَشَرْتُمْ دُونَ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ

شَرِّ مَا مِنْهُ بِهِ إِعْتضْتُمُ *** وَ خَسِرْتُمْ فِيهِ أَسْبَابَ الْوَلاَءِ

تَجِدْنَّ فِي غَدٍ -واللَّهُ- ما *** يَثْقُلُ الْحَمْلُ بِهِ يَوْمَ الْجَزَاءِ

غَيُّهُ كَانَ وَبِيلاً عِنْدَمَا *** يَكْشِفُ الحَقُّ بِكَشفٍ للْغِطَاءِ

وَ يُبَينُ مَا بِهِ السِّتْرُ اخْتفي *** وَ هُوَ الضَّرَّاءُ مِنْكُمْ فِي الْوَرَاءِ

وبذا لكم من ربكم؛ ما لم تكونوا تحسبون و خسر هنالك المبطلون.

و بَدَا مِنْ رَبِّكُمْ فِيهِ لَكُمْ *** مَنْ بِهِ لَمْ يَكُ فِيهِ بِالْهَتَدَاءِ

لَمْ تَكُونُوا تَحْسَبُونَ غَيَّهُ *** هَا هِيَ اَلنَّارُ لِحَرْقٍ وَ صَلاَءِ

إِنَّمَا اَلْمُبْطِلُ فِيهِ خَاسِرٌ *** خَسِرَ اَلْمُبْطِلُ مِنْ بَعْدِ اِهْتِدَاءِ

ص: 226

رجوعها إلي الدار و كلامها مع زوجها

ثُمَّ انكْفَاَتْ عليهم السلام

ثُمَّ انكْفَاَتْ عليهم السلام و أمير المؤمنين عليه السلام يتوقَّع رجوعها إليه و يتطلّع طلوعها عليه، فلمّا استقرّت بها الدّار؛ قالت لِأمير المؤمنين عليه السلام: يابن أبِي طالب، اشتملت(1) شملة الجنين و قعدتَ حجرة الظّنيِن، نقضت قادمة الأجدل،(2)

رَجَعَتْ فَاطِمَةٌ و اِنْكَفَأَتْ *** بِعَدَمَا دَانَتْ جَمِيعَ الْخُلَفَاءِ

وَ عَلِيَّ كَانَ فِي الدَّارِ لَهَا *** يَتَطَلَّعْ لِرُجُوعٍ وَ انْكِفاءِ

وَ بِهَا الدَّارُ إِذَا مَا سرَّ مِنْ *** أَوْبَةٍ قَرَّتْ بِهَا وَسَطَ الْفِنَاءِ

حِينَهَا قَالَتْ لِمَا قَدْ نَالَهَا *** «لِأَمِيرِاَلْمُؤْمِنِينَ»، مِنْ بَلاَءِ

أَنْتَ يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ *** اِشْتَمَلَتْ كَجَنِينٍ في غِشاءِ

وَ قَعَدَتَّ حُجْرَةَ الْمَظْنُونِ مَنْ *** بِهِ التُّهَمَةُ حَلَّتْ فِي الْقَضَاءِ

وَ نَقَضْتَ مِنْ مَقَادِيمٍ بِهَا *** كُلُّ طَيْرٍ طَائِرٌ فِي ذَا الْفَضَاءِ

كلمة عتاب لها مع عليّ عليه السلام

فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة؛ يبتزّني نحلة أبي، و بلغة إبني، لقد أجهر في خصامي و ألفيته الألدَّ في كلامي،

وَ بِهَا الْأَجْدَلُ فِي تَحْلِيقِهِ *** يَخْرِقُ الْأَبْعادَ فِي جَوْفِ السَّماءِ

ص: 227


1- إشتملت: إشتملّ بثوبه: تلقّف.
2- الأجدل : الصقر.

صِرْتَ أَلْآنَ لِأَمْرٍ أَغرَلاً *** مِن سِلاحٍ وَ كُرَاعٍ وَلِواءِ

هُوَ ذَا إبنُ أَبِي قُحَافَةٍ *** بَزَّنِي نِحلةَ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ

هُوَ ذَا يَبْتَزُّنِي إِرْثَ أَبِي *** وَ لِإِبْنِيَّ مَعَاشاً فِي اِكْتِفَاءِ

وَ لَقَدْ أَجْهَرَ فِي خُصُومَتِي *** وَ خِصامِي دُونَ خَوْفٍ و خَفَاءِ

وَ لَقَدْ ألْفَيْتُهُ اللُّدَّ الَّذِي *** فِي كَلامِي كَانَ لِجَاً بِالْهَرَاءِ

وَ هُوَ الْحَاكِمُ وَ الشَّاهِدُ فِي *** كُلِّ دَعْوَي سَاقَهَا عِنْدَ اَلْقَضَاءِ

تخبره بالموقف

حتَّي حبستني قيلة نصرها و المهاجرة وصها و غضَّتِ الجماعة دوني طرفها، فلاَ دافع و لا مانع، خرجتُ كاظمة، وعدتُ راغمة،

حَبَسَتْنِي قَيلَةٌ عَنْ نَصْرِهَا *** وَ هِيَ الْيَوْمَ عَليَّ غيرِ اهتِداءِ

دِينُها دِينُ مُلُوكٍ إِنَّهَا *** عَدَلَتْ عَنَّا إِلَيَّ سُوءِ وَلاَءِ

وَ لَإِسْعا فِي وَ وَصْلِي اِمْتَنِعُوا *** مِنْ بِهِمْ هَاجَر خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ

دُونِيَ اَلطُّرْفُ غَدَتْ مَغْضُوضَةً *** مِنْ جَمَاعَاتٍ بِهِمْ كانَ رَجائِي

لَيْسَ لِي فِي الْأَمْرِ غَيْرِي دَافِعٌ *** لَيْسَ غَيْرِي مَانِعٌ لِلْإِعتداءِ

قَدْ خَرَجْتُ مِنْ هُنَا كَاظِمَةٌ *** كُلَّ آلاَمِي وَ حُزْنِي وَ بَلائِي

ثُمَّ عُدْتُ بَعْدَها رَاغِمَةً *** دُونَ حَقِّ وَ حُقُوقٍ وَ وَلاَءِ

ليتني متُ قبل هينتي

أضرعت خدَّكَ، يوم أضعتَ حدَّكَ، إفترست الذئَاب و افتَرشتَ التراب، ما كففتَ قائِلاً؛ ولا أغنيتَ باطلاً و لا خيار لي، ليتني متُّ قبل هينتي، و دونَ ذِلَّتِي،

وَ لَقَدْ أَضْرَعْتَ أَنْتَ اَلْيَوْمَ في *** خَوضِها خَدَّكَ شِبْهَ اَلْجُلَسَاءِ!

وَ تَرَكْتَ حَدَّكَ اَلْقَاهِرَ فِي *** طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ جَاءَتْ بِالْبَلاَءِ!

إفتَرسْتَ لِذِئَابٍ قَبْلَ ذَا *** فِي حُرُوبِ اَلْأَمْسِ لَجَّتْ بِالدِّمَاءِ

ص: 228

وَ اِفْتَرَشَتَ اَلْأَرْضَ مِنْ بُؤْسٍ وَ مِنْ *** فَاقَةٍ شَبَهَ جُلُوسِ اَلْفُقَرَاءِ

ماكَفَفْتَ قَائِلاً عَنِّي وَ لاَ *** بَاطِلاً أَغْنَيْتَ عَنِّي فِي بَلاَئِي

لَيْسَ لِي فِي ذَا خِيَارٌ إِنَّنِي *** لَا اخْتِيَارَ لِي بِجَنْبِ اَلْأَقْوِيَاءِ

لَيْتَنِي قَدْ مِتُّ قَبْلَ هِينَتِي *** دُونَ ذُلِّي فِي اِفْتِرَاءٍ وَ عِدَاءِ

مات العمد و وهنّ العضد

عذيري اللَّه منك عادِياً و منك حَامِياً، وَيلايَ في كلِّ شارق، مات العمد و وهنَ العضد؛ شكواي إلي أبي و عَدوايَ إلي ربِّي، اللَّهُمَّ أنتَ أَشدُّ قُوَّةً وَ حولاً،

فِنْتَةٌ فِيهَا عُذِيرِي اللَّهِ مِنْك *** عَادِياً فِيهَا ومِنْكَ فِي احْتِمَاءِ

شِدَّتِي... وَيْلاَيَ مِنْهَا كُلَّمَا *** شَرِقَتْ شَمْسٌ وَ غَابَتْ فِي مَسَاءِ

مَاتَ لِلدِّينِ لِشَأْنٍ عَمدٌ *** وَ هُنَّ العَضُدُ بِهِ يَوْمَ اللِّقَاءِ

عَمْدُ اَلدِّينِ أَبِي «مُحَمَّدٌ» *** وَ عَلِيٌّ عَضَدٌ صَعْبُ اَلْوَفَاءِ

لِأَبِي شَكْوَايَ عَدوايَ إِلَي *** رَبِّي لاَ أَعْدُوهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

أَنْتَ اَللَّهُمَّ رَبِّي وَ لِذَا *** فِي أُمُورِي لَكَ أَصْبُو فِي دُعاءِ

أَنْتَ في هذا أَشَدُّ قُوَّةً *** أَنْتَ فِي حَوْلٍ مُبِيرٌ الأَشْقياءِ

نهنهِي عن وجدك

وأحدُّ بأساً تنكيلاً، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاَويلَ عليكِ، الويل الشانئَكِ، نهنهِي(1) عن وجدّكِ يا بنَةَ الصَّفوَةِ و بقية النّبؤَّةِ، فما و نيتُ عن ديني و لا أخطَأتُ مقدوري، فإن كنتِ تريدينَ البلغة فرزقُكِ مضمون،

وأَحَدُّ مِنهُم بَأْساً وَ في *** قُوَّةِ اَلتَّنْكِيلِ غَيْثٌ مِنْ بَلاَءِ

وَ عَلِيُّ عِنْدَهَا قَالَ لَهَا: *** لاَ عَلَيْكِ اَلْوَيْلُ يَا خَيْرَ اَلنِّسَاءِ

هَا هُوَ اَلْوَيْلُ لِشَانِيكِ فَلاَ *** تَحْزَنِي يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 229


1- نهنهي: كُفّي.

نَهنِهِي عَنْ وَجْدِكِ اَلْآنَ فَلاَ *** تَأْسَفِي يَا أبنةَ نِعْمَ الْأَصْفِيَاءِ

أَنْتِ يا فاطِمُ مِنْ بَقِيَّةٍ *** لِلنَّبُوَّاتِ لَها كُلُّ الثَّناءِ

مَا وَنَيْتُ اليَومَ عَن دِينِي ولا *** إِنَّنِي أَخْطَأْتُ مَقدُوري بِداءِ

أَنْتِ إِنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ بِهِ *** بُلْغَةً فَالرِّزْقُ مَضْمُونُ اَلْبَقَاءِ

حسبي الله

وكيفلكِ مأمون و ما أُعِدَّ لَكِ خيرٌ ممَّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي اللَّهَ.

أَوَ لَيْسَ اَللَّهُ فِي ذَا كَافِلاً *** رِزْقَ مَا فِي اَلْأَرْضِ أَوْ مَا فِي اَلسَّمَاءِ؟

وبِهِ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** هُوَ مَأْمُونٌ بِهِ مُنْذُ ابْتِداءِ

وَ لَكِ ما قَدْ أَعَدَّ عِنْدَهُ *** لَكِ فِيهِ الْأَجْرُ فِي يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

عِزَّةٌ فَخْرٌ شُمُوخٌ نِعْمَةٌ *** وَ بِهِ خُلدُ بَقَاءٍ بِبَقَاءِ

كُلُّهُ أَفْضَلُ مِمَّا قَطَعُوا *** عَنْكِ مِنْ إِرْثٍ وَ حَقِّ وَ حِبَاءِ

وَ بِهِ فَاحتَسِبِي اللَّه اَلَّذِي *** لِرِضَاهُ اَلصَّبْرُ يَحْلُو فِي اَلْبَلاَءِ

هِيَ لِلَّهِ وَ لِلدِّينِ ارْتضتْ *** بَعْدَ ذَا وَ اِمْتَثَلْتْ أَمْرَ اَلسَّمَاءِ

فقالت: حسبيَ اللَّهُ.

وأمسكَتْ.

التسليم لأمر الإمام عليه السلام

بامتثالٍ لِعَلِيِّ زَوْجَهَا *** ووَصيِّ هُوَ خَيْرُ الأوصياءِ

ثُمَّ قَالَتْ: حَسْبِيَ اَللَّهُ فَلَمْ *** يَسْتَمِعْ مِنْهَا كَلاَماً لِلنَّهاءِ

ص: 230

(28) أي ذنب لفاطم عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(1)

ص: 231


1- هو الشيخ عبد العظيم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي سعد الدين التوبلي الربيعي . و آل الربيعي من الأسر العريقة لها شهرتها فأصلها من (تغلب) و هي من قبائل (ربيعة) سكنت البحرين، كما في كتب النسب و أسرة المترجَم له استوطنت قرب (توبلي) في البحرين، ثم هاجرت هذه الأسرة الكريمة إلي خوزستان جنوب إيران. ولد الأديب الفذ الشيخ عبد العظيم في (النصار) التابعة لمدينة عبادان الإيرانية في الحادي عشر من شهر ذي القعدة لسنة (1323) هجرية. فصادفت ولادته ذكري مولد الإمام الرضا عليه السلام فتفاءل والده الشيخ حسين به خيراً و أرّخ ولادته ببيتين قائلاً: الفال كان لها يسرّ المصطفي *** من حيث كانت بالسيادة تنطق و إذا ولدتَ بليلة ولد الرضا *** أرّختها: «عبد العظيم يوفق» 1323 ه- ترعرع المترجم له و نشأ في كنف والده و نال منه التربية الصالحة و غرس في نفسه حبّ الفضيلة و العلم و الأدب و بدأ تحصيله العلمي علي يديه، حتي قطع شوطاً في المقدمات ثم بعد ذلك ارتحل إلي مدينة العلم و الأدب النجف الأشرف و بقي فيها أكثر من عشرين عاماً يرتشف من نمير العلم و الأدب فأنهي الكتب الدراسية المنهجية المقررة في الحوزة علي يد الأفاضل من علمائها فكان منهم الشيخ محمد الصغير وآية الله السيد جواد التبريزي و العالم الكبير المرجع الأعلي السيد أبو الحسن الأصفهاني و آية الله السيد محمد رضا آل ياسين و آية الله الشيخ باقر الزنجاني و آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي. هذا من جانب و أما من جانب مكانته العلمية و الأدبية فهو من أشهر أدباء عصره و من الشعراء الذين رمقهم أخدانهم، فقد أجاد النظم في مختلف أبواب الشعر كالوصف و الغزل و النسيب و المدح و الرثاء و شعره ليس بالمتكلّف المعقّد فهو سريع البديهة ذو قريحة فياضة و أيضاً يجيد النظم الشعبي أي (الحسچة. شملت قصائده مدايح و مراثي أهل البيت «عليهم السلام» فهو يعتبر بحق شاعراً من شعراء أهل البيت «عليهم السلام» منه في المدح و الرثاء. آثاره العلمية والأدبية: 1- كتاب السياسة الحسنية في جزأين مطبوع. 2- الطريقة الوسطي. 3- وفاة الإمام الرضا «عليه السلام». 4- متن ألفية الربيعي -منظومة في علم النحو. 5- منظومة في العقائد. 6- منظومة في المنطق. 7- رباعيات الربيعي و هي (444) رباعية في المواعظ و النصائح و الحكم و الأمثال. 8- ديوان الربيعي في القريض. 9- ديوان الربيعي في الشعر الشعبي. و له كتب مخطوطة في اللّغة و التاريخ وبعض الحواشي و التعليقات علي الكتب العلمية . وفاته - لبّي نداء ربه في الثامن من جمادي الثانية سنة (1339 هجرية) الموافق (1979 م) في مسقط رأسه في النصار و دفن فيها و قد رثاه الشعراء بقصائدهم. و قيل في تاريخ وفاته: عبد العظيم أخو العلي *** خطبي به خطب جسيم عاش الحياة مجاهداً *** أرخَ «و قد رحل العظيم» 1399 ه-

إِنَّ داراً حَدِيثُ الكِسَاءِ*** دَارُ مَجدٍ سَمَت عَلَي الجَوزاءِ(1)

ص: 232


1- نذكر هنا حديث الكساء، لأنه كثير التكرار في ما لدينا من القصائد و ليكون إليه المرجع كلما صارت الحاجة إلي ذلك، فنقول : إن المراجِع الألفاظ هذا الحديث و أسانيده ليعجب من كثرة شهرته و يفاجاً بإطباق المفسرين و المحدِّثين و المؤرخين و أصحاب الصحاح من أهل القبلة عليه، حتي إنه غدا من الضروريّات التي لا تقبل المماحكة و الجدال. فقد أخرج مسلم في باب فضائل أهل البيت من صحيحه ج 2 ص 331 عن عائشة قولها: خرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٍّ فأدخله ، ثم قال: و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»- سورة الأحزاب: آية 33. و أخرج هذا الحديث نفسه أحمد بن حنبل في مسنده، و ابن جرير في تفسير الطبري عن أبي سعيد الخدري الصحابي الجليل و أم سلمة زوجة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، قالت : لما نزلت آية «َإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ»-الأحزاب : 33- دعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم عليّاً عليه السلام و فاطمة عليها السلام وحسناً عليه السلام وحسيناً عليه السلام، و وضع عليهم كساءً و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً. قالت: أم سلمة: ألستُ منهم؟ قال: أنتِ إلي خيره» و مثله في تفسير البحر المحيط للأندلسي و التسهيل للحافظ و الدر المنثور للسيوطي و غيرها من التفاسير و أخرج الواحدي في كتابه أسباب النزول بسنده إلي أم سلمة ذكرت أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمةٍ فيها حريرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي لي زوجَك و ابنيك. قال: فجاء عليِّ عليه السلام و الحسن و الحسين عليهما السلام فدخلوا، فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة و هو علي دكَّان و تحته كساء خيبري، قالت: و أنا في الحجرة أصليّ، فأنزل اللَّه تعالي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» -الأحزاب : 33- قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثم أخرج يديه فألوي بهما إلي السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و حامّتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. قالت: فأدخلتُ رأسي البيت، فقلت : أنا معكم يا رسول اللَّه صلي الله عليه و آلهو سلم؟ قال: آئلٌ إلي خير، آئل إلي خير. و روي ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة حديثاً قريباً من حديث الواحدي، ثم ذيّله بقوله: و قال بعضهم في ذلك شعراً: أنّ إن النبيّ محمداً و وصيَّهُ *** و ابنيه و ابنته البتول الطاهرة أهل العباء فإنني بولائِهم *** أرجو السلامة و النجا في الآخرة و قد نقل السيد القزويني في كتابه فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد عشرين مصدراً من مشاهير مؤلفات علماء العامّة و حفَّاظهم و مفسِّريهم و محدِّثيهم، كما ذكر الشيخ الأمين الأنطاكي في كتابه لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت عليهم السلام: عن العلامة البحراني في غاية المرام أنه ذكر أكثر من مائة و عشرين حديثاً في حصر أصحاب الكساء الظاهرين بأهل البيت عليهم السلام، من دون نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم، ثلثها تقريباً من طرق أهل السنة و الجماعة. وفي كتاب العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج 11 ص 930، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ قال : سمعت فاطمة عليها السلام أنها قالت: «دخل عليِّ أبي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و في بعض الأيّام، فقال: السلام عليك يا فاطمة عليها السلام، فقلت : و عليك السلام. فقال: إني لأجدُ في بدني ضعفاً، فقلت له: أعيذكَ باللَّه يا أبتاه من الضعف. فقال: يا فاطمة عليها السلام، إيتيني بالكساء اليماني فغطّيني به. قالت فاطمة صلي الله عليه و آله و سلم: فأتيته بالكساء اليماني فغطّيته به، و صرتُ أنظر إليه، و إذا وجهه يتلألأ كأنّه البدر في ليلة تمامه و كماله. قالت فاطمة عليها السلام: فما كانت إلاّ ساعة و إذا بولدي الحسن عليه السلام قد أقبل و قال: السلام عليك يا أمّاه، فقلت: و عليك السلام يا قُرّة عيني و ثمرة فؤادي، فقال لي: يا أمّاه إني أشمّ عندك رائحةً طيبةً؛ كأنّها رائحة جدِّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: نعم يا ولدي، إن جدِّك نائم تحت الكساء، قالت: فأقبل الحسن عليه السلام نحو الكساء و قال : السلام عليك يا جدّاه، السلام عليك يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء؟ فقال : و عليك السلام يا ولدي و صاحب حوضي، قد أذنتُ لك، فدخل معه تحت الكساء. قالت: فما كانت إلاّ ساعة، و إذا بولدي الحسين عليه السلام قد أقبل، و قال : السلام عليك يا أمّاه. فقلت : و عليك السلام يا قُرّة عيني و ثمرة فؤادي. فقال لي: يا أمّاه، إني أشمّ عندك رائحةً طيبةً كأنَّها رائحة جدِّي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: نعم يا بنيّ، إن جدِّك و أخاك تحت الكساء. قالت: فدنا الحسينُ نحو الكساء، فقال: السلام عليك يا جدّاه، السلام عليك يا من اختاره الله، أتأذن لي أن أكون معكما تحت هذا الكساء؟ فقال : وعليك السلام يا ولدي وشافع أمتي، قد أذنت لك ، فدخل معهما تحت الكساء، قالت فاطمة : فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب علي ، وقال : السلام عليك يا بنت رسول الله ، فقلت : وعليك السلام يا أبا الحسن، يا أمير المؤمنين، فقال: يا فاطمة، إني إشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي وابن عمي رسول الله ، فقلت: نعم، ها هو مع ولديك تحت الكساء، فأقبل أمير المؤمنين علي نحو الكساء ، وقال : السلام عليك يا رسول الله ، أتأذن لي أن أكون معكم تحت هذا الكساء؟ قال لي: وعليك السلام يا أخي وخليفتي وصاحب لوائي، قد أذنت لك، فدخل علي غلي تحت الكساء. ثم أتت فاطمة وقالت : السلام عليك يا أبتاه ، السلام عليك يا رسول الله ، أتأذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء؟ قال لها : وعليك السلام يا بنتي ويا بضعتي، قد أذن للي، فدخلت فاطمة غير معهم، فلما اكتملوا واجتمعوا جميعا تحت الكساء ، فأخذ رسول الله ؟ بطرفي الكساء ، وأومي بيده اليمني إلي السماء، وقال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاتي، وحامتي، الحممهم لحمي، ودمهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، يحرجني ما يحرجهم، أنا حرب لمن اختاره الله لي أن أكون معكما تحت هذا الكساء؟ فقال: و عليك السلام يا ولدي و شافع أمتي، قد أذنت لك، فدخل معهما تحت الكساء، قالت فاطمة عليها السلام: فأقبل عند ذلك ابوالحسن علي بن أبي طالب عليه السلام و قال: السلام عليك يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: و عليك السلام يا أبا الحسن، يا اميرالمؤمنين عليه السلام، فقال: يا فاطمة عليها السلام، إني إشمّ عندك رائحة طيّبةً كأنَّها رائحة أخي و ابن عمي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: نعم، ها هو مع ولديك تحت الكساء، فاقبل أميرالمؤمنين عليه السلام نحو الكساء و قال:السلام عليك يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، أتاذن لي أن أكون معكم تحت هذا الكساء؟ قال لي: و عليك السلام يا أخي و خلفتي و صاحب لوائي، قد أذنت لك، فدخل علي عليه السلام تحت الكساء. ثم أتت فاطمة و قالت: السلام عليك يا أبتاه، السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أتاذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء؟ قال لها: و عليك يا بنتي و يا بضعتي، قد أذنتُ لكِ، فدخلت فاطمة عليها السلام معهم، فلمّا اكتملوا و اجتمعوا جميعاً تحت الكساء، فأخذ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بطرفي الكساء و أومي بيده اليمني إلي السماء و قال: اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي و خاصَّتي و حامّتي، لحمُهم لحمي و دمُهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، يحرجني ما يحرجهم، أنا حربٌ لمن حاربهم و سلمٌ لمن سالمهم و عدوٍّ لمن عاداهم ومحبٌّ لمن أحبَّهم، إنّهم مني و أنا منهم، فاجعل صلواتِك و بركاتِك و رحمتِك و غفرانَّك و رضوانك علي و عليهم و أذهب عنهم الرجس و طهِّرهم تطهيراً. قال اللَّه عزوجل: يا ملائكتي ويا سكّان سماواتي، إني ما خلقتُ سماءً مبنية و لا أرضاً مدحيّةً و لا قمراً منيراً و لا شمساً مضيئة و لا فلكاً يدور و لا بحراً يجري و لا فلكاً تسري إلاّ في محبّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرئيل: يا رب و من تحت الكساء؟ فقال اللّه «عزوجل»: هم أهل بيت النبوة عليهم السلام و معدنُ الرسالة و هم: فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها . فقال جبرئيل: يا رب أتأذن لي أن أهبط إلي الأرض لأكون معهم سادساً؟ فقال اللّه «عزوجل»: قد أذنتُ لك. فهبط الأمين جبرئيل، فقال : السلام عليك يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، العليّ الأعلي يقرؤك السلام و يخصّك التحية و الإكرام و يقول لك : و عزتي و جلالي، إني ما خلقتُ سماءً مبنية و لا أرضاً مدحيةً و لا قمراً منيراً و لا شمساً مضيئةً و لا فلكاً يدور و لا بحراً يجري ولا فلكاً تسري إلاّ لأجلكم و قد أذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء، فهل تأذن لي أنت أن أدخل يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: و عليك السلام يا أمين يا وحي اللّه، قد أذنتُ لك، فدخل جبرئيل معهم تحت الكساء، فقال لهم: إن اللّه عزوجلّ قد أوحي إليكم و يقول : و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» -الأحزاب : 33- فقال علي بن أبي طالب عليه السلام قال : يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند اللّه، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي بعثني بالحق نبياً و اصطفاني بالرسالة نجياً، ما ذُكر خبرنا هذا في محفلِ من محافل أهل الأرض و فيه جمع من شيعتنا ومحبّينا إلاّ و نزلت عليهم الرحمة و حفّت بهم الملائكة و استغفرت لهم إلي أن يتفرّقوا، فقال علي عليه السلام: إذا واللَّهِ فُزنا و شيعتنا فازوا و ربِّ الكعبة. فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي بعثني بالحق نبياً و اصطفاني بالرسالة نجياً، ما ذُكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض و فيه جمعٌ من شيعتنا ومحبيِّنا و فيهم مهموم إلاّ و فرَّج اللّه همّه و لا مغمومٌ إلاّ و كشف الله غمَّه و لا طالب حاجةٍ، إلاّ و قضي اللّه حاجته، فقال علي عليه السلام: إذاً و اللَّه فُزّنا و سعِدنا و كذلك شيعتنا فازوا و سَعِدوا، في الدنيا و الآخرة.

ص: 233

ص: 234

مَا جَرَيَ بَعْدَ أَحْمَدٍ لِذَوِيهَا *** مِنْ جَلِيلِ اَلْمُصَابِ وَ الْأَرْزَّاءِ

كَبَسُوا بَابَهَا بِجَزَلٍ وَ نَارٍ *** وَ عَلَتْ ثَمَّ ضَجَّةُ اَلْغَوْغَاءِ(1)

أَيُّ ذَنْبٍ لِفَاطِمٍ يَوْمَ لاذَت *** خَلْفَ بَابٍ عَنْ عِفَّةٍ وَ حَيَاءِ

فَلِمَاذَا اتَّكِيَ عَلَي الْبَابِ عَمْداً *** عاصِراً جِسْمَهَا بِكُلِّ اِعْتِدَاءِ

كَسَرُوا ضِلْعَهَا، وَ قَدْ نَبَتَ *** الْمِسْمَارُ فِي اَلثَّدْيِ نَابِعاً بِالدِّمَاءِ

أَسْقَطَتْ مُحَسِّناً جَنِينَ حَشاهَا *** إِنَّ قَلْبَ اَلْإِنْسَانِ بِالْأَحْشَاءِ(2)

ثُمَّ قَادَرُوا بِالْحَبْلِ قَسْراً عَلِيّاً *** وَ هُوَ يَدْعُو بِسَيِّدِ اَلشُّهَدَاءِ(3)

ص: 235


1- الجزل: الحَطَبُ بالضمّ، عن المصباح المنير . و الجَزْل: الحطبُ اليابس و قيل: الغليظ. و قيل: ما عَظَم من الحطب و يَبس ثم كثر استعماله، حتي صار كلُّ ما كثر جزلاً و في الحديث: اجمعوا لي حَطَباً جزْلاً، أي: غليظاً قويّاً، عن لسان العرب. و ثَمَّ، بنصب الثاء: بمعني هناك للتبعيد، بمنزلة هنا للتقريب و الغوغاء: الكثير المختلَط من الناس، أو السفلة من الناس و المتسرِّعين إلي الشرّ و قد تستعمل الغوغاء بمعني الجلبة و اللغط. راجع اللسان و المنجد.
2- تقدّم ما نقلناه عن النظّام المعتزلي، من كتاب الملل و النحل في الهامش 12 للقصيدة الرابعة و ما عن الجوهري في كتاب السقيفة، و ابن خردذابة في الغرر كلّ ذلك في نفس الهامش المذكور، من أنّ الذين هجموا علي الدار، بقيادة الثاني، كانوا جماعةً متعدِّدين و الظاهر من بعض الروايات، أنهم لم يشاركوا في إضرام النيران في الحطب فقط، بل و اعتدوا أيضاً بما أوتوا من شراسة و وحشيّة علي بضعة المصطفي و سيّدة النساء، ضرباً و شتماً و عصراً بالباب ، حتي أسقطت جنينها الذي في بطنها و تكسّرت أضلاعها و امتلأ جسمها بالندوب و الأورام.
3- في حديث الهجوم علي الدار، قال ابن قتيبة، في الإمامة و السياسة ج 1 ص 30، 31: فأخرجوا عليّاً عليه السلام فمضوا به إلي أبي بكر، فقالوا له: بايع! فقال : إن أنا لم أفعل فَمَه؟ قالوا: إذاً. واللَّه الذي لا إله إلا هو -نضرب عنقك. قال: إذاً تقتلون عبداللَّه، و أخا رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و في المصدر: «فلحقّ عليّ عليه السلام بقبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ يصيح و يبكي و ينادي: «يا ابن أم إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني». و روي العياشي في تفسيره ج 2 ص 67 : فقال: «أخرجوه من منزله ملبَّباً و مرَوا به علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: «يا ابن أمّ...». سورة الأعراف/ آية 150. فقال له عمر: بايع. قال علي عليه السلام: فإن أنا لم أفعل فَمه؟ قال له عمر: إذن أضرب و اللَّه عنقك! فقال له علي: إذن -واللَّه- أكون عبداللّه المقتول و أخا رسول اللّه.

يَا أَخِي جَعْفَرٌ وحَمَزَهُ عَمِّي *** أدرِكونِي يا سَادَةَ اَلْبَطْحَاءِ

ثَوْتِ اَلطُّهْرِ وَ هِيَ مُغْمي عَلَيْهَا *** بُزْهَةٍ لَمْ تُفِقْ مِنَ الإِغْمَاءِ(1)

أَخْرَجُوا بَعْلَهَا وَ حِينَ أَفَاقَتْ *** تَبِعَتُهُمْ بِصَرْخَةٍ وَ بُكَاءِ(2)

ثُمَّ حالَتْ بَيْنَ اَلْوَصِيِّ وَ قَوْمٍ *** أَخَذُوهُ بِقيدِ شِبْهِ اَلسَّبَاءِ(3)

كَيْفَ لاَ تَهْبِطُ اَلسَّمَاءُ لِأَرْضٍ *** أَيُّ عُذْرٍ تَرَاهُ لِلْخَضْرَاءِ

مُذْغَدَتْ تَلْتَوِي عَلَيَّ بُضْعُةِ الْهَادِي *** سِيَاطُ اَلذُّحُولِ وَ الْبَغْضاءِ(4)

وَ مَحَوْا عَيْنَها بِلَطْمِةِ كَفِّ *** جَلَّلَتْهَا بِحُلَّةٍ حَمْرَاءِ(5)

كُلُّ مَا كَانَ يَوْمَ ذَاكَ نَوَاةٌ *** لِمُصَابِ اَلْحُسَيْنِ فِي كربلاَءِ

فَبِضلْعِ اَلزَّهْرَاءِ كَمْ صَدْرِ قُدسٍ *** رَضَتِ اَلْخَيْلُ فِي ثَرْيِ اَلرَّمْضَاءِ

خَرَجَتْ فَاطِمٌ لِقَبْرِ أَبِيهَا *** تَشْتَكِي لاَ كزينب اَلْحَوْرَاءِ

ص: 236


1- ثوت: أقامت. و الثَّواء: طول المقام و ثُوي الرجل: قُبر، لأن ذلك ثواءٌ لا أطول منه و ثوي : هلك. انظر لسان العرب.
2- أخرج أبوبكر الجوهري في كتاب السقيفة، عن الشعبي حديثاً قال فيه : فانطلق عمر و خالد بن الوليد إلي بيت فاطمة، فدخل عمر و وقف خالد علي الباب،... إلي أن قال : و كان معه جمع كثير أرسلهم أبوبكر ردءاً لعمر و خالد. ثم قال عمر لعلي: قم فبايع . فتلكّاً و احتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبي، فحملوه و دفعوه إلي خالد كما دفعوا الزبير و ساقهما عمر و من معه من الرجال سوقاً عنيفاً و اجتمع الناس ينظرون و امتلأت شوارع المدينة بالرجال، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت و ولولت و اجتمع معها نساء كثير من الهاشميات و غيرهن، فخرجت إلي باب حجرتها فنادت: يا أبابكر ما أسرع ما أغرتم علي أهل بيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم! واللّه لا ألقي عمر حتي ألقي اللّه ... و لك أن تنظر شرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 57 و قبلها و بعدها، و العقد الفريد ج 4 ص 335 طبعة طبقة التأليف و النشر في مصر و الشافي للمرتضي ج 3 ص 240 نقلاً عن البلاذري، بتحقيق السيد عبد الزهراء الخطيب و الاحتجاج للطبرسي ص 212.
3- السباء: السبي والأسر.
4- الذحول: جمع الذَّحل و هو الحقد و الثأر.
5- جلَّلتها : غِطَّتَهَا و الحُلَّة: الثوب و المراد التشبيه.

هَذِهِ بَيْنَ لُمَّةٍ مَنْ نِسَاهَا *** تِلكَ مَا بَيْنَ جَحْفَلِ اَلْأَعْدَاءِ(1)

هَذِهِ أَجْهَشَ الوَرَي لِبُكاها *** تِلْكَ قاسَتْ شَمَاتَةَ الْخُصَمَاءِ(2)

إِنَّ رُزءَ الحُسَينِ رُزءٌ عَظيمٌ *** ما لَهُ مَشَبَّةٌ مِنَ الأرزاءِ

ص: 237


1- الجحفل: الجيش الكثير، إذا كان فيه خيل، عن اللسان.
2- الأولي الزهرَاء و الثانية زينب الكبري بنت أميرالمؤمنين عليهم السلام أجمعين.

(29) حديث الكساء

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

قَدْ رَوِينَا عَنْ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ *** بَضْعَةِ المصطَفي حَدِيثَ اَلْكِسَاءِ

دَخَلَ الْبَيْتَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَيْهَا *** وشَكَا اَلضَّعْفَ سَيِّدُ اَلْأَنْبِيَاءِ

قُلْتُ: يَا وَالِدِي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ *** مِنَ اَلضَّعْفِ وَ اَلضَّنِي وَ اَلْعَنَاءِ(2)

قَالَ: هَاتِي لِيَ الْكِسَاءَ اَلْيَمَانِيَّ *** وَ حَسْبِي بِأَنْ يَكُونَ عِطَائي

فامتَثَلْتُ الأَمْرَ الكَريمَ وَأَبْصَرْتُ *** مَحياهُ مُشرِقاً بِالْبَهاءِ(3)

ولِضِيقِ الخِنَاقِ فِي اَللَّفْظِ قَالَتْ: *** وَجْهُهُ اَلْبَدْرُ كَامِلاً فِي اَلضِّيَاءِ(4)

ثُمَّ لَمْ تَمْضِ سَاعَةً فَغَشَّانِي *** اَلْحَسَنُ اَلطُّهْرُ بِالسَّلامِ الفجائي

وَ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ قُرَّةَ عَيْنِي *** وَسُويدا اَلْفُؤَادِ فِي الْأَحْشَاءِ(5)

وَ انْثَنِي سَائِلاً فَقَالَ: أَمْسِكٌ *** عِنْدَ أُمِّي يَضُوعُ فِي اَلْأَرْجَاءِ(6)

أَمْ تَرَانِي شَمِمْتُ رَائِحَةَ مَنْ *** نَفَخَ طَيبَ المحبُوِّ بِالإِصْطفاءِ(7)

ص: 238


1- (*)مرت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- الضَّني: بالفتح: المرض و بكسر الضاد: الأوجاع المخيفة.
3- المحيَّا: الوجه. قيل: سُمّي بذلك لأنه يَخصُّ بالذكر عند التسليم، فيقال : «حبّي الله وجهك» انظر المنجد. البهاء: الحسن.
4- الخِناق، بكسر الخاء: العُنُق و ضيق الخناق كناية عن الانحصار و القصور.
5- سويداء الفؤاد: حبَّته. عن المنجد.
6- يضوع: ينتشر ويتحرّك و يستخدم في الرائحة الطيبة.
7- نَفَح الطَّيبُ نفحاً ونفوحاً: أرج و فاح. و نفحت الريح: هبّت. المحَبوِّ: المعطي شيئاً بلاجزاء.

قُلْتُ: هَذَا اَلنَّبِيُّ يَا مَنْ بِهِ قَدْ *** بَاهَلَ اَللَّهُ سَائِرَ اَلْأَبْنَاءِ

نَامَ تَحْتَ الكِسَا فَجَاءَ إِلَيْهِ *** مَعَ أَسْنِي تَحِيَّةٍ وَ ثَنَاءِ(1)

قائِلاً: يا حَبِيبَ قَلْبِي فَحَقِّقْ *** بِدُخُولِي مَعَ الْحَبِيبِ رَجَائِي

فَاسْتَجَابَ النَّبِيُّ بِالْإِذْنِ فَوراً *** إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُجِيبَ النِّدَاءِ

حَضْنَ اَللَّيْثُ شِبْلَهُ، قَالَتِ اَلطُّهْرُ: *** فَجَاءَ اَلْحُسَيْنُ فِي اَلْأَثْنَاءِ

قَائِلاً: يَا ابْنَةَ اَلْكِرَامِ سَلاَمٌ *** وَ صَلاةٌ عَلَيْكِ سِتَّ اَلنِّسَاءِ(2)

وَ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ فِلَذَّةُ قَلْبِي *** بَلْ فُؤَادِي يَمْشِي عَلَيَّ اَلْغَبْرَاءِ

وَ أَعَادَ اَلسَّوَالَ: عِنْدَكَ طِيبٌ *** عَبِقَتْ فِيهِ سَائِرُ اَلْأَنْحَاءِ(3)

أَكْبَرُ اَلظَّنِّ أَنَّهُ طِيبُ جَدِّي *** مُصْطفَي الْفَضْلِ مِنْ بَنِي حَوَّاءِ

قُلتُ: ذَا جَدُّكَ اَلنَّبِيُّ قَرِيناً *** لِأَخِيكَ اَلزَّكِيِّ تَحْتَ اَلْكِسَاءِ

فَمَضَيَ نَحْوَ جَدِّهِ عَنْ غُرَامٍ *** ثُمَّ حَيَّاهُ سَيدالشُهَدَاءِ

قائِلاً: هَل يَجُودُ بِالْإِذْنِ جَدِّي *** فَهُوَ لِلجُودِ مَعْدِنٌ وَ اَلسَّخَاءِ

أَنْ يَكُونَ اَلْحُسَيْنُ تَلْوَ أَخِيهِ *** ثانِيَ اثنيْنِ، ثَالِثَ اَلْقَرْنَاءِ

أُتْرِي اَلْمُصْطَفِي يَرُدُّ حُسَيْناً *** لاَ وَ ذِي الْعَرْشِ صَاحِبِ اَلْكِبْرِيَاءِ

أَشْرَقَ اَلْفَرْقَدَانِ فِي ذِي اَلسَّمَاءِ *** وَ اِسْتَمَدَّا سِنَاهُمَا مِنْ ذَكَاءِ(4)

قَالَتِ اَلطُّهْرُ اَلْفَاطِمُ اَلزَّهْرَاءُ *** وَ كَفَانَا بِفَاطِمِ اَلزَّهْرَاءِ!

ثُمَّ جَاءَ اَلْوَصِيُّ خَيْرُ البرايَا *** ألف أهْلاً بِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

ثُمَّ حَيَّاً بِكُلِّ وُدِّ وَ شَوْقٍ *** مَا أُحَيلَي تَحِيَّةَ اَلْأَكْفَاءِ

ص: 239


1- أسني: أعلي وأفضل.
2- سِتَّ النساء: سيّدة النساء. أُدغمت الدال في التاء لتقارب مخرجيهما.
3- عِبق الطيب: انتشرت رائحته وفاحت. و (في) من قوله فيه سببيّة بمعني الباء.
4- الفرقدان : نجمان متجاوران، أحدهما أصغر من الآخر، يشكّلان قاعدة لنعش الدبّ الأصغر. يُهتدي بهما و بالجُدي لمعرفة الشمال و ذكاء: اسم علم للشمس، لا يتعرّف و لا يُنوّن و المراد من الفرقدين: الحسنان ومن ذكاء الرسول «صلوات الله عليهم أجمعين».

وَ هِيَ رُدَّتْ عَلَيْهِ رَدّاً جَمِيلاً *** وَ هُمَا؟ مَنْ هُمَا مِنَ اَلْبُلَغَاءِ

نَفَحَ اَلطِّيبُ فاستهَامَ ادكاراً *** لِشِذَاهُ مِنْ قِبَلِ عَهْدِ حِرَاءِ(1)

قَالَ: يافاطمٌ أَرَائِحَةٌ مِنْ *** طِيبِ خُلْقِ اَلنَّبِيِّ رَبِّ اَلْعَلاَءِ

قُلْتُ: هَذَا أَبِي وَ سِبْطَاهُ ضَاؤُوا *** تَحْتَ هَذَا اَلْكِسَاءِ أُفُقَ اَلسَّمَاءِ

هُوَ صِنْوُ اَلنَّبِيِّ لَمْ تَرَ صنواً ***كَانَ عَن صِنْوِهِ مِنَ البُعَداءِ(2)

فَأُتِيَ لِلنَّبِيِّ يَدْفَعُهُ اَلشَّوْقُ *** وَ حَيّاً بِدَافِعٍ مِنْ وَلاَءِ

قَائِلاً: يَا حَبِيبَ قَلْبِي سَمْعاً *** لِنِدائِي وَ لا تَرُدَّ دُعَائِي

عَجِّلِ الْإِذْنَ بِالدُّخُولِ عَلَيْكُمْ *** يا فَدَتَكُمْ نَفْسِي وَ قُلَّ فِدَائِي

أَخْرِجِ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ عَلِيّاً *** يَوْمَ سَدَّ اَلْأَبْوَابَ، دُونَ مِرَاءِ(3)

أتُرَاهُ يَرِدُّهُ اَلْيَوْمَ، كَلاَّ *** إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنَ الْقُرْبَاءِ

خَفَراً فِي الكِسَاءِ وَافي، ولَكِن فَرَطاً *** كانَ لَيْلَةَ الإسراءِ(4)

ص: 240


1- استهام: ذهب فؤاده و خُلِبَ عقله من الحبّ أو غيره. الشذا: قوّة رائحة المسك.
2- الصِّنو: الأخ الشقيق و في الحديث: عمّ الرجل صنو أبيه، لسان العرب.
3- المراء: الجدال و التردّد. و أما عن حديث سدّ الأبواب إلاّ باب علي عليه السلام فقد قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة : «و سَدّ الأبواب إلاّ باب عليّ عليه السلام، فيدخل المسجد جُنبأ و هو طريقه ليس له طريق غيره» و أخرج ابن عساكر الدمشقي باباً كاملاً في تاريخه تحت عنوان: «أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم سدّ أبواب المهاجرين و الأنصار الشارعة في المسجد، إلا باب علي عليه السلام و قد ورد في ذلك أخبار صحيحة عن جمّ غفير من عظماء الصحابة.» ثم شرع في سرد تلك الأحاديث و نقل المحقق المحمودي بهامش ابن عساكر ما لا يُحصي كثرةٌ، من الطرق و الأسانيد، لهذا الحديث من الفريقين و نحن نشير إلي بعضه فقط. قال : رواه النسائي في الحديث (41) من كتاب الخصائص و تجده في منتخب كنز العمال للطبراني بهامش مسند أحمد و كذلك أورده الحاكم في مستدركه، ج 3 ص 125، و رواه ابن عساكر أيضاً في الجزء (222) من أماليه و الطبري في ذخائر العقبي، ص 76 و رواه في مجمع الزوائد ج 9 ص 115، و الحاوي للفتاوي للسيوطي و الحلبي في السيرة، ج 3 ص 374، و رواه المجلسي في الباب (72) من بحار الأنوار، ج 3 ص 19 ط 2، و في الغدير، ج 3 ص 205 عن الطبراني و الهيثمي، و رواه في الباب (99) من المقصد الثاني من غاية المرام، ص 639 عن تسعة وعشرين طريقاً.
4- خَفَره خفْراً وخفَراً: أجاره و حماه و أمَّنه. و الفرَط، بفتح الراء: هو المتقدِّم قومه و منه الحديث الشريف: «أنا فَرَطكم علي الحوض».

غِبْطَتْهُم وَ حُقَّ لَو غَطَبَتْهُمْ *** فَاطِمُ اَلْفَضْلِ فَاطِمُ اَلْعَلْيَاءِ

فَأَتَتْ نَحْوَهُمْ وَ أَبْدَتْ سلاماً *** إِبْتِداءً، لَكِنْ لِغَيْرِ اِنْتِهَاءِ

طَلِبَتْ بالدُّخُولِ إِذْنَ أَبِيهَا *** سَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ وَ اَلْأَنْبِيَاءِ

أَيَضِيقُ اَلْكِسَاءُ عَنْهَا، وَ كَمْ قَدْ *** وَسِعْتَهَا مِنْ آيَةٍ فِي اَلثَّنَاءِ

وَاتْلُ آيَ اَلتَّطْهِيرِ وَ آيَةَ الْقُرْبِي *** تر اَلْأَمْرَ وَاضِحاً لِلرَّائِي(1)

وَ لَكُمْ لِفَّهُمْ وَ نَوَّهَ فِيهِمْ *** أَحْمَدٌ فِي عَبَاءَةٍ أَوْ عَبَاءِ(2)

حَسَدَتْ ذَلِكَ اَلْكِسَاءَ سَمَاءٌ *** زُيِّنَتْ بِالْبُدُورِ وَ الْجَوْزَاءِ

كَيْفَ لاَ وَ هُوَ مِنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ *** كانَ عَرْشُ اَلْمَلِيكِ وَ اَلْوُزَرَاءِ(3)

صَفْوَةَ اَللَّهِ زُبدَةَ اَلْمَخْضِ لِمَّا *** خَلَقَ اَللَّهُ سَائِرَ اَلْأَشْيَاءِ(4)

وَ هُمُ الْمَجْدُ رَبُّهُ قَدْ بَنَاهُ *** لِبِنَةً فَوْقَ لَبِنَةٍ فِي الْبِنَاءِ

وَ هُمْ عِلَّةُ الْوُجُودِ وَ لَوْلاَ *** هُمْ الظَلَّ الْوُجُودُ رَهْنَ فَنَاءِ

وَ رَأَيْتَ النُّجُومَ فِي فَلَكٍ لَمْ *** تَسْرِ وَ الْفُلْكَ مَا جَرَتْ فِي اَلْمَاءِ(5)

يَوْمَ نَادِي اَلْإِلَهِ كُلَّ مَلاكٍ *** وَ بِسُكَّانِ أَرْضِهِ وَ السَّمَاءِ

فَوَمَجْدِي وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي *** وَ أَنَا الْعِزُّ وَ الْفَخَارُ رِدَائِي

ص: 241


1- آية القربي هي قوله تعالي: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» - الإسراء/ آية 26 - أو هي: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»- الشوري: 23 - أو غيرهما، و هي كثير أطبق المخالف قبل المؤالف علي نزولها بحق الزهراء و بقية أهل بيت النبي «صلوات الله عليهم أجمعين». ولكن قوله : واتلُ آي التطهير؛ كان الأولي أن لا يذكره، لأن كل حديث الكساء إنما هو تمهيد لنزول آية التطهير، فلا يستدل بها قبل نزولها.
2- العباءة و العباء: هما بمعني واحد. و هو إشارة إلي أن الرسول «صلي الله عليه وآله و سلم» لم يصدر منه تغطية هؤلاء الخمسة بالكساء أو العباء، مرّة واحدة، أو مرتين، بل حدث ذلك مراراً و تكراراً.
3- كيف لا تحسد السماءُ ذلك الكساءَ ، و قد كان نوراً في ساق العرش، أو يريد أن ذلك و الكساء كان يمثل بنفسه عرشَ المليك، و في ذلك تشبيه بليغ.
4- المخض: اللبن إذا حرِّك و استخرج زبده.
5- الفُلك، بالضم: السفينة، و بالفتح مدار النجوم و الأجرام السماوية.

ما خَلَقْتُ السَّماءَ وَ الْأَرْضَ إِلاَّ *** حُبَّ أَهْلِ الْكِسَاءِ مِنْ أُمَنَائِي

حُبُّ أهْلِ اَلْكِسَاءِ وَ اَلْعِلَلِ اَلْخَمْسِ *** وَ هَل تَعْلَمُونَ مَنْ هؤلاءِ؟

هَؤُلاَءِ اَلزَّهْرَاءُ ثُمَّ أَبُوهَا *** وَ عَلِيٌّ وَ اِبْنَاهُمُ أَصْفِيَائِي

فَدَعَاهُ اَلْأَمِينُ: رَبِّ فَعَجِّلْ *** لِي بِالْإِذْنِي يَا وَلِيَّ اَلْعَطَاءِ

فَكَفانِي فَخْراً بِأَنِّي فِيهِمْ *** سادِساً كُنْتُ سَاعَةَ اَلْإِحْصَاءِ

فَأَتَاهُ اَلْإِذْنُ الْكَرِيمُ و حَقّاً *** موسِمُ اَلْبِشْرِ سَاعَةٌ مِنْ لِقَاءِ

عَلِمَ اَلرُّوحُ أَنَّهُ بهبوطٍ *** لَهُمُ حَازَ غَايَةَ الإرتقاءِ(1)

فَانْتُهِيَ لِلَّذِي قَدِ اخْتَارَهُ مِنْ *** خَلْقِهِ ذُو النَّوَالِ والْآلاءِ(2)

وَ حَبَاهُ تَحِيَّةَ، مَنْ تَرَاهُ *** غَيْرَ هَذَا اَلرَّسُولِ أَهْلِ اَلْحِبَاءِ

وَ أَعَادَ اَلثَّنَا عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ *** و كانَ الشَّكورَ لِلنَّعْمَاءِ

قَائِلاً: إِنَّ رَبَّكَ اَلْحَقَّ آلي *** بعُلاهُ وَ مَجْدِهِ اللاَّنهَائِي(3)

أَنَّهُ مَا بَرِيَ الخَليقَةُ إِلاَّ *** لَكُمُ وَحْدَكُمْ بِلا استِثناءِ(4)

وَ حَبَانِي بِإِذْنِهِ بِدُخُولِي *** مَعَكُمْ، فَأَحِبُنِي بِإِذْنِ ثَنَائِي

صَدْرَ اَلْإِذْنُ مِنْ نَبِيِّ عَظِيمٍ *** فَاكْتَسِيَ الرُّوحُ حُلَّةَ السَّرَّاءِ

و لَقَدْ عَادَ فَخْرُهُ وَاضِحاً فِي *** عَالَمِ اَلْأَمْرِ، كَامِلاً فِي الجَلاءِ

قَصَبَ اَلسَّبِقِ حَازَهَا فِي سباق اَلْفَخْرِ*** عِنْدَ الْأَمْلَاكِ وَ السُّفَرَاءِ

وَ تلا آيَةً مِنَ الْوَحْيِ فِيهِمْ *** طَهَّرْتْهُمْ جَهْراً مِنَ الْأَسْواءِ(5)

ص: 242


1- الروح: الروح الأمين هو جبرئيل عليه السلام.
2- النوال: العطاء-. الآلاء: النعم.
3- آلي: أقسم.
4- بري: خلق.
5- هي آية التطهير المتقدمة: «وَإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»- الأحزاب / 33-.

و لَقَدْ ثَابَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهَا *** كُلَّ صُبحٍ مُكَرَّراً وَ مَساءِ(1)

وَإِذا بِالوَصِيِّ يَسأَلُ طهَ *** وَ هُوَ وَاللَّهِ سَيِّدُ الفُصَحاءِ

وَ لَكُم عَالِمٌ يُسائِلُ، حَتِّي *** يَنْجَلِي اَلْأَمْرُ خَالِصاً عَنْ خَفَاءِ

أَيُّ فَضْلٍ لنا بِمجلِسنَا هَذَا *** لَدَي اَلْحَقِّ قَاسِمِ اَلْأَنْصِبَاءِ

فَأَجَابَ اَلنَّبِيُّ هَذَا حَدِيثٌ *** إِنْ جَرِيَ فِي مَحَافِلِ اَلْأَحْيَاءِ

نَزَلَتْ طِيْلَةَ اِجْتِمَاعٍ عَلَيْهِمْ *** رَحِمَةُ اَللَّهُ أَرْحَمِ اَلرُّحَمَاءِ

وَ بِهِمْ أَحْدَقَتْ مَلائِكَةُ اللَّهِ *** وَ قَدْ أَسْعَفْتُهُمْ بِالدُّعَاءِ

و قَدِ اسْتَغْفَرُوا الإلهَ لَهُمْ إِذْ *** نَحْنُ كُنَّا لَهُمْ مِنَ اَلشُّفَعَاءِ

فَأَجَابَ اَلْكُرَّارُ فزنَا وَ فَازَتْ *** شِيعَةُ خَيرُ شِيعَةٍ سَعَدَاءِ

ثُمَّ قَالَ الْهَادِي: وَمَنْ قَدْ *** حَبَانِي بِاخْتِيَارِي لِوَحْيِهِ وَ اِجْتِبَائِي

إِنَّ ذكرِي حَدِيثِ مَجْلِسِنَا هَذَا *** دَوَاءٌ لِجُمْلَةِ اَلْأَدْوَاءِ

حَيْثُمَا يَجرِ فِي أُنَاسٍ و فِيهِمْ *** مُبْتَلٌي كَانَ دَافِعاً لِلْبَلاءِ

وإِذَا كانَ فِيهِمْ رَبُّ غَمِّ *** زَالَ مَا نَابَهُ مِنَ اَلْغَمَّاءِ

وَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو اِحْتِيَاجٍ *** قُضِيتُ حَاجُهُ بِخَيْرِ قَضَاءِ

عِنْدَهَا قَالَ حَيْدَرٌ: قَدْ سَعِدْنَا *** وَ إِلَهٌ لِلْكَعْبَةِ اَلْغَرَّاءِ

وَ كَذَا شِيعَةٌ لَنَا سَعِدُوا فِي *** هَذِهِ اَلدَّارِ ثُمَّ دَارِ اَلْجَزَاءِ

ص: 243


1- أخرج الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 259 عن أنس بن مالك : أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و كان يمرّ ببيت فاطمة عليها السلام ستّة أشهر إذا خرج إلي الفجر، فيقول: الصلاة يا أهل البيت ؛ و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»- الأحزاب : 33-. و أخرجه الواحدي في تفسير الآية في أسباب النزول ص 267، و ابن جرير في تفسيره الكبير ، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، و الطبراني، و غيرهم، في ما ذكرنا الكفاية و الشفاية، علي أننا لم نذكر هنا إلاّ بعض ما أثبته العامّة في كتبهم المعتبرة، أما أصحابنا أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، فلا يكاد يخلو منه سفر من أسفارهم يتعرّض إلي الحادثة.

(30) و حسبك فخراً

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الكريم آل زرع(*)(1)

لك يا بضعةَ النبيِّ الوفاءُ *** من محبِّ لا يعتريهِ جفاءُ

مُزِجتْ ذاتُهُ بحبِّكِ حتي *** كان منها كما يكونُ البِنَاءُ

فاستوي في جنانِهِ منهُ نهرٌ *** صُبَّ فيه من الجَلالِ بهاءُ

و جري فهو في الحنايا عروجُ *** السماءِ و ما عليها سماءُ

و هُوَ في كونهِ مدامةَ حسنٍ *** رَشَفَتْ من نميرِها الأعضاءُ

***

فإذا مقلةٌ تنمُّ عن الحُبِّ *** و قلبٌ يُسْتافٌ منهُ الصفاءُ(2)

و مُحيّاً يفيضُ منهُ جمالُ *** العشقِ عذباً مُسْتَعْذَباً و السناءُ

يا بنةَ المصطفي و حسبُكَ فخراً *** إنِكِ الطهرُ فاطمُ الزهراءُ

لكِ وجهٌ لو أبصرتْهُ ذكاءٌ *** أدركتْ ماهو الضياءُ ذكاءُ

حزتِ أسمي الصفاتِ يابنةَ طه *** بعضهُا بعدُ لم تحزْها النساءُ

***

ص: 244


1- (*) هو الشاعر الشيخ عبد الكريم بن مبارك آل زرع: ولد في تاروت، القطيف سنة (1381 ه_)، يعمل حالياً في شركة أرامكو، و لا يزال أيضاً يواصل دراسته الحوزوية في القطيف و من نتاجه الأدبي القيم ديوان شعر (مخطوط) أكثره في أهل البيت عليهم السلام، و هو أحد النشطين بالمشاركة في النوادي الأدبية و الدينية.
2- يُستاف: يُشمُّ.

كَلَّ في مدحِكِ اليراعُ و مَن *** رام مَحُالاً أودي بهِ الإعياءُ

و كليلُ الجناحِ يستصعبُ *** السَّفْحَ و تعلُوه قمةٌ شمّاءُ

ما عسي أن أقولَ فيمَن أبوُها *** خيرُ من شرُفَتْ بهِ العلياءُ

***

سيدُ الكونِ باسمهِ قد تباهَي *** الرّسُلُ و الأنبياءُ و الأولياءُ

ما عساني أقولُ في بعلك *** الطهرِّ علي و في يديهِ القضاءُ

هو للمصطفي وصيِّ و عنهُ *** صغَرَ الأوصياءُ و الأنبياءُ

هو قلبُ الوجودِ و هو إمامِي *** و أميري إن عدَّتِ الأُمراءُ

و بنوكِ الأُلي أضاؤوا زمَاناً *** أَلَيْلاً في ضميرِهِ إغفاءُ(1)

و أحالُوا جدبَ العواطفِ خصباً *** فانتشي العدلُ و استقامُ الإخاءُ

***

و من النبع يُستقي و من *** النور علي كلِّ ظُلمةٍ يستضاءُ

فهُمُ النورُ و الحياةُ و شيءٌ *** ليس يُدريِ لكنَّه معطاءُ

يابنةَ المصطفي ألفِنا الرزايا *** غيرَ أنا من حُبِّكُم سعداءُ

و صَبِرنا و كُلُّ صبرٍ جهادٌ *** و هَتَفْنا أَن مَنِكُمُ لابَراءُ

دونَهُ سادتي تُسالُ الدماءُ *** دونَه الروحُ إنَّ روحي فِداءُ

إنَّ هذا من الجِهادِ يسيرٌ *** زرعتْهُ في قلبِنا كَرْبَلاءُ

كيفَ أسْعي و لستُ أملكُ شِعري *** لوغشانِي مدَحٌ لَكُمْ و ثناءُ؟

و إذا الذكرُ خصَّكُم بمديحٍ *** ماعسي أن تُنَمْنِمَ الشُّعَراءُ

يا بنةَ المصطفي عليكِ سلامي *** ماتغنتْ بعشِّها و رقاءُ(2)

***

ص: 245


1- أليل: شديد الظلمة.
2- الورقاء: الحمامة التي يضرب لونها إلي الخضرة.

(31)نطق الكتاب بفضلها

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم النايف(*)(1)

ذَابَتْ لِفَرَطِ صَبَابَتِي أَحْشَائِي *** فَلِذَالِكَ طَالَ تَلَهُّفِي وَ بُكَائِي(2)

وَ تَكَادُ بِالزَّفَرَاتِ تُخْرُجُ مُهْجَتِي *** مِمَّا بها بتنفُّس الصُّعداءِ(3)

يا عاذِلي كُفَّ اَلْمَلاَمَ وَ خَلِّنِي *** دَنِفاً أُكَابِدُ مِحْنَتِي وَ بَلاَئِي(4)

مَا هَاجَنِي ظَعْنٌ الأَحِبِّةِ مُذْ نَاي *** بُعْداً عَنِ اَلْأَوْطَانِ وَ الْأَحْيَاءِ(5)

لَكِنَّمَا وَجدِي لِبَضْعَةِ أَحْمَدٍ *** وَ لَمَّا جَنَتْ مِنْهَا يَدُ اللُّؤماءِ(6)

ص: 246


1- (*) هو الشيخ عبد الكريم إبن الملا كاظم بن نايف القسي الحائري، هو شاعر مجيد ذائع الصيت و خطيب نادي بالحق، فكان ذا صوت جهوري رخيم، و هو صريح الرأي يجهر به دون وجلٍ أو خوف، و هذا الأمر أعطي محاضراته و خطبه و قصائده قيمة عالية و اهتماماً بالغاً لدي جمهوره و مستمعيه، فكان لها الأثر البالغ في نفوسهم و عقولهم، فإذا كان للشعر تأثيره في قلوب عشاق هذا الأدب، فكيف به إذا كان مرفقاً بصراحة الرأي، و قول الحق دون أدني وجل أو خوف. و قد سافر إلي أقطار الخليج كالبحرين و الكويت و قطر و عمان و الإحساء و القطيف، فاشتهر أمرهُ وذاع صيته و سمت منزلته ، و قد ألمّ إلماماً واسعاً بتاريخ الشعر. توفي في كربلاء عام (1365 ه_) و دفن في الصحن الحسيني الشريف.
2- الصَّبَابة: الشوق و رقَّة الهوي و الولَعُ الشديد.
3- الزَّفرُ و الزَّفيرُ: أن يملأ الشخص صدره غمّاً ثم يخرجه مع النفس، فيُقالِ: زَفره و الزَّفرةُ و الزُّفرة: التنفس و الاسم الزَّفرة و الجمع زفرات. و الصُّعَداء هو التنفُّس بتوجع، و هو التنفّس الممدود.
4- يا عاذِلي: يا لائمي. ورُجُل دَنِفٌ: براه المرض حتي أشرف علي الموت.
5- الطعن، بسكون العين و فتحها: السفر و الرحيل، و قد يطلق علي المسافرين و الأثاث، من هودج و غيره، إذا كان في هيئة السفر، و نأي: ابتعد.
6- الوَجد: الحزن.

وَ هِيَ اَلَّتِي نَطَقَ اَلْكِتَابُ بِفَضْلِهَا *** فِي سُورَةِ اَلرَّحْمَنِ وَ اَلْإِسْرَاءِ(1)

مَا أَتْعَبَ اَلْمُخْتَارَ بَعْدَ وَفَاتِهِ *** غَيْرُ اَلْبَتُولَةِ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ

أَوصَي جَمِيعَ اَلْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهَا *** إذ إِنَّهَا الحَوْراءُ وَ خَيرُ نِساءِ

وَ تَبَدَّلَت تِلكَ الوَصِيَّةُ بَعدَهُ *** مُذْ عُوَّضَتْ بِالحِقدِ وَ البَغضاءِ

ص: 247


1- من سورة الرحمن، نزل فيها و في أهل بيتها عليهم السلام قوله تعالي: و«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» سورة الرحمن: 19 - 21. كما روي ذلك فقيه الشافعية، جلال الدين السيوطي في تفسير الدر المنثور، عن ابن عباس، فالبرزخ النبي صلي الله عليه و آله و سلم و البحرين علي و فاطمة عليهما السلام و اللؤلؤ و المرجان الحسن و الحسين عليهما السلام و رواه في مجمع سلمان الفارسي و سعيد بن جبير ، و سفيان الثوري. و من سورة الإسراء نزل فيها خمس آيات: 5-6، 26، 28، 57. الخامسة و السادسة رواهما العلامة البحراني في تفسير البرهان، عن إمام العامّة أبي جعفر محمد بن جرير. و السادسة و العشرون ذكرها الثعلبي في تفسيره عن السدي عن أبي الديلمي، و رواها الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل. و أما الثامنة و العشرون فقد رواها في إحقاق الحق، ج 3 ص 550 عن مناقب الكاشي، عن الشيخ أبي بكر بن مؤمن الشيرازي بسنده عن أبي ذرّ الغفاري، قال : إن هذه الآية نزلت في عليِّ و فاطمة عليهما السلام، حيث أهدي ملك الحبشة إلي رسول الله عَشرَ إماء. و أما السابعة و الخمسون فقد رواها الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل، ج 1 ص 343 بإسناده عن عكرمة في قوله تعالي: «أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ» الإسراء: آية 57؛ قال: هم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام.

(32) سرُّ الوجود

(بحر الكامل)

السيد عبد اللطيف فضل اللَّه

هَتفَ البَيانُ بِمَولِدِ الزَّهْراءِ *** سِرِّ الْوُجُودِ وَ شَمْسِ كُلِّ سَماءِ(1)

وَ مَضَي عَلي اَلْجَوْزَاءِ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ *** مُتَرَنِّحاً مِنْ نَشْوَةِ الخُيَلاءِ(2)

وردَ اَلبِحَار اَلْهُوجَ يَسْبُرُ غَوْرَهَا *** وَ يَعِبُّ مِنْهَا قَطْرَةً مِنْ مَاءِ(3)

فَرَأْي اَلْجَلاَلَ عَلَيَّ تَواضُعِ قُدْسِهِ *** تَنْحَطُّ عَنْهُ مَدَارِكُ الْعُقَلاءِ

شَمْخَ الْأَدِيمُ بِفَاطِمٍ وَ تَطَاوَلَتْ *** غَبرَاؤُهُ فِيهَا عَلِي الخَضرَاءِ

بَرَأَ الْعَوَالِمَ وَ اصْطَفَاهَا رَبُّهَا *** مِمَّا اصْطَفَاهَ بِها مِنَ الأُمَناء

فَتَجَسَّمَتْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُ رَحْمَةٌ *** وَ شَفَاعَةٌ لِلنَّاسِ يَوْمَ جَزَاءِ

صَدِيقَةٌ مَاكَانَ لَوْلاَ حَيْدَرٌ *** يُلْفِي لَهَا أَحَدٌ مِنَ اَلْأَكْفَاءِ(4)

ص: 248


1- البيان: ما بين به الشيء من الدلالة و غيرها و البيان: الفصاحة و اللَّسَن. و لعلّ المراد به هنا هو الشعر و قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل عن فاطمة عليها السلام لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. علل الشرائع، ج1 و بحار الأنوار ج 43.
2- مترنحاً: من ترنَّح بمعني تطاول و ترفَّعَ أو تمايل من سكر. الخُيَلاء: العُجب و الكبر.
3- الهُوج: جمع هائج أي مضطرب . يسبر : يمتحن ليعرف مقدار غورها. غورها: قعرها. يعبّ: يكثر موجه و يرتفع.
4- في البحار؛ نقلاً عن عيون أخبار الرضا 3/225/1 بعد ذكر السند: عن أبي الحسن علي ابن موسي الرضا عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي عليه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة عليها السلام، و قالوا : خطبناها إليك فمنعتنا وزوّجت عليّاً عليه السلام، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم و زوّجته، بل اللَّه منعكم و زوّجه، فهبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، إنَّ اللّه جل جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة عليها السلام ابنتك كفوٌ علي وجه الأرض، آدم فمن دونه

عَبَرَتْ كَهَيْنَمَةِ اَلنَّسِيمِ وَ وَاجَهَتْ *** كَدَرَ اَلْحَيَاةِ وَ أَهْلَهَا بِصَفَاءِ(1)

لَمْ يَكْشِفِ النَّاسُ الْبَلاءَ وَ لاَ اِرْتَوَوْا *** إِلاَّ بِطَلْعَةِ وَجْهِهَا الوضَاءِ

يَا أُخْتَ نُسَّاكِ اَلْمَلاَئِكِ بِالْهُدْيِ *** وَ ذُبَالَةَ الْأَنْوَارِ مِنْ سَيْنَاءِ(2)

يَا لَمْحَةَ اَلْفِرْدَوْسِ حَطَّ بِطُهْرِها *** خُلدُ اَلْبَقَاءِ عَلَي صَعِيدِ فِنَاءِ

يَا صَفْحَةً بَيْضَاءَ مِنْ إِنْكَارِهَا *** آبَ اَلْوَرِيُّ بِصَحِيفَةٍ سَوْدَاءِ

يَا غَيْبَ سِرِّ لَوْ أَخَذْتُ بِبَعْضِهِ *** طَرَفاً مِنَ الإِعْجازِ وَ الْإِلْجَاءِ

لَمَشَيْتُ فِيهِ عَلَي اَلْهَوَاءِ إِذَا اُبْتُدِي *** عِيسي يَسِيرُ عَلِيٌ نَمِيرِ الْماءِ(3)

وَ اَلاَكَ رَبُّكِ إِذْ رَضَعْتِ وَلاءَهُ *** وَ حَبَاكِ مِنْهُ وَلَايَةَ الْأَشْيَاءِ(4)

فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَنْتِ فِي سُلْطَانِهِ *** كَالرُّوحِ حِينَ تُهِيبُ بِالْأَعْضَاءِ(5)

إِنَّ الَّذِي مَسَخَ الْأَمانَةَ وَ انْطُلِي *** بِدِمَاءِ مِنْ ضَحَّي مِنَ اَلشُّهَدَاءِ

وَ طَوَيَ عَدَوَاةَ آلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ *** نَاراً ذَكَّتْ بِجَوَانِحِ اَلْبَعْضَاءِ(6)

فَأَحَالَهَا للَّهُ حَرْباً طَوَّحَتْ *** بِابْنِ اَلنَّبِيِّ مُوَزَعَ اَلْأَشْلاَءِ(7)

ص: 249


1- الهينمة: الكلام الخفي لا يفهم، و المراد هنا: مداعبة النسيم اللطيفة العابرة.
2- الذُّبالة: الفتيلة التي تُسرج للإضاءة. قال الشاعر: بتُّ كأني ذبالةٌ نصبت *** تضيء للناس و هي تحترقُ
3- النمير : النامي و الزاكي و الكثير و الوفير.
4- حباك: أعطاك من غير مقابل.
5- تهيب: يريد تحلّ. و لم نعثر لها علي معني كهذا فيما لدينا من مراجع، و لعله قاسها علي الإهاب بمعني الجلد الذي يُتلبّس به، لكنّهم لم يذكروا للإهاب فعلاً، فكأنه اجتهادٌ شخصيّ منه. و لربما تهيب بالأعضاء: تدعوها من أهاب الراعي بغنمه صاح بها لتقف أو الترجع و أهاب بصاحبه: دعاه لفعل أمر ما و لعل هذا أليق من المعني الأول بمقصود الشاعر و ربما يكون أقرب إلي معني البيت و بذلك يصبح معني البيت أن الزهراء عليها السلام إذا دعت كل ما في سلطان الله -و كل شيء في الوجود هو في سلطان الله- استجاب لها كما تستجيب الأعضاء للروح إذا دعتها لأي أمر، إذ لا حياة للأعضاء بلا روح لذا هي تأتمر بأمرها و تستجيب لها.
6- ذكت النار: أشتد لهيبها.
7- طوّحت الحرب به : قذفته. و الأشلاء: جمع شلو و هو العضو و موزَّع الأشلاء: مقطَّع الأعضاء.

ثَقُلَتْ عَلَي اَلْأَكْوَانِ وَطَاةُ رِجْسِهِ *** فِيهَا فَدَارَتْ دَوْرَةَ اَلْإِعْيَاءِ

وَحَدَتْ بِهِ لِلْحَشْرِ لَعْنَةُ رَبِّهِ *** تَسرِي مَعَ اَلْإِصْبَاحِ وَ اَلْإِمْسَاءِ(1)

يَا يَوْمَ أَحْمَدَ هَلْ لِخَطْبِكَ إِذْ هَوَتْ *** فِيهِ اَلْأَنَامُ بِفِتْنَةٍ عَمْيَاءِ

قُلِبَ اَلْوُجُودُ وَ أَصْبَحَتْ أَبْنَاؤُهُ *** مَقْلُوبَةَ الْإِحْسَاسِ وَ اَلْآرَاءِ

فَاعْتَاضَ عَنْ فَوْقٍ رَوَاسِبَ تَحْتَهِ *** وَعَنِ اَلْأَمَامِ لِأَهْلِهِ بِوَرَاءِ

كَمْ فِي فُؤَادِكِ فَاطِمُ مِنْ غُصَّةٍ *** تُوهِي فُؤَادَ اَلصَّخْرَةِ اَلصَّمَّاءِ؟(2)

أَبْهَذِهِ الدُّنْيَا عَزَاءٌ قَائِمٌ *** وَ بِدَارِ رَبِّكِ فِي أَمْضِّ عَزَاءِ

اَلصَّبْرِ ضاقَ لِما صَبَرْتِ عَلَي الأَذي *** وَ سَخِّيْتِ لِلْأَعْداءِ أَيَّ سَخاءِ

قَدِمْتِ مِنْ حَسَنٍ ضَحِيَّةَ سُمِّهِم *** وَ مِنَ اَلْحُسَيْنِ السِّبطِ كَبشَ فِدَاءِ(3)

وَ مِنَ اَلْوَصِيِّ عَلِي اَلرِّسَالَةِ خَائِضاً *** مِنْ حَرْبِهِمْ قِدُماً بِبَحْرِ دِمَاءِ(4)

طَفَرُوا إِلَي المُلِكِ الْعَضُوضِ وَ غَلَّفُوا *** وَجْهَ اَلنَّهَارِ بِلَيْلَةٍ ظَلْمَاءِ(5)

وُلِدُوا مِنَ الدَّاءِ اَلْغُضَالِ فَلَمْ يَكُنْ *** إِلاَّ زَوَالُهُمْ شِفَاءَ الدَّاءِ

نَظَرُوا الْمَوَدَّةَ فِي الْكِتَابِ فَلَمْ يَرَوْا *** غَيْرَ السُّيُوفِ مَوَدَّةَ الْأَبْنَاءِ(6)

ص: 250


1- حدت به: ساقته و تبعته و لزمته.
2- توهي: تضعف- الصّماء: الصلب المتين.
3- أجمع المؤرخون علي أن الإمام الحسن المجتبي عليه السلام مات مسموماً، سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس و قد كانت زوجته و ذلك بمكيدة خبيثة دبرِّها معاوية بن أبي سفيان، بعد أن وعدها أن يزوّجها بابنه يزيد، ثم لم يفِ لها بما وعد، فخسرت الدنيا و الآخرة و أما شهادة الإمام السبط أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكربلاء، فأشهر من أن توضَّح في بضعة سطور.
4- إشارة إلي ما واجهه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من الناكثين في معركة الجمل، و القاسطين في صفين، و المارقين في النهروان.
5- العضوض: الشديد، القوي.
6- لأن القرآن يجعل عليهم مودة أهل البيت عليهم السلام فرضّ عين، و ذلك قوله سبحانه :«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» -الشوري/ آية : 23 - و قد روي العلامة البحراني عن مسند أحمد بن حنبل، بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال : لما نزل قوله تعالي: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ...»... الآية، قالوا: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة عليهما السلام و ابناهماعليهم السلام. وقد أخرج هذا النص مشاهيرعلماء السنة في أسفارهم، و قد عدُّوه من المسلمات عندهم. أقول: القرآن هكذا يأمرهم، فلم يكن منهم إلاّ أن أعملوا السيوف في رقاب عترة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام و قرابته، حتي خلّفوهم بين قتيل و مسموم و شريد.

مِنْ صَفْوَةٍ طَافَ اَلْهُدَي بِفِنَائِهَا *** مُتَمَسِّكاً بِالكَعْبَةِ الغَرَّاءِ

جُبِلَتْ بِأَسْرَارِ السَّما وَ تَكَوَّنَتْ *** مِمَّا بِسَاقِ اَلْعَرْشِ مِنْ لألاءِ(1)

غَرَّاءُ مِنْ صُلْبِ اَلنُّبُوَّةِ وَ اَلْهُدْي *** طَلَعَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا طُلُوعَ ذُكاءِ

هِيَ صَوْتُ نَاقُوسِ اَلسَّمَاءِ وَ لاَ ترِي *** فِي الاَرْضِ غَيْرَ تَجَاوُبِ الأَصْدَاءِ

ص: 251


1- في معاني الأخبار، عن الصادق عليه السلام، أنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: خلق الله نور فاطمة عليها السلام قبل أن يخلق الأرض و السماء. فقال بعض الناس: يا نبّي اللّه ، فليست هي إنسيّة؟ فقال: فاطمة حوراء إنسية عليها السلام، خلقها الله «عزوجل»، من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله «عزّوجّل»، آدم، قيل : يا نبّي الله ! و أين كانت فاطمة عليها السلام؟ قال: كانت في حقّةٍ تحت ساق العرش. قالوا: يا نبيِّ الله ! فماذا كان طعامها؟ قال: التسبيح و التهليل و التمجيد. فلمّا خلق الله ، عزّوجّل، آدم، و أخرجني من صلبه، و أحبّ اللّه، عزّوجلّ، أن يخرجها من صلبي، جعلها تفاحة في الجنة و أتاني بها جبرائيل، فقال لي: السلام عليك و رحمة الله و بركاته يا محمد، قلت : و عليك السلام و رحمة الله حبيبي جبرائيل. فقال: يا محمّد: إنَّ ربَّك يقرئك السلام، قلت: منه السلام و إليه يعود السلام، قال: يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، إنّ هذه تفاحة أهداها اللّه عزّوجلّ، إليك من الجنة. فأخذتها و ضممتها إلي صدري . قال : يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، يقول الله ، جلّ جلاله، كُلها . ففلقُتها، فرأيت نوراً ساطعاً و فزعتُ منه. فقال : يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ما لك لا تأكل؟ كُلها و لا تخف، فإنّ ذلك النور للمنصورة في السماء، و هي في الأرض فاطمة عليها السلام قلت: حبيبي جبرائيل، و لم سُميت في السماء المنصورة، و في الأرض فاطمة عليها السلام؟ قال: سُميت في الأرض فاطمة، لأنها فطمت شيعتها من النار، و فُطم أعداؤها عن حبِّها، و هي في السماء المنصورة، و ذلك قول اللَّه «عزّوجلّ»: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ» -الروم: آية 4- 5 يعني نصر فاطمة عليها السلام لمحِّبيها . لقد نقلنا هذا الحديث بطوله هذا حتي لا نحتاج إلي تكرار فيما بعد، بل نكتفي بالرجوع إليه. علي أن الأحاديث في هذا المجال لا تحصي كثرة، و هي ليست من مختصّات الشيعة و أتباع مذهب آل البيت عليهم السلام، بل نقلها و أمثالها علماء السنة و الجماعة أيضاً. و نحن نقتصر للتدليل علي ذلك بذكر رواية واحدة من كتب العامة ، و علي المستزيد أن يراجعها في مظانّها، فقد روي العسقلاني في لسان الميزان، ج 3 ص 246 بإسناده عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أنه لمّا خلق الله آدم وحوّاء تبخترا في الجنة و قالا: من أحسن منِّا؟ فبينما هما كذلك، إذ هما بصورة جاريةٍ لم يُّرِ مثلها، لها نور شعشعانيّ يكاد يطفي الأبصار. قالا: يا ربّ، ما هذه؟ قال: صورة فاطمة عليها السلام سيدة نساء ولدك . قال : ما هذا التاج علي رأسها ، قال: عليٍّ بعلها. قال: فما القرطان؟ قال: ابناها، وجد ذلك في غامض علمي، قبل أن أخلقك بألفي عام.

وَ فُيُوضُ أَلْطَافٍ سَحَابَةُ صَيْفِهَا *** وَطفَاءُ مُغْدِقَةٌ عَلَي اَلْأَحْيَاءِ(1)

وَ سَفِينَةُ الطُّوفَانِ لَيْسَ بِخَائِبٍ *** مَنْ بَاتَ مَشدُوداً لَهَا بِوَلاَءِ(2)

آلاؤُهَا مِلْءُ اَلزَّمَانِ وَ بَيْتُها *** فِي الكائِنَاتِ أَسَاسُ كُلِّ بِنَاءِ

وَ كَأنَّمَا كَانَتْ لِهَيْكَل كَوْنِهَا *** قَلْبُ الْحَنَّانِ بهِ وعَيْنَ رَجَاءِ

حَوْرَاءُ إِذْ رَفَعَ الإلهُ لِواءُها *** كرَماً وَ ضَمَّ اَلْخَلْقَ تَحْتَ لِوَاءِ(3)

وَ يُرِي مَنَاقِبَهَا وَ قَالَ لَعِزِّهَا *** كُونِي بِلاَ عَدِّ وَ لاَ إِحْصَاءِ

قُلْنَا لَهَا سِرٌّ يُصانُ وَ جَوْهَرٌ *** فَوْقَ الأَنامِ وَ طينِهِم وَ الْمَاءِ

وَ لَرُبَّمَا وُلِدَ التُّرابُ بِمَهْدِهِ *** مَنْ كَانَ فِي اَلْمَلَكُوتِ رَمْزَ علاءِ

وُلِدْتُ لِطُهْرِ مُحَمَّدٍ فَكَأَنَّمَا *** آيُ الْكِتَابِ بِمَهْبِطِ الْأَحْيَاءِ

وَ كَأَنَّ مَا فِيهَا حَقِيقَةُ ذَاتِهِ *** غَيْرَ اَلنُّبُوَّةِ أَفْرَغَتْ بوْعاءِ

فَإِذا الهُدَي مِنْ كُلِّ أُفُقٍ مُشْرِقٌ *** وَ الكَونُ أَضْوَاءٌ عَلَيَّ أَضْوَاءِ

شَرَّفَتْ فَحَكَّ اَلْعَرْشُ منْكِبُ عِزِّهَا ***كَرَماً وَداسَتْ مَنْكِبَ الجوزاءِ(4)

بابٌ بِلاَ نِدِّ تَرَاهُ وَ لَنْ يُرِيَ أَحَدٌ يُطَاوِلُهَا مِنَ اَلْأَبْنَاءِ

ص: 252


1- سحابة وطفاء: مسترخية لكثرة مائها . و الغَدق، علي وزن الفَلق: الماء الكثير، أو المطر الكبير القطِّر. و المغدِق : مُفعِلٌ منه أكّده به. (لسان العرب).
2- إشارة إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم: إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق و هوي. و قد أجمع علماء الإسلام من الفريقين علي صحة هذا الحديث الشريف: و أنه من الأحاديث المستفيضة التي كادت أن تبلغ حدّ التواتر. قال العلامة الأنطاكي: قد أورده من أعلام الفريقين ما يربو عددهم علي المائة، من الحفّاظ و أئمة الحديث و أهل السير و التواريخ في مؤلفاتهم و مجاميعهم و صحاحهم و مسانيدهم، أمثال مسند أحمد، صحيح مسلم، تاريخ الطبري، الصواعق المحرقة، نور الإبصار للشبلنجي، و الحمويني في فرائد السمطين، و الطبراني في الأوسط و غيرهم كثير.
3- كما ورد عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أن ابنتي فاطمة حوراء عليها السلام لم تحض و لم تطمث (كما في مناقب المغازلي؛ ص411 و ينابيع المودة ج 2) و هناك روايات أخري في هذا المعني رواها علماء العامة أيضاً.
4- منكب الجوزاء، و يقال لها: إبط الجوزاء أو منكب الجبار: نجمة حمراء كبيرة واضحة، تقع بين الشعري الشامية و بين الدبَران في الثور. و عادة يضرب بها العرب المثل في العلوّ.

عُلوِيَّةُ اَلنَّفَحَاتِ مِنْ أَنْوَارِهَا *** بَيْتُ النُّبُوَّةِ مُشْرِقُ الْأَنْحَاءِ(1)

حَرَمٌ يَطُوفُ بِهِ و يَخْدِمُ أهْلَهُ *** الرُّوحُ الأَمينُ مُنَبِّيءُ الأَنْباءِ(2)

نَشأَتْ بِظِلِّ اَللَّهِ لَمْ يَعْلَقْ بِهَا *** دَنَسٌ وَ لاَ وَقَعَتْ عَلَي الأخطاءِ(3)

حَتي إِذَا طُمِسَ الْهُدَي وَ تَبَرَّمَتْ *** مِنْ حَماةٍ طُبِعَتْ عَلَي الْأَسْوَاءِ(4)

رَفَعَتْ إِلَيهِ دُعاءَهَا فَكَأَنَّمَا *** رَكِبَ الْبُراقَ بِلَيْلَةِ الإِسْراءِ(5)

ص: 253


1- النفحات جمع نفحة، و هي هبة الريح، و هي أيضاً العطيّة.
2- شبَّه الزهراء عليها السلام بالكعبة المشرّفة لكل منهما حرم يُطاف به. الناس يطوفون بالكعبة (بيت الله) للحج، و جبريل عليه السلام يطوف بحرم الزهراء عليها السلام(وبيت النبوة) للخدمة و الأنس و الوحي، و الروح الأمين: جبرائيل عليه السلام، الذي نزل بالوحي علي قلب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بقي يتردد علي بيت الزهراء عليها السلام يعزّيها و يسليها عن وفاة أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.
3- إشارة إلي عصمتها ورطهارتها من الرجس و المعصية، و بذلك نزلت النصوص من الكتاب و السنة الشريفين منها آية التطهير : «و إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»-سورة الأحزاب/ آية 33- التي أجمع أعمدة الفريقين علي أنها نزلت في فاطمة عليها السلام و أبيها و بعلها و بنيها. و منها حديث الكساء المشهور، و منها قوله : «إن الله يرضي لرضا فاطمة عليها السلام و يغضب لغضبها». و ليس يعني كلُّ ذلك شيئاً سوي العصمة و التطهير من الرجس و الدنس.
4- تبرَّمت: ضجرت و ضاقت ذرعاً. و الحمأُ و الحمأة: الطين الأسود المنتن، و هو كناية عن شخصٍ بعينه أو أشخاص كذلك، اقتباس من قول الله «عزوجل»: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» سورة الحجر / آية: 26.
5- البُراق علي وزن غُراب: ورد ذكرها في الإسراء و المعراج، و أنها وسيلة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و في رحلته الإعجازية، سمّيت بذلك لنصوع لونه وشدّة بريقه ، و قيل: لسرعة حركته شبّهه فيها بالبرق.

(33) ابنة النور

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم(*)(1)

أَصْبَحَ اَلْكَوْنُ ضَاحِكاً بِالْهِنَاءِ *** مُستَنِيراً بِنُورِ سِتِّ النِّساءِ

زُهْرَةِ الكَوْنِ بِالقُداسَةِ جاءَتْ *** تَحْمِلُ النُّورَ مِن إلهِ السَّماءِ

ص: 254


1- (*) هو الشيخ عبد المجيد ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد أبي المكارم العوامي بالقطيفي. ولد في العوامية بالقطيف سنة (1344) ه_ من أبوين صالحين كريمين قاماً بتربيته أحسن قيام فغذّياه بأخلاقهما الفاضلة و سماتهما النبيلة. والمترجَم له من أسرة علمية عريقة في القطيف، إذ كان أبوه و جدّه و كثير من سائر أفراد أسرته من أهل الفضل و العلم و التقي الذين لهم مكانتهم الرفيعة و في هذه الأجواء المفعمة بأريج العلم و التقي و الولاء نشأ و ترعرع و أخذ مباديء علومه علي يد علماء القطيف أولاً، ثم هاجر إلي مدينة العلم النجف الأشرف، و بقي هناك مجّداً في تحصيل ضالّته المنشودة، فما رجع إلي وطنه إلاّ و هو كأمثل رجل من رجالات العلم، و يعدّ في القطيف من العلماء البارزين أصحاب الفضل و المكانة الاجتماعية. و يُعد من الخطباء الناجحين حيث يرقي المنبر بكل جدارة و شجاعة و قوة و هو رمز من رموز المنبر الحسيني هناك. كما و يعدّ المترجم له أيضاً من الشعراء الذين يجيدون مختلف أغراض الشعر كالوصف و الغزل و المدح و الرثاء، له قريحة فيّاضة، و يجيد النظم الشعبي الدارج المعروف (بالنبطي). و من آثاره القيمة 1- المنح الإلهية في المجالس العاشورائية . 2- هداية المسترشدين في أصول الدين . 3- دليل المسلمين في أعمال مكة و المدينة. 4 - المرائي الإسلامية في رثاء العترة النبوية. و ما يزال المترجَم له يمارس دوره الديني و الثقافي في القطيف.

هِيَ تُفَّاحَةٌ مِنَ اَلْخُلْدِ كَانَتْ *** بادِّخار إِلَي رَسُولِ اَلْوَلاَءِ(1)

قَبْلَ خَلقِ اَلْأَكُونِ أَوْجَدَهَا اَللَّهُ *** كَسَاهَا مِنْ نُورِهِ اَلْوَضَّاءِ(2)

إِنَّ ذَا جَبْرَئِيلُ قَدْ جَاءَ يُبْدِي *** مِنْ إِلَهِ اَلنَّعْمَاءِ وَ اَلْإِيحَاءِ

هِيَ تِلْكَ الْبَتولُ بَضْعَةُ طه *** وَ اِبْنَةُ اَلنُّورِ سَيِّدِ اَلْأَنْبِيَاءِ

هِيَ رُوحُ اَلْوِصَالِ بَيْنَ أَبِيهَا *** وكَذَا اَلْبَعْلِ سَيِّدِ الْأَوْصِيَاءِ

هِيَ أُمُّ اَلْهُدَاةِ فِي كُلِّ آنٍ *** رَبَّةُ اَلْخَدْرِ دُونَ كُلِّ مُرَاءِ

هي سِتُّ اَلنَّسَا بِأَصْرَحِ قَوْلٍ *** قَدْ أَتَانَا مِنْ أَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ

إِذْ يَقُولُ المختارُ قَوْلاً صَرِيحاً *** وَ هوَ إِذْ ذَاكَ سَيِّدُ اَلْبَطْحَاءِ

إِنَّ أُمَّ اَلْمَسِيحِ سَيِّدَة الْبَعْضِ *** فَجَاءَتْ بِأَوْحَدِ الْحُكَمَاءِ

وَ اِبْنَتِي فَاطِمٌ لَسْتُّ لِكُلِّ *** مِنْ لَدُنْ آدَمٍ إِلَي الإنتهاءِ(3)

وَ كَذَا يَغْصِبُ اَلْإِلَهُ وَ يرْضي *** لِرِضَا بِنْتِ أَحْمَدَ الزهْراءِ(4)

ص: 255


1- إشارة إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم لبعض نسائه أنه لما عرج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلمّا هبطت إلي الأرض و اقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلي رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي. راجع مستدرك الحاكم، ج 3 ص 156، قريب من لفظ هذا الحديث، مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 383، ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري، ص 36 و كنز العمال ج 13 ص 94.
2- لعله إشارة إلي ما ورد عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن اللّه تبارك و تعالي خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له: يا بن رسول الله عليه السلام و من الأربعة عشر؟ فقال: محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام... إلي آخر الأئمة من ولد الحسين عليه السلام راجع بحار الأنوار، ج 15 ص23، إثبات الهداة، ج 1 ص 517، و الحكم الزاهرة، ج 1 ص 108.
3- إشارة إلي قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين قال : فأين مريم العذراء ابنة عمران، قال لها: أي بنية تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء العالمين و في لفظ آخر: سيدة نساء أهل الجنة من الأولين و الآخرين. انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 370، و صحيح مسلم بشرح النووي، ج 16 ص 605.
4- إشارة لقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو يخاطب فاطمة عليها السلام: يا فاطمة عليها السلام إن اللّه «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضي لرضاك. انظر ذخائر العقبي للطبري، ص 39، و الحكم الزاهرة ص 94.

وَلَدَتْهَا خَدِيجَةٌ وَ هِيَ طُهْرٌ *** أَبْعَدَتْ عَنْ قَذَارَةِ اَلْجَهْلاَءِ

لاَ وَ لاَ اَلْمُشْرِكَاتُ جِئْنَ إِلَيْهَا *** وَقْت وَضْعِ البَتولَةِ اَلْعَذْرَاءِ

أَقْبَلَتْ وَقْتَ وَضْعِهَا طَاهِرَاتٌ *** حِينَ جَاءَتْ وِلاَدَةُ اَلْحَوْرَاءِ

أَقْبَلَتْ مَرْيَمٌ و حَوّا وَ آسٍ *** وَكَذَا سَارَةُ عَلِي اِسْتِحْيَاءِ(1)

قَبِلُوا فَاطِماً وَلِيدَةَ طه *** فَانْبَرَتْ فَاطِمٌ مِنَ الْأَحْشَاءِ

لَمْ تَمُسهَا كَفٌّ مِنَ الشِّرْكِ كَلاَّ *** مُذْ أُحِيطَتْ بِعِصْمَةٍ وَ وِلاَءِ

حَيْثُ إِنَّ اَلرَّسُولَ كَانَ يُنَادِي *** بَضْعَتِي فَاطِمٌ حَبَاهَا حِبَائِي

وَ أَذَاهَا أَذِيَّتِي وَ هُوَ كُفْرٌ *** وَ نِفَاقٌ أُتِيَ مِنَ الْحَمْقاءِ

حَيْثُ يُؤْذِي الإِلَهَ رَبَّ الْبَرايا *** خالِقُ الخَلقِ مُسْدِلَ اَلنَّعْمَاءِ

فَهِيَ سِتٌّ لِكُلِّ أُنْثِي بِحَقِّ *** وَ مِنَ اَلرِّجْسِ طَهِّرَتْ بِاصطِفَاءِ(2)

ص: 256


1- عندما جاء المخاض أم المؤمنين خديجة الكبري سلام الله عليها و اشتد عليها الطلق لم تشعر إلاّ بأربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم أرسلهن اللّه إليها ليلين منها ما يلي النساء عن الولادة وهنّ سارة و آسيا بنت مزاحم و مريم بنت عمران و كلثوم أخت موسي بن عمران عيلهم السلام فوضعت فاطمة الزهراء عليها السلام ميمونة مباركة زكية و قد أشرق نورها حتي شمل بيوت مكة... و قد وردت هذه الرواية بألفاظ متقاربة في أمالي الصدوق ص 476 و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 388.
2- أ- عن أسماء بنت عميس أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لها حين ولدت الزهراء عليها السلام: يا أسماء إن فاطمة عليها السلام حورية إنسية أما علمت أن فاطمة طاهرة مطهرة، و في لفظ آخر: إن فاطمة عليها السلام حوراء إنسية و قد وضعت الزهراء عليها السلام الإمام الحسن عليه السلام بعد العصر و طهّرت من نفاسها فاغتسلت وصلّت المغرب لذلك سميت بالزهراء كذلك سمّيت فاطمة البتول لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس. انظر ذخائر العقبي ص44 و ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 1 ص260. ب . عندما نزلت آية التطهير و هي قوله تعالي: و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» الأحزاب 33، جمع النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الإمام علي عليه السلام و فاطمة الزهراء عليها السلام و ابنيهما الحسن والحسين عليهم السلام و جلّلهم بكسائه ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم و طهّرهم تطهيراً. قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية المباركة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» أي يذهب السوء و الفحشاء يا أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم و يطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً و مُقتضي ما أوردناه أن فاطمة الزهراء عليها السلام التي شملتها آية التطهير مطهّرة من السوء و الفحشاء و الدنس... إلخ. راجع مسند أحمد بن حنبل، ج 1 ص 330 و ج 11 ص 25، و مستدرك الحاكم، ج 3 ص 133 ، و الصواعق المحرقة، ص 143 و ص 229. ج - وهناك أيضاً قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلِّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم بنت عمران فيقولون: يا فاطمة عليها السلام «إن اللَّه اصطفاك و طهّرك و اصطفاك علي نساء العالمين» انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 309، بحار الأنوار، ج 43 ص 49.

فَبِهَا يُقْتَدِي دَوَاماً تَمَاماً *** لَمْ تَرُعْهَا نَوَائِبُ اَلْغَوْغَاءِ(1)

خَلَدَ اَللَّهُ ذِكْرَهَا بِاعْتِصامٍ *** طولِ أَيَّامِها لِيَوْمِ الْجَزاءِ

عُنْصُرٌ طابَ ذِكرُهُ كُلَّ حِينٍ *** شَرَفاً وَ ارتقَي عَلَيّ الْجَوْزَاءِ

يَا نِسَاءَ اَلدُّنَا تَعْلَمْنَّ مِنْهَا *** سِيرَةَ اَلْحَقِّ سِيرَةَ الْوَلِيَاءِ

أَيُّهَا اَلنِّسْوَةُ اَلْعَفِيفَاتُ قُرْباً *** وَالْتِصاقاً بِالْغَادَةِ وَ الحسناءِ

لاَ يَغُرَّنَّكُنَّ يَوْماً شَبَابٌ *** قَدْ تَصَدّي لَكِنَّ بِالْإِغْوَاءِ

جَعَلوُكنَّ فِي اَلزَّمَانِ دَوَاماً *** فِتْنَةَ الإنحطاطِ بِالْأَزْيَاءِ

سَلبُوكُنَّ لِلسُّتُورِ اِغْتِرَاراً *** فَغَدَوْتُنَّ رَغْبَةَ اَلْأَدْعِيَاءِ

قَدْ نَزَعتُنَّ لِلْحَيَاءِ ابْتِدَاراً *** رَغْبَةً فِي زَخَارِفِ اَلدَّهْيَاءِ(2)

فَنَزَلَتُنَّ مِنْ صِفَاتٍ عَوَالٍ *** لِهوانِ الْحَياةِ بِالْكِبْرِيَاءِ

وَ مَشِيْتُنَّ بِالتَّهَتُّكِ جَهْراً *** لِذِئَابِ الْفَسَادِ وَ الْبَأْسَاءِ

فَتَعَرَتْ بِنْتُ اَلْهَوَاءِ وَ أَضْحَتْ *** فِي حَضِيضٍ وَ أَعِينِ الإِزْدرَاءِ

صِرْن يَلْحَظْنَهَا بِطَرَفٍ عَنِيفٍ ***كلحاظِ اَلثَّعَالِبِ اَلْجَوْفَاءِ

أَيُّهَا النِّسْوَةُ اَلْكِرَامُ حِذَاراً *** لاَ تَكُونَنْ كَدِمْنَةٍ خَضْرَاءِ

فَاقْتَبَسْنَ مَكَارِماً وَ سَلاَماً *** وَ اِكْتَسَيْنَ مَلاَبِسَ اَلْعُقَلاَءِ

كَيْفَ لاَ تَلْبَسُ اَلنِّسَاءُ مِثَالاً *** عَابِقاً طُولَ وَقْتِهِ بِالْوَفَاءِ

أَعِنْ ذَاكَ اَلْمِثَالَ زَهْرَةَ قُدَّسٍ *** هِيَ بلقيسةُ اَلْهَدْيُ وَ اَلْوَلاَءِ

هِيَ بَدْرُ الْإِيمَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ *** هِيَ شَمْسٌ بَدَتْ عَلَيَّ الْبَيْدَاءِ(3)

ص: 257


1- نوائب: نوازل و مصائب.
2- الدهياء: الأمر المنكر.
3- البيداء : الفلاة، الصحراء.

نُورُهَا عَمَّ فِي اَلْبَرَايَا جَمِيعاً *** وَ قَدْ شَعَّ فِي دَجْيِّ اَلظَّلْمَاءِ

شَابَهْتُ فِي اَلنُّزُولِ سَبْعَ الْمَثَانِي *** فَوْقَ قَلْبِ المختارِ بِالْإِيحَاءِ

فَغَدَتْ بِنْتُ أَحْمَدٍ أُمْ طه *** هِيَ زَهْر اؤُنَا وَ خَيْرُ النِّسَاءِ

وَ غَدَا الْكَوْنُ كَاسِياً بِالْمَعَالِي *** مَرِحاً يَوْمَ مَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ

فَهِيَ مِصْبَاحُ لُؤْلُو مُسْتَنِيرٍ *** وَ بَنُوهَا مَعَارِجُ الإِرْتِقَاءِ

سُمِّيَتْ فَاطِماً وَ قَدْ فُطِمَتْ مِنْ *** كُلِّ رَجْسٍ بِآيَةٍ نَورَاءِ

فَتُرِي آي إِنَّمَا إِذْ أَبَانَتْ *** مَايَرِيدَ اَلْإِلَهُ مِنْ نَعْمَاءِ

هُوَ اِذْهَابُ كُلِّ رِجْسٍ قَبِيحٍ *** عَنْ أُولِي اَلْبَيْتِ سَادَةِ اَلْأَصْفِيَاءِ

وَ لَهَا شِيعَةٌ أُقْلِيْتْ مِنَ النَّارِ *** وَلَّاهَا فِي الْحَشْرِ خَيرُ ولاءِ(1)

قُلْ لِمَنْ حَارَبَ اَلْبَتُولَ سَيَجْزِي *** بِجَحِيمٍ فِي اَلْحَشْرِ يَوْمَ اَلْعَطَاءِ

حِينَ تَاتِي اَلْبَتُولُ فِي يَوْمِ حَشْرٍ *** تَشْتَكِي عِنْدَ خَالِقِ اَلْأَشْيَاءِ

يَا إِلَهِي أَنْتَ اَلْمُحْكِمُ فِي مَنْ *** سَاءَنِي جَاحِداً لِكُلِّ وَلاَءِ

يَا إِلَهِي ظُلِمْتُ حِقْداً وَ عَدْوّاً *** مِنْ أُنَاسٍ تَجَمْهِرُوا فِي إِذَانِي

غَصَبُوا نِحْلَتِي وَ بَزّوا حُقُوقِي *** أَسْقَطُوا مُهْجَتِي مِئْنَ الْأَحْشاءِ(2)

أَشْعِلُوا نارَهُمْ عَلَيَّ بابِ دارِي *** أَحْرَقُونِي وَ لَمْ أَزَلْ فِي عَنَاءِ

آلَمَتْنِي سِياطُهُمْ فَوْقَ مَتْنِ *** كَلَّمُوهُ وَ لَمْ يُرَاعُوا حِبَائِي

هَجَمُوا مَنْزِلِي عَلَيَّ عِنَاداً *** عَصَرُونِي بِالْبَابِ دُونَ مِرَاءِ

كَسَرُوا أَضْلُعِي وَ قَادُوا لِبَعْلِي *** وَ بِصَدْرِي اَلْمِسْمَارُ أَجْرِي دِمَائِي(3)

ص: 258


1- إشارة إلي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أتدرين يا فاطمة عليها السلام لم سميت فاطمة فقال علي عليه السلام: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم سميت فاطمة عليها السلام؟ فقال: إن اللّه عزوجل فطمها و ذريتها من النار يوم القيامة و في لفظ آخر لأنها فطمت و شيعتها من النار و في لفظ ثالث: فطم ابنتي فاطمة و ولدها و من أحبهم من النار فلذلك سميت فاطمة عليها السلام. انظر مناقب المغازلي الشافعي ص 221 ح 403 ، مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 377، وكنز العمال ج 6 ص 219.
2- بّزوا: سلبوا، أخذوا بجفاء و قهر.
3- إشارة إلي حادثة الهجوم علي دار الزهراء عليها السلام و إضرام النار بالباب بعد أن عصرها عمر اين الخطاب بين الحائط و الباب. انظر كتاب سليم بن قيس، ص249، و بحار الأنوار ج 53 ص 19.

لَمْ يُرَاعُوا وَصِيَّةَ اَلطُّهْرِ طه *** بَلْ تَعَدَّوْا لِطَوَرِهِمْ فِي جَفاءِ(1)

فَإِلَيْكَ الشَّكوِيُّ إِلَهُ الْبَرايا *** وَ بِكَ الْحَسَبُ يا مُجِيبَ الدُّعَاءِ(2)

فَهُنَاكَ اَلْإِلَهُ يَصْدِرُ حَكْماً *** بِانْتِقَامٍ لِكُلِّ فَرْدٍ مُرَاءِ

لَيْسَ إِلاَّ الْجَحِيمُ مَأْوِي عِدَاها *** بِخُلُودٍ لَهُمْ وَ طُولِ بَقَاءِ

فَخُذِي بَضْعَةَ الرَّسُولِ سَلاَماً ***مِنْ فَتّي مُبْتَغٍ لَكَ بِالْوَفاءِ

هُوَ عَبْدُ المَجِيدِ وَابنُ عَلِيِّ *** أَبْتَغِي نِعمَةً وَ خَيرَ جَزَاءِ

طَالِباً صِحَّةً بِطُولِ حَيَاتِي *** مُسْتَمِيتاً بِخِدْمَةِ اَلزَّهْرَاءِ

طَالِباً مُذَوِّداً سَلِيماً وَ قَلْباً *** مُسْتَنِيراً بِنُورِ ذِي النَّغْمَاءِ

و عَلَيْكِ أمَّ الْهُدَاةِ صَلاةٌ *** تَذكُّ نُوراً عَلَيَّ ضياءِ ذَكاءِ

وَ عَلِي الطُّهْرُ مِنْ بَنيكِ جَمِيعاً *** حُجَجُ الْكَوْنِ سَادَةِ الْأَوْلِيَاءِ

وَ عَلِي البَعلِ سَيِّدي وإمامي *** مَا غَدَا الكَوْنُ باسْماً بِالرِّضاءِ

وَ عَلِيٌ سَيِّدِ اَلْأَنَامِ جَمِيعاً *** مَا غَداً الدَّهْرُ ضَاحِكاً بَهِنَاءِ

هُوَ نُورُ اَلْأَكْوَانِ شَمْسُ البرايَا *** سَيِّدُ اَلرُّسْلِ خَاتَمُ اَلْأَنْبِيَاءِ(3)

ص: 259


1- إشارة إلي وصية النبي صلي الله عليه و آله و سلم أهل بيته عليه السلام قائلاً: يحفظ المرء في ولده. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: أذكركم اللّه في أهل بيتي، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: استوصوا بأهل بيتي خيراً. انظر خطبة الزهراء عليها السلام في الاحتجاج للطبرسي، ج 1 ص 131 و حديث الغدير في صحيح مسلم ج 4 في كتاب الفضائل و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 230. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة و أحبوني لحب الله و أحبوا أهل بيتي لحبي. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: لا يؤمن عبد حتي أكون إليه أحبّ من نفسه و تكون عترتي أحب إليه من عترته. انظر الصواعق المحرقة لابن حجر، ص230. و هناك أحاديث كثيرة في هذا المجال نتركها لمظانها.
2- مِذوَداً: لساناً.
3- المرائي الإسلامية في رثاء العترة النبوية، ص 44.

(34) شمسُهُ الزهراءُ

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد فرج الله(*)(1)

فِي المَدي... حَيثُ تُجثَمُ الظَّلماءُ *** والسُّباتُ العَميقُ دنياخَواهُ(2)

حِلْمٌ رَفَّ فِي اَلسَّمَاءِ رَبِيعاً *** أَحْمَدِيّاً... وَ شَمْسُهُ زَهْرَاءُ

رَاتِقٌ... فِي عُيُونِهِ هَمْسَةُ النُّورِ *** و فَيضٌ و رَحْمَةُ خَضْرَاءُ

فِي فِجَاجِ الصُّخُورِ يَرسُمُ دَرْباً *** لِلهُدي وهُوَ رَوْضَةٌ غَنَاءُ

يَاخُذُ الرُّوحَ فِي مَدَاهُ لتحيا *** فِي رُبُوعِ اَلاِلَهِ كَيْفَ يَشاءُ

أَيَ عُلاهَا الْعَظِيمُ، أَوْقِفْ سُرانا *** لَحظَةً كَيْ يُطِلَّ مِنْكَ سَنَاءُ

كُمْ مَشَيْنَا عَلَيَّ الْجراحِ وَ هَذِي اَلرُّوحُ *** غَضَبِي وَ لَمْ يُنْكِّسْ لِواءُ

وَ عَبرنَا التُّخُومَ... في كُلِّ جَذْرٍ *** رَفَّ مِنَّا حُبِّ وَرَقَّ حُدَاءُ(3)

وَ اتَّيْنَاكَ... لَمْ نَصِلْ... وَ جَوانا *** يَتَفَشَّي لَهيبُهُ وَ الرَّجَاءُ

فَلِمَاذَا؟ وَالأُمْنِيَّاتُ عَطَاشِي *** و النَّدَي يابِسٌ... وَ أنْتَ الماءُ

و اِذا طَيْفُكَ اَلرَّحِيمُ تناءَي *** ومشاويرُ خَطْوِنَا عَرْجَاءُ

خَلْفَ هَذَا اَلْجَحِيمٍ شَبَّتْ رُوَاهَا *** نَاعِمَاتٍ يُفِيضُ مِنْهَا النَّقَاءُ

ص: 260


1- (*) شاعر معاصر ولد في إحدي قري جنوب العراق (1387 ه_)، من أسرة علمية أدبية معروفة، له ثلاث مجاميع شعرية مائلة للطبع في ديوان واحد، و مجموعة قصصية و رواية جاهزتان للطبع، و كتاب عن حياة الإمام السجاد الا بعنوان (ضفة النور) مخطوط، و كتاب عن (قصائد الشاعر علاء الدين الحلي) مخطوط.
2- تجثم: تجلس. و الخَواء: الفضاء، الفراغ.
3- التخوم : الحدود .

هَا هُنَا تُخْنَقُ الرِّئَاتُ و تُمحَي *** من وَجِيبِ(1) الْقُلُوبِ تِلْكَ الدِّمَاءُ

وَلَدَيْهَا تحيَا ازاهيرُ نبِضٍ *** فَتَّقَتهَا مِنْ طُهْرِهَا أَندَاءُ

هَهْنَا حَسْرَةُ اَلزِّمَادِ تَلُوتْ *** في اِنْكِسَارَاتِهَا خُطّي عَمْيَاءُ

وَلَدِي قُدْسِهَا حَمَائِمُ نُورٍ *** تِهِبُ الدِّفءَإِذ يَطُولُ الشِّتاءُ

و النِّداءاتُ اقْبِلوا... إنَّ قَلْبِي *** حِينَ يَعْوِي الْهَجِيرُ ظِلٌ وَ ماءُ

اَنَا مِنْكُمْ... اِلَيْكُمْ... اَنْزِفُ الْجُرْحَ *** لِتَحْيَوا... ما مَسَّنِي اَعْياءُ

لَسْتُ اِرْضِي اِلاّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَللهِ *** شَرَاعَاً... حتِّي يَصِحَّ اَلْوَلاَءُ(2)

ص: 261


1- وجيب: خفوق
2- في إشارة إلي وجوب مودتهم (عليهم الصلاة والسلام المشار إليها في تفسير قوله سبحانه وتعالي«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» الشوري/ 23.

(35) أم أبيها عليها السلام

(بحر الخفيف)

السيد عبد المحسن فضل الله (*)(1)

أُغْمِضُ اَلطَّرْفَ فَالسِّنِينُ وَرَائِي *** تَرْوِي أَحْدَاثَهَا عَلَي اِسْتِحْيَاءِ

ص: 262


1- (*) السيد عبد المحسن إبن العلامة الحجة السيد صدر الدين إبن السيد محمد إبن السيد محيي الدين فضل الله، عالم، فقيه، أصولي، محقق، أديب، مرهف، شاعر مبدع، ينتسب إلي عائلة فضل الله التي تنتسب إلي الإمام الحسن عليه السلام. ولد (قده) في النجف الأشرف سنة (1350 ه_ 1932 م) و عاد به والده، إلي بلدته عيناثا في جبل عامل و عمره أربعة أشهر، و توفي والده و له من العمر تسع سنوات، تعلّم القراءة و الكتابة و القرآن الكريم في المكتب في بلدته عيناثا ثم الخط في مكتب آخر، ثم انتقل إلي المدرسة الرسمية في بنت جبيل لمدة ثلاث سنوات، غادر بعدها إلي النجف الأشرف ليبدأ دراسة المقدمات و السطوح ابتداءً من القطر وانتهاء بالرسائل والمكاسب، وحضر قسما من شرح منظومة السبزواري في الفلسفة علي يد الشيخ محمد تقي صادق، ومن أساتذته خارجة في بعض أبواب الفقه: السيد علي الفاني، و الشيخ عباس الرميثي، و السيد محسن الحكيم برهة قصيرة، و حضر دروس السيد أبو القاسم الخوئي فقها و أصولا، ما ينوف علي العقدين من الزمن، وحاز علي مرثية الاجتهاد في وقت مبكر من حياته كما تنطق به كتاباته الفقهية و الأصولية. بعد ثلاث وعشرين سنة في النجف الأشرف عاد إلي لبنان سنة (1388 ه_/ 1969 م) اليقيم في بلدة خربة سلم في جبل عامل، ليبدأ منها حياة مليئة بالجهاد، و التوجيه و الإرشاد، و النشاط الاجتماعي المشهود، فتربي علي يديه جيل من الشباب الإسلامي كان له فيما بعد الدور الفعال في مجالات عدة علي مستويات العمل الإسلامي. و من معالم حياته البارزة دورة القيادي الفعّال في إشعال روح الثورة ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وصموده في منزله في خربة سلم الذي كان محط رجال المجاهدين الذي تعرض للقصف مرات عدة ما أدي إلي إصابة زوجته إصابة سببت لها الشلل و توفيت بعد ثلاث سنوات، و أصيب سريره بصاروخ خارق بعد مغادرته له بوقت قصير، و تعرّض مدخل منزله لانفجار دمّر ما دمّر. إضافة إلي جهاده المميز (قده) كانت له نشاطات اجتماعية مشهودة، منها علي سبيل المثال إنشاء جمعية التضامن الإسلامي، و إنشاء المشروع الخيري الاجتماعي سنة (1977 م) (تابع للجمعية) و يتكوّن من عدة طوابق ضمّت حسينية و مشغلاً للخياطة. وقاعة محاضرات، و مكتبة عامة و حوزة علمية، و مشاريع أخري لم تتم لأسباب عديدة للمقدس السيد عبد المحسن فضل اللّه مؤلفات عدة في الفقه و الفلسفة و الأدب و غيرها هي: مستند الفقيه، بلغة الطالب في شرح المكاسب، كتاب الشركة، كتاب الوصية، الإسلام و أسس التشريع الإسلامي، نظرية الحكم و الإدارة عند الإمام علي «عليه السلام» في عهده للأشتر، ولاية الفقيه، دليل الفتوي، بحوث فلسفية، الإسلام شكلاً و مضموناً، ديوان شعر أسماء (السراب) إضافة إلي تعليقات أصولية متفرقة. توفي (قده) في الثالث و العشرين من شهر شعبان سنة (1412 ه)، السادس و العشرين من شباط (1992 م) بعد أن ألمَّ به مرض عضال أقعده الفراش في المستشفي فاقد النطق و الحركة، و دفن قده في مقبرة خربة سلم.

فَالقَلِيلُ اَلْقَلِيلُ مِنْهُ كَفِيلٌ *** أَنْ يُرِيَكَ الأُلِي بِكُلِّ جَلاَءِ

كَيْفَ قَامَتْ عَلَيَّ اَلضَّلاَلَةِ تَبنِي *** هَيكَلاً أُسُّه عَلَيَّ اَلْبَغْضَاءِ(1)

لِلْبَتُولِ اَلطَّهُورِ وَيْحَ أُنَاسٍ *** أَغْضِبُوا اَللَّهَ فِي أَذِيِّ اَلزَّهْرَاءِ(2)

وَ هِيَ مَعَنِي قَد عَبَّرَ اَللَّهُ عَنْهُ *** بِانبِثَاقِ اَلْهُدْيِ مِنَ اَلْأُمَنَاءِ

هِيَ مَعني مِن فَوْقِ مَا يُدْرِكُ الْفِكْرُ *** سُمُّواً وَ شَمْسُ كُلِّ سَمَاءِ

هِيَ تَسْبِيحَةٌ مِنَ اَللَّهِ فِي اَلْأَرْضِ *** أنارتْ حَنادِسَ اَلظَّلْمَاءِ

هي قُدْسُ النَّبِيِّ أُمُّ أَبِيهَا *** وَ مُضِةُ اَلنُّورِ بَيْنَ طِينٍ وَ مَاءِ(3)

ص: 263


1- أسّه: أساس و أصل بنائه. و مضة: لمعة خفيفة.
2- المشار إلي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إن فاطمة عليها السلام شعرة مني فمن آذي شعرة مني فقد آذاني و من آذاني فقد آذي الله و من آذي الله لعنه ملءُ السماوات و الأرض. و نحو ذلك من أحاديث متواترة. انظر كشف الغمة، ج 1 ص 467، البحار ج 43 ص 54. و عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال : يا فاطمة عليها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضي لرضاك. و قريب من لفظ الحديث في البخاري، ج 2 ص 3510 باب مناقب قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم ص 1272. أمالي الصدوق ص 314، و مستدرك الحاكم ج 3 ص 153 ، و كنز العمال ج 6 ص 219 و ج 11 ص 111.
3- إشارة إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم كني فاطمة الزهراء عليها السلام أم أبيها و من معاني ما جاء في تفسير هذه الكنية هو: (حيث إن زوجاته أمهات للمؤمنين و الزهراء عليها السلام أم النبي صلي الله عليه و آله و سلم؟ و كذلك لما أولته من الرعاية و الحنان لأبيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج3، و فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد.

هِيَ حُبُّ اَلنَّبِيِّ رَجَعَ صَدَاهُ *** فَاطِمُ بَضْعَتِي ولاها وَلاَئِي(1)

هِيَ مِنْ حَاطَتِ اَلنَّبِيِّ بِعَطْفِ *** فَاقَ عَطفَ الآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ

وَ هِيَ مَنْ خَصَّهَا ارْتِفاعاً عَنِ الْأَرْضِ *** بِرمْزِ الْأَمْلاكِ فِي اَلْغَبْرَاءِ

زَفَّهَا نَحْوَهُ بِمَوْكِبِ قُدسٍ *** بَزَّ شَأْواَ فَصَاحَةَ اَلْبُلَغَاءِ(2)

وَ هِيَ مَنْ أَنْزَلَ اَلْمُهَيْمِنُ فِيهَا *** آيَةَ اَلطُّهْرِ فِي ءَتَمِ أَدَاءِ

وَ هِيَ سَيْفُ اَلْإِلَهِ بِاهِلَ فِيهِ *** أَحْمَدُ اَلشِّرْكَ حَاسِراً فِي اَلْعَرَاءِ(3)

وَ هِيَ أُمُّ اَلْكِسَاءِ ضَمَّ سَنَاءُ *** خَيْرَ كُلِّ اَلْوَرِي بِلاَ اِسْتِثْنَاءِ

هَذِهِ فَاطِمُ وَ بَعْضُ عُلاَهَا *** فَاسْأَلُوهَا عَنْ فَاضِحِ اَلْأَنْبَاءِ

طَلَبَتْ إِرْثَهَا كَمَا أَمَرَ اَللَّهُ *** فَرُدَّتْ بِفِرْيَةِ اَلْأَدْعِيَاءِ(4)

ص: 264


1- إشارة إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها... و في حديث آخر: فاطمة عليها السلام بضعة مني من سرّها فقد سرّني و من ساءها فقد ساءني فاطمة عليها السلام أعز الناس عليَّ. و في لفظ آخر: أعز البرية عليّ. راجع مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 380، و الصواعق المحرقة، ص 190، إثبات الهداة، ج 2 ص 397، الحكم الزاهرة، ج 1 ص 94. و قريب من لفظ هذا الحديث في صحيح البخاري، ج 2 ص 1285 ج 3556 باب مناقب فاطمة ومناقب قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم ص 1272 ح 3510.
2- بزّ: غلب.
3- إشارة إلي مباهلة النبي صلي الله عليه و آله و سلم نصاري نجران فبعد أن نزل قوله تعالي: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ» آل عمران/ 61. عند ذلك خرج النبي للمباهلة و معه الإمام علي عليه السلام و سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام و الحسن والحسين عليهما السلام قائلاً لهم إذا دعوت فأمنوا ولكن نصاري نجران امتنعوا عن المباهلة عندما رأوا أهل البيت عليهم السلام و قد خرجوا للمباهلة فقبلوا الصلح و الجزية بعد أن نصحهم الأسقف قائلاً: يا معشر النصاري إني لأري وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة. راجع مسند أحمد بن حنبل، ج 1 ص 101، و صحيح مسلم ج 4، و صحيح الترمذي، ج 5 ص 301 ح 2999 وج 4 ص 293، و كتاب فضائل الصحابة باب فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 645.
4- المقصود قول فلان: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. فِرية : كذب و افتراء.

أَتْرَاهَا وَ اَلطُّهْرُ كُلُّ معانيهَا *** اِفْتِرَاءً تَفُوَّهُ بِالْحَوْبَاءِ؟(1)

ألفُ حَاشَا أَنْ تَفْتَرِيَ اِبْنَةُ طه *** فَهِيَ أَدْرِي بِشِرْعَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ

يَا بْنَ تَيْمٍ مَنْ أَنْتَ كَيْ تزدريها *** خَسِيءَ اَلْقَوْلُ أَنْ تَكُونَ نِدَائِي

خَسِئَتْ أُمَّةٌ تامَّرَ فِيها *** فِئَةٌ أُسَّسَتْ عَلَي الْبَغْضاءِ

يَا لِعَارِ اَلْأَحْدَاثِ صُغرِي مَرَامِيهَا *** اِنْتِقَاضُ اَلشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ

قَسْماً بِالنَّبِيِّ لَوْلا اِخْتِشَائِي *** مِنْ ضِيَاعِ الحقيقةِ اَلْغَرَّاءِ

لَطَوَيْتُ اَلْحَدِيثَ عَنْ أَيِّ فِعْلٍ *** سَجَّلَتْهُ صَحَائِفُ اَلْأَعْدَاءِ(2)

ص: 265


1- الحوباء: يريد الحوب و هو الإثم و الذنب، أما الحوباء فهي النفس لأنها موطن الحاجات التي قد تدفع للإثم و توقع في الذنب.
2- شرح خطبة الزهراء و أسبابها، ص 377 للشيخ نزيه القمي.

(36) ملحمة أهل البيت عليهم السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي(1)

ص: 266


1- هو الشيخ عبد المنعم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ عيسي ابن الشيخ حسن، الشهير بالفرطوسي. و آل فرطوس أسرة كبيرة ممتدة الأطراف، و هم من قبيلة عربية يقطن معظمها في محافظة العمارة و فيهم المترجم له، و قسم في المنتفك، و قسم في ناحية الشنافية، و ترجع في النسب إلي آل غربي. ولد في النجف الأشرف سنة (1335 ه) و نشأ و ترعرع في كنف والده ونال منه التربية الصالحة، و منذ نعومة أظفاره تعّشق العلم و درس علي أساتذة عصره من أرباب الفضيلة، فأخذ الفقه و الأصول علي السيد محمد باقر الشخص الاحسائي و اشترك في بحث الخارج عند السيد الخوئي (قدس) و اختلف إلي درس الشيخ محمد عن الخراساني في الأصول. و يعد الشيخ الفرطوسي من أصحاب الفضيلة العالية و من مشاهير الأدباء و الشعراء في جامعة النجف العلمية، و له آثار علمية تعرب عن مقدرته و طول باعه في تلك العلوم نذكر منها: 1 - شرح الاستصحاب من رسائل الشيخ الأنصاري، يقع في ألف صفحة. 2- شرح الجزء الأول من كفاية الأصول، يقع في ثمانمائة صفحة. 3- شرح مقدمة المكاسب إلي بحث المعاطاة. 4- شرح شواهد مختصر المطول. 5- منظومة في علم المنطق في حاشية ملاّعبدالله. 6 - ديوان شعر يقع في أربعة أجزاء جزءان منه في آل البيت عليهم السلام و جزءان في الاجتماعيات. 7 - الوجدانيات من شعره مجموعة ذات ألوان وصفيّة. 8- كما نظم رواية الفضيلة لمصطفي المنفلوطي. و الجدير بالذكر أن المترجَم له كان من المكثرين في النظم، و نظم أكثر شعره في أهل البيت «عليهم السلام» و قد نظم ملحمة كبيرة تضمنت تاريخ الإسلام و سيرة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام سمّاها (ملحمة أهل البيت «عليهم السلام») تقع في ثمان مجلدات، و قد بلغت أبياتها إلي أكثر من خمسين ألف بيت بقافية واحدة (الهمزة) أخذنا منها ما هو في شأن الزهراء عليها السلام و ها هي بين يديك. و أما شاعرية الفرطوسي فإنها غنية عن المدح و التعريف بعد أن حاز إعجاب كل من سمعه فهذه الأندية الأدبية والحفلات الدينية تشهد بذلك، فهو ينبوع ثرّ و معين لا ينضب ، جزل اللفظ، مليح المعني، حسن السبك و الإيقاع، قرض الشعر علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة فأجاد و أبدع و اتسم نظمه بالقصائد العمودية، و يعد من الرعيل المتقدم من شعراء العقيدة البارزين. وفاته: اختاره الله و دعاه إليه فلبي النداء في (دبي) سنة (1404 ه_) و حُمل جثمانه إلي مسقط رأسه النجف الأشرف ، و دفن بجوار سيد الأوصياء، أمير المؤمنين «عليه السلام».

مولد الزهراء عليها السلام

يَا أَخَا اَلْمُصْطَفِي أَرْفُّ وَلاَئِي *** لَكَ بُشْراً فِي مُوْلِدِ الزَّهْرَاءِ(1)

وُلَدَتْ وَ اَلْعَفَافُ يَنْضَحُ مِنْهَا *** مُسْتَفِيضاً عَلَي بَنِي حَوَّاءِ

وَكَسَاهَا مِنَ الْقَدَّاسَةِ بُرْداً *** أَيْنَ مِنْهُ قَدَّاسَةُ اَلْعَذْرَاءِ

هِيَ أُمُّ اَلسِّبْطَيْنِ بَضْعَةُ طهَ *** زَوْجَةُ اَلْمُرْتَضِي وَ خَيْرُ اَلنِّسَاءِ

هي تُفَّاحَةٌ حَبَاهَا لِطَّهِ *** مِنْ جِنَانِ اَلْخُلُودِ رَبِّ السَّمَاءِ

حَوِّلَتْ نُطْفَةٌ بِأَطْهَرِ صُلْبٍ *** هُوَ أَصْلٌ لِلصَّفْوَةِ اَلْأُمنَاءِ

هي صِدِّيقَةُ اَلنِّسَاءِ تَسَامَتْ *** بعُلاَهَا مِنْ نَسْلَةٍ حَوْرَاءِ

حَدَّثَتْ أُمَّهَا وَ كَانَتْ جَنِيناً *** فِي حشاهَا بِأَصْدَقِ اَلْأَنْبَاءِ(2)

وَ تَجَلَّت شَمْساً بِأُفُقِ هُدَاهَا *** يَتَوَارَي مِنْهَا حَبينُ ذُكَاءِ(3)

ص: 267


1- جلاء العيون ج 1 ص 122 (من الأصل).
2- راجع ينابيع المودّة للقندوزي، ص 198، و ذخائر العقبي، ص 44. فهذه مصادر سبعة من طرق الجمهور. و أما من طرق أصحابنا فإننا نذكر. علي سبيل المثال لا غير -خمسة مصادر فيها الكفاية و الشفاية، و هي: أمالي الصدوق، ص 475، إحقاق الحق للتستري، ج 10 ص 12، بحار الأنوار، ج 16 ص 80، الأنوار البهية للمحدث القمي، ص 46، الدمعة الساكبة للبهبهاني ج 1 ص 238.
3- انظر أمالي الصدوق، ص 475 و روضة الواعظين، ج 1 ص 143، و مدينة المعاجز، ص 635 ط قديم و عوالم العلوم للبحراني، ج 11 ص 14 و الأنوار البهية للقمي، ص 47 و الدمعة الساكبة للمولي البهبهاني، ج 1 ص 239 و الروض الفائق لشعيب بن سعد المصري، ص 214.

هِيَ رَيْحَانَةُ اَلرَّسُولِ وَ كَانَتْ *** مِنْهُ طِيباً تَفُوحُ بِالْأَشْذَاءِ(1)

هِيَ روحٌ مَا بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَانَتْ *** تَرْتَدِي مِن حِنَانِهِ بِرِدَاءِ

فَطَمَ اَللَّهُ مِنْ لظَي اَلنَّارِ فِيهَا *** كُلُّ مُولًي لَهَا مِنَ اَلْأَوْلِيَاءِ(2)

قَالَ طه: دَخَلْتُ جَنَّةَ عَدْنٍ *** فِي عُرُوجِي بِلَيْلَةِ اَلْإِسْرَاءِ

فَتَنَاوَلْتُ رطْبَةً هِيَ كَانَتْ *** نُطْفَةً لِلزَّكِيَّةِ اَلْحَوْرَاءِ

وَ هِيَ كانَتْ تَدَّعِي اَلْبَتُولَ لِطُهْرٍ *** نَزَّهَتْ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ اَلدِّمَاءِ(3)

ص: 268


1- في إحقاق الحق للتستري، ج 10 ص 185، عن عائشة، قالت: كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم و إذا قدم من سفرٍ قبّل نحر فاطمة، و قال: منها أشمّ رائحة الجنة.
2- تاريخ بغداد، ج 13 ص 331، ذخائر العقبي ص 26، و الصواعق المحرقة، ص 230، و كنز العمال، ج 13 ص 94، وإسعاف الراغبين المطبوع هامش نور الأبصار، ص 191، و ينابيع المودة للقندوزي، ص 194، و مودة القربي، ص 101، و الفيض القدير، ج 1 ص206، و نزهة المجالس ج 2 ص 226، و منتخب كنز العمال؛ هامش المسند، ج 5 ص 97، و شرح جامع الصغير ص 328، و غيرها من كتب الجمهور. ومن جانبنا : صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ص23، و عيون أخبار الرضا، و معاني الأخبار ، وعلل الشرائع، ج 1 ص 178، و أمالي الطوسي، ج 1 ص 300، و إحقاق الحق للتستري، ج 1 ص 16، و سفينة البحار للقمي تحت لفظة «سمو»، و فضائل الخمسة، ج 3 ص 153. علي أن هناك تفاسير أخري أيضاً وردت في الروايات، و من الفريقين، لتسمية بضعة الرسول بفاطمة عليها السلام. فبعضها تذكر أنها عليها السلام سميّت بذلك لأنها فُطمت من الشرّ، و بعضها لأنّها عليها السلام فُطمت الناس بولادتها من أن يطمعوا في وراثة أبيها عليها السلام، و ثالثة: لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها عليها السلام و رابعة : لأنّ الله فطمها من الطمث، و فطهما بالعلم، و خامسة: لأن الله اشتق لها اسماً من اسمه، فهو الفاطر و هي فاطمة عليها السلام. فالأقوال و التفاسير علي هذا ستّة. و لا تنافي بينها، بل يمكن التوفيق فيما بينها جميعاً، و القول: بأن كلَّ واحدٍ منها يحكي مصداقاً من المصاديق . و لا بعد في ذلك. و في الهامش العاشر سوف يأتي أحد الوجوه لتوضيح القول الخامس المذكور، فلاحظ. لظي: لهب.
3- البتلُ والبتكُ و البتعُ و البترُ و البتُّ لغةً: القطع، و إن اختلفت صورته و تفاوتت درجته. و تبتّل إلي الله تبتيلاً: انقطع إليه انقطاعاً. و البتول المنقطعة، و سميت مريم العذراء سلام الله عليها بتولاً الانقطاعها عن الرجال إلي الله، و قد تعدّدت التفسيرات لتسمية فاطمة الزهراء عليها السلام بتولاً: أ- لانقطاعها عن نساء زمانها عفافاً و فضلاً و حسباً و ديناً كما عن مجمع البحرين، و لسان العرب، و النهاية لابن الأثير. ب - لانقطاعها عن الدنيا إلي اللّه «سبحانه»، كما عن أهل اللغة السابق ذكرهم. ج - لتكامل حسنها بلحاظي الكلّ و الأجزاء، كما عن لسان العرب. د- لانقطاعها عمّا هو معتاد العورات و الدماء التي تعرض النساء كل شهر، كما عن إحقاق الحق، ج 10 ص 25، و مودة القربي، ص 103، و المناقب المرتضوية، ص 119. ه_- تعودها كل ليلةٍ بكراً، كما عن إحقاق الحق، و المناقب المرتضوية و مودة القربي أيضاً. و- لانقطاعها عن الحيض و النفاس كما في معاني الأخبار، ص 64، و ذخائر العقبي، ص 26، و إحقاق الحق، ص 224، و بحار الأنوار، ج 43 ص 7، 16، 19، و ينابيع المودة، ص 260، و أخبار الدول، ص87، و غيرها. ز- لانقطاعها عن النظير، كما في المناقب لابن شهر آشوب، نقلاً عن الغريبين لعبيد الهروي. والتفاسير -كما هو واضح- تؤول إلي معني واحد مشترك. نعم المعنين الثالث و الخامس لا يستغنيان عن توجيه، إلاّ أنّ الرأي الخامس منصوص عليه في الروايات، فلاحظ. يجدر هنا أن نشير إلي أن التناسب الواضح بين البت و البتر و البتع و البتك و البتل، بحيث يقرّب جداً إرجاع بعضها إلي بعض... إن هذا التناسب من شأنه أن يوضح التفسير الخامس التسمية الزهراء عليها السلام بفاطمة، فراجع الهامش الثامن من هذه القصيدة.

وَ هِيَ فِي اَلْعَرْشِ قَبْلَ آدَمَ كَانَتْ *** قَبَساً زَاهِراً لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ(1)

وَ هِيَ كَانَتْ تَزْهُو سِنّاً لِعَلِيِّ *** وَازدِها كَالفَرقدِ اَلْوَضَّاءِ(2)

فَطَمْتَ مِنْ جَمِيعِ شَرِّ وَ طَمِثٍ *** يَعْتَرِيهَا وَ قُدِّسَتْ بِالثَّنَاءِ(3)

فَوَلاَّهَا بَرَاءَةٌ لِلْمَوَالِي *** مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ يَوْمَ الْجَزَاءِ(4)

وَ تَلَقَّتْ حَوَادِثاً وَ عُلُوماً *** مِنْ حَدِيثِ الْمَلاَئِكِ الْأُمَنَاءِ

هَاكِ يَا بَضْعَةَ اَلرَّسُولِ نَشِيدِي *** مُسْتَفِيضاً مِنْ بِسَمَتِي وَ بُكائِي

أَنَا أَرْجُو مِنْكَ اَلشَّفَاعَةَ فِيهِ *** يَوْمَ بَعْثِي مَشْفُوعَةً بِالشِّفَاءِ

رَطْبَةً مِنْ سِدْرَةِ اَلنُّورِ

وَ اِبْنُ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ *** مُسْتَفِيضٍ عَنْ خَاتَمِ الْأَصْفِيَاءِ(5)

ص: 269


1- البحار، ج 43 ص 17، 44.
2- البحار، ج 43 ص 11، 16. تزهو: تشرق و تضيء. الفرقد: نجمٌ قريب من القطب الشمالي يُهتدي به.
3- طمث: دنس، فساد دم، حيض، ريبه.
4- راجع تاريخ بغداد، ج 13 ص 331، و ذخائر العقبي، ص 26، و كنز العمال، ج 13 ص 101، وينابيع المودّة ص 194، 240، منتخب كنز العمّال، ج 5 ص 97، و نزهة المجالس ج 2، ص 226، و غيرها كثير.
5- جلاء العيون، ج 1 ص 121 «من الأصل».

أنَّ طه قَدْ كَانَ يُكْثِرُ -حُبّاً *** مِنْهُ- تَقْبِيلَ بِنْتِهِ اَلزَّهْرَاءِ

سَأَلْتْ مِنْهُ عَائِشٌ: أَيُّ سِرِّ *** قَدْ دَعَاهُ لِفَرَطِ هَذَا اَلْوَلاَءِ؟

قَالَ: إِنِّي أَبْصَرْتُ سِدْرَةَ نُورٍ *** بِجِنانِ الْفِرْدَوْسِ فِي اَلْإِسْرَاءِ

وَ هِيَ مِمَّا قَدْ أَنْعَمَ اَللَّهُ فِيهِ *** بِجِنَانِ الخُلُودِ للأَتقياءِ

فَتَنَاوَلْتُ رُطَبَةً مِنْ جُنَاهَا *** قَدْ حَبَانِي فِيهَا بِأَسْنِي حِبَاءِ

وَ هِيَ كانَتْ أَرَقَّ لِيناً مِنَ اَلزُّبْدِ وَ أَحلِي *** مَن شَهِدَةٍ فِي الْغِذَاءِ(1)

كَوَّنَتْ نُطْفَةُ الزَّكِيَّةِ مِنْهَا *** فَهِيَ أَزَكِّي إِنسِيَّةٍ حَوْرَاءِ

أَنَا مِنْهَا أَشَمُّ رَائِحَةَ اَلْجَنَّةِ *** مَهْمَا قَبَّلْتُهَا فِي اللِّقَاءِ(2)

تُفَّاحَةً مِنْ شَجَرَةٍ طوبي

وَ أَتِيَ جَبْرَئِيلُ يَوْماً لطَّهَ *** فِي حَدِيث عَنْ صَادِقِ اَلْأُمَنَاءِ(3)

قَالَ: هَذي تُفَّاحَةٌ لَكَ تُهْدِي *** بَعْدَ أَسْنِي تَحِيَّةٍ وَ ثَنَاءِ

شَقَّها الْمُصْطَفي فَأَشْرَقَ نُورٌ *** وَ هِيَ فِي كَفِّهِ عَظِيمُ اَلضِّيَاءِ

قَالَ: مَاذَا؟ فَقَالَ: كُلْهَا فَهَذَا *** هُوَ نُورُ الزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ

قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ قَدْ كَانَ *** و مِنْ قَبْلِ آدَمٍ فِي وِعَاءِ

وَ هِيَ تُسَمِّي فِي الْأَرْضِ فَاطِمَةً لُطْفاً *** وَ تُسَمِّي مَنْصُورَةٌ فِي اَلسَّمَاءِ

فَطَمَ اَللَّهُ بِالْمَحَبَّةِ مِنْهَا *** مِنْ لَظَي اَلنَّارِ سَائِرَ اَلْأَوْلِيَاءِ

ص: 270


1- شهدة : العسل ما دام لم يعصر من شمعة.
2- و رواه في علل الشرائع، و شبيه منه في المناقب لابن المغازلي، ص 357 رقم 406، و مقتل الخوارزمي، ص 68، و ذخائر العقبي، ص 36، و ميزان الاعتدال للذهبي، ج 1 ص 541 رقم 2022، و لسان الميزان، ج 2 ص 297، و رواه في البحار عن ابن عباس أيضاً، ج 43 ص 5، ج 16 ص 78 - 80، و ينابيع المودة، ص 197، و راجع أيضاً العيون و الأمالي للصدوق، و الاحتجاج للطبرسي. إلاّ أنّ بعض المصادر تسند الخبر إلي عمر بن الخطاب و غيره.
3- جلاء العيون، ج 1 ص 122 (من الأصل). و المراد بصادق الأمناء، هو الإمام أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

مِثْلَ مَا عَنْ ولائِهَا بَعْدَ بُغْضٍ *** فَطَمَ اَللَّهُ سائِرَ اَلْأَعْدَاءِ

وَ بِهَا يُنْصَرُ اَلْمُحِبُّ فَيَحْظِي *** بِجِنَانِ الْخُلُودِ يَومَ الجزاءِ

يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِالنَّصْرِ مِنْهُ *** حِينَ تُمْسِي لَهُمْ مِنَ الشُّفَعاءِ(1)

ساعَةُ مَوْلِدِ الزَّهْراءِ

وَ تجلي عَنْ صَادِقِ اَلْقَوْلِ نُوراً *** خَيْرَ نَصِّ عَنْ خِيَرَةِ اَلْآباءِ(2)

حِينَمَا زُوَّجَتْ خَدِيجَةُ طه *** هِجْرَتَهَا مِنْهُمْ جَمِيعُ اَلنِّسَاءِ

وَرَاهَا يَوْماً تُحْدُثُ لِمَّا *** قَدْ أَتَاهَا فِي سَاعَةِ اَلْإِلْتِقَاءِ

قَالَ مِنْ ذا تُحدِّثِينَ؟ فَقَالَتْ: *** إِنَّ هَذَا اَلْجَنِينَ فِي أَحْشَائِي

لَمْ يَزَلْ مُؤْنِسِي بِخَيْرِ حَدِيثٍ *** قَالَ: بُشْراكِ في عَظِيمِ الهَنَاءِ

إِنَّها النَّسْلَةُ الزَّكِيَّةُ مِنِّي، *** كُلُّ نَسْلِي مِنْهَا بِحُكْمِ الْقَضَاءِ

وَ هِيَ أُمُّ الأئمةِ اَلْغُرِّ مَنْ هُمْ *** بَعْدَ وَحْيِي فِي أُمَّتِي خُلَفَائِي

وَ بِيَوْمِ اَلْمِيلاَدِ وَافَتْ إِلَيْهَا *** أَرْبَعٌ مِنْ نِسَاءِ دَارِالْبَقَاءِ

أُخْتِ موسي بِزَوْجِ فِرْعَوْنَ تُتَّلِي *** وَ بِزَوْجِ اَلْخَلِيلِ وَ اَلْعَذْرَاءِ

قُلْنَ: لَا تَحْزَنِي و قِرِّي فَإِنَّا *** لَكِ رُسُلٌ مِنْ صاحِبِ الكِبْرياءِ

نَتَوَلَّي مِنْكَ، الَّذِي تَتَوَلاَّهُ *** جَمِيعَ النِّساءِ، دُونَ عَنَاءِ

فَتُجْلِي نُورَ اَلنُّبُوَّةِ مِنْهَا *** عِنْدَ وَضْعِ الزهرا بِأَجَلِي بَهَاءِ

وَ أَتَتْهَا عَشْرٌ مِنَ اَلْحُورِ تَسْعِي *** بِأَبَارِيقَ مِنْ جِنَانِ اَلسَّمَاءِ

ص: 271


1- و قد ورد في معاني الأخبار عن الصادق أيضاً، و في علل الشرائع عن الباقر عليه السلام و في أمالي الصدوق ابن عباس ص 477، و في تاريخ بغداد ج 5 ص 87 عن عائشة ، و في البحار نقلاً عن علل الشرائع عن جابر بن عبد اللّه، و كذلك في تأويل الآيات ج 1 ص 236، 237. و لك أن تنظر الحديث و نظائره في ذخائر العقبي، ص 36، 44، و ميزان الاعتدال ج 3 ص 539، و في لسان الميزان ج 5 ص 160، و وسيلة المال في الباب الثالث، ص 149، و الروض الفائق، ص214.
2- جلاء العيون، ج 1 ص 123، (من الأصل).

وَ بِمَاءٍ مِنْ كَوْثَرِ اَلْخُلْدِ زَاكٍ *** طَهُرَتْ فِيهِ وَ هُوَ أَطْهَرُ مَاءِ

وَ دَنَتْ إِحْدَاهُنَّ فاستنطقَتها *** فَأَجابَتْ بِلَهْجَةِ اَلْفُصَحَاءِ

حِينَ أَدَّتْ لَهُنَّ خَيْرُ سَلامٍ *** وَ أَبَانَتْ أَسْمَاءَ تِلْكَ النِّسَاءِ

وَ بِنَصِّ الشَّهَادَتَيْنِ أَقَرَّتْ *** لِأَبِيها الْهادي وَ رَبِّ الْعَطاءِ

وَ بِفَضْلِ الأَئِمَّةِ اَلْغُرِّ طُرّاً *** مِنْ بَيْنِهَا وَ سَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

فَتَعَالَتْ وَ اَلْحُورُ فِي بُشريَّاتٍ *** بشريَّاتِ اَلملاَئِكِ اَلْأُمَنَاءِ

وَ رَأَوْا فِي اَلسَّمَاءِ مَا لَمْ يَرَوْهُ *** مِنْ سِنَا قَبْلَ مَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ(1)

ص: 272


1- الصدوق في أماليه، بطريقه إلي المفضل بن عمر؛ قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة؟ فقال: نعم، إن خديجة لمّا تزوج بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها و لا يسلُّمن عليها فاستوحشت خديجة سلام الله عليه لذلك، و كان جزعها و غمُّها حذراً عليها، فلما حملت بفاطمة عليها السلام كانت فاطمة عليها السلام تحدّثها من بطنها و تصبّرها و كانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فدخل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوماً، فسمع خديجة سلام الله عليها حدث فاطمة عليها السلام، فقال لها يا خديجة سلام الله عليها، من حدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدِّثني و يؤنسني، قال: يا خديجة سلام الله عليها هذا جبرئيل يخبرني (يبشرني) أنها أُنثي، و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و إن اللّه «تبارك وتعالي» سيجعل نسلي منها، و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاؤه في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة سلام الله عليها علي ذلك إلي أن حضرت ولادها، فوجّهت إلي نساء قريش و بني هاشم: أن تعالين لتلين منيّ ما تلي النساء من النساء، فأرسَلنَ إليها: أنت عصيتنا، و لم تقبلي قولنا، و تزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء و لا نلي من أمرِك شيئاً، فاغتمّت خديجة سلام الله عليها لذلك، فبينا هي كذلك؛ إذ دخل عليها أربع نسوةٍ سُمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لمّا رأتهنّ. فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة سلام الله عليها فأرسلنا ربُّك إليك، و نحن أخواتك ؛ أنا سارة، و هذه آسية بنت مزاحم، و هي رفيقتك في الجنة، و هذه مريم بنت عمران، و هذه كلثوم أخت موسي بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء ، فجلست واحدة عن يمينها، وأخري عن يسارها، و الثالثة بين يديها، و الرابعة من خلفها ، فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة، فلمّا سقطت إلي الأرض؛ أشرق منها النور حتي دخل بيوتات مكة، و لم يبقَ في شرق الأرض و لا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، و دخل عشر من الحور العين؛ كُلُّ واحدةٍ منهن معها طست من الجنة، و إبريقٌ من الجنة ، و في الإبريق ماءٌ من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر و أخرجت خُرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن، و أطيبَ ريحاً من المسك و العنبر ، فلفّتها بواحدة و قّنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين، و قالت : أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، سيدُ الأنبياء، و إن بعلي سيدُ الأوصياء، و ولدي سادة الأسباط، ثم سلّمت عليهن، و سمَّت كُلَّ واحدة منهن بإسمها، و أقبلن يضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك. و قالت النسوة: خُذيها، يا خديجة سلام الله عليها، طاهرة مطهرة، زكيّة ميمونة، بورك فيها و في نسلها، فتناولتها فرحةً مستبشرة، و ألقمتها ثديها فدرّ عليها، فكانت فاطمة عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، و تنمو في الشهر كما ينمو الصبيُّ في السنة (أمالي الصدوق المجلس السابع والثمانون، ح 1 ص475). و يمكن لك أن تراجع أيضاً: بحار الأنوار ج 16 ص 79، 80، و ج 43 ص 2، 3. بطريقه في الاثنين إلي المفضل بن عمر، و في مصباح الأنوار بطريقه إلي حمّاد. و انظر أيضاً دلائل الإمامة للطبري، ص 9، و المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 161، و ذخائر العقبي، ص 44، و ينابيع المودة للقندوزي، ص 198، و تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 1 ص294، و وسيلة المال ص 77، و نزهة المجالس ج 2 ص 227.

أسماؤها المباركة

إِنَّ أَسَمَاءَهَا اَلْكَرِيمَةَ مِنْهُ *** تِسْعَةٌ وَهِيَ أَكْرَمُ اَلْأَسْمَاءِ(1)

ص: 273


1- جلاء العيون، ج 1 ص 135، (من الأصل). و في أمالي الصدوق، المجلس السادس و الثمانين ح 18، بسنده إلي يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: الفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله «عزوجل» ؛ فاطمة و الصدِّيقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضيّة و المحدّثة و الزهراء. و في المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 133: و أسماؤها علي ما ذكره أبو جعفر القمي: فاطمة، البتول، الحصان، الحرّة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكيّة، الراضية، المرضية ، المحدثة، مريم الكبري، الصديقة الكبري. و يقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية. و نحن نذكر هنا اثني عشر اسماً لها -و الاسم هنا يعمّ اللقب أيضاً- مشفوعةً بما فيه الكفاية من مصادر الفريقين، مضافاً إلي ما سبق و إن ذكرناه متفرقاً في حواشي الكتاب. 1۔ فاطمة عليها السلام: مقتل الحسين للخوارزمي، و إحقاق الحق، ج 1، ج 19، بحار الأنوار 43 تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام باب 2 أسماؤها و بعض فضائلها، ص 10 - 19، والعوالم، ج 11 ص 68 - 74، و ينابيع المودة، ص 24، بطريق جابر، و ص 194 بطريق سلمان، و ص 397 بطريق أبي هريرة، و نور الأبصار ص 52، و وسيلة المآل باب 3 ص 150، و فيض القدير ج 1 ص168، و استجلاب ارتقاء الغرف من باب الحث علي حبهم ص 65. 2 - الراضية: تفسير سورة الضحي من الدّر المنثور، نقلاً عن العسكري في المواعظ ، و ابن لال، و ابن مردويه، وابن النجار . و راجع مسند فاطمة للحافظ السيوطي، ص 110. و راجع المناقب لابن شهرآشوب، و جلاء العيون للمجلسي، و الأمالي للصدوق كما تقدم في بداية الحاشية. 3- المرضية : يمكن مراجعة أحاديث رضاها و غضبها، و دلائل الإمامة ص 8، 10 و الأمالي و الخصال و العلل للصدوق، و راجع المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 133، و نوادر المعجزات ص 84، و أهل البيت ص 112. 4 - الزهراء: علل الشرائع، ص 71 ب 143، و كنز الفوائد، ج 2 ص 610 ح 7، و مناقب ابن شهرآشوب ج 3 ص 110، و الفضائل لابن شاذان ص 172، و إرشاد القلوب و إحقاق الحق، ج 10 ص 244، 309، ج 19 ص 16، و بحار الأنوار، ج 40 ص 44 ، ج 43 ص 11، 12، 16، 17، 52، 56، و العوالم ج 11 ص 21، 22 و المحتضر ص 133. و انظر أيضاً مستدرك الحاكم، ج 3 ص 161، و الشرف المؤبد للحافظ السيوطي، و نزهة المجالس، ج 2 ص 222، و إتحاف السائل، ص 24، و إسعاف الراغبين؛ بهامش نور الأبصار، ص 172 ، و أخبار الدول، ص 87، و الفتوحات الربانية، ج 2 ص 50. 5- البتول: دلائل الإمامة، ص 54، و العلل 181 ح 1، و معاني الأخبار ص 64 ح 17، و روضة الواعظين ص 18، و المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 110 عن أبي صالح في كتاب الأربعين، و ذخائر العقبي ص 26، و لسان العرب مادة بتل، و مصباح الكفعمي، ص 659، و إحقاق الحق ج 10 ص 25، 244، و بحار الأنوار ج 43 ص 7، 16، 19، و العوالم، ج 11 ص 79 - 81، و ينابيع المودة، ص 260، و كذلك النهاية و مجمع البحرين، و انظر المناقب المرتضوية، ص 119، و أخبار الدول ص 87، و مودة القربي ص 103، 78، و الفتوحات الربانية، ج ص 50، و إتحاف السائل، ص 95، و أرجح المطالب، ص 241. 6- الطاهرة: التاريخ الكبير، ج 1 ص391، و أمالي الطوسي ج 1 ص 391، و المناقب الابن شهر آشوب ج 3 ص 110، و مختصر تاريخ دمشق ص 42، و إحقاق الحق ج 10 ص 309، و بحار الأنوار ج 43 ص 19، 20 باب 3 - مناقبها و بعض أحوالها عليها السلام 153، و يمكن مراجعة تفاسير آية التطهير و أحاديث سد الأبواب و أمثالها، عوالم العلوم، ج 11 ص 82، 95، و انظر تاريخ آل محمد ح 421، و مصباح الأنوار ص 222، و أخبار الدول ص 42. 7- الذكية : دلائل الإمامة ص 8، 10، و أمالي الصدوق المجلس 87، ح 1، و الخصال و العلل للصدوق، و الخرائج و الجرائح ج 2 ص 524 ح 1، و المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 133، مدينة المعاجز ص 135 ح 376، عوالم العلوم ج 11 ص 55 - 57، و مصباح الأنوار، و أهل البيت لتوفيق أبو علم ص 112، 115، ونزهة المجالس ص 2. 8- المحدَّثة : بصائر الدرجات ص 151 - 161، دلائل الإمامة للطبري ص 27 - 28 الأمالي و الخصال للصدوق، و العلل 216/1- 217 ح 1 و 2 باب 146 - العلة التي من أجلها سميت فاطمة عليها السلام محدّثة و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 133، بحار الأنوار ج 43 ص 78 - 80، و الغدير ج 5 ص 42، 49، و نوادر المعجزات ص 84، و فيض القدير ج 4 ص 507 «حول وجود المحدثين في الأمة» وأهل البيت لأبي علم ص 112. 9 - المنصورة : تفسير فرات، ومعاني الأخبار ص 396 ح 53، و ميزان الاعتدال ج 2 ص 400 ح 4243، ج 3 ص 438 ح 7070، لسان الميزان ج 3 ص 267، و البرهان ج 3 ص 258 ح 6، و بحار الأنوار ج 43 ص 4، 18، و العوالم ج 11 ص 39، 86، 87. 10 - الصديقة: الكافي، ج 1 ص 458 ح 2، و علل الشرائع، ج 1 ص 184 ح 1، و أمالي الطوسي، ج 2 ص 280، الرياض النضرة، ج 2 ص 202، و الوسائل ج 2 ص 714 - 715، و بحار الأنوار، ج 22 ص 490، 491 ج 43 ص 105، و مرآة العقول، ج 5 ص315، و العوالم، ج 11 ص 91، و الغدير، ج 2 ص 305. 11 - المباركة: دلائل الإمامة ص 8، 10، كما راجع أمالي الصدوق، و المناقب لابن شهرآشوب، ج 3 ص 133، و بحار الأنوار، ج 43 ص 2، 22 «و راجع ما جاء في الهوامش عن لفظ الكوثر فإنه يعني الكثير الطيب و المبارك» و مصباح الأنوار، و مشارق الأنوار، ص 85، و نوادر المعجزات، ص 84، و أهل البيت لأبي علم ص 112. 12 - الحوراء الإنسية: و قد يجعلان اثنين لا واحداً: تفسير فرات ص 10، 73 عن سلمان، و دلائل الإمامة برواية أسماء بنت عميس ص 53، و راجع علل الشرائع، ج 1ص 183 ح 2 عن ابن عباس، و معاني الأخبار ص 396 ح 53، و تاريخ بغداد بروايته عن عائشة و ابن عباس، و في المناقب للمغازلي ص 396 ح 416، و كشف الغمة ج 1 ص 459 عن حذيفة، و ذخائر العقبي ص 26، 36، و ميزان الاعتدال ج 1 ص 81، ولسان الميزان ج 5 ص 190، وإحقاق الحق ج 4 ص 361، وفي تفسير البرهان ج 3 ص 258 ح 6، و بحار الأنوار ج 43 ص 5 ح 5، و إسعاف الراغبين، ص 118، و ينابيع المودة، ص 194، 197، 260، و المحتضر ص 135 عن ابن عباس، ودرّ بحر المناقب ص 65 عن عمار، و وسيلة المآل ص 78، و الروض الفائق ص 214، و أرجح المطالب ص 239، و الشرف المؤبد ص 54، و في تاريخ آل محمد برواية جابر و في محاضرة الأوائل ص 88. هذا، و قد سرد الشاعر (ره) تسعة من هذه الأسماء، بعد أن رواها عن كتاب جلاء العيون، و هي بترتيبه (مرضية، صديقة، طاهرة، زكية، مباركة، محدثة، فاطمة، زهراء) . و لا يخفي ما في الروايات من التجوّز في الاسم بما يعمّ اللقب، بل حتي الكنية. مضافاً إلي أن بعض هذه الأسماء يمكن أن تقرأ بأكثر من صورة، نتيجة انعدام الضبط والحركات منها. مثل المحدثة التي يمكن أن تقرأ باسم المفعول أو اسم الفاعل، و الأمر يصدق أيضا علي مثل الطاهرة و المطهرة، و الراضية و المرضية. و لا يبعد احتمال صحة القراءات جميعاً، لما فيها من نسبة الكمالات الزهراء البتول عليها السلام، و هي التي حازت علي كل خير، بل لوجود الأخبار التي تنسب تلك الصفات جميعاً إليها.

ص: 274

فَهِيَ «مَرْضِيَّةٌ» لِرَبِّ الْبَرايا *** رَضِيت مِنْهُ حَكِيمِ اَلْقَضَاءِ

وَ هِيَ «صِدِّيقَةٌ» بِمَا جَاءَ مِنْهُ *** عُصِمَتْ مِنْ مائِمِ الأَخْطاءِ

طَهُرَتْ مِنْ جَمِيعِ رِجْسٍ خَبِيثٍ *** وَ تَزَكَّت فِي جُمْلَةِ الأزكِياءِ(1)

ص: 275


1- رجس: عمل قبيح، وسوسة الشيطان.

وَ هِيَ قَدْ بُورِكَتْ بِمَا قَدْ حَبَاهَا *** رَبُّهَا مِنْ مَوَاهِبٍ وَ عَلَاءِ

وَ هِيَ قَدْ حَدِّثَتْ بِعِلْمِ غَزِيرٍ *** مِنْ حَدِيثِ المَلائِكِ الأَصفِياءِ

فُطِمَتْ بالعُلُومِ مِن كُلِّ شَرِّ *** وَ مِنَ الطَّمْثِ فِي جَمِيعِ الدِّمَاءِ

وَ هِيَ كَانَتْ تُشَعُّ أنوَرَ قُدُسٍ *** وَ جَلاَلٍ لِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

وَ هِيَ عِنْدَ الصَّلاةِ يَزْهَرُ نُورٌ *** مُسْتَضِيءٌ مِنْهَا لِأَهْلِ السَّمَاءِ

مِثْلُ مَا لِلْأَنَامِ فِي اَلْأَرْضِ يَزْهُو *** خَيْرُ نَجْمٍ مِنَ اَلسَّمَا وَضَّاءِ

وَ جَمِيعُ الْمَلَائِكِ اَلْغُرِّ تُغْشِي *** مِنْهُ أَبْصَارُهُمْ بِأَسنَي بَهَاءِ

فَيَقُولُونَ: أَيُّ شَيْءٍ نَرَاهُ؟ *** فَيَقُولُ الْبَارِي لَهُمْ فِي النِّدَاءِ

هُوَ نُورٌ مِنْ نُورِ قُدْسِي وَ عِزِّي *** وَ سَناءٌ خَلَقْتُهُ مِنْ ضِيائِي

ثُمَّ أَوْدَعْتُهُ بِصُلْبِ نَبِيِّي *** أَحمَدٍ وَ هُوَ أَفْضَلُ الأَنْبِياءِ

ثُمَّ أَخرَجتُهُ وَ أَخْرَجَ مِنْهُ *** نُورَ أَزَكِّي أئمَّةٍ أُمَناءِ

خُلَفَائِي عَلَي اَلْخَلاَئِقِ طُرّاً *** بَعْدَ طه وَ خِيَرَةِ اَلْخُلَفَاءِ

تسميتها بفاطمة عليها السلام

فَطَمَ اَللَّهُ فَاطِماً مِنْ لَظَاهَا *** وَ بَنِيهَا سُلاَلَةَ اَلأزكِيَاءِ(1)

فَتَسَمَّت بِفَاطِمٍ وَ هُوَ حَقّاً *** لعَلاها مِنْ أَفْضَلِ اَلْأَسْمَاءِ

من أحبَّ أهل بيتي دخل الجنة

أَخَذَ المُصطفي اَلنَّبِيُّ بِكَفِّي *** حَسَنٍ وَ اَلْحُسَيْنِ أَخذَ اصْطِفَاءِ

قَالَ: هَذَانِ وَ اَلزَّكِيَّةُ مِنَّا *** وَ هِيَ بِنْتِي وَ سَيِّدُ الأَوْصِيَاءِ

مِنْ أَحَبَّ اَلْجَمِيعَ مِنْهُمْ وَ وَالِي *** كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُمْ بِخَيْرِ وِلاءِ

نَالَ بَعْدَ الدُّخُولِ جَنَّة عدنٍ *** دَرَجاتٍ لِخَاتَمِ الأصفياءِ

ص: 276


1- رواه ابن حجر في الصواعق، ص 91، و جلاء العيون، ج ا ص 227.

شرف الزكية

قَالَ لِلْبَضْعَةِ اَلزَّكِيَّةِ طه: *** أَنْتَ فِي أُفُقِ رِفْعَةٍ وَ عَلاَءِ

وَلَدَاكِ سِبطَا هُدًي وَ عَلِيٌّ *** زَوْجُكِ اَلطُّهْرُ سَيِّدُ اَلْأَوْلِيَاءِ

عَمُّ طه أَبِيكِ حَمْزَةُ فِينَا *** أَسَدُ اَللَّهِ سَيِّدُ اَلشُّهَدَاءِ

وَ ابْنُ عَمِّي لَهُ جَنَاحَانِ يَجْرِي *** بِهِمَا بَيْنَ صَفْوَةِ اَلْأُمَنَاءِ

وَ أَبُوكَ الْمُخْتَارُ بَيْنَ اَلْبَرَايَا *** خَاتَمُ اَلرُّسُلِ أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ

وَ الإِمامُ الْمَهْدِيِّ بِالْحَقِّ مِنَّا *** صَاحِبُ الْعَصْرِ آخِرُ الْأَزْكِيَاءِ

زواج الصدّيقة الزهراء عليها السلام

زُوِّجَتْ فِي اَلسَّمَاءِ طُهْراً وَ يُمْناً *** وَ عَلاءً بِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ(1)

ص: 277


1- بالاستقراء نجد أربعة ألسنة في الروايات الشريفة تجاه تزويج الصديقة الطاهرة عليها السلام من أميرالمؤمنين عليه السلام: أ- أن زواجهما قد تمّ في السماء قبل الأرض و له تفاصيل كثيرة من نثار وأفراح وتهانٍ. ب- أن زواجهما في الأرض قد تمّ بأمر السماء. ج- أنّ اللّه «سبحانه» لم يخلق غير عليٍّ كفواً لفاطمة و أنه «سبحانه» أو كل أمر التزويج إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الناس، ما عدا فاطمة عليها السلام فإن أمرها إلي اللّه. و هو يؤول بالنتيجة إلي حصول القران بأمر السماء. د . أن زواج الزهراء عليها السلام من علي عليه السلام قد تمّ برضاها بعد أن خطبها الناس و أشاحت بوجهها عنهم. و واضحٌ أنه لا تنافي بين هذه الأقوال جميعاً، بل إن بعضها يعضد بعضاً، و إنما فرزناها بهذه الصورة؛ تبعاً لما هو موجود في الروايات و الأخبار، و طلباً للدقة و الفائدة. أما القولان الأخيران فقد سبقت الإشارة إليهما وإلي بعض مصادرهما. و نحن نقتصر هنا علي القولين الأولين مع ما عثرنا لهما من المصادر من كتب الفريقين. القول الأول: زواجهما في السماء: صحيفة الرضا عليه السلام ص 172 ح 108، و الكافي ج 1 ص 461 ح 10، و أمالي الصدوق المجلس 46 ح 2، و عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 59، و كنز الفوائد ج 1 ص 236 ح 16، و مناقب ابن المغازلي ص 342 ح 394، و المناقب لابن شهر آشوب ج 2 ص 182 و ج 3 ص 125، و الاحتجاج، ج 1 ص 157، و كشف الغمة، ج 1 ص 472، و الوافي، ج 3 ص 743 ح 1، و إحقاق الحق ج 25 ص 427، و مدينة المعاجز، ج 3 ص 422، و بحار الأنوار، ج 36 ص 361، ج 43 ص 98، 104، 110، 142، و جلاء العيون، ج 1 ص 173 (من الأصل)، و عوالم العلوم ج 11 ص 365 فما بعدها، و ينابيع المودة، ص 177، و إثبات الهداة، ج 1 ص 544، وآل محمد ص 23، و نزهة المجالس ج 2 ص 223، و رشفة الصادي ص 9، و الأنس الجليل ص 173. يُمناً: بركةً. القول الثاني: زواجها بأمر السماء: الكافي ج 5 ص 568 ح 54، غيبة النعماني، ص 57 ح 1، الخصال باب 8، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1 ص 177، ج 2 ص 59، من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 393 ح 4382، كنز الفوائد ج 1 ص 236 ح 16 ، أمالي الطوسي ج 1 ص 154، المناقب لابن المغازلي ص 101، مكارم الأخلاق ص 209، مناقب الخوارزمي ص 62، المقتل للخوارزمي ج 1 ص 80، تذكرة الخواص ص 316، ذخائر العقبي ص 86، كشف الغمة ج 1 ص 153، إرشاد القلوب ص 232، لسان الميزان ج 6 ص 125، الفصول المهمة ص 277، الصراط المستقيم ج 2 ص 238، مسند فاطمة للسيوطي بروايته عن أنس ص 42، 87، كنز العمال ج 16 ص 287، إحقاق الحق ج 6 ص 46، و ج 9 ص 264، و ج 15 ص 166، وسائل الشيعة ج 14 ص 49 ح 5، مدينة المعاجز ج 3 ص 422، ح 3، بحار الأنوار للمجلسي ج 36 ص 272، 361 و ج 37 ص 41، و ح3 ص 92، 97، 104، 144، و ج 51، ص 67، عوالم العلوم ج 11 ص 365 فما بعدها، ينابيع المودة ص 80، 211، 490، جواهر العقدين، أخبار الدول وآثار الأول للقرماني، ص 42، رشفة الصادي للحضرمي ص 9، 43، وسيلة المآل ص 82، 85، الأنوار المحمدية ص 70، مضار الابتداع للشيخ علي الأزهري ص 211، مودة القربي ص 92، كفاية الطالب باب 78 ص 298 - 299، علي ما في الينابيع ص 436، أرجح المطالب ص 254، 262، البيان في أخبار آخر الزمان ص 81، المقتضب لابن عياش ص 29، ترجمة الإمام علي عليه السلام بتاريخ ابن عساكر الدمشقي ج 1 ص 231، ص 241 بطريقين، كفاية الأثر ص 63، الطرائف ص 134 ح 212 و غير هذه المصادر كثير.

كَانَ جِبْرِيلُ خَاطِباً لِعَلِيٍّ *** بَضْعَةَ الطُّهْرِ مِنْ كَرِيمِ اَلْعَطَاءِ

وَ جَمِيعُ الْمَلاَئِكِ الْغُرِّ كَانُوا *** فِي زِوَاجِ الزَّهرَا مِنَ اَلشُّهَدَاءِ

نَثَرَتْ فِي اَلزِّفَافِ لِلْحُورِ طُوبِي *** مَا عَلَيْهَا بِغِبْطَةٍ وَ هناءِ(1)

دِرَراً مِنْ كَرَامَةٍ وَ جَمَاناً *** تَتَهَادَي بِهِ لِيَوْمِ الْجَزاءِ(2)

وَ أَتَاهَا أَنِ احمِلي بِرِقَاقٍ *** خُطَّ فِيهَا بَرَاءَةُ الْأَوْلِيَاءِ(3)

ص: 278


1- غبطة: أن يعظم الشيء في عين الإنسان، ويتمنّي مثله دون أن يريد زوال النعمة عنه.
2- جُمانا : جمع جمانة و هي اللؤلؤة.
3- الرَّقُّ مثل الصّكّ : الصحيفة التي يُكتب عليها، و منه قوله تعالي: «وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ» و أراد بالرِّقاق جمع رقّ. و في الرواية عن طريق بلال بن حمامة كما جاء في تاريخ بغداد: «إن اللّه لمّا أراد أن يزوّج عليّاً عليه السلام فاطمة عليها السلام أمر ملكاً أن يهزّ شجرة طوبي فهزَّهاي فنثرت رقاقاً -يعني صكاكاً- و أنشأ اللّه ملائكةً التقطوها. فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محبّاً لنا أهل البيت محضاً إلاّ دفعوا إليه منها كتاباً براءة له و من النار من أخي و ابن عمي و ابنتي...» (ج 4 ص 210). و في رواية لسان الميزان، ج 6 ص 125 و غيره: كلمة «رقاعاً» بدل «رقاقاً».

كُلِّ رَقِّ قَدْ كَانَ بِاسْمِ مُحِبِّ *** بَعْدَ تَمْيِيزِ سَائِرِ اَلْأَسْمَاءِ

أَوْ كُلَّ اَللَّهُ حِينَ أَعْطَاهُ فِيهِ *** مَلكاً حَافِظاً لِيَوْمِ اَلْبَقَاءِ

فَهُوَ يُعْطِي عِتْقاً مِنَ اَلنَّارِ لُطْفاً *** وَ امْتِنَاناً مِنْهُ لِأَهْلِ الْوَلَاءِ

مَهْرُهَا اَلنِّيلُ وَ اَلْفُرَاتُ وَ جَيْحُونَ *** وَ بَاقي وَ اَلْأَنْهَارُ فِي اَلْحَصْبَاءِ(1)

مَهْرُهَا الْأَرْضُ لاَ يَحِلُّ اغْتِصَاباً *** كُلَّ شَيْءٍ بِها لِأَهْلِ الْعَداءِ

مَهْرُها الْأَكْبَرُ الشَّفاعَةُ يَوْمَ *** الْحَشْرِ مِنْها لِلشِّيعَةِ الأَزْكِياءِ(2)

ص: 279


1- جيحون و في المعاجم: جيحان نهر يعرف اليوم أيضاً باسم «آمودريا»، ومصبُّه في بحر و آرال. الحصباء: الأرض كثيرة الحصي.
2- تتضافر الروايات، ومن الطرفين: علي أنه كان لمهرها، كما كان لزواجها، حصتان؛ سماويَّة و أرضية. أمّا مهرها في السماء فقد أجمع الفريقان علي حصوله، و علي رسم حدوده و معالمه، مع وجود تفاوتٍ يسير في ألسنتها، لكنه غير مؤثر بعد استفاضة الأخبار في ذلك و من الفريقين. و الأمر نفسه صادق تماماً بالنسبة لمهرها عليها السلام في الأرض. و تعميماً للفائدة، و تتميماً للدقة: عملنا علي فرز مفردات صداقها عليها السلام و إسناد كل جزءٍ منه إلي مصادر الخاصّة و العامّة، عسي أن يُسهم ذلك في كشف بعض الحقيقة، ونفي كثيرٍ من الوهم. أولا: مهرها في السماء. أ- الشفاعة يوم القيامة: تاريخ بغداد، ج 4 ص 210، مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 346، كشف الغمة ج 1 ص 507، إحقاق الحق ج 10 ص 367، ج 19 ص 127، 129، عوالم العلوم ج 11 ص 462 و غيرها، نزهة المجالس ج 2 ص 225، المحاسن المجتمعة ص 194 (مخطوط)، أخبار الدول ص 88، تجهيز الجيش ص 102 (مخطوط) السبعيّات ص 78. ب - شجرة طوبي تنثر الرقاق (الرقاع)، كل واحدٍ منها صكُّ أمانٍ من النار، فالملائكة يلتقطونها ثم يعطوها يوم القيامة لمحِّبي فاطمة عليها السلام و أهل البيت «صلوات الله عليهم أجمعين»: تاريخ بغداد ج 4 ص 210. المقتل للخوارزمي ج 1 ص 60، و المناقب للخوارزمي 246، الخرائج و الجرائح 536 ح 11، أسد الغابة في ترجمة سنان بن شفعلة الأوسي أيضاً، كشف الغمة ص 352، الإصابة لابن حجر في ترجمة سنان بن شفعلة (شمعلة) الأوسي، لسان الميزان ج 6 ص 125، الصواعق المحرقة ص 103، وإحقاق الحق ج 10 ص 388، و ج 15 ص 472، و ج 18 ص 180، 512، و ج19 ص 32، البرهان ج 2 ص 295 ح 27، بحار الأنوار ج 43 ص 124، العوالم ج 11 ص405، رشفة الصادي ص 9، 43، أرجح المطالب ص 254، وسيلة المآل ص 85، نزهة المجالس ج 2 ص 223 و تجدها في غير هذه المصادر أيضاً. ج_ - شجرة طوبي تنشر الحلي و الحلل و الدرة و المرجان و الياقوت و اللؤلؤ، و الحور يلتقطنه و يتهادين به فيما بينهنّ إلي يوم القيامة، و يتباهين به ويقلن: هذا نثار فاطمة عليها السلام: دلائل الإمامة للطبري ص 20.18، حلية الأولياء ج 5 ص 59، تاريخ بغداد ج 4 ص 128، 210، مناقب ابن شهر آشوب ج 1 ص 242، و ج 3 ص 346، الإقبال لابن طاوس ص 468، كشف الغمة ج 1 ص 472، مدينة المعاجز ج 2 ص 337 ح 589، ينابيع المودة ص 196، نزهة المجالس ج 2 ص 223، الفتاوي الحديثة لابن حجر المكي ص 124، إثبات الهداة ج 3 ص 131 ح 51، كفاية الطالب الباب 79 ص 300 وسيلة المآل ،ص 85، 86. د- و مهرها الجنة و النار، فتدخل أولياءها الجنة و أعداءها و مبغضيها النار : أمالي الطوسي ج 2 ص 28، بحار الأنوار ج 43 ص 105، 112. ه_- مهرها نصف الدنيا، أو خمس الدنيا (الأرض): دلائل الإمامة للطبري ص 18، الكافي للكليني ج 5 ص 378 ح 7، بحار الأنوار ج 43 ص 144. و - مهرها الأرض فمن مشي عليها مبغضاً لها و لأهل بيتها مشي عليها حراماً: الفردوس ج 5 ص 409 ح 8316، المناقب للخوارزمي ص 235، كشف الغمة ج 1 ص 472، إحقاق الحق ج 7 ص 278، بحار الأنوار ج 43 ص 141، 145. نقلاً عن صاحب الفردوس بروايته عن ابن عباس، ينابيع المودة ص 236، 264، مصباح الأنوار ص 229 (مخطوط)، المحتضر ص 133 ، أرجح المطالب ص 253، مقتل الحسين ج 1 ص 66. ز- مهرها خمس الأرض و ثلث، أو ثلث الجنة: دلائل الإمامة للطبري ص 18 ، مناقب ابن شهر ج 1 ص 242، مدينة المعاجز ج 2 ص 337 ح 589، بحار الأنوار ج 43 ص 113، إثبات الهداة ج 3 ص 131 ح 51. و ما في البحار نقله عن كتاب الجلاء و الشفاء. ح- خمس الأرض، أو رُبعها و بعض أنهارها (دجلة - نهروان - و الفرات و بلخ و النيل): دلائل الإمامة ص 18، الكافي ج 5 ص 378 ح 6، 7، وص 377، أمالي الطوسي ج 2 ص 28، إحقاق الحق ج 10 ص 368، مدينة المعاجز ج 2 ص 337 ح 589، بحار الأنوار ج 43 ص 92، 105، 112، 113، 144، مودة القربي ص 92، فرائد السمطين ج 1 ص 94 ح 64، الجنة العاصمة ص 100. ثانياً مهرها في الأرض: *مهما تختلف الأخبار في تحديد صداق البتول الزهراء عليها السلام في الأرض، إلاّ أنها اختلافات يسيرة غير جوهريّة. فهي جميع تصرّح ببساطة المهر وقلّته. و إن تفاوتت الأقوال بين كونه أربعمائة درهم أو خمسمائة، أو أربعمائة و ثمانين درهماً. أو أربعمائة مثقال فضة. *ثم إن الظاهر من روايات الفريقين أن المهر كانت قيمة لدرع أمير المؤمنين عليه السلام و كانت تدعي الحطميّة، و يبدو للمتتبع أن بعض الأخبار أدخلت بعض مفردات جهاز الزهراء عليها السلام فجعلته شيئاً زائداً مضافاً إلي الدرع، مع أن الظاهر هو أن الدرع لمّا بيعت أقبض الرسول قبضه من ثمنها إلي أحد الصحابة أو بعضهم ليشتري بها ما يصلح الزهراء عليها السلام و بيت زوجيتّها. *أن كثرة التأكيد علي أن مهر السنة هو خمسمائة درهم، يستبعد ما تذكره بعض الأخبار من أن قيمة الدرع الحطميّة كانت ثلاثين درهماً. *إن أحد مظاهر عظمة الزهراء عليها السلام يتمثل في استهانتها الشديدة بالدنيا، و عدم اكتراثها بالمادّة. حتي أنها بناءً علي بعض الروايات طلبت من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أن لا يكون مهرها مادياً أبداً. و تساءلت: ما الفرق بيني إذن و بين سائر النساء إن كان مهري معدوداً بالدراهم والأموال. لكنّها حكمة اللّه التي أبت إلا أن تُظهر عظمة الزهراء عليها السلام و هي سيدة النساء بزهدها في الدنيا ، و بمقامها العجائبي في السماء و الآخرة. *و قد ذكر الشاعر بأنّ مأخذ الخبر الذي ترجمه شعراً هو كتاب جلاء العيون ج 1 ص 64. و لمن أراد الاستزادة يمكن له أن يرجع إلي مصادر أخري مثل : مسند أحمد ج 1 ص 80، و مناقب ابن المعتزلي ص347 ح 399، و الفضائل ص 134 ح 198، و ذخائر العقبي ص 27، و مجمع الزوائد ج 9 ص 205، تاريخ الخميس ج 1 ص 362، كنز العمال ج 7 ص 113، و السيرة النبوّية لزيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 7، و فضائل الخمسة ج 2 ص 142، و منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند ج 5 ص 99، و محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ج 4 ص 477، و سنن أبي داود ج 1 ص 490 بطريقين، و رشفة الصادي ص 9، و وسيلة المآل ص 82، و الأنوار المحمدية ص 70 و مضار الابتداع ص 211، و غيرها كثير.

ص: 280

قَالَ طه لِفَاطِمٍ وَ عَلِيِّ *** لَيْلَةَ اَلْعُرْسِ بَهْجَةً بِاللِّقَاءِ

أَلِفَ اَللَّهُ بالمحبَّةِ دُنْيَا *** بَيْنَ قلْبيكُما بِغَيْرِ جَفَاءِ

بَارَكَ اَللَّهُ بِالسَّلاَمَةِ يُمَنَّاً *** لَكُما فِي سَعَادَةٍ وَ هناءِ

رَبِّ طَهِّرْهُمَا مِنَ الرِّجْسِ طَيِّباً *** مِثْلَ تَطْهِيرِ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ

فَهُمَا فِي الْوَلَاءِ مِنِّي و إِنِّي *** مِنْهُمَا فِي مَوَدَّتِي و وَلَائِي(1)

ص: 281


1- الطبقات الكبري ج 8 ص 23، النهاية ج 2 ص 440، تذكرة الخواص ص 317، الرياض النضرة ص 182، ذخائر العقبي ص 29، مجمع الزوائد ج 9 ص 210، الخصائص ص 114، السيرة الحلبية ج 2 ص 207، بحار الأنوار ج 43 ص 137، عوالم العلوم ج 11 ص 393، 394، 412، وسيلة النجاة ص 220، الإحقاق ج 10 ص 416 - 417، منتخب كنز العمال ج 5 ص 31، وسيلة المآل ص 4، رشفة الصادي ص 10، ترجمة الإمام علي عليه السلام في تاريخ ابن عساكر ج 1 ص 245 ح 311 و غيرها.

تحفةٌ في زواج النُّورين

وَ اِبْنُ مَسْعُود فَي حَدِيثٍ شَرِيفٍ *** قَدْ رَوَاهُ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

قَالَ طه: قَدْ جَاءَنِي جَبْرَئِيلٌ *** فَحَبَانِي بُشَراً بِخَيْرِ حِبَاءِ

عِنْدَ تَزْوِيجِي الزَّكِيَّةَ بِنْتِي *** مِنْ عَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلسَّمَاءِ

خَلَقَ اَللَّهِ جَنَّةً قَدْ بَرَاهَا *** وَ بَنَاهَا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءِ

سَقْفُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ زينتهُ *** قَصَبَاتٌ تَزْهُو بِخَيْرٍ اِزْدِهَاءِ

بَيْنَ هَاتِي وَ تِلْكَ مِنْهَا بتِبْر(2) *** دِرَّةٍ شَذَّرَتْ بِأَبهِي صَفَاءِ

وَ تَسَامَتْ بِهَا بِأَتقَنِ صُنعٍ *** غُرَفٌ مُستَطَيلَةٌ فِي اَلْبِنَاءِ

أُنشِئَتْ مِنْ زُمُرُّدِ و جُمَانٍ *** وَ لُجَيْنٍ(3) وَ ذَهَبَةٍ حَمْرَاءِ

فَجَرَتْ تَحْتَهَا الْعُيُونُ وَ فَاضَتْ ***كُلُّ أَنْهَارِها بِأَعْذَبِ مَاءِ

وَ صُنُوفِ اَلْأَشْجَارِ صَفَّتْ وَ حَفَّتْ *** بَهْجَةً فِي ضِفَافِهَا اَلْخَضْرَاءِ

وَ بَنِيَ اَللَّهِ فِي اَلضِّفَافِ مِنَ اَلدُّرِّ *** قبَاباً مُوَاجَةً بِالضِّيَاءِ

فَرَشَتْ سُنْدُساً وَ فَتَقَ مِسْكٌ *** فِي ثَراها بِإِطِيبِ اَلْأَشْذاءِ

وَ أُعِدَّتْ أَرَائِكُ اَلدُّرِّ فِيهَا *** وَ أُقيمَتْ بِها حَسانُ الْأَمَاءِ

وَ ازْدَهَتْ كُلُّ قُبَّةٍ مَنْ عَلاَهَا *** حِينَ خَصَّتْ بِاللِّطْفِ حَورَاءِ

قُلْتُ: هَذَي النُّعمي لِمَنْ قَدْ بَرَاهَا *** وَ حَبَاهَا يَا خِيَرَةً اَلْأُمَنَاءِ؟

ص: 282


1- تجد نظير ذلك في البحار ج 43 ص 102 ضمن الحديث 12، و ص 13 فما بعدها،جلاء العيون ج 1 ص 141 (من الأصل)، و تجده أيضاً في عيون أخبار الرضا، و الأمالي للصدوق، و تفسير فرات بن إبراهيم، و أمالي الطوسي. و قد نقل الحديث أو نظيره عن ابن مسعود أيضاً الخطيب البغدادي والبلاذري في التاريخ، و أبو نعيم في الحلية ، والعكبري في الإبانة. و نقل مثله ابن بطّة و ابن المؤذن و السمعاني في كتبهم بالإسناد عن ابن عباس و أنس بن مالك. و رواه ابن مردويه عن علقمة، و عبد الرزاق بإسناده إلي أمّ أيمن، و رواه بعض هؤلاء و غيرهم عن خبّاب بن الأرتّ.
2- تبر: ما كان من الذهب غير مضروب أو مصوغ، أو في تراب معدنه.
3- جمان: لؤلؤ. لُجَين: فضّة.

قَالَ هَاتِيكَ تُحْفَةٌ قَدْ حَبَاهَا *** لِعَلِيِّ وَ البَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ

غَيْرُ مَا قَدْ أَعَدَّ رَبُّ الْعَطَايَا *** لَهُمَا مِنْ كَرَامَةٍ وَ عَطَاءِ

زفافُ الصدِّيقة عليها السلام

وَ اِبْنُ عَبَّاسٍ لَيْلَةَ اَلْعُرْسِ مِنْهَا *** قَالَ فِيمَا رَوَيَ لَنَا فِي هِنَاءِ(1)

كَانَ طه قُدَّامَهَا يَتَهَادَي *** بِمَحْيَا مُنَوَّرٍ بِالضِّيَاءِ

وَ بيُمنَي جِبْرِيلَ مَنهَا وَ يُسْرِي *** كَانَ مِيكَالُ خِيَرَةُ اَلْأُمَنَاءِ

وَ وَرَاءَ الْبَتُولِ سَبْعُونَ أَلْفاً *** مِنْ خِيارِ المَلائِكِ اَلْأَصْفِيَاءِ

يُنْشدون التَّسبيحَ وَ اَلْحَمْدَ حَتِّي *** مَطْلَعُ اَلْفَجْرِ مِنْ عَظِيمِ الثناءِ(2)

قَالَ لَوْلاَ عَلِيٌّ مَا كَانَ بَعْلٌ *** هُوَ كُفوٌ لِلْبَضْعَةِ اَلزَّهْراءِ(3)

ص: 283


1- مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 354. كشف الغمة ج 2 ص 91. و حول مشاركة الملائكة في زفاف الزهراء و زواجها، و لاسيّما جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ومحمود، و نسطائيل (سبطائيل)، و صرصائيل، و راحيل: تاريخ بغداد ج 5 ص7، ذخائر العقبي ص 32، لسان الميزان ج 6 ص 125، والبحار ص 123، 124، 127، 128 و غيرها. و يمكن مراجعة عوالم العلوم للبحراني ج 11 ص 379، و الدمعة الساكبة ج 1 ص 268 فما بعدها، و المقتل لأبي المؤيد ص 66، و المناقب لأبي المؤيد أيضاً ص 239، و وسيلة المال ص 85، 86، ونزهة المجالس ج 2 ص 223، و الفتاوي الحديثيّة لابن حجر المكي ص 124، و الرشفة ص 43، وراجع المطالب ص 254.
2- أمالي الطوسي، تاريخ بغداد ج 5 ص 7، كشف الغمة، ذخائر العقبي ص 32، بحار الأنوار ج 43 ص 104 كما عن البحار في الأحاديث 32، 30، 39، مقتل الحسين عليه السلام لأبي المؤيد، ص 66، و المناقب لأبي المؤيد ص 239، وسيلة المال ص 86. *الكافي ج 1 ص 461 ح 10، الفقيه ج 3 ص 393 ح 4383، أمالي الطوسي ج 1 ص 43 ح 15، التهذيب ج 7 ص 470 ح 90، مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 29، بشارة المصطفي ص 328، الوسائل ج 14 ص 49 ح 6، كتاب المحتضر ص 133، 136، مصباح الأنوار ص 228 (مخطوط)، العيون ج 1 ص 177 ج 3، 4.
3- بحار الأنوار ج 43 ص 107 ح 22، نقلاً عن المناقب لابن شهر آشوب. و قد ذكرناه في الهامش الثاني من القصيدة الأولي نقلاً عن البحار أيضا الذي نقله عن عيون أخبار الرضا عليه السلام. و راجع فردوس الأخبار ج 3 ص 418 ح 5170، كشف الغمة ج 1 ص 472، و إحقاق الحق ج 7 ص 2، و ج 17 ص 35، كنوز الحقائق ص133 وانظر البحار أيضاً ج 43 ص 92، 97، 141، 145، و ج 103 ص 375 ح 17، مودة القربي ص 57، ومقتل الحسين ج 1 ص 6.

شجرةُ طوبَي

قَالَ طه: قَدْ جَاءَنِي جَبْرَئِيلٌ *** فَرِحاً فِي سَنَابِلٍ خَضْرَاءِ(1)

وَ حَبَانِي قَرَنْفُلاً فَاحَ طَيباً *** عَابِقَ النَّشْرِ مِنْ جِنَانِ اَلْبَقَاءِ(2)

قَالَ هَذَا مِمَّا الْتَقَطْنَاهُ بُشْراً *** فِي زَوَاجِ الزَّكِيَّةِ اَلزَّهْرَاءِ

عِنْدَ تَزْوِيجِهَا مِنَ اَللَّهِ فَخْراً *** وَجَلاَلاً بِسيِّدِ اَلأَوصِيَاءِ

إِنَّ رَبِّي أوحِيَ لِرضْوانَ: زَخْرَفْ *** جَنَّةَ اَلْخُلْدِ زِينَةً فِي بَهَاءِ

وَ دَعَا اَلرِّيحَ أَنْ تَهُبَّ عَلَيْنَا *** فِي عَبِيرٍ مُعَطَّرٍ بَرَخَاءِ

وَ تَجَلَّتْ فِيهَا سَحَابَةُ نُورٍ *** أَمْطَرَتْ أَرْضَهَا بأسنَي حِبَاءِ

فَالْتَقَطْنَا مَا أَنْعَمَ اَللَّهُ فِيهِ *** نَحْنُ وَ اَلْحُورُ مِنْ نُثَارِ اَلْهَنَاءِ

وَ لطُوبِي نادِي: اِحْمِلِي بِرِقَاقٍ *** مُنْجِيَاتٍ لِلشِّيعَةِ الأزكِياءِ(3)

كُلُّ صَكِّ قَدْ خُطَّ بِاسْمٍ ولِيٍّ *** وَ مُحِبٍّ مِنْ سائِرِ اَلْأَوْلِيَاءِ

فِيهِ خَطَّتْ بَرَاءَةٌ مِن لِظَاهَا *** لِلْمُحِبِّينَ عِنْدَ يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

أَوْدَعَ اَللَّهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا *** بِيَدِي حَافِظٍ مِنَ الْأُمَناءِ

فَإِذَا قَامَتِ الْقِيَامَةُ نَادِي *** بِاسْمِهِ بَيْنَ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ

فَهُوَ يُعْطي كِتابَهُ بِيَمِينٍ *** آمَنَ النَّفْسَ مِنْ عَظِيمِ اَلْبَلاَءِ

زواج علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام في السماء

قَالَ طه وَ قَدْ أَتَاهُ عَلِيٌّ *** خَاطِباً لِلزَّكِيَّةِ اَلزَّهْرَاءِ:(4)

ص: 284


1- بحار الأنوار ج 43 ص 102ح 12 نقلاً عن أمالي الصدوق، جلاء العيون ج 1 ص173.
2- قرنفلاً: شجرة من فصيلة الأسيات.
3- تاريخ بغداد ج 4 ص 210، كشف الغمة ج 2 ص 85، لسان الميزان ج 6 ص 125، بحار الأنوار ج 43 ص 139 ح 35، و كذلك ص 124، جلاء العيون ج 1 ص 179، رشفة الصادي ص 9، 43، وسيلة المال ص 85، نزهة المجالس ج 2 ص 223، أرجح المطالب ص 254.
4- حلية الأولياء ج 5 ص 59. و في تاريخ بغداد ج 4 ص 128، و في المناقب ج 3 ص 348، بحار الأنوار ج 43 ص 127 ح 32 و كذلك ص 107 ح 22 نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب. و في الجنة العاصمة ص 100 و في المقتل لأبي المؤيد ص 64 و في مناقبه ص 235، و في وسيلة المآل ص 85 و لك أن تراجع أيضاً ما نقلناه حول «مهرها في السماء» و لا سيّما النقطة (ج_) منه، و في الهامش السابع و العشرين من هذه القصيدة نفسها.

إِنَّ جِبْرِيلَ مِنْ إِلَهِ اَلْبَرَايَا *** جَاءَنِي فِي حريرةٍ بَيْضَاءِ

وَحبَانِي بُشَرِي مِنَ اَللَّهِ كَانَتْ *** خَيْرَ بَشْرِي مَزْفُوفَةٍ وَ حِبَاءِ

قَالَ: رَبِّي قَدْ زَوَّجَ اَلنُّورَ بِالنُّورِ *** عَلِيّاً مِنْ فَاطِمٍ فِي اَلسَّمَاءِ

حِينَ نَادِي رَاحِيلُ: زَوْجَهُ مِنْهَا *** بِحُضُورِ المَلاَئِكِ اَلْأَصْفِيَاءِ

سَوْفَ يُحْبِي أزكِّي إِمَامَيْنِ مِنْهَا *** مِنْ خِيارِ الأَئِمَّةِ الْأَزْكِياءِ

جَنَّةِ الْخُلْدِ زِينَةٌ تَتَحَلّي *** بِهِما مِنْ نَضَارَةٍ وَ ازْدهاءِ

فَرَقِيَ عِنْدَ بَيتِهِ الطَّاهِرِ الْمَعْمُورِ *** بِالنُّسُكِ مِنْبَراً مِنْ بَهَاءِ

وَ غَدَا خَاطِباً بِخَيْرِ خَطَّابٍ *** عَجَزَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْخُطَبَاءِ

قَالَ: فِيهِ زَوَّجتُ فاطم يُمْناً *** لِعَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلْعَطَاءِ

وَ هُوَ فِي هَذِهِ الحريرةِ خطَّ *** اَلْعَقْدَ بُشْراً فِي مِزْبَرٍ مِنْ ضِيَاءِ(1)

بَعْدَ خَتْمٍ لَهُ بِخَاتَمِ مِسْكٍ *** عَاطِرٍ فِي سَعَادَةٍ وَ هَنَاءِ

وَ هُوَ أوحي؛ اِحْمِلِي لِسِدْرَةِ طُوبِي *** فِي زِوَاجِ اَلنُّورَيْنِ خَيْرَ نَمَاءِ

حُلَلاً مِنْ كَرَامَةٍ وَ حُلِيّاً *** وَ انثُريها نُعَمِي بِخَيْرِ فَنَاءِ

وَ لِحُورِ اَلْجِنَانِ أَوحِي: اَلْقَطِيهَا *** فَتَسَابَقْنَ فِي صَعِيدِ اَلْبَقَاءِ

لاِلْتِقَاطِ اَلنُّعَمِي و هُنَّ بِبَشَرٍ *** يَتَهادَيْنَهَا لِيَوْمِ الْجَزَاءِ

بَعْدَ تَزْيِينِ جَنَّةِ الْخُلْدِ فِيمَا *** قَدْحَبَاهَا مِنْ زِينَةٍ وَ اِزْدِهَاءِ

قُمَّ فَزَوَّج فِي اَلْأَرْضِ بَضعَةَ طه *** مِنْ عَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلْقَضَاءِ

صَداقُ الزهراء عليها السلام

وَ صَداقُ الزهراءِ دِرعُ حَدِيدٍ *** وَ هُوَ مِهْرٌ مِنْ سَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

وَ مِنَ اَللَّهِ مَهْرُهَا كُلُّ نَهَرٍ *** قَدْ جَرِيَ فَوْقَ تُرْبَةِ اَلْحَصْبَاءِ

ص: 285


1- مِزبَر: قلم.

وَ لَهَا الْأَرْضُ قَدْ مُشِيَ فِي حَرَامٍ *** فَوْقَهَا كُلُّ نَاصِبٍ بِالْعَدَاءِ

وَ هِيَ قَدْ أُمِرَتْ بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** وَ لَظَي اَلنَّارِ مِنْ إِلَهِ السَّمَاءِ

تُدْخِلُ الْجَنَّةَ الْمُحِبَّ وَ تُلْقِي *** فِي لَظَي النَّارِ سَائِرَ اَلْأَعْدَاءِ

وَ بِدَارِ اَلْبَتُولِ سِدْرَةُ طُوبِي *** حَبْوَةً مِنْهُ عِنْدَ يَوْمِ الْجَزَاءِ(1)

وَ لَهَا أَفْضَلُ الشَّفَاعَةِ مِنْهُ *** وَ هِيَ فِي الْحَشْرِ خِيَرَةُ الشُّفَعَاءِ

ص: 286


1- أمالي الصدوق ص 236 ح 2. انظر البحار ج 8 ص 137 ح 49، و ج18 ص 408 ح 118، و ج 43 ص 99 ح 11، و تفسير علي بن إبراهيم 652. و تفسير البرهان ج 4 ص 247 ح 2. و معالم الزلفي للسيد هاشم البحراني ص 397.

فضائل الصَّدِّيقةِ فاطمة عليها السلام

خُلقوا من نورِ اللَّه

قَالَ إِنِّي وَ فَاطِمَا وَ عَلِيّاً *** مَعَ سِبْطَيَّ سَاعَةَ الإنشَاءِ(1)

قَدْ خُلِقْنَا مِن نُورِهِ ثُمَّ كَانَتْ *** عَصْرَةُ النُّورِ خِلقَةَ الْأَوْلِياءِ

فَتَوَالي التَّسْبِيحَ مِنَّا وَ مِنْهُمْ *** وَ تَعالَي التَّكبيرُ لِلأتقِياءِ

قَبْلَ خَلْقِ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ طُرَّا *** وَ جَمِيعِ المَلائِك الأزكياءِ

فَلَنَحْنُ الْمُوَحِّدُونَ خُضُوعاً *** قَبْلَ تَوْحِيدِ سائِرِ الأشْياءِ

قَدَّسَتْهُ الْمَلَائِكَ الْغُرُّ حَمْداً *** بَعْدَ تَقْدِيسِنَا لَهُ و الثناءِ

خدمة الملائكة لفاطمة عليها السلام

قَالَ سَلْمانُ: قَدْ أَتَيْتُ عَلِيّاً *** بَعْدَ أَمْرٍ مِن خاتَمِ الأنبياءِ(2)

ص: 287


1- كشف الغمة ج 2 ص 85. وانظر ما تقدم في (27/22، 29، 30).
2- في المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 116 : أبو علي الصولي في أخبار فاطمة، و أبوالسعادات في فضائل العشرة عن أبي ذر الغفاري، قال: بعثني النبي أدعو عليّاً، فأتيت بيته و ناديته فلم يجيبني فأخبرت النبي، فقال: عُدْ إليه فإنه في البيت، فأتيت و دخلت عليه، فرأيت الرحي تطحن و لا أحد عندها... فأخبرت النبي بما رأيت فقال : يا أبا ذرّ لا تعجب فإن الله ملائكة سيّاحين في الأرض موكّلين بمعونة آل محمد. ثم روي بطريق الحسن البصري و ابن إسحاق، عن عمّار و ميمونة : أنّ كليهما قالا: وجدت فاطمة عليها السلام نائمة و الرحي تدور، فأخبرت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بذلك فقال : إن الله علم ضعف أمته، فأوحي إلي الرحي أن تدور فدارت. ثم قال : و قد رواه أبو القاسم البستي في مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام، و أبو صالح المؤذن في الأربعين، عن الشعبي بإسناده عن ميمونة، وابن فيّاض في شرح الأخبار. أما خبر سلمان الوارد في الشعر فقد رواه ابن شهر آشوب أيضاً بطريق الإمام الباقر عليه السلام قال: بعث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سلمان إلي فاطمة عليها السلام؛ قال : فوقفت بالباب وقفة حتي سلّمت فسمعت فاطمة عليها السلام تقرأ القرآن من جوّا و تدور الرحي من برّا ما عندها أنيس. و في آخر الخبر : فتبسّم رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و قال : يا سلمان ابنتي فاطمة عليها السلام ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً إلي مشاشها، تفرّغت لطاعة الله، فبعث الله ملكاً اسمه زوقائيل -و في آخر جبرئيل- فأدار لها الرحي و كفاها اللَّه مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة. و واضح من تعدد الروايات و الرواة و اختلاف أوضاع البيت و أحوال الزهراء عليها السلام: أن الواقعة أيضاً تعدّد وقوعها. الخرائج و الجرائح ص 530، ح 6، 531، ح 7، و قد رواها العسقلاني في لسان الميزان ج 5 ص65، بطريق ميمونة، و في البحار ج 43 ص 28، 29، 45 بطرق سلمان و أبي ذر و غيرهم، و العلامة أبو المؤيد في مقتل الحسين ص68، بطريق ميمونة. و في الرياض النضرة ج 2 ص 222، و ذخائر العقبي ص 98، و الصواعق المحرقة ص 105، و إحقاق الحق ج 18 ص 211، 484، و إسعاف الراغبين ص 173 و ينابيع المودة ص 216، 278، و أرجح المطالب ص 686، و الإشراف علي فضل الأشراف ص 97، و وسيلة المآل ص 136، و مناقب العشرة ص 25 من طريق أحمد و الملآ في سيرته، و رواه في الثاقب في المناقب ص 291 ح 249 بطريق أسامة بن زيد.

فَسَمِعْتُ اَلزَّهْرَاءَ عِنْدَ اَلْمُصَلِّي *** تَذْكُرُ اَللَّهَ فِي جَمِيلِ اَلدُّعَاءِ

وَ رَأَيْتُ اَلرَّحِي تَدُورُ اِنْفِرَاداً *** دُونَ شَخْصٍ تَرَاهُ مُقْلَةُ رَائِي

فَسَأَلْتُ اَلنَّبِيَّ عَنْهَا فَأُوحِي: *** إِنَّ بِنْتِي مِنْ سَيِّدَاتِ اَلنِّسَاءِ

عَلِمَ اَللَّهُ ضعفَهَا فَحَبَاهَا *** خَدَماً مِنْ عِبَادِهِ الْأُمَنَاءِ

تَتَأَدي لَها الْمَعُونَةُ مِنْهُمْ *** حِينَ تَحْتَاجُهَا بِخَيْرِ أَدَاءِ

وَ هُمْ يَحْرُسُونَ مِنْ كُلِّ كَيدٍ *** بَضْعَةَ اَلْمُصْطَفِي وَ كُلِّ بَلاَءِ

يَغْضَبُ اَللَّهُ لِلْبَتُولِ وَ يَرْضي *** لِرِضَاهَا عَنْ خَاتَمِ اَلْأَصْفِيَاءِ

فَضْلِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ

قَالَ طه فِي فَضْلِهَا وَ عَلَاهَا *** مَا كَفَاهَا عَنْ مِدْحَةِ الشُّعَرَاءِ

سَيِّدَاتِ النِّسَاءِ فِي الْخَلْقِ طُرّاً *** أَرْبَعَ قُدسَتْ بِأَعْلِي اَلثَّنَاءِ

زَوْجِ فِرْعَوْنَ وَ اَلْبَتُولُ تَلِيهَا *** أُمُّهَا إِثْرَ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ

وَ الْبَتُولِ الزَّهْرَاءِ أَفْضَلُ قَدْراً *** وَجَلاَلاً مِنْ سَيِّدَاتِ اَلنِّسَاءِ

يَغْضَبُ اَللَّهُ حِينَ تَغْضَبُ سَخَطاً *** وَرِضَاهَا رِضًا لِرَبِّ اَلسَّمَاءِ

ص: 288

وَكَفَاهَا فِي الْفَضْلِ مَا جَاءَ فِيهَا *** مِنْ صَرِيحِ الْقُرآنِ خَيْرَ اكْتِفَاءِ

فَهيَ مِمَّنْ قَدْ بَاهَلَ اللَّهُ فِيهِمْ *** وَ قَدَ نَجْرَانَ عِنْدَ وَقتِ الدُّعَاءِ

وَ بِآيِ الْقُرْبَي الْمَوَدَّةُ أَضْحَتْ *** وَ هُيَ فَرْضٌ لَهَا مَعَ الأَقْرِبَاءِ

و بآي الإطعَامِ نَجْمُ عُلاهَا *** قَدْتَجَلَّي نُوراً بِأفَقِ الْعَلاَءِ

وَ بَآيِ وَبِاي التَّطْهِيرِ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ *** قَدْتَزَكَّتْ فِي جُمْلَةِ الأَزْكِيَاءِ

وَ أَحَادِيثُ فَضْلِهَا لَيْسَ تُحْصَي *** وَ كَفَاهَا مِنْهَا حَدِيثُ الْكِسَاءِ

عبادة الزهراء عليها السلام

و َهْيَ كَانَتْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ نُسْكاً *** وَ صَلاةً فِي خَشْيَةٍ وَ بُكَاءِ(1)

ص: 289


1- روي في دلائل الإمامة ص 56 و الزمخشري في ربيع الأبرار ص 195، عن الحسن البصري قوله: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة عليها السلام. كانت تقوم حتي تورَّم قدماها». و في علل الشرائع بطريق يصل إلي الإمام الحسن عليه السلام قال: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتي اتضح عمود الصبح. و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسمّيهم و تكثر الدعاء لهم، و لا تدعو لنفسها بشيء. فقلت لها: يا أُمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟! فقالت: يا بنيّ، الجار ثم الدار». المصدر ج 1 ، ص181، ح1، و رواه أيضاً عنه في البحار ج 43 ، ص 82 ، ح 3 و ص 181 و ح 89 و ص 313، و ج 93 ص 388، و في مصباح الأنوار ص 226 (مخطوط). و في أمالي الصدوق عن ابن عباس قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين... متي قامت في محرابها بين يدي ربها «جل جلاله» ظهر نورها لملائكة السموات كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض «المصدر 99 - 101» المجلس الرابع و العشرون . و في ص 394 (المجلس الرابع و السبعون) يقول صلي الله عليه و آله و سلم: و إنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين، و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم سلام الله عليها، فيقولون يا فاطمة عليها السلام! «إن الله اصطفاك وطهّركِ و اصطفاك علي نساء العالمين.» و في علل الشرائع بطريق يصل إلي الإمام الصادق عليه السلام: «كان يُزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فُرُشهم؛ فيدخل ذلك النور إلي حجراتهم بالمدينة، فتبيضّ حيطانهم فيعجبون من ذلك، فيأتون النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السلام، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها و من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة عليها السلام. فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة زهر نور وجهها بالصفرة، فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم... فإذا كان آخر النهار، و غربت الشمس، احمّر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً و شكراً للَّه «عزّ وجل»، فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمّر حيطانهم، فيعجبون من ذلك... فيرونها جالسةٌ تسبّح اللَّه و تمجّده و نور وجهها يزهر بالحمرة الحديث. المصدر ج 1، ص 180، ح2. و إحقاق الحق ج 10 ص 244، و تجده في البحار ج 43، ص 11،ح .2. كما تجد نظيراً لذلك في صحاح الجوهري (في لفظة خرم) و قال الجزري في حديث سعد: ما خرمت من صلاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم شيئاً، أي تركت و الدلائل ص 4 و روضة الواعظين ص 180، و بشارة المصطفي ص 218 و نور الثقلين، ج 1، ص 381 ح 135 ، و الوسائل ج 5 ص 69 ح 5 ، كما تجد نظيراً لذلك في البحار ج 43 ص24، 181، و ج 37 ص 84 ح 52 ، و ج 89 ص 273 و ج 313 و ج 93 ص 388 و تأويل الآيات ج 1 ص 111 ح 17 ، و إثبات الهداة ج 1 ص 538 ح 166 ، و ج 3 ص 410 ح 288 ، و غاية المرام ج52 ح 32، 288 ، و أهل البيت ص124. و راجع أيضاً كتاب دلائل الإمامة ص 48، والدلائل ص4، و ربيع الأبرار ج 2 ص 104، و المقتل للخوارزمي ص 80 ح 1 ، و الوسائل ج 5 ص 69 ح 5، و الثاقب في المناقب ص 290 ، 291 ح 249، 254.

وَ رِمَتْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ جَهْداً *** قَدَمَاهَا مِنْهَا لِفَرْطِ العَنَاءِ

وَ هْيَ كَانَتْ تُعَانُ فِي جَبْرَئِيلٍ *** حِينَ تَأْتِي بِوِرْدِهَا فِي اخْتِشَاءِ

فَيَهُزُّ الْمَهْدَ الَّذِي كَانَ فِيهِ *** طِفْلُهَا رَاقِداً بِوَقْتِ الأَدَاءِ(1)

فاطمةُ عليها السلام بضعةٌ مِنِّي

قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ: فَاطِمُ مِنِّي *** بَضْعَةٌ مُعْلِناً بِغَيْرِ خَفَاءِ

مَنْ جَفَاهَا فَقَدْ جَفَانِي، فَوَيْلٌ *** لِشَقِيِّ أَسَاءَهَا بِالْجَفَاءِ

وَ رِضَاهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ رِضَائِي *** حَيْثُ أَضْحَي إِيذاؤُهَا إِيذَائِي

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهَا *** فَجَفَتْهُ بِنْتُ الْهُدَي بِاسْتِيَاءِ

الزهراء عليها السلام بهجة قلبي

قَالَ: إِنَّ الزَّهْرَاءَ بَهْجَةٌ نَفْسِي *** وَ عَلِيّاً مِنْ نَاظِرَيَّ ضِيَائِي(2)

ص: 290


1- انظر مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 ، مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 116 ، و لسان الميزان ج 5 ص 65 ، و بحار الأنوار ج 43 ص 45 ، و عوالم العلوم ج 11 ص 193 ، و مقصد الراغب ص 115 (مخطوط).
2- مقتل الخوارزمي ج 1 ص 59.

291

ثَمَرَاتُ الْفُؤادِ سِبْطَايَ حَقّاً *** حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ مِنْ أَصْفِيَائِي

وَ جَمِيعُ الأَئِمَّةِ الْغُرُمِنْهَا *** هُمْ لِرَبِّ الْعُلَا مِنَ الأُمَنَاءِ

وَ هُمْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْبَرَايَا *** مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادِ حَبْلُ الرَّجَاءِ

قَدْ نَجَا مَنْ بِهِمْ تَمَسَّكَ حُبّاً *** وَ اعْتِصَامَاً مِنْكُمْ بِخَيْرِ وَلَاءِ

وَ تَرَدَّي مَنْ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ *** حَائِداً عَنْ مَنَاهِجِ الإِهْتِدَاءِ(1)

النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام في جنّة الخلد

قَالَ إِنِّي وَ بَضْعَتِي وَ عَلَيّاً *** مَعَ سِبْطَيَّ صَفْوَةُ الأَزْكِيَاءِ(2)

نَسْكُنُ الْخُلْدَ فِي مَكَانٍ أَمِينٍ *** وَاحِدٍ كُلُّنَا بِيَوْمِ الْجَزَاءِ

حبّ النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم للزهراء عليها السلام

سُئِلَتْ عَنْ أَحَبِّ شَخْصٍ إِلَيْهِ *** بَعْضُ أَزْوَاجِ سَيْدِ السُّفَرَاءِ(3)

ص: 291


1- تردّي: هلك.
2- مقتل الخوارزمي ج 1 ص 57.
3- في صحيح الترمذي ج 5 ص701 ح3874 كل منهما بسنده إلي جميع بن عمير التميمي، قال: قالت عمتي لعائشة و أنا أسمع: للَّه أنت مسيرك إلي علي عليه السلام ما كان؟! قالت: دعينا منكِ إنه ما كان من الرجال أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من علي عليه السلام، و لا من النساء أحبّ إليه من فاطمة عليها السلام، أمالي الطوسي ج 1 ص 254. و قد ذكر هذا الخبر أيضاً جمع غفير من محدّثي الفريقين، فانظر خصائص النسائي ص 109، و العقد الفريد ج 2 ص 194، و مستدرك الحاكم ج 3 ص 154، 157 ، و الاستيعاب ج 2 ص 751، و تاريخ بغداد ج 11 ص 430، و في شواهد التنزيل ج 2، ص38، ح684، و ربيع الأبرار ص152، ومقتل الخوارزمي ج 1 ص 57، و مناقب آشوب ج 3 ص 331. ورواه في أسد الغابة ج 5 ص 522 ، و الرياض النضرة ج 2 ص 162 ، و ذخائر العقبي ص 35 و المستطرف ج 1 ص 127، و الصواعق المحرقة ص 72، و في كنز العمال، 15 ص 127، و إحقاق الحق ج 8 ص 668، 674 ، ج 10، ص 169، ج 17، ص315، 316، ج 19، ص97، 101، ج25، ص125، و في البحارج 40، ص37، ح12، ص 120 ح 7 ، ج 43 ص 23، ح18، و عوالم العلوم ج 11 في باب أنها أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ص 161 فما بعدها. و رواه في ينابيع المودة ص 204، 166، 172، و أعلام النساء ج 3 ص 1117، و الإتحاف ص 9 و أرجح المطالب ص 224، 504 ، و مقصد الراغب ص 32، (مخطوط) و تاريخ دمشق ج 2 ص 164 ، 168 ، و المختار ص 56، و تاريخ الإسلام ج2 ص 198، وجامع الأصول ج 1 ص 81، و قرة العينين ص 166، ومودة القربي ص101، و منال الطالب ص 23 ، و نظم دُرر السمطين ص 177 ، و تاريخ آل محمد ص 152 و جمع الفوائد ج 2 ص 233 ، و وسيلة المآل ص ،78 و تيسير الوصول ص 159 ، و مشكاة المصابيح، ج 3 ص 258 ، و تجهيز الجيش ص 252 و 375 (مخطوط)، و حسن الأثر ص292، و ذخائر المواريث ج 4 ص 198 ، و تلخيص المستدرك ج 3 ص 157 ، و روضة الأحباب 644 ، و في كتاب العثمانية ص 310، و في مناقب أهل البيت عليهم السلام ص30 عن عائشة.

فَأَجَابَتْ: مِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ *** وَ هْيَ كَانَتْ لَهُ أَحَبَّ النِّسَاءِ(1)

مَا رَأَتْ مُقْلَتَايَ أَصْدَقَ مِنْهَا *** أَبَداً بَعْدَ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

كَانَ يُعْطِي مَكَانَهُ حِينَ تَأْتِي *** وَ هُوَ طَلْقٌ لَهَا بِكُلِّ احْتِفَاءِ

وَيَشُمُّ الزَّهْرَا وَ يَسْتَافُ مِنْهَا *** نَفَحَاتٍ مِنْ جَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ(2)

تسبيحُ الزهراء عليها السلام

قَدْ حَبَاهَا التَّسْبِيحَ طَهَ بَدِيلاً *** وَ هُوَ يُنْمَي لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ(3)

حِينَ قَالَتْ مِنَ الْعَنَا لأَبيها: *** أبغني مِنْ حباكَ بَعْضَ الإِمَاءِ

إِنَّ كَفِّي مِنَ الرَّحَي عِنْدَ طَحْنِي *** مَجِلَتْ مِنْ مَشَقَّةٍ وَعَنَاءِ(4)

قَالَ فِي فَضْلِهِ وَ نَاهِيكَ فِيهِ *** عَقِبَ الْفَرْضِ صَادِقُ الأَزْكِيَاءِ:

إِنَّ تَسْبِيحَها أَحَبُّ لِنَفْسِي *** هُوَ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي الأَدَاءِ(5)

ص: 292


1- المراد: فاطمة الزهراء عليها السلام من الضمير في قوله: و هي.
2- استاف: شمَّ.
3- يُنمي (بالبناء للمجهول): يُنسب.
4- مجلت: تقرّحت من العمل و ظهر فيها المَجْل، و هو أن يكون الجلد و اللحم ماءٌ، من كثرة العمل.
5- في مسند أحمد بن حنبل بإسناده عن شهر، قال: سمعت أم سلمة تحدّث، زعمت أن فاطمة عليها السلام جاءت إلي نبي اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم تشتك إليه الخدمة، فقالت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لقد مجلت يدي من الرحي، أطحن مرّة و أعجن مرّة، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، إن يرزقكِ اللَّه شيئاً يأتِكِ، و سأدلّك علي خيرٍ من ذلك، إذا لزمتِ مضجعكِ فسبحي اللَّه ثلاثاً و ثلاثين و كبَّري ثلاثاً و ثلاثين و احمدي أربعاً و ثلاثين، فذلك مائة، فهو خير لكِ من الخادم... الخبر، ج 6، ص 298. و في ج 1 ص 106 : قال صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام و فاطمة عليها السلام: «ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلي. فقال:كلمات علمنيهن جبرئيل... إذا أويتما إلي فراشكماً فسبَّحا ثلاثاً و ثلاثين و احمدا ثلاثاً و ثلاثين و كبَّرا أربعاً و ثلاثين.» هذا و قد نُسبت هذه التسبيحات إلي الزهراء عليها السلام، فقيل: تسبيح الزهراء و السبب واضح. و الذي اشتهر عندنا متواتراً هو الابتداء بالتكبير أولاً أربعاً و ثلاثين مرة، ثم التحميد فالتسبيح أخيراً، سواءً بعد الصلاة، أو عند النوم. و قد رويت هذه الواقعة في أمهات كتب الفريقين، و بطرق متعددة و إن اختلفت اختلافاً طفيفاً غير ذي بال، فقد وردت في أكثر الصحاح عند الجماعة و شروحاتها، فضلاً عن سائر مجاميعهم الأحاديثيّة و الأمر أكثر وضوحاً و اشتهاراً في معاجمنا و كتبنا الروائية. و نحن نرشد إلي جملة من مصادر الطرفين لمن أراد الاستزادة. فليُراجع كتاب الذكر و الدعاء لمسلم في باب التسبيح أوّل النهار عند النوم، و صحيح ابن داوُد باب التسبيح عند النوم، و صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب، و في كتاب الخمس من صحيح البخاري أيضاً في باب الدليل علي أن الخمس لنوّاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و في مسند أحمد بن حنبل بسنده عن شهر ج 6 ص 298، و بسنده عن علي عليه السلام ج 1 ص 106 ، و في صحيح مسلم ج 4 ص 2091 ح 2727 ، و في علل الشرائع في باب علة تسبيح فاطمة عليها السلام، و في مستدرك الحاكم ج 3 ص 151 ، و في حلية الأولياء ج 1 ص 69 ، و في السنن الكبري ج 7 ص 293 ، و في تاريخ بغداد ج 3 ص 23 ، ج 12 ص 22، و في النهاية ج 1 ص 247، و في التذكرة ص 321، و في كشف الغمة ج2 ص85، و في ذخائر العقبي ص 49، 105 ، و في البداية و النهاية ج 6 ص 332، و في مجمع الزوائد ج10 ص327، و في الثغور الباسمة في مناقب سيدتنا فاطمة عليها السلام ص 2 ، و في مسند فاطمة عليها السلام للسيوطي ص100 و 107 و في كنز العمال ج 15 ص 502، 504 ، و في السيرة النبوية لزيني دحلان «المطبوع بهامش السيرة الحلبية» ج 2 ص10 و بحار الأنوار ج 43 ص85، و في إسعاف الراغبين ص 189 ، و في جلاء العيون ج 1 ص 107 ، و في عوالم العلوم 11 ص 280 فما بعد، و في ينابيع المودة ص 200 ، و في أعلام النساء ج3 ص 1202 ، و في عمة القاري في شرح البخاري ج 15 ص36، ج 22 ص 288، و في فتح الباري في شرح البخاري ج 11 ص 102 ، و في إرشاد الساري ج 5 ص 204 ، و ج 6 ص139 ، و في صفة الصفوة ج 2 ص 4، و في منال الطالب ص 33، و في شرح السنّة ج 5 ص 108 و في زاد المسلم ص 121 ، و في تفريح الأحباب 408، و في آل محمد ص 189، و في نظم دُرر السمطين ص 192، و في الشافي للمؤيد ص 55 ، و في الفتح الكبيرج 1 ص36 ، و في أرجح المطالب ص 147 ، 148، 149، و في مطالب السؤل ص9 ، و في رموز الأحاديث ص 163 و في الإرشاد و التطريز ص 210 ، و في الفائق ج 3 ص 8، و في مشكاة المصابيح ج 1 ص 732 ، و في النزاع و التخاصم ص 58 ، و في تاج العروس ج 3 ص 33 و في أمالي يحيي بن موفق باللَّه ج 1 ص 246، و في الإحقاق ج 25 ص 345، 346 ، و في الدمعة الساكبة للبهبهاني ج 1 ص 289، 290.

ص: 293

علي عليه السلام أَعزُّ و فاطمة عليها السلام أحبُّ النبيِّ صلي الله عليه و آله و سلم

قال طه: أعَزُّ أَنْتَ لِنَفْسِي- *** لِعَلِيٍّ - مِنْ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ

وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَا أَحَبُّ لِنَفْسِي، *** وَ هْيَ بِنْتِي، مِنْ سَائِرِ الأَقْرِبَاءِ(1)

جفنة من الجنّة

وَ أَتَانَا مِنَ النُّصُوصٍ حَدِيثٌ *** مُسْتَفِيضٌ عَنْ سَيْدِ الأَوْصِيَاءِ

قُلْتُ: لِلْبَضْعَةِ الزَّكِيَّةِ يَوْماً *** أَطْعِمِينا مِنْ رِزْقِ رَبِّ السَّمَاءِ

فَأَجَابَتْ: عَلَّ يَوْمَانِ قَدْ مَرًا *** بَعْدَ إِيثارِكُمْ بِغَيْرِ غِذَاءِ

فَحَبَانِي الإِلهُ دِينَارَتِبْرِ *** وَ هُوَ قَرْضٌ إِلَي زَمَانِ الرَّخاءِ

فَلَقِيتُ الْمِقْدَادَ في الدَّرْبِ يَصْلَي *** فِي لَظَي الْحَرِّ مِنْ لَهِيبِ ذُكَاءِ

قَال: إِنِّي خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ أَهْلِي *** وَ هُمُ يَصْرُخُونَ جُوعاً وَرَائِي

فَحَبَاهُ الدِّينار لِلَّهِ زُلْفَي *** بَعْدَ حُزْنٍ لِحَالِهِ وَ بُكَاءِ

وَ أَتَي مَسْجِدَ النَّبِيِّ يُصَلِّي *** فَأَتَاهُ النَّبِيُّ بَعْدَ الأَدَاءِ

قَالَ: إِنِّي ضَيْفٌ عَلَيْكَ فَأَحْنَي *** رَأْسَهُ مُطرقاً لِفَرْطِ الْحَيَاءِ

فَرَأَي الْمُصْطَفَي بِبَيْتِ عَلِيِّ ***حِينَ وَافَي لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ

جَفْنَةً لِلطَّعَام مَلأَي لَدَيْهَا *** وَ هيَ تَذْكُو بِأَطْيَبِ الأَشْذَاءِ(2)

ص: 294


1- انظر الخصائص ص 125 ، و أسد الغابة ج 5 ص 522 و التذكرة لابن الجوزي ص 316 ، 125 5 522 ، و كشف الغمة ج 2 ص 75، و ذخائر العقبي ص 29 ، و البداية و النهاية ج 7 ص 341 ، و الجامع الصغير للسيوطي ص 169، و الصواعق المحرقة ص 114 ، و كنز العمال ج 13 ص 94، و إحقاق الحق ج 7 ص 17، و ج 17 ص 104، و في بحار الأنوار ج 43 ص 38، و في عوالم العلوم ج 11 ص 164 ، 165 ، و في ينابيع المودة ص 196، منتخب كنز العمال «المطبوع بهامش المسند ج 5 ص 93، 97» و نظم دُرر السمطين للرزندي ص 138، جامع العلوم للقرشي علي ما في مناقب الكاشي ص 138، المحاسن المجتمعة للصفوري ص 188 ، الفائق للزمخشري ج 1 ص 269، و رواه ابن حنبل في الفضائل ص 134 ج 198، و ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق ج 1 ص 228 ، و في فرائد السمطين ج 2 ص 91 ح 60 ، و وسيلة المآل ص 85 ، و نزهة المجالس ج 2 ص 222.
2- جفنة: قصعة كبيرة.

وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَاءُ لِلَّهِ تَدْعُو *** عِنْدَ مِحْرَابِهَا بِأَزْكَي دُعَاءِ

قَالَ: هَذِي مِنْ جَنَّةِ الْخُلْدِ وَافَتْ *** لَكُمَا خَيْرُ تُحْفَةٍ وَ عَطَاءِ

وَ هُوَ أَجْرُ الدِّينارِ لِلَّهِ وَافَي *** لَكُمَا فَاهْنَآ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ

وَ لَهُ الشُّكْرُ نِعْمَةً وَ امْتِنَاناً *** وَ هُوَ لُطْفاً أَهْلٌ لِكُلِّ ثَنَاءِ

قَدْ أَرَانِي فِي بَضْعَتِي مَا رَآهُ *** زَكَرِيَّا في مَرْيَمَ العَذْرَاءِ

الصِّدِّيقة عليها السلام ترتدي ثوبَ الكرامةِ

قَالَ طه: وَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً *** عِنْدَ وَصْفِ الْمَعَادِ لِلْحَوْرَاءِ(1)

لَيْسَ يَرْنُو بَعْضٌ لِبَعْضٍ، فَقَالَتْ: *** واحَيَائِي مِنْ خَالِقِ وَ احِيَائِي(2)

فَأَتَاهُ قَدْ اسْتَحَي اللَّهُ مِنْهَا، *** حِينَ وَافَي إِلَيْهِ وَحْيُ السَّمَاءِ

فَهْيَ تُكْسَي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِتْراً *** مِنْهُ ثَوْبَيْ كَرَامَةٍ وَحباءِ

كرامة الله لأهل بيت النبوة عليهم السلام

قال طه لِفَاطِمِ وَ عَلِيٍّ *** وَ هُوَ فِي الْبَابِ لَمْ يَجُزْ لِلْفَنَاءِ(3)

حِينَ وَافَي لِبَيْتِهِمْ وَ هُوَ يَتْلُو *** آيةَ الفَضْلِ مِنْ سِجِلِّ الْعَلَاءِ

ص: 295


1- تفسير فرات بن إبراهيم ص 21 و في تفسير العياشي ج 1 ص 171 ح 41 ، و أمالي الطوسي ج 2 ص 228 ، و كشف الغمة ج 1 ص 469، و في ذخائر العقبي ص 45، و بحارالأنوار ج 43 ص 31 ح 38 ، و ص 59 ح 51 ، ج 96 ص147 ح 25، و في العوالم ج 11 ص 212 ح 9 ، و ص 222 ح 19 ، وينابيع المودة ص 199 ، و كفاية الطالب ص 367، و وسيلة المآل ص 89 ، و في أهل البيت ص 122، و في فضائل سيدة النساء ص6 (مخطوط)، و في المعيار و الموازنة ص 236، و في توضيح الدلائل كما عن الإحقاق، و في الإحقاق ج 10 ص 323 و ج18 ص 50 و ج 19 ص 120، و في مصباح الأنوار ص8 و ص226 (مخطوط) و في تأويل الآيات ج 1 ص 108 ح 15. و روي نحوه أيضاً تفسير فرات ص 83 ، و في دلائل الإمامة ص 51، و في سعد السعود ص 90 ، و في مدينة المعاجز ج 1 ص 329، و في البحار ج 21 ص19 و ج 43 ص 76.
2- يرنو: يُديم النظر بسكون الطّرف.
3- كشف الغمة ج 2 ص 122 ، 123 ، و البحار ج 43 ص 55 و فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي ص 620.

قَدْ رَآنِي بَعْدَ اطلاعَةِ عِلْمٍ *** فَاصْطَفَانِي رَبِّي مِنَ الأَنْبِيَاءِ

وَ تَجَلَّي بِعِلْمِهِ لِعَلِيٍّ *** فَارْتَضَاهُ مِنْ سَائِرِ الأَوْصِيَاءِ

وَ هُوَ أَوْلَي خَدِيجَةً حِينَ أَوْلَي *** بنت طه سِيَادَةً فِي النِّسَاءِ

وَ اجْتَبي الْمُجْتَبَي بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** سَيِّداً مِثلَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ

وَ رَأَي الْعَرْشَ مُشْرِقَاً مِنْ مُحَيَّاً *** حَسَنٍ وَ الْحُسَيْنِ بِالإِزْدِهَاءِ

فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُزَيِّنَ حُسْناً *** بِهِمَا وَجْهَهُ بِخَيْرِ دُعَاءِ

فَاسْتَجَابَ الدُّعَاءَ مِنْهُ فَكَانَا *** حَوْلَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ أَسْنَي ضِيَاءِ

نور عليٍّ عليه السلام و فاطمة عليها السلام

وَ تَجَلِّي عَنْ خَاتَمِ الرُّسلِ نَصٌّ *** مُسْتَنِيرٌ كَالفَرْقَد الْوَضَّاءِ

قَدْ رَوَاهُ الْمُخَالِفُونَ فَرَوَّي *** كُلَّ ظَامٍ مِنْ مَنْهَلِ الإرْتِوَاءِ

إنَّ أَهْلَ الْجِنَانِ يُشْرِقُ فِيهِمْ *** خَيْرُ نُورٍ يَزْهُو بِخَيْرِ سَنَاءِ

فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، قُلْتُ صِدْقاً *** في صريحِ الْكِتَابِ دُونَ افْتِرَاءِ

لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَ لا زَمْهَرِيرٌ *** أَيِّ شَيْءٍ أَوْفَي بِهذا الْبَهَاءِ(1)

فَيَجِيءُ النَّدَاءُ لِلْخَلْقِ مِنْهُ: *** لَيْسَ هذا السَّنا بِنُورِ ذُكَاءِ

إِنَّ عَبْدَيِّ فَاطِماً وَ عَلِيّاً *** ضَحِكَا مِنْ تَعَجُبِ وَ هَنَاءِ

فَتَجَلِّي فِي جَنَّةِ الخُلْدِ نُوراً *** بَرْقُ تَغْرَيْهِمَا بِأَسْنَي ضِيَاءِ(2)

بشارةٌ للنبي صلي الله عليه و آله و سلم في فضل الزهراء عليها السلام

قَالَ: فِي بَضْعَتِي وَ سِبْطَيِّ وَافَي *** مَلَكٌ فِي بِشَارَةٍ وَحِبَاءِ(3)

ص: 296


1- زمهرير: شدّة البرد.
2- مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 67.
3- قال ابن شهر آشوب في المناقب ج 3 ص 109 : و جاء في كثير من الكتب منها: كشف الثعلبي و فضائل أبي السعادات في معني قوله «لا يرون فيها شمساً و لا زمهريراً» أنه قال ابن عباس: بينا أهل الجنة في الجنة بعد ما سكنوا رأوا نوراً أضاء الجنان، فيقول أهل الجنة، يا ربّ إنك قد قلت في كتابك المنزَل علي نبيّك المرسل: «لا يرون فيها شمساً»، فينادي منادٍ: ليس هذا نور الشمس و لا نور القمر و إنّ فاطمة عليها السلام و عليّاً تعجَبا من شيء فضحكا، فأشرقت الجنان من نورهما. و انظر أيضاً نزهة المجالس ج 2 ص 225، و المحاسن المجتمعة ص201.

أَنَّ سِبْطَيَّ سَيِّدَاكُلِّ نَشَءٍ *** وَ شَبَابِ فِي جَنَّةِ السُّعدَاءِ

وَ هُوَ أَعْطَي سِيَادَةً بِنْتَ طه؛ *** مَثْلَ سِبْطَيْ مُحَمَّدٍ في النِّسَاءِ

أحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَحُرِّمَتِ النَّارُ *** عَلَيْهَا كَمَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ

مِثْلَما حُرِّمَتْ عَلَي كُلِّ زَاكٍ *** مِنْ بَنِيهَا سُلالَةِ الأَزْكِيَاءِ

إن أُصِيبَتْ أُصِبْتُ فِيمَا دَهَاهَا *** إِنَّ إِيَذَاءَ بَضْعَتِي إيذائي

قَالَ طه: عِنْدَ الصِّرَاطِ يُنَادَي *** مِنْ ذُرَي عَرْشِهِ بِخَيْرِ نِدَاءِ

طَاطِئُوا مِنْكُمُ الرُّؤُوسَ وَ غُضُّوا *** كُلَّ أَبْصَارِكُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ(1)

لِتَجُوزَ الصَّرَاطَ بَضْعَةُ طه *** فِي عُبُورٍ لِجَنَّةِ الأَتقِياءِ

حِينَ تَأْتِي وَ الْحُورُ سَبْعُونَ أَلفاً *** مِنْ جَلالٍ تَحُفُّ بِالزَّهْرَاءِ

حبُّ فَاطِمَةَ عليها السلام ينفعُ في مواطنَ

إِنَّ حُبَّ الزَّهْرَاءِ يَنْفَعُ حَقاً *** أَهْلَهُ فِي مَوَاطِنِ لِلْبَلاءِ(2)

وَ أَقَلُّ الأَهْوَالِ مِنْهَا بَلاءً *** ساعَةُ الْمَوْتِ عِنْدَ وَقْتِ الْفَنَاءِ

وَ عَذَابُ الْقُبُورِ وَ الْحَشْرُ مِنْهَا *** وَ عُبُورُ الصَّرَاطِ يَوْمَ الْبَقَاءِ

ص: 297


1- طأطئِوا : إخفضِوا.
2- جاء في فرائد السمطين ج 2 ص 607 بسنده عن سلمان قال : قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة عليها السلام بنتي فهو في الجنة معي، و من أبغضها فهو في النار. يا سلمان! حبُّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، و القبر، و الميزان و المحشر ،و الصراط و المحاسبة؛ فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيتُ عنه، و من رضيتُ عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبتُ عليه و من غضبتُ عليه غضب اللَّهُ عليه. يا سلمان! ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليّاً، ويلٌ لمن يظلم ذريتها و شيعتها . و رواه ابن شاذان في المائة منقبة ص 126، المنقبة 61، و في إحقاق الحق ج 10 ص 166و في البحار ج 27 ص116 ح 94 و في عوالم العلوم ج 11 ص172 و انظر مثله في ينابيع المودة ص 263 ، و في مقتل الحسين ص 59، و مودة القربي ص 116، و في غاية المرام ص 18 ح 17.

وَ حِسَابُ الْعِبَادِ وَالْوَزْنُ عَدْلاً *** عِنْدَ وَضعَ الْمِيزَانِ يَوْمَ اللقاءِ

لَيْسَ يُنْجِي الْعِبَادَ بِالأَمْنِ مِنْهَا *** غَيْرُ حُبِّ الزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ

بغْضَبُ اللَّهُ وَ الرَّسُولُ إِذا ما *** غَضِبَتْ عِنْدَ سَاعَةِ الإِيذَاءِ

وَ رِضَا اللَّهِ وَ الرَّسُولِ مَنُوطٌ *** بِرِضَاهَا عَنْ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ

قَالَ: وَيْلٌ حَقّاً لِمَنْ ظَلَمُوهَا *** وَ بَنِيهَا وَ سَيَّدَ الأَوْصِيَاءِ

مَنْ أَسَاؤوا بِالظُّلُمِ حِينَ أَسَاؤوا *** بَعْدَنَصْبِ لِلشَّيعَةِ الأَزْكِيَاءِ

صورةُ الزهراءِ عليها السلام في الجنَّةِ

قَال طه: لَمَّا تَبَخْتَرَ فِيهَا *** آدَمُ مِثلَ زَوْجِهِ حَوَاءِ(1)

حِينَ قَالاً: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقاً *** هُوَ أَزْكَي مِنّا بِوَقْتِ الْقَضَاءِ

وَ هُمَا فِي الْجِنَانِ كانا فَشَعَّتْ *** صُورَةٌ فِي شَمَائِلِ الزَّهْرَاءِ

لِفَتَاةٍ قِرْطَانِ فِي أُذُنَيْهَا *** تَحْتَ تَاجِ فِي رَأْسِهَا مِنْ بَهَاءِ

وَ أُجِيبا: هَاتِيكَ بَضْعَةُ طه، *** حِينَ قالا: مَنْ ذِي؟ لِرَبِّ السَّمَاءِ

وَلَدَاهَا الْقِرْطَانِ وَالتَّاجُ حَقًّاً *** بَعْلُها وَ هُوَ سَيِّدُ الأَنْقِيَاءِ

وَ هُمُ وُلدُكُمْ وَ كَانُوا بِأَلْفَيْ *** سَنَةٍ قَبْلَكُمْ سَناً مِنْ ضِيَائِي

قُبَّةٌ منَ الياقوت

وَ بِيَوْمِ الْمَعَادِ يُخْلَقُ مِنْ أَحْ *** جَارٍ أَصْفَي يَاقُوتَةٍ حَمْرَاء(2)

ص: 298


1- لسان الميزان، ج 3، ص 346 ح 1409، و قد روي عنه الإحقاق ج 7 ص 20، و نظير ذلك في علل الشرائع ج 1 ص 132 ح 2 و عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 306 ح 67 ، و المعاني 56، 124 ، و الجواهر السنية ص 245 و تفسير البرهان ج 1 ص 89 ح 15، و البحار ج 11 ص 164 ح 9 ، و ج 16 ص 362 ح 62 ، و نزهة المجالس ج2 ص 223 ، و في كشف اليقين ص30، و مصباح الأنوار ص 241، و تأويل الآيات ج 1 ص48 ح 22، و إثبات الهداة ج 4 ص 165 ح 492، و حلية الأبرار ح 4961. تبختر: مشي مشية المتكبر المعجبب بنفسه.
2- جلاء العيون ج 1 ص 129. و نظير ذلك الخوارزمي مقتل الحسين ص 71، و ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 129 ، و الزرندي في نظم درر السمطين ص183.

قُبَّةٌ ما لَهَا عِمَادٌ مُقِيمٌ *** فَهُيَ بَيْتٌ مُعَلَّقٌ فِي الْقَضَاءِ

لِلْبَتُولِ الزَّهْرَاءِ تَسْكُنُ فِيهَا *** وَ هْيَ تَزْهُو لِلْخَلْقِ يَوْمَ الْبَقَاءِ(1)

فَيَقُولون حِينَ تُشْرِقُ فِيهِمْ: *** إِنَّ هَذِي الأَنْوَارَ لِلزَّهْرَاءِ

فاطمة عليها السلام يوم الحشر

قَالَ طه: إِنِّي لأَوَّلُ شَخْصٍ *** عَنْهُ تَنْشَقُّ تُرْبَةُ الْغَبْرَاءِ(2)

وَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ تَنْشَقُ بَعْدِي *** عَنْهُ يُتْلَي بِسَيْدِ الأَوْصِيَاءِ

وَ لِقَبْرِ الْبَتُولِ يَأْتِي فَيَبْنِي *** جَبْرَئِيلٌ بِهِ قِبَابَ عَلاءِ

وَ أَبُو الصُّورِ حَامِلٌ بِيَدَيْهِ *** حُلَلاً تَكْتَسِي بِهَا مِنْ بَهَاءِ

وَ يُنَادِي بِهَا: لِحَشْرِكِ قُومِي *** إِنَّ هذا ميعادُ يَوْم الْجَزَاءِ

فَتَقُومُ الزَّهْرَاءُ مِنْهُ بِأَمْنٍ *** وَ هْيَ مَسْتُورَةٌ بِأَضْفَي رِدَاءِ

ثُمَّ يُؤْتَي لَهَا بِخَيْرِ نَجِيبٍ *** يَتَغَشَّي مِنْ نُورِهِ بِغِشَاءِ

تَعْتَلِيهِ محفَّةٌ مِنْ نظارٍ *** هِيَ فَوْقَ النَّجِيبِ خَيْرُ وِطَاءِ

آخذاً بِالْخِطَامِ وَهُوَ جُمَانٌ *** مَلَكٌ مِنْ أَكَارِمِ الأَصْفِيَاءِ(3)

وَ عَلَي جَانِبَيْهِ سَبْعُونَ أَلفاً *** مِنْ خِيَارِ الْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ

وَ تُوافِي خَدِيجَةٌ تَقْتَفِيها *** مَرْيَمُ إِثْرَ أُمِّهَا حَوَاءِ

بأُلُوفٍ مِنْ حُورِ جَنَّةِ عَدْنٍ *** تَتَهَادَي أَمَامَهَا كَالإِمَاءِ

بِيَدَيْهَا مَجَامِرُ التِّبْرِ تَذْكُو *** دُونَ نَارٍ بِالْعُودِ وَ الأَشْذَاءِ

وَ يُنَادَي بِمَحْشَرِ النَّاسِ: غُضُّوا، *** فَتُغَضُّ الأَبْصَارُ مِنْ كُلِّ رَائِي

لِتَجُوزَ الصِّرَاطَ بَضْعَةُ طَه *** وَ هْيَ تَسْرِي فِي حِشْمَةٍ و َاحْتِفَاءِ

لاَ يَرَاهَا سِوَي الْخَلِيلِ أَبِيهَا *** وَ عَلِيِّ وَ خَاتَمِ الأَنبيَاءِ

ص: 299


1- تزهو تشرق و تضيء.
2- انظر البحار ج 8 ص 53 - 55.
3- الخطام الحبل الذي يُجعَل في عنق البعير و يثني في خطمه، كلّ ما يوضع في عنق البعير ليقاد به جُمان: لؤلؤ.

منبرٌ من نورِ للزهراءعليها السلام

وَ يُقِيمُ الرَّحْمنُ مِنْبَرَ نُورٍ *** تَرْتَقِيهِ فِي رِفْعَةٍ وَ عَلَاءِ(1)

وَ تَحُفُّ الْمَلائِكُ الْغُرُّ فِيهَا *** وَ تُنَادَي: اسْألِي، بِخَيْرِ نِدَاءِ

وَ قَمِيصَ الْحُسَيْنِ قَدْ نَشَرَتْهُ *** بِيَدَيْهَا مُضَرَّجاً بِالدِّمَاءِ

فَتُنَادِي: يَا رَبِّ فِي قَاتِلِيهِ *** أَنْتَ عَدْلٌ فَاحْكُمْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ

فَيُجَلِّي فِي الْحَشْرِ و النَّاسُ تَرْنُو*** عُنُقٌ مِنْ سَعِيرِ دارِ الْبَلاءِ

يَلْقُطُ الْقَاتِلِينَ مِنْهُ فَيُلْقِي *** فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ رَهْطَ الشَّقَاءِ

وَ يُنَادَي: اسْأَلِي، فَتَهْتِفُ: نَسلِي *** يَا إِلهِي وَ شِيعَتِي أَوْلِيَائِي

فَيَقُولُ الإلهُ: شُفْعَتِ فِيهِمْ *** إِنَّ وَعْدِي حَقٌّ بِغَيْرِ امْتِرَاءِ

فَخُذِيهِمْ لِجَنَّةِ الْخُلْدِ طُراً *** بَعْدَغُفْرَانِ سَائِرِ الأَخْطَاءِ

وَ تَجُوزُ الزَّهْر لجَنَّةِ رَضْوَي *** فِي بَنِيهَا وَ الشَّيعَةِ الأَنْقِيَاءِ

وَ تُهَيَّالَهُمْ مَوَائِدُ دُرِّ *** وجُمَانٍ مَصْفُوفَةٍ لِلْعَذَاءِ

فَهُمُ يَنْعَمُونَ فِيهَا بِأَمْنٍ *** وَ يُهَنَّوْنَ فِي عَظِيمِ الْهَنَاءِ

وَ جَمِيعُ الْعِبَادِ فِي الْحَشْرِ تَبْقَي *** دُونَهُمْ فِي حِسَابِ يَوْمِ الْبَقَاءِ

شفاعةُ فاطمة عليها السلام

هِيَ حَقٌّ لِلْمُصْطَفَي وَعَلِيَّ *** وَ بَنَيهِ وَ الْبَضْعَةِ الْحَوْرَاءِ(2)

وَ جَزَاءٌ لِمُؤْمِنٍ يَرْتَضِيهِ *** حِينَ يُمْسِي مِنْ صَفْوَةِ الأَوْلِيَاءِ

جَاءَ «مَنْ أَنْكَرَ الشَّفَاعَةَ مِنَا *** لَيْسَ مِنَّا» عَنْ خَاتَمِ الأُمَناءِ

ص: 300


1- انظر البحار، ج 8 ص 53-55 عن ابن عباس و نظير ذلك في المجالس المفيد ص 84، و نقل عنه البحار ج 43 ص224 ح11، و جلاء العيون ج 1 ص 228، 230، و عوالم العلوم ج 11 ص 1173 و نحو ذلك ما ذكره الهمذاني في مودة القربي ص 104، و العُنُق: الجماعة الكثيرة من الناس أو الطائفة. و جاء القوم عُنقاً عُنُقاً، أي: طوائف. قال الأزهري: إذا جاؤوا فِرَقاً، كلُّ جماعةٍ منهم عُنُقٌ.
2- بحار الأنوار ج 8 ص 51 -52. و حق اليقين ج 2، ص188.

وَ عَلِيُّ هُوَ الشَّفِيعُ الْمُرَجَي *** سَاعَةَ الْحَشْرِ عِنْدَ رَبِّ السَّمَاءِ

وَ تَرَي النَّاسَ كَالسُّكارَي وَ مَا هُمْ *** بِسُكَارَي لَكِنْ لِعُظمِ البَلاءِ

كُلُّ فَرْدٍ يَصِيحُ رَبِّيَ نَفْسِي *** غَيْر طه وَآلِهِ الشُّفَعَاءِ

وَ هْيَ مَهْرُ الزَّهْرَا مِنَ اللَّهِ حَقًّاً *** فِي زَوَاجِ الْوَصِيِّ بِالزَّهْرَاءِ

حِينَ تُعْطَي فِي حَشْرِهَا كُلَّ فَضْلٍ *** وُعِدَتْ فِيهِ مِنْ إِلَهِ الْعَطَاءِ

يَوْمَ تَأْتِي عَلَي نَجِيبٍ كَرِيمٍ *** تَتَهَادَي فِي مَوْكِبٍ مِنْ بَهَاءِ

تَقْتَفِيهَا سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ الْحُور *** حَوَالَيْ رِكَابِهَا كَالإِمَاءِ

وَ تُغَضُّ الأَبْصَارُ عَنْهَا احْتِشَاماً *** حِينَ تَجْتَازُ مِنْ بَنِي حَوَاءِ

وَ تُنَادِي «أُرِيدُ يُعْرَفُ قَدْرِي» *** حِينَ يَأْتِي لَها «اطْلُبِي» فِي النّداءِ

فَتُوَفَّي لَهَا الشَّفَاعَةُ فِيمَنْ *** تَبْتَغِيهِ مِنْ رَبِّهَا بِسَخَاءِ

تَلقُطُ الأَوْلِيَاءَ كَالطَّيْرِ لِلْحَبِّ *** انْتِفَاءً مِنْ زُمْرَةِ الأَشْقِيَاءِ

وَ يُنَادَي بِمَنْ تُشَفَّعُ فِيهِ *** مِنْ مُحِبٍّ وَ شِيعَةٍ أَصْفِيَاءِ

حِينَ يُلْقَي فِي روعِهِمْ أَنْ يَمِيلُوا *** بِالْتِفَاتٍ عَنْ جَنْبِهِمْ لِلْوَرَاءِ

«أُدْخُلُوا الْحَشْرَ لِلشَّفَاعَةِ حَتَّي *** يَعْرِفَ القَدْرَ مِنْكُمُ كُلُّ رَائِي

مَنْ كَساكُمْ لِحُبِّهَا فَخُذُوهُ *** أَوْسَقَاكُمْ لَهُ بِشَرْبَةِ مَاء»

قَالَ:«واللهِ -جَعْفَرٌ- لَيْسَ يَبْقَي *** فِيهِ إِلا مُشَكِّكٌ أَوْ مُرَائِي»

وقوفُها علي شفيرِ جهنَّم

وَ لَهَا وَقْفَةٌ عَلَي النَّارِ فِيهَا *** نَفَحَاتٌ لِلشِّيعَةِ الأَزْكِيَاء(1)

يَوْمَ يُؤْتَي بِمُؤْمِنٍ مُسْتَحِقٍّ *** لِعَذَابِ السَّعِيرِ يَوْمَ الْجَزَاءِ

خُطَّ فَوْقَ الْجَبِينِ مِنْهُ «مُحِبٌّ» *** وَ هْيَ كَانَتْ سِيمَاءَ أَهْلِ الْوِلَاءِ(2)

فَتُنَادِي: «يَا رَبِّ وَعْدُكَ حَقٌّ *** لَيْسَ فِيهِ خُلْفٌ بِوَقْتِ الْوَفَاءِ

ص: 301


1- جلاء العيون ج 1 ص 128.
2- سيماء: علامة وهيئة.

أنتَ َأعْطَيْتَنَا الشَّفَاعَةً فَضْلاً *** وَ امْتِنَاناً فَجُدْ لَنَا بِالْعَطَاءِ»

فَيَجِيءُ النَّدَاءُ: «شُفُعَتِ فِيهِ *** فَخُذِيهِ لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ

إِنَّ وَعْدِي حَقٌّ وَ قَدْ كَانَ أَمْرِي *** فِيهِ لِلنَّارِ مِنْ حَكِيمِ الْقَضَاءِ

لَيْسَ إِلا لِتَشفَعِي فِيهِ عِنْدِي *** رِفْعَةً فِي كَرَامَةٍ و َاحْتِفَاءِ

فَيَرَي الْخَلْقُ وَ الْمَلائِكُ طُرّاً *** أَنْتِ عِنْدِي مِنْ أَكْرَمِ الشُّفَعَاءِ»

توسُّلُ إبليسَ بالنبيِّ صلي الله عليه و آله وآلِهِ الطاهرين عليهم السلام

قَالَ، وَ الصَّادِقُ الزَّكِيُّ أَمِينٌ *** فِي حَدِيثٍ عَنْ صَادِقِ الأُمَنَاءِ(1)

«قَدْ تَوَارَتْ بَعْدَ الظُّهُورِ لِطه *** ذَاتُ خِدْرِ مِنْ خَيْرَاتِ النِّسَاءِ

حِينَ غَابَتْ لأُخْتِهَا فِي ازْدِيار *** وَ هْيَ تُسْمَي مِنْ قَبْلُ فِي عَفْرَاءِ(2)

وَ هْيَ كَانَتْ لِلجِنِّ تَحْمِلُ عَنْهُ *** حُجَجاً مِنْ دَلائِلِ الإهْتِدَاءِ

قالَ عِنْدَ الإِيابِ مِنْهَا إِلَيْهِ: *** حَدِّثِينِي عَنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ

فَأَجَابَتْ: أَبْصَرْتُ شَيْئاً عَجِيباً *** فِي غِيَابِي يَا خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

قَدْ رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ فِي الْبَحْرِ يَدْعُو*** رَبَّهُ فَوْقَ صَخرَةٍ بَيْضَاءِ

سَائِلاً عَفْوَهُ بِحُرْمَةِ طه *** وَ عَلِيَّ وَ ابْتَيْهِ و َالزَّهْرَاءِ

فَسَأَلْتُ الشَّيْطَانَ وَ الْعُجْبُ بَادٍ: *** أَيُّ شَيْءٍ تَرْجُو بِهَذَا الدُّعَاءِ

قَالَ: أَبْصَرْتُ نُورَهُمْ قَبْلَ سَبْعٍ *** مِنْ أُلُوفِ السِّنِينَ عِنْدَ السَّمَاءِ

قَبْلَ إِيجَادِ آدم قَدْ تَحَلَّي *** عَرْشُ رَبِّي بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ

فَهُمُ عِنْدَ رَبِّهِمْ حِينَ كَانُوا *** لِلْبَرَايَا مِنْ أَكْرَمِ الشَّفَعَاءِ

حُلَةٌ وحُليٌّ مِنَ الجِنَّةِ

و َرِجَالُ الْيَهُودِ جاؤوا لطه *** لِحُضُورِ الزَّهْرَا بِعُرْسِ هَنَاءِ(3)

ص: 302


1- كشف الغمة ج 2 ص 91-92.
2- عفراء: أرض بيضاء.
3- روي أن اليهود كان لهم، عرس فجاؤوا إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قالوا: لنا حق الجوار، فنسألك أن تبعث فاطمة بنتك إلي دارنا حتي يزدان عرسنا بها و ألحّوا عليه، فقال: إنها زوجة علي بن أبي طالب و هي بحكمه، و سألوه أن يشفع إلي عليّ عليه السلام في ذلك. و قد جمع اليهود الطمّ و الرمّ كناية عن الكثر الذي لا يحصي أو عن كل ما أوتوا من ملك و قدرة -من الحلي و الحُلّل، و ظنّ اليهود أن فاطمة تدخل في بذلتها - أي ما تبتذله كل يوم- و أرادوا استهانة بها. فجاء جبرئيل بثياب من الجنَّة و حليّ و حللٍ لم يرَ الراؤون مثلها، فلبستها فاطمة و تحلّت بها، فتعجّب الناس من زينتها و ألوانها و طيبها فلمّا دخلت فاطمة دار اليهود سجدت لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها. و أسلم بسبب ما رأوا خلقٌ كثير من اليهود. انظر الخرائج و الجرائِح ص 538 ح 14، و البحار ج 43 ص 30 ح 37 و جلاء العيون ج 1 ص140.

وَ هُمُ يَقْصُدُونَ نَقْصَ عُلاها ***حِينَ تَأْتِي فِي بِزَّةِ الْفُقَرَاءِ

فَأَتَاهَا بِحُلَّةِ وَحُلِيِّ *** جَبْرَئِيلٌ مِنْ جَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ

فَارْتَدَتْهَا وَ أَقْبَلَتْ تَتَهَادَي *** فِي جَلالٍ وَ رَوْعَةٍ و َبَهَاءِ

وَ نِسَاءُ الْيَهُودِ بَيْنَ يَدَيْهَا *** سِرْنَ عِنْد اسْتِقْبَالِهَا كَالإِمَاءِ

وَ هَوَيْنَ الجَمِيعُ حِينَ تَجَلَّتْ *** سُجَّداً لِلزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ

وَ بِفَضْلِ الْبَتُولِ أَسْلَمْنَ طَراً *** مَعَ بُقْيَا رِجَالِ تِلْكَ النِّسَاءِ

شكوي الزهراء عليها السلام

قَالَ: تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِنْتِي *** بِثِيَابِ مَصْبُوغَةٍ بِالدِّمَاءِ(1)

ص: 303


1- في عيون أخبار الرضا عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: تُحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلّق بقائمة من قوائم العرش، تقول: يا عدل احكُمْ بيني و بين قاتل ولدي، قال علي بن أبي طالب عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: و يحكم الله لابنتي وربّ الكعبة. المصدر ج 2 ص 8 ح 21. و في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: عن علي عليه السلام رفعه: إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ من بطنان العرش: يا أهل القيامة أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمدٍ صلي الله عليه و آله و سلم مع قميصٍ مخضوب بدم الحسين عليه السلام، فتحتوي علي ساق العرش، فتقول: أنت الجبار العدلّ اقض بيني و بين من قتل ولدي، فيقضي الله لبنتي و ربّ الكعبة، ثم تقول: اللهم اشفعني فيمن بكي علي مصيبته فيشفّعها الله فيهم. المصدر ص 260. و في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي قال: قال سليمان بن يسار: وجُد حجر مكتوب عليه: لا بدّ أن ترد القيامة فاطمٌ *** و قميصُها بدم الحسين ملطخُ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه *** و الصور في يوم القيامة ينفخ و للاستزادة لك أن تراجع صحيفة الرضا عليه السلام ص 89 ح 21 ، و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 108، و البحار ج 43 ص220 ح2 و3 ، و العوالم ج 11 ص 1173-1174، و ينابيع المودة أيضاً ص 231 و مثير الأحزان ص 81 و مودة القربي ص 104، و آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم ص26 ح162 ، و الإحقاق ج 10 ص 142 ،و نظم درر السمطين ص219، و فرائد السمطين ج 2 ص 266 ح 534 ، و إثبات الهداة ج 1 ص 549 ح 181.

وَ بِإِحْدَي قَوَائِمِ الْعَرْشِ مِنْهَا *** تَعْلَقُ الْكَفُّ بَعْدَ طُولِ الْبُكَاءِ

وَ تُنَادِي: يَا عَدْلُ يَا رَبِّيَ احْكُمْ *** أَنْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدَاءِ

وَ هُمُ قَاتِلُو الْحُسَيْنِ سَلِيلِي *** سِبْطِ طه وَ سَيّدِ الشُّهَدَاءِ

قَالَ: وَاللَّهِ يَحْكُمُ اللَّهُ حَقَّاً *** لابْنَتِي فِيهِمُ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ

حُبُّهَا جَنَّةٌ وَ بُغْضها نارٌ

قَالَ: مَنْ أَبْغَضَ الزَّكِيَّةَ بِنْتِي *** دَخَلَ النَّارَ صُحْبَةَ الأَشْقِيَاءِ(1)

وَ مُحِبُّ الزَّهْرَاءِ يَدْخُلُ حَقًّا *** فِي جِنَانِ الْمَأْوَي مَعَ الصُّلَحَاءِ

رَحي فاطمة عليها السلام تُديرها الملائكةُ

أَرْسَلَ الْمُصْطَفَي أَبا ذَرَّيَوْماً *** لِعَلِيَّ يَدْعُوهُ خَيْرَ دُعَاءِ

فَأَتَي بَيْتَ فَاطِمِ وَ عَلِيٍّ *** عَظَمَ اللَّهُ قَدْرَهُ بِالْعَلَاءِ

وَإِذَا بِالرَّحَي بِغَيْرِ مُدِيرٍ *** تَتَوَالَي بِالطَّحْنِ وَسْطَ الفِنَاءِ

أَخْبَرَ الْمُصْطَفَي بِهَذَا فَأَوْحَي: *** إِنَّ لِلَّهِ خِيرَةَ الأُمَنَاءِ

أَصْفِيَاءٌ مِنَ الْمَلَائِكِ غُرٌّ *** وَ كُلُوا فِي مَعُونَةِ الأَصْفِيَاءِ

ص: 304


1- مقتل الحسين لأخطب خوارزم ج 1 ص 159.

ما ورد في القرآن في فضلها عليه السلام

قولُه «تعالي»: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)» (الرحمن / 19)

قَدْ تَجَلَّتْ فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ آيٌ *** فَأَبَانَتْ عَلْيَاءَهَا بِجَلاَءِ

جاءَ بَعْضٌ فِيهَا انْفِرَاداً وَ بَعْضٌ *** جَاءَ فِيهَا فِي جُمْلَةِ الأَوْلِيَاءِ

قَالَ: إِنَّ الْبَحْرَيْنِ فَاطِمُ فِيهَا *** قَدْ أَتَانَا وَ سَيْدُ الأَوْصِيَاءِ

بَحْرُ عِلْمٍ و َلِلنُّبُوَّةِ بَحْرٌ *** مَا يَزَالآنِ فِي أَتَمُ الْتِقَاءِ

بَيْنَ هذا وَ ذَاكَ مِنْ دُونِ بَغْيِ *** بَرْزَخٌ وَ هُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ

مِنْهُمَا تُصْطَفي اللَّآلِي و َالْمَرْجَانُ *** عِنْدَ الخُرُوج خَيْرَ اصْطِفَاءِ

حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ صَفْوَةُ طه *** وَ جَمِيعُ الأَئِمَّةِ الأَصْفِيَاءِ

فَبِأَيِّ الآلاءِ يَكْفُرُ فِيمَا *** قَدْ أَتَاهَا مُكَذِّبٌ بِافْتِرَاءِ

وَ هْيَ حَقّاً وِلايَةُ الْحَقِّ فِيهَا *** لِعَلِيَّ وَ الْحُبُّ لِلزَّهْرَاءِ

قولُه «تعالي»: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ» (آل عمران / (61)

وَ هْيَ تُعْنَي بِالنَّصِّ دُونَ سِوَاهَا ***حِينَمَا بَاهَلُوا بِلَفْظِ النِّسَاءِ(1)

وَ بِآيِ النَّظَهِيرِ بَانَ عُلاهَا *** وَ بِآي الإِطْعَامِ لِلْفُقَرَاءِ

ص: 305


1- باهلوا: تلاعنوا.

قوله تعالي: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي» (آل عمران/195)

قَالَ فِي الذِّكْرِ: لا يُضَيَّعُ عِنْدِي *** عَمَلُ الْعَامِلِينَ دُونَ جَزَاءِ

ذَكَراً كَانَ -وَ هُوَ يَعْنِي عَلِيّاً- *** أَمْ لأُنْثَي كَالْبَضْعَةِ الْحَوْرَاءِ(1)

حِينَ مِنْ مَكَةٍ لِيَشْرِبَ لَيْلاً *** هَاجَر نَحْوَ خَاتَمِ السُّفَرَاءِ

قوله «تعالي»: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ و َالْأُنْثَي إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّي» (الليل / 4)

وَ لَقَدْ خَصَّ فَاطِماً وَ عَلِيّاً *** بِهِمَا اللَّهُ مِنْ بَنِي حَواءِ

إِنَّمَا سَعْيُكُمْ جَمِيعاً لَشَتَّي *** عِنْدَ دَارِ الدُّنْيَا لِدَارِ الْبَقَاءِ

إِنَّ مَنْ أَحْسَنُوا لَهُمْ خَيْرُ حُسْنَي *** بَعْدَمَا آمَنُوا بِرَبِّ الْعَطَاءِ(2)

قولُه «تعالي»: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتِ» (البقرة / 37)

فَتَلَقَّي مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ *** زَاكِيَاتٍ تَقَدَّسَتْ بِالْعَلَاءِ(3)

ص: 306


1- في مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 102، عن عمار بن ياسر في قوله «تعالي»: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي» قال: فالذكر علي عليه السلام و الأنثي فاطمة عليها السلام، وقت الهجرة إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الليلة و انظر البحار أيضاً ج 43 ص 32 ضمن الحديث 39، و عوالم العلوم ج 11 ص97.
2- المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 102، عن الباقر عليه السلام في قوله تعالي:«و ما خلق ذَكَرٍ و أُنْثَي» فالذكر:أمير المؤمنين عليه السلام، و الأنثي: فاطمة عليها السلام. و انظر البحار ج 43 ص 32 ، و العوالم ج 11 ص98.
3- في (فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن) ص17: روي العلامة الحافظ ابن المغازلي (الشافعي) في مناقبه -بإسناده المذكور- عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس: سأل النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم: سأله بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و الحسن و الحسين عليهم السلام إلا ما تبت عليِّ عليه السلام «فتاب عليه». و أخرج نحواً منه علاّمة الشوافع السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج 1 ص 60. و انظر الحديث أيضاً في المستدرك ج 1 ص 372 ح 8 و 9، و تفسير البرهان ج 1 ص 89 ح 15 ، و بحار الأنوار ج 26 ص 325 ح 8 ، و مصباح الأنوار ص 241، و إثبات الهداة ج 4 ص 165 ح 492، و في كشف اليقين ص 30 ، و تأويل الآيات ج 1 ص 48 ح 22. و مثل ذلك أيضاً في تفسير العياشي ج 1 ص 41 ح 27 ، و في تفسير البرهان ح 1 ص 87 ح 10 ، و في البحار ج 11 ص 187 ح 39 ، و ج 26 ص 326 ح 9، و في العوالم ج 11 ص 28 و 29 ، و غاية المرام ص 392 ح 4.

وَ هْيَ بِنْتُ الْهَادِي وَ سِبْطَاهُ حَقًّاً *** وَ عَلِيٌّ وَخَاتَمُ الأَصْفِياءِ

قوله «تعالي»: «لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» (النور / 63)

وَ لَقَدْ هَابَتِ الرَّسُولَ فَنَادَتْ: *** يَا رَسُولَ الإِلهِ وَقتَ النَّدَاءِ

حِينَ وَافَي: لا تَجْعَلُوا كَدُعَاءِ *** الْبَعْضِ مِنْكُمْ مُحَمَّداً فِي الدُّعَاءِ

لا تُنَادُوهُ يا مُحَمَّدُ جَهلاً *** بِاسْمِهِ مِثْلَ سَائِرِ الأَسْمَاءِ

قَالَ: قُولِي عِنْدَ النَّدا: أَبَتَاهُ *** فَهُوَ أَدْعَي ما بَيْنَنَا لِلْوَلاَءِ

فَهيَ مَا أُنْزِلَتْ بِعِشْرَةِ طه *** وَ ذَراريه خيرة النجباءِ

إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بِقَوْمٍ جُفَاةٍ *** مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ غِلْظَةٍ وَجَفَاءِ(1)

قوله «تعالي»: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً و َقُعُوداً» (آل عمران/ 191)

يَذْكُرُونَ اللَّهَ الْعَظِيمَ قِيَاماً *** وَ قُعُوداً مِنْ خِيفَةٍ وَ رَجَاءِ(2)

ص: 307


1- في البحار، عن القاضي أبي محمد الكرخي، في كتابه عن الصادق عليه السلام: قالت فاطمة عليها السلام: لمّا نزلت: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً» (النور /63) رهبتُ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أقول له يا أبة فكنت أقول: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فأعرض عني مرّةً أو اثنتين أو ثلاثاً، ثم أقبل عليّ عليه السلام فقال: يا فاطمة عليها السلام إنها لم تنزل فيك، و لا في أهلك و لا في نسلك، أنتِ منّي و أنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء و الغلظة من قريش أصحاب البذخ و الكبر. قولي عليها السلام يا أبة، فإنها أحيي للقلب و أرضي للربّ. المصدر 31/43 - 39/37 تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام باب مناقبها و بعض أحوالها عليها السلام. و مثله في مناقب ابن المغازلي ص 364 ح 411 ، و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 102، و في تفسير نور الثقلين ج 3 ص 628 ح265 و في تفسير البرهان ج 3 ص 154 ح 1 عن المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة، و في بحار الأنوار ح 43 ص 32، و في العوالم ج11 ص 98 و99 و 250 و 807 و 863.
2- وفي تفسير كنز الدقائق ج 3 ص 296 ، عن أمالي الطوسي 463 - 472 ح 1031 «المجلس السادس عشر بإسناده إلي أبي عبيدة، عن أبيه و ابن أبي رافع يحكيان ذهاب علي عليه السلام من مكة إلي المدينة ملتحقاً بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم... ثم سار ظاهراً فاهراً حتي نزل ضجنان، فتلوم بها قدر يومه و ليلته... فظل ليلته تلك هو و الفواطم -فاطمة بنت أسد و فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و فاطمة بنت الزبير- طوراً يصلون و طوراً يذكرون الله قياماً و قعوداً و علي جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتي طلع الفجر، فصلي صلي الله عليه و آله و سلم بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله و الفواطم كذلك... حتي قدموا المدينة و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالي: «الذين يذكرون الله قياماً و قعوداً و علي جنوبهم» الآيات إلي قوله «من ذكر أو أنثي»... «بعضكم من بعض» يعني: علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام... الخبر. و انظر البحار ج 43 ص 33 و المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 102 و قد ورد فيها: و كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يهتم لعشرة أشياء فآمنه اللَّه منها و بشَره بها -إلي أن قال: و لابنته حال الهجرة فنزلت: «الذين يذكرون الله قياماً و قعوداً»... آل عمران: 191 و قد نقل عنها في العوالم ج 11 ص 102.

هِيَ فِي هِجْرَةِ الزَّكِيَّةِ وَافَتْ *** حِينَ وَافَتْ لِطَيْبَةَ الْغَرَّاءِ

قولُه «تعالي»: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ» (آل عمران/ 43)

طَهَّر اللَّهُ مَرْيَماً وَ اصْطَفَاهَا *** وَ اجْتَبَاهَا فَضْلاً بِخَيْرِ اجْتِبَاءِ(1)

سَيْدَاتُ النِّسَاءِ أَرْبَعٌ فِيما *** قَدْ أَنَانًا عَنْ خَاتَمِ الأُمَنَاءِ

وَ البَتُولُ الزَّهْرَاءُ أَعْظَمُ فَضْلاً *** وَ جَلالاً مِنْ سَيِّدَاتِ النِّسَاءِ

قولُه «تعالي»: «لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» (الزمر/65)

قَالَ طه فِي سَارِقٍ مُتَعَدٍّ *** قُطِعَتْ كَفُهُ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ(2)

ص: 308


1- في أمالي الصدوق ص 99-101، ح 2 المجلس الرابع و العشرون بسنده إلي ابن عباس؛ قال: و أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين، (إلي أن يقول): و يقول الله «عز وجل» لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلي أمتي فاطمة عليها السلام سيدة إمائي قائمة بين يديَّ ترتعد فرائصها من خيفتي، و قد أقبلت بقلبها علي عبادتي، أشهدكم أني قد آمنتُ شيعتها من النار... (إلي أن يقول): فعند ذلك يؤنسها الله «تعالي» ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت ،عمران سلام الله عليها، فتقول: يا فاطمة عليها السلام «إن الله اصطفاك و طهَّركِ و اصطفاكِ علي نساء العالمين» يا فاطمة عليها السلام «اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين»... الحديث. و انظر كذلك إرشاد القلوب ص 295، و البحار ج 43 ص 172 ح 13 ج 14 ص 205 ح 22 و ج 28 ص 38 ح 1، و العوالم ج 11 ص 546-547، و غاية المرام ص 48 ح10، و فرائد السمطين ج 2 ص 34 ح 371 ، و المحتضر ص 109.
2- المناقب لابن شهر آشوب، صحيح الدارقطني: إن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أمر بقطع لصّ، فقال اللصّ: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قدّمته في الإسلام، و تأمره بالقطع ؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: لو كانت ابنتي فاطمة عليها السلام فسمعت فاطمة عليها السلام فحزنت، فنزل جبرئيل بقوله: «لئن أشركت ليحبطنَّ عملك» (الزمر/65) فحزن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فنزلت الآية : «لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا» (الأنبياء/22) فتعجب النبي من ذلك، فنزل جبرئيل و قال : كانت فاطمة عليها السلام حزنت من قولك، فهذه الآيات لموافقتها لترضي، المناقب ج 3 ص 106، و نور الثقلين ج 4 ص497 ح 102، و البحار ج 43 ص 43 و العوالم ج 11 ص 97.

هُوَ لَوْ كَانَ فَاطِماً لَقَطَعْنَا *** يَدَهَا بَعْدَ سِرْقَةٍ وَاعْتِدَاءِ

وَ تَنَاهَي لَهَا الْحَدِيثُ فَأَشْجَي *** نَفْسَهَا قَوْلُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

فأَتَاهُ: لَتَحْبَطَنَّ لَئِنْ أَشْرَكْتَ *** مِنْكَ الأَعْمَالُ فِي الإِبْتِدَاءِ

فَاغْتَدَي الْمُصْطَفَي حَزِيناً فَوَافَي *** جَبْرَئِيلٌ لَهُ بِوَحْيِ السَّمَاءِ

تَفْسُدُ الأَرْضُ وَالسَّمواتُ لَوْ كَانَ *** إِلَهُ ثَانٍ مِنَ الشُرَكَاء

قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ رَبَّ الْبَرَايَا *** بِالْبَتُولِ الزَّهْرَا مِنَ الرُّحَمَاءِ

أنْزَلَ الآيَتَيْنِ فِيها لِتَرْضَي *** بَعْدَحُزْنٍ أَصَابَهَا وَ اسْتِيَاءِ

فَامْتَلَتْ نَفْسُ خَاتَمِ الرُّسُلِ عُجْباً *** لِمَقامِ الصِّدِّيقَةِ الزَّهْرَاءِ

قولُه «تعالي»: «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً» (المزمل / 9)

إِنَّهُ اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** قَدْ تَعَالَي عَنْ سَائِرِ النُّظَرَاءِ(1)

وَ هُوَ رَبِّ لِلْمَشْرِقَيْنِ عَظِيمٌ *** فَاتَّخِذْهُ مِنْ خِيرَةِ الْوُكَلاءِ

آيةٌ أُنْزِلَتْ لِبَضْعَةِ طه *** وَ عَلِيٌّ بِغَزْوَةٍ مُتَنائِي

فَتَمَنَّتْ لَهَا وَكِيلاً أَمِيناً ***حَافِظاً بَعْدَ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

فَأُجِيبَتْ: لَكِ الإِلهُ وَكِيلٌ *** وَ كَفِيلٌ مِنْ أَحْسَنِ الْكُفَلاءِ

ص: 309


1- مناقب ابن شهرآشوب: روي أن فاطمة عليها السلام تمنّت وكيلاً عند غزاة عليِّ عليه السلام فنزل «رب المشرق و المغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً» (المزمل/9) المصدر ج 3 ص 106 ، و البحار ج 4 ص 43، و العوالم ج 11 ص99.

قولُه «تعالي»: «وَإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ» (التكوير/7)

وَ إِذَا مَا النُّفُوسُ مِنْ بَعْدِ حَشْرٍ *** زُوجَتْ فِي الْجِنَانِ يَوْمَ اللقَاءِ(1)

جَاءَ فِيهَا لِكُلِّ بَرِّ وَلِيٍّ *** أَرْبَعٌ مِنْ نِسَاءِ دُنْيَا الْفَنَاءِ

يَتَلَقَّي التَّزْوِيجَ فِيها امْتِنَاناً *** حِينَ يُحْبَي مِنْهُ بِخَيْرِ حِبَاءِ

غَيْرَ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِمِمّا *** قَدْ أُعِدَّتْ لَهُ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ

مَا عَدَا الْمُرْتَضَي الْوَصِيَّ عَلِيّاً *** رِفْعَةً لِلزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ

مَا لَهُ غَيْرُ فَاطِمٍ أَيُّ زَوْجٍ *** مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا بِيَوْمِ الْبَقَاءِ

وَ لَهُ مِنْ عَرَائِسِ الْحُورِ مَا لا *** قَطُّ يُحْصِيهِ غَيْرُ رَبِّ الْقَضَاءِ

ص: 310


1- المناقب لابن شهر آشوب بسنده في قوله «تعالي»: «وإذا النفوس زوّجت» (التكوير/7) قال: ما من مؤمن يوم القيامة إلاّ إذا قطع الصراط زوّجه الله علي باب الجنة بأربع نسوة من نساء الدنيا، و سبعين ألف حوريّة من حور الجنة، إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه زوج البتول فاطمة عليها السلام في الدنيا، و هو زوجها في الآخرة في الجنة ليست له زوجة في الجنة غيرها من نساء الدنيا، لكن له في الجنان سبعون ألف حوراء، لكلّ حوراء سبعون ألف خادم. المصدر ج 3 ص 106. و في البحار ج 43 ص 154، سبعون ألف خادم المصدر ج 3 ص106 ، و في تفسير البرهان ج4 ص 341 ، و في البحار ج 43 ص 154، و في العوالم ج 11 ص 504. في دلائل الإمامة في مسندها عليه السلام و نظرتُ إلي الجواري و حسنهن، فقلت: لمن أنتن؟ فقلن: لكِ و لأهل بيتك و لشيعتك، فقلت: أفيكنَّ من أزواج ابن عمي أحد؟ قلن: أنت زوجته في الدنيا و الآخرة، و نحن خدمك و خدم ذريتك. و شبيه ذلك أيضاً ما ورد في تفاسير سورة الدهر، حيث ذكر فيها جميع أصناف النعيم ما عدا الحور، و ما ذلك إلا إجلالاً لفاطمة عليها السلام.

حَدِيثُ الكساء

قَدْ رَوَي جَابِرٌ حَدِيثاً شَرِيفاً *** عَنْ لِسَانِ الزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ

قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ بَضْعَةٌ طه *** لِي قَالَتْ يَوْماً بِكُلِّ جَلاَءِ

جَاءَنِي وَالِدِي فَسَلَّمَ، حُبّاً *** وَ اشْتِيَاقاً، عَلَيَّ عِنْدَ اللقَاءِ

قَالَ: إِنِّي أُحِسُّ ضَعْفاً بِجِسْمِي *** وَ نُحُولاً فِي سَائِرِ الأَعْضَاءِ

قُلْتُ: إِنِّي أُعِيذُ جِسْمَكَ مِمّا *** قَدْ عَرَاهُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَلَاءِ

قَالَ: جِيئِي بِذَا الْكِسَاءِ الْيَمَانِيِّ *** وَ غَطَّي جِسْمِي بِهَذَا الْكِسَاءِ

وَ لَقَدْ جِئْتُ بِالْكِسَاءِ الْيَمَانِيِّ *** وَ غَطَيْتُهُ بِخَيْرِ غِطَاءِ

وَ أَتَي بَعْدَ سَاعَةٍ نُورُ عَيْنِي *** حَسَنٌ وَ هُوَ سَيِّدُ الأَزْكِياءِ

قالَ: إِنِّي أَشَمُّ طيباً زَكِياً *** هُوَ مِنْ طِيبِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ جَدُّكَ طه *** فَأَتَاهُ مُسلّماً باحْتِفَاءِ

قَائِلاً: يا جَدَّاهُ هَلْ لِي إِذْنٌ *** فِي دُخُولِي بظلِّ هذَا الْغِشَاءِ

وَ عَلَيْكَ السَّلامُ صاحِبَ حَوْضِي *** قَالَ: فَادْخُلْ مَعِي بِدُونِ إِبَاءِ

وَ مَضَتْ سَاعَةٌ فَوافَي حُسَينٌ *** ثَمَرُ الْقَلبِ سَيْدُ الشُّهَدَاءِ

قَالَ: إِنِّي أَسْتَافُ أَطْيَبَ رِيحٍ *** هُوَ مِنْ طِيبِ خَاتَمِ السُّفَراءِ(1)

قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ جَدُّكَ هذا *** وَ أَخُوكَ الزَّاكِي بِخَيْرِ وِطَاءِ

قَالَ بَعْدَ السَّلام: يَا جَدُّ هَلْ لِي *** مِنْكَ إِذْنُ الدُّخُولِ بَعْدَ اصْطَفَاءِ

قَالَ: فَادْخُلْ يَا خَيْرَ سِبْطٍ شَفِيعٍ *** لِلْمُحِبِّينَ عِنْدَ يَوْمِ الْجَزَاءِ

ص: 311


1- أستاف: أشتمّ.

وَ مَضَتْ سَاعَةٌ فَجَاءَ عَلِيٌّ *** سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ و َالأَوْصِيَاءِ

قَالَ: يَا بِنْتَ خَاتَمِ الرُّسُلِ طه *** بَعْدَ أَزْكَي تَحِيَّةٍ وَ وِلاءِ

أَنَا أَسْتَافُ مِنْ أَخِي وَ ابْنِ عَمِّي *** سَيِّدِ الرُّسُلِ أَطْيَبَ الأَشْذَاءِ

قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ صِنَوكَ طه *** مَعَ شِبْلَيْكَ يَا أَبَا الأَنْقِيَاءِ

فَتَدَانَي مُسْتَأْذِناً نَحْوَ طه *** بَعْدَ تَسْلِيمِهِ بِخَيْرِ اعْتِنَاءِ

قَالَ: فَادْخُلْ خَلِيفَتِي وَ وَصِيِّي *** مَعَنَا يا أَخِي وَ رَبَّ لِوَانِي

وَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ أَطْلُبُ إذناً *** مَعَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِي الانْتِهَاءِ

قَالَ: يا بَضْعَتِي وَ بِنْتِيَ كُونِي *** مَعَنَا يَا سَلِيلَةَ النُّقَبَاءِ

وَ اكْتَمَلْنَا تَحْتَ الْكِسَاءِ فَأَوْمَي *** آخِذا جَانِبَيْهِ نَحْوَ السَّماءِ(1)

قَائِلاً: هؤلاء -رَبِّي- جَمِيعاً *** أَهْلُ بَيْتِي وَ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ

لَحْمُهُمْ -رَبِّيَ الْمُعَظَّمَ- لَحْمِي *** وَ كِرَامُ الدِّمَاءِ مِنْهُمْ دِمَائِي

أنَا سِلْمٌ لِمَنْ يُسَالِمُ حَقّاً *** أَهْلَ بَيْتِي حَرْبٌ لأَهْلِ الْعِدَاءِ

مُبْغِضٌ شَانِيءٌ لِمَنْ أَبْغَضُوهُمْ *** وَ مُحِبْ لِلشَّيعَةِ الأَوْلِيَاءِ

رَبِّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمُ بَرَكَاتٍ *** مِنْكَ تُتْلَي بِرَحْمَةٍ وَ رَجَاءِ

رَبِّ طَهُرْهُمْ جَمِيعاً وَ أَذْهِبْ *** عَنْهُمُ الرِّجْسَ يَا إِلهَ الْعَطَاءِ

قَالَ: يَا سَاكِنَ السَّمَاواتِ طُرّاً ***(رَبُّنَا) لِلْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ

يَا عِبَادِي وَ عِزَّتِي وَ جَلالِي *** وَ أَنَا اللَّهُ صَاحِبُ الْكِبْرِيَاءِ

مَا خَلَقْتُ الأَرْضَ الْوَسِيعَةَ *** دَحْواً مَا رَفَعْتُ السَّما بِخَيْرِ بِنَاءِ(2)

فَلَكٌ لَمْ يَكُنْ يَدُورُ وَ فُلْكٌ *** لَمْ يَكُنْ سَارِياً بِلُجَّةِ ماءِ(3)

دُونَ بَحْرٍ يَجْرِي وَ بَدْرٍ مُنِيرٍ *** وَ ذُكَاءٍ مُضِيئَةٍ بِضِيَاءِ

كُلُّ هَذا قَدْ كَانَ مِنِّي لِغُرِّ *** خَمْسَةٍ جُلَّلُوا بِهَذَا الْكِسَاءِ

ص: 312


1- أومي: أشار.
2- دَحُواً : بَسْطاً.
3- لُجة ماء: مُّعظَمُ ماء.

قَالَ: «يَا رَبِّ مَنْ هُمْ؟» جَبْرَئِيلٌ *** طُلْتَ مَجْداً بِعِزَّةٍ وَ إِبَاءِ

قَالَ: هُمْ مَعْدِنُ النُّبُوَّةِ عِنْدِي *** فَاطِمُ بِنْتُ خَاتَمِ الشُّفَعَاءِ

وَ أَبُوهَا وَ بَعْلُهَا وَبَنُوها *** أَصْفِيَانِي وَ خِيرَةُ الْخُلَفَاءِ

قَالَ: هَلْ بِالنُّزُولِ لِي مِنْكَ إِذْنٌ *** لأَكُونَنَّ سَادِسَ الأَصْفِياءِ

قَالَ: إِنِّي لَقَدْ أَذِنْتُ، فَأَهْوَي *** جَبْرَئِيلَ لِتُرْبَةِ الْغَبْرَاءِ

وَ أَتَي الْمُصْطَفَي وَ قَصَّ عَلَيْهِ ***كُلَّ مَا قَالَهُ إِلَهُ الْعَطَاءِ

قَالَ: فَادْخُلْ، فَقَدْ أَذِنْتُ بِهَذَا، *** مَعَنا يا أَمِينَ وَحْيِ السَّمَاءِ

قالَ: إِنَّ الإِلهَ أَوْحَي إِلَيْكُمْ *** وَ حَبَاكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِحِبَاءِ

آيةٌ في التَّطهيرِ أَذْهَبَ فِيها ***كُلَّ رِجْسَ عَنْكُمْ وَ كُلَّ امْتِرَاءِ

فَرَنَا الْمُرْتَضَي وَ قَالَ لِطه: ***ما لِهَذَا جُلُوسنَا مِنْ عَلَاءِ

قَالَ طه: وَ حَقِّ رَبِّ الْبَرَايَا *** مَنْ حَبَانِي فَضْلاً بِهَذا الثَّنَاءِ

وَ اجْتَبَانِي مِنَ الْعِبَادِ نَبِيّاً *** وَ نَجِياً بِأَحْسَنِ الإِجْتِباءِ

مَا جَرَي ذِكْرُنَا بِهَذَا بِحَفْلٍ *** وَ اجْتِمَاعِ لِلشَّيعَةِ الصَّلَحَاءِ

قطُّ إلا وَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ *** رَحَمَاتٍ تَفِيضُ بِالنَّعْمَاءِ

وَ بِهِمْ حَفَّتِ الْمَلَائِكُ طُرّاً *** فِيهِ يَسْتَغْفِرُونَ دُونَ انْقِضَاءِ

لَهُمُ مُدَّةَ الْجُلُوسِ إِلَي أَنْ *** عَنْهُ يَنْفَضُّ سَائِرُ الْجُلَسَاءِ

قَالَ: فُزْنَا وَفَازَ كُلُّ مُحِبِّ *** وَ مُوَالٍ لَنَا مِنَ الأَوْلِيَاءِ

قال طه: عَوْداً عَلَي الْبَدْءِ مِنْهُ: *** وَ الَّذِي اختارنِي بِخَيْرِ انْتِقَاءِ

مَا أَتَي مِنْهُمُ بِمَجْمَع خَيْرٍ *** ذِكْرُ هذا الْحَدِيثِ طُولَ البَقَاءِ

كَانَ فِيهِ ذُو حَاجَةٍ أَو هُمُومِ *** أَوْغُمُومِ مَقْرُونَةٍ بِالْعَنَاءِ

قَطُّ إِلا وَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ *** وَ قَضَي حَاجَهُ بِخَيْرِ قَضَاءِ

قَالَ: فُزْنَا وَ اللَّهِ حُسْنَي وَ فَازُوا *** فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ دَارِ اللِّقَاءِ

ص: 313

صحيفة فاطمة الزهراء عليها السلام

قَدْ تَجَلَّي عَنْ جَابِرٍ خَيْرُ نَصٍّ *** فِيهِ لِلظَّامِئِينَ خَيْرُ رُوَاءِ

قَالَ: أَبْصَرْتُ فِي يَدَيْ بِنْتِ طه *** حِينَ وَافَيْتُها بِوَقْتِ اللقَاءِ

خَيْرَ لَوْحٍ مِنَ الزُّمُرُّدِ زاهٍ *** أَخْضَرٍ مُشْرِقٍ بِأَسْنَي بَهَاءِ

قُلْتُ: يَا بَضْعَةَ النَّبِيِّ أَبِينِي *** أَيَّ شَيْءٍ هذا بِأَبْهَي جَلاءِ

فَأَجَابَتْ: لَوْحٌ أَتَي جَبْرَئِيلٌ *** لأبي فِيهِ مِنْ إِلَهِ الْعَطَاءِ

فَحَبَانِي بِهِ أَبِي حَيْثُ فِيهِ *** ذِكْرُ أَسْمَاءِ وُلْدِيَ الأُمَنَاءِ

لِيَعُمَّ السُّرُورُ وَ الْبِشْرُ نَفْسِي *** فَتَصَفَّحْتُهُ بِخَيْرِ اقْتِفَاءِ

وَكَتَبْتُ النَّصَّ الَّذِي خُطَّ فِيهِ *** بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ بَيْضَاءِ

وَ أَنَا أُشْهِدُ الإلة بِهذا *** صادِقاً بِالْمَقَالِ دُونَ افْتِرَاءِ

إنَّ هَذَا اللَّوْحَ الْكَرِيمَ كِتَابٌ *** مُنْزَلُ مِنْ جَلالِ رَبِّ السَّمَاءِ

لِسَفِيرِ الْبَارِي وَ خَيْرِ دَلِيلٍ *** وَ حِجَابٍ لَهُ وَ خَيْرِ ضِيَاءِ

يَا نَبِيِّ الْهُدَي مُحَمَّدُ عَظِّمْ *** بَعْدَ شُكْرِ لِنِعْمَتِي أَسْمَائِي

إِنَّنِي اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** قَاصِمُ الْجَبَارِينَ مِنْ خُصَمَانِي

وَ مُذِلُّ لِلظَّالِمِينَ هَوَاناً *** بَعْدَ عِزِّ دَيانُ يَوْم الْجَزَاءِ

كُلُّ مَنْ خافَ غَيْرَ عَدْلِي وَ يَرْجُو *** غَيْرَ فَضْلِي عَذَّبْتُهُ بِبَلائِي

فَتَوَكَّلْ عَلَيَّ وَحْدِي وَ اعْبُدْنِي *** إِلهاً فَرْداً بِلا شُرَكَاء

و أَنَا مَا اسْتَكْمَلْتُ عَهْدَ نَبِيِّ *** عِنْدَ بَعْثَي لِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ

قَطُّ إلأ وَ قَدْ جَعَلْتُ وَصِيّاً *** خَلَفاً بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ

وَ أَنَا قَدْ جَعَلْتُ شَخْصَكَ مَنْاً *** أَفْضَلَ الأَنْبِيَاءِ وَ الأَصْفِيَاءِ

مِثْلَما قَدْ جَعَلْتُ خَيْرَ وَصِيٌّ *** لَكَ فِي الْخَلْقِ أَفْضَلَ الأَوْصِيَاءِ

وَ بِشِبْلَيْكَ بَعْدَهُ وَ بِسِبْطَيْكَ *** امْتِنَاناً أَكْرَمْتُهُ بِسَخَاءِ

حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ خَيْرُ إِمَامَيْنِ *** هُمَا بَعْدَ سَيِّدِ الأَنْقِيَاءِ

وَ جَعَلَتُ الزَّكِي مَعْدِنَ عِلْمِي *** حَسَناً وَ هُوَ مُجْتَبَي الأَزْكِيَاءِ

ص: 314

وَ جَعَلْتُ الْحُسَيْنَ خَازِنَ عِلْمِي *** بَعْدَهُ وَ هُوَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ

وَ بِأَسْمَي شَهَادَةٍ خُصَّ مِنِّي *** قُرِنَتْ فِي سَعَادَةٍ وَ عَلَاءِ

مَعَهُ الْكِلْمَةُ البَلِيغَةُ رُشْداً *** وَ لَهُ خَيْرُ حُجَّةٍ بَيْضَاءِ

لِلْبَرَايَا مُعَاقِبٌ وَ مُثِيبٌ *** مِنْهُ فِي خَيْرِ عِتْرَةٍ نُجَبَاءِ

سَيْدُ الْعَابِدِينَ أَوَّلُ نَدْبٍ *** مِنْهُمُ وَ هُوَ زِينَةُ الأَوْلِيَاءِ(1)

وَ ابْنُهُ بَاقِرُ الْعُلُومِ لِحُكْمِي *** مَعْدِنٌ شِبْهُ خَاتَمِ الأَصْفِيَاءِ

بَعْدَهُ جَعْفَرٌ سَيَهْلِكُ فِيهِ *** كُلُّ بَاغِ ذِي رِيبَةٍ وَ رِيَاءِ

حُقَّ قَوْلٌ مِنِّي لأُكْرِمَ مَثْوَي *** جَعْفَرٍ في كَرَامَةِ وَ اعْتِلاَءِ

كُلُّ شَخْصِ قَدْ رَدَّ -كُفْراً- عَلَيْهِ *** رَدَّ -كُفْراً- عَلَيَّ دُونَ اهْتِدَاءِ

الأسُرَّنَّ نَفْسَهُ مِنْ حُبُورٍ *** بِجَمِيعِ الأَشْيَاعِ وَ النُّصَرَاءِ(2)

بَعْدَهُ اخْتَرْتُ ِللإِمَامَةِ -مُوسَي *** وَ هُوَ فِي عَهْدِ فِتْنَةٍ عَمْيَاءِ

حَيْثُ فَيْضِي وَ حُجَّتِي لَنْ يَزُولا *** بِانْقِطَاعِ مِنَ الوَرَي وَ انْقِضَاءِ

لَيْسَ يَشْقَي الأَتبَاعُ مِنْهُ جَمِيعاً *** فَهُمُ فِي هُدَي بِدُونِ شَقَاءِ

كُلُّ فَرْدِ مِنَ الْبَرِيَّةِ غَيّاً *** لَهُمُ جَاحِدٌ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ

بَعْدَ تَغْيِيرِ آيةٍ مِنْ كِتابِي *** فَهُوَ بَاغِ عَلَيَّ بِالإِفْتِرَاءِ

وَ عَليٌّ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ عَلَيْهِ *** أَنَا أَلْقَيْتُ كُلفَةَ الأَنْبِيَاءِ(3)

وَ هْوَ عَبْدِي وَ نَاصِرِي وَ وَلِيِّي *** مَنْ لَهُ الإِضْطِلاعُ فِي أَعْبَائِي

كُلُّ فَرْدٍ مُكَذِّبٌ فِيهِ كُفْراً *** وَ هُوَ فِي الْعَدْ ثَامِنُ الشُّفَعَاءِ

فَهُوَ حَقاً مُكَذِّبٌ دُونَ رَيْبٍ *** لِجَمِيعِ الأَئِمَّةِ الصَّلَحَاءِ

وَ هُوَ يَجْنِي عَلَيْهِ عِفْرِيتُ طَاغٍ *** مُتَعَدِّ بِالْقَتْلِ شَرِّ اعْتِدَاءِ

ص: 315


1- النَّدبُ، و الجمع ندوب ونُدَباء: السريع إلي الفضائل و الظريف النجيب، الخفيف في الحاجة، لأنه إذا نُدب إليها خف لقضائها.
2- الحُبُور: السرور.
3- الكُلفة: الثقل و العبء.

دَفَنُهُ فِي مَدِينَةٍ قَدْبَنَاهَا *** جَنْبَ شَرِّ الطَّغَاةِ وَ الأَشْقِيَاءِ(1)

لأقرَّنَّ بَعْدَهُ الْعَيْنَ مِنْهُ *** بِابْنِهِ وَ هُوَ خِيرَةُ الْخُلَفَاءِ

مَوْضِعِ السِّرِّ مَعْدِنِ الْحُكْمِ مِنِّي *** وَارِثِ الْعِلْمِ وَ هُوَ خَيْرُ وِعَاءِ

حَجَّتِي فِي الْوَرَي مُحَمَّدُ حَقّاً *** وَ هُوَ عِنْدِي مِنْ صِفْوَةِ النُّجَبَاءِ

قَدْ جَعَلْتُ الْمَثْوَي الْمُبَارَكَ مِنْهُ *** فِي جِنَانِ الأَبْرَارِ وَ الأَتقِيَاءِ

بَعْدَ تَشْفِيعِهِ بِسَبْعِينَ شَخْصاً *** يَسْتَحِقُّونَ نَارَ يَوْمِ الْجَزَاءِ(2)

وَ أَنَا فِي سَعَادَةٍ أَرْتَضِيهَا *** سَوْفَ أَقْضِي فِي سَاعَةِ الإِنْتِهَاءِ

لابْنِهِ نَاصِرِي عَلِيٍّ وَلِيِّي *** وَ هُوَ لِلْوَحْي خِيرَةُ الأُمَنَاءِ

أُخْرِجُ الخَازِنَ الأَمِينَ لِعِلْمِي *** حَسَناً مِنْهُ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ

وَ أَنَا بِابْنِهِ لَأَكمِلُ أَمْرِي *** رَحْمَةً لِلْعِبَادِ دُونَ انْقِضَاءِ

مَنْ تَجَلَّي كَمَالُ مُوسَي عَلَيْهِ *** وَ لِعِيسَي عَلَيْهِ خَيْرُ بَهَاءِ

وَ عَلَيْهِ وَ هُوَ الْمُغَيَّبُ يَبْدُو *** صَبْرُ أَيُّوبَ فِي أَتَمِّ جَلاءِ

وَ هُوَ فِي الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ مِنْهُ *** سَيُذَلُّ الأَبْرَارُ مِنْ أَوْلِيَائِي

وَ هُمُ يُقْتَلُونَ صَبْراً إِلَي أَنْ *** تُصْبَغَ الأَرْضُ مِنْهُمُ بِالدِّمَاءِ

وَيُهَادَوْنَ بِالرُّؤُّوس ضَلالاً *** مِنْهُمُ بَعْدَ سَاعَةِ الإِعْتِدَاءِ

وَ يَشِيعُ الْوَيلُ اكْتِثَاباً وَ يَعْلُو *** مِنْهُمُ بِالْبُكَارَنِينُ النِّسَاءِ

بَعْدَ خَوْفٍ مِنْهُمْ أُولَنكَ حَقّاً *** أَوْلِيَائِي وَ خِيرَةُ الصُّلَحَاءِ

(1) ما ورد هو أن الذي بناها العبدُ الصالح ذو القرنين. و أن الإمام الرضا عليه السسلام قد دفن إلي

جنب هارون العباسي، كما يقول دعبل الخزاعي :

قبران في طوس خير الناس كُلِّهمُ *** و قبرُ شرِّهمُ، هذا مِنَ العِبَر

ص: 316


1- و أما بيت القصيدة التي نحن بصددها فثمة انفكاك واضح بين شطريها. و كأنه يحكي عن وجود سِقط فيها، لأنه ليس المراد قطعاً أن الإمام الرضا عليه السلام قد دُفن في مدينة هو بناها بنفسه جنب قبر شرّ الأشقياء و الطغاة، فلاحظ.
2- في بعض النسخ أنه عليه السلام شفَّع في سبعين ألفاً من أصحابه المستحقين لدخول النار.

أَكْشِفُ الإِصْرَ وَ الزَّلازِلَ فِيهِمْ *** رافعاً كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْياءِ(1)

وَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ مِنِّي عَلَيْهِمْ *** صَلَواتُ فِي رَحْمَةٍ وَ رَجَاءِ(2)

ص: 317


1- الإصر : الثقل الذنب.
2- خبر اللوح الذي ينص علي أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام: و هو من الأحاديث المشهورة، المسطورة في كتب الأصحاب، و بطرق عديدة، و نُقول مستفيضة، فقد رواها في (إكمال الدين و إتمام النعمة) وحده بما يقرب من عشرة طرق و مثله في العيون، و في الاحتجاج بطريقين، و في غيبة الطوسي و أماليه بأربعة طرق كما رواها المفيد أيضاً الاختصاص و النعماني في الغيبة و الكليني في الكافي و الصدوق في الخصال و العاملي في الصراط المستقيم. و قد رواه عن هؤلاء أيضاً المجلسي في البحار ج 36 ص 195 ، و البحراني في العوالم ج11 ص843-852 تحقيق و استدراك الأبطحي و القمي في السفينة ج1 ص 532 تحت عنوان جابر بن عبد الله الأنصاري و خبر اللوح و أغلب من تأخر من خواص المحدَّثين. و قبل أن أذكر الحديث بنصه، أودّ أن أؤكد كما هي العادة: أنّ هذا الحديث قد ورد جله أو بعضه، مع بقاء روحه في أمهات مسانيد العامة و صحافهم منذر عيلهم الأوّل و حتي العصور المتأخرة، و بطرق عديدة و مستفيضة أيضاً. فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 398 عن الشعبي عن مسروق قال : كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود و هو يقرئنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم كم تملك الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحدٌ منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، و لقد سألنا رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، فقال : اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل. و أخرجه هو أيضاً في مسنده، بطريق آخر، ص 406. و أخرج أيضاً في ج في ج 5 ص 89 ، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم يقول في حجة الوداع: لا يزال هذا الدين ظاهراً علي من ناوأه، و لا يضره مخالف و لا مطارق حتي يمضي من أمتي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش. و قد قال أحمد شاكر في هامش الحديث الأول: «إسناده صحيح» و جدير بالذكر أن أحمد ابن حنبل إمام الحنابلة، كان من المعاصرين للكاظم ،والرضا والجواد، والهادي من أئمة أهل البيت مما يعني شهرة حديث الأئمة الاثني عشر عند الجمهور منذ القرن الثاني الهجري أي قبل اكتمال عدّة المعصومين الاثني عشر عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل الظاهر من ملاحظة أسانيدهم شهرته قبل ذلك أيضاً وقد أورد العلامة السيد حسن الصدر في (الدررالموسوية) حديث اثني عشر خليفة من طرق أحمد بن حنبل من أربعة و ثلاثين طريقاً، كما رواه البخاري في صحيحه ج 4 في كتاب الأحلام و في باب مناقب قريش و في باب الأمراء من قريش، و مسلم في صحيحه 2 ص 79، وسنن الترمذي ج 2، و مستدرك الحاكم ج 4 ص ،501 و ابن الأثير في البداية و النهاية ج 6 ص 248 و مجمع الزوائد ج 5 ص 190، و السيوطي في تاريخ الخلفاء، و الصواعق المحرقة باب 11، الفصل 2 و كنز العمال ج13 ص27، و ينابيع المودة ب 65، 76، 77 95، كما ذكر ذلك العلامة الأنطاكي في «مذهب الشيعة» ص179. و أبو داود في سننه ج 2 ص 443، و في جامع الأصول ج 4 ص 45-46، و انظر أيضاً فتح الباري ج 16 ص 338 ،339، 341، و في فرائد السمطين كما عن القندوزي في الينابيع. و في هذا الأخير تصريح بأسماء الاثني عشر سلام الله عليهم جميعاً. خبر اللوح الأخضر: في إكمال الدين و عيون أخبار الرضا عليه السلام، بسندهما عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام؛ قال: قال أبي عليه السلام لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنّ لي إليك حاجة، فمتي يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها ؟ فقال له جابر: في أيّ الأوقات شئت، فخلا به أبي عليه السلام. قال له يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يَدَيْ أمي فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ما أخبَرَتْكَ به أُمّي، وما كان في ذلك اللوح مكتوباً. فقال له: جابر أشهد بالله، أني دخلت علي أمّك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أهنئها بولادة الحسين عليه السلام فرأيت في يدها لوحاً، أخضر ظننت أنه زمُرّد، و رأيت فيه كتابةً بيضاء شبيهة بنور الشمس. فقلت لها: بأبي أنت و أمي، يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله «عزّ وجلّ» إلي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و فيه اسم أبي، و اسم بعلي، و اسم ابنيَّ و أسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليسرّني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أُمُّك فاطمة عليها السلام، فقرأته و انتسخته. فقال لي أبي عليه السلام يا جابر، فهل لك أن تعرضه عليَّ عليه السلام؟ فقال: نعم، فمشي معه أبي عليه السلام، حتي انتهي إلي منزل جابر، فأخرج إلي أبي صحيفة من رقَ (جلد)، و قال عليه السلام: يا جابر، انظر في كتابك لأقرأه عليك. فنظر، جابر، فقرأه أبي عليه السلام، فما خالف حرفٌ حرفاً. قال جابر: فأشهد بالله، أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من الله العزيز الحكيم، لمحمّد صلي الله عليه و آله و سلم نوره و سفيره و حجابه، و دليله نزل به الرّوحُ الأمين من عند ربّ العالمين؛ عظَّم يا محمَّد صلي الله عليه و آله و سلم أسمائي، و اشكر نعمائي، و لا تجحد آلائي. إنّي أنا اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنا؛ قاصمُ الجبارين، و مبيرُ المتكبرين، و مذلُّ الظالمين، و ديَّانُ يوم الدين. إنّي أنا الله، لا إلهَ إلا أنا؛ فمن رجا غيرَ فضلي، أو خاف غيرَ عذابي عذبته عذاباً لا أعذَبُه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبُد و عليَّ فتوكَّلْ. إنِّي لم أبعث نبياً، فأُكْمِلَتْ أيامه و انقضت مدته، إلا جعلتُ له وصيّاً، وَ إنِّي فضّلتك علي الأنبياء، و فضّلتُ وصيّكَ علي الأوصياء، و أكرمتك بشبليك بعده، و بسبطيكَ الحسن و الحسين، فجعلت حسناً معدِنَ علمي بعد انقضاء مدّة أبيه. و جعلتُ حسيناً خازِنَ ،و حيي و أكرمتُه بالشهادة و ختمتُ له بالسعادة، فهو أفضل من استُشهدَ، و أرفعُ الشهداء درجةً عندي و جعلتُ كلمتي التامَّة معه، و الحجَّةَ البالغة عنده، بعترتِهِ أُثيب و أعاقب. و أولهم عليّ سيّد العابدين عليه السلام، و زينُ أوليائي الماضين. و ابنُهُ شبيه جدِّه المحمودِ صلي الله عليه و آله و سلم؛ محمد الباقرُ لعلمي عليه السلام، و المعدنُ لحكمتي. سيهلِكَ المرتابون في جعفر عليه السلام؛ الرادَّ عليه كالرّاد عليَّ، حق القولُ مني لأكرمنَّ مثوي جعفر عليه السلام، و لأسُرَّنّهُ في أشياعه، و أنصاره، و أوليائه. و انتجبتُ بعدَهُ موسي فتنةً، و انتجبتُ بعده عمياءِ حَندِس، لأنّ خيطَّ فرضي لا ينقطعُ، و حُجّتي لا تخفي و إنّ أوليائي لا يشقون أبداً. ألا وَ مَنْ جَحَدَ واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومَنْ غيَّر آيةً من كتابي فقد افتري عليٍّ عليه السلام، و ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسي و حبيبي و خيرتي. ألا إنَّ المكذَّبَ بالثامِن مكذِّبٌ بكُلِّ أوليائي و عليٍّ عليه السلام وليِّي و ناصري، و مَنْ أضعُ عليه أعباء النُّبوّةِ، و أمتَحِنُه بالاضطلاع بها، يقتُلُه عفريت مستكبرٌ، يُدفنُ بالمدينة التي بناها العبدُ الصالح ذو القرنين إلي جنب شرِّ خلقي. حقَّ القولُ منّي لأُقِرَّنَّ عينه بمحمدٍ عليه السلام ابنِه، و خليفته من بعده، فهو وارث علمي، و معدنُ حكمتي، و موضع سرِّي، و حجَّتي علي خلقي، جعلتُ الجنّة مثواه و شفّعته في سبعين ألفاً من أهل بيته عليهم السلام كلُّهم قد استوجبوا النار. و أختِمُ بالسعادة لابنه عليٍّ عليه السلام وليِّي و ناصري و الشاهِدِ في خلقي، و أميني علي وحيي. أخرجُ منه الداعيَ إلي سبيلي، و الخازن لعلمي الحسنَ. ثُمَّ أُكمِلُ ذلك بابيه، رحمةً للعالمين، عليه كمالُ، موسي و بهاء عيسي عليهما السلام، و صبر أيوب عليه السلام، ستذُلَّ أوليائي في زمانه، و يتهادَونَ برؤوسهم كما تُهادي رؤوسُ التَّركِ و الديلم، فيُقتلون و يُحرقون، و يكونون خائفين مرعوبين وَجِلين تُصبغ الأرضُ من دمائهم، و يفشو الويل و الرنينُ في نسائهم. أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كُلّ فتنةٍ عمياءِ حِنْدِس، وَ بِهِمْ أكشفُ الزلازل و أرفَعُ الآصار و الأغلال «أولئك عليهم صلواتٌ من ربِّهم و رحمةً و أولئك هُمُ المهتدون». قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصُنْهُ إلا عن أهله.

ص: 318

ص: 319

خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه وآله و سلم

بضعةُ المصطفي

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَ نَاهِيكَ فِيهَا *** مِنْ بَتُولٍ زَكِيَّةٍ زَهْرَاءِ(1)

ص: 320


1- في كتاب الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص253، تحت عنوان احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام علي القوم لمّا منعوها فدكاً و قولها لهم عند الوفاة في الإمامة: روي عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه عليهم السلام: أنّه لمّا اجتمع أبو بكر و عمر علي منع فاطمة عليها السلام فدكاً، و بلغها ذلك، لاثت خمارها علي رأسها و اشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمة حفدتها، و نساء، قومها تطأ ذيولها ما تخرمُ مشيتُها مشيةَ أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، حتي دخلَت علي أبي بكر، و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم، فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنَت أنّةً أجهش القومُ لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثمّ أَمْهَلَتْ هنيئةً حتي إذا سكن نشيج القوم، و هدأت فورتُهم افتتحت الكلامَ بحمدِ اللهِ تعالي، و الثناءِ عليه، و الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فعادَ القومُ في بكائهم، فلما أمسكوا عادتْ كلامها ، فقالت عليها السلام: الحمدُ لِلَّهِ علي ما أنعم، و له الشكرُ علي ما أَلْهَم و الثناء بما قدَمَ، من عموم نِعَمِ ابتدأها و سبوغ آلاءِ أسداها، و تمام مِنَن أولاها، جمَّ عن الإحصاء عددُها، و نأي عن الجزاء أمدُها، و تفاوتَ عن الإدراك أبَدِّها و ندبهم لاستزادتِها بالشكر لاتصالها، و استحمدَ إلي الخلائق بإجزالها، و ثنّي بالنُّدبِ إلي أمثالها. و أشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كلمةٌ جعل الإخلاصَ تأويلها، و ضمَّن القلوب موصولَها، و أنار في التفكّر معقولها ؛ الممتنعُ من الأبصار رؤيتُه، و من الألسن صفته، و من الأوهام كيفيتُه، ابتدعَ الأشياء لا مِنْ شيءٍ كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلةِ امتثلها كوَّنها بقدرته و ذرأها، لمشيّته من غير حاجةٍ منه إلي تكوينها، و لا فائدةٍ له في تصويرها إلاّ تثبيتاً لحكمتِه، و تنبيهاً علي طاعتِهِ، و إظهاراً لِقُدرتِهِ، و تعبداً لبريّته و إعزازاً لدعوته، ثمَّ جعل الثواب علي طاعتِهِ، و وضعَ العقابَ علي معصيتِهِ، زيادةً لعبادِهِ عن نقمتِهِ، و حياشةً لهم إلي جنَّته. و أشهدُ أنّ أبي محمداً النبي الأمي صلي الله عليه و اله و سلم عبدُه و رسولُه، اختارَهُ و انتجَبه قبل أن أرسلَهُ، و سمّاهُ قبل أن ،اجتباه و اصطفاهُ قبل أن ابتعثه إذ الخلائق بالغيب مكنونةً، و بستر الأهاويل مصونةٌ، و بنهايةِ العدمِ مقرونةٌ، علماً من اللهِ تعالي بمآيلِ الأمورِ، و إحاطةً بحوادث الدهور، ومعرفةً بمواقعِ المقدورِ. ابتعثهُ اللَّهُ إتماماً لأمره، و عزيمة علي إمضاء حُكمِهِ، و إنفاذاً لمقادير حتمِه، فرأي الأُمَمَ فرقاً في أديانها، عُكَفَاً علي نيرانها عابدةً ،لأوثانها منكرةً لِلَّهِ معَ عرفانها، فأنارَ اللَّهُ بأبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ظُلَمَها ، و كشف عن القلوب بُهَمَها و جلَي عَنِ الأبصار غُمَمَها، و قامَ في الناس بالهدايةِ، فأنقذهم من الغوايةِ، و بصَّرهم من العمايةِ و هداهم إلي الدين القويمِ، و دعاهم إلي الصراط المستقيم. ثمّ قبضَهُ اللَّهُ إليهِ قبضَ رأفةٍ و اختيار، و رغبةٍ و إيثار، فمحمَّدٌ صلي الله عليه و آله و سلم من تعبِ هذه الدار في راحةٍ، قد حُفَّ بالملائكة الأبرار، و رضوانِ الربِّ الغفّار، و مجاورة الملِكِ الجبّار، صلّي اللَّهُ علي أبي نبيِّهِ، و أمِينِهِ علي الوحي، و صفيه في الذِّكر، وخيرتِهِ من الخلق و رضيَّه، و السلام عليه ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه . ثمّ التفتت عليهم السلام إلي أهل المجلس و قالت: أنتم عبادَ اللَّهِ نصبُ أمره و نهيه، و حَمَلَةُ دينِهِ و أمناءُ اللَّهِ علي أَنْفُسِكم، و بُلَغاؤه إلي الأمم، و زعمتم حقَّ لكم، للَّه فيكم عهد، قدّمه إليكم، و بقيّة استخلفها عليكم: كتاب اللَّه الناطق، و القرآن الصادق، و النور الساطع، و الضياء اللامع، بيّنة بصائره منكشفة سرائره منجلية ظواهره مغتبط به أشياعه، قائد إلي الرضوان أتباعه مؤدّ إلي النجاة استماعه به تنال حجج الله المنورّة، و عزائمه المفسّرة و محارمه المحذرة و بيّناته الجالية و براهينه الكافية و فضائله المندوبة و رخصه الموهوبة، و شرائعه المكتوبة. فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، و الزكاة تزكية للنفس و نماءً في الرزقِ، و الصيام تثبيتاً للإخلاص و الحج تشييداً للدين و العدل تنسيقاً للقلوب، و طاعتنا نظاماً للمِلَّة، و إمامتنا أماناً من الفرقة و الجهاد عزّاً للإسلام و ذلاً لأهل الكفر و النفاق و الصبر معونة علي استيجاب الأجر، و الأمر بالمعروف مصلحة للعامة، و برّ الوالدين وقاية من السخط وصلة الأرحام منسأة في العمر و منماة للعدد، و القصاص حقناً للدماء، و الوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، و توفية المكاييل و الموازين تغييراً للبخس و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، و ترك السرقة إيجاباً للعفّة و حرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية فاتّقوا الله حق تقاته، و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون و أطيعوا الله فيما أمركم به و ما نهاكم عنه، فإنّه إنّما يخشي الله من عباده العلماء ثم قالت أيّها الناس اعلموا : إنّي فاطمة و أبي محمّد صلي الله عليه و آله و سلم، أقول عوداً و بدواً و لا أقول ما أقول غلطاً، و لا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تعزوه وتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمّي دون رجالكم، و لنعم المعزي إليه صلي الله عليه و آله و سلم، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة ماثلاً عن مدرجة ،المشركين ضارباً ثَبَجهم آخذاً بأكظامهم، داعياً إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، و ينكث الهام، حتي انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتي تفرّي الليل عن صبحه و أسفر الحق عن محضه و نطق زعيم الدين و خرست شقاشق الشياطين، و طاح و شيظ النفاق، و انحلّت عقد الكفر و الشقاق، و فهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً و كنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب و نهزة الطامع و قبسة العجلان، و موطيء الأقدام، تشربون الطَرَق، و تقتاتون القدّ أذلةَ خاسئين صاغرين، تخافون أن يتخطَّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك و تعالي بأبي محمد صلي الله عليه وآله و سلم بعد اللّتيا و التي، و بعد أن مني ببهم الرجال و ذوبان العرب و مردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفي حتي يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه مكدوداً ذات الله، مجتهداً في أمر الله قريباً من رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجداً كادحاً، لاتأخذه في الله لومة لائم، و أنتم في رفاهية من العيش، و ادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، و تتوكَّفون الأخبار و تنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال. فلما اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، مأوي أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النّفاق، و سمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الأقلّين و هدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، و للعزّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، و أحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم و وردتم غير مشربكم. هذا و العهد قريب و الكلم ،رحيب و الجرح لمّا يندمل، و الرّسول لمّا يُقْبَر؛ ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، و كيف بكم، و أنّي تؤفكون! و كتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره لايحة و أوامره واضحة و قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرَغْبَةً عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً، و من يتّبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ، و إطفاء أنوار الدين الجليّ و إهماد سنن النبي الصفيّ، تشربون حسواً في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخمرة و الضراء و نصبر منكم علي مثل حزّ المدي و وخز السنان في الحشا، و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفَحُكم الجاهليّة تبغون و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون؟ بلي، قد تجلّي لكم كالشمس الضاحية : أنّي ابنته. أيها المسلمون! أأُغلَبُ علي إرثيه يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللَّه أن ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً علي اللَّه و رسوله! أفعلي عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ»، و قال فيما اقتصّ من خبر يحيي بن زكريا عليه السلام، إذ قال: «نَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آل يَعْقُوبَ»، و قال أيضاً: «وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ»، و قال: «يُوصيكُمُ اللَّهَ في أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيْين»، و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَي الْمُتَّقِين»، و زعمتم: أن لا حظوة لي و لا إرث من أبي و لا رحم بيننا أفخصَّكم الله بآية من القرآن أخرج أبي محمداً صلي الله عليه و آله و سلم منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل الملّتين لايتوارثان؟ أولست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي؟ فدونكها مخطوطة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحُكَم الله، و الزعيم محمد صلي الله عليه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لا ينفعكم ما قلتم إذ تندمون و لكل نبأ مستقرّ و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم. ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت لهم: يا معشر النقيبة و أعضاد الملة و حضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي و السنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم أبي يقول: «المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، و عجلان ذا إهالَةً و لكم طاقة بما أحاول، و قوة علي ما أطلب ،و أزاول أتقولون مات محمّد صلي الله عليه وآله و سلم؟ فخطب جليل استوسع وهنه و استنهر فتقه، و انفتق رتقه، و أظلمت الأرض لغيبته و كسفت الشمس و القمر، و انتثرت النجوم لمصيبته، و أكدت الآمال و خشعت الجبال و أضيع الحريم و أزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبري، و المصيبة العظمي، لا مثلها نازلة و لا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه، في أفنيتكم، في ممساكم، و مصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافاً، و صراخاً و تلاوةً و ألحاناً، و لقبله ما حلّ بأنبياء الله و رسله، حكم فصل و قضاء حتم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»، إيه بني قيلة، أَأَهَضَمُ تراث أبي؟ و أنتم بمرأيَ منّي و مسمع؟ و منتديَّ و مجمع؟ تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدد و العدة، و الأداة و القوة و عندكم السلاح و الجُنّة توافيكم الدعوة فلا تجيبون، و تأتيكم الصرخة فلا تغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصلاح و النخبة التي انتخبت والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت. قاتلتم العرب و تحملتم الكد و التّعب، و ناطحتم الأمم، و كافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتّي إذا دارت بنا رحي الإسلام، و درَّ حلب الأيّام و خضعت ثغرة الشّرك، و سكتت فورة الإفك و خمدت نيران الكفر، و هدأت دعوة و المرج و استوسق نظام الدين، فأنّي حرتم بعد البيان؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتم بعد الإقدام و أشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم، و همّوا بإخراج الرسول و هم بدأوكم أوّل مرّة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ألا و قد أري أن قد أخلدتم إلي الخفض و أبعدتم من هو أحق بالبسط و القبض، و خلوتم بالدعة و نحوتم بالضيق من السعة فمججتم ما وعيتم، و دسعتم الذي تسوغتم فإن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعاً فإن الله لغنيّ حميد. ألا و قد قلت ما قلت هذا علي معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم و الغدرة التي استشعرتها قلوبكم، و لكنّها فيضة النفس و نفثة الغيظ و خور القناة و بثّة الصدر، و تقدمة لحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار، موسومة بغضب الله و شَنار الأبد، و موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع علي الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعلموا إنّا عاملون، و انتظروا إنّا منتظرون. فأجابها أبوبكر عبداللَّه بن عثمان و قال: يا بنت رسول اللَّه عليها السلام! لقد كان أبوك صلي الله عليه و آله و سلم بالمؤمنين عطوفاً كريماً، و رؤوفاً رحيماً، و علي الكافرين عذاباً أليماً، و عقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، و أخا الفك دون الأخلاء، آثره علي كلّ حميم، و ساعده في كلّ أمر، جسيم لا يحبّكم إلاّسعيد و لايبغضكم إلاّ شقي بعيد، فأنتم عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الطَّيبون، و الخِيرَة المنتجبون علي الخير أدلّتنا و إلي الجنّة مسالكنا، و أنتِ يا خيرة النساء، و ابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك، و لامصدودة عن صدقك و اللَّه ما عدوت رأي رسول اللَّه، و لا عملت إلاّ بإذنه، و إنّ الرائد لا يكذب أهله و إنّي أشهد الله و كفي به شهيداً، أنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً و لافضةً و لاداراً و لاعقاراً و إنّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوّة و ما كان لنا من طعمة فَلِوَلِي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه» و قد جعلنا ما حاولته في الكراع و السلاح، يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفار، و يجالدون المردة الفجّار، و ذلك بإجماع من المسلمين، لم أنفرد وحدي، و لم أستبدّ بما كان الرأي عندي، و هذه حالي و مالّي، هي لك و بين يديك، لانزوي عنكِ، و لاندّخر دونكِ، و أنتِ سيّدة أُمّةِ أبيكِ، و الشجرة الطيَّبة لبنيكِ، لا ندفع مالكِ من فضلكِ، و لانوضع من فرعك و أصلِك حكمكِ نافذ فيما مَلَكَتْ يداي فهل ترين أنَّي أخالف في ذلك أباك الله صلي الله عليه و آله و سلم. فقالت عليه السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن كتاب الله صادفاً و لا لأحكامه مخالفاً ! بل كان يتّبع أثره و يقتفي سوره، أفتجمعون إلي الغدر اعتلالاً عليه بالزور و البهتان و هذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً، و ناطقاً فصلاً يقول: «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» و يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ داوُدَ»، فبيّن الله عزّ وجلّ فيما وزّع من الأقساط و شرع من الفرائض و الميراث و أباح من حظ الذكران، و الإناث ما أزاح به علّة المبطلين و أزال التظنّي و الشبهات في الغابرين، كلاً بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل و الله المستعان علي ما تصفون. فقال لها أبوبكر: صدق الله و صدق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و صدقت ابنته عليها السلام أنتِ معدن الحكمة و موطن الهدي و الرحمة، و ركن الدين، و عين الحجّة، و لا أبعد صوابكِ، و لا أنكر خطابكِ، هؤلاء المسلمون بيني و بينك قلدوني ما تقلدتُ، و باتفاق منهم أخذتُ ما أخذتُ، غير مكابر و لامستبد و لامستأثر، و هم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة عليها السلام إلي الناس و قالت : معاشر المسلمين المسرعة إلي قيل الباطل المغضية علي الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبّرون القرآن أم علي قلوب أقفالها؟ كلاً بل ران علي قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأوّلتم و ساء ما به ،أشرتم و شرّ ما منه اغتصبتم! لتجدن و الله محمله ثقيلاً، و غبه ،وبيلاً ، إذا كشف لكم الغطاء، و بان ما ورائه من البأساء و الضراء، و بدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون و خسر هنالك المبطلون. ثم عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت: قد كان بعدك أنباء وهنبئة *** لوكنت شاهدها لم تكثر الخطب إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختلّ قومك فاشهدهم و لاتغب و كلّ أهل له قربي و منزلة *** عند الإله علي الأدنين مقترب أبدت رجال لنا نجوي صدورهم *** لما مضيت و حالت دونك الترب تَجَهَّمَتْنَا رجال واستخفّ بنا *** لما فقدت وكلّ الإرث مغتصب و كنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك ينزل من ذي العزّة الكتب و كان جبريل بالآيات يؤنسنا *** فقد فقدت و كل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما مضيت و حالت دونك الكتب إنّا رزينا بما لم يُرزَ ذو شجن *** من البريّة لاعجم و لاعرب ثم انكفأت عليها السلام و أميرالمؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، و يتطلع طلوعها عليها السلام، فلما استقرت بها الدار، قالت لأميرالمؤمنين عليه السلام: يا ابن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، و قعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي و بلغة ابني! لقد أجهد في خصامي و ألفيته الدَّ في كلامي حتّي حبستني قيلة نصرها و المهاجرة ،وصلها و غضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع و لامانع، خرجت كاظمة وعدت راغمة، اضرعت خدَّك يوم أضعت حدّك، افترست الذئاب و افترشت التراب، ما كففت قائلاً، و لاأغنيت طائلاً و لاخيار لي ليتني متّ قبل هنيئتي و دون ذلّتي عذيري الله منك عادياً و منك حامياً، ويلاي في كلّ شارق! ويلاي في كل غارب! مات العمد، و وهن العضد، شكواي إلي أبي! و عدواي إلي ربّي! اللهم أنت أشدّ منهم قوة و حولاً، و أشدّ بأساً و تنكيلاً. فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام: لا ويل لك يا بنت سيد النبيين صلي الله عليه و آله و سلم بل الويل لشانئك، ثم نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة و بقية النبوّة فما و نيت عن ديني و لاأخطأت مقدوري، فإن كنتِ تريدين البلغة فرزقك مضمون و كفيلكِ مأمون و ما أعدَّ الله لكِ أفضل ممَّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي الله. فقالت عليها السلام: الله و نعم الوكيل و أمسكت. مصادر الخطبة: قال السيد عبد الزهراء الخطيب في تعليقه علي كتاب الشافي في الإمامة للشريف المرتضي ج 4 ص71 : «خطبة الزهراء عليها السلام في شأن فدك رواها الخلف عن السلف من العلويين في جميع الأجيال إلي زمن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام. وكان مشايخ آل أبي طالب يروونها عن آبائهم، و يعلمونها أبناءهم. عبقة من أريج الرسالة. كما أخرجها من أثبات الرواة غير الشيعة، فقد روي ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655 ه_) فصولاً منها ضمن جملةِ من أخبار فدك، و ما جري في شأنها، و قال في مقدمة ذلك: «الفصل الأول: فيما ورد من الأخبار و السِّيّر المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم، لا من كتب الشيعة و رجالهم لأنا مشترطون علي أنفسنا أن لا نحفل بذلك» (شرح النهج ج 16 ص210). ثم نقل أسانيد لهذه الخطبة تنتهي إلي زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام، و الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام و زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام و إلي عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، مضافاً إلي الأسانيد الأخري التي ينتهي بعضها إلي عروة بن الزبير عن خالته أم المؤمنين عائشة» انتهي. و في كتاب الشافي المذكور ج 4 ص 76 قال المرتضي (ت 436 ه): «وأخبرنا أبو عبد الله المرزباني، قال: حدثني علي بن هارون، قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن أبي طاهر، عن أبيه؛ قال: ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي كلام فاطمة عليها السلام عندما منع أبي بكر إيَّاها فدكاً، و قلت له: إنّ هؤلاء أنه مصنوع، و أنه كلام أبي العيناء، لأنّ الكلام منسوق البلاغة، فقال لي: رأيت يزعمون مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم، و يعلمونه أولادهم. و قد حدَّثني به أبي عن جدَّي يبلُغُ به فاطمة عليها السلام علي هذه الحكاية، و رواه مشايخ الشيعة و تدارسوه بينهم قبل أن يولد جد أبي العيناء، و قد حدّث الحسين بن علوان عن عطيّة سمع عبد الله بن الحسن ذكر عن أبيه هذا . ثم قال أبوالحسين: و كيف يُنكَرُ هذا من كلام فاطمة عليها السلام (إلي أن قال)... ثمَّ ذكر الحديث بطوله علي نسقه» انتهي ما عن الشاهد. و قال المعتزلي في شرح النهج ج 16 ص210، «و جميع ما مورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (ت بعد 322 ه_) في السقيفة و فدك ... و أبوبكر الجوهري هذا عالمٌ محدِّث، كثير الأدب، ثقة ورع، أثني عليه المحدِّثون و رووا مصنفاته». ثم نقل الخطبة عنه بعد ذلك. و قد نقل الخطبة من كتاب السقيفة و فدك للجوهري أيضاً أبوالحسن الإربلي (ت 693 ه_) في كتابه كشف الغمة ج 2 ص 106 بروايته عن عمر بن شبة (ت 262ه_). كما أشار إليها المسعودي في مروج الذهب، كما رواها في (بلاغات النساء) أبوالفضل أحمد بن أبي طاهر، المعروف بابن طيفور (ت380ه_)ص 12-14، بطريقين، و انظرها أيضاً في دلائل الإمامة ص31، عن العباس بن بكار، عن حرب بن ميمون، عن زيد ابن علي، عن آبائه، و في أمالي الطوسي (ط- قديم) ج 2 ص 69، و في المناقب لابن شهر آشوب ج 2 ص 50 ، و في إحقاق الحق ج10 ص296 ، و في البحار ج 8 ص109 (ط حجرية) و في البحار ح 43 ص148 ح 4 و في عوالم العلوم ج 11 ص 652، و في أعلام النساء ج 3 ص1208، و رواها في مصباح الأنوار ص 247 (قطعة) عن زيد ابن علي، عن أبيه ، عن عمته زينب بيت علي عليه السلام. و في الغدير ج 7 ص 195، و في الطرائف ص 263 نقلاً عن كتاب الفائق عن الأربعين، عن عائشة. مضافاً إلي أنه كان لها منذ الرعيل الأول و ما يزال إلي هذا اليوم عناية خاصَّة من قبل الأعلام، لدراستها و تحقيقها و شرح معانيها و بيان ألفاظها، فلتراجع في مظانَّها.

ص: 321

ص: 322

ص: 323

ص: 324

ص: 325

ص: 326

كُلُّهُمْ قَدْ وَعَوْا مَقَالَةَ طه *** فِي عُلاهَا وَ مَا لَها مِنْ عَلاءِ

هذِهِ بَضْعَتِي رِضَايَ رِضَاها *** وَ اسْتِيَاءُ الزَّهْرَاءِ عَيْنُ اسْتِيَائِي(1)

عَجَباً فِي الْبَتُولِ كَيْفَ أَضَاعُوا *** ذِمَّةَ الْمُصْطَفَي بِغَيرِ وَفَاءِ

كَيْفَ شَحُّوا وَ أَحْمَدٌ قَدْ حَبَاهَا *** فَدَكا نِحْلَةً بِكُلِّ سَخَاءِ(2)

مَنَعُوهَا عَنْ إِرْثِهَا مِنْ أَبِيهَا *** دُونَ ما حُجَّةٍ وَ دُونَ اخْتِشَاءِ

غَصَبُوا حَقَّهاجِهاراً فَأَبْدَوْا *** كُلَّ ما أَضْمَرُوا لَهَا فِي الْخَفَاءِ

أَنْكَرُوا فَرْضَ إِرْثِهَا مِنْ أَبِيها *** وَ هْيَ كَانَتْ مِنْ أَقْرَبِ الأَقْرِبَاءِ

حِينَ صَدُّوا بِدْعَةٍ وَ نِفَاقٍ *** فَدَكاً عَنْ سَلِيلَةِ الأَنْبِيَاءِ

وَ هْيَ مِمَّا أَفَاءَهُ اللَّهُ لُطفاً *** لأَبِيهَا مُحَمَّدٍ مِنْ عَطَاءِ(3)

نَاشَدَتْهُمْ بِاللَّهِ عَهْداً فَعَهْداً *** أَنْ يُفِيقُوا مِنْ سَكْرَةِ الْجُهَلاَءِ

فَتَعَامَوْا عَنِ الْهِدَايَةِ جَهلاً *** حِينَ صَمُّوا عَنْ مَنْطِقِ الْعُقَلاءِ

بَعْدَ رَدُّ مِنْهُمْ بِمَا أَثبَتَتْهُ *** أَنَّهَا نِحْلَةٌ بِغَيْرِ ادْعَاءِ

وَ عَلِيٌّ وَ أُمُّ أَيْمَنَ لِلزَّهرَاءِ ***كَانَا مِنْ خِيرَةِ الشُّهَدَاءِ

وَ كَفَي حُجَّةً عَلَي عَهْدِ طه ***بِيَدَيْهَا كَانَتْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ

غَيْرَ أَنَّ النُّفُوسَ بَالْغَيِّ مَرْضَي *** مِنْ قَدِيمِ وَ مَا لَهَا مِنْ شِفَاءِ

فَأَتَتْهُمْ بِحُجَّةٍ قَدْ تَجَلَّتْ *** وَ هُيَ أَذْكَي تَوَقُداً مِنْ ذُكَاءِ

وَ اسْتَثَارَتْ نُفُوسَهُمْ فَرَأَتْهَا *** وَ هُيَ مَوْتَي فِي صُورَةِ الأَحْيَاءِ

ص: 327


1- استياء: إحزان، فعل ما يكرهه به.
2- شحّوا: بخلوا و حرصوا.
3- أفاءه: جعله فيئاً، و الفيء الغنيمة أو الخراج.

حِينَ وَافَتْ وَ الْمُسْلِمُونَ حُضُورٌ *** تَتَهَادَي فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسَاءِ

وَ أُنيطَتْ مُلاءَةٌ، ثُمَّ أَنَّتْ *** مِنْ أَذَاهَا فَأَجْهَشُوا لِلْبُكَاءِ(1)

فَاسْتَفَاضَتْ مِنْهَا بِمَسْجِدِ طه *** نَفَحَاتٌ مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

في بَليغٍ مِنَ الْخِطَابِ حَكِيمٍ *** قَصُرَتْ عَنْهُ أَلسُنُ الْبُلَغَاءِ

بَدأت بِالصَّنَاءِ لِلَّهِ فِيهِ *** لِسُبُوعَ أَسْدَي مِنَ الآلاءِ(2)

وَ أَقَرَّتْ بِمَا لَهُ مِنْ أَيَّادٍ *** بَعْدَ تَوْحِيدِها لِرَبِّ السَّمَاءِ

ثُمَّ صَلَّتْ عَلَي النَّبِيِّ أَبِيهَا *** خَاتَمِ الرُّسُلِ سَيِّدِ الأُمَنَاءِ

وَ أَفَاضَتْ بِالْقَوْلِ بَعْدَ نَشِيجِ *** مُتَعَالٍ وَ أَدْمُعِ خَرْسَاءِ(3)

فَلَهُ الْحَمْدُ مُنْعِماً بِالْعَطَايَا *** مُلهماً بِالصِّوَابِ وَ الاهْتِدَاءِ

مُسْتَفِيضاً بِكُلِّ مَا هُوَ أَسْدَي *** لِلْبَرَايَا مِنْ مِنَّةٍ وَ عَطاءِ

وَ حَبَاهُمْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ عَمِيمٍ *** وَ نَوَالٍ فِي سَاعَةِ الإِبْتِدَاءِ(4)

جَمَّ مِنْ كَفْرَةِ الْمَوَاهِبِ مِنْهُ *** كُلُّ عَدٍّ لَهَا عَنِ الإِحْصَاءِ(5)

وَ تَنَاءَي عَن الْجَزَاءِ عُلاهَا *** أَمَداً لَمْ يُنَل بِأَيِّ جَزَاءِ(6)

قَطُّ لاَ تُدْرِكُ الْخَلَائِقُ مِنْهَا *** أَبَداً مِنْ تَفَاوُتٍ وَ تَنَائِي

نَدَب الخَلْقَ لاسْتِزَادَةِ هذا *** مِنْهُ بِالشُّكْرِ بُغْيَةَ الإِلْتِقَاءِ(7)

وَ اسْتَحَقَّ الثَّنَاءَ وَ الحَمْدَ مِنْهُمْ *** بَعْدَ إِجْزَالِهَا عَلَي الأَوْلِيَاءِ(8)

ص: 328


1- في الخطبة: «فنيطت دونها ملاءة»: أي عُلِّقت بينها و بين القوم مُلاءة (بالضم و المدّ) و هي الستر و الحجاب.
2- في الخطبة «و سُبُوعَ آلاءِ أسداها»:أي لكمالِ و وفرةِ نعمٍ أولاها و أعطاها.
3- النشيج: البكاء مع الصوت.
4- في الخطبة: «جَمَّ عن الإحصاء عددُها»: بلغ حدّاً من الكثرة بحيث لم تَعُد تحصي.
5- نوال: عطاء.
6- في الخطبة «و نأي عن الجزاء أمدُها»: أي بلغت نِعَمُ اللَّهِ حدّاً من البعد (و الكثرة) بحيث لا يمكن مقابلتها و جزاؤها.
7- نَدَب : طلب و دعا.
8- إجزالها: إكثارها و إنزالها بشكل وفيرٍ و جزيل.

وَ هُوَ ثَنَّي لِنَدْبِهِمْ مِنْ سَخَاءٍ *** لِجَمِيعِ الأَمْثَالِ وَ النُّظَرَاءِ

كلمةُ التوحيد

وَ هُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** جَلَّ عِزّاً عَنْ سَائِرِ الشَّرَكَاءِ

كَلْمَةٌ بِالإِخْلَاصِ يَظْهَرُ مِنْهَا *** كُنْهُ تَأْوِيلِهَا بِدُونِ خَفَاءِ

وَ هُوَ قَدْ ضَمَّنَ الْقُلُوبَ يَقِيناً *** مِنْهُ مَوْصُولَهَا بِدُونِ امْتِرَاءِ

وَ أَنَارَ الْعُقُولَ بِالْفِكْرِمِنْهَا *** فَأَضَاءَتْ مَدَارِكُ الْعُقَلاءِ

لَيْسَ يَنْقَادُ وَصْفُهُ لِلِسانٍ *** لاتَرَاهُ بِالْعَيْنِ رُؤْيَةُ رَائِي

لَيْسَ تَدْرِي الأَوْهَامُ بَعْدَ قُصُورٍ ***كَيْفَ أَضْحَي مِنْ سَائِرِ الأَنْحَاءِ(1)

خلقُ الكائنات

أَبْدَعَ الكائِنَاتِ مِنْ دُونِ شَيْءٍ *** سَابِقِ قَبْلَهَا مِنَ الأَشْيَاءِ

وَ بَرَاهَا مِنْ دُونِ أَيِّ مِثالٍ *** قَدْ بَدَا فَاحْتَذَاهُ خَيْرَ احْتِدَاءِ(2)

كَوَّنَ الْكَائِنَاتِ حِينَ بَرَاهَا *** وَ هُوَ عَنْ خَلْقٍ مِثْلِهَا فِي غِنَاءِ

إِنَّمَا رَامَ أَنْ يُثَبِّتَ مِنْهُ *** حِكْمَةً تَسْتَبِينُ لِلْحُكَمَاءِ(3)

وَ لإِظْهَارِ قُدْرَةِ الصُّنْعَ مِنْهُ *** وَ لِتَنْبِيهِهِمْ عَلَي الاهْتِدَاءِ

كُلُّ هذا تَعَبداً لِلْبَرَايَا *** مَعَ إِعْزَازِهِ لأَهْدَي دُعَاءِ

جَاعِلاً لِلْمُطِيع مِنْهُمْ ثَوَاباً *** وَ عِقاباً لِمَنْ عَصَي فِي الْجَزَاءِ

لِيَذُودَ الْعِبَادَ عَنْ كُلِّ سُخْطٍ *** وَ يُحَاشُوا لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ(4)

ص: 329


1- الأوهام: العقول.
2- احتذاه: اقتدي به، و قلّده.
3- رامَ: قصد.
4- في الخطبة : «و حياشةَ لهم إلي جنّته»: محاصرة و قيادةً و دفعاً لهم إلي جنّته. و حُشْتُ الصيد أحُوشُه: إذ جئتُهُ من حواليه لأصرفه إلي الأحبولة و الفخّ. يذود: يصدّ و يمنع و يدفع.

الشهادةُ بالنبوة

و أَنَا لِلنَّبِيَّ أَشْهَدُ حَقًّا *** أَنَّهُ كَانَ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ

قَبْلَ أَرْسَالِهِ اجْتَبَاهُ وَ سَمَّي *** إِسْمَهُ قَبْلَ سَاعَةِ الإِجْتِبَاءِ

وَ اصْطَفَاهُ الإِلهُ قَبْلَ ابْتِعَاثٍ *** لِلْبَرَايَا بِأَحْسَنِ الإِصْطِفَاءِ

حِينَمَا كَانَتِ الْخَلَائِقُ بِالْغَيْبِ *** احْتِجَاباً مَكْنُونَةٌ بِغِطَاءِ(1)

وَ بِسِتْرِ مِنَ الأَهَاوِيلِ صِينَتْ *** وَ تَغَشَّتْ مَقْرُونَةٌ بِالْفَنَاءِ(2)

بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُ بِما سَوْفَ يَأْتِي *** شَامِل من حوَادِثِ الآناءِ

عَارِفاً فِي مَوَاقِع تَتَجَلَّي *** لِجَمِيعِ الأُمُورِ فِي الإِنْتِهَاءِ

بَعَثَ الْمُصْطَفَي لِيُكْمِلَ فِيهِ *** كُلَّ أَمْرِ مِنْهُ وَكُلَّ مُشَاءِ

وَ لإِمْضَاءِ حُكْمِهِ فِي الْبَرَايا *** نافذاً في عَزِيمَةٍ وَ مَضاءِ

وَ لإِنْفَاذِ ما يُقَدَّرُ حَتْماً *** مِنْ إِشَاءَاتِهِ وَ كُلِّ قَضَاءِ

فَرَأَي هذِهِ الْخَلائِقَ طُرّاً *** فِرَقاً فِي الأَدْيَانِ دُونَ الْتِقَاءِ

يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَ النَّارَ كُفْراً *** بَعْدَ عِرْفَانِهِمْ لِرَبِّ السَّمَاءِ

فَأَنَارَ اللَّهُ اهْتِدَاءً وَ رُشْداً *** بِأبِي كُلَّ ظُلْمَةٍ عَمْيَاءِ

وَ مَحَا فِيهِ مِنْ قُلُوبِ البَرَايَا *** بُهَمَ الشِّرْكِ بَعْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ(3)

ص: 330


1- مكنونة: مستورة.
2- في الخطبة: «و بستر الأهاويل مصونة» و الأهاويل جمع أهوال و الأهوال جمع هول. و معني الهول كما في لسان العرب: المخافة من الأمر لا يدري ما يهجم عليه. و الهول: الفزع و الهول: العَجب. و هوّلت المرأة: إذا تزينت و الهُولَة من النساء: التي تُهول الناظر من حسنها. و التهاويل الزينة و معني العبارة علي هذا لا يخلو من غموض. و لعلّ المراد يُفهم من السياق الذي قبلها و بعدها. و إضافة الستر إلي الأهاويل يحتمل معنيين؛ الستر بها، و الستر منها، و كون الخبر هو الصيانة يرجّح المعني الثاني. فيكون المعني -علي ما يسبق إلي وهمنا- أن الخلائق كانت مستورة مصونة من الأهاويل التي علم الله بحصولها فيما بعد لعلمه «تعالي» بما تؤول إليه الأمور، و لإحاطته «سبحانه» بما سيحصل عن حوادث الدهور. و للعلامة المجلسي (رحمة الله عليه) تفاسير أخر ذكرها في البحار، و نقلها عنه الأعلام في كتبهم. و لعلّ هذا المعني الذي ذكرناه هو الذي ذهب إليه الناظم في ملحمته.
3- بُهَم الشرك: سواده -مشكلات أمورة.

وَ جَلاً عَنْ عُيُونِهِمْ حِينَ ضَلَّتْ *** عُمَماً لِلْعَمَي بِأبْهَي جَلاَءِ

وَ لَقَدْ قَامَ بِالْهِدَايَةِ فِيهِمْ *** لَهُمُ مُنْقِذاً مِنَ الإِغْوَاءِ

وَ حَبَاهُمْ بَصِيرَةٌ بَعْدَغَيٍّ *** وَ هَدَاهُمْ لِلدِّينِ خَيْرَ اهْتِدَاءِ

وَ دَعَاهُمْ لِمَنْهَجٍ مُسْتَقِيمٍ *** بَعْدَ زَيْعٍ عَنْ مَنْهَجِ الإِسْتِوَاءِ(1)

قبضُ رحمةٍ و اختيار

وَ تَوَفَّاهُ رَبُّهُ حِينَ أَدَّي *** مَا عَلَيْهِ لِلنَّاسِ خَيْرَ أَدَاءِ

قايضاً رُوحَهُ اختياراً لِطه *** مِنْهُ فِي قَبْضِ رَحْمَةٍ وَ ارْتِضَاءِ

فَهُوَ أَضْحَي فِي رَاحَةٍ وَ نَعِيمٍ *** مِنْ بَلاءِ الدُّنْيَا وَ كُلْ عَنَاءِ

حُفَّ مِنْ رَبِّهِ الْكَرِيم امتناناً *** بِالرِّضَا وَ الْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ

وَ اسْتَفَاضَ اللُّظفُ الْعَمِيمُ عَلَيْهِ *** رَغَداً فِي جِوَارِ رَبِّ السَّمَاءِ

فَصَلاَةُ الْبَارِي عَلَي خَيْرِ هَادٍ *** وَ أَمِين لَهُ مِنَ الأَصْفِيَاءِ

وَ رَنَتْ نَحْوَهُمْ وَ قَالَتْ بِلُطْفٍ: *** يَا عِبَادَ الإِلهِ، لِلْجُلَسَاءِ

كتابُ اللَّهِ

أَنْتُمُ الْيَوْمَ نُصْبُ أَمْرٍ وَنَهْيٍ *** بِاليَمَارِ مِنْكُمْ لَهُ وَ انْتِهَاءِ(2)

حَامِلُو دِينِهِ وَ أَكْرَمِ وَحْيٍ *** لَكُمُ مُنَزَلٍ بِخَيْرِ ضِيَاءِ

أُمَناءٌ عَلَي الرِّسَالَةِ مِنْهُ *** لِلْبَرَايَا مِنْ خِيرَةِ الْبُلَغَاءِ

وَ زَعِيمٌ فِيكُمْ عَلَي الْحَقِّ مِنْهُ *** بَعْدَعَهْدٍ أَوْحَاهُ ربُّ الْقَضَاءِ

وَ بَقَايَا مِنَ الرَّشَادِ عَلَيْكُمْ *** خُلِّفَتْ وَ هْيَ أَكْرَمُ الْخُلَفَاءِ

وَ هْيَ ذِكْرُ اللَّهِ الْحَكِيمِ كِتَابٌ *** نَاطِقٌ صَادِقٌ بِدُونِ افْتِرَاءِ

وَ سَناً سَاطِعٌ وَ نُورٌ مُبِينٌ *** لَكُمُ لاَمِعُ بِخَيْرِ اهْتِدَاءِ(3)

ص: 331


1- زَيْغ: ميلٌ عن الحقّ.
2- في الخطبة: «أنتم عباد الله نُصْبُ أمرِهِ ونَهيِهِ»، أي: منصوبون لأمره و نهيه.
3- السنا: النور.

قَدْ أُبينَتْ مِنْهُ الْبَصَائِرُ كِشْفاً *** وَ تَبَدَّتْ أَسْرَارَهُ بِجَلاء

وَ تَجَلَّتْ ظَوَاهِرُ الْحَقِّ صِدْقاً *** لَكُمُ مِنْهُ بَعْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ

قَائِدٌ لِلرِّضْوَانِ مَنْ شَايَعُوهُ *** بِاتِّباع لِنَهْجِهِ وَ اقْتِدَاءِ

وَ مُؤَدٍّ إِلَي النَّجَاةِ اسْتِمَاعاً *** وَ انْقِيَاداً لَهُ بِدُونِ إِبَاءِ

حُجَجُ اللَّهِ فِيهِ تُدْرَكُ نَيْلاً *** بَعْدَ قَصْدٍ لِلْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

وَ جَمِيعُ الْعَزَائِمِ الْغُرُ مِنَهُ *** بَعْدَ تَفْسِيرِهَا مِنَ الْعُلَمَاءِ

وَ صُنُوفُ الْمَحَارِمِ اللاءِ فِيهَا *** قَدْ تَجَلَّي التَّحْذِيرُ لِلأَوْلِيَاءِ

وَ بَرَاهِينُهُ الَّتِي قَدْ كَفَتْكُمْ *** مِنْهُ بِالْبَيِّنَاتِ خَيْرَ اكْتِفَاءِ

وَ عَظِيمٌ مِنَ الْفَضَائِلِ يَتْلُو *** رُخصاً أُعْطِيَتْ بِخَيْرِ عَطَاءِ

الشرائعُ المكتوبةُ

وَ حَكِيمٌ مِنَ الشَّرَائِعِ مِمَّا *** كُتِبَتْ فِيكُمُ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ

فَهُوَ قَدْ طَهَّرَ الْعِبَادَ مِنَ الشَّرْكِ *** بِنُورِ الإِيمَانِ وَ الإهْتِدَاءِ

وَ بِفَرْضِ الصَّلاَةِ فِي الْخَلْقِ مِنْهُ *** أَبْعَدَ الْخَلْقَ عَنْ عَمَي الْكِبْرِيَاءِ

وَ هُوَ زَكَّاكُمُ بِخَيْرِ زَكَاةٍ *** وَ هْيَ مِنْكُمْ لِلرِّزْقِ خَيْرُ نَمَاءِ

وَ أَقَرَّ الإِخلَاصَ بِالصَّوْمِ فِيكُمْ *** بَعْدَتَثْبِيتِهِ بِغَيْرِ انْتِفَاءِ

و أَقَامَ الإِسْلاَمَ بِالْحَجِّ فِيكُمْ *** بَعْدَ تَشْبِيدِهِ بِخَيْرِ بِنَاءِ

وَ لَقَدْ نَشقَ الْقُلُوبَ بِعَدْلٍ *** شَامِلٍ فِيكُمُ بِدُونِ اعْتِدَاءِ

وَ مُوالاةُ آل طه نِظَامٌ *** مُسْتَقِيمَ لِمِلَّةِ الْحُنَفَاءِ

وَ أَمَانٌ إِمَامَةُ الْحَقِّ مِنَّا *** مِنْ جَمِيعِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْتِقَاءِ

وَ كَرِيمُ الْجِهَادِ لِلدِّينِ عِزٌّ *** مِنْهُ وَ الصَّبْرُ مُوجِبْ لِلْجَزَاءِ

وَ عَلَيْكُمْ قَدْ أَوْجَبَ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ *** رَعْياً لِصَالِحِ الأَوْلِيَاءِ

وَ وِقاءٌ مِنْ سُخْطِ رَبِّ الْبَرَايَا *** كَانَ بِرُّ الْبَنِينَ لِلآبَاءِ

ص: 332

وَ صَلاتُ الأَرْحَامِ مَنْسَأَةُ العُمْرِ *** وَ مَنْمَاتُهُ بِأَزگي نَماءِ(1)

وَ الْقِصَاصُ الْمَفْرُوضُ خَيْرُ حَيَاةٍ *** وَ هُوَ حَقْنٌ مِنْهُ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ(2)

وَ وَفَاءُ الْعِبَادِ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضٌ *** لِغُفْرانِ سَائِرِ الأَخْطَاءِ

وَ اعْتِدَالُ الْمِيزَانِ فِي الْوَزْنِ تَغْيِيرٌ *** لِبَخْسِ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشّرَاءِ

وَ نَهَي عَنْ تَنَاوُلِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً *** عَنِ الرِّجْسِ سَاعَةَ الإِنْتِهَاءِ

وَ حِجَاباً لَهُمْ عَنِ اللَّعْنِ مِنْهُ *** كَانَ تَحْرِيمُهُ لِقَذْفِ النِّسَاءِ(3)

وَ اجْتِنَابُ الْعِبَادِ عَنْ سَرِقَاتٍ *** لِيُصَانُوا فِي عِفَّةٍ وَ حَيَاءِ

وَ وُجُوبُ الإِخْلاص لِلَّهِ تَبْعِيدٌ *** عَنِ الشِّرْكِ لِلْوَرَي وَ الرِّيَاءِ

فَاتَّقُوهُ وَ رَاقِبُوا اللَّهَ فِيمَا *** فَرَضَ اللَّهُ أَحْسَنَ الإِنّقَاءِ

لاَ تَمُوتُوا الأَ عَلَي دِينِ طه *** أنْتُمُ يا مَعَاشِرَ الْحُنَفَاءِ

وَ أَطِيعُوا فِي الأمْرِ وَالنَّهي طُرّاً *** خَالِقَ الْخَلْقِ فِي أَتَمِّ اخْتِشَاءِ

وَ هُوَ فِي ذِكْرِهِ الْمُبَارَكِ أَوْحَي *** لَيْسَ يَخْشَي البَارِي سِوَي الْعُلَمَاءِ

أنا فاطمةُ عليها السلام و أبي محمدٌ صلي الله عليه و آله و سلم

ثُمَّ قَالَتْ: أَعُوذُ بِالْقَوْلِ فِيكُمْ *** مِثْلَمَا قُلْتُ سَاعَةَ الإِبْتِدَاءِ

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّنِي بِنْتُ طه *** وَ أَبِي الظُّهْرُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ

وَ أَنَا لا أَقُولُ مَا قُلْتُ فِيكُمْ *** غَلطاً مِنْ ضَلالةٍ وَ افْتِرَاءِ

وَ فِعَالِي وَ لاَ تَكُونُ فِعَالِي *** شَطَطاً عَنْ مَنَاهِجَ الإِسْتِوَاءِ(4)

قَدْ أَتَاكُمْ هَادٍ عَزِيزٌ عَلَيْهِ *** مَا عَنِتُّمْ فِيكُمْ مِن الرُّحَمَاءِ

ص: 333


1- منسأة: المنسأة هي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي، كأنه يدفع بها الشيء.
2- حقن: صَوْن.
3- قذف النساء: اتهامهنّ بريبة.
4- شططاً: ظلماً و جوراً.

هُوَ فِيكُمْ حَقّاً أَبِي حِينَ يُعْزَي *** دُونَ ما كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ نِسَاءِ(1)

وَ أَخٌ صَادِقُ الْوِلاء ابْنُ عَمِّي *** دُونَ بَاقِي رِجَالِكُمْ فِي الإِخَاءِ

قَدْ أتَي صَادِعاً نَذِيراً إِلَيْكُمْ *** بِالرِّسالاتِ مِنْ إِلَهِ السَّمَاءِ(2)

مَائِلاً عَنْ مَدَارِج الشِّرْكِ عَدْلاً *** مُسْتَقِيماً فِي مَسْلَكِ الإِهْتِدَاءِ

ضارباً بَعْدَ أَخْذِهِ الْكَظمَ مِنْهُمْ *** شَبَحَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ انْثِنَاءِ(3)

داعِياً بالْهُدَي وَ بِالْوَعْظِ رُشْداً *** لإلهِ الْوَرَي بِخَيْرِ دُعَاءِ

وَ هُوَ مَا زَالَ ثَابِتَ الْعَزْمِ حَتَّي *** هُزِمِ الْجَمْعُ مُدْبِراً لِلْوَرَاءِ

وَ تَجَلَّي عَنْ صُبْحِهِ اللَّيْلُ وَ الْحَقُّ *** تَفَرَّي عَنْ مَحْضِهِ بِجَلاَءِ(4)

و غَدا الدِّينُ نَاطِقاً وَ اسْتَكَانَتْ ***وَ هْيَ خَرْسَي شَقَاشِقُ الْجُهَلاَءِ(5)

وَ تَرَدَّي وَ شِيظُ كُلِّ نِفَاقٍ *** وَ انبَرَتْ كُلُّ عُقْدَةٍ لِلرِّيَاءِ(6)

وَ نَطَقْتُمْ بِالْحَقِّ فِي خَيْرِبِيضٍ *** مِنْ خِمَاصِ الْبُطُونِ دُونَ امْتِلاءِ(7)

وَ قَدِيماً كُنْتُمْ عَلَي نَهْجِ هُلْكِ *** وَ شَفَا حُفْرَةٍ لِنَاءِ الشَّقَاءِ

مُذقَةَ الشَّارِبِينَ فِي كُلِّ شِرْبٍ *** نُهْزَةَ الطَّامِعِينَ عِنْدَ الرَّجَاءِ(8)

ص: 334


1- يُعزي: يُنسب.
2- صادعاً: مُظهِراً.
3- العَظمُ (مثل (القلم) مخرجُ النَّفْسِ من الحلق. و الثَّبج (علي وزن الدرَج): وسط الشيء و معظمه.
4- تَفرّي: انشق. و المحضُ: الخالص.
5- شقاشق، جمع شقشقة، و هي شيء كالرئة يُخرجها البعير من فيه إذا هاج.
6- قال المجلسي: الوشيظ بالمعجمتين : الرُّدَّل والسفَلَةُ من الناس. و عن الجوهري: هم حشو الناس. و قوله: و انبرت كلُّ عقدة للرياء، في الخطبة: «و انحلت عقدةُ الكفر و الشقاق».
7- البيضُ: جمع أبيض و هو خلاف الأسود. و الخماص: جمع خميص، و هو الجائع، الدقيق البطن كناية عن الجوع و العفة.
8- المُذْقَة -بضم الميم- هي شربةٌ من اللبن الممزوج بالماء؛ قال الراجز: حتي إذا جاء الظلام و اختلط *** جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط و مذقة الشارب:شربته و النهزة الفرصة.

قُبْسَةٌ لِلعَجْلاَنِ مِنْ كُلِّ سَارٍ *** مَوْطِناً لِلأَقْدَام دُونَ وَقَاءِ(1)

طَرَقاً تَشْرَبُونَ وَالْقِدَّ فِيهِ *** أَنْتُمُ تَفْتَاتُونَ عِنْدَ الْغِذَاءِ(2)

لَيْسَ فِيكُمْ غَيْرُ الأَذِلَّةِ ذُلاً *** أَبَداً خَاسِئِينَ دُونَ إِبَاءِ

وَ تَخَافُونَ أَنْ تُنَالُوا اختطافاً *** وَ هَوَاناً مِنْ كُلِّ دانٍ وَ نَائِي

فانقذَكُمُ اللَّهُ بمحمد صلي الله عليه وآله و سلم

فَكَفَّاكُمْ مُحَمَّدٌ -حِينَ أَضْحَي *** لَكُمُ مُنْقِدَاً- عَظِيمَ الْبَلاءِ

بَعْدَ بَلْوَي مَرِيرَةٍ بِرِجَالٍ *** بُهم مِنْ عُتَاةِ رَهْطِ الشَّقَاءِ(3)

وَ ذِنَابِ الأَعْرَابِ بَعْدَ غُوَاةٍ *** مِنْ أَهَالِي الْكِتَابِ أَهْلِ الْعِدَاءِ

فَهَدَاكُمْ بَعْدَ الَّتِي وَ اللَّتَيَّا *** مِنْ عَمَاكُمْ إِلَي صِرَاطٍ سَوَاءِ

كُلَّما أَوْقَدُوا مِنْ الْحَرْب ناراً *** أُخمِدَتْ مِنْ هُدَاهُ بِالإنْطِفَاءِ

أَوْ بَدَا نَاجِماً مِنَ الشِّرْكَ قَرْنٌ *** لِلأَعَادِي فِيكُمْ عَظِيمُ الْعَنَاءِ(4)

قَذَفَ الْمُرْتَضَي أَخَاهُ بِأَحْمَي *** لَهَوَاتٍ مِنْ جَمْرَةِ الْهَيْجَاءِ

فَأَتَاهَا وَ لَيْسَ يَرْجِعُ إِلاَّ *** وَ هُيَ بَرْدٌ فِي سَاعَةِ الإِنْكِفاء(5)

وَ اطِئاً وَقَدَهَا بِأَخْمَصِ حَقٍّ *** حَامِلاً في الإلهِ كُلَّ بَلاءِ(6)

وَ مُجِدّاً فِي أَمْرِهِ غَيْرَ وَانٍ *** وَ قَرِيباً مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

كَادِحاً نَاصِحاً لِرَبِّ الْبَرَايَا *** سَيِّداً فِي عِصَابَةِ الأَوْلِيَاء

ص: 335


1- قبسة العجلان: الشعلة من النار إذا أخذها الرجل و هو مستعجل. و هو مثل يضرب للحقارة و الاستعجال.
2- الطَّرَقُ (وزن المَطَر): ماء السماء الذي تبول فيه الإبل و تبعر و القِدُّ: قطعة جلد غير مدبوغ و يحتمل أن يكون بمعني القديد و هو اللحم المجفف في الشمس، لا يقربه عادة إلا من افترسه الجوع.
3- البُهَمُ: الشجعان.
4- الناجم: الظاهر القرنُ: الطائفة و الجماعة و الأتباع.
5- بَرْدٌ: باردة.
6- الوقْد: اللَّهَب. و الأخمص (علي وزن أبيض): باطن القدم.

وَ هُوَ فِي اللَّهِ لَيْسَ تَأْخُذُ فِيهِ *** لَوْمَةُ اللائِمينَ طُولَ الْبَقَاءِ

حينَ أَنْتُمْ فِي رِغْدَةٍ وَ أَمَانٍ *** أَبَداً وَادِعُونَ بَعْدَ الهَنَاءِ

تَرْقُبُونَ الإيقاع وَ الْفَتْكَ فِينَا *** كُلَّ حِينِ غَدْراً بِدُونِ وَفَاءِ

أَبَداً تَنْكُصُونَ عِنْدَ نِزالٍ *** وَ تَفِرُّونَ عِنْدَ وَقْتِ اللقَاءِ

وَحينَ اختارَ اللَّهُ نبيَّه صلي الله عليه و آله و سلم

وَ مُمُذِ اخْتَارَ خَالِقُ الْخَلْقِ زُلْفَي *** خَيْرَ دَارٍ لِخَاتَمِ الأَصْفِيَاءِ

نَبْغَ الْخَامِلُ الغَوِيُّ نَشَاطاً *** وَ تَجَلَّتْ حَسِيكَةُ لِلرِّيَاءِ(1)

وَ اعْتَدَي بَالِياً وَ كَانَ قَشِيباً *** قَبْلَ هذا لِلدِّينِ خَيْرُ رِدَاءِ(2)

وَ اعْتَلَي هادِراً فَنِيقُ ضَلالٍ *** بَعْدَنُطقِ لِكَاظِمِ الأَشْقِيَاءِ(3)

وَ الْخَبِيثُ الشَّيْطَانُ أَطْلَعَ فِيكُمْ *** رَأْسَهُ هَاتِفاً بِشَرٌ نِدَاءِ

فَرَآكُمْ لِدَعْوَةِ الْكُفْرِمِنْهُ *** مُسْتَجِيبِينَ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ

وَ خِفافاً عِنْدَ النُّهُوضِ ضَلالاً *** وَ غِضَابَاً لَهُ بِدُونِ رِضَاءِ

فَنَهَضْتُمْ وَ الْكَلْمُ بَعْدُ رَحِيبٌ *** وَ كَفَرْتُمْ وَ الْعَهْدُ لَيْسَ بِنَائِي(4)

قَبْلَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّسُولَ وَ يُلْفَي *** جُرْحُنَا فِيهِ مَائِلاً لِلشَّفَاءِ

حَذَرَ الْفِتْنَةِ الَّتِي قَدْ زَعَمْتُمْ *** وَ لَعَمْرِي سَقَطْتُمُ فِي الْبَلاءِ

فَابْتِعاداً لَكُمْ وَ هَيْهَاتِ أَنَّي *** أَنْتُمُ تُؤفَكُونَ دُونَ ارْعِوَاءِ(5)

ص: 336


1- الحسيكة: العداوة.
2- قشيبا: القشيب؛ هو الجديد أو النظيف أو الأبيض.
3- الفنيق: الفحل المكرَّم من الإبل، الذي لا يركب و لا يهان، لكرامته علي أهله. و الكاظم: الساكت.
4- الكَلْمُ: الجرح. رحيب: واسع.
5- تؤفكون من أفك أي كذب، صرف و قلّب رأيه، ضعف عقله. ارعواء: كفّ.

نَبَنتُم كتابَ اللَّهِ

وَ كِتَابُ الْبَارِي أَمَامَ الْمَاقِي *** وَ نَبَذْتُمْ أَحْكامَهُ لِلْوَرَاءِ(1)

وَاضِحَاتٌ مِنْهُ الأَوَامِرُ جَهْراً *** وَ النَّوَاهِي لَكُمْ بِدُونِ خَفَاءِ

باهِرَاتٌ أَعْلَامُهُ زَاهِرَاتٌ *** كُلُّ أَحْكَامِهِ إِلَي كُلِّ رَائِي

لاَئِحَاتٌ مِنْهُ الزَّوَاجِرُ رَدْعاً *** لَكُمُ دُونَ خِيفَةٍ وَ انْتِهَاءِ

قَدْ رَغِبْتُمْ عَنْهُ عَمِّي وَ حَكَمْتُمْ *** بِسِوَاهُ مِنْ شِدَّةِ الإفتراءِ

بئْسَ لِلظَّالِمِينَ مِنْكُمْ نَكَالاً *** بَعْدَ زَيْغٌ عَنْ مَنْهَجِ الإِسْتِوَاءِ

وَ الَّذِي يَبْتَغِي سِوَي الْحَقِّ دِيناً *** فَمِنَ الْخَاسِرِينَ يَوْمَ الْجَزَاءِ

ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا قَلِيلاً إِلَي أَنْ *** سَلِسَتْ فِي الْقِيَادِ دُونِ إِبَاءِ(2)

فَأَخَذْتُمْ تُورُونَ جَمْرَةَ حِقْدٍ *** وَ تُهِيجُونَ كَامِنَ الْبَغْضَاءِ

تَسْتَجِيبُونَ رَغْبَةً وَ انْقِيَاداً *** لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّدَاءِ

وَ لإِطْفَاءِ نُورِ دِينٍ جَلِيٍّ *** وَ لاهُمَالِ سُنَّةِ الأَصْفِيَاءِ

تَشْرَبُونَ الشَّرَابَ حَسْواً فَحَسْواً *** حِينَمَا تَشْرَبُونَهُ فِي ارْتِغَاءِ(3)

وَ تَسِيرُونَ بِالْعَدَاءِ لأَهْلِ *** الْبَيْتِ فِي الْخَمْرِ ضِلَّةً وَ الضَّرَاءِ(4)

بَعْدَ صَبْرٍ مِنْهُ عَلَي مِثْلِ حَزّ السَّيْفِ *** مِنْكُمْ وَ الْوَخْزِ فِي الأَحْشَاءِ

وَ زَعَمْتُمْ بِأَنَّنَا لَمْ نُوَرَّثْ *** أَيَّ إِرْثٍ مِنْهُ وَ أَيَّ حِبَاءِ

أَفَحُكْماً لِلْجَاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ *** وَ هَذَا عَهْدٌ عَنِ الدِّينِ نَائِي

ص: 337


1- المآقي: العيون.
2- سلست: لانت. و القِياد (مثل الزناد): ما تُقَاد به الدابة من حبلٍ و غيره.
3- الحسو: هو الشربُ شيئاً فشيئاً. الإرتغاء: شربُ الرغوة، و هو اللبن المشوب بالماء.
4- الخَمرُ (بالتحريك علي وزن قمر): كُلّ ما أظلك و سترك و غطّاك من شجر و غيره. و منه الخمار: الذي يستر رأس المرأة و يغطيها. و قد سكن الميم في البيت اضطراراً. و الضَّراء (وزان النّماء): الشجرُ الملتفَّ في الوادي.

أَتَرَي مَنْ يَكُونُ أَحْسَنَ حُكْماً *** وَ قَضَاءٌ مِنْ حُكْمِ رَبِّ الْقَضَاءِ

قَدْ تَجَلَّي بَلَي لَدَيْكُمْ بِأَنِّي *** بِنْتُ له كَطِلْعَةٍ مِنْ ذُكَاءِ

تقريعُ الأنصارِ

وَ رَمَتْ لِلأَنْصَارِ بِالطَّرْفِ مِنْهَا *** ثُمَّ قَالَتْ بِحَسْرَةٍ وَرِثَاءِ:

أَنْتُمُ مَعْشَرُ النَّقِيبَةِ وَ الْحَزْمِ *** وَ أَعْضَادُ مِلَّةِ الْحُنَفَاءِ(1)

وَ رُعَاةُ الإِسْلامِ بَعْدَ احْتِضَانٍ *** مِنْكُمُ لِلإِسْلامِ فِي الإِبْتِدَاءِ

أَفَلَسْتُمْ آوَيْتُمُ وَ نَصَرْتُمْ *** وَ بَنَيْتُم لِلدِّينِ خَيْرَ بِنَاءِ؟

كَيْفَ يَعْرُو هذا التَّعْافُل مِنْكُمْ *** وَ التَّغَاضِي مِنْ رَقْدَةٍ وَ انْطِوَاءِ؟(2)

أَيُّ شَيْءٍ هَذِي الْغَمِيزَةُ مِنْكُمْ *** عَنْ حُقُوقِي بِدُونِ أَيِّ ارْعِوَاءِ؟(3)

مَا لَكُمْ عَنْ إِغَاثَتِي أَيُّ عُذْرٍ *** بَعْدَتَقْصِيرِكُمْ بِوَقْتِ النّدَاءِ!

أَوَ مَا قَالَ: يُحْفَظُ الْمَرْءُ -طه- *** حِينَ يُرْعَي فِي وُلْدِهِ النُّجبَاءِ؟

بَيْدَ عَجْلانَ ذا إِهَالَةَ أَنْتُمْ *** قَدْ خَلَقْتُمْ إِفكاً بِدُونِ بِطَاءِ(4)

وَ لَكُمْ طَاقَةٌ عَلَي رَدْ حَقِّ *** وَ اقْتِدَارٌ لِنُصْرَةِ الأَزْكِيَاء

أَتَقُولُونَ: ماتَ محمدُ صلي الله عليه و آله و سلم؟!

أَتَقُولُونَ أَنْتُمُ: مات طه؟! *** وَ لَعَمْرِي خَطبٌ جَلِيلُ الْبَلاءِ

وَاسِعٌ وَهُنُهُ الْعَظِيمُ رَحِيبٌ *** دُونَ رَتْقٍ لِفَتْقِهِ الْمُتَرَائِي(5)

ص: 338


1- النقيبة: الفتية. أعضاد: أعوان.
2- يعرو: يصدُرُ بقصد. عراه يعروه: قصده. انظر المصباح المنير للفيومي. و كأنّ الشاعر يقصد بقوله يعرو: يحصل و يحدث. و تكرّر منه ذلك بعد ثمانية أبيات و في مواضع أُخر. لكننا لم نعثر فيما لدينا من معاجم علي هذا المعني لكلمة يعرو.
3- الغميزة: المطعن، العيب، المطمع، ضعف في العقل أو العمل.
4- سُرعانَ ذا إهالةً: مَثَلٌ يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته. و نصب إهالةً علي التمييز أو الحالية.
5- وهنُه: خرقه.

وَ لَهُ الأَرْضُ أَظْلَمَتْ بَعْدَ كَسْفٍ *** لِسَنَا بَدْرِهَا وَ نُورُ ذُكَاءِ

وَ عَرا فِي النُّجُومِ مِنْهُ انْتِثَارٌ *** حِينَ أَكْدَي عَلَيْهِ كُلُّ رَجَاءِ(1)

وَ بَدَا فِي الْجِبَالِ مِنْهُ خُشُوعٌ *** وَ أُضِيعَ الحَرِيمُ دُونَ وَقَاءِ

تِلْكَ وَ اللَّهِ كُرْبَةٌ لا تُضَاهَي *** وَ هُيَ أَدْهَي مُصِيبَةٍ عَشْواءِ(2)

أعْلَنَ الذِّكْرُ بِالتِّلاوَةِ فِيهَا *** هَاتِفاً فِيكُمُ بِكُلِّ فِنَاءِ

وَ هُوَ حُكْمٌ حَتْمٌ وَ فَصْلُ قَضَاءِ *** حَلَّ قِدْماً فِي سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ:

أفَإِنْ مَاتَ أَوْ أُصِيبَ انْقَلَبْتُمْ *** بَعْدَ طه ضَلالَةً لِلْوَرَاءِ؟!(3)

بني قيلة

يَا بَنِي قَيْلَةٍ أَأَهْضَمُ إِرْثي *** مِنْ أَبِي جَهْرَةً بِشَرِّ اعْتِدَاءِ(4)

وَ بِمَرْأَي أَنْتُمْ وَ مَسْمَعَ مِنِّي *** فِي مَكَانٍ دَانٍ بِدُونِ تَنَائِي

وَ لَكُمْ عُدَّةٌ وَ خَيْرُ عَدِيدٍ *** وَ سِلاحٌ وَ سَطوَةُ الأَقوياءِ

لاتُغِيثُونَ صَرْخَةٌ مِنْ صَرِيخٍ *** لا تُجِيبُونَ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ

أَفَلَسْتُمْ وُصِفْتُمُ بِصَلاحٍ *** وَ عُرِفْتُمْ فِي نَجْدَةٍ وَ إِبَاءِ؟

خَيْرُ جُنْدِ وَ نُخْبَةٍ قَدْ حُبِيتُمْ *** لِبَنِي أَحْمَدٍ بِخَيْرِ اصْطِفَاءِ

أَوَلَسْتُمْ قَاتَلْتُمُ الْعُرْبَ كَدّاً *** وَ تَحَمَّلْتُمُ عَظِيمَ الْعَنَاءِ؟

وَ قَدِيماً كَافَحْتُمُ دُونَ وَهْنٍ *** أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ بِمَضَاءِ

حَيْثُ كُنّا وَ حَيْثُ كُنْتُمْ جَمِيعاً *** مَعَنَا فِي تَعَاوُنٍ وَ الْتِقَاءِ

قَطُّ لا تَبْرَحُونَ فِي كُلِّ حِينٍ *** بِالتِمَارٍ لأَمْرِنَا وَ انْتِهَاءِ

ص: 339


1- أكدي: أجدب. و أكدي فلان: بخل أو قل خيرُه.
2- عشواء: ظلمة.
3- «و ما محمد إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتِل انقلبتم علي أعقابكم». (آل عمران آية 144).
4- بنو قيلة : الأوس و الخزرج.

أَفَأَنْتُمْ جُبْناً تَفِرُّونَ عَنَّا *** بِفِرَاقٍ مِنْكُمْ بِدُونِ اتَّقَاءِ؟

حينَ دَارَتْ رَحَي الرَّشَادِ وَ دَرَّتْ *** حَلْبَةُ الدَّهْرِ فِي مَعِينِ الرَّوَاءِ

وَ اسْتَكَانَتْ لِلشِّرْكِ ثَغْرَةُ غَيِّ *** خَضَعَتْ ذِلَّةً بِدُونِ إِبَاءِ

وَ عَرَي فَوْرَةَ الضَّلالِ سُكُوتٌ *** وَ تَلاشَتْ نارُ الْعَمَي بِانْطِفَاءِ

وَ نِظَامُ الدِّينِ اسْتَتَمَّ كَمَالاً *** بَعْدَ فَوْضَي عَمَّتْ بِكُمْ وَ شَقَاءِ

كَيْفَ حُزْتُمْ بَعْدَ الْبَيَانِ وَ صِرْتُمْ *** بَعْدَ إِعْلَائِكُمْ بِهَذَا الْخَفَاءِ؟(1)

وَ نَكصْتُمْ بَعْدَ النُّهُوضِ نُكُولاً *** وَ رَجَعْتُمْ لِلشِّرْكِ بَعْدَ اهْتِدَاءِ؟

فَشَنَاراً لَكُمْ وَ بُؤْساً لِقَوْمٍ *** نَكثُوا عَهْدَهُمْ بِدُونِ وَفَاءِ(2)

أَفَتَخْشَوْنَهُمْ مِنْ الرُّعْبِ خَوْفاً *** وَ هُوَ أَوْلَي بِالْخَوْفِ وَ الإِخْتِشَاءِ؟!

فَاعْمَلُوا إِنَّكُمْ سَتُجْزَوْنَ عَدْلاً *** أَجْرَ أَعْمَالِكُمْ بِيَوْمِ اللقَاءِ

أَفَأَخْلَدْتُمُ إِلَي الْخَفْضِ لَهْواً *** بَعْدَ جِدِّ فِي دِينِكِمُ وَ عَنَاءِ؟(3)

وَ دَفَعْتُمْ عَنْهَا الَّذِي هُوَ أَحْرَي *** مِنْ سِواهُ فِي مَنْصِبِ الْخُلَفَاءِ

وَ هُوَ أَوْلَي بِالْبَسْطِ وَ الْقَبْضِ مِنْهُمْ *** بَعْدَفُقْدَانِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

وَ نَجَوْتُمْ بِالضّيقِ مِنْ كُلِّ وُسْعٍ *** وَ خَلَوْتُمْ فِي رِغْدَةٍ وَ هَنَاءِ

مَا وَعَيْتُمْ مَجَجْتُمُ وَ دَسَعْتُمْ *** مَاتَسَوَّغْتُمُ مِنَ الإِرْتِوَاءِ(4)

إِنْ كَفَرْتُمْ وَ مَنْ عَلَي الأَرْضِ طُرّاً *** فَهُوَ عَنْ سَائِرِ الْوَرَي فِي غَنَاءِ

وَ أَنَا قُلْتُ كُلَّ ذَلِكَ رَدْعاً *** لَكُمْ عَنْ ضَلالَةِ الْكِبْرِيَاءِ

ص: 340


1- حزتُم: ضممتم حقَّنا إليكم.
2- شناراً: عاراً و عيباً.
3- أخلدتم: رَكَنتُم ومِلْتُم و الخفض: سعة العيش.
4- الدِّسْعُ من البعير: القيء و إخراج جرَّته إلي فيه، و هو ما يُسمَّي بالاجترار. و تسوَّغتم الشراب. شربتموه في سهولة و يُسر. مججتم: رميتم من فمكم.

بَعْدَ عِلمٍ مِنِّي بِخِذْلَةِ كُفْرٍ *** خَامَرَتْكُمْ وَ رِغْدَةٍ وَ رِيَاءِ(1)

غَيْرَ أَنِّي مِنْ نَفْثَةِ الغَيْظِ أُدْلِي *** بِبَيَانِي وَ شِدَّةِ الْبُرَحَاءِ(2)

وَ لِحُزْنٍ مِنْ فَيْضَةِ النَّفْسِ يَطْغَي *** وَ لِتَقْدِيمِ حُجَّةِ بَيْضَاءِ

دُونَكُمْ بِالشَّنَارِ فَاحْتَقِبُوهَا *** نَقْبَةٌ دَبْرَةٌ بِدُونِ وِطَاءِ

وَ هْيَ مَوْسُومَةٌ مِنَ اللَّهِ بِالسُّخْطِ *** سَتَبْقَي عاراً بِدُونِ انْقِضَاءِ

وَ عَذَابُ الْجَحِيمِ أَسْوَأُ عُقْبَي *** وَ مَآلاً لَكُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ

سَيَرَي الظَّالِمُونَ أَيَّ الْقِلَابٍ *** لَهُمُ عِنْدَ سَاعَةِ الإِنْتِهَاءِ

وَ أَنَا لِلْبُغَاةِ بِنْتُ نَذِيرٍ *** مِنْ شَدِيدِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْبَقَاءِ

(1)

(2)

(3) احتقبوها: احتملوها علي ظهوركم و الدَّبَر -بالتحريك- في البعير: جراحة بظهره تحدث من الرحل. و النَّقَب (بالتحريك): رِقّة في خف البعير. قال عبد اللَّه بن كسيبة لعمر بن الخطاب و هو يرتجز، كما جاء في حاشية شرح ابن عقيل، برواية المرزباني:

أقسم بالله أبوحفصٍ عُمَرْ *** ما مسَّهامن نقب و لادَبَر

فاغفر له اللهم إن كان فَجَرْ

ص: 341


1- الخذلة (بالخاء المعجمة): ترك النصر و خامرتكم: خالطتكم.
2- نفئة الغيض: هو التنفس العالي الذي يخرجه المحزون لتسكين حزنه، و إطفاء نائرة غضبه. و البُرَحاء (بوزن علماء): الشدة و الأذي و الشرّ.

احتجاج الزهراء عليها السلام أبي بكر

وَ تَنَاهَي بِهَا الْحَدِيثُ فَقَالَتْ *** وَ هْيَ تُدْلِي بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

لأَبِي بَكْرَ وَ هُوَ يُصْغِي إِلَيْهَا *** بَيْنَ حَشْدٍ مِنْ مَجْمَعِ الْجُلَسَاءِ:

أبِدِينِ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ جَاءَتْ *** لِلْبَرَايَا شَرَائِعُ الأَصْفِيَاءِ

أَنْتَ تُعْطَي إِرْثاً وَ أُمْنَعُ إِرْثِي *** مِنْ أَبِي دُونَ سَائِرِ الأَبْنَاءِ؟

مَا لَكُمْ قَدْ تَرَكْتُمُ الذِّكْرَ عَمْداً *** وَ هُوَ يَبْدُو أَمَامَكُمْ مِنْ وَرَاءِ؟

أَخُصِصْتُمْ بِآيَةٍ أَخْرَجَتْنَا *** دُونَ بَاقِي الأَبْنَاءِ وَ الآبَاءِ؟

أَمْ بِحُكْمِ الْكِتَابِ أَعْلَمُ أَنْتُمْ *** مِنْ عَلِيِّ و أَحْمَدٍ فِي القَضَاءِ؟

أَتَقُولُونَ: أَهْلَ شَرْعَيْنِ كَانَا، *** أَفَلَسْنَا مِنْ مِلِّةِ الْحُنَفَاءِ؟

هَا هُوَ الذِّكْرُ شَاهِدٌ وَ لِسَانٌ *** نَاطِقٌ صَادِقٌ بِغَيْرِ افْتِرَاءِ

حِينَ أَضْحَي مِيراثُ دَاوُدَ فِيهِ *** لِسُلَيْمَانَ دُونَ أَيِّ خَفَاءِ

وَ لِيَحْيَي الْمِيَراتُ مِنْ زَكَرِيَّا *** وَ هُوَ أَمْسَي وَلِيَّهُ فِي الدُّعَاءِ

قَالَ: هَبْ لِي يَا رَبِّ مِنْكَ وَلِيّاً *** وَارِثاً لِي فَأَنْتَ رَبُّ الْعَطَاءِ

قَالَ فِيهِ يُوصِيكُمُ لِلبَرَايَا *** فِي اقْتِسَامِ المِيرَاثِ بَعْدَ الْفَنَاءِ

مِثْلَ حَظِّ لِلأُنْثَيَيْنِ يُكَافَي *** ذَكَرٌ مِنْ بَنِيكُمُ فِي الْعَطَاءِ

وَ الْوَصَايَا لِلْوَالِدَيْنِ بِخَيْرٍ *** حِينَ يَبْقَي خَيْرٌ وَ لِلأَقْرِبَاءِ

وَ جَمِيعُ الأَرْحَامِ أَوْلَي بِبَعْضٍ *** بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِ رَبِّ الْقَضَاءِ

أَفَلا تَكْتَفُونَ فِيمَا أَتَاكُمْ *** مِنْهُ نَصّاً وَ فِيهِ خَيْرُ اكْتِفَاءِ

فَتَحَمَّلْ أَعْبَاءَها سَوْفَ تَأْسَي *** حِينَ مِنْهَا تَنُوهُ بِالأَعْبَاءِ(1)

ص: 342


1- ناء بالأمر: نهض به مثقلاً.

يَوْمَ تَلْقَاكَ عِنْدَحَشْرِ وَ نَشْرٍ *** مُنْقَلاً بالأَوْزَارِ يَوْمَ اللقَاءِ

فَالزَّعِيمُ النَّبِيُّ وَ الْحَكَمُ اللَّهُ *** وَ نِعْمَ الْمِيعَادُ يَوْمُ الْجَزَاءِ

جوابُ أبي بكر

فَتَصَدَّي مِنْهُمْ أَبُوبَكْرَ رَدّاً *** لاحتجاج الزَّهْرَاءِ دُونَ ارْعِواءِ

قَالَ: يَا بِنْتَ أَحْمَدٍ كَانَ طه *** بِرِجَالِ الْهُدَي مِنَ الرُّحَمَاءِ

وَ عَلَي الْكَافِرِينَ كَانَ عِقاباً *** وَ عَذَاباً صَباً عَظِيمَ الْبَلاءِ

إِنْ عَزَوْنَاهُ فِي انْتِسَابِ وَجَدْنَاهُ *** أَبَاكِ مِنْ دُونِ بَاقِي النِّسَاءِ

وَ أَخَا إِلفِكِ الْحَمِيمٍ عَلِيَّ *** دُونَ بَاقِي الأَصْحَابِ وَ الرُّفَقَاءِ

آثَرَ الْمُرْتَضَي عَلَي كُلِّ خِلِّ *** وَ اغْتَدَي عَوْنَهُ عَلَي الْخُصَمَاءِ

لايُوَالِيكُمُ سِوَي السُّعَدَاءِ *** لَيْسَ يَقْلِيكُمُ سِوَي الأَشْقِيَاءِ(1)

أَنْتُمُ عِترَةُ النَّبِيِّ اجْتَباكُمْ *** رَبُّكُمْ لِلْوَرَي بِخَيْرِ اجْتِبَاءِ

وَ أَدِلاؤُنَا عَلَي الْخَيْرِ رُشْداً *** وَ طَرِيقٌ لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ

أَنْتِ يَا خِيرَةَ النِّسَاءِ مَقاماً *** وَ ابْنَةَ الْحَقِّ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ

لاتَقُولِينَ غَيْرَ صِدْقٍ وَ حَقٍّ *** لَيْسَ فِيهِ مِنْ رِيبَةٍ وَ افْتِرَاءِ

غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنِ الْحَقِّ ظُلْماً *** وَ اغْتِصَاباً مِنْ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ

وَ أَنَا مَا عَدَوْتُ سُنَّةَ طه *** وَ تَحَدَّيْتُ رَأيَهُ بِالْقَضَاءِ

وَ أَنَا رَائِدٌ: أَيَكْذِبُ حَقاً *** رَائِدٌ أَهْلَهُ بِأَيِّ افْتِرَاءِ؟!

وَ أَنَا أُشْهِدُ الإِلهَ بِصِدْقٍ *** وَ هُوَ بِالْحَقِّ خِيرَةُ الشُّهَدَاءِ

إِنَّنِي قَدْ سَمِعْتُ مِنْ فَمِ طه *** قَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ

كُلُّ فَرْدٍ يُوَرْتُ العِلْمَ مِنَّا *** لِبَنِيهِ وَ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ

كُلَّ مِيراثِ فِضَّةٍ وَ نُضارٍ *** قَدْ تَرَكْنَا يَكُونُ لِلأَوْلِيَاءِ(2)

ص: 343


1- يقليكم: يغضبكم.
2- النُّضار: الذهب و الفضة، و قد غلب علي الذهب.

فَوَلِيُّ الأُمُورِيَحْكُمُ فِيهِ *** حِينَ يَقْضِي بِحُكْمِهِ فِي اسْتِوَاءِ

وَ رَأَيْنَا بِأَنْ يَكُونَ سِلاحاً *** وَ كُرَاعاً لأُمَّةِ الْحُنَفَاءِ(1)

فَوَضَعْنَاهُ فِيهِمَا كَسِوَاهُ *** لِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَ الأَشْقِيَاءِ

وَ أَنَا مَا انْفَرَدْتُ فِيهِ بِرَأْيِي *** مُسْتَقِلاً عَنْ سَائِرِ الآرَاءِ

حَيْثُ قَامَ الإِجْمَاعُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ *** بِاتِّفَاقِ مَا بَيْنَهُمْ وَ الْتِقَاءِ

وَ أَنَا فِي يَدَيْكِ حَالِي وَ مَالِي *** فَاحْكُمِي فِيهِمَا بِكُلِّ مُشَاءِ

لَيْسَ يُزْوَي عَلَيْكِ: مِنْيَ شَيْءٌ *** لِحِجَابٍ مُحَصِّنِ وَ وِقَاءِ(2)

وَ لأَنْتِ الأُمُّ الزَّكِيَّةُ طُهراً *** وَ سُمُواً لِوُلْدِكِ الأَزْكِيَاءِ

وَ لَكِ الْعِزُّ وَ السَّيَادَةُ فِينَا *** شَرَفاً بَعْدَ فَضْلِكِ الْمُتَرَائِي

دُونَ وَضْعِ لِلأَصْلِ وَ الْفَرْعِ طُرّاً *** مِنْكِ بَعْدَ الْعُلُوّ وَ الإِرْتِقَاءِ

كُلُّ حُكْمِ عَلَيَّ يَصْدُرُ مَاضٍ *** نَافِذٌ مِنْكِ سَاعَةَ الإِمْضَاءِ

أتُريدينَ أَنْ أُخَالِف طه *** بِالَّذِي تَطْلُبِينَ دُونَ اهْتِدَاءِ؟!

ردها عليها السلام علي أبي بكر

فَأجابَتْ: سُبْحانَ رَبِّ البَرايَا *** لَمْ يَكُنْ قَطُّ خاتَمُ الأَصْفِياءِ

صادِفاً عَنْ كِتَابِهِ مُسْتَحِلاً *** بَعْضَ أَحْكَامِهِ بِدُونِ اخْتِشَاءِ(3)

فَهُوَ طُولَ الحَيَاةِ مَا زَالَ يَقْفُو *** أَثَرَ الذِّكْرَ فِي أَنمُ اقْتِفَاءِ

أَمَعَ الْغَدْرِ تَجْمَعُونَ ضَلالاً *** قَوْلَةَ النُّورِ سَاعَةَ الإفتراءِ

مِثْلَمَاكِدْتُمُوهُ حَيَّاً فَهذا *** هُوَ كَيْدٌ لَهُ عَقِيبَ الْفَنَاءِ

فَكِتَابُ الإِلَهِ هَذا لَعَمْرِي *** حَكَمٌ عَادِلٌ بِفَضْلِ الْقَضَاءِ

كُلُّ نَصٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ *** مِنْكُمُ أَحَقُّ بِالإمْتِرَاءِ

وَ هُوَ أَوْحَي مِيرَاثَ دَاوُدَ حَقًّا *** لِسُلَيْمَانَ دُونَ أَي مِرَاء

ص: 344


1- الكُراع (بوزن سعاد): اسم لجماعة الخيل خاصة. انظر مجمع البحرين.
2- يُزوي : يُنحي و يمنعّ.
3- صادفاً: معرضاً و صادّاً.

قَالَ: هَبْ لِي مِنْ آلِ يَعْقُوبَ بَعْدِي *** يَرِثُ الفَضْلَ خِيرَةُ الأَوْلِيَاءِ

وَ أَبَانَ اللَّهُ الْفَرَائِضَ طُرّاً *** فِي الْمَوَارِيثِ دُونَ أَي خَفَاءِ

عِنْدَ تَوْزِيعِهِ السَّهَامَ بِعَدْلٍ *** لِذَوِيهَا بِدُونِ أَيِّ اعْتِدَاءِ

مَا أَزَاحَ الرَّحْمَنُ فِيهِ جَلِيّاً *** شُبُهَاتِ الْعَمَي بِدُونِ غِشاءِ

إِنَّما سَوَّلَتْ لَكَ النَّفْسُ أَمْراً *** فَاصْطِبَاراً عَلَي عَظِيمِ الْبَلَاءِ(1)

فَتَلاَ قَائِلاً أَبُوبَكْرَ جَهْراً *** قَوْلَها فِي صَرَاحَةٍ وَ جَلاءِ:

صَدَقَ اللَّهُ وَ الرَّسُولُ وَ حَقَّاً *** صَدَقَتْ بِنْتُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ الْبَلِيغَةِ رُكْنُ *** الدِّين عَيْنُ الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ

غَيْرُ مسْتَنْكَرٍ خِطَابُكِ فِينَا *** دُونَ قَوْلٍ مِنِّي صَوَابُكِ نَائِي(2)

هَا هُمُ الْمُسْلِمُونَ قَدْ قَلدُونِي *** فَتَقَلَّدْتُ مَنصِبَ الخُلَفَاءِ

و أخَذْتُ الَّذِي أَخَذْتُ بِشُورَي *** وَ اتَّفَاقٍ وَ هُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ

غَيْرَ مُسْتَأْثِرِ بِمَا كَانَ مِنِّي *** دُونَهُمْ فِي بِدَايَةٍ وَ انْتِهَاءِ

وَ هْيَ قَالَتْ لَهُمْ عَقِيبَ الْتِفَاتٍ: *** مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَ الْحُنَفَاءِ

كَيْفَ أَسْرَعْتُمُ عَقِيبَ التَّغَاضِي *** عَنْ قَبِيحِ الْفِعَالِ لِلإِفْتِرَاءِ؟!

أَفَلا تَقْرَأُونَ قُرْآنَ رَبِّي *** أَنْتُمُ فِي تَدَبَّرٍ وَ اهْتِدَاءِ؟!

أَمْ عَلَي تِلْكُمُ الْقُلُوبِ مِنَ الرِّيبَةِ *** أَقْفَالُ ضِلَّةٍ وَ امْتِرَاءِ؟!

بَلْ عَلَيْهَا قَدْ رَانَ مَا قَدْ أَسَأْتُمْ *** مِنْ قَبيح الأَفْعَالِ وَ الأخطاء(3)

أخِذاً عِنْدَ ذَاكَ بِالسَّمْعَ مِنْكُمْ *** وَ جَميع الأَبْصَارِ بَعْدَ غِطَاء

سَاءَ وَاللَّهِ مَا بِهِ قَدْ أَشَرْتُمْ *** وَ اغْتَصَبْتُمْ فِي سَاعَةِ الإِعْتِدَاءِ

عَنْ قَرِيبٍ يَكُونُ حِمْلاً عَلَيْكُمْ *** بَعْدَ غِبِّ مِنْ أَثْقَلِ الأَعْبَاءِ

عِنْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ وَ السِّتْرِ عَنْكُمْ *** حِينَمَا تُصحِحُونَ دُونَ وقَاءِ

بئْسَ لِلظَّالِمِينَ فَالنَّارُ مَثْوًي *** وَ مَقَرِّ لَهُمْ بِيَوْمِ الْبَقَاءِ

ص: 345


1- سوّلت: زيّنت و سهلتْ و هوّنت.
2- في الخطبة: «لا أُبْعِدُ صوابَكِ، و لاأُنْكِرُ خطابَكِ».
3- ران: غلب أو جَنُثَ و غثّ.

لَمْ تَزَلْ تَقْرَعُ الْمَسَامِعَ مِنْهُمْ *** مُرْتَجَاتٍ بِالْيَأْسِ دُونَ رَجَاءِ

وَ تَهُزُّ الْمَشَاعِرَ الصُّمَّ لَكِنْ *** وَجَدَتْهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ(1)

ثُمَّ قَامَتْ عَنْهُمْ لِقَبْرِ أَبِيهَا *** تَشْتَكِي مَا أَصَابَهَا مِنْ بَلاءِ

وَ اسْتَكَانَتْ لِرَبِّهَا بِانْقِطَاعٍ *** وَ أَنَتْ بَيْتَهَا بِدُونِ غَنَاءِ(2)

ص: 346


1- الصَّماء: الصلبة، المتينة.
2- بدون غَناء: بدون جدوي.

عليْ و الزهراء عليهم السلام

عِتابُها لأميرالمؤمنين عليه السلام

وَ عَلِيٌّ تَطلُّعاً وَ انْتِظاراً *** لِرُجُوعِ الزَّهْرَا مِنَ الرُّقَبَاءِ

فَرَنَتْ نَحْوَهُ بِطَرْفٍ حَزِينٍ *** بَيْنَ شَكْوَي مَرِيرَةٍ وَ بُكَاءِ

وَ أُثِيرَتْ مِنْهَا الشُّجُونُ وَ قَالَتْ: *** عَتَباً يَا ابْنَ سَيِّدِ الْبَطَحَاءِ

قَدْ تَوَارَيْتَ فَاشْتَمَلْتَ احْتِجَاباً *** شَمْلَةً لِلْجَنِينَ خَلْفَ غِطَاءِ(1)

مِنْ تَوَانٍ قَعَدْتَ دُونَ نُهُوضٍ *** حُجْرَةٌ لِلظَّنِين دُونَ غَنَاءِ(2)

وَ لَقَدْ خَانَ فِيكَ مِنْ دُونِ رِيشٍ *** أَعْزَلٌ عَنْ مَنَالِ كُلِّ رَجَاءِ

بَعْدَمَا قَدْ نَقَضْتَ قَادِمَةَ الأَجْدَلِ *** مِنْ جَانِبَيْكَ دُونَ بِنَاءِ(3)

كَيْفَ تُغْضِي عَنِّي وَ هَذَا فُلانٌ *** بَزَّنِي نِحْلَتِي بِغَيْرِ اتِّقَاءِ؟(4)

أَنَا أَلْفَيْتُهُ الأَلَدَّ عِدَاءً *** فِي خِصَامِي مِنْ سَائِرِ الْخُصَمَاءِ(5)

ص: 347


1- اشتملت: التففت و التحفت بالشَملة و الشَملة -بفتح الشين المعجمة-:كساء يُشتَمَل به. و بكسرها: هيئة الاشتمال.
2- في الخطبة «وقعدت حُجرةَ الظنين». أي و اعتزلت و نزلت منزلة الظنين و المتّهم و الخائف، الذي يخاف المطالبة بحقِّه. توانٍ: فتور و تقصير و عدم الاهتمام.
3- في الخطبة: «نقضت قادمةَ الأجدل، فخانكَ ريشُ الأعزل» و الأجدل هو الصقر، و الأعزل كناية عن ضعاف الطير، التي لاسلاح و لاشوكة لها فكأنها تقول؛ لطالما رهبك الأبطال بعد أن بطشت بهم، و اليوم يتهجّم عليك حتي الذين لا علاقة لهم بالشجاعة و البطولة. و خانك: من الخيانة و قال السيد كاظم القزويني: و في نسخة: رخاتك: أي انقض عليك. و قال الجوهري: خات البازي و اختات: أي انقض علي الصيد ليأخذه.
4- تُغضي: تصدّ الطرف. بزّني: سلبني.
5- الألدَّ: الشديد الخصومة، أو هو الأشدّ خصومة.

هَذِهِ قَيْلَةٌ مِنَ الْغَدْرِ عَنِّي *** حَبَسَتْ نَصْرَهَا بِغَيْرِ وَفاءِ(1)

وَ قَلانِي الْمُهَاجِرُونَ جَمِيعاً *** بَعْدَ قَطع لِوَصْلِهِمْ بِجَفَاءِ(2)

وَ لَقَدْ غَضَّتِ الجَمَاعَةُ دُونِي *** طَرْفَهَا مِنْ غَضَاضَةٍ وَعِدَاءِ

أَنَا لا دافِعُ بَقِيتُ وَلأَمَانِعَ *** عَنِّي يَصُدُّ كُلَّ اعْتِدَاءِ

وَ أَنَا قَدْ خَرَجْتُ كَاظِمَة الْغَيْظ *** بِنَفْسِي مِنْ شِدَّةِ الإِسْتِيَاءِ

وَ لَقَدْ عُدْتُ مِنْهُ رَاغِمَةَ الأَنْفِ *** هَوَاناً مِنْ سَطوَةِ الْكِبْرِيَاءِ

حِينَمَا قَدْ أَضَعْتَ خَدَّكَ صَبْراً *** فَتَبَقَّيتَ دُونَ أي وقَاءِ

وَ افْتَرَشْتَ التُّرَابَ وَ افْتَرَسَتْ غَابَكَ *** هَذِي الذَّئَابُ دُونَ اتَّقَاءِ

قائِلاً: مَا كَفَفْتَ بَعْدَ تَغَاضِ *** طَائِلاً مَا أَغْنَيْتَ أَيَّ غَنَاءِ

ليْتَ أَنِّي قَدْمُتُّ مِنْ دُونِ ذُلِّي *** وَ اضْطِهَادِي مِنْ قَبْلِ يَوْمٍ فَنَائِي

وَ عَذِيرِي مِنْهُ إِلَهُ الْبَرَايَا *** عَادِياً بَعْدَ مِحْنَتِي وَ بَلَائِي(3)

وَ لِنَفْسِي مِنْهُ وَ أَنْتَ كَفِيلِي *** خَيْرَ حَامٍ فِي سَاعَةِ الإِحْتِمَاءِ

أَنَا وَيْلاَيَ عِنْدَ كُلِّ صَبَاحٍ *** أَنَا وَيُلايَ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءِ

عَضُدِي قَدْ وَهَتْ وَ قدْ مَاتَ مِنِّي *** عَمَدِي فَاعْتَدَيْتُ دُونَ وَقَاءِ(4)

أنَا عَدْوَايَ لِلإِلَهِ وَ شَكُوايَ *** لِحُزْنِي بِخَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ(5)

أَنْتَ رَبِّي أَشَدُّ حَوْلاً وَ بَأْساً *** وَ نَكَالاً مِنْهُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ(6)

قَالَ وَ هُوَ الصَّبُورُ: لا وَيْلَ حَقَّاً *** لَكِ لَكِنْ وَيْلٌ لِأَهْلِ الْعِدَاءِ

نَهْنِهِي يا بنَةَ النُّبُوَّةِ عَنْ وَجْدِكِ *** صَبْراً فِي سَلْوَةٍ وَ عَزَاءِ(7)

ص: 348


1- قَيَلة: ناقة تحلب في وسط النهار.
2- قلاني قَلاءً وقَلّي: أبغضني. و المراد: جفاني.
3- العذير: النصير و العادي: الخصم المتجاوز.
4- وَهَتْ: ضعفت.
5- العدوي: طلبك إلي والٍ لينتقم لك ممّن ظلمك.
6- نكالاً: النكال، اسم ما يُجعَل عبرةً للغير.
7- نهنهي: أي: كُفّي عن حزنك، و خففي من غضبك، بمعني كفكفي.

أنَا وَ اللَّهِ مَا وَنَيْتُ عَنِ الدِّينِ *** بِيَوْم وَ لاَعَدَوْتُ قَضَائِي(1)

وَ إِذَا كُنْتِ تَبْتَغِينَ بِهَذَا *** بُلْغَةٌ مِنْ حُطَامِ دَارِ الْفَنَاءِ(2)

فَهُوَ لِلرِّزْقِ ضَامِنٌ وَ كَفِيلٌ *** لَكِ فِيهِ مِنْ خِيرَةِ الأُمَنَاءِ

وَ الَّذِي قَدْ أُعِدَّ خَيْرٌ وَ أَبْقَي *** لَكِ مِمّا زَوَوْا بِدارِ الْبَقَاءِ(3)

فَأَجَابَتْ وَ أَمْسَكَتْ: هُوَ حَسْبِي *** وَ كَفَي جَازِياً بِرَبِّ السَّمَاءِ

ص: 349


1- و نَيْتُ (مثل أوَيْتُ): ضَعُفتُ و كَلَلْتُ وَ فَتَرْتُ.
2- البُلغة بالضم: ما يُتبلغ به من العيش.
3- زوَوْا: سلبوا.

خطبة الزهراء عليها السلام

في نساء المهاجرينَ و الأَنصارِ(1)

قُلْنَ يَا بَضْعَةَ النَّبِيِّ الْمُزَكَّي: *** كَيْفَ أَصْبَحْتِ بَعْدَ هَذَا الْعَنَاءِ؟

ص: 350


1- خطبة الزهراء عليها السلام في نساء المهاجرين و الأنصار: مصادر الخطبة: و هذه الخطبة أيضاً كسابقتها من الأخبار المشهورة عند الفريقين، تضمنتها بطون الكتب التاريخية و المذهبيّة و الأدبيّة، و قد عكف أهل كل فنّ بالدراسة و الضبط، لما وجدوه فيها -وصاحبتها- من المادّة الغنية، التي تشبع تطلّعهم، و تجيب عن أسئلتهم. و قد رواها الشيخ الصدوق (ت (381) في كتاب معاني الأخبار ص 354 بسند ينتهي إلي فاطمة بنت الحسين عليها السلام. كما رواها هو أيضاً بإسناده الذي ينتهي إلي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، يروي عن أبيه أميرالمؤمنين عليه السلام. كما رواها الطوسي (ت 460) في أماليه ص 238 (بالطبع القديم) بإسناده الذي يصل إلي ابن عباس قال: دخلن نسوة من المهاجرين و الأنصار... ثم أورد الخطبة مع اختلاف يسير. و رواها أبومنصور الطبرسي (من أعلام القرن السادس) في كتاب الاحتجاج ج 1 ص 286 عن سويد بن غفلة. كما رواها العلامة الإربلي (ت (693) في كتاب كشف الغمة 2 ص 118. و نقلها المجلسي (ت 1111) في البحار ج 43 ص 159، و كذلك فعلٍ تلميذه البحراني في كتاب العوالم ج 11 ص 286. هذا و قد رواها من الجمهور أيضاً كلِّ من ابن طيفور (ت280) في بلاغات النساء ص 19 بسنده عن عطيّة العوفي. كما رواه الجوهري (ت322) في كتاب السقيفة و فدك بإسناده عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام و ابن رستم الطبري (من أعلام القرن الرابع) ص39. كما رواها ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655) في شرح نهج البلاغة ج 16 ص 233، عن كتاب سقيفة الجوهري. و نقلها أيضاً عمر رضاً كحالة في أعلام النساء ج 4 ص 123 . و انظر أيضاً إحقاق الحق ج 10 ص 306 و نفحات اللاهوت ص 124. خطبتها في نساء المهاجرين و الأنصار و أما متن الخطبة، فإننا ننقلها من كتاب الاحتجاج للطبرسي، تبعاً للناظم (رحمة الله عليه) لتوافق تسلسل الأبيات. قال الطبرسي في ج 1 ص 286-292: و قال سويدُ غفلة: لما بن مرضت سيدتنا فاطمة «سلام الله عليها» المرضةَ التي توفيت فيها؛ اجتمعت إليها نساء المهاجرين و الأنصار ليَعُدْنَها، فقلن لها: كيف أصبحتِ من علّتك يا ابنة محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فَحَمِدَتِ الله، و صلَّت علي أبيها صلي الله عليه و آله و سلم، ثم قالت: أصبحتُ و اللَّهِ، عائفةٌ لدنياكن، قالية لرجالكنّ، لفظتهم بعد أن عجمتُهم، و شنأتهم بعد أن سبرتُهم، فقُبحاً لغلول الحدّ و اللعب بعد الجدّ، و قرع الصفاة، و صدع القناة، و ختل الآراء، و زلل الأهواء، و بئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللَّهُ عليهم، و في العذاب هم خالدون. لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، و حملتها أوقتها، و شننتُ عليهم غاراتها، فجدعاً و عقراً و بُعداً للقوم الظالمين. ويحهم! أَنَّي زعزعوها عن رواسي الرسالة و قواعد النبوة و الدلالة، و مهبط الروح الأمين، و الطبين بأمور الدنيا و الدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين! و ما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟! نقموا و اللَّهِ منه نكير سيِفِه، و قلة مبالاته لحتِفِه، و شدّةَ و طأته، و نكال ،وقعِتِهِ، و تنمُّره في ذات اللَّه. و تاللَّهِ، لو مالوا عن المحجّةِ اللايحة، و زالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها و حملهم عليها، و لسار بهم سيراً سُجُحاً، لا يكلمُ خشاشُه، و لا يكلُّ سائرهُ، و لايملُّ راكبُه، و لأوردَهُم منهلاً نميراً صافياً ،رويّاً، تطفح ضفّتاه و لايترنّقُ جانباه، و لأصدرَهُم بطاناً، و نصح لهم سرّاً و إعلاناً، و لم يكُن يتحلّي من الغني بطائل، و لايحظي من الدنيا بنائل غير ريّ الناهل و شبعة الكافل، و لبانَ لَهُمُ الزاهِدُ من الراغب، و الصادقُ من الكاذب؛ «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَي آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» -آية 96 الأعراف- «وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ» -آية 51 الزمر-. ألا هلُمّ فاستمِع! و ما عشتَ أراك الدهرُ عجباً !! و إن تعجب فعجَبٌ قولُهُم! ليت شعري إلي أيّ سنادٍ استندوا؟! و إلي أيّ عماد اعتمدوا؟! و بأيّة عروِةِ تمسّكوا؟! و علي أيةِ ذريّةٍ أقدموا و احتنكوا؟! لبئس المولي و لبئس العشير و بئس للظالمين بدلاً. استبدلوا، و اللَّهِ الذُّنابي بالقوادم، و العَجُز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يُحسبون أنهم يُحسنون صنعاً، «أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ» آية 12: البقرة. وَ يْحَهُم! «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَي فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»؟! -آية 35 يونس- أما لعمري لقد لَقِحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً، و ذُعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، و يعرف التالون غِبَّ ما أسَّس الأوّلون، ثمَّ طيبوا عن دنياكم أنفُساً، و اطمئنوا للفتنة جأشاً، و أبشروا بسيف صارم و سطوة معتدٍ غاشم و بهزج شامل و استبدادٍ من الظالمين، يدعُ فيئكم زهيداً، و جمعكم حصيداً؛ فيا حسرةً لكم! و أنّي بكم، و قد عميت عليكم، «أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ»؟! هود/ آية 28. قال سويد بن غفلة فأعادت النساء قولها عليها السلام علي رجالهنّ، فجاء إليها قومٌ من وجوه المهاجرين و الأنصار معتذرين و قالوا: يا سيدة النساء عليها السلام، لو كان أبوالحسن ذكر لنا هذا الأمْرَ قَبْلَ أن تُبرِمَ العهد، و نُحْكِمَ العقد، لما عدلنا عنه إلي غيره. فقالت عليه السلام: إليكم عنّي، فلا عُذَر بعد تعذيركم، و لاأمرَ بعد تقصيركُمْ.

ص: 351

فَأَجَابَتْ: أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ مِمّا *** قَدْ دَهَانِي قَدْ عِفْتُ دُنْيَا الْفَنَاءِ

وَ قَلَيْتُ الرِّجَالَ مِنْكُنَّ لَفْظاً *** بَعْدَعَجْمٍ لَهُمْ وَ حُسْنِ بَلاءِ(1)

فَشَناراً لِلَّعْبِ مِنْ بَعْدِ جِدٍّ *** وَ قُلُولٍ لِلْحَدِّ بَعْدَ الْمَضَاءِ(2)

وَ لِصَدْعِ الْقَنَاةِ دُونَ الْيَتَامٍ *** وَ لِقَرْعِ الصَّفَاةِ دُونَ ارْتِخَاءِ(3)

وَ لِزَيْعَ الأَهْوَاءِ دُونَ اعْتِدَالٍ *** وَ لِخَتْلِ الأَفْكَارِ وَ الآرَاءِ(4)

بِئْسَ ما قَدَّمُوا مِنَ الْخِزْيِ كُفْراً *** بَعْدَ سُخْطِ الْبَارِي لِيَوْمِ الْجَزَاءِ

وَ لعَمْرِي قَلدْتُهُمْ حِينَ مَالُوا *** عَنْ هُدَي الحَقِّ ربقة الأسراءِ

وَ بِنُصْحِي حَمَّلْتُهُمْ حِينَ صَمُّوا *** وَ عَمُوا عَنْهُ أَوْقَةَ الأَعْبَاءِ(5)

وَ شَنَنْتُ الْغَارَاتِ حَرْباً عَلَيْهِمْ *** غَارَةٌ بَعْدَ غَارَةٍ شَعْوَاءِ(6)

وَيْحَهُمْ عَنْ مَهَابِطِ الْوَحْيِ أَنَّي *** زَعْزَعُوهَا وَ مَعْدِنِ الأَنْبِيَاءِ(7)

وَ رَوَاسِي الإيمانِ وَ الْعَدْلِ مِنَّا *** وَ الطَّبِينُ الْخَبِيرُ فِي كُلِّ دَاءِ(8)

فِي جَمِيعِ الأُمُورِ دِيناً وَ دُنْيَا *** دُونَ جَهْلٍ فِيهَا وَ دُونَ اخْتِفَاءِ

إِنَّ هَذَا الْخِطْءَ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ *** لَهُوَ شَرُّ الخُسْرَانِ دُونَ اخْتِشَاءِ

لَيْتَ شِعْرِي وَ مَا الَّذِي نَقِمُوهُ *** مِنْ عَلِيٌّ بَعْدَ الأَذَي وَ الْعَنَاءِ

نَقِمُوا مِنْ عَلِي بَأْساً شَدِيداً *** وَ جِهَاداً فِي اللَّهِ دُونَ رَخَاءِ

وَ نَكِيراً مِنْ سَيْفِهِ وَنَكَالاً *** صَارِماً فِي تَنَمُّر وَ إباءِ

ص: 352


1- لَفَظَهُ: رماه و عجمه اختبره.
2- الفُلول جمع فلٍّ و هو الثِّلْم. و المضاء: القطع. تقول سيف ماضٍ قاطع و فلول السيف أثلامه.
3- الصدْعُ: الشَّق. و القناة الرّمح. و القرْعُ: الضرب. و الصفاة: الصخرة الملساء.
4- ختْلُ الأفكار: زيفها و خداعها.
5- الأوقةُ: الثقل.
6- شعواء: متفرقة ممتدّة.
7- زعزعوها: حرّكوها تحريكاً شديداً.
8- الطبين: الفطن العالم و الحاذق العارف.

قِلةُ الخَوْفِ وَ الْمُبَالَاةِ زُهْداً *** مِنْهُ فِي حَتْفِهِ بِيَوْمِ اللِّقَاءِ

وَيَمِيناً لَوْ أَنَّهُمْ بَعْدَكُفْرٍ *** وَ ضَلالٍ مَالُوا عَنِ الإِسْتِوَاءِ

لَهَدَاهُمْ إِلَي الْمَحَجَّةِ رُشْداً *** فَاسْتَقَامُوا بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

وَ لَسَارُوا وَ سَارَبِالْقَوْمِ سَيْراً *** سُجُحاً فِي مَنَاهِجِ الإِهْتِدَاءِ(1)

لايُصَابُ الْخِشَاسُ مِنْهُ بِكَلْم *** دُونَ عُنْفٍ مِنْهُ وَ دُونَ الْتِوَاءِ(2)

لاَيَمَلُ الْمَسِيرَ فِيهِ عَنَاءً *** أَوْ يَكِلُّ السّارِي بِهِ مِنْ عَيَاءِ(3)

وَ سَقَاهُمْ مِنْ مَنْهَلِ الْحَقِّ وِرْداً *** عَذباً سَائِغاً لِفَرْطِ الصَّفَاءِ

تَطْفَحُ الضِّفَّنَانِ مِنْهُ مَعِيناً *** خَالِصاً مِنْ تَرَنُّقِ الأَقْذَاءِ

وَ لَعَادُوا عِنْدَ الصُّدُورِ بطاناً *** بَعْدَ شَبْع القاوِي بِخَيْرِ امْتِلاءِ

مَعَ رُشْدِ لَهُمْ وَ نُصْحِ مُبِينٍ *** مِنْهُ يَبْدُو فِي الْجَهْرِ شِبْهَ الْخَفَاءِ

وَ هُوَ فِي الْعَيْشِ لَمْ يَكُنْ يَتَحَلَّي *** مِنْهُ فِي طَائِلِ بِطُولِ الْبَقَاءِ

لَيْسَ يَحْظَي بِنَائِلٍ قَطُّ مِنْهَا *** بَعْدَ زُهْدٍ عَنْ نَيْلِهِ وَ جَفَاءِ

غَيْرَ رَيِّ لِنَاهِلٍ حِينَ يَظْمَي *** مَعَ شَبْعٍ لِكَافِلٍ مِنْ غِذَاءِ(4)

وَ تَجَلَّي عَنِ الْمَطَامِعِ زُهْدٌ *** لَهُمُ صَادِقٌ بِغَيْرِ افْتِراءِ

قَالَ: لَوْ آمَنُوا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ *** بَرَكَاتٍ مِنَ الثَّرَي وَ السَّمَاءِ

غَيْرَ أَنَّ الْقُرَي بَغَتْ فَاسْتَحَقَّتْ *** بَعْدَجَحْدِ النَّعْمَاءِ سُوءَ الْجَزَاءِ

وَ بِحَقِّ لَوْ عِشْتَ أَبْصَرْتَ أَمْراً *** عَجَباً فِي الزَّمَانِ دُونَ انْقِضَاءِ

أيُّ عُذْرٍ لَهُمْ بِمَا اكْتَسَبُوهُ *** مِنْ عَظِيمِ الإِجْرَامِ وَ الأخْطَاءِ

أَفَلا يَعْلَمُونَ مَا اجْتَرَمُوهُ *** مِنْ حَرَامِ فِي عِشْرَةِ الأَزْكِيَاءِ؟

حِينَمَا اسْتَبْدَلُوا الْقَوَادِمَ مِنّا *** بِالدُّنَابَي مِنْهُمْ بِغَيْرِ ارْعِوَاءِ(5)

ص: 353


1- السير السُّجُح: السهل اللَّيِّن.
2- الخشاش (علي وزن الذِّراع): عُود يُجعل في عظم أنف البعير. كَلم: جُرح.
3- العياء (علي وزن الحياء): التعب.
4- الكافل: الذي يصل الصيام و لم يُصب غذاءً ولا عشاءً.
5- القوادم: قوادم الرَحْلِ أوائله ذنابي: أواخر.

وَ اسْتَعَاضُوا عَنْ كَاهِلِ الدِّينِ كُفْراً *** وَ ضَلالاً بِالْعَجْزِ دُونِ اهْتِدَاءِ(1)

فَابْتِعاداً لِمَنْ أَسَاوُوا وَظَنُّوا *** أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ دُونَ انِّقاءِ

وَيْحَهُمْ لِلرَّشَادِ مَنْ كَانَ يَهْدِي؟ *** مَنْ سِوَاهُ أَحَقُّ بِالإِقْتِدَاءِ؟

مَا لَهُمْ يَحْكُمُونَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ *** بَعْدَ جَهْلٍ مِنْهُمْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ!

فَانْتِظاراً فَسَوْفَ تُنْتِجُ مِمَّا *** لَقِحَتْ كُلَّ فِتْنَةٍ عَشْوَاءِ

وَ سَيُمْلَي مِنْهَا نَجِيعاً عَبِيطاً *** وَ ذُعافاً فِي الْحَلْبِ كُلُّ إِنَاءِ(2)

وَ يَرَي الآخَرُونَ مِمَّا بَنَاهُ *** لَهُمُ الأَوَّلُونَ غِبَّ الْبِنَاءِ(3)

وَ لْتَطِيبُوا عَن الْحَيَاةِ نُفُوساً *** وَ اسْتَعِدُّوا لِلْفِتْنَةِ الْعَمْيَاءِ

وَ ابْشِرُوا لِلدَّمَارِ فِيكُمْ بِسَيْفٍ *** صَارِمِ لاَ يُفَلُّ بَعْدَ الْمَضَاءِ

وَ بِحُكْمٍ لِغَاشِمٍ مُتَعَدٍّ *** مُسْتَبَدٍّ مِنْ سَطوَةِ الأُمَرَاءِ

يَقْتَفِيهِ مِمَّا تُثِيرُ الْبَلايَا *** هَرَجٌ شَامِلٌ بِشَرِّ اقْتِفَاءِ

يَدَعُ الفَيءَ وَ الْجُمُوعَ زَهِيداً *** وَ حَصِيداً مِنْكُمْ بِحَدٍّ الْفَنَاءِ

مَا لَكُمْ عُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ فَبُعْداً *** لَكُمُ مِنْ مَعَاشِرٍ جُهَلاءِ

كَيْفَ تُهْدَوْنَ لِلصَّوَابِ رَشَاداً *** بَعْدَ كُرْهِ مِنْكُمْ لِكُلِّ اهْتِدَاءِ

فَأَعَادَتْ تِلْكَ النِّسَاءُ عَلَيْهِمْ *** مَا وَعَتْهُ مِنْ خُطبَةِ الزَّهْرَاءِ

فَأَتَاهَا مِنْهُمْ رِجَالٌ وَ قَالُوا *** بَعْدَ عُذْرِ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَيَاءِ

لوْ عَلِمْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبْرَمَ الْعَهْدُ *** بِهَذَا مِنْ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

مَا عَدَلْنَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: إِلَيْكُمْ *** بَعْدَ هَذَا عَنِّي لِفَرْطِ التَّنَائِي

أَيُّ عُذْرٍ لَكُمْ بِمَا كَانَ مِنْكُمْ *** بَعْدَتَعْذِيرِكُمْ بِغَيْرِ انْتِهَاءِ

وَ حُصُولِ التَّقْصيرِ حِينَ تَجَلَّي *** لَكُمُ الأَمْرُ فِي أَتَمُ جَلاءِ

ص: 354


1- الكاهل: مقدَّم الظهر ممّا يلي العُنُق. و العَجْزُ: مؤخَّر الشيء.
2- الدّمُ العبيط: الخالص الطريّ و النجيع: الدم. و الذُّعاف السَّم الذي يقتل من ساعته.
3- الغِب والمغبَّة: العاقبة.

احتجاج الصديقة فاطمة عليها السلام بحديثِ الغديرِ

وَ احْتِجَاجُ الزَّهْرَاءِ خَيْرُ احْتِجَاجٍ *** فِيهِ أَدْلَتْ بِالْحَقِّ خَيْرُ النِّسَاءِ

بِحَدِيثٍ مُسَلْسَلٍ قَدْ تَجَلَّي *** فِي حَدِيثِ الْغَدِيرِ أَبْهَي جَلَاءِ

حِينَ قَالَتْ نَقْضاً لِمَا أَبْرَمُوهُ *** دُونَ رُشْدٍ مِنْ بَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ:

أَنَسِيتُمْ وَ الْعَهْدُ غَيْرُ بَعِيدٍ *** قَوْلَ طه فِي سَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ

يَوْمَ خُمِّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ حَقّاً *** فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ دُونَ افْتِرَاءِ

وَ مَقَالَ النَّبِيِّ وَ هُوَ صَرِيحٌ *** لِعَلِيِّ فِي إِمْرَةِ الْحُنَفَاءِ

أَنْتَ مِنِّي كَمَالِمُوسَي بِحَقِّ *** كَانَ هَارُونُ خِيرَةَ الْوُزَرَاءِ

عِنْدَ إِبْقَانِهِ بِغَزْوِ تَبُوكٍ *** خَلَفاً فِي الْمَدِينَةِ الْغَرّاءِ(1)

ص: 355


1- قال الأميني في كتاب الغدير ج1 ص 196، تحت عنوان احتجاج الصدّيقة فاطمة بنت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: قال شمس الدين أبو الخير الجزريّ الدمشقي المقريء الشافعيَ (ت (833) في كتابه أسني المطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام و ألطف طريقِ وقع لهذا الحديث «يعني حديث الغدير» و أغربه ما حدّثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ ( ثم ذكر السند الذي ينتهي إلي أم كلثوم بنت فاطمة عليها السلام) عن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم و رضي عنها؛ قالت: أنسيتم قول رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم يوم غدير خمٍّ: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ و قوله صلي الله عليه وآله و سلم: أنت بمنزلة هارون من موسي؟ و هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبوموسي المديني في كتابه المسلسل بالأسماء. و قال: هذا الحديث مسلسل من وجه... الخ. و في حاشية الحديث كتب الأميني قائلاً: ذكره له السخاوي في الضوء اللامع ج 9 صر 256، و الشوكاني في البدر الطالع ج 2 ص 297. و تجد مثله في عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2 ص64 ح278، و الضوء اللامع ج 9 ص 256، و إحقاق الحق ج 6 ص 282، و في البحار ج8 ص40، و ص 203 (طبع قديم) و ج 36 ص 352 ح224، ج38 ص112 ح 49، و عوالم العلوم ج 11 ص 875 -877، و ينابيع المودة ص250 و شبيه له في كفاية الأثر ص197، و غاية المرام ص 96 ح 39، و أرجح المطالب ص448، و ص471، و إثبات الهداة ج3 ص340 ح121 و ذكر الصدوق (ت 381 ه_) نظيراً له في كتاب الخصال ج1 ص173، و ذكر مثله الطبرسي (من أعلام القرن السادس) ج1 ص105. و مثله أيضاً في مسند الإمام الرضا عليه السلام ج 1 ص133.

فَدَك

فَدَكٌ قَرْيَةٌ مِنَ النَّخْلِ كَانَتْ *** فِي مَكَانٍ عَنْ يَثْرِبٍ غَيْرِ نائي(1)

قَطُّ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ *** وَ رِكَابِ فِي البَدْهِ وَ الإِنْتِهَاءِ(2)

فَهْيَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّفَايَا لِطه *** وَ الصَّفَايَا لِخَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ(3)

وَ هْيَ مِمَّا أَفَاءَ فِيهَا عَلَيْهِ *** رَبُّهُ مِنْ كَرَامَةٍ وَ عَطَاءِ

فَهْيَ مِلْكُ لِخَاتَمِ الرُّسُلِ مَحْضٌ *** خَالِصٌ دُونَ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ

صَالَحَ الْمُصْطَفَي الْيَهُودَ عَلَيْهَا *** لِيَكُونُوا فِيهَا مِنَ الأُمَنَاءِ

فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَ حَبَاهَا *** نِحْلَةً لِلزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ

حِينَما أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: وَآتُوا *** حَقَّ أَدْنَي الأَرْحَامِ وَ الأَقْرِبَاءِ

فَدَعَاهَا وَ قَالَ: هَذا عَطَاءٌ *** لَكِ مِنِّي بِأَمْرِ رَبِّ السَّمَاءِ

وَ هْيَ كَانَتْ فِي عَهْدِهِ بِيَدَيْهَا *** خَيْرَ مِلْكٍ لَهَا وَ خَيْرَ حِباءِ

قَدْ أَقَامَتْ وَكِيلَهَا وَ هُوَ حَيٌّ *** وَ اسْتَقَلَّتْ تَصَرُّفاً فِي النَّمَاءِ

وَ أَبُوبَكْرِ حِينَ خُلْفَ فِيهِمْ *** بَعْدَفُقْدَانِ خَاتَمِ السُّفَرَاءِ

طَرَدَ الْعَامِلَ الْمُوَكَّلَ فِيهَا *** لابْنَةِ الْمُصْطَفَي بِأَقْسَي جَفَاءِ

وَ أَنَتْ عُنْوَةً لِمَسْجِدِ طه *** وَ هُيَ تَسْعَي فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسَاءِ

وَ أَبَانَتْ مَا جَاءَ فِي الذِّكْرِ نَصَاً *** فِي الْمَوَارِيثِ مِنْ حَكِيمِ الْقَضَاءِ

وَ أَقَامَتْ مَا حَجَّهُ -فَأَتَاهَا- *** بَعْدَ دَحْضٍ بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

ص: 356


1- الغدير ج16 ص368حول سبب نزول قوله تعالي: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ».
2- أوجفوا الخيل: جعلوها تعدو عدواً سريعاً.
3- صفايا: جمع صفَيَة، و هي من الغنائم ما يجعله الرئيس لنفسه.

بِحَدِيثٍ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ *** آيَةٌ قَطُّ فِي كِتَابِ السَّمَاءِ

وَ سِوَاهُ لَمْ يَرْوِهِ فَهُوَمِمَّا *** خُصَّ فِيهِ مِنْ بِدْعَةٍ وَ افْتِرَاءِ(1)

وَ لَقَدْ خَاصَمَتْهُ أُخْرَي فَقَالَتْ: *** نِحْلَةٌ مِنْ أبِي بِأَقْوَي ادَّعَاءِ

وَ أَقَامَتْ شُهُودَهَا فَحَبَاهَا *** مِنْهُ صَكّاً بِهَا بِغَيْرِ وَفَاءِ

حِينَمَا فِي يَدَيْهِ بَعْدَ انْتِزَاعٍ *** عُمَرُ شَقَّهُ بِوَقْتِ اللِّقَاءِ(2)

وَ اسْتَمَرَّتْ فِي الْمَنْعِ حَتَّي تَوَلَّي *** عُمَرٌ بَعْدَهُ عَلَي الْحُنَفَاءِ

فَحَبَاهَا لِأَهْلِهَا دُونَ مَنْعٍ *** بَعْدَ دَفْعِ مِنْ أَوَّلِ الْخُلَفَاءِ(3)

تضاربُ الآراءِ مِنْ وُلاةِ الأمورِ في فَدَكَ

وَ عَجِيبٌ هَذَا التَّضَارُبُ فِيهَا *** مِنْ وُلاةِ الأُمُورِ في الآرَاءِ(4)

ص: 357


1- ذكر الحديدي في شرح النهج ج16 ص220: أن حديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم «لا نورث ذهباً و لافضة...» إلخ لم يروه أحد غير أبي بكر.
2- الغدير ج7 ص194 عن السيرة الحلبية؛ ذكر أن عمر شقّ صكَ فاطمة عليها السلام.
3- الغدير ج195 ذكر أن عمر بن الخطاب ردّ فدكاً لأهل البيت عليهم السلام، نقله عن البخاري ج5 ص102.
4- فدك و الحاكمون: لقد صادر أبو بكر فدكاً من الزهراء عليها السلام بحجّة الحديث الذي تفرَّد به أبوبكر بشهادة شيخ المعتزلة. ثم جاء عمر ليبقيها فترة أربع سنوات أو أكثر عنده، ثم قرّر يردّها، ولكن لا لفاطمة عليها السلام التي قضت شهيدة واجدة عليه و علي صاحبه، بل للهاشميين جميعاً في سبيل إشعال النزاع بين علي عليه السلام و بين العباس، الذي جاء عمر أيضاً يطالبه بالإرث. و عجيب أمر هذا الإرث النبوي صلي الله عليه و آله و سلم الذي يحرم في سنة و يحلّ في سنة أخري! لكن عليّاً يترفّع عن قبولها لأسباب ليست تخفي علي ذوي الألباب (انظر العوالم ج 11 ج 765 فما بعدها). ثم يأتي عثمان، فيجعلها منحة ملكيّة صافية إلي ابن عمّه و زوج ابنته مروان بن الحكم. (انظر سنن البيهقي ج 6 ص 301 ، و الغدير ج 7 ص195.) و حينما تسلّم عليّ الخلافة؛ لم يشغل نفسه بفدك، و استمرّ علي موقفه كما كان أيّام الشيخين . و قال الجوهري في كتاب السقيفة و فدك ص103: «فلما ولي الأمرَ معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثَها، و أقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثَها، و أقطع يزيد بن معاوية ثلثها، و ذلك بعد موت الحسن بن علي عليه السلام. فلم يزالوا يتداولونها حتي خُلصت كلّها لمروان بن الحكم أيام خلافته، فوهبها لعبد العزيز ابنه، فوهبها ابنه عبد العزيز لابنه عمر بن عبد العزيز. فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، كانت أوَّلَ ظُلامةٍ ردَّها، دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، و قيل: بل دعا علي بن الحسين عليه السلام فردّها عليه. و كانت بيد أولاد فاطمة عليها السلام مدة ولاية عمر بن عبد العزيز، فلمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان -كما كانت- يتداولونها، حتي انتقلت الخلافة عنهم . فلما ولي أبو العباس السفاح ردّها المهدي ابنُه علي وُلدِ فاطمة عليها السلام، ثم قبضها موسي بن المهدي، و هارونُ أخوه، فلم تزَلْ في أيديهم حتي ولي المأمون، فردّها علي الفاطميين... فقام دعبل إلي المأمون فأنشده الأبيات التي أوّلها : أصبحَ وجه الزمان قد ضحكا *** برد مأمون هاشم فدكا فلَمْ تَزَلْ في أيديهم حتي كان في أيّام المتوكّل، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار، و كان فيها إحدي عشرة نخلة غرسها رسولُ اللهِ صلي الله عليه و آله و سلم بيده، فكان بنو فاطمة عليها السلام يأخذون ثمرها، فإذا قدِمَ الحُجّاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل فصرم عبدُالله بن عمر البازيار ذلك التمر ؛ وجّه رجلاً يقال له بشران بن أبي أميّة الثقفي إلي المدينة فصرمه (أي قطعه)، ثم عاد إلي البصرة ففُلج (أي أصيب بالشلل). و هكذا صارت قضيّة فدك: قضية الخلافة المغتصبة، و علامة فارقة تلاحق الظلم الأوّل و المصادرة الأولي، لا تزول، بل و لاتتبدّل مع تبدّل الأيّام و تجدّد البشر. و كلُّ ذلك من أجل أن يظهر كذب الحديث المفتري و حق الخلافة المغتصبة. للاستزادة؛ انظر فتوح البلدان ص38-41، و تاريخ اليعقوبي ج3 ص48 ، و العقد الفريد ج2 ص323، و معجم البلدان ج6 ص344، و شرح النهج للمعتزلي ج16 ص217، و تاريخ ابن كثير ج 9 ص200، و تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 168، و تاريخ خلفاء ص154، و أعلام النساء ج 3 ص1211، جمهرة رسائل العرب ج 3 ص510 ، مضافاً إلي كثير من المصادر الخاصة كالبحار و الغدير و العوالم و الاحتجاج و دلائل الصدّق، و غيرها.

فَهيَ إِنْ كَانَ نِحْلَةً وَ نَصِيباً *** مِنْ فُرُوضِ الْمِيرَاثِ لِلأَوْلِيَاءِ

كَيْفَ صُدَّتْ عَنْ أَهْلِهَا وَ هْيَ حَقٌّ *** مِنْ أَبِي بَكْرِ سَاعَةَ الإِبْتِدَاءِ؟!

وَ هْيَ إِنْ كَانَ مِثْلَ مَا قَالَ فَيْئاً *** كَيْفَ تُعْطَي مِنْ آخَرِ بِسَخَاءِ؟!

وَ اصْطَفَاهَا عُثْمَانُ بَعْدَ انْتِزَاعٍ *** وَ حَبَاهَا مَرْوَانَ دُونَ اختِشَاءِ

حِينَ أَضْحَي مِنْ آلِ أَحْمَدَ أَوْلَي *** بِمَوَارِيثِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

وَ طَرِيدُ النَّبِيِّ لاَ شَكٌّ أَوْلَي *** عِنْدَ عُثْمَانَ مِنْ بَنِي الأَزْكِيَاءِ

وَ هْيَ مِمّا تُنْعَي عَلَيْهِ وَ كَانَتْ *** عَامِلاً مِنْ عَوَامِلِ الإسْتِيَاءِ

وَ تَوَلَّي ابْنُ هِنْدَفِيمَنْ تَوَلَّي *** بَعْدَ هَذَا ظُلْماً مِنَ الأمَراءِ

فَحَبا ثُلثَهَا يَزِيداً وَ ثُلْثاً *** لابن عُثْمَانَ دُونَ أَي اتِّقَاءِ

ص: 358

وَ اجْتَبَاهَا مَرْوَانُ حِينَ تَوَلَّي *** مُسْتَقِلاً لَهُ بِشَرِّ اجْتِبَاءِ

وَ حَبَاهَا عَبْدَالْعَزِيزِ فَكَانَتْ *** بِيَدَيْهِ مِلْكاً لِيَوْمِ الْفَنَاءِ

وَ اصْطَفَاهَا مُسْتَخْلِصاً بِالْفِرادٍ *** عُمَرُ أَمْرُهَا بِخَيْرِ اصْطِفَاءِ

وَ حَبَاهَا فِي الْمُلْكِ حِينَ تَوَلَّي *** لَبَنِي فَاطِمٍ بِخَيْرِ حِبَاءِ

بَعْدَ رَفْعِ السِّبَابِ وَ الشَّتْم مِمَّنْ *** أَبْدَعُوهُ عَنْ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

وَ إِلَيْهِ الرَّضِيُّ بِالشِّعْرِ أَوْحَي *** يَا ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ الرِّثَاءِ(1)

وَ تَعَدَّي ابْنُ عَاتِكٍ بَعْدَ أَخَذٍ *** فَحَوَاهَا يَزِيدُ دُونَ إِبَاءِ

وَ اسْتَمَرَّتْ فِي آلِ مَرْوَانَ حَتَّي *** أَذْهَبَ اللَّهُ دَوْلَةَ الطَّلَقَاءِ

وَ أَعَادَ السَّفّاحُ مَا كَانَ مِنْهَا *** أَخَذُوهُ لِلْعِترَةِ النَّجَباءِ

وَ رُجُوعُ الْمَنْصُورِ فِيهَا رُجُوعٌ *** وَ نُكُوصٌ عَنْ مَسْلَكِ الإِسْتِوَاءِ

وَ عُدُولُ الْمَهْدِي عَنْهَا اعْتِدَالٌ *** وَ اسْتِوَاءٌ فِي مَنْهَج الإهْتِدَاءِ

وَ تَمَادَي مُوسَي وَ هَارُونُ فِيهَا *** وَ تَعَامَي الأَمِينُ بِالإقْتِدَاءِ

وَ تَهَادَي الْمَأْمُونُ حِينَ أُعِيدَتْ *** لِذَوِيهَا فِي عَهْدِهِ بِلِوَاءِ

وَ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَخْذٍ *** جَعْفَرٌ مُعْلِنَاً بِنَصْبِ الْعِدَاءِ(2)

وَ حَبَا عَبْدُ اللَّهِ مَنْ قَدْنَمَاهُ *** عُمَرُ الْبَازِيَارُ شَرَّ انْتِمَاءِ

وَ تَعَدَّي ظُلْماً فَأَرْسَلَ شَخصاً *** صَرَمَ النَّخْلَ فِي يَدِ الإِعْتِدَاءِ

فَعَرَاهُ بَعْدَ الْجُذَاذِ انْتِقَاماً *** فَلَجٌ فَاتِكٌ بِأَعْظَمِ دَاءِ(3)

جَدَّ مِنْهَا مَا قَامَ مِنْ نَخَلاتٍ *** هِيَ مِنْ غَرْسِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

كَانَ أَبْنَاءُ فَاطِمٍ وَ عَلِيٌّ *** تَجْتَنِي تَمْرَهَا لِأَهْلِ الْوِلَاءِ

ص: 359


1- إشارة إلي قول الشريف الرضي (رحمة الله عليه) في عمربن عبدالعزيز: يا بن عبد العزيز لو بَكَتِ العينُ *** فتي من أُمَيَّةٍ لَبَكَيْتُك غيرَ أني أقولُ: إنك قد طبتَ *** و إنْ لم يَطِب و لم يزكُ بيتُك.
2- هو المتوكِّل العباسي.
3- الجُذاذ: القطع و الكسر. فَلجٌ: شلل.

فَإِذَا جَاءَ مَوْسمُ الْحَج جَاؤوا *** وَ أَفَاضُوا فِيهَا عَلَي الْحُنَفَاءِ

فَيَعِيشُونَ مِنْهُمُ بِالْهَدَايَا *** حِينَ تُهْدَي لَهُمْ بِكُلِّ سَخَاءِ

بابُ دارِ فاطمة عليها السلام

وَ أَتَوا باب دارِها دُونَ إِذْنٍ *** وَ عَلِيٌّ فيهَا رَهِينُ الفِناءِ

وَ بِأَيْدِيهِمُ مِنَ الْحِقْدِ يَذْكُو *** قَبَسٌ مُضْرَمٌ بِنَارِ الْعَدَاءِ(1)

قِيلَ: فِي الدَّارِ فَاطِمٌ بِنْتُ طه! *** قَالَ شَخْصٌ: «وَإِنْ» بِغَيْرِ اخْتِشَاءِ

أخرِقُوهُ وَ بِنتُ أَحْمَدَ حَسْرَي *** تَخْتَفِي خَلْفَهُ بِغَيْرِ رِدَاءِ

فَجَرَي ما جَرَي عَلَي بِنْتِ طه *** وَ هْيَ تَدْعُو وَرَاءَهُ بِبُكَاءِ

مِنْ حَدِيثِ الْمِسْمَارِ وَ الضّلْعِ مِنْهَا *** وَ سُقُوطِ الْجَنِينِ اثْرَ الدِّمَاءِ

وَ أَحَاطُوا بِالْمُرْتَضَي فَأَضَاعُوا *** ذِمَّةَ الْمُصْطَفَي بِغَيْرِ وَفَاءِ

حِينَ قَادُوهُ بِالْحَمَائِل ظُلْماً *** وَ ضَلالاً مِنْهُم بِغَيْر اهْتِدَاءِ

وَعَدَتْ خَلْفَهُ وَ عَادُوا فَبِئْساً *** لَهُمُ مِنْ ثَلاَثَةٍ أَشْقِيَاءِ

المُوهَا بِقَسْوَةٍ وَ جَفَاءٍ *** دُونَمَا رَحْمَةٍ وَ دُونَ وَلاَءِ

بَيْنَ وَكُزِ بِنَعْلِ سَيْفِ وَ لَظمٍ *** بَانَ فِي جَفْنِ عَيْنِهَا الْحَمْرَاءِ(2)

وَ سِيَاطٍ تُلْوَي عَلَي عَضُدَيْهَا *** مِنْ يَدَي قُنْفُذٍ بِأَقْسَي جَفَاءِ

وَ أَتَوْا بِالْوَصِيِّ مَسْجِدَطه *** وَ هْيَ بِالْبَابِ أَمْسَكَتْ لِلدُّعَاءِ

قِيلَ: بَايِعْ فَقَالَ: إِنْ لَمْ أُبَايِعْ؟ *** قِيلَ: تُجْزَي بِالْقَتْلِ شَرَّ جَزَاءِ!

قَالَ: هَلْ تَقْتُلُونَ لِلَّهِ عَبْداً *** وَ أَخَاً لِلرَّسُولِ مَحْضَ الإِخَاءِ؟

فَأَجَابُوهُ: أَنْتَ لِلَّهِ عَبْدٌ *** لا أَخٌ لِلرَّسُولِ، دُونَ حَيَاء،

فَأَرَادَتْ كَشْف الْقِنَاعِ فَهَبَّتْ *** شَرُّرِيحٍ عَلَيْهِمُ سَوْدَاءِ(3)

ص: 360


1- يذكو: يشتعل.
2- وكز: ضرب دفع.
3- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص 118 : أبو جعفر الطوسي في «اختيار الرجال» عن أبي عبد الله عليه السلام، عن سلمان الفارسي: أنّه لمّا استُخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله، فاطمة عليها السلام حتي أتت إلي القبر، فقالت: خَلُّوا عن ابن عمَّي، فوالذي بعثَ محمّداً صلي الله عليه و آله و سلم بالحق، لئن لم تُخلوا عنه لأنشرنّ شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم علي رأسي، و لأصرخنّ إلي اللَّه، فما ناقة صالح بأكرم علي اللَّه من ولديَّ. قال سلمان: فرأيتُ واللَّهِ أساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها، حتي لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ؛ فدنوت منها و قلتُ: يا سيدتي و مولاتي! إنّ اللَّه تبارك و تعالي، بعث أباك رحمةَ، فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان، حتي سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا. و قد رواها في تاريخ اليعقوبي ج2 ص126، و كذلك في البحار عن المناقب أيضاً، ج3 ص47 ، و في العوالم ج11 ص231 ،232، و في مشارق أنوار اليقين ص 86 مثله. و قد نقل السيد كاظم القزويني أشباهاً لذلك عن العياشي، و الاحتجاج و تاريخ اليعقوبي في كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد ص333.

قَلَعَتْ مِنْ أَسَاسِ مَسْجِدِ طه *** كُلَّ حِيطَانِهِ وَ كُلَّ بِنَاءِ

فَاسْتَغَالُوا بِالْمُرْتَضَي فَأَغِيثُوا *** بَعْدَ يَأْسٍ مِنْهُمْ بِخَيْرٍ رَجَاءِ

فَأَتَاهَا سَلْمَانُ يَعْدُو وَ أَوْحَي *** بَعْدَ أَمر مِنْ سَيْدِ الأَوْصِيَاءِ:

بَعَثَ اللَّهُ رَحْمَةً وَ نَجَاةً *** لِلْبَرَايَا أَبَاكِ بَعْدَ الشَّقَاءِ

لاَتَكُونِي يَا بِنْتَ خَيْرِ الْبَرَايَا *** بَعْدَ فُقْدَانِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

سَبَباً فِي هَلَاكِ أُمَّةِ طه *** وَ مَثاراً لِسُخْطِ رَبِّ السَّمَاءِ

فَأَجَابَتْ: لَنْ أَتْرُكَ الْبَابَ حَتَّي *** يَتْرُكُوا حَيْدَراً بِلا إِيذَاءِ

وَ إِذَا بِالصَّيَاحِ فِيهِمْ: دَعُوهُ *** وَ اتْرُكُوهُ لَهَا، مِنَ الحُنَفَاءِ

فَأَتَاهَا وَ قَالَ حِينَ رَآهَا: *** كَيْفَ أَصْبَحْتِ يَا ابْنَةَ الأَزْكِيَاءِ

فَأَجَابَتْ: إِنْ كُنْتَ كُنْتُ بِخَيْرٍ *** أَوْ بِشَرٍّ عَلَي صَعِيدٍ سَوَاءِ

وَ أَتَتْ بَيْتَهَاعَلِيلَةَ نَفْسٍ *** قَدْ أُصِيبَتْ مِنْهُمْ بِأَعْظَم دَاءِ

لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً ظَلَمَتْهَا *** وَ سَقَتْهَا صَبْراً كُؤُوسَ الْفَنَاءِ

الشيخان علي باب فاطمة

وَ أَتَاهَا الشَّيْخَانِ بَعْدَ هَنَاتٍ *** ظَلَمَاهَا فِيهَا بِغَيْرِ ارْعِوَاءِ

وَ هُمَا عَائِدَانِ وَ هْيَ بِحَالٍ *** لَيْسَ يُرْجَي لِسُقْمِهَا مِنْ شِفَاءِ

وَ أَرَادَا إِذْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا *** فَأَبَتْ نَفْسُهَا أَشَدَّ الإِبَاءِ

ص: 361

فَتَعَصَّي عَلَيْهِمَا الأمْرُ حَلاً *** فَاضِلاً عَمِّي بِغَيْرِ اهْتِدَاءِ

فَاسْتَغَانَا بِغَوْثِ كُلِّ طَرِيدٍ *** وَ اسْتَجَارا بِسَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

فَأَتَاهَا وَ قَالَ: إِنَّ فُلاناً *** وَ فُلاناً تَظَلَّلا بِرِدَائِي

يَطْلُبَانِ الدُّخُولَ مِنْكِ بِإِذْنِ *** جَعَلانِي فِيهِ مِنَ الشُّفَعَاءِ

فأَبَتْ أَنْ تَجُودَ فِيهِ فَأَوْحَي *** مِنْ حَنَانِ لَهَا بِلَحْنِ الوِلاءِ

إِنَّنِي قَدْ ضَمِنْتُ إِذْ كَلَّمَانِي *** لَهُمَا الإِذْنَ قَبْلَ ذَا مِنْ حَيَائِي

فَأَجَابَتْ: فَأَذَنْ لِمَنْ شِئْتَ وَامْنَعْ *** أَنْتَ مَنْ شِئتَ دُونَ أَي اتِّقَاءِ

إِنَّمَا الْحُرَّةُ الَّتِي تَصْطَفِيهَا *** لَكَ زَوْجُ وَ أَنْتَ رَبُّ الْفِنَاءِ

فَاسْتَطارا بُشْراً بِما أَدْرَكَاهُ *** بَعْدَ يَأْسٍ أَوْدَي بِكُلِّ رَجَاءِ

ثُمَّ قَالا: جِئنَاكِ يَا بِنْتَ طه *** نَطْلُبُ الْقُرْبَ مِنْكِ بَعْدَ الثَّنَائِي

وَ نَرُومُ الْغُفْرَانَ وَ الْعَفْوَ عَمّا *** قَدْ مَضَي آنفاً مِنَ الأَخْطَاءِ(1)

بَعْدَ تَقْصِيرِنا بِحَقِّكِ ظُلْماً *** وَ عِنَاداً فِي الْبَدْءِ وَ الإِنْتِهَاءِ

فَتَوَلَّتْ بِوَجْهِهَا وَ هْيَ غَضْبَي *** عَنْهُمَا نَحْوَ حَائِطٍ فِي الْبِنَاءِ

وَ أَجَابَتْ: إِنِّي لأَسْأَلُ حَقّاً *** فَأَجِيبًا صِدْقاً بِغَيْرِ افْتِرَاءِ

هَلْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ طه بِحَقِّي *** لَكُمَا مِثلَ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ

فَاطِمٌ بَضْعَتِي وَ بهْجَةُ نَفْسِي *** وَ هْيَ مِنّي إيذاؤُها إيذائِي

يَغْضَبُ اللَّهُ حِينَ تَغْضَبُ سُخْطاً *** وَ رِضَاهَا رِضاً لِرَبِّ السَّمَاءِ

فَأَجَابًا: إِنَّا سَمِعْنَا مِرَاراً *** كُلَّ هَذَا مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

فَرَنَتْ لِلسَّمَاءِ شَكْوَي وَ قَالَتْ *** بَعْدَ نَشْرِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ:

رَبِّيَ اشْهَدْ بِأَنَّ بَكْراً وَ عَمْراً *** آذَيانِي وَ أَجْهَدا فِي عِدَائِي

فَاذْهَبَا فِي كَرَاهَةٍ لَسْتُ أَرْضَي *** أَبَداً عَنْكُمَا لِيَوْمِ الْبَقاءِ

وَ سَأَشْكُو إِلَي أَبِي مَا دَهَانِي *** عُنْوَةٌ مِنْكُمَا بِوَقْتِ اللَّقَاءِ

ص: 362


1- نروم: نقصد نطلب.

فَاسْتَمَرَّتْ حَتَّي فَضَتْ بِنْتُ طه *** وَ هْيَ غَضْبَي عَلَيْهِمَا مِنْ جَفَاءِ(1)

حُرمةُ المظلومة عليها السلام

دَخَلُوا الْخِدْرَ وَ هْيَ حَسْرَي عَلَيْهَا *** فَاسْتَهَانُوا بِحُرْمَةِ الزَّهْرَاءِ(2)

عَصَرُوهَا فَأَسْقَطُوا خَيْرَ حَمْلٍ *** مِنْ حَشَاهَا بِقَسْوَةٍ وَ جَفَاءِ

كَسَرُوا ضِلْعَهَا بِعَصْرَةِ بَابٍ *** ضَرَّجَتْ صَدْرَهَا بِقَيْضِ الدِّمَاءِ

لَطَمُوا خَدَّهَا بِكَفْ عِنَادٍ *** نَشَرَتْ قُرْطَها عَلَي الحَصْبَاءِ(3)

سَوَّدُوا مَتْنَهَا ضَلالاً وَ كُفْراً *** بسِياطِ الشَّحْنَاءِ وَ الْبَغْضَاءِ(4)

أَخْرَجُوا بَعْلَها عَلِيّاً مِنَ الْبَيْتِ *** فَأَضْحَي يُقَادُ كَالأَسَرَاءِ

وَ هْيَ تَعْدُو وَرَاءَهُ وَ هْيَ تَدْعُو *** بِحَنِين وَ صَرْخَةٍ وَ بُكَاءِ

مَا رَعَوْهَا وَ هْيَ الْوَدِيعَةُ فِيهِمْ *** بَعْدَ طه مِنْ سَيّدِ الأُمَناءِ

مَا أَجَارُوا بِنْتَ الْهُدَي حِينَ جَارُوا *** فَأَضَاعُوا ذِمَامَ كُلِّ وَفَاءِ(5)

أَيُّ ذَنْبٍ جَنَتْهُ بَضْعَةٌ طه *** فَجَزَوْهَا ظُلْماً بِأَقْسَي الْجَزَاءِ

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَبَاحَ حِماها *** مُسْتَطِيلاً بِالْجَوْرِ وَ الإِعْتِدَاءِ

وفاتها عليها السلام

لَمْ تَزَلْ بَعْدَهُ عَلِيلَةَ جِسْمٍ *** لِقَلِيلِ السَّلْوَي وَ طُولِ الْبَلاءِ

وَ هْيَ يُغْشَي مِنَ السَّقَامِ عَلَيْهَا *** كُلَّ حِينٍ مِنْ كَثْرَةِ الإِغْمَاءِ

ص: 363


1- صحيح البخاري ج4 ص96 روي عن عائشة أن فاطمة عليها السلام غضبت علي أبي بكر فهجرته و ماتت و هي مهاجرة له. و انظر ما تقدّم حول غضبها علي الشيخين، و امتناعها عن مقابلتهما، و موتها و هي غاضبة عليهما، غير راضية عليهما؛ في (6/18).
2- انظر كشف الغمة ج2 ص119.
3- الحصباء: الأرض ذات الحصي.
4- الشحناء: العداوة امتلأت منها النفس.
5- الذُّمام (علي وزن الشَّراع): الحق و العهد و الحرمة.

لَمْ تُفَارِقْ فِرَاشَهَا مِنْ نُحُولٍ *** قَدْ بَرَاهَا ضَعْفاً وَ طُولِ عَنَاءِ

وَ هْيَ تَبْكِي ليلاً نهاراً أَبَاهَا *** بِدُمُوع الذِّكْرَي بِغَيْرِ انْتِهَاءِ

قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمَ سُوءٍ بُغاةً *** مَنَعُوها عَنْ الأسَي و َ الْبُكَاءِ

أَخْرَجُوهَا مِنْ بَيْتِهَا حِينَ ضَجُّوا *** لِعَلِيٍّ مِنْ كَثْرَةِ الإِسْتِيَاءِ

فَاسْتَظَلَّتْ ظِلَّ الأَرَاكَةِ لَكِنْ *** قَطَعُوهَا بِقَسْوَةٍ وَعِدَاءِ

فَأَقَامَ الْوَصِيُّ بَيْتاً وَسَمَّاهُ *** بِبَيْتِ الأَحْزَانِ وَ الأَرْزَاءِ

فَهْيَ تَأْوِي إِلَيْهِ كُلَّ نَهَارٍ *** ثُمَّ تَأْتِي لِبَيْتِهَا فِي الْمَسَاءِ

لَمْ تَزَلْ دَأبَهَا النِّياحَةُ حَتَّي *** أَسْلَمَتْهَا إِلَي قِسِيِّ الْفَنَاءِ(1)

حِينَ أَوْصَتْ بِكُلِّ مَا طَلَبَتْهُ *** سَاعَةَ الْمَوْتِ سَيْدَ الأَوْصِيَاءِ(2)

ص: 364


1- قسي الفناء: أقواس الموت.
2- في الكافي بسنده الواصل إلي أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السلام ألا أقرئك وصية فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: بلي. فأخرج حُقاً أو سفطاً، فأخرج منه كتاباً، فقرأه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة عليها السلام بنت محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أوصت بحوائطها السبعة: العواف، و الدلال، و البرقة و المثيب، و الحسني و الصافية و ما لأم إبراهيم إلي علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن مضي عليّ عليه السلام فإلي الحسن عليه السلام، فإن مضي الحسن عليه السلام فإلي الحسين عليه السلام، فإن مضي الحسين عليه السلام فإلي الأكبر من ولده شهد الله علي ذلك و المقداد بن الأسود و الزبير بن العوّام، و كتب علي بن أبي طالب عليه السلام. المصدر ج 7 ص48 ج 5. و رواه أيضاً بطريق آخر. و في دلائل الإمامة ص42، و في الفقيه ج4 ص 244، و في التهذيب ج 9 ص 145، و روي نظيره الإربلي في كشف الغمة ج 1 ص 499 ، و في البحار ج 43 ص 185 و 235، و مثله أيضاً في مصباح الأنوار ص 262، و غيرها. علي أن هذه الطائفة من الأخبار إنما تذكر طرفاً من وصاياها عليها السلام و إلاّ فإنّ لها مجموعة من الوصايا أوصت بها أميرالمؤمنين عليه السلام، منها ما يرتبط بها هي بعد موتها و منها ما يرتبط بذريتها و أبنائها و منها ما يتعلّق بمالها و صدقاتها و غير ذلك. و قد لخصها السيد المقرّم في كتاب وفاة الصدّيقة الزهراء عليها السلام، و نحن ننقلها هنا من كتابه. قال (رحمة الله عليه) بعد وصية البساتين و الحوائط السبعة: و أوصت لأزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم لكل واحدة منهنّ اثنتا عشرة أوقية و لنساء بني هاشم مثل ذلك، و لأمامة بنت أبي العاص (ابنة أختها) بشيء (دلائل الإمامة ص42) و أوصت لأم كلثوم إذا بلغت ما في المنزل (مصباح الأنوار- مخطوط) ثم أوصت أمير المؤمنين أن يتخّذ لها نعشاً رأت الملائكة صوّروا صورته و وصفته له و أن لا يشهد أحدٌ جنازتها ممّن ظلمها، و لا أن يصلّوا عليها، و أن يتزوّج بأمامة ابنة أختها زينب سلام الله عليها السلام لتقوم بخدمة ولدها (روضة الواعظين ص130، و مناقب ابن شهر آشوب ص130). و من وصيّتها له إذا أنزلها في القبر، و سوّي التراب عليها أن يجلس عند رأسها قبالة وجهها، و يُكثر من تلاوة القرآن و الدعاء، فإنها ساعة يحتاج الميّت فيها إلي أنس الأحياء (مصباح الأنوار و كشف اللثام للفاضل الهندي)، و أن لا يُعلم بموتها إلا أم سلمة و أم أيمن و عبد الله بن العباس، و سلمان المقداد، و أباذر و عمّار و حذيفة. (دلائل الإمامة ص44) انتهي. و في بعض المصادر أنها استثنت أيضاً فضة خادمتها و في بعض الروايات أنها أوصته فقط بأن لا يشهد جنازتها أحدٌ ممن ظلمها و لم تحدّد أشخاصاً بأعينهم للمباشرة في مراسم التشييع، إلا أن التكتم الذي كانت تستدعيه الواقعة و مشاركة أفراد قلائل هم المذكورون بإضافة بريدة و عقيل، يوحي بأرحميّة أخبار الاستثناء، فلاحظ و أن يدفنها إذا هدأت العيون، و نامت الأبصار (روضة الواعظين181).

وَ قَضَتْ نَحْبَها وَ فِي عَضُدَيْهَا *** أَثَرٌ مِنْ سِيَاطِهِمْ مُتَرَائِي

فَأَتَتْ رَبَّهَا بِضِلْعِ كَسِيرٍ *** مِنْ حَشَاهَا وَ مُقْلَةٍ حَمْرَاءِ

فَبَكَاهَا الْوَصِيُّ شَجُواً لأَمْرِ *** كَتَمَتْهُ عَنْهُ وَ عَنْ كُلِّ رَائِي

وَ أَتَي لِلْبقيع بِالنَّعْشِ لَيْلاً *** بِعِدَادٍ مِنْ صَحْبِهِ الأَتقِيَاءِ

وَ أَهَالَ الثَّرَي عَلَيْهَا وَ عَفَّي *** قَبْرَهَا فِي غَيَاهِبِ الظُّلْمَاءِ(1)

وُقوفُ أميرالمؤمنين عليه السلام علي قبرِ فاطمة عليها السلام

قَدْ بَكَاهَا حَتَّي تَفَجَّرَ وَجْداً *** وَ حَنِيناً عَلَي نَشِيجَ الْبُكَاءِ(2)

ص: 365


1- أهال الثري: صبّ التراب. غياهب: ظلمات.
2- في الكافي للكليني (ت329) بسنده إلي أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام، قال: لمّا قُبضت فاطمة عليها السلام دفنها أميرالمؤمنين عليه السلام سرّاً و عفي علي موضع قبرها. ثم قام فحوّل وجهه إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عنّي، و السلام عليك عن ابنتك و زائرتك و البائتة في الثري ببقعتك، و المختار لها اللَّهُ سرعةُ اللحاق بك. قلَّ يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن صفيّتك صبري و عفا عن سيّدة نساء العالمين تجلدي، إلاّ أنّ في التأسي لي بسنّتك في فُرقتك، موضعَ تعزِّ، فلقد و سّدتُك في ملحودة قبرك، و فاضت نفسك بين نحري و صدري بلي، و في كتاب اللَّه لي أنعم القبول؛ إنا للَّه وإنَّا إليه راجعون، قد استُرجعت الوديعة، و أخذت الرهينة و اختُّلست الزهراء عليها السلام، فما أقبح الخضراءَ و الغبراءَ. يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أما حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهّد، و همَّ لا يبرح عن قلبي، أو يختارَ اللَّهُ لي دارَك التي أنت فيها مقيم، كَمَدٌ مقيح، و همَّ مهيَج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلي الله أشكو. و ستنبئك ابنتُك بتظافر أمتك علي هضمها، فأحفها السؤال و استخبرها الحال، فكم من غليل معتلجٍ بصدرها، لم تجد إلي بئّه سبيلاً، و ستقولُ، و يحكمُ اللَّهُ، و هو خيرُ الحاكمين. و السلام عليكما سلام مودّع لا قالٍ و لا سئم. فإن أنصرف فلا عن ملالة، و إن أُقِمْ فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين. واهاً، واهاً و الصبر أيمن و أجمل، و لولا غلبةُ المستولين لجعلتُ المقام و اللبث لزاماً معكوفاً، و لاأعولت إعوال الثكلي علي جليل الرزيّة. فبعينِ اللَّهِ تُدفَن ابنتك سَراً، و تهضم حقَّها، و تمنّعُ إرثها، و لم يتباعد العهدُ، و لم يَخلَقْ منكَ، الذكر، و إلي الله يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المشتكي، و فيك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أحسنُ العزاء، ج1 ص458 ح3. و مثله في نهج صلّي الله عليك و عليها السلام و الرضوان المصدر ج1 ص458 ح3. و مثله في نهج البلاغة جمعه الشريف الرضي (ت406) الخطبة (202)، و مجالس المفيد (ت413) ص 281، و في روضة الواعظين للفتال النيسابوري (من أعلام القرن السادس) ص 183، و في المناقب لابن شهر آشوب (ت588). و تجده في كشف الغمة للإربلي (ت 693) و لذلك نظائر أيضاً (مع بعض الاختلاف) في دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص 47، و أمالي الطوسي ج1 ص109، و بشارة المصطفي ص258، و في إحقاق الحق ج10 ص 481 ، و في البحار ج 43 ص 193 و 210، و غيرها و العلوم ج 11 ص 1121 فما بعدها و أعلام النساء ج3 ص1221.

وَ رَثَاهَا بِالدَّمْعِ مِنْ مُقْلَتَيْهِ *** مُسْتَهِلاً وَ الدَّمْعُ خَيْرُ رِثَاءِ

حِينَ وَارَي فِي تُرْبَةِ الْأَرْضِ شَمْساً *** عَنْ عُلاَهَا تَنْحَطُّ شَمْسُ السَّمَاءِ

وَ هُوَ يَدْعُو وَ قَبْرُ أَحْمَدَ يَبْدُو*** نُصْبَ عَيْنَيْهِ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ

وَاضِعاً كَفَّهُ عَلَي الْقَلْبِ مِمَّا *** قَدْ عَرَاهُ مِنْ مِحْنَةٍ وَ ابْتِلاءِ

قَائِلاً لِلنَّبِيِّ بَعْدَ اكْتِئَابِ *** وَ خِطَابِ لَهُ بِأَشْجَي نِدَاءِ:

وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ عَنِّي وَ عَنْهَا *** يَا رَسُولَ الْهُدَي وَصِنْوَ الاخَاءِ

هذِهِ الْبَضْعَةُ الزَّكِيَّةُ بَاتَتْ *** مِنْكَ فِي خَيْرِ بُقْعَةٍ وَ فِنَاءِ

وَ لَهَا اخْتَارَ رَبُّهَا بِكَ قُرْباً *** سُرْعَةَ الإِلْتِحَاقِ بَعْدَ الثَّنَانِي

قَلَّ يَا سَيِّدَ النَّبِيِّينَ صَبْرِي *** حُزناً عَنْ سَلِيلَةِ الأَنْبِيَاءِ

وَ عَفَي عَنْ صَفِيَّةِ الْوَحْي بَعْدَ *** البُعْدِ مِنّي تَجَلدِي وَ عَزَائِي

وَ لَقَدْ رُدَّتِ الوَدِيعَةُ مِنِّي *** بِاخْتِلاسِ الصِّدِّيقَةِ الزَّهْرَاءِ(1)

ص: 366


1- باختلاس: الاختلاس هو سلب الشيء بمخاتلة و عجلة.

مَا أَشَدَّ الْغَبْرَاءَ فِي الْقُبْح عِنْدِي *** بَعْدَهَا مَنْظَراً مَعَ الخَضْرَاءِ

وَ بِعَيْنِ الإلهِ يُعْصَبُ جَهْراً *** حَقَّهَا بَعْدَ دَفْنِهَا بِالْخَفَاءِ

أَحْفِهَا السُّؤْلَ وَ اخْتَبِرْهَا تباعاً *** عَنْ جَمِيعِ الأَحْوَالِ عِنْدَ اللِّقَاءِ

كُمْ غَلِيلٍ فِي صَدْرِهَا مُسْتَثِيرٍ *** لَمْ تُطِقُ بَئَّهُ لِعِظم البَلاءِ

وَ اخْتَبِرُهَا عَنْ غَصْبٍ حَقِّي وَ ظُلْمِي *** وَ انْتِهَاكِي مِنْ أُمَّةِ الْحُنَفَاءِ

هذِهِ النَّفْتَةُ الْحَزِينَةُ شَكْوَي *** لَكَ حَتَّي أَلْقَاكَ يَوْمَ الْبَقَاءِ

وَ تَنَاءَي بِالْجِسْمِ عَنْهَا وَ أَبْقَي *** قَلْبَهُ عِنْدَهَا أَسَي وَ هُوَ نَاءِ

فضلُ زيارتِها عليها السلام

قَدْ رَوَتْ بَضْعَةُ النَّبِيِّ حَدِيثاً *** مُسْتَنِيراً عَنْ خَاتَمِ الأَنْبِياءِ(1)

أَنَّ مَنْ زَارَهَا وَ زَارَ أَبَاهَا *** فِي حَيَاتَيْهِمَا وَ بَعْدَ الْفَنَاءِ

بَعْدَ تَسْلِيمِهِ عَلَيْهَا ثَلاثاً *** فَازَ أَجْراً بِجَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ

وَ تَجَلَّي لَنَا حَدِيثٌ شَرِيفٌ: *** أَنَّ مَنْ زَارَهَا بِخَيْرِ دُعَاءِ(2)

غَفَرَ اللَّهُ كُلَّ ذَنْبٍ عَلَيْهِ *** وَ حَبَاهُ بِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ

ص: 367


1- في المناقب لابن شهرآشوب: يزيد بن عبد الملك، عن أبيه، عن جده؛ قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام، فبدأتني بالسلام، ثم قالت ما غدا بك؟ قال: قلتُ: طلب البركة. قالت: أخبرني أبي، و هوذا من سلَّم عليه، أو عليَّ ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة. قلت لها: في حياته و حياتك؟ قالت: نعم و بعد موتنا. المصدر ج3 ص139 و رواه في مزار المفيد ص154 ح6 ، و في التهذيب ج 6 ص 9 ح 11 و ابن المغازلي في المناقب ص363 ح410 و وسائل الشيعة ج 10 ص287 ح1، و في البحار ح43 ص185، و ج100 ص194، و المزار الكبير ص3 ح9 (مخطوط).
2- مفتاح الجنان للسيد محسن الأمين ج 3 ص 20 و 23.

(37) صداق البتول

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الواحد مظفر (*)(1)

مَاءُ الفراتِ صَداقٌ لِلْبَتُولَةِ قَدْ *** صَحَ الحَدِيثُ وَ جَاءَتْ فيه أَنْباءُ

ص: 368


1- (*) هو الشيخ عبد الواحد بن أحمد بن حسن بن جواد بن حسين بن باقر مظفر. و آل مظفر أسرة عريقة بالعلم و الفضل لها مكانتها المرموقة و لها فروع عديدة في مدن في الأهواز وخرّمشهر من جنوب إيران و أكثرهم يقطن البصرة و نواحيها كالقرنة و المدينة و كربلاء و النجف و الحيرة و عفك و بغداد و الكاظمية و قسم منهم يسكنون حلب و قد اتصل بعضهم ببعض، و قد هاجر مظفر بن عطاء الله جدّ الأسرة الأعلي من مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قبل القرن العاشر الهجري. و قد نبغ من هذه الأسرة الكريمة أعلام كثيرون منهم العالم الفذ الشيخ مهدي مظفر في البصرة، و العلامة آية الله الشيخ محمد رضا مظفر صاحب التصانيف و المؤلفات العلمية، و العالم المجاهد الشيخ محمد سعيد مظفر الذي عاصرناه في كربلاء و كان شيخاً جليلاً صاحب همة عالية و مواقف جليلة في تعظيم الشعائر الدينية و هناك أعلام آخرون جاء ذكرهم في كتب التراجم و الرجال. ولد المترجم له في النجف الأشرف سنة(1310ه_)، و نشأ بها و أخذ مقدمات العلوم أساتذة عصره، كما اختلف علي حلقات مشاهير العلماء في الفقه والأصول كشيخ الشريعة، و الشيخ علي ابن الشيخ باقر آل صاحب الجواهر، و الشيخ مهدي المازندراني، و الشيخ ميرزا حسين النائيني و السيد أبو الحسن الأصفهاني، و الشيخ أحمد كاشف الغطاء، و الشيخ آغا ضياء الدين العراقي، و الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، و قد كتب تقريرات الإمام النائيني في الأصول. و قد نقل صاحب شعراء الغري علي الخاقاني أن المترجم له، (عالم متقن و باحث محقق واسع الاطلاع تحلّي بالخلق الإسلامي الرفيع، و اتّصف بخلال فاضلة من هدوء في النفس علي عفة وحشمة و اتزان يلفت النظر. و من أبرز ميزاته الوداعة المفرطة و النشاط الذي يرافق الشباب و الصدق الذي يميز الخبيث من الطيب، و التواضع الذي يحبّه كل إنسان نبيل). و المترجم له أسّس مكتبة شخصية له ضمّت مجموعة كبيرة من الكتب القيمة كما خلّف آثاراً علمية و أدبية مطبوعة منها: 1-بطل العلقمي- في ثلاثة أجزاء 2-سفير الحسين مسلم بن عقيل 3-قائد القوات العلوية-مالك الأشتر-4- البطل الأسدي حبيب بن مظاهر 5- سلمان المحمدي الفارسي 6 -وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم 7- الأمالي المنتخبة. و أما آثاره المخطوطة فهي: 1-الميزان الراجح 2-السياسة العلوية 3-مستدرك مقاتل الطالبيين 4- أعلام النهضة الحسينية 5-كشف المستور 6-الأساليب الخلابة 7-علي بن الحسين الأكبر عليه السلام 8- سكينة بنت الحسين 9-نزهة الأبصار 10-فارس ذو الخمار-مالك بن نويرة- 11- معراج النبي صلي الله عليه و آله و سلم 12- ولادة النبي صلي الله عليه وآله و سلم. أما شعره: فكان يقرض الشعر بين فترات متقطّعة و لم يكن هدفه الأول أن يعتني و يتوسع في أغراضه و نواحيه و بالرغم من ذلك فقد اجتمع عنده مجموعة كبيرة من القصائد و الأبيات بما قد يطلق عليه -ديوان-.

وَ الأمْ عِنْدَ جَمِيع النَّاسِ إِنْ فُقِدَتْ *** تَحْوِي مَوارِينَها لا رَيْبَ أَبْناءُ(1)

فَلِلْحُسَيْنِ مِنَ الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** إِرْثٌ وَ يُحْرَمُ وَ هُوَ الوارِث الماءُ

يَمُوتُ ظَامِي الحَشا وَ الغَاصِبُونَ لَهُ *** مِنْهُ رواءٌ و تُرْوَي المَعْزُ وَ الشَّاءُ

هذا عَجِيبٌ و نُكْرٌ سَهَّلَتْهُ لهم *** سَقِيفَةُ الغَدْرِ حتي اسْتَفْحَلَ الدَّاءُ

عاشَتْ أمَيَّةُ و الإِجْرامُ سُنَّتُها *** وَ مُنْكَراتُ أفاعِيلٍ وَ أَسْواءُ

تَمْضِي العُصُورُ و في الأجيالِ قد نُشِرَتْ *** صَحِيفةٌ لأُمَيَّ السُّوءِ سَوْداءُ

تِلْكَ القُرَي وَ هْيَ أَنْفالٌ لِوالِدِهِ(2) *** نَصَّ الجليُّ وما في النَّصِّ إخْفاءُ

قَدِ احْتَوَتْ وَ هْيَ غَنَّاءٌ جُيُوشَكُمُ *** وَ تَحْتَوِي جَيْشَهُ بَيْدَاءُ جَرْداءُ(3)(4)

ص: 369


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي كون نهر الفرات كان صداقاً لفاطمة عليها السلام. انظر كتاب دلائل الإمامة للطبري ص18. و في البحار ج43 ص113 قال: و في الجلاء و الشفاء في خبر طويل عن الباقر عليه السلام، و جعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا و ثلث الجنة و جعلت الأرض أربعة أنهار: الفرات و نيل مصر و نهروان و نهر بلخ، فزوّجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنَّةَ لأمتك.
2- لأمي: تخفيف أميّة.
3- أنفال: غنائم، هبات، زيادات.
4- بيداء جرداء: فلاة لا نبت فيها.

370

(38) قدوة النساء

(بحر الكامل)

الشيخ عفيف النابلسي (*)(1)

زهراء يا بيت العُلي الوَضَّاءِ *** يَا نَجْمَةَ السَّارِي بكلِّ مساءِ

يا صَفْحَةَ المجدِ الأثيلِ و غرَّةَ الصبحِ *** المنير و نفحةَ الأشذاءِ

يا دَرَّةَ الشَّرق التي من نُورِها *** شمسُ الحَقيقَةِ تزدهي بضياءِ

من ذا يجولُ بسردِ قصتكِ التي *** تذرُ الخيالَ مهشَّمَ الأعضاءِ

***

و من المحدّثُ عن غرارِ مناقبٍ *** جلَّت عن التعدادِ و الإحصاءِ

أعفيفُ و هو طريدُ منبركِ الذي *** رسمته آياتُ الثنا بثناءِ

يوم الغديرِ و يومُ مولدِ أحمدٍ *** فخرِ البريةِ سيدِ الأمناءِ

ماذا أسمَّي إذ تُنكر شاعرٌ *** قد كَانَ معرفةً بحبلِ ولاءِ

عشتُ الهوي و الشعرَ في مدح الأُلي *** ملأوا الدُّني بالفضل و الإعطاءِ

ص: 370


1- (*) الشيخ عفيف بن محمد النابلسي، فاضل عامل، ولد في بلدة البيسارية، سنة (1941 م)، التحق بمعهد الدراسات الإسلامية في صور، ثم هاجر إلي النجف الأشرف عام (1971 م) لمتابعة دراسته، حيث تتلمذ علي علمائها، و في عام (1983 م) تأسست هيئة علماء جبل عامل علي يد السيد عبد المحسن فضل اللَّه و كان الشيخ عفيف أحد أركانها و قد صار رئيساً لها. هجر بلدته إلي حارة صيدا في مدينة صيدا إثر الأحداث المؤسفة التي جرت بين حركة أمل وحزب اللَّه سنة (1989 م) ، قام ببناء (مشروع فاطمة الزهراء) في صيدا يحتوي علي مسجد و حسينية و مكتبة و مركز تبليغ و حوزة علمية و مدرسة عصرية و بيت للعالم و قاعة للمحاضرات. له: (حياة الإمام الرضا عليه السلام)، (حياة الإمام الكاظم عليه السلام)، (ديوان شعر) و مؤلفات أخري.

ايذادُ من كانتْ لهُ في حُبِّكمْ *** نعْمُ الحياةِ بواحةِ غناءِ

فالصمتُ أجدرُ للمُذادِ عن الذي*** قد قِيلَ لولا هيبةُ الزهراءِ

ولدتْ ببيتِ الدِّين و الإيحاءِ *** و ترعرتْ في منبتِ العلياءِ

فتضوَّعَ الكونُ الفسيحُ النائِي *** و المجدُ مضمخ الأرجاءِ

و الزهرُ أمسي في غنَّي و ثراءِ *** من عطرِ تلكَ الطفلةِ الحوراءِ

يا بضعةَ الهادي النبيِّ محمدٍ *** يا خيرةَ النسوانِ من حواءِ

من ذا يضاهِيكِ و فيك هل أتي *** قرآنُ في آياتهِ البيضاءِ

جاهدتِ في الإسلام حقَّ جهادِهِ *** و رفعتِ أكبرَ رايةٍ ولواءِ

وعبدتِ ربكِ لا لخوفٍ من لظي *** كلّا و لاللجنة الخضراءِ

فلذا ارتقيتِ عندَربكِ منزلاً *** ماكان قبلُ لمريمَ العذراءِ

ولدتْ فعمتْ سائرَ الأرجاءِ *** لآلاءةٌ تطفوُ علي لآلاءِ

و انسابَ نورُ الطهرِ في البطحاءِ *** حتي تقشعَ حندسُ الظلماءِ

و غدتْ شباباً طيبَ الأنداءِ *** تزدانُ بالإصباحِ و الإمساءِ

و يلفُّها نورُ النبوةِ و الهُدي *** حتي ارتقتْ عن منكبِ الجوزاءِ

جاءَ الصحابةُ خاطبين لفاطم *** و المهرُ ما تبغي من الصفراءِ

زجرتْ غنيَّ المالِ لم تأبَهْ بهِ *** حتي تردَّي ناكصاً لوراءِ

و هناكَ قد شاعَ الحديثُ بيثربٍ *** عن فاطم عن ربةِ الخْيلاءِ

لم تعرفِ الخُيلاءَ بضعةُ أحمدٍ *** إلا بعزةِ دينِها المعطاءِ

لكنها تبغِي كفاءةَ من أتي *** ديناً و عِلماً واسعَ الأنحاءِ

حتي دَري ربُّ الفصاحِة حيدرٌ *** فأتي النبيَّ بلهجةِ استحياءِ

يبغي الزواج بفاطم خيرِ النسا *** شمسِ الهوي في الليلةِ الليلاءِ

دخلَ النبيُّ و عادَ مسروراً بما *** أوحتْ إليهِ سكتةُ البلغاءِ

الله أكبرُ يالفرحةِ أحمدٍ *** رضيتْ علياً سيدَ الأكفاءِ

ما المهرُ عندكَ يا عليُّ أجَابَهُ *** و رَعِي و سَيْفِي ناضِحي و سِقائي

ص: 371

و بدا النبيُّ مفصلاً حالاتِه *** السيفُ يفري مهجةُ الأعداءِ

و الناضحُ المقوامُ للإرواءِ *** و الورعُ يكفِي مهرَها لرضائِي

و إذا النساءُ تعيِّرُ الزهراءَ في *** زوجِ الفضيلةِ أفقرِ الفقراءِ

فيبتُّها الهادي النبيُّ محمدٌ *** سحرَ الكلامِ الغضِ في الإيماءِ

هذا عليُّ خيرُ من وطِيءَ الثري *** فضلاً و أفضَلُ من غدا بسماءِ

و تعودُ راضيةً بما قد قالَهُ *** فخرُ الأنام و سيدُ البطحاءِ

بعثَ النبيُّ جماعةُ ليجَّهزوا *** بيتَ التُّقي و يسارِعوا لأداءِ

حتي يزفَّ لصاحبِ العلياءِ *** طهراً بيوم سعادةِ و هناءِ

خطبَ النبيُّ بخطبةِ الزهراءِ *** أكرِمْ بخطبةِ أشرفِ الخطباءِ

نزلتْ ملائكةُ السما بهناءِ *** تمشي بموكبِ سيدِ الفصحاءِ

الله أكبرُ يا لهُ من موقفٍ *** جبريلُ قائدُ ناقةِ الزهراءِ

دخلتْ لبيتِ السيدِ المعطاءِ *** خيرُّ النسا في موكبِ الإسراءِ

فاهتزتِ الأرجاءُ في الأصداءِ *** من ذكرِ اسمِ اللَّهِ و الآلاءِ

يا يومَ يمُنِ المصطفي في غرسةٍ *** ملأتْ رياضَ الكونِ بالنَعماءِ

يكفيكِ يا زهراءُ أنكِ مصدرٌ *** للخيرِ و الإيثارِ و الأضواءِ

أوَ لَمْ تكونِي قدوةً لنساءِ *** أَوَلَستِ أمَّ السادةِ النُجباءِ

أَوَلَسْتِ أولَّ من أذيقَ مرارةَ *** الحرمانِ في أوضاعهِ السوداءِ

أَوَلَسْتِ أول من أهيضَ جناحُهُ *** بعدَ النبيِّ بذِلِةِ و شقاءِ

أَوَلَسْتِ من مُنِعَت بُكاها جهرَةَ *** حتي غصصتِ بدمعةِ و بكاءِ

أَوَلَسْتِ أول ثائرٍ في وجهِ من *** خنقَ العدالةَ خنقةً للشاءِ

لو كانَ يتركُها لعترةِ أحمدٍ *** العالِمِينَ بشرعةِ سمحاءِ

لازدانتِ الدنيا الفسيحةُ و ازدهتْ *** من نورِ تلك الشرعةِ الغراءِ

و لما رَأينا فاطماً قدأجهَضَتْ *** طفلاً لها من ضربةِ الأعداءِ

و لما رَأينا طُغمةَ تطفُو علي *** بيتِ النبيِّ بواسعِ الإثراءِ

ص: 372

إيهٍ بني الإسلامِ أيَّ أئمةٍ *** صارُوا لديكم أورعَ الخلفاءِ

المثبتِينَ إلي أميةَ شامَهَم *** و الطارِدين الصدقَ في الصحراءِ

و الغاصبِين محمداً في آلهِ ***و المرجعِين لحفنةِ الطُّلقاءِ

و الناكثينَ لبيعةٍ في عنقهم *** و القاسطينَ المارِقين لراءِ

ما نكبةُ الإسلامِ إلا حادثٌ *** جعلَ الإمامَ يغضُّ في الأقذاءِ

إني لأذكرُ كيفَ عادت فاطم *** نحوَ الإمام بلوعةٍ و عزاءِ

تستنهضُ الهممَ التي ما أبطأتْ *** عن نصرةِ الملهوفِ و الضعفاءِ

لكن لحفظِ الدين آسي ساكتاً *** كَئ لا يصابَ بفتنةٍ رعناءِ

و يذبَّ عنهُ ما استطاعَ بجهره *** من زَجِّ كذابٍ إلي غوغاءِ

من حسنِ رأيِ في ردودِ ملمةٍ *** من كشفِ لبسٍ في حدودِ قضاءِ

لكن فوا أسفاهُ ثمةَ بايعوا *** تحتَ السقيفةِ عن دهاً و ذكاءِ

كي لا يعيدُوا للإمام تراثَهُ *** بل بالغُوا في البعدِ و الإقصاءِ

من يومهِا أمسي يزيدٌ حاكماً *** خدنَ القرودِ و عاشقَ الصهباءِ

من يومهِا قتلَ الحسينَ وآله *** في كربلاءَ و جملةَ الشرفاءِ

و مضي التخلفُ و الأسي ينتابنا *** و رجعتُ أسألُ خاطري عن دائِي

ما بالُنا بالأمسِ آسادُ الحمي *** و اليومَ مثلُ النعجةِ الجرباءِ

أو لَمْ تكنْ روحُ الأخوةِ بيننا *** تسري برقتِها إلي الأحشاءِ

أو لَمْ يكُنْ إسلامُنا يدعُو إلي *** صدقِ و إخلاصٍ و صدقَ إباءِ

فأجابَ أنَ القومَ قد عمَدُوا *** إلي حبِّ الظهورِ و رفعةِ و رياءِ

أوَلا تري شعباً يجوعُ و عصبةَ *** تغدُو بأترفِ نعمةِ و ثراءِ

و بناؤهم أنَّ الحسابَ لغيرِهم *** و الربَّ غيرَ محاسبِ الزعماءِ

قومٌ نما الشيطانُ في أحضانِهم *** فاستوثقُوا الأعمالَ بالشَّحْنَاءِ

إن ما دعُوا من أجلِ شعبٍ أصبحُوا *** يتلونونَ تلونَ الحرباءِ

ما همَّهُم أمرُ الشعوبِ و إنما *** هم الأميرِ بغضةِ هيفاءِ

ص: 373

تركوا الألوفَ بلا مساكنَ شرداً *** و قضي بأنعمِ ليلةِ حمراءِ

إما بوكر دعارةٍ ملعونةٍ *** أو حانةٍ في شارعِ الحمراءِ

يتسابقونَ إلي الدعارِة حشداً *** كالبهمِ تهوي نحوَ منهلِ ماءِ

لبنانُ أيَّ حضارةٍ و بنوكَ قد *** عاثُوا و عاشُوا لذةً الفحشاءِ

إن المعاركَ لا تنالُ بشاطيءٍ *** أو زينةٍ من كاعبٍ حسناءِ

أمَّنْ ثغورك قبلَ شاطِئِكَ الذي *** جَمَّلَتْ ما جَمَّلَتْ من إنشاءِ

لو كانَ ثغرُك آمناً ما حمِّلت *** ميسٌ و حولا أفدحَ الأرزاءِ

يا عُربُ إن القدسَ تدعوكم إلي *** لم الصفوفِ و وحَدةِ و إخاءِ

ما بالُكُمْ روحُ الخلافِ تنوشُكُم *** من كلِ قاحلةٍ إلي غنّاءِ

ما بالُكُمْ صَرَعي حوانيتِ النوي *** فَمَتي نعين موعداً للقاءِ

أَوَ لَمْ تصغ أسماعكم أصواتَ من *** أمسُوا ظماءَ في هجيرِ عراءِ

لا تدَّعُوا أن الزعامةَ ضربت *** فالشعْبُ مسؤولٌ عن الزعماءِ

يا فتيةَ الإسلامِ إن حماكُم *** يدعوكُم للنهضةِ الشمّاءِ

لتشمِّروُا عن ساعدِ العزمِ الذي *** دكَ الحصونَ بهمةِ قعساءِ

إن الذينَ يثبَّطون عن الوغي *** عينُ الخيانةِ همسةُ الجبناءِ

إياكُم أن تسمعُوا لمقالِهم *** فيه سمومُ الحيةِ الرقطاءِ

ما ماتَ من لبّي النداءَ لواجبٍ *** ما عاشَ من أمسَي مع الإرشاءِ

ما حرَرَتْ أرضاً علي أبنائِها *** إلا دمِا الأحرارِ و الشهداءِ

ص: 374

(39) شع نور الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

ص: 375


1- (*) هو الشيخ ملّا علي بن محمد بن علي بن حسن بن علي بن موسي ابن الشيخ علي ابن الشيخ عبد النبي ابن الشيخ رمضان الدعبلي الخزاعي ينتهي نسبه إلي دعبل بن علي الخزاعي -رضوان الله عليه- شاعر الإمام الرضا عليه السلام. ولد في مدينة الهفوف عاصمة الاحساء سنة (1247) ه) و نشأ في أسرة علمية كريمة فغذّته بأخلاقها النبيلة و صنعت منه إنساناً فاضلاً كريماً. تتلمذ المترجَم له في الحكمة علي العالم الفاضل الشيخ محمد آل بوخمسين المتوفي سنة (1316) ه_ حتي أصبح من رجالات العلم و الفضل و حقاً إذا قيل عنه إنه علم من أعلام الأدب و خطيب من خطباء المنبر الحسيني الشريف، و لهذا غلب عليه لقب (الملاَ) و هو لقب يطلق علي ذوي الفضل و المكانة العلمية. و إلي جانب فضله و علمه و تفوّقه الخطابي، يعد الملَا علي شاعراً مجيداً له نظم كثير جله في أهل البيت عليهم السلام كما يحظي ببديهة شعرية فائقة حتي أنه يرتجل القصيدة التي تبلغ المائة بيت و أكثر و ينشدها و كأنه يقرأها في صحيفة و ليس ينظمها نظماً كما يعد ثاني اثنين حملا لواء الشعر و الخطابة الحسينية بتفوق و مهارة مع الأديب الكبير الشيخ عبد الله بن علي الوائلي الشهير بالصائغ، فكل من الاثنين شاعر مكثر، و لشدّة التقارب بينهما في النظم شكلاً و مضموناً قد يتعذر أحياناً التمييز بين شعرهما حتي أنك قد تقرأ القصيدة لأحدهما فتظن أنها للآخر و بالعكس. نقل ابن المترجَم له الشيخ الملّا عيسي عن والده قائلاً: قرأ ذات يوم بعد صلاة الصبح، خطيب اسمه ملّا صادق قصيدة للسيد حيدر الحلي مطلعها: لتلوِ لوي الجيد ناكسة الطَّرفِ *** فهاشمها بالطف مهشومة الأنف فأعجب بها الوالد و لم يكن قد سمعها من قبل، فطلب من الخطيب أن يمليها عليه فاعتذر و في اليوم التالي سبق والدي الخطيب إلي المنبر و قرأ قصيدة كان قد نظمها علي غرار قصيدة السيد حيدر مطلعها: بني هاشم بالطف مصباحكم أطفي *** و شلّ حسام البغي منكم يد العرف و هي قصيدة طويلة، فأعجب بها الخطيب فطلب نسخها من الوالد فلبّي له حاجته. نظم المترجَم له الشعر بالنهجين الفصيح و الدارج المعروف (بالنبطي) فكان يلامس شغاف القلب بأسلوب رصين و أخيراً قام حفيد شاعرنا المترجَم له، الحاج عبد الكريم بن الملّا عبد الله آل رمضان بطبع ديوان جدّه الشيخ ملّا علي آل رمضان سنة (1413ه_). لبيّ نداء ربّه عن عمر ناهز الخامسة و السبعين سنة (1323 ه) و بقيّت أشعاره تشغف الأسماع و نِعمَ ما قال الشاعر: أخو العلم حيّ خالد بعد موته *** و أوصاله تحت التراب رميم و ذو الجهل ميت و هو يمشي علي الثري *** يظن من الأحياء و هو هشيم.

شَعَّ نُورُ الْبَتُولِ سِتِّ النِّسَاءِ *** فَاغْتَدَي الكَوْنُ مُشْرِقاً بِالسَّنَاء(1)

شَعَّ نُورُ الزَّهْرَاءِ فَازْدَهَتِ الدُّنُيَا *** بِأَنْوَارِ غُرَّةِ الزَّهْرَاءِ

هِيَ شَمْسُ الْفَضْلِ الَّتِي كَانَ جِبْرِيلُ *** لَهَا خَادِماً بِغَيْرِ امْتِرَاءِ

هِيَ شَمْسٌ جَلَّتْ عَنِ الْمِثَلِ وَ النَّدِّ *** وَ قَدْ ضَمَّها شَرِيفُ الكِسَاءِ

أَيُّ شَمْسٍ تَأَلَّقَتْ فِي سَمَاءِ *** الْمَجْدِ فَانْجَابَ حِنْدِسُ الظُّلْماءِ(2)

زَهْرَةٌ قَدْ تَفَتَّحَتْ عَنْ كِمَامٍ *** طَابَ مِنْهَا الجَنَي لِطِيبِ النَّمَاءِ(3)

دَوْحَةٌ قَدْ تَرَسَخَتْ فِي صَمِيمِ *** الْمَجْدِ قَدْ حَلَّقَتْ عَلَي الْجَوْزَاءِ(4)

وَلَدَتْهَا خَدِيجَةُ الطُّهْر ذَاتُ *** الصَّوْنِ ذَاتُ العَفَافِ ذَاتُ الْحَياءِ

هِيَ بِنْتُ النَّبِيِّ أَكْرَمِ خَلْقِ اللَّهِ *** مِن آدم و مِنْ حوَّاء

هِيَ ذَاتُ الشَّأْنِ الْجَلِيلَةُ عِنْدَ *** اللَّه أُمُّ الأئِمَّةِ النُّجَباءِ

هِيَ مَنْ قَالَ سَيِّدُ الرُّسُلِ فِيهَا: *** فَاطِمٌ بَضْعَنِي رِضَاهَا رِضَائِي

ص: 376


1- الستّ: السيدة. و السناء: النور و الضياء.
2- إنجاب: انكشف. و الحِندِس: الليل الشديد الظلمة، أو هو الظلمة نفسها.
3- كِمام: جمع كِمَّ، و هو الغلاف الذي يُحيط بالزهر أو التمر أو الطَّلع فيستره ثم ينشقَ عنه. و الجني: ما يقطف من كل ثمرة. و النَّماء: النِّتاج.
4- صميم المجد: خالصه و محضه و هو يستعمل للواحد و الجمع. تقول: رجل صميم، و رجال صميم و الجوزاء برج في السَّماء يتوسط برج الثور و برج السرطان، أو هي النجمة الحمراء اللامعة فوق كوكبة الجبّار، و قد تسمّي منكب الجبار أو إبط الجبار أو منكب الجوزاء أو إبطها.

سُمِّيَتْ فَاطِماً لِتَفْطِمَ فِي الْحَشْرِ *** مِنَ النَّارِ كُلَّ أَهْلِ الْوَلاءِ(1)

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَ مَنْ صُفْيَتْ مِنْ *** كُلِّ عَيْبٍ وَ قُرِّبَتْ بِاصْطِفَاءِ(2)

عُصِمَتْ طُهُرَتْ مِنَ الرِّجْسِ وَ الذَّنْبِ *** وَ آيُّ التَّطْهيرِ فِي الشُّهَدَاءِ(3)

نُورُها مِنْهُ تَسْتَمِدُّ ذُكَا وَ الْبَدْرُ *** بَلْ كُلُّ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ(4)

مَنْ تَوَالَي بِهَا سَيُحْبَي حِبَاهُ *** يَوْمَ حَشْرِ الوَرَي وَ أَيَّ حِبَاءِ(5)

ص: 377


1- من الروايات الكثيرة: سُمّيت فاطمة عليها السلام، لأنّ اللَّه تعالي فطمها و فطم من أحبّها من النار. انظر سفينة البحار للمحدث القمي تحت لفظة (سمو). و في معاني الأخبار، عن الصادق عليه السلام، أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سأل جبرئيل عليه السلام: قلت: حبيبي جبرئيل عليه السلام، و لم سُمّيت في السماء المنصورة، و في الأرض فاطمة عليها السلام؟ قال : سُمِّيت في الأرض فاطمة عليها السلام، لأنها فطمت شيعتها من النار، و فُطِم أعداؤها عن حُبِّها... إلخ . و انظر كلمة الرسول الأعظم للسيد حسن الشيرازي ص80.
2- و في كلمة الرسول الأعظم ص81 ، نقلاً عن ناسخ التواريخ ج3، «فاطمة عليها السلام سيّدة نساء العالمين، من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها، فيسلَّم عليها سبعون ألف مَلَكٍ من المقَّربين، و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم عليه السلام، فيقولون: يا فاطمة عليها السلام إنّ الله اصطفاكِ و طهَّركِ و اصطفاكِ علي نساء العالمين.
3- سورة الأحزاب آية/ 33. ثم إن من يقرأ الآية، و لاسيّما عند مقارنتها مع عبارات حديث الكساء، لا يعتريه أدني شك في أنها تفيد -فيما تفيد- عصمة الخمسة من أصحاب الكساء «صلوات الله عليهم»، و منهم الزهراء عليها السلام. قال الإمام شرف الدين في الكلمة الغرّاء في تعليقه علي الآية: إن الآية دلّت علي عصمة الخمسة، لأنّ الرجس فيها عبارة عن الذنوب، كما في الكَشاف و غيره، و قد تصدّرت بأداة الحصر، و هي إنّما فأفادت أن إرادة الله «تعالي» من أمرهم مقصورة علي إذهاب الذنوب عنهم و تطهيرهم منها و هذا كنه العصمة و حقيقتها. ثم نقل عن النبهاني في أوّل كتابه الشرف المؤبد أنه أورد هذه الآية، فنقل عن جماعة من الأعلام ما يدلّ علي أنهم أيضاً قد فهموا منها عصمة أهلها عليها السلام. منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره و الإمام النووي و الأزهري و الشيخ محيي الدين بن عربي في فتوحاته، الباب 29 منها، فراجع.
4- ذُكا: الشمس.
5- تعدّدت الروايات التي تذكر موقف الزهراء عليها السلام في المحشر، بيوم الحساب، وقد أشرنا فيما سبق إلي بعض منها في الهامش الثاني عشر من القصيدة الثانية. و في مودّة القربي للهمذاني ص104، قال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم:إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ من بطنان العرش: يا أهل القيامة أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد عليها السلام مع قميص مخضوب بدم الحسين؛ فتحتوي علي ساق العرش، فتقول: أنت الجبّار العدل، اقض بيني و بين من قتل ولدي، فيقضي الله بسنّتي و رب الكعبة. ثم تقول: اللهم أشفعني فيمن بكي علي مصيبته،فيشفعها فيهم. و في غير مصدر ممّا ذكرنا أنها عليها السلام، بعد النداء من وراء الحجار ترد المحشر علي ناقة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العضباء، فتمرّ و معها سبعون ألف جارية من الحور العين، أو من الملائكة،كالبرق اللامع. و في بحار الأنوار ج8 ص51-52/ ح59: «فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت، فيقول اللَّه: يا بنت حبيبي، ما التفاتك، و قد أمرتُ بكِ إلي جنتي؟ فتقول: يا ربّ أحببتُ أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم فيقول اللَّه: يا بنت حبيبي، إرجعي، فانظري من كان فيه قلبه حبِّ لكِ، أو لأحدٍ من ذريتَّك، خُذي بيده فأدخليه الجنة!». و في المصدر: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام للجابر بن عبد الله الأنصاري: واللَّه يا جابر، إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبيّها، كما يلتقط الطير الحبّ الجيِّد من الحبّ الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة، يُلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله تعالي: يا أحبائي ما التفاتكم و قد شفَّعت فيكم فاطمة عليها السلام بنت حبيبي؟ فيقولون: يا ربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم! فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا و انظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة عليها السلام، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة عليها السلام، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة عليها السلام، انظروا من سقاكم شربةً في حبّ فاطمة عليها السلام. انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة عليها السلام فخذوا بيده و أدخلوه الجنة. و في عاشر البحار ينادي جبرئيل بأعلي صوته: غضوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة بنت محمد عليها السلام، فلا يبقي يومئذٍ نبي، و لارسول و لاصدِّيق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم حتي تجوز فاطمة عليها السلام... فإذا النداء من قبل اللَّه جلّ جلاله: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي، و اشفعي تُشَفَّعِي، فو عزّتي و جلالي لا جازني ظُلم ظالم، فتقول: إلهي و سيدي: ذريّتي و شيعتي، و شيعة ذريتّي و محبّي، و محبِّي ذريَّتي. فإذا النداء من قبل اللَّه «جلّ جلاله»: أين ذريّة فاطمة و شيعتها و محبوها و محبّو ذريتها؟ فيُقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة عليها السلام حتي تدخلهم الجنة». ومن الجدير بالذكر أنّ أبا العلاء المعرّي، المعدود في طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء القرشي، قد ألّف كتابه رسالة الغفران و محور كتابه الذي يزيد علي المائتين صفحة: هو أن الجميع لا يردون الفردوس إلا بجواز من فاطمة عليها السللام و أبيها و بعلها و بنيها، و في الكتاب تضمين لأمثال حديث الغضّ كثير، فليراجع.

أَشْبَهَتْ فِي الكَلَامِ مَنْطِقَ طَهَ *** وَ بِمَشْيِ تَحْكِيهِ فِي السِّيمَاءِ(1)

ص: 378


1- في العقد الفريد لابن عبد ربه ج3: قالت عائشة: «ما رأيت أحداً من خلق اللَّه أشبه حديثاً و كلاماً برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من فاطمة عليها السلام. و ذكر هذا الخبر الطوسي في الأمالي و نقله عنه المجلسي في البحار و القمي في السفينة. و أخرج البخاري في صحيحه ج4 ص64 بطريقه إلي عائشة، قالت: إنّا كنّا أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم عنده جميعاً لم تغادر منّا، واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا و اللَّه ما تخفي مشيتها من مشية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فلما رآها رحّب و قال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها... الخ. و قد أخرجه أيضاً مسلم في صحيحه و الترمذي في صحيحه، و صاحب الجمع بين الصحيحين، و صاحب الجمع بين الصحاح الستة، و الإمام أحمد من حديث الزهراء عليها السلام في مسنده و ابن عبد البر في الاستيعاب و ابن سعد في الطبقات، في ترجمتها و في باب ما قاله النبي في مرضه أيضاً.

فَعَلَيْهَا مِنَ الإِلهِ صَلاةٌ *** وَ سَلامٌ فِي صُبْحِها وَ الْمَسَاءِ

ص: 379

(40) الجوهر الفرد

(بحر الخفيف)

ملّا علي الرمضان الخطي

لَمْ يَكُنْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَحَدٌ أَعْظَمَ *** حُزْناً في عَالَم الأحياءِ

كَالْبَتُولِ الزَّهْرا عَلَي فَقْدِ ذَاكَ *** الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ سَيِّدِ الأَنْبِياءِ

حَبَسَتْ نَفْسَها عَلَي النَّوْح لا تَفْتُرُ *** مِنْهُ فِي صُبْحِها وَالْمَساءِ

وَ هيَ كانَت فِي واسِع العُذْرِ لَوْ *** أَنَّهُمْ أَنْصَفُوا لَها فِي القَضَاءِ(1)

حَيْثُ إِنَّ الْفَقِيدَ كَانَ عَظِيماً ***كَيْفَ لا وَ هُوَ سَيِّدُ الْعُظَماء

لَمْ تَزَل هكذا إِلَي أَنْ تَأَذَّي*** مِنْ بُكاها كُلٌّ مِنَ الأَعْداءِ(2)

كَمْ عَلَي الْمُسْلِمِينَ أَوْصَي رَسُولُ اللَّهِ *** فِي أَهْل بَيْتِهِ الأُمَنَاءِ

وَ خُصُوصاً بها يُنادِي عَلَي أَنَّ *** أَذاها يَكُونُ فِيهِ أَذَائِي

وَ عَلَي أَنَّ فِي رِضاها رِضَا اللهِ *** إِلَهِي وَفي رِضاها رِضَائِي

أَتَرَي الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدُ أَرْضَوْ*** هَا فَعَاشَتْ مَسْرُورَةّ بِا لرِّضاء

أمْ لَها أَسْخَطُوا وَقَدْ أَسْقَطُوا بَلْ *** مَنَعُوها مِنَ الْبُكا وَالنُّعَاءِ(3)

ص: 380


1- إشارة إلي تبرمهم من بكائها عليها السلام.
2- إشارة إلي تبرمهم من بكائها عليها السلام.
3- إشارة إلي إضرام النار وإسقاط الجنين، في الهجوم علي الدار ،وغصب فدك منها واغتصاب الخلافة من أميرالمؤمنين عليه السلام. و في الإمامة و السياسة للدينوري ج 1 ص20، و أعلام النساء ج3 ص134 : «إنّ عمر قال لأبي بكر :انطلق بنا إلي فاطمة عليها السلام، فإنّا قد ،أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا علي فاطمة عليها السلام فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلّماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلي الحائط فسلّما عليها، فلم تردّ عليهما السلام ...(إلي أن يقول الراوي) فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ فقالا: نعم. فقالت: نشدتكما اللَّه، ألم تسمعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي، و من أرضي فاطمة عليها السلام فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. قالت: أشهد الله و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيتُ النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأشكونكما إليه. (إلي أن يقول الراوي) وهي -أي فاطمة عليها السلام- تقول: «واللَّه لأدعونَّ عليكما في كلِّ صلاة أصليها». و في علل الشرائع: أنهما جاءا فاطمة عليها السلام كراراً و مراراً، و هي تأبي أن تأذن لهما، فراجعا عليّاً في ذلك. فدخل علي عليه السلام عليها، فقال: يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيتِ، و قد تردّدا مراراً كثيرة وردَدْتِهما و لم تأذني لهما، و قد سألاني أن أستأذن لهما عليك، فقالت: و اللَّه لا آذن لهما، و لا أكلمهما كلمةً من رأسي حتي ألقي أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه و ارتكباه منّي. قال علي عليه السلام: فإني ضمنتُ لهما ذلك. قالت: إن كنت قد ضمنتَ لهما شيئاً فالبيت بيتُك، و النساء تتبع الرجال، لا أخالف عليك بشيء، فأذن لمن أحببتَ، و لمَّا أن دخلا عليها، لم ترد عليهما السلام و جعلت تحوّل عنهما وجهها كراراً و مراراً إلي أن دار حوار شبيه بما ذكره ابن قتيبة و صاحب أعلام النساء.

غَصَبُوا إِرْثَها وَ نِحْلَتَها وَ ارْتَكَبُوا *** ما يَجِلُّ مِن إيذاءِ

رَبَّعُوها وَ لَمْ يُرَاعُوا لِقُرْباهُ *** وَ لَمْ يَحْفَظُوهُ في الأَبْناءِ

كَمْ دَعَتْ بِالْوَصِيِّ وَ اسْتَصْرَخَتْ لَوْ *** مَا عَلَيْهِ مَنْ حِكْمَةِ الإِيصَاءِ

أَحْفَظَتْهُ فَجَرَّدَ السَّيْفَ فِعْلاً *** وَ ارْتَدَي أَصْفَرَ الْقبا لِلْفِناء(1)

وَ إِذا بالآذانِ: أَشْهَدُ طهَ *** هُوَحَقاً رَسُولُ رَبِّ السَّمَاءِ

فَدَعا: إِنْ لَمْ تَصْبِرِي أَضَع السَّيْفَ *** وَ لاتَسْمَعِي لهذا النِّداءِ

فَرَأَتْ سَيْفَهُ وَ تَحْتَ شَبَاهُ *** كُلُّ أَرْواحِ مَنْ عَلَي الْغَبْراءِ(2)

فَدَعَتْ يا بْنَ عَمِّ إِنِّي عَلَي مَا *** حَلَّ بِي قَدْ صَبَرْتُ يا مَوْلائِي

فَدَعاهايَا خَيْرَصَابِرَةٍ يَا *** صَفْوَةَ اللهِ مِنْ بَنِي حَوَّاءِ

إيهِ يا بَضْعَةَ الرَّسُولِ وَ أُمَّ *** السَّادَةِ الطَّاهِرِينَ وَ الأمَناءِ

ص: 381


1- الحفيظة: الغضب، و الذب عن المحارم كما في لسان العرب، قال: و الحفيظة: الغضب لحُرمةٍ تُنتهك من حرماتك. و أحفظته أثارت حفيظته لذلك. و الفناء بكسر الفاء: الساحة و بفتحها الهلاك و المراد القتال.
2- الشباة من كل شيء: حدّه. و التاء حُذفت اضطراراً. و الغبراء: الأرض.

كُلُّ جَارٍ عَلَيْكِ لا عَنْ هَوَانٍ *** أَنْتِ فِي الْحَشْرِ أَكْرَمُ الشُّفَعَاءِ(1)

لَسْتُ أَنْسَي وَقْتاً بِهِ رَجَعَتْ *** باكِيَةَ الْعَيْنِ عَنْ يَدٍ صَفْراءِ(2)

وَ فُؤادٍ قَدْ ذابَ دَمْعاً بِنارِ *** الْحُزنِ مِمَّا قاسَتْ مِنَ الأَرْزَاءِ

وَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ مَرَّتْ وَشَمَّتْ *** لِشَراهُ وَ أَجْهَشَتْ بِالْبُكاءِ

وَ غَدَتْ وَ هيَ تُنْشِدُ الشَّعْرَ تَشْكُو *** لأَبيهَا مَا مَرَّ مِنْ بُرحاءِ(3)

ما عَلَي مَنْ غَدَا يَشَمُّ تُراباً *** مِنْ ضَرِيح لِخاتَمِ الأنبياءِ

أبَتَا قَدْ صُبَّتْ عَلَيَّ رَزَايَا *** لَوْ عَلَي الصُّبْحَ لَمْ يَكُنْ ذا ضِياءِ

قُلْ لِمَنْ غَيْبَ الثَّرَي شَخْصَهُ لَوْ *** تَسْمَعُ الْيَوْمَ صَرْخَتِي وَ نِدَائِي

ص: 382


1- لمّا خطبت فاطمة عليها السلام خطبتها في المسجد أمام أبي بكر و عمر، و جموع المهاجرين و الأنصار و غيرهم، فرأت منهم الخذلان و الظلم و التفرّج جاءت لأبي الحسن عليه السلام تستصرخه، و تستثير فيه الحمية، و تعرّف الأجيال مظلوميتها و مظلوميتّه. قال الراوي: ثم انكفأت، و أميرالمؤمنين عليه السلام يتوقّع رجوعها إليه، و يتطلّع طلوعها عليه، فلما استقرت بها، الدار قالت لأميرالمؤمنين عليه السلام. «يا ابن أبي طالب عليه السلام ! اشتملت شِملة الجنين، و قعدت حِجرة الظنين نقضتَ قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتَزَني نحلة أبي، و بُلغة ابنتي! لقد أجهدَ في خصامي و ألفيتُه الدَّ من كلامي، حتي جلستني قيلةُ نصرَها، و المهاجرةُ وصلَها، و غضَّت الجماعة دوني طرفَها، فلا دافع و لامانع، خرجتُ كاظمةً، وعُدتُ راغمة أضرعتَ خدَّكَ يوم أضعت حدَّك، افترستَ الذئابَ و افترشت التراب، ما كففت قائلاً و لاأغنيت طائلاً و لاخيار لي. ليتني مِتُّ قبل هنيئتي، و دون ذلَّتي، عذيريَ الله منك عادياً و منك حامياً، ويلايَ في كلّ شارقٍ! ويلاي في كلِّ غارب! مات العَمَدُ، و وهن العضُد شكواي إلي أبي! و عدواتي إلي ربّيَ! اللهم أنت أشدُّ بأساً و تنكيلاً». فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام: «لا ويلَ لكِ يا بنت سيد النبيين، بل الويلُ لشانِئِك، ثم نهنِهي عن وجدِكِ يا ابنة الصفوةِ، و بقيّة النبوّة، فما ونيتُ عن ديني ولا أخطأتُ مقدوري فإن كنتِ تريدين البُلغة فرزقكِ مضمون، و كفيلكِ مأمون، و ما أَعدَّالله لكِ أفضلُ ممّا قطِع عنكِ، فاحتسبي الله» فقالت عليه السلام: «حسبيَ اللَّه و نعم الوكيل» و أمسَكَتْ انتهي موضع الشاهد. و لك أن تراجع مناقب ابن شهر آشوب ج1 ص382 ط إيران و الاحتجاج للطبرسي ج1 ص280 و بعدها، و بحار الأنوار للمجلسي ج43 ص148.
2- يد صفراء: ليس فيها شيء، خالية.
3- البُرَحاء، مثل عُلَماء: الأذي.

جَبَلاً كُنْتَ لِي أَلُوذُ بِظِلِّ *** مِنْهُ وَ الْيَوْمَ صِرْتَ تَحْتَ الثَّراءِ(1)

أَنْتَ كَهْفِي وَ أَنْتَ فَخْرِي وَ عِزّي *** وَ جَمَالِي وَ أَنْتَ رُكْنُ بَقائِي

أَنْتَ رُوحُ الْحَياةِ تَسْرِي بِجِسْمِي *** أَنْتَ يا طَلْعَةَ الْبُدُورِ ضِيائِي

قَدْ فَقَدْناكَ فَقْدَ وابِلِها الأَرْضَ *** فَعادَتْ قَفْرًا مِنَ الإِنْداءِ(2)

أَبْرَزَتْ عُصْبَةٌ خَبايا صُدُورٍ *** طُوِيَتْ سابقاً عَلَي الشَّحْناءِ

وَ اسْتَخَفُّوا بِنا وَ قَدْ غَصَبُونَا *** إِرْثَنا وَ هُوَ نِحْلَةُ الأَنْبِياءِ(3)

ص: 383


1- هذا البيت و الأبيات الثلاثة قبله اقتبسها الشاعر من أبيات للزهراء عليها السلام ذكروا أنها رثت بها أباها صلي الله عليه و آله و سلم.
2- و ابلها: مطرها الشديد.
3- هذا البيت و البيتان اللذان قبله اقتبسها الشاعر أيضاً من أبياتٍ أخري لها عليها السلام قالتها بعد خطبتها الكبري في المسجد أمام أبي بكر و عمر وحشد المهاجرين و الأنصار، بعد أن رأت الخذلان بادياً للعيان، و يئست من وجود الناصر و المعين. قال الراوي، كما في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص279، و شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص211 و بحار الأنوار للمجلسي ج8 ص108 فما بعد، من الطبع القديم: «عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت»: قد كان بعدَكَ أنباء و هنبئةٌ *** لوكُنتَ شاهَدها لم تَكثُر الخُطَبُ إنَّا فقدناكَ فقد الأرض وابلَها *** و اختل قومُك فاشهدهم فقد نكبُوا و كُلُّ أهل له قُربي و منزلة *** عند الإلهِ علي الأدنين مقتربُ أبدت رجالٌ لنا نجوي صدورهِمُ *** لما مضيت و حالت دونك الكُتُب تجهّمتنا رجال و استخفّ بنا *** لما فُقدت و كلّ الإرث مغتصَبُ و كنت نوراً و بدراً يُستضاء به *** عليك تنزلُ من ذي العزّة الكُتُبُ و كان جبريلُ بالآيات يؤنسُنا **** فقد فُقدتَ، وكلّ الخيرِ مُحتَجبُ فليت قبلك كان الموتُ صادقَنا *** قوم تمنّوا، فأعطوا كلَّ ما طلبوا سيعلم المتولي ظَلْمَ حامتِنا *** يوم القيامة أنّي سوف ينقلبُ فقد لقينا الذي لم يلقه أحدٌ *** من البرية لاعُجْم و لاعَرَبُ فسوف نبكيكَ ما عشنا و مابقيت *** لنا العيون بتهمال له سَكِبُ و انظر أمالي المفيد ص33 و الشافي في الإمامة للمرتضي ج4 ص75 و ما بعدها و الطرائف لابن طاوس ص75، كشف الغمة للإربلي ص146. هذا، و ينبغي لفت الأنظار إلي أن بعض هذه المصادر تنسب الأبيات المذكورة للزهراء عليها السلام نفسها و بعضها الآخر يقول: إنها عليها السلام تمثّلت بها حسب، و إنها منسوبة لهند بنت أثاثة، أو صفية بنت أثاثة، أو أم مسطح بنت أثاثة، أو صفية بنت عبد المطلب. ثم إنهم قد اختلفوا أيضاً في عدد الأبيات، ففي الشافي أنها ثلاثة أو خمسة، و تابعه ابن أبي الحديد في شرح النهج، و في الطرائف لابن طاوس أربعة، و في بلاغات النساء بيتان و في أمالي الشيخ المفيد و احتجاج الطبرسي تسعة و في اللمعة البيضاء شرح خطبة الزهراء عليها السلام ص356 أربعة عشر، و في مناقب ابن شهر آشوب ج1 ص382، ستّة، كما أنهم اختلفوا كذلك في بعض ألفاظها و ترتيبها.

وَ لَقَدْ أَنْشَدَتْ لِشِعْرِ مِنَ الْحُزْنِ *** وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الشُّعَراءِ

«بانَ صَبْرِي وَ بَانَ عَنِّي عَزائِي *** بَعْدَ فَقَدِي لِخَاتَمِ الأَنْبِياءِ

عَيْنُ يا عَيْنُ اسْكُبِي الدَّمْعَ حُزْناً *** وَيكِ لا تَبْخَلِي بِفَيْضِ الدِّمَاءِ»

إِفْخَرِي وَيْكِ تُرْبَةٌ حَلَّ فِيها *** صَفْوَةُ اللهِ مِنْ جَمِيعِ الْوَرَاءِ(1)

«يا رَسُولَ الإلهِ يا خِيرَةَ اللهِ *** وَ كَهْف الأيتامِ وَ الضُّعَفَاءِ

قَدْ بَكَتكَ الجِبالُ وَ الْوَحْشُ وَالطَّيْرُ *** جَمِيعاً وَ كُلُّ مَنْ فِي السَّماءِ

و بكاكَ الحَجُونُ وَ الرُّكْنُ وَ الْمَشْعَرُ *** يا سَيِّدِي مَعَ الْبَطْحاءِ

و بكاكَ الْمِحْرَابُ و الدرْسُ وَ الْقُرْآنُ *** فِي الصُّبْح مُعْلِناً وَ الْمَسَاءِ

لَوْ تَرَي الْمِنْبَرَ الَّذِي كُنْتَ تَعْلُوهُ *** عَلاهُ الظَّلامُ بَعْدَ الضّياءِ

يا إِلهِي عَجِّلْ إِلَيَّ وَفاتِي *** قَدْ بَغَضْتُ الْحَياةَ يا مَوْلائِي»(2)

ص: 384


1- الوَراء: أصله الوري مقصوراً و إنما جاء به ممدوداً بالهمزة للضرورة.
2- الأبيات التي بين القوسين قد نقلها الشاعر نصاً من أصل تسعة أبيات ورد في الرواية أنها صلي الله عليه و آله و سلم قالتها علي قبر أبيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم، في الأسبوع الثاني من وفاته. ففي البحار ج43 ص175 أنه جاء في الخبر المروي عن فضّة مولاة الزهراء عليها السلام، و الخبر طويل: فجلست سبعة أيام لايهدأ لها أنين، و لايسكن منها الحنين كلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تُطق صبراً إذ خرجت ،و صرخت فكأنها من فم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تنطق... إلي أن قالت: ثم زفرت زفرة و أنت أنّة كادت روحها أن تخرج، ثم قالت: قلَّ صبري و بان عني عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء عينُ يا عينُ اسكُبي الدمع سحَاً *** ويكِ لا تبخلي بفيض الدماءِ يا رسول الإلهِ يا خيرة اللَّه *** و كهف الأيتام و الضعفاءِ قد بكتك الجبال و الوحش جمعاً *** و الطير و الأرض بعد بكي السماءِ وبكاك الحجونُ و الركنُ و المشعُر*** يا سيدي مع البطحاءِ وبكاك المحرابُ و الدرس للقرآن *** في الصبح معلناً و المساءِ وبكاك الإسلام إذ صار في الناسِ *** غريباً من سائر الغُرباءِ لو تري المبنر الذي كنت تعلوه *** علاهُ الظلامُ بعد الضياءِ يا إلهي عجِّل وفاتي سريعاً *** فلقد تبغضتُ الحياة يا مولائي

ثُمَّ صَارَتْ ضَجِيعَةَ الأَلم الْقَاضِي *** عَلَي نَفْسِهَا بِوِرْدِ الْفَناءِ(1)

مكَنَتْ أَرْبَعِينَ يَوماً بِأَنَّاتِ *** أَسَاهَا وَ لَمْ تَزَلْ فِي الْبُكاءِ(2)

أَحْبَسَتْ نَفْسَها عَلَي الْحُزْنِ سَبْعاً *** ثُمَّ أَبْدَتْ في ثامِنٍ للنُّعاءِ(3)

ص: 385


1- الوِرْد: ما يُورَد، و يؤتي و المراد: الموت و علي هذا، فالإضافة بيانَيَة.
2- قال المحقق الفاضل، السيد المقرّم في كتابه «وفاة الصدّيقة الزهراء عليها السلام» ص120: «اختلفوا في وفاة الصديقة عليها السلام علي أقوّال تزيد علي العشرة الأول: أنّها بقيت بعد أبيها صلي الله عليه و آله و سلم خمسة 4 و سبعين يوماً و هو المختار، لأنه المشهور بين المؤرّخين و به جاءت الرواية عن الصادق عليه السلام، كما في الكافي للكليني و الاختصاص للشيخ المفيد، و معالم الزلفي للسيد هاشم البحراني. الثاني: بقيت أربعين يوماً، كما في كتاب سليم بن قيس ص203، و مروج الذهب للمسعودي ج1 ص403 ، و نسبه إلي الرواية في كشف الغمة ص149، و في تاريخ القرماني: هو الأصح. الثالث: توفيت لثلاثٍ خلون من جمادي الآخرة، كما ذكره الكفعمي في المصباح و الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص554 ، و السيد ابن طاوس في الإقبال، و رواه أبوبصير عن الصادق عليه السلام كما في البحار، و إليه يرجع ما في مقاتل الطالبيين ص19 من أنّ الثلاثة أشهر هو الثابت من رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام. الرابع: توفيت في العشرين من جمادي الآخرة، كما في دلائل الإمامة ص 46. الخامس: اثنين و سبعين يوماً، كما ذكره ابن شهر آشوب في المناقب ج2 ص112. السادس : بقيت مائة يوم كما ذكره ابن قتيبة في المعارف ص62. السابع: بقيت ستين يوماً، كما رواه الشيخ هاشم في مصباح الأنوار، عن أبي جعفر عليه السلام. الثامن: بقيت ستّة أشهر، ذكره ابن حجر في الإصابة، بترجمة فاطمة عليها السلام. التاسع : بقيت أربعة أشهر، ذكره ابن حجر في الإصابة أيضاً. العاشر: بقيت ثمانية أشهر، كذلك ذكره ابن حجر في الإصابة. الحادي عشر:بقيت خمسة و تسعين يوماً، كما في البحار، و الإصابة نقلها الأخِر عن الدولابي في كتاب الذرَيَة الطاهرة. الثاني عشر: ثلاث خلون من شهر رمضان، ذكره مناقب الخوارزمي ج1 ص83، و نور الأبصار ص42، و الإصابة لابن حجر في الترجمة» انتهي مع بعض التغييرات السطحية.
3- حبَس: و حبِّس و أحبَس المالَ علي كذا: وَقَفه عليه.

أَبَتا مَنْ إِلَي المُصَلَّي وَ لِلقِبلَةِ *** مَنْ لِلْحَزِينَةِ الثَّكلاءِ

وَ ارَبِيعَا إِلَي الأَرَامِلٍ وَ الأَيْتامِ*** وَ الْبائِسِينَ وَ الضُّعَفَاءِ

ضَعُفَتْ قُوَّتِي وَ قَرَّبَ نَفْسِي *** لِلْمَنايا شَمَاتَةُ الأَعْدَاءِ

أبَتا لاأَنْساكَ ما غَرَّدَتْ قُمْرِيَّةٌ *** فَوْقَ دَوْحَةٍ خَضراءِ(1)

ثُمَّ لَمَّا رَأَتْ بِأنْ قَدْ دَنا ما *** كانَ يَجْرِي حَتْماً عَلَي الأَحْياءِ

أَوْصتِ الْمُرْتَضَي عَلَي أَنَّ دَفْنِي *** فِي ظَلامٍ كَيْ لا تَرَي أَعْدَائِي(2)

ثُمَّ نادَتْ أَسْماءَ: هاتِي حَنُوطِي *** لي سَرِيعاً أَلا اسْكُبِي لِلْماءِ

ناولِينِي ثِيابِي الْجُدُدَ البِيضَ *** فَقَدْ جاءَني نَذِيرُ القَضاءِ

ثُمَّ قالَتْ: تَعَاهَدِينِي فَإِنِّي *** سَأُناجِي بِخَلْوَةٍ مَوْلائِي

فَإِذا ساعَةٌ مَضَتْ لِي وَ لَمْ أَخْرُجُ *** ثَلاثاً فَأَعْلِنِي بِالنَّدَاءِ

فَإِذَا لَمْ أُجِبْ نِداكِ فَرُوحِي *** قَدْ تَوَلَّتْ فِي زُمْرَةِ السُّعَدَاءِ

صَنَعَتْ أَسْما الَّذِي أَمَرَتْها *** ثُمَّ نَادَتْ: يَا بِنْتَ خَيْرِ الْوَرَاءِ

لَمْ تُجِبْهَا فَأَقْبَلَتْ فَرَأَتْها *** مَيْتَةً ثُمَّ أَعْلَنَتْ بِالْبُكَاءِ

فَاطِمٌ أَبْلِغِي أَباكِ سَلامِي *** أَقْرِئِيهِ تَحِيَّتِي وَ ثَنَائِي

وَ إِذَا بِالسِّبطَيْنِ قَدْ أَقْبَلا *** أَسْمَاءُ مَا بَالُ أُمِّنا فِي كَرَاءِ(3)

فأَجَابَتْ: مَاتَتْ، فَمُذْ سَمِعاهَا *** أَعْلَنَا بِالْبُكا لِسِتِّ النِّساءِ

فَأَتَي الْمُرْتَضَي وَ جَهَّزَهَا بِاللَّيْلِ *** وَفُقَ الْوَصِيَّةِ الْغَرَّاءِ(4)

ص: 386


1- قمرية: ضربٌ من الحمام حَسن الصوت.
2- راجع البحار ج43 ص148 و انظر أيضاً (9/9).
3- الكَرَي: النوم، و إنّما مدّها بالهمزة لتناسب القافية و قد أجازوا ذلك في الشعر.
4- انظر روضة الواعظين للنيسابوري، و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص138، و كشف الغمة للإربلي ج2 ص129 و بحار الأنوار ج43 باب شهادتها و غسلها و دفنها، و فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي للرحماني الهمداني ص550-551 و غيرها من الصفحات، و فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد كاظم القزويني ص610، و غيرها من المصادر و في ما ذكرنا كفاية.

أَسَفاً لابْنَةِ الرَّسُولِ قضت *** بِالضَّغْطِ وَ الضَّرْبِ مِنْ يَدِ الأَعْدَاءِ(1)

وَ إِلَي اليَوْمِ لَمْ يَبِنْ قَبْرُهَا بَلْ *** ذلِكَ الْقَبْرُ راحَ رَهْنَ خَفَاءِ(2)

ص: 387


1- انظر كتاب سليم بن قيس ص134 ، و البحار ج 8 ص229-241 و أيضاً ج53، ص18، 19، و نوائب الدهور للعلامة الميرجهاني ص194. و لاسيّما قول أميرالمؤمنين عليه السلام: إن قنفذاً هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني و بينهم، فماتت «صلوات الله عليها»، و إن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.
2- انظر كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي الفصل الحادي و الثلاثين و غيرها. راجع كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد للسيد القزويني ص630، تحت عنوان (القبر المجهول)، و راجع البحار للعلامة المجلسي ج43 باب ما وقع عليها عليها السلام من الظلم و انظر أيضاً مجالس المفيد و أماليه و أمالي الصدوق و دلائل الإمامة للطبري، و في كتاب سليم بن قيس برواية أبان بن أبي عياش و عيون المعجزات للسيد المرتضي، هذا إلي كثيرٍ غيرها من المصادر علي أننا ذكرنا في طيّات الهوامش مجموعة من كتب العامة المعتبرة عندهم تنصّ أو تشير إلي تغييب القبر و خفاء مكانه الواقعي، فراجع.

(41) أشرقت الحياة

(بحر الكامل)

السيد علي الحكيم (*)(1)

شَمَخَتْ فَبانَ الطُّورُ مِنْ عَليائِهَا *** وَ زَهَتْ فَشَعَّ النورُ من سَنائِها

وَ بَدَتْ فَأشْرَقَتِ الحَيَاةُ لِوَجهِهَا *** فَشَذَا رُجُوعِ الكونِ من فَيْحَائِها

هِيَ آيةُ الفِردَوس بل من نُورِها *** الفِردَوسُ قَد خُلِقَتْ وَ لُطفِ سَنائِها

و تبَلَّجت بين الشُّموسِ سَوَاطِعَاً *** شَمسُ الهدايةِ مِنْ سَنَا أَسْمَائِها(2)

مِنْ نُورٍ عِصمَتِها الخِصَالُ تكاملَتْ *** فَمَنَازِلُ الرّضْوَانِ بَعْضُ بهائِها

هِيَ مَهبِطُ الآياتِ مَنْ مِنْ أجلِها *** الاياتُ قَد نَزَلَتْ وَ في أرجَائِها؟

هي منبتُ الأصلِ الكَرِيم وَ فَرعُهُ *** أُمُّ البشيرِ و بنتُهُ بِوَفَائِها

هي حكمةُ اللهِ التي قد أُودِعَتْ *** سِرَّ الوُجُودِ رِضَاؤُهُ برضائِها

وَ لِرايةِ الإسلام مَنهلُ عِصمةٍ *** بجلالها تُهدي الوري وَ وَلائِها

ص: 388


1- (*) هو السيد محمد علي بن السيد راضي الحكيم من مواليد عام1966م كربلاء المقدسة. ولد في بيئة دينية و في وسط عائلة عريقة و معروفة في العلم و الأدب حيث إن والده السيد راضي و جدّه السيد مهدي الحكيم كانا من العلماء و الفضلاء في كربلاء المقدسة. أكمل دراسته الأكاديمية في مرحلة الثانوية و التحق بالركب الحوزوي اتباعاً لوالده و جدّه حيث أكمل مرحلة السطوح في الحوزة العلمية بطهران و من ثم في قم المقدسة. و من أساتذته العلامة آية الله الشيخ أحمد المجتهدي و آية الله السيد محمد ضياء آبادي في طهران، و سماحة آية الله العظمي الحاج السيد صادق الشيرازي، عشق الشعر منه ابتدأ و شرع دروسه الحوزوية و له قصائد نظمها في قم المقدسة في المناسبات الدينية العديدة و لازال يواصل الشعر في مجال أهل البيت عليهم السلام وفقه الله و إيانا لخدمة الدين و الشريعة العزاء.
2- تبلّجت: أشرقت و أضاءت.

وَ كَواكِبُ الأفلاكِ لولا نُورُها *** الوَضَاءُ ما شَعَّتْ لنا بضيائِها

وُلِدَتْ بِبَطحاء الكرَامَةِ فَانْجلي *** حَمدُ المَلائِكِ مِنْ عَظِيمِ ثَنائِها

فأجَابَتْ الأَرضُ السَّماءَ فَخُورَةً *** إنَّ فاطِمُ الزهراءُ خَيرُ نِسَائِها

وَ الدَّوحَةُ العَلياءُ يَرمُقُها العُلا *** وَ الذِكرُ يَحكي عَن جَني خَضرائِها

و التينِ وَالزَّيْتُونِ وَ البَلَدِ الذي *** سَعدَت به الدُّنيا علي ظلمائِها

فكأنَّما دارُ البتُولِ وَ قَد بَدا *** نُورُ النُّبُوَّةِ مُشرقاً بفنائِها

فَالفَجرُ بَرقٌ مِن وميضٍ عُيُونها *** و الليلُ قَوْساً حَاجِبِ بِسَمَائِها(1)

فَاقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَاتْلُ آيَةً *** قَد خُصَّ أحمدُ في جَميع عَطَائِها

إِنَّا قَدْ أَعطَيْنَاكَ مِنّا كوثراً *** سَعُدَ الذي يُسقي بِبَارِدِ مَائِها

فَاقَتْ خِصَالَ المُكْرُمَات لأنَّها *** نُورُ الإِمَامَةِ شَعَّ من لَأَلائِها(2)

أضْحَتْ لآياتِ الهدَاية مُوئِلاً *** راياتُها عُقِدَت بركبِ لِوائِها

فإليكِ نلجاً بعدَ مَا بَلَغَ النَّوي *** مُهَجَ القُلُوبِ وَ أنتِ بَلسمُ دائِها

هي طلعةٌ تحكي السَّماءَ بِشَمْسِها *** لابلْ جِنانُ الخُلدِ من آلائِها(3)

يا دَوحَةَ الذاتِ المَهيِمنِ ظلّلي *** أُفُقُ الرّعيّة قد ذَوَتْ برعائِها(4)

و اشفي صُدورَ الوَجدِ من كُرُبَاتِها *** وَاروي ربوعاً بعدَ فَرطِ ظِمائِها(5)

صلِّي عَليَكِ اللَّه ما بَقيتْ سَمَاً *** أو سَبّحَ الأملاكُ في أرجَائِها

ص: 389


1- و ميض: لمعة.
2- لألاء: ضوء لامع.
3- تحكي: تشابه.
4- ذوتْ: ذبلتْ و نشف ماؤها.
5- الوَجْد: الحزن، المحبّة الفرحة.

(42) بضعة المصطفي

(بحر الخفيف)

الحاج علي حمدان الرياحي

أي يوم يَجِلُّ فِيهِ العزاءُ *** وَمُصابٍ يَطِيبُ فيهِ الْبُكاءُ

ِمثلُ يَوْمٍ مُرَزَّا مُسْتَحَمِّ *** أَغرَبَتْ في سَمائِهِ الزَّهْراءُ(1)

لا السَّماواتُ بَعْدَها مُشرِقاتٌ *** حِينَ تَخْبُو وَلا الضّياءُ الضّياءُ

يَشْحَدُ الْبَدْرَ مِنْ مَطالِعِها النُّورَ *** وَتَمْتَاحُ مِنْ سَناها ذكاءُ(2)

أَتُرَي شَفَّها بعَادُ أَبِيها *** فَاسْتَحَمَّ الجَوَي وَحَنَّ اللِّقاءُ(3)

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَأُمُّ أَبِيها *** وَشَذاهُ وَالنَّفْحُ وَاللأْلاءُ(4)

أَمُّ أَسْباطِهِ وَخَيْرِ الْبَرايا *** والثُّراثُ الأَجَلُّ والآلاءُ(5)

قَصَّرَ الخَافِقَانِ عَنْها عَطَاءً *** وَوَنَي عَنْ لَحاقَها الأَنْبِياءُ(6)

قَبَّلَ الْمُصْطَفَي يَدَيْها وَمَا كَانَ ***لِغَيْرِ الزَّهْراءِ هذا العَطَاءُ(7)

ص: 390


1- مرزّاْ : يريد كثير المصائب. والمستحمُّ المشتدّ . واْ غربت: أتت الغرب، غربت.
2- تمتّاح: تغترف، و تطلب. و سناها: ضياؤها.
3- شفَّها: أنحلها، من النحول و الضعف. استحمَّ: اشتد. و الجوي: الحرقة و شدّة الوجد. و حنّ اشتاق. و في الكلام استعارة واضحة.
4- الشذا: قوة ذَكاء الرائحة. النفح: نشر الرائحة الطيّبة.
5- الآلاء: النعم.
6- وني: ضعُف.
7- في سفينة البحار للقمي، باب الفاء بعده الطاء، نقلاً عن أمالي الطوسي: عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: كانت -تعني فاطمة عليه السلام -إذا دخلت عليه- أي: رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم- رحَّب بها و قبَّل يديها و أجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به و قبّلت يديه.

مَبْعَثُ النُّورِ و الأَئِمَّةِ مِنْها *** شُهُبٌ ما مَضَي الزَّمانُ -وضاءُ

يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ خيْرِ البَرَايَا *** فَقْدُكِ الْفَقْدُ و المُصابُ العياءُ(1)

عَاجَلَتكِ الْمَنُونُ يَابْنَةَ طَة *** فِي ربيع الشَّبابِ وَ الْبَلْواءُ(2)

ص: 391


1- العياء: أي صعب لا دواء له كأنه أعيي الأطباء.
2- المشهور بين أصحابنا الإماميّة علي أنها عليها السلام حين ودّعت هذه الدار الفانية كان لها من العمر ثماني عشرة سنة أو تزيد قليلاً، و عند جمهور العامّة علي أن عمرها كان ثماني و عشرين سنة. و مردّ الاختلاف إلي سنة ميلادها، فمن قال: إن ولادتها كانت قبل المبعث النبوي بخمس سنين أو أكثر أو أقل جعل عمرها قرابة الثلاثين. و من قال : إنها وُلدت بعد البعثة بذلك المقدار؛ فقد جعله في حدود الثماني عشرة سنة و لعلّ هذا الأخير له ما يؤيّده من الشواهد التاريخيّة و الروائيّة. فقد روي الفريقان -كما تقدم في (13/1)، و (2/8)- أنّها إنّما ولدت بعد حادث المعراج و أكل الرسول لفاكهة الجنة قبل انعقاد نطفتها، و هذا لا يتلاءم مع ولادتها قبل مبعثه الشريف صلي اللَّه عليه و آله و سلم. كما روي الفريقان أيضاً -كما تقدّم في (3/8، 4)- أنها عليها السلام كانت تحدّث أمها في بطنها، و أن رسول اللَّه بشّرها بعد أن أخبرته خديجة سلام الله عليها بذلك، و هذا أيضاً لا و أخبار ولادتها قبل البعثة و النبوّة. مضافاً إلي أخبار معاداة نساء قريش لخديجة سلام الله عليها، حين ولادتها وما ذلك إلا بسبب دين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الجديد. انظر (5/8). علي أن أخبار طلب يدها من أبيها العظيم، لم يسبق لها مثيل فيما قبل الهجرة، بل ما قبل غزوة بدر الكبري. فالمذكور المرويّ أن الخلفاء الثلاثة، و عبد الرحمن بن عوف، و آخرين، جاؤوا الرسول صلي الله عليه و آله و سلم خاطبين له ابنته الصديقة عليها السلام في فتراتٍ متقاربة، حتي أن ابن عوف بالغ في المهر و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و مع ذلك ردّه، حتي جاء أميرالمؤمنين عليه السلام و تمّ له ما أراد. فإذا كانت قد قاربت العشرين من العمر و هي علي ما هي عليه من الصفات، أفما كان من المنطقي أن تتابع عليها الخُطَّاب حتي قبل الهجرة، و هو أمرٌ لا نجد له عيناً و لاأثراً في المصادر، بل كان من المنطقي أيضاً بلوغها ذلك السنّ أن يكون لها يوميات ومواقف مع أمها الجليلة التي لم تفارق الحياة إلّا قبل الهجرة الشريفة بقليل، مع أنه لا وجود لذلك كله في كتب السيرَ و التراجم و الروايات. فكل ذلك -إذن- يؤيّد و يشهد إن لم نقل: يدلّ- علي أن ولادتها كانت بعد البعثه النبويّة بسنين. نعم يبقي هنا إشكال ذكره بعض الأعلام، و جعله قرينة علي ولادتها قبل ذلك، و هو: أن عمر خديجة قبل المبعث بخمس سنين كان قد بلغ خمسين سنة، و هو أعلي سنٍّ صالح للولادة. لكن ذلك قابل للتأمل، فإنّ الروايات في ذلك مختلفة، و ما عليه مشهور أصحابنا أن سن اليأس في القرشية و النبطيّة لا يحصل إلّا مع بلوغ الستين، و في غيرهما الخمسين و معلوم أن خديجة كانت من أنصع القرشيين نسباً. راجع شرائع الإسلام للمحقق الحلي، و جواهر الكلام للنجفي، و الحدائق للبحراني، و العروة الوثقي لليزدي و مستمسك العروة للحكيم، كل ذلك في كتابي الطهارة و الطلاق.

عَنْ أَحِبَّاءَ أَكْرَمِينَ صِغارٍ *** شَفَها الْفَقْدُ وِ اسْتَحَالَ الدَّواءُ

حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ فِي حَوْمَةِ الْيُتْمِ *** وَ صَبْرٌ يَفُتُّ فِيهِ الْعَزَاءُ(1)

و بناتٌ مُدَلَّهاتٌ حَيارَي *** حَانِيَاتٌ لأُمِّهنَّ ظِماءُ(2)

هُنَّ يَنْدُيْنَ وَ السَّماواتُ تَبْكِي *** وَ بِطُوبَي تُرَدَّدُ الأَصْدَاءُ(3)

وَ الإِمَامُ الأجَلُّ يَرْزَحُ لِلْخَطبِ *** وَ يَجْتَرُّ مِنْ حَشَاهُ البَلاءُ(4)

يَنْدُبُ الدُّرَّةَ الْوَحِيدَةَ فِي الْكَوْنِ *** وَ فِي الْمَوْتِ لا يُفِيدُ المضاءُ

يَتَلَظَّي مَرَارَةٌ وَ اكْتِئاباً *** وَ يُنادِي وَ لايُفيدُ النّداءُ

أيْنَ مِنِّي رَيْحانَتِي وَ مَلاذِي *** وَ دَوَاءُ الْخُطُوبِ إِنْ حَلَّ دَاءُ؟

أيْنَ مِنّي أُمُّ الأَئِمَّةِ وَ الْبَضْعَةُ *** مِنْ خَيْرِ مُرْسَلٍ و السَّناءُ؟

أَيْنَ بِنْتُ النَّبِيِّ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ *** أَيْنَ التُّقَي و َأَيْنَ الْحَياءُ؟

أَيْنَ رَيْحَانَةُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ *** وَ أَيْنَ النَّدَي وَ أَيْنَ السَّخاءُ؟

أَيْنَ مِنِّي زَيْنُ الْخَلائِقِ وَ الْحُسْنُ *** وَ أَيْنَ الحِجَي وَ أَيْنَ الْعَلاءُ؟

أيْنَ مِنّي طِيبُ الْحَيَاةِ وَ لُقْياها *** و أَيْنَ السُّرُورُ وَالنَّعْمَاءُ؟

أَيْنَ مَنْ تَزْهَرُ الشُّمُوسُ بَمرآها *** وَ تَمْتَاحُ خَطْوَها الُجَوْزَاءُ؟(5)

ص: 392


1- حومة اليُتم: ما يحوم اليُتم حوله. مركزه. دائرته.
2- مدلَّهات: مشدوهات، ذاهبات العقل من عظم الحادث.
3- طوبي: شجرة في الجنة. و روي عن سعيد بن جبير أنه قال: طوبي اسم الجنة بالحبشيّة. انظر لسان العرب.
4- يرزح: يلصق بالأرض من شدة التعب و الهزال بحيث لا يتمكن من النهوض.
5- من أسمائها الزهراء عليها السلام، و قد روي الصدوق في علل الشرائع ص71 باب143، و روي المجلسي (رحمة الله عليه) في ج1 من البحار عن أمالي الصدوق (رحمة الله عليه) عن ابن عباس أن رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم قال: و أما ابنتي فاطمة عليها السلام فإنها سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين، و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبيَّ، و هي الحوراء ،الإنسية، متي قامت في محرابها بين يدي ربّها -جل جلاله- زهر نورها لملائكة السموات، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. و رواه أيضاً في علل الشرائع ص71 باب143. و في المختصر للحسن بن سليمان ص133 ط النجف: من حديث الصادق عليه السلام: سُمِّيت الزهراء عليها السلام، لأن نورها اشتقّ من نور عظمة الله «سبحانه»، و لمّا أشرق نورها غشيَ أبصار الملائكة فخرّوا إلي الله سجّداً و قالوا: إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحي إليهم: هذا نور من نوري أسكنته في سمائي و في البحار ج10 ص7، عن إرشاد القلوب أنَّ رسول صلي الله عليه و آله و سلم، الله قال: خلق الله نور فاطمة عليها السلام كالقنديل، و علّقه بالعرش فزهرت السماوات السبع، و الأرضون السبع، فمن أجل هذا سمِّيت بالزهراء عليها السلام.

أَيْنَ سِرُّ الْجَمَالِ فِي عَالم التَّكْوِينِ *** أَبْنَ الإِعْجَازُ أَيْنَ الصَّفاءُ؟

أَيْنَ مِنِّي قَرِينَةٌ عَقِمَ الدَّهْرُ *** بِبَعْضِ مِنْ حُسْنِها وَ النِّساءُ؟

أَيْنَ مِنِّي جَلالُها وَ عُلاها *** أَيْنَ مِنِّي صَبَاحُها وَ الْمَسَاءُ؟

أَيْنَ -وَ الأَيْنُ مَا أرَدِّدُ- تَبْقَي *** وَ يَمُوتُ الْقُرْطَاسُ وَ الإِنْشَاءُ

دَوْحَةُ الْمُرْتَضَي وَ أُمُّ الْمَعَالِي *** وَ الضُّحَي وَ الْفَرِيدَةُ الْعَصْمَاءُ؟(1)

يَا لَذِكْرَي تَجِيشُ فِي عَالَمِ الْحِسِّ *** وَ نارٍ لَمْ يَقْتَرِ بْهَا انْطِفَاءُ!(2)

وَ الَّذِي نَالَ عَثُّهُ بِنْتَ طَة *** لَقِيَتْهُ الآباء و الأبناءُ(3)

يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ لِلذِّكْرَياتِ *** الكُفْرِ لَفَحٌ يَعُسُّ فِيهِ اكْتِواءُ(4)

ما عَسَانِي مُحَدِّثاً وَ بِنَفْسِي *** غُصَّةٌ يَسْتَحِمُّ فِيها اجتِلاءُ(5)

لَمْ يُفِدْنا مِنَ التَّحَدُّثِ عَنْها *** مَا عَرَفْنَاهُ وَ الْغَباءُ الْغَبَاءُ

وَ الْمَصَابِيحُ فِي الدَّياجير تَبْدُو *** وَ الْمَنارَاتُ، وَ الْعَماءُ الْعماءُ(6)

شَغَلَتْنَا مَتَارِفُ الْبَذْحَ وَ الزَّهْوِ *** وَ الْوَتْ بِحِسْنا الأهواءُ(7)

ص: 393


1- الدوحة: الشجرة العظيمة، المتسعة و المظلّة العظيمة، و الفريدة العصماء: القصيدة التي لامثيل لها و لانظير و الفريدة: أيضاً الدُّرَّة اليتيمة.
2- تجيش: تتفاعل و تتدفق (من المنجد).
3- الغُنّة : البُلغة اليسيرة من العيش.
4- اللَّفح: هبة ريح حارّة، بعكس النفح و هو هبة الريح الباردة. و يعش فيه: يطوف ليلاً فيه، و المراد هنا: يلازمه و يتضمنّه.
5- إجتلاء: إجتلاها: بمعني أي نظر إليها (مختار الصحاح).
6- الدياجير: الظُلمات.
7- أَلْوَتْ بنا: مالت بنا، أسقطتنا.

وَغَدَوْنَا نُقِرُّ ما يَفْرِضُ الْعَيْشُ *** وَ نُصْغِي كَأَنَّنا البَّبّغاءُ(1)

إيهِ يا نَفْسُ وَ الْهَوَي أَزَلِيٌّ *** فِي فُؤادِي نَباتُهُ وَ النَّماءُ(2)

لَيْسَ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدٍ وَ بَنِيهِ *** فَادِحٌ ما يَهُزُّ أَوْ دَهْياءُ(3)

فَبِقَلْبِي مِنْ كَرْبِهِمْ كُلُّ كَرْبٍ *** وَ مِنَ الْحُبِّ دَوْحَةٌ غَنَّاءُ(4)

وَ عَزائِي مِنْ كَرْبِهِمْ صِدْقُ عِلْمِي *** أَنَّهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمُ أَمَراءُ

غَيْرَ أَنَّ الْخُطُوبَ تُبْكِي وَ تُدْمِي *** وَ تَهُزُّ الْقُلُوبَ حَيْثُ تَراؤوا(5)

وَ هُمُ فَوْقَ ما يُصَوِّرُ ذِهُنٌ *** وَ يَخُطُ الكُتَابُ و الفُقَهاءُ

مَعْجِزاتٌ مِنَ الإِلهِ ضَواح *** وَ هُمُ مِنْ جَلالِهِ أَجزاءُ(6)

قَبْلَ بَدْءِ التَّكْوِينِ وَ الْكَوْنُ عُدْمٌ *** وَ لَهُمْ فَوْقَ عَرْشِهِ أَسْماءُ(7)

ص: 394


1- البَبَّغاء: و البَبغاء، و البَبْغاء: طائر معروف يسمع كلام الناس فيعيده.
2- أزليّ : قديم، دائم الوجود لا نهاية له و لامبتدأ.
3- الفادح: الخطب و الأمر الصعب و الفادحة: المصيبة و الداهية الدهياء: المصيبة الشديدة.
4- و الغنّاء: العامرة الكثيرة الشجر.
5- قوله: تراؤوا الأصل فيها تراءَوا بفتح الهمزة بعد الألف، و إنّما ضمَّها حذراً من الإقواء أو السِّناد في القافية. و قد يجوز (تراءوا) بفتح الهمزة كما ورد مثله في قول الشاعر: يا أيُّها الناسُ افهموا و تفهّموا *** لاتغفلوا مات النبيُّ محمَّدُ إنّ الذين بكوهُ عند فراقهِ *** جَزَعاً عليه قد اهتدي و قد اهتدوا فراجع كتاب (الكافي في علم القوافي) لأبي بكر ابن السِّراج ص99 تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية.
6- ضواحٍ: واضحات بيِّنات مفردها ضاحية، و المذكر ضاحٍ.
7- تقدّم ما نقلناه عن معاني الأخبار ، وما عن لسان الميزان ج 3 ص 246 في (13/1)، و ما عن بحار الأنوار، و تاريخ بغداد، و ميزان الاعتدال، و درر السمطين و غيرها في (2/8)، فراجع. و في كتاب تأويل الآيات ج 2 ص 509، قال صلي الله عليه واله : «أنا و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام كنّا في سرادق العرش نسبّح اللَّه فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا، قبل أن يخلق اللَّه«عز وجل»آدم بألفي عام، فلمّا خلق اللَّه «عز وجل» آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، و لم يُؤمروا بالسجود إلّا لأجلنا». و نظير ذلك، بل أعظم منه كثير، فراجع كشف الغمة ج ا ص456 و كتاب العوالم للبحراني حول الصدّيقة الزهراء، وهكذا مقتل الخوارزمي :ومقتضب الأثر، وغيبة الطوسي، وتاريخ بغداد ج2 ص509.

وَ بِهِمْ آدمٌ تَوَسَّلَ للهِ *** وَ نُوحٌ مِنْ بَعْدُ وَ الأَنْبِياءُ(1)

وَ نَجَتْ فِيهِمُ سَفِينَةُ نُوحٍ *** وَ بِأَسْمَائِهِمْ أُجِيبَ الدُّعاءُ(2)

ص: 395


1- في البحار ج26 ص325 كتاب الإمامة ح8 روي بسنده إلي ابن عباس (رضي الله عنه): أن آدم لمّا أسجد اللَّه «عزّوجل» له الملائكة تداخله العجب، فقال: يا ربّ خلقت خَلقاً أحبّ إليك مني؟ (إلي أن قال): ثم قال الله «عزّ وجل»: نعم، ولولاهم ما خلقتك، فقال: يا ربّ فأرينهم، فأوحي اللَّه إلي ملائكة الحُجُب أن ارفعوا الحُجُب، فلمّا رفعت إذا آدم عليه السلام بخمسة أشباح، قدّام العرش. فقال: يا ربّ، من هؤلاء قال: يا آدم، هذا محمد نبيِّي صلي الله عليه و آله و سلم، و هذا أميرالمؤمنين عليه السلام ابن عم نبيِّي و وصيّه، و هذه فاطمة عليها السلام ابنة نبيِّي و هذان الحسن و الحسين عليهما السلام ابنا علي عليه السلام و ولدا نبيِّي. ثم قال: يا آدم، هم وُلدك ! ففرح بهم. فلما اقترف الخطيئة قال: يا ربّ، أسألك بمحمّد صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام لمّا غفرت لي، فغفر اللَّه له بهذا، فهذا الذي قال الله عزّ وجل: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»سورة البقرة آية: 37... إلخ. و روي مثله أيضاً أبوجعفر الصدوق في الخصال ح 8 من باب الخمسة ص270. و قد تقدّم نظير ذلك في لسان الميزان فراجع (13/1).
2- في عقبات الأنوار، مجلّد حديث السفينة أن نوحاً عليه السلام «سمَّر المسامير كلّها في السفينة إلي أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلي مسمار منها، فأشرق في يده و أضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء» و أن تلك المسامير الخمسة كانت بأسماء الخمسة الطاهرين من أصحاب الكساء. ويجدر بالذكر أن جماعة من علماء الآثار المختصين بالآثار القديمة في بلاد السوفييت كانوا ينقبّون في منطقة بوادي قاف و ذلك في تموز عام (1951م)، و إذا بهم يعثرون علي قطع متناثرة من أخشاب قديمة بالية نخرة، ممّا دفعهم إلي المزيد من الحفر و التنقيب، فوقفوا علي أخشاب أخري متحجّرة و كثيرة، كانت بعيدة في أعماق الأرض. و من بين تلك الأخشاب عثروا علي خشبة مستطيلة الشكل طولها (14) بوصة وعرضها (10) بوصات سبّبت دهشتهم و استغرابهم، حيث لم تتغيّر، فلم تتسوّس ولم تتآكل كغيرها من الأخشاب. و في أواخر سنة (1952م) اكتمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أنّ اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة النبي نوح عليه السلام، و أن الأخشاب الأخري هي أخشاب جسم سفينة نوح عليه السلام و بعد الانتهاء من عمليات التنقيب المذكورة عام (1953م) شكَّلت الحكومة السوفييتية لجنة قوامها سبعة من أهم علماء الآثار واللغات القديمة و هم: 1-سولي نوف، أستاذ الألسن بجامعة موسكو. 2-إيفاهان خينو: عالم الألسن القديمة في كليَّة لولوهان بالصين، 3-ميثانن لوفارتك، مدير الآثار القديمة 4- تانمول گورف (أو كَورت)، أستاذ اللغات في كلية كيغزو 5- دي راكن أستاذ الآثار القديمة في معهد لينين 6- إيم أحمد كولاد مدير التنقيب و الاكتشافات العام 7- ميجر كولتوف، رئيس جامعة ستالين. و بعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة و الحروف المنقوشة عليها، اتفقوا علي أنّ هذه اللوحة كانت من نفس جنس الخشب الذي صُنعت منه سفينة نوح عليه السلام، و أنه كان قد وضع هذه اللوحة في سفينته للتبرّك و الحفظ. و كانت حروف اللغة الأثرية قد ترجمها إلي الإنجليزية العالم البريطاني إيف ماكس أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانشستر، و هذا تعريبها مقابلاً لنصها الإنجليزي: يا إلهي و معيني O my God my helper برحمتك خذ بيدي (ساعدني) Keep my hands with merey و بالطاهرين من خلقك And With you holy bodies محمد صلي الله عليه و آله و سلم و إيليا (علي عليه السلام) Mohamed, Alia و شبّر و شبير و فاطمة عليها السلام Shabbar, Shabbir, Fatma الذين هم جميعاً عظماء They are all Biggest and مكرمون Honowrables و قد قام العالم لأجلهم The word established for them فأغثني بحقِّ أسمائهم Help me by their names إنك تهدي إلي الصراط المستقيم You can reform to right و أخيراً بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبري أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة، و منزلة أصحابها عند اللَّه تعالي، حيث توسّل بها نوح عليه السلام إليه تعالي. علي أن اللغز الذي لم يستطع تفسيره أي واحدٍ منهم هو عدم تفسّخ هذه اللوحة، رغم مرور آلاف السنين عليها. و هذه اللوحة موجودة الآن في متحف الآثار القديمة في موسكو. انتهي. نقلناه بتمامه من كتاب التكامل في الإسلام للأستاذ أحمد أمين العراقي، مع بعض التغيير في العبارات التي لا تؤثر في المعني فراجع ج7 ص48 إلي ص50 -تحت عنوان أسماء مباركة توسّل بها نوح عليه السلام- و ما بعدها. و قد نقلها الأستاذ أمين عن مجلة (البذرة) النجفية في عددها الثالث و الرابع بتاريخ شوال و ذي القعدة (1385 ه_). و الأخيرة ترجمته من كتاب «إيليا»، و الذي نشرته دار المعارف الإسلامية بلاهور (باكستان). أقول: و كذلك وجدنا الخبر في كتاب (علي عليه السلام وبياميران) باللغة الفارسية من ص 35 فما بعدها. و ذكر المترجم أنه نقل الخبر من عدة مصادر، منها (Star of Bartania) الشهرية المطبوعة بلندن و منها: مجلة (Manchester Sunlight و منها مجلة (London Weekly) و غيرها. و في الكتاب المذكور تصوير واضح للوحة المباركة.

و بِهِمْ أَنْقَذَ الإِلهُ ابْنَ مَتَّي *** وَ اسْتَجارَ الْخَلِيلُ وَ الْعَذْراءُ

أعْلَي هَؤُلاء نَبْكِي وَ نَبْكِي *** وَ بِأَسْمَائِهِمْ يُتاحُ الرَّجاءُ

يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ لِلذِّكْرَياتِ *** الْغُرْ نَفحٌ يَطِيبُ فِيهِ الْغِناءُ

حَسْبِيَ الحُبُّ وَ الْهَوَي هَاشِمِيٌّ *** فِي مَالِي وَ أَنْتُمُ الشُّفَعاءُ

ص: 396

وَ شُهُودِي عَلَيَّ دِيوانُ شِعْرِي *** وَ سَيَزْدادُ ما اسْتَمَرَّ البقاءُ

هذِهِ بِنْتُكَ الْجَلِيلَةُ فِي الشَّامِ *** مَحَجٌ وَ رَوْضَةٌ فَيْحَاءُ(1)

بَيْتُها الْبَيْتُ وَ الْمَنارَاتُ فِيهِ *** وَ الضُّحَي وَ الْجَلالُ وَ الْكِبْرِياءُ

زَيْنَبٌ وَ الْجَلالُ وَ الأَلَقُ الضَّاحِي *** وَ لَأُلاءُ قُدْسِها وَ الْبَهاءُ(2)

يَتَهاوَي لِتُرْبِها شَامِخُ الأَنْفِ *** وَ تَحْنُو لِلَثْمِهِ الْخُيَلاءُ

دَائِبُ النَّفْحٍ بَيْنَ آتٍ وَ غادٍ *** وَ الْبَرايا عَبِيدُها وَ الإِماءُ(3)

مِنْ خُراسانَ مِنْ ذَرَي السِّنْدِ وَ الْهِنْدِ *** وَ أَقْصَي ما تَعْمُرُ الأَرْجاءُ(4)

فَإِلَيْهَا هُنا يُراحُ وَ يُغْدَي *** وَ لَها هُهُنا يُزَفُّ الْعَزاءُ(5)

ص: 397


1- في كشف الغمّة ص456، قال: «لما خلق اللَّه إبراهيم كشف عن بصره، فنظر في جانب العرش نوراً فقال: إلهي و سيدي ما هذا النور؟ قال: يا إبراهيم عليه السلام، هذا نور محمد صفوتي، قال: إلهي وسيدي و أري نوراً إلي جانبه؟ قال: يا إبراهيم عليه السلام هذا نور عليٍّ عليه السلام ناصر ديني، قال: إلهي و سيدي و أري نوراً ثالثاً يلي النورين؟ قال: يا إبراهيم عليه السلام، هذا نور فاطمة عليها السلام تلي أباها و بعلها ...» و للحديث تتمة يمكن مراجعتها في المصدر المذكور، و في العوالم ص13 فما بعدها، و في مقتل الخوارزمي، و تجد نظير ذلك أيضاً في علل الشرائع، أو دلائل الإمامة أو تأويل الآيات و مقتضب الأثر ، و الغيبة لشيخ الطائفة و في الخصال، باب الخمسة الحديث84 ، يروي الصدوق بسنده إلي المفضّل بن عمر أنه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجل: ««وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ» ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه، و هو أنه قال: يا ربّ أسألك بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام إلا تبت عليَّ، فتاب الله عليه، إنه هو التواب الرحيم... إلي آخر الرواية إلي آخر الرواية و هي طويلة. و يمكن القول باختصار و بضرس قاطع: إنه قد ورد في الأخبار بتضافر أنهم عليهم السلام كانوا وسيلة الأنبياء و المرسلين، بل و الملائكة المقربين عليهم السلام، لنجاح مسائلهم، و إجابة طلباتهم. و للتوسع يراجع كتاب «أهل البيت في سفينة نوح عليه السلام» للكاتب محمد إبراهيم القزويني، و كتاب العوالم و دلائل الإمامة و غيرها.
2- هي العقيلة زينب الكبري عليه السلام الروضة: الأرض المخضّرة بأنواع النبات. الفيحاء: الواسعة (من فاح يفيح) أو هي ذات النشر و الرائحة الطائرة (من فاح يفوح).
3- الألق الضاحي، و اللألاء، و البهاء: بمعني واحد تقريباً، و هو النور و اللمعان.
4- دائب النفح: دائم الرائحة العطرة، أو الريح الطيّبة.
5- يُراح و يغدي: الرواح العشي، و الغدوّ الصباح الباكر أو ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس.

(43) قضت مكضومة

(بحر الكامل)

الشيخ علي ابن الشيخ

محمد آل سيف الخطّي

أفبعدَ فاطمةَ البتول و دفنها *** بالليل عينٌ لا تجوُد بمائِها(1)

أم نفسُ من يهوي ولاها ترتِدي *** بِرِدَّي لها من بعدِ طول عنائِها

لابلْ جديرٌ بعدَ و شكِ عنائِها *** حزناً مذيبَ النفسِ عن أقصائِها

فلقد قضَتْ مكظومةً و تراثُها *** ترنُوه شزراً في يدي أعدائِها(2)

مضروبةً بالسوطِ حتّي إنها *** أبدت نحيباً من عظيمٍ أذائِها

مسقوطةً لجنينِها تُبدي أسَّي *** لأنينِها وجداً علي أبنائِها

فلتْبِكها عينُ المحبِ بمدمعٍ *** جارٍ كعين السُّحبِ في إجرائها

ص: 398


1- ماء العين: الدمع.
2- شزراً: نظر بمؤخر العين و قيل: هو نظر علي غير استواء أو عن يمين و شمال، أو تنظر نظرة غضب إلي تراثها المنهوب.

(44) تعج فاطمة عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ علي شرارة (*)(1)

رُزْهءٌ أَطَلَّ فَجَلَّ في الأرزاءِ *** زَفَراتُها هَبَّتْ علي الغبراءِ(2)

ص: 399


1- (*) هو الشيخ علي ابن الشيخ حسن شرارة. و آل شرارة أسرة علمية و دينية أصلها من جنوب لبنان -بنت جبيل- و لهم شخصيات علمية و أدبية و ثقافية و لهم هناك أثر كبير في توجيه الناس نحو الخير و الصلاح و قد اشتهر من بين أفرادها المترجم له الذي ولد في حدود سنة 1267ه. وصف المترجم له أحد معاصريه قائلاً : كان شيخاً كبيراً معتدل القامة و كان صبيح الوجه يخضِّب لحيته بالحناء يرتدي العمّة البيضاء. و هو يقيم في إحدي حجرات الصحن الحيدري في النجف الأشرف من جهة باب القبلة. و يجتمع عنده العلماء و الشعراء الذين عاصروه كالسيد جعفر الحلي و السيد محمد سعيد الحبوبي و الشيخ محمد جواد الشبيبي و الشيخ عبد الحسين الحويزي و السيد إبراهيم الطباطبائي و الشيخ محمد السماوي و أضرابهم. و كان أديباً بارعاً و هو من الشعراء المكثرين طرق أبواب الشعر و نظم في الأئمة عليهم السلام ورثي أعلام عصره و كان له علاقة و ثيقة بالمرجع الديني الكبير الإمام المجدد السيد ميرزا حسن الشيرازي و كان مراسلاً له في قصيدة قالها في حاجة له ورثي السيد المجدد أيضاً بقصيدة رائعة أثبتها الخاقاني في شعراء الغري. و قيل إنه كان يكثر من الجدل و النقاش العلمي حول معرفة مغازي الأبيات التي يعسر فهمها علي الأدباء و كثيراً ما كان يقصر نقاشه علي شعر الشريف الرضي ويتوسَّع في توضيح أبياته و كشفها بأسلوب لا يخلو من خيال و توجيه مبتكر يسنده بلباقته المعروفة، و كان رقيقاً يرصد النكتة و يبدع فيها و يقسو إذا حضرت المناسبة حتي نفسه و لعلّه هو مصداق لقوله صلي الله عليه و آله و سلم الله (المؤمن حزنه في قلبه و بشره في وجهه). و افته المنية عام 1335ه و دُفن في صحن الإمام أميرالمؤمنين عليه اسلام. و ذكره جمع من كبار الكتّاب أمثال الشيخ الطهراني في «نقباء البشر» و ترجم له صاحب «ماضي النجف و حاضرها» و الخاقاني في «شعراء الغري» و السيد جواد شبّر في «أدب الطف» و غيرهم.
2- الرزء جمعها أرزاء: المصيبة العظيمة و المقصود بها هنا وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

يا نَكْبةً عَمَّتْ علي كلِّ الوَري *** عَمَّتْ علي الآفاقِ و الأرجاءِ

وَ مُلِمَّةٌ ضاقَتْ لها سَعَةُ الفَضا *** شَطَّتْ شَوارِدُها علي الجوزاءِ

وَدُجُنَّةٌ سُدِلّ الظلام بها علي *** كلِّ الأنامِ وعمَّ بالظَّلْماءِ(1)

فَغَدالَهَا الإِسْلامُ ثاكِلَ غُرَّةٍ *** وَالمُسْلِمُونَ بَكَوْهُ أيَّ بُكاءِ

اليَوْمَ أَضْحَي الدَّينُ يَبْكِيهِ أَسًي *** وَبَكَتْ لَهْ أَمْلاكُ كُلِّ سَماءِ

اليَوْمَ أَوْحَشَ مِنْهُ والخُطَبُ الَّتِي *** كَبُرَتْ بَلاغَتُها عَلَي الخُطَباءِ

باللهِ رُزْءُ محمَّدٍ أوْهَي(2) القُوَي *** وَطَوَي الضُّلُوعَ وَمَسَّ في الأحْشاءِ

اليَوْمَ قَدْ ثَكِلَتْ أباها فَاطِمٌ *** نَكِلَتْ أباها أَرْأَفَ الآباءِ

مَنْ ذا يُعَزّي المرتَضي في المُصْطَفَي *** وَالأَنْبِيا في سَيَّدِ الأُمَناءِ

مَنْ ذا يُعَزّي المجتبي في جَدِّهِ *** الحسنَ الزَّكيَّ وسيِّدَ الشُّهَداءِ

وَمَهابِطَ الوَحْيِ الَّتِي قَدْ عُطِّلَتْ *** وَلِرُزْئِهِ عَمَّتْ حِمَي البَطْحاءِ

وَتَعِجُّ فَاطِمَةٌ بِقَلْبِ وَالِهٍ *** وَحَشاً مُسَجَّرَةٍ بِلا إِطفاءِ(3)

أَبَتَاهُ قد أَصْبَحْتُ نَهْبَ حَوادِثٍ *** هَتَكَتْ صُرُوفُ الدَّهْرِ سِرَّ غواءِ

دارَتْ عَلَيَّ النَّائِباتُ بأسْرِها *** لم يَبْقَ لي جَلَدٌ علي البَلْواءِ

قَدْ كُنْتَ مِصْباحَ الوَرَي لِرَعِيَّةٍ *** تَجْلُو الظَّلامَ بِطَلْعَةٍ غَرَّاءِ

من للأرامِلِ واليَتَامَي كَافِلاً *** إذْ كُنْتَ تَكْفُلُها عَنِ البَأْساءِ

من ذا يَفُلُّ عِثَارَ رَكْبٍ ذاهِلٍ *** فَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ بِلا إغضاءِ(4)

ص: 400


1- الدجنّة : جمعها دجنّات: الظلمة الغيم المطبق الريان المظلم.
2- أوهي القوس: أضعفها.
3- تعجّ: ترفع صوتها بالبكاء علي أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. مشجرة محميّة مشتعلة.
4- فلَّ الشيءَ: أخذ منه جزءا ً، و العثار: ما عُثِرَ به، الشر، المكروه، المهلكة، وفلَّ العثار، منع أسبابه أو قلَّلَ منها ، و الركب الذاهل: أمة النبي صلي الله عليه و آله و سلم بعد وفاته، ويقيل عثرته: ينهضه من سقوطه.

(45) بشراك يا دينا عليها السلام

( بحرالسريع)

الحاج علي الفراتي (*)(1)

أشرقتِ الدُّنيا معُ السماءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ

***

أشرقتِ الدُّنيا وسبعُ العُلي *** وغمُّ أهلِ الكونِ قد جَلا(2)

بمولدِ البضعةِ سرِّ الولا *** طابَ الهنا وعيشنا قدحَلا

وغنّتِ الطيورُ بالهناء *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ

***

قد ولدتْ بضعةُ خير الوري *** ونورها عمَّ السما والثَرَّي

جلالُها في الكونِ لن يُخصرا *** و للإياء والعُلي مظَهْرا

قد زانَها الإلهُ بالكِساءِ *** بمولد الصدّيقةِ الزهراءِ

***

ص: 401


1- (*) هو الشاعر الحاج علي الفراتي وُلد في كربلاء المقدسة عام (1349ه_) وسط عائلة عجنت بماء الولاء العلوي ، فهو أخ لشاعر وأب لشاعر أيضاً. تلقي دروسه الأولي في القراءة و الكتابة و دروس القرآن الكريم لدي مشايخ عصره، و تأثر بشعراء كربلاء منذ صغره منهم، الشيخ كاظم المنذور، و له دواوين شعرية مطبوعة بكافة أطوار وأذواق الشعر الحسيني، بعنوان (حسينيات الفراتي) و ما زال الشاعر يزجي قريحته لآل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بعاطفة صادقة وإيمان حار.
2- جلا: إنزاح.

بُشراكِ يا دنيا ببنتِ الرسولْ *** فاطمةَ الزهراءِ أصلِ الأصولْ

و إنّها البتولُ نعمَ البتولْ *** بفضلها الظلامُ سيزولْ

عالِمةٌ و منَهَلُ الرَّجاءِ *** بمولدِ الصدّيقة الزهراءِ

***

رِاضِيةٌ رَضِيَّةٌ مرضيةْ *** رَقِيَّةٌ تَقيَّةٌ نَقيّةْ

أَصيلةٌ جليلةٌ أَبيَّةْ *** أمُّ أبيِها و هيَ الزَّكِيَّةْ

شَفِيعةٌ في عَرصةِ الجزاءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ(1)

***

بُشري نزفُّ لنبيِّ الأنامْ *** جاءت إلي الوجودِ شمسُ الوئامْ(2)

بنورهِا حقاً يزولُ الظلامْ *** وفضلها علي الوري مُستدامْ

ونورُها قدعمَّ في الأرجاءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ(3)

***

سَلْ هل أَتّي و سورةَ الكوثرِ *** ومجدَهَا في البرَّ والأبحُرِ

كريمةُ في السرِّ والظاهرِ *** وقطبُ هذا الألَقِ الباهرِ

ونورُها قد شعَّ في الفضاء ِ *** بمولدِ الصدّيقهِ الزهراءِ

***

ربّي بحقِ ثالثِ الأنوارِ *** سلميةِ أحمدِ المختارِ

و بعلِها حيدرِ الكرارِ *** نجِّي مُحِبِّيها من الأخطارِ

وَرُدَّنا لأرضِ كربلاءِ *** بمولِد الصدّيقةِ الزهراءِ

ص: 402


1- عرصة: جمعها عرصات و هي.
2- الأنام: البشرية. الوئام: التوافق.
3- الأرجاء: جهات الكون.

(46) في آية التطهير

(بحر الكامل)

الشيخ علي منصور المرهون

حُقَّ البكاءُ لِفاطِمَ الزَّهْراءِ *** بِنْتِ النَّبيِّ كَرِيمةِ الآباءِ

بنتِ النبيِ حليلُها خيرُ الوري *** أبناؤُها هُمْ خِيْرَةُ الأَبناءِ

كلُّ النسا مِن دونِها فضلاً و لا *** مثلُ البتولةِ من بني حوّاءِ(1)

في آيةِ التطهيرِ فاقرأْ فَضْلَها *** تُعطيكَ درساً ظاهرَ الأَنْباءِ

في (قُل تَعَالَوا) فاقرأَنَّ مَنَاقِباً *** تُنْبِيكَ حَقاً عن عَظِيمِ وِلاءِ(2)

آيُ المودّةِ لاِيُشَكُّ بأَنَّها *** فَرَضَتْ مَحَبَّتَها بلا إخْفاءِ(3)

ص: 403


1- انظر الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء، للإمام شرف الدين العاملي، و فيه يورد الأدلة القاطعة من الكتاب و السنة نقلاً من كتب العامة المعتبرة. و انظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة و غيرها عند السنة و الجماعة للفيروزآبادي فصل الزهراء «سلام الله عليها» و انظر فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن للسيد صادق الشيرازي و غيرها.
2- إشارة إلي آية المباهلة. تُنبيك: أصله تُنبئك، بمعني تُخبرك.
3- هي قوله تعالي في سورة الشوري: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» سورة الشوري/آية23. و قد روي العلامة البحراني عن صحيح البخاري في تفسير الآية المذكورة، بإسناده المتصل بابن عباس أنه سأل عن قوله تعالي: «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» فقال سعيد بن جبير : قربي آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و روي هو أيضاً عن مسند أحمد بن حنبل بسندٍ متصل بسعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لما نزل قوله تعالي:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاً...» سورة الشوري/ آية: 23، قالوا يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قرابتُك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم؟ علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و ابناهما عليهم السلام. و أخرج هذا النص بهذا السند أيضاً إبراهيم بن معقل النسفي الحنفي في تفسيره بهامش تفسير الخازن ج4 ص94. و أخرج مثله الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص368، و نحوه ابن الصباغ المالكي في مقدمة الفصول المهمة و الشافعي الحمويني الجويني في فرائد السمطين ج1 الباب الثاني و الخوارزمي الحنفي في كتابيه المقتل و المناقب و الزمخشري في الكشاف و استدل علي اعتباره بروايات كثيرة، و قد نصّ عليه الكثير من المفسِّرين و المؤرِّخين و المحدثين منهم الطبري في تفسير جامع البيان، و أبونعيم في حلية الأولياء ج3 ص201، و كذلك الإمام الرازي في التفسير، و محب الدين الطبري في ذخائر العقبي ص25، ابن جحر الهيثمي -علامة الشوافع في مجمع الزوائد ج7 ص103، و السيوطي في الدر المنثور عند تفسير الآية و المتقي الهندي في كنز العمال ج1 ص218، و العلامة الشبلنجي في نور الأبصار ص101، و كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن.

نُورُ النُّبُوَّةِ نُورُها مِنْهُ سَمَتْ *** أَنْوَارُ ساداتِ الوَرَي الأُمناءِ

هي بَضْعَةُ المُخْتَارِ يَرْضَي إِنْ رَضَتْ *** يَوْماً وَ يَسْخَطُ إِنْ دَعَتْ بِعَناءِ

أَجْرُ الرِّسالةِ في مَوَدَّةِ فاطمٍ *** وَ عَلِيِّ الكرارِ و الخُلفاءِ(1)

لكِنَّ أَصْحابَ النَّبِي لَمْ يَرْقُبُوا *** في آله إلاَّ فَأَيُّ ولاءِ(2)

عادَوْهُمُ آذَوْهُمُ حتي اغْتَدَتْ *** أَجْسادُهُمْ غَرَضاً لِكُلِّ بَلاءِ

هذِي البَتُولَةُ رُوِّعَتْ ما بَيْنَهُمْ *** مِنْ بَعْدِهِ مِنْ قَبلُ جَفَّ ثَرَاء(3)

ما انْصَفُوا أَعْداؤُها إِذْ أَوْدَعوا *** في قَلْبِها حُرَقاً مِنَ الأَرْزاءِ

قَدْ زَوِّرُوا في مَنْعِها ما أَحْدَثُوا *** بدعاً تَدُومُ عَلَي الوَرَي بِبَلاءِ(4)

سامُوا(5) ابْنَةَ المختارِ فيما بَيْنَهُمْ *** ذلاً، هواناً، مِحْنَةً بِجَفَاءِ

ص: 404


1- روي الزمخشري في الكشاف، في سبب نزول آية المودة الآنف ذكرها، رواية جاء فيها: أن الأنصار فاخروا بعض بني هاشم، فعاتبهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم بذلك، فجثوا علي الركب، و قالوا: أموالنا و ما في أيدينا الله و لرسوله، فنزلت الآية، فقرأها عليهم. و المراد من الخلفاء هم عترة الرسول و أهل بيته المعصومون.
2- الإلُ: العهد و القرابة.
3- ثراء: أي إنه لذو عدد و كثرة مال.
4- هذا البيت و ما قبله و ما بعده إشارة إلي حادث السقيفة و فدك و الهجوم علي الدار وإضرام النار.
5- ساموا: أي اذاقوها الذل و العذاب و ظلموها حقَّها.

(47) مولد الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الحاج علي يوسف المتروك (*)(1)

طَائِرُ الْبِشْرِ فِي رُبَي الْبَطْحَاءِ *** يَتَغَنَّي بِمَوْلِد الزَّهْرَاءِ(2)

وَ تَنَادَتْ جِبَالُ مَكَّةَ زَهْواً *** حِينَ هَلَّتْ بِنُورِهَا الْوَضَّاءِ(3)

هَلَّ بِالْيُمْنِ مُتْرَعاً بِالأَمَانِي *** وَ تَعَالَي النَّداء تِلْوَ النَّداءِ(4)

ص: 405


1- (*) هو الأستاذ الفاضل الحاج علي ابن الحاج يوسف ابن الحاج علي المتروك. ولد المترجَم له بالكويت سنة (1352 ه_) الموافق لعام ( 1934م) و بحكم بيئته و سلفه الصالح نشأ علي حب الخير و الفضيلة. و أسرة المتروك من الأسر المعريقة المعروفة في الكويت. درس المترجَم له في المدرسة المباركية و التحق بالمعهد البريطاني لدراسة اللغة الإنجليزية، و كذلك بالمعهد التجاري في الكويت إلي جانب تثقيف نفسه بكتب اللغة و الأدب و التاريخ. تدرّج في عدة وظائف و آخر وظيفة كان يشغلها هي مدير عام أملاك الدولة بدرجة وكيل وزارة و في سنة (1972م) ترك العمل الوظيفي لينصرف إلي العمل التجاري الحرّ. و هو يعدّ نموذجاً للخلق الرفيع و النفس العالية و محبوباً عند مختلف الطبقات أزْيَحي الطبع ذكياً رقيق الأسلوب معروفاً في الأوساط وفيّاً مع أصدقائه و معارفه، و قد تعرّفت عليه في ديوان المرحوم الحاج محمد قبازرد «تغمّده اللَّه بواسع رحمته» فوجدته مثالاً للفضيلة و الخير. و المترجم له أديب و شاعر مرموق يقرض الشعر، و له إلمامات أدبية و إطلالات في بعض الصحف اليومية عبر مقالات سياسية بين الحين و الآخر. كما أن للأستاذ المتروك ديواناً عامراً للضيافة يرده الخاص و العام في كل أسبوع ليلتين هما (السبت و الثلاثاء) و أكثر روّاده من الطبقة المثقفة و أصحاب الوجاهة و أهل الخير.
2- البطحاء: مسيل الوادي فيه دقاق الحصي و المراد مكة، لاشتهار بطحاء مكة، و شيخ البطحاء أو الأباطح هو أبوطالب.
3- زهواً: فخراً.
4- اليُمن: البركة. مُترَعاً: مملوءاً.

وَ الصَّبَاحُ الْجَمِيلُ أَوْرَقَ مِنْهُ *** كُلُّ أَزْهَارِ دَوْحِهِ الْمِعْطَاءِ

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي عَنِ الْوَصْفِ جَلَّتْ *** وَ سَمَتْ فَوْقَ هَامَةِ الْجَوْزَاءِ(1)

فِيكِ يَحْلُو النَّشِيدُ حُلْوَ الْمَعَانِي *** وَ يَعُمُ الضِّيَاءُ عالِي السَّناءِ(2)

وَ تُعِيدُ الأَيَّامُ أَصْدَاءَ وَحْي *** فِيهِ بِالْفَضَلِ خُصَّ أَهْلُ الْكِسَاءِ

سَيِّدُ الخَلْقِ وَ الْهُدَاةُ الْمَيَامِينُ *** مِنَ الغُرِّ آلِهِ النُّجَباءِ(3)

مَنْ تَخَلَّي عَنْهُمْ تَخَلَّي عَنِ اللَّهِ *** كَمَنْ باتَ هَائِماً بِالعَرَاءِ(4)

مَا تَلَوْنَا الكِتَابَ إِلاَّ وَ كَانَتْ *** فِيهِ للآلِ وَ مَضَةٌ لِلثَّنَاءِ(5)

تَتَجَلَّي الأَسْرَارُ فِي مَا رَوَيْتُمُ *** وَ سَلَكْتُمُ فِي الْبَدْءِ وَ الإِنْتِهَاءِ

نَحْنُ مِنْ طِينَةِ الْوِلَاءِ خُلِقْنَا *** وَ سَتُطْوَي أَعْمَارُنَا بِالوِلاءِ(6)

ص: 406


1- الجوزاء: نجمة يضرب بها المثل في العلو و الارتفاع.
2- السناء: النور و الضياء.
3- الميامين: جمع ميمون و هو المبارك. و الغرّ: البيض الكرام، النجباء: و هو الفاضل النفيس في نوعه.
4- هائماً: ذاهباً لا يدري أين يذهب. العراء: الصحراء.
5- و مضة: لمعة البرق.
6- إشارة إلي أخبار الطين، التي تقضي بأن طينة الشيعة و الموالين هي من طينة الأئمة و المعصومين عليهم السلام. راجع بحار الأنوار ج 22/15 / ح35 و 36 تاريخ نبينا صلي الله عليه و آله و سلم باب بدء خلقه و ما يتعلق بذلك، و ج61 ص45، و ج67 ص127، و سفينة البحار، تحت لفظة طيئة.

(48) أم الأئمة عليها السلام

(بحر الكامل)

السيد غياث آل طعمة (*)(1)

قَدْ كانَ فِي أَرْضِ الحِجَازَ عَناءُ *** فَدَمٌ يُراقُ و تُستَباحُ نِساءُ

وَ النَّاسُ لا أَمْنٌ فَيَهْدَأَ بَالُهُمْ *** بَلْ قاتِلٌ وَ مُضَرَّجٌ وَ فِداءُ

إِذْ مَنَّ رَبُّ النَّاسِ بِالنُّورِ الَّذِي *** مِنْ بَعْضِهِ تَتَنَوَّرُ الأَرْجاءُ

بَعَثَ النَّبِيَّ بِشِرْعَةٍ بَنَّاءَةٍ *** قَدْ قال فِيها: إِنَّهَا سَمْحَاءُ

ص: 407


1- (*) هو السيد غياث ابن السيد جواد ابن السيد حسين ابن السيد جواد ابن السيد حسون ابن السيد أمين ابن السيد جواد ابن السيد أحمد ابن السيد يحيي آل طعمة من آل فائز الموسوي الحائري. ولد المترجم له في مدينة كربلاء المقدسة في يوم الاثنين (1956/4/21م) الموافق لسنة (1375ه_) و نشأ بها، أكمل دراسته الابتدائية و المتوسطة و الإعدادية في مدارسها ثم أكمل دراسته في كلية الإدارة و الاقتصاد بجامعة بغداد. و في سنة 1980 م غادر العراق إلي إيران، و عمل في مؤسسة آل البيت عليهم السلام و اشترك ضمن العمل الجماعي في تحقيق بعض كتب الحديث و الفقه (كمستدرك الوسائل) و (وسائل الشيعة) و (جامع المقاصد) و(منتهي المطلب) و غيرها. و في سنة (1986م) وفّق بحمد الله لأن يسلك خدمة المنبر الحسيني و ما يزال و يسأل الله التوفيق لذلك. و قد ظهرت موهبته الخطابية أكثر عندما هاجر من إيران إلي الأراضي البريطانية و صار من الخطباء المعروفين فيها. تعلق مترجمنا بالشعر منذ الصغر و خاصة الشعر الذي يختص بأهل البيت عليهم السلام، و كان يهوي نظمه خاصة عندما يحلّق المرء في آفاق شعر الفطاحل كالكميت و أبي فراس و السيد حيدر الحلي من المتأخّرين و أضرابهم و قد انحصر أغلب نظمه المتواضع في هذا المجال، و طبع له مؤخراً ديوان... و لايزال يمارس دوره الخطابي و الثقافي في مختلف الأبعاد؛ وفّقه الله لكل خير و سدّد خطاه.

فَدَعَاهُمُ فَتَكَالَبُوا لِجَهَالَةٍ *** وَ النَّاسُ مَا جَهلُوا لَهُ أَعْدَاءُ(1)

فَإِذَا الأَمِينُ بِلا أَمانٍ يُرْتَجَي *** بَلْ قَسْوَةٌ حَفَّتْ بِهِ وَ جَفَاءُ(2)

لَكِنَّهُ يَأْوِي لِحِصْنِ خَدِيجَةٍ *** فَيَزُولُ عَنْهُ الهَمُّ وَ الإِعْياءُ

وَ تَشاطرا مُرَّ الحياةِ وَحُلْوَها *** مِنْهَا العَطا وَ مِنَ النَّبِيِّ ذَماءُ(3)

للهِ كَدُّهُمَا، وَ ما مِنَ غايةٍ *** الأهُ وَ العِشقُ العظيمُ عَطاءُ

فَحَباهُما الرَّحْمَنُ خَيْرَ هَدِيَّةٍ *** ثَمَرُ الجِنانِ بِناؤُها المِعْطاءُ

وَ غَدَتْ أنيسَةَ أُمّها في بَطْنِها *** تُجْلِي الهُمُوم فَيُسْتَطَابَ هَناءُ

حَتّي أَضَاءَ الكونُ بالقَبْسِ الذي *** سَرَّ النَّبِيَّ فَوَجْهُهُ وَضَّاءُ

وَ اليَومَ قَرَّتْ أَعْيُنٌ إِذْ أُخَبِرَتْ *** وُلِدَتْ لِتَنْثُرَ خَيْرَهَا الزَّهْراءُ

زَهْراءُ طَهَ، مَنْ تَدَبَّرَ أَمْرَها *** سَيَحارُ، فَهيَ عَلَي العُقُولِ عَماءُ

سِرِّ خَفِيُّ الكُنْهِ ما أدراكَ مَنْ *** بنتُ الرسول؟ وَ هَلْ كذاك نَماءُ؟

هِيَ مُلتقي الأنوارِ و السِّرُّ الَّذِي *** فُتِقَتْ بِهِ أَرْضٌ لَنا وَ سَماءُ

هيَ نَفْحُ قُدْس قد أُديِفَ بطيئَةٍ *** فَإذا بها إنْسِيَّةٌ حَوْراءُ(4)

هِيَ بَضْعَةُ المُخْتارِ و النُّورُ الَّذِي *** لَوْلا عَلِيٌّ ما لَهُ أَكْفاءُ

وَ هِيَ الَّتِي خَيْرُ الرِّجالِ بِبابِها *** خَدَمٌ وَ ساداتُ النِّساءِ إِماءُ(5)

إنْ تَرْضَ يَرْضَ اللَّهُ، أَوْ غَضِبَتْ عَلَي *** عَبدِ فَلَيْسَ سِوَي الهَلاكِ جَزَاءُ

أُمُّ الأَئِمَّةِ و المناقبُ جَمَّةٌ *** أَيُحِيطُ عَلْياءَ البَتُولِ ثَناءُ؟

لكِنَّنِي أَرْجُو النَّجاةَ بِذِكْرِها *** فَظِلالُها يَوْمَ الجَزاءِ وَقاءُ(6)

فَعَسَي تَمُنُّ بِنَظْرَةٍ فَوْزِي بِها *** حَتْمٌ، فَلَيْسَ بِغَيْرِ ذاكَ نَجاءُ

ص: 408


1- مقتبس من قول أميرالمؤمنين عليه السلام: «الناس أعداء ما جهلوا» نهج البلاغة، الكلمة 172 من قصار الكلمات.
2- الجَفاء: قساوة القلب.
3- الذَّماء: السعي و الحركة.
4- أُديف: خُلِطَ.
5- أمثال سلمان و أسماء بنت عميس.
6- العوالم ج 11 في أبواب وقوفها في الحشر، و كيفية خروجها علي الأشهاد و تعلّق المحبين بأذيال مرطها و ردائها.

(49) سر الوجود

(بحر الخفيف)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

كَيْفَ أَسْلُو وَ نَكْبَتِي فَقْماءُ *** وَ بِقَلْبِي أَحاطَتِ الأَرْزاءُ(2)

خَلَّني و الْبُكا وَ إِنْ كُنْتُ أَدْرِي *** لَيْسَ يُجْدِي بَعْدَ الحَبِيبِ البُكاءُ

ص: 409


1- (*) هو العلامة الشيخ فرج بن حسن بن أحمد بن حسين بن محمدعلي بن محمد بن عبداللَّه بن فرج بن عبد اللَّه بن عمران القطيفي. ولد في القطيف ليلة الجمعة في الثاني من شهر شوال سنة (1321 ه) وقد أرَّخَ ميلاده بأبيات قالها في المناجاة: رَجَوْك غفراناً كما قد أتي *** في مولدي تاريخه (اغفر لي) و (آل العمران) أسرة معروفة في القطيف لها مكانتها المرموقة في أوساط القطيفيين، و قد تخرّج منها عدد كبير من رجالات الفضل و العلم الذين يحظون بمكانة مرموقة، من بين هؤلاء نبغ شيخنا المترجم حيث ولد و ترعرع في أحضان أسرته الفاضلة، فنشأ نشأة صالحة كريمة، و تعشّق العلم منذ نعومة أظفاره فدرس علي أساتذة عصره أصحاب الفضيلة علماء بلاده القطيف، و في سنة (1356 ه_) هاجر إلي مدينة العلم و الأدب (النجف الأشرف) و بقي فيها زمناً يرتشف منها، فأنهي الكتب المنهجية المقررّة في الحوزة علي يد فطاحلها و عباقرتها ، ثمَّ عادَ إلي وطنه و هو يحمل شهادات عالية من علماء النجف تشهد له بطول الباع وسعة الاطلاع و الفضل و الفضيلة و الورع و التقي و الصلاح وكيلاً من قبلهم، و كانت له شهرة واسعة في القطيف فكان مرجع الرأي العام و موئل القاصدين من ذوي التدين و طالبي الحقيقة فكان يعدّ من أنفع رجالات الدين في مجال العلم و الخدمة الاجتماعية. اشتغل بالتدريس و التأليف حتي نتج من قلمه الكثير النافع من التأليف القيّمة كان من أهمها موسوعته (الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية) و ديوانه المسمي ب_«الروض الأنيق» و هو في أهل البيت عليهم السلام مدحاً و رثاءً.
2- نكبتي: مصيبتي و فقماء عظيمة، من تفاقم الأمر بمعني تعاظم.

عزَّ مِنّي العَزَا وَ هَل بَعْدَ فَقْدِي *** سَيْدَ الرُّسُلِ سَلْوَةٌ وَ عَزاءُ(1)

يا فَقِيداً مِنْ بَعْدِهِ انقَطَعَ الوَحْيُ *** وَ عِلْمُ الغُيُوبِ وَ الأَنْباءُ

وَ اسْتَحالَتْ أَيَّامُنا البِيضُ سُوداً *** بَعدَما أَزْهَرَتْ بِهِ الظَّلْماءُ(2)

و انْتَنَتْ بَعْدَهُ العقولُ بِتَيْهاءِ *** ضلال تَصُدُّها الأَهواءُ(3)

ضَلَّ قَوْمٌ بالانْقِلابِ علي *** الأعْقابِ مِنْ بَعْدِهِ و لِلْجَهْلِ فاؤوا(4)

بعدما أَوْضَحَ الهُدَي وَ أَبانَ الحَقَّ *** فَالْحَقُّ ما عَلَيْهِ غِطَاءُ

لاتَسَلْ عَنْ تَفْصِيلِ ماكانَ فَالاً *** لسُنُ في شَرحِ حالِهِ خَرْساءُ

وَ ابْكِ شَجُواً لِفَقْدِهِ فَهُوَ رُزُءٌ *** صَغُرَتْ فِي قُبالَتِهِ الأَرْزاءُ(5)

ماتَ سِرُّ الوُجُودِ خَيْرُ البَرَايَا *** فَلْتَمُتُ بَعْدَ مَوْتِهِ الأَحْياءُ

إِنَّما قَرَّتِ السَّما بارتقا الرُّوحِ *** وَ قَرَّتْ بجسمِهِ الغَبْراءُ(6)

لستُ أنْسَي البتولَ إِذْ أَقْبَلَتْ *** لِلْقَبْرِ تَنْعَي وَ لَيْسَ يُجْدِي النُّعاءُ(7)

أخَذَتْ مِنْ صَعِيدِهِ وَ هُوَ مِسْكٌ *** عَطَّرَ الخافِقَيْنِ منهُ الذَّكاءُ(8)

ثُمَّ شَمَّتَهُ وَ هيَ تُنْشِدُ (ماذا) *** راقَ ذاكَ الإنشادُ و الإنشاءُ(9)

ص: 410


1- عزّ العزاء: فقد الصبر و السلوي. و السلوي و السلوةَ و السلوان: الصبر و التسلي.
2- أزهرت: أنارت و أضاءت.
3- تيهاء: متاهة و تيه.
4- فاؤوا: رجعوا.
5- الشجو: الهم و الحزن الأرزاء:جمع رزيّة، و هي المصيبة.
6- الغبراء: الأرض.
7- تنعي: تدعو بموت الميّت و تُشعر به، من نعاه يَنْعاه نعياً و نُعياناً. و أمّا النُّعاء: فهو صوت السَّنور، جاءت من نعا ينعو بمعني صات. و إنما لجأ الشاعر إلي «النُّعاء» اضطراراً، و هو يريد بها النعي و النُّعيان.
8- صعيده: ترابه أو قبره. و الذَّكاء للريح و العطر: شدة رائحته. الخافقين: المشرق و المغرب.
9- في الفصول المهمة ص132، و الدر المنثور ص360 و غيرهما: أن الزهراء عليها السلام بعد أن دفن و الدها الرسول العظيم صلي الله عليه و آله و سلم، أخذت قبضةً من تراب قبره الشريف و شمّتها، و أنشأت تقول : ماذا علي من شمَّ تربةَ أحمدٍ *** أنْ لا يشمّ مدي الزمان غواليا صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنها *** صُبَّت علي الأيّام صرنَ لياليا و في كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد القزويني ص311 و سفينة البحار للقمي تحت لفظة (رثا) نقلاً عن (الدر النظيم) للشيخ جمال الدين الشامي: أنها سبعة أبيات مع ما نقلناه، و اختار المحقق في المعتبر، و الشهيد الأوّل في الذكري البيتين المذكورين فقط. أما رواية السفينة و القزويني، مع تفاوت بينهما يسيرٍ في جعل البيت الأوّل هو البيت الأخير أو الأوّل، فهي: قل للمغيَّب تحت أثواب الثري *** إنْ كنت تسمع صرختي و ندائيا صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنَّها *** صُبَّت علي الأيّام صرن لياليا قد كنتُ ذات حميَ بظلِّ محمدٍ *** لاأخشَ من ضيم، و كان حمي ليا فاليوم أخضعُ للذليل و أتَّقي *** ضيمي، و أدفعُ ظالمي بردائِيا فإذا بكت قُمريَّةٌ في ليلِها *** شَجَناً علي غُصْن بَكَيْتُ صباحيا فلاجعلنَّ الحزنَ بعدَك مؤنسي *** و لأجعلنَّ الدمعَ فيك و شاحِيا ماذا علي من شمَّ تربة أحمدٍ *** أنْ لا يشمَّ مدي الزمان غواليا

أَبَتا يا حِمّي بِهِ يَلْجَأُ اللأجِي *** وَ بَدْراً بِنُورِهِ يُسْتَضاءُ

غِبْتَ عَنَّا فَأَظْلَمَ الْعَصْرُ لَمّا *** غِبْتَ عَنّا وَ اغْبَرَّتِ الأَرْجاء

وَ عَلَيْنا صُبَّتُ خُطُوبٌ لو الشُّمُّ *** وَعَتْها عادَتْ وَهُنَّ هَباءُ(1)

لَستُ أَهْوَي إِلالِقاكَ سريعاً *** ليتَ شِعري متي يَكونُ اللَّقاءُ

لَسْتُ أسْلُوك أو تُرِيني المُحَيَّا *** كَيْفَ أَسْلُو وَ نَكْبَتِي فَقْماءُ(2)

ص: 411


1- وعتها: حملتها و تحملتها من قولهم: حمل الوعاء الماء و الخطوب: المصائب و الأمور العظيمة، و الجبال السمّ: العالية منها.
2- المحيّا: الوجه و الألف و اللام وقعتا موقع المضاف إليه المحذوف فكأنه قال: أو تُريني مُحيَّاك.

(50) الطهر البتول عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي (*)(1)

ص: 412


1- (*)هو الشيخ كاظم ابن الحاج محمد صالح ابن الحاج عبد الحسين المطر الاحسائي. ولد في مدينة البصرة سنة (1312 ه_) و نشأ في أحضان الفضيلة و التقي تتجاذبه السمات الهاشمية من جهة الأم فأمه سيدة علوية هاشمية تنتمي إلي عائلة الغريفي المعروفة بالعلم و الفضل و التقي و الأدب و تتجاذبه السمات الحسينية من جهة الأب فأبوه الحاج ملا محمد صالح ابن الحاج عبد الحسين المطر، كان خطيب الخطباء في عصره ممن يشار إليهم بالبنان في مدينة البصرة و جميع أنحاء العراق و في أقطار الخليج العربي كالبحرين و عُمان و الإمارات. فهو قدوة الخطباء و عَلَمٌ من أعلام الأدب و لاغرو إذاً لو كان مترجمنا شاعراً عظيماً بعد العراقة الوراثية و التعزيزات الدراسية. درس علي فطاحل العلماءكالعلامة الكبير السيد عدنان السيد شبر الغريفي البحراني، و الشيخ عيسي الشيخ صالح الجزائري، و كان يذهب إلي النجف الأشرف بين الفينة و الفينة يستنير من علمائها خصوصاً العلامة الشيخ محمد رضا الياسين كما كان يستلهم علمه من علماء الاحساء كالعلامة الشيخ موسي بوخمسين و العلامة السيد ناصر الاحسائي. بدأ المترجم له حياته المنبريّة مع والده الحاج ملا محمد صالح ثم مع الخطيب الحاج ملا محمد حمزة العمراني و هو من المشهورين في البصرة في فن المنبر بالإضافة إلي ما كان معروفاً به من مكارم الأخلاق ثم مع خاله السيد سعيد إبن السيد محمد الغريفي و هو من الخطباء المبرزّين في المحمرة. و تفنن في الخطابة و ما لبث أن ذاع صيته و انتشر ذكره انتشار الطيب و صارت له صولات و جولات في سباق الفن و الأساليب المنبريّة مع قرنائه المميّزين كالحاج ملا أحمد الرمل و الحاج محمد عياش و الحاج ملا خضير «رحمهم الله جميعاً». و في البصرة لازم العلامة الشيخ حبيب بن قرين العالم المجتهد الذي رافقه إلي الأحساء و كان يتلقّي منه معارفه ملازماً له فترة وجوده هناك ثم قرّر أن يقيم في الأحساء إقامة دائمة جلب أثناءها أبناءه من البصرة ليعيشوا معه هناك. بدأ نظم الشعر في حياته الأدبية منذ حداثة سنه بعامل الوراثة. إذ أن أبوه من خيرة الشعراء و عامل الدراسة فامتاز شعره بالرصانة و الطبعية فتفنن بأنواع النظم و له الشيء الكثير في الغزل و النسيب و الوصف و المدح و الرثاء باستخدام شتي البحور و الأوزان من موشّح ومذيّل و بند و له الكثير من التخميس و التشطير و له مساجلات شعرية مع الشيخ محمد صالح قفطان و السيد عباس شبر و الشيخ عبد الكريم الممتن و الشيخ حسن الجزيري و الشيخ هادي الخفاجي خطيب كربلاء و كثير شعره في أهل البيت عليهم السلام و طبع له ديوان باسم (قلائد و فرائد) و مما لا ينكر أنه تخرج عليه عددَّ من الخطباء فتتلمذ علي يديه من أولاده الخطيب الحاج ملا جواد و الحاج ملا محمد صالح و من غيرهم ملا عباس بالمحمرة و الخطيب الحاج ملا طاهر الموسي و الخطيب ملا طاهر البحراني و غيرهم. و افاه الأجل في9/17/ 1390 ه_ عن عمر تجاوز السبعين عاماً.

ضَحِكَتْ بُرُوقُ الخِصْبِ بِالفيحاءِ *** فَهَمَتْ جُفُونُ غَمَامِها بِبُكاءِ(1)

وَ تَبَسَّمَتْ تِيكَ الرُّبُوعُ إِذِ اكْتَسَتْ *** مِنْهَا الرُّبي بِغَلائِلٍ خَضْراءِ(2)

رَقَصَتْ غُصُونُ الدَّوْحِ و التَّصْفِيقِ *** لِلأَوْراقِ إِذْ عَزَفَ النَّسِيمُ هَوائِي(3)

فشدا الهَزارُ و رَجَعَ القُمْرِيُّ *** بِالتَغْرِيدِ وَ التَّلْحِينِ لِلْوَرْقاءِ(4)

وَ خَمائِلُ الأَزْهَارِ طَرَّزَ وَشْيَها *** غَضُّ الأقاحِ بِصِبغةٍ حَمْراءِ(5)

وَ عَلَي مُنَضَّدَةِ الرَّياحِينِ اسْتَطالَ *** الْوَرْدُ فِي خَبَرٍ عَنِ الشُّعَرَاءِ(6)

ص: 413


1- الفَيْحُ: خِصب الربيع في سعة البلاد و الفيحاء: الواسعة. و همت: صبّت دمعها عن اللحياني و قيل: سال، دمعها و كذلك كُلّ سائل من مطر و غيره. انظر لسان العرب.
2- الربوع: الأحياء، و المواضع الخصيبة. و الرُّبي: جمع ربوة، بالتثليث في الباء: كلّ ما ارتفع من الأرض، و قد يُراد بها الديار. و بالغلائل أراد الغَلات و الغِلال جمع غلة و هي: الدخل من كراء دارِ و فائدة أرض و نحو ذلك، راجع المنجد.
3- الدَّوْح: جمع دَوْحَة و هي الشجرة العظيمة المتسعة.
4- شدا و رجَّع: غَنَّي. و القُمري و الأنثي قُمرية، الجمع قُمْرٌ و قماريّ: نوع من الحمام حسن الصوت و الهزار: طائر شبيه بالعندليب، أو هو نفسه، يضرب به المثل في حُسن الصوت و الورقاء: صفة الحمامة.
5- الخمائل: جمع خميلة: الشجر الكثيف الملتف و الأقاح، و قد يقال: الأقاحي: جمع أقحوان و هو نبت البابونج أو القُرَّاص، قال الجوهريّ: هو نبت طيّب الريح، حواليه ورق أبيض، و وسطه أصفر و الغضُّ: الطريُّ الناعم. و قد يجوز رفع (غضّ) علي أنه فاعل و (وشيَها) هو المفعول، و العكس أيضاً محتمل.
6- التنضيد: التنسيق و الترصيف و الإحكام و الخَبْرُ: الزَّرعِ أو الأرض التي ينبت فيها الزرع و الشجر، و لعلّ من ذلك كلمة (خيبر)، أو هما معاً فرعان لأصلٍ واحدٍ و المخابرة المزارعة، انظر لسان العرب علي أنني أحتمل وقوع التصحيف في كلمة (خبر)، فالمعني بناءً علي إثباتها ركيك و لايخلو من إغراب و تكلَف.

إيه رُبُوعَ أَحِبَّتِي وَ رَبيعَها *** الزَّاهِي وَمُزْهِرَ أُفُقِها اللأُلاء

ياما أُحَيْلاها أُويْقاتاً مَضَتْ *** فَضَّيْتُها برياضِكِ الغَنَّاءِ(1)

حَيْثُ الْهَوَي طَلْقُ العِنانِ إِذِ الصَّبا *** غَضٌّ، وَ عَنِّي الدَّهْرُ ذُوإغضاءِ(2)

حَيْثُ الرَّبِيعُ وَ وَرْدُهُ قَدْ أَشْبَهَتْ *** خَدَّ الحَبِيبِ بِحُمْرَةِ اسْتِحْياءِ

ما بَيْنَ نَدْمانِي غَداةَ أَدارَها *** صِرْفاً وَ ما مُرْجَتْ بِغَيْرِ هَناءِ(3)

حَتَّي كَأَنَّا وَ الشَّهِيَّ حَدِيثُهُ *** فِي ذِكْرِ مَوْلِدِ فاطِمَ الزَّهراءِ

مَوْلاتِنا الطُّهرِ البَتُولِ وَ بَضْعَةِ *** الهادِي الرَّسُولِ سُلالَةِ الأُمَناءِ

سَكَنِ الإِمامِ عَليَّ الضَّرْغَامِ أُمَّ *** المُصْطَفَيْنَ السَّادَةِ الأُمَناءِ

عِقْدٌ بِهِ انْتَظَمَتْ فَرائِدُ جَوْهَرِ*** الفَرْدِ الْعَلِيِّ وَ فِيهِ عَقْدُ وَلاءِ(4)

مشكاةُ نُورٍ كُلُّ نُورٍ فَرْعُهُ *** فِيهِ جَلاءُ غَياهِبِ الظُّلْماءِ(5)

ص: 414


1- الرياض: جمع روضة، و هي الأرض المخضرَّة بأنواع النبات. و الغنّاء: العامرة الكثيرة الشجر.
2- الإغضاء: الصدود، و إطباق الجفنين عن رؤية الشيء.
3- ما بين: مقلوب بينما. و الندمان الشريك الذي قد أدمن معه الشراب، و كثيراً ما يتغني الشعراء بهذه الكلمة و مقصودهم منها في الغالب علي غير حقيقتها، و الصرف، بكسر الصاد: الخمر الخالص، أو الخالص من كلّ شيء، و بفتح الصاد: التوزيع و التقليب و منه: تصريف الرياح و السحاب.
4- الجوهر: مصطلح فلسفي يعني الشيء الذي يقوم بذاته و لايفتقر إلي غيره، في مقابل العَرَض الذي يفتقر إلي غيره ليقوم به. و يستعمل علماء الكلام المسلمون الجوهر الفرد للدلالة علي الجوهر البسيط، و هو الجزء الذي لا يتجزأ، و لايصح عندهم إطلاق الجوهر الفرد علي الله «سبحانه»، لأنهما يستلزمان الجسميّة و الجزئية (الموسوعة العربية الميسرة) و المظنون أن الشاعر أراد بجوهر الفرد معني: الأصل المنفرد بذاته. و الفرائد: الجواهر النفائس. و العِقد، بكسر العين: القلادة، و هو بفتحها العهد و الميثاق.
5- المشكاة: الكوّة في البيت لانافذة لها، بحيث يوضع فيها المصباح عادة، أو هي المصباح نفسه. و المعنيان المذكوران هنا وردا في تفسير قوله «سبحانه»: «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» -سورة النور: آية 35. و الجلاء: الكشف. و الغياهب: جمع غيهب و هو الشديد السواد من الخيل و الليل، أو هو الظلمة نفسها.

للهِ نُورٌ قَدْ تَجَلَّي قَدْسُهُ *** يُمْناً وَ فَضْلاً عَمَّ كُلَّ مَسَاءِ(1)

حَتَّي إِذا شاءَ الإِلهُ نُزُولَهُ *** مِنْ صُلْبِ مَنْ هُوَ عِلَّةُ الأَشْياءِ

أَحْشَاءَ سَيِّدَةِ النِّساءِ خَدِيجَةٍ *** شَرَفاً لَها اسْتَدْعَاهُ كُلُّ وِعاءِ

فَإذا بها أُنْثَي، وَ ما فِيمَا بَرَي *** إِلاّ الْبَطِينُ لَها مِنَ الأكْفاءِ

يَهْنِيكِ أُمَّ الْمُؤْمِنينَ وَلِيدَةٌ *** سُدْتِ النِّساءَ بِها بِلا استِثْناءِ(2)

جنتِ العِبادَ بِخَيْرِ شافِعَةٍ لَهُمْ *** فِيهَا افْخَرِي حَتَّي عَلَي الشُّفَعاءِ

يا بِنْتَ أَكْرَمِ مُرْسَلٍ مُزَّمِلٍ *** مُدَّثِّرٍ بِرِداءِ كُلِّ عَلاءِ(3)

أنا واثقٌ بِالفَوْزِ فِي حُبِّي لَكُمْ *** وَ الصَّفَحُ مِنْكُمْ قابلٌ دَعْوائِي

ص: 415


1- قدسُه: مكانته و عظمته. و المقصود من النور المتجلي هي الزهراء عليها السلام.
2- يَهنيكِ: دُعاء بمعني: لِيَسُرَّكِ.
3- المزَّمِّل و المتزمّل: هو المشتمل بثيابه، الملتف بها. و المدَّثَر و المُتَدثْر: المتغطي بالثياب، و الدثار: الثوب الذي يُستدفأ به، أو يتغطّي به النائم. و مُدثّر برداء كلِّ علاء: إشارة إلي حديث الكساء، و نظائره.

(51) سيدة النساء عليها السلام

(بحر الوافر)

الشيخ كاظم السبتي (*)

خُذِي يَا عَيْنُ وَيحَكِ بِالبُكاءِ *** عَلي الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساءِ

(*) هو الخطيب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري، اشتهر بلقب (سبتي).

ولد في النجف الأشرف عام (1258 ه) من أبوين كريمين، توفي عنه والده و هو صغير، فنما و ترعرع في أحضان أمه فأحسنت تربيته و لما أحسّت منه الذكاء و الفطنة أودعته عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليتعلم مهنة حرة تساعده علي الحياة، ولكنه رغب عن صياغة الذهب و الفضة إلي صياغة الكلام و مجوّد النظام و سرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينهل منه برغبة و شوق فدرس المقدمات و ساعدته لباقته و حسن نبراته علي تعاهد الخطابة و ارتقاء المنبر، ليصبح في المستقبل من أقطاب الخطابة الذين تدور عليهم رحي المنبر الحسيني الشريف.

فأرهف إحساسه و ألهب شعوره اليقظ و هو بعد لم يبرح مكتب أستاذه، و لما أن قوي طموحه و اشتد ولعه بفن الخطابة و النياحة علي سيد الشهداء عليه السلام إلتحق بأحد مشاهير الذاكرين و استمر مصاحباً له يتغذي بعلمه و يلتقط صوراً من فنه تساعده علي الوصول إلي هدفه السامي.

انكبّ شيخنا المترجم له علي الدروس العلمية و الأدبية و استقي علومه و معارفه من مشاهير علماء عصره، و قد أبدع في توظيف ما تعلمّه في خدمة المنبر الحسيني حتي عدّ «رحمه الله» المجدّد لفن الخطابة، إذ كان أصحاب المنبر ذلك اليوم يكتفون في خطاباتهم علي رواية المقتل و أحداثه يوم عاشوراء، و إذا بخطيبنا يروي خطب الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام عن ظهر الغيب فتعجَب الناس و اعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة، ثم قام يروي السيرة النبوية و سيرة أهل البيت عليهم السلام كما يروي سيرة الأنبياء عليهم السلام و قصصهم في خطابات مركّزة وقوية، فتفوّق في هذا الأسلوب الجديد حتي أدي إلي اشتهاره في الأوساط العراقية و ربما تجاوز ذلك إلي البحرين و الكويت و إيران و سوريا.

فكان أول خطيب استطاع أن يتجوّل في المواضيع الأدبية و يحلّل أحداث التاريخ المغرض الذي كتبته أقلام السلاطين كما ينتزع من المباحث الدينية صوراً يستفيد منها المجتمع.

و من سماته في الخطابة استيلاؤه علي مشاعر السامع حتي يملكها و يوجّهها نحو الهدف الذي رسمه.

و يمكن الشيخ السبتي بقوة إلمامه و سحر بيانه أن يحظي بمكانة مرموقة لدي أعلام عصره مما حدا بهم أن يصرِّحوا في حقه بكلمات لم يصرّحوا بمثلها لأحد غيره مما يكشف عن قدرته العلمية و لياقته القدسية في هذا المجال.

فقد قال فيه الفقيه الأكبر الشيخ محمد طه نجف المتوفي عام (1323 ه) في الفاتحة التي أقامها العلامة المجاهد السيد علي الداماد، لبعض أعلام عصره: (ما قدّر الله قتل الحسين حتي سبق في علمه «عزّ وجل» أن يخلق الشيخ كاظم فيكون ذاكراً له و للشهداء معه ليؤسس عزّاً و عظمة للمنبر الحسيني، و إني لا أراه علي المنبر إلا ملكاً أنزله الله بصورة البشر).

و قال فيه أحد أساتذته الفقهاء و قيل انه المازندراني: (إن الله «تعالي» في خلقه لعناية إذ شوّق الشيخ كاظم بمهنة القراءة علي الحسين ليظهر بعض من جدّ في طلب العلم، و لولا ذلك لكان الشيخ أظهر أهل عصره من أقرانه من العلماء و أشهرهم اليوم). و ذكره صاحب الحصون فقال: (فاضل معاصر و أديب محاضر و شاعر ذاكر تزهو بوعظه المنابر).

و أوجز كلمة بليغة قالها فيه الخطيب الشهير السيد صالح الحلي (رحمة الله عليه) (الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول و يفهم ما يقول).

أجاب مترجمنا داعي الحق يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة (1342ه) و دفن في الصحن الحيدري قرب إيوان العلامة شيخ الشريعة.

ص: 416

صِلِي بِبُكاتِكِ الهادِي النَّبِيَّا *** وَ خَيْرَ الناس كلِّهِمُ عَلِيا

وَ وَاسِي بِدَمْعِكِ الحَسَنَ الزَّكِيَّا *** عليها و الشهيدَ بِكَرْبَلاءِ

***

لفادِحِ رُزيها بِالْقَلْبِ جُرْحُ *** دُمُوعُ العَيْنِ مِنْهُ دَماً تَسِحُّ(1)

وَ فِيهِ لِزَنْدِ ذاكَ الرُّزْءِ قَدْحُ *** فَيُذْكِي فِي الصَّباحِ وَ في المَساءِ(2)

***

أَلا شَلَّت يَدٌ مُدَّت إِلَيْها *** بِسَوطِ جَفاءٍ يُؤْلِمُ مَنْكِبَيْها

أَيَسْلُو القَلْبُ مَنْ أَبْكَي عَلَيها *** شرارُ الناس خيرَ الأنبياء

ص: 417


1- سَحِّ: سال و انسحَّ: انصبَ، وسحَ الماءَ يسحّه: صبّه يصبّه.
2- الزَّند، مثل عَبْد: العُود الأعلي الذي يقتدح النار، و الجمع أزنُدٌ و أزنادٌ و زُنُودٌ و زنادٌ.

لَضَلَّ شِرارُ قَوْمٍ جَرَّعُوها *** كُؤُوسَ الحَتْفِ وَ الهادِي أَبُوها

سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ لَوْ أَنْصَفُوها *** لَقامَ بنصرِها دانٍ ونائِي

***

يُؤَرِّتُها المُصابُ وَ هُمْ رُقُودُ *** وَ يَجْحَدُها اللَّيْيمُ وَ هُمْ شُهُودُ(1)

ص: 418


1- إشارة إلي بكائها الذي تبرّم منه المتخاذلون عن نصرتها في استرجاع حقِّها الذي جحدها إيّاه الشيخان، و لاسيِّما فدك: و التي لم تكن تعني في الواقع غير الخلافة. فقصة فدك باختصار: أنها منطقة غنيّة خصيبة كانت تحت أيدي اليهود بينها و بين المدينة المنوّرة مسافة ثلاثة أيّام، و عرفها في مجمع البحرين بأنها منطقة و اسعة تضرب بأجرانها ما بين جبل أحد و دومة الجندل و عريش مصر و سيف البحر. و بعد أن فتح اللَّه خيبر بقيادة أميرالمؤمنين عليه السلام، صالح أهل فدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي النصف، أو عليها كلّها -كما عن الجوهري و غيره- فقبل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم منهم، فكانت له صلي الله عليه و آله و سلم خالصةَ، لأنها مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. ثم لمّا نزل جبرئيل بقوله تعالي:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» الإسراء/ 26 أمر الرسول صلي الله عليه وآله و سلم بأن يدفعها إلي فاطمة عليها السلام. و شدّد صلي الله عليه وآله و سلم علي أن تبادر الزهراء عليها السلام بالتصرف فيها و يشهد بذلك القاصي و الداني، فكانت عليها السلام تتصرّف فيها أربع سنوات في حياة أبيها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. و قد نصّوا علي أن وكيلها فيها كان يجيء لها كل سنة بين ألفاً و السبعين ألفاً من الدنانير، فكانت تفرّقها علي الفقراء من بني هاشم و المهاجرين و الأنصار بحيث لم يكن يبق عندها ما يسع نفقة يومها هي مع أولادها. ولكن ما كاد الرسول صلي الله عليه وآله و سلم يودّع دار الفناء، و علي عليه السلام مشغول بتجهيزه و تكفينه عليه السلام، حتي فوجئت سيدة النساء عليها السلام بأبي بكر و عمر يطردان وكيلها و عمّالها من فدك و يستوليان عليها، فجاءت سلام الله عليها إلي أبي بكر تطالبه بفدك علي أنها نحلة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فطالبها أبوبكر بالبينة! فجاءت بعلي و بالحسن و الحسين عليهم السلام و بأم أيمن التي شهد لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بأنها امرأة من أهل الجنة، فشهدوا لها بذلك، فردّ أبو بكر الشهود، و كذلك عمر، بحجة أن علياً يجرّ إلي نفسه! و أن أم أيمن أعجميَة لا تفصح أو أنها صالحة ولكنّها لا تغني شيئاً، و في رواياتٍ أنه ردّ أم سلمة و أسماء بنت عميس أيضاً بحجة ميلهما إلي آل البيت عليهم السلام. فلم تسكت الزهراء عليها السلام، و طالبت بحقَها ثانية علي أنه سهم ذي القربي، فأفحم أبوبكر، و كتب لفاطمة عليها السلام بذلك كتاباً، لكنّ عمر انتهب الكتاب منها عليه السلام و مزّقه و بصق فيه، و قال لأبي بكر معاتباً: و ماذا تنفق -إذن- علي المسلمين و قد حاربتك العرب. ثم جاءت الزهراء عليها السلام ثالثة، و طالبت بفدك علي أنها إرثها من أبيها صلي الله عليه و آله و سلم فأجابها أبوبكر بأنه سمع من أبيها صلي الله عليه و آله و سلم قوله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث و إن ما تركناه فهو صدقة. و هكذا فإنهما قد ضيّقا عليها كل تضييق، و سدَا بوجهها كل باب تفتحه، مع أن في كلّ واحد من أساليبها حجةً واضحةً عليهما، فلمَا لم تجد من ذلك جدوي، أعلنت عن غضبها عليهما، و اتخذت من أسلوب البكاء سلاحاً آخر لمواجهة استبدادهما و ظلمهما، لا سّيما بعد أن نحل جسمها و انهدّ ركنها و أظلمت الدنيا في عينيها، بسبب حادث الهجوم علي الدار وإضرام النار، و فراق أبيها الحبيب صلي الله عليه و آله و سلم ، و تبدل قلوب الأمة عليها، التي لولا أبوها النبي صلي الله عليه وآله وسلم، و زوجها عليه السلام المكدود في ذات الله للبثوا في ضلالهم القديم فصارت تلجأ إلي بيتٍ في البقيع عند قبور الشهداء تبكي أباها محترقة القلب، فيغشي عليها ساعة بعد ساعة. وما زالت علي تلك الحال حتي تأذّي شيوخ المدينة و سألوا أميرالمؤمنين عليه السلام أن يجعل فاطمة عليها السلام تختار إما الليل أو النهار للبكاء، فإنّ أحداً منهم لايهنأ بالنوم في الليل! و لمّا أخبرها عليهاالسلام بطلبهم قالت يا أبا الحسن عليه السلام، ما أقلّ مكوثي بينهم ! و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم! فواللَّه لا أسكت ليلاً و لا نهاراً ! أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم! هنالك بني لها أبو الحسن عليه السلام بيتاً من جريد النخل سُمي بيت الأحزان، فكانت تخرج إليه في الصباح بصحبة الحسنين فلا تزال بين القبور باكية حتي يقبل الليل، فيذهب الإمام عليه السلام خلفها، و يأتي بها إلي المنزل. للاستزادة يمكن مراجعة كتاب الإمامة و السياسة للدينوري ص14، و فتوح البلدان للبلاذري ص37 ، و روضة الواعظين للفتال ص130 ، و الخرايج للراوندي ص9، و الاحتجاج للطبرسي، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16، وكشف الغمة للعلامة الإربلي ج 2، والسيرة الحلبية ج 3ص400 ، و كتاب البحار ج43 المخصص عن فاطمة الزهراء عليها السلام، و ج11 من العوالم المختص بها كذلك و كتاب قادتنا كيف نعرفهم للسيد الميلاني ج 4 منه و فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر، و فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد للقزويني ، و كتاب فاطمة عليها السلام أم أبيها للميلاني، و فاطمة عليها السلام وتر في غمد السليمان كتاني، وكتاب وفاة الصدّيقة الزهراء عليها السلام للمقرم ، و شرح خطبة الزهراء عليها السلام للشيخ المنتظري، و غيرها مما يعرف من مطاوي ما ذكرنا.

سَقِيمُ القَلْبِ أَضْنَتْهُ الحُقُودُ *** وَداءُ الحِقْدِ أَعْظَمُ كُلِّ داءِ(1)

***

أحِنُّ لَها وَلِي قَلْبٌ مَرُوعُ *** وطَرْفٌ تُسْتَهَلُ بِهِ الدُّمُوعُ

أفاطِمَةٌ تُرَضُّ لَها ضُلوعُ *** بِعَيْنِ اللّهِ جَبَّارِ السَّماءِ

***

تَحِنُّ لِما رَأَتْهُ مِنَ الصَّغَارِ *** فَما هَدَأَتْ بِلَيْلِ أَوْ نَهارِ(2)

ص: 419


1- انظر «دوافع منع فاطمة عليها السلام عن فدك» في كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام أم أبيها، لفاضل الحسيني الميلاني ص172، مثلاً. أضنته: هزلته و أنحلته و أضعفته.
2- تحنُّ: تصوِّت و تبكي. و الحنين: الشديد من البكاء.

فَيا عَجَبا وَ حُكْمُ اللهِ جارِ *** أَيَجْري هكذا صَرْفُ القَضاءِ

***

يُقادُ الضَّيْغَمُ الكَرَّارُ قَهْرا *** و تُهْضَمُ بَضْعَةُ المُختارِ جَهْرا(1)

وَ تُدْفَنُ في ظَلامِ اللَّيلِ سِرًا *** فَلا بَرِحَ الظلامُ بِلا ضِياءِ(2)

ص: 420


1- الضَّيغَم: الأسد و الكرّار: كثير الهجوم، و هو صفة من صفات أميرالمؤمنين عليه السلام.
2- روي الواقدي بإسناده عن عكرمة، قال: سألت ابن عباس: متي دفنتم فاطمة عليها السلام؟ قال: دفنّاها بليل بعد هدأة. قال: قلت: فمن صلي عليها؟ قال: علي عليه السلام. و روي مثله القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه عن الزهري، و ذكر في كتابه في مكان آخر أيضاً: أن أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام دفنوها ليلاً و غيَبوا قبرها. و روي سفيان بن عيينة و عبد الله بن أبي شيبة مثل ذلك. و ذكره البلاذري في تاريخه، و قد نقل المرتضي في الشافعي رواية الطبري له في التاريخ ج3 ص240 حوادث سنة 11، و نقل كلَّ ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 عند شرح كتاب أميرالمؤمنين عليه السلام إلي عثمان بن حنيف.

(52) حبيبة أحمد صلي الله عليه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ كامل الدرمكي

خَلِّ الحَزِينَ بِهَمِّهِ وَ بَلائِهِ *** وَ بِوَجْدِهِ وَ حَنِينِهِ وَ بُكَائِهِ

لا تَعْذِلِ المحزون تَجرَحْ قَلْبَهُ *** فَالْبَيْنُ أَوْرَي النّارَ فِي أَحْشَائِهِ(1)

ص: 421


1- لا تعذل: لا تلُمْ. الْبَيْن: الفراق و الموت. أوري أوقد في هذا البيت و الأبيات التي تليه ربما يشير الشاعر إلي ما جاء في أمالي الصدوق/ط مؤسسة الأعلمي بيروت في ص99 المجلس الرابع و العشرون قال حدثنا علي بن أحمد بن موسي الدقاق بسنده عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس، قال إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان جالساً ذات يومٍ إذ أقبل الحسن عليه السلام فلما رآه بكي ثم قال إلي أين يا بني فما زال يدنيه حتي أجلسه علي فخذه اليمني، ثم أقبل الحسين عليه السلام فلما رآه بكي ثم قال إلي أين يا بني فما زال يدنيه حتي أجلسه علي فخذه اليسري، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام فلما رآها بكي ثم قال غليّ إليَّ يا بنية فأجلسها بين يديه ثم أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام فلما رآه بكي ثم قال إليَّ يا أخي ما زال يدنيه حتي أجلسه إلي جنبه الأيمن فقال له أصحابه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما تري واحداً من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم تسرُّ برؤيته؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي بعثني بالنبوة و اصطفاني علي جميع البرية إني و إيّاهم لأكرم الخلق علي الله «عزّوجل» و ما علي وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم، علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه أخي و شقيقي و صاحب الأمر بعدي و صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة و صاحب حوضي و شفاعتي و هو مولي كل مسلمٍ و إمام كل مؤمن و قائد كل تقي و هو وصيّي و خليفتي علي أهلي و أمتي في حياتي و بعدّ موتي، محبّه محبّي و مبغضه مبغضي و بولايته صارت أمتي مرحومة و بعداوته صارت المخالفة له ملعونة وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتي أنه ليزال عن مقعدي و قد جعله الله له بعدي ثم لا يزال الأمر به حتي يضرب علي قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس و بينات من الهدي و الفرقان، و أما ابنتي فاطمة عليها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية متي قامت في محرابها بين يدي ربها «جلّ جلاله» ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض و يقول الله «عزّ وجلّ» لملائكته «يا ملائكتي انظروا إلي أمتي فاطمة عليها السلام سيدة إمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها علي عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها (وكسرت جنبتها) و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله عليه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلا تغاث فلا تزال بعد محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فارقي أخري و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن ثم تري نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها «الله تعالي» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران عليها السلام فتقول يا فاطمة عليها السلام إن الله اصطفاك و طهرَّك و اصطفاك علي نساء العالمين يا فاطمة عليها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين، ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عزّ وجل» إليها مريم بنت عمران تمرضها و تؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي، فيلحقها الله «عزّوجل» بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي عليهم السلام فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلّد في نارك من ضرب جنبها حتي ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين، و أما الحسن عليه السلام فإنه ابني و ولدي و بضعة منّي و قرّة عيني و ضياء قلبي و ثمرة فؤادي و هو سيد شباب أهل الجنة و حجة الله علي الأمة أمره أمري و قوله قولي من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني و إني لما نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي فلا يزال الأمر به حتي يقتل بالسم ظلماً و عدواناً فعند ذلك تبكي الملائكة السبع الشداد -إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- و أما الحسين عليه السلام فإنه مني و هو ابني و ولدي و خير الخلق بعد أخيه و هو إمام المسلمين و مولي المؤمنين -إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم-كأني أنظر إليه و قد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ثم يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً ثم بكي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و بكي من حوله و ارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قال صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقول اللهم إني أشكو إليك ما يلقي أهل بيتي عليهم السلام بعدي ثم دخل منزله.

إِنَّ الشَّقَاءَ علي الحَزِينِ مُسَلَّطٌ *** لا يَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ في إِخْفَائِهِ

يَكْفِيكَ عن عَذْلِ الْحَزِينِ سِقامُهُ *** قَدْ مَلَّتِ العُوَادُ مِنْ إِيْتَائِهِ(1)

و تَجَمَّعَتْ كُلُّ الأَطِبّا حَوْلَهُ *** وَ تَفَرَّقُوا لَمْ يَظْفَرُوا بِشِفَائِهِ

وَ تَعَاهَدُوا كُتُباً لَهُمْ مَخْرُونَةً *** عَجِزُوا وَ مَا قَدَرُوا علي اسْتِشْفَائِهِ

فَهْوَ المَحَنُ(2) لِما تَضَمَّنَ صَدْرُهُ *** يُخْفِي لَعَلَّ العَذْلَ في إِخْفَائِهِ

يُخْفِي مِنَ الأعْداءِ مَا فِي نَفْسِهِ *** وَ يُذِيعُهُ سِرًّا إلي أُمَنَائِهِ

ص: 422


1- العوّاد: من يعود المريض (صيغة المبالغة).
2- المحن: التي يمتحن بها الإنسان من بليَةَ، و ربما كانت تصحيف المِجَن، و هو الترس.

فَاسْتَخْبَرُوهُ ذوو البصائرِ والتَّقَي *** عَمَّا يُجِنُّ لِيَعْلَمُوا بِأَذَائِهِ

قالوا له يا صاح باللَّهِ انْبِئْنْ *** وَ بِجُمْلَةِ النّعماءِ من آلائِهِ

ما ذا الّذي تَشْكُوهُ مِنْ أَلَمِ وَ مَا *** تُخْفِي لَعَلَّ البِرَّ في إِبْدَائِهِ

قَالَ: اسْمَعُوا: اللَّهُ أكرمُ عَادِلٍ *** لايُنْكَرُ المقدورُ من إمضائِهِ

لو نالَ رضْوَي بعضَ ما قَدْ نِلْتَهُ *** هَدَّ البلاءُ لصَخْرِهِ و صَفَائِهِ(1)

وَ اللَّهِ ما أَجْرَي الدِّمَا مِنْ مُقْلَتِي *** إِلاالحسينُ مُغَسَّلاً بِدِمَائِهِ

أبْكِي لَهُ أَمْ لِليَتَامَي حَوْلَهُ *** أَمْ لِلجَوَادِ أَنُوحُ أَمْ لِنِسَائِهِ

أَمْ أَسْكُبُ الدَّمْعَ الْمَصُونَ لِفِتْيَةٍ *** عَافُوا الحَيَاةَ وَ طِيبَها لِفِدَائِهِ

فَكَأَنَّهُ طَوْدٌ هَوَي وَ كَأَنَّهُمْ *** أَعْجَازُ نَخْلٍ جُثَّمٌ بِفِنَائِهِ(2)

يا عينُ سُحّي للغَرِيبِ و اسْكُبِي *** وَ تَعَوَّدِي سَهَرَ الدُّجَي لِنِعَائِهِ(3)

وَ ابْكِي لِزَيْنَبَ إِذْ رَأَتْهُ مُجَندَّلاً *** فَوْقَ الصَّعِيدِ مُعَفَّراً بِدِمَائِهِ

عُرْيَانَ مَبْتُولَ الجَبِينِ مُجَرَّحاً *** واحَسْرَتَاهُ لِقتلِهِ وَ عَرَائِهِ(4)

لَهُفِي لَهُ وَ الشَّمْرُ يَقْطَعُ رَأْسَهُ *** وَ خُيولُهُمْ تَجْرِي عَلي أَعْضَائِهِ

وَ المُهْرُ يَنْدُبُهُ وَ يَلْثِمُ نَحْرَهُ *** وَ يَقُولُ عَارِي السَّرْج في بَيْدَائِهِ

قُتِل الحسينُ وَ سُبْيَتْ نِسْوَاتُهُ *** وَ غَداً يُبَاحُ الْمُحْتَمِي بِحِمَائِهِ

فَلأَبْكِيَنَّكَ يَا بْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** حَتَّي يَذُوبَ القَلْبُ عن أَفضَائِهِ

وَيَزِيدُنِي حُزْناً وَ يُسْهِرُ مُقْلَتِي *** خَبَرٌ رَوَي الصُّدُّوقُ مِنْ رُوّائِهِ

إسْنَادُهُ عَنْ ابْنِ عباس التَّقي *** أكْرِمُ بهِ وَ بِزُهْدِهِ وَ تُقائِهِ

قَالَ: اجْتَمَعْنَا وَ النَّبِيُّ جَلِيسُنَا *** وَ شُعَاعُهُ يَعْلُو عَلَي جُلَسَائِهِ

قَدْ طُيِّبَتْ كُلُّ البِقَاعِ بِطِيبِهِ *** وَ تَلامَعَتْ حِيطَانُها بِضِيَائِهِ

في غِبْطَةٍ بِالقُرْبِ منهُ فَبَيْنَمَا *** بَعْضُ يُهَنِّيءُ بَعْضَنَا بِوِلائِهِ(5)

ص: 423


1- رَضوي: اسم جبل بين المدينة و ينبع.
2- طود: جبل عظيم، جُثّم: متلبدة بالأرض.
3- سُحْي : صُبي صباً غزيراً. الدّجي: الظلام.
4- مبتول: بَتَلَ: قطع و أبان.
5- غبطة: غبطه أي عَظُمَ في عينه و تمنّي مثل حاله دون أن يريد زوالها عنه.

فَإذا بِسِبْطَيْهِ الكِرَامِ وَكَفَّ ذا *** في كَفَّ ذا يُسْرَاهُ في يُمْنَائِهِ

وَ هُما يَجُرّانِ الذُّيُولَ غَوَافِلاً *** كُلٌّ يَصُولُ بِجِدِّه وإبَائِهِ

فَرآهُمَا الهادي النَّبِيُّ بِنِعْمَةٍ *** فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ مِنْ صُعَدَائِهِ(1)

فَتَظَاهَرَتْ زَفَراتُهُ وَ تَحَادَرَتْ *** عَبَرَاتُهُ سَحْاً لِعُظمِ بَلائِهِ(2)

حُزناً وَ قَالَ بحُرْقَةٍ وَ كَابَةٍ *** وَ دُمُوعُهُ كَالسَّيْل في إِجْرَائِهِ

يَعْرُزُ عَلَيَّ وَ مَنْ تَوَالي مِلَّتِي *** مِنْ كُلِّ بَرِّ ماحِضِ بِوِلاَئِهِ(3)

ما يَلْقِيَانِ مِنَ الإِهَانَةِ وَ الأَذَي *** بَعْدِي وَ قَلْبِي وَ الِهُ بِشَجَائِهِ

فَدَعَاهُمَا فَتَسَاقَطا في حِجْرِهِ *** فَرَحاً بِهِ وَ لَذادَةٌ بِلِقَائِهِ

فَتَرَشَّفَ الحَسَنَ الزكي وَ ضَمَّهُ *** مُتَرَشِّفَ الشَّفَتَيْنِ لَثْمَ لَمَائِهِ(4)

و أتي إلي نَحْرِ الحُسَيْنِ وَ شَمَّهُ *** وَ الدَّمْعُ يَسْقِيهِ بِسَاكِبٍ مَائِهِ

فَبَكَي الحسينُ وَسَرَّهَا فِي نَفْسِهِ *** وَ غَدا يُهَرُولُ مُسْرِعاً بِخُطَائِهِ

نَحْوَ الْبَتُولِ فَسَاءَها مَا سَاءَهُ *** فَاسْتَعْبَرَتْ وَ تَحَسَّرَتْ لِبُكَائِهِ

فَاتَتْ تُقَبِّلُهُ وَ تَمْسَحُ دَمْعَهُ *** وَ دُمُوعُهَا كَالغَيْثِ فِي إِهْمَائِهِ(5)

وَ تَقُولُ و العَبَرَاتُ تَسْبِقُ نُطقَهَا *** يَا مَنْ حَيَاتِي أُرْدِفَتْ بِبَقَانِهِ

ماذا الّذي يُبْكِيكَ يا مَنْ حُبُّهُ *** في القلبِ مُشْتَمِلٌ علي إِفْصَائِهِ؟(6)

قَالَ الحُسَيْنُ: كَأَنَّ جَدِّي مَلَّنِي *** ما كُنْتُ قبلُ مُعَوَّداً لِجَفَائِهِ

جِئْنَا أَنَا وَ أَخِي إِلَيْهِ نَزُورُهُ *** فَدَعَا الزَّكِيَّ وَ شَمَّهُ في فَائِهِ

وَ أَتَي إلي نَحْرِي وَ أَعْرَضَ عَنْ فَمِي *** إِعْرَاضَ مَنْ أَبْدَي عَظِيمَ جَفَائِهِ

ص: 424


1- الصعداء: التنفس الطويل من همَّ أو تعبِ.
2- زفراته: أنفاسه الحّارة. تحادرت عبراته: انحدرت دموعه. سخاً: صباً متتابعاً غزيراً.
3- ماحض: ما حضه الود: أخلصه إياه.
4- لَثْم: تقبيل. لَمائه: لَماء: سواد في باطن الشفة.
5- إهمائه: سيلانِه وصبّه.
6- افصائهِ: تفصّي: تخلّص من الضيق و البلية.

وَ أَنَا أَظُنُّ بِأَنَّ ما فِيَّ لَمِنْ *** شَيْءٍ يَخَافُ الجَدُّ مِنْ لُقْيَانِهِ

فَتَخَمَّرَتْ سِتُ النِّسَاءِ وَ يَمَّمَتْ *** نَحْوَ النَّبِيِّ شَجِيَّةٌ لِشَجَائِهِ(1)

في الذِّيل عائِرَةً وَ مَعْهَا إِبْنُهَا *** فَرَآهُمَا المُخْتَارُ وَسُطَ خِبَائِهِ

يَبْكُونَ قَالَ لَهُمْ فَمَا هذَا البُكا *** يا صَفْوَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ خُلَصَائِهِ

قَالَتْ حبيبي كيف تَكْسِرُ خَاطِرِي *** لِمَ لا تُقَبِّلُ شُبَّراً كأَخَالِهِ

قال النبيُّ لَها بِقَلْبِ مُوجَعِ *** سِرٍّ أَخافُ عَلَيْكِ مِنْ إِبْدَائِهِ

قَالتْ بِحَقِّكَ يا أَبَاهُ أَبِنْهُ لِي *** وَ بِحَقِّ مَنْ أُنْشِئْتُ في نَعْمَائِهِ

فَبَكَي وَ أَطْرَقَ سَاعَةٌ مُسْتَرْجِعاً *** وَ الدَّمْعُ يَسْقِيهِ بِسَاكِبِ مَائِهِ

فَتَعَاهَدَتْهُ فَقَالَ رَبِّي عَالِمٌ *** وَ الكُلُّ في تَدْبِيرِهِ وَ قَضَائِهِ

أَمَّا تَرَشْفُ شُبَّرِ في فيهِ قَدْ *** ظُلْماً يَذُوقُ السُّمَّ مِنْ أَعْدَائِهِ

وَ تَرَشُّفِي نَحْرَ الحسينِ فَإِنَّهُ *** بِالسيفِ يُنْحَرُ نَازِخاً بِظِمَائِهِ(2)

فَجَعَلْتُ أَلْئِمُ ذا بموضعِ سُمِّهِ *** وَ أَشمُّ ذَا فِي نَحْرِهِ لأَذَائِهِ(3)

فَتَحَسَّرَتْ سِتُّ النِسَاءِ بِحُرْقَةٍ *** أَسَفاً عَليهِ وَ لَوْعَةٌ لِعَزَائِهِ

فَأَتَتْ تُقَبلُهُ وَ تَلْثُّمُ نَحْرَهُ *** وَ الجَيْبُ قَدْ مَزَقَتْهُ عن أَقْصَائِهِ

يا قُرَّةَ العَيْنَيْنِ يا ثَمَرَةَ الحشا *** هَلْ في زَمَانِي أَمْ زَمَانِ آبَائِهِ

إِنْ كانَ في زَمَنِي أَقَمْتُ عَزَاءَهُ *** وَ صَبَعْتُ ثَوْبِي مِنْ نَجِيعِ دَمَائِهِ(4)

وَ نَشَرْتُ شَعْرِي فَوْقَ كِتْفِي شامِلاً *** وَ نَدَبْتُهُ يا أَبَ في يُتْمَائِهِ

قالَ النَّبِيُّ إِذَا مَضَيْنَا كُلُّنَا *** دار المنونِ عليهِ قُطبَ رَحَائِهِ

بئسَ الزمَانُ وَ مَنْ تَوَلَّي أَمْرَهُ *** فَالغَوْثُ كُلُّ الغَوْثِ مِنْ وِلائِهِ

ص: 425


1- تخمّرتُ: لبست الخمار، و الخمار ما تستر به المرأة رأسها أو الستر عموماً يمّمتْ: قصدتْ.
2- ترشّفي: الترشّف: المصّ بالشفتين.
3- ألثم: أقبّل.
4- نجيع: من الدم ما كانَ يضرب إلي السواد، و قال الأصعمي: هو دم الجوف خاصّة (مختار الصحاح).

قَالَتْ بِأَيِّ الْأَرْضِ يُقْطَعُ رَأْسُهُ *** وَ بِأَيِّ شَهْرٍ كَانَ كَوْنُ فَنَائِهِ

قَالَ النَّبِيُّ يَكُونُ ذَا بِمُحَرَّمٍ *** فِي يَوْمِ عَاشُورا شَنِيعُ نِعَائِهِ

وَ يَكُونُ مَصْرَعُهُ المَهُولُ بِكَرْبَلاً *** وَ مَصَارِعُ الأَنْصَارِ فِي صَحْرَائِهِ

قَالَتْ غَرِيباً؟ قَالَ أَعْظَمُ غُرْبَةً *** قَالَتْ وَحِيداً؟ قَالَ مِنْ نُصَرَائِهِ

فَبَكَتْ وَ قَالَتْ واشَمَاتَةَ حَاسِدِي *** واصَفْوَةَ الجَبَّارِ مِنْ خُلَصَائِهِ

مَنْ ذا يُغَسْلُهُ وَ يَحْمِلُ نَعْشَهُ *** مَنْ ذَا يُوَارِي جِسْمَهُ بِثَرَائِهِ

مَنْ يَكْفُلُ الأَيْتَامَ بَعْدَ وَفَاتِهِ *** مَنْ ذايُقِيمُ ماتماً لِعَزَائِهِ

فَبَكَي الحُسَيْنُ وَ قَالَ رُزْئِي فَادِحٌ *** فَتَصَارَخُوا أَهْلُ العَبا لِبُكَائِهِ

فَأَتَي الأَمِينُ إلي الأَمِينِ يَقُولُ قَدْ *** أَوْحَي إِلهُ العَرْشِ في أَنْحَائِهِ

أنْ قُلْ لِسَيّدِةِ النِّسَاءِ بِأَنَّنِي *** أُنْشِي كِرَاماً شيعةً لِعَزَائِهِ

النَّاهِضِينَ إلي منازلِ كَرْبَلا *** الخَائِضِينَ غُبَارَهَا لِهَوَائِهِ

السَّاكِبينَ دُمُوعَهُمْ لِمُصَابِهِ *** المُظْهِرِينَ الحُزنَ عَنْ أَقْصَائِهِ

يَتَوَالَدُونَ فَيَنْسِلُونَ أَطايباً *** حَتَّي يَصِيرَ الحقُّ في ولائِهِ

وَ يَقُومَ قَائِمُ آل بيت مُحَمَّدٍ *** وَ يَطِيرَ طيرُ النَّصْرِ فَوْقَ لِوَائِهِ

قَالَ الحُسَيْنُ فَمَا يَكُونُ جَزَاؤُهُمْ *** عِنْدَ الإِلَهِ غَدَاةَ يَوْمِ جَزَائِهِ؟

قَالَ النَّبِيُّ أَنَا أَكُونُ شَفِيعَهُمْ *** وَ أُجِيبُ كُلاً مِنْهُم بِنِدَائِهِ

قَالَ الوَصِيُّ أَنَا الَّذِي أَسْقِيهِمُ *** يَوْماً يَفِرُّ المَرْهُ مِنْ أَبْنَائِهِ

قَالَتْ حَبيبَةُ أَحْمَدٍ فَوَحَقِّ مَنْ *** رُبِّيتُ مُذْ أُنْشِئْتُ في نَعْمَائِهِ

فَلأَندِبَنَّ وَ شَعْرُ رَأْسِيَ نَاشِرٌ *** وَ الجَيْبُ مَمْزُوقٌ إِلي أَقْصَائِهِ

حَتَّي يُشَفْعَنِي إِلهِي فِيهِمُ *** وَ يَمُدَّ كلاً مِنْهُمُ بِرِضَائِهِ

قَالَ الحُسَيْنُ وَ حَقٌّ مَنْ خَلَقَ الوَرَي *** طَراً وَ سَقَّفَ أَرْضَهُ بِسَمَائِهِ

لاأَدْخُلُ الجَنّاتِ حَتَّي يَدْخُلُوا *** وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَا بِهدَائِهِ

يا أَيُّهَا الرُّوَّارُ مَشْهَدَ كَرْبَلا *** كُلُّ يُقَصِّرُ مِنْكُمُ لِخَطَائِهِ

فَلِكُلِّ عَبْدِ حَجَّةٌ مَبرورةٌ *** فِي كُلِّ مَا يَخْطُوهُ مِنْ مَسْعَائِهِ

ص: 426

وَ لَكُمْ بِمَا أَنْفَقْتُمُ مِنْ دِرْهَم *** في جُنَّةٍ حرصاً علي إيتائِهِ

في جَنَّةِ الفردوس ألفُ مدينةٍ *** في قصْرِهَا الإِعْلَائِهِ

وَ لِمَنْ بَكَاهُ تَفَجُعاً لِمُصَابِهِ *** وَ تَأَسْفاً بالحُزْنِ عَنْ أَقصائِهِ

في الحَشْرِ قَصْرٌ لا يُقَاسُ عُلُوُّهُ *** دُرِّ وَ مَرْجَانُ بِحُسْنِ جَزَائِهِ

وَ جَمِيعُ أَمْلاكِ السَّمَا يَسْتَغْفِرُوان *** لَكُمْ وَ مِنْ ظِلَّ لَكُمْ بِسَمَائِهِ

يَا رَبِّ مُدَّ الدرمكيَّ بِسُوْلِهِ *** عَجَلاً وَ بَلْعُهُ جميل رَجَائِهِ

صَلّي الإله علي النبيِّ مُحَمَّدٍ *** و علي الكِرامِ الغُرِّ من أَبْنَائِهِ

الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ مِنَ الخَنَاسُفُنِ *** النَّجَاةِ لِمَنْ حَظي بولائِهِ(1)

ص: 427


1- الخَنا: الفحش، الزني.

(53) بضعة المختار

(بحر الكامل)

المهندسة كوثر شاهين

أَيْقِظَ أيقظ حُرُوفَ الشَّعْرِ ذاكَ وَلائِي *** لِلْمُصْطَفَي الهادِي غَدِي وَ رَجائِي

في مَوْلِدِ الزَّهْراءِ جِئْتُ مُصَلَّياً *** أَدْعُو بِحَرْفِ الخالِقِ المِعطاءِ

(إِنَّا) يَقُولُ اللهُ في تَنْزِيلِهِ *** بالحرف: (أعطيناك) من لألاءِ

نُوراً تَجِدْهُ بفاطم مُحَمَّدٌ *** (بالكوثر) الظُّهْرِ الهُدَي لِلرَّائِي(1)

سبطاكَ خَيْرُ الخَلْقِ بين مَلائِكَ *** في جَنَّةٍ مِنْ خِيرَةِ الأَبْناءِ

وَ أَبُوهُما نُورٌ لفاطِمَ مُذْحَبا *** في حِجْرِك المشفُوعِ بالأَعباءِ

نُورانِ في رَأْسٍ لآدمَ ثُمَّ في *** جَدٌ أرادَ النَّذْرَ بالإيفاءِ

نذراً كإسماعيل يَفْدِي قَلْبَهُ *** مِئةٌ تُنِيخُ بقاحِلِ الصَّحْراءِ(2)

و يَعُودُ عبد اللهِ يَحْمِلُ (نُورَهُ) *** وَ أَخُوهُ عَمُّكَ جاهزاً بِنِداءِ

وَ الكَعْبَةُ الزَّهْرَاءُ تَشْهَدُ مَوْلِداً *** لِلنُّورِ (صِنْؤُكَ) رائعاً بِعَلاءِ

سَمَاهُ رَبُّكَ بِالعَلي مُناجِياً *** وَ أَبا تُرابِ قُلْتَ بالإيلاءِ

فَهُوَ القَسِيمُ الحقِّ يَوْمَ المُلْتَقَي *** وَ هُوَ الوَصِيُّ العِلْمُ، بابُ وَلاءِ

ص: 428


1- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي ما ورد من أن الكوثر، أولاد رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم من فاطمة عليها السلام. ففي كتاب التفسير الكبير للرازي قال: «الكوثر أولاده صلي الله عليه وآله و سلم لأن هذه السورة إنما نزلت رداً علي من عابه صلي الله عليه وآله و سلم بعدم الأولاد فالمعني: أنه يعطيه نسلاً يبقون علي مر الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت عليهم السلام ثم العالم ممتليء منهم، و لم يبق من بني أُمية في الدنيا أحد يعبأ به». راجع التفسير الكبير ج32 ص124.
2- تنيخ: تُقيم.

زَوَّجْتَهُ الزَّهْراءَ تَحْنُو مِثْلَما *** أُمِّ رَؤُومٌ تَرْتَجِي بإباءِ(1)

وَ لِفَاطِمِ قُلْتَ: انْظُري خَيْرَ الأُلي *** مِنْ رَبِّ عَرْشِ ناظِرٍ بِسَماءِ

هذا أبوكِ اخْتارَهُ لِرِسالَةٍ *** وَ اخْتَارَ زَوْجَكِ حَامِيَ الفُقَراءِ(2)

وَ الدِّينِ و القُرآنِ والآي الذي *** قَدْ جاءَ جِبريلٌ بخير أداءِ

يا بَضْعَةَ المُختارِ يا أُمَّ الهُدَي *** يا أُمَّ زَيْنَبَ كَيْفَ لي وَ وَلائي؟(3)

لِلْعِترةِ الأَطْهارِ يَسْرِي في دَمِي *** أَخْنَط حَرْفاً و الدُّمُوعُ دِمائي

في (القف) في (أحْدٍ) و(مُؤْتَةً) أوبما *** لاقَيْتِهِ يَوْماً بظُلمِ بَلاءِ

ناديت يا أبتاهُ فَانْظُرْ نَحْوَنا *** وَ الأَرْضُ مادَتْ كُلُّها لِنِداءِ(4)

وَ المُحْسِنُ المَعْصَومُ مَنْ سَمَّاهُ في *** رَحِم حَبيبُ اللَّهِ في العَلْياءِ

أَجْهَضْتِ وَاوَيْلاهُ مِنْ ظُلْمٍ سَرَي *** وَ النَّارُ حَوْلَ الدَّارِ بالأَرْجاءِ(5)

فَبَكَتْ سَماءٌ وَ الشُّعَابُ وَ مَا بِها *** أَلَماً لِصَوْتِ نِدَائِكِ البَكَاءِ

كَالطَّيْرِ مَجْرُوحاً غَدَتْ زَهْراؤُنَا *** بِفَجِيعَتَين تلاقَتا وَعَناءِ

ص: 429


1- رؤوم: عطوف.
2- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي اختيار الله تعالي محمد صلي الله عليه و آله و سلم للرسالة و علياً للإمامة كما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم لفاطمة عليها السلام. ففي حديث في البحار ج43 ص99 في ضمن الحديث قال: «فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم له يا فاطمة عليها السلام أما علمت أن الله أشرف علي الدنيا فاختارني علي رجال العالمين ثم اطّلع فاختار علياً عليه اللسام علي رجال العالمين ثم اطّلع فاختارك علي نساء العالمين».
3- تشير الشاعرة في هذا البيت إلي كون الزهراء عليها السام بضعة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم. راجع كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص 328، و البخاري في صحيحه في كتاب النكاح في باب ذب الرجل عن ابنته و حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ج2 ص40، و كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص184.
4- تشير الشاعرة في هذا البيت إلي مناداة الزهراء عليها السلام لأبيها صلي الله عليه و آله وسلم بعد ما حلّ بها من المصائب. راجع كتاب سليم بن قيس ص208 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 مادَت:دارت.
5- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي إسقاط المحسن عليها السلام و إحراق الدار. راجع كتاب سليم بن قيس ص40، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135.

مَوْتِ النَّبِيِّ بِبَيْتِ أَحْزَانٍ غَدَتْ *** وَ فَجِيعَةِ الخِذْلانِ بَعْدَ وَلاءِ(1)

وَ الُوهُ قال محمدٌ لِمَنِ ابْتَغَي *** نُورَ الجِنانِ فَحُبُّهُ إحْيائِي

و المُبْغِضُونَ لَهُمْ جَهَنَّمُ مَوْئِلاً *** و اللَّهُ يُبْغِضُهُمْ بِكُلِّ قَضاءِ

وَ عْشَاءَ دَرْبٍ كَمْ خَطَوْتِ سَبِيلَها(2) *** وَ وَرِثْتِ نُورَ النُّور و الآباءِ

كي تُفْر عين الحَقَّ في السِّبْطَيْنِ في *** أُمِّ المَصائِبِ زَيْنَبٍ لَيْلاءِ

سَمَّاكِ سَيِّدةَ النِّساءِ طَهُورَةٌ *** زَهْراءُ أَنْتِ مَحَجَّتِي و رجائي(3) (4)

ص: 430


1- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي حزن الزهراء عليها السلام و بكائها و بناء بيت الأحزان لها. راجع كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 ضمن حديث طويل.
2- وعثاء: عَسيرة السلوك (المنجد907).
3- تشير الشاعرة في هذا البيت إلي كون الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين راجع مسند أحمد حنبل ج6 ص282 و صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب علامات النبوّة و حلية الأولياء ج2 ص40 ، و ذكره القرطبي في الاستيعاب ج4 ص375 في هامش الإصابة، و أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 ، و ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري ص44.
4- فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي ص342.

(54) دوحة النور

(بحر الخفيف)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

صِلَةُ الأَرْضِ ضُوعِفَتْ بِالسَّماءِ*** أَمْ هِيَ الأَرْضُ مَصْدَرُالأَضْوَاءِ

أَمْ جِنَانُ الخُلُودِ أُزْلِفَتِ الْيَوْمَ *** بِزَهْو الأَضْوَاءِ وَ الأَشْداءِ(1)

أَمْ تَجَلَّي الإِلَهُ بِالرَّحْمَةِ الْكُبْرَي *** وَ هذَي مَبَاهِجُ الأَحْبَاءِ(2)

وَ إِذَا بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ تَجَلَّي*** فَجَمَالُ الْخَصْرَا عَلَي الْغَبْرَاءِ

كُلُّ هَذَا بَدَا وَفِي مَهْبِطِ الْوَحي *** ابْتِهَاجُ بِمَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ

دَوْحَةُ النُّورِ فِي مَخَاضٍ عَلَي الأَرْضِ*** بِأَرْضِ الوِلايَةِ العَصْمَاءِ

أَزِفَتْ ساعَةُ اللقاءِ وَقَرَّتْ ***عَيْنُ خَيْرِ الْوَرَي بِخَيْرِ النِّساءِ(3)

وَ عَلاَ البِشْرُ وَجْهَ خَيْرِ النَّبِيِّي *** بِمَرْأَي الْبَتُولَةِ الْعَذْرَاءِ

وَ إِذَا افْتَرَّ ثَغْرُطهَ سُرُوراً *** عَمَرَ الْبِشْرُ سَائِرَ الأَشْيَاءِ

أَذِنَ اللَّهُ بِاللَّقَاءِ وَجَاءَتْ ***صِلَةُ الأَوْصِيَاءِ بِالأَنْبِيَاءِ

وَ قَرِيباً يَبْدُو إِذَا مَرَجَ الْبَحْريْنِ *** لِلنَّاسِ لُؤلُؤُ الأَصْفِيَاءِ(4)

وَ بِسِبْطَيْ خَيْرِ النَّبِيِّينَ يَغْدُو*** خَمْسَةٌ فِي الْوُجُودِ أَهلَ الْكِسَاءِ

ص: 431


1- الأشداء، جمع شدو، مثل نحو وأنحاء بمعني الإنشاد، و الأصوات الدالة علي البهجة و السرور.أو هي الأشذاء بالذال المعجمة ،مثل صدي و أصداء. و الشذا: شدّة ذكاء الريح الطيّبة، أو هو المسك. راجع اللسان.
2- الأحباءُ: أراد بها جمعَ حَبوٍ، وهو العطاء.
3- أزفت: اقتربت.
4- مَرَجَ: إختلط.

وَ يُضِيءُ الْوُجُودَ سِلْسِلَةُ النُّورِ *** وَ تَجْلُو غَيَاهِبُ الظَّلْمَاءِ(1)

إِنَّهُ الْبَيْتُ فِي تَكَامُلِ أَهْلِيهِ *** كَمَالُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ

وَ عَلَي الأَرْضِ لِلنُّبُوَّةِ دَوْرٌ *** سَتَلِيهِ وِلايَةُ الأَوْلِيَاءِ

غُرِسَ الدَّينُ بِالنَّبِيِّ عَلَي الأَرْضِ *** وَ يُرْعَي بِآلِهِ النُّقَبَاءِ(2)

بِعَلِيَّ وَ وُلدِهِ سِبْطَي الرحْمَةِ *** يُرْعَي وَ التَّسْعَةِ الْعُصَمَاءِ

وَ عَلَي النَّاسِ حُجَّةُ اللَّهِ تَمَّتْ *** بِقِيَامِ الْحُّفَّاظِ وَ الأُمَنَاءِ

كَمٌلَ الدَّينُ بِالْوَصِيَّةِ وَالنِّعْمَةُ *** تَمَّتْ بِسَيِّدِ الأَوْصِياءِ

وَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَدْ رَضِيَ *** الإِسْلَامَ عَيْناً بِالْبَيْعَةِ الْعَصْمَاءِ(3)

هِيَ للإِعْتِصَامِ بِاللَّهِ حَبْلٌ *** عِصْمَةًمِنْ عِبَادَةِ الأَهْوَاءِ

بَبْعَةُ الأَمْنِ وَ الأَمَانِ مِنَ الْفُرْقَةِ *** وَ الْخَيْرُ فِي اخْتِيَارِ السَّمَاءِ

فَهَنِيئاً لِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعاً *** بالرَّضا و الكَمَالِ وَ النَّعْمَاءِ

ص: 432


1- جلا يجلو: وضح، و كشف و خرج، يأتي لازماً و متعدّياً. و لذلك نصبت الغياهب و رفعت.
2- النقيب: عريف القوم و المقدَّم عليهم. و منه قوله تعالي : «وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً».
3- العصماء: المُلَزَمة.

(55) خيرُ النساء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد جواد المطر (*)(1)

أسعِفيني بقيضكِ المعطّاءِ *** إِنَّهُ سُلَّمي إلي العليَاءِ

قَدرَسَا مركَبِي علي شَطّكِ إلّا *** مِنِ سَاقَتْهُ عَاصِفَاتُ وَلائِي

فَامنيحني إذْنَ اللجُوءِ وَجُودِي ***بِهِبَاتٍ قُدسيّةِ الأرجَاءِ

وَ هَبِيني عِنَايَةً يَرتَعُ الفِكرُ بِرو*** ضَاتِهَا شَذا الإريحاءِ

وَ اعصَميني مِنَ العِثَارِ(2) فَفيهِ *** عَثرَ الجَمُّ من مَطَا الشُّعَرَاءِ

عَلَّ دِفقَاً مِنَ الوَلالَكِ مِنّي*** يَتَجلّي بهِ علَيكِ ثَنَائي

لَكِ يمُنُّ عَمُّ البَسيطةَ بِالإشراقِ *** نُوراً مُذْ شَعَّ بِالبطحَاءِ

وَ سَرَتْ في جِبالها الشُّمِّ أنغَامُ *** نَشيدٍ بِشَيْقِ الأنبَاءِ

وَ تَعَالَتْ مِنَ الحطيمِ(3) هُتافَاتُ *** عِنَاقٍ لِلكَعبَةِ العَصمَاءِ

ص: 433


1- (*) هو الخطيب الشيخ محمد جواد المطر، النجل الثاني للخطيب الشيخ كاظم المطر بن الحاج محمد صالح المطر الأحسائي. ولد في البصرة في الثالث عشر من شهر رجب ام (1349 ه_) ، و في البصرة قضي أيام طفولته ، دور صباه حتي منتصف عقده الثاني ، انتقل مع أسرته إلي الأحساء، حيث الموطن الأصلي لقبيلة (الفضول) التي ينتمي إليها ، و منذ ذالك الوقت ما زال مقيماً في مدينة الهفوف في الأحساء. تعلم الخطابة منذ كان يافعاً في البصرة علي يد الخطيب الملا جاسم الحاج علي الدوغجي ، ثم و اصل الخطابة علي يد والده الشيخ كاظم و قرض الشعر مبكراً ، و ابتدأ نظم الشعر الشعبي و له من العمر ثلاث عشرة سنة، و أول قصيدة شعبية قالها في مخاطبته الإمام المهدي (عج).
2- العِثار: الزَّلل.
3- الحطيم: جدار حجر الكعبة و قيل ما بين الركن و زمزم و المقام سمّي بذلك لانحطام الناس عليه لازدحامهم.

صَافَحَ الركنُ زَمزماً وَبَدا*** البِشْرُضَحُوكاً علي مُحيَّا الماءِ

حِينَمَا الرُّوحُ سَاقَهُ أمْرُبَارِيهِ*** لِيَحلو سرَّ ابْتهاجِ السَّماءِ

بِتَهَانٍ رَفَّتْ علي المصطفي*** المختَارِ يُمناً بالمولدِ اللأ لائي فاسْتَهلَّتْ أفراحُهُ نَاطِقَاتٍ*** وَطَوَتْ غيمَةً مِنَ الإعيَاءِ

وَاستَثارَتْ كَوامِنَ البَهجَةِ الكُبري*** فَلاحَتْ بالطَّلعَةِ الغَرَّاءِ

أبشِرِي يَا خَديجةَ الخَيرِ قَدجِئتِ*** بِها قُدوَةٌ لخيرِ النِّسَاءِ

فَهِيَ البضعَةُ البتُولُ وَمِنْها*** حَاملو مشعَلِ الهُدي الوَضَّاءِ

يا إبنة النُّورِ يَا سَليلَةَ إصلاح*** بِهِ تَمَّ منهَجُ الأنبِيَاءِ

لَكِ غَرسٌ مِنَ العَفَافِ عَبوقُ*** الزَّهرِ مِعطاءُ وَارفُ الأفيَاءِ

وَمَعينٌ مِنَ الكَرامَةِ وَالقُدسِ*** وَفَوقٌ بَالعزَّةِ القَعسَاءِ

وَبِنَاءٌ أساسُهُ الظُّهْرَ في الناس*** متينُ التَّصميمِ والإنشَاءِ

كُلّ مَا زانَ مِنْ أكاليل مجدٍ*** وَكَمَالٍ وَعَفَّةٍ وَنَقَاءِ

طعنتهُ حُرّيّةُ حَتَّي*** عَادمما بهِ نَزيفُ الدّمَاءِ

وإذا مَنْ كَسَيتها الظُّهرَ بِالأمسِ*** وَنزّهتِهَا عَنِ الارتمَاءِ

أرخَصَتْ تلكُمُ الكَرامَةَ بِالز يفِ*** وَأبَتْ مَخْمورةَ الآراءِ

جَرَّدتهَا كَفُّ التَبرُّجِ أغلَي*** زينَةٍ مُذْ سَمَتْ بِتَاج الحيَاءِ

حَسِبَتْ عَرضَها المفَاتِنَ لِلإغرا*** رُقيّاً إلي الذُّري الشَّقَاءِ

فَتَهَاوَتْ عَقيبَ عِزَّةِ دِينِ اللَّهِ*** وَالصَّونِ في حَضيضِ الشَّقَاء

هكذا قَد أُضيَ جُهدُكِ يَا مَهْرَاءُ*** إلاَّ لَدي فَتَاةِ الإِبَاءِ

لجأتْ تِلكَ للقضا فَحَماهَا *** و استظلّتْ بِالشرعَةِ السَّمحَاءِ

لم يُزعزع إيمانَهَا الصَّلدَ(1) *** أبواقُ نَعِيقٍ لِطُعَمَةٍ عَميَاءِ

لم يَرُقُها سَفَاسِفٌ(2) غَلَفُوهَا *** بِغِلافِ الحضارَةِ الشَّوهَاءِ

ص: 434


1- الصَّلْد: الصلب المتين.
2- سفاسف: الأمور الرديئة الحقيرة.

435

تَخذَتْ مطرَفَ الصَّلاح وِشَاحاً *** وَ تَردَّتْ مِنَ الهُدي برِدَاءِ

أَرْضَعَتْها الأمُّ الرؤوم ولاءّ *** و أبوها قد صَانَها بِوَلاءِ

غَذَّياها روحَ المكارم حتَّي *** تَوَّجَاهَا بِها جَلِيْلَ البَهَاءِ

رَسَّخا في فُؤَادِهَا الغَضُ دَرْساً *** خَالِداً مِنْ فَضَائِلٍ و عَلاءِ

علماهَا نَهْجَاً لفاطمة الطُّهْرِ *** و دَرْساً لزَيْنَب الحوراءِ

و صلاحُ الأبناءِ إنْ صَلُحَ الأصْلُ *** مِنَ الأمهاتِ و الآباءِ

ص: 435

(56) بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

ما انْفَكَ صَوْتُ تَزَفُرِي وَ بُكَائِي *** يَعْلُو لِجانِبِ حَسْرَتِي وَ عَنائِي(2)

وَ كَذاكَ آهاتِي تَوَقَدُ فِي الْحَشَا *** جَمْراً لِرُزْءِ الْبَضْعَةِ الزَّهْراءِ

ص: 436


1- (*) هو الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ موسي المنصوري. ولد في النجف الأشرف سنة (1354 ه_) و نشأ في ظل والده فورث منه الكمال و الجلال و السماحة و الفصاحة و قام بتعليمه و الاهتمام به حيث بعثه للتعلّم بالطريقة المألوفة آنذاك، فضمّه إلي معلّمي القرآن الكريم، فأخذ القراءة و الكتابة علي يد المرحوم الشيخ محمد كاظم الشيخ يحيي الأسدي، ثم درس اللغة العربية عند والده الشيخ موسي المنصوري و السيد سعيد العدناني و أكمل السطوح بمدرسة المرحوم السيد عدنان البحريني الغريفي و خصوصاً علي أيدي ولديه السيد حسن و السيد محمد علي. و المترجم له، أخذ الخطابة عن والده الشيخ موسي و السيد سعيد العدناني و كان مثابراً علي الخدمة الحسينية. و يُعد الشيخ المنصوري ذا خبرة واسعة في المنبر و فنونه، و قد استفاد منه الكثير من خطباء المنبر الحسيني فوجدوه نميراً عذباً يبذل كل ما لديه و ما لديه نافع بحق. أحبّ المترجم له الشعر و شغف به و أنشده و هو يقرض الشعر منذُّ صغره علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة و قد عرف في نظمه بكتابة الشعر الفصيح و الدارج و قد أجاد و أبدع في كليهما. و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات نثرية و شعرية طبع منها: 1- ديوان السعيد في رثاء السبط الشهيد. 2- ميراث المنبر . 3- مفاتيح الدموع. و سيواصل طباعة الباقي من كتبه و دواوينه و اللَّه الموفق و المسدد.
2- التزفر و الزفير: النفس الممتد إذا خرج حاراً مصحوباً بالصوت، و يخرج عادةً من المكلوم المتوجع.

اسفاً عَلَيْها قَدْ قَضَتْ أَيَّامَها *** بَعْدَ النَّبِيِّ بِغُصَّةٍ وَ شَجَاءِ

كَسَرُوا لَها ضِلْعاً بِهِ قَدْ كَسَّرُوا *** يَوْمَ الظُّفُوفِ أَضَالِعَ الأَبْناءِ(1)

فَبَنَتْ عَلَي مانَالَها بِأَنِينِها *** تُحْيِي اللَّيَالِ قَرِينَةَ الْوَرْقاءِ(2)

وَ لِقَبْرِ والدِها تَرُوحُ وَ تَشْتَكِي *** هَمَّ الْفُؤادِ وَ ما بِهِ مِنْ داءِ

وَ تَقُولُ: يا خَيْرَ الْعِبادِ سَجِيَّةً *** أَصْبَحْتُ لا أَقوَي عَلَي الأَرْزَاءِ

أبتاهُ مِيراثِي زَوَوْهُ وَ أَسْقَطُوا *** حَمْلِي وَ ها أَنَا قَدْ سَيْمْتُ بَقائِي(3)

إذ لا أَرَي أَجَلاً تَطُولُ سِنِينُهُ *** الأَكَسُمُ الْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ

ص: 437


1- في رواية سليم بن قيس الهلالي عن سلمان المحمدي (رضي الله عنه)، أنه قال: فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع؟... إلي أن قال: فقال أبوبكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً و كان عبدا فظاً غليظاً جافياً، من الطلقاء، أحدَّ بني تميم [كذا في المصدر بالتشديد] -فأرسله، و أرسل أعواناً. فانطلق، فاستأذن، فأبي عليٍّ عليه السلام أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلي أبي بكر و عمر، و هما في المسجد، و الناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: إن هو أذن لكم و إلاّ فادخلوا عليه بغير إذنه. قال: فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام أحرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذني، فرجعوا و ثبت قنفذ، فقالوا : إنّ فاطمة عليها السلام قالت كذا وكذا فحرّجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها، فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء؟ ثم أمر أناساً حوله، فحملوا حطباً، و حمل معهم عمر، فجعلوه حول منزله و فيه علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و ابناهما عليهم السلام. ثم نادي عمر بأعلي صوته، حتي أسمع علياً عليه السلام: واللّشه لتخرجنّ و لتبايعنّ خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أو لأضرمنَّ عليك بيتك ناراً. إلي أن قال: إن خرج، و إلاّ فاقتحم عليه الدار، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم بالنّار. قال: فانطلق قنفذ فاقتحم الدار، هو و أصحابه بغير إذن، فبادر علي عليه السلام إلي سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه فقبضوه، و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة عليها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط علي عضدها !! ، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج، من ضرب قنفذ إيّاها . فأرسل أبوبكر إلي قنفذ اضربها فألجأها إلي عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش، حتي ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها» فراجع الكتاب المذكور ص29 فما بعدها. و روي عنه ثقة الإسلام الكليني (رحمة الله عليه) في الكافي ج 8 ص343 ح 541، و نقله أبومنصور الطبرسي في الاحتجاج ج1 تحت الرقم 38 ، و نقله المجلسي (رحمة الله عليه) في البحارج28 ص261، 282 و ما بينهما.
2- الورقاء: الحمامة التي يضرب لونها إلي الخضرة، و تُشبه بها النفس.
3- زووه: منعوه إيّاه.

ما بَيْنَ قَوْمِ ما رَعَوْا مَنْ فِيهِمُ *** أَوْصَيْتَهُمْ يا أَشْرَفَ الآباءِ

هذَا ابْنُ عَمِّكَ وَ الْحَوادِثُ جَمَّةٌ *** أَمْسَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهِ عَزائِي

إِنْ رَدَّهَا فِي صَبْرِهِ فَبِقَلْبِهِ ***مَا لَيْسَ يُطفَي حَرُّهُ بِالْماءِ

أبتاهُ لَوْ شاهَدْتَ ما عانَيْتُهُ *** مِمَّنْ عَدَوا وَ تَقَصَّدُوا إيذائي

لَبَكَتْ دماً عَيْناكَ لِي وَ تَتَابَعَتْ *** حَسَراتُ قَلْبِكَ مِنْ عَظِيمِ بَلائِي

جِسْمِي ذَوَي، رُكْنِي هَوَي، قَلْبِي حَوَي *** أَلَماً يُهَدِّدُنِي بِقُرْبِ فَنائِي(1)

لَمْ يَبْقَ مِنْ شَيْءٍ يُهَيِّجُ لَوْعَتِي *** إِلأَوَقَامَ بِفِعْلِهِ أَعْدَائِي

قَدْ حَاوَلُوا مَنْعِي البُكَاءَ بِزَعْمِهِمْ *** يُؤذِيهِمُ حَنِّي وَ شَجوُ نِدائي(2)

حَتَّي بُكايَ عَلَيْكَ رامُوا(3) قَطعَهُ *** مِنِّي وَ هذا أَبْسَط الأشياءِ

وَ لِبَيْتِ أَحْزَانِي الْبَعِيدِ تَوَجَّهُوا *** بِمَعاوِلٍ وَاسَتْهُ لِلْغَبراءِ(4)

وَ تَعَمَّدُوا قَطعَ الأَراكَةِ عُنْوَةٌ *** ظُلْماً وَ ذا أَمْرٌ يُثيرُ شَجائِي(5)

فَبَقِيتُ لابيتاً و لاظلاً وَ لا *** مِنْ طاقَةٍ عِنْدِي لِحَمل ردائِي

فَعَلَيْكَ أَلفُ تَحِيَّةٍ وَ تَحِيَّةٍ *** حَتَّي يَحِينَ إِلَي الْجَلِيلِ لِقائِي(6)

ص: 438


1- ذوي: ذُبل و ضعف، و الركن القوّة.
2- الحنين: الشديد من البكاء و الطرب. و الشاعر إنما أراد ذلك بقوله يؤذيهم حَنِّي علي أنّ الحنّ علي وزن المنّ، لم يرد مصدراً بهذا المعني، بل بمعني الصدّ و الصرف. تقول: حَنَّ عنّي شرّه حنّا: أي صرفه. ولكن قد يجوز تصحيح ذلك من باب أنه أراد: «تؤذيهم حنّتي» علي أنها مصدر هيئة، ثم حذف التاء للضرورة، و هو كثير في الشعر.
3- راموا: قصدوا.
4- واسته: ساوته. و كان الأولي أن يُعدِّيها بالباء. قال ابن منظور: و الوسي الاستواء.
5- عنوة: أخذ الشيء قهراً و قسراً.
6- ممّا استفاضت به الأخبار أن بكاءها علي أبيها و ندبتها له قد بلغا مبلغاً عُدَّت عليها السلام معه من البكائين الخمسة : هي، و آدم، و يعقوب و يوسف و السجاد عليهم السلام أجمعين. و لنا أن نقرأ صفحة واحدة من يوميات بكائها و أحزانها لندرك ما انطوت عليه من الشجون و المواجع، مع ما عُرفت به عليه السلام من قوة الصبر و التحمّل. ففي حديث فضة المنقول في البحار ج 174/43-15/178 تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام باب7- ما وقع عليها عليها السلام من الظلم نقرأ: و لم يكن في أهل الأرض... أشدَّ حزناً، و أعظم بكاءً و انتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام، و كان حزنها يتجدّد و يزيد و بكاؤها يشتد. فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، و لايسكن منها الحنين، و كلّ يوم جاء كان بكاؤها يزيد أكثر من اليوم الأول، فلمّا كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تُطقْ صبراً، إذ خرجت و صرخت، فكأنها من فم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تنطق، فتبادرت، النسوان و خرجت الولائد و الولدان، و ضجّ الناس بالبكاء و النحيب، و جاء الناس من كلّ مكان و أُطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء، و خُيّل إلي النسوان أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد قام من قبره و صارت الناس في دهشةٍ و حيرة لما قد رهقهم، و هي تنادي و تندب أباها: «و أبتاه، واصفيّاه، وامحمَّداه، وا أبا القاسماه، و اربيع الأرامل و اليتامي! من للقبلة والمصلّي؟ و من لابنتِك الوالهة الثكلي؟». ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لا تبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها، حتي دنت من قبر أبيها محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فلمّا نظرت إلي الحجرة وقع طرفُها علي المأذنة، فقصُرت خُطاها و دام نحيبها و بُكاها، إلي أن أُغمي عليها فتبادرت النسوان إليها، فنضحن الماء عليها، و علي صدرها و جبينها، حتي أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها؛ قامت و هي تقول: «رُفِعت قوّتي، و خانني جَلَدي، و شمت بي عدوَّي، و الكَمَدُ قاتلي، يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم. بقيتُ و الهةً ،وحيدة و حيرانة فريدة، فقد انْخَمَدَ صوتي، و انقطع ظهري، و تنقِّص عيشي، و تكدَّر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدَّك أنيساً لوحشتي، و لاراداً لدمعتي، و لامعيناً لضعفي. فقد فني بعدَك محُكَم التنزيل، و مهبط جبرائيل، و محل ميكائيل. انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تعلَّقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية، و عليك، ما تردَّدَت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، و لاحزني عليك». ثم نادت: يا أبتاه واأبتاه، ثم قالت: إنَّ حزني عليك حزن جديد *** و فؤادي واللَّه صبٌّ عنيدُ كلّ يوم يزيد فيه شجوني *** و اكتئابي عليك ليس يبيدُ جلّ خطبي فبان عني عزائي *** فبكائي في كل وقتٍ جديدُ إن قلباً عليك يألف صبراً *** أو عزاء فإنه لجليدُ! ثم نادت يا أبتاه انقطعت بك الدنيا ،بأنوارها، و زوت زهرتها، و كانت ببهجتك زاهرة، فقد اسودّ نهارها، فصار يحكي حنادسها و رطبها و يابسها! يا أبتاه! لا زلت آسفةً عليك إلي التلاقِ يا أبتاه، زال غمضي منذ حَقَّ الفراق! يا أبتاه من للأرامل و المساكين؟ و من للأمة إلي يوم الدين؟ يا أبتاه، أمعيناً بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت الناس عنّا معرضين! و لقد كُنّا بك معظَّمين غير مستضعفين! فأيُّ دمعةٍ لفراقِك لاتنهمل؟ و أيّ حزنٍ بعدك عليك لا يتّصل؟ و أيّ جفنٍ بعدَك بالنوم يكتحل؟ و أنت ربيع الدين، و نور النبيين، فكيف الجبال لا تمور، و البحار بعدك لا تغور، و الأرض كيف لم تتزلزل؟! رُميت -يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم- بالخطب الجليل، و لم تكن الرزيّة بالقليل! و طُرِقْتُ -يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول! بكتك -يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم- الأملاك، و وقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحِش، و محرابُك خالٍ من مناجاتك، و قبرُك فرحٌ بمواراتك، و الجنّة مشتاقة إليك و إلي دُعائك و صلاتك. يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم، ما أعظم ظلمة مجالسك! فوا أسفاه عليك إلي أن أقدِمَ عاجلاً عليك. و أُثكِلَ أبو الحسن المؤتمن، أبو ولديك عليه السلام، الحسن و الحسين عليهما السلام، و أخوك و وليٌّك عليه السلام، و حبيبُك، و من ربّيته صغيراً، و آخيته كبيراً، و أحلي أحبابك و أصحابك إليك، من كان منهم سابقاً و مهاجراً و ناصراً! و الشُّكل شاملُنا ! و البكاء قاتلُنا ! و الأسي لازمُنا ! ثم زفرت و أنت أنّةً كادت روحها أن تخرج، ثم قالت: قلّ صبري و بان عنّي عزائي بعد فقدي لخاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله و سلم (الأبيات). قالت فضة: ثم رجعت إلي منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها».

ص: 439

ص: 440

(57) فاطم الطهر عليها السلام

(بحر الخفيف)

السيد محمد الشيرازي (*)(1)

ص: 441


1- (*) هو المرجع الديني الكبير السيد محمد ابن السيد الميرزا مهدي ابن السيد ميرزا حبيب الله الحسيني الشيرازي . ينتمي إلي أسرة (الشيرازي) المعروفة وهي أسرة علم و أدب وفضل وورع وزهد و قد برز فيها خلال القرنين الأخيرين مجموعة من مشاهير الفقهاء و المراجع العظام أحدهم المترجم له . ولد في النجف الأشرف في محلة العمارة يوم الخامس عشر من ربيع الأول سنة (1347 ه) . وقد اعتني والده الفقيه الكبير و الزاهد العارف بتربيته كثيراً و صرف مجهوداً كبيراً في ذلك حتي جعل منه الوريث المعنوي لشخصيته . هاجر مع والده إلي مدينة كربلاء المقدسة في سنة (1355ه). تجلّت فيه سمات النبوغ والعظمة منذ نعومة أظفاره فتعشّق العلم و الفضيلة و حفظ القرآن الكريم، ودرس مقدمات العلوم الدينية من الفقه و الأصول و الكلام و المعاني و غيرها لدي أساتذة عصره المعروفين و منهم العالم المربّي الشيخ جعفر الرشتي، و الفقيه المحقق الشيخ يوسف الخراساني، و العالم الكبير السيد ميرزا هادي الخراساني، و نابغة عصره السيد زين العابدين الكاشاني، و العالم الفقيه السيد محمد طاهر البحراني و غيرهم. ثم قرأ خارج الفقه و أصوله علي والده الفذ، و علي العالم الأصولي الكبير آية الله العظمي السيد محمد هادي الميلاني، فكان واسع الفهم، دقيق النظم، قوي المنطق و الحجة. إستقلّ بعد وفاة والده بتدريس (خارج) الفقه و أصوله في (كربلاء) فكانت له حلقة درس حافلة بالعلماء الأفاضل، و عندما هاجر إلي(الكويت) في عام (1391ه) و اصل تدريسه للخارج طوال تسعة أعوام قضاها في الكويت إلي جانب قيامه بمسؤولياته المرجعية الثقيلة. و عندما حلّ في مدينة قم المقدسة عام (1399ه) استمر في إلقاء بحث الخارج، حيث يحضر في حلقة درسه المجتهدون والعلماء الأفاضل ويغترفون من معين علمه الغزير. وقد امتاز بحثه بعمقه العلمي واستيعابه لآراء الفطاحل مقروناً بقوة البيان. و قد ناهزت مؤلفاته في شتي المواضيع العلمية -من فقه و أصول و فلسفة و تفسير وغيرها - الثمانمائة كتاب بين مطبوع و مخطوط و هو أمر غريب قلّ أن يتفق لأحدٍ قبله. و لانشغاله الدائم بإدارة أمور المرجعية و تربية العلماء مضافاً إلي التأليف الكثير لم يجد فرصة سانحة لنظم الشعر إذ هو من المقلّين جداً و لم ينظم قوافيه إلا في النادر. و من أهم مؤلفاته الموسوعة الفقهية التي يربو عدد أجزائها في الوقت الراهن علي المئة وعشرين مجلداً، و تعدّ أكبر موسوعة فقهية استدلالية في تاريخ الفقه وهي تدلّ علي غزارة علمه وقوّة اجتهاده و تضلّعه في الفروع و الأصول بما لم يسبق له نظير. و قد قرضها الكثير من المجتهدين العظام، و اعتبرها بعض جهابذة الحوزات العلمية دليلاً علي (أعلميته). و أما عطاؤه الفكري و الثقافي فهو معين لا ينضب للطلبه و الدارسين و أصحاب الفكر و القلم، إذ كان بحق مجدداً في القرن المعاصر وكتبه العديدة في مختلف مجالات الحياة تكشف عن كفاءته وقدرته الفائقة . و إلي جانب عطائه الثقافي و العلمي له اهتمام كبير بتأسيس المؤسسات الدينية في مختلف بقاع العالم. و هو مضافاً إلي كل ذلك مجاهد لا يلين... فقد قاوم التيارات الإلحادية طيلة حياته... و لمسيرة حياته خدمات جليلة و تفاصيل لايسع المجال هنا لذكرها، ومن المناسب أن نقول هنا إن المترجم له تعرّض لأقسي المصاعب في جهاده المتواصل... و لكنه تلقّاها صابراً محتسباً... و له في آبائه الطاهرين من أئمة أهل البيت«عليهمالسلام» خير قدوة و أسوة ... و بالله الأمل . .. و هو المستعان. و هكذا كان المترجم له إلي أواخر حياته مجتهداً مجاهداً و عالماً عاملاً حتي و افته المنيّة في قم المقدسة في الثاني من شهر شوّال سنة (1422ه) و دفن إلي جوار جدّته السيدة فاطمة المعصومةعليهما السلام فقدّس الله سرّه و حشره مع أجداده الطاهرين.

تَبْهَرُ الكَوْنَ من سَناكِ ذُكَاءُ*** وَلِعالي بِناكِ تَعْلُو السَّماءُ

فاطِمَ الظُّهْرِ يا سنايا ابنةَ المُخْتار*** مِنْ نُورِكِ اسْتَفادَ الضّياءُ

كَوْكَبَ الصُّبحِ قد أَلَقتِ بنِاءً*** لا يُجارِيكِ كَوْكَبٌ وَضَاءُ(1)

أَنْتِ بَحْرُ النَّدَي وَمَنْبَعُ فَضْلٍ*** مِنْ نَداهُ تُسْتَمْطَرُ الأَنْواءُ(2)

قالَ طَةَ بأنَّ فاطِمَ بَضْعُ*** مِن فُؤادِي، وإنها الزَّهْراءُ

وَرِضاها رِضَي الإِلَهِ تَعالي*** وَأَذاها لِرَبِّها إيذاءُ(3)

ص: 442


1- ألَق يألِقُ الْقاً: لمع و أضاء.
2- الأنواء، و مفردها النَّوء: العطاء، و المطر، و النجم. و قيل معني النوء: سقوط النجم من المنازل في المغرب و طلوع مقابله في المشرق. و كانت العرب تقول: مُطِرنا بنوء الثريا، أو بنوء الديران.
3- أخرج البخاري و مسلم، كما في ترجمة الزهراء عليها السلام من الإصابة و غيرها -عن المسور قال:«سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم» يقول علي المنبر : «فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يريبني ما رابها». و نقل النبهاني في كتابه الشرف المؤبّد، عن البخاري بسنده إلي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم قال: «فاطمة عليها السلام بضعة مني يغضبني ما يغضبها» قال النبهاني: و في رواية: «فمن أغضبها فقد أغضبني». و راجع أيضاً مسند أحمد ج2 ص442، و سنن ابن ماجة ج1 ص644 و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ص14، و المناقب باب (61) فضل فاطمة عليها السلام ج5 ص698 ح 3867 و حلية الأولياء ج2 ص40، و الإصابة ج4 ص366، و كنز العمال ج12 ص107 و 112 و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122 و غيرها من كتب العامة المعتبرة، و قد تركنا ذكر مصادره من كتب أصحابنا لوضوحه عندهم.

أنتِ بِنْتُ الرَّسُولِ زَوْجُ عَلِيَّ *** وَ بَنُوكِ الأَئِمَّةُ الأمَناءُ

قد أَبَانَ النَّبِيُّ فَضْلَكِ إِذْما *** خاطِباً، جاءَ نَحْوَهُ الكُبَراءُ

(هَل أَتَي) فيكُمُ أَتَتْ مِنْ إله العَرْشِ*** ما طأُطَأَتْ لَهُ العُظَمَاءُ

أَنْتِ قُطْبُ المُطَهَّرِينَ جَمِيعاً *** حِينَما لَفَّكُمْ فَخاراً،كساءُ(1)

وَدَعاكِ الرَّسُولُ حِينَ أَتاهُ *** مِنْ نَصَارَي، مُباهِلِينَ غُثَاءُ(2)

ص: 443


1- لاحظ تعبير السماء عمّن يكون أهل الكساء قال الله تعالي: «هم فاطمة عليها السلام و أبوها و بعلها و بنوها عليهم السلام» حيث صارت مركزاً و محوراً للمطهَّرين جميعاً.
2- إشارة إلي نزول آية المباهلة فيها و في أبيها و بعلها و بنيها عليهم السلام و هي قوله تعالي في الآية (61) من سورة آل عمران: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ». قال الإمام شرف الدين: أجمع أهل القبلة، حتي الخوارج منهم، علي أن النبي صلي الله عليهم و آله و سلم لم يدع للمباهلة من النساء سوي بضعته الزهراء عليها السلام. و من الأبناء سوي سبطيه و ريحانتيه من الدنيا، و من الأنفس إلاّ أخاه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية بحكم الضرورة التي لا يمكن محوها، لم يشاركهم فيها أحد من العالمين 510. و حديث المباهلة باختصار: إن نصاري نجران وفد كبار علمائهم علي رسول اللَّه صلي الله عليهم و آله و سلم، و جادلوه و جادلهم، و قامت عليهم الحجة فلم يقبلوا، ثم احتكموا في النهاية إلي الملاعنة و المباهلة، فيلعن كلَّ منهما المبطل فتحلّ اللعنة عليه، و اتفقوا علي يوم سُويً يجتمعون فيه لذلك، فجاء الرسول بأصحاب الكساء، و اختصهم من دون نسائه و رجال بني هاشم و قريش. فلما رأي وفد نصاري نجران تلك الوجوه النيّرة عرّفوا أنّ العذاب نازل عليهم إذاً لا محالة، فتراجعوا وصالحوا علي الجزية. قال الأمين الأنطاكي: إن حديث المباهلة معروف مشهور، و قد ذكره المفسِّرون و المحدِّثون و أهل السِّير والأخبار، و كلّ من أرّخ حوادث السنة العاشرة للهجرة، و هي سنة المباهلة. وانظر مسلم في صحيحه، و ابن حنبل في مسنده، و القندوزي في ينابيع المودّة، و الشبلنجي في نور الأبصار و الطبري في ذخائر العقبي و الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، و الحاكم في المستدرك، و أبونعيم في دلائل النبوة، و البغوي في معالم التنزيل و الذهبي في ذيل مستدرك الحاكم، و ابن الأثير الجزري في أسد الغابة، و سبط ابن الجوزي في التذكرة، و ابن حجر العسقلاني في الإصابة و الشيخ محمد الشافعي في مطالب السؤول. و أكثر أهل التفاسير -إن لم يكن كلّهم- هذا من طرق السنّة حسب، و أمّا أصحابنا الإمامية فيمكن القول إن كل كتبهم التي تعرّضت لأحداث السنة العاشرة، و لمناقب أحد أصحاب الكساء قد ذكرت ذلك. غُثاء: الزبد، البالي من ورق الشجر المخالط للزبد.

لَكِ في (إِنَّما) الطَّهارةُ لكِنْ *** لَهُما في (تظاهرا) إِزْراءُ(1)

صَلَوَاتُ البارِي عَلَيْكِ دواماً *** وَ سَلامٌ مِنْ عِندِهِ وَ ثَناءُ

ص: 444


1- (إنّما) إشارة إلي آية التطهير و حديث الكساء، و قد تقدّمت في أكثر من مورد. و أما (تظاهرا) فإشارة إلي قوله تعالي في الآية (4) من سورة التحريم: «وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَي رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ». فقد أخرج البخاري في المظالم ،و الغصب باب الغرفة العليّة المشرّفة بسنده المتصل بابن عباس قال: لم أزل حريصاً علي أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله لهما: «إِنْ تَتُوبَا إِلَي اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا...» الآية: 4 التحريم... إلي أن قال فقال عمر: واعجبا لك يا ابن عباس، عائشة و حفصة. و رواه ابن سعد في طبقاته ج 8 ص 138، و أحمد في مسنده ج1 ص33 ومسلم في صحيحه و الترمذي في صحيحه ج2 ص231 و ابن جرير الطبري في تفسير للآية، بطريقين، و السنن للدارقطني كتاب الطلاق، و راجع مستدرك الصحيحين للحاكم ج2 ص493، و البيهقي في سننه ج 7 ص37 ، و المتقي في كنز العمال ج1 ص209 و الأوسط للطبراني و غيرها.

(58) خامسة الكساء

(بحر الوافر)

السيد محمد صالح البحراني (*)(1)

ص: 445


1- (*) هو السيد محمد صالح إبن عدنان إبن السيد علوي إبن السيد علي ابن السيد عبد الجبار القادوني الموسوي البحراني، يتصل نسبه بالامام موسي بن جعفر (عليه السلام). ولد المترجم له في بلاد القديم من قري البحرين في الخامس من ربيع الأول سنة (1338ه). و أخذ دراسته الابتدائية في البحرين ثم اتصل بالشيخ محمد علي المدني الذي كان وصي أبيه فدرس عنده القواعد العربية. و في عام (1356ه) بعثته حكومة البحرين ليكمل دراسته الدينية في مدينة (لكنهو) بالهند، و مدينة لكنهو كانت مركزاً للعلم والعلماء في فترة من الفترات، و كان يقطن فيها علماء كبار أمثال السيد مير حامد حسين الهندي صاحب كتاب (عبقات الأنوار) و لاتزال مكتبته الكبيرة هناك زاخرة بالمخطوطات النادرة مضافاً إلي مكتبات أخري و مساجد و مدارس علمية مثل مدرسة الواعظين. تتلمذ المترجم له عند العالم الجليل السيد علي تقي اللكنهوي، و قد درس هناك الفقه و المنطق و الأصول و الكلام و تعلم اللغة الهندية و الانكليزية، و بعد أن تمرّس في الثقافة الدينية عاد إلي البحرين و هو متعّطش إلي المزيد من العلم، فالتحق بالعالم الجليل الشيخ عبد الحسين الحلي -و هو إذ ذاك قاضي القضاة في البحرين- و تخرّج علي يده في علم الأصول. و لمّا أتمّ دراسته الدينية من نواحيها الشاملة علي يد علماء عصره في الهند و البحرين رغب في أن يسلك مسلك الخطابة المنبرية ليكون من خطباء المنبر الحسيني، مديراً للمجالس و المنابر التي هي ما لا يحصي عدداً في البحرين فابتدأ بها سنة (1363ه_) حتي أصبح من خطباء البحرين المرموقين، و هو يمتاز بقوة الحافظة و حسن التعبير و فصاحة اللفظ و جمال الصوت، و هو يجمع بين القديم و الحديث. و أما أدبه و شعره، فهو يجيد الشعر و النظم بقسميه (الدارج) و(الفصيح) ففي الدارج له ديوانه (مصاريع العبرة) في مجلدين و في الفصيح ديوانه (عرائس الجنان) في خمسة أجزاء. و شعره ذو طابع ديني و عقيدي كما له عدة مؤلفات طبع بعضها، و البعض في طريقها إلي الطبع منها : 1- مراجع بني الاسلام في تاريخ النبي صلي الله عليه و آله و سلم و البيت الحرام. 2- مصابيح الإفهام عن الحج و البيت الحرام. 3- معارج الإنابة في أعمال المدينة و أعمال مكة. 4- فجائع الاسلام في واقعة الطف. 5- مختارات الخطيب من الرثاء و النسيب. 6- مذكرات الخطيب. 7-مطالع الأنوار. 8- مراقي الوصول لمعالي الرسول. 9- فرائد المرجان في خصائص شهر رمضان. 10- عقود الجمان في وقائع شهر رمضان. 11- حصائل الفكر في أحوال الامام المنتظر«عليه السلام». 12- معالم اليقين في مناقب أمير المؤمنين «عليه السلام». 13- مواقع الحيرة في مصارع الغيرة. 14- رياض الإمامة. 15- ديوان عرائس الجنان. 16- ديوان مصاريع العبرة. و ما يزال متواصلاً في عطائه.

لأَهْلِ الأَرْضِ فَاقَتْ وَ السَّماءِ*** فَخُصَّتْ بِاسْمِ سَيِّدَةِ النّساءِ

وَ أَيْدِي النُّسْكِ ثَوْبَ تُفَّي كَسَتْها *** فَعادَتْ وَ هُيَ خامِسَةُ الكِساءِ(1)

لَها أعلاقُ يُثني كُلَّ حينٍ*** فَما بِثَناكَ تَصْنَعُ أَوْ ثَنائِي(2)

بِخِدْمَتِها الْمَلائِكُ قَدْ تَبَاهَتْ *** فَخِدْ ماتُ الوَرَي تِلْوَ الهباءِ

وَمَنْ في الذِّكْرِ مِدْحَتُها اسْتَقَلَّتْ *** فَخَيْرُ المَدْحِ فِيها كالهَبَاءِ

لَها لَمْ تُدْرِكِ القُرَباءُ مَعْنًي *** فَأَنَّي عِلْمُهُ للأَقْصِياءِ(3)

ص: 446


1- النُّسك: العبادة و الطاعة، و كلّ ما تُقَرِّب به إلي الله تعالي.
2- أعلاق جمع عِلْق: النفيسُ من كل شيء ، كالمال الخطير و الثوب النفيس. قيل: سُمِّي به لتعلّق القلب به، انظر لسان العرب. و الثناء: الحمد و المدح و الثنيُ : العطفُ و اللُّي و الطُّي وردُّ بعض الشيء علي بعضه. و علي هذا يُستبعد إرادة المعني المذكور من الأعلاق. و قال اللحياني: الإعلاق، بكسر الهمزة: وقوعُ الصيد في الحبل، و العلق: الحبل و الرشاء. و علي هذا فيكون الإعلاق مصدراً من العّلق و هو الحبل، أي حبل الفضل و الطهارة، و هو يتناسب مع قوله: يُثني كل حين، و المعني الدقيق في قلب الشاعر.
3- القُرباء، مثل عُلَماء حُكماء: لم تُسمع كجمع، و لعلّه اجتهادُّ منه.

فَسَلْ سَلْمَانَ عَنْها كَمْ رَأَي مِنْ *** مَنَاقِبُ لَهْيَ آيُّ الأَنْبِياءِ(1)

وَ عَنْها أُمَّ أَيْمَنَ سَلْ فَكَمْ قَدْ *** رَأَتْ مِنْ آيَةٍ وَ هُدَي سَناءِ(2)

فَمِنَ مَهْدٍ يَهُزُّ بِغَيْرِ كَفِّ *** وَ كَفِّ مُدَّ عَنْها بِالدُّعاءِ

وَ كَفِّ تَطْحَنُ البُرَّ اقتِداءً *** بِمَنْ هِيَ خَيْرُ أَهْل الإقْتِداءِ(3)

وَ سَلْ آيَ الكِتابِ فَكَمْ وَفتْها *** بِما هِيَ نَسْتَحِقُّ مِنَ الْوَفاءِ

وَ هَلْ خُصَّتْ بِشُكْرِ السَّعيِ إلاَّ *** صِيامُ ثَلاثَةٍ رُفِقَتْ بِماءِ

وَ هَلْ في (هَلْ أَتَي)الجَبَّارُ أَثْنَي *** لِغَيْرِ مَنِ احْتَوَوا جُمَلَ الثَّناءِ(4)

وَ هَلْ عَرَفتْ لِهذا الْفَضْلِ شَأْناً *** جُفاةٌ جَاهَرُوهُمْ بِالعِداءِ

لقَدْ أَدَّوا لأَحْمَدَ مَا اقْتَضاهُمْ *** عَلَي أَجْرِ الرِّسالَةِ مِنْ جَزاءِ

فَنَادَي: لاأُرِيدُ عَلَيْهِ أَجْراً *** سِوَي خَيْرٍ مَوَدَّةُ أَقْرِبائِي(5)

بِأَنْ لَمْ يَتْرُكوا لِذَوِيهِ حَقَّاً *** فَما اغتصبوه حَسْواً في ارْتِقاءِ(6)

فَمَنْ مِنْ بَعْدِهِ بِالْحُكْمِ أَوْصَي *** لَهُ وَ أقامَهُ عَلَمَ الوِلاءِ

ص: 447


1- راجع مثلاً كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص222، و تجد إشارة إلي ذلك في تاريخ اليعقوبي ج2 ص126، و في تفسير العياشي ج2 ص67.
2- تجد بعض ذلك في سفينة البحار ج8 تحت لفظة (يمن)، و في كتاب مائة أوائل من النساء لسليمان سليم عبد التواب بترجمة بركة بنت ثعلبة ص169، و في كتاب وفاة الصدّيقة الزهراءعليهما سلام للعلامة المقرّم.
3- انظر المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص116 و ما بعدها. طبع النجف 1375 ه_ كل ذلك عن الحسن البصري ،و ابن إسحاق، و أبي علي الصولي في أخبار فاطمة عليها السلام، و أبي السعادات في فضائل العشرة، و كذلك الثعلبي في تفسيره، و ابن المؤذن في الأربعين بإسنادهما عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه. و انظر ذخائر العقبي ص45- 47، و البحار ج43 ص45، 63 و فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي ص99 نقلاً عن لسان الميزان ج5 65 .كما روي نظائر ذلك عن أنس بطريق عائشة و عن كعب الأحبار.
4- إشارة إلي الآيات التي نزلت فيها و في علي و الحسنين عليهم السلام.
5- إشارة إلي آية المودّة.
6- إشارة إلي ما جري عليها من مصائب و رزايا في فدك و السقيفة و الهجوم علي الدار وما تخلّل كل ذلك من تفاصيل. حسوا: شرباً شيئاً بعد شيء.

نَفَوْهُ عَنْ ولايتِهِ و سامُوهُ *** أَنْ يَرْضَي بِحُكْمِ الإِعْتِداءِ(1)

وَ بَضْعَتُهُ الَّتِي مازالَ يُوصِي *** بِها بِالْحِفْظِ دونَ رَياءِ

سَقَوْها مِنْ كُؤُوسِ الظُّلْمِ ما *** لايَقُومُ بِحَمْلِهِ أَعْلَي حِراءِ(2)

فَحَتَّي إِرثَها مُنِعَتْ عِناداً *** وَ مِنْ نَدْبٍ عَلَيْهِ وَ مِنْ بُكاءِ

وَ كانَتْ لافْتِجاعٍ فِيهِ ثَكْلي*** فَعَزَّوْهَا بِهِ خَيْرَ الْعَزاءِ!

أحاطُوا بَيْتَها جزلاً وَ هَمُّوا *** بِنارِ الجَزْل حَرْقاً لِلْفِناءِ(3)

وَ لَمّا أَنْ أَتَتْ لِلْبابِ فَتْحاً *** لِتُبْصِرَ ما يُرِيدُ أُولُو الشَّقاءِ

إِذَا هُمْ يَهْجُمُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ *** عَلَيْها وَ هْيَ حَسْرَي عَنْ رِداءِ

فَرامَتْ عَنْهُمُ بِالبابِ سِتْراً *** فَنالُوها بِهِ شَرَّ البَلاءِ

بِضَغْطٍ نالَ مِنْهُ الصَّدْرُ رَضَاً *** وَ أُسْقِطَ حَمْلُها خَلْفَ البِناءِ(4)

ص: 448


1- إشارة إلي حديث الغدير، و حديث الدار يوم الإنذار، و حديث المنزلة الذي يدلّ علي أن لأميرالمؤمنين عليه السلام كلّ ما لرسول اللَّه صلي اللَّهُ عليه و آلهِ و سلم ما خلا النبوّة، و حديث الولاية في قتال بني زبيدة مع خالد... و غيرها كثير لا يحصي كثرة. و من شاء فليراجع كتاب المراجعات، و فيه يذكر الإمام شرف الدين مآخذ كل ذلك من كتب الجمهور المعتبرة. ساموه: عرضوه و ذكروا ثمنه.
2- أعلي حراء، كناية عن الجبل الذي فيه غار حراء. و قال ابن منظور: حِرَاء، بالكسر و المد: جبل بمكة، معروف، يذكّر و يؤنث، و ينصرف و يمتنع.
3- الجزل: الحطب.
4- في كتاب سقيفة الجوهري، كما عن شرح نهج البلاغة للمعتزلي : أنّ عمر و أصحابه اقتحموا الدار، و فاطمة عليها السلام تصيح و تناشدهم اللَّه. و من مجموع كُتُب منها ذُكر، ومنها غُرر ابن خرد ذابة و منها كنز العمّال للمتقي، و منها الإمامة و السياسة للدينوري، و غيرها من كتب العامّة، و أمثال الاحتجاج، و الغدير، و سليم بن قيس، و الشافي في الإمامة، و غيرها من كتب أصحابنا الإمامية... أقول: من مجموع هذه الكتب يمكن ذكر بعض الذين وردت أسماؤهم في الهجوم علي الدار و اقتحام الباب، و هم: 1- عمر بن الخطاب العدوي. 2- المغيرة بن شعبة. 3- قنفذ بن عمير التميمي. 4- سلمة بن أسلم. 5- زيد بن أسلم. 6- أسيد بن حضير الأوسي. 7- خالد بن الوليد. 8- سلمة بن سلامة بن وقش، و هذا و أُسيد من بني عبد الأشهل. 9- ثابت بن قيس بن شمَّاس من بني الحارث بن الخزرج. 10- محمد بن مسلمة و هو الذي كسر سيف الزبير في واقعة الدار. 11- زياد بن لبيد الأنصاري، و غيرهم. فأما أخبار الهجوم و اقتحام البيت و إضرام النار و التهديد به فقد تواترت به الأخبار، و من الفريقين. و قد تقدّمت رواية الملل و النحل عن النظام المعتزلي أن عمر في اقتحامه للبيت ضرب فاطمة عليهما السلام في بطنها حتي أسقطت جنينها.

وَ جُرَّ الْمُرْتَضَي بِالْحَبْلِ صَبْراً *** فَهَوَّنَ مَا احْتَسَتْهُ مِنَ البَلاءِ

وَ لَمْ تَسْطِعْ جُلُوساً دُونَ أَنْ قَدْ*** سَعَتْ فِي رَدُّهِ بَيْنَ النِّساءِ

تُنادِي القَوْمَ خَلُّوا الْمُرْتَضَي أَوْ *** رَفَعْتُ يَدِي عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ

فَماعَطَفُوا لَها إِلاّ بِسَوْطٍ *** تُقَنِّعُها بِهِ أَيْدِي الجَفاءِ

فَما وَهَنُوا بِهِ حَتَّي كَسَوْها *** كِسا سُقْم تَعاضَلَ عَنْ شِفاءِ(1)

وَمِنْهُ أُلْقِيَتْ فِي الفَرْشِ نِضْواً *** تُكابِدُ كُلَّ ذِي كَمَدٍ وَداءِ(2)

فَلا تَهْدا مِنَ الآلامِ سُقْماً *** وَ لا فَقْد أَقَلَّ مِنَ الْبُكاءِ(3)

يُقاسِي قَلْبُها سُمَّيْنِ: سُمّاً *** لِفَقْدِ أَبِ، وَسُمّاً مِنْ جَفاءِ

وَ يَصْلَي جِسْمُها ضَرْباً وَ ضَعْفاً *** وَ ضَغْطاً مُسْقِطاً حَمْلَ النَّماءِ

فَعاشَتْ وَ هْيَ ثَكْلَي فِي اهْتِضَامِ *** وَ ماتَتْ وَ هْيَ حَرَّي في اصْطِلاءِ(4)

قَضَتْ فِي النُّسِكِ طُولَ العُمْرِحَتَّي *** قَضَتْ بِسُجُودِها نَحْبَ البَقاءِ(5)

بِنَفْسِي مَنْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَقْضِي *** جَمِيعَ حَياتِها الفَخْرَ النَّهائي

ص: 449


1- تعاضل عن الشفاء: امتنع عنه و منه، فلا شفاء و لادواء. و منه المرض العضال.
2- النُّضو: المهزول، و سُمي السهم نِضواً لكثرة ما وقع عليه من البري و النحت. و الكَمَدُ، علي وزن قَمَر: الهمّ و الحزن المكتوم، بما يصاحب ذلك من تغيرّ اللّون و ذهاب صفائه. و كابَدَ : قاسي.
3- لا يخلو البيت من تصحيف.
4- حرَّي: عطشي، مؤنّث حرّان، و عادة ما توصف الكبد، فيقال: كبدّ حرّي. و منه حديث علي عليه السلام: أأبيتُ مبطاناً و حولي أكبادُّ حرّي؟ هذا هو الأصل، ولكن الحرّ من الحرارة، و قد يوصف الصدر المحزون المملوء همُاً بالحرارة أيضاً، فيقال: هي حرّي: أي صدرها مملوء بالهموم و الأحزان. و الاصطلاء بالشيء: مقاساة حَرُّ الشيء.
5- النحب: لّه معانٍ عديدة، منها الموت ،و الأجل، و المدّة و الوقت. قضي نحبه: مات.

(59) إيذاؤها ايذائي

(بحر الكامل)

الحاج محمد علي الحاج حسين (*)(1)

هذه القصيدة في (رثاء الزهراء «سلام الله عليها»)بنت النبي المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم تنبعث من قلب ذاب من غصص الرزايا التي جرت عليها. و هي البضعة الطاهرة عليها السلام. سيّدة نساء العالمين. فاطمة عليها السلام. أم أبيها:

غُصص المصائب ألهبت أحشائي *** فأشرتُ نحوكَ سيّد الشهداء

إن كنت أنت أبَا الرَّزايا كُلّها *** قتلاً و نهباً ثمّ سَبي نِساءِ

فالأمُّ في تلك الفواجِع فاطمٌ *** عانّت صنوف الظُّلم و الإيذَاءِ

إنّي جريحُ القَلب تنزفُ مُقلتي *** و أقولُ في ذكري البتولِ رثائي

أولم تكنِ بنتُ النبيِّ المُصطفي *** أُمّاً له في أصدقِ الأنباءِ؟

ص: 450


1- (*) هوالأستاذ الحاج محمد علي ابن الحاج حسين أبو الحسن الحلّاق الحريّ. ولد في كربلاء المقدسة سنة 1939م. بدأ الدراسة الابتدائية في المكاتب التي كانت متعارفة في ذلك الوقت فتعلّم القراءة و الكتابة من المرحوم الحاج السيد مرتضي المعروف ب_ (آقا معلم) ثم تتلمذ أبواب الحساب و الرياضيات عند المرحوم الشيخ حسن في إحدي حجرات الصحن الشريف و قد حفظ أجزاءً من القرآن الكريم علي يد المرحوم الحافظ الشيخ فاضل الحلي و تعلم كتاب الأدب و الشعر من الفضلاء و الشعراء و هم: المرحوم الحاج الشيخ مرتضي الكشوان الكربلائي و المرحوم السيد مرتضي الوهاب و الشهيد الحاج السيد حسن الشيرازي، و المرحوم الحاج الشيخ هادي الخطيب الخفاجي الكربلائي، و المرحوم الشيخ عبد الرضا الصافي رحمهم الله جميعاً. و له هواية شديدة في مطالعة الكتب الدينية و الأدبية. و له العديد من القصائد في مختلف المناسبات الدينية و مدحاً و رثاءً في حق أهل البيت عليهم السلام و لايزال مستمراً في مجال الشعر و الشعراء.

و خليلة الضرغامِ حيدرةَ الّذي *** أفني جُموعَ عساكرِ الأعداءِ

زهراءُ سيدةُ النساء رضيّة *** حوراءُ طاهرةُ من الأرداءِ(1)

و هي التقيّةُ و البتولُ زكيّةٌ *** صديقةُ مرضيّةُ الآراءِ

هي نورُه مَشكاةِ الهُدي و سراجُها *** هي مركزُ الإشعاعِ و الأضواءِ

من نورِها تبدُو البدوُر منيرةً *** منها الشَّمُوسُ تشعُّ في الأرجاءِ

فجلالُهَا و بهاؤُها و كمالُها *** عكستْ جلالَ اللَّهِ ذي الآلاءِ

إنّ السّخاوةَ قد غَدتْ بمذلّةٍ *** تحنُوأمامَ نوَالِها المِعطاءِ

***

في الذّكر آياتٌ تنصُّ بشأنها *** و بفضلِها بالمدح و الإطراءِ

عُنيتْ بآيةِ قل تعالَوْا نبتهلْ *** بنسائِنَا و بخيرةِ الأبناءِ

و بآية التطهير بان كمالُها *** ظَهُرتْ من الأرجاسِ و الأقذاءِ(2)

و بهل أتي نصٌّ جليٌّ واضحٌ *** حازتْ بكلِّ فضيلةٍ و ثناءِ

و بآي فلا لاأبتغِي لرسالتي *** شيئاً من الصَّفراءِ و البيضاءِ

إلَّا المودّة في ذوِي القُربي و هُم *** نسلُ الوصيِّ و عترةُ الزَّهراءِ

هي أصلُ أغصانٍ تُضيء فروُعها *** أنوارَ أعلامِ التّقي النّجباءِ

***

و صريحُ أقوال الرّسول تواترتْ *** (هي بضعتي إيذاؤها إيذائي)

قُمْ من ضريحِكَ يا أبي و انظرْ إلي *** السّبطين قد لاذا من الغَوغاءِ

وكأنّنا أُسراءُ ديلَمَ بينَهُم *** أبتاهُ فانظُرْ ما جنوهُ إزائي

عَمَدُوا بكسرِ الضلعِ بين جِدارِها *** و البابِ حتي رُوِّضتْ أعضائِي

أبتاهُ قد سقَطّ الجنينُ و لم أجدْ *** من يستجيبُ لنخوتِي و رجائِي

ص: 451


1- الأرداءِ: مفردها رديّة: و هي الفعل الشائن.
2- الأقذاء: جمع قذي: و هي الأوساخ.

أبتاهُ أدركني بمقتلِ(مُحسنٍ) *** يا وَيْلَهَم قد قطعُوا أحشائِي

هذا ابنُ عمِّكَ كالأسيرِ موثَّقاً *** و الوغُد يدفعُه بَلا استحياءِ

أبتاهُ إني قد سئِمْتُ مَعِيشَةً *** بالذُّلِّ بينَ معاشرِ الخُبثَاءِ

أبتاهُ فاجلِبنِي لجنبكَ مسرِعاً *** إذ لا أُطيقُ شماتَةَ الأعداءِ

وإليكَ ربّي قد شكوتُ ظلامَتِي *** عجِّل وفاتِي يا مُجيبَ دعائِي

حتي استجابَ سميعُها فاستُشهِدَتْ *** مرضوضَةَ الجنبَاتِ لِلعلياءِ

رَحلَتْ و فيها لوعةٌ مكنونةٌ *** ليذوبَ من آهاتِهَا الصّمَّاءِ

في بيتِها هَبَطَ الأمينُ لينضوي *** تحتَ الكساءِ بمجمعِ العُظماءِ

هي كوثرٌ تهبُ الحياةَ ليرتوي *** مِنها الوُجودُ بسَلبيلِ المَاءِ

إن الحياةَ رهينةٌ بوجُوِدها *** أُمُّ الأئمةِ و هي خيرُ نساءِ

***

ما بالُ بنتِ المُصطفي تَبكي إذاً؟ *** في كُلِّ أضحيةٍ و كلّ عِشاءِ

جاءتْ إلي قبرِ الحبيب لتشتكِي *** ظلمَ الطغاةِ و قسوةَ الخُلفاءِ

أَبَتَاهُ من لي بعدَ شخصِكَ ملخاٌ *** أشكُو إليه مظالِمَ الأعداءِ؟

ما إن تقمَّصَك المنونُ فإنّهُم *** قد أظهَرُوا أحقادَهُم بِجفائِي

خانُوا الأَمَانَة و العهُودَ ليمنعُوا *** إرثي و كانَ سروُرهُم إيذائِي

أَبَتاهُ قد شَنُّوا عَلَيَّ هَجُومَهُم *** و بفعِلِهم قد أرْعَبُوا أبنَائي

وبنارِ حقدِهُمُ الدَّفين تعمّدُوا *** في حرقِ داري و استُبيحَ خِبائي

أَبَتاهُ هذي زينبٌ مرعوبةُ *** ذُهلِتْ لتلِكَ الهجمةِ النَّكراءِ

تشكُو إلي البارِيِ مظالمَ حبترٍ *** و خليلِهِ و الظُّغمةِ اللُّؤمَاءِ

و الصّبرُ أظهرَ عجزَهُ عن صبرِها *** صَبَرَتْ علي البأساءِ و الضّراءِ

***

يا عينُ ذوبي و انثُري لمُصيبةِ *** الزهراءِ فهي رزيَّتِي و رَثائي

ص: 452

يا للهوانِ علي الزّمانِ لعُصبةٍ *** غدَرَتْ بآلِ محمّدِ الأُمناءِ

ما ذنب أهل البيت عترةِ أحمدٍ *** سُحقاً لقومٍ مسَّهُم بِعداءِ

يا ربُّ فالعنْ غاصبيِهم حقَّهُم *** لعناً بكُلِّ صبيحةٍ و مَساءِ

و ابعَث إلي رُوحِ النَّبي وآله *** عنّي السلامَ فإنّهُم شُفعائِي

***

ص: 453

(60) نور البضعة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ محمد علي الزهيري (*)(1)

(الصديقة الزهراء عليها السلام):

قد فجّرَ الشوقُ العظيمُ ولائِي *** متدفقاً كالنَّبْعِ من أعضائِي

و استلهمتْ نبضاتُ قلبي نغمةٌ *** فعزفتُها أنشودةً لنِدائي

طرِبَ الفؤادُ لها فهام بسحرِها *** فتحيَّرَ الإلهامُ في إيحائِي

و الروحُ ترقُصُ حولَ قلبي نشوةً *** و الفكر يرسُمُ و المِدادُ دمائِي

و العينُ قد سُحِرَتْ فلا بصرٌ بها *** و كأَنَّها في ليلةِ ظلماءِ

فإذا العيونُ تفتحتْ بخواطرِي *** و القلبُ أبصرَ من شغافِ صفائِي

فنظرتُ و الأشواقُ لما تنجلِي *** ما بين نشوةِ فرحتي و بكائِي

الكونُ يا للكونِ أشرقَ ساطعاً *** نوراً غدا كالدرةِ البيضاءِ

و خليقةُ الرحمن بين مهلِّلِ *** و مقدِّس و مسبِّحٍ بدعاءِ

فسألتُ قالوا قد أطلَّ علي الوري *** في الأرضِ نورُ البضعةِ الزهراءِ(2)

ص: 454


1- (*) الأستاذ محمد علي بن فاضل بن ياسين عبدين الزهيري. ولد في النجف سنة 1383ه_ و نشأ بها دخل المدارس الرسمية، و تخرج من كلية الهندسة قسم البناء و الإنشاءات، و يتكسب حالياً بالأعمال الحرة. أخذ بعض المقدمات الأدبية علي الشيخ علي السهلاني، و أحبَّ الأدب، و له قراءات أدبية و شعرية متنوّعة، فقد نظم الشعر الفصيح و «العامي». و شارك به في الأندية الأدبية، و له منه ديوان ضخم، أكثره في مدح و رثاء آل البيت الأطهار عليهم السلام.
2- الوري: الخلائق.

بُشراكَ يا خيرَ الأنامِ بمولد *** الإيمانِ و العرفانِ و العلياءِ

بشراكَ يا دوحَ الفضيلة كوثرٌ *** قد جاءَ فياضاً علي الأرجاءِ

فلتفرحِ الدنيا و ما حَمَلتْ وما *** في العالمينَ و بينَ كلِّ سماءِ

اللَّهُ ماذا أزهرَتْ بنوالها *** تزهُو به من عزةٍ قَعْساءِ

و يطوفُ جبرائيلُ حولَ فنائها *** فبخٍ لروحٍ حولَ أيَّ فناءِ(1)

و فيالقُ الأملاكِ تربضُ حولَهُ *** للَّه منْ شرفٍ ومن إعلاءِ

بابُ الإلهِ تقدّستْ بجدارِةِ *** و تشرّفتْ نُزُلاً بخيرِ نساء

لابنتَ عمرانٍ كفاطمَ رِفعةً *** لاسارةً لا مُرتقي حواءِ

سرُّ الإلهِ و أمرُهُ و نواله *** قد جاءَها من أشرف الآباءِ

و بها تقدَّس ذاكَ سرُّ وجودِها *** حملتْهُ في زهوِ إلي الأبناءِ

فغَدَوْا سراةً للهُدي من فاطِمٍ *** غذَتْهُمُ من نقطةِ للباءِ

***

للَّهِ من شرفٍ تقدَّس وصْفُهُ *** أدني سلالمُهُ علا الجوزاءِ(2)

قد أشرقَتْ نوراً بقدسِ صِفاتِها *** من قبلِ خلقِ اللَّهِ للأشياءِ

فرأَي عُلاها آدمٌ متحيِّراً *** لماتجلَّتْ عندَ كشفِ غطاءِ

تاجٌ عليها ذاكَ نور محمدٍ *** سرُّ الوجودِ و مصدُر الآلاءِ

و قلادةٌ يا للقلادةِ! نورُها *** المُرَتْضَي و الكفؤَ للأكفاءِ

و غدا لها قرطانِ شبلا قدُسِها *** حَسَنٌ وَ آخَرُ سيدُ الشهداءِ

سَجَدَتْ لهذا النورِ كلُّ ملائِك *** الرحمنِ و الأكوانِ بالإيماءِ

خلقتْ بألفي عامِ كل صحائفِ *** الألواحِ و الميزانِ و الإنشاءِ

قف: لا تسَلْ عنها خلاصةَ سرِّها *** جلبابُها للكونِ بُردُ ضياءِ

ص: 455


1- فبخ: بخ: كلمة تقال للتهنئة.
2- الجوزاء: و هي أبعد مجرّة كونية عن الأرض.

هيَ فوقَ عرشِ اللَّه يسطُعُ نورُها *** مذكانَ عرشُ اللَّهِ فوقَ الماءِ

***

جمعتْ لأضداد المكارمِ و النَّدي *** من عفّةٍ و صلابةٍ و نقاءِ

فيها النبوةُ و الإمامةُ أَشرقتْ *** ماذا تقولُ بلاغةُ البلغاءِ

لكنني أرنُو لكوثرِ فيضها ***كي أرتقي في مِدحتي و ثنائِي

مالي سوي أم الأئمةِ شافعٌ *** في يومِ حشري عدَّتي و رجائِي

و ببابِها قد جئتُ التمسُ الندي *** بابٍ عَقَدتُ لهُ رداءَ لوائِي

إن صابني دَهِري مسكتُ له عُري *** و إذا مرضْتُ ففيهِ كانَ شفائِي

قُولي أيا زهراءُ معني قد حوي *** خمساً من الأشباحِ تحتَ كساءِ

المُصطفي و المُرتضي و أبناهما *** و شفيعَتِي حرزي من الأعداءِ

ص: 456

(61) ابنة المختار

(بحر الرمل)

السيد محمد علي العلي (*)(1)

أتْرِعِ(2) الكأسَ مديحاً و ثَناءَ *** و أَدِرْها كي تُوفِّينا الرواءِ

غَمَرَتْنا فرحةُ العيدِ فقدْ *** رَفَّتِ الذكري علي الدنيا لِواءَ

ص: 457


1- (*) هو السيد محمد علي ابن السيد هاشم العلي. ولد في النجف الأشرف سنة (1355 ه_) في وسط حافل بالعلماء و الأدباء أبطال الفقه و الأصول و التفسير و التاريخ و الحكمة و الأخلاق، فنشأ في أحضان الفضيلة برعاية والديه فنال منهما التربية الصالحة منذ صغره، و كان من عشاق العلم و الأدب، و قد بدأ دراسته في الاحساء في سنة (1366 ه_) إلا أنه هاجر إلي النجف الأشرف برفقة والده سنة (1367 ه_) و أكمل دراسته فيها آخذاً أساتذة الحوزة علومه حتي قطع شوطاً كبيراً كما حضر بحث الخارج عند المرجع الديني السيد الخوئي و الشهيد السيد محمد باقر الصدر «قدس سرهما». و يعد المترجم له من الفضلاء المعروفين في منطقة الاحساء، حيث يباشر التدريس في حوزتها. و أما في مجال الشعر فقد كان منذ صغره هاوياً للشعر و الأدب و قد أخذ يقرض الشعر و هو في السابعة من عمره و كان لا يتعدّي نظمه الأبيات المعدودة. و كانت أول قصيدة أنشدها بشكل متكامل في مولد الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم مطلعها: بُوْرِكْتِ آمنةُ به مولودا *** بدراً تسامي في الكمال وجودا و هو ينظم في أهل البيت عليهم السلام فقط و قد جمع قصائده في دواوين سمّاها: 1- أفراح الولاء. 2- الدموع . 3- الشجاعة. 4- اللوعة. و له كتاب اسمه الأربعين، و سيواصل مسيرته الثقافية و الدينية بكل جدارة و اقتدار «زاد الله في توفيقاته».
2- أثرع: املاً.

و استحالَ العيدُ في أَعْماقِنا *** مَوْجَةً تَحْفُقُ للزَّهرا وَلاءَ

ها تَري القلبَ و قد رَفَّ لها *** و استثارَ الفكرَ نَظْماً و أداءَ

فَاهْزَج الذكري بأنغامِ الوَلا *** و أفِضْها في شَذا العِظَرِ هَناءَ

وَ اقْرَأ التاريخَ في واقِعِها *** آيةٌ تَبْعَثُ للقلبِ اهتداءَ

حيثُ تَزْكُو النفسُ في نَيِّرِها *** و بها تَجْلُو عن العينِ العَماءَ

فلقدْ أَعْقَبَها البُعْدُ عِشاءً *** فَاهْدِها من كوكبِ الزهرا جَلاءَ

ليلةَ العيدِ و يا فَخْرَ الدُّنا *** ساعةَ البِشْرِ ويا صُبْحاً أَضاءَ

صَوِّرِي الحفلَ أَعِيدِي مَجْدَهُ *** صَوِّرِي الإبْداعَ في حيثُ تَراءَي

صَوْرِي الزَّهراءَ بَدْراً قَدْ جَلا *** سُحُبَ الغيبِ و أَذْكاها ضياءَ(1)

صَوِّرِيها وَرْدَةٌ فاحَ بها *** عَبَقُ الطَّيبِ و قد عَمَّتْ شَذاءَ

فَتَهادَيْنَ(2) بها في شَغَفٍ *** سيداتُ الحَفْلِ يَنْشُدْنَ الشَّدَاءَ

صَوِّريها مُصْحَفاً يَلْتُمْنَهُ(3) *** في وَقارِ الحُبِّ إذ دارَ اعتناءَ

صَوِّرِي أُمَّ الهَنا في بَهْجَةٍ *** وَ هْيَ تَتْلُو الذكرَ اللهِ ثَناءَ

صَوِّرِي المختارَ إِذْ تَعْمُرُهُ *** فَرْحَةُ الحُبِّ فَيُولِيها احتِفاءَ

وَ يُحَلِّيها باسمِ فاطِمٍ *** شَقَّهُ اللهُ لها منه ابتداءَ

يابنة المختارِ مَجْداً وَعَلاءً *** يا بنةَ المختارِ طُهْراً و نَقَاءَ

يا بنةَ المختارِ فِكْراً ثاقباً *** يا بنةَ المختارِ هَدْياً و عَطاءَ

يا بنةَ المختارِ رُوحاً حُرَّةً *** يا بنةَ المختارِ عَزْماً وَ مَضاءَ

هكذا يَعرضكِ الواقِعُ لا *** يَبْتَغِي زُوراً و لايَبْغِي افْتِراءَ

هكذا الحالُ يقص العُلَماء *** و إلي الذَّرْوَةِ يُعْلِي الجُهَلاءَ

ص: 458


1- أذكاها: أوقدها.
2- تهادين: أهدي بعضهنّ إلي بعض.
3- يلثمنه: يقبّلنَهُ.

أمِنَ الإنصافِ تَقْضِينَ بها *** كَمَداً(1) في غَمْرَةِ الحُزْنِ انْطِواءَ(2)

و يعيشُ البِشرَ أقوامٌ لهم *** قَعَدَ الدهرُ فأَضفي وأفاءَ

و علي الحرمانِ تَطوِينَ و قد *** و سَّعوا كَفَّاً و عاشُوهُ ثَراءَ(3)

وَ زَكَي الأمنُ لهم حتّي غدا *** مُحْكَمُ الأمرِ لهم شاؤوا فَشاءَ

و أتاكِ الشرُّ للبيتِ و ما *** حَفِظَ البيتَ و لاأَضْفَي حِماءَ

حيثُ وَفَاكِ علي أرْجافِهِ(4) *** ويحَ ذاكَ البابِ ما صَدّ الأذاءَ

ثم لم يُرْضِهِ خِذْلانٌ و قدْ *** أَرْسَلَ المسمارَ للصدرِ اعتِداءَ(5)

ص: 459


1- كمداً: مرض القلب - تغيرّ اللون.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي حزن الزهراء عليها السلام و كمدها. راجع كتاب صحيح البخاري ج4 ص1619، و أمالي الصدوق ص121 ح رقم5، و مناقب ابن شهرآشوب ج3 ص119 و ص322 و بحار الأنوار ج43 ص156 ، و عوالم العلوم ج2 ص787.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلي المرارة التي تحملتها الزهراء عليها السلام من أجل حلاوة الآخرة... راجع كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص41 ، و كتاب ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري ص50. فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام: قال كان أميرالمؤمنين عليه السلام يحتطب و يستقي و يكنس و كانت فاطمة عليها السلام تطحن و تعجن و تخبز. و في كتاب فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم ص189 الراضية إن فاطمة الزهراء عليها السلام و كانت راضية بما قُدِّر لها من مرارة الدنيا و مشقاتها و مصائبها و نوائبها. و عنه أيضاً عن علي بن أعبد قال: قال لي عليّ «رضي الله عنه»: ألا أحدثك عني و عن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلي قال: إنها جرّت بالرحي حتي أثرّ في يدها و استقت بالقربة حتي أثر في نحرها و كنست البيت حتي اغبرَّت ثيابها و أوقدت القدر حتي دكنت ثيابها و أصابها في ذلك ضرّ و للحديث بقية أخذنا موضع الحاجة.
4- أرجافة: الإرجاف: الخبر الكاذب المثير للفتن و الإضطراب.
5- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلي هجوم القوم علي البيت و إلي دخول مسمار الباب في صدرها عليها السلام. راجع كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208 و ص36 و ص38 و ص40. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و كتاب العوالم585/2/11 كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: (و لمّا جاءت فاطمة عليها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة عليها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتي أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة عليها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله عليه السلام) عن مؤتمر بغداد ص135. و قال الفيلسوف المحقق آية الله العظمي الشيخ محمد حسين الأصفهاني (قد): و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار و راجع أيضاً مأساة الزهراء عليها السلام ج1 ص353.

(62)كعبة المجد

(بحر الخفيف)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

بارِكي حَفْلَنا هَبِيهِ ارْتِقاءَ *** إِنَّنامِنْكِ نَسْتَمِدُّ العَلاءَ

بارِكي حَوْزَةَ العُلُومِ بِجُهْدٍ *** فَهْيَ لَوْلاكِ لَمْ تَرِفَّ لواءَ

بارِكينا فَإِنَّنا لِمَعِينِ الفَضْلِ *** مِنْ كَفْكِ لَنَشْكُو الظَّمَاءَ

وَ هَبينا مِنْ كَفْكِ اللُّطْف في *** الدُّنْيَا و َيَوْمَ الحِسابِ مِنْهُ النَّجاءَ

ليْلَةُ العِيدِ حانَ وَقْتٌ لها *** الذِّكْرَي فَهَيّا لِرَبْعِها إسراءَ

جَدْدِي مَوْكِبَ الهَناءِ أَعِيدِي *** فَرْحَةَ البِشْرِ تَمْلأُ الأجواءَ

عَطِّري الحَفْلَ بِالمدِيِح لأهْلِ *** البَيْت لا الشِّعرَ نَعُمَةً و غِناءَ

هاكِ مِنّا القُلُوبَ أَجْنِحَةَ الطَّيْرِ *** إذا ما خَفَقْنَ فيكِ وَلاءَ

إيهِ يا ساعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِمراسيمَ لا تَمَلُّ لِقاءَ

إيهِ يا سَاعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِنُجُومٍ مَلأْنَ فيكِ السَّماءَ

إيهِ يا ساعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِزَغارِيدَ تَبْعَثُ الأَضداءَ

لأُلِئِي يا أَشِعَّةَ النُّورِ حتّي *** يستحيلَ الرَّبْعُ الكَرِيمُ ضِياءَ

وَ أَزحْ يا ستارُ عَنْ ساحَةِ *** القُدْسِ فَقَدْ مَلَّتِ العيونُ المَلاءَ

أنْتَ يا طَوْقَها المُدِرَّ جَلالاً *** مِنْ نِساءٍ أَقَمْنَ فيك حماءَ

ص: 460


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.

مِلْ فَدَتْكَ النُّفُوسُ عَنْ *** كَعْبَةِ المَجْدِ لِتُعْطِي عُيُونَنا اسْتِجْلاءَ

هذِه فاطِمٌ تَجَلَّتْ كَوَجْهِ *** الشَّمْسِ قَدْ عَادَ مُشْرِفاً وَضّاءَ

وَ هُيَ ذِي رَبَّةُ الكَمالِ أَراها *** بَسَطَتْ كَفَّها تُريدُ الثناءَ

بِمَقَالٍ مِنْها الشفاءُ تُعاطِيهِ *** مراراً فلا تَمَلُّ الدُّعاءَ

رَبِّ أَنْعَمْتَ مَنْ تُراها كَمِثْلِي *** سَعِدَتْ إذ وَهَبَتْنِي الزَّهْراءَ

لاوَحَقِّ السَّماءِ يا أُمُّ ما *** فُزْنَ نِسَاءٌ وَ إِنْ عَظُمْنَ حِباءَ(1)

مِثْلَما فُرْتِ غَيْرَ أُمِّ رَسُولِ اللهِ *** حازَتْهُ سَبْقَةً و ابتداءَ

أَنْجَبَتْ لِلرَّسُولِ وَ هُوَ أَبُوالطُّهْرِ *** لها الفَخْرُ مِنْ عُلاه انتماءَ

غَيْرَ أُمِّ الوصيِّ وَ هُوَ قَرِينٌ *** عَدِمَتْ غَيْرَ شَخْصِهِ الأَكْفَاءَ

قَدْ تَشاطَرْتُمُوهُ صَرْحَ *** الكَمالاتِ وَ مِنْكُنَّ قامَ فِيهِ بِناءَ

وَ أَتتْ فاطِمٌ لِتُكْمِلَ ذاكَ *** الصَّرْحَ في حَيْثُ أَنْجَبَتْ أبناءَ

أخْتُ يا مَبْعَثَ السَّعادَةِ إمّا *** رُمْتِهِ الدِّينَ مَنْهَجاً بَنَّاءَ

أُخْتُ يا مَنْبَعَ القَداسَةِ إِنْ *** أَحْسَنتِ في نَهْجِها البَتُولَ اقْتِداءَ

فَخْرَةَ الجيلٍ إِن سَعِدْتِ فَأَصْفَيْتِ *** عَلَي مَظْهَر السُّلُوكِ حَياءَ

وَ لكِ الفَخْرُ بالبَتُولِ فَقَدْ *** أَضْفَتْ علي المَجْدِ عِفَةً وَ إباءَ

فَلَكِ فيه حادثٌ لابْنِ مكتومَ *** اعتبارٌ يُسلِّطُ الأَضْواءَ

يَوْمَ جَاءَ النَّبِيُّ يَطرُقُ لِلْبابِ *** وَ لِلطُّهْرِ زَوْرَةً قَدْ شاءَ(2)

فأجابَتْ بالإِذْنِ منها وَلكِنْ *** عَلَمتْهُ مُصَاحِباً قَدْ جَاءَ

فأَرادَتْ لها الحِجابَ فَرَاحَتْ *** تعِطِهِ عن دُخولِهِ أرْجاءَ

ورآها في الدَّارِ حِين رآها *** وَ هُيَ وَسْطَ الحجابِ تَقْضِي انْطِواءَ

قالَ أَعْمَي هذا ابنُ مَكْتُومَ *** يابنتُ أجابَتْ فلم أكُنْ عَمْياءَ

ص: 461


1- حباء: عطية مهر المرأة (المنجد في اللغة ص115 مادة حبو).
2- زَوْرَة: الزيارة، أو المرّة الواحدة (مختار الصحاح؛ ص278 باب زوْر).

هكَذا تَبْرُزُ الكَرامَةُ و *** العِفَّةُ شَأْنَ أُجِلُّهُ إِطراءَ(1)

وَ سُؤالُ الرَّسُولِ مَا الخَيرُ *** لِلْمَرْأَةِ في حِينِ سَاقَهُ إنشاءَ

فأَجابَتْ أَنْ لايَراها *** رَجُلٌ لا و لاتَراهُ ابتداءَ

وَ يَهُزُّت الرَّسُولَ بِالفَخْرِ هذا *** القولُ إذْ كَانَ حِكْمَةً نَجْلاءَ(2) (3)

ص: 462


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات السبعة إلي قول الزهراء عليها السلام حين دخول ابن أم مكتوم -كما في بعض التواريخ- عليها مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إن لم يكن يراني فإني أراه. و في كتاب إحقاق الحق للتستري ج10 ص258 قال: عن علي بن الحسين عليه السلام ان فاطمة بنت رسول الله عليها السلام استأذن عليها أعمي، فحجبته فقال لها النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لِمَ حجبته، و هو لا يراك؟ فقالت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إن لم يكن يراني فأنا أراه و هو يشم الريح، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم أشهد أنك بضعة مني. و ذكره في البحار ج43 ص91.
2- نجلاء: واسعة.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلي قول الزهراء عليها السلام حين سُئلت ما خير للنساء. ففي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص40-41 قال: «عن أنس قال قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ما خير للنساء فلم ندر ما نقول فسار علي إلي فاطمة عليها السلام فأخبرها بذلك، فقالت فهلا قلت له خير لهن أن لا يرين الرجال و لايروهن فرجع فأخبره بذلك فقال له من علمك هذا قال فاطمة عليها السلام. قال إنها بضعة مني». و رواه الهندي في كنز العمال عن الحسن البصري عن علي عليه السلام في ج16 ص601 رقم الحديث 46011 في باب ترغيبات النساء و ترهيباتهن. و ذكره التستري في ملحقات إحقاق الحق ج10 ص257.

(63) في رحاب الطهر

(بحر الخفيف)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

هَلَّلَتْ بِاسْمِ عِيدِكِ الأجواءُ *** يا سَماءً وَ أَيْنَ مِنْكِ السَّماءُ

أَيْنَ مِنْكِ السَّمَاءُ شَأناً و فَضْلاً *** وَ لأَنْتِ الفخارُ و العَليا

أَيْنَ مِنْكِ كَوَاكِبُ الأُفْقِ فِيها *** أَيْنَ مِنْكِ العَيُّوقُ و الجَوْزَاءُ

أَيْنَ مِنْكِ نُجومُها في ائْتِلاقٍ *** أَيْنَ مِنْكِ السِّماكُ(2) وَ الزَّهْراءُ

أين منكِ الشمسُ المنيرةُ في *** الضوءِ و أنتِ الإشراقُ و الأَضْواءُ

كَيْفَ يَدْنُو إِشْرَاقُها مِنْكِ في *** النُّورِ وَ أَنْتِ المُضِيئَةُ الزَّهْراءُ(3)

إِنَّ بَدْرَ السَّمَاءِ يَسْتَلْهِمُ النُّورَ*** مِنَ الشَّمْسِ إِذ به وضاءُ

وَضِياكِ يَمُدُّ في عالمِ القُدْسِ *** مِنَ المُصْطَفَي وَ فِيكِ الجَلاءُ

أُفُقُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ وَ أَنْتِ *** فَوْقَ أَرْضِ القُلُوبِ مِنْكِ اعْتِلاءُ

تُشْرِقُ الشَّمْسُ في السَّمَاءِ لِتُعْطِي *** الأَرْضَ نُوراً فَتُذْكِها الأَضْواءُ

وَ لأَنْتِ إِذا بَزَغْتِ فَمِنْكِ *** فَوْقَ أَرْضِ القُلُوبِ يَسْرِي اهتداءُ

مَبْعَثُ النُّورِ مِنْكِ فِيهِ حَيَاةُ *** النَّفْسِ إذ فِيهِ لِلْهُدَي إيواءُ

ص: 463


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- السماك: ما سُمِكَ به الشيء أي رُفع -و السِماكان هما الكوكبان النيرّان، يقال لأحدهما السِماك الرامح، و للآخر السِماك الأعزل.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلي إشراق نور الزهراء عليها السلام. راجع كتاب مشارق الأنوار ص85 و البحار ج16 ص81 في ذيل حديث طويل، و كتاب عوالم العلوم ج1 ص58-59.

فَلَكُمْ دُونَكِ مِنَ البُعْدِ آفاقٌ *** تَعالَتْ أَنْ يَطْوِها الإسْراءُ

أيْنَ مِنْها إِدْراكُكِ في سباقٍ *** بَعُدَتْ دونَ سَبْقِها الأَجْواءُ

فَمِنَ المُصْطَفَي تَوَلُّدُكِ الميمونُ *** رُوحُ الجَلالِ وَ هُوَ البَداءُ

وَ عَلِيٍّ إذ كانَ بَعْلاً مقامٌ *** لم تُشارِكْ في شَأنَهُ العَذراءُ

وَ لَكِ في السُبْطَيْنِ آيَةٌ قُدْس *** ما احْتَوَي كُنةَ ذاتِها الإطراءُ(1)

عَقَدَ المَجْدُ فوقَ مَفْرِقِكِ الوَ *** ضَاء تاجاً يَضِيقُ عنه الثَّناءُ

أَنْتِ يا ساعَةَ الوُجُودِ الَّذِي *** جَلَّي فَضاءَتْ مِنْ نُورِهِ البَطْحاءُ

حَدِّثِينا حَدِيثَكِ فيه شوقٌ *** منْهُ تَحْلُو في ذِكْرِها الأَنْباءُ

عَطَّري الحَفْلَ في شَهِيَّ فُصولٍ *** منْهُ تَحْلو في ذِكْرِها الأَنْباءُ

حَدِّثِينا عَنِ الرَّسُولِ عَنِ البَسْمَةِ *** تَعْلُوهُ حِينَ جَلَّ الحباءُ

حَدِّثِينا عَنْ فاطِم حِينَ تَلْقاهُ *** وَ في كَفِّهِ لَها إيماءُ

وَ تَراها تَهْتَزُّ بِشْراً إلي *** لُقْياهُ إِذْ شاقَها لَهُ الإِيواءُ

وَ تَمُرُّ الشَّفاهُ تَلْتُمُ بالحبِّ *** جَبيناً يَشِعُّ فيهِ السَّناءُ(2)

و تري الإِصْبعَ الكَرِيمَ علي *** الثَّغْرِ وَ لِلنُّطْقِ مِنْ هُداهُ ابْتِداءُ

و تراها خدِيجَةٌ وَ هْيَ أُمِّ *** أَدْرَكَتْ حِلْمَها وَ حَقَّ الهَناءُ

يَرْقُصُ القَلْبُ بَهْجَةً وَ لَهذا *** في اخْتِلافِ الشَّفاهِ مِنْهَا ثَناءُ

تَحْمَدُ الله أن تُحَقِّقَ ما تَصْبُوهُ *** إِذْ جَلَّ بِالبَتُولِ العَطاءُ

يا بَتُولَ النساء يا مَنْ تَسامَتْ *** في كَمَالٍ فَجَلَّ ذاكَ العَلاءُ

وَقْفَةٌ في رحابِكِ الطاهِرِ *** الأَقْدَسِ إِذْ فيهِ تُدْرَكُ الآلاءُ

و ابتهالاً إِلَيْكِ مِنْ خَالِصِ *** القَلْبِ لأمرِ يَحِقُّ فيهِ الرَّجاءُ

ص: 464


1- كُنه: كُنه الشيء جوهره و أصله و حقيقته و قدره و غايته (المنجد 701).
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي محبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم للزهراء عليها السلام و تقبيله إياها. راجع كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 و كتاب ذخائر العقبي ص36، و الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد ج8 ص42 ، و البحار ح43 ص42.

أو إنّ الحَيَاةَ لَيْسَتْ ضَماناً *** فَبِنا كَمْ تُطوّحُ البَلْواءُ

وَ لإبْلِيسَ ألْفُ أَلْفِ يَمِينٍ *** لَوَّحَتْ وَ هُوَ شَأْنُهُ الإِغْوَاءُ

وَ خُبُوطٌ يَمُدُّها لاضطيادٍ *** كَثُرَتْ فَهيَ فِتْنَةٌ عَمْياءُ

وَ هَبي أَنَّنا نَجَوْنَا فَلَنْ نُخْدَعَ *** فِيما تُعِدُّهُ الأعْداءُ

و سَريْنا علي الطريقِ لِنَهْجِ *** الحقِّ نَقْفُوهُ لنْ يَكونَ شقاءُ

أَيْنَ يومُ الوَعِيدِ وَ المَوقِفُ *** المُخْرِجُ حين الحسابُ و البَأساءُ

أَيْنَ هَوْلٌ يشيبُ ناصِيةَ الطَّفْلِ *** و تُلْهِي المرضعةَ الضَّراءُ

وَ كِتابٌ لَمْ أَدْرِ ما فِيهِ يَحْوِي *** طالَعَتْنِي أوراقُهُ السَّوْداءُ

و به يَخْرَسُ اللسانُ وَ يُبدو *** مِنْ أَكُفَّ و أَرُجلٍ إدْلاءُ

كَيْفَ ِلي وَ النَّجاءُ إِنْ لم تَنَلْنِي *** بجليلٍ مِنْ لُطْفِها الشَّفَعاءُ

فَاحْسِبينا يا أُمُّ فيمَنْ تُنَجِّيهِ *** مِنَ الهَوْلِ لَقْطَةٌ غَرّاءُ

حِينَ يَمْتَدُّ كَفَّكِ و بِأَمْرِ *** اللهِ تَجْرِي من فيضهِ النَّعْمَاءُ

وَ هُوَ جارٍ لَكِ مِنَ اللهِ تكريماً *** و في شَأْنٍ فَضْلِكِ إِبْداءُ(1)

أنتِ يا أخْتُ و الزَّمانُ تَعالي *** في طِرازٍ فَكُلُّ يَوْمٍ قُباءُ

أفَتُغْرِيكِ حَياةُ خادعةٌ؟ *** عن حِمَي الصَّوْنِ دامَةٌ شَمْطاءُ(2)

وَ قَمِيصُ يَشفُ عن ناعِم *** الجِسمِ فيبدُو و كُلُّهُ إِغْراءُ

فِتْنَةٌ يَسْتَلْمِذُها الطَّائِشُ *** النَّزْقُ و لَم يُدْرِ في اللَّذِيِذِ الدّاءُ(3)

اتضيعُ الحياةُ ما بَيْنَ مكياجٍ *** وَ ثَوْبٍ تُعِدُّهُ الأزياءُ؟

أكَذا سُنَّةُ الحَياةِ فَيَلُهُو *** عاقِل تَسْتَخِفُهُ الأهواءُ؟

ص: 465


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلي ما للزهراء عليها السلام من كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج1 ص150، و البحار ح43 ص219 ص65 ضمن حديث طويل.
2- الشمطاء: التي خالط بياض شعر رأسها سواد.
3- يستلمذ: يأكل بأطراف فمه. النَزْقُ: النشاط و الطيش و الخفّة عند الغضب.

أفلا يَعْنيكِ العَفافُ أَلا *** يُدْنِيكِ في الطُّهْرِ لِلْبَتُولِ اقْتِداءُ

فَلَكِ مِنْ سُلوكِها الطَّيِّبِ *** المَأْخَذِ صَوْنٌ وَ عِفَّةٌ شَمَّاءُ

وَ حِجابٌ يَزِينُكِ في وَقارٍ *** وَ هُوَ الدَّرْعُ و الحِمَي و الوِقاءُ

عَنْ عُيُونٍ يَريقُها يَخْطَفُ *** المَجْدَ فَيَبْدُو مِنْ لَحْظِها إِزْرَاءُ

إيهِ يا حَوْزةَ العُلُومِ و حَسْبِي *** في بيانِي عَنْ نَعْتِكِ الإيماءُ

أَفَتَحْظَي بالمَكْرُمَاتِ و تُغطي *** المَجْدَ بِالعَدْلِ أُمَّةٌ خَرْساءُ

تَرَكَت وَاجِبَ البَيانِ لأمرٍ *** عِندَهُ لَيْسَ يُحْمَدُ الإغضاءُ

أَفَهَلْ تُدْرِكُ المَعالِي أَكُفٌّ *** عَنْ مَجارِي مَنالِها شَلاًءُ

فَحَذارِ مِنْ خُدْعَةِ النَّفْسِ أَنْ *** نَلْهُو فَيَنْهارَ مَقْصِدٌ بَنَّاءُ

وَ يَضيعَ الزَّمانُ في تافِهِ الفِعْلِ *** و تَحْكِيهِ صُورةٌ شَوْهاءُ

وَ يَعُودَ التَّحْصِيلُ لَقْلَقَةَ *** الألسُن قَوْلاً و كُلُّه أَخْطاءُ

فَلَدَيْنا مِنْ واجِبِ نُثْقِلُ *** الكاهِلَ منه في حَمْلِهِ الأَعْباءُ

فَهُنا الجهلُ أطبقَ الأُمَّةَ و قد *** طالَ في لَيْلِهِ بها الإِغْفاءُ

تَتَمَنَّي لَوْمَدَّها بارِقُ العِلم *** بِنُورِ يُجْلَي بِهِ الإعشاءُ

فَيَزُولُ السُّباتُ عَنْها وَ تَحْيَي *** بِنَشاطٍ من جِسْمِها الأَعْضاءُ

وَ هُنَاكُمْ تَجَمَّعَتْ و قَدِ اسْتَعْصَتْ *** عَنِ الحلِّ قضايا يُرْجَي لها الإنْهاءُ

فلهذا يَحْلُو النَّشاط و تُذْكِي *** جَمْرَةُ العَزمِ إِنْ دَهَي إعْياءُ

كُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّ مِنْ زَهْرَةِ العُمْرِ *** فَناءٌ وَ عَزَّ مِنَّا الفَناءُ

دُونَ أَنْ تَنْقَضِيْ الحَياةُ بِشَيْءٍ *** حَقَّ مِنّا في مِثلِهِ الإفناءُ

عَزَّ أَنْ يُشْتَرَي بِبَخْسٍ *** وَ نُعْطِيهِ رَخِيصاً إِذْ حقُهُ الإِبقاءُ

ص: 466

(64) ليس يعلوها عَلاءُ

(بحر الوافر)

الأستاذ محمد محمد الجنبيهي

لَعَجْزِي عَن مَدِيحِكُمُ الثَّناءُ *** وَ ما بِعَطائِكُمْ يُحْكَي العطاءُ

وَ مِنْكُمْ حَيَّرَ الأَلْبابَ وصفٌ *** وَ يُغْنِي عَن مَدِيحِكُمُ العَباءُ(1)

أَيا آلاً لِخَيْرِ الخَلْقِ َطراً *** أَهَلْ أَنتُمْ وَمَنْ عَظُمُوا سَواءُ؟!

و دونَ الدُّونِ أَعْظَمُ مَنْ رَأَيْنا *** وَ لَوْلا حُبُّهُ لَكُمُ يُسَاءُ

وَ أَصْلُ النّورِ فِيكم مِن رسولٍ *** لذلك يُبْهجُ الدُّنيا الضِّياءُ

وَ وَاسِطَةٌ لِفَخرِكُمُ «بتولٌ» *** و أنتمْ أَنْجُمٌ وَ هِيَ السَّماءُ(2)

و«فاطِمُ» ما رأَيْنا مِن مَثِيلٍ *** لَها مِنْ رَبَّةٍ جَلَّ الوِلاءُ

فكُلُّ الخَلْقِ بَعْدَكُمُ عَطَاءً *** لِرَأْسِ الخَلقِ عِنْدَكُمُ انْحِناءُ

وَ أَفكارُ البَرِيَّةِ فِيكِ حارَتْ *** وَ يُدْهِشُهُمْ إِذَا نَظَرُوا البهاءُ

ص: 467


1- العباء: ضربٌ من الأكسية. و هو إشارة إلي حديث الكساء المشهور، الذي نزلت فيه آية التطهير:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاً» سورة الأحزاب، آية: 33.
2- معاني الأخبار ص396 ح53 ، و بحار الأنوار نقلاً عن علل الشرائع، بإسناد العلوي عن علي عليه السلام أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تقول: إن مريم عليها السلام بتول و فاطمة عليها السلام بتول، فقال له: البتول: التي لم ترَ حمرةً قطٌ، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء. و في مصباح الأنوار: عن علي عليه السلام مثله. و قال في النهاية : امرأةٌ بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، و بها سمّيت مريم عليها السلام أم عيسي، و سميت فاطمة عليها السلام البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً. و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلي اللَّه تعالي. (فاطمة الزهراء عليها السلام في الأحاديث النبوية).

وَما لِلنَّاسِ إِلا قَوْلُ حَقٍّ *** إِلهُ الخَلقِ يَخْلُقُ مَنْ يَشَاءُ

فأصلُكِ مِن جِنانِ الله خَلقاً(1) *** وَ أصْلُ الخلقِ هُم طينٌ وَماءُ(2)

و أقرَضْتِ الإلَهَ نَعِيمٌ عَيْشِ *** وَ كَمْ يَسْمُو بِسَيِّدَتي العَناءُ

يفَقرِكِ قد رضيتِ طويلَ عُمرٍ *** و عندَ اللَّهِ يَهنِيكِ العَناءُ

و لِلرَّحْمنِ أملاك تَصَدَّتْ *** لِرِزْقِكَ، مِنْهُمُ دارت رَحاءُ(3)

ص: 468


1- قال عليه السلام: ليلة أسري بي دخلت الجنة فأعطاني جبرئيل تفاحة ففاطمة عليها السلام من عصير تلك التفاحة.
2- بحار الأنوار 4/5/43 نقلاً عن علل الشرائع، بعد ذكر السند، عن جابر بن عبد الله، قال: قيل: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إنك تلثم ،فاطمة عليها السلام، و تلزمها و تدنيها منك و تفعل بها ما لا تفعله بأحدٍ من بناتك؟ فقال: إن جبرئيل أتاني بتفّاحة من تفاح الجنة، فأكلتها فتحوّلت ماءً في صلبي، ثم واقعت خديجة، فحملت بفاطمة عليها السلام، فأنا أشمّ منها رائحة الجنة. و انظر أيضاً تأويل الآيات ج1 ص236، 237. هذا، و قد استفاضت الروايات في ذلك، و إن اختلفت في صنف الفاكهة التي أكلها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فبعضها تذكر مطلق الفاكهة و بعضها تذكر التفاح و ثالثة تنص علي الرطب و رابعة تصرّح بالسفرجل، و خامسة تقول: «فأطعمني من جميع ثمارها، و سادسة: فأدناني جبرئيل من شجرة طوبي و ناولني من ثمارها فأكلته». و سابعة: «تجعله طبقاً فيه عذق من رطب و عنقود من عنب». و لعلّ الوجه في هذا التفاوت: كونه صلي الله عليه و آله و سلم قد أكل أكثر من ثمرة من ثمار الجنة، خصوصاً مع وجود الأخبار التي تفيد حصول المعراج مرات عديدة، بل و جمعاً أيضاً مع الأخبار التي تحكي حصول عملية الأكل في الأرض لا في السماء، و هو مما يؤيد حصول الأكل في الأرض بعد الجنات، والله العالم. و لقد رأي بعض الأعلام وجهاً آخر للجمع فيما بينها، بعد أن لاحظ الميزة الخاصّة في أشجار الجنان ،و ثمارها، بمعني أنه ليس من البعيد أن تكون الثمرة من شجرة واحدة ولكن هذه الثمرة قد يصدق عليها هذا الاسم أو ذاك: أو هما معاً. و لك أن تراجع أيضاً الكافي، إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه، عيون المعجزات، روضة الواعظين، مقتل الخوارزمي ص63 ، كشف الغمة، ذخائر العقبي ص36، ميزان الاعتدال ج2 ص26، مجمع الزوائد ج2 ص202، لسان الميزان ج4 ص36، كنزالعمال ج13 ص94، ينابيع المودة 197 و غيرها.
3- الأخبار في ذلك كثيرة، كما أنها تذكر صوراً متعددة لنزول الرزق و الطعام علي سيّدة النساء عليها السلام، منها علي سبيل المثال، ما ذكره الزمخشري في الكشاف 427/1 تفسير سورة آل عمران، قال عند ذكر قصة زكريا و مريم عليهما السلام: و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه جاع في زمن قحط، فأهدت له فاطمة عليها السلام رغيفين و بضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها، فقال: هلمي يا بنَيَة فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً و لحماً، فبهتت و علمت أنّها نزلت من عند الله فقال لها صلي الله عليه و آله و سلم أنّي لكِ هذا ؟ فقالت: هو من عند اللَّه إنّ اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب. فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد للَّه الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل، ثم جمع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين عليهم السلام و جميع أهل بيته عليهم السلام فأكلوا عليه حتي شبعوا و بقي الطعام كما هو، و أوسعت فاطمة عليها السلام علي جيرانها.

وَ سُخْطُكِ مُغْضِبٌ رَبَّ البَرايا *** بِعَطفِكِ في الوَرَي يحلو الرِّضاءُ(1)

و عند مُباهلاتٍ من رسولٍ *** يُحَصِّنُ فخَرَكُم منه الكِساءُ(2)

وَ يَمْنَعُ زَوْجَةً تَرْجُو دُخُولاً *** فكُلُّ النَّاسِ في فَضْلِ وَراءُ

و عنكُمْ (هَل أتي) للنَّاسِ تُنْبِي *** و هل يُخْفِي ضِياءَكُمُ الخِباءُ(3)

ص: 469


1- فقد استفاض عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قوله: «فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يسرّني ما سرها. و إنّ الله تبارك و تعالي ليغضب لغضب فاطمة عليها السلام و يرضي لرضاها عليها السلام». و أن هذا المعني قد تواتر عند الفريقين جميعاً انظر كتاب فاطمة عليها السلام في الأحاديث النبوية صلي الله عليه و آله و سلم ص95 ح88 و حاشيته.
2- إشارة إلي آية المباهلة و حديث الكساء و سيأتي ذكرهما فيما بعد.
3- هي أم سلمة (رضي الله عنه). و قد كان من أمرها أنّها لمّا رأت فاطمة عليها السلام و أباها و زوجها و بنيها «صلوات الله عليهم» قد دخلوا تحت الكساء، و دعا لهم رسول الله بالبركة و التطهير، و نزلت آية التطهير، أحبّت أن تدخل معهم تحت الكساء، لكنّ الرسول جذب منها الكساء في رفق، و قال لها: إنّك إلي خير. إنّك إلي خير. و سيأتي أن هذا الحديث الشريف قد رواه مضافاً إلي الشيعة جمهور العامة، و كبار محدّثيهم و مفسّريهم و أئمتهم. هي إحدي و ثلاثون آية من سورة الدهر، نزلت بكاملها في حق الزهراء عليها السلام و بعلها و بنيها عليهم الصلاة و السلام من قوله تعالي: «هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» إلي قوله «سبحانه»: «وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» . قال الطبرسي في مجمع البيان 404/10: قد روي الخاص و العام أن الآيات من هذه السورة، و هي قوله:«إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ» إلي قوله: «وَكَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا»سورة الإنسان آية: 5-22. نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و جارية لهم تسمي فضة، و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و أبي صالح و القصة طويلة جملتها أنهم: قالوا: مرض الحسن و الحسين عليهما السلام فعادهما جدّهما صلي الله عليه و آله و سلم و وجوه العرب، و قالوا: يا أبا الحسن عليه السلام لو نذرت علي ولديك نذراً، فنذر صوم ثلاثة أيّام إن شفاهما الله «سبحانه»، و نذرت فاطمة عليها السلام كذلك، و كذلك فضة، فبرءا و ليس عندهم شيء، فاستقرض عليّ عليه السلام ثلاثة أصوع من شعير من يهودي و روي أنه أخذها ليغزل له صوفاً، و جاء به إلي فاطمة عليها السلام، فطحنت صاعاً منها فاختبّزته، و صلّي عليّ عليه السلام المغرب، و قربته إليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم، و سألهم فأعطوه، و لم يذوقوا إلا الماء، فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعاً فطحنته و خبزته و قدمته إلي عليّ عليه السلام فإذا يتيم بالباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلاّ الماء، فلمّا كان اليوم الثالث عمدت إلي الباقي فطحنته و اختبزته و قدمته إلي عليّ عليه السلام، فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء، فلما كان اليوم الرابع، و قد قضوا نذورهم أتي علي عليه السلام و معه الحسن و الحسين عليهما السلام إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بهما ضعف فبكي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و نزل جبرئيل عليه السلام بسورة هل أتي. و قد روي ذلك، بل و أدقّ منه، من علماء العامّة أيضاً علماء العامة أيضاً جمَّ غفير، منهم العلامة الآلوسي في روح المعاني و القرطبي، و نظام الدين النيسابوري ،و الخازن و البغوي و الحافظ الكلبي الغرناطي في تفاسيرهم، و أخرجه عالم الأحناف الحافظ القندوزي، عن البيضاوي و الآلوسي في ينابيع المودة.

أرادَ الله تطهيراً لآلٍ *** فطابَ لِقَلْبِكُمْ منه الصَّفاءُ

فَلا حَيضٌ يُلَوْتُ مَن تعالَت *** يدومُ لِرَبِّها منها الدُّعاءُ

و مَا مَنَعَ النَّفاسُ لأيِّ طُهرٍ *** لِبَضْعَةِ مَن بِهِ عَمَّ السَّناءُ(1)

وَ عَنْهُ تَعَجباً قال المُفَدّي: *** أمِثلُ (بتولنا) فيكُم نساءُ

و(جَبْرائيلُ) يرجو كُلَّ قُرْبٍ *** لِسُدَّتِكُمْ فَيَهْنِيهِ ارتقاءُ(2)

و هذا فَخُرُكُمْ لا فَخْرُمُلْكٍ *** و إِنَّ المُلكَ في الدُّنيا شقاءُ

نَعَمْ أَنتُمْ مُلُوكٌ في نَعِيمٍ *** وَ يَنْعِمُكُمْ لِرَبِّكُمُ الولاءُ

و أَنْتُمْ سادةٌ لِلْخَلْقِ جَمعاً *** وَ لَيْسَ لِفَضْلِكُمْ فينا انتهاءُ

فسادةُ قَومِنا (حَسَنُ) (حُسَيْنٌ) *** وَ (فَاطِمُ) لَيْسَ يَعْلُوهَا عَلاءُ

ص: 470


1- السناء: الضياء، و المجد و الشرف و الرفعة.
2- في حديث الكساء، بعد أن اجتمع الخمسة تحت الكساء قال الله عزّ وجل: يا ملائكتي و سكان سمواتي، إني ما خلقتُ سماءً ،مبنيّة، و لاأرضاً، مدحيّة، و لاقمراً منيراً، و لاشمساً مضيئة، و لافَلَكاً يدور و لابحراً يجري، و لافُلكاً تسري إلاّ في محبّة هؤلاء الخمسة، الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرئيل: يا ربّ من تحت الكساء؟ فقال الله عزّ وجل: هم أهل بيت النبوة عليهم السلام و معدن الرسالة؛ هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها عليهم السلام. فقال جبرئيل: يا ربّ، أتأذن لي أن أهبط إلي الأرض لأكون لهم سادساً؟ فقال اللَّه عزّوجل: قد أذنت لك. فهبط الأمين جبرئيل، فقال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العليّ الأعلي يقرئك السلام، و يخصّك بالتحّية و الإكرام و يقول لك: و عزتي وجلالي! إني ما خلقت سماء مبنية، و لاأرضاً مدحيّة، و لافَلَكاً يدور، و لابحراً يجري، و لافُلكاً تسري إلاّ لأجلكم، و قد أذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء فهل تأذن لي أن أدخل يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال: و عليك السلام يا أمين وحي الله، قد أذنتُ لك. فدخل جبرئيل معهم تحت الكساء. (عوالم العلوم ج11 ص930).

و في عَرَصاتِ حَشْرٍ لِلْبَرَايَا *** بِغَضَّ الطَّرْفِ قَدْ جاءَ النِّداءُ(1)

فَبِنْتُ (محمَّد صلي الله عليه و آله و سلم) جاءَتْ صِراطاً *** وَ أَنْوَارُ الإِلهِ لَهَا الغِطَاءُ

بِها مِثْلي اسْتَعاذَ مِنَ الْخَطايا *** و مِن أفنائِها مُنِعَ الشَّقاءُ

ومأزومٌ بها يرجورخاءً *** وَ لِلْمَرْضَي لَقَدْ ضُمِنَ الشِّفاءُ(2)

فلا يَعْصي الزَّمَانَ لَها طَبِيبٌ *** و لا يُخْشَي بِحُبِّهِمُ البَلاءُ

فهم حِصْنٌ منيعٌ لِلبرايا *** و هُمْ فيهِمْ لِمِحْنَتِهِمْ وِقاءُ

و كلُّ الخيرِ يُسْبِغُهُ إِلهِي *** لِمَنْ يُدْنِيهِمُ مِنْهُمْ رَجَاءُ

هُمُ النَّهرُ الَّذي يَجْرِي دَوَاماً *** وَمِنْ عَذْبٍ لَهُ يُرْجَي ارْتِوَاءُ

وَيُحْشَرُ مَنْ أَحَبَّ كِرامَ قَوْمٍ *** بِدارٍ لَيْسَ يَدْنُوها العَناءُ

فَيَرْفُلُ في نَعِيمٍ مِنْ خُلُودٍ *** وَ ذَاكَ لِحُبِّ سَادَتِنا الجَزاءُ(3)

(عَلَيْهِم دائماً أبداً صَلاةٌ *** من الباري المُهَيْمِنِ وَالثَّناءُ)

ص: 471


1- روي الحاكم النيسابوري في المستدرك ج3 ص153 ، بإسناده عن علي عليه السلام، قال: سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ من وراء الحجاب: يا أهل الجمع غُضُّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه و آله حتي تمرّ. و رواه الشافعي في المناقب، و ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص523، و ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، و الذهبي في ميزان الاعتدال ج2 ص18، و الهيثمي في مجمع الزوائد و ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان و ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة، و السيوطي في الخصائص، و المتقي في كنز العمال، و القندوزي في ينابيع المودة و الشبلنجي في نور الأبصار، و الزرندي في نظم درر السمطين و الجامع الصغير و التعقيبات، و الكناني المصري في تنزيه الشريعة المرفوعة، و النبهاني في الفتح الكبير، و جواهر البحار، و الملا علي القاري في جمع الوسائل، و الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف، و الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص212، و الهمذاني في مودة القربي ص104، و رواه غير هؤلاء كثير من علماء العامة. و في ما ذكرناه كفاية و زيادة.
2- أَزَم أُزوماً (مثل سقط سقوطاً) علي الشيء: عضّ عليه، و أزم الزمان: اشتدّ بالقحط، و الأزمة اسم منه. و المتأزّم: المتألِّم لأزمة الزمان. المأزوم: الذي يقع في شدّة.
3- يرفل في ثيابه: إذا أطالها و جرّها متبختراً. و ذلك كناية عن التنعُّم في العيش والتبسّط فيه.

(65)يا مولاتي يا فاطمة عليها السلام أغيثيني

(بحر الخفيف)

السيد مرتضي القزويني(1)

ص: 472


1- (*) هو السيد مرتضي ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد رضا ابن السيد هاشم الموسوي القزويني و ينتهي نسبه إلي الإمام موسي الكاظم عليه السلام ولد في كربلاء المقدسة في ربيع الأول سنة (1349 ه_) -الموافق في مارس سنة (1930م). و أسرة القزويني أسرة علم و فضل و أدب استوطنت كربلاء المقدسة في القرن الثاني عشر الهجري، وخرّجت عدداً كبيراً من العلماء و الخطباء و الشعراء. نشأ المترجم له نشأة دينية في ظل والده آية الله السيد محمد صادق القزويني، و منذ نعومة أظفاره عشّق العلم و الكمال و درس علي أساتذة عصره في الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، فقرأ النحو و الصرف و البلاغة علي العلامة الكبير الشيخ جعفر الرشتي، و اللمعة الدمشقية عند العالم الفقيه الشيخ محمد الخطيب، و الأصول عند آية الله الفقيه السيد محمد حسن القزويني صاحب (الإمامة الكبري)، ثم حضر بحوث الخارج عند كل من الفقيه الشيخ يوسف الخراساني و المرجع الورع السيد الميرزا مهدي الشيرازي و المرجع الفقيه السيد محمد هادي الميلاني. و للمترجم له إجازات من عدد من كبار العلماء الأفاضل، منهم: العالم المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين، و المرجع الكبير السيد محمد هادي الميلاني، و العالم الجليل الشيخ آقابزرك الطهراني صاحب (الذريعة). و إلي جانب دراسته العالية مارس الخطابة و ارتقي المنبر في أوائل العقد الثاني من عمره و تتلمذ علي يد خاله العلامة الخطيب السيد محمد صالح القزويني حتي برع و تخصّص بفن الخطابة فنال شهرة واسعة و هو اليوم من خطباء المنبر الحسيني الذين يشار إليهم من قريب و من بعيد. و هو أحد الأساتذة الذين تخرّج علي يده عدد كبير من العلماء و الخطباء و الأدباء، و تشهد له الحوزات العلمية بكفاءته علي التدريس في الفقه و الأصول و المعاني و البيان و علم النحو و الصرف و غير ذلك. و أستاذنا المترجم له برع في نظم الشعر في صباه و تطرّق إلي فنونه و أغراضه فنظم الشعر في مقتبل عمره ومن أوائل نظمه قصيدته في رثاء المرجع الكبير السيد آقاحسين القمي سنة (1947م) و أكثر نظمه في أهل البيت عليهم السلام. آثاره العلمية ومؤلفاته: 1- إلي الشباب. 2- الزواج و الأسرة. 3- خالد بن الوليد في الميزان. 4- السير إلي الله. 5- صفحات في تاريخ الحركة الإسلامية في العراق. 6- ديوان شعره. وحياة المترجم له ، حافلة بالجهاد والتضحية وفي هذا الطريق لقيَ الكثير من المتاعب و الآلام فكان مما لاقاه أنه سُجن وأُبعد إبّان المد الأحمر الشيوعي في العراق، و ممّا يمتاز به أنه يتحلي بجرأة قوية، و من مواقفه الخالدة أنه ذهب إلي عبد الكريم قاسم رئيس الجمهورية العراقية آنذاك، معلناً عن موقفه و موقف الحوزات العلمية الشيعية من قانون الأحوال الشخصية و غيره من القوانين المناقضة للشريعة الإسلامية، و مراراً شاهدته وسمعته في المجالس و علي المنابر بكل صراحة معلناً فتوي السيد الحكيم (الشيوعية كفر و إلحاد) و في عهد البعثيين اضطر بسبب الضغوط المتزايدة إلي ترك العراق و الهجرة إلي الكويت ثم إلي إيران، و في عام (1985م) هاجر إلي الولايات المتحدة لممارسة دوره الديني و الفكري، و قد أسس هناك: 1- المعهد الإسلامي في جنوب كاليفورنيا . 2- مسجد الزهراء عليها السلام 3- مدرسة مدينة العلم و هي أول مدرسة إسلامية في كاليفورنيا . 4- ساهم في إنشاء مسجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مدينة سن دياكو ، و هو يحاضر باللغات الثلاث العربية و الفارسية و الإنكليزية.

سَاورتْني الهمُومُ و اللأواءُ *** وَ غَزَتْني الأسقَامُ وَ الأدواءُ(1)

فَلِمَنْ أشتَكي هُمومِي ومَمَّنْ *** أطلُبُ العَونَ حَيثُ ضَاقَ الفَضَاءُ

بِتُّ ليلي لا يَألفُ النَّومُ عَيني *** فلياليَّ كُلُّها سَوداءُ

ضَاقَ صَدري من قَسْوَةِ الهمّ حَتَّي *** كَادَ يَخبُو(2) مِنَ الشّفاءِ الرَّجَاءُ

لَمْ أَجِدْ بَلْسَماً يُخفّفُ عنّي *** لَوعَتي أو يكُونُ فيهِ الدَّوَاءُ

غَيرَ قُطب الوُجُودِ زِينَةِ عَرشِ اللَّهِ *** وَ المنتهي إليها الثنَاءُ

ص: 473


1- اللأواء: الشدّة.
2- يخبو: يخمد و يسكن و يطفيء.

هِيَ سِرٌّ تحارُ فيها البرايَا *** هِيَ ضَوءٌ لاذتْ بهِ الأضواءُ

هِيَ فَخرٌ لِلكائِنَاتِ جميعاً *** هِيَ - يا صَاحِ - فَاطمُ الزهراءُ

***

فأبُوهَا سَمَتْ بِهِ الأنبيَاءُ *** وَ بَنُوهَا الأئمَّةُ الأصفيَاءُ

بعلُها فَاخَرتْ بهِ الأوصيَاءُ *** فَضلُها طأطأتْ لهُ العُظَمَاءُ

هِيَ بدرُ الدُّجَي وَ نفحَةُ قُدسٍ *** قد تجلّي في كُنهها الكبريَاءُ

هِيَ شمسُ الضُّحَي وَ لمحَةُ قبسٍ *** قَد تجلّي بِصدرِها اللألاءُ

خصّها اللَّهُ ربُّنا بِمزايا *** لم يَنَلْها الأبرَارُ وَالأوليَاءُ

وَ حبَاهَا بِالمجتَبي وَ حُسَينٍ *** حَيثُ لم يُحْبَ مِثلَها الأَنبِيَاءُ

أذهبَ الله ربُّنَا الرجسَ عَنْهُم *** أهلُ بَيتٍ قَدِ احتواها الكِسَاءُ

***

حرّ قلبي لها لما قَد أضَاعَ ال_ *** _قَومُ من حقّها وَ ما قَد أساؤوا

ليتَ شِعري نَسوا وَصَايَا أبِيها *** فَعصَوا أمرَهُ وَ قَلّ الوفَاءُ

مَنْعُوا أَرثَها الذي كَانَ مِن ربّها *** عَطاءاً وكَانَ مِنهُمْ جَفَاءُ

أغْضَبُوهَا وَ أغْضَبُوا الله فيها *** نَقَضُوا عَهْدَهُم وَ بِالظُّلمِ بَاؤوا

غَصَبُوا نِحلةً حَباهَا أبوهَا *** كذّبوا قولَها و بَالكذبِ جَاؤوا

ظلمُوا بَعلَها الوَصِيّ وَ قَادُو *** هُ بِتلبِيبِهِ وَحُمَّ البَلاءُ(1)

أحرَقُوا بابَها المعظَّمَ شَأناً *** بكَتِ الأرضُ عِنْدَهَا وَ السَّمَاءُ

أحرَقُوهُ وَ خَلفَهُ بِنتُ طه *** وَ هْيَ حَسْرَي وَ قَد عَلاهَا البُكَاءُ

كَسَرُوا ضِلْعَها بِعَصرِهُمُ البَا *** بَ فَنَادَتْ وَ لا يُجَابُ النّداءُ

أسقَطُوا مُحسِناً فَطَاحَتْ وَ صَاحَتْ *** وَ عَليها مِنْ ذِي الجَلالِ بَهاءُ

ص: 474


1- أخذه بتلبيبه: أخذه بطوقه.

وَ إذا حَيدَرٌ يُلَبّي نِداهَا *** فأحَاطوا بهِ وَ هُمْ دُخَلاءُ

عَجَباً لِلذَّئَابِ تَقْتَادُ لَينَاً *** أفلَيْتٌ يقتَادُهُ الجبنَاءُ ؟!

فَدَعَتْهُمْ خَلّوا ابنَ عمّي وإلاّ *** نَالكُم مِنْ عَذابِ رَبّي بَلاءُ

هُم يَدُعُّونَهُ بِعُنْفٍ وَ تَحمِيهِ *** بِعطفٍ وَ الله منهُمْ بَرَاءُ(1)

لَوّعُوها بِالسَّوطِ ضَرباً فَمَاتَتْ *** وَعَلَي المتنِ بُقعَةٌ زَرقَاءُ

أبهذا أوصَي أبوهَا وَ هَذا *** لِلرَّسُولِ الأمينِ كَانَ جَزاءُ ؟!

أفَبِنْتَ النَّبِيّ تُظْلَمُ قَسراً ؟! *** تِلْكَ وَ اللَّهِ طِخْيَةٌ عَمْيَاءُ(2)

أفبِنْتَ النَّبِي تُدفَنُ سِرّاً ؟! *** تِلكَ وَ اللَّهِ محنَةٌ نَكْرَاءُ

هي أوصَتْ ألاّ يُصلُّوا علَيها *** لايُشيّعْ جُثْمانَها الأعداءُ

سَلْ إذا زُرتَ طيبَةً عَنْ ثَراهَا *** أينَ قَبرُ البتُولِ أينَ الثّواءُ ؟!

أينَ ضَاعَتْ وَ كَيفَ أوصَتْ بِأنْ لا *** يحضُرَ الظَّالمونَ وَ الغُربَاءُ ؟!

هِيَ كَانَتْ غَضْبي علي ظالميها *** وَ اسْتَمَرّتْ حَتي يَحينَ الجَزَاءُ

و إذا زُرتَ بَيتَها فَتَذكَّرْ : *** هَجَمةُ القَومِ هَجمَةٌ شَنْعَاءُ

ذاكَ بَيْتُ كَانَ الرَّسُولُ يُوافيهِ *** وَ فيهِ مَودّةٌ وَ صَفَاءُ

ذاكَ بَيتٌ لم يَأتِ جِبريلُ إلاّ *** بَانَ منْهُ مَحبَّةٌ وَ وَلاءُ

ذاكَ بَيتٌ قَد طَهّرَ الله مَنْ فيهِ *** هُمُ الأتقيَاءُ وَ الأصفِيَاءُ

فيهِ يَأوي محمَّدٌ وَ عَلِيٌّ *** وَلَدَاهُ وَ فَاطِمُ الزَّهرَاءُ

هَتكُوا قُدسَهُ وَ قَد بَانَ مِنْهُمْ *** لِذَوِيهِ ضَغينَةٌ وَعِداءُ(3)

بَذَرُوا بَذرَةَ الشَّقاقِ وَ سَنّوا *** سُنّةَ الظُّلمِ كَي يَسُودَ الشَّقَاءُ

دنّسُوا حُرمَةَ الخِلافَةِ حَتَّي *** نالَها الأدعِيَاءُ وَ الطُلَقَاءُ

سَلَبُوا الحقَّ مِنْ أولي الأمرِ غَصْبَاً *** لِيَسُودَ الدَّهِمَاءُ وَ الغَوغَاءُ(4)

ص: 475


1- يدعّونه: يدفعونه دفعاً قويّاً و عنيفاً و بجفوة.
2- طخية: مصيبة.
3- ضغينة: حقد.
4- الدهماء: السواد.

كَمْ أُثيرتْ مِنْ أجلِ ذاكَ حُرُوبٌ *** طَاحِنَاتٌ وَ كَم أريقَتْ دِمَاءُ

سَارَ آبا ؤهُمْ علي مَنْهَجِ الظُّلْم *** وَ سَارَتْ مِنْ بَعدِهَا الأَبنَاءُ

بدّلُوا النُّورَ بِالظَّلامِ فَسَادَتْ *** ظُلمَةٌ وَ اكْفَهرّتِ الظَلمَاءُ(1)

وَفَشَا في الأنَامِ قَتلٌ وَ سَلَبٌ *** وَ اعتِقَالٌ و فِتنَةٌ و اعتِداءُ

كُلُّ هَاتيك في رِقَابِ أُناسٍ *** أسَّسُوا مَا عَلَيهِ قَامَ بِنَاءُ

فَابتِدَاءُ الطُّغيانِ قَد كَانَ مِنْهُمْ *** وَ إِلَيهِمْ يَعُودُ مِنْهُ انْتِهَاءُ

ص: 476


1- اكفهّرتْ: اشتدّ ظلامها.

(66) قطوف طوبي

(بحر الكامل)

السيد مسلم الجابري (*)(1)

ص: 477


1- (*) السيد مسلم الجابري هو الدكتور السيد مسلم ابن السيد هاشم ابن السيد علي الجابري . و آل (الجابري) من الأسر العلوية العريقة لها مكانتها المرموقة، و لها فروع عديدة في مدن مختلفة كالنجف الأشرف و بغداد و البصرة و العمارة و في جنوب إيران في (المحمرة) خرمشهر و الأهواز و غيرها و يعرفون بالسادة «الجابريين»، أنجبت العدد الكثير من رجالات العلم و الأدب و السياسة. ولد الدكتور السيد مسلم الجابري: في قرية تسمي «الخيين» من توابع خرمشهر، و كانت ولادته في سنة (1364 ه_) الموافق (1944م) فنشأ و تربي في ظل أسرته، و تحت رعاية والديه العلوييْن الصالحيْن، ونال منهما التربية الصالحة. ومنذ صغره كان يعشق العلم و الأدب و الفضيلة، و بدأ دراسته العلمية أولاً بالقرآن الكريم علي يد والدته ، فحفظ آيات من الذكر في سن مبكرة وحفظ أدعية من الصحيفة السجادية و نصوصاً من الأدب و التاريخ و الشعر، و لله در القائل: الأمُ مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق و عندما انتهي من دراسة القرآن الكريم سارع والده إلي تعليمه اللغة العربية و أصول العقيدة و الفقه بالمستوي المناسب لسنّه. ثم انتقل المترجم له، إلي مدينة المحمرة ليأخذ دروسه العالية من الفقه و الأصول و علوم اللغة العربية من الأساتذة هناك كآية الله العظمي الشيخ محمد طاهر الخاقاني، و آية الله الشيخ سلمان الخاقاني الذي كان له دور عظيم بعد والده في صقل مواهبه الأدبية، و انتقل أيضاً إلي مدينة الأهواز حيث كان فيها مجموعة كبيرة من المجتهدين و في طليعتهم آية الله الشيخ محمد طه الكرمي الذي كان مميزاً في ذوقه و إبداعه الأدبي و العلمي، و سلوكه الأخلاقي، و حضر بحث الشخصية الممتازة في الأهواز المرجع الديني الكبير آية الله العظمي السيد مير علي البهبهاني فكان المترجم له يأخذ من هؤلاء الفطاحل في الفكر الديني، علومه و معارفه و من هنا كان أساس دراسته الأولية قوياً و محكماً ما أهله للدراسات العليا. هاجر السيد المترجم له إلي مدينة العلم النجف الأشرف بحثاً عن أفق أوسع في الثقافة الدينية . و كان من حسن حظه أن التحق بكلية الفقه حيث التقي بحشد من الأساتذة المبرزين يومئذ كالأستاذ السيد محمد تقي الحكيم، و العلامة الشيخ عبد المهدي مطر، و الأستاذ الدكتور السيد مصطفي جمال الدين و غيرهم، و كان نشاطه الثقافي في كلية الفقه ملموساً فإنه كان يشارك في الحفلات التي تنظمها الكلية، و كانت له نصوص شعرية ملفتة للنظر دالة علي نبوغه الفكري. و بعد تخرّجه من كلية الفقه غادر إلي بغداد ليكمل ثقافته الجامعية، و منها انتقل إلي جامعات فرنسا للمزيد من الثقافة الحديثة و سجّل بحثاً في جامعة (السوربون) و قدم رسالة تحت عنوان (مدرسة النجف الجديدة في أصول الفقه) و منحوه درجة شرف عليا. و بعدها عاد إلي إيران يمارس التدريس في جامعة طهران و الأهواز. و للمترجم له دور في عالم الخطابة ، حيث مارسها في سن مبكرة بعد أخذ مقدماتها من والده الذي كان يتمتع بموهبة أدبية و شعرية و خطابية، و استقلّ في مجالسه، و هو في العشرين من عمره في البصرة و غيرها من المدن العراقية و الإيرانية، و قد إلتقيت بالدكتور الخطيب السيد مسلم الجابري في الكويت و هو يرقي المنبر في حسينية السيد علي الموسوي سنة (1995م) فوجدته خطيباً ذا كفاية و مقدرة و هو محقق في محاضراته المنبرية. و للمترجم له مؤلفات نافعة تشمل المعالجات التاريخية و الاجتماعية منها: 1- الإمام علي عليه السلام: الرؤية و التجربة. 2- فعل الشعر: مقالان يدوران حول التجربة الشعرية. 3- مسرحية شعرية تحت عنوان: طائر النار. 4- الإرادة و الفعل (دراسة في أسس المجتمع الإسلامي) . 5- ترجمة رسالة (أسرار الصلاة) للشهيد الثاني باللغة الفرنسية معدّة للنشر. و ما يزال الدكتور السيد مسلم الجابري يمارس دوره الثقافي و الديني في مختلف المجالات زاد الله في توفيقه.

النُّورُ فاضَ بمكّةٍ فَأَضاءَها *** فَلْتَنْسُجِ البَطْحاءُ منهُ رِداءَها(1)

وَالكَعْبَةُ الغَرّاءُ يَغْسِلُ وَجْهَها *** بِالْعِطْرِ مَا سَاقَي الهَوي بَطْحاءَها

قَمَرُ السَّماءِ أَطَلَّ مِنْ عَلْيَائِهِ *** وَهَفا إِلَيْها لاثِماً عَلْياءَها(2)

وَ تَها تَفَتْ زُهْرُ النُّجومِ بِرَمْلِها *** شَوْقٌ يُهَدْهِدُ بالجَوي حَصْباءَها(3)

ص: 478


1- يشير الشاعر إلي نورها عليها السلام و بشري ولادتها.
2- هفا: أسرع. لاثماً: مقبّلاً. علياء: كلّ مكان مشرف أو السماء.
3- يهدهد: يحرّك كما تحرّك الأُمُّ طفلها لينام. الجوي: الحرقة و شدّة الوَجْد من العشق أو الحزن. حصباءَها: الحصي.

ما كَوّلَ إِلاْ وَ أَوْجَعَ قَلْبَهُ *** فَاخْتَارَ قَلْبُ محمدٍ زَهْراءَها(1)

يَا كَعْبَةَ اللَّهِ اهْتِفِي وَ تَعَطَّفِي *** حَتَّي يَزُورَ العِطْرُ فيكِ فِناءَها

وَ تَبَرَّجِي فَرَحاً بِزَهْرَةَ دَوْحَةٍ *** باهَتْ بها أَرْضُ الحجازِ سَماءَها

أَقْسَمْتُ لَوْ مُدَّتْ عليهِ غُصُونَها *** لَكَسَتْ بِوارِفِ ظِلّها صَحْراءَها(2)

وَ لَسالَ وادِيها يُرَوِّي عَذْبَهُ *** دُنْيا تُساقِي الظَّامئينَ رُواءَها

و اللَّيْلُ هَلْ يَدْرِي سَيَخْلَعُ لَوْنَهُ *** للنُّورِ لَوْلاقَي هناكَ ذُكاءَها

هذِي الحِجارةُ في شَوامِخِ مَكَةٍ *** خَشَعَتْ وَشَاطَرَتِ السَّما نَعْماءَها

وَ لَو أنَّها اسْطاعَتْ تَذُوبُ مَحبَّةً *** لَسَعَتْ يُغَيِّرُ شَوْقُها أَسْماءَها

نامَتْ قُرَيْشٌ عَنْ تَمَلْمُلِ لَيْلَةٍ *** نَصَّتْ عَلي الحَرَمِ المنبعِ خِباءَها(3)

وَ تغافَلَتْ مُضَرٌ عَنِ الأَفْقِ الَّذِي *** غَطَّي بِخُضْرَةِ مَوْجِهِ حَمْرَاءَها

لِتُزَفَّ قافِلَةٌ تَطَامَنَ(4) خَطْوُها *** فَسَرَتْ وَرَدَّدتِ الجبالُ حُدَاءَها

الأَعْيُنُ الحَيْرَي يُصارعُ بَأْسَها *** حُلُمٌ أَلَمَّ لِيَسْتَرِدَّ رَجاءَها

في واحَةٍ غَنَّاءَ تَمْنَحُ ظِلَّها *** لِلظَّامِئِينَ علي الطَّرِيقِ وماءَها

للهِ بَضْعَةُ أَحْمَدٍ مِنْ نُورِهِ *** لَمَعَتْ فَأَهْدَي أُفْقُهُ لأْلاءها(5)

وَافَتْكَ تَخْتَرِقُ القُرُونَ كَنَجْمَةٍ *** تَنْأَي فَتُهْدِي لِلْعُيُونِ ضِياءَها

مَهْمَا تَرامَي الأُفْقُ حَوْلَ وَ مِيضِها *** عَبَرَتْهُ تَطْرُدُ بِالسَّنا ظَلْماءَها(6)

مَرَّتْ بِطُوبَي فَاسْتَفَزَّ حَنِينَها *** ظِلٌّ يُرافِقُ في النَّعِيمِ بَهاءَها

وَتَوَسَّمَتْ في مَوْكِبٍ مَرَّتْ بِهِ *** كَفّاً لِطه زُهْدَها وَ عَطَاءَها

ص: 479


1- كوَّلَ: تكوّل القوم: تجمّعوا علي فلان و أقبلوا بالشتم و الضرب و لم يقلعوا.
2- وارفه الظل: ممتدّة و متّسعة.
3- تململ: تقّلب علي فراشه مرضاً أو غمّاً. خباءَها: خيمتها.
4- تطامن: سكن.
5- لأْلاء: السراج، الضوء.
6- وميضها: لمعانها. السنا: الضوء.

بِالأَمْسِ أَخْلَدَ رَكْبُهُ في ظِلِّها *** وَ مَضَي يَخُوضُ مِنَ الْجِنانِ فَضاءَها

نالَتْ ُيداهُ فَأَثْقَلَتْهُ ثِمارُها *** وَمَشَتْ خُطاهُ فَزَيَّنتْ خَضْراءَها

وَدَنَتْ خديجَةُ تَسْتَظِلُّ بِكَوْثَرٍ *** مِنْ رَحْمَةٍ تُزْجِي إِلَيْهِ صَفَاءَها(1)

في لَيْلَةٍ غَرّاءَ لَوْمَدَّتْ يداً *** نَحْوَ النُّجُومِ تَناوَلَتْ زَرْقاءَها

يَسْرِي ابنُ عبدِ اللهِ في مَلَكُوتِها *** فَتَري بِمَجْرَي رُوحِهِ إِسْراءَها

ما غابَ هَمْسُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَمْعِها *** تُصْغِي فَيَمْلأُ صَوْتُهُ إِصْغاءَها

وَ الصُّبْحُ يُشْرِق في جَبِينِ مُتَوَّجٍ *** بِالنُّورِ يَنْضَحُ بِالعَبِيرِ مَسَاءَها

أَدَرَتْ خَدِيجَةُ إِذْ تُوَدِّعُ لَيْلَةً *** وَ الوَجْدُ يَخْضِبُ بِالسَّنا أَحْناءَها(2)

أنَّ الجِنانَ قَدِ انْحَنَيْنَ كَرامَةً *** لِلسّرِّفاسْتَوْدَعْنَهُ أَحْشاءها

وَ بِأَنّ كَفَّ محمَّدٍ قَطَفَتْ لها *** في الخُلْدِ مِنْ زَهَراتِهِ عَذْراءَها

وَ بِأَنَّ ما ضَمَّتْ عليهِ ضُلُوعَها *** حوراءُ غادَرَتِ الجنانَ وراءَها

ما زاغَ طَرْفُ محمدٍ عن سِدْرَةٍ(3) *** في قابِ قَوْسَيْنِ استَشَفَّ سَناءَها

سِرُّ النُّبُوَّةِ فاضَ في أَغْصانِها *** عَبِقاً وَ خالَطَ نَشْرُهُ أَنداءَها(4)

وَ تَنَزَّلَتْ لِلأَرْضِ مِنْهُ كَتائِبٌ *** عَقَدَتْ ملائِكَةُ السَّمَاءِ لِواءَها

يا سِرَّ فاطِمَ ما مَرَرْتَ بِخاطِرٍ *** إلاّ و أهْدَتْهُ السَّماءُ حَباءَها

أَلْبَسْتَ شِيعَتَها رِداءَ كَرامَةٍ *** وَجَلَوْتَ سِفْرَ مَآثِرٍ أبناءَها

تلكَ الّتي أعْطَتْ فَنَطّرَتِ الثَّرَي وَسَمَتْ فجازَ سموُّها جَوْزَاءَها

للعلمِ ما عَقَدَتْ عليهِ ضُلوعَها *** والطُّهْرِ ما مَدَّتْ عليه كساءَها

ما موقفٌ وَقَفَتْهُ بعدَ محمد *** تُعْمِي بصائِبِ رأيِها خُصَماءَها(5)

ص: 480


1- تزجي: تسوقه أو تدفعه برفق.
2- و الوجْدُ يخضب بالسنا أحناءها: الوجد: المحبة أو الفرح. يخضب: يلوّن. بالسّنا: بالضوء. أحناءها: كلّ ما فيه اعوجاج من البدن.
3- سِدْرة: سدرة المنتهي. شجرة نبق عن يمين العرش.
4- عَبق: إنتشار رائحة الطيب. نشره: طيّب الريح. أنداءها: أشياء يتطيّب بها كالبخور.
5- إشارة إلي احتجاجها بشأن اغتصاب فدك منها و إفحامها لخصومها.

إلا و كانَ الغُرُّ مِنْ أَبْنائِها *** وَ بَناتِها مِنْ بَعْدِها خُلَفَاءَها

يَحْيَا بِها مَيْتُ البِلادِ فَإِنْ طَغَي *** جَدْبٌ أَراقَتْ كَالرَّبِيعِ دِماءَها(1)

وَهَبَتْ لأُمَّتِها قِطافَ حَيَاتِها *** وَ مَضَتْ تُعانِقُ كَرْبَهَا وَ بَلاءَها

عُرْسُ الشَّهادَةِ ما تَحَفَّزَ ثَائِرٌ *** إلا أعادَ عَلَيْهِ عاشُوراءَها

فَإِذا تَعَشَرَ مَوْكِبٌ فِي زَحْفِهِ *** زَفَّتْ إلي سُوحِ الجهادِ فداءَها

مَرَّ الخلود بها فَقَارَبَ خَطْوَهُ *** وَ مَشَي إليها يَصْطَفي شُهَداءَها

يا صَفْوَةَ اللهِ الَّتي مُدَّتْ لها *** كَفُّ العِنايَةِ فَاصْطَفَتْ آبَاءَها

وَ الرُّوحُ في أُفُقِ السَّمَاءِ مُنَزِّلٌ *** يَرْوِي لِبَضْعَةِ أَحْمَدٍ أَنْباءَها

تَرْضَي فَيَرْضَي اللهُ في مَلَكُوتِهِ *** وَ يَسُوءُ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ما ساءَها

وَ تَقُومُ ما قامَ النَّبِيُّ بِلَيْلِهِ *** يُخْفِي النَّشِيجُ(2) عَنِ الظَّلامِ نِدَاءَها

تَرْجُو وَ وَعْدُاللهِ يَمْلأُ قَلْبَها *** وَ يَهُدُّ خَوْفُ وَعِيدِهِ أَعْضَاءَها

ما أَوْمَأَتْ نَحْوَ السَّمَاءِ تَضرُّعاً *** إلا وَ سابَقَ دَمْعُها إيماءَها

فإذا تَجَلَّي للسَّمَاءِ جَبِينُها *** بَدْراً تَساقَطَتِ النُّجُومُ إزاءَها

و أضاءَ مِحْرابٌ تَكَنَّف(3) دكنَهُ *** لَيْلٌ أَحَبَّ الله فيهِ لِقاءَها(4)

يا قِصَّةٌ لِلْمَجْدِ رَدَّدَ بَعْدَها *** تاريخُ أُمَّةِ أَحْمَدٍ أَضداءَها

خَلَدَتْ عَلَي مَرّ العُصورِ فَمَا وَ هَي(5) *** صَرْحُ مِنَ التَّقْوَي أطالَ بقاءَها

كَفُّ لِأَحْمَدَ شَيَّدَتْ أَرْكَانَهُ *** فَرَعَتْ لها عَيْنُ الإله بناءَها

وَ شَرِيعَةٌ لِلْحُبِّ كَوْثَرُ نَبْعُها *** يَجْرِي فَيَمْنَعُ وِرْدَهُ غُرَباءَها

عَهْدٌ لفاطِمَ في ضمائِرِ عُصْبَةٍ *** نَسِيَتْ لَهُ عِنْدَ الوَفاءِ وَفاءَها

ص: 481


1- جَدْب: مكان ماحل غير خصب.
2- النشيج: الصوت الذي يخالط البكاء.
3- تكنّف: أحاط. دكنّه: ميلان لونه إلي السواد.
4- لعله إشارة إلي قول الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم في علة تسميتها بالزهراء عليها السلام.
5- و هي: ضعف.

حَشَدَتْ علي باب الوَصِيِّ وَ عَبَّاتْ *** أَضْغَانَها(1) و استَنْفَرَتْ غَوْغَاءَها(2)

ما كانَ أَقْساها تُرَوْعُ بَضْعَةً *** من أحمدٍ فَرَض الإلهُ وَلاءَها

و لَقَدْ جَفَتْ حتي تَلَبّدَ أُفْقُها *** بِالظُّلمِ و اشْتَكَتِ البَتُولُ جَفاءَها

أَيكونُ حبُّ مُحَمَّدٍ في قَلْبِهِ *** مَنْ ماتَ حَيْراناً تكنُّ عِداءَها

غَضِبَتْ وَ كانَ اللَّهُ شَاهِدَ سِرِّها *** مُذْ أَعْلَنَتْ لِلْعَالَمِينَ عَناءَها(3)

وَدَعَتْ عليهِ بُعَيْدَ كُلِّ فريضةٍ *** و لقد أجابَ اللهُ فيهِ دُعاءَها؟

فَلَئِنْ بَكَي يَوْماً وَ طالَ شَفَاؤُهُ *** مِنْ هَجْرِها، فَلَقَدْ أطال بكاءَها

ص: 482


1- أضغانها: أحقادها و أبغاضها غوغاء: الكثير المختلط من الناس أو السفلة من الناس و المتسرعين إلي الشرّ.
2- عن بحار الأنوار ج53 ص17 في حديث المفضّل بن عمر عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام -إلي قوله- ثم تبتدي فاطمة عليها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر -إلي قوله عليه السلام- و تقص عليه قصة أبي بكر و إنفاذه خالد بن الوليد و قنفذاً و عمر بن الخطاب و جمعه الناس أميرالمؤمنين عليه السلام من بيته إلي البيعة في سقيفة بني ساعدة، و قول عمر اخرج يا علي عليه السلام إلي ما أجمع عليه المسلمون و إلا قتلناك إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
3- يشير الشاعر إلي غضبها «سلام الله عليها» علي أبي بكر و عمر و رفضها السماح لهما بمقابلتها و إرضائها و تذكيرها لهم بعاقبة من تغضب عليه و حديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في هذا المعني. و قد جاء في تاريخ الطبري ج2 ص619 ط مؤسسة الأعلمي بيروت و في حديث طويل عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أنه دخل إلي أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه -إلي قوله- فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عليها السلام عن شيء و إن كانوا غلقوه علي الحرب... إلي آخر الحديث و قد أخذنا موضع الحاجة.

(67) مصائب الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

السيد هاشم الهاشمي

رَحَلَتْ لِلإِلَهِ تَشْكُو أُناساً *** جرّعُوا الطُّهْرَ أَعظَم الأَرْزاءِ(1)

أَوَ لَمْ يَسْمَعُوا الرَّسُولَ وَ كَمْ قال *** بِأَنَّ الزَّهراءَ خَيْرُ النِّساءِ؟

إِنَّ مَنْ أَغْضَبَ البَتُولَ فَقَدْنَا *** صَبَ رَبِّ العِبادِ شَرَّ عِداءِ(2)

كم حديثٍ له عن الطُّهْرِ عَمَّا *** قَدْ حَباها الإلهُ خَيْرَ حباءِ

كم ثناءٍ لِلَّهِ فيها فما يُجْدِي *** ثَناءُ الأقلامِ و الشُّعراءِ(3)

كم لها مِنْ مَناقِبٍ قد تسامتْ *** بِعُلاها علي بني حوَاءِ

قَدْ رعاها النَّبِيُّ يُرْفِدُها عِلْماً *** وَ طُهْراً من مَنْهَلِ الإيحاءِ

وُلِدَتْ من سَنا السَّماءِ و عاشَتْ *** بِهُداها وَ زُوِّجَتْ في السَّماءِ

و تلاقي النُّورانِ في الخُلْدِ كي *** يَخْلُدَ نورُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحاءِ

وَ تَلاقَي النُّورانِ فِي الخُلْدِ وَ امْتَدَّ *** لِبُقْيا الأَئِمَّةِ الأُمَناءِ

إِنَّهُمْ غايةُ الخَلِيقَةِ لَوْلاهُمْ *** لَدَبَّ الفَنَاءُ في الأَشياءِ(4)

وَ النَّبِيُّ العَظِيمُ أَنْقَذَ جِيلاً *** مِنْ دُجي الجاهليَّةِ الجَهْلاءِ(5)

ص: 483


1- الأرزاء: المصائب.
2- العداء: العداوة.
3- الثناء: المديح و إطراء المحاسن. يُجدي: ينفع، و المراد هنا أنه لم ينفع في وصف عظيم مناقب الزهراء عليها السلام لَجَلل قدرها.
4- دَبَّ: مشي، و المراد هنا: حَلَّ الفناءُ بالأشياء.
5- الدُّجي: الليل المظلم. الجَهْلاء: الجاهلة. هو ألم الضرب و الحرقة.

حَلَّقُوْا بالهْدَي إلي ذِرْوَةِ المَجْدِ *** وَ كَانُوا فِي هُوَّةٍ عَمْياءِ

هَلْ جَزَاءُ الإِحْسانِ أنْ يَمْنَعُوا *** الزَّهراءَ عَنْ سَكْبٍ دَمْعِها وَ البُكاءِ؟

كَيْفَ لا تَذْرُفُ الدُّمُوعَ وَ قدْ غابَ *** أبوها وَ كَهفُها في البَلاءِ؟

كانَ نِعْمَ الملاذَ يَمْسَحُ عَنْها *** غُصَصَ الدَّهْرِ باليَدِ البَيْضاءِ(1)

كانَ ظِلاًّ تاوِي إليْهِ إذا *** اشْتَدَّتْ عليها لَوَاعِجُ الضَّرَّاءِ(2)

لَقِيَتْ بَعْدَهُ مَصائِبَ شَتَّي *** مِنْ قُلُوبِ مَلِيئةٍ بِالعِداءِ(3)

وَثَبَ القَوْمُ يَطْلُبُونَ أذي العترةِ *** ثَارَ الأَوْثَانِ وَ الآباءِ(4)

غَصَبُوا حَقَّها وَ حَقَّ عَلِيٍّ *** وَ تَناسَوا أمجادَ آلِ العَباءِ(5)

جَحَدُوا بَيْعَةَ الغَدِيرِ بِغَدْرٍ *** بَعْدَما قَدَّمُوا عُهُودَ الوَلاءِ(6)

أسفروا عَنْ تَامُر كَتَمُوهُ *** عَنْ نَبِيِّ الهُدَي بِوَجْهِ الرِّياءِ(7)

أَشْعَلُوا نارَهُمْ بِبابِ ابنةِ المُخْتارَ *** نارَ الأطماعِ و البَغْضاءِ

دَخَلُوا دَارَها فَلاذَتْ وَراءَ البابٍ *** سِتْراً من أَعْيُنِ الأَعداءِ

عَصَروها لِيَكْسِرّ البابُ صَدْراً *** قَدْ حَوَي سِرَّ خَاتَمِ الأَنْبِياءِ

أَسْقَطَتْ «مُحْسِناً» إلي الأَرْضِ مَيْتاً *** وَ تَرامَتْ خَضِيبةً بالدِّماءِ

عَجَباً كم أبادَ لِلْكُفْرِ جَمْعاً *** بحُسام يُرْدِي العِدا بِمَضاءِ(8)

قَيَّدَتْهُ وَصِيَّةٌ من رسولِ اللَّهِ *** حِفْظاً لِلشِرْعَةِ الغَرَّاءِ(9)

ص: 484


1- الغُصَص: جمع غُصَّة و الغُصَّة هي الحزن و الهَمّ.
2- اللواعج: هنا بمعني الشدائد و المصائب، و اللُعْج: هو ألم الضرب و الحرقة.
3- شَتَّي: أنواع و أصناف مختلفة.
4- وَثَبَ: قَفَزَ.
5- آل العباء: أصحاب الكساء.
6- الولاء: الطاعة و الاتّباع.
7- أسفروا: كشفوا.
8- الحسام: السيف.
9- الغَرَّاء: الصافية لا شائبة فيها البيضاء: الخالصة.

رَأتِ الطُّهرُ كيف فَرَّقَ ليلُ الجهلِ *** جيلاً عَنْ سَيْدِ الأَوْصِياءِ

نَهَضَتْ وَ الجِراحُ تَنْزِفُ منها *** وَ جَرَتْ خَلْفَهُمْ بِكُلِ عَناءِ

صَرَخَتْ فيهمُ دَعُوهُ و إلا *** سوف أَشْكُو إِلي الإلَهِ بَلائِي

فأتاها اللَّعِينُ بالسَّوْطِ ليُسكتَ *** مِنْها صَوْتاً شَجِيَّ النِّداءِ(1)

إِنَّ آلامَها ستَشْهِدُ يَوْمَ الحَشْرِ *** ماذا لاقَتْ في الخَفاءِ

سَوْفَ يَسْتَفْسِرُ الجَمِيعُ مَدَي الدَّهْرِ *** لماذا قَدْ ألْحِدتْ في الخَفاءِ

آه لَوْلا جُرْحُ البَتُولَةِ ما كانَتْ *** جِرَاحُ الحُسَيْنِ في كَرْبَلاءِ

ص: 485


1- شَجِيَّ : حزين.

(68) صديقة النساء

(بحر الخفيف)

لأحد الشعراء

يا أخا المُصطفي أزفُّ وَلائي *** لك بشراً في مَولِدِ الزَّهراءِ

وُلِدَتْ و العفَافَ يَنضَحُ منْها *** مُستفيضاً علي بني حَواءِ

و كسَاهَا مِنَ القَداسَةِ بُرْداً *** أين مِنهُ قَداسةُ العَذراءِ

هي أُمّ السبطين بَضعَةُ طه *** زَوجَةُ المُرتَضَي وَ خَيرُ النّساءِ

هِيَ تُفَّاحَةٌ حَبَاهَا لِطه *** مِنْ جِنَانِ الخُلُودِ رَبُّ السّماءِ(1)

حُولَتْ نُطفَةٌ بِأطهَرِ صُلبٍ *** هُوَ أصلِّ لِلصَّفوَةِ الأمنَاءِ

هِيَ صِدِّيقَةُ النساءِ تَسَامَتْ *** بِعُلاهَا مِن نَسلَةٍ حَوراءِ

حَدَّثَتْ أَمَّها وَ كَانَتْ جَنيناً *** في حشَاهَا بِأصدَقِ الأنباءِ

هِيَ ريحانةُ الرَّسُولِ وَ كَانَتْ *** منهُ طيباً تَفُوحُ بالأشذاءِ

هِيَ رُوحٌ مَا بَينَ جَنبَيهِ كَانَتْ *** تَرتَدِي من حَنَانهِ بِرداءِ

فطَمَ اللَّهُ مِن لظي النَّارِ فيها *** كلُّ مولّي لهَا مِنَ الأوليَاءِ

قَالَ طه: دخلتُ جنّةَ عَدنٍ *** في عُروجي بِليلَةِ الإسرَاءِ

فَتنَاولتُ رطبةً هِيَ كَانَتْ *** نُطفَةً للزكيَّةِ الحَورَاءِ

وَ هيَ كَانَتْ تُدعي البتُولَ لِطُهرٍ *** نُزِّهَتْ فيه من جَميعِ الدِّمَاءِ

وَ هيَ في العَرشِ قَبلَ آدَمَ كَانَتْ *** قَبَسَاً زاهِراً لأهلِ السَّمَاءِ

ص: 486


1- حباها: أعطاها بلا مقابل.

وَ هْيَ كَانَتْ تَزهُو سَنَا لِعليّ *** و ازدهاراً كَالفَرقَدِ الوَضَاءِ(1)

قُطِمَتْ مِنْ جَميع شَرِّ و طَمثٍ *** يعتريها و قُدَّسَتْ بِالثَّنَاءِ

قولاها بَرَاءةٌ لِلمُوالِي *** مِن عَذاب الجحيم يومَ الجَزَاءِ

وَ تَلقَّتْ حَوادِثاً وَ عُلُومَاً *** مِن حديثِ المَلائِكِ الأمنَاءِ

هَاكِ يَا بضعَةِ الرَّسولِ نَشيدِي *** مُستفيضاً مِن بَسمَتِي وَ بُكَائِي

أنا أرجو منكِ الشَّفَاعَة فيهِ *** يَومَ بعثي مَشفُوعَةً بِالشّفاء

ص: 487


1- الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يُهتدي به.

ص: 488

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد و البحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 489

ص: 490

1- فهرس الشعراء

الإسم ... المقطوعة

الشيخ إبراهيم بري ... (1)

الشيخ إبراهيم النصيراوي ... (2)

الأستاذ أحمد فهمي ... (3)

محمد الشيخ أحمد الوائلي ... (4)

الأستاذ بشار كامل الزين ... (5)

بولس سلامة ... (6)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبوزكي) ... (7)

الشيخ جاسم الخاقاني ... (8)

الأستاذ جعفر الجعفر ... (9)

الأستاذ حسن أحمد العامر ... (10)

الشيخ حسن البحراني القيسي ... (11) (12) (13)

الشيخ حسن الصفار ... (14)

الشيخ حسن طراد العاملي ... (15)

السيد حسين الشامي ... (16)

الشيخ حسين الطرفي ... (17)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي ... (18)

الشيخ سعيد الشيخ علي العوامي ... (19)

الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل) ... (20)

السيد سلمان هادي آل طعمة ... (21)

الشيخ صادق الشيخ جعفر الهلالي ... (22)

الأستاذ عباس مرتضي عيّاد العاملي ... (23)

الشيخ عبد الجبار الساعدي ... (24)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي ... (25)

ص: 491

الشيخ عبدالستار الكاظمي ... (26)

الأستاذ عبدالعباس الأسدي ... (27)

الشيخ عبدالعظيم الربيعي ... (28) (29)

الشيخ عبدالكريم آل زرع ... (30)

الشيخ عبدالكريم النايف ... (31)

السيد عبداللطيف فضل اللَّه ... (32)

الشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم ... (33)

الشيخ عبدالمجيد فرج الله ... (34)

السيد عبدالمحسن فضل الله ... (35)

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ... (36)

الشيخ عبد الواحد مظفر ... (37)

الشيخ عفيف النابلسي ... (38)

الشيخ ملا علي آل رمضان ... (39)

ملاّ علي الرمضان الخطي ... (40)

السيد علي الحكيم ... (41)

الحاج علي حمدان الرياحي ... (42)

الشيخ علي ابن الشيخ محمد آل سيف الخطي ... (43)

الشيخ علي شرارة ... (44)

الحاج علي الفراتي ... (45)

الشيخ علي منصور المرهون ... (46)

الحاج علي يوسف المتروك ... (47)

السيد غياث آل طعمة ... (48)

الشيخ فرج العمران القطيفي ... (49)

الشيخ كاظم بن المطر الإحسائي ... (50)

الشيخ كاظم السبتي ... (51)

الشيخ كامل الدرمكي ... (52)

المهندسة كوثر شاهين ... (53)

لأحد الشعراء ... (68)

الحاج محمد آل رمضان الإحسائي ... (54)

الشيخ محمد جواد المطر ... (55)

فهرس الشعراء

ص: 492

الشيخ محمد سعيد المنصوري ... (56)

السيد محمد الشيرازي ... (57)

السيد محمد صالح البحراني ... (58)

الحاج محمد علي الحاج حسين ... (59)

الأستاذ محمد علي الزهيري ... (60)

السيد محمد علي العلي ... (61) (62) (63)

الأستاذ محمد محمد الجنبيهي ... (64)

السيد مرتضي القزويني ... (65)

السيد مسلم الجابري ... (66)

السيد هاشم الهاشمي ... (67)

ص: 493

2- فهرس التراجم

الشيخ أحمد الوائلي ... 98

الأستاذ بولس سلامة ... 107

الأستاذ حسن أحمد العامر ... 129

الشيخ حسن البحراني القيسي ... 134

الشيخ حسن الصفار ... 144

الشيخ حسن طراد العاملي ... 147

السيد حسين الشامي ... 150

الشيخ حسين الطرفي ... 153

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي ... 157

الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل) ... 165

الأستاذ سلمان بن هادي آل طعمة ... 167

الأستاذ عباس مرتضي عياد العاملي ... 172

الشيخ عبدالجبار الساعدي ... 177

الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملي ... 180

الشيخ عبدالستار الكاظمي ... 182

الأستاذ عبدالعباس الأسدي ... 184

الشيخ عبد العظيم الربيعي ... 231

الشيخ عبدالكريم آل زرع ... 244

الشيخ عبدالكريم النايف ... 246

الشيخ عبدالمجيد أبو المكارم ... 254

الشيخ عبدالمجيد فرج اللَّه ... 260

السيد عبدالمحسن فضل اللَّه ... 262

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ... 266

ص: 494

الشيخ عبدالواحد مظفر ... 368

الشيخ عفيف النابلسي ... 370

الشيخ ملا علي آل رمضان ... 375

السيد علي الحكيم ... 388

الشيخ علي شرارة ... 399

الحاج علي الفراتي ... 401

الأستاذ علي يوسف المتروك ... 405

السيد غياث آل طعمة ... 407

الشيخ فرج العمران القطيفي ... 409

الشيخ كاظم بن المطر الاحسائي ... 412

الشيخ كاظم السبتي ... 416

الشيخ محمد جواد المطر ... 433

الشيخ محمد سعيد المنصوري ... 436

السيد محمد الشيرازي ... 441

السيد محمد صالح البحراني ... 445

الحاج محمد علي الحاج حسين ... 450

الأستاذ محمد علي الزهيري ... 454

السيد محمد علي العلي ... 457

السيد مرتضي القزويني ... 472

السيد مسلم الجابري ... 477

ص: 495

3- فهرس القصائد والبحور

-الألف-

نشأت بيثرب طفلة زهراء *** في وجهها وجه النبي تراءي 93

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** هاتفاً بالوليدة الزهراء 95

(المقطوعة 2/ بحر الخفيف)

لذ بالبتول و ناد بالزهراء *** و اضرع لربك خيفة بدعاء 97

(المقطوعة 3/ بحر الكامل)

كيف يدنو إلي حشاي الداء *** و بقلبي الصديقة الزهراء 98

(المقطوعة 4 / بحر الخفيف)

بدار الوحي يا خير النساء *** حظيت بكل آيات الثناء 105

(المقطوعة 5/ بحر الوافر)

عاد إثر الوقيعة البكر ليث *** رمقته القلوب بالإيماء 107

(المقطوعة 6/ بحر الخفيف)

في استقر و لا ؤكم بدمائي *** يا خير من عاشوا علي الغبراء 112

(المقطوعة 7/ بحر الكامل)

مولاي يابن المرتضي *** يا سبط خير الأنبيا 117

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

تاهت ببنت نبيها الخضراء *** و استبشرت بقدومها الغبراء 122

(المقطوعة 9/ بحر الكامل)

يمّمت ذكري مولد الزهراء *** فطفقت أنظم للمديح ثنائي 129

(المقطوعة 10/ بحر الكامل)

عزّ العزاء عليك يا زهراء *** فلقد دهتك مصيبة شنعاء 134

(المقطوعة 11/ بحر الكامل)

ص: 496

كل فرد منهم زكي مهيمن *** و تراه في العلم و الحلم ممعن 137

(المقطوعة 12/ بحر الخفيف)

عرج بتربة فاطم الزهراء *** و اندب و ناد بحرقة و بكاء 140

(المقطوعة 13/ بحر الكامل)

روعة الحق و العفاف تجلّت *** من محيّا الصديقة الزهراء 144

(المقطوعة 14/ بحر الخفيف)

غابت فغاب شعاعها الوضّاء *** شمس تنار بضوئها الأجواء 147

(المقطوعة 15/ بحر الكامل)

قلبي يذوب أسّي علي الزهراء *** و مدامعي تجري دماً بسخاء 150

(المقطوعة 16/ بحر الكامل)

في إنسية نمتها السماء *** باركتها الخضراء و الغبراء 153

(المقطوعة17/ بحر الخفيف)

عرس النبوة شاع في البطحاء *** فحدت له الأملاك بالجوزاء 157

(المقطوعة 18/ بحر الكامل)

عم فيض الجلال بالرحماء *** بولادة البتولة الزهراء 163

(المقطوعة 19/ بحر الخفيف)

مولد الزهراء *** مصدر الآلاء 165

(المقطوعة 20/ بحر الخفيف)

مرحي بإشراق السنا الوضاء *** غمر الحياة برونق و بهاء 167

(المقطوعة 21/ بحر الكامل)

طال شوقي فصاغه إنشائي *** لحن حب بمولد الزهراء 170

(المقطوعة 22/ بحر الخفيف)

مزّقي صمت أخرفي و المساء *** و اسكبي الشعر في دمي و الضياء 172

(المقطوعة 23/ بحر الخفيف)

ماذا أقول بمولد الزهراء *** فهي البتول و منتهي العلياء 177

(المقطوعة 24/ بحر الكامل)

يا زائراً أرض البقيع وصية *** عني تقبل تربة الزهراء 180

(المقطوعة 25/ بحر الكامل)

في قلبي حب الزهراء ***ينجيني من كل بلاء 182

(المقطوعة 26/ بحر المتدارك)

ص: 497

رويت مسنودة دون خطاء *** عن كريم من سليل الكرماء 184

(المقطوعة 27/ بحر الرمل)

إن داراً بها حديث الكساء *** دار مجد سمت علي الجوزاء 231

(المقطوعة 28/ بحر الخفيف)

قد روينا عن فاطم الزهراء *** بضعة المصطفي حديث الكساء 238

(المقطوعة 29/ بحر الخفيف)

لك يا بضعة النبي الوفاء *** من محب لا يعتريه جفاء 244

(المقطوعة 30/ بحر الخفيف)

ذابت لفرط صبابتي أحشائي *** فلذاك طال تلهفي و بكائي 246

(المقطوعة 31/ بحر الكامل)

هتف البيان بمولد الزهراء *** سر الوجود و شمس كل سماء 248

(المقطوعة 32/ بحر الكامل)

أصبح الكون ضاحكاً بالهناء *** مستنيراً بنور ست النساء 254

(المقطوعة 33/ بحر الخفيف)

في المدي... حيث تجثم الظلماء *** و السّبات العميق دنيا خواء 260

(المقطوعة 34/بحر الخفيف)

أغمض الطرف فالسنين ورائي *** تروي أحداثها علي استحياء 262

(المقطوعة 35/ بحر الخفيف)

يا أخا المصطفي أزف ولائي *** لك بشراً في مولد الزهراء 266

(المقطوعة 36/ بحر الخفيف)

ماء الفرات صداق للبتولة قد *** صح الحديث و جاءت فيه أنباء 368

(المقطوعة 37/ بحر البسيط)

زهراء يا بيت العلي الوضّاء *** يا نجمة الساري بكل مساء 370

(المقطوعة 38/ بحر الكامل)

شع نور البتول ست النساء *** فاعتدي الكون مشرقاً بالسناء 375

(المقطوعة 39/ بحر الخفيف)

لم يكن بعد موته أحد أعظم *** حزناً في عالم الأحياء 380

(المقطوعة 40/ بحر الخفيف)

شمخت فبان الطّور من عليائها *** و زهت فشعّ النور من سنائها 388

(المقطوعة 41/ بحر الكامل)

ص: 498

أي يوم يجل فيه العزاء *** و مصاب يطيب فيه البكاء 390

(المقطوعة 42/ بحر الخفيف)

أفبعد فاطمة البتول و دفنها *** بالليل عين لا تجود بمائها 398

(المقطوعة 43/ بحر الكامل)

رزء أطلّ فجل في الأرزاء *** زفراتها هبت علي الغبراء 399

(المقطوعة 44/ بحر الكامل)

أشرقت الدنيا مع السماء *** بمولد الصديقة الزهراء 401

(المقطوعة 45/ بحر السريع)

حق البكاء لفاطم الزهراء *** بنت النبي كريمة الآباء 403

(المقطوعة 46/ بحر الكامل)

طائر البشر في ربي البطحاء *** يتغني بمولد الزهراء 405

(المقطوعة 47/ بحر الخفيف)

قد كان في أرض الحجاز عناء *** فدم يراق و تستباح نساء 407

(المقطوعة 48/ بحر الكامل)

كيف أسلو و نكبتي فقماء *** و بقلبي أحاطت الأرزاء 409

(المقطوعة 49/ بحر الخفيف)

ضحكت بروق الخصب بالفيحاء *** فهمت جفون غمامها ببكاء 412

(المقطوعة 50/ بحر الكامل)

خذي يا عين ويحك بالبكاء *** علي الزهراء سيدة النساء 416

(المقطوعة 51/ بحر الوافر)

خلّ الحزين بهمه و بلائه *** و بوجده و حنينه و بكائه 421

(المقطوعة 52/ بحر الكامل)

أيقظ حروف الشعر ذاك ولائي *** للمصطفي الهادي غدي و رجائي 428

(المقطوعة 53/ بحر الكامل)

صلة الأرض ضوعفت بالسماء *** أم هي الأرض مصدر الأضواء 431

(المقطوعة 54/ بحر الخفيف)

أسعفيني بفيضك المعطاء *** إنه سلّمي إلي العلياء 433

(المقطوعة 55/ بحر الخفيف)

ما انفك صوت تزفري و بكائي *** يعلو لجانب حسرتي و عنائي 436

(المقطوعة 56/ بحر الكامل)

ص: 499

تبهر الكون من سناك ذكاء *** و لعالي بناك تعلو السماء 441

(المقطوعة 57/ بحر الخفيف)

لأهل الأرض فاقت و السماء *** فخصت باسم سيدة النساء 445

(المقطوعة 58/ بحر الوافر)

غصص المصائب ألهبت أحشائي *** فأشرت نحوك سيد الشهداء 450

(المقطوعة 59/ بحر الكامل)

قد فجّر الشوق العظيم ولائي *** متدفقاً كالنبع من أعضائي 454

(المقطوعة 60/ بحر الكامل)

أترع الكأس مديحاً و ثناء *** و أدرها كي توفّينا الرواء 457

(المقطوعة 61/ بحر الرمل)

باركي حفلنا هبيه ارتقاء *** إننا منك نستمد العلاء 460

(المقطوعة 62/ بحر الخفيف)

هلّلت باسم عيدك الأجواء *** يا سماء و أين منك السماء 463

(المقطوعة 63/ بحر الخفيف)

لعجزي عن مديحكم و الثناء *** و ما بعطائكم يحكي العطاء 467

(المقطوعة 64/ بحر الوافر)

ساورتني الهموم و اللأواء *** و غزتني الأسقام و الأدواء 472

(المقطوعة 65/ بحر الخفيف)

النور فاض بمكّة فأضاءها *** فلتنسج البطحاء منه رداءها 477

(المقطوعة 66/ بحر الكامل)

رحلت للإله تشكو أناساً *** جرّعوا الطهر أعظم الأرزاء 483

(المقطوعة 67/ بحر الخفيف)

يا أخا المصطفي أزفّ ولائي *** لك بشراً في مولد الزهراء 486

(المقطوعة 68/ بحر الخفيف)

ص: 500

4- فهرس الموضوعات

الإهداء ... 6

تقريظ ... 7

تأريخ التقريظ لكتاب الفاطميات ... 8

كلمة الديوان ... 9

أول الكلام ... 9

من خصائص فاطمة عليها السلام ... 13

الحوراء الإنسية عليها السلام ... 13

البتول عليها السلام ... 14

المنقطعة إلي ربّها ... 17

فاطمة عليها السلام قطب البيت ... 20

من سمات علي عليه السلام ... 22

وأما فاطمة عليها السلام ... 23

في مدرسة علي و فاطمة ... 26

فاطمة عليها السلام في بيتها ... 28

عطاء و إيثار ... 30

فاطمة عليها السلام محور الكمال ... 33

ماذا تعني فاطمة عليها السلام ... 36

فاطمة عليها السلام في الشعر و الأدب ... 38

دوافع الشعراء ... 40

الأول: دافع العقيدة ... 40

شعراء العقيدة ... 41

ص: 501

الكميت الأسدي ... 41

السيد الحميري ... 45

العبدي الكوفي ... 47

دعبل الخزاعي ... 48

الثاني: دافع الولاء و المحبة ... 2

(شعر الولاء) ... 55

(شعر الرثاء) ... 58

الثالث: دافع النصرة ... 59

فاطمة و الحسين عليهما السلام قضية واحدة ... 63

الشعراء بين فاطمة و الحسين عليهما السلام ... 68

فاطمة و الحسين عليهما السلام في المحشر... 72

أهل البيت عليه السلام والشعر ... 72

شواهد تاريخية ... 76

من شعر الزهراء عليها السلام ... 78

كلمات في عظمة فاطمة عليها السلام ... 83

ملاحظات أخيرة ... 88

قافيةٌ الألف

(1) بنت النبي ... 93

(2) نبع المكارم ... 95

(3) لُذ بالبتول ... 97

(4) الزهراء عليهماالسلام ... 98

(5) دار الوحي ... 105

(6) زواج علي عليهماالسلام ... 107

(7) حمي الزهراء عليهماالسلام ... 112

(8) سيدة النساء ... 117

(9) هتف البشيرُ ... 122

ص: 502

(10) روح النبي... 129

(11) بَيْتُكِ السَّامِي ... 34

(12) درةُ المجد ... 137

(13) أبكي عَلَيْكِ ... 140

(14) حياة الزهراء عليها السلام ... 144

(15) البضعة الزهراء عليها السلام ... 147

(16) ومَضَت إلي الرحمن ... 150

(17) الإنسية الحوراء ... 153

(18) عرس الزهراء عليهاالسلام ... 157

(19) مختارة الرب ... 163

(20) بنت الهادي ... 165

(21) فخر النساء ... 167

(22) باركوا اليوم للبشير ... 170

(23) فيض الوجود ... 172

(24) في رحاب الزهراء عليهاالسلام ... 177

(25) تربة الزهراء عليهاالسلام ... 180

(26) حب الزهراءعليهاالسلام ... 182

(27) القرار الظالم.. والدفاع البطولي الفذ ... 184

الرواية ... 184

الزهراء عليهاالسلام تخرج للدفاع عن حقها ... 185

دخولها علي عليه السلام أبي بكر... 185

الحمد والثناء ... 186

عرفانها ... 187

البعثة وأسبابها ... 189

حديثها عن النبي عليه السلام دعوته ووفاته ... 190

واختيار ورغبة وإيثار ... 190

ص: 503

خطابها بالحضور وإشعارهم بالمسؤولية ... 191

حديثها عن القرآن ... 192

ذكرها لعلل الإحكام و فلسفتها ... 193

تذكرتها وإنذارها لهم ... 195

خطبتها عليهاالسلام في المسجد ... 192

إنّي فاطمة عليها السلام و أبي محمّد صلي اللهِ والهِ وسلم ... 196

ذكرها لأوصافه وتبليغه لرسالته ...197

ذكرها لإنجازاته ...197

ذكرها لحالتهم قبل البعثة ... 198

ذكرها لمعاناته ... 199

ذكرها لمواقف عليّ عليه ُالسلام ... 199

تذكرهم بمواقفهم المتخاذلة ... 200

تخبرهم عن نفسياتهم و رجوعهم إلي الجاهلية ... 200

تحذّرهم من إطاعة الشيطان و سوء العواقب ... 201

دعوتهم للتفكّر بالقرآن و الرجوع إليه ... 202

تألّمها و توجّعها من مواقفهم ... 203

تحذّرهم من مغبة حكمهم بعدم وراثتها ... 204

توبّخهم علي سكوتهم ... 205

خطابها لأبي بكر في المسجد ... 206

أترث أباك و لا أرث أبي ... 206

لقد جئت شيئاً فرياً! ... 206

دلائلها في الإرث ... 207

أولست وأبي ... 207

تهديدها له بيوم الجزاء ... 208

كلامها مع الأنصار ... 208

ما هذه الغميزة في حقّي ... 209

ص: 504

سرعان ما أحدثتم، و عجلان ذا إهالة ... 209

وأُزيلت الحرمة عند مماته ... 210

الإنقلاب علي الأعقاب ... 211

أأهضم تراث أبي...؟ ... 212

توافيكم الدعوة فلا تجيبون! ... 212

و أنتم موصوفون بالكفاح ... 213

دارت بنا رحي الإسلام ... 213

فَأَنَّي حِرْتُم بعد البيان؟ ... 214

الخلود إلي الدنيا و إبعاد من هو أحقّ بالبسط و القبض ... 214

الخذلان و الغدر ... 215

حجّتها عليهم ... 216

نتائج الخذلان و الغدر ... 216

فاعملوا إِنَّا عاملون ... 217

جواب أبي بكر ... 218

ذكره لصفات أبيها ... 218

اعترافه بتَسَبها و زوجها و مكانتهم ... 218

اعترافه بصدق قولها ... 219

اعترافه بعقلها، و حقّها ... 219

الإدعاء الكاذب ... 220

صرف الأموال المغتصبة في الجهاد ... 220

محاولته لتطييب خاطرها ... 221

جواب فاطمة الزهراء عليها السلام لأبي بكر ... 222

ردّ الإدعاء بالبيان و البرهان و الحجة ... 222

هذا كتاب اللَّه حكماً عدلاً ... 222

بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً ... 223

جواب أبي بكرٍ لها عليها السلام... 224

ص: 505

لا أُبعد صوابك ... 224

إلقاء اللوم علي المسلمين ... 224

فاطمة الزهراء عليها السلام توجّه الخطاب إلي الحاضرين ... 225

بَل رانَ عَلي قلوبكم ... 225

جزاء الأعمال السيئة و عواقبها ... 225

رجوعها إلي الدَّار و كلامها مع زوجها ... 227

ثُمَّ انْكَفَأَتْ عليه السلام ... 227

كلمة عتاب لها مع عليّ عليه السلام ... 227

تخبره بالموقف ... 228

ليتني متُ قبل هينتي ... 228

مات العمد، و وهنّ العضد ... 229

نهنهي عن وجدكِ ... 229

حسبي اللَّه ... 230

التسليم لأمر الإمام ... 230

(28) أي ذنب لفاطم عليها السلام ... 231

(29) حديث الكساء ... 238

(30) و حسبكِ فخراً ... 244

(31) نطق الكتاب بفضلها ... 246

(32) سرُّالوجود ... 248

(33) ابنة النور ... 254

(34) شمسُهُ الزهراء عليها السلام ... 260

(35) أم أبيها عليها السلام ... 262

(36) ملحمة أهل البيت العلم عليهم السلام ... 266

فضائل الصديقة فاطمة عليها السلام ... 287

ما ورد في القرآن في فضلهاعليها السلام ... 305

حَدِيثُ الكِسَاء ... 311

ص: 506

خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ... 320

احتجاج الزهراء عليها السلام علي أبي بكر ... 342

عليٌّ و الزهراء عليهما السلام ... 347

خطبة الزهراء عليها السلام ... 350

احتجاج الصِّدِّيقةِ فاطمة عليها السلام بحديث الغديرِ ... 355

(37) صداق البتول ... 368

(38) قدوة النساء ... 370

(39) شع نور الزهراء عليها السلام ... 375

(40) الجوهر الفرد ... 380

(41) أشرقت الحياة ... 388

(42) بضعة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم ... 390

(43) قضت مكضومة ... 398

(44) تعج فاطمة عليها السلام ... 399

(45) بشراك يا دنيا عليها السلام ... 401

(46) في آية التطهير ... 403

(47) مولد الزهراء عليها السلام ... 405

(48) أم الأئمة ... 407

(49) سرّ الوجود ... 409

(50) الطهر البتول عليها السلام ... 412

(51) سيدة النساء عليها السلام ... 416

(52) حبيبة أحمد ... 421

(53) بضعة المختار ... 428

(54) دوحة النور ... 431

(55) خيرُ النساء ... 433

(56) بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم ... 436

(57) فاطم الطهر ... 441

ص: 507

(58) خامسة الكساء عليها السلام ... 445

(59) إيذاؤها إيذائي ...450

(60) نور البضعة الزهراء عليها السلام ... 454

(61) ابنة المختار ... 457

(62) كعبة المجد ... 460

(63) في رحاب الطهر ... 463

(64) ليس يعلوها عَلاءُ ... 467

(65) يا مولاتي يا فاطمة عليها السلام أغيثيني ... 472

(66) قطوف طوبي ... 477

(67) مصائب الزهراء عليها السلام ...483

(68) صدّيقة النساء ...486

الفهارس العامة ... 489

1- فهرس الشعراء ... 491

2- فهرس التراجم ... 494

3- فهرس القصائد و البحور ... 496

4- فهرس الموضوعات ... 501

ص: 508

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.