اَلْفَاطِمِيَّاتُ
مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام
اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ
اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ
دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولي
1426 ه_ - 2005 م
ص: 1
اَلْفَاطِمِيَّاتُ
مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام
اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ
اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ
دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع
ص: 2
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولي
1426 ه_ - 2005 م
دارالعلوم التحقيق والطباعة والنشر والتوزيع(1)
ص: 3
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَ بِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ الرَّ حْمَنِ الرَّ حِيمِ ﴿3﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ اهْدِنَا الصِّرَ اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿6﴾ صِرَ اطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿7﴾
ص: 4
إِلَيْكَ... يَا فَلَذِهُ الْإِنْسَانُ الرَّسُولُ... الَّذِي اسْتَطَالَ رَاسَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ فَلاَمَسَهَا فَإِذَا كُلُّ أَبْوَابِ رحمتها وَ نِعْمَتِهَا وَ هُدَاهَا مَفْتُوحَةً إِلَيْكَ عَلَي الرَّحَابِ...
إِلَيْكَ... أَيُّهَا الْكَوْثَرُ عليها السلام الصَّيْبُ الَّذِي اهْتَزَّتْ لَهُ بَرَكاتُ الأَرْضِ خَيْراً وَصِدْقاً و براءةً... إِلَيْكَ... أَيَّتُهَا الْحَوْراءُ الإِنسِيَّةُ عليها السلام... يا نُورَ الوُجُودِ وَنَشيجَهُ الْحَزِينَ...
إلَيك... أَيَّتُهَا المَهضُومُهُ المَقْهُورُهُ... أَيَّتُها المَجهولُهُ قَدْراً و الْمَدْفُونُهُ سِرّاً...
إِيهٍ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ... ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرَي وَ لا فُتُوناً يَتَرَدَّدُ ذلِكَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي يَرْوِي بِهِ التَّأْرِيخُ أَنْبَاءُ مِسْمَارٍ وَ بَابٌ... و سَقَطَ جَنِينٌ... وَ حُمْرَةُ خَدٍ وَ عَينٍ... وَ قُرْطٌ مَنْثُورٌ... وَ نَفْئَةُ قَلْبٍ مصدوع مَوْجُوعٌ... ثُمَّ ذبولٌ... فغيَّاب فِي التُّراب...
إيهِ يا سَيِّدَتي... كانَ وَلا زالَ أَنينُكَ وَ حَنِينُكَ الهَادِفُ الشَّجِيُّ مِلءَ كُلِّ أُذُنٍ وَ قَلْبُ.
يَا فَاطِمُه... يَا مَنْ ذَكَرَكَ عِطْرَ اَلْحَيَاةِ... أَيَّتُهَا الْمَفْطُومُهُ بِالْجَلاَلِ وَ اَلْجَمَالِ... أَيَّتُهَا الحانيه الآسِيَةُ... هَا هِيَ أَخْزَّائُنَا وأَشْوَاقُنَا نَنْشُرُها دُموعاً مُقْفَّاةً... وَ نَنْظُمُهَا شُعُوراً وزَفَراتٍ نَرفَعُهَا لِرِحَابِ الْوَاسِعِ الْفَسِيحِ... و نَعْلَمُ أَنَّك أهْلٌ لِلقَبولِ وَ إن لَم نَكُن نَحنُ أهلاً لِلقَبولِ.
هَا هِيَ... يَا سَيِّدَتِي وَرِيقَاتُ ولائِي... جَمَعْتُهَا عَلَي ضَعَتِي وَ قِلَّةَ باعِي... أَضَعُها بَيْنَ يَدَيْكَ الْحانِيَةَ لِتَكُونَ شَفِيعِي عِنْدَكَ... وَ كُلِي أَمَلٌ وَ رَجَاءَ أَنْ تَقْبَلِيها مِنِّي بَعْدَ أَنْ تَقْبَلِينِي... فَهَا هِيَ بَيْنَ يَدَيْكِ سَيِّدَتِي... اقبَليها قَبْلَ أَن يَطْوِيَنِي المُؤتُ... وَيَطُوحَ بِها النِّسْيانُ...
المؤَلّف
ص: 5
ص: 6
(بحر السريع)
بِحُبِّ طه كُلِّ أَوْقَاتِيٍ *** أَدْرَأ ْأَفْوَاجُ اَلْمُلِمَّاتِ
لي خافَقٌ يُعلِنُ لِلمُرتَضي *** و البَضعَةُ اَلطُّهْرُ مُوَالاَتِي
وَ مَقُولٌ يُعْرَّبُ لِلْمُجْتَبَي*** عَنْ فَرْطُ حُبِّي لاَ مُحَابَاتِي
تَخَذْتَ مِنْ حُبِّ حُسَيْنٍ سُدِّي *** حِينَكَتْ بِهِ لَحْمُهُ رَايَاتِي
بِحُرْمَةِ اَلسَّجَّادِ ثُمَّ اِبْنُهُ *** اَلْبَاقِرُ أدْنُو بِمُنَاجَاتِي
بِجَعْفَرٍ ثُمَّ سَليلُ التَّقِيِّ *** الْكَاظِمِ تَقْضِئُ كُلُّ حَاجاتٍ
وَ بِالرِّضَا اَلْعَالِمِ كَهْفِ اَلْوَرَي *** اِدْفَعْ أَمْوَاجَ اَلْبَلِيَّاتِ
وَ لِلْجَوَادِ فِي اَلْحَشَا جَذْوُهُ *** تَرُوئُ بِأَشْجَانِي وَآهَاتِي
لِلْعَسْكَرِيَّيْنِ أَسَي قَدْ ثَوَي *** فِي اَلْقَلْبِ تَنْبِي عَنْهُ أَنَاتِي
وَ الْحُجَّةُ المُنْتَظَرُ الْمُرْتَجي *** لِلثَّأْرِ والنَّصِّ بِهِ آتٍ
بِشِرَاكٍ يَاشِيخَ عَلَيَّ لَنَا *** سَادَاتُ حَقٌ خَيْرُ ساداتٍ
وَ أَنْتَ يَا خَيْرَ نَصِيرٍ لَهُمْ *** خُذْهَا فَذِي مِنْهُمْ مُوَاسَاتِي
وَ إِنَّمَا سَفَرُكَ فِي مَا أَرَي *** يُسْفِرُ عَنْ أَجْمَلِ آيَاتٍ
بنشر صَوْتِ اَلْعَدْلِ يَا شيْخنَا *** يَأْمُرُنَا رَبُّ اَلسَّمَاوَاتِ
كَأَنَّ أَمْرَ اَلْوَحْيِ (تاريخه) *** (اكتُب كِتابَ الفاطميّات)
الأستاذ جابر الكاظمي
19/ شوال / 1418ه
ص: 7
هذا كتابٌ ماله مشبه *** من دهرنا الماضي ولا الآتي
جاء من الشعر بأعجوبة *** أو قل بآيات و آيات
ماجال فيه الطرَّف إلا كما *** جال من الحسن بجنات
من تابح الزهراء يهفوله *** في كل حرف بالمناجاة
و من قلاها لها هداهُ الهدي *** مَلَّ ووالي عابدي اللات
و مذ رايت الله قد خصّه *** بفيضه من السماوات
و أن أهل البيت سُرُّوا به *** لما به من المواساةِ
أرخت «قد سّرعلي حيدر *** أهل الكسا بالفاطميات»
الشيخ قيس العطار
1418 ه. ق
ص: 8
لكل حديث بداية ونهاية... إلّا الحديث عن فاطمة عليها السلام، و من يتصل بها بنبوة أو إمامة. فإن الكلام عنهم لا نهاية له. و كلما أمعن المتحدث أن يلمَّ بجوانب الكلام حتي يصل إلي خاتمة في المطاف لايصل يوما إلي ساحل... إذ كلما يتصوّر -المتحدِّث- عنهم أنه وصل إلي نهايته يجد أنه لا زال في البداية.
إن هذا الشيء عجيب... ربما لا تدركه عقولنا الناقصة و ربما لا تستوعب عمقه في يوم من الأيام ولكنها أيضاً لا تملك إلا أن تصدِّق بهذا عندما تسمع كلمات السماء تشير إلي بعض جوانب العظمة فيها «سلام الله عليها».
فمثلنا و نحن نتحدث عن فاطمة عليها السلام كمثل من وقف يتأمل في الفضاء الواسع الرحيب ليعرف جوهره أو ليكتشف ما به من أسرار وخفايا... فإنّه كلّما أمعن النظر وحدّق طويلاً و استنفد كل ما بعينه من قدرة علي الرؤية و الإبصار فإنه لا يصل إلي حدود أو سدود سوي تموّجات النور المتوهِّج في عيون الكواكب...
فهو يري النور فيحركه و ينبهر به و ربما يصفه أو ينسبه لمصدره و لكن دون أن يعرف جوهره المكنون وراء إشراقه...
و هكذا حينما نتحدث عن فاطمة الحوراء الإنسية عليها السلام... فكلَّما ندِّقق و نمعن النظر تأملاً وتفكيراً لا نتمكن أن نري حقيقةَ
ص: 9
أو جوهراً غير أنوار الزهراء عليها السلام الساطعة التي تحرّكنا و تشدّنا و تبهرنا ... و تمزّق ظلمات القلوب و الضمائر فينا، و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بأن وراء هذا النور سراً خفياً وعالماً عميقاً أمامنا لانتمكن أن نعرفه ولكن نعرف صفته و مصدره ...
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام:
لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزهراء عليها السلام زَهْرَاءَ ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٌ خَلَقَهَا مِن نُورِ عَظَمَتِهِ فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَوَاتُ و الأَرضُ بِنُورِهَا وَغُشِيَتْ أَبْصَارَ الْمَلائِكَةِ و خَرَّتَ المَلائِكَةُ لِلَّهِ سَاجِدِينَ وَ قَالُوا:
إِلَهُنَا وَسِيدَنَا مَا هَذَا اَلنُّورُ ؟ فَأَوْحَي اللَّهُ إِلَيْهِمْ: هَذَا نُورٌ مِن نُورِي و أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي خَلَقْتُهُ مِن عَظَمَتِي أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍ مِن أنبِيائِي أُفَضِّلُهُ عَلي جَميعِ الأَنْبِيَاءِ وأُخرِجُ مِن ذَلِكَ النُّورِ أئِمَّةً يَقُومُونَ بِأَمْري يَهدُونَ إلي حَقِّي وأَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِي فِي أَرْضِي بَعْدَ انْقِضَاءِ وحْيِي.(1)
هذا نور الزهراء... نور فاطمة عليها السلام... و عظمته، فلا غرابة إذا اعترفنا بعجزنا عن إدراكه، ليس لنقص فيه بل لنقص فينا، و عجز في مداركنا و حواسنا عن الوصول إلي عالم المعني و إدراك الماورائيات...
و نبقي هكذا نولد علي حبها عليها السلام و نقتفي خطاها و نموت علي ذكرها دون أن نفهمها كما ينبغي أو نعرفها كما يحق...
فنحن و فاطمة عليها السلام... نحن و بحر عميق أو فضاء رحيب لا نملك إلاّ أن نذعن لهذا السر العجيب و نؤمن بمزاياه و خصوصياته التي تفوق مزايا البشر و إن لم نتوصل لم و لن نتوصل إليه يوماً.
و هذا ليس نسجاً من الخيال، و الكلام المجرد نعبّر به عن مشاعرنا تجاه السيدة الطاهرة - أم النبوة و الإمامة عليها السلام - أم أبيها عليها السلام؛ بل هو حقيقة كونية موجودة في هذا الكون الرحب يحس آثارها القريب و البعيد دون أن يتوصّل إلي كنهها وجوهرها .
و ذلك لأنها سلام الله عليها قطب من أقطاب دائرة الإمكان و لا
ص: 10
يمكن أن يستوعبها غير المعصوم عليهم السلام لأن الضيّق المحدود لا يمكن أن يحيط بالواسع كما قالوا في عجز مدارك الإنسان عن الوصول إلي حقيقة الخالق سبحانه لأن اللامتناهي الوجود يستحيل أن يحيط به المتناهي أو يدرك كنهه. (1)
بل هي أيضاً: أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام السابقين علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و درجتها المعنوية أسمي و أرفع كما دلّت علي ذلك الأدلة الخاصة.
و هي أيضاً أفضل من أولادها عليهم السلام كما قال مولانا الحسين عليه السلام: أُمِّي خَيْرٌ مِنِّي. (2)
بل هي حجة علي كل أولادها الطاهرين كما قال مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام: وَ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْنَا. (3)
كما هي سيدتهم وقدوتهم عليهم السلام كما قال مولانا الحجة و صاحب الأمر عجل الله تعالي فرجه الشريف: وَفِي إِبْنَةُ رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .(4)
و من كان كذلك لا يتمكن الإنسان العادي المحدود أن يصل إلي معرفته كما ينبغي ...
قيل في الخصائص الفاطمية:
وَ لَعَمري فَحَسَرَ عَن إِدْراكِها كُلُّ إِنْسَانٍ عَارِفٍ و قَصَّرَ عَن وَصْفِهَا و إِحْصائِها لِسانَ كُلِّ مَحصٍ وَ وَاصِفٍ وَ الْكِلْ بِضُروبِ فَضائِلِها مُعْتَرِفونَ و علي بَابِ كَعْبَةَ فَوَاضِلُها مُعْتَكِفونَ وَ خَصَّها اللَّهُ مِن وَ صائِفِ فَضلِهِ وَ شَرائِفِ نَبْلِهِ بِأَكمَلِ ما أعَدَّهُ لِغَيرِها مِن ذَوي النُّفوسِ القُدسِيَّةِ وَ الأعراقِ الزَّكِيَّةِ وَ الأخلاقِ
ص: 11
الرَّضِيَّةُ و الحُكمُ الإلهِيَّةُ و سَطَعَ صُبْحُ النُّبُوَّةِ بِطَلْعَتِها اَلْحَمِيدَةِ وَ غَرَتْهَا اَلرَّشِيدَةُ فَلَهَا الكَمَالاتُ الإنْسانِيَّةُ ومَلِكَاتُ الْفَضَائِلِ النَّفسانِيَّةِ كَأنَّ طِينَتَهَا قَدْ عُجِنَتْ بِمَاءِ الْحَيَاةِ وَعَيْنُ الفَضلِ في حَظِيرَةِ الْقُدُسِ فَهِيَ نُورُ الْحَقِّ وحَقِيقَةُ الصِّدْقِ وَ آيَةُ الْعَدْلِ فَتَعالَي مَجْدُها وَ تَوَالي إِحْسانِها. (1)
و من هنا... فإنها عليها السلام تملك الولاية كالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة الطاهرين عليهم السلام بتفويض من الله سبحانه و منحه.
و هي أيضاً ... كسائر المعصومين عليهم السلام ... مجري الفيض الإلهي لهذا العالم.
كما إنّها العلة الغائية اولتي لها أو لمحبتها خلق الله سبحانه العالم...
و أيضاً هي...كسائرهم عليهم السلام... سبب دوام الفيض الإلهي علي الكون و علة استمراره بقاءً...
و غير ذلك من مقامات معنوية خاصة منحها الله سبحانه لها و لهم بما لم يمنحه لأي أحد سواهم عليهم السلام. و هذا من المعاني العميقة التي قامت عليها الأدلة العقلية و النقلية التي بحثها علماء الحكمة والكلام في كتبهم الخاصة...
ولكن... لتقريب بعض هذا المعني إلي الأذهان سأقوم بنقل بعض الأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السلام -أمناء الله سبحانه علي سرِّه- و هي تتحدث عن فاطمة عليها السلام و مقاماتها الرفيعة كي نفهم بعض ذلك بقدرنا لا بقدرها...
ص: 12
طبعاً... لا أريد أن أتحدث عن الزهراء عليها السلام و ما حوته -الصديقة الكبري عليها السلام- من الكمالات الهائلة التي لم يكن بإمكان أحد منّا أن يستوعبها أو يدرك بعضها إلّا من خلال ما قاله عنها أهل البيت عليهم السلام... و لكن اقتباساً من بعض كلماتهم عليهم السلام سأحاول أن أشير إلي بعض ما ذكروه عن مقامها و عظمتها و كمالاتها حسب فهمنا القاصر...
ليست الزهراء «سلام الله عليها» بالمرأة العادية التي تعيش أيامها في المطبخ و أسواق الملابس و المحلي و غيرها من المواطن التي ألفتها المرأة العادية فألفت ثقافتها و عاشت بمستواها في الغالب.
بل كانت عليهم السلام فوق ذلك كله فهي إلي جانب إنسانيتها الرفيعة تحمل خصائص الملائكة و صفات الحور المترفعة عن الدنيا و شؤونها و اهتماماتها...
بل تفوق حتي الملائكة و الحور... ذلك لأن الملائكة و أخواتها ترفّعن عن الدنيا و لذائذها قهراً بمقتضي صنعها و جبلّتها الأولي التي لا تميل إلي الدنيا و رغائبها المادية...
بينما الزهراء «سلام الله عليها» و هي الإنسانة... تعيش كسائر الناس في الدنيا... بما فيها من لذائذ و مغريات... ولكنها تأبي إلاّ أن تتنزّه عن دناءة هذه الدنيا و تترفّع عن خسَّتها بالعلم و الإرادة و الاختيار...
فهي إنسانة جسداً و لكنها ملك و حوراء روح و نفساً و ضميراً...
ص: 13
فكانت بذلك إنسانة... وكانت حوراء فقال عنها أبوها صلي الله عليه و آله و سلم المتحدث بلسان الغيب: فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ. (1)
ومن هنا حملت «سلام الله عليها» صفات الحور العين و اتسمت بسماتها ... فكما أن الحور العين لاتطمث كانت هي أيضاً «سلام الله عليها» طاهرة من الطمث و قد وردت في مجاميعنا الروائية أخبار عديدة تدل علي ذلك:
ففي حديث روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله عن مصادر العامة يقول صلي الله عليه و آله: إِبْنَتِي فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءَ آدَمِيَّةٌ لَمْ تَحُضْ وَ لَمْ تَطْمَثْ.(2)
فكانت بذلك طاهرة مطهَّرة من كلِّ دنس مادي و معنوي و هذه ميزة فريدة امتازت بها مولاتنا عليها السلام علي بنات حوّاء.
و إظهاراً لهذا المقام الرفيع و المنزلة السامية التي امتازت بها علي سائر النساء و ردت الأخبار في تسميتها بالبتول... لتبتّلها عن الطمث كما روي القندوزي: وَ إنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام البَتُولُ لِأَنَّها تَبَتَّلَت مِنَ الحَيضِ وَالنِّفاسِ.(3)
و روي الكشفي الحنفي عن أم سلمة أنها سلام الله عليها: سُمِّيَتْ فاطِمَةُ عليها السلام بَتُولاً لِأنَّها تَبَتَّلَتْ و تَقَطعَتْ عَمَّا هُوَ مُعتاد الْعَوْرَاتِ في كُلِّ شَهْرٍ.(4)
و البتول كما في رواية الحاكم: الَّتي لَمْ تَرَ مَرَّةً قَطُّ أَيْ لَمْ تَحِضْ فَإِنَّ اَلْحَيْضَ مَكْرُوهٌ فِي بَنَاتِ اَلْأَنْبِيَاء.(5)
و لاغرابة في ذلك أبداً... إذ أن الله سبحانه جعل لمخلوقاته قوانين و سنناً هي عليهم السلام خاضعة لهذه القوانين لاتملك منها حيلة... و بهذه
ص: 14
القوانين والسنن ينتظم نظام الكون ويسري نحو هداه و كماله...
فمثلاً: النار قانونها الإحراق و هو سنَّة الله سبحانه في النار.
و سنَّة الله في النبات أنه يبذر في مكان و زمان وفق ظروف طبيعية خاصة ملائمة ، فينمو و يكبر حتي يثمر...
و سنَّة الله في الشمس أنها تطلع في كل صباح و تغيب في كل مساء التعطي الحرارة و النور و نحو ذلك...
و الإنسان أيضاً لم يخرج عن هذه السنن و القوانين الكونية فطبيعته الجسمية و حالاته النفسية و الروحية أيضاً خاضعة لقوانين و سنن لا تشطّ عنها... إلّا إذا أراد الله سبحانه أن تتخلّف بعض هذه القوانين لمصالح خاصة و هذا ما أراده الله سبحانه لأوليائه...
حيث عكس فيهم «القانون» فجعل القوانين و السنن الطبيعية هي الخاضعة لهم و المحكومة بإرادتهم بإذنه تبارك و تعالي و ليس العكس و ذلك لحكم و مصالح خاصة و هو الذي يسميه علماء الكلام -بالمعجزات و الكرامات- في خرق قوانين الطبيعة.
فالنار التي قانونها الإحراق جعلها الله سبحانه و تعالي برداً و سلاماً علي وليّه إبراهيم الخليل عليه السلام.
و شجرة اليقطين التي تحتاج إلي زمان و ظروف خاصة لكي تزرع ثم تنمو و تكبر حتي تصبح شجرة حسب قوانين النبات و سننها الكونية جعلها الله سبحانه تنبت و تورق و تنتشر أغصانها الوارفة لوليِّه يونس عليه السلام في فترة لاتعد بالحسبان.
و قانون النطفة وتحوّلها إلي جنين في رحم طواه الأم الذي يستغرق ستة أشهر أو تسعة أشهر ليكتمل في أطواره وأدواره جعله الله سبحانه المريم ابنة عمران عليه السلام بتسع ساعات أو ست ساعات فقط بلا مسّ بشر.(1)
ص: 15
و علي غرار هذا تصدر المعجزات في خرق قوانين الطبيعة عن أولياء الله سبحانه و بهذا ترتفع الغرابة عن إمكان نقاء الحوراء الإنسية عليها السلام من دم الحيض و النفاس...
فإنَّ الحيض الذي تراه المرأة عادة في كلّ شهر ما هو إلاّ دم فاسد تخزّن في جسم المرأة ليصبح فيما بعد غذاء للجنين في حالة الحمل، حتي إذا لم تنعقد نطفته نبذه الرحم إلي الخارج بواسطة الدورة الشهرية... لأنه إذا بقي في رحم المرأة يضرها و يسبب لها الأذي الروحي و البدني... كما بناكر ذلك الأطباء.
قال تعالي: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ اذي .(1)
ولكونه أذي... أسقط الله سبحانه عنها بعض التكاليف الشرعية و وضع لها بعض الأحكام الخاصة...
فالصلاة و الصيام ساقطة عنها أيام الدورة الشهرية مع ملاحظة أنَّ عليها قضاء الصيام فيما بعد و حرّم عليها اللبث في المساجد ودخول المسجد الحرام و النبوي و غير ذلك من الأحكام التي ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهية.
ومن الواضح أن أحكام الحيض تجري علي النفاس أيضاً «للحكم والأسباب نفسها»...
فالنساء بشكل عام خاضعات لهذا القانون التكويني محكومات بسننه... ولكن لا غرابة إذا تخلَّف هذا القانون في فاطمة عليها السلام بعد أن كانت حوراءَ أنسية وسيدة نساء العالمين عليها السلام و قدوتهنّ في الدين والدنيا كما أكدّت ذلك الروايات... و جعلتها من خصائصها الخاصة عليها السلام.
عن الحافظ السيوطي : ومِنْ خَصَائِصِ فَاطِمَةَ عليها السلام أَنَّهَا كَانَتْ لا تَحِيضُ وَكَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ طَهُرَتْ مِنْ نِفَاسِهَا بَعْدَ سَاعَةٍ حَتَّي لاَ تَفُوتَهَا صَلاَةٌ .(2)
ص: 16
عن أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام قال: حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَجِل علي عَلي اَلنِّسَاءِ مَا دَامَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام حَيَّةً -أَيْ عَلَي قِيدِ اَلْحَيَاةِ- قُلْتُ و َكَيْفَ ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لاَ تَحِيض. (1)
ومن هنا ذكر علماء اللغة أيضاً في وجه تسميتها بالبتول وجهاً آخر مستفاداً مما ورد في بعض الروايات... فقالوا:
إِنَّهَا سُمِّيَتْ بُتُولاً لانقطاعها عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلاً وَ دِيناً .
قال ابن منظور في لسان العرب: البتلِ: اَلْقَطْعُ... و َسئْلُ أَحْمَدُ بْنُ يحْيي عَنْ فَاطِمَةَ رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهَا بِنْتُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم: لِمَ قِيلَ لَهَا اَلْبَتُولُ؟ فَقَالَ: لاِنقِطَاعِهَا عَن نِساءِ أهْلِ زَمَانِهَا و نِساءِ الأُمَّةِ عِفافَةً وَ فَضلاً وَ ديناً وَحَسباً.(2) و مثل هذا قاله ابن الأثير في النهاية أيضاً.(3)
أقول: و من معاني البتول أيضاً: اَلاِنْقِطَاعُ عَنِ اَلدُّنْيَا إِلَي اَللَّهِ سبحانه و هذا المعني أيضاً جاء في بعض كتب اللغة و هو ما قيل عن فاطمة عليها السلام لانقطاعها عن الدنيا إلي الله عزّوجل.(4)
فإنّ التبتّل: الانقطاع عن الدنيا إلي الله تعالي و الإخلاص له سبحانه. فيقال للعابد «متبتّل» إذا ترك كلَّ شيء و أقبل علي العبادة لأنه قطع كل شيء إلا أمر الله و طاعته، قال تعالي: واذكُرِ اسمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إليهِ تَبْتِيلاَوُهُ.(5) أي أخلص له إخلاصاً.
و تعني الآية الشريفة: في ضمن ما تعنيه اذكر ربِّك بأسمائه «تعالي» التي إذا تعدت بالدعاء بها... تقطعك من كل ما سواه.
ص: 17
و في مفردات الراغب الأصفهاني: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً أي انقطع في العبادة و إخلاص النية انقطاعاً يختص به.
و سميّت فاطمة الزهراء عليها السلام بالبتول لإنقطاعها إلي عبادة الله عزوجل فقد كان دأبها العبادة و الانقطاع إلي الله سبحانه.
روي عن مولانا جعفر بن محمد عليه السلام الي عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام عن فاطمة الصغري عن الحسين بن علي عليه السلام عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: رَأَيْتُ أُمِّي فاطِمة عليها السلام قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً و سَاجِدَةً حَتَّي انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبحِ و سَمِعَتُهَا تَدْعُو لِلمُؤمِنينَ و المُؤمِناتِ و تُسَمِّيهِمْ و تُكْثِرُ الدُّعاءَ لَهُمْ ولا تَدْعُو لِنَفسِها بِشَيءٍ... فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّاهْ لِمَ لاَ تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ اَلْجَارَ ثُمَّ الدَّار.(1)
و روي عن الحسن البصري: مَا كَانَ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَعْبَدُ مِنْ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَقُومُ حَتَّي تَوْمَ قَدَمَاهَا.(2)
و في البحار عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: مَتَي قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا جَلَّ جلاَلُهُ زهي نُورها لِمَلاَئِكَةِ اَلسَّمَاءِ كَمَا يَزْهُو نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الأَرْضِ و يَقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجلٌ لِمَلاَئِكَتِهِ:
يَا مَلاَئِكَتِي اُنْظُرُوا إِلَي أَمَتِي؛ فَاطِمَةَ عليها السلام سَيِّدَةِ إِمَائِي قَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي و قَدْ أَقْبَلَ بِقَلْبِهَا علَي عِبَادَتِي؛ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَمِنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ اَلنَّار. إلي آخر الحديث.(3)
و في كتاب «عدة الداعي» لصاحب الكرامات أحمد بن فهد الحلّي: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام اَلَّتِي تَنْهَجُ فِي اَلصَّلاَةِ مِنْ خِيفَةِ اَللَّهِ و النهج -بفتح النون و الهاء- تتابع النفس.(4)
ص: 18
و لهذه المزايا و الخصوصيات صارت «سلام الله عليها» محل العناية الإلهية...
فأحبها الله سبحانه... و أحبّها رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم... و لأنها كانت خالية من نواقص البشر و دناءاتهم فلا تحب إلاّ بميزان و لاتبغض إلاّ بميزان ، صارت معيار حبهما و بغضهما... فإذا أحبَّت شيئاً أحبه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و إذا أبغضت شيئاً أبغضه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم. حتي قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام:
إِنَّ اللَّهَ يَغضَبُ لِغَضَبٍك وَ يَرْضَي لِرِضاك .(1)
إنَّ اللَّهَ عَزَّوَجِل يَغضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ و َيَرضي لِرِضَاها.(2)
و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أَيضاً:
فَاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا فَقَدْ أَغْضَبَنِي.(3)
و قال أَيضاً :
فاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنّي يُؤْذِينِي مَنْ آذَاهَا ويَسُرُّنِي مَا أسَرَّهَا.(4)
ومن الواضح أن حبّ الله سبحانه و حبّ رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و ليس كحبّنا نحن -البشر- يتحرك للعاطفة و يتفاقم لفرطها فنرضي لرضا المحبوب و نغضب لغضبه بلا موازين... لأننا قد نحب و نبغض بلا معرفة أو وعي الجوهر المحبوب و حقيقته و ربما أحببنا ما لا يليق بالحب استسلاماً للعواطف... و ربما أبغضنا من هو جدير بالحب، استسلاماً للعواطف أيضاً.
ص: 19
أما حب الله «سبحانه» و حب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فهو يرجع إلي المعرفة بما للمحبوب من المواهب و الخصوصيات التي يستحق بها كل هذا الحب... و بغضهما أيضاً خاضع (للقانون نفسه).
ومن هنا أيضاً: صار حبها و بغضها عليها السلام ميزاناً للإيمان و الكفر... و معياراً لتمييز الحق من الباطل...
في بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي سلام الله عليه... لا توجد امرأة أشرف و لاأعظم من فاطمة عليها السلام... بل علي وجه الأرض أبداً. بعد أن جعل الله سبحانه فاطمة عليها السلام أمّاً لأبيها و اختار لها علياً زوجاً و اختارها له زوجة...
قال مولانا الصادق عليه السلام: لَوْلاَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالي خَلَقَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيّاً عليه السلام مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَي ظَهْرِ اَلْأَرْضِ مِنْ آدَمَ فَمَا دُونَهُ.(1)
و في خبر ابن مسعود عن النبي، قال: إِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالي أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ فَاطِمَةَ عليها السلام مِنْ عَلِيٍ عليه السلام.(2)
و لهذا كان بينهم مدرسة... في كل ما للحياة من معني و حاجة...
و هذا لا يجري في مقياس الجسد و مظاهره فقط و إن كانوا بمقاييسه أيضاً هم الأفضل و الأكمل إلاّ أن العناية الكبري منصرفة إلي الروح والمعني.
و لعّلك تجد إشارة أخري في كلمات رسول الله صلي الله عليه و آله تسوق أنظار المسلمين إلي هذا البيت الطاهر... تدعوهم إلي التزكية و التربية و التعلم... من أهل هذا البيت عليهم السلام.
و أيضاً... في حديث المباهلة -بقصّته المفصَّلة و دلالاته القوية المتينة -قد لا نجد تصويراً أكبر لسموّ فضلهم و رفيع مكانتهم و عظيم منزلتهم في هذا القول الشريف: لَو عَلِمَ اللَّهُ أنَّ في الأَرضِ أكرَمَ مِن عَلِيٍ و فَاطِمَةَ و الْحَسَنُ و الْحُسَيْنُ عليهم السلام لَأَمَرَنِي أَنْ أُبَاهِلَ بِهِم.(3)
ص: 20
و هذا التعبير بدلالاته القوية ينشيء في نفوسنا صوراً شتي للقيم و الفضائل تكشف عن مقاماتهم الرفيعة في العالم الروحاني... و هذا هو الشرف العظيم الذي تخشع له القلوب والضمائر .
و بهذا يتوصّل الإنسان مهما أوتي من فهم... أن عقله لا يتصوّر مثالية و لا عبقرية أرفع من مثاليتهم و عبقريتهم.
فهم الأكملون في مقاييس الفضل و السبق و معايير الشرف و الإيمان بل من أي النواحي أتيتهم تجدهم المُكَمَّلين المقرّبين...
ففي حياة علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و في حياة ولديهما عليهم السلام إلتقت و شائج الفضائل و المثل العليا مذ تفتّحت أكمام حياتهم و عرفوا هذا الوجود .
و إذا نظرنا إليهم من البداية إلي النهاية لرأيناهم يتقلَّبون بين أحضان الفضيلة و قد أسدلت عليهم بُردها تلفّهم من الفرع إلي القدم فلا يساويهم في سموّهم أحد و لا يدانيهم مخلوق.
و لا جرم إن كانوا كذلك وقد تربّوا في البيت الذي خرجت منه الدعوة إلي الإسلام و كفلهم صاحب الدعوة الإسلامية... ربيب الوحي ومختار الله وحبيبه صلي الله عليه و آله و سلم.
وليس عجباً بعد هذا إن كان في كل ناحية من نواحي حياتهم ملتقي للفضائل... فإن لهذه التربية أثراً فعّالاً في صبغهم بالصبغة المثالية و توجيههم إلي الفضيلة و الكمال.
حقاً... لقد كان كل واحد منهم بحكم التربية و بحكم الوراثة معجزة خالدة انفصلت من جسم رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم لتكون معجزة في صميم الحياة.
و إن حياة كل واحد منهم تتصل بحياة رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم و وجوده الكامل يتصل بوجوده صلي الله عليه و اله وسلم المثالي و فضائله تتصل بفضائله من الساعة الأولي التي انفصلوا فيها من وجود واستقروا في وجود آخر.
إن عرضاً موجزاً لحياتهم كفيلٌ بأن يرينا أنه بعد النبّوة لا نجد فواصل أخري بين كمال وجوده صلي الله عليه و اله وسلم و كمال وجودهم وأنَّ الله تعالي أعدَّهم للإنسانية في أعلي مثالية كما أعد رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم من قبل.
ص: 21
والحق... أنهم المعجزة الخالدة التي كشف الزمن عنها فجاؤوا في وسط المعترك الهائج و ليسوا منه و جاؤوا بين طرفي الزمن و ليسوا من الزمن و إنما هم إشعاعة من نور الله سبحانه أفاضه علي هذا الوجود و علي هذه الإنسانية المعذَّبة يشقّ الطريق ليهديها في كل أجيالها إلي الخير و السعادة و إلي المثل العليا من الكمالات النفسية... و من هنا جعلهم قدوة لنا و للبشرية أجمع.(1)
و بهذا يتجلّي لنا الإنسان الذي يسمو في كفة الميزان في معادلات التقييم... فالراجح هو الذي تحفُّ بشخصه أعلي القيم و أقدسها و ذلك باكتساب أمثل الصفات و أزكاها و التي هي الأخري تجعله فريداً وحيداً في السمات و الخصوصيات و بالتالي ينال مقام القرب من الله سبحانه فتكون إنسانيته أكمل و منزلته أعلي و أرفع و بذا ينال درجات الولاية و يرقي عن مستوي السنن و القوانين الطبيعية للكون و الحياة. فيصبح حبّه حبّ الله سبحانه و بغضه بغض الله أيضاً... و هذا ما تجده... في بيت علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام...
فعلي عليه السلام: في كل ناحية من نواحي الإنسانية ملتقي بسيرته.(2)
و قد ورث بحكم مولده و مرباه مناقب النبّوة و مواهب الرسالة و بلاغة الوحي و صراحة المؤمن.(3)
و قد تجمّعت فيه أخلاق محمد صلي الله عليه و اله وسلم و محمد صلي الله عليه و اله وسلم إنسان تجمعت في إنسانيته صفات روحية جعلته أفضل مخلوق و أشرف مخلوق و فوق كل مخلوق.(4)
فعلي عليه السلام تالي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ... و فرعان لشجرة واحدة هذا للنبّوة و هذا للإمامة لم يعرف الإسلام قط أصدق إسلاماً ولا أشدّ إيماناً منه.
ص: 22
و لم يملأ الإيمان أعماق قلب مسلم قط كما ملأ قلبه عليه السلام فكان يؤثر الآخرة علي الأولي و يعمل لإرضاء ربه و إرضاء نبيّه و إرضاء شعبه ...
وصفه ضرار أمام معاوية -ألد أعدائه- فأجاد الوصف و أذعن معاوية إلي الحق الدامغ و قال:
كَانَ وَ اللَّهُ بَعِيدَ اَلْمَدْي شَدِيدَ اَلْقُوَي يَقُولُ فَصّلاً وَ يْحَكُمْ عدلاً يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِن جَوَانِبِهِ و تَنْطِقُ الحِكْمَةُ مِن لِسانِهِ يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنيا و زَهْرَتِهَا و يَأْنَسُ بِاللَّيْلِ و وَحْشَتِهِ وَ كانَ غَزِيرَ الدَّمعَةِ طَويلَ الفِكْرَةِ يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ و مِنَ الطَّعَامِ ما جَشِبَ و َكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِنْ سَأَلْنَاهُ و يَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ و نَحْنُ و اللَّهِ مَعَ قُرْبِنَا مِنهُ و قُرْبِهِ مِنَّا لا نَكادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ و يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ لا يَطْمَعُ القَوِيُّ في باطِلِهِ وَ لا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِن عَدْلِهِ وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ و قَدْ أَرْخَيَ اللَّيْلُ سُدُولَهُ و غَارَتْ نُجُومُهُ قَابِضَاً عَلَي لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَ يَبكي بُكاءَ الْحَزِينِ وَ هُوَ يَقُولُ : إِلَيْكَ عَنّي يا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي أَلِيّ تَعَرَّضْتِ أم إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَإِنِّي قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثَاً لا رَجْعَةَ لِي فِيكِ فَعُمُرُكِ قَصِيرٌ و خَطَرُكِ كَبِيرٌ وَ عَيْشُك حَقِيرٌ... ثُمَّ قالَ عليه السلام آوِ آه مِن قِلَّةِ الزَّادِ و بُعْدِ السَّفَرِ و وَحْشَةِ الطَّرِيقِ ثُمَّ بَكَي ضِرَارَ و بَكَي مُعَاوِيَةَ وَ قَالَ: رَحِمَ اَللَّه أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام كَانَ وَ اللَّهِ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ قَالَ حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حَجْرِهَا فَهِيَ لاَ تَرْقَي لَهَا دَمْعَةٌ وَلاَ تَسْكُنُ لَهَا زَفْرَة.(1)
هذا هو علي في كفّة الميزان... فهل يرجح عليه أحد أم هل يساويه أحد في صحبه أو صحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟
و حسبه فضلاً... أن يكون مع القرآن و القرآن معه... و أن يكون مع الحق و الحق معه يدور معه كيفما دار هذا في الدنيا و في الآخرة فهو عنوان صحيفة المؤمن.(2)
كفؤ علي عليه السلام... ولولاها «سلام الله عليها»، لما كان كفؤٌ له «سلام الله
ص: 23
عليها» و لولاه عليه السلام لما كان كفؤ لها... و حسبنا دلالة علي سمو الشرف و عظم المنزلة أنها كفؤ علي عليه السلام...
قال الشاعر:
المصطفاه اصطفاه الله بارئها *** وما ارتضاه لغير المرتضي الارب
لو لم يكن لم يكن كفوا لها أحد *** و تلك كفوله في الفضل والحسب(1)
و حسبها أن تكون مختارة الله سبحانه ليباهل بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نصاري نجران... و من أجل هذا الاختيار نفهم التفضيل المطلق علي سائر النساء بدون مشاركة لأن العقل لا يفهم الاختيار مع التساوي في الفضيلة و المشاركة في الكمال و إلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح و هو مستحيل علي الحكيم... فلا بدّ إذن من أفضلية و أكملية ليقع الاختيار صحيحاً طبق العقل.
و إذا كانت «سلام الله عليها» قد اختارها الله سبحانه مع من اختار فما ذلك إلاّ من سموّ القدس و غلبة الروحانية في الإنسانية الطاهرة المهذَّبة و إذا غلبت الروحانيّة فقد تكاملت المثل العليا في النسوية العالمية.
و علي قدر نشأة النواميس الروحيّة في النفس البشرية تسمو الإنسانية و ترتفع إلي منزلتها السامية التي أعدّت لها في المكان الأرفع.
و حيث تجمّعت القوي الروحيّة و النواميس القدسية في هذا الملاك النسوي الطاهر فقد تهيّأت النفس للمثل العليا و خرقت المألوف و المعتاد في اطّرادها البشري حتي تستحيل إلي معجزة في كمال الوجود و كمال الفضيلة.(2)
و لهذا كانت فاطمة سلام الله عليها... أم النبوة و الإمامة بعد أن تجمّعت في كيانها النسوي فضائل روحية و كمالات نفسية رفعتها في الإنسانية إلي أرقي الدرجات التي يمكن أن ترتفع إليها إمرأة... فكانت
ص: 24
صورة فريدة للكمال الإنساني في جانبه النسوي و مدرسة إنسانية كاملة تجمّعت في شخصها كل معاني العظمة و الفضيلة و الشرف و الكمال بل سمت في كل مجال...
فكانت خير بنت لأبيها...
و خير زوجة لزوجها...
و خير أم لبنيها...
و خير قدوة لأمثالها...
و من أجل ذلك كلّه... و أكثر... كانت جديرة بأن تمثّل القمة في مستوي الكمال البشري في بُعده النسوي... و من أجل ذلك أيضاً صارت سيّدة نساء العالمين كما وصفها المتحدث بلسان الغيب صلي الله عليه و آله و سلم.(1)
قالت عائشة و هي تزفّ فاطمة سلام الله عليها إلي علي عليه السلام مع سائر نساء النبي و نساء المهاجرين و الأنصار ليلة العرس:
يا نسوةُ استترنَ بالمعاجر *** و اذكرنَ ما يَحسُنُ في المَحاضرِ
و اذكرنَ ربَّ الناس إذ يخصُّنَا *** بدينه مع كلّ عبد شاكر
و الحمدلله علي أفضاله *** و الشكرُلله العزيز القادر
سرنَ بها و الله أعلي ذكرها *** و خصّها منه بطهرٍ طاهر
و أخذت حفصة تنشد في مدحها أيضاً في نفس الليلة و المناسبة :
فاطمة خيرُ نساءِ البشر *** و مَن لها وجهٌ كوَجهِ القمر
فضّلك اللهُ علي كلِّ الوري *** بفضلِ مَن خُصَّ باي الزُمر
زوجك الله فتّي فاضلاً *** أعني علياً خيرَ مَن في الحَضر
فَسرنَ جاراتي بها إنّها *** كريمةٌ بنتُ عظيم الخطر (2)
ص: 25
تمَّ الزواج المبارك بين أعظم غصنين لأعظم رسالة هبطت علي الأرض...
فماذا كان الصداق؟ هل الكثير من الأموال... و أنواع الملابس... و الأطعمة و الأشربة؟... كلاّ... و لا القصر العاجي و لا هذا و لا ذاك... أبداً... وحُقَّ له أن يكون هكذا... لأن الذي سمت فيه الروحانية... و تجلّي فيه القدس و الطهارة و عذوبة القيم... يأبي أن يعيش في حضيض المادة و دناءتها التي تخدع و لا تخصب، يأبي أن تصفّده الدنيا التي تغرّ و تضر و تمر بأصفادها فتحدّ من سموّه و رفعته... الذي سمي فيه المعني يأبي إلاّ أن يعيش المعني أيضاً و يتعامل مع الحياة هكذا أيضاً.
أعود وأسأل ماذا كان الصداق؟ كان الصداق درعاً حطمية... شاركت الإمام في جهاده في سبيل الله سبحانه وصدّت عنه سيوف الأعداء و رماحهم المغموسة بالكفر و النفاق و العداوة للدين... هذه الدرع التي حمت الإمام في أشد المواقف و أصعبها لتحفظه من المكاره و الآلام هي الأخري ... صارت مهراً لفاطمة عليها السلام.
هذه الدرع باعها علي عليه السلام بأربعمائة و ثمانين درهماً و أتي بالمبلغ و وضعه بين يدي النبي صلي الله عليه و آله... وزَّع النبي المال علي النحو التالي:
160 درهماً لشراء العطور و كلَّف بلالاً بشرائها.
160 درهماً لشراء الثياب.
66 درهماً لمتاع البيت.
96 درهماً دفعها إلي أمّ سلمة لتبقيه لديها.
و قد اختار هيئة من الصحابة لشراء الثياب و المتاع كان منهم أبوبكر و عمار بن ياسر فاشتروا جهاز العرس و هو كالتالي: (1)
1- قميص بسبعة دراهم !
ص: 26
2- خمار بأربعة دراهم!
3- قطيفة سوداء خيبرية!
4 - سرير ملفوف بشريط من الخوص!
5- فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم!
6- أربع مرافق (مُتكَات) من أدم الطائف حشوها «إذخر» و هو نبات طيِّب الرائحة.
7- ستر رقيق من الصوف!
8- حصير هجري!
9- رحي يد.
10 - مخضب من نحاس لغسل الثياب !
11 - قربة صغيرة !
12 ۔ قدح من خشب !
13- قرية صغيرة لتبريد الماء !
14- مطهرة «إناء مزفّت» !
15- جرَّة خضراء!
16- أكواز من خزف!
17- بساط من الجلد!
18- عباءة قطوانية!
هذا هو الجهاز... فحملته الهيئة إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وضعته أمامه فجعل صلي الله عليه و آله و سلم يقلّبه بيده و يقول: (بَارَكَ اَللَّهُ لِأَهْلِ اَلْبَيْتِ؛(1) اَللَّهُمَّ بَارِكْ لِقَوْمٍ جُلُّ آنِيَتِهِمُ الخزف .(2)
ص: 27
أما الإمام عليه السلام فماذا كان إعداده لبيت الزوجية؟ كان كما يلي:
- فرش حجرة النوم بالرمل الناعم.
- نصبَ خشبة من حائط إلي حائط.
- إهاب كبش و مخدّة ليف وضعها علي الأرض.
- منشفة علّقها علي الحائط.
- وضع علي الأرض قربة ماء و منخلا لنخل الدقيق.(1)
هذا هو جهاز الزوجية لأطهر بيت عرفته الإنسانية علي طول التاريخ أنجب لها طاهراً بعد طاهر يربّون أجيالها علي القدس و الطهارة.
و هذه هي الصورة المثلي لواقعية الإسلام... و مناهجه السهلة السمحة في التعامل مع الحياة و التخفيف عن كاهل الأزواج بالنسبة للمهور و الإعداد لتكوين الأسرة السعيدة ... و هو الحل الحاسم لكثير من المشاكل الروحية و الجنسية التي يضج بها العالم المتمدّن اليوم.
فأين مجتمعنا الإسلامي اليوم من هذا؟
و بعد ذلك كلّه... فهي عليها السلام غير علي عظمتها و علّو منزلتها و سموّ درجتها عاشت في بيتها مع زوجها و أولادها كأيّ امرأة أخري... لتكون أسوة و قدوة لأجيال النساء... تعال لنسمع ما يقوله علي عليه السلام عنها و هو الأعرف بها في البيت...
قال علي عليه السلام لرجل من بني سعد: ألا أحدّثك عنّي و عن فاطمة عليها السلام؟
إنّها كانت عندي و كانت من أحبّ أهل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم...
- و إنّها استقت بالقِربة حتي أثَّر في صدرها.
- و طحنت بالرحي حتي مجلت -يداها ثخن جلدها-.
- و كسحت البيت حتي اغبرَّت ثيابها.
ص: 28
- و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت -اغبرّت و اتّسخت- ثيابها.
فأصابها من ذلك ضرر شديد... فقلت لها:
لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل،
فأتت النبي صلي الله عليه و آله و سلم فوجدت عنده حُداثاً -جماعة يتحدثون- فاستحت فانصرفت.
قال: فعلم النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنّها جاءت لحاجة...
قال: فغدا علينا و نحن في لفاعنا -لحاف- فقال:
السلام عليكم، فسكتنا (1) و استحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم فسكتنا. ثم قال: السلام عليكم... فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف و قد كان يفعل ذلك ثلاثاً فإن أذن له و إلا انصرف...
فقلت: و عليك السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ادخل .
فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال:
يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟
قال: فخشيت إن لم تجبه أن يقوم... قال:
فأخرجت رأسي فقلت: أنا -و الله- أخبرك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!
إنها استقت بالقربة حتي أثّر في صدرها وجرّت بالرحي حتي مجلت يداها و كسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت ثيابها فقلت لها:
لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنتِ فيه من العمل.
فقال صلي الله عليه و آله و سلم:
أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟
ص: 29
إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين... و احمداً ثلاثاً و ثلاثين... و كبّرا أربعاً و ثلاثين.
قال: فأخرجت عليها السلام رأسها فقالت:
رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.(1)
فلزمت «صلوات الله عليها» هذا التسبيح بعد كل صلاة و نسب إليها هذا التسبيح فيقال: تسبيح فاطمة عليها السلام.
و عن قرب الإسناد عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:
يَا أَبَا هَارُونَ إِنَّا نَأْمُرُ صبيانَنا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ عَلَيها السلام كَما نَأمُرُهُم بِالصَّلاةِ فَالْزَمْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ . (2)
و في مجمع البيان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:
مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ عليها السلام لاَ فَقَدْ ذَكَرَ اَللَّهَ ذِكْراً كَثِيرَاً.(3)
و الروايات في فضل تسبيح فاطمة «سلام الله عليها» كثيرة و مختلفة في كيفيتها و في بعضها... التكبير ثم التحميد ثم التسبيح... و هو الأشهر و الأقوي عند فقهائنا الأعاظم.
و قد اتضح مما تقدم... أن مولاتنا الصديقة سلام الله عليها مع جلالة قدرها و عظم شأنها و شرف نسبها كانت تقوم بأعمال البيت و تدير أموره بنفسها و كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و هو الصديق الأكبر سلام الله عليه يعينها علي ذلك أيضاً ففي جامع الأخبار عن علي عليه السلام قال:
دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ و سَلَّمَ وَ فَاطِمَةُ عليها السَّلاَم جَالِسَةٌ عِنْدَ اَلْقِدْرِ وَ أَنَا أُنَقِّي اَلْعَدَس
ص: 30
قَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله. قَال: اِسْمَعْ مِنِّي و مَا أَقُولُ إِلاَّ مِن أَمْرِ رَبِّي مَا مِن رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعرَةٍ عَلي بَدَنِهِ عِبادَةُ سَنَةٍ صِيامٍ نَهَارُها و قِيامٍ لَيْلُها... إلي آخر الحديث.(1)
وهكذا... نري في بيت فاطمة عليها السلام، أروع صور التعاون و المحبة و المواساة، و البساطة في العيش، كما نري البيت، المدرسة...
فمع أنها بنت النبي عليها السلام و وعاء رضا الله سبحانه و غضبه، فقد بدأت تمارس وظائف البيت من أول يوم حلت زوجة فيه و دأبت علي ذلك أياماً طوالاً حتي وهبها الله الحسن والحسين عليهم السلام.
لكن مسؤولية البيت و مسؤولية الزوج و مسؤولية الأولاد... و إضافة إلي مسؤولية المجتمع و نشر الأحكام و تعليم النساء الدين و الأخلاق... صباح مساء، كل ذلك جعلها ترجو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في استئجار خادمة لها تعينها في بعض شؤون المنزل...
فأنفذ لها جارية للخدمة سماها «فضّة»... و لما حصلت علي خادمة لم تخلد إلي الراحة أبداً بل و زّعت الوظيفة و جعلت يوماً لها و يوماً لخادمتها في إدارة شؤون البيت. فيا لروعة الإسلام و عظمة الإنسانية فيه...
ابنة رسول الله عليها السلام... المرأة الأولي في الإسلام و الزوج القمة... تأبي أن تترك العمل إلي الخادمة... و تأبي أن تكون السيّدة التي لا تهمها شؤون الزوج و الأولاد... دون أن تسهر عليها... و تتفاني في سبيلها...
إنّها بذلك... جسَّدت أروع الصور للزوجة الحريصة... و الأم المسؤولة... و في الوقت نفسه المواسية لمن هو دونها في المقام و الشرف. و لهذا كانت أجواء البيت نقيّة هادئة تزيّنها العواطف و يحكمها الحب و التفاهم و يعيش في أكنافها الوئام ففي البحار عن المناقب قال علي عليه السلام:
فَوَاللَّهِ مَا أَغْضَبْتُهَا وَ لاَ أَكْرَهْتُهَا عَلَي أَمْرٍ حَتَّي قَبَضَهَا الله عزّوجل
ص: 31
ولا أَغْضَبْتَنِي ولا عَصَتْ لِي أَمراً لَقَد كُنتُ أَنظُرُ إلَيْهَا فَتَنْكَشِفُ عَنِّي الهُمُومُ وَالأَحْزانُ .(1)
وفي تفسير العياشي عن مولانا الباقر عليه السلام:
إِنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ ضَمِنَتْ لِعَلِيٍ عليهِ السَّلامُ عَمَلَ الْبَيْتِ و الْعَجِينَ وَ الْخُبْزَ و قُمَّ الْبَيْتَ و ضَمِنَ لَهَا عَلِيٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ما كانَ خَلفَ البابِ: ثِقَلُ الحَطَبِ و أن يَجيءَ بِالطَّعامِ.(2)
وفي هذه القصة التي رواها الأربلي في «كشف الغمة» من الدلالات ما يغنينا عن مزيد من البيان لأخلاق فاطمة عليها السلام و أسلوبها في التعامل داخل البيت... و من هذا نعرف مستوي السمو في المرأة و كيف تصبح المرأة مدرسة . قال : أصبح علي عليه السلام ذات يوم فقال:
يَا فَاطِمَةُ عليها السلام عِنْدَكِ شَيْءٌ تُغَذِّينِيهِ ؟
قَالَتْ لا وَالَّذي أكرَمَ أبِي بِالنُّبُوَّةِ و أكْرَمَك بِالوَصِيَّةِ ما أصبَحَ الْيَوْمَ عِنْدِي شَيْءٌ أُغَذِّيكَاهُ و مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مُنْذُ يَوْمَيْنِ إِلآ شَيْءٍ كُنْتُ أُوثِرُكَ بِهِ عَلَي نَفْسِي و عَلَي ابْنَيَّ هَذَيْنِ حَسَنٍ وَحُسَينٍ عليهم السلام.
فَقَالَ عَلِيٌ عليه السلام: يَا فَاطِمَةُ عليها السلام أَلا كُنْتِ أعلمتني فَأَبْغِيكُمْ شَيْئاً ؟
فَقَالَتْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ إِلَهِي أَنْ تُكَلِّفَ نَفْسَكَ مَا لاَ تَقْدِرْ عَلَيْهِ.(3)
وفي هذا خير عبرة... و نموذج لنسائنا اليوم!!
هذا غيض من فيض من سيرة الصديقة الكبري عليها السلام... و تعاملها مع الحياة...
و أما عن علومها و بلاغتها و جهادها و صبرها... و سائر ما جمعه لنا التاريخ عنها من فضائل و خصوصيات فلا يسع لها هذا المجال... فراجع في ذلك كتب الروايات و التاريخ .
ص: 32
في حديث الكساء جعلها ربها «سبحانه وتعالي» محورا للمعصومين سلام الله عليهم تدور عليه أفلاك النبوة و الإمامة... و ذلك عندما قال الأمين جبرئيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال عزّوجل : هم أهل بيت النبّوة و موضع الرسالة... هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها.
فقد جعلها «سبحانه» المحور في تعريفهم و الإشارة إليهم فهي مركزهم و قطب رحاهم أجمعين عليهم الصلاة و السلام.
ولعل السرّ في ذلك يكمن في وجوه منها:
أولا: إنَّ الملائكة كانوا قد عرفوا فاطمة حين كانوا في الظلمة ثم ببركة نور فاطمة رأوا النور.
و لعلّ في حديث جابر الذي نقله عن مولانا الصادق عليه السلام المتقدم إشارة إلي هذا المعني .
ثانياً: أو لعلّ السرّ هو نفس مفاد الحديث القدسي المتقدم:
لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ الْأَفْلاكَ وَ لَولا فَاطِمَةُ عليها السلام لَمَّا خَلَقْتُكُمَا .(1)
بلحاظ أنَّها عليها السلام غاية الغايات كما تقدم.
ثالثاً: وربّما يكون السرّ ما ورد في الحديث الشريف عن مولانا الصادق عليه السلام: هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكُبري عليها السلام وَعَلي مَعرِفَتِها دَارَتِ اَلْقُرُونُ اَلْأُولَي.(2)
ص: 33
و الصديق علي وزن فعّيل للمبالغة و هو المداوم علي التصديق بما يوجب الحق و في الخبر: فَاطِمَةُ عليها السلام صِدِّيقَةً و لَمْ يَكُنْ بَعْلُهَا إِلاَّ صِدِيقَةٌ وَ مَريَمَ عليها السلام كانَت صِدِّيقَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَي: «وَ أُمُّهُ صِدِيقَةٌ»(1) إِلاَّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكبْري.(2)
و قد قرَّر الله سبحانه لنظام الكون محاور و أقطاباً و سيَّر المخلوقات بحركة دورانية حول القطب فكل مجموعة منها تدور حول قطبها و محورها بمعني أنَّها ترجع إلي حيث ابتدأت في مسيرها الأول...
و هذه الحركة لا تختص بأجزاء الكون الصغيرة دون الكبيرة و لا العكس... كلاَّ... فإنَّ نظام الكون و حركته ابتداءً من الذرّة إلي المجرّة كلها متشابهة المسير و الحركة متطابقة النظام مما يدلّل علي وحدة الخالق و حكمته...
فالذرّة نواتها قطب رحاها و تدور حول القطب الالكترونات التي تحمل الشحنات السالبة بأعدادها الخاصة و مداراتها الخاصة و بسرعة خاصة و نظام خاص أيضاً كما ثبت في علم الذرّة.
و كذلك نظام الأفلاك يجري علي القانون و النظام نفسه... فالشمس و القمر و الكواكب يدور كل واحد منها حركة دورية حول القطب...
و هكذا ماء البحار تبخّره الشمس نهاراً فيصعد إلي السماء ثم ينزل منها إلي البحار ثانية بشكل أمطار... و هكذا سائر المخلوقات من الأشجار و الحيوانات تبتديء من الأرض و تنتهي إلي الأرض بما فيها الإنسان أشرف مخلوقات الله سبحانه.
و قد أشار القرآن الحكيم إلي هذه الحقيقة في الخلق فقال: وَاللَّهِ أَنْبَتَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ نَبَاتَاً.(3)
فالإنسان نبات ينبت في الأرض القريبة بلحاظ نطفة الأب التي تنشأ من الأرض و ثمارها.
ص: 34
أو الأرض الأبعد بلحاظ رحم الأم. لأن النطفة تنبت في رحم الأم و بمجاز الأوّل ترجع إلي الأرض لأن رحم الأم خلق هو الآخر من الأرض.
و علي أيِّ حال... ينبت الإنسان نباتاً في الأرض فإذا مات عاد ثانية إلي الأرض و مِنها خَلَقْناكُم و َفيها نُعِيدُكُم .(1)
و هكذا الأمر في المعنويات أيضاً. فعندما نقول إنهم عليهم السلام محور الكون بمعني أنهم سبب إضافته.
و لذلك صاروا قطب رحي الوجود و عليهم تدور القرون و فاطمة سلام الله عليها هي محور هذا القطب العظيم. وَ عَلَي مَعْرِفَتِها دارَتِ القُرونُ الأولَي.(2)
هذا بالنسبة للكون بشكل مطلق و أما بالنسبة للبسر بشكل خاص فإنهم ليسوا فقط محور خلقه و وجوده بل هم أيضاً محور هداه و كماله...
فكلّ مجالات البشر للوصول إلي الكمال، لتدور حول قطب كمالهم عليهم الصلاة و السلام و تقتبس منه ما تقدر.
و هذا ليس بالأمر المستحيل و ذلك لأن الله سبحانه جعل للماديات مخازن يستمد من خزينها الآخرون...
فالشمس مخزن النور و الحرارة و الدفء يستمد العالم منها هذه العناصر الأساسية للحياة.
و البحار مخازن المياه و الأرض مخزن التراب و الجبال مخازن المعادن و الفلزات و الأزهار مخازن العطور... و هكذا...
وَللَّهُ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأرضِ.(3)
فكذلك جعل الله سبحانه المعنويات هكذا. فالأم مخزن العاطفة و الحب و الرحمة و الأب مخزن الشفقة و هكذا.
ص: 35
و لعلّه من هنا أيضاً صارت فاطمة الزهراء عليها السلام -أمّ أبيها- لأنه كان يلمس فيها الحنان و الدفء و العطوفة التي تحنو بها الأم علي ولدها.
فهي بضعة منه جسداً و فلذة منه تكويناً إلاّ أنه منها سكناً و عطفاً و حناناً و لهذا تواترت الأخبار بأنه كان إذا أراد السفر كان آخر عهده بفاطمة عليها السلام و إذا رجع كان أوّل عهده بها.
لأنّها «سلام الله عليها» خزانة العاطفة و الحب و الرحمة.
و أهل البيت عليهم الصلاة و السلام خزانة علم الله سبحانه و أخلاقه و آدابه... و كلّ البشرية تستمد منهم مختلف العلوم و المعارف و الكمالات الإنسانية.
إذ كلّ علم و معرفة يعود إليهم و كل كمال هم مصدره و منبعه كما في الروايات المتضافرة و لهذا صاروا قدوة للبشر. لأنهم قطب رحي الكمال المعنوي في الكون.
و بعد كلّ ما تقدم من مقامات لا يبقي مجال للاستغراب إذا قلنا بأننا لا ندرك من فاطمة «سلام الله عليها» سوي أنوارها القاهرة التي تخرق حجب النفس فتبهرنا كمالاتها السامية.
و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بعظمتها دون أن نعرف سرَّها الغيبي المكنون حق المعرفة و هذا الأمر لا يختص بإنسان دون إنسان بل كل ما علي الأرض من البشر -سوي المعصومين عليهم السلام- لا يدركون سرَّ العظمة في فاطمة عليها السلام و لا بوسعهم استيعاب مضامينها الرفيعة كما ينبغي.
كيف؟ و قد سمّاها ربها فاطمة عليها السلام لما فطم الناس عن معرفتها.(1)
و في الآخرة تفطم شيعتها و محبيها من نار جهنم.(2)
و هي بين الدنيا و الآخرة منفطمة عن الطمث و الشر و كل منقصة بشرية...
ص: 36
بل و قد فطمها سبحانه بالعلم بالميثاق.(1)
و أيضاً شق الله سبحانه لها اسماً من أسمائه الحسني فهو الفاطر و هي الفاطمة عليها السلام.(2)
و بهذا كله و بغيره صارت سلام الله عليها قطب رحي الوجود الذي دارت عليه سنن التكوين... و عليها دارت القرون الأولي.
و من هنا... أصبحت سلام الله عليها وعاء مشيئة الله و رضاه و غضبه فيغضب الله لغضب فاطمة عليها السلام ويرضي لرضاها عليها السلام في الدنيا والآخرة.(3)
قال الشاعر:
مشكاةُ نوِر الله جَلَّ جلالُه *** لَمّا تنزّلت أكثرت كثراتُها
هي قطب دائرة الوجود و نقطة *** زيتونة عمَّ الوري بركاتُها
هي أحمدُ الثاني و أحمد عصرِها *** هي عنصر التوحيدِ في عرصاتِها(4)
ص: 37
رغم كل ما تقدم من معان و أسرار عن مقام الصديقة سلام الله عليها و عظمتها عند الله سبحانه و دورها الكبير في هذا الكون الرحيب فإن الأدباء عمومة والشعراء منهم علي الخصوص كانوا و ما زالوا يترنّمون باسم فاطمة عليها السلام مدحاً و رثاءَ.
إن الشعراء مهما أُوتوا من قدرة علي الخيال و الإبداع و الإلهام... و هم الذين صوّروا لنا الكثير و ربطوا بين حقائق الكون و نفذوا برؤيتهم الخارقة إلي بطون الأشياء و أضفوا عليها سحراً و إبداعاً من صنع خيالهم وعبّروا في كثير من الأحيان من المظاهر الخارجية إلي البطون و من المادة إلي المعني و استطاعوا أن يصوّروا لنا المعاني المجرّدة الغائبة عن الحس و يقرّبوها إلي الفهم و الإدراك...
و بكلمة:
إنَّ الشعراء الذين و ظّفوا الشعور لربط عناصر الكون و استخدموا الذوق لإكتشاف الحقائقِ و تصويرها... هم أيضاً فطموا عن معرفة فاطمة عليها السلام و عجزوا في الوصول يوماً إلي ساحل بحرها.
فهم مهما أوغلوا في التأمّل و سرحوا في الخيال وعمّقوا النظرة تبقي نظراتهم جوّالة في هذا العالم الغيبي العجيب، فلا يتمكنون أن يبصروا فيه ، سوي إشراقات روحية باهرة يخطف ضوؤُها الأبصار.
و عندها لا يملكون إلاّ أن يفجّروا مواهبهم الخلاّقة لتصوير هذا النور
ص: 38
الساطع و ذكر سماته و خصوصياته مدحاً و ثناءً و حباً و شوقاً دون أن يصلوا إلي جوهره المكنون.
و من هنا... فإن الشعراء عندما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام لا يهدفون منه اكتشاف هذا السر الإلهي العظيم و قد اعترفوا بعجزهم عن ذلك.
ص: 39
و إنما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام بدوافع عديدة سنذكر بعضها علي التوالي:
الأول: دافع العقيدة :
بمعني إبراز العقيدة و نشرها في مقابل العقائد الأخري.
و كان هذا الدافع الأكثر حظاً في العصور الأولي من الهجرة نظراً التموّج العقائد و رواجها الكثير في ذلك الوقت و الذي كانت من ورائه السياسة في أغلب الأحيان حتي انقسمت الأمة الإسلامية إلي مذاهب و مسالك عديدة و كل مذهب له أنصاره و مفكروه و مروّجوه.
و من الواضح... أنّه في ذلك الزمان كان الشعر و الشعراء يحتلان مكان الصدارة في المجتمع لأنّهما المرآة العاكسة للأوضاع و أفضل وسيلة إعلامية لترويج المباديء و الأفكار فما من حدث أو مبدأ أو دين إلاّ و استخدم الشعر سلاحاً و الشعراء أنصاراً له دعماً لنفسه و تشهيراً بأعدائه.
و لذلك كان الشعراء يمثّلون واجهة المذاهب و موجّهي المجتمع...
و قليلاً ما تجد للشعراء موقفاً بعيداً عن الأوضاع و الحياة الاجتماعية و السياسية التي يعايشونها...
فأكثر الأحداث كان للشعراء فيها موقف و فكرة... خاصة في ذلك الوقت. حيث مواسم إزدهار الشعر و شموخ حضارته و نبوغه.
ص: 40
شعراء العقيدة:
وقد برز في ذلك الزمان بالذات رجال من كبار شعراء العرب و الإسلام ، بلغوا قمة الأدب العربي بلاغةً و فصاصة، كالكميت بن زيد الأسدي و السيد الحميري و الفرزدق و العبدي و دعبل الخزاعي و أمثالهم من الرعيل الأول...
اعتنقوا التشيّع مذهباً و امتداداً لخط النبوّة و آمنوا بأهل البيت عليهم الصلاة و السلام إيماناً واضحاً وقوياً فوقفوا يبرّزون عقيدتهم و يظهرونها علي العقائد الأخري التي كان الحكّام يرّوجونها و يسخّرون من أجل نشرها الكثير الكثير من الشعراء و أهل الأدب ... و كان هدفهم في ذلك ترويج التشيّع و نشر مبادئه السامية بين الناس أو الذبّ و الدفاع عنه أمام شبهات المبطلين... و خاصة قضية الولاية و الإيمان بالأئمة عليهم السلام و قد ذكر العلامة الأميني في الغدير الكثير منهم و هنا نشير إلي بعضهم علي عجالة...
الكميت الأسدي:
أبو المستهل الكميت الأسدي المولود سنة (60 ه_) و المتوفي سنة (126 ه_) و يجد الباحث في خلال السيَر شواهد واضحة علي أن الرجل لم يتخَّذ شاعريته وما كان يتظاهر به من التهالك في ولاء أهل البيت عليهم السلام وسيلة لما تقتضيه النهمة و موجبات الشره من التلمّظ بما يستفيده من الصلات و الجوائز أو الحصول علي رتبة أو راتب و لو أراد لوصل بعد أن انهالت الدنيا و مغرياتها علي الأمويين و أخذوا يرتعون فيها ما يشاؤون... و لكنّه يلوي بوجهه عنهم إلي أناس مضطهدين مقهورين و يقاسي من جرّاء ذلك الخوف و الاختفاء تتقاذف به المفاوز و الحزون ليس من الممكن أن يكون ما يتحداه إلا خاصة فيمن يتولاهم و هذا هو شأن الكميت مع أئمة الدين عليهم السلام فقد كان يعتقد فيهم اعتقاد المؤمن الحق الذي يؤمن بأنهم وسائله إلي المولي سبحانه و واسطة نجاحه في عقباه و أن موّدتهم أجر الرسالة الكبري...
و من شعره الذي قاله شارحاً أوضاع زمانه و عقيدته بأهل البيت عليهم السلام قوله:
فقل لبني أميّةَ حيث حَلُّوا *** و إن خفتَ المهنَّدَ و القطيعا
ص: 41
ألا أفِّ لدهر كنت فيه *** هدانا طائعالكم مطيعا
أجاعَ الله من أشبعتموه *** و أشبعَ مَن بِجورِكم أُجيعا
ويلعَنُ فأمته جهاراً *** إذا ساسَ البريةَ و الخليعا
بمرضيّ السياسةِ هاشميِّ *** يكونُ حياً لأمّته ربيعا
و ليثاً في المشاهد غير نكسِ *** لتقويم البرية مستطيعا
يقيم أمورَها و يذبّ عنها *** و يتُرك جَّدبها أبداً مرِيعا
و لشدة ولاء الكميت لأهل البيت عليهم السلام و تمسّكه الصادق بمذهبهم كان يحظي بمكانة خاصة عندهم و كانوا يدعون له أيضاً.
روي الشيخ الأكبر الصفّار في «بصائر الدرجات» بإسناده عن جابر قال:
دخَلت عَلَي الْبَاقِرِ عَلَيه السلام فَدَخَلَ الْكُمَيْتُ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْشُدُكَ؟ فَقَالَ: أنشد فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً فَقَال: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ مِنْ ذَلِكَ اَلْبَيْتِ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إِلَي اَلْكُمَيْتِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أنشدُكَ أُخْرَي؟ فَأَنْشَدَهُ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إلَيْهِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاك و اللَّهِ مَا أُحِبُّكُم لِعَرَضِ الدُّنيَا وَ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إلاَّ صِلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم وَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ اَلْحَقِّ فَدَعَا لَهُ البَاقِر عليه السلام.
و كان أهل البيت عليهم السلام لا يردّدون شعره و يكلّمونه في الرؤي الخاصة التي كان يراها هو أو أصحابه...
روي الكراجكي في كنز الفوائد صفحة 154 بإسناده عن هناد بن السري قال:
رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في المنام فقال لي: يا هناد، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت:
ويوم الدوّح دوح غديرخمِّ *** أبان له الولاية لو أطيعا
قال : فأنشدته . فقال لي: خذ إليك يا هنّاد ؟ فقلت : هات يا سيدي ؟ فقال عليه السلام :
وَ لَم أرَ مثل ذاك اليوم يوماً *** و لم أرَ مثله حقاً أضيعا
و قال المرزباني في معجم الشعراء 348 : مذهب الكميت في التشيّع
ص: 42
و مدح أهل البيت عليهم السلام في أيام بني أمية مشهور.
و قال السندوي: كان الكميت من خيرة شعراء الدولة الأموية و كان عالماً بلغات العرب و أيامهم و من خير شعره و أفضله الهاشميات و هي القصائد التي ذكر فيها آل بيت الرسول سلام الله عليهم بالخير.
و روي أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ج15 صفحة124 بإسناده عن محمد بن علي النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لمّا قال الكميت الشعر كان أوّل ما قال الهاشميات فسترها ثم أتي الفرزدق بن غالب فقال له : يا أبا فراس؟ إنّك شيخ مضر و شاعرها و أنا ابن أخيك الكميت قال له: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟
قال: نفث علي لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحاً أمرتني بستره و كنت أوّلي من ستره عليَّ .
فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن و إنّي لأرجو أن يكون شعرك علي قدر عقلك فأنشدني ما قلت فأنشده:
طربت و ما شوقاً إلي البيض أطربُ.
قال فقال لي: فيمَ تطرب يا بن أخي؟ فقال : و لا لعباً منّي و ذوالشيب يلعب؟!
فقال : بلي يا بن أخي؟ فالعب فإنّك في أوان اللعب فقال:
و لم يلهني دار و لا رسم منزل *** و لم يتطرَّبني بنان مخضَّب
فقال: ما يطربك يا بن أخي؟ فقال:
و لا السانحات البارحات عشيّة *** أمرَّ سليم القرن أم مرَّ أعضب
فقال: أجل لا تتطيَّر فقال:
ولكن إلي أهل الفضائل و التقي *** و خير بني حوّاء والخير يُطلبُ
فقال: و من هؤلاء ؟ و يحك... قال:
إلي النفر البيض الذين بحبِّهم *** إلي الله فيما نابني أتقرَّب
ص: 43
قال: أرحني و يحك مَن هؤلاء؟! قال:
بني هاشم رهط النبي فإنّني *** بهم و لهم أرضي مراراً و أغضب
خفضت لهم مني جناحي مودّة *** إلي كنف عطفاه أهل و مرحب
و كنت لهم من هؤلاء وهؤلا *** محباً علي أنّي أذمُّ و أغضب
و أرمي و أرمي بالعداوة أهلها *** و إني لأوذي فيهم و أؤنّب
فقال له الفرزدق: يا بن أخي ؟ أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضي و أشعر من بقي.
و روي الكشّي في رجاله صفحة 136 بإسناده عن زرارة قال: دخل الكميت علي أبي جعفر عليه السلام و أنا عنده فأنشده:
من القلب متيَّم مستهام *** غير ماصبوةِ و لا أحلام؟
فلما فرغ منها قال للكميت: لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما دمت تقول فينا.
و قال المسعودي في مروج الذهب ج2 صفحة 195: قدم الكميت المدينة فأتي أبا جعفر عليه السلام فأذن له ليلاً و أنشده فلما بلغ الميمية قوله:
و قتيل بالطفّ غودر منهم *** بين غوغاء أمَّة و طغام
بَكَي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ثُمَّ قالَ: يَا كُمَيْتُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَيْنَاكَ ولَكِنْ لَك مَا قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِحَسَّان بْنِ ثَابِتٍ: لاَ زِلْتُ مُؤَيَّدَا بِرُوحِ اَلْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ عليهم السلام فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَأُتِيَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ بن علي عليه السلام فأنشده فَقَالَ يَا أَبا اَلْمُسْتَهِلِّ إِنَّ لِي ضَيْعَةٍ أَعْطَيتَ فِيهَا أرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ و هَذَا كِتَابُهَا و قَدْ أَشْهَدْتُ لَكَ بِذلِكَ شُهودٌ و نَاوَلَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي إنِّي كُنْتُ أَقُولُ الشَّعْرَ فِي غَيْرِكُمْ أُرِيدُ بِذَلِكَ الدُّنْيَا و لا و اللَّهِ مَا قُلْتُ فِيكُمْ إِلاَّ لِلَّهِ و مَا كُنْتُ لأَخَذَ علَي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ مالاً و لا ثَمَناً فَأَلَحَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَيهِ و أَبِي مِن إِعْفَائِهِ. فَأَخَذَ الْكُمَيْتُ الْكِتَابَ و مَضَي فَمَكَثَ أَيَّاماً ثُمَّ جَاءَ إِلَي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَابْنَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام؟ إنَّ لِي حَاجَةً. قالَ: وَ ما هِيَ و َكُل حاجَةٍ لَكَ مَقْضِيَّةً قالَ: و كائِنَةُ مَا كانَتْ؟ قال: نِعَمْ.
قال: هذا الكتاب تقبله و ترتجع الضيعة و وضع الكتاب بين يديه
ص: 44
فقبله عبد الله و نهض عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فأخذ ثوباً جلداً فدفعه إلي أربعة من غلمانه ثم جعل يدخل دور بني هاشم و يقول:
يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ هَذَا اَلْكُمَيْتُ قالَ فِيكُمُ الشِّعرُ حِينَ صَمَتَ النَّاسُ عَنْ فَضْلِكُمْ و عَرَضِ دَمِهِ لِبَني أُمَيَّةَ فَأَثِيبُوهُ بِمَا قَدَرتُم . فَيَطرَحُ اَلرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِن دَنانيرَ و دَرَاهِمَ... و أَعْلَمَ النِّسَاءَ بِذلِكَ فَكَانَتِ المَرْأَةُ تَبْعَثُ مَا أَمْكَنَهَا حَتَّي أَنَّهَا لتخلع الحَليَّ عن جَسَدِها فَاجْتَمَعَ مِنَ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ مَا قِيمَتُهُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا إِلَي الْكُمَيْتِ فَقَالَ:
يَا أَبَا الْمُسْتَهِلِ أَتَيْنَاكَ بِجُهْدِ المُقلِ ونَحْنُ فِي دَوْلَةِ عَدُوِّنَا و قَدْ جَمَعَنَا هَذَا اَلْمَالَ و فيهِ حلِيَّ اَلنِّسَاءِ كَمَا ترَي فَاسْتَعِنْ بِهِ عَلَي دَهْرِكَ.
فَقالَ بِأَبي أَنْتَ وأُمِّي قَدْ أَكْثَرْتُمْ و َأَطْيَبْتُم وَ مَا أَرَدْتُ بِمَدْحِي إِيَّاكُمْ إِلاَّ اللَّهُ وَ رَسولُهُ و لَمْ أَكُ لآخُذَ لَكُمْ ثَمَناً مِنَ الدُّنيا فَاردُدْهُ إلي أَهْلِهِ .
فَجَهَدَ بِهِ عَبْدُ اَللَّهِ أَنْ يُقَبِّلْهُ بِكُلِّ حِيلَةٍ فَأَبَي.(1)
و أنت إذا تأملت في هذه الشواهد تجد المصداقية الكبيرة لما ذكرنا سابقاً.
السيد الحميري المتوفي سنة 173 ه_.
لقد فاق الكثير من الشعراء بالجد و الاجتهاد في الدعاية إلي مبدئه القويم و الإكثار في مدح العترة الطاهرة و ساد الشعراء ببذل النفس و النفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع و إحياء ميّت القلوب ببث فضائل آل الله و نشر مثالب مناوئيهم و مساويء أعدائهم قائلاً:
أيا رب إنِّي لم أرد بالذي به *** مدحتُ علياً غير وجهك فارحم
و قال كما قال أبو الفرج: لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذمِّ غيرهم ممن هو عنده ضدّ لهم.
ص: 45
و قال ابن المعتز في طبقاته -صفحة 7-: «كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث و الأخبار و المناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب عليه السلام فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلي الشعر و كان يملّه الحضور في محتشد لا يُذكر فيه آل محمد «صلوات الله عليهم» و لم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم عليهم السلام».
روي أبو الفرج عن الحسن بن علي بن حرب بن أبي الأسود الدؤلي قال: «كنّا جلوسا عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء فجلس و خضنا في ذكر الزرع و النخل ساعة فنهض فقلنا : يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال:
إنّي لأكره أن أطيل بمجلس *** لا ذكر فيه لفضل آل محمد
لا ذكر فيه لأحمد و وصيّه *** و بنيه ذلك مجلس نطف(1) ردي
إن الذي ينساهم في مجلس *** حتي يفارقه لغير مسدّد
وكان إذا استشهد شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاَّ بقوله:
أجد بآل فاطمة البكورُ *** فدمع العين منهمر غزير(2)
و من شعره في إظهار عقيدته و ولائه قوله:
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد *** و لا عهده يوم الغدير مؤكدا
فإنّي كمن يشري الضلالة بالهدي *** تنصّر من بعد الهدي أو تهودّا
و مالي و تيماً أوعديّاً و إنّما *** أولو نعمتي في الله من آل أحمدا
تتم صلاتي بالصلاة عليهم *** و ليست صلاتي بعد أن أتشهدا
بكاملة إن لم أصلّ عليهمُ *** و أدعولهم ربّاً كريماً ممجدا
بذلت لهم ودّي و نصحي و نصرتي *** مدي الدهر ما سمّيت يا صاح سيّدا
و إن أمرأ يُلحي علي صدق وُدّهم *** أحقُ و أولي فيهمُ أن يفنَّدا
فإن شئت فاختر عاجل الغم ضّلةَ *** و إلاّ فأمسك كي تصان و تحمدا
و في حديث موته له مكرمة خالدة تذكر مدي الدهر و تقرأ في صحيفة التاريخ مع الأبد و تكشف عن أنّ الذين يقفون إلي جانب الحق والإيمان ينالون حظوظهم الوفيرة في الدنيا و الآخرة قال بشير بن عمار:
ص: 46
حضرت وفاة السيد في الرميلة ببغداد فوجه رسولا إلي صف الجزّارين الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فغلط الرسول فذهب إلي صف الممسوسين فشتموه و لعنوه فعلم أنه قد غلط فعاد إلي الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فوافاه سبعون كنفاً قال: و حضرنا جميعاً و إنه ليتحسَّر تحسُّراً شديداً و إن وجهه لأسود كالقار و ما يتكلّم إلا أن أفاق إفاقة و فتح عينيه فنظر إلي ناحية القبلة جهة النجف الأشرف ثم قال:
يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بوليّك؟ قالها ثلاث مرات مرة بعد أخري، فتجلّي و الله في جبينه عرق بياض فما زال يتسع و لبس وجهه حتي صار كله كالبدر و افترّ السيد ضاحكاً و أنشأ يقول:
كذب الزاعمون أنَّ علياً *** لن ينجّي محبّه من هنات
قد و ربّي دخلت جنة عدن *** و عفالي الإله عن سيئاتي
فابشروا اليوم أولياء عليِّ *** و تولّوا علياً حتي الممات
ثم من بعده تولّوا بنيه *** واحدة بعد واحد بالصفات
ثم أتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً و أشهد أن محمداً رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حقاً حقاً و أشهد أن علياً أميرالمؤمنين عليه السلام حقاً حقاً أشهد أن لا إله إلا الله ثم غمّض عينيه فكأنّما كانت روحه حصاة سقطت.(1)
و فيما تقدم من شواهد دليل يعضد ما تقدم ذكره.
العبدي الكوفي : و هو من شعراء أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم المتزلفين إليهم بولائه المقبولين عندهم لصدق نيته و انقطاعه إليهم و هو من أكثر من مدحهم و تفجّع علي مصائبهم و لم نجد في غير آل الله له شعراً.(2)
استنشده الإمام الصادق عليه السلام من شعره كما في رواية الكليني في روضة الكافي بإسناده عن أبي داود المسترق عنه قال : دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقال: قولوا لأمّ فروة : تجيء فتسمع ما صنع بجدّها. قال:
ص: 47
فجاءت فقعدت خلف الستر. ثم قال: فأنشدنا، قال: فقلت:
فروُجودي بدمعك المسكوب...
قال: فصاحت و صحّن النساء فقال أبوعبد الله عليه السلام: الباب. فاجتمع أهل المدينة علي الباب فبعث إليهم أبوعبد الله عليه السلام قال: صبياً لنا غشي عليه فصحنَ النساء.
و قد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام و لم تك صحبته مجرد ألفة معه أو محض اختلاف إليه أو أن عصراً واحداً يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الودّ و خالص الولاء و عن إيمان لا تشوبه أيةُ شائبة حتي أمر الإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم و قال: إِنَّهُ عَلَي دِينِ اَللَّهِ.
روي الكشي في «رجاله» بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ عَلِّمُوا أولادكم شِعْرَ اَلْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ عَلَي دِينِ الله.
و ينّم عن صدق مهجته و استقامة طريقته في شعره و سلامة معانيه عن أي مغمز أمر الإمام عليه السلام إيّاه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي.(1) و من شعره في إظهار عقيدته قوله:
بلّغ سلامي قبراً بالغريِّ حوي *** أو في البريّة من عجمٍ و من عرب
و اجعل شعارك الله الخشوعَ به *** وناد خير وصيّ صنوّ خير نبي
إسمع أبا حسن إن الألي عدلوا *** عن حكمك انقلبوا عن شرّ منقلب
إلي آخر أبياته...
دعبل الخزاعي الشهيد في سنة 246 ه.
كان شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل بيت عليهم السلام العصمة صلوات الله عليهم أجمعين أشهر من نار علي علم.
ص: 48
قال عنه العلامة الآميني: فما ظنّك برجل كان يُسمع منه و هو يقول: أنا أحمل خشبتي علي كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها.
و قيل للوزير محمد بن عبد الملك الزّيات: لِمَ لا تجيب دعبلاً عن قصيدته التي هجاك فيها؟ قال: إنّ دعبلاً جعل خشبته علي عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة و هو لا يبالي كل ذلك من جرّاء ما كان ينافح و يناضل في الذب عن البيت النبوّي الطاهر و التجاهر بموالاتهم و الوقيعة في مناوئيهم لا يقرُّ به قرار فلا يقلّه مأمن و لا يظله سقف منتجع.
ما زال مطارداً من خلفاء الوقت و أعداء العترة الطاهرة و مع ذلك كلّه فقصائده تلهج بها الركبان و تزدان بها الأندية و هي مسرّات للموالين و محفظات للأعداء و مثيرات للعهن و الضغائن حتي قتل علي ذلك شهيداً.(1)
و هذه ناحية واسعة النطاق تحمل في طياتها الشواهد الكثيرة و الأدلة القوية علي صدق إيمانه و قوة عقيدته و التهالك في سبيل نصرتها و الذب عنها...
عن يحيي بن أكثم قال: إنَّ المأمون أقدم دعبل رحمه الله و أمنّه علي نفسه فلمّا مثل بين يديه و كنت جالساً بين يدي المأمون فقال له: أنشدني قصيدتك الرائية فجحدها دعبل و أنكر معرفتها فقال له: لك الأمان عليها كما أمّنتك علي نفسك فأنشده جملة من الأبيات حتي قال:
كم من ذراعٍ لهم بالطف بائنةٍ *** و عارضٍ بصعيد التُربِ منعفرِ
أمسيِ الحسينُ و مسراهم لمقتلهِ *** و هم يقولون هذا سيّد البشر
يا أمة السوءِ ما جازيتِ أحمد في *** حُسن البلاءِ علي التنزيل و السور
خلّفتموه علي الأبناء حين مضي *** خلافة الذئب في إنفاذ ذي بقر
قال يحيي: و أنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه و قد انتهي إلي قوله :
لم يبقَ حيِّ من الأحياءِ نَعلَمهُ *** من ذي يمانٍ و لا بكر و لا مُضَر
إلا وهم شركاءٌ في دمائهم *** كما تشارك أيسارٌ علي جزر
ص: 49
قتلاً وأسراً و تخويفاً و منهبةً *** فعل الغزاة بأرض الروم و الخزر
أري أميّة معذورينَ إن قَتلوا *** و لا أري لبني العبّاس من عُذرِ
حتي قال:
أربِع بطوسٍ علي قبرِ الزكيّ بها *** إن كنت تَربَعَ من دينٍ علي وَ طر
قبرانِ في طوسَ خير الناس كلِّهمُ *** و قبر شرّهم هذا من العِبَرِ
ما ينفع الرِّجس من قرب الزكي و لا *** علي الزكي بقربِ الرجسِ من ضررِ
هيهات كلُّ امرئٍ رهنٌ بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذرِ
قال: فضرب المأمون عمامته الأرض و قال: صدقت و الله يا دعبل.(1)
قال أبو الفرج في الأغاني: قصيدة دعبل:
مدارسُ آيات خلت من تلاوة *** و منزلُ وحي مقفر العرصات
من أحسن الشعر و فاخر المدائح المقولة في أهّل البيت عليهم السلام قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان قال : دخلت علي علي بن موسي الرضا عليه السلام فقال لي: أنشدني شيئاً مما أحدثت فأنشدته:
مدارس آيات خلت من تلاوة...
حتي انتهيت إلي قولي:
إذا وتروا مدّوا إلي واتريهم *** أكفّاً عن الأوتار منقبضات
قال: فبكي... و أومأ إلي الخادم كان علي رأسه: أن اسكت. فسكت فمكث ساعة ثم قال لي: أعد. فأعدت حتي انتهيت إلي هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولي و أومأ الخادم إليَّ : أن اسكت و هكذا الأمر تكرر ثلاث مرات حتي انتهي إلي آخر القصيدة فقال لي: أحسنت ثلاث مرات.
ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه و لم تكن دفعت إلي أحد بعد و أمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إليَّ الخادم... إلي آخره.(2)
ص: 50
و قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء: قصيدته التائية في أهل البيت عليهم السلام من أحسن الشعر و أسني المدائح قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان ( و ذكر حديث البردة التي خلعها عليه الإمام الرضا عليه السلام بعد إنشاد القصيدة) ثم قال: و يقال إنه كتب القصيدة في الثوب و أحرم فيه و أوصي بأن يكون في أكفانه.
و عن دعبل الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا عليه السلام:
مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات
قال لي الرضا عليه السلام: أفلا ألحق البيتين بقصيدتك؟! قلت: بلي يا بن رسول الله عليه السلام، فقال:
و قبر بطوسٍ يا لها من مصيبة *** ألحّت علي الأحشاء بالزفرات
إلي الحشر حتي يبعث الله قائماً *** يفرّج عنا الهمَّ و الكربات
و قد ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل:
و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمّنها الرّحمن في الغرفات
قال دعبل : ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلي قولي :
خروج إمام لا محالة خارجٌ *** يقوم علي اسم الله و البركات
بكي الرضا عليه السلام بكاءً شديداً ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام؟! قلت: لا، إلاّ أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً و عدلاً...
فقال: إنَّ الإمام بعدي ابني محمد عليه السلام و بعد محمد ابنه علي عليه السلام و بعد علي ابنه الحسن عليه السلام و بعد الحسن ابنه الحجة القائم عجل الله فرجه الشريف و هو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره... إلي آخر الحديث.(1)
و الحديث عن شعر العقيدة طويل و طويل لا مجال للتفصيل فيه هنا و ما ذكرناه كان من باب المثال.
و من كل ما تقدم من شواهد و دلالات تجد عمق الولاء و شدّة
ص: 51
الحماس من أجل المذهب و العقيدة و أن أهل البيت سلام الله عليهم شجّعوا هذا اللون من الشعر لنصرة مذهبهم و ترويج مبادئهم في قبال المباديء المنحرفة التي روّجها الحكّام للتغطية علي التشيّع و محاولة منهم الإطفاء نور أهل البيت عليهم السلام.
و لهذا كان ترويج العقيدة و إبرازها في النظم المقفّي من أكبر الدوافع عند الشعراء الكبار في القرن الأول و الثاني و الثالث الهجري دفاعاً عن المذهب و مناصرة لزعمائه من آل الرسول سلام الله عليهم أجمعين.
الثاني: دافع الولاء و المحبة:
و أيضاً... كان الشعراء ينظمون عنهم عليهم السلام از بدافع التعبير عن عواطفهم و مشاعرهم حباً و ولاءً و تأثراً بما اتسموا به عليهم السلام من مزايا و فضائل و خاصة تجاه سيدة النساء التي دارت عليها سنن التكوين و التشريع و براءة من أعدائها عليها الصلاة و السلام الذين اتسموا بكل خصال الشر و القبح الإنساني.
إن الشاعر الذي يتذوّق الجمال في الكون و يفتّش عن مظاهره و خفاياه ثم يهريق ما بمخزونه من طاقة في الفن و التصوير من أجل مغازلته و التغنّي به كيف لا يستقطبه كمال فاطمة المعنوي؟!
و كيف لا يتحرّك شعوره المرهف تجاه هذه العظمة و هذا و الجمال؟!
إنّ الشاعر الذي يستفز مشاعره بلبل غرّيد علي غصن شجرة أو وردة غانية علي فم الشلال فتفيض عليه صوراً ساحرة فاتنة كيف لا تفيض عليه آيات الجمال و الجلال في فاطمة سحراً و عذوبة؟!
إنّ الشاعر الذي يبهره ضوء القمر في الليل الداجن كيف لا تبهره أنوار أهل البيت عليم السلام الساطعة؟!
و كيف يطيق الوقوف صامتاً تجاه هذا الطهر و الكمال و لا يعلن عن انفعاله و حبه و عشقه؟!
و كيف تجفّ شاعريته عند مظاهر القدس و ألوان العظمة و آيات البهاء فلا يغازلها و يسكب عليها عواطفه و أحاسيسه؟!
ص: 52
من الواضح... أنّ الشاعر إذا كان شاعراً حقاً يسوقه الجمال و تأسره العاطفة لا يمكنه أن يَغضَّ نظره عن أسرار آل محمد سلام الله عليهم أجمعين . أو يتغافل عنها... و لا يمكنه أبداً -إذا كان شاعراً حقاً- أن يتعامي عن مظاهر الجمال و الكمال فيهم عليهم الصلاة و السلام.
و قد خلقهم الله أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين وطهرّهم من كل منقصة و صاغ أرواحهم القدسية صياغة ربّانية فكانوا أنوار هدايته و محالّ عظمته و آيات جماله و مظاهر كماله.(1)
إنّ الشاعر الحق كالفراش العاشق دوّار عن جمال الحياة و سحر الطبيعة يهفو إليه في الحقول و المزارع... في نور الصباح... و في نسيم السحر... في خرير الماء... و حفيف الشجر... فكيف يتغاضي عن جمال الطبيعة الخلاّب؟!
إذن الشاعر... مهما أوتي من نبوغ و قدرة علي الوحي و الإلهام فإنه و إن فطم عن معرفتها عليهم السلام و لم يبلغ غورها... إلا أنه لا يمكنه أن يتجاهل أسرار العظمة فيها ولا بدَّ له أن يشيد بمظاهر جمالها و كمالها و هي آية جمال الله سبحانه و كماله إلاّ إذا أراد أن يلغي شاعرّيته أو يتسافل بشعوره!!
و من هنا كان الأدباء و الشعراء و ما زالوا -علي اختلاف مذاهبهم و عقائدهم ينظمون في الحب و الولاء و إبداء التعاطف رثاءً أو مدحاً و تمجيداً بها عليها الصلاة والسلام.
روي الأربلي في كشف الغمة: أنَّ بعض الوّعاظ ذكر فاطمة سلام الله عليها و ما وهبها الله من مزايا الجمال و الكمال و الفضائل العالية فاستخفّه الطرب فأنشد:
خجلاً من نور بهجتها *** تتواري الشمس بالشفق
و حياءً من شمائلها *** يتغطّي الغصن بالورق
ص: 53
قال: فشقَّ كثير من الناس ثيابهم و أوجب وصفها بكاءهم و انتحابهم تأثراً و شوقاً.(1)
و روي أنس بن مالك قال: سألت أمي عن صفة فاطمة عليها السلام فقالت: كانت كأنّها القمر ليلة البدر أو الشمس كفّرت غماماً أو خرجت من السحاب.(2)
قال المرحوم السيد كاظم القزويني قدس سره:
إنَّ عَظَمَةَ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سلام الله عَلِيٍها و فَضَائِلِهَا وَ مَزَايَاهَا وَ مَصَائِبِهَا وَ ما رَأَت مِنَ الضَّغَطِ و الْكَبَتِ و الاِضْطِهَادِ كانَتْ كَافِيَةً لِتَهْيِيجِ العَوَاطِفِ اَلْجِيَاشَةِ تُجَاهَهَا فَلاَ عَجَبَ إِذَا طَفِقَ اَلشُّعَرَاءُ يَنْثُرُونَ مَدَائِحَهم لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ سلام الله عليها بِمُخْتَلَفِ اللُّغاتِ وَ يُعَبِّرونَ عَن شُعورِهِم وَ حُبِّهِم وَ مَوَدَّتِهِم و ذَلِكَ حِينَمَا اهْتَزَّتْ ضَمَائِرُهُمْ فَتَفَتَّحَتْ قَرَائِحُهُمْ و فَاضَتْ أَحَاسِيسُهُمْ فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَي السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ سلام الله عَلَيها أحسَنَ الثَّناءِ وَ يَرِثونَها بِأوجَعِ الرّثاءِ .
و أيُّ شَاعِرٍ يُشْعِرُ بِآلامِ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ سلام الله عليها و لا يُهَيِّجُ شُعورَهُ ؟ وَ أيُّ إِنْسَانٍ يُدْرِكُ مَواهِبَ السَّيِّدَةِ الزَّهْراءِ سلام الله عليها وَ مَزاياها وَلا يُعَبِّرُ عَن مَشاعِرِهِ ؟ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شُعُورُهُ مُتَحَجِّرَاً أو إِدْرَاكُهُ مُعْطٍلاً أَوْ أَحَاسِيسُهُ رَاكِدَةً جَامِدَةً .
إِنَّ جمالَ حَياةِ السَّيِّدَةِ الزَّهراءِ يَأخُذُ بِمَجامِعِ قَلبِ كُلِّ حَرٍ وَ كُلُّ قَلبٍ حَرٍ سَليمٍ .(3)
حقاً كان للشعراء المخلصين مواقف نبيلة تجاه مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» في هذا المجال و خاصة شعراء القرون الأخيرة حيث نظموا أروع مشاعر الحب و الولاء بأجمل تعبير و صبّوها في مصب الشعر مدحاً و رثاء.
أقول: و كشواهد عملية لما ذكرنا من تأثّر الشعراء علي اختلاف أذواقهم و مشاربهم بمزايا الزهراء سلام الله عليها و آيات الكمال و الجمال فيها و انشدادهم إليها حتي اعتصروا مهجهم و عواطفهم لمدحها و إظهارها أنقل لك بعض النماذج من شعراء عدة عاشوا في بلدان و عصور مختلفة.
ص: 54
قال السيد عبد اللطيف فضل الله:
هتفَ البيانُ بمولدِ الزهراءِ *** سرِّ الوجود و شمس كلِّ سماءِ
فرأي الجلالَ علي تواضع قدسه *** تنحطُّ عنه مدارِكُ العقلاء
شمخَ الأديمُ بفاطم و تطاولت *** غبراؤه فيها علي الخضراء
برأَ العوالمَ و اصطفاها ربُّها *** مما اصطفاه بها مع الأمناء
فتجسّمت في الأرضِ منه رحمةٌ *** و شفاعةٌ للناسِ يوم جزاء
حتي قال:
و الاكِ ربُّك إذ رضعَتِ ولاءِه *** وحباكِ منه ولايةَ الأشياء
جبلت بأسرارِ السما و تكوّنت *** مما يساق العرش في لَألاءِ
آلاوُها ملءُ الزمانِ و بيتُها *** في الكائناتِ أساسُ كلّ بناءِ
حوراءُ إذ رِفعَ الإلهُ لواءَها *** كرماً وضمَّ الخلقَ تحتَ لواء
و بري مناقبها و قال لعزّها *** كوني بلا عدَّ و لاإحصاء
قلنا لها سرِّ يُصانُ و جوهرٌ *** فوقَ الأنامِ وطينِهم و الماء
نشأَت بظلِّ اللهِ لم يَعلُق بها *** دنَسٌ و لا وقَعت علي الأخطاءِ
إلي آخر القصيدة (1) و سيأتيك بعض الشرح لهذه القصيدة في حرف الهمزة فانتظر.
و أنشد شيخ الفقهاء و الفلاسفة الشيخ محمد حسين الأصفهاني قائلاً:
ص: 55
جوهرةُ القدسِ من الكنز الخفي *** بدَت فأبدت عالياتِ الأحرف
و قد تجَلّي من سماءِ العظمَة *** في عالم السماءِ أسمي كلمة
بل هي أمُّ الكلماتِ المُحكَمة *** في غيب ذاتِها فكانت مُبهَمة
أمُّ أئمةِ العقولِ الغرِّ بلْ *** أمُّ أبيها و هو علّةُ العلل
تمثلتْ رقيقة الوجود *** لطيفةَ جُلَّتْ عن الشُهود
تَصوَّرتْ حقيقة الكمال *** بصورةِ بديعة الجَمال
فإنّها قطبُ رحي الوجودِ *** في قوْسَي النزولِ و الصعود
مصونةٌ عن كلّ رسمٍ وَسِمَه *** مرموزةٌ في الصحفِ المُكَرَّمة
إلي آخر القصيدة .(1)
و أنشد السيد محمد جواد فضل الله:
مجدكِ الشمسُ ينطفي إن تبدّتْ *** كلُّ نجمٍ من حولها ويبيدُ
النبوّاتُ دوحةٌ أنت منها *** ألَقٌ مشرق و نفحٌ ودوُد
كيف يَرقي لشأو عزك مجد *** وبكِ المجدُ تاجُه معقودُ
نفحةٌ من مجهرٍ صاغها اللهُ *** مثالاً للطُهرِ كيف يُريد
وحباهامنه الجلالُ إهاباً *** يتداني عن نَعمتِهِ التمجيدُ
رفع اللهُ شأنَها فتباهتْ *** باسمِها في الجنانِ حُورٌ و غِيْدُ
إلي آخر القصيدة.(2)
و أنشد المرجع الديني الكبير المرحوم السيد الميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره الشريف):
درةٌ أشرقتْ بأبهي سَناها *** فتلألأ الوري فيا بشُراها
لمعٍ الكونُ من سنا نورٍ قدسٍ *** بسنا نوره أضاءَ طُواها
يا لها لمعةٌ أضاءتْ فأبدتْ *** لمعاتٍ أهدي الأنامَ هداها
إلي آخر القصيدة.(3)
ص: 56
و أنشد الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي:
أتي يؤمُ البتولةِ و هوعيدُ *** فطابَ بذكرِ مولِدها القصيدُ
بدتْ كالشمس تَغْمُر كل أفقٍ *** من الدنيا و قد سَعَدَ الوُجود
هي الزهراءُ فاقَتْ كلِّ أنثي *** لها فضلٌ فهل تُوفي الحدودُ ؟
أبوها سيِّد الكونين (طه) *** و (حيدُرة) لها بَعْلٌ مجيدُ
و شبلاها هما الحسنُ المصفّيِ *** و ذاك حسينُها السبطُ الشهيدُ
ولاها الدينُ و الإيمانُ حقاً *** و تلكَ هي السعادةُ و السعوُد
أبنتَ المصطفي وفاك شعري *** بمدحتهِ و إن غَضِبَ الحَسُود
شربتُ ولاكِ من لبنِ زكئِّ *** تُغَذَّيني به أمِّ وَلُود
و ذاك من الإله عظيمُ فضلٍ *** و من عندي له شكري يَزيدُ
فباسمِكِ قد أذعتْ بكلِّ نادِ *** تزاحَم عند ساحته الحُشودُ
سأبقي ماحييتُ ولي وصال *** بحبّك لا أزلُّ و لا أحيدُ
و قد حوي الديوان العديد من قصائد المدح الفريدة في نوعها كما سيمر عليك فانتظر.
ص: 57
و أما في الرثاء فقد تجاوز الشعر حدّ العدّ و الحصر كما ستري في الديوان و قد ضم حوالي (600) قصيدة جاء الكثير منها في الرثاء و هنا نذكر بعض النماذج...
أنشد الشيخ محسن أبوالحبّ الكبير الحائري مقارناً بين الزهراء البتول و مريم العذراء عليهم السلام الي قائلاً:
إن قيل حوّا قلتُ فاطمُ فخرُها *** إن قيلَ مريمُ قلتُ فاطمُ أفضلُ
أفهل لَحّوا والدٌ كمحمدٍ ؟ *** أم هلْ لمريمَ مثل فاطمَ أَشبُلُ
كلِّ لها حينَ الولادةِ حالةٌ *** منها عقولُ ذوي البصائرِ تَذْهَلُ
هذي لنخلتِها التجتْ فتساقطتْ *** رُطباً جَنياً فهي منه تأكُلُ
وضعتْ بعيسي و هي غيرُ مروعةٍ *** أنّي و حارسُها السريُّ الأبسلُ
و إلي الجدارِ و صفحةِ البابِ التجتْ *** بنتُ النبي فأسقطتْ ما تَحمِلُ
سقطتْ و أسقطتِ الجنينَ و حولَها *** من كلِّ ذي حسبٍ لئيمِ جَحْفلُ
هذا يُعَنّفها وذاك يدُعُّها *** ويَردُّها هذا و هذا يَرْكلُ
و أمامَها أسدُ الأسودِ يقوده *** بالحبلِ قنفذُ هل كهذا مُعضِلُ
و لسوف تأتي في القيامةِ فاطمٌ *** تشكو إلي ربّ السماءِ و تُعَوِلُ
و لَتَرفعنَّ جنينَها و حنينَها *** بشكايةٍ منها السما تَتزلزلُ
ربّاه ! ميراثي و بعلي حقَّه *** غَصبوا و أبنائي جميعاً قُتّلوا
ولدايْ ذا بالسمّ أمسي قلبُه *** قِطَعاً و هذا بالدماءِ مُغَسَّلُ (1)
ص: 58
و أنشد آخر فقال:
بأبي الّتي ماتتْ و ما *** ماتتْ مكارمُها السنيّة
بأبي التي دُفِنَتْ وعُفّي *** قبرُها السامي تَقِيَّة
و أنشد بعض أشراف مكة قصيدة جاء فيها :
وأَتتْ فاطمةٌ تطالب بالإرثِ *** من المصطفي فما وّرثاها
ليت شعري لِمْ خُولِفَتْ سننُ *** القرآنِ فِيها ؟ و اللُه قد أعلاها
نُسِخَتْ آيةُ المواريث منها *** أم هما بعدَ فرضِها بَدّلاها ؟
أم تري آية المودّة لم تأتِ *** بودّ الزهراءِ في قُرْباها
بنتُ من؟ أمُّ من؟ حليلةُ من؟ *** ويلٌ لِمَنْ سنَّ ظلمَها و آذاها(1)
و قال آخر:
فمضتْ و هي أعظم الناسِ وَجْداً *** في فمِ الدهر غصةٌ من جَواها
وثَوَتْ لا يَري النسا لها مثوّي *** إلي قَدس يضمُّه مَثْواها
و ستقرأ الكثير من ذلك فانتظر.
و كان الشعراء ينظمون بدافع النصرة لأهل البيت عليهم السلام و الندبة لهم أيضاً و ذلك لأنه بنصرتهم تتجسّد نصرة الدين و المبدأ الحق و بندبتهم يندبون حقوقهم الضائعة و دماءهم المهدورة بأيدي الظلم و الظالمين.
و من الواضح... أن كل صاحب ضمير و قلب صفيّ ينصر أهل الحق و يندب مأساتهم و إن لم يتمسك بهم كأئمة عليهم السلام و أولياء.
و في التاريخ الكثير الكثير من الشعراء و الأدباء الذين وقفوا يدافعون عن أهل البيت عليهم السلام و ينتصرون لظلاماتهم و يهاجمون أعداءهم الذين أعماهم الهوي و أغواهم الشيطان فصادروا حقوقهم و سحقوهم تحت سنابك الخيل أو خلف قضبان السجون!! كما ستري...
ص: 59
فشعراء الشيعة الذين يندبون أهل البيت عليهم السلام و ينظمون فيهم قصائد الشعر ليس لغرض أن يقال بأن أهل البيت عليهم السلام عندهم أولياء و أتباع يبكونهم و ينصرونهم... كلاّ... إنّ أهل البيت عليهم السلام صاروا لأصحاب الضمائر و ذوي المباديء الحرّة الشريفة و المواقف النبيلة رمزاً عميق الدلالة و المضمون لكّل معاني القيم الإنسانية و هذه الدرجات الرفيقة من السمو يعشقها حتي أعداؤهم و يشهدون لهم بذلك.
و لعل كتب التاريخ و الأدب مشحونة باعترافات الكثير من أعدائهم بفضلهم و مكانتهم السامية في القلوب و الضمائر .
و بعض مخالفيهم نظم فيهم شعراً رائعاً بما يدلّل علي مكانتهم السامية، و محبوبيتهم عند الجميع ، و لعلّ من أفضل الشواهد علي ذلك القصيدة الجلجلية التي نظمها عمرو بن العاص في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و هو يخاطب صاحبه و رفيق دربه و شريكه في مخططاته، معاوية بن أبي سفيان.
يقول فيها:
معاويةٌ الحقَّ لاتَجهَل *** و عن سبيلِ الحقِّ لا تَعْدِل
إلي آخر الأبيات:
و قد نقلها العلامة الأميني في الغدير(1) و غيرها من القصائد المؤثرة التي لها وقع في النفوس .
كما نظم فيهم بعض زعماء المذاهب و أئمتها بما يعدّ من مفاخر الشعر الولائي كقصيدة ابن أبي الحديد المعتزلي العينية، و ما نظمه الشافعي في ذلك صار أشهر من نار علي منار.
قال النبهاني: روي السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلي الربيع بن سليمان المرادي صاحب الإمام الشافعي قال: خرجنا مع الشافعي في مكة نريد مني فلم ينزل و ادياً و لم يصعد شعباً إلاّ و هو يقول:
ص: 60
يا راكباً عُجْ بالمحصَّبِ من مني *** و اهتفْ بساكنِ خيفها و الناهِضِ
سحراً إذا فاضَ الحجيجُ إلي مني *** فيضاً كملتطمِ الفراتِ الفائضِ
إن كانَ رفضاً حبُّ آل محمدٍ *** فليشهدِ الثقَلانِ أنّي رافضي
بل صرّح بشعره أنَّ محبة أهل البيت عليهم السلام من فرائض الدين فقال:
يا آلَ بيتِ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حبُكُمُ *** فَرْضٌ من اللِه في القرآنِ أَنزلهُ
كفاكمُ من عظيمِ الشأنِ أنَّكم *** مَنْ لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ له(1)
و جاء في الصواعق المحرقة لابن حجر صفحة 101 و للشيخ شمس الدين ابن العربي قوله:
رأيت ولائي آل طه عليهم السلام فريضةً *** علي رغمِ أهلِ البُعْدِ يُورِثُني القُرْبي
فما طلبَ المبعوثُ أجراً علي الهدي *** بتبليِغَه إلا المودَّةَ في القُرْبي
هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الإسلام ظاهرة عواطف وأسي عميقة علي ما أصاب أهل البيت عليهم السلام من كوارث و ما تعرّضوا له من نكبات في مختلف الأوطان و العصور الإسلامية، ما جعل الحديث عنها شجي كل نفس ولوعة كل قلب.
إنَّ المبالغة في التنكيل بهم و الظلم و الحيف و الإعتداء الذي وقع عليهم جعل الحزن و الأسي عليهم أعم و التأثر لمصابهم أوجع هذه العواطف غير المشوبة و لا المصطنعة أضفت علي الشعر الشيعي و كل ما قيل في أهل البيت عليهم السلام لوناً حزيناً باكياً يمور بجيشان العواطف الصادقة الثائرة، ذلك لدمهم المطلول و هذا لحقهم الممطول و بين هذا و ذاك فخر يفرع في السماء بريق و مجد يطاول الأجيال.
يقول محمد بن هانيء الأندلسي في قصيدة له:
غَدوْا ناكِسي أبصارِهمْ عن خليفةٍ *** عليم بسرِّ اللهِ غير معلَّمِ
و روح هدي في جسم نورِ يَمُدُّهُ *** شعاعٌ من الأعلي الذي لم يُحْسَمِ
إمامُ هُديً ما التفَّ ثوب نبوّة *** علي ابنِ أبي منه باللِه أعلمِ
ص: 61
بكُمْ عزَّ ما بينَ البقيعِ و يثربٍ *** و نُسِّك ما بينَ الحطيمِ و زمزم
فلا بَرِحَتْ تَتْري عليكم من الوري *** صلاةُ مصلِّ أو سلامُ مسَلِّمِ(1)
هذا بالنسبة لأصحاب الأدب بشكل عام و أما أدباء الشيعة فقد صارت ظلامات أهل البيت عليهم السلام شغلهم الشاغل و استمّروا يندبونهم ليل نهار و يتوجّعون لما أصابهم علي أيدي الأعداء ليس فقط لنيل الثواب المؤكَّد في الآخرة... و ليس فقط لإبراز العقيدة و التولّي لهم و التبرّي من أعدائهم... بل لأنَّ المظلومية عند أهل البيت عليهم السلام سلاح عظيم رفعه الشيعة علي طول التاريخ للمطالبة بحقوق أئمتهم عليهم السلام المهضومة و التي هي الأخري تشكِّل حقوق الإنسانية جمعاء .
و الملاحظ... إن ما نظمه الشعراء الشيعة علي طول التاريخ و ما زالوا ، يدلّ بوضوح أنه يعكس الاستنكار الصارخ المقرون بالتوجّع و الندبة علي الظلم و الظالمين في كل زمان و مكان .
ص: 62
و قد صار أهل البيت «عليهم الصلاة و السلاَّم» و خاصة مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» و الحسين «عليه السلام» الرمز لهذه الظلامات و الشعار الذي تلخّصت فيه كل المطالب المشروعة لهم...
كما تحوّل من قابلهما -فاطمة و الحسين «عليهما السلام»- الرمزالأكبر للجور و العدوان و ستتضح لك أسباب ذلك .
إنَّ كلمتي الزهراء و الحسين عليهما السلام لم تبق عندنا فقط في الدائرة العلمية و المذهبية الخاصة و ما فيها من دلالات عميقة علي الولاية و الإمامة كما تقدم . بل أصبحت كلمة فاطمة عليها سلام لا تمثِّل رمز المظلومية و شعار الحزن و الندبة لحقوق مهضومة و كرامات مهدورة بأيدي لا تتورع عن التلبّس بالدين و التظاهر بمظاهره... كما أن فاطمة سلام الله عليها لا تتورع من أن تدّعي أنَّها خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم في الأرض، و هكذا الحسين عليه السلام أيضاً صار كأمِّه سلام الله عليها رمز الحزن و البكاء و المصيبة التي يتوجع لأجلها كل قلب بالإضافة إلي كونه رمز الإباء و التضحية و الفداء قال الشاعر:
أَنْسَتُ رزّيتُكمْ رزايانا الّتي *** سَلفتْ و هوَّ نتِ الرزايا الآتيةْ
و فَجائعُ الأيامِ تبقي مدةً و تزولُ *** وَ هْيَ إلي القيامةِ باقيةْ
و هذه الحقيقة نحسّها من خلال أدب الشيعة و كلمات أدبائهم .
فلقد كان الأدب الحقيقي الصادق و ما زال الصورة الحية التي تجسد أصدق تجسيد عقلية الأمة و عقيدتها و عواطفها... و رؤيتها المستقبلية...
ص: 63
و قد مضي علي ظلامات أهل البيت عليهم السلام قرون مديدة و من ذلك اليوم و إلي اليوم تجد أجيال الشعراء . فضلاً عن العلماء و الخطباء و كل أهل الفضل -من قوميات شتي ينظمون الشعر في ندبهم و نصرتهم سواء بالفصحي أو العامية.
و رغم تطور الحياة و تبدل أحوالها و تغيير الكثير فيها فإنَّ نصرة أهل البيت عليهم السلام و الدفاع عنهم و التعاطف مع قضاياهم لا زالت باقية ينوح عليها، و يتأسي بها محبّوهم، و مناصروهم جيلاً بعد جيل...
بل إن العواطف الجيّاشة تجاه أهل البيت عليهم السلام و مظلوميتهم تنمو و تكبر و تشتد من عصر إلي عصر و من جيل إلي آخر رغم كلّ الحاقدين... و رغم كلِّ شيء.
و لا أظنّ أن البشرية جمعاء عرفت أناساً قيل فيهم من الشعر و الأدب نصرة و دفاعاً و تضامناً كما قيل في آل محمد «صلوت الله عليهم أجمعين»...
قال الشاعر:
وما فاتني نصرُ كمْ باللسان *** إذا فاتني نصرُكمْ باليدِ
و قال عبد الحسيب طه في «أدب الشيعة»:
و الواقع أن قتل الحسين عليه السلام علي هذه الصورة الغادرة -و الحسين عليه السلام غني عن التعريف ديناً و مكانة بين المسلمين- لا بد أن يلهب المشاعر و يرهف الأحاسيس و يطلق الألسن و يترك في النفس الإنسانية أثراً حزيناً دامياً و يجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.
و هال الناس هذا الحادث الجلل -حتي الأمويين أنفسهم- فأقضّ المضاجع و أذهل العقول و ارتسم في الأذهان و صار شغل الجماهير الشاغل، و حديث النوادي.
تجاوبتِ الدنيا عليك مآتماً *** نواعيك فيها للقيامة تهتفُ
فما تجد مسلماً إلّا و تجيش نفسه لذلك الدم المهدور وكأنّه هو الموتور!! أجل... فلا تختص بذلك فئة دون فئة و لا طائفة دون طائفة
ص: 64
وكأنَّ الشاعر الذي يقول:
حبُّ آل النبيِّ خالطَ قلبي *** كاختلاطِ الضيا بماءِ العُيونِ
إنما يترجم عن عاطفة كلّ مسلم و هل التشيّع إلا حب آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و من هذا الذي لا يحب آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرة؟ ملامكَ في آل النبيِّ فإنّهمْ *** أحِبايَ ما داموا و أهلُ تقاةِ(1)
و قال السيد جواد شبّر في أدب الطف:
ما عرف التاريخ من أوّل الناس حتي يومهم هذا أنَّ شخصاً قيل فيه من الشعر و النثر كما في الحسين بن علي عليه السلام فقد رثاه كل عصر و كل جيلِ بكل لسان في جميع الأزمان و وجد الشيعة مجالاً لبث أحزانهم و متنفّساً لآلامهم عن طريق رثاء الحسين عليه السلام سيّما و هذه الفرقة محارَبة من كل الحكومات و في جميع الأدوار.
و مما ساعد علي ذلك؛ أنَّ فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في التاريخ بمصائبها و فوادحها.(2)
و قال محسن علي المعلّم:
نجد الشعر الحسيني قد تجاوز الحدود و السدود و لم يعد وقفاً علي شيعته و أوليائه القائلين بإمامته بل شاركهم الشعور ذوو الأفكار الحرة المتنوّرة من المسلمين و المسيحيين و سواهم و بالفصيح من العربية و غيرها من اللغات و اللهجات الأخري و لم يقتصر فيض الشعر الزاخر علي جوانب الأسي و بواعث الحسرة و الشجن، و إنما شمل ملكات الإمام العظيمة و مكامن شخصيته و مواطن عظمته.(3)
أقول: شاركت الزهراء سلام الله عليها ولدها الحسين عليه السلام في كثرة الندب و الرثاء
ص: 65
كما قد لا توجد أبداً قضية كقضيتهما معاً عليهم السلام حَظَيِتْ بمثل هذا الاهتمام الكبير من قبل الشعراء و الأدباء أبداً.
و هذا الاهتمام لم ينشأ من مكانتهما فقط لأن كلَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام يحظون بمكانتهم السامية عند الله «سبحانه» و عند الناس...
و ليس فقط لوجود حبّ الحسين و الزهراء عليهما السلام في قلوب أهل الحق.
كلاّ... فإنّ جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام حبّهم فرض و موالاتهم دليل صفاء القلب و نزاهة الضمير و صدق الإيمان... بل لأنَّ ظلامة الزهراء و ظلامة الحسين «عليهما السلام» كمَّلت إحداهما الأخري و صارتا حلقة واحدة تضمّنت ظلامات الجميع... فظلامة الزهراء سلام الله عليها كانت فاتحة الظلامات علي آل الرسول عليهم السلام بمآسيها المفجعة...
و ظلامة الحسين عليه السلام كانت الأكثر وقعا في شدّتها و فظاعتها هذا أولاً.
و ثانياً... لأنّ ظلامة الزهراء سلام الله عليها تشكّل ظلامة النبوّة و أوّل خطوة خطاها القوم للابتعاد عن منهاج الإسلام و اغتصاب الخلافة الشرعية و الاعتداء علي بيت النبوّة بلا جهل و لا قصور بل إنَّ القوم هتكوا حرمتها و سحقوا حقوقها و قتلوها علماً و عمداً و عن سابق إصرار -و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعدُ لم يهجع في قبره- و لذا كانت أول خطوة في طريق الظلم و الجور في تاريخ المسلمين التي جرَّت الويلات تلو الويلات علي المسلمين حتي اليوم.
و أما ظلامة الحسين عليه السلام فقد شاركت الظلامة الأُولي -ظلامة فاطمة الزهراء سلام الله عليها- في القتل والتعدّي عن علم و عمد و سابق إصرار كما قالوا له:
«نقتلك و نعلم أنَّك ابنُ فاطمة سلام الله عليها... ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم »!!
ولكن زادت هذه علي الأولي بالدناءة و الخسَّة و الشمولية فتلخَّصت فيها كل ظلامات الأنبياء و الأئمة و الأولياء... لوجود الشبه الكبير بين واقعة الطف و وقائع أنبياء الله و أوليائه في الهتك و السحق...
و من هنا ربط الشعراء بين القضيتين معاً و اعتبروا الثانية امتداداً
ص: 66
للأولي فشدّدوا أكثر علي هاتين القضيتين... ليس لنكران ما دهي سائر الأئمة عليهم السلام من ظلم و جور إذ كلُّهم مظلوم مقهور...
ولكن لأنَّ هاتين الظلامتين تضمَّنتا ظلاماتهم و أكثر، كانوا عليهم السلام يركّزون علي هذا البعد و يربطون ما يجري عليهم بما جري علي الحسين عليه السلام و كانوا يقولون ( لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَاعبدالله).(1)
فالترابط وثيق جداً بين القضيتين ليس عند الشعراء فقط بل الأمر هكذا أيضاً في الآخرة كما سنري من خلال الشواهد.
ص: 67
سلَّط شعراء الشيعة و غيرهم أيضاً قديماً و حديثاً الأضواء علي الترابط الوثيق بين السقيفة و كربلاء و ساقوا ما جري علي الحسين عليه السلام في كربلاء مساق ما جري في المدينة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي الزهراء البتول سلام الله عليها.
و اعتبروا الحادثين حادثاً واحداً في الأهداف و الدوافع -و هم علي حق في ذلك- إذ لا فاصلة بين الاعتداء علي الزهراء عليها السلام و غصب حقها سلام الله عليها و الاعتداء علي الحسين عليه السلام و لو كان القوم في الحادثة الأُولي هجموا علي الزهراء سلام الله عليها و أحرقوا دارها و أسقطوا جنينها ثم قتلوها بتلك الطريقة الشنيعة...
و بكلمة: لو كان أولئك الذين هجموا علي الزهراء عليها السلام حاضرين يوم الطف لقادوا بأنفسهم خيول بني أمية لسحق الحسين عليه السلام و أهل بيته و أضرموا في خيامهم النار.
و لو حضر أعداء الحسين عليه السلام و الأوائل يضربون الزهراء عليها السلام و يغصبون حقوقها لما قصّروا هم عن ذلك أبداً و هكذا.
لأنّ طبيعة العدوان واحدة و الذي لدية استعداد لسحق النبوّة و يسعي لإطفاء نورها مستعد أيضاً لسحق الإمامة و إطفاء نورها إذ لا فاصلة بين المقامين بل أحدهما امتداد للآخر، و مكملاً له...
و بين يديَّ الآن جملة وافرة من المنظومات الأدبية الرفيعة لشعراء عاشوا في قرون مختلفة و في بلدان مختلفة حكموا بتلك الصلة و هذا الامتداد لخط الظلم و العدوان.
ص: 68
سنقرأ الكثير منها في هذا الديوان وسنتعرف علي أذواق مختلفة لشعراء مختلفين إتفقوا جميعهم علي هذه النتيجة. سأنقل إليك بعض النماذج منها:
يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في هذا الصدد نظماً:
تاللهِ ما كربلا لولا سقيفتُهم *** و مثلُ ذا الفرعِ ذاك الأصلُ يُنْتِجُه
و في الطفوفِ سقوطُ السبطِ منجدلاً *** من سقطِ محسن خلفَ البابِ منهجُه
و بالخيامِ ضرامُ النارِ من حطبِ *** ببابِ دارِ ابنةِ الهادي تَأَجُّجُه(1)
و يقول الحاج جواد بدقت الحائري :
عُقِدت بيثربَ بيعةٌ قضيت بها *** للشركِ منه بعد ذاكَ ديونُ
بُرِقيِّ منبرِه رُقِيْ في كربلا *** صدرٌ و ضُرِّجَ بالدماءِ جبينُ
لولا سقوطُ جنينِ فاطمةٍ سلام الله عليها لما *** أودي لها في كربلاءَ جنينُ
و بكسرِ ذاك الضلع رُضَّتْ أضلٌ *** في طيِّها سِرُّ الإلهِ مَصوُن
و كما لفاطمَ رنَّةٌ من خلفِهِ *** لبناتِها خلفَ العليلِ رنينُ
و بزجرِها بسياط قنفذَ و شَجتْ *** بالطفِّ من زجرٍ لهنَّ متُونُ
و بقطعهمْ تلكَ الأراكةَ دونها *** قُطِعَتْ يدٌ في كربلا و وتينُ(2)
و السيد محمد مهدي القزويني الحائري في قصيدته يقول :
تاللِه ما كربلا لولا سقيفتُهمْ *** فإنّها ارتضعتْ من ثديِها محضا
و حقّ فاطمةٍ من سقطِ محسِنها *** حسينها خَرَّ مطروحاً علي الرَمْضا
بيومِ رضّ ضُلوعٍ الطُهْرِ فاطمةٍ سلام الله عليها *** جسمُ الحسين علي بَوْغائِها رُضضا
و الشيخ محمد حسين الأصفهاني أنشد :
و ما رماه إذ رماه حرملةْ *** و إنَّما رماه مَنْ مَهَّد لَهْ
سهمٌ أتي من جانبِ السقيفةْ *** و قوسُه علي يَدِ الخليفةْ(3)
ص: 69
و قال الحاج هاشم الكعبي :
تاللهِ ما سيفُ شمرِ نالَ منك و لا *** يدا سنانٍ جلَّ الّذي ارتكبوا
لولا الألي أغضبوا ربَّ العُلا وأبوْا *** نصَّ الولاءِ و حقَّ المرتضي غَصبوا
أصابكَ النَفَرُ الماضي بما ابتدعوا *** و ما المسبِّبُ لو لم ينجحِ السببُ
ولا تزال خيولُ الحقدِ كامنةً *** حتي إذا أبصروها فرصَةً و ثَبوا
فأدركَ الكلُّ ما قد كانَ يطلبُه *** و القصدُ يُدْرِكُ لمّا يمكنُ الطَلبُ
كفِّ بها أمَّك الزهراءَ قد ضَربُوا *** هي الّتي أختَك الحورا بها سَلبُوا
و أنّ نارَ وغّي صاليت جمرتها *** كانتْ لها كفُّ ذاك البغيِ تَحتطِبُ
فليَبْكِ يومَك مَنْ يَبكْيه يومَ غَدَوْا *** بالصنوِ قوداً و لبنتَ المصطَفي ضَربوا
تاللهِ ما كربلا لولا السقيفةُ و الأ *** حياءُ تدري و لولا النارُ ما الحطبُ
و الخطيب السيد صالح الحلي يقول :
قَبساً به بابَ البتولةِ أجَّجوا *** منه بعرصةِ كربلا نيرانُ(1)
و للشيخ محمد خليفة أبيات يقول فيها :
إنّي أقولُ و لستُ أولَ قائلٍ *** قولاً ثوابتُ صدقِه لاتُنْكَرُ
تاللهِ ما قَتلَ الحسينَ سوي الأُلي *** قدماً علي الهادي عَحتوا و استكبروا
هُمْ أسّسوا فبنَتْ بنو حربٍ و قد *** هدَموا الرشادَ و للضلالةِ عَمّروا (2)
و للشيخ كاظم السبتي أبيات جاء فيها :
فإنَّ يداً مُدَّتْ إلي هتكِ زينبٍ *** يَدٌ هتَكتْ من قبلِ زينبَ أَمَّها
و كفّاً بها قادوا علياً لبيعةٍ *** ثقالُ الرواسي لا تقاومُ جُرْمَها
بها صارَ زين العابدينَ مقيَّداً *** يكا بُد ضِغنَ الشامتينَ و هَضْمَها
و له أيضاً :
فهتكُ بناتِ الوحي عن هتكِ فاطمٍ *** و طفلُ حسينِ كانَ فرعاً عن السقطِ
و إنَّ سياطاً ألبستْهُنَّ أسوِراً *** الموروثةٌ عن دملجِ الطُهْرِ و القرطِ(3)
ص: 70
والسيد مهدي ابن السيد داود الحلي يقول :
اليومَ من إسقاطِ فاطمَ محسناً *** سقطَ الحسينُ عن الجوادِ صريعا
اليومَ جرَّدت السقيفةُ سيفَها *** فغدا به رأسُ الحسين قطيعا(1)
أقول: و ليس الشعراء و حدهم و جدوا الترابط بين ظلم الزهراء و قتل الحسين «عليهما السلام» و ثيقاً لا ينفك بل حتي الولاة و أصحاب الحكم أنفسهم الذين مارسوا هذا الظلم...
روي البلاذري قال :
لما قتل الحسين عليه السلام كتب عبدالله بن عمر إلي يزيد بن معاوية :
أمَّا بَعدُ... فَقَد عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجِلَتِ المُصِيبَةُ وَحَدَثَ في الإِسلامِ وَحَدَثٌ عَظيمٌ وَلا يَومَ كَيَومِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ.
فكتب إليه يزيد:
أمَّا بَعْدُ يَا أَحْمَق فَإِنَّنَا جِئْنَا إِلَي بُيُوتٍ مُنَجَّدَةٍ وَ فُرُشٍ مُمَهَّدَةٍ وَ وسائد منضدةٍ فَقَاتَلْنَا عَنْهَا فَإِنْ يَكُنِ اَلْحَقُّ لَنَا فَعن حقِّنا قاتَلْنَا...
و إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِغَيْرِنَا فَأَبُوك أَوَّلُ مَن سينَ هذا و ابْتُزَّ وَ استَأْثَرَ بِالحَقِّ علي أهلِهِ.(2)
يقول التيجاني السماوي:
لو قدر لعلي عليه السلام أن يقود الأمة ثلاثين عاماً علي سيرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم العّم الإسلام و لتغلغلت العقيدة في قلوب الناس أكثر و أعمق و لما كانت فتنة صغري و لا فتنة كبري... و لا كربلاء و لا عاشوراء... إلي آخر كلامه.(3)
ص: 71
ليس اتصال السقيفة بكربلاء جاء بذوق الشعراء و نتاج مشاعرهم الجيّاشة تجاه ظلامة فاطمة و الحسين عليهما السلام بلِ أخذ الشعراء هذا المعني في الروايات العديدة التي ربطت بين الحدثين معاً ليس في الدنيا فقط بل تجد الربط وثيقاً حتي يوم القيامة ...
اليوم الذي تري فيه الناس سكاري و ما هم بسكاري و لكنَّ عذاب الله شديد اليوم الذي تذهل فيه المرضعات عما أرضعن...
اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه... «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ».(1)
في هذا اليوم الذي لا يفكر فيه الناس بسوي النجاة و الخلاص مما قدموا و أخّروا ... في هذا اليوم العصيب يظهر الترابط أكثر بين قضية فاطمة سلام الله عليها و قضية الحسين عليه السلام . فتحشر «سلام الله عليها» مطالبة بحق الحسين عليه السلام و دمه المهدور...
فلماذا فاطمة عليها السلام؟ و لماذا بدم الحسين عليه السلام ؟
لعل هذا من الأسرار التي ربما نتوصل إلي بعض تفسيرها و قد لا نصل أيضاً كما قدمنا...
إنّ الروايات التي جاءت متحدّثة عن هذا الموقف كثيرة ننقل منها رواتيين...
ص: 72
قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (تُحْشَرُ ابْنَتي فَاطِمَةُ عليها السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَها ثِيابٌ مَصْبُوغَةٌ بِالدِّمَاءِ تَتَعَلَّقُ بِقائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَتَقُولُ يا عَدْلُ يَا حَكِيمُ احْكُمْ بَيْني وَبَيْنَ قاتِلِ وَلَدِي...).
قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (وَيْحَكُمُ اَللَّهُ لاِبْنَتِي وَ رَبِّ الكعبة).(1)
و في رواية أخري: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : (يُمثَّلُ لِفاطِمَةَ عليها السلام رَأسُ الحُسَينِ عليه السلام مُتَشَحِّطَةً بِدَمِهِ فَتَصيحُ وَا وَلَداهْ وا ثَمَرَةَ فُؤَادَاهْ فَتَصْعَقُ المَلائِكَةُ لِصَيْحَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام ويُنَادِي أهْلَ القِيَامَةِ قَتَلَ اللَّهُ قاتِلَ وَلَدِكِ يا فاطِمَةُ عليها السلام).
فيقول الله «عزّوجل» ذلك: (افعَل بِهِ وَبِشيعَتِهِ وَأحِبَّائِهِ وَأتباعِهِ) إلي آخر الرواية.(2)
قال الشاعر :
لا بدّ أن ترِدَ القيامةَ فاطمٌ *** و قميصُها بدمِ الحسينِ عليه السلام مُلَطّخُ
ويلٌ لمنْ شُفعاؤُه خُصَماؤُه *** والصُوْرُ في يومِ القيامةِ يُنْفَخُ
ص: 73
إنَّ أئمة الهدي أنفسهم «سلام الله عليهم أجمعين» و نظراً لظروف الإرهاب القاسية التي كانوا يعيشونها دائماً مع جبابرة الأمويين و العباسيين... و نظرا لسياسة العنف و القتل التي كانوا يمارسونها ضدهم و ضد أتباعهم حتي قضوا جميعاً قتلاً و تشريداً...
و جدوا أن من أفضل الطرق للدفاع عن الحق و نصرة مبادئه و الذب عن حياض الدين هو الشعر و منظومات الشعراء...
لأن الشاعر في ذلك الزمان كان يمثل أقوي وسيلة إعلام للتوعية و التثقيف و نشر الفكرة و نصرة الدين و بيان الحقوق المهدورة بأيدي الظالمين.
خاصة و أنَّ الحكّام أنفسهم وظَّفُوا الوسيلة نفسها -الشعر و الشعراء- الترويج مبادئهم الباطلة و تلميع وجوههم المظلمة بالمساويء و التزلّف إليهم مدحاً و تمجيداً طمعاً في المال أو الشهوة أو المناصب.
فشجع الأئمة عليهم السلام في الشعر و الشعراء و دفعوهم نحو الإكثار من النظم بهدف:
1- نشر الحق و نصرة مبادئه .
2- تخليص الشعراء من أيدي الظالمين ليستخدم الشعر في أهدافه الرفيعة في التعليم و التهذيب و خدمة الأغراض النزيهة.
3- فضح الظالمين و التحريض عليهم و لغيرها من الأسباب .
ص: 74
و قد عدّوا عليهم السلام الشعر الهادف المربّي و المعلّم الناصر للحق مقبولاً و من الطاعات التي ينال عليها صاحبها الأجر و الثواب في الآخرة...
قال الإمام الصادق عليه السلام : (مَنْ قَالَ فِينَا بَيْتاً مِنَ اَلشِّعْرِ بَنَي اَللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي اَلْجَنَّةِ) .(1)
و قال عليه السلام: (مَن قالَ في الحُسَينِ عليه السلام شَعرَةً فَبَكي وَ أبكي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ووجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ).(2)
كما أن ناصرهم و المتعاطف معهم عليهم السلام كان يحظي بدعائهم و عنايتهم فضلاً عن المكانة السامية التي يحتلها في نفوسهم.
كما جاء في دعائهم للكميت و دعبل و الحميري و أضرابهم في تلك العصور التي قلّ فيها الناصر و كمَّت أفواه الناس و غلَّت أيديهم عن نصرة التشيع و مذهب أهل البيت عليهم السلام.
و لم يعد يجسر أحد من الشعراء علي المجاهرة بحبه لهم و وقوفه إلي جانب قضاياهم لشدة الضغط إلآّ الشاذ الذي ينظم البيت و البيتين، اللذين تنطلق بهما شاعريته و تفيض بهما عاطفته سراً و في تقية شديدة.
و لم يكن الحال في الدور العباسي بأفضل من العصر الأموي في ذلك...
حتي أن الذكريات الحسينية و النوح علي مأساة كربلاء مرَّت بردح من الزمن و هي لا تقام إلاّ تحت الغطاء في زوايا البيوت مع غاية التحفظ و السرية...
قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين:
(كَانَتِ الشُّعَرَاءُ لا تقْدِمُ عَلَي رِثَاءِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام مَخَافَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ خَشْيَةً مِنْهُم) .(3)
و قال السيد المقرم في المقتل:
ص: 75
(بما أنَّ ذكري أهل البيت عليهم السلام قوام الدين و روح الإصلاح و بها تدرّس تعاليمهم و يقتفي أثرهم طفق الأئمة المعصومون عليهم السلام يحثّون مواليهم بنشر ما لهم من فضل كثير و ما جري عليهم من المصائب و لا قوة في سبيل إحياء الدين من كوارث ومحن لأنّ فيه حياة أمرهم و رحم الله من أحيا أمرهم و دعا إلي ذكرهم).
و قد تواتر الحثّ من الأئمة عليهم السلام علي نظم الشعر فيهم مدحاً و رثاء بحيث عدَّ من أفضل الطاعات و في ذلك قالوا عليهم السلام: من قال فينا بيتاً من الشعر بني الله تعالي له بيتاً في الجنة.
و في آخر: (حتي يؤيَّد بروح القدس . و في ثالث : بني الله له بيتاً في الجنة مدينة يزوره فيها كل ملك مقرَّب و نبي مرسل).(1)
استأذن الكميت علي الصادق عليه السلام في أيام التشريق ينشده قصيدته فكبر علي الإمام أن يتذاكروا الشعر في الأيام العظام «أيّام الحج» و لمّا قال له الكميت: إنها فيكم، أنس أبوعبد الله عليه السلام... حيث إنه من الذكر اللازم لأنه فيه إحياء أمرهم و هو إحياء للدين و نصرة لمبادئه... ثم دعا بعض أهله فقرب ثم أنشده الكميت فكثر البكاء و لما أتي علي قوله:
يُصِيبُ به الرامونَ عن قوسِ غيرِهمْ *** فيا آخراً أسْدي له الغيَّ أوَّلُ
رفع الصادق عليه السلام يديه و قال: «اللهم اغفر للكميت ما قدَّم و أخَّر و أسرّ و أعلن و أعطه حتي يرضي».(2)
و دخل جعفر بن عفان علي الصادق عليه السلام فقال له: (إنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام و تجيده) قال: نعم. فاستنشده فلمّا قرأ عليه بكي حتي جرت دموعه علي خديه و لحيته و قال له: (لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون قولك في الحسين عليه السلام و إنّهم بكوا كما بكينا . و لقد أوجب الله لك الجنة) ثم قال عليه السلام:
ص: 76
(من قال في الحسين شعراً فبكي و أبكي غفر الله له و وجبت له الجنة).(1)
و هكذا فقد صبغت مأساة الحسين عليه السلام و الزهراء عليها السلام و لا تزال تصبغ أدب الشيعة بالحزن العميق و التوجّع لما حلّ بالإسلام و المسلمين جرّاء ما دهاهما من مصائب و محن فرثوهم رثاءً مؤلماً موشّحاً بالدموع حتي غطي الكثير من أعمالهم الأدبية و محافلهم و أنديتهم... و الذي يحسّه المرء و هو يطالع ما كتب في هذا المجال اللوعة و المضاضة و التأسّف علي الأحداث يحسّ إلي جانبها أيضاً بالاستنهاض و الثورة لأنها صادرة عن نفوس شاعرة متوثّبة صارخة بوجه الظلم و الطغيان و الفساد و الاستبداد مندّدة بأولئك الظلمة الذين قادوا الناس إلي البؤس و الشقاء... و ستجد مثل هذا الكثير من خلال مطالعتك للديوان...
ص: 77
و أيضاً فإن الأئمة الطاهرين «عليهم الصلاة و السلام» أنشدوا الشعر بأنفسهم في سبيل التربية و التعليم و نصرة مبادئهم الحقة و دفاعا عن حقوقهم المهدورة وظلاماتهم. و فضحة لأعدائهم... أعداء الله.
و بعضه كان من إنشائهم غلق و بعضه كانوا ينشدونه عن غيرهم.
وقد مرّ العديد من الشواهد في نظم الشعر أو تطعيم قصائد الشعراء كما في قصيدة دعبل عندما قرأها علي الإمام الرضا عليه السلام و غيرها و قد جمع العلامة الأميني في الغدير الكثير من هذه الشواهد... كما جمع الشعر المنسوب إلي مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في ديوان خاص اسمه «ديوان الإمام علي عليه السلام» و قد حوي العديد من الأبيات الشعرية الرفيعة في مختلف شؤون الإنسان و الحياة.
و أما ما ورد عن الصديقة الطاهرة «سلام الله عليها» من الشعر المنظوم في رثاء النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و إظهار الحب و الولاء له و شرح ما جري من الأحداث عليها بأيدي الصحابة...
أقول: ما ورد عنها «سلام الله عليها» إنشاداً أو إنشاءً و كله يكشف عن عمق المعني و شدّة العاطفة الجيّاشة فكثير أنقل إليك بعض عينّاته:
في رثاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:
إنَّ حزني عليكَ حزنٌ جديدُ *** و فؤادي و الله صَبّ عنيدُ
كلُّ يومٍ يزيدُ فيه شُجوني *** و اكتئابي عليكَ ليس يَبيدُ
جَلَّ خَطَّبي و بان عنّي عزائي *** فبُكائي كلَّ وقتٍ جديدُ
ص: 78
إنَّ قلباً عليك يألفُ صبراً *** أوعزاءً فإنّه لجلِيدَ(1)
و في رثائه أيضاً قالت :
قلَّ صبري و بانَ عنّي عَزائي *** بعدَ فَقدي لِخاتمِ الأنبياءِ
عينُ يا عينُ اسكبي الدمعَ سحَاً *** ويكِ لا تبخلي بفيضِ الدماءِ
يا رسولَ الإلهِ يا خيرةَ اللهِ *** و كهفَ الأيتام و الضعفاء
قد بكتكَ الجبالُ و الوحشُ جمعاً *** و الطيرُ و الأرضُ بعد بكي السماءِ
و بكاكَ الحجونُ و الركنُ *** و المشعرُ يا سيّدي مع البطحاءِ
و بكاكَ المحرابُ و الدرسُ *** للقرآن في الصبحِ معلناً و المساءِ
و بكاكَ الإسلامُ إذ صار في *** الناسِ غريباً في سائرِ الغُرَباء
لوتري المنبرَ الذي كنتَ تعلوه *** عَلاه الظلامُ بعدَ الضياءِ
يا إلهي عجل وفاتي سريعاً *** فلقد نغص الحياة يا مولائي(2)
و عندما دنت منها الوفاة و أخذت توصي وصاياها لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قالت في ضمن ما قالت:
و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... أوصيك يا أبا الحسن عليه السلام بولدي الحسن و الحسين عليهما السلام و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين بالأمس فقدا جدهما و اليوم يفقدان أمهما فالويل لمن يقتلهما ثم أنشأت تقول:
ابكِني إن بكيتَ يا خيرَهادِ *** واسبلِ الدمعَ فهو يومُ الفراقِ
يا قرينَ البتولِ أوصيكَ بالنسلِ *** فقد أصبحاحليفَ اشتياقِ
ابكِني و ابكِ لليتامي و لا *** تنسَ قتيلاً لعدي بطفِّ العراقِ
فارَقُوا أصبحوا يتامي حَياري *** أخلفوا اللهَ فهو يومُ الفراقِ
ثم دعت بأولادها فودعتهم جميعاً و تهيأت للقاء ربها إلي آخرالرواية .(3)
ص: 79
و بعد غصب الخلافة و فدك و وقوف الزهراء عليها السلام للذب عن القضيتين، خطبت عدّة خطب بليغة و فريدة، لم يشهد لها تاريخ الأدب نظيراً... كان منها الخطبة التي ألقتها العامّة الناس، حرّضتهم و شكتهم و بصّرتهم ببعض الخفايا التي تستَّر عليها القوم و في خاتمة الخطبة عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبثةُ(1) *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخِطبُ
إنّا فقدناكِ فقد الأرض و ابلَها *** و اختلّ قومُكَ فاشهدهم فقد نكُبوا
أبدي رجالُ لنا نجوي صدوِرِهمْ *** لمّا مضيتَ و حالت دونك التُرَبُ
تجّهمتْنا رجالُ و استخفّ بنا *** لما فقدت و كلُّ الإرث مغتصب
وكنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك تَنزلُ من ذي العزّةِ الكتُب
و كان جبريلُ بالآياتِ يُؤنِسُنا *** فقد فُقدتَ و كلِّ الخير محتجبُ
فليتَ قبلكَ كان الموت صادَفَنا *** لمّا مضيتُ و حالت دونك الكثبُ
إنا رُزتنا بما لم يرز ذو شجَّنِ *** من البريةِ لاعجم و لا عربُ
قال صاحبُ «بلاغات النساء»: فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً و لا باكية، من ذلك اليوم.(2)
و في البحار نقلاً عن المناقب، قال : أنشدت الزهراء سلام الله عليها و بعد وفاة أبيها عليه السلام.
وقد رُزئنا به محضاً خليقتُه *** صافي الضرائبِ و الأعراقِ و النسب
و كنتَ بدراً و نوراً يُستضاء به *** عليك تنزلُ من ذي العزةِ الكتب
و كان جبريلُ روحُ القدسِ زائرنا *** فغابَ عنَّا وكلُّ الخيرِ محتجب
فليتَ قبلك كان الموتُ صادفَنا *** لما مضيتَ و حالتْ دونك الحجب
إنا رُزئنا بما لم يرز ذو شجن *** من البريةِ لا عجم و لا عرب
ضاقتْ عليَّ بلادٌ بعد ما رحُبَتْ *** وسِيمَ سبطاكَ خسفاً فيه لي نصَب
فأنت و اللهِ خيرُ الخلقِ كلِّهمُ *** و أصدقُ الناس حيث الصدقُ و الكذب
فسوفَ نبكيك ما عشنا و ما بقيت *** منّا العيونُ بتهمالٍ لها سكب
ص: 80
عن الباقر عليه السلام قال: ما رئيتُ فاطمة عليها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلي الله عليها حتي قبضت.(1)
و قالت عليه السلام أيضاً:
اغبرَّ آفاقُ السماءِ فكُوِّرَت *** شمسُ النهارِ و أَظلمَ العَصرانِ
و الأرضُ من بعدِ النبي كئيبةٌ *** أسفاً عليه كثيرةُ الأحزانِ
فليَبكِهِ شرقُ البلادِ و غربُها *** و ليَبكِه مُضَرٌ وكل يَمانِي
و ليبكِهِ الطَؤدُ الأشمُّ وجوده *** و البيتَ والأستارُ و الأركانِ
يا خاتمَ الرسلِ المبارك ضوؤُه *** صلي عليكَ منزّلُ القرآنِ(2)
و لها أيضاً حينما أخذت قبضة من تراب قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شمتها قالت: قل للمغيَّب تحتَ أطباقِ الثري *** إن كنتَ تسمعُ صرختي و ندائيا
ماذا علي مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ *** أن لا يشمَّ مدي الزماني غواليا
صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنَّها *** صُبَّت علي الأيّامِ عدنَ لياليا
قد كنتُ ذات حمّي بظلّ محمدٍ *** لا أَختشي ضيماً و كان حِمَي ليا
فاليومَ أخشعُ للذليلِ و أتّقي *** ضَيمي و أدفعُ ظالمي بردائيا
فإذا بكت قُمرِيةٌ في لَيلِها *** شجناً علي غُصنِ بكيتُ صباحيا
فلأجعلنَّ الحزنَ بعدكَ مؤنسي *** و لأجعلنَّ الدمعَ فيك و شاحيا(3)
و لها أيضاً و قد لحقت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتخلّصه من القوم فلم تتمكن فعدلت إلي قبر أبيها و أشارت إليه بنحيب و حرقة قلب قائلة:
نفسي علي زفراتِها محبوسةٌ *** يا ليتها خرجت مع الزفراتِ
لاخيرَ بعدَكَ في الحياةِ و إنّما *** أبكي مخافةَ أَن تَطُولَ حياتي(4)
و انعطفت بعد خطبتها علي قبر أبيها شاكية
ص: 81
قد كنت ذات حميةٍ ما عشتَ لي *** أعشي البراح وأنتَ كنتَ جناحي
فاليومَ أخضعُ للذليل و أتقي *** منه و أدفعُ ظالمي بالراح
و إذا بكت قُمرِيةٌ شَجناً لها *** ليلاً علي غُصنِ بكيتُ صباحي(1)
و لها أيضاً في أبيها صلي الله عليه و آله و سلم:
إذا ماتَ يوماً ميِّتٌ قلَّ ذكرُه *** و ذكرُ أبي مذ ماتَ و اللهِ أزيَدِ
تذكّرتُ لمّا فرّق اللهُ بيننا *** فعزّيتُ نفسي بالنبيِّ محمدٍ
فقلتُ لها إنّ المماتَ سبيلُنا *** و من لم يمت في يومِه ماتَ في غدٍ(2)
و أنشأت في الرثاء أيضاً قائلة :
إذا اشتَّد شوقي زرتُ قبرَك باكياً *** أنوح و أشكو لا أراكَ مجاوبي
فيا ساكنَ الغبراءِ عَلّمَتني البُكا *** وذكركَ أنساني جميعَ المصائب
فإن كنتَ عنّي في الترابِ مغيَّباً *** فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(3)
و في كل ما تقدم من شعرها إنشاداً أو إنشاءً تحس الثورة و الصرخة العارمة انتصاراً للحق ...
كما تحس العاطفة الجيّاشة لما حلّ بالمسلمين و قبلهم الإسلام جرّاء تخلّف أصحاب أبيها عن بيعتهم و ارتدادهم عمّا أوصاهم به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم...
ص: 82
إن كلمات المشاهير و العلماء الأعلام و المؤلفين في الصديقة سلام الله عليها قد ملأت الكتب، قد يتمكن المتتبع لها أن يجمع منها كتاباً مستقلاً نسجِّل منها:
1- قالت عائشة لمن سألها أيّ الناس أحبّ لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟
قلت: فاطمة عليها السلام.
قيل: من الرجال ؟
قالت: زوجها، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً.(1)
و قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من فاطمة عليها السلام و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقّبلها و رحّب بها و كذلك كانت هي تصنع به.(2)
و قالت أيضاً: ما رأيت قط أحداً أفضل من فاطمة «سلام الله عليها» غير أبيها .(3)
و قالت أيضاً: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة سلام الله عليها إلا أن يكون الذي ولدها.(4)
و عن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي علي عائشة فسمعتها من
ص: 83
وراء الحجاب و هي تسألها عن علي فقالت: تسألين عن رجل ما أعلم رجلاً أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من علي و لا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من امرأته.(1)
2- قال أبو نعيم الأصبهاني:
من ناسكات الأصفياء و صفيّات الأتقياء ، فاطمة رضي الله تعالي عنها، السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ألوط أولاده بقلبه لصوقاً و أولهم بعد وفاته به لحوقاً. كانت عن الدنيا و متعتها عازفة و بغوامض عيوب الدنيا و آفاتها عارفة.(2)
3 - قال علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري -ابن الأثير:
كانت فاطمة «سلام الله عليها» تكنّي أم أبيها و كانت أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم -إلي أن قال- و انقطع نسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلاّ منها.(3)
4 - قال زين العرب عن شرح المصابيح:
إنَّ فاطمة سميت بتولاً لإنقطاعها عن نساء الأمة فضلاً و ديناً و حسباً.(4)
5 - قال الهروي من الغريبين:
سميت مريم عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سمّيت فاطمة عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظر.(5)
6- قال عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد:
و أكرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليها السلام إكرامة عظيمة، أكثر مما كان الناس يظنونه و أكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتي خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاص و العام مراراً لا مرّة واحدة و في مقامات
ص: 84
مختلفة لا في مقام واحد: إنّها سيدة نساء العالمين و إنها عديلة مريم بنت عمران عليها السلام و إنّها إذا مرّت في الموقف نادي مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد عليها السلام و هذا من الأحاديث الصحيحة و ليس من الأخبار المستضعفة و إن إنكاحه علياً إيّاها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالي إيّاها في السماء، بشهادة الملائكة. و كم قال لا مرة: (يُؤْذِينِي ما يُؤْذِيهَا و يُغْضِبُنِي مَا يُغْضِبُهَا و إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا).(1)
7- قال علي بن الصباغ المالكي:
هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، بنت من أنزل عليه («سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي) ثالثة الشمس و القمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيدة بإجماع أهل السداد.(2)
8- قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي :
إنَّها عليها السلام غير قد خصَّت بفضل سجايا منصوص عليها بانفرادها و فضّلت بخصائص مزايا صرح اللفظ النبوي بإيرادها و ميّزت بصفات شرف تتنافس الأنفس النفيسة في آحادها و ألبست شرف صفات غادرت ملابس الشرف دون أيرادها و بين أولادها دخلت في عداد من خصَّهم الله تعالي من القرآن الكريم بإنزال آيات يلزم فرض اعتقادها ... الخ.(3)
9- قال شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي:
سيدة نساء العالمين سلام الله عليها في زمانها، البضعة النبوية، و الجهة المصطفوية ، أم أبيها، بنت سيّدة الخلق رسول الله صلي الله عليها، أبي القاسم محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلي الله عليه و آله و سلم، القرشية الهاشمية، أم الحسنين. مولدها قبل المبعث بقليل... و قد كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يحبها و يكرمها و يسرّ إليها. و مناقبها غزيرة و كانت صابرة، دينة، خيّرة، قانعة، شاكرة لله.(4)
ص: 85
10 - قال أحمد الشرباصي:
فاطمة البتول الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلوات الله عليه وآله و أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أفضل نساء الدنيا و سيدة نساء الجنة في الآخرة.(1)
11 - قال الدكتور علي إبراهيم حسن :
و حياة فاطمة عليها السلام هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس، أو كيلو باطرة، استمدت كل منهما عظمتها من عرش كبير و ثروة طائلة و جمال نادر و هي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش و تتحدي الرجال و لكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلي العالم و حولها هالة من الحكمة و الجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب و الفلاسفة و العلماء و إنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات و المفاجآت، و جلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء و إنما من صميم النفس.
و لعل عظمة فاطمة عليها السلام هي التي جعلت عائشة تقول: لم أجد من هو أحسن من فاطمة عليها السلام إلا أباها صلي الله عليه و آله و سلم.
و قال: و كما كانت في حياتها عظيمة كانت في موتها عظيمة أيضاً، فهي أوّل عربية مسلمة جعل لها نعش صنعته لها أسماء بنت عميس و كانت قد رأت مثله في الحبشة.
و قال أيضاً: و تركت فاطمة «رضي الله عنها» أثر كبيراً في الإسلام و يكفي أنه سمّيت علي اسمها تلك الدولة الفاطمية ، كما أنّ الجامع الأزهر اشتق اسمه منها أيضاً.(2)
12 - قالت الدكتورة بنت الشاطيء :
أحب بنات الرسول إليه و أشبهه به في خلق و خُلقُ، آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث (زينب و رقية و أم كلثوم) فكتب لها أن تكون
ص: 86
وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة و المنبت الطيّب الدوحة الأشراف من آل البيت عليهم السلام.(1)
13 - قال سليمان كتاني:
و فاطمة عليها السلام العفيفة كانت ابنة الصفة في النبي صلي الله عليه و آله و سلم -الصفة المخصبة بعبقرية الخلق و التوليد- لقد كان جسدها النحيل وعاء لروح شفّت حتي اندغمت بالمصدر الذي بزغ منه أبوها.(2)
ص: 87
هذه بعض النقاط البارزة التي كان ينبغي الإشارة إليها من قريب أو بعيد عن الزهراء سلام الله عليها و ما يرتبط بها من مقامات و شؤون في الحكمة و الأدب و الشعر ذكرناها كمدخل إلي الديوان الذي بين يديك -عزيزي القاريء- تحدثنا عنها تيمّناً و تبرّكاً بذكرها «سلام الله عليها» و إبرازاً لبعض الجوانب التي ربّما تكون قد خفيت علي البعض.
و قبل أن أتركك تعيش في رحاب الزهراء فاطمة سلام الله عليها و تتفاعل مع ما جادت به قرائح الشعراء عنها مدحاً و رثاءً أري من الضروري الإشارة إلي بعض الملاحظات باختصار سريع.
أولاً: ولدت فكرة تأليف هذا الكتاب علي أثر كلمة ألقاها سماحة آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي «دامت بركاته» علي جمع من المؤمنين و أشار فيها إلي مظلومية السيدة الزهراء سلام الله عليها و كذلك قلة الكتب المؤلفة حول شخصيتها عليهم السلام... مقارنة بالكتب التي ألّفت حول آخرين لا يمثلون شيئاً يستحق الذكر في قبال عظمة الزهراء سلام الله عليها و علوّ مقامها و شموخ منزلتها فعقدت العزم علي إعداد هذا الكتاب كمساهمة متواضعة منّي في خدمة الزهراء سلام الله عليها و إحياءً لذكرها بين الناس.
ثانياً: كان في النية أن نجمع كل ما قيل عنها «سلام الله عليها» في الشعر مما توفر في المصادر ثم يبوّب الديوان بشكل موسوعة أدبية تضم ما قيل فيها من المدح و الرثاء معا ابتداء من القرن الأول الهجري و إلي يومنا هذا مع تفصيل تراجم الشعراء الذين نظموا فيها «سلام الله عليها» علي غرار كتاب - أدب الطفّ - للسيد جواد شبر...
ص: 88
و ما زال هذا العزم و التصميم يتحرك في النفس و يشكل دافعاً قوّياً نحو إنجازه إلاّ أن صعوبة العمل و ما يتطلبه من جهد كبير و وقت طويل ... مضافاً إلي القلق الذي يساورني مخافة أن يضيع ما جمعته من قصائد و أشعار كلاَّ أو بعضا و ما يمكن أن يسبّبه من خسارة معنوية للمكتبة الإسلامية عموماً و الأدب الشيعي علي الخصوص، دفعني إلي القيام بنشر القصائد المتوفرة عندنا أولاً بشكل ديوان خاص حتي إذا سنحت فرصة أكبر و فراغ أوسع أنجزت فكرتي الأولي و أعددت القصائد بشكل موسوعة أدبية كاملة عما جاء عنها «سلام الله عليها». فجاء هذا الكتاب و هو كما تراه بين يديك يضم حوالي (600) قصيدة لشعراء شتي عاشوا في عصور و أمصار مختلفة متباعدة أو متقاربة.
و هو... يمثل مسيرة طويلة و متكاملة في الشعر و الأدب مثَّل الآراء و المواقف علي مر العصور و الأدوار و واكب ما جري فيها من تغييرات و أطوار و عايش مختلف الظروف السياسية الحرجة و المنفتحة...
ابتداءً من الشعر العقيدي الذي غطّي علي الشعر في القرون الأولي كما ذكرنا فيما تقدم إلي الشعر الولائي إلي شعر النصرة الذي يعد اليوم أكثر أنواع الشعر رواجاً في الأندية و المحافل... نظراً لشدة الظلامات التي يتعرّض لها المجتمع البشري اليوم جرّاء السياسة الاستعمارية و الحكومات الديكتاتورية المتمكنة علي رقاب المسلمين و التي تسوقهم بالحديد و النار و تسومهم سوء العذاب و نظراً لحاجة المجتمع الجديد إلي مبادئهم عليهم السلام و تعطّشه لسيرتهم العادلة عليهم السلام التي أبعدتها السياسات عن الساحة عن علم و سابق تخطيط...
و علي أي حال... فقد جاءت بعض القصائد في الديوان في مدحها «سلام الله عليها» و بعضها جاء في رثائها... كما أنّ بعض القصائد جاءت خاصة بالزهراء سلام الله عليها و بعضها ألمحت إليها في بعض أبياتها...
و قد رتّبتها حسب حرف الرويّ و حركته متبعاً في هذا العمل سنن الذين صنّفوا في مثل هذا العمل و قواعد التحقيق و مناهجه، فابتدأت بقافية الألف ثم انتقلت إلي قافية الباء و هكذا.
و في كل قافية اتبعت الترتيب المعروف فبدأت بالهمزة الساكنة منتقلاً
ص: 89
إلي المفتوحة فالمضمومة، فالمكسورة. و لجأت في ترتيب كل قسم من هذه الأقسام علي الترتيب العروضيّ، ففي القافية الساكنة مثلاً رتبت القصائد: البحر الطويل، فالمديد، فالبسيط، فالوافر، فالكامل... و هكذا إلي آخر الأبحر، متبعاً في ذلك الطريقة العلمية المعروفة. فليس تقديم شاعر أو تأخير آخر في الديوان دليلاً علي قوة المقدَّم وضعف المؤخَّر...
كما لا يعني أهمية القصيدة السابقة علي الثانية اللاحقة... كلّا... و إنما ضرورة النظم و التبويب و تسلسل الحروف الهجائية الطبيعي هي التي أملت علينا هذا النوع من النظم و هذا اللون من التقديم و التأخير...
ثالثاً: تسهيلاً للقاريء و بياناً لبعض الحقائق حَشَّيت علي الأبيات التي تحتاج إلي بعض التوضيح سواء من الناحية الأدبية و اللغوية أو من الناحية التاريخية أو الروائية أو الاعتقادية أو غيرها... بعد شكل كلمات القصائد شكلاً كاملاً.
و أملي من سيدتي و مولاتي «سلام الله عليها» أن تقبل مني هذا العمل الضئيل و الجهد المتواضع... و تسدّده و تعفو عن زلّاته و عثراته...
كما آمل من أصحاب الفضل و الأدب أن يقوّموا ما فاتني في ذلك فإني أعترف سلفاً بأن هذه المحاولة لا تخلو من قصور...
و من الله أستمد العون و التوفيق.
و من سيدتي الصديقة الكبري سلام الله عليها أرجو العناية و الرضا... و السلام عليها و علي آبائها و أبنائها الطاهرين و رحمة الله و بركاته.
26 من ربيع الأول لعام 1416 ه
المؤلف
الشيخ علي حيدر المؤيد
ص: 90
ص: 91
ص: 92
(بحر الكامل)
الشيخ إبراهيم بري
نَشَأَت بِيَثرِبَ طفلةٌ زَهراء سلام الله عليها *** في وَجهِها، وَجهُ النَّبِيَّ تَراءَي(1)
نَشَأَت بِيَثرِبَ فَهيَ أَطهَرُ نَجمَةٍ *** تَهَبُ الشُّعَاعَ و تَمنَحُ الأَضواءَ
بِنتُ عَلَي صَدرِ النبيِّ تَرَعرَعَت *** و نَمَت كَزَنبَقَةِ الرُّبي فَيحاءَ
بِنْتِ اَلنَّبِيِّ وَ يَا لهَا مِنْ حُرَّةٍ *** تَلِدُ اَلْكُمَاةَ وَ تَنْجُبُ اَلشُّهَدَاءُ
الرَّافِعِين اِلي اَلنُّجُومُ لِواءَهُمْ *** اِكْرَمْ بِمَنْ رَفَعُوا اَلْخُلُودَ لِوَاء
بذلوا لِرَيِّ اَلظَّامِئِينَ كَوُؤْسِهِمْ *** وَ قَضَوْا عَلَيَّ شَفَةَ اَلْكُوؤُس ظِمَاءً
وَ سِوَاهُمْ حَسَبُ اَلرِّيَاءِ مُكَارِماً *** حَاشَا اَلْمَكَارِمِ أَنْ تَصِيرَ رِيَاءَ
قَوْمٍ لَهُمْ تَخِذُوا اَلشَّهَادَةَ رَأْسَهَا *** وَ تَسِيرُ تَحْتَ ظِلاَلِهِمْ خُيَلاءَ(2)
فَتَحُوا بِسَاحَاتِ اَلْجِهَادِ صُدُورَهُمْ *** حَتِّي تُلاَقِي اَلطَّعْنَةَ اَلنُّجَلاَءَ(3)
ص: 93
وَ جَراحِهِم كَم مِن شِفاهُ جِراحُهُم *** فَجُر أطِلَّ عَلَي الدُّنيِّ(1) وَ أضاءَ
وُ دَماؤُهُم ... إنِّي لَمَحْتُ دِمَاءَهُم *** تَجْرِي عَنِ اَلدِّينِ اَلْحَنِيفِ فِدَاءٌ
لَمْ يُنحَّنوا يُؤُمَّا لِصَوْلَةٍ ظالِمٍ *** كَلَّا وَ لاَلَبِسُوا الْهَوانَ رِداءً
وَ اِذَا اَلْمُرُوءَةَ فِي اَلنُّفُوسِ تَجَسَّدَتْ *** لَمْ تَلْقَ أَنْذَالاً وَ لاَ جَبْنَاءَ
نشات بيثرَتْ، فَهِيَ اطهر شَمْعَةٌ *** ذَابَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا شَذِي وَ سَنَاءٌ
وَ حياتهَا برِبِّي اَلنُّبُوَّةِ وَ رْدَةٌ *** بَيْضَاءَ حَيَّ اَلْوَرْدَةِ اَلْبَيْضَاءِ
حَي الامام الزَّوْجِ وَ الْبَطَلِ اَلَّذِي *** دَحَرَ الْمُلُوكَ وَ دَحْرَجَ اَلاِمْرَاةِ
وَ اَللَّهِ شَاءَ بَانَ تَمُوتُ حَزِينَةً *** وَ اَللَّهُ يَفْعَلُ مَا اِرَادَ وَ شَاءَ
أعرفتها سلام الله عليها؟ أَعْرَفْتُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم؟ *** فَاتلُ الصَّلاةَ وَ كَرِّمِ الزَّهْراء سلام الله عليها
ص: 94
(بحر الخفيف)
الشيخ إبراهيم النصيراوي
جدّد العهد يا نشيد الولاء *** هاتفاً بالوليدة الزهراءِ
هي نبع من المكارم يزهو *** خصُّ للأرض من عيون السماءِ
تتباهي بها السماوات فخراً *** و تغنّت بها ربي الغبراءِ
لاكيوم الزهراء يوم بهيّ *** دائم العطر من أريج الثناءِ
و الأهازيج باسمها تتعالي *** و هي فوق المديح و الإطراءِ
فكأنّي بكل قلب ينادي *** ولدت بنت سيد الأنبياءِ
***
جدّد العهد يا نشيد الولاء *** فهي حسبي و غايتي و رجائي
كل عرق جري بجسمي حيٌ *** حبُّها فيه لا مسيل الدماءِ
إنّ قلباً خلا من الحب يوماً *** ليس يُنمي لهذه الأحياءِ
كلما جلتُ خاطراً تهتُ فيها *** بسناهايغيب كل سناءِ
حشدت نفسها الملائك زحفاً *** خُلقت بيت بلهفة و انحناءِ
علّها أن تري سناء وجوه *** خُلقت قبل خلق هذا الفضاءِ
تتمنّي بأن تظلّ عكوفاً *** و لتحظي بحمل فضل الرداءِ
هكذا البضعة الزكية كانت *** منبت اليُمن منبت الآلاءِ
غطت الشمس شمسها فأنارت *** هذه الأرض من سني الزهراءِ
هي أنثي و خلفها ألف معني *** كل معني به مدي للخفاءِ
ص: 95
إنّها المرأة التي قيل فيها *** ما علي الأرض مثلها في النساءِ
هي سرٌ حسبها إنّ فيها *** نزل الوحي هاتفاً بالثناءِ
ليس يرقي لفضلها أي فضل *** من أبينا و أُمّنا حواءِ
ص: 96
(بحر الكامل)
الأستاذ أحمد فهمي محمد
لُذْ بِالبَتُولِ وَنادِ بِالزَّهراءِ *** وَ اضْرَعْ لِرَبِّكَ خيفةٌ بِدُعاءِ(1)
وَ ارْفَعْ لِفاطِمَةَ اللِّواءَ فَاِنَّها *** بِنْتُ الرَّسُولِ سَلِيلَةُ الحَنَفاءِ(2)
حُورِيَّةٌ انْسِيَّةٌ فَطَرْتَ عَلَيَّ *** خَلْقٌ سَمّاً فِي الذِّرْوَةِ اَلْعَلْيَاءِ
فَاقَتْ نِسَاءُ اَلْعَالَمِينَ وَ انَّها *** يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ تزْدَهي بِسَنَاءٍ
وَ اَللَّهُ يَغْصِبُ حِينَ تَغْصَبُ فَاطِمُ *** وَ اَللَّهُ يُرْضِي فِي مَقامِ رِضاءِ
شَهِدَ الْخَلَائِقُ اِنَّها لَكَرِيمَةٌ *** وَ هِيَ اَللِّيَادُ لَنَا مِنَ الاواءِ(3)
وَ هِيَ الْوَسِيلَةُ لِلنَّجاةِ وَ عِصْمَةٌ *** وَ ذَخِيرَهِ الْعَانِي مِنَ الضَّرَّاءِ(4)
وَ لَهَا الشَّفَاعَةُ فِي اَلْعُصَاةِ وَ جَنَّةٌ *** وَ لَنَا بِهَا الزلفي لِيَوْمِ لِقَاءٍ(5)
فَاللَّهُ يَنْفَعُنَا بِهَا وَ بِنَسْلِهَا *** حَتِّي نَصِيرُ بِهِمْ مَعَ اَلسُّعَدَاء
ص: 97
(1) كَيْفَ يَدُونُو الي حشاي اَلدَّاءِ *** وَ بِقَلْبِيَ اَلصِّدِّيقَةُ اَلزَّهْرَاءُ
مَنِ اِبُوهَا وَ بَعْلِهَا وَ بَنَوْهَا *** صَفْوَةَ مَا لِمِثْلِهِمْ قُرَنَاءُ
ص: 99
أُفُقٌ يَنْتَمِي إِلَي أُفُقِ اَللَّهِ *** و ناهِيكَ ذَلِكَ اَلْإِنْتِمَاءُ
وَ كِيَانٌ بَنَاهُ أَحْمَدُ خَلْقاً *** وَرعتهُ خَدِيجُةُ اَلْغَرَّاءُ
وَ عَلِيٌ ضَجِيعُهُ بِالرُّوحِ *** صَنَعْتَهُ وَ بَارَكَتْهُ السَّماءُ
اَيْ دَهْماءُ جَلَّلْتَ اُفْقَ الاِسْلامِ *** حَتّي تُنَكِّرِ الْخُلَصاءُ(1)
اَطْعَمُوكِ اَلْهَوَانَ مِنْ بَعْدِ عِزِّ *** وَ عَنِ الْحُبِّ نابَتِ البَغْضَاءُ
أَأْضِيعَتْ الاءُ احْمَدَ فِيهِمْ *** وَ ضُلاَّلٌ أَنْ تجْحَدَ الالاءُ(2)
اولم يَعْلَمُوا بَانَكَ حُبُّ الْمُصْطَفِي *** حِينَ تَحْفَظُ الاباء(3)
أُفَاجِرُ اَلرَّسُولَ هَذَا وَ هَذَا *** لِمَزِيدٍ مِنَ اَلعطاء اَلْجَزَاءَ؟
اَيُّهَا اَلْمُوسع اَلْبَتُولَةُ هَضْماً *** وَيْكَ مَا هَكَذَا يَكُونُ اَلْوَفَاءُ(4)
بِلُغَةٍ خَصَّهَا النَّبِيُّ لِذِي الْقُرْبِي *** كَمَا صَرَّحَتَ بِهِ الانْبَاءَ(5)
لَاتُسَاوِي جَزَاءً لِمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ *** اُعْطَتْهُ اُمَّكِ السُّمَحَاءُ(6)
ص: 100
ثُمَّ فِيهَا اَلْيَّ مَوَدَّةِ ذِي الْقُرِّبِي *** سَبِيلٌ يَمْشِي اَلاِتِّقِيَاءُ
لَوْ بِهَا اَكْرَمُوكِ سُرَّ رَسُولُ اَللَّهِ *** يَا وَيْحَ مِنِ اليهِ أساءُوا
أَيْذَادُ اَلسِّبْطَانِ عَنْ بُلْغَةِ الْعَيْشِ *** وَ يُعْطِي تُراثَهُ اَلْبُعَدَاءُ؟(1)
وَ تَبِيتُ الزَّهْرَاءُ غَرْثِي وَ يُغذُّني *** مِنْ جَنَاهَا مَرْوَانُ وَ اَلْبَغْضَاءُ؟(2)
أَتْرُوحُ اَلزَّهْرَاءَ تَطْلُبُ قُوتاً *** وَ اَلَّذِينَ اِسْتَرْفَدُوا بِهَا أَغْنِيَاءُ(3)
نُهَنِي يَا بِنَةَ اَلنَّبِيِّ عَنِ اَلْوَجْدِ *** فَلاَ بَرِحَتْ بِكِ اَلْبُرْحَاءُ(4)
وَ أرِيحِي عَيْناً وَ إِنْ أَذْبَلَتْهَا *** دَمْعَةٌ عِنْدَ جَفْنِهَا خَرْسَاءُ
وَ اِنْطَوِيَ فَوْقَ أضلعٍ كَسَرُوهَا *** فَهِيَ مِن بَعْدِ كَسْرِهِمْ أَنْضَاءُ(5)
ص: 101
وَ تُنَاسَيْ ذَاكَ اَلْجَنِينَ اَلْمَدمَّي *** وَ إِنِ اسْتَؤْحِشَتْ لَهُ الأَحشاءُ
وَجَبَينٌ مُحَمَّدٌ كَانَ يَرْتَاحُ *** إِلَيْهِ مُبَارَكٌ وَضَّاءٌ
لَطَمَتْهُ كُفٌّ عَنِ الْمَجْدِ و النَّخْوَةِ *** فِيهَا عَهِدْتُهَا شَلاءُ
وَ سَوارٌ عَلَيَّ ذِرَاعَيْك مِنْ سَوْطٍ *** تَمَطَّتْ بِضَرْبِهِ اللُّؤماءُ(1)
فِي حَشَايَا الظَّلَامِ فِي مَخْدَعِ اَلزَّهْرَاءِ *** آهِ وَ لَوْعَةٌ وَ بُكاءُ
وَ هِيَ فَوْقَ الْفِرَاشِ نِضْوٌ مِنَ اَلاِسْقَامِ *** كَالْغُصْنِ جَفَّ عَنْهُ اَلْمَاءُ
ألرَزَايَا اَلسَّوْدَاءَ لَمْ تَبْقَ مِنْهَا *** غَيْرَرُوحٌ أَلوي بِهَا اَلْإِعْيَاءُ(2)
وَ مُسْجِّي مِنْ جِسْمِهَا وَ سَمْتِهُ *** بِالنُّدُوبِ اَلسِّيَاطُ كَيْفَ تَشَاءُ(3)
وَ كَسِيْرٌ مِنَ اَلضُّلُوعِ تَحَامَّتْ *** أَنْ يَرَاهُ اِبْنُ عَمِّهَا فيُساءُ(4)
فَاسْتَجَارَتْ بِالْمَوْتِ وَ الْمَوْتُ لِلرُّوحِ *** الَّتي آدها الْعَذَابُ شِفَاءُ(5)
ص: 102
وَبِجَفْنِ الزَّهْرَاءِ طَيْفٌ تُبْدِي *** فِيهِ وَجْهَ اَلْحَبِيبِ وَ اَلسِّيمَاءُ(1)
وَ ذِرَاعاً خَدِيجَةَ وَ اِبْتِهَالُ اَلْأُمِّ *** تَشْتَاقُ فَرْخهَا وَ دُعَاءٍ(2)
فَتَمَشَّتْ بِجِسْمِهَا خَلَجَاتٌ *** وَ مَشَي فِي جُفُونِهَا إِغْمَاءُ(3)
وَ بَدَتْ فِي شِفَاهِهَا هَمْهَماتٌ *** لِعَلِيَّ فِي بَعْضِهَا إِيصَاءٌ(4)
بِيَتِيمَيْنِ وَ اِبْنَتَيْنِ وَ يَاللامُ *** نَبَضَ بِقَلْبِهَا الأبْنَاءَ
ووِصَايَا نِمَّتَ عَنِ الْهَضْمِ والْعَتْبِ *** رُوَتُهَا مِن بَعدِهَا أسْمَاءُ(5)
ثُمَّ مَاتَتْ وَ لَهَي فَمَا أَقْبَحَ اَلْخَضْرَاءَ *** مِمَّا جَنَوْهُ وَ الْغَبْراءُ(6)
سُجِّيتْ فِي فِرَاشِهَا وَ عَلِيِّ *** وَ بَنُوهُ عَلَي الْفِرَاشِ اِنْحِنَاءُ
وَ تَلاَقَتْ دُمُوعُهُمْ فُؤْقَ صَدْرٍ *** كَانَ لِلْمُصْطَفَي عَلَيْهِ ارتِماءٌ
وَ عَلَيَّ بِدَمْعٍ يَقْتَضِيهِ *** اَلْحُزْنُ سَكْباً وَ تَمْنَعُ اَلْكِبْرِيَاءَ
ص: 103
فَاحْتَوَيَ فَاطِمَاً إِلَيْهِ وَ نادي *** عزَّيا بَضْعَةَ اَلنَّبِيِّ اَلْعَزَاءَ(1)
وَ تَوَلِّي تَجْهِيزَهَا مِثْلَمَا أَوْ *** صُتَّهُ مِنْ حَيْنَ مُدَّتِ اَلظَّلْمَاءُ
وَ عَلَيَّ اَلْقَبْرُ ذابَ حُزْناً وَ نَدَّتْ *** دَمْعَةٌ مِنْ عُيُونِهِ وَ كِفَاءُ(2)
ثُمَّ نَادِي: وَدِيعَةٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ *** رُدَّتْ وَ عَيْنُهَا حَمْرَاءُ(3)
ص: 104
(بحر الوافر)
الأستاذ بشار كامل الزين
بدارِ الوحي ياخير النساء *** حظيت بكل آيات الثناءِ
تجمّعتِ الفضائلُ فيك حتي *** كسَتكِ بنفسها مثل الرداءِ
فإنّك بنتُ خير نساء أرض *** تولّت دينها قبل النساء
و من بيتِ النبوة بيتِ طه *** نشأت عي ابتهالات الدعاءِ
حباكِ الله نعمتَهُ و ساماً *** به قد صرت من أهل الكساءِ
فنلتِ الحبّ و التقديس منّا *** لأنّ الله خصّك بالنداءِ
و عطفُ أبيك ما جاراه عطفٌ *** عليك مع المحبة و الرجاءِ
أم أبيك من سمّاك هذا؟ *** سوي من كان يحنث في حراءِ
أطعتِ أبا و مبعوثاً رسولاً *** لينعم بالسعادة و الهناءِ
و ينشر دعوة الإسلام حتي *** تعمَّ العالمين علي السواءِ
و زوَّجَكَ النبي إلي علي *** ربيبِ المصطفي بطل الفداءِ
فكنت المرأةَ المُثلي لزوج *** كريمِ الخلقٍ مشهودِ الولاءِ
و كنت الأم للحسينِ أماً *** سقت أبناءها وَحْي السماءِ
و ربتهم علي نورٍ و تقوي *** و إيمانٍ و خلقٍ مستضاءِ
أبنت الأكرمين و أهل بيت *** لهم في الدهر مأثرة العطاءِ
ولادتُكِ الضياءُ أليس يعني *** ضياءً للأمومة و الوفاءِ
أبا الزهراء يا روحاً مفدّي *** بفاطمة هنيئاً للنساءِ
ص: 105
و ترفع زينب الحوراء صوتاً *** يهز قواعد البغي المرائي
***
و هاهي كل إمرأة تراها *** تساهم في الصمود و في البقاءِ
لتعطي من حضارتها مثالاً *** يقوم علي الطهارة و الصفاءِ
و ترجعُ صورة الإسلام عنها *** بصدقِ أمانة و عري انتماءِ
و تجعل يوم فاطمة مناراً *** لدنيا العالمين بلا ادعاء
وعذراً أهل بيت الحق عذراً *** إذا القلب اشتكي بعضَ العناءِ
و يا زهراءَ أمتناهنيئاً *** لمن أنجبتِ من أهل الفداءِ
لقد دار الزمان وعاد يحدو *** بثوراتِ النبوة و السماءِ
***
ص: 106
سَارَ خَلْفَ اَلنَّبِيِّ غَيْرَ حَفيِّ *** بِالرَّيَاحِينِ فِي أَكُفِّ اَلْإِمَاءِ(1)
قَادِمَاتٍ مِنْ يَثْرِبَ بِالْمَثَانِي *** بِالزَّغَارِيدِ طَلْقَةً بِالْغِنَاءِ(2)
نَاقِرَاتِ اَلدُّفُوفِ بِالرَّاحِ حُمْراً *** فَالْعَذْرَايُ فِي مَوْسِمِ الْحِنَّاءِ(3)
سارَ وَ اَلْوَجْهُ حَائِرٌ كِشَرِيدٍ *** ضَلَّ فِي اَللَّيْلِ مَوَاطِنَ الانواءِ(4)
عَابِساً تَارَةً وَ طوراً تَنَمُّ اَلْعَيْنُ *** عَنْ بَهْجَةٍ وَ طِيفِ هَنَاءِ
يَلْمِسُ اَلدِّرْعَ فَيْئَهُ وَ هِيَ كَنْزٌ *** لِفَقِيرٍ لَمْ يَلْتَفِتْ لِلثَّرَاءِ(5)
أَترَاهُ يَفِي بِمَهْرٍ عَرُوسٍ *** أَمْ تَرَاهُ يُردُّ رَدَّ جَفَاءِ؟
وَ اِبُوهَا لَوْ رَامَ عَدْلَ صَدَاقٍ *** مَالُ قَارُونَ ظَلَّ دُونَ اَلْوَفَاءِ
دُونَ ماتُسحِقُّ ايوانُ كسْرِي *** وَ اَلْآلِي وَ حُلِيُّةُ اَلزُّبَاءِ(6)
وَ لَوْ انَّ الدَّهْناءَ تِبْرٌ لَكانَتْ *** بَعضَ شَيْءٍ بِجَانِبِ اَلزَّهْرَاءِ(7)
بَضْعَةٌ مِنْ أَبٍ عَظِيمٍ يَرَاهَا *** نُورَ عَيْنَيْهِ مُشْرِقاً فِي رِدَاءٍ(8)
فَهِيَ أَحَلِي فِي جَفْنِهِ مِنْ لَذِيذِ الْحِلْمِ *** غِبَّ الْهُجُودِ وَ اَلْإِعْيَاءِ(9)
وَ هِيَ قُطْبُ اَلْحَنَّانِ فِي صَدْرِ طهَ *** وَ اِخْتِصَارُ اَلْبَنَاتِ وَ اَلْأَبْنَاءِ
غَيَّبَ اَلْمَوْتُ مِنْ خَدِيجِةَ وَجْهاً *** فَاِذا فَاطِمٌ مُعِينُ اَلْعَزَاءِ(10)
ص: 108
تُحْسَبُ اَلْكَوْنَ بِسَمِّهةً مِنْ أَبِيهَا *** فَهِيَ أَمْ تَذُوبُ فِي اَلْإِضَاءِ
هَا لَهَا مَايِنَالُهُ مِنْ عَذَابٍ *** وَ اِمْتِدَادِ اَلْكُفَّارِ فِي اَلْأَسْوَاءِ
وَ تراهُمُ يَرْمُونَهُ بِحِجَارٍ *** أو يَكَبُّونَهُ عَلَي اَلدَّقُعَاءِ(1)
فَجِرَاحٌ كَانَهُنَّ شِفَاءٌ *** شَاكِيَاتٌ لِلَّه فَرْط اَلْبَلاَءِ(2)
فَاطِمٌ تَمْسَحُ الْجِرَاحَ بِعَيْنٍ *** حِينَ تَنْهَلُّ اِخْتُهَا بِالْبُكَاءِ
جَاءَ بَيْتُ اَلنَّبِيِّ وَ اَلْقَلْبُ خَفَقٌ *** فَهُوَ فِي مِثْلِ رَجفةِ البُردَاءِ(3)
قَالَ: «اِنِّي ذَكَرْتُ فَاطِمَةٌ عليها السلام» وَ انْبَثَّ *** صَوْتٌ مُكَبَّلٌ بالحياءِ(4)
فَأَجَابَ اَلنَّبِيُّ: أَبْشر عَلِيّاً *** خَيْرُ صهْرٍ مَشْيُ عَلِيٍ الغبراء
بِيعَتُ اَلدِّرْعُ فِي اَلصَّدَاقِ و زُفَّت *** لِعَلِيّ سَلِيلَةُ اَلْأَنِيبَاءِ
هُوَ خَيْرُ اَلْأَزْوَاجِ عَفَّةَ ذَيْلٍ *** وَ هِيَ خَيْرُ اَلزَّوْجَاتِ مِنْ حَوَّاءِ(5)
ص: 109
فِي نِقَاءِ اَلسَّحَابِ خَلْقاً وَ طُهْراً *** فِي صَفَاءِ اَلزَّنَابِقِ الْعَذْرَاءِ(1)
و يَضُمُّ النَّبِيُّ تَحْتَ جَناحَيهِ *** المُدِيدَينِ مُنِيَّةَ الاخشاءِ
فَعَلَي وَ زَوْجُهُ مِنهُ بَعْضُ *** شَمْيَّةِ الْكُلِّ شِيمَةَ الأجْزاءِ
رَفْرَفَ اَلسَّعْدُ فَوقَ كوخٍ حَقِيرٍ *** لَمْ يُدَنَّسْ بِقَسْوَةِ اَلْأَغْنِيَاءِ
إِنْ تَكُنْ قِسْمَةُ الْغَنِيِّ مَتَاعاً *** فَالْإِلَهُ الرَّحْمَنُ لاأَتَّقِياءُ
ذَلِكَ الْبَيْتِ بَعْدَ (غَمْدَانَ) بَاقٍ *** ذِكْرُهُ يَمْلَأُ اَلزَّمَانَ اَلنَّائِيَ(2)
وَ يُحَوِّلُ الْقَصْرُ الْمُنِيفُ رَمَاداً *** فَيَذُوبُ اَلْهَبَاءُ إِثْرَ اَلْهَبَاءِ(3)
وَ يَصُونُ الْخُلُودُ دَارَ شَريفٍ *** زَيَّنْتُهَا بِسَاطَةِ اَلْفُقَرَاءِ
مرَّ عَامٌ فَاسْتَقْبَلَ اَلْكُوخُ طِفْلاً *** بَثَّ فِيهِ البهاءُ كُلَّ البهاءِ(4)
فَدُعَاءُ الأَبُ الغَضَنفَرُ (حَرْباً) *** يَحْسُبُ اَلْحَرْبَ أَنْبَلَ اَلْأَسْمَاءِ(5)
(حَسنٌ) قَالَ جِدَّهُ فَالْتِمَاعُ *** اَلْحُسَنِ فِيهِ تدفُّقُ اَلْأَلاَءِ
ص: 110
حال حؤلٌ فلاحَ فَجْرٌ جَدِيدٌ *** وَ صَبيِّ مغلَّبٌ بِالسَّنَاءِ(1)
وَ عَلِيٌّ يَكادُ يَدْعُوهُ (حَرْباً) أَلْفَ *** اَللَّيثُ لَذَّةَ اَلْهَيْجَاءِ
فَيُجِيبُ اَلنَّبِيَّ هَذَا حُسَيْنٌ *** هُوَ سِبْطَي وَ خَامِسٌ فِي اَلْكِسَاءِ(2)
وَ عَلَتْ جَبْهَةُ اَلنَّبِيِّ طُيُوفٌ *** كوشاحِ اَلْغَمَامَةِ اَلدَّكْنَاءِ(3)
لَمْحُ الْغَيْبِ يَا لُهَوْلَ اللَّيَالِي *** مُرْعِدَاتٍ بِالنَّكْبةِ اَلدَّهْيَاءِ(4)
وَ كَأَنَّ الْجُفُونَ تَنْطِقُ هَمْسَاً *** «يَا الهَ اَلسَّمَاءِ صُنْ أَبْنَائِي»
ص: 111
(بحر الكامل)
الأستاذ تسنيم مهدي (أبو زكي)
فِي اسْتَقَرَّ وَلاؤُكُمْ بِدِمَائِي *** يَا خَيْرَ مَنْ عَاشُوا عَلَيَّ اَلْغَبْرَاءِ(1)
يَا خَيْرَ مَنْ خَلَقَ الإِلَهُ بِأَرْضِهِ *** وَ تَظَلَّلُوا بِغَمامَةٍ وَ سَماءِ
مِنْ نُورٍ وَجْهٍ قَدِّسَتْ أَسْرَارُهُ *** أَرْوَاحَكُمْ صيغَتْ مِنْ آلالاَءِ
وَ تَغَلْغُلِ اَلْخُلْقُ اَلْعَظِيمُ بِنَهْجِكُمْ *** وَ إنسابَ كَالْأَنْوَارِ فِي اَلْأَرْجَاءِ
وَ أَصَابَنِي طَلِّ شَفِيفٌ سَاحِرٌ *** مِنْ فَيْضِهِ فَتَعَطَّرَتْ اِحْشَائِي(2)
فَغَدَا وَلاءُ الْمُصْطَفَي فِي مُهجَتي *** وَلآلِهِ الأطهارِ طُهْرُ وَلائِي
بِاللَّحْمِ بِالْعَظْمِ اَلدَّقِيقِ بِمُقْلَتِي *** بِوَجِيبِ قَلْبِي هَائِماً بِدُعَائِي(3)
وَ بِعُمْقِ ذَرَّاتِي بِرُوحِ مَشَاعِرِي *** بِجَمِيلِ إِحساسِي اَلشَّذَا وَ هَوَائِيَّ
وَ بِمِلْحِ زَادِي وَ اِزْدِحَامِ خَوَاطِرِيٍ *** وَ بَطِيفٌ احلامي اَلْحِسَّانِ وَ مائِي
بِشَهِيقِ أَنْفَاسِيٍ وَ رَجَعَ زَفِيرُهَا *** بِخُشُوعٍ رُوحِي فِي اَلدُّعَا وَ بُكَائِي
فِي أَنْتِي فِي اَللَّيْلِ، فِي غَسَقِ اَلدُّجِيِّ *** فِي هُدْآةِ الإِنْسانِ وَ الْإِشْيَاءُ(4)
فِي لَمْحَةِ اَلتَّفْكِيرِ تُعَبِّرُ خَاطِرِي *** فِي بُرْهَةِ اَلْإِحْسَاسِ وَ الْإِيحاءِ
فِي الطَّيْفِ فِي الْأَحْلامِ فِي كَبِدِ اَلْكَرِي *** فِي حَرْفَيِ اَلْمَنْطُوقِ فِي آرَائِي(5)
ص: 112
حَتِّي تَشْرَبَ خَافِقِي بِوَلاَئِكمْ *** وَ حَلَلْتُمُ في مُفرَداتِ بِنائي(1)
فَغَدَوْتُ مِنْ فَرْطِ الْمَوَدَّةِ هَائِماً(2) *** أَرْجُو الحاقَّ بِزُمْرَةِ اَلسُّعَداءِ
يَا أَحْمَدُ الْمُخْتَارُ جِئْتَ بِمَنْهَجٍ *** وَ بِشِرْعَةٍ مَحْمُودَةٍ سَمْحَاءَ
وَ بضيفمٍ كرّار سَاحَاتِ اَلْوَغْي *** وَ مُفُوَّةٍ ذِي لَهْجَةٍ عَصَمَاءِ(3)
آخِيْتُهُ فِي اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا وَ فِي *** حَمْلِ الرِّسَالَةِ وَ ارْتِفَاعِ لِوَاءِ(4)
أَبوانِ لِلنَّاسِ الْكِرَامُ وَ أَنْتُمَا *** لِلْمُؤْمِنِينَ لْأَكْرَمُ اَلشُّفَعَاءِ
وَ كَذا أُتِيتَ بِفَاطِمٍ وَ بِنُورِها *** وَ بِسِرِّهَا الْمَكْنُونِ وَ الْمِعْطاءِ
فَتَجاوَبَتْ كُلُّ السَّماواتِ العَليُّ *** بِالْحَمْدِ لِلرَّحمنِ ذِي النَّعْماءِ
هِيَ كوثرٌ أَعْطَاكَهُ مُتَكَرِّماً *** لِتَقَرَّ عَيْنُكَ يَا أَبَا اَلزَّهْرَاءِ(5)
وَ لَسَوْفَ تُرْضِي بِالعليِّ وَ فَاطِمٍ *** وَ بشُبَّرٍ وَ شَبِيرَ تَحْتَ الْكِساءِ(6)
وَ بِرُوحِهِ مُسْتَأْذِناً فِي جَمْعِكُمْ *** وَ بِآيَةِ التَّطْهِيرِ وَ الإسْراءِ
وَ بِهَلْ أُتِيَ حِينَ مِنَ اَلدَّهْرِ اَلَّذِي *** كُنْتُمْ بِهِ فِي الحَضْرَةِ اَلْعُلْيَاءِ
وَ بِعَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ اَلنَّبَا *** ذَاكَ الْعَظِيم اللَّيثِ فِي الْبَأْساءِ
وَ الدَّمْعَةِ الْحَرِيِّ الْمُرْوعَةِ اَلَّتِي *** مِنْ فَرَّطَ خَشْيَتِهَا تُذِيبُ اَلرَّائِيَ
وَ بانَّةِ اَلثَكْلِي يَكَادُ نَحِيبُهَا *** يَسْتَلُّ أَجْزَاءً مِنَ اَلْأَحْشَاءِ
هُوَ آيَةٌ مَجْهُولَةٌ فِي خَلْقِهِ *** هُوَ نُقْطَةُ مَعْلُومَةٌ فِي الْبَاءِ
يَا أَيُّهَا الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ *** كَالنُّورِ فَاطِمَةُ، كَبُحْرِ سَخَاءِ
جَاءَتْ كَمَا الْفَجْرُ اَلْبَهِيُّ كَمَا اَلسَّمَا *** كَالْعِطْرِ كَالْأَحْلاَمِ، كَالْأَضْوَاءِ
ص: 113
جَاءَتْ بِنُورِ اَللَّهِ يَمْشِي حَوْلَهَا *** فَتَصَوَّرَتْ كَالْبَدْرِ في الظَّلْماءِ
تَدْعُو اَلْخَلاَئِقَ لِلنَّجَاةِ بِهَدْيِ مَنْ *** بَعَثَ الإ لَهُ لِرَحْمَةٍ وَ هناءٍ
وَ تَرُدُّ كَيْدَ اَلشَّانِئِينَ لِنَحْرِهِمْ *** وَ لِمَنْ تَعوَّدَ دَيْدَنَ اَلْإِيذَاءِ(1)
وَ تَكُونُ أَمّاً لِنَبِيِّ تَصُونُهُ *** مِنْ كُلِّ هَمٍ نازِلٌ وَ بَلاءِ(2)
وَ تُذِيقُهُ العطفُ الْحَنَّانَ تَوَدُّداً *** لَوْ يَشْتَكي مِن وُطَاةِ الإعْياءِ
أَوْ مِنْ تَجَنِّي اَلنَّاسِ فِي أَحْجَارَهُمْ *** وَ مُقَالِلَهُمْ وَ تَكَالُبَ اَلاِعْدَاءِ
أَوْ مِنْ جُرُوحٍ قَدْ أَصَابَتْ جِسْمَهُ *** فَتَشَكَّلَتْ مِنْ زرقة وَ دِمَاءٍ
فَتَضَمَّدَ اَلْجُرْحُ اَلْكَرِيمَ بِرُوحِها *** وَ تَكَادُ تَفْدِي اَلْجُرْحَ بِالْأَبْنَاءِ
وَ تَنِثُّ مِنْ عَبَقِ اَلشُّعُورِ لآلِئاً *** وَ تَسِيلُ هُمَا مُوجَعاً بِرَجَاءِ
أَنْ يَسْتَجِيبَ اَللَّهُ فِي مَلَكُوتِهِ *** لِدُعَائِهَا فِي سَيِّدِ اَلْبَطْحَاءِ(3)
وَ تروح تَبْكِي فِي ظُلاَمَةٍ مُرْسَلٍ *** لَمْ يَلْقَ مِنْ قَوْمٍ سوي الضّرّاء
وَ تُهِيمُ شَوْقاً لِلْإِلَهِ تَعَبُّداً *** وَ تَذُوبُ شِعْراً فِي جَمِيلِ ثَنَاءِ(4)
فَتَخَالُهَا فِي اَلشَّوْقِ أملاكُ اَلسَّمَا *** فَاضَتْ لِبَارِئِها الي اَلْعَلْيَاءِ
يَا خَيْرَ إِمْرَأَةٍ عَلَي طُولِ المَدي *** مِنْ مَرْيَمَ اَلْعُذْرَا الي حَوَّاءِ
يَا بَضْعَةُ اَلْهَادِيَ وَ زَوْجِ الْمُرْتَضِي *** وَسَلِيلَةَ اَلْأَظْهَارِ وَ النُّجَبَاءِ
يا مِن أَقَرَّ اَلْقَوْمُ فَضْلَ مَقَامِهَا *** حَتِّي مِنَ الْكُفَّارِ وَ اَلْأَعْدَاءِ
يَا مَنْ يَقُومُ الرُّوحُ جِبْرِيلٌ عَلَيَّ *** تَأْمِينُ خِدْمَتِهَا بِلاَ إِبْطَاءِ
سَلْمَانَ خَادِمُهَا وَ مريم شَأْنُهَا *** فِي خِدْمَةِ الإِنْسِيَّة اَلْعَذْرَاءِ
وَ مَلاَئِكَ اَلرَّحْمَنِ جَمْعٌ طَائِعٌ *** وَ اَلْحُورُ طَوْعُ بَنَانِهَا كَإِمَاءِ
ص: 114
اَللَّهِ مَسْرُورٌ إِذَا مَا اِسْتَبْشَرْتْ *** وَ يُسْرُّ للحوريَّة اَلْحَوْرَاءِ
وَ إِذَا يُكدِّرُهاحقودٌ مُبْغِضٌ *** فَاللَّهُ يُبْغُضُ عُصْبَةَ اَلْعَنَاءِ
يَرْضَي وَ لِمَا تَرْضِي وَ يَغْضَبُ ساخِطاً *** لِوْ شابَها شَيْءٌ مِنَ الْبَلْواءِ
وَ تَنَزَّهْتْ عَن كُلِّ رِجسٍ مُضْمَرٍ *** أَوْ ظاهِرٍ، عَنْ مُجْمِلِ الْأَخْطَاءِ
إِنِّي اِسْتَجَرْتُ مِنَ الْجَحِيمِ وَ نَارُهَا *** مِنْ مَائِهَا اَلْمَغْلِيِّ فِي الْأَمْعَاءِ
وَ سَلاَسِلٍ سَبْعِينَ فِي عَرَصَاتِهَا *** وَ تَقْطُّعِ الأَوْصَالِ و الأجْزَاءِ
مِن كِيِّ وَجْهِي فِي أَوارِ لَهِيبِها *** وَمِنَ الْخُلُودِ بِقعْرِها وَ شَقَائِي
وَ تَباعَدٍ عَن رَحْمَةٍ مَن خالِقِي *** بِجِنانِهِ وتَصَرُّمٍ و تَنائي(1)
إنِّي أَعُوذُ مِنَ الشُّرُورِ تُخِيفُنِي *** وَ أَلُوذُ مِنْهَا فِي حِمي الزَهراءِ
يا مَنْ بَعَثْتَ إِلَي الوَرِيِّ بِمُحَمَّدٍ *** وَ بِآلِهِ الْأَطْهَارِ وَ اَلشُّرَفَاءِ
وَجَعَلْتَهُمْ أَقْطابَ نُورٍ سامِقٍ *** يُنْبُونَ خَلْقَكَ صادِقَ الْأَنْباءِ
يَهدُونَهُمْ لِلْمَكْرُمَاتِ وَ لِلْعُلاَ *** وَيُوَحِّدُونَ صُفُوفَهُمْ بِإِخَاءِ
وَ لِيُطْفِئُوا نَارَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ *** فَيَضْرَعُ عِطْرُ اَلْؤَدِّ فِي اَلْأَحْيَاءِ
وَ تَرِدُّ شَارِدَةٌ إِلَي جَمْعٍ لَهَا *** وَيؤُوبُ لِلأهلِ اَلْأَ حُبَّةِ نَائِي
وَوَعَدْتَ مَنْ يَهْوَي اَلرَّسُولَ و آلَهُ *** بِجِنَانِ خُلْدٍ رَائِقٍ فَيْحَاءِ(2)
وَ جَعَلْتَ مَنْ وَالَي عَلِيّاً آمِناً *** وَ عَدَدْتَهُ مِنْ مَعْشَرِ الصُّلَحاءِ
حَرَّمْتَ نَارَكَ اَنْ تَمَسَّ مُوَادِداً *** لبتُولِ آلِ اَلْمُصْطَفَي اَلْغَيْدَاءِ(3)
فَأَنَا بِسُورِكَ أَحْتِمِي يَا سَيِّدِي *** خَالٍ مِنَ اَلْحَسَنَاتِ دُونَ مُرَاءِ
أَرْجُو اغْتِرَافاً مِنْ بِحَارِ نَعِيمِهَا *** وَ لَأَنْتَ تَعْرِفُنِي مِنَ الْفُقَرَاءِ
و قَرْنَتُ مَا أَرْجُو بِذِكْرِ حَدِيثِهَا *** كَيْ تَرْتَقِي نَحْوَ العُلا نَجْوائي
رَبَّاهُ إِنِّي مُذْنِبٌ، و مُقِصِّرٌ *** وَ خَفِيفُ وَزنٍ في دُنِيِّ العُلَماءِ
ص: 115
فَحَشَرْتُ نَفْسِي فِي رِكَابٍ أُحِبَّهٍ *** لِحَلِيلَةِ الْمَوالِي مَعَ الشُّعَراءِ
وَ نَظَمْتُ عَقْداً مِنْ نَفِيسٍ جَوَاهِرِي *** و َنَحْتُّهُ صِدْقاً بِدُونِ رِيَاءٍ
كَيْ يَكْتُبَ الْمَكَانِ عَنِّي أَنَّنَيَ *** قَدْ قُلْتُ شِعْراً فِي هَوِيِّ اَلزَّهْرَاءِ
يَا صَحْبُ لَوْ تَدْرُونَ أَيُّ ثَرَاءِ *** فِي نِعْمَةٍ تَعْدُو عَلَيَّ اَلْإِحْصَاءِ
فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا وَ فِي تِلْكَ اَلَّتِي *** تَاتِي قَرِيباً فِي ديارِ ثَواءِ(1)
لِلصَّادِقِينَ بِحُبِّهِمْ لِلْمُصْطَفِي *** ولآَلِهِ الأخْيَارِ وَ الْحُلَمَاءِ
فَتَمَسَّكُوا بِالْعِلْمِ وَ اَلْعَمَلِ الَّذِي *** يُرْضِي الْإِلَهَ مَوَدَّةِ الكُرَمَاءِ
لاَتَجْعَلُو مَعْنِي التَّشَيُّعَ خَالِياً *** مِنْ مَسْلَكٍ مُتَوَافِقِ الْإِيحَاءِ
فَلَنَحْنُ مَرْصُودُونَ فِي أَعْمَالِنَا *** وَ الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً وَ فِجَائِي
لَاتَحْسَبُوا أَنَّ النَّعِيمَ بِدَائِمٍ *** فَلَرُبَّ بيتٍ غَصَّ بِالنُّدَمَاءِ
دَارَتْ دَوَائِرُ دَهْرِهِ فِي لَحْظَةٍ *** فَغَدَا خَرَاباً مُوحِشَ الْأَفْنَاءِ(2)
وَ اَلْمَالِ فِي اَلدُّنْيَا قَلِيلٌ، نَافِذٌ *** وَ كَذَا اَلْبَنُونَ وَ سَالِفُ الْآبَاءِ
وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحاتُ هِيَ اَلَّتِي *** تُبْقِي وَ لَيْسَ تَعَدُّدُ اَلْأَهْوَاءِ
فَتَنَافَسُوا فِي اَلْخَيْرِ يَصْفُو عَيْشُكُمْ *** حَتّي وَلَوْ أبْتُمْ اليَّ الصَّحْرَاءِ(3)
وَ تَعَاهَدُوا بِالْحَبِّ بَيْتَ اَلْمُصْطَفَيِّ *** وَ اِسْتَكْثِرُوا فِي ذَاكِ بِالْإِنْمَاءِ
وَ اَللَّهِ أَنَا رَاحِلُونَ لِحَتْفِنَا *** وَ سَنَرْتَدِي الْأَكْفَانَ فِي اَلْغَبْرَاءِ(4)
فَتَزَوَّدُوا بِمُحِبِّةٍ لِأُلِي النَّهْيِ *** اَلسَّادَةِ اَلْأَطْهَارِ وَ اَلرُّحَمَاءِ
يَا شَيَّعَهُ اَلْمُخْتَارُ قُولُوهَا مَعِي *** مَرْحِي بِيَوْمِ وِلاَدَةِ اَلزَّهْرَاءِ
ص: 116
بحرالكامل)
الشيخ جاسم الخاقاني
مَولايَ يا بنَ المُرتضي *** يَا سِبْطَ خَيْرِ الأنبيا
وَ ابنَ البتولَةِ فاطِم *** الزَّهْرَاء سيّدَةِ النّسا
وَ أخَا الزّكيِّ المُجتَبَي *** و أبَا الهُداةِ الأذِكِيا
يا من بتُربَةِ قَبْرِه *** يُشفي السَّقِيمُ مِنَ البَلا
وَ يُجابُ تَكْرِيماً لَدَيْهِ *** بِمَنْ تَوَسَّلَ بِالدُّعا
وَ اِفاكَ عَبْدُكَ جَاسِمٌ *** بِقَبَائِحٍ مِلْءَ الْفَضَا
مَنِعَتْ عَنِ النَّوْمِ اَلْجُفُونَ *** وَأَوْدَعْت جِسْمِي اَلْعَنَا
وَ اَلْعَبْدُ مُحْتَاجُ لفضْلِ *** الأكرمِينَ اَلْأَغْنِيَا
فَبِحَقِّ مَنْ ضَمَّ اَلْكِسَا *** وَ نَجْلِ مِنْ تَحْتِ اَلْكِسَا
كُنْ لِي كَفِيلاً فِي الْأُمُورِ *** وَ شَافِعاً يَوْمَ اَلْجَزَا
أَسْمَعْتَ مَا قَدْ جَاءَ فِي *** خَبَرِ اَلْكِسَا مِمَّنْ رَوِيَ
عَنْ جَابِرٍ وَ سِوَّاهُ مِنْ *** زُمَلاَئِهِ أَهْلُ التُّقي
عَن فَاطِم اَلزَّهْرَاءِ *** بِضعَةِ خَيْرِ مَنْ وَطِيءِ اَلثَّرِي
قَالَتْ أُتِيَ يَوْمٌ مِنَ اَلْأَيَّامِ *** بِالْفَضْلِ امْتَلَا
و إِذَا أَنَا بِأَبِي *** نَبِيٍ الْخَافِقَيْنِ الْمُصْطَفَي(1)
ص: 117
فِي بَيْتِ وَحْيِ اَللَّهِ فَاجانِي *** فَطَابَ لِي اَللِّقَا
وَ عَلَيَّ سَلَّمٌ ثُمَّ لِي *** فِي جِسْمِهِ ضَعْفاً شَكّاً
فَأَجَبْتُه يَا وَالِدِي *** بِاللَّهِ عُدْتَ مِنَ اَلضَّنَا(1)
فَدَعَا أَلاَ قُومِي فَغَطِّينِي *** بُنيَّةُ بِالْكَسَا
أَعْنِي الْيَمَانِيَّ اَلَّذِي *** نَسَجَتْهُ أَنْوَالُ الْهَدْيِ(2)
فَحَظِيَ اَلْكِسَاءُ وَ مَا اَلَّذِي *** أَدْرَاكَ مَا فيهِ حظي
غطَّي اَلنَّبِيَّ اَلْمُصْطَفِي *** عَظُمَ اَلمُغَطِّي وَ الغطا
فَنَظَرْتُ وَجْهَ أَبِي اَلْوَسِيمِ *** وَ قَدْ تَهَلَّلَ بِالضِّيا
كالبَدْرِ لاَ بَلْ وَجهُهُ *** مِن حُسْنِهِ خَجِلَت ذُكا(3)
وَ شَمِمْتُ رَائِحَةَ اَلنَّبِيِّ *** تَضوع مِسْكاً قَدْ ذَكَا
قَالَتْ سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ *** فَأَتَانِي اَلْحَسَنُ اَلرِّضَا
وَ عَلِيَّ سَلم قَائِلاً *** يَا أُمِّ يَا سِتَّ اَلنَّسَا
إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكِ رَائِحَةً *** بِها عَبَقَ الفَضَا
كَأَرِيجِ جَدِّيَ اَلْمُصْطَفَي *** اَلْهَادِي خِتَامِ اَلْأَنْبِيَا
فَأَجَبْتُ هَذَا جَدُّكَ اَلْهَادِي *** اَلنَّبِيُّ اَلْمُجْتَبِي
تَحْتَ الكسَا فَأُتِيَ لَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ يَهفُو لِلحْمي
وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي *** صَلَّي وَ صَلَّي لِلْعُلاَ
مُسْتَأْذِناً مِن جَدِّهِ *** رَبِّ الْمَفَاخِرِ وَ اَلنَّدِي
فِي أَنْ يَضُمَّ كِسَاءَهُ *** بَدْرَيْنِ في تَمِّ ثَنَا
فَدَعَا بِهِ يَا مَرْحَباً *** اَلْآنَ أَدْرَكَتُ اَلْمَنِي
قَالَتْ كَرِيمَةُ خَيْرُ مَنْ *** وَطَأَ اَلْجَنَادِلَ وَ اَلْحَصَي(4)
ص: 118
وإِذا أَنَا بِابْنِي الحُسَينِ *** أعز خَافٍ قَدْ مَشِي
قَدْ جَاءَ يَخْطِرُ مَاشِياً *** أَرَايَتُ عَسالَ اَلْقَنَا(1)
فَهُنَاكَ حَيَاني و كَانَ اَلرَّدُّ *** وِفِّقاً فِي الْجِزْيِ
فَانْصَاعَ يَسْأَلُنِي وَ قَدْ *** مَلَأَ اَلسُّرُورُ بِهِ اَلْحَشَا
أُمَّاهُ مَا لجوارِحِي *** تَحْوِي المَسرَّة وَ اَلْهَنَا
إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكَ رَائِحَةً تضُوعُ *** إلي السَّما(2)
فَأَشَرْتُ هَذَا اَلْمُصْطَفِي *** تَحْتَ اَلْكِسَاءِ مَعَ اَلرِّضَا
فَدَنَا لَهُ مُسْتَأْذِناً *** فَحَبَاهُ أَحْمَدُ مَا حبا(3)
أُتْرِي اَلنَّبِيَّ يَرِدُّهُ *** لاَ وَ اَلْمَعَالِيَ و الوَفَا
قَالَتْ حَبِيبُهُ خَيْرِ مَنْ *** لَبَّي و أَفْضَلُ مَنْ سَعِي
وَ إِذَا أَنَا بِأَبِي الْهُدَاةِ *** الْأُؤْصِياءُ الأَصْفيا
فِي الْبَيْتِ شَرَّفْنِي *** وَ أَهْدِي لِيْ التَّحِيَّةَ وَ الثَّنا
وَ عَلَيْكَ تَسْلِيمُ اَلْمُهَيْمِنِ *** لاَ اِنْقِطَاعَ وَ لاَ انْتِها
وَ دَعَا أَشُمُّ لَدَيْكِ *** رَائِحَةً تُعْطِّرُ لِلْفَضَا
مَا خِلْتُهَا إِلاَّ أرِيجَ *** أَخِي اَلنَّبِيِّ اَلْمُجْتَبِي
فَأَشَرْتُ لِلْهَادِي، إِذَا *** غُصِنَ عَلَيَّ اَلْغُصْنِ أنحني
حَيَاهُ لَكِنْ كُلُّ شَخْصٍ *** مِنْهُمَا نِعْمَ الفَتَي
مُسْتَأْذِناً مِنْ صِهْرِهِ *** بَلْ خَيْرِ أَصْهَارِ اَلْوَرِي
فِي أَنْ يَضُمَّهُمَا الكسَا *** فَهَمَّا بِفَضْلِمِهِمَا سَوا
فَأَجَابَ مُنْشَرَحَ اَلْفُؤَادِ *** قَرِيرَ عَيْنٍ باللِّقَا
قَالَتْ وَحِيدَةُ خَاتَمُ اَلرُّسُلِ *** اَلْكِرَامُ اَلْأَصْفِيَا
ص: 119
فَغَطْتُهُمْ وَ دَنَوْتُ مِنْهُمْ *** بِالتَّحِيَّةِ وَ الثَّنا
فَدَعَوْتُ شَرَّفَنِي بِإِذْنِكَ *** فِي قِرانِكَ يَا أَبَا
فانا أَعُدُّ الْبُعْدَ شِبْراً ***عَنْكَ مِنْ مُرِّ اَلْجَفَا
فَدَعَا بِنِيَّةُ فَاقْرَبِي *** مَرَحِي بِدَاعٍ قَدْ دَعَا
فَدَعَا الإ لهُ بِخَلْقِهِ *** وَ أَهابَ فِي كُلِّ الْوَري
فَوَ عِزَّتِي اَلْعَظمِيُّ وَ مَنْ *** فِي قَدْرِهَا غيْرِي دري
لَوْلاَ اَلْأُلِي تَحْتَ اَلْكَسَا *** وَ كَفَّي بِهِمْ فَخْراً كَفَي
لَمْ أَخْلُقِ اَلْقَمَرَ اَلْمُنِيرَ *** وَ لاَ اَلنُّجُومَ وَ لاَ ذُكّا
كَلاَّ وَ لَمْ أُدْحِ اَلْبَسِيطَ *** وَ لاَ نَهَارٌ قَدْ أَضَا(1)
كَلا وَ لَمْ أُخْرِجْ جَمِيعَ *** اَلْخَلْقِ مَنْ كَتَمَ اَلْفَنَا
فَدَعَاهُ جِبْرِيلُ اَلْأَمِينُ *** وَ ذَلَّ فِي ذَاكَ الحِمَي(2)
مَنْ هُم بِحَقِّكَ سَيِّدِي *** فَلَهُمْ أَرَي قَلْبِي صَغا
فَأَجَابَهُ الزَّهْرَاءُ وَالِدَّةُ *** اَلْكِرَامِ اَلْأَوْصِيَا
وَ اَلْمُرْتَضِي وَ ابناهُما *** وَ أَبُوجَمِيع اَلْأَزْكَيَا
فَهُنَالِكَ اِشْتَاقَ اَلْأَمِينُ *** لِقُرْبِهِمْ وَ دَعَا اَلْوَحْي(3)
يا سَاعَةً قَدْ تُوجَتْ *** بِالْبِشْرِ إِذْ هَبَطَ اَلنَّدَا
كُنْ سَادِساً لَهُمْ فَكَمْ *** عَبْدٍ لِمَوْلاَهُ دَنَا
يَا بِشْرَ جِبْرِيلَ اَلْأَمِينِ *** وَ مَا لَهُ الباري سَخَا
هَذَا اَلهُبُوطِ هُوَ الصُّعُود *** مِنَ السَّمَاءِ إِلَي الثَّري
فَهُنَاكَ قَالَ اَلْمُرْتَضِي *** لِأَخِي عُلاهُ الْمُصْطَفِي
قُلْ لِي فَدَتْكَ اَلنَّفْسُ مَا *** لِجُلُوسِنَا قَلَّ الْفِدَا
ص: 120
عِنْدَ الإلَهِ مِنَ الْكَرَامَةِ *** وَ الحَفاوَةِ وَ الْحِبا(1)
فَأَجَابَهُ ومَنِ اصْطَفانِي *** بِالرِّسَالَةِ وَاجْتَبِيْ
مَا دَارَ ذِكَرُ حَدِيثَنا *** فِي مَجْلِسٍ بَيْنَ الملاَ
إِلاَّ قَضَي حَاجَاتِهِمْ *** رَبِّ تَمْدَّحَ بِالندَا
إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُشتَكٍ *** أُؤْمِبْتَلِي كُشِفَ اَلْبَلا
أَمَّا اَلْمَدِينُ فدينُهُ *** عَنْهُ يُحَطُّ وَ إِنْ عَلا
وَ أَعَادَ قَوْلَتَهُ اَلنَّبِيُّ *** وَ كَانَ أَصْدَقَ مَن رَوِيَ
مَا دَارَ ذَكَرُ حَدِيثَ مَجْلِسِنَا *** إِلَي يَوْمِ اَللِّقَا
إِلاَّ وَحْفَّ بِجَمْعِهِمْ *** شَوْقاً لهم جُندُ اَلسَّمَا
يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ بِأَنْ *** يُمْحِيَ لَهُمْ كُلُّ الخَطَا
فَاللَّهُ أَكْرَمُ غَافِرٍ *** وَ اللَّهِ أَعْظَمُ مَنْ عَفَا
فَدَعَا اَلْوَصِيُّ إِذَنْ فَقَدْ *** فُزْنَا وَ فَازَ اَلْأَولِيَا
بِوَلاَئِنَا وَ هُمْ بِنَا *** سُعِدُوا إِلَيَّ يَوْمِ اَلْجَزَا
ص: 121
(بحر الكامل)
الأستاذ جعفر الجعفر
تاهَتْ بِبِنْتِ نَبِيِّها الخَضْراءُ *** وَ اسْتَبْشَرَتْ بِقُدُومِهَا الْغَبْرَاءُ
هَلَّتْ فَهَلَّكَ الْمَلَائِكُ كُلُّهُمْ *** وَ تَهَلَّلَ الإِصْبَاحُ وَ الإمْساءُ
وَ كَأَنَّمَا الْإِسْعَادُ يَوْم مَجِيئِهَا *** وَ لِذَا اَلْوُجُودَ تَرَنَّمٌ وَ ثَنَاءٌ
فَالْبَرْقُ أُؤْمَضُ لِلَولِيدَةِ نُورُهُ *** وَ تَقَهقَهَتْ بِرُعُودِهَا الأَنْواءُ
وَ تخضَّبتْ سُحُبُ الغَمَامِ بِعِطْرِهَا *** وَ تَمَخَّضتْ بِعَبِيرِهَا اَلْأَرْجَاءُ
و اسْتَمْطَرَتْ مَاءَ الْوُرُودِ سَمَاؤُنَا *** خَيْراً يُبَشِّرُ بالْأُلي(1) قَدْ جَاؤُوا
وَ كَأَنَّمَا اَلْأَفْلاَكُ بَعْضُ عَبِيدِهَا *** وَ كَأَنَّمَا هَذِي اَلنُّجُومُ إِمَاءُ
فَالرُّوحُ جِبْرِيلٌ بِمُقَدَّمِ رَكِبِهَا *** وَ عَلَيَّ الشّمالِ مَلائِكٌ نُجَبَاءُ
وَعَلَي الْيَمِينِ مُحَمَّدٌ جَذَلاً بِهَا *** يَغْشَاهُ مِنْ لألائِها لِأَلاَءُ(2)
وَ اَلْأَرْضُ قَدْثَقَلْتْ بِها وَ كَأَنَّمَا *** هَبَطَتْ عَلَيْهَا بِالْجَلالِ سَمَاءُ
وَتَسَاءَلَتْ مِن ذا الَّذِي سَفَرَ اَلدَّجِي*** بِقُدُومِهَا وَ اخْضَرَّتِ الغَبْرَاء
هَتَفَ الْبَشِيرُ مُبَارَكاً ومُهْنِّئاً *** وَلَدَتْ لِطه البَضعَةُ الزهراءُ
بَزَغَتْ كَعَيْنِ اَلشَّمْسِ عِنْدَ مَجِيئِهَا *** وَ اَلشَّمْسُ لَوْلاَ نُورُهَا ظَلْمَاءُ
زَهْرَاءُ يُعْمِي نُورُهَا حُسَّادَهَا *** وَ يُنِيرُ قَلْبَ مُحِبِّهَا وَ يُضاءُ
ص: 122
حُورِيَّةٌ قُدسِيَّةٌ صِدِّيقَةٌ *** حَارَتْ بِوَصْفِ جِلاَلِهَا اَلْفُصَحَاءُ(1)
فَكَأَنَّما قَدَّسُ اَلْإِلَهُ مُحَمَّدٌ *** وَ كَأَنَّمَا مِنْ قُدْسِهِ إِسْرَاءُ
وَ كَأَنَّمَا اَلْمِشْكَاةُ أَعْيَا(2)كُنْهُهَا *** عُشْرُ اَلْعُقُولِ وَ خَابَتِ اَلْحُكَمَاءُ(3)
بَاهِيَ بِهَا رِبِّي اَلْمَلاَءَكِ كُلَّهُمْ *** فَلِذَا اَلسُّجُودِ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ
يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرُّ اَلسُّجُودُ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ
يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرّ اَلْوُجُودِ وَ سِينُهُ وَ اَلرَّاءُ(4)
أَنْتَ اَلْبَتُولُ فَمَا لِمَرْيمَ وَالِدٌ ***كَمُحَمَّدٍ كَلاَّ وَ لا الْأَبْنَاءُ
وَ لَأَنْتَ أَمْ لِلنَّبِيِّ وَ آلِهِ *** وَ لَأَنْتَ لِلسِّرِّ الْمَصُونِ وِعاهُ
وَ لَأَنْتَ فِي يَوْمِ اَلْكِسَاءِ مَدَارُهُمْ *** وَ لَأَنْتَ نُورٌ للْكساءِ بَهَاءُ
وَ اَللَّهِ قَالَ وَ بَعْدَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ *** هُمْ فَاطِمُ وَ اَلْبَعْلُ وَ اَلْأَبْنَاءُ
هِيَ فَاطِمٌ مِنْ فاطر شَقَّ اسْمُهَا *** فَالْأَرْضُ قَدْ فَطِرَتْ بِها وَسماءُ(5)
ص: 123
لَوْ مَرَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ظِلُّهَا *** غَضَّتْ لَهُ أَبْصَارَهَا الأرجَاءُ(1)
فَعَلي الْأَلِي مِنْ حُبِّهَا سَرَّاءُ *** وَ عَلَي العَدِيُّ مِن بُعْضِها ضَرَّاءُ
لَكَ فِي اَلْقُلُوبِ مِنَ الصَّمِيمِ تَحِيَّةٌ *** يَجْرِي بِهَا لَكَ فِي الدِّمَاءِ وَلَاءُ
لَوْلَاكَ مَا خُلَقَ الْوُجُودُ وَ لَابَري *** رَبِّي الأَنامَ وَ لاَبَدَّتْ أشْياءُ
لَوْلاكَ لاَجْتُثَّتْ شُجِيرَةُ أَحْمَدٍ *** وَ لَمَّا أُتِيَ مِنْ صُلْبِهِ اَلنُّجَبَاءُ
لَوْلاَكَ مَا كَانَ الْكِسَاءُ يَضُمُّهُمْ ***كَلاَّ وَ لاَ ضَمَّ اَلنَّبِيَّ كِسَاءُ(2)
طَهُرْتْ بِهَا و بآلها أُمَّ اَلْقُري *** وَ تَطَهَّرَتْ مِنْ مَكَّةَ اَلْبَطْحَاءُ(3)
لِمَ لاَ وَ هَذِي اَلشَّمْسُ مِنْ أَنْوَارِهَا *** وَ مِنَ الشُّمُوسِ أَرِي الْوُجُودَ يُضَاءُ
إِذ إِنَّهَا اَلمَرْأَةُ يَعْكسُ صَفْوُهَا *** نُورَ اَلْأَلَهِ فَتَنْجَلِي اَلظَّلْمَاءُ
إِذْ لَوْ تَجَلَّي بَعْضُ نُورِكَ فَاطِمٌ *** لَتَدْكْدَكَتْ فِي طُورِهَا سَيْنَاءُ
فَلَكَ اَلْفَخَّارُ فَأَنْتِ كَوْثَرُ أَحْمَدٍ *** نَسْلُ اَلْأَمِينِ وَ نَسْلُكِ اَلْأُمَنَاءُ(4)
فَتَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّ عيسي مَرْيَمٌ *** وَ تَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّنَا حَوَّاءُ
وَ لَقَدْ أَقُولُ لِمَنْ يَرُومُ مَدِيحَهَا *** أَوْ مَا قَصَرْتَ ورَدَّكَ اَلْأَعْيَاءُ
ص: 124
لا لاَتَقُلْ مَاتَصْنعُ الشُّعَرَاءُ *** لَا بَلْ فَقُلْ مَا تَصْنَعُ الْحُكَمَاءُ
حُبِّي لَكُمْ آلُ الرَّسُولِ ذَخِيرَتِي *** يُؤْمَا بِهِ لَاتَنْفَعُ الشُّفَعاءُ
وَ تَذَلُّلِي فِي حُبِّكُمْ هُوَ مَسْعَدِي *** هُوُمَنْجَدِيٌ يَا أَيُّهَا اَلسُّعَدَاءُ
صَادَ إِلَي رَشْفِ اَلْحَقِيقِةِ مِنْهُمْ *** إِذْ نَحْنُ حَؤُلُ حِيَاضِهِنَّ ظِماءُ
ظَماٌ لِمَن يَرْتَوِي مِن حُبِّهِمْ *** وَ هُمُ الْمَعِينُ و غَيْرُهُم أقْذَاءُ(1)
أخْلَصْتُ فِي حُبِّي لَهُمْ فَجَعَلْتُهُ *** وَ تَرأ لَكُم يَا أَيُّهَا اَلشُّفَعَاءُ
شَمِلَتْكُمْ يَؤُمُّ اَلْكِسَاءَ تَحِيَّةٌ *** لُؤْلاَكُمْ لِكِسَا اَلْؤُّجُودَ عَمَّاءُ
آتُونَ إِذْ لاَ شِيءَ قَبْلَ وُجُودِكُم *** بَاقونَ لَوْعُمَ الوُجُودَ فَنَاءُ
وبِإِسْمِكُمْ غُفِرَتْ لآِدَمَ زِلَّةٌ *** سَل آدَماً مِنْ غَيْرُهُم أسْمَاءُ(2)
مِعْراجُنا لِرِضا الإلهِ وَدادَهِم *** وَ تَقَرُّبي فِي حُبِّهِمْ إِسْرَاءُ
وهُمُّ الْمَشِيئِةُ و الفُيُوضُ فُيوضُهُمْ *** فَاللَّهُ قَدْ شَاءَ اَلَّذِي قَدْ شَاؤُوا
مِنْ جُودِكُمْ هَذَا اَلْوُجُودَ بِمَا حَوَي *** فؤُجودُهُ لِؤُجُودِكُمْ أُسْدَاءُ(3)
إِذْ كَانَ فِي عَدَمٍ قُبَيْلَ وُجُودِكُمْ *** يَطْوِيهِ قَبْلَ وُجُودِكُمْ إِخْفَاءُ(4)
ص: 125
جَاؤُوا بِصُورَتِنَا لَنَا لَكِنَّهُمْ *** أُسَمي فَمَا فَوْقَ السَّمَاءِ سَمَاءُ
جُعِلْتْ مِنَ اَلْمَاءِ اَلْحَيَاةُ لِخَلْقِنَا *** وَ هُمُ الحَياةُ لِخَلْقِنَا وَ الْمَاءُ
مِنْ عَاذِلِي فِي حُبِّهِمْ مِن لاَئِمِي؟ *** والنَّفْسُ فِي مَنْ قَدْ عَشِقْتُ فِدَاءُ
دَعْنِي إِذَا اِشْتَغَلَ اَلْفُؤَادُ بِذِكْرِهِمْ *** سُكْرِي بِهِمْ بَلْ حُبُّهُمْ صَهْبَاءُ(1)
إِنِّي اِتَّخَذْتُ سَبِيلَهُمْ لِي شِرْعَةً *** لاَ بِالْأَلِيِّ ظَلَمُوهُمْ وَ أَساؤُوا
أَعْنِي اِبْنَ آكِلَةِ الْكُبُودِ(2) وَ وَ زَغَةٌ(3) *** مِمَّنْ لَهُمْ فِي السَّاقِطَاتِ نَمَاءُ(4)
أَعْنِي الَّذِينَ تَأْبَوْا فِي غَدْرِهِمْ *** مَعَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ
وَ وَعَوْهُ لَكِنْ عَيْنُهُمْ عَمْيَاء *** سَمِعُوهُ لَكِنْ أُذُنُهُمْ صَمَّاءُ
إِنَّ اَلْجَزَاءَ مَوَدَّةٌ فِي آلِهِ *** أَكَذا يُرَدُّ إِلَي اَلرَّسُولِ جَزَاءً(5)
ص: 126
وَكأنَّماكَسْرُ الضُّلوعِ تَقَرُّبُ *** وَكَأَنَّمَا قَتَلُ الحُسَينِ وَفاءُ
دَعْهُمْ يَخُوضُوا بِالضَّلاَلَةِ إِنَّهُمْ *** بِجَهَنَّمَ بَل هُمْ لَها حَصْبَاءُ(1)
هذا جَزَاؤُهُم ولكِنَّ اللِّظِي*** فِي أضْلُعِي وَلَظَي اَلْعُيُونِ بُكَاءُ
لاَ تَنْطَفِي اَلْحَسَرَاتُ مِنْهُ عَلَي اَلْمُدَي *** إِلاَّ بِثَارٍ طَالَ مِنْهُ ثَوَاءُ
عَجِّلْ إِمَامِي فَالْمَصَائِبُ أَزْمَنَتْ *** فِينَا وَ لَيْسَ لجرْحِهنَّ بِرَاءُ(2)
قُولِي لَهُ يَابنَتُ طه إِنَّنَا *** فِينَا لِأَجْلِكُمْ ضَنّي وَ شَقَاءُ
عُدْنَا كَمَا اَلْإِسْلاَمُ فِينَا لَمْ يَكُنْ *** ضَيْمٌ وَ لَهْوٌ مِحْنَةٌ وَ غَنَاءُ
ص: 127
وَاَلْمُسْلِمُونَ أرِي تَشَتَّتَ أَمْرُهُمْ *** فتفشت اَلْفَحْشَاءُ وَ اَلْبَأْسَاءُ
نَالَتْ مَعاوِلُهُم بَقَايَا دِينِنَا *** فَاسْفَعْ بَقِيَّةَ رَبِّنا مَنْ سَاؤُوا(1)
وَ اِدْرِكْ أَيَا أَمَلَ اَلشُّعُوبِ فَإِنَّنَا *** جَذَتْ أيادينا اليَد اَلْجَذَّاءُ(2)
مَلَّ اَلتَّصَبُّرِ أَضْلُعِي فَمَتِي نُرِي *** عِلْمَ اَلْهِدَايَةِ بِالْهُدَاةِ يُضَاءُ
ص: 128
(بحر الكامل)
الأستاذ حسن أحمد العامر(*)(1)
يَمَّمْتُ ذِكْرِي مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ *** فَطَفِقْتُ أنظمُ لِلْمَدِيحِ ثَنائِي(2)
وَ شَحَذْتُ فِكْرِي طَالِباً نَفْخَ اَلْهَدْيِ *** وَ مَزِيدِ أَلْطَافٍ لِسَبِّكَ وَلاَئِي
وَ وقفتُ فِي بَهْوِ اَلْبَتُولَةِ رَامِقاً *** فَرْعَ اَلنُّبُوَّةِ مَجْمَعَ الْآلاء
مُتسائِلاً فِي شَأْنِهَا كَمْ قِيلَ مِنْ *** شَعْرٍ وَ مِنْ نَثْرٍ وَ مِنْ إِطْرَاءِ
حُبّاً لَهَا وَ لَكُمْ أشادوا بِاسْمَعِهَا *** فِي صَدْرِ كُلِّ فَرِيضَةٍ وَ نِدَاءِ
قَالُوا اَلْكَثِيرُ وَ لَمْ يُؤَدُّوا حَقَّهَا *** وَ مَضَوْا لِيُبْقِيَ ذِكْرَهَا بِضِيَاءِ
ص: 129
يَبقَي لِيَبْقَيَ ذِكْرُ آلِ مُحَمَّدٍ *** نَبْعَ الْعَطَاءِ وَ قَائِماً بِبَقَاءِ
وَ مَسَائِلَ اَلتَّارِيخِ أَيْن نَظِيرُهَا *** حَتَّي يُقَاسَ بِأَنْمُلِ اَلزَّهْراءِ
أَزَكِيَّةِ اَلْحَسَبَيْنِ هَلْ لَكَ مَشَبَّةٌ *** فِي الْخافِقَيْنِ(1) بِأَرْضِهِ وَ سَمَاءِ
أَمْ أَنَّكَ النُّورُ الْفَرِيدُ وَ مَا لَهُ *** مِثْلٌ يُنَافِسُهُ بِلا اسْتِثْناءِ
رُكْنِ الْفَضِيلَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةُ *** وَ مآلُ كُلِّ سَجِيَّةٍ حَسناءِ
تُفَّاحَةُ الْفِرْدَوْسِ سرُّ مُحَمَّد *** ثَمَرُ اَلْجِنَانِ وَ نَسَمَةُ اَلْعَليَاءِ(2)
وَ رَبِيبَةِ اَلْوَحْيِ الْمُعلي ذِكْرُهُ *** وَ كَرِيمَةٌ سُلَّتْ مِنَ الْكُرَمَاءِ
وَ رُوحُ اَلنَّبِيِّ اَلْهَاشِمِيِّ وَ رُوحُهُ *** وَ نَصِيبُهُ الْبَاقِي مِنَ اَلْأَبْنَاءِ(3)
وَ عَلَيهِ صَلُّوا فَالصَّلاةُ تَحيَّة *** تُهْدِي لِحَضْرَةِ سَيِّدِ اَلْأُمَنَاءِ
هِيَ تَاجُ فَخْرٍ فَوْقَ رَأْسِ المُرتَضِي *** بَاقٍ عَلَيْهِ بِرِفْعَةٍ وَ بَهَاءِ
كَمْ زُيِّنَتْ فَوْقَ اَلْجَبِينِ بِضُؤْئِهَا *** هَامُ اَلْإِمَامَةِ بِالسَّنَا اَلْوَضَاءُ(4)
طَهُرَتْ مِنَ الإِشْكَالِ طُهْراً مُطْلَقاً *** مَعْصُومَةً خَلُصَتْ مِنَ اَلْأَسْوَاءِ
مَا مَسَّهَا الاّ الجَلالُ مُطَهَّراً *** فَهِيَ الجَلِيلَةُ زهْرَةُ الزَّهْرَاء
ص: 130
وَ ضَمِيمَةُ اَلْمَجْدِ اَلْمُقَدَّسِ وَ اَلَّتِي *** نَظَمَتْ عُقُودَ العِزِّ نَظْمَ إِبَاءِ
أُمِّ اَلنُّبُوَّةِ كَهْفَهَا وَ مَلاَذُهَا *** وَ مُقَامُ كُلِّ شَرِيعَةٍ بَيْضَاءِ
لَوْلاَهَا مَا كَانَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفِي *** نَالَ الظُّهُورَ بِعَالِمِ الْأَسْمَاءِ(1)
وَ لَمَّا غَدَا اَلْمُخْتَارُ يُعْرَفُ قَدْرُهُ *** فِي غَابِرِ الأزمانِ بِالْعَيَاءِ
مِنْ حَيْثُ كَانَتْ نُورَ عالَمِها اَلَّذِي *** عُرِفَتْ بِهِ اَلْأَسْمَاءُ بِالْأَشْيَاءِ
مَعَنِي يُشفُّ مِنَ اَلْحَدِيثِ موضَّحاً *** شَأْنَ اَلَّتِي فاقَتْ علَي اَلْعَذْرَاءِ(2)
لَوْلاَ اَلرَّسُولُ مُحَمَّدٌ وَ وَصِيُّهُ *** مَا كَانَتِ الْأَفْلاكُ غَيْرَ هَبَاءٍ
وَ بِفَاطِمٍ كَانَ السَّنَاءُ عَلَيْهِمَا *** وَكَستهُمَا حُلَلاً مِنَ الأَضْوَاءِ(3)
وَ بِهَا تَكْأمُنُّ كُلُّ غَايَاتِ اَلْمُنِي *** لمّا بَراهَا بَارِيءُ اَلْأَحْيَاءِ(4)
فَخَرَتْ بِها الْجَوْزاءُ حِينَ تسنَّمَتْ *** هَامُ الْمَجْرَّةِ فَوْقَ كُلِّ سَماءِ(5)
وَ تَحَيَّرَتْ فِيهَا الْعُقُولُ وَ أَدْهَشْتْ *** لِفَضَائِلِ جُلَّتْ لَدَيِ الْفُضَلاَءِ
فَرِضَاهَا مِرْآةُ اَلرِّضَا وَ عَلاَمَةٌ *** لِرِضَا إِلَهِ الْكَوْنِ وَ اَلْأَنْحَاءِ
فَهِيَ الْوَدِيعَةُ وَ الْمُطِيعَةُ وَ الشَّفِيعَةِ *** وَ الرَّفِيعَةِ مُلْتَقَي الْأَسْمَاءِ(6)
وَ هِيَ النَّبِيلَةُ وَ اَلْجَلِيلَةِ مَحْتِداً *** وَ دَلِيلُ كُلِّ مَعَاشِرِ النُّبَلاءِ(7)
وَ هِيَ اَلْبَصِيرَةُ قَدْ أَحَاطَتْ عَيْنُهَا *** بِجَزِيءِ كُلِّ خَلِيَّةٍ بِخَفَاءِ
ص: 131
عِرْفَانُهَا قُطْبٌ يَدُورُ بأُفقِهِ *** حِقَبُ اَلدُّهُورِ بِرَهْبَةٍ وَ رَجاءِ(1)
وَ لِمَنْ حَظِيَ مِنْ حُبِّها بِشَعِيرَةٍ *** نَالَ اَلْمُنِي وَ كَرَامَةَ اَلْكُرَمَاءِ
وَ اَللَّهِ لَوْلاَ فَاطِمٌ وَ مُقَامُهَا *** لِمَ تَقْتُرُنْ حَاءٌ لَنَا بِالْيَاءِ(2) (3)
وَ لَما عَرَفْنَا دِينَ أَحْمَدَ وَ الْهُدَي *** و لَمَا سَلَكْنَا مَسْلَكَ الأُمَنَاءِ
وَ لَكَانَتِ اَلْأَحْكَامُ خَلْقاً كَالَّذِي *** يَتْلُوا اَلنِّسَاءُ بنيةَ الشُّعَرَاءِ
رَكَعْتْ أَسَاطِينَ الْعُلُومِ لِفَضْلِهَا *** وَ تَقَهّقَرْتْ بِمَخَافَةٍ وَ حَيَاءِ
أَنِّي وَ قَدْ عَجَزُوا بِزَعْمٍ نُفُوذِهِمْ *** عَنْ حِلِّ فَاءٍ بِاسْمِهَا وَ اَلطَّاءِ
فَتَعَالَيْ رَبِّ قَدْ حَبَاكَ مُعَاجِزاً *** عَرَجَتْ إلهيا أَنْفُسُ اَلْعُرَفَاءِ
هِيَ سِرٌ سِرِّ لَوْ يَفُوزُ بِبعضهِ *** عَقْلٌ لَطَارَ مُحَلَّقاً بِجَلاَءِ
وَ لَسارَ فَوْقَ الْمَاءِ مُمْتَثِلاً لَهُ *** أَجْزَاءُ كُلِّ حَبِيبَةٍ فِي الْمَاءِ
يَا صَفْحَةَ الْأُفُقِ الْمُضِيءِ تَلَأْلَأَتْ *** فِيهَا نُجُومُ مَكَارِمٍ بِصَفَاءِ
لِلنَّاظِرِينَ وَ لاَ مِسَاسَ تَهَابُهُ *** وَ اَلْأُفُقُ يَخْشِيُ مِسْاسَ لِرَّاءِ
ص: 132
شَمْسِ الْحَقِيقَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةً *** وَ سَنَاؤُكِ الْأَلْطافُ فِي الْأَحْياءِ
مِنْ وَجْهِكَ الْأَنْوارُ تُشْرِقُ كَيْفَ مَا *** تهوِينَ يَا رَمْزَ اَلْعَلِي كَذُكَاءِ
مَنْ أَبْيَض زَاهٍ وَ أَصْفَرَ فَاقِعٍ *** يَتْلُوهُ أَحْمَرُ إِذْ دَنَتْ لِمَسَاءِ
وَ تَلُوحُ فَوْقَ هَيَاكِلِ اَلتَّوْحِيدِ مِنْ *** إِشْرَاقِكَ اَلْأَنْوَارُ فِي الأرْجَاءِ
أزْجَاجَةَ الْمِصْبَاحِ فِي مَشْكَاتِهِ *** وَالْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ في الأجْواءِ(1)
لِلَّهِ أَنْتِ فَكَمْ حَوَيْتِ فَضَائِلاً *** أَرْخَي عَلَيْهَا اَلْغَيْرُ ثَوْبَ خَفَاءِ
وَ بِرْغْمِ هَذَا قَدْ بَدَا مَا قَدْ بَدَا *** أَثْرَي العقُول بِنفحِكِ اَلْمِعْطَاءِ
فَتَنَافَسَ الْعُلَمَاءُ فِي إِظْهَارِهَا *** وَ تَسَابَقَ الشُّعَرَاءُ فِي اَلْإِطْرَاءِ
وَ كَمْ تَشَرِّفَ فِي مَديحِكِ ناظِمٌ *** قَصْدَ الْمَنِي بِقَصِيدَةٍ غَرَّاءِ
وَ إِلَيْكَ قَدْ سَطَّرتُ رَمْزَ مَحَبَّتِي *** لِأَفُوزَ فِي يَومِ اللّقا بِجَزَاءِ
وَ لِأَجْلِ مُؤَلِّدِكِ الشَّرِيفِ تَنَزَّلتْ *** مِنْ عَالَمِ اَلْأَلْفَاظِ وَ اَلْأَسْمَاءِ
هَجَرِيَّةٌ طَابَتْ وَ طَابَ نَشِيدُهَا ***حَسَنِيَّةً مَا شَوَّهَتْ بَرِيَاءِ(2)
فَتَقبَليها تُخَفَةً مِنْ فَيْضِكُمْ *** تُهَنِّي اَلسُّرُورَ حُلَّةٍ حَسْنَاء(3)
وَ خِتَامُهَا صَلُّوا علَي خَيْرِ النِّسَّا *** وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ وآله الأمناءِ
ص: 133
قُومِي اِلْبَسِي ثَوْبَ اَلْمُصِيبَةِ وَ اعولي *** حَزْناً فَدَهْرِكِ لَوْعَةٌ وَ بُكَاءٌ
نَصَبَتْ لَكَ الْأَعْداءُ حِقْداً كامناً *** اَللَّهُ مَانْصَبتْ لِكِ اَلْأَعْداءُ!
قَدْ أَسْقَطُوا مِنْكَ الْجَنِينَ وَهَشَّمُوا *** اَلْأَضْلاَعَ فِي عُرْضِ اَلْجِدَارِ وَ جَاؤُوا(1)
بِالنَّارِ لِلْبَابِ الشَّرِيفِ لِيُحْرِقُوا *** بَيْتاً بِهِ اَلْقُرْآنُ وَ اَلْأُمَنَاءُ
تَاللَّهِ لاَ أَنْساكِ حِينَ تَجْمَعتْ *** بِفِنَاءِ دَارِكِ خِفْنَةٌ لُؤْماءُ
وَ تَقَحَّمُوا فِي بَيْتِكِ اَلسَّامِي اَلَّذِي *** هُوَ دُونَهُ فِي قَدْرِهِ اَلْجَوْزَاءُ
لَطمُوكِ لَطْمَةً حَاقِدٍ مِنْ شَرِّهِمْ *** لِلَّهِ يَا لِكِ لطمةً شُنْعَاءُ (2)
اَللَّهِ يَا لَكَ لَطْمَةً بَكَتِ اَلسَّمَاءُ *** لَهَا دَماً وَ ارْتَجَّتِ الْأَرْجَاءُ
يَا وَخِزَةَ الْمِسْمَارِ صوبتِ العُلا *** فَأَصابَ قَلْبَ اَلدِّينِ مِنْكِ الدُّاءُ
صَوَّبْتَ فَاطِمَةَ اَلْبَتُولِ بِصَدْرِهَا *** مَا أَنْتَ الاّ طَعْنَةٌ نجلاءُ
وَقَعَتْ عَلَيَّ قَلْبِ اَلْهُدْي فَإِذَا اَلْهَدْيُ *** بَاكٍ وَ تِلْكَ دُمُوعُهُ حَمْراءُ
صَوَّبْتِ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ بِضَرْبَةٍ *** فَالصَّدْرُ مِنْكِ تَسِيلُ مِنْهُ دِمَاءُ
وَ احْسَرْتَاه لِمَا أَصَبْتِ فَإِنَّهُ *** لَبِعِينٍ رَبِّ اَلْبَيْتِ يَا زَهْرَاءُ
حُتِّي مِنَ الدُّنْيَا خَرَجتِ كَثِيبَةً *** تَبْكِي عَلَيكِ الشِّرعةُ الْغَرَّاءُ
وَ تَتَّبِعُوا أَبْنَاكِ أَيْ تتَّبُعٍ *** فَإِذَا هُمْ حَرْبٌ لَهُمْ بَلاءُ
حَتي اذادُوهُم بِكُلِّ تَنُوفَةٍ *** تَنْتَابُهُم دُونَ اَلْمَلاَ لَأْوَاءُ (3)
مَا جُزْتُ أَرْضاً أَوْ نَزَلْتُ بِقِيعَةٍ *** إِلاَّ لمحنتِهِم بِهَا أَصْدَاءُ
فَبِأَرْضِ سامرا وَ بَغْدَادٍ وَ فِي *** طُوسَ لَهُمْ حَفَرٌ بِهَا أَشْلاَءُ(4)
ص: 135
وَ اعْطِفْ عَلَي وادِيَ الْغَرِيِّ فَاِنَّهُ *** فِيهِ الْوَصِيُّ الطّاهِرُ الْوَضَّاءُ(1)
وَ بِأَرْضِ طَيْبَةَ وَ اَلْبَقِيعِ تُرِي لَهُمْ *** حُفَراً يَهِيجُ لِشَجوهَا الإبْكَاءُ(2)
لِلَّهِ أَقْمَارُ السَّمَاءِ تَجَرَّعتْ *** سُمّاً فَهُمْ دُونَ اَلْمَلاَ غُرَبَاء
سَمّا تَذُوبُ لَهُ اَلصُّخُورُ وَ وَقْعَهُ *** نَارٌ لَهَا وَسَطَ اَلْقُلُوبِ ذَكَّاءُ(3)
و بِكَربِلاَ طُعْمَ اَلْأَسِنَّةِ وَ الْقَنَا *** أَمْسِي اَلْحُسَيْنُ وَ مَا لَهُ رُحَمَاءُ(4)
طُعْمَ اَلسُّيُوفِ وَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ *** صَرْعِي وَ مَا لَهُمُ هُنَاكَ غِطَاءُ
جَرَعُوا اَلْحُتُوفَ عَلَي ظَمّا وَ بِجَنْبِهِمْ *** شَاطِي اَلْفُرَاتِ بِهِ يَلُوحُ الْماءُ(5)
يا آلَ أَحْمَدَ رُزُؤُكُمْ تَبْكِي لَهُ *** شُهُبُ السَّماءِ وَ تَنْحَبُ اَلْغَبْرَاءُ
ثُمَّ اَلصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ مَا يَمَمتْ *** عِيسٌ وَ فِيهَا تَرْتَمِي اَلصَّحْرَاءُ(6)
ص: 136
(بحر الخفيف)
الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)
كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ زَكِيٌ مُهَيْمِنْ *** وَ تَرَاهُ فِي اَلْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ مُمْعَنْ
لَيْسَ فِيهِمْ الاّ الوليُّ المُؤمِنْ *** ثُمَّ سَلْنِي عَنْ أُمِّهِمْ و اسْتَمِعْ مِنيَ
وَصفاً مَا لَيْسَ فِيهِ خَفَاءُ
إنَّها بَضعَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدْ *** وَ هيَ بَحرُ العِلمِ الّذي مَا لَهُ حَدّ
وَ رِضَاهَا مِنْ رِضاها تَأكدْ *** هِيَ أَمْ نَظِيرُهَا لَيْسَ يُوجَدْ
إِنَّهَا الطُّهْرُ فاطِمُ الزَّهْراءُ(2)
ص: 137
لَوْ سَأَلْتَ اَلْقُرْآنَ سَطْراً فسطرا *** فَهُوَ فِي فَضْلِهَا يُشِيدُ وَ يُقِرَّا
وَ بِهِ قَدْ عَلْتَ مَقَاماً وَ قَدَرا *** وَ كَفَي بِالْقُرْآنِ مَدْحاً وَ فَخْرا
وَ لَنِعْمَ الْإِفْصَاحُ وَ اَلْإِطْرَاءُ(1)
دِرَّةُ اَلْمَجْدِ قدْرُهَا كانَ سَامِي *** هِيَ قُطْبُ اَلْعُلاَ وَ قُطْبُ النِّظَامِ
هِيَ ذَاتُ اَلْكَمَالِ وَ اَلْإِعظَامِ *** هِيَ أَمِ اَلْهُدَاةِ أَمِ اَلْمَيَامِين
وَ نِعْمَ اَلْأَمَاجِدُ اَلنُّجَبَاءُ(2)
هَذِهِ فاطمٌ حَبِيبَةُ طهَ *** إِنْ تَكُنْ قَدْ شَكَكْتَ فِي عُلْيَاهَا
ص: 138
فَانْظُرِ اَللَّهَ مَا اَلَّذِي أَعْطَاهَا *** ثُمَّ سَلْ هَلْ أَتِيَ وَ عَمَّا حَبَاهَا
رَبَّنَا وَ هُوَ قَادِرُ مَا يَشَاءُ
كَمْ حَفَاهَا بِمِدْحَةٍ وَ مَزَايَا *** وَ حَبَاهَا مِنْهُ بِحُسْنِ اَلسَّجَايَا
وَ بِهَاكُمْ أَبَانَ مِنْهُ وَصَايَا *** وَ هُوَ مُعْطِي اَلْأَرْزَاقِ مُنْشِي اَلْبَرَايَا
وَ لَدَيْهِ اَلْإِنْعَامُ وَ اَلنَّعْمَاءُ
ص: 139
(بحر الكامل)
الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)
عُرِّجْ بِتُرْبَةِ فَاطِمِ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ انْدُبْ وَ نَادِ بِخِرْقَةٍ و بكاءِ
وقُلِ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَنْ أَصْبَحَتْ *** أَرْزاؤُها مِنْ أَعْظَمِ الْأَرْزَّاءِ
يَا مَنْ عَلَيْها الْحُزْنُ صَبَّ كَأَنَّهُ *** سُحُبُ اَلسَّمَاءِ وَ قَدْ هَمَّتْ بِالْماءِ
ما زُرْتُ قَبْرَكَ طالِباً لِمَثُوبَةٍ *** اِلاّ انْدَفَعْتُ بِحُرْقَتِي وَ بُكائِي
وَ تَفَجَّرَتْ عَيْنَايَ دَمْعاً هَامِياً ***كَالسَّيْلِ إِذْ يَجْرِي عَلَي اَلْبَطْحَاءِ(2)
وَ تَسَعَّرتْ نَارُ الجَوَي بِحُشَاشَتِي *** وَ أَنُوحُ كَالْقَمَرِيِّ وَ اَلْوَرْقَاءِ(3)
أَبْكِي عَلَيكَ كَثيبَةً مُستَوْحِشاً *** بَعدَ النَّبِيِّ عَلَيْكِ كُلُّ ثَواءِ(4)
وَ مِنَ الشِّجاءِ تُخاطِبِينَ دِيارَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ مِنْكِ يَنُوءُ بِالْأَرِزَّاءِ(5)
تَدعِينَهَا يا دَارُ أَيْنَ مُحَمَّدٌ؟ *** فَمُحَمَّدٌ عَنِّي وَ عَنْكِ نَائِي
ص: 140
يَا دَارُ كُنْتِ مُضِيئَهةً بِضِيَائِهِ *** وَ اَلْيَوْمَ قَدْ غُشِيتِ بِالظَّلْمَاءِ
لاَ تَرْتَجِي يَا دَارُ عَوْدَةَ عَائِدٍ *** مِنْهُ وَ لاَ تَرْدِيدَ أَيَّ نِدَاءِ
مَاتَ اَلنَّبِيُّ فَأَعْوِلِي يَا دَارَنَا *** مَا فِيكِ الاّ وَحْشَةُ الاصداءِ
أَلْيَوْمَ ماتَ أَبِي وَ مَنْ عَمَّ الوَرِي *** بِالْفَضْلِ وَ اَلْإِحْسَانِ وَ اَلنَّعْمَاءِ
مَاتَ اَلَّذِي نُسْقِي اَلْغَمَامَ بِوَجْهِهِ *** وَ نُعَمُّ بِالْأَنْدَاءِ وَ اَلْأَنْوَاءِ(1)
تَاللَّهِ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ مُصابُكمْ *** رُزْءٌ يُقْصِّرُ جُمْلَةَ اَلْأَرِزَّاءِ
عَنْهُ، فَلَيسَ هُنَاكَ رِزْءٌ مِثْلُهُ *** أَبَداً لَدَي الأَرِزَّاءِ وَ اَللَّأْوَاءِ
أَبْكِيكِ مَغْشِيّاً عَلَيْكَ كَسِيرَةِ اَلضِّلْعَيْنِ *** مُلْقَاةً عَلَي الْغَبْراءِ
دَخَلُوا عَلَيْكَ اَلدَّارَ جَهْراً عُنْوَةً *** قَسْراً وَ أَنْتِ بِهَا بِغَيْرِ رِدَاءِ
أَبْكِيكِ وَالمِسمارُ أمسي نَافِذاً *** فِي الصَّدرِ وَ هُوَ مُضَرَّجٌ بِدِماءِ(2)
أَبْكِيكَ خَلفَ الْمُرْتَضِي تَدَعِينَهُمْ *** وَ اَلْقَلْبُ غَصَّ بلوعَةٍ وَ شُجَاءِ
ص: 141
ص: 142
خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي مَا لَكُمْ يا عُصْبَةٌ *** رَوَّعْتُمْ بِفِعَالِكُمْ أَبْنَائِي(1)
رَجَعُوا إِلَيْكَ بِالسِّياطِ وَ آلَمُوا *** مِنْكَ الْمُتونَ بِقَسْوَةٍ وَ عَنَاءِ
لَطَمُوا عُيُونَكِ يَا لَهَا مِنْ لَطْمَةٍ *** قَدْ أَوْرَثَتْهَا حُمْرَةً بعماءِ
يَا بِنْتَ أَحْمَدَ مَا ذَكَرْتُ مُصَابَكُمْ *** الاّ غَصَصْتُ بلوعَةٍ وَ بُكَاءِ
صَلِّيَ عَلَيْكِ اَللَّهُ مَا قَمَرٌ بَدَا *** وَ بِنُورِهِ أجَلي دُجِّيُّ اَلظَّلْمَاءِ
ص: 143
(بحر الخفيف)
الشيخ حسن الصفار (*)(1)
رَوْعُةُ اَلْحَقِّ وَ اَلْعَفَافِ تَجَلَّتْ *** مَنْ مُحْيَا اَلصِّدِّيقَةِ اَلزَّهْرَاءِ
ص: 144
بُضْعِةُ اَلْمُصْطَفِي وَ زَوَّجُ عَلِيِّ *** وَ هِيَ أُمُّ اَلْأَئِمَّةِ اَلْأُمَنَاءِ
وَ عَلَي صَدْرِهَا وَ سَامَاتُ مَجْدٍ *** مِنْ أَبِيهَا لَكِنْ بِأَمْرِ اَلسَّمَاءِ
فَاطِمٌ بَضْعِتي وَ يَرْضَي لَهَا اَللَّهُ *** وَ يُرِدي مَنْ نَالَهَا بِأَذَاءِ(1)(2)
هِي سِتُّ اَلنِّسَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ *** لاَ عَلَي مَرْيَمٍ وَ لاَ حَوَّاءِ(3)
لَيْسَ يَعْني بِذَا مجرَّدَ حُبِّ *** إِنَّمَا الحُبُّ سُلِّمُ الاِقْتِدَاءِ
نَبَتَتْ فِي رَبِّي الْكِفاحِ فَمَا مَرَّتْ *** عَلَيْهَا دَقِيقَةٌ بَرْخَاءِ
فَتَحَتْ عَيْنَهَا عَلَي مَشْهَدِ اَلْوَحْيِ *** كَذَا سَمِعُهَا بِنُطْقِ اَلسَّمَاءِ
وَ تَرَي اَلْوَالِدَ اَلْحَنُونَ يعانِي *** مَنْ أَذَي قُؤمِهِ أَشَدَّ اَلْعَنَاءِ
أَلَّفَتْ نَفْسُهَا الْجِهَادَ فَصَارَ *** اَلْحَقُّ مِنْهَا يَجْرِي بِمَجْرَي اَلدِّمَاءِ
وَ لِهَذَا قَامَتْ بِأَعْظَمِ دُورٍ *** تَنْشُرُ اَلْوَعْيَ فِي صُفُوفِ اَلنِّسَاءِ(4)
وَ اعْتَدَّتْ بَيْنَهُنَّ فِي أُحَدٍ تَبْكِي *** حَمْزَةُ اَلْخَيْرِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ(5)
لَمْ تَزَلْ تَخدِمُ الشَّريعَةَ حَتّي *** خَطَفَ المَوتُ خاتَمَ الأنبياءِ
ص: 145
فاجؤُوهَا بِالإِنْقِلاَبِ وَ وَلَّوْا *** أَمْرَهُمْ غَيرَ سَيِّدِ الْأَوْصِيَاءِ
حُمِلَتْ رَايَةَ اَلْجِهَادِ إِلَي الْمَسْجِدِ *** تَدْعُو بِمَحْضَرِ (اَلْخُلَفَاءِ)(1)
أَنْذَرْتُهُمْ بِأَنَّهُمُ بَدَوؤا اَلسَّيْرَ *** بِعُنفٍ عَلِي طَرِيقِ الشَّقاءِ
يَا حَيَاةَ الزَّهْراءِ أَنْتِ كِتابٌ *** كُلُّ حَرْفٍ فِيهِ مَشَعُ ضِياءِ
كُلُّ سَطْرٍ مِنْهُ طَرِيقُ نَضَّالٍ *** لِلْمَعَالِي وَ مَنْبَعٌ لِلصَّفَاءِ
يَا بِنَةَ الْمُصْطَفِيَ اَلصِّرَاعُ طَوِيلٌ *** بَيْنَ خَطِّ اَلْهُدي وَ خَطِّ الْمِرَاءِ(2)
لَمْ نَزَلْ فِي سَعَادَةٍ وَ هناءٍ *** حَيْثُ إِنَّا مِنْ شِيعَةِ الزَّهْراءِ(3)
ص: 146
غَابَتْ فَغَابَ شُعَاعُهَا اَلْوِضَاءُ *** شَمْسٌ تَنَارُ بِضَوْئِهَا اَلْأَجْوَاءُ
وَ تَضاءُ آفاقُ اَلْعُقُولِ لِتَزْدَهِي(1) *** بِضِيَائِهَا اَلْأَفْكَارُ وَ اَلْآرَاءُ
بِنْتِ اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي زَوْجُ الْوَصِيِّ *** المرتضي وَ البَضعةُ اَلزَّهْرَاءُ
أُمِ اَلْهُدَاةِ اَلطَّاهِرِينَ وَ كُلُّهُمْ *** مِثْلٌ تُشَعُّ وَ رِفْعَةٌ وَ سَنَاءُ
هُمْ عِلَّةُ الْإِيجادِ لَوْلا نُورُهُمْ *** مَا كَانَ خَلَقٌ وَ اِسْتَقَامَ بِنَاءُ
مِنْ أَجْلِهِمْ سَجَدَتْ مَلاَئِكُةُ اَلسَّمَا *** لِأَبِيهِمُ وَ تَجَلَّتِ الاسماءُ
الْكَوْنُ جِسْمٌ جَامِدٌ وَ مُحَمَّدٌ *** وَ الْآلُ رُوحٌ طَاهِرٌ وَ نَمَاءُ
وَ هُم سفِين نَجَاةِ مَنْ لَزِمَ اَلْهُدْيَ *** نَهْجاً وَ وجَّهَ سَيرِهُ الْأُمَنَاءُ
وَ هُمْ كِتَابٌ نَاطِقٌ لَمْ يَتَضِحْ *** لَوْلاَهُ وَحَيٌ صَامِتٌ وَ نِدَاءُ
وَ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي زَمَانٍ غيابهمْ *** بِهَدْيِ اَلْأَنَامِ السَّادةُ الْعَمَاءُ
أَقْوَالَهُمْ قَوْلُ اَلْإِمَامِ وَ نَهْجُهُ *** وَ نَهْجُ اَلرَّسُولِ وَ مَا بِذَاكَ خَفَاءُ
ص: 148
وَ بسيرنا فِي نَهْجِهِمْ نُحْيِي لَهُمْ *** ذِكْرَاهُمُ وَ هِيَ السَّنَا الْوَضاءُ
هِيَ لَيْسَ تُحْيِي بِالْبُكاءِ وَ اِنَّما *** تُحْيِي سِناها عِفَّةٌ وَ حَيَاءُ
وَ تضامنٌ يَحْمِي اَلْهُدْيَ وَ تعاونٌ *** يَمْحُو الشَّقَا وَ مَوَدَّةٌ وَ إِخاءُ
مِن أَجْلِ ذَا قَتْلَ اَلْحُسَيْنُ وَ بَعْدَهُ *** أَبْنَاؤُهُ وَ اَلصَّفْوَةُ اَلصُّلَحَاءُ
فَاِذَا مَضَيْنَا فِي الطَّرِيقِ تَحَقَّقَتْ *** أَهْدَافُهُ وَ اِنْهَارَتِ الْأَعْدَاءُ
وَ إِذَا أُكْتَفِينَا بِالْمُظَاهِرِ دُونَ أَنْ *** نَجِّنِي مُرَاداً رَامَهُ الشُّهَدَاءُ(1)
لاَنَسْتَفِيدُ وَ لا نُحَقِّقُ مُقصَداً *** كَلاَّ وَ هَل يُحيِي الرَّمِيمَ بُكَاءُ؟(2)
فَلنَعتَصِمْ بِهَديِ السَّما وَلَنَتَحِدْ *** صَفاً يَهابُ صَمُودَه الْخُصَمَاءُ
لَنَحْرِّرِ الوطنَ اَلسَّلِيبَ بِوَحْدِةٍ *** نَجِّنِي بِها مَا نَبْتَغِي وَ نَشَاءُ
وَ إِذَا عرا وَطَنَّاً نُقْدِسُه ظَمّا *** تَرْوِيهِ مِنْ جِسْمِ اَلشَّهِيدِ دِمَاءُ
وَ إِذَا تَدَنسَ بِاحْتِلاَلٍ غَادِر *** تَجْلُوهُ مِنَّا ثَوْرَةٌ وَ فِدَاءُ(3)
ص: 149
(بحر الكامل)
السيد حسين الشامي(*)(1)
قَلْبِي يَذُوبُ عَلَيَّ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ مَدَامِعِي تَجْرِي دَماً بسخاءِ
حُزْناً عَلَيَّ اَلطُّهْرِ اَلْبَتُولَةِ إِنَّها *** رَحَلَتْ بِقَلْبٍ غَصَّ بِالْبَلْوَاءِ
ص: 150
رَحَلْتْ بِحَسْرَتِهَا وَ ظَلَّ وَ رَاءَهَا *** سِرُّ الجَوي وَ اَلْجَمْرُ فِي الْأَحْشَاءِ(1)(2)
وَ مَضَتْ إِلَي اَلرَّحْمَنِ تَشْكُو أُمَّةً *** نَقَضَتْ عُهُودَ الشرعةِ اَلْغَرَّاءِ(3)
تَدْعُو أَبَاهَا وَ هِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ *** أَدْرَي بِمَا فَعَلَتْ يدُ الطُّلقاءِ(4)
أَبَتِي أَتُسَلَّبُ نِحْلَتِي(5) مِنِّي وَ فِي *** بَيِّتي تُشَبُّ مَوَاقِدُ اَلْبَغْضَاءِ؟!(6)
أبتِي أَلاَّ تَدْرِيَ بِمَا فَعَلَ اَلْعِدَي *** فِينَا وَ قَدْ جَارُوا عَلَي أَبْنَائِي؟!
مِنْ بَعْدِ أَنْ حَمَلُوا اَلْإِمَامَ مُبَايِعاً *** وَ هُوَ الْوَصِيُّ و أَوَّلُ الْخُلَفاءِ
و نَسُوا وَصَاياكَ الَّتِي وَصَّيْتَهُمْ *** فِيهَا بِخُمِّ فِي غَديْرِ اَلْمَاءِ(7)
أَوْ لَمْ تَقُلْ: هَذَا عَلَيٌ فِيكُمْ *** خَلْفِي وَ مَنْ عَادَاهُ مِنْ أَعْدَائِي
أبَتِي أَضَاعُوا اَلْعَهْدَ ثُمَّ تَكْشفَتْ *** أَحْقَادُهُمْ بِالشَّرِّ وَ الضَّرَّاءِ
صَعِدُوا عَلَي بَابِ اَلنَّبِيِّ كَأَنَّهُمْ *** يُحْيَوْنَ ثَارَاتٍ لَدَي اَلْآبَاءِ
قَدْ قِيلَ: فِيهِ فَاطِمُ! قَالوا و إنْ *** فَاليَوْمَ نُحَرِّقُهَا عَلَي الزَّهْرَاءِ(8)
ص: 151
أَبَتَاهْ غَاضِبَةً أَظَلُّ عَلَيْهِمُ *** وَيَظَلُّ حَتَّي اَلْحَشْرِ صَوْتُ بُكَائِي(1)
ص: 152
تُحْفَةُ اَللَّهِ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اَللَّهِ *** فَهِيَ الإنسيةُ اَلْحَوْرَاءُ(1)
بَشَّرَ اَلْمُصْطَفَي خَدِيجَةَ لَمَّا *** بَشَّرَتْهُ المَلائِكُ الْأُمَنَاءُ(2)
أَنَّهَا اَلنَّسْلَةُ اَلَّتِي بَارَكَ اللهُ *** عليها فَنَسْلُهَا اَلْأَوْصِيَاءُ
أَنَّهَا الْبَضْعَةُ الْبَتُولُ وَ رَيْحَانَةُ *** قَلْبِي وَ فَاطِمُ اَلزَّهْرَاءُ
حَدَّثَتْ أُمَّهَا جَنِيناً فَأَلَّفَتْ *** أُمُّهَا فِي حَدِيثِهَا مَا تَشَاءُ(3)
وُجِدَتْ سَلوةً بِهَا عَنْ جَفَاءٍ *** سَمَنَهَا فِيهِ مِنْ قُرَيْشٍ نِسَاءُ(4)
ص: 154
وَ تَبَاهَتْ بِهَا خَدِيجَةُ إِذْ قَدْ *** وَلَدَتْ مِنْ تَغَارُ مِنْهَا ذَكَاءُ
وَلَدَتْ مَنْ بِهَا لِشِيعَتِهَا اَلْبُشَرِي *** لِيَوْمٍ تُرْجِي لَهُ الشُّفَعاءُ
وَ تُلْقِّي بِهَا اَلنَّبِيُّ عَطَاءً *** وَ تَوَالَتْ بِها لَهُ اَلْآلاَءُ
وَ فَهِيَ اَلْكَوْثَرُ اَلَّذِي قَالَ عَنْهُ اَللَّهُ *** فِيمَا أَتِيَ لَنَا، لاَ اَلْمَاءُ(1)
يَا لبُشْرِي الْكَمَالِ إِذْ لَقِيتهُ *** قَرَّ عَيْناً بِهَا وَطَّابَ اللِّقاءُ
إِذْ بِها تَمَّ أرْبَعاً عَدَدَ الْكَمْلِ *** مِنْ بَيْنِ مَنْ نَمَتْ حَوَّاءُ(2)
ص: 155
وَ تَبَاهِي بِهَا اَلْجِمَالُ بِقسمَيْةِ *** فَأَضْحِي لَهَا اَلسَّنِي وَ اَلسَّنَاءُ(1)
وَ تَبارَتْ غُرُّ اَلْخِصَالِ إِلَيْهَا *** فَاسْتَوَتْ عِنْدَهَا و جِلَّي اَلْحَيَاءُ(2)
حُشَدَتْ عِنْدَهَا و رَفَّ لَوْاهَا *** وَ بِكَفِّ اَلزَّهْرَاءِ ذَاكَ اَللِّوَاءُ(3)
وَ تَغَذَّتْ بِالْوَحْيِ يَأْتِي أَبَاهَا *** فَهِيَ لَوْلاَهُ وَ اَلنَّبِيُّ سَوَاءُ
وَ اِسْتَعَاضَتْ بِاللَّهِ عَمَّنْ سِوَاهُ *** إِذْ بِهِ -جَلَّ- عَنْ سِوَاهُ غَنَاءُ
وَ اِزْدَرَّتْ عَيْنُها الْحُطَامَ فَمَا *** فَازَتْ لَدَيْهَا بِنَظْرَةٍ أهواءُ(4)
أيْضيرُ اَلزَّهْرَاءَ أَنْ تَرْتَدِيَ *** اَلصُّوفَ وَ يُبْكِي سَلْمَانَ هَذَا اَلرِّدَاءُ
وَ هِيَ مِنْ أَسْبَقِ اَلْعِبَادِ إِلَي *** اَللَّهِ تَعَالَي، وَ مَنْ عَدَاهَا وَرَاءُ
وَ اُصْطُفِيَ اَللَّهُ للبتولِ عَلِيّاً *** وَ اِصْطَفَاهَا لَهُ فَتَمَّ اَلْعَلاَءُ
فَهِيَ لَوْلاَهُ لَمْ تَعُدْ ذَاتَ كُفْؤٍ *** حَيْثُ مَا فِي الْوَرِي لَهَا أَكْفَاءُ
زُوِّجَتْ فِي السَّماءِ وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ *** فَالْحُورُ لِلْبَتُولِ إماءُ(5)
ثُمَّ زُفَّتْ إلَيَّ عَليِّ عَلِي اَلشَّهْبَاءِ *** تَمْشِي بِجَنْبِهَا أَسْمَاءُ(6)
وَ نِسَاءُ النَّبِيِّ يَهْزِجنَ بُشَراً *** و الْهُتَافَاتُ مَرْحَةٌ وَ ثَنَاءُ
أَدْخَلْتْ بَيْتَهَا وَ قَدْ كَلَّلتْهَا *** مِنْ أَبِيهَا يَدٌ لَهُ بَيْضَاءُ
مَدَّهَا بِالدُّعَاءِ لِلطُّهْرِ *** لِلصِّهْرِ ليُنمِي اَلْبَنِينَ هَذَا اَلبنَاءُ
فَاسْتَجَابَ اَللَّهُ اَلدُّعَاءَ فَأَنْمِي *** الحسنَينِ اَلسِّبْطَيْنِ ذَاكَ اَلدُّعَاءُ
فَبَطَّهُ وَ صِهْرِهِ وَ بِسِبْطَيْهِ *** وَ بِالطُّهْرِ تُكْشِفُ اَللَّأْوَاءُ
ص: 156
وَالزَّهْرُ غَنِي وَ الورودَ تَمَايَلَتْ *** فَرَحاً وَ سَادَ اَلْكَوْنَ حُسْنُ غِنَاءِ
وَ مَوَاكِبُ الأحلامِ شِبْهُ عَرائِسِ *** مَجْلُوَّةٍ تَسْعَي إِلَي النَّعْماءِ
وَ الْهَيْنَمات(1) عَلَي النَّسِيمِ تَمَاوَجَتْ *** بِالنُّورِ تَجلُو شِدَّةَ الظَّلْمَاءِ
وحَناً عَلَيْها البَدْرُ مِن عَلْيَائِهِ *** لَهفا عَلَي مَا جَدَّ مِنْ أَنْبَاءِ
مُتَسَائِلاً عَنْ فَرْحَةٍ أَنْوَارَهَا *** شَمِلَتْ بِطَاحَ اَلْأَرْضِ وَ اَلْعَلْيَاءِ
و إِذَا شِفَاهُ الْهَيْنَمَاتِ تُجِيبُهُ *** بِسِمَاتُهَا فِي رِقَّةٍ وَ صَفاءِ
اَلْيَوْمَ عُرْسُ اَلْكَوْنِ بَيْنَ رُبُوعِنَا *** فِينَا يُقَامُ بِمَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ
هِيَ فَاطِمٌ صِغري بَنَاتِ مُحَمَّدٍ *** وَ قَرِينَةِ الكرارِ فِي الْهَيْجَاءِ
قَبْلَ النُّبُوَّةِ كَانَ مَوْلِدُهَا وَ قَدْ *** فَاقَتْ عَلَيَّ الأَشْباهِ وَ الْقَرْنَاءِ(2)
فَزَكَتْ عَلَي كُلِّ النِّساءِ طَهَارَةً *** وَ فَصَاحَةٌ وَ سَمَّتْ عَلِي اَلْعَذْرَاءِ
وَ عَلِي أمِّ مُوسي ثُمَّ بِنْتِ مُزَاحِمٍ *** وَ عَليَّ نِساءِ الكَونِ مِن حَوَّاءِ
وَعَلِي الصِّبَا ضَمَّ الرَّسولُ جُفُوفَهُ *** حِرْصاً عَلَيْهَا مِنْ يَدِ الْغُرَبَاءِ
وَ تَمَرَّغَ الْخِطَابُ فِي أَعْتَابِهِ *** و عَتِيقُ وَ الْخِطَابُ فِي الْخُطَبَاءِ(3)
ص: 158
لَكِنَّمَا قَدْ كَانَ رَدُّ مُحَمَّدٍ *** لَهُما بِكُلِّ مَهابَةٍ وَ بَهاءِ
إِنِّي لَمنْتَظِرٌ بِفَاطِمَةَ الْقَضَا *** و قَضَاءِ رَبِّ اَلْعَرْشِ خَيْرُ قَضاءِ
وَ إِذَا بِوَحْيِ اَللَّهِ جَاءَ وَ حُكْمُهُ *** فَصْلٌ لِيَخْمُدَ حُرَّةَ الْغَلَوَاءِ(1)
زَفَّ الكَرِيمَةَ لِلْكَرِيمِ لِأَنَّها *** سِتُّ النساءِ لِسَيِّدِ اَلْبُلَغَاءِ
وَ اَلْبَحْرُ أَولِي أنْ يَضُمَّ عِبَابَهُ *** لَمَعَانِ تِلْكَ اَلدِّرَّةِ اَلْغَرَّاءِ(2)
وَ جَهَازُهَا لِلْعُرْسِ كَانَ وِسَادَةً *** مَحْشُوَّةً بالليفَةِ الْبَيْضَاءِ(3)
وَ رَحْي لِأَجْلِ الطَّحْنِ يَأْكُلُ كَفَّهَا *** بِقَسَاوَةٍ تَبْدُو بِغَيْرِ حَيَاءِ
وَ اَلْقِرْبَةُ الحُبْلَي تُحُزُّ بِنَحْرِها *** وَ السَّيْرُ فَوْقَ حَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ
عاشَتْ عَلَيَّ ضَنْكِ(4) الْحَياةِ بِزُهْدِهَا *** وَ الزُّهْدِ مَوْرُوثٌ عَنِ الْآبَاءِ
لَوْ شَاءَتِ اَلدُّنْيَا وَ طيب مناخِهَا *** لَأَتَتْ إِلَيْهَا دُونَ أَيِّ عَيَاءِ(5)
لَكِنَّهَا سَارَتْ عَلَي خَطَّ اَلَّذِي *** قَدْ طَلَّقَ اَلدُّنْيَا بِغَيْرِ عَنَاءِ
ص: 159
وَ مَضَتْ عَلَيَّ دَرْبُ الْحَياةِ تَشُقُّهُ *** شَقّاً وَ تَنْجِبُ خِيرَةَ الأَبْنَاءِ
وَ هُمُ الأئمةُ لِلْوَري مَفْرُوضَةٌ *** طَاعَاتُهُمْ بِمَحَبَّةٍ وَ وَلاَءِ
لَكِنَّ صَفْوَ حَيَاتِهَا لَمَا يَدُمْ *** وَ الصَّفْوُ يُعَقِّبُهُ كَثِيرُ شَقَاءِ
وَ إِذَا بِعَاصِفَةٍ تُهْزُّ كِيَّانَهَا *** وَ تُذِيبُ فِيهَا فِلْذَةَ الْأَحْشَاءِ
هِيَ فَقَدْ وَالَدَهَا اَلْكَرِيمِ وَ مَنْ بِهِ ***كَانَتْ تجابِهُ غَارَةَ اَلْأَعْدَاءِ
كَانَتْ قُبَيْلَ الإحتضارِ بِقُربِهِ *** تَبْكِي وَ تَنْدُبُ شِدَّةَ اَلْأَرِزَّاءِ
وَ إِذا بهَمْسَتِهِ تُدغدِغُ أُذُنَهَا *** فَتَبَسَّمَتْ فَرَحاً لِخيْر رَجَاءِ(1)
عَلِمْتْ يَقِيناً أَنَّها مِن بَعْدِهِ *** سَتَسِيرُ إِثْرُ اَلْكَوْكَبِ اَلْوَضَّاءِ
لِلَّهِ يَا ذَاكَ اَلْبَنَانَ وَ طَالَمَا *** مَسَحَ الأسي عَنْ رَاكِبِ اَلْقَصْوَاءِ(2)
حَرُمَتْ أَرَاضِيَهَا بِقَوْلِ رِوَايَةٍ *** فِيهَا تَفَرَّدَ واحِدُ الآراءِ
فَدَكٌ وَ لَمْ يَشْهِدْ عَلَي حِرْمانِها *** مِنْهَا وَ لَو إِثْنَانِ مِن شُهَداءِ(3)
وَ عِداكَ عَنْ سَلْبِ الوَصِيِّ حُقُوقَهُ *** وَ عَدَاوَةٍ بانَتْ بكلِّ جَلاءِ
كَم كافَحتْ مِن أَجْلِهِ وَ تَحَمَّلَتْ *** ظُلْمَ اَلسِّيَاسَةِ فِي عَظِيمِ بَلاءِ(4)
نَفَثَتْ صُدُورَ الظُّلَمِ كُلَّ سُمُومِها *** عَلْناً كَمَثَلِ الْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ(5)
ص: 160
ضَرَبَتْ بِسَوْطِ اَلظُّلْمِ فَوْقَ بَنَانِهَا *** فَبَدَا بِهِ أَثَرٌ مِنَ اَلْإِيذَاءِ
هَذِي اَلْمَصَائِبُ لَوْ تَحَوَّلَ ثِقْلُهَا *** عَنَّا إِلَيَّ طَوْدٍ كَطودِ حراءِ(1)
حَتْماً لَكَانَ اَلطَّوْدُ دكَّ أَسَاسُهُ *** وَ تَهَدَّمَتْ أَرْكَانُ كُلِّ بناءِ
وَ اشْتَدَّتِ الْأَحْزَانُ بَيْنَ ضُلُوعِهَا *** إِذْ لَمْ تَجِدْ فِي اَلنَّاسِ أَيْ عَزاءِ
وَ إِذَا بِعِلَّتِهَا تَزِيدُ وَ دَمْعُهَا *** تُخْفِيهِ خَوْفَ شِماتِهِ اَلرُّقَبَاءِ
مُنِعَتْ مِن التَّصريحِ عَنْ أَحْزانِها *** بِالنَّوْحِ أَوْ بِالدمْعَةِ اَلْحَمْرَاءِ(2)
كانَتْ تُغَادِرُ بَيْتَهَا مَقْهُورَةً *** مَظْلُومَةً نَحْوَ البَقِيعِ النائي
وَ إِذَا استبدَّ بِهَا الأسَي خَرجَتْ إلي *** قَبْرٌ يُوَارِي سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ
هُوَ حَمْزَةٌ عَمُّ اَلرَّسُولِ وَ إِبْنُ مَنْ *** يَسْقِي حَجِيجَ اَللَّهِ عَذْبَ اَلْمَاءِ
وَ لَبَيْتُ أحزان بَنَاهُ حَلِيلُهَا *** قَرُبْتْ وَ بَانَ اَلْأَمْرُ بَعْدَ خَفَاءِ
قَالَتْ: أَمِيرُالْمُوْمِنِينَ وَصِيَّتِي *** فَأَجَابَهَا وَ أَنَا اَلسَّمِيعُ اَلرَّائِي
قَالَتْ وَ حَقِّكَ مَا كَذَبْتُ عَلَيْكَ فِي *** شَيءٍ وَ لاَ أَدْنِي مِنَ اَلْأَشْيَاءِ
كلاَّ وَ لَا خَالَفْتُ مِنْكَ أَوَامِراً *** صَدَرَتْ وَ لاقابَلْتُهَا بِجَفَاءِ
أُوصِيكَ أَنْ لاَ يَشْهَدْنَّ جَنازَتي *** أَحَدٌ تَعَمَّدَ فِي اَلْوَرِيِّ إِيذائِي(3)
ص: 161
تَجَلْبَبِ(1) اللَّيلِ الْبَهِيمِ لِنَقْلِي *** وَ اُخْفِ اَلْجَنَازَةَ وَ اِسْتَجِبْ لِنِدَائِي
وَ بَكَتْ وَ أَبْكِي مُقلَتيهِ فِرَاقُهَا *** وَ تَعَانَقَا بالدمعَةِ اَلْخُرَاسَاءِ(2)
وَ كَأَنَّ دَمْعَتَهَا تَقُولُ لَهُ إِذَا *** مَا مُتُّ فَاذْكُرُونِي بِكُلِّ مَسَاءِ
وَ مَشَتْ بِرَكْبِ اَلْخَالِدِينَ تَسِعُّ فِي *** نُورِ اَلتُّقيِّ لِلْجَنَّةِ الْخَضْرَاءِ
زهْرَاءُ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ قَصِيدَتِي *** فِيكَ تُعْبِّرُ عَنْ عَظِيمِ وَلائِي
يَامِنٌ زَرَعَتِ اَلْوَعْيَ بَيْنَ محَاجِرِي *** فَأَزَاحَ عَنْهَا ظُلْمَةَ اَلْعَشْوَاءِ(3)
إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَصَائِدِي *** ذُخْرَ اَلْيومِ تَعَاسَتِي وَ شَقَائِي
ص: 162
(بحر الخفيف)
الشيخ سعيد الشيخ علي العوامي
عَمَّ فَيْضُ اَلْجَلاَلِ اَلرُّحَمَاءِ *** بِوِلاَدَةِ البتولةِ اَلزَّهْرَاءِ
حُسِرَ اَلنَّاظِرُونَ عَنْ دَرْكِ مَعَنَا *** هَا و هُمْ قَبْلُ سَادَةُ النُّظَرَاءِ
وَ لِسَانُ اَلْعِرْفَانِ عَنْ وَصْفِهَا رُدَّ *** كَلِيلاً وَ لَمْ يَكُنْ ذَاعِياءِ
فَتَرِي الْكُلَّ عَنْ ضُرُوبِ مَزَايَا *** هَا عَلِيُّ ظَهْرِ قَلْبِهِمْ فِي اسْتِوَاءِ
وَ عَلِيٌ بَابُ كَعْبَةِ اَلْفَضْلِ مِنْهَا *** عُكَّفاً مِنْ قُصَيِّهَا وَ اَلنَّائِي
خَصَّهَا اَللَّهُ مِنْ وَظَائِفِ علياهُ *** قُرباه أَشْرَفَ اَلْأَسْمَاءِ
أَيْنَ مَنْ قَدَّسَ الْمَلِيكُ لَهُ اَلنَّفْسُ *** أَلاَ فَهِيَ بَضْعَةُ الْأَوْلِيَاءِ
بَضْعَةٌ اَلْمُصْطَفَي اَلْعَرِيقَةُ فِي اَلْأَصْلِ *** وَ مَنْ قَدْ عَلَتْ عَلاً لِلسَّمَاءِ
وَ لَمَنْ حُكْمَهَا وَ أَحْكَامَهَا الْغُرَّ *** قَدِ اخْتَارَ جُمْلَةُ الحُكَمَاءِ
إِنَّ صُبْحَ الْإِرْسَالِ يَسْطَعُ نُوراً *** عَنْ عَلا طَلْعَةِ الهَدْيِ الغَرَّاءِ
طُرَّةُ الْإِصْطَفَا وَ مُخْتَارَةُ اَلرَّبِّ *** وَ مَعْنِي اَلسِّيمَاءِ فِي اَلْأَزْكِيَاءِ(1)
فَغَدَا هَدْيُهَا يَعُمُّ الْبَرَايَا *** وَ عَلاَ جُودُهَا عَلَيَّ اَلْجَوْزَاءِ
مَلِكَاتُ اَلنُّفُوسِ عَنْهَا تَبَدَتْ *** وَ كَمَالُ اَلْإِنْسَانِ فِي الْإِجْتِبَاءِ
عُجِنَتْ طَيِّبَةُ الْبَتُولِ بِمَاءِ اَلْقُدْسِ *** وَ اَلْعِلْمِ وَ اَلْهَدْيِ وَ اَلْحَيَاءِ
ص: 163
فَهِيَ نُورُ اَلْحَقِيقَةِ اَلَّتِي لَوْلاَ *** هَا لَمَا اَلْعَدْلُ كَانَ بالأولاءِ(1)
فَتَعَالَيْ لَهَا التَّمجُّدُ و الْفَضْلُ *** وَكفُّ الْحُسنَي وَ كُفُّ الْحِبَاءِ
فَاطِمٌ كُفْوُ خِيَرَةِ الخَلْقِ طُرّاً *** أُمُّ طه أُمُّ الكِتابِ اَلسَّمَائِي
طَهُرَتْ مِنْ دَنَائِسٍ وَ رِفَاثٍ *** فَزَكَتْ كَالْأُصُولِ فِي اَلْأَبْنَاءِ(2)
وَ كَفَاهَا اَلْجَلِيلُ يَغْضَبُ فِيهَا *** أَيْ وَ يُرْضِي لِمَنْ لَهَا فِي الرِّضَاءِ
فَهِيَ رَبِّ لِكُلِّ فَضْلٍ وَ نَعْتٍ *** وَ هِيَ جَفْرٌ لِكُلِّ رَمْزِ بَلاَءِ(3)
عَصَبَتْ رَأْسَهَا بِفَقْدِ رَسُولِ اَللَّهِ *** وَ اَلدَّهْر خَلَّفَهَا بالعَنَاءِ
فَلِكُلِّ اَلْمُوَحِّدِينَ جَمِيعاً *** أنعي فُقْدَانِ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ
إِنَّ نَفْساً تَعَلَّقَتْ بِوْلَاهَا *** قَدْ أُسِيلَتْ بِفَقْدِهَا فِي اَلْوَلاَءِ
أَسَفاً كَيْفَ ضَمَّهَا اَلتُّرْبُ لَيْلاً *** وَ هِيَ تَقْضِي أَسَي بِوَجْهِ اَلدَّنَاءِ(4)(5)
ص: 164
(بحر مشطور الخفيف)
الأستاذ سلمان الربيعي (أبوأمل)(*)(1)
مُولِدُ الزهْراءِ *** مَصْدَرُ لَالَاءِ
يَوْمَ بِنْتِ الْهادِي*** أَجْمَلُ اَلْأَعْيادِ
فَارْتَشِفْ يَا صَادِي *** جُرْعَةَ اَلصَّهْبَاءِ(2)(3)
شَعَّ فِي اَلْأَكُونِ *** كَوْكَبُ اَلْإِيمَانِ
مُنْقِذُ اَلْإِنْسَانِ *** مِنْ دُجْيِّ اَلظَّلْمَاءِ
ص: 165
زغْرَدَتْ أَشْعَارِي *** لاِبْنَةِ الْمُخْتَارِ
زَوْجَةِ اَلْكَرَارِ *** أَصْدَقَ الإِطْرَاءِ
إِنَّ مَنْ أَرْضَاهَا *** فَهُوَ أَرْضِي اَللَّهَ
جَاءَ ذَا عَنْ طه *** أَشْرَفَ اَلْآبَاءِ
حُبُّهَا فِي قَلْبِي *** حَيْثُ يَمْحُو ذَنْبِي
يَوْمَ أَلْقِيَ رَبِّي *** فُزْتُ بِالسَّراءِ
حُبُّهَا أَهْدَانِي *** أَجْمَلَ اَلْأَلْحَانِ
وَ هُوَ فِي وِجْدَانِي *** حَلَّ وَ اَلْأَعْضَاءِ
دَعْ كَلاَمَ اَلنَّاسِ *** شَابَ مِنِّي رَاسِي
قُمْ و قَدِّمْ كَاسِي *** مِنْ يَدٍ مِعْطَاءِ
لَاتَدَعْ خَفَاقِي *** فِي ضِرَامِ بَاقِ(1)
وَ اِسْقِنِي يَا سَاقِي *** مِنْ نَمِيرِ اَلْمَاءِ(2)
لِلْهَدْيِ أَعْلاَمُ *** زَانَهَا اَلْإِسْلاَمُ
كُلُّنَا خُدَّامُ *** نَحْنُ لِلزَّهْرَاءِ
ص: 166
(بحر الكامل)
السيد سلمان هادي آل طعمة (*)(1)
مَرْحِي بِإِشْرَاقِ اَلسَّنَا اَلْوَضَاءِ *** غَمَرَ الْحَيَاةَ بِرُونَقٍ وَ بَهَاءِ
وَ أَطَلَّ كَالْأَلَقِ مُرَتِّلاً *** آيَاتِهِ بِالْحَمْدِ وَ اَلنَّعْمَاءِ
ذِكْرِي تُطِلُّ عَزِيزَةً وَ كَأنَّهَا *** شَمْسُ اَلضُّحِي تَفْتَرُّ بِالْأَضْوَاءِ
ص: 167
في كُلِّ قلبٍ نَشوَةٌ وَ مَسَرَّةٌ *** وَ بِكُلِّ بَيْتٍ فَرَحَةٌ لِلِقاءِ
وَ اَلشَّوْقُ يُسْرِجُ كُلَّ قَلْبٍ هائِمِ *** نُوراً يَفيضُ بِعِزَّةٍ قُعَسَاءِ(1)
اَللَّيْلُ يُوغَرُ بِالمَسِيرِ كَأَنَّهُ *** شَلاّلُ ضَوْءٍ فَاضَ بِالإِرْوَاءِ
وَ تَأَلَّقَتْ آفَاقُ مَكَّةَ فجَاةً *** بِمَحَاسِنِ اَلْأَنْوَارِ وَ اَلْأَبْهَاءِ(2)
وَ اَلطَّيْرُ مِنْ شَوْقٍ يزغْردُ حَالَماً *** مِثْلَ اِنْهِمَارِ اَلدِّيمَةِ اَلْوَطْفَاءِ(3)
فَإِذَا الْقُلُوبُ الْواجِماتُ تَرَنَّحَتْ *** سُكْرَي بِطِيبِ الجنَّةِ الْفَيْحاءِ(4)
بُشْرَي بِفَاطِمَةٍ سَلِيلَةِ أَحْمَدٍ *** فَخْرِ النِّساءِ وَ تَحِيَّةِ اَلْعَلْيَاءِ
مَا أَوْرَعَ الذِّكري تَفِيضُ بَشَاشَةً *** وَ هَوّي يَفُوحُ كَنَسْمَةٍ عَذْرَاءِ
هَبَطَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا مكارمُ جَمَّةٌ *** بِالْفَضْلِ تَعْلُو هامَةَ اَلْجَوْزَاءِ
يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ مَوْئِلاً *** لِلْعِزِّ لِلتَّقَوي وَ نَبْعِ عَطاءِ
كَم مِن يَدٍ لَكِ بِالنَّدِيِّ مَشْهُودَةٍ *** تَجْتَاحُ كُلُّ جَرائِرِ اَلدُّخَلاَءِ؟
لَكَ مثْلَما لِمُحَمَّدٍ و َقَفاتُهُ *** تَهْدِي اَلْوَرِيَّ لِلشِّرْعةِ اَلسَّمْحَاءِ
سَلَبُوكِ إِرْثاً وَ هُوَ مَلِكُ مُحَمَّدٍ *** (فدكَ) غَداً نَهَباً إِلَيَّ اللَّوْمَاءِ(5)
وَ عَدَا عَلَيْكَ الْمُشْرِكُونَ وَ إِنَّهُمْ *** مَنْ ظَلَمَهُمْ جُبِلوُا عَلَيَّ الْأَوْرِزَاءِ
أَوْ لَمْ تَكُونِي قُدْوَةً لِنِسَائِنَا *** وَ مُلاَذكُلِّ اَلْإِنْسِ مِنْ حَوَّاءِ؟
ص: 168
يَا دَوْحَةَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ مُضِيئَةً *** وَ مَنَارَةً للهِمَّةِ الشِّماءِ
تَارِيخُكَ الوَضَّاءُ نُورٌ مُشْرِقٌ *** مَتَالِقٌ فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ
مَا زَالَ فِينَا سَاطِعاً مُتَوَهِّجاً *** يَجْلُو ظَلامَ دُجْنَةٍ سَوْدَاءِ(1)
ذِكْرَاكَ سَفْرٌ لِلْمَاثِرِ وَ اَلْإِبَا *** يَهْدِي اَلْوَرَي لِمَحَجَّةٍ بيْضاءِ
مِيلادُكَ اَلْمُعْطارُ مُصْدَرُ رَحْمَةٍ *** سَيَظَلُّ رَمْزَ مَوَدَّةٍ وَ إِخَاءِص: 169
(بحر الخفيف)
الشيخ صادق الشيخ جعفر الهلالي
طالَ شوقِي فصاغَهُ إنشائِي *** لحنَ حب بمولدِ الزهراءِ
خيرُ بشري لأحمدَ حين وافت *** و هي قدسٌ من لطفِ رب السماءِ
يوم أسرت خديجة الطهر فخراً *** فاطمياً بروضة الأنبياءِ
بضعةُ المصطفي و ليس سواها *** أوجبَ اللَّه وُدَّهُمْ بالولاءِ
و حباها الهادي الأمينُ و ساماً *** يوم سادتْ علي عموم النساءِ
قَصَّرَ الشعرُ كيف يرقي مقاماً *** شاءه الله رحمة الاقتداءِ
منحَ اللَّه من حباها فطاماَ *** فيه منجي من اللظي و البلاءِ
من يرومُ الولاء نصاً و روحاً *** و اقتداءً يجزي بخير جزاءِ
أيُّ بنتٍ تُدعي بأم أبيها *** و تراه قد خصها بحباءِ
فهي من خافقيه نبضٌ و شجنٌ *** و نسيجٌ من فيضه المعطاءِ
من سواها غيرُ البتولة تدعي *** فاطمُ بنت سيد الأنبياءِ
***
هلَّ الصبحُ في سمانا ابتهالاً *** شرفاً شادَ لحنَه إنشائي
و كسا الأرضَ بهجةً و رخاءً *** من جلالِ الوليدةِ الحوراءِ
فاضَ منها علي البرية نورٌ *** ملأَ الكونَ بالسَّنا الوضاءِ
من سيرقي سُموَّها و عُلاها *** و هي شمسٌ قد أزهرتْ بسناءِ
فيطيبُ القصيدُ فيها نَسيِماً *** أحمدياً بمُهْجتي و غنائي
ص: 170
حين راح الشعورُ يغمرُ حباً *** و ولاءً بفرحة الأصفياءِ
إن يوم الزهراء تسعدُ فيه *** أمة الحق و الهدي بحباءِ
و زهورُ الزهراءِ تورق نشوي *** زاهراتٍ بالروضة الغناءِ
تتناغي تألقاً و انسجاماً *** شدها الشوق في جميل اللقاءِ
و طيور البطحاء ترقص عشقاً *** في زغاريد لحنها الحسناءِ
فهو عيدٌ لفاطمَ تهدي *** صلواتٌ فاضت بكل عطاءِ
***
بنتُ طه قد نوَّرت في سمانا *** قبساتٌ من فيضها بجلاءِ
لاحُ منها فجرٌ تبسَّم فيه *** قمرٌ شعَّ في سما الظلماءِ
وببيتُ الإيمانِ نجمان منها *** قد أطلّا من نفحةِ الأوصياءِ
فرعُ ذاك الوصي سبطا نبيِّ *** جاءَ بالحقِ خاتم الأنبياءِ
و كذا زينبٌ عقيلةُ طهر *** كأبيها في قمةِ البُلغاءِ
و هي فيها من أُمِّها نبضاتٌ *** في جهادٍ و رفعةٍ و وفاءِ
في تُقاها كانتْ لأمٍ بتول *** و أبٍ كان سيد الأتقياءِ
أخذتها كرامة و اتصالاً *** باقتداء من آلها الأصفياءِ
باركُوا اليوم للبشيرِ سروراً *** حلِّ فيه بمولدِ الزهراءِ
ص: 171
(بحر الخفيف)
الأستاذ عباس مرتضي عيّاد العاملي(*)(1)
مُزْقِي صَمْتَ أَحْرُفِي وَ اَلسَّمَاءَ *** وَ اسْكُبِي اَلشَّعْرَ فِي دَمِي وَ اَلضِّيَاءَ
وَ انْثُرِي غَابَةَ اَلْجَرَّاحِ بِرُوحِي *** وَ أَحِيلِيهَا دوحةً خَضْرَاءَ
لَكَ حَرْفُ اَلْقَصِيدِ يَنْشُرُ فَرْعَيْهِ *** فَيَكْسِي نِصَارَةً وَ بَهَاءَ
يَتَغَاوَيُ عَلَيَّ صِفَافِ اَلْمَعَانِي *** وَ هِيَ نشوي، وَ يَغْمِزُ اَلْعَيَاءَ(2)
وَ يَشِفُّ الْحَرْفَ الْحَرُونَ لَعِيَّاك *** وِلَاءٌ يَسِيلُ فِيهِ صَفَاءَ(3)
فَيَرِقُّ اَلْإِلَهُ فِي جَامِ قَلْبِي *** لِأُغْنِّي الصدِّيقَةَ اَلزهْرَاءَ(4)
هَفهفِي يَا أَمِيرَةَ اَلْعِفَّةِ اَلسَّحَاءِ *** فِي مَرْتَعِ اَلْجَلاَلِ اِنْتِشَاءَ
ص: 172
مَا عَفَافُ اَلنِّسَاءِ؟ مَدْي لِلْعَفِّ *** يَكْسُو عُرْيَ اَلزَّمَانِ حَيَاءَ
يَتَمَادِي مَعَ اَلخُلُودِ رُؤُاهُ *** بِالنَّوَامِيسِ مُخْصَبَاً مِعْطَاءَ
الْقَداَسَاتُ أَنْتِ صُغْتِ هُدَاهَا *** فَهِيَ أِنْدِي ظِلاًّ وَ أَبْهِي سَنَاءَ
أَنْتِ فَيْضُ اَلْوُجُودِ يأتلِقُ اَللَّهُ *** بِبُرْدَيْكِ مُشرِقاً وَضَاءَ
أَنْتَ أَمُّ اَلْوَقَارِ بَلْ أَمُّ طه *** ذَابَ فِيهَا حُبّاً وَ ذَابَتْ وَفَاءَ(1)
ص: 173
هَامَ فِي وَحْشَةِ اَلْحَنَّانِ طَوِيلاً *** فَجَلَوْتِ الأُمُومةَ اَلشِّمَّاءَ(1)
وَ حَبَاهُ(2) اَلْإِلَهُ نُعَمِي اَلْبَنَوَّاتِ *** فَكُنْتِ الريحانةَ الْحَوْرَاءِ(3)
هَاكِ مِيلاَدَكَ اَلسَّنِيَّ فَيَا قَلْبُ *** دَعِ الشَّمْسَ تَحْجُبِ الْآلاءَ
إِنَّ قَلْبَ اَلرَّسُولِ يَبْتَسِمُ بهِ *** بَعْدُ هَلْ تَرِي ظَلماءَ
هاكِ مِيلادَكِ اَلنَّدِيَّ يَمُدُّ *** اَلطُّهْرُ ظِلاًّ بِرَبْعَةِ كَيْفَ شَاءَ
ص: 174
وَ رَبيعُ العَفافِ يُتَّلِعُ(1) جَيِّداً(2) *** وَ يَزِفُّ اَلْأَنْدَاءَ وَ اَلْأَشِدَّاءَ
هَاكِ مِيلاَدُكِ اَلزُّهْيَّ تُهادِي *** فِيهِ حَوَّاءُ مَريَمَ اَلْعَذْرَاءَ(3)
يَسْتَبِيحُ اَلْخَيَّالُ سِحْراً نَدِيّاً *** فَيُثِيرُ القَصائِدَ العَصْمَاءَ
إِيه أُمَّ الْحُسَيْنِ مَا فَتِيءَ اَلرَّفْضُ *** دَماً يَجْرِي فِي الْعُرُوقِ إِبَاءَ
وَ تَشَكِّي الْمَيْدَانُ مِنْ غُرْبَةِ اَلشَّوْطِ *** فَخُضْنَاهُ غَضْبَةً وَ اِنْتِخَاءَ
هَكَذَا دَأْبُنَا... نُنَاغِي دِمانَا *** وَ يُنَاغِي(4) عَدُوُّنَا اَلصَّهْبَاءَ(5)
أَسْكَرَتْهُمْ ثَمَالَةُ الصَّمْتِ ذُلاً *** فَجَلَوْنَا الْحُرِّيَّةَ الْحَمْرَاءَ
مَرْحَباً يَا أَسِي اَلْكَرَامَاتِ مَا انفَكَّ *** عُلانَا يُنَادِمُ اَلْأَرِزَّاءَ
نَحْنُ نَسْلُ الجِراحِ لَسْنَا نُبَالِي *** بِالَّذِي جِئْتَ لَوْعَةً وَ شَقَاءَ
قَدعَرَفْنَا عَلَي حَوَاشِيكَ لِلنَّصْرِ *** زَهَاءً وَ لِلْعِمْرَاكِ صَفَاءَ
إِنَّنَا فِي يَدَيْكَ نحْفِرُ شَمْسَ اَلْمَجْدِ *** حَفَراً وَ نَبْهَرُ اَلظَّلْمَاءَ
ثُمَّ مَا هُمَّ أَنْ تُنِيرَ دُرُوباً *** أَنْفُسٌ قَدْ هَوَتْ بِهَا شُهَدَاءَ
مِنْ دِمَاهُمْ لِلْخُلْدِ نُبْدِعُ فَجْراً *** كَانَ فِيهِ أُفُقُ اَلْفِدَاءِ مُضَاءَ
إِنَّنَا فِيهِمْ بَلَغْنَا مُنَانَا *** وَسَقَيْنَا سَمْعَ اَلْمَعَالِي صَدَاءَ(6)
كَذَبَ اَلْقَبْرُ لَيْسَ فِي اَلْقَبْرِ مَوْتٌ *** حُجُبُ اَلْغَيْمِ لاَ تُمِيتُ ذكاءَ(7)
زَرَعُوا فِي التُّرَابِ وَ التُّرَبُ خِصْبٌ *** وَحَصَدْنَا الكرامَةَ اَلشِّمَاءَ
تِلْكَ عَادَاتُنَا، فَإِمَّا حَيَاةٌ *** مُدَّ فِيهَا شُمُوخُنَا اَلْأَفْيَاءَ
ص: 175
تَتَفَانَيَ قُلُوبُنَا فِي هَوَاهَا *** أَوْ نَرَي اَلْمَوْتَ عَادَةً حَسْنَاءَ
يا ابْنَةَ الْمُصْطَفَي وَ عِنْدَكِ وَافَانِي*** فَأَشْرَفْتُ كَيْ أَزُفَّ الْوَلاءَ
أَتَحَدَّي بِهِ خُطُوبَ اللَّيَالِي *** وَ أُضِيءُ اَلْخَوَاطِرَ اَلسَّوْدَاءَ
وَ عَلَي مُقْلَتِيَّ عَربَدَ لَيْلٌ *** جَامِعُ اَلرُّعْبِ فَاسْكُبِي اَللَّأْلاَءَ
وَ مَرَايَا اَلْجَبِينِ تَعْكِسُ أَلْوَانَ *** انْزُوَائِي فَهَلْ كَشَفْتِ انزواءَ
أَرْهَفَتْنِي مَسَالِكُ الْعُمْرِ حَتِّي *** جِئْتُكِ الْيَوْمَ أَغْسِلُ الْإِعْياءَ(1)
ص: 176
ماذا أَقُولُ بمولدِ الزَّهراءِ *** فهيَ البتولُ ومنتهي العلياءِ
صاغَ الإلهُ من الجلال كيانها *** فَتَأَلَّقْتْ تسمُو علي الجوزاء
هيَ عفةً و نزاهةً و قداسةً *** تمشي علي أرضٍ من اللألاء
لولا عليُّ ينبرِي لزواجِها *** ما صادَفَتْ أحداً من الأكفاءِ
نوران قد قَرَنا فؤاداً بهجةً *** غَمَرا الوجودَ بمشرقِ الأضواءِ
والكُلُّ مفتقرٌ إلي نوريهما *** حتي الذي في الصخرةِ الصمَّاءِ
سرَّ تقاصَر عن بلوغِ قراره *** فكرٌ الحصيفِ و حكمةُ الحكماءِ
كلّا و لا أهلُ الكلامِ و من لَهُمْ *** وَلَعٌ بحبِّ تفلسفِ الآراءِ
قَدْ خاطبَ النعمانُ يوماً جعفراً *** و هوَ المعينُ لحكمةٍ وعطاءِ
ارجعْ لربِّك يا بن ثابتَ تائباً *** فالدينُ ليسَ بقولةِ العقلاءِ
لا وجهَ تذهبُ للقياسِ مقارناً *** إن القياسَ مقالةُ السفهاءِ
فهناكَ أسرارٌ لعمرِي جمة *** تبقي رهينةَ محبسٍ و غطاءِ
و عليُّ و الزهراءُ أعظمُ ملغزاً *** و عميقُ سرِّ موغلٍ بجفاءِ
فهما شعاعُ القدسِ من ملكُوِتها *** ليمدّ كُلَّ عوالِمِ الأحياءِ
دعْ عنكَ كلَّ تحذلقٍ و تمنطقٍ *** و اتركْ حديثَ مقالةِ العُلماءِ
أتراكَ تدركُ سرّهم و مقامهم؟ *** جنبْ قواكَ مغبة الإعياءِ
أتظنُ زهراءَ الأنامِ كغيرها *** ممن وُلِدْنَ لأُمِّنا حواءِ؟
ورددتْ قولي إنّها من آدمٍ *** و الأصلُ يُنْمي للثري و الماءِ
فأجبتهُ أو ما دريتَ بفاطمٍ *** أنسيةٌ من معدنِ الحوراءِ؟
هي شعلةُ النورِ المبينِ توهجاًّ *** لتزيحَ عنا حندسَ الظَلماءِ(1)
فبِها و شِبلَيْها اللذين تَوَقَّدا *** بدراً بليلِ غمائمِ الأهواءِ
ص: 178
للصح مَالَ زَكيُّهَا لِيَصُونَهَا *** مِمَّا أُتِيَ مِنْ زُمْرَةِ الطُلَقَاءِ
أَمَّا دِمَاءُ أَبِي عَلِيِّ إنهَا *** تَدْعُوا لِكُلِّ فَضْلِيَّةٍ و علاءِ
وَ بِبَعْلِهَا اَلزَّاكِي اَلرَّشِيدِ صِرَاطُنَا *** لِنَكُونَ مِنْ أَهْلِ الحِجا السعَدَاءِ
وَ بِأَحْمَدَ اَلْهَادِي اَلْأَمِينِ نَبِيِّنا *** أَزَكي الخَلِيفَةِ خَاتَمِ اَلْأُمَنَاءِ
لِتَتِمَّ فِي يَوْمِ اَلْحِسَابِ نَجَاتُنَا *** رَغْماً عَلَيَّ أَهْلِ اَلْعُمْيِ اَلْأَعْدَاءِ
ص: 179
يا زائراً أرضَ البقيعِ وصيَّةً *** عني تُقبِّلُ تربةَ الزهراءِ
فإذا تشابَهتِ القبورُ بعطرِها *** فَتَتَبَّع التعريفَ بالأرزاءِ
كلُّ الأئمةِ حولَها قد غُيِّبُوا *** بالسُّمِّ و هيَ بغُصَّةٍ و جَفاءِ
عَفِّر خُدودَكَ بِالتُّرَابِ فَرُبَّمَا *** أُفْضِي إِلَيْكَ بِفَادِحِ اَلْأَنْبَاءِ
قَبْرُ الْبَتُولَةِ لَوْ شَمِمْتَ تُرَابَهُ *** أَشْجَاكَ صَوْتٌ مُفعَمٌ ببكاءِ
أَبَتَاهُ قَوْمُكَ مَا وَفَوْا بِوَصِيَّةٍ *** أَبَتَاهُ بِعْدَاكَ أَيْتَمُّوا أَبْنَائِي(1)
قَادُوا اِبْنُ عَمِّي كَالْأَسِيرِ أَمَامَهُمْ *** وَ أَجَابُوا بِالشَّتْمِ الْفَظِيعِ نِدَائِي
خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي أَوْ لَأَكْشِفَ لِلدُّعا *** رَأْسِي وَ أشكُو لِلْإِلَهِ بَلائِي(2)
كَسَرُوا ضُلُوعِي وَ الْجَنِينُ بِعَصْرَةٍ *** قَدْ أَسْقَطُوهُ وَ لَوَّعُوا أَحْشَائِي
رَكْلاً وَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَ أَحْرِقُوا *** دَارِي فَهَلْ أَوْصَيْتَ فِي إِيذَائِي؟
ص: 181
(بحر المتدارك)
الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)
فِي قَلْبِي حُبُّ اَلزَّهْرَاءِ *** يُنْجِينِي مِنْ كُلِّ بَلاَءِ
فِي رُوحِي كَنْزٌ لَوْلاَءٍ *** بَاقٍ فِي مُدِّ اَلْإِبْقَاءِ
أَسْمَاءُ اَلطُّهْرِ مَعَانِيهَا *** طَالَتْ عِرْفَانَ اَلْحُكَمَاءِ
هِيَ نُورٌ نُبُوِّيُّ صِيغَتْ *** فِي بَدْءِ زَمَانِ اَلْإِنْشَاءِ
ص: 182
فَالْإِنْسِيَّةُ فِي مَوْلِدِهَا *** حَوْرَاءُ جِنَانٍ خَضْرَاءِ(1)
أُمُّ أَبِيهَا شَمْسُ هُدَاهَا *** تُشْرِقُ مِن بُرْجِ الْعَلْيَاءِ
فِي مَكَّةَ مِن نُورٍ وُلِدتْ *** زَهْراءٌ أَيَّةُ زَهراءِ(2)
شَرَّفْتِ اَلدُّنْيَا فِي مَجْدٍ *** أُحْيِي دَائِرَةَ اَلْأَحْيَاءِ
أُولاَهَا ذُو اَلْعِزَّةِ قَدْراً *** يَتَسَامَي فِي طِيبِ نَقَاءِ(3)
بَقِيَتْ فِي مَعْنَاهَا فَرْداً *** قُرْآنِياً فِي اَلْآلاَءِ(4)
جَوْهَرَةُ الْأَسْمَاءِ الْحَسَنِي *** فِيها أَسْرارُ الْأَسْمَاءِ
وَ عَلَيْهَا يَا رَبِّ صَلِّ *** فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ
ص: 183
روي عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه، أنه لما أجمع أبوبكر
ص: 184
علي منع فاطمة فدك و بلغها ذلك:
رُوِيتْ مَسْنُودَةً دُونَ خَطَاءِ *** عَنْ كَرِيمٍ مِنْ سَلِيلٍ الْكُرمَاءِ
هُوَ «عِبْداللَّهِ وَ اِبْنُ اَلْحَسَنِ» *** نَسَبٌ كَالشَّمْسِ مِن دُونِ خَفَاءِ
قَدْ رُوِيَ: مُسْتَنِداً عَنْ فِدَاكٍ *** قِصَّةَ اَلْغَدْرِ وَ آثَارَ اَلْجَفَاءِ
سَانِداً ذَاكَ اِلي آبَائِهِ *** وَ هُمْ فِي النَّقْلِ نِعَمَ الْأُمَنَاءِ
إِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ «الصَّديقُ» فِي *** أَمْرِهِ مَنْعُ اَلْبَتُولِ مِنْ حِبَاءِ
فَدَكِ أَرْضٌ حَبَاهَا سَيِّدٌ *** بِنْتِهِ اَلزَّهْرَاءَ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ
نَفْلَةٌ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً *** وَ هُوَ عِنْدَاللَّهِ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)
أَبْلِغُوا فَاطِمَةَ فِي مَنْعِهَا *** فَدَكاً مِنْ دُونِ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ
لاثت خمارها علي رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخترم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. حتّي دخل علي أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم.
عِنْدَهَا لاثَتْ خِمَاراً وَسَعَتْ *** فِي اشتمال زانَها ثَوْبُ النَّقاءِ
أَقْبَلَتْ فِي لُمَةٍ قَدْ ضَمَّهَا *** خَيْرُ أحفادٍ وَ مِن خَيْرِ النِّسَاءِ
سَتَرَتْ نَفْساً وَ أَبْدَتْ عِفَّةً *** تَطَأُ الْأَدْيَالُ صَوْتاً لِلْحَيَاءِ
لَايَجِدُهَا طَاعِنٌ فِي مَشْيَةٍ *** دُونَ أَنْ يَصْدِرَ عَهْداً بالبراءِ
مِشيَةٌ مَا تَخْتَرِمْ كَيْفِيَّةً *** عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ مِنْ دُونِ اِقْتِفَاءِ
دَخَلَتْ حتي تَدَانَتْ فَاطِمٌ *** مِنْ «أَبِي بَكْرٍ» بَعْزَّ وَ إِبَاءِ
وَ هُوَ قَدْ كَانَ بِحَشَدٍ هَاجَرُوا *** وَ بِهِمْ مَنْ نَاصِرُوا دِينِ اَلسَّمَاءِ
فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثمَّ أنَّت أَنَّةً أجهش القوم بالبُكاء،
ص: 185
فارتجَّ المجلس، ثمَّ أمهلت هنيئة، حتي إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم. إفتتحت الكلام بحمد الله و الثّناء عليه،
فَأُنِيطَتْ دُونَ بِنْتِ اَلْمُصْطَفِي *** بِمُلاَءَاتٍ أحالَتْ عَنْ تَرَاءِ
جَلَسْتْ هَوْناً... وَ أَنَّتْ أَنَّةً *** أَجْهَشَ اَلْقَوْمُ جَمِيعاً بِالْبُكَاءِ
وَ لَهَا اِرْتَجَّتْ زاوياً مَجْلِس *** كَادَ مِنْهَا يَنْطوِي صَرْحُ اَلْبِنَاءِ
أَمْهَلَتْ أُمُّ أَبِيهَا لَحْظَةً *** لِتُقِرَّ اَلنَّاسَ فِي حِينِ اِسْتِوَاءِ
سَكَنَ اَلْقَوْمُ وَ مِنْ أنشجةٍ *** تَرَكَتْ فِي اَلْقَلْبِ آثَارَ اَلْعَياءِ
هَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ مِنْ مُعْضِلٍ *** وَ كَأَنَّ اَلنَّارَ رَشَّتْهَا بِمَاءِ
بَدَأَتْ فَاطِمَةُ فِي قَوْلِهَا *** تَحْمِدُالِلَّهَ وَ تُضْفِي بِالثَّنَاءِ
و الصلاة علي رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلمَّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليه السلام: الحمدلِلَّهِ علي ما أَنعم و له الشكر علي ما ألهَمَ و الثّناء بما قدَّم، من عموم نعمٍ ابتدأها و سبوغ آلآءٍ أسداها.
ثُمَّ صَلَّتْ بَعْدَهَا ذَاكِرَةً *** خَيْرَ مَبْعُوثٍ، رَسُولَ الْأُمَنَاءِ
فَإذَا اَلْقَوْمُ أَعَادُوا فِي اَلْبُكَا... *** بَعْدَ أن فَلَّ بِهِمْ عَزْمُ اَلرُّغَاءِ
أَمْسكُوا... عَادَتْ وَ فِي خُطْبَتِهَا *** هِيَ قَدْ قَالَتْ وَ هَمَّتْ فِي دهَاءِ
نِعَمٌ... أَحْمَدُ رَبِّي وَ لَهُ الشُّكرُ *** عَلَي الهامِهِ مِلْءَ الجَواءِ
و با قَدَّمَ رَبِّي أَسَدِهِ *** لِعُمُومِ نِعَمٍ حَمْدَ اَلرَّجَاءِ
نِعَمٌ رَبِّي ابْتَداهَا رَحْمَةً *** مِنْهُ لِي دائِمَةً مُنْذُ ابْتِدَاءِ
وَلَالَاءٍ أَتَتْ سَابِغَةٌ *** رَبِّي أَسْدَاهَا وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ
و تمام مننٍ والاها، جمَّ عن الإحصاء عددها و نأي عن الجزاء أمدها و تفاوتَ عن الإدراك أبدها و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتِّصالها،
مِنَنٌ تَتْري وَ رَبِّي رَبُّها *** هُوَ قَدْ تَمَّمَها لِي بِالْعَطاءِ
مِنَنٌ تَكْثُرُ فِي إِحْصَائِهَا *** عَدَدَ اَلْأَرْقَامِ مِنْ دُونِ اِحْتِوَاءِ
ص: 186
مِنَنٌ نَائِيةٌ حَتِّي غَدَتْ *** هِيَ فِي اَلْآمَادِ تَنْأَي عَنْ جَزَاءِ
مِنَنٌ مَاحِضَةٌ فِي غَوْرِهَا *** لَيْسَ تُدْرِكُهَا أَسَارِيرُ الذَّكَاءِ
مِنَنٌ بِالشُّكْرِ تَنْمُو سَعَةً *** وَ هِيَ تَزْدَادُ نَمَاءً فِي اَلْأَدَاءِ
نَدَبَ اَللَّهُ لَهَا مَنْ يَبْتَغِي *** وَ ارْفَ الْخَيْرِ وَ مِدْرارَ النَّماءِ
أَنْ يُؤَدِّيَ اَلشُّكْرَ إِذْ فِي شُكْرِهِ *** سَيَزِيدُ اَللَّهُ مِنْ النَّعماءِ
و اسْتحمد إلي الخلائق بإجزالها و ثني بالنّدب إلي أمْثالها و أشهد أنّ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وحده لا شريك له. كلمةٌ جعل الإخلاص تأويلها و ضمَّن القلوب موصولها. و أنار في التفكير معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته،
وَ هُوَ اَللَّهُ الَّذِي أَسْتَحْمَدَهَا *** فِي ضَمِيرِ الْخَلْقِ مَؤْفُورَ الْإِتَاءِ
وَ ثَن بِالنَّدْبِ فِي أَمْثَالِهَا *** لِيَكُونَ اَلْخَيْرُ مِنْهُمْ فِي حِذَاءِ
ثُمَّ قَالَتْ فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا: *** «كَلِمَةُ التَّوْحيدِ» تَجْسِيدُ اَلرِّفَاءِ(1)
جَعَلَ اَلْإِخْلاَصَ فِي تَأْوِيلِهَا *** مَنْ لَهُ اَلْأَمْرُ و آثَارُ اَلْقَضَاءِ
ضَمَّنَ اَلْقَلْبَ وَ مِنْ مَوْصُولَهَا *** وَحَّدُوهُ وَ اسْتَلانُوا لِلرِّضَاءِ
وَ أَنَارَ اَلْفِكْرَ فِي مَعْقُولِها *** وَ لَهُ دَانَ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ
وَ هُوَ الْمُمْتَنِعُ عَنْ رَوِيَّةٍ *** تَعْجِزُ اَلْأَبْصَارُ إِدْرَاكَ اَلسَّنَاءِ
ومن الألسُنِ صفته و من الأوهام كيفيتّه، إبتدع الأشياء لا من شيءِ كان قبلها و أنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ إمتثلها، كونها بقدرته و ذرأها بمشيَّتِهِ ، من غير حاجةٍ منه إلي تكوينها و لا فائدةٍ في تصويرها، وَ أَكَلَ اللَّهُ عَنْ أَوْصافِهِ *** أَلْسُنَ الْخُلُقِ وَ أَوْتارَ الْحَوَّاءِ
وَ مِنَ الْأَوْهَامِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ *** قَدْ تَعَالَي... فَهُوَ فَرْدٌ فِي الْعَلاءِ
ص: 187
أَبْدَعَ اَلْأَشْيَاءَ مِنْ شَكْلَةٍ *** هِيَ كَانَتْ قَبْلَهَا مُنْذُ إبتداءِ
وَ بلاَ أَمْثِلَةٍ أَنْشَأَهَا *** جَلَّ أَنْ يَحْتَاجَهَا فِي الإحتذاءِ
كَوَّنَ الْأَشْياءَ فِي قُدْرَتِهِ *** ذَرَأَ الْأَشْيَاءَ مِنْ دُونِ اقْتِدَاءِ
خَلَقَ اَلْأَشْيَاءَ إِذْ شَاءَ فَلاَ *** حَاجَةٌ مِنْهُ إِلَيْهَا فِي اَلْبَدَاءِ
وَ بِلاَ فَائِدَةٍ صُوَّرَهَا *** فَهْيَ لاَ تُغْنِيهِ شَيْئاً فِي ثَرَاءِ
إلاَّ تثبيتاً لحكمته و تنبيهاً علي طاعته و إظهاراً لقدرته و تعبداً لبرّيته و إعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثّواب علي طاعته،
دُونَ أَنْ يُثْبِتَ فِي حِكْمَتِهِ *** سُنَنَ اَلْخَلْقِ لِفَهْمِ الْحُكَمَاءِ
وَ لِتَنْبِيهٍ عَلَيَّ طاعَتَهٍ *** أَلْهَمَ الأَحْياءَ مَيْسُوءرَ اَلرِّضَاءِ
وَ أَبَانَ وَ هُوَ فِي قُدْرَتِهِ *** لِذَوِي الْأَلْبابِ مَنْظُومَ الرَّقَاءِ
وَ الْبَرَايَا رَامَ أَنْ يَأْتِينَهُ *** عَابِدَاتٍ دُونَ شَكِّ أَوْ رِثَاءِ(1)
وَ لِإِعْزَازٍ لِمَا أَلْهَمَهُمْ *** لدعاويهِ هَداهُمْ فِي الدُّعاءِ
وَ أَعَزَّ اَلْخَلْقِ فِي دَعْوَتِهِ *** وَ بِهَا اَلْإِعْزَازُ رَاسٍ بِالْحَوَّاءِ
جَلَّ اَللَّهُ ثَوَابَ خَلْقِهِ *** إِنْ أَطَاعُوهُ عَلَيَّ قَدرَ الْوَلاءِ
و وضع العقاب علي معصيته، زيادة لعباده من نقمته و حياشةً لهم إلي جنَّتِهِ و أشهد أنَّ أبي (محمداً صلي الله عليه و آله و سلم) عبده و رسوله، إختاره وانْتجبه قبل أن إجتبله و اصْطفاهُ قبل أن ابْتعثه،
وَ لِمَنْ يَعْصِيهِ مِنْهُمْ نَارُهُ *** كعِقَاب مَوْضِعِ يَوْمِ اَلْجَزَاءِ
سَنَّهَا صَوْناً وَ ذُوداً لَهُمَا *** مِنْ نَقَّامٍ طَائِلاَتٍ لِلرِّعَاءِ(2)
وَ حِيَاشَاتٍ لَهُمْ فِي رَحْمَةٍ *** لِجنَانٍ وَاسِعَاتٍ فِي الرَّهاءِ
وَ أَنَا أَشْهَدُ مِنْ أَنَّ أَبِيْ *** أَحْمَدُ اَلنَّاسِ نَبِيُّ الصُّلَحَاءِ
هُوَ عَبْدٌ وَ رُسُولٌ لِلَّذِي *** خَلَقَ الْأَكْوَانَ مِنْ غَيْرِ عَنَاءِ
ص: 188
وَ هُوَ أَخْتَارَ أَبِي مِنْ قَبْلِ أَنْ *** فِي اَلْجَبَلاَّتِ يُوَازَي بِانْتِفَاءِ
وَ اِصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ *** أَوْ يُسَاوِيهِ نَبِيٌ فِي اِصْطِفَاءِ
إذ الخلائق بالغيب مكنونة و بستر الأهاويل مصونة و بنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالي بمآئل الأمور و إحاطة بحوادث الدهور و معرفة بمواقع المقدور،
وَ إِذَا اَلنَّاسُ وَ مَا خُلِقُوا *** بِالْمَغِيبَاتِ كُنُونٌ فِي الْخَوَاءِ
وَ بِسِتْرٍ مِنْ أَهَاوِيلِ الْقَنَا ***كَانَ فِيهِ الصَّوْنُ مِنْ حُكْمٍ الْفَنَاءِ
وَ هِيَ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً *** بِنِهَايَاتِ عُدُومٍ فِي خَفَاءِ
وَ لَعِلْمِ اَللَّهِ فِي مَائِلٍ *** لِأُمُورِ اَلْخَلْقِ أُنْدِي فِي اَلرَّخَاءِ
وَ هُوَ الْقَائِمُ فِي إِحَاطَةٍ *** لَيْسَ أَحْدَاثٌ سَتَبْقِي فِي الْخَفاءِ
أَبَدَ اَلدَّهْرِ سِنّاً مَعْرِفَةٍ *** مِنْهُ يَحْوِي مَا بِلِيلٍ وَ ضِحَاءِ
أَوْ بِأَزْمَّانِ أُمُورٍ صَرْفَةٍ *** قَدْ قَضَاهَا قَبْلُ فِي مَحْضِ اَلْقَضَاءِ
ابتعثهُ الله إتماماً لأمره و عزيمةً علي إمضاء حكمه و إنفاذاً لمقادير حتمه، فرأي الأمم فِرقاً في أديانها،
بَعَثَ اَللَّهُ أَبِي فِي دَعْوَةٍ *** وَ بِهِ إِتْمَامُ أَمْرِ السُّفَرَاءِ
وَ أَتَتْ مِنْهُ بِهِ عَزِيمَةٌ *** لِقَضَاءٍ هُوَ إِمْضَاءُ اَلْمَضَاءِ
وَ بِهَا أَمْضِي مَبَانِي حُكْمِهِ *** وَ بَدَتْ شَاخِصَةً لِلْحُكَمَاءِ
وَ لِإِنْفَاذِ اَلْمَقَادِيرِ اَلَّتِي *** هُوَ قَدْ حَتَّمَهَا حَتْمَ الْفَنَاءِ
أَرْسَلَ اَللَّهُ أَبِي «مُحَمَّداً» *** وَ بِهِ ثَارَ عُقُولَ اَلْأَذْكِيَاءِ
حِينَ كَانَ اَلنَّاسُ فِي أَدْيَانِهِمْ *** فِرَقاً يَشْكُّونَ أَمْرَاضَ الْخَوَاءِ
قَدْ رَآهُمْ أُمَماً عَاكِفَةً *** سَبَرُوا فِي اَلغَيِّ أَقْصي اَلْهَدَوَاءِ
عكَّفاً علي نيرانها و عابدة لأوثانها، منكرة اللَّه مع عرفانها، فأنار اللَّهُ
ص: 189
بمحمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم ظلمها و كشف عن القلوب بهمها و جلي عن الأبصار غممها،
حَيْثُ كَانُوا عُكَّفاً مِن جَهْلِهِمْ *** حَوْلَ أصْنامٍ ومِيقَادِ الصَّلاءِ(1)
أنْكَرُوا اللَّهَ عَلَي مَعْرِفَةٍ *** فَهُوَ فِي إِحجِيَةٍ بَرْقُ اَلْجَلاَءِ
قَدْ تَجَلَّي اَللَّهُ فِي إدراكهمْ *** إِنَّهُ اَلْوَاهِبُ أَنْفَاسَ اَلسَّدَاءِ
فَأَنَارَ اَللَّهُ فِيهِمْ «بِأَبِي» *** ظُلَمَ الشَّرْكِ ضُرَّ الْعَمْيَاءِ
كَشَفَ اَللَّهُ «بفَضْلٍ» بُهَمَاً *** عَنْ قُلُوبٍ مشْقلاتٍ بِالْبَلاَءِ
وَ جَلَي اَللَّهُ عَنِ اَلْأَبْصَارِ فِي *** أُمَم تَاهَتْ بِمَسْتُورِ الْعَيَاءِ
غُمْماً كَانَتْ بِهَا حَائِرَةً *** أُمَمٌ فِي ثِقلِ جَهْلٍ و ضَرَاءِ
و قام في النَّاس بالهداية و بصَّرهم من العماية و هداهم إلي الدَّين القويم و دعاهم إلي الصراط المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة،
و «أَبِي» قَامَ بِجِدِّ هَادِيَّاً *** يَرْشُدُ النَّاسَ لِأسْبَابِ اَلشِّفَاءِ
و لَقَدْ أَنْقَذَهُمْ مِن هُوَّةٍ *** لِلغَوَاياتِ بِها حَرَّ الطِّلاءِ
وَ بِنُورِ الِلِّهِ قَد بَصَّرَهُمْ *** مِن عَمَّيَّاتٍ... لمِشْكاةِ الضِّياءِ
و هَدَاهُمْ لِطَرِيقٍ وَاضِحٍ *** يَسْعَدُ النَّاسُ بِدِينٍ لِلسَّمَاءِ
وَ دَّعَاهُمْ لِسَبِيلٍ قَيِّمٍ *** لَيْسَ فيهِ ضَرَرٌ لِلعُقَفَاءِ(2)
ثُمَّ إنَّ اللَّهَ مِنْ رَأْفِتهِ *** وَ اخْتِيَارٍ مِنْهُ فَاضٍ بِالرِّباءِ(3)
قَبَضَ اَللَّهُ «أَبِي» فَاخْتَارَهُ *** رَأْفَةً فِيهِ إِلَي أَعْلَي اَلْعَلاَءِ
فمحمَّدٌ صلي الله عليه و آله و سلم من تعب هذه الدَّار في راحة، قد حفّ بالملائكة الأبرار و رضوان الرِّبِّ الغفّار و مجاورة الملكِ الجبِّار،
ص: 190
دُونَ سَخَطٍ مِنْهُ أَو عَنْ غَضَبٍ *** بَلْ بِإِيثَارٍ و شَوْقٍ لِلِقَاءِ
«فَأبِي» مِن تَعَبِ الدُّنْيَا سَلا *** فَهُوَ فِي رَاحَةِ صَفْوٍ و َهْنَاءِ
و هُوَ قَدْ حُفَّ بِأمْلَهِك السَّمَا *** و هُمُ الْأَبْرَارُ حَقّاً... فِي اَلْخَلاَءِ
قَدْ عَلاَ «اَلرُّوْحُ» بِرُوحٍ طَاهِرٍ *** حُفَّ بِالرِّضْوانِ مِن رَبِّ السَّمَاءِ
وَ هُوَ الغَفَّارُ وَ الجَبَّارُ لا *** مَلِكٌ إِلاَّهُ فِي حُكْمِ اَلسَّوَاءِ
«فَأبِي» فِي حِفْظٍ رَبِّ مَاجِدٍ *** فِي ثَوَابٍ رَاتعٍ بَيْنَ الْوِضَاءِ
صَلَّي اللَّهُ علي أبي، نَبِيّهِ وَ أَمينِهِ عَلَي الوَحيِ وَ صَفيِّهِ وَ خِيَرَتُهُ مِن الخَلقِ وَ رَضِيِّهُ و السَّلامُ عَلَيهِ و رَحمَةُ اللَّهِ و َبَرَكاتُهُ
ثُمَّ صَلَّتْ «فاطِمُ» قائِلَةً: *** صَلَوَاتُ الَّه حَاطَتْ بِالْهَوَاءِ
خَصَّهَا اَللَّهُ عَلَي رُوحِ أَبِي *** بَعْدَ أَنْ صَلَّي عَلَيْهِ فِي ثَنَاءِ
فَأَبِي كَانَ نَبْيّاً صَادِقَاً *** وَ أَمِينَ اللَّهِ فِي وَحْيِ اَلسَّمَاءِ
وَصَفِيَّ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ و قَد *** خَصَّهُ خِيَرَتُهُ فِي الإرتْضَاءِ
و سَلامُ اللَّهِ يَبْقَي أَبَداً *** «لِأَبِي» فِي كُلِّ صُبْحٍ و مَساءٍ
وَ عَلَيْهِ رَحَمَاتُ اللَّهِ قَدْ *** نَزَلَتْ لَيْلاً و سَادَتْ لِلضَّحَاءِ
وَ حُوتُهُ بَرَكَاتُ اَللَّهِ فِي *** عَيْشِهِ وَ اَلمؤتَ تَتْرَي للْنَهَاءِ
ثمَّ التفتتْ إلي أهل المجلس و قالت: أنتم -عباد الله- نصب أمره و نهيه و حملة دينه و وحيِهِ،
ثُمَّ قَرَّتْ فَاطِمٌ و الْتَفَتَتْ *** ثُمَّ قَالَتْ لِجُمُوعِ الجُلَساءِ
أَنْتُمْ كُنْتُمْ «عِبَادَ اَللَّهِ» قَدْ *** خَصَّكُم لِلدِّينِ فِي حُكْمِ اَلْفَلاَءِ(1)
نَضَبُ أَمْرِ اللَّهُ مَنْصُوبُونَ فِي *** مِثْلِ هَذَا الْحَالِ رُوَّادَ الإِبَاءِ
و النَّوَاهِي مِنْهُ فِي أغْناقِكُم *** حَيثُ كَتَنُم في حُضُورٍ وَ ثَراءِ
ص: 191
أَنْتُمْ شَاهَدْتُّمُ أَحْكَامَكُم *** فِي نُزُولِ اَلْوَحْيِ مِنْ رَبِّ السَّماءِ
وَحَمَلْتُمْ حُكْمَ دِينِ اَللَّهِ فِي *** سُورِ اَلْقُرْآنِ مِنْ حِينِ اَلنِّدَاءِ
حِينَمَا «جِبْرِيلُ» قَدْ أوحي بِهَا *** «لِأَبِي» أَؤْرَدَكُمْ عَذْبَ اَلرَّوَاءِ
و أمناء الله علي أنفسكم و بلغاؤه إلي الأمم، زعيم حقّ له فيكم، و عهدٌ قدّمه إليكم و بقيّة استخلفها عليكم،
أُمَنَاءُ اَللَّهِ فِي أَحْكَامِه *** كَيْ تُؤَدُّوهَا لِأَيْدِي اَلْأُمَنَاءِ
بَلاَءُ اَلدِّينِ اَللَّنَاسِ بِمَا *** هَوَحَقِّ وَ ائْتِمانٌ لِلإِدَاءِ
أَنتُمْ عاصرْتُمْ اَلْهَادِي اَلَّذِي *** هُوَ قَدْ أَلْزَمُكُمْ عَهْدَ اَلْوَفَاءِ
تَارِكاً فِيكُمْ إِلَيْكُمْ خَلَفاً *** مِثلَمَاخَلَّفَ كُلُّ الأنْبِيَاءِ
و عَلِيِّ كانَ مَعهُوداً لَهُ *** فِيكُمْ إِمْرَةُحَقِّ اَلْأَوْصِيَاءِ
وَ هوعَهْدٌ كانَ قَدْ قَدَّمُه*** لَكُمْ مَنْ كَانَ مَعْهُودَ الْهَنَاءِ
و هَواستخْلَّفَ فِيكُم ثِقَلَهُ *** مَن بِهِم تُحْكُمُ آياتُ الوَلاءِ
كتاب الله الناطق و القرآن الصادق و النور الساطع و الضياءاللَّامع، بيَّنةٌ بصائرهُ، منكشفةٌ سرائره، متجلِّيةٌ ظاهره، مغتبطٌ به أشياعه.
«آلُ بَيْتِ اَلْمُصَطَّفي» مِنْ ثِقَلِهِ *** وَ «كتابِ اللَّهِ» مِن ثِقَلِ السَّمَاءِ
و هَوالنَاطِقُ و الصَّادِقُ لَمْ *** يُخَفَ نُؤْرٌ فيهِ أو نَفعُ الضِّواءِ
وَ هُوَ الضَوءُّ المُضِيءُكُلَّمَا *** ظُلَمْةٌ حَلَّتْ غَزَاهَا بِالضِّياءِ
فِيهِ لِلنَّاسِ بَدَتْ بَيْنَةٌ *** حُجَجُ اَللَّهِ بَصِيرَاتُ اَلْقَضَاءِ
وَ بِهِ اَلْأَسْرَارِمُهُمَا خَفِيتْ ***كَشْفَ اَلرَّبُّ بِهِ سِرَّ الخَفاءِ
وَ لِقَدْجَلَّي بِهِ ظَاهِرُهُ *** و بِه قَدْصِيبَ نَفَعٌ بِالْجَلاءِ
وَ بِه مُغتَبِطٌ أشياعُهُ *** وَبه نالُوا سَعَاداتِ الرِّضاءِ
قائدٌ إلي الرضوان اتّباعه، مؤدِّ إلي النجاة استماعه، به تنال حججُ
ص: 192
اللَّهِ المنوَّرة و عزائمه المفسَّرة و محارمه المحذَّرة و بيِّناته الجالية و فضائله المندوبة،
وَإِلَي «الرِّضْوَانِ» فِي اتِّبَاعِهِ *** قَائِدٌ أَتِبَاعَهِ نَحْوَ الْوِقَاءِ
ومُؤَدِّ لَنَجَاةٍ آكِدٍ*** مِن صَغّي لِلذَّكْرَ، فِي يَومِ الجَزاءِ
و تَنَالُ حُجَجُ اللَّهِ بِهِ *** و بِهَا الأَنْوَارُ شَئِعَتْ في ضَوَاءِ
وَ بِهِ مَا فَرَضَ اَللَّهُ بَدَا *** مِنْ فَرِيضَاتٍ بها عَزْمُ اَلسَّوَاءِ
وَ بِهِ مَاحَرَّمَ اَللَّهُ وَ قَدْ *** حَذَّرَ اَلنَّاسَ بِمَا بَعدَ الفَناءِ
بَيِّناتٌ قدْ بِدَتْ جَالِبَةً *** لِذَوِي الأَفْهَامِ مِن غَيْرِ كِفَاءِ
وَ فَضِيْلَتُ بِهِ مَندُوبَةٌ *** تاقَهَا مَن آثَرُوا دِينَ اَلسَّمَاءِ
و رُخصة الموهوبة و شرائعه المكْتوبة، فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشِّرك و الصّلاة تنزيهاً لكم من الكبر و الزكاة تزكية اللنَّفس و نماءً في الرزق و الصيام تثبيتاً للإخلاص،
رُخَصٌ فيهِ أَتتْ مَؤهُوبَةً **** مِن كَرِيمٍ داحِضٍ ثِقْلِ الْعَنَاءِ
وَ بِهِ ماشَرَّعَ الرَّبُّ زَهَا *** وَغَدَا مَكْتُوبِ حُكْمُ اَلرَّجَاءِ
جَعَلَ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيرَاً لَكُمْ *** مِنْ و بَالِ اَلشِّرْكِ فِي هَذَا اَلْوَلاَءِ
وَ صَلاَةً جَعَلَ اَلتَّنْزِيهَ مَنْ ***كِبَرٍ فِيهَا أَمَاناً مِنْ بَلاَءِ
وَ زَكاةً هِي لِلنَّفْسِ غَدَتْ *** لَكُمْ مِنْ كِبَرٍ خَيْرَ اَلشِّفَاءِ
وَ صِيَاماً جَعَلَ اَللَّهُ بِهِ *** عَمَدَ اَلْإِخْلاَصِ رَاسٍ فِي اِسْتِوَاءِ
وَ حَجَّ تَشْيِيدَاً لِلدِّينِ تَنْسيقاً للَّقلوبِ وإِطَاعَتَنَا نِظَاماً للمِلَةِ وإِمامَتَنا أَمَاناً لِلْفُرْقَةِ واجْلِهَادِ عِزّاً لِلإِسْلامِ والصَّبْرَ مَعونَةً عَلَي اسْتِيجَابِ الأَجرِ
وأَدَاءَ الْحَجِّ تَشَيبُّداً بَدَا *** هو لِلذَّينِ بِه حِفْظُ اَلْإِخَاءِ
وَ لِتَنْسيقِ قُلُوبٍ فِضَّةٍ *** سُنَنُ الْعَدْلِ أَتَتْكُمْ لِلْإِدَاءِ
ص: 193
وَلْآلِ الْمُصْطَفَي الطَّاعَةُ قَدْ *** جُعِلَتْ مِنْهَا نِظَاماً لِلْوَلاَءِ
وَ أَمَاناً مِنْ تَنَامِيَّ فِرْقَةٍ *** إِصْطَفَي اَللَّهِ إِمَاماً لاِهْتِدَاءِ
فَلَهُمْ فِي النَّاسِ أَسْمِي طَاعَةٍ *** لِرَسُولٍ وَ إِمَامٍ فِي الْبَدَاءِ
وَ جِهَادُ الْكُفْرِ عِزّاً ظَاهِراً *** فِيهِ لِلْإِسْلامِ فِي نَهْجِ السَّماءِ
وَ لِمَن يُسَلِّمُ لِلَّهِ ومَنْ *** يَسْتَدِيمُ الصَّبْرَ فِي الْبَلاءِ
والأمر بالمعروف مصلحة للعامة و برّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد و القصاص حقناً للدماء و الوفاء بالنّذر تعريضاً للمغفرة.
جَعَلَ اَللَّهُ لَهُ مَعُونَةً *** هِيَ بِالْأَجْرِ تَفِي عِنْدَ اَلْعَطَاءِ
وَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمعروفِ فِي *** كُلِّ حَالٍ شادَ صَرْحاً للبنَاءِ
حَيْثُ فِيهِ لِلْعُمُومِ سَعَةٌ *** وَ بِهِ ملصحَةٌ لِلسُّعَداءِ
وَ لِبِرِّ الْوالِدَيْنِ وَ مَنَعَةٌ *** و رِقَايَاتٌ مِنَ اَلسُّخطِ اَلْمُضَاءِ
وَ لِمنْماةِ عَشِيرٍ عَدَداً *** صِلَةُ اَلْأَرْحَامِ سُنَّتْ لِلنَّمَاءِ
وَ لِأَحْكَامِ قِصَاصٍ حِكْمَةٌ *** ي جَاءَتْ حَاقِنَاتٍ لِلدِّمَاءِ
وَ وَفاءَ النَّذْرِ تَغْرِيضاً لِمَنْ *** يَطْلُبُ اَلْغُفْرَانَ مِنْ رَبِّ اَلسَّمَاءِ
و توفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة و ترك السرقة إيجا باًل للعفة و حرَّم الشَّركَ إخلَاصاً له بِالرُّبوبية، فاتّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ و لاتَموتنَّ إلا وَ أنتم مسلِمون.
وَ وَفَاءَ اَلْكَيْلِ وَ اَلْمِيزَانِ قَدْ *** جَاءَ تَغْيِيراً لِبَخْسٍ وَ رِمَاءِ(1)
وَ لِتَنْزِيهِ عَيْنُ اَلرِّجْسِ نَهَي *** عَنْ شَرَابِ اَلْخَمْرِ دَفْعاً لِلْعَيَاءِ
وَ اجْتِنَابِ القذفِ سِتْراً صَائِناً *** عَنْ لِعَانٍ و هِيَ صَوْناً لِلنِّسَاءِ
ص: 194
وَ لِتَرْكِ اَلسَّرِقَةِ اِخْتَارَ لَهَا *** حِكْمَةَ اَلْإِيجَابِ فِي عَفِّ الروَاءِ
حَرِّمَ اَلشِّرْكَ لِإِخْلاَصٍ لَهُ *** بِالرُّبُوبِيَّةِ فِي آيِ اَلسَّمَاءِ
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ فِي *** كُلِّ حَالٍ؛ حَقَّ تَقْوَي فِي الْخَلَاءِ
إِرْتَضَي الْإِسْلامِ دِيناً لَكُمْ *** لاَتَمُوتُنَّ عَلَي غَيْرِ اهْتِدَاءِ
وَ أطيعوا الله فيما أمركم به و نهاكم عنه، فإنه إنّما يخشي الله من عباده العلماء.
وَ أَطِيعُوا اَللَّهَ فِيمَا جَاءَكُمْ *** فِيهِ مِنْ أَمْرٍ ونَهْيٍ فِي ارْتِضَاءِ
إِنمَايَخْشَاهُ عَبْدٌعالِمٌ *** نَاسِكٌ فِي كُلِّ شَأْنٍ بِاتِّقَاءِ
ص: 195
ثم قالت: أيها الناس! إعلموا إنِّي فاطمة عليها السلام! و أبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، أقول عوداً و بدءاً و لا أقول ما أقول غلطاً و لا أفعل ما أفعل شططاً(1)، لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم؛
ثُمَّ قَالَتْ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِعْلَمُوا *** إِنَّنِي فاطمةٌ قَوْلَ مَضَاءِ
وَ أَبِي الْهَادِي الْبَشِيرُ أحمَد *** أشْرَفُ الْخَلْقِ بِأَرْضٍ وَ فضَاءِ
وَ أَقُولُ فِيهِ عُوداً وَ إِذَا *** قُلْتُ كَانَ الْعُؤَدُ فِيهِ كَابْتِدَاءِ
لاَ أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً *** أَوْ بِفِعْلٍ شَطِّ مِني فِي ازدِهَاء
فَلِقَدْ جَاءَ رَسْؤُلٌ لَكُمُ *** هُوَمِنْ أَنْفُسَكُمْ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ
وَ عَلَيْهِ مَا غَنْتُّمْ عِزَّ فِي *** كُلِّ مَامِنِهُ أَتَاكُمْ مِنْ شَقَاءِ
حِرْصِهُ عَلَيكُم وَ لَكُم *** لِتَكُونُوا سادَةً في الإِرتِقَاءِ
بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه(2) و تعرفوه تجدوه أبي دن نسائكم و أخا ابن عمَّي دون رجالكم و لنعم المَعزيُّ إليه صلي الله عليه و آله و سلم فبلَّغ بالرّسالة،
وَ رَؤُوفٌ وَ رَحِيمٌ كَانَ بِالا*** مُؤمِنينَ حاملاً وَحْيَ السَّمَاءِ
ص: 196
إِنْسبُوهُ تَعْرِفُوهُ عِلْماً *** هو في كُلِّ عُلْوِّ وَ مَضَاءِ
تَجِدُوهُ فِي اَلْمَسَانِيدِ أَبِي *** نَسَبٌ لِي هُوَمِنْ دُونَ النِّسَاءِ
و لِقَذْكَانَ اخَاهُ لِلْمُرْتَضَي *** و هُوَ مِن دُونِ الرِّجَالِ فِي إِزَاءِ
«يَوْمَ آخاهُ» وَ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ ***كُفواً إلاَّهُ في يَوْمِ الإِخاءِ
و لنِعمَ العَبْدُ و الْمُغْرِيُّ لَهُ *** إِذْكَالشَّمْسِ نُورُ اَلْإِنْتِمَاءِ
فَرَسُولُ اَللَّهِ قَدْبَلَغَ مَا *** قُدْتَلَقَاهُ بِإِيحَاءِ اَلسَّمَاءِ
صادعاً بالنِّذارة(1)، مائلاً علي مَدرَجَة المشركين، ضارباً ثبجهم،(2) آخذاً بأكظامهم،(3) داعياً إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يكسر الأصنام و ينكتُ الهامَ، حتي انْهزمَ الجمع،
أَظْهُرِ الإِنْذَارَ والتَّخْوِيفَ فِي ***كُلِّ حَالٍ صَادِعاً دُونَ اخْتِفَاءِ(4)
مَائِلاً كَانَ عَلَي مُدْرَجَةٍ *** شادَهَا الشِّركُ بِظُلْمٍ و عَنَاءِ
ضَارِباً لِلْمُشْرِكِينَ ثَبَجَهُمْ *** آخِذاً مِنْهُمْ بِأَكْضَامٍ بِذَاءِ
دَاعِياً كَانَ أَبِي فِي حِكْمَةٍ *** لِسَبِيلِ رَبِّهِ دَغْوَي اِهْتِدَاءِ
وَ دَعَاهُمْ هُو فِي مُؤْعِظَةٍ ***حُسْنُهَا شَادَبِهَا حَتَّي اَلسَّمَاءِ
يَكْسِرُ الاِصِنَامَ كَسَراً مَا حِقاً *** يَنْكُتُ اَلْهَامَ وَ يُلْقِيهِمْ بِدَاءِ
فِي سَبِيلِ اَللَّهِ حَتِّي جَمَعَهُمْ *** هُزِمُوا قَهْراً وَ فِرُّواً مِنْ رَجَاءِ
محضة(1) و نطق زعيم الدَّين و خرست شقاشق(2) شياطين، وطاح و شيظ(3) النفاق و انحلَّت عقد الكفر و الشقاق و فهتم بكلمة الإخلاص و نفر من البيض الخماص،(4)
وَ تَوَلَّوْا ثُمَّ وَلَّوْا دُبُرَهُمْ *** لَيْسَ تُؤْوِيهِمْ مَعَاقِيلُ اَلشَّقَاءِ
ذَاكَ حتي مُذْ تَفَرَّي اللَّيْلُ عَنْ *** صُبْحِهِ فَانْقَادَ كُرْهاً للضِّياءِ
أَسفَرَ الحَقُّ بِهِ عَنْ مَخْضِهِ *** وَ زَعِيمُ اَلدِّينِ يَنْطِقْ فِي سَوَاءِ
عِنْدَهَا قَدَ خْرَسَتْ شِقْشِقَةٌ *** وَ لَقَدْطَاحَ و شَيظٌ فِي عَنَاءِ
عَقْدَ الْكَفْرَبَهْ انْحَلَّتْ كَذَا *** مِنْ خِلافٍ و شِقَاقٍ وخَطَاءِ
و لَقَدَ فَهْتُمْ بِ- «لا» فِي أَلْسُنٍ *** كَلِمَةُ الإِخْلاَصِ فِيهَا كَالذَّكَاءِ
أَنْتُمْ كُنْتُمْ... وَ فِيكُمْ نَفِرٌ *** مِنْ خِمَاصِ النَّاسِ بِيضٌ مِن وَضَاء
و كنتم علي شفا حفرة من النَّار، مذقة(5) الشَّارب و نهزه(6) الطامع و قبسة(7) العجلان و مؤطيءُ الأقدام، تشربون الطّرق(8) و تقتاتون القِدَّ(9) و الورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم النّاس من حولكم،
ومِنَ النَّارِ لَقَدْ كُنْتُم عَلَي *** شُرُفاتٍ مِن شَفَاها في إزاءِ
مُذْقَةُ الشَّارِبِ كُنتُم وَ لِمن *** طامِعٌ فِيكُم نَهيزاتُ الرَّهاءِ(10)
ص: 198
فَبْسَةُ اَلْعَجْلاَنِ كُنْتُمْ وَ لِهمْ *** مُوْطِيءُ اَلْأَقْدَامِ أَصْبَحْتُمْ بِذَاءِ
تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ تَفْتَاتُونَ مِنْ *** قَدْ حَيَوَانٍ وَ أوذاقِ إِتَاءِ(1)
قَدْ ذُلِلْتُمْ وَ خَسِئْتُمْ بَعْدَ مَا *** فِي رِيَاضِ الْعِزِّ كُنْتُمْ فِي انْتِشَاءِ
وَ تَخَافُونَ اِخْتِطَافَ النَّاسِ اَنْ *** يَخْطِفُوا مِنْكَمْ حُقُوقاً فِي دَهَاءِ
لَيْسَ مَنْ يُرْجِعُ مَا ضَاعَ لَكُمْ *** وَ هُمْ لاَ يَرْهَبُونَ مِنْ جَزَاءِ
فأنقذكم الله تعالي بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم بعد اللّتيّا و الّتي،(2) بعد أن مُنِيَ بِبُهَم الرّجال، و ذؤبان العرب(3) و مردة أهل الكتاب، كلّما أو قدوا نَاراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرنُ الشّيطان،
بِأَبِي أَنْقُدَكُمْ رَبِّي وَ مِنْ *** بِهُدَاهُ اَلْخَلْقِ يَنْجُو بِاقْتِدَاءِ
ذَاكَ مِنْ بَعْدِ اللَّتَيَّا وَ اَلَّتِي *** بَعْدَ أَن كَانَ أَبِي فِي اَلْإِبْتِلاَءِ
قَدْ مُنِّي مِنْ بُهِم اَلنَّاسِ وَ مِنْ *** كُلِّ ذوبَانٍ قُرَيْشِ بِالْعَدَاءِ
وَ عُتَاةٍ مَرَّدٍ قَدْ أَجَّجُوا *** ضِدَّهُ اَلْحَرْبَ بِمَكْرٍ وَ جَفَاءِ
وَ هُمْ مِنْ أَهْلِ أَدْيَانٍ مَضَتْ *** مِنْ يَهُودٍ وَ نصارَي بُلْهَاءِ
كُلَّمَا قَدْ أَوْقَدُوا نَارَ اَلْوَغْي *** أَطْفَا اَللَّهُ لَهُمْ نَارَ اِهْتِدَاءِ
أَوْ إِذَا مَا نَجْمَ فِي أُفُقِكُمْ *** قَرْنُ شَيْطَانٍ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ
مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله.
أَوْ إِذَا مَا فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ *** لِقَوِيِّ اَلشِّرْكِ بِهَا مُكْمَنُ دَاءِ
قَذَفَ اَلْهَادِي أَخَاهُ حَاسِماً *** فِي لَهَاةِ اَلْحَرْبِ وَ اَلنَّارِ اَلصَّلاَءِ
أَبَداً لاَ يَنْكَفِيءُ حُتِّي يَطَأُ *** صَمْخَهَا بِالرَّجُلِ مِنْ دُونِ سَدَاءِ
وَ لَهِيبِ اَلْحَرْبِ قَدْ أَحْمَدَهَا *** هُوَ فِي سَيْفٍ بِهِ حُكْمُ اَلسَّوَاءِ
كَانَ مَكْدُوداً بِذَاتِ اَللَّهِ فِي *** أَمْرِهِ مُجْتَهِداً دُونَ ازدِهَاءِ
هُوَ بِالْقُرْبِ قَرِيبٌ إِنَّهُ *** مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي حُكْمِ اَلْإِخَاءِ
سَيِّداً كَانَ وَ فِي أَمْرِ اَلسَّمَا *** هُوَ عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرُ اَلْأَوْلِيَاءِ
مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً و أنتم في رفاهية من العيش و ادعون فاكهون آمنون، تربصون بنا الدوائر و تتوكّفون الأخبر و تنكصون عند النَّزال و تفرَّون من القتال،
هُوَ قَدْ كَانَ مُجِدّاً كَادِحاً *** نَاصِحاً شِمَّرَ أَكَامَ اَلرِّدَاءِ
فِي رَفَاهِيَةِ عَيْشٍ أَنْتُمُ *** وَ ادِعُونَ فِي صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ
فَاكِهُونَ آمِنُونَ كُنْتُمْ *** قَدْ تَرَبَّصْتُم بِنا عَقِبِي الضَّرَّاءِ
قَدْ تَوَكَّفْتُمْ عَلَيَّ اَلْأَخْبَار كَي *** لاَ يَفُوتَنَّكُمُ خُبَرُ اَلْفَنَاءِ
وَ نَكَصْتُمْ فِي النَّزالاتِ وَ كَمْ *** قَدْ فَرَرْتُمْ مِنْ قِتَالِ اَلْأَدْعِيَاءِ
فلمّا اختار الله لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: دار أنبيائه و مأوَي أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، و سَمُلَ جلباب الدَّين و نطق كاظم الغاوين،
ذَاكَ لَمَّا أَخْتَارُ رَبِّي لِأَبِي*** جَنَّةَ اَلْخُلْدِ وَ دَارَ اَلْأَنْبِيَاءِ
ص: 200
جَنَّةُ الفِرْدَوسِ مَأْوَاهُ وَ قُدْ *** خَصَّهُ اَللَّهُ بِمَأْوي اَلْأَصْفِيَاءِ
وَ دَعَاهُ اَللَّهُ لِمَّا اِخْتَارَهُ *** لِلْكَرَامَاتِ أَجَابَ لِلدُّعَاءِ
عِنْدَهَا قُذْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَي *** آلِهِ اَلْأَطْهَارِ آثَارُ الْجَفَاءِ
فِي عَدَاوَاتِ نِفَاقٍ ظَهَرَتْ *** بِحُسِيْكَاتِ نِفَاقٍ وَ بغاءِ
سَمُلَ اَلدِّينُ وَبَانَ ضَعْفُهُ *** مِن جَلاَبِيبِ اِنْدَارَسٍ وازْدَراءِ
كَاظِمُ الْغَاوِينَ فِيكُمْ قَدْ بَدَا *** نَاطِقاً مِنْ بَعْدِ خَوْفٍ وَ خَفَاءِ
وَ نبغ خامل اَلْأَقلِّين و هدر فنيق الْمبطلِينَ فَخَطَر فِي عرصَاتكُمْ وَ أَطْلع اَلشَّيْطان رأْسهُ من مغرزِه هاتفاً بكم فأَلْفاكم لدعوتهِ مستجيبينَ و للغِرَّة فيه ملاحظينَ ثُمَّ استنهضَكم فوجدَكم خفافَاً،
نَبَغَ خَامِلُ قُلِّ بَيْنَكُمْ *** هُوَ لَمْ يُعْرَفْ بِجَمْعِ اَلنَّبْهَاءِ
وَ فَنِيقُ الْكُفْرِ أَمْسِي هَادِراً *** يَمْلَأُ بِأَصْداءِ اَلْجَوَاءِ
خَطَرَ مِنْكُمْ وَ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** بِعِرَاصٍ لَكُمْ بِالْكِبْرِيَاءِ
أَطْلَعَ اَلشَّيْطَانُ مِن معْرِزِهِ *** رَأْسِهُ يَهْتِفُ فِيكُمْ مِنْ إِزاءِ
هُوَ أَلْقاكُمْ لِدَعْواهُ الَّتِي *** قَدْ دَعَاكُمْ مُسْتَجِيبِينَ اَلدُّعَاءِ
وَ لِغَرَّاتٍ لَهُ أَغْرَاكُمْ *** فِيهِ لأحظتُم لَهُ حَسْنَ اَلرِّفَاءِ
ثُمَّ لمَّا للهَوي اِسْتَنْهَضَكُمْ *** وَجَدَ مِنْكُمْ خِفَافاً فِي اَلرَّجَاءِ
و أحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير أبلكم و أوردتم غير شربكم، هذا و العهد قريب و الكَلِمُ رحيب و الجرح لمّا يندمل و الرّسول لمّا يُقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة.
هُوَ قَدْ أَحْمَسَكُمْ فِي أَمْرِهِ *** ثُمَّ أَلْفَاكُمْ غُضَاباً فِي عَيَاءِ
فوسَمْتُم إِبِلاً لَيْسَتْ لَكُمْ *** وَ فَعَلْتُمْ مُنْكَراً فِي الْإِرْتِضَاءِ
ص: 201
وَ لَقَدْ أَوْرَدْتُمُوهَا فَلْتَةً *** غَيْرَ شِرْبٍ لَكُمْ دُونَ دُهَاءِ
ذَاكَ و الْعَهْدُ قَريبٌ وَ بِهِ *** كَلِّمُ الْفَوْتِ رَحِيبٌ فِي رِمَاءِ
وَ بِهِ اَلْجُرْحُ عَمِيقٌ نَازِفٌ *** وَ هُوَ لَمَّا يَنْدَمِلْ مُنْذُ اَلْفَنَاءِ
وَ رَسُولُ اَللَّهِ لَمْ يُقْبَرْ وَ قَدْ *** إنْقَلَبْتُمْ مِنْ وِدَادٍ لِلْجَفَاءِ
و بِداراً قَد زَعَمتُم أَنَّهُ ***كَانَ ما حَلَّ لِخَوْفٍ وَ بَلاَءِ
ألا: في الفتنة سقطوا و إن جهنّم محيطة بالكافرين، فهيهات منكم ! و كيف بكم؟ و أني تؤفكون(1) و كتاب الله بين أظهركم،
فِتْنَةٍ حَلَّتْ... أَلاَ فِي فِتْنَةٍ *** سَقَطُوا فِيهَا عَلَيَّ غَيْرَ اِهْتِدَاءِ
سَقَطُوا فِيهَا وَ إِنَّ اَلنَّارَ قَدْ *** وَرَدُوا فِيهَا إِلَي يَوْمِ الْجَزَاءِ
هِيَ حَاطَتْهُمْ بِضُرِّ دَائِمٍ *** وَ عَذَابٍ وَ ضَرَّاءٍ و شقاءِ
عَجَباً... هَيْهَاتَ مِنْكُمْ مَا جَرِيَ ***كَيْفَ أَقْدَمْتُمْ بِظُلْمٍ فِي عَيَاءِ؟
بِجِنَايَاتٍ أَتَتْنَا غِيلَةً *** كَيْفَ لاَقَتْ بِكُمْ مُنْذُ ابْتِداءِ؟!
كَيْفَ... أَنِّي تُؤْفَكُونَ عَنْ هَدًي *** لِضَلاَلٍ وَ ظَلاَمٍ وَ رِثَاءِ؟!
وَ كِتَابُ اَللَّهِ عزَّ شَأنُهُ *** بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ نُورٌ اِهْتِدَاءِ
أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره(2) لايحة و أوامره واضحة و قد خلفتموه وراء ظهوركم،
وَ بِهِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ظَاهِرٌ *** لاَ ارْتِيابَ فِيهِ أَوْ نَقَصَ الضِّيَاءِ
وَ بِهِ أَحْكَامُهُ زَاهِرَةٌ *** هِيَ كَالنُّورِ كآثَارِ الذَّكَاءِ
ص: 202
وَ بِهِ أَعْلامُهُ باهِرَةٌ *** تَخْطِفُ اَلْأَبْصَارَ أَمْوَاجُ اَلسَّنَاءِ
وَ نَوَاهِيهِ اَلَّتِي تَزْجُرُكُمْ *** عَنْ هَوًي لاَئِحَةٌ لِلْعُقَلاَءِ
وَ بِهِ طَاعَتُنَا ظَاهِرَةٌ *** أَوْضَحَ اَللَّهُ بِهَا أَمْرَ اَلْوَلاَءِ
وَ لَقَدْ خَلَّفْتُمُوهُ رَغْبَةً *** عَنْهُ خَلْفَ اَلظُّهْرِ فِي سِرِّ اَلْخَفاءِ
لَيْسَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ قَولهُ *** لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْجَزاءِ!!
أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظَّالمين بدلاً و من يبتغي غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها،
أَتَرَيَّدُونَ بِهَذَا رَغْبَةً *** عَنْهُ كَالْكَافِرِ مِنْهُ فِي بِرَاءِ
أَمْ بِغَيْرِ الذِّكْرِ فِيكُمْ رَغْبَةٌ *** تَحْكُمُونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اهْتِدَاءِ
بِئْسَ لِلظَّالِمِ فِي ذَا بَدَلاً *** إِذْ أَخَذتُم مِنْهُ أحْكامَ السَّمَاءِ
ثُمَّ لَمَّا تَلْبَثُوا فِي فِتْنَةٍ *** هِيَ كَالنَّاقَةِ فَرَّت مِن رِشَاءِ
هِيَ لاتَنْسَاقُ إِلاَّ رَيْثَ أَنْ *** تَنْتَهِيَ نِفرتُها... بَعدَ اِهْتِدَاءِ
أَو تَسْكُنُ أو إِذَا يُسْلَسُ لَكُمْ *** بَعْدُ مِنْهَا قِيَادٌ فِي ارْتِضَاءِ
فِتْنَةٍ ثَارَ وَ شَاعَتْ بَيْنَكُمْ *** وَ تَمَادَيْتُمْ بَغْيِّ وَ جَفَاءِ
ثمّ أخذتم تورن و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ و إطفاء أنوار الدّين الجليّ و إخماد سنن النّبيّ الصّفي،
هِيَ كَالْجَمْرَةِ كَانَتْ نَارُهَا *** تَخْتَفِي لَوْلاَكُمْ مَنْذُ اِبْتِدَاءِ
ثُمَّ أَنْتُمْ قَدْ آثَرْتُمْ نَارَهَا *** وَ أَخَذْتُمْ تَنْفُخُونَ فِي اَلصَّلاَءِ
جَمْعَكُمْ أُورِي بِهَذَا وَقَدْتَهَا *** وَ تُهَيِّجُونَ بِهَا دُونَ روَاءِ
هَتَفَ اَلشَّيْطَانُ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** فَاسْتَجَبْتُمْ لِهُتَافٍ رَغْوَاءِ
ص: 203
وَسَعَيْتُمْ مُسْتَجِيبِينَ لَهُ *** دَعْوَةً مِنْهُ رَمَتْكُمْ بِالْبَلاءِ
وَ لِإِطْفَاءِ هَدْيِ الدِّينِ اَلْجَلِيْ *** كَانَ مَسْعَاكُمْ لَهُ مَحْضَ اِعْتِدَاءِ
وَ لِإِخْمَادِ هُدْي مَا جَاءَكُمْ *** مِنْ نَبِيِّ كانَ خَيْرَ الأَصْفِياءِ
تسرون حسواً في ارْتغاء و تمشون لأهله و وُلدِهِ في الخَمَرِ و الضَّرَّاء و نصبر منكم علي مثل حزَّ المُدَي،
أَنْتُمْ كُنْتُمْ تُسِرُّونَ بِهَا *** وَ حَسَوْكمْ حُسْوْكُمْ فِي إِرتِغَاءِ
قُلْتُمْ شَيْئاً وَ جَاءَ فِعْلُكُمْ *** بِخِلاَفِ اَلْقَوْلِ مِنْكُمْ بِادِّعَاءِ
فَأَقَمْتُمْ وَ تَدَّ اَلْبَاطِلِ فِي *** أُمَّةٍ رامَتْ قوانين اَلسَّمَاءِ
قَدْ حَكمتُمْ وَ اِدَّعَيْتُمْ فِتْنَةً *** وَ عَزَلْتُمْ مَنْ لَهُمْ فَصْلُ الْقَضَاءِ
آل بَيْتِ اَلْوَحْيِ تَمْشُونَ لَهُمْ *** وَ لأَهْلِيهِمْ بِضُرٍ و ضَرَّاءِ
وَ لِأَوْلادٍ لَهُ فِي خَمْرٍ *** قَدْ سَعَيْتُمْ لَهُمْ فِي اِعْتِدَاءِ
وَ صَبَرْنَا مِنْكُمْ مَا صَابَنَا *** مثل حَزِّ لِلْمُدْي صَبِرَ اِرْتِضَاءِ
و وخز السّنان في الحشي و أنتم - الآن - تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهليّة تبغون؟ و من أحسن من اللَّهِ حكماً لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلي تجلّي لكم كالشّمس الضّاحية أنّي ابنته،
أَوْ كَمَثْلِ الْوَخْزِ مِنْ طَعْنِ الْعَدَي *** بِسِنَانٍ فِي اَلْحَشْي أَوْ بِالْحَشَاءِ
أَنْتُمُ اَلْآنَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ *** إِرْثَ لِلْهَادِي لَنَا... مَحْضَ اِفْتِرَاءِ!
أَفْحِكُمُ الْجَاهِلِيِّينَ ارْتَضَوْا *** أَمْ هُمْ يَبْغُونَ حُكْمَ الْجَهْلاءِ؟!
وَ مِنَ اَلْأَحْسَنُ حُكْماً لِلْوَرَي *** مِن إِلَهِ اَلْخَلْقِ ربِّ الْحُكَمَاءِ
صَادِرٌ مِنْهُ لِقَوْمٍ أَيْقَنُوا *** وَ هُمْ مِنْهُ عَلِي خَيْرِ اهْتِداءِ
أَفَلاَ يَعْلَمُ كُلٌ مِنْكُمُ *** حَقَّنا فِي نَسَبٍ أَوْ فِي حِبَاءِ؟
ص: 204
قَدْ تَجْلِي لَكُمُ أَنِّي اِبْنَتُهْ *** وَ بَدَا ذَاكَ كشمْسٍ فِي ضُحَاءِ
أيُّها المسلمون! أأُغلب علي إرثيه؟
أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُ مَنْ كَانَ هُنَا *** حَاضِراً قَوْلِيَ أَوْ يَأْتِيَ وَرَائِي!
كَيْفَ أُغْلِبْ فِي حُقُوقٍ هِيَ لِي *** نَصَّهَا اَللَّهُ عَلَيْنَا بِالسَّوَاءِ
هُنَّ آيَاتٌ أَتَتْ بَيِّنَةً *** فِي اَلْمَوَارِيثِ تُشِعٌ كَالسَّنَاءِ
لَكِنَّ اَلْأَعْدَاءُ بَزُّوا نِحْلَتِيْ *** فَغَدَتْ نَارَ سَعِيرٍ فِي اَلْمِعَاءِ
كَيْفَ أَبتَزُّ مَوَارِيثَ أَبِي *** بِحُضُورٍ مِنْكُمْ فِي ذَا الْبَلَاءِ؟
لَيْسَ فِيكُمْ مِنْ يَقِينِي كَيْدَهُمْ *** وَ يَفِي لِي فِي مَصَادِيقِ الْوَلَاءِ!
وَ أَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّنِي *** إِبْنَةُ اَلْمَأْمُونِ آيَاتُ اَلسَّمَاءِ
ص: 205
يا بن أبي قحافة!
أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي؟!!
ثُمَّ كَنَّت(1) فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا *** لِأَبِي بَكْرٍ وَ أَخَفَتْ بِأَهْتِدَاءِ
إِسمَهُ أَوْ مَا يُكَنُّوهُ بِهِ *** وَ لَمَنْ يُنْسَبُ نَادَتْ في دَهَاءِ
حَيْثُ كَانَ اَلْبَعْضُ مِنْهُمْ عَالِماً *** أَنَّهُ كَانَ عَلِيٌ غَيْرِ سَوَاءِ
بِأَبِيهِ -أَيْ- أبي قُحَافَةٍ! *** خَاطَبَتْهُ بِخِطَابِ اَلْبُلَغَاءِ
أُتْرِي آيَةُ ذَكَرٍ أُنْزِلَتْ *** تَمْنَعُ اَلْإِرْثَ بِدَسْتُورِ اَلسَّمَاءِ؟!
تَمْنَعُ اَلْأَبْنَاءَ مَا قَدْ تَرَكَتْ *** لَهُمُ اَلْآبَاءُ شَيْئاً مِنْ حِبَاءِ
أيُ أَيِّ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَنْ *** تَرِثُ اَلْآبَاءَ دُونِي فِي خَفَاءِ
أفَعَلَي عمدٍ تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟
إذ يقول: «وورث سليمان داوُد» و قال فيما اقتص من خبر زكريّا - إذا قال:
وَ لَقَدْ جِئْتَ فَرِياً حِينَمَا *** جِئْتَ شَيْئاً دُونَ تَشْرِيعِ السَّمَاءِ
وَ بِهِ كَذَّبْتَ قُرْآناً بِهِ *** فِي صَرِيحِ اَللَّفْظِ إِرْثُ اَلْأَنْبِيَاءِ
ص: 206
أفعَنْ عَمْدٍ تَرَكتُم خَلْفَكُمْ *** مَا بِهِ نُورُ اِهْتَدَاءٍ وَ شِفَاءِ
وَ نَبَذْتُمْ ذَلِكُمْ مِنْ دُونِ أَنْ *** -تَأْسَفُوا- قَوْلاً وَ فِعْلاً فِي وَرَاءِ
إِذْ يَقُولُ اَللَّهُ فِيهِ ذِكْراً *** وَ هُوَ اَلنُّورُ وَ مِنْ دُونِ اِنْطِفَاءِ
فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي و رَيْثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ إِرْثَ مالٍ وَ فَثَآءِ
وَ كَمَا اقْتَصَّ مِنَ اَلْأَخْبارِ عَنْ *** زَكَرِيَّا حِينَ ناجِي بِالدُّعَاءِ
«فَهَب لي من لدنك ولياً يرثني و يرث من آل يعقوب» و قال: «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌهمْ هُوَ أُولِي ببَعْض فِي كتاب الله» و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» و قال: «إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ» و زعمتم أن لا حظوة لي! و لا إرث من أبي! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون: أن أهل ملَّتين لا يتوارثان؟
أَنْ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ... وَارِثاً *** يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ثَرَائِي
أَوْ «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌ مِنْهُمْ *** هُوَ أُولِي...» فِي قَوَّانِينَ اَلسَّمَاءِ
أَوْ «يُوصِّيْكُمْ...» أَوْ «إِنْ تَرَكَ...» *** وهما نَصِّ بِإِرْثِ اَلْأَقْرِبَاءِ
وَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ حُظْوَةَ لِي *** مِنْ أَبِي فِي اَلْإِرْثِ أَوْ سَهْمَ حِبَاءِ
أفخصصتُمْ بِشَرْعِ اَللَّهِ أَنْ *** خَصَّكُمْ دُونَ عَظِيمِ اَلْأَنْبِيَاءِ؟!
أَمْ قُولُونَ: بِأَنِّي وَ أَبِي *** مُلْتَانِ مَا لَهَا أَصْلُ اَلرِّفَاءِ؟!
أَوْلَسْتُ وَ أَبِي مِنْ مِلَّةٍ *** وَ كِلاَنَا دينُهُ دِينَ اهْتِداءِ؟!
أولست و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمِّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك،
مِلَّةً وَاحِدَةٌ أدْيانُنا *** وَ هِيَ الحقُّ ازْدَهَتْ لِلحُكمَاءِ
أَمْ عَلِمْتُمْ بِكِتَابِ اَللَّهِ مَا *** لَمْ يَصِلْ مِنْهُ لِخَيْرِ اَلْأَوْصِيَاءِ؟!
ص: 207
بِخُصُوصٍ مِنْهُ أو فِي عَمِّهِ *** مِن عَلِيِّ الْحَقِّ خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ!
أَفَأَنْتُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ *** مِنْ أَبِي أَمْ مِنْ عَلِيِّ الْأُمَنَاءِ؟!
و هُمَا لِمَ بِمَنْعَانِي فَدَكاً *** حَيْثُ لَامَانِعَ فِي حُكْمِ السَّمَاءِ
يَا أَبَا بَكْرٍ فَخُذْهَا غَاصِباً *** بِخِطَامٍ وَ زِمَامٍ وَ رِشَاءِ
هِيَ تَلْقَاكَ بِحَشْرٍ لَكَ فِي *** يَوْمِ حَقٍ عِنْدَ جَبَّارِ اَلسَّمَاءِ
فنعمَ الحكم الله و الزعيم محمّد صلي الله عليه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لاينفعكم إذ تندمون و لكلّ نبأٍ مستقر،
هُوَ نَعَمْ الْحَكَمُ المَرجُوُّ لِي *** بَعْدَمَا نَنْقَلُ عَنْ دَارِالْفَنَاءِ
وَ زَعِيمُ اَلْخَلْقِ فِيهَا أَحْمَدٌ *** وَ اَلْمُحَامِي عَنْ حُقُوقِ اَلضُّعَفَاءِ
وَ بِهَا مَوْعِدُنَا اَلْآتِيَ اَلَّذِي *** فِيهِ يُقْضِي فِي مَوازِينِ اَلْقَضَاءِ
يَخْسَرُ الْمُبْطِلُ فِيهِ مَا ادُّعِي *** يَوْمَ حَشْرِ اَلنَّاسِ مِنْ دُونِ وَقَاءِ
سَاعَةٌ يَخْسَرُ فِيهَا مُبْطِلٌ *** وَ بِهَا لاَ شَيْءَ يَلْغِي بِالْفِدَاءِ
حَيْثُ لاَ يَنْفَعُكُمْ فِيهَا إِذا *** مَا نَدِمْتُمْ، أَوْ دَعَوْتُمْ بِدُعاءِ
وَ لِكُلِّ مُسْتَقَرٌ وَ بِهِ ***كُلُّ ذِي اَلْأَنْبَاءِ مِنْ دُونِ خَفَاءِ
«فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم».
ثمَّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت:
يا معشر النَّقِيبَة،
سَوْفَ يَدْرِي فِيهِ كُلِّ مِنْكُمْ *** مِنْ سَيَأتِيهِ عَذَابٌ فِي اَلنَّهَاءِ
وَ لِمَنْ يُخْزِيهِ رَبِّي فِي غَدٍ *** وَ يَحِلُّ فِي عَذَابٍ لِلسَّمَاءِ
بِعَذَابٍ دَائِمٍ لاَ تَنْطَفِي *** نَارُهُ فِي الصُّبْحِ أَوْ عِنْدَ الْمَساءِ
هَدَّدْتُهُمْ فاطِمُ فِيما ادَّعَتْ *** بِعَذابٍ مُسْتَمِرٍ وَ ضَرَّاءِ
ص: 208
وَهِيَ دَعْوَي مَا بِهَا مِنْ كَذِبٍ *** أطلقتْهَا فاطمٌ خَيْرُ اَلنِّسَاءِ
ثُمَّ دَارَتْ طَرفَهَا فَاطِمَةُ *** نَحْوَ أَنْصَارٍ وَ قَالَتْ بِإِهْتِدَاءِ
أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ مَنْ *** كُنْتُمْ لِلدِّينِ خَيْرِ اَلنُّجَبَاءِ
و أعضاد الملّة و حضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقِّي؟ و السِّنَةٌ ظُلامِتِي؟ أما كان «رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم» أبي يقول:
وَ لَهُ أَعضَادُ عِزِّ شَامِخٍ *** كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ آفَاقَ اَلرَّجَاءِ
وَحَضِنْتُمْ و حَفِظْتُمْ شِرْعَةً *** هِيَ لِلإِسْلامِ رُوحٌ مِنْ نَهَاءِ
وَ غَمَزْتُمْ عَنْ حُقُوقِي فُجْأَةً *** مَا بِكُمْ فِي غَفْلَةٍ أَمْ فِي عَمَاءِ؟؟
وَ فَتَرْتُمْ عَنْ ظُلاَمَاتِيَ اَلَّتِي *** هِيَ لِلْأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءِ!
كَيْفَ كُنْتُمْ أَنْتُمْ فِي سُنَّةٍ *** وَ تَرَكْتُمْ نَجْدَتِي بَعْدَ اِهْتِدَاءِ؟!
أَوْ مَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ مَنْ *** قَدْ عَرَفْتُمْ نُطْقَهُ وَحْيُ السَّمَاءِ؟!
قَالَهَا: فِي جَمْعِكُمْ عَنْ حَقِّنَا... *** أَولِسْنَا نَحْنُ مِنْ ذِي الأَقْرِبَاءِ؟
«المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم و عجلانَ ذا إهَالة و لكم طاقة بما أحاول و قوّة علي ما أطلب و أُزاول،
إِنَّمَا الْمَرْءُ يُكْرَّمْ حَيْثُمَا *** يُحْفَظُ الْبَاقُونَ مِنْهُ فِي وَلَاءِ
أَوْ مَا كَانَ مِنَ الْإِكْرَامِ أَنْ *** تَحْفَظُونِي بَعْدَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ
عَجَباً... سُرْعَانَ مَا أَحْدَثْتُمُ *** وَ تَعَدَّيْتُمْ بَهَتَكٍ وَ اِعْتِدَاءِ
وَ لَهَا عَجْلاَنَ ذَا إِهَالَةٍ *** قَدْ تآمرتُم عَلَيْنَا فِي اَلْخَفَاءِ
أَلْكُمْ طَاقَةُ إِسْعَا فِي بِمَا *** أَنَا قَدْ حَاوَلتُ رِدَّاً لِلْحِبَاءِ
أَلْكُمَ فِيما طَلَبْتُ قُوَّةً *** وَ لَمَّا زَاوَلْتُ عَزْمَ اَلْأَقْوِيَاءِ؟
أَمْ تَخَاذَلْتُمْ بِصَمْتٍ ضَعَةً *** وَ وَصَمْتُمْ عَارَهَا فِي اَلضُّعَفَاءِ
ص: 209
أتقولون: مات «محمّد صلي الله عليه و آله و سلم».
فخطب جليل، أستوسع وهنه و استنهر فتقه و انفتق رتقه و اظلمّتِ الأرض لغيبتهِ،
أَتَقُولُونَ لِمَنْ زَكَّاكُمْ... *** مَاتَ مَنْ كَانَ أَخْيَرَ الْأَنْبِيَاءِ
وَ اِسْتَبَحْتُمْ بَعْدَهُ فِي قَوْلِكُمْ: *** -مَاتَ- مَا سَاءَ لَكُمْ يَوْمَ اَلْجَزَاءِ
آه... فَالْخَطْبُ جَلِيلٌ وَقْعُهُ *** وَعَظِيمُ أَمْرِ مَوْتِ اَلْعُظَمَاءِ
وَ بِهِ اسْتَنْهَرَ جُرْحٌ فَتْقُهُ *** وَ عَدَا يَغْزُو عَلَيْنَا كُلُّ دَاءِ
وَ اِنْفِتَاقُ اَلْجُرْحِ أَوْدِي رَتَقَهُ *** أَنْ نُعانِيَ اَلدَّاءَ مِنْ دُونِ شِفَاءِ
وَ اِدْلَهِمَّ اَلْكَوْنُ وَ اَلْأَرْضُ بِهِ *** حِينَ غَابَ اَلنُّورُ عَنْ هَذَا اَلْفَضَاءِ
و كسفت النّجوم لمصيبته و أكدَتِ الآمال و خشعت الجبال و أضيع الحريم و أُزيلتِ الحرمة عند مماتهِ، فتلك -والله- النّازلة الكبري و المصيبة العظمي لا مثلها نازلة،
وَ نُجُومُ اَللَّيْلِ فِي قَلْبِ اَلسَّمَا *** كَسَفَتْ حُزْناً وَ أَمْسَتْ فِي عَزاءِ
لِمُصَابٍ زَلْزِلَ الْعَرْشُ بِهِ *** وَ بِهِ أَكَّدَتْ مَوَازِينُ اَلرَّجَاءِ
وَ بِهَذَا الخَطْبِ حُزْناً خَشَعَتْ *** رَاسِيَاتُ اَلْأَرْضِ مِنْ هَذَا اَلنَّعَاءِ(1)
وَ أُضيعَتْ حُرَمٌ مَنْ بَعْدِهِ *** وَ أُزِيلَتْ حُرْمَةٌ بَعْدَ اَلْفَنَاءِ
تِلْكَ -وَاَللَّهِ- أَتَتْ نَازِلَةٌ *** كَانَتْ الكبري عَلَي هَذَا اَلقِوَاءِ
وَ هِيَ الْفَاجِعَةُ اَلْعَظْمِي اَلَّتِي *** لَيْسَ يُثْنِيهَا سُرُورٌ فِي اِنْتِهَاءِ
لاَ... وَ لاَ حَلَّتْ بِنَا نَازِلَةٌ *** -مِثْلَهَا- أَبْقَتْ لَنَا ثِقْلَ اَلْغِنَاءِ
ولا بائقةٌ عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه -جل ثناؤُه- في أفنيتكم، في ممساكم ومصْبحكم، هتافاً، و صراخاً و تلاوةً و ألحاناً و لقبله ما حلَّ
ص: 210
بأنبيائه و رسله، حكمٌ فصل و قضاءٌ حتمي،
لاَ... وَ لاَ بَائِقَةٌ عَاجِلَةٌ *** أَحْكَمَتْ فِيهَا أَسَاليبُ الدَّهاءِ
أَعْلَنَ اَللَّهُ بِهَاجِلَّ اِسْمُهُ *** بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ مُنْذُ ابْتِدَاءِ
وَ تَلَوْتُمْ مِنْهُ فِي مُمْسَاكُمْ *** وَ بِصُبْحٍ مِنْهُ فِي كُلِّ فناءِ
فَهُوَ الْهاتِفُ وَ الصَّارِخُ فِي *** كُلِّ يَوْمٍ بَيْنَكُمْ بِالْعُقَلاءِ
وَ هُوَ اَلْمَقْرُوءُ فِي تِلاَوَةٍ *** وَ بألحانٍ بِهَا جَذَبُ اِهْتِدَاءِ
وَ لَقَدْ أَخْبَرَكُمْ مَنْ قَبْلِهِ *** مَا برُسلٍ حَلَّ أَوْ بِالْأَنْبِيَاءِ
حُكْمُ فَصْلٍ وَ قَضَاءٍ مُحْتَمٍ *** فِيهِ تَصْدِيقُ قَضَاءٍ بِقَضَاءِ
«وما محمّد صلي الله عليه و آله و سلم إلا رسول قد خلت من قبله الرّسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم»،
سُنَّةُ الْمَوْتِ ارْتَضَاهَا رَبُّنَا *** لِجَمِيعِ اَلنَّاسِ حَتي اَلْأَنْبِيَاءِ
لَمْ يُنْجِّ اَللَّهُ مِنْهَا مُرْسَلاً *** وَ بِهَا يُقْهَرُ كَلاِّ بِالْفَنَاءِ
وَ أَتَتْنَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ *** أحْكَمَتْ حُجيَّةً بِالْإِدْعَاءِ
حَيْثُ قَالَ اَللَّهُ فِي قُرْآنِهِ *** قَوْلَ صِدْقٍ حُكْمَ فَصْلٍ وَ سَنَاءِ
فِي «ومَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ...» وَ قَدْ *** كَانَ لِلْخَلْقِ رَسُولاً لِلسَّمَاءِ
«قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...» اَلَّتِي *** قَدْ مَضَتْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ اَلْبَقَاءِ
«أَفَان مَّاتَ» بِحَتْفٍ «أَوْ قُتِل *** إِنْقَلَبْتُمْ» عَنْهُ فِي أَقْصَي اَلْوَرَاءِ
«ومن ينقلب علي عقبيه ، فلن يضرَّالله شيئاً و سيجزي اللَّه الشاكرين»
إِنْقَلَبْتُمْ وَ عَلَيَّ أَعْقَابِكُمْ *** قَدْ رَجَعْتُم بِشَنَارِ اَلْعُقَبَاءِ(1)
وَ مِنَ الْيَوْمِ عَلَي أَعقَابِهِ *** يَنْقَلِبْ عَنْهُ يُرِي سُوءَ الجَزاءِ
«لَنْ يَضُرَّ اَللَّهَ شَيْئاً» إِنَّمَا *** ضَرَرٌ الْخُلَفِ وَ بَالٌ فِي اَللِّقَاءِ
ص: 211
ما حَقُّ مَن يَكتُمُ الحَقَّ ومَنْ *** حَرَّفَ الدّينَ لِمَالٍ وُ ترَاءِ
«وَ سَيَجْزِيِ اَللَّهُ...» مَنْ كَانَ لِمَا *** نَالَهُ بِالشُّكْرِ خَيْراً بِالْجَزاءِ
وَ هلَ الشَّاكِرُ الاّ مَن بَقِي *** حافِظاً لِلْحَقِّ حَقّاً فِي الوَلاءِ؟
ناصِراً لِلدِّينِ وَالحَقِّ وَ مَنْ *** نَصَّ فيهِمْ ذَكَرُهُ بِالإقتِداءِ
إيْهاً... بني قِيْلة! أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأي و مسمع و منتدي و مجمع، تلبسكم الدّعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذو العدد و العدَّة،
يَا بَنِي قَيْلَةَ إِيهاً مِنْكُمْ... *** قَدْ تَخَطِّي عَنْكُمْ عَقَدُ اَلرَّجَاءِ
أَأْنَا أَهْظَمُ فِي إِرْثِ أبِي *** فِي حُضُورٍ مِنْكُمْ لا فِي خَفَاءِ
و بِمَرْأَي مِنِّي أنْتُمْ كُنْتُمُ *** قُدْسْمِعْتُمْ وَ وَعَيْتُمْ لادِّعائِي
كُنْتُمُ فِي مَجْمَعٍ فِي مُنْتَدَي *** ضَمِنا، إِذْ فِيهِ أعْلَنْتُ نِدائِي
فِيهِ مَا تُلْبِسُكُمْ مِنْ حَقِّنَا *** دَعْوَةً تَشْمَلُكُمْ مِثْلُ الرِّدَاءِ
خِبْرَةٌ فِيهَا خُصَصْتُمُمْ وبِهَا *** شَمِلَتْكُم عِلْمُها شِبْهُ اَلرِّدَاءِ
وَ لَهَا أَنْتُمْ ذَووالْعْدَةِلا *** نَقْصَ فِي أَعْدَادِكُمْ أو فِي الرِّفاءِ
و الأداة و القوّة و عندكم السلاح و الجُنَّة، توافيكم الدّعوة فلاتجيبون!، و تأتيكم الصّرخة فلا تعينون!، و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصّلاح و النّخبة الّتي انتخبت،
وَ ذَوُو اَلْقُوَّةِ أَنْتُمْ وَ لَكُمْ *** فِي مَرَامِيهَا أَدَاةٌ مِنْ ثَرَاءِ
وَ سِلاحٌ عِنْدَكُمْ مَا بَعْضُهُ *** جُنَّةٌ مِنَحُ كُلِّ كَرْبٍ وَ بَلاَءِ
إِنَّ تَوَافِيَكُمْ بِنَصْرِ دَعْوَتِي *** لاَ تُجِيبُونَ جَمِيعاً لِدُعَائِي!
لاَ تُعِينُونِي إِذَا مَا صَرْحَةٌ *** مِنِّي تَاتِيكُمْ بِظُلْمٍ وَ عَنَاءِ!
وَوَصَفْتُمْ أَنْتُمْ فِي خَوْضِهَا *** بِكِفَاحٍ وَ سَفَكْتُمْ لِلدِّمَاءِ
ص: 212
وَ عُرِفْتُمْ بِصَلَاحٍ وَارِفٍ *** و بِخَيْرٍ فِي مَلاءٍ وَ خَلاَءِ
وَ نُخْبَةٌ لِلْحَقِّ حِينَ انتُخِبَتْ ***كُنْتُمْ أَنْتُمْ لَهُ أُسَّ الرَّجَاءِ
و الخيرة الَّتِي اختيرت، قاتلتم العرب و تحمّلتهم الكدَّ و التّعب و ناطحتم الأُّمم و كافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون،
وَ لَهُ اخْتِيرَتْ بِحَقِّ خِيَرَةٌ *** مِنْكُمْ ذَوْداً و صَوْناً لِلْقَضَاءِ
وَ لَهُ قَاتَلْتُمُ اَلْعَرَبَ فَمَا *** ضَعُفَتْ فِيكُمْ مَقَادِيمُ اَلْفِتَاءِ
وَ تَحَمَّلْتُمْ لَهُ الْكَدَّ وَ فِي *** ذلِكم هدَّدَكُمْ سَيْلُ اَلْعَيَاءِ
وَ لَهُ نَاطِحتُمْ مِنْ فَوْرِكُمْ *** أُمَماً رَاقَتْ بِكُمْ ذُلَّ اَللِّفَاءِ(1)
وَ لَهُ كَافَحْتُمُ الشُّجْعَانَ مَنْ *** بم اَلْقَوْمٍ بِمِصْرٍ وَ قُوَاءِ
وَ لَهُ لاَ نَبْرَحُ اَلْهَادِينَ فِي *** سُنَنٍ لِلْخَيْرِ فِي حُكْمِ اَلسَّمَاءِ
وَ لَهُ نَامِرُكُمْ فِي طَاعَةٍ *** وَ لَنَا تَصْغُونَ دُوماً لِلنِّدَاءِ
نأمركم فتأتمرون، حتَّي دارت بنا رَحَي الإسلام و درَّ حُلبُ الأيَّام و خضعت ثغرة الشِّرك و سكنت فورة الإفكِ(2) و خُمدت نيران الكفر،
وَ تُطِيعُونَ وَ لاَ نَبْرَحُ أَوْ *** تَبْرَحُونَ طَائِعِينَ فِي وَلاَءِ
وَ اِسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي خَيْرٍ فَمَا *** مَالَ مِنْهُ لِأَهَاوِيلَ اَلشَّقَاءِ
ذَاكَ حُتِّيَ اَلْأَمْرُ فِينَا وَ بِنَا *** سَادَ فِي نَظْمٍ وَ فِي سير اِهْتِدَاءِ
وَ رَحِيَ اَلْإِسْلاَمِ دارتْ وَ لَهُ *** حَلْبُ الْأَيَّامِ دَرَّتْ بِالْعَطاءِ
وَ ثَغْرَةُ الشِّرْكِ إِذا ما خَضَعَتْ *** وَ رِقابَ الْكُفْرِ ذَلَّتْ لِلسِّناءِ
ص: 213
وَ لَهُ قَد سَكَنَتْ مِنْ فَوْرِها *** فَوْرَةُ الإِفْكِ وَ قَرَّتْ كَالرُّخاءِ
خُمِدَتْ نِيْرَانُ كُفْرٍ بَعْدَما *** سَجِّرَتْ مِنْ فِيْحِ حِقْدٍ وَ عِدَاءِ
و هدأت دعوة الهرج و استوسق نِظام الدِّين، فَاَنَّي حِرتُم بعد البيان؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتم بعد الإقدام؟ و أشركتم بعد الإيمان؟
هَدَأَتْ دَعْوَةُ إفك بَاطِلٍ *** هَرَجُ الدَّعْوَةِ فِي أَيْدِي الْفَنَاءِ
وَ لَهُ اسْتَوْسِقَ أَمْرُ الدِّينِ فِي *** كُلِّ نَظْمٍ وَ اِجْتِمَاعٍ و اسْتِوَاءِ
بَعْدَمَا كَانَ شَتَاةً أَمْرُهُ *** وَ شُمُوسُ الْحَّقَّ كَانَتْ فِي اِنْطِفَاءِ
كَيْفَ وَ الْآنَ... وَ أَنِّي حِرْتُم *** عَنْ بيان بَعْدَهُ عَنْ ذَا السَّنَاءِ؟!
وَ بِهِ أَسْرَرْتُمُ اَلْحَقَّ وَ قَدْ *** بَانَ فِيهِ لَكُمْ نُورُ اهْتِدَاءِ؟!
وَ نَكَصْتُمْ بَعْدَ إِقْدَامٍ لَكُمْ *** كَانَ لِلْإِسْلَامِ ضَرْباً مِنْ وِقَاءِ
وَ لَقَدْ أَشْرَكْتُمْ مِنْ بَعْدَما *** ذَلَّلَ الْإِيمَانُ أَسْبَابَ الْإِخَاءِ
ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم و همّو بإخراج الرّسول و هم قد بدؤوكم أوّل مرَّةٍ، أفتخشونهم؟
و قَطَعْتُمْ لُحْمَةَ اَلْإِيمَانِ فِي *** نَصْرِ أَهْلِ اَلْفِسْقِ في هذا اَلْوَلاَءِ
وَ لَقَدْ خَالَفْتُمْ اَلْحَقَّ بِمَا *** قَدْ نَكَثْتُمْ فيهِ أَمْرَ الْأَنْبِياءِ
وَ بِهِ خالَفْتُمْ «الْهادِيَ» الَّذِي *** حَثَّكُمْ نَصْرُ أَصْحَابِ اَلْكِسَاءِ
هَؤُلاَءِ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ *** قَاتِلُوهُمْ وَانْصُرُونَا فِي وَلاَءِ
وَ هُمْ هَمُّوا بِإِخْرَاجٍ لَكُمْ *** وَ بإِخْرَاجِ رَسُولٍ لِلسَّمَاءِ
وَ هُمْ قَدْ بَدَؤُوكُمْ أَوَّلاً *** بِقِتَالٍ وَ أَصَرُّوا فِي جَفَاءِ
أَفْتَخِشُونَهُمْ فِي مَعْرِكٍ *** وَ تَفِرُّونَ جَمِيعاً لِلْوِرَاءِ؟
فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ألاّ: قد أري أن قد أخلدتّم
ص: 214
إلي الخفض(1) و أبعدتّم من هو أحقّ بالبسط و القبض و خلدتم إلي الدّعة و نجوتم من الضِّيق بالسعة، فمججتم(2) ما وعيتم و دسعتم(3) الّذي تسوَّغتم.
إِذْنِ: اَللَّهُ أَحَقُّ خَشْيَةً *** مِنْهُمْ ظاهرٍ أو فِي خَفَاءِ
وَ بِدِينِ اَللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُمْ *** مُؤْمِنِينَ فَاسْتَجِيبُوا لِلنِّدَاءِ
قَدْ أَرِيَ قَدْ خَلَّدْتُمْ دَعَةً *** لرِياضِ الخَفْضِ فِي عَيْشِ الهَناءِ
وَ لِذَا أُبْعِدتُمْ مِن حَقُّهُ *** هُوَ فِي بسطٍ وَ قَبِضٍ فِي اَلْعَلاَءِ
وَ خُلِّدْتُمْ بَعدَهُ فِي دَعَةٍ *** وَ نَسِيتُمْ مَنْ لَهُ حَقُّ اَلْوَفَاءِ
وَ نَجَوْتُمْ مِنْ مَعَاشٍ ضِيقٍ *** لِمَعَاشٍ وارفٍ جَمِّ اَلرَّخَاءِ
فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُم أَمْرَهُ *** و دَسَعْتُمْ مَا تُسَوَّغْتُمْ لِدَاءِ
فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً، فإنّ الله لغني حميد ألآ: قد قلت ما قلت علي معرفةٍ منِّي بالخذلة الَّتي خامرتكم(4) و الغدرة الّتي استشعرتها قلوبكم.
فَإِنَّ اَلْيَوْمَ جَمِيعاً تَكْفُرُوا *** أَنْتُمُ أَوْ مَنْ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ
فَهُوَ اَللَّهُ غَنِيِّ عَنْكُمُ وَ حَمِيدٌ فِي اِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ
وَ أَنَا قَدْ قُلْتُ مَا قُلْتَ عَلَي *** بَالَغِ اَلْعِرْفَانِ فِي هَذَا اَلْوَنَاءِ
وَ عَلَي عِلْمٍ وَ فِي مَعْرِفَةٍ *** مِنِّي بالخذلَةٍ فِي هذَا اَلْخَوَاءِ
خَذْلَةٌ قَدْ خَامَرَتْكُمْ وَ لَها *** قَدْ رَكَنْتُمْ وَ فَرَرْتُمْ فِي دَهَاءِ
وَ قُلُوبٍ عَمِيَتْ فَاسْتَشْعَرَتْ *** غِدْرَةً قَدْ لَبِسَتْهَا كَالرِّدَاء
ص: 215
وَ لِعرْفَانِي بِكُمْ لاَ أَرْتَجِي *** مِنْكُمْ نَصْراً وَ لاَ حَقَّ اَلْوَفَاءِ
و لكنّها فيضة النّفس و نفثة الغيظ و خور القنا و بثّة الصّدر و تقدمة الحجّة.
فَيْضَةٌ لَكِنَّهَا مَأْلُومَةٌ *** وَ بِهَا اَلنَّفْسُ أَفَاضَتْ فِي مِلاَءِ
نَفْثَةُ الْغَيْظِ وَ خَوْرٌ فِي اَلْقَنَا *** بِهِمَا ضَاقَتْ مَسَامَاتُ الجَوَاءِ
بَثَّةُ الصَّدْرِ وَ مِنْ كِتْمانِها *** ضَاقَتِ النَّفْسُ بِهِمْ وَقْوَاءِ
وَ لأَمْرِ الصَّدْرِ اَلدِّينُ قَولي حُجَّةٌ *** وَ بَيانِي مُلْزَمٌ يَوْمَ الْجَزاءِ
لَيْسَ يُرْضِي بَعْدَهُ مِنْ غَافِلٍ *** أَوْ جهولٍ رَبُّنَا عُذْرَ اَلْجَفَاءِ
لَيْسَ بَعْدَ الْيَوْمِ قَولٌ نافِعٌ *** لَيْسَ يُجْدِي بَعْدَهُ كُلُّ فِدَاءِ
حُجَّتِي قَائِمَةٌ فِي جَمْعِكُمْ *** أَنَّا قَدْ قَدِمْتُهَا لِلْعُقَلاَءِ
فدونكموها، فاحتقبوها دبرة الظّهر، نقبة الخُفِّ، باقية العار، موسومة بغضب اللّه و شنار الأبد، موصولة بنار اللّه الموقدة،
فَخُذُوا اَلْإِمْرَةَ مِنَّا عَنْوَةً *** وَ اِنْصُبُوا فِيهَا شُخُوصَ اَلْخُلَفَاءِ
إِمْرَةً دُونَكُمُوهَا... فَأذنوا *** بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ فَي حَرْبِ السَّمَاءِ
هيَ ذِي فَاحْتَقِبُوهَا نَاقَةً *** دِبِرَةَ الظَّهْرِ لِجُرْحٍ وَ دِمَاءِ
لَمْ تَلْ بَاقِيَةَ اَلْعَارِ فَلاَ *** خِزْيُهَا يَفْنِي بِدُنْيَاً وَ فَنَاءِ
عُلِمْتْ فِي غَضَبِ اَللَّهِ وَ قَدْ *** عُلِمَتْ مَوْسُومَةٌ بِاللَّعَنَاءِ
وَ شَنَارِ الْأَبَدِ الْآتِي غَداً *** لَمْ تَزَلْ مُوْصُولَةً دُونَ خَفَاءِ
وَ بِنَارِ اَللَّهِ مُسْتَوْقَدَةً *** هِيَ فِي عَارٍ وَ نَارٍ وَ صَلاَءِ
اَلَّتِي تَطْلَّعُ علي الأفئدة، فبعين اللّه ما تفعلون، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».
ص: 216
نَارُهَا مُوقَدَةٌ سَجَّرَهَا *** لِعَذَابِ اَلْخِزْيِ جَبَّارُ السَّمَاءِ
وَ عَلِيٌ اَلْأَفْئِدَةِ اَلنَّارُ الَّتي *** تَطْلِعْ غَيْضاً بِصُبْحٍ وَ مَسَاءِ
فَبِعَيْنِ اَللَّهِ مَا كَانَ وَ مَا *** تَفْعَلُونَ ظَاهِرٌ دُونَ خَفَاءِ
وَ اَلَّذِينَ ظَلَمُونَا حَقَّنَا *** سَوْفَ يَزْدَادُونَ عِلْماً فِي اَلْجَزَاءِ
أَيْ حَالٍ فِي غَدٍ مُنْقَلَبٌ *** هُمْ لَهُ يَنْقَلِبُونَ بِالْفَناءِ
فِي جُحْتُمَ و عَذَابٍ دَائِمٍ *** وَ سَعِيرٍ فِيهِ آثَارُ الْبَقَاءِ
سَتَصِيرُونَ إِلَيْهِ نَكْساً *** فِيهِ مِنْ خِزْيٍ و عَارٍ وَ عَنَاءِ
و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنَّا عاملون و انتظروا إنَّا منتظرون.
وَ أَنَا بِنْتُ نَذِيرٍ لَكُمْ *** لِشَنَارٍ و عَذَابٍ وَ فَنَاءِ
فَاعْمَلُوا مَا شِئْتُمُ مِنْ ظُلْمِنَا *** لَيْسَ يَبْقِي الْحَقُّ دَوماً فِي خَفَاءِ
وَ لَهُ نَعْمَلُ إِنَّا وَ بِهِ *** وَجَبَ الصَّبْرُ عَلَيْنَا فِي الْبَلَاءِ
بَعْدَ ذَا فَانْتَظِرُوا وَ أَفْعَالَكُمْ ***كَيْفَ يَحُدُوها فَناءٌ مِنْ فَنَاءِ
وَ لِأَجْرِ الصَّبْرِ إِنَّا نَنْتَظِرْ *** وَ بِهِ فَوْزٌ وَ بُشَرِي فِي اَللِّقَاءِ
كُلُّنَا مُنْتَظِرُونَ فِي غَدٍ *** أَجْرَ أَعْمَالٍ لَنَا يَوْمَ الْجَزاءِ
أَيُّنَا يُخْزِي وَ يُنْجِي حِينَهُ *** وَ بِهِ يَحْكُمُ جَبَّارُ اَلسَّمَاءِ
ص: 217
فأجابها «أبوبكر» (محمد بن عثمان) و قال: يابنة رسول الله ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، علي الكافرين عذاب أليماً،
بَعْدَ ذَا قَالَ «أَبُوبِكْرٍ» لَهَا: *** مَادِحاً يُضفِّي عَلَيْهَا بِالثَّنَاءِ
وَ عَلِي خَيْرُ نَبِيِّ مُرْسَلٍ ***كَانَ وَصْفاً زَاهِراً مِثْلَ اَلسَّنَاءِ
وَ هُوَ اَلْخَصْمُ اَلْأَلَدُّ وَ لِذَا *** صَاغَ ذَا فِي ضَلِّ مَكْرٍ وَ دَهَاءِ
قَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اَللَّهِ قَدْ *** كَانَ بِالنَّاسِ أَبُوكِ كَالْفَضَاءِ!
هُوَ لِلْمُؤْمِنِ قَدْ كَانَ أَباً *** وَ بِهِ كَانَ عَطُوفاً كَالْهَوَاءِ
وَ بِهِ كَانَ كَرِيماً وَ بِهِ *** هُوَ قَدْ كَانَ رَوْؤُفاً فِي اَلْقَضَاءِ
وَ بِهِ كَانَ رَحِيماً وَ لِمَنْ *** آثَرَ الْكُفْرَ عَذَاباً كَالصَّلاَءِ
و عقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النِّساءِ و أخا إلفكِ دون الأخِلَّاء، آثره علي كلّ حميم و ساعده علي كلّ أمر جسيم، لا يحبّكم إلَّا كلّ سعيد و لا يبغضكم إلا كلّ شقيَّ،
وَ عِقَاباً عَظُمَ الْخِزْيُ بِهِ *** وَ عَظِيماً فِي إِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ
أَنْ عَزَوْنَاهُ وَ جدْنَاهُ لَكَ *** هُوَ قَدْ كَانَ أَباً دُونَ اَلنِّسَاءِ
وَ أَخَا إِلْفِكِ قَدْ كَانَ لَهُ *** نَعَمٌ خَلِّ فِي خَلاءٍ وَ مَلاءِ
وَ عَلِيَّ كُلِّ حَمِيمٍ هُوَ قَدْ *** آثَرَ الخَلَّ «عَلِيّاً» فِي الإِخاءِ
ص: 218
هُوَ قَدْ سَاعَدَهُ فِي كُلَّمَا *** حَلَّ مِنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ وَ بَلاَءِ
لَيْسَ إِلاَّ كُلِّ ذِي سَعْدٍ هوِي *** حُبَّكُمْ يَا آلَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ
وَ لَعَنَ أَبْغَضَكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَا *** لَيْسَ إِلاَّ كانَ أشقي اَلْأَشْقِيَاءِ
فأنتم عترة رسول الله الطّيّبون و الخيرة المنتجبون، علي الخير أدلَّتنا و إلي الجَنَّة مسالكنا و أنتِ يا خيرة النساء و ابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك،
لِرَسُولِ اَللَّهِ أَنْتُمْ عِتْرَةٌ *** طَيِّبُونَ كَمَلٌ حَتَّي اَلنَّهَاءِ
خِيَرَةٌ مُنْتَجَبُونَ وَ لَنَا *** أَنْتُمْ فِي اَلْخَيرِخَيْرُ اَلنُّجَبَاءِ
أَنْتُمُ الهادُون لِلْخَيْرِ لَنَا *** و أَدِلاَّءِ بِعِلْمٍ و اهْتِداءِ
وَ إِلَيَّ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ قادَةٌ *** وَ طَرِيقُ الْفَوْزِ حُبُّ الْأَصْفِيَاءِ
مسْلكُ الْجَنَّةِ وَ اَلْفَوْزِ وَ مَا *** عَدَّهُ اَللَّهُ بِكُمْ سَهْلُ اَللِّقَاءِ
أَنْتِ يَا فَاطِمُ مِنْ خَيْرِ النَّسَا *** وَ ابْنَةُ الْمَبْعُوثِ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ
أَنْتِ فِي قَوْلِكِ لِي صَادِقَةٌ *** لَيْسَ مِينٌ قَطُّ فِي ذَا اَلْإِدْعَاءِ(1)
سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقكِ و لامصدودة عن صدقك، و للِّه ما عدوت رأيَ رسولِ اللّه صلي الله عليه و آله و سلم !!! و لاَعملت إلاَّ بإذنه و إنَّ الرَّائِدَ لا يُكَذِّبُ أهله و إنِّي أُشهد الله و كفي به شهيداً،
أَنْتِ فِي وَفْرَةِ عِلمٍ وَحَجا *** فِيهِمَا سَابِقَةُ كُلِّ اَلنِّسَاءِ
غَيْرُ مَرْدُودَةِ حَقِّ عِنْدَنَا *** وَ لَكَ حَقِّ عَلَيْنَا بِالْوَفاءِ
وَ عَنِ الصِّدْقِ فَلا مصدودَة *** شَأنُكِ اَلصِّدْقُ بِجَمْعٍ وَ خَلاَءِ
أَنَا وَلَلُهُ -بِحُكْمٍ وَ قَضَا- *** مَاعَدَوتُ رَأْيَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ!!!
ص: 219
عَمَلِي هَذَا بِإِذْنٍ مِنْهُ لِي *** مَاعَمَلْتُ دُونَ إِذْنٍ وَ اِقْتِفَاءِ
أَبَداً لاَ يَكْذِبُ اَلرَّائِدُ إِنْ *** عُدَّ مِنْ أَهْلٍ لَهُ فِي الإنتماءِ
أُشْهِدُ اَللَّهَ بِأَمْرِي وَ كفِّي *** إِنَّهُ فِي اَلْأَمْرِ نِعْمَ اَلشُّهَدَاءِ
أنِّي سمعت رسول الله يقول: «نحن معاشر الأنبياء، لا نورّث ذهبا و لَا فضّة و لَا داراً و لا عقاراً؛ وإنَّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبّوة و ما كان لنا من طعمة فلوالي الأمر بعدنا، أن يحكم فيه بحكمه».
إِنَّنِي فِي ذَا سَمِعْتُ قَوْلَةً *** لِرَسُولِ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ
إِذْ يَقُولُ: -وَ هُوَ الاصادِقُ فِي *** كُلِّ قَوْلٍ قالَهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ
لَانُوَرِّثْ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً *** أو عَقَاراً... نَحْنُ جَمَعَ اَلْأَنْبِيَاءَ!
إنَّما نَحنُ نُوَرِّثْ بَعْدَنَا *** حِكْمَةً تَنْضَجُ فَهُمُ اَلْحُكَمَاءِ!
أَوْ كتاباً نَافِعاً فِي كُلَّمَا *** خُصَّ مِن عِلْمٍ وَ نُورٍ و شِفَاءِ!
أَوْ نُبُوءَاتٍ ومَاكَانَ لَنَا *** بَعْدَنَا مِن طُعْمَةٍ أَوْ مِنْ حِبَاءِ!
فَلِوَالِي الْأَمْرِ يَحْكُمُ فِيهِ مَا *** يَجِدُ الْحُكْمَ بِهِ كَالْأُمَرَاءِ!
و قد جعلنا ما حاولته في الكُراع و السّلاح، يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفّار و يجالدون المردة الفجّار و ذلك بإجماع من المسلمين !! لم أنفرد به وحدي و لم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي و هذه حالي و مالي؛ هي لَكِ و بين يديكِ؛ لا تزوي عنكِ و لا تدَّخر دونكِ، أنتِ سيدة أمّة أبيكِ،
وَ جَعَلناما بِنَا حَاوَلْتِهِ *** فِي كُرَاعٍ وَ سِلاَحٍ وَ كِرَاءِ
وَ بَهَا قَدْ جَهَّزُوا مَنْ أَسْلَمُوا *** لِقِتَالٍ وَ جِهَادٍ... بِسَخَاءِ!
و لِكُفَّارٍ وَ فُجَّارٍ بِهَا ***جَالدوا مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ اَلسَّمَاءِ
وَ بإجماع... وَ مَا ذَاكَ سِوَي *** رَأْيُ مَنْ أَسْلَمَ، فِي أَمْرِ اَلْحَبَاءِ!!
ص: 220
أنَا فِيهِ لَسْتُ وَحْيَ قَاطِعاً *** حُكْمَ فَرْدٍ مُسْتَبِدٍ بِالْقَضَاءِ
هَذِهِ حَالِي ومَالِي هِيَ ذِي *** عَنْكَ لاَ تُزْوِي بِعُسْرٍ وَ رَخَاءِ!(1)
دُونَكِ لاَ شَيءَ حَتماً يُدَّخَر *** أَنْتَ فِي الْأُمَّةِ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ
الشجرة الطيّبة لبنيكِ، لا يُدفع ما لَكِ من فضلك و لا يوضعُ في فرعك وأصلكِ، حكمك نافذ فيما ملكت يَدايَ، فهَل ترين أن أُخُالف في ذلكَ أبَاكِ صلي الله عليه و آله و سلم.
لِبَنِيكِ أَنْتِ كُنْتِ شَجَراً *** طابَ مِنْهَا أَصْلُهَا فِي الإِنْتِمَاءِ
فَلَكَ مَالَكَ مِنْ فَضْلٍ فَلَا *** يَدْفَعُ الْفَضْلُ... لَكِ حَتِّي النَّهَاءِ
لَا وَ لَايُوضَعُ فِي فَرْعٍ وَ لاَ *** لَكِ فِي أَصْلٍ نَقِيِّ كَالسَّنَاءِ
حُكْمُكِ فِيما مَلَكَتُ نَافِذٌ *** هُوَ قَطْعِيِّ كَحُكْمِ اَلْأُمَرَاءِ
أَفْهَلْ تَرْضَيْنَ فِي ذَاكَ لَنَا *** أَنْ نُخَالِفْ فِيهِ خَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ
ص: 221
فقالت عليها السلام: سبحان اللّه... ما كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم عن كتاب اللّه صادفاً(1) و لا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره و يقفو سُوَرَهُ، أَفَتَجْمعون إلي الغدر؛ اعتلا لاً عليه بالزور.
فَأَجَابَتْ فَاطِمٌ مِنْ عَجَبٍ *** ثُمَّ قَالَتْ فِي هُدُوءٍ وَ اهْتِدَاءِ
-لِأَبِي بَكْرٍ- فَسُبْحَانَ الَّذِي *** مَرْجِعُ اَلْخَلْقِ إِلَيْهِ فِي اَلنَّهَاءِ
عَنْ كِتَابِ اَللَّهِ مَا كَانَ أَبِي *** صَادِفاً عَنْهُ بِلَيْلٍ وَ ضِحَاءِ
وَ لِأَحْكَامٍ أَتَتْهُ فِيهِ لاَ ***كَانَ يَوْماً فِي خِلاَفٍ وَ عَدَاءِ
بَلْ أَبِي كَانَ يُؤَدِّي مَا بِهِ *** وَ لَقَدْ كَانَ لَهُ فِي أَقْتِفَاءِ
وَ لآثَارٍ لَهُ أَوْ سُورٍ *** كَانَ يَقْفُو مَا بِهَا مِنْ أَهْتِدَاءِ
أفإجماعٌ إِلَي اَلْغَدْرِ لَكُمْ *** وَ عَلَيْهِ الزُّورُ زِدْتُمْ فِي اِفْتِرَاءِ؟!
و هذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغِي لهُ من العوائل في حياتهِ، هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً و ناطقاً فصلاً يقول: «يرثُنِي و يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»، «وَوَرَثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ»، فبَّين (عزّوجلّ) فيما وزَّع من الأقساط،
كُلُّ هَذَا بَعْدَما فَارَقَنَا *** فِيهِ بِالْمَوْتِ أَمِيرٌ اَلْأَنْبِيَاءِ
ص: 222
هُوَ ذَا بَغْيٌ لَكُمْ فِي مَوْتِهِ *** يَشْبِهُ اَلْبَغْيَ لَهُ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ
فَرَسُولُ اَللَّهِ لاَقِي مِنْكُمُ *** مِنْ أَذِيَ فِي عُمُرِهِ، أَوْ مِنْ بَلاَءِ
وَ كِتَابُ اَللَّهِ هَذَا حُكْماً *** نَاطِقاً فَصْلاً وَ عَدْلاً فِي الْقَضَاءِ
وَ هُوَ الْقائِلُ فِي حُكْم لَهُ *** وَاضِحٍ فِي اَلْإِرْثِ إِرْث الْأَنْبِيَاءِ
فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي تَوْرِيثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ بَيْنٌ شِبْهُ اَلضِّيَاءِ
بَيَّنَ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** كُلَّ أَقْسَاطِ فُرُوضٍ وَ حِباءِ
و شرّع من الفرائض و الميراث؛ ما أزاح علّة المبطلين و أزال التظنِّي والشُّبهات في الغابرين كلَّا، بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً، فصبرٌ جميلٌ، و اللّه المستعان علي ما تصفون.
وَ بِهِ قَدْ شَرَعَ اَلْمِيرَاثَ مِنْ *** فَرْضِ إِرثٍ لِذُكُورٍ و نِسَاءِ
مَا أَزاحَ عِلَّةَ المُبطِلِ في *** كُلِّ قَولٍ بَاطِلٍ أوْ إِفْتِرَاءِ
وَ أَزالَ الظَّنَّ وَ اَلشُّبْهَةَ فِي *** حِكْمِهِ فِي الْغَابِرِينَ لِلنَّهاءِ
لَيْسَ فِي اَلْأَمْرِ عَلَيْكُمْ لَبْسَةٌ *** بَلْ تَنَكَّرْتُم لِإِرْثِ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)
سَوَّلَتْ أَنْفُسُكُمْ أمراً بِذا *** لَيْسَ غَيْرُ الْمَكْرِ فِيهِ وَ اَلدهَاءِ
لَيْسَ إِلاَّ اَلصَّبْرُ أَحَجِّي وَ عَلَي *** مِثْلِ هَذَا لَجَمِيلٌ لِي بَلاَئِي
وَ هُوَ اَللَّهُ قَدِيرٌ وَ بِهِ ***مُستَعانِي بِبَلاَءٍ وَ رَخَاءِ
وَ عَلَي مَا تَصِفُونَ اَلْيَوْمَ لاَ *** أَرْتَضِي إِلاَّهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ
ص: 223
فقال أبوبكرٍ: صدق الله و صدق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و صدقت ابْنتُهُ، أنتِ معدن الحكمة و موطن الهدي و الرحمة و ركن الدِّين و عين الحجّة، لا أُبعد صوابكِ و لاَ أُنكرُ خطابكِ، هؤُلَاء المسلمون بيني وبينك، قلَّدونِي ما تقلَّدتُ؛
وَ «أَبُوبَكْرٍ» لِذَا قَالَ لَهَا: *** صَدَقَ اللَّهُ وَخَيرُ الأنبِياءِ!!
و بَذا قَدْ صَدَقَتْ إبْنَتُهُ *** مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ أَنتَ والذّكاءِ
مَوْطِنُ الرَّحِمِةِ أَنْتِ وَ اَلْهُدْي *** أَنْتَ رُكْنُ اَلدِّينِ فِي هَذَا اَلْبِنَاءِ
أَنْتِ لِلْحُجَّةِ عَيْنٌ أَنَا لاَ *** أُبْعِدُ مِنْكَ صَوَاباً فِي اَلْقَضَاءِ
لاَ وَ لاَ أَنْكِرُ مِنْكَ خُطْبَةً *** وَ خِطَاباً شَافِياً فِيهِ شِفَائِي
هَؤُلاَءِ وَ هُمْ مَنْ أَسْلَمُوا *** بَيْنَنَا نَحْنُ جَمِيعاً بِالْإِزَاءِ
وَ هُمْ قَدْ قَلَّدُونِي ما بِهِ *** قَدْ تَقَلَّدْتُ بِحُكْمِ الفُهَماءِ
و باتِّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابرٍ و لا مستبدٍ، لا مستأثرٍ و هُم بذَلِكَ شهودٌ.
إِنْفاقٌ مِنْهُمْ قَدْ قَادَنِي *** أَنْ أَخَذْتُ مَا أَخَذْتُ مِنْ حِبَاءِ
غَيْرَ مَا مُسْتَأْثِرٍ فِيهِ وَ لاَ *** مُسْتَبِدِّ فِيهِ فِي شرعِ اَلْقَضَاءِ
غَيْرَ مَفْتُونٍ وَ لَا مُكَابَرٍ *** فِيهِ فَاسْتَفْتَوْا جَمِيعَ الشُّهَدَاءِ
وَ هُمْ أَيْضاً شُهُودٌ وَ هُنَا *** حَضَرُوا جَهْراً وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ
ص: 224
بل رانَ(1) عَلي قلوبكم
فالتفتت فاطمة عليها السلام إلي النّاس و قالت: معاشر النَّاس المسرعة إلي قيل الباطل، المغضية علي الفعل القبيح الأسر، ««أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَي قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟» كلاَّ .. بل رانَ علي قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم،
وَ إِلَي الناسِ الحُضُورِ الْتَفَتتْ *** فَاطِمٌ فِي كُلِّ عِزٍ و إباءِ
ثُمَّ قَالَتْ: مَعْشَرَ اَلنَّاسِ اَلْأَلِي *** تَشْرَعُ اَلْيَوْمَ لَقِيلٍ وَ افْتِراءِ
هِيَ لِلْبَاطِلِ أَوْ أَقْوَالِهِ *** شَاأَنَهَا مُسْرِعَةٌ فِي ذَا اَلْعَيَاءِ
وَ عَلَيَّ فِعْلٍ قَبِيحٍ خَاسِرٍ *** هِيَ ذِي مُغْضِيَةٌ دُونَ حَيَاءِ
هَا هُوَ القُرْآنُ حَقٌ أَفَلا *** فيهِ يُدَبِّرُ عَقْلُ الْفُهَمَاءِ
أَمْ عَلَيْهِ وَ عَلَي أَحْمَازِهِمْ *** قَفِلَتْ أَقْفَالُهَا فِي ذَا اَلْجَفَاءِ
فِيهِ بَلْ رَانَ عَلَي قُلُوبُكُمْ *** مَا أَسَأْتُمْ فِي جَفَاءٍ وَ قَضَاءِ
فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأوَّلتم و ساء ما به أشرتم و شرّ ما به إعتضتم، لتجدُّنَّ -واللّه- محمله ثقيلاً و غيّه وبيلاً،(2) إذا كُشف لكم الغطاءُ؛ وبان ما ورائه الضرَّاء،
أَخَذ اللَّه لِهَذَا سَمْعَكُمْ *** وَ بِأَبْصَارِكُمْ فِي اَلإِنْتهَاءِ
ص: 225
بِئْسَ مَا أَحْدَثْتُمْ أَوْ مَا بِهِ *** قَدْ تَأَوَّلْتُمْ لِأَحْكَامِ السَّمَاءِ
وَ لَقَدْ سَاءَ بِحُكْمٍ مَا بِهِ *** قَدْ أَشَرْتُمْ دُونَ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ
شَرِّ مَا مِنْهُ بِهِ إِعْتضْتُمُ *** وَ خَسِرْتُمْ فِيهِ أَسْبَابَ الْوَلاَءِ
تَجِدْنَّ فِي غَدٍ -واللَّهُ- ما *** يَثْقُلُ الْحَمْلُ بِهِ يَوْمَ الْجَزَاءِ
غَيُّهُ كَانَ وَبِيلاً عِنْدَمَا *** يَكْشِفُ الحَقُّ بِكَشفٍ للْغِطَاءِ
وَ يُبَينُ مَا بِهِ السِّتْرُ اخْتفي *** وَ هُوَ الضَّرَّاءُ مِنْكُمْ فِي الْوَرَاءِ
وبذا لكم من ربكم؛ ما لم تكونوا تحسبون و خسر هنالك المبطلون.
و بَدَا مِنْ رَبِّكُمْ فِيهِ لَكُمْ *** مَنْ بِهِ لَمْ يَكُ فِيهِ بِالْهَتَدَاءِ
لَمْ تَكُونُوا تَحْسَبُونَ غَيَّهُ *** هَا هِيَ اَلنَّارُ لِحَرْقٍ وَ صَلاَءِ
إِنَّمَا اَلْمُبْطِلُ فِيهِ خَاسِرٌ *** خَسِرَ اَلْمُبْطِلُ مِنْ بَعْدِ اِهْتِدَاءِ
ص: 226
ثُمَّ انكْفَاَتْ عليهم السلام و أمير المؤمنين عليه السلام يتوقَّع رجوعها إليه و يتطلّع طلوعها عليه، فلمّا استقرّت بها الدّار؛ قالت لِأمير المؤمنين عليه السلام: يابن أبِي طالب، اشتملت(1) شملة الجنين و قعدتَ حجرة الظّنيِن، نقضت قادمة الأجدل،(2)
رَجَعَتْ فَاطِمَةٌ و اِنْكَفَأَتْ *** بِعَدَمَا دَانَتْ جَمِيعَ الْخُلَفَاءِ
وَ عَلِيَّ كَانَ فِي الدَّارِ لَهَا *** يَتَطَلَّعْ لِرُجُوعٍ وَ انْكِفاءِ
وَ بِهَا الدَّارُ إِذَا مَا سرَّ مِنْ *** أَوْبَةٍ قَرَّتْ بِهَا وَسَطَ الْفِنَاءِ
حِينَهَا قَالَتْ لِمَا قَدْ نَالَهَا *** «لِأَمِيرِاَلْمُؤْمِنِينَ»، مِنْ بَلاَءِ
أَنْتَ يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ *** اِشْتَمَلَتْ كَجَنِينٍ في غِشاءِ
وَ قَعَدَتَّ حُجْرَةَ الْمَظْنُونِ مَنْ *** بِهِ التُّهَمَةُ حَلَّتْ فِي الْقَضَاءِ
وَ نَقَضْتَ مِنْ مَقَادِيمٍ بِهَا *** كُلُّ طَيْرٍ طَائِرٌ فِي ذَا الْفَضَاءِ
فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة؛ يبتزّني نحلة أبي، و بلغة إبني، لقد أجهر في خصامي و ألفيته الألدَّ في كلامي،
وَ بِهَا الْأَجْدَلُ فِي تَحْلِيقِهِ *** يَخْرِقُ الْأَبْعادَ فِي جَوْفِ السَّماءِ
ص: 227
صِرْتَ أَلْآنَ لِأَمْرٍ أَغرَلاً *** مِن سِلاحٍ وَ كُرَاعٍ وَلِواءِ
هُوَ ذَا إبنُ أَبِي قُحَافَةٍ *** بَزَّنِي نِحلةَ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ
هُوَ ذَا يَبْتَزُّنِي إِرْثَ أَبِي *** وَ لِإِبْنِيَّ مَعَاشاً فِي اِكْتِفَاءِ
وَ لَقَدْ أَجْهَرَ فِي خُصُومَتِي *** وَ خِصامِي دُونَ خَوْفٍ و خَفَاءِ
وَ لَقَدْ ألْفَيْتُهُ اللُّدَّ الَّذِي *** فِي كَلامِي كَانَ لِجَاً بِالْهَرَاءِ
وَ هُوَ الْحَاكِمُ وَ الشَّاهِدُ فِي *** كُلِّ دَعْوَي سَاقَهَا عِنْدَ اَلْقَضَاءِ
حتَّي حبستني قيلة نصرها و المهاجرة وصها و غضَّتِ الجماعة دوني طرفها، فلاَ دافع و لا مانع، خرجتُ كاظمة، وعدتُ راغمة،
حَبَسَتْنِي قَيلَةٌ عَنْ نَصْرِهَا *** وَ هِيَ الْيَوْمَ عَليَّ غيرِ اهتِداءِ
دِينُها دِينُ مُلُوكٍ إِنَّهَا *** عَدَلَتْ عَنَّا إِلَيَّ سُوءِ وَلاَءِ
وَ لَإِسْعا فِي وَ وَصْلِي اِمْتَنِعُوا *** مِنْ بِهِمْ هَاجَر خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ
دُونِيَ اَلطُّرْفُ غَدَتْ مَغْضُوضَةً *** مِنْ جَمَاعَاتٍ بِهِمْ كانَ رَجائِي
لَيْسَ لِي فِي الْأَمْرِ غَيْرِي دَافِعٌ *** لَيْسَ غَيْرِي مَانِعٌ لِلْإِعتداءِ
قَدْ خَرَجْتُ مِنْ هُنَا كَاظِمَةٌ *** كُلَّ آلاَمِي وَ حُزْنِي وَ بَلائِي
ثُمَّ عُدْتُ بَعْدَها رَاغِمَةً *** دُونَ حَقِّ وَ حُقُوقٍ وَ وَلاَءِ
أضرعت خدَّكَ، يوم أضعتَ حدَّكَ، إفترست الذئَاب و افتَرشتَ التراب، ما كففتَ قائِلاً؛ ولا أغنيتَ باطلاً و لا خيار لي، ليتني متُّ قبل هينتي، و دونَ ذِلَّتِي،
وَ لَقَدْ أَضْرَعْتَ أَنْتَ اَلْيَوْمَ في *** خَوضِها خَدَّكَ شِبْهَ اَلْجُلَسَاءِ!
وَ تَرَكْتَ حَدَّكَ اَلْقَاهِرَ فِي *** طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ جَاءَتْ بِالْبَلاَءِ!
إفتَرسْتَ لِذِئَابٍ قَبْلَ ذَا *** فِي حُرُوبِ اَلْأَمْسِ لَجَّتْ بِالدِّمَاءِ
ص: 228
وَ اِفْتَرَشَتَ اَلْأَرْضَ مِنْ بُؤْسٍ وَ مِنْ *** فَاقَةٍ شَبَهَ جُلُوسِ اَلْفُقَرَاءِ
ماكَفَفْتَ قَائِلاً عَنِّي وَ لاَ *** بَاطِلاً أَغْنَيْتَ عَنِّي فِي بَلاَئِي
لَيْسَ لِي فِي ذَا خِيَارٌ إِنَّنِي *** لَا اخْتِيَارَ لِي بِجَنْبِ اَلْأَقْوِيَاءِ
لَيْتَنِي قَدْ مِتُّ قَبْلَ هِينَتِي *** دُونَ ذُلِّي فِي اِفْتِرَاءٍ وَ عِدَاءِ
عذيري اللَّه منك عادِياً و منك حَامِياً، وَيلايَ في كلِّ شارق، مات العمد و وهنَ العضد؛ شكواي إلي أبي و عَدوايَ إلي ربِّي، اللَّهُمَّ أنتَ أَشدُّ قُوَّةً وَ حولاً،
فِنْتَةٌ فِيهَا عُذِيرِي اللَّهِ مِنْك *** عَادِياً فِيهَا ومِنْكَ فِي احْتِمَاءِ
شِدَّتِي... وَيْلاَيَ مِنْهَا كُلَّمَا *** شَرِقَتْ شَمْسٌ وَ غَابَتْ فِي مَسَاءِ
مَاتَ لِلدِّينِ لِشَأْنٍ عَمدٌ *** وَ هُنَّ العَضُدُ بِهِ يَوْمَ اللِّقَاءِ
عَمْدُ اَلدِّينِ أَبِي «مُحَمَّدٌ» *** وَ عَلِيٌّ عَضَدٌ صَعْبُ اَلْوَفَاءِ
لِأَبِي شَكْوَايَ عَدوايَ إِلَي *** رَبِّي لاَ أَعْدُوهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ
أَنْتَ اَللَّهُمَّ رَبِّي وَ لِذَا *** فِي أُمُورِي لَكَ أَصْبُو فِي دُعاءِ
أَنْتَ في هذا أَشَدُّ قُوَّةً *** أَنْتَ فِي حَوْلٍ مُبِيرٌ الأَشْقياءِ
وأحدُّ بأساً تنكيلاً، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاَويلَ عليكِ، الويل الشانئَكِ، نهنهِي(1) عن وجدّكِ يا بنَةَ الصَّفوَةِ و بقية النّبؤَّةِ، فما و نيتُ عن ديني و لا أخطَأتُ مقدوري، فإن كنتِ تريدينَ البلغة فرزقُكِ مضمون،
وأَحَدُّ مِنهُم بَأْساً وَ في *** قُوَّةِ اَلتَّنْكِيلِ غَيْثٌ مِنْ بَلاَءِ
وَ عَلِيُّ عِنْدَهَا قَالَ لَهَا: *** لاَ عَلَيْكِ اَلْوَيْلُ يَا خَيْرَ اَلنِّسَاءِ
هَا هُوَ اَلْوَيْلُ لِشَانِيكِ فَلاَ *** تَحْزَنِي يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ
ص: 229
نَهنِهِي عَنْ وَجْدِكِ اَلْآنَ فَلاَ *** تَأْسَفِي يَا أبنةَ نِعْمَ الْأَصْفِيَاءِ
أَنْتِ يا فاطِمُ مِنْ بَقِيَّةٍ *** لِلنَّبُوَّاتِ لَها كُلُّ الثَّناءِ
مَا وَنَيْتُ اليَومَ عَن دِينِي ولا *** إِنَّنِي أَخْطَأْتُ مَقدُوري بِداءِ
أَنْتِ إِنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ بِهِ *** بُلْغَةً فَالرِّزْقُ مَضْمُونُ اَلْبَقَاءِ
وكيفلكِ مأمون و ما أُعِدَّ لَكِ خيرٌ ممَّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي اللَّهَ.
أَوَ لَيْسَ اَللَّهُ فِي ذَا كَافِلاً *** رِزْقَ مَا فِي اَلْأَرْضِ أَوْ مَا فِي اَلسَّمَاءِ؟
وبِهِ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** هُوَ مَأْمُونٌ بِهِ مُنْذُ ابْتِداءِ
وَ لَكِ ما قَدْ أَعَدَّ عِنْدَهُ *** لَكِ فِيهِ الْأَجْرُ فِي يَوْمِ اَلْجَزَاءِ
عِزَّةٌ فَخْرٌ شُمُوخٌ نِعْمَةٌ *** وَ بِهِ خُلدُ بَقَاءٍ بِبَقَاءِ
كُلُّهُ أَفْضَلُ مِمَّا قَطَعُوا *** عَنْكِ مِنْ إِرْثٍ وَ حَقِّ وَ حِبَاءِ
وَ بِهِ فَاحتَسِبِي اللَّه اَلَّذِي *** لِرِضَاهُ اَلصَّبْرُ يَحْلُو فِي اَلْبَلاَءِ
هِيَ لِلَّهِ وَ لِلدِّينِ ارْتضتْ *** بَعْدَ ذَا وَ اِمْتَثَلْتْ أَمْرَ اَلسَّمَاءِ
فقالت: حسبيَ اللَّهُ.
وأمسكَتْ.
بامتثالٍ لِعَلِيِّ زَوْجَهَا *** ووَصيِّ هُوَ خَيْرُ الأوصياءِ
ثُمَّ قَالَتْ: حَسْبِيَ اَللَّهُ فَلَمْ *** يَسْتَمِعْ مِنْهَا كَلاَماً لِلنَّهاءِ
ص: 230
إِنَّ داراً حَدِيثُ الكِسَاءِ*** دَارُ مَجدٍ سَمَت عَلَي الجَوزاءِ(1)
ص: 232
ص: 233
ص: 234
مَا جَرَيَ بَعْدَ أَحْمَدٍ لِذَوِيهَا *** مِنْ جَلِيلِ اَلْمُصَابِ وَ الْأَرْزَّاءِ
كَبَسُوا بَابَهَا بِجَزَلٍ وَ نَارٍ *** وَ عَلَتْ ثَمَّ ضَجَّةُ اَلْغَوْغَاءِ(1)
أَيُّ ذَنْبٍ لِفَاطِمٍ يَوْمَ لاذَت *** خَلْفَ بَابٍ عَنْ عِفَّةٍ وَ حَيَاءِ
فَلِمَاذَا اتَّكِيَ عَلَي الْبَابِ عَمْداً *** عاصِراً جِسْمَهَا بِكُلِّ اِعْتِدَاءِ
كَسَرُوا ضِلْعَهَا، وَ قَدْ نَبَتَ *** الْمِسْمَارُ فِي اَلثَّدْيِ نَابِعاً بِالدِّمَاءِ
أَسْقَطَتْ مُحَسِّناً جَنِينَ حَشاهَا *** إِنَّ قَلْبَ اَلْإِنْسَانِ بِالْأَحْشَاءِ(2)
ثُمَّ قَادَرُوا بِالْحَبْلِ قَسْراً عَلِيّاً *** وَ هُوَ يَدْعُو بِسَيِّدِ اَلشُّهَدَاءِ(3)
ص: 235
يَا أَخِي جَعْفَرٌ وحَمَزَهُ عَمِّي *** أدرِكونِي يا سَادَةَ اَلْبَطْحَاءِ
ثَوْتِ اَلطُّهْرِ وَ هِيَ مُغْمي عَلَيْهَا *** بُزْهَةٍ لَمْ تُفِقْ مِنَ الإِغْمَاءِ(1)
أَخْرَجُوا بَعْلَهَا وَ حِينَ أَفَاقَتْ *** تَبِعَتُهُمْ بِصَرْخَةٍ وَ بُكَاءِ(2)
ثُمَّ حالَتْ بَيْنَ اَلْوَصِيِّ وَ قَوْمٍ *** أَخَذُوهُ بِقيدِ شِبْهِ اَلسَّبَاءِ(3)
كَيْفَ لاَ تَهْبِطُ اَلسَّمَاءُ لِأَرْضٍ *** أَيُّ عُذْرٍ تَرَاهُ لِلْخَضْرَاءِ
مُذْغَدَتْ تَلْتَوِي عَلَيَّ بُضْعُةِ الْهَادِي *** سِيَاطُ اَلذُّحُولِ وَ الْبَغْضاءِ(4)
وَ مَحَوْا عَيْنَها بِلَطْمِةِ كَفِّ *** جَلَّلَتْهَا بِحُلَّةٍ حَمْرَاءِ(5)
كُلُّ مَا كَانَ يَوْمَ ذَاكَ نَوَاةٌ *** لِمُصَابِ اَلْحُسَيْنِ فِي كربلاَءِ
فَبِضلْعِ اَلزَّهْرَاءِ كَمْ صَدْرِ قُدسٍ *** رَضَتِ اَلْخَيْلُ فِي ثَرْيِ اَلرَّمْضَاءِ
خَرَجَتْ فَاطِمٌ لِقَبْرِ أَبِيهَا *** تَشْتَكِي لاَ كزينب اَلْحَوْرَاءِ
ص: 236
هَذِهِ بَيْنَ لُمَّةٍ مَنْ نِسَاهَا *** تِلكَ مَا بَيْنَ جَحْفَلِ اَلْأَعْدَاءِ(1)
هَذِهِ أَجْهَشَ الوَرَي لِبُكاها *** تِلْكَ قاسَتْ شَمَاتَةَ الْخُصَمَاءِ(2)
إِنَّ رُزءَ الحُسَينِ رُزءٌ عَظيمٌ *** ما لَهُ مَشَبَّةٌ مِنَ الأرزاءِ
ص: 237
(بحر الخفيف)
الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)
قَدْ رَوِينَا عَنْ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ *** بَضْعَةِ المصطَفي حَدِيثَ اَلْكِسَاءِ
دَخَلَ الْبَيْتَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَيْهَا *** وشَكَا اَلضَّعْفَ سَيِّدُ اَلْأَنْبِيَاءِ
قُلْتُ: يَا وَالِدِي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ *** مِنَ اَلضَّعْفِ وَ اَلضَّنِي وَ اَلْعَنَاءِ(2)
قَالَ: هَاتِي لِيَ الْكِسَاءَ اَلْيَمَانِيَّ *** وَ حَسْبِي بِأَنْ يَكُونَ عِطَائي
فامتَثَلْتُ الأَمْرَ الكَريمَ وَأَبْصَرْتُ *** مَحياهُ مُشرِقاً بِالْبَهاءِ(3)
ولِضِيقِ الخِنَاقِ فِي اَللَّفْظِ قَالَتْ: *** وَجْهُهُ اَلْبَدْرُ كَامِلاً فِي اَلضِّيَاءِ(4)
ثُمَّ لَمْ تَمْضِ سَاعَةً فَغَشَّانِي *** اَلْحَسَنُ اَلطُّهْرُ بِالسَّلامِ الفجائي
وَ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ قُرَّةَ عَيْنِي *** وَسُويدا اَلْفُؤَادِ فِي الْأَحْشَاءِ(5)
وَ انْثَنِي سَائِلاً فَقَالَ: أَمْسِكٌ *** عِنْدَ أُمِّي يَضُوعُ فِي اَلْأَرْجَاءِ(6)
أَمْ تَرَانِي شَمِمْتُ رَائِحَةَ مَنْ *** نَفَخَ طَيبَ المحبُوِّ بِالإِصْطفاءِ(7)
ص: 238
قُلْتُ: هَذَا اَلنَّبِيُّ يَا مَنْ بِهِ قَدْ *** بَاهَلَ اَللَّهُ سَائِرَ اَلْأَبْنَاءِ
نَامَ تَحْتَ الكِسَا فَجَاءَ إِلَيْهِ *** مَعَ أَسْنِي تَحِيَّةٍ وَ ثَنَاءِ(1)
قائِلاً: يا حَبِيبَ قَلْبِي فَحَقِّقْ *** بِدُخُولِي مَعَ الْحَبِيبِ رَجَائِي
فَاسْتَجَابَ النَّبِيُّ بِالْإِذْنِ فَوراً *** إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُجِيبَ النِّدَاءِ
حَضْنَ اَللَّيْثُ شِبْلَهُ، قَالَتِ اَلطُّهْرُ: *** فَجَاءَ اَلْحُسَيْنُ فِي اَلْأَثْنَاءِ
قَائِلاً: يَا ابْنَةَ اَلْكِرَامِ سَلاَمٌ *** وَ صَلاةٌ عَلَيْكِ سِتَّ اَلنِّسَاءِ(2)
وَ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ فِلَذَّةُ قَلْبِي *** بَلْ فُؤَادِي يَمْشِي عَلَيَّ اَلْغَبْرَاءِ
وَ أَعَادَ اَلسَّوَالَ: عِنْدَكَ طِيبٌ *** عَبِقَتْ فِيهِ سَائِرُ اَلْأَنْحَاءِ(3)
أَكْبَرُ اَلظَّنِّ أَنَّهُ طِيبُ جَدِّي *** مُصْطفَي الْفَضْلِ مِنْ بَنِي حَوَّاءِ
قُلتُ: ذَا جَدُّكَ اَلنَّبِيُّ قَرِيناً *** لِأَخِيكَ اَلزَّكِيِّ تَحْتَ اَلْكِسَاءِ
فَمَضَيَ نَحْوَ جَدِّهِ عَنْ غُرَامٍ *** ثُمَّ حَيَّاهُ سَيدالشُهَدَاءِ
قائِلاً: هَل يَجُودُ بِالْإِذْنِ جَدِّي *** فَهُوَ لِلجُودِ مَعْدِنٌ وَ اَلسَّخَاءِ
أَنْ يَكُونَ اَلْحُسَيْنُ تَلْوَ أَخِيهِ *** ثانِيَ اثنيْنِ، ثَالِثَ اَلْقَرْنَاءِ
أُتْرِي اَلْمُصْطَفِي يَرُدُّ حُسَيْناً *** لاَ وَ ذِي الْعَرْشِ صَاحِبِ اَلْكِبْرِيَاءِ
أَشْرَقَ اَلْفَرْقَدَانِ فِي ذِي اَلسَّمَاءِ *** وَ اِسْتَمَدَّا سِنَاهُمَا مِنْ ذَكَاءِ(4)
قَالَتِ اَلطُّهْرُ اَلْفَاطِمُ اَلزَّهْرَاءُ *** وَ كَفَانَا بِفَاطِمِ اَلزَّهْرَاءِ!
ثُمَّ جَاءَ اَلْوَصِيُّ خَيْرُ البرايَا *** ألف أهْلاً بِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ
ثُمَّ حَيَّاً بِكُلِّ وُدِّ وَ شَوْقٍ *** مَا أُحَيلَي تَحِيَّةَ اَلْأَكْفَاءِ
ص: 239
وَ هِيَ رُدَّتْ عَلَيْهِ رَدّاً جَمِيلاً *** وَ هُمَا؟ مَنْ هُمَا مِنَ اَلْبُلَغَاءِ
نَفَحَ اَلطِّيبُ فاستهَامَ ادكاراً *** لِشِذَاهُ مِنْ قِبَلِ عَهْدِ حِرَاءِ(1)
قَالَ: يافاطمٌ أَرَائِحَةٌ مِنْ *** طِيبِ خُلْقِ اَلنَّبِيِّ رَبِّ اَلْعَلاَءِ
قُلْتُ: هَذَا أَبِي وَ سِبْطَاهُ ضَاؤُوا *** تَحْتَ هَذَا اَلْكِسَاءِ أُفُقَ اَلسَّمَاءِ
هُوَ صِنْوُ اَلنَّبِيِّ لَمْ تَرَ صنواً ***كَانَ عَن صِنْوِهِ مِنَ البُعَداءِ(2)
فَأُتِيَ لِلنَّبِيِّ يَدْفَعُهُ اَلشَّوْقُ *** وَ حَيّاً بِدَافِعٍ مِنْ وَلاَءِ
قَائِلاً: يَا حَبِيبَ قَلْبِي سَمْعاً *** لِنِدائِي وَ لا تَرُدَّ دُعَائِي
عَجِّلِ الْإِذْنَ بِالدُّخُولِ عَلَيْكُمْ *** يا فَدَتَكُمْ نَفْسِي وَ قُلَّ فِدَائِي
أَخْرِجِ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ عَلِيّاً *** يَوْمَ سَدَّ اَلْأَبْوَابَ، دُونَ مِرَاءِ(3)
أتُرَاهُ يَرِدُّهُ اَلْيَوْمَ، كَلاَّ *** إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنَ الْقُرْبَاءِ
خَفَراً فِي الكِسَاءِ وَافي، ولَكِن فَرَطاً *** كانَ لَيْلَةَ الإسراءِ(4)
ص: 240
غِبْطَتْهُم وَ حُقَّ لَو غَطَبَتْهُمْ *** فَاطِمُ اَلْفَضْلِ فَاطِمُ اَلْعَلْيَاءِ
فَأَتَتْ نَحْوَهُمْ وَ أَبْدَتْ سلاماً *** إِبْتِداءً، لَكِنْ لِغَيْرِ اِنْتِهَاءِ
طَلِبَتْ بالدُّخُولِ إِذْنَ أَبِيهَا *** سَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ وَ اَلْأَنْبِيَاءِ
أَيَضِيقُ اَلْكِسَاءُ عَنْهَا، وَ كَمْ قَدْ *** وَسِعْتَهَا مِنْ آيَةٍ فِي اَلثَّنَاءِ
وَاتْلُ آيَ اَلتَّطْهِيرِ وَ آيَةَ الْقُرْبِي *** تر اَلْأَمْرَ وَاضِحاً لِلرَّائِي(1)
وَ لَكُمْ لِفَّهُمْ وَ نَوَّهَ فِيهِمْ *** أَحْمَدٌ فِي عَبَاءَةٍ أَوْ عَبَاءِ(2)
حَسَدَتْ ذَلِكَ اَلْكِسَاءَ سَمَاءٌ *** زُيِّنَتْ بِالْبُدُورِ وَ الْجَوْزَاءِ
كَيْفَ لاَ وَ هُوَ مِنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ *** كانَ عَرْشُ اَلْمَلِيكِ وَ اَلْوُزَرَاءِ(3)
صَفْوَةَ اَللَّهِ زُبدَةَ اَلْمَخْضِ لِمَّا *** خَلَقَ اَللَّهُ سَائِرَ اَلْأَشْيَاءِ(4)
وَ هُمُ الْمَجْدُ رَبُّهُ قَدْ بَنَاهُ *** لِبِنَةً فَوْقَ لَبِنَةٍ فِي الْبِنَاءِ
وَ هُمْ عِلَّةُ الْوُجُودِ وَ لَوْلاَ *** هُمْ الظَلَّ الْوُجُودُ رَهْنَ فَنَاءِ
وَ رَأَيْتَ النُّجُومَ فِي فَلَكٍ لَمْ *** تَسْرِ وَ الْفُلْكَ مَا جَرَتْ فِي اَلْمَاءِ(5)
يَوْمَ نَادِي اَلْإِلَهِ كُلَّ مَلاكٍ *** وَ بِسُكَّانِ أَرْضِهِ وَ السَّمَاءِ
فَوَمَجْدِي وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي *** وَ أَنَا الْعِزُّ وَ الْفَخَارُ رِدَائِي
ص: 241
ما خَلَقْتُ السَّماءَ وَ الْأَرْضَ إِلاَّ *** حُبَّ أَهْلِ الْكِسَاءِ مِنْ أُمَنَائِي
حُبُّ أهْلِ اَلْكِسَاءِ وَ اَلْعِلَلِ اَلْخَمْسِ *** وَ هَل تَعْلَمُونَ مَنْ هؤلاءِ؟
هَؤُلاَءِ اَلزَّهْرَاءُ ثُمَّ أَبُوهَا *** وَ عَلِيٌّ وَ اِبْنَاهُمُ أَصْفِيَائِي
فَدَعَاهُ اَلْأَمِينُ: رَبِّ فَعَجِّلْ *** لِي بِالْإِذْنِي يَا وَلِيَّ اَلْعَطَاءِ
فَكَفانِي فَخْراً بِأَنِّي فِيهِمْ *** سادِساً كُنْتُ سَاعَةَ اَلْإِحْصَاءِ
فَأَتَاهُ اَلْإِذْنُ الْكَرِيمُ و حَقّاً *** موسِمُ اَلْبِشْرِ سَاعَةٌ مِنْ لِقَاءِ
عَلِمَ اَلرُّوحُ أَنَّهُ بهبوطٍ *** لَهُمُ حَازَ غَايَةَ الإرتقاءِ(1)
فَانْتُهِيَ لِلَّذِي قَدِ اخْتَارَهُ مِنْ *** خَلْقِهِ ذُو النَّوَالِ والْآلاءِ(2)
وَ حَبَاهُ تَحِيَّةَ، مَنْ تَرَاهُ *** غَيْرَ هَذَا اَلرَّسُولِ أَهْلِ اَلْحِبَاءِ
وَ أَعَادَ اَلثَّنَا عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ *** و كانَ الشَّكورَ لِلنَّعْمَاءِ
قَائِلاً: إِنَّ رَبَّكَ اَلْحَقَّ آلي *** بعُلاهُ وَ مَجْدِهِ اللاَّنهَائِي(3)
أَنَّهُ مَا بَرِيَ الخَليقَةُ إِلاَّ *** لَكُمُ وَحْدَكُمْ بِلا استِثناءِ(4)
وَ حَبَانِي بِإِذْنِهِ بِدُخُولِي *** مَعَكُمْ، فَأَحِبُنِي بِإِذْنِ ثَنَائِي
صَدْرَ اَلْإِذْنُ مِنْ نَبِيِّ عَظِيمٍ *** فَاكْتَسِيَ الرُّوحُ حُلَّةَ السَّرَّاءِ
و لَقَدْ عَادَ فَخْرُهُ وَاضِحاً فِي *** عَالَمِ اَلْأَمْرِ، كَامِلاً فِي الجَلاءِ
قَصَبَ اَلسَّبِقِ حَازَهَا فِي سباق اَلْفَخْرِ*** عِنْدَ الْأَمْلَاكِ وَ السُّفَرَاءِ
وَ تلا آيَةً مِنَ الْوَحْيِ فِيهِمْ *** طَهَّرْتْهُمْ جَهْراً مِنَ الْأَسْواءِ(5)
ص: 242
و لَقَدْ ثَابَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهَا *** كُلَّ صُبحٍ مُكَرَّراً وَ مَساءِ(1)
وَإِذا بِالوَصِيِّ يَسأَلُ طهَ *** وَ هُوَ وَاللَّهِ سَيِّدُ الفُصَحاءِ
وَ لَكُم عَالِمٌ يُسائِلُ، حَتِّي *** يَنْجَلِي اَلْأَمْرُ خَالِصاً عَنْ خَفَاءِ
أَيُّ فَضْلٍ لنا بِمجلِسنَا هَذَا *** لَدَي اَلْحَقِّ قَاسِمِ اَلْأَنْصِبَاءِ
فَأَجَابَ اَلنَّبِيُّ هَذَا حَدِيثٌ *** إِنْ جَرِيَ فِي مَحَافِلِ اَلْأَحْيَاءِ
نَزَلَتْ طِيْلَةَ اِجْتِمَاعٍ عَلَيْهِمْ *** رَحِمَةُ اَللَّهُ أَرْحَمِ اَلرُّحَمَاءِ
وَ بِهِمْ أَحْدَقَتْ مَلائِكَةُ اللَّهِ *** وَ قَدْ أَسْعَفْتُهُمْ بِالدُّعَاءِ
و قَدِ اسْتَغْفَرُوا الإلهَ لَهُمْ إِذْ *** نَحْنُ كُنَّا لَهُمْ مِنَ اَلشُّفَعَاءِ
فَأَجَابَ اَلْكُرَّارُ فزنَا وَ فَازَتْ *** شِيعَةُ خَيرُ شِيعَةٍ سَعَدَاءِ
ثُمَّ قَالَ الْهَادِي: وَمَنْ قَدْ *** حَبَانِي بِاخْتِيَارِي لِوَحْيِهِ وَ اِجْتِبَائِي
إِنَّ ذكرِي حَدِيثِ مَجْلِسِنَا هَذَا *** دَوَاءٌ لِجُمْلَةِ اَلْأَدْوَاءِ
حَيْثُمَا يَجرِ فِي أُنَاسٍ و فِيهِمْ *** مُبْتَلٌي كَانَ دَافِعاً لِلْبَلاءِ
وإِذَا كانَ فِيهِمْ رَبُّ غَمِّ *** زَالَ مَا نَابَهُ مِنَ اَلْغَمَّاءِ
وَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو اِحْتِيَاجٍ *** قُضِيتُ حَاجُهُ بِخَيْرِ قَضَاءِ
عِنْدَهَا قَالَ حَيْدَرٌ: قَدْ سَعِدْنَا *** وَ إِلَهٌ لِلْكَعْبَةِ اَلْغَرَّاءِ
وَ كَذَا شِيعَةٌ لَنَا سَعِدُوا فِي *** هَذِهِ اَلدَّارِ ثُمَّ دَارِ اَلْجَزَاءِ
ص: 243
(بحر الخفيف)
الشيخ عبد الكريم آل زرع(*)(1)
لك يا بضعةَ النبيِّ الوفاءُ *** من محبِّ لا يعتريهِ جفاءُ
مُزِجتْ ذاتُهُ بحبِّكِ حتي *** كان منها كما يكونُ البِنَاءُ
فاستوي في جنانِهِ منهُ نهرٌ *** صُبَّ فيه من الجَلالِ بهاءُ
و جري فهو في الحنايا عروجُ *** السماءِ و ما عليها سماءُ
و هُوَ في كونهِ مدامةَ حسنٍ *** رَشَفَتْ من نميرِها الأعضاءُ
***
فإذا مقلةٌ تنمُّ عن الحُبِّ *** و قلبٌ يُسْتافٌ منهُ الصفاءُ(2)
و مُحيّاً يفيضُ منهُ جمالُ *** العشقِ عذباً مُسْتَعْذَباً و السناءُ
يا بنةَ المصطفي و حسبُكَ فخراً *** إنِكِ الطهرُ فاطمُ الزهراءُ
لكِ وجهٌ لو أبصرتْهُ ذكاءٌ *** أدركتْ ماهو الضياءُ ذكاءُ
حزتِ أسمي الصفاتِ يابنةَ طه *** بعضهُا بعدُ لم تحزْها النساءُ
***
ص: 244
كَلَّ في مدحِكِ اليراعُ و مَن *** رام مَحُالاً أودي بهِ الإعياءُ
و كليلُ الجناحِ يستصعبُ *** السَّفْحَ و تعلُوه قمةٌ شمّاءُ
ما عسي أن أقولَ فيمَن أبوُها *** خيرُ من شرُفَتْ بهِ العلياءُ
***
سيدُ الكونِ باسمهِ قد تباهَي *** الرّسُلُ و الأنبياءُ و الأولياءُ
ما عساني أقولُ في بعلك *** الطهرِّ علي و في يديهِ القضاءُ
هو للمصطفي وصيِّ و عنهُ *** صغَرَ الأوصياءُ و الأنبياءُ
هو قلبُ الوجودِ و هو إمامِي *** و أميري إن عدَّتِ الأُمراءُ
و بنوكِ الأُلي أضاؤوا زمَاناً *** أَلَيْلاً في ضميرِهِ إغفاءُ(1)
و أحالُوا جدبَ العواطفِ خصباً *** فانتشي العدلُ و استقامُ الإخاءُ
***
و من النبع يُستقي و من *** النور علي كلِّ ظُلمةٍ يستضاءُ
فهُمُ النورُ و الحياةُ و شيءٌ *** ليس يُدريِ لكنَّه معطاءُ
يابنةَ المصطفي ألفِنا الرزايا *** غيرَ أنا من حُبِّكُم سعداءُ
و صَبِرنا و كُلُّ صبرٍ جهادٌ *** و هَتَفْنا أَن مَنِكُمُ لابَراءُ
دونَهُ سادتي تُسالُ الدماءُ *** دونَه الروحُ إنَّ روحي فِداءُ
إنَّ هذا من الجِهادِ يسيرٌ *** زرعتْهُ في قلبِنا كَرْبَلاءُ
كيفَ أسْعي و لستُ أملكُ شِعري *** لوغشانِي مدَحٌ لَكُمْ و ثناءُ؟
و إذا الذكرُ خصَّكُم بمديحٍ *** ماعسي أن تُنَمْنِمَ الشُّعَراءُ
يا بنةَ المصطفي عليكِ سلامي *** ماتغنتْ بعشِّها و رقاءُ(2)
***
ص: 245
(بحر الكامل)
الشيخ عبد الكريم النايف(*)(1)
ذَابَتْ لِفَرَطِ صَبَابَتِي أَحْشَائِي *** فَلِذَالِكَ طَالَ تَلَهُّفِي وَ بُكَائِي(2)
وَ تَكَادُ بِالزَّفَرَاتِ تُخْرُجُ مُهْجَتِي *** مِمَّا بها بتنفُّس الصُّعداءِ(3)
يا عاذِلي كُفَّ اَلْمَلاَمَ وَ خَلِّنِي *** دَنِفاً أُكَابِدُ مِحْنَتِي وَ بَلاَئِي(4)
مَا هَاجَنِي ظَعْنٌ الأَحِبِّةِ مُذْ نَاي *** بُعْداً عَنِ اَلْأَوْطَانِ وَ الْأَحْيَاءِ(5)
لَكِنَّمَا وَجدِي لِبَضْعَةِ أَحْمَدٍ *** وَ لَمَّا جَنَتْ مِنْهَا يَدُ اللُّؤماءِ(6)
ص: 246
وَ هِيَ اَلَّتِي نَطَقَ اَلْكِتَابُ بِفَضْلِهَا *** فِي سُورَةِ اَلرَّحْمَنِ وَ اَلْإِسْرَاءِ(1)
مَا أَتْعَبَ اَلْمُخْتَارَ بَعْدَ وَفَاتِهِ *** غَيْرُ اَلْبَتُولَةِ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ
أَوصَي جَمِيعَ اَلْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهَا *** إذ إِنَّهَا الحَوْراءُ وَ خَيرُ نِساءِ
وَ تَبَدَّلَت تِلكَ الوَصِيَّةُ بَعدَهُ *** مُذْ عُوَّضَتْ بِالحِقدِ وَ البَغضاءِ
ص: 247
(بحر الكامل)
السيد عبد اللطيف فضل اللَّه
هَتفَ البَيانُ بِمَولِدِ الزَّهْراءِ *** سِرِّ الْوُجُودِ وَ شَمْسِ كُلِّ سَماءِ(1)
وَ مَضَي عَلي اَلْجَوْزَاءِ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ *** مُتَرَنِّحاً مِنْ نَشْوَةِ الخُيَلاءِ(2)
وردَ اَلبِحَار اَلْهُوجَ يَسْبُرُ غَوْرَهَا *** وَ يَعِبُّ مِنْهَا قَطْرَةً مِنْ مَاءِ(3)
فَرَأْي اَلْجَلاَلَ عَلَيَّ تَواضُعِ قُدْسِهِ *** تَنْحَطُّ عَنْهُ مَدَارِكُ الْعُقَلاءِ
شَمْخَ الْأَدِيمُ بِفَاطِمٍ وَ تَطَاوَلَتْ *** غَبرَاؤُهُ فِيهَا عَلِي الخَضرَاءِ
بَرَأَ الْعَوَالِمَ وَ اصْطَفَاهَا رَبُّهَا *** مِمَّا اصْطَفَاهَ بِها مِنَ الأُمَناء
فَتَجَسَّمَتْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُ رَحْمَةٌ *** وَ شَفَاعَةٌ لِلنَّاسِ يَوْمَ جَزَاءِ
صَدِيقَةٌ مَاكَانَ لَوْلاَ حَيْدَرٌ *** يُلْفِي لَهَا أَحَدٌ مِنَ اَلْأَكْفَاءِ(4)
ص: 248
عَبَرَتْ كَهَيْنَمَةِ اَلنَّسِيمِ وَ وَاجَهَتْ *** كَدَرَ اَلْحَيَاةِ وَ أَهْلَهَا بِصَفَاءِ(1)
لَمْ يَكْشِفِ النَّاسُ الْبَلاءَ وَ لاَ اِرْتَوَوْا *** إِلاَّ بِطَلْعَةِ وَجْهِهَا الوضَاءِ
يَا أُخْتَ نُسَّاكِ اَلْمَلاَئِكِ بِالْهُدْيِ *** وَ ذُبَالَةَ الْأَنْوَارِ مِنْ سَيْنَاءِ(2)
يَا لَمْحَةَ اَلْفِرْدَوْسِ حَطَّ بِطُهْرِها *** خُلدُ اَلْبَقَاءِ عَلَي صَعِيدِ فِنَاءِ
يَا صَفْحَةً بَيْضَاءَ مِنْ إِنْكَارِهَا *** آبَ اَلْوَرِيُّ بِصَحِيفَةٍ سَوْدَاءِ
يَا غَيْبَ سِرِّ لَوْ أَخَذْتُ بِبَعْضِهِ *** طَرَفاً مِنَ الإِعْجازِ وَ الْإِلْجَاءِ
لَمَشَيْتُ فِيهِ عَلَي اَلْهَوَاءِ إِذَا اُبْتُدِي *** عِيسي يَسِيرُ عَلِيٌ نَمِيرِ الْماءِ(3)
وَ اَلاَكَ رَبُّكِ إِذْ رَضَعْتِ وَلاءَهُ *** وَ حَبَاكِ مِنْهُ وَلَايَةَ الْأَشْيَاءِ(4)
فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَنْتِ فِي سُلْطَانِهِ *** كَالرُّوحِ حِينَ تُهِيبُ بِالْأَعْضَاءِ(5)
إِنَّ الَّذِي مَسَخَ الْأَمانَةَ وَ انْطُلِي *** بِدِمَاءِ مِنْ ضَحَّي مِنَ اَلشُّهَدَاءِ
وَ طَوَيَ عَدَوَاةَ آلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ *** نَاراً ذَكَّتْ بِجَوَانِحِ اَلْبَعْضَاءِ(6)
فَأَحَالَهَا للَّهُ حَرْباً طَوَّحَتْ *** بِابْنِ اَلنَّبِيِّ مُوَزَعَ اَلْأَشْلاَءِ(7)
ص: 249
ثَقُلَتْ عَلَي اَلْأَكْوَانِ وَطَاةُ رِجْسِهِ *** فِيهَا فَدَارَتْ دَوْرَةَ اَلْإِعْيَاءِ
وَحَدَتْ بِهِ لِلْحَشْرِ لَعْنَةُ رَبِّهِ *** تَسرِي مَعَ اَلْإِصْبَاحِ وَ اَلْإِمْسَاءِ(1)
يَا يَوْمَ أَحْمَدَ هَلْ لِخَطْبِكَ إِذْ هَوَتْ *** فِيهِ اَلْأَنَامُ بِفِتْنَةٍ عَمْيَاءِ
قُلِبَ اَلْوُجُودُ وَ أَصْبَحَتْ أَبْنَاؤُهُ *** مَقْلُوبَةَ الْإِحْسَاسِ وَ اَلْآرَاءِ
فَاعْتَاضَ عَنْ فَوْقٍ رَوَاسِبَ تَحْتَهِ *** وَعَنِ اَلْأَمَامِ لِأَهْلِهِ بِوَرَاءِ
كَمْ فِي فُؤَادِكِ فَاطِمُ مِنْ غُصَّةٍ *** تُوهِي فُؤَادَ اَلصَّخْرَةِ اَلصَّمَّاءِ؟(2)
أَبْهَذِهِ الدُّنْيَا عَزَاءٌ قَائِمٌ *** وَ بِدَارِ رَبِّكِ فِي أَمْضِّ عَزَاءِ
اَلصَّبْرِ ضاقَ لِما صَبَرْتِ عَلَي الأَذي *** وَ سَخِّيْتِ لِلْأَعْداءِ أَيَّ سَخاءِ
قَدِمْتِ مِنْ حَسَنٍ ضَحِيَّةَ سُمِّهِم *** وَ مِنَ اَلْحُسَيْنِ السِّبطِ كَبشَ فِدَاءِ(3)
وَ مِنَ اَلْوَصِيِّ عَلِي اَلرِّسَالَةِ خَائِضاً *** مِنْ حَرْبِهِمْ قِدُماً بِبَحْرِ دِمَاءِ(4)
طَفَرُوا إِلَي المُلِكِ الْعَضُوضِ وَ غَلَّفُوا *** وَجْهَ اَلنَّهَارِ بِلَيْلَةٍ ظَلْمَاءِ(5)
وُلِدُوا مِنَ الدَّاءِ اَلْغُضَالِ فَلَمْ يَكُنْ *** إِلاَّ زَوَالُهُمْ شِفَاءَ الدَّاءِ
نَظَرُوا الْمَوَدَّةَ فِي الْكِتَابِ فَلَمْ يَرَوْا *** غَيْرَ السُّيُوفِ مَوَدَّةَ الْأَبْنَاءِ(6)
ص: 250
مِنْ صَفْوَةٍ طَافَ اَلْهُدَي بِفِنَائِهَا *** مُتَمَسِّكاً بِالكَعْبَةِ الغَرَّاءِ
جُبِلَتْ بِأَسْرَارِ السَّما وَ تَكَوَّنَتْ *** مِمَّا بِسَاقِ اَلْعَرْشِ مِنْ لألاءِ(1)
غَرَّاءُ مِنْ صُلْبِ اَلنُّبُوَّةِ وَ اَلْهُدْي *** طَلَعَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا طُلُوعَ ذُكاءِ
هِيَ صَوْتُ نَاقُوسِ اَلسَّمَاءِ وَ لاَ ترِي *** فِي الاَرْضِ غَيْرَ تَجَاوُبِ الأَصْدَاءِ
ص: 251
وَ فُيُوضُ أَلْطَافٍ سَحَابَةُ صَيْفِهَا *** وَطفَاءُ مُغْدِقَةٌ عَلَي اَلْأَحْيَاءِ(1)
وَ سَفِينَةُ الطُّوفَانِ لَيْسَ بِخَائِبٍ *** مَنْ بَاتَ مَشدُوداً لَهَا بِوَلاَءِ(2)
آلاؤُهَا مِلْءُ اَلزَّمَانِ وَ بَيْتُها *** فِي الكائِنَاتِ أَسَاسُ كُلِّ بِنَاءِ
وَ كَأنَّمَا كَانَتْ لِهَيْكَل كَوْنِهَا *** قَلْبُ الْحَنَّانِ بهِ وعَيْنَ رَجَاءِ
حَوْرَاءُ إِذْ رَفَعَ الإلهُ لِواءُها *** كرَماً وَ ضَمَّ اَلْخَلْقَ تَحْتَ لِوَاءِ(3)
وَ يُرِي مَنَاقِبَهَا وَ قَالَ لَعِزِّهَا *** كُونِي بِلاَ عَدِّ وَ لاَ إِحْصَاءِ
قُلْنَا لَهَا سِرٌّ يُصانُ وَ جَوْهَرٌ *** فَوْقَ الأَنامِ وَ طينِهِم وَ الْمَاءِ
وَ لَرُبَّمَا وُلِدَ التُّرابُ بِمَهْدِهِ *** مَنْ كَانَ فِي اَلْمَلَكُوتِ رَمْزَ علاءِ
وُلِدْتُ لِطُهْرِ مُحَمَّدٍ فَكَأَنَّمَا *** آيُ الْكِتَابِ بِمَهْبِطِ الْأَحْيَاءِ
وَ كَأَنَّ مَا فِيهَا حَقِيقَةُ ذَاتِهِ *** غَيْرَ اَلنُّبُوَّةِ أَفْرَغَتْ بوْعاءِ
فَإِذا الهُدَي مِنْ كُلِّ أُفُقٍ مُشْرِقٌ *** وَ الكَونُ أَضْوَاءٌ عَلَيَّ أَضْوَاءِ
شَرَّفَتْ فَحَكَّ اَلْعَرْشُ منْكِبُ عِزِّهَا ***كَرَماً وَداسَتْ مَنْكِبَ الجوزاءِ(4)
بابٌ بِلاَ نِدِّ تَرَاهُ وَ لَنْ يُرِيَ أَحَدٌ يُطَاوِلُهَا مِنَ اَلْأَبْنَاءِ
ص: 252
عُلوِيَّةُ اَلنَّفَحَاتِ مِنْ أَنْوَارِهَا *** بَيْتُ النُّبُوَّةِ مُشْرِقُ الْأَنْحَاءِ(1)
حَرَمٌ يَطُوفُ بِهِ و يَخْدِمُ أهْلَهُ *** الرُّوحُ الأَمينُ مُنَبِّيءُ الأَنْباءِ(2)
نَشأَتْ بِظِلِّ اَللَّهِ لَمْ يَعْلَقْ بِهَا *** دَنَسٌ وَ لاَ وَقَعَتْ عَلَي الأخطاءِ(3)
حَتي إِذَا طُمِسَ الْهُدَي وَ تَبَرَّمَتْ *** مِنْ حَماةٍ طُبِعَتْ عَلَي الْأَسْوَاءِ(4)
رَفَعَتْ إِلَيهِ دُعاءَهَا فَكَأَنَّمَا *** رَكِبَ الْبُراقَ بِلَيْلَةِ الإِسْراءِ(5)
ص: 253
(بحر الخفيف)
الشيخ عبد المجيد أبو المكارم(*)(1)
أَصْبَحَ اَلْكَوْنُ ضَاحِكاً بِالْهِنَاءِ *** مُستَنِيراً بِنُورِ سِتِّ النِّساءِ
زُهْرَةِ الكَوْنِ بِالقُداسَةِ جاءَتْ *** تَحْمِلُ النُّورَ مِن إلهِ السَّماءِ
ص: 254
هِيَ تُفَّاحَةٌ مِنَ اَلْخُلْدِ كَانَتْ *** بادِّخار إِلَي رَسُولِ اَلْوَلاَءِ(1)
قَبْلَ خَلقِ اَلْأَكُونِ أَوْجَدَهَا اَللَّهُ *** كَسَاهَا مِنْ نُورِهِ اَلْوَضَّاءِ(2)
إِنَّ ذَا جَبْرَئِيلُ قَدْ جَاءَ يُبْدِي *** مِنْ إِلَهِ اَلنَّعْمَاءِ وَ اَلْإِيحَاءِ
هِيَ تِلْكَ الْبَتولُ بَضْعَةُ طه *** وَ اِبْنَةُ اَلنُّورِ سَيِّدِ اَلْأَنْبِيَاءِ
هِيَ رُوحُ اَلْوِصَالِ بَيْنَ أَبِيهَا *** وكَذَا اَلْبَعْلِ سَيِّدِ الْأَوْصِيَاءِ
هِيَ أُمُّ اَلْهُدَاةِ فِي كُلِّ آنٍ *** رَبَّةُ اَلْخَدْرِ دُونَ كُلِّ مُرَاءِ
هي سِتُّ اَلنَّسَا بِأَصْرَحِ قَوْلٍ *** قَدْ أَتَانَا مِنْ أَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ
إِذْ يَقُولُ المختارُ قَوْلاً صَرِيحاً *** وَ هوَ إِذْ ذَاكَ سَيِّدُ اَلْبَطْحَاءِ
إِنَّ أُمَّ اَلْمَسِيحِ سَيِّدَة الْبَعْضِ *** فَجَاءَتْ بِأَوْحَدِ الْحُكَمَاءِ
وَ اِبْنَتِي فَاطِمٌ لَسْتُّ لِكُلِّ *** مِنْ لَدُنْ آدَمٍ إِلَي الإنتهاءِ(3)
وَ كَذَا يَغْصِبُ اَلْإِلَهُ وَ يرْضي *** لِرِضَا بِنْتِ أَحْمَدَ الزهْراءِ(4)
ص: 255
وَلَدَتْهَا خَدِيجَةٌ وَ هِيَ طُهْرٌ *** أَبْعَدَتْ عَنْ قَذَارَةِ اَلْجَهْلاَءِ
لاَ وَ لاَ اَلْمُشْرِكَاتُ جِئْنَ إِلَيْهَا *** وَقْت وَضْعِ البَتولَةِ اَلْعَذْرَاءِ
أَقْبَلَتْ وَقْتَ وَضْعِهَا طَاهِرَاتٌ *** حِينَ جَاءَتْ وِلاَدَةُ اَلْحَوْرَاءِ
أَقْبَلَتْ مَرْيَمٌ و حَوّا وَ آسٍ *** وَكَذَا سَارَةُ عَلِي اِسْتِحْيَاءِ(1)
قَبِلُوا فَاطِماً وَلِيدَةَ طه *** فَانْبَرَتْ فَاطِمٌ مِنَ الْأَحْشَاءِ
لَمْ تَمُسهَا كَفٌّ مِنَ الشِّرْكِ كَلاَّ *** مُذْ أُحِيطَتْ بِعِصْمَةٍ وَ وِلاَءِ
حَيْثُ إِنَّ اَلرَّسُولَ كَانَ يُنَادِي *** بَضْعَتِي فَاطِمٌ حَبَاهَا حِبَائِي
وَ أَذَاهَا أَذِيَّتِي وَ هُوَ كُفْرٌ *** وَ نِفَاقٌ أُتِيَ مِنَ الْحَمْقاءِ
حَيْثُ يُؤْذِي الإِلَهَ رَبَّ الْبَرايا *** خالِقُ الخَلقِ مُسْدِلَ اَلنَّعْمَاءِ
فَهِيَ سِتٌّ لِكُلِّ أُنْثِي بِحَقِّ *** وَ مِنَ اَلرِّجْسِ طَهِّرَتْ بِاصطِفَاءِ(2)
ص: 256
فَبِهَا يُقْتَدِي دَوَاماً تَمَاماً *** لَمْ تَرُعْهَا نَوَائِبُ اَلْغَوْغَاءِ(1)
خَلَدَ اَللَّهُ ذِكْرَهَا بِاعْتِصامٍ *** طولِ أَيَّامِها لِيَوْمِ الْجَزاءِ
عُنْصُرٌ طابَ ذِكرُهُ كُلَّ حِينٍ *** شَرَفاً وَ ارتقَي عَلَيّ الْجَوْزَاءِ
يَا نِسَاءَ اَلدُّنَا تَعْلَمْنَّ مِنْهَا *** سِيرَةَ اَلْحَقِّ سِيرَةَ الْوَلِيَاءِ
أَيُّهَا اَلنِّسْوَةُ اَلْعَفِيفَاتُ قُرْباً *** وَالْتِصاقاً بِالْغَادَةِ وَ الحسناءِ
لاَ يَغُرَّنَّكُنَّ يَوْماً شَبَابٌ *** قَدْ تَصَدّي لَكِنَّ بِالْإِغْوَاءِ
جَعَلوُكنَّ فِي اَلزَّمَانِ دَوَاماً *** فِتْنَةَ الإنحطاطِ بِالْأَزْيَاءِ
سَلبُوكُنَّ لِلسُّتُورِ اِغْتِرَاراً *** فَغَدَوْتُنَّ رَغْبَةَ اَلْأَدْعِيَاءِ
قَدْ نَزَعتُنَّ لِلْحَيَاءِ ابْتِدَاراً *** رَغْبَةً فِي زَخَارِفِ اَلدَّهْيَاءِ(2)
فَنَزَلَتُنَّ مِنْ صِفَاتٍ عَوَالٍ *** لِهوانِ الْحَياةِ بِالْكِبْرِيَاءِ
وَ مَشِيْتُنَّ بِالتَّهَتُّكِ جَهْراً *** لِذِئَابِ الْفَسَادِ وَ الْبَأْسَاءِ
فَتَعَرَتْ بِنْتُ اَلْهَوَاءِ وَ أَضْحَتْ *** فِي حَضِيضٍ وَ أَعِينِ الإِزْدرَاءِ
صِرْن يَلْحَظْنَهَا بِطَرَفٍ عَنِيفٍ ***كلحاظِ اَلثَّعَالِبِ اَلْجَوْفَاءِ
أَيُّهَا النِّسْوَةُ اَلْكِرَامُ حِذَاراً *** لاَ تَكُونَنْ كَدِمْنَةٍ خَضْرَاءِ
فَاقْتَبَسْنَ مَكَارِماً وَ سَلاَماً *** وَ اِكْتَسَيْنَ مَلاَبِسَ اَلْعُقَلاَءِ
كَيْفَ لاَ تَلْبَسُ اَلنِّسَاءُ مِثَالاً *** عَابِقاً طُولَ وَقْتِهِ بِالْوَفَاءِ
أَعِنْ ذَاكَ اَلْمِثَالَ زَهْرَةَ قُدَّسٍ *** هِيَ بلقيسةُ اَلْهَدْيُ وَ اَلْوَلاَءِ
هِيَ بَدْرُ الْإِيمَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ *** هِيَ شَمْسٌ بَدَتْ عَلَيَّ الْبَيْدَاءِ(3)
ص: 257
نُورُهَا عَمَّ فِي اَلْبَرَايَا جَمِيعاً *** وَ قَدْ شَعَّ فِي دَجْيِّ اَلظَّلْمَاءِ
شَابَهْتُ فِي اَلنُّزُولِ سَبْعَ الْمَثَانِي *** فَوْقَ قَلْبِ المختارِ بِالْإِيحَاءِ
فَغَدَتْ بِنْتُ أَحْمَدٍ أُمْ طه *** هِيَ زَهْر اؤُنَا وَ خَيْرُ النِّسَاءِ
وَ غَدَا الْكَوْنُ كَاسِياً بِالْمَعَالِي *** مَرِحاً يَوْمَ مَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ
فَهِيَ مِصْبَاحُ لُؤْلُو مُسْتَنِيرٍ *** وَ بَنُوهَا مَعَارِجُ الإِرْتِقَاءِ
سُمِّيَتْ فَاطِماً وَ قَدْ فُطِمَتْ مِنْ *** كُلِّ رَجْسٍ بِآيَةٍ نَورَاءِ
فَتُرِي آي إِنَّمَا إِذْ أَبَانَتْ *** مَايَرِيدَ اَلْإِلَهُ مِنْ نَعْمَاءِ
هُوَ اِذْهَابُ كُلِّ رِجْسٍ قَبِيحٍ *** عَنْ أُولِي اَلْبَيْتِ سَادَةِ اَلْأَصْفِيَاءِ
وَ لَهَا شِيعَةٌ أُقْلِيْتْ مِنَ النَّارِ *** وَلَّاهَا فِي الْحَشْرِ خَيرُ ولاءِ(1)
قُلْ لِمَنْ حَارَبَ اَلْبَتُولَ سَيَجْزِي *** بِجَحِيمٍ فِي اَلْحَشْرِ يَوْمَ اَلْعَطَاءِ
حِينَ تَاتِي اَلْبَتُولُ فِي يَوْمِ حَشْرٍ *** تَشْتَكِي عِنْدَ خَالِقِ اَلْأَشْيَاءِ
يَا إِلَهِي أَنْتَ اَلْمُحْكِمُ فِي مَنْ *** سَاءَنِي جَاحِداً لِكُلِّ وَلاَءِ
يَا إِلَهِي ظُلِمْتُ حِقْداً وَ عَدْوّاً *** مِنْ أُنَاسٍ تَجَمْهِرُوا فِي إِذَانِي
غَصَبُوا نِحْلَتِي وَ بَزّوا حُقُوقِي *** أَسْقَطُوا مُهْجَتِي مِئْنَ الْأَحْشاءِ(2)
أَشْعِلُوا نارَهُمْ عَلَيَّ بابِ دارِي *** أَحْرَقُونِي وَ لَمْ أَزَلْ فِي عَنَاءِ
آلَمَتْنِي سِياطُهُمْ فَوْقَ مَتْنِ *** كَلَّمُوهُ وَ لَمْ يُرَاعُوا حِبَائِي
هَجَمُوا مَنْزِلِي عَلَيَّ عِنَاداً *** عَصَرُونِي بِالْبَابِ دُونَ مِرَاءِ
كَسَرُوا أَضْلُعِي وَ قَادُوا لِبَعْلِي *** وَ بِصَدْرِي اَلْمِسْمَارُ أَجْرِي دِمَائِي(3)
ص: 258
لَمْ يُرَاعُوا وَصِيَّةَ اَلطُّهْرِ طه *** بَلْ تَعَدَّوْا لِطَوَرِهِمْ فِي جَفاءِ(1)
فَإِلَيْكَ الشَّكوِيُّ إِلَهُ الْبَرايا *** وَ بِكَ الْحَسَبُ يا مُجِيبَ الدُّعَاءِ(2)
فَهُنَاكَ اَلْإِلَهُ يَصْدِرُ حَكْماً *** بِانْتِقَامٍ لِكُلِّ فَرْدٍ مُرَاءِ
لَيْسَ إِلاَّ الْجَحِيمُ مَأْوِي عِدَاها *** بِخُلُودٍ لَهُمْ وَ طُولِ بَقَاءِ
فَخُذِي بَضْعَةَ الرَّسُولِ سَلاَماً ***مِنْ فَتّي مُبْتَغٍ لَكَ بِالْوَفاءِ
هُوَ عَبْدُ المَجِيدِ وَابنُ عَلِيِّ *** أَبْتَغِي نِعمَةً وَ خَيرَ جَزَاءِ
طَالِباً صِحَّةً بِطُولِ حَيَاتِي *** مُسْتَمِيتاً بِخِدْمَةِ اَلزَّهْرَاءِ
طَالِباً مُذَوِّداً سَلِيماً وَ قَلْباً *** مُسْتَنِيراً بِنُورِ ذِي النَّغْمَاءِ
و عَلَيْكِ أمَّ الْهُدَاةِ صَلاةٌ *** تَذكُّ نُوراً عَلَيَّ ضياءِ ذَكاءِ
وَ عَلِي الطُّهْرُ مِنْ بَنيكِ جَمِيعاً *** حُجَجُ الْكَوْنِ سَادَةِ الْأَوْلِيَاءِ
وَ عَلِي البَعلِ سَيِّدي وإمامي *** مَا غَدَا الكَوْنُ باسْماً بِالرِّضاءِ
وَ عَلِيٌ سَيِّدِ اَلْأَنَامِ جَمِيعاً *** مَا غَداً الدَّهْرُ ضَاحِكاً بَهِنَاءِ
هُوَ نُورُ اَلْأَكْوَانِ شَمْسُ البرايَا *** سَيِّدُ اَلرُّسْلِ خَاتَمُ اَلْأَنْبِيَاءِ(3)
ص: 259
(بحر الخفيف)
الشيخ عبد المجيد فرج الله(*)(1)
فِي المَدي... حَيثُ تُجثَمُ الظَّلماءُ *** والسُّباتُ العَميقُ دنياخَواهُ(2)
حِلْمٌ رَفَّ فِي اَلسَّمَاءِ رَبِيعاً *** أَحْمَدِيّاً... وَ شَمْسُهُ زَهْرَاءُ
رَاتِقٌ... فِي عُيُونِهِ هَمْسَةُ النُّورِ *** و فَيضٌ و رَحْمَةُ خَضْرَاءُ
فِي فِجَاجِ الصُّخُورِ يَرسُمُ دَرْباً *** لِلهُدي وهُوَ رَوْضَةٌ غَنَاءُ
يَاخُذُ الرُّوحَ فِي مَدَاهُ لتحيا *** فِي رُبُوعِ اَلاِلَهِ كَيْفَ يَشاءُ
أَيَ عُلاهَا الْعَظِيمُ، أَوْقِفْ سُرانا *** لَحظَةً كَيْ يُطِلَّ مِنْكَ سَنَاءُ
كُمْ مَشَيْنَا عَلَيَّ الْجراحِ وَ هَذِي اَلرُّوحُ *** غَضَبِي وَ لَمْ يُنْكِّسْ لِواءُ
وَ عَبرنَا التُّخُومَ... في كُلِّ جَذْرٍ *** رَفَّ مِنَّا حُبِّ وَرَقَّ حُدَاءُ(3)
وَ اتَّيْنَاكَ... لَمْ نَصِلْ... وَ جَوانا *** يَتَفَشَّي لَهيبُهُ وَ الرَّجَاءُ
فَلِمَاذَا؟ وَالأُمْنِيَّاتُ عَطَاشِي *** و النَّدَي يابِسٌ... وَ أنْتَ الماءُ
و اِذا طَيْفُكَ اَلرَّحِيمُ تناءَي *** ومشاويرُ خَطْوِنَا عَرْجَاءُ
خَلْفَ هَذَا اَلْجَحِيمٍ شَبَّتْ رُوَاهَا *** نَاعِمَاتٍ يُفِيضُ مِنْهَا النَّقَاءُ
ص: 260
هَا هُنَا تُخْنَقُ الرِّئَاتُ و تُمحَي *** من وَجِيبِ(1) الْقُلُوبِ تِلْكَ الدِّمَاءُ
وَلَدَيْهَا تحيَا ازاهيرُ نبِضٍ *** فَتَّقَتهَا مِنْ طُهْرِهَا أَندَاءُ
هَهْنَا حَسْرَةُ اَلزِّمَادِ تَلُوتْ *** في اِنْكِسَارَاتِهَا خُطّي عَمْيَاءُ
وَلَدِي قُدْسِهَا حَمَائِمُ نُورٍ *** تِهِبُ الدِّفءَإِذ يَطُولُ الشِّتاءُ
و النِّداءاتُ اقْبِلوا... إنَّ قَلْبِي *** حِينَ يَعْوِي الْهَجِيرُ ظِلٌ وَ ماءُ
اَنَا مِنْكُمْ... اِلَيْكُمْ... اَنْزِفُ الْجُرْحَ *** لِتَحْيَوا... ما مَسَّنِي اَعْياءُ
لَسْتُ اِرْضِي اِلاّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَللهِ *** شَرَاعَاً... حتِّي يَصِحَّ اَلْوَلاَءُ(2)
ص: 261
(بحر الخفيف)
السيد عبد المحسن فضل الله (*)(1)
أُغْمِضُ اَلطَّرْفَ فَالسِّنِينُ وَرَائِي *** تَرْوِي أَحْدَاثَهَا عَلَي اِسْتِحْيَاءِ
ص: 262
فَالقَلِيلُ اَلْقَلِيلُ مِنْهُ كَفِيلٌ *** أَنْ يُرِيَكَ الأُلِي بِكُلِّ جَلاَءِ
كَيْفَ قَامَتْ عَلَيَّ اَلضَّلاَلَةِ تَبنِي *** هَيكَلاً أُسُّه عَلَيَّ اَلْبَغْضَاءِ(1)
لِلْبَتُولِ اَلطَّهُورِ وَيْحَ أُنَاسٍ *** أَغْضِبُوا اَللَّهَ فِي أَذِيِّ اَلزَّهْرَاءِ(2)
وَ هِيَ مَعَنِي قَد عَبَّرَ اَللَّهُ عَنْهُ *** بِانبِثَاقِ اَلْهُدْيِ مِنَ اَلْأُمَنَاءِ
هِيَ مَعني مِن فَوْقِ مَا يُدْرِكُ الْفِكْرُ *** سُمُّواً وَ شَمْسُ كُلِّ سَمَاءِ
هِيَ تَسْبِيحَةٌ مِنَ اَللَّهِ فِي اَلْأَرْضِ *** أنارتْ حَنادِسَ اَلظَّلْمَاءِ
هي قُدْسُ النَّبِيِّ أُمُّ أَبِيهَا *** وَ مُضِةُ اَلنُّورِ بَيْنَ طِينٍ وَ مَاءِ(3)
ص: 263
هِيَ حُبُّ اَلنَّبِيِّ رَجَعَ صَدَاهُ *** فَاطِمُ بَضْعَتِي ولاها وَلاَئِي(1)
هِيَ مِنْ حَاطَتِ اَلنَّبِيِّ بِعَطْفِ *** فَاقَ عَطفَ الآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ
وَ هِيَ مَنْ خَصَّهَا ارْتِفاعاً عَنِ الْأَرْضِ *** بِرمْزِ الْأَمْلاكِ فِي اَلْغَبْرَاءِ
زَفَّهَا نَحْوَهُ بِمَوْكِبِ قُدسٍ *** بَزَّ شَأْواَ فَصَاحَةَ اَلْبُلَغَاءِ(2)
وَ هِيَ مَنْ أَنْزَلَ اَلْمُهَيْمِنُ فِيهَا *** آيَةَ اَلطُّهْرِ فِي ءَتَمِ أَدَاءِ
وَ هِيَ سَيْفُ اَلْإِلَهِ بِاهِلَ فِيهِ *** أَحْمَدُ اَلشِّرْكَ حَاسِراً فِي اَلْعَرَاءِ(3)
وَ هِيَ أُمُّ اَلْكِسَاءِ ضَمَّ سَنَاءُ *** خَيْرَ كُلِّ اَلْوَرِي بِلاَ اِسْتِثْنَاءِ
هَذِهِ فَاطِمُ وَ بَعْضُ عُلاَهَا *** فَاسْأَلُوهَا عَنْ فَاضِحِ اَلْأَنْبَاءِ
طَلَبَتْ إِرْثَهَا كَمَا أَمَرَ اَللَّهُ *** فَرُدَّتْ بِفِرْيَةِ اَلْأَدْعِيَاءِ(4)
ص: 264
أَتْرَاهَا وَ اَلطُّهْرُ كُلُّ معانيهَا *** اِفْتِرَاءً تَفُوَّهُ بِالْحَوْبَاءِ؟(1)
ألفُ حَاشَا أَنْ تَفْتَرِيَ اِبْنَةُ طه *** فَهِيَ أَدْرِي بِشِرْعَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ
يَا بْنَ تَيْمٍ مَنْ أَنْتَ كَيْ تزدريها *** خَسِيءَ اَلْقَوْلُ أَنْ تَكُونَ نِدَائِي
خَسِئَتْ أُمَّةٌ تامَّرَ فِيها *** فِئَةٌ أُسَّسَتْ عَلَي الْبَغْضاءِ
يَا لِعَارِ اَلْأَحْدَاثِ صُغرِي مَرَامِيهَا *** اِنْتِقَاضُ اَلشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ
قَسْماً بِالنَّبِيِّ لَوْلا اِخْتِشَائِي *** مِنْ ضِيَاعِ الحقيقةِ اَلْغَرَّاءِ
لَطَوَيْتُ اَلْحَدِيثَ عَنْ أَيِّ فِعْلٍ *** سَجَّلَتْهُ صَحَائِفُ اَلْأَعْدَاءِ(2)
ص: 265
مولد الزهراء عليها السلام
يَا أَخَا اَلْمُصْطَفِي أَرْفُّ وَلاَئِي *** لَكَ بُشْراً فِي مُوْلِدِ الزَّهْرَاءِ(1)
وُلَدَتْ وَ اَلْعَفَافُ يَنْضَحُ مِنْهَا *** مُسْتَفِيضاً عَلَي بَنِي حَوَّاءِ
وَكَسَاهَا مِنَ الْقَدَّاسَةِ بُرْداً *** أَيْنَ مِنْهُ قَدَّاسَةُ اَلْعَذْرَاءِ
هِيَ أُمُّ اَلسِّبْطَيْنِ بَضْعَةُ طهَ *** زَوْجَةُ اَلْمُرْتَضِي وَ خَيْرُ اَلنِّسَاءِ
هي تُفَّاحَةٌ حَبَاهَا لِطَّهِ *** مِنْ جِنَانِ اَلْخُلُودِ رَبِّ السَّمَاءِ
حَوِّلَتْ نُطْفَةٌ بِأَطْهَرِ صُلْبٍ *** هُوَ أَصْلٌ لِلصَّفْوَةِ اَلْأُمنَاءِ
هي صِدِّيقَةُ اَلنِّسَاءِ تَسَامَتْ *** بعُلاَهَا مِنْ نَسْلَةٍ حَوْرَاءِ
حَدَّثَتْ أُمَّهَا وَ كَانَتْ جَنِيناً *** فِي حشاهَا بِأَصْدَقِ اَلْأَنْبَاءِ(2)
وَ تَجَلَّت شَمْساً بِأُفُقِ هُدَاهَا *** يَتَوَارَي مِنْهَا حَبينُ ذُكَاءِ(3)
ص: 267
هِيَ رَيْحَانَةُ اَلرَّسُولِ وَ كَانَتْ *** مِنْهُ طِيباً تَفُوحُ بِالْأَشْذَاءِ(1)
هِيَ روحٌ مَا بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَانَتْ *** تَرْتَدِي مِن حِنَانِهِ بِرِدَاءِ
فَطَمَ اَللَّهُ مِنْ لظَي اَلنَّارِ فِيهَا *** كُلُّ مُولًي لَهَا مِنَ اَلْأَوْلِيَاءِ(2)
قَالَ طه: دَخَلْتُ جَنَّةَ عَدْنٍ *** فِي عُرُوجِي بِلَيْلَةِ اَلْإِسْرَاءِ
فَتَنَاوَلْتُ رطْبَةً هِيَ كَانَتْ *** نُطْفَةً لِلزَّكِيَّةِ اَلْحَوْرَاءِ
وَ هِيَ كانَتْ تَدَّعِي اَلْبَتُولَ لِطُهْرٍ *** نَزَّهَتْ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ اَلدِّمَاءِ(3)
ص: 268
وَ هِيَ فِي اَلْعَرْشِ قَبْلَ آدَمَ كَانَتْ *** قَبَساً زَاهِراً لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ(1)
وَ هِيَ كَانَتْ تَزْهُو سِنّاً لِعَلِيِّ *** وَازدِها كَالفَرقدِ اَلْوَضَّاءِ(2)
فَطَمْتَ مِنْ جَمِيعِ شَرِّ وَ طَمِثٍ *** يَعْتَرِيهَا وَ قُدِّسَتْ بِالثَّنَاءِ(3)
فَوَلاَّهَا بَرَاءَةٌ لِلْمَوَالِي *** مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ يَوْمَ الْجَزَاءِ(4)
وَ تَلَقَّتْ حَوَادِثاً وَ عُلُوماً *** مِنْ حَدِيثِ الْمَلاَئِكِ الْأُمَنَاءِ
هَاكِ يَا بَضْعَةَ اَلرَّسُولِ نَشِيدِي *** مُسْتَفِيضاً مِنْ بِسَمَتِي وَ بُكائِي
أَنَا أَرْجُو مِنْكَ اَلشَّفَاعَةَ فِيهِ *** يَوْمَ بَعْثِي مَشْفُوعَةً بِالشِّفَاءِ
رَطْبَةً مِنْ سِدْرَةِ اَلنُّورِ
وَ اِبْنُ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ *** مُسْتَفِيضٍ عَنْ خَاتَمِ الْأَصْفِيَاءِ(5)
ص: 269
أنَّ طه قَدْ كَانَ يُكْثِرُ -حُبّاً *** مِنْهُ- تَقْبِيلَ بِنْتِهِ اَلزَّهْرَاءِ
سَأَلْتْ مِنْهُ عَائِشٌ: أَيُّ سِرِّ *** قَدْ دَعَاهُ لِفَرَطِ هَذَا اَلْوَلاَءِ؟
قَالَ: إِنِّي أَبْصَرْتُ سِدْرَةَ نُورٍ *** بِجِنانِ الْفِرْدَوْسِ فِي اَلْإِسْرَاءِ
وَ هِيَ مِمَّا قَدْ أَنْعَمَ اَللَّهُ فِيهِ *** بِجِنَانِ الخُلُودِ للأَتقياءِ
فَتَنَاوَلْتُ رُطَبَةً مِنْ جُنَاهَا *** قَدْ حَبَانِي فِيهَا بِأَسْنِي حِبَاءِ
وَ هِيَ كانَتْ أَرَقَّ لِيناً مِنَ اَلزُّبْدِ وَ أَحلِي *** مَن شَهِدَةٍ فِي الْغِذَاءِ(1)
كَوَّنَتْ نُطْفَةُ الزَّكِيَّةِ مِنْهَا *** فَهِيَ أَزَكِّي إِنسِيَّةٍ حَوْرَاءِ
أَنَا مِنْهَا أَشَمُّ رَائِحَةَ اَلْجَنَّةِ *** مَهْمَا قَبَّلْتُهَا فِي اللِّقَاءِ(2)
تُفَّاحَةً مِنْ شَجَرَةٍ طوبي
وَ أَتِيَ جَبْرَئِيلُ يَوْماً لطَّهَ *** فِي حَدِيث عَنْ صَادِقِ اَلْأُمَنَاءِ(3)
قَالَ: هَذي تُفَّاحَةٌ لَكَ تُهْدِي *** بَعْدَ أَسْنِي تَحِيَّةٍ وَ ثَنَاءِ
شَقَّها الْمُصْطَفي فَأَشْرَقَ نُورٌ *** وَ هِيَ فِي كَفِّهِ عَظِيمُ اَلضِّيَاءِ
قَالَ: مَاذَا؟ فَقَالَ: كُلْهَا فَهَذَا *** هُوَ نُورُ الزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ
قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ قَدْ كَانَ *** و مِنْ قَبْلِ آدَمٍ فِي وِعَاءِ
وَ هِيَ تُسَمِّي فِي الْأَرْضِ فَاطِمَةً لُطْفاً *** وَ تُسَمِّي مَنْصُورَةٌ فِي اَلسَّمَاءِ
فَطَمَ اَللَّهُ بِالْمَحَبَّةِ مِنْهَا *** مِنْ لَظَي اَلنَّارِ سَائِرَ اَلْأَوْلِيَاءِ
ص: 270
مِثْلَ مَا عَنْ ولائِهَا بَعْدَ بُغْضٍ *** فَطَمَ اَللَّهُ سائِرَ اَلْأَعْدَاءِ
وَ بِهَا يُنْصَرُ اَلْمُحِبُّ فَيَحْظِي *** بِجِنَانِ الْخُلُودِ يَومَ الجزاءِ
يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِالنَّصْرِ مِنْهُ *** حِينَ تُمْسِي لَهُمْ مِنَ الشُّفَعاءِ(1)
ساعَةُ مَوْلِدِ الزَّهْراءِ
وَ تجلي عَنْ صَادِقِ اَلْقَوْلِ نُوراً *** خَيْرَ نَصِّ عَنْ خِيَرَةِ اَلْآباءِ(2)
حِينَمَا زُوَّجَتْ خَدِيجَةُ طه *** هِجْرَتَهَا مِنْهُمْ جَمِيعُ اَلنِّسَاءِ
وَرَاهَا يَوْماً تُحْدُثُ لِمَّا *** قَدْ أَتَاهَا فِي سَاعَةِ اَلْإِلْتِقَاءِ
قَالَ مِنْ ذا تُحدِّثِينَ؟ فَقَالَتْ: *** إِنَّ هَذَا اَلْجَنِينَ فِي أَحْشَائِي
لَمْ يَزَلْ مُؤْنِسِي بِخَيْرِ حَدِيثٍ *** قَالَ: بُشْراكِ في عَظِيمِ الهَنَاءِ
إِنَّها النَّسْلَةُ الزَّكِيَّةُ مِنِّي، *** كُلُّ نَسْلِي مِنْهَا بِحُكْمِ الْقَضَاءِ
وَ هِيَ أُمُّ الأئمةِ اَلْغُرِّ مَنْ هُمْ *** بَعْدَ وَحْيِي فِي أُمَّتِي خُلَفَائِي
وَ بِيَوْمِ اَلْمِيلاَدِ وَافَتْ إِلَيْهَا *** أَرْبَعٌ مِنْ نِسَاءِ دَارِالْبَقَاءِ
أُخْتِ موسي بِزَوْجِ فِرْعَوْنَ تُتَّلِي *** وَ بِزَوْجِ اَلْخَلِيلِ وَ اَلْعَذْرَاءِ
قُلْنَ: لَا تَحْزَنِي و قِرِّي فَإِنَّا *** لَكِ رُسُلٌ مِنْ صاحِبِ الكِبْرياءِ
نَتَوَلَّي مِنْكَ، الَّذِي تَتَوَلاَّهُ *** جَمِيعَ النِّساءِ، دُونَ عَنَاءِ
فَتُجْلِي نُورَ اَلنُّبُوَّةِ مِنْهَا *** عِنْدَ وَضْعِ الزهرا بِأَجَلِي بَهَاءِ
وَ أَتَتْهَا عَشْرٌ مِنَ اَلْحُورِ تَسْعِي *** بِأَبَارِيقَ مِنْ جِنَانِ اَلسَّمَاءِ
ص: 271
وَ بِمَاءٍ مِنْ كَوْثَرِ اَلْخُلْدِ زَاكٍ *** طَهُرَتْ فِيهِ وَ هُوَ أَطْهَرُ مَاءِ
وَ دَنَتْ إِحْدَاهُنَّ فاستنطقَتها *** فَأَجابَتْ بِلَهْجَةِ اَلْفُصَحَاءِ
حِينَ أَدَّتْ لَهُنَّ خَيْرُ سَلامٍ *** وَ أَبَانَتْ أَسْمَاءَ تِلْكَ النِّسَاءِ
وَ بِنَصِّ الشَّهَادَتَيْنِ أَقَرَّتْ *** لِأَبِيها الْهادي وَ رَبِّ الْعَطاءِ
وَ بِفَضْلِ الأَئِمَّةِ اَلْغُرِّ طُرّاً *** مِنْ بَيْنِهَا وَ سَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ
فَتَعَالَتْ وَ اَلْحُورُ فِي بُشريَّاتٍ *** بشريَّاتِ اَلملاَئِكِ اَلْأُمَنَاءِ
وَ رَأَوْا فِي اَلسَّمَاءِ مَا لَمْ يَرَوْهُ *** مِنْ سِنَا قَبْلَ مَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ(1)
ص: 272
أسماؤها المباركة
إِنَّ أَسَمَاءَهَا اَلْكَرِيمَةَ مِنْهُ *** تِسْعَةٌ وَهِيَ أَكْرَمُ اَلْأَسْمَاءِ(1)
ص: 273
ص: 274
فَهِيَ «مَرْضِيَّةٌ» لِرَبِّ الْبَرايا *** رَضِيت مِنْهُ حَكِيمِ اَلْقَضَاءِ
وَ هِيَ «صِدِّيقَةٌ» بِمَا جَاءَ مِنْهُ *** عُصِمَتْ مِنْ مائِمِ الأَخْطاءِ
طَهُرَتْ مِنْ جَمِيعِ رِجْسٍ خَبِيثٍ *** وَ تَزَكَّت فِي جُمْلَةِ الأزكِياءِ(1)
ص: 275
وَ هِيَ قَدْ بُورِكَتْ بِمَا قَدْ حَبَاهَا *** رَبُّهَا مِنْ مَوَاهِبٍ وَ عَلَاءِ
وَ هِيَ قَدْ حَدِّثَتْ بِعِلْمِ غَزِيرٍ *** مِنْ حَدِيثِ المَلائِكِ الأَصفِياءِ
فُطِمَتْ بالعُلُومِ مِن كُلِّ شَرِّ *** وَ مِنَ الطَّمْثِ فِي جَمِيعِ الدِّمَاءِ
وَ هِيَ كَانَتْ تُشَعُّ أنوَرَ قُدُسٍ *** وَ جَلاَلٍ لِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ
وَ هِيَ عِنْدَ الصَّلاةِ يَزْهَرُ نُورٌ *** مُسْتَضِيءٌ مِنْهَا لِأَهْلِ السَّمَاءِ
مِثْلُ مَا لِلْأَنَامِ فِي اَلْأَرْضِ يَزْهُو *** خَيْرُ نَجْمٍ مِنَ اَلسَّمَا وَضَّاءِ
وَ جَمِيعُ الْمَلَائِكِ اَلْغُرِّ تُغْشِي *** مِنْهُ أَبْصَارُهُمْ بِأَسنَي بَهَاءِ
فَيَقُولُونَ: أَيُّ شَيْءٍ نَرَاهُ؟ *** فَيَقُولُ الْبَارِي لَهُمْ فِي النِّدَاءِ
هُوَ نُورٌ مِنْ نُورِ قُدْسِي وَ عِزِّي *** وَ سَناءٌ خَلَقْتُهُ مِنْ ضِيائِي
ثُمَّ أَوْدَعْتُهُ بِصُلْبِ نَبِيِّي *** أَحمَدٍ وَ هُوَ أَفْضَلُ الأَنْبِياءِ
ثُمَّ أَخرَجتُهُ وَ أَخْرَجَ مِنْهُ *** نُورَ أَزَكِّي أئمَّةٍ أُمَناءِ
خُلَفَائِي عَلَي اَلْخَلاَئِقِ طُرّاً *** بَعْدَ طه وَ خِيَرَةِ اَلْخُلَفَاءِ
تسميتها بفاطمة عليها السلام
فَطَمَ اَللَّهُ فَاطِماً مِنْ لَظَاهَا *** وَ بَنِيهَا سُلاَلَةَ اَلأزكِيَاءِ(1)
فَتَسَمَّت بِفَاطِمٍ وَ هُوَ حَقّاً *** لعَلاها مِنْ أَفْضَلِ اَلْأَسْمَاءِ
من أحبَّ أهل بيتي دخل الجنة
أَخَذَ المُصطفي اَلنَّبِيُّ بِكَفِّي *** حَسَنٍ وَ اَلْحُسَيْنِ أَخذَ اصْطِفَاءِ
قَالَ: هَذَانِ وَ اَلزَّكِيَّةُ مِنَّا *** وَ هِيَ بِنْتِي وَ سَيِّدُ الأَوْصِيَاءِ
مِنْ أَحَبَّ اَلْجَمِيعَ مِنْهُمْ وَ وَالِي *** كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُمْ بِخَيْرِ وِلاءِ
نَالَ بَعْدَ الدُّخُولِ جَنَّة عدنٍ *** دَرَجاتٍ لِخَاتَمِ الأصفياءِ
ص: 276
شرف الزكية
قَالَ لِلْبَضْعَةِ اَلزَّكِيَّةِ طه: *** أَنْتَ فِي أُفُقِ رِفْعَةٍ وَ عَلاَءِ
وَلَدَاكِ سِبطَا هُدًي وَ عَلِيٌّ *** زَوْجُكِ اَلطُّهْرُ سَيِّدُ اَلْأَوْلِيَاءِ
عَمُّ طه أَبِيكِ حَمْزَةُ فِينَا *** أَسَدُ اَللَّهِ سَيِّدُ اَلشُّهَدَاءِ
وَ ابْنُ عَمِّي لَهُ جَنَاحَانِ يَجْرِي *** بِهِمَا بَيْنَ صَفْوَةِ اَلْأُمَنَاءِ
وَ أَبُوكَ الْمُخْتَارُ بَيْنَ اَلْبَرَايَا *** خَاتَمُ اَلرُّسُلِ أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ
وَ الإِمامُ الْمَهْدِيِّ بِالْحَقِّ مِنَّا *** صَاحِبُ الْعَصْرِ آخِرُ الْأَزْكِيَاءِ
زواج الصدّيقة الزهراء عليها السلام
زُوِّجَتْ فِي اَلسَّمَاءِ طُهْراً وَ يُمْناً *** وَ عَلاءً بِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ(1)
ص: 277
كَانَ جِبْرِيلُ خَاطِباً لِعَلِيٍّ *** بَضْعَةَ الطُّهْرِ مِنْ كَرِيمِ اَلْعَطَاءِ
وَ جَمِيعُ الْمَلاَئِكِ الْغُرِّ كَانُوا *** فِي زِوَاجِ الزَّهرَا مِنَ اَلشُّهَدَاءِ
نَثَرَتْ فِي اَلزِّفَافِ لِلْحُورِ طُوبِي *** مَا عَلَيْهَا بِغِبْطَةٍ وَ هناءِ(1)
دِرَراً مِنْ كَرَامَةٍ وَ جَمَاناً *** تَتَهَادَي بِهِ لِيَوْمِ الْجَزاءِ(2)
وَ أَتَاهَا أَنِ احمِلي بِرِقَاقٍ *** خُطَّ فِيهَا بَرَاءَةُ الْأَوْلِيَاءِ(3)
ص: 278
كُلِّ رَقِّ قَدْ كَانَ بِاسْمِ مُحِبِّ *** بَعْدَ تَمْيِيزِ سَائِرِ اَلْأَسْمَاءِ
أَوْ كُلَّ اَللَّهُ حِينَ أَعْطَاهُ فِيهِ *** مَلكاً حَافِظاً لِيَوْمِ اَلْبَقَاءِ
فَهُوَ يُعْطِي عِتْقاً مِنَ اَلنَّارِ لُطْفاً *** وَ امْتِنَاناً مِنْهُ لِأَهْلِ الْوَلَاءِ
مَهْرُهَا اَلنِّيلُ وَ اَلْفُرَاتُ وَ جَيْحُونَ *** وَ بَاقي وَ اَلْأَنْهَارُ فِي اَلْحَصْبَاءِ(1)
مَهْرُهَا الْأَرْضُ لاَ يَحِلُّ اغْتِصَاباً *** كُلَّ شَيْءٍ بِها لِأَهْلِ الْعَداءِ
مَهْرُها الْأَكْبَرُ الشَّفاعَةُ يَوْمَ *** الْحَشْرِ مِنْها لِلشِّيعَةِ الأَزْكِياءِ(2)
ص: 279
ص: 280
قَالَ طه لِفَاطِمٍ وَ عَلِيِّ *** لَيْلَةَ اَلْعُرْسِ بَهْجَةً بِاللِّقَاءِ
أَلِفَ اَللَّهُ بالمحبَّةِ دُنْيَا *** بَيْنَ قلْبيكُما بِغَيْرِ جَفَاءِ
بَارَكَ اَللَّهُ بِالسَّلاَمَةِ يُمَنَّاً *** لَكُما فِي سَعَادَةٍ وَ هناءِ
رَبِّ طَهِّرْهُمَا مِنَ الرِّجْسِ طَيِّباً *** مِثْلَ تَطْهِيرِ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ
فَهُمَا فِي الْوَلَاءِ مِنِّي و إِنِّي *** مِنْهُمَا فِي مَوَدَّتِي و وَلَائِي(1)
ص: 281
تحفةٌ في زواج النُّورين
وَ اِبْنُ مَسْعُود فَي حَدِيثٍ شَرِيفٍ *** قَدْ رَوَاهُ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)
قَالَ طه: قَدْ جَاءَنِي جَبْرَئِيلٌ *** فَحَبَانِي بُشَراً بِخَيْرِ حِبَاءِ
عِنْدَ تَزْوِيجِي الزَّكِيَّةَ بِنْتِي *** مِنْ عَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلسَّمَاءِ
خَلَقَ اَللَّهِ جَنَّةً قَدْ بَرَاهَا *** وَ بَنَاهَا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءِ
سَقْفُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ زينتهُ *** قَصَبَاتٌ تَزْهُو بِخَيْرٍ اِزْدِهَاءِ
بَيْنَ هَاتِي وَ تِلْكَ مِنْهَا بتِبْر(2) *** دِرَّةٍ شَذَّرَتْ بِأَبهِي صَفَاءِ
وَ تَسَامَتْ بِهَا بِأَتقَنِ صُنعٍ *** غُرَفٌ مُستَطَيلَةٌ فِي اَلْبِنَاءِ
أُنشِئَتْ مِنْ زُمُرُّدِ و جُمَانٍ *** وَ لُجَيْنٍ(3) وَ ذَهَبَةٍ حَمْرَاءِ
فَجَرَتْ تَحْتَهَا الْعُيُونُ وَ فَاضَتْ ***كُلُّ أَنْهَارِها بِأَعْذَبِ مَاءِ
وَ صُنُوفِ اَلْأَشْجَارِ صَفَّتْ وَ حَفَّتْ *** بَهْجَةً فِي ضِفَافِهَا اَلْخَضْرَاءِ
وَ بَنِيَ اَللَّهِ فِي اَلضِّفَافِ مِنَ اَلدُّرِّ *** قبَاباً مُوَاجَةً بِالضِّيَاءِ
فَرَشَتْ سُنْدُساً وَ فَتَقَ مِسْكٌ *** فِي ثَراها بِإِطِيبِ اَلْأَشْذاءِ
وَ أُعِدَّتْ أَرَائِكُ اَلدُّرِّ فِيهَا *** وَ أُقيمَتْ بِها حَسانُ الْأَمَاءِ
وَ ازْدَهَتْ كُلُّ قُبَّةٍ مَنْ عَلاَهَا *** حِينَ خَصَّتْ بِاللِّطْفِ حَورَاءِ
قُلْتُ: هَذَي النُّعمي لِمَنْ قَدْ بَرَاهَا *** وَ حَبَاهَا يَا خِيَرَةً اَلْأُمَنَاءِ؟
ص: 282
قَالَ هَاتِيكَ تُحْفَةٌ قَدْ حَبَاهَا *** لِعَلِيِّ وَ البَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ
غَيْرُ مَا قَدْ أَعَدَّ رَبُّ الْعَطَايَا *** لَهُمَا مِنْ كَرَامَةٍ وَ عَطَاءِ
زفافُ الصدِّيقة عليها السلام
وَ اِبْنُ عَبَّاسٍ لَيْلَةَ اَلْعُرْسِ مِنْهَا *** قَالَ فِيمَا رَوَيَ لَنَا فِي هِنَاءِ(1)
كَانَ طه قُدَّامَهَا يَتَهَادَي *** بِمَحْيَا مُنَوَّرٍ بِالضِّيَاءِ
وَ بيُمنَي جِبْرِيلَ مَنهَا وَ يُسْرِي *** كَانَ مِيكَالُ خِيَرَةُ اَلْأُمَنَاءِ
وَ وَرَاءَ الْبَتُولِ سَبْعُونَ أَلْفاً *** مِنْ خِيارِ المَلائِكِ اَلْأَصْفِيَاءِ
يُنْشدون التَّسبيحَ وَ اَلْحَمْدَ حَتِّي *** مَطْلَعُ اَلْفَجْرِ مِنْ عَظِيمِ الثناءِ(2)
قَالَ لَوْلاَ عَلِيٌّ مَا كَانَ بَعْلٌ *** هُوَ كُفوٌ لِلْبَضْعَةِ اَلزَّهْراءِ(3)
ص: 283
شجرةُ طوبَي
قَالَ طه: قَدْ جَاءَنِي جَبْرَئِيلٌ *** فَرِحاً فِي سَنَابِلٍ خَضْرَاءِ(1)
وَ حَبَانِي قَرَنْفُلاً فَاحَ طَيباً *** عَابِقَ النَّشْرِ مِنْ جِنَانِ اَلْبَقَاءِ(2)
قَالَ هَذَا مِمَّا الْتَقَطْنَاهُ بُشْراً *** فِي زَوَاجِ الزَّكِيَّةِ اَلزَّهْرَاءِ
عِنْدَ تَزْوِيجِهَا مِنَ اَللَّهِ فَخْراً *** وَجَلاَلاً بِسيِّدِ اَلأَوصِيَاءِ
إِنَّ رَبِّي أوحِيَ لِرضْوانَ: زَخْرَفْ *** جَنَّةَ اَلْخُلْدِ زِينَةً فِي بَهَاءِ
وَ دَعَا اَلرِّيحَ أَنْ تَهُبَّ عَلَيْنَا *** فِي عَبِيرٍ مُعَطَّرٍ بَرَخَاءِ
وَ تَجَلَّتْ فِيهَا سَحَابَةُ نُورٍ *** أَمْطَرَتْ أَرْضَهَا بأسنَي حِبَاءِ
فَالْتَقَطْنَا مَا أَنْعَمَ اَللَّهُ فِيهِ *** نَحْنُ وَ اَلْحُورُ مِنْ نُثَارِ اَلْهَنَاءِ
وَ لطُوبِي نادِي: اِحْمِلِي بِرِقَاقٍ *** مُنْجِيَاتٍ لِلشِّيعَةِ الأزكِياءِ(3)
كُلُّ صَكِّ قَدْ خُطَّ بِاسْمٍ ولِيٍّ *** وَ مُحِبٍّ مِنْ سائِرِ اَلْأَوْلِيَاءِ
فِيهِ خَطَّتْ بَرَاءَةٌ مِن لِظَاهَا *** لِلْمُحِبِّينَ عِنْدَ يَوْمِ اَلْجَزَاءِ
أَوْدَعَ اَللَّهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا *** بِيَدِي حَافِظٍ مِنَ الْأُمَناءِ
فَإِذَا قَامَتِ الْقِيَامَةُ نَادِي *** بِاسْمِهِ بَيْنَ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ
فَهُوَ يُعْطي كِتابَهُ بِيَمِينٍ *** آمَنَ النَّفْسَ مِنْ عَظِيمِ اَلْبَلاَءِ
زواج علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام في السماء
قَالَ طه وَ قَدْ أَتَاهُ عَلِيٌّ *** خَاطِباً لِلزَّكِيَّةِ اَلزَّهْرَاءِ:(4)
ص: 284
إِنَّ جِبْرِيلَ مِنْ إِلَهِ اَلْبَرَايَا *** جَاءَنِي فِي حريرةٍ بَيْضَاءِ
وَحبَانِي بُشَرِي مِنَ اَللَّهِ كَانَتْ *** خَيْرَ بَشْرِي مَزْفُوفَةٍ وَ حِبَاءِ
قَالَ: رَبِّي قَدْ زَوَّجَ اَلنُّورَ بِالنُّورِ *** عَلِيّاً مِنْ فَاطِمٍ فِي اَلسَّمَاءِ
حِينَ نَادِي رَاحِيلُ: زَوْجَهُ مِنْهَا *** بِحُضُورِ المَلاَئِكِ اَلْأَصْفِيَاءِ
سَوْفَ يُحْبِي أزكِّي إِمَامَيْنِ مِنْهَا *** مِنْ خِيارِ الأَئِمَّةِ الْأَزْكِياءِ
جَنَّةِ الْخُلْدِ زِينَةٌ تَتَحَلّي *** بِهِما مِنْ نَضَارَةٍ وَ ازْدهاءِ
فَرَقِيَ عِنْدَ بَيتِهِ الطَّاهِرِ الْمَعْمُورِ *** بِالنُّسُكِ مِنْبَراً مِنْ بَهَاءِ
وَ غَدَا خَاطِباً بِخَيْرِ خَطَّابٍ *** عَجَزَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْخُطَبَاءِ
قَالَ: فِيهِ زَوَّجتُ فاطم يُمْناً *** لِعَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلْعَطَاءِ
وَ هُوَ فِي هَذِهِ الحريرةِ خطَّ *** اَلْعَقْدَ بُشْراً فِي مِزْبَرٍ مِنْ ضِيَاءِ(1)
بَعْدَ خَتْمٍ لَهُ بِخَاتَمِ مِسْكٍ *** عَاطِرٍ فِي سَعَادَةٍ وَ هَنَاءِ
وَ هُوَ أوحي؛ اِحْمِلِي لِسِدْرَةِ طُوبِي *** فِي زِوَاجِ اَلنُّورَيْنِ خَيْرَ نَمَاءِ
حُلَلاً مِنْ كَرَامَةٍ وَ حُلِيّاً *** وَ انثُريها نُعَمِي بِخَيْرِ فَنَاءِ
وَ لِحُورِ اَلْجِنَانِ أَوحِي: اَلْقَطِيهَا *** فَتَسَابَقْنَ فِي صَعِيدِ اَلْبَقَاءِ
لاِلْتِقَاطِ اَلنُّعَمِي و هُنَّ بِبَشَرٍ *** يَتَهادَيْنَهَا لِيَوْمِ الْجَزَاءِ
بَعْدَ تَزْيِينِ جَنَّةِ الْخُلْدِ فِيمَا *** قَدْحَبَاهَا مِنْ زِينَةٍ وَ اِزْدِهَاءِ
قُمَّ فَزَوَّج فِي اَلْأَرْضِ بَضعَةَ طه *** مِنْ عَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلْقَضَاءِ
صَداقُ الزهراء عليها السلام
وَ صَداقُ الزهراءِ دِرعُ حَدِيدٍ *** وَ هُوَ مِهْرٌ مِنْ سَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ
وَ مِنَ اَللَّهِ مَهْرُهَا كُلُّ نَهَرٍ *** قَدْ جَرِيَ فَوْقَ تُرْبَةِ اَلْحَصْبَاءِ
ص: 285
وَ لَهَا الْأَرْضُ قَدْ مُشِيَ فِي حَرَامٍ *** فَوْقَهَا كُلُّ نَاصِبٍ بِالْعَدَاءِ
وَ هِيَ قَدْ أُمِرَتْ بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** وَ لَظَي اَلنَّارِ مِنْ إِلَهِ السَّمَاءِ
تُدْخِلُ الْجَنَّةَ الْمُحِبَّ وَ تُلْقِي *** فِي لَظَي النَّارِ سَائِرَ اَلْأَعْدَاءِ
وَ بِدَارِ اَلْبَتُولِ سِدْرَةُ طُوبِي *** حَبْوَةً مِنْهُ عِنْدَ يَوْمِ الْجَزَاءِ(1)
وَ لَهَا أَفْضَلُ الشَّفَاعَةِ مِنْهُ *** وَ هِيَ فِي الْحَشْرِ خِيَرَةُ الشُّفَعَاءِ
ص: 286
خُلقوا من نورِ اللَّه
قَالَ إِنِّي وَ فَاطِمَا وَ عَلِيّاً *** مَعَ سِبْطَيَّ سَاعَةَ الإنشَاءِ(1)
قَدْ خُلِقْنَا مِن نُورِهِ ثُمَّ كَانَتْ *** عَصْرَةُ النُّورِ خِلقَةَ الْأَوْلِياءِ
فَتَوَالي التَّسْبِيحَ مِنَّا وَ مِنْهُمْ *** وَ تَعالَي التَّكبيرُ لِلأتقِياءِ
قَبْلَ خَلْقِ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ طُرَّا *** وَ جَمِيعِ المَلائِك الأزكياءِ
فَلَنَحْنُ الْمُوَحِّدُونَ خُضُوعاً *** قَبْلَ تَوْحِيدِ سائِرِ الأشْياءِ
قَدَّسَتْهُ الْمَلَائِكَ الْغُرُّ حَمْداً *** بَعْدَ تَقْدِيسِنَا لَهُ و الثناءِ
خدمة الملائكة لفاطمة عليها السلام
قَالَ سَلْمانُ: قَدْ أَتَيْتُ عَلِيّاً *** بَعْدَ أَمْرٍ مِن خاتَمِ الأنبياءِ(2)
ص: 287
فَسَمِعْتُ اَلزَّهْرَاءَ عِنْدَ اَلْمُصَلِّي *** تَذْكُرُ اَللَّهَ فِي جَمِيلِ اَلدُّعَاءِ
وَ رَأَيْتُ اَلرَّحِي تَدُورُ اِنْفِرَاداً *** دُونَ شَخْصٍ تَرَاهُ مُقْلَةُ رَائِي
فَسَأَلْتُ اَلنَّبِيَّ عَنْهَا فَأُوحِي: *** إِنَّ بِنْتِي مِنْ سَيِّدَاتِ اَلنِّسَاءِ
عَلِمَ اَللَّهُ ضعفَهَا فَحَبَاهَا *** خَدَماً مِنْ عِبَادِهِ الْأُمَنَاءِ
تَتَأَدي لَها الْمَعُونَةُ مِنْهُمْ *** حِينَ تَحْتَاجُهَا بِخَيْرِ أَدَاءِ
وَ هُمْ يَحْرُسُونَ مِنْ كُلِّ كَيدٍ *** بَضْعَةَ اَلْمُصْطَفِي وَ كُلِّ بَلاَءِ
يَغْضَبُ اَللَّهُ لِلْبَتُولِ وَ يَرْضي *** لِرِضَاهَا عَنْ خَاتَمِ اَلْأَصْفِيَاءِ
فَضْلِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ
قَالَ طه فِي فَضْلِهَا وَ عَلَاهَا *** مَا كَفَاهَا عَنْ مِدْحَةِ الشُّعَرَاءِ
سَيِّدَاتِ النِّسَاءِ فِي الْخَلْقِ طُرّاً *** أَرْبَعَ قُدسَتْ بِأَعْلِي اَلثَّنَاءِ
زَوْجِ فِرْعَوْنَ وَ اَلْبَتُولُ تَلِيهَا *** أُمُّهَا إِثْرَ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ
وَ الْبَتُولِ الزَّهْرَاءِ أَفْضَلُ قَدْراً *** وَجَلاَلاً مِنْ سَيِّدَاتِ اَلنِّسَاءِ
يَغْضَبُ اَللَّهُ حِينَ تَغْضَبُ سَخَطاً *** وَرِضَاهَا رِضًا لِرَبِّ اَلسَّمَاءِ
ص: 288
وَكَفَاهَا فِي الْفَضْلِ مَا جَاءَ فِيهَا *** مِنْ صَرِيحِ الْقُرآنِ خَيْرَ اكْتِفَاءِ
فَهيَ مِمَّنْ قَدْ بَاهَلَ اللَّهُ فِيهِمْ *** وَ قَدَ نَجْرَانَ عِنْدَ وَقتِ الدُّعَاءِ
وَ بِآيِ الْقُرْبَي الْمَوَدَّةُ أَضْحَتْ *** وَ هُيَ فَرْضٌ لَهَا مَعَ الأَقْرِبَاءِ
و بآي الإطعَامِ نَجْمُ عُلاهَا *** قَدْتَجَلَّي نُوراً بِأفَقِ الْعَلاَءِ
وَ بَآيِ وَبِاي التَّطْهِيرِ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ *** قَدْتَزَكَّتْ فِي جُمْلَةِ الأَزْكِيَاءِ
وَ أَحَادِيثُ فَضْلِهَا لَيْسَ تُحْصَي *** وَ كَفَاهَا مِنْهَا حَدِيثُ الْكِسَاءِ
عبادة الزهراء عليها السلام
و َهْيَ كَانَتْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ نُسْكاً *** وَ صَلاةً فِي خَشْيَةٍ وَ بُكَاءِ(1)
ص: 289
وَ رِمَتْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ جَهْداً *** قَدَمَاهَا مِنْهَا لِفَرْطِ العَنَاءِ
وَ هْيَ كَانَتْ تُعَانُ فِي جَبْرَئِيلٍ *** حِينَ تَأْتِي بِوِرْدِهَا فِي اخْتِشَاءِ
فَيَهُزُّ الْمَهْدَ الَّذِي كَانَ فِيهِ *** طِفْلُهَا رَاقِداً بِوَقْتِ الأَدَاءِ(1)
فاطمةُ عليها السلام بضعةٌ مِنِّي
قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ: فَاطِمُ مِنِّي *** بَضْعَةٌ مُعْلِناً بِغَيْرِ خَفَاءِ
مَنْ جَفَاهَا فَقَدْ جَفَانِي، فَوَيْلٌ *** لِشَقِيِّ أَسَاءَهَا بِالْجَفَاءِ
وَ رِضَاهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ رِضَائِي *** حَيْثُ أَضْحَي إِيذاؤُهَا إِيذَائِي
لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهَا *** فَجَفَتْهُ بِنْتُ الْهُدَي بِاسْتِيَاءِ
الزهراء عليها السلام بهجة قلبي
قَالَ: إِنَّ الزَّهْرَاءَ بَهْجَةٌ نَفْسِي *** وَ عَلِيّاً مِنْ نَاظِرَيَّ ضِيَائِي(2)
ص: 290
291
ثَمَرَاتُ الْفُؤادِ سِبْطَايَ حَقّاً *** حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ مِنْ أَصْفِيَائِي
وَ جَمِيعُ الأَئِمَّةِ الْغُرُمِنْهَا *** هُمْ لِرَبِّ الْعُلَا مِنَ الأُمَنَاءِ
وَ هُمْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْبَرَايَا *** مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادِ حَبْلُ الرَّجَاءِ
قَدْ نَجَا مَنْ بِهِمْ تَمَسَّكَ حُبّاً *** وَ اعْتِصَامَاً مِنْكُمْ بِخَيْرِ وَلَاءِ
وَ تَرَدَّي مَنْ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ *** حَائِداً عَنْ مَنَاهِجِ الإِهْتِدَاءِ(1)
النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام في جنّة الخلد
قَالَ إِنِّي وَ بَضْعَتِي وَ عَلَيّاً *** مَعَ سِبْطَيَّ صَفْوَةُ الأَزْكِيَاءِ(2)
نَسْكُنُ الْخُلْدَ فِي مَكَانٍ أَمِينٍ *** وَاحِدٍ كُلُّنَا بِيَوْمِ الْجَزَاءِ
حبّ النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم للزهراء عليها السلام
سُئِلَتْ عَنْ أَحَبِّ شَخْصٍ إِلَيْهِ *** بَعْضُ أَزْوَاجِ سَيْدِ السُّفَرَاءِ(3)
ص: 291
فَأَجَابَتْ: مِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ *** وَ هْيَ كَانَتْ لَهُ أَحَبَّ النِّسَاءِ(1)
مَا رَأَتْ مُقْلَتَايَ أَصْدَقَ مِنْهَا *** أَبَداً بَعْدَ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
كَانَ يُعْطِي مَكَانَهُ حِينَ تَأْتِي *** وَ هُوَ طَلْقٌ لَهَا بِكُلِّ احْتِفَاءِ
وَيَشُمُّ الزَّهْرَا وَ يَسْتَافُ مِنْهَا *** نَفَحَاتٍ مِنْ جَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ(2)
تسبيحُ الزهراء عليها السلام
قَدْ حَبَاهَا التَّسْبِيحَ طَهَ بَدِيلاً *** وَ هُوَ يُنْمَي لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ(3)
حِينَ قَالَتْ مِنَ الْعَنَا لأَبيها: *** أبغني مِنْ حباكَ بَعْضَ الإِمَاءِ
إِنَّ كَفِّي مِنَ الرَّحَي عِنْدَ طَحْنِي *** مَجِلَتْ مِنْ مَشَقَّةٍ وَعَنَاءِ(4)
قَالَ فِي فَضْلِهِ وَ نَاهِيكَ فِيهِ *** عَقِبَ الْفَرْضِ صَادِقُ الأَزْكِيَاءِ:
إِنَّ تَسْبِيحَها أَحَبُّ لِنَفْسِي *** هُوَ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي الأَدَاءِ(5)
ص: 292
ص: 293
علي عليه السلام أَعزُّ و فاطمة عليها السلام أحبُّ النبيِّ صلي الله عليه و آله و سلم
قال طه: أعَزُّ أَنْتَ لِنَفْسِي- *** لِعَلِيٍّ - مِنْ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ
وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَا أَحَبُّ لِنَفْسِي، *** وَ هْيَ بِنْتِي، مِنْ سَائِرِ الأَقْرِبَاءِ(1)
جفنة من الجنّة
وَ أَتَانَا مِنَ النُّصُوصٍ حَدِيثٌ *** مُسْتَفِيضٌ عَنْ سَيْدِ الأَوْصِيَاءِ
قُلْتُ: لِلْبَضْعَةِ الزَّكِيَّةِ يَوْماً *** أَطْعِمِينا مِنْ رِزْقِ رَبِّ السَّمَاءِ
فَأَجَابَتْ: عَلَّ يَوْمَانِ قَدْ مَرًا *** بَعْدَ إِيثارِكُمْ بِغَيْرِ غِذَاءِ
فَحَبَانِي الإِلهُ دِينَارَتِبْرِ *** وَ هُوَ قَرْضٌ إِلَي زَمَانِ الرَّخاءِ
فَلَقِيتُ الْمِقْدَادَ في الدَّرْبِ يَصْلَي *** فِي لَظَي الْحَرِّ مِنْ لَهِيبِ ذُكَاءِ
قَال: إِنِّي خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ أَهْلِي *** وَ هُمُ يَصْرُخُونَ جُوعاً وَرَائِي
فَحَبَاهُ الدِّينار لِلَّهِ زُلْفَي *** بَعْدَ حُزْنٍ لِحَالِهِ وَ بُكَاءِ
وَ أَتَي مَسْجِدَ النَّبِيِّ يُصَلِّي *** فَأَتَاهُ النَّبِيُّ بَعْدَ الأَدَاءِ
قَالَ: إِنِّي ضَيْفٌ عَلَيْكَ فَأَحْنَي *** رَأْسَهُ مُطرقاً لِفَرْطِ الْحَيَاءِ
فَرَأَي الْمُصْطَفَي بِبَيْتِ عَلِيِّ ***حِينَ وَافَي لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ
جَفْنَةً لِلطَّعَام مَلأَي لَدَيْهَا *** وَ هيَ تَذْكُو بِأَطْيَبِ الأَشْذَاءِ(2)
ص: 294
وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَاءُ لِلَّهِ تَدْعُو *** عِنْدَ مِحْرَابِهَا بِأَزْكَي دُعَاءِ
قَالَ: هَذِي مِنْ جَنَّةِ الْخُلْدِ وَافَتْ *** لَكُمَا خَيْرُ تُحْفَةٍ وَ عَطَاءِ
وَ هُوَ أَجْرُ الدِّينارِ لِلَّهِ وَافَي *** لَكُمَا فَاهْنَآ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ
وَ لَهُ الشُّكْرُ نِعْمَةً وَ امْتِنَاناً *** وَ هُوَ لُطْفاً أَهْلٌ لِكُلِّ ثَنَاءِ
قَدْ أَرَانِي فِي بَضْعَتِي مَا رَآهُ *** زَكَرِيَّا في مَرْيَمَ العَذْرَاءِ
الصِّدِّيقة عليها السلام ترتدي ثوبَ الكرامةِ
قَالَ طه: وَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً *** عِنْدَ وَصْفِ الْمَعَادِ لِلْحَوْرَاءِ(1)
لَيْسَ يَرْنُو بَعْضٌ لِبَعْضٍ، فَقَالَتْ: *** واحَيَائِي مِنْ خَالِقِ وَ احِيَائِي(2)
فَأَتَاهُ قَدْ اسْتَحَي اللَّهُ مِنْهَا، *** حِينَ وَافَي إِلَيْهِ وَحْيُ السَّمَاءِ
فَهْيَ تُكْسَي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِتْراً *** مِنْهُ ثَوْبَيْ كَرَامَةٍ وَحباءِ
كرامة الله لأهل بيت النبوة عليهم السلام
قال طه لِفَاطِمِ وَ عَلِيٍّ *** وَ هُوَ فِي الْبَابِ لَمْ يَجُزْ لِلْفَنَاءِ(3)
حِينَ وَافَي لِبَيْتِهِمْ وَ هُوَ يَتْلُو *** آيةَ الفَضْلِ مِنْ سِجِلِّ الْعَلَاءِ
ص: 295
قَدْ رَآنِي بَعْدَ اطلاعَةِ عِلْمٍ *** فَاصْطَفَانِي رَبِّي مِنَ الأَنْبِيَاءِ
وَ تَجَلَّي بِعِلْمِهِ لِعَلِيٍّ *** فَارْتَضَاهُ مِنْ سَائِرِ الأَوْصِيَاءِ
وَ هُوَ أَوْلَي خَدِيجَةً حِينَ أَوْلَي *** بنت طه سِيَادَةً فِي النِّسَاءِ
وَ اجْتَبي الْمُجْتَبَي بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** سَيِّداً مِثلَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ
وَ رَأَي الْعَرْشَ مُشْرِقَاً مِنْ مُحَيَّاً *** حَسَنٍ وَ الْحُسَيْنِ بِالإِزْدِهَاءِ
فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُزَيِّنَ حُسْناً *** بِهِمَا وَجْهَهُ بِخَيْرِ دُعَاءِ
فَاسْتَجَابَ الدُّعَاءَ مِنْهُ فَكَانَا *** حَوْلَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ أَسْنَي ضِيَاءِ
نور عليٍّ عليه السلام و فاطمة عليها السلام
وَ تَجَلِّي عَنْ خَاتَمِ الرُّسلِ نَصٌّ *** مُسْتَنِيرٌ كَالفَرْقَد الْوَضَّاءِ
قَدْ رَوَاهُ الْمُخَالِفُونَ فَرَوَّي *** كُلَّ ظَامٍ مِنْ مَنْهَلِ الإرْتِوَاءِ
إنَّ أَهْلَ الْجِنَانِ يُشْرِقُ فِيهِمْ *** خَيْرُ نُورٍ يَزْهُو بِخَيْرِ سَنَاءِ
فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، قُلْتُ صِدْقاً *** في صريحِ الْكِتَابِ دُونَ افْتِرَاءِ
لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَ لا زَمْهَرِيرٌ *** أَيِّ شَيْءٍ أَوْفَي بِهذا الْبَهَاءِ(1)
فَيَجِيءُ النَّدَاءُ لِلْخَلْقِ مِنْهُ: *** لَيْسَ هذا السَّنا بِنُورِ ذُكَاءِ
إِنَّ عَبْدَيِّ فَاطِماً وَ عَلِيّاً *** ضَحِكَا مِنْ تَعَجُبِ وَ هَنَاءِ
فَتَجَلِّي فِي جَنَّةِ الخُلْدِ نُوراً *** بَرْقُ تَغْرَيْهِمَا بِأَسْنَي ضِيَاءِ(2)
بشارةٌ للنبي صلي الله عليه و آله و سلم في فضل الزهراء عليها السلام
قَالَ: فِي بَضْعَتِي وَ سِبْطَيِّ وَافَي *** مَلَكٌ فِي بِشَارَةٍ وَحِبَاءِ(3)
ص: 296
أَنَّ سِبْطَيَّ سَيِّدَاكُلِّ نَشَءٍ *** وَ شَبَابِ فِي جَنَّةِ السُّعدَاءِ
وَ هُوَ أَعْطَي سِيَادَةً بِنْتَ طه؛ *** مَثْلَ سِبْطَيْ مُحَمَّدٍ في النِّسَاءِ
أحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَحُرِّمَتِ النَّارُ *** عَلَيْهَا كَمَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ
مِثْلَما حُرِّمَتْ عَلَي كُلِّ زَاكٍ *** مِنْ بَنِيهَا سُلالَةِ الأَزْكِيَاءِ
إن أُصِيبَتْ أُصِبْتُ فِيمَا دَهَاهَا *** إِنَّ إِيَذَاءَ بَضْعَتِي إيذائي
قَالَ طه: عِنْدَ الصِّرَاطِ يُنَادَي *** مِنْ ذُرَي عَرْشِهِ بِخَيْرِ نِدَاءِ
طَاطِئُوا مِنْكُمُ الرُّؤُوسَ وَ غُضُّوا *** كُلَّ أَبْصَارِكُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ(1)
لِتَجُوزَ الصَّرَاطَ بَضْعَةُ طه *** فِي عُبُورٍ لِجَنَّةِ الأَتقِياءِ
حِينَ تَأْتِي وَ الْحُورُ سَبْعُونَ أَلفاً *** مِنْ جَلالٍ تَحُفُّ بِالزَّهْرَاءِ
حبُّ فَاطِمَةَ عليها السلام ينفعُ في مواطنَ
إِنَّ حُبَّ الزَّهْرَاءِ يَنْفَعُ حَقاً *** أَهْلَهُ فِي مَوَاطِنِ لِلْبَلاءِ(2)
وَ أَقَلُّ الأَهْوَالِ مِنْهَا بَلاءً *** ساعَةُ الْمَوْتِ عِنْدَ وَقْتِ الْفَنَاءِ
وَ عَذَابُ الْقُبُورِ وَ الْحَشْرُ مِنْهَا *** وَ عُبُورُ الصَّرَاطِ يَوْمَ الْبَقَاءِ
ص: 297
وَ حِسَابُ الْعِبَادِ وَالْوَزْنُ عَدْلاً *** عِنْدَ وَضعَ الْمِيزَانِ يَوْمَ اللقاءِ
لَيْسَ يُنْجِي الْعِبَادَ بِالأَمْنِ مِنْهَا *** غَيْرُ حُبِّ الزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ
بغْضَبُ اللَّهُ وَ الرَّسُولُ إِذا ما *** غَضِبَتْ عِنْدَ سَاعَةِ الإِيذَاءِ
وَ رِضَا اللَّهِ وَ الرَّسُولِ مَنُوطٌ *** بِرِضَاهَا عَنْ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ
قَالَ: وَيْلٌ حَقّاً لِمَنْ ظَلَمُوهَا *** وَ بَنِيهَا وَ سَيَّدَ الأَوْصِيَاءِ
مَنْ أَسَاؤوا بِالظُّلُمِ حِينَ أَسَاؤوا *** بَعْدَنَصْبِ لِلشَّيعَةِ الأَزْكِيَاءِ
صورةُ الزهراءِ عليها السلام في الجنَّةِ
قَال طه: لَمَّا تَبَخْتَرَ فِيهَا *** آدَمُ مِثلَ زَوْجِهِ حَوَاءِ(1)
حِينَ قَالاً: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقاً *** هُوَ أَزْكَي مِنّا بِوَقْتِ الْقَضَاءِ
وَ هُمَا فِي الْجِنَانِ كانا فَشَعَّتْ *** صُورَةٌ فِي شَمَائِلِ الزَّهْرَاءِ
لِفَتَاةٍ قِرْطَانِ فِي أُذُنَيْهَا *** تَحْتَ تَاجِ فِي رَأْسِهَا مِنْ بَهَاءِ
وَ أُجِيبا: هَاتِيكَ بَضْعَةُ طه، *** حِينَ قالا: مَنْ ذِي؟ لِرَبِّ السَّمَاءِ
وَلَدَاهَا الْقِرْطَانِ وَالتَّاجُ حَقًّاً *** بَعْلُها وَ هُوَ سَيِّدُ الأَنْقِيَاءِ
وَ هُمُ وُلدُكُمْ وَ كَانُوا بِأَلْفَيْ *** سَنَةٍ قَبْلَكُمْ سَناً مِنْ ضِيَائِي
قُبَّةٌ منَ الياقوت
وَ بِيَوْمِ الْمَعَادِ يُخْلَقُ مِنْ أَحْ *** جَارٍ أَصْفَي يَاقُوتَةٍ حَمْرَاء(2)
ص: 298
قُبَّةٌ ما لَهَا عِمَادٌ مُقِيمٌ *** فَهُيَ بَيْتٌ مُعَلَّقٌ فِي الْقَضَاءِ
لِلْبَتُولِ الزَّهْرَاءِ تَسْكُنُ فِيهَا *** وَ هْيَ تَزْهُو لِلْخَلْقِ يَوْمَ الْبَقَاءِ(1)
فَيَقُولون حِينَ تُشْرِقُ فِيهِمْ: *** إِنَّ هَذِي الأَنْوَارَ لِلزَّهْرَاءِ
فاطمة عليها السلام يوم الحشر
قَالَ طه: إِنِّي لأَوَّلُ شَخْصٍ *** عَنْهُ تَنْشَقُّ تُرْبَةُ الْغَبْرَاءِ(2)
وَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ تَنْشَقُ بَعْدِي *** عَنْهُ يُتْلَي بِسَيْدِ الأَوْصِيَاءِ
وَ لِقَبْرِ الْبَتُولِ يَأْتِي فَيَبْنِي *** جَبْرَئِيلٌ بِهِ قِبَابَ عَلاءِ
وَ أَبُو الصُّورِ حَامِلٌ بِيَدَيْهِ *** حُلَلاً تَكْتَسِي بِهَا مِنْ بَهَاءِ
وَ يُنَادِي بِهَا: لِحَشْرِكِ قُومِي *** إِنَّ هذا ميعادُ يَوْم الْجَزَاءِ
فَتَقُومُ الزَّهْرَاءُ مِنْهُ بِأَمْنٍ *** وَ هْيَ مَسْتُورَةٌ بِأَضْفَي رِدَاءِ
ثُمَّ يُؤْتَي لَهَا بِخَيْرِ نَجِيبٍ *** يَتَغَشَّي مِنْ نُورِهِ بِغِشَاءِ
تَعْتَلِيهِ محفَّةٌ مِنْ نظارٍ *** هِيَ فَوْقَ النَّجِيبِ خَيْرُ وِطَاءِ
آخذاً بِالْخِطَامِ وَهُوَ جُمَانٌ *** مَلَكٌ مِنْ أَكَارِمِ الأَصْفِيَاءِ(3)
وَ عَلَي جَانِبَيْهِ سَبْعُونَ أَلفاً *** مِنْ خِيَارِ الْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ
وَ تُوافِي خَدِيجَةٌ تَقْتَفِيها *** مَرْيَمُ إِثْرَ أُمِّهَا حَوَاءِ
بأُلُوفٍ مِنْ حُورِ جَنَّةِ عَدْنٍ *** تَتَهَادَي أَمَامَهَا كَالإِمَاءِ
بِيَدَيْهَا مَجَامِرُ التِّبْرِ تَذْكُو *** دُونَ نَارٍ بِالْعُودِ وَ الأَشْذَاءِ
وَ يُنَادَي بِمَحْشَرِ النَّاسِ: غُضُّوا، *** فَتُغَضُّ الأَبْصَارُ مِنْ كُلِّ رَائِي
لِتَجُوزَ الصِّرَاطَ بَضْعَةُ طَه *** وَ هْيَ تَسْرِي فِي حِشْمَةٍ و َاحْتِفَاءِ
لاَ يَرَاهَا سِوَي الْخَلِيلِ أَبِيهَا *** وَ عَلِيِّ وَ خَاتَمِ الأَنبيَاءِ
ص: 299
منبرٌ من نورِ للزهراءعليها السلام
وَ يُقِيمُ الرَّحْمنُ مِنْبَرَ نُورٍ *** تَرْتَقِيهِ فِي رِفْعَةٍ وَ عَلَاءِ(1)
وَ تَحُفُّ الْمَلائِكُ الْغُرُّ فِيهَا *** وَ تُنَادَي: اسْألِي، بِخَيْرِ نِدَاءِ
وَ قَمِيصَ الْحُسَيْنِ قَدْ نَشَرَتْهُ *** بِيَدَيْهَا مُضَرَّجاً بِالدِّمَاءِ
فَتُنَادِي: يَا رَبِّ فِي قَاتِلِيهِ *** أَنْتَ عَدْلٌ فَاحْكُمْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ
فَيُجَلِّي فِي الْحَشْرِ و النَّاسُ تَرْنُو*** عُنُقٌ مِنْ سَعِيرِ دارِ الْبَلاءِ
يَلْقُطُ الْقَاتِلِينَ مِنْهُ فَيُلْقِي *** فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ رَهْطَ الشَّقَاءِ
وَ يُنَادَي: اسْأَلِي، فَتَهْتِفُ: نَسلِي *** يَا إِلهِي وَ شِيعَتِي أَوْلِيَائِي
فَيَقُولُ الإلهُ: شُفْعَتِ فِيهِمْ *** إِنَّ وَعْدِي حَقٌّ بِغَيْرِ امْتِرَاءِ
فَخُذِيهِمْ لِجَنَّةِ الْخُلْدِ طُراً *** بَعْدَغُفْرَانِ سَائِرِ الأَخْطَاءِ
وَ تَجُوزُ الزَّهْر لجَنَّةِ رَضْوَي *** فِي بَنِيهَا وَ الشَّيعَةِ الأَنْقِيَاءِ
وَ تُهَيَّالَهُمْ مَوَائِدُ دُرِّ *** وجُمَانٍ مَصْفُوفَةٍ لِلْعَذَاءِ
فَهُمُ يَنْعَمُونَ فِيهَا بِأَمْنٍ *** وَ يُهَنَّوْنَ فِي عَظِيمِ الْهَنَاءِ
وَ جَمِيعُ الْعِبَادِ فِي الْحَشْرِ تَبْقَي *** دُونَهُمْ فِي حِسَابِ يَوْمِ الْبَقَاءِ
شفاعةُ فاطمة عليها السلام
هِيَ حَقٌّ لِلْمُصْطَفَي وَعَلِيَّ *** وَ بَنَيهِ وَ الْبَضْعَةِ الْحَوْرَاءِ(2)
وَ جَزَاءٌ لِمُؤْمِنٍ يَرْتَضِيهِ *** حِينَ يُمْسِي مِنْ صَفْوَةِ الأَوْلِيَاءِ
جَاءَ «مَنْ أَنْكَرَ الشَّفَاعَةَ مِنَا *** لَيْسَ مِنَّا» عَنْ خَاتَمِ الأُمَناءِ
ص: 300
وَ عَلِيُّ هُوَ الشَّفِيعُ الْمُرَجَي *** سَاعَةَ الْحَشْرِ عِنْدَ رَبِّ السَّمَاءِ
وَ تَرَي النَّاسَ كَالسُّكارَي وَ مَا هُمْ *** بِسُكَارَي لَكِنْ لِعُظمِ البَلاءِ
كُلُّ فَرْدٍ يَصِيحُ رَبِّيَ نَفْسِي *** غَيْر طه وَآلِهِ الشُّفَعَاءِ
وَ هْيَ مَهْرُ الزَّهْرَا مِنَ اللَّهِ حَقًّاً *** فِي زَوَاجِ الْوَصِيِّ بِالزَّهْرَاءِ
حِينَ تُعْطَي فِي حَشْرِهَا كُلَّ فَضْلٍ *** وُعِدَتْ فِيهِ مِنْ إِلَهِ الْعَطَاءِ
يَوْمَ تَأْتِي عَلَي نَجِيبٍ كَرِيمٍ *** تَتَهَادَي فِي مَوْكِبٍ مِنْ بَهَاءِ
تَقْتَفِيهَا سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ الْحُور *** حَوَالَيْ رِكَابِهَا كَالإِمَاءِ
وَ تُغَضُّ الأَبْصَارُ عَنْهَا احْتِشَاماً *** حِينَ تَجْتَازُ مِنْ بَنِي حَوَاءِ
وَ تُنَادِي «أُرِيدُ يُعْرَفُ قَدْرِي» *** حِينَ يَأْتِي لَها «اطْلُبِي» فِي النّداءِ
فَتُوَفَّي لَهَا الشَّفَاعَةُ فِيمَنْ *** تَبْتَغِيهِ مِنْ رَبِّهَا بِسَخَاءِ
تَلقُطُ الأَوْلِيَاءَ كَالطَّيْرِ لِلْحَبِّ *** انْتِفَاءً مِنْ زُمْرَةِ الأَشْقِيَاءِ
وَ يُنَادَي بِمَنْ تُشَفَّعُ فِيهِ *** مِنْ مُحِبٍّ وَ شِيعَةٍ أَصْفِيَاءِ
حِينَ يُلْقَي فِي روعِهِمْ أَنْ يَمِيلُوا *** بِالْتِفَاتٍ عَنْ جَنْبِهِمْ لِلْوَرَاءِ
«أُدْخُلُوا الْحَشْرَ لِلشَّفَاعَةِ حَتَّي *** يَعْرِفَ القَدْرَ مِنْكُمُ كُلُّ رَائِي
مَنْ كَساكُمْ لِحُبِّهَا فَخُذُوهُ *** أَوْسَقَاكُمْ لَهُ بِشَرْبَةِ مَاء»
قَالَ:«واللهِ -جَعْفَرٌ- لَيْسَ يَبْقَي *** فِيهِ إِلا مُشَكِّكٌ أَوْ مُرَائِي»
وقوفُها علي شفيرِ جهنَّم
وَ لَهَا وَقْفَةٌ عَلَي النَّارِ فِيهَا *** نَفَحَاتٌ لِلشِّيعَةِ الأَزْكِيَاء(1)
يَوْمَ يُؤْتَي بِمُؤْمِنٍ مُسْتَحِقٍّ *** لِعَذَابِ السَّعِيرِ يَوْمَ الْجَزَاءِ
خُطَّ فَوْقَ الْجَبِينِ مِنْهُ «مُحِبٌّ» *** وَ هْيَ كَانَتْ سِيمَاءَ أَهْلِ الْوِلَاءِ(2)
فَتُنَادِي: «يَا رَبِّ وَعْدُكَ حَقٌّ *** لَيْسَ فِيهِ خُلْفٌ بِوَقْتِ الْوَفَاءِ
ص: 301
أنتَ َأعْطَيْتَنَا الشَّفَاعَةً فَضْلاً *** وَ امْتِنَاناً فَجُدْ لَنَا بِالْعَطَاءِ»
فَيَجِيءُ النَّدَاءُ: «شُفُعَتِ فِيهِ *** فَخُذِيهِ لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ
إِنَّ وَعْدِي حَقٌّ وَ قَدْ كَانَ أَمْرِي *** فِيهِ لِلنَّارِ مِنْ حَكِيمِ الْقَضَاءِ
لَيْسَ إِلا لِتَشفَعِي فِيهِ عِنْدِي *** رِفْعَةً فِي كَرَامَةٍ و َاحْتِفَاءِ
فَيَرَي الْخَلْقُ وَ الْمَلائِكُ طُرّاً *** أَنْتِ عِنْدِي مِنْ أَكْرَمِ الشُّفَعَاءِ»
توسُّلُ إبليسَ بالنبيِّ صلي الله عليه و آله وآلِهِ الطاهرين عليهم السلام
قَالَ، وَ الصَّادِقُ الزَّكِيُّ أَمِينٌ *** فِي حَدِيثٍ عَنْ صَادِقِ الأُمَنَاءِ(1)
«قَدْ تَوَارَتْ بَعْدَ الظُّهُورِ لِطه *** ذَاتُ خِدْرِ مِنْ خَيْرَاتِ النِّسَاءِ
حِينَ غَابَتْ لأُخْتِهَا فِي ازْدِيار *** وَ هْيَ تُسْمَي مِنْ قَبْلُ فِي عَفْرَاءِ(2)
وَ هْيَ كَانَتْ لِلجِنِّ تَحْمِلُ عَنْهُ *** حُجَجاً مِنْ دَلائِلِ الإهْتِدَاءِ
قالَ عِنْدَ الإِيابِ مِنْهَا إِلَيْهِ: *** حَدِّثِينِي عَنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ
فَأَجَابَتْ: أَبْصَرْتُ شَيْئاً عَجِيباً *** فِي غِيَابِي يَا خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
قَدْ رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ فِي الْبَحْرِ يَدْعُو*** رَبَّهُ فَوْقَ صَخرَةٍ بَيْضَاءِ
سَائِلاً عَفْوَهُ بِحُرْمَةِ طه *** وَ عَلِيَّ وَ ابْتَيْهِ و َالزَّهْرَاءِ
فَسَأَلْتُ الشَّيْطَانَ وَ الْعُجْبُ بَادٍ: *** أَيُّ شَيْءٍ تَرْجُو بِهَذَا الدُّعَاءِ
قَالَ: أَبْصَرْتُ نُورَهُمْ قَبْلَ سَبْعٍ *** مِنْ أُلُوفِ السِّنِينَ عِنْدَ السَّمَاءِ
قَبْلَ إِيجَادِ آدم قَدْ تَحَلَّي *** عَرْشُ رَبِّي بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ
فَهُمُ عِنْدَ رَبِّهِمْ حِينَ كَانُوا *** لِلْبَرَايَا مِنْ أَكْرَمِ الشَّفَعَاءِ
حُلَةٌ وحُليٌّ مِنَ الجِنَّةِ
و َرِجَالُ الْيَهُودِ جاؤوا لطه *** لِحُضُورِ الزَّهْرَا بِعُرْسِ هَنَاءِ(3)
ص: 302
وَ هُمُ يَقْصُدُونَ نَقْصَ عُلاها ***حِينَ تَأْتِي فِي بِزَّةِ الْفُقَرَاءِ
فَأَتَاهَا بِحُلَّةِ وَحُلِيِّ *** جَبْرَئِيلٌ مِنْ جَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ
فَارْتَدَتْهَا وَ أَقْبَلَتْ تَتَهَادَي *** فِي جَلالٍ وَ رَوْعَةٍ و َبَهَاءِ
وَ نِسَاءُ الْيَهُودِ بَيْنَ يَدَيْهَا *** سِرْنَ عِنْد اسْتِقْبَالِهَا كَالإِمَاءِ
وَ هَوَيْنَ الجَمِيعُ حِينَ تَجَلَّتْ *** سُجَّداً لِلزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ
وَ بِفَضْلِ الْبَتُولِ أَسْلَمْنَ طَراً *** مَعَ بُقْيَا رِجَالِ تِلْكَ النِّسَاءِ
شكوي الزهراء عليها السلام
قَالَ: تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِنْتِي *** بِثِيَابِ مَصْبُوغَةٍ بِالدِّمَاءِ(1)
ص: 303
وَ بِإِحْدَي قَوَائِمِ الْعَرْشِ مِنْهَا *** تَعْلَقُ الْكَفُّ بَعْدَ طُولِ الْبُكَاءِ
وَ تُنَادِي: يَا عَدْلُ يَا رَبِّيَ احْكُمْ *** أَنْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدَاءِ
وَ هُمُ قَاتِلُو الْحُسَيْنِ سَلِيلِي *** سِبْطِ طه وَ سَيّدِ الشُّهَدَاءِ
قَالَ: وَاللَّهِ يَحْكُمُ اللَّهُ حَقَّاً *** لابْنَتِي فِيهِمُ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ
حُبُّهَا جَنَّةٌ وَ بُغْضها نارٌ
قَالَ: مَنْ أَبْغَضَ الزَّكِيَّةَ بِنْتِي *** دَخَلَ النَّارَ صُحْبَةَ الأَشْقِيَاءِ(1)
وَ مُحِبُّ الزَّهْرَاءِ يَدْخُلُ حَقًّا *** فِي جِنَانِ الْمَأْوَي مَعَ الصُّلَحَاءِ
رَحي فاطمة عليها السلام تُديرها الملائكةُ
أَرْسَلَ الْمُصْطَفَي أَبا ذَرَّيَوْماً *** لِعَلِيَّ يَدْعُوهُ خَيْرَ دُعَاءِ
فَأَتَي بَيْتَ فَاطِمِ وَ عَلِيٍّ *** عَظَمَ اللَّهُ قَدْرَهُ بِالْعَلَاءِ
وَإِذَا بِالرَّحَي بِغَيْرِ مُدِيرٍ *** تَتَوَالَي بِالطَّحْنِ وَسْطَ الفِنَاءِ
أَخْبَرَ الْمُصْطَفَي بِهَذَا فَأَوْحَي: *** إِنَّ لِلَّهِ خِيرَةَ الأُمَنَاءِ
أَصْفِيَاءٌ مِنَ الْمَلَائِكِ غُرٌّ *** وَ كُلُوا فِي مَعُونَةِ الأَصْفِيَاءِ
ص: 304
قولُه «تعالي»: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)» (الرحمن / 19)
قَدْ تَجَلَّتْ فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ آيٌ *** فَأَبَانَتْ عَلْيَاءَهَا بِجَلاَءِ
جاءَ بَعْضٌ فِيهَا انْفِرَاداً وَ بَعْضٌ *** جَاءَ فِيهَا فِي جُمْلَةِ الأَوْلِيَاءِ
قَالَ: إِنَّ الْبَحْرَيْنِ فَاطِمُ فِيهَا *** قَدْ أَتَانَا وَ سَيْدُ الأَوْصِيَاءِ
بَحْرُ عِلْمٍ و َلِلنُّبُوَّةِ بَحْرٌ *** مَا يَزَالآنِ فِي أَتَمُ الْتِقَاءِ
بَيْنَ هذا وَ ذَاكَ مِنْ دُونِ بَغْيِ *** بَرْزَخٌ وَ هُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ
مِنْهُمَا تُصْطَفي اللَّآلِي و َالْمَرْجَانُ *** عِنْدَ الخُرُوج خَيْرَ اصْطِفَاءِ
حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ صَفْوَةُ طه *** وَ جَمِيعُ الأَئِمَّةِ الأَصْفِيَاءِ
فَبِأَيِّ الآلاءِ يَكْفُرُ فِيمَا *** قَدْ أَتَاهَا مُكَذِّبٌ بِافْتِرَاءِ
وَ هْيَ حَقّاً وِلايَةُ الْحَقِّ فِيهَا *** لِعَلِيَّ وَ الْحُبُّ لِلزَّهْرَاءِ
قولُه «تعالي»: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ» (آل عمران / (61)
وَ هْيَ تُعْنَي بِالنَّصِّ دُونَ سِوَاهَا ***حِينَمَا بَاهَلُوا بِلَفْظِ النِّسَاءِ(1)
وَ بِآيِ النَّظَهِيرِ بَانَ عُلاهَا *** وَ بِآي الإِطْعَامِ لِلْفُقَرَاءِ
ص: 305
قوله تعالي: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي» (آل عمران/195)
قَالَ فِي الذِّكْرِ: لا يُضَيَّعُ عِنْدِي *** عَمَلُ الْعَامِلِينَ دُونَ جَزَاءِ
ذَكَراً كَانَ -وَ هُوَ يَعْنِي عَلِيّاً- *** أَمْ لأُنْثَي كَالْبَضْعَةِ الْحَوْرَاءِ(1)
حِينَ مِنْ مَكَةٍ لِيَشْرِبَ لَيْلاً *** هَاجَر نَحْوَ خَاتَمِ السُّفَرَاءِ
قوله «تعالي»: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ و َالْأُنْثَي إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّي» (الليل / 4)
وَ لَقَدْ خَصَّ فَاطِماً وَ عَلِيّاً *** بِهِمَا اللَّهُ مِنْ بَنِي حَواءِ
إِنَّمَا سَعْيُكُمْ جَمِيعاً لَشَتَّي *** عِنْدَ دَارِ الدُّنْيَا لِدَارِ الْبَقَاءِ
إِنَّ مَنْ أَحْسَنُوا لَهُمْ خَيْرُ حُسْنَي *** بَعْدَمَا آمَنُوا بِرَبِّ الْعَطَاءِ(2)
قولُه «تعالي»: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتِ» (البقرة / 37)
فَتَلَقَّي مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ *** زَاكِيَاتٍ تَقَدَّسَتْ بِالْعَلَاءِ(3)
ص: 306
وَ هْيَ بِنْتُ الْهَادِي وَ سِبْطَاهُ حَقًّاً *** وَ عَلِيٌّ وَخَاتَمُ الأَصْفِياءِ
قوله «تعالي»: «لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» (النور / 63)
وَ لَقَدْ هَابَتِ الرَّسُولَ فَنَادَتْ: *** يَا رَسُولَ الإِلهِ وَقتَ النَّدَاءِ
حِينَ وَافَي: لا تَجْعَلُوا كَدُعَاءِ *** الْبَعْضِ مِنْكُمْ مُحَمَّداً فِي الدُّعَاءِ
لا تُنَادُوهُ يا مُحَمَّدُ جَهلاً *** بِاسْمِهِ مِثْلَ سَائِرِ الأَسْمَاءِ
قَالَ: قُولِي عِنْدَ النَّدا: أَبَتَاهُ *** فَهُوَ أَدْعَي ما بَيْنَنَا لِلْوَلاَءِ
فَهيَ مَا أُنْزِلَتْ بِعِشْرَةِ طه *** وَ ذَراريه خيرة النجباءِ
إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بِقَوْمٍ جُفَاةٍ *** مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ غِلْظَةٍ وَجَفَاءِ(1)
قوله «تعالي»: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً و َقُعُوداً» (آل عمران/ 191)
يَذْكُرُونَ اللَّهَ الْعَظِيمَ قِيَاماً *** وَ قُعُوداً مِنْ خِيفَةٍ وَ رَجَاءِ(2)
ص: 307
هِيَ فِي هِجْرَةِ الزَّكِيَّةِ وَافَتْ *** حِينَ وَافَتْ لِطَيْبَةَ الْغَرَّاءِ
قولُه «تعالي»: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ» (آل عمران/ 43)
طَهَّر اللَّهُ مَرْيَماً وَ اصْطَفَاهَا *** وَ اجْتَبَاهَا فَضْلاً بِخَيْرِ اجْتِبَاءِ(1)
سَيْدَاتُ النِّسَاءِ أَرْبَعٌ فِيما *** قَدْ أَنَانًا عَنْ خَاتَمِ الأُمَنَاءِ
وَ البَتُولُ الزَّهْرَاءُ أَعْظَمُ فَضْلاً *** وَ جَلالاً مِنْ سَيِّدَاتِ النِّسَاءِ
قولُه «تعالي»: «لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» (الزمر/65)
قَالَ طه فِي سَارِقٍ مُتَعَدٍّ *** قُطِعَتْ كَفُهُ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ(2)
ص: 308
هُوَ لَوْ كَانَ فَاطِماً لَقَطَعْنَا *** يَدَهَا بَعْدَ سِرْقَةٍ وَاعْتِدَاءِ
وَ تَنَاهَي لَهَا الْحَدِيثُ فَأَشْجَي *** نَفْسَهَا قَوْلُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
فأَتَاهُ: لَتَحْبَطَنَّ لَئِنْ أَشْرَكْتَ *** مِنْكَ الأَعْمَالُ فِي الإِبْتِدَاءِ
فَاغْتَدَي الْمُصْطَفَي حَزِيناً فَوَافَي *** جَبْرَئِيلٌ لَهُ بِوَحْيِ السَّمَاءِ
تَفْسُدُ الأَرْضُ وَالسَّمواتُ لَوْ كَانَ *** إِلَهُ ثَانٍ مِنَ الشُرَكَاء
قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ رَبَّ الْبَرَايَا *** بِالْبَتُولِ الزَّهْرَا مِنَ الرُّحَمَاءِ
أنْزَلَ الآيَتَيْنِ فِيها لِتَرْضَي *** بَعْدَحُزْنٍ أَصَابَهَا وَ اسْتِيَاءِ
فَامْتَلَتْ نَفْسُ خَاتَمِ الرُّسُلِ عُجْباً *** لِمَقامِ الصِّدِّيقَةِ الزَّهْرَاءِ
قولُه «تعالي»: «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً» (المزمل / 9)
إِنَّهُ اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** قَدْ تَعَالَي عَنْ سَائِرِ النُّظَرَاءِ(1)
وَ هُوَ رَبِّ لِلْمَشْرِقَيْنِ عَظِيمٌ *** فَاتَّخِذْهُ مِنْ خِيرَةِ الْوُكَلاءِ
آيةٌ أُنْزِلَتْ لِبَضْعَةِ طه *** وَ عَلِيٌّ بِغَزْوَةٍ مُتَنائِي
فَتَمَنَّتْ لَهَا وَكِيلاً أَمِيناً ***حَافِظاً بَعْدَ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ
فَأُجِيبَتْ: لَكِ الإِلهُ وَكِيلٌ *** وَ كَفِيلٌ مِنْ أَحْسَنِ الْكُفَلاءِ
ص: 309
قولُه «تعالي»: «وَإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ» (التكوير/7)
وَ إِذَا مَا النُّفُوسُ مِنْ بَعْدِ حَشْرٍ *** زُوجَتْ فِي الْجِنَانِ يَوْمَ اللقَاءِ(1)
جَاءَ فِيهَا لِكُلِّ بَرِّ وَلِيٍّ *** أَرْبَعٌ مِنْ نِسَاءِ دُنْيَا الْفَنَاءِ
يَتَلَقَّي التَّزْوِيجَ فِيها امْتِنَاناً *** حِينَ يُحْبَي مِنْهُ بِخَيْرِ حِبَاءِ
غَيْرَ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِمِمّا *** قَدْ أُعِدَّتْ لَهُ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ
مَا عَدَا الْمُرْتَضَي الْوَصِيَّ عَلِيّاً *** رِفْعَةً لِلزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ
مَا لَهُ غَيْرُ فَاطِمٍ أَيُّ زَوْجٍ *** مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا بِيَوْمِ الْبَقَاءِ
وَ لَهُ مِنْ عَرَائِسِ الْحُورِ مَا لا *** قَطُّ يُحْصِيهِ غَيْرُ رَبِّ الْقَضَاءِ
ص: 310
قَدْ رَوَي جَابِرٌ حَدِيثاً شَرِيفاً *** عَنْ لِسَانِ الزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ
قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ بَضْعَةٌ طه *** لِي قَالَتْ يَوْماً بِكُلِّ جَلاَءِ
جَاءَنِي وَالِدِي فَسَلَّمَ، حُبّاً *** وَ اشْتِيَاقاً، عَلَيَّ عِنْدَ اللقَاءِ
قَالَ: إِنِّي أُحِسُّ ضَعْفاً بِجِسْمِي *** وَ نُحُولاً فِي سَائِرِ الأَعْضَاءِ
قُلْتُ: إِنِّي أُعِيذُ جِسْمَكَ مِمّا *** قَدْ عَرَاهُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَلَاءِ
قَالَ: جِيئِي بِذَا الْكِسَاءِ الْيَمَانِيِّ *** وَ غَطَّي جِسْمِي بِهَذَا الْكِسَاءِ
وَ لَقَدْ جِئْتُ بِالْكِسَاءِ الْيَمَانِيِّ *** وَ غَطَيْتُهُ بِخَيْرِ غِطَاءِ
وَ أَتَي بَعْدَ سَاعَةٍ نُورُ عَيْنِي *** حَسَنٌ وَ هُوَ سَيِّدُ الأَزْكِياءِ
قالَ: إِنِّي أَشَمُّ طيباً زَكِياً *** هُوَ مِنْ طِيبِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ جَدُّكَ طه *** فَأَتَاهُ مُسلّماً باحْتِفَاءِ
قَائِلاً: يا جَدَّاهُ هَلْ لِي إِذْنٌ *** فِي دُخُولِي بظلِّ هذَا الْغِشَاءِ
وَ عَلَيْكَ السَّلامُ صاحِبَ حَوْضِي *** قَالَ: فَادْخُلْ مَعِي بِدُونِ إِبَاءِ
وَ مَضَتْ سَاعَةٌ فَوافَي حُسَينٌ *** ثَمَرُ الْقَلبِ سَيْدُ الشُّهَدَاءِ
قَالَ: إِنِّي أَسْتَافُ أَطْيَبَ رِيحٍ *** هُوَ مِنْ طِيبِ خَاتَمِ السُّفَراءِ(1)
قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ جَدُّكَ هذا *** وَ أَخُوكَ الزَّاكِي بِخَيْرِ وِطَاءِ
قَالَ بَعْدَ السَّلام: يَا جَدُّ هَلْ لِي *** مِنْكَ إِذْنُ الدُّخُولِ بَعْدَ اصْطَفَاءِ
قَالَ: فَادْخُلْ يَا خَيْرَ سِبْطٍ شَفِيعٍ *** لِلْمُحِبِّينَ عِنْدَ يَوْمِ الْجَزَاءِ
ص: 311
وَ مَضَتْ سَاعَةٌ فَجَاءَ عَلِيٌّ *** سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ و َالأَوْصِيَاءِ
قَالَ: يَا بِنْتَ خَاتَمِ الرُّسُلِ طه *** بَعْدَ أَزْكَي تَحِيَّةٍ وَ وِلاءِ
أَنَا أَسْتَافُ مِنْ أَخِي وَ ابْنِ عَمِّي *** سَيِّدِ الرُّسُلِ أَطْيَبَ الأَشْذَاءِ
قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ صِنَوكَ طه *** مَعَ شِبْلَيْكَ يَا أَبَا الأَنْقِيَاءِ
فَتَدَانَي مُسْتَأْذِناً نَحْوَ طه *** بَعْدَ تَسْلِيمِهِ بِخَيْرِ اعْتِنَاءِ
قَالَ: فَادْخُلْ خَلِيفَتِي وَ وَصِيِّي *** مَعَنَا يا أَخِي وَ رَبَّ لِوَانِي
وَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ أَطْلُبُ إذناً *** مَعَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِي الانْتِهَاءِ
قَالَ: يا بَضْعَتِي وَ بِنْتِيَ كُونِي *** مَعَنَا يَا سَلِيلَةَ النُّقَبَاءِ
وَ اكْتَمَلْنَا تَحْتَ الْكِسَاءِ فَأَوْمَي *** آخِذا جَانِبَيْهِ نَحْوَ السَّماءِ(1)
قَائِلاً: هؤلاء -رَبِّي- جَمِيعاً *** أَهْلُ بَيْتِي وَ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ
لَحْمُهُمْ -رَبِّيَ الْمُعَظَّمَ- لَحْمِي *** وَ كِرَامُ الدِّمَاءِ مِنْهُمْ دِمَائِي
أنَا سِلْمٌ لِمَنْ يُسَالِمُ حَقّاً *** أَهْلَ بَيْتِي حَرْبٌ لأَهْلِ الْعِدَاءِ
مُبْغِضٌ شَانِيءٌ لِمَنْ أَبْغَضُوهُمْ *** وَ مُحِبْ لِلشَّيعَةِ الأَوْلِيَاءِ
رَبِّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمُ بَرَكَاتٍ *** مِنْكَ تُتْلَي بِرَحْمَةٍ وَ رَجَاءِ
رَبِّ طَهُرْهُمْ جَمِيعاً وَ أَذْهِبْ *** عَنْهُمُ الرِّجْسَ يَا إِلهَ الْعَطَاءِ
قَالَ: يَا سَاكِنَ السَّمَاواتِ طُرّاً ***(رَبُّنَا) لِلْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ
يَا عِبَادِي وَ عِزَّتِي وَ جَلالِي *** وَ أَنَا اللَّهُ صَاحِبُ الْكِبْرِيَاءِ
مَا خَلَقْتُ الأَرْضَ الْوَسِيعَةَ *** دَحْواً مَا رَفَعْتُ السَّما بِخَيْرِ بِنَاءِ(2)
فَلَكٌ لَمْ يَكُنْ يَدُورُ وَ فُلْكٌ *** لَمْ يَكُنْ سَارِياً بِلُجَّةِ ماءِ(3)
دُونَ بَحْرٍ يَجْرِي وَ بَدْرٍ مُنِيرٍ *** وَ ذُكَاءٍ مُضِيئَةٍ بِضِيَاءِ
كُلُّ هَذا قَدْ كَانَ مِنِّي لِغُرِّ *** خَمْسَةٍ جُلَّلُوا بِهَذَا الْكِسَاءِ
ص: 312
قَالَ: «يَا رَبِّ مَنْ هُمْ؟» جَبْرَئِيلٌ *** طُلْتَ مَجْداً بِعِزَّةٍ وَ إِبَاءِ
قَالَ: هُمْ مَعْدِنُ النُّبُوَّةِ عِنْدِي *** فَاطِمُ بِنْتُ خَاتَمِ الشُّفَعَاءِ
وَ أَبُوهَا وَ بَعْلُهَا وَبَنُوها *** أَصْفِيَانِي وَ خِيرَةُ الْخُلَفَاءِ
قَالَ: هَلْ بِالنُّزُولِ لِي مِنْكَ إِذْنٌ *** لأَكُونَنَّ سَادِسَ الأَصْفِياءِ
قَالَ: إِنِّي لَقَدْ أَذِنْتُ، فَأَهْوَي *** جَبْرَئِيلَ لِتُرْبَةِ الْغَبْرَاءِ
وَ أَتَي الْمُصْطَفَي وَ قَصَّ عَلَيْهِ ***كُلَّ مَا قَالَهُ إِلَهُ الْعَطَاءِ
قَالَ: فَادْخُلْ، فَقَدْ أَذِنْتُ بِهَذَا، *** مَعَنا يا أَمِينَ وَحْيِ السَّمَاءِ
قالَ: إِنَّ الإِلهَ أَوْحَي إِلَيْكُمْ *** وَ حَبَاكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِحِبَاءِ
آيةٌ في التَّطهيرِ أَذْهَبَ فِيها ***كُلَّ رِجْسَ عَنْكُمْ وَ كُلَّ امْتِرَاءِ
فَرَنَا الْمُرْتَضَي وَ قَالَ لِطه: ***ما لِهَذَا جُلُوسنَا مِنْ عَلَاءِ
قَالَ طه: وَ حَقِّ رَبِّ الْبَرَايَا *** مَنْ حَبَانِي فَضْلاً بِهَذا الثَّنَاءِ
وَ اجْتَبَانِي مِنَ الْعِبَادِ نَبِيّاً *** وَ نَجِياً بِأَحْسَنِ الإِجْتِباءِ
مَا جَرَي ذِكْرُنَا بِهَذَا بِحَفْلٍ *** وَ اجْتِمَاعِ لِلشَّيعَةِ الصَّلَحَاءِ
قطُّ إلا وَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ *** رَحَمَاتٍ تَفِيضُ بِالنَّعْمَاءِ
وَ بِهِمْ حَفَّتِ الْمَلَائِكُ طُرّاً *** فِيهِ يَسْتَغْفِرُونَ دُونَ انْقِضَاءِ
لَهُمُ مُدَّةَ الْجُلُوسِ إِلَي أَنْ *** عَنْهُ يَنْفَضُّ سَائِرُ الْجُلَسَاءِ
قَالَ: فُزْنَا وَفَازَ كُلُّ مُحِبِّ *** وَ مُوَالٍ لَنَا مِنَ الأَوْلِيَاءِ
قال طه: عَوْداً عَلَي الْبَدْءِ مِنْهُ: *** وَ الَّذِي اختارنِي بِخَيْرِ انْتِقَاءِ
مَا أَتَي مِنْهُمُ بِمَجْمَع خَيْرٍ *** ذِكْرُ هذا الْحَدِيثِ طُولَ البَقَاءِ
كَانَ فِيهِ ذُو حَاجَةٍ أَو هُمُومِ *** أَوْغُمُومِ مَقْرُونَةٍ بِالْعَنَاءِ
قَطُّ إِلا وَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ *** وَ قَضَي حَاجَهُ بِخَيْرِ قَضَاءِ
قَالَ: فُزْنَا وَ اللَّهِ حُسْنَي وَ فَازُوا *** فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ دَارِ اللِّقَاءِ
ص: 313
صحيفة فاطمة الزهراء عليها السلام
قَدْ تَجَلَّي عَنْ جَابِرٍ خَيْرُ نَصٍّ *** فِيهِ لِلظَّامِئِينَ خَيْرُ رُوَاءِ
قَالَ: أَبْصَرْتُ فِي يَدَيْ بِنْتِ طه *** حِينَ وَافَيْتُها بِوَقْتِ اللقَاءِ
خَيْرَ لَوْحٍ مِنَ الزُّمُرُّدِ زاهٍ *** أَخْضَرٍ مُشْرِقٍ بِأَسْنَي بَهَاءِ
قُلْتُ: يَا بَضْعَةَ النَّبِيِّ أَبِينِي *** أَيَّ شَيْءٍ هذا بِأَبْهَي جَلاءِ
فَأَجَابَتْ: لَوْحٌ أَتَي جَبْرَئِيلٌ *** لأبي فِيهِ مِنْ إِلَهِ الْعَطَاءِ
فَحَبَانِي بِهِ أَبِي حَيْثُ فِيهِ *** ذِكْرُ أَسْمَاءِ وُلْدِيَ الأُمَنَاءِ
لِيَعُمَّ السُّرُورُ وَ الْبِشْرُ نَفْسِي *** فَتَصَفَّحْتُهُ بِخَيْرِ اقْتِفَاءِ
وَكَتَبْتُ النَّصَّ الَّذِي خُطَّ فِيهِ *** بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ بَيْضَاءِ
وَ أَنَا أُشْهِدُ الإلة بِهذا *** صادِقاً بِالْمَقَالِ دُونَ افْتِرَاءِ
إنَّ هَذَا اللَّوْحَ الْكَرِيمَ كِتَابٌ *** مُنْزَلُ مِنْ جَلالِ رَبِّ السَّمَاءِ
لِسَفِيرِ الْبَارِي وَ خَيْرِ دَلِيلٍ *** وَ حِجَابٍ لَهُ وَ خَيْرِ ضِيَاءِ
يَا نَبِيِّ الْهُدَي مُحَمَّدُ عَظِّمْ *** بَعْدَ شُكْرِ لِنِعْمَتِي أَسْمَائِي
إِنَّنِي اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** قَاصِمُ الْجَبَارِينَ مِنْ خُصَمَانِي
وَ مُذِلُّ لِلظَّالِمِينَ هَوَاناً *** بَعْدَ عِزِّ دَيانُ يَوْم الْجَزَاءِ
كُلُّ مَنْ خافَ غَيْرَ عَدْلِي وَ يَرْجُو *** غَيْرَ فَضْلِي عَذَّبْتُهُ بِبَلائِي
فَتَوَكَّلْ عَلَيَّ وَحْدِي وَ اعْبُدْنِي *** إِلهاً فَرْداً بِلا شُرَكَاء
و أَنَا مَا اسْتَكْمَلْتُ عَهْدَ نَبِيِّ *** عِنْدَ بَعْثَي لِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ
قَطُّ إلأ وَ قَدْ جَعَلْتُ وَصِيّاً *** خَلَفاً بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ
وَ أَنَا قَدْ جَعَلْتُ شَخْصَكَ مَنْاً *** أَفْضَلَ الأَنْبِيَاءِ وَ الأَصْفِيَاءِ
مِثْلَما قَدْ جَعَلْتُ خَيْرَ وَصِيٌّ *** لَكَ فِي الْخَلْقِ أَفْضَلَ الأَوْصِيَاءِ
وَ بِشِبْلَيْكَ بَعْدَهُ وَ بِسِبْطَيْكَ *** امْتِنَاناً أَكْرَمْتُهُ بِسَخَاءِ
حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ خَيْرُ إِمَامَيْنِ *** هُمَا بَعْدَ سَيِّدِ الأَنْقِيَاءِ
وَ جَعَلَتُ الزَّكِي مَعْدِنَ عِلْمِي *** حَسَناً وَ هُوَ مُجْتَبَي الأَزْكِيَاءِ
ص: 314
وَ جَعَلْتُ الْحُسَيْنَ خَازِنَ عِلْمِي *** بَعْدَهُ وَ هُوَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ
وَ بِأَسْمَي شَهَادَةٍ خُصَّ مِنِّي *** قُرِنَتْ فِي سَعَادَةٍ وَ عَلَاءِ
مَعَهُ الْكِلْمَةُ البَلِيغَةُ رُشْداً *** وَ لَهُ خَيْرُ حُجَّةٍ بَيْضَاءِ
لِلْبَرَايَا مُعَاقِبٌ وَ مُثِيبٌ *** مِنْهُ فِي خَيْرِ عِتْرَةٍ نُجَبَاءِ
سَيْدُ الْعَابِدِينَ أَوَّلُ نَدْبٍ *** مِنْهُمُ وَ هُوَ زِينَةُ الأَوْلِيَاءِ(1)
وَ ابْنُهُ بَاقِرُ الْعُلُومِ لِحُكْمِي *** مَعْدِنٌ شِبْهُ خَاتَمِ الأَصْفِيَاءِ
بَعْدَهُ جَعْفَرٌ سَيَهْلِكُ فِيهِ *** كُلُّ بَاغِ ذِي رِيبَةٍ وَ رِيَاءِ
حُقَّ قَوْلٌ مِنِّي لأُكْرِمَ مَثْوَي *** جَعْفَرٍ في كَرَامَةِ وَ اعْتِلاَءِ
كُلُّ شَخْصِ قَدْ رَدَّ -كُفْراً- عَلَيْهِ *** رَدَّ -كُفْراً- عَلَيَّ دُونَ اهْتِدَاءِ
الأسُرَّنَّ نَفْسَهُ مِنْ حُبُورٍ *** بِجَمِيعِ الأَشْيَاعِ وَ النُّصَرَاءِ(2)
بَعْدَهُ اخْتَرْتُ ِللإِمَامَةِ -مُوسَي *** وَ هُوَ فِي عَهْدِ فِتْنَةٍ عَمْيَاءِ
حَيْثُ فَيْضِي وَ حُجَّتِي لَنْ يَزُولا *** بِانْقِطَاعِ مِنَ الوَرَي وَ انْقِضَاءِ
لَيْسَ يَشْقَي الأَتبَاعُ مِنْهُ جَمِيعاً *** فَهُمُ فِي هُدَي بِدُونِ شَقَاءِ
كُلُّ فَرْدِ مِنَ الْبَرِيَّةِ غَيّاً *** لَهُمُ جَاحِدٌ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ
بَعْدَ تَغْيِيرِ آيةٍ مِنْ كِتابِي *** فَهُوَ بَاغِ عَلَيَّ بِالإِفْتِرَاءِ
وَ عَليٌّ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ عَلَيْهِ *** أَنَا أَلْقَيْتُ كُلفَةَ الأَنْبِيَاءِ(3)
وَ هْوَ عَبْدِي وَ نَاصِرِي وَ وَلِيِّي *** مَنْ لَهُ الإِضْطِلاعُ فِي أَعْبَائِي
كُلُّ فَرْدٍ مُكَذِّبٌ فِيهِ كُفْراً *** وَ هُوَ فِي الْعَدْ ثَامِنُ الشُّفَعَاءِ
فَهُوَ حَقاً مُكَذِّبٌ دُونَ رَيْبٍ *** لِجَمِيعِ الأَئِمَّةِ الصَّلَحَاءِ
وَ هُوَ يَجْنِي عَلَيْهِ عِفْرِيتُ طَاغٍ *** مُتَعَدِّ بِالْقَتْلِ شَرِّ اعْتِدَاءِ
ص: 315
دَفَنُهُ فِي مَدِينَةٍ قَدْبَنَاهَا *** جَنْبَ شَرِّ الطَّغَاةِ وَ الأَشْقِيَاءِ(1)
لأقرَّنَّ بَعْدَهُ الْعَيْنَ مِنْهُ *** بِابْنِهِ وَ هُوَ خِيرَةُ الْخُلَفَاءِ
مَوْضِعِ السِّرِّ مَعْدِنِ الْحُكْمِ مِنِّي *** وَارِثِ الْعِلْمِ وَ هُوَ خَيْرُ وِعَاءِ
حَجَّتِي فِي الْوَرَي مُحَمَّدُ حَقّاً *** وَ هُوَ عِنْدِي مِنْ صِفْوَةِ النُّجَبَاءِ
قَدْ جَعَلْتُ الْمَثْوَي الْمُبَارَكَ مِنْهُ *** فِي جِنَانِ الأَبْرَارِ وَ الأَتقِيَاءِ
بَعْدَ تَشْفِيعِهِ بِسَبْعِينَ شَخْصاً *** يَسْتَحِقُّونَ نَارَ يَوْمِ الْجَزَاءِ(2)
وَ أَنَا فِي سَعَادَةٍ أَرْتَضِيهَا *** سَوْفَ أَقْضِي فِي سَاعَةِ الإِنْتِهَاءِ
لابْنِهِ نَاصِرِي عَلِيٍّ وَلِيِّي *** وَ هُوَ لِلْوَحْي خِيرَةُ الأُمَنَاءِ
أُخْرِجُ الخَازِنَ الأَمِينَ لِعِلْمِي *** حَسَناً مِنْهُ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ
وَ أَنَا بِابْنِهِ لَأَكمِلُ أَمْرِي *** رَحْمَةً لِلْعِبَادِ دُونَ انْقِضَاءِ
مَنْ تَجَلَّي كَمَالُ مُوسَي عَلَيْهِ *** وَ لِعِيسَي عَلَيْهِ خَيْرُ بَهَاءِ
وَ عَلَيْهِ وَ هُوَ الْمُغَيَّبُ يَبْدُو *** صَبْرُ أَيُّوبَ فِي أَتَمِّ جَلاءِ
وَ هُوَ فِي الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ مِنْهُ *** سَيُذَلُّ الأَبْرَارُ مِنْ أَوْلِيَائِي
وَ هُمُ يُقْتَلُونَ صَبْراً إِلَي أَنْ *** تُصْبَغَ الأَرْضُ مِنْهُمُ بِالدِّمَاءِ
وَيُهَادَوْنَ بِالرُّؤُّوس ضَلالاً *** مِنْهُمُ بَعْدَ سَاعَةِ الإِعْتِدَاءِ
وَ يَشِيعُ الْوَيلُ اكْتِثَاباً وَ يَعْلُو *** مِنْهُمُ بِالْبُكَارَنِينُ النِّسَاءِ
بَعْدَ خَوْفٍ مِنْهُمْ أُولَنكَ حَقّاً *** أَوْلِيَائِي وَ خِيرَةُ الصُّلَحَاءِ
(1) ما ورد هو أن الذي بناها العبدُ الصالح ذو القرنين. و أن الإمام الرضا عليه السسلام قد دفن إلي
جنب هارون العباسي، كما يقول دعبل الخزاعي :
قبران في طوس خير الناس كُلِّهمُ *** و قبرُ شرِّهمُ، هذا مِنَ العِبَر
ص: 316
أَكْشِفُ الإِصْرَ وَ الزَّلازِلَ فِيهِمْ *** رافعاً كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْياءِ(1)
وَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ مِنِّي عَلَيْهِمْ *** صَلَواتُ فِي رَحْمَةٍ وَ رَجَاءِ(2)
ص: 317
ص: 318
ص: 319
بضعةُ المصطفي
بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَ نَاهِيكَ فِيهَا *** مِنْ بَتُولٍ زَكِيَّةٍ زَهْرَاءِ(1)
ص: 320
ص: 321
ص: 322
ص: 323
ص: 324
ص: 325
ص: 326
كُلُّهُمْ قَدْ وَعَوْا مَقَالَةَ طه *** فِي عُلاهَا وَ مَا لَها مِنْ عَلاءِ
هذِهِ بَضْعَتِي رِضَايَ رِضَاها *** وَ اسْتِيَاءُ الزَّهْرَاءِ عَيْنُ اسْتِيَائِي(1)
عَجَباً فِي الْبَتُولِ كَيْفَ أَضَاعُوا *** ذِمَّةَ الْمُصْطَفَي بِغَيرِ وَفَاءِ
كَيْفَ شَحُّوا وَ أَحْمَدٌ قَدْ حَبَاهَا *** فَدَكا نِحْلَةً بِكُلِّ سَخَاءِ(2)
مَنَعُوهَا عَنْ إِرْثِهَا مِنْ أَبِيهَا *** دُونَ ما حُجَّةٍ وَ دُونَ اخْتِشَاءِ
غَصَبُوا حَقَّهاجِهاراً فَأَبْدَوْا *** كُلَّ ما أَضْمَرُوا لَهَا فِي الْخَفَاءِ
أَنْكَرُوا فَرْضَ إِرْثِهَا مِنْ أَبِيها *** وَ هْيَ كَانَتْ مِنْ أَقْرَبِ الأَقْرِبَاءِ
حِينَ صَدُّوا بِدْعَةٍ وَ نِفَاقٍ *** فَدَكاً عَنْ سَلِيلَةِ الأَنْبِيَاءِ
وَ هْيَ مِمَّا أَفَاءَهُ اللَّهُ لُطفاً *** لأَبِيهَا مُحَمَّدٍ مِنْ عَطَاءِ(3)
نَاشَدَتْهُمْ بِاللَّهِ عَهْداً فَعَهْداً *** أَنْ يُفِيقُوا مِنْ سَكْرَةِ الْجُهَلاَءِ
فَتَعَامَوْا عَنِ الْهِدَايَةِ جَهلاً *** حِينَ صَمُّوا عَنْ مَنْطِقِ الْعُقَلاءِ
بَعْدَ رَدُّ مِنْهُمْ بِمَا أَثبَتَتْهُ *** أَنَّهَا نِحْلَةٌ بِغَيْرِ ادْعَاءِ
وَ عَلِيٌّ وَ أُمُّ أَيْمَنَ لِلزَّهرَاءِ ***كَانَا مِنْ خِيرَةِ الشُّهَدَاءِ
وَ كَفَي حُجَّةً عَلَي عَهْدِ طه ***بِيَدَيْهَا كَانَتْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ
غَيْرَ أَنَّ النُّفُوسَ بَالْغَيِّ مَرْضَي *** مِنْ قَدِيمِ وَ مَا لَهَا مِنْ شِفَاءِ
فَأَتَتْهُمْ بِحُجَّةٍ قَدْ تَجَلَّتْ *** وَ هُيَ أَذْكَي تَوَقُداً مِنْ ذُكَاءِ
وَ اسْتَثَارَتْ نُفُوسَهُمْ فَرَأَتْهَا *** وَ هُيَ مَوْتَي فِي صُورَةِ الأَحْيَاءِ
ص: 327
حِينَ وَافَتْ وَ الْمُسْلِمُونَ حُضُورٌ *** تَتَهَادَي فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسَاءِ
وَ أُنيطَتْ مُلاءَةٌ، ثُمَّ أَنَّتْ *** مِنْ أَذَاهَا فَأَجْهَشُوا لِلْبُكَاءِ(1)
فَاسْتَفَاضَتْ مِنْهَا بِمَسْجِدِ طه *** نَفَحَاتٌ مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
في بَليغٍ مِنَ الْخِطَابِ حَكِيمٍ *** قَصُرَتْ عَنْهُ أَلسُنُ الْبُلَغَاءِ
بَدأت بِالصَّنَاءِ لِلَّهِ فِيهِ *** لِسُبُوعَ أَسْدَي مِنَ الآلاءِ(2)
وَ أَقَرَّتْ بِمَا لَهُ مِنْ أَيَّادٍ *** بَعْدَ تَوْحِيدِها لِرَبِّ السَّمَاءِ
ثُمَّ صَلَّتْ عَلَي النَّبِيِّ أَبِيهَا *** خَاتَمِ الرُّسُلِ سَيِّدِ الأُمَنَاءِ
وَ أَفَاضَتْ بِالْقَوْلِ بَعْدَ نَشِيجِ *** مُتَعَالٍ وَ أَدْمُعِ خَرْسَاءِ(3)
فَلَهُ الْحَمْدُ مُنْعِماً بِالْعَطَايَا *** مُلهماً بِالصِّوَابِ وَ الاهْتِدَاءِ
مُسْتَفِيضاً بِكُلِّ مَا هُوَ أَسْدَي *** لِلْبَرَايَا مِنْ مِنَّةٍ وَ عَطاءِ
وَ حَبَاهُمْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ عَمِيمٍ *** وَ نَوَالٍ فِي سَاعَةِ الإِبْتِدَاءِ(4)
جَمَّ مِنْ كَفْرَةِ الْمَوَاهِبِ مِنْهُ *** كُلُّ عَدٍّ لَهَا عَنِ الإِحْصَاءِ(5)
وَ تَنَاءَي عَن الْجَزَاءِ عُلاهَا *** أَمَداً لَمْ يُنَل بِأَيِّ جَزَاءِ(6)
قَطُّ لاَ تُدْرِكُ الْخَلَائِقُ مِنْهَا *** أَبَداً مِنْ تَفَاوُتٍ وَ تَنَائِي
نَدَب الخَلْقَ لاسْتِزَادَةِ هذا *** مِنْهُ بِالشُّكْرِ بُغْيَةَ الإِلْتِقَاءِ(7)
وَ اسْتَحَقَّ الثَّنَاءَ وَ الحَمْدَ مِنْهُمْ *** بَعْدَ إِجْزَالِهَا عَلَي الأَوْلِيَاءِ(8)
ص: 328
وَ هُوَ ثَنَّي لِنَدْبِهِمْ مِنْ سَخَاءٍ *** لِجَمِيعِ الأَمْثَالِ وَ النُّظَرَاءِ
كلمةُ التوحيد
وَ هُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** جَلَّ عِزّاً عَنْ سَائِرِ الشَّرَكَاءِ
كَلْمَةٌ بِالإِخْلَاصِ يَظْهَرُ مِنْهَا *** كُنْهُ تَأْوِيلِهَا بِدُونِ خَفَاءِ
وَ هُوَ قَدْ ضَمَّنَ الْقُلُوبَ يَقِيناً *** مِنْهُ مَوْصُولَهَا بِدُونِ امْتِرَاءِ
وَ أَنَارَ الْعُقُولَ بِالْفِكْرِمِنْهَا *** فَأَضَاءَتْ مَدَارِكُ الْعُقَلاءِ
لَيْسَ يَنْقَادُ وَصْفُهُ لِلِسانٍ *** لاتَرَاهُ بِالْعَيْنِ رُؤْيَةُ رَائِي
لَيْسَ تَدْرِي الأَوْهَامُ بَعْدَ قُصُورٍ ***كَيْفَ أَضْحَي مِنْ سَائِرِ الأَنْحَاءِ(1)
خلقُ الكائنات
أَبْدَعَ الكائِنَاتِ مِنْ دُونِ شَيْءٍ *** سَابِقِ قَبْلَهَا مِنَ الأَشْيَاءِ
وَ بَرَاهَا مِنْ دُونِ أَيِّ مِثالٍ *** قَدْ بَدَا فَاحْتَذَاهُ خَيْرَ احْتِدَاءِ(2)
كَوَّنَ الْكَائِنَاتِ حِينَ بَرَاهَا *** وَ هُوَ عَنْ خَلْقٍ مِثْلِهَا فِي غِنَاءِ
إِنَّمَا رَامَ أَنْ يُثَبِّتَ مِنْهُ *** حِكْمَةً تَسْتَبِينُ لِلْحُكَمَاءِ(3)
وَ لإِظْهَارِ قُدْرَةِ الصُّنْعَ مِنْهُ *** وَ لِتَنْبِيهِهِمْ عَلَي الاهْتِدَاءِ
كُلُّ هذا تَعَبداً لِلْبَرَايَا *** مَعَ إِعْزَازِهِ لأَهْدَي دُعَاءِ
جَاعِلاً لِلْمُطِيع مِنْهُمْ ثَوَاباً *** وَ عِقاباً لِمَنْ عَصَي فِي الْجَزَاءِ
لِيَذُودَ الْعِبَادَ عَنْ كُلِّ سُخْطٍ *** وَ يُحَاشُوا لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ(4)
ص: 329
الشهادةُ بالنبوة
و أَنَا لِلنَّبِيَّ أَشْهَدُ حَقًّا *** أَنَّهُ كَانَ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ
قَبْلَ أَرْسَالِهِ اجْتَبَاهُ وَ سَمَّي *** إِسْمَهُ قَبْلَ سَاعَةِ الإِجْتِبَاءِ
وَ اصْطَفَاهُ الإِلهُ قَبْلَ ابْتِعَاثٍ *** لِلْبَرَايَا بِأَحْسَنِ الإِصْطِفَاءِ
حِينَمَا كَانَتِ الْخَلَائِقُ بِالْغَيْبِ *** احْتِجَاباً مَكْنُونَةٌ بِغِطَاءِ(1)
وَ بِسِتْرِ مِنَ الأَهَاوِيلِ صِينَتْ *** وَ تَغَشَّتْ مَقْرُونَةٌ بِالْفَنَاءِ(2)
بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُ بِما سَوْفَ يَأْتِي *** شَامِل من حوَادِثِ الآناءِ
عَارِفاً فِي مَوَاقِع تَتَجَلَّي *** لِجَمِيعِ الأُمُورِ فِي الإِنْتِهَاءِ
بَعَثَ الْمُصْطَفَي لِيُكْمِلَ فِيهِ *** كُلَّ أَمْرِ مِنْهُ وَكُلَّ مُشَاءِ
وَ لإِمْضَاءِ حُكْمِهِ فِي الْبَرَايا *** نافذاً في عَزِيمَةٍ وَ مَضاءِ
وَ لإِنْفَاذِ ما يُقَدَّرُ حَتْماً *** مِنْ إِشَاءَاتِهِ وَ كُلِّ قَضَاءِ
فَرَأَي هذِهِ الْخَلائِقَ طُرّاً *** فِرَقاً فِي الأَدْيَانِ دُونَ الْتِقَاءِ
يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَ النَّارَ كُفْراً *** بَعْدَ عِرْفَانِهِمْ لِرَبِّ السَّمَاءِ
فَأَنَارَ اللَّهُ اهْتِدَاءً وَ رُشْداً *** بِأبِي كُلَّ ظُلْمَةٍ عَمْيَاءِ
وَ مَحَا فِيهِ مِنْ قُلُوبِ البَرَايَا *** بُهَمَ الشِّرْكِ بَعْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ(3)
ص: 330
وَ جَلاً عَنْ عُيُونِهِمْ حِينَ ضَلَّتْ *** عُمَماً لِلْعَمَي بِأبْهَي جَلاَءِ
وَ لَقَدْ قَامَ بِالْهِدَايَةِ فِيهِمْ *** لَهُمُ مُنْقِذاً مِنَ الإِغْوَاءِ
وَ حَبَاهُمْ بَصِيرَةٌ بَعْدَغَيٍّ *** وَ هَدَاهُمْ لِلدِّينِ خَيْرَ اهْتِدَاءِ
وَ دَعَاهُمْ لِمَنْهَجٍ مُسْتَقِيمٍ *** بَعْدَ زَيْعٍ عَنْ مَنْهَجِ الإِسْتِوَاءِ(1)
قبضُ رحمةٍ و اختيار
وَ تَوَفَّاهُ رَبُّهُ حِينَ أَدَّي *** مَا عَلَيْهِ لِلنَّاسِ خَيْرَ أَدَاءِ
قايضاً رُوحَهُ اختياراً لِطه *** مِنْهُ فِي قَبْضِ رَحْمَةٍ وَ ارْتِضَاءِ
فَهُوَ أَضْحَي فِي رَاحَةٍ وَ نَعِيمٍ *** مِنْ بَلاءِ الدُّنْيَا وَ كُلْ عَنَاءِ
حُفَّ مِنْ رَبِّهِ الْكَرِيم امتناناً *** بِالرِّضَا وَ الْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ
وَ اسْتَفَاضَ اللُّظفُ الْعَمِيمُ عَلَيْهِ *** رَغَداً فِي جِوَارِ رَبِّ السَّمَاءِ
فَصَلاَةُ الْبَارِي عَلَي خَيْرِ هَادٍ *** وَ أَمِين لَهُ مِنَ الأَصْفِيَاءِ
وَ رَنَتْ نَحْوَهُمْ وَ قَالَتْ بِلُطْفٍ: *** يَا عِبَادَ الإِلهِ، لِلْجُلَسَاءِ
كتابُ اللَّهِ
أَنْتُمُ الْيَوْمَ نُصْبُ أَمْرٍ وَنَهْيٍ *** بِاليَمَارِ مِنْكُمْ لَهُ وَ انْتِهَاءِ(2)
حَامِلُو دِينِهِ وَ أَكْرَمِ وَحْيٍ *** لَكُمُ مُنَزَلٍ بِخَيْرِ ضِيَاءِ
أُمَناءٌ عَلَي الرِّسَالَةِ مِنْهُ *** لِلْبَرَايَا مِنْ خِيرَةِ الْبُلَغَاءِ
وَ زَعِيمٌ فِيكُمْ عَلَي الْحَقِّ مِنْهُ *** بَعْدَعَهْدٍ أَوْحَاهُ ربُّ الْقَضَاءِ
وَ بَقَايَا مِنَ الرَّشَادِ عَلَيْكُمْ *** خُلِّفَتْ وَ هْيَ أَكْرَمُ الْخُلَفَاءِ
وَ هْيَ ذِكْرُ اللَّهِ الْحَكِيمِ كِتَابٌ *** نَاطِقٌ صَادِقٌ بِدُونِ افْتِرَاءِ
وَ سَناً سَاطِعٌ وَ نُورٌ مُبِينٌ *** لَكُمُ لاَمِعُ بِخَيْرِ اهْتِدَاءِ(3)
ص: 331
قَدْ أُبينَتْ مِنْهُ الْبَصَائِرُ كِشْفاً *** وَ تَبَدَّتْ أَسْرَارَهُ بِجَلاء
وَ تَجَلَّتْ ظَوَاهِرُ الْحَقِّ صِدْقاً *** لَكُمُ مِنْهُ بَعْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ
قَائِدٌ لِلرِّضْوَانِ مَنْ شَايَعُوهُ *** بِاتِّباع لِنَهْجِهِ وَ اقْتِدَاءِ
وَ مُؤَدٍّ إِلَي النَّجَاةِ اسْتِمَاعاً *** وَ انْقِيَاداً لَهُ بِدُونِ إِبَاءِ
حُجَجُ اللَّهِ فِيهِ تُدْرَكُ نَيْلاً *** بَعْدَ قَصْدٍ لِلْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ
وَ جَمِيعُ الْعَزَائِمِ الْغُرُ مِنَهُ *** بَعْدَ تَفْسِيرِهَا مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَ صُنُوفُ الْمَحَارِمِ اللاءِ فِيهَا *** قَدْ تَجَلَّي التَّحْذِيرُ لِلأَوْلِيَاءِ
وَ بَرَاهِينُهُ الَّتِي قَدْ كَفَتْكُمْ *** مِنْهُ بِالْبَيِّنَاتِ خَيْرَ اكْتِفَاءِ
وَ عَظِيمٌ مِنَ الْفَضَائِلِ يَتْلُو *** رُخصاً أُعْطِيَتْ بِخَيْرِ عَطَاءِ
الشرائعُ المكتوبةُ
وَ حَكِيمٌ مِنَ الشَّرَائِعِ مِمَّا *** كُتِبَتْ فِيكُمُ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ
فَهُوَ قَدْ طَهَّرَ الْعِبَادَ مِنَ الشَّرْكِ *** بِنُورِ الإِيمَانِ وَ الإهْتِدَاءِ
وَ بِفَرْضِ الصَّلاَةِ فِي الْخَلْقِ مِنْهُ *** أَبْعَدَ الْخَلْقَ عَنْ عَمَي الْكِبْرِيَاءِ
وَ هُوَ زَكَّاكُمُ بِخَيْرِ زَكَاةٍ *** وَ هْيَ مِنْكُمْ لِلرِّزْقِ خَيْرُ نَمَاءِ
وَ أَقَرَّ الإِخلَاصَ بِالصَّوْمِ فِيكُمْ *** بَعْدَتَثْبِيتِهِ بِغَيْرِ انْتِفَاءِ
و أَقَامَ الإِسْلاَمَ بِالْحَجِّ فِيكُمْ *** بَعْدَ تَشْبِيدِهِ بِخَيْرِ بِنَاءِ
وَ لَقَدْ نَشقَ الْقُلُوبَ بِعَدْلٍ *** شَامِلٍ فِيكُمُ بِدُونِ اعْتِدَاءِ
وَ مُوالاةُ آل طه نِظَامٌ *** مُسْتَقِيمَ لِمِلَّةِ الْحُنَفَاءِ
وَ أَمَانٌ إِمَامَةُ الْحَقِّ مِنَّا *** مِنْ جَمِيعِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْتِقَاءِ
وَ كَرِيمُ الْجِهَادِ لِلدِّينِ عِزٌّ *** مِنْهُ وَ الصَّبْرُ مُوجِبْ لِلْجَزَاءِ
وَ عَلَيْكُمْ قَدْ أَوْجَبَ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ *** رَعْياً لِصَالِحِ الأَوْلِيَاءِ
وَ وِقاءٌ مِنْ سُخْطِ رَبِّ الْبَرَايَا *** كَانَ بِرُّ الْبَنِينَ لِلآبَاءِ
ص: 332
وَ صَلاتُ الأَرْحَامِ مَنْسَأَةُ العُمْرِ *** وَ مَنْمَاتُهُ بِأَزگي نَماءِ(1)
وَ الْقِصَاصُ الْمَفْرُوضُ خَيْرُ حَيَاةٍ *** وَ هُوَ حَقْنٌ مِنْهُ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ(2)
وَ وَفَاءُ الْعِبَادِ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضٌ *** لِغُفْرانِ سَائِرِ الأَخْطَاءِ
وَ اعْتِدَالُ الْمِيزَانِ فِي الْوَزْنِ تَغْيِيرٌ *** لِبَخْسِ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشّرَاءِ
وَ نَهَي عَنْ تَنَاوُلِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً *** عَنِ الرِّجْسِ سَاعَةَ الإِنْتِهَاءِ
وَ حِجَاباً لَهُمْ عَنِ اللَّعْنِ مِنْهُ *** كَانَ تَحْرِيمُهُ لِقَذْفِ النِّسَاءِ(3)
وَ اجْتِنَابُ الْعِبَادِ عَنْ سَرِقَاتٍ *** لِيُصَانُوا فِي عِفَّةٍ وَ حَيَاءِ
وَ وُجُوبُ الإِخْلاص لِلَّهِ تَبْعِيدٌ *** عَنِ الشِّرْكِ لِلْوَرَي وَ الرِّيَاءِ
فَاتَّقُوهُ وَ رَاقِبُوا اللَّهَ فِيمَا *** فَرَضَ اللَّهُ أَحْسَنَ الإِنّقَاءِ
لاَ تَمُوتُوا الأَ عَلَي دِينِ طه *** أنْتُمُ يا مَعَاشِرَ الْحُنَفَاءِ
وَ أَطِيعُوا فِي الأمْرِ وَالنَّهي طُرّاً *** خَالِقَ الْخَلْقِ فِي أَتَمِّ اخْتِشَاءِ
وَ هُوَ فِي ذِكْرِهِ الْمُبَارَكِ أَوْحَي *** لَيْسَ يَخْشَي البَارِي سِوَي الْعُلَمَاءِ
أنا فاطمةُ عليها السلام و أبي محمدٌ صلي الله عليه و آله و سلم
ثُمَّ قَالَتْ: أَعُوذُ بِالْقَوْلِ فِيكُمْ *** مِثْلَمَا قُلْتُ سَاعَةَ الإِبْتِدَاءِ
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّنِي بِنْتُ طه *** وَ أَبِي الظُّهْرُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ
وَ أَنَا لا أَقُولُ مَا قُلْتُ فِيكُمْ *** غَلطاً مِنْ ضَلالةٍ وَ افْتِرَاءِ
وَ فِعَالِي وَ لاَ تَكُونُ فِعَالِي *** شَطَطاً عَنْ مَنَاهِجَ الإِسْتِوَاءِ(4)
قَدْ أَتَاكُمْ هَادٍ عَزِيزٌ عَلَيْهِ *** مَا عَنِتُّمْ فِيكُمْ مِن الرُّحَمَاءِ
ص: 333
هُوَ فِيكُمْ حَقّاً أَبِي حِينَ يُعْزَي *** دُونَ ما كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ نِسَاءِ(1)
وَ أَخٌ صَادِقُ الْوِلاء ابْنُ عَمِّي *** دُونَ بَاقِي رِجَالِكُمْ فِي الإِخَاءِ
قَدْ أتَي صَادِعاً نَذِيراً إِلَيْكُمْ *** بِالرِّسالاتِ مِنْ إِلَهِ السَّمَاءِ(2)
مَائِلاً عَنْ مَدَارِج الشِّرْكِ عَدْلاً *** مُسْتَقِيماً فِي مَسْلَكِ الإِهْتِدَاءِ
ضارباً بَعْدَ أَخْذِهِ الْكَظمَ مِنْهُمْ *** شَبَحَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ انْثِنَاءِ(3)
داعِياً بالْهُدَي وَ بِالْوَعْظِ رُشْداً *** لإلهِ الْوَرَي بِخَيْرِ دُعَاءِ
وَ هُوَ مَا زَالَ ثَابِتَ الْعَزْمِ حَتَّي *** هُزِمِ الْجَمْعُ مُدْبِراً لِلْوَرَاءِ
وَ تَجَلَّي عَنْ صُبْحِهِ اللَّيْلُ وَ الْحَقُّ *** تَفَرَّي عَنْ مَحْضِهِ بِجَلاَءِ(4)
و غَدا الدِّينُ نَاطِقاً وَ اسْتَكَانَتْ ***وَ هْيَ خَرْسَي شَقَاشِقُ الْجُهَلاَءِ(5)
وَ تَرَدَّي وَ شِيظُ كُلِّ نِفَاقٍ *** وَ انبَرَتْ كُلُّ عُقْدَةٍ لِلرِّيَاءِ(6)
وَ نَطَقْتُمْ بِالْحَقِّ فِي خَيْرِبِيضٍ *** مِنْ خِمَاصِ الْبُطُونِ دُونَ امْتِلاءِ(7)
وَ قَدِيماً كُنْتُمْ عَلَي نَهْجِ هُلْكِ *** وَ شَفَا حُفْرَةٍ لِنَاءِ الشَّقَاءِ
مُذقَةَ الشَّارِبِينَ فِي كُلِّ شِرْبٍ *** نُهْزَةَ الطَّامِعِينَ عِنْدَ الرَّجَاءِ(8)
ص: 334
قُبْسَةٌ لِلعَجْلاَنِ مِنْ كُلِّ سَارٍ *** مَوْطِناً لِلأَقْدَام دُونَ وَقَاءِ(1)
طَرَقاً تَشْرَبُونَ وَالْقِدَّ فِيهِ *** أَنْتُمُ تَفْتَاتُونَ عِنْدَ الْغِذَاءِ(2)
لَيْسَ فِيكُمْ غَيْرُ الأَذِلَّةِ ذُلاً *** أَبَداً خَاسِئِينَ دُونَ إِبَاءِ
وَ تَخَافُونَ أَنْ تُنَالُوا اختطافاً *** وَ هَوَاناً مِنْ كُلِّ دانٍ وَ نَائِي
فانقذَكُمُ اللَّهُ بمحمد صلي الله عليه وآله و سلم
فَكَفَّاكُمْ مُحَمَّدٌ -حِينَ أَضْحَي *** لَكُمُ مُنْقِدَاً- عَظِيمَ الْبَلاءِ
بَعْدَ بَلْوَي مَرِيرَةٍ بِرِجَالٍ *** بُهم مِنْ عُتَاةِ رَهْطِ الشَّقَاءِ(3)
وَ ذِنَابِ الأَعْرَابِ بَعْدَ غُوَاةٍ *** مِنْ أَهَالِي الْكِتَابِ أَهْلِ الْعِدَاءِ
فَهَدَاكُمْ بَعْدَ الَّتِي وَ اللَّتَيَّا *** مِنْ عَمَاكُمْ إِلَي صِرَاطٍ سَوَاءِ
كُلَّما أَوْقَدُوا مِنْ الْحَرْب ناراً *** أُخمِدَتْ مِنْ هُدَاهُ بِالإنْطِفَاءِ
أَوْ بَدَا نَاجِماً مِنَ الشِّرْكَ قَرْنٌ *** لِلأَعَادِي فِيكُمْ عَظِيمُ الْعَنَاءِ(4)
قَذَفَ الْمُرْتَضَي أَخَاهُ بِأَحْمَي *** لَهَوَاتٍ مِنْ جَمْرَةِ الْهَيْجَاءِ
فَأَتَاهَا وَ لَيْسَ يَرْجِعُ إِلاَّ *** وَ هُيَ بَرْدٌ فِي سَاعَةِ الإِنْكِفاء(5)
وَ اطِئاً وَقَدَهَا بِأَخْمَصِ حَقٍّ *** حَامِلاً في الإلهِ كُلَّ بَلاءِ(6)
وَ مُجِدّاً فِي أَمْرِهِ غَيْرَ وَانٍ *** وَ قَرِيباً مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
كَادِحاً نَاصِحاً لِرَبِّ الْبَرَايَا *** سَيِّداً فِي عِصَابَةِ الأَوْلِيَاء
ص: 335
وَ هُوَ فِي اللَّهِ لَيْسَ تَأْخُذُ فِيهِ *** لَوْمَةُ اللائِمينَ طُولَ الْبَقَاءِ
حينَ أَنْتُمْ فِي رِغْدَةٍ وَ أَمَانٍ *** أَبَداً وَادِعُونَ بَعْدَ الهَنَاءِ
تَرْقُبُونَ الإيقاع وَ الْفَتْكَ فِينَا *** كُلَّ حِينِ غَدْراً بِدُونِ وَفَاءِ
أَبَداً تَنْكُصُونَ عِنْدَ نِزالٍ *** وَ تَفِرُّونَ عِنْدَ وَقْتِ اللقَاءِ
وَحينَ اختارَ اللَّهُ نبيَّه صلي الله عليه و آله و سلم
وَ مُمُذِ اخْتَارَ خَالِقُ الْخَلْقِ زُلْفَي *** خَيْرَ دَارٍ لِخَاتَمِ الأَصْفِيَاءِ
نَبْغَ الْخَامِلُ الغَوِيُّ نَشَاطاً *** وَ تَجَلَّتْ حَسِيكَةُ لِلرِّيَاءِ(1)
وَ اعْتَدَي بَالِياً وَ كَانَ قَشِيباً *** قَبْلَ هذا لِلدِّينِ خَيْرُ رِدَاءِ(2)
وَ اعْتَلَي هادِراً فَنِيقُ ضَلالٍ *** بَعْدَنُطقِ لِكَاظِمِ الأَشْقِيَاءِ(3)
وَ الْخَبِيثُ الشَّيْطَانُ أَطْلَعَ فِيكُمْ *** رَأْسَهُ هَاتِفاً بِشَرٌ نِدَاءِ
فَرَآكُمْ لِدَعْوَةِ الْكُفْرِمِنْهُ *** مُسْتَجِيبِينَ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ
وَ خِفافاً عِنْدَ النُّهُوضِ ضَلالاً *** وَ غِضَابَاً لَهُ بِدُونِ رِضَاءِ
فَنَهَضْتُمْ وَ الْكَلْمُ بَعْدُ رَحِيبٌ *** وَ كَفَرْتُمْ وَ الْعَهْدُ لَيْسَ بِنَائِي(4)
قَبْلَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّسُولَ وَ يُلْفَي *** جُرْحُنَا فِيهِ مَائِلاً لِلشَّفَاءِ
حَذَرَ الْفِتْنَةِ الَّتِي قَدْ زَعَمْتُمْ *** وَ لَعَمْرِي سَقَطْتُمُ فِي الْبَلاءِ
فَابْتِعاداً لَكُمْ وَ هَيْهَاتِ أَنَّي *** أَنْتُمُ تُؤفَكُونَ دُونَ ارْعِوَاءِ(5)
ص: 336
نَبَنتُم كتابَ اللَّهِ
وَ كِتَابُ الْبَارِي أَمَامَ الْمَاقِي *** وَ نَبَذْتُمْ أَحْكامَهُ لِلْوَرَاءِ(1)
وَاضِحَاتٌ مِنْهُ الأَوَامِرُ جَهْراً *** وَ النَّوَاهِي لَكُمْ بِدُونِ خَفَاءِ
باهِرَاتٌ أَعْلَامُهُ زَاهِرَاتٌ *** كُلُّ أَحْكَامِهِ إِلَي كُلِّ رَائِي
لاَئِحَاتٌ مِنْهُ الزَّوَاجِرُ رَدْعاً *** لَكُمُ دُونَ خِيفَةٍ وَ انْتِهَاءِ
قَدْ رَغِبْتُمْ عَنْهُ عَمِّي وَ حَكَمْتُمْ *** بِسِوَاهُ مِنْ شِدَّةِ الإفتراءِ
بئْسَ لِلظَّالِمِينَ مِنْكُمْ نَكَالاً *** بَعْدَ زَيْغٌ عَنْ مَنْهَجِ الإِسْتِوَاءِ
وَ الَّذِي يَبْتَغِي سِوَي الْحَقِّ دِيناً *** فَمِنَ الْخَاسِرِينَ يَوْمَ الْجَزَاءِ
ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا قَلِيلاً إِلَي أَنْ *** سَلِسَتْ فِي الْقِيَادِ دُونِ إِبَاءِ(2)
فَأَخَذْتُمْ تُورُونَ جَمْرَةَ حِقْدٍ *** وَ تُهِيجُونَ كَامِنَ الْبَغْضَاءِ
تَسْتَجِيبُونَ رَغْبَةً وَ انْقِيَاداً *** لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّدَاءِ
وَ لإِطْفَاءِ نُورِ دِينٍ جَلِيٍّ *** وَ لاهُمَالِ سُنَّةِ الأَصْفِيَاءِ
تَشْرَبُونَ الشَّرَابَ حَسْواً فَحَسْواً *** حِينَمَا تَشْرَبُونَهُ فِي ارْتِغَاءِ(3)
وَ تَسِيرُونَ بِالْعَدَاءِ لأَهْلِ *** الْبَيْتِ فِي الْخَمْرِ ضِلَّةً وَ الضَّرَاءِ(4)
بَعْدَ صَبْرٍ مِنْهُ عَلَي مِثْلِ حَزّ السَّيْفِ *** مِنْكُمْ وَ الْوَخْزِ فِي الأَحْشَاءِ
وَ زَعَمْتُمْ بِأَنَّنَا لَمْ نُوَرَّثْ *** أَيَّ إِرْثٍ مِنْهُ وَ أَيَّ حِبَاءِ
أَفَحُكْماً لِلْجَاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ *** وَ هَذَا عَهْدٌ عَنِ الدِّينِ نَائِي
ص: 337
أَتَرَي مَنْ يَكُونُ أَحْسَنَ حُكْماً *** وَ قَضَاءٌ مِنْ حُكْمِ رَبِّ الْقَضَاءِ
قَدْ تَجَلَّي بَلَي لَدَيْكُمْ بِأَنِّي *** بِنْتُ له كَطِلْعَةٍ مِنْ ذُكَاءِ
تقريعُ الأنصارِ
وَ رَمَتْ لِلأَنْصَارِ بِالطَّرْفِ مِنْهَا *** ثُمَّ قَالَتْ بِحَسْرَةٍ وَرِثَاءِ:
أَنْتُمُ مَعْشَرُ النَّقِيبَةِ وَ الْحَزْمِ *** وَ أَعْضَادُ مِلَّةِ الْحُنَفَاءِ(1)
وَ رُعَاةُ الإِسْلامِ بَعْدَ احْتِضَانٍ *** مِنْكُمُ لِلإِسْلامِ فِي الإِبْتِدَاءِ
أَفَلَسْتُمْ آوَيْتُمُ وَ نَصَرْتُمْ *** وَ بَنَيْتُم لِلدِّينِ خَيْرَ بِنَاءِ؟
كَيْفَ يَعْرُو هذا التَّعْافُل مِنْكُمْ *** وَ التَّغَاضِي مِنْ رَقْدَةٍ وَ انْطِوَاءِ؟(2)
أَيُّ شَيْءٍ هَذِي الْغَمِيزَةُ مِنْكُمْ *** عَنْ حُقُوقِي بِدُونِ أَيِّ ارْعِوَاءِ؟(3)
مَا لَكُمْ عَنْ إِغَاثَتِي أَيُّ عُذْرٍ *** بَعْدَتَقْصِيرِكُمْ بِوَقْتِ النّدَاءِ!
أَوَ مَا قَالَ: يُحْفَظُ الْمَرْءُ -طه- *** حِينَ يُرْعَي فِي وُلْدِهِ النُّجبَاءِ؟
بَيْدَ عَجْلانَ ذا إِهَالَةَ أَنْتُمْ *** قَدْ خَلَقْتُمْ إِفكاً بِدُونِ بِطَاءِ(4)
وَ لَكُمْ طَاقَةٌ عَلَي رَدْ حَقِّ *** وَ اقْتِدَارٌ لِنُصْرَةِ الأَزْكِيَاء
أَتَقُولُونَ: ماتَ محمدُ صلي الله عليه و آله و سلم؟!
أَتَقُولُونَ أَنْتُمُ: مات طه؟! *** وَ لَعَمْرِي خَطبٌ جَلِيلُ الْبَلاءِ
وَاسِعٌ وَهُنُهُ الْعَظِيمُ رَحِيبٌ *** دُونَ رَتْقٍ لِفَتْقِهِ الْمُتَرَائِي(5)
ص: 338
وَ لَهُ الأَرْضُ أَظْلَمَتْ بَعْدَ كَسْفٍ *** لِسَنَا بَدْرِهَا وَ نُورُ ذُكَاءِ
وَ عَرا فِي النُّجُومِ مِنْهُ انْتِثَارٌ *** حِينَ أَكْدَي عَلَيْهِ كُلُّ رَجَاءِ(1)
وَ بَدَا فِي الْجِبَالِ مِنْهُ خُشُوعٌ *** وَ أُضِيعَ الحَرِيمُ دُونَ وَقَاءِ
تِلْكَ وَ اللَّهِ كُرْبَةٌ لا تُضَاهَي *** وَ هُيَ أَدْهَي مُصِيبَةٍ عَشْواءِ(2)
أعْلَنَ الذِّكْرُ بِالتِّلاوَةِ فِيهَا *** هَاتِفاً فِيكُمُ بِكُلِّ فِنَاءِ
وَ هُوَ حُكْمٌ حَتْمٌ وَ فَصْلُ قَضَاءِ *** حَلَّ قِدْماً فِي سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ:
أفَإِنْ مَاتَ أَوْ أُصِيبَ انْقَلَبْتُمْ *** بَعْدَ طه ضَلالَةً لِلْوَرَاءِ؟!(3)
بني قيلة
يَا بَنِي قَيْلَةٍ أَأَهْضَمُ إِرْثي *** مِنْ أَبِي جَهْرَةً بِشَرِّ اعْتِدَاءِ(4)
وَ بِمَرْأَي أَنْتُمْ وَ مَسْمَعَ مِنِّي *** فِي مَكَانٍ دَانٍ بِدُونِ تَنَائِي
وَ لَكُمْ عُدَّةٌ وَ خَيْرُ عَدِيدٍ *** وَ سِلاحٌ وَ سَطوَةُ الأَقوياءِ
لاتُغِيثُونَ صَرْخَةٌ مِنْ صَرِيخٍ *** لا تُجِيبُونَ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ
أَفَلَسْتُمْ وُصِفْتُمُ بِصَلاحٍ *** وَ عُرِفْتُمْ فِي نَجْدَةٍ وَ إِبَاءِ؟
خَيْرُ جُنْدِ وَ نُخْبَةٍ قَدْ حُبِيتُمْ *** لِبَنِي أَحْمَدٍ بِخَيْرِ اصْطِفَاءِ
أَوَلَسْتُمْ قَاتَلْتُمُ الْعُرْبَ كَدّاً *** وَ تَحَمَّلْتُمُ عَظِيمَ الْعَنَاءِ؟
وَ قَدِيماً كَافَحْتُمُ دُونَ وَهْنٍ *** أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ بِمَضَاءِ
حَيْثُ كُنّا وَ حَيْثُ كُنْتُمْ جَمِيعاً *** مَعَنَا فِي تَعَاوُنٍ وَ الْتِقَاءِ
قَطُّ لا تَبْرَحُونَ فِي كُلِّ حِينٍ *** بِالتِمَارٍ لأَمْرِنَا وَ انْتِهَاءِ
ص: 339
أَفَأَنْتُمْ جُبْناً تَفِرُّونَ عَنَّا *** بِفِرَاقٍ مِنْكُمْ بِدُونِ اتَّقَاءِ؟
حينَ دَارَتْ رَحَي الرَّشَادِ وَ دَرَّتْ *** حَلْبَةُ الدَّهْرِ فِي مَعِينِ الرَّوَاءِ
وَ اسْتَكَانَتْ لِلشِّرْكِ ثَغْرَةُ غَيِّ *** خَضَعَتْ ذِلَّةً بِدُونِ إِبَاءِ
وَ عَرَي فَوْرَةَ الضَّلالِ سُكُوتٌ *** وَ تَلاشَتْ نارُ الْعَمَي بِانْطِفَاءِ
وَ نِظَامُ الدِّينِ اسْتَتَمَّ كَمَالاً *** بَعْدَ فَوْضَي عَمَّتْ بِكُمْ وَ شَقَاءِ
كَيْفَ حُزْتُمْ بَعْدَ الْبَيَانِ وَ صِرْتُمْ *** بَعْدَ إِعْلَائِكُمْ بِهَذَا الْخَفَاءِ؟(1)
وَ نَكصْتُمْ بَعْدَ النُّهُوضِ نُكُولاً *** وَ رَجَعْتُمْ لِلشِّرْكِ بَعْدَ اهْتِدَاءِ؟
فَشَنَاراً لَكُمْ وَ بُؤْساً لِقَوْمٍ *** نَكثُوا عَهْدَهُمْ بِدُونِ وَفَاءِ(2)
أَفَتَخْشَوْنَهُمْ مِنْ الرُّعْبِ خَوْفاً *** وَ هُوَ أَوْلَي بِالْخَوْفِ وَ الإِخْتِشَاءِ؟!
فَاعْمَلُوا إِنَّكُمْ سَتُجْزَوْنَ عَدْلاً *** أَجْرَ أَعْمَالِكُمْ بِيَوْمِ اللقَاءِ
أَفَأَخْلَدْتُمُ إِلَي الْخَفْضِ لَهْواً *** بَعْدَ جِدِّ فِي دِينِكِمُ وَ عَنَاءِ؟(3)
وَ دَفَعْتُمْ عَنْهَا الَّذِي هُوَ أَحْرَي *** مِنْ سِواهُ فِي مَنْصِبِ الْخُلَفَاءِ
وَ هُوَ أَوْلَي بِالْبَسْطِ وَ الْقَبْضِ مِنْهُمْ *** بَعْدَفُقْدَانِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
وَ نَجَوْتُمْ بِالضّيقِ مِنْ كُلِّ وُسْعٍ *** وَ خَلَوْتُمْ فِي رِغْدَةٍ وَ هَنَاءِ
مَا وَعَيْتُمْ مَجَجْتُمُ وَ دَسَعْتُمْ *** مَاتَسَوَّغْتُمُ مِنَ الإِرْتِوَاءِ(4)
إِنْ كَفَرْتُمْ وَ مَنْ عَلَي الأَرْضِ طُرّاً *** فَهُوَ عَنْ سَائِرِ الْوَرَي فِي غَنَاءِ
وَ أَنَا قُلْتُ كُلَّ ذَلِكَ رَدْعاً *** لَكُمْ عَنْ ضَلالَةِ الْكِبْرِيَاءِ
ص: 340
بَعْدَ عِلمٍ مِنِّي بِخِذْلَةِ كُفْرٍ *** خَامَرَتْكُمْ وَ رِغْدَةٍ وَ رِيَاءِ(1)
غَيْرَ أَنِّي مِنْ نَفْثَةِ الغَيْظِ أُدْلِي *** بِبَيَانِي وَ شِدَّةِ الْبُرَحَاءِ(2)
وَ لِحُزْنٍ مِنْ فَيْضَةِ النَّفْسِ يَطْغَي *** وَ لِتَقْدِيمِ حُجَّةِ بَيْضَاءِ
دُونَكُمْ بِالشَّنَارِ فَاحْتَقِبُوهَا *** نَقْبَةٌ دَبْرَةٌ بِدُونِ وِطَاءِ
وَ هْيَ مَوْسُومَةٌ مِنَ اللَّهِ بِالسُّخْطِ *** سَتَبْقَي عاراً بِدُونِ انْقِضَاءِ
وَ عَذَابُ الْجَحِيمِ أَسْوَأُ عُقْبَي *** وَ مَآلاً لَكُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ
سَيَرَي الظَّالِمُونَ أَيَّ الْقِلَابٍ *** لَهُمُ عِنْدَ سَاعَةِ الإِنْتِهَاءِ
وَ أَنَا لِلْبُغَاةِ بِنْتُ نَذِيرٍ *** مِنْ شَدِيدِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْبَقَاءِ
(1)
(2)
(3) احتقبوها: احتملوها علي ظهوركم و الدَّبَر -بالتحريك- في البعير: جراحة بظهره تحدث من الرحل. و النَّقَب (بالتحريك): رِقّة في خف البعير. قال عبد اللَّه بن كسيبة لعمر بن الخطاب و هو يرتجز، كما جاء في حاشية شرح ابن عقيل، برواية المرزباني:
أقسم بالله أبوحفصٍ عُمَرْ *** ما مسَّهامن نقب و لادَبَر
فاغفر له اللهم إن كان فَجَرْ
ص: 341
وَ تَنَاهَي بِهَا الْحَدِيثُ فَقَالَتْ *** وَ هْيَ تُدْلِي بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ
لأَبِي بَكْرَ وَ هُوَ يُصْغِي إِلَيْهَا *** بَيْنَ حَشْدٍ مِنْ مَجْمَعِ الْجُلَسَاءِ:
أبِدِينِ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ جَاءَتْ *** لِلْبَرَايَا شَرَائِعُ الأَصْفِيَاءِ
أَنْتَ تُعْطَي إِرْثاً وَ أُمْنَعُ إِرْثِي *** مِنْ أَبِي دُونَ سَائِرِ الأَبْنَاءِ؟
مَا لَكُمْ قَدْ تَرَكْتُمُ الذِّكْرَ عَمْداً *** وَ هُوَ يَبْدُو أَمَامَكُمْ مِنْ وَرَاءِ؟
أَخُصِصْتُمْ بِآيَةٍ أَخْرَجَتْنَا *** دُونَ بَاقِي الأَبْنَاءِ وَ الآبَاءِ؟
أَمْ بِحُكْمِ الْكِتَابِ أَعْلَمُ أَنْتُمْ *** مِنْ عَلِيِّ و أَحْمَدٍ فِي القَضَاءِ؟
أَتَقُولُونَ: أَهْلَ شَرْعَيْنِ كَانَا، *** أَفَلَسْنَا مِنْ مِلِّةِ الْحُنَفَاءِ؟
هَا هُوَ الذِّكْرُ شَاهِدٌ وَ لِسَانٌ *** نَاطِقٌ صَادِقٌ بِغَيْرِ افْتِرَاءِ
حِينَ أَضْحَي مِيراثُ دَاوُدَ فِيهِ *** لِسُلَيْمَانَ دُونَ أَيِّ خَفَاءِ
وَ لِيَحْيَي الْمِيَراتُ مِنْ زَكَرِيَّا *** وَ هُوَ أَمْسَي وَلِيَّهُ فِي الدُّعَاءِ
قَالَ: هَبْ لِي يَا رَبِّ مِنْكَ وَلِيّاً *** وَارِثاً لِي فَأَنْتَ رَبُّ الْعَطَاءِ
قَالَ فِيهِ يُوصِيكُمُ لِلبَرَايَا *** فِي اقْتِسَامِ المِيرَاثِ بَعْدَ الْفَنَاءِ
مِثْلَ حَظِّ لِلأُنْثَيَيْنِ يُكَافَي *** ذَكَرٌ مِنْ بَنِيكُمُ فِي الْعَطَاءِ
وَ الْوَصَايَا لِلْوَالِدَيْنِ بِخَيْرٍ *** حِينَ يَبْقَي خَيْرٌ وَ لِلأَقْرِبَاءِ
وَ جَمِيعُ الأَرْحَامِ أَوْلَي بِبَعْضٍ *** بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِ رَبِّ الْقَضَاءِ
أَفَلا تَكْتَفُونَ فِيمَا أَتَاكُمْ *** مِنْهُ نَصّاً وَ فِيهِ خَيْرُ اكْتِفَاءِ
فَتَحَمَّلْ أَعْبَاءَها سَوْفَ تَأْسَي *** حِينَ مِنْهَا تَنُوهُ بِالأَعْبَاءِ(1)
ص: 342
يَوْمَ تَلْقَاكَ عِنْدَحَشْرِ وَ نَشْرٍ *** مُنْقَلاً بالأَوْزَارِ يَوْمَ اللقَاءِ
فَالزَّعِيمُ النَّبِيُّ وَ الْحَكَمُ اللَّهُ *** وَ نِعْمَ الْمِيعَادُ يَوْمُ الْجَزَاءِ
جوابُ أبي بكر
فَتَصَدَّي مِنْهُمْ أَبُوبَكْرَ رَدّاً *** لاحتجاج الزَّهْرَاءِ دُونَ ارْعِواءِ
قَالَ: يَا بِنْتَ أَحْمَدٍ كَانَ طه *** بِرِجَالِ الْهُدَي مِنَ الرُّحَمَاءِ
وَ عَلَي الْكَافِرِينَ كَانَ عِقاباً *** وَ عَذَاباً صَباً عَظِيمَ الْبَلاءِ
إِنْ عَزَوْنَاهُ فِي انْتِسَابِ وَجَدْنَاهُ *** أَبَاكِ مِنْ دُونِ بَاقِي النِّسَاءِ
وَ أَخَا إِلفِكِ الْحَمِيمٍ عَلِيَّ *** دُونَ بَاقِي الأَصْحَابِ وَ الرُّفَقَاءِ
آثَرَ الْمُرْتَضَي عَلَي كُلِّ خِلِّ *** وَ اغْتَدَي عَوْنَهُ عَلَي الْخُصَمَاءِ
لايُوَالِيكُمُ سِوَي السُّعَدَاءِ *** لَيْسَ يَقْلِيكُمُ سِوَي الأَشْقِيَاءِ(1)
أَنْتُمُ عِترَةُ النَّبِيِّ اجْتَباكُمْ *** رَبُّكُمْ لِلْوَرَي بِخَيْرِ اجْتِبَاءِ
وَ أَدِلاؤُنَا عَلَي الْخَيْرِ رُشْداً *** وَ طَرِيقٌ لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ
أَنْتِ يَا خِيرَةَ النِّسَاءِ مَقاماً *** وَ ابْنَةَ الْحَقِّ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ
لاتَقُولِينَ غَيْرَ صِدْقٍ وَ حَقٍّ *** لَيْسَ فِيهِ مِنْ رِيبَةٍ وَ افْتِرَاءِ
غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنِ الْحَقِّ ظُلْماً *** وَ اغْتِصَاباً مِنْ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ
وَ أَنَا مَا عَدَوْتُ سُنَّةَ طه *** وَ تَحَدَّيْتُ رَأيَهُ بِالْقَضَاءِ
وَ أَنَا رَائِدٌ: أَيَكْذِبُ حَقاً *** رَائِدٌ أَهْلَهُ بِأَيِّ افْتِرَاءِ؟!
وَ أَنَا أُشْهِدُ الإِلهَ بِصِدْقٍ *** وَ هُوَ بِالْحَقِّ خِيرَةُ الشُّهَدَاءِ
إِنَّنِي قَدْ سَمِعْتُ مِنْ فَمِ طه *** قَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ
كُلُّ فَرْدٍ يُوَرْتُ العِلْمَ مِنَّا *** لِبَنِيهِ وَ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ
كُلَّ مِيراثِ فِضَّةٍ وَ نُضارٍ *** قَدْ تَرَكْنَا يَكُونُ لِلأَوْلِيَاءِ(2)
ص: 343
فَوَلِيُّ الأُمُورِيَحْكُمُ فِيهِ *** حِينَ يَقْضِي بِحُكْمِهِ فِي اسْتِوَاءِ
وَ رَأَيْنَا بِأَنْ يَكُونَ سِلاحاً *** وَ كُرَاعاً لأُمَّةِ الْحُنَفَاءِ(1)
فَوَضَعْنَاهُ فِيهِمَا كَسِوَاهُ *** لِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَ الأَشْقِيَاءِ
وَ أَنَا مَا انْفَرَدْتُ فِيهِ بِرَأْيِي *** مُسْتَقِلاً عَنْ سَائِرِ الآرَاءِ
حَيْثُ قَامَ الإِجْمَاعُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ *** بِاتِّفَاقِ مَا بَيْنَهُمْ وَ الْتِقَاءِ
وَ أَنَا فِي يَدَيْكِ حَالِي وَ مَالِي *** فَاحْكُمِي فِيهِمَا بِكُلِّ مُشَاءِ
لَيْسَ يُزْوَي عَلَيْكِ: مِنْيَ شَيْءٌ *** لِحِجَابٍ مُحَصِّنِ وَ وِقَاءِ(2)
وَ لأَنْتِ الأُمُّ الزَّكِيَّةُ طُهراً *** وَ سُمُواً لِوُلْدِكِ الأَزْكِيَاءِ
وَ لَكِ الْعِزُّ وَ السَّيَادَةُ فِينَا *** شَرَفاً بَعْدَ فَضْلِكِ الْمُتَرَائِي
دُونَ وَضْعِ لِلأَصْلِ وَ الْفَرْعِ طُرّاً *** مِنْكِ بَعْدَ الْعُلُوّ وَ الإِرْتِقَاءِ
كُلُّ حُكْمِ عَلَيَّ يَصْدُرُ مَاضٍ *** نَافِذٌ مِنْكِ سَاعَةَ الإِمْضَاءِ
أتُريدينَ أَنْ أُخَالِف طه *** بِالَّذِي تَطْلُبِينَ دُونَ اهْتِدَاءِ؟!
ردها عليها السلام علي أبي بكر
فَأجابَتْ: سُبْحانَ رَبِّ البَرايَا *** لَمْ يَكُنْ قَطُّ خاتَمُ الأَصْفِياءِ
صادِفاً عَنْ كِتَابِهِ مُسْتَحِلاً *** بَعْضَ أَحْكَامِهِ بِدُونِ اخْتِشَاءِ(3)
فَهُوَ طُولَ الحَيَاةِ مَا زَالَ يَقْفُو *** أَثَرَ الذِّكْرَ فِي أَنمُ اقْتِفَاءِ
أَمَعَ الْغَدْرِ تَجْمَعُونَ ضَلالاً *** قَوْلَةَ النُّورِ سَاعَةَ الإفتراءِ
مِثْلَمَاكِدْتُمُوهُ حَيَّاً فَهذا *** هُوَ كَيْدٌ لَهُ عَقِيبَ الْفَنَاءِ
فَكِتَابُ الإِلَهِ هَذا لَعَمْرِي *** حَكَمٌ عَادِلٌ بِفَضْلِ الْقَضَاءِ
كُلُّ نَصٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ *** مِنْكُمُ أَحَقُّ بِالإمْتِرَاءِ
وَ هُوَ أَوْحَي مِيرَاثَ دَاوُدَ حَقًّا *** لِسُلَيْمَانَ دُونَ أَي مِرَاء
ص: 344
قَالَ: هَبْ لِي مِنْ آلِ يَعْقُوبَ بَعْدِي *** يَرِثُ الفَضْلَ خِيرَةُ الأَوْلِيَاءِ
وَ أَبَانَ اللَّهُ الْفَرَائِضَ طُرّاً *** فِي الْمَوَارِيثِ دُونَ أَي خَفَاءِ
عِنْدَ تَوْزِيعِهِ السَّهَامَ بِعَدْلٍ *** لِذَوِيهَا بِدُونِ أَيِّ اعْتِدَاءِ
مَا أَزَاحَ الرَّحْمَنُ فِيهِ جَلِيّاً *** شُبُهَاتِ الْعَمَي بِدُونِ غِشاءِ
إِنَّما سَوَّلَتْ لَكَ النَّفْسُ أَمْراً *** فَاصْطِبَاراً عَلَي عَظِيمِ الْبَلَاءِ(1)
فَتَلاَ قَائِلاً أَبُوبَكْرَ جَهْراً *** قَوْلَها فِي صَرَاحَةٍ وَ جَلاءِ:
صَدَقَ اللَّهُ وَ الرَّسُولُ وَ حَقَّاً *** صَدَقَتْ بِنْتُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ الْبَلِيغَةِ رُكْنُ *** الدِّين عَيْنُ الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ
غَيْرُ مسْتَنْكَرٍ خِطَابُكِ فِينَا *** دُونَ قَوْلٍ مِنِّي صَوَابُكِ نَائِي(2)
هَا هُمُ الْمُسْلِمُونَ قَدْ قَلدُونِي *** فَتَقَلَّدْتُ مَنصِبَ الخُلَفَاءِ
و أخَذْتُ الَّذِي أَخَذْتُ بِشُورَي *** وَ اتَّفَاقٍ وَ هُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ
غَيْرَ مُسْتَأْثِرِ بِمَا كَانَ مِنِّي *** دُونَهُمْ فِي بِدَايَةٍ وَ انْتِهَاءِ
وَ هْيَ قَالَتْ لَهُمْ عَقِيبَ الْتِفَاتٍ: *** مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَ الْحُنَفَاءِ
كَيْفَ أَسْرَعْتُمُ عَقِيبَ التَّغَاضِي *** عَنْ قَبِيحِ الْفِعَالِ لِلإِفْتِرَاءِ؟!
أَفَلا تَقْرَأُونَ قُرْآنَ رَبِّي *** أَنْتُمُ فِي تَدَبَّرٍ وَ اهْتِدَاءِ؟!
أَمْ عَلَي تِلْكُمُ الْقُلُوبِ مِنَ الرِّيبَةِ *** أَقْفَالُ ضِلَّةٍ وَ امْتِرَاءِ؟!
بَلْ عَلَيْهَا قَدْ رَانَ مَا قَدْ أَسَأْتُمْ *** مِنْ قَبيح الأَفْعَالِ وَ الأخطاء(3)
أخِذاً عِنْدَ ذَاكَ بِالسَّمْعَ مِنْكُمْ *** وَ جَميع الأَبْصَارِ بَعْدَ غِطَاء
سَاءَ وَاللَّهِ مَا بِهِ قَدْ أَشَرْتُمْ *** وَ اغْتَصَبْتُمْ فِي سَاعَةِ الإِعْتِدَاءِ
عَنْ قَرِيبٍ يَكُونُ حِمْلاً عَلَيْكُمْ *** بَعْدَ غِبِّ مِنْ أَثْقَلِ الأَعْبَاءِ
عِنْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ وَ السِّتْرِ عَنْكُمْ *** حِينَمَا تُصحِحُونَ دُونَ وقَاءِ
بئْسَ لِلظَّالِمِينَ فَالنَّارُ مَثْوًي *** وَ مَقَرِّ لَهُمْ بِيَوْمِ الْبَقَاءِ
ص: 345
لَمْ تَزَلْ تَقْرَعُ الْمَسَامِعَ مِنْهُمْ *** مُرْتَجَاتٍ بِالْيَأْسِ دُونَ رَجَاءِ
وَ تَهُزُّ الْمَشَاعِرَ الصُّمَّ لَكِنْ *** وَجَدَتْهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ(1)
ثُمَّ قَامَتْ عَنْهُمْ لِقَبْرِ أَبِيهَا *** تَشْتَكِي مَا أَصَابَهَا مِنْ بَلاءِ
وَ اسْتَكَانَتْ لِرَبِّهَا بِانْقِطَاعٍ *** وَ أَنَتْ بَيْتَهَا بِدُونِ غَنَاءِ(2)
ص: 346
عِتابُها لأميرالمؤمنين عليه السلام
وَ عَلِيٌّ تَطلُّعاً وَ انْتِظاراً *** لِرُجُوعِ الزَّهْرَا مِنَ الرُّقَبَاءِ
فَرَنَتْ نَحْوَهُ بِطَرْفٍ حَزِينٍ *** بَيْنَ شَكْوَي مَرِيرَةٍ وَ بُكَاءِ
وَ أُثِيرَتْ مِنْهَا الشُّجُونُ وَ قَالَتْ: *** عَتَباً يَا ابْنَ سَيِّدِ الْبَطَحَاءِ
قَدْ تَوَارَيْتَ فَاشْتَمَلْتَ احْتِجَاباً *** شَمْلَةً لِلْجَنِينَ خَلْفَ غِطَاءِ(1)
مِنْ تَوَانٍ قَعَدْتَ دُونَ نُهُوضٍ *** حُجْرَةٌ لِلظَّنِين دُونَ غَنَاءِ(2)
وَ لَقَدْ خَانَ فِيكَ مِنْ دُونِ رِيشٍ *** أَعْزَلٌ عَنْ مَنَالِ كُلِّ رَجَاءِ
بَعْدَمَا قَدْ نَقَضْتَ قَادِمَةَ الأَجْدَلِ *** مِنْ جَانِبَيْكَ دُونَ بِنَاءِ(3)
كَيْفَ تُغْضِي عَنِّي وَ هَذَا فُلانٌ *** بَزَّنِي نِحْلَتِي بِغَيْرِ اتِّقَاءِ؟(4)
أَنَا أَلْفَيْتُهُ الأَلَدَّ عِدَاءً *** فِي خِصَامِي مِنْ سَائِرِ الْخُصَمَاءِ(5)
ص: 347
هَذِهِ قَيْلَةٌ مِنَ الْغَدْرِ عَنِّي *** حَبَسَتْ نَصْرَهَا بِغَيْرِ وَفاءِ(1)
وَ قَلانِي الْمُهَاجِرُونَ جَمِيعاً *** بَعْدَ قَطع لِوَصْلِهِمْ بِجَفَاءِ(2)
وَ لَقَدْ غَضَّتِ الجَمَاعَةُ دُونِي *** طَرْفَهَا مِنْ غَضَاضَةٍ وَعِدَاءِ
أَنَا لا دافِعُ بَقِيتُ وَلأَمَانِعَ *** عَنِّي يَصُدُّ كُلَّ اعْتِدَاءِ
وَ أَنَا قَدْ خَرَجْتُ كَاظِمَة الْغَيْظ *** بِنَفْسِي مِنْ شِدَّةِ الإِسْتِيَاءِ
وَ لَقَدْ عُدْتُ مِنْهُ رَاغِمَةَ الأَنْفِ *** هَوَاناً مِنْ سَطوَةِ الْكِبْرِيَاءِ
حِينَمَا قَدْ أَضَعْتَ خَدَّكَ صَبْراً *** فَتَبَقَّيتَ دُونَ أي وقَاءِ
وَ افْتَرَشْتَ التُّرَابَ وَ افْتَرَسَتْ غَابَكَ *** هَذِي الذَّئَابُ دُونَ اتَّقَاءِ
قائِلاً: مَا كَفَفْتَ بَعْدَ تَغَاضِ *** طَائِلاً مَا أَغْنَيْتَ أَيَّ غَنَاءِ
ليْتَ أَنِّي قَدْمُتُّ مِنْ دُونِ ذُلِّي *** وَ اضْطِهَادِي مِنْ قَبْلِ يَوْمٍ فَنَائِي
وَ عَذِيرِي مِنْهُ إِلَهُ الْبَرَايَا *** عَادِياً بَعْدَ مِحْنَتِي وَ بَلَائِي(3)
وَ لِنَفْسِي مِنْهُ وَ أَنْتَ كَفِيلِي *** خَيْرَ حَامٍ فِي سَاعَةِ الإِحْتِمَاءِ
أَنَا وَيْلاَيَ عِنْدَ كُلِّ صَبَاحٍ *** أَنَا وَيُلايَ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءِ
عَضُدِي قَدْ وَهَتْ وَ قدْ مَاتَ مِنِّي *** عَمَدِي فَاعْتَدَيْتُ دُونَ وَقَاءِ(4)
أنَا عَدْوَايَ لِلإِلَهِ وَ شَكُوايَ *** لِحُزْنِي بِخَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ(5)
أَنْتَ رَبِّي أَشَدُّ حَوْلاً وَ بَأْساً *** وَ نَكَالاً مِنْهُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ(6)
قَالَ وَ هُوَ الصَّبُورُ: لا وَيْلَ حَقَّاً *** لَكِ لَكِنْ وَيْلٌ لِأَهْلِ الْعِدَاءِ
نَهْنِهِي يا بنَةَ النُّبُوَّةِ عَنْ وَجْدِكِ *** صَبْراً فِي سَلْوَةٍ وَ عَزَاءِ(7)
ص: 348
أنَا وَ اللَّهِ مَا وَنَيْتُ عَنِ الدِّينِ *** بِيَوْم وَ لاَعَدَوْتُ قَضَائِي(1)
وَ إِذَا كُنْتِ تَبْتَغِينَ بِهَذَا *** بُلْغَةٌ مِنْ حُطَامِ دَارِ الْفَنَاءِ(2)
فَهُوَ لِلرِّزْقِ ضَامِنٌ وَ كَفِيلٌ *** لَكِ فِيهِ مِنْ خِيرَةِ الأُمَنَاءِ
وَ الَّذِي قَدْ أُعِدَّ خَيْرٌ وَ أَبْقَي *** لَكِ مِمّا زَوَوْا بِدارِ الْبَقَاءِ(3)
فَأَجَابَتْ وَ أَمْسَكَتْ: هُوَ حَسْبِي *** وَ كَفَي جَازِياً بِرَبِّ السَّمَاءِ
ص: 349
في نساء المهاجرينَ و الأَنصارِ(1)
قُلْنَ يَا بَضْعَةَ النَّبِيِّ الْمُزَكَّي: *** كَيْفَ أَصْبَحْتِ بَعْدَ هَذَا الْعَنَاءِ؟
ص: 350
ص: 351
فَأَجَابَتْ: أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ مِمّا *** قَدْ دَهَانِي قَدْ عِفْتُ دُنْيَا الْفَنَاءِ
وَ قَلَيْتُ الرِّجَالَ مِنْكُنَّ لَفْظاً *** بَعْدَعَجْمٍ لَهُمْ وَ حُسْنِ بَلاءِ(1)
فَشَناراً لِلَّعْبِ مِنْ بَعْدِ جِدٍّ *** وَ قُلُولٍ لِلْحَدِّ بَعْدَ الْمَضَاءِ(2)
وَ لِصَدْعِ الْقَنَاةِ دُونَ الْيَتَامٍ *** وَ لِقَرْعِ الصَّفَاةِ دُونَ ارْتِخَاءِ(3)
وَ لِزَيْعَ الأَهْوَاءِ دُونَ اعْتِدَالٍ *** وَ لِخَتْلِ الأَفْكَارِ وَ الآرَاءِ(4)
بِئْسَ ما قَدَّمُوا مِنَ الْخِزْيِ كُفْراً *** بَعْدَ سُخْطِ الْبَارِي لِيَوْمِ الْجَزَاءِ
وَ لعَمْرِي قَلدْتُهُمْ حِينَ مَالُوا *** عَنْ هُدَي الحَقِّ ربقة الأسراءِ
وَ بِنُصْحِي حَمَّلْتُهُمْ حِينَ صَمُّوا *** وَ عَمُوا عَنْهُ أَوْقَةَ الأَعْبَاءِ(5)
وَ شَنَنْتُ الْغَارَاتِ حَرْباً عَلَيْهِمْ *** غَارَةٌ بَعْدَ غَارَةٍ شَعْوَاءِ(6)
وَيْحَهُمْ عَنْ مَهَابِطِ الْوَحْيِ أَنَّي *** زَعْزَعُوهَا وَ مَعْدِنِ الأَنْبِيَاءِ(7)
وَ رَوَاسِي الإيمانِ وَ الْعَدْلِ مِنَّا *** وَ الطَّبِينُ الْخَبِيرُ فِي كُلِّ دَاءِ(8)
فِي جَمِيعِ الأُمُورِ دِيناً وَ دُنْيَا *** دُونَ جَهْلٍ فِيهَا وَ دُونَ اخْتِفَاءِ
إِنَّ هَذَا الْخِطْءَ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ *** لَهُوَ شَرُّ الخُسْرَانِ دُونَ اخْتِشَاءِ
لَيْتَ شِعْرِي وَ مَا الَّذِي نَقِمُوهُ *** مِنْ عَلِيٌّ بَعْدَ الأَذَي وَ الْعَنَاءِ
نَقِمُوا مِنْ عَلِي بَأْساً شَدِيداً *** وَ جِهَاداً فِي اللَّهِ دُونَ رَخَاءِ
وَ نَكِيراً مِنْ سَيْفِهِ وَنَكَالاً *** صَارِماً فِي تَنَمُّر وَ إباءِ
ص: 352
قِلةُ الخَوْفِ وَ الْمُبَالَاةِ زُهْداً *** مِنْهُ فِي حَتْفِهِ بِيَوْمِ اللِّقَاءِ
وَيَمِيناً لَوْ أَنَّهُمْ بَعْدَكُفْرٍ *** وَ ضَلالٍ مَالُوا عَنِ الإِسْتِوَاءِ
لَهَدَاهُمْ إِلَي الْمَحَجَّةِ رُشْداً *** فَاسْتَقَامُوا بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ
وَ لَسَارُوا وَ سَارَبِالْقَوْمِ سَيْراً *** سُجُحاً فِي مَنَاهِجِ الإِهْتِدَاءِ(1)
لايُصَابُ الْخِشَاسُ مِنْهُ بِكَلْم *** دُونَ عُنْفٍ مِنْهُ وَ دُونَ الْتِوَاءِ(2)
لاَيَمَلُ الْمَسِيرَ فِيهِ عَنَاءً *** أَوْ يَكِلُّ السّارِي بِهِ مِنْ عَيَاءِ(3)
وَ سَقَاهُمْ مِنْ مَنْهَلِ الْحَقِّ وِرْداً *** عَذباً سَائِغاً لِفَرْطِ الصَّفَاءِ
تَطْفَحُ الضِّفَّنَانِ مِنْهُ مَعِيناً *** خَالِصاً مِنْ تَرَنُّقِ الأَقْذَاءِ
وَ لَعَادُوا عِنْدَ الصُّدُورِ بطاناً *** بَعْدَ شَبْع القاوِي بِخَيْرِ امْتِلاءِ
مَعَ رُشْدِ لَهُمْ وَ نُصْحِ مُبِينٍ *** مِنْهُ يَبْدُو فِي الْجَهْرِ شِبْهَ الْخَفَاءِ
وَ هُوَ فِي الْعَيْشِ لَمْ يَكُنْ يَتَحَلَّي *** مِنْهُ فِي طَائِلِ بِطُولِ الْبَقَاءِ
لَيْسَ يَحْظَي بِنَائِلٍ قَطُّ مِنْهَا *** بَعْدَ زُهْدٍ عَنْ نَيْلِهِ وَ جَفَاءِ
غَيْرَ رَيِّ لِنَاهِلٍ حِينَ يَظْمَي *** مَعَ شَبْعٍ لِكَافِلٍ مِنْ غِذَاءِ(4)
وَ تَجَلَّي عَنِ الْمَطَامِعِ زُهْدٌ *** لَهُمُ صَادِقٌ بِغَيْرِ افْتِراءِ
قَالَ: لَوْ آمَنُوا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ *** بَرَكَاتٍ مِنَ الثَّرَي وَ السَّمَاءِ
غَيْرَ أَنَّ الْقُرَي بَغَتْ فَاسْتَحَقَّتْ *** بَعْدَجَحْدِ النَّعْمَاءِ سُوءَ الْجَزَاءِ
وَ بِحَقِّ لَوْ عِشْتَ أَبْصَرْتَ أَمْراً *** عَجَباً فِي الزَّمَانِ دُونَ انْقِضَاءِ
أيُّ عُذْرٍ لَهُمْ بِمَا اكْتَسَبُوهُ *** مِنْ عَظِيمِ الإِجْرَامِ وَ الأخْطَاءِ
أَفَلا يَعْلَمُونَ مَا اجْتَرَمُوهُ *** مِنْ حَرَامِ فِي عِشْرَةِ الأَزْكِيَاءِ؟
حِينَمَا اسْتَبْدَلُوا الْقَوَادِمَ مِنّا *** بِالدُّنَابَي مِنْهُمْ بِغَيْرِ ارْعِوَاءِ(5)
ص: 353
وَ اسْتَعَاضُوا عَنْ كَاهِلِ الدِّينِ كُفْراً *** وَ ضَلالاً بِالْعَجْزِ دُونِ اهْتِدَاءِ(1)
فَابْتِعاداً لِمَنْ أَسَاوُوا وَظَنُّوا *** أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ دُونَ انِّقاءِ
وَيْحَهُمْ لِلرَّشَادِ مَنْ كَانَ يَهْدِي؟ *** مَنْ سِوَاهُ أَحَقُّ بِالإِقْتِدَاءِ؟
مَا لَهُمْ يَحْكُمُونَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ *** بَعْدَ جَهْلٍ مِنْهُمْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ!
فَانْتِظاراً فَسَوْفَ تُنْتِجُ مِمَّا *** لَقِحَتْ كُلَّ فِتْنَةٍ عَشْوَاءِ
وَ سَيُمْلَي مِنْهَا نَجِيعاً عَبِيطاً *** وَ ذُعافاً فِي الْحَلْبِ كُلُّ إِنَاءِ(2)
وَ يَرَي الآخَرُونَ مِمَّا بَنَاهُ *** لَهُمُ الأَوَّلُونَ غِبَّ الْبِنَاءِ(3)
وَ لْتَطِيبُوا عَن الْحَيَاةِ نُفُوساً *** وَ اسْتَعِدُّوا لِلْفِتْنَةِ الْعَمْيَاءِ
وَ ابْشِرُوا لِلدَّمَارِ فِيكُمْ بِسَيْفٍ *** صَارِمِ لاَ يُفَلُّ بَعْدَ الْمَضَاءِ
وَ بِحُكْمٍ لِغَاشِمٍ مُتَعَدٍّ *** مُسْتَبَدٍّ مِنْ سَطوَةِ الأُمَرَاءِ
يَقْتَفِيهِ مِمَّا تُثِيرُ الْبَلايَا *** هَرَجٌ شَامِلٌ بِشَرِّ اقْتِفَاءِ
يَدَعُ الفَيءَ وَ الْجُمُوعَ زَهِيداً *** وَ حَصِيداً مِنْكُمْ بِحَدٍّ الْفَنَاءِ
مَا لَكُمْ عُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ فَبُعْداً *** لَكُمُ مِنْ مَعَاشِرٍ جُهَلاءِ
كَيْفَ تُهْدَوْنَ لِلصَّوَابِ رَشَاداً *** بَعْدَ كُرْهِ مِنْكُمْ لِكُلِّ اهْتِدَاءِ
فَأَعَادَتْ تِلْكَ النِّسَاءُ عَلَيْهِمْ *** مَا وَعَتْهُ مِنْ خُطبَةِ الزَّهْرَاءِ
فَأَتَاهَا مِنْهُمْ رِجَالٌ وَ قَالُوا *** بَعْدَ عُذْرِ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَيَاءِ
لوْ عَلِمْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبْرَمَ الْعَهْدُ *** بِهَذَا مِنْ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ
مَا عَدَلْنَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: إِلَيْكُمْ *** بَعْدَ هَذَا عَنِّي لِفَرْطِ التَّنَائِي
أَيُّ عُذْرٍ لَكُمْ بِمَا كَانَ مِنْكُمْ *** بَعْدَتَعْذِيرِكُمْ بِغَيْرِ انْتِهَاءِ
وَ حُصُولِ التَّقْصيرِ حِينَ تَجَلَّي *** لَكُمُ الأَمْرُ فِي أَتَمُ جَلاءِ
ص: 354
وَ احْتِجَاجُ الزَّهْرَاءِ خَيْرُ احْتِجَاجٍ *** فِيهِ أَدْلَتْ بِالْحَقِّ خَيْرُ النِّسَاءِ
بِحَدِيثٍ مُسَلْسَلٍ قَدْ تَجَلَّي *** فِي حَدِيثِ الْغَدِيرِ أَبْهَي جَلَاءِ
حِينَ قَالَتْ نَقْضاً لِمَا أَبْرَمُوهُ *** دُونَ رُشْدٍ مِنْ بَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ:
أَنَسِيتُمْ وَ الْعَهْدُ غَيْرُ بَعِيدٍ *** قَوْلَ طه فِي سَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ
يَوْمَ خُمِّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ حَقّاً *** فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ دُونَ افْتِرَاءِ
وَ مَقَالَ النَّبِيِّ وَ هُوَ صَرِيحٌ *** لِعَلِيِّ فِي إِمْرَةِ الْحُنَفَاءِ
أَنْتَ مِنِّي كَمَالِمُوسَي بِحَقِّ *** كَانَ هَارُونُ خِيرَةَ الْوُزَرَاءِ
عِنْدَ إِبْقَانِهِ بِغَزْوِ تَبُوكٍ *** خَلَفاً فِي الْمَدِينَةِ الْغَرّاءِ(1)
ص: 355
فَدَك
فَدَكٌ قَرْيَةٌ مِنَ النَّخْلِ كَانَتْ *** فِي مَكَانٍ عَنْ يَثْرِبٍ غَيْرِ نائي(1)
قَطُّ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ *** وَ رِكَابِ فِي البَدْهِ وَ الإِنْتِهَاءِ(2)
فَهْيَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّفَايَا لِطه *** وَ الصَّفَايَا لِخَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ(3)
وَ هْيَ مِمَّا أَفَاءَ فِيهَا عَلَيْهِ *** رَبُّهُ مِنْ كَرَامَةٍ وَ عَطَاءِ
فَهْيَ مِلْكُ لِخَاتَمِ الرُّسُلِ مَحْضٌ *** خَالِصٌ دُونَ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ
صَالَحَ الْمُصْطَفَي الْيَهُودَ عَلَيْهَا *** لِيَكُونُوا فِيهَا مِنَ الأُمَنَاءِ
فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَ حَبَاهَا *** نِحْلَةً لِلزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ
حِينَما أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: وَآتُوا *** حَقَّ أَدْنَي الأَرْحَامِ وَ الأَقْرِبَاءِ
فَدَعَاهَا وَ قَالَ: هَذا عَطَاءٌ *** لَكِ مِنِّي بِأَمْرِ رَبِّ السَّمَاءِ
وَ هْيَ كَانَتْ فِي عَهْدِهِ بِيَدَيْهَا *** خَيْرَ مِلْكٍ لَهَا وَ خَيْرَ حِباءِ
قَدْ أَقَامَتْ وَكِيلَهَا وَ هُوَ حَيٌّ *** وَ اسْتَقَلَّتْ تَصَرُّفاً فِي النَّمَاءِ
وَ أَبُوبَكْرِ حِينَ خُلْفَ فِيهِمْ *** بَعْدَفُقْدَانِ خَاتَمِ السُّفَرَاءِ
طَرَدَ الْعَامِلَ الْمُوَكَّلَ فِيهَا *** لابْنَةِ الْمُصْطَفَي بِأَقْسَي جَفَاءِ
وَ أَنَتْ عُنْوَةً لِمَسْجِدِ طه *** وَ هُيَ تَسْعَي فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسَاءِ
وَ أَبَانَتْ مَا جَاءَ فِي الذِّكْرِ نَصَاً *** فِي الْمَوَارِيثِ مِنْ حَكِيمِ الْقَضَاءِ
وَ أَقَامَتْ مَا حَجَّهُ -فَأَتَاهَا- *** بَعْدَ دَحْضٍ بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ
ص: 356
بِحَدِيثٍ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ *** آيَةٌ قَطُّ فِي كِتَابِ السَّمَاءِ
وَ سِوَاهُ لَمْ يَرْوِهِ فَهُوَمِمَّا *** خُصَّ فِيهِ مِنْ بِدْعَةٍ وَ افْتِرَاءِ(1)
وَ لَقَدْ خَاصَمَتْهُ أُخْرَي فَقَالَتْ: *** نِحْلَةٌ مِنْ أبِي بِأَقْوَي ادَّعَاءِ
وَ أَقَامَتْ شُهُودَهَا فَحَبَاهَا *** مِنْهُ صَكّاً بِهَا بِغَيْرِ وَفَاءِ
حِينَمَا فِي يَدَيْهِ بَعْدَ انْتِزَاعٍ *** عُمَرُ شَقَّهُ بِوَقْتِ اللِّقَاءِ(2)
وَ اسْتَمَرَّتْ فِي الْمَنْعِ حَتَّي تَوَلَّي *** عُمَرٌ بَعْدَهُ عَلَي الْحُنَفَاءِ
فَحَبَاهَا لِأَهْلِهَا دُونَ مَنْعٍ *** بَعْدَ دَفْعِ مِنْ أَوَّلِ الْخُلَفَاءِ(3)
تضاربُ الآراءِ مِنْ وُلاةِ الأمورِ في فَدَكَ
وَ عَجِيبٌ هَذَا التَّضَارُبُ فِيهَا *** مِنْ وُلاةِ الأُمُورِ في الآرَاءِ(4)
ص: 357
فَهيَ إِنْ كَانَ نِحْلَةً وَ نَصِيباً *** مِنْ فُرُوضِ الْمِيرَاثِ لِلأَوْلِيَاءِ
كَيْفَ صُدَّتْ عَنْ أَهْلِهَا وَ هْيَ حَقٌّ *** مِنْ أَبِي بَكْرِ سَاعَةَ الإِبْتِدَاءِ؟!
وَ هْيَ إِنْ كَانَ مِثْلَ مَا قَالَ فَيْئاً *** كَيْفَ تُعْطَي مِنْ آخَرِ بِسَخَاءِ؟!
وَ اصْطَفَاهَا عُثْمَانُ بَعْدَ انْتِزَاعٍ *** وَ حَبَاهَا مَرْوَانَ دُونَ اختِشَاءِ
حِينَ أَضْحَي مِنْ آلِ أَحْمَدَ أَوْلَي *** بِمَوَارِيثِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
وَ طَرِيدُ النَّبِيِّ لاَ شَكٌّ أَوْلَي *** عِنْدَ عُثْمَانَ مِنْ بَنِي الأَزْكِيَاءِ
وَ هْيَ مِمّا تُنْعَي عَلَيْهِ وَ كَانَتْ *** عَامِلاً مِنْ عَوَامِلِ الإسْتِيَاءِ
وَ تَوَلَّي ابْنُ هِنْدَفِيمَنْ تَوَلَّي *** بَعْدَ هَذَا ظُلْماً مِنَ الأمَراءِ
فَحَبا ثُلثَهَا يَزِيداً وَ ثُلْثاً *** لابن عُثْمَانَ دُونَ أَي اتِّقَاءِ
ص: 358
وَ اجْتَبَاهَا مَرْوَانُ حِينَ تَوَلَّي *** مُسْتَقِلاً لَهُ بِشَرِّ اجْتِبَاءِ
وَ حَبَاهَا عَبْدَالْعَزِيزِ فَكَانَتْ *** بِيَدَيْهِ مِلْكاً لِيَوْمِ الْفَنَاءِ
وَ اصْطَفَاهَا مُسْتَخْلِصاً بِالْفِرادٍ *** عُمَرُ أَمْرُهَا بِخَيْرِ اصْطِفَاءِ
وَ حَبَاهَا فِي الْمُلْكِ حِينَ تَوَلَّي *** لَبَنِي فَاطِمٍ بِخَيْرِ حِبَاءِ
بَعْدَ رَفْعِ السِّبَابِ وَ الشَّتْم مِمَّنْ *** أَبْدَعُوهُ عَنْ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ
وَ إِلَيْهِ الرَّضِيُّ بِالشِّعْرِ أَوْحَي *** يَا ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ الرِّثَاءِ(1)
وَ تَعَدَّي ابْنُ عَاتِكٍ بَعْدَ أَخَذٍ *** فَحَوَاهَا يَزِيدُ دُونَ إِبَاءِ
وَ اسْتَمَرَّتْ فِي آلِ مَرْوَانَ حَتَّي *** أَذْهَبَ اللَّهُ دَوْلَةَ الطَّلَقَاءِ
وَ أَعَادَ السَّفّاحُ مَا كَانَ مِنْهَا *** أَخَذُوهُ لِلْعِترَةِ النَّجَباءِ
وَ رُجُوعُ الْمَنْصُورِ فِيهَا رُجُوعٌ *** وَ نُكُوصٌ عَنْ مَسْلَكِ الإِسْتِوَاءِ
وَ عُدُولُ الْمَهْدِي عَنْهَا اعْتِدَالٌ *** وَ اسْتِوَاءٌ فِي مَنْهَج الإهْتِدَاءِ
وَ تَمَادَي مُوسَي وَ هَارُونُ فِيهَا *** وَ تَعَامَي الأَمِينُ بِالإقْتِدَاءِ
وَ تَهَادَي الْمَأْمُونُ حِينَ أُعِيدَتْ *** لِذَوِيهَا فِي عَهْدِهِ بِلِوَاءِ
وَ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَخْذٍ *** جَعْفَرٌ مُعْلِنَاً بِنَصْبِ الْعِدَاءِ(2)
وَ حَبَا عَبْدُ اللَّهِ مَنْ قَدْنَمَاهُ *** عُمَرُ الْبَازِيَارُ شَرَّ انْتِمَاءِ
وَ تَعَدَّي ظُلْماً فَأَرْسَلَ شَخصاً *** صَرَمَ النَّخْلَ فِي يَدِ الإِعْتِدَاءِ
فَعَرَاهُ بَعْدَ الْجُذَاذِ انْتِقَاماً *** فَلَجٌ فَاتِكٌ بِأَعْظَمِ دَاءِ(3)
جَدَّ مِنْهَا مَا قَامَ مِنْ نَخَلاتٍ *** هِيَ مِنْ غَرْسِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
كَانَ أَبْنَاءُ فَاطِمٍ وَ عَلِيٌّ *** تَجْتَنِي تَمْرَهَا لِأَهْلِ الْوِلَاءِ
ص: 359
فَإِذَا جَاءَ مَوْسمُ الْحَج جَاؤوا *** وَ أَفَاضُوا فِيهَا عَلَي الْحُنَفَاءِ
فَيَعِيشُونَ مِنْهُمُ بِالْهَدَايَا *** حِينَ تُهْدَي لَهُمْ بِكُلِّ سَخَاءِ
بابُ دارِ فاطمة عليها السلام
وَ أَتَوا باب دارِها دُونَ إِذْنٍ *** وَ عَلِيٌّ فيهَا رَهِينُ الفِناءِ
وَ بِأَيْدِيهِمُ مِنَ الْحِقْدِ يَذْكُو *** قَبَسٌ مُضْرَمٌ بِنَارِ الْعَدَاءِ(1)
قِيلَ: فِي الدَّارِ فَاطِمٌ بِنْتُ طه! *** قَالَ شَخْصٌ: «وَإِنْ» بِغَيْرِ اخْتِشَاءِ
أخرِقُوهُ وَ بِنتُ أَحْمَدَ حَسْرَي *** تَخْتَفِي خَلْفَهُ بِغَيْرِ رِدَاءِ
فَجَرَي ما جَرَي عَلَي بِنْتِ طه *** وَ هْيَ تَدْعُو وَرَاءَهُ بِبُكَاءِ
مِنْ حَدِيثِ الْمِسْمَارِ وَ الضّلْعِ مِنْهَا *** وَ سُقُوطِ الْجَنِينِ اثْرَ الدِّمَاءِ
وَ أَحَاطُوا بِالْمُرْتَضَي فَأَضَاعُوا *** ذِمَّةَ الْمُصْطَفَي بِغَيْرِ وَفَاءِ
حِينَ قَادُوهُ بِالْحَمَائِل ظُلْماً *** وَ ضَلالاً مِنْهُم بِغَيْر اهْتِدَاءِ
وَعَدَتْ خَلْفَهُ وَ عَادُوا فَبِئْساً *** لَهُمُ مِنْ ثَلاَثَةٍ أَشْقِيَاءِ
المُوهَا بِقَسْوَةٍ وَ جَفَاءٍ *** دُونَمَا رَحْمَةٍ وَ دُونَ وَلاَءِ
بَيْنَ وَكُزِ بِنَعْلِ سَيْفِ وَ لَظمٍ *** بَانَ فِي جَفْنِ عَيْنِهَا الْحَمْرَاءِ(2)
وَ سِيَاطٍ تُلْوَي عَلَي عَضُدَيْهَا *** مِنْ يَدَي قُنْفُذٍ بِأَقْسَي جَفَاءِ
وَ أَتَوْا بِالْوَصِيِّ مَسْجِدَطه *** وَ هْيَ بِالْبَابِ أَمْسَكَتْ لِلدُّعَاءِ
قِيلَ: بَايِعْ فَقَالَ: إِنْ لَمْ أُبَايِعْ؟ *** قِيلَ: تُجْزَي بِالْقَتْلِ شَرَّ جَزَاءِ!
قَالَ: هَلْ تَقْتُلُونَ لِلَّهِ عَبْداً *** وَ أَخَاً لِلرَّسُولِ مَحْضَ الإِخَاءِ؟
فَأَجَابُوهُ: أَنْتَ لِلَّهِ عَبْدٌ *** لا أَخٌ لِلرَّسُولِ، دُونَ حَيَاء،
فَأَرَادَتْ كَشْف الْقِنَاعِ فَهَبَّتْ *** شَرُّرِيحٍ عَلَيْهِمُ سَوْدَاءِ(3)
ص: 360
قَلَعَتْ مِنْ أَسَاسِ مَسْجِدِ طه *** كُلَّ حِيطَانِهِ وَ كُلَّ بِنَاءِ
فَاسْتَغَالُوا بِالْمُرْتَضَي فَأَغِيثُوا *** بَعْدَ يَأْسٍ مِنْهُمْ بِخَيْرٍ رَجَاءِ
فَأَتَاهَا سَلْمَانُ يَعْدُو وَ أَوْحَي *** بَعْدَ أَمر مِنْ سَيْدِ الأَوْصِيَاءِ:
بَعَثَ اللَّهُ رَحْمَةً وَ نَجَاةً *** لِلْبَرَايَا أَبَاكِ بَعْدَ الشَّقَاءِ
لاَتَكُونِي يَا بِنْتَ خَيْرِ الْبَرَايَا *** بَعْدَ فُقْدَانِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
سَبَباً فِي هَلَاكِ أُمَّةِ طه *** وَ مَثاراً لِسُخْطِ رَبِّ السَّمَاءِ
فَأَجَابَتْ: لَنْ أَتْرُكَ الْبَابَ حَتَّي *** يَتْرُكُوا حَيْدَراً بِلا إِيذَاءِ
وَ إِذَا بِالصَّيَاحِ فِيهِمْ: دَعُوهُ *** وَ اتْرُكُوهُ لَهَا، مِنَ الحُنَفَاءِ
فَأَتَاهَا وَ قَالَ حِينَ رَآهَا: *** كَيْفَ أَصْبَحْتِ يَا ابْنَةَ الأَزْكِيَاءِ
فَأَجَابَتْ: إِنْ كُنْتَ كُنْتُ بِخَيْرٍ *** أَوْ بِشَرٍّ عَلَي صَعِيدٍ سَوَاءِ
وَ أَتَتْ بَيْتَهَاعَلِيلَةَ نَفْسٍ *** قَدْ أُصِيبَتْ مِنْهُمْ بِأَعْظَم دَاءِ
لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً ظَلَمَتْهَا *** وَ سَقَتْهَا صَبْراً كُؤُوسَ الْفَنَاءِ
الشيخان علي باب فاطمة
وَ أَتَاهَا الشَّيْخَانِ بَعْدَ هَنَاتٍ *** ظَلَمَاهَا فِيهَا بِغَيْرِ ارْعِوَاءِ
وَ هُمَا عَائِدَانِ وَ هْيَ بِحَالٍ *** لَيْسَ يُرْجَي لِسُقْمِهَا مِنْ شِفَاءِ
وَ أَرَادَا إِذْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا *** فَأَبَتْ نَفْسُهَا أَشَدَّ الإِبَاءِ
ص: 361
فَتَعَصَّي عَلَيْهِمَا الأمْرُ حَلاً *** فَاضِلاً عَمِّي بِغَيْرِ اهْتِدَاءِ
فَاسْتَغَانَا بِغَوْثِ كُلِّ طَرِيدٍ *** وَ اسْتَجَارا بِسَيّدِ الأَوْصِيَاءِ
فَأَتَاهَا وَ قَالَ: إِنَّ فُلاناً *** وَ فُلاناً تَظَلَّلا بِرِدَائِي
يَطْلُبَانِ الدُّخُولَ مِنْكِ بِإِذْنِ *** جَعَلانِي فِيهِ مِنَ الشُّفَعَاءِ
فأَبَتْ أَنْ تَجُودَ فِيهِ فَأَوْحَي *** مِنْ حَنَانِ لَهَا بِلَحْنِ الوِلاءِ
إِنَّنِي قَدْ ضَمِنْتُ إِذْ كَلَّمَانِي *** لَهُمَا الإِذْنَ قَبْلَ ذَا مِنْ حَيَائِي
فَأَجَابَتْ: فَأَذَنْ لِمَنْ شِئْتَ وَامْنَعْ *** أَنْتَ مَنْ شِئتَ دُونَ أَي اتِّقَاءِ
إِنَّمَا الْحُرَّةُ الَّتِي تَصْطَفِيهَا *** لَكَ زَوْجُ وَ أَنْتَ رَبُّ الْفِنَاءِ
فَاسْتَطارا بُشْراً بِما أَدْرَكَاهُ *** بَعْدَ يَأْسٍ أَوْدَي بِكُلِّ رَجَاءِ
ثُمَّ قَالا: جِئنَاكِ يَا بِنْتَ طه *** نَطْلُبُ الْقُرْبَ مِنْكِ بَعْدَ الثَّنَائِي
وَ نَرُومُ الْغُفْرَانَ وَ الْعَفْوَ عَمّا *** قَدْ مَضَي آنفاً مِنَ الأَخْطَاءِ(1)
بَعْدَ تَقْصِيرِنا بِحَقِّكِ ظُلْماً *** وَ عِنَاداً فِي الْبَدْءِ وَ الإِنْتِهَاءِ
فَتَوَلَّتْ بِوَجْهِهَا وَ هْيَ غَضْبَي *** عَنْهُمَا نَحْوَ حَائِطٍ فِي الْبِنَاءِ
وَ أَجَابَتْ: إِنِّي لأَسْأَلُ حَقّاً *** فَأَجِيبًا صِدْقاً بِغَيْرِ افْتِرَاءِ
هَلْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ طه بِحَقِّي *** لَكُمَا مِثلَ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ
فَاطِمٌ بَضْعَتِي وَ بهْجَةُ نَفْسِي *** وَ هْيَ مِنّي إيذاؤُها إيذائِي
يَغْضَبُ اللَّهُ حِينَ تَغْضَبُ سُخْطاً *** وَ رِضَاهَا رِضاً لِرَبِّ السَّمَاءِ
فَأَجَابًا: إِنَّا سَمِعْنَا مِرَاراً *** كُلَّ هَذَا مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ
فَرَنَتْ لِلسَّمَاءِ شَكْوَي وَ قَالَتْ *** بَعْدَ نَشْرِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ:
رَبِّيَ اشْهَدْ بِأَنَّ بَكْراً وَ عَمْراً *** آذَيانِي وَ أَجْهَدا فِي عِدَائِي
فَاذْهَبَا فِي كَرَاهَةٍ لَسْتُ أَرْضَي *** أَبَداً عَنْكُمَا لِيَوْمِ الْبَقاءِ
وَ سَأَشْكُو إِلَي أَبِي مَا دَهَانِي *** عُنْوَةٌ مِنْكُمَا بِوَقْتِ اللَّقَاءِ
ص: 362
فَاسْتَمَرَّتْ حَتَّي فَضَتْ بِنْتُ طه *** وَ هْيَ غَضْبَي عَلَيْهِمَا مِنْ جَفَاءِ(1)
حُرمةُ المظلومة عليها السلام
دَخَلُوا الْخِدْرَ وَ هْيَ حَسْرَي عَلَيْهَا *** فَاسْتَهَانُوا بِحُرْمَةِ الزَّهْرَاءِ(2)
عَصَرُوهَا فَأَسْقَطُوا خَيْرَ حَمْلٍ *** مِنْ حَشَاهَا بِقَسْوَةٍ وَ جَفَاءِ
كَسَرُوا ضِلْعَهَا بِعَصْرَةِ بَابٍ *** ضَرَّجَتْ صَدْرَهَا بِقَيْضِ الدِّمَاءِ
لَطَمُوا خَدَّهَا بِكَفْ عِنَادٍ *** نَشَرَتْ قُرْطَها عَلَي الحَصْبَاءِ(3)
سَوَّدُوا مَتْنَهَا ضَلالاً وَ كُفْراً *** بسِياطِ الشَّحْنَاءِ وَ الْبَغْضَاءِ(4)
أَخْرَجُوا بَعْلَها عَلِيّاً مِنَ الْبَيْتِ *** فَأَضْحَي يُقَادُ كَالأَسَرَاءِ
وَ هْيَ تَعْدُو وَرَاءَهُ وَ هْيَ تَدْعُو *** بِحَنِين وَ صَرْخَةٍ وَ بُكَاءِ
مَا رَعَوْهَا وَ هْيَ الْوَدِيعَةُ فِيهِمْ *** بَعْدَ طه مِنْ سَيّدِ الأُمَناءِ
مَا أَجَارُوا بِنْتَ الْهُدَي حِينَ جَارُوا *** فَأَضَاعُوا ذِمَامَ كُلِّ وَفَاءِ(5)
أَيُّ ذَنْبٍ جَنَتْهُ بَضْعَةٌ طه *** فَجَزَوْهَا ظُلْماً بِأَقْسَي الْجَزَاءِ
لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَبَاحَ حِماها *** مُسْتَطِيلاً بِالْجَوْرِ وَ الإِعْتِدَاءِ
وفاتها عليها السلام
لَمْ تَزَلْ بَعْدَهُ عَلِيلَةَ جِسْمٍ *** لِقَلِيلِ السَّلْوَي وَ طُولِ الْبَلاءِ
وَ هْيَ يُغْشَي مِنَ السَّقَامِ عَلَيْهَا *** كُلَّ حِينٍ مِنْ كَثْرَةِ الإِغْمَاءِ
ص: 363
لَمْ تُفَارِقْ فِرَاشَهَا مِنْ نُحُولٍ *** قَدْ بَرَاهَا ضَعْفاً وَ طُولِ عَنَاءِ
وَ هْيَ تَبْكِي ليلاً نهاراً أَبَاهَا *** بِدُمُوع الذِّكْرَي بِغَيْرِ انْتِهَاءِ
قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمَ سُوءٍ بُغاةً *** مَنَعُوها عَنْ الأسَي و َ الْبُكَاءِ
أَخْرَجُوهَا مِنْ بَيْتِهَا حِينَ ضَجُّوا *** لِعَلِيٍّ مِنْ كَثْرَةِ الإِسْتِيَاءِ
فَاسْتَظَلَّتْ ظِلَّ الأَرَاكَةِ لَكِنْ *** قَطَعُوهَا بِقَسْوَةٍ وَعِدَاءِ
فَأَقَامَ الْوَصِيُّ بَيْتاً وَسَمَّاهُ *** بِبَيْتِ الأَحْزَانِ وَ الأَرْزَاءِ
فَهْيَ تَأْوِي إِلَيْهِ كُلَّ نَهَارٍ *** ثُمَّ تَأْتِي لِبَيْتِهَا فِي الْمَسَاءِ
لَمْ تَزَلْ دَأبَهَا النِّياحَةُ حَتَّي *** أَسْلَمَتْهَا إِلَي قِسِيِّ الْفَنَاءِ(1)
حِينَ أَوْصَتْ بِكُلِّ مَا طَلَبَتْهُ *** سَاعَةَ الْمَوْتِ سَيْدَ الأَوْصِيَاءِ(2)
ص: 364
وَ قَضَتْ نَحْبَها وَ فِي عَضُدَيْهَا *** أَثَرٌ مِنْ سِيَاطِهِمْ مُتَرَائِي
فَأَتَتْ رَبَّهَا بِضِلْعِ كَسِيرٍ *** مِنْ حَشَاهَا وَ مُقْلَةٍ حَمْرَاءِ
فَبَكَاهَا الْوَصِيُّ شَجُواً لأَمْرِ *** كَتَمَتْهُ عَنْهُ وَ عَنْ كُلِّ رَائِي
وَ أَتَي لِلْبقيع بِالنَّعْشِ لَيْلاً *** بِعِدَادٍ مِنْ صَحْبِهِ الأَتقِيَاءِ
وَ أَهَالَ الثَّرَي عَلَيْهَا وَ عَفَّي *** قَبْرَهَا فِي غَيَاهِبِ الظُّلْمَاءِ(1)
وُقوفُ أميرالمؤمنين عليه السلام علي قبرِ فاطمة عليها السلام
قَدْ بَكَاهَا حَتَّي تَفَجَّرَ وَجْداً *** وَ حَنِيناً عَلَي نَشِيجَ الْبُكَاءِ(2)
ص: 365
وَ رَثَاهَا بِالدَّمْعِ مِنْ مُقْلَتَيْهِ *** مُسْتَهِلاً وَ الدَّمْعُ خَيْرُ رِثَاءِ
حِينَ وَارَي فِي تُرْبَةِ الْأَرْضِ شَمْساً *** عَنْ عُلاَهَا تَنْحَطُّ شَمْسُ السَّمَاءِ
وَ هُوَ يَدْعُو وَ قَبْرُ أَحْمَدَ يَبْدُو*** نُصْبَ عَيْنَيْهِ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ
وَاضِعاً كَفَّهُ عَلَي الْقَلْبِ مِمَّا *** قَدْ عَرَاهُ مِنْ مِحْنَةٍ وَ ابْتِلاءِ
قَائِلاً لِلنَّبِيِّ بَعْدَ اكْتِئَابِ *** وَ خِطَابِ لَهُ بِأَشْجَي نِدَاءِ:
وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ عَنِّي وَ عَنْهَا *** يَا رَسُولَ الْهُدَي وَصِنْوَ الاخَاءِ
هذِهِ الْبَضْعَةُ الزَّكِيَّةُ بَاتَتْ *** مِنْكَ فِي خَيْرِ بُقْعَةٍ وَ فِنَاءِ
وَ لَهَا اخْتَارَ رَبُّهَا بِكَ قُرْباً *** سُرْعَةَ الإِلْتِحَاقِ بَعْدَ الثَّنَانِي
قَلَّ يَا سَيِّدَ النَّبِيِّينَ صَبْرِي *** حُزناً عَنْ سَلِيلَةِ الأَنْبِيَاءِ
وَ عَفَي عَنْ صَفِيَّةِ الْوَحْي بَعْدَ *** البُعْدِ مِنّي تَجَلدِي وَ عَزَائِي
وَ لَقَدْ رُدَّتِ الوَدِيعَةُ مِنِّي *** بِاخْتِلاسِ الصِّدِّيقَةِ الزَّهْرَاءِ(1)
ص: 366
مَا أَشَدَّ الْغَبْرَاءَ فِي الْقُبْح عِنْدِي *** بَعْدَهَا مَنْظَراً مَعَ الخَضْرَاءِ
وَ بِعَيْنِ الإلهِ يُعْصَبُ جَهْراً *** حَقَّهَا بَعْدَ دَفْنِهَا بِالْخَفَاءِ
أَحْفِهَا السُّؤْلَ وَ اخْتَبِرْهَا تباعاً *** عَنْ جَمِيعِ الأَحْوَالِ عِنْدَ اللِّقَاءِ
كُمْ غَلِيلٍ فِي صَدْرِهَا مُسْتَثِيرٍ *** لَمْ تُطِقُ بَئَّهُ لِعِظم البَلاءِ
وَ اخْتَبِرُهَا عَنْ غَصْبٍ حَقِّي وَ ظُلْمِي *** وَ انْتِهَاكِي مِنْ أُمَّةِ الْحُنَفَاءِ
هذِهِ النَّفْتَةُ الْحَزِينَةُ شَكْوَي *** لَكَ حَتَّي أَلْقَاكَ يَوْمَ الْبَقَاءِ
وَ تَنَاءَي بِالْجِسْمِ عَنْهَا وَ أَبْقَي *** قَلْبَهُ عِنْدَهَا أَسَي وَ هُوَ نَاءِ
فضلُ زيارتِها عليها السلام
قَدْ رَوَتْ بَضْعَةُ النَّبِيِّ حَدِيثاً *** مُسْتَنِيراً عَنْ خَاتَمِ الأَنْبِياءِ(1)
أَنَّ مَنْ زَارَهَا وَ زَارَ أَبَاهَا *** فِي حَيَاتَيْهِمَا وَ بَعْدَ الْفَنَاءِ
بَعْدَ تَسْلِيمِهِ عَلَيْهَا ثَلاثاً *** فَازَ أَجْراً بِجَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ
وَ تَجَلَّي لَنَا حَدِيثٌ شَرِيفٌ: *** أَنَّ مَنْ زَارَهَا بِخَيْرِ دُعَاءِ(2)
غَفَرَ اللَّهُ كُلَّ ذَنْبٍ عَلَيْهِ *** وَ حَبَاهُ بِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ
ص: 367
(بحر البسيط)
الشيخ عبد الواحد مظفر (*)(1)
مَاءُ الفراتِ صَداقٌ لِلْبَتُولَةِ قَدْ *** صَحَ الحَدِيثُ وَ جَاءَتْ فيه أَنْباءُ
ص: 368
وَ الأمْ عِنْدَ جَمِيع النَّاسِ إِنْ فُقِدَتْ *** تَحْوِي مَوارِينَها لا رَيْبَ أَبْناءُ(1)
فَلِلْحُسَيْنِ مِنَ الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** إِرْثٌ وَ يُحْرَمُ وَ هُوَ الوارِث الماءُ
يَمُوتُ ظَامِي الحَشا وَ الغَاصِبُونَ لَهُ *** مِنْهُ رواءٌ و تُرْوَي المَعْزُ وَ الشَّاءُ
هذا عَجِيبٌ و نُكْرٌ سَهَّلَتْهُ لهم *** سَقِيفَةُ الغَدْرِ حتي اسْتَفْحَلَ الدَّاءُ
عاشَتْ أمَيَّةُ و الإِجْرامُ سُنَّتُها *** وَ مُنْكَراتُ أفاعِيلٍ وَ أَسْواءُ
تَمْضِي العُصُورُ و في الأجيالِ قد نُشِرَتْ *** صَحِيفةٌ لأُمَيَّ السُّوءِ سَوْداءُ
تِلْكَ القُرَي وَ هْيَ أَنْفالٌ لِوالِدِهِ(2) *** نَصَّ الجليُّ وما في النَّصِّ إخْفاءُ
قَدِ احْتَوَتْ وَ هْيَ غَنَّاءٌ جُيُوشَكُمُ *** وَ تَحْتَوِي جَيْشَهُ بَيْدَاءُ جَرْداءُ(3)(4)
ص: 369
370
(بحر الكامل)
الشيخ عفيف النابلسي (*)(1)
زهراء يا بيت العُلي الوَضَّاءِ *** يَا نَجْمَةَ السَّارِي بكلِّ مساءِ
يا صَفْحَةَ المجدِ الأثيلِ و غرَّةَ الصبحِ *** المنير و نفحةَ الأشذاءِ
يا دَرَّةَ الشَّرق التي من نُورِها *** شمسُ الحَقيقَةِ تزدهي بضياءِ
من ذا يجولُ بسردِ قصتكِ التي *** تذرُ الخيالَ مهشَّمَ الأعضاءِ
***
و من المحدّثُ عن غرارِ مناقبٍ *** جلَّت عن التعدادِ و الإحصاءِ
أعفيفُ و هو طريدُ منبركِ الذي *** رسمته آياتُ الثنا بثناءِ
يوم الغديرِ و يومُ مولدِ أحمدٍ *** فخرِ البريةِ سيدِ الأمناءِ
ماذا أسمَّي إذ تُنكر شاعرٌ *** قد كَانَ معرفةً بحبلِ ولاءِ
عشتُ الهوي و الشعرَ في مدح الأُلي *** ملأوا الدُّني بالفضل و الإعطاءِ
ص: 370
ايذادُ من كانتْ لهُ في حُبِّكمْ *** نعْمُ الحياةِ بواحةِ غناءِ
فالصمتُ أجدرُ للمُذادِ عن الذي*** قد قِيلَ لولا هيبةُ الزهراءِ
ولدتْ ببيتِ الدِّين و الإيحاءِ *** و ترعرتْ في منبتِ العلياءِ
فتضوَّعَ الكونُ الفسيحُ النائِي *** و المجدُ مضمخ الأرجاءِ
و الزهرُ أمسي في غنَّي و ثراءِ *** من عطرِ تلكَ الطفلةِ الحوراءِ
يا بضعةَ الهادي النبيِّ محمدٍ *** يا خيرةَ النسوانِ من حواءِ
من ذا يضاهِيكِ و فيك هل أتي *** قرآنُ في آياتهِ البيضاءِ
جاهدتِ في الإسلام حقَّ جهادِهِ *** و رفعتِ أكبرَ رايةٍ ولواءِ
وعبدتِ ربكِ لا لخوفٍ من لظي *** كلّا و لاللجنة الخضراءِ
فلذا ارتقيتِ عندَربكِ منزلاً *** ماكان قبلُ لمريمَ العذراءِ
ولدتْ فعمتْ سائرَ الأرجاءِ *** لآلاءةٌ تطفوُ علي لآلاءِ
و انسابَ نورُ الطهرِ في البطحاءِ *** حتي تقشعَ حندسُ الظلماءِ
و غدتْ شباباً طيبَ الأنداءِ *** تزدانُ بالإصباحِ و الإمساءِ
و يلفُّها نورُ النبوةِ و الهُدي *** حتي ارتقتْ عن منكبِ الجوزاءِ
جاءَ الصحابةُ خاطبين لفاطم *** و المهرُ ما تبغي من الصفراءِ
زجرتْ غنيَّ المالِ لم تأبَهْ بهِ *** حتي تردَّي ناكصاً لوراءِ
و هناكَ قد شاعَ الحديثُ بيثربٍ *** عن فاطم عن ربةِ الخْيلاءِ
لم تعرفِ الخُيلاءَ بضعةُ أحمدٍ *** إلا بعزةِ دينِها المعطاءِ
لكنها تبغِي كفاءةَ من أتي *** ديناً و عِلماً واسعَ الأنحاءِ
حتي دَري ربُّ الفصاحِة حيدرٌ *** فأتي النبيَّ بلهجةِ استحياءِ
يبغي الزواج بفاطم خيرِ النسا *** شمسِ الهوي في الليلةِ الليلاءِ
دخلَ النبيُّ و عادَ مسروراً بما *** أوحتْ إليهِ سكتةُ البلغاءِ
الله أكبرُ يالفرحةِ أحمدٍ *** رضيتْ علياً سيدَ الأكفاءِ
ما المهرُ عندكَ يا عليُّ أجَابَهُ *** و رَعِي و سَيْفِي ناضِحي و سِقائي
ص: 371
و بدا النبيُّ مفصلاً حالاتِه *** السيفُ يفري مهجةُ الأعداءِ
و الناضحُ المقوامُ للإرواءِ *** و الورعُ يكفِي مهرَها لرضائِي
و إذا النساءُ تعيِّرُ الزهراءَ في *** زوجِ الفضيلةِ أفقرِ الفقراءِ
فيبتُّها الهادي النبيُّ محمدٌ *** سحرَ الكلامِ الغضِ في الإيماءِ
هذا عليُّ خيرُ من وطِيءَ الثري *** فضلاً و أفضَلُ من غدا بسماءِ
و تعودُ راضيةً بما قد قالَهُ *** فخرُ الأنام و سيدُ البطحاءِ
بعثَ النبيُّ جماعةُ ليجَّهزوا *** بيتَ التُّقي و يسارِعوا لأداءِ
حتي يزفَّ لصاحبِ العلياءِ *** طهراً بيوم سعادةِ و هناءِ
خطبَ النبيُّ بخطبةِ الزهراءِ *** أكرِمْ بخطبةِ أشرفِ الخطباءِ
نزلتْ ملائكةُ السما بهناءِ *** تمشي بموكبِ سيدِ الفصحاءِ
الله أكبرُ يا لهُ من موقفٍ *** جبريلُ قائدُ ناقةِ الزهراءِ
دخلتْ لبيتِ السيدِ المعطاءِ *** خيرُّ النسا في موكبِ الإسراءِ
فاهتزتِ الأرجاءُ في الأصداءِ *** من ذكرِ اسمِ اللَّهِ و الآلاءِ
يا يومَ يمُنِ المصطفي في غرسةٍ *** ملأتْ رياضَ الكونِ بالنَعماءِ
يكفيكِ يا زهراءُ أنكِ مصدرٌ *** للخيرِ و الإيثارِ و الأضواءِ
أوَ لَمْ تكونِي قدوةً لنساءِ *** أَوَلَستِ أمَّ السادةِ النُجباءِ
أَوَلَسْتِ أولَّ من أذيقَ مرارةَ *** الحرمانِ في أوضاعهِ السوداءِ
أَوَلَسْتِ أول من أهيضَ جناحُهُ *** بعدَ النبيِّ بذِلِةِ و شقاءِ
أَوَلَسْتِ من مُنِعَت بُكاها جهرَةَ *** حتي غصصتِ بدمعةِ و بكاءِ
أَوَلَسْتِ أول ثائرٍ في وجهِ من *** خنقَ العدالةَ خنقةً للشاءِ
لو كانَ يتركُها لعترةِ أحمدٍ *** العالِمِينَ بشرعةِ سمحاءِ
لازدانتِ الدنيا الفسيحةُ و ازدهتْ *** من نورِ تلك الشرعةِ الغراءِ
و لما رَأينا فاطماً قدأجهَضَتْ *** طفلاً لها من ضربةِ الأعداءِ
و لما رَأينا طُغمةَ تطفُو علي *** بيتِ النبيِّ بواسعِ الإثراءِ
ص: 372
إيهٍ بني الإسلامِ أيَّ أئمةٍ *** صارُوا لديكم أورعَ الخلفاءِ
المثبتِينَ إلي أميةَ شامَهَم *** و الطارِدين الصدقَ في الصحراءِ
و الغاصبِين محمداً في آلهِ ***و المرجعِين لحفنةِ الطُّلقاءِ
و الناكثينَ لبيعةٍ في عنقهم *** و القاسطينَ المارِقين لراءِ
ما نكبةُ الإسلامِ إلا حادثٌ *** جعلَ الإمامَ يغضُّ في الأقذاءِ
إني لأذكرُ كيفَ عادت فاطم *** نحوَ الإمام بلوعةٍ و عزاءِ
تستنهضُ الهممَ التي ما أبطأتْ *** عن نصرةِ الملهوفِ و الضعفاءِ
لكن لحفظِ الدين آسي ساكتاً *** كَئ لا يصابَ بفتنةٍ رعناءِ
و يذبَّ عنهُ ما استطاعَ بجهره *** من زَجِّ كذابٍ إلي غوغاءِ
من حسنِ رأيِ في ردودِ ملمةٍ *** من كشفِ لبسٍ في حدودِ قضاءِ
لكن فوا أسفاهُ ثمةَ بايعوا *** تحتَ السقيفةِ عن دهاً و ذكاءِ
كي لا يعيدُوا للإمام تراثَهُ *** بل بالغُوا في البعدِ و الإقصاءِ
من يومهِا أمسي يزيدٌ حاكماً *** خدنَ القرودِ و عاشقَ الصهباءِ
من يومهِا قتلَ الحسينَ وآله *** في كربلاءَ و جملةَ الشرفاءِ
و مضي التخلفُ و الأسي ينتابنا *** و رجعتُ أسألُ خاطري عن دائِي
ما بالُنا بالأمسِ آسادُ الحمي *** و اليومَ مثلُ النعجةِ الجرباءِ
أو لَمْ تكنْ روحُ الأخوةِ بيننا *** تسري برقتِها إلي الأحشاءِ
أو لَمْ يكُنْ إسلامُنا يدعُو إلي *** صدقِ و إخلاصٍ و صدقَ إباءِ
فأجابَ أنَ القومَ قد عمَدُوا *** إلي حبِّ الظهورِ و رفعةِ و رياءِ
أوَلا تري شعباً يجوعُ و عصبةَ *** تغدُو بأترفِ نعمةِ و ثراءِ
و بناؤهم أنَّ الحسابَ لغيرِهم *** و الربَّ غيرَ محاسبِ الزعماءِ
قومٌ نما الشيطانُ في أحضانِهم *** فاستوثقُوا الأعمالَ بالشَّحْنَاءِ
إن ما دعُوا من أجلِ شعبٍ أصبحُوا *** يتلونونَ تلونَ الحرباءِ
ما همَّهُم أمرُ الشعوبِ و إنما *** هم الأميرِ بغضةِ هيفاءِ
ص: 373
تركوا الألوفَ بلا مساكنَ شرداً *** و قضي بأنعمِ ليلةِ حمراءِ
إما بوكر دعارةٍ ملعونةٍ *** أو حانةٍ في شارعِ الحمراءِ
يتسابقونَ إلي الدعارِة حشداً *** كالبهمِ تهوي نحوَ منهلِ ماءِ
لبنانُ أيَّ حضارةٍ و بنوكَ قد *** عاثُوا و عاشُوا لذةً الفحشاءِ
إن المعاركَ لا تنالُ بشاطيءٍ *** أو زينةٍ من كاعبٍ حسناءِ
أمَّنْ ثغورك قبلَ شاطِئِكَ الذي *** جَمَّلَتْ ما جَمَّلَتْ من إنشاءِ
لو كانَ ثغرُك آمناً ما حمِّلت *** ميسٌ و حولا أفدحَ الأرزاءِ
يا عُربُ إن القدسَ تدعوكم إلي *** لم الصفوفِ و وحَدةِ و إخاءِ
ما بالُكُمْ روحُ الخلافِ تنوشُكُم *** من كلِ قاحلةٍ إلي غنّاءِ
ما بالُكُمْ صَرَعي حوانيتِ النوي *** فَمَتي نعين موعداً للقاءِ
أَوَ لَمْ تصغ أسماعكم أصواتَ من *** أمسُوا ظماءَ في هجيرِ عراءِ
لا تدَّعُوا أن الزعامةَ ضربت *** فالشعْبُ مسؤولٌ عن الزعماءِ
يا فتيةَ الإسلامِ إن حماكُم *** يدعوكُم للنهضةِ الشمّاءِ
لتشمِّروُا عن ساعدِ العزمِ الذي *** دكَ الحصونَ بهمةِ قعساءِ
إن الذينَ يثبَّطون عن الوغي *** عينُ الخيانةِ همسةُ الجبناءِ
إياكُم أن تسمعُوا لمقالِهم *** فيه سمومُ الحيةِ الرقطاءِ
ما ماتَ من لبّي النداءَ لواجبٍ *** ما عاشَ من أمسَي مع الإرشاءِ
ما حرَرَتْ أرضاً علي أبنائِها *** إلا دمِا الأحرارِ و الشهداءِ
ص: 374
شَعَّ نُورُ الْبَتُولِ سِتِّ النِّسَاءِ *** فَاغْتَدَي الكَوْنُ مُشْرِقاً بِالسَّنَاء(1)
شَعَّ نُورُ الزَّهْرَاءِ فَازْدَهَتِ الدُّنُيَا *** بِأَنْوَارِ غُرَّةِ الزَّهْرَاءِ
هِيَ شَمْسُ الْفَضْلِ الَّتِي كَانَ جِبْرِيلُ *** لَهَا خَادِماً بِغَيْرِ امْتِرَاءِ
هِيَ شَمْسٌ جَلَّتْ عَنِ الْمِثَلِ وَ النَّدِّ *** وَ قَدْ ضَمَّها شَرِيفُ الكِسَاءِ
أَيُّ شَمْسٍ تَأَلَّقَتْ فِي سَمَاءِ *** الْمَجْدِ فَانْجَابَ حِنْدِسُ الظُّلْماءِ(2)
زَهْرَةٌ قَدْ تَفَتَّحَتْ عَنْ كِمَامٍ *** طَابَ مِنْهَا الجَنَي لِطِيبِ النَّمَاءِ(3)
دَوْحَةٌ قَدْ تَرَسَخَتْ فِي صَمِيمِ *** الْمَجْدِ قَدْ حَلَّقَتْ عَلَي الْجَوْزَاءِ(4)
وَلَدَتْهَا خَدِيجَةُ الطُّهْر ذَاتُ *** الصَّوْنِ ذَاتُ العَفَافِ ذَاتُ الْحَياءِ
هِيَ بِنْتُ النَّبِيِّ أَكْرَمِ خَلْقِ اللَّهِ *** مِن آدم و مِنْ حوَّاء
هِيَ ذَاتُ الشَّأْنِ الْجَلِيلَةُ عِنْدَ *** اللَّه أُمُّ الأئِمَّةِ النُّجَباءِ
هِيَ مَنْ قَالَ سَيِّدُ الرُّسُلِ فِيهَا: *** فَاطِمٌ بَضْعَنِي رِضَاهَا رِضَائِي
ص: 376
سُمِّيَتْ فَاطِماً لِتَفْطِمَ فِي الْحَشْرِ *** مِنَ النَّارِ كُلَّ أَهْلِ الْوَلاءِ(1)
بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَ مَنْ صُفْيَتْ مِنْ *** كُلِّ عَيْبٍ وَ قُرِّبَتْ بِاصْطِفَاءِ(2)
عُصِمَتْ طُهُرَتْ مِنَ الرِّجْسِ وَ الذَّنْبِ *** وَ آيُّ التَّطْهيرِ فِي الشُّهَدَاءِ(3)
نُورُها مِنْهُ تَسْتَمِدُّ ذُكَا وَ الْبَدْرُ *** بَلْ كُلُّ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ(4)
مَنْ تَوَالَي بِهَا سَيُحْبَي حِبَاهُ *** يَوْمَ حَشْرِ الوَرَي وَ أَيَّ حِبَاءِ(5)
ص: 377
أَشْبَهَتْ فِي الكَلَامِ مَنْطِقَ طَهَ *** وَ بِمَشْيِ تَحْكِيهِ فِي السِّيمَاءِ(1)
ص: 378
فَعَلَيْهَا مِنَ الإِلهِ صَلاةٌ *** وَ سَلامٌ فِي صُبْحِها وَ الْمَسَاءِ
ص: 379
(بحر الخفيف)
ملّا علي الرمضان الخطي
لَمْ يَكُنْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَحَدٌ أَعْظَمَ *** حُزْناً في عَالَم الأحياءِ
كَالْبَتُولِ الزَّهْرا عَلَي فَقْدِ ذَاكَ *** الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ سَيِّدِ الأَنْبِياءِ
حَبَسَتْ نَفْسَها عَلَي النَّوْح لا تَفْتُرُ *** مِنْهُ فِي صُبْحِها وَالْمَساءِ
وَ هيَ كانَت فِي واسِع العُذْرِ لَوْ *** أَنَّهُمْ أَنْصَفُوا لَها فِي القَضَاءِ(1)
حَيْثُ إِنَّ الْفَقِيدَ كَانَ عَظِيماً ***كَيْفَ لا وَ هُوَ سَيِّدُ الْعُظَماء
لَمْ تَزَل هكذا إِلَي أَنْ تَأَذَّي*** مِنْ بُكاها كُلٌّ مِنَ الأَعْداءِ(2)
كَمْ عَلَي الْمُسْلِمِينَ أَوْصَي رَسُولُ اللَّهِ *** فِي أَهْل بَيْتِهِ الأُمَنَاءِ
وَ خُصُوصاً بها يُنادِي عَلَي أَنَّ *** أَذاها يَكُونُ فِيهِ أَذَائِي
وَ عَلَي أَنَّ فِي رِضاها رِضَا اللهِ *** إِلَهِي وَفي رِضاها رِضَائِي
أَتَرَي الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدُ أَرْضَوْ*** هَا فَعَاشَتْ مَسْرُورَةّ بِا لرِّضاء
أمْ لَها أَسْخَطُوا وَقَدْ أَسْقَطُوا بَلْ *** مَنَعُوها مِنَ الْبُكا وَالنُّعَاءِ(3)
ص: 380
غَصَبُوا إِرْثَها وَ نِحْلَتَها وَ ارْتَكَبُوا *** ما يَجِلُّ مِن إيذاءِ
رَبَّعُوها وَ لَمْ يُرَاعُوا لِقُرْباهُ *** وَ لَمْ يَحْفَظُوهُ في الأَبْناءِ
كَمْ دَعَتْ بِالْوَصِيِّ وَ اسْتَصْرَخَتْ لَوْ *** مَا عَلَيْهِ مَنْ حِكْمَةِ الإِيصَاءِ
أَحْفَظَتْهُ فَجَرَّدَ السَّيْفَ فِعْلاً *** وَ ارْتَدَي أَصْفَرَ الْقبا لِلْفِناء(1)
وَ إِذا بالآذانِ: أَشْهَدُ طهَ *** هُوَحَقاً رَسُولُ رَبِّ السَّمَاءِ
فَدَعا: إِنْ لَمْ تَصْبِرِي أَضَع السَّيْفَ *** وَ لاتَسْمَعِي لهذا النِّداءِ
فَرَأَتْ سَيْفَهُ وَ تَحْتَ شَبَاهُ *** كُلُّ أَرْواحِ مَنْ عَلَي الْغَبْراءِ(2)
فَدَعَتْ يا بْنَ عَمِّ إِنِّي عَلَي مَا *** حَلَّ بِي قَدْ صَبَرْتُ يا مَوْلائِي
فَدَعاهايَا خَيْرَصَابِرَةٍ يَا *** صَفْوَةَ اللهِ مِنْ بَنِي حَوَّاءِ
إيهِ يا بَضْعَةَ الرَّسُولِ وَ أُمَّ *** السَّادَةِ الطَّاهِرِينَ وَ الأمَناءِ
ص: 381
كُلُّ جَارٍ عَلَيْكِ لا عَنْ هَوَانٍ *** أَنْتِ فِي الْحَشْرِ أَكْرَمُ الشُّفَعَاءِ(1)
لَسْتُ أَنْسَي وَقْتاً بِهِ رَجَعَتْ *** باكِيَةَ الْعَيْنِ عَنْ يَدٍ صَفْراءِ(2)
وَ فُؤادٍ قَدْ ذابَ دَمْعاً بِنارِ *** الْحُزنِ مِمَّا قاسَتْ مِنَ الأَرْزَاءِ
وَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ مَرَّتْ وَشَمَّتْ *** لِشَراهُ وَ أَجْهَشَتْ بِالْبُكاءِ
وَ غَدَتْ وَ هيَ تُنْشِدُ الشَّعْرَ تَشْكُو *** لأَبيهَا مَا مَرَّ مِنْ بُرحاءِ(3)
ما عَلَي مَنْ غَدَا يَشَمُّ تُراباً *** مِنْ ضَرِيح لِخاتَمِ الأنبياءِ
أبَتَا قَدْ صُبَّتْ عَلَيَّ رَزَايَا *** لَوْ عَلَي الصُّبْحَ لَمْ يَكُنْ ذا ضِياءِ
قُلْ لِمَنْ غَيْبَ الثَّرَي شَخْصَهُ لَوْ *** تَسْمَعُ الْيَوْمَ صَرْخَتِي وَ نِدَائِي
ص: 382
جَبَلاً كُنْتَ لِي أَلُوذُ بِظِلِّ *** مِنْهُ وَ الْيَوْمَ صِرْتَ تَحْتَ الثَّراءِ(1)
أَنْتَ كَهْفِي وَ أَنْتَ فَخْرِي وَ عِزّي *** وَ جَمَالِي وَ أَنْتَ رُكْنُ بَقائِي
أَنْتَ رُوحُ الْحَياةِ تَسْرِي بِجِسْمِي *** أَنْتَ يا طَلْعَةَ الْبُدُورِ ضِيائِي
قَدْ فَقَدْناكَ فَقْدَ وابِلِها الأَرْضَ *** فَعادَتْ قَفْرًا مِنَ الإِنْداءِ(2)
أَبْرَزَتْ عُصْبَةٌ خَبايا صُدُورٍ *** طُوِيَتْ سابقاً عَلَي الشَّحْناءِ
وَ اسْتَخَفُّوا بِنا وَ قَدْ غَصَبُونَا *** إِرْثَنا وَ هُوَ نِحْلَةُ الأَنْبِياءِ(3)
ص: 383
وَ لَقَدْ أَنْشَدَتْ لِشِعْرِ مِنَ الْحُزْنِ *** وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الشُّعَراءِ
«بانَ صَبْرِي وَ بَانَ عَنِّي عَزائِي *** بَعْدَ فَقَدِي لِخَاتَمِ الأَنْبِياءِ
عَيْنُ يا عَيْنُ اسْكُبِي الدَّمْعَ حُزْناً *** وَيكِ لا تَبْخَلِي بِفَيْضِ الدِّمَاءِ»
إِفْخَرِي وَيْكِ تُرْبَةٌ حَلَّ فِيها *** صَفْوَةُ اللهِ مِنْ جَمِيعِ الْوَرَاءِ(1)
«يا رَسُولَ الإلهِ يا خِيرَةَ اللهِ *** وَ كَهْف الأيتامِ وَ الضُّعَفَاءِ
قَدْ بَكَتكَ الجِبالُ وَ الْوَحْشُ وَالطَّيْرُ *** جَمِيعاً وَ كُلُّ مَنْ فِي السَّماءِ
و بكاكَ الحَجُونُ وَ الرُّكْنُ وَ الْمَشْعَرُ *** يا سَيِّدِي مَعَ الْبَطْحاءِ
و بكاكَ الْمِحْرَابُ و الدرْسُ وَ الْقُرْآنُ *** فِي الصُّبْح مُعْلِناً وَ الْمَسَاءِ
لَوْ تَرَي الْمِنْبَرَ الَّذِي كُنْتَ تَعْلُوهُ *** عَلاهُ الظَّلامُ بَعْدَ الضّياءِ
يا إِلهِي عَجِّلْ إِلَيَّ وَفاتِي *** قَدْ بَغَضْتُ الْحَياةَ يا مَوْلائِي»(2)
ص: 384
ثُمَّ صَارَتْ ضَجِيعَةَ الأَلم الْقَاضِي *** عَلَي نَفْسِهَا بِوِرْدِ الْفَناءِ(1)
مكَنَتْ أَرْبَعِينَ يَوماً بِأَنَّاتِ *** أَسَاهَا وَ لَمْ تَزَلْ فِي الْبُكاءِ(2)
أَحْبَسَتْ نَفْسَها عَلَي الْحُزْنِ سَبْعاً *** ثُمَّ أَبْدَتْ في ثامِنٍ للنُّعاءِ(3)
ص: 385
أَبَتا مَنْ إِلَي المُصَلَّي وَ لِلقِبلَةِ *** مَنْ لِلْحَزِينَةِ الثَّكلاءِ
وَ ارَبِيعَا إِلَي الأَرَامِلٍ وَ الأَيْتامِ*** وَ الْبائِسِينَ وَ الضُّعَفَاءِ
ضَعُفَتْ قُوَّتِي وَ قَرَّبَ نَفْسِي *** لِلْمَنايا شَمَاتَةُ الأَعْدَاءِ
أبَتا لاأَنْساكَ ما غَرَّدَتْ قُمْرِيَّةٌ *** فَوْقَ دَوْحَةٍ خَضراءِ(1)
ثُمَّ لَمَّا رَأَتْ بِأنْ قَدْ دَنا ما *** كانَ يَجْرِي حَتْماً عَلَي الأَحْياءِ
أَوْصتِ الْمُرْتَضَي عَلَي أَنَّ دَفْنِي *** فِي ظَلامٍ كَيْ لا تَرَي أَعْدَائِي(2)
ثُمَّ نادَتْ أَسْماءَ: هاتِي حَنُوطِي *** لي سَرِيعاً أَلا اسْكُبِي لِلْماءِ
ناولِينِي ثِيابِي الْجُدُدَ البِيضَ *** فَقَدْ جاءَني نَذِيرُ القَضاءِ
ثُمَّ قالَتْ: تَعَاهَدِينِي فَإِنِّي *** سَأُناجِي بِخَلْوَةٍ مَوْلائِي
فَإِذا ساعَةٌ مَضَتْ لِي وَ لَمْ أَخْرُجُ *** ثَلاثاً فَأَعْلِنِي بِالنَّدَاءِ
فَإِذَا لَمْ أُجِبْ نِداكِ فَرُوحِي *** قَدْ تَوَلَّتْ فِي زُمْرَةِ السُّعَدَاءِ
صَنَعَتْ أَسْما الَّذِي أَمَرَتْها *** ثُمَّ نَادَتْ: يَا بِنْتَ خَيْرِ الْوَرَاءِ
لَمْ تُجِبْهَا فَأَقْبَلَتْ فَرَأَتْها *** مَيْتَةً ثُمَّ أَعْلَنَتْ بِالْبُكَاءِ
فَاطِمٌ أَبْلِغِي أَباكِ سَلامِي *** أَقْرِئِيهِ تَحِيَّتِي وَ ثَنَائِي
وَ إِذَا بِالسِّبطَيْنِ قَدْ أَقْبَلا *** أَسْمَاءُ مَا بَالُ أُمِّنا فِي كَرَاءِ(3)
فأَجَابَتْ: مَاتَتْ، فَمُذْ سَمِعاهَا *** أَعْلَنَا بِالْبُكا لِسِتِّ النِّساءِ
فَأَتَي الْمُرْتَضَي وَ جَهَّزَهَا بِاللَّيْلِ *** وَفُقَ الْوَصِيَّةِ الْغَرَّاءِ(4)
ص: 386
أَسَفاً لابْنَةِ الرَّسُولِ قضت *** بِالضَّغْطِ وَ الضَّرْبِ مِنْ يَدِ الأَعْدَاءِ(1)
وَ إِلَي اليَوْمِ لَمْ يَبِنْ قَبْرُهَا بَلْ *** ذلِكَ الْقَبْرُ راحَ رَهْنَ خَفَاءِ(2)
ص: 387
(بحر الكامل)
السيد علي الحكيم (*)(1)
شَمَخَتْ فَبانَ الطُّورُ مِنْ عَليائِهَا *** وَ زَهَتْ فَشَعَّ النورُ من سَنائِها
وَ بَدَتْ فَأشْرَقَتِ الحَيَاةُ لِوَجهِهَا *** فَشَذَا رُجُوعِ الكونِ من فَيْحَائِها
هِيَ آيةُ الفِردَوس بل من نُورِها *** الفِردَوسُ قَد خُلِقَتْ وَ لُطفِ سَنائِها
و تبَلَّجت بين الشُّموسِ سَوَاطِعَاً *** شَمسُ الهدايةِ مِنْ سَنَا أَسْمَائِها(2)
مِنْ نُورٍ عِصمَتِها الخِصَالُ تكاملَتْ *** فَمَنَازِلُ الرّضْوَانِ بَعْضُ بهائِها
هِيَ مَهبِطُ الآياتِ مَنْ مِنْ أجلِها *** الاياتُ قَد نَزَلَتْ وَ في أرجَائِها؟
هي منبتُ الأصلِ الكَرِيم وَ فَرعُهُ *** أُمُّ البشيرِ و بنتُهُ بِوَفَائِها
هي حكمةُ اللهِ التي قد أُودِعَتْ *** سِرَّ الوُجُودِ رِضَاؤُهُ برضائِها
وَ لِرايةِ الإسلام مَنهلُ عِصمةٍ *** بجلالها تُهدي الوري وَ وَلائِها
ص: 388
وَ كَواكِبُ الأفلاكِ لولا نُورُها *** الوَضَاءُ ما شَعَّتْ لنا بضيائِها
وُلِدَتْ بِبَطحاء الكرَامَةِ فَانْجلي *** حَمدُ المَلائِكِ مِنْ عَظِيمِ ثَنائِها
فأجَابَتْ الأَرضُ السَّماءَ فَخُورَةً *** إنَّ فاطِمُ الزهراءُ خَيرُ نِسَائِها
وَ الدَّوحَةُ العَلياءُ يَرمُقُها العُلا *** وَ الذِكرُ يَحكي عَن جَني خَضرائِها
و التينِ وَالزَّيْتُونِ وَ البَلَدِ الذي *** سَعدَت به الدُّنيا علي ظلمائِها
فكأنَّما دارُ البتُولِ وَ قَد بَدا *** نُورُ النُّبُوَّةِ مُشرقاً بفنائِها
فَالفَجرُ بَرقٌ مِن وميضٍ عُيُونها *** و الليلُ قَوْساً حَاجِبِ بِسَمَائِها(1)
فَاقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَاتْلُ آيَةً *** قَد خُصَّ أحمدُ في جَميع عَطَائِها
إِنَّا قَدْ أَعطَيْنَاكَ مِنّا كوثراً *** سَعُدَ الذي يُسقي بِبَارِدِ مَائِها
فَاقَتْ خِصَالَ المُكْرُمَات لأنَّها *** نُورُ الإِمَامَةِ شَعَّ من لَأَلائِها(2)
أضْحَتْ لآياتِ الهدَاية مُوئِلاً *** راياتُها عُقِدَت بركبِ لِوائِها
فإليكِ نلجاً بعدَ مَا بَلَغَ النَّوي *** مُهَجَ القُلُوبِ وَ أنتِ بَلسمُ دائِها
هي طلعةٌ تحكي السَّماءَ بِشَمْسِها *** لابلْ جِنانُ الخُلدِ من آلائِها(3)
يا دَوحَةَ الذاتِ المَهيِمنِ ظلّلي *** أُفُقُ الرّعيّة قد ذَوَتْ برعائِها(4)
و اشفي صُدورَ الوَجدِ من كُرُبَاتِها *** وَاروي ربوعاً بعدَ فَرطِ ظِمائِها(5)
صلِّي عَليَكِ اللَّه ما بَقيتْ سَمَاً *** أو سَبّحَ الأملاكُ في أرجَائِها
ص: 389
(بحر الخفيف)
الحاج علي حمدان الرياحي
أي يوم يَجِلُّ فِيهِ العزاءُ *** وَمُصابٍ يَطِيبُ فيهِ الْبُكاءُ
ِمثلُ يَوْمٍ مُرَزَّا مُسْتَحَمِّ *** أَغرَبَتْ في سَمائِهِ الزَّهْراءُ(1)
لا السَّماواتُ بَعْدَها مُشرِقاتٌ *** حِينَ تَخْبُو وَلا الضّياءُ الضّياءُ
يَشْحَدُ الْبَدْرَ مِنْ مَطالِعِها النُّورَ *** وَتَمْتَاحُ مِنْ سَناها ذكاءُ(2)
أَتُرَي شَفَّها بعَادُ أَبِيها *** فَاسْتَحَمَّ الجَوَي وَحَنَّ اللِّقاءُ(3)
بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَأُمُّ أَبِيها *** وَشَذاهُ وَالنَّفْحُ وَاللأْلاءُ(4)
أَمُّ أَسْباطِهِ وَخَيْرِ الْبَرايا *** والثُّراثُ الأَجَلُّ والآلاءُ(5)
قَصَّرَ الخَافِقَانِ عَنْها عَطَاءً *** وَوَنَي عَنْ لَحاقَها الأَنْبِياءُ(6)
قَبَّلَ الْمُصْطَفَي يَدَيْها وَمَا كَانَ ***لِغَيْرِ الزَّهْراءِ هذا العَطَاءُ(7)
ص: 390
مَبْعَثُ النُّورِ و الأَئِمَّةِ مِنْها *** شُهُبٌ ما مَضَي الزَّمانُ -وضاءُ
يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ خيْرِ البَرَايَا *** فَقْدُكِ الْفَقْدُ و المُصابُ العياءُ(1)
عَاجَلَتكِ الْمَنُونُ يَابْنَةَ طَة *** فِي ربيع الشَّبابِ وَ الْبَلْواءُ(2)
ص: 391
عَنْ أَحِبَّاءَ أَكْرَمِينَ صِغارٍ *** شَفَها الْفَقْدُ وِ اسْتَحَالَ الدَّواءُ
حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ فِي حَوْمَةِ الْيُتْمِ *** وَ صَبْرٌ يَفُتُّ فِيهِ الْعَزَاءُ(1)
و بناتٌ مُدَلَّهاتٌ حَيارَي *** حَانِيَاتٌ لأُمِّهنَّ ظِماءُ(2)
هُنَّ يَنْدُيْنَ وَ السَّماواتُ تَبْكِي *** وَ بِطُوبَي تُرَدَّدُ الأَصْدَاءُ(3)
وَ الإِمَامُ الأجَلُّ يَرْزَحُ لِلْخَطبِ *** وَ يَجْتَرُّ مِنْ حَشَاهُ البَلاءُ(4)
يَنْدُبُ الدُّرَّةَ الْوَحِيدَةَ فِي الْكَوْنِ *** وَ فِي الْمَوْتِ لا يُفِيدُ المضاءُ
يَتَلَظَّي مَرَارَةٌ وَ اكْتِئاباً *** وَ يُنادِي وَ لايُفيدُ النّداءُ
أيْنَ مِنِّي رَيْحانَتِي وَ مَلاذِي *** وَ دَوَاءُ الْخُطُوبِ إِنْ حَلَّ دَاءُ؟
أيْنَ مِنّي أُمُّ الأَئِمَّةِ وَ الْبَضْعَةُ *** مِنْ خَيْرِ مُرْسَلٍ و السَّناءُ؟
أَيْنَ بِنْتُ النَّبِيِّ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ *** أَيْنَ التُّقَي و َأَيْنَ الْحَياءُ؟
أَيْنَ رَيْحَانَةُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ *** وَ أَيْنَ النَّدَي وَ أَيْنَ السَّخاءُ؟
أَيْنَ مِنِّي زَيْنُ الْخَلائِقِ وَ الْحُسْنُ *** وَ أَيْنَ الحِجَي وَ أَيْنَ الْعَلاءُ؟
أيْنَ مِنّي طِيبُ الْحَيَاةِ وَ لُقْياها *** و أَيْنَ السُّرُورُ وَالنَّعْمَاءُ؟
أَيْنَ مَنْ تَزْهَرُ الشُّمُوسُ بَمرآها *** وَ تَمْتَاحُ خَطْوَها الُجَوْزَاءُ؟(5)
ص: 392
أَيْنَ سِرُّ الْجَمَالِ فِي عَالم التَّكْوِينِ *** أَبْنَ الإِعْجَازُ أَيْنَ الصَّفاءُ؟
أَيْنَ مِنِّي قَرِينَةٌ عَقِمَ الدَّهْرُ *** بِبَعْضِ مِنْ حُسْنِها وَ النِّساءُ؟
أَيْنَ مِنِّي جَلالُها وَ عُلاها *** أَيْنَ مِنِّي صَبَاحُها وَ الْمَسَاءُ؟
أَيْنَ -وَ الأَيْنُ مَا أرَدِّدُ- تَبْقَي *** وَ يَمُوتُ الْقُرْطَاسُ وَ الإِنْشَاءُ
دَوْحَةُ الْمُرْتَضَي وَ أُمُّ الْمَعَالِي *** وَ الضُّحَي وَ الْفَرِيدَةُ الْعَصْمَاءُ؟(1)
يَا لَذِكْرَي تَجِيشُ فِي عَالَمِ الْحِسِّ *** وَ نارٍ لَمْ يَقْتَرِ بْهَا انْطِفَاءُ!(2)
وَ الَّذِي نَالَ عَثُّهُ بِنْتَ طَة *** لَقِيَتْهُ الآباء و الأبناءُ(3)
يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ لِلذِّكْرَياتِ *** الكُفْرِ لَفَحٌ يَعُسُّ فِيهِ اكْتِواءُ(4)
ما عَسَانِي مُحَدِّثاً وَ بِنَفْسِي *** غُصَّةٌ يَسْتَحِمُّ فِيها اجتِلاءُ(5)
لَمْ يُفِدْنا مِنَ التَّحَدُّثِ عَنْها *** مَا عَرَفْنَاهُ وَ الْغَباءُ الْغَبَاءُ
وَ الْمَصَابِيحُ فِي الدَّياجير تَبْدُو *** وَ الْمَنارَاتُ، وَ الْعَماءُ الْعماءُ(6)
شَغَلَتْنَا مَتَارِفُ الْبَذْحَ وَ الزَّهْوِ *** وَ الْوَتْ بِحِسْنا الأهواءُ(7)
ص: 393
وَغَدَوْنَا نُقِرُّ ما يَفْرِضُ الْعَيْشُ *** وَ نُصْغِي كَأَنَّنا البَّبّغاءُ(1)
إيهِ يا نَفْسُ وَ الْهَوَي أَزَلِيٌّ *** فِي فُؤادِي نَباتُهُ وَ النَّماءُ(2)
لَيْسَ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدٍ وَ بَنِيهِ *** فَادِحٌ ما يَهُزُّ أَوْ دَهْياءُ(3)
فَبِقَلْبِي مِنْ كَرْبِهِمْ كُلُّ كَرْبٍ *** وَ مِنَ الْحُبِّ دَوْحَةٌ غَنَّاءُ(4)
وَ عَزائِي مِنْ كَرْبِهِمْ صِدْقُ عِلْمِي *** أَنَّهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمُ أَمَراءُ
غَيْرَ أَنَّ الْخُطُوبَ تُبْكِي وَ تُدْمِي *** وَ تَهُزُّ الْقُلُوبَ حَيْثُ تَراؤوا(5)
وَ هُمُ فَوْقَ ما يُصَوِّرُ ذِهُنٌ *** وَ يَخُطُ الكُتَابُ و الفُقَهاءُ
مَعْجِزاتٌ مِنَ الإِلهِ ضَواح *** وَ هُمُ مِنْ جَلالِهِ أَجزاءُ(6)
قَبْلَ بَدْءِ التَّكْوِينِ وَ الْكَوْنُ عُدْمٌ *** وَ لَهُمْ فَوْقَ عَرْشِهِ أَسْماءُ(7)
ص: 394
وَ بِهِمْ آدمٌ تَوَسَّلَ للهِ *** وَ نُوحٌ مِنْ بَعْدُ وَ الأَنْبِياءُ(1)
وَ نَجَتْ فِيهِمُ سَفِينَةُ نُوحٍ *** وَ بِأَسْمَائِهِمْ أُجِيبَ الدُّعاءُ(2)
ص: 395
و بِهِمْ أَنْقَذَ الإِلهُ ابْنَ مَتَّي *** وَ اسْتَجارَ الْخَلِيلُ وَ الْعَذْراءُ
أعْلَي هَؤُلاء نَبْكِي وَ نَبْكِي *** وَ بِأَسْمَائِهِمْ يُتاحُ الرَّجاءُ
يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ لِلذِّكْرَياتِ *** الْغُرْ نَفحٌ يَطِيبُ فِيهِ الْغِناءُ
حَسْبِيَ الحُبُّ وَ الْهَوَي هَاشِمِيٌّ *** فِي مَالِي وَ أَنْتُمُ الشُّفَعاءُ
ص: 396
وَ شُهُودِي عَلَيَّ دِيوانُ شِعْرِي *** وَ سَيَزْدادُ ما اسْتَمَرَّ البقاءُ
هذِهِ بِنْتُكَ الْجَلِيلَةُ فِي الشَّامِ *** مَحَجٌ وَ رَوْضَةٌ فَيْحَاءُ(1)
بَيْتُها الْبَيْتُ وَ الْمَنارَاتُ فِيهِ *** وَ الضُّحَي وَ الْجَلالُ وَ الْكِبْرِياءُ
زَيْنَبٌ وَ الْجَلالُ وَ الأَلَقُ الضَّاحِي *** وَ لَأُلاءُ قُدْسِها وَ الْبَهاءُ(2)
يَتَهاوَي لِتُرْبِها شَامِخُ الأَنْفِ *** وَ تَحْنُو لِلَثْمِهِ الْخُيَلاءُ
دَائِبُ النَّفْحٍ بَيْنَ آتٍ وَ غادٍ *** وَ الْبَرايا عَبِيدُها وَ الإِماءُ(3)
مِنْ خُراسانَ مِنْ ذَرَي السِّنْدِ وَ الْهِنْدِ *** وَ أَقْصَي ما تَعْمُرُ الأَرْجاءُ(4)
فَإِلَيْهَا هُنا يُراحُ وَ يُغْدَي *** وَ لَها هُهُنا يُزَفُّ الْعَزاءُ(5)
ص: 397
(بحر الكامل)
الشيخ علي ابن الشيخ
محمد آل سيف الخطّي
أفبعدَ فاطمةَ البتول و دفنها *** بالليل عينٌ لا تجوُد بمائِها(1)
أم نفسُ من يهوي ولاها ترتِدي *** بِرِدَّي لها من بعدِ طول عنائِها
لابلْ جديرٌ بعدَ و شكِ عنائِها *** حزناً مذيبَ النفسِ عن أقصائِها
فلقد قضَتْ مكظومةً و تراثُها *** ترنُوه شزراً في يدي أعدائِها(2)
مضروبةً بالسوطِ حتّي إنها *** أبدت نحيباً من عظيمٍ أذائِها
مسقوطةً لجنينِها تُبدي أسَّي *** لأنينِها وجداً علي أبنائِها
فلتْبِكها عينُ المحبِ بمدمعٍ *** جارٍ كعين السُّحبِ في إجرائها
ص: 398
يا نَكْبةً عَمَّتْ علي كلِّ الوَري *** عَمَّتْ علي الآفاقِ و الأرجاءِ
وَ مُلِمَّةٌ ضاقَتْ لها سَعَةُ الفَضا *** شَطَّتْ شَوارِدُها علي الجوزاءِ
وَدُجُنَّةٌ سُدِلّ الظلام بها علي *** كلِّ الأنامِ وعمَّ بالظَّلْماءِ(1)
فَغَدالَهَا الإِسْلامُ ثاكِلَ غُرَّةٍ *** وَالمُسْلِمُونَ بَكَوْهُ أيَّ بُكاءِ
اليَوْمَ أَضْحَي الدَّينُ يَبْكِيهِ أَسًي *** وَبَكَتْ لَهْ أَمْلاكُ كُلِّ سَماءِ
اليَوْمَ أَوْحَشَ مِنْهُ والخُطَبُ الَّتِي *** كَبُرَتْ بَلاغَتُها عَلَي الخُطَباءِ
باللهِ رُزْءُ محمَّدٍ أوْهَي(2) القُوَي *** وَطَوَي الضُّلُوعَ وَمَسَّ في الأحْشاءِ
اليَوْمَ قَدْ ثَكِلَتْ أباها فَاطِمٌ *** نَكِلَتْ أباها أَرْأَفَ الآباءِ
مَنْ ذا يُعَزّي المرتَضي في المُصْطَفَي *** وَالأَنْبِيا في سَيَّدِ الأُمَناءِ
مَنْ ذا يُعَزّي المجتبي في جَدِّهِ *** الحسنَ الزَّكيَّ وسيِّدَ الشُّهَداءِ
وَمَهابِطَ الوَحْيِ الَّتِي قَدْ عُطِّلَتْ *** وَلِرُزْئِهِ عَمَّتْ حِمَي البَطْحاءِ
وَتَعِجُّ فَاطِمَةٌ بِقَلْبِ وَالِهٍ *** وَحَشاً مُسَجَّرَةٍ بِلا إِطفاءِ(3)
أَبَتَاهُ قد أَصْبَحْتُ نَهْبَ حَوادِثٍ *** هَتَكَتْ صُرُوفُ الدَّهْرِ سِرَّ غواءِ
دارَتْ عَلَيَّ النَّائِباتُ بأسْرِها *** لم يَبْقَ لي جَلَدٌ علي البَلْواءِ
قَدْ كُنْتَ مِصْباحَ الوَرَي لِرَعِيَّةٍ *** تَجْلُو الظَّلامَ بِطَلْعَةٍ غَرَّاءِ
من للأرامِلِ واليَتَامَي كَافِلاً *** إذْ كُنْتَ تَكْفُلُها عَنِ البَأْساءِ
من ذا يَفُلُّ عِثَارَ رَكْبٍ ذاهِلٍ *** فَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ بِلا إغضاءِ(4)
ص: 400
( بحرالسريع)
الحاج علي الفراتي (*)(1)
أشرقتِ الدُّنيا معُ السماءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ
***
أشرقتِ الدُّنيا وسبعُ العُلي *** وغمُّ أهلِ الكونِ قد جَلا(2)
بمولدِ البضعةِ سرِّ الولا *** طابَ الهنا وعيشنا قدحَلا
وغنّتِ الطيورُ بالهناء *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ
***
قد ولدتْ بضعةُ خير الوري *** ونورها عمَّ السما والثَرَّي
جلالُها في الكونِ لن يُخصرا *** و للإياء والعُلي مظَهْرا
قد زانَها الإلهُ بالكِساءِ *** بمولد الصدّيقةِ الزهراءِ
***
ص: 401
بُشراكِ يا دنيا ببنتِ الرسولْ *** فاطمةَ الزهراءِ أصلِ الأصولْ
و إنّها البتولُ نعمَ البتولْ *** بفضلها الظلامُ سيزولْ
عالِمةٌ و منَهَلُ الرَّجاءِ *** بمولدِ الصدّيقة الزهراءِ
***
رِاضِيةٌ رَضِيَّةٌ مرضيةْ *** رَقِيَّةٌ تَقيَّةٌ نَقيّةْ
أَصيلةٌ جليلةٌ أَبيَّةْ *** أمُّ أبيِها و هيَ الزَّكِيَّةْ
شَفِيعةٌ في عَرصةِ الجزاءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ(1)
***
بُشري نزفُّ لنبيِّ الأنامْ *** جاءت إلي الوجودِ شمسُ الوئامْ(2)
بنورهِا حقاً يزولُ الظلامْ *** وفضلها علي الوري مُستدامْ
ونورُها قدعمَّ في الأرجاءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ(3)
***
سَلْ هل أَتّي و سورةَ الكوثرِ *** ومجدَهَا في البرَّ والأبحُرِ
كريمةُ في السرِّ والظاهرِ *** وقطبُ هذا الألَقِ الباهرِ
ونورُها قد شعَّ في الفضاء ِ *** بمولدِ الصدّيقهِ الزهراءِ
***
ربّي بحقِ ثالثِ الأنوارِ *** سلميةِ أحمدِ المختارِ
و بعلِها حيدرِ الكرارِ *** نجِّي مُحِبِّيها من الأخطارِ
وَرُدَّنا لأرضِ كربلاءِ *** بمولِد الصدّيقةِ الزهراءِ
ص: 402
(بحر الكامل)
الشيخ علي منصور المرهون
حُقَّ البكاءُ لِفاطِمَ الزَّهْراءِ *** بِنْتِ النَّبيِّ كَرِيمةِ الآباءِ
بنتِ النبيِ حليلُها خيرُ الوري *** أبناؤُها هُمْ خِيْرَةُ الأَبناءِ
كلُّ النسا مِن دونِها فضلاً و لا *** مثلُ البتولةِ من بني حوّاءِ(1)
في آيةِ التطهيرِ فاقرأْ فَضْلَها *** تُعطيكَ درساً ظاهرَ الأَنْباءِ
في (قُل تَعَالَوا) فاقرأَنَّ مَنَاقِباً *** تُنْبِيكَ حَقاً عن عَظِيمِ وِلاءِ(2)
آيُ المودّةِ لاِيُشَكُّ بأَنَّها *** فَرَضَتْ مَحَبَّتَها بلا إخْفاءِ(3)
ص: 403
نُورُ النُّبُوَّةِ نُورُها مِنْهُ سَمَتْ *** أَنْوَارُ ساداتِ الوَرَي الأُمناءِ
هي بَضْعَةُ المُخْتَارِ يَرْضَي إِنْ رَضَتْ *** يَوْماً وَ يَسْخَطُ إِنْ دَعَتْ بِعَناءِ
أَجْرُ الرِّسالةِ في مَوَدَّةِ فاطمٍ *** وَ عَلِيِّ الكرارِ و الخُلفاءِ(1)
لكِنَّ أَصْحابَ النَّبِي لَمْ يَرْقُبُوا *** في آله إلاَّ فَأَيُّ ولاءِ(2)
عادَوْهُمُ آذَوْهُمُ حتي اغْتَدَتْ *** أَجْسادُهُمْ غَرَضاً لِكُلِّ بَلاءِ
هذِي البَتُولَةُ رُوِّعَتْ ما بَيْنَهُمْ *** مِنْ بَعْدِهِ مِنْ قَبلُ جَفَّ ثَرَاء(3)
ما انْصَفُوا أَعْداؤُها إِذْ أَوْدَعوا *** في قَلْبِها حُرَقاً مِنَ الأَرْزاءِ
قَدْ زَوِّرُوا في مَنْعِها ما أَحْدَثُوا *** بدعاً تَدُومُ عَلَي الوَرَي بِبَلاءِ(4)
سامُوا(5) ابْنَةَ المختارِ فيما بَيْنَهُمْ *** ذلاً، هواناً، مِحْنَةً بِجَفَاءِ
ص: 404
(بحر الخفيف)
الحاج علي يوسف المتروك (*)(1)
طَائِرُ الْبِشْرِ فِي رُبَي الْبَطْحَاءِ *** يَتَغَنَّي بِمَوْلِد الزَّهْرَاءِ(2)
وَ تَنَادَتْ جِبَالُ مَكَّةَ زَهْواً *** حِينَ هَلَّتْ بِنُورِهَا الْوَضَّاءِ(3)
هَلَّ بِالْيُمْنِ مُتْرَعاً بِالأَمَانِي *** وَ تَعَالَي النَّداء تِلْوَ النَّداءِ(4)
ص: 405
وَ الصَّبَاحُ الْجَمِيلُ أَوْرَقَ مِنْهُ *** كُلُّ أَزْهَارِ دَوْحِهِ الْمِعْطَاءِ
بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي عَنِ الْوَصْفِ جَلَّتْ *** وَ سَمَتْ فَوْقَ هَامَةِ الْجَوْزَاءِ(1)
فِيكِ يَحْلُو النَّشِيدُ حُلْوَ الْمَعَانِي *** وَ يَعُمُ الضِّيَاءُ عالِي السَّناءِ(2)
وَ تُعِيدُ الأَيَّامُ أَصْدَاءَ وَحْي *** فِيهِ بِالْفَضَلِ خُصَّ أَهْلُ الْكِسَاءِ
سَيِّدُ الخَلْقِ وَ الْهُدَاةُ الْمَيَامِينُ *** مِنَ الغُرِّ آلِهِ النُّجَباءِ(3)
مَنْ تَخَلَّي عَنْهُمْ تَخَلَّي عَنِ اللَّهِ *** كَمَنْ باتَ هَائِماً بِالعَرَاءِ(4)
مَا تَلَوْنَا الكِتَابَ إِلاَّ وَ كَانَتْ *** فِيهِ للآلِ وَ مَضَةٌ لِلثَّنَاءِ(5)
تَتَجَلَّي الأَسْرَارُ فِي مَا رَوَيْتُمُ *** وَ سَلَكْتُمُ فِي الْبَدْءِ وَ الإِنْتِهَاءِ
نَحْنُ مِنْ طِينَةِ الْوِلَاءِ خُلِقْنَا *** وَ سَتُطْوَي أَعْمَارُنَا بِالوِلاءِ(6)
ص: 406
(بحر الكامل)
السيد غياث آل طعمة (*)(1)
قَدْ كانَ فِي أَرْضِ الحِجَازَ عَناءُ *** فَدَمٌ يُراقُ و تُستَباحُ نِساءُ
وَ النَّاسُ لا أَمْنٌ فَيَهْدَأَ بَالُهُمْ *** بَلْ قاتِلٌ وَ مُضَرَّجٌ وَ فِداءُ
إِذْ مَنَّ رَبُّ النَّاسِ بِالنُّورِ الَّذِي *** مِنْ بَعْضِهِ تَتَنَوَّرُ الأَرْجاءُ
بَعَثَ النَّبِيَّ بِشِرْعَةٍ بَنَّاءَةٍ *** قَدْ قال فِيها: إِنَّهَا سَمْحَاءُ
ص: 407
فَدَعَاهُمُ فَتَكَالَبُوا لِجَهَالَةٍ *** وَ النَّاسُ مَا جَهلُوا لَهُ أَعْدَاءُ(1)
فَإِذَا الأَمِينُ بِلا أَمانٍ يُرْتَجَي *** بَلْ قَسْوَةٌ حَفَّتْ بِهِ وَ جَفَاءُ(2)
لَكِنَّهُ يَأْوِي لِحِصْنِ خَدِيجَةٍ *** فَيَزُولُ عَنْهُ الهَمُّ وَ الإِعْياءُ
وَ تَشاطرا مُرَّ الحياةِ وَحُلْوَها *** مِنْهَا العَطا وَ مِنَ النَّبِيِّ ذَماءُ(3)
للهِ كَدُّهُمَا، وَ ما مِنَ غايةٍ *** الأهُ وَ العِشقُ العظيمُ عَطاءُ
فَحَباهُما الرَّحْمَنُ خَيْرَ هَدِيَّةٍ *** ثَمَرُ الجِنانِ بِناؤُها المِعْطاءُ
وَ غَدَتْ أنيسَةَ أُمّها في بَطْنِها *** تُجْلِي الهُمُوم فَيُسْتَطَابَ هَناءُ
حَتّي أَضَاءَ الكونُ بالقَبْسِ الذي *** سَرَّ النَّبِيَّ فَوَجْهُهُ وَضَّاءُ
وَ اليَومَ قَرَّتْ أَعْيُنٌ إِذْ أُخَبِرَتْ *** وُلِدَتْ لِتَنْثُرَ خَيْرَهَا الزَّهْراءُ
زَهْراءُ طَهَ، مَنْ تَدَبَّرَ أَمْرَها *** سَيَحارُ، فَهيَ عَلَي العُقُولِ عَماءُ
سِرِّ خَفِيُّ الكُنْهِ ما أدراكَ مَنْ *** بنتُ الرسول؟ وَ هَلْ كذاك نَماءُ؟
هِيَ مُلتقي الأنوارِ و السِّرُّ الَّذِي *** فُتِقَتْ بِهِ أَرْضٌ لَنا وَ سَماءُ
هيَ نَفْحُ قُدْس قد أُديِفَ بطيئَةٍ *** فَإذا بها إنْسِيَّةٌ حَوْراءُ(4)
هِيَ بَضْعَةُ المُخْتارِ و النُّورُ الَّذِي *** لَوْلا عَلِيٌّ ما لَهُ أَكْفاءُ
وَ هِيَ الَّتِي خَيْرُ الرِّجالِ بِبابِها *** خَدَمٌ وَ ساداتُ النِّساءِ إِماءُ(5)
إنْ تَرْضَ يَرْضَ اللَّهُ، أَوْ غَضِبَتْ عَلَي *** عَبدِ فَلَيْسَ سِوَي الهَلاكِ جَزَاءُ
أُمُّ الأَئِمَّةِ و المناقبُ جَمَّةٌ *** أَيُحِيطُ عَلْياءَ البَتُولِ ثَناءُ؟
لكِنَّنِي أَرْجُو النَّجاةَ بِذِكْرِها *** فَظِلالُها يَوْمَ الجَزاءِ وَقاءُ(6)
فَعَسَي تَمُنُّ بِنَظْرَةٍ فَوْزِي بِها *** حَتْمٌ، فَلَيْسَ بِغَيْرِ ذاكَ نَجاءُ
ص: 408
عزَّ مِنّي العَزَا وَ هَل بَعْدَ فَقْدِي *** سَيْدَ الرُّسُلِ سَلْوَةٌ وَ عَزاءُ(1)
يا فَقِيداً مِنْ بَعْدِهِ انقَطَعَ الوَحْيُ *** وَ عِلْمُ الغُيُوبِ وَ الأَنْباءُ
وَ اسْتَحالَتْ أَيَّامُنا البِيضُ سُوداً *** بَعدَما أَزْهَرَتْ بِهِ الظَّلْماءُ(2)
و انْتَنَتْ بَعْدَهُ العقولُ بِتَيْهاءِ *** ضلال تَصُدُّها الأَهواءُ(3)
ضَلَّ قَوْمٌ بالانْقِلابِ علي *** الأعْقابِ مِنْ بَعْدِهِ و لِلْجَهْلِ فاؤوا(4)
بعدما أَوْضَحَ الهُدَي وَ أَبانَ الحَقَّ *** فَالْحَقُّ ما عَلَيْهِ غِطَاءُ
لاتَسَلْ عَنْ تَفْصِيلِ ماكانَ فَالاً *** لسُنُ في شَرحِ حالِهِ خَرْساءُ
وَ ابْكِ شَجُواً لِفَقْدِهِ فَهُوَ رُزُءٌ *** صَغُرَتْ فِي قُبالَتِهِ الأَرْزاءُ(5)
ماتَ سِرُّ الوُجُودِ خَيْرُ البَرَايَا *** فَلْتَمُتُ بَعْدَ مَوْتِهِ الأَحْياءُ
إِنَّما قَرَّتِ السَّما بارتقا الرُّوحِ *** وَ قَرَّتْ بجسمِهِ الغَبْراءُ(6)
لستُ أنْسَي البتولَ إِذْ أَقْبَلَتْ *** لِلْقَبْرِ تَنْعَي وَ لَيْسَ يُجْدِي النُّعاءُ(7)
أخَذَتْ مِنْ صَعِيدِهِ وَ هُوَ مِسْكٌ *** عَطَّرَ الخافِقَيْنِ منهُ الذَّكاءُ(8)
ثُمَّ شَمَّتَهُ وَ هيَ تُنْشِدُ (ماذا) *** راقَ ذاكَ الإنشادُ و الإنشاءُ(9)
ص: 410
أَبَتا يا حِمّي بِهِ يَلْجَأُ اللأجِي *** وَ بَدْراً بِنُورِهِ يُسْتَضاءُ
غِبْتَ عَنَّا فَأَظْلَمَ الْعَصْرُ لَمّا *** غِبْتَ عَنّا وَ اغْبَرَّتِ الأَرْجاء
وَ عَلَيْنا صُبَّتُ خُطُوبٌ لو الشُّمُّ *** وَعَتْها عادَتْ وَهُنَّ هَباءُ(1)
لَستُ أَهْوَي إِلالِقاكَ سريعاً *** ليتَ شِعري متي يَكونُ اللَّقاءُ
لَسْتُ أسْلُوك أو تُرِيني المُحَيَّا *** كَيْفَ أَسْلُو وَ نَكْبَتِي فَقْماءُ(2)
ص: 411
ضَحِكَتْ بُرُوقُ الخِصْبِ بِالفيحاءِ *** فَهَمَتْ جُفُونُ غَمَامِها بِبُكاءِ(1)
وَ تَبَسَّمَتْ تِيكَ الرُّبُوعُ إِذِ اكْتَسَتْ *** مِنْهَا الرُّبي بِغَلائِلٍ خَضْراءِ(2)
رَقَصَتْ غُصُونُ الدَّوْحِ و التَّصْفِيقِ *** لِلأَوْراقِ إِذْ عَزَفَ النَّسِيمُ هَوائِي(3)
فشدا الهَزارُ و رَجَعَ القُمْرِيُّ *** بِالتَغْرِيدِ وَ التَّلْحِينِ لِلْوَرْقاءِ(4)
وَ خَمائِلُ الأَزْهَارِ طَرَّزَ وَشْيَها *** غَضُّ الأقاحِ بِصِبغةٍ حَمْراءِ(5)
وَ عَلَي مُنَضَّدَةِ الرَّياحِينِ اسْتَطالَ *** الْوَرْدُ فِي خَبَرٍ عَنِ الشُّعَرَاءِ(6)
ص: 413
إيه رُبُوعَ أَحِبَّتِي وَ رَبيعَها *** الزَّاهِي وَمُزْهِرَ أُفُقِها اللأُلاء
ياما أُحَيْلاها أُويْقاتاً مَضَتْ *** فَضَّيْتُها برياضِكِ الغَنَّاءِ(1)
حَيْثُ الْهَوَي طَلْقُ العِنانِ إِذِ الصَّبا *** غَضٌّ، وَ عَنِّي الدَّهْرُ ذُوإغضاءِ(2)
حَيْثُ الرَّبِيعُ وَ وَرْدُهُ قَدْ أَشْبَهَتْ *** خَدَّ الحَبِيبِ بِحُمْرَةِ اسْتِحْياءِ
ما بَيْنَ نَدْمانِي غَداةَ أَدارَها *** صِرْفاً وَ ما مُرْجَتْ بِغَيْرِ هَناءِ(3)
حَتَّي كَأَنَّا وَ الشَّهِيَّ حَدِيثُهُ *** فِي ذِكْرِ مَوْلِدِ فاطِمَ الزَّهراءِ
مَوْلاتِنا الطُّهرِ البَتُولِ وَ بَضْعَةِ *** الهادِي الرَّسُولِ سُلالَةِ الأُمَناءِ
سَكَنِ الإِمامِ عَليَّ الضَّرْغَامِ أُمَّ *** المُصْطَفَيْنَ السَّادَةِ الأُمَناءِ
عِقْدٌ بِهِ انْتَظَمَتْ فَرائِدُ جَوْهَرِ*** الفَرْدِ الْعَلِيِّ وَ فِيهِ عَقْدُ وَلاءِ(4)
مشكاةُ نُورٍ كُلُّ نُورٍ فَرْعُهُ *** فِيهِ جَلاءُ غَياهِبِ الظُّلْماءِ(5)
ص: 414
للهِ نُورٌ قَدْ تَجَلَّي قَدْسُهُ *** يُمْناً وَ فَضْلاً عَمَّ كُلَّ مَسَاءِ(1)
حَتَّي إِذا شاءَ الإِلهُ نُزُولَهُ *** مِنْ صُلْبِ مَنْ هُوَ عِلَّةُ الأَشْياءِ
أَحْشَاءَ سَيِّدَةِ النِّساءِ خَدِيجَةٍ *** شَرَفاً لَها اسْتَدْعَاهُ كُلُّ وِعاءِ
فَإذا بها أُنْثَي، وَ ما فِيمَا بَرَي *** إِلاّ الْبَطِينُ لَها مِنَ الأكْفاءِ
يَهْنِيكِ أُمَّ الْمُؤْمِنينَ وَلِيدَةٌ *** سُدْتِ النِّساءَ بِها بِلا استِثْناءِ(2)
جنتِ العِبادَ بِخَيْرِ شافِعَةٍ لَهُمْ *** فِيهَا افْخَرِي حَتَّي عَلَي الشُّفَعاءِ
يا بِنْتَ أَكْرَمِ مُرْسَلٍ مُزَّمِلٍ *** مُدَّثِّرٍ بِرِداءِ كُلِّ عَلاءِ(3)
أنا واثقٌ بِالفَوْزِ فِي حُبِّي لَكُمْ *** وَ الصَّفَحُ مِنْكُمْ قابلٌ دَعْوائِي
ص: 415
(بحر الوافر)
الشيخ كاظم السبتي (*)
خُذِي يَا عَيْنُ وَيحَكِ بِالبُكاءِ *** عَلي الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساءِ
(*) هو الخطيب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري، اشتهر بلقب (سبتي).
ولد في النجف الأشرف عام (1258 ه) من أبوين كريمين، توفي عنه والده و هو صغير، فنما و ترعرع في أحضان أمه فأحسنت تربيته و لما أحسّت منه الذكاء و الفطنة أودعته عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليتعلم مهنة حرة تساعده علي الحياة، ولكنه رغب عن صياغة الذهب و الفضة إلي صياغة الكلام و مجوّد النظام و سرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينهل منه برغبة و شوق فدرس المقدمات و ساعدته لباقته و حسن نبراته علي تعاهد الخطابة و ارتقاء المنبر، ليصبح في المستقبل من أقطاب الخطابة الذين تدور عليهم رحي المنبر الحسيني الشريف.
فأرهف إحساسه و ألهب شعوره اليقظ و هو بعد لم يبرح مكتب أستاذه، و لما أن قوي طموحه و اشتد ولعه بفن الخطابة و النياحة علي سيد الشهداء عليه السلام إلتحق بأحد مشاهير الذاكرين و استمر مصاحباً له يتغذي بعلمه و يلتقط صوراً من فنه تساعده علي الوصول إلي هدفه السامي.
انكبّ شيخنا المترجم له علي الدروس العلمية و الأدبية و استقي علومه و معارفه من مشاهير علماء عصره، و قد أبدع في توظيف ما تعلمّه في خدمة المنبر الحسيني حتي عدّ «رحمه الله» المجدّد لفن الخطابة، إذ كان أصحاب المنبر ذلك اليوم يكتفون في خطاباتهم علي رواية المقتل و أحداثه يوم عاشوراء، و إذا بخطيبنا يروي خطب الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام عن ظهر الغيب فتعجَب الناس و اعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة، ثم قام يروي السيرة النبوية و سيرة أهل البيت عليهم السلام كما يروي سيرة الأنبياء عليهم السلام و قصصهم في خطابات مركّزة وقوية، فتفوّق في هذا الأسلوب الجديد حتي أدي إلي اشتهاره في الأوساط العراقية و ربما تجاوز ذلك إلي البحرين و الكويت و إيران و سوريا.
فكان أول خطيب استطاع أن يتجوّل في المواضيع الأدبية و يحلّل أحداث التاريخ المغرض الذي كتبته أقلام السلاطين كما ينتزع من المباحث الدينية صوراً يستفيد منها المجتمع.
و من سماته في الخطابة استيلاؤه علي مشاعر السامع حتي يملكها و يوجّهها نحو الهدف الذي رسمه.
و يمكن الشيخ السبتي بقوة إلمامه و سحر بيانه أن يحظي بمكانة مرموقة لدي أعلام عصره مما حدا بهم أن يصرِّحوا في حقه بكلمات لم يصرّحوا بمثلها لأحد غيره مما يكشف عن قدرته العلمية و لياقته القدسية في هذا المجال.
فقد قال فيه الفقيه الأكبر الشيخ محمد طه نجف المتوفي عام (1323 ه) في الفاتحة التي أقامها العلامة المجاهد السيد علي الداماد، لبعض أعلام عصره: (ما قدّر الله قتل الحسين حتي سبق في علمه «عزّ وجل» أن يخلق الشيخ كاظم فيكون ذاكراً له و للشهداء معه ليؤسس عزّاً و عظمة للمنبر الحسيني، و إني لا أراه علي المنبر إلا ملكاً أنزله الله بصورة البشر).
و قال فيه أحد أساتذته الفقهاء و قيل انه المازندراني: (إن الله «تعالي» في خلقه لعناية إذ شوّق الشيخ كاظم بمهنة القراءة علي الحسين ليظهر بعض من جدّ في طلب العلم، و لولا ذلك لكان الشيخ أظهر أهل عصره من أقرانه من العلماء و أشهرهم اليوم). و ذكره صاحب الحصون فقال: (فاضل معاصر و أديب محاضر و شاعر ذاكر تزهو بوعظه المنابر).
و أوجز كلمة بليغة قالها فيه الخطيب الشهير السيد صالح الحلي (رحمة الله عليه) (الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول و يفهم ما يقول).
أجاب مترجمنا داعي الحق يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة (1342ه) و دفن في الصحن الحيدري قرب إيوان العلامة شيخ الشريعة.
ص: 416
صِلِي بِبُكاتِكِ الهادِي النَّبِيَّا *** وَ خَيْرَ الناس كلِّهِمُ عَلِيا
وَ وَاسِي بِدَمْعِكِ الحَسَنَ الزَّكِيَّا *** عليها و الشهيدَ بِكَرْبَلاءِ
***
لفادِحِ رُزيها بِالْقَلْبِ جُرْحُ *** دُمُوعُ العَيْنِ مِنْهُ دَماً تَسِحُّ(1)
وَ فِيهِ لِزَنْدِ ذاكَ الرُّزْءِ قَدْحُ *** فَيُذْكِي فِي الصَّباحِ وَ في المَساءِ(2)
***
أَلا شَلَّت يَدٌ مُدَّت إِلَيْها *** بِسَوطِ جَفاءٍ يُؤْلِمُ مَنْكِبَيْها
أَيَسْلُو القَلْبُ مَنْ أَبْكَي عَلَيها *** شرارُ الناس خيرَ الأنبياء
ص: 417
لَضَلَّ شِرارُ قَوْمٍ جَرَّعُوها *** كُؤُوسَ الحَتْفِ وَ الهادِي أَبُوها
سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ لَوْ أَنْصَفُوها *** لَقامَ بنصرِها دانٍ ونائِي
***
يُؤَرِّتُها المُصابُ وَ هُمْ رُقُودُ *** وَ يَجْحَدُها اللَّيْيمُ وَ هُمْ شُهُودُ(1)
ص: 418
سَقِيمُ القَلْبِ أَضْنَتْهُ الحُقُودُ *** وَداءُ الحِقْدِ أَعْظَمُ كُلِّ داءِ(1)
***
أحِنُّ لَها وَلِي قَلْبٌ مَرُوعُ *** وطَرْفٌ تُسْتَهَلُ بِهِ الدُّمُوعُ
أفاطِمَةٌ تُرَضُّ لَها ضُلوعُ *** بِعَيْنِ اللّهِ جَبَّارِ السَّماءِ
***
تَحِنُّ لِما رَأَتْهُ مِنَ الصَّغَارِ *** فَما هَدَأَتْ بِلَيْلِ أَوْ نَهارِ(2)
ص: 419
فَيا عَجَبا وَ حُكْمُ اللهِ جارِ *** أَيَجْري هكذا صَرْفُ القَضاءِ
***
يُقادُ الضَّيْغَمُ الكَرَّارُ قَهْرا *** و تُهْضَمُ بَضْعَةُ المُختارِ جَهْرا(1)
وَ تُدْفَنُ في ظَلامِ اللَّيلِ سِرًا *** فَلا بَرِحَ الظلامُ بِلا ضِياءِ(2)
ص: 420
(بحر الكامل)
الشيخ كامل الدرمكي
خَلِّ الحَزِينَ بِهَمِّهِ وَ بَلائِهِ *** وَ بِوَجْدِهِ وَ حَنِينِهِ وَ بُكَائِهِ
لا تَعْذِلِ المحزون تَجرَحْ قَلْبَهُ *** فَالْبَيْنُ أَوْرَي النّارَ فِي أَحْشَائِهِ(1)
ص: 421
إِنَّ الشَّقَاءَ علي الحَزِينِ مُسَلَّطٌ *** لا يَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ في إِخْفَائِهِ
يَكْفِيكَ عن عَذْلِ الْحَزِينِ سِقامُهُ *** قَدْ مَلَّتِ العُوَادُ مِنْ إِيْتَائِهِ(1)
و تَجَمَّعَتْ كُلُّ الأَطِبّا حَوْلَهُ *** وَ تَفَرَّقُوا لَمْ يَظْفَرُوا بِشِفَائِهِ
وَ تَعَاهَدُوا كُتُباً لَهُمْ مَخْرُونَةً *** عَجِزُوا وَ مَا قَدَرُوا علي اسْتِشْفَائِهِ
فَهْوَ المَحَنُ(2) لِما تَضَمَّنَ صَدْرُهُ *** يُخْفِي لَعَلَّ العَذْلَ في إِخْفَائِهِ
يُخْفِي مِنَ الأعْداءِ مَا فِي نَفْسِهِ *** وَ يُذِيعُهُ سِرًّا إلي أُمَنَائِهِ
ص: 422
فَاسْتَخْبَرُوهُ ذوو البصائرِ والتَّقَي *** عَمَّا يُجِنُّ لِيَعْلَمُوا بِأَذَائِهِ
قالوا له يا صاح باللَّهِ انْبِئْنْ *** وَ بِجُمْلَةِ النّعماءِ من آلائِهِ
ما ذا الّذي تَشْكُوهُ مِنْ أَلَمِ وَ مَا *** تُخْفِي لَعَلَّ البِرَّ في إِبْدَائِهِ
قَالَ: اسْمَعُوا: اللَّهُ أكرمُ عَادِلٍ *** لايُنْكَرُ المقدورُ من إمضائِهِ
لو نالَ رضْوَي بعضَ ما قَدْ نِلْتَهُ *** هَدَّ البلاءُ لصَخْرِهِ و صَفَائِهِ(1)
وَ اللَّهِ ما أَجْرَي الدِّمَا مِنْ مُقْلَتِي *** إِلاالحسينُ مُغَسَّلاً بِدِمَائِهِ
أبْكِي لَهُ أَمْ لِليَتَامَي حَوْلَهُ *** أَمْ لِلجَوَادِ أَنُوحُ أَمْ لِنِسَائِهِ
أَمْ أَسْكُبُ الدَّمْعَ الْمَصُونَ لِفِتْيَةٍ *** عَافُوا الحَيَاةَ وَ طِيبَها لِفِدَائِهِ
فَكَأَنَّهُ طَوْدٌ هَوَي وَ كَأَنَّهُمْ *** أَعْجَازُ نَخْلٍ جُثَّمٌ بِفِنَائِهِ(2)
يا عينُ سُحّي للغَرِيبِ و اسْكُبِي *** وَ تَعَوَّدِي سَهَرَ الدُّجَي لِنِعَائِهِ(3)
وَ ابْكِي لِزَيْنَبَ إِذْ رَأَتْهُ مُجَندَّلاً *** فَوْقَ الصَّعِيدِ مُعَفَّراً بِدِمَائِهِ
عُرْيَانَ مَبْتُولَ الجَبِينِ مُجَرَّحاً *** واحَسْرَتَاهُ لِقتلِهِ وَ عَرَائِهِ(4)
لَهُفِي لَهُ وَ الشَّمْرُ يَقْطَعُ رَأْسَهُ *** وَ خُيولُهُمْ تَجْرِي عَلي أَعْضَائِهِ
وَ المُهْرُ يَنْدُبُهُ وَ يَلْثِمُ نَحْرَهُ *** وَ يَقُولُ عَارِي السَّرْج في بَيْدَائِهِ
قُتِل الحسينُ وَ سُبْيَتْ نِسْوَاتُهُ *** وَ غَداً يُبَاحُ الْمُحْتَمِي بِحِمَائِهِ
فَلأَبْكِيَنَّكَ يَا بْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** حَتَّي يَذُوبَ القَلْبُ عن أَفضَائِهِ
وَيَزِيدُنِي حُزْناً وَ يُسْهِرُ مُقْلَتِي *** خَبَرٌ رَوَي الصُّدُّوقُ مِنْ رُوّائِهِ
إسْنَادُهُ عَنْ ابْنِ عباس التَّقي *** أكْرِمُ بهِ وَ بِزُهْدِهِ وَ تُقائِهِ
قَالَ: اجْتَمَعْنَا وَ النَّبِيُّ جَلِيسُنَا *** وَ شُعَاعُهُ يَعْلُو عَلَي جُلَسَائِهِ
قَدْ طُيِّبَتْ كُلُّ البِقَاعِ بِطِيبِهِ *** وَ تَلامَعَتْ حِيطَانُها بِضِيَائِهِ
في غِبْطَةٍ بِالقُرْبِ منهُ فَبَيْنَمَا *** بَعْضُ يُهَنِّيءُ بَعْضَنَا بِوِلائِهِ(5)
ص: 423
فَإذا بِسِبْطَيْهِ الكِرَامِ وَكَفَّ ذا *** في كَفَّ ذا يُسْرَاهُ في يُمْنَائِهِ
وَ هُما يَجُرّانِ الذُّيُولَ غَوَافِلاً *** كُلٌّ يَصُولُ بِجِدِّه وإبَائِهِ
فَرآهُمَا الهادي النَّبِيُّ بِنِعْمَةٍ *** فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ مِنْ صُعَدَائِهِ(1)
فَتَظَاهَرَتْ زَفَراتُهُ وَ تَحَادَرَتْ *** عَبَرَاتُهُ سَحْاً لِعُظمِ بَلائِهِ(2)
حُزناً وَ قَالَ بحُرْقَةٍ وَ كَابَةٍ *** وَ دُمُوعُهُ كَالسَّيْل في إِجْرَائِهِ
يَعْرُزُ عَلَيَّ وَ مَنْ تَوَالي مِلَّتِي *** مِنْ كُلِّ بَرِّ ماحِضِ بِوِلاَئِهِ(3)
ما يَلْقِيَانِ مِنَ الإِهَانَةِ وَ الأَذَي *** بَعْدِي وَ قَلْبِي وَ الِهُ بِشَجَائِهِ
فَدَعَاهُمَا فَتَسَاقَطا في حِجْرِهِ *** فَرَحاً بِهِ وَ لَذادَةٌ بِلِقَائِهِ
فَتَرَشَّفَ الحَسَنَ الزكي وَ ضَمَّهُ *** مُتَرَشِّفَ الشَّفَتَيْنِ لَثْمَ لَمَائِهِ(4)
و أتي إلي نَحْرِ الحُسَيْنِ وَ شَمَّهُ *** وَ الدَّمْعُ يَسْقِيهِ بِسَاكِبٍ مَائِهِ
فَبَكَي الحسينُ وَسَرَّهَا فِي نَفْسِهِ *** وَ غَدا يُهَرُولُ مُسْرِعاً بِخُطَائِهِ
نَحْوَ الْبَتُولِ فَسَاءَها مَا سَاءَهُ *** فَاسْتَعْبَرَتْ وَ تَحَسَّرَتْ لِبُكَائِهِ
فَاتَتْ تُقَبِّلُهُ وَ تَمْسَحُ دَمْعَهُ *** وَ دُمُوعُهَا كَالغَيْثِ فِي إِهْمَائِهِ(5)
وَ تَقُولُ و العَبَرَاتُ تَسْبِقُ نُطقَهَا *** يَا مَنْ حَيَاتِي أُرْدِفَتْ بِبَقَانِهِ
ماذا الّذي يُبْكِيكَ يا مَنْ حُبُّهُ *** في القلبِ مُشْتَمِلٌ علي إِفْصَائِهِ؟(6)
قَالَ الحُسَيْنُ: كَأَنَّ جَدِّي مَلَّنِي *** ما كُنْتُ قبلُ مُعَوَّداً لِجَفَائِهِ
جِئْنَا أَنَا وَ أَخِي إِلَيْهِ نَزُورُهُ *** فَدَعَا الزَّكِيَّ وَ شَمَّهُ في فَائِهِ
وَ أَتَي إلي نَحْرِي وَ أَعْرَضَ عَنْ فَمِي *** إِعْرَاضَ مَنْ أَبْدَي عَظِيمَ جَفَائِهِ
ص: 424
وَ أَنَا أَظُنُّ بِأَنَّ ما فِيَّ لَمِنْ *** شَيْءٍ يَخَافُ الجَدُّ مِنْ لُقْيَانِهِ
فَتَخَمَّرَتْ سِتُ النِّسَاءِ وَ يَمَّمَتْ *** نَحْوَ النَّبِيِّ شَجِيَّةٌ لِشَجَائِهِ(1)
في الذِّيل عائِرَةً وَ مَعْهَا إِبْنُهَا *** فَرَآهُمَا المُخْتَارُ وَسُطَ خِبَائِهِ
يَبْكُونَ قَالَ لَهُمْ فَمَا هذَا البُكا *** يا صَفْوَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ خُلَصَائِهِ
قَالَتْ حبيبي كيف تَكْسِرُ خَاطِرِي *** لِمَ لا تُقَبِّلُ شُبَّراً كأَخَالِهِ
قال النبيُّ لَها بِقَلْبِ مُوجَعِ *** سِرٍّ أَخافُ عَلَيْكِ مِنْ إِبْدَائِهِ
قَالتْ بِحَقِّكَ يا أَبَاهُ أَبِنْهُ لِي *** وَ بِحَقِّ مَنْ أُنْشِئْتُ في نَعْمَائِهِ
فَبَكَي وَ أَطْرَقَ سَاعَةٌ مُسْتَرْجِعاً *** وَ الدَّمْعُ يَسْقِيهِ بِسَاكِبِ مَائِهِ
فَتَعَاهَدَتْهُ فَقَالَ رَبِّي عَالِمٌ *** وَ الكُلُّ في تَدْبِيرِهِ وَ قَضَائِهِ
أَمَّا تَرَشْفُ شُبَّرِ في فيهِ قَدْ *** ظُلْماً يَذُوقُ السُّمَّ مِنْ أَعْدَائِهِ
وَ تَرَشُّفِي نَحْرَ الحسينِ فَإِنَّهُ *** بِالسيفِ يُنْحَرُ نَازِخاً بِظِمَائِهِ(2)
فَجَعَلْتُ أَلْئِمُ ذا بموضعِ سُمِّهِ *** وَ أَشمُّ ذَا فِي نَحْرِهِ لأَذَائِهِ(3)
فَتَحَسَّرَتْ سِتُّ النِسَاءِ بِحُرْقَةٍ *** أَسَفاً عَليهِ وَ لَوْعَةٌ لِعَزَائِهِ
فَأَتَتْ تُقَبلُهُ وَ تَلْثُّمُ نَحْرَهُ *** وَ الجَيْبُ قَدْ مَزَقَتْهُ عن أَقْصَائِهِ
يا قُرَّةَ العَيْنَيْنِ يا ثَمَرَةَ الحشا *** هَلْ في زَمَانِي أَمْ زَمَانِ آبَائِهِ
إِنْ كانَ في زَمَنِي أَقَمْتُ عَزَاءَهُ *** وَ صَبَعْتُ ثَوْبِي مِنْ نَجِيعِ دَمَائِهِ(4)
وَ نَشَرْتُ شَعْرِي فَوْقَ كِتْفِي شامِلاً *** وَ نَدَبْتُهُ يا أَبَ في يُتْمَائِهِ
قالَ النَّبِيُّ إِذَا مَضَيْنَا كُلُّنَا *** دار المنونِ عليهِ قُطبَ رَحَائِهِ
بئسَ الزمَانُ وَ مَنْ تَوَلَّي أَمْرَهُ *** فَالغَوْثُ كُلُّ الغَوْثِ مِنْ وِلائِهِ
ص: 425
قَالَتْ بِأَيِّ الْأَرْضِ يُقْطَعُ رَأْسُهُ *** وَ بِأَيِّ شَهْرٍ كَانَ كَوْنُ فَنَائِهِ
قَالَ النَّبِيُّ يَكُونُ ذَا بِمُحَرَّمٍ *** فِي يَوْمِ عَاشُورا شَنِيعُ نِعَائِهِ
وَ يَكُونُ مَصْرَعُهُ المَهُولُ بِكَرْبَلاً *** وَ مَصَارِعُ الأَنْصَارِ فِي صَحْرَائِهِ
قَالَتْ غَرِيباً؟ قَالَ أَعْظَمُ غُرْبَةً *** قَالَتْ وَحِيداً؟ قَالَ مِنْ نُصَرَائِهِ
فَبَكَتْ وَ قَالَتْ واشَمَاتَةَ حَاسِدِي *** واصَفْوَةَ الجَبَّارِ مِنْ خُلَصَائِهِ
مَنْ ذا يُغَسْلُهُ وَ يَحْمِلُ نَعْشَهُ *** مَنْ ذَا يُوَارِي جِسْمَهُ بِثَرَائِهِ
مَنْ يَكْفُلُ الأَيْتَامَ بَعْدَ وَفَاتِهِ *** مَنْ ذايُقِيمُ ماتماً لِعَزَائِهِ
فَبَكَي الحُسَيْنُ وَ قَالَ رُزْئِي فَادِحٌ *** فَتَصَارَخُوا أَهْلُ العَبا لِبُكَائِهِ
فَأَتَي الأَمِينُ إلي الأَمِينِ يَقُولُ قَدْ *** أَوْحَي إِلهُ العَرْشِ في أَنْحَائِهِ
أنْ قُلْ لِسَيّدِةِ النِّسَاءِ بِأَنَّنِي *** أُنْشِي كِرَاماً شيعةً لِعَزَائِهِ
النَّاهِضِينَ إلي منازلِ كَرْبَلا *** الخَائِضِينَ غُبَارَهَا لِهَوَائِهِ
السَّاكِبينَ دُمُوعَهُمْ لِمُصَابِهِ *** المُظْهِرِينَ الحُزنَ عَنْ أَقْصَائِهِ
يَتَوَالَدُونَ فَيَنْسِلُونَ أَطايباً *** حَتَّي يَصِيرَ الحقُّ في ولائِهِ
وَ يَقُومَ قَائِمُ آل بيت مُحَمَّدٍ *** وَ يَطِيرَ طيرُ النَّصْرِ فَوْقَ لِوَائِهِ
قَالَ الحُسَيْنُ فَمَا يَكُونُ جَزَاؤُهُمْ *** عِنْدَ الإِلَهِ غَدَاةَ يَوْمِ جَزَائِهِ؟
قَالَ النَّبِيُّ أَنَا أَكُونُ شَفِيعَهُمْ *** وَ أُجِيبُ كُلاً مِنْهُم بِنِدَائِهِ
قَالَ الوَصِيُّ أَنَا الَّذِي أَسْقِيهِمُ *** يَوْماً يَفِرُّ المَرْهُ مِنْ أَبْنَائِهِ
قَالَتْ حَبيبَةُ أَحْمَدٍ فَوَحَقِّ مَنْ *** رُبِّيتُ مُذْ أُنْشِئْتُ في نَعْمَائِهِ
فَلأَندِبَنَّ وَ شَعْرُ رَأْسِيَ نَاشِرٌ *** وَ الجَيْبُ مَمْزُوقٌ إِلي أَقْصَائِهِ
حَتَّي يُشَفْعَنِي إِلهِي فِيهِمُ *** وَ يَمُدَّ كلاً مِنْهُمُ بِرِضَائِهِ
قَالَ الحُسَيْنُ وَ حَقٌّ مَنْ خَلَقَ الوَرَي *** طَراً وَ سَقَّفَ أَرْضَهُ بِسَمَائِهِ
لاأَدْخُلُ الجَنّاتِ حَتَّي يَدْخُلُوا *** وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَا بِهدَائِهِ
يا أَيُّهَا الرُّوَّارُ مَشْهَدَ كَرْبَلا *** كُلُّ يُقَصِّرُ مِنْكُمُ لِخَطَائِهِ
فَلِكُلِّ عَبْدِ حَجَّةٌ مَبرورةٌ *** فِي كُلِّ مَا يَخْطُوهُ مِنْ مَسْعَائِهِ
ص: 426
وَ لَكُمْ بِمَا أَنْفَقْتُمُ مِنْ دِرْهَم *** في جُنَّةٍ حرصاً علي إيتائِهِ
في جَنَّةِ الفردوس ألفُ مدينةٍ *** في قصْرِهَا الإِعْلَائِهِ
وَ لِمَنْ بَكَاهُ تَفَجُعاً لِمُصَابِهِ *** وَ تَأَسْفاً بالحُزْنِ عَنْ أَقصائِهِ
في الحَشْرِ قَصْرٌ لا يُقَاسُ عُلُوُّهُ *** دُرِّ وَ مَرْجَانُ بِحُسْنِ جَزَائِهِ
وَ جَمِيعُ أَمْلاكِ السَّمَا يَسْتَغْفِرُوان *** لَكُمْ وَ مِنْ ظِلَّ لَكُمْ بِسَمَائِهِ
يَا رَبِّ مُدَّ الدرمكيَّ بِسُوْلِهِ *** عَجَلاً وَ بَلْعُهُ جميل رَجَائِهِ
صَلّي الإله علي النبيِّ مُحَمَّدٍ *** و علي الكِرامِ الغُرِّ من أَبْنَائِهِ
الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ مِنَ الخَنَاسُفُنِ *** النَّجَاةِ لِمَنْ حَظي بولائِهِ(1)
ص: 427
(بحر الكامل)
المهندسة كوثر شاهين
أَيْقِظَ أيقظ حُرُوفَ الشَّعْرِ ذاكَ وَلائِي *** لِلْمُصْطَفَي الهادِي غَدِي وَ رَجائِي
في مَوْلِدِ الزَّهْراءِ جِئْتُ مُصَلَّياً *** أَدْعُو بِحَرْفِ الخالِقِ المِعطاءِ
(إِنَّا) يَقُولُ اللهُ في تَنْزِيلِهِ *** بالحرف: (أعطيناك) من لألاءِ
نُوراً تَجِدْهُ بفاطم مُحَمَّدٌ *** (بالكوثر) الظُّهْرِ الهُدَي لِلرَّائِي(1)
سبطاكَ خَيْرُ الخَلْقِ بين مَلائِكَ *** في جَنَّةٍ مِنْ خِيرَةِ الأَبْناءِ
وَ أَبُوهُما نُورٌ لفاطِمَ مُذْحَبا *** في حِجْرِك المشفُوعِ بالأَعباءِ
نُورانِ في رَأْسٍ لآدمَ ثُمَّ في *** جَدٌ أرادَ النَّذْرَ بالإيفاءِ
نذراً كإسماعيل يَفْدِي قَلْبَهُ *** مِئةٌ تُنِيخُ بقاحِلِ الصَّحْراءِ(2)
و يَعُودُ عبد اللهِ يَحْمِلُ (نُورَهُ) *** وَ أَخُوهُ عَمُّكَ جاهزاً بِنِداءِ
وَ الكَعْبَةُ الزَّهْرَاءُ تَشْهَدُ مَوْلِداً *** لِلنُّورِ (صِنْؤُكَ) رائعاً بِعَلاءِ
سَمَاهُ رَبُّكَ بِالعَلي مُناجِياً *** وَ أَبا تُرابِ قُلْتَ بالإيلاءِ
فَهُوَ القَسِيمُ الحقِّ يَوْمَ المُلْتَقَي *** وَ هُوَ الوَصِيُّ العِلْمُ، بابُ وَلاءِ
ص: 428
زَوَّجْتَهُ الزَّهْراءَ تَحْنُو مِثْلَما *** أُمِّ رَؤُومٌ تَرْتَجِي بإباءِ(1)
وَ لِفَاطِمِ قُلْتَ: انْظُري خَيْرَ الأُلي *** مِنْ رَبِّ عَرْشِ ناظِرٍ بِسَماءِ
هذا أبوكِ اخْتارَهُ لِرِسالَةٍ *** وَ اخْتَارَ زَوْجَكِ حَامِيَ الفُقَراءِ(2)
وَ الدِّينِ و القُرآنِ والآي الذي *** قَدْ جاءَ جِبريلٌ بخير أداءِ
يا بَضْعَةَ المُختارِ يا أُمَّ الهُدَي *** يا أُمَّ زَيْنَبَ كَيْفَ لي وَ وَلائي؟(3)
لِلْعِترةِ الأَطْهارِ يَسْرِي في دَمِي *** أَخْنَط حَرْفاً و الدُّمُوعُ دِمائي
في (القف) في (أحْدٍ) و(مُؤْتَةً) أوبما *** لاقَيْتِهِ يَوْماً بظُلمِ بَلاءِ
ناديت يا أبتاهُ فَانْظُرْ نَحْوَنا *** وَ الأَرْضُ مادَتْ كُلُّها لِنِداءِ(4)
وَ المُحْسِنُ المَعْصَومُ مَنْ سَمَّاهُ في *** رَحِم حَبيبُ اللَّهِ في العَلْياءِ
أَجْهَضْتِ وَاوَيْلاهُ مِنْ ظُلْمٍ سَرَي *** وَ النَّارُ حَوْلَ الدَّارِ بالأَرْجاءِ(5)
فَبَكَتْ سَماءٌ وَ الشُّعَابُ وَ مَا بِها *** أَلَماً لِصَوْتِ نِدَائِكِ البَكَاءِ
كَالطَّيْرِ مَجْرُوحاً غَدَتْ زَهْراؤُنَا *** بِفَجِيعَتَين تلاقَتا وَعَناءِ
ص: 429
مَوْتِ النَّبِيِّ بِبَيْتِ أَحْزَانٍ غَدَتْ *** وَ فَجِيعَةِ الخِذْلانِ بَعْدَ وَلاءِ(1)
وَ الُوهُ قال محمدٌ لِمَنِ ابْتَغَي *** نُورَ الجِنانِ فَحُبُّهُ إحْيائِي
و المُبْغِضُونَ لَهُمْ جَهَنَّمُ مَوْئِلاً *** و اللَّهُ يُبْغِضُهُمْ بِكُلِّ قَضاءِ
وَ عْشَاءَ دَرْبٍ كَمْ خَطَوْتِ سَبِيلَها(2) *** وَ وَرِثْتِ نُورَ النُّور و الآباءِ
كي تُفْر عين الحَقَّ في السِّبْطَيْنِ في *** أُمِّ المَصائِبِ زَيْنَبٍ لَيْلاءِ
سَمَّاكِ سَيِّدةَ النِّساءِ طَهُورَةٌ *** زَهْراءُ أَنْتِ مَحَجَّتِي و رجائي(3) (4)
ص: 430
(بحر الخفيف)
الحاج محمد آل رمضان الأحسائي
صِلَةُ الأَرْضِ ضُوعِفَتْ بِالسَّماءِ*** أَمْ هِيَ الأَرْضُ مَصْدَرُالأَضْوَاءِ
أَمْ جِنَانُ الخُلُودِ أُزْلِفَتِ الْيَوْمَ *** بِزَهْو الأَضْوَاءِ وَ الأَشْداءِ(1)
أَمْ تَجَلَّي الإِلَهُ بِالرَّحْمَةِ الْكُبْرَي *** وَ هذَي مَبَاهِجُ الأَحْبَاءِ(2)
وَ إِذَا بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ تَجَلَّي*** فَجَمَالُ الْخَصْرَا عَلَي الْغَبْرَاءِ
كُلُّ هَذَا بَدَا وَفِي مَهْبِطِ الْوَحي *** ابْتِهَاجُ بِمَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ
دَوْحَةُ النُّورِ فِي مَخَاضٍ عَلَي الأَرْضِ*** بِأَرْضِ الوِلايَةِ العَصْمَاءِ
أَزِفَتْ ساعَةُ اللقاءِ وَقَرَّتْ ***عَيْنُ خَيْرِ الْوَرَي بِخَيْرِ النِّساءِ(3)
وَ عَلاَ البِشْرُ وَجْهَ خَيْرِ النَّبِيِّي *** بِمَرْأَي الْبَتُولَةِ الْعَذْرَاءِ
وَ إِذَا افْتَرَّ ثَغْرُطهَ سُرُوراً *** عَمَرَ الْبِشْرُ سَائِرَ الأَشْيَاءِ
أَذِنَ اللَّهُ بِاللَّقَاءِ وَجَاءَتْ ***صِلَةُ الأَوْصِيَاءِ بِالأَنْبِيَاءِ
وَ قَرِيباً يَبْدُو إِذَا مَرَجَ الْبَحْريْنِ *** لِلنَّاسِ لُؤلُؤُ الأَصْفِيَاءِ(4)
وَ بِسِبْطَيْ خَيْرِ النَّبِيِّينَ يَغْدُو*** خَمْسَةٌ فِي الْوُجُودِ أَهلَ الْكِسَاءِ
ص: 431
وَ يُضِيءُ الْوُجُودَ سِلْسِلَةُ النُّورِ *** وَ تَجْلُو غَيَاهِبُ الظَّلْمَاءِ(1)
إِنَّهُ الْبَيْتُ فِي تَكَامُلِ أَهْلِيهِ *** كَمَالُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ
وَ عَلَي الأَرْضِ لِلنُّبُوَّةِ دَوْرٌ *** سَتَلِيهِ وِلايَةُ الأَوْلِيَاءِ
غُرِسَ الدَّينُ بِالنَّبِيِّ عَلَي الأَرْضِ *** وَ يُرْعَي بِآلِهِ النُّقَبَاءِ(2)
بِعَلِيَّ وَ وُلدِهِ سِبْطَي الرحْمَةِ *** يُرْعَي وَ التَّسْعَةِ الْعُصَمَاءِ
وَ عَلَي النَّاسِ حُجَّةُ اللَّهِ تَمَّتْ *** بِقِيَامِ الْحُّفَّاظِ وَ الأُمَنَاءِ
كَمٌلَ الدَّينُ بِالْوَصِيَّةِ وَالنِّعْمَةُ *** تَمَّتْ بِسَيِّدِ الأَوْصِياءِ
وَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَدْ رَضِيَ *** الإِسْلَامَ عَيْناً بِالْبَيْعَةِ الْعَصْمَاءِ(3)
هِيَ للإِعْتِصَامِ بِاللَّهِ حَبْلٌ *** عِصْمَةًمِنْ عِبَادَةِ الأَهْوَاءِ
بَبْعَةُ الأَمْنِ وَ الأَمَانِ مِنَ الْفُرْقَةِ *** وَ الْخَيْرُ فِي اخْتِيَارِ السَّمَاءِ
فَهَنِيئاً لِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعاً *** بالرَّضا و الكَمَالِ وَ النَّعْمَاءِ
ص: 432
(بحر الخفيف)
الشيخ محمد جواد المطر (*)(1)
أسعِفيني بقيضكِ المعطّاءِ *** إِنَّهُ سُلَّمي إلي العليَاءِ
قَدرَسَا مركَبِي علي شَطّكِ إلّا *** مِنِ سَاقَتْهُ عَاصِفَاتُ وَلائِي
فَامنيحني إذْنَ اللجُوءِ وَجُودِي ***بِهِبَاتٍ قُدسيّةِ الأرجَاءِ
وَ هَبِيني عِنَايَةً يَرتَعُ الفِكرُ بِرو*** ضَاتِهَا شَذا الإريحاءِ
وَ اعصَميني مِنَ العِثَارِ(2) فَفيهِ *** عَثرَ الجَمُّ من مَطَا الشُّعَرَاءِ
عَلَّ دِفقَاً مِنَ الوَلالَكِ مِنّي*** يَتَجلّي بهِ علَيكِ ثَنَائي
لَكِ يمُنُّ عَمُّ البَسيطةَ بِالإشراقِ *** نُوراً مُذْ شَعَّ بِالبطحَاءِ
وَ سَرَتْ في جِبالها الشُّمِّ أنغَامُ *** نَشيدٍ بِشَيْقِ الأنبَاءِ
وَ تَعَالَتْ مِنَ الحطيمِ(3) هُتافَاتُ *** عِنَاقٍ لِلكَعبَةِ العَصمَاءِ
ص: 433
صَافَحَ الركنُ زَمزماً وَبَدا*** البِشْرُضَحُوكاً علي مُحيَّا الماءِ
حِينَمَا الرُّوحُ سَاقَهُ أمْرُبَارِيهِ*** لِيَحلو سرَّ ابْتهاجِ السَّماءِ
بِتَهَانٍ رَفَّتْ علي المصطفي*** المختَارِ يُمناً بالمولدِ اللأ لائي فاسْتَهلَّتْ أفراحُهُ نَاطِقَاتٍ*** وَطَوَتْ غيمَةً مِنَ الإعيَاءِ
وَاستَثارَتْ كَوامِنَ البَهجَةِ الكُبري*** فَلاحَتْ بالطَّلعَةِ الغَرَّاءِ
أبشِرِي يَا خَديجةَ الخَيرِ قَدجِئتِ*** بِها قُدوَةٌ لخيرِ النِّسَاءِ
فَهِيَ البضعَةُ البتُولُ وَمِنْها*** حَاملو مشعَلِ الهُدي الوَضَّاءِ
يا إبنة النُّورِ يَا سَليلَةَ إصلاح*** بِهِ تَمَّ منهَجُ الأنبِيَاءِ
لَكِ غَرسٌ مِنَ العَفَافِ عَبوقُ*** الزَّهرِ مِعطاءُ وَارفُ الأفيَاءِ
وَمَعينٌ مِنَ الكَرامَةِ وَالقُدسِ*** وَفَوقٌ بَالعزَّةِ القَعسَاءِ
وَبِنَاءٌ أساسُهُ الظُّهْرَ في الناس*** متينُ التَّصميمِ والإنشَاءِ
كُلّ مَا زانَ مِنْ أكاليل مجدٍ*** وَكَمَالٍ وَعَفَّةٍ وَنَقَاءِ
طعنتهُ حُرّيّةُ حَتَّي*** عَادمما بهِ نَزيفُ الدّمَاءِ
وإذا مَنْ كَسَيتها الظُّهرَ بِالأمسِ*** وَنزّهتِهَا عَنِ الارتمَاءِ
أرخَصَتْ تلكُمُ الكَرامَةَ بِالز يفِ*** وَأبَتْ مَخْمورةَ الآراءِ
جَرَّدتهَا كَفُّ التَبرُّجِ أغلَي*** زينَةٍ مُذْ سَمَتْ بِتَاج الحيَاءِ
حَسِبَتْ عَرضَها المفَاتِنَ لِلإغرا*** رُقيّاً إلي الذُّري الشَّقَاءِ
فَتَهَاوَتْ عَقيبَ عِزَّةِ دِينِ اللَّهِ*** وَالصَّونِ في حَضيضِ الشَّقَاء
هكذا قَد أُضيَ جُهدُكِ يَا مَهْرَاءُ*** إلاَّ لَدي فَتَاةِ الإِبَاءِ
لجأتْ تِلكَ للقضا فَحَماهَا *** و استظلّتْ بِالشرعَةِ السَّمحَاءِ
لم يُزعزع إيمانَهَا الصَّلدَ(1) *** أبواقُ نَعِيقٍ لِطُعَمَةٍ عَميَاءِ
لم يَرُقُها سَفَاسِفٌ(2) غَلَفُوهَا *** بِغِلافِ الحضارَةِ الشَّوهَاءِ
ص: 434
435
تَخذَتْ مطرَفَ الصَّلاح وِشَاحاً *** وَ تَردَّتْ مِنَ الهُدي برِدَاءِ
أَرْضَعَتْها الأمُّ الرؤوم ولاءّ *** و أبوها قد صَانَها بِوَلاءِ
غَذَّياها روحَ المكارم حتَّي *** تَوَّجَاهَا بِها جَلِيْلَ البَهَاءِ
رَسَّخا في فُؤَادِهَا الغَضُ دَرْساً *** خَالِداً مِنْ فَضَائِلٍ و عَلاءِ
علماهَا نَهْجَاً لفاطمة الطُّهْرِ *** و دَرْساً لزَيْنَب الحوراءِ
و صلاحُ الأبناءِ إنْ صَلُحَ الأصْلُ *** مِنَ الأمهاتِ و الآباءِ
ص: 435
اسفاً عَلَيْها قَدْ قَضَتْ أَيَّامَها *** بَعْدَ النَّبِيِّ بِغُصَّةٍ وَ شَجَاءِ
كَسَرُوا لَها ضِلْعاً بِهِ قَدْ كَسَّرُوا *** يَوْمَ الظُّفُوفِ أَضَالِعَ الأَبْناءِ(1)
فَبَنَتْ عَلَي مانَالَها بِأَنِينِها *** تُحْيِي اللَّيَالِ قَرِينَةَ الْوَرْقاءِ(2)
وَ لِقَبْرِ والدِها تَرُوحُ وَ تَشْتَكِي *** هَمَّ الْفُؤادِ وَ ما بِهِ مِنْ داءِ
وَ تَقُولُ: يا خَيْرَ الْعِبادِ سَجِيَّةً *** أَصْبَحْتُ لا أَقوَي عَلَي الأَرْزَاءِ
أبتاهُ مِيراثِي زَوَوْهُ وَ أَسْقَطُوا *** حَمْلِي وَ ها أَنَا قَدْ سَيْمْتُ بَقائِي(3)
إذ لا أَرَي أَجَلاً تَطُولُ سِنِينُهُ *** الأَكَسُمُ الْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ
ص: 437
ما بَيْنَ قَوْمِ ما رَعَوْا مَنْ فِيهِمُ *** أَوْصَيْتَهُمْ يا أَشْرَفَ الآباءِ
هذَا ابْنُ عَمِّكَ وَ الْحَوادِثُ جَمَّةٌ *** أَمْسَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهِ عَزائِي
إِنْ رَدَّهَا فِي صَبْرِهِ فَبِقَلْبِهِ ***مَا لَيْسَ يُطفَي حَرُّهُ بِالْماءِ
أبتاهُ لَوْ شاهَدْتَ ما عانَيْتُهُ *** مِمَّنْ عَدَوا وَ تَقَصَّدُوا إيذائي
لَبَكَتْ دماً عَيْناكَ لِي وَ تَتَابَعَتْ *** حَسَراتُ قَلْبِكَ مِنْ عَظِيمِ بَلائِي
جِسْمِي ذَوَي، رُكْنِي هَوَي، قَلْبِي حَوَي *** أَلَماً يُهَدِّدُنِي بِقُرْبِ فَنائِي(1)
لَمْ يَبْقَ مِنْ شَيْءٍ يُهَيِّجُ لَوْعَتِي *** إِلأَوَقَامَ بِفِعْلِهِ أَعْدَائِي
قَدْ حَاوَلُوا مَنْعِي البُكَاءَ بِزَعْمِهِمْ *** يُؤذِيهِمُ حَنِّي وَ شَجوُ نِدائي(2)
حَتَّي بُكايَ عَلَيْكَ رامُوا(3) قَطعَهُ *** مِنِّي وَ هذا أَبْسَط الأشياءِ
وَ لِبَيْتِ أَحْزَانِي الْبَعِيدِ تَوَجَّهُوا *** بِمَعاوِلٍ وَاسَتْهُ لِلْغَبراءِ(4)
وَ تَعَمَّدُوا قَطعَ الأَراكَةِ عُنْوَةٌ *** ظُلْماً وَ ذا أَمْرٌ يُثيرُ شَجائِي(5)
فَبَقِيتُ لابيتاً و لاظلاً وَ لا *** مِنْ طاقَةٍ عِنْدِي لِحَمل ردائِي
فَعَلَيْكَ أَلفُ تَحِيَّةٍ وَ تَحِيَّةٍ *** حَتَّي يَحِينَ إِلَي الْجَلِيلِ لِقائِي(6)
ص: 438
ص: 439
ص: 440
تَبْهَرُ الكَوْنَ من سَناكِ ذُكَاءُ*** وَلِعالي بِناكِ تَعْلُو السَّماءُ
فاطِمَ الظُّهْرِ يا سنايا ابنةَ المُخْتار*** مِنْ نُورِكِ اسْتَفادَ الضّياءُ
كَوْكَبَ الصُّبحِ قد أَلَقتِ بنِاءً*** لا يُجارِيكِ كَوْكَبٌ وَضَاءُ(1)
أَنْتِ بَحْرُ النَّدَي وَمَنْبَعُ فَضْلٍ*** مِنْ نَداهُ تُسْتَمْطَرُ الأَنْواءُ(2)
قالَ طَةَ بأنَّ فاطِمَ بَضْعُ*** مِن فُؤادِي، وإنها الزَّهْراءُ
وَرِضاها رِضَي الإِلَهِ تَعالي*** وَأَذاها لِرَبِّها إيذاءُ(3)
ص: 442
أنتِ بِنْتُ الرَّسُولِ زَوْجُ عَلِيَّ *** وَ بَنُوكِ الأَئِمَّةُ الأمَناءُ
قد أَبَانَ النَّبِيُّ فَضْلَكِ إِذْما *** خاطِباً، جاءَ نَحْوَهُ الكُبَراءُ
(هَل أَتَي) فيكُمُ أَتَتْ مِنْ إله العَرْشِ*** ما طأُطَأَتْ لَهُ العُظَمَاءُ
أَنْتِ قُطْبُ المُطَهَّرِينَ جَمِيعاً *** حِينَما لَفَّكُمْ فَخاراً،كساءُ(1)
وَدَعاكِ الرَّسُولُ حِينَ أَتاهُ *** مِنْ نَصَارَي، مُباهِلِينَ غُثَاءُ(2)
ص: 443
لَكِ في (إِنَّما) الطَّهارةُ لكِنْ *** لَهُما في (تظاهرا) إِزْراءُ(1)
صَلَوَاتُ البارِي عَلَيْكِ دواماً *** وَ سَلامٌ مِنْ عِندِهِ وَ ثَناءُ
ص: 444
لأَهْلِ الأَرْضِ فَاقَتْ وَ السَّماءِ*** فَخُصَّتْ بِاسْمِ سَيِّدَةِ النّساءِ
وَ أَيْدِي النُّسْكِ ثَوْبَ تُفَّي كَسَتْها *** فَعادَتْ وَ هُيَ خامِسَةُ الكِساءِ(1)
لَها أعلاقُ يُثني كُلَّ حينٍ*** فَما بِثَناكَ تَصْنَعُ أَوْ ثَنائِي(2)
بِخِدْمَتِها الْمَلائِكُ قَدْ تَبَاهَتْ *** فَخِدْ ماتُ الوَرَي تِلْوَ الهباءِ
وَمَنْ في الذِّكْرِ مِدْحَتُها اسْتَقَلَّتْ *** فَخَيْرُ المَدْحِ فِيها كالهَبَاءِ
لَها لَمْ تُدْرِكِ القُرَباءُ مَعْنًي *** فَأَنَّي عِلْمُهُ للأَقْصِياءِ(3)
ص: 446
فَسَلْ سَلْمَانَ عَنْها كَمْ رَأَي مِنْ *** مَنَاقِبُ لَهْيَ آيُّ الأَنْبِياءِ(1)
وَ عَنْها أُمَّ أَيْمَنَ سَلْ فَكَمْ قَدْ *** رَأَتْ مِنْ آيَةٍ وَ هُدَي سَناءِ(2)
فَمِنَ مَهْدٍ يَهُزُّ بِغَيْرِ كَفِّ *** وَ كَفِّ مُدَّ عَنْها بِالدُّعاءِ
وَ كَفِّ تَطْحَنُ البُرَّ اقتِداءً *** بِمَنْ هِيَ خَيْرُ أَهْل الإقْتِداءِ(3)
وَ سَلْ آيَ الكِتابِ فَكَمْ وَفتْها *** بِما هِيَ نَسْتَحِقُّ مِنَ الْوَفاءِ
وَ هَلْ خُصَّتْ بِشُكْرِ السَّعيِ إلاَّ *** صِيامُ ثَلاثَةٍ رُفِقَتْ بِماءِ
وَ هَلْ في (هَلْ أَتَي)الجَبَّارُ أَثْنَي *** لِغَيْرِ مَنِ احْتَوَوا جُمَلَ الثَّناءِ(4)
وَ هَلْ عَرَفتْ لِهذا الْفَضْلِ شَأْناً *** جُفاةٌ جَاهَرُوهُمْ بِالعِداءِ
لقَدْ أَدَّوا لأَحْمَدَ مَا اقْتَضاهُمْ *** عَلَي أَجْرِ الرِّسالَةِ مِنْ جَزاءِ
فَنَادَي: لاأُرِيدُ عَلَيْهِ أَجْراً *** سِوَي خَيْرٍ مَوَدَّةُ أَقْرِبائِي(5)
بِأَنْ لَمْ يَتْرُكوا لِذَوِيهِ حَقَّاً *** فَما اغتصبوه حَسْواً في ارْتِقاءِ(6)
فَمَنْ مِنْ بَعْدِهِ بِالْحُكْمِ أَوْصَي *** لَهُ وَ أقامَهُ عَلَمَ الوِلاءِ
ص: 447
نَفَوْهُ عَنْ ولايتِهِ و سامُوهُ *** أَنْ يَرْضَي بِحُكْمِ الإِعْتِداءِ(1)
وَ بَضْعَتُهُ الَّتِي مازالَ يُوصِي *** بِها بِالْحِفْظِ دونَ رَياءِ
سَقَوْها مِنْ كُؤُوسِ الظُّلْمِ ما *** لايَقُومُ بِحَمْلِهِ أَعْلَي حِراءِ(2)
فَحَتَّي إِرثَها مُنِعَتْ عِناداً *** وَ مِنْ نَدْبٍ عَلَيْهِ وَ مِنْ بُكاءِ
وَ كانَتْ لافْتِجاعٍ فِيهِ ثَكْلي*** فَعَزَّوْهَا بِهِ خَيْرَ الْعَزاءِ!
أحاطُوا بَيْتَها جزلاً وَ هَمُّوا *** بِنارِ الجَزْل حَرْقاً لِلْفِناءِ(3)
وَ لَمّا أَنْ أَتَتْ لِلْبابِ فَتْحاً *** لِتُبْصِرَ ما يُرِيدُ أُولُو الشَّقاءِ
إِذَا هُمْ يَهْجُمُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ *** عَلَيْها وَ هْيَ حَسْرَي عَنْ رِداءِ
فَرامَتْ عَنْهُمُ بِالبابِ سِتْراً *** فَنالُوها بِهِ شَرَّ البَلاءِ
بِضَغْطٍ نالَ مِنْهُ الصَّدْرُ رَضَاً *** وَ أُسْقِطَ حَمْلُها خَلْفَ البِناءِ(4)
ص: 448
وَ جُرَّ الْمُرْتَضَي بِالْحَبْلِ صَبْراً *** فَهَوَّنَ مَا احْتَسَتْهُ مِنَ البَلاءِ
وَ لَمْ تَسْطِعْ جُلُوساً دُونَ أَنْ قَدْ*** سَعَتْ فِي رَدُّهِ بَيْنَ النِّساءِ
تُنادِي القَوْمَ خَلُّوا الْمُرْتَضَي أَوْ *** رَفَعْتُ يَدِي عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ
فَماعَطَفُوا لَها إِلاّ بِسَوْطٍ *** تُقَنِّعُها بِهِ أَيْدِي الجَفاءِ
فَما وَهَنُوا بِهِ حَتَّي كَسَوْها *** كِسا سُقْم تَعاضَلَ عَنْ شِفاءِ(1)
وَمِنْهُ أُلْقِيَتْ فِي الفَرْشِ نِضْواً *** تُكابِدُ كُلَّ ذِي كَمَدٍ وَداءِ(2)
فَلا تَهْدا مِنَ الآلامِ سُقْماً *** وَ لا فَقْد أَقَلَّ مِنَ الْبُكاءِ(3)
يُقاسِي قَلْبُها سُمَّيْنِ: سُمّاً *** لِفَقْدِ أَبِ، وَسُمّاً مِنْ جَفاءِ
وَ يَصْلَي جِسْمُها ضَرْباً وَ ضَعْفاً *** وَ ضَغْطاً مُسْقِطاً حَمْلَ النَّماءِ
فَعاشَتْ وَ هْيَ ثَكْلَي فِي اهْتِضَامِ *** وَ ماتَتْ وَ هْيَ حَرَّي في اصْطِلاءِ(4)
قَضَتْ فِي النُّسِكِ طُولَ العُمْرِحَتَّي *** قَضَتْ بِسُجُودِها نَحْبَ البَقاءِ(5)
بِنَفْسِي مَنْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَقْضِي *** جَمِيعَ حَياتِها الفَخْرَ النَّهائي
ص: 449
(بحر الكامل)
الحاج محمد علي الحاج حسين (*)(1)
هذه القصيدة في (رثاء الزهراء «سلام الله عليها»)بنت النبي المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم تنبعث من قلب ذاب من غصص الرزايا التي جرت عليها. و هي البضعة الطاهرة عليها السلام. سيّدة نساء العالمين. فاطمة عليها السلام. أم أبيها:
غُصص المصائب ألهبت أحشائي *** فأشرتُ نحوكَ سيّد الشهداء
إن كنت أنت أبَا الرَّزايا كُلّها *** قتلاً و نهباً ثمّ سَبي نِساءِ
فالأمُّ في تلك الفواجِع فاطمٌ *** عانّت صنوف الظُّلم و الإيذَاءِ
إنّي جريحُ القَلب تنزفُ مُقلتي *** و أقولُ في ذكري البتولِ رثائي
أولم تكنِ بنتُ النبيِّ المُصطفي *** أُمّاً له في أصدقِ الأنباءِ؟
ص: 450
و خليلة الضرغامِ حيدرةَ الّذي *** أفني جُموعَ عساكرِ الأعداءِ
زهراءُ سيدةُ النساء رضيّة *** حوراءُ طاهرةُ من الأرداءِ(1)
و هي التقيّةُ و البتولُ زكيّةٌ *** صديقةُ مرضيّةُ الآراءِ
هي نورُه مَشكاةِ الهُدي و سراجُها *** هي مركزُ الإشعاعِ و الأضواءِ
من نورِها تبدُو البدوُر منيرةً *** منها الشَّمُوسُ تشعُّ في الأرجاءِ
فجلالُهَا و بهاؤُها و كمالُها *** عكستْ جلالَ اللَّهِ ذي الآلاءِ
إنّ السّخاوةَ قد غَدتْ بمذلّةٍ *** تحنُوأمامَ نوَالِها المِعطاءِ
***
في الذّكر آياتٌ تنصُّ بشأنها *** و بفضلِها بالمدح و الإطراءِ
عُنيتْ بآيةِ قل تعالَوْا نبتهلْ *** بنسائِنَا و بخيرةِ الأبناءِ
و بآية التطهير بان كمالُها *** ظَهُرتْ من الأرجاسِ و الأقذاءِ(2)
و بهل أتي نصٌّ جليٌّ واضحٌ *** حازتْ بكلِّ فضيلةٍ و ثناءِ
و بآي فلا لاأبتغِي لرسالتي *** شيئاً من الصَّفراءِ و البيضاءِ
إلَّا المودّة في ذوِي القُربي و هُم *** نسلُ الوصيِّ و عترةُ الزَّهراءِ
هي أصلُ أغصانٍ تُضيء فروُعها *** أنوارَ أعلامِ التّقي النّجباءِ
***
و صريحُ أقوال الرّسول تواترتْ *** (هي بضعتي إيذاؤها إيذائي)
قُمْ من ضريحِكَ يا أبي و انظرْ إلي *** السّبطين قد لاذا من الغَوغاءِ
وكأنّنا أُسراءُ ديلَمَ بينَهُم *** أبتاهُ فانظُرْ ما جنوهُ إزائي
عَمَدُوا بكسرِ الضلعِ بين جِدارِها *** و البابِ حتي رُوِّضتْ أعضائِي
أبتاهُ قد سقَطّ الجنينُ و لم أجدْ *** من يستجيبُ لنخوتِي و رجائِي
ص: 451
أبتاهُ أدركني بمقتلِ(مُحسنٍ) *** يا وَيْلَهَم قد قطعُوا أحشائِي
هذا ابنُ عمِّكَ كالأسيرِ موثَّقاً *** و الوغُد يدفعُه بَلا استحياءِ
أبتاهُ إني قد سئِمْتُ مَعِيشَةً *** بالذُّلِّ بينَ معاشرِ الخُبثَاءِ
أبتاهُ فاجلِبنِي لجنبكَ مسرِعاً *** إذ لا أُطيقُ شماتَةَ الأعداءِ
وإليكَ ربّي قد شكوتُ ظلامَتِي *** عجِّل وفاتِي يا مُجيبَ دعائِي
حتي استجابَ سميعُها فاستُشهِدَتْ *** مرضوضَةَ الجنبَاتِ لِلعلياءِ
رَحلَتْ و فيها لوعةٌ مكنونةٌ *** ليذوبَ من آهاتِهَا الصّمَّاءِ
في بيتِها هَبَطَ الأمينُ لينضوي *** تحتَ الكساءِ بمجمعِ العُظماءِ
هي كوثرٌ تهبُ الحياةَ ليرتوي *** مِنها الوُجودُ بسَلبيلِ المَاءِ
إن الحياةَ رهينةٌ بوجُوِدها *** أُمُّ الأئمةِ و هي خيرُ نساءِ
***
ما بالُ بنتِ المُصطفي تَبكي إذاً؟ *** في كُلِّ أضحيةٍ و كلّ عِشاءِ
جاءتْ إلي قبرِ الحبيب لتشتكِي *** ظلمَ الطغاةِ و قسوةَ الخُلفاءِ
أَبَتَاهُ من لي بعدَ شخصِكَ ملخاٌ *** أشكُو إليه مظالِمَ الأعداءِ؟
ما إن تقمَّصَك المنونُ فإنّهُم *** قد أظهَرُوا أحقادَهُم بِجفائِي
خانُوا الأَمَانَة و العهُودَ ليمنعُوا *** إرثي و كانَ سروُرهُم إيذائِي
أَبَتاهُ قد شَنُّوا عَلَيَّ هَجُومَهُم *** و بفعِلِهم قد أرْعَبُوا أبنَائي
وبنارِ حقدِهُمُ الدَّفين تعمّدُوا *** في حرقِ داري و استُبيحَ خِبائي
أَبَتاهُ هذي زينبٌ مرعوبةُ *** ذُهلِتْ لتلِكَ الهجمةِ النَّكراءِ
تشكُو إلي البارِيِ مظالمَ حبترٍ *** و خليلِهِ و الظُّغمةِ اللُّؤمَاءِ
و الصّبرُ أظهرَ عجزَهُ عن صبرِها *** صَبَرَتْ علي البأساءِ و الضّراءِ
***
يا عينُ ذوبي و انثُري لمُصيبةِ *** الزهراءِ فهي رزيَّتِي و رَثائي
ص: 452
يا للهوانِ علي الزّمانِ لعُصبةٍ *** غدَرَتْ بآلِ محمّدِ الأُمناءِ
ما ذنب أهل البيت عترةِ أحمدٍ *** سُحقاً لقومٍ مسَّهُم بِعداءِ
يا ربُّ فالعنْ غاصبيِهم حقَّهُم *** لعناً بكُلِّ صبيحةٍ و مَساءِ
و ابعَث إلي رُوحِ النَّبي وآله *** عنّي السلامَ فإنّهُم شُفعائِي
***
ص: 453
(بحر الكامل)
الأستاذ محمد علي الزهيري (*)(1)
(الصديقة الزهراء عليها السلام):
قد فجّرَ الشوقُ العظيمُ ولائِي *** متدفقاً كالنَّبْعِ من أعضائِي
و استلهمتْ نبضاتُ قلبي نغمةٌ *** فعزفتُها أنشودةً لنِدائي
طرِبَ الفؤادُ لها فهام بسحرِها *** فتحيَّرَ الإلهامُ في إيحائِي
و الروحُ ترقُصُ حولَ قلبي نشوةً *** و الفكر يرسُمُ و المِدادُ دمائِي
و العينُ قد سُحِرَتْ فلا بصرٌ بها *** و كأَنَّها في ليلةِ ظلماءِ
فإذا العيونُ تفتحتْ بخواطرِي *** و القلبُ أبصرَ من شغافِ صفائِي
فنظرتُ و الأشواقُ لما تنجلِي *** ما بين نشوةِ فرحتي و بكائِي
الكونُ يا للكونِ أشرقَ ساطعاً *** نوراً غدا كالدرةِ البيضاءِ
و خليقةُ الرحمن بين مهلِّلِ *** و مقدِّس و مسبِّحٍ بدعاءِ
فسألتُ قالوا قد أطلَّ علي الوري *** في الأرضِ نورُ البضعةِ الزهراءِ(2)
ص: 454
بُشراكَ يا خيرَ الأنامِ بمولد *** الإيمانِ و العرفانِ و العلياءِ
بشراكَ يا دوحَ الفضيلة كوثرٌ *** قد جاءَ فياضاً علي الأرجاءِ
فلتفرحِ الدنيا و ما حَمَلتْ وما *** في العالمينَ و بينَ كلِّ سماءِ
اللَّهُ ماذا أزهرَتْ بنوالها *** تزهُو به من عزةٍ قَعْساءِ
و يطوفُ جبرائيلُ حولَ فنائها *** فبخٍ لروحٍ حولَ أيَّ فناءِ(1)
و فيالقُ الأملاكِ تربضُ حولَهُ *** للَّه منْ شرفٍ ومن إعلاءِ
بابُ الإلهِ تقدّستْ بجدارِةِ *** و تشرّفتْ نُزُلاً بخيرِ نساء
لابنتَ عمرانٍ كفاطمَ رِفعةً *** لاسارةً لا مُرتقي حواءِ
سرُّ الإلهِ و أمرُهُ و نواله *** قد جاءَها من أشرف الآباءِ
و بها تقدَّس ذاكَ سرُّ وجودِها *** حملتْهُ في زهوِ إلي الأبناءِ
فغَدَوْا سراةً للهُدي من فاطِمٍ *** غذَتْهُمُ من نقطةِ للباءِ
***
للَّهِ من شرفٍ تقدَّس وصْفُهُ *** أدني سلالمُهُ علا الجوزاءِ(2)
قد أشرقَتْ نوراً بقدسِ صِفاتِها *** من قبلِ خلقِ اللَّهِ للأشياءِ
فرأَي عُلاها آدمٌ متحيِّراً *** لماتجلَّتْ عندَ كشفِ غطاءِ
تاجٌ عليها ذاكَ نور محمدٍ *** سرُّ الوجودِ و مصدُر الآلاءِ
و قلادةٌ يا للقلادةِ! نورُها *** المُرَتْضَي و الكفؤَ للأكفاءِ
و غدا لها قرطانِ شبلا قدُسِها *** حَسَنٌ وَ آخَرُ سيدُ الشهداءِ
سَجَدَتْ لهذا النورِ كلُّ ملائِك *** الرحمنِ و الأكوانِ بالإيماءِ
خلقتْ بألفي عامِ كل صحائفِ *** الألواحِ و الميزانِ و الإنشاءِ
قف: لا تسَلْ عنها خلاصةَ سرِّها *** جلبابُها للكونِ بُردُ ضياءِ
ص: 455
هيَ فوقَ عرشِ اللَّه يسطُعُ نورُها *** مذكانَ عرشُ اللَّهِ فوقَ الماءِ
***
جمعتْ لأضداد المكارمِ و النَّدي *** من عفّةٍ و صلابةٍ و نقاءِ
فيها النبوةُ و الإمامةُ أَشرقتْ *** ماذا تقولُ بلاغةُ البلغاءِ
لكنني أرنُو لكوثرِ فيضها ***كي أرتقي في مِدحتي و ثنائِي
مالي سوي أم الأئمةِ شافعٌ *** في يومِ حشري عدَّتي و رجائِي
و ببابِها قد جئتُ التمسُ الندي *** بابٍ عَقَدتُ لهُ رداءَ لوائِي
إن صابني دَهِري مسكتُ له عُري *** و إذا مرضْتُ ففيهِ كانَ شفائِي
قُولي أيا زهراءُ معني قد حوي *** خمساً من الأشباحِ تحتَ كساءِ
المُصطفي و المُرتضي و أبناهما *** و شفيعَتِي حرزي من الأعداءِ
ص: 456
و استحالَ العيدُ في أَعْماقِنا *** مَوْجَةً تَحْفُقُ للزَّهرا وَلاءَ
ها تَري القلبَ و قد رَفَّ لها *** و استثارَ الفكرَ نَظْماً و أداءَ
فَاهْزَج الذكري بأنغامِ الوَلا *** و أفِضْها في شَذا العِظَرِ هَناءَ
وَ اقْرَأ التاريخَ في واقِعِها *** آيةٌ تَبْعَثُ للقلبِ اهتداءَ
حيثُ تَزْكُو النفسُ في نَيِّرِها *** و بها تَجْلُو عن العينِ العَماءَ
فلقدْ أَعْقَبَها البُعْدُ عِشاءً *** فَاهْدِها من كوكبِ الزهرا جَلاءَ
ليلةَ العيدِ و يا فَخْرَ الدُّنا *** ساعةَ البِشْرِ ويا صُبْحاً أَضاءَ
صَوِّرِي الحفلَ أَعِيدِي مَجْدَهُ *** صَوِّرِي الإبْداعَ في حيثُ تَراءَي
صَوْرِي الزَّهراءَ بَدْراً قَدْ جَلا *** سُحُبَ الغيبِ و أَذْكاها ضياءَ(1)
صَوِّرِيها وَرْدَةٌ فاحَ بها *** عَبَقُ الطَّيبِ و قد عَمَّتْ شَذاءَ
فَتَهادَيْنَ(2) بها في شَغَفٍ *** سيداتُ الحَفْلِ يَنْشُدْنَ الشَّدَاءَ
صَوِّريها مُصْحَفاً يَلْتُمْنَهُ(3) *** في وَقارِ الحُبِّ إذ دارَ اعتناءَ
صَوِّرِي أُمَّ الهَنا في بَهْجَةٍ *** وَ هْيَ تَتْلُو الذكرَ اللهِ ثَناءَ
صَوِّرِي المختارَ إِذْ تَعْمُرُهُ *** فَرْحَةُ الحُبِّ فَيُولِيها احتِفاءَ
وَ يُحَلِّيها باسمِ فاطِمٍ *** شَقَّهُ اللهُ لها منه ابتداءَ
يابنة المختارِ مَجْداً وَعَلاءً *** يا بنةَ المختارِ طُهْراً و نَقَاءَ
يا بنةَ المختارِ فِكْراً ثاقباً *** يا بنةَ المختارِ هَدْياً و عَطاءَ
يا بنةَ المختارِ رُوحاً حُرَّةً *** يا بنةَ المختارِ عَزْماً وَ مَضاءَ
هكذا يَعرضكِ الواقِعُ لا *** يَبْتَغِي زُوراً و لايَبْغِي افْتِراءَ
هكذا الحالُ يقص العُلَماء *** و إلي الذَّرْوَةِ يُعْلِي الجُهَلاءَ
ص: 458
أمِنَ الإنصافِ تَقْضِينَ بها *** كَمَداً(1) في غَمْرَةِ الحُزْنِ انْطِواءَ(2)
و يعيشُ البِشرَ أقوامٌ لهم *** قَعَدَ الدهرُ فأَضفي وأفاءَ
و علي الحرمانِ تَطوِينَ و قد *** و سَّعوا كَفَّاً و عاشُوهُ ثَراءَ(3)
وَ زَكَي الأمنُ لهم حتّي غدا *** مُحْكَمُ الأمرِ لهم شاؤوا فَشاءَ
و أتاكِ الشرُّ للبيتِ و ما *** حَفِظَ البيتَ و لاأَضْفَي حِماءَ
حيثُ وَفَاكِ علي أرْجافِهِ(4) *** ويحَ ذاكَ البابِ ما صَدّ الأذاءَ
ثم لم يُرْضِهِ خِذْلانٌ و قدْ *** أَرْسَلَ المسمارَ للصدرِ اعتِداءَ(5)
ص: 459
(بحر الخفيف)
السيد محمد علي العلي(*)(1)
بارِكي حَفْلَنا هَبِيهِ ارْتِقاءَ *** إِنَّنامِنْكِ نَسْتَمِدُّ العَلاءَ
بارِكي حَوْزَةَ العُلُومِ بِجُهْدٍ *** فَهْيَ لَوْلاكِ لَمْ تَرِفَّ لواءَ
بارِكينا فَإِنَّنا لِمَعِينِ الفَضْلِ *** مِنْ كَفْكِ لَنَشْكُو الظَّمَاءَ
وَ هَبينا مِنْ كَفْكِ اللُّطْف في *** الدُّنْيَا و َيَوْمَ الحِسابِ مِنْهُ النَّجاءَ
ليْلَةُ العِيدِ حانَ وَقْتٌ لها *** الذِّكْرَي فَهَيّا لِرَبْعِها إسراءَ
جَدْدِي مَوْكِبَ الهَناءِ أَعِيدِي *** فَرْحَةَ البِشْرِ تَمْلأُ الأجواءَ
عَطِّري الحَفْلَ بِالمدِيِح لأهْلِ *** البَيْت لا الشِّعرَ نَعُمَةً و غِناءَ
هاكِ مِنّا القُلُوبَ أَجْنِحَةَ الطَّيْرِ *** إذا ما خَفَقْنَ فيكِ وَلاءَ
إيهِ يا ساعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِمراسيمَ لا تَمَلُّ لِقاءَ
إيهِ يا سَاعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِنُجُومٍ مَلأْنَ فيكِ السَّماءَ
إيهِ يا ساعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِزَغارِيدَ تَبْعَثُ الأَضداءَ
لأُلِئِي يا أَشِعَّةَ النُّورِ حتّي *** يستحيلَ الرَّبْعُ الكَرِيمُ ضِياءَ
وَ أَزحْ يا ستارُ عَنْ ساحَةِ *** القُدْسِ فَقَدْ مَلَّتِ العيونُ المَلاءَ
أنْتَ يا طَوْقَها المُدِرَّ جَلالاً *** مِنْ نِساءٍ أَقَمْنَ فيك حماءَ
ص: 460
مِلْ فَدَتْكَ النُّفُوسُ عَنْ *** كَعْبَةِ المَجْدِ لِتُعْطِي عُيُونَنا اسْتِجْلاءَ
هذِه فاطِمٌ تَجَلَّتْ كَوَجْهِ *** الشَّمْسِ قَدْ عَادَ مُشْرِفاً وَضّاءَ
وَ هُيَ ذِي رَبَّةُ الكَمالِ أَراها *** بَسَطَتْ كَفَّها تُريدُ الثناءَ
بِمَقَالٍ مِنْها الشفاءُ تُعاطِيهِ *** مراراً فلا تَمَلُّ الدُّعاءَ
رَبِّ أَنْعَمْتَ مَنْ تُراها كَمِثْلِي *** سَعِدَتْ إذ وَهَبَتْنِي الزَّهْراءَ
لاوَحَقِّ السَّماءِ يا أُمُّ ما *** فُزْنَ نِسَاءٌ وَ إِنْ عَظُمْنَ حِباءَ(1)
مِثْلَما فُرْتِ غَيْرَ أُمِّ رَسُولِ اللهِ *** حازَتْهُ سَبْقَةً و ابتداءَ
أَنْجَبَتْ لِلرَّسُولِ وَ هُوَ أَبُوالطُّهْرِ *** لها الفَخْرُ مِنْ عُلاه انتماءَ
غَيْرَ أُمِّ الوصيِّ وَ هُوَ قَرِينٌ *** عَدِمَتْ غَيْرَ شَخْصِهِ الأَكْفَاءَ
قَدْ تَشاطَرْتُمُوهُ صَرْحَ *** الكَمالاتِ وَ مِنْكُنَّ قامَ فِيهِ بِناءَ
وَ أَتتْ فاطِمٌ لِتُكْمِلَ ذاكَ *** الصَّرْحَ في حَيْثُ أَنْجَبَتْ أبناءَ
أخْتُ يا مَبْعَثَ السَّعادَةِ إمّا *** رُمْتِهِ الدِّينَ مَنْهَجاً بَنَّاءَ
أُخْتُ يا مَنْبَعَ القَداسَةِ إِنْ *** أَحْسَنتِ في نَهْجِها البَتُولَ اقْتِداءَ
فَخْرَةَ الجيلٍ إِن سَعِدْتِ فَأَصْفَيْتِ *** عَلَي مَظْهَر السُّلُوكِ حَياءَ
وَ لكِ الفَخْرُ بالبَتُولِ فَقَدْ *** أَضْفَتْ علي المَجْدِ عِفَةً وَ إباءَ
فَلَكِ فيه حادثٌ لابْنِ مكتومَ *** اعتبارٌ يُسلِّطُ الأَضْواءَ
يَوْمَ جَاءَ النَّبِيُّ يَطرُقُ لِلْبابِ *** وَ لِلطُّهْرِ زَوْرَةً قَدْ شاءَ(2)
فأجابَتْ بالإِذْنِ منها وَلكِنْ *** عَلَمتْهُ مُصَاحِباً قَدْ جَاءَ
فأَرادَتْ لها الحِجابَ فَرَاحَتْ *** تعِطِهِ عن دُخولِهِ أرْجاءَ
ورآها في الدَّارِ حِين رآها *** وَ هُيَ وَسْطَ الحجابِ تَقْضِي انْطِواءَ
قالَ أَعْمَي هذا ابنُ مَكْتُومَ *** يابنتُ أجابَتْ فلم أكُنْ عَمْياءَ
ص: 461
هكَذا تَبْرُزُ الكَرامَةُ و *** العِفَّةُ شَأْنَ أُجِلُّهُ إِطراءَ(1)
وَ سُؤالُ الرَّسُولِ مَا الخَيرُ *** لِلْمَرْأَةِ في حِينِ سَاقَهُ إنشاءَ
فأَجابَتْ أَنْ لايَراها *** رَجُلٌ لا و لاتَراهُ ابتداءَ
وَ يَهُزُّت الرَّسُولَ بِالفَخْرِ هذا *** القولُ إذْ كَانَ حِكْمَةً نَجْلاءَ(2) (3)
ص: 462
(بحر الخفيف)
السيد محمد علي العلي(*)(1)
هَلَّلَتْ بِاسْمِ عِيدِكِ الأجواءُ *** يا سَماءً وَ أَيْنَ مِنْكِ السَّماءُ
أَيْنَ مِنْكِ السَّمَاءُ شَأناً و فَضْلاً *** وَ لأَنْتِ الفخارُ و العَليا
أَيْنَ مِنْكِ كَوَاكِبُ الأُفْقِ فِيها *** أَيْنَ مِنْكِ العَيُّوقُ و الجَوْزَاءُ
أَيْنَ مِنْكِ نُجومُها في ائْتِلاقٍ *** أَيْنَ مِنْكِ السِّماكُ(2) وَ الزَّهْراءُ
أين منكِ الشمسُ المنيرةُ في *** الضوءِ و أنتِ الإشراقُ و الأَضْواءُ
كَيْفَ يَدْنُو إِشْرَاقُها مِنْكِ في *** النُّورِ وَ أَنْتِ المُضِيئَةُ الزَّهْراءُ(3)
إِنَّ بَدْرَ السَّمَاءِ يَسْتَلْهِمُ النُّورَ*** مِنَ الشَّمْسِ إِذ به وضاءُ
وَضِياكِ يَمُدُّ في عالمِ القُدْسِ *** مِنَ المُصْطَفَي وَ فِيكِ الجَلاءُ
أُفُقُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ وَ أَنْتِ *** فَوْقَ أَرْضِ القُلُوبِ مِنْكِ اعْتِلاءُ
تُشْرِقُ الشَّمْسُ في السَّمَاءِ لِتُعْطِي *** الأَرْضَ نُوراً فَتُذْكِها الأَضْواءُ
وَ لأَنْتِ إِذا بَزَغْتِ فَمِنْكِ *** فَوْقَ أَرْضِ القُلُوبِ يَسْرِي اهتداءُ
مَبْعَثُ النُّورِ مِنْكِ فِيهِ حَيَاةُ *** النَّفْسِ إذ فِيهِ لِلْهُدَي إيواءُ
ص: 463
فَلَكُمْ دُونَكِ مِنَ البُعْدِ آفاقٌ *** تَعالَتْ أَنْ يَطْوِها الإسْراءُ
أيْنَ مِنْها إِدْراكُكِ في سباقٍ *** بَعُدَتْ دونَ سَبْقِها الأَجْواءُ
فَمِنَ المُصْطَفَي تَوَلُّدُكِ الميمونُ *** رُوحُ الجَلالِ وَ هُوَ البَداءُ
وَ عَلِيٍّ إذ كانَ بَعْلاً مقامٌ *** لم تُشارِكْ في شَأنَهُ العَذراءُ
وَ لَكِ في السُبْطَيْنِ آيَةٌ قُدْس *** ما احْتَوَي كُنةَ ذاتِها الإطراءُ(1)
عَقَدَ المَجْدُ فوقَ مَفْرِقِكِ الوَ *** ضَاء تاجاً يَضِيقُ عنه الثَّناءُ
أَنْتِ يا ساعَةَ الوُجُودِ الَّذِي *** جَلَّي فَضاءَتْ مِنْ نُورِهِ البَطْحاءُ
حَدِّثِينا حَدِيثَكِ فيه شوقٌ *** منْهُ تَحْلُو في ذِكْرِها الأَنْباءُ
عَطَّري الحَفْلَ في شَهِيَّ فُصولٍ *** منْهُ تَحْلو في ذِكْرِها الأَنْباءُ
حَدِّثِينا عَنِ الرَّسُولِ عَنِ البَسْمَةِ *** تَعْلُوهُ حِينَ جَلَّ الحباءُ
حَدِّثِينا عَنْ فاطِم حِينَ تَلْقاهُ *** وَ في كَفِّهِ لَها إيماءُ
وَ تَراها تَهْتَزُّ بِشْراً إلي *** لُقْياهُ إِذْ شاقَها لَهُ الإِيواءُ
وَ تَمُرُّ الشَّفاهُ تَلْتُمُ بالحبِّ *** جَبيناً يَشِعُّ فيهِ السَّناءُ(2)
و تري الإِصْبعَ الكَرِيمَ علي *** الثَّغْرِ وَ لِلنُّطْقِ مِنْ هُداهُ ابْتِداءُ
و تراها خدِيجَةٌ وَ هْيَ أُمِّ *** أَدْرَكَتْ حِلْمَها وَ حَقَّ الهَناءُ
يَرْقُصُ القَلْبُ بَهْجَةً وَ لَهذا *** في اخْتِلافِ الشَّفاهِ مِنْهَا ثَناءُ
تَحْمَدُ الله أن تُحَقِّقَ ما تَصْبُوهُ *** إِذْ جَلَّ بِالبَتُولِ العَطاءُ
يا بَتُولَ النساء يا مَنْ تَسامَتْ *** في كَمَالٍ فَجَلَّ ذاكَ العَلاءُ
وَقْفَةٌ في رحابِكِ الطاهِرِ *** الأَقْدَسِ إِذْ فيهِ تُدْرَكُ الآلاءُ
و ابتهالاً إِلَيْكِ مِنْ خَالِصِ *** القَلْبِ لأمرِ يَحِقُّ فيهِ الرَّجاءُ
ص: 464
أو إنّ الحَيَاةَ لَيْسَتْ ضَماناً *** فَبِنا كَمْ تُطوّحُ البَلْواءُ
وَ لإبْلِيسَ ألْفُ أَلْفِ يَمِينٍ *** لَوَّحَتْ وَ هُوَ شَأْنُهُ الإِغْوَاءُ
وَ خُبُوطٌ يَمُدُّها لاضطيادٍ *** كَثُرَتْ فَهيَ فِتْنَةٌ عَمْياءُ
وَ هَبي أَنَّنا نَجَوْنَا فَلَنْ نُخْدَعَ *** فِيما تُعِدُّهُ الأعْداءُ
و سَريْنا علي الطريقِ لِنَهْجِ *** الحقِّ نَقْفُوهُ لنْ يَكونَ شقاءُ
أَيْنَ يومُ الوَعِيدِ وَ المَوقِفُ *** المُخْرِجُ حين الحسابُ و البَأساءُ
أَيْنَ هَوْلٌ يشيبُ ناصِيةَ الطَّفْلِ *** و تُلْهِي المرضعةَ الضَّراءُ
وَ كِتابٌ لَمْ أَدْرِ ما فِيهِ يَحْوِي *** طالَعَتْنِي أوراقُهُ السَّوْداءُ
و به يَخْرَسُ اللسانُ وَ يُبدو *** مِنْ أَكُفَّ و أَرُجلٍ إدْلاءُ
كَيْفَ ِلي وَ النَّجاءُ إِنْ لم تَنَلْنِي *** بجليلٍ مِنْ لُطْفِها الشَّفَعاءُ
فَاحْسِبينا يا أُمُّ فيمَنْ تُنَجِّيهِ *** مِنَ الهَوْلِ لَقْطَةٌ غَرّاءُ
حِينَ يَمْتَدُّ كَفَّكِ و بِأَمْرِ *** اللهِ تَجْرِي من فيضهِ النَّعْمَاءُ
وَ هُوَ جارٍ لَكِ مِنَ اللهِ تكريماً *** و في شَأْنٍ فَضْلِكِ إِبْداءُ(1)
أنتِ يا أخْتُ و الزَّمانُ تَعالي *** في طِرازٍ فَكُلُّ يَوْمٍ قُباءُ
أفَتُغْرِيكِ حَياةُ خادعةٌ؟ *** عن حِمَي الصَّوْنِ دامَةٌ شَمْطاءُ(2)
وَ قَمِيصُ يَشفُ عن ناعِم *** الجِسمِ فيبدُو و كُلُّهُ إِغْراءُ
فِتْنَةٌ يَسْتَلْمِذُها الطَّائِشُ *** النَّزْقُ و لَم يُدْرِ في اللَّذِيِذِ الدّاءُ(3)
اتضيعُ الحياةُ ما بَيْنَ مكياجٍ *** وَ ثَوْبٍ تُعِدُّهُ الأزياءُ؟
أكَذا سُنَّةُ الحَياةِ فَيَلُهُو *** عاقِل تَسْتَخِفُهُ الأهواءُ؟
ص: 465
أفلا يَعْنيكِ العَفافُ أَلا *** يُدْنِيكِ في الطُّهْرِ لِلْبَتُولِ اقْتِداءُ
فَلَكِ مِنْ سُلوكِها الطَّيِّبِ *** المَأْخَذِ صَوْنٌ وَ عِفَّةٌ شَمَّاءُ
وَ حِجابٌ يَزِينُكِ في وَقارٍ *** وَ هُوَ الدَّرْعُ و الحِمَي و الوِقاءُ
عَنْ عُيُونٍ يَريقُها يَخْطَفُ *** المَجْدَ فَيَبْدُو مِنْ لَحْظِها إِزْرَاءُ
إيهِ يا حَوْزةَ العُلُومِ و حَسْبِي *** في بيانِي عَنْ نَعْتِكِ الإيماءُ
أَفَتَحْظَي بالمَكْرُمَاتِ و تُغطي *** المَجْدَ بِالعَدْلِ أُمَّةٌ خَرْساءُ
تَرَكَت وَاجِبَ البَيانِ لأمرٍ *** عِندَهُ لَيْسَ يُحْمَدُ الإغضاءُ
أَفَهَلْ تُدْرِكُ المَعالِي أَكُفٌّ *** عَنْ مَجارِي مَنالِها شَلاًءُ
فَحَذارِ مِنْ خُدْعَةِ النَّفْسِ أَنْ *** نَلْهُو فَيَنْهارَ مَقْصِدٌ بَنَّاءُ
وَ يَضيعَ الزَّمانُ في تافِهِ الفِعْلِ *** و تَحْكِيهِ صُورةٌ شَوْهاءُ
وَ يَعُودَ التَّحْصِيلُ لَقْلَقَةَ *** الألسُن قَوْلاً و كُلُّه أَخْطاءُ
فَلَدَيْنا مِنْ واجِبِ نُثْقِلُ *** الكاهِلَ منه في حَمْلِهِ الأَعْباءُ
فَهُنا الجهلُ أطبقَ الأُمَّةَ و قد *** طالَ في لَيْلِهِ بها الإِغْفاءُ
تَتَمَنَّي لَوْمَدَّها بارِقُ العِلم *** بِنُورِ يُجْلَي بِهِ الإعشاءُ
فَيَزُولُ السُّباتُ عَنْها وَ تَحْيَي *** بِنَشاطٍ من جِسْمِها الأَعْضاءُ
وَ هُنَاكُمْ تَجَمَّعَتْ و قَدِ اسْتَعْصَتْ *** عَنِ الحلِّ قضايا يُرْجَي لها الإنْهاءُ
فلهذا يَحْلُو النَّشاط و تُذْكِي *** جَمْرَةُ العَزمِ إِنْ دَهَي إعْياءُ
كُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّ مِنْ زَهْرَةِ العُمْرِ *** فَناءٌ وَ عَزَّ مِنَّا الفَناءُ
دُونَ أَنْ تَنْقَضِيْ الحَياةُ بِشَيْءٍ *** حَقَّ مِنّا في مِثلِهِ الإفناءُ
عَزَّ أَنْ يُشْتَرَي بِبَخْسٍ *** وَ نُعْطِيهِ رَخِيصاً إِذْ حقُهُ الإِبقاءُ
ص: 466
(بحر الوافر)
الأستاذ محمد محمد الجنبيهي
لَعَجْزِي عَن مَدِيحِكُمُ الثَّناءُ *** وَ ما بِعَطائِكُمْ يُحْكَي العطاءُ
وَ مِنْكُمْ حَيَّرَ الأَلْبابَ وصفٌ *** وَ يُغْنِي عَن مَدِيحِكُمُ العَباءُ(1)
أَيا آلاً لِخَيْرِ الخَلْقِ َطراً *** أَهَلْ أَنتُمْ وَمَنْ عَظُمُوا سَواءُ؟!
و دونَ الدُّونِ أَعْظَمُ مَنْ رَأَيْنا *** وَ لَوْلا حُبُّهُ لَكُمُ يُسَاءُ
وَ أَصْلُ النّورِ فِيكم مِن رسولٍ *** لذلك يُبْهجُ الدُّنيا الضِّياءُ
وَ وَاسِطَةٌ لِفَخرِكُمُ «بتولٌ» *** و أنتمْ أَنْجُمٌ وَ هِيَ السَّماءُ(2)
و«فاطِمُ» ما رأَيْنا مِن مَثِيلٍ *** لَها مِنْ رَبَّةٍ جَلَّ الوِلاءُ
فكُلُّ الخَلْقِ بَعْدَكُمُ عَطَاءً *** لِرَأْسِ الخَلقِ عِنْدَكُمُ انْحِناءُ
وَ أَفكارُ البَرِيَّةِ فِيكِ حارَتْ *** وَ يُدْهِشُهُمْ إِذَا نَظَرُوا البهاءُ
ص: 467
وَما لِلنَّاسِ إِلا قَوْلُ حَقٍّ *** إِلهُ الخَلقِ يَخْلُقُ مَنْ يَشَاءُ
فأصلُكِ مِن جِنانِ الله خَلقاً(1) *** وَ أصْلُ الخلقِ هُم طينٌ وَماءُ(2)
و أقرَضْتِ الإلَهَ نَعِيمٌ عَيْشِ *** وَ كَمْ يَسْمُو بِسَيِّدَتي العَناءُ
يفَقرِكِ قد رضيتِ طويلَ عُمرٍ *** و عندَ اللَّهِ يَهنِيكِ العَناءُ
و لِلرَّحْمنِ أملاك تَصَدَّتْ *** لِرِزْقِكَ، مِنْهُمُ دارت رَحاءُ(3)
ص: 468
وَ سُخْطُكِ مُغْضِبٌ رَبَّ البَرايا *** بِعَطفِكِ في الوَرَي يحلو الرِّضاءُ(1)
و عند مُباهلاتٍ من رسولٍ *** يُحَصِّنُ فخَرَكُم منه الكِساءُ(2)
وَ يَمْنَعُ زَوْجَةً تَرْجُو دُخُولاً *** فكُلُّ النَّاسِ في فَضْلِ وَراءُ
و عنكُمْ (هَل أتي) للنَّاسِ تُنْبِي *** و هل يُخْفِي ضِياءَكُمُ الخِباءُ(3)
ص: 469
أرادَ الله تطهيراً لآلٍ *** فطابَ لِقَلْبِكُمْ منه الصَّفاءُ
فَلا حَيضٌ يُلَوْتُ مَن تعالَت *** يدومُ لِرَبِّها منها الدُّعاءُ
و مَا مَنَعَ النَّفاسُ لأيِّ طُهرٍ *** لِبَضْعَةِ مَن بِهِ عَمَّ السَّناءُ(1)
وَ عَنْهُ تَعَجباً قال المُفَدّي: *** أمِثلُ (بتولنا) فيكُم نساءُ
و(جَبْرائيلُ) يرجو كُلَّ قُرْبٍ *** لِسُدَّتِكُمْ فَيَهْنِيهِ ارتقاءُ(2)
و هذا فَخُرُكُمْ لا فَخْرُمُلْكٍ *** و إِنَّ المُلكَ في الدُّنيا شقاءُ
نَعَمْ أَنتُمْ مُلُوكٌ في نَعِيمٍ *** وَ يَنْعِمُكُمْ لِرَبِّكُمُ الولاءُ
و أَنْتُمْ سادةٌ لِلْخَلْقِ جَمعاً *** وَ لَيْسَ لِفَضْلِكُمْ فينا انتهاءُ
فسادةُ قَومِنا (حَسَنُ) (حُسَيْنٌ) *** وَ (فَاطِمُ) لَيْسَ يَعْلُوهَا عَلاءُ
ص: 470
و في عَرَصاتِ حَشْرٍ لِلْبَرَايَا *** بِغَضَّ الطَّرْفِ قَدْ جاءَ النِّداءُ(1)
فَبِنْتُ (محمَّد صلي الله عليه و آله و سلم) جاءَتْ صِراطاً *** وَ أَنْوَارُ الإِلهِ لَهَا الغِطَاءُ
بِها مِثْلي اسْتَعاذَ مِنَ الْخَطايا *** و مِن أفنائِها مُنِعَ الشَّقاءُ
ومأزومٌ بها يرجورخاءً *** وَ لِلْمَرْضَي لَقَدْ ضُمِنَ الشِّفاءُ(2)
فلا يَعْصي الزَّمَانَ لَها طَبِيبٌ *** و لا يُخْشَي بِحُبِّهِمُ البَلاءُ
فهم حِصْنٌ منيعٌ لِلبرايا *** و هُمْ فيهِمْ لِمِحْنَتِهِمْ وِقاءُ
و كلُّ الخيرِ يُسْبِغُهُ إِلهِي *** لِمَنْ يُدْنِيهِمُ مِنْهُمْ رَجَاءُ
هُمُ النَّهرُ الَّذي يَجْرِي دَوَاماً *** وَمِنْ عَذْبٍ لَهُ يُرْجَي ارْتِوَاءُ
وَيُحْشَرُ مَنْ أَحَبَّ كِرامَ قَوْمٍ *** بِدارٍ لَيْسَ يَدْنُوها العَناءُ
فَيَرْفُلُ في نَعِيمٍ مِنْ خُلُودٍ *** وَ ذَاكَ لِحُبِّ سَادَتِنا الجَزاءُ(3)
(عَلَيْهِم دائماً أبداً صَلاةٌ *** من الباري المُهَيْمِنِ وَالثَّناءُ)
ص: 471
سَاورتْني الهمُومُ و اللأواءُ *** وَ غَزَتْني الأسقَامُ وَ الأدواءُ(1)
فَلِمَنْ أشتَكي هُمومِي ومَمَّنْ *** أطلُبُ العَونَ حَيثُ ضَاقَ الفَضَاءُ
بِتُّ ليلي لا يَألفُ النَّومُ عَيني *** فلياليَّ كُلُّها سَوداءُ
ضَاقَ صَدري من قَسْوَةِ الهمّ حَتَّي *** كَادَ يَخبُو(2) مِنَ الشّفاءِ الرَّجَاءُ
لَمْ أَجِدْ بَلْسَماً يُخفّفُ عنّي *** لَوعَتي أو يكُونُ فيهِ الدَّوَاءُ
غَيرَ قُطب الوُجُودِ زِينَةِ عَرشِ اللَّهِ *** وَ المنتهي إليها الثنَاءُ
ص: 473
هِيَ سِرٌّ تحارُ فيها البرايَا *** هِيَ ضَوءٌ لاذتْ بهِ الأضواءُ
هِيَ فَخرٌ لِلكائِنَاتِ جميعاً *** هِيَ - يا صَاحِ - فَاطمُ الزهراءُ
***
فأبُوهَا سَمَتْ بِهِ الأنبيَاءُ *** وَ بَنُوهَا الأئمَّةُ الأصفيَاءُ
بعلُها فَاخَرتْ بهِ الأوصيَاءُ *** فَضلُها طأطأتْ لهُ العُظَمَاءُ
هِيَ بدرُ الدُّجَي وَ نفحَةُ قُدسٍ *** قد تجلّي في كُنهها الكبريَاءُ
هِيَ شمسُ الضُّحَي وَ لمحَةُ قبسٍ *** قَد تجلّي بِصدرِها اللألاءُ
خصّها اللَّهُ ربُّنا بِمزايا *** لم يَنَلْها الأبرَارُ وَالأوليَاءُ
وَ حبَاهَا بِالمجتَبي وَ حُسَينٍ *** حَيثُ لم يُحْبَ مِثلَها الأَنبِيَاءُ
أذهبَ الله ربُّنَا الرجسَ عَنْهُم *** أهلُ بَيتٍ قَدِ احتواها الكِسَاءُ
***
حرّ قلبي لها لما قَد أضَاعَ ال_ *** _قَومُ من حقّها وَ ما قَد أساؤوا
ليتَ شِعري نَسوا وَصَايَا أبِيها *** فَعصَوا أمرَهُ وَ قَلّ الوفَاءُ
مَنْعُوا أَرثَها الذي كَانَ مِن ربّها *** عَطاءاً وكَانَ مِنهُمْ جَفَاءُ
أغْضَبُوهَا وَ أغْضَبُوا الله فيها *** نَقَضُوا عَهْدَهُم وَ بِالظُّلمِ بَاؤوا
غَصَبُوا نِحلةً حَباهَا أبوهَا *** كذّبوا قولَها و بَالكذبِ جَاؤوا
ظلمُوا بَعلَها الوَصِيّ وَ قَادُو *** هُ بِتلبِيبِهِ وَحُمَّ البَلاءُ(1)
أحرَقُوا بابَها المعظَّمَ شَأناً *** بكَتِ الأرضُ عِنْدَهَا وَ السَّمَاءُ
أحرَقُوهُ وَ خَلفَهُ بِنتُ طه *** وَ هْيَ حَسْرَي وَ قَد عَلاهَا البُكَاءُ
كَسَرُوا ضِلْعَها بِعَصرِهُمُ البَا *** بَ فَنَادَتْ وَ لا يُجَابُ النّداءُ
أسقَطُوا مُحسِناً فَطَاحَتْ وَ صَاحَتْ *** وَ عَليها مِنْ ذِي الجَلالِ بَهاءُ
ص: 474
وَ إذا حَيدَرٌ يُلَبّي نِداهَا *** فأحَاطوا بهِ وَ هُمْ دُخَلاءُ
عَجَباً لِلذَّئَابِ تَقْتَادُ لَينَاً *** أفلَيْتٌ يقتَادُهُ الجبنَاءُ ؟!
فَدَعَتْهُمْ خَلّوا ابنَ عمّي وإلاّ *** نَالكُم مِنْ عَذابِ رَبّي بَلاءُ
هُم يَدُعُّونَهُ بِعُنْفٍ وَ تَحمِيهِ *** بِعطفٍ وَ الله منهُمْ بَرَاءُ(1)
لَوّعُوها بِالسَّوطِ ضَرباً فَمَاتَتْ *** وَعَلَي المتنِ بُقعَةٌ زَرقَاءُ
أبهذا أوصَي أبوهَا وَ هَذا *** لِلرَّسُولِ الأمينِ كَانَ جَزاءُ ؟!
أفَبِنْتَ النَّبِيّ تُظْلَمُ قَسراً ؟! *** تِلْكَ وَ اللَّهِ طِخْيَةٌ عَمْيَاءُ(2)
أفبِنْتَ النَّبِي تُدفَنُ سِرّاً ؟! *** تِلكَ وَ اللَّهِ محنَةٌ نَكْرَاءُ
هي أوصَتْ ألاّ يُصلُّوا علَيها *** لايُشيّعْ جُثْمانَها الأعداءُ
سَلْ إذا زُرتَ طيبَةً عَنْ ثَراهَا *** أينَ قَبرُ البتُولِ أينَ الثّواءُ ؟!
أينَ ضَاعَتْ وَ كَيفَ أوصَتْ بِأنْ لا *** يحضُرَ الظَّالمونَ وَ الغُربَاءُ ؟!
هِيَ كَانَتْ غَضْبي علي ظالميها *** وَ اسْتَمَرّتْ حَتي يَحينَ الجَزَاءُ
و إذا زُرتَ بَيتَها فَتَذكَّرْ : *** هَجَمةُ القَومِ هَجمَةٌ شَنْعَاءُ
ذاكَ بَيْتُ كَانَ الرَّسُولُ يُوافيهِ *** وَ فيهِ مَودّةٌ وَ صَفَاءُ
ذاكَ بَيتٌ لم يَأتِ جِبريلُ إلاّ *** بَانَ منْهُ مَحبَّةٌ وَ وَلاءُ
ذاكَ بَيتٌ قَد طَهّرَ الله مَنْ فيهِ *** هُمُ الأتقيَاءُ وَ الأصفِيَاءُ
فيهِ يَأوي محمَّدٌ وَ عَلِيٌّ *** وَلَدَاهُ وَ فَاطِمُ الزَّهرَاءُ
هَتكُوا قُدسَهُ وَ قَد بَانَ مِنْهُمْ *** لِذَوِيهِ ضَغينَةٌ وَعِداءُ(3)
بَذَرُوا بَذرَةَ الشَّقاقِ وَ سَنّوا *** سُنّةَ الظُّلمِ كَي يَسُودَ الشَّقَاءُ
دنّسُوا حُرمَةَ الخِلافَةِ حَتَّي *** نالَها الأدعِيَاءُ وَ الطُلَقَاءُ
سَلَبُوا الحقَّ مِنْ أولي الأمرِ غَصْبَاً *** لِيَسُودَ الدَّهِمَاءُ وَ الغَوغَاءُ(4)
ص: 475
كَمْ أُثيرتْ مِنْ أجلِ ذاكَ حُرُوبٌ *** طَاحِنَاتٌ وَ كَم أريقَتْ دِمَاءُ
سَارَ آبا ؤهُمْ علي مَنْهَجِ الظُّلْم *** وَ سَارَتْ مِنْ بَعدِهَا الأَبنَاءُ
بدّلُوا النُّورَ بِالظَّلامِ فَسَادَتْ *** ظُلمَةٌ وَ اكْفَهرّتِ الظَلمَاءُ(1)
وَفَشَا في الأنَامِ قَتلٌ وَ سَلَبٌ *** وَ اعتِقَالٌ و فِتنَةٌ و اعتِداءُ
كُلُّ هَاتيك في رِقَابِ أُناسٍ *** أسَّسُوا مَا عَلَيهِ قَامَ بِنَاءُ
فَابتِدَاءُ الطُّغيانِ قَد كَانَ مِنْهُمْ *** وَ إِلَيهِمْ يَعُودُ مِنْهُ انْتِهَاءُ
ص: 476
النُّورُ فاضَ بمكّةٍ فَأَضاءَها *** فَلْتَنْسُجِ البَطْحاءُ منهُ رِداءَها(1)
وَالكَعْبَةُ الغَرّاءُ يَغْسِلُ وَجْهَها *** بِالْعِطْرِ مَا سَاقَي الهَوي بَطْحاءَها
قَمَرُ السَّماءِ أَطَلَّ مِنْ عَلْيَائِهِ *** وَهَفا إِلَيْها لاثِماً عَلْياءَها(2)
وَ تَها تَفَتْ زُهْرُ النُّجومِ بِرَمْلِها *** شَوْقٌ يُهَدْهِدُ بالجَوي حَصْباءَها(3)
ص: 478
ما كَوّلَ إِلاْ وَ أَوْجَعَ قَلْبَهُ *** فَاخْتَارَ قَلْبُ محمدٍ زَهْراءَها(1)
يَا كَعْبَةَ اللَّهِ اهْتِفِي وَ تَعَطَّفِي *** حَتَّي يَزُورَ العِطْرُ فيكِ فِناءَها
وَ تَبَرَّجِي فَرَحاً بِزَهْرَةَ دَوْحَةٍ *** باهَتْ بها أَرْضُ الحجازِ سَماءَها
أَقْسَمْتُ لَوْ مُدَّتْ عليهِ غُصُونَها *** لَكَسَتْ بِوارِفِ ظِلّها صَحْراءَها(2)
وَ لَسالَ وادِيها يُرَوِّي عَذْبَهُ *** دُنْيا تُساقِي الظَّامئينَ رُواءَها
و اللَّيْلُ هَلْ يَدْرِي سَيَخْلَعُ لَوْنَهُ *** للنُّورِ لَوْلاقَي هناكَ ذُكاءَها
هذِي الحِجارةُ في شَوامِخِ مَكَةٍ *** خَشَعَتْ وَشَاطَرَتِ السَّما نَعْماءَها
وَ لَو أنَّها اسْطاعَتْ تَذُوبُ مَحبَّةً *** لَسَعَتْ يُغَيِّرُ شَوْقُها أَسْماءَها
نامَتْ قُرَيْشٌ عَنْ تَمَلْمُلِ لَيْلَةٍ *** نَصَّتْ عَلي الحَرَمِ المنبعِ خِباءَها(3)
وَ تغافَلَتْ مُضَرٌ عَنِ الأَفْقِ الَّذِي *** غَطَّي بِخُضْرَةِ مَوْجِهِ حَمْرَاءَها
لِتُزَفَّ قافِلَةٌ تَطَامَنَ(4) خَطْوُها *** فَسَرَتْ وَرَدَّدتِ الجبالُ حُدَاءَها
الأَعْيُنُ الحَيْرَي يُصارعُ بَأْسَها *** حُلُمٌ أَلَمَّ لِيَسْتَرِدَّ رَجاءَها
في واحَةٍ غَنَّاءَ تَمْنَحُ ظِلَّها *** لِلظَّامِئِينَ علي الطَّرِيقِ وماءَها
للهِ بَضْعَةُ أَحْمَدٍ مِنْ نُورِهِ *** لَمَعَتْ فَأَهْدَي أُفْقُهُ لأْلاءها(5)
وَافَتْكَ تَخْتَرِقُ القُرُونَ كَنَجْمَةٍ *** تَنْأَي فَتُهْدِي لِلْعُيُونِ ضِياءَها
مَهْمَا تَرامَي الأُفْقُ حَوْلَ وَ مِيضِها *** عَبَرَتْهُ تَطْرُدُ بِالسَّنا ظَلْماءَها(6)
مَرَّتْ بِطُوبَي فَاسْتَفَزَّ حَنِينَها *** ظِلٌّ يُرافِقُ في النَّعِيمِ بَهاءَها
وَتَوَسَّمَتْ في مَوْكِبٍ مَرَّتْ بِهِ *** كَفّاً لِطه زُهْدَها وَ عَطَاءَها
ص: 479
بِالأَمْسِ أَخْلَدَ رَكْبُهُ في ظِلِّها *** وَ مَضَي يَخُوضُ مِنَ الْجِنانِ فَضاءَها
نالَتْ ُيداهُ فَأَثْقَلَتْهُ ثِمارُها *** وَمَشَتْ خُطاهُ فَزَيَّنتْ خَضْراءَها
وَدَنَتْ خديجَةُ تَسْتَظِلُّ بِكَوْثَرٍ *** مِنْ رَحْمَةٍ تُزْجِي إِلَيْهِ صَفَاءَها(1)
في لَيْلَةٍ غَرّاءَ لَوْمَدَّتْ يداً *** نَحْوَ النُّجُومِ تَناوَلَتْ زَرْقاءَها
يَسْرِي ابنُ عبدِ اللهِ في مَلَكُوتِها *** فَتَري بِمَجْرَي رُوحِهِ إِسْراءَها
ما غابَ هَمْسُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَمْعِها *** تُصْغِي فَيَمْلأُ صَوْتُهُ إِصْغاءَها
وَ الصُّبْحُ يُشْرِق في جَبِينِ مُتَوَّجٍ *** بِالنُّورِ يَنْضَحُ بِالعَبِيرِ مَسَاءَها
أَدَرَتْ خَدِيجَةُ إِذْ تُوَدِّعُ لَيْلَةً *** وَ الوَجْدُ يَخْضِبُ بِالسَّنا أَحْناءَها(2)
أنَّ الجِنانَ قَدِ انْحَنَيْنَ كَرامَةً *** لِلسّرِّفاسْتَوْدَعْنَهُ أَحْشاءها
وَ بِأَنّ كَفَّ محمَّدٍ قَطَفَتْ لها *** في الخُلْدِ مِنْ زَهَراتِهِ عَذْراءَها
وَ بِأَنَّ ما ضَمَّتْ عليهِ ضُلُوعَها *** حوراءُ غادَرَتِ الجنانَ وراءَها
ما زاغَ طَرْفُ محمدٍ عن سِدْرَةٍ(3) *** في قابِ قَوْسَيْنِ استَشَفَّ سَناءَها
سِرُّ النُّبُوَّةِ فاضَ في أَغْصانِها *** عَبِقاً وَ خالَطَ نَشْرُهُ أَنداءَها(4)
وَ تَنَزَّلَتْ لِلأَرْضِ مِنْهُ كَتائِبٌ *** عَقَدَتْ ملائِكَةُ السَّمَاءِ لِواءَها
يا سِرَّ فاطِمَ ما مَرَرْتَ بِخاطِرٍ *** إلاّ و أهْدَتْهُ السَّماءُ حَباءَها
أَلْبَسْتَ شِيعَتَها رِداءَ كَرامَةٍ *** وَجَلَوْتَ سِفْرَ مَآثِرٍ أبناءَها
تلكَ الّتي أعْطَتْ فَنَطّرَتِ الثَّرَي وَسَمَتْ فجازَ سموُّها جَوْزَاءَها
للعلمِ ما عَقَدَتْ عليهِ ضُلوعَها *** والطُّهْرِ ما مَدَّتْ عليه كساءَها
ما موقفٌ وَقَفَتْهُ بعدَ محمد *** تُعْمِي بصائِبِ رأيِها خُصَماءَها(5)
ص: 480
إلا و كانَ الغُرُّ مِنْ أَبْنائِها *** وَ بَناتِها مِنْ بَعْدِها خُلَفَاءَها
يَحْيَا بِها مَيْتُ البِلادِ فَإِنْ طَغَي *** جَدْبٌ أَراقَتْ كَالرَّبِيعِ دِماءَها(1)
وَهَبَتْ لأُمَّتِها قِطافَ حَيَاتِها *** وَ مَضَتْ تُعانِقُ كَرْبَهَا وَ بَلاءَها
عُرْسُ الشَّهادَةِ ما تَحَفَّزَ ثَائِرٌ *** إلا أعادَ عَلَيْهِ عاشُوراءَها
فَإِذا تَعَشَرَ مَوْكِبٌ فِي زَحْفِهِ *** زَفَّتْ إلي سُوحِ الجهادِ فداءَها
مَرَّ الخلود بها فَقَارَبَ خَطْوَهُ *** وَ مَشَي إليها يَصْطَفي شُهَداءَها
يا صَفْوَةَ اللهِ الَّتي مُدَّتْ لها *** كَفُّ العِنايَةِ فَاصْطَفَتْ آبَاءَها
وَ الرُّوحُ في أُفُقِ السَّمَاءِ مُنَزِّلٌ *** يَرْوِي لِبَضْعَةِ أَحْمَدٍ أَنْباءَها
تَرْضَي فَيَرْضَي اللهُ في مَلَكُوتِهِ *** وَ يَسُوءُ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ما ساءَها
وَ تَقُومُ ما قامَ النَّبِيُّ بِلَيْلِهِ *** يُخْفِي النَّشِيجُ(2) عَنِ الظَّلامِ نِدَاءَها
تَرْجُو وَ وَعْدُاللهِ يَمْلأُ قَلْبَها *** وَ يَهُدُّ خَوْفُ وَعِيدِهِ أَعْضَاءَها
ما أَوْمَأَتْ نَحْوَ السَّمَاءِ تَضرُّعاً *** إلا وَ سابَقَ دَمْعُها إيماءَها
فإذا تَجَلَّي للسَّمَاءِ جَبِينُها *** بَدْراً تَساقَطَتِ النُّجُومُ إزاءَها
و أضاءَ مِحْرابٌ تَكَنَّف(3) دكنَهُ *** لَيْلٌ أَحَبَّ الله فيهِ لِقاءَها(4)
يا قِصَّةٌ لِلْمَجْدِ رَدَّدَ بَعْدَها *** تاريخُ أُمَّةِ أَحْمَدٍ أَضداءَها
خَلَدَتْ عَلَي مَرّ العُصورِ فَمَا وَ هَي(5) *** صَرْحُ مِنَ التَّقْوَي أطالَ بقاءَها
كَفُّ لِأَحْمَدَ شَيَّدَتْ أَرْكَانَهُ *** فَرَعَتْ لها عَيْنُ الإله بناءَها
وَ شَرِيعَةٌ لِلْحُبِّ كَوْثَرُ نَبْعُها *** يَجْرِي فَيَمْنَعُ وِرْدَهُ غُرَباءَها
عَهْدٌ لفاطِمَ في ضمائِرِ عُصْبَةٍ *** نَسِيَتْ لَهُ عِنْدَ الوَفاءِ وَفاءَها
ص: 481
حَشَدَتْ علي باب الوَصِيِّ وَ عَبَّاتْ *** أَضْغَانَها(1) و استَنْفَرَتْ غَوْغَاءَها(2)
ما كانَ أَقْساها تُرَوْعُ بَضْعَةً *** من أحمدٍ فَرَض الإلهُ وَلاءَها
و لَقَدْ جَفَتْ حتي تَلَبّدَ أُفْقُها *** بِالظُّلمِ و اشْتَكَتِ البَتُولُ جَفاءَها
أَيكونُ حبُّ مُحَمَّدٍ في قَلْبِهِ *** مَنْ ماتَ حَيْراناً تكنُّ عِداءَها
غَضِبَتْ وَ كانَ اللَّهُ شَاهِدَ سِرِّها *** مُذْ أَعْلَنَتْ لِلْعَالَمِينَ عَناءَها(3)
وَدَعَتْ عليهِ بُعَيْدَ كُلِّ فريضةٍ *** و لقد أجابَ اللهُ فيهِ دُعاءَها؟
فَلَئِنْ بَكَي يَوْماً وَ طالَ شَفَاؤُهُ *** مِنْ هَجْرِها، فَلَقَدْ أطال بكاءَها
ص: 482
(بحر الخفيف)
السيد هاشم الهاشمي
رَحَلَتْ لِلإِلَهِ تَشْكُو أُناساً *** جرّعُوا الطُّهْرَ أَعظَم الأَرْزاءِ(1)
أَوَ لَمْ يَسْمَعُوا الرَّسُولَ وَ كَمْ قال *** بِأَنَّ الزَّهراءَ خَيْرُ النِّساءِ؟
إِنَّ مَنْ أَغْضَبَ البَتُولَ فَقَدْنَا *** صَبَ رَبِّ العِبادِ شَرَّ عِداءِ(2)
كم حديثٍ له عن الطُّهْرِ عَمَّا *** قَدْ حَباها الإلهُ خَيْرَ حباءِ
كم ثناءٍ لِلَّهِ فيها فما يُجْدِي *** ثَناءُ الأقلامِ و الشُّعراءِ(3)
كم لها مِنْ مَناقِبٍ قد تسامتْ *** بِعُلاها علي بني حوَاءِ
قَدْ رعاها النَّبِيُّ يُرْفِدُها عِلْماً *** وَ طُهْراً من مَنْهَلِ الإيحاءِ
وُلِدَتْ من سَنا السَّماءِ و عاشَتْ *** بِهُداها وَ زُوِّجَتْ في السَّماءِ
و تلاقي النُّورانِ في الخُلْدِ كي *** يَخْلُدَ نورُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحاءِ
وَ تَلاقَي النُّورانِ فِي الخُلْدِ وَ امْتَدَّ *** لِبُقْيا الأَئِمَّةِ الأُمَناءِ
إِنَّهُمْ غايةُ الخَلِيقَةِ لَوْلاهُمْ *** لَدَبَّ الفَنَاءُ في الأَشياءِ(4)
وَ النَّبِيُّ العَظِيمُ أَنْقَذَ جِيلاً *** مِنْ دُجي الجاهليَّةِ الجَهْلاءِ(5)
ص: 483
حَلَّقُوْا بالهْدَي إلي ذِرْوَةِ المَجْدِ *** وَ كَانُوا فِي هُوَّةٍ عَمْياءِ
هَلْ جَزَاءُ الإِحْسانِ أنْ يَمْنَعُوا *** الزَّهراءَ عَنْ سَكْبٍ دَمْعِها وَ البُكاءِ؟
كَيْفَ لا تَذْرُفُ الدُّمُوعَ وَ قدْ غابَ *** أبوها وَ كَهفُها في البَلاءِ؟
كانَ نِعْمَ الملاذَ يَمْسَحُ عَنْها *** غُصَصَ الدَّهْرِ باليَدِ البَيْضاءِ(1)
كانَ ظِلاًّ تاوِي إليْهِ إذا *** اشْتَدَّتْ عليها لَوَاعِجُ الضَّرَّاءِ(2)
لَقِيَتْ بَعْدَهُ مَصائِبَ شَتَّي *** مِنْ قُلُوبِ مَلِيئةٍ بِالعِداءِ(3)
وَثَبَ القَوْمُ يَطْلُبُونَ أذي العترةِ *** ثَارَ الأَوْثَانِ وَ الآباءِ(4)
غَصَبُوا حَقَّها وَ حَقَّ عَلِيٍّ *** وَ تَناسَوا أمجادَ آلِ العَباءِ(5)
جَحَدُوا بَيْعَةَ الغَدِيرِ بِغَدْرٍ *** بَعْدَما قَدَّمُوا عُهُودَ الوَلاءِ(6)
أسفروا عَنْ تَامُر كَتَمُوهُ *** عَنْ نَبِيِّ الهُدَي بِوَجْهِ الرِّياءِ(7)
أَشْعَلُوا نارَهُمْ بِبابِ ابنةِ المُخْتارَ *** نارَ الأطماعِ و البَغْضاءِ
دَخَلُوا دَارَها فَلاذَتْ وَراءَ البابٍ *** سِتْراً من أَعْيُنِ الأَعداءِ
عَصَروها لِيَكْسِرّ البابُ صَدْراً *** قَدْ حَوَي سِرَّ خَاتَمِ الأَنْبِياءِ
أَسْقَطَتْ «مُحْسِناً» إلي الأَرْضِ مَيْتاً *** وَ تَرامَتْ خَضِيبةً بالدِّماءِ
عَجَباً كم أبادَ لِلْكُفْرِ جَمْعاً *** بحُسام يُرْدِي العِدا بِمَضاءِ(8)
قَيَّدَتْهُ وَصِيَّةٌ من رسولِ اللَّهِ *** حِفْظاً لِلشِرْعَةِ الغَرَّاءِ(9)
ص: 484
رَأتِ الطُّهرُ كيف فَرَّقَ ليلُ الجهلِ *** جيلاً عَنْ سَيْدِ الأَوْصِياءِ
نَهَضَتْ وَ الجِراحُ تَنْزِفُ منها *** وَ جَرَتْ خَلْفَهُمْ بِكُلِ عَناءِ
صَرَخَتْ فيهمُ دَعُوهُ و إلا *** سوف أَشْكُو إِلي الإلَهِ بَلائِي
فأتاها اللَّعِينُ بالسَّوْطِ ليُسكتَ *** مِنْها صَوْتاً شَجِيَّ النِّداءِ(1)
إِنَّ آلامَها ستَشْهِدُ يَوْمَ الحَشْرِ *** ماذا لاقَتْ في الخَفاءِ
سَوْفَ يَسْتَفْسِرُ الجَمِيعُ مَدَي الدَّهْرِ *** لماذا قَدْ ألْحِدتْ في الخَفاءِ
آه لَوْلا جُرْحُ البَتُولَةِ ما كانَتْ *** جِرَاحُ الحُسَيْنِ في كَرْبَلاءِ
ص: 485
(بحر الخفيف)
لأحد الشعراء
يا أخا المُصطفي أزفُّ وَلائي *** لك بشراً في مَولِدِ الزَّهراءِ
وُلِدَتْ و العفَافَ يَنضَحُ منْها *** مُستفيضاً علي بني حَواءِ
و كسَاهَا مِنَ القَداسَةِ بُرْداً *** أين مِنهُ قَداسةُ العَذراءِ
هي أُمّ السبطين بَضعَةُ طه *** زَوجَةُ المُرتَضَي وَ خَيرُ النّساءِ
هِيَ تُفَّاحَةٌ حَبَاهَا لِطه *** مِنْ جِنَانِ الخُلُودِ رَبُّ السّماءِ(1)
حُولَتْ نُطفَةٌ بِأطهَرِ صُلبٍ *** هُوَ أصلِّ لِلصَّفوَةِ الأمنَاءِ
هِيَ صِدِّيقَةُ النساءِ تَسَامَتْ *** بِعُلاهَا مِن نَسلَةٍ حَوراءِ
حَدَّثَتْ أَمَّها وَ كَانَتْ جَنيناً *** في حشَاهَا بِأصدَقِ الأنباءِ
هِيَ ريحانةُ الرَّسُولِ وَ كَانَتْ *** منهُ طيباً تَفُوحُ بالأشذاءِ
هِيَ رُوحٌ مَا بَينَ جَنبَيهِ كَانَتْ *** تَرتَدِي من حَنَانهِ بِرداءِ
فطَمَ اللَّهُ مِن لظي النَّارِ فيها *** كلُّ مولّي لهَا مِنَ الأوليَاءِ
قَالَ طه: دخلتُ جنّةَ عَدنٍ *** في عُروجي بِليلَةِ الإسرَاءِ
فَتنَاولتُ رطبةً هِيَ كَانَتْ *** نُطفَةً للزكيَّةِ الحَورَاءِ
وَ هيَ كَانَتْ تُدعي البتُولَ لِطُهرٍ *** نُزِّهَتْ فيه من جَميعِ الدِّمَاءِ
وَ هيَ في العَرشِ قَبلَ آدَمَ كَانَتْ *** قَبَسَاً زاهِراً لأهلِ السَّمَاءِ
ص: 486
وَ هْيَ كَانَتْ تَزهُو سَنَا لِعليّ *** و ازدهاراً كَالفَرقَدِ الوَضَاءِ(1)
قُطِمَتْ مِنْ جَميع شَرِّ و طَمثٍ *** يعتريها و قُدَّسَتْ بِالثَّنَاءِ
قولاها بَرَاءةٌ لِلمُوالِي *** مِن عَذاب الجحيم يومَ الجَزَاءِ
وَ تَلقَّتْ حَوادِثاً وَ عُلُومَاً *** مِن حديثِ المَلائِكِ الأمنَاءِ
هَاكِ يَا بضعَةِ الرَّسولِ نَشيدِي *** مُستفيضاً مِن بَسمَتِي وَ بُكَائِي
أنا أرجو منكِ الشَّفَاعَة فيهِ *** يَومَ بعثي مَشفُوعَةً بِالشّفاء
ص: 487
ص: 488
1- فهرس الشعراء
2- فهرس التراجم
3- فهرس القصائد و البحور
4- فهرس الموضوعات
ص: 489
ص: 490
الإسم ... المقطوعة
الشيخ إبراهيم بري ... (1)
الشيخ إبراهيم النصيراوي ... (2)
الأستاذ أحمد فهمي ... (3)
محمد الشيخ أحمد الوائلي ... (4)
الأستاذ بشار كامل الزين ... (5)
بولس سلامة ... (6)
الأستاذ تسنيم مهدي (أبوزكي) ... (7)
الشيخ جاسم الخاقاني ... (8)
الأستاذ جعفر الجعفر ... (9)
الأستاذ حسن أحمد العامر ... (10)
الشيخ حسن البحراني القيسي ... (11) (12) (13)
الشيخ حسن الصفار ... (14)
الشيخ حسن طراد العاملي ... (15)
السيد حسين الشامي ... (16)
الشيخ حسين الطرفي ... (17)
الأستاذ سعيد العسيلي العاملي ... (18)
الشيخ سعيد الشيخ علي العوامي ... (19)
الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل) ... (20)
السيد سلمان هادي آل طعمة ... (21)
الشيخ صادق الشيخ جعفر الهلالي ... (22)
الأستاذ عباس مرتضي عيّاد العاملي ... (23)
الشيخ عبد الجبار الساعدي ... (24)
الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي ... (25)
ص: 491
الشيخ عبدالستار الكاظمي ... (26)
الأستاذ عبدالعباس الأسدي ... (27)
الشيخ عبدالعظيم الربيعي ... (28) (29)
الشيخ عبدالكريم آل زرع ... (30)
الشيخ عبدالكريم النايف ... (31)
السيد عبداللطيف فضل اللَّه ... (32)
الشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم ... (33)
الشيخ عبدالمجيد فرج الله ... (34)
السيد عبدالمحسن فضل الله ... (35)
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ... (36)
الشيخ عبد الواحد مظفر ... (37)
الشيخ عفيف النابلسي ... (38)
الشيخ ملا علي آل رمضان ... (39)
ملاّ علي الرمضان الخطي ... (40)
السيد علي الحكيم ... (41)
الحاج علي حمدان الرياحي ... (42)
الشيخ علي ابن الشيخ محمد آل سيف الخطي ... (43)
الشيخ علي شرارة ... (44)
الحاج علي الفراتي ... (45)
الشيخ علي منصور المرهون ... (46)
الحاج علي يوسف المتروك ... (47)
السيد غياث آل طعمة ... (48)
الشيخ فرج العمران القطيفي ... (49)
الشيخ كاظم بن المطر الإحسائي ... (50)
الشيخ كاظم السبتي ... (51)
الشيخ كامل الدرمكي ... (52)
المهندسة كوثر شاهين ... (53)
لأحد الشعراء ... (68)
الحاج محمد آل رمضان الإحسائي ... (54)
الشيخ محمد جواد المطر ... (55)
فهرس الشعراء
ص: 492
الشيخ محمد سعيد المنصوري ... (56)
السيد محمد الشيرازي ... (57)
السيد محمد صالح البحراني ... (58)
الحاج محمد علي الحاج حسين ... (59)
الأستاذ محمد علي الزهيري ... (60)
السيد محمد علي العلي ... (61) (62) (63)
الأستاذ محمد محمد الجنبيهي ... (64)
السيد مرتضي القزويني ... (65)
السيد مسلم الجابري ... (66)
السيد هاشم الهاشمي ... (67)
ص: 493
الشيخ أحمد الوائلي ... 98
الأستاذ بولس سلامة ... 107
الأستاذ حسن أحمد العامر ... 129
الشيخ حسن البحراني القيسي ... 134
الشيخ حسن الصفار ... 144
الشيخ حسن طراد العاملي ... 147
السيد حسين الشامي ... 150
الشيخ حسين الطرفي ... 153
الأستاذ سعيد العسيلي العاملي ... 157
الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل) ... 165
الأستاذ سلمان بن هادي آل طعمة ... 167
الأستاذ عباس مرتضي عياد العاملي ... 172
الشيخ عبدالجبار الساعدي ... 177
الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملي ... 180
الشيخ عبدالستار الكاظمي ... 182
الأستاذ عبدالعباس الأسدي ... 184
الشيخ عبد العظيم الربيعي ... 231
الشيخ عبدالكريم آل زرع ... 244
الشيخ عبدالكريم النايف ... 246
الشيخ عبدالمجيد أبو المكارم ... 254
الشيخ عبدالمجيد فرج اللَّه ... 260
السيد عبدالمحسن فضل اللَّه ... 262
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ... 266
ص: 494
الشيخ عبدالواحد مظفر ... 368
الشيخ عفيف النابلسي ... 370
الشيخ ملا علي آل رمضان ... 375
السيد علي الحكيم ... 388
الشيخ علي شرارة ... 399
الحاج علي الفراتي ... 401
الأستاذ علي يوسف المتروك ... 405
السيد غياث آل طعمة ... 407
الشيخ فرج العمران القطيفي ... 409
الشيخ كاظم بن المطر الاحسائي ... 412
الشيخ كاظم السبتي ... 416
الشيخ محمد جواد المطر ... 433
الشيخ محمد سعيد المنصوري ... 436
السيد محمد الشيرازي ... 441
السيد محمد صالح البحراني ... 445
الحاج محمد علي الحاج حسين ... 450
الأستاذ محمد علي الزهيري ... 454
السيد محمد علي العلي ... 457
السيد مرتضي القزويني ... 472
السيد مسلم الجابري ... 477
ص: 495
-الألف-
نشأت بيثرب طفلة زهراء *** في وجهها وجه النبي تراءي 93
(المقطوعة 1/ بحر الكامل)
جدّد العهد يا نشيد الولاء *** هاتفاً بالوليدة الزهراء 95
(المقطوعة 2/ بحر الخفيف)
لذ بالبتول و ناد بالزهراء *** و اضرع لربك خيفة بدعاء 97
(المقطوعة 3/ بحر الكامل)
كيف يدنو إلي حشاي الداء *** و بقلبي الصديقة الزهراء 98
(المقطوعة 4 / بحر الخفيف)
بدار الوحي يا خير النساء *** حظيت بكل آيات الثناء 105
(المقطوعة 5/ بحر الوافر)
عاد إثر الوقيعة البكر ليث *** رمقته القلوب بالإيماء 107
(المقطوعة 6/ بحر الخفيف)
في استقر و لا ؤكم بدمائي *** يا خير من عاشوا علي الغبراء 112
(المقطوعة 7/ بحر الكامل)
مولاي يابن المرتضي *** يا سبط خير الأنبيا 117
(المقطوعة 8/ بحر الكامل)
تاهت ببنت نبيها الخضراء *** و استبشرت بقدومها الغبراء 122
(المقطوعة 9/ بحر الكامل)
يمّمت ذكري مولد الزهراء *** فطفقت أنظم للمديح ثنائي 129
(المقطوعة 10/ بحر الكامل)
عزّ العزاء عليك يا زهراء *** فلقد دهتك مصيبة شنعاء 134
(المقطوعة 11/ بحر الكامل)
ص: 496
كل فرد منهم زكي مهيمن *** و تراه في العلم و الحلم ممعن 137
(المقطوعة 12/ بحر الخفيف)
عرج بتربة فاطم الزهراء *** و اندب و ناد بحرقة و بكاء 140
(المقطوعة 13/ بحر الكامل)
روعة الحق و العفاف تجلّت *** من محيّا الصديقة الزهراء 144
(المقطوعة 14/ بحر الخفيف)
غابت فغاب شعاعها الوضّاء *** شمس تنار بضوئها الأجواء 147
(المقطوعة 15/ بحر الكامل)
قلبي يذوب أسّي علي الزهراء *** و مدامعي تجري دماً بسخاء 150
(المقطوعة 16/ بحر الكامل)
في إنسية نمتها السماء *** باركتها الخضراء و الغبراء 153
(المقطوعة17/ بحر الخفيف)
عرس النبوة شاع في البطحاء *** فحدت له الأملاك بالجوزاء 157
(المقطوعة 18/ بحر الكامل)
عم فيض الجلال بالرحماء *** بولادة البتولة الزهراء 163
(المقطوعة 19/ بحر الخفيف)
مولد الزهراء *** مصدر الآلاء 165
(المقطوعة 20/ بحر الخفيف)
مرحي بإشراق السنا الوضاء *** غمر الحياة برونق و بهاء 167
(المقطوعة 21/ بحر الكامل)
طال شوقي فصاغه إنشائي *** لحن حب بمولد الزهراء 170
(المقطوعة 22/ بحر الخفيف)
مزّقي صمت أخرفي و المساء *** و اسكبي الشعر في دمي و الضياء 172
(المقطوعة 23/ بحر الخفيف)
ماذا أقول بمولد الزهراء *** فهي البتول و منتهي العلياء 177
(المقطوعة 24/ بحر الكامل)
يا زائراً أرض البقيع وصية *** عني تقبل تربة الزهراء 180
(المقطوعة 25/ بحر الكامل)
في قلبي حب الزهراء ***ينجيني من كل بلاء 182
(المقطوعة 26/ بحر المتدارك)
ص: 497
رويت مسنودة دون خطاء *** عن كريم من سليل الكرماء 184
(المقطوعة 27/ بحر الرمل)
إن داراً بها حديث الكساء *** دار مجد سمت علي الجوزاء 231
(المقطوعة 28/ بحر الخفيف)
قد روينا عن فاطم الزهراء *** بضعة المصطفي حديث الكساء 238
(المقطوعة 29/ بحر الخفيف)
لك يا بضعة النبي الوفاء *** من محب لا يعتريه جفاء 244
(المقطوعة 30/ بحر الخفيف)
ذابت لفرط صبابتي أحشائي *** فلذاك طال تلهفي و بكائي 246
(المقطوعة 31/ بحر الكامل)
هتف البيان بمولد الزهراء *** سر الوجود و شمس كل سماء 248
(المقطوعة 32/ بحر الكامل)
أصبح الكون ضاحكاً بالهناء *** مستنيراً بنور ست النساء 254
(المقطوعة 33/ بحر الخفيف)
في المدي... حيث تجثم الظلماء *** و السّبات العميق دنيا خواء 260
(المقطوعة 34/بحر الخفيف)
أغمض الطرف فالسنين ورائي *** تروي أحداثها علي استحياء 262
(المقطوعة 35/ بحر الخفيف)
يا أخا المصطفي أزف ولائي *** لك بشراً في مولد الزهراء 266
(المقطوعة 36/ بحر الخفيف)
ماء الفرات صداق للبتولة قد *** صح الحديث و جاءت فيه أنباء 368
(المقطوعة 37/ بحر البسيط)
زهراء يا بيت العلي الوضّاء *** يا نجمة الساري بكل مساء 370
(المقطوعة 38/ بحر الكامل)
شع نور البتول ست النساء *** فاعتدي الكون مشرقاً بالسناء 375
(المقطوعة 39/ بحر الخفيف)
لم يكن بعد موته أحد أعظم *** حزناً في عالم الأحياء 380
(المقطوعة 40/ بحر الخفيف)
شمخت فبان الطّور من عليائها *** و زهت فشعّ النور من سنائها 388
(المقطوعة 41/ بحر الكامل)
ص: 498
أي يوم يجل فيه العزاء *** و مصاب يطيب فيه البكاء 390
(المقطوعة 42/ بحر الخفيف)
أفبعد فاطمة البتول و دفنها *** بالليل عين لا تجود بمائها 398
(المقطوعة 43/ بحر الكامل)
رزء أطلّ فجل في الأرزاء *** زفراتها هبت علي الغبراء 399
(المقطوعة 44/ بحر الكامل)
أشرقت الدنيا مع السماء *** بمولد الصديقة الزهراء 401
(المقطوعة 45/ بحر السريع)
حق البكاء لفاطم الزهراء *** بنت النبي كريمة الآباء 403
(المقطوعة 46/ بحر الكامل)
طائر البشر في ربي البطحاء *** يتغني بمولد الزهراء 405
(المقطوعة 47/ بحر الخفيف)
قد كان في أرض الحجاز عناء *** فدم يراق و تستباح نساء 407
(المقطوعة 48/ بحر الكامل)
كيف أسلو و نكبتي فقماء *** و بقلبي أحاطت الأرزاء 409
(المقطوعة 49/ بحر الخفيف)
ضحكت بروق الخصب بالفيحاء *** فهمت جفون غمامها ببكاء 412
(المقطوعة 50/ بحر الكامل)
خذي يا عين ويحك بالبكاء *** علي الزهراء سيدة النساء 416
(المقطوعة 51/ بحر الوافر)
خلّ الحزين بهمه و بلائه *** و بوجده و حنينه و بكائه 421
(المقطوعة 52/ بحر الكامل)
أيقظ حروف الشعر ذاك ولائي *** للمصطفي الهادي غدي و رجائي 428
(المقطوعة 53/ بحر الكامل)
صلة الأرض ضوعفت بالسماء *** أم هي الأرض مصدر الأضواء 431
(المقطوعة 54/ بحر الخفيف)
أسعفيني بفيضك المعطاء *** إنه سلّمي إلي العلياء 433
(المقطوعة 55/ بحر الخفيف)
ما انفك صوت تزفري و بكائي *** يعلو لجانب حسرتي و عنائي 436
(المقطوعة 56/ بحر الكامل)
ص: 499
تبهر الكون من سناك ذكاء *** و لعالي بناك تعلو السماء 441
(المقطوعة 57/ بحر الخفيف)
لأهل الأرض فاقت و السماء *** فخصت باسم سيدة النساء 445
(المقطوعة 58/ بحر الوافر)
غصص المصائب ألهبت أحشائي *** فأشرت نحوك سيد الشهداء 450
(المقطوعة 59/ بحر الكامل)
قد فجّر الشوق العظيم ولائي *** متدفقاً كالنبع من أعضائي 454
(المقطوعة 60/ بحر الكامل)
أترع الكأس مديحاً و ثناء *** و أدرها كي توفّينا الرواء 457
(المقطوعة 61/ بحر الرمل)
باركي حفلنا هبيه ارتقاء *** إننا منك نستمد العلاء 460
(المقطوعة 62/ بحر الخفيف)
هلّلت باسم عيدك الأجواء *** يا سماء و أين منك السماء 463
(المقطوعة 63/ بحر الخفيف)
لعجزي عن مديحكم و الثناء *** و ما بعطائكم يحكي العطاء 467
(المقطوعة 64/ بحر الوافر)
ساورتني الهموم و اللأواء *** و غزتني الأسقام و الأدواء 472
(المقطوعة 65/ بحر الخفيف)
النور فاض بمكّة فأضاءها *** فلتنسج البطحاء منه رداءها 477
(المقطوعة 66/ بحر الكامل)
رحلت للإله تشكو أناساً *** جرّعوا الطهر أعظم الأرزاء 483
(المقطوعة 67/ بحر الخفيف)
يا أخا المصطفي أزفّ ولائي *** لك بشراً في مولد الزهراء 486
(المقطوعة 68/ بحر الخفيف)
ص: 500
الإهداء ... 6
تقريظ ... 7
تأريخ التقريظ لكتاب الفاطميات ... 8
كلمة الديوان ... 9
أول الكلام ... 9
من خصائص فاطمة عليها السلام ... 13
الحوراء الإنسية عليها السلام ... 13
البتول عليها السلام ... 14
المنقطعة إلي ربّها ... 17
فاطمة عليها السلام قطب البيت ... 20
من سمات علي عليه السلام ... 22
وأما فاطمة عليها السلام ... 23
في مدرسة علي و فاطمة ... 26
فاطمة عليها السلام في بيتها ... 28
عطاء و إيثار ... 30
فاطمة عليها السلام محور الكمال ... 33
ماذا تعني فاطمة عليها السلام ... 36
فاطمة عليها السلام في الشعر و الأدب ... 38
دوافع الشعراء ... 40
الأول: دافع العقيدة ... 40
شعراء العقيدة ... 41
ص: 501
الكميت الأسدي ... 41
السيد الحميري ... 45
العبدي الكوفي ... 47
دعبل الخزاعي ... 48
الثاني: دافع الولاء و المحبة ... 2
(شعر الولاء) ... 55
(شعر الرثاء) ... 58
الثالث: دافع النصرة ... 59
فاطمة و الحسين عليهما السلام قضية واحدة ... 63
الشعراء بين فاطمة و الحسين عليهما السلام ... 68
فاطمة و الحسين عليهما السلام في المحشر... 72
أهل البيت عليه السلام والشعر ... 72
شواهد تاريخية ... 76
من شعر الزهراء عليها السلام ... 78
كلمات في عظمة فاطمة عليها السلام ... 83
ملاحظات أخيرة ... 88
قافيةٌ الألف
(1) بنت النبي ... 93
(2) نبع المكارم ... 95
(3) لُذ بالبتول ... 97
(4) الزهراء عليهماالسلام ... 98
(5) دار الوحي ... 105
(6) زواج علي عليهماالسلام ... 107
(7) حمي الزهراء عليهماالسلام ... 112
(8) سيدة النساء ... 117
(9) هتف البشيرُ ... 122
ص: 502
(10) روح النبي... 129
(11) بَيْتُكِ السَّامِي ... 34
(12) درةُ المجد ... 137
(13) أبكي عَلَيْكِ ... 140
(14) حياة الزهراء عليها السلام ... 144
(15) البضعة الزهراء عليها السلام ... 147
(16) ومَضَت إلي الرحمن ... 150
(17) الإنسية الحوراء ... 153
(18) عرس الزهراء عليهاالسلام ... 157
(19) مختارة الرب ... 163
(20) بنت الهادي ... 165
(21) فخر النساء ... 167
(22) باركوا اليوم للبشير ... 170
(23) فيض الوجود ... 172
(24) في رحاب الزهراء عليهاالسلام ... 177
(25) تربة الزهراء عليهاالسلام ... 180
(26) حب الزهراءعليهاالسلام ... 182
(27) القرار الظالم.. والدفاع البطولي الفذ ... 184
الرواية ... 184
الزهراء عليهاالسلام تخرج للدفاع عن حقها ... 185
دخولها علي عليه السلام أبي بكر... 185
الحمد والثناء ... 186
عرفانها ... 187
البعثة وأسبابها ... 189
حديثها عن النبي عليه السلام دعوته ووفاته ... 190
واختيار ورغبة وإيثار ... 190
ص: 503
خطابها بالحضور وإشعارهم بالمسؤولية ... 191
حديثها عن القرآن ... 192
ذكرها لعلل الإحكام و فلسفتها ... 193
تذكرتها وإنذارها لهم ... 195
خطبتها عليهاالسلام في المسجد ... 192
إنّي فاطمة عليها السلام و أبي محمّد صلي اللهِ والهِ وسلم ... 196
ذكرها لأوصافه وتبليغه لرسالته ...197
ذكرها لإنجازاته ...197
ذكرها لحالتهم قبل البعثة ... 198
ذكرها لمعاناته ... 199
ذكرها لمواقف عليّ عليه ُالسلام ... 199
تذكرهم بمواقفهم المتخاذلة ... 200
تخبرهم عن نفسياتهم و رجوعهم إلي الجاهلية ... 200
تحذّرهم من إطاعة الشيطان و سوء العواقب ... 201
دعوتهم للتفكّر بالقرآن و الرجوع إليه ... 202
تألّمها و توجّعها من مواقفهم ... 203
تحذّرهم من مغبة حكمهم بعدم وراثتها ... 204
توبّخهم علي سكوتهم ... 205
خطابها لأبي بكر في المسجد ... 206
أترث أباك و لا أرث أبي ... 206
لقد جئت شيئاً فرياً! ... 206
دلائلها في الإرث ... 207
أولست وأبي ... 207
تهديدها له بيوم الجزاء ... 208
كلامها مع الأنصار ... 208
ما هذه الغميزة في حقّي ... 209
ص: 504
سرعان ما أحدثتم، و عجلان ذا إهالة ... 209
وأُزيلت الحرمة عند مماته ... 210
الإنقلاب علي الأعقاب ... 211
أأهضم تراث أبي...؟ ... 212
توافيكم الدعوة فلا تجيبون! ... 212
و أنتم موصوفون بالكفاح ... 213
دارت بنا رحي الإسلام ... 213
فَأَنَّي حِرْتُم بعد البيان؟ ... 214
الخلود إلي الدنيا و إبعاد من هو أحقّ بالبسط و القبض ... 214
الخذلان و الغدر ... 215
حجّتها عليهم ... 216
نتائج الخذلان و الغدر ... 216
فاعملوا إِنَّا عاملون ... 217
جواب أبي بكر ... 218
ذكره لصفات أبيها ... 218
اعترافه بتَسَبها و زوجها و مكانتهم ... 218
اعترافه بصدق قولها ... 219
اعترافه بعقلها، و حقّها ... 219
الإدعاء الكاذب ... 220
صرف الأموال المغتصبة في الجهاد ... 220
محاولته لتطييب خاطرها ... 221
جواب فاطمة الزهراء عليها السلام لأبي بكر ... 222
ردّ الإدعاء بالبيان و البرهان و الحجة ... 222
هذا كتاب اللَّه حكماً عدلاً ... 222
بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً ... 223
جواب أبي بكرٍ لها عليها السلام... 224
ص: 505
لا أُبعد صوابك ... 224
إلقاء اللوم علي المسلمين ... 224
فاطمة الزهراء عليها السلام توجّه الخطاب إلي الحاضرين ... 225
بَل رانَ عَلي قلوبكم ... 225
جزاء الأعمال السيئة و عواقبها ... 225
رجوعها إلي الدَّار و كلامها مع زوجها ... 227
ثُمَّ انْكَفَأَتْ عليه السلام ... 227
كلمة عتاب لها مع عليّ عليه السلام ... 227
تخبره بالموقف ... 228
ليتني متُ قبل هينتي ... 228
مات العمد، و وهنّ العضد ... 229
نهنهي عن وجدكِ ... 229
حسبي اللَّه ... 230
التسليم لأمر الإمام ... 230
(28) أي ذنب لفاطم عليها السلام ... 231
(29) حديث الكساء ... 238
(30) و حسبكِ فخراً ... 244
(31) نطق الكتاب بفضلها ... 246
(32) سرُّالوجود ... 248
(33) ابنة النور ... 254
(34) شمسُهُ الزهراء عليها السلام ... 260
(35) أم أبيها عليها السلام ... 262
(36) ملحمة أهل البيت العلم عليهم السلام ... 266
فضائل الصديقة فاطمة عليها السلام ... 287
ما ورد في القرآن في فضلهاعليها السلام ... 305
حَدِيثُ الكِسَاء ... 311
ص: 506
خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ... 320
احتجاج الزهراء عليها السلام علي أبي بكر ... 342
عليٌّ و الزهراء عليهما السلام ... 347
خطبة الزهراء عليها السلام ... 350
احتجاج الصِّدِّيقةِ فاطمة عليها السلام بحديث الغديرِ ... 355
(37) صداق البتول ... 368
(38) قدوة النساء ... 370
(39) شع نور الزهراء عليها السلام ... 375
(40) الجوهر الفرد ... 380
(41) أشرقت الحياة ... 388
(42) بضعة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم ... 390
(43) قضت مكضومة ... 398
(44) تعج فاطمة عليها السلام ... 399
(45) بشراك يا دنيا عليها السلام ... 401
(46) في آية التطهير ... 403
(47) مولد الزهراء عليها السلام ... 405
(48) أم الأئمة ... 407
(49) سرّ الوجود ... 409
(50) الطهر البتول عليها السلام ... 412
(51) سيدة النساء عليها السلام ... 416
(52) حبيبة أحمد ... 421
(53) بضعة المختار ... 428
(54) دوحة النور ... 431
(55) خيرُ النساء ... 433
(56) بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم ... 436
(57) فاطم الطهر ... 441
ص: 507
(58) خامسة الكساء عليها السلام ... 445
(59) إيذاؤها إيذائي ...450
(60) نور البضعة الزهراء عليها السلام ... 454
(61) ابنة المختار ... 457
(62) كعبة المجد ... 460
(63) في رحاب الطهر ... 463
(64) ليس يعلوها عَلاءُ ... 467
(65) يا مولاتي يا فاطمة عليها السلام أغيثيني ... 472
(66) قطوف طوبي ... 477
(67) مصائب الزهراء عليها السلام ...483
(68) صدّيقة النساء ...486
الفهارس العامة ... 489
1- فهرس الشعراء ... 491
2- فهرس التراجم ... 494
3- فهرس القصائد و البحور ... 496
4- فهرس الموضوعات ... 501
ص: 508