الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام المجلد 1

هوية الكتاب

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي

1426 ه_ - 2005 م

ص: 1

اشارة

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع

ص: 2

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي

1426 ه_ - 2005 م

دارالعلوم التحقيق والطباعة والنشر والتوزيع(1)

ص: 3


1- المكتبة: حارة حربك -بئر العبد- شارع السيد عباس الموسوي -الهاتف: 01/545182- 03/473919- ص. ب: 13/6080 المستودع: حارة حريك -بئر العبد- مقابل البنك اللبناني الفرنسي-تلفاكس: 01/54165 www.daraloloum.com E-mail: daraloloum@hotmail.com

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَ بِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ الرَّ حْمَنِ الرَّ حِيمِ ﴿3﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ اهْدِنَا الصِّرَ اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿6﴾ صِرَ اطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿7﴾

ص: 4

الإهداء

إِلَيْكَ... يَا فَلَذِهُ الْإِنْسَانُ الرَّسُولُ... الَّذِي اسْتَطَالَ رَاسَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ فَلاَمَسَهَا فَإِذَا كُلُّ أَبْوَابِ رحمتها وَ نِعْمَتِهَا وَ هُدَاهَا مَفْتُوحَةً إِلَيْكَ عَلَي الرَّحَابِ...

إِلَيْكَ... أَيُّهَا الْكَوْثَرُ عليها السلام الصَّيْبُ الَّذِي اهْتَزَّتْ لَهُ بَرَكاتُ الأَرْضِ خَيْراً وَصِدْقاً و براءةً... إِلَيْكَ... أَيَّتُهَا الْحَوْراءُ الإِنسِيَّةُ عليها السلام... يا نُورَ الوُجُودِ وَنَشيجَهُ الْحَزِينَ...

إلَيك... أَيَّتُهَا المَهضُومُهُ المَقْهُورُهُ... أَيَّتُها المَجهولُهُ قَدْراً و الْمَدْفُونُهُ سِرّاً...

إِيهٍ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ... ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرَي وَ لا فُتُوناً يَتَرَدَّدُ ذلِكَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي يَرْوِي بِهِ التَّأْرِيخُ أَنْبَاءُ مِسْمَارٍ وَ بَابٌ... و سَقَطَ جَنِينٌ... وَ حُمْرَةُ خَدٍ وَ عَينٍ... وَ قُرْطٌ مَنْثُورٌ... وَ نَفْئَةُ قَلْبٍ مصدوع مَوْجُوعٌ... ثُمَّ ذبولٌ... فغيَّاب فِي التُّراب...

إيهِ يا سَيِّدَتي... كانَ وَلا زالَ أَنينُكَ وَ حَنِينُكَ الهَادِفُ الشَّجِيُّ مِلءَ كُلِّ أُذُنٍ وَ قَلْبُ.

يَا فَاطِمُه... يَا مَنْ ذَكَرَكَ عِطْرَ اَلْحَيَاةِ... أَيَّتُهَا الْمَفْطُومُهُ بِالْجَلاَلِ وَ اَلْجَمَالِ... أَيَّتُهَا الحانيه الآسِيَةُ... هَا هِيَ أَخْزَّائُنَا وأَشْوَاقُنَا نَنْشُرُها دُموعاً مُقْفَّاةً... وَ نَنْظُمُهَا شُعُوراً وزَفَراتٍ نَرفَعُهَا لِرِحَابِ الْوَاسِعِ الْفَسِيحِ... و نَعْلَمُ أَنَّك أهْلٌ لِلقَبولِ وَ إن لَم نَكُن نَحنُ أهلاً لِلقَبولِ.

هَا هِيَ... يَا سَيِّدَتِي وَرِيقَاتُ ولائِي... جَمَعْتُهَا عَلَي ضَعَتِي وَ قِلَّةَ باعِي... أَضَعُها بَيْنَ يَدَيْكَ الْحانِيَةَ لِتَكُونَ شَفِيعِي عِنْدَكَ... وَ كُلِي أَمَلٌ وَ رَجَاءَ أَنْ تَقْبَلِيها مِنِّي بَعْدَ أَنْ تَقْبَلِينِي... فَهَا هِيَ بَيْنَ يَدَيْكِ سَيِّدَتِي... اقبَليها قَبْلَ أَن يَطْوِيَنِي المُؤتُ... وَيَطُوحَ بِها النِّسْيانُ...

المؤَلّف

ص: 5

ص: 6

تقريظ

(بحر السريع)

بِحُبِّ طه كُلِّ أَوْقَاتِيٍ *** أَدْرَأ ْأَفْوَاجُ اَلْمُلِمَّاتِ

لي خافَقٌ يُعلِنُ لِلمُرتَضي *** و البَضعَةُ اَلطُّهْرُ مُوَالاَتِي

وَ مَقُولٌ يُعْرَّبُ لِلْمُجْتَبَي*** عَنْ فَرْطُ حُبِّي لاَ مُحَابَاتِي

تَخَذْتَ مِنْ حُبِّ حُسَيْنٍ سُدِّي *** حِينَكَتْ بِهِ لَحْمُهُ رَايَاتِي

بِحُرْمَةِ اَلسَّجَّادِ ثُمَّ اِبْنُهُ *** اَلْبَاقِرُ أدْنُو بِمُنَاجَاتِي

بِجَعْفَرٍ ثُمَّ سَليلُ التَّقِيِّ *** الْكَاظِمِ تَقْضِئُ كُلُّ حَاجاتٍ

وَ بِالرِّضَا اَلْعَالِمِ كَهْفِ اَلْوَرَي *** اِدْفَعْ أَمْوَاجَ اَلْبَلِيَّاتِ

وَ لِلْجَوَادِ فِي اَلْحَشَا جَذْوُهُ *** تَرُوئُ بِأَشْجَانِي وَآهَاتِي

لِلْعَسْكَرِيَّيْنِ أَسَي قَدْ ثَوَي *** فِي اَلْقَلْبِ تَنْبِي عَنْهُ أَنَاتِي

وَ الْحُجَّةُ المُنْتَظَرُ الْمُرْتَجي *** لِلثَّأْرِ والنَّصِّ بِهِ آتٍ

بِشِرَاكٍ يَاشِيخَ عَلَيَّ لَنَا *** سَادَاتُ حَقٌ خَيْرُ ساداتٍ

وَ أَنْتَ يَا خَيْرَ نَصِيرٍ لَهُمْ *** خُذْهَا فَذِي مِنْهُمْ مُوَاسَاتِي

وَ إِنَّمَا سَفَرُكَ فِي مَا أَرَي *** يُسْفِرُ عَنْ أَجْمَلِ آيَاتٍ

بنشر صَوْتِ اَلْعَدْلِ يَا شيْخنَا *** يَأْمُرُنَا رَبُّ اَلسَّمَاوَاتِ

كَأَنَّ أَمْرَ اَلْوَحْيِ (تاريخه) *** (اكتُب كِتابَ الفاطميّات)

الأستاذ جابر الكاظمي

19/ شوال / 1418ه

ص: 7

تأريخ التقريظ لكتاب الفاطميات

هذا كتابٌ ماله مشبه *** من دهرنا الماضي ولا الآتي

جاء من الشعر بأعجوبة *** أو قل بآيات و آيات

ماجال فيه الطرَّف إلا كما *** جال من الحسن بجنات

من تابح الزهراء يهفوله *** في كل حرف بالمناجاة

و من قلاها لها هداهُ الهدي *** مَلَّ ووالي عابدي اللات

و مذ رايت الله قد خصّه *** بفيضه من السماوات

و أن أهل البيت سُرُّوا به *** لما به من المواساةِ

أرخت «قد سّرعلي حيدر *** أهل الكسا بالفاطميات»

الشيخ قيس العطار

1418 ه. ق

ص: 8

كلمة الديوان

أول الكلام

لكل حديث بداية ونهاية... إلّا الحديث عن فاطمة عليها السلام، و من يتصل بها بنبوة أو إمامة. فإن الكلام عنهم لا نهاية له. و كلما أمعن المتحدث أن يلمَّ بجوانب الكلام حتي يصل إلي خاتمة في المطاف لايصل يوما إلي ساحل... إذ كلما يتصوّر -المتحدِّث- عنهم أنه وصل إلي نهايته يجد أنه لا زال في البداية.

إن هذا الشيء عجيب... ربما لا تدركه عقولنا الناقصة و ربما لا تستوعب عمقه في يوم من الأيام ولكنها أيضاً لا تملك إلا أن تصدِّق بهذا عندما تسمع كلمات السماء تشير إلي بعض جوانب العظمة فيها «سلام الله عليها».

فمثلنا و نحن نتحدث عن فاطمة عليها السلام كمثل من وقف يتأمل في الفضاء الواسع الرحيب ليعرف جوهره أو ليكتشف ما به من أسرار وخفايا... فإنّه كلّما أمعن النظر وحدّق طويلاً و استنفد كل ما بعينه من قدرة علي الرؤية و الإبصار فإنه لا يصل إلي حدود أو سدود سوي تموّجات النور المتوهِّج في عيون الكواكب...

فهو يري النور فيحركه و ينبهر به و ربما يصفه أو ينسبه لمصدره و لكن دون أن يعرف جوهره المكنون وراء إشراقه...

و هكذا حينما نتحدث عن فاطمة الحوراء الإنسية عليها السلام... فكلَّما ندِّقق و نمعن النظر تأملاً وتفكيراً لا نتمكن أن نري حقيقةَ

ص: 9

أو جوهراً غير أنوار الزهراء عليها السلام الساطعة التي تحرّكنا و تشدّنا و تبهرنا ... و تمزّق ظلمات القلوب و الضمائر فينا، و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بأن وراء هذا النور سراً خفياً وعالماً عميقاً أمامنا لانتمكن أن نعرفه ولكن نعرف صفته و مصدره ...

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام:

لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزهراء عليها السلام زَهْرَاءَ ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٌ خَلَقَهَا مِن نُورِ عَظَمَتِهِ فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَوَاتُ و الأَرضُ بِنُورِهَا وَغُشِيَتْ أَبْصَارَ الْمَلائِكَةِ و خَرَّتَ المَلائِكَةُ لِلَّهِ سَاجِدِينَ وَ قَالُوا:

إِلَهُنَا وَسِيدَنَا مَا هَذَا اَلنُّورُ ؟ فَأَوْحَي اللَّهُ إِلَيْهِمْ: هَذَا نُورٌ مِن نُورِي و أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي خَلَقْتُهُ مِن عَظَمَتِي أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍ مِن أنبِيائِي أُفَضِّلُهُ عَلي جَميعِ الأَنْبِيَاءِ وأُخرِجُ مِن ذَلِكَ النُّورِ أئِمَّةً يَقُومُونَ بِأَمْري يَهدُونَ إلي حَقِّي وأَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِي فِي أَرْضِي بَعْدَ انْقِضَاءِ وحْيِي.(1)

هذا نور الزهراء... نور فاطمة عليها السلام... و عظمته، فلا غرابة إذا اعترفنا بعجزنا عن إدراكه، ليس لنقص فيه بل لنقص فينا، و عجز في مداركنا و حواسنا عن الوصول إلي عالم المعني و إدراك الماورائيات...

و نبقي هكذا نولد علي حبها عليها السلام و نقتفي خطاها و نموت علي ذكرها دون أن نفهمها كما ينبغي أو نعرفها كما يحق...

فنحن و فاطمة عليها السلام... نحن و بحر عميق أو فضاء رحيب لا نملك إلاّ أن نذعن لهذا السر العجيب و نؤمن بمزاياه و خصوصياته التي تفوق مزايا البشر و إن لم نتوصل لم و لن نتوصل إليه يوماً.

و هذا ليس نسجاً من الخيال، و الكلام المجرد نعبّر به عن مشاعرنا تجاه السيدة الطاهرة - أم النبوة و الإمامة عليها السلام - أم أبيها عليها السلام؛ بل هو حقيقة كونية موجودة في هذا الكون الرحب يحس آثارها القريب و البعيد دون أن يتوصّل إلي كنهها وجوهرها .

و ذلك لأنها سلام الله عليها قطب من أقطاب دائرة الإمكان و لا

ص: 10


1- البحار ج43، الباب الثاني ، الحديث 5، الصفحة 12 - طبعة بيروت.

يمكن أن يستوعبها غير المعصوم عليهم السلام لأن الضيّق المحدود لا يمكن أن يحيط بالواسع كما قالوا في عجز مدارك الإنسان عن الوصول إلي حقيقة الخالق سبحانه لأن اللامتناهي الوجود يستحيل أن يحيط به المتناهي أو يدرك كنهه. (1)

بل هي أيضاً: أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام السابقين علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و درجتها المعنوية أسمي و أرفع كما دلّت علي ذلك الأدلة الخاصة.

و هي أيضاً أفضل من أولادها عليهم السلام كما قال مولانا الحسين عليه السلام: أُمِّي خَيْرٌ مِنِّي. (2)

بل هي حجة علي كل أولادها الطاهرين كما قال مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام: وَ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْنَا. (3)

كما هي سيدتهم وقدوتهم عليهم السلام كما قال مولانا الحجة و صاحب الأمر عجل الله تعالي فرجه الشريف: وَفِي إِبْنَةُ رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .(4)

و من كان كذلك لا يتمكن الإنسان العادي المحدود أن يصل إلي معرفته كما ينبغي ...

قيل في الخصائص الفاطمية:

وَ لَعَمري فَحَسَرَ عَن إِدْراكِها كُلُّ إِنْسَانٍ عَارِفٍ و قَصَّرَ عَن وَصْفِهَا و إِحْصائِها لِسانَ كُلِّ مَحصٍ وَ وَاصِفٍ وَ الْكِلْ بِضُروبِ فَضائِلِها مُعْتَرِفونَ و علي بَابِ كَعْبَةَ فَوَاضِلُها مُعْتَكِفونَ وَ خَصَّها اللَّهُ مِن وَ صائِفِ فَضلِهِ وَ شَرائِفِ نَبْلِهِ بِأَكمَلِ ما أعَدَّهُ لِغَيرِها مِن ذَوي النُّفوسِ القُدسِيَّةِ وَ الأعراقِ الزَّكِيَّةِ وَ الأخلاقِ

ص: 11


1- من الواضح: أن المعصومين عليهم السلام ليسوا كالباري تعالي في اللاتناهي و اللامحدودية بل هم مهما بلغوا من السعة في السمات و القدرات فهم بالنتيجة ضمن عالم الإمكان المفصول عن عالم الواجب بدرجات لاحد لها و لاحصر. و إنما المقصود سعتهم الوجودية في قبال سائر المخلوقات.
2- الإرشاد المفيد ص232 طبعة بيروت.
3- تفسير أطيب البيان ج 13 ص 225
4- البحار ج53 ، باب31 ج9 ص178 طبعة بيروت.

الرَّضِيَّةُ و الحُكمُ الإلهِيَّةُ و سَطَعَ صُبْحُ النُّبُوَّةِ بِطَلْعَتِها اَلْحَمِيدَةِ وَ غَرَتْهَا اَلرَّشِيدَةُ فَلَهَا الكَمَالاتُ الإنْسانِيَّةُ ومَلِكَاتُ الْفَضَائِلِ النَّفسانِيَّةِ كَأنَّ طِينَتَهَا قَدْ عُجِنَتْ بِمَاءِ الْحَيَاةِ وَعَيْنُ الفَضلِ في حَظِيرَةِ الْقُدُسِ فَهِيَ نُورُ الْحَقِّ وحَقِيقَةُ الصِّدْقِ وَ آيَةُ الْعَدْلِ فَتَعالَي مَجْدُها وَ تَوَالي إِحْسانِها. (1)

و من هنا... فإنها عليها السلام تملك الولاية كالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة الطاهرين عليهم السلام بتفويض من الله سبحانه و منحه.

و هي أيضاً ... كسائر المعصومين عليهم السلام ... مجري الفيض الإلهي لهذا العالم.

كما إنّها العلة الغائية اولتي لها أو لمحبتها خلق الله سبحانه العالم...

و أيضاً هي...كسائرهم عليهم السلام... سبب دوام الفيض الإلهي علي الكون و علة استمراره بقاءً...

و غير ذلك من مقامات معنوية خاصة منحها الله سبحانه لها و لهم بما لم يمنحه لأي أحد سواهم عليهم السلام. و هذا من المعاني العميقة التي قامت عليها الأدلة العقلية و النقلية التي بحثها علماء الحكمة والكلام في كتبهم الخاصة...

ولكن... لتقريب بعض هذا المعني إلي الأذهان سأقوم بنقل بعض الأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السلام -أمناء الله سبحانه علي سرِّه- و هي تتحدث عن فاطمة عليها السلام و مقاماتها الرفيعة كي نفهم بعض ذلك بقدرنا لا بقدرها...

ص: 12


1- الكوكب الدري، ج1، الشيخ محمد مهدي الحائري، ص120، طبعة النجف.

من خصائص فاطمة عليها السلام

اشارة

طبعاً... لا أريد أن أتحدث عن الزهراء عليها السلام و ما حوته -الصديقة الكبري عليها السلام- من الكمالات الهائلة التي لم يكن بإمكان أحد منّا أن يستوعبها أو يدرك بعضها إلّا من خلال ما قاله عنها أهل البيت عليهم السلام... و لكن اقتباساً من بعض كلماتهم عليهم السلام سأحاول أن أشير إلي بعض ما ذكروه عن مقامها و عظمتها و كمالاتها حسب فهمنا القاصر...

الحوراء الإنسية

ليست الزهراء «سلام الله عليها» بالمرأة العادية التي تعيش أيامها في المطبخ و أسواق الملابس و المحلي و غيرها من المواطن التي ألفتها المرأة العادية فألفت ثقافتها و عاشت بمستواها في الغالب.

بل كانت عليهم السلام فوق ذلك كله فهي إلي جانب إنسانيتها الرفيعة تحمل خصائص الملائكة و صفات الحور المترفعة عن الدنيا و شؤونها و اهتماماتها...

بل تفوق حتي الملائكة و الحور... ذلك لأن الملائكة و أخواتها ترفّعن عن الدنيا و لذائذها قهراً بمقتضي صنعها و جبلّتها الأولي التي لا تميل إلي الدنيا و رغائبها المادية...

بينما الزهراء «سلام الله عليها» و هي الإنسانة... تعيش كسائر الناس في الدنيا... بما فيها من لذائذ و مغريات... ولكنها تأبي إلاّ أن تتنزّه عن دناءة هذه الدنيا و تترفّع عن خسَّتها بالعلم و الإرادة و الاختيار...

فهي إنسانة جسداً و لكنها ملك و حوراء روح و نفساً و ضميراً...

ص: 13

فكانت بذلك إنسانة... وكانت حوراء فقال عنها أبوها صلي الله عليه و آله و سلم المتحدث بلسان الغيب: فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ. (1)

ومن هنا حملت «سلام الله عليها» صفات الحور العين و اتسمت بسماتها ... فكما أن الحور العين لاتطمث كانت هي أيضاً «سلام الله عليها» طاهرة من الطمث و قد وردت في مجاميعنا الروائية أخبار عديدة تدل علي ذلك:

ففي حديث روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله عن مصادر العامة يقول صلي الله عليه و آله: إِبْنَتِي فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءَ آدَمِيَّةٌ لَمْ تَحُضْ وَ لَمْ تَطْمَثْ.(2)

فكانت بذلك طاهرة مطهَّرة من كلِّ دنس مادي و معنوي و هذه ميزة فريدة امتازت بها مولاتنا عليها السلام علي بنات حوّاء.

البتول

و إظهاراً لهذا المقام الرفيع و المنزلة السامية التي امتازت بها علي سائر النساء و ردت الأخبار في تسميتها بالبتول... لتبتّلها عن الطمث كما روي القندوزي: وَ إنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام البَتُولُ لِأَنَّها تَبَتَّلَت مِنَ الحَيضِ وَالنِّفاسِ.(3)

و روي الكشفي الحنفي عن أم سلمة أنها سلام الله عليها: سُمِّيَتْ فاطِمَةُ عليها السلام بَتُولاً لِأنَّها تَبَتَّلَتْ و تَقَطعَتْ عَمَّا هُوَ مُعتاد الْعَوْرَاتِ في كُلِّ شَهْرٍ.(4)

و البتول كما في رواية الحاكم: الَّتي لَمْ تَرَ مَرَّةً قَطُّ أَيْ لَمْ تَحِضْ فَإِنَّ اَلْحَيْضَ مَكْرُوهٌ فِي بَنَاتِ اَلْأَنْبِيَاء.(5)

و لاغرابة في ذلك أبداً... إذ أن الله سبحانه جعل لمخلوقاته قوانين و سنناً هي عليهم السلام خاضعة لهذه القوانين لاتملك منها حيلة... و بهذه

ص: 14


1- ناسخ التواريخ، ج 3، ص 12، طبعة قم 1378 ه_.
2- راجع كنز العمال، ج 13، ص 94. و تاريخ بغداد، ج 13، ص 331 و غيرها من المصادر و هي كثيرة.
3- ينابيع المودة، ص 260 طبعة اسلامبول.
4- المناقب المرتضوية، ص119، طبعة بومباي.
5- راجع أرجح المطالب، و راجع كشف الغمة للأربلي، ج 2، ص 90، طبعة بيروت .

القوانين والسنن ينتظم نظام الكون ويسري نحو هداه و كماله...

فمثلاً: النار قانونها الإحراق و هو سنَّة الله سبحانه في النار.

و سنَّة الله في النبات أنه يبذر في مكان و زمان وفق ظروف طبيعية خاصة ملائمة ، فينمو و يكبر حتي يثمر...

و سنَّة الله في الشمس أنها تطلع في كل صباح و تغيب في كل مساء التعطي الحرارة و النور و نحو ذلك...

و الإنسان أيضاً لم يخرج عن هذه السنن و القوانين الكونية فطبيعته الجسمية و حالاته النفسية و الروحية أيضاً خاضعة لقوانين و سنن لا تشطّ عنها... إلّا إذا أراد الله سبحانه أن تتخلّف بعض هذه القوانين لمصالح خاصة و هذا ما أراده الله سبحانه لأوليائه...

حيث عكس فيهم «القانون» فجعل القوانين و السنن الطبيعية هي الخاضعة لهم و المحكومة بإرادتهم بإذنه تبارك و تعالي و ليس العكس و ذلك لحكم و مصالح خاصة و هو الذي يسميه علماء الكلام -بالمعجزات و الكرامات- في خرق قوانين الطبيعة.

فالنار التي قانونها الإحراق جعلها الله سبحانه و تعالي برداً و سلاماً علي وليّه إبراهيم الخليل عليه السلام.

و شجرة اليقطين التي تحتاج إلي زمان و ظروف خاصة لكي تزرع ثم تنمو و تكبر حتي تصبح شجرة حسب قوانين النبات و سننها الكونية جعلها الله سبحانه تنبت و تورق و تنتشر أغصانها الوارفة لوليِّه يونس عليه السلام في فترة لاتعد بالحسبان.

و قانون النطفة وتحوّلها إلي جنين في رحم طواه الأم الذي يستغرق ستة أشهر أو تسعة أشهر ليكتمل في أطواره وأدواره جعله الله سبحانه المريم ابنة عمران عليه السلام بتسع ساعات أو ست ساعات فقط بلا مسّ بشر.(1)

ص: 15


1- راجع مجمع البيان في تفسير سورة مريم.

و علي غرار هذا تصدر المعجزات في خرق قوانين الطبيعة عن أولياء الله سبحانه و بهذا ترتفع الغرابة عن إمكان نقاء الحوراء الإنسية عليها السلام من دم الحيض و النفاس...

فإنَّ الحيض الذي تراه المرأة عادة في كلّ شهر ما هو إلاّ دم فاسد تخزّن في جسم المرأة ليصبح فيما بعد غذاء للجنين في حالة الحمل، حتي إذا لم تنعقد نطفته نبذه الرحم إلي الخارج بواسطة الدورة الشهرية... لأنه إذا بقي في رحم المرأة يضرها و يسبب لها الأذي الروحي و البدني... كما بناكر ذلك الأطباء.

قال تعالي: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ اذي .(1)

ولكونه أذي... أسقط الله سبحانه عنها بعض التكاليف الشرعية و وضع لها بعض الأحكام الخاصة...

فالصلاة و الصيام ساقطة عنها أيام الدورة الشهرية مع ملاحظة أنَّ عليها قضاء الصيام فيما بعد و حرّم عليها اللبث في المساجد ودخول المسجد الحرام و النبوي و غير ذلك من الأحكام التي ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهية.

ومن الواضح أن أحكام الحيض تجري علي النفاس أيضاً «للحكم والأسباب نفسها»...

فالنساء بشكل عام خاضعات لهذا القانون التكويني محكومات بسننه... ولكن لا غرابة إذا تخلَّف هذا القانون في فاطمة عليها السلام بعد أن كانت حوراءَ أنسية وسيدة نساء العالمين عليها السلام و قدوتهنّ في الدين والدنيا كما أكدّت ذلك الروايات... و جعلتها من خصائصها الخاصة عليها السلام.

عن الحافظ السيوطي : ومِنْ خَصَائِصِ فَاطِمَةَ عليها السلام أَنَّهَا كَانَتْ لا تَحِيضُ وَكَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ طَهُرَتْ مِنْ نِفَاسِهَا بَعْدَ سَاعَةٍ حَتَّي لاَ تَفُوتَهَا صَلاَةٌ .(2)

ص: 16


1- سورة البقرة، الآية 222.
2- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص139.

عن أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام قال: حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَجِل علي عَلي اَلنِّسَاءِ مَا دَامَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام حَيَّةً -أَيْ عَلَي قِيدِ اَلْحَيَاةِ- قُلْتُ و َكَيْفَ ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لاَ تَحِيض. (1)

المنقطعة إلي ربّها

ومن هنا ذكر علماء اللغة أيضاً في وجه تسميتها بالبتول وجهاً آخر مستفاداً مما ورد في بعض الروايات... فقالوا:

إِنَّهَا سُمِّيَتْ بُتُولاً لانقطاعها عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلاً وَ دِيناً .

قال ابن منظور في لسان العرب: البتلِ: اَلْقَطْعُ... و َسئْلُ أَحْمَدُ بْنُ يحْيي عَنْ فَاطِمَةَ رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهَا بِنْتُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم: لِمَ قِيلَ لَهَا اَلْبَتُولُ؟ فَقَالَ: لاِنقِطَاعِهَا عَن نِساءِ أهْلِ زَمَانِهَا و نِساءِ الأُمَّةِ عِفافَةً وَ فَضلاً وَ ديناً وَحَسباً.(2) و مثل هذا قاله ابن الأثير في النهاية أيضاً.(3)

أقول: و من معاني البتول أيضاً: اَلاِنْقِطَاعُ عَنِ اَلدُّنْيَا إِلَي اَللَّهِ سبحانه و هذا المعني أيضاً جاء في بعض كتب اللغة و هو ما قيل عن فاطمة عليها السلام لانقطاعها عن الدنيا إلي الله عزّوجل.(4)

فإنّ التبتّل: الانقطاع عن الدنيا إلي الله تعالي و الإخلاص له سبحانه. فيقال للعابد «متبتّل» إذا ترك كلَّ شيء و أقبل علي العبادة لأنه قطع كل شيء إلا أمر الله و طاعته، قال تعالي: واذكُرِ اسمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إليهِ تَبْتِيلاَوُهُ.(5) أي أخلص له إخلاصاً.

و تعني الآية الشريفة: في ضمن ما تعنيه اذكر ربِّك بأسمائه «تعالي» التي إذا تعدت بالدعاء بها... تقطعك من كل ما سواه.

ص: 17


1- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص139.
2- راجع المصدر، ج11 ص43، طبعة بيروت.
3- راجع النهاية ج1 ص94، طبعة قم بإيران.
4- لسان العرب ج 11 ص 43 بتصرف.
5- سورة المزمل، آية 8.

و في مفردات الراغب الأصفهاني: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً أي انقطع في العبادة و إخلاص النية انقطاعاً يختص به.

و سميّت فاطمة الزهراء عليها السلام بالبتول لإنقطاعها إلي عبادة الله عزوجل فقد كان دأبها العبادة و الانقطاع إلي الله سبحانه.

روي عن مولانا جعفر بن محمد عليه السلام الي عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام عن فاطمة الصغري عن الحسين بن علي عليه السلام عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: رَأَيْتُ أُمِّي فاطِمة عليها السلام قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً و سَاجِدَةً حَتَّي انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبحِ و سَمِعَتُهَا تَدْعُو لِلمُؤمِنينَ و المُؤمِناتِ و تُسَمِّيهِمْ و تُكْثِرُ الدُّعاءَ لَهُمْ ولا تَدْعُو لِنَفسِها بِشَيءٍ... فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّاهْ لِمَ لاَ تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ اَلْجَارَ ثُمَّ الدَّار.(1)

و روي عن الحسن البصري: مَا كَانَ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَعْبَدُ مِنْ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَقُومُ حَتَّي تَوْمَ قَدَمَاهَا.(2)

و في البحار عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: مَتَي قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا جَلَّ جلاَلُهُ زهي نُورها لِمَلاَئِكَةِ اَلسَّمَاءِ كَمَا يَزْهُو نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الأَرْضِ و يَقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجلٌ لِمَلاَئِكَتِهِ:

يَا مَلاَئِكَتِي اُنْظُرُوا إِلَي أَمَتِي؛ فَاطِمَةَ عليها السلام سَيِّدَةِ إِمَائِي قَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي و قَدْ أَقْبَلَ بِقَلْبِهَا علَي عِبَادَتِي؛ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَمِنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ اَلنَّار. إلي آخر الحديث.(3)

و في كتاب «عدة الداعي» لصاحب الكرامات أحمد بن فهد الحلّي: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام اَلَّتِي تَنْهَجُ فِي اَلصَّلاَةِ مِنْ خِيفَةِ اَللَّهِ و النهج -بفتح النون و الهاء- تتابع النفس.(4)

ص: 18


1- كشف الغمة، ج 2، ص 94.
2- فاطمة من المهد إلي اللحد، ص258.
3- راجع المصدر نفسه، ص259.
4- المصدر نفسه .

و لهذه المزايا و الخصوصيات صارت «سلام الله عليها» محل العناية الإلهية...

فأحبها الله سبحانه... و أحبّها رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم... و لأنها كانت خالية من نواقص البشر و دناءاتهم فلا تحب إلاّ بميزان و لاتبغض إلاّ بميزان ، صارت معيار حبهما و بغضهما... فإذا أحبَّت شيئاً أحبه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و إذا أبغضت شيئاً أبغضه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم. حتي قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام:

إِنَّ اللَّهَ يَغضَبُ لِغَضَبٍك وَ يَرْضَي لِرِضاك .(1)

إنَّ اللَّهَ عَزَّوَجِل يَغضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ و َيَرضي لِرِضَاها.(2)

و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أَيضاً:

فَاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا فَقَدْ أَغْضَبَنِي.(3)

و قال أَيضاً :

فاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنّي يُؤْذِينِي مَنْ آذَاهَا ويَسُرُّنِي مَا أسَرَّهَا.(4)

ومن الواضح أن حبّ الله سبحانه و حبّ رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و ليس كحبّنا نحن -البشر- يتحرك للعاطفة و يتفاقم لفرطها فنرضي لرضا المحبوب و نغضب لغضبه بلا موازين... لأننا قد نحب و نبغض بلا معرفة أو وعي الجوهر المحبوب و حقيقته و ربما أحببنا ما لا يليق بالحب استسلاماً للعواطف... و ربما أبغضنا من هو جدير بالحب، استسلاماً للعواطف أيضاً.

ص: 19


1- و قد روي الحديثين طائفة من أقطاب العامة : راجع: مستدرك الصحيحين للنيسابوري، ج3، ص153، طبعة حيدر آباد لعام، 1324 و وصفه أنه حديث صحيح الإسناد. و أسد الغابة الابن الأثير، ج5، ص522، طبعة مصر لعام، 1285. و الإصابة لابن حجر، ج8، ص109. و كنز العمال للمتقي الهندي، ج6، ص219. و ميزان الاعتدال للذهبي، ج2، ص72 و غيرها من المصادر.
2- و قد روي الحديثين طائفة من أقطاب العامة: راجع: مستدرك الصحيحين للنيسابوري، ج3، ص153، طبعة حيدر آباد لعام، 1324 و وصفه أنه حديث صحيح الإسناد. و أسد الغابة الابن الأثير، ج5، ص522، طبعة مصر لعام، 1285. و الإصابة لابن حجر، ج8، ص109. و كنز العمال للمتقي الهندي، ج6، ص219. و ميزان الاعتدال للذهبي، ج2، ص72 و غيرها من المصادر.
3- ينابيع المودة، ص171. و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص198 و صحيح الترمذي، ج2 ص319.
4- ينابيع المودة، ص 171. و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص198 و صحيح الترمذي، ج2 ص319.

أما حب الله «سبحانه» و حب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فهو يرجع إلي المعرفة بما للمحبوب من المواهب و الخصوصيات التي يستحق بها كل هذا الحب... و بغضهما أيضاً خاضع (للقانون نفسه).

ومن هنا أيضاً: صار حبها و بغضها عليها السلام ميزاناً للإيمان و الكفر... و معياراً لتمييز الحق من الباطل...

فاطمة عليها السلام قطب البيت

في بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي سلام الله عليه... لا توجد امرأة أشرف و لاأعظم من فاطمة عليها السلام... بل علي وجه الأرض أبداً. بعد أن جعل الله سبحانه فاطمة عليها السلام أمّاً لأبيها و اختار لها علياً زوجاً و اختارها له زوجة...

قال مولانا الصادق عليه السلام: لَوْلاَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالي خَلَقَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيّاً عليه السلام مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَي ظَهْرِ اَلْأَرْضِ مِنْ آدَمَ فَمَا دُونَهُ.(1)

و في خبر ابن مسعود عن النبي، قال: إِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالي أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ فَاطِمَةَ عليها السلام مِنْ عَلِيٍ عليه السلام.(2)

و لهذا كان بينهم مدرسة... في كل ما للحياة من معني و حاجة...

و هذا لا يجري في مقياس الجسد و مظاهره فقط و إن كانوا بمقاييسه أيضاً هم الأفضل و الأكمل إلاّ أن العناية الكبري منصرفة إلي الروح والمعني.

و لعّلك تجد إشارة أخري في كلمات رسول الله صلي الله عليه و آله تسوق أنظار المسلمين إلي هذا البيت الطاهر... تدعوهم إلي التزكية و التربية و التعلم... من أهل هذا البيت عليهم السلام.

و أيضاً... في حديث المباهلة -بقصّته المفصَّلة و دلالاته القوية المتينة -قد لا نجد تصويراً أكبر لسموّ فضلهم و رفيع مكانتهم و عظيم منزلتهم في هذا القول الشريف: لَو عَلِمَ اللَّهُ أنَّ في الأَرضِ أكرَمَ مِن عَلِيٍ و فَاطِمَةَ و الْحَسَنُ و الْحُسَيْنُ عليهم السلام لَأَمَرَنِي أَنْ أُبَاهِلَ بِهِم.(3)

ص: 20


1- راجع ينابيع المودة، ص179.
2- الصواعق المحرقة، ص107.
3- راجع تفسير العياشي و مجمع البيان و البرهان و الصافي في تفسير آية المباهلة.

و هذا التعبير بدلالاته القوية ينشيء في نفوسنا صوراً شتي للقيم و الفضائل تكشف عن مقاماتهم الرفيعة في العالم الروحاني... و هذا هو الشرف العظيم الذي تخشع له القلوب والضمائر .

و بهذا يتوصّل الإنسان مهما أوتي من فهم... أن عقله لا يتصوّر مثالية و لا عبقرية أرفع من مثاليتهم و عبقريتهم.

فهم الأكملون في مقاييس الفضل و السبق و معايير الشرف و الإيمان بل من أي النواحي أتيتهم تجدهم المُكَمَّلين المقرّبين...

ففي حياة علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و في حياة ولديهما عليهم السلام إلتقت و شائج الفضائل و المثل العليا مذ تفتّحت أكمام حياتهم و عرفوا هذا الوجود .

و إذا نظرنا إليهم من البداية إلي النهاية لرأيناهم يتقلَّبون بين أحضان الفضيلة و قد أسدلت عليهم بُردها تلفّهم من الفرع إلي القدم فلا يساويهم في سموّهم أحد و لا يدانيهم مخلوق.

و لا جرم إن كانوا كذلك وقد تربّوا في البيت الذي خرجت منه الدعوة إلي الإسلام و كفلهم صاحب الدعوة الإسلامية... ربيب الوحي ومختار الله وحبيبه صلي الله عليه و آله و سلم.

وليس عجباً بعد هذا إن كان في كل ناحية من نواحي حياتهم ملتقي للفضائل... فإن لهذه التربية أثراً فعّالاً في صبغهم بالصبغة المثالية و توجيههم إلي الفضيلة و الكمال.

حقاً... لقد كان كل واحد منهم بحكم التربية و بحكم الوراثة معجزة خالدة انفصلت من جسم رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم لتكون معجزة في صميم الحياة.

و إن حياة كل واحد منهم تتصل بحياة رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم و وجوده الكامل يتصل بوجوده صلي الله عليه و اله وسلم المثالي و فضائله تتصل بفضائله من الساعة الأولي التي انفصلوا فيها من وجود واستقروا في وجود آخر.

إن عرضاً موجزاً لحياتهم كفيلٌ بأن يرينا أنه بعد النبّوة لا نجد فواصل أخري بين كمال وجوده صلي الله عليه و اله وسلم و كمال وجودهم وأنَّ الله تعالي أعدَّهم للإنسانية في أعلي مثالية كما أعد رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم من قبل.

ص: 21

والحق... أنهم المعجزة الخالدة التي كشف الزمن عنها فجاؤوا في وسط المعترك الهائج و ليسوا منه و جاؤوا بين طرفي الزمن و ليسوا من الزمن و إنما هم إشعاعة من نور الله سبحانه أفاضه علي هذا الوجود و علي هذه الإنسانية المعذَّبة يشقّ الطريق ليهديها في كل أجيالها إلي الخير و السعادة و إلي المثل العليا من الكمالات النفسية... و من هنا جعلهم قدوة لنا و للبشرية أجمع.(1)

و بهذا يتجلّي لنا الإنسان الذي يسمو في كفة الميزان في معادلات التقييم... فالراجح هو الذي تحفُّ بشخصه أعلي القيم و أقدسها و ذلك باكتساب أمثل الصفات و أزكاها و التي هي الأخري تجعله فريداً وحيداً في السمات و الخصوصيات و بالتالي ينال مقام القرب من الله سبحانه فتكون إنسانيته أكمل و منزلته أعلي و أرفع و بذا ينال درجات الولاية و يرقي عن مستوي السنن و القوانين الطبيعية للكون و الحياة. فيصبح حبّه حبّ الله سبحانه و بغضه بغض الله أيضاً... و هذا ما تجده... في بيت علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام...

فعلي عليه السلام: في كل ناحية من نواحي الإنسانية ملتقي بسيرته.(2)

و قد ورث بحكم مولده و مرباه مناقب النبّوة و مواهب الرسالة و بلاغة الوحي و صراحة المؤمن.(3)

و قد تجمّعت فيه أخلاق محمد صلي الله عليه و اله وسلم و محمد صلي الله عليه و اله وسلم إنسان تجمعت في إنسانيته صفات روحية جعلته أفضل مخلوق و أشرف مخلوق و فوق كل مخلوق.(4)

من سمات علي عليه السلام

فعلي عليه السلام تالي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ... و فرعان لشجرة واحدة هذا للنبّوة و هذا للإمامة لم يعرف الإسلام قط أصدق إسلاماً ولا أشدّ إيماناً منه.

ص: 22


1- المباهلة عبد الله السبتي، ص1-2 بتصرف.
2- عبقرية الإمام علي عليه السلام للعقاد نقلاً عن المباهلة للسبتي.
3- تاريخ الآداب العربية للزّيات نقلاً عن المصدر نفسه .
4- المباهلة للسبتي، ص72 - 73.

و لم يملأ الإيمان أعماق قلب مسلم قط كما ملأ قلبه عليه السلام فكان يؤثر الآخرة علي الأولي و يعمل لإرضاء ربه و إرضاء نبيّه و إرضاء شعبه ...

وصفه ضرار أمام معاوية -ألد أعدائه- فأجاد الوصف و أذعن معاوية إلي الحق الدامغ و قال:

كَانَ وَ اللَّهُ بَعِيدَ اَلْمَدْي شَدِيدَ اَلْقُوَي يَقُولُ فَصّلاً وَ يْحَكُمْ عدلاً يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِن جَوَانِبِهِ و تَنْطِقُ الحِكْمَةُ مِن لِسانِهِ يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنيا و زَهْرَتِهَا و يَأْنَسُ بِاللَّيْلِ و وَحْشَتِهِ وَ كانَ غَزِيرَ الدَّمعَةِ طَويلَ الفِكْرَةِ يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ و مِنَ الطَّعَامِ ما جَشِبَ و َكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِنْ سَأَلْنَاهُ و يَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ و نَحْنُ و اللَّهِ مَعَ قُرْبِنَا مِنهُ و قُرْبِهِ مِنَّا لا نَكادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ و يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ لا يَطْمَعُ القَوِيُّ في باطِلِهِ وَ لا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِن عَدْلِهِ وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ و قَدْ أَرْخَيَ اللَّيْلُ سُدُولَهُ و غَارَتْ نُجُومُهُ قَابِضَاً عَلَي لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَ يَبكي بُكاءَ الْحَزِينِ وَ هُوَ يَقُولُ : إِلَيْكَ عَنّي يا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي أَلِيّ تَعَرَّضْتِ أم إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَإِنِّي قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثَاً لا رَجْعَةَ لِي فِيكِ فَعُمُرُكِ قَصِيرٌ و خَطَرُكِ كَبِيرٌ وَ عَيْشُك حَقِيرٌ... ثُمَّ قالَ عليه السلام آوِ آه مِن قِلَّةِ الزَّادِ و بُعْدِ السَّفَرِ و وَحْشَةِ الطَّرِيقِ ثُمَّ بَكَي ضِرَارَ و بَكَي مُعَاوِيَةَ وَ قَالَ: رَحِمَ اَللَّه أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام كَانَ وَ اللَّهِ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ قَالَ حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حَجْرِهَا فَهِيَ لاَ تَرْقَي لَهَا دَمْعَةٌ وَلاَ تَسْكُنُ لَهَا زَفْرَة.(1)

هذا هو علي في كفّة الميزان... فهل يرجح عليه أحد أم هل يساويه أحد في صحبه أو صحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟

و حسبه فضلاً... أن يكون مع القرآن و القرآن معه... و أن يكون مع الحق و الحق معه يدور معه كيفما دار هذا في الدنيا و في الآخرة فهو عنوان صحيفة المؤمن.(2)

و أما فاطمة عليها السلام

كفؤ علي عليه السلام... ولولاها «سلام الله عليها»، لما كان كفؤٌ له «سلام الله

ص: 23


1- المجالس السنية، ج 3، ص 104 .
2- في كل هذه المعاني جاءت الروايات و قد ذكرها العلامة المجلسي في البحار فراجع.

عليها» و لولاه عليه السلام لما كان كفؤ لها... و حسبنا دلالة علي سمو الشرف و عظم المنزلة أنها كفؤ علي عليه السلام...

قال الشاعر:

المصطفاه اصطفاه الله بارئها *** وما ارتضاه لغير المرتضي الارب

لو لم يكن لم يكن كفوا لها أحد *** و تلك كفوله في الفضل والحسب(1)

و حسبها أن تكون مختارة الله سبحانه ليباهل بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نصاري نجران... و من أجل هذا الاختيار نفهم التفضيل المطلق علي سائر النساء بدون مشاركة لأن العقل لا يفهم الاختيار مع التساوي في الفضيلة و المشاركة في الكمال و إلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح و هو مستحيل علي الحكيم... فلا بدّ إذن من أفضلية و أكملية ليقع الاختيار صحيحاً طبق العقل.

و إذا كانت «سلام الله عليها» قد اختارها الله سبحانه مع من اختار فما ذلك إلاّ من سموّ القدس و غلبة الروحانية في الإنسانية الطاهرة المهذَّبة و إذا غلبت الروحانيّة فقد تكاملت المثل العليا في النسوية العالمية.

و علي قدر نشأة النواميس الروحيّة في النفس البشرية تسمو الإنسانية و ترتفع إلي منزلتها السامية التي أعدّت لها في المكان الأرفع.

و حيث تجمّعت القوي الروحيّة و النواميس القدسية في هذا الملاك النسوي الطاهر فقد تهيّأت النفس للمثل العليا و خرقت المألوف و المعتاد في اطّرادها البشري حتي تستحيل إلي معجزة في كمال الوجود و كمال الفضيلة.(2)

و لهذا كانت فاطمة سلام الله عليها... أم النبوة و الإمامة بعد أن تجمّعت في كيانها النسوي فضائل روحية و كمالات نفسية رفعتها في الإنسانية إلي أرقي الدرجات التي يمكن أن ترتفع إليها إمرأة... فكانت

ص: 24


1- الكوكب الدري، ج1، المازنداني الحائري، ص153 طبعة النجف.
2- المباهلة للسبتي، ص 76 بتصرف .

صورة فريدة للكمال الإنساني في جانبه النسوي و مدرسة إنسانية كاملة تجمّعت في شخصها كل معاني العظمة و الفضيلة و الشرف و الكمال بل سمت في كل مجال...

فكانت خير بنت لأبيها...

و خير زوجة لزوجها...

و خير أم لبنيها...

و خير قدوة لأمثالها...

و من أجل ذلك كلّه... و أكثر... كانت جديرة بأن تمثّل القمة في مستوي الكمال البشري في بُعده النسوي... و من أجل ذلك أيضاً صارت سيّدة نساء العالمين كما وصفها المتحدث بلسان الغيب صلي الله عليه و آله و سلم.(1)

قالت عائشة و هي تزفّ فاطمة سلام الله عليها إلي علي عليه السلام مع سائر نساء النبي و نساء المهاجرين و الأنصار ليلة العرس:

يا نسوةُ استترنَ بالمعاجر *** و اذكرنَ ما يَحسُنُ في المَحاضرِ

و اذكرنَ ربَّ الناس إذ يخصُّنَا *** بدينه مع كلّ عبد شاكر

و الحمدلله علي أفضاله *** و الشكرُلله العزيز القادر

سرنَ بها و الله أعلي ذكرها *** و خصّها منه بطهرٍ طاهر

و أخذت حفصة تنشد في مدحها أيضاً في نفس الليلة و المناسبة :

فاطمة خيرُ نساءِ البشر *** و مَن لها وجهٌ كوَجهِ القمر

فضّلك اللهُ علي كلِّ الوري *** بفضلِ مَن خُصَّ باي الزُمر

زوجك الله فتّي فاضلاً *** أعني علياً خيرَ مَن في الحَضر

فَسرنَ جاراتي بها إنّها *** كريمةٌ بنتُ عظيم الخطر (2)

ص: 25


1- روي ابن سعد في الطبقات الكبري، ج8، ص28 طبعة بيروت: حديثا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين»... و قد روي الحديث طائفة أخري من أعلام العامة أيضاً.
2- فاطمة من المهد إلي اللحد للقزويني، ص 196.

في مدرسة علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام

تمَّ الزواج المبارك بين أعظم غصنين لأعظم رسالة هبطت علي الأرض...

فماذا كان الصداق؟ هل الكثير من الأموال... و أنواع الملابس... و الأطعمة و الأشربة؟... كلاّ... و لا القصر العاجي و لا هذا و لا ذاك... أبداً... وحُقَّ له أن يكون هكذا... لأن الذي سمت فيه الروحانية... و تجلّي فيه القدس و الطهارة و عذوبة القيم... يأبي أن يعيش في حضيض المادة و دناءتها التي تخدع و لا تخصب، يأبي أن تصفّده الدنيا التي تغرّ و تضر و تمر بأصفادها فتحدّ من سموّه و رفعته... الذي سمي فيه المعني يأبي إلاّ أن يعيش المعني أيضاً و يتعامل مع الحياة هكذا أيضاً.

أعود وأسأل ماذا كان الصداق؟ كان الصداق درعاً حطمية... شاركت الإمام في جهاده في سبيل الله سبحانه وصدّت عنه سيوف الأعداء و رماحهم المغموسة بالكفر و النفاق و العداوة للدين... هذه الدرع التي حمت الإمام في أشد المواقف و أصعبها لتحفظه من المكاره و الآلام هي الأخري ... صارت مهراً لفاطمة عليها السلام.

هذه الدرع باعها علي عليه السلام بأربعمائة و ثمانين درهماً و أتي بالمبلغ و وضعه بين يدي النبي صلي الله عليه و آله... وزَّع النبي المال علي النحو التالي:

160 درهماً لشراء العطور و كلَّف بلالاً بشرائها.

160 درهماً لشراء الثياب.

66 درهماً لمتاع البيت.

96 درهماً دفعها إلي أمّ سلمة لتبقيه لديها.

و قد اختار هيئة من الصحابة لشراء الثياب و المتاع كان منهم أبوبكر و عمار بن ياسر فاشتروا جهاز العرس و هو كالتالي: (1)

1- قميص بسبعة دراهم !

ص: 26


1- أخذنا التفاصيل عن كتاب فاطمة أم أبيها للسيد فاضل الميلاني، ص 55 - 57.

2- خمار بأربعة دراهم!

3- قطيفة سوداء خيبرية!

4 - سرير ملفوف بشريط من الخوص!

5- فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم!

6- أربع مرافق (مُتكَات) من أدم الطائف حشوها «إذخر» و هو نبات طيِّب الرائحة.

7- ستر رقيق من الصوف!

8- حصير هجري!

9- رحي يد.

10 - مخضب من نحاس لغسل الثياب !

11 - قربة صغيرة !

12 ۔ قدح من خشب !

13- قرية صغيرة لتبريد الماء !

14- مطهرة «إناء مزفّت» !

15- جرَّة خضراء!

16- أكواز من خزف!

17- بساط من الجلد!

18- عباءة قطوانية!

هذا هو الجهاز... فحملته الهيئة إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وضعته أمامه فجعل صلي الله عليه و آله و سلم يقلّبه بيده و يقول: (بَارَكَ اَللَّهُ لِأَهْلِ اَلْبَيْتِ؛(1) اَللَّهُمَّ بَارِكْ لِقَوْمٍ جُلُّ آنِيَتِهِمُ الخزف .(2)

ص: 27


1- بيت الأحزان للشيخ عباس القمي، ص17.
2- الإمام علي رجل الإسلام المخلّد. عبد المجيد لطفي، ص60.

أما الإمام عليه السلام فماذا كان إعداده لبيت الزوجية؟ كان كما يلي:

- فرش حجرة النوم بالرمل الناعم.

- نصبَ خشبة من حائط إلي حائط.

- إهاب كبش و مخدّة ليف وضعها علي الأرض.

- منشفة علّقها علي الحائط.

- وضع علي الأرض قربة ماء و منخلا لنخل الدقيق.(1)

هذا هو جهاز الزوجية لأطهر بيت عرفته الإنسانية علي طول التاريخ أنجب لها طاهراً بعد طاهر يربّون أجيالها علي القدس و الطهارة.

و هذه هي الصورة المثلي لواقعية الإسلام... و مناهجه السهلة السمحة في التعامل مع الحياة و التخفيف عن كاهل الأزواج بالنسبة للمهور و الإعداد لتكوين الأسرة السعيدة ... و هو الحل الحاسم لكثير من المشاكل الروحية و الجنسية التي يضج بها العالم المتمدّن اليوم.

فأين مجتمعنا الإسلامي اليوم من هذا؟

فاطمة عليها السلام لا في بيتها

و بعد ذلك كلّه... فهي عليها السلام غير علي عظمتها و علّو منزلتها و سموّ درجتها عاشت في بيتها مع زوجها و أولادها كأيّ امرأة أخري... لتكون أسوة و قدوة لأجيال النساء... تعال لنسمع ما يقوله علي عليه السلام عنها و هو الأعرف بها في البيت...

قال علي عليه السلام لرجل من بني سعد: ألا أحدّثك عنّي و عن فاطمة عليها السلام؟

إنّها كانت عندي و كانت من أحبّ أهل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم...

- و إنّها استقت بالقِربة حتي أثَّر في صدرها.

- و طحنت بالرحي حتي مجلت -يداها ثخن جلدها-.

- و كسحت البيت حتي اغبرَّت ثيابها.

ص: 28


1- الإمام علي رجل الإسلام المخلّد. عبد المجيد لطفي، ص60.

- و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت -اغبرّت و اتّسخت- ثيابها.

فأصابها من ذلك ضرر شديد... فقلت لها:

لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل،

فأتت النبي صلي الله عليه و آله و سلم فوجدت عنده حُداثاً -جماعة يتحدثون- فاستحت فانصرفت.

قال: فعلم النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنّها جاءت لحاجة...

قال: فغدا علينا و نحن في لفاعنا -لحاف- فقال:

السلام عليكم، فسكتنا (1) و استحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم فسكتنا. ثم قال: السلام عليكم... فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف و قد كان يفعل ذلك ثلاثاً فإن أذن له و إلا انصرف...

فقلت: و عليك السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ادخل .

فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال:

يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟

قال: فخشيت إن لم تجبه أن يقوم... قال:

فأخرجت رأسي فقلت: أنا -و الله- أخبرك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!

إنها استقت بالقربة حتي أثّر في صدرها وجرّت بالرحي حتي مجلت يداها و كسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت ثيابها فقلت لها:

لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنتِ فيه من العمل.

فقال صلي الله عليه و آله و سلم:

أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟

ص: 29


1- الظاهر أن السلام إذا كان للاستئذان لا يجب ردّه و الله العالم . راجع فاطمة من المهد إلي اللحد للقزويني، ص 261.

إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين... و احمداً ثلاثاً و ثلاثين... و كبّرا أربعاً و ثلاثين.

قال: فأخرجت عليها السلام رأسها فقالت:

رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.(1)

فلزمت «صلوات الله عليها» هذا التسبيح بعد كل صلاة و نسب إليها هذا التسبيح فيقال: تسبيح فاطمة عليها السلام.

و عن قرب الإسناد عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:

يَا أَبَا هَارُونَ إِنَّا نَأْمُرُ صبيانَنا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ عَلَيها السلام كَما نَأمُرُهُم بِالصَّلاةِ فَالْزَمْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ . (2)

و في مجمع البيان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ عليها السلام لاَ فَقَدْ ذَكَرَ اَللَّهَ ذِكْراً كَثِيرَاً.(3)

و الروايات في فضل تسبيح فاطمة «سلام الله عليها» كثيرة و مختلفة في كيفيتها و في بعضها... التكبير ثم التحميد ثم التسبيح... و هو الأشهر و الأقوي عند فقهائنا الأعاظم.

عطاء و إيثار

و قد اتضح مما تقدم... أن مولاتنا الصديقة سلام الله عليها مع جلالة قدرها و عظم شأنها و شرف نسبها كانت تقوم بأعمال البيت و تدير أموره بنفسها و كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و هو الصديق الأكبر سلام الله عليه يعينها علي ذلك أيضاً ففي جامع الأخبار عن علي عليه السلام قال:

دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ و سَلَّمَ وَ فَاطِمَةُ عليها السَّلاَم جَالِسَةٌ عِنْدَ اَلْقِدْرِ وَ أَنَا أُنَقِّي اَلْعَدَس

ص: 30


1- راجع المصدر ص 260 - 265 و قد نقلنا الرواية مع بعض التوضيح.
2- المصدر نفسه.
3- راجع ج 8 تفسير الآية و راجع المصدر السابق.

قَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله. قَال: اِسْمَعْ مِنِّي و مَا أَقُولُ إِلاَّ مِن أَمْرِ رَبِّي مَا مِن رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعرَةٍ عَلي بَدَنِهِ عِبادَةُ سَنَةٍ صِيامٍ نَهَارُها و قِيامٍ لَيْلُها... إلي آخر الحديث.(1)

وهكذا... نري في بيت فاطمة عليها السلام، أروع صور التعاون و المحبة و المواساة، و البساطة في العيش، كما نري البيت، المدرسة...

فمع أنها بنت النبي عليها السلام و وعاء رضا الله سبحانه و غضبه، فقد بدأت تمارس وظائف البيت من أول يوم حلت زوجة فيه و دأبت علي ذلك أياماً طوالاً حتي وهبها الله الحسن والحسين عليهم السلام.

لكن مسؤولية البيت و مسؤولية الزوج و مسؤولية الأولاد... و إضافة إلي مسؤولية المجتمع و نشر الأحكام و تعليم النساء الدين و الأخلاق... صباح مساء، كل ذلك جعلها ترجو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في استئجار خادمة لها تعينها في بعض شؤون المنزل...

فأنفذ لها جارية للخدمة سماها «فضّة»... و لما حصلت علي خادمة لم تخلد إلي الراحة أبداً بل و زّعت الوظيفة و جعلت يوماً لها و يوماً لخادمتها في إدارة شؤون البيت. فيا لروعة الإسلام و عظمة الإنسانية فيه...

ابنة رسول الله عليها السلام... المرأة الأولي في الإسلام و الزوج القمة... تأبي أن تترك العمل إلي الخادمة... و تأبي أن تكون السيّدة التي لا تهمها شؤون الزوج و الأولاد... دون أن تسهر عليها... و تتفاني في سبيلها...

إنّها بذلك... جسَّدت أروع الصور للزوجة الحريصة... و الأم المسؤولة... و في الوقت نفسه المواسية لمن هو دونها في المقام و الشرف. و لهذا كانت أجواء البيت نقيّة هادئة تزيّنها العواطف و يحكمها الحب و التفاهم و يعيش في أكنافها الوئام ففي البحار عن المناقب قال علي عليه السلام:

فَوَاللَّهِ مَا أَغْضَبْتُهَا وَ لاَ أَكْرَهْتُهَا عَلَي أَمْرٍ حَتَّي قَبَضَهَا الله عزّوجل

ص: 31


1- المصدر نفسه.

ولا أَغْضَبْتَنِي ولا عَصَتْ لِي أَمراً لَقَد كُنتُ أَنظُرُ إلَيْهَا فَتَنْكَشِفُ عَنِّي الهُمُومُ وَالأَحْزانُ .(1)

وفي تفسير العياشي عن مولانا الباقر عليه السلام:

إِنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ ضَمِنَتْ لِعَلِيٍ عليهِ السَّلامُ عَمَلَ الْبَيْتِ و الْعَجِينَ وَ الْخُبْزَ و قُمَّ الْبَيْتَ و ضَمِنَ لَهَا عَلِيٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ما كانَ خَلفَ البابِ: ثِقَلُ الحَطَبِ و أن يَجيءَ بِالطَّعامِ.(2)

وفي هذه القصة التي رواها الأربلي في «كشف الغمة» من الدلالات ما يغنينا عن مزيد من البيان لأخلاق فاطمة عليها السلام و أسلوبها في التعامل داخل البيت... و من هذا نعرف مستوي السمو في المرأة و كيف تصبح المرأة مدرسة . قال : أصبح علي عليه السلام ذات يوم فقال:

يَا فَاطِمَةُ عليها السلام عِنْدَكِ شَيْءٌ تُغَذِّينِيهِ ؟

قَالَتْ لا وَالَّذي أكرَمَ أبِي بِالنُّبُوَّةِ و أكْرَمَك بِالوَصِيَّةِ ما أصبَحَ الْيَوْمَ عِنْدِي شَيْءٌ أُغَذِّيكَاهُ و مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مُنْذُ يَوْمَيْنِ إِلآ شَيْءٍ كُنْتُ أُوثِرُكَ بِهِ عَلَي نَفْسِي و عَلَي ابْنَيَّ هَذَيْنِ حَسَنٍ وَحُسَينٍ عليهم السلام.

فَقَالَ عَلِيٌ عليه السلام: يَا فَاطِمَةُ عليها السلام أَلا كُنْتِ أعلمتني فَأَبْغِيكُمْ شَيْئاً ؟

فَقَالَتْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ إِلَهِي أَنْ تُكَلِّفَ نَفْسَكَ مَا لاَ تَقْدِرْ عَلَيْهِ.(3)

وفي هذا خير عبرة... و نموذج لنسائنا اليوم!!

هذا غيض من فيض من سيرة الصديقة الكبري عليها السلام... و تعاملها مع الحياة...

و أما عن علومها و بلاغتها و جهادها و صبرها... و سائر ما جمعه لنا التاريخ عنها من فضائل و خصوصيات فلا يسع لها هذا المجال... فراجع في ذلك كتب الروايات و التاريخ .

ص: 32


1- راجع المصدر، ص 212 - 213.
2- راجع المصدر ص212 - 213.
3- كشف الغمة، ج2، ص95 و الحديث طويل إكتفينا بنقل محل الشاهد.

فاطمة عليها السلام محور الكمال

الاشارة

في حديث الكساء جعلها ربها «سبحانه وتعالي» محورا للمعصومين سلام الله عليهم تدور عليه أفلاك النبوة و الإمامة... و ذلك عندما قال الأمين جبرئيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال عزّوجل : هم أهل بيت النبّوة و موضع الرسالة... هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها.

فقد جعلها «سبحانه» المحور في تعريفهم و الإشارة إليهم فهي مركزهم و قطب رحاهم أجمعين عليهم الصلاة و السلام.

ولعل السرّ في ذلك يكمن في وجوه منها:

أولا: إنَّ الملائكة كانوا قد عرفوا فاطمة حين كانوا في الظلمة ثم ببركة نور فاطمة رأوا النور.

و لعلّ في حديث جابر الذي نقله عن مولانا الصادق عليه السلام المتقدم إشارة إلي هذا المعني .

ثانياً: أو لعلّ السرّ هو نفس مفاد الحديث القدسي المتقدم:

لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ الْأَفْلاكَ وَ لَولا فَاطِمَةُ عليها السلام لَمَّا خَلَقْتُكُمَا .(1)

بلحاظ أنَّها عليها السلام غاية الغايات كما تقدم.

ثالثاً: وربّما يكون السرّ ما ورد في الحديث الشريف عن مولانا الصادق عليه السلام: هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكُبري عليها السلام وَعَلي مَعرِفَتِها دَارَتِ اَلْقُرُونُ اَلْأُولَي.(2)

ص: 33


1- عوالم العلوم، ج11، باب3، ح1، ص29 الطبعة الثانية .
2- أمالي الطوسي، ج2، ص280 طبعة قم و راجع البحار، ج43، ص105. حديث19 طبعة بيروت.

و الصديق علي وزن فعّيل للمبالغة و هو المداوم علي التصديق بما يوجب الحق و في الخبر: فَاطِمَةُ عليها السلام صِدِّيقَةً و لَمْ يَكُنْ بَعْلُهَا إِلاَّ صِدِيقَةٌ وَ مَريَمَ عليها السلام كانَت صِدِّيقَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَي: «وَ أُمُّهُ صِدِيقَةٌ»(1) إِلاَّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكبْري.(2)

و قد قرَّر الله سبحانه لنظام الكون محاور و أقطاباً و سيَّر المخلوقات بحركة دورانية حول القطب فكل مجموعة منها تدور حول قطبها و محورها بمعني أنَّها ترجع إلي حيث ابتدأت في مسيرها الأول...

و هذه الحركة لا تختص بأجزاء الكون الصغيرة دون الكبيرة و لا العكس... كلاَّ... فإنَّ نظام الكون و حركته ابتداءً من الذرّة إلي المجرّة كلها متشابهة المسير و الحركة متطابقة النظام مما يدلّل علي وحدة الخالق و حكمته...

فالذرّة نواتها قطب رحاها و تدور حول القطب الالكترونات التي تحمل الشحنات السالبة بأعدادها الخاصة و مداراتها الخاصة و بسرعة خاصة و نظام خاص أيضاً كما ثبت في علم الذرّة.

و كذلك نظام الأفلاك يجري علي القانون و النظام نفسه... فالشمس و القمر و الكواكب يدور كل واحد منها حركة دورية حول القطب...

و هكذا ماء البحار تبخّره الشمس نهاراً فيصعد إلي السماء ثم ينزل منها إلي البحار ثانية بشكل أمطار... و هكذا سائر المخلوقات من الأشجار و الحيوانات تبتديء من الأرض و تنتهي إلي الأرض بما فيها الإنسان أشرف مخلوقات الله سبحانه.

و قد أشار القرآن الحكيم إلي هذه الحقيقة في الخلق فقال: وَاللَّهِ أَنْبَتَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ نَبَاتَاً.(3)

فالإنسان نبات ينبت في الأرض القريبة بلحاظ نطفة الأب التي تنشأ من الأرض و ثمارها.

ص: 34


1- سورة المائدة، آية: 75.
2- الكوكب الدري للمازنداني الحائري، ص 127.
3- سورة نوح، الآية : 17.

أو الأرض الأبعد بلحاظ رحم الأم. لأن النطفة تنبت في رحم الأم و بمجاز الأوّل ترجع إلي الأرض لأن رحم الأم خلق هو الآخر من الأرض.

و علي أيِّ حال... ينبت الإنسان نباتاً في الأرض فإذا مات عاد ثانية إلي الأرض و مِنها خَلَقْناكُم و َفيها نُعِيدُكُم .(1)

و هكذا الأمر في المعنويات أيضاً. فعندما نقول إنهم عليهم السلام محور الكون بمعني أنهم سبب إضافته.

و لذلك صاروا قطب رحي الوجود و عليهم تدور القرون و فاطمة سلام الله عليها هي محور هذا القطب العظيم. وَ عَلَي مَعْرِفَتِها دارَتِ القُرونُ الأولَي.(2)

هذا بالنسبة للكون بشكل مطلق و أما بالنسبة للبسر بشكل خاص فإنهم ليسوا فقط محور خلقه و وجوده بل هم أيضاً محور هداه و كماله...

فكلّ مجالات البشر للوصول إلي الكمال، لتدور حول قطب كمالهم عليهم الصلاة و السلام و تقتبس منه ما تقدر.

و هذا ليس بالأمر المستحيل و ذلك لأن الله سبحانه جعل للماديات مخازن يستمد من خزينها الآخرون...

فالشمس مخزن النور و الحرارة و الدفء يستمد العالم منها هذه العناصر الأساسية للحياة.

و البحار مخازن المياه و الأرض مخزن التراب و الجبال مخازن المعادن و الفلزات و الأزهار مخازن العطور... و هكذا...

وَللَّهُ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأرضِ.(3)

فكذلك جعل الله سبحانه المعنويات هكذا. فالأم مخزن العاطفة و الحب و الرحمة و الأب مخزن الشفقة و هكذا.

ص: 35


1- سورة طه، الآية: 55.
2- تقدم مصدره.
3- سورة المنافقون، الآية: 7.

و لعلّه من هنا أيضاً صارت فاطمة الزهراء عليها السلام -أمّ أبيها- لأنه كان يلمس فيها الحنان و الدفء و العطوفة التي تحنو بها الأم علي ولدها.

فهي بضعة منه جسداً و فلذة منه تكويناً إلاّ أنه منها سكناً و عطفاً و حناناً و لهذا تواترت الأخبار بأنه كان إذا أراد السفر كان آخر عهده بفاطمة عليها السلام و إذا رجع كان أوّل عهده بها.

لأنّها «سلام الله عليها» خزانة العاطفة و الحب و الرحمة.

و أهل البيت عليهم الصلاة و السلام خزانة علم الله سبحانه و أخلاقه و آدابه... و كلّ البشرية تستمد منهم مختلف العلوم و المعارف و الكمالات الإنسانية.

إذ كلّ علم و معرفة يعود إليهم و كل كمال هم مصدره و منبعه كما في الروايات المتضافرة و لهذا صاروا قدوة للبشر. لأنهم قطب رحي الكمال المعنوي في الكون.

ماذا تعني فاطمة عليها السلام؟

و بعد كلّ ما تقدم من مقامات لا يبقي مجال للاستغراب إذا قلنا بأننا لا ندرك من فاطمة «سلام الله عليها» سوي أنوارها القاهرة التي تخرق حجب النفس فتبهرنا كمالاتها السامية.

و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بعظمتها دون أن نعرف سرَّها الغيبي المكنون حق المعرفة و هذا الأمر لا يختص بإنسان دون إنسان بل كل ما علي الأرض من البشر -سوي المعصومين عليهم السلام- لا يدركون سرَّ العظمة في فاطمة عليها السلام و لا بوسعهم استيعاب مضامينها الرفيعة كما ينبغي.

كيف؟ و قد سمّاها ربها فاطمة عليها السلام لما فطم الناس عن معرفتها.(1)

و في الآخرة تفطم شيعتها و محبيها من نار جهنم.(2)

و هي بين الدنيا و الآخرة منفطمة عن الطمث و الشر و كل منقصة بشرية...

ص: 36


1- تفسير فرات الكوفي، ص218 طبعة النجف و ص581 من طبعة طهران.
2- البحار، ج43 باب2 ص12 ح3.

بل و قد فطمها سبحانه بالعلم بالميثاق.(1)

و أيضاً شق الله سبحانه لها اسماً من أسمائه الحسني فهو الفاطر و هي الفاطمة عليها السلام.(2)

و بهذا كله و بغيره صارت سلام الله عليها قطب رحي الوجود الذي دارت عليه سنن التكوين... و عليها دارت القرون الأولي.

و من هنا... أصبحت سلام الله عليها وعاء مشيئة الله و رضاه و غضبه فيغضب الله لغضب فاطمة عليها السلام ويرضي لرضاها عليها السلام في الدنيا والآخرة.(3)

قال الشاعر:

مشكاةُ نوِر الله جَلَّ جلالُه *** لَمّا تنزّلت أكثرت كثراتُها

هي قطب دائرة الوجود و نقطة *** زيتونة عمَّ الوري بركاتُها

هي أحمدُ الثاني و أحمد عصرِها *** هي عنصر التوحيدِ في عرصاتِها(4)

ص: 37


1- البحار، ج43 باب2، ص13 ح9.
2- المصدر السابق، ص 15.
3- المصدر السابق، الباب3 ح2 ص19.
4- الكوكب الدري، ص120.

فاطمة عليها السلام في الشعر والأدب

رغم كل ما تقدم من معان و أسرار عن مقام الصديقة سلام الله عليها و عظمتها عند الله سبحانه و دورها الكبير في هذا الكون الرحيب فإن الأدباء عمومة والشعراء منهم علي الخصوص كانوا و ما زالوا يترنّمون باسم فاطمة عليها السلام مدحاً و رثاءَ.

إن الشعراء مهما أُوتوا من قدرة علي الخيال و الإبداع و الإلهام... و هم الذين صوّروا لنا الكثير و ربطوا بين حقائق الكون و نفذوا برؤيتهم الخارقة إلي بطون الأشياء و أضفوا عليها سحراً و إبداعاً من صنع خيالهم وعبّروا في كثير من الأحيان من المظاهر الخارجية إلي البطون و من المادة إلي المعني و استطاعوا أن يصوّروا لنا المعاني المجرّدة الغائبة عن الحس و يقرّبوها إلي الفهم و الإدراك...

و بكلمة:

إنَّ الشعراء الذين و ظّفوا الشعور لربط عناصر الكون و استخدموا الذوق لإكتشاف الحقائقِ و تصويرها... هم أيضاً فطموا عن معرفة فاطمة عليها السلام و عجزوا في الوصول يوماً إلي ساحل بحرها.

فهم مهما أوغلوا في التأمّل و سرحوا في الخيال وعمّقوا النظرة تبقي نظراتهم جوّالة في هذا العالم الغيبي العجيب، فلا يتمكنون أن يبصروا فيه ، سوي إشراقات روحية باهرة يخطف ضوؤُها الأبصار.

و عندها لا يملكون إلاّ أن يفجّروا مواهبهم الخلاّقة لتصوير هذا النور

ص: 38

الساطع و ذكر سماته و خصوصياته مدحاً و ثناءً و حباً و شوقاً دون أن يصلوا إلي جوهره المكنون.

و من هنا... فإن الشعراء عندما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام لا يهدفون منه اكتشاف هذا السر الإلهي العظيم و قد اعترفوا بعجزهم عن ذلك.

ص: 39

دوافع الشعراء

اشارة

و إنما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام بدوافع عديدة سنذكر بعضها علي التوالي:

الأول: دافع العقيدة

الأول: دافع العقيدة :

بمعني إبراز العقيدة و نشرها في مقابل العقائد الأخري.

و كان هذا الدافع الأكثر حظاً في العصور الأولي من الهجرة نظراً التموّج العقائد و رواجها الكثير في ذلك الوقت و الذي كانت من ورائه السياسة في أغلب الأحيان حتي انقسمت الأمة الإسلامية إلي مذاهب و مسالك عديدة و كل مذهب له أنصاره و مفكروه و مروّجوه.

و من الواضح... أنّه في ذلك الزمان كان الشعر و الشعراء يحتلان مكان الصدارة في المجتمع لأنّهما المرآة العاكسة للأوضاع و أفضل وسيلة إعلامية لترويج المباديء و الأفكار فما من حدث أو مبدأ أو دين إلاّ و استخدم الشعر سلاحاً و الشعراء أنصاراً له دعماً لنفسه و تشهيراً بأعدائه.

و لذلك كان الشعراء يمثّلون واجهة المذاهب و موجّهي المجتمع...

و قليلاً ما تجد للشعراء موقفاً بعيداً عن الأوضاع و الحياة الاجتماعية و السياسية التي يعايشونها...

فأكثر الأحداث كان للشعراء فيها موقف و فكرة... خاصة في ذلك الوقت. حيث مواسم إزدهار الشعر و شموخ حضارته و نبوغه.

ص: 40

شعراء العقيدة

شعراء العقيدة:

وقد برز في ذلك الزمان بالذات رجال من كبار شعراء العرب و الإسلام ، بلغوا قمة الأدب العربي بلاغةً و فصاصة، كالكميت بن زيد الأسدي و السيد الحميري و الفرزدق و العبدي و دعبل الخزاعي و أمثالهم من الرعيل الأول...

اعتنقوا التشيّع مذهباً و امتداداً لخط النبوّة و آمنوا بأهل البيت عليهم الصلاة و السلام إيماناً واضحاً وقوياً فوقفوا يبرّزون عقيدتهم و يظهرونها علي العقائد الأخري التي كان الحكّام يرّوجونها و يسخّرون من أجل نشرها الكثير الكثير من الشعراء و أهل الأدب ... و كان هدفهم في ذلك ترويج التشيّع و نشر مبادئه السامية بين الناس أو الذبّ و الدفاع عنه أمام شبهات المبطلين... و خاصة قضية الولاية و الإيمان بالأئمة عليهم السلام و قد ذكر العلامة الأميني في الغدير الكثير منهم و هنا نشير إلي بعضهم علي عجالة...

الكميت الأسدي

الكميت الأسدي:

أبو المستهل الكميت الأسدي المولود سنة (60 ه_) و المتوفي سنة (126 ه_) و يجد الباحث في خلال السيَر شواهد واضحة علي أن الرجل لم يتخَّذ شاعريته وما كان يتظاهر به من التهالك في ولاء أهل البيت عليهم السلام وسيلة لما تقتضيه النهمة و موجبات الشره من التلمّظ بما يستفيده من الصلات و الجوائز أو الحصول علي رتبة أو راتب و لو أراد لوصل بعد أن انهالت الدنيا و مغرياتها علي الأمويين و أخذوا يرتعون فيها ما يشاؤون... و لكنّه يلوي بوجهه عنهم إلي أناس مضطهدين مقهورين و يقاسي من جرّاء ذلك الخوف و الاختفاء تتقاذف به المفاوز و الحزون ليس من الممكن أن يكون ما يتحداه إلا خاصة فيمن يتولاهم و هذا هو شأن الكميت مع أئمة الدين عليهم السلام فقد كان يعتقد فيهم اعتقاد المؤمن الحق الذي يؤمن بأنهم وسائله إلي المولي سبحانه و واسطة نجاحه في عقباه و أن موّدتهم أجر الرسالة الكبري...

و من شعره الذي قاله شارحاً أوضاع زمانه و عقيدته بأهل البيت عليهم السلام قوله:

فقل لبني أميّةَ حيث حَلُّوا *** و إن خفتَ المهنَّدَ و القطيعا

ص: 41

ألا أفِّ لدهر كنت فيه *** هدانا طائعالكم مطيعا

أجاعَ الله من أشبعتموه *** و أشبعَ مَن بِجورِكم أُجيعا

ويلعَنُ فأمته جهاراً *** إذا ساسَ البريةَ و الخليعا

بمرضيّ السياسةِ هاشميِّ *** يكونُ حياً لأمّته ربيعا

و ليثاً في المشاهد غير نكسِ *** لتقويم البرية مستطيعا

يقيم أمورَها و يذبّ عنها *** و يتُرك جَّدبها أبداً مرِيعا

و لشدة ولاء الكميت لأهل البيت عليهم السلام و تمسّكه الصادق بمذهبهم كان يحظي بمكانة خاصة عندهم و كانوا يدعون له أيضاً.

روي الشيخ الأكبر الصفّار في «بصائر الدرجات» بإسناده عن جابر قال:

دخَلت عَلَي الْبَاقِرِ عَلَيه السلام فَدَخَلَ الْكُمَيْتُ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْشُدُكَ؟ فَقَالَ: أنشد فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً فَقَال: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ مِنْ ذَلِكَ اَلْبَيْتِ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إِلَي اَلْكُمَيْتِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أنشدُكَ أُخْرَي؟ فَأَنْشَدَهُ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إلَيْهِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاك و اللَّهِ مَا أُحِبُّكُم لِعَرَضِ الدُّنيَا وَ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إلاَّ صِلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم وَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ اَلْحَقِّ فَدَعَا لَهُ البَاقِر عليه السلام.

و كان أهل البيت عليهم السلام لا يردّدون شعره و يكلّمونه في الرؤي الخاصة التي كان يراها هو أو أصحابه...

روي الكراجكي في كنز الفوائد صفحة 154 بإسناده عن هناد بن السري قال:

رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في المنام فقال لي: يا هناد، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت:

ويوم الدوّح دوح غديرخمِّ *** أبان له الولاية لو أطيعا

قال : فأنشدته . فقال لي: خذ إليك يا هنّاد ؟ فقلت : هات يا سيدي ؟ فقال عليه السلام :

وَ لَم أرَ مثل ذاك اليوم يوماً *** و لم أرَ مثله حقاً أضيعا

و قال المرزباني في معجم الشعراء 348 : مذهب الكميت في التشيّع

ص: 42

و مدح أهل البيت عليهم السلام في أيام بني أمية مشهور.

و قال السندوي: كان الكميت من خيرة شعراء الدولة الأموية و كان عالماً بلغات العرب و أيامهم و من خير شعره و أفضله الهاشميات و هي القصائد التي ذكر فيها آل بيت الرسول سلام الله عليهم بالخير.

و روي أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ج15 صفحة124 بإسناده عن محمد بن علي النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لمّا قال الكميت الشعر كان أوّل ما قال الهاشميات فسترها ثم أتي الفرزدق بن غالب فقال له : يا أبا فراس؟ إنّك شيخ مضر و شاعرها و أنا ابن أخيك الكميت قال له: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟

قال: نفث علي لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحاً أمرتني بستره و كنت أوّلي من ستره عليَّ .

فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن و إنّي لأرجو أن يكون شعرك علي قدر عقلك فأنشدني ما قلت فأنشده:

طربت و ما شوقاً إلي البيض أطربُ.

قال فقال لي: فيمَ تطرب يا بن أخي؟ فقال : و لا لعباً منّي و ذوالشيب يلعب؟!

فقال : بلي يا بن أخي؟ فالعب فإنّك في أوان اللعب فقال:

و لم يلهني دار و لا رسم منزل *** و لم يتطرَّبني بنان مخضَّب

فقال: ما يطربك يا بن أخي؟ فقال:

و لا السانحات البارحات عشيّة *** أمرَّ سليم القرن أم مرَّ أعضب

فقال: أجل لا تتطيَّر فقال:

ولكن إلي أهل الفضائل و التقي *** و خير بني حوّاء والخير يُطلبُ

فقال: و من هؤلاء ؟ و يحك... قال:

إلي النفر البيض الذين بحبِّهم *** إلي الله فيما نابني أتقرَّب

ص: 43

قال: أرحني و يحك مَن هؤلاء؟! قال:

بني هاشم رهط النبي فإنّني *** بهم و لهم أرضي مراراً و أغضب

خفضت لهم مني جناحي مودّة *** إلي كنف عطفاه أهل و مرحب

و كنت لهم من هؤلاء وهؤلا *** محباً علي أنّي أذمُّ و أغضب

و أرمي و أرمي بالعداوة أهلها *** و إني لأوذي فيهم و أؤنّب

فقال له الفرزدق: يا بن أخي ؟ أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضي و أشعر من بقي.

و روي الكشّي في رجاله صفحة 136 بإسناده عن زرارة قال: دخل الكميت علي أبي جعفر عليه السلام و أنا عنده فأنشده:

من القلب متيَّم مستهام *** غير ماصبوةِ و لا أحلام؟

فلما فرغ منها قال للكميت: لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما دمت تقول فينا.

و قال المسعودي في مروج الذهب ج2 صفحة 195: قدم الكميت المدينة فأتي أبا جعفر عليه السلام فأذن له ليلاً و أنشده فلما بلغ الميمية قوله:

و قتيل بالطفّ غودر منهم *** بين غوغاء أمَّة و طغام

بَكَي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ثُمَّ قالَ: يَا كُمَيْتُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَيْنَاكَ ولَكِنْ لَك مَا قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِحَسَّان بْنِ ثَابِتٍ: لاَ زِلْتُ مُؤَيَّدَا بِرُوحِ اَلْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ عليهم السلام فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَأُتِيَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ بن علي عليه السلام فأنشده فَقَالَ يَا أَبا اَلْمُسْتَهِلِّ إِنَّ لِي ضَيْعَةٍ أَعْطَيتَ فِيهَا أرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ و هَذَا كِتَابُهَا و قَدْ أَشْهَدْتُ لَكَ بِذلِكَ شُهودٌ و نَاوَلَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي إنِّي كُنْتُ أَقُولُ الشَّعْرَ فِي غَيْرِكُمْ أُرِيدُ بِذَلِكَ الدُّنْيَا و لا و اللَّهِ مَا قُلْتُ فِيكُمْ إِلاَّ لِلَّهِ و مَا كُنْتُ لأَخَذَ علَي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ مالاً و لا ثَمَناً فَأَلَحَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَيهِ و أَبِي مِن إِعْفَائِهِ. فَأَخَذَ الْكُمَيْتُ الْكِتَابَ و مَضَي فَمَكَثَ أَيَّاماً ثُمَّ جَاءَ إِلَي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَابْنَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام؟ إنَّ لِي حَاجَةً. قالَ: وَ ما هِيَ و َكُل حاجَةٍ لَكَ مَقْضِيَّةً قالَ: و كائِنَةُ مَا كانَتْ؟ قال: نِعَمْ.

قال: هذا الكتاب تقبله و ترتجع الضيعة و وضع الكتاب بين يديه

ص: 44

فقبله عبد الله و نهض عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فأخذ ثوباً جلداً فدفعه إلي أربعة من غلمانه ثم جعل يدخل دور بني هاشم و يقول:

يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ هَذَا اَلْكُمَيْتُ قالَ فِيكُمُ الشِّعرُ حِينَ صَمَتَ النَّاسُ عَنْ فَضْلِكُمْ و عَرَضِ دَمِهِ لِبَني أُمَيَّةَ فَأَثِيبُوهُ بِمَا قَدَرتُم . فَيَطرَحُ اَلرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِن دَنانيرَ و دَرَاهِمَ... و أَعْلَمَ النِّسَاءَ بِذلِكَ فَكَانَتِ المَرْأَةُ تَبْعَثُ مَا أَمْكَنَهَا حَتَّي أَنَّهَا لتخلع الحَليَّ عن جَسَدِها فَاجْتَمَعَ مِنَ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ مَا قِيمَتُهُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا إِلَي الْكُمَيْتِ فَقَالَ:

يَا أَبَا الْمُسْتَهِلِ أَتَيْنَاكَ بِجُهْدِ المُقلِ ونَحْنُ فِي دَوْلَةِ عَدُوِّنَا و قَدْ جَمَعَنَا هَذَا اَلْمَالَ و فيهِ حلِيَّ اَلنِّسَاءِ كَمَا ترَي فَاسْتَعِنْ بِهِ عَلَي دَهْرِكَ.

فَقالَ بِأَبي أَنْتَ وأُمِّي قَدْ أَكْثَرْتُمْ و َأَطْيَبْتُم وَ مَا أَرَدْتُ بِمَدْحِي إِيَّاكُمْ إِلاَّ اللَّهُ وَ رَسولُهُ و لَمْ أَكُ لآخُذَ لَكُمْ ثَمَناً مِنَ الدُّنيا فَاردُدْهُ إلي أَهْلِهِ .

فَجَهَدَ بِهِ عَبْدُ اَللَّهِ أَنْ يُقَبِّلْهُ بِكُلِّ حِيلَةٍ فَأَبَي.(1)

و أنت إذا تأملت في هذه الشواهد تجد المصداقية الكبيرة لما ذكرنا سابقاً.

السيد الحميري

السيد الحميري المتوفي سنة 173 ه_.

لقد فاق الكثير من الشعراء بالجد و الاجتهاد في الدعاية إلي مبدئه القويم و الإكثار في مدح العترة الطاهرة و ساد الشعراء ببذل النفس و النفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع و إحياء ميّت القلوب ببث فضائل آل الله و نشر مثالب مناوئيهم و مساويء أعدائهم قائلاً:

أيا رب إنِّي لم أرد بالذي به *** مدحتُ علياً غير وجهك فارحم

و قال كما قال أبو الفرج: لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذمِّ غيرهم ممن هو عنده ضدّ لهم.

ص: 45


1- أكثر هذه الشواهد نقلناها عن كتاب الغدير للعلامة الأميني، ج 2 ص180 فما بعد ، طبعة النجف.

و قال ابن المعتز في طبقاته -صفحة 7-: «كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث و الأخبار و المناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب عليه السلام فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلي الشعر و كان يملّه الحضور في محتشد لا يُذكر فيه آل محمد «صلوات الله عليهم» و لم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم عليهم السلام».

روي أبو الفرج عن الحسن بن علي بن حرب بن أبي الأسود الدؤلي قال: «كنّا جلوسا عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء فجلس و خضنا في ذكر الزرع و النخل ساعة فنهض فقلنا : يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال:

إنّي لأكره أن أطيل بمجلس *** لا ذكر فيه لفضل آل محمد

لا ذكر فيه لأحمد و وصيّه *** و بنيه ذلك مجلس نطف(1) ردي

إن الذي ينساهم في مجلس *** حتي يفارقه لغير مسدّد

وكان إذا استشهد شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاَّ بقوله:

أجد بآل فاطمة البكورُ *** فدمع العين منهمر غزير(2)

و من شعره في إظهار عقيدته و ولائه قوله:

إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد *** و لا عهده يوم الغدير مؤكدا

فإنّي كمن يشري الضلالة بالهدي *** تنصّر من بعد الهدي أو تهودّا

و مالي و تيماً أوعديّاً و إنّما *** أولو نعمتي في الله من آل أحمدا

تتم صلاتي بالصلاة عليهم *** و ليست صلاتي بعد أن أتشهدا

بكاملة إن لم أصلّ عليهمُ *** و أدعولهم ربّاً كريماً ممجدا

بذلت لهم ودّي و نصحي و نصرتي *** مدي الدهر ما سمّيت يا صاح سيّدا

و إن أمرأ يُلحي علي صدق وُدّهم *** أحقُ و أولي فيهمُ أن يفنَّدا

فإن شئت فاختر عاجل الغم ضّلةَ *** و إلاّ فأمسك كي تصان و تحمدا

و في حديث موته له مكرمة خالدة تذكر مدي الدهر و تقرأ في صحيفة التاريخ مع الأبد و تكشف عن أنّ الذين يقفون إلي جانب الحق والإيمان ينالون حظوظهم الوفيرة في الدنيا و الآخرة قال بشير بن عمار:

ص: 46


1- النطف: النجس.
2- الأغاني، ج7 ص299 - 299.

حضرت وفاة السيد في الرميلة ببغداد فوجه رسولا إلي صف الجزّارين الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فغلط الرسول فذهب إلي صف الممسوسين فشتموه و لعنوه فعلم أنه قد غلط فعاد إلي الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فوافاه سبعون كنفاً قال: و حضرنا جميعاً و إنه ليتحسَّر تحسُّراً شديداً و إن وجهه لأسود كالقار و ما يتكلّم إلا أن أفاق إفاقة و فتح عينيه فنظر إلي ناحية القبلة جهة النجف الأشرف ثم قال:

يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بوليّك؟ قالها ثلاث مرات مرة بعد أخري، فتجلّي و الله في جبينه عرق بياض فما زال يتسع و لبس وجهه حتي صار كله كالبدر و افترّ السيد ضاحكاً و أنشأ يقول:

كذب الزاعمون أنَّ علياً *** لن ينجّي محبّه من هنات

قد و ربّي دخلت جنة عدن *** و عفالي الإله عن سيئاتي

فابشروا اليوم أولياء عليِّ *** و تولّوا علياً حتي الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه *** واحدة بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً و أشهد أن محمداً رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حقاً حقاً و أشهد أن علياً أميرالمؤمنين عليه السلام حقاً حقاً أشهد أن لا إله إلا الله ثم غمّض عينيه فكأنّما كانت روحه حصاة سقطت.(1)

و فيما تقدم من شواهد دليل يعضد ما تقدم ذكره.

العبدي الكوفي

العبدي الكوفي : و هو من شعراء أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم المتزلفين إليهم بولائه المقبولين عندهم لصدق نيته و انقطاعه إليهم و هو من أكثر من مدحهم و تفجّع علي مصائبهم و لم نجد في غير آل الله له شعراً.(2)

استنشده الإمام الصادق عليه السلام من شعره كما في رواية الكليني في روضة الكافي بإسناده عن أبي داود المسترق عنه قال : دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقال: قولوا لأمّ فروة : تجيء فتسمع ما صنع بجدّها. قال:

ص: 47


1- نقلنا أكثر هذه الشواهد عن الغدير، ج2 ص213- 275.
2- الغدير ج2 ص294.

فجاءت فقعدت خلف الستر. ثم قال: فأنشدنا، قال: فقلت:

فروُجودي بدمعك المسكوب...

قال: فصاحت و صحّن النساء فقال أبوعبد الله عليه السلام: الباب. فاجتمع أهل المدينة علي الباب فبعث إليهم أبوعبد الله عليه السلام قال: صبياً لنا غشي عليه فصحنَ النساء.

و قد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام و لم تك صحبته مجرد ألفة معه أو محض اختلاف إليه أو أن عصراً واحداً يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الودّ و خالص الولاء و عن إيمان لا تشوبه أيةُ شائبة حتي أمر الإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم و قال: إِنَّهُ عَلَي دِينِ اَللَّهِ.

روي الكشي في «رجاله» بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ عَلِّمُوا أولادكم شِعْرَ اَلْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ عَلَي دِينِ الله.

و ينّم عن صدق مهجته و استقامة طريقته في شعره و سلامة معانيه عن أي مغمز أمر الإمام عليه السلام إيّاه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي.(1) و من شعره في إظهار عقيدته قوله:

بلّغ سلامي قبراً بالغريِّ حوي *** أو في البريّة من عجمٍ و من عرب

و اجعل شعارك الله الخشوعَ به *** وناد خير وصيّ صنوّ خير نبي

إسمع أبا حسن إن الألي عدلوا *** عن حكمك انقلبوا عن شرّ منقلب

إلي آخر أبياته...

دعبل الخزاعي

دعبل الخزاعي الشهيد في سنة 246 ه.

كان شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل بيت عليهم السلام العصمة صلوات الله عليهم أجمعين أشهر من نار علي علم.

ص: 48


1- راجع رجال الكشي، ص254. و راجع الغدير أيضاً.

قال عنه العلامة الآميني: فما ظنّك برجل كان يُسمع منه و هو يقول: أنا أحمل خشبتي علي كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها.

و قيل للوزير محمد بن عبد الملك الزّيات: لِمَ لا تجيب دعبلاً عن قصيدته التي هجاك فيها؟ قال: إنّ دعبلاً جعل خشبته علي عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة و هو لا يبالي كل ذلك من جرّاء ما كان ينافح و يناضل في الذب عن البيت النبوّي الطاهر و التجاهر بموالاتهم و الوقيعة في مناوئيهم لا يقرُّ به قرار فلا يقلّه مأمن و لا يظله سقف منتجع.

ما زال مطارداً من خلفاء الوقت و أعداء العترة الطاهرة و مع ذلك كلّه فقصائده تلهج بها الركبان و تزدان بها الأندية و هي مسرّات للموالين و محفظات للأعداء و مثيرات للعهن و الضغائن حتي قتل علي ذلك شهيداً.(1)

و هذه ناحية واسعة النطاق تحمل في طياتها الشواهد الكثيرة و الأدلة القوية علي صدق إيمانه و قوة عقيدته و التهالك في سبيل نصرتها و الذب عنها...

عن يحيي بن أكثم قال: إنَّ المأمون أقدم دعبل رحمه الله و أمنّه علي نفسه فلمّا مثل بين يديه و كنت جالساً بين يدي المأمون فقال له: أنشدني قصيدتك الرائية فجحدها دعبل و أنكر معرفتها فقال له: لك الأمان عليها كما أمّنتك علي نفسك فأنشده جملة من الأبيات حتي قال:

كم من ذراعٍ لهم بالطف بائنةٍ *** و عارضٍ بصعيد التُربِ منعفرِ

أمسيِ الحسينُ و مسراهم لمقتلهِ *** و هم يقولون هذا سيّد البشر

يا أمة السوءِ ما جازيتِ أحمد في *** حُسن البلاءِ علي التنزيل و السور

خلّفتموه علي الأبناء حين مضي *** خلافة الذئب في إنفاذ ذي بقر

قال يحيي: و أنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه و قد انتهي إلي قوله :

لم يبقَ حيِّ من الأحياءِ نَعلَمهُ *** من ذي يمانٍ و لا بكر و لا مُضَر

إلا وهم شركاءٌ في دمائهم *** كما تشارك أيسارٌ علي جزر

ص: 49


1- الغدير، ج 2، ص 399 بتصرف.

قتلاً وأسراً و تخويفاً و منهبةً *** فعل الغزاة بأرض الروم و الخزر

أري أميّة معذورينَ إن قَتلوا *** و لا أري لبني العبّاس من عُذرِ

حتي قال:

أربِع بطوسٍ علي قبرِ الزكيّ بها *** إن كنت تَربَعَ من دينٍ علي وَ طر

قبرانِ في طوسَ خير الناس كلِّهمُ *** و قبر شرّهم هذا من العِبَرِ

ما ينفع الرِّجس من قرب الزكي و لا *** علي الزكي بقربِ الرجسِ من ضررِ

هيهات كلُّ امرئٍ رهنٌ بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذرِ

قال: فضرب المأمون عمامته الأرض و قال: صدقت و الله يا دعبل.(1)

قال أبو الفرج في الأغاني: قصيدة دعبل:

مدارسُ آيات خلت من تلاوة *** و منزلُ وحي مقفر العرصات

من أحسن الشعر و فاخر المدائح المقولة في أهّل البيت عليهم السلام قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان قال : دخلت علي علي بن موسي الرضا عليه السلام فقال لي: أنشدني شيئاً مما أحدثت فأنشدته:

مدارس آيات خلت من تلاوة...

حتي انتهيت إلي قولي:

إذا وتروا مدّوا إلي واتريهم *** أكفّاً عن الأوتار منقبضات

قال: فبكي... و أومأ إلي الخادم كان علي رأسه: أن اسكت. فسكت فمكث ساعة ثم قال لي: أعد. فأعدت حتي انتهيت إلي هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولي و أومأ الخادم إليَّ : أن اسكت و هكذا الأمر تكرر ثلاث مرات حتي انتهي إلي آخر القصيدة فقال لي: أحسنت ثلاث مرات.

ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه و لم تكن دفعت إلي أحد بعد و أمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إليَّ الخادم... إلي آخره.(2)

ص: 50


1- الأغاني، ج 18، ص 57.
2- راجع المصدر نفسه؛ ص29.

و قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء: قصيدته التائية في أهل البيت عليهم السلام من أحسن الشعر و أسني المدائح قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان ( و ذكر حديث البردة التي خلعها عليه الإمام الرضا عليه السلام بعد إنشاد القصيدة) ثم قال: و يقال إنه كتب القصيدة في الثوب و أحرم فيه و أوصي بأن يكون في أكفانه.

و عن دعبل الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا عليه السلام:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

قال لي الرضا عليه السلام: أفلا ألحق البيتين بقصيدتك؟! قلت: بلي يا بن رسول الله عليه السلام، فقال:

و قبر بطوسٍ يا لها من مصيبة *** ألحّت علي الأحشاء بالزفرات

إلي الحشر حتي يبعث الله قائماً *** يفرّج عنا الهمَّ و الكربات

و قد ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل:

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمّنها الرّحمن في الغرفات

قال دعبل : ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلي قولي :

خروج إمام لا محالة خارجٌ *** يقوم علي اسم الله و البركات

بكي الرضا عليه السلام بكاءً شديداً ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام؟! قلت: لا، إلاّ أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً و عدلاً...

فقال: إنَّ الإمام بعدي ابني محمد عليه السلام و بعد محمد ابنه علي عليه السلام و بعد علي ابنه الحسن عليه السلام و بعد الحسن ابنه الحجة القائم عجل الله فرجه الشريف و هو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره... إلي آخر الحديث.(1)

و الحديث عن شعر العقيدة طويل و طويل لا مجال للتفصيل فيه هنا و ما ذكرناه كان من باب المثال.

و من كل ما تقدم من شواهد و دلالات تجد عمق الولاء و شدّة

ص: 51


1- الغدير، ج 2، ص 355.

الحماس من أجل المذهب و العقيدة و أن أهل البيت سلام الله عليهم شجّعوا هذا اللون من الشعر لنصرة مذهبهم و ترويج مبادئهم في قبال المباديء المنحرفة التي روّجها الحكّام للتغطية علي التشيّع و محاولة منهم الإطفاء نور أهل البيت عليهم السلام.

و لهذا كان ترويج العقيدة و إبرازها في النظم المقفّي من أكبر الدوافع عند الشعراء الكبار في القرن الأول و الثاني و الثالث الهجري دفاعاً عن المذهب و مناصرة لزعمائه من آل الرسول سلام الله عليهم أجمعين.

الثاني: دافع الولاء و المحبة

الثاني: دافع الولاء و المحبة:

و أيضاً... كان الشعراء ينظمون عنهم عليهم السلام از بدافع التعبير عن عواطفهم و مشاعرهم حباً و ولاءً و تأثراً بما اتسموا به عليهم السلام من مزايا و فضائل و خاصة تجاه سيدة النساء التي دارت عليها سنن التكوين و التشريع و براءة من أعدائها عليها الصلاة و السلام الذين اتسموا بكل خصال الشر و القبح الإنساني.

إن الشاعر الذي يتذوّق الجمال في الكون و يفتّش عن مظاهره و خفاياه ثم يهريق ما بمخزونه من طاقة في الفن و التصوير من أجل مغازلته و التغنّي به كيف لا يستقطبه كمال فاطمة المعنوي؟!

و كيف لا يتحرّك شعوره المرهف تجاه هذه العظمة و هذا و الجمال؟!

إنّ الشاعر الذي يستفز مشاعره بلبل غرّيد علي غصن شجرة أو وردة غانية علي فم الشلال فتفيض عليه صوراً ساحرة فاتنة كيف لا تفيض عليه آيات الجمال و الجلال في فاطمة سحراً و عذوبة؟!

إنّ الشاعر الذي يبهره ضوء القمر في الليل الداجن كيف لا تبهره أنوار أهل البيت عليم السلام الساطعة؟!

و كيف يطيق الوقوف صامتاً تجاه هذا الطهر و الكمال و لا يعلن عن انفعاله و حبه و عشقه؟!

و كيف تجفّ شاعريته عند مظاهر القدس و ألوان العظمة و آيات البهاء فلا يغازلها و يسكب عليها عواطفه و أحاسيسه؟!

ص: 52

من الواضح... أنّ الشاعر إذا كان شاعراً حقاً يسوقه الجمال و تأسره العاطفة لا يمكنه أن يَغضَّ نظره عن أسرار آل محمد سلام الله عليهم أجمعين . أو يتغافل عنها... و لا يمكنه أبداً -إذا كان شاعراً حقاً- أن يتعامي عن مظاهر الجمال و الكمال فيهم عليهم الصلاة و السلام.

و قد خلقهم الله أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين وطهرّهم من كل منقصة و صاغ أرواحهم القدسية صياغة ربّانية فكانوا أنوار هدايته و محالّ عظمته و آيات جماله و مظاهر كماله.(1)

إنّ الشاعر الحق كالفراش العاشق دوّار عن جمال الحياة و سحر الطبيعة يهفو إليه في الحقول و المزارع... في نور الصباح... و في نسيم السحر... في خرير الماء... و حفيف الشجر... فكيف يتغاضي عن جمال الطبيعة الخلاّب؟!

إذن الشاعر... مهما أوتي من نبوغ و قدرة علي الوحي و الإلهام فإنه و إن فطم عن معرفتها عليهم السلام و لم يبلغ غورها... إلا أنه لا يمكنه أن يتجاهل أسرار العظمة فيها ولا بدَّ له أن يشيد بمظاهر جمالها و كمالها و هي آية جمال الله سبحانه و كماله إلاّ إذا أراد أن يلغي شاعرّيته أو يتسافل بشعوره!!

و من هنا كان الأدباء و الشعراء و ما زالوا -علي اختلاف مذاهبهم و عقائدهم ينظمون في الحب و الولاء و إبداء التعاطف رثاءً أو مدحاً و تمجيداً بها عليها الصلاة والسلام.

روي الأربلي في كشف الغمة: أنَّ بعض الوّعاظ ذكر فاطمة سلام الله عليها و ما وهبها الله من مزايا الجمال و الكمال و الفضائل العالية فاستخفّه الطرب فأنشد:

خجلاً من نور بهجتها *** تتواري الشمس بالشفق

و حياءً من شمائلها *** يتغطّي الغصن بالورق

ص: 53


1- هذه المضامين وردت في الزيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام الهادي عليه السلام فراجع مفاتيح الجنان.

قال: فشقَّ كثير من الناس ثيابهم و أوجب وصفها بكاءهم و انتحابهم تأثراً و شوقاً.(1)

و روي أنس بن مالك قال: سألت أمي عن صفة فاطمة عليها السلام فقالت: كانت كأنّها القمر ليلة البدر أو الشمس كفّرت غماماً أو خرجت من السحاب.(2)

قال المرحوم السيد كاظم القزويني قدس سره:

إنَّ عَظَمَةَ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سلام الله عَلِيٍها و فَضَائِلِهَا وَ مَزَايَاهَا وَ مَصَائِبِهَا وَ ما رَأَت مِنَ الضَّغَطِ و الْكَبَتِ و الاِضْطِهَادِ كانَتْ كَافِيَةً لِتَهْيِيجِ العَوَاطِفِ اَلْجِيَاشَةِ تُجَاهَهَا فَلاَ عَجَبَ إِذَا طَفِقَ اَلشُّعَرَاءُ يَنْثُرُونَ مَدَائِحَهم لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ سلام الله عليها بِمُخْتَلَفِ اللُّغاتِ وَ يُعَبِّرونَ عَن شُعورِهِم وَ حُبِّهِم وَ مَوَدَّتِهِم و ذَلِكَ حِينَمَا اهْتَزَّتْ ضَمَائِرُهُمْ فَتَفَتَّحَتْ قَرَائِحُهُمْ و فَاضَتْ أَحَاسِيسُهُمْ فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَي السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ سلام الله عَلَيها أحسَنَ الثَّناءِ وَ يَرِثونَها بِأوجَعِ الرّثاءِ .

و أيُّ شَاعِرٍ يُشْعِرُ بِآلامِ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ سلام الله عليها و لا يُهَيِّجُ شُعورَهُ ؟ وَ أيُّ إِنْسَانٍ يُدْرِكُ مَواهِبَ السَّيِّدَةِ الزَّهْراءِ سلام الله عليها وَ مَزاياها وَلا يُعَبِّرُ عَن مَشاعِرِهِ ؟ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شُعُورُهُ مُتَحَجِّرَاً أو إِدْرَاكُهُ مُعْطٍلاً أَوْ أَحَاسِيسُهُ رَاكِدَةً جَامِدَةً .

إِنَّ جمالَ حَياةِ السَّيِّدَةِ الزَّهراءِ يَأخُذُ بِمَجامِعِ قَلبِ كُلِّ حَرٍ وَ كُلُّ قَلبٍ حَرٍ سَليمٍ .(3)

حقاً كان للشعراء المخلصين مواقف نبيلة تجاه مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» في هذا المجال و خاصة شعراء القرون الأخيرة حيث نظموا أروع مشاعر الحب و الولاء بأجمل تعبير و صبّوها في مصب الشعر مدحاً و رثاء.

أقول: و كشواهد عملية لما ذكرنا من تأثّر الشعراء علي اختلاف أذواقهم و مشاربهم بمزايا الزهراء سلام الله عليها و آيات الكمال و الجمال فيها و انشدادهم إليها حتي اعتصروا مهجهم و عواطفهم لمدحها و إظهارها أنقل لك بعض النماذج من شعراء عدة عاشوا في بلدان و عصور مختلفة.

ص: 54


1- كشف الغمة، ج2، ص90، طبعة بيروت بتصرف.
2- البحار، ج43، الباب1، ح7، ص6.
3- فاطمة الزهراء من المهد إلي اللحد، ص 664 بتصرف.

(شعر الولاء)

قال السيد عبد اللطيف فضل الله:

هتفَ البيانُ بمولدِ الزهراءِ *** سرِّ الوجود و شمس كلِّ سماءِ

فرأي الجلالَ علي تواضع قدسه *** تنحطُّ عنه مدارِكُ العقلاء

شمخَ الأديمُ بفاطم و تطاولت *** غبراؤه فيها علي الخضراء

برأَ العوالمَ و اصطفاها ربُّها *** مما اصطفاه بها مع الأمناء

فتجسّمت في الأرضِ منه رحمةٌ *** و شفاعةٌ للناسِ يوم جزاء

حتي قال:

و الاكِ ربُّك إذ رضعَتِ ولاءِه *** وحباكِ منه ولايةَ الأشياء

جبلت بأسرارِ السما و تكوّنت *** مما يساق العرش في لَألاءِ

آلاوُها ملءُ الزمانِ و بيتُها *** في الكائناتِ أساسُ كلّ بناءِ

حوراءُ إذ رِفعَ الإلهُ لواءَها *** كرماً وضمَّ الخلقَ تحتَ لواء

و بري مناقبها و قال لعزّها *** كوني بلا عدَّ و لاإحصاء

قلنا لها سرِّ يُصانُ و جوهرٌ *** فوقَ الأنامِ وطينِهم و الماء

نشأَت بظلِّ اللهِ لم يَعلُق بها *** دنَسٌ و لا وقَعت علي الأخطاءِ

إلي آخر القصيدة (1) و سيأتيك بعض الشرح لهذه القصيدة في حرف الهمزة فانتظر.

و أنشد شيخ الفقهاء و الفلاسفة الشيخ محمد حسين الأصفهاني قائلاً:

ص: 55


1- المجالس السنية، ج5، ص132 ط بيروت.

جوهرةُ القدسِ من الكنز الخفي *** بدَت فأبدت عالياتِ الأحرف

و قد تجَلّي من سماءِ العظمَة *** في عالم السماءِ أسمي كلمة

بل هي أمُّ الكلماتِ المُحكَمة *** في غيب ذاتِها فكانت مُبهَمة

أمُّ أئمةِ العقولِ الغرِّ بلْ *** أمُّ أبيها و هو علّةُ العلل

تمثلتْ رقيقة الوجود *** لطيفةَ جُلَّتْ عن الشُهود

تَصوَّرتْ حقيقة الكمال *** بصورةِ بديعة الجَمال

فإنّها قطبُ رحي الوجودِ *** في قوْسَي النزولِ و الصعود

مصونةٌ عن كلّ رسمٍ وَسِمَه *** مرموزةٌ في الصحفِ المُكَرَّمة

إلي آخر القصيدة .(1)

و أنشد السيد محمد جواد فضل الله:

مجدكِ الشمسُ ينطفي إن تبدّتْ *** كلُّ نجمٍ من حولها ويبيدُ

النبوّاتُ دوحةٌ أنت منها *** ألَقٌ مشرق و نفحٌ ودوُد

كيف يَرقي لشأو عزك مجد *** وبكِ المجدُ تاجُه معقودُ

نفحةٌ من مجهرٍ صاغها اللهُ *** مثالاً للطُهرِ كيف يُريد

وحباهامنه الجلالُ إهاباً *** يتداني عن نَعمتِهِ التمجيدُ

رفع اللهُ شأنَها فتباهتْ *** باسمِها في الجنانِ حُورٌ و غِيْدُ

إلي آخر القصيدة.(2)

و أنشد المرجع الديني الكبير المرحوم السيد الميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره الشريف):

درةٌ أشرقتْ بأبهي سَناها *** فتلألأ الوري فيا بشُراها

لمعٍ الكونُ من سنا نورٍ قدسٍ *** بسنا نوره أضاءَ طُواها

يا لها لمعةٌ أضاءتْ فأبدتْ *** لمعاتٍ أهدي الأنامَ هداها

إلي آخر القصيدة.(3)

ص: 56


1- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص668.
2- المجالس السنية، ج 5، ص 134 ط بيروت.
3- راجع معارف الرجال للشيخ حرز الدين، ج 3، ص 166.

و أنشد الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي:

أتي يؤمُ البتولةِ و هوعيدُ *** فطابَ بذكرِ مولِدها القصيدُ

بدتْ كالشمس تَغْمُر كل أفقٍ *** من الدنيا و قد سَعَدَ الوُجود

هي الزهراءُ فاقَتْ كلِّ أنثي *** لها فضلٌ فهل تُوفي الحدودُ ؟

أبوها سيِّد الكونين (طه) *** و (حيدُرة) لها بَعْلٌ مجيدُ

و شبلاها هما الحسنُ المصفّيِ *** و ذاك حسينُها السبطُ الشهيدُ

ولاها الدينُ و الإيمانُ حقاً *** و تلكَ هي السعادةُ و السعوُد

أبنتَ المصطفي وفاك شعري *** بمدحتهِ و إن غَضِبَ الحَسُود

شربتُ ولاكِ من لبنِ زكئِّ *** تُغَذَّيني به أمِّ وَلُود

و ذاك من الإله عظيمُ فضلٍ *** و من عندي له شكري يَزيدُ

فباسمِكِ قد أذعتْ بكلِّ نادِ *** تزاحَم عند ساحته الحُشودُ

سأبقي ماحييتُ ولي وصال *** بحبّك لا أزلُّ و لا أحيدُ

و قد حوي الديوان العديد من قصائد المدح الفريدة في نوعها كما سيمر عليك فانتظر.

ص: 57

(شعر الرثاء)

اشارة

و أما في الرثاء فقد تجاوز الشعر حدّ العدّ و الحصر كما ستري في الديوان و قد ضم حوالي (600) قصيدة جاء الكثير منها في الرثاء و هنا نذكر بعض النماذج...

أنشد الشيخ محسن أبوالحبّ الكبير الحائري مقارناً بين الزهراء البتول و مريم العذراء عليهم السلام الي قائلاً:

إن قيل حوّا قلتُ فاطمُ فخرُها *** إن قيلَ مريمُ قلتُ فاطمُ أفضلُ

أفهل لَحّوا والدٌ كمحمدٍ ؟ *** أم هلْ لمريمَ مثل فاطمَ أَشبُلُ

كلِّ لها حينَ الولادةِ حالةٌ *** منها عقولُ ذوي البصائرِ تَذْهَلُ

هذي لنخلتِها التجتْ فتساقطتْ *** رُطباً جَنياً فهي منه تأكُلُ

وضعتْ بعيسي و هي غيرُ مروعةٍ *** أنّي و حارسُها السريُّ الأبسلُ

و إلي الجدارِ و صفحةِ البابِ التجتْ *** بنتُ النبي فأسقطتْ ما تَحمِلُ

سقطتْ و أسقطتِ الجنينَ و حولَها *** من كلِّ ذي حسبٍ لئيمِ جَحْفلُ

هذا يُعَنّفها وذاك يدُعُّها *** ويَردُّها هذا و هذا يَرْكلُ

و أمامَها أسدُ الأسودِ يقوده *** بالحبلِ قنفذُ هل كهذا مُعضِلُ

و لسوف تأتي في القيامةِ فاطمٌ *** تشكو إلي ربّ السماءِ و تُعَوِلُ

و لَتَرفعنَّ جنينَها و حنينَها *** بشكايةٍ منها السما تَتزلزلُ

ربّاه ! ميراثي و بعلي حقَّه *** غَصبوا و أبنائي جميعاً قُتّلوا

ولدايْ ذا بالسمّ أمسي قلبُه *** قِطَعاً و هذا بالدماءِ مُغَسَّلُ (1)

ص: 58


1- فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد القزويني، ص675 - 676 ط بيروت.

و أنشد آخر فقال:

بأبي الّتي ماتتْ و ما *** ماتتْ مكارمُها السنيّة

بأبي التي دُفِنَتْ وعُفّي *** قبرُها السامي تَقِيَّة

و أنشد بعض أشراف مكة قصيدة جاء فيها :

وأَتتْ فاطمةٌ تطالب بالإرثِ *** من المصطفي فما وّرثاها

ليت شعري لِمْ خُولِفَتْ سننُ *** القرآنِ فِيها ؟ و اللُه قد أعلاها

نُسِخَتْ آيةُ المواريث منها *** أم هما بعدَ فرضِها بَدّلاها ؟

أم تري آية المودّة لم تأتِ *** بودّ الزهراءِ في قُرْباها

بنتُ من؟ أمُّ من؟ حليلةُ من؟ *** ويلٌ لِمَنْ سنَّ ظلمَها و آذاها(1)

و قال آخر:

فمضتْ و هي أعظم الناسِ وَجْداً *** في فمِ الدهر غصةٌ من جَواها

وثَوَتْ لا يَري النسا لها مثوّي *** إلي قَدس يضمُّه مَثْواها

و ستقرأ الكثير من ذلك فانتظر.

الثالث: دافع النصرة

و كان الشعراء ينظمون بدافع النصرة لأهل البيت عليهم السلام و الندبة لهم أيضاً و ذلك لأنه بنصرتهم تتجسّد نصرة الدين و المبدأ الحق و بندبتهم يندبون حقوقهم الضائعة و دماءهم المهدورة بأيدي الظلم و الظالمين.

و من الواضح... أن كل صاحب ضمير و قلب صفيّ ينصر أهل الحق و يندب مأساتهم و إن لم يتمسك بهم كأئمة عليهم السلام و أولياء.

و في التاريخ الكثير الكثير من الشعراء و الأدباء الذين وقفوا يدافعون عن أهل البيت عليهم السلام و ينتصرون لظلاماتهم و يهاجمون أعداءهم الذين أعماهم الهوي و أغواهم الشيطان فصادروا حقوقهم و سحقوهم تحت سنابك الخيل أو خلف قضبان السجون!! كما ستري...

ص: 59


1- المصدر السابق نفسه.

فشعراء الشيعة الذين يندبون أهل البيت عليهم السلام و ينظمون فيهم قصائد الشعر ليس لغرض أن يقال بأن أهل البيت عليهم السلام عندهم أولياء و أتباع يبكونهم و ينصرونهم... كلاّ... إنّ أهل البيت عليهم السلام صاروا لأصحاب الضمائر و ذوي المباديء الحرّة الشريفة و المواقف النبيلة رمزاً عميق الدلالة و المضمون لكّل معاني القيم الإنسانية و هذه الدرجات الرفيقة من السمو يعشقها حتي أعداؤهم و يشهدون لهم بذلك.

و لعل كتب التاريخ و الأدب مشحونة باعترافات الكثير من أعدائهم بفضلهم و مكانتهم السامية في القلوب و الضمائر .

و بعض مخالفيهم نظم فيهم شعراً رائعاً بما يدلّل علي مكانتهم السامية، و محبوبيتهم عند الجميع ، و لعلّ من أفضل الشواهد علي ذلك القصيدة الجلجلية التي نظمها عمرو بن العاص في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و هو يخاطب صاحبه و رفيق دربه و شريكه في مخططاته، معاوية بن أبي سفيان.

يقول فيها:

معاويةٌ الحقَّ لاتَجهَل *** و عن سبيلِ الحقِّ لا تَعْدِل

إلي آخر الأبيات:

و قد نقلها العلامة الأميني في الغدير(1) و غيرها من القصائد المؤثرة التي لها وقع في النفوس .

كما نظم فيهم بعض زعماء المذاهب و أئمتها بما يعدّ من مفاخر الشعر الولائي كقصيدة ابن أبي الحديد المعتزلي العينية، و ما نظمه الشافعي في ذلك صار أشهر من نار علي منار.

قال النبهاني: روي السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلي الربيع بن سليمان المرادي صاحب الإمام الشافعي قال: خرجنا مع الشافعي في مكة نريد مني فلم ينزل و ادياً و لم يصعد شعباً إلاّ و هو يقول:

ص: 60


1- راجع المصدر السابق؛ ج 2 ط، طهران، ص 116.

يا راكباً عُجْ بالمحصَّبِ من مني *** و اهتفْ بساكنِ خيفها و الناهِضِ

سحراً إذا فاضَ الحجيجُ إلي مني *** فيضاً كملتطمِ الفراتِ الفائضِ

إن كانَ رفضاً حبُّ آل محمدٍ *** فليشهدِ الثقَلانِ أنّي رافضي

بل صرّح بشعره أنَّ محبة أهل البيت عليهم السلام من فرائض الدين فقال:

يا آلَ بيتِ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حبُكُمُ *** فَرْضٌ من اللِه في القرآنِ أَنزلهُ

كفاكمُ من عظيمِ الشأنِ أنَّكم *** مَنْ لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ له(1)

و جاء في الصواعق المحرقة لابن حجر صفحة 101 و للشيخ شمس الدين ابن العربي قوله:

رأيت ولائي آل طه عليهم السلام فريضةً *** علي رغمِ أهلِ البُعْدِ يُورِثُني القُرْبي

فما طلبَ المبعوثُ أجراً علي الهدي *** بتبليِغَه إلا المودَّةَ في القُرْبي

هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الإسلام ظاهرة عواطف وأسي عميقة علي ما أصاب أهل البيت عليهم السلام من كوارث و ما تعرّضوا له من نكبات في مختلف الأوطان و العصور الإسلامية، ما جعل الحديث عنها شجي كل نفس ولوعة كل قلب.

إنَّ المبالغة في التنكيل بهم و الظلم و الحيف و الإعتداء الذي وقع عليهم جعل الحزن و الأسي عليهم أعم و التأثر لمصابهم أوجع هذه العواطف غير المشوبة و لا المصطنعة أضفت علي الشعر الشيعي و كل ما قيل في أهل البيت عليهم السلام لوناً حزيناً باكياً يمور بجيشان العواطف الصادقة الثائرة، ذلك لدمهم المطلول و هذا لحقهم الممطول و بين هذا و ذاك فخر يفرع في السماء بريق و مجد يطاول الأجيال.

يقول محمد بن هانيء الأندلسي في قصيدة له:

غَدوْا ناكِسي أبصارِهمْ عن خليفةٍ *** عليم بسرِّ اللهِ غير معلَّمِ

و روح هدي في جسم نورِ يَمُدُّهُ *** شعاعٌ من الأعلي الذي لم يُحْسَمِ

إمامُ هُديً ما التفَّ ثوب نبوّة *** علي ابنِ أبي منه باللِه أعلمِ

ص: 61


1- أدب الطف، ج1، ص20.

بكُمْ عزَّ ما بينَ البقيعِ و يثربٍ *** و نُسِّك ما بينَ الحطيمِ و زمزم

فلا بَرِحَتْ تَتْري عليكم من الوري *** صلاةُ مصلِّ أو سلامُ مسَلِّمِ(1)

هذا بالنسبة لأصحاب الأدب بشكل عام و أما أدباء الشيعة فقد صارت ظلامات أهل البيت عليهم السلام شغلهم الشاغل و استمّروا يندبونهم ليل نهار و يتوجّعون لما أصابهم علي أيدي الأعداء ليس فقط لنيل الثواب المؤكَّد في الآخرة... و ليس فقط لإبراز العقيدة و التولّي لهم و التبرّي من أعدائهم... بل لأنَّ المظلومية عند أهل البيت عليهم السلام سلاح عظيم رفعه الشيعة علي طول التاريخ للمطالبة بحقوق أئمتهم عليهم السلام المهضومة و التي هي الأخري تشكِّل حقوق الإنسانية جمعاء .

و الملاحظ... إن ما نظمه الشعراء الشيعة علي طول التاريخ و ما زالوا ، يدلّ بوضوح أنه يعكس الاستنكار الصارخ المقرون بالتوجّع و الندبة علي الظلم و الظالمين في كل زمان و مكان .

ص: 62


1- أدب الطف، ج 1، ص 20 - 21.

فاطمة و الحسين عليهما السلام قضية واحدة

و قد صار أهل البيت «عليهم الصلاة و السلاَّم» و خاصة مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» و الحسين «عليه السلام» الرمز لهذه الظلامات و الشعار الذي تلخّصت فيه كل المطالب المشروعة لهم...

كما تحوّل من قابلهما -فاطمة و الحسين «عليهما السلام»- الرمزالأكبر للجور و العدوان و ستتضح لك أسباب ذلك .

إنَّ كلمتي الزهراء و الحسين عليهما السلام لم تبق عندنا فقط في الدائرة العلمية و المذهبية الخاصة و ما فيها من دلالات عميقة علي الولاية و الإمامة كما تقدم . بل أصبحت كلمة فاطمة عليها سلام لا تمثِّل رمز المظلومية و شعار الحزن و الندبة لحقوق مهضومة و كرامات مهدورة بأيدي لا تتورع عن التلبّس بالدين و التظاهر بمظاهره... كما أن فاطمة سلام الله عليها لا تتورع من أن تدّعي أنَّها خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم في الأرض، و هكذا الحسين عليه السلام أيضاً صار كأمِّه سلام الله عليها رمز الحزن و البكاء و المصيبة التي يتوجع لأجلها كل قلب بالإضافة إلي كونه رمز الإباء و التضحية و الفداء قال الشاعر:

أَنْسَتُ رزّيتُكمْ رزايانا الّتي *** سَلفتْ و هوَّ نتِ الرزايا الآتيةْ

و فَجائعُ الأيامِ تبقي مدةً و تزولُ *** وَ هْيَ إلي القيامةِ باقيةْ

و هذه الحقيقة نحسّها من خلال أدب الشيعة و كلمات أدبائهم .

فلقد كان الأدب الحقيقي الصادق و ما زال الصورة الحية التي تجسد أصدق تجسيد عقلية الأمة و عقيدتها و عواطفها... و رؤيتها المستقبلية...

ص: 63

و قد مضي علي ظلامات أهل البيت عليهم السلام قرون مديدة و من ذلك اليوم و إلي اليوم تجد أجيال الشعراء . فضلاً عن العلماء و الخطباء و كل أهل الفضل -من قوميات شتي ينظمون الشعر في ندبهم و نصرتهم سواء بالفصحي أو العامية.

و رغم تطور الحياة و تبدل أحوالها و تغيير الكثير فيها فإنَّ نصرة أهل البيت عليهم السلام و الدفاع عنهم و التعاطف مع قضاياهم لا زالت باقية ينوح عليها، و يتأسي بها محبّوهم، و مناصروهم جيلاً بعد جيل...

بل إن العواطف الجيّاشة تجاه أهل البيت عليهم السلام و مظلوميتهم تنمو و تكبر و تشتد من عصر إلي عصر و من جيل إلي آخر رغم كلّ الحاقدين... و رغم كلِّ شيء.

و لا أظنّ أن البشرية جمعاء عرفت أناساً قيل فيهم من الشعر و الأدب نصرة و دفاعاً و تضامناً كما قيل في آل محمد «صلوت الله عليهم أجمعين»...

قال الشاعر:

وما فاتني نصرُ كمْ باللسان *** إذا فاتني نصرُكمْ باليدِ

و قال عبد الحسيب طه في «أدب الشيعة»:

و الواقع أن قتل الحسين عليه السلام علي هذه الصورة الغادرة -و الحسين عليه السلام غني عن التعريف ديناً و مكانة بين المسلمين- لا بد أن يلهب المشاعر و يرهف الأحاسيس و يطلق الألسن و يترك في النفس الإنسانية أثراً حزيناً دامياً و يجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.

و هال الناس هذا الحادث الجلل -حتي الأمويين أنفسهم- فأقضّ المضاجع و أذهل العقول و ارتسم في الأذهان و صار شغل الجماهير الشاغل، و حديث النوادي.

تجاوبتِ الدنيا عليك مآتماً *** نواعيك فيها للقيامة تهتفُ

فما تجد مسلماً إلّا و تجيش نفسه لذلك الدم المهدور وكأنّه هو الموتور!! أجل... فلا تختص بذلك فئة دون فئة و لا طائفة دون طائفة

ص: 64

وكأنَّ الشاعر الذي يقول:

حبُّ آل النبيِّ خالطَ قلبي *** كاختلاطِ الضيا بماءِ العُيونِ

إنما يترجم عن عاطفة كلّ مسلم و هل التشيّع إلا حب آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و من هذا الذي لا يحب آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرة؟ ملامكَ في آل النبيِّ فإنّهمْ *** أحِبايَ ما داموا و أهلُ تقاةِ(1)

و قال السيد جواد شبّر في أدب الطف:

ما عرف التاريخ من أوّل الناس حتي يومهم هذا أنَّ شخصاً قيل فيه من الشعر و النثر كما في الحسين بن علي عليه السلام فقد رثاه كل عصر و كل جيلِ بكل لسان في جميع الأزمان و وجد الشيعة مجالاً لبث أحزانهم و متنفّساً لآلامهم عن طريق رثاء الحسين عليه السلام سيّما و هذه الفرقة محارَبة من كل الحكومات و في جميع الأدوار.

و مما ساعد علي ذلك؛ أنَّ فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في التاريخ بمصائبها و فوادحها.(2)

و قال محسن علي المعلّم:

نجد الشعر الحسيني قد تجاوز الحدود و السدود و لم يعد وقفاً علي شيعته و أوليائه القائلين بإمامته بل شاركهم الشعور ذوو الأفكار الحرة المتنوّرة من المسلمين و المسيحيين و سواهم و بالفصيح من العربية و غيرها من اللغات و اللهجات الأخري و لم يقتصر فيض الشعر الزاخر علي جوانب الأسي و بواعث الحسرة و الشجن، و إنما شمل ملكات الإمام العظيمة و مكامن شخصيته و مواطن عظمته.(3)

أقول: شاركت الزهراء سلام الله عليها ولدها الحسين عليه السلام في كثرة الندب و الرثاء

ص: 65


1- أدب الطف، ص 19.
2- المصدر السابق نفسه، ص 21.
3- الحسين في موكب الخالدين، ص200.

كما قد لا توجد أبداً قضية كقضيتهما معاً عليهم السلام حَظَيِتْ بمثل هذا الاهتمام الكبير من قبل الشعراء و الأدباء أبداً.

و هذا الاهتمام لم ينشأ من مكانتهما فقط لأن كلَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام يحظون بمكانتهم السامية عند الله «سبحانه» و عند الناس...

و ليس فقط لوجود حبّ الحسين و الزهراء عليهما السلام في قلوب أهل الحق.

كلاّ... فإنّ جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام حبّهم فرض و موالاتهم دليل صفاء القلب و نزاهة الضمير و صدق الإيمان... بل لأنَّ ظلامة الزهراء و ظلامة الحسين «عليهما السلام» كمَّلت إحداهما الأخري و صارتا حلقة واحدة تضمّنت ظلامات الجميع... فظلامة الزهراء سلام الله عليها كانت فاتحة الظلامات علي آل الرسول عليهم السلام بمآسيها المفجعة...

و ظلامة الحسين عليه السلام كانت الأكثر وقعا في شدّتها و فظاعتها هذا أولاً.

و ثانياً... لأنّ ظلامة الزهراء سلام الله عليها تشكّل ظلامة النبوّة و أوّل خطوة خطاها القوم للابتعاد عن منهاج الإسلام و اغتصاب الخلافة الشرعية و الاعتداء علي بيت النبوّة بلا جهل و لا قصور بل إنَّ القوم هتكوا حرمتها و سحقوا حقوقها و قتلوها علماً و عمداً و عن سابق إصرار -و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعدُ لم يهجع في قبره- و لذا كانت أول خطوة في طريق الظلم و الجور في تاريخ المسلمين التي جرَّت الويلات تلو الويلات علي المسلمين حتي اليوم.

و أما ظلامة الحسين عليه السلام فقد شاركت الظلامة الأُولي -ظلامة فاطمة الزهراء سلام الله عليها- في القتل والتعدّي عن علم و عمد و سابق إصرار كما قالوا له:

«نقتلك و نعلم أنَّك ابنُ فاطمة سلام الله عليها... ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم »!!

ولكن زادت هذه علي الأولي بالدناءة و الخسَّة و الشمولية فتلخَّصت فيها كل ظلامات الأنبياء و الأئمة و الأولياء... لوجود الشبه الكبير بين واقعة الطف و وقائع أنبياء الله و أوليائه في الهتك و السحق...

و من هنا ربط الشعراء بين القضيتين معاً و اعتبروا الثانية امتداداً

ص: 66

للأولي فشدّدوا أكثر علي هاتين القضيتين... ليس لنكران ما دهي سائر الأئمة عليهم السلام من ظلم و جور إذ كلُّهم مظلوم مقهور...

ولكن لأنَّ هاتين الظلامتين تضمَّنتا ظلاماتهم و أكثر، كانوا عليهم السلام يركّزون علي هذا البعد و يربطون ما يجري عليهم بما جري علي الحسين عليه السلام و كانوا يقولون ( لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَاعبدالله).(1)

فالترابط وثيق جداً بين القضيتين ليس عند الشعراء فقط بل الأمر هكذا أيضاً في الآخرة كما سنري من خلال الشواهد.

ص: 67


1- راجع أمالي الصدوق، ص 78.

الشعراء بين فاطمة و الحسين عليهما السلام

سلَّط شعراء الشيعة و غيرهم أيضاً قديماً و حديثاً الأضواء علي الترابط الوثيق بين السقيفة و كربلاء و ساقوا ما جري علي الحسين عليه السلام في كربلاء مساق ما جري في المدينة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي الزهراء البتول سلام الله عليها.

و اعتبروا الحادثين حادثاً واحداً في الأهداف و الدوافع -و هم علي حق في ذلك- إذ لا فاصلة بين الاعتداء علي الزهراء عليها السلام و غصب حقها سلام الله عليها و الاعتداء علي الحسين عليه السلام و لو كان القوم في الحادثة الأُولي هجموا علي الزهراء سلام الله عليها و أحرقوا دارها و أسقطوا جنينها ثم قتلوها بتلك الطريقة الشنيعة...

و بكلمة: لو كان أولئك الذين هجموا علي الزهراء عليها السلام حاضرين يوم الطف لقادوا بأنفسهم خيول بني أمية لسحق الحسين عليه السلام و أهل بيته و أضرموا في خيامهم النار.

و لو حضر أعداء الحسين عليه السلام و الأوائل يضربون الزهراء عليها السلام و يغصبون حقوقها لما قصّروا هم عن ذلك أبداً و هكذا.

لأنّ طبيعة العدوان واحدة و الذي لدية استعداد لسحق النبوّة و يسعي لإطفاء نورها مستعد أيضاً لسحق الإمامة و إطفاء نورها إذ لا فاصلة بين المقامين بل أحدهما امتداد للآخر، و مكملاً له...

و بين يديَّ الآن جملة وافرة من المنظومات الأدبية الرفيعة لشعراء عاشوا في قرون مختلفة و في بلدان مختلفة حكموا بتلك الصلة و هذا الامتداد لخط الظلم و العدوان.

ص: 68

سنقرأ الكثير منها في هذا الديوان وسنتعرف علي أذواق مختلفة لشعراء مختلفين إتفقوا جميعهم علي هذه النتيجة. سأنقل إليك بعض النماذج منها:

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في هذا الصدد نظماً:

تاللهِ ما كربلا لولا سقيفتُهم *** و مثلُ ذا الفرعِ ذاك الأصلُ يُنْتِجُه

و في الطفوفِ سقوطُ السبطِ منجدلاً *** من سقطِ محسن خلفَ البابِ منهجُه

و بالخيامِ ضرامُ النارِ من حطبِ *** ببابِ دارِ ابنةِ الهادي تَأَجُّجُه(1)

و يقول الحاج جواد بدقت الحائري :

عُقِدت بيثربَ بيعةٌ قضيت بها *** للشركِ منه بعد ذاكَ ديونُ

بُرِقيِّ منبرِه رُقِيْ في كربلا *** صدرٌ و ضُرِّجَ بالدماءِ جبينُ

لولا سقوطُ جنينِ فاطمةٍ سلام الله عليها لما *** أودي لها في كربلاءَ جنينُ

و بكسرِ ذاك الضلع رُضَّتْ أضلٌ *** في طيِّها سِرُّ الإلهِ مَصوُن

و كما لفاطمَ رنَّةٌ من خلفِهِ *** لبناتِها خلفَ العليلِ رنينُ

و بزجرِها بسياط قنفذَ و شَجتْ *** بالطفِّ من زجرٍ لهنَّ متُونُ

و بقطعهمْ تلكَ الأراكةَ دونها *** قُطِعَتْ يدٌ في كربلا و وتينُ(2)

و السيد محمد مهدي القزويني الحائري في قصيدته يقول :

تاللِه ما كربلا لولا سقيفتُهمْ *** فإنّها ارتضعتْ من ثديِها محضا

و حقّ فاطمةٍ من سقطِ محسِنها *** حسينها خَرَّ مطروحاً علي الرَمْضا

بيومِ رضّ ضُلوعٍ الطُهْرِ فاطمةٍ سلام الله عليها *** جسمُ الحسين علي بَوْغائِها رُضضا

و الشيخ محمد حسين الأصفهاني أنشد :

و ما رماه إذ رماه حرملةْ *** و إنَّما رماه مَنْ مَهَّد لَهْ

سهمٌ أتي من جانبِ السقيفةْ *** و قوسُه علي يَدِ الخليفةْ(3)

ص: 69


1- مقتل الحسين عليه السلام للمقرم، ص 490.
2- ديوان الحاج جواد بدقت - مخطوط.
3- ديوان شعراء الحسين عليه السلام، ج 1، ص 97.

و قال الحاج هاشم الكعبي :

تاللهِ ما سيفُ شمرِ نالَ منك و لا *** يدا سنانٍ جلَّ الّذي ارتكبوا

لولا الألي أغضبوا ربَّ العُلا وأبوْا *** نصَّ الولاءِ و حقَّ المرتضي غَصبوا

أصابكَ النَفَرُ الماضي بما ابتدعوا *** و ما المسبِّبُ لو لم ينجحِ السببُ

ولا تزال خيولُ الحقدِ كامنةً *** حتي إذا أبصروها فرصَةً و ثَبوا

فأدركَ الكلُّ ما قد كانَ يطلبُه *** و القصدُ يُدْرِكُ لمّا يمكنُ الطَلبُ

كفِّ بها أمَّك الزهراءَ قد ضَربُوا *** هي الّتي أختَك الحورا بها سَلبُوا

و أنّ نارَ وغّي صاليت جمرتها *** كانتْ لها كفُّ ذاك البغيِ تَحتطِبُ

فليَبْكِ يومَك مَنْ يَبكْيه يومَ غَدَوْا *** بالصنوِ قوداً و لبنتَ المصطَفي ضَربوا

تاللهِ ما كربلا لولا السقيفةُ و الأ *** حياءُ تدري و لولا النارُ ما الحطبُ

و الخطيب السيد صالح الحلي يقول :

قَبساً به بابَ البتولةِ أجَّجوا *** منه بعرصةِ كربلا نيرانُ(1)

و للشيخ محمد خليفة أبيات يقول فيها :

إنّي أقولُ و لستُ أولَ قائلٍ *** قولاً ثوابتُ صدقِه لاتُنْكَرُ

تاللهِ ما قَتلَ الحسينَ سوي الأُلي *** قدماً علي الهادي عَحتوا و استكبروا

هُمْ أسّسوا فبنَتْ بنو حربٍ و قد *** هدَموا الرشادَ و للضلالةِ عَمّروا (2)

و للشيخ كاظم السبتي أبيات جاء فيها :

فإنَّ يداً مُدَّتْ إلي هتكِ زينبٍ *** يَدٌ هتَكتْ من قبلِ زينبَ أَمَّها

و كفّاً بها قادوا علياً لبيعةٍ *** ثقالُ الرواسي لا تقاومُ جُرْمَها

بها صارَ زين العابدينَ مقيَّداً *** يكا بُد ضِغنَ الشامتينَ و هَضْمَها

و له أيضاً :

فهتكُ بناتِ الوحي عن هتكِ فاطمٍ *** و طفلُ حسينِ كانَ فرعاً عن السقطِ

و إنَّ سياطاً ألبستْهُنَّ أسوِراً *** الموروثةٌ عن دملجِ الطُهْرِ و القرطِ(3)

ص: 70


1- الأنوار القدسية، ص 82.
2- شعراء الحلة، ج 5، ص 186.
3- الكوكب الدري، ص 259.

والسيد مهدي ابن السيد داود الحلي يقول :

اليومَ من إسقاطِ فاطمَ محسناً *** سقطَ الحسينُ عن الجوادِ صريعا

اليومَ جرَّدت السقيفةُ سيفَها *** فغدا به رأسُ الحسين قطيعا(1)

أقول: و ليس الشعراء و حدهم و جدوا الترابط بين ظلم الزهراء و قتل الحسين «عليهما السلام» و ثيقاً لا ينفك بل حتي الولاة و أصحاب الحكم أنفسهم الذين مارسوا هذا الظلم...

روي البلاذري قال :

لما قتل الحسين عليه السلام كتب عبدالله بن عمر إلي يزيد بن معاوية :

أمَّا بَعدُ... فَقَد عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجِلَتِ المُصِيبَةُ وَحَدَثَ في الإِسلامِ وَحَدَثٌ عَظيمٌ وَلا يَومَ كَيَومِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ.

فكتب إليه يزيد:

أمَّا بَعْدُ يَا أَحْمَق فَإِنَّنَا جِئْنَا إِلَي بُيُوتٍ مُنَجَّدَةٍ وَ فُرُشٍ مُمَهَّدَةٍ وَ وسائد منضدةٍ فَقَاتَلْنَا عَنْهَا فَإِنْ يَكُنِ اَلْحَقُّ لَنَا فَعن حقِّنا قاتَلْنَا...

و إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِغَيْرِنَا فَأَبُوك أَوَّلُ مَن سينَ هذا و ابْتُزَّ وَ استَأْثَرَ بِالحَقِّ علي أهلِهِ.(2)

يقول التيجاني السماوي:

لو قدر لعلي عليه السلام أن يقود الأمة ثلاثين عاماً علي سيرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم العّم الإسلام و لتغلغلت العقيدة في قلوب الناس أكثر و أعمق و لما كانت فتنة صغري و لا فتنة كبري... و لا كربلاء و لا عاشوراء... إلي آخر كلامه.(3)

ص: 71


1- الروضة الندية، ص 200.
2- البحار، ج 45، ص 328.
3- راجع كتاب مع الصادقين.

فاطمة و الحسين عليهما السلام في المحشر

ليس اتصال السقيفة بكربلاء جاء بذوق الشعراء و نتاج مشاعرهم الجيّاشة تجاه ظلامة فاطمة و الحسين عليهما السلام بلِ أخذ الشعراء هذا المعني في الروايات العديدة التي ربطت بين الحدثين معاً ليس في الدنيا فقط بل تجد الربط وثيقاً حتي يوم القيامة ...

اليوم الذي تري فيه الناس سكاري و ما هم بسكاري و لكنَّ عذاب الله شديد اليوم الذي تذهل فيه المرضعات عما أرضعن...

اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه... «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ».(1)

في هذا اليوم الذي لا يفكر فيه الناس بسوي النجاة و الخلاص مما قدموا و أخّروا ... في هذا اليوم العصيب يظهر الترابط أكثر بين قضية فاطمة سلام الله عليها و قضية الحسين عليه السلام . فتحشر «سلام الله عليها» مطالبة بحق الحسين عليه السلام و دمه المهدور...

فلماذا فاطمة عليها السلام؟ و لماذا بدم الحسين عليه السلام ؟

لعل هذا من الأسرار التي ربما نتوصل إلي بعض تفسيرها و قد لا نصل أيضاً كما قدمنا...

إنّ الروايات التي جاءت متحدّثة عن هذا الموقف كثيرة ننقل منها رواتيين...

ص: 72


1- سورة عبس، آية: 37.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (تُحْشَرُ ابْنَتي فَاطِمَةُ عليها السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَها ثِيابٌ مَصْبُوغَةٌ بِالدِّمَاءِ تَتَعَلَّقُ بِقائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَتَقُولُ يا عَدْلُ يَا حَكِيمُ احْكُمْ بَيْني وَبَيْنَ قاتِلِ وَلَدِي...).

قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (وَيْحَكُمُ اَللَّهُ لاِبْنَتِي وَ رَبِّ الكعبة).(1)

و في رواية أخري: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : (يُمثَّلُ لِفاطِمَةَ عليها السلام رَأسُ الحُسَينِ عليه السلام مُتَشَحِّطَةً بِدَمِهِ فَتَصيحُ وَا وَلَداهْ وا ثَمَرَةَ فُؤَادَاهْ فَتَصْعَقُ المَلائِكَةُ لِصَيْحَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام ويُنَادِي أهْلَ القِيَامَةِ قَتَلَ اللَّهُ قاتِلَ وَلَدِكِ يا فاطِمَةُ عليها السلام).

فيقول الله «عزّوجل» ذلك: (افعَل بِهِ وَبِشيعَتِهِ وَأحِبَّائِهِ وَأتباعِهِ) إلي آخر الرواية.(2)

قال الشاعر :

لا بدّ أن ترِدَ القيامةَ فاطمٌ *** و قميصُها بدمِ الحسينِ عليه السلام مُلَطّخُ

ويلٌ لمنْ شُفعاؤُه خُصَماؤُه *** والصُوْرُ في يومِ القيامةِ يُنْفَخُ

ص: 73


1- الكوكب الدري، ص 83.
2- المصدر السابق نفسه.

أهل البيت عليهم السلام و الشعر

اشارة

إنَّ أئمة الهدي أنفسهم «سلام الله عليهم أجمعين» و نظراً لظروف الإرهاب القاسية التي كانوا يعيشونها دائماً مع جبابرة الأمويين و العباسيين... و نظرا لسياسة العنف و القتل التي كانوا يمارسونها ضدهم و ضد أتباعهم حتي قضوا جميعاً قتلاً و تشريداً...

و جدوا أن من أفضل الطرق للدفاع عن الحق و نصرة مبادئه و الذب عن حياض الدين هو الشعر و منظومات الشعراء...

لأن الشاعر في ذلك الزمان كان يمثل أقوي وسيلة إعلام للتوعية و التثقيف و نشر الفكرة و نصرة الدين و بيان الحقوق المهدورة بأيدي الظالمين.

خاصة و أنَّ الحكّام أنفسهم وظَّفُوا الوسيلة نفسها -الشعر و الشعراء- الترويج مبادئهم الباطلة و تلميع وجوههم المظلمة بالمساويء و التزلّف إليهم مدحاً و تمجيداً طمعاً في المال أو الشهوة أو المناصب.

فشجع الأئمة عليهم السلام في الشعر و الشعراء و دفعوهم نحو الإكثار من النظم بهدف:

1- نشر الحق و نصرة مبادئه .

2- تخليص الشعراء من أيدي الظالمين ليستخدم الشعر في أهدافه الرفيعة في التعليم و التهذيب و خدمة الأغراض النزيهة.

3- فضح الظالمين و التحريض عليهم و لغيرها من الأسباب .

ص: 74

و قد عدّوا عليهم السلام الشعر الهادف المربّي و المعلّم الناصر للحق مقبولاً و من الطاعات التي ينال عليها صاحبها الأجر و الثواب في الآخرة...

قال الإمام الصادق عليه السلام : (مَنْ قَالَ فِينَا بَيْتاً مِنَ اَلشِّعْرِ بَنَي اَللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي اَلْجَنَّةِ) .(1)

و قال عليه السلام: (مَن قالَ في الحُسَينِ عليه السلام شَعرَةً فَبَكي وَ أبكي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ووجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ).(2)

كما أن ناصرهم و المتعاطف معهم عليهم السلام كان يحظي بدعائهم و عنايتهم فضلاً عن المكانة السامية التي يحتلها في نفوسهم.

كما جاء في دعائهم للكميت و دعبل و الحميري و أضرابهم في تلك العصور التي قلّ فيها الناصر و كمَّت أفواه الناس و غلَّت أيديهم عن نصرة التشيع و مذهب أهل البيت عليهم السلام.

و لم يعد يجسر أحد من الشعراء علي المجاهرة بحبه لهم و وقوفه إلي جانب قضاياهم لشدة الضغط إلآّ الشاذ الذي ينظم البيت و البيتين، اللذين تنطلق بهما شاعريته و تفيض بهما عاطفته سراً و في تقية شديدة.

و لم يكن الحال في الدور العباسي بأفضل من العصر الأموي في ذلك...

حتي أن الذكريات الحسينية و النوح علي مأساة كربلاء مرَّت بردح من الزمن و هي لا تقام إلاّ تحت الغطاء في زوايا البيوت مع غاية التحفظ و السرية...

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين:

(كَانَتِ الشُّعَرَاءُ لا تقْدِمُ عَلَي رِثَاءِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام مَخَافَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ خَشْيَةً مِنْهُم) .(3)

و قال السيد المقرم في المقتل:

ص: 75


1- عيون أخبار الرضا للصدوق، ج 1، ص4.
2- رجال الكشي، ص 289.
3- أدب الطف، ج 1، ص 22.

(بما أنَّ ذكري أهل البيت عليهم السلام قوام الدين و روح الإصلاح و بها تدرّس تعاليمهم و يقتفي أثرهم طفق الأئمة المعصومون عليهم السلام يحثّون مواليهم بنشر ما لهم من فضل كثير و ما جري عليهم من المصائب و لا قوة في سبيل إحياء الدين من كوارث ومحن لأنّ فيه حياة أمرهم و رحم الله من أحيا أمرهم و دعا إلي ذكرهم).

و قد تواتر الحثّ من الأئمة عليهم السلام علي نظم الشعر فيهم مدحاً و رثاء بحيث عدَّ من أفضل الطاعات و في ذلك قالوا عليهم السلام: من قال فينا بيتاً من الشعر بني الله تعالي له بيتاً في الجنة.

و في آخر: (حتي يؤيَّد بروح القدس . و في ثالث : بني الله له بيتاً في الجنة مدينة يزوره فيها كل ملك مقرَّب و نبي مرسل).(1)

شواهد تاريخية

استأذن الكميت علي الصادق عليه السلام في أيام التشريق ينشده قصيدته فكبر علي الإمام أن يتذاكروا الشعر في الأيام العظام «أيّام الحج» و لمّا قال له الكميت: إنها فيكم، أنس أبوعبد الله عليه السلام... حيث إنه من الذكر اللازم لأنه فيه إحياء أمرهم و هو إحياء للدين و نصرة لمبادئه... ثم دعا بعض أهله فقرب ثم أنشده الكميت فكثر البكاء و لما أتي علي قوله:

يُصِيبُ به الرامونَ عن قوسِ غيرِهمْ *** فيا آخراً أسْدي له الغيَّ أوَّلُ

رفع الصادق عليه السلام يديه و قال: «اللهم اغفر للكميت ما قدَّم و أخَّر و أسرّ و أعلن و أعطه حتي يرضي».(2)

و دخل جعفر بن عفان علي الصادق عليه السلام فقال له: (إنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام و تجيده) قال: نعم. فاستنشده فلمّا قرأ عليه بكي حتي جرت دموعه علي خديه و لحيته و قال له: (لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون قولك في الحسين عليه السلام و إنّهم بكوا كما بكينا . و لقد أوجب الله لك الجنة) ثم قال عليه السلام:

ص: 76


1- مقتل الحسين للمقرم، ص 112 طبعة قم.
2- الأغاني، ج 15، ص 118.

(من قال في الحسين شعراً فبكي و أبكي غفر الله له و وجبت له الجنة).(1)

و هكذا فقد صبغت مأساة الحسين عليه السلام و الزهراء عليها السلام و لا تزال تصبغ أدب الشيعة بالحزن العميق و التوجّع لما حلّ بالإسلام و المسلمين جرّاء ما دهاهما من مصائب و محن فرثوهم رثاءً مؤلماً موشّحاً بالدموع حتي غطي الكثير من أعمالهم الأدبية و محافلهم و أنديتهم... و الذي يحسّه المرء و هو يطالع ما كتب في هذا المجال اللوعة و المضاضة و التأسّف علي الأحداث يحسّ إلي جانبها أيضاً بالاستنهاض و الثورة لأنها صادرة عن نفوس شاعرة متوثّبة صارخة بوجه الظلم و الطغيان و الفساد و الاستبداد مندّدة بأولئك الظلمة الذين قادوا الناس إلي البؤس و الشقاء... و ستجد مثل هذا الكثير من خلال مطالعتك للديوان...

ص: 77


1- رجال الكشي، ص 187.

من شعر الزهراء عليها السلام

و أيضاً فإن الأئمة الطاهرين «عليهم الصلاة و السلام» أنشدوا الشعر بأنفسهم في سبيل التربية و التعليم و نصرة مبادئهم الحقة و دفاعا عن حقوقهم المهدورة وظلاماتهم. و فضحة لأعدائهم... أعداء الله.

و بعضه كان من إنشائهم غلق و بعضه كانوا ينشدونه عن غيرهم.

وقد مرّ العديد من الشواهد في نظم الشعر أو تطعيم قصائد الشعراء كما في قصيدة دعبل عندما قرأها علي الإمام الرضا عليه السلام و غيرها و قد جمع العلامة الأميني في الغدير الكثير من هذه الشواهد... كما جمع الشعر المنسوب إلي مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في ديوان خاص اسمه «ديوان الإمام علي عليه السلام» و قد حوي العديد من الأبيات الشعرية الرفيعة في مختلف شؤون الإنسان و الحياة.

و أما ما ورد عن الصديقة الطاهرة «سلام الله عليها» من الشعر المنظوم في رثاء النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و إظهار الحب و الولاء له و شرح ما جري من الأحداث عليها بأيدي الصحابة...

أقول: ما ورد عنها «سلام الله عليها» إنشاداً أو إنشاءً و كله يكشف عن عمق المعني و شدّة العاطفة الجيّاشة فكثير أنقل إليك بعض عينّاته:

في رثاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:

إنَّ حزني عليكَ حزنٌ جديدُ *** و فؤادي و الله صَبّ عنيدُ

كلُّ يومٍ يزيدُ فيه شُجوني *** و اكتئابي عليكَ ليس يَبيدُ

جَلَّ خَطَّبي و بان عنّي عزائي *** فبُكائي كلَّ وقتٍ جديدُ

ص: 78

إنَّ قلباً عليك يألفُ صبراً *** أوعزاءً فإنّه لجلِيدَ(1)

و في رثائه أيضاً قالت :

قلَّ صبري و بانَ عنّي عَزائي *** بعدَ فَقدي لِخاتمِ الأنبياءِ

عينُ يا عينُ اسكبي الدمعَ سحَاً *** ويكِ لا تبخلي بفيضِ الدماءِ

يا رسولَ الإلهِ يا خيرةَ اللهِ *** و كهفَ الأيتام و الضعفاء

قد بكتكَ الجبالُ و الوحشُ جمعاً *** و الطيرُ و الأرضُ بعد بكي السماءِ

و بكاكَ الحجونُ و الركنُ *** و المشعرُ يا سيّدي مع البطحاءِ

و بكاكَ المحرابُ و الدرسُ *** للقرآن في الصبحِ معلناً و المساءِ

و بكاكَ الإسلامُ إذ صار في *** الناسِ غريباً في سائرِ الغُرَباء

لوتري المنبرَ الذي كنتَ تعلوه *** عَلاه الظلامُ بعدَ الضياءِ

يا إلهي عجل وفاتي سريعاً *** فلقد نغص الحياة يا مولائي(2)

و عندما دنت منها الوفاة و أخذت توصي وصاياها لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قالت في ضمن ما قالت:

و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... أوصيك يا أبا الحسن عليه السلام بولدي الحسن و الحسين عليهما السلام و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين بالأمس فقدا جدهما و اليوم يفقدان أمهما فالويل لمن يقتلهما ثم أنشأت تقول:

ابكِني إن بكيتَ يا خيرَهادِ *** واسبلِ الدمعَ فهو يومُ الفراقِ

يا قرينَ البتولِ أوصيكَ بالنسلِ *** فقد أصبحاحليفَ اشتياقِ

ابكِني و ابكِ لليتامي و لا *** تنسَ قتيلاً لعدي بطفِّ العراقِ

فارَقُوا أصبحوا يتامي حَياري *** أخلفوا اللهَ فهو يومُ الفراقِ

ثم دعت بأولادها فودعتهم جميعاً و تهيأت للقاء ربها إلي آخرالرواية .(3)

ص: 79


1- الكوكب الدري، ج 1، ص 240.
2- المصدر السابق، ص 241.
3- المصدر السابق، ص 246.

و بعد غصب الخلافة و فدك و وقوف الزهراء عليها السلام للذب عن القضيتين، خطبت عدّة خطب بليغة و فريدة، لم يشهد لها تاريخ الأدب نظيراً... كان منها الخطبة التي ألقتها العامّة الناس، حرّضتهم و شكتهم و بصّرتهم ببعض الخفايا التي تستَّر عليها القوم و في خاتمة الخطبة عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثةُ(1) *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخِطبُ

إنّا فقدناكِ فقد الأرض و ابلَها *** و اختلّ قومُكَ فاشهدهم فقد نكُبوا

أبدي رجالُ لنا نجوي صدوِرِهمْ *** لمّا مضيتَ و حالت دونك التُرَبُ

تجّهمتْنا رجالُ و استخفّ بنا *** لما فقدت و كلُّ الإرث مغتصب

وكنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك تَنزلُ من ذي العزّةِ الكتُب

و كان جبريلُ بالآياتِ يُؤنِسُنا *** فقد فُقدتَ و كلِّ الخير محتجبُ

فليتَ قبلكَ كان الموت صادَفَنا *** لمّا مضيتُ و حالت دونك الكثبُ

إنا رُزتنا بما لم يرز ذو شجَّنِ *** من البريةِ لاعجم و لا عربُ

قال صاحبُ «بلاغات النساء»: فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً و لا باكية، من ذلك اليوم.(2)

و في البحار نقلاً عن المناقب، قال : أنشدت الزهراء سلام الله عليها و بعد وفاة أبيها عليه السلام.

وقد رُزئنا به محضاً خليقتُه *** صافي الضرائبِ و الأعراقِ و النسب

و كنتَ بدراً و نوراً يُستضاء به *** عليك تنزلُ من ذي العزةِ الكتب

و كان جبريلُ روحُ القدسِ زائرنا *** فغابَ عنَّا وكلُّ الخيرِ محتجب

فليتَ قبلك كان الموتُ صادفَنا *** لما مضيتَ و حالتْ دونك الحجب

إنا رُزئنا بما لم يرز ذو شجن *** من البريةِ لا عجم و لا عرب

ضاقتْ عليَّ بلادٌ بعد ما رحُبَتْ *** وسِيمَ سبطاكَ خسفاً فيه لي نصَب

فأنت و اللهِ خيرُ الخلقِ كلِّهمُ *** و أصدقُ الناس حيث الصدقُ و الكذب

فسوفَ نبكيك ما عشنا و ما بقيت *** منّا العيونُ بتهمالٍ لها سكب

ص: 80


1- الهنبثة هنبثة: اختلاط القول.
2- المجالس السنية، ج 5، ص113 - 114.

عن الباقر عليه السلام قال: ما رئيتُ فاطمة عليها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلي الله عليها حتي قبضت.(1)

و قالت عليه السلام أيضاً:

اغبرَّ آفاقُ السماءِ فكُوِّرَت *** شمسُ النهارِ و أَظلمَ العَصرانِ

و الأرضُ من بعدِ النبي كئيبةٌ *** أسفاً عليه كثيرةُ الأحزانِ

فليَبكِهِ شرقُ البلادِ و غربُها *** و ليَبكِه مُضَرٌ وكل يَمانِي

و ليبكِهِ الطَؤدُ الأشمُّ وجوده *** و البيتَ والأستارُ و الأركانِ

يا خاتمَ الرسلِ المبارك ضوؤُه *** صلي عليكَ منزّلُ القرآنِ(2)

و لها أيضاً حينما أخذت قبضة من تراب قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شمتها قالت: قل للمغيَّب تحتَ أطباقِ الثري *** إن كنتَ تسمعُ صرختي و ندائيا

ماذا علي مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ *** أن لا يشمَّ مدي الزماني غواليا

صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنَّها *** صُبَّت علي الأيّامِ عدنَ لياليا

قد كنتُ ذات حمّي بظلّ محمدٍ *** لا أَختشي ضيماً و كان حِمَي ليا

فاليومَ أخشعُ للذليلِ و أتّقي *** ضَيمي و أدفعُ ظالمي بردائيا

فإذا بكت قُمرِيةٌ في لَيلِها *** شجناً علي غُصنِ بكيتُ صباحيا

فلأجعلنَّ الحزنَ بعدكَ مؤنسي *** و لأجعلنَّ الدمعَ فيك و شاحيا(3)

و لها أيضاً و قد لحقت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتخلّصه من القوم فلم تتمكن فعدلت إلي قبر أبيها و أشارت إليه بنحيب و حرقة قلب قائلة:

نفسي علي زفراتِها محبوسةٌ *** يا ليتها خرجت مع الزفراتِ

لاخيرَ بعدَكَ في الحياةِ و إنّما *** أبكي مخافةَ أَن تَطُولَ حياتي(4)

و انعطفت بعد خطبتها علي قبر أبيها شاكية

ص: 81


1- البحار، ج43، الباب7، ص199، حديث27، ط بيروت.
2- الفصول المهمة، ص 132.
3- نهاية الأرب، ج18، ص403 - وفاء الوفاء، ج1، ص145 - المشرع الروي، ص88 - الدر المنثور، ص360.
4- بيت الأحزان للقمي، ص 48.

قد كنت ذات حميةٍ ما عشتَ لي *** أعشي البراح وأنتَ كنتَ جناحي

فاليومَ أخضعُ للذليل و أتقي *** منه و أدفعُ ظالمي بالراح

و إذا بكت قُمرِيةٌ شَجناً لها *** ليلاً علي غُصنِ بكيتُ صباحي(1)

و لها أيضاً في أبيها صلي الله عليه و آله و سلم:

إذا ماتَ يوماً ميِّتٌ قلَّ ذكرُه *** و ذكرُ أبي مذ ماتَ و اللهِ أزيَدِ

تذكّرتُ لمّا فرّق اللهُ بيننا *** فعزّيتُ نفسي بالنبيِّ محمدٍ

فقلتُ لها إنّ المماتَ سبيلُنا *** و من لم يمت في يومِه ماتَ في غدٍ(2)

و أنشأت في الرثاء أيضاً قائلة :

إذا اشتَّد شوقي زرتُ قبرَك باكياً *** أنوح و أشكو لا أراكَ مجاوبي

فيا ساكنَ الغبراءِ عَلّمَتني البُكا *** وذكركَ أنساني جميعَ المصائب

فإن كنتَ عنّي في الترابِ مغيَّباً *** فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(3)

و في كل ما تقدم من شعرها إنشاداً أو إنشاءً تحس الثورة و الصرخة العارمة انتصاراً للحق ...

كما تحس العاطفة الجيّاشة لما حلّ بالمسلمين و قبلهم الإسلام جرّاء تخلّف أصحاب أبيها عن بيعتهم و ارتدادهم عمّا أوصاهم به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم...

ص: 82


1- أعلام النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، ص 127 علي محمد دخيل.
2- بيت الأحزان، ص 71.
3- المصدر السابق نفسه.

كلمات في عظمة فاطمة عليها السلام

إن كلمات المشاهير و العلماء الأعلام و المؤلفين في الصديقة سلام الله عليها قد ملأت الكتب، قد يتمكن المتتبع لها أن يجمع منها كتاباً مستقلاً نسجِّل منها:

1- قالت عائشة لمن سألها أيّ الناس أحبّ لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟

قلت: فاطمة عليها السلام.

قيل: من الرجال ؟

قالت: زوجها، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً.(1)

و قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من فاطمة عليها السلام و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقّبلها و رحّب بها و كذلك كانت هي تصنع به.(2)

و قالت أيضاً: ما رأيت قط أحداً أفضل من فاطمة «سلام الله عليها» غير أبيها .(3)

و قالت أيضاً: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة سلام الله عليها إلا أن يكون الذي ولدها.(4)

و عن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي علي عائشة فسمعتها من

ص: 83


1- سير أعلام النبلاء، 2/ 92.
2- المصدر السابق نفسه.
3- الإصابة، 4/ 366.
4- سير أعلام النبلاء، 2/ 95.

وراء الحجاب و هي تسألها عن علي فقالت: تسألين عن رجل ما أعلم رجلاً أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من علي و لا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من امرأته.(1)

2- قال أبو نعيم الأصبهاني:

من ناسكات الأصفياء و صفيّات الأتقياء ، فاطمة رضي الله تعالي عنها، السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ألوط أولاده بقلبه لصوقاً و أولهم بعد وفاته به لحوقاً. كانت عن الدنيا و متعتها عازفة و بغوامض عيوب الدنيا و آفاتها عارفة.(2)

3 - قال علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري -ابن الأثير:

كانت فاطمة «سلام الله عليها» تكنّي أم أبيها و كانت أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم -إلي أن قال- و انقطع نسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلاّ منها.(3)

4 - قال زين العرب عن شرح المصابيح:

إنَّ فاطمة سميت بتولاً لإنقطاعها عن نساء الأمة فضلاً و ديناً و حسباً.(4)

5 - قال الهروي من الغريبين:

سميت مريم عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سمّيت فاطمة عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظر.(5)

6- قال عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد:

و أكرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليها السلام إكرامة عظيمة، أكثر مما كان الناس يظنونه و أكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتي خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاص و العام مراراً لا مرّة واحدة و في مقامات

ص: 84


1- المستدرك علي الصحيحين، 3/ 156.
2- حلية الأولياء، ج2، ص39.
3- أسد الغابة، ج 5، ص 520.
4- أعلام النساء، ج4، ص127.
5- المناقب، ج3/ 110.

مختلفة لا في مقام واحد: إنّها سيدة نساء العالمين و إنها عديلة مريم بنت عمران عليها السلام و إنّها إذا مرّت في الموقف نادي مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد عليها السلام و هذا من الأحاديث الصحيحة و ليس من الأخبار المستضعفة و إن إنكاحه علياً إيّاها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالي إيّاها في السماء، بشهادة الملائكة. و كم قال لا مرة: (يُؤْذِينِي ما يُؤْذِيهَا و يُغْضِبُنِي مَا يُغْضِبُهَا و إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا).(1)

7- قال علي بن الصباغ المالكي:

هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، بنت من أنزل عليه («سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي) ثالثة الشمس و القمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيدة بإجماع أهل السداد.(2)

8- قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي :

إنَّها عليها السلام غير قد خصَّت بفضل سجايا منصوص عليها بانفرادها و فضّلت بخصائص مزايا صرح اللفظ النبوي بإيرادها و ميّزت بصفات شرف تتنافس الأنفس النفيسة في آحادها و ألبست شرف صفات غادرت ملابس الشرف دون أيرادها و بين أولادها دخلت في عداد من خصَّهم الله تعالي من القرآن الكريم بإنزال آيات يلزم فرض اعتقادها ... الخ.(3)

9- قال شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي:

سيدة نساء العالمين سلام الله عليها في زمانها، البضعة النبوية، و الجهة المصطفوية ، أم أبيها، بنت سيّدة الخلق رسول الله صلي الله عليها، أبي القاسم محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلي الله عليه و آله و سلم، القرشية الهاشمية، أم الحسنين. مولدها قبل المبعث بقليل... و قد كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يحبها و يكرمها و يسرّ إليها. و مناقبها غزيرة و كانت صابرة، دينة، خيّرة، قانعة، شاكرة لله.(4)

ص: 85


1- شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 193.
2- الفصول المهمة، ص 128.
3- مطالب المسؤول، ص20.
4- سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 88.

10 - قال أحمد الشرباصي:

فاطمة البتول الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلوات الله عليه وآله و أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أفضل نساء الدنيا و سيدة نساء الجنة في الآخرة.(1)

11 - قال الدكتور علي إبراهيم حسن :

و حياة فاطمة عليها السلام هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس، أو كيلو باطرة، استمدت كل منهما عظمتها من عرش كبير و ثروة طائلة و جمال نادر و هي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش و تتحدي الرجال و لكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلي العالم و حولها هالة من الحكمة و الجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب و الفلاسفة و العلماء و إنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات و المفاجآت، و جلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء و إنما من صميم النفس.

و لعل عظمة فاطمة عليها السلام هي التي جعلت عائشة تقول: لم أجد من هو أحسن من فاطمة عليها السلام إلا أباها صلي الله عليه و آله و سلم.

و قال: و كما كانت في حياتها عظيمة كانت في موتها عظيمة أيضاً، فهي أوّل عربية مسلمة جعل لها نعش صنعته لها أسماء بنت عميس و كانت قد رأت مثله في الحبشة.

و قال أيضاً: و تركت فاطمة «رضي الله عنها» أثر كبيراً في الإسلام و يكفي أنه سمّيت علي اسمها تلك الدولة الفاطمية ، كما أنّ الجامع الأزهر اشتق اسمه منها أيضاً.(2)

12 - قالت الدكتورة بنت الشاطيء :

أحب بنات الرسول إليه و أشبهه به في خلق و خُلقُ، آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث (زينب و رقية و أم كلثوم) فكتب لها أن تكون

ص: 86


1- نفحات من سيرة السيدة زينب، ص 17.
2- نساء لهنّ في التاريخ الإسلامي نصيب، ص 46 - 48.

وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة و المنبت الطيّب الدوحة الأشراف من آل البيت عليهم السلام.(1)

13 - قال سليمان كتاني:

و فاطمة عليها السلام العفيفة كانت ابنة الصفة في النبي صلي الله عليه و آله و سلم -الصفة المخصبة بعبقرية الخلق و التوليد- لقد كان جسدها النحيل وعاء لروح شفّت حتي اندغمت بالمصدر الذي بزغ منه أبوها.(2)

ص: 87


1- بطلة كربلاء، ص 13.
2- فاطمة وتر في غمد، ص 137.

ملاحظات أخيرة

هذه بعض النقاط البارزة التي كان ينبغي الإشارة إليها من قريب أو بعيد عن الزهراء سلام الله عليها و ما يرتبط بها من مقامات و شؤون في الحكمة و الأدب و الشعر ذكرناها كمدخل إلي الديوان الذي بين يديك -عزيزي القاريء- تحدثنا عنها تيمّناً و تبرّكاً بذكرها «سلام الله عليها» و إبرازاً لبعض الجوانب التي ربّما تكون قد خفيت علي البعض.

و قبل أن أتركك تعيش في رحاب الزهراء فاطمة سلام الله عليها و تتفاعل مع ما جادت به قرائح الشعراء عنها مدحاً و رثاءً أري من الضروري الإشارة إلي بعض الملاحظات باختصار سريع.

أولاً: ولدت فكرة تأليف هذا الكتاب علي أثر كلمة ألقاها سماحة آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي «دامت بركاته» علي جمع من المؤمنين و أشار فيها إلي مظلومية السيدة الزهراء سلام الله عليها و كذلك قلة الكتب المؤلفة حول شخصيتها عليهم السلام... مقارنة بالكتب التي ألّفت حول آخرين لا يمثلون شيئاً يستحق الذكر في قبال عظمة الزهراء سلام الله عليها و علوّ مقامها و شموخ منزلتها فعقدت العزم علي إعداد هذا الكتاب كمساهمة متواضعة منّي في خدمة الزهراء سلام الله عليها و إحياءً لذكرها بين الناس.

ثانياً: كان في النية أن نجمع كل ما قيل عنها «سلام الله عليها» في الشعر مما توفر في المصادر ثم يبوّب الديوان بشكل موسوعة أدبية تضم ما قيل فيها من المدح و الرثاء معا ابتداء من القرن الأول الهجري و إلي يومنا هذا مع تفصيل تراجم الشعراء الذين نظموا فيها «سلام الله عليها» علي غرار كتاب - أدب الطفّ - للسيد جواد شبر...

ص: 88

و ما زال هذا العزم و التصميم يتحرك في النفس و يشكل دافعاً قوّياً نحو إنجازه إلاّ أن صعوبة العمل و ما يتطلبه من جهد كبير و وقت طويل ... مضافاً إلي القلق الذي يساورني مخافة أن يضيع ما جمعته من قصائد و أشعار كلاَّ أو بعضا و ما يمكن أن يسبّبه من خسارة معنوية للمكتبة الإسلامية عموماً و الأدب الشيعي علي الخصوص، دفعني إلي القيام بنشر القصائد المتوفرة عندنا أولاً بشكل ديوان خاص حتي إذا سنحت فرصة أكبر و فراغ أوسع أنجزت فكرتي الأولي و أعددت القصائد بشكل موسوعة أدبية كاملة عما جاء عنها «سلام الله عليها». فجاء هذا الكتاب و هو كما تراه بين يديك يضم حوالي (600) قصيدة لشعراء شتي عاشوا في عصور و أمصار مختلفة متباعدة أو متقاربة.

و هو... يمثل مسيرة طويلة و متكاملة في الشعر و الأدب مثَّل الآراء و المواقف علي مر العصور و الأدوار و واكب ما جري فيها من تغييرات و أطوار و عايش مختلف الظروف السياسية الحرجة و المنفتحة...

ابتداءً من الشعر العقيدي الذي غطّي علي الشعر في القرون الأولي كما ذكرنا فيما تقدم إلي الشعر الولائي إلي شعر النصرة الذي يعد اليوم أكثر أنواع الشعر رواجاً في الأندية و المحافل... نظراً لشدة الظلامات التي يتعرّض لها المجتمع البشري اليوم جرّاء السياسة الاستعمارية و الحكومات الديكتاتورية المتمكنة علي رقاب المسلمين و التي تسوقهم بالحديد و النار و تسومهم سوء العذاب و نظراً لحاجة المجتمع الجديد إلي مبادئهم عليهم السلام و تعطّشه لسيرتهم العادلة عليهم السلام التي أبعدتها السياسات عن الساحة عن علم و سابق تخطيط...

و علي أي حال... فقد جاءت بعض القصائد في الديوان في مدحها «سلام الله عليها» و بعضها جاء في رثائها... كما أنّ بعض القصائد جاءت خاصة بالزهراء سلام الله عليها و بعضها ألمحت إليها في بعض أبياتها...

و قد رتّبتها حسب حرف الرويّ و حركته متبعاً في هذا العمل سنن الذين صنّفوا في مثل هذا العمل و قواعد التحقيق و مناهجه، فابتدأت بقافية الألف ثم انتقلت إلي قافية الباء و هكذا.

و في كل قافية اتبعت الترتيب المعروف فبدأت بالهمزة الساكنة منتقلاً

ص: 89

إلي المفتوحة فالمضمومة، فالمكسورة. و لجأت في ترتيب كل قسم من هذه الأقسام علي الترتيب العروضيّ، ففي القافية الساكنة مثلاً رتبت القصائد: البحر الطويل، فالمديد، فالبسيط، فالوافر، فالكامل... و هكذا إلي آخر الأبحر، متبعاً في ذلك الطريقة العلمية المعروفة. فليس تقديم شاعر أو تأخير آخر في الديوان دليلاً علي قوة المقدَّم وضعف المؤخَّر...

كما لا يعني أهمية القصيدة السابقة علي الثانية اللاحقة... كلّا... و إنما ضرورة النظم و التبويب و تسلسل الحروف الهجائية الطبيعي هي التي أملت علينا هذا النوع من النظم و هذا اللون من التقديم و التأخير...

ثالثاً: تسهيلاً للقاريء و بياناً لبعض الحقائق حَشَّيت علي الأبيات التي تحتاج إلي بعض التوضيح سواء من الناحية الأدبية و اللغوية أو من الناحية التاريخية أو الروائية أو الاعتقادية أو غيرها... بعد شكل كلمات القصائد شكلاً كاملاً.

و أملي من سيدتي و مولاتي «سلام الله عليها» أن تقبل مني هذا العمل الضئيل و الجهد المتواضع... و تسدّده و تعفو عن زلّاته و عثراته...

كما آمل من أصحاب الفضل و الأدب أن يقوّموا ما فاتني في ذلك فإني أعترف سلفاً بأن هذه المحاولة لا تخلو من قصور...

و من الله أستمد العون و التوفيق.

و من سيدتي الصديقة الكبري سلام الله عليها أرجو العناية و الرضا... و السلام عليها و علي آبائها و أبنائها الطاهرين و رحمة الله و بركاته.

26 من ربيع الأول لعام 1416 ه

المؤلف

الشيخ علي حيدر المؤيد

ص: 90

قافية الألف

اشارة

ص: 91

ص: 92

(1) بنت النبي صلي الله عليه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ إبراهيم بري

نَشَأَت بِيَثرِبَ طفلةٌ زَهراء سلام الله عليها *** في وَجهِها، وَجهُ النَّبِيَّ تَراءَي(1)

نَشَأَت بِيَثرِبَ فَهيَ أَطهَرُ نَجمَةٍ *** تَهَبُ الشُّعَاعَ و تَمنَحُ الأَضواءَ

بِنتُ عَلَي صَدرِ النبيِّ تَرَعرَعَت *** و نَمَت كَزَنبَقَةِ الرُّبي فَيحاءَ

بِنْتِ اَلنَّبِيِّ وَ يَا لهَا مِنْ حُرَّةٍ *** تَلِدُ اَلْكُمَاةَ وَ تَنْجُبُ اَلشُّهَدَاءُ

الرَّافِعِين اِلي اَلنُّجُومُ لِواءَهُمْ *** اِكْرَمْ بِمَنْ رَفَعُوا اَلْخُلُودَ لِوَاء

بذلوا لِرَيِّ اَلظَّامِئِينَ كَوُؤْسِهِمْ *** وَ قَضَوْا عَلَيَّ شَفَةَ اَلْكُوؤُس ظِمَاءً

وَ سِوَاهُمْ حَسَبُ اَلرِّيَاءِ مُكَارِماً *** حَاشَا اَلْمَكَارِمِ أَنْ تَصِيرَ رِيَاءَ

قَوْمٍ لَهُمْ تَخِذُوا اَلشَّهَادَةَ رَأْسَهَا *** وَ تَسِيرُ تَحْتَ ظِلاَلِهِمْ خُيَلاءَ(2)

فَتَحُوا بِسَاحَاتِ اَلْجِهَادِ صُدُورَهُمْ *** حَتِّي تُلاَقِي اَلطَّعْنَةَ اَلنُّجَلاَءَ(3)

ص: 93


1- و يمكن تصحيح ذلك بإعراب طفلة علي أنها حال منصوبة و زهراء سلام الله عليها صفتها لموافقتها مع القافية إلَّا أنه لا يخلو من ضعف و الله العالم و في تشبهها بأبيها صلي الله عليه و آله و سلم انظر في الأدب المفرد للبخاري، ص 244. عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً من الناس أشبه بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم كلاماً و لا حديثاً و لا جلسة من فاطمة. و في مرآة الجنان لليافعي، ص 6. و كانت إذا دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم رحّب بها و كانت أشبه الناس بأبيها في مشيها و حديثها.
2- خُيَلاء : أي مسيرة خُيَلاء و هي مشية فيما نوع من الكبر.
3- طعنة نجلاء: واسعة.

وَ جَراحِهِم كَم مِن شِفاهُ جِراحُهُم *** فَجُر أطِلَّ عَلَي الدُّنيِّ(1) وَ أضاءَ

وُ دَماؤُهُم ... إنِّي لَمَحْتُ دِمَاءَهُم *** تَجْرِي عَنِ اَلدِّينِ اَلْحَنِيفِ فِدَاءٌ

لَمْ يُنحَّنوا يُؤُمَّا لِصَوْلَةٍ ظالِمٍ *** كَلَّا وَ لاَلَبِسُوا الْهَوانَ رِداءً

وَ اِذَا اَلْمُرُوءَةَ فِي اَلنُّفُوسِ تَجَسَّدَتْ *** لَمْ تَلْقَ أَنْذَالاً وَ لاَ جَبْنَاءَ

نشات بيثرَتْ، فَهِيَ اطهر شَمْعَةٌ *** ذَابَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا شَذِي وَ سَنَاءٌ

وَ حياتهَا برِبِّي اَلنُّبُوَّةِ وَ رْدَةٌ *** بَيْضَاءَ حَيَّ اَلْوَرْدَةِ اَلْبَيْضَاءِ

حَي الامام الزَّوْجِ وَ الْبَطَلِ اَلَّذِي *** دَحَرَ الْمُلُوكَ وَ دَحْرَجَ اَلاِمْرَاةِ

وَ اَللَّهِ شَاءَ بَانَ تَمُوتُ حَزِينَةً *** وَ اَللَّهُ يَفْعَلُ مَا اِرَادَ وَ شَاءَ

أعرفتها سلام الله عليها؟ أَعْرَفْتُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم؟ *** فَاتلُ الصَّلاةَ وَ كَرِّمِ الزَّهْراء سلام الله عليها

ص: 94


1- الدَّنا: الدنيا.

(2) نبع المكارم

(بحر الخفيف)

الشيخ إبراهيم النصيراوي

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** هاتفاً بالوليدة الزهراءِ

هي نبع من المكارم يزهو *** خصُّ للأرض من عيون السماءِ

تتباهي بها السماوات فخراً *** و تغنّت بها ربي الغبراءِ

لاكيوم الزهراء يوم بهيّ *** دائم العطر من أريج الثناءِ

و الأهازيج باسمها تتعالي *** و هي فوق المديح و الإطراءِ

فكأنّي بكل قلب ينادي *** ولدت بنت سيد الأنبياءِ

***

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** فهي حسبي و غايتي و رجائي

كل عرق جري بجسمي حيٌ *** حبُّها فيه لا مسيل الدماءِ

إنّ قلباً خلا من الحب يوماً *** ليس يُنمي لهذه الأحياءِ

كلما جلتُ خاطراً تهتُ فيها *** بسناهايغيب كل سناءِ

حشدت نفسها الملائك زحفاً *** خُلقت بيت بلهفة و انحناءِ

علّها أن تري سناء وجوه *** خُلقت قبل خلق هذا الفضاءِ

تتمنّي بأن تظلّ عكوفاً *** و لتحظي بحمل فضل الرداءِ

هكذا البضعة الزكية كانت *** منبت اليُمن منبت الآلاءِ

غطت الشمس شمسها فأنارت *** هذه الأرض من سني الزهراءِ

هي أنثي و خلفها ألف معني *** كل معني به مدي للخفاءِ

ص: 95

إنّها المرأة التي قيل فيها *** ما علي الأرض مثلها في النساءِ

هي سرٌ حسبها إنّ فيها *** نزل الوحي هاتفاً بالثناءِ

ليس يرقي لفضلها أي فضل *** من أبينا و أُمّنا حواءِ

ص: 96

(3) لذ بالبتول

(بحر الكامل)

الأستاذ أحمد فهمي محمد

لُذْ بِالبَتُولِ وَنادِ بِالزَّهراءِ *** وَ اضْرَعْ لِرَبِّكَ خيفةٌ بِدُعاءِ(1)

وَ ارْفَعْ لِفاطِمَةَ اللِّواءَ فَاِنَّها *** بِنْتُ الرَّسُولِ سَلِيلَةُ الحَنَفاءِ(2)

حُورِيَّةٌ انْسِيَّةٌ فَطَرْتَ عَلَيَّ *** خَلْقٌ سَمّاً فِي الذِّرْوَةِ اَلْعَلْيَاءِ

فَاقَتْ نِسَاءُ اَلْعَالَمِينَ وَ انَّها *** يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ تزْدَهي بِسَنَاءٍ

وَ اَللَّهُ يَغْصِبُ حِينَ تَغْصَبُ فَاطِمُ *** وَ اَللَّهُ يُرْضِي فِي مَقامِ رِضاءِ

شَهِدَ الْخَلَائِقُ اِنَّها لَكَرِيمَةٌ *** وَ هِيَ اَللِّيَادُ لَنَا مِنَ الاواءِ(3)

وَ هِيَ الْوَسِيلَةُ لِلنَّجاةِ وَ عِصْمَةٌ *** وَ ذَخِيرَهِ الْعَانِي مِنَ الضَّرَّاءِ(4)

وَ لَهَا الشَّفَاعَةُ فِي اَلْعُصَاةِ وَ جَنَّةٌ *** وَ لَنَا بِهَا الزلفي لِيَوْمِ لِقَاءٍ(5)

فَاللَّهُ يَنْفَعُنَا بِهَا وَ بِنَسْلِهَا *** حَتِّي نَصِيرُ بِهِمْ مَعَ اَلسُّعَدَاء

ص: 97


1- لُذْ: عُذْ و الجأ.
2- الحُنَفاء: جمع حنيف: و هو المائل من شرِّ إلي خير و الحنيف: المسلم الذي يتحنّف عن الأديان، أي يميل إلي الحق و فيه أقوال عديدة، محصَّلها ما ذكرناه. انظر لسان العرب.
3- لاذَ به يلوذُ لَوذاً و لُوذاً و لَوذاً و لياذاً : لجأ إليه و عاذ به و لاوَد ملاوَذَةً و لِواذاً و لياذاً: استتر، عن اللسان. و اللأواء: الشدّة و المشقة.
4- العصمة: الرحمة و الحفظ و الملجأ و منه قوله تعالي: «وَلاَ عَاصِمَ اَلْيَوْمَ مِن أَمْرِ الله» و قوله : «و اعْتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعاً» سورة آل عمران/ آية : 103. و العاني: العبد و الخاضع و الأسير و منه قوله تعالي: «وَ عَنَتِ اَلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اَلْقَيُّومِ» سورة طه/آية : 111.
5- الشفاعة: كلام الشفيع لمالك الأمر في حاجةٍ يسألها لغيره و في أمور الآخرة هي السؤال من الله سبحانه للتجاوز عن الذنوب و المعاصي و الجنة معروفة لكن لعلها بضمّ الجيم فتكون بمعني الحصن و الدِّرع و الزُّلفي: القُربة و القرب و الدنوّ و منه قوله تعالي: «وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ» سورة الشعراء/آية:90 أي: قُرْبت.

(4) الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ أحمد الوائلي(*)(1)

ص: 98


1- (*) هو الخطيب الكبير الدكتور الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد ابن حمود الليثي الوائلي. و أسرة الوائلي من الأسر العربية العريقة في النجف الأشرف و قد أنجبت العديد من الشخصيات العلمية و الأدبية و الثقافية أمثال الشاعر إبراهيم الوائلي و الدكتور فيصل الوائلي و غيرهما من أعلام الأسرة . و لد الوائلي في مدينة النجف الأشرف يوم الجمعة، 17/ ربيع الأول سنة 1342 ه. و قد استخرج اسمه من القرآن الكريم عندما تفاءل والده متيمناً بكتاب الله «سبحانه» لاختيار اسمه فكانت الآية السادسة من سورة الصف ««وَإِذْ قَالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...» و كان وقعها مطابقاً لمقتضي الحال حيث كانت ولادته في السابع عشر من شهر ربيع الأول ذكري مولد سيد الأنبياء محمد صلي الله عليه و آله و سلم و ذكري مولد حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام فسماه أحمد. و لما درج ابتدأ تعليمه في مكاتب القرآن الكريم بتعلّم القراءة و الكتابة، ثم التحق بالمدارس الرسمية و واصل دراسته في مدارس منتدي النشر في النجف الأشراف حتي تخرج من كليتها عام (1962 م) محرزاً درجة البكالوريوس في اللغة العربية و العلوم الإسلامية، ثم أكمل مرحلة الماجستير في جامعة بغداد، ثم تقدم لّنيل درجة الدكتوراه في كلية العلوم بجامعة القاهرة فنالها علي أساس أطروحته و إلي جانب دراسته الأكاديمية و بلوغه أعلي المستويات اتجه إلي الدراسة (الحوزوية) فقرأ مقدمات العلوم العربية و العلوم الدينية العقلية و النقلية متتلمذاً علي أساتذة الحوزة في النجف منهم الشيخ علي ثامر و الشيخ عبد المهدي مطر و الشيخ علي سمّاكة و الشيخ هادي القرشي و السيد حسين مكي العاملي و الشيخ علي كاشف الغطاء و السيد محمد تقي الحكيم و الشيخ محمد حسين المظفر و الشيخ محمد رضا المظفر و الشيخ محمد تقي الإيرواني و قد مضي في دراسة العلوم الحوزوية حتي تأهل فيها بالكامل.

(1) كَيْفَ يَدُونُو الي حشاي اَلدَّاءِ *** وَ بِقَلْبِيَ اَلصِّدِّيقَةُ اَلزَّهْرَاءُ

مَنِ اِبُوهَا وَ بَعْلِهَا وَ بَنَوْهَا *** صَفْوَةَ مَا لِمِثْلِهِمْ قُرَنَاءُ

ص: 99


1- أما خطابته الحسينية فإنه بدأ يتدرّج في مراتبها منذ أوائل حياته و قد ارتقي المنبر الحسيني وهو لا يزال في العقد الأول من عمره واستمر في الخطابة أكثر من نصف قرن، و يعتبر الشيخ أحمد الوائلي خطيباً حسينياً بكل معني الكلمة لأنه خدم المنبر الحسيني لأطول فترة بالقياس إلي سائر الخطباء و بقدرات و مواهب خطابية هائلة و من منطلق العلم و الثقافة الأمر الذي أظهر للمنبر الحسيني قيمة أكبر و أوجد له معطيات متجدّدة. إن الأستاذ الوائلي رمز من أبرز رموز المنبر الحسيني و واجهة من واجهات جامعة النجف الأشرف و مؤسس المدرسة المعاصرة للخطابة الحسينية و العميد الفعلي لسلك الخطابة العربية فهو الذي لم يضارعه خطيب في قوة شخصيته و تأثير أسلوبه و سحر بيانه، لذا انتسب لمدرسته جيل من نوابغ الخطباء و استفادت من مناهجه الطلائع اللامعة من أرباب الفن المنبري. و المترجم له من الخطباء القلائل الذين لم يخفقوا أو يتعثّروا في مسيرة حياتهم المنبرية، فلقد بقي محافظاً علي المستوي الرفيع لخطابته طيلة هذه الفترة الزمنية حتي أصبح مقياساً المستوي الخطيب الناجح فإذا ما أرادت الجما، هير أن تقوّم خطيباً بارعاً تقول إنه كالوائلي و خلاصة القول أنه الخطيب الرائد الذي أنسي من قبله و أتعب من بعده. و المترجم له شاعر مجيد يمتاز شعره بفخامة الألفاظ و بريق الكلمات و إشراقة الديباجة، إذ يعتني كثيراً بصياغة قصائده، فهو شاعر محترف مجربّ و من الرعيل المتقدم من شعراء العقيدة ، شاعر ذو لسانين فصيح ودارج، و قد أجاد وزأبدع بكليهما. كما اهتم المترجم له، منذ شبابه بالنشاطات الثقافية ذات المنحي الديني فقد انتسب إلي (منتدي النشر) و هي مؤسسة ثقافية دينية متميزة في النجف الأشراف أسّسها المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر أحد أساطين العلم و الفضيلة بمساندة و مشاركة رجال الفكر و العلم في الحوزة العلمية في النجف الأشرف فقد دخلها الخطيب الوائلي في البداية تلميذاً ثم أصبح أستاذاً فيها إلي أن شغل منصب الأمين العام لها في مطلع السبعينيات، ثم انتخب رئيساً لها في منتصف السبعينيات. أتحف الأستاذ الوائلي المكتبة الإسلامية بآثاره العلمية القيمة فمؤلفاته المطبوعة: 1- هوية التشيّع. 2 - من فقه الجنس. 3- أحكام السجون. 4 - نحو تفسير علمي للقرآن. 5- ديوان شعر الأول و الثاني. 6- استغلال الأجير ... و كتب أخري في طريقها إلي الطبع. توفي بتاريخ 2003/7/14م ودفن في مدينة النجف الأشرف.

أُفُقٌ يَنْتَمِي إِلَي أُفُقِ اَللَّهِ *** و ناهِيكَ ذَلِكَ اَلْإِنْتِمَاءُ

وَ كِيَانٌ بَنَاهُ أَحْمَدُ خَلْقاً *** وَرعتهُ خَدِيجُةُ اَلْغَرَّاءُ

وَ عَلِيٌ ضَجِيعُهُ بِالرُّوحِ *** صَنَعْتَهُ وَ بَارَكَتْهُ السَّماءُ

اَيْ دَهْماءُ جَلَّلْتَ اُفْقَ الاِسْلامِ *** حَتّي تُنَكِّرِ الْخُلَصاءُ(1)

اَطْعَمُوكِ اَلْهَوَانَ مِنْ بَعْدِ عِزِّ *** وَ عَنِ الْحُبِّ نابَتِ البَغْضَاءُ

أَأْضِيعَتْ الاءُ احْمَدَ فِيهِمْ *** وَ ضُلاَّلٌ أَنْ تجْحَدَ الالاءُ(2)

اولم يَعْلَمُوا بَانَكَ حُبُّ الْمُصْطَفِي *** حِينَ تَحْفَظُ الاباء(3)

أُفَاجِرُ اَلرَّسُولَ هَذَا وَ هَذَا *** لِمَزِيدٍ مِنَ اَلعطاء اَلْجَزَاءَ؟

اَيُّهَا اَلْمُوسع اَلْبَتُولَةُ هَضْماً *** وَيْكَ مَا هَكَذَا يَكُونُ اَلْوَفَاءُ(4)

بِلُغَةٍ خَصَّهَا النَّبِيُّ لِذِي الْقُرْبِي *** كَمَا صَرَّحَتَ بِهِ الانْبَاءَ(5)

لَاتُسَاوِي جَزَاءً لِمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ *** اُعْطَتْهُ اُمَّكِ السُّمَحَاءُ(6)

ص: 100


1- أراد بالدهماء : الداهية و الفتنة. لكن المعروف أنها الدُهيماء بالتصغير . و جل بمعني عمَّ و غطي : و منه قولهم: جلل المطرُ الأرضَ.
2- الآلاء: النِّعم.
3- الحِبّ، بكسر الحاء: الحبيب المحبوب.
4- ويكَ : كلمة تعجب مركبة من ويّ و كاف الخطاب. و قيل : هي ويلك، أو ويحك أو ويبك مخففة.
5- روي الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل، قال: أخبرنا أبو سعد السعدي بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» دعا فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً و العوالي، و قال صلي الله عليه و آله و سلم: هذا قسم قسمه الله لكِ و لعقبك. قد يجدنا القاريء النبيه نتعمّد ذكر روايات علماء العّامة و هو بالضبط ما عاهدنا عليه أنفسنا. لأنّه أقوم للحجّة و أقوي للاحتجاج، و إلاّ فإن هذه القضايا ممّا قام عليها الإجماع عند أصحابنا الإماميّة، و امتلأت بالتنصيص عليها الأسفار و مع ذلك كله فلك أن تراجع غير ما ذكرناه في شواهد التنزيل و الذهبي في ميزان الاعتدال و الدر المنثور و منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد و ينابيع المودة للقندوزي و غيرهم و فيما ذكرنا الكفاية.
6- كانت السيدة خديجة سلام الله عليها عندما تزوجت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد جعلت كل ما لديها من مال و هو كثير جداً -تحت تصرف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يضعه حيث يشاء دون الرجوع إليها لاستئذانها، و قد صرفه النبي صلي الله عليه و آله و سلم في سبيل الدعوة إلي الله و نصر الإسلام، فكان مال خديجة سلام الله عليها و سيف أبي طالب أهم معينين لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أثناء الدعوة في مكة، فلما تمّ فتح حصون خيبر استسلم بقية اليهود و جاؤوا يصالحون النبي و آل إليه ملك فدك فنحلها لابنته فاطمة سلام الله عليها مقابل مال أمها علي رأي.

ثُمَّ فِيهَا اَلْيَّ مَوَدَّةِ ذِي الْقُرِّبِي *** سَبِيلٌ يَمْشِي اَلاِتِّقِيَاءُ

لَوْ بِهَا اَكْرَمُوكِ سُرَّ رَسُولُ اَللَّهِ *** يَا وَيْحَ مِنِ اليهِ أساءُوا

أَيْذَادُ اَلسِّبْطَانِ عَنْ بُلْغَةِ الْعَيْشِ *** وَ يُعْطِي تُراثَهُ اَلْبُعَدَاءُ؟(1)

وَ تَبِيتُ الزَّهْرَاءُ غَرْثِي وَ يُغذُّني *** مِنْ جَنَاهَا مَرْوَانُ وَ اَلْبَغْضَاءُ؟(2)

أَتْرُوحُ اَلزَّهْرَاءَ تَطْلُبُ قُوتاً *** وَ اَلَّذِينَ اِسْتَرْفَدُوا بِهَا أَغْنِيَاءُ(3)

نُهَنِي يَا بِنَةَ اَلنَّبِيِّ عَنِ اَلْوَجْدِ *** فَلاَ بَرِحَتْ بِكِ اَلْبُرْحَاءُ(4)

وَ أرِيحِي عَيْناً وَ إِنْ أَذْبَلَتْهَا *** دَمْعَةٌ عِنْدَ جَفْنِهَا خَرْسَاءُ

وَ اِنْطَوِيَ فَوْقَ أضلعٍ كَسَرُوهَا *** فَهِيَ مِن بَعْدِ كَسْرِهِمْ أَنْضَاءُ(5)

ص: 101


1- أيذاد : أيُدفَع.
2- غرثي: جائعة وجوعي . وجناها : ثمارها و حاصلها.
3- استرفدوا: استعانوا. و الرَّفد: المعونة و العطاء.
4- نهنهي: كفي و الوجد: الحزن و الفعل: وجد، بفتح الجيم و كسرها، عن اللحياني، إلّا أن الفعل يتعدي بالباء، فتقول وجدت به وجداً، عن المصباح المنير. و برحت به بُرّحَت: آذته أذّي شديداً و البُرَحاء - كالعلماء: الشدة و الأذي و الشرَّ.
5- أنضاء : جمع نِضْوِ، و هو المهزول. و إنّما سمّي السهم نضواً أو نضياً لكثرة ما وقع عليه من البري و النحت و الموصوف بالأنضاء هنا هو الأضلاع. و قد نقل الشهرستاني في الملل و النحل، عن النّظام المعتزلي أستاذ الجاحظ قوله: إن عمر ضرب بطن فاطمة سلام الله عليها يوم البيعة، حتي ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي عليه السلام و فاطمة سلام الله عليها و الحسن و الحسين عليهما السلام. و في العقد الفريد لابن عبد ربه، ج2، ص250 و تاريخ أبي الفداء، ج1، ص156 و أعلام النساء، ج3، ص127: «و بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب و قال لهم : فإن أبوا فقاتلهم و أقبل عمر بقبسٍ من نار علي أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة سلام الله عليها، فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة. و في الإمامة والسياسة، ج1، ص13 و تاريخ الطبري، ج3، ص 198: دعا بالحطب و قال: والله لتُحَرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلي البيعة، أو لتخرجن إلي البيعة أو لأحرقنها علي من فيها. فيقال للرجل: إن فيها فاطمة عليها السلام فيقول: و إن!! و قال شاعر النيل، حافظ إبراهيم في قصيدته المعروفة بالعمريّة: و قولةٍ لعلي قالها عمرُ *** أكرمْ بسامعها أعظِم بمُلقيها حرَّقت دارَك لا أبقي عليك بها *** إن لم تبايع و بنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها *** أمام فارس عدنان و حاميها و أخرج أبوبكر الجوهري في كتابه (السقيفة) من حديث أبي لهيعة عن أبي الأسود: أن عمر و أصحابه اقتحموا الدار، و فاطمة سلام الله عليها تصيح و تناشدهم الله و أخرج أيضاً في نفس الكتاب، عن الشعبي حديثاً قال فيه: فانطلق عمر و خالد بن الوليد إلي بيت فاطمة سلام الله عليها، فدخل عمر و وقف خالد بالباب. و ابن خرداذبه في الغرر ذكر أن زيد بن أسلم قال: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلي باب فاطمة سلام الله عليها حين امتنع عليّ و أصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة سلام الله عليها: أخرجي من البيت أو الأحرقنّه و من فيه! قال: في البيت علي عليه السلام و فاطمة سلام الله عليها و الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم. فقالت فاطمة سلام الله عليها أفتُحرق عليّ و علي ولدي؟؟ فقال: إيْ والله، أو ليخرجن و ليبايعن! و لا شك أنّ ما ذكرناه هنا ليس إلاّ الدخان المتعالي الذي يحكي الغليان و تصاعد ألسنة النيران. و في روايات أهل البيت عليهم السلام ذكر أسماء آخرين قد شاركوا في ارتكاب هذه الجريمة العظمي، من أمثال قنفذ بن عمير التميمي، و المغيرة بن شعبة و غيرهما. و سوف تأتي -إن شاءالله- بعض إشارات إلي ذلك، فيما يأتي من قصائد.

وَ تُنَاسَيْ ذَاكَ اَلْجَنِينَ اَلْمَدمَّي *** وَ إِنِ اسْتَؤْحِشَتْ لَهُ الأَحشاءُ

وَجَبَينٌ مُحَمَّدٌ كَانَ يَرْتَاحُ *** إِلَيْهِ مُبَارَكٌ وَضَّاءٌ

لَطَمَتْهُ كُفٌّ عَنِ الْمَجْدِ و النَّخْوَةِ *** فِيهَا عَهِدْتُهَا شَلاءُ

وَ سَوارٌ عَلَيَّ ذِرَاعَيْك مِنْ سَوْطٍ *** تَمَطَّتْ بِضَرْبِهِ اللُّؤماءُ(1)

فِي حَشَايَا الظَّلَامِ فِي مَخْدَعِ اَلزَّهْرَاءِ *** آهِ وَ لَوْعَةٌ وَ بُكاءُ

وَ هِيَ فَوْقَ الْفِرَاشِ نِضْوٌ مِنَ اَلاِسْقَامِ *** كَالْغُصْنِ جَفَّ عَنْهُ اَلْمَاءُ

ألرَزَايَا اَلسَّوْدَاءَ لَمْ تَبْقَ مِنْهَا *** غَيْرَرُوحٌ أَلوي بِهَا اَلْإِعْيَاءُ(2)

وَ مُسْجِّي مِنْ جِسْمِهَا وَ سَمْتِهُ *** بِالنُّدُوبِ اَلسِّيَاطُ كَيْفَ تَشَاءُ(3)

وَ كَسِيْرٌ مِنَ اَلضُّلُوعِ تَحَامَّتْ *** أَنْ يَرَاهُ اِبْنُ عَمِّهَا فيُساءُ(4)

فَاسْتَجَارَتْ بِالْمَوْتِ وَ الْمَوْتُ لِلرُّوحِ *** الَّتي آدها الْعَذَابُ شِفَاءُ(5)

ص: 102


1- الشاعر يشير إلي الذين ضربوها بالسوط علي يدها حتي أصبحت كالدملج، كما جاء في الروايات، و الدملج: السواد.
2- وألوي بها: ذهب بها و أهلكها.
3- المسجَّي: الممدّد و هو صفة لاسم مقدّر يرجع في روحه إلي الجسم و السمة: العلامة. الندوب: جمع نَدَب، أو نَدبة - كلاهما بفتح الدال: و هو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.
4- تحامت: تحاشت و حاذرت.
5- آدها: دهاهاو أثقلها و عظم عليها.

وَبِجَفْنِ الزَّهْرَاءِ طَيْفٌ تُبْدِي *** فِيهِ وَجْهَ اَلْحَبِيبِ وَ اَلسِّيمَاءُ(1)

وَ ذِرَاعاً خَدِيجَةَ وَ اِبْتِهَالُ اَلْأُمِّ *** تَشْتَاقُ فَرْخهَا وَ دُعَاءٍ(2)

فَتَمَشَّتْ بِجِسْمِهَا خَلَجَاتٌ *** وَ مَشَي فِي جُفُونِهَا إِغْمَاءُ(3)

وَ بَدَتْ فِي شِفَاهِهَا هَمْهَماتٌ *** لِعَلِيَّ فِي بَعْضِهَا إِيصَاءٌ(4)

بِيَتِيمَيْنِ وَ اِبْنَتَيْنِ وَ يَاللامُ *** نَبَضَ بِقَلْبِهَا الأبْنَاءَ

ووِصَايَا نِمَّتَ عَنِ الْهَضْمِ والْعَتْبِ *** رُوَتُهَا مِن بَعدِهَا أسْمَاءُ(5)

ثُمَّ مَاتَتْ وَ لَهَي فَمَا أَقْبَحَ اَلْخَضْرَاءَ *** مِمَّا جَنَوْهُ وَ الْغَبْراءُ(6)

سُجِّيتْ فِي فِرَاشِهَا وَ عَلِيِّ *** وَ بَنُوهُ عَلَي الْفِرَاشِ اِنْحِنَاءُ

وَ تَلاَقَتْ دُمُوعُهُمْ فُؤْقَ صَدْرٍ *** كَانَ لِلْمُصْطَفَي عَلَيْهِ ارتِماءٌ

وَ عَلَيَّ بِدَمْعٍ يَقْتَضِيهِ *** اَلْحُزْنُ سَكْباً وَ تَمْنَعُ اَلْكِبْرِيَاءَ

ص: 103


1- السيماء: العلامة و اللام هنا عهدية قامت مقام المضاف إليه، فكأنه قال: و سيماؤه و منه قوله تعالي: «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»- الفتح: آية 29.
2- يقال: ابتهل في الدعاء: إذا اجتهد فيه و الابتهال: التضرع و الاجتهاد في الدعاء و إخلاصه لله «عزّوجل» عن اللسان و الفرخ في أصل اللغة، ولد الطائر، لكنه قد استُعمل في كل صغير من الحيوان و النبات و غيرها. بما في ذلك الإنسان و منه خطاب سيد الشهداء عليه السلام لقبر جدّه: أنا الحسين بن فاطمة عليه السلام، فرخّك و ابن فرختك و سبطك الذي خلّفتني في أمّتك.
3- أصل الاختلاج: الحركة و الاضطراب و الخلج بالتحريك: أن يشتكي الرجل لحمه و عظامه من عمل يعمله أو طول مشي و تعب، قاله ابن منظور و قال ابن الأعرابي: الخُلْجُ: التعبون و الخُلْجُ: المرتعدون الأبدان.
4- الهمهمة: الكلام الخفيّ.
5- الهضم و الهضيمة: الظلم، و هضيم و مهتضم: مظلوم و المراد من أسماء: هي أسماء بنت عميس الخثعمية، كانت تحت جعفر بن أبي طالب، ثم من بعده تزوجها أبوبكر، ثم من بعده آلت إلي عليّ عليه السلام و قد كانت من المؤمنات و المواليات لأميرالمؤمنين عليه السلام و الحواريّات اللاتي كانت علاقتهن بآل بيت النبوة صلي الله عليه و آله و سلم علاقة اعتقاد و إيمان راسخ.
6- الوَلَه: الحزن الشديد و قيل: هو ذهاب العقل و التحيّر من شدّة الوجد أو الحزن أو الخوف أو السرور و المعني الأول هو المراد ولا يخفي أنّ في البيت إقواءً، لأن المفروض انعطاف الغبراء علي الخضراء، ولكن يمكن دفع ذلك بالقول بالاستيناف و أنّها مرفوعة علي الابتداء، بتقدير: و الغبراءُ كذلك ما أقبحها.

فَاحْتَوَيَ فَاطِمَاً إِلَيْهِ وَ نادي *** عزَّيا بَضْعَةَ اَلنَّبِيِّ اَلْعَزَاءَ(1)

وَ تَوَلِّي تَجْهِيزَهَا مِثْلَمَا أَوْ *** صُتَّهُ مِنْ حَيْنَ مُدَّتِ اَلظَّلْمَاءُ

وَ عَلَيَّ اَلْقَبْرُ ذابَ حُزْناً وَ نَدَّتْ *** دَمْعَةٌ مِنْ عُيُونِهِ وَ كِفَاءُ(2)

ثُمَّ نَادِي: وَدِيعَةٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ *** رُدَّتْ وَ عَيْنُهَا حَمْرَاءُ(3)

ص: 104


1- عزَّ: قلَّ وندر. و منه الحديث : المؤمنة أعزَّ من المؤمن و المؤمن أعزَّ من الكبريت الأحمر.
2- ندّت: شدت و طفرت. وَ وَكَف الدمعُ: سال قليلاً قليلاً.
3- إشارة إلي خطاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للنبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و بعد دفنه للزهراء عليها السلام إذ فاضت عيناه و قال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عني و عن ابنتك النازلة في جوارك و السريعة اللحاق بك قلَّ يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن صفّينك صبري... إلي أن قال: فلقد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة إلي آخر كلامه عليه السلام. راجع نهج البلاغة، الخطبة 193.

(5) دار الوحي

(بحر الوافر)

الأستاذ بشار كامل الزين

بدارِ الوحي ياخير النساء *** حظيت بكل آيات الثناءِ

تجمّعتِ الفضائلُ فيك حتي *** كسَتكِ بنفسها مثل الرداءِ

فإنّك بنتُ خير نساء أرض *** تولّت دينها قبل النساء

و من بيتِ النبوة بيتِ طه *** نشأت عي ابتهالات الدعاءِ

حباكِ الله نعمتَهُ و ساماً *** به قد صرت من أهل الكساءِ

فنلتِ الحبّ و التقديس منّا *** لأنّ الله خصّك بالنداءِ

و عطفُ أبيك ما جاراه عطفٌ *** عليك مع المحبة و الرجاءِ

أم أبيك من سمّاك هذا؟ *** سوي من كان يحنث في حراءِ

أطعتِ أبا و مبعوثاً رسولاً *** لينعم بالسعادة و الهناءِ

و ينشر دعوة الإسلام حتي *** تعمَّ العالمين علي السواءِ

و زوَّجَكَ النبي إلي علي *** ربيبِ المصطفي بطل الفداءِ

فكنت المرأةَ المُثلي لزوج *** كريمِ الخلقٍ مشهودِ الولاءِ

و كنت الأم للحسينِ أماً *** سقت أبناءها وَحْي السماءِ

و ربتهم علي نورٍ و تقوي *** و إيمانٍ و خلقٍ مستضاءِ

أبنت الأكرمين و أهل بيت *** لهم في الدهر مأثرة العطاءِ

ولادتُكِ الضياءُ أليس يعني *** ضياءً للأمومة و الوفاءِ

أبا الزهراء يا روحاً مفدّي *** بفاطمة هنيئاً للنساءِ

ص: 105

و ترفع زينب الحوراء صوتاً *** يهز قواعد البغي المرائي

***

و هاهي كل إمرأة تراها *** تساهم في الصمود و في البقاءِ

لتعطي من حضارتها مثالاً *** يقوم علي الطهارة و الصفاءِ

و ترجعُ صورة الإسلام عنها *** بصدقِ أمانة و عري انتماءِ

و تجعل يوم فاطمة مناراً *** لدنيا العالمين بلا ادعاء

وعذراً أهل بيت الحق عذراً *** إذا القلب اشتكي بعضَ العناءِ

و يا زهراءَ أمتناهنيئاً *** لمن أنجبتِ من أهل الفداءِ

لقد دار الزمان وعاد يحدو *** بثوراتِ النبوة و السماءِ

***

ص: 106

(6) زواج علي عليه السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ بولس سلامة(*)(1)

عَادَ إِثرَ الوقيعةِ البِكْرِ لَيْتٌ *** رَمَقَتْهُ القُلُوبُ بِالإِيماءِ(2)

ص: 107


1- (*) ولد الأستاذ بولس سلامة في قضاء جزين إحدي مدن لبنان الجنوبية سنة 1910 م. و درس الحقوق في الجامعة اليسوعية و عمل قاضياً في سنة 1928 م و نظمه معروف بسلاسة الألفاظ و عذوبتها و رقَّتها الوجدانية و جمال التراكيب و العبارات و الجمل و هذا ما يتلمّسه القاريء إذا تأمل أبياته . و يعد بولس سلامة، من مشاهير الأدباء البارعين و من الرعيل المتقدم من شعراء العرب فهو من عباقرة العصر الذين ذاعت شهرتهم في كل مكان. له آثار و مؤلفات عديدة نذكر منها: 1- أيام العرب - ملحمة. 2- عيد الغدير - ملحمة إسلامية. تناول فيها سيرة أهل البيت «عليهم السلام» في ما يتصل بهم و قد أنتج هذه الملحمة علي فراش الألم كما يُذكر و ذلك بإقتراح من المرحوم العالم الجليل السيد عبد الحسين شرف الدين «عليه الرحمة» و الجدير بالذكر أن الأستاذ المترجَم له كان مسيحي العقيدة كجورجي زيدان الذي كتب (تاريخ التمدن الإسلامي) و جورج جرداق الذي كتب موسوعته البارعة في الإمام علي «عليه السلام» (صوت العدالة الإنسانية) و سليمان كتائمي الذي كتب عدة كتب في أهل البيت «عليهم السلام» التي حاز بعضها الجائزة الأولي في مسابقات الكتابة و كان من أهمها (الإمام علي عليه السلام نبراس و متراس) و (فاطمة سلام الله عليها وترّ في غمد). توفي الأستاذ بولس سلامة في العام (1979 م) عن عمر يناهز التاسعة و الستين.
2- الوقيعة البكر: بدر الكبري علي أغلب التقادير، جمعاً بين الروايات. فإنّ المشهور في ولادة الإمام الحسن عليه السلام هو النصف من رمضان سنة ثلاث للهجرة، فإذا حذفت منها تسعة أشهر كان انعقاد النطفة في ذي الحجة سنة اثنتين للهجرة، كما ذكره غير واحد. مضافاً إلي أنهم ذكروا بين الزواج و الدخول قرابة شهر ينقص أو يزيد، فيصادف ذلك رجوعهم من بدر الكبري في أواخر شهر رمضان، أو في أوائل شهر شوال سنة اثنتين للهجرة.

سَارَ خَلْفَ اَلنَّبِيِّ غَيْرَ حَفيِّ *** بِالرَّيَاحِينِ فِي أَكُفِّ اَلْإِمَاءِ(1)

قَادِمَاتٍ مِنْ يَثْرِبَ بِالْمَثَانِي *** بِالزَّغَارِيدِ طَلْقَةً بِالْغِنَاءِ(2)

نَاقِرَاتِ اَلدُّفُوفِ بِالرَّاحِ حُمْراً *** فَالْعَذْرَايُ فِي مَوْسِمِ الْحِنَّاءِ(3)

سارَ وَ اَلْوَجْهُ حَائِرٌ كِشَرِيدٍ *** ضَلَّ فِي اَللَّيْلِ مَوَاطِنَ الانواءِ(4)

عَابِساً تَارَةً وَ طوراً تَنَمُّ اَلْعَيْنُ *** عَنْ بَهْجَةٍ وَ طِيفِ هَنَاءِ

يَلْمِسُ اَلدِّرْعَ فَيْئَهُ وَ هِيَ كَنْزٌ *** لِفَقِيرٍ لَمْ يَلْتَفِتْ لِلثَّرَاءِ(5)

أَترَاهُ يَفِي بِمَهْرٍ عَرُوسٍ *** أَمْ تَرَاهُ يُردُّ رَدَّ جَفَاءِ؟

وَ اِبُوهَا لَوْ رَامَ عَدْلَ صَدَاقٍ *** مَالُ قَارُونَ ظَلَّ دُونَ اَلْوَفَاءِ

دُونَ ماتُسحِقُّ ايوانُ كسْرِي *** وَ اَلْآلِي وَ حُلِيُّةُ اَلزُّبَاءِ(6)

وَ لَوْ انَّ الدَّهْناءَ تِبْرٌ لَكانَتْ *** بَعضَ شَيْءٍ بِجَانِبِ اَلزَّهْرَاءِ(7)

بَضْعَةٌ مِنْ أَبٍ عَظِيمٍ يَرَاهَا *** نُورَ عَيْنَيْهِ مُشْرِقاً فِي رِدَاءٍ(8)

فَهِيَ أَحَلِي فِي جَفْنِهِ مِنْ لَذِيذِ الْحِلْمِ *** غِبَّ الْهُجُودِ وَ اَلْإِعْيَاءِ(9)

وَ هِيَ قُطْبُ اَلْحَنَّانِ فِي صَدْرِ طهَ *** وَ اِخْتِصَارُ اَلْبَنَاتِ وَ اَلْأَبْنَاءِ

غَيَّبَ اَلْمَوْتُ مِنْ خَدِيجِةَ وَجْهاً *** فَاِذا فَاطِمٌ مُعِينُ اَلْعَزَاءِ(10)

ص: 108


1- غير حفيّ به: غير آبهٍ و ملتفتٍ إليه و أصل الحَفاء و الحفاوة: الاهتمام المبالَغ فيه.
2- المثاني: واحدها مثني، من أوتار العود و في الصحاح في تفسير المثناة: أنها التي تُسمَّي بالفارسيّة دو بَينْي و هو الغناء، انظر اللسان. و رجلٌ طِلقُ اللسان، بفتح الطاء و كسرها: فصيح اللسان و الإطلاق الترك و الإرسال و فلكّ القيد.
3- ناقرات: ضاربات. و الراح: جمع راحة و هي الكفّ و حمراً: كناية عن الاختضاب بالحناء.
4- الأنواء: جمع نَوء و هو سقوط النجم.
5- الفيء: الغنيمة. و فيئَهُ: منصوبة علي البدل.
6- الزّباء: هي زنوبيا ملكة تدمر و العرب تسميها الزّباء.
7- الدهناء : الفلاة و هي موضع كلّه رمل، انظر لسان العرب و التُبْرُ: الذهب.
8- البضعة: القِطعة و الفلذة.
9- غِبَّ: بعد، أو عند. قال الشاعر: غِبَّ الصباح يحمدُ القومُ السري. و الهجود: النوم.
10- معين: تحتمل فتح الميم و ضمِّها، لأنَّها بالفتح تعني الظاهر الذي تراه العين جارياً علي وجه الأرض و بالضم تعني المساعد و الظهير. و علي الأوّل تكون ذكري له عن الفقيدة الحنون و علي الثاني تكون بمثابة الطاقة التي تلهمه الصبر و العزاء.

تُحْسَبُ اَلْكَوْنَ بِسَمِّهةً مِنْ أَبِيهَا *** فَهِيَ أَمْ تَذُوبُ فِي اَلْإِضَاءِ

هَا لَهَا مَايِنَالُهُ مِنْ عَذَابٍ *** وَ اِمْتِدَادِ اَلْكُفَّارِ فِي اَلْأَسْوَاءِ

وَ تراهُمُ يَرْمُونَهُ بِحِجَارٍ *** أو يَكَبُّونَهُ عَلَي اَلدَّقُعَاءِ(1)

فَجِرَاحٌ كَانَهُنَّ شِفَاءٌ *** شَاكِيَاتٌ لِلَّه فَرْط اَلْبَلاَءِ(2)

فَاطِمٌ تَمْسَحُ الْجِرَاحَ بِعَيْنٍ *** حِينَ تَنْهَلُّ اِخْتُهَا بِالْبُكَاءِ

جَاءَ بَيْتُ اَلنَّبِيِّ وَ اَلْقَلْبُ خَفَقٌ *** فَهُوَ فِي مِثْلِ رَجفةِ البُردَاءِ(3)

قَالَ: «اِنِّي ذَكَرْتُ فَاطِمَةٌ عليها السلام» وَ انْبَثَّ *** صَوْتٌ مُكَبَّلٌ بالحياءِ(4)

فَأَجَابَ اَلنَّبِيُّ: أَبْشر عَلِيّاً *** خَيْرُ صهْرٍ مَشْيُ عَلِيٍ الغبراء

بِيعَتُ اَلدِّرْعُ فِي اَلصَّدَاقِ و زُفَّت *** لِعَلِيّ سَلِيلَةُ اَلْأَنِيبَاءِ

هُوَ خَيْرُ اَلْأَزْوَاجِ عَفَّةَ ذَيْلٍ *** وَ هِيَ خَيْرُ اَلزَّوْجَاتِ مِنْ حَوَّاءِ(5)

ص: 109


1- الدقعاء: الأرض: ومن هذا القبيل قولهم: فقير مدّقع، أي: ألصقه الفقر بالتراب.
2- مراد الشاعر: حين تنهل عينها الأخري بالبكاء.
3- البُرَداء: الحمَّي مع البرد.
4- جاء عليٌّ عليه السلام يخطب فاطمة عليها السلام و من أبيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. ولكنّه ما بلغ الباب حتي أخذته الرهبة فقد ذكر أن أبابكر جاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يطلب منه فاطمة عليها السلام فلم يفز منه بغير أن أجاب: أنتظر بها القضاء و كذلك كان جواب النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعمر و بعد تردد كثير دخل عليٌّ عليه السلام علي مربيه و ابن عمّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم باسماً: ما حاجة ابن أبي طالب عليه السلام؟ فغالب الفتي حياءه هنيهة ثم أجاب: ذكرت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. -مرحباً و أهلاً! بهذا تمّت خطبة علي عليه السلام و بمثله و أيسر منه تمّ زواجه الذي كان أغلي أمنيات الحياة عنده و حمل الشاب درعه التي أفاءتها عليه (بدر) فباعها بسوق المدينة بدراهم دفعها إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مهر ابنته و اجتمع في دار النبيَّ صلي الله عليه و آله و سلم ليلة الزفاف، أهله و الكثرة من صحبه المهاجرين و الأنصار يحتفلون، فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيهم يخطبهم بما اقتضاه المقام و قال في ختام حديثه: «إنّ الله تعالي أمرني أن أزوِّج فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام و أُشهدكم أني زوجتُ فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام، علي أربعمائة مثقالّ فضة، إن رضي بذلك علي السنّة القائمة و الفريضة الواجبة» من كتاب (علي بن أبي طالب عليه السلام) لعبد الفتاح عبد المقصود، ج1، من ص67 إلي ص 69، نقلناه باختصار. راجع فاطمة سلام الله عليها في الأحاديث النبوية، من ص84 إلي ص94، تحت عنوان الفصل السابع زواج فاطمة الزهراء عليها السلام من علي بن أبي طالب عليه السلام.
5- العفّة: الكفّ عما لا ينبغي و لا يجمل و عفة الذيل: كناية عن بلوغ الغاية في الطهارة و التحصّن.

فِي نِقَاءِ اَلسَّحَابِ خَلْقاً وَ طُهْراً *** فِي صَفَاءِ اَلزَّنَابِقِ الْعَذْرَاءِ(1)

و يَضُمُّ النَّبِيُّ تَحْتَ جَناحَيهِ *** المُدِيدَينِ مُنِيَّةَ الاخشاءِ

فَعَلَي وَ زَوْجُهُ مِنهُ بَعْضُ *** شَمْيَّةِ الْكُلِّ شِيمَةَ الأجْزاءِ

رَفْرَفَ اَلسَّعْدُ فَوقَ كوخٍ حَقِيرٍ *** لَمْ يُدَنَّسْ بِقَسْوَةِ اَلْأَغْنِيَاءِ

إِنْ تَكُنْ قِسْمَةُ الْغَنِيِّ مَتَاعاً *** فَالْإِلَهُ الرَّحْمَنُ لاأَتَّقِياءُ

ذَلِكَ الْبَيْتِ بَعْدَ (غَمْدَانَ) بَاقٍ *** ذِكْرُهُ يَمْلَأُ اَلزَّمَانَ اَلنَّائِيَ(2)

وَ يُحَوِّلُ الْقَصْرُ الْمُنِيفُ رَمَاداً *** فَيَذُوبُ اَلْهَبَاءُ إِثْرَ اَلْهَبَاءِ(3)

وَ يَصُونُ الْخُلُودُ دَارَ شَريفٍ *** زَيَّنْتُهَا بِسَاطَةِ اَلْفُقَرَاءِ

مرَّ عَامٌ فَاسْتَقْبَلَ اَلْكُوخُ طِفْلاً *** بَثَّ فِيهِ البهاءُ كُلَّ البهاءِ(4)

فَدُعَاءُ الأَبُ الغَضَنفَرُ (حَرْباً) *** يَحْسُبُ اَلْحَرْبَ أَنْبَلَ اَلْأَسْمَاءِ(5)

(حَسنٌ) قَالَ جِدَّهُ فَالْتِمَاعُ *** اَلْحُسَنِ فِيهِ تدفُّقُ اَلْأَلاَءِ

ص: 110


1- الزنابق: جمع زنبق و هو نبات من فصيلة الزنبقيات، زهرته من أجمل الأزهار، تفوح منها رائحة ذكية، لونه أبيض، يرمز إلي الطهارة. انظر المنجد و العذراء: التي لم تُمسَّ بعد.
2- غمدان: هو القصر المعروف بهذا الاسم في اليمن و قد بلغ من الزخرف و الأناقة ما بلغته حضارة الأقدمين في فن البناء.
3- المنيف: الشاهق.
4- أغلب الروايات و أشهرها علي أن ولادة الإمام الحسن عليه السلام كانت في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة.
5- روي الصدوق بإسناده عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي بن الحسين عليه السلام عن أسماء بنت عميس، قالت: قبلتُ جدتك فاطمة عليها السلام عن الحسن والحسين عليهما السلام، فلمّا ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا أسماء، هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقةٍ صفراء، فرمي بها النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا أسماء، ألَمْ أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقةٍ صفراء، فلففته في خرقةٍ بيضاء، فدفعته إليه، فأذّن في أذنه اليمني و أقام في اليسري، ثم قال لعليّ عليه السلام: بأيّ شيءٍ سميت ابني؟ قال: ما كنت أسبقك باسمه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قد كنت أحبّ أن أسمّيه حرباً. فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ولا أسبق أنا باسمه ربي. ثم هبط جبرئيل، فقال : يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، العلي الأعلي يقرئك السلام و يقول: عليٍّ منك بمنزلة هارون من موسي، ولا نبيّ بعدك، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ما اسم ابن هارون؟ قال : شبّر. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لساني عربي. قال جبرئيل: سمَّه الحسن، فسماه الحسن عليه السلام.

حال حؤلٌ فلاحَ فَجْرٌ جَدِيدٌ *** وَ صَبيِّ مغلَّبٌ بِالسَّنَاءِ(1)

وَ عَلِيٌّ يَكادُ يَدْعُوهُ (حَرْباً) أَلْفَ *** اَللَّيثُ لَذَّةَ اَلْهَيْجَاءِ

فَيُجِيبُ اَلنَّبِيَّ هَذَا حُسَيْنٌ *** هُوَ سِبْطَي وَ خَامِسٌ فِي اَلْكِسَاءِ(2)

وَ عَلَتْ جَبْهَةُ اَلنَّبِيِّ طُيُوفٌ *** كوشاحِ اَلْغَمَامَةِ اَلدَّكْنَاءِ(3)

لَمْحُ الْغَيْبِ يَا لُهَوْلَ اللَّيَالِي *** مُرْعِدَاتٍ بِالنَّكْبةِ اَلدَّهْيَاءِ(4)

وَ كَأَنَّ الْجُفُونَ تَنْطِقُ هَمْسَاً *** «يَا الهَ اَلسَّمَاءِ صُنْ أَبْنَائِي»

ص: 111


1- السناء: النور و الضياء.
2- ولد الحسين عليه السلام علي المشهور في ثالث شعبان، بناءً علي اختيار المفيد و الطوسي في مسار الشيعة و المصباح و هو موافق أيضاً للتوقيع الشريف. و ثمة رأي آخر يقول: إنه عليه السلام ولد في آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة و قد اختاره المفيد و الشيخ أيضاً في المقنعة و التهذيب و الشهيد في الدروس و البهائي في توضيح المقاصد، و الشيخ جعفر الكبير في كشف الغطاء و هذا الاحتمال الثاني يوافق ما رواه الكليني في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: كان بين الحسن و الحسين عليهما السلام طهرّ و كان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشراً حيث أراد بالطهر مقدار أقلّ زمان الطهر و هو عشرة أيّام. ولكن هذا الرأي الثاني إنّما يتوجه عند القول بوقوع التصحيف في السنة، فكتبت سنة ثلاث بدل سنة إثنتين. ثم إنه قد روي في تسمية الإمام الشهيد عليه السلام كما روي في تسمية أخيه الزكي عليه السلام ففي رواية الصدوق عن جابر: فلما ولد الحسين عليه السلام جاء إليهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام و هبط جبرئيل علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: إن الله عزَّوجل يقرئك السلام و يقول لك : إنّ علياً عليه السلام منك بمنزلة هارون من موسي، فسمِّه باسم ابن هارون، قال: و ما كان اسمه؟ قال: شبير. قال: لساني عربي، قال : فسمُه الحسين عليه السلام، فسمَّاه الحسين عليه السلام.
3- قال القمي في الأنوار البهية، ص 85: و روي أن الله تعالي هنا النبي صلي الله عليه و آله و سلم بحمل الحسين عليه السلام و ولادته و عزّاه بقتله، فعرفت فاطمة سلام الله عليها فكرهت ذلك، فنزلت «حملته أمُّه كرهاً و وضعته كرهاً و حمله و فصاله ثلاثون شهراً». و نقل العلامة الحائري في شجرة طوبي، روايةً مفصّلةً بهذا المضمون.
4- الداهية: المصيبة و الدهياء: الشديدة. و النكبة: المصيبة أيضاً.

(7) حِمي الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبو زكي)

فِي اسْتَقَرَّ وَلاؤُكُمْ بِدِمَائِي *** يَا خَيْرَ مَنْ عَاشُوا عَلَيَّ اَلْغَبْرَاءِ(1)

يَا خَيْرَ مَنْ خَلَقَ الإِلَهُ بِأَرْضِهِ *** وَ تَظَلَّلُوا بِغَمامَةٍ وَ سَماءِ

مِنْ نُورٍ وَجْهٍ قَدِّسَتْ أَسْرَارُهُ *** أَرْوَاحَكُمْ صيغَتْ مِنْ آلالاَءِ

وَ تَغَلْغُلِ اَلْخُلْقُ اَلْعَظِيمُ بِنَهْجِكُمْ *** وَ إنسابَ كَالْأَنْوَارِ فِي اَلْأَرْجَاءِ

وَ أَصَابَنِي طَلِّ شَفِيفٌ سَاحِرٌ *** مِنْ فَيْضِهِ فَتَعَطَّرَتْ اِحْشَائِي(2)

فَغَدَا وَلاءُ الْمُصْطَفَي فِي مُهجَتي *** وَلآلِهِ الأطهارِ طُهْرُ وَلائِي

بِاللَّحْمِ بِالْعَظْمِ اَلدَّقِيقِ بِمُقْلَتِي *** بِوَجِيبِ قَلْبِي هَائِماً بِدُعَائِي(3)

وَ بِعُمْقِ ذَرَّاتِي بِرُوحِ مَشَاعِرِي *** بِجَمِيلِ إِحساسِي اَلشَّذَا وَ هَوَائِيَّ

وَ بِمِلْحِ زَادِي وَ اِزْدِحَامِ خَوَاطِرِيٍ *** وَ بَطِيفٌ احلامي اَلْحِسَّانِ وَ مائِي

بِشَهِيقِ أَنْفَاسِيٍ وَ رَجَعَ زَفِيرُهَا *** بِخُشُوعٍ رُوحِي فِي اَلدُّعَا وَ بُكَائِي

فِي أَنْتِي فِي اَللَّيْلِ، فِي غَسَقِ اَلدُّجِيِّ *** فِي هُدْآةِ الإِنْسانِ وَ الْإِشْيَاءُ(4)

فِي لَمْحَةِ اَلتَّفْكِيرِ تُعَبِّرُ خَاطِرِي *** فِي بُرْهَةِ اَلْإِحْسَاسِ وَ الْإِيحاءِ

فِي الطَّيْفِ فِي الْأَحْلامِ فِي كَبِدِ اَلْكَرِي *** فِي حَرْفَيِ اَلْمَنْطُوقِ فِي آرَائِي(5)

ص: 112


1- الغبراء: الأرض.
2- طلّ: المطر الضعيف أو الندي. شفيف: رقيق.
3- وجيب: خفقان.
4- الغسق: أول ظلمة الليل. الدجي: الظلمة.
5- الكري: النعاس.

حَتِّي تَشْرَبَ خَافِقِي بِوَلاَئِكمْ *** وَ حَلَلْتُمُ في مُفرَداتِ بِنائي(1)

فَغَدَوْتُ مِنْ فَرْطِ الْمَوَدَّةِ هَائِماً(2) *** أَرْجُو الحاقَّ بِزُمْرَةِ اَلسُّعَداءِ

يَا أَحْمَدُ الْمُخْتَارُ جِئْتَ بِمَنْهَجٍ *** وَ بِشِرْعَةٍ مَحْمُودَةٍ سَمْحَاءَ

وَ بضيفمٍ كرّار سَاحَاتِ اَلْوَغْي *** وَ مُفُوَّةٍ ذِي لَهْجَةٍ عَصَمَاءِ(3)

آخِيْتُهُ فِي اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا وَ فِي *** حَمْلِ الرِّسَالَةِ وَ ارْتِفَاعِ لِوَاءِ(4)

أَبوانِ لِلنَّاسِ الْكِرَامُ وَ أَنْتُمَا *** لِلْمُؤْمِنِينَ لْأَكْرَمُ اَلشُّفَعَاءِ

وَ كَذا أُتِيتَ بِفَاطِمٍ وَ بِنُورِها *** وَ بِسِرِّهَا الْمَكْنُونِ وَ الْمِعْطاءِ

فَتَجاوَبَتْ كُلُّ السَّماواتِ العَليُّ *** بِالْحَمْدِ لِلرَّحمنِ ذِي النَّعْماءِ

هِيَ كوثرٌ أَعْطَاكَهُ مُتَكَرِّماً *** لِتَقَرَّ عَيْنُكَ يَا أَبَا اَلزَّهْرَاءِ(5)

وَ لَسَوْفَ تُرْضِي بِالعليِّ وَ فَاطِمٍ *** وَ بشُبَّرٍ وَ شَبِيرَ تَحْتَ الْكِساءِ(6)

وَ بِرُوحِهِ مُسْتَأْذِناً فِي جَمْعِكُمْ *** وَ بِآيَةِ التَّطْهِيرِ وَ الإسْراءِ

وَ بِهَلْ أُتِيَ حِينَ مِنَ اَلدَّهْرِ اَلَّذِي *** كُنْتُمْ بِهِ فِي الحَضْرَةِ اَلْعُلْيَاءِ

وَ بِعَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ اَلنَّبَا *** ذَاكَ الْعَظِيم اللَّيثِ فِي الْبَأْساءِ

وَ الدَّمْعَةِ الْحَرِيِّ الْمُرْوعَةِ اَلَّتِي *** مِنْ فَرَّطَ خَشْيَتِهَا تُذِيبُ اَلرَّائِيَ

وَ بانَّةِ اَلثَكْلِي يَكَادُ نَحِيبُهَا *** يَسْتَلُّ أَجْزَاءً مِنَ اَلْأَحْشَاءِ

هُوَ آيَةٌ مَجْهُولَةٌ فِي خَلْقِهِ *** هُوَ نُقْطَةُ مَعْلُومَةٌ فِي الْبَاءِ

يَا أَيُّهَا الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ *** كَالنُّورِ فَاطِمَةُ، كَبُحْرِ سَخَاءِ

جَاءَتْ كَمَا الْفَجْرُ اَلْبَهِيُّ كَمَا اَلسَّمَا *** كَالْعِطْرِ كَالْأَحْلاَمِ، كَالْأَضْوَاءِ

ص: 113


1- خافقي: قلبي.
2- هائماً: الهيام: أشد العطش.
3- ضيغم: الفارس الشجاع. الكرّار : المهاجم. الوغي: الحرب. لهجة عصماء: خالية من الخطأ.
4- لواء: الراية.
5- كوثر : من أسماء الجنة. لتقرّ عينك: لترتاح عينك.
6- شبّر و شبير: الحسن و الحسين عليهما السلام

جَاءَتْ بِنُورِ اَللَّهِ يَمْشِي حَوْلَهَا *** فَتَصَوَّرَتْ كَالْبَدْرِ في الظَّلْماءِ

تَدْعُو اَلْخَلاَئِقَ لِلنَّجَاةِ بِهَدْيِ مَنْ *** بَعَثَ الإ لَهُ لِرَحْمَةٍ وَ هناءٍ

وَ تَرُدُّ كَيْدَ اَلشَّانِئِينَ لِنَحْرِهِمْ *** وَ لِمَنْ تَعوَّدَ دَيْدَنَ اَلْإِيذَاءِ(1)

وَ تَكُونُ أَمّاً لِنَبِيِّ تَصُونُهُ *** مِنْ كُلِّ هَمٍ نازِلٌ وَ بَلاءِ(2)

وَ تُذِيقُهُ العطفُ الْحَنَّانَ تَوَدُّداً *** لَوْ يَشْتَكي مِن وُطَاةِ الإعْياءِ

أَوْ مِنْ تَجَنِّي اَلنَّاسِ فِي أَحْجَارَهُمْ *** وَ مُقَالِلَهُمْ وَ تَكَالُبَ اَلاِعْدَاءِ

أَوْ مِنْ جُرُوحٍ قَدْ أَصَابَتْ جِسْمَهُ *** فَتَشَكَّلَتْ مِنْ زرقة وَ دِمَاءٍ

فَتَضَمَّدَ اَلْجُرْحُ اَلْكَرِيمَ بِرُوحِها *** وَ تَكَادُ تَفْدِي اَلْجُرْحَ بِالْأَبْنَاءِ

وَ تَنِثُّ مِنْ عَبَقِ اَلشُّعُورِ لآلِئاً *** وَ تَسِيلُ هُمَا مُوجَعاً بِرَجَاءِ

أَنْ يَسْتَجِيبَ اَللَّهُ فِي مَلَكُوتِهِ *** لِدُعَائِهَا فِي سَيِّدِ اَلْبَطْحَاءِ(3)

وَ تروح تَبْكِي فِي ظُلاَمَةٍ مُرْسَلٍ *** لَمْ يَلْقَ مِنْ قَوْمٍ سوي الضّرّاء

وَ تُهِيمُ شَوْقاً لِلْإِلَهِ تَعَبُّداً *** وَ تَذُوبُ شِعْراً فِي جَمِيلِ ثَنَاءِ(4)

فَتَخَالُهَا فِي اَلشَّوْقِ أملاكُ اَلسَّمَا *** فَاضَتْ لِبَارِئِها الي اَلْعَلْيَاءِ

يَا خَيْرَ إِمْرَأَةٍ عَلَي طُولِ المَدي *** مِنْ مَرْيَمَ اَلْعُذْرَا الي حَوَّاءِ

يَا بَضْعَةُ اَلْهَادِيَ وَ زَوْجِ الْمُرْتَضِي *** وَسَلِيلَةَ اَلْأَظْهَارِ وَ النُّجَبَاءِ

يا مِن أَقَرَّ اَلْقَوْمُ فَضْلَ مَقَامِهَا *** حَتِّي مِنَ الْكُفَّارِ وَ اَلْأَعْدَاءِ

يَا مَنْ يَقُومُ الرُّوحُ جِبْرِيلٌ عَلَيَّ *** تَأْمِينُ خِدْمَتِهَا بِلاَ إِبْطَاءِ

سَلْمَانَ خَادِمُهَا وَ مريم شَأْنُهَا *** فِي خِدْمَةِ الإِنْسِيَّة اَلْعَذْرَاءِ

وَ مَلاَئِكَ اَلرَّحْمَنِ جَمْعٌ طَائِعٌ *** وَ اَلْحُورُ طَوْعُ بَنَانِهَا كَإِمَاءِ

ص: 114


1- الشانئين: المبغضين.
2- كان الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم يُلقبها عليها السلام غير أمُّ أبيها.
3- البطحاء: المسيل الواسع الذي يتكوّن من رمل ودقاق الحصي - و يراد به هنا المكّةالمكرمة.
4- تهيم: تحبّ.

اَللَّهِ مَسْرُورٌ إِذَا مَا اِسْتَبْشَرْتْ *** وَ يُسْرُّ للحوريَّة اَلْحَوْرَاءِ

وَ إِذَا يُكدِّرُهاحقودٌ مُبْغِضٌ *** فَاللَّهُ يُبْغُضُ عُصْبَةَ اَلْعَنَاءِ

يَرْضَي وَ لِمَا تَرْضِي وَ يَغْضَبُ ساخِطاً *** لِوْ شابَها شَيْءٌ مِنَ الْبَلْواءِ

وَ تَنَزَّهْتْ عَن كُلِّ رِجسٍ مُضْمَرٍ *** أَوْ ظاهِرٍ، عَنْ مُجْمِلِ الْأَخْطَاءِ

إِنِّي اِسْتَجَرْتُ مِنَ الْجَحِيمِ وَ نَارُهَا *** مِنْ مَائِهَا اَلْمَغْلِيِّ فِي الْأَمْعَاءِ

وَ سَلاَسِلٍ سَبْعِينَ فِي عَرَصَاتِهَا *** وَ تَقْطُّعِ الأَوْصَالِ و الأجْزَاءِ

مِن كِيِّ وَجْهِي فِي أَوارِ لَهِيبِها *** وَمِنَ الْخُلُودِ بِقعْرِها وَ شَقَائِي

وَ تَباعَدٍ عَن رَحْمَةٍ مَن خالِقِي *** بِجِنانِهِ وتَصَرُّمٍ و تَنائي(1)

إنِّي أَعُوذُ مِنَ الشُّرُورِ تُخِيفُنِي *** وَ أَلُوذُ مِنْهَا فِي حِمي الزَهراءِ

يا مَنْ بَعَثْتَ إِلَي الوَرِيِّ بِمُحَمَّدٍ *** وَ بِآلِهِ الْأَطْهَارِ وَ اَلشُّرَفَاءِ

وَجَعَلْتَهُمْ أَقْطابَ نُورٍ سامِقٍ *** يُنْبُونَ خَلْقَكَ صادِقَ الْأَنْباءِ

يَهدُونَهُمْ لِلْمَكْرُمَاتِ وَ لِلْعُلاَ *** وَيُوَحِّدُونَ صُفُوفَهُمْ بِإِخَاءِ

وَ لِيُطْفِئُوا نَارَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ *** فَيَضْرَعُ عِطْرُ اَلْؤَدِّ فِي اَلْأَحْيَاءِ

وَ تَرِدُّ شَارِدَةٌ إِلَي جَمْعٍ لَهَا *** وَيؤُوبُ لِلأهلِ اَلْأَ حُبَّةِ نَائِي

وَوَعَدْتَ مَنْ يَهْوَي اَلرَّسُولَ و آلَهُ *** بِجِنَانِ خُلْدٍ رَائِقٍ فَيْحَاءِ(2)

وَ جَعَلْتَ مَنْ وَالَي عَلِيّاً آمِناً *** وَ عَدَدْتَهُ مِنْ مَعْشَرِ الصُّلَحاءِ

حَرَّمْتَ نَارَكَ اَنْ تَمَسَّ مُوَادِداً *** لبتُولِ آلِ اَلْمُصْطَفَي اَلْغَيْدَاءِ(3)

فَأَنَا بِسُورِكَ أَحْتِمِي يَا سَيِّدِي *** خَالٍ مِنَ اَلْحَسَنَاتِ دُونَ مُرَاءِ

أَرْجُو اغْتِرَافاً مِنْ بِحَارِ نَعِيمِهَا *** وَ لَأَنْتَ تَعْرِفُنِي مِنَ الْفُقَرَاءِ

و قَرْنَتُ مَا أَرْجُو بِذِكْرِ حَدِيثِهَا *** كَيْ تَرْتَقِي نَحْوَ العُلا نَجْوائي

رَبَّاهُ إِنِّي مُذْنِبٌ، و مُقِصِّرٌ *** وَ خَفِيفُ وَزنٍ في دُنِيِّ العُلَماءِ

ص: 115


1- تضرُم: تقطع.
2- فيحاء: واسعة.
3- الغيداء: ليّنة الأعطاف.

فَحَشَرْتُ نَفْسِي فِي رِكَابٍ أُحِبَّهٍ *** لِحَلِيلَةِ الْمَوالِي مَعَ الشُّعَراءِ

وَ نَظَمْتُ عَقْداً مِنْ نَفِيسٍ جَوَاهِرِي *** و َنَحْتُّهُ صِدْقاً بِدُونِ رِيَاءٍ

كَيْ يَكْتُبَ الْمَكَانِ عَنِّي أَنَّنَيَ *** قَدْ قُلْتُ شِعْراً فِي هَوِيِّ اَلزَّهْرَاءِ

يَا صَحْبُ لَوْ تَدْرُونَ أَيُّ ثَرَاءِ *** فِي نِعْمَةٍ تَعْدُو عَلَيَّ اَلْإِحْصَاءِ

فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا وَ فِي تِلْكَ اَلَّتِي *** تَاتِي قَرِيباً فِي ديارِ ثَواءِ(1)

لِلصَّادِقِينَ بِحُبِّهِمْ لِلْمُصْطَفِي *** ولآَلِهِ الأخْيَارِ وَ الْحُلَمَاءِ

فَتَمَسَّكُوا بِالْعِلْمِ وَ اَلْعَمَلِ الَّذِي *** يُرْضِي الْإِلَهَ مَوَدَّةِ الكُرَمَاءِ

لاَتَجْعَلُو مَعْنِي التَّشَيُّعَ خَالِياً *** مِنْ مَسْلَكٍ مُتَوَافِقِ الْإِيحَاءِ

فَلَنَحْنُ مَرْصُودُونَ فِي أَعْمَالِنَا *** وَ الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً وَ فِجَائِي

لَاتَحْسَبُوا أَنَّ النَّعِيمَ بِدَائِمٍ *** فَلَرُبَّ بيتٍ غَصَّ بِالنُّدَمَاءِ

دَارَتْ دَوَائِرُ دَهْرِهِ فِي لَحْظَةٍ *** فَغَدَا خَرَاباً مُوحِشَ الْأَفْنَاءِ(2)

وَ اَلْمَالِ فِي اَلدُّنْيَا قَلِيلٌ، نَافِذٌ *** وَ كَذَا اَلْبَنُونَ وَ سَالِفُ الْآبَاءِ

وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحاتُ هِيَ اَلَّتِي *** تُبْقِي وَ لَيْسَ تَعَدُّدُ اَلْأَهْوَاءِ

فَتَنَافَسُوا فِي اَلْخَيْرِ يَصْفُو عَيْشُكُمْ *** حَتّي وَلَوْ أبْتُمْ اليَّ الصَّحْرَاءِ(3)

وَ تَعَاهَدُوا بِالْحَبِّ بَيْتَ اَلْمُصْطَفَيِّ *** وَ اِسْتَكْثِرُوا فِي ذَاكِ بِالْإِنْمَاءِ

وَ اَللَّهِ أَنَا رَاحِلُونَ لِحَتْفِنَا *** وَ سَنَرْتَدِي الْأَكْفَانَ فِي اَلْغَبْرَاءِ(4)

فَتَزَوَّدُوا بِمُحِبِّةٍ لِأُلِي النَّهْيِ *** اَلسَّادَةِ اَلْأَطْهَارِ وَ اَلرُّحَمَاءِ

يَا شَيَّعَهُ اَلْمُخْتَارُ قُولُوهَا مَعِي *** مَرْحِي بِيَوْمِ وِلاَدَةِ اَلزَّهْرَاءِ

ص: 116


1- ثواء: إقامة.
2- الأفناء: ساحات أمام البيوت.
3- أبْتُمْ: عدتم و رجعتم.
4- الغبراء: الأرض.

(8) سيدة النساء عليها السلام

بحرالكامل)

الشيخ جاسم الخاقاني

مَولايَ يا بنَ المُرتضي *** يَا سِبْطَ خَيْرِ الأنبيا

وَ ابنَ البتولَةِ فاطِم *** الزَّهْرَاء سيّدَةِ النّسا

وَ أخَا الزّكيِّ المُجتَبَي *** و أبَا الهُداةِ الأذِكِيا

يا من بتُربَةِ قَبْرِه *** يُشفي السَّقِيمُ مِنَ البَلا

وَ يُجابُ تَكْرِيماً لَدَيْهِ *** بِمَنْ تَوَسَّلَ بِالدُّعا

وَ اِفاكَ عَبْدُكَ جَاسِمٌ *** بِقَبَائِحٍ مِلْءَ الْفَضَا

مَنِعَتْ عَنِ النَّوْمِ اَلْجُفُونَ *** وَأَوْدَعْت جِسْمِي اَلْعَنَا

وَ اَلْعَبْدُ مُحْتَاجُ لفضْلِ *** الأكرمِينَ اَلْأَغْنِيَا

فَبِحَقِّ مَنْ ضَمَّ اَلْكِسَا *** وَ نَجْلِ مِنْ تَحْتِ اَلْكِسَا

كُنْ لِي كَفِيلاً فِي الْأُمُورِ *** وَ شَافِعاً يَوْمَ اَلْجَزَا

أَسْمَعْتَ مَا قَدْ جَاءَ فِي *** خَبَرِ اَلْكِسَا مِمَّنْ رَوِيَ

عَنْ جَابِرٍ وَ سِوَّاهُ مِنْ *** زُمَلاَئِهِ أَهْلُ التُّقي

عَن فَاطِم اَلزَّهْرَاءِ *** بِضعَةِ خَيْرِ مَنْ وَطِيءِ اَلثَّرِي

قَالَتْ أُتِيَ يَوْمٌ مِنَ اَلْأَيَّامِ *** بِالْفَضْلِ امْتَلَا

و إِذَا أَنَا بِأَبِي *** نَبِيٍ الْخَافِقَيْنِ الْمُصْطَفَي(1)

ص: 117


1- الخافقين: المشرق و المغرب لأن الليل والنهار يخفقان فيهما.

فِي بَيْتِ وَحْيِ اَللَّهِ فَاجانِي *** فَطَابَ لِي اَللِّقَا

وَ عَلَيَّ سَلَّمٌ ثُمَّ لِي *** فِي جِسْمِهِ ضَعْفاً شَكّاً

فَأَجَبْتُه يَا وَالِدِي *** بِاللَّهِ عُدْتَ مِنَ اَلضَّنَا(1)

فَدَعَا أَلاَ قُومِي فَغَطِّينِي *** بُنيَّةُ بِالْكَسَا

أَعْنِي الْيَمَانِيَّ اَلَّذِي *** نَسَجَتْهُ أَنْوَالُ الْهَدْيِ(2)

فَحَظِيَ اَلْكِسَاءُ وَ مَا اَلَّذِي *** أَدْرَاكَ مَا فيهِ حظي

غطَّي اَلنَّبِيَّ اَلْمُصْطَفِي *** عَظُمَ اَلمُغَطِّي وَ الغطا

فَنَظَرْتُ وَجْهَ أَبِي اَلْوَسِيمِ *** وَ قَدْ تَهَلَّلَ بِالضِّيا

كالبَدْرِ لاَ بَلْ وَجهُهُ *** مِن حُسْنِهِ خَجِلَت ذُكا(3)

وَ شَمِمْتُ رَائِحَةَ اَلنَّبِيِّ *** تَضوع مِسْكاً قَدْ ذَكَا

قَالَتْ سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ *** فَأَتَانِي اَلْحَسَنُ اَلرِّضَا

وَ عَلِيَّ سَلم قَائِلاً *** يَا أُمِّ يَا سِتَّ اَلنَّسَا

إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكِ رَائِحَةً *** بِها عَبَقَ الفَضَا

كَأَرِيجِ جَدِّيَ اَلْمُصْطَفَي *** اَلْهَادِي خِتَامِ اَلْأَنْبِيَا

فَأَجَبْتُ هَذَا جَدُّكَ اَلْهَادِي *** اَلنَّبِيُّ اَلْمُجْتَبِي

تَحْتَ الكسَا فَأُتِيَ لَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ يَهفُو لِلحْمي

وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي *** صَلَّي وَ صَلَّي لِلْعُلاَ

مُسْتَأْذِناً مِن جَدِّهِ *** رَبِّ الْمَفَاخِرِ وَ اَلنَّدِي

فِي أَنْ يَضُمَّ كِسَاءَهُ *** بَدْرَيْنِ في تَمِّ ثَنَا

فَدَعَا بِهِ يَا مَرْحَباً *** اَلْآنَ أَدْرَكَتُ اَلْمَنِي

قَالَتْ كَرِيمَةُ خَيْرُ مَنْ *** وَطَأَ اَلْجَنَادِلَ وَ اَلْحَصَي(4)

ص: 118


1- الضنا: المرض و الضعف و الهزال.
2- أنوال: جمع النّؤل و هو خشبة الحائك أو آلته يُنَسج عليها و يُلَفّ عليها الثوب وقت النسيج.
3- ذكا: اسم علم للشمس.
4- الجنادل، الصخر العظيم.

وإِذا أَنَا بِابْنِي الحُسَينِ *** أعز خَافٍ قَدْ مَشِي

قَدْ جَاءَ يَخْطِرُ مَاشِياً *** أَرَايَتُ عَسالَ اَلْقَنَا(1)

فَهُنَاكَ حَيَاني و كَانَ اَلرَّدُّ *** وِفِّقاً فِي الْجِزْيِ

فَانْصَاعَ يَسْأَلُنِي وَ قَدْ *** مَلَأَ اَلسُّرُورُ بِهِ اَلْحَشَا

أُمَّاهُ مَا لجوارِحِي *** تَحْوِي المَسرَّة وَ اَلْهَنَا

إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكَ رَائِحَةً تضُوعُ *** إلي السَّما(2)

فَأَشَرْتُ هَذَا اَلْمُصْطَفِي *** تَحْتَ اَلْكِسَاءِ مَعَ اَلرِّضَا

فَدَنَا لَهُ مُسْتَأْذِناً *** فَحَبَاهُ أَحْمَدُ مَا حبا(3)

أُتْرِي اَلنَّبِيَّ يَرِدُّهُ *** لاَ وَ اَلْمَعَالِيَ و الوَفَا

قَالَتْ حَبِيبُهُ خَيْرِ مَنْ *** لَبَّي و أَفْضَلُ مَنْ سَعِي

وَ إِذَا أَنَا بِأَبِي الْهُدَاةِ *** الْأُؤْصِياءُ الأَصْفيا

فِي الْبَيْتِ شَرَّفْنِي *** وَ أَهْدِي لِيْ التَّحِيَّةَ وَ الثَّنا

وَ عَلَيْكَ تَسْلِيمُ اَلْمُهَيْمِنِ *** لاَ اِنْقِطَاعَ وَ لاَ انْتِها

وَ دَعَا أَشُمُّ لَدَيْكِ *** رَائِحَةً تُعْطِّرُ لِلْفَضَا

مَا خِلْتُهَا إِلاَّ أرِيجَ *** أَخِي اَلنَّبِيِّ اَلْمُجْتَبِي

فَأَشَرْتُ لِلْهَادِي، إِذَا *** غُصِنَ عَلَيَّ اَلْغُصْنِ أنحني

حَيَاهُ لَكِنْ كُلُّ شَخْصٍ *** مِنْهُمَا نِعْمَ الفَتَي

مُسْتَأْذِناً مِنْ صِهْرِهِ *** بَلْ خَيْرِ أَصْهَارِ اَلْوَرِي

فِي أَنْ يَضُمَّهُمَا الكسَا *** فَهَمَّا بِفَضْلِمِهِمَا سَوا

فَأَجَابَ مُنْشَرَحَ اَلْفُؤَادِ *** قَرِيرَ عَيْنٍ باللِّقَا

قَالَتْ وَحِيدَةُ خَاتَمُ اَلرُّسُلِ *** اَلْكِرَامُ اَلْأَصْفِيَا

ص: 119


1- عَسَال القنا: هزّاز الرمح.
2- تضوع: تنتشر رائحته.
3- حباه: أعطاه إيّاه بلا جزاء.

فَغَطْتُهُمْ وَ دَنَوْتُ مِنْهُمْ *** بِالتَّحِيَّةِ وَ الثَّنا

فَدَعَوْتُ شَرَّفَنِي بِإِذْنِكَ *** فِي قِرانِكَ يَا أَبَا

فانا أَعُدُّ الْبُعْدَ شِبْراً ***عَنْكَ مِنْ مُرِّ اَلْجَفَا

فَدَعَا بِنِيَّةُ فَاقْرَبِي *** مَرَحِي بِدَاعٍ قَدْ دَعَا

فَدَعَا الإ لهُ بِخَلْقِهِ *** وَ أَهابَ فِي كُلِّ الْوَري

فَوَ عِزَّتِي اَلْعَظمِيُّ وَ مَنْ *** فِي قَدْرِهَا غيْرِي دري

لَوْلاَ اَلْأُلِي تَحْتَ اَلْكَسَا *** وَ كَفَّي بِهِمْ فَخْراً كَفَي

لَمْ أَخْلُقِ اَلْقَمَرَ اَلْمُنِيرَ *** وَ لاَ اَلنُّجُومَ وَ لاَ ذُكّا

كَلاَّ وَ لَمْ أُدْحِ اَلْبَسِيطَ *** وَ لاَ نَهَارٌ قَدْ أَضَا(1)

كَلا وَ لَمْ أُخْرِجْ جَمِيعَ *** اَلْخَلْقِ مَنْ كَتَمَ اَلْفَنَا

فَدَعَاهُ جِبْرِيلُ اَلْأَمِينُ *** وَ ذَلَّ فِي ذَاكَ الحِمَي(2)

مَنْ هُم بِحَقِّكَ سَيِّدِي *** فَلَهُمْ أَرَي قَلْبِي صَغا

فَأَجَابَهُ الزَّهْرَاءُ وَالِدَّةُ *** اَلْكِرَامِ اَلْأَوْصِيَا

وَ اَلْمُرْتَضِي وَ ابناهُما *** وَ أَبُوجَمِيع اَلْأَزْكَيَا

فَهُنَالِكَ اِشْتَاقَ اَلْأَمِينُ *** لِقُرْبِهِمْ وَ دَعَا اَلْوَحْي(3)

يا سَاعَةً قَدْ تُوجَتْ *** بِالْبِشْرِ إِذْ هَبَطَ اَلنَّدَا

كُنْ سَادِساً لَهُمْ فَكَمْ *** عَبْدٍ لِمَوْلاَهُ دَنَا

يَا بِشْرَ جِبْرِيلَ اَلْأَمِينِ *** وَ مَا لَهُ الباري سَخَا

هَذَا اَلهُبُوطِ هُوَ الصُّعُود *** مِنَ السَّمَاءِ إِلَي الثَّري

فَهُنَاكَ قَالَ اَلْمُرْتَضِي *** لِأَخِي عُلاهُ الْمُصْطَفِي

قُلْ لِي فَدَتْكَ اَلنَّفْسُ مَا *** لِجُلُوسِنَا قَلَّ الْفِدَا

ص: 120


1- لم أدحُ البسيط: دحا أي بسط و البسيط الأرض الواسعة.
2- الحمي: القرب.
3- الوَحا : السيد الكبير - الملك.

عِنْدَ الإلَهِ مِنَ الْكَرَامَةِ *** وَ الحَفاوَةِ وَ الْحِبا(1)

فَأَجَابَهُ ومَنِ اصْطَفانِي *** بِالرِّسَالَةِ وَاجْتَبِيْ

مَا دَارَ ذِكَرُ حَدِيثَنا *** فِي مَجْلِسٍ بَيْنَ الملاَ

إِلاَّ قَضَي حَاجَاتِهِمْ *** رَبِّ تَمْدَّحَ بِالندَا

إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُشتَكٍ *** أُؤْمِبْتَلِي كُشِفَ اَلْبَلا

أَمَّا اَلْمَدِينُ فدينُهُ *** عَنْهُ يُحَطُّ وَ إِنْ عَلا

وَ أَعَادَ قَوْلَتَهُ اَلنَّبِيُّ *** وَ كَانَ أَصْدَقَ مَن رَوِيَ

مَا دَارَ ذَكَرُ حَدِيثَ مَجْلِسِنَا *** إِلَي يَوْمِ اَللِّقَا

إِلاَّ وَحْفَّ بِجَمْعِهِمْ *** شَوْقاً لهم جُندُ اَلسَّمَا

يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ بِأَنْ *** يُمْحِيَ لَهُمْ كُلُّ الخَطَا

فَاللَّهُ أَكْرَمُ غَافِرٍ *** وَ اللَّهِ أَعْظَمُ مَنْ عَفَا

فَدَعَا اَلْوَصِيُّ إِذَنْ فَقَدْ *** فُزْنَا وَ فَازَ اَلْأَولِيَا

بِوَلاَئِنَا وَ هُمْ بِنَا *** سُعِدُوا إِلَيَّ يَوْمِ اَلْجَزَا

ص: 121


1- الجبا: العطاء من غير جزاء.

(9) هتف البشيرُ

(بحر الكامل)

الأستاذ جعفر الجعفر

تاهَتْ بِبِنْتِ نَبِيِّها الخَضْراءُ *** وَ اسْتَبْشَرَتْ بِقُدُومِهَا الْغَبْرَاءُ

هَلَّتْ فَهَلَّكَ الْمَلَائِكُ كُلُّهُمْ *** وَ تَهَلَّلَ الإِصْبَاحُ وَ الإمْساءُ

وَ كَأَنَّمَا الْإِسْعَادُ يَوْم مَجِيئِهَا *** وَ لِذَا اَلْوُجُودَ تَرَنَّمٌ وَ ثَنَاءٌ

فَالْبَرْقُ أُؤْمَضُ لِلَولِيدَةِ نُورُهُ *** وَ تَقَهقَهَتْ بِرُعُودِهَا الأَنْواءُ

وَ تخضَّبتْ سُحُبُ الغَمَامِ بِعِطْرِهَا *** وَ تَمَخَّضتْ بِعَبِيرِهَا اَلْأَرْجَاءُ

و اسْتَمْطَرَتْ مَاءَ الْوُرُودِ سَمَاؤُنَا *** خَيْراً يُبَشِّرُ بالْأُلي(1) قَدْ جَاؤُوا

وَ كَأَنَّمَا اَلْأَفْلاَكُ بَعْضُ عَبِيدِهَا *** وَ كَأَنَّمَا هَذِي اَلنُّجُومُ إِمَاءُ

فَالرُّوحُ جِبْرِيلٌ بِمُقَدَّمِ رَكِبِهَا *** وَ عَلَيَّ الشّمالِ مَلائِكٌ نُجَبَاءُ

وَعَلَي الْيَمِينِ مُحَمَّدٌ جَذَلاً بِهَا *** يَغْشَاهُ مِنْ لألائِها لِأَلاَءُ(2)

وَ اَلْأَرْضُ قَدْثَقَلْتْ بِها وَ كَأَنَّمَا *** هَبَطَتْ عَلَيْهَا بِالْجَلالِ سَمَاءُ

وَتَسَاءَلَتْ مِن ذا الَّذِي سَفَرَ اَلدَّجِي*** بِقُدُومِهَا وَ اخْضَرَّتِ الغَبْرَاء

هَتَفَ الْبَشِيرُ مُبَارَكاً ومُهْنِّئاً *** وَلَدَتْ لِطه البَضعَةُ الزهراءُ

بَزَغَتْ كَعَيْنِ اَلشَّمْسِ عِنْدَ مَجِيئِهَا *** وَ اَلشَّمْسُ لَوْلاَ نُورُهَا ظَلْمَاءُ

زَهْرَاءُ يُعْمِي نُورُهَا حُسَّادَهَا *** وَ يُنِيرُ قَلْبَ مُحِبِّهَا وَ يُضاءُ

ص: 122


1- الألي: بمعني الذين.
2- جذلاً: فرحاً. لألاءَ: البرق و اللمع و هنا بمعني الإشراق.

حُورِيَّةٌ قُدسِيَّةٌ صِدِّيقَةٌ *** حَارَتْ بِوَصْفِ جِلاَلِهَا اَلْفُصَحَاءُ(1)

فَكَأَنَّما قَدَّسُ اَلْإِلَهُ مُحَمَّدٌ *** وَ كَأَنَّمَا مِنْ قُدْسِهِ إِسْرَاءُ

وَ كَأَنَّمَا اَلْمِشْكَاةُ أَعْيَا(2)كُنْهُهَا *** عُشْرُ اَلْعُقُولِ وَ خَابَتِ اَلْحُكَمَاءُ(3)

بَاهِيَ بِهَا رِبِّي اَلْمَلاَءَكِ كُلَّهُمْ *** فَلِذَا اَلسُّجُودِ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ

يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرُّ اَلسُّجُودُ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ

يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرّ اَلْوُجُودِ وَ سِينُهُ وَ اَلرَّاءُ(4)

أَنْتَ اَلْبَتُولُ فَمَا لِمَرْيمَ وَالِدٌ ***كَمُحَمَّدٍ كَلاَّ وَ لا الْأَبْنَاءُ

وَ لَأَنْتَ أَمْ لِلنَّبِيِّ وَ آلِهِ *** وَ لَأَنْتَ لِلسِّرِّ الْمَصُونِ وِعاهُ

وَ لَأَنْتَ فِي يَوْمِ اَلْكِسَاءِ مَدَارُهُمْ *** وَ لَأَنْتَ نُورٌ للْكساءِ بَهَاءُ

وَ اَللَّهِ قَالَ وَ بَعْدَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ *** هُمْ فَاطِمُ وَ اَلْبَعْلُ وَ اَلْأَبْنَاءُ

هِيَ فَاطِمٌ مِنْ فاطر شَقَّ اسْمُهَا *** فَالْأَرْضُ قَدْ فَطِرَتْ بِها وَسماءُ(5)

ص: 123


1- عوالم العلوم، ج 11، ص 39. عن علل الشرائع: القطان عن السكري عن الجوهري عن عمر بن عمران عن عبيد الله بن موسي العبسي عن جبلة المكي عن طاوس اليماني عن ابن عباس قال: دخلت عائشة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقبّل فاطمة عليها السلام فقالت له: أتحبها يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال أما لو علمت حبّي لها لازددت لها حباً - إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- فلما أن هبطت إلي الأرض واقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء أنسية فإذا اشتقت إلي الجنة شممت رائحة فاطمة عليها السلام و في ص66، عن أمالي الصدوق و علل الشرائع و الخصال: ابن المتوكل عن السعد آبادي عن البرقي عن عبد العظيم الحسني عن الحسن بن عبد الله بن يونس، عن يونس بن ظبيان قال: قال أبوعبد الله عليه السلام لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّوجل: فاطمة عليها السلام و الصّديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدّثة و الزهراء. إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
2- أعيا: أتعب و أكَلَّ.
3- الظاهر أنه إشارة إلي العقول العشرة التي يري بعض الحكماء أنهم وسائط الفيض الوجودي من عالم الوجوب إلي عالم الإمكان. راجع عن ذلك الأسفار للملا صدرا و شرح المنظومة للسبزواري.
4- تقدمت الإشارة إلي أنها «عليها الصلاة و السلام» قطب أهل البيت عليهم السلام في و المحور الذي يقوم عليه عالم التكوين بإذن الله «تعالي» و السين و الراء الحرفان اللذان اجتمعا في حكمة سرَّ فهي السرَّ الذي أودعه الله «سبحانه» في هذا الوجود تكويناً و اللّه العالم.
5- في إشارة إلي حديث الكساء -و الشطر الثاني عن البحار، ج 43، ص 15، قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام: شقّ الله لك اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة عليها السلام.

لَوْ مَرَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ظِلُّهَا *** غَضَّتْ لَهُ أَبْصَارَهَا الأرجَاءُ(1)

فَعَلي الْأَلِي مِنْ حُبِّهَا سَرَّاءُ *** وَ عَلَي العَدِيُّ مِن بُعْضِها ضَرَّاءُ

لَكَ فِي اَلْقُلُوبِ مِنَ الصَّمِيمِ تَحِيَّةٌ *** يَجْرِي بِهَا لَكَ فِي الدِّمَاءِ وَلَاءُ

لَوْلَاكَ مَا خُلَقَ الْوُجُودُ وَ لَابَري *** رَبِّي الأَنامَ وَ لاَبَدَّتْ أشْياءُ

لَوْلاكَ لاَجْتُثَّتْ شُجِيرَةُ أَحْمَدٍ *** وَ لَمَّا أُتِيَ مِنْ صُلْبِهِ اَلنُّجَبَاءُ

لَوْلاَكَ مَا كَانَ الْكِسَاءُ يَضُمُّهُمْ ***كَلاَّ وَ لاَ ضَمَّ اَلنَّبِيَّ كِسَاءُ(2)

طَهُرْتْ بِهَا و بآلها أُمَّ اَلْقُري *** وَ تَطَهَّرَتْ مِنْ مَكَّةَ اَلْبَطْحَاءُ(3)

لِمَ لاَ وَ هَذِي اَلشَّمْسُ مِنْ أَنْوَارِهَا *** وَ مِنَ الشُّمُوسِ أَرِي الْوُجُودَ يُضَاءُ

إِذ إِنَّهَا اَلمَرْأَةُ يَعْكسُ صَفْوُهَا *** نُورَ اَلْأَلَهِ فَتَنْجَلِي اَلظَّلْمَاءُ

إِذْ لَوْ تَجَلَّي بَعْضُ نُورِكَ فَاطِمٌ *** لَتَدْكْدَكَتْ فِي طُورِهَا سَيْنَاءُ

فَلَكَ اَلْفَخَّارُ فَأَنْتِ كَوْثَرُ أَحْمَدٍ *** نَسْلُ اَلْأَمِينِ وَ نَسْلُكِ اَلْأُمَنَاءُ(4)

فَتَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّ عيسي مَرْيَمٌ *** وَ تَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّنَا حَوَّاءُ

وَ لَقَدْ أَقُولُ لِمَنْ يَرُومُ مَدِيحَهَا *** أَوْ مَا قَصَرْتَ ورَدَّكَ اَلْأَعْيَاءُ

ص: 124


1- البحار، ج 43، ص 219. عن أمالي الصدوق: الطالقاني عن محمد بن جرير الطبري عن الحسن بن عبد الواحد عن إسماعيل بن علي السدّي عن منيع بن الحجاج - إلي- عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة عليها السلام علي ناقة من نوق الجنة -إلي قوله- و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلي صوته: غضوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة بنت محمد عليها السلام -إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: أين ذرية فاطمة عليها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتتقدمهم فاطمة عليها السلام حتي تدخلهم الجنة.
2- إشارة إلي حديث الكساء و قد تقدم ذكرها مع أسانيدها.
3- البطحاء: المسبل الواسع الذي رمل.
4- عن فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي، ص193. قال العلامة القزويني (في تفسير قوله تعالي «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» -إلي قوله تعالي- «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» و وجه المناسبة أن الكافر شمت بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و حين مات أولاده و قال إن محمداً صلي الله عليه و آله و سلم أبتر فإن مات مات ذكره، فأنزل الله هذه السورة علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم كأنه تعالي يقول إن كان ابنك قد مات فإنا أعطيناك فاطمة عليها السلام و هي و إن كانت واحدة و قليلة ولكن الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.

لا لاَتَقُلْ مَاتَصْنعُ الشُّعَرَاءُ *** لَا بَلْ فَقُلْ مَا تَصْنَعُ الْحُكَمَاءُ

حُبِّي لَكُمْ آلُ الرَّسُولِ ذَخِيرَتِي *** يُؤْمَا بِهِ لَاتَنْفَعُ الشُّفَعاءُ

وَ تَذَلُّلِي فِي حُبِّكُمْ هُوَ مَسْعَدِي *** هُوُمَنْجَدِيٌ يَا أَيُّهَا اَلسُّعَدَاءُ

صَادَ إِلَي رَشْفِ اَلْحَقِيقِةِ مِنْهُمْ *** إِذْ نَحْنُ حَؤُلُ حِيَاضِهِنَّ ظِماءُ

ظَماٌ لِمَن يَرْتَوِي مِن حُبِّهِمْ *** وَ هُمُ الْمَعِينُ و غَيْرُهُم أقْذَاءُ(1)

أخْلَصْتُ فِي حُبِّي لَهُمْ فَجَعَلْتُهُ *** وَ تَرأ لَكُم يَا أَيُّهَا اَلشُّفَعَاءُ

شَمِلَتْكُمْ يَؤُمُّ اَلْكِسَاءَ تَحِيَّةٌ *** لُؤْلاَكُمْ لِكِسَا اَلْؤُّجُودَ عَمَّاءُ

آتُونَ إِذْ لاَ شِيءَ قَبْلَ وُجُودِكُم *** بَاقونَ لَوْعُمَ الوُجُودَ فَنَاءُ

وبِإِسْمِكُمْ غُفِرَتْ لآِدَمَ زِلَّةٌ *** سَل آدَماً مِنْ غَيْرُهُم أسْمَاءُ(2)

مِعْراجُنا لِرِضا الإلهِ وَدادَهِم *** وَ تَقَرُّبي فِي حُبِّهِمْ إِسْرَاءُ

وهُمُّ الْمَشِيئِةُ و الفُيُوضُ فُيوضُهُمْ *** فَاللَّهُ قَدْ شَاءَ اَلَّذِي قَدْ شَاؤُوا

مِنْ جُودِكُمْ هَذَا اَلْوُجُودَ بِمَا حَوَي *** فؤُجودُهُ لِؤُجُودِكُمْ أُسْدَاءُ(3)

إِذْ كَانَ فِي عَدَمٍ قُبَيْلَ وُجُودِكُمْ *** يَطْوِيهِ قَبْلَ وُجُودِكُمْ إِخْفَاءُ(4)

ص: 125


1- أقذاء: جمع قذّي و القذي جمع قذاة و هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو تبن أو وسخ و غير ذلك (عن لسان العرب).
2- لعلة إشارة إلي قوله تعالي: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» البقرة، 37. في الدر المنثور ج ا، ص90 - 91، طبعة بيروت قال: أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام والحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام إلا تبت عليّ فتاب عليه.
3- أسداء: جمع سداة أي اللحمة في نسيج الثوب (مختار الصحاح) و معنا ههنا وُجدَ الوجود لوجود أهل البيت «عليهم السلام»، و هم أصل الوجود.
4- عن عوالم سيدة النساء، ج 1/11، ص 22، عن فرائد السمطين: بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: لما خلق اللّه تعالي آدم أبو البشر و نفخ فيه من روحه إلتفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسَة أشباح سجّداً و ركّعاً. قال آدم: يا رب! هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة و لا النار و العرش و الكرسي و لا السماء و لا الأرض و لا الملائكة و لا الإنس و لا الجن. فأنا المحمود و هذا محمد و أنا العالي = و هذا علي و أنا الفاطر و هذه فاطمة عليها السلام و أنا الإحسان و هذا الحسن عليه السلام و أنا المحسن و هذا الحسين عليه السلام. آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري و لا أبالي يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم و بهم أهلكهم فإذا كان لك إليّ حاجة فيهؤلاء توسل... إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.

جَاؤُوا بِصُورَتِنَا لَنَا لَكِنَّهُمْ *** أُسَمي فَمَا فَوْقَ السَّمَاءِ سَمَاءُ

جُعِلْتْ مِنَ اَلْمَاءِ اَلْحَيَاةُ لِخَلْقِنَا *** وَ هُمُ الحَياةُ لِخَلْقِنَا وَ الْمَاءُ

مِنْ عَاذِلِي فِي حُبِّهِمْ مِن لاَئِمِي؟ *** والنَّفْسُ فِي مَنْ قَدْ عَشِقْتُ فِدَاءُ

دَعْنِي إِذَا اِشْتَغَلَ اَلْفُؤَادُ بِذِكْرِهِمْ *** سُكْرِي بِهِمْ بَلْ حُبُّهُمْ صَهْبَاءُ(1)

إِنِّي اِتَّخَذْتُ سَبِيلَهُمْ لِي شِرْعَةً *** لاَ بِالْأَلِيِّ ظَلَمُوهُمْ وَ أَساؤُوا

أَعْنِي اِبْنَ آكِلَةِ الْكُبُودِ(2) وَ وَ زَغَةٌ(3) *** مِمَّنْ لَهُمْ فِي السَّاقِطَاتِ نَمَاءُ(4)

أَعْنِي الَّذِينَ تَأْبَوْا فِي غَدْرِهِمْ *** مَعَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ

وَ وَعَوْهُ لَكِنْ عَيْنُهُمْ عَمْيَاء *** سَمِعُوهُ لَكِنْ أُذُنُهُمْ صَمَّاءُ

إِنَّ اَلْجَزَاءَ مَوَدَّةٌ فِي آلِهِ *** أَكَذا يُرَدُّ إِلَي اَلرَّسُولِ جَزَاءً(5)

ص: 126


1- صهباء: يرُمز بها إلي لون الخمرة - و يشير الشاعر هنا إلي حبّه و عشقه الصوفي لأهل البيت «عليهم السلام» حتي أسكره هذا الحب، كما تُسكر الخمرة الندماء.
2- آكلة الكبود: إشارة إلي (هند) زوجة أبي سفيان و أم معاوية آكلة كبد الحمزة عم النبي صلي الله عليه و آله و سلم في وقعة أحد.
3- وزغة: وزغ دويبة و في التهذيب : الوزغ سوام أبرص (لسان العرب).
4- جاء في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 2، ص 257، عن (تاريخ بغداد ج 3، ص 290) روي بسنده عن عبد الله قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال : رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عند الصفا وهو مقبل علي شخص في صورة الفيل و هو يلعنه فقلت: ومن هذا الذي يلعنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال : هذا الشيطان الرجيم، فقلت: و اللّه يا عدو اللّه لأقتلنك و لأريحن الأمة منك. قال: ما هذا جزائي منك. قلت : و ما جزاؤك مني يا عدو اللّه؟ قال: واللّه ما أبغضك أحد قط إلاّ شاركت أباه في رحم أمه. قال الخطيب: وهكذا رواه القاضي أبو الحسين الأشناني عن إسحاق بن محمد النخعي و هو إسحاق الأحمر و قد روي في البحار، ج 8، ص290، عن ابن شهر آشوب ما هو أعظم من ذلك فراجع.
5- عن فضائل الخمسة في الصحاح الستة، ج 2، ص 75، عن مستدرك الصحيحين، ج 3، ص172 روي بسنده عن علي بن الحسين عليه السلام قال خطب الحسين بن علي عليه السلام حين قتل علي عليه السلام فحمد اللّه و أثني عليه -إلي قوله- و أنا من أهل البيت عليهم السلام الذين افترض الله مودتهم علي كل مسلم فقال تبارك و تعالي لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت عليهم السلام (أقول) و ذكره المحب الطبري في ذخائره، ص138 و ابن حجر في صواعقه، ص136. ولكن ورد عن زينب بنت عقيل بن أبي طالب سلام الله عليها و هي تندب الحسين عليه السلام ما يكشف عن هذا الجزاء قالت: ماذا تقولون إن قال النبي لكم *** ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي *** منهم أساري و منهم ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 4، ص 46، و اللهوف لابن طاوُس ص 96، و مثير الأحزان لابن عامر ص 51، و نور الأبصار، ص 146، وأيضاً مقتل المقرم، ص336.

وَكأنَّماكَسْرُ الضُّلوعِ تَقَرُّبُ *** وَكَأَنَّمَا قَتَلُ الحُسَينِ وَفاءُ

دَعْهُمْ يَخُوضُوا بِالضَّلاَلَةِ إِنَّهُمْ *** بِجَهَنَّمَ بَل هُمْ لَها حَصْبَاءُ(1)

هذا جَزَاؤُهُم ولكِنَّ اللِّظِي*** فِي أضْلُعِي وَلَظَي اَلْعُيُونِ بُكَاءُ

لاَ تَنْطَفِي اَلْحَسَرَاتُ مِنْهُ عَلَي اَلْمُدَي *** إِلاَّ بِثَارٍ طَالَ مِنْهُ ثَوَاءُ

عَجِّلْ إِمَامِي فَالْمَصَائِبُ أَزْمَنَتْ *** فِينَا وَ لَيْسَ لجرْحِهنَّ بِرَاءُ(2)

قُولِي لَهُ يَابنَتُ طه إِنَّنَا *** فِينَا لِأَجْلِكُمْ ضَنّي وَ شَقَاءُ

عُدْنَا كَمَا اَلْإِسْلاَمُ فِينَا لَمْ يَكُنْ *** ضَيْمٌ وَ لَهْوٌ مِحْنَةٌ وَ غَنَاءُ

ص: 127


1- حصباء: حصي و الحقب كلّ ما يرمي في النار كالحطب.
2- استغاثة بصاحب العصر «عجل الله تعالي فرجه الشريف» الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إنه الإمام القائم بالحق يحيي به اللّه الأرض بعد موتها و يظهر به دين الحق علي الدين كله و لو كره المشركون. و في البحار، ج 51، ص 50، عن تفسير علي بن إبراهيم: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» سورة براءة 34 إنها نزلت في القائم من آل محمد عجل الله تعالي فرجه الشريف و هو الإمام الذي يظهره الله علي الدين كله فيملأ الأرض قسطاً و عدلاَ كما ملئت ظلماً و جوراً و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله. و في البحار أيضاً ج 53، ص17 فيما يكون عند ظهوره «عجل الله تعالي فرجه» برواية المفضل ابن عمر. أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل و عليّ بن عبد الله الحسني عن أبي شعيب و محمد بن نصير عن عمر بن الفرات عن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام هل للمأمور المنتظر المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف من وقت موقت يعلمه الناس؟ ... إلي قوله ... ثم تبتديء فاطمة عليها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر و أخذ فدك ... إلي كل المصائب التي جرت عليها عليه السلام.

وَاَلْمُسْلِمُونَ أرِي تَشَتَّتَ أَمْرُهُمْ *** فتفشت اَلْفَحْشَاءُ وَ اَلْبَأْسَاءُ

نَالَتْ مَعاوِلُهُم بَقَايَا دِينِنَا *** فَاسْفَعْ بَقِيَّةَ رَبِّنا مَنْ سَاؤُوا(1)

وَ اِدْرِكْ أَيَا أَمَلَ اَلشُّعُوبِ فَإِنَّنَا *** جَذَتْ أيادينا اليَد اَلْجَذَّاءُ(2)

مَلَّ اَلتَّصَبُّرِ أَضْلُعِي فَمَتِي نُرِي *** عِلْمَ اَلْهِدَايَةِ بِالْهُدَاةِ يُضَاءُ

ص: 128


1- فاسفع: سفعَ و سفعته النار و السموم إذا لفحته لفحاً يسيراً فغيّرت لون البشرة.
2- الجذّاء : المقطوعة - المكسورة.

(10) روح النبي

(بحر الكامل)

الأستاذ حسن أحمد العامر(*)(1)

يَمَّمْتُ ذِكْرِي مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ *** فَطَفِقْتُ أنظمُ لِلْمَدِيحِ ثَنائِي(2)

وَ شَحَذْتُ فِكْرِي طَالِباً نَفْخَ اَلْهَدْيِ *** وَ مَزِيدِ أَلْطَافٍ لِسَبِّكَ وَلاَئِي

وَ وقفتُ فِي بَهْوِ اَلْبَتُولَةِ رَامِقاً *** فَرْعَ اَلنُّبُوَّةِ مَجْمَعَ الْآلاء

مُتسائِلاً فِي شَأْنِهَا كَمْ قِيلَ مِنْ *** شَعْرٍ وَ مِنْ نَثْرٍ وَ مِنْ إِطْرَاءِ

حُبّاً لَهَا وَ لَكُمْ أشادوا بِاسْمَعِهَا *** فِي صَدْرِ كُلِّ فَرِيضَةٍ وَ نِدَاءِ

قَالُوا اَلْكَثِيرُ وَ لَمْ يُؤَدُّوا حَقَّهَا *** وَ مَضَوْا لِيُبْقِيَ ذِكْرَهَا بِضِيَاءِ

ص: 129


1- (*) هو الاستاذ حسن بن أحمد بن سليمان بن إبراهيم العامر. ولد في الكويت سنة (1961م) الموافق (13/رجب/1980ه). نشأ و تربي في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. أخذ دراسته الأولية في مدارس الكويت، من الابتدائية و المتوسطة حتي الثانوية و بعدها التحق بجامعة الكويت و تخرّج منها بشهادة بكالوريوس بالمحاسبة. أحبّ الشعر وتعشّقه في سن مبكرة؛ و أول قصيدة قالها و هو لم يتجاوز العشرين من العمر و هو متأثر بروح الولاء لأهل البيت عليهم السلام و نظمه ذائب في فلكهم عليهم السلام و يشترك شاعرنا في الاحتفالات و التجمعات التي تقام في الكويت بمناسبة الأحداث التي مرّت فيها حياة المعصومين عليهم السلام وله الدور الفاعل في إلقاء قصيدته بالمناسبة و دائماً يلقي القبول و الاستحسان من الحضور و هذا دليل علي حسن نظمه و إخلاصه وتواضعه. و للمترجم له محاولات في التأليف، فله ديوانه الخاص الذي جمع نظمه الكثير و أيضاً له مجموعة شعرية لمختلف الشعراء و الأدباء سماها ب- (صفوة الأشعار في مرائي الاطهار) و غيرها من المؤلفات و كلها لم يطبع. ولا يزال منكباً علي نشاطه الديني و الثقافي في مختلف المجالات؛ زاد الله في توفيقه.
2- يمّمتُ: قصدت.

يَبقَي لِيَبْقَيَ ذِكْرُ آلِ مُحَمَّدٍ *** نَبْعَ الْعَطَاءِ وَ قَائِماً بِبَقَاءِ

وَ مَسَائِلَ اَلتَّارِيخِ أَيْن نَظِيرُهَا *** حَتَّي يُقَاسَ بِأَنْمُلِ اَلزَّهْراءِ

أَزَكِيَّةِ اَلْحَسَبَيْنِ هَلْ لَكَ مَشَبَّةٌ *** فِي الْخافِقَيْنِ(1) بِأَرْضِهِ وَ سَمَاءِ

أَمْ أَنَّكَ النُّورُ الْفَرِيدُ وَ مَا لَهُ *** مِثْلٌ يُنَافِسُهُ بِلا اسْتِثْناءِ

رُكْنِ الْفَضِيلَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةُ *** وَ مآلُ كُلِّ سَجِيَّةٍ حَسناءِ

تُفَّاحَةُ الْفِرْدَوْسِ سرُّ مُحَمَّد *** ثَمَرُ اَلْجِنَانِ وَ نَسَمَةُ اَلْعَليَاءِ(2)

وَ رَبِيبَةِ اَلْوَحْيِ الْمُعلي ذِكْرُهُ *** وَ كَرِيمَةٌ سُلَّتْ مِنَ الْكُرَمَاءِ

وَ رُوحُ اَلنَّبِيِّ اَلْهَاشِمِيِّ وَ رُوحُهُ *** وَ نَصِيبُهُ الْبَاقِي مِنَ اَلْأَبْنَاءِ(3)

وَ عَلَيهِ صَلُّوا فَالصَّلاةُ تَحيَّة *** تُهْدِي لِحَضْرَةِ سَيِّدِ اَلْأُمَنَاءِ

هِيَ تَاجُ فَخْرٍ فَوْقَ رَأْسِ المُرتَضِي *** بَاقٍ عَلَيْهِ بِرِفْعَةٍ وَ بَهَاءِ

كَمْ زُيِّنَتْ فَوْقَ اَلْجَبِينِ بِضُؤْئِهَا *** هَامُ اَلْإِمَامَةِ بِالسَّنَا اَلْوَضَاءُ(4)

طَهُرَتْ مِنَ الإِشْكَالِ طُهْراً مُطْلَقاً *** مَعْصُومَةً خَلُصَتْ مِنَ اَلْأَسْوَاءِ

مَا مَسَّهَا الاّ الجَلالُ مُطَهَّراً *** فَهِيَ الجَلِيلَةُ زهْرَةُ الزَّهْرَاء

ص: 130


1- الخافقين: المشرق و الغرب.
2- لعله إشارة إلي ما ذكرناه من أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما أسري به وعرج إلي السماء فكان من ربه قاب قوسين أو أدني تجوّل به جبرئيل عليه السلام في الجنة و أطعمه من رطبها و في رواية أخري ناوله تفاحة فأكلها فتحولت نطفة في صلبه فلما هبط إلي الأرض واقع زوجته خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام. انظر تاريخ الخطيب البغدادي، ج5، ص87 ح2481، و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص383.
3- إشارة إلي قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حديث له حول فاطمة عليها السلام : هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله تعالي. أخرج الحديث ابن البطريق في كتابه العمدة، برقم 769. و في حديث آخر تروية فاطمة الزهراء عليها السلام عندما نزل قوله تعالي : «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» رغب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فأعرض عليَّ مرة أو اثنتين أو ثلاثاً ثم أقبل عليّ فقال: يا فاطمة عليها السلام إنها لم تنزل فيك و لا في نسلك و أنت منيّ و أنا منك و هناك الكثير من الأحاديث المتضمنة هذا المعني مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة منيّ - فاطمة عليها السلام شحنة منيّ - فاطمة عليها السلام شعرة منيّ- إلخ.
4- الهام والهامّة: الرأس.

وَ ضَمِيمَةُ اَلْمَجْدِ اَلْمُقَدَّسِ وَ اَلَّتِي *** نَظَمَتْ عُقُودَ العِزِّ نَظْمَ إِبَاءِ

أُمِّ اَلنُّبُوَّةِ كَهْفَهَا وَ مَلاَذُهَا *** وَ مُقَامُ كُلِّ شَرِيعَةٍ بَيْضَاءِ

لَوْلاَهَا مَا كَانَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفِي *** نَالَ الظُّهُورَ بِعَالِمِ الْأَسْمَاءِ(1)

وَ لَمَّا غَدَا اَلْمُخْتَارُ يُعْرَفُ قَدْرُهُ *** فِي غَابِرِ الأزمانِ بِالْعَيَاءِ

مِنْ حَيْثُ كَانَتْ نُورَ عالَمِها اَلَّذِي *** عُرِفَتْ بِهِ اَلْأَسْمَاءُ بِالْأَشْيَاءِ

مَعَنِي يُشفُّ مِنَ اَلْحَدِيثِ موضَّحاً *** شَأْنَ اَلَّتِي فاقَتْ علَي اَلْعَذْرَاءِ(2)

لَوْلاَ اَلرَّسُولُ مُحَمَّدٌ وَ وَصِيُّهُ *** مَا كَانَتِ الْأَفْلاكُ غَيْرَ هَبَاءٍ

وَ بِفَاطِمٍ كَانَ السَّنَاءُ عَلَيْهِمَا *** وَكَستهُمَا حُلَلاً مِنَ الأَضْوَاءِ(3)

وَ بِهَا تَكْأمُنُّ كُلُّ غَايَاتِ اَلْمُنِي *** لمّا بَراهَا بَارِيءُ اَلْأَحْيَاءِ(4)

فَخَرَتْ بِها الْجَوْزاءُ حِينَ تسنَّمَتْ *** هَامُ الْمَجْرَّةِ فَوْقَ كُلِّ سَماءِ(5)

وَ تَحَيَّرَتْ فِيهَا الْعُقُولُ وَ أَدْهَشْتْ *** لِفَضَائِلِ جُلَّتْ لَدَيِ الْفُضَلاَءِ

فَرِضَاهَا مِرْآةُ اَلرِّضَا وَ عَلاَمَةٌ *** لِرِضَا إِلَهِ الْكَوْنِ وَ اَلْأَنْحَاءِ

فَهِيَ الْوَدِيعَةُ وَ الْمُطِيعَةُ وَ الشَّفِيعَةِ *** وَ الرَّفِيعَةِ مُلْتَقَي الْأَسْمَاءِ(6)

وَ هِيَ النَّبِيلَةُ وَ اَلْجَلِيلَةِ مَحْتِداً *** وَ دَلِيلُ كُلِّ مَعَاشِرِ النُّبَلاءِ(7)

وَ هِيَ اَلْبَصِيرَةُ قَدْ أَحَاطَتْ عَيْنُهَا *** بِجَزِيءِ كُلِّ خَلِيَّةٍ بِخَفَاءِ

ص: 131


1- لعله إشارة إلي الحديث القدسي عن الله «عزّوجل»: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا عليّ عليه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة عليها السلام لما خلقتكما). انظر فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي نقلاً عن كشف اللآليء لصالح بن عبد الوهاب العرندس و عن ملتقي البحرين.
2- يُشَفّ: يُتبَّنُ منه، يُستخْلَصُ. يُنْظَرُ ما وراءَه...
3- الإشارة إلي الحديث المنسوب للرسول صلي الله عليه و آله و سلم (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة لما خلقتكما).
4- برأها: خلقها.
5- تستنمت: ركبتْ و عَلتْ.
6- صح في الأخبار أن لفاطمة عليها السلام عشرين اسمة كل اسم يدل علي فضيلة ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة و نقل عنه ذلك ابن شهر آشوب في مناقبه، ج3، ص409. راجع بيت الأحزان للشيخ عباس القمي، ص26.
7- محتداً: أصلاً.

عِرْفَانُهَا قُطْبٌ يَدُورُ بأُفقِهِ *** حِقَبُ اَلدُّهُورِ بِرَهْبَةٍ وَ رَجاءِ(1)

وَ لِمَنْ حَظِيَ مِنْ حُبِّها بِشَعِيرَةٍ *** نَالَ اَلْمُنِي وَ كَرَامَةَ اَلْكُرَمَاءِ

وَ اَللَّهِ لَوْلاَ فَاطِمٌ وَ مُقَامُهَا *** لِمَ تَقْتُرُنْ حَاءٌ لَنَا بِالْيَاءِ(2) (3)

وَ لَما عَرَفْنَا دِينَ أَحْمَدَ وَ الْهُدَي *** و لَمَا سَلَكْنَا مَسْلَكَ الأُمَنَاءِ

وَ لَكَانَتِ اَلْأَحْكَامُ خَلْقاً كَالَّذِي *** يَتْلُوا اَلنِّسَاءُ بنيةَ الشُّعَرَاءِ

رَكَعْتْ أَسَاطِينَ الْعُلُومِ لِفَضْلِهَا *** وَ تَقَهّقَرْتْ بِمَخَافَةٍ وَ حَيَاءِ

أَنِّي وَ قَدْ عَجَزُوا بِزَعْمٍ نُفُوذِهِمْ *** عَنْ حِلِّ فَاءٍ بِاسْمِهَا وَ اَلطَّاءِ

فَتَعَالَيْ رَبِّ قَدْ حَبَاكَ مُعَاجِزاً *** عَرَجَتْ إلهيا أَنْفُسُ اَلْعُرَفَاءِ

هِيَ سِرٌ سِرِّ لَوْ يَفُوزُ بِبعضهِ *** عَقْلٌ لَطَارَ مُحَلَّقاً بِجَلاَءِ

وَ لَسارَ فَوْقَ الْمَاءِ مُمْتَثِلاً لَهُ *** أَجْزَاءُ كُلِّ حَبِيبَةٍ فِي الْمَاءِ

يَا صَفْحَةَ الْأُفُقِ الْمُضِيءِ تَلَأْلَأَتْ *** فِيهَا نُجُومُ مَكَارِمٍ بِصَفَاءِ

لِلنَّاظِرِينَ وَ لاَ مِسَاسَ تَهَابُهُ *** وَ اَلْأُفُقُ يَخْشِيُ مِسْاسَ لِرَّاءِ

ص: 132


1- ورد في الخبر (هي الصديقة الكبري عليها السلام وعلي معرفتها دارت القرون الأولي) انظر بحارالأنوار ج43، ص10 - 12.
2- اقتران الحاء بالياء يشكل كلمة حي و المقصود لولا مقام فاطمة الزهراء عليها السلام عند ربها لم تكتب لنا الحياة ولا كنا من الأحياء.
3- اقتران الحاء بالياء يشكل كلمة (حي) و لعل المقصود لولا فاطمة الزهراء عليها السلام ومقامها عند ربها لم تكتب لنا الحياة و دليل ذلك ما ورد في أحاديث كثيرة منها الحديث القدسي الذي أوردناه تحت رقم (3) و حديث الكساء المروي في عوالم العلوم للشيخ البحراني و ينقله عنه صاحب مفاتيح الجنان بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء عليها السلام ثم يروي حديث الكساء الذي اقترن بآية التطهير و أوردناه سابقاً حتي يصل إلي قوله تعالي في الحديث: يا ملائكتي و يا سكان سماوات إني ما خلقت سماء مبنية و لا أرضاً مدحية و لا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة و لا فلكاً يدور و لا بحراً يجري و لا فلكاً يسري إلاّ في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرئيل: يا رب و من تحت الكساء فقال «عزّوجل»: هم أهل بيت النبوة عليهم السلام و معدن الرسالة هم فاطمة عليها السلام و أبوها و بعلها و بنوها... إلخ. و بما أن أهل بيت النبوة عليهم السلام هم الواسطة في خلق الخلق بإذن الله «سبحانه» و إرادته و فاطمة عليها السلام هي المحور في ذلك كما تقدم ذكر الشاعر في بيته ذلك و الله أعلم.

شَمْسِ الْحَقِيقَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةً *** وَ سَنَاؤُكِ الْأَلْطافُ فِي الْأَحْياءِ

مِنْ وَجْهِكَ الْأَنْوارُ تُشْرِقُ كَيْفَ مَا *** تهوِينَ يَا رَمْزَ اَلْعَلِي كَذُكَاءِ

مَنْ أَبْيَض زَاهٍ وَ أَصْفَرَ فَاقِعٍ *** يَتْلُوهُ أَحْمَرُ إِذْ دَنَتْ لِمَسَاءِ

وَ تَلُوحُ فَوْقَ هَيَاكِلِ اَلتَّوْحِيدِ مِنْ *** إِشْرَاقِكَ اَلْأَنْوَارُ فِي الأرْجَاءِ

أزْجَاجَةَ الْمِصْبَاحِ فِي مَشْكَاتِهِ *** وَالْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ في الأجْواءِ(1)

لِلَّهِ أَنْتِ فَكَمْ حَوَيْتِ فَضَائِلاً *** أَرْخَي عَلَيْهَا اَلْغَيْرُ ثَوْبَ خَفَاءِ

وَ بِرْغْمِ هَذَا قَدْ بَدَا مَا قَدْ بَدَا *** أَثْرَي العقُول بِنفحِكِ اَلْمِعْطَاءِ

فَتَنَافَسَ الْعُلَمَاءُ فِي إِظْهَارِهَا *** وَ تَسَابَقَ الشُّعَرَاءُ فِي اَلْإِطْرَاءِ

وَ كَمْ تَشَرِّفَ فِي مَديحِكِ ناظِمٌ *** قَصْدَ الْمَنِي بِقَصِيدَةٍ غَرَّاءِ

وَ إِلَيْكَ قَدْ سَطَّرتُ رَمْزَ مَحَبَّتِي *** لِأَفُوزَ فِي يَومِ اللّقا بِجَزَاءِ

وَ لِأَجْلِ مُؤَلِّدِكِ الشَّرِيفِ تَنَزَّلتْ *** مِنْ عَالَمِ اَلْأَلْفَاظِ وَ اَلْأَسْمَاءِ

هَجَرِيَّةٌ طَابَتْ وَ طَابَ نَشِيدُهَا ***حَسَنِيَّةً مَا شَوَّهَتْ بَرِيَاءِ(2)

فَتَقبَليها تُخَفَةً مِنْ فَيْضِكُمْ *** تُهَنِّي اَلسُّرُورَ حُلَّةٍ حَسْنَاء(3)

وَ خِتَامُهَا صَلُّوا علَي خَيْرِ النِّسَّا *** وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ وآله الأمناءِ

ص: 133


1- إشارة إلي قوله تعالي في سورة النور الآية (35): «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ»، و قد وردت الأخبار الكثيرة من طرف أهل البيت عليهم السلام و غيرهم أن أظهر مصاديق هذه الآية هم أهل بيت النبوة عليهم السلام كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أن المشكاة هي فاطمة الزهراء عليها السلام. انظر تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 602 و تفسير الميزان، ج 15، ص 141.
2- هَجرية أي من هَجَر و هَجَر اسم يطلق سابقاً علي القطيف و الإحساء و البحرين و الآمد يعني منطقة الإحساء فقط.
3- في الأصل: و حلةَ حسناءِ و هو تصحيف واضح.

(11) بَيتُكِ السَّامِي

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عِزُّ اَلْعَزَاءِ عَلَيْكَ يَا زَهْرَاءُ *** فَلَقَدْ دَهَتْكَ مُصِيبَةٌ شَنْعَاءُ(2)

ص: 134


1- (*) هو الشيخ حسن بن عبد الله بن حسين البحراني القيسي، ولد في البحرين سنة (1940م) الموافق (1360 ه) في قرية الدية. نشأ و ترعرع في ظل أسرته و تحت رعاية والده و نال منه التربية الصالحة و منذ صغره كان مولعاً بالعلم و الأدب فأخذ دراسته الابتدائية في البحرين و في سنة (1960م) هاجر إلي مدينة العلم النجف الأشرف لينهل من معين الحوزة العلمية فيها، فتتلمذ علي المدرسين مثل الشيخ جعفر الإيرواني و الشيخ حبيب الغروي و الشيخ عباس الدرازي و غيرهم من الأساتذة، فدرس النحو و الصرف و المعاني و البيان و الفقه و الأصول و بعد أن أخذ قسطاً وافراً من العلم و الفضل عاد إلي البحرين موطن آبائه و أجداده و لم يكتف بطلب العلم، فاتصل بالعالم الجليل السيد علوي ابن السيد أحمد الغريفي ليزداد منه معرفةً و علماً. و المترجم له، صاحب موهبة كبيرة في مجال المنبر الحسيني، فهو بحق خطيب بارع و منطيق فذ يرقي المنبر بكل جدارة و كفاءة، و قد شاهدته في الكويت يصعد المنبر و يجيد فنون الخطابة بأسلوبه القديم متأثراً بأستاذه في الخطابة «ملا أحمد بن رمل» بطل المنبر الحسيني و شيخنا القيسي، أحب الشعر و شغف به، و ابتدأ بقرض الشعر و عمره ثلاث عشرة سنة و أول قصيدة نظمها في الإمام موسي بن جعفر « عليه السلام» و هو مكثر في النظم، ولعّله لا تفوته مناسبة دينية إلاّ وله فيها قطعة شعرية. و للمترجم له مؤلفات كثيرة منها 1- الدعوات المستجابة في التوبة والإنابة (خمسة مجلدات)، 2 - الشذرات النورانية جزءان 3 - شرح القصيدتين في رثاء العباس و الحسين عليهما السلام، 4 - تفسير الأحلام في الرؤيا و المنام، 5- كنوز المدح و الرثاء، 6- العترة الطاهرة، 7- خير المساعي تخميس قصيدة دعبل الخزاعي، و لا يزال مكباً علها خدمة أهل البيت «عليهم السلام».
2- عزَّ: قلَّ، فكاد لا يوجد و منه الحديث: المؤمنة أعزّ من المؤمن، و المؤمن أعز من الكبريت الأحمر و الشناعةُ: الفظائع و الشنعاء: الفظيعة.

قُومِي اِلْبَسِي ثَوْبَ اَلْمُصِيبَةِ وَ اعولي *** حَزْناً فَدَهْرِكِ لَوْعَةٌ وَ بُكَاءٌ

نَصَبَتْ لَكَ الْأَعْداءُ حِقْداً كامناً *** اَللَّهُ مَانْصَبتْ لِكِ اَلْأَعْداءُ!

قَدْ أَسْقَطُوا مِنْكَ الْجَنِينَ وَهَشَّمُوا *** اَلْأَضْلاَعَ فِي عُرْضِ اَلْجِدَارِ وَ جَاؤُوا(1)

بِالنَّارِ لِلْبَابِ الشَّرِيفِ لِيُحْرِقُوا *** بَيْتاً بِهِ اَلْقُرْآنُ وَ اَلْأُمَنَاءُ

تَاللَّهِ لاَ أَنْساكِ حِينَ تَجْمَعتْ *** بِفِنَاءِ دَارِكِ خِفْنَةٌ لُؤْماءُ

وَ تَقَحَّمُوا فِي بَيْتِكِ اَلسَّامِي اَلَّذِي *** هُوَ دُونَهُ فِي قَدْرِهِ اَلْجَوْزَاءُ

لَطمُوكِ لَطْمَةً حَاقِدٍ مِنْ شَرِّهِمْ *** لِلَّهِ يَا لِكِ لطمةً شُنْعَاءُ (2)

اَللَّهِ يَا لَكَ لَطْمَةً بَكَتِ اَلسَّمَاءُ *** لَهَا دَماً وَ ارْتَجَّتِ الْأَرْجَاءُ

يَا وَخِزَةَ الْمِسْمَارِ صوبتِ العُلا *** فَأَصابَ قَلْبَ اَلدِّينِ مِنْكِ الدُّاءُ

صَوَّبْتَ فَاطِمَةَ اَلْبَتُولِ بِصَدْرِهَا *** مَا أَنْتَ الاّ طَعْنَةٌ نجلاءُ

وَقَعَتْ عَلَيَّ قَلْبِ اَلْهُدْي فَإِذَا اَلْهَدْيُ *** بَاكٍ وَ تِلْكَ دُمُوعُهُ حَمْراءُ

صَوَّبْتِ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ بِضَرْبَةٍ *** فَالصَّدْرُ مِنْكِ تَسِيلُ مِنْهُ دِمَاءُ

وَ احْسَرْتَاه لِمَا أَصَبْتِ فَإِنَّهُ *** لَبِعِينٍ رَبِّ اَلْبَيْتِ يَا زَهْرَاءُ

حُتِّي مِنَ الدُّنْيَا خَرَجتِ كَثِيبَةً *** تَبْكِي عَلَيكِ الشِّرعةُ الْغَرَّاءُ

وَ تَتَّبِعُوا أَبْنَاكِ أَيْ تتَّبُعٍ *** فَإِذَا هُمْ حَرْبٌ لَهُمْ بَلاءُ

حَتي اذادُوهُم بِكُلِّ تَنُوفَةٍ *** تَنْتَابُهُم دُونَ اَلْمَلاَ لَأْوَاءُ (3)

مَا جُزْتُ أَرْضاً أَوْ نَزَلْتُ بِقِيعَةٍ *** إِلاَّ لمحنتِهِم بِهَا أَصْدَاءُ

فَبِأَرْضِ سامرا وَ بَغْدَادٍ وَ فِي *** طُوسَ لَهُمْ حَفَرٌ بِهَا أَشْلاَءُ(4)

ص: 135


1- عُرض الجدار: ناحيته. هشموا: بالغوا في الكسر.
2- يجوز نصب لطمة بناءً علي إرجاع لطمة إلي التعجب بقوله: يا لك و علي هذا يكون النصب علي نزع الخافض، لأن الأصل يا لك من لطمةٍ. و أما رفع شنعاء فهو علي النعت المقطوع.
3- دُوهُمْ: من (المداهمة) و هو الهجوم السريع المباغت. التنوفة: من التَّنَف و الجمع تَنائفُ: الأرض القفر؛ البعيدة الماء؛ المفازة؛ التي لا ماء بها من الفلوات و لا أنيس و إن كانت معشبة. لسان العرب و اللأواء: المشقّة و الشدّة و ضيق المعيشة.
4- في سامّراء يرقد الإمامان العاشر و الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام و هما: علي بن محمد النقي الهادي و الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) و في بغداد الإمامان السابع و التاسع منهم «عليهما السلام» و هما: موسي بن جعفر الكاظم و محمد بن علي الجواد( عليهما السلام) و في طوس كذلك مثوي الإمام الثامن من الأئمة الإثني عشر و هو علي بن موسي الرضا عليه السلام.

وَ اعْطِفْ عَلَي وادِيَ الْغَرِيِّ فَاِنَّهُ *** فِيهِ الْوَصِيُّ الطّاهِرُ الْوَضَّاءُ(1)

وَ بِأَرْضِ طَيْبَةَ وَ اَلْبَقِيعِ تُرِي لَهُمْ *** حُفَراً يَهِيجُ لِشَجوهَا الإبْكَاءُ(2)

لِلَّهِ أَقْمَارُ السَّمَاءِ تَجَرَّعتْ *** سُمّاً فَهُمْ دُونَ اَلْمَلاَ غُرَبَاء

سَمّا تَذُوبُ لَهُ اَلصُّخُورُ وَ وَقْعَهُ *** نَارٌ لَهَا وَسَطَ اَلْقُلُوبِ ذَكَّاءُ(3)

و بِكَربِلاَ طُعْمَ اَلْأَسِنَّةِ وَ الْقَنَا *** أَمْسِي اَلْحُسَيْنُ وَ مَا لَهُ رُحَمَاءُ(4)

طُعْمَ اَلسُّيُوفِ وَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ *** صَرْعِي وَ مَا لَهُمُ هُنَاكَ غِطَاءُ

جَرَعُوا اَلْحُتُوفَ عَلَي ظَمّا وَ بِجَنْبِهِمْ *** شَاطِي اَلْفُرَاتِ بِهِ يَلُوحُ الْماءُ(5)

يا آلَ أَحْمَدَ رُزُؤُكُمْ تَبْكِي لَهُ *** شُهُبُ السَّماءِ وَ تَنْحَبُ اَلْغَبْرَاءُ

ثُمَّ اَلصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ مَا يَمَمتْ *** عِيسٌ وَ فِيهَا تَرْتَمِي اَلصَّحْرَاءُ(6)

ص: 136


1- هو أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام و هو أول أئمة أهل البيت عليهم السلام.
2- طيبة (علي وزن شيبة): هي المدينة المنورة و البقيع مقبرة بالمدينة مشهورة و يقال لها أيضاً: بقيع الغرقد -بالغين المعجمة- و الغرقد: شجر له شوك كان ينبت هناك فذهب و بقي الاسم لازماً للموضع و ذكر ابن منظور في اللسان: أنّ من الأسماء التي وضعها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ليثرب: طَيْبَة و طابة و طيبِّة و المطيِّبة و الجابرة و المجبورة و الحبيبة و المحبَّبة.
3- الذَّكاء للنار: شدّة و هجها و منه قولهم: أحرقني ذكاؤها.
4- الطُّعم، بضم الطاء و سكون العين: الطعام، عن المصباح المنير.
5- الحُتُوف علي وزن صُفوف: جمع حتف، و هو الموت و جرعوا: يمكن أن تُقرأ مبنّية للمجهول أو المعلوم و الأولي للمعني أنسب، ولكن العادة جرت علي قراءة الفعل حينئذٍ بالتشديد.
6- يمَّمَت: قصدت. عيس: الواحد أعيس و الواحدة عيساء الإبل البيِض يخالط بياضها سوادٌ خفيف و هي كرام الإبل.

(12) درةُ المجد

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ زَكِيٌ مُهَيْمِنْ *** وَ تَرَاهُ فِي اَلْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ مُمْعَنْ

لَيْسَ فِيهِمْ الاّ الوليُّ المُؤمِنْ *** ثُمَّ سَلْنِي عَنْ أُمِّهِمْ و اسْتَمِعْ مِنيَ

وَصفاً مَا لَيْسَ فِيهِ خَفَاءُ

إنَّها بَضعَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدْ *** وَ هيَ بَحرُ العِلمِ الّذي مَا لَهُ حَدّ

وَ رِضَاهَا مِنْ رِضاها تَأكدْ *** هِيَ أَمْ نَظِيرُهَا لَيْسَ يُوجَدْ

إِنَّهَا الطُّهْرُ فاطِمُ الزَّهْراءُ(2)

ص: 137


1- (*) مرت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- في البيت إشارة إلي أمور خمسة تتصف بها ابنة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و هي: أ- كونها بضعة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو ليس محل شاهد، بل أراد الشاعر بذلك الكناية عن أحاديث رضاها و أذاها و قد أورد الهمذاني في كتابه فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي ص47- 50 قرابة عشرين حديثاً تشبه ما نقلناه و قد نقل ذلك عن كثب أعيان العامة و أئمتهم منها صحيحا البخاري و مسلم و المستدرك عليهما و مسند أحمد و كنز العمال و طبقات ابن سعد و نور الأبصار للشبلنجي و إرشاد الساري و هامشه و فيض القدير و مثله يمكن مراجعة فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي، ج3، ص151 و ما بعدها. ب- وصفها بالعلم غير المحدود و يشهد لذلك كونها محدّثة و حديث مصحفها الذي كان الأئمة عليهم السلام يرجعون إليه و كونها معصومة عليه السلام و العصمة لا تتأتّي إلاّ بمعرفة الصحيح و ارتكابه و تشخيص الخطأ و الباطل و اجتنابه و ذلك أوضح مراتب العلم و أعلاها. و في الأحاديث أن آل البيت المعصومين عليهم السلام كانوا «يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن» كما في فضائل ابن شاذان، ص80 - 82 و البحار، ح163/56، باب23 و في عوالم العلوم والمعارف ج11، ص 6 - 7. ج- أن الله سبحانه يرضي لرضاها و هو من أجلي مظاهر =القداسة و العصمة و لك أن تراجع (2/ 5) و (4/7) و (8/12) و (6/18). د- أنها أمّ لا كسائر الأمهات، فراجع ينابيع المودّة ص 227، قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم : ألا أدلكم علي خير الناس أبا و أماً؟ قالوا: بلي يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. قال الحسن و الحسين عليهما السلام أبوهما عليّ ... (إلي أن قال :) و أمّهما فاطمة سيدة نساء أهل الجنة عليها السلام. ه- أن من أسمائها الطاهرة و الزهراء و فاطمة عليها السلام.

لَوْ سَأَلْتَ اَلْقُرْآنَ سَطْراً فسطرا *** فَهُوَ فِي فَضْلِهَا يُشِيدُ وَ يُقِرَّا

وَ بِهِ قَدْ عَلْتَ مَقَاماً وَ قَدَرا *** وَ كَفَي بِالْقُرْآنِ مَدْحاً وَ فَخْرا

وَ لَنِعْمَ الْإِفْصَاحُ وَ اَلْإِطْرَاءُ(1)

دِرَّةُ اَلْمَجْدِ قدْرُهَا كانَ سَامِي *** هِيَ قُطْبُ اَلْعُلاَ وَ قُطْبُ النِّظَامِ

هِيَ ذَاتُ اَلْكَمَالِ وَ اَلْإِعظَامِ *** هِيَ أَمِ اَلْهُدَاةِ أَمِ اَلْمَيَامِين

وَ نِعْمَ اَلْأَمَاجِدُ اَلنُّجَبَاءُ(2)

هَذِهِ فاطمٌ حَبِيبَةُ طهَ *** إِنْ تَكُنْ قَدْ شَكَكْتَ فِي عُلْيَاهَا

ص: 138


1- يصعب حقاً تحديد أعداد الآيات التي نزلت في حق سيدة النساء عليها السلام، بشكل خاصّ بها أو عامِّ لها و لأهل البيت جميعاً، بحيث يندر أن توجد سورة من سور القرآن الكريم و هي خالية من آية أو آيتين علي الأقل تصرحّان بفضلهم و تناديان بحسن بلائهم و تقدُّم حقّهم علي سائر المسلمين. ومن نافلة القول: أن هذا الأمر لا يختص بالشيعة الإمامية، بل يشاركهم في ذلك علماء العامة أيضاً، حتي لقد جمع بعض الأعلام الآيات النازلة بحق الزهراء عليها السلام و أهل البيت عليهم السلام من طرق العامة فقط، فبلغت أكثر من مائتين و خمسين آية، موزَّعة علي قرابة سبعين سورة من سُوَر الكتاب العزيز.
2- في البيت إشارة إلي ثلاث خصال لها عليها السلام؛ و هي: أ- أنها قطب النظام و مركز العلا و المقصود: هي مع أبيها و بعلها و بنيها، و يمكن أن يراجع ذيل حديث الكساء المتواتر و قدم خلقهم و توسّل الملائكة و النبيّين بهم. ب- أنها متصفة بالكمال و العظمة و قد ورد في فرائد السمطين للجويني، ج 2، ص 68 عن النبي عليهم السلام: «و لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة عليها السلام، بل هي أعظم، إن فاطمة عليها السلام بنتي خير أهل الأرض عنصراً و شرفاً و كرماً» مع ملاحظة أن الحسن و الكمال هنا واحد. ج- . أنها أم الأئمة الميامين (عليهم السلام) و هو من أوضح الواضحات التي لا تحتاج إلي دليل و شاهد، بل هو مورد اتفاق المؤالف و المخالف و إجماع أهل القبلة أجمعين.

فَانْظُرِ اَللَّهَ مَا اَلَّذِي أَعْطَاهَا *** ثُمَّ سَلْ هَلْ أَتِيَ وَ عَمَّا حَبَاهَا

رَبَّنَا وَ هُوَ قَادِرُ مَا يَشَاءُ

كَمْ حَفَاهَا بِمِدْحَةٍ وَ مَزَايَا *** وَ حَبَاهَا مِنْهُ بِحُسْنِ اَلسَّجَايَا

وَ بِهَاكُمْ أَبَانَ مِنْهُ وَصَايَا *** وَ هُوَ مُعْطِي اَلْأَرْزَاقِ مُنْشِي اَلْبَرَايَا

وَ لَدَيْهِ اَلْإِنْعَامُ وَ اَلنَّعْمَاءُ

ص: 139

(13) أبكي عَلَيكِ

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عُرِّجْ بِتُرْبَةِ فَاطِمِ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ انْدُبْ وَ نَادِ بِخِرْقَةٍ و بكاءِ

وقُلِ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَنْ أَصْبَحَتْ *** أَرْزاؤُها مِنْ أَعْظَمِ الْأَرْزَّاءِ

يَا مَنْ عَلَيْها الْحُزْنُ صَبَّ كَأَنَّهُ *** سُحُبُ اَلسَّمَاءِ وَ قَدْ هَمَّتْ بِالْماءِ

ما زُرْتُ قَبْرَكَ طالِباً لِمَثُوبَةٍ *** اِلاّ انْدَفَعْتُ بِحُرْقَتِي وَ بُكائِي

وَ تَفَجَّرَتْ عَيْنَايَ دَمْعاً هَامِياً ***كَالسَّيْلِ إِذْ يَجْرِي عَلَي اَلْبَطْحَاءِ(2)

وَ تَسَعَّرتْ نَارُ الجَوَي بِحُشَاشَتِي *** وَ أَنُوحُ كَالْقَمَرِيِّ وَ اَلْوَرْقَاءِ(3)

أَبْكِي عَلَيكَ كَثيبَةً مُستَوْحِشاً *** بَعدَ النَّبِيِّ عَلَيْكِ كُلُّ ثَواءِ(4)

وَ مِنَ الشِّجاءِ تُخاطِبِينَ دِيارَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ مِنْكِ يَنُوءُ بِالْأَرِزَّاءِ(5)

تَدعِينَهَا يا دَارُ أَيْنَ مُحَمَّدٌ؟ *** فَمُحَمَّدٌ عَنِّي وَ عَنْكِ نَائِي

ص: 140


1- (*) مرت ترجمة الشاعر سابقاً.
2- هَمَتْ عينهُ هَمْياً و همُيِّاً و هَمَياناً: صبَّت دمعها، أو سال دمعها، لسان العرب.
3- سَعَّر الحرب و النار: أو قدهما وهيّجهما و تستمرت: استوقدت ومنه قوله تعالي: «وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ». و الجوي: الحُرقة و شدّة الوجد من عشق أو حزن و الحُشاشة: روح القلب و رمق حياة النفس، أو هي بقية الروح في المريض. و القُمرَيّ: طائر يشبه الحمامَ القُمرَ البيض و القمْريَّةُ و الورقاء: ضربان من الحمام. قيل : و ذلك يشير إلي لونيهما، فالورقاء بمعني السمراء و القمرّية بمعني البيضاء و الجمع وُرْقّ و قُمْرّ و قماري.
4- التَّواء: طول المقام، عن اللسان و هو الموت، عن المنجد.
5- الشجا: مقصورة، الهمُّ و الحزن و المدّ للضرورة. انظر المنجد وينوء بالأرزاء: ينهض بها بثقل و مشقّة. و الأرزاء: جمع رُزْء و هو المصيبة.

يَا دَارُ كُنْتِ مُضِيئَهةً بِضِيَائِهِ *** وَ اَلْيَوْمَ قَدْ غُشِيتِ بِالظَّلْمَاءِ

لاَ تَرْتَجِي يَا دَارُ عَوْدَةَ عَائِدٍ *** مِنْهُ وَ لاَ تَرْدِيدَ أَيَّ نِدَاءِ

مَاتَ اَلنَّبِيُّ فَأَعْوِلِي يَا دَارَنَا *** مَا فِيكِ الاّ وَحْشَةُ الاصداءِ

أَلْيَوْمَ ماتَ أَبِي وَ مَنْ عَمَّ الوَرِي *** بِالْفَضْلِ وَ اَلْإِحْسَانِ وَ اَلنَّعْمَاءِ

مَاتَ اَلَّذِي نُسْقِي اَلْغَمَامَ بِوَجْهِهِ *** وَ نُعَمُّ بِالْأَنْدَاءِ وَ اَلْأَنْوَاءِ(1)

تَاللَّهِ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ مُصابُكمْ *** رُزْءٌ يُقْصِّرُ جُمْلَةَ اَلْأَرِزَّاءِ

عَنْهُ، فَلَيسَ هُنَاكَ رِزْءٌ مِثْلُهُ *** أَبَداً لَدَي الأَرِزَّاءِ وَ اَللَّأْوَاءِ

أَبْكِيكِ مَغْشِيّاً عَلَيْكَ كَسِيرَةِ اَلضِّلْعَيْنِ *** مُلْقَاةً عَلَي الْغَبْراءِ

دَخَلُوا عَلَيْكَ اَلدَّارَ جَهْراً عُنْوَةً *** قَسْراً وَ أَنْتِ بِهَا بِغَيْرِ رِدَاءِ

أَبْكِيكِ وَالمِسمارُ أمسي نَافِذاً *** فِي الصَّدرِ وَ هُوَ مُضَرَّجٌ بِدِماءِ(2)

أَبْكِيكَ خَلفَ الْمُرْتَضِي تَدَعِينَهُمْ *** وَ اَلْقَلْبُ غَصَّ بلوعَةٍ وَ شُجَاءِ

ص: 141


1- الأنداء: جمع ندّي و هو البلل و القطر و الغيث. و الأنواءُ: جمع نوء و هو المطر، أو إشارة إلي وضع مخصوص للنجم يلازمه هطول المطر. أو هو سقوط نجمٍ في الغرب و طلوع آخر في الشرق و من هناك عبّروا عنه بالنَّوء.
2- المستحصل من مجموع النصوص، من مصادر الفريقين أن الاعتداء من قبل القوم، علي الزهراء عليها السلام و أمير المؤمنين عليه السلام قد جري في صور متعدّدة: الأولي: ضرب بضعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باليد و السوط و نعل السيف و قد نسبت النصوصُ كُلَّ ذلك إلي عمر و قنفذ و المغيرة بن شعبة و في بعضها أن قنفداً إنما تجرّأ علي ذلك بأمر أبي بكر و في بعضها أنه بإيعاز و أمر من عمر، بحيث إن ذلك الضرب أحدث في جسدها الحراج و الندوب و الدماليج إلي أن وافاها الأجل متأثرةً بالجراحات و الأوجاع. الثانية: إحراق باب بيتها سلام الله عليها، أو التهديد بإحراقه، وقد صرّحت النصوص بجمع الحطب و الجزل علي باب بيتها و تهديد عمر بالإحراق و قد نبّهه من اجتمعوا معه بأن في الدار فاطمة عليها السلام، فقال: و إن . بل إن الزهراء عليها السلام قد ناشدته عدم الإقدام، لكنه كان مصرّاً علي أن يخرجوا و يبايعوا أبابكر مكرهين. الثالثة: إسقاط الجنين و هو المحسِن، أو المحسَّن و قد نسبته النصوص بصراحة تارة إلي عمر و أخري إلي قنفذ ابن عمه و ثالثة إلي المغيرة بن شعبة و لا يبعد أن يكون الإجهاض قد نتج عن فعل الثلاثة جميعاً. الرابعة: اقتحام الدار بالسلاح، من دون استئذان، مع تصريح سيدة نساء العالمين لهم بأنها تحرّج عليهم دخول بيتها. لكن النصوص تتفاوت في عدد المقتحمين لبيت الرسالة و العصمة، علي أن القدر المتيّقن منه كونهم عشرة أو ما يقرب من ذلك و لعلّ ما يوضّح ذلك قول بعض الروايات: «أن عمر و أصحابه اقتحموا الدار و فاطمة عليها السلام تصيح وتناشدهم الله» و في أخري: «فانطلق قنفذ فاقتحم الدار هو و أصحابه بغير إذن فبادر علي إلي سيفه ليأخذه فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه، فقبضوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود» و في ثالثة: «فجاء عمر في عصابة فيهم فلان و فلان فاقتحموا الدار، فصاحت فاطمة عليها السلام و ناشدتهم الله...» و قد أتينا في الهامش السابع عشر من القصيدة الثالثة عشرة علي ذكر اثني عشر رجلاً من القوم الذين هاجموا البيت و اقتحمه أكثرهم، إن لم يكن كُلّهم، فراجع. الخامسة: العصر من وراء الباب و الإدماء و قد نسبته النصوص التي بأيدينا إلي قنفذ بن عمير و المغيرة بن شعبة و عمر علي الأقلّ و لئن كان ثمة ترديد في البين فإنّه راجع إلي تحديد الباب الذي وقعت بوسيلته الجريمة. فهل هو باب الدار كلها، أم باب حجرة الزهراء عليها السلام نفسها؟ حيث يفهم من بعض النصوص الأول و من بعضها الآخر الثاني. السادسة: كسر الضلع و قد نصت عليها بعض النصوص بصراحة و وضوح. حيث ورد في بعضها : «فألجأها قنفذ إلي عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها». هذا كله بخصوص ما جري بحقّ الزهراء عليها السلام و أما ما جري بحق أميرالمؤمنين عليه السلام في تلك الواقعة، فهو اغتصاب الخلافة و اقتحام بيته و انتهاك حرمته و التهديد بإحراق بيته وإخراجه ملبّياً و سوقه من بيته إلي المسجد سوقاً عنيفاً و تهديده بالقتل إن لم يبايع. و كما هو واضح فإن ما قمنا به هنا هو فرز الأحداث و توضيحها بشكل ممنهج، لكي يتسنّي للقاريء ملاحظة ذلك، عند ذكرها منثورة بين الهوامش. مضافاً إلي كتاب السقيفة و فدك لأبي بكر الجوهري الصفحات 44، 45، 50، 51، 60، 69، 70، 71، 72 و غيرها و بيت الأحزان للمحدث القمي، نقلاً عن: المجلد الثامن من البحار بطبعته القديمة ص 222، 223، 224، 231 و غيرها من الصفحات . السابعة: الشتم و الإهانة قولاً و فعلاً بحقّها عليها السلام و قد صرّحت النصوص بصدوره من عمر ابن الخطاب علي وجه الخصوص و من أبي بكر و غيره علي وجه العموم. أما عمر فقد ذكرت مصادر الفريقين مع شيءٍ من التفاوت أنه حينما جاء مصحوباً بعصابته يريد هتك حرمة بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و كانت فاطمة عليها السلام وراء الباب و دقّ الباب دقاً عنيفاً، فقالت له فاطمة عليها السلام: يا عمر مالنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه؟! قال: افتحي الباب و إلاّ أحرقناه عليكم! فقالت: يا عمر أما تتقي الله «عزّوجل» تدخل عليّ بيتي و تهجم علي داري... فأبي أن ينصرف. ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة عليها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه! وحينما طالبت فاطمة عليها السلام أبابكر بفدك و العوالي و سائر حقوقها، فرأي نفسه محجوجاً أمامها و قرّر أن يكتب لها ذلك، إذ جاء عمر مسرعاً و هو يقول: يا خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لاتكتب لها حتي تقيم البينة بما تدّعي! و لمّا جاءت بعلي عليه السلام و أم أيمن و الحسنين عليهما السلام يشهدون، قال عمر: أم أيمن امرأة أعجمية لا تفصح و أما علي عليه السلام فيجر النار إلي قرصه، فرجعت فاطمة عليها السلام مغتاظة فمرضت... إلخ. ومرة تذكر الروايات أنها (عليها السلام) حجت أبابكر فكتب لها بذلك كتاباً، فلقيها عمر، فسألها، فقالت: كتاب كتبه لي أبوبكر، فجرّ عمر منها الكتاب و بصق فيه و خرّقه. و في رواية : أنه طلب الكتاب منها فامتنعت، فرفسها برجله و أخذ الكتاب منها قهراً و بصق فيه و خرّقه و قال: هذا فيء للمسلمين... فقالت: بقرت كتابي بقرالله بطنك. و عندما جاء هو (عمر) و أبوبكر يزعم طلب الصفح و العفو من فاطمة عليها السلام بعد كل الذي ارتكباه بحقّها... و كان منها عدم الصفح، فجعل أبوبكر يبكي، لكن عمر صار يقول: تجزع يا خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قول امرأة. و أما أبوبكر فليس أدلّ علي إهانته لها من ردّها حين طالبت بحقّها و هي الصدّيقة الطاهرة عليها السلام التي أذهب الله عنها الرجس و طهّرها تطهيراً و كذلك ردّ و كلاءها في فدك و حيطانها السبعة و أوضح من ذلك أمره لقنفذ بن عمير أن يهجم علي دارها و إن لم تأذن، ثم المزها و بعلّها (صلوات الله عليهما) في خطبته المعروفة بعد أن خرجت في طلب حقّ علي عليه السلام في الخلافة.

ص: 142

خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي مَا لَكُمْ يا عُصْبَةٌ *** رَوَّعْتُمْ بِفِعَالِكُمْ أَبْنَائِي(1)

رَجَعُوا إِلَيْكَ بِالسِّياطِ وَ آلَمُوا *** مِنْكَ الْمُتونَ بِقَسْوَةٍ وَ عَنَاءِ

لَطَمُوا عُيُونَكِ يَا لَهَا مِنْ لَطْمَةٍ *** قَدْ أَوْرَثَتْهَا حُمْرَةً بعماءِ

يَا بِنْتَ أَحْمَدَ مَا ذَكَرْتُ مُصَابَكُمْ *** الاّ غَصَصْتُ بلوعَةٍ وَ بُكَاءِ

صَلِّيَ عَلَيْكِ اَللَّهُ مَا قَمَرٌ بَدَا *** وَ بِنُورِهِ أجَلي دُجِّيُّ اَلظَّلْمَاءِ

ص: 143


1- إشارة إلي موقفها و صرختها في المسجد التي حالت بها دون أن يقدم القوم علي قتل علي عليه السلام، فراجع.

(14) حياة الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن الصفار (*)(1)

رَوْعُةُ اَلْحَقِّ وَ اَلْعَفَافِ تَجَلَّتْ *** مَنْ مُحْيَا اَلصِّدِّيقَةِ اَلزَّهْرَاءِ

ص: 144


1- (*) هو الشيخ حسن ابن الحاج موسي ابن الشيخ رضي ابن الحاج علي ابن محمد بن حسن ابن فردان الصفار التاروتي. ولد في القطيف في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية في الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة (1377 ه)، نشأ بها نشأة طيبة و تربّي في كنف والده الصالح و شبّ علي حب العلم و الأخلاق الحسنة. و المترجّم له تعلّم القرآن في مدرسة أهلية ثم انضم إلي المدارس الحكومية (الابتدائية و المتوسطة). ولدت له رغبة شديدة جداً لممارسة الخطابة و هو في عنفوان شبابه و قد تعلّق بخدمة أهل البيت «عليهم السلام» و نصرتهم فحالفه التوفيق و ذاع صيته و اشتهر اسمه حتي بات يعدّ بطلاّ من أبطال المنبر الحسيني الشريف و علماً من أعلام الخطابة و بالإضافة إلي قدرته الخطابية فإنه يحظي بتقدير العلماء و الأدباء في القطيف و غيرها و له جمهور منقطع النظير. أما دراسته الحوزوية الدينية فقد بدأها في بلاده القطيف ثم هاجر إلي النجف الأشرف في عام (1391 ه) و تتلمذ علي أفاضل الأساتذة هناك ثم انتقل إلي قم المشرفة و واصل نشاطه الدراسي عبر حلقاتها العلمية كما تلقّي بعض الدراسات الإسلامية في الكويت علي أفاضل الأساتذة و العلماء. أقام المترجم له في عمان/ مسقط ثلاث سنوات ممارساً لنشاطه الديني و الفكري و كان إمام جماعة للمؤمنين هناك من سنة (1394 ه - 1397 ه). ثم عاد إلي القطيف سنة (1397 ه) منشغلاً بإمامة الجماعة و إلقاء المحاضرات و الإصلاح الاجتماعي. و شيخنا الصفار له إسهامات فعّالة و ناشطة في تشييد المؤسسات الدينية و الثقافية و الاجتماعية في مختلف البلدان و الدول و يُعدّ الآن من رموز و قيادات الحركة الإسلامية و أحد العلماء و المفكرين الإسلاميين. و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة نذكر منها: ا- ولكل أمة رسول صلي الله عليه آله و سلم/ ترجم إلي اللغة السواحلية. 2 - الصوم مدرسة الإيمان. 3 - الحسين و مسؤولية الثورة/ ترجم إلي اللغة الفارسية. 4 - رؤي الحياة في نهج البلاغة/ ترجم إلي اللغة الفارسية. 5 - المرأة مسؤولية و موقف/ ترجم إلي اللغة الإنكليزية . 6- المرأة العظيمة و غيرها. و لا يزال الشيخ الصفار يمارس دوره الثقافي و الاجتماعي علي مختلف الأصعدة.

بُضْعِةُ اَلْمُصْطَفِي وَ زَوَّجُ عَلِيِّ *** وَ هِيَ أُمُّ اَلْأَئِمَّةِ اَلْأُمَنَاءِ

وَ عَلَي صَدْرِهَا وَ سَامَاتُ مَجْدٍ *** مِنْ أَبِيهَا لَكِنْ بِأَمْرِ اَلسَّمَاءِ

فَاطِمٌ بَضْعِتي وَ يَرْضَي لَهَا اَللَّهُ *** وَ يُرِدي مَنْ نَالَهَا بِأَذَاءِ(1)(2)

هِي سِتُّ اَلنِّسَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ *** لاَ عَلَي مَرْيَمٍ وَ لاَ حَوَّاءِ(3)

لَيْسَ يَعْني بِذَا مجرَّدَ حُبِّ *** إِنَّمَا الحُبُّ سُلِّمُ الاِقْتِدَاءِ

نَبَتَتْ فِي رَبِّي الْكِفاحِ فَمَا مَرَّتْ *** عَلَيْهَا دَقِيقَةٌ بَرْخَاءِ

فَتَحَتْ عَيْنَهَا عَلَي مَشْهَدِ اَلْوَحْيِ *** كَذَا سَمِعُهَا بِنُطْقِ اَلسَّمَاءِ

وَ تَرَي اَلْوَالِدَ اَلْحَنُونَ يعانِي *** مَنْ أَذَي قُؤمِهِ أَشَدَّ اَلْعَنَاءِ

أَلَّفَتْ نَفْسُهَا الْجِهَادَ فَصَارَ *** اَلْحَقُّ مِنْهَا يَجْرِي بِمَجْرَي اَلدِّمَاءِ

وَ لِهَذَا قَامَتْ بِأَعْظَمِ دُورٍ *** تَنْشُرُ اَلْوَعْيَ فِي صُفُوفِ اَلنِّسَاءِ(4)

وَ اعْتَدَّتْ بَيْنَهُنَّ فِي أُحَدٍ تَبْكِي *** حَمْزَةُ اَلْخَيْرِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ(5)

لَمْ تَزَلْ تَخدِمُ الشَّريعَةَ حَتّي *** خَطَفَ المَوتُ خاتَمَ الأنبياءِ

ص: 145


1- يُردي: يهلك.
2- يشير الشاعر إلي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يسرني ما أسرّها و إن الله «تبارك وتعالي» ليغضب لغضب فاطمة عليها السلام و يرضي لرضاها.
3- إشارة إلي أنها «سلام الله عليها» سيدة نساء العالمين جميعاً. انظر: تاريخ التواريخ، ج 3.
4- إشارة إلي خطبتها عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله وسلم عند مطالبتها بفدك عند ذهابها مع مجموعة من نساء المهاجرين و الأنصار و كذا خطبتها عندما زارتها مجموعة من نساء المهاجرين و الأنصار في مرضها «سلام الله عليها».
5- اغتدتْ: جاءت في الصباح الباكر.

فاجؤُوهَا بِالإِنْقِلاَبِ وَ وَلَّوْا *** أَمْرَهُمْ غَيرَ سَيِّدِ الْأَوْصِيَاءِ

حُمِلَتْ رَايَةَ اَلْجِهَادِ إِلَي الْمَسْجِدِ *** تَدْعُو بِمَحْضَرِ (اَلْخُلَفَاءِ)(1)

أَنْذَرْتُهُمْ بِأَنَّهُمُ بَدَوؤا اَلسَّيْرَ *** بِعُنفٍ عَلِي طَرِيقِ الشَّقاءِ

يَا حَيَاةَ الزَّهْراءِ أَنْتِ كِتابٌ *** كُلُّ حَرْفٍ فِيهِ مَشَعُ ضِياءِ

كُلُّ سَطْرٍ مِنْهُ طَرِيقُ نَضَّالٍ *** لِلْمَعَالِي وَ مَنْبَعٌ لِلصَّفَاءِ

يَا بِنَةَ الْمُصْطَفِيَ اَلصِّرَاعُ طَوِيلٌ *** بَيْنَ خَطِّ اَلْهُدي وَ خَطِّ الْمِرَاءِ(2)

لَمْ نَزَلْ فِي سَعَادَةٍ وَ هناءٍ *** حَيْثُ إِنَّا مِنْ شِيعَةِ الزَّهْراءِ(3)

ص: 146


1- إشارة إلي الخطبة الجليلة التي ألقتها عليها السلام في المسجد النبوي وما لهذه الخطبة من أدلة و حجج علي القوم و إنذار.
2- خطّ المراء: خطّ الجحود.
3- لعل هذا إشارة إلي شفاعة الزهراء عليها السلام لمحبيها و شيعتها يوم القيامة.

(15) البضعة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ حسن طراد العاملي(*)(1)

ص: 147


1- (*) الشيخ حسن طراد ولد في بلدة معركة، إحدي قري جبل عامل جنوب لبنان سنة (1931م) و بدأ دراسته الحوزوية بعد أن طوي مرحلة من الدراسة في المدرسة العصرية و أصبح مستعداً لتلقّي الدروس العلمية الحوزوية المعهودة و بدأ بدراسة المقدمات المعلومة الممهّدة لتلقّي ما يترتب عليها و يُؤخذ بعدها مباشرة و هو ما يسمي بالسطوح و بعدها تأتي مرحلة بحث الخارج و بعد انهائه مرحلة المقدمات المذكورة في وطنه لبنان علي يد أفاضل علمائه سافر إلي النجف سنة (1954م) و طوي مرحلة السطوح المعهودة أصولاً علي يد سماحة حجة الإسلام المرحوم السيد إسماعيل الصدر (قد سرّه العالي)، حيث درس علي يده كتابي الكفاية بجزئيها - و الرسائل خلال أربع سنوات تقريباً- و فقهاً كتابي اللمعة و المكاسب علي يد حجة الإسلام الشيخ محمد تقي الجواهري فرج الله عنه خلال أربع سنوات تقريباً و بعد أن أنهي مرحلة السطوح بدراسة الكتب المذكورة بدأ مرحلة بحث الخارج العالي أصولاً و فقهاً علي يد أستاذه آية الله العظمي السيد أبي القاسم الخوئي (قد سرّه العالي)، مدة ثلاث عشرة سنة تقريباً و أصولاً علي يد أستاذه آية الله العظمي الشهيد محمد باقر الصدر (قد سرّه العالي)، خلال المدة المذكورة، و بعد ذلك طُلبَ منه الحضور إلي لبنان ليملأ الفراغ الذي حصل بوفاة عمه السببي حجة الإسلام «المغفور له» الشيخ حسين معتوق (قد سرّه العالي)، فلبي الطلب و ملأ الفراغ بالقيام بالدور الذي كان يمارسه «رحمه اللَّهُ» بإقامة صلاة الجماعة و إلقاء الخطبة التوجيهية ظهر يوم الجمعة، مع سائر المهام التي يقوم بها رجل العلم الديني عادة و أضاف المترجم له لتلك المهمام إعطاءه الدروس الحوزوية ابتداء بأصول المظفر و مروراً بالكفاية و الرسائل و المكاسب و انتهاء ببحث الخارج في علم الأصول و قد أنهي القسم الأول منه و هو مباحث الألفاظ و سيشرع قريباً إن شاء الله تعالي، بالبحث حول القسم الثاني منه و هو بحث الامارات و الأصول العملية، شرع بالتأليف مؤخراً نتيجة ظروف استثنائية حالت دون مبادرته له أول حضوره من النجف سنة (1981 م) صدر من مؤلفاته: (1) الجزء الأول من وحي الإسلام، (2) فلسفة الصيام في الإسلام، (3) فلسفة الحج في الإسلام، صدرت خلال سنتين تقريباً و سيصدر له كتاب رابع و هو (فلسفةالصلاة في الإسلام) بعونه تعالي و توفيقه. بدأ بنظم الشعر و هو ما يزال في المرحلة الأولي من مراحل دراسته العصرية و ساهم في إلقائه في بعض المناسبات الاجتماعية رثاء و مدحاً و تهنئة و بعد سفره إلي النجف استمر علي النظم و المشاركة في المناسبات الدينية و الاجتماعية و بقي علي ذلك بعد عودته إلي وطنه ولكن في إطار محدود مقتصراً علي المناسبات الجليلة و بمقدار لا يتجاوز حد المقطوعة غالباً، ركّز في شعره علي الجانب التربوي الإصلاحي في أغلب المناسبات و قد أشار إلي ذلك بالمقطوعة التالية: لستُ أهوي القريضُ فناً و وزناً *** فاقداً روحَ حِكمةِ الإيمانِ قمةُ الشعرِ حكمةٌ تتجلّي *** في سَناها حقائِقُ العِرفانِ تبعثُ النقدَ في العقولِ وتَجلُو *** غَيهَبَ الجهلِ، عن سمَا الأزمانِ إن هذا سرُّ السمُوِّ لشعرِ *** نرتئيه لا روعةُ الأوزانِ و كان لأهل البيت عليهم السلام - عامة و سيد الشهداء عليه السلام خاصة- النصيب الأوفي من شعره حيث كان و ما يزال ينظم مقطوعات مختصرة معبّرة ومربيّة من وحي مناسبات ولادتهم أو شهادتهم و فيما يلي بعض ما نظم من وحي عاشوراء مشيداً ومقدراً تضحية سيد الشهداء. من وحيِ عاشوراءَ أَشرَق كوكبُ *** للحقِّ يَجلُو غَيهَبَ الظلماء ويُنيرُ دَربَ التضحياتِ لثائرٍ *** رَفَضَ الخُضوعَ لزُمرةِ الأعداءِ

غَابَتْ فَغَابَ شُعَاعُهَا اَلْوِضَاءُ *** شَمْسٌ تَنَارُ بِضَوْئِهَا اَلْأَجْوَاءُ

وَ تَضاءُ آفاقُ اَلْعُقُولِ لِتَزْدَهِي(1) *** بِضِيَائِهَا اَلْأَفْكَارُ وَ اَلْآرَاءُ

بِنْتِ اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي زَوْجُ الْوَصِيِّ *** المرتضي وَ البَضعةُ اَلزَّهْرَاءُ

أُمِ اَلْهُدَاةِ اَلطَّاهِرِينَ وَ كُلُّهُمْ *** مِثْلٌ تُشَعُّ وَ رِفْعَةٌ وَ سَنَاءُ

هُمْ عِلَّةُ الْإِيجادِ لَوْلا نُورُهُمْ *** مَا كَانَ خَلَقٌ وَ اِسْتَقَامَ بِنَاءُ

مِنْ أَجْلِهِمْ سَجَدَتْ مَلاَئِكُةُ اَلسَّمَا *** لِأَبِيهِمُ وَ تَجَلَّتِ الاسماءُ

الْكَوْنُ جِسْمٌ جَامِدٌ وَ مُحَمَّدٌ *** وَ الْآلُ رُوحٌ طَاهِرٌ وَ نَمَاءُ

وَ هُم سفِين نَجَاةِ مَنْ لَزِمَ اَلْهُدْيَ *** نَهْجاً وَ وجَّهَ سَيرِهُ الْأُمَنَاءُ

وَ هُمْ كِتَابٌ نَاطِقٌ لَمْ يَتَضِحْ *** لَوْلاَهُ وَحَيٌ صَامِتٌ وَ نِدَاءُ

وَ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي زَمَانٍ غيابهمْ *** بِهَدْيِ اَلْأَنَامِ السَّادةُ الْعَمَاءُ

أَقْوَالَهُمْ قَوْلُ اَلْإِمَامِ وَ نَهْجُهُ *** وَ نَهْجُ اَلرَّسُولِ وَ مَا بِذَاكَ خَفَاءُ

ص: 148


1- الإزدهاء: هو الإشراق والإضاءة.

وَ بسيرنا فِي نَهْجِهِمْ نُحْيِي لَهُمْ *** ذِكْرَاهُمُ وَ هِيَ السَّنَا الْوَضاءُ

هِيَ لَيْسَ تُحْيِي بِالْبُكاءِ وَ اِنَّما *** تُحْيِي سِناها عِفَّةٌ وَ حَيَاءُ

وَ تضامنٌ يَحْمِي اَلْهُدْيَ وَ تعاونٌ *** يَمْحُو الشَّقَا وَ مَوَدَّةٌ وَ إِخاءُ

مِن أَجْلِ ذَا قَتْلَ اَلْحُسَيْنُ وَ بَعْدَهُ *** أَبْنَاؤُهُ وَ اَلصَّفْوَةُ اَلصُّلَحَاءُ

فَاِذَا مَضَيْنَا فِي الطَّرِيقِ تَحَقَّقَتْ *** أَهْدَافُهُ وَ اِنْهَارَتِ الْأَعْدَاءُ

وَ إِذَا أُكْتَفِينَا بِالْمُظَاهِرِ دُونَ أَنْ *** نَجِّنِي مُرَاداً رَامَهُ الشُّهَدَاءُ(1)

لاَنَسْتَفِيدُ وَ لا نُحَقِّقُ مُقصَداً *** كَلاَّ وَ هَل يُحيِي الرَّمِيمَ بُكَاءُ؟(2)

فَلنَعتَصِمْ بِهَديِ السَّما وَلَنَتَحِدْ *** صَفاً يَهابُ صَمُودَه الْخُصَمَاءُ

لَنَحْرِّرِ الوطنَ اَلسَّلِيبَ بِوَحْدِةٍ *** نَجِّنِي بِها مَا نَبْتَغِي وَ نَشَاءُ

وَ إِذَا عرا وَطَنَّاً نُقْدِسُه ظَمّا *** تَرْوِيهِ مِنْ جِسْمِ اَلشَّهِيدِ دِمَاءُ

وَ إِذَا تَدَنسَ بِاحْتِلاَلٍ غَادِر *** تَجْلُوهُ مِنَّا ثَوْرَةٌ وَ فِدَاءُ(3)

ص: 149


1- رامه: قصده.
2- الرميم: البالي من العظم.
3- تجلوه: من الجل، . و و الخروح من البلد (مختار الصحاح، ص 108).

(16) و مَضَت الي الرحمن

(بحر الكامل)

السيد حسين الشامي(*)(1)

قَلْبِي يَذُوبُ عَلَيَّ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ مَدَامِعِي تَجْرِي دَماً بسخاءِ

حُزْناً عَلَيَّ اَلطُّهْرِ اَلْبَتُولَةِ إِنَّها *** رَحَلَتْ بِقَلْبٍ غَصَّ بِالْبَلْوَاءِ

ص: 150


1- (*) هو السيد حسين ابن السيد إبراهيم ابن السيد بركة الموسوي الشامي. ولد في مدينة الشامية (العراق) سنة (1372 ه) الموافق (1953 م). نشأ و ترعرع في ظل أسرته و ربِّي تربية صالحة و أخذ دراسته الابتدائية و المتوسطة و الثانوية في مدينة الشامية. و بعدها انتقل إلي النجف الأشرف ليرتشف من معين العلم و الفقه و الأدب و المنطق. فقطع شوطاً في مقدمات العلوم الحوزوية علي يد الأفاضل من العلماء، فكان منهم السيد كاظم الحكيم و السيد كمال الحكيم و السيد كاظم الحائري و السيد محمود الهاشمي و الشيخ حسن طراد العاملي و غيرهم. و في سنة (1400 ه) (1980 م) هاجر إلي إيران و استقرَّ في مدينة قم المقدسة ليواصل دراسته الحوزوية فحضر درس الخارج عند آية الله السيد كاظم الحائري و عند آية الله السيد محمود الهاشمي، فأخذ قسطاً وافراً من العلم و الفضل و أخيراً استقرّ في لندن، و مارس دوره الديني مبلغاً و مرشداً إلي الحق و الفضيلة و هو اليوم محل تقدير المثقفين و الأدباء، أحبَّ الشعر و شغف به و جعل يقرض الشعر فأجاد في النظم، فشارك في الندوات الدينية و الأدبية فكان له قصب السبق - و هو يجيد الشعر علي النهجين الشعبي و القريض و للمترجَم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة منها: 1- التوازن في الشخصية الإسلامية. 2 - أزمة العراق -رؤية من الداخل- 3 - الزمن في حركة العاملين. 4 - تهذيب التفسير الكبير -للفخر الرازي- في سبع مجلدات. 5- ديوان بعنوان (مناجاة القلب). ما يزال مثابراً في دورة الثقافي و الديني.

رَحَلْتْ بِحَسْرَتِهَا وَ ظَلَّ وَ رَاءَهَا *** سِرُّ الجَوي وَ اَلْجَمْرُ فِي الْأَحْشَاءِ(1)(2)

وَ مَضَتْ إِلَي اَلرَّحْمَنِ تَشْكُو أُمَّةً *** نَقَضَتْ عُهُودَ الشرعةِ اَلْغَرَّاءِ(3)

تَدْعُو أَبَاهَا وَ هِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ *** أَدْرَي بِمَا فَعَلَتْ يدُ الطُّلقاءِ(4)

أَبَتِي أَتُسَلَّبُ نِحْلَتِي(5) مِنِّي وَ فِي *** بَيِّتي تُشَبُّ مَوَاقِدُ اَلْبَغْضَاءِ؟!(6)

أبتِي أَلاَّ تَدْرِيَ بِمَا فَعَلَ اَلْعِدَي *** فِينَا وَ قَدْ جَارُوا عَلَي أَبْنَائِي؟!

مِنْ بَعْدِ أَنْ حَمَلُوا اَلْإِمَامَ مُبَايِعاً *** وَ هُوَ الْوَصِيُّ و أَوَّلُ الْخُلَفاءِ

و نَسُوا وَصَاياكَ الَّتِي وَصَّيْتَهُمْ *** فِيهَا بِخُمِّ فِي غَديْرِ اَلْمَاءِ(7)

أَوْ لَمْ تَقُلْ: هَذَا عَلَيٌ فِيكُمْ *** خَلْفِي وَ مَنْ عَادَاهُ مِنْ أَعْدَائِي

أبَتِي أَضَاعُوا اَلْعَهْدَ ثُمَّ تَكْشفَتْ *** أَحْقَادُهُمْ بِالشَّرِّ وَ الضَّرَّاءِ

صَعِدُوا عَلَي بَابِ اَلنَّبِيِّ كَأَنَّهُمْ *** يُحْيَوْنَ ثَارَاتٍ لَدَي اَلْآبَاءِ

قَدْ قِيلَ: فِيهِ فَاطِمُ! قَالوا و إنْ *** فَاليَوْمَ نُحَرِّقُهَا عَلَي الزَّهْرَاءِ(8)

ص: 151


1- الجوي: الحرقة و شدّة الوَجدْ من الحزن.
2- يشير الشاعر في هذين البيتين إلي ما لاقت الزهراء عليها السلام من حزن وبلاء بعد وفاة والدها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. راجع كتاب صحيح البخاري، ج 4، ص 1619، وأمالي الصدوق، ص121، ح رقم 5، و مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 119 و ص 322 و كتاب عوالم العلوم، ج 2، ص 787.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلي شكواها إلي الله يوم القيامة من جور ما أصابها وأصاب ذريتها. راجع مقتل الخوارزمي، ج 1، ص 52 و البحار، ج 43، ص 221 و ص 219 ۔ 220 نقلاً عن أمالي الصدوق.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلي مناداة أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما أصابها من ظلم و أذي عليه السلام. راجع كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد، ص135.
5- نحلتي: النحلة بكسر النون أو ضمّها الهبة و العطيّة و مهر المرأة (المنجد 795).
6- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سلب نحلتها فدك و حرق دارها عليها السلام راجع كتابا مسند أحمد، ج 1، ص 9، و ج 1، ص 13 و السنن الكبري، ج 6، ص 300، كما في عوالم العلوم، ج 2، ص 129 و ج 2، ص 631.
7- غدير: نهر، القطعة من الماء يُفادرها السيل.
8- يشير الشاعر في هذا البيت إلي ما روي من أنّ عمر بن الخطاب أقبل بالنار علي دار فاطمة عليها السلام ليحرقها فقيل له إن فيها فاطمة فقال و إن. راجع كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج 1، ص 12.

أَبَتَاهْ غَاضِبَةً أَظَلُّ عَلَيْهِمُ *** وَيَظَلُّ حَتَّي اَلْحَشْرِ صَوْتُ بُكَائِي(1)

ص: 152


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سخط فاطمة عليها السلام علي من آذاها. ففي كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج 1، ص 14 حين جاء أبوبكر و عمر لاسترضاء فاطمة عليها السلام، قال: قالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة عليها السلام أحبّني فقد أحبني و من أرضي فاطمة عليها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني، قال : نعم سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأشكوكما إليه ... إلخ. و في كتاب دلائل الإمامة للطبري، ص 45، قال : و كان رجلان من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم سألا أمير المؤمينن عليه السلام أن يشفع لهما فسألها فأجابت و لما دخلا عليها قالا لها: كيف أنتِ يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقالت بخير بحمد الله ثم قالت لهما أما سمعتما من النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله؟ قالا بلي قالت : و اللَّه لقد آذيتماني فخرجا من عندها و هي ساخطة عليهما و ذكره الصدوق في علل الشرائع، ج 1، ص 220 - 222 و في البحار، ج 36/ 308.

(17) الإنسية الحوراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الطرفي(*)(1)

هِيَ إِنْسِيَّةٌ نِمَتْهَا اَلسَّمَاءُ *** بَارَكَتْهَا اَلْخَضْرَاءُ وَ اَلْغَبْرَاءُ(2)

ص: 153


1- (*) هو الشيخ حسين إبن الشيخ عبدالعالي بن محمد الطرفي و هو من أسرة مشايخ بني طرف الكرام. ولد في (بستان) و هو من توابع مدينة الأهواز جنوب إيران في الثالث من شهر شعبان سنة (1356 ه) الموافق 3/ 3/ 1937 م فنشأ في جوّ من الفضيلة و العلم و كان برعاية والده المرحوم الشيخ عبد العالي الطرفي فأخذ منه تعليمه الأوّلي في القراءة و الكتابة و تعلم قراءة القرآن الكريم و هو ابن سبع سنين. هاجر المترجم له مع والده إلي النجف الأشرف في عام (1366 ه) و هو ابن عشر سنين فدرس المقدمات من النحو و الصرف و الفقه و كانت مدة إقامته فيها أربع سنوات. ثم غادرها راجعاً إلي إيران، فأقام في مدينة قم المقدسة لتكميل مراحله الدراسية في حوزتها، فأكمل السطوح العالية ثم حضر بحث الخارج فلازم درس آية الله الشيخ هاشم الآملي وآية الله السيد علي الفاني في قم وآية الله الشيخ محمد الكرمي في الأهواز. حتي برع فاضلاً يشار له بالبنان وراح يرتقي منبر الوعظ و الإرشاد لرغبة أكيدة من والده في أن يسجل اسم ولده في سجل خدمة الحسين «عليه الصلاة و السلام» و كان حقاً مثالاً للولد البار بأبيه حيث استجاب لرغبته و صار من الخطباء الناجحين. و قد رأيته في الكويت يرقي المنبر و الحق أنه بطل في الخطابة و العلم و له نظم جيد رائع، بدأت بواكيره و هو في الخامسة عشرة من العمر. و لم تنحصر خدمات الشيخ الجليل بالمنبر و الشعر و إنما له دور جيد في بناء المؤسسات الدينية. إبتدأ المترجم له بقرض الشعر و هو في الخامسة عشرة من عمره. فقد شارك أخاه الأكبر حجة الإسلام الشيخ صالح الطرفي في تأسيس مسجد في إحدي مناطق الأهواز، ثم انفرد بإحداث حسينية في مدينة البستان حيث قضي فيها ثمان عشرة سنة من عمره قضاها بالوعظ و الإرشاد و بعد أن نشبت الحرب العراقية الإيرانية انتقل إلي مدينة الأهواز ليمارس دوره الديني و التبليغي هناك ما يزال يؤدي وظائفه الدينية و التربوية . و لشيخنا الطرفي إنجازات ثقافية مخطوطة في التاريخ و التفسير و السيرة و الأخلاق و له ديوان شعر. عسي اللّه أن يهييء له ظروفاً مناسبة لتجد مخطوطاته طريقها إلي الطبع.
2- الخضراءُ: السماء: صفة غلبت غلبة السماء. و الغبراءُ: الأرض، بنفس التقريب و في الحديث: ما أظلّت الخضراءُ و لا أقلت الغبراءُ أصدقَ لهجةً من أبي ذرٌ. انظر لسان العرب و الحديث منه أيضاً.

تُحْفَةُ اَللَّهِ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اَللَّهِ *** فَهِيَ الإنسيةُ اَلْحَوْرَاءُ(1)

بَشَّرَ اَلْمُصْطَفَي خَدِيجَةَ لَمَّا *** بَشَّرَتْهُ المَلائِكُ الْأُمَنَاءُ(2)

أَنَّهَا اَلنَّسْلَةُ اَلَّتِي بَارَكَ اللهُ *** عليها فَنَسْلُهَا اَلْأَوْصِيَاءُ

أَنَّهَا الْبَضْعَةُ الْبَتُولُ وَ رَيْحَانَةُ *** قَلْبِي وَ فَاطِمُ اَلزَّهْرَاءُ

حَدَّثَتْ أُمَّهَا جَنِيناً فَأَلَّفَتْ *** أُمُّهَا فِي حَدِيثِهَا مَا تَشَاءُ(3)

وُجِدَتْ سَلوةً بِهَا عَنْ جَفَاءٍ *** سَمَنَهَا فِيهِ مِنْ قُرَيْشٍ نِسَاءُ(4)

ص: 154


1- و عن ابن عباس، كما في بحار الأنوار 5/43 - 6/ ح 5، قال: دخلت عائشة علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقبّل فاطمة عليها السلام، فقالت : أتحبّها يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال : أما والله، لو علمتِ حبّي لها لازددتِ لها حبّاً، إنه لما عُرجِ بي إلي السماء الرابعة ... إلي أن يقول: فإذا أنا برطبِ ألين من الزبد و أطيَب رائحةً من المسك و أحلي من العسل، فأخذتُ رطبةً فأكلتُها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا أن هبطتُ إلي الأرض واقعتُ خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسيّة، فإذا اشتقت إلي الجنة شممتُ رائحة فاطمة عليها السلام. و قد روي هذا الحديث مع بعض الاختلاف: الخطيب البغدادي في تاريخه، ج 5، ص 87 و الخوارزمي في مقتل الحسين، ص 63 و محب الدين الطبري في ذخائر العقبي، ص 43 و الدمشقي في ميزان الاعتدال، ج 1، ص 38، و العسقلاني في لسان الميزان، ج 5، ص 160، و القندوزي في ينابيع المودة و الزرندي في نظم درر السمطين، و الشيخ شعيب المصري في الروض الفائق، ص 214.
2- انظر روضة الواعظين، للفتال النيسابوري ص124، كما رواه أيضاً الدهلوي في تجهيز الجيش، ص 99، عن كتاب مدح الخلفاء الراشدين.
3- انظر الروض الفائق لشعيب بن سعد المصري، ص 216، و نزهة المجالس العبد الرحمن الشافعي، ج 2، ص 227، و فيه : قالت أمها خديجة (رضي الله عنها): لما حملت بفاطمة عليها السلام كانت حملاً خفيفاً، تكلمني من باطني. و روي الدهلوي: أنه لمّا حملت خديجة سلام الله عليها بفاطمة عليها السلام كانت تكلمها في بطنها و كانت تكتمها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فدخل عليها يوماً و وجدها تتكلّم و ليس معها غيرها، فسألها عمن كانت تخاطبه، فقالت: ما في بطني، فإنه يتكلم معي. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أبشري يا خديجة سلام الله عليها... إلخ.
4- فقد رووا أن القرشيين و لا سيّما نساءهم كنّ قد اعتزلن خديجة و قاطعنها و شدَّدن عليها، بسبب اختيارها لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم زوجاً و شريكاً و هو قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فيها: «واللّهِ لقد آمنت بي إذ كذّبني الناس و آوتني إذ رفضني الناس». راجع الإصابة لابن حجر بترجمة خديجة سلام الله عليها و ذخائر العقبي لمحبّ الدين الطبري و نزهة المجالس للصفوري الشافعي و ينابيع المودّة اللقندوزي.

وَ تَبَاهَتْ بِهَا خَدِيجَةُ إِذْ قَدْ *** وَلَدَتْ مِنْ تَغَارُ مِنْهَا ذَكَاءُ

وَلَدَتْ مَنْ بِهَا لِشِيعَتِهَا اَلْبُشَرِي *** لِيَوْمٍ تُرْجِي لَهُ الشُّفَعاءُ

وَ تُلْقِّي بِهَا اَلنَّبِيُّ عَطَاءً *** وَ تَوَالَتْ بِها لَهُ اَلْآلاَءُ

وَ فَهِيَ اَلْكَوْثَرُ اَلَّذِي قَالَ عَنْهُ اَللَّهُ *** فِيمَا أَتِيَ لَنَا، لاَ اَلْمَاءُ(1)

يَا لبُشْرِي الْكَمَالِ إِذْ لَقِيتهُ *** قَرَّ عَيْناً بِهَا وَطَّابَ اللِّقاءُ

إِذْ بِها تَمَّ أرْبَعاً عَدَدَ الْكَمْلِ *** مِنْ بَيْنِ مَنْ نَمَتْ حَوَّاءُ(2)

ص: 155


1- إشارة إلي قوله تعالي: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» سورة الكوثر: 1. وأكثر المفسرين علي أن المراد هو كثير الخير من كل شيء و من ذلك كثير الذرية. فالكوثر علي وزن (فَوعل) بمعني الكثير المبالّغ في كثرته. قال أمير الإسلام الطبرسي في تفسير مجمع البيان: و قد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السلام حتي لا يحصي عددهم و اتصل إلي يوم القيامة مددهم 510. و قال السيد صادق الشيرازي، في كتابه (فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن) عند تعرضه لسورة الكوثر: أخرج أصحاب العديد من التفاسير (من أهل العامة) نزول هذه السورة بشأن فاطمة الزهراء بنت الرسول عليها السلام و إليك عدداً منها: منهم البيضاوي في تفسيره، عند تفسير كلمة الكوثر، قال: و قيل أولاده و منهم الفخر الرازي في تفسيره الكبير، قال: الكوثر أولاده صلي الله عليه و آله و سلم، لأن هذه السورة إنما نزلت علي من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعني: أنه يعطيه نسلاً يبقون علي مرّ الزمان، فانظرْ كَمْ قُتل من أهل البيت، ثم العالم ممتليء منهم و لم يبق من بني أميّة في الدنيا أحدٌ يُعبأ به. و منهم شيخ زادة في حاشيته علي تفسير البيضاوي و منهم شهاب الدين في حاشيته علي تفسير البيضاوي و منهم عثمان بن حسن المشتهر ب- (كوسة زادة) في كتابه المسمّي بالمجالس، ص 222، و منهم العلامة أبوبكر الحضرمي في كتابه القول الفصل، ص457 و منهم غير هؤلاء 510.
2- إشارة إلي حديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: «كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران سلام الله عليها و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون سلام الله عليها و خديجة بنت خويلد سلام الله عليها و فاطمة بنت محمد عليها السلام» و طبعاً هذا الحديث قد استفاضت فيه النقول و تعدّدت به الطرق و من الفريقين أيضاً و إن اختلفت التعابير فيها. ففي بعضها: أفضل نساء أهل الجنة أربع و بعضها: خير نساء العالمين أربع و بعضها حسبك من نساء العالمين و ما أشبه. راجع مسند أحمد، ج 2، ص 293 و صحيح البخاري كتاب بدء الخلق و باب علامات النبوّة في الإسلام و سنن الترمذي، ج 2، ص 306 باب مناقب الحسنين عليه السلام و مستدرك الصحيحين، ج 3 ص 156 و حلية الأولياء، ج 2، ص 42، و الاستيعاب لابن عبدالبر في ترجمة خديجة و الزهراء سلام الله عليهما، و أسد الغابة لابن الأثير، ج 5، ص 574، و ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري، ص 49، و الفصول المهمة، ص 129، و كنز العمال للمتقي الهندي، ج 6 ص 217 و غيرهم .

وَ تَبَاهِي بِهَا اَلْجِمَالُ بِقسمَيْةِ *** فَأَضْحِي لَهَا اَلسَّنِي وَ اَلسَّنَاءُ(1)

وَ تَبارَتْ غُرُّ اَلْخِصَالِ إِلَيْهَا *** فَاسْتَوَتْ عِنْدَهَا و جِلَّي اَلْحَيَاءُ(2)

حُشَدَتْ عِنْدَهَا و رَفَّ لَوْاهَا *** وَ بِكَفِّ اَلزَّهْرَاءِ ذَاكَ اَللِّوَاءُ(3)

وَ تَغَذَّتْ بِالْوَحْيِ يَأْتِي أَبَاهَا *** فَهِيَ لَوْلاَهُ وَ اَلنَّبِيُّ سَوَاءُ

وَ اِسْتَعَاضَتْ بِاللَّهِ عَمَّنْ سِوَاهُ *** إِذْ بِهِ -جَلَّ- عَنْ سِوَاهُ غَنَاءُ

وَ اِزْدَرَّتْ عَيْنُها الْحُطَامَ فَمَا *** فَازَتْ لَدَيْهَا بِنَظْرَةٍ أهواءُ(4)

أيْضيرُ اَلزَّهْرَاءَ أَنْ تَرْتَدِيَ *** اَلصُّوفَ وَ يُبْكِي سَلْمَانَ هَذَا اَلرِّدَاءُ

وَ هِيَ مِنْ أَسْبَقِ اَلْعِبَادِ إِلَي *** اَللَّهِ تَعَالَي، وَ مَنْ عَدَاهَا وَرَاءُ

وَ اُصْطُفِيَ اَللَّهُ للبتولِ عَلِيّاً *** وَ اِصْطَفَاهَا لَهُ فَتَمَّ اَلْعَلاَءُ

فَهِيَ لَوْلاَهُ لَمْ تَعُدْ ذَاتَ كُفْؤٍ *** حَيْثُ مَا فِي الْوَرِي لَهَا أَكْفَاءُ

زُوِّجَتْ فِي السَّماءِ وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ *** فَالْحُورُ لِلْبَتُولِ إماءُ(5)

ثُمَّ زُفَّتْ إلَيَّ عَليِّ عَلِي اَلشَّهْبَاءِ *** تَمْشِي بِجَنْبِهَا أَسْمَاءُ(6)

وَ نِسَاءُ النَّبِيِّ يَهْزِجنَ بُشَراً *** و الْهُتَافَاتُ مَرْحَةٌ وَ ثَنَاءُ

أَدْخَلْتْ بَيْتَهَا وَ قَدْ كَلَّلتْهَا *** مِنْ أَبِيهَا يَدٌ لَهُ بَيْضَاءُ

مَدَّهَا بِالدُّعَاءِ لِلطُّهْرِ *** لِلصِّهْرِ ليُنمِي اَلْبَنِينَ هَذَا اَلبنَاءُ

فَاسْتَجَابَ اَللَّهُ اَلدُّعَاءَ فَأَنْمِي *** الحسنَينِ اَلسِّبْطَيْنِ ذَاكَ اَلدُّعَاءُ

فَبَطَّهُ وَ صِهْرِهِ وَ بِسِبْطَيْهِ *** وَ بِالطُّهْرِ تُكْشِفُ اَللَّأْوَاءُ

ص: 156


1- السَّنا، مقصور: حدُّ منتهي ضوء البرق. والسناء، ممدود: من المجد و الشرف.
2- الغُرَّة: البياض الرفعة و المقدَّم و منه سمِّيت الجبهة غُرَّة و الليالي الغُرّ: البيض. و فلانّ غُرَّة من غُرَر قومه: أي شريف من أشرافهم و أسيادهم و جلَّي: غطي و غشي و تقدَّم، انظر لسان العرب.
3- رفَّ: خفق و اهتز.
4- ازدرتْ: احتقرت و استخّفت به.
5- أزلفت : قُرِّبت.
6- الشهباء: فرس أبيض يتخللّه السواد.

(18) عرس الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

عُرْسُ اَلنَّبُؤَةِ شَاعَ فِي اَلْبَطْحَاءِ *** فَحُدَّتْ لَهُ اَلْأَمْلاَكُ بِالْجَوْزَاءِ(2)

ص: 157


1- (*) هو الأستاذ سعيد بن الحاج عبد الحسين بن محمد بن يوسف بن حسين ابن الشيخ سلمان العسيلي الرشافي العاملي. ولد في جنوب لبنان في قرية (رشاف) من جبل عامل قضاء بنت جبيل سنة (1348 ه) الموافق لسنة (1929 م) و منذ القديم امتاز جبل عامل بإنجابه للعلماء و رجالات الفكر و الفقه و الأصول و التفسير و التاريخ و الحكمة و الأخلاق، و لا غرو إذا قيل إن ثلث علماء الشيعة هم من جبل عامل -و هذا هو ثمرة يانعة لجهاد الصحابي الجليل (أبي ذر الغفاري) الذي بذر في هذه الأرض الطاهرة معاني الخير و الصلاح «والبَلَدُ الطَّيِّبُ يُخرِجُ نَباتَهُ بِإِذنِ رَّبه». و شاعرنا الكريم من هذه الأرض الطيبة المعطاءة ، نشأ و ترعرع في ظل والده و بعد أن بلغ السابعة من عمره ابتدأ خطواته التعليمية الأولي في كتاتيب القرآن الكريم يتعلم القراءة و الكتابة. ثم قام بقرض الشعر و هو في سن العاشرة و لاعجب في ذلك فإن والده كان شاعراً مجيداً و قد ورث ذلك منه و سار علي نهجه و الولد سر أبيه. تدرّج المترجَم له في سلّم الشعر حتي أصبح شاعراً معروفاً، ثم أخذ ينشر بعض قصائده في بعض المجلات الأدبية بإسم الشاعر الحزين و هذا اللقب أطلقه عليه بعض الشعراء لما اتسّم به شعره من شفافية ورقة و رنة حزن و ذلك بسبب حادثتين ألمّتا به كانت الأولي فقدان والده بحادثة أليمة و الثانية مقتل ولده البالغ من العمر أربعة عشر عاماً بحادث سيارة مؤسف. و علي أي حال فقد جمع المترجَم له نظمه في ديوان باسم (الشاعر الحزين) ضمّن فيه عدة قصائد غزلية و وطنية مستوحاة من واقع الأحداث الأليمة التي تعرض لها جنوب لبنان، كما صدر لشاعرنا الحزين ملحمة باسم (مولد النور) و هي ملحمة عربية إسلامية تاريخية تتناول التاريخ الإسلامي منذ بدء بنيان الكعبة و حتي وفاة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم. توفي الحاج سعيد العسيلي «رحمه الله» تاركاً وراءه تراثاً شعرياً إسلامياً رائعاً فجزاه الله عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء.
2- البطحاء: الحجاز. و هي في الأصل: المسيل الواسع فيه الرمل و دقاق الحصي. الجوزاء برج في السماء.

وَالزَّهْرُ غَنِي وَ الورودَ تَمَايَلَتْ *** فَرَحاً وَ سَادَ اَلْكَوْنَ حُسْنُ غِنَاءِ

وَ مَوَاكِبُ الأحلامِ شِبْهُ عَرائِسِ *** مَجْلُوَّةٍ تَسْعَي إِلَي النَّعْماءِ

وَ الْهَيْنَمات(1) عَلَي النَّسِيمِ تَمَاوَجَتْ *** بِالنُّورِ تَجلُو شِدَّةَ الظَّلْمَاءِ

وحَناً عَلَيْها البَدْرُ مِن عَلْيَائِهِ *** لَهفا عَلَي مَا جَدَّ مِنْ أَنْبَاءِ

مُتَسَائِلاً عَنْ فَرْحَةٍ أَنْوَارَهَا *** شَمِلَتْ بِطَاحَ اَلْأَرْضِ وَ اَلْعَلْيَاءِ

و إِذَا شِفَاهُ الْهَيْنَمَاتِ تُجِيبُهُ *** بِسِمَاتُهَا فِي رِقَّةٍ وَ صَفاءِ

اَلْيَوْمَ عُرْسُ اَلْكَوْنِ بَيْنَ رُبُوعِنَا *** فِينَا يُقَامُ بِمَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ

هِيَ فَاطِمٌ صِغري بَنَاتِ مُحَمَّدٍ *** وَ قَرِينَةِ الكرارِ فِي الْهَيْجَاءِ

قَبْلَ النُّبُوَّةِ كَانَ مَوْلِدُهَا وَ قَدْ *** فَاقَتْ عَلَيَّ الأَشْباهِ وَ الْقَرْنَاءِ(2)

فَزَكَتْ عَلَي كُلِّ النِّساءِ طَهَارَةً *** وَ فَصَاحَةٌ وَ سَمَّتْ عَلِي اَلْعَذْرَاءِ

وَ عَلِي أمِّ مُوسي ثُمَّ بِنْتِ مُزَاحِمٍ *** وَ عَليَّ نِساءِ الكَونِ مِن حَوَّاءِ

وَعَلِي الصِّبَا ضَمَّ الرَّسولُ جُفُوفَهُ *** حِرْصاً عَلَيْهَا مِنْ يَدِ الْغُرَبَاءِ

وَ تَمَرَّغَ الْخِطَابُ فِي أَعْتَابِهِ *** و عَتِيقُ وَ الْخِطَابُ فِي الْخُطَبَاءِ(3)

ص: 158


1- الهينمات: الأصوات الخفية.
2- قيل إنها ولدت عليه السلام قبل النبوة بخمس سنين و عمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و خمس و ثلاثون سنة و كانت قريش تبني الكعبة و في رواية طبقات ابن سعد و الاستيعاب أنها ولدت سنة 41 من مولد النبي صلي الله عليه و آله و سلم و في شرح البخاري للعجلوني أنها ولدت قبل البعثة بسبع سنين و هي صغري بناته صلي الله عليه و آله و سلم. و راجع في ذلك أيضاً كتاب البحار، ج 43، ص 7 و قد فصّل المرحوم السيد كاظم القزويني «أعلي الله مقامه» في كتابه فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص 61 ذلك و أشار إلي وجوه الاختلاف في الروايات.
3- تمرّغ: تقلَّب - تردّد. عتيق هو اسم أبي بكر و الخطاب هو عمر بن الخطاب و كان كل منهما قد طلبها لنفسه زوجة فيجيبه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنتظر بها القضاء و يذهب علي عليه السلام يتكفّأ في مشيته علي غرار مشية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و لم يطل مقامه في حضرته حتي قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باسماً ما حاجة ابن أبي طالب؟؟ و يجيب عليّ في حياءِ ظاهر ذكرت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ويردّ النبي صلي الله عليه و آله و سلم مرحباً و أهلاً و بهذه البساطة تمت الخطبة، راجع عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 69 و صفوة الصفوة، ج 2، ص 9 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 3، ص 122، أعلام الوري ص 81 و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 141.

لَكِنَّمَا قَدْ كَانَ رَدُّ مُحَمَّدٍ *** لَهُما بِكُلِّ مَهابَةٍ وَ بَهاءِ

إِنِّي لَمنْتَظِرٌ بِفَاطِمَةَ الْقَضَا *** و قَضَاءِ رَبِّ اَلْعَرْشِ خَيْرُ قَضاءِ

وَ إِذَا بِوَحْيِ اَللَّهِ جَاءَ وَ حُكْمُهُ *** فَصْلٌ لِيَخْمُدَ حُرَّةَ الْغَلَوَاءِ(1)

زَفَّ الكَرِيمَةَ لِلْكَرِيمِ لِأَنَّها *** سِتُّ النساءِ لِسَيِّدِ اَلْبُلَغَاءِ

وَ اَلْبَحْرُ أَولِي أنْ يَضُمَّ عِبَابَهُ *** لَمَعَانِ تِلْكَ اَلدِّرَّةِ اَلْغَرَّاءِ(2)

وَ جَهَازُهَا لِلْعُرْسِ كَانَ وِسَادَةً *** مَحْشُوَّةً بالليفَةِ الْبَيْضَاءِ(3)

وَ رَحْي لِأَجْلِ الطَّحْنِ يَأْكُلُ كَفَّهَا *** بِقَسَاوَةٍ تَبْدُو بِغَيْرِ حَيَاءِ

وَ اَلْقِرْبَةُ الحُبْلَي تُحُزُّ بِنَحْرِها *** وَ السَّيْرُ فَوْقَ حَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ

عاشَتْ عَلَيَّ ضَنْكِ(4) الْحَياةِ بِزُهْدِهَا *** وَ الزُّهْدِ مَوْرُوثٌ عَنِ الْآبَاءِ

لَوْ شَاءَتِ اَلدُّنْيَا وَ طيب مناخِهَا *** لَأَتَتْ إِلَيْهَا دُونَ أَيِّ عَيَاءِ(5)

لَكِنَّهَا سَارَتْ عَلَي خَطَّ اَلَّذِي *** قَدْ طَلَّقَ اَلدُّنْيَا بِغَيْرِ عَنَاءِ

ص: 159


1- الغُلواء : الزيادة و الارتفاع .
2- عُبابه: كثرة الموج و ارتفاعه.
3- كان ذلك بعد وقعة بدر و أما جهازها فكان و سادة من أدم يعني جلد حشوها ليف و رحاءان و قد جرّت الرحي حتي أثّرت في يدها و حملت القربة حتي أثّرت في نحرها و عاشت علي شرف قدرها عيشة ضنك و فقر راجع عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 66 و أعلام النساء، ج 4، ص108، و قيل إنها لما تزوجت بكت فقال لها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ما لك تبكين يا فاطمة عليها السلام فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً و أفضلهم حلماً و أولهم سلماً و جاء في البحار، ج 43، ص 94 - ومن قوله عليه السلام- ثم قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الدراهم بكلتا يديه فأعطاه أبابكر و قال: ابتع لفاطمة عليها السلام ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت و أردفه بعماربن ياسر -إلي قوله- فكان مما اشتروه: قميص بسبعة دراهم و خمار بأربعة دراهم و قطيفة سوداء خيبرية و سرير مزمل بشريط و فراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف و حشو الآخر من جز الغنم و أربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر و ستر من صوف و حصير هجري و رصّ للسيد و مخضب من نحاس و سقاء من أدم... - إلي قوله- فلما عرض المتاع علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جعل يقلبّه بيده و يقول بارك الله لأهل البيت و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- ضنك الحياة: ضيقها.
5- عياء: عجز.

وَ مَضَتْ عَلَيَّ دَرْبُ الْحَياةِ تَشُقُّهُ *** شَقّاً وَ تَنْجِبُ خِيرَةَ الأَبْنَاءِ

وَ هُمُ الأئمةُ لِلْوَري مَفْرُوضَةٌ *** طَاعَاتُهُمْ بِمَحَبَّةٍ وَ وَلاَءِ

لَكِنَّ صَفْوَ حَيَاتِهَا لَمَا يَدُمْ *** وَ الصَّفْوُ يُعَقِّبُهُ كَثِيرُ شَقَاءِ

وَ إِذَا بِعَاصِفَةٍ تُهْزُّ كِيَّانَهَا *** وَ تُذِيبُ فِيهَا فِلْذَةَ الْأَحْشَاءِ

هِيَ فَقَدْ وَالَدَهَا اَلْكَرِيمِ وَ مَنْ بِهِ ***كَانَتْ تجابِهُ غَارَةَ اَلْأَعْدَاءِ

كَانَتْ قُبَيْلَ الإحتضارِ بِقُربِهِ *** تَبْكِي وَ تَنْدُبُ شِدَّةَ اَلْأَرِزَّاءِ

وَ إِذا بهَمْسَتِهِ تُدغدِغُ أُذُنَهَا *** فَتَبَسَّمَتْ فَرَحاً لِخيْر رَجَاءِ(1)

عَلِمْتْ يَقِيناً أَنَّها مِن بَعْدِهِ *** سَتَسِيرُ إِثْرُ اَلْكَوْكَبِ اَلْوَضَّاءِ

لِلَّهِ يَا ذَاكَ اَلْبَنَانَ وَ طَالَمَا *** مَسَحَ الأسي عَنْ رَاكِبِ اَلْقَصْوَاءِ(2)

حَرُمَتْ أَرَاضِيَهَا بِقَوْلِ رِوَايَةٍ *** فِيهَا تَفَرَّدَ واحِدُ الآراءِ

فَدَكٌ وَ لَمْ يَشْهِدْ عَلَي حِرْمانِها *** مِنْهَا وَ لَو إِثْنَانِ مِن شُهَداءِ(3)

وَ عِداكَ عَنْ سَلْبِ الوَصِيِّ حُقُوقَهُ *** وَ عَدَاوَةٍ بانَتْ بكلِّ جَلاءِ

كَم كافَحتْ مِن أَجْلِهِ وَ تَحَمَّلَتْ *** ظُلْمَ اَلسِّيَاسَةِ فِي عَظِيمِ بَلاءِ(4)

نَفَثَتْ صُدُورَ الظُّلَمِ كُلَّ سُمُومِها *** عَلْناً كَمَثَلِ الْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ(5)

ص: 160


1- قيل إنها عليه السلام كانت تبكي فأسرّ لها صلي الله عليه و آله و سلم و أنها أول أهله لحاقاً به فتبسمت. راجع عبد المقصود، ج 1 ص 123 و فضائل الخمسة، ج 3، ص 191. رواه عن (صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق) في باب علامات النبوّة في الإسلام روي بسنده عن عائشة قالت: دعا النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليها السلام ابنته في شكواه الذي قبض فيه فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت قالت: فسألتها عن ذلك فقالت: سارني النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته عليهم السلام أتبعه فضحكت. (أقول) ورواه في باب مرض النبي صلي الله عليه و آله و سلم بطريق آخر و قال : إني أول أهل بيته عليهم السلام يتبعه فضحكت، و رواه مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل فاطمة، و راجع أيضاً صحيح مسلم المجلد 5 ص 55، ط مؤسسة عز الدين، بيروت الحديث (2450) تجد مثل هذا.
2- القصواء: و هي القصية... الناقة الكريمة النجيبة.
3- راجع كتاب فدك لعبد الفتاح عبدالمقصود، و كتاب فدك للسيد محمد باقر الصدر.
4- إشارة إلي ما وقع عليها عليهم السلام من الظلم والجور.
5- نفثت صدور الظلم: ألقت و رمت ما فيها. الحيّة الرقطاء: السوداء المشوبة بالنقط البيضاء أو البيضاء بالنقط السوداء.

ضَرَبَتْ بِسَوْطِ اَلظُّلْمِ فَوْقَ بَنَانِهَا *** فَبَدَا بِهِ أَثَرٌ مِنَ اَلْإِيذَاءِ

هَذِي اَلْمَصَائِبُ لَوْ تَحَوَّلَ ثِقْلُهَا *** عَنَّا إِلَيَّ طَوْدٍ كَطودِ حراءِ(1)

حَتْماً لَكَانَ اَلطَّوْدُ دكَّ أَسَاسُهُ *** وَ تَهَدَّمَتْ أَرْكَانُ كُلِّ بناءِ

وَ اشْتَدَّتِ الْأَحْزَانُ بَيْنَ ضُلُوعِهَا *** إِذْ لَمْ تَجِدْ فِي اَلنَّاسِ أَيْ عَزاءِ

وَ إِذَا بِعِلَّتِهَا تَزِيدُ وَ دَمْعُهَا *** تُخْفِيهِ خَوْفَ شِماتِهِ اَلرُّقَبَاءِ

مُنِعَتْ مِن التَّصريحِ عَنْ أَحْزانِها *** بِالنَّوْحِ أَوْ بِالدمْعَةِ اَلْحَمْرَاءِ(2)

كانَتْ تُغَادِرُ بَيْتَهَا مَقْهُورَةً *** مَظْلُومَةً نَحْوَ البَقِيعِ النائي

وَ إِذَا استبدَّ بِهَا الأسَي خَرجَتْ إلي *** قَبْرٌ يُوَارِي سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ

هُوَ حَمْزَةٌ عَمُّ اَلرَّسُولِ وَ إِبْنُ مَنْ *** يَسْقِي حَجِيجَ اَللَّهِ عَذْبَ اَلْمَاءِ

وَ لَبَيْتُ أحزان بَنَاهُ حَلِيلُهَا *** قَرُبْتْ وَ بَانَ اَلْأَمْرُ بَعْدَ خَفَاءِ

قَالَتْ: أَمِيرُالْمُوْمِنِينَ وَصِيَّتِي *** فَأَجَابَهَا وَ أَنَا اَلسَّمِيعُ اَلرَّائِي

قَالَتْ وَ حَقِّكَ مَا كَذَبْتُ عَلَيْكَ فِي *** شَيءٍ وَ لاَ أَدْنِي مِنَ اَلْأَشْيَاءِ

كلاَّ وَ لَا خَالَفْتُ مِنْكَ أَوَامِراً *** صَدَرَتْ وَ لاقابَلْتُهَا بِجَفَاءِ

أُوصِيكَ أَنْ لاَ يَشْهَدْنَّ جَنازَتي *** أَحَدٌ تَعَمَّدَ فِي اَلْوَرِيِّ إِيذائِي(3)

ص: 161


1- حراء: جبل بأعلي مكة.
2- قيل إن المدينة ضجت لبكاء فاطمة عليها السلام و لذلك كانت تخرج إلي البقيع و هو مكان قرب سجده و فتبكي هناك و لم يرض أهل المدينة عن ذلك حتي أخذت تخرج إلي أحد قرب قبر الحمزة فتبكي هناك بعيدة عن أهل المدينة في بيت أحزان بناه لها علي عليه السلام و ما يزال هذا البيت يزار حتي الآن و قد أشرنا إلي ذلك في الهامش رقم (4) من القصيدة رقم (9) انظر عوالم العلوم، ج2/11، ص 783 عن كفاية الأثر: بإسناده عن محمود بن لبيد قال لما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء و تأتي قبر حمزة و تبكي هناك. إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
3- يقول عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 193 إن أبابكر و عمر انطلقا و استأذنا علي فاطمة عليها السلام فأبت في أول الأمر استقبالهما و توسط لهما عليّ ففعلت و بعد حديث طويل من أجل فدك قالت أرأيتما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعرفانه و تعملان به فأجابا نعم قالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي فمن أحب فاطمة عليها السلام فقد أحبني ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني؟ قالا قد سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فرفعت وجهها و كفيها إلي السماء و راحت تقول في حرارة، فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت رسول الله لأشكونكما إليه، و لذلك أوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يدعهما يشهدان جنازتها. راجع مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 318 و إسعاف الراغبين علي هامش نور الأبصار ص 189 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 3، ص 151 و 155 و 157.

تَجَلْبَبِ(1) اللَّيلِ الْبَهِيمِ لِنَقْلِي *** وَ اُخْفِ اَلْجَنَازَةَ وَ اِسْتَجِبْ لِنِدَائِي

وَ بَكَتْ وَ أَبْكِي مُقلَتيهِ فِرَاقُهَا *** وَ تَعَانَقَا بالدمعَةِ اَلْخُرَاسَاءِ(2)

وَ كَأَنَّ دَمْعَتَهَا تَقُولُ لَهُ إِذَا *** مَا مُتُّ فَاذْكُرُونِي بِكُلِّ مَسَاءِ

وَ مَشَتْ بِرَكْبِ اَلْخَالِدِينَ تَسِعُّ فِي *** نُورِ اَلتُّقيِّ لِلْجَنَّةِ الْخَضْرَاءِ

زهْرَاءُ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ قَصِيدَتِي *** فِيكَ تُعْبِّرُ عَنْ عَظِيمِ وَلائِي

يَامِنٌ زَرَعَتِ اَلْوَعْيَ بَيْنَ محَاجِرِي *** فَأَزَاحَ عَنْهَا ظُلْمَةَ اَلْعَشْوَاءِ(3)

إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَصَائِدِي *** ذُخْرَ اَلْيومِ تَعَاسَتِي وَ شَقَائِي

ص: 162


1- تجلبب الليل البهيم: أي خذ من الليل المظلم جلباباً لتشييع جنازتي.
2- الخرساء: التي لم يسمع لها صوت.
3- محاجري : محاجر العين ما دار بها. العشواء: الظلمة. و الركب العشواء أي الذين يسيرون في أمورهم عن غير هدي.

(19) مختارة الرب

(بحر الخفيف)

الشيخ سعيد الشيخ علي العوامي

عَمَّ فَيْضُ اَلْجَلاَلِ اَلرُّحَمَاءِ *** بِوِلاَدَةِ البتولةِ اَلزَّهْرَاءِ

حُسِرَ اَلنَّاظِرُونَ عَنْ دَرْكِ مَعَنَا *** هَا و هُمْ قَبْلُ سَادَةُ النُّظَرَاءِ

وَ لِسَانُ اَلْعِرْفَانِ عَنْ وَصْفِهَا رُدَّ *** كَلِيلاً وَ لَمْ يَكُنْ ذَاعِياءِ

فَتَرِي الْكُلَّ عَنْ ضُرُوبِ مَزَايَا *** هَا عَلِيُّ ظَهْرِ قَلْبِهِمْ فِي اسْتِوَاءِ

وَ عَلِيٌ بَابُ كَعْبَةِ اَلْفَضْلِ مِنْهَا *** عُكَّفاً مِنْ قُصَيِّهَا وَ اَلنَّائِي

خَصَّهَا اَللَّهُ مِنْ وَظَائِفِ علياهُ *** قُرباه أَشْرَفَ اَلْأَسْمَاءِ

أَيْنَ مَنْ قَدَّسَ الْمَلِيكُ لَهُ اَلنَّفْسُ *** أَلاَ فَهِيَ بَضْعَةُ الْأَوْلِيَاءِ

بَضْعَةٌ اَلْمُصْطَفَي اَلْعَرِيقَةُ فِي اَلْأَصْلِ *** وَ مَنْ قَدْ عَلَتْ عَلاً لِلسَّمَاءِ

وَ لَمَنْ حُكْمَهَا وَ أَحْكَامَهَا الْغُرَّ *** قَدِ اخْتَارَ جُمْلَةُ الحُكَمَاءِ

إِنَّ صُبْحَ الْإِرْسَالِ يَسْطَعُ نُوراً *** عَنْ عَلا طَلْعَةِ الهَدْيِ الغَرَّاءِ

طُرَّةُ الْإِصْطَفَا وَ مُخْتَارَةُ اَلرَّبِّ *** وَ مَعْنِي اَلسِّيمَاءِ فِي اَلْأَزْكِيَاءِ(1)

فَغَدَا هَدْيُهَا يَعُمُّ الْبَرَايَا *** وَ عَلاَ جُودُهَا عَلَيَّ اَلْجَوْزَاءِ

مَلِكَاتُ اَلنُّفُوسِ عَنْهَا تَبَدَتْ *** وَ كَمَالُ اَلْإِنْسَانِ فِي الْإِجْتِبَاءِ

عُجِنَتْ طَيِّبَةُ الْبَتُولِ بِمَاءِ اَلْقُدْسِ *** وَ اَلْعِلْمِ وَ اَلْهَدْيِ وَ اَلْحَيَاءِ

ص: 163


1- السيماء: العلَامة و الهيئة.

فَهِيَ نُورُ اَلْحَقِيقَةِ اَلَّتِي لَوْلاَ *** هَا لَمَا اَلْعَدْلُ كَانَ بالأولاءِ(1)

فَتَعَالَيْ لَهَا التَّمجُّدُ و الْفَضْلُ *** وَكفُّ الْحُسنَي وَ كُفُّ الْحِبَاءِ

فَاطِمٌ كُفْوُ خِيَرَةِ الخَلْقِ طُرّاً *** أُمُّ طه أُمُّ الكِتابِ اَلسَّمَائِي

طَهُرَتْ مِنْ دَنَائِسٍ وَ رِفَاثٍ *** فَزَكَتْ كَالْأُصُولِ فِي اَلْأَبْنَاءِ(2)

وَ كَفَاهَا اَلْجَلِيلُ يَغْضَبُ فِيهَا *** أَيْ وَ يُرْضِي لِمَنْ لَهَا فِي الرِّضَاءِ

فَهِيَ رَبِّ لِكُلِّ فَضْلٍ وَ نَعْتٍ *** وَ هِيَ جَفْرٌ لِكُلِّ رَمْزِ بَلاَءِ(3)

عَصَبَتْ رَأْسَهَا بِفَقْدِ رَسُولِ اَللَّهِ *** وَ اَلدَّهْر خَلَّفَهَا بالعَنَاءِ

فَلِكُلِّ اَلْمُوَحِّدِينَ جَمِيعاً *** أنعي فُقْدَانِ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ

إِنَّ نَفْساً تَعَلَّقَتْ بِوْلَاهَا *** قَدْ أُسِيلَتْ بِفَقْدِهَا فِي اَلْوَلاَءِ

أَسَفاً كَيْفَ ضَمَّهَا اَلتُّرْبُ لَيْلاً *** وَ هِيَ تَقْضِي أَسَي بِوَجْهِ اَلدَّنَاءِ(4)(5)

ص: 164


1- لعل الشاعر يقصد بكلمة الأولاء: الأقدمين و لعل الأولاء مأخوذة من الأول أي المال و المرجع في النهاية و لعلها كناية عن مولانا صاحب العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف إذ ستؤول الأمور إليه في نهاية المطاف فيملأ الأرض قسطاً و عدلاً و الله أعلم.
2- رفاث: فحش.
3- جفَرْ: (جَهَرَ) جنباه: إتسعّا.
4- أوصت فاطمة الزهراء عليها السلام قبل وفاتها زوجها الإمام علي عليه السلام بأن يغسلها و يدفنها ليلاً لكيلا يحضر جنازتها أبوبكر و عمر بن الخطاب فعمل الإمام سلام الله عليه بوصيتها و بعد أن جاء القوم إليه ليشاركوا في الجنازة صرفهم و في الليل غسلها و كفنها ثم خرج معه الحسن و الحسين عليهما السلام و العباس بن عبدالمطلب عمه و سلمان الفارسي و أبوذر الغفاري و المقداد و أخوه عقيل بن أبي طالب و عمار بن ياسر و دفنوها ليلاً، و روي أن الإمام علي عليه السلام رش أربعين مع قبرها عليه السلام حتي لا يبيّن قبرها من غيره فيصلوا عليها و عنده سأل الأصبغ بن نباتة الإمام عليه السلام لم دفنت فاطمة عليها السلام ليلاً أجابه قائلاً: إنها كانت ساخطة علي قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام علي من يتولَاهم أن يصليَ علي أحد من ولدها. انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 412، أمالي الصوري، ص 562.
5- لعل الشاعر يقصد بكلمة الدناء: الدنيا.

(20) بنت الهادي

(بحر مشطور الخفيف)

الأستاذ سلمان الربيعي (أبوأمل)(*)(1)

مُولِدُ الزهْراءِ *** مَصْدَرُ لَالَاءِ

يَوْمَ بِنْتِ الْهادِي*** أَجْمَلُ اَلْأَعْيادِ

فَارْتَشِفْ يَا صَادِي *** جُرْعَةَ اَلصَّهْبَاءِ(2)(3)

شَعَّ فِي اَلْأَكُونِ *** كَوْكَبُ اَلْإِيمَانِ

مُنْقِذُ اَلْإِنْسَانِ *** مِنْ دُجْيِّ اَلظَّلْمَاءِ

ص: 165


1- (*) هو الأستاذ سلمان بن عاصي الرّبيعي، الشهير ب- (أبي أمل الربيعي). ولد في مدينة الحلّة سنة (1370 ه) الموافق (1951 م) نشأ و ترعرع في مدينة العلم و الأدب الحلة الفيحاء، فأكمل دراسته المتوسطة، ثم ترك الدراسة لظروفه العائلية و مع كل ذلك لم ينفكَ عن مواصلة العلم و الفضيلة. قام بقرض الشعر سنة (1989 م) و نشر الكثير من قصائده في الصحف العراقية و عبر الإذاعة و التلفزيون الإيراني و المعروف أن شعره من النوع الفاخر في المدح و الرثاء في حق أهل البيت عليهم السلام. و لشاعرنا مؤلفات شعرية، منها: الديار المحجوبة -علي أعتاب الديار- طيف الوطن. و ما يزال ينظم في شؤون الشعر و الأدب، ممارساً دوره كشاعر متغرّب عن وطنه و يعيش حنينه و آهاته.
2- صادي: من الصدئ و هو العطش الشديد.
3- الصهباء: الخمر التي يميل لونها إلي الصغار (المعجم الوسيط، ج 1، ص 529).

زغْرَدَتْ أَشْعَارِي *** لاِبْنَةِ الْمُخْتَارِ

زَوْجَةِ اَلْكَرَارِ *** أَصْدَقَ الإِطْرَاءِ

إِنَّ مَنْ أَرْضَاهَا *** فَهُوَ أَرْضِي اَللَّهَ

جَاءَ ذَا عَنْ طه *** أَشْرَفَ اَلْآبَاءِ

حُبُّهَا فِي قَلْبِي *** حَيْثُ يَمْحُو ذَنْبِي

يَوْمَ أَلْقِيَ رَبِّي *** فُزْتُ بِالسَّراءِ

حُبُّهَا أَهْدَانِي *** أَجْمَلَ اَلْأَلْحَانِ

وَ هُوَ فِي وِجْدَانِي *** حَلَّ وَ اَلْأَعْضَاءِ

دَعْ كَلاَمَ اَلنَّاسِ *** شَابَ مِنِّي رَاسِي

قُمْ و قَدِّمْ كَاسِي *** مِنْ يَدٍ مِعْطَاءِ

لَاتَدَعْ خَفَاقِي *** فِي ضِرَامِ بَاقِ(1)

وَ اِسْقِنِي يَا سَاقِي *** مِنْ نَمِيرِ اَلْمَاءِ(2)

لِلْهَدْيِ أَعْلاَمُ *** زَانَهَا اَلْإِسْلاَمُ

كُلُّنَا خُدَّامُ *** نَحْنُ لِلزَّهْرَاءِ

ص: 166


1- الخفّاق: الكثير الخفق و أراد القلب
2- نمير الماء: الزاكي من الماء.

(21) فخر النساء

(بحر الكامل)

السيد سلمان هادي آل طعمة (*)(1)

مَرْحِي بِإِشْرَاقِ اَلسَّنَا اَلْوَضَاءِ *** غَمَرَ الْحَيَاةَ بِرُونَقٍ وَ بَهَاءِ

وَ أَطَلَّ كَالْأَلَقِ مُرَتِّلاً *** آيَاتِهِ بِالْحَمْدِ وَ اَلنَّعْمَاءِ

ذِكْرِي تُطِلُّ عَزِيزَةً وَ كَأنَّهَا *** شَمْسُ اَلضُّحِي تَفْتَرُّ بِالْأَضْوَاءِ

ص: 167


1- (*) هو السيد سلمان ابن السيد هادي آل طعمة، ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1354 هه 1935 م). و أسرة آل طعمة أسرة عريقة و معروفة في كربلاء و قد أنجبت العديد من الخطباء و العلماء و الأدباء و كتب التراث و التراجم تذكر الكثير منهم. ترعرع المترجم له و نشأ في كنف والده المغفور له السيد هادي آل طعمة فأحسن تربيته حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح و أول دراسته كانت في مدارس كربلاء الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن تخرج من كلية التربية بجامعة بغداد سنة (1970 م) و عيّن مدرساً في كربلاء المقدسة. أحبَّ الشعر و شغف به فكان يطالع الدواوين الشعرية و كتب الأدب و يجالس الشعراء و الأدباء و يشترك في الندوات الأدبية و الشعرية التي تقام في كربلاء و أخذ يقرض الشعر علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة، فأجاد في كثير من النصوص التي كتبها بدافع من شعوره الديني و عرف في نظمه بكتابة القصيدة العمودية . و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة و أشهرها تراث كربلاء - و شعراء كربلاء و كربلاء في الذاكرة و خطباء كربلاء و تاريخ مرقد الحسين و العباس و رجال الفكر في كربلاء و عشائر كربلاء و الشعراء الشعبيين في كربلاء و كثير من الكتب التي تشيد بتاريخ و تراث كربلاء في الماضي، أقول إن الأستاذ السيد سلمان آل طعمة خدم مدينة كربلاء بكل ما استطاع و قد سخّر قلمه و مواهبه لخدمتها و إحياء تراثها و إظهار معالمها التاريخية و الحضارية و هذا دور كبير و خدمة عظيمة لمدينة تتعاضد المخططات علي محو اسمها و تعطيل دورها الروحي و المعنوي في العالم الإسلامي و الإنساني فأسأل المولي الجليل أن يزيد في توفيقه و يحسن عاقبته.

في كُلِّ قلبٍ نَشوَةٌ وَ مَسَرَّةٌ *** وَ بِكُلِّ بَيْتٍ فَرَحَةٌ لِلِقاءِ

وَ اَلشَّوْقُ يُسْرِجُ كُلَّ قَلْبٍ هائِمِ *** نُوراً يَفيضُ بِعِزَّةٍ قُعَسَاءِ(1)

اَللَّيْلُ يُوغَرُ بِالمَسِيرِ كَأَنَّهُ *** شَلاّلُ ضَوْءٍ فَاضَ بِالإِرْوَاءِ

وَ تَأَلَّقَتْ آفَاقُ مَكَّةَ فجَاةً *** بِمَحَاسِنِ اَلْأَنْوَارِ وَ اَلْأَبْهَاءِ(2)

وَ اَلطَّيْرُ مِنْ شَوْقٍ يزغْردُ حَالَماً *** مِثْلَ اِنْهِمَارِ اَلدِّيمَةِ اَلْوَطْفَاءِ(3)

فَإِذَا الْقُلُوبُ الْواجِماتُ تَرَنَّحَتْ *** سُكْرَي بِطِيبِ الجنَّةِ الْفَيْحاءِ(4)

بُشْرَي بِفَاطِمَةٍ سَلِيلَةِ أَحْمَدٍ *** فَخْرِ النِّساءِ وَ تَحِيَّةِ اَلْعَلْيَاءِ

مَا أَوْرَعَ الذِّكري تَفِيضُ بَشَاشَةً *** وَ هَوّي يَفُوحُ كَنَسْمَةٍ عَذْرَاءِ

هَبَطَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا مكارمُ جَمَّةٌ *** بِالْفَضْلِ تَعْلُو هامَةَ اَلْجَوْزَاءِ

يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ مَوْئِلاً *** لِلْعِزِّ لِلتَّقَوي وَ نَبْعِ عَطاءِ

كَم مِن يَدٍ لَكِ بِالنَّدِيِّ مَشْهُودَةٍ *** تَجْتَاحُ كُلُّ جَرائِرِ اَلدُّخَلاَءِ؟

لَكَ مثْلَما لِمُحَمَّدٍ و َقَفاتُهُ *** تَهْدِي اَلْوَرِيَّ لِلشِّرْعةِ اَلسَّمْحَاءِ

سَلَبُوكِ إِرْثاً وَ هُوَ مَلِكُ مُحَمَّدٍ *** (فدكَ) غَداً نَهَباً إِلَيَّ اللَّوْمَاءِ(5)

وَ عَدَا عَلَيْكَ الْمُشْرِكُونَ وَ إِنَّهُمْ *** مَنْ ظَلَمَهُمْ جُبِلوُا عَلَيَّ الْأَوْرِزَاءِ

أَوْ لَمْ تَكُونِي قُدْوَةً لِنِسَائِنَا *** وَ مُلاَذكُلِّ اَلْإِنْسِ مِنْ حَوَّاءِ؟

ص: 168


1- قعساء: ثابتة منيعة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي النور الذي ملأ آفاق مكة حين ولادة الزهراء عليها السلام. راجع كتاب مشارق الأنوار، ص 85، و البحار، ج 16، ص 81، و عوالم العلوم، ج 1 ص 58 - 59، و في كتاب عوالم العلوم، أيضاً، ج 1، ص 56 عن كتاب الروض الفائق، ص 214 مثله.
3- الديمة الوطفاء: المطر المنهمر.
4- الواجمات : وَجَمَ أي سكت و عجز عن التكلم من شدّة الغيظ أو الخوف، أو عبس وجهه و أطرق لشدة الحزن، ترتّحت: تمايلتْ. الفيحاء: الواسعة.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سلب القوم فدك من فاطمة عليها السلام. راجع كتاب مسند أحمد ج 1 ص 9، و ج 1 ص 13، و السنن الكبري ج 6 ص 300. و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 16، ص 232، كما في كتاب عوالم العلوم، ج 2 ص 626، و ج 2 ص 631.

يَا دَوْحَةَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ مُضِيئَةً *** وَ مَنَارَةً للهِمَّةِ الشِّماءِ

تَارِيخُكَ الوَضَّاءُ نُورٌ مُشْرِقٌ *** مَتَالِقٌ فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ

مَا زَالَ فِينَا سَاطِعاً مُتَوَهِّجاً *** يَجْلُو ظَلامَ دُجْنَةٍ سَوْدَاءِ(1)

ذِكْرَاكَ سَفْرٌ لِلْمَاثِرِ وَ اَلْإِبَا *** يَهْدِي اَلْوَرَي لِمَحَجَّةٍ بيْضاءِ

مِيلادُكَ اَلْمُعْطارُ مُصْدَرُ رَحْمَةٍ *** سَيَظَلُّ رَمْزَ مَوَدَّةٍ وَ إِخَاءِص: 169


1- جنة : ظلام.

(22) باركوا اليوم للبشير

(بحر الخفيف)

الشيخ صادق الشيخ جعفر الهلالي

طالَ شوقِي فصاغَهُ إنشائِي *** لحنَ حب بمولدِ الزهراءِ

خيرُ بشري لأحمدَ حين وافت *** و هي قدسٌ من لطفِ رب السماءِ

يوم أسرت خديجة الطهر فخراً *** فاطمياً بروضة الأنبياءِ

بضعةُ المصطفي و ليس سواها *** أوجبَ اللَّه وُدَّهُمْ بالولاءِ

و حباها الهادي الأمينُ و ساماً *** يوم سادتْ علي عموم النساءِ

قَصَّرَ الشعرُ كيف يرقي مقاماً *** شاءه الله رحمة الاقتداءِ

منحَ اللَّه من حباها فطاماَ *** فيه منجي من اللظي و البلاءِ

من يرومُ الولاء نصاً و روحاً *** و اقتداءً يجزي بخير جزاءِ

أيُّ بنتٍ تُدعي بأم أبيها *** و تراه قد خصها بحباءِ

فهي من خافقيه نبضٌ و شجنٌ *** و نسيجٌ من فيضه المعطاءِ

من سواها غيرُ البتولة تدعي *** فاطمُ بنت سيد الأنبياءِ

***

هلَّ الصبحُ في سمانا ابتهالاً *** شرفاً شادَ لحنَه إنشائي

و كسا الأرضَ بهجةً و رخاءً *** من جلالِ الوليدةِ الحوراءِ

فاضَ منها علي البرية نورٌ *** ملأَ الكونَ بالسَّنا الوضاءِ

من سيرقي سُموَّها و عُلاها *** و هي شمسٌ قد أزهرتْ بسناءِ

فيطيبُ القصيدُ فيها نَسيِماً *** أحمدياً بمُهْجتي و غنائي

ص: 170

حين راح الشعورُ يغمرُ حباً *** و ولاءً بفرحة الأصفياءِ

إن يوم الزهراء تسعدُ فيه *** أمة الحق و الهدي بحباءِ

و زهورُ الزهراءِ تورق نشوي *** زاهراتٍ بالروضة الغناءِ

تتناغي تألقاً و انسجاماً *** شدها الشوق في جميل اللقاءِ

و طيور البطحاء ترقص عشقاً *** في زغاريد لحنها الحسناءِ

فهو عيدٌ لفاطمَ تهدي *** صلواتٌ فاضت بكل عطاءِ

***

بنتُ طه قد نوَّرت في سمانا *** قبساتٌ من فيضها بجلاءِ

لاحُ منها فجرٌ تبسَّم فيه *** قمرٌ شعَّ في سما الظلماءِ

وببيتُ الإيمانِ نجمان منها *** قد أطلّا من نفحةِ الأوصياءِ

فرعُ ذاك الوصي سبطا نبيِّ *** جاءَ بالحقِ خاتم الأنبياءِ

و كذا زينبٌ عقيلةُ طهر *** كأبيها في قمةِ البُلغاءِ

و هي فيها من أُمِّها نبضاتٌ *** في جهادٍ و رفعةٍ و وفاءِ

في تُقاها كانتْ لأمٍ بتول *** و أبٍ كان سيد الأتقياءِ

أخذتها كرامة و اتصالاً *** باقتداء من آلها الأصفياءِ

باركُوا اليوم للبشيرِ سروراً *** حلِّ فيه بمولدِ الزهراءِ

ص: 171

(23) فيض الوجود

(بحر الخفيف)

الأستاذ عباس مرتضي عيّاد العاملي(*)(1)

مُزْقِي صَمْتَ أَحْرُفِي وَ اَلسَّمَاءَ *** وَ اسْكُبِي اَلشَّعْرَ فِي دَمِي وَ اَلضِّيَاءَ

وَ انْثُرِي غَابَةَ اَلْجَرَّاحِ بِرُوحِي *** وَ أَحِيلِيهَا دوحةً خَضْرَاءَ

لَكَ حَرْفُ اَلْقَصِيدِ يَنْشُرُ فَرْعَيْهِ *** فَيَكْسِي نِصَارَةً وَ بَهَاءَ

يَتَغَاوَيُ عَلَيَّ صِفَافِ اَلْمَعَانِي *** وَ هِيَ نشوي، وَ يَغْمِزُ اَلْعَيَاءَ(2)

وَ يَشِفُّ الْحَرْفَ الْحَرُونَ لَعِيَّاك *** وِلَاءٌ يَسِيلُ فِيهِ صَفَاءَ(3)

فَيَرِقُّ اَلْإِلَهُ فِي جَامِ قَلْبِي *** لِأُغْنِّي الصدِّيقَةَ اَلزهْرَاءَ(4)

هَفهفِي يَا أَمِيرَةَ اَلْعِفَّةِ اَلسَّحَاءِ *** فِي مَرْتَعِ اَلْجَلاَلِ اِنْتِشَاءَ

ص: 172


1- (*) هو الأستاذ عباس ابن الشيخ مرتضي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ موسي آل عياد. وآل عياد من الأسر المعروفة في لبنان (جبل عامل) و لها مكانتها المرموقة و قد أنجبت العديد من العلماء العاملين. ولد المترجم له سنة (1391 ه) الموافق (1972 م) من أبوين صالحين كريمين، فقاما بتربيته أحسن قيام وغذّيانهِ بأخلاقهما الفاضلة، فكوّنا منه إنسانا فاضلاً محبوباً. و أول دراسته كانت في مدارس لبنان الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن تخرج في جامعة بيروت العربية قسم المحاسبة بشهادة بكالوريوس. أحب الشعر و شغف به و في سنّة الخامسة عشرة من عمره قام بقرض الشعر، شارك في الحفلات الدينية التي تقام في مسجد و حسينية الإمام علي «عليه السلام» في الخندق الغميق و غيرها فهو مولع في مدح ورثاء أهل البيت «عليهم أفضل الصلاة و السلام»، «زاد الله في توفيقه».
2- يغمز : تغامز القوم، أشار بعضهم إلي بعض بأعينهم أو بأيديهم.
3- الحرون: حرنّ فلان بالمكان -لزمه فلم يفارقه و معناه هنا الحرف أو الكلمة التي تستعصي علي الشاعر أو القائل.
4- الجام: الكأس: أو الإناء من الفضة. الأولي عن المنجد و الثانية عن اللسان.

مَا عَفَافُ اَلنِّسَاءِ؟ مَدْي لِلْعَفِّ *** يَكْسُو عُرْيَ اَلزَّمَانِ حَيَاءَ

يَتَمَادِي مَعَ اَلخُلُودِ رُؤُاهُ *** بِالنَّوَامِيسِ مُخْصَبَاً مِعْطَاءَ

الْقَداَسَاتُ أَنْتِ صُغْتِ هُدَاهَا *** فَهِيَ أِنْدِي ظِلاًّ وَ أَبْهِي سَنَاءَ

أَنْتِ فَيْضُ اَلْوُجُودِ يأتلِقُ اَللَّهُ *** بِبُرْدَيْكِ مُشرِقاً وَضَاءَ

أَنْتَ أَمُّ اَلْوَقَارِ بَلْ أَمُّ طه *** ذَابَ فِيهَا حُبّاً وَ ذَابَتْ وَفَاءَ(1)

ص: 173


1- يكاد يكون الحديث عن الحب العجائبي المتبادل بين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ابنته الزهراءعليه السلام... صلوات الله و سلامه عليهما، من أركان الحديث عن شخصية سيدة النساء عليها السلام. حيث يستدل به الأعلام علي عصمتها و علي شدة قبح أذاها و علي إبراز مكانتها الفريدة و علي ذلك دارت القرون الأولي و أجمع أهل القبلة و أطبقوا، عامهم و خاصَّم و المخالف منهم قبل المؤالف. فمن ذلك ما رووه عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قوله: «فاطمة عليها السلام روحي التي بين جنبي» و قوله: «أحبّ الناس إليّ فاطمة عليها السلام» و قوله : «خير بناتي فاطمة عليها السلام» و قوله : «فاطمة عليها السلام أم أبيها» و قوله : «فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها أو يريبني ما أرابها و يقبضني ما يقبضها و يبسطني ما يبسطها و يسرّني ما يسرّها» و مثل قوله : «من أحبّ فاطمة عليها السلام ابنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار» و قوله : «حبّ فاطمة عليها السلام ينفع في مائةٍ من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة...» و مثل قول ابن عمر: إن النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم قبّل رأس فاطمة عليها السلام و قال: «فداك أبوك، كما كنتِ فكوني». و عن عائشة؛ في ذخائر العقبي: أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قبل يوماً نحر فاطمة عليها السلام، فقلت له: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فعلت شيئاً لم تفعله؟ فقال : يا عائشة، إني إذا اشتقت إلي الجنة قَبَلت نحر فاطمة عليها السلام. و عن عائشة أيضاً، كما في ينابيع المودّة، أنها قالت: كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم إذا قدم من سفرِ قَبَل نحر فاطمة عليها السلام و قال : منها أشمّ رائحة الجنة. و في الاستيعاب: عن أبي ثعلبة الخشني، قال : كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إذا قدم من غزو أو سفر، بدأ بالمسجد فصلّي فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة عليها السلام، ثم يأتي أزواجه. و في مستدرك النيسابوري بطريقه إلي أبي ثعلبة الخشني أيضاً أنه قال : قدم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من غزاةِ له، فدخل المسجد فصلي فيه ركعتين، فكان يعجبه إذا قدم من سفرِ أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتي فاطمة فبدأ بها، فاستقبلته، فجعلت تقبّل وجهه و عينيه و تبكي، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أراك قد شحب لونك. و في تاريخ بغداد : عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما لك إذا جاءت فاطمة عليها السلام قَبَلتها حتي تجعل لسانك في فيها و في لسان الميزان: مثله. إلي غير ذلك من الروايات و الأخبار التي لها أوّل و ليس لها آخر. مع أن الذي ذكرناه ليس إلاَّ نبذة مختصرة جدّاً من كتب الجمهور و أما ما يرويه الثقاة من شيعتها و محبيها فإنه يختصر الإسلام كله، بل و القرآن بأجمعه في حبَّها و أبيها و بعلها و بنيها، وولايتهم و معاداة عدوهم. و لك إن شئت أن ترجع إلي كتب القوم الذين ذكروا أضعاف أضعاف ما ذكرنا، و إليك بعضها: (1) الصحيح للبخاري، ج 5، (2) صحيح مسلم، ج 7، (3) صحيح الترمذي، ج 13، (4) الخصائص للنسائي، (5) المستدرك للنيسابوري، ج 2، (6) حلية الأولياء لأبي نعيم، ج 3، (7) تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر ج 1، 9، (8) الفائق للزمخشري ج 1، (9) مقتل الحسين للخوارزمي، (10) المناقب للخوارزمي، (11) التذكرة لسبط ابن الجوزي، (12) تفسير ابن كثير، (13) البداية و النهاية لابن كثير، ج 7، (16) مجمع الزوائد للهيثمي، ج 9، (10) الجامع الصغير للسيوطي، (16) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي، (17) كنز العمال للمتقّي الهندي، ج 13، ج 5 - المطبوع بهامش المسند، (18) كنوز الحقائق للمناوي، (19) ينابيع المودة للقندوزي، (20) أعلام النساء لعمر رضا كحالة، ج 3، (21) مقتل الحسين لابن الموفق، (22) مودة القربي للهمداني، (23) مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي، ج 3، (24) و تحفة الأشراف للحافظ المزي، ج 2، (25) ذخائر المواريث للنابلسي الدمشقي، ج 1، نظم درر السمطين للزرندي، (27) تاريخ ابن عساكر، ج 2، (28) إرشاد الساري، ج 6، (29) الإتحاف للزبيدي، ج 6، (30) تاريخ الإسلام للذهبي و غيرها كثير من كتب القوم و أكثر من كتاب الأصحاب و إنما لم نذكر الصفحات مقابل الكتب بسبب تعدّدها.

هَامَ فِي وَحْشَةِ اَلْحَنَّانِ طَوِيلاً *** فَجَلَوْتِ الأُمُومةَ اَلشِّمَّاءَ(1)

وَ حَبَاهُ(2) اَلْإِلَهُ نُعَمِي اَلْبَنَوَّاتِ *** فَكُنْتِ الريحانةَ الْحَوْرَاءِ(3)

هَاكِ مِيلاَدَكَ اَلسَّنِيَّ فَيَا قَلْبُ *** دَعِ الشَّمْسَ تَحْجُبِ الْآلاءَ

إِنَّ قَلْبَ اَلرَّسُولِ يَبْتَسِمُ بهِ *** بَعْدُ هَلْ تَرِي ظَلماءَ

هاكِ مِيلادَكِ اَلنَّدِيَّ يَمُدُّ *** اَلطُّهْرُ ظِلاًّ بِرَبْعَةِ كَيْفَ شَاءَ

ص: 174


1- إشارة إلي الحديث المتقدم عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في حق الزهراء عليها السلام: «فاطمة عليها السلام أم أبيها». و قد تعدّدت الآراء في تفسيرها و أوضحها ثلاثة علي ما عثرنا عليه أ- أنها صارت له بمثابة الأم، بعد أمه آمنة و بعد فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام ب - مبالغة في حقّها لأن أم كلَّ شيءٍ أصله، كما تقول : أم الكتاب و أم القري و أم العلوم ج-- أن ذلك جاء احترازاً عن تخيّل وجود فضل النساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم عليها، لما كانت نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم أمهاتٍ للمؤمنين، فهن أمهات لها، فجاء قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كرفع لها عليهن و تقديمٍ لها دونهن، لأنها قد تبوّأت بذلك مكاناً أعلي و أشمخ و لكلِّ من هذه التفسيرات شواهد تعضده.
2- حباه: أعطاه إياها من غير مقابل.
3- راجع ما نقلناه في ولادتها و سبب تسمياتها و ألقابها.

وَ رَبيعُ العَفافِ يُتَّلِعُ(1) جَيِّداً(2) *** وَ يَزِفُّ اَلْأَنْدَاءَ وَ اَلْأَشِدَّاءَ

هَاكِ مِيلاَدُكِ اَلزُّهْيَّ تُهادِي *** فِيهِ حَوَّاءُ مَريَمَ اَلْعَذْرَاءَ(3)

يَسْتَبِيحُ اَلْخَيَّالُ سِحْراً نَدِيّاً *** فَيُثِيرُ القَصائِدَ العَصْمَاءَ

إِيه أُمَّ الْحُسَيْنِ مَا فَتِيءَ اَلرَّفْضُ *** دَماً يَجْرِي فِي الْعُرُوقِ إِبَاءَ

وَ تَشَكِّي الْمَيْدَانُ مِنْ غُرْبَةِ اَلشَّوْطِ *** فَخُضْنَاهُ غَضْبَةً وَ اِنْتِخَاءَ

هَكَذَا دَأْبُنَا... نُنَاغِي دِمانَا *** وَ يُنَاغِي(4) عَدُوُّنَا اَلصَّهْبَاءَ(5)

أَسْكَرَتْهُمْ ثَمَالَةُ الصَّمْتِ ذُلاً *** فَجَلَوْنَا الْحُرِّيَّةَ الْحَمْرَاءَ

مَرْحَباً يَا أَسِي اَلْكَرَامَاتِ مَا انفَكَّ *** عُلانَا يُنَادِمُ اَلْأَرِزَّاءَ

نَحْنُ نَسْلُ الجِراحِ لَسْنَا نُبَالِي *** بِالَّذِي جِئْتَ لَوْعَةً وَ شَقَاءَ

قَدعَرَفْنَا عَلَي حَوَاشِيكَ لِلنَّصْرِ *** زَهَاءً وَ لِلْعِمْرَاكِ صَفَاءَ

إِنَّنَا فِي يَدَيْكَ نحْفِرُ شَمْسَ اَلْمَجْدِ *** حَفَراً وَ نَبْهَرُ اَلظَّلْمَاءَ

ثُمَّ مَا هُمَّ أَنْ تُنِيرَ دُرُوباً *** أَنْفُسٌ قَدْ هَوَتْ بِهَا شُهَدَاءَ

مِنْ دِمَاهُمْ لِلْخُلْدِ نُبْدِعُ فَجْراً *** كَانَ فِيهِ أُفُقُ اَلْفِدَاءِ مُضَاءَ

إِنَّنَا فِيهِمْ بَلَغْنَا مُنَانَا *** وَسَقَيْنَا سَمْعَ اَلْمَعَالِي صَدَاءَ(6)

كَذَبَ اَلْقَبْرُ لَيْسَ فِي اَلْقَبْرِ مَوْتٌ *** حُجُبُ اَلْغَيْمِ لاَ تُمِيتُ ذكاءَ(7)

زَرَعُوا فِي التُّرَابِ وَ التُّرَبُ خِصْبٌ *** وَحَصَدْنَا الكرامَةَ اَلشِّمَاءَ

تِلْكَ عَادَاتُنَا، فَإِمَّا حَيَاةٌ *** مُدَّ فِيهَا شُمُوخُنَا اَلْأَفْيَاءَ

ص: 175


1- يتلع: يمد عنقه.
2- جيداً: عنقاً.
3- يمكن أن تراجع ذخائر العقبي للطبري، ص 44 و ينابيع المودة للقندوزي، ص 198، ا و وسيلة المآل للحضرمي و نزهة المجالس للصفوري، ج 2، ص 227.
4- يناغي: يغازل.
5- الصهباء: المرأة التي يخالف بياض شعرها حمرة - اليوم البارد.
6- كان حق الصدي أن يقصر و إنما مدّه لضرورة الشعر.
7- ذُكاء: الشمس.

تَتَفَانَيَ قُلُوبُنَا فِي هَوَاهَا *** أَوْ نَرَي اَلْمَوْتَ عَادَةً حَسْنَاءَ

يا ابْنَةَ الْمُصْطَفَي وَ عِنْدَكِ وَافَانِي*** فَأَشْرَفْتُ كَيْ أَزُفَّ الْوَلاءَ

أَتَحَدَّي بِهِ خُطُوبَ اللَّيَالِي *** وَ أُضِيءُ اَلْخَوَاطِرَ اَلسَّوْدَاءَ

وَ عَلَي مُقْلَتِيَّ عَربَدَ لَيْلٌ *** جَامِعُ اَلرُّعْبِ فَاسْكُبِي اَللَّأْلاَءَ

وَ مَرَايَا اَلْجَبِينِ تَعْكِسُ أَلْوَانَ *** انْزُوَائِي فَهَلْ كَشَفْتِ انزواءَ

أَرْهَفَتْنِي مَسَالِكُ الْعُمْرِ حَتِّي *** جِئْتُكِ الْيَوْمَ أَغْسِلُ الْإِعْياءَ(1)

ص: 176


1- في الأصل: أرهفتني بالفاء بنقطة واحدة، أي شحذتني و السياق يقتضي أن تكون بالقاف بنقطتين، بمعني: أتعبتني و أعيتني، لكي تنسجم مع غسل الإعياء.

(24) في رحاب الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الجبار الساعدي(*)(1)

ص: 177


1- (*)الشيخ عبد الجبار بن عبد الرضا بن محسن الغراوي الساعدي. عالم و كاتب و شاعر. ولد في قلعة صالح - العمارة سنة 1369 ه و نشأ في الكحلاء. دخل المدارس الرسمية و تخرّج فيها. هاجر إلي النجف سنة 1387 ه للدراسة و طلب العلم، فقرأ الأوليات الأدبية و الشرعية علي بعض الفضلاء، ثم حضر الأبحاث العالية - فقهاً و أصولاً ۔ علي السيد أبي القاسم الخوئي و السيد نصر الله المستنبط و الشيخ محمد تقي الراضي. نال إجازات شرعية و روائية عن أعلام الدين بلغت «22» إجازة و قد اطّلعت عليها كلّها و فيها بالغ الإطراء علي علمية المترجم له و أدبه و له مشايخ كثيرون بالرواية ذكرتهم في كتابي «الثبت الجديد في معرفة المشايخ الأسانيد» و أجازني إجازة عامة برواية الحديث و غيره. نظم الشعر مبكّراً و أجاد فيه و نشر منه في الصحف العراقية و العربية و ارتاد النوادي الأدبية و شارك بها و له مقالات قيّمة نشرت في مجلة «العدل» النجفية و مجلة «العرفان» اللبنانية و صحيفة «المنار» البغدادية و غيرها. نال عضوية «رابطة الأدب الحديث» بالقاهرة و عضوية «اتحاد الأدباء و الكتاب العراقيين» و «اتحاد المؤرخين العرب» و«الجمعية الفلسفية» في بغداد و الهيئة الإدارية ل- «جمعية التحرير الثقافي» في النجف و الهيئة الإدارية ل- «لجمعية التوجيه الديني» في النجف و أمين مكتبتها. مؤلفاته: طبع له. الدعاء في المعتقد الشيعي، القرآن في نظر الشيعة. دموع الكحلاء -مجموعة شعرية- ديوان السيد حسن الياسري تحقيق. القاسم بن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام. ناعية الطف السيد حيدر الحلي، الإمام الخنيزي من أعلام مدرسة الفقه الشيعي، الوفاء في شعر الشيخ عبد الغني الخضري، سليل الإمام الكاظم العلوي الغريب، أثر التربية الإسلامية في حياة الفقيد الجلالي، سطور من حياة أهل البيت عليهم السلام. فلسفة الصوم في الإسلام. ملامح من شاعرية السيد محمد سعيد الحبوبي. نغم الولاء -مجموعة شعرية- و المخطوطة: لمعة من علوم القرآن. تقريرات الفقه و أصوله. وقفة مع بعض مسائل المكاسب. من حديث الفقاهة الصادقية. دروس في التربية. في رحاب الإسلام.

ماذا أَقُولُ بمولدِ الزَّهراءِ *** فهيَ البتولُ ومنتهي العلياءِ

صاغَ الإلهُ من الجلال كيانها *** فَتَأَلَّقْتْ تسمُو علي الجوزاء

هيَ عفةً و نزاهةً و قداسةً *** تمشي علي أرضٍ من اللألاء

لولا عليُّ ينبرِي لزواجِها *** ما صادَفَتْ أحداً من الأكفاءِ

نوران قد قَرَنا فؤاداً بهجةً *** غَمَرا الوجودَ بمشرقِ الأضواءِ

والكُلُّ مفتقرٌ إلي نوريهما *** حتي الذي في الصخرةِ الصمَّاءِ

سرَّ تقاصَر عن بلوغِ قراره *** فكرٌ الحصيفِ و حكمةُ الحكماءِ

كلّا و لا أهلُ الكلامِ و من لَهُمْ *** وَلَعٌ بحبِّ تفلسفِ الآراءِ

قَدْ خاطبَ النعمانُ يوماً جعفراً *** و هوَ المعينُ لحكمةٍ وعطاءِ

ارجعْ لربِّك يا بن ثابتَ تائباً *** فالدينُ ليسَ بقولةِ العقلاءِ

لا وجهَ تذهبُ للقياسِ مقارناً *** إن القياسَ مقالةُ السفهاءِ

فهناكَ أسرارٌ لعمرِي جمة *** تبقي رهينةَ محبسٍ و غطاءِ

و عليُّ و الزهراءُ أعظمُ ملغزاً *** و عميقُ سرِّ موغلٍ بجفاءِ

فهما شعاعُ القدسِ من ملكُوِتها *** ليمدّ كُلَّ عوالِمِ الأحياءِ

دعْ عنكَ كلَّ تحذلقٍ و تمنطقٍ *** و اتركْ حديثَ مقالةِ العُلماءِ

أتراكَ تدركُ سرّهم و مقامهم؟ *** جنبْ قواكَ مغبة الإعياءِ

أتظنُ زهراءَ الأنامِ كغيرها *** ممن وُلِدْنَ لأُمِّنا حواءِ؟

ورددتْ قولي إنّها من آدمٍ *** و الأصلُ يُنْمي للثري و الماءِ

فأجبتهُ أو ما دريتَ بفاطمٍ *** أنسيةٌ من معدنِ الحوراءِ؟

هي شعلةُ النورِ المبينِ توهجاًّ *** لتزيحَ عنا حندسَ الظَلماءِ(1)

فبِها و شِبلَيْها اللذين تَوَقَّدا *** بدراً بليلِ غمائمِ الأهواءِ

ص: 178


1- حندس الظلماء: الظلمة الشديدة.

للصح مَالَ زَكيُّهَا لِيَصُونَهَا *** مِمَّا أُتِيَ مِنْ زُمْرَةِ الطُلَقَاءِ

أَمَّا دِمَاءُ أَبِي عَلِيِّ إنهَا *** تَدْعُوا لِكُلِّ فَضْلِيَّةٍ و علاءِ

وَ بِبَعْلِهَا اَلزَّاكِي اَلرَّشِيدِ صِرَاطُنَا *** لِنَكُونَ مِنْ أَهْلِ الحِجا السعَدَاءِ

وَ بِأَحْمَدَ اَلْهَادِي اَلْأَمِينِ نَبِيِّنا *** أَزَكي الخَلِيفَةِ خَاتَمِ اَلْأُمَنَاءِ

لِتَتِمَّ فِي يَوْمِ اَلْحِسَابِ نَجَاتُنَا *** رَغْماً عَلَيَّ أَهْلِ اَلْعُمْيِ اَلْأَعْدَاءِ

ص: 179

(25) تربة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي(*)(1)

ص: 180


1- (*) الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ ابراهيم ابن الشيخ صادق العاملي يتصل نسبه بآل يحيي القبيلة المعروفة في (جبل عامل)، ولد في النجف الأشرف في حدود سنة (1282ه) و بعد بضعة أشهر من ولادته عاد به والده إلي لبنان (جبل عامل) و بعد وفاة والده عاد إلي النجف لتحصيل العلوم العقلية و النقلية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف و ذلك بعد أن تعلمَّ المقدمات علي العلماء في جبل عامل فتتلمذ علي أساتذة كبار منهم الشيخ محمد حسين الكاظمي و الأخوند ملا محمد الشربياني و مرزا حبيب الله الرشتي و مرزا حسين الخليلي الطهراني و الآخوند ملا محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و المجدد ميرزا حسن الشيرازي في سامراء و قد شهد العالمان الكبيران الأخوند الخراساني صاحب الكفاية و ميرزا حسين الخليلي له بالاجتهاد . و المترجَم له علم معروف و عالم تضلّع في سائر العلوم و تخصص في الفقه حتي أصبح من الفقهاء المشتهرين و كان يتوقّد ذكاءً و يتفجَّر فضلاً مع حسن أخلاق و طلاقة وجه. و أيضاً كان المترجم له من أشهر مشاهير أدباء عصره، عالم كبير و شاعر مبدع لم ينازع في فضله، أديب ينتمي الادب منه إلي أهله فهو عريق أباً عن جد في العلم و في الشعر و له شعر كثير في مدح أهل البيت «عليهم السلام» و رثائهم و كلها من الشعر العالي المقبول. و لما عاد إلي جبل عامل و ذلك بالزام من كبار أساتذته إجابة منهم لطلب جمهور من العامليين و كللّوه بإجازاتهم و شهاداتهم له ليرقي منصب الاجتهاد. و عندما استقرّ في النبطية أسسَّ حسينية هي أم الحسينيات في الجنوب اللبناني، و ولاؤه أهل البيت عليهم السلام يذكر فيشكر و نجد بلدة النبطية - اليوم - من معاقل أهل البيت «عليهم السلام» فالمآتم و المواكب و الشعائر المختلفة التي تقيمها الحسينية هي ركن من أركان التشيع و لا عجب فهو من أسرة شعارها الولاء لآل رسول الله «عليهم أفضل الصلاة والسلام». ومن فضل الله علي المترجم له أن نجِّي بسعيه طائفة كبيرة من المسلمين من سوقهم إلي ساحة الحرب العامة الطاحنة و هذا الموقف مشهود له. و أما تصانيفه وتأليفه فتزيد علي العشرين كتاباً منها (المواهب السنية في فقه الامامية) مجلدان و له منظومة فقهية استدلالية تبلغ أربعة آلاف بيت و منظومة كلامية تبلغ الفي بيت و غير ذلك من المحاضرات و المناظرات مطبوعة و مخطوطة. توفي في النبطية في (12) ذي الحجة الحرام (1361 ه) و دفن إلي جانب الحسينية التي أسسها في حياته. فرثاه الشعراء بقصائد أعربت عن مقامه الرفيع و أبَّنته الصحافة و الأدباء بشتَّي أساليب الحزن و الألم. و خلف المترجم له ثلاثة أنجال كلهم من أهل الأدب و الفضل هم الشيخ حسن و الشيخ محمد تقي و الاستاذ عبد الرضا.

يا زائراً أرضَ البقيعِ وصيَّةً *** عني تُقبِّلُ تربةَ الزهراءِ

فإذا تشابَهتِ القبورُ بعطرِها *** فَتَتَبَّع التعريفَ بالأرزاءِ

كلُّ الأئمةِ حولَها قد غُيِّبُوا *** بالسُّمِّ و هيَ بغُصَّةٍ و جَفاءِ

عَفِّر خُدودَكَ بِالتُّرَابِ فَرُبَّمَا *** أُفْضِي إِلَيْكَ بِفَادِحِ اَلْأَنْبَاءِ

قَبْرُ الْبَتُولَةِ لَوْ شَمِمْتَ تُرَابَهُ *** أَشْجَاكَ صَوْتٌ مُفعَمٌ ببكاءِ

أَبَتَاهُ قَوْمُكَ مَا وَفَوْا بِوَصِيَّةٍ *** أَبَتَاهُ بِعْدَاكَ أَيْتَمُّوا أَبْنَائِي(1)

قَادُوا اِبْنُ عَمِّي كَالْأَسِيرِ أَمَامَهُمْ *** وَ أَجَابُوا بِالشَّتْمِ الْفَظِيعِ نِدَائِي

خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي أَوْ لَأَكْشِفَ لِلدُّعا *** رَأْسِي وَ أشكُو لِلْإِلَهِ بَلائِي(2)

كَسَرُوا ضُلُوعِي وَ الْجَنِينُ بِعَصْرَةٍ *** قَدْ أَسْقَطُوهُ وَ لَوَّعُوا أَحْشَائِي

رَكْلاً وَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَ أَحْرِقُوا *** دَارِي فَهَلْ أَوْصَيْتَ فِي إِيذَائِي؟

ص: 181


1- في بحار الأنوار ج 43 ص 54: عن مجاهد قال: خرج النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة عليها السلام فقال : من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد عليها السلام و هي بضعة منّي و هي قلبي و روحي التي بين جنبيّ من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذن الله.
2- في تفسير العياشي، ج 2، ص67 في حديث طويل «... فلما انتموا إلي الباب فرأتهم فاطمة عليها السلام أغلقت الباب في وجوههم و هي لا تشك الّا يدخل عليها إلّا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره ثم دخلوا فأخرجوا علياً ملبياً فزجت فاطمة عليها السلام فقالت: أتريد أن ترمِّلني من زوجي و الله لئن لم تكف عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتينّ قبر أبي و لأصيحنّ إلي ربي»...

(26) حب الزهراء عليها السلام

(بحر المتدارك)

الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)

فِي قَلْبِي حُبُّ اَلزَّهْرَاءِ *** يُنْجِينِي مِنْ كُلِّ بَلاَءِ

فِي رُوحِي كَنْزٌ لَوْلاَءٍ *** بَاقٍ فِي مُدِّ اَلْإِبْقَاءِ

أَسْمَاءُ اَلطُّهْرِ مَعَانِيهَا *** طَالَتْ عِرْفَانَ اَلْحُكَمَاءِ

هِيَ نُورٌ نُبُوِّيُّ صِيغَتْ *** فِي بَدْءِ زَمَانِ اَلْإِنْشَاءِ

ص: 182


1- (*)هو الشيخ عبد الستار بن جليل بن كرم بن راهي البديري الكاظمي ولد في مدينة الكاظمية سنة (1372) الموافق (1953) م في وسط حافل بالعلماء و الأدباء و المواكب الحسينية من أسرة حسينية معروفة بالشعر والأدب. نشأ منذ صغره متشوّقاً لطلب العلم و الفضيلة و كانت بداية دراسته في مدارس الكاظمية الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن نال شهادة الماجستير في الأدب العربي و التحق بأستاذه الحافظ الأديب صفاء الشلبي و لازمه عامة واحداً و درس عنده النحو و فنون الأدب العربي و درس عند الشيخ الغراوي حتي هاجر إلي سورية سنة (1980 م) و بقي فيها إلي سنة (1982 م)، ثم سافر إلي قم المقدسة لينهل من كبار الأساتذة دروس الفقه و الأصول و التفسير، كما أنه درس في الحوزة بعض العلوم مثل المنطق و النحو و الصرف و البلاغة. و للمترجم باع طويل في مجال المنبر الحسيني الشريف، إذ إنه خطيب بارع ومنطيق فذّ له يرقي المنبر بكل جدارة في المناسبات الدينيّة. أحبّ الشعر و شغف به و ابتدأ بقرض الشعر سنة (1973) م علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة و عُرِف في نظمه بكتابة القصيدة العمودية و قد أنتجت قريحته الخصبة ديواناً بإسم (حديث القافية) في جزأين و هما في طريقهما إلي الطبع. و مما يذكر أنه أيضاً ينظم الشعر (النبطي) الشعبي الدارج و هو من الشعراء المطبوعين في اللغة الفصحي و أغالب نظمه في أهل البيت «عليهم السلام».

فَالْإِنْسِيَّةُ فِي مَوْلِدِهَا *** حَوْرَاءُ جِنَانٍ خَضْرَاءِ(1)

أُمُّ أَبِيهَا شَمْسُ هُدَاهَا *** تُشْرِقُ مِن بُرْجِ الْعَلْيَاءِ

فِي مَكَّةَ مِن نُورٍ وُلِدتْ *** زَهْراءٌ أَيَّةُ زَهراءِ(2)

شَرَّفْتِ اَلدُّنْيَا فِي مَجْدٍ *** أُحْيِي دَائِرَةَ اَلْأَحْيَاءِ

أُولاَهَا ذُو اَلْعِزَّةِ قَدْراً *** يَتَسَامَي فِي طِيبِ نَقَاءِ(3)

بَقِيَتْ فِي مَعْنَاهَا فَرْداً *** قُرْآنِياً فِي اَلْآلاَءِ(4)

جَوْهَرَةُ الْأَسْمَاءِ الْحَسَنِي *** فِيها أَسْرارُ الْأَسْمَاءِ

وَ عَلَيْهَا يَا رَبِّ صَلِّ *** فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ

ص: 183


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي كون الزهراء سلام الله عليها حوراء إنسية. راجع كتاب أمالي الصدوق مجلس 24 ص 100 و في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج 12، ص 331 قال: عن ابن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابنتي فاطمة حوراء عليها السلام آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سماها فاطمة عليها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار و في البحار، ج 43، ص 4، قال : نقلاً عن أمالي الصدوق و عيون أخبار الرضا عن الرضا عليه السلام قال : قال النبي عليه السلام، لما عرج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلي الأرض و اقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلي رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي نور ولادة الزهراء. راجع كتاب مشارق الأنوار ص 85 و البحار، ج 16، ص 81 و عوالم العلوم، ج 1، ص 58 - 59.
3- أولاها: جعلها و إلية عليه.
4- الآلاء: النعم.

(27) القرار الظالم... و الدفاع البطولي الفذ

اشارة

(بحر الرمل)

الأستاذ عبد العباس الأسدي(*)(1)

الرواية

روي عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه، أنه لما أجمع أبوبكر

ص: 184


1- (*) هو الأستاذ عبد العباس مصطفي محمد علي الأسدي الكربلائي ولد سنة 1954 م في كربلاء المقدسة. أكمل دراسته الأكاديمية و أنهي المراحل الابتدائية و المتوسطة و الثانوية في كربلاء المقدسة. و هاجر إلي إيران عام 1981 م و سكن مدينة قم المقدسة و ابتدأ الدراسة الحوزوية فيها و تتلمذ مراحل المقدمات علي الأساتذة الكرام: آية الله السيد محمد رضا الشيرازي و آية الله السيد أحمد الخاتمي و حجة الإسلام والمسلمين العلامة الخطيب السيد محمد باقر الغالي و المرحوم آية الله السيد محمد كاظم المدرسي و العلامة الحجة السيد عباس المدرسي و قد حضر بحوث سماحة آية الله العظمي السيد محمد الشيرازي (قدس سره) و آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي (حفظه الله) و عمل في مجال التحقيق في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام و التدريس مدرسة الباقر و الصادق عليه السلام و قد درس المقدمات و التجويد و فن الخط العربي. أحب الشعر و مارس نظم الشعر في مختلف الأصعدة و قد ألف ديوان شعر باسم ديوان الأسدي و هو يتضمن ثلاثة أنواع من الفنون الشعرية، الشعر الفصيح و الحر و الدارج و له كتاب آخر قد طبع باسم ملحمة الزهراء و هو عبارة عن ثلاثة فصول الأول حول الرسالة و الخلافة و الثاني حول فدك و الثالث هو عبارة عن ترجمة شعرية لخطب فاطمة الزهراء عليها السلام. و له مؤلفات أخري لم يتم طبعها حتي الآن ترجمة الثورة الحسينية بالشعر الدارج و تخميس كتاب الأنوار القدسية للعلامة الشيخ محمد حسين الأصفهاني . و هو الآن لا يزال مستمر في نظمه للشعر ومواكبة مع الشعراء.

علي منع فاطمة فدك و بلغها ذلك:

رُوِيتْ مَسْنُودَةً دُونَ خَطَاءِ *** عَنْ كَرِيمٍ مِنْ سَلِيلٍ الْكُرمَاءِ

هُوَ «عِبْداللَّهِ وَ اِبْنُ اَلْحَسَنِ» *** نَسَبٌ كَالشَّمْسِ مِن دُونِ خَفَاءِ

قَدْ رُوِيَ: مُسْتَنِداً عَنْ فِدَاكٍ *** قِصَّةَ اَلْغَدْرِ وَ آثَارَ اَلْجَفَاءِ

سَانِداً ذَاكَ اِلي آبَائِهِ *** وَ هُمْ فِي النَّقْلِ نِعَمَ الْأُمَنَاءِ

إِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ «الصَّديقُ» فِي *** أَمْرِهِ مَنْعُ اَلْبَتُولِ مِنْ حِبَاءِ

فَدَكِ أَرْضٌ حَبَاهَا سَيِّدٌ *** بِنْتِهِ اَلزَّهْرَاءَ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ

نَفْلَةٌ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً *** وَ هُوَ عِنْدَاللَّهِ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

أَبْلِغُوا فَاطِمَةَ فِي مَنْعِهَا *** فَدَكاً مِنْ دُونِ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ

الزهراء عليها السلام تخرج للدفاع عن حقّها

لاثت خمارها علي رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخترم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. حتّي دخل علي أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم.

عِنْدَهَا لاثَتْ خِمَاراً وَسَعَتْ *** فِي اشتمال زانَها ثَوْبُ النَّقاءِ

أَقْبَلَتْ فِي لُمَةٍ قَدْ ضَمَّهَا *** خَيْرُ أحفادٍ وَ مِن خَيْرِ النِّسَاءِ

سَتَرَتْ نَفْساً وَ أَبْدَتْ عِفَّةً *** تَطَأُ الْأَدْيَالُ صَوْتاً لِلْحَيَاءِ

لَايَجِدُهَا طَاعِنٌ فِي مَشْيَةٍ *** دُونَ أَنْ يَصْدِرَ عَهْداً بالبراءِ

مِشيَةٌ مَا تَخْتَرِمْ كَيْفِيَّةً *** عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ مِنْ دُونِ اِقْتِفَاءِ

دَخَلَتْ حتي تَدَانَتْ فَاطِمٌ *** مِنْ «أَبِي بَكْرٍ» بَعْزَّ وَ إِبَاءِ

وَ هُوَ قَدْ كَانَ بِحَشَدٍ هَاجَرُوا *** وَ بِهِمْ مَنْ نَاصِرُوا دِينِ اَلسَّمَاءِ

دخولها علي أبي بكر

فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثمَّ أنَّت أَنَّةً أجهش القوم بالبُكاء،

ص: 185


1- نفلة: عطيّة.

فارتجَّ المجلس، ثمَّ أمهلت هنيئة، حتي إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم. إفتتحت الكلام بحمد الله و الثّناء عليه،

فَأُنِيطَتْ دُونَ بِنْتِ اَلْمُصْطَفِي *** بِمُلاَءَاتٍ أحالَتْ عَنْ تَرَاءِ

جَلَسْتْ هَوْناً... وَ أَنَّتْ أَنَّةً *** أَجْهَشَ اَلْقَوْمُ جَمِيعاً بِالْبُكَاءِ

وَ لَهَا اِرْتَجَّتْ زاوياً مَجْلِس *** كَادَ مِنْهَا يَنْطوِي صَرْحُ اَلْبِنَاءِ

أَمْهَلَتْ أُمُّ أَبِيهَا لَحْظَةً *** لِتُقِرَّ اَلنَّاسَ فِي حِينِ اِسْتِوَاءِ

سَكَنَ اَلْقَوْمُ وَ مِنْ أنشجةٍ *** تَرَكَتْ فِي اَلْقَلْبِ آثَارَ اَلْعَياءِ

هَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ مِنْ مُعْضِلٍ *** وَ كَأَنَّ اَلنَّارَ رَشَّتْهَا بِمَاءِ

بَدَأَتْ فَاطِمَةُ فِي قَوْلِهَا *** تَحْمِدُالِلَّهَ وَ تُضْفِي بِالثَّنَاءِ

الحمد و الثناء

و الصلاة علي رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلمَّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليه السلام: الحمدلِلَّهِ علي ما أَنعم و له الشكر علي ما ألهَمَ و الثّناء بما قدَّم، من عموم نعمٍ ابتدأها و سبوغ آلآءٍ أسداها.

ثُمَّ صَلَّتْ بَعْدَهَا ذَاكِرَةً *** خَيْرَ مَبْعُوثٍ، رَسُولَ الْأُمَنَاءِ

فَإذَا اَلْقَوْمُ أَعَادُوا فِي اَلْبُكَا... *** بَعْدَ أن فَلَّ بِهِمْ عَزْمُ اَلرُّغَاءِ

أَمْسكُوا... عَادَتْ وَ فِي خُطْبَتِهَا *** هِيَ قَدْ قَالَتْ وَ هَمَّتْ فِي دهَاءِ

نِعَمٌ... أَحْمَدُ رَبِّي وَ لَهُ الشُّكرُ *** عَلَي الهامِهِ مِلْءَ الجَواءِ

و با قَدَّمَ رَبِّي أَسَدِهِ *** لِعُمُومِ نِعَمٍ حَمْدَ اَلرَّجَاءِ

نِعَمٌ رَبِّي ابْتَداهَا رَحْمَةً *** مِنْهُ لِي دائِمَةً مُنْذُ ابْتِدَاءِ

وَلَالَاءٍ أَتَتْ سَابِغَةٌ *** رَبِّي أَسْدَاهَا وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

و تمام مننٍ والاها، جمَّ عن الإحصاء عددها و نأي عن الجزاء أمدها و تفاوتَ عن الإدراك أبدها و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتِّصالها،

مِنَنٌ تَتْري وَ رَبِّي رَبُّها *** هُوَ قَدْ تَمَّمَها لِي بِالْعَطاءِ

مِنَنٌ تَكْثُرُ فِي إِحْصَائِهَا *** عَدَدَ اَلْأَرْقَامِ مِنْ دُونِ اِحْتِوَاءِ

ص: 186

مِنَنٌ نَائِيةٌ حَتِّي غَدَتْ *** هِيَ فِي اَلْآمَادِ تَنْأَي عَنْ جَزَاءِ

مِنَنٌ مَاحِضَةٌ فِي غَوْرِهَا *** لَيْسَ تُدْرِكُهَا أَسَارِيرُ الذَّكَاءِ

مِنَنٌ بِالشُّكْرِ تَنْمُو سَعَةً *** وَ هِيَ تَزْدَادُ نَمَاءً فِي اَلْأَدَاءِ

نَدَبَ اَللَّهُ لَهَا مَنْ يَبْتَغِي *** وَ ارْفَ الْخَيْرِ وَ مِدْرارَ النَّماءِ

أَنْ يُؤَدِّيَ اَلشُّكْرَ إِذْ فِي شُكْرِهِ *** سَيَزِيدُ اَللَّهُ مِنْ النَّعماءِ

عرفانها

و اسْتحمد إلي الخلائق بإجزالها و ثني بالنّدب إلي أمْثالها و أشهد أنّ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وحده لا شريك له. كلمةٌ جعل الإخلاص تأويلها و ضمَّن القلوب موصولها. و أنار في التفكير معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته،

وَ هُوَ اَللَّهُ الَّذِي أَسْتَحْمَدَهَا *** فِي ضَمِيرِ الْخَلْقِ مَؤْفُورَ الْإِتَاءِ

وَ ثَن بِالنَّدْبِ فِي أَمْثَالِهَا *** لِيَكُونَ اَلْخَيْرُ مِنْهُمْ فِي حِذَاءِ

ثُمَّ قَالَتْ فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا: *** «كَلِمَةُ التَّوْحيدِ» تَجْسِيدُ اَلرِّفَاءِ(1)

جَعَلَ اَلْإِخْلاَصَ فِي تَأْوِيلِهَا *** مَنْ لَهُ اَلْأَمْرُ و آثَارُ اَلْقَضَاءِ

ضَمَّنَ اَلْقَلْبَ وَ مِنْ مَوْصُولَهَا *** وَحَّدُوهُ وَ اسْتَلانُوا لِلرِّضَاءِ

وَ أَنَارَ اَلْفِكْرَ فِي مَعْقُولِها *** وَ لَهُ دَانَ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ

وَ هُوَ الْمُمْتَنِعُ عَنْ رَوِيَّةٍ *** تَعْجِزُ اَلْأَبْصَارُ إِدْرَاكَ اَلسَّنَاءِ

ومن الألسُنِ صفته و من الأوهام كيفيتّه، إبتدع الأشياء لا من شيءِ كان قبلها و أنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ إمتثلها، كونها بقدرته و ذرأها بمشيَّتِهِ ، من غير حاجةٍ منه إلي تكوينها و لا فائدةٍ في تصويرها، وَ أَكَلَ اللَّهُ عَنْ أَوْصافِهِ *** أَلْسُنَ الْخُلُقِ وَ أَوْتارَ الْحَوَّاءِ

وَ مِنَ الْأَوْهَامِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ *** قَدْ تَعَالَي... فَهُوَ فَرْدٌ فِي الْعَلاءِ

ص: 187


1- الرفاء: الصلاح.

أَبْدَعَ اَلْأَشْيَاءَ مِنْ شَكْلَةٍ *** هِيَ كَانَتْ قَبْلَهَا مُنْذُ إبتداءِ

وَ بلاَ أَمْثِلَةٍ أَنْشَأَهَا *** جَلَّ أَنْ يَحْتَاجَهَا فِي الإحتذاءِ

كَوَّنَ الْأَشْياءَ فِي قُدْرَتِهِ *** ذَرَأَ الْأَشْيَاءَ مِنْ دُونِ اقْتِدَاءِ

خَلَقَ اَلْأَشْيَاءَ إِذْ شَاءَ فَلاَ *** حَاجَةٌ مِنْهُ إِلَيْهَا فِي اَلْبَدَاءِ

وَ بِلاَ فَائِدَةٍ صُوَّرَهَا *** فَهْيَ لاَ تُغْنِيهِ شَيْئاً فِي ثَرَاءِ

إلاَّ تثبيتاً لحكمته و تنبيهاً علي طاعته و إظهاراً لقدرته و تعبداً لبرّيته و إعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثّواب علي طاعته،

دُونَ أَنْ يُثْبِتَ فِي حِكْمَتِهِ *** سُنَنَ اَلْخَلْقِ لِفَهْمِ الْحُكَمَاءِ

وَ لِتَنْبِيهٍ عَلَيَّ طاعَتَهٍ *** أَلْهَمَ الأَحْياءَ مَيْسُوءرَ اَلرِّضَاءِ

وَ أَبَانَ وَ هُوَ فِي قُدْرَتِهِ *** لِذَوِي الْأَلْبابِ مَنْظُومَ الرَّقَاءِ

وَ الْبَرَايَا رَامَ أَنْ يَأْتِينَهُ *** عَابِدَاتٍ دُونَ شَكِّ أَوْ رِثَاءِ(1)

وَ لِإِعْزَازٍ لِمَا أَلْهَمَهُمْ *** لدعاويهِ هَداهُمْ فِي الدُّعاءِ

وَ أَعَزَّ اَلْخَلْقِ فِي دَعْوَتِهِ *** وَ بِهَا اَلْإِعْزَازُ رَاسٍ بِالْحَوَّاءِ

جَلَّ اَللَّهُ ثَوَابَ خَلْقِهِ *** إِنْ أَطَاعُوهُ عَلَيَّ قَدرَ الْوَلاءِ

و وضع العقاب علي معصيته، زيادة لعباده من نقمته و حياشةً لهم إلي جنَّتِهِ و أشهد أنَّ أبي (محمداً صلي الله عليه و آله و سلم) عبده و رسوله، إختاره وانْتجبه قبل أن إجتبله و اصْطفاهُ قبل أن ابْتعثه،

وَ لِمَنْ يَعْصِيهِ مِنْهُمْ نَارُهُ *** كعِقَاب مَوْضِعِ يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

سَنَّهَا صَوْناً وَ ذُوداً لَهُمَا *** مِنْ نَقَّامٍ طَائِلاَتٍ لِلرِّعَاءِ(2)

وَ حِيَاشَاتٍ لَهُمْ فِي رَحْمَةٍ *** لِجنَانٍ وَاسِعَاتٍ فِي الرَّهاءِ

وَ أَنَا أَشْهَدُ مِنْ أَنَّ أَبِيْ *** أَحْمَدُ اَلنَّاسِ نَبِيُّ الصُّلَحَاءِ

هُوَ عَبْدٌ وَ رُسُولٌ لِلَّذِي *** خَلَقَ الْأَكْوَانَ مِنْ غَيْرِ عَنَاءِ

ص: 188


1- رثاءِ: الرياءو هو الكذب.
2- الرِّعاء: الرعية و هي عامة الناس.

وَ هُوَ أَخْتَارَ أَبِي مِنْ قَبْلِ أَنْ *** فِي اَلْجَبَلاَّتِ يُوَازَي بِانْتِفَاءِ

وَ اِصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ *** أَوْ يُسَاوِيهِ نَبِيٌ فِي اِصْطِفَاءِ

إذ الخلائق بالغيب مكنونة و بستر الأهاويل مصونة و بنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالي بمآئل الأمور و إحاطة بحوادث الدهور و معرفة بمواقع المقدور،

وَ إِذَا اَلنَّاسُ وَ مَا خُلِقُوا *** بِالْمَغِيبَاتِ كُنُونٌ فِي الْخَوَاءِ

وَ بِسِتْرٍ مِنْ أَهَاوِيلِ الْقَنَا ***كَانَ فِيهِ الصَّوْنُ مِنْ حُكْمٍ الْفَنَاءِ

وَ هِيَ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً *** بِنِهَايَاتِ عُدُومٍ فِي خَفَاءِ

وَ لَعِلْمِ اَللَّهِ فِي مَائِلٍ *** لِأُمُورِ اَلْخَلْقِ أُنْدِي فِي اَلرَّخَاءِ

وَ هُوَ الْقَائِمُ فِي إِحَاطَةٍ *** لَيْسَ أَحْدَاثٌ سَتَبْقِي فِي الْخَفاءِ

أَبَدَ اَلدَّهْرِ سِنّاً مَعْرِفَةٍ *** مِنْهُ يَحْوِي مَا بِلِيلٍ وَ ضِحَاءِ

أَوْ بِأَزْمَّانِ أُمُورٍ صَرْفَةٍ *** قَدْ قَضَاهَا قَبْلُ فِي مَحْضِ اَلْقَضَاءِ

البعثة و أسبابها

ابتعثهُ الله إتماماً لأمره و عزيمةً علي إمضاء حكمه و إنفاذاً لمقادير حتمه، فرأي الأمم فِرقاً في أديانها،

بَعَثَ اَللَّهُ أَبِي فِي دَعْوَةٍ *** وَ بِهِ إِتْمَامُ أَمْرِ السُّفَرَاءِ

وَ أَتَتْ مِنْهُ بِهِ عَزِيمَةٌ *** لِقَضَاءٍ هُوَ إِمْضَاءُ اَلْمَضَاءِ

وَ بِهَا أَمْضِي مَبَانِي حُكْمِهِ *** وَ بَدَتْ شَاخِصَةً لِلْحُكَمَاءِ

وَ لِإِنْفَاذِ اَلْمَقَادِيرِ اَلَّتِي *** هُوَ قَدْ حَتَّمَهَا حَتْمَ الْفَنَاءِ

أَرْسَلَ اَللَّهُ أَبِي «مُحَمَّداً» *** وَ بِهِ ثَارَ عُقُولَ اَلْأَذْكِيَاءِ

حِينَ كَانَ اَلنَّاسُ فِي أَدْيَانِهِمْ *** فِرَقاً يَشْكُّونَ أَمْرَاضَ الْخَوَاءِ

قَدْ رَآهُمْ أُمَماً عَاكِفَةً *** سَبَرُوا فِي اَلغَيِّ أَقْصي اَلْهَدَوَاءِ

عكَّفاً علي نيرانها و عابدة لأوثانها، منكرة اللَّه مع عرفانها، فأنار اللَّهُ

ص: 189

بمحمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم ظلمها و كشف عن القلوب بهمها و جلي عن الأبصار غممها،

حَيْثُ كَانُوا عُكَّفاً مِن جَهْلِهِمْ *** حَوْلَ أصْنامٍ ومِيقَادِ الصَّلاءِ(1)

أنْكَرُوا اللَّهَ عَلَي مَعْرِفَةٍ *** فَهُوَ فِي إِحجِيَةٍ بَرْقُ اَلْجَلاَءِ

قَدْ تَجَلَّي اَللَّهُ فِي إدراكهمْ *** إِنَّهُ اَلْوَاهِبُ أَنْفَاسَ اَلسَّدَاءِ

فَأَنَارَ اَللَّهُ فِيهِمْ «بِأَبِي» *** ظُلَمَ الشَّرْكِ ضُرَّ الْعَمْيَاءِ

كَشَفَ اَللَّهُ «بفَضْلٍ» بُهَمَاً *** عَنْ قُلُوبٍ مشْقلاتٍ بِالْبَلاَءِ

وَ جَلَي اَللَّهُ عَنِ اَلْأَبْصَارِ فِي *** أُمَم تَاهَتْ بِمَسْتُورِ الْعَيَاءِ

غُمْماً كَانَتْ بِهَا حَائِرَةً *** أُمَمٌ فِي ثِقلِ جَهْلٍ و ضَرَاءِ

حديثها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم... دعوته و وفاته

و قام في النَّاس بالهداية و بصَّرهم من العماية و هداهم إلي الدَّين القويم و دعاهم إلي الصراط المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة،

و «أَبِي» قَامَ بِجِدِّ هَادِيَّاً *** يَرْشُدُ النَّاسَ لِأسْبَابِ اَلشِّفَاءِ

و لَقَدْ أَنْقَذَهُمْ مِن هُوَّةٍ *** لِلغَوَاياتِ بِها حَرَّ الطِّلاءِ

وَ بِنُورِ الِلِّهِ قَد بَصَّرَهُمْ *** مِن عَمَّيَّاتٍ... لمِشْكاةِ الضِّياءِ

و هَدَاهُمْ لِطَرِيقٍ وَاضِحٍ *** يَسْعَدُ النَّاسُ بِدِينٍ لِلسَّمَاءِ

وَ دَّعَاهُمْ لِسَبِيلٍ قَيِّمٍ *** لَيْسَ فيهِ ضَرَرٌ لِلعُقَفَاءِ(2)

ثُمَّ إنَّ اللَّهَ مِنْ رَأْفِتهِ *** وَ اخْتِيَارٍ مِنْهُ فَاضٍ بِالرِّباءِ(3)

قَبَضَ اَللَّهُ «أَبِي» فَاخْتَارَهُ *** رَأْفَةً فِيهِ إِلَي أَعْلَي اَلْعَلاَءِ

و اختيار و رغبة و إيثار

فمحمَّدٌ صلي الله عليه و آله و سلم من تعب هذه الدَّار في راحة، قد حفّ بالملائكة الأبرار و رضوان الرِّبِّ الغفّار و مجاورة الملكِ الجبِّار،

ص: 190


1- الصلاء: من الصلي و هو الإدخال في النار.
2- العقفاء: من التعقيف و هو التعويج.
3- الرباء: من التربية.

دُونَ سَخَطٍ مِنْهُ أَو عَنْ غَضَبٍ *** بَلْ بِإِيثَارٍ و شَوْقٍ لِلِقَاءِ

«فَأبِي» مِن تَعَبِ الدُّنْيَا سَلا *** فَهُوَ فِي رَاحَةِ صَفْوٍ و َهْنَاءِ

و هُوَ قَدْ حُفَّ بِأمْلَهِك السَّمَا *** و هُمُ الْأَبْرَارُ حَقّاً... فِي اَلْخَلاَءِ

قَدْ عَلاَ «اَلرُّوْحُ» بِرُوحٍ طَاهِرٍ *** حُفَّ بِالرِّضْوانِ مِن رَبِّ السَّمَاءِ

وَ هُوَ الغَفَّارُ وَ الجَبَّارُ لا *** مَلِكٌ إِلاَّهُ فِي حُكْمِ اَلسَّوَاءِ

«فَأبِي» فِي حِفْظٍ رَبِّ مَاجِدٍ *** فِي ثَوَابٍ رَاتعٍ بَيْنَ الْوِضَاءِ

صَلَّي اللَّهُ علي أبي، نَبِيّهِ وَ أَمينِهِ عَلَي الوَحيِ وَ صَفيِّهِ وَ خِيَرَتُهُ مِن الخَلقِ وَ رَضِيِّهُ و السَّلامُ عَلَيهِ و رَحمَةُ اللَّهِ و َبَرَكاتُهُ

ثُمَّ صَلَّتْ «فاطِمُ» قائِلَةً: *** صَلَوَاتُ الَّه حَاطَتْ بِالْهَوَاءِ

خَصَّهَا اَللَّهُ عَلَي رُوحِ أَبِي *** بَعْدَ أَنْ صَلَّي عَلَيْهِ فِي ثَنَاءِ

فَأَبِي كَانَ نَبْيّاً صَادِقَاً *** وَ أَمِينَ اللَّهِ فِي وَحْيِ اَلسَّمَاءِ

وَصَفِيَّ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ و قَد *** خَصَّهُ خِيَرَتُهُ فِي الإرتْضَاءِ

و سَلامُ اللَّهِ يَبْقَي أَبَداً *** «لِأَبِي» فِي كُلِّ صُبْحٍ و مَساءٍ

وَ عَلَيْهِ رَحَمَاتُ اللَّهِ قَدْ *** نَزَلَتْ لَيْلاً و سَادَتْ لِلضَّحَاءِ

وَ حُوتُهُ بَرَكَاتُ اَللَّهِ فِي *** عَيْشِهِ وَ اَلمؤتَ تَتْرَي للْنَهَاءِ

خطابها بالحضور وإشعارهم بالمسؤولية

ثمَّ التفتتْ إلي أهل المجلس و قالت: أنتم -عباد الله- نصب أمره و نهيه و حملة دينه و وحيِهِ،

ثُمَّ قَرَّتْ فَاطِمٌ و الْتَفَتَتْ *** ثُمَّ قَالَتْ لِجُمُوعِ الجُلَساءِ

أَنْتُمْ كُنْتُمْ «عِبَادَ اَللَّهِ» قَدْ *** خَصَّكُم لِلدِّينِ فِي حُكْمِ اَلْفَلاَءِ(1)

نَضَبُ أَمْرِ اللَّهُ مَنْصُوبُونَ فِي *** مِثْلِ هَذَا الْحَالِ رُوَّادَ الإِبَاءِ

و النَّوَاهِي مِنْهُ فِي أغْناقِكُم *** حَيثُ كَتَنُم في حُضُورٍ وَ ثَراءِ

ص: 191


1- الفلاء: من الفلاة، و هي الصحراء القفر التي ليس فيها ماء.

أَنْتُمْ شَاهَدْتُّمُ أَحْكَامَكُم *** فِي نُزُولِ اَلْوَحْيِ مِنْ رَبِّ السَّماءِ

وَحَمَلْتُمْ حُكْمَ دِينِ اَللَّهِ فِي *** سُورِ اَلْقُرْآنِ مِنْ حِينِ اَلنِّدَاءِ

حِينَمَا «جِبْرِيلُ» قَدْ أوحي بِهَا *** «لِأَبِي» أَؤْرَدَكُمْ عَذْبَ اَلرَّوَاءِ

و أمناء الله علي أنفسكم و بلغاؤه إلي الأمم، زعيم حقّ له فيكم، و عهدٌ قدّمه إليكم و بقيّة استخلفها عليكم،

أُمَنَاءُ اَللَّهِ فِي أَحْكَامِه *** كَيْ تُؤَدُّوهَا لِأَيْدِي اَلْأُمَنَاءِ

بَلاَءُ اَلدِّينِ اَللَّنَاسِ بِمَا *** هَوَحَقِّ وَ ائْتِمانٌ لِلإِدَاءِ

أَنتُمْ عاصرْتُمْ اَلْهَادِي اَلَّذِي *** هُوَ قَدْ أَلْزَمُكُمْ عَهْدَ اَلْوَفَاءِ

تَارِكاً فِيكُمْ إِلَيْكُمْ خَلَفاً *** مِثلَمَاخَلَّفَ كُلُّ الأنْبِيَاءِ

و عَلِيِّ كانَ مَعهُوداً لَهُ *** فِيكُمْ إِمْرَةُحَقِّ اَلْأَوْصِيَاءِ

وَ هوعَهْدٌ كانَ قَدْ قَدَّمُه*** لَكُمْ مَنْ كَانَ مَعْهُودَ الْهَنَاءِ

و هَواستخْلَّفَ فِيكُم ثِقَلَهُ *** مَن بِهِم تُحْكُمُ آياتُ الوَلاءِ

حديثها عن القرآن

كتاب الله الناطق و القرآن الصادق و النور الساطع و الضياءاللَّامع، بيَّنةٌ بصائرهُ، منكشفةٌ سرائره، متجلِّيةٌ ظاهره، مغتبطٌ به أشياعه.

«آلُ بَيْتِ اَلْمُصَطَّفي» مِنْ ثِقَلِهِ *** وَ «كتابِ اللَّهِ» مِن ثِقَلِ السَّمَاءِ

و هَوالنَاطِقُ و الصَّادِقُ لَمْ *** يُخَفَ نُؤْرٌ فيهِ أو نَفعُ الضِّواءِ

وَ هُوَ الضَوءُّ المُضِيءُكُلَّمَا *** ظُلَمْةٌ حَلَّتْ غَزَاهَا بِالضِّياءِ

فِيهِ لِلنَّاسِ بَدَتْ بَيْنَةٌ *** حُجَجُ اَللَّهِ بَصِيرَاتُ اَلْقَضَاءِ

وَ بِهِ اَلْأَسْرَارِمُهُمَا خَفِيتْ ***كَشْفَ اَلرَّبُّ بِهِ سِرَّ الخَفاءِ

وَ لِقَدْجَلَّي بِهِ ظَاهِرُهُ *** و بِه قَدْصِيبَ نَفَعٌ بِالْجَلاءِ

وَ بِه مُغتَبِطٌ أشياعُهُ *** وَبه نالُوا سَعَاداتِ الرِّضاءِ

قائدٌ إلي الرضوان اتّباعه، مؤدِّ إلي النجاة استماعه، به تنال حججُ

ص: 192

اللَّهِ المنوَّرة و عزائمه المفسَّرة و محارمه المحذَّرة و بيِّناته الجالية و فضائله المندوبة،

وَإِلَي «الرِّضْوَانِ» فِي اتِّبَاعِهِ *** قَائِدٌ أَتِبَاعَهِ نَحْوَ الْوِقَاءِ

ومُؤَدِّ لَنَجَاةٍ آكِدٍ*** مِن صَغّي لِلذَّكْرَ، فِي يَومِ الجَزاءِ

و تَنَالُ حُجَجُ اللَّهِ بِهِ *** و بِهَا الأَنْوَارُ شَئِعَتْ في ضَوَاءِ

وَ بِهِ مَا فَرَضَ اَللَّهُ بَدَا *** مِنْ فَرِيضَاتٍ بها عَزْمُ اَلسَّوَاءِ

وَ بِهِ مَاحَرَّمَ اَللَّهُ وَ قَدْ *** حَذَّرَ اَلنَّاسَ بِمَا بَعدَ الفَناءِ

بَيِّناتٌ قدْ بِدَتْ جَالِبَةً *** لِذَوِي الأَفْهَامِ مِن غَيْرِ كِفَاءِ

وَ فَضِيْلَتُ بِهِ مَندُوبَةٌ *** تاقَهَا مَن آثَرُوا دِينَ اَلسَّمَاءِ

ذكرها لعلل الأحكام و فلسفتها

و رُخصة الموهوبة و شرائعه المكْتوبة، فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشِّرك و الصّلاة تنزيهاً لكم من الكبر و الزكاة تزكية اللنَّفس و نماءً في الرزق و الصيام تثبيتاً للإخلاص،

رُخَصٌ فيهِ أَتتْ مَؤهُوبَةً **** مِن كَرِيمٍ داحِضٍ ثِقْلِ الْعَنَاءِ

وَ بِهِ ماشَرَّعَ الرَّبُّ زَهَا *** وَغَدَا مَكْتُوبِ حُكْمُ اَلرَّجَاءِ

جَعَلَ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيرَاً لَكُمْ *** مِنْ و بَالِ اَلشِّرْكِ فِي هَذَا اَلْوَلاَءِ

وَ صَلاَةً جَعَلَ اَلتَّنْزِيهَ مَنْ ***كِبَرٍ فِيهَا أَمَاناً مِنْ بَلاَءِ

وَ زَكاةً هِي لِلنَّفْسِ غَدَتْ *** لَكُمْ مِنْ كِبَرٍ خَيْرَ اَلشِّفَاءِ

وَ صِيَاماً جَعَلَ اَللَّهُ بِهِ *** عَمَدَ اَلْإِخْلاَصِ رَاسٍ فِي اِسْتِوَاءِ

وَ حَجَّ تَشْيِيدَاً لِلدِّينِ تَنْسيقاً للَّقلوبِ وإِطَاعَتَنَا نِظَاماً للمِلَةِ وإِمامَتَنا أَمَاناً لِلْفُرْقَةِ واجْلِهَادِ عِزّاً لِلإِسْلامِ والصَّبْرَ مَعونَةً عَلَي اسْتِيجَابِ الأَجرِ

وأَدَاءَ الْحَجِّ تَشَيبُّداً بَدَا *** هو لِلذَّينِ بِه حِفْظُ اَلْإِخَاءِ

وَ لِتَنْسيقِ قُلُوبٍ فِضَّةٍ *** سُنَنُ الْعَدْلِ أَتَتْكُمْ لِلْإِدَاءِ

ص: 193

وَلْآلِ الْمُصْطَفَي الطَّاعَةُ قَدْ *** جُعِلَتْ مِنْهَا نِظَاماً لِلْوَلاَءِ

وَ أَمَاناً مِنْ تَنَامِيَّ فِرْقَةٍ *** إِصْطَفَي اَللَّهِ إِمَاماً لاِهْتِدَاءِ

فَلَهُمْ فِي النَّاسِ أَسْمِي طَاعَةٍ *** لِرَسُولٍ وَ إِمَامٍ فِي الْبَدَاءِ

وَ جِهَادُ الْكُفْرِ عِزّاً ظَاهِراً *** فِيهِ لِلْإِسْلامِ فِي نَهْجِ السَّماءِ

وَ لِمَن يُسَلِّمُ لِلَّهِ ومَنْ *** يَسْتَدِيمُ الصَّبْرَ فِي الْبَلاءِ

والأمر بالمعروف مصلحة للعامة و برّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد و القصاص حقناً للدماء و الوفاء بالنّذر تعريضاً للمغفرة.

جَعَلَ اَللَّهُ لَهُ مَعُونَةً *** هِيَ بِالْأَجْرِ تَفِي عِنْدَ اَلْعَطَاءِ

وَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمعروفِ فِي *** كُلِّ حَالٍ شادَ صَرْحاً للبنَاءِ

حَيْثُ فِيهِ لِلْعُمُومِ سَعَةٌ *** وَ بِهِ ملصحَةٌ لِلسُّعَداءِ

وَ لِبِرِّ الْوالِدَيْنِ وَ مَنَعَةٌ *** و رِقَايَاتٌ مِنَ اَلسُّخطِ اَلْمُضَاءِ

وَ لِمنْماةِ عَشِيرٍ عَدَداً *** صِلَةُ اَلْأَرْحَامِ سُنَّتْ لِلنَّمَاءِ

وَ لِأَحْكَامِ قِصَاصٍ حِكْمَةٌ *** ي جَاءَتْ حَاقِنَاتٍ لِلدِّمَاءِ

وَ وَفاءَ النَّذْرِ تَغْرِيضاً لِمَنْ *** يَطْلُبُ اَلْغُفْرَانَ مِنْ رَبِّ اَلسَّمَاءِ

و توفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة و ترك السرقة إيجا باًل للعفة و حرَّم الشَّركَ إخلَاصاً له بِالرُّبوبية، فاتّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ و لاتَموتنَّ إلا وَ أنتم مسلِمون.

وَ وَفَاءَ اَلْكَيْلِ وَ اَلْمِيزَانِ قَدْ *** جَاءَ تَغْيِيراً لِبَخْسٍ وَ رِمَاءِ(1)

وَ لِتَنْزِيهِ عَيْنُ اَلرِّجْسِ نَهَي *** عَنْ شَرَابِ اَلْخَمْرِ دَفْعاً لِلْعَيَاءِ

وَ اجْتِنَابِ القذفِ سِتْراً صَائِناً *** عَنْ لِعَانٍ و هِيَ صَوْناً لِلنِّسَاءِ

ص: 194


1- رماء: الربا.

وَ لِتَرْكِ اَلسَّرِقَةِ اِخْتَارَ لَهَا *** حِكْمَةَ اَلْإِيجَابِ فِي عَفِّ الروَاءِ

حَرِّمَ اَلشِّرْكَ لِإِخْلاَصٍ لَهُ *** بِالرُّبُوبِيَّةِ فِي آيِ اَلسَّمَاءِ

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ فِي *** كُلِّ حَالٍ؛ حَقَّ تَقْوَي فِي الْخَلَاءِ

إِرْتَضَي الْإِسْلامِ دِيناً لَكُمْ *** لاَتَمُوتُنَّ عَلَي غَيْرِ اهْتِدَاءِ

تذكرتها و إنذارها لهم

وَ أطيعوا الله فيما أمركم به و نهاكم عنه، فإنه إنّما يخشي الله من عباده العلماء.

وَ أَطِيعُوا اَللَّهَ فِيمَا جَاءَكُمْ *** فِيهِ مِنْ أَمْرٍ ونَهْيٍ فِي ارْتِضَاءِ

إِنمَايَخْشَاهُ عَبْدٌعالِمٌ *** نَاسِكٌ فِي كُلِّ شَأْنٍ بِاتِّقَاءِ

ص: 195

خطبتها عليها السلام في المسجد

إني فاطمة عليها السلام و أبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم

ثم قالت: أيها الناس! إعلموا إنِّي فاطمة عليها السلام! و أبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، أقول عوداً و بدءاً و لا أقول ما أقول غلطاً و لا أفعل ما أفعل شططاً(1)، لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم؛

ثُمَّ قَالَتْ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِعْلَمُوا *** إِنَّنِي فاطمةٌ قَوْلَ مَضَاءِ

وَ أَبِي الْهَادِي الْبَشِيرُ أحمَد *** أشْرَفُ الْخَلْقِ بِأَرْضٍ وَ فضَاءِ

وَ أَقُولُ فِيهِ عُوداً وَ إِذَا *** قُلْتُ كَانَ الْعُؤَدُ فِيهِ كَابْتِدَاءِ

لاَ أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً *** أَوْ بِفِعْلٍ شَطِّ مِني فِي ازدِهَاء

فَلِقَدْ جَاءَ رَسْؤُلٌ لَكُمُ *** هُوَمِنْ أَنْفُسَكُمْ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ

وَ عَلَيْهِ مَا غَنْتُّمْ عِزَّ فِي *** كُلِّ مَامِنِهُ أَتَاكُمْ مِنْ شَقَاءِ

حِرْصِهُ عَلَيكُم وَ لَكُم *** لِتَكُونُوا سادَةً في الإِرتِقَاءِ

ذكرها لأوصافه و تبليغه لرسالته

بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه(2) و تعرفوه تجدوه أبي دن نسائكم و أخا ابن عمَّي دون رجالكم و لنعم المَعزيُّ إليه صلي الله عليه و آله و سلم فبلَّغ بالرّسالة،

وَ رَؤُوفٌ وَ رَحِيمٌ كَانَ بِالا*** مُؤمِنينَ حاملاً وَحْيَ السَّمَاءِ

ص: 196


1- شططاً: شطط: القدر في كل شيء بدون زيادة.
2- تعزوه: تنسبوني إليه.

ذكرها لأوصافه و تبليغه لرسالته

إِنْسبُوهُ تَعْرِفُوهُ عِلْماً *** هو في كُلِّ عُلْوِّ وَ مَضَاءِ

تَجِدُوهُ فِي اَلْمَسَانِيدِ أَبِي *** نَسَبٌ لِي هُوَمِنْ دُونَ النِّسَاءِ

و لِقَذْكَانَ اخَاهُ لِلْمُرْتَضَي *** و هُوَ مِن دُونِ الرِّجَالِ فِي إِزَاءِ

«يَوْمَ آخاهُ» وَ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ ***كُفواً إلاَّهُ في يَوْمِ الإِخاءِ

و لنِعمَ العَبْدُ و الْمُغْرِيُّ لَهُ *** إِذْكَالشَّمْسِ نُورُ اَلْإِنْتِمَاءِ

فَرَسُولُ اَللَّهِ قَدْبَلَغَ مَا *** قُدْتَلَقَاهُ بِإِيحَاءِ اَلسَّمَاءِ

صادعاً بالنِّذارة(1)، مائلاً علي مَدرَجَة المشركين، ضارباً ثبجهم،(2) آخذاً بأكظامهم،(3) داعياً إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يكسر الأصنام و ينكتُ الهامَ، حتي انْهزمَ الجمع،

أَظْهُرِ الإِنْذَارَ والتَّخْوِيفَ فِي ***كُلِّ حَالٍ صَادِعاً دُونَ اخْتِفَاءِ(4)

مَائِلاً كَانَ عَلَي مُدْرَجَةٍ *** شادَهَا الشِّركُ بِظُلْمٍ و عَنَاءِ

ضَارِباً لِلْمُشْرِكِينَ ثَبَجَهُمْ *** آخِذاً مِنْهُمْ بِأَكْضَامٍ بِذَاءِ

دَاعِياً كَانَ أَبِي فِي حِكْمَةٍ *** لِسَبِيلِ رَبِّهِ دَغْوَي اِهْتِدَاءِ

وَ دَعَاهُمْ هُو فِي مُؤْعِظَةٍ ***حُسْنُهَا شَادَبِهَا حَتَّي اَلسَّمَاءِ

يَكْسِرُ الاِصِنَامَ كَسَراً مَا حِقاً *** يَنْكُتُ اَلْهَامَ وَ يُلْقِيهِمْ بِدَاءِ

فِي سَبِيلِ اَللَّهِ حَتِّي جَمَعَهُمْ *** هُزِمُوا قَهْراً وَ فِرُّواً مِنْ رَجَاءِ

ذكرها لإنجازاته

وولُّوا الدُّبر،(5) حتَّي تفرَّي(6) اللّيل عن صبحه و أسفر الحقّ عن

ص: 197


1- النذارة: من الإنذار، و هو الإبلاغ.
2- ثبجهم: (الثَبَج) بالفتحتين ما بين الكاهل إلي الظهر و ثبج كل شيء وسطه.
3- أكظامهم : أخذ بكظام الأمر: ملكه متوثقاً منه.
4- صادعاً: (الصدع) التكلم جهاراً.
5- و لَّوا الدّبر : إنهزموا في القتال.
6- تفرّي: إنشقَّ.

محضة(1) و نطق زعيم الدَّين و خرست شقاشق(2) شياطين، وطاح و شيظ(3) النفاق و انحلَّت عقد الكفر و الشقاق و فهتم بكلمة الإخلاص و نفر من البيض الخماص،(4)

وَ تَوَلَّوْا ثُمَّ وَلَّوْا دُبُرَهُمْ *** لَيْسَ تُؤْوِيهِمْ مَعَاقِيلُ اَلشَّقَاءِ

ذَاكَ حتي مُذْ تَفَرَّي اللَّيْلُ عَنْ *** صُبْحِهِ فَانْقَادَ كُرْهاً للضِّياءِ

أَسفَرَ الحَقُّ بِهِ عَنْ مَخْضِهِ *** وَ زَعِيمُ اَلدِّينِ يَنْطِقْ فِي سَوَاءِ

عِنْدَهَا قَدَ خْرَسَتْ شِقْشِقَةٌ *** وَ لَقَدْطَاحَ و شَيظٌ فِي عَنَاءِ

عَقْدَ الْكَفْرَبَهْ انْحَلَّتْ كَذَا *** مِنْ خِلافٍ و شِقَاقٍ وخَطَاءِ

و لَقَدَ فَهْتُمْ بِ- «لا» فِي أَلْسُنٍ *** كَلِمَةُ الإِخْلاَصِ فِيهَا كَالذَّكَاءِ

أَنْتُمْ كُنْتُمْ... وَ فِيكُمْ نَفِرٌ *** مِنْ خِمَاصِ النَّاسِ بِيضٌ مِن وَضَاء

ذكرها لحالتهم قبل البعثة

و كنتم علي شفا حفرة من النَّار، مذقة(5) الشَّارب و نهزه(6) الطامع و قبسة(7) العجلان و مؤطيءُ الأقدام، تشربون الطّرق(8) و تقتاتون القِدَّ(9) و الورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم النّاس من حولكم،

ومِنَ النَّارِ لَقَدْ كُنْتُم عَلَي *** شُرُفاتٍ مِن شَفَاها في إزاءِ

مُذْقَةُ الشَّارِبِ كُنتُم وَ لِمن *** طامِعٌ فِيكُم نَهيزاتُ الرَّهاءِ(10)

ص: 198


1- محضه: المحض، الخالص.
2- شقاشق: شقشقة: ضجة أو فتنة ثارت ثم هدأت.
3- و شيظ : الوشيظ: التابع.
4- الخماص: مفردها (خميص) و يقال خمص الجوع فلاناً: أضعفه و أدخل بطنه في جوفه.
5- مذقة: (المذقة) الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.
6- نهزة: فرصة.
7- قبسة العجلان: قبس النار قبساً: أوقدها و طلبها.
8- الطرق : بالفتح و(المطروق) ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
9- القد: (تقدّد) الشيء: تشقّق ويبس.
10- الرهاء : المكان الواسع المستوي.

فَبْسَةُ اَلْعَجْلاَنِ كُنْتُمْ وَ لِهمْ *** مُوْطِيءُ اَلْأَقْدَامِ أَصْبَحْتُمْ بِذَاءِ

تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ تَفْتَاتُونَ مِنْ *** قَدْ حَيَوَانٍ وَ أوذاقِ إِتَاءِ(1)

قَدْ ذُلِلْتُمْ وَ خَسِئْتُمْ بَعْدَ مَا *** فِي رِيَاضِ الْعِزِّ كُنْتُمْ فِي انْتِشَاءِ

وَ تَخَافُونَ اِخْتِطَافَ النَّاسِ اَنْ *** يَخْطِفُوا مِنْكَمْ حُقُوقاً فِي دَهَاءِ

لَيْسَ مَنْ يُرْجِعُ مَا ضَاعَ لَكُمْ *** وَ هُمْ لاَ يَرْهَبُونَ مِنْ جَزَاءِ

ذكرها لمعاناته

فأنقذكم الله تعالي بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم بعد اللّتيّا و الّتي،(2) بعد أن مُنِيَ بِبُهَم الرّجال، و ذؤبان العرب(3) و مردة أهل الكتاب، كلّما أو قدوا نَاراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرنُ الشّيطان،

بِأَبِي أَنْقُدَكُمْ رَبِّي وَ مِنْ *** بِهُدَاهُ اَلْخَلْقِ يَنْجُو بِاقْتِدَاءِ

ذَاكَ مِنْ بَعْدِ اللَّتَيَّا وَ اَلَّتِي *** بَعْدَ أَن كَانَ أَبِي فِي اَلْإِبْتِلاَءِ

قَدْ مُنِّي مِنْ بُهِم اَلنَّاسِ وَ مِنْ *** كُلِّ ذوبَانٍ قُرَيْشِ بِالْعَدَاءِ

وَ عُتَاةٍ مَرَّدٍ قَدْ أَجَّجُوا *** ضِدَّهُ اَلْحَرْبَ بِمَكْرٍ وَ جَفَاءِ

وَ هُمْ مِنْ أَهْلِ أَدْيَانٍ مَضَتْ *** مِنْ يَهُودٍ وَ نصارَي بُلْهَاءِ

كُلَّمَا قَدْ أَوْقَدُوا نَارَ اَلْوَغْي *** أَطْفَا اَللَّهُ لَهُمْ نَارَ اِهْتِدَاءِ

أَوْ إِذَا مَا نَجْمَ فِي أُفُقِكُمْ *** قَرْنُ شَيْطَانٍ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ

ذكرها لمواقف عليّ عليه السلام

أو فغرت فاغرةُ من المشركين، قذف أخاه في لهواتها،(4) فلا ينكفيء حتّي يطأ صماخها(5) بأخمص و يخمد لهيبها بسيفه، مكدوداً في ذات اللَّه،

ص: 199


1- إتاء: الريع والغلّة.
2- اللتيا و التّي: فلان يلت و يعجن: إذا كان ثرثاراً و يعيد فيما يقول. بهم: البهمة: الصخرة الصلدة الملساء.
3- ذؤبان: جمع ذئب.
4- لهواتها: (اللّهو) : يقال فلان لهو عن الخير: كثير اللّها عنه.
5- صماخها: (صمخه) صمخاً : أصاب صماخه، رأسه.

مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله.

أَوْ إِذَا مَا فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ *** لِقَوِيِّ اَلشِّرْكِ بِهَا مُكْمَنُ دَاءِ

قَذَفَ اَلْهَادِي أَخَاهُ حَاسِماً *** فِي لَهَاةِ اَلْحَرْبِ وَ اَلنَّارِ اَلصَّلاَءِ

أَبَداً لاَ يَنْكَفِيءُ حُتِّي يَطَأُ *** صَمْخَهَا بِالرَّجُلِ مِنْ دُونِ سَدَاءِ

وَ لَهِيبِ اَلْحَرْبِ قَدْ أَحْمَدَهَا *** هُوَ فِي سَيْفٍ بِهِ حُكْمُ اَلسَّوَاءِ

كَانَ مَكْدُوداً بِذَاتِ اَللَّهِ فِي *** أَمْرِهِ مُجْتَهِداً دُونَ ازدِهَاءِ

هُوَ بِالْقُرْبِ قَرِيبٌ إِنَّهُ *** مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي حُكْمِ اَلْإِخَاءِ

سَيِّداً كَانَ وَ فِي أَمْرِ اَلسَّمَا *** هُوَ عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرُ اَلْأَوْلِيَاءِ

تذكرهم بمواقفهم المتخاذلة

مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً و أنتم في رفاهية من العيش و ادعون فاكهون آمنون، تربصون بنا الدوائر و تتوكّفون الأخبر و تنكصون عند النَّزال و تفرَّون من القتال،

هُوَ قَدْ كَانَ مُجِدّاً كَادِحاً *** نَاصِحاً شِمَّرَ أَكَامَ اَلرِّدَاءِ

فِي رَفَاهِيَةِ عَيْشٍ أَنْتُمُ *** وَ ادِعُونَ فِي صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ

فَاكِهُونَ آمِنُونَ كُنْتُمْ *** قَدْ تَرَبَّصْتُم بِنا عَقِبِي الضَّرَّاءِ

قَدْ تَوَكَّفْتُمْ عَلَيَّ اَلْأَخْبَار كَي *** لاَ يَفُوتَنَّكُمُ خُبَرُ اَلْفَنَاءِ

وَ نَكَصْتُمْ فِي النَّزالاتِ وَ كَمْ *** قَدْ فَرَرْتُمْ مِنْ قِتَالِ اَلْأَدْعِيَاءِ

تخبرهم عن نفسياتهم و رجوعهم إلي الجاهلية

فلمّا اختار الله لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: دار أنبيائه و مأوَي أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، و سَمُلَ جلباب الدَّين و نطق كاظم الغاوين،

ذَاكَ لَمَّا أَخْتَارُ رَبِّي لِأَبِي*** جَنَّةَ اَلْخُلْدِ وَ دَارَ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 200

جَنَّةُ الفِرْدَوسِ مَأْوَاهُ وَ قُدْ *** خَصَّهُ اَللَّهُ بِمَأْوي اَلْأَصْفِيَاءِ

وَ دَعَاهُ اَللَّهُ لِمَّا اِخْتَارَهُ *** لِلْكَرَامَاتِ أَجَابَ لِلدُّعَاءِ

عِنْدَهَا قُذْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَي *** آلِهِ اَلْأَطْهَارِ آثَارُ الْجَفَاءِ

فِي عَدَاوَاتِ نِفَاقٍ ظَهَرَتْ *** بِحُسِيْكَاتِ نِفَاقٍ وَ بغاءِ

سَمُلَ اَلدِّينُ وَبَانَ ضَعْفُهُ *** مِن جَلاَبِيبِ اِنْدَارَسٍ وازْدَراءِ

كَاظِمُ الْغَاوِينَ فِيكُمْ قَدْ بَدَا *** نَاطِقاً مِنْ بَعْدِ خَوْفٍ وَ خَفَاءِ

وَ نبغ خامل اَلْأَقلِّين و هدر فنيق الْمبطلِينَ فَخَطَر فِي عرصَاتكُمْ وَ أَطْلع اَلشَّيْطان رأْسهُ من مغرزِه هاتفاً بكم فأَلْفاكم لدعوتهِ مستجيبينَ و للغِرَّة فيه ملاحظينَ ثُمَّ استنهضَكم فوجدَكم خفافَاً،

نَبَغَ خَامِلُ قُلِّ بَيْنَكُمْ *** هُوَ لَمْ يُعْرَفْ بِجَمْعِ اَلنَّبْهَاءِ

وَ فَنِيقُ الْكُفْرِ أَمْسِي هَادِراً *** يَمْلَأُ بِأَصْداءِ اَلْجَوَاءِ

خَطَرَ مِنْكُمْ وَ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** بِعِرَاصٍ لَكُمْ بِالْكِبْرِيَاءِ

أَطْلَعَ اَلشَّيْطَانُ مِن معْرِزِهِ *** رَأْسِهُ يَهْتِفُ فِيكُمْ مِنْ إِزاءِ

هُوَ أَلْقاكُمْ لِدَعْواهُ الَّتِي *** قَدْ دَعَاكُمْ مُسْتَجِيبِينَ اَلدُّعَاءِ

وَ لِغَرَّاتٍ لَهُ أَغْرَاكُمْ *** فِيهِ لأحظتُم لَهُ حَسْنَ اَلرِّفَاءِ

ثُمَّ لمَّا للهَوي اِسْتَنْهَضَكُمْ *** وَجَدَ مِنْكُمْ خِفَافاً فِي اَلرَّجَاءِ

تحذّرهم من إطاعة الشيطان و سوء العواقب

و أحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير أبلكم و أوردتم غير شربكم، هذا و العهد قريب و الكَلِمُ رحيب و الجرح لمّا يندمل و الرّسول لمّا يُقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة.

هُوَ قَدْ أَحْمَسَكُمْ فِي أَمْرِهِ *** ثُمَّ أَلْفَاكُمْ غُضَاباً فِي عَيَاءِ

فوسَمْتُم إِبِلاً لَيْسَتْ لَكُمْ *** وَ فَعَلْتُمْ مُنْكَراً فِي الْإِرْتِضَاءِ

ص: 201

وَ لَقَدْ أَوْرَدْتُمُوهَا فَلْتَةً *** غَيْرَ شِرْبٍ لَكُمْ دُونَ دُهَاءِ

ذَاكَ و الْعَهْدُ قَريبٌ وَ بِهِ *** كَلِّمُ الْفَوْتِ رَحِيبٌ فِي رِمَاءِ

وَ بِهِ اَلْجُرْحُ عَمِيقٌ نَازِفٌ *** وَ هُوَ لَمَّا يَنْدَمِلْ مُنْذُ اَلْفَنَاءِ

وَ رَسُولُ اَللَّهِ لَمْ يُقْبَرْ وَ قَدْ *** إنْقَلَبْتُمْ مِنْ وِدَادٍ لِلْجَفَاءِ

و بِداراً قَد زَعَمتُم أَنَّهُ ***كَانَ ما حَلَّ لِخَوْفٍ وَ بَلاَءِ

ألا: في الفتنة سقطوا و إن جهنّم محيطة بالكافرين، فهيهات منكم ! و كيف بكم؟ و أني تؤفكون(1) و كتاب الله بين أظهركم،

فِتْنَةٍ حَلَّتْ... أَلاَ فِي فِتْنَةٍ *** سَقَطُوا فِيهَا عَلَيَّ غَيْرَ اِهْتِدَاءِ

سَقَطُوا فِيهَا وَ إِنَّ اَلنَّارَ قَدْ *** وَرَدُوا فِيهَا إِلَي يَوْمِ الْجَزَاءِ

هِيَ حَاطَتْهُمْ بِضُرِّ دَائِمٍ *** وَ عَذَابٍ وَ ضَرَّاءٍ و شقاءِ

عَجَباً... هَيْهَاتَ مِنْكُمْ مَا جَرِيَ ***كَيْفَ أَقْدَمْتُمْ بِظُلْمٍ فِي عَيَاءِ؟

بِجِنَايَاتٍ أَتَتْنَا غِيلَةً *** كَيْفَ لاَقَتْ بِكُمْ مُنْذُ ابْتِداءِ؟!

كَيْفَ... أَنِّي تُؤْفَكُونَ عَنْ هَدًي *** لِضَلاَلٍ وَ ظَلاَمٍ وَ رِثَاءِ؟!

وَ كِتَابُ اَللَّهِ عزَّ شَأنُهُ *** بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ نُورٌ اِهْتِدَاءِ

دعوتهم للتفكّر بالقرآن و الرجوع إليه

أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره(2) لايحة و أوامره واضحة و قد خلفتموه وراء ظهوركم،

وَ بِهِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ظَاهِرٌ *** لاَ ارْتِيابَ فِيهِ أَوْ نَقَصَ الضِّيَاءِ

وَ بِهِ أَحْكَامُهُ زَاهِرَةٌ *** هِيَ كَالنُّورِ كآثَارِ الذَّكَاءِ

ص: 202


1- تؤفكون: الإفك: الكذب.
2- زواجره: الزجر: المنع والنهي.

وَ بِهِ أَعْلامُهُ باهِرَةٌ *** تَخْطِفُ اَلْأَبْصَارَ أَمْوَاجُ اَلسَّنَاءِ

وَ نَوَاهِيهِ اَلَّتِي تَزْجُرُكُمْ *** عَنْ هَوًي لاَئِحَةٌ لِلْعُقَلاَءِ

وَ بِهِ طَاعَتُنَا ظَاهِرَةٌ *** أَوْضَحَ اَللَّهُ بِهَا أَمْرَ اَلْوَلاَءِ

وَ لَقَدْ خَلَّفْتُمُوهُ رَغْبَةً *** عَنْهُ خَلْفَ اَلظُّهْرِ فِي سِرِّ اَلْخَفاءِ

لَيْسَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ قَولهُ *** لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْجَزاءِ!!

أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظَّالمين بدلاً و من يبتغي غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها،

أَتَرَيَّدُونَ بِهَذَا رَغْبَةً *** عَنْهُ كَالْكَافِرِ مِنْهُ فِي بِرَاءِ

أَمْ بِغَيْرِ الذِّكْرِ فِيكُمْ رَغْبَةٌ *** تَحْكُمُونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اهْتِدَاءِ

بِئْسَ لِلظَّالِمِ فِي ذَا بَدَلاً *** إِذْ أَخَذتُم مِنْهُ أحْكامَ السَّمَاءِ

ثُمَّ لَمَّا تَلْبَثُوا فِي فِتْنَةٍ *** هِيَ كَالنَّاقَةِ فَرَّت مِن رِشَاءِ

هِيَ لاتَنْسَاقُ إِلاَّ رَيْثَ أَنْ *** تَنْتَهِيَ نِفرتُها... بَعدَ اِهْتِدَاءِ

أَو تَسْكُنُ أو إِذَا يُسْلَسُ لَكُمْ *** بَعْدُ مِنْهَا قِيَادٌ فِي ارْتِضَاءِ

فِتْنَةٍ ثَارَ وَ شَاعَتْ بَيْنَكُمْ *** وَ تَمَادَيْتُمْ بَغْيِّ وَ جَفَاءِ

تألّمها و توجّعها من مواقفهم

ثمّ أخذتم تورن و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ و إطفاء أنوار الدّين الجليّ و إخماد سنن النّبيّ الصّفي،

هِيَ كَالْجَمْرَةِ كَانَتْ نَارُهَا *** تَخْتَفِي لَوْلاَكُمْ مَنْذُ اِبْتِدَاءِ

ثُمَّ أَنْتُمْ قَدْ آثَرْتُمْ نَارَهَا *** وَ أَخَذْتُمْ تَنْفُخُونَ فِي اَلصَّلاَءِ

جَمْعَكُمْ أُورِي بِهَذَا وَقَدْتَهَا *** وَ تُهَيِّجُونَ بِهَا دُونَ روَاءِ

هَتَفَ اَلشَّيْطَانُ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** فَاسْتَجَبْتُمْ لِهُتَافٍ رَغْوَاءِ

ص: 203

وَسَعَيْتُمْ مُسْتَجِيبِينَ لَهُ *** دَعْوَةً مِنْهُ رَمَتْكُمْ بِالْبَلاءِ

وَ لِإِطْفَاءِ هَدْيِ الدِّينِ اَلْجَلِيْ *** كَانَ مَسْعَاكُمْ لَهُ مَحْضَ اِعْتِدَاءِ

وَ لِإِخْمَادِ هُدْي مَا جَاءَكُمْ *** مِنْ نَبِيِّ كانَ خَيْرَ الأَصْفِياءِ

تسرون حسواً في ارْتغاء و تمشون لأهله و وُلدِهِ في الخَمَرِ و الضَّرَّاء و نصبر منكم علي مثل حزَّ المُدَي،

أَنْتُمْ كُنْتُمْ تُسِرُّونَ بِهَا *** وَ حَسَوْكمْ حُسْوْكُمْ فِي إِرتِغَاءِ

قُلْتُمْ شَيْئاً وَ جَاءَ فِعْلُكُمْ *** بِخِلاَفِ اَلْقَوْلِ مِنْكُمْ بِادِّعَاءِ

فَأَقَمْتُمْ وَ تَدَّ اَلْبَاطِلِ فِي *** أُمَّةٍ رامَتْ قوانين اَلسَّمَاءِ

قَدْ حَكمتُمْ وَ اِدَّعَيْتُمْ فِتْنَةً *** وَ عَزَلْتُمْ مَنْ لَهُمْ فَصْلُ الْقَضَاءِ

آل بَيْتِ اَلْوَحْيِ تَمْشُونَ لَهُمْ *** وَ لأَهْلِيهِمْ بِضُرٍ و ضَرَّاءِ

وَ لِأَوْلادٍ لَهُ فِي خَمْرٍ *** قَدْ سَعَيْتُمْ لَهُمْ فِي اِعْتِدَاءِ

وَ صَبَرْنَا مِنْكُمْ مَا صَابَنَا *** مثل حَزِّ لِلْمُدْي صَبِرَ اِرْتِضَاءِ

تحذرهم من مغبة حكمهم بعدم وراثتها

و وخز السّنان في الحشي و أنتم - الآن - تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهليّة تبغون؟ و من أحسن من اللَّهِ حكماً لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلي تجلّي لكم كالشّمس الضّاحية أنّي ابنته،

أَوْ كَمَثْلِ الْوَخْزِ مِنْ طَعْنِ الْعَدَي *** بِسِنَانٍ فِي اَلْحَشْي أَوْ بِالْحَشَاءِ

أَنْتُمُ اَلْآنَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ *** إِرْثَ لِلْهَادِي لَنَا... مَحْضَ اِفْتِرَاءِ!

أَفْحِكُمُ الْجَاهِلِيِّينَ ارْتَضَوْا *** أَمْ هُمْ يَبْغُونَ حُكْمَ الْجَهْلاءِ؟!

وَ مِنَ اَلْأَحْسَنُ حُكْماً لِلْوَرَي *** مِن إِلَهِ اَلْخَلْقِ ربِّ الْحُكَمَاءِ

صَادِرٌ مِنْهُ لِقَوْمٍ أَيْقَنُوا *** وَ هُمْ مِنْهُ عَلِي خَيْرِ اهْتِداءِ

أَفَلاَ يَعْلَمُ كُلٌ مِنْكُمُ *** حَقَّنا فِي نَسَبٍ أَوْ فِي حِبَاءِ؟

ص: 204

قَدْ تَجْلِي لَكُمُ أَنِّي اِبْنَتُهْ *** وَ بَدَا ذَاكَ كشمْسٍ فِي ضُحَاءِ

توبّخهم علي سكوتهم

أيُّها المسلمون! أأُغلب علي إرثيه؟

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُ مَنْ كَانَ هُنَا *** حَاضِراً قَوْلِيَ أَوْ يَأْتِيَ وَرَائِي!

كَيْفَ أُغْلِبْ فِي حُقُوقٍ هِيَ لِي *** نَصَّهَا اَللَّهُ عَلَيْنَا بِالسَّوَاءِ

هُنَّ آيَاتٌ أَتَتْ بَيِّنَةً *** فِي اَلْمَوَارِيثِ تُشِعٌ كَالسَّنَاءِ

لَكِنَّ اَلْأَعْدَاءُ بَزُّوا نِحْلَتِيْ *** فَغَدَتْ نَارَ سَعِيرٍ فِي اَلْمِعَاءِ

كَيْفَ أَبتَزُّ مَوَارِيثَ أَبِي *** بِحُضُورٍ مِنْكُمْ فِي ذَا الْبَلَاءِ؟

لَيْسَ فِيكُمْ مِنْ يَقِينِي كَيْدَهُمْ *** وَ يَفِي لِي فِي مَصَادِيقِ الْوَلَاءِ!

وَ أَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّنِي *** إِبْنَةُ اَلْمَأْمُونِ آيَاتُ اَلسَّمَاءِ

ص: 205

خطابها عليها السلام لأبي بكر في المسجد

أثرت أباك ولا أرث أبي

يا بن أبي قحافة!

أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي؟!!

ثُمَّ كَنَّت(1) فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا *** لِأَبِي بَكْرٍ وَ أَخَفَتْ بِأَهْتِدَاءِ

إِسمَهُ أَوْ مَا يُكَنُّوهُ بِهِ *** وَ لَمَنْ يُنْسَبُ نَادَتْ في دَهَاءِ

حَيْثُ كَانَ اَلْبَعْضُ مِنْهُمْ عَالِماً *** أَنَّهُ كَانَ عَلِيٌ غَيْرِ سَوَاءِ

بِأَبِيهِ -أَيْ- أبي قُحَافَةٍ! *** خَاطَبَتْهُ بِخِطَابِ اَلْبُلَغَاءِ

أُتْرِي آيَةُ ذَكَرٍ أُنْزِلَتْ *** تَمْنَعُ اَلْإِرْثَ بِدَسْتُورِ اَلسَّمَاءِ؟!

تَمْنَعُ اَلْأَبْنَاءَ مَا قَدْ تَرَكَتْ *** لَهُمُ اَلْآبَاءُ شَيْئاً مِنْ حِبَاءِ

أيُ أَيِّ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَنْ *** تَرِثُ اَلْآبَاءَ دُونِي فِي خَفَاءِ

لقد جئت شيئاً فريّاً !!

أفَعَلَي عمدٍ تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول: «وورث سليمان داوُد» و قال فيما اقتص من خبر زكريّا - إذا قال:

وَ لَقَدْ جِئْتَ فَرِياً حِينَمَا *** جِئْتَ شَيْئاً دُونَ تَشْرِيعِ السَّمَاءِ

وَ بِهِ كَذَّبْتَ قُرْآناً بِهِ *** فِي صَرِيحِ اَللَّفْظِ إِرْثُ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 206


1- كنّت: من الكناية.

أفعَنْ عَمْدٍ تَرَكتُم خَلْفَكُمْ *** مَا بِهِ نُورُ اِهْتَدَاءٍ وَ شِفَاءِ

وَ نَبَذْتُمْ ذَلِكُمْ مِنْ دُونِ أَنْ *** -تَأْسَفُوا- قَوْلاً وَ فِعْلاً فِي وَرَاءِ

إِذْ يَقُولُ اَللَّهُ فِيهِ ذِكْراً *** وَ هُوَ اَلنُّورُ وَ مِنْ دُونِ اِنْطِفَاءِ

فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي و رَيْثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ إِرْثَ مالٍ وَ فَثَآءِ

وَ كَمَا اقْتَصَّ مِنَ اَلْأَخْبارِ عَنْ *** زَكَرِيَّا حِينَ ناجِي بِالدُّعَاءِ

دلائلها عليها السلام في الإرث

«فَهَب لي من لدنك ولياً يرثني و يرث من آل يعقوب» و قال: «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌهمْ هُوَ أُولِي ببَعْض فِي كتاب الله» و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» و قال: «إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ» و زعمتم أن لا حظوة لي! و لا إرث من أبي! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون: أن أهل ملَّتين لا يتوارثان؟

أَنْ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ... وَارِثاً *** يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ثَرَائِي

أَوْ «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌ مِنْهُمْ *** هُوَ أُولِي...» فِي قَوَّانِينَ اَلسَّمَاءِ

أَوْ «يُوصِّيْكُمْ...» أَوْ «إِنْ تَرَكَ...» *** وهما نَصِّ بِإِرْثِ اَلْأَقْرِبَاءِ

وَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ حُظْوَةَ لِي *** مِنْ أَبِي فِي اَلْإِرْثِ أَوْ سَهْمَ حِبَاءِ

أفخصصتُمْ بِشَرْعِ اَللَّهِ أَنْ *** خَصَّكُمْ دُونَ عَظِيمِ اَلْأَنْبِيَاءِ؟!

أَمْ قُولُونَ: بِأَنِّي وَ أَبِي *** مُلْتَانِ مَا لَهَا أَصْلُ اَلرِّفَاءِ؟!

أَوْلَسْتُ وَ أَبِي مِنْ مِلَّةٍ *** وَ كِلاَنَا دينُهُ دِينَ اهْتِداءِ؟!

أولست و أبي...

أولست و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمِّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك،

مِلَّةً وَاحِدَةٌ أدْيانُنا *** وَ هِيَ الحقُّ ازْدَهَتْ لِلحُكمَاءِ

أَمْ عَلِمْتُمْ بِكِتَابِ اَللَّهِ مَا *** لَمْ يَصِلْ مِنْهُ لِخَيْرِ اَلْأَوْصِيَاءِ؟!

ص: 207

بِخُصُوصٍ مِنْهُ أو فِي عَمِّهِ *** مِن عَلِيِّ الْحَقِّ خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ!

أَفَأَنْتُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ *** مِنْ أَبِي أَمْ مِنْ عَلِيِّ الْأُمَنَاءِ؟!

و هُمَا لِمَ بِمَنْعَانِي فَدَكاً *** حَيْثُ لَامَانِعَ فِي حُكْمِ السَّمَاءِ

يَا أَبَا بَكْرٍ فَخُذْهَا غَاصِباً *** بِخِطَامٍ وَ زِمَامٍ وَ رِشَاءِ

هِيَ تَلْقَاكَ بِحَشْرٍ لَكَ فِي *** يَوْمِ حَقٍ عِنْدَ جَبَّارِ اَلسَّمَاءِ

تهديدها له بيوم الجزاء

فنعمَ الحكم الله و الزعيم محمّد صلي الله عليه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لاينفعكم إذ تندمون و لكلّ نبأٍ مستقر،

هُوَ نَعَمْ الْحَكَمُ المَرجُوُّ لِي *** بَعْدَمَا نَنْقَلُ عَنْ دَارِالْفَنَاءِ

وَ زَعِيمُ اَلْخَلْقِ فِيهَا أَحْمَدٌ *** وَ اَلْمُحَامِي عَنْ حُقُوقِ اَلضُّعَفَاءِ

وَ بِهَا مَوْعِدُنَا اَلْآتِيَ اَلَّذِي *** فِيهِ يُقْضِي فِي مَوازِينِ اَلْقَضَاءِ

يَخْسَرُ الْمُبْطِلُ فِيهِ مَا ادُّعِي *** يَوْمَ حَشْرِ اَلنَّاسِ مِنْ دُونِ وَقَاءِ

سَاعَةٌ يَخْسَرُ فِيهَا مُبْطِلٌ *** وَ بِهَا لاَ شَيْءَ يَلْغِي بِالْفِدَاءِ

حَيْثُ لاَ يَنْفَعُكُمْ فِيهَا إِذا *** مَا نَدِمْتُمْ، أَوْ دَعَوْتُمْ بِدُعاءِ

وَ لِكُلِّ مُسْتَقَرٌ وَ بِهِ ***كُلُّ ذِي اَلْأَنْبَاءِ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

كلامها مع الأنصار

«فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم».

ثمَّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت:

يا معشر النَّقِيبَة،

سَوْفَ يَدْرِي فِيهِ كُلِّ مِنْكُمْ *** مِنْ سَيَأتِيهِ عَذَابٌ فِي اَلنَّهَاءِ

وَ لِمَنْ يُخْزِيهِ رَبِّي فِي غَدٍ *** وَ يَحِلُّ فِي عَذَابٍ لِلسَّمَاءِ

بِعَذَابٍ دَائِمٍ لاَ تَنْطَفِي *** نَارُهُ فِي الصُّبْحِ أَوْ عِنْدَ الْمَساءِ

هَدَّدْتُهُمْ فاطِمُ فِيما ادَّعَتْ *** بِعَذابٍ مُسْتَمِرٍ وَ ضَرَّاءِ

ص: 208

وَهِيَ دَعْوَي مَا بِهَا مِنْ كَذِبٍ *** أطلقتْهَا فاطمٌ خَيْرُ اَلنِّسَاءِ

ثُمَّ دَارَتْ طَرفَهَا فَاطِمَةُ *** نَحْوَ أَنْصَارٍ وَ قَالَتْ بِإِهْتِدَاءِ

أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ مَنْ *** كُنْتُمْ لِلدِّينِ خَيْرِ اَلنُّجَبَاءِ

ما هذه الغميزة في حقّي

و أعضاد الملّة و حضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقِّي؟ و السِّنَةٌ ظُلامِتِي؟ أما كان «رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم» أبي يقول:

وَ لَهُ أَعضَادُ عِزِّ شَامِخٍ *** كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ آفَاقَ اَلرَّجَاءِ

وَحَضِنْتُمْ و حَفِظْتُمْ شِرْعَةً *** هِيَ لِلإِسْلامِ رُوحٌ مِنْ نَهَاءِ

وَ غَمَزْتُمْ عَنْ حُقُوقِي فُجْأَةً *** مَا بِكُمْ فِي غَفْلَةٍ أَمْ فِي عَمَاءِ؟؟

وَ فَتَرْتُمْ عَنْ ظُلاَمَاتِيَ اَلَّتِي *** هِيَ لِلْأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءِ!

كَيْفَ كُنْتُمْ أَنْتُمْ فِي سُنَّةٍ *** وَ تَرَكْتُمْ نَجْدَتِي بَعْدَ اِهْتِدَاءِ؟!

أَوْ مَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ مَنْ *** قَدْ عَرَفْتُمْ نُطْقَهُ وَحْيُ السَّمَاءِ؟!

قَالَهَا: فِي جَمْعِكُمْ عَنْ حَقِّنَا... *** أَولِسْنَا نَحْنُ مِنْ ذِي الأَقْرِبَاءِ؟

سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة

«المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم و عجلانَ ذا إهَالة و لكم طاقة بما أحاول و قوّة علي ما أطلب و أُزاول،

إِنَّمَا الْمَرْءُ يُكْرَّمْ حَيْثُمَا *** يُحْفَظُ الْبَاقُونَ مِنْهُ فِي وَلَاءِ

أَوْ مَا كَانَ مِنَ الْإِكْرَامِ أَنْ *** تَحْفَظُونِي بَعْدَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

عَجَباً... سُرْعَانَ مَا أَحْدَثْتُمُ *** وَ تَعَدَّيْتُمْ بَهَتَكٍ وَ اِعْتِدَاءِ

وَ لَهَا عَجْلاَنَ ذَا إِهَالَةٍ *** قَدْ تآمرتُم عَلَيْنَا فِي اَلْخَفَاءِ

أَلْكُمْ طَاقَةُ إِسْعَا فِي بِمَا *** أَنَا قَدْ حَاوَلتُ رِدَّاً لِلْحِبَاءِ

أَلْكُمَ فِيما طَلَبْتُ قُوَّةً *** وَ لَمَّا زَاوَلْتُ عَزْمَ اَلْأَقْوِيَاءِ؟

أَمْ تَخَاذَلْتُمْ بِصَمْتٍ ضَعَةً *** وَ وَصَمْتُمْ عَارَهَا فِي اَلضُّعَفَاءِ

ص: 209

و أزيلت الحرمة عند مماته

أتقولون: مات «محمّد صلي الله عليه و آله و سلم».

فخطب جليل، أستوسع وهنه و استنهر فتقه و انفتق رتقه و اظلمّتِ الأرض لغيبتهِ،

أَتَقُولُونَ لِمَنْ زَكَّاكُمْ... *** مَاتَ مَنْ كَانَ أَخْيَرَ الْأَنْبِيَاءِ

وَ اِسْتَبَحْتُمْ بَعْدَهُ فِي قَوْلِكُمْ: *** -مَاتَ- مَا سَاءَ لَكُمْ يَوْمَ اَلْجَزَاءِ

آه... فَالْخَطْبُ جَلِيلٌ وَقْعُهُ *** وَعَظِيمُ أَمْرِ مَوْتِ اَلْعُظَمَاءِ

وَ بِهِ اسْتَنْهَرَ جُرْحٌ فَتْقُهُ *** وَ عَدَا يَغْزُو عَلَيْنَا كُلُّ دَاءِ

وَ اِنْفِتَاقُ اَلْجُرْحِ أَوْدِي رَتَقَهُ *** أَنْ نُعانِيَ اَلدَّاءَ مِنْ دُونِ شِفَاءِ

وَ اِدْلَهِمَّ اَلْكَوْنُ وَ اَلْأَرْضُ بِهِ *** حِينَ غَابَ اَلنُّورُ عَنْ هَذَا اَلْفَضَاءِ

و كسفت النّجوم لمصيبته و أكدَتِ الآمال و خشعت الجبال و أضيع الحريم و أُزيلتِ الحرمة عند مماتهِ، فتلك -والله- النّازلة الكبري و المصيبة العظمي لا مثلها نازلة،

وَ نُجُومُ اَللَّيْلِ فِي قَلْبِ اَلسَّمَا *** كَسَفَتْ حُزْناً وَ أَمْسَتْ فِي عَزاءِ

لِمُصَابٍ زَلْزِلَ الْعَرْشُ بِهِ *** وَ بِهِ أَكَّدَتْ مَوَازِينُ اَلرَّجَاءِ

وَ بِهَذَا الخَطْبِ حُزْناً خَشَعَتْ *** رَاسِيَاتُ اَلْأَرْضِ مِنْ هَذَا اَلنَّعَاءِ(1)

وَ أُضيعَتْ حُرَمٌ مَنْ بَعْدِهِ *** وَ أُزِيلَتْ حُرْمَةٌ بَعْدَ اَلْفَنَاءِ

تِلْكَ -وَاَللَّهِ- أَتَتْ نَازِلَةٌ *** كَانَتْ الكبري عَلَي هَذَا اَلقِوَاءِ

وَ هِيَ الْفَاجِعَةُ اَلْعَظْمِي اَلَّتِي *** لَيْسَ يُثْنِيهَا سُرُورٌ فِي اِنْتِهَاءِ

لاَ... وَ لاَ حَلَّتْ بِنَا نَازِلَةٌ *** -مِثْلَهَا- أَبْقَتْ لَنَا ثِقْلَ اَلْغِنَاءِ

ولا بائقةٌ عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه -جل ثناؤُه- في أفنيتكم، في ممساكم ومصْبحكم، هتافاً، و صراخاً و تلاوةً و ألحاناً و لقبله ما حلَّ

ص: 210


1- راسيات الأرض: الجبال.

بأنبيائه و رسله، حكمٌ فصل و قضاءٌ حتمي،

لاَ... وَ لاَ بَائِقَةٌ عَاجِلَةٌ *** أَحْكَمَتْ فِيهَا أَسَاليبُ الدَّهاءِ

أَعْلَنَ اَللَّهُ بِهَاجِلَّ اِسْمُهُ *** بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ مُنْذُ ابْتِدَاءِ

وَ تَلَوْتُمْ مِنْهُ فِي مُمْسَاكُمْ *** وَ بِصُبْحٍ مِنْهُ فِي كُلِّ فناءِ

فَهُوَ الْهاتِفُ وَ الصَّارِخُ فِي *** كُلِّ يَوْمٍ بَيْنَكُمْ بِالْعُقَلاءِ

وَ هُوَ اَلْمَقْرُوءُ فِي تِلاَوَةٍ *** وَ بألحانٍ بِهَا جَذَبُ اِهْتِدَاءِ

وَ لَقَدْ أَخْبَرَكُمْ مَنْ قَبْلِهِ *** مَا برُسلٍ حَلَّ أَوْ بِالْأَنْبِيَاءِ

حُكْمُ فَصْلٍ وَ قَضَاءٍ مُحْتَمٍ *** فِيهِ تَصْدِيقُ قَضَاءٍ بِقَضَاءِ

الإنقلاب علي الأعقاب

«وما محمّد صلي الله عليه و آله و سلم إلا رسول قد خلت من قبله الرّسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم»،

سُنَّةُ الْمَوْتِ ارْتَضَاهَا رَبُّنَا *** لِجَمِيعِ اَلنَّاسِ حَتي اَلْأَنْبِيَاءِ

لَمْ يُنْجِّ اَللَّهُ مِنْهَا مُرْسَلاً *** وَ بِهَا يُقْهَرُ كَلاِّ بِالْفَنَاءِ

وَ أَتَتْنَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ *** أحْكَمَتْ حُجيَّةً بِالْإِدْعَاءِ

حَيْثُ قَالَ اَللَّهُ فِي قُرْآنِهِ *** قَوْلَ صِدْقٍ حُكْمَ فَصْلٍ وَ سَنَاءِ

فِي «ومَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ...» وَ قَدْ *** كَانَ لِلْخَلْقِ رَسُولاً لِلسَّمَاءِ

«قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...» اَلَّتِي *** قَدْ مَضَتْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ اَلْبَقَاءِ

«أَفَان مَّاتَ» بِحَتْفٍ «أَوْ قُتِل *** إِنْقَلَبْتُمْ» عَنْهُ فِي أَقْصَي اَلْوَرَاءِ

«ومن ينقلب علي عقبيه ، فلن يضرَّالله شيئاً و سيجزي اللَّه الشاكرين»

إِنْقَلَبْتُمْ وَ عَلَيَّ أَعْقَابِكُمْ *** قَدْ رَجَعْتُم بِشَنَارِ اَلْعُقَبَاءِ(1)

وَ مِنَ الْيَوْمِ عَلَي أَعقَابِهِ *** يَنْقَلِبْ عَنْهُ يُرِي سُوءَ الجَزاءِ

«لَنْ يَضُرَّ اَللَّهَ شَيْئاً» إِنَّمَا *** ضَرَرٌ الْخُلَفِ وَ بَالٌ فِي اَللِّقَاءِ

ص: 211


1- شنار: عار.

ما حَقُّ مَن يَكتُمُ الحَقَّ ومَنْ *** حَرَّفَ الدّينَ لِمَالٍ وُ ترَاءِ

«وَ سَيَجْزِيِ اَللَّهُ...» مَنْ كَانَ لِمَا *** نَالَهُ بِالشُّكْرِ خَيْراً بِالْجَزاءِ

وَ هلَ الشَّاكِرُ الاّ مَن بَقِي *** حافِظاً لِلْحَقِّ حَقّاً فِي الوَلاءِ؟

ناصِراً لِلدِّينِ وَالحَقِّ وَ مَنْ *** نَصَّ فيهِمْ ذَكَرُهُ بِالإقتِداءِ

أأَهضم تراث أبي..؟

إيْهاً... بني قِيْلة! أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأي و مسمع و منتدي و مجمع، تلبسكم الدّعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذو العدد و العدَّة،

يَا بَنِي قَيْلَةَ إِيهاً مِنْكُمْ... *** قَدْ تَخَطِّي عَنْكُمْ عَقَدُ اَلرَّجَاءِ

أَأْنَا أَهْظَمُ فِي إِرْثِ أبِي *** فِي حُضُورٍ مِنْكُمْ لا فِي خَفَاءِ

و بِمَرْأَي مِنِّي أنْتُمْ كُنْتُمُ *** قُدْسْمِعْتُمْ وَ وَعَيْتُمْ لادِّعائِي

كُنْتُمُ فِي مَجْمَعٍ فِي مُنْتَدَي *** ضَمِنا، إِذْ فِيهِ أعْلَنْتُ نِدائِي

فِيهِ مَا تُلْبِسُكُمْ مِنْ حَقِّنَا *** دَعْوَةً تَشْمَلُكُمْ مِثْلُ الرِّدَاءِ

خِبْرَةٌ فِيهَا خُصَصْتُمُمْ وبِهَا *** شَمِلَتْكُم عِلْمُها شِبْهُ اَلرِّدَاءِ

وَ لَهَا أَنْتُمْ ذَووالْعْدَةِلا *** نَقْصَ فِي أَعْدَادِكُمْ أو فِي الرِّفاءِ

توافيكم الدعوة فلا تجيبون!

و الأداة و القوّة و عندكم السلاح و الجُنَّة، توافيكم الدّعوة فلاتجيبون!، و تأتيكم الصّرخة فلا تعينون!، و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصّلاح و النّخبة الّتي انتخبت،

وَ ذَوُو اَلْقُوَّةِ أَنْتُمْ وَ لَكُمْ *** فِي مَرَامِيهَا أَدَاةٌ مِنْ ثَرَاءِ

وَ سِلاحٌ عِنْدَكُمْ مَا بَعْضُهُ *** جُنَّةٌ مِنَحُ كُلِّ كَرْبٍ وَ بَلاَءِ

إِنَّ تَوَافِيَكُمْ بِنَصْرِ دَعْوَتِي *** لاَ تُجِيبُونَ جَمِيعاً لِدُعَائِي!

لاَ تُعِينُونِي إِذَا مَا صَرْحَةٌ *** مِنِّي تَاتِيكُمْ بِظُلْمٍ وَ عَنَاءِ!

وَوَصَفْتُمْ أَنْتُمْ فِي خَوْضِهَا *** بِكِفَاحٍ وَ سَفَكْتُمْ لِلدِّمَاءِ

ص: 212

وَ عُرِفْتُمْ بِصَلَاحٍ وَارِفٍ *** و بِخَيْرٍ فِي مَلاءٍ وَ خَلاَءِ

وَ نُخْبَةٌ لِلْحَقِّ حِينَ انتُخِبَتْ ***كُنْتُمْ أَنْتُمْ لَهُ أُسَّ الرَّجَاءِ

و أنتم موصوفون بالكفاح

و الخيرة الَّتِي اختيرت، قاتلتم العرب و تحمّلتهم الكدَّ و التّعب و ناطحتم الأُّمم و كافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون،

وَ لَهُ اخْتِيرَتْ بِحَقِّ خِيَرَةٌ *** مِنْكُمْ ذَوْداً و صَوْناً لِلْقَضَاءِ

وَ لَهُ قَاتَلْتُمُ اَلْعَرَبَ فَمَا *** ضَعُفَتْ فِيكُمْ مَقَادِيمُ اَلْفِتَاءِ

وَ تَحَمَّلْتُمْ لَهُ الْكَدَّ وَ فِي *** ذلِكم هدَّدَكُمْ سَيْلُ اَلْعَيَاءِ

وَ لَهُ نَاطِحتُمْ مِنْ فَوْرِكُمْ *** أُمَماً رَاقَتْ بِكُمْ ذُلَّ اَللِّفَاءِ(1)

وَ لَهُ كَافَحْتُمُ الشُّجْعَانَ مَنْ *** بم اَلْقَوْمٍ بِمِصْرٍ وَ قُوَاءِ

وَ لَهُ لاَ نَبْرَحُ اَلْهَادِينَ فِي *** سُنَنٍ لِلْخَيْرِ فِي حُكْمِ اَلسَّمَاءِ

وَ لَهُ نَامِرُكُمْ فِي طَاعَةٍ *** وَ لَنَا تَصْغُونَ دُوماً لِلنِّدَاءِ

دارت بنا رحي الإسلام

نأمركم فتأتمرون، حتَّي دارت بنا رَحَي الإسلام و درَّ حُلبُ الأيَّام و خضعت ثغرة الشِّرك و سكنت فورة الإفكِ(2) و خُمدت نيران الكفر،

وَ تُطِيعُونَ وَ لاَ نَبْرَحُ أَوْ *** تَبْرَحُونَ طَائِعِينَ فِي وَلاَءِ

وَ اِسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي خَيْرٍ فَمَا *** مَالَ مِنْهُ لِأَهَاوِيلَ اَلشَّقَاءِ

ذَاكَ حُتِّيَ اَلْأَمْرُ فِينَا وَ بِنَا *** سَادَ فِي نَظْمٍ وَ فِي سير اِهْتِدَاءِ

وَ رَحِيَ اَلْإِسْلاَمِ دارتْ وَ لَهُ *** حَلْبُ الْأَيَّامِ دَرَّتْ بِالْعَطاءِ

وَ ثَغْرَةُ الشِّرْكِ إِذا ما خَضَعَتْ *** وَ رِقابَ الْكُفْرِ ذَلَّتْ لِلسِّناءِ

ص: 213


1- اللّفاء: الخسيس من الشيء و كل شيء يسير حقير فهو لَفاء.
2- الإفك: الكذب.

وَ لَهُ قَد سَكَنَتْ مِنْ فَوْرِها *** فَوْرَةُ الإِفْكِ وَ قَرَّتْ كَالرُّخاءِ

خُمِدَتْ نِيْرَانُ كُفْرٍ بَعْدَما *** سَجِّرَتْ مِنْ فِيْحِ حِقْدٍ وَ عِدَاءِ

فَاَنَّي حِرتُم بعد البيان؟

و هدأت دعوة الهرج و استوسق نِظام الدِّين، فَاَنَّي حِرتُم بعد البيان؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتم بعد الإقدام؟ و أشركتم بعد الإيمان؟

هَدَأَتْ دَعْوَةُ إفك بَاطِلٍ *** هَرَجُ الدَّعْوَةِ فِي أَيْدِي الْفَنَاءِ

وَ لَهُ اسْتَوْسِقَ أَمْرُ الدِّينِ فِي *** كُلِّ نَظْمٍ وَ اِجْتِمَاعٍ و اسْتِوَاءِ

بَعْدَمَا كَانَ شَتَاةً أَمْرُهُ *** وَ شُمُوسُ الْحَّقَّ كَانَتْ فِي اِنْطِفَاءِ

كَيْفَ وَ الْآنَ... وَ أَنِّي حِرْتُم *** عَنْ بيان بَعْدَهُ عَنْ ذَا السَّنَاءِ؟!

وَ بِهِ أَسْرَرْتُمُ اَلْحَقَّ وَ قَدْ *** بَانَ فِيهِ لَكُمْ نُورُ اهْتِدَاءِ؟!

وَ نَكَصْتُمْ بَعْدَ إِقْدَامٍ لَكُمْ *** كَانَ لِلْإِسْلَامِ ضَرْباً مِنْ وِقَاءِ

وَ لَقَدْ أَشْرَكْتُمْ مِنْ بَعْدَما *** ذَلَّلَ الْإِيمَانُ أَسْبَابَ الْإِخَاءِ

ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم و همّو بإخراج الرّسول و هم قد بدؤوكم أوّل مرَّةٍ، أفتخشونهم؟

و قَطَعْتُمْ لُحْمَةَ اَلْإِيمَانِ فِي *** نَصْرِ أَهْلِ اَلْفِسْقِ في هذا اَلْوَلاَءِ

وَ لَقَدْ خَالَفْتُمْ اَلْحَقَّ بِمَا *** قَدْ نَكَثْتُمْ فيهِ أَمْرَ الْأَنْبِياءِ

وَ بِهِ خالَفْتُمْ «الْهادِيَ» الَّذِي *** حَثَّكُمْ نَصْرُ أَصْحَابِ اَلْكِسَاءِ

هَؤُلاَءِ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ *** قَاتِلُوهُمْ وَانْصُرُونَا فِي وَلاَءِ

وَ هُمْ هَمُّوا بِإِخْرَاجٍ لَكُمْ *** وَ بإِخْرَاجِ رَسُولٍ لِلسَّمَاءِ

وَ هُمْ قَدْ بَدَؤُوكُمْ أَوَّلاً *** بِقِتَالٍ وَ أَصَرُّوا فِي جَفَاءِ

أَفْتَخِشُونَهُمْ فِي مَعْرِكٍ *** وَ تَفِرُّونَ جَمِيعاً لِلْوِرَاءِ؟

الخلود إلي الدنيا و إبعاد من هو أحق بالبسط و القبض

فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ألاّ: قد أري أن قد أخلدتّم

ص: 214

إلي الخفض(1) و أبعدتّم من هو أحقّ بالبسط و القبض و خلدتم إلي الدّعة و نجوتم من الضِّيق بالسعة، فمججتم(2) ما وعيتم و دسعتم(3) الّذي تسوَّغتم.

إِذْنِ: اَللَّهُ أَحَقُّ خَشْيَةً *** مِنْهُمْ ظاهرٍ أو فِي خَفَاءِ

وَ بِدِينِ اَللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُمْ *** مُؤْمِنِينَ فَاسْتَجِيبُوا لِلنِّدَاءِ

قَدْ أَرِيَ قَدْ خَلَّدْتُمْ دَعَةً *** لرِياضِ الخَفْضِ فِي عَيْشِ الهَناءِ

وَ لِذَا أُبْعِدتُمْ مِن حَقُّهُ *** هُوَ فِي بسطٍ وَ قَبِضٍ فِي اَلْعَلاَءِ

وَ خُلِّدْتُمْ بَعدَهُ فِي دَعَةٍ *** وَ نَسِيتُمْ مَنْ لَهُ حَقُّ اَلْوَفَاءِ

وَ نَجَوْتُمْ مِنْ مَعَاشٍ ضِيقٍ *** لِمَعَاشٍ وارفٍ جَمِّ اَلرَّخَاءِ

فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُم أَمْرَهُ *** و دَسَعْتُمْ مَا تُسَوَّغْتُمْ لِدَاءِ

الخذلان و الغدر

فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً، فإنّ الله لغني حميد ألآ: قد قلت ما قلت علي معرفةٍ منِّي بالخذلة الَّتي خامرتكم(4) و الغدرة الّتي استشعرتها قلوبكم.

فَإِنَّ اَلْيَوْمَ جَمِيعاً تَكْفُرُوا *** أَنْتُمُ أَوْ مَنْ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ

فَهُوَ اَللَّهُ غَنِيِّ عَنْكُمُ وَ حَمِيدٌ فِي اِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ

وَ أَنَا قَدْ قُلْتُ مَا قُلْتَ عَلَي *** بَالَغِ اَلْعِرْفَانِ فِي هَذَا اَلْوَنَاءِ

وَ عَلَي عِلْمٍ وَ فِي مَعْرِفَةٍ *** مِنِّي بالخذلَةٍ فِي هذَا اَلْخَوَاءِ

خَذْلَةٌ قَدْ خَامَرَتْكُمْ وَ لَها *** قَدْ رَكَنْتُمْ وَ فَرَرْتُمْ فِي دَهَاءِ

وَ قُلُوبٍ عَمِيَتْ فَاسْتَشْعَرَتْ *** غِدْرَةً قَدْ لَبِسَتْهَا كَالرِّدَاء

ص: 215


1- الخفض: الدعة و الراحة.
2- مججتم: (مجّ) الشراب من فيه: رمي به.
3- دسعتم: الدسعة : الدُفعة.
4- خامرتكم: المخامرة: المخالطة.

وَ لِعرْفَانِي بِكُمْ لاَ أَرْتَجِي *** مِنْكُمْ نَصْراً وَ لاَ حَقَّ اَلْوَفَاءِ

حجّتها عليهم

و لكنّها فيضة النّفس و نفثة الغيظ و خور القنا و بثّة الصّدر و تقدمة الحجّة.

فَيْضَةٌ لَكِنَّهَا مَأْلُومَةٌ *** وَ بِهَا اَلنَّفْسُ أَفَاضَتْ فِي مِلاَءِ

نَفْثَةُ الْغَيْظِ وَ خَوْرٌ فِي اَلْقَنَا *** بِهِمَا ضَاقَتْ مَسَامَاتُ الجَوَاءِ

بَثَّةُ الصَّدْرِ وَ مِنْ كِتْمانِها *** ضَاقَتِ النَّفْسُ بِهِمْ وَقْوَاءِ

وَ لأَمْرِ الصَّدْرِ اَلدِّينُ قَولي حُجَّةٌ *** وَ بَيانِي مُلْزَمٌ يَوْمَ الْجَزاءِ

لَيْسَ يُرْضِي بَعْدَهُ مِنْ غَافِلٍ *** أَوْ جهولٍ رَبُّنَا عُذْرَ اَلْجَفَاءِ

لَيْسَ بَعْدَ الْيَوْمِ قَولٌ نافِعٌ *** لَيْسَ يُجْدِي بَعْدَهُ كُلُّ فِدَاءِ

حُجَّتِي قَائِمَةٌ فِي جَمْعِكُمْ *** أَنَّا قَدْ قَدِمْتُهَا لِلْعُقَلاَءِ

نتائج الخذلان و الغدر

فدونكموها، فاحتقبوها دبرة الظّهر، نقبة الخُفِّ، باقية العار، موسومة بغضب اللّه و شنار الأبد، موصولة بنار اللّه الموقدة،

فَخُذُوا اَلْإِمْرَةَ مِنَّا عَنْوَةً *** وَ اِنْصُبُوا فِيهَا شُخُوصَ اَلْخُلَفَاءِ

إِمْرَةً دُونَكُمُوهَا... فَأذنوا *** بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ فَي حَرْبِ السَّمَاءِ

هيَ ذِي فَاحْتَقِبُوهَا نَاقَةً *** دِبِرَةَ الظَّهْرِ لِجُرْحٍ وَ دِمَاءِ

لَمْ تَلْ بَاقِيَةَ اَلْعَارِ فَلاَ *** خِزْيُهَا يَفْنِي بِدُنْيَاً وَ فَنَاءِ

عُلِمْتْ فِي غَضَبِ اَللَّهِ وَ قَدْ *** عُلِمَتْ مَوْسُومَةٌ بِاللَّعَنَاءِ

وَ شَنَارِ الْأَبَدِ الْآتِي غَداً *** لَمْ تَزَلْ مُوْصُولَةً دُونَ خَفَاءِ

وَ بِنَارِ اَللَّهِ مُسْتَوْقَدَةً *** هِيَ فِي عَارٍ وَ نَارٍ وَ صَلاَءِ

اَلَّتِي تَطْلَّعُ علي الأفئدة، فبعين اللّه ما تفعلون، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».

ص: 216

نَارُهَا مُوقَدَةٌ سَجَّرَهَا *** لِعَذَابِ اَلْخِزْيِ جَبَّارُ السَّمَاءِ

وَ عَلِيٌ اَلْأَفْئِدَةِ اَلنَّارُ الَّتي *** تَطْلِعْ غَيْضاً بِصُبْحٍ وَ مَسَاءِ

فَبِعَيْنِ اَللَّهِ مَا كَانَ وَ مَا *** تَفْعَلُونَ ظَاهِرٌ دُونَ خَفَاءِ

وَ اَلَّذِينَ ظَلَمُونَا حَقَّنَا *** سَوْفَ يَزْدَادُونَ عِلْماً فِي اَلْجَزَاءِ

أَيْ حَالٍ فِي غَدٍ مُنْقَلَبٌ *** هُمْ لَهُ يَنْقَلِبُونَ بِالْفَناءِ

فِي جُحْتُمَ و عَذَابٍ دَائِمٍ *** وَ سَعِيرٍ فِيهِ آثَارُ الْبَقَاءِ

سَتَصِيرُونَ إِلَيْهِ نَكْساً *** فِيهِ مِنْ خِزْيٍ و عَارٍ وَ عَنَاءِ

فاعملوا إنَّا عاملون

و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنَّا عاملون و انتظروا إنَّا منتظرون.

وَ أَنَا بِنْتُ نَذِيرٍ لَكُمْ *** لِشَنَارٍ و عَذَابٍ وَ فَنَاءِ

فَاعْمَلُوا مَا شِئْتُمُ مِنْ ظُلْمِنَا *** لَيْسَ يَبْقِي الْحَقُّ دَوماً فِي خَفَاءِ

وَ لَهُ نَعْمَلُ إِنَّا وَ بِهِ *** وَجَبَ الصَّبْرُ عَلَيْنَا فِي الْبَلَاءِ

بَعْدَ ذَا فَانْتَظِرُوا وَ أَفْعَالَكُمْ ***كَيْفَ يَحُدُوها فَناءٌ مِنْ فَنَاءِ

وَ لِأَجْرِ الصَّبْرِ إِنَّا نَنْتَظِرْ *** وَ بِهِ فَوْزٌ وَ بُشَرِي فِي اَللِّقَاءِ

كُلُّنَا مُنْتَظِرُونَ فِي غَدٍ *** أَجْرَ أَعْمَالٍ لَنَا يَوْمَ الْجَزاءِ

أَيُّنَا يُخْزِي وَ يُنْجِي حِينَهُ *** وَ بِهِ يَحْكُمُ جَبَّارُ اَلسَّمَاءِ

ص: 217

جواب أبي بكر

ذكره لصفات أبيها

فأجابها «أبوبكر» (محمد بن عثمان) و قال: يابنة رسول الله ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، علي الكافرين عذاب أليماً،

بَعْدَ ذَا قَالَ «أَبُوبِكْرٍ» لَهَا: *** مَادِحاً يُضفِّي عَلَيْهَا بِالثَّنَاءِ

وَ عَلِي خَيْرُ نَبِيِّ مُرْسَلٍ ***كَانَ وَصْفاً زَاهِراً مِثْلَ اَلسَّنَاءِ

وَ هُوَ اَلْخَصْمُ اَلْأَلَدُّ وَ لِذَا *** صَاغَ ذَا فِي ضَلِّ مَكْرٍ وَ دَهَاءِ

قَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اَللَّهِ قَدْ *** كَانَ بِالنَّاسِ أَبُوكِ كَالْفَضَاءِ!

هُوَ لِلْمُؤْمِنِ قَدْ كَانَ أَباً *** وَ بِهِ كَانَ عَطُوفاً كَالْهَوَاءِ

وَ بِهِ كَانَ كَرِيماً وَ بِهِ *** هُوَ قَدْ كَانَ رَوْؤُفاً فِي اَلْقَضَاءِ

وَ بِهِ كَانَ رَحِيماً وَ لِمَنْ *** آثَرَ الْكُفْرَ عَذَاباً كَالصَّلاَءِ

اعترافه بنَسَبها و زوجها ومكانتهم

و عقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النِّساءِ و أخا إلفكِ دون الأخِلَّاء، آثره علي كلّ حميم و ساعده علي كلّ أمر جسيم، لا يحبّكم إلَّا كلّ سعيد و لا يبغضكم إلا كلّ شقيَّ،

وَ عِقَاباً عَظُمَ الْخِزْيُ بِهِ *** وَ عَظِيماً فِي إِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ

أَنْ عَزَوْنَاهُ وَ جدْنَاهُ لَكَ *** هُوَ قَدْ كَانَ أَباً دُونَ اَلنِّسَاءِ

وَ أَخَا إِلْفِكِ قَدْ كَانَ لَهُ *** نَعَمٌ خَلِّ فِي خَلاءٍ وَ مَلاءِ

وَ عَلِيَّ كُلِّ حَمِيمٍ هُوَ قَدْ *** آثَرَ الخَلَّ «عَلِيّاً» فِي الإِخاءِ

ص: 218

هُوَ قَدْ سَاعَدَهُ فِي كُلَّمَا *** حَلَّ مِنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ وَ بَلاَءِ

لَيْسَ إِلاَّ كُلِّ ذِي سَعْدٍ هوِي *** حُبَّكُمْ يَا آلَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

وَ لَعَنَ أَبْغَضَكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَا *** لَيْسَ إِلاَّ كانَ أشقي اَلْأَشْقِيَاءِ

اعترافه بصدق قولها

فأنتم عترة رسول الله الطّيّبون و الخيرة المنتجبون، علي الخير أدلَّتنا و إلي الجَنَّة مسالكنا و أنتِ يا خيرة النساء و ابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك،

لِرَسُولِ اَللَّهِ أَنْتُمْ عِتْرَةٌ *** طَيِّبُونَ كَمَلٌ حَتَّي اَلنَّهَاءِ

خِيَرَةٌ مُنْتَجَبُونَ وَ لَنَا *** أَنْتُمْ فِي اَلْخَيرِخَيْرُ اَلنُّجَبَاءِ

أَنْتُمُ الهادُون لِلْخَيْرِ لَنَا *** و أَدِلاَّءِ بِعِلْمٍ و اهْتِداءِ

وَ إِلَيَّ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ قادَةٌ *** وَ طَرِيقُ الْفَوْزِ حُبُّ الْأَصْفِيَاءِ

مسْلكُ الْجَنَّةِ وَ اَلْفَوْزِ وَ مَا *** عَدَّهُ اَللَّهُ بِكُمْ سَهْلُ اَللِّقَاءِ

أَنْتِ يَا فَاطِمُ مِنْ خَيْرِ النَّسَا *** وَ ابْنَةُ الْمَبْعُوثِ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ

أَنْتِ فِي قَوْلِكِ لِي صَادِقَةٌ *** لَيْسَ مِينٌ قَطُّ فِي ذَا اَلْإِدْعَاءِ(1)

اعترافه بعقلها و حقّها

سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقكِ و لامصدودة عن صدقك، و للِّه ما عدوت رأيَ رسولِ اللّه صلي الله عليه و آله و سلم !!! و لاَعملت إلاَّ بإذنه و إنَّ الرَّائِدَ لا يُكَذِّبُ أهله و إنِّي أُشهد الله و كفي به شهيداً،

أَنْتِ فِي وَفْرَةِ عِلمٍ وَحَجا *** فِيهِمَا سَابِقَةُ كُلِّ اَلنِّسَاءِ

غَيْرُ مَرْدُودَةِ حَقِّ عِنْدَنَا *** وَ لَكَ حَقِّ عَلَيْنَا بِالْوَفاءِ

وَ عَنِ الصِّدْقِ فَلا مصدودَة *** شَأنُكِ اَلصِّدْقُ بِجَمْعٍ وَ خَلاَءِ

أَنَا وَلَلُهُ -بِحُكْمٍ وَ قَضَا- *** مَاعَدَوتُ رَأْيَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ!!!

ص: 219


1- ميْن: (المَيْن): الكذب.

عَمَلِي هَذَا بِإِذْنٍ مِنْهُ لِي *** مَاعَمَلْتُ دُونَ إِذْنٍ وَ اِقْتِفَاءِ

أَبَداً لاَ يَكْذِبُ اَلرَّائِدُ إِنْ *** عُدَّ مِنْ أَهْلٍ لَهُ فِي الإنتماءِ

أُشْهِدُ اَللَّهَ بِأَمْرِي وَ كفِّي *** إِنَّهُ فِي اَلْأَمْرِ نِعْمَ اَلشُّهَدَاءِ

الإدعاء الكاذب

أنِّي سمعت رسول الله يقول: «نحن معاشر الأنبياء، لا نورّث ذهبا و لَا فضّة و لَا داراً و لا عقاراً؛ وإنَّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبّوة و ما كان لنا من طعمة فلوالي الأمر بعدنا، أن يحكم فيه بحكمه».

إِنَّنِي فِي ذَا سَمِعْتُ قَوْلَةً *** لِرَسُولِ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

إِذْ يَقُولُ: -وَ هُوَ الاصادِقُ فِي *** كُلِّ قَوْلٍ قالَهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ

لَانُوَرِّثْ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً *** أو عَقَاراً... نَحْنُ جَمَعَ اَلْأَنْبِيَاءَ!

إنَّما نَحنُ نُوَرِّثْ بَعْدَنَا *** حِكْمَةً تَنْضَجُ فَهُمُ اَلْحُكَمَاءِ!

أَوْ كتاباً نَافِعاً فِي كُلَّمَا *** خُصَّ مِن عِلْمٍ وَ نُورٍ و شِفَاءِ!

أَوْ نُبُوءَاتٍ ومَاكَانَ لَنَا *** بَعْدَنَا مِن طُعْمَةٍ أَوْ مِنْ حِبَاءِ!

فَلِوَالِي الْأَمْرِ يَحْكُمُ فِيهِ مَا *** يَجِدُ الْحُكْمَ بِهِ كَالْأُمَرَاءِ!

صرف الأموال المغتصبة في الجهاد

و قد جعلنا ما حاولته في الكُراع و السّلاح، يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفّار و يجالدون المردة الفجّار و ذلك بإجماع من المسلمين !! لم أنفرد به وحدي و لم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي و هذه حالي و مالي؛ هي لَكِ و بين يديكِ؛ لا تزوي عنكِ و لا تدَّخر دونكِ، أنتِ سيدة أمّة أبيكِ،

وَ جَعَلناما بِنَا حَاوَلْتِهِ *** فِي كُرَاعٍ وَ سِلاَحٍ وَ كِرَاءِ

وَ بَهَا قَدْ جَهَّزُوا مَنْ أَسْلَمُوا *** لِقِتَالٍ وَ جِهَادٍ... بِسَخَاءِ!

و لِكُفَّارٍ وَ فُجَّارٍ بِهَا ***جَالدوا مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ اَلسَّمَاءِ

وَ بإجماع... وَ مَا ذَاكَ سِوَي *** رَأْيُ مَنْ أَسْلَمَ، فِي أَمْرِ اَلْحَبَاءِ!!

ص: 220

أنَا فِيهِ لَسْتُ وَحْيَ قَاطِعاً *** حُكْمَ فَرْدٍ مُسْتَبِدٍ بِالْقَضَاءِ

هَذِهِ حَالِي ومَالِي هِيَ ذِي *** عَنْكَ لاَ تُزْوِي بِعُسْرٍ وَ رَخَاءِ!(1)

دُونَكِ لاَ شَيءَ حَتماً يُدَّخَر *** أَنْتَ فِي الْأُمَّةِ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ

محاولته لتطييب خاطرها

الشجرة الطيّبة لبنيكِ، لا يُدفع ما لَكِ من فضلك و لا يوضعُ في فرعك وأصلكِ، حكمك نافذ فيما ملكت يَدايَ، فهَل ترين أن أُخُالف في ذلكَ أبَاكِ صلي الله عليه و آله و سلم.

لِبَنِيكِ أَنْتِ كُنْتِ شَجَراً *** طابَ مِنْهَا أَصْلُهَا فِي الإِنْتِمَاءِ

فَلَكَ مَالَكَ مِنْ فَضْلٍ فَلَا *** يَدْفَعُ الْفَضْلُ... لَكِ حَتِّي النَّهَاءِ

لَا وَ لَايُوضَعُ فِي فَرْعٍ وَ لاَ *** لَكِ فِي أَصْلٍ نَقِيِّ كَالسَّنَاءِ

حُكْمُكِ فِيما مَلَكَتُ نَافِذٌ *** هُوَ قَطْعِيِّ كَحُكْمِ اَلْأُمَرَاءِ

أَفْهَلْ تَرْضَيْنَ فِي ذَاكَ لَنَا *** أَنْ نُخَالِفْ فِيهِ خَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ

ص: 221


1- تُزوي : زوي الشيء: جمعه و قبضه.

جواب فاطمة الزهراء عليها السلام لأبي بكر

ردّ الإدعاء بالبيان و البرهان و الحجة

فقالت عليها السلام: سبحان اللّه... ما كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم عن كتاب اللّه صادفاً(1) و لا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره و يقفو سُوَرَهُ، أَفَتَجْمعون إلي الغدر؛ اعتلا لاً عليه بالزور.

فَأَجَابَتْ فَاطِمٌ مِنْ عَجَبٍ *** ثُمَّ قَالَتْ فِي هُدُوءٍ وَ اهْتِدَاءِ

-لِأَبِي بَكْرٍ- فَسُبْحَانَ الَّذِي *** مَرْجِعُ اَلْخَلْقِ إِلَيْهِ فِي اَلنَّهَاءِ

عَنْ كِتَابِ اَللَّهِ مَا كَانَ أَبِي *** صَادِفاً عَنْهُ بِلَيْلٍ وَ ضِحَاءِ

وَ لِأَحْكَامٍ أَتَتْهُ فِيهِ لاَ ***كَانَ يَوْماً فِي خِلاَفٍ وَ عَدَاءِ

بَلْ أَبِي كَانَ يُؤَدِّي مَا بِهِ *** وَ لَقَدْ كَانَ لَهُ فِي أَقْتِفَاءِ

وَ لآثَارٍ لَهُ أَوْ سُورٍ *** كَانَ يَقْفُو مَا بِهَا مِنْ أَهْتِدَاءِ

أفإجماعٌ إِلَي اَلْغَدْرِ لَكُمْ *** وَ عَلَيْهِ الزُّورُ زِدْتُمْ فِي اِفْتِرَاءِ؟!

هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً

و هذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغِي لهُ من العوائل في حياتهِ، هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً و ناطقاً فصلاً يقول: «يرثُنِي و يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»، «وَوَرَثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ»، فبَّين (عزّوجلّ) فيما وزَّع من الأقساط،

كُلُّ هَذَا بَعْدَما فَارَقَنَا *** فِيهِ بِالْمَوْتِ أَمِيرٌ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 222


1- صادفاً: معرضاً.

هُوَ ذَا بَغْيٌ لَكُمْ فِي مَوْتِهِ *** يَشْبِهُ اَلْبَغْيَ لَهُ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ

فَرَسُولُ اَللَّهِ لاَقِي مِنْكُمُ *** مِنْ أَذِيَ فِي عُمُرِهِ، أَوْ مِنْ بَلاَءِ

وَ كِتَابُ اَللَّهِ هَذَا حُكْماً *** نَاطِقاً فَصْلاً وَ عَدْلاً فِي الْقَضَاءِ

وَ هُوَ الْقائِلُ فِي حُكْم لَهُ *** وَاضِحٍ فِي اَلْإِرْثِ إِرْث الْأَنْبِيَاءِ

فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي تَوْرِيثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ بَيْنٌ شِبْهُ اَلضِّيَاءِ

بَيَّنَ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** كُلَّ أَقْسَاطِ فُرُوضٍ وَ حِباءِ

بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً

و شرّع من الفرائض و الميراث؛ ما أزاح علّة المبطلين و أزال التظنِّي والشُّبهات في الغابرين كلَّا، بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً، فصبرٌ جميلٌ، و اللّه المستعان علي ما تصفون.

وَ بِهِ قَدْ شَرَعَ اَلْمِيرَاثَ مِنْ *** فَرْضِ إِرثٍ لِذُكُورٍ و نِسَاءِ

مَا أَزاحَ عِلَّةَ المُبطِلِ في *** كُلِّ قَولٍ بَاطِلٍ أوْ إِفْتِرَاءِ

وَ أَزالَ الظَّنَّ وَ اَلشُّبْهَةَ فِي *** حِكْمِهِ فِي الْغَابِرِينَ لِلنَّهاءِ

لَيْسَ فِي اَلْأَمْرِ عَلَيْكُمْ لَبْسَةٌ *** بَلْ تَنَكَّرْتُم لِإِرْثِ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

سَوَّلَتْ أَنْفُسُكُمْ أمراً بِذا *** لَيْسَ غَيْرُ الْمَكْرِ فِيهِ وَ اَلدهَاءِ

لَيْسَ إِلاَّ اَلصَّبْرُ أَحَجِّي وَ عَلَي *** مِثْلِ هَذَا لَجَمِيلٌ لِي بَلاَئِي

وَ هُوَ اَللَّهُ قَدِيرٌ وَ بِهِ ***مُستَعانِي بِبَلاَءٍ وَ رَخَاءِ

وَ عَلَي مَا تَصِفُونَ اَلْيَوْمَ لاَ *** أَرْتَضِي إِلاَّهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

ص: 223


1- لُبسة: شُبهة.

جواب أبِي بكر لها

لا أبعد صوابكِ

فقال أبوبكرٍ: صدق الله و صدق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و صدقت ابْنتُهُ، أنتِ معدن الحكمة و موطن الهدي و الرحمة و ركن الدِّين و عين الحجّة، لا أُبعد صوابكِ و لاَ أُنكرُ خطابكِ، هؤُلَاء المسلمون بيني وبينك، قلَّدونِي ما تقلَّدتُ؛

وَ «أَبُوبَكْرٍ» لِذَا قَالَ لَهَا: *** صَدَقَ اللَّهُ وَخَيرُ الأنبِياءِ!!

و بَذا قَدْ صَدَقَتْ إبْنَتُهُ *** مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ أَنتَ والذّكاءِ

مَوْطِنُ الرَّحِمِةِ أَنْتِ وَ اَلْهُدْي *** أَنْتَ رُكْنُ اَلدِّينِ فِي هَذَا اَلْبِنَاءِ

أَنْتِ لِلْحُجَّةِ عَيْنٌ أَنَا لاَ *** أُبْعِدُ مِنْكَ صَوَاباً فِي اَلْقَضَاءِ

لاَ وَ لاَ أَنْكِرُ مِنْكَ خُطْبَةً *** وَ خِطَاباً شَافِياً فِيهِ شِفَائِي

هَؤُلاَءِ وَ هُمْ مَنْ أَسْلَمُوا *** بَيْنَنَا نَحْنُ جَمِيعاً بِالْإِزَاءِ

وَ هُمْ قَدْ قَلَّدُونِي ما بِهِ *** قَدْ تَقَلَّدْتُ بِحُكْمِ الفُهَماءِ

إلقاء اللوم علي المسلمين

و باتِّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابرٍ و لا مستبدٍ، لا مستأثرٍ و هُم بذَلِكَ شهودٌ.

إِنْفاقٌ مِنْهُمْ قَدْ قَادَنِي *** أَنْ أَخَذْتُ مَا أَخَذْتُ مِنْ حِبَاءِ

غَيْرَ مَا مُسْتَأْثِرٍ فِيهِ وَ لاَ *** مُسْتَبِدِّ فِيهِ فِي شرعِ اَلْقَضَاءِ

غَيْرَ مَفْتُونٍ وَ لَا مُكَابَرٍ *** فِيهِ فَاسْتَفْتَوْا جَمِيعَ الشُّهَدَاءِ

وَ هُمْ أَيْضاً شُهُودٌ وَ هُنَا *** حَضَرُوا جَهْراً وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

ص: 224

فاطمة الزهراء عليها السلام توجه الخطاب إلي الحاضرين

بَل رانَ عَلي قلوبكم

بل رانَ(1) عَلي قلوبكم

فالتفتت فاطمة عليها السلام إلي النّاس و قالت: معاشر النَّاس المسرعة إلي قيل الباطل، المغضية علي الفعل القبيح الأسر، ««أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَي قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟» كلاَّ .. بل رانَ علي قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم،

وَ إِلَي الناسِ الحُضُورِ الْتَفَتتْ *** فَاطِمٌ فِي كُلِّ عِزٍ و إباءِ

ثُمَّ قَالَتْ: مَعْشَرَ اَلنَّاسِ اَلْأَلِي *** تَشْرَعُ اَلْيَوْمَ لَقِيلٍ وَ افْتِراءِ

هِيَ لِلْبَاطِلِ أَوْ أَقْوَالِهِ *** شَاأَنَهَا مُسْرِعَةٌ فِي ذَا اَلْعَيَاءِ

وَ عَلَيَّ فِعْلٍ قَبِيحٍ خَاسِرٍ *** هِيَ ذِي مُغْضِيَةٌ دُونَ حَيَاءِ

هَا هُوَ القُرْآنُ حَقٌ أَفَلا *** فيهِ يُدَبِّرُ عَقْلُ الْفُهَمَاءِ

أَمْ عَلَيْهِ وَ عَلَي أَحْمَازِهِمْ *** قَفِلَتْ أَقْفَالُهَا فِي ذَا اَلْجَفَاءِ

فِيهِ بَلْ رَانَ عَلَي قُلُوبُكُمْ *** مَا أَسَأْتُمْ فِي جَفَاءٍ وَ قَضَاءِ

جزاء الأعمال السّيئة و عواقبها

فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأوَّلتم و ساء ما به أشرتم و شرّ ما به إعتضتم، لتجدُّنَّ -واللّه- محمله ثقيلاً و غيّه وبيلاً،(2) إذا كُشف لكم الغطاءُ؛ وبان ما ورائه الضرَّاء،

أَخَذ اللَّه لِهَذَا سَمْعَكُمْ *** وَ بِأَبْصَارِكُمْ فِي اَلإِنْتهَاءِ

ص: 225


1- ران: الصدأ.
2- وبيلاً: وبيل، أي ثقيل وخيم.

بِئْسَ مَا أَحْدَثْتُمْ أَوْ مَا بِهِ *** قَدْ تَأَوَّلْتُمْ لِأَحْكَامِ السَّمَاءِ

وَ لَقَدْ سَاءَ بِحُكْمٍ مَا بِهِ *** قَدْ أَشَرْتُمْ دُونَ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ

شَرِّ مَا مِنْهُ بِهِ إِعْتضْتُمُ *** وَ خَسِرْتُمْ فِيهِ أَسْبَابَ الْوَلاَءِ

تَجِدْنَّ فِي غَدٍ -واللَّهُ- ما *** يَثْقُلُ الْحَمْلُ بِهِ يَوْمَ الْجَزَاءِ

غَيُّهُ كَانَ وَبِيلاً عِنْدَمَا *** يَكْشِفُ الحَقُّ بِكَشفٍ للْغِطَاءِ

وَ يُبَينُ مَا بِهِ السِّتْرُ اخْتفي *** وَ هُوَ الضَّرَّاءُ مِنْكُمْ فِي الْوَرَاءِ

وبذا لكم من ربكم؛ ما لم تكونوا تحسبون و خسر هنالك المبطلون.

و بَدَا مِنْ رَبِّكُمْ فِيهِ لَكُمْ *** مَنْ بِهِ لَمْ يَكُ فِيهِ بِالْهَتَدَاءِ

لَمْ تَكُونُوا تَحْسَبُونَ غَيَّهُ *** هَا هِيَ اَلنَّارُ لِحَرْقٍ وَ صَلاَءِ

إِنَّمَا اَلْمُبْطِلُ فِيهِ خَاسِرٌ *** خَسِرَ اَلْمُبْطِلُ مِنْ بَعْدِ اِهْتِدَاءِ

ص: 226

رجوعها إلي الدار و كلامها مع زوجها

ثُمَّ انكْفَاَتْ عليهم السلام

ثُمَّ انكْفَاَتْ عليهم السلام و أمير المؤمنين عليه السلام يتوقَّع رجوعها إليه و يتطلّع طلوعها عليه، فلمّا استقرّت بها الدّار؛ قالت لِأمير المؤمنين عليه السلام: يابن أبِي طالب، اشتملت(1) شملة الجنين و قعدتَ حجرة الظّنيِن، نقضت قادمة الأجدل،(2)

رَجَعَتْ فَاطِمَةٌ و اِنْكَفَأَتْ *** بِعَدَمَا دَانَتْ جَمِيعَ الْخُلَفَاءِ

وَ عَلِيَّ كَانَ فِي الدَّارِ لَهَا *** يَتَطَلَّعْ لِرُجُوعٍ وَ انْكِفاءِ

وَ بِهَا الدَّارُ إِذَا مَا سرَّ مِنْ *** أَوْبَةٍ قَرَّتْ بِهَا وَسَطَ الْفِنَاءِ

حِينَهَا قَالَتْ لِمَا قَدْ نَالَهَا *** «لِأَمِيرِاَلْمُؤْمِنِينَ»، مِنْ بَلاَءِ

أَنْتَ يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ *** اِشْتَمَلَتْ كَجَنِينٍ في غِشاءِ

وَ قَعَدَتَّ حُجْرَةَ الْمَظْنُونِ مَنْ *** بِهِ التُّهَمَةُ حَلَّتْ فِي الْقَضَاءِ

وَ نَقَضْتَ مِنْ مَقَادِيمٍ بِهَا *** كُلُّ طَيْرٍ طَائِرٌ فِي ذَا الْفَضَاءِ

كلمة عتاب لها مع عليّ عليه السلام

فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة؛ يبتزّني نحلة أبي، و بلغة إبني، لقد أجهر في خصامي و ألفيته الألدَّ في كلامي،

وَ بِهَا الْأَجْدَلُ فِي تَحْلِيقِهِ *** يَخْرِقُ الْأَبْعادَ فِي جَوْفِ السَّماءِ

ص: 227


1- إشتملت: إشتملّ بثوبه: تلقّف.
2- الأجدل : الصقر.

صِرْتَ أَلْآنَ لِأَمْرٍ أَغرَلاً *** مِن سِلاحٍ وَ كُرَاعٍ وَلِواءِ

هُوَ ذَا إبنُ أَبِي قُحَافَةٍ *** بَزَّنِي نِحلةَ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ

هُوَ ذَا يَبْتَزُّنِي إِرْثَ أَبِي *** وَ لِإِبْنِيَّ مَعَاشاً فِي اِكْتِفَاءِ

وَ لَقَدْ أَجْهَرَ فِي خُصُومَتِي *** وَ خِصامِي دُونَ خَوْفٍ و خَفَاءِ

وَ لَقَدْ ألْفَيْتُهُ اللُّدَّ الَّذِي *** فِي كَلامِي كَانَ لِجَاً بِالْهَرَاءِ

وَ هُوَ الْحَاكِمُ وَ الشَّاهِدُ فِي *** كُلِّ دَعْوَي سَاقَهَا عِنْدَ اَلْقَضَاءِ

تخبره بالموقف

حتَّي حبستني قيلة نصرها و المهاجرة وصها و غضَّتِ الجماعة دوني طرفها، فلاَ دافع و لا مانع، خرجتُ كاظمة، وعدتُ راغمة،

حَبَسَتْنِي قَيلَةٌ عَنْ نَصْرِهَا *** وَ هِيَ الْيَوْمَ عَليَّ غيرِ اهتِداءِ

دِينُها دِينُ مُلُوكٍ إِنَّهَا *** عَدَلَتْ عَنَّا إِلَيَّ سُوءِ وَلاَءِ

وَ لَإِسْعا فِي وَ وَصْلِي اِمْتَنِعُوا *** مِنْ بِهِمْ هَاجَر خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ

دُونِيَ اَلطُّرْفُ غَدَتْ مَغْضُوضَةً *** مِنْ جَمَاعَاتٍ بِهِمْ كانَ رَجائِي

لَيْسَ لِي فِي الْأَمْرِ غَيْرِي دَافِعٌ *** لَيْسَ غَيْرِي مَانِعٌ لِلْإِعتداءِ

قَدْ خَرَجْتُ مِنْ هُنَا كَاظِمَةٌ *** كُلَّ آلاَمِي وَ حُزْنِي وَ بَلائِي

ثُمَّ عُدْتُ بَعْدَها رَاغِمَةً *** دُونَ حَقِّ وَ حُقُوقٍ وَ وَلاَءِ

ليتني متُ قبل هينتي

أضرعت خدَّكَ، يوم أضعتَ حدَّكَ، إفترست الذئَاب و افتَرشتَ التراب، ما كففتَ قائِلاً؛ ولا أغنيتَ باطلاً و لا خيار لي، ليتني متُّ قبل هينتي، و دونَ ذِلَّتِي،

وَ لَقَدْ أَضْرَعْتَ أَنْتَ اَلْيَوْمَ في *** خَوضِها خَدَّكَ شِبْهَ اَلْجُلَسَاءِ!

وَ تَرَكْتَ حَدَّكَ اَلْقَاهِرَ فِي *** طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ جَاءَتْ بِالْبَلاَءِ!

إفتَرسْتَ لِذِئَابٍ قَبْلَ ذَا *** فِي حُرُوبِ اَلْأَمْسِ لَجَّتْ بِالدِّمَاءِ

ص: 228

وَ اِفْتَرَشَتَ اَلْأَرْضَ مِنْ بُؤْسٍ وَ مِنْ *** فَاقَةٍ شَبَهَ جُلُوسِ اَلْفُقَرَاءِ

ماكَفَفْتَ قَائِلاً عَنِّي وَ لاَ *** بَاطِلاً أَغْنَيْتَ عَنِّي فِي بَلاَئِي

لَيْسَ لِي فِي ذَا خِيَارٌ إِنَّنِي *** لَا اخْتِيَارَ لِي بِجَنْبِ اَلْأَقْوِيَاءِ

لَيْتَنِي قَدْ مِتُّ قَبْلَ هِينَتِي *** دُونَ ذُلِّي فِي اِفْتِرَاءٍ وَ عِدَاءِ

مات العمد و وهنّ العضد

عذيري اللَّه منك عادِياً و منك حَامِياً، وَيلايَ في كلِّ شارق، مات العمد و وهنَ العضد؛ شكواي إلي أبي و عَدوايَ إلي ربِّي، اللَّهُمَّ أنتَ أَشدُّ قُوَّةً وَ حولاً،

فِنْتَةٌ فِيهَا عُذِيرِي اللَّهِ مِنْك *** عَادِياً فِيهَا ومِنْكَ فِي احْتِمَاءِ

شِدَّتِي... وَيْلاَيَ مِنْهَا كُلَّمَا *** شَرِقَتْ شَمْسٌ وَ غَابَتْ فِي مَسَاءِ

مَاتَ لِلدِّينِ لِشَأْنٍ عَمدٌ *** وَ هُنَّ العَضُدُ بِهِ يَوْمَ اللِّقَاءِ

عَمْدُ اَلدِّينِ أَبِي «مُحَمَّدٌ» *** وَ عَلِيٌّ عَضَدٌ صَعْبُ اَلْوَفَاءِ

لِأَبِي شَكْوَايَ عَدوايَ إِلَي *** رَبِّي لاَ أَعْدُوهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

أَنْتَ اَللَّهُمَّ رَبِّي وَ لِذَا *** فِي أُمُورِي لَكَ أَصْبُو فِي دُعاءِ

أَنْتَ في هذا أَشَدُّ قُوَّةً *** أَنْتَ فِي حَوْلٍ مُبِيرٌ الأَشْقياءِ

نهنهِي عن وجدك

وأحدُّ بأساً تنكيلاً، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاَويلَ عليكِ، الويل الشانئَكِ، نهنهِي(1) عن وجدّكِ يا بنَةَ الصَّفوَةِ و بقية النّبؤَّةِ، فما و نيتُ عن ديني و لا أخطَأتُ مقدوري، فإن كنتِ تريدينَ البلغة فرزقُكِ مضمون،

وأَحَدُّ مِنهُم بَأْساً وَ في *** قُوَّةِ اَلتَّنْكِيلِ غَيْثٌ مِنْ بَلاَءِ

وَ عَلِيُّ عِنْدَهَا قَالَ لَهَا: *** لاَ عَلَيْكِ اَلْوَيْلُ يَا خَيْرَ اَلنِّسَاءِ

هَا هُوَ اَلْوَيْلُ لِشَانِيكِ فَلاَ *** تَحْزَنِي يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 229


1- نهنهي: كُفّي.

نَهنِهِي عَنْ وَجْدِكِ اَلْآنَ فَلاَ *** تَأْسَفِي يَا أبنةَ نِعْمَ الْأَصْفِيَاءِ

أَنْتِ يا فاطِمُ مِنْ بَقِيَّةٍ *** لِلنَّبُوَّاتِ لَها كُلُّ الثَّناءِ

مَا وَنَيْتُ اليَومَ عَن دِينِي ولا *** إِنَّنِي أَخْطَأْتُ مَقدُوري بِداءِ

أَنْتِ إِنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ بِهِ *** بُلْغَةً فَالرِّزْقُ مَضْمُونُ اَلْبَقَاءِ

حسبي الله

وكيفلكِ مأمون و ما أُعِدَّ لَكِ خيرٌ ممَّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي اللَّهَ.

أَوَ لَيْسَ اَللَّهُ فِي ذَا كَافِلاً *** رِزْقَ مَا فِي اَلْأَرْضِ أَوْ مَا فِي اَلسَّمَاءِ؟

وبِهِ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** هُوَ مَأْمُونٌ بِهِ مُنْذُ ابْتِداءِ

وَ لَكِ ما قَدْ أَعَدَّ عِنْدَهُ *** لَكِ فِيهِ الْأَجْرُ فِي يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

عِزَّةٌ فَخْرٌ شُمُوخٌ نِعْمَةٌ *** وَ بِهِ خُلدُ بَقَاءٍ بِبَقَاءِ

كُلُّهُ أَفْضَلُ مِمَّا قَطَعُوا *** عَنْكِ مِنْ إِرْثٍ وَ حَقِّ وَ حِبَاءِ

وَ بِهِ فَاحتَسِبِي اللَّه اَلَّذِي *** لِرِضَاهُ اَلصَّبْرُ يَحْلُو فِي اَلْبَلاَءِ

هِيَ لِلَّهِ وَ لِلدِّينِ ارْتضتْ *** بَعْدَ ذَا وَ اِمْتَثَلْتْ أَمْرَ اَلسَّمَاءِ

فقالت: حسبيَ اللَّهُ.

وأمسكَتْ.

التسليم لأمر الإمام عليه السلام

بامتثالٍ لِعَلِيِّ زَوْجَهَا *** ووَصيِّ هُوَ خَيْرُ الأوصياءِ

ثُمَّ قَالَتْ: حَسْبِيَ اَللَّهُ فَلَمْ *** يَسْتَمِعْ مِنْهَا كَلاَماً لِلنَّهاءِ

ص: 230

(28) أي ذنب لفاطم عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(1)

ص: 231


1- هو الشيخ عبد العظيم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي سعد الدين التوبلي الربيعي . و آل الربيعي من الأسر العريقة لها شهرتها فأصلها من (تغلب) و هي من قبائل (ربيعة) سكنت البحرين، كما في كتب النسب و أسرة المترجَم له استوطنت قرب (توبلي) في البحرين، ثم هاجرت هذه الأسرة الكريمة إلي خوزستان جنوب إيران. ولد الأديب الفذ الشيخ عبد العظيم في (النصار) التابعة لمدينة عبادان الإيرانية في الحادي عشر من شهر ذي القعدة لسنة (1323) هجرية. فصادفت ولادته ذكري مولد الإمام الرضا عليه السلام فتفاءل والده الشيخ حسين به خيراً و أرّخ ولادته ببيتين قائلاً: الفال كان لها يسرّ المصطفي *** من حيث كانت بالسيادة تنطق و إذا ولدتَ بليلة ولد الرضا *** أرّختها: «عبد العظيم يوفق» 1323 ه- ترعرع المترجم له و نشأ في كنف والده و نال منه التربية الصالحة و غرس في نفسه حبّ الفضيلة و العلم و الأدب و بدأ تحصيله العلمي علي يديه، حتي قطع شوطاً في المقدمات ثم بعد ذلك ارتحل إلي مدينة العلم و الأدب النجف الأشرف و بقي فيها أكثر من عشرين عاماً يرتشف من نمير العلم و الأدب فأنهي الكتب الدراسية المنهجية المقررة في الحوزة علي يد الأفاضل من علمائها فكان منهم الشيخ محمد الصغير وآية الله السيد جواد التبريزي و العالم الكبير المرجع الأعلي السيد أبو الحسن الأصفهاني و آية الله السيد محمد رضا آل ياسين و آية الله الشيخ باقر الزنجاني و آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي. هذا من جانب و أما من جانب مكانته العلمية و الأدبية فهو من أشهر أدباء عصره و من الشعراء الذين رمقهم أخدانهم، فقد أجاد النظم في مختلف أبواب الشعر كالوصف و الغزل و النسيب و المدح و الرثاء و شعره ليس بالمتكلّف المعقّد فهو سريع البديهة ذو قريحة فياضة و أيضاً يجيد النظم الشعبي أي (الحسچة. شملت قصائده مدايح و مراثي أهل البيت «عليهم السلام» فهو يعتبر بحق شاعراً من شعراء أهل البيت «عليهم السلام» منه في المدح و الرثاء. آثاره العلمية والأدبية: 1- كتاب السياسة الحسنية في جزأين مطبوع. 2- الطريقة الوسطي. 3- وفاة الإمام الرضا «عليه السلام». 4- متن ألفية الربيعي -منظومة في علم النحو. 5- منظومة في العقائد. 6- منظومة في المنطق. 7- رباعيات الربيعي و هي (444) رباعية في المواعظ و النصائح و الحكم و الأمثال. 8- ديوان الربيعي في القريض. 9- ديوان الربيعي في الشعر الشعبي. و له كتب مخطوطة في اللّغة و التاريخ وبعض الحواشي و التعليقات علي الكتب العلمية . وفاته - لبّي نداء ربه في الثامن من جمادي الثانية سنة (1339 هجرية) الموافق (1979 م) في مسقط رأسه في النصار و دفن فيها و قد رثاه الشعراء بقصائدهم. و قيل في تاريخ وفاته: عبد العظيم أخو العلي *** خطبي به خطب جسيم عاش الحياة مجاهداً *** أرخَ «و قد رحل العظيم» 1399 ه-

إِنَّ داراً حَدِيثُ الكِسَاءِ*** دَارُ مَجدٍ سَمَت عَلَي الجَوزاءِ