شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور المجلد 1

هوية الکتاب

شِفاء الصُّدور

في شَرحِ زيارَةِ العَاشُور

تأليف: العلّامة الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني

(1273- 1316 ه - ق)

ترجمة و تحقيق محمد شعاع فاخر

الجزء الأول

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ردمك الجزء الأول : 5 - 000 - 503 - 964

ISBN : 964 - 503 - 000 - 5

ردمك الدوره : 1 - 002 - 503 - 964

ISBN: 964 - 503 - 002 - 1

الكتاب : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور / ج 1

المؤلف : العلّامة الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني

الناشر : انتشارات المكتبة الحيدرية

عدد الصفحات والقطع : 440 صفحة وزيري

عدد المطبوع : 1500 جلد من الجزء الأول

الطبعة : الأولى

سنة الطبع : 1383 - 1426ه

المطبعة : شريعت

سعر الدورة الواحدة (1 / 2): 6000 تومان

ص: 2

مقدمة المترجم

بسم الله الرحمن الرحيم

اقترح عليّ أخي الأثير أبو زينب أن أشد حيازيمي للترجمة وأغرق فيها حتى شحمة أذني ، وعلى الله سبحانه نجاتي وانتشالي، وسارع، فحمل البريد لي كتابين من أعزّ الكتب عليه، وهما : «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور» و«كامل البهائي».

أمّا الكتاب الثاني فكنت أعرفه عن قرب وقد تصفحته ولم أتم قرائته ، فرأيته من مصادرنا المهمة وتكون ترجمته خدمة جليلة للغة العربيّة، وكنت عقدت العزم على ترجمة مجالس المؤمنين للقاضي التستري الشهيد ، ورحّب أبو زينب رعاه الله بالفكرة بادئ ذي بدء، ثمّ تشاغل أو شغل عنها ، وبقيت معلّقة برأسي حتى صرفني عنها أحد العلماء، ونهاني عن ترجمته، وعرض أسباباً ما اقتنعت بها وأضمرت الغدر أي أظهرت موافقته ولكنّي أسررت مخالفته لعلمي بجدوى الكتاب من الناحيه العلمية والأدبية والتاريخية، أما كونه يسبغ التشيع على الأولياء والخصوم فهو من هذه الناحية يصنعهم صنعاً من بعد صنع ، فهذا لا يضع من قيمة الكتاب العلميّة .

لئن يكن الفعل الذي ساء واحداً***فأفعاله اللائي س-ررن ألوف

ص: 3

ولكنّى أرجأت العمل بالفكرة إلى أجل غير مسمى حتى فاجأني الأخ العزيز الناشر أبو زينب بالكتابين السالفين، وكان علي أن أبدأ بالكامل لأهميته القصوى من حيث كونه مصدراً لا يستهان به أبداً ، واللغة العربية محتاجة إليه حاجة ملحة خلا أني رأيت أن أبدأ بشفاء الصدور تيمناً بالموضوع ومن وضع له وبمؤلّفه ، وما كنت أعلم - والله شاهد علي - أن أجد في الكتاب هذا الكم الهائل من العلم المفيد، وكلما توغلت فى الكتاب قرائة أو ترجمة اكتشفت جديداً تضرب إليه أباط الإبل.

ما عرفت كتاباً فيما ترجمته منحني هذه اللذة النفسيّة وأنى أنساب معه انسياب مواضيعه كالعذب الفرات، ورأيت ذلك تسديداً من الله ، ناهيك بالأسلوب الذي تفرد به المؤلف وهو مما ينشده المترجم، فقد كنت - وأنا أترجمه - كاني أعيد كتابته لأنه يكتب بلغة فارسية وأسلوب عربيِ مبين .

وطرت به فرحاً - وأنا أترجمه - وخلت المؤلّف حاضراً معي أساجله ويساجلني، ويزجي خطواتي بأفكاره السامقة، وعرفت فيه العالم الذي تهمه الحقيقة وحدها لأنه متعبد في محرابها مِن ثَمّ تراه شديد الوطأة على العالم إذا أخطأ.. وليس معنى ذلك أنّ حرمة العالم العلميّة غير مصونة عند المؤلّف كلاً، فهو كثير الاحترام عظيم التبجيل للعلم وأهله ولكنّه لا يرحم إذا نقد لنأيه بالنقد عن التقريظ فهو عنده الجلد وإقامة الحد وإن ترائى لبعضهم أنه غزل وتقريظ .

لذلك رأيته يلهب بسياط النقد قاموس الفيروزآبادي، وينعى عليه تسرعه في الحكم على اللغة وأخذه إيَّاها عن كل من هب ودبّ، بل ربما لامه إلى درجة التحميق لأنه يجعل من تصحيفه الكلمة لغة يفرضها على قارئيه فيخالونها مأثورة عن أوائل الواضعين وما هي إلا جملة أدخل مقاطعها الآخر بالأوّل فحسبها بعد هذه العلميّة الجراحية لغة حيّة أو مفردة منقولة عن إقحاح العرب، وقال عنه بعد أن تتبع هفواته : ما رأيت أكثر أخطاءاً من صاحب القاموس هذا مع احتجاجه به

ص: 4

أحياناً لأنّ الخطأ والخطائين والثلاثة والأربعة مثل كبوات الجواد لا تسقط الكتاب من ميزان الاعتبار.

وكما حاسب علماء اللغة حاسب إخوانهم في حقول العلم الأخرى، حتّى المجلسي مع إكباره لمقامه الشامخ، سلّط عليه مشرط النقد فاستخرج من كتابه داءاً دويّاً علماً منه بأن المجلسي قام بعمل جد عظيم حين جمع الأحاديث والكتب في كتاب واحد وصيّره مكتبة سهلة التناول، قريبة المأخذ في زمنه ، ولم يجمع الصحيح وحده بل حصر الأحاديث بجملتها الأحاديث بجملتها ف-ي ه-ذا الإطار، وأطلق للعلماء الإذن في التدقيق والتحقيق، واستخراج الصحيح من السقيم والمقطوع بصدوره من الموضوع فهو والحال هذه حلبة سباق تتفاضل فيه الجياد بين سابق ولاحق ومصل وهلمّ جرّاً.

والشيخ جوّال بفكره في هذا الكتاب الحافل والشرح الكامل فهو حين يعرض للمسألة لا يدرسها من وجه واحد أو وجهين اثنين بل يجيل فيها فكره حتى ينهكها بحثاً وتدقيقاً ولا يترك القارئ إلا على طرف الثماد بعد أن يعبّ العذب النمير من إبداعه وإفكاره الخلّاقة .

ولست أريد دراسة المؤلّف فى هذه المقدّمة لأنها لا تفي بحقه ولو حوّلتها إلى كتاب مطوّل ، ولكنّي أريد أن أضع القارئ على الواضحة من عمل هذا العملاق ثمّ أستودعه الله بعد أن يسلك الدرب إلى القمة ليبلغها .

كل هذا لم أكن أعلم به قبل الترجمة وإنّما بدأت به تعبداً حتى اكتشفت أنّي أعوم في بحر لجيّ بعبد القاع نائي الشطئان من هذا الشرح العلمي التاريخي الأدبي الفلسفي الروائي الأصولي الفقهي ففيه هذا وزيادة، ومن يقرأه يدرك م-ا أقول، وعلمت بأنه التسديد من الله والإلهام حيث اختار لي هذه البدئة الموفقة، والحمد لله

ص: 5

وكنت قبل أن أتعرّف على المؤلّف عرض لي ديوان شعر مطبوع في طهران ضخم إلى حد ما بالعربية لأديب طهراني ، فعجبت أن يكون البلد طهران والشاعر طهرانيّ والشعب القارئ فارسي والشاعر فارسي والشعر عربي، ولا أكتم القارئ أني اقتنيته وأنا على مثل اليأس من العثور على الجيد المفيد ، فلما طالعته أثار إعجابي واحتفظت به دليلاً على قدسيّة اللغة العربية وسحرها وما كنت أعلم أنّ شاعر الديوان هو نفسه شارح زيارة عاشوراء حتى دخلت من البوابة الواسعة لهذا الكتاب الرائع العظيم ، وعرفت مؤلّفه، فازددت شوقاً على شوقي.

ثم قرّبني من المؤلّف ولائه الشديد لأهل بيت نبيه وحبّه لهم وبغضه لأعدائهم ونأيه بالروح والجسد عن خصومهم واتخاذهم خصوماً له، ولو كان علم الله من بلد غير بلدي وأمة غير أمتي لتعلّقت به تعلّق الحبيب بالحبيب فكيف وه-و من البلد الذي أنتمى إليه وأحمل جنسيته وأتكلم لغته وإن نمتنى الأعراق إلى العرب على علم منّي بأن لا موضوعية للأجناس هنا بعد قيام الدولة الإسلامية في إيران حين اتخذت لكل رعاياها الجنسية الإسلامية أصلاً ومنشأ وانتماءاً وأنساباً، والحمد لله .

من جهة أخرى رأيت أن أواصل الترجمة فأدخل عالم الكامل للبهائي وهو ما يزال مغلقا عليّ عليّ لأني لم أقرأه بعد لأبدأ بترجمته وسوف أبدأها قريباً بإذن الله تعالى وحسن توفيقه .

بقي في نفسي شيء وددت أن أعرضه على القارئ وهو أن الأخطاء التي يراها في الكتاب جلّها تعود إلى الطبع والآلات الطابعة على أن السيد محمد المعلم يبذل في الكتاب قصارى جهده المشكور لتفادي الأخطاء ولكنها تقع حتماً لأنَّ العصمة من الخطأ الله وحده ، ولأنّ مخطوطة الكتاب حين تصل إلى يده تصل مخطوطة بيد مرتجفة أثر بها حادث الاصطدام - أجاركم الله - فجعلها لا تستقرّ

ص: 6

بالحرف كما ينبغي أن يكتب فتتنائي بعض حروفه عن بعضها أو بعض نقاطه على حروفه فتوضع هذه النقطة على غير حرفها وتلك الحركة على غير صاحبها ويضعف ما حقه التخفيف، أو يخفّف ما حقه التضعيف ، وهكذا دواليك ، فتأتي القرائة مصحفة فيقع الخطأ ، أعاننا الله وإياكم على تفاديه.

وآخر القول إنّي أردت قصداً أن لا أطيل في المقدمة ولا أفردها عن مقدمة الناشر - للمتن الفارسي - ولقد سبق سيدنا المحقق السيد علي الموحد الأبطحي أيده الله وسدّده إلى هذا الخير العميم حيث بذل جهداً مشكوراً لإخراج هذه اللؤلؤة المشعة والدرّة اليتيمة بحلّةٍ قشيبة وأعطى من فيض قلمه عطاءاً ثراً مفيد حيث حلّى هذا الكتاب بصياغة الهوامش النافعة والتعاليق الجديرة بالثقة والاطمئنان .

وإني والحق يقال استفدت من تحقيقاته الكثير وأغناني بذكر المصادر بدقة عن البحث عنها إلا ما رأيت البحث عنه وفيه لازماً خلا أني أخذت على المحقق ذكره للمصدر الأول الذي نقل عنه المؤلّف ثمّ يسارع فيأتي بالمصدر الثاني الذي نقل عن المصدر الأوّل فهو حين يروي الرواية عن المناقب يسارع فيثني بالبحار الذي نقل عن المناقب وهذا لا داعي له لأن المصدر الثاني لا يضفي على الرواية قوة أو صحة مضاعفة لأنه ناقل لها وليس مخرجاً ومع ذلك فهو لا يشين تحقيقه الرشيق الجميل الدال على الفضل وسعة الإطلاع وله الفضل أوّلاً لأنّه المتقدّم وآخراً لانتفاعنا بتحقيقه وأسئل الله لي وله التوفيق في خدمة هذا المذهب الشريف والنجاح كما أرجو لكل المتعاونين معناً في نشر هذا الكتاب الخير والأجر لا سيما سيدنا الاستاذ السيد المعلّم . أحسن الله إلى الجميع .

لهذا جعلتها صدراً لها وها هي - أي مقدمة الناشر للمتن الفارسي - تليها، والحمد الله أوّلاً وآخراً، والصلاة على حبيبه المصطفى وآله المستكملين الشرفاء.

ص: 7

مقدّمة الناشر (للمتن الفارسي)

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم ربّ بطل الشهداء الحسين بن علي علیهما السلام حمداً لا أمد له للربّ الرحيم الذي فتق في قلب الإنسان طاقات الود والمحبّة، وعلم أبجدية الحبّ والإيثار والفداء سالكي طريقه، وأنار مشعل التوحيد الوهاج في طريقهم، وأوقد بيادر أرواحهم ببارقة تجليه .

والشكر العميق للربّ الذي زيّن المصطفين من أبناء البشر وأوليائه بزينة حبّه وعشقه ، وقضى عليهم الشهادة في سبيله .

والحمد غير المتناهي للخالق العظيم الذي من أجل تعظيم الطريقة الحسينية وسالكها الحسين حلّى صدره المبارك بشارة لقب «ثار الله» وكنية «أبي عبدالله». ومن اليوم إلى أن تقوم الساعة وما دام العالم قائماً، يفتخر الكل في زيارته بترديد السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره» و «السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفناءك».

وجعل يوم عرفه أوّل يوم لعنايته بزوّاه وتوجّهه وتجلّيه لهم ثمّ للمثنين عليه والداعين في عرفاته، وحمل ملائكة السماوات السبع والأرض وما فيها في قبال هذه العظمة والشموخ ونكران الذات على تعظيمه كي يعرفوا سرّ الحكمة التي

ص: 8

قدرها في فطرة ابن آدم، ويلموا بها حق الإلمام ولا ينظروا إلى هذا الوجود الرباني العزيز إلّا بعين العناية .

والسلام والتحيّات على الأرواح الطاهرة للمولهين به والمدلهين بحبّه وحبّ مسلكه . وعلى الطلائع الأولى والقادة العظام من آدم إلى الخاتم وعلى أوصيائهم لاسيما أشرفهم أميرالمؤمنين علیه السلام و أوصيائه الكرام، المخبرين بصدق عن كربلاء وعاشوراء، الذين عرفوا البشرية بعمق الحادثة العظمى قبل وقوعها لكي يهب محبّو أبي عبدالله بوعي لنصرته ، والذود عن أهدافه، ولا يبخلوا ببذل الروح من أجل علوّ نداء التوحيد ونفى الشرك والنفاق، والابتعاد عن الأراذل والأوباش، لكي يحطوا رحالهم في حريم القرب الرّباني .

والصلاة والثناء العاطر على أصحاب ذلك الإمام الأوفياء المضحين ، الذين أقبلوا من كل حدب وصوب يحدوهم العشق حتى التحقوا بركبه ، واقاموا ملحمةً في يوم عاشوراء لا يذهب صداها إلى الأبد عن أذن الوجود، كي لا يغيبوا في حمئة النسيان والضياع، وتشمخ جباههم غراء في الزمان كله ؛ لأنّ هواء العشق خطير ، وعمل المحبّين المطهرين المتعلّقين بالواحد الأحد أخطر.

والحمد والشكر الذي لا قرار له الله الكريم الوهاب الذي منحني التوفيق حتى كتبت الكتاب القيم (منادیان راستين كربلاء وعاشوراء) لأحشر في زمرة المحبين ، وباستطاعتي أن أردّد:

درون شعله چون پروانه بسوختم ای دوست***بدین امید که از عاشقان حساب شوم

بنارك أحرقت مثل الفراش***وأمل أحسب في العاشقين

نعم، لو نلت توفيق نشر هذا الكتاب لكنت قدمت إضمامة من الورد التي لا يعتريها الذبول في تعاقب الزمان ولا يمحى رونقها في لفح زمهرير الشتاء إلى عاشقى الحسين ومحبّيه

ص: 9

ثمّ إنّ هذا الأثر الذي ترونه بين أيديكم (شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور) الذي تحمل الكاتب عبأ تحقيقه وتصحيحه والتعليق عليه، ورأيته لازماً لي واجباً عليّ لأنه واحد من الآثار العلمية والأدبية والتاريخية الثمينة الإسلامية، ويفهم موضوعه من اسمه بأكمل وجه وهو الذي يفصح عن عظمته وخواصه العلمية والتاريخية.

ومن المؤسف أن هذا الكتاب النفيس لم يقدّر حق قدره بشكل مؤلم، ولم يوله أهل الفضل والعلم العناية اللازمة، ولعلّ للغة التي كتب بها وهي الفارسية دخلاً في عدم الاهتمام به، وعسى الاهتمام به، وعسى أن يكون هو العامل الأصيل في ذلك أو من بعض عوامله ، على أنه كنز عظيم لا يصح التفريط به على الإطلاق.

والآن ومن أجل تبصر القرّاء الكرام ومعرفتهم أكثر وأكثر بهذا الكتاب القيم المفيد نوجه عنايتهم إلى النكات التالية :

1 - ما هي الزيارة ومن هو الزائر ؟

الزيارة في الاصطلاح معناها رؤية علم عظيم والمثول في حضرته من أجل أداء التحية له وتقديم أدب الاحترام اللائق به.

والزيارة للأقارب والأرحام والأحبة أمر عادي ولكنّها إذا كانت للأنبياء والأئمة المعصومين وكبار رجال الدين تحتوي على طقوس خاصة وخصائص مميّزة.

ولقد قيل : إن مجرد توجّه القلب إلى أولئك السادة تتحقق الزيارة ولكن ما أحسن الزيارة لو تمت على يد السالكين في معارج الحق ومناهج الربّ والرسول صلی الله علیه و آله وسلم ومحبّي آل البيت وأهل ولائهم من أجل نيل القرب منهم على نحو الزيارة ورؤية الحبيب بأحسن الكلام وأجمل العبارات يؤدون هذه الزيارة في حضرتهم .

ص: 10

وما أكمل هذه الزيارة أيضاً إذا أخذت طرقها وآدابها وتحيتها وثنائها وأخيراًكل ما يلتئم وهدف السالكين إلى حرم القرب من أولئك الكبار أنفسهم، وعملوا بدستور الحب والود بين التابع والمتبوع الذي ورد من جهتهم.

ومن هذه الجهة اتفقت كلمة أئمة المذهب وعلماء الطائفة على أنّ خير الزيارات وأفضل القربات ما جاء عن المعصومين فإنّه خير وسيلة من وسائل القرب لأهل الولاء - وكلام الملوك ملوك الكلام ، وربما ضمنوا مع بيان التحيات والآداب حقائق العرفان ودقائقه الدائرة في فلك الولاية والإمامة، بالشأن الذي ينبغى أن يكون عليه، فأرووا عطاشى زلال المعرفة، وأنقعوا غلتهم، بعناية وكفاية وسداد .

2 - دور الزيارة أو الدروس الحيّة

من المؤسف حقاً أن يقل الاعتناء بمحتوى الزيارة ويزداد الإقبال على ظاهر الألفاظ والكلمات الخاصة بهذه التعاليم الملكوتية ، في حين أن روح الزيارة في محتواها وهو دروس عميقة لتكوين الإنسان الفاضل وصنعه وهي تالية القرآن ونهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة والأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أي أنّها تأتي بعد هذه المحتويات المقدّسة في الرتبة لرقي الإنسان ورفع معنوياته ومنحه الروح الفاضلة تضعه في المكانة التي تؤهله لمعرفة معارف أهل البيت علیهم السلام ، لاسيما تلك المقدّمات والتقاليد والآداب والدساتير الموضوعة للعتبات المقدّسة وبيان طرق إجرائها للمتشرفين بلقاء الأحبة على تلك الساحات المشرفة التي بمجموعها تترك آثاراً عينية ومشاهدة ف-ي س-وق الإنسان باتجاه الكمال المطلوب، والبعد عن الأدناس، وعلى هذا الأساس رصد

ص: 11

جزاء عظيم وزائد عن الحدّ لمن وفقهم الله فبلغوا حرم القرب، ونالوا فضل الدنو من ذلك الحريم المطهّر .

3 - نظرة خاطفة على هذه التعاليم المفيدة

الأول : التوحيد ومعرفة الخالق .

الثاني : العجز والخضوع المطلق في قبال الذات الوحدانية ، وخالق الوجود ذي الجلال عزّ اسمه.

الثالث : الانعطاف نحو الجزاء والمثوبة الإلهية.

الرابع : البعد عن المحارم واجتنابها.

الخامس : تعاهد روح التقوى وتهذيبها وتربيتها .

السادس: رعاية حقوق المؤمنين.

السابع : تعليم روح الجهاد، وتقويم النفس والاستماتة في سبيل الله .

الثامن : إيجاد الصلة مع أولياء الله .

التاسع : التوجه إلى سيرة المصطفين وطريقتهم في الحياة ، حيث توجد في كلّ زاوية منها مدارس لتهذيب الإنسان ومثل عليا مقدّسة تحتذى لكلّ إنسان .

العاشر : بيان أهداف الأئمة المعصومين من إعلاء كلمة الحق والطاعة الخالصة والإيثار فى سبيل الحقِّ .

الحادي عشر : التوجّه إلى دقائق العرفان والاعتقاد والأخلاق والاجتماع والتاريخ وإجمالاً لما تقدم الأنس بالمعارف الإلهية المبثوثة في عبارات ومضامين تلك الزيارات والدروس.

ص: 12

4 - زيارة عاشوراء

زيارة عاشوراء هي مجموع الدروس الاعتقادية والسياسية والفكرية، وإظهار السخط والغضب على عدوّ أهل البيت المعصومين المطهرين، وهي المحك الذي يتميز به النفيس من الخسيس، وتقديم البرائة على الولاء أو التبري على التولي وهي الدعاء والتضرع إلى الله، وطلب المعونة على الانتقام من العدوّ والتوفيق فى أخذ الثأر منه ، وإرسال النداء تلو النداء بحيث تعكس كلّ عبارة فيه القيم الفاضلة ، وفصولاً لا تحتمل التردّد تفتح للإنسان طريقه، وفيها القدرة على منح الإنسان القوّة والاستقامة في قطع الطريق حتّى يصل إلى الحقيقة الراسخة.

5 - عظمة هذه الزيارة

لا شكّ في أنّ زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسية وتنتهي سلسلة إسنادها إلى قال الله تعالى، وإمعان النظر في هذه المسألة يكشف لنا أهمية زيارة عاشوراء أكثر فأكثر من حيث كونها كلام الله وليست كلاماً عادياً، بحيث يستطيع المرء اجتيازه بسهولة، ومن هذه الجهة يرى العلّامة الكبير الطهراني ميرزا أبو الفضل - مؤلف الكتاب - وغيره من الشخصيات العلمية الإسلاميّة أنّ لكلّ كلمة من هذه الزيارة غوراً بعيداً وأسراراً مخبوثة، تحتاج إلى من يكشفها ويجلّيها.

6 - آثار و بركات زيارة عاشوراء

ليست الآثار والبركات الظاهرية والمعنوية لزيارة عاشوراء وتعظيمها وقرائتها ومداومة قرائتها ما هو بحاجة إلى بيان لأنه بمنزلة الشمس في رائعة النهار ، إلا أننا إظهاراً لتعظيم مكانة الروحانية الشامخة وتبياناً لطرق أصحابها وسلوكهم نعمد إلى ذكر نموذج من تلكم التأثيرات ونكتفي بها .

ص: 13

ذكر العلّامة عظيم الشأن صاحب كتاب «رياض الأنس» عن أستاذه جليل القدر آية الله العظمى الحاج عبد الكريم الحائري اليزدي أعلى الله مقامه الشريف (1):

لما كان في مدينة سامراء نشتغل بالطلب ، دخل علينا ذات يوم المرحوم آية الله العظمى الأستاذ الكبير السيّد محمّد فشاركي حلقة الدرس، وهو مضطرب الحال الشيوع الهيضة في ذلك الزمان ، وقد أصاب جماعة من العراقيين هذا الوباء المسري فقضى عليهم ، فقال السيّد المذكور هل تروني من المجتهدين ؟ قلنا: نعم ، فقال : ومن العدول ؟ قلنا : نعم - وكان غرضه بعد أخذ تأييدنا إصدار الحكم - ثم قال : إني أحكم على الشيعة جميعهم القاطنين في سامراء من ذكر وأنثى أن يتلو كل واحد منهم زيارة عاشوراء مرة واحدة نيابة عن السيدة المكرمة أمّ الإمام صاحب الزمان وأن يجعلوا هذه الأمّ المقدّرة شفيعة عند ولدها ال-م-ول-ى سيدنا المهدي ولي العصر وإمام الزمان عجل الله فرجه ليسأل الله تعالى برفع هذا البلاء عن شيعة سامراء .

قال المرحوم آية الله الحائري: فلما أصدر حكمه، وبما أن الخطر عام، ف-ق-د أطاعه الشيعة كلّهم فلم يصب الوباء واحداً منهم، ونجى الله تعالى من هذا البلاء العام ببركة زيارة عاشوراء الشيعة جمعاء .(2)

7 - دور کتاب شفاء الصدور

يظهر هذا الكتاب العلمي والأدبي والعقيدي والتاريخ عقائد الشيعة ومعارفهم

ص: 14


1- كان آية الله الحائري قبل الهجرة إلى إيران يسكن مدينة كربلاء وكان مشتغلاً فيها بالتدريس وتربية جماعة من الأفاضل وكان الكاتب من تلامذته المبرزين (هامش الأصل)
2- يحكي هذا النوع من القضايا عن عظمة عاشوراء وبركاته، وقد جمعناها في مجموع واحد تحت اسم زیارت عاشورا و شگفتیها وقد نشرناها والحمد لله . (المحقق)

وعظمة سيّدالشهداء علیه السلام و دور ثورته في إسقاط المؤامرة من الشجرة الملعونة الخبيثة - على لسان النبي والأئمة المعصومين - بني أمية ، ويبين كذلك عن عظمة عاشوراء وزيارتها، ويشرح اللطايف والدقايق الاعتقاديّة والأخلاقية والعرفانية والاجتماعية المودعة في عباراتها ومضامينها.

ولا يحتاج إلى بيان ما فيها من لزوم الاطلاع على المعارف الروحية وفاعليتها. ومما يؤسف له حقاً خفاء عظمة هذا الكتاب النفيس والدرّة البيضاء وسموّ شأنه ورفيع مرتبته على كثير من العلماء، ومن هذه الجهة لم يطبع إلا مرتين : الأولى في بمبئي ، والثانية في طهران بالأفست مع الأخطاء الكثيرة والتصحيف الكبير، وأحمد الله على لطفه حيث حملني حبّي للحسين علیه السلام وأصحابه على تحقيقه والتدقيق فيه وذكر مصادره ومداركه - بقدر الإمكان - ونشره بأسلوب جديد عصري، وتحمّل هذا العبأ الخطير ، على أمل قبوله من سيّد الشهداء مولانا أبي عبدالله الحسين روحي وأرواح العالمين له الفداء، وأن نكون مورد عناية شفيعة يوم الجزاء أمّه المظلومة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ومورد توجه و قبول بقيّة الله مهدي الزمان ولي العصر أرواحنا لمقدمه الشريف الفداء، ويكون ذخيرة لنا في يوم الجزاء.

8 - في شرح أحوال المؤلّف

كان المرحوم الحاج ميرزا أبو الفضل الطهراني عالماً عاملاً ولم يتخط المرحلة الثانية والأربعين من مراحل حياته ، وفي هذا العمر القصير استطاع الإلمام بكثير من العلوم لاسيما الفقه والأصول والحكمة والعرفان والأدبيات، وفي كثير من العلوم النظرية أوصل التحقيق فيها إلى درجة جعلها بمبعدة عن الوهم ومقربة من

ص: 15

الفهم الدقيق، وكان أقل مواهبه الشعر والقريحة ترسل بالعربية حتى لا تكاد تفرّق بينه وبين أكبر أساتيد العربية بحيث لم يصل إلى فصاحته وبلاغته في العربيّة نظير له من أبناء ،فارس، ولو رآه العرب العرباء لما علمو أنّ منشئ هذا الكلام الفصيح رجل من العجم ولغته اللغة الفارسي، وكان مشعلاً وهاجاً يتباهى به الإسلام والمسلمون

ولد هذا العالم العظيم - وهو خلف الفقيه المحقق ذي القدر الرفيع المرحوم الحاج ميرزا أبو القاسم الطهراني الكلانتري صاحب التقريرات - عام 1273 هجرية، ولما كان يتحلى بالفهم والفراسة والذكاء والعقل والدربة، فقد كمل في أقصر وقت في العلوم العقلية والأدبية والنقلية كلّها، ولشدة حافظته وقوتها كان يحفظ القصيدة إذا قرأها أو سمعها مرّةً واحدة ، وتنطبع في ضميره المنير كالنقش في الحجر، وكان يحفظ غالب أشعار العرب والعجم، فكان مثالاً يحتذى لأهل ،زمانه ، ويشهد لمكانته العلمية ما كتبه من المؤلّفات زمان بلوغه أو بعده بقليل، فهی خیر شاهد على الأمور السالفة .

هاجر المؤلّف إلى العتبات المقدّسة في سنة 1300 لكي يكمل دراسته العلمية ويحصل على الدرجات العالية مع ما كان يقول في حقه المرحوم ملا علي الكني - أعلى الله مقامه - من أنه كمل في كل علم وبلغ رتبة الاجتهاد الرفيعة، وما به من حاجة إلى الهجرة، ولكنّه قصد يومئذ العراق وأفاد من محضر المرحوم آية الله الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي - أعلى الله مقامه - ونال شرف المثول في سامراء بدعوة من المرحوم آية الله العظمى الميرزا حسن الشيرازي، ونال الفائدة الكبرى من كمالات ذلك الرجل العظيم، وبأمره ألف كتاب «شفاء الصدور».

وفي سنة 1306 سافر إلى الحجّة بمعيّة الحاج السيّد محمّد الصرّاف الطهراني ، وعاد في سنة 1310 إلى مقره المألوف ووطنه الأصلي طهران، واشتغل بالتدريس

ص: 16

في المدرسة الحديثة البناء الناصرية، وقام مع التدريس بالفتوى ورتق أم--ور المواطنين وإقامة صلاة الجماعة.

وكان لتحليه في طلاقة اللسان وحلاوة البيان مع ما هو عليه من الرتب العلمية ودرجات التقوى سبباً داعياً وعاملاً مؤثراً فى ميل قلوب أهل الفضل إليه ، وإقبالهم عليه من شتى بقاع الدولة، مما أثار حسد بعض معاصريه فبالغوا في إزعاجه وآذوه وحمّلوه العذاب والعنت حتى وافاه الأجل في غرّة صفر سنة 1316 مصاباً بمرض الحصبة». وفي الثامن من الشهر المذكور ذهب إلى رحمة الله تعالى، وكان يعتقد بعض أهل العلم والاطلاع أنه رحل عن هذه الدنيا مسموماً.

دفن المرحوم في مقبرة والده الماجد الواقعة في صحن الحمزة وفي جوار عبد العظيم الحسني .

إعلان وإعلام

ما ذكر في بعض الكتب والتراجم من كون اسم المؤلّف أبا الفضل أحمد ووفاته كانت عام 1317 وأن جسده نقل إلى النجف فدفن هناك في وادي السلام لا حقيقة له بل اسمه أبو الفضل ومولده سنة 1273 ووفاته 1316 ومدفنه الشريف في مقبرة والده المعظم في جوار عبد العظيم في الري.

شيوخ المؤلّف وأساتذته

حضر الشيخ أبو الفضل في مبتدء حياته العلمية في محضر والده العظيم الحاج ميرزا أبي القاسم الطهراني الكلانتري . وبعد أن لبّى والده نداء ربّه قضى أغلب أوقاته في حلقة فقيهي الزمان ووحيدي الأوان السيد السند الآقا السيّد محمّد

ص: 17

الطباطبائي والعلم المعتمد الآثا ميرزا عبدالرحيم النهاوندي - نور الله مرقدهما - واشتغل عليهما بتحصيل الفقه والأصول.

وحضر في المعقول والعرفان على حكيمي العصر وفريدي الدهر الآقا ميرزا محمد رضا القمشئي والآقا ميرزابي الحسن جلوه - طيب الله تربتهما - وعمد إلى تدبيج بحوث الأستاذ الفريد الآقا محمد رضا القمشئي العرفانية والحكمية بصورة تقريرات وما تزال هذه البحوث إلى الآن موجودة في ذلك البيت الشريف.

وهاجر عام 1300 هجرية إلى العتبات المقدّسة وتشرف بحضور مجلس آية الله العظمى الميرزا حبيب الله الرشتي، ومن بعده حضر مجلس آية الله العظمى الحاج ميرزا حسن الشيرازي واستفاد من محضر هما كثيراً .

زملاء المؤلّف في العلم والبحث

كان هذا العالم العظيم فى أعماله العلمية له مباحثات مركزة علمية مع آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي وآية الله العظمى الآقا السيد محمد الاصفهاني.

آثار المؤلّف العلميّة والأدبية

1 - أرجوزة في النحو (1)

2 - الإصابة في قاعدة الإجماع على الإصابة (2)

3 - تراجم ؛

4 - تميمة الحديث - علم الدراية (منظوم) ؛

ص: 18


1- مقدمة ديوان المؤلف .
2- مقدّمة شفاء الصدور : 228 و 253 .

5 - تنقيح المقالة في تحقيق الدلالة ؛

6 - حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه ؛

7 - حاشية وشرح على مكاسب الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه(1)

8 - حاشية على رجال النجاشي (2)

9 - (شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور) طبع ف-ي بمبئي وف-ي ط-ه-ران بالأفست ؛

10 - صدح الحمامة ؛

11 - قلائد الدرر في علم الصرف ؛

12 - الدر الفتيق في علم الرجال ؛

13 - ديوانه العربي - طبع في طهران ؛

14 - منية البصير في بيان كيفية الغدير ؛

15 - ميزان الفلك فى علم الهيئة منظوم (3)

16 - منظومة في الإجماع.

تذكّر وإعلام

من أجل اطلاع أكثر ومعلومات أكبر عن أحوال هذا العالم الکبير المفيد الإسلامي وتأليفاته وآثاره العلمية والأدبية بإمكان القارئ الكريم الرجوع إلى أقوال العلماء الذين تناولوا شخصيّته العلمية والأدبية وتناولوا مكانته في عالم العلم، منها:

ص: 19


1- مقدّمة ديوان شفاء الصدور : 221
2- مقدمة الديوان ، شفاء الصدور : 243 و 444. (هامش الأصل)
3- مقدمة الديوان، شفاء الصدور : 228

1 - إبداع البديع في صنعة الاشتقاق، تأليف ميرزا حسن شمس العلماء الگرگانی، طبع طهران سنة 1328.

2 - أحسن الوديعة ، تأليف السيد محمد مهدي الكاظمي ، طبع الكاظمية .

3 - أعيان الشيعة ، تأليف العلّامة الكبير السيد محسن الشامي، طبع بيروت.

4 - جُنّة النعيم في أحوال عبد العظيم، تأليف الحاج ميرزا باقر .

5 - الذريعة ، تأليف العلامة عظيم الشأن الحاج الشيخ آغا بزرگ الطهراني .

6 - طبقات أعلام الشيعة 1 55 للعلّامة عظيم الشأن الحاج شیخ آغا بزرگ الطهراني .

7 - الكنى والألقاب، تأليف العلّامة العظيم المحدث القمي.

8 - مدينة الأدب، تأليف عبرة النائيني .

9 - مدينة المدينة ، تأليف عبرة النائيني.

10 - نامه فرهنگیان، تألیف عبرة النائینی

11 - ناسخ التواريخ الطراز المذهب، تأليف سپهر .

12 - ناسخ التواريخ الإمام زين العابدين، تأليف سپهر .

13 - نامه دانشوران، تأليف جماعة من الفضلاء

14 - مجموعة القدس، تأليف الشيخ أبي الفضل الطهراني مؤلّف كتاب «شفاء الصدور».

15 - معجم المؤلّفين 8 :71، تأليف عمر رضا كحالة.

16 - مقدّمة ديوان المؤلّف، تأليف العلامة محدّث الأرموي.

ولا يخفى أن خير ما كتب فى حق المؤلف هو هذه المقدمة لديوانه .

ص: 20

الإهداء..

إلى عتبة الحوراء الإنسيّة البتول العذراء فاطمة الزهراء - سلام الله عليها - المقدّسة، تلك السيّدة التي سادت العالمين، والتي جعلت وجودها فداء في سبيل صيانة الإسلام من أجل تسليمها ورضاها بقضاء الله في شهادة ولدها العزيز الحسين علیه السلام في طريق الإمامة حازت مقام الشفاعة وصارت شفيعة يوم الجزاء.

وإلى روح السيّدة العابدة الطاهرة العلوية الصالحة السلالة الصادقة للصدّيقة الكبرى علیها السلام التي تربت في ظل والد محبّ وامق ، رهين القلب بذلك المقام الرفيع ، والمشرّف بحرم القرب المهدوي التي بكتابة كتاب «مكيال المكارم» بأمر الحجّة عجل الله تعالى فرجه رفعت نفسها إلى درجة المصداق البارز لعنايته علیه السلام وصارت مصداقاً ل__«شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء» و«البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه».

وإلى السيّدة الكبرى التي بالتزامها بتلاوة القرآن والالتجاء بأهل بيت العصمة والطهارة لاسيما صاحب الزمان علیه السلام وجدت جلوة أخرى، وبإدمانها التوسل لاسيّما زيارة عاشوراء اتخذت مرآة روحها شفافيّة أخرى، وأصبحت عينها الناظرة في الظاهر والباطن، في النوم واليقظة تشاهد العتبات النورانية والعوالم الروحانية ، وإلى تلك الأم الرؤوم التي أدّت ما عليها من ديون للإسلام والروحانية بما بذلت من التربية لأولادها وقدّمتهم إلى الحوزة العلميّة المقدّسة في النجف وأصفهان، وأخيراً في يوم الأحد (1)في فجره ساعة ينادي المنادي (حي على الفلاح) أي دعي نفسك وارجعي إلى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي

ص: 21


1- اليوم المنسوب إلى مولى المتقين علي المرتضى وفاطمة الزهراء سلام الله عليها .

وادخلي جنتي ، لبت النداء، وفي وقت أذان الظهر اغتسلت غسل الشرف في حريم القدس مصحوباً بتلاوة زيارة عاشوراء وذكر يا زهراء أسلمت الروح، ومع غروب الشمس وُوري جسمها المطهر الثرى، وسط بكاء المشيعين، والعيون العبرى .(1)وانتقل مثالها البرزخي إلى حائر الحسين علیه السلام الأرض التي تلهج باسمها الله دائماً وعينها باكية ودموعها جارية وطائر روحها يرف بجناحه صوب حرم الأمن ذلك سرّ الله روحها ونور ضريحها.

ص: 22


1- 13 ربيع الأول 1407 المصادف آبان ماه 1365 ، وأقيم مرقدها الطاهر في حرم عالم كبير وشهيد امام زاده جعفر حفيد الإمام موسى الكاظم و امام زاده مرتضى حفيد الإمام زين العابدين مقابل حرم امام زاده إسماعيل بن المجتبى في اصفهان شارع الهاتف .

صورة خط المؤلّف

من بديع الاتفاق موافقة تاريخ هذا الكتاب لقولنا شرح زيارة عاشوراء (1309) مقصوراً وهو عنوانه وقلت فيه نظماً :

هاك مجموعة حوت كلّ معنى***من معاني زيارة العاشور

وإذا تم جمعها قلت أرّخ***بالشرح مجد شفاء الصدور

وكتب مصنفه العبد الآثم أبوالفضل (1309) منتصف رجب الأصم من السنة المذكورة.

صورة الخط المبارك لمجدّد المذهب سيد البشر على رأس المأة الثالثة عشرة حجة الإسلام الآقا الحاج ميرزا محمد حسن الشيرازي أعلى الله مقامه وكتبه تقريظاً على هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكتاب الشريف (شفاء الصدور) الحق إنّه كتاب غاية في الجودة والكمال والمتانة ، وجامع بين مراتب التحقيق والتتبع ، ومحيط بذكر أنواع الفضائل والمعارف ، وهو بجميع أصناف الناس وطبقاتهم نافع وممتع ، وقلّ نظيره في بابه . والجدير به أن يرجع إليه عامة القرّاء وأن يزيلوا المشاكل ويصححوا العقائد بالتأمل فى مباحثه ، ونأمل من الله الأقدس جلّ ذكره أن يحشر مع خامس آل العبا - عليه وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه والطاهرين من ذريته أفضل الصلاة والسلام - كلّ من ساعد فى هذا الأمر وأعان بشكل من الأشكال لأنّ الكتاب أساساً موضوع لإحياء أمر ذلك الجناب وإعلاء كلمته بمحمد وآله الطاهرين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

حرّره الأحقر محمد حسن الحسيني

ص: 23

مقدمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. إنّ حمد الواحد المتعال شفاء لصدور سكان صوامع الملكوت الرب الذي

صبغ وجود الأنبياء العظام بلطفه الخاص بهم بأرجوان البلاء.

وإن جلاء عيون سدنة جوامع اللاهوت بنشر نعمه الواسعة العطاء، جلت آلائه ، الذي خاط خياط عنايته الخاصّة حلّة المصائب والعزاء على قامة أوليائه الكرام ، ثم الاعتصام بحبل الولاية المتين والاستمساك بعروة ولايتهم الوثقى، التي جعلها الله راية النجاة وسلّم ارتقاء الدرجات. وجعل لتوجّه القلوب النقيّة إلى عتباتهم المقدّسة من قريب أو بعيد، وهذا هو حقيقة الزيارة التي هي بمثابة الدرياق للدين المعاصي.

ومن هذه الجهة وهب سيّد الكائنات، وصفوة الموجودات وسيّد الأنبياء وخلاصة الأصفياء محمّد المصطفى وآله الكرام درجة خاصة ، وخص من الذرّيّة الدرية والعترة الفاطمية طليعة الشهداء وإمام السعداء ، شمع محافل أصحاب المحبّة، وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي علیهما السلام بمزيد الاختصاص حيث جعل الالتجاء إلى حضرته لذوي الحاجات الأكسير الأعظم، لاسيما زيارة عاشوراء من بينها فقد جعلها واسطة الفوز والرشاد، وبمنزلة الحجر المكرّم.

ص: 24

ثمّ جواهر الصلوات الزاكيات المنظومة، ولئالي التحيّات الناميات المنثورة على تلكم الأرواح المطهرة وعلى تلك الدرّة السماوية المضيئة، صاحب المقام المحمود، وشافع يوم الموعود، عظيم العظماء، وخاتم الأنبياء وآله الأطهار وعترته الأبرار، جنود الله في موضع الفداء والتضحية على الأولياء كافة لاسيّما فاتحة كتاب الإمامة والهداية، وخاتمة أبواب الوصاية والهداية الذي نال الخلافة بحق بل صار نفس الرسول المقدّسة بصدق ؛ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وخليفة ربّ العالمين، وحجّة الله على أهل السماوات والأرضين صلّى الله عليهم وعلى من انتسب إليهم. ولعنة الله على من غصب حقه وجحد ما استحقه وناصبه وآله بالعداوة، أولئك طبع الله على قلوبهم وعلى أبصارهم غشاوة ، ما ت-ل-ي باللسان زيارة أو قُرء على الآذان بشارة .

وبعد : فيقول غارس رجله بالرمل ، المقيد بسلاسل العلائق ، والمصفّد بفخوخ الأمانى والعوائق ، الهائم فى بيداء الجهل، أبو الفضل ابن العلم المحقق الطهراني حوسبا حساباً يسيراً، وأُوتيا في النشأتين خيراً كثيراً لألواح الأرواح الصافية، وصفائح الألباب الزاكية :

لما تشرّفت عام ستّة بعد الثلاثمائة والألف الهجرية بزيارة بيت الله الحرام، ونلت الفيض الرباني هناك، طلب مني بعض الأخلاء الروحانيين ، وإخوان الإيمان أنا - القليل البضاعة الكثير الإضاعة ، أذاقه الله حلاوة مناجاته، وجعل النجح في الدارين مقروناً بحاجاته - أن أشرح زيارة عاشوراء ، وأفسّر فقراتها، فقرة بعد فقرة ببیان شاف وحدیث کاف، ليستفيد منه أبناء الفارسيّة وينالوا نصيبهم بمطالعته، ويحظى بمراجعته العلماء بشوق ورغبة، فاعتذرت - أنا القاصر - بقصور الباع وقلة الاطلاع، وضعف الحال، وترادف الأشغال وضيق المجال.

وكلّما بالغ الإخوان في الطلب، وكثر الإلحاح منهم عليّ والإصرار لديّ ، لم ألن

ص: 25

في الإجابة لعلمي بمقدار بضاعتي، ولم أستقبلهم بالإيجاب، وما زلت على هذا المنوال ، متباعداً على بليّة الرغبة وإجابة السؤال ، حتى أتممنا مناسك الحج وعاد الحجيج إلى الأوطان، ولما رجع «العبد الله» إلى مقره المألوف، وهي الأرض المقدّسة والبقعة المباركة، مقرّ سلطان الولاية، ودار الغيبة، مركز دائرة الهداية «عجّل الله تعالى فرجه» سامراء، وقد نلت الشرف بجواره ، وما زال البريد يحمل إلى الرسالة تلو الرسالة ، من خلان اليقين وإخوان الدين، تحتني على إجابة الرجاء المطلوب، ولم يبدر منّي سوى الردّ والزماع والصدّ والامتناع .

، إلى أن هلّت غرّة جمادى الأولى من عام 1308 ، عزم جناب محامد العضاب معالي الانتساب ، عمدة الأجلاء الأنجاب، وزبدة الأخلاء الأحباب ، الحاج السيد کاظم الصراف الطهراني دام توفيقه على تكرار الزيارة لبيت الله الحرام، ولكنه بدأ بتقبيل أعتاب فلك أئمّة سرّ من رأى علیه السلام، ففاز بدلك المقام، ونال هذا المرام لا ام فألحف في السؤال، وألح على حصول المقصود ، واستعان بصفوة البشر، عيوق الرتبة والشأن ، حامي حمى ،المسلمين كنز الراجين ، وكهف المحتاجين، طغراء صحائف الفقه والرئاسة، ومفترع رأس قائمة الكياسة والسياسة، مجمع بحري السيادة والسعادة ومشرق شمس الإضافة والإفادة آية الله في العالمين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، أستاد العلماء والمجتهدين، مربّي الفضلاء والمحصلين، شمس الإسلام والمسلمين سيّد الفقهاء والمجتهدين، ذخر الحكماء والمتكلّمين خاتمة الزعماء ، قادمة الرؤساء، غوث الملّة، عماد الشريعة ، ركن الشيعة، مستجار الأمة، محيي السنة ، مميت البدعة، ، مفني الأموال (1)، معيد الأمال، باب الأحكام، علم الأعلام ، خليفة الإمام في رعيّته ووصي آدم في ذرّيّته ، مفتي الفرق مرتضى الأمم ، سيّد الطائفة ، محقق الوقت ،

ص: 26


1- يعني بذلك أنه كان ينفق ما لديه من الأموال . هامش الأصل)

شيخ العصر ، علامة الزمان، مفيد الدهر ، مرآة السلف، مشكاة الخلف ، عدّة الفرقة الناجية ، ناصر العترة الزاكية وهو الذي :

أنته الرياسة منقادة***إليه تجرّر أذيالها

ولم تك تصلح إلا له***ولم يكن يصلح إلا لها

المنعقد على أفضليته الخناصر ، والمعترف بأعلميّته كلّ ،معاصر مولانا الأجل وكهفنا الأظلّ ، المنتهى إليه في عصرنا رياسة الإماميه في العلم والعمل، ذوالمناقب، أبو المفاخر ، فلك المكرمات ، شمس المعالي ، سيدنا الطاهر المعظم وأستاذنا البارع المقدّم «الحاج ميرزا محمد حسين الحسيني»؛ عترة ونجاراً، الشيرازي مولداً وداراً، العسكري هجرة وجواراً، المدعوّ في لسان الخاص والعام بحجة الإسلام ، مجدّد مذهب سيد البشر على رأس المائة الثالثة عشر لمؤلّفه :

علامة ملأ ثوبيه وليس له***من قبله أوّل أو بعده ثاني

زرت مطارفه والمجد حليتها***على كمال بدى في زيّ إنسان

من علمه يستمد المشتري شرفاً***فلا يقاس به يوماً بميزان (1)

لا زالت ألوية الإسلام بعلومه منشورة، ولا برحت جنود العلم بإفادته منصورة :

من قال آمين أبقى الله مهجته***فإنّ هذا دعاء يشمل البشرا

ومجمل القول أن الحاجّ المشار إليه لما بلغ زاوية بساط القرب الذي هو موضع سجود الصلحاء والزاهدين، ومقبل الفضلاء الراشدين، ونال فيض الوصول أسرع بطلب المأمول حتى بلغ درجة القبول. ولما تشرفت بزيارته، وبلغت محضر إفادته جرى الحديث بيننا حول الطلب المشار إليه ، فتمسك الداعي بعذره من قلة المؤونة وكثرة الأشغال النظرية ، والبعد عن عالم التتبع الذي

ص: 27


1- ديوان المؤلف : 345 .

لابد منه لإنجاح عمل كهذا، ومحاولة التدقيق والنظر والتأمل التي(1) هي واجب أهل الدعوة ، وبسطتُ هذا العذر بين يديه ؛ فلم يستمع إليه ، وأصدر أمره على نهج «الميسور لا يسقط بالمعسور» شريطة أن لا ينافى هذا العمل سائر الواجبات ، ولا يعارض بقيّة الأعمال والوظائف، وينبغي أن يكون الشرح على نحو الاختصار ؛ ليرغب فيه عامة الناس من كل طبقة، وينتفع بتأمل أبوابه وفصوله كل صنف ؛ ونظراً لما قاله الحكماء «المأمور معذور» ، وكان القول السائد «الميسور لا يسقط بالمعسور» من المقررات العقلية والشرعيّة ، واستمدّ هذا القليل البضاعة من يمن توجهات هذا الأستاذ الكبير ، ومحاسن عناية هذا العلّامة الشهير الذي كانت قطب رحى الإمامية إفاداته ، ومطاف أكابر فقهاء العصر تحقيقاته، أدام الله ظله ، ولا أعدمنا فضله.

ولمّا عُدت من زيارة المشهدين المقدسين في سلخ شهر رمضان المبارك من السنة المذكورة ، نصبت شباك الهمة لاصطياد وحش الفرصة، فكانت تواتيني الفرصة بين الحين والحين عند أوقات الراحة وأزمنة الفراغ من البحث والنظر ، فأصرف هذا الفصل من العمر لتلكم الغاية. فابتدأت بالأهم وهو الباب الثاني فقدّمته ، ووجهت القلب إليه ، واتخذته نصب عين الهمة إلى أن بلغت ختام الباب المذكور في التاريخ المسطور، مع ندرة الكتاب وقلة الأسباب، لاسيما في سامراء التي فقدت فيها روح الإعانة ، من حيث القلّة في العُدّة والعدد، وسدت أبواب الاستعارة .

في المحرّم العشر الأواخر منه شرعت في شرح الباب الأول من الكتاب، على أن ذلك كان في أثناء المدارسة والمناظرة فانتهزت الفرصة حتى أكملت الباب في غرّة صفر ببركة ساداتنا الأئمة وفضل الإمداد العلوي.

ص: 28


1- «التي» تابع للفظ «محاولة» . (المترجم)

ولم تقع يدي أو تسمع أذني على شرح متقدم، أو تعليقة سابقة بخصوص المورد لكي أستعين بمراجعتها وأقتدي بخطوطها على بلوغ الغاية، وبفضل الله عزّ وجلّ ومنه لم أخرج من أقسام التأليف السبعة ، التي لا ينبغي لكلّ عاقل أريب أو فاضل لبيب أن يصنّف خارج دائرتها وبعيداً عن مدارها ، وأنا أذكر هذه الأقسام من أجل تنبيه الناظرين وتذكرة المعاصرين.

قال ابن حزم الظاهري فى الرسالة الأندلسية؛ و وهي من المصنوعة في هذا الباب ، وقد اقتفى أثره في هذه الأقوال جلّ الفضلاء والحكماء ، واتخذوها قاعدة تبانوا عليها، فقالوا: لا ينبغي للعاقل إذا عزم على الكتابة والتأليف أن يتجاوز هذه البنود السبعة :

الأول : أن يبتدع ويبتكر ما لم يسبق إليه .

الثاني : أن يتم عملاً أو كتاباً ناقصاً ويكمل ذلك النقص منه .

الثالث : أن يعمد إلى إشكال مغلق فيحلّ رموزه ويوضح إشكاله ويفتح مغلقه .

الرابع : أن يختصر كتاباً مطولاً اختصاراً مفيداً غير مخل بحيث لا يتجاوز على أصله فيشوّه معالمه ويمسخ قواعده .

الخامس : أن يعمد إلى مسائل في موضوع ما متشتة هنا وهناك ، فيجمع شتاتها ويؤلف أبعاضها ويجمع شواردها ويلم أوابدها ، ويحسن تصنيفها بحيث يسهل على المستفيد تناولها من أقرب وجه وأحسنه.

السادس : أن يعمد إلى مسائل في باب من أبواب العلم أو موضوع من مواضيعه متشتة الأجزاء متباعدة الأبعاض فيعمد إلى جمعها وتأليفها، تحت سماع واحد، فيضع السنخ إلى سنخه، ويضمّ الصنف إلى صنفه ، والشقيق إلى شقيقه، والشبيه إلى شبيهه ، فتتألف بهذا الجمّ والتنظيم والتنضيد عائلة العلم، ويجتمع شملها، ويتلاقى شتاتها .

السابع : أن يعمد إلى مسألة في العلم أخطأ فيها مؤلّف قبله، فيصلح خطأها

ص: 29

ويقوم أوده ويهذبها ويبعد عن ساحتها عرض المؤلف الخاطئ وانحرافه، ویزكيها كما هي على الحقيقة.

وسائر المؤلّفات التي تضرب على غير هذه الأوتار السبعة مثل جلّ المؤلّفات، ليست أهلاً لعناية الفحول ولا تليق بمراجعة أرباب الألباب والعقول .

قالوا: وينبغي لكل مؤلف كتاب في فنّ قد سبق إليه ألا يخلو كتابه من خمس فوائد :

1 - استنباط شيء كان معضلاً.

2 - أو جمعه إن كان متفرّقاً .

3 - أو شرحه إن كان غامضاً .

4 - أو حسن نظم وتأليف .

5 - أو إسقاط حشو وتطويل.

قلت : وهذه الفوائد عند التحقيق قائمة بالأقسام السبعة(1) فليحافظ عليها أشدّ المحافظة فإنّها من أهم الأمور وأصعبها .

وقد سمّيت هذا الكتاب ب__ :

«شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور»

والآن إذا وقع هذا العمل موقع القبول عند الكبار والعظماء بلغت الأفلاك ارتفاعاً، وأضع قدمي على المشتري سعادة ، وبالطبع هذه الكرامة هي من ميامن التوجّهات والبركات القدسيّة لحضرة المستطاب الأجل السيد الأستاذ ضاعف الله قدره كما نشر بالخير في الآفاق ذكره «لأنّ من زنده قدحي وإيراثي ..».

بلبل از فیض گل آموخت سخن***ورنه نبود این همه قول و غزل بقیه در منقارش

تلّقت من الورد البلابل لحنها***فلم يك فى منقارها ذلك اللحن

ص: 30


1- سبقت الإشارة إليها عن ابن حزم (المترجم)

وإذا لم يسعف الحظ فلم يقع موقع القبول، ولم ينل المأمول فمرد ذلك إلى قصور الباع وهبوط نجم هذا الشقي ذي البضاعة المزجاة، ولكني أقول برجاء الواثق للعلماء الذين يسرحون الطرف في هذه الصحيفة أن يميطوا لثام المعاصرة من البين ويعتبروا هذا الفقير المحتاج من القدماء لا المعاصرين، ويرددوا الشعر الذي نظمه أبو تمام وجعله صاحب السرائر في ديباجة كتابه ، وهو قوله :

* الفضل للشعر لا للعصر والدار *

وأن لا يجعلوا القدم والمعاصرة مقياساً للتفوّق وميزاناً لتمييز الحق عن الباطل، والحالي عن العاطل، وأن يضعوا هذه النكتة نصب أعينهم وهو أن التقدم والتأخر أمران اعتباريان ينتزعان من انتساب أجزاء الزمان وفي الحقيقة لا يقدّم هذا الاعتبار شيئاً ولا يؤخّر ، ولا يزيد ولا ينقص ؛ لأنّ المعاصر لابد من تقدّمه على طبقة تأتي بعده ، والمتقدم كان معاصراً لطبقة وجدت معه ، كما قال الشاعر :

قل لمن لا يرى المعاصر شيئاً***ويرى للأوائل التقديما

إنّ هذا القديم كان حديثاً***وسيبقى هذا الحديث قديما

وما أحسن ما قال أبو العباس المبرد في الكامل : ليس لقدم العهد يقدّم المخطئ ، ولا لحدثانه يهضم المصيب، ولكن يعطى كلّ ما يستحق .. وقد نظمته

بقولي :

وليس لسبق العهد يفضل قائل***ولا لحدوث منه يهضم آخر

ولكن ليعط الكلّ ما يستحقه***سواء قديم منهم ومعاصر (1)

ص: 31


1- وفي الديوان ص 185 هكذا: «ولا لحدوث يحرم الفضل آخر». وبعده بل الكلِّ يُعطى كل ما يستحقه***سواء قديم منهم ومعاصر (هامش الأصل).

وتمثل السيّد الأجل ذوالمجدين المرتضى رضي الله عنه بل وسلام الله عليه كتابه الشهاب بهذا السطر

* السبق بالإحسان لا الأزمان *

ومن العجائب أنّ أهل كلّ زمان يشكون من هذه الظاهرة المفرّقة، ولهم هذا الرجاء أن يكون في عداد القدماء إذا انقضى الزمان، وابتلي المعاصرون بها. والغرض من هذا التطويل الممل هو حمل الناظرين في هذا الكتاب على النظر في العيوب الواقعية والنقائص الحقيقية والابتعاد عن اختراع النقود والنقائض بحكم اتحاد العصر ووجود المعاصر، وقصور المصنف عن اللحوق بركب القدماء «فإنّ الإنصاف خير شيم الأشراف»، وقال على علیه السلام : «أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى ما من قال»(1) مضافاً إلى ذكر الأعذار التي سلفت وأنّي ذكرتها على سبيل الحقيقة والواقع لا استناناً بسنّة الكتاب والمصنفين وعادة المؤلفين الذين درجوا على ذكر شواغلهم واختلال أحوالهم في ديباجة كتبهم جرياً على سنن التأليف عندهم، وإنما ذكرتها لتكون باعثاً للمطالعين على رفع عيوبه ، ودفع نواقصه، لينالوا المثوبة من الواحد الأحد، وهو المستعان المنان .

ويشتمل هذا الكتاب على بابين وخاتمة :

الباب الأوّل: في شرح سند رواية زيارة عاشوراء ومتنها .

الباب الثاني: في ترجمة ألفاظ الزيارة الشريفة .

الخاتمة: في ترجمة وبيان مشكلات الدعاء المعروف ب_«دعاء علقمة».

ونسأل الله أن يوفقنا وجميع المخلصين للحقّ.

ص: 32


1- من الأمثال المروية عنه الله في غرر الحكم ص 174 حرف الخاء وبلفظ آخر : «لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال» شرح ابن ميثم على المائة كلمة، الكلمة العاشرة ص 68 ، وغرر الحكم ص 232 ، وقد روي بلفظين آخرين هما: «لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قيل» (أمثال و حكم دهخدا 3: 1343) (أنظر إلى ما قيل ولا تنظر إلى ما قال امثال و حكم دهخدا 1 : 304) (هامش الأصل)

الباب الأوّل

اشارة

في شرح سند الزيارة الشريفة ومتنها

وهذه الزيارة كما هو المعروف في كتب الإمامية ضاعف الله أقدارها، وأحد مصادرها «المصباح»، والثاني كامل الزيارة ونحن أوّلاً نرويها من طريق الشيخ ثم نعمد إلى ذكر مواضع الفرق والاختلاف بين الروايتين بإشارات وافية.

ولي طرق كثيرة لهذا المتن تصلني بهذه الكتب ولكن ذكرها بأجمعها ينافي أسلوب هذا الشرح كما أنّ ترك السند من رأس أو تعليقه والاقتصار على المتن مجرّداً عنه يباين واجب المؤمن في الأمانة بنقل الحديث ، من ثَم نكتفي بطريق واحد وهو أحبّها إليّ وأعزّها عَلَيّ، وبهذا الطريق عينه نروي جميع الروايات الشيعية المذكورة في هذا الكتاب، بل إن هذا الطريق واسطتي أيضاً إلى جُلّ كتب أهل السنة سوى كتب معدودة من المتأخرين ، وإنما يحتاج إلى كمال السلسلة من حيث انشعابها في الأواسط حتى تصل بهم إلى المصدر على التفصيل المذكور في كتب الإجازات المبسوطة . فأقول مستمداً من آل الرسول (1):

1 - حدثني بالإجازة العامة الصحيحة بجميع ما حقت روايته وصحت له إجازته الشيخ الفقيه السعيد ، الموفّق الثقة الثبت الرحالة علامة ع-ص-ره وواحد

ص: 33


1- جاء في المتن باللغة العربية فلم يحتج إلى ترجمة المترجم.

دهره ، الرئيس المقدّم، والمطاع المعظم ، الجامع بين الفقه والزهادة، والمؤلّف بين العلم والعبادة «الشيخ محمد حسين بن هاشم الكاظمي» أصلاً، والغروي مسكناً ومزاراً ، روح الله رمسه، وقدّس نفسه، عصر الأربعاء الثاني والعشرين من رجب الأصب سنة 1305 في الدار التي نزلت فيها بالمشهد المقدس الغروي على مُشرِّفه السلام.

2 - عن الشيخ الإمام ، معلم علماء الإسلام، المُستسقى بوجهه الغمام ، المفضّل مداده على دماء الشهداء، والمتبرك بوطئ أقدامه أجنحة ملائكة السماء ، أنموذج الأنبياء والمرسلين ، علامة الأوصياء الغر الميامين ، حجّة الفرقة، خير الأمة ، واحد الأعصار، نادرة الفلك، بكر المشتري، أسطوانة الأساطين، وينبوع العلم والفقه واليقين من العلوم البحثيّة قسطاسها المستقيم، ومن المعارف الإلهيّة محدّثها العليم، رئيس الشيعة في عصره إلى يومنا هذا غير مدافع ، والمنتهى إليه رئاسة الإماميّة علماً وعملاً في الدنيا غير منازع ، مالك أزمة التحرير والتأسيس، ومربي أكابر أهل التصنيف والتدريس ، مليك سماء التدقيق ، والمستوي فوق عرش التحقيق ، أكمل الفقهاء والمتبحرين ، أتقن المتقدمين والمتأخرين ، قولاً بالإطلاق وشهادة بالاستحقاق المنكب على فهم إشاراته أذهان المحققين، والمفتخر بحلّ عويصاته أفكار المدققين، غاية فخر الفقهاء تحصيل مقاصده، ومنته-ى سعي الفضلاء تفصيل فوائده .

المضرب بزهده الأمثال والمضروب إلى علمه أباط الآبال، والمضروب سرادق رياسته على جبهة عيوق، فذلك لا حرج في مدحه بكل ما يمدح به بعد الأئمة مخلوق، المجتمع فيه محاسن الخلال ما لم يتفق من عنق الدهر لأحد من الرجال من عموم رئاسة طبّقت وجه البسيط ، ووفور علوم غيضت البحر المحيط ، إلى زهد في الدنيا وضيق في العيش لم يعهد من غير الوصيّين، وحشو في العبادة

ص: 34

ومواظبة عليها لم يسمع إلا من النبيين ، المنادى مشهور فضله في الآفاق، بحيّ على العلم والصلاح والمهيعل ، مبسوط كفّه في الأقطار، بحي على الجود والسماح، والداعي موفور زهده في الأصقاع، بحي على الفوز والفلاح، فلذلك طأطأ عنده كل شريف ، ولاذ إلى ظله كلّ عالم عريف ، فعكفت الهمم على الاقتداء بآثاره ، واتفقت الأمم على الاهتداء بأنواره، فلا الألسن تستطيع أن توفي حق ثنائه، ولا الأقلام تطيق تؤدي وظيفة واجب إطرائه .

صاحب المقامات المحمودة والكرامات المشهودة، والآيات الغير مجحودة، خلاصة الماء والطين برهان الإسلام والمسلمين ، قيّم الشيعة ، عظيم (زعيم) الإمامية ، أستاذ الأمم ، شيخ العرب والعجم ، بركة الوجود، شبكة السعود، بدر الساري، والمصون شمس علومه عن التواري شيخنا الإمام الأعظم آية الله العظمى ، حجّة الباري «مرتضى بن محمد أمين الجابري الأنصاري»(1) أهدى الله إليه طرائف السلام، وألحقه بمواليه الأصفياء الكرام وحشرنا تحت لوائه يوم القيام، ونفعنا الله ببركات علومه، ووفقنا لاتباعه، فلقد كان قدس الله نفسه كما شهد له بعض الأعاظم، عيانه أعظم من سماعه .(2)

3 - عن الشيخ الفقيه ، المحقق المدقق، الأوحد الأوثق ، جامع أشتات الفضائل العلميّة ،والعمليّة، والآخذ بأطراف العلوم الذوقية والبحثية، مؤسس أساس

ص: 35


1- أقول : أثقل السند بهذه العبارات الفخمة المتلاحقة التي أبرزت إعجابه بشيوخه ولكنها من دون طائل ، وما أحسنها عبارة لو خلت من هذه المبالغات وجائت سهلة على اللسان، خفيفة على الجنان ، وقد تكلف فيها السجع الذي زادها ثقلاً .
2- في الحديث: «كل شيء من أشياء الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء من أشياء الآخرة عيانه أعظم من سماعه». (منه)

الشريعة ومناهج أحكامها ، ومحرّر مستند الشيعة وعوايد أيامها «الحاج ملا أحمد النراقي» أحله الله رياض الأنس، وكساه ملابس القدس .

4 - عن سيّد الأمة ، وكاشف الغمة ، مهذب مقاصد المنطوق والمفهوم، ومحيي ما درس لشريعة جده من الرسوم الملقب بالاستحقاق ب_«بحر العلوم»، آية الله وبرهانه الجلي، والآخذ بأطراف الفخار العادي والمجد العدملي (1)، عرابة رأيه التأسيس والتعليم، وجهينة خبر التحقيق والنظر القويم، ودعيمص رمل التدقيق والفكر السليم من الأدب روضته الغضّ ، ومن التفسير نجمه الذي لا ينقض ، ومن الحديث عينه الفياض ، ومن العرفان درعه الفضفاض.

عماد الحكماء المتألهين ، أستاذ الفقهاء المتبحرين ، إمام المحدثين والمفسرين ، شمس المعارف ، كنز الطرائف ، ينبوع الفضل التالد والطارف ، سراج العارفين ، صاحب الكرامات (2)الباهرة، والمعجزات القاهرة «السيد محمد مهدى الطباطبائي» ضاعف الله قدره، وأعظم في الإسلام أجره.

5 - عن الشيخ الأعظم والإمام المقدّم، شيخ علماء الشيعة في الأمصار ، ومرجع فقهاء الإسلام فيما لحقه من الأعصار ، أستاد الكل ، ومفزعهم في الجلّ والمقل، ناشر لواء الاستنباط الاجتهادي، وناهج طريقة استفادة الأحكام عن المبادي محيي مدارس التحقيق بعد اندارسها ، ومعيد مشاهد العلم بعد انطماسها ، صاحب النفس القدسيّة، والأخلاق الزكيّة، والآداب النبوية، والكرامات الولوية ، مجدّد مذهب سيّد البشر على رأس المائة الثانية عشر ، شيخ الفقه وحامل لوائه، ومدير الحديث وكوكب سمائه

ص: 36


1- المجد التليد .
2- رأيت هذا اللقب له بخط شيخنا صاحب الجواهر في إجازته للشيخ عيسى الزاهد . ( منه )

بفوائده استقام قنا الإيمان، وبتحقيقاته نفق سوق العلم والبنيان ، كفيل أيتام آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، بحسن تأسيسه ، والمتطوّل حتى على المشتري بفضل تدريسه المعروف بالفريد، الملقب بالوحيد ، المدعو ب_«الآقا»، المشهور بالأستاذ الأكبر والمولى الأعظم، باقر علوم الأئمة، وباب نجاة الأمة ، مولانا الأعظم «محمد باقر البهبهاني ابن الشيخ الأفضل الأكمل الأعلم الأورع الأزهد «محمد أكمل الأصفهاني» قدس الله سرهما النوراني.

6 - عن أبيه .

7 - عن خاله غوّاص بحار الأنوار، ومروّج آثار الأئمة الأطهار ، وناشر علومهم في الأقطار والأمصار ، خاتم المحدثين، سادس المحمدين، عماد الفقها الراسخين، علامة العلماء الشامخين، مجدّد المذهب على رأس المائة الحادية عشر المذكور بالفضل والحديث على ألسنة البدو والحضر، مولانا «محمد باقر» ابن الشيخ المدقق الورع الصفي الزكي المقدّس في عالم النور، العلّامة في عالم الظهور «محمد تقي المجلسي» روح الله روحهما، وكثر بالسعادات فتوحهما.

8 - عن والده المشار إليه .

9 - عن شيخ الإسلام والمسلمين ، أكمل الحكماء والمتكلمين، أبرع الفقهاء والمتقنين أفضل الفقهاء والمحدثين، جامع دقايق العلوم وغرائبها ، وعارف

حقائق الرسوم وعجائبها المكشوف عن بصره ،الغطاء، والممدود المؤيد م-ن سلطان السماء ، ناصر طريقة العترة الطاهرة، ومحدّد مذهبهم على رأس المائة العاشرة ، المخصوص بالاتفاق على فضله والاعتراف [مع أنّ - ظ ] طبع الأنام على الخلاف، وفضله في الناس مسألة بغير خلاف شيخنا الإمام «بهاء الملة والدين محمد» بن العالم العلّامة والفاضل الفهامة، صاحب النفس القدسيّة والملكة الملكوتية، والأخلاق المرضيّة، رأس المحققين في زمانه، ورئيس المصنفين

ص: 37

بحكم أقرانه، شيخ الفقهاء والمحققين حسين بن عبدالصمد العاملي» سقى الله ضريحهما مياه الرضوان، وأحلّهما أعلى فراديس الجنان.

10 - عن عن والده .

11 - عن الشيخ الإمام ، خاتم فقهاء الإسلام، جامع العلوم والمعارف، والفائز

بالتالد والطارف ، المجاهد في سبيل الله ،بقلمه والباذل في نصرة الإسلام لدمه أفضل المحققين، أكمل المتبحرين لسان المتقدمين، ترجمان المتأخرين، شارح صدور المحدّثين، وجامع شمل المجتهدين، جمال الصالحين، ط-راز العارفين مقياس الحكماء والمتكلمين ، المتلوّة آياته على الألسنة، والمشهورة كرماته مدى الأزمنة، العالم الرباني، والهيكل الصمداني، شيخنا الشهيد «زين الدين بن علي العاملي» (1)المشهور بالشهيد الثاني ، قدس الله سره النوراني . 12 - عن الشيخ الجليل ، الفاضل النبيل «أحمد بن محمد بن خاتون العاملي».

13 - عن الإمام الأعظم ، والرئيس المعظم ، والمطاع المقدَّم ، ناصر الملة ، ناشر السنّة ، غيث الأمة ، تاج الشريعة فخر الشيعة، ركن الطائفة، مروّج المذهب، أستاذ العجم والعرب ، مدار التحقيق ، منار التدقيق ، مهذب الفرع ، محرّر الأصول، المغترف من بحر فضله الأساطين والفحول الفائز بقداح السعادة، والضارب بسهام الشهادة ، مولانا الأفضل، وشيخنا الأعلم الأكمل، البدر الشعشعاني «علي بن عبد العالي الكركي» المعروف بالمحقق الثاني ، رفع الله قدره، وشرف في الملأ الأعلى ذكره .

14 - عن الفقيه النبيه والعالم الوجيه، والثقة السديد ، والمحدّث السعيد «على ابن هلال الجزائري» قدس الله سره ، وضاعف أجره .

ص: 38


1- رأيت بخطه في مواضع كاتباً اسمه الشريف كذلك، وبه يرتفع الخلاف في اسمه . ( منه )

15 - عن قدوة الزاهدين، وعدة السالكين ، وعمدة الفقهاء الراشدين ، جمال العارفين، حلية المحدّثين ، كنز المحققين، شيخنا «الملا أحمد بن فهد الحلّى» أعز الله قدره العلى .

16 - عن الشيخ الأجل الأفخم، والفقيه الأكمل الأكرم «زين الدين على بن الخازن» قدّس سرّه .

17 - عن الشيخ الإمام ، برهان علماء الإسلام ، أُستاذ فقهاء الأنام، حجّة فضلاء الأيام ، بركة الشهور والأعوام، رئيس المذهب والملة، ورئيس المحققين الأجلة، منهل الفقه الصافي، ودرع التحقيق الصافي، مسهل سبيل الاجتهاد والنظر ، أفقه أهل البدو والحضر ، شمع جمع اليقين، ومشعل طريق المتقين، سراج الاهتداء، منهاج الاقتداء ، درّة تاج أرباب الإيمان، قرّة عين أصحاب الإيقان ، المشروح صدره بالعلم والعرفان والمنوّر قلبه بنور التحقيق والإتقان، الجامع في معارج السعادة، بين أقصى مدارج العلم ورتبة الشهادة ، صاحب الآيات الب-اهرة والكرامات الظاهرة، شيخنا الأقدم الأفضل المعروف بالشهيد الأول «شمس الدين محمد بن مكي» قدس الله سرّه الزكي.

18 - عن الشيخ الإمام ، واحد علماء الإسلام ، ذخر الحكماء والمتكلمين ، فخر الإسلام والمسلمين ، أستاد الفقهاء والمحدثين ، ديباجة كتاب التحقيق ، مصحف النظر الدقيق ، ملك العلماء والمناظرين ، «الإمام فخر الدين أبي طالب محمد» طيب الله ،مضجعه، وأحسن إليه مرجعه .

19 - عن والده الشيخ الإمام والمولى الهمام، علامة المشارق والمغارب ، مرغم الكفرة والنواصب آية الله في العالمين، وسيفه المسلول على رقاب المخالفين، حائز علوم الأنبياء والمرسلين، أفضل المتقدمين والمتأخرين، خليفة الأئمة المهديين ، محيي ما درس من مراسم الدين المنتهي إليه رياسة الإمامية في

ص: 39

الأعصار ، والخاضع دون سدّة علمه الفلك الدوّار ، شيخ المذهب، رئيس الملة، محرّر القواعد، مهذب العقائد، بحر العلوم، مفتي الفرق، محيي السنة، مميت البدعة ، شمس الأمة ، كشف الغمة ، كعبة الفقهاء ، مشعر العلماء، مطاف الحمكاء ، ركن المتكلمين، قبلة المحدثين ، مرجع الأفاضل أجمعين، ما من عالم في الأرض من الشيعة من عصره إلى يومنا هذا إلا واقتبس من مشك-اته، واستفاده من تحقيقاته ، بل هى العُدّة لكلّ ،محقق، وإليها اللجاء من كل مدقق ، العلم المنصوب والعلم المصبوب ، المسعود بالنفس الملكوتية، والمنصور بالآيات الجليّة، المؤيد من السماء، المشهور بأكرم الأسماء ، الملقب بالعلّامة، المشتهر بآية الله ، مولانا الأعظم، وإمامنا المعظم أبي منصور جمال الدين «حسن بن يوسف الحلّي» حشرنا الله تحت لوائه، ووفقنا للمسير بضيائه .

20 - عن الشيخ الإمام الأعظم والهمام المقدم المفخّم، مؤسس الفقه ، والأصول، ومحرّر المعقول والمنقول شيخ الطائفة بغير جاحد، وواح-د ه-ذه الفرقة وأي واحد ، الذي يكل لسان القلم عن تعداد فضائله ومقاماته ، مع أن جميع ما سمعت من مناقب من ذكرناه بعض كراماته ، الإمام السعيد أبي القاسم نجم الدين «جعفر بن سعيد الحلّى» المشهور بالمحقق الأوّل، تفضّل الله علينا بالانتفاع بعلومه .

21 - عن السيد الحسيب الأصيل، والفقيه المحدّث النبيل ، والنسابة الأديب الجليل «فخار بن معد الموسوي» نور الله ضريحه، وأحسن في رياض الخلد شريحه .

22 - عن العالم العامل، والمحدّث الكامل الفاضل الوجيه، والفقيه النبيه «شاذان بن جبرائيل القمّي» حشره الله مع النبي الاُميّ.

ص: 40

23 - عن الشيخ الأجل الأقدم الثقة الفقيه الأكرم «عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري» رفع الله مقامه ، وزاد في الخلد إكرامه .

24 - عن الشيخ الإمام، غرّة فضلاء الأنام ، شمس علماء الإسلام، قطب رحى الفضائل، بدر سماء الأفاضل ، منار الشيعة مدار الشريعة، علّامة الآفاق، واحد الأزمان ، معلم الفرق، مدرّس العلوم، شيخنا الأقدم «أبي علي الحسن» بن الشيخ المعروف بالمفيد الثاني ، أمده الله بالفيض السبحاني. 25 - عن والده الشيخ الإمام ، مدار رحى الإيمان مدى الأيام ، منقح علوم الإسلام، مشيد مباني الفقه والأصول والحديث والكلام، محرّر العقائد السمعية، مهذب القواعد الفقهيّة، مرصص أركان الملة المحمدية، مؤسّس أُصول الطريقة الجعفرية ، فاتح أبواب التحقيق، وممهد سبل التحصيل والتدقيق ، محصل مذهب الشيعة في الأصول والفروع، وجامع مختلف الأخبار في المقروع والمسموع كافل أيتام آل محمد علیهم السلام، والأب الروحاني لكافة العلماء الأعلام، معلّم الفضلاء المحققين بل إمامهم، ومربي الفقهاء المحصلين بل ملكهم وهمامهم .

أمير جيوش التأليف والتصنيف، والملقي إلى أقلامه أزمة الدين الحنيف ، بكتبه استفادت الإمامية إلى يومنا هذا على كثرة ،فضلائها، ولرياسته أذعنت على وفور رؤسائها، فهو معلّمهم الذي لا يعلم، ومقدّمهم الذي لا يقدم عليه أحد وإن تقدّم ، حتى لقبوه عن آخرهم بشيخ الطائفة ورئيس المذهب، وليس لأحد غيره، كائناً من كان أن يدعي بمثله، ويلقب بل غايته التقيد بالأعصار ، أو التخصيص ببعض الأمصار ، أما الإطلاق فهو مالك زمامه، والمعتقد فوق غاربه وسنامه، إليه فزع عظمائها، ومنه أخذ علمائها.

واحد نوع الإنسان، وحامل عرش العلم والإيمان، والمشار إليه في جميع القنوع بالبنان، أستاذ العالمين في العالم، وشيخ فقهاء بني آدم، خير الأمة وإمامها

ص: 41

بعد الأئمة، شيخنا الأقدم وإمامنا الأعظم «أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي» قدس الله سره القدّوسي، وشكر الله في الإسلام مساعيه الجميلة، كما نشر على ألسنة أهل الإيمان مدائحه الجليلة، إنه قدس الله نفسه، وطهر رمسه قال في المصباح ما لفظه :

شرح زيارة أبي عبد الله علیه السلام في يوم عاشوراء ، من قرب أو بعد : روى محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر علیه السلام قال :

من زار الحسين بن علي علیه السلام في يوم عاشوراء من المحرّم حتى يظلّ عنده باكياً، لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حِجّة (1) وألفي عمرة، وألفي غزوة(1)، وثواب كلّ غزوة وحِجّة(2) وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزى مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والأئمة الراشدين عليهم السلام.(3)

قال : قلت : جعلت فداك، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه(4)، ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال : إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره وأومأ إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتله، وصلّى من بعد ركعتين ، وليكن ذلك (5)في صدر النهار قبل أن تزول الشمس (6)، ثم ليندب الحسين علیه السلام وليبكيه ، ويأمر من في

ص: 42


1- ألفى ألف حجّة، وألفي ألف ،عمرة ، وألفي ألف غزوة . (كامل الزيارة)
2- حجّة بكسر الحاء للمرّة مع أن قياسها الفتح على خلاف القياس كما صرحوا به ، فافهم . (منه)
3- صلوات الله عليهم . (كامل الزيارة)
4- الضمير للبعيد لكن لا إشكال في نسخة كامل الزيارة فإنّ فيه : «وأقاصيها». وفيه أيضاً بعد البلاد في نسخة . (منه) .
5- واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلى بعده ركعتين، وليفعل ذلك . (كامل الزيارة)
6- قبل الزوال. (كامل الزيارة).

داره ممن لا يتقيه (1)بالبكاء عليه علیه السلام ، ويقيم في داره المصيبة (2)بإظهار الجزع، وليعز بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين علیه السلام ، وأنا الضامن (3)إذا فعلوا ذلك على الله عزّ وجلّ جميع ذلك.

قلت : جعلت فداك ، أنت الضامن ذلك لهم والزعيم(4)؟

قال : أنا الضامن (5)، وأنا الزعيم لمن فعل ذلك .

قلت (6): فكيف يعزي بعضنا بعضاً (7)؟

قال : تقولون : «أعظم الله (8)أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمّد صلّى الله عليه وآله». وإن استطعت (9)أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل ؛ فإنّه يوم نحسن لا تقضى فيه

ص: 43


1- ويأمر من في داره لا يتقين . (خ ل)
2- مصيبه . (كامل الزيارة)
3- فأنا ضامن لهم . (كامل الزيارة)
4- والزعيم به . (كامل الزيارة)
5- الضامن لهم. (كامل الزيارة)
6- قال : قلت . (كامل الزيارة)
7- بعضنا بعضهم . (كامل الزيارة)
8- عظم الله . (كامل الزيارة) نسخ المصباح والبحار وغيره مما نقل عنه فيما رأيت، وكثير من كتب الأدعية ك- «خلاصة الأذكار» و «جمال الصالحين» و«منهاج الفلاح وغير ذلك من الكتب المعتبرة «عظّم» بصيغة باب الإفعال ، وكان اشتهار عظم بصيغة باب التفعيل متابعه لزاد المعاد وهو عن الكامل، والأوّل موافق لاستعمال القرآن في قوله تعالى : «وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً» (الطلاق: 5) فلعل الأولى متابعة لفظه ولفظ رأس الحسين في قضية نزول الأنبياء عند رأس الحسين في الشام السلام على الولد الطيب، «السلام على الخلق الطيب، أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك». (راجع نور الأبصار ، ط مصر ، رواية سليمان الأعمش)
9- قال : وإن . (كامل الزيارة)

حاجة مؤمن، وإن قضيت لم يبارك له فيها، ولم ير فيها رشداً، ولا يدخر أحدكم لمنزله فيه شيئاً (1)، فمن ادّخر في ذلك اليوم (2)لم يبارك له فيما ادّخر (3)، ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك (4)كتب الله لهم (5)أجر ثواب ألف حجّة (6)، وألف عمرة ، وألف غزوة(7) كلها مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكان لهم أجر (8)ثواب مصيبة كل نبي ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل (9)منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة .

قال صالح بن عقبة أو سيف بن عميرة : قال علقمة بن محمد الحضرمي : قلت لأبي جعفر علیه السلام : علمني دعاءاً أدعو به إذا لم أزره من قرب وأومأت من بعد البلاد ومن داري بالتسليم عليه .

قال : فقال لي: يا علقمة، إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام فقل عند الإيماء من بعد التكبير (10)هذا القول فإنك إذا قلت ذلك فقد دعوت

ص: 44


1- ولا تدخر لمنزلك شيئاً . (كامل الزيارة)
2- فإنّه من ادّخر لمنزله شيئاً . (كامل الزيارة)
3- يدخر . (كامل الزيارة)
4- فمن فعل (كامل الزيارة)
5- له (كامل الزيارة)
6- كذا في النسخ فهو إما بالتنوين وثواب ألف حجّة بدل عنه فيكون من قبيل التفصيل بعد الإجمال، أو بلا تنوين فيكون إضافته بيانية . ( منه )
7- ألف ألف حجّة وألف ألف عمرة وألف ألف غزوة . (كامل الزيارة)
8- وكان له ثواب . (كامل الزيارة)
9- الظاهر رجوع الضمير إلى «الشهيد» فيكون قرينة على إرادة الأعم من التحقيق والتنزيل وهو من كتب له أجر الشهيد ويمكن على بعد إرجاع الضمير إلى الصديق . (منه)
10- بعد الإيماء والتكبير . (خ - منه)

بما يدعو به زوّاره من الملائكة، وكتب الله لك (1)مأة ألف ألف درجة، وكنت كمن (2)استشهد مع الحسين علیه السلام حتى تشاركهم في درجاتهم ثم لا تعرف إلا في الشهداء الذين استشهدوا معه، وكتب لك ثواب زيارة كل نبي وكلّ رسول (3)وزيارة كل من زار الحسين علیه السلام منذ يوم قتل عليه السلام (4)وعلى أهل بيته . تقول:

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَابْنَ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ ياثارَ الله وَابْنَ ثارِهِ وَالوِتْرَ المَوتُورَ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى الاَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكُمْ مِنِّي جَميعاً سَلامُ الله أَبَداً مابَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيْلُ وَالنَّهارُيا أَبا عَبْدِ الله لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلّتْ وَعَظُمَتِ المُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَمِيعِ أَهْلِ الإسْلامِ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَمِيعِ أَهْلِ السَّماواتِ، فَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ الله فِيها، وَلَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ الله المُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ. يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ، وَلَعَنَ الله آلَ زِيادٍ وَآلَ مرَوْانٍ وَلَعَنَ الله بَنِي اُمَيَّةَ قاطِبَةً وَلَعَنَ الله ابْنَ مَرْجانَةَ وَلَعَنَ الله عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَلَعَنَ الله شِمْراً، وَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ، بِأَبِي أَنْتَ وَاُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابِي

ص: 45


1- لها . (كامل الزيارة )
2- ممّن . (كامل الزيارة)
3- ورسول (كامل الزيارة)
4- صلوات الله عليه . (كامل الزيارة)

بِكَ فَأَسْأَلُ الله الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ(مَقَامِي) وَأَكْرَمَنِي بك أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ. اللّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيها بِالحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ، ياأَبا عَبْدِ الله إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ وَإِلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَإِلى فاطِمَةَ وَإِلى الحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالبَرائةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الحَرْبَ وَبِالبَرائةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ(1)، وَأَبْرَأُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنى عَلَيهِ بُنْيانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْياعِكُمْ، بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَقَرَّبُ إِلى الله ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ وَالبَرائةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَّاصِبِينَ لَكُمْ الحَرْبَ وَبِالبَرائةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَوَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌ لِمَنْ عاداكُمْ، فَأَسْأَلُ الله الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ وَرَزَقَنِي(2) البَرائةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ أَنْ يَجْعَلَنِي(3) مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي(4) مَعَ إِمامِ مَهديٍ(5) ظاهِرٍ ناطِقٍ(6) بِالحَقِّ مِنْكُمْ، وَأَسْأَلُ الله

ص: 46


1- في بعض نسخ مصباح السيد زيادة «أهل البيت» هنا .
2- أي يرزقني (مصباح السيد)
3- وأن يجعلني . (مصباح السيد)
4- ثأركم . (كامل الزيارات) . راجع : شفاء الصدور 1: 62 هامش الأصل.
5- هدى - خ ل .
6- هنا في مصباح السيد زيادة «بالحق».

بِحَقِّكُمْ وَبِالَّشْأنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مايُعْطِي مُصاباً بِمُصِيبَتِهِ، مُصِيبَةً ماأَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الإسْلامِ وَفِي جَمِيعِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ! اللّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقامِي هذا مِمَّنْ تَنالَهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَهٌ، اللّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَماتِي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اللّهُمَّ إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الاَكْبادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلى لِسانِكَ وَلِسانِ(1) نَبِيِّكَ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ اللّهُمَّ العَنْ أَبا سُفيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الابِدِينَ، وَهذا يَوْمٌ فَرِحَتْ(2) بِهِ آلُ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الحُسَيْنَ صَلَواتُ الله عَلَيْهِ، اللّهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالعَذابَ(3) الاليم، اللّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هذا اليَوْمِ وَفِي مَوْقِفِي هذا وَأَيامِ حَياتِي بِالبَرائَةِ مِنْهُمْ وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ وَبِالمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيهِ وَعلَيْهِمُ السَّلام.

ثم تقول :اللّهُمَّ العَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلى ذلِكَ، اللّهُمَّ العَنْ العِصابَةَ(4) الَّتِي جاهَدَتِ الحُسَيْنَ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلى قَتْلِهِ اللّهُمَّ العَنْهُمْ جَميعاً.. تقول ذلك مأة مرة .

ثمّ تقول :السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله وَعَلى الأَرواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أَبَداً مابَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ الله آخِرَ

ص: 47


1- لسانك ولسان نبيك . (خ مصباح الشيخ والسيد والكفعمي)
2- فرح (مصباح السيد)
3- هنا في «خ» زيادة «الأليم».
4- «الذين» كذا عن خط ابن ادريس وابن السكوني . (منه)

العَهْدِ مِنِّي لِزِيارَتِكُمْ. السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَعَلى أَوْلادِ الحُسَيْنِ وَعَلى أَصْحابِ الحُسَيْنِ. . تقول ذلك مأة مرة .

ثم تقول : اللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي وَأَبْدأْ بِهِ أَوَّلاً ثُمَّ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ، اللّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ خامِساً وَالعَنْ عُبَيْدَ الله بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبِي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.

ثم تسجد وتقول : اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلى مُصابِهِمْ(1)، الحَمْدُ للهِ عَلى عَظِيمِ رَزِيَّتِي، اللّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفاعَةَ الحُسَيْنِ يَوْمَ الوُرُودِ وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلامُ.

قال علقمة : قال أبو جعفر علیه اسلام : إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة فافعل فلك ثواب جميع ذلك ...(2)

قال الشيخ : وروى محمد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبدالله علیه السلام ، فسرنا من الحيرة (3)إلى المدينة، فلما فرغنا من الزيارة

ص: 48


1- الحمد لله على مصابهم . (مصباح السيد)
2- مصباح الطوسي : 538 - 542 ، كامل الزيارات : 174 - 176 ، بحار الأنوار 98: 290 - 296 ط لبنان ، هامش الأصل
3- الحيرة في أخبار الدول : الحيرة - بكسر الحاء - أربعة مواضع : الأول : مدينة كانت بأرض الكوفة على ساحل البحر ، فإنّ بحر فارس في قديم الزمان كان ممتداً إلى أرض الكوفة والآن لا أثر للمدينة ولا للبحر ، ومكان المدينة دجلة، وكانت المدينة عمرت في زمان عمرو بن عدي فأقامت عامرة خمسمائة سنة . وقيل : بنيت في زمن بخت نصر ينسب إليه النعمان ابن امرئ القيس صاحب الحيرة من ملوك لخم، بنى بالحيرة قصراً يقال له الخورنق في ستين سنة ، ما بنى أحد من الملوك مثله ، ينسب إليها كعب ب-ن ع-دي الحميري. ثم ذكر المواضع الثلاثة ولا حاجة إلى ذكرها . (منه)

صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله علیه السلام فقال لنا: تزورون الحسين علیه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين علیه السلام من هاهنا - وأومأ إليه أبو عبد علیه السلام(1) وأنا معه ..

قال : فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر علیه السلام وودع في دبرها أمير المؤمنين علیه السلام وأومأ إلى الحسين علیه السلام منصرفاً بوجهه نحوه، وودع في دبرها وكان فيما دعاه في دبرها (2):

«يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، يا مُجيب دعوة المُضطَّرين ، يا كاشف كُرب المكرُوبين ، يا غياث المُستغيثين ، يا صريخ المُستصرخين ، يا من هُو أقربُ إليَّ من حبل الوريد ، يا من يحُولُ بين المرء وقلبه ، ويا من هُو بالمنظر الاعلى ، وبالاُفُق المُبين ، ويا من هُو الرَّحمنُ الرَّحيمُ على العرش استوى ، ويا من يعلمُ خائِنة الاعيُن وما تُخفي الصُّدُورُ ، ويا من لأ يخفى عليه خافية ، يا من لأ تشتبهُ عليه الاصواتُ ، ويا من لاتُغلِّطُهُ الحاجاتُ ، ويا من لأ يُبرمُهُ إلحاحُ المُلحِّين ، ويا مُدرك كُلِّ فوت ، ويا جامع كُلِّ شمل ، ويا بارئَ النُّفُوس بعد الموت ، يا من هُو كُلَّ يوم في شأْن ، يا قاضي الحاجات ،

ص: 49


1- «وأو ما إليه ...» من كلام صفوان والمراد بأبي عبد الله الصادق ، فكأنه استدل بفعله على ما ادعاه وطواه منقولاً على التفصيل الذي ذكره . ( منه )
2- يمكن رجوع الضمير إلى الزيارة أيضاً، ويمكن على بعد رجوعه إلى الإشارة المفهومة من سوق الكلام. (منه)

يا مُنفِّس الكُرُبات ، يا مُعطي السُّؤلات ، يا وليَّ الرَّغبات ، يا كافي المُهمَّات ، يا من يكفي من كُلِّ شيء ولا يكفي منهُ شي في السَّموات والارض أَسأَلُك بحقِّ مُحمَّد خاتم النبيين وعليٍّ أمير المُؤمنين ، وبحقّ فاطمة بنت نبيِّك ، وبحقِّ الحسن والحُسين، فإنِّي بهم أتوجَّهُ إليك في مقامي هذا ، وبهم أتوسَّلُ ، وبهم أتشفَّعُ إليك، وبحقِّهم أَسأَلُك واُقسمُ وأعزمُ عليك ، وبالشَّأْن الَّذي لهُم عندك وبالقدر الّذي لهُم عندك ، وبالَّذي فضَّلتهُم على العالمين (1)، وباسمك الّذي جعلتهُ عندهُم ، وبه خصصتهُم دُون العالمين ، وبه أبنتهُم وأَبنت فضلهُم من فضل العالمين حتَّى فاق فضلُهُم فضل العالمين(2) جميعا أسألُك أن تُصلِّي على مُحمَّد وآل مُحمَّد وأن تكشف عنِّي غمِّي وهمِّي وكربي ، وتكفيني المُهمَّ من اُمُوري ، وتقضي عنِّي دَيني(3) ، وتُجيرني من الفقر ، وتجيرني من الفاقة ، وتُغنيني عن المسأَلة إلى المخلُوقين (4)، وتكفيني همَّ من أخافُ همَّهُ، وجور من أَخافُ جوره ، وعُسر من أخافُ عُسرهُ ، وحُزُونة من أخافُ حُزُونتهُ(5)، وشرَّ من أخافُ شرَّهُ ، ومكر من أخافُ مكرهُ ، وبغي من أخافُ بغيهُ ، وسُلطان من أخافُ سُلطانهُ ، وكيد من أخافُ كيدهُ ، ومقدُرة من أخافُ مقدُرته عليَّ(6) ، وترُدَّ عنِّي كيد الكيدة ، ومكر المكرة اللهُمَّ من أرادني فأردهُ ، ومن كادني فكدهُ ، واصرفُ عنِّي كيدهُ ومكرهُ وبأْسهُ وأمانيَّهُ،

ص: 50


1- هنا في «خ ل» زيادة جميعاً».
2- هنا في مصباح السيد زيادة «أسألك».
3- ديوني. (مصباح السيد)
4- للمخلوقين . (مصباح السيد)
5- وحزن من أخاف حزنه . (مصباح (السيد)
6- أخاف مقدرته . (مصباح السيد)

وامنعهُ عنِّي كيف شئْت ، وأنّي شئْت. اللهُمَّ اشغلهُ عنِّي بفقر لا تجبُرُهُ ، وببلاء لا تستُرُهُ ، وبفاقة لا تسُدَّها ، وبسُقم لا تُعافيه ، وذُلٍّ لا تُعزُّهُ ، وبمسكنة لا تجبُرُها اللهُمَّ اضرب بالذُلِّ نصب عينيه(1) ، وادخل عليه الفقر في منزله ، والعلَّة والسَّقم في بدنه ، حتَّى تشغلهُ عنِّي بشُغل شاغل لا فراغ لهُ ، وأنسه ذكري كما أنسيتهُ ذكرك ، وخُذ عنِّي(2) بسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وقلبه وجميع جوارحه ، وأدخل عليه في جميع ذلك السُّقم ، ولا تشفه حتَّى تجعل ذلك لهُ شُغلا شاغلا به عنِّي وعن ذكري واكفني يا كافي ما لا يكفي سواك فإنَّك الكافي لا كافي سواك ، ومُفرِّجٌ(3) لا مُفرِّج سواك ، ومُغيث(4) لا مُغيث سواك ، وجار لا جار سواك خاب من كان جارُهُ سواك ، ومُغيثُهُ سواك ، ومفزعُهُ إلى سواك ، ومهربُهُ إلى سواك، وملجأُهُ إلى غيرك ، ومنجاهُ من مخلُوق غيرك ، فأنت ثقتي ورجائِي ومفزعي ومهربي وملجاي ومنجاي ، فبك أستفتحُ ، وبك أستنجحُ ، وبمُحمَّد وآل مُحمَّد أَتوجَّهُ إليك وأتوسَّلُ وأتشفَّعُ ، فأَسأَلُك يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، فلك الحمدُ ، ولك الشُّكرُ ، وإليك المُشتكى وأنت المُستعانُ ، فأسألُك يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، بحقِّ مُحمَّد وآل مُحمَّد أن تُصلِّي على مُحمَّد وآل مُحمَّد وأَن تكشف عنِّي غمِّي وهمِّي وكربي في مقامي هذا كما كشفتَ عن نبيِّك همَّهُ وغمَّهُ وكربهُ ، وكفيتهُ هول عدُوِّه ، فاكشف عنِّي كما كشفتَ

ص: 51


1- بين عينيه . (مصباح السيد)
2- اللهم خذ . (مصباح السيد)
3- والمفرّج (مصباح السيد)
4- المغيب . (مصباح السيد)

عنهُ ، وفرِّج عنِّي كما فرَّجت عنهُ ، واكفني كما(1)كفيتهُ واصرف عنّي هول ما أخافُ هولهُ ومؤُونة ما أخافُ مؤُونتهُ ، وهمَّ ما أخافُ همَّهُ بلا مؤُونة على نفسي من ذلك ، واصرفني بقضاء حوائِجي ، وكفاية ما أهمَّني همُّهُ من أمر آخرتي ودُنياي.

يا أمير المُؤْمنين ويا أبا عبد الله ، عليكُما منِّي سلامُ الله أبدا ما(2) بقي الليلُ والنَّهارُ ، ولا جعلهُ اللهُ آخر العهد من زيارتكُما ولا فرَّق اللهُ بيني وبينكُما اللهُمَّ أحيني حياة مُحمَّد صلّى الله عليه وآله وذُرِّيَّته ، وأمتني مماتهُم ، وتوفَّني على ملَّتهم ، واحشُرني في زُمرتهم ، ولا تُفرِّق بيني وبينهُم طرفة عين أبدا في الدُّنيا والاخرة يا أمير المُؤْمنين ويا أبا عبدالله ، أَتيتُكُما زائِرا ومُتوسِّلا إلى الله ربِّي وربِّكُما ، ومُتوجِّها إليه بكُما ، ومُستشفعا بكُما إلى الله تعالى في حاجتي هذه فاشفعا لي فإنَّ لكُما عند الله المقام المحمُود ، والجاه الوجيه ، والمنزل الرَّفيع والوسيلة ، إنِّي أنقلبُ عنكُما مُنتظرا لتنجُّز الحاجة وقضائِها ونجاحها من الله بشفاعتكُما لي إلى الله في ذلك فلا أخيبُ ، ولا يكُونُ مُنقلبي مُنقلبا خائِبا خاسرا بل يكُونُ مُنقلبي مُنقلبا راجحا مُفلحا مُنجحا مُستجابا بقضاء جميع الحوائِجي(3) وتشفعا لي إلى اللهز انقلبتُ على ما شاء اللهُ(4) ولا حول ولا قُوَّة إلاّ بالله ، ومُفوِّضا أمري إلى الله ، مُلجئا ظهري إلى الله ، مُتوكِّلا على الله ، وأقُولُ حسبي اللهُ وكفى ، سمع اللهُ لمن دعا ، ليس لي وراء الله ووراءكُم يا سادَتِي

ص: 52


1- ما قد . (مصباح السيد)
2- هنا في «خ ل» زيادة : «بقيتُ و».
3- الحوائج (مصباح السيد)
4- ليست كلمة الواو في مصباح السيد (هامش الأصل)

مُنتَهى ، ما شاء ربِّي كان ، وما لم يشأْ لم يكُن ، ولا حول ولا قُوَّة إلاّ بالله أستودعُكُم الله ، ولا جعلهُ اللهُ آخر العهد منِّي إليكُما ، انصرفتُ يا سيِّدي يا أمير المُؤْمنين ومولاي وأنت يا أبا عبدالله ، يا سيّدي وسلامي عليكُما مُتَّصل ما اتَّصل الليلُ والنَّهارُ واصل ذلك إليكُما غيرُ محجُوب عنكُما ، سلأمي إن شاء ، اللهُ وأسأَلُهُ بحقِّكُما أن يشاء ذلك ويفعل فإنَّهُ حميد مجيد ، انقلبتُ يا سيِّديَّ عنكُما تائِبا حامدا لله ، شاكرا راجيا للاجابة(1) ، غير آيس ولا قانط ، آئِبا عائِدا راجعا إلى زيارتكُما غير راغب عنكُما ولا عن زيارتكُما ، بل راجع عائِد إن شاء اللهُ ، ولا حول ولا قُوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم ، يا سادتي رغبتُ إليكُما وإلى زيارتكُما بعد أن زهد فيكُما وفي زيارتكُما أهلُ الدُّنيا فلا خيَّبني اللهُ ما رجوتُ ، وما أمّلتُ في زيارتكُما ، إنّه قريبٌ مُجيبٌ.

قال سيف بن عميرة فسألت صفوان فقلت له : إنّ علقمة بن محمد لم يأتنا

بهذا عن أبي جعفر الا إنما أتانا بدعاء الزيارة ؟ فقال صفوان : وردت مع سيدي أبي عبد الله إلى هذا المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتنا، ودعا بهذا

الله الدعاء عند الوداع، بعد أن صلّى كما صلّينا ، وودّع كما ودّعنا .

ثم قال لي صفوان : قال لي أبو عبد الله : تعاهد (2)هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزُر به، فإنّي ضامن على الله تعالى لكل من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا

ص: 53


1- الإجابة . (مصباح السيد)
2- في القاموس : تعهده و تعاهده واعتهده تفقده، ووروده في هذا الحديث دليل فصاحته . وما قيل من أنّ تعهد أفصح لأن التفاعل لا يكون إلا بين اثنين إن تمّ صار الاستعمال غلطاً ولا مساس له بالأفصحية. لكن هذا الاستعمال كاستعماله في تعاهد النعل في المسجد حجّة عليه . ومنه يظهر ما في كلام الروضة في ذلك المبحث على ما فيه من الحرارة التي لا يخفى ، فراجع (منه)

الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته ،مقبولة، وسعيه مشكور ، وسلامه واصل غير مجوب ، وحاجته مقضيّة من الله بالغ(1)ما بلغ ، ولا يخيبنه .

يا صفوان ، وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي ، وأبي عن أبيه على بن الحسين مضموناً بهذا الضمان عن الحسين ، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان والحسن عن أبيه أميرالمؤمنين مضموناً بهذا الضمان وأمير المؤمنين عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مضموناً بهذا الضمان ، ورسول الله عن جبرئيل مضموناً بهذا الضمان ، وقد الى الله عزّ وجلّ من زار الحسين بهذه الزيارة من قرب أو بعد ودعا بهذا الدعاء قبلت منه زيارته وشفعته في مسألته بالغاً ما بلغت، وأعطيته سؤله ، ثمّ لا ينقلب عني خائباً ، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حاجته والفوز بالجنّة، والعتق من النار، وشفّعته في كلّ من شفّع خلا ناصب لنا أهل البيت، والى الله على نفسه وأشهدنا بما شهد (2)ملائكة ملكوته على ذلك .

ثم قال جبرئيل : يا رسول الله ، أرسلني الله إليك سروراً وبرى لك وسروراً وبشرى لعلي وفاطمة والحسن والحسين وإلى الأئمة من ولدك إلى يوم القيامة، فدام يا محمد سرورك وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وشيعتكم إلى يوم البعث.

ثم قال لي أبو عبد الله علیه السلام يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة حيث كنت وادع بهذا الدعاء وسل ربّك حاجتك تأتك تأتك من من الله ، والله غير

ص: 54


1- كذا في المصباح والبحار 98: 300 ط لبنان، عنه فإن كانت النسخة كذلك فلعل البالغ حال عن الزائر أي بالغاً بحاجته ما بلغت ، وكذا فيما سيأتي ، والله أعلم . ( منه )
2- أي بوجه شهد أو «ما» مصدريّة أي بشهادة ملائكة ملكوته ، وعلى بعد يجوز كون الباء بمعنى «على» مع إمكان غلط النسخة فيكون الصواب حينئذ كما أشهدوا على .... ( منه )

مخلف وعده رسوله الله صلی الله علیه و آله وسلم ، بمنه ، والحمد لله ربّ العالمين ....(1)

إلى هنا انتهت رواية الشيخ الطوسي قدس الله رمسه . أما رواية كامل الزيارة فأرويها بهذا السند السالف عن شيخ الطائفة الأجل الأعظم أستاذ من تأخر وتقدّم ، زعيم الشيعة ومقيم الشريعة، ومن لا تقوم العبارة بواجب ثنائه، ولا يحوم القلم حول حومة بيانه وأوانه، مع أنّ جميع فضائل الشيعة راجعة إليه، ورقاب علمائهم عن آخرهم خاضعة لديه، لأنه رحالهم التي دينهم عليها يدور، وإلي-ه تجلب من العلم والنظر أعشار الجزور، المعبّر عنه في التوقيع الوقيع باللقب الرفيع، يخضع عنده الرفيع (وهو الأخ السديد والولي الرشيد، والشيخ المفيد ، والناصر للحق ، والداعي إليه بكلمة الصدق، وملهم الحق ودليله) ، وفيه غنى عن بسط الكلام وتطويله، فإنّ مدح الإمام إمام كل مدح ، ومن تصدّى للقول بعده فقد تعرّض للقدح «أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان» رضي الله عنه وأرضاه، حامل علوم الأئمة علیهم السلام في الأمة المحمدية ، وناشر ومؤسس الطريقة الجعفرية في الشيعة الإمامية.

أروي عن الشيخ الأجل الأقدم والثقة الأعظم الأكرم أستاد المفيد ، وحسبه به من تجليل وتمجيد ، وكلّما يوصف به الناس من فقه وثقة وجميل فهو فوقه كما شهد له به النجاشي والعلامة أدام الله إكرامهما ،وإكرامه ، أبي القاسم «جعفر بن محمد بن قولويه القمّى» رضي الله عنه وأرضاه ، وأحلّه من فردوس الجنان أعلاه، وهي تختلف اختلافاً يسيراً مع رواية المصباح، ولابد من الإشارة إلى وجود هذا الفارق والتنبيه عليه، حيث أن نقل الرواية بكاملها يوجب العسر والحرج والتطويل والتكرار دونما فائدة، وقد أشرتُ إلى اختلاف النسخ في الهامش،

ص: 55


1- وشرع المؤلّف بترجمة الزيارة التي مرت إلى اللغة الفارسية ، وقال بعد ذلك :

ونرمي في هذا المقام إلى أمور مهمة وهي كما يلي :

منها : أن صورة السند كما يأتي لاحقاً حكيم بن داود بن حكيم وغيره، عن محمد بن عميرة وصالح بن عقبة ،معا عن عقبة بن محمد الحضرمي ومحمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر علیه السلام .

ومنها : أنّ فقرة «ألفي حِجّة وألفي عمرة وألفي غزوة» جائت في عبارته «ألفي ألف» وعلى هذا القياس فإنّ الفقرة الواردة في ذيل الزيارة وفيها «ألف حِجّة» تكون في نسخة الكامل «ألف ألف».

الأمر الثالث : أنّ عبارة علقمة هي كما يلي : «قال صالح بن عقبة الجهني وسيف بن عميرة قال: علقمة بن محمد الحضرمي : قلت لأبي جعفر علیه السلام : علمني دعاءاً أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب ودعاءاً أدعو به إذا لم أزره عن قريب وأومأت إليه من بعد من سطح داري قال فقال : يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه ومن بعد الركعتين هذا القول فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة وكتب لك بها ألف ألف حسنة ، ومحي عنك ألف ألف سيئة، ورفع لك مأة ألف ألف درجة» إلى آخر الحديث.

ونقل الزيارة بعد هذه العبارة في مواضع تختلف ألفاظها مع ما في المصباح ونحن نورد عين عبارته في هذا المقام :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا خِيَرَةَ اللَّهِ وَابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَابْنَ سَيّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوَتْرَ الْمَوْتُورَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي

ص: 56

حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكُمْ مِنَّا (1)جَمِيعاً (2)سَلَامُ اللَّهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، يَا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمُ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبُ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَعَنَ اللَّهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ ، يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَقَدْ عَظْمَ مُصَابِي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ أَنْ يُكْرَمَنِي بِكَ ، ويَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِك مع إمام منصُورٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم . اللّهُمَّ اجْعَلْنِي وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عِنْدَكَ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ . سَيِّدِي يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَى فَاطِمَةَ وَإلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بمُوَالاتِكَ يا أبا عبدالله وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ ، وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَمِنْ جَميع أَعْداءِكَ (3)وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ الْجَوْرَ وَبَني عَلَيْهِ بنْيانَهُ ، وَأَجَرىٰ ظُلْمَهُ وَجَوْرَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْياعِكُمْ ، بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَ تَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ

ص: 57


1- مني - خ ل .
2- السلام عليكم - نسخة .
3- أعداءكم - خ ل .

أَعْدائِكُمْ ، وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَالْبَراءَة مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبُ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، موالٍ (1)لِمَنْ والاكُمْ ، معادٍ (2)لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي (3)الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ تَارِكُم مَعَ إِمَامٍ مَهْدِي ظَاهِرٍ ناطق لَكُمْ ، وَأَسْأَلُ الله بحَقَّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِينِي بِمُصَابِي بكُمْ أَ فَضَلَ مَا يُعْطِي مُصاباً بِمُصِيبَة ، أَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ ، مَا أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتها في الإسلام وَفِي جَميعِ السَّماواتِ وَالأَرْضِينَ . اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ . اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمُ تَنْزِلُ فِيهِ اللَّعْنَةَ على آلِ زِيَادٍ وَآلِ أُمَيَّةٍ وَابْنِ آكلَةِ الْأَكْبادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لِسانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ . وَعَلَى يَزِيدِ ابْنِ مُعاوِيَة اللَّعْنَة أَبَدَ الآبدِينَ اللهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْم ، وَفِي مَوْقِفِي هذَا ، وَأَيَّامٍ حَيَاتِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَبِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاةِ لِنَبِيِّكَ وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

ثمّ تقول مأة مرّةٍ: اللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ

ص: 58


1- ولي - خ ل .
2- عدوّ - خ ل
3- أي يرزقني (مصباح السيد)

تَابِع لَهُ عَلَى ذَلِكَ . اللَّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ(1) الْحُسَيْنَ وَتَابَعَتْ أعْدَانَهُ عَلَى قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصَارِهِ ، اللهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً .

ثمّ قل مأة مرّة: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلَا يَجْعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُمْ ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .

ثم تقول مأة مرة : اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِم ظَلَمَ آلَ نَبِيِّكَ بِاللَّعْنِ ، ثُمَّ الْعَنْ أعْداءَ آل مُحَمَّدٍ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ . اللهم الْعَنْ يَزِيدَ وَأَبَاهُ ، وَالْعَنْ

عُبَيْدِ الله بْنِ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَني أُمَيَّةَ قَاطِبَةً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

تسجد سجدة تقول فيها : اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ عَلَى مُصَابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيم رَزِيَّتِي فِيهِمْ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْن وَأَصْحابَهُ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ .

وبعد نقل الزيارة يقول : قال أبو جعفر علیه السلام : يا علقمة ، إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله.

ودلالة هذه العبارة على العموم من خلال لفظ «من دهرك» أقوى من دلالة عبارة المصباح، وتتمة الخبر المذكور في المصباح لم يذكره في كامل الزيارة، ومن هذه الاختلافات التي سقتها إليك بين الروايتين وأثبتُ بعضها في حاشية الزيارة يظهر لك أن عبارة صاحب البحار التي ساقها بعد ذكر زيارة كامل الزيارات وذكره سند

ص: 59


1- حاربت - خ ل .

المصباح وقوله بعد ذلك «وساق الحديث نحواً مما مر» (1)لا تخلو من مسامحة مخلّة بفهم الرواية .

وعلى العموم لما اطلعت على متن الحديث الشريف وسنده كما هو حقه فإننا نتكلم حول هذا الباب في مقصدين : المقصد الأوّل في سند الحديث الشريف، والكلام يقع في فصلين.

ص: 60


1- بحار الأنوار 98: 293 (المترجم)

[ المقصد الأوّل ]

اشارة

[ في سند الحديث الشريف ]

الفصل الأوّل

في تعريف آحاد الرواة لهذا الحديث وبيان حاله بحسب الاصطلاح من حيث الاعتبار والضعف

أما رواية الشيخ فإن بيانها كما يلي :

نقل الشيخ عن «محمد بن إسماعيل»، ومن المعلوم أن هذه الرواية تدلّ على حدوث النقل من كتابه وكانت الكتب في ذلك الزمان مقطوعاً بصدورها من مؤلّفيها ، وإنّما يذكر وسط السند لغرض اتصاله فحسب، فلو كان الطريق ضعيفاً فلا يضر ضعفه صاحب الكتاب أي لو كان الطريق إلى صاحب الكتاب ضعيفاً فلا يضر بحاله .

ولكنّنا لسنا بحاجة إلى هذا التقريب فإنّ طريق الشيخ - الطوسي - ينتهي بمحمد بن إسماعيل وهو طريق صحيح كما صرّح العلّامة العلّامة وغيره بذلك، بل يحتاج حتى للتأمل ؛ لأنّ الشيخ يروي عن المفيد وهو عن الصدوق وهو عن أبيه وهو عن أحمد بن محمد بن عيسى وهو عن محمد بن إسماعيل . وهذه الطبقة جميعاً من مشايخ الإمامية بحيث يمكن الوثوق والقطع برواية كل واحد منهم

ص: 61

ومحمد بن إسماعيل نفسه من أجلة الثقاة عند الإمامية وقد أجمعت الطائفة على جلالة قدره وعظم شأنه. وتسري وثاقته إلى من يروي عنه أي إلى شيخه؛ لأنّ ذلك دليل على توثيقه والاعتماد عليه.

«عن صالح» وهو مروي عنه أيضاً. وصالح هو ابن عُقبة - بضم العين وسكون القاف - ابن قیس بن سمعان - بفتح السين - . ذكره النجاشي في الرجال فقال : قيل : إنّه روى عن أبي عبدالله علیه السلام (1).

وذكر النجاشي للراوي في كتابه دليل على كونه إماميّاً - كما حققنا ذلك في موضعه - لأنّه كتب كتابه أصلاً لإحصاء مؤلّفي الشيعة وقد التزم النجاشي بذكر القدح أيضاً لو كان حاصلاً؛ سواءاً في ترجمة الراوي أو في موضع سواه من الكتاب ، ولما لم يورد فيه قدحاً علم أنّه سالم من عيوب الرواة، وهذا نوع مدح له.

ومن هذه الجهة كان الشيخ الفاضل تقي الدين الحسن بن داود يذكر ذلك في كثير من مواضع كتابه فيقول «أثنى عليه النجاشي» فيعترض من لا علم له ولا اطلاع عليه بقوله : لم نعثر على هذا الثناء في كلام النجاشي وما دروا أن الغرض من الثناء هو عدم ذكر القادح.

وقد أشار فحول هذه الصناعة إلى ذكر هذا المطلب في محلّه وقد ذكرت أنا ذو البضاعة المزجاة في حاشية رجال النجاشي مواقع هذه الفوائد بإشارات وافية، ولكن على سبيل الإجمال.

وذكره الشيخ في فهرسته وقال: «له كتاب» (2)وهذا دليل على استقامة الراوي في المذهب ؛ لأنّ الشيخ التزم في الفهرست بذكر علماء الإمامية إلا في المواضع

ص: 62


1- رجال النجاشي 1 : 200 رقم 532 .
2- الطوسي، الفهرست : 84 رقم 352 (المترجم)

التي يذكر فيها خلافاً، ولا يخلو إثبات الكتاب له من مدحه .

وقال العلّامة في حقه «كذّاب غالٍ لا يلتفت إليه». وتبادر إلى فهم محققي هذا الفنّ كالعلّامة المجلسي الأول والأستاذ الأعظم أن هذا القدح من ابن الغضائري ؛ لأن الغالب على كتاب الخلاصة للعلامة أنه تابع في الجرح والتعديل إلى الأصول الرجالية الخمس :

1 - رجال الشيخ ؛

2 - الفهرست ؛

3 - رجال الغضائري ؛

4 - رجال النجاشي ؛

5 - رجال الكشي.

وورد قليل من الجرح والتعديل في هذا الكتاب مستقلاً عنها. وكان من عادة

ابن الغضائري الوقيعة في الثقاة وجرحهم والقدح في العدول ونسبة الغلوّ بس الروايات المتضمنة مدح أهل البيت، وظاهر النجاشي كما جرى التمهيد له عدم صحة هذا القدح. ورواية محمد بن إسماعيل ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنه مرشدة إلى اعتباره ودليل على الاعتماد عليه، وظاهر الصدوق الاعتماد على كتابه . لذلك عمل المشايخ الثلاثة : الصدوق والمفيد والطوسي - وهم مدار الفقه الجعفري - بأخباره .

إذاً الأقوى والأصح سلامة الخبر الذي يرويه من الطعن .

وكان أبوه عقبة بن قيس من أصحاب الصادق علیه السلام وقد وثق الشيخ المفيد وابن شهر آشوب في معالم العلماء جميع أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ، وإذا ثبتت رواية صالح عن الإمام الصادق علیه السلام فهي دليل وثاقته أيضاً. وتثبت استقامته على المذهب عن طريق هذه الرواية.

ص: 63

ومجمل القول : بناءاً على رأي الشيخ أن الخبر هنا يتأرجح بين الحسن والصحة - طبقاً لمذهب المتأخرين - وبناءاً على طريقة السابقين الذين يصححون ما هو قطعي الصدور من الأخبار أن الخبر صحيح قطعاً. ووفقاً لطريقتنا التي تابعنا بها المتأخرين في الاصطلاح ، ولا تخلو حجّيّة متابعة المتقدمين من حجّة، وإن لم يصرحوا بالصحة .

هذا كله بقطع النظر عن ذيل الحديث فإنّ الأمر فيه أخف ؛ لأن فيه يروي محمد ابن إسماعيل الحديث عن سيف بن عميرة - بفتح السين المهملة - وهو عن علقمة وظاهر الرواية أنّ علقمة كان حاضراً وسمع الكلام وسأل تعليم الدعاء، مع أنّ حاجتنا تنحصر فيما نقله علقمة .

وصرّح الشيخ في الفهرست والنجاشي والعلّامة فى الخلاصة بوثاقة سيف. وقال النجاشي في حقه : «له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا» (1)وهذا مدح عظيم ولم يقدح فيه أحد سوى الآبي في محكي كشف الرموز». وجاء في الطعن وإنّه قال : مطعون فيه ملعون». واستند فيه ظاهراً إلى ما نسبه ابن شهر آشوب إليه من الوقف ومن هذه الجهة قال الشهيد : «وربما ضعف بعضهم سيفاً والصحيح إنّه ثقة». وكلام ابن شهر آشوب مخالف لصريح الفهرست والنجاشي مع أنّ أحداً لم يوافقه عليه ، وقول الشيخين مقدّم على قوله البتة.

وطعن كشف الرموز مستند إلى قدح ابن شهر آشوب فيه كما مرت الإشارة إليه مع «انضمام عدم حجيّة الموثق» (2). ولو أننا افترضنا تقديم قول ابن شهر آشوب فإنّ شهادة المشايخ الثلاثة : النجاشي والعلّامة والشهيد بوثاقته باقية على حالها.

ص: 64


1- ) النجاشي: له كتاب يرويه جماعة يختلف برواياتهم. (رجال النجاشي 2 : 207 رقم 504) . (المترجم)
2- يقدّم رأي الجارح على المعدل ؛ لأنه ربما اطلع على أمر لم يطلع عليه المعدل أو الموثق . (المترجم)

وقد استوفينا حجيّة الأخبار في محلّها وأظهرناها على منصة الثبوت.

أمّا «علقمة بن محمد» فإنّ الشيخ في كتاب الرجال اعتبره من أصحاب الباقر والصادق علیه السلام وقال: «أسند عنه» (1)وهذه العبارة تفيد المدح في مذهب الكثيرين وإن كانت محل تأمّل . ولكن الشيخ الكشي نقل عنه مناظرة مع زيد بن علي تدلّ على بصيرته وحسن حاله. ويفهم من ذيل الرواية أن جلالة قدره بلغت شأنها الأقصى أن عدم ذكره في الرواية عارض رواية صفوان، ولا يندرج في الاحتمال نسيانه أو تجاهله وقد اعتذر صفوان بعذر آخر وزعم أن الحديث صدر في موضع آخر واشتمل على الدعاء.

وخلاصة القول : إنّه يظهر من كلام سيف وصفوان أن شرايط الرواية ذاتاً متوفّرة في علقمة، وهذا يعتبر إما تعديلاً أو مدحاً كبيراً. وبناءاص ع-ل-ى عموم شهادة الشيخ المفيد وابن شهر آشوب إنه يكون ثقة من ثم يعتبر الخبر بين الحسن والصحيح لهذا السبب ، إذا لم نأخذ بظاهر الشهادة كما هو الظاهر من عدم اعتبار العلماء هذا العموم موجباً للتوثيق، وللحصول على التفصيل في هذا المجال تراجع المطولات. وعلى كل حال فإنّه يكون حجّة على الصحيح.

وطريق آخر وقع للشيخ في ذيل هذا الحديث حيث رواه عن محمد بن خالد الطيالسي - بكسر اللام - منسوب إلى الطيالسة جمع الطيلسان لبيعه لها، وطريقه إليه كما هو مذكور في الفهرست ورجال النجاشي، ولم يقدح به أحد منهما بل ذكر أنّه صاحب كتاب ونوادر ثمّ هو إمامي ممدوح ، وروى عنه علي بن الحسن بن فضال ومحمد بن علي بن محبوب وجماعة من أجلاء القوم وهو دليل على غاية الاعتماد والاستناد .

ص: 65


1- رجال الطوسي : 262 . (المترجم)

وقال الشيخ في الرجال: روى عنه حميد أصولاً كثيرة .(1)

وهذا أيضاً يعتبر في عرفهم مدحاً جليلاً.

ومن مجموع هذه الأمارات يحصل الظنّ بعدالته لممارس علم الرجال من حيث قول الشيخ قال : سيف بن عميرة، فإذا كان حديث بهذه المثابة صحيحاً بالاتفاق لأنّ سنده طريق الشيخ إلى سيف وه-و م-علوم الصحة، وجلالة قدر صفوان لا تكاد تخفى على أحد ولا تحتاج إلى تنبيه . ثمّ إذا كان ذيل هذا الحديث من تتمة رواية محمّد بن خالد كما هو الظاهر فإنّه يحكم على ظاهره بالصحة و احتمال تصنيفه في الحديث الحسن احتمال بعيد.

ونتيجة البحث : إن هذه الرواية متناً وذيلاً في هذا المكان من المصباح نقلت بثلاث طرق ، ومن ملاحظة ما تقدّم فإنّ المحدّث الخبير والفقيه البصير يعذر إذا قطع بصدوره.

أما رواية الكامل فقد اشتملت على طريقين أو سندين :

الأولى : حكيم حکیم بن داود عن محمد بن موسى ، عن محمد بن خالد الطيالسي . وهذا الطريق وإن عُل بمحمد بن موسى لأنه ضعيف ظاهراً، وعندي أن حكيم بن داود مجهول الحال فعلاً ، ولكن الظاهر ظهوراً بيناً أنّ ذكر الطريق لأجل اتصال السند والرواية أخذت من الكتاب كما هو ظاهر عبارة الشيخ من أن كتاب محمد بن خالد موجود بحيازته بل صريح عبارة الفهرست ذلك، ويغلب على الظنّ أنّ الكتاب أيضاً موجود عند ابن قولويه وبهذا الاستظهار لا يتردّد أهل الفنّ عن القطع به .

كما أننا أوضحنا حال محمّد بن خالد وسيف بن عميرة وصالح بن عقبة ومحمد بن علقمة.

ص: 66


1- رجال الطوسي : 441 . (المترجم)

والطريق الثاني: يبدأ سنده بمحمد بن إسماعيل وقد حذف السند لتواتر الكتاب عنه . وعبارته التي يقول فيها: «ومحمد بن إسماعيل» إنه ليس عطفاً على علقمة بن محمد لتكون جزءاً من السند السابق - كما توهم ذلك بعض الأكابر - وإنّما هو سند مستأنف والعطف فيه على حكيم بن داود وليس من المستبعد بل من الممكن جداً أن تعود العبارة إلى محمّد بن خالد وحكيم بن داود ومحمد بن موسى؛ وهؤلاء طريق ابن قولويه إلى محمّد بن إسماعيل.

وعلى أيّة حال فإن المتأمل يقطع بفساد الاحتمال الأول (1)بأدنى التفات بل لا يحصل الترديد في أوّل النظرة في السند بين الاحتمالين.

وحال «صالح بن عقبة» معلومة.

و«مالك الجهني» من أصحاب الإمامين الباقر والصادق علیهما السلام وقد مدح الإمام الباقر في أبيات أخرجها صاحب الإرشاد، وهي :

إذا طلب الناس علم القرآن***كانت قريش عليه عيالا

وإن قيل أين ابن بنت النبي***نلت بذاك فروعاً طوالا

نجوم تهلل للمدلجين***جبال توازن علماً جبال (2)

وفي الكافي بسند صحيح أن الإمام الباقر قال له : أنتم شيعتنا ، ألا ترى أنك تفرط فى أمرنا أنّه لا يقدر على صفة الله ، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفتنا، وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن ، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحاتّ عن

ص: 67


1- كون العطف على «علقمة بن محمد». (المترجم)
2- الإرشاد 2 : 157 و 158 . وفيه : «توارث علماً» .

وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر حتى يتفرّقا ، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك .(1)

وهذا الخبر يتضمن مدحاً جليلاً لأن وصف الراوي بكونه لهم شيعة خير من النصّ على العدالة مأة مرّة.

وطريقه وإن اشتمل على محمد بن عيسى العبيدي عن يونس وقد توقف فيه بعض العلماء ولكننا أثبتنا بنحو واف عدالته وجلالة أمره في مواضع كثيرة . وقد شهد له بالوثاقة جمع من الأعيان والأكابر.

قال النجاشي في الرجال: «ثقة عين كثير الرواية حسن التصنيف»(2). وفي ردّه على الصدوق لقوله : «ما يكتبه محمّد بن عيسى عن يونس ويرويه لا صحة له» قال : وأنا رأيت الأصحاب - وهذه علامة على الإجماع - ينكرون على ابن بابويه ويقولون: «من مثل أبي جعفر»؟

وقال الفضل بن شاذان في حقه : «ومن في الأقران مثله» ؟

وصرّح الكشي في ترجمة محمد بن سنان بعدالته ونحن في رسالة «الإصابة» أثبتنا أنّ جميع ما في كتاب «اختيار معرفة الرجال» هو مختار الشيخ، والشيخ موافق على توثيق يونس، وأمّا تضعيفه في الفهرست فإنّه اتباع وترديد لما قال ابن بابویه .

وجاء في رسالة «أبو غالب» في بيان حال آل أعين إنه كاتب الإمام صاحب

ص: 68


1- الكافي 2 : 180 ح6. علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس ، عن يحيى الحلبي، عن مالك الجهني قال : قال لي أبو جعفر . (هامش الأصل، وقد جرت مطابقته مع نسخة تحقيق غفاري ط 1365ه دار الكتب الإسلامية)
2- عبارة النجاشي في الرجال كالتالي : كان وجهاً من أصحابنا متقدماً عظيم المنزلة . (الرجال 2 : 420 - 421) . (المترجم)

الزمان أرواحنا له الفداء بدون واسطة وصدرت في حقه توقيعات ك-ري-م-ة م-ن الناحية المقدّسة. وهذا حال عمّا للرجل من المقام الرفيع والمرام المنيع ، ولم يكن قدح ابن بابويه فيه لضعف في نفسه بل الظاهر أنّ ذلك راجع إلى تشكيك ابن الوليد في جواز إجازة الصغير، وليس لهذا وجه ، إذ سن البلوغ مشترط في الراوي عند الأداء لا عند التحمّل ، ولو سلّمنا جدلاً بذلك فإنّ اتفاق الأصحاب على خلافه كاف في ردّه .

ثم إن شهادة الكشي التي وجدناها في حقه وعبارة «رسالة أبي غالب» بالتفصيل الذي ذكرنا في محلّه وتوثيق النجالشي له يرفع (1)جميع وجوه الإشكال ، لهذا جزم جماعة من الأكابر والمحققين بعدالته ووثاقته .

ولا يضير اشتمال السند على «مالك» لأنّه واقع في طريق يونس بن عبدالرحمان ومقتضى القاعدة أنّ العصابة أجمعت على صحة الحديث المنتهى سنده إليه . وهذه العبارة إن لم تدلّ على عدالة جميع من يروي عنه فهي دليل على صحة الخبر كما حققنا ذلك على الوجه الأتم والأوفى في «رسالة الإصابة في قاعدة إجماع الصحابة» وقد بيّنا وجوهه ودلائله وأمارته ، وبناءاً على هذا يكون السند صحيحاً ولا مجال للمناقشة فيه . ويوجد في روضة الكافي خبر عن عبدالله ابن مسكان وهو من أصحاب الإجماع منقولاً عنه (2). وهذا يدل على علوّ رتبته في الرواية .

ومن مجموع هذه الأمارات تكون عدالته وجلالته أظهر من الشمس (3)مضافاً

ص: 69


1- فاعل الفعل «يرفع» قوله : شهادة الكشي (المترجم)
2- روضة الكافي: 146 ح 122 . (هامش الأصل) عنه عن ابن مسكان عن مالك الجهني قال : قال لي أبو عبد الله .. الخ . (المترجم)
3- قرن الغزالة - المؤلّف .

إلى أن رواية ابن مسكان ويونس بذاتها أمارة على المدح وابن أبي عمير الذي لا يروي إلّا عن الثقات يروي عنه، وهذا وحده كاف في تعديله، كما اعتمد على ذلك كثير من الأساطين وبيّنا ذلك في الرسالة المذكور بإطناب. ونظراً لما قلناه فإن العلّامة والشهيد قدس سرّهما في كتاب المواريث حكما بصحة حديثه .

ومجمل القول : إنّ رتبة الحديث في الطريق الثاني هي «الحسن» وقد بينا حسن حال صالح بن عقبة على طريقة الإجمال لا التفصيل. وتحصل بأيدينا أن صدر هذا الحديث المبارك نقله عدة من أصحاب الإمامين الباقر و الصادق علیهما السلام الوهم عقبة بن قيس وعلقمة بن محمد ومالك الجهني. ونقل متن الزيارة الشريفة علقمة عن الإمام الباقر علیه السلام كما فعل صفوان عن الإمام الصادق علیه السلام بالسند الذي سمعت ، وتكرّر مجيئه في الكتب المعتبرة المعتمدة، وروى الدعاء آخر الزيارة صفوان واشتهاره بدعاء علقمة لا وجه له وهو خطأ محض.

ومجمل القول أنّه لا ريب في اعتبار سند الرواية، وكان عمل الشيعة على تطاول الزمان وتمادي العصور والدهور على هذه الرواية حيث جعلوا هذه الرواية من أورادهم اللازمة وأذكارهم الدائمة، وتكون مع انضمام هذه القرائن قطعيّة الصدور مضافاً إلى كون إسنادها منه ما هو الصحيح ومنه ما هو الحسن.

وأخيراً بناء على روية مذهب التحقيق ليس في وثاقة سندها أدنى تأمل على الإطلاق. لهذا لم يطعن أحد من العلماء بصحة سندها ولم يتوقف فيه .

ص: 70

الفصل الثاني

لابد من التعرّض هنا لما قاله العلّامة المجلسي في هذا الباب ، فنقول : قال في زاد المعاد :

أما زيارته علیه السلام المشهورة فقد رواها الشيخ الطوسي وابن قولويه وغيرهما عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة وكلاهما رواها عن محمد بن إسماعيل وعقبة بن محمد الحضرمي وكلاهما عن مالك الجهني فإنّه قال : قال الإمام محمد الباقر علیه السلام ، ثم يأخذ بترجمة حديث كامل الزيارة حتى يصل إلى حديث محمد بن خالد الطيالسي وينقله أيضاً، وبعد نقل الدعاء المذكور يشرع في ترجمة حديث سيف ابن عميرة، وعبارة تحفة الزائر قريبة من هذه العبارة وظاهر كلامه يدلّ على أنّ المجموع من النقول ما هو إلا عبارات مشتركة بين الشيخ وابن قولويه .

وفي هذا القول وجوه من المناقشات يجل عنها مقام هذا العلّامة الذائع الصيت والمحدّث الكبير العلمي (1)ولكن نزولاً عند قوله تعالى: «الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ» (2)لأجل تنبيه الغافلين وتبيان الحق وإيضاح وجه الصواب فلابد من ذكرها بحيث لا تصطدم مع ما للشيخ من جلالة القدر ، ولقد اطلعت على جانب منها في كلام السيّد الأجل الأعظم حجّة الفرقة ، سيّد الطائفة ، الحاج السيد محمد باقر الرشتي الأصفهاني (3)وأنعم به اتفاقاً ونلت من هذا الاطلاع قدراً من الاستفادة، والله الموفق.

ص: 71


1- «العلمي» صفة لمقام (المترجم)
2- یونس : 35
3- كان هذا البحث جواباً على سؤال ورد على المرحوم آية الله عن زيارة عاشوراء وطبع ضمن مجموع «الأسئلة والأجوبة» ص 25 - 41 . (هامش المحقق)

المناقشة الأولى :

أنّ محمّد بن إسماعيل بحسب ما أفادته الرواية روى عن شيخين هما سيف ابن عميرة وصالح بن عقبة ولكن المجلسي قصر الرواية على محمّد بن إسماعيل واعتبرها منتهية إليه ؛ وهذا خلاف الواقع ؛ لأن عبارة «المصباح» و«كامل الزيارة» تنص على روايته عن شيخه صالح، وذيل عبارة المصباح صريحة بروايته عنه وعن سيف، وهذا غاية في الغرابة لكونه منافٍ للوضع الطبقي للرواة لأنهما أسنّ من محمد بن إسماعيل فهما من أصحاب الصادق والكاظم علیهما السلام وهو من أصحاب الكاظم والرضا والجواد علیهما السلام، و الذي درج عليه الناس وشاع بين الرواة هو رواية الأصاغر عن الأكابر لا العكس، وإن لم يكن مستحيلاً. ولكن العمل الرجالي قائم على تمييز الأسماء المشتركة بتميّز الطبقات غالباً، وجعل هذا الأمر خاصاً بهؤلاء الرواة يبدو بعيداً، ولو ألغينا هذا الوجه من الاعتبار ولم نسلم به فإن الوجه الأول يكفي في ردّ قول المجلسى.

المناقشة الثانية :

وأما قول المجلسي وكلاهما عن مالك الجهني» يقتضي أن رواية محمد بن إسماعيل عن مالك وهذا خلاف الواقع ؛ لأن رواية «المصباح» و«كامل الزيارة» تنص على أنه رواها عن صالح ولا يوجد في أيّ كتاب ما يحمل على التوهم من روايته عن كلا الاثنين، أضف إلى ذلك أن البحث في أحوال الرواة وترتيب الطبقات يقضي بفساد هذا الاحتمال ؛ لأنّ الشيخ قدس الله نفسه قال عن مالك بأنه توفي في عصر عصر الإمام الصادق علیه السلام ، ولم يعتبر أحد محمّداً بن إسماعيل من أصحاب الصادق علیه السلام بل اعتبروه من أصاغر أصحاب الكاظم وفتيانهم، وأدرك

ص: 72

آخر أيام الإمام الكاظم علیه السلام وبقى على قيد الحياة حتى وافي زمن الإمام الجواد ، من هنا جزمنا ببعد رواية صالح عنه كل البعد .

المناقشة الثالثة :

أنه نسب الرواية بهذا السند إلى الشيخ وابن قولويه كليهما ونحن فيما سلف نقلنا عبارة الإثنين بالتفصيل وبان لنا رواية الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة التي يرويها عن أبيه عقبة ولم يرد ذكر لمالك في عبارة الشيخ سواء ما جاء منها في المصباح أو التي نقلها هذا المحدّث التحرير في البحار .(1)

المناقشة الرابعة :

أنّ علقمة روى الرواية عن الباقر علیه السلام من دون واسطة كما ورد في المصباح وكامل الزيارة، وكما نقلناها عنهما ولم نعثر على موضع منها أن علقمة رواها بواسطة مالك ، وربّما كان منشأ الوهم هو ما أشرنا إلى فساده من اعتبار المجلسي عبارة «ومحمد بن إسماعيل» عطفاً على علقمة بن محمد في كامل الزيارة بينما هو سند مستأنف وعلى أساس من هذا الوعهم عزا رواية سيف وصالح عن محمد بن إسماعيل، وقد علمت فيما سلف أنّ العطف إمّا أن يكون على حكيم بن داود على أبعد الوجهين ، أو على محمد بن خالد وهو الأظهر فعلاً في نظره.

وممّا ينتظم في هذا النسق أنه صرّح في ذيل حديث سيف ابن عميرة أن علقمة روی هذا الخبر بدون واسطة عن الإمام الباقر علیه السلام وهذا العلامة نفسه ترجم عين العبارة ولاحظ الأصل في كتابين إجمالاً وتفصيلاً، وحكاه في البحار ، ومع كل هذا

ص: 73


1- بحار الأنوار 98: 293 ط بیروت (هامش المحقق وجرى تطبيقها)

فقد اعتبر علقمة راوياً عن مالك مع قول علقمة نفسه «قلت لأبي جعفر علیه السلام » ومع هذا التصريح لا يتطرّق علينا احتمال حذف الواسطة بينه وبين الإمام الباقر علیه السلام .

المناقشة الخامسة :

أنّ ظاهر كلامه يدلّ على أنّ محمداً بن إسماعيل وعلقمة بن محمد متعاصران ويعيشان في زمن واحد وكلاهما يروي عن راو ،واحد، وعلمت فيما سبق بأنّ علقمة من أصحاب الصادقين علیهما السلام في حين أن محمداً بن إسماعيل من أصحاب الكاظم والرضا والجواد علیهم السلام ولا يمكن اتحاد ،طبقتهما، ويستحيل في ميزان الاعتبار تعاصر هما.

المناقشة السادسة :

لم يرد في أي كتاب آخر نسبة هذه الرواية وبهذا السند إلى غير الشيخ وابن قولويه ، ولم يسمع أحد بهذا في أُذنيه ولم يشاهده بعينيه وكما علمت أنّ الرواية مطلقاً لم تصح عن أحد، وأوّل من عزاها إلى غير الشيخ وابن قولويه هو المرحوم المجلسي وما وجدناه في الطروس، إنّ الرواية رويت عن علقمة؛ إما بطريق الشيخ أو بطريق ابن قولويه وإما مرسلة.

المناقشة السابعة :

ما نسبه إلى الشيخ من أنّ رواية المصباح نصت على أن ثواب زيارة يوم عاشوراء تعدل ألفي ألف حجّة ،وهكذا، وفي ذيل العبارة: أن ثواب زيارة البعيد تعدل ألف ألف حجّة مع أن المذكور في المصباح لا يتعدى الألفين والألف والذي ذكره من مضاعفة الألف إنّما هو رواية كامل الزيارة وقريب من هذا الخلط وقع في البحار كما قلنا ذلك.

ص: 74

المناقشة الثامنة :

ما ورد في ذيل حديث علقمة من ترجمة هذه العبارة «يا علقمة إذا أنت صلّيت ركعتين بعد أن تومى إليه بالسلام وقلت بالإيماء إليه هذا القول، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة .. الخ» (1)وهذه الترجمة عبارة كامل الزيارة، بينما لم تذكر العبارة التي ينبغي أن تذكر بعد قوله : «إنّك إذا قلت ذلك، ولقد سمعت عبارة الشيخ ولاحظت سياق ترجمتها وعرفت الفرق بينها وبين عبارة كامل الزيارة ، بل إن لفظ «بعد الركعتين كما سيأتي تصحيف لقوله بعد التكبير ، وهذا الاختلاف صار منشأ لمعركة آراء بين الفقهاء إذ كيف يسوغ لمحدّث أمين أن ينسب ذلك إلى الشيخ مع أنه لا يوجد له عين ولا أثر في كلامه وبالطبع يحمل ذلك على سائر الفقرات التي بدرت سهواً من مزبره .

المناقشة التاسعة :

أنه نسب رواية محمد بن خالد الطيالسي التي أوردها بعد نقل الزيارة في المصباح إلى ابن قولويه ولكنه لا أثر لذكر هذا الدعاء على الإطلاق ولا لهذا الخبر عن ابن قولويه فى كامل الزيارة.

المناقشة العاشرة :

أنّه نسب رواية صفوان إلى ابن قولويه وليس عنده من ذلك عين ولا أثر في كتاب كامل الزيارة، وقد تنبه نفسه إلى ذلك في بحار الأنوار فنقل صدر الحديث من كامل الزيارة ونسب الذيلين إلى الشيخ.

ص: 75


1- كامل الزيارة : 327

وهذه في حسابنا عشر مناقشات ولكنها تنحل بعد التأمل إلى اثنى عشر مناقشة ؛ لأنّ المناقشة الأولى والثانية تتضمن جهتين من البحث أحدهما مخالفة الواقع ، والثانية : مخالفة الطبقات. مضافاً إلى أننا حين نتتبع خصوصيات ك--لامه وجزئياته من ملاحظة كامل الزيارة ونسبة ما فيها للشيخ وبالعكس وبمراجعة ما ترجمناه والبحث في زاد المعاد وتأمل متن الخبر وملاحظة مواضع الاختلاف التي أشرنا إليها في الحاشية يظهر ذلك واضحاً.

ووقوع هذه الأخطاء من هؤلاء العظماء إنما حدثت بعين الله وذلك لنفي عنهم ولكي لا تتجمد الأذهان والقرائح في البحث والطلب ، ولكلّ واحد

العصمة بناءاً على ما قاله الأديب الحكيم

لكل مجتهد حظٌ من الطلبِ***فاسبق بعزمك سير الأنجم الشهب

حظّه من بذل الجهد واستفراغ الوسع وخلع ربقة التقليد ووضع قدمه في وادي حل المشكلات بتأمّل وتحقيق مستمداً العون من الله تعالى بشفاعة الأئمة

وإعانتهم وبالطبع لا يرجع خائباً بائساً، فارغ الوفاظ والله الموفق وهو العاصم

ص: 76

[ المقصد الثاني ]

في فقه الحديث وذكر محتملاته وتحقيق ما هو المطلوب من العمل بهذه الزيارة وذكر بعض الفوائد المتعلقة بها متناً وحكماً وفضلاً

ولمّا قضى قانون التعليم أن يوعب الحق الصراح والصدق القراح في الذهن الساذج والفهم الفارغ لكي يغرس جذره في تربة صالحة ويتمكن من النمو والرسو في تلك التربة ، كما قيل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى***فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا

لأنّ ذكر الباطل إذا أخذ طريقه إلى القلب قبل غيره ربّما تمكّن منه، وكان البرهان المتأخر عنه غير قادر على إزالة آثاره ، وهذا شأنه شأن الصحيفة البيضاء النقيّة فإنّ ما يكتب فيها أوّل مرّة تعسر إزالته إلا بمحوه، وربّما فارق بضاعته الأولى.

ای برادر مزرع ناکشته باش***کاغذ اسپید نابنوشته باش

كن كارض البكر لا زرع بها***أو كطرس ما جرى فيه قلم

لذلك نشرع أوّلاً بذكر الاحتمال المرضي المختار ثمّ نتبع ذلك بذكر الأمو المحتملة الأخرى ، مع مناقشتها وبذل المحاولة في ردّها بالأدلة المقنعة بإذن الله

ص: 77

تعالى التي ترفع الشك وتكشف غبش الريب وتزيل الخطأ.

وقبل أن نبدأ بذلك يجب أن يعلم بأن خلافات عريضة جرت لفهم هذا الخبر ، كما حدثت مشاجرات طويلة بين العلماء العظام والفقهاء الكرام، ومنشأ الخلاف في الأعم الأغلب يعود إلى الاختلاف في عبارات نسختي الكامل والمصباح وهناك وجوه إضافية سوف نتعرّض لها أثناء الحديث بالشرح والتفصيل ، كما نعرض لمختلف الاحتمالات التي يثيرها هذا الخبر الشريف سواءاً اعتمدها جماعة من العلماء أو كانت مجرّد احتمال معروض للبحث والمداولة ولم ينسب إلى أحد وذلك في وجوه :

الوجه الأول:

من لوازم هذه الزيارة التوجه إلى الصحراء أو الصعود إلى السطح مع التكبير والإيماء إلى القبر المقدّس ثم تلاوة الزيارة بعد ذلك مصحوبة باللعن مأة مرّة والسلام مثلها ثمّ يدعو بدعاء «اللهم خصّ ..» ويقرأ دعاء السجود وبعد ذلك يصلى ركعتين ، هذا ما ورد في وجه أدائها .

ويمكن أن يقال بجواز خلوّها من التكبير والإصحار بها أو رقي السطح لها واعتبار ذلك من الآداب المكملة لا قوامها الذي هو جزء وجودها، بل قال العالم المتبحر الآقا محمد علي الكرمانشاهي في المقامع في زيارة البعيد يجوز التوجّه إلى القبلة كما يجوز التوجّه إلى القبر الشريف ولكن احتمال كون هذه الأمور غير مشترطة خلاف لظاهر الرواية لاسيما الإشارة والتكبير الذي يتركب العمل منه ويترتب الثواب عليه . نعم ربما قيل بسقوط الإصحار والسطح وله وجه وتوضيح هذا الوجه بحيث يرفع غواشي الأوهام ويسهل مسالك الأفهام، وظاهر الرواية كما يلي :

ص: 78

وذلك أنّ الإمام علیه السلام بعد أن أوضح زيارة عاشوراء لمالك أو لعقبة بن قيس وأمره بالصعود على السطح وبالإصحار والإيماء كان علقمة بن محمد شاهد الحال أيضاً فسأله أن يعلمه دعاءاً خاصاً يقوله عند الإشارة، ولم يكتف بمطلق السلام فأجاب الإمام طلبه وعلمه الدعاء الذي هو عبارة عن زيارة عاشوراء ، والظاهر في العمل السابق أن الصلاة مقدّمة على الإيماء ولكنّه لما طلب الدعاء مقارناً للإيماء إلى القبر الشريف علم منها أنّ الصلاة مقدّمة على الزيارة، وهذه قرينة واضحة ودلالة بينة على المطلوب لأنه لو كانت الزيارة بعد الصلاة والإيماء لكانت عملاً مستقلاً ولا ترتبط بسؤال علقمة .

ثمّ إنّ آداب المحاورة وحكمة السؤال والجواب وحكمهما لا يبيح أدباً عدم إجابة السائل إما نفياً وإما إثباتاً ، ثم لا ينبغي عند البلغاء أن يتخلل الكلام المتصل في موضوع كلام أجنبي عنه دون أن ينبه عليه الإمام لأنه يوهم ارتباطه من غير تنبيه بمجمل الموضوع المتكلم فيه .

وهذا لو كان صادراً من العامة والحوشية لكان ساقطاً مستهجناً فكيف يظنّ فيه ذلك وهو صادر من مشكاة الإمام مشرع الفصاحة وينبوع المحاسن تعالى شأنه عن ذلك علوّاً كبيراً.

وبناءاً على هذا فقوله: «أومأت» الواردة في عبارة السؤال معناها إرادة الإيماء أو أنها تعني نفس التوجه والانصراف إلى القبر الشريف المقدس وبالطبع فإن التأويل الثاني في عبارة «المصباح» يبدو بعيداً وهو قوله: «أومأت إليه من بعد البلاد بالتسليم». ومن المعلوم أن القصد أنّ القصد من الإ. الإيماء هو المصاحب للسلام ومحصله الإشارة مع السلام كما أن الظاهر من حال علقمة أنه طلب الدعاء الخاص بمقتضى سياق الرواية كما أشرنا إليه سابقاً للزيارة وليس بعدها .

وهنا دقيقة من دقائق الكلام وهو أن نص الجواب دليل على المطلوب وذلك

ص: 79

أن في بعض نسخ المصباح وتمام نسخ كامل الزيارة «قلت» أو «فقل عند الإيماء» وفي بعض النسخ ورد بلفظ «بعد الإيماء» أيضاً ولا يوثق بصحة هذه العبارة وعلى فرض صحتها يكون معناه بعد إرادة الإيماء أو بعد التوجّه بقرينة وجوب انطباق السؤال على الجواب.

يجب أن يعلم أنّ المراد بالإيماء إن كان مطلق التوجه أو الإشارة فما من داع للزوم الإصحار أو الصعود على السطح، وإن كان إشارة إلى السؤال كما يدلّ على ذلك اقترانه ب_«لام التعريف» مبنى على دستور العمل السابق حيث يقول : فإذا أديت العمل الذي أُمرت به فلابد من أن أتلو دعاءاً بعده وحينئذ يكون لازماً بعد فرض اللزوم.

والظاهر من إرادة الصحراء ليست على الحقيقة فلا خاصيّة له بل المراد مكان واسع وفضاء مفتوح كيفما كان ، وبالطبع لابد من فعل هذه الخصوصية من المكان الواسع أو الصعود على ظهر سطح لإحراز الواقع . ومن الشواهد على مذهبنا في توجيه الحديث ما ورد في نسخة «كامل الزيارة» إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه وقلت عند الإيماء هذا القول فإنّك إن قلت ذلك فقد دعوت لأنّ صريح هذه الرواية قاض بأنك إذا صليت الصلاة بعد الإيماء وقلت هذا الكلام أثنائه فإنّك تحصل على الثواب ولا يبعد أن تكون عبارة كامل الزيارة «من بعد الركعتين» تحريف من الكتاب ولفظ الحديث هو من بعد التكبير الوارد في نسخة المصباح. ولا يعتري المتأمّل البصير والناقد الخبير ريب بأن هذا الحديث الوارد في الكتابين هو حديث واحد وإن ورد اختلاف فيه بالنقل ووقع ذلك في المتن والسند منه بحسب اختلاف الناقل أو تعدّد النقل أو خطأ الرواة، ولكن الظنّ القوي قائم باتحاد الحديث ونسخ المصباح غالباً أصح من نسخ كامل الزيارة بل وكما قال بعض الناقدين : إنّ كامل الزيارة ليست من الكتب المقروئة والمسموعة

ص: 80

والمعروضة على المشايخ بحيث لا يستطيع أن يساوي كتاب المصباح الذي هو حرز العلماء وتميمة الفقهاء عند الاختلاف، وسوف تظهر لنا وجوه أخرى ، عند ردّ الكلمة إلى فقرة عبارة المصباح فيما بعد إن شاء الله .

ومجمل القول: جاءت عبارة كامل الزيارة ونيل الثواب العظيم فيها مشروطاً بالصلاة بعد الإيماء والدعاء وهذه قرينة واضحة على عبارة المصباح إن الجزاء فيها داخل ضمن العبارة «فإنّك إذا قلت» ولفظ «فقل» وإن أوهم قبل التأمّل الجزاء ويكون بناءاً على ذلك الدعاء بعد الصلاة ولكن المتأمل في أطراف العبارة والناظر في السابق واللاحق من الكلام لا يشك في أن لفظ «فقل» تمهيد للجزاء وحقيقة الجزاء قوله فإنّك إذا قلت حيث جاءت الصلاة والإيماء في صدر الحديث المذكور ، وكان السؤال صرفاً للدعاء وإنّما ذكر هذا الشرط لمحض إحراز جميع أجزاء وشرائط العمل، ويبعد أن يكون المراد من قوله : إذا أنت صلّيت أي إذا أردت الصلاة ، ولو كان كذلك لقدّم الإيماء والسلام على الصلاة والزيارة، ولا يصح أن يقول بعد الإيماء لأن ظاهر التعددية هذه هي المقارنة ولو أراد فصل الصلاة لقال : «يقول : بعد الصلاة ...» وبناءاً على القول الوارد في كامل الزيارة «عند الإيماء يكون الأمر أظهر والخطب أسهل .(1)

ص: 81


1- ولو سلمنا أنه أراد وقوع الزيارة بعد الصلاة فوجهه بحمل التكبير الوارد في نسخة المصباح على الركعتين الواردتين في نسخة الكامل مدعين جواز حمل التكبير على الصلاة لأنها تفتتح به وهو ركن من أركانها ، وإن كانت هذه دعوى لا يصغى لسماعها ، فنقول : لما كانت حال المخاطب الآن هو البعد عن القبر الشريف ومقام الزيارة يقتضي العموم ولكن خصوصية السائل وتوجيه الخطاب بمن ابتلي بالبعد فإنّ الزيارة هذه لبيان حكم زيارة البعيد، ولما كان الأفضل للبعيد تقديم الصلاة كما يظهر ذلك من صحيحة هشام ومرسلة ابن أبي عمير ورواية سليمان بن عيسى عن أبيه التي أخرجها الكليني والشيخ عن الإمام الصادق ، ويظهر أنّ الإمام أمر بتقديم صلاة الزيارة بحقهم من ثمّ نقول بأمره بتقديم صلاة الزيارة . ومؤيد ذلك أنّ الخبر في بيان أحكام البعيد أولاً وفي سؤال علقمة أنّ حال البعد مقدم، إذن يظهر من ذلك أنّ وجه الكلام هو لبيان حال البعيد وإنّما ذكر القريب استطراداً وتعليماً وعلى هذا يكون التأخير متعيناً في حال القرب وفي حال البعد قياساً على سائر الزيارات تكون بالتخيير والتقديم أولى . ولعلّ مؤيد هذا هو التعبير عن التوجه إلى القبر الشريف بالإيماء لأنّ التوجّه إلى القبر لا مانع منه على القريب وغاية ما يستعمل ذلك بالنسبة لمن تبعد دياره عن القبر الشريف، والله أعلم بحقيقة الحال. (منه - هامش)

ومن شواد هذا التوجه الجليّة فهم سيف بن عميرة الراوي الجليل الشأن وقد عرفت مناقبه كما جاء في ذيل حديث الشيخ أن سيف روى عن صفوان أنه بعد الفراغ من زيارة أمير المؤمنين علیه السلام توجّه شطر قبر سيّد الشهداء الذي يكون في الحرم العلوي المطهر عكس القبلة، وقد نقل عن الإمام الصادق علیه السلام أن زيارة الحسين علیه السلام هنا مستحبة ثم قرأ في ذلك الوقت زيارة علقمة ثمّ صلّى ركعتين وتلا «يا الله» إلى آخره، ولا شك أن صفوان في هذا المكان زار أولاً ثمّ صلّى .

قال سيف هذا ما كان من خبر علقمة واحتمال كون المراد من الزيارة هو العمل بكامله مع اشتماله على الصلاة، أما الصلاة الثانية فهى صلاة وداع أمير المؤمنين علیه السلام فهو مقطوع بفساده لأن إطلاق عبارة الزيارة وإرادة العمل المركب من الصلاة والدعاء خلاف الظاهر ومن الجائز القطع بوجهين : الأوّل : أنّ لفظ «فدعا» المراد به نفس تلاوة الزيارة ولا يجوز في طريقه التعبير - ولا ينبئك مثل خبير - المراد بقوله «ودعا بالزيارة» إنّه يريد الصلاة . الثاني: أنّنا أشرنا أنّ الانصراف جهة قبر سيّد الشهداء يستدعي استدبار القبلة في حرم أمير المؤمنين وإذا اشتمل هذا العمل على الصلاة فينبغي أن يكون مستدبراً القبلة وهذا ضروري الفساد وذلك من ثوابت المذهب أنّه بدون عذر لا يصح استدبار القبلة حتّى في الصلاة المندوبة وهذا المطلب لا يحتاج إلى طويل شرح ولا إلى الاستدلال ، ولما كان عمل صفوان على ما ذكرنا علم سيف أن خبر

ص: 82

علقمة هو أوثق الأدلّة وهو أن صفوان في ذيل روايته عن الصادق أنّ الإمام علیه السلام بنفسه أجرى هذا العمل مع ما عرفت من عظيم ثوابه ويقيناً إنه ليس عملين.

إذا ظهر بحمد الله وثبت والمنة لله وجه الحق بالأمارات الحالية والمقاليّة وهو الوجه الذي ذكرناه ومن هذه الجهة اختار أكابر العلماء الاحتمال الذي اخترناه كما حكي عن الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكيّة وأعلى رتبته العلية في كتاب «المزار» أنّه بيّن طريقة العمل بهذه الزيارة وهي الابتداء مع اللعن والسلام والدعاء ثمّ تصلّي الركعتين وفي أحد كتب المزار القديمة من مصنفات قدماء العلماء وشوهدت النسخة العتيقة منه وفيها زيارة عاشوراء من قرب أو بعد، ينبغي أن يزار الحسين علیه السلام بهذه الزيارة وإن حصلت في مشهده صلّى الله عليه فتصير إليه وتقف على قبره وتجعل القبلة بين كتفيك وتكبّر الله تعالى وتزوره بهذه الزيارة وإن كنت في غير مشهده إلى الصحراء أو اصعد إلى سطح مرتفع في دارك حيث كنت من البلاد وكبر الله وأوم إلى قبر الحسين علیه السلام وقل بعد التكبير ..(1)

ثم أورد الزيارة باختلاف يسير مع النسختين المذكورتين وسنوافيك بها في فوائد خاتمة الباب إن شاء الله تعالى، ويقول بعد ذلك : ثم تصلي ركعتين .. إلى آخر ما قال وهذه العبارة نصّ على ما ذهبنا إليه إن كانت الألفاظ نفس ألفاظ الحديث، أو أنّ علقمة رواها ثانية بالمعنى وهي فصل الخطاب في المسألة والبرهان القاطع عليها وإن كانت من تعبير المصنف وفهمه والظاهر أنّه من معاصري صاحب الاحتجاج وهو من مشايخ ابن شهر آشوب وكلاهما يروي عن السيد العالم العابد أبي جعفر المهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي وهذا أيضاً يؤيّد مطلبنا ويشهد لنا .

ص: 83


1- هذه الفقرة وردت بالعربيّة وفيها مكان حصلت حصنت ولا معنى لها وإن بنيتها للمجهول وضعفت الصاد . (المترجم)

وكذلك عبارة «منهاج الصلاح» لآية الله العلامة أدام الله إكرامه الذي قال تستحب زيارة الحسين يوم عاشوراء من قرب أو بعد - إلى أن يقول : - السلام عليك ، إلى آخر دعاء السجدة وهو بذلوا مهجهم دون الحسين وكان المنهاج هو مختصر المصباح فإنّه عرف العمل إلى هذا المقدار من اعتباره التكبير وسائر اللوازم أيضاً من الآداب والمستحبّات في العمل المستحب ولا يتقوم العمل بها .

كما أن غالبية العلماء والمحققين الذين هم من أهل النظر والانتقاد يرون مثل هذه الخصوصيات فى الأشباه والنظائر لهذا العمل من المستحبّات تحمل على الآداب وهي شرط في الكمال.

ومن هذه الجهة ملنا إلى مذهب المحققين في أوّل تقرير الوجه وقوينا عدم اعتبار هذه الشرائط إلا على نحو الآداب ويرجع ترك ذكر الصلاة في كلام العلّامة إلى كون ركعتي الصلاة مستحبة في جميع الزيارات، ولا خصوصيّة لهذه الزيارة، ومثل هذين المزارين العبارة المحكية عن مزار الشيخ المعظم جليل المنزلة «محمد بن المشهدي» الذي اقتصر في نقل هذه الزيارة على المتن مطابقاً لما جاء في المصباح وحذف منها التكبير والصلاة وسائر اللوازم الأخرى.

وقال الشهيد نفسه في محكي المزار من الزيارات المخصوصة زيارة عاشوراء قبل زوال الشمس من قرب أو من بعد، فإذا أردت زيارة الحسين علیه السلام في هذا اليوم فأومأ إليه مسلّماً عليه واجهد وبالغ في لعن قاتليه ومحاربيه ثمّ قل إيماءاً السلام عليك يا أبا عبدالله وساق الرواية إلى آخر دعاء السجدة.

وبناءاً على اتفاق أفهام هذه الطائفة من أكابر فقهاء الشيعة رضي الله عنهم التي لابست فهم المعاني الدقيقة ومارست حلّ الألفاظ العويصة للكتاب والسنّة ، فإنّها ظاهرتنا على ما ذهبنا اليه ، وذكرنا قرائن عدة تدلّ عليه، وليس بعيداً من المنصف ذي الفهم السليم والإدراك الصحيح الجزم بما جزمنا به .

ص: 84

وكان من أساطين الفقهاء في هذا العصر الذين اطّلع هذا القليل البضاعة على مذاهبهم والدنا الفحل المحقق جزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء ووفاه من خزائن رحمته أوفر الأنصبة، فقد استمر قولاً وعملاً على ما ذكرناه أوّلاً وال-ي-وم يجري على هذا المنوال السيد الأجل الأستاذ دام ظله العالي عملاً وسلوكاً ولا يعمل بالاحتياطات المنسوبة إلى حضرته على الإطلاق.

تنبیه :

الذي يظهر من الحديث كفاية مطلق التكبير الذي يتحقق مصداقه بتكبيرة واحدة ولكن لما ورد في أخبار الزيارة الكثيرة اعتبار مائة تكبيرة فإنّه لا يستبعد على الفقيه المحقق المحتاط أن يراها مستحبّة في أوّل كل زيارة كما حكي ذلك عن بعض الفقهاء المعاصرين في كتاب المزار والكفعمي أثبت مأة تكبيرة في زيارة عاشوراء خاصة ومن المحتمل أن يكون استشعر من هذه الجهة ومن جهات أُخرى تعدّد الزيارة وعلى كل حال فإنّ الأحوط والأولى الإتيان بها وإذا زاد على الواحدة مأةً قاصداً بذلك القربة المطلقة فهو أوفق وأوثق البتة، والله العالم بحقايق أحكامه.

الوجه الثاني :

من محتملات الرواية بعد الاحتمال المذكور سلفاً - وهو أقرب من سائر الاحتمالات - أن يستقبل بوجهه قبر سيّد الشهداء أوّلاً ثمّ يسلّم بأية صيغة شاء ويلعن أعدائه وقتلته ثمّ يصلي ركعتين ويقرأ بعدها زيارة عاشوراء إلى آخر دعاء السجدة ثم يصلي بعد الدعاء ..(1)

ص: 85


1- من إفادات سيد العلماء العاملين آية الله العظمى آقا میرزا سید محمد هاشم بن الإمام العلامة الحاج میرزا زين العابدين الموسوي الأصفهاني المتوفى سنة 1318 صاحب «أصول آل الرسول» وغيرها من المصنفات وهو شقيق الإمام العلامة المجتهد المجاهد المجدّد آية الله العظمى الميرزا سید محمد باقر الموسوي الأصفهاني المتوفى سنة 1313 صاحب کتاب «روضات الجنّات» وغيره من المصنفات قدس الله سبحانه أرواحهم. س: بيّن لنا مجملاً كيفية زيارة عاشوراء ؟ ج: هناك عدد من الزيارات يمكن أدائها (وهذا ما أعتقده أنا أيضاً وقد بينت ذلك في رسالة مستقلة مبسطة بالدليل والدقة) وواحدة منها ومن الممكن أن تكون الوسطى وهي صحيحة أن يتوجه الزائر إلى مرقد سيد الشهداء المطهر وأن يقول : اللهم العن قتلة الحسين كثيراً أقلها عشر مرات وأن يكثر من قول : السلام عليك يا أبا عبد الله وأقلها عشر مرات، ثمّ يصلي ركعتي الزيارة بهذه النية ثمّ يشرع بقرائة زيارة عاشوراء المشهورة مع إرسال مأة لعنة على مستحقها ومأة سلام لمستحقه، وبعد الفراغ عندما يرفع رأسه م-ن السجدة يصلي ركعتين يقصد بها صلاة الزيارة، فإذا فعل ذلك يؤمل فيه أن يكون زار زيارة عاشوراء الصحيحة ، وإذا قرأ دعاء صفوان المعروف بدعاء علقمة بعد الصلاة الثانية يكون ذلك موجباً للكمال إلا أنه ليس شرطاً في الصحة

ويمكن الاستدلال على هذا الاحتمال أن بعض أجلّة العلماء المعاصرين دام تأييده استقرب أنّ ظاهر عبارة المصباح: «إذا أنت صليت الركعتين فقل ..» أنّ-ه بحكم تأخر الجزاء عن الشرط تكون قرائة الدعاء بعد الصلاة ورواية كامل الزيارات صريحة فى هذا المعنى حيث قال: «بعد الركعتين» ولكنّك علمت أن صدر الخبر وذيله ينصان على خلاف هذا المعنى لأنّ صدر الخبر يتضمّن فضل مطلق الزيارة التي تكون الصلاة بعدها كما صرح به الحديث الشريف نفسه وأشرنا مكرّراً إلى أن تمنّى علقمة أن يتعلّم دعاءاً يقرأه أثناء الزيارة، وجاء الجواب مطابقاً لسؤاله وظهور المقام مقدّم على ظهور الكلام باتفاق العقلاء في وجوه الاستفادة وكيفيات فهم المعاني.

وعلمت أنّ صفوان صلّى الصلاة آخر الزيارة وعلم سيف من رواية علقمة ذلك وقد روى صفوان فضله ، وهذه الجمل كلّ واحدة منها برهان قاطع على دفع

ص: 86

هذا الوجه بالتفصيل السالف وسوف يتضح لك والإعادة خالية من الاستفادة.

وما ظنّه بعضهم من أنّ المراد من الركعتين في كامل الزيارة هو التكبير من باب تسمية الجزء باسم الكلّ تكلّف فاسد وتعشق بارد والأولى حمله على غفلة الناسخ وخطأه .

ومن ثمّ لا يوثق بصدور هذا الكلام عن الإمام علیه السلام وإذا تلاشت الثقة بالصدور عن الإمام فقدنا الحجيّة فما بالك بفقدان الثقة بعدم الصدور، ولو فرضنا جدلاً صدور ذلك عن عن الإمام فإنّ الواجب أن يأوّل لأنّ ظهور سائر الكلام مقدّم على ظهور أحد أجزائه، وأرجو أن لا يؤدي اختلاف درجات الثواب في هذا العمل على تعدّده لأنّ الثواب أوّلاً لمطلق الزيارة وثانياً للخصوصية من حيث هي خصوصيّة، واذا وجد المطلق ضمن المقيّد فإنّ الثواب المذكور أوّلاً لهذا المطلق وهو الفرد الأكمل والقسم الأفضل منه كما أنّ ضمان قضاء الحاجات وكفالتها مختص برواية صفوان المتضمنة لدعاء الوداع بالشرح الذي مرّ آنفاً .

الوجه الثالث :

قرائة الزيارة والدعاء بتمام أجزائهما مرتين الأولى قبل الصلاة والثانية بعدها وهذا الاحتمال وارد في البحار (1)ولعل الوجه في ذلك أنه اعتبر الإيماء بعد الصلاة غير الإيماء السابق عليها ويستفاد من الحديث تلاوة الدعاء أثناء الإيماء ثمّ يأتي بهذه الأعمال وفساد هذا الوجه بيّناه في تقريب الوجه الأول وردّ الوجه الثاني مشروحاً؛ لأنّ الدعاء اللاحق هو نفس الإيماء السابق الذي يؤدّى قبل الصلاة وتؤدّى الأعمال المذكورة في أثنائه .

ص: 87


1- بحار الأنوار 98: 300 ط بيروت . قال المجلسي : في العبارة إشكال وتحتمل وجوهاً: الأول أن يكون المراد فعل تلك الأعمال والأدعية قبل الصلاة وبعدها مكرراً. (هامش الأصل والمترجم)

الوجه الرابع :

أن يتلو الزيارة حتّى يبلغ قوله «وآل نبيّك» ثمّ يقيم صلاة الركعتين ثم يشرع بعد أدائهما باللعن والسلام ودعاء «اللهم خصّ» ودعاء السجدة ويقرأ دعاء صفوان وتقريب هذا الوجه في الحديث القائل : إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام والمراد من السلام خصوص سلام زيارة عاشوراء «وهذا القول» إشارة إلى اللعن والسلام وسائر الأجزاء الآتية، وهذا الوجه ليس بعيداً لكي يحتاج إلى شرح هذا وإن ورد في البحار (1)فما من قاعدة تقتضي إرادة خصوص هذه الزيارة من السلام أو إرادة العن والسلام من «هذا القول» وهذا تفكيك ركيك للغاية.

الوجه الخامس :

المراد من السلام الزيارة واللعن والسلام ، وهذا القول إشارة إلى الدعاء «اللهم خصّ» وهذا الوجه أضعف من سابقه وأسخف .

الوجه السادس :

أن تكون الصلاة بعد اللعن وقبل السلام ويمكن استشعار إرادة السلام وما بعده من الدعاء من قوله: «وهذا القول فيكون المراد من السلام خصوص الزيارة فقد جاء في صدر الرواية المذكورة أن يجتهد بعد السلام ويبالغ في لعن قاتليه وهذا لما كان دستور العمل واحداً ينبغي أن يأتي بالسلام ويلعن مستحقّ

ص: 88


1- البحار 98: 301ط بيروت . قال : الثالث أن يكون المراد بالسلام قوله : السلام عليك إلى أن ينتهي إلى الأذكار المكرّرة ثمّ يصلي ويكرّر كلاً من الدعانين فإنه بعد الصلاة ويأتي بما بعدها .. الخ . (هامش الأصل وجرى تطبيقه مع الكتاب والزيادة من نقول المترجم)

اللعن ثمّ يصلّي بعد ذلك ويتلو سائر الأدعية ومن جملتها الإتيان بالسلام مأة مرّة. وكلّ ذي بصير بعد مراجعة ما ذكرناه يلم بفساد هذا الاحتمال فمن الواضح أنّه لا وجه للإشارة بخصوص السلام وما بعده وإذا كان ميزان المبالغة في لعن القتلة قبل الصلاة فينبغي أن تؤدى الصلاة قبل السجدة أو بعدها لأن دعاء «اللهم خص» اشتمل على اللعن كذلك فما المانع من الالتزام بقولنا: إن المبالغة في اللعن ورد في متن الزيارة فتكون الصلاة بعدها.

الوجه السابع :

أن تكون الصلاة قبل السجدة وعلى هذا يكون المراد من جملة هذا القول هو دعاء السجدة.

وضعف هذا القول واضح مما ذكرناه وهذه المحتملات جملة مذكورة في كتاب بحار الأنوار غير الوجه الأول. نعم لا يبعد أن يكون الوجه السادس الذي هو الوجع اسابع في تقسيمنا مشتملاً على الوجه الأوّل أيضاً حيث قال : السادس أن تكون الصلاة متصلة بالسجود .(1)

ويمكن أن يكون قصده بالاتصال وقوع الصلاة قبل كما يمكن وقوعها بعده وبناءاً على هذا يكون أعم من الوجه الأوّل والسابع ولكنه ذكر تقريباً غاية في القرابة حيث قال : وهذا أظهر لمناسبة السجود للصلاة ولا يمكن مطلقاً إثبات حكم شرعي بهذا الوجه كما لا يمكن استظهاره من اللفظ كما هو اللفظ كما هو واضح لأهل النظر والأنس بالاستدلال بحيث لا يحتاج إلى تنبيه .

ص: 89


1- بحار الأنوار 98: 300 السادس : أن تكون الصلاة متصلة بالسجود ولعلّ هذا أظهر لمناسبة السجود بالصلاة . (هامش الأصل والمترجم)

الوجه الثامن :

أورد المحدث الفاضل الشيخ إبراهيم الكفعمي في كتابه «الجُنّة الواقية وملخصه كما يلي :

أوّلاً: يرقى السطح أو يخرج إلى الصحراء ويسلّم على الحسين علیه السلام ويلعن قتلته لعناً متواصلاً ويبرأ منهم ثم يصلي ركعتين ويأخذ بعدهما بالبكاء والعويل ويقيم في بيته مجلس العزاء ويكثر من الندبة والمصيبة، ويقرأ دعاء التعزية وأوّله : «أعظم الله أجورنا .. الخ ويقول هذا الدعاء بعض لبعض ثم يكبر حتّى يبلغ به المائة، ويستقبل القبر المقدس ويقرأ الزيارة مع دعاء السجدة ثم يصلي ركعتين ويقرأ دعاء صفوان .

ووجه هذا الاحتمال الذي هو فتح لباب الخطأ والتشكيك في فهم ألفاظ الرواية الصريحة وأماراتها الظاهرة ؛ لأنّ من الواضح أن أحداً قبل الكفعمي لم يعدل عن ظاهر الخبر كما أقرّ بشهادة ذلك بعض المطلعين ، أنه جمع بين صدر الحديث وذيله، ولم يحمل كلام علقمة على إرادة الدعاء للزيارة بل طلب بعد الزيارة، الزيارة على بعد ومبدأ هذا قوله: علمني دعاءاً أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته والجمود على ظاهر اللفظ جعل الظنّ محتملاً بأن القصد بعد وقوع الزيارة مع أن المتأمّل المنصف يلزم بأن غرض علقمة الدعاء حال الزيارة، والغالب أنّ مورد البحث في الظهورات اللفظية لا يصل إلى الجدل إلى حدّ الإلزام والإسكات لأنّ عمدة هذا الباب يتحكم فيه الذوق الخاص وهو عرضة لجريان القريحة التي بمساعدتها يستطيع المناظر أن يستفيد المراد من اللفظ ويصطاد بشباكها معاني العبارات، وكلّ من وهبه الله هذا الذوق يعرف وجه هذا الدعاء الذي أكثرنا من ترداده في هذا الباب.

ص: 90

وإلا فإنّ من ملك حاسة التمييز وقوّة الاستنباط صار فهمه حجّة عليه وهو مسئول عنه ومكلّف به وليس عليه النظر في قول من عداه .

مضافاً إلى أن ظاهر هذا الكلام يدلّ على اختصاص هذا العمل بيوم عاشوراء ولكن الذيل في موضعين يدلّ على عمومه كما أن أخذ الندبة والنياحة في هذا العمل خلاف لظاهر الحديث ، لأنّ الثواب منوط بمجرّد الزيارة والأدعية والصلاة كما هو الظاهر ، وجملة القول ممّا يمكن أن يقال فى هذا الوجه بأنّه أبعد الوج الوجوه .

الوجه التاسع :

وهو أوّلاً يقرأ زيارة أمير المؤمنين السادسة من زيارته المطلقة المذكورة في التحفة وأولها «السلام عليك يا رسول الله» وعرفت بالزيارة السادسة بناءاً ع-ل-ى ترتيب تحفة الزائر أية زيارة من زيارات أمير المؤمين علیه السلام أو يكتفى بالسلام عليه وصلاة هذه الزيارة هي ست ركعات إن كانت السادسة أو ركعتين إن كانت غيرها، وإذا اختار الزيارة السادسة فالأولى أن يتوجّه نحو قبر الحسين علیه السلام ويسلّم عليه بعدها وإذا قرأ متن زيارة عاشوراء كانت خيراً من السلام المطلق ثم يصلي ركعتين ثم يكبر الله مأة مرّة ويقرأ زيارة عاشوراء على النهج المقرر ويصلي ركعتين، ويقرا دعاء صفوان وهذا الوجه في الحقيقة هو وجه الجمع بين الوجوه كلها وقد روعي فيه الاحتياط .(1)

ص: 91


1- قال المرحوم آية الله العظمى المحقق صاحب القوانين في جامع الشتات ص 780 ط سنة 1303 : سؤال : بين لنا كيفية زيارة عاشوراء وزيارة أمير المؤمنين السادسة المذكورة في تحفة الزائر جمعها مع زيارة عاشوراء. جواب : إن الحديث في هذا الباب من المتشابهات ولا يخلو من إشكال، ولكن نظراً لما هو أظهر عندي أن يأتي بالزيارة موافقاً بها ما ذكره الكفعمي وهي من أراد زيارة عاشوراء على بعد فليصحر بها أو يرتقي على ظهر سطح ويشير إلى جهة قبر سيد الشهداء ويسلّم على الحسين بالشكل الذي يهواه ويكفي من السلام قوله : السلام عليك يا أبا عبدالله ورحمة الله وبركاته، ثمّ يصلّي بعد ذلك ركعتين ثمّ يقرأ زيارة عاشوراء ثمّ يشرع باللعن والسلام المذكورين في كتب الزيارة مأة مرّة ، لكل واحد منها ثم يأتي بدعاء السجدة ثم يصلي ركعتي الزيارة ثم يتلو الدعاء المأثور . وبما أن زيارة عاشوراء وزيارة أمير المؤمنين وزيارة أمير المؤمنين السادسة هما حديث واحد على الظاهر والإمام الصادق مزج بينهما فيستحب له أن يفعلهما معاً سواء عند قبر أمير المؤمنين أو قبر الحسين أو غيرهما من البلاد البعيدة. وطريقتهما كما يلي : أن يتوجه أولاً شطر قبر أمير المؤمين ثم يقرأ الزيارة السادسة إلى قوله : «فإني عبدالله ووليك وزائرك صلى الله عليك ...» ثمّ يصلّي ست ركعات الزيارة ثمّ يوجه وجهه شطر قبر سيد الشهداء ويزوره على الطريقة التي ذكرناها. ويقول الحاج ميرزا محمد علي الأديب الطهراني مصحح المفاتيح في حاشية كتاب المفاتيح ط شركة طبع الكتاب ص 455: لا يخفى أن أحد الموثوق بديانتهم الذي لا يخالجنا ريب في ورعه نقل لنا أن المرحوم آية الله اسيد محمد كاظم اليزدي طاب ثراه جرت عادته أن يقول : يجب أن يلتقي الزائر على مكان مرتفع ويبدأ بإحدى زيارات أمير المؤمنين ثم يصلي ركعتين ثم يكبر مأة مرّة، وبعد ذلك يقرأ متن زيارة عاشوراء مع اللعن على مستحقه مأة مرّه، ويسلّم مأة مرّة ويقرأ «اللهم خص» ودعاء السجدة بعد تلكم الركعتين. وسمعت أنا أيها العاصي المذنب من المرحوم آية الله الحاج كريم اليزدي طاب ثراه أنه قال : كانت طريقة المرحوم آية الله الشيرازي الكبير كما يلي ، ثم ساق هذا الطريق سوى زيارة الإمام والتكبير مأة مرة ، وقال : إنّه يرى أن هذه الطريق أقرب الطرق وأصحها وهو الجمع بين الأخبار . (ذريعة الزائر يا رهبر زوار ص 360 تأليف العلامة الحجّة الحاج إسماعيل الهاشمي دامت بركاته) .(هامش الأصل)

ومبدأ هذه الطريقة أنّه مذكور في رواية صفوان بعد زيارة أمير المؤمنين علیه السلام : زار الزيارة هذه التي رواها علقمة وعلى هذا تكون زيارة أمير المؤمنين علیه السلام جزءاً من هذا العمل وما رواه صفوان لهذه الزيارة من فضل فإنّما هي للعمل المركب منها ومن زيارة أمير المؤمنين علیه السلام ، ولما كان في خبر آخر من أبواب زيارة أمير المؤمنين علیه السلام المذكور عن صفوان أنه زار الزيارة السادسة أولاً ثمّ توجّه بعد

ص: 92

ذلك إلى قبر سيّد الشهداء علیه السلام وقرأ زيارة عاشوراء كما قال السيد في مصباح الزائر فإنه قال : بعد فراغك من الزيارة السادسة التي تنتهي بقوله: «وصلى الله عليك وسلّم كثيراً اقرأ زيارة عاشوراء فإنّها تتمة لذلك العمل وظاهر الرواية المنقولة من المزار الكبير في البحار الذي اعتبره صاحب البحار مزار محمد المشهدي كذلك أن صفوان قرأ الزيارة السادسة أوّلاً والضمانة الواردة في ذيل رواية صفوان لكليهما، وعبارتها كما يلي:

تعاهد بهذه الزيارة وادعو بهذا الدعاء وزرهما بهذه الزيارة فإنّي ضامن على الله لكل من زارهما بهذه ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته مقبولة ، إلى آخر الحديث .

إذاً، ظاهر الرواية تدلّ على اعتبار الزيارة السادسة لأمير المؤمنين شرطاً ف-ي المثوبات المقررة لهذا العمل واعتبار مطلق السلام نظراً لتكراره واعتبار زيارة عاشوراء لاحتمال إرادتها من السلام والصلاة نظراً لصدر الحديث، وقرائة سائر الفقرات مع قرائة الزيارة مجدداً لاعتبارها أنها هي المعنية بلفظ بهذا القول والصلاة أيضاً لأجل الزيارة حيث تأخر قوله «إذا صليت» فاعتبر إشارة إلى الصلاة. ونحن بينا في الوجوه السابقة ضعف هذا الوجه - المبنى على عدة وجوه منها - ومع ظهور اللفظ القوي على خلافها لا يبقى وجه للاحتياط. نعم ما ينبغي أن يعرض له في هذا الوجه هو عدم اعتبار زيارة أمير المؤمنين علیه السلام في تحقق هذا العمل على أننا ذكرنا ما هو الممكن في تقريبه وبيانه كما يلي:

أولاً : ظاهر رواية الشيخ أنّها تشير إلى زيارة علقمة التي رواها صفوان وبنى الثواب على أساس هذا العمل وهو زيارة سيّدالشهداء مع الدعاء وأبداً لا إشارة ولا إشعار في العبارة بأخذ زيارة أميرالمؤمنين شرطاً في تمام العمل، كما نقلنا نحن متن الحديث كلّه.

ص: 93

ولا حجّة عندنا على أن صاحب المزار الكبير التزم بنقل لفظ الحديث نفسه بل الظاهر أنه تصرّف بالنصّ حسب فهمه، كما يلوح ذلك على آثار جلّ المحدثين أحياناً، وهذا الأمر من الوضوح بمكان عند المنصف المتأمل للأخبار في هذا الباب وأنّ الأصل في هذا الباب طريق الشيخ وطريق ابن قولويه.

ولا يظهر من كلام السيّد إلا الفتوى على الحدس ، نعم بمقتضى الأخبار التي فيها ومن بلغ إن شملت فتوى الفقيه فلا ضير من العمل في هذا الاحتياط ، ولكنّ الكلام حول ما تقتضيه الأدلّة الاجتهادية، مهما كان هذا الوجه مبنياً على الاحتياط وغرض المؤلّف دفع توهم دخول الزيارة السادسة في نفس الأمر والواقع، وإلا فإن رواية المزار الكبير في باب الاحتياط فوق الكفاية .

ثانياً : إنّ زيارة عاشوراء عبارة عمّا رواه علقمة وعلى فرض ورود العملين كليهما في ذيل زيارة صفوان واعتبارهما واردين معاً فلا مدخلية لهما برواية علقمة بوجه من الوجوه، بل إنّ العملين متعدّدان وإن شمل أحدهما الآخر وقرّر لمجموعهما خواص أُخرى وثواباً زائداً.

ثالثاً: ظاهر خبر المفيد عليه الرحمة الذي هو أوثق وأسبق وأبصر وأعرف من ابن طاووس من جهات عدّة كما اعترف بذلك العلّامة المجلسي عليه الرحمة ولا يحتاج ذلك إلى الاستشهاد ، ونعم ما قيل:

مدح تعریف است و تخریق حجاب***فارق است از مدح و تعریف آفتاب

مادح خورشید مدّاح خود است***که دو چشم روشن و نامرمد است

المدح تعريف وإظهار***فهل يضمّ الشمس أسرار

ومادح الشمس على نفسه***أثنى وما في ذاك إضمار

بأنه لا يعتري جسمه***داء وما في العين عوار

وجملة القول : إن ظاهر خبره أنّ الزيارة السادسة وترتيب الدعاء بعدها

ص: 94

مخالف لعمل زيارة عاشوراء وللدعاء بعدها حيث أن عبارة المفيد المحكية في البحار كما يلي:

بعد الفراغ من أداء الستّ ركعات صلاة تلك الزيارة تقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين .. إلى آخره، ثمّ تشير إلى جانب قبر الحسين سيّد الشهداء علیه السلام وتقول : السلام عليك يابن رسول الله ، أتيتكما زائراً ومتوسلاً إلى الله تعالى ربّي وربّكما في زيارتكما .. إلى آخر دعاء صفوان ، ثم استقبل القبلة وقل: يا الله يا الله يا الله إلى أن تصل إلى قوله : من أمر دنياي وآخرتي وتضيف يا أرحم الراحمين، ثم تستقبل قبر أمير المؤمنين علیه السلام وتقول: «السلام عليك يا أمير المؤمنين والسلام على أبي عبدالله الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار ، ولا جعله الله آخر العهد من زيارتكما ولا فرق الله بيني وبينكما» (1).

والناظر في هذه الرواية وما فيها من الوجوه المتعدّدة الفارقة بين الروايتين من التقديم والتأخير والزيادة والنقيصة واختلاف الكيفيات وتعدد التوجه والاستقبال إلى جانب الإمام الحسين وأمير المؤمنين علیه السلام يقطع بتعدد الرواية.

وكيف يصح في حق الشيخ - مع ما هو عليه من الجلالة وثبوت الوثاقة والعدالة الذي وصفه الإمام علیه السلام بالتوقيع الشريف بقوله «ملهم الحق ودليله» إذ لو قُرء بفتح الهاء يكون معناه أنه ألهم الحق والدليل إلهاماً ، وإذا قرء بكسر الهاء ترتفع درجة مدحه مأة مرة أكثر من سابقها ويكون حاصله : إنّه الحق مع دليله، يفيض من نفسه القدسيّة على نفوس أهل الاستعداد والقبول ومن نال الحق وصل إلى الواقع ، فإنّ ذلك ببركة إعداد كمالاته العلمية والعمليّة وهذا فضل لا يدعى لغير الأئمة.

أقول : كيف يصح أن يقال في حق رجل مثل هذا أنه قدم الخبر أو أخره أو

ص: 95


1- بحار الأنوار 97: 309 (المترجم)

أضاف إليه ألفاظاً من عنده وأنّه فسّره ورتبه لمّا استحسنه مما يخالف الثابت عن الأئمّة علیهم السلام ؟! حاش لله أبد لا يمكن أن يطرأ هذا الظنّ على أحد وليس من العدل اعتباره في حق الشيخ المفيد، ولا يتمشى في حقه هذا الاحتمال وإن ظهر ذلك في البحار وتحفة الزائر واعتمدا عليه ولكنه والحق يقال غير قابل للتوجيه على الإطلاق. وبعد التسليم نقول : بناءاً على ما ذكرناه لو أن أحداً أراد أن يعمل بهذا من أجل الاحتياط فلا بأس بذلك ولا ضير عليه وذلك أنّ العمل بالدعاء الذي ذكره المفيد بعد الزيارة السادسة ثمّ يزور زيارة عاشوراء بالترتيب المذكور في كتاب «المصباح» الذي مرّت عليه نقوله ويقرأ بعدها الدعاء لكي يكون قد جمع بين الاحتمالين.

الوجه العاشر :

الاحتمال الذي ذكر أيضاً على سبيل الاحتياط في زاد المعاد وتحفة الزائر والواقع أن ذكر هذا الوجه والوجه السابق في عداد محتملات الخبر لا يبعد عن الاستطراد والاجترار والتطفل وإلا فإنّ الاحتمالين عمادهما الاحتياط والجمع بين المحتملات السابقة، وعبارة زاد المعاد كما يلي:

لمّا كانت العبارة مشوشة وهي عرضة للاحتمالات الزائدة فلو أن الزائر زار زيارة «السلام عليك يا أبا عبدالله» إلى آخر وآل نبيّك ثمّ يصلي صلاة الزيارة ثمّ يعيد الزيارة نفسها فهو الأحسن ولو أنه صلى بعد ذكر اللعن مأة مرّة وصلّى بعد ذكر السلام مأة مرّة ويوصلها بالسجدة ثمّ يصلّي بعد السجدة عندئذٍ يكون قد عمل بجميع الاحتمالات ولكنه لو عمل أولاً بإحدى الزيارات البعيدة فإنّ ذلك لا يكفيه.

وقال في التحفة بعد ذلك : ولو أنه جمع إلى هذه الزيارة زيارة أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 96

السادسة كما أشرنا إليه في السابق يكون خيراً له لاسيما إذا أدى هذه الزيارة عند ضريح أمير المؤمنين علیه السلام .

تمّ كلام هذا المحدّث الجليل القدر ، ونحن ذكرنا مدارك هذه الاحتمالات التي مرت الإشارة إليها وبينا فسادها وضعفها إلى آخر الحدود شرحاً وتبياناً، ومع ما تقدم لا وجه للاحتياط بل يمكن أن يتوقف في مشروعية عمل كهذا من حيث تفصيله المعنى على الاحتمالات البعيدة والركيكة كما قال ذلك بعض الأكابر ، والله العاصم.

ولمّا بان بحمد الله سند هذا الخبر ومتنه على خير وجه وظهرت دلالته واضحة لا بد من التعرّض حينئذ لذكر بعض المطالب المتعلقة به ونحن نسوقها هنا على شكل فوائد و نختم بها هذا الباب .

الفائدة الأولى :

ذکر صاحب كتاب المزار القديم الذي تقدّمت الإشارة إليه متن هذه الزيارة باختلاف يسير مع نسخة المصباح ويمكن أن يشار إلى مواضع الاختلاف في هامش خاص ولكن من حيث سهولة تناوله والتبرك بألفاظه الشريفة ثانياً ننقل عين العبارة لكي يحرز من يتلوهما مع تطبيق العبارات في النسختين الجزم في وصوله إلى الثواب المنظور ؛ لأنّ العلماء اهتموا كثيراً بصحة هذا العمل وإحراز مثوبته من حيث عظمة القدر وجلالة الشأن، والنسخة ما يلي:

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ نَبِيِّ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ ، السَّلامُ

ص: 97

عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحَ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ مِنِّي جَمِيعاً سَلامُ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، يَا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرُّزيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلام ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى جَميع أَهْلِ الأَرَضِينَ ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالعُدْوانِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ ، يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكَ ، وَحَرْبُ لِمَنْ حارَبَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأَكْرَمَنِي بِكَ ، أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ بِكَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَى فاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِمُوالاتِهِمْ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذَلِكَ وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ وَجَرىٰ فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْيَاعِكُمْ ، أَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيْكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنَّاصِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ

ص: 98

حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إِمَامٍ مَهْدِي ظَاهِرٍ نَاطِقٍ مِنْكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي مُصاباً بِمُصِيبَة ، مُصِيبَةً مَا أَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الْإِسْلامِ وَفِي جَمِيعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (1). اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَهُ اللهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمُ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِف وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ ، اللهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَد الآبدينَ ، وَهَذَا يَوْمُ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، اللَّهُمَّ فَضَاعِفُ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، وَفِي مَوْقِفِي هَذَا ، وَأَيَّامٍ حَيَاتِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ .

ثم تقول : اللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَىٰ ذلِكَ . اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ وَشَايَعَتْ وَبايَعَتْ عَلَى

قتْلِهِ ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً . تقول ذلك مأة مرّة .

ص: 99


1- الأرضين - خ ل.

ثم تقول : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِناتِكَ ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللَّهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيارَتِكُمْ ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلَىٰ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَصْحَاب الْحُسَيْن . تقول ذلك مأة مرّة .

ثم تقول : اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِم بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأُ بِهِ أَوَّلاً ثُمَّ الثَّانِيَ ثُمَّ الثَّالِثَ والرَّابِعَ اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ بنَ مُعاوِيَة حَامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زياد

وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبِي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوَانَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

ثمّ تسجد وتقول : اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمٍ رَزِيَّتِي ، اللهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُود، وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ .

ثمّ تصلي ركعتين وإن استطعت أن تزور الحسين بهذه الزيارة من دارك في كلّ يوم فافعل، ففي ذلك ثواب جزيل ووردت به الرواية عن الباقر أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين علیه السلام روى ذلك عنه علقمة ذلك عنه علقمة بن محمد الحضرمي .

الفائدة الثانية :

في كتاب المزار القديم المذكور أورد رواية أخرى تختلف مع المتن المذكور اختلافاً فاحشاً، بحيث لا يمكن الجمع بينهما، وليس فيها اللعن مأة مرّة ولا السلام، وهي تشارك الرواية المشهورة بالأجر والثواب، ونحن نسوق الرواية نفسها من ذلك الكتاب لكي يستطيع من يريد الاقتصار ويكتفي بها عن التفصيل متمكناً من ذلك.

ص: 100

قال في الكتاب المزبور : زيارة عاشوراء عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر الباقر علیه السلام قال: من أراد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرّم فيظل فيه باكياً متفجّعاً حزيناً لقي الله عزّ وجلّ بثواب ألفي حجّة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ حجة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله ومع الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين.

قال علقمة بن محمد الحضرمي : قلت لأبي جعفر علیه السلام : جعلت فداك ، ما يصنع من كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في تلك البلاد؟

قال : إذا كان اليوم - يعني يوم عاشوراء - فليغتسل من أحب من الناس أن يزوره من أقاصي البلاد أو قريبها فليبرز إلى الصحراء أو يصعد سطح داره فيصلي ركعتين خفيفتين يقرأ فيها سورة الإخلاص فإذا سلّمت (1)فأومن إليه بالسلام ويقصد إليه(2) بتسليمه وإشارته ونيته إلى الجهة التي فيها أبو عبدالله الحسين صلوات الله عليه ، ثمّ تقول وأنت خاشع مستكين :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا خِيَرَةَ اللهِ وَابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا تَارَ اللهِ وَابْنَ ثَارِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الوترُ الْمَوْتُورُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الإمامُ الْهَادِي الزَّکِيُّ وَعَلَى الأَرْوَاح

ص: 101


1- فيه تأييد لوقوع الزيارة بعد الصلاة لكن الظاهر تعدّد الرواية ولعله سأله مرتين فأجابه في كل مرة بنحو ، وبالجملة فبهذا الخبر لا يجوز رفع اليد عن ظاهر ذاك مع ضعف هذا بالإرسال وصحة ذلك كما سمعت سابقاً. (منه)
2- فيه الالتفات من الخطاب إلى الغيبة . ( منه )

التي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَقامَتْ في جوارِكَ ، وَوَفَدَتْ مَعَ زُوَّارِكَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ مِنِّي مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، فَلَقَدْ عَظُمَتْ بِكَ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَفِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرَضِينَ أَجْمَعِينَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ َراجِعُونَ ، صَلَواتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى آبائِكَ الطَّيِّبِينَ الْمُنْتَجَبِينَ وَعَلَى ذُرِّيَّاتِكُمُ الْهُداةِ الْمَهْدِيِّينَ . لَعَنَ اللهُ أُمَّةً خَذَلَتْكَ وَتَرَكَتْ نُصْرَتَكَ وَمَعُونَتَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْم لَكُمْ وَمَهَّدَتِ الْجَوْرَ عَلَيْكُمْ وَطَرَّقَتْ إِلَى أَذِيَّتِكُمْ وَجارَتْ ذَلِكَ فِي دِيارِكُمْ وَأَشْياعِكُمْ ، بَرِئتُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَيْكُمْ يَا سَادَاتِي وَمَوَالِيَّ وَأَئِمَّتِي مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ يَا مَوالِيَّ مَقامَكُمْ وَشَرَّفَ مَنْزِلَتَكُمْ وَشَأْنَكُمْ أَنْ يُكْرِمَنِي بِوِلايَتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَالائتِمام بِكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَوَدَّتَكُمْ وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِلطَّلَبِ بِشَارِكُمْ مَعَ الْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ الْهَادِي مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَسْأَلُ اللهَ عَزَّوَجَلَّ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ أَنْ يُعْطِينِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا أَعْطَى مُصاباً بِمُصِيبَةٍ ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَفْجَعَها وَأَنْكَاهَا لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْنِي فِي مَقَامِي مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةً وَمَغْفِرَةٌ ، وَاجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، فَإِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . اللَّهُم إِنِّي أَتَوَسَّلُ وَأَتَوَجَّهُ بِصَفْوَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ

ص: 102

وَالطَّيِّبِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا ، اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَاهُمْ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَهُمْ ، وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ، اللهُمَّ وَهَذَا يَوْمُ تَجَدَّدَ فِيهِ النّقْمَةُ ، وَتَنَزَّلَ فِيهِ اللَّعْنَةُ عَلَى اللَّعِين يَزِيدَ وَعَلَىٰ آلِ يَزِيدَ وَعَلَىٰ آلِ زِيادٍ وَعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وَالشِّمْرِ . اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ وَالْعَنْ مَنْ رَضِيَ بِقَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ مِنْ أَوَّلِ وَآخِرِ لَعْنَا كَثِيراً ، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ ، وَأَسْكِتْهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ، وَأَوْجِبْ عَلَيْهِمْ وَعَلَىٰ كُلِّ مَنْ شَايَعَهُمْ وَبايَعَهُمْ وَتَابَعَهُمْ وَسَاعَدَهُمْ وَرَضِيَ بِفِعْلِهِمْ وَافْتَحْ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَضِيَ بِذَلِكَ لَعَناتِكَ الَّتِي لَعَنْتَ بِها كُلَّ ظالِم ، وَكُلَّ عَاصِبٍ ، وَكُلَّ جاحِدٍ ، وَكُلَّ كَافِرٍ ، وَكُلَّ مُشْرِكٍ ، وَكُلَّ شَيْطَانٍ رَحِيمٍ ، وَكُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ وَآلَ يَزِيدَ وَبَنِى مَرْوانَ جَمِيعاً ، اللهُمَّ وَضَعَفْ غَضَبَكَ وَسَخَطَكَ وَعَذَابَكَ وَنَقِمَتَكَ عَلَى أَوَّلِ ظالِم ظَلَمَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكَ ، اللهُمَّ وَالْعَنْ جَمِيعَ الظَّالِمِينَ لَهُمْ وَانْتَقِمْ مِنْهُمْ إِنَّكَ ذُو نِقْمَةٍ مِنَ الْمُجْرِمِينَ ، اللهُمَّ وَالْعَنْ أَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ، وَالْعَنْ أَرْواحَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَقُبُورَهُمْ ، وَالْعَنِ اللهُمَّ الْعِصابَةَ الَّتِي نازَلَتِ الْحُسَيْنَ بْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَحَارَبَتْهُ وَقَتَلَتْ أَصْحَابَهُ وَأَنْصارَهُ وَأَعْوَانَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَشِيعَتَهُ وَمُحِبيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتَهُ ، وَالْعَنِ اللَّهُمَّ الَّذِينَ نَهَبُوا مالَهُ ، وَسَلَبُوا حَرِيمَهُ ، وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلامَهُ وَلَا مَقالَهُ ، اللّهُمَّ الْعَنْ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَرَضِيَ بِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَالْخَلائِقِ أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ وَعَلَى مَنْ سَاعَدَكَ وَعاوَنَكَ وَوَاسَاكَ بِنَفْسِهِ ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِي الدَّبِّ عَنْكَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلايَ وَعَلَيْهِمْ ، وَعَلَىٰ رُوحِكَ وَعَلَى أَزْواجِهِمْ ، وَعَلَى تُربتِكَ وَعَلَى تُرْبَتِهِمْ اللَّهُمَّ لَقِّهِمْ رَحْمَةً

ص: 103

وَرِضواناً وَرَوْحاً وَرَيْحاناً ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلايَ يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ ، يَابْنَ خَاتَم النَّبِيِّينَ ، وَيَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، وَيَابْنَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا شَهِيدُ يَابْنَ الشَّهِيدِ اللَّهُمَّ بَلِّغْهُ عَنِّي فِي هَذِهِ السَّاعَةِ ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَكُلِّ وَقْتٍ تَحِيَّةً وَسَلاماً ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ سَيْدِ الْعَالَمِينَ ، وَعَلَى الْمُسْتَشْهَدِينَ مَعَكَ سَلاماً مُتَّصِلاً ما اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَى الشُّهَداءِ مِنْ وُلْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَى الشُّهَدَاءِ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ ، السَّلامُ عَلَى كُلِّ مُسْتَشْهَدِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَبَلِّغْهُمْ عَنِّي تَحِيَّةً وَسَلاماً ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاء فِي وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاء في وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَيْكِ يَا فَاطِمَةُ يَا ابنةَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَلَيْكِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللهُ لَكِ الْعَزَاءَ فِي وَلَدِكِ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه ، أحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاء فِي أَخِيكَ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَى أَرْواحِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، الْأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْواتِ ، وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُمُ الْعَزاءَ فِي مَوْلاهُمُ الْحُسَيْنِ . اللهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ الطَّالِبِينَ بِثَارِهِ مَعَ إِمَامٍ عَدْلٍ تُعِزُّ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .

ثم اسجد وقُل: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَأْتِي مِنْ خَطْبٍ ، وَلَكَ الْحَمْدُ

ص: 104

عَلَى كُلِّ أَمْرٍ ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى فِي عَظِيمِ الْمُهِمَّاتِ بِخِيَرَتِكَ وَأَوْلِيائِكَ وَذَلِكَ لِما أَوْجَبْتَ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضْلِ الْكَثِيرِ . اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَالْمَقامِ الْمَشْهُودِ ، وَالْحَوْضِ الْمَوْرُودِ ، وَاجْعَلْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ وَاسَوْهُ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَبَذَلُوا دُونَهُ مُهجَهُمْ ، وَجَاهَدُوا مَعَهُ أَعْداءَكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِكَ وَرَجَائِكَ ، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِكَ ، وَخَوْفاً مِنْ وَعِيدِكَ ، إِنَّكَ لَطِيفٌ لِمَا

تَشَاءُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

قال الصادق علیه السلام : هذه الزيارة يزار بها الحسين بن علي علیه السلام من عند رأس أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين .

قال علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر علیه السلام : إن استطعت يا علقمة أن تزور في كل يوم بهذه الزيارة في دارك وناحيتك وحيث كنت من البلاد في أرض الله فافعل ذلك ولك ثواب جميع ذلك فاجتهدوا في الدعاء على قاتله وعدوّه ويكون في صدر النهار قبل الزوال - يا علقمة - واندبوا الحسين وابكوه، وليأمر أحدكم من في داره بالبكاء عليه وليقم عليه في داره المصيبة بإظهار الجزع والبكاء، وتلاقوا يومئذ بالبكاء بعضكم على بعض في البيوت وحيث تلاقيتم وليعزّ بعضكم بعضاً بمصاب الحسين صلوات الله عليه .

قلت : أصلحك الله ، كيف يعزّي بعضنا بعضاً ؟

قال : تقولون : أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبدالله الحسين علیه السلام ، وجعلنا من الطالبين بثأره مع الإمام المهدي الحقِّ من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين ، وإن استطاع أحدكم أن لا يمضي يومه في حاجة فافعلوا فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك فيها ولم يرشد، ولا يدخرنّ

ص: 105

أحدكم لمنزله شيئاً فإنّه من فعل ذلك لم يبارك فيه .

قال الباقر علیه السلام: أنا ضامن لمن فعل ذلك عند الله عزّ وجلّ ما تقدّم به الذكر من عظيم الثواب وحشره الله في جملة المستشهدين مع الحسين صلوات الله عليه .

قلت لأبي جعفر علیه السلام : أصوم ذلك اليوم ؟ قال : صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت وأمهل إلى بعد العصر فإذا كان وقت العصر فأفطر على شربة من الماء ففي ذلك انجلت المعركة عن الحسين صلوات الله عليه وأصحابه وهم قتلى صلوات الله على أرواحهم وأجسامهم أجمعين ، ولعنة الله وسخطه وعذابه ونكاله ونقمته على كل من كان السبب في قتلهم وجدد الله عليهم العذاب الأليم، آمين رب العالمين .

ولا يخفى على القرّاء أن كتاب المزار القديم ظاهراً هو تلك النسخة القديمة التي شاهدها أحد فضلاء العصر سلّمه الله في المشهد الرضوي المقدّس، ونقل نسخة الزيارة هذه منه وجعلها في جزء خاص وأهداها إلى بعض فقهاء العصر رحمهما الله تعالى في طهران وأصل النسخة القديمة ما يزال موجوداً فعلاً في المشهد العلوي المقدس واستنسخت على هذه النسخة عدة نسخ وأن-ا أن-ق-ل الزيارة آنفة الذكر من النسخة القديمة نفسها (1)، والله الموفق .

ص: 106


1- يناسب المقام أن نروي طريقاً آخر لزيارة عاشوراء تسهيلاً للأمر . قال مول-ى ش--ري-ف ال-ش-ي-روان-ي ف-ي كتاب الصدق المشحون ص 199 ط تبريز : حدثني العالم النبيل والفاضل الجليل محمد بن الحسن الطوسي الخراساني صاحب كتاب «الفيروزجة الطوسيّة في شرح الدرة الغروية» في الفقه راجع الذريعة في الروضة المقدسة الرضوية على دفينها ألف سلام وتحيّة يوم الاثنين رابع محرم سنة 1248 ألف ومأتان وثمان وأربعين ، قال : حدثني رئيس المحدثين وشيخ المتأخرين العالم المحقق والفاضل المدقق الشيخ حسين [ابن الشيخ محمد أخي صاحب الحدائق] بن عصفور البحراني قال : حدثني والدي الماجد المحدّث ، عن أبيه، عن جده يداً بيد عن آبائهم المحدثين من محدثي البحرين عن سيدنا الإمام الهمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أنه قال : من قرأ لعن زيارة عاشوراء مرة واحدة ثم قال : «اللهم العنهم جميعاً» تسعاً وتسعين مرة كان كمن قرأه مائة مرة، ومن قرأ سلامها مرة واحدة ثم قال : السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين تسعاً وتسعين مرة كان كمن قرأه مأة تامة من أولها إلى آخرها ، الخبر ، انتهى ما في الكتاب ، وقد ذكرنا لهذه الرواية احتمالين : 1 - أن يكون تسعاً وتسعين مرة بياناً للعدد . 2 - أن يكون تتمة للعن والسلام وعليه يقرأ هكذا: اللهم العنهم جميعاً تسعاً وتسعين مرة ، وفي السلام يقول : السلام على الحسين .. وعلى أصحاب الحسين تسعاً وتسعين مرّة، ويكون نظير التهليلات الواردة في أيام ذي الحجة «لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور» والله العالم.

1. Y...

·

-

-

الفائدة الثالثة :

الظاهر من صدر الحديث اختصاص العمل في يوم عاشوراء ولكن في ذيل خبر علقمة وذيل خبر صفوان يوجد فقرتان تدلان على عموم العمل ؛ أما ذيل خبر علقمة ففيه : إذا كنت تستطيع زيارة الحسين في كل يوم فافعل، فإنّك ستنال المثوبة كلّها، ويمكن بتأويل بعيد تنزيل هذه العبارة على الأمر بها في أيام عاشوراء كلّها (1)ولكن مع بعد هذا الاحتمال حتّى أنّه لا يستحق الذكر فإنّ عبارة كامل الزيارة لا يتبادر الذهن منها إلى هذا المعنى، حيث قال : إن استطعت زيارته بهذه الزيارة في كل يوم من عمرك فافعل ، كما سبقت إشارة عامرة إلى هذا الفرق . وأما فى ذيل خبر صفوان فقد قال : إذا عرضت لك حاجة فاقرأ هذه الزيارة أينما كنت وادعو بهذا الدعاء وسل الله تعالى حاجتك تقضى بإذن الله .

وهذان الفقرتان كلاهما نص في العموم بل الثانية أقوى ظهوراً في ذلك لأنّها تبدأ بلفظ يوم وظاهره أنّها يعني اليوم المعهود في إذن من مطلع الشمس إلى مغيبها.

ص: 107


1- حيث قال: «من زار الحسين يوم عاشوراء ...» قال : إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء. (هامش الأصل)

وإثبات مطلق الوقت من اليوم يحتاج إلى تجسّم الاستدلال وهذا وإن كان أمراً سهلاً بحمد الله ولكن في خبر صفوان ورد قوله : إذا حدث لك حاجة، وإطلاق الشرط هذا أو الشرطية بناءاً على الاختلاف المقرّر في علم الأصول يشمل جميع الأوقات وهنا ينبع إشكال وهو أن في إحدى فقرات الزيارة الشريفة ذكر في موضعين قوله «هذا يوم» وظاهر الإشارة أنّه اليوم الحاضر (1)وهذا لا يصح إلا إذا كان اليوم يوم عاشوراء ، ومن هذه الناحية جاء في كتاب «زاد المعاد» و«تحفة الزائر» للمروّج المجلسي جواز استبدال يوم قتل الحسين به وهذا المطلب محلّ نظر من عدة وجوه:

الأول : إنّه بعيد جداً إبدال لفظ بلفظ وهذه الروايات التي رويت في فضله ليس فيها لا تصريحاً ولا تلميحاً ما يدلّ على جواز التغيير، واحتمال أن يكون التغيير من ترخيص الكافي محلّ نظر كما هو الظاهر ويعلمه أهل الصناعة ؛ لأنه يكون من قبيل إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله» لأنّه لا يوجد دليل يدلّ على خصوصية هذا العمل وفضله بل القطع قائم بعدم الخصوصية ، وهنا يظهر من خبر علقمة وخبر صفوان أن الخصوصية لنفس الزيارة بألفاظها الشريفة .

ثانياً : الظاهر ممّا نقل سيف أنّ صفوان قرأ ذات الزيارة التي رواها علقمة في حرم أمير المؤمنين في غير يوم عاشوراء فلم يتصرّف فيها ولم يغير ألفاظها ولو كان تصرّف فيها قيد أنملة أو بمقدار رأس شعرة لنبه عليه وإلا للزمته الخيانة وتوثيقه يمنعها أو النسيان، وأصل البرائة يدفعه .

الثالث : الظاهر من أخبار الأدعية الخاصة والزيارات المخصوصة أنّ ألفاظها وترتيبها جزء لا يتجزء من الأثر الوارد الذي يجب التقيد به ولا يجوز المساس به أو تغييره ، إذ إنّه لكل مقام مقال معدود والذين لم يطلعوا على الأسرار والآثار

ص: 108


1- «اللهم إنّ هذا يوم تبركت فيه بنو أُمية ... وهذا يوم فرحت فيه آل زياد».

محجوبون عن نيل معنى هذه الخصوصية وقد صرّح بذلك في أخبار جمة، ونهي عن تغييرها ، ولولا هذا النهي لكنا قطعنا بعدم ضرره ولكن مع اعتبار هذا الأمر فإنّ النواهي في موقع القطع بعدم مدخلية الهيئة، إمّا أن لا توجد أصلاً أو لها وجود محدود جداً، وهذا من قبيل رواية أبان في مسألة إصبع المرأة المعروفة بين العلماء، والقياس على الأولوية القطعية، وهو إما متعسّر أو متعذر، وعندي أيها القليل البضاعة يتعين الشق الثاني .(1)

ومثله الخبر الذي رواه الصدوق في كمال الدين والسيد الأجل رضي الدين في المهج - نقلاً عنه - قال : عن عبدالله بن سنان قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق. قال: يقول: «یا الله یا رحمان یا رحیم، یا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». فقلت: «یا الله یا رحمان یا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك». قال : إنّ الله تعالى عزّ وجلّ مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (2).

ومنها الخبر المروي في الخصال عن إسماعيل بن الفضل قال : سألت أباعبدالله عن قول الله عزّ وجلّ : «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» (3)فقال : فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات : «لا إله إلا الله وحده

ص: 109


1- أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله : ما تقول في رجل قطع اصبع من أصابع المرأة كم فيها ؟ قال : عشرة من الإبل . قلت : قطع اثنين ؟ قال : عشرون . قلت : قطع ثلاثاً ؟ قال : ثلاثون . قلت : قطع أربعاً ؟ قال : عشرون . قلت : سبحان الله ، يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟! - إلى أن قال : قال الإمام : يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين . (الكافي 7: 300 باب 20 ح 6) . (هامش الأصل).
2- الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة : 352 رقم 49 ، مهج الدعوات: 332. (المترجم)
3- طه : 130 .

لا شريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير». قال : فقلت : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي». فقال: يا هذا، لا شك في أنّ الله أنّ الله يحيي ويميت ويميت ويحيي ولكن قل كما أقول.(1)

وفي الكافي وساق ثقة الإسلام السند إلى العلاء بن كامل أن صادق آل محمد علیهم السلام قال في تفسير الآية الكريمة «وَاذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ» (2)تقول عند المساء «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو على كل شيء قدير» . قال : قلت : «بيده الخير ؟ قال : إنّ بيده الخير ولكن قل كما أقول لك ...(3).

وهذه المقولة من الأخبار تكشف لنا عن الخصائص حيث تقصر الأيدي عن التصرف بها ويؤيد هذا المذهب أن جماعة من أهل الحكمة البرهانية واليونانية وطائفة من أصحاب الحكمة اليمانية (كذا) الإيمانية مثل أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس وأبي علي بن سينا وحضرة أستاذ البشر خواجه نصيرالدين الطوسي قدّس سرّه القدّوسي وخاتم الحكماء والمجتهدين السيد الأجل الداماد وجماعة غيرهم من فضلاء المحققين مثل الخفري والأنطاكي وغيرهم قالوا: إن للحروف خواص وآثاراً وكمالات وتختلف آثارها طبقاً لانقسام الطبيعة إلى العناصر الأربعة وتتفاوت منازلها بحسب تعلقها بالكواكب السبعة والحرف بمنزلة الجسم والعقل بمنزلة الروح.

ص: 110


1- الخصال 2: 452 (المترجم)
2- الأعراف : 205 .
3- الكافي 2 : 527 رقم 17 ، تفسير البرهان ونور الثقلين ذيل الآية . (هامش الأصل) وبناءاً على هذا تكون الرواية بالمعنى فيها إشكال كبير ، فكيف أجازها بعضهم بل لعل نقل الرواية بعين ألفاظها التي خرج من فم الإمام أمر مستحيل وجلّ الرواية مروية بالمعنى خصوصاً ما تناقلته الأجيال شفاهاً. (المترجم)

ولكل حرف ثلاث نشأت فهو أحياناً فلكي وهذا حرف علوي طبيعي روحاني حقيقي. وأحياناً وسطي وهو داخل في عالم اللفظ والمنطق . وأحياناً رقمي خطّيّ ويعتبر سفليّاً، وكل حرف له جسم وروح ونفس وقلب وعقل وقوة كلّيّة وقوّة طبيعية والعدد صورة الجسم وضربه في مثله الروح وضربه في ثلاثة أمثاله النفس وفى أربعة أمثاله القلب و تمام ظهور القلب العقل، ومربع العقل وهو ضربه في نفسه قوّة كلّيّة وضرب القوّة الكلّيّة فى العشرة قوته الطبيعية . مثلاً :

الحرف «باء» جسمه «2» وروحه «4» ونفسه «12» وقلبه «16» وعقله «136» وقوته الطبيعية «18496» وقوته الكلّيّة «184960» ولكلّ واحد منها حكم يخصها ولكلّ حرف له أثر باختلاف المراتب ، وكذلك يذكرون لكل حرف لوازم ومراتب ونحن لسنا بصدد نقل هذه الحكايات والأقوال، ولا يتسع الكتاب لاستيعابها ولكن ذكرنا هذا الموجز لمحض الإشارة ويمكن أن تقاس سائر الأحكام على هذا.

وفي أخبار أهل العصمة وردت الإشارة في العناية بالحروف والاستفادة من الحروف النورانية ، بل ادّعى السيد الداماد في كتاب الجذوات التواتر عن أهل البيت حول ذلك وبنى ترتيب خواص الأدعية والأوراد والأذكار وأعداد على هذا الأمر ونحن وإن كنا محجوبين عن هذه الأسرار ولكن بعد إجماع هذه الطائفة من علماء وحكماء فلا يعترينا الشك قطعاً في اعتبار الألفاظ المخصوصة ، ومالم تُؤدَّ نفسها لا تحصل لنا البرائة اليقينية .

وهنا ينبغي أن تعلم بأنّ هذا الوجه ينبغي أن يحسب مستقلاً، وبعد ملاحظة هذه الوجوه فإنّ الراغب في الخواص والآثار المترتبة على زيارة عاشوراء ينبغي أن لا يتجاوز اللفظ المأثور إلى غيره ، وكما جاء في الرواية «هذا يوم» يقول الصيغة ذاتها ولا يتخطاها إلى مرادفها أو مساويها في المعنى ؛ لأنّ إحراز الآثار الواقعية والخواص النفس أمرية للعمل لا دخل لها في أصل البرائة وغايته رفع الحرج أو

ص: 111

القصور على الواجب أو المستحب إذا كان ذلك جارياً فيه كما ذكرنا جانباً منه مقرباً في محله.

والإشكال السابق لا وجود له في وادي الصحة لأنّ الإشارة جارية في الأوجه الثلاثة: الحضور الواقعي ، والحضور الذهني، والحضور الذكري . وفي هذه الزيارة كانت من أوّلها إلى آخرها في ذكر سيد الشهداء ومصائب كربلا ووقائع عاشوراء فصورتها الذهنيّة ماثلة نصب العين فما المانع من الإشارة وقول القائل «هذا كذا ويظهر ممّا قلناه على فرض التسليم لقول المخالف من جواز التغيير وتماميّة دليل الترخيص في إفادة الحكم بالتغيير يكفي تغيير الأوّل (1)وفى الكلمة الثانية (2)يقضي قانون الاحتياط بالإشارة إلى ذلك اليوم يوم عاشوراء، فيقول: «وهذا يوم». وقطعاً يكون ذلك مجزياً وصحيحاً وعربياً فصيحاً. والتغيير من غير سبب يجرد العمل من آثاره قطعاً أو احتمالاً، وينبغي الاحتراز من ذلك.

والأصحّ باعتقاد هذا القاصر الاقتصار على لفظ الرواية في كلا الموضعين وعمدة الأدلة فعل صفوان، والله العالم وهو العاصم .

الفائدة الرابعة :

يقول السيد الأجل رضي الدين بن طاووس في مصباح الزائر بعد رواية حديث زيارة عاشوراء وذيل الرواية المنقولة في المصباح تماماً : قال علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس : هذه الزيارة نقلناها بإسنادنا من (المصباح الكبير) وهو مقابل بخطّ مصنّفه ، ولم يكن فى ألفاظ الزيارة الفصلان اللذان يكرّران مأة مرّة وإنّا نقلنا الزيارة من المصباح الصغير فاعلم ذلك، انتهى .

ص: 112


1- اللهم إنّ هذا يوم تبركت به بنو أمية». (هامش الأصل)
2- وهذا يوم فرحت به آل زیاد (هامش الأصل)

وصريح هذه العبارة أنّ اللعن والسلام لم يكونا في نسخة السيد وما نسبه بعض قاصري الاطلاع من أن السيد قال : ليس في نسخة المصباح «مأة مرّة» بعد الدعاء وإجراء اللعن والسلام ويكفي قولهما مرّة واحدة ليس له وجه.

والظاهر بل المتيقن من النسخة التي يملكها السيّد فيها نقص عبارة وإن قوبلت بخط الشيخ لأنّ السهو والنقص بمنزلة الطبيعة الثانية للإنسان وتطابق سائر نسخ المصباح وسائر الكتب المؤلّفة في المزار التي ألفها علماء الشيعة رضي الله عنهم ومنها حصل النقل .

ويؤيد هذه الدعوى وجود الفقرة نفسها في المصباح الصغير كما اعترف بذلك السيد وهو اختصار للمصباح الكبير ولا وجه على الإطلاق للتسائل أو التأمّل .

الفائدة الخامسة :

نقول الكلام التالي وإن قلناه مراراً ولكننا نعيده لمجرد الإيضاح والإعلان من جديد : إنّك علمت بأنّ دعاء صفوان ليس شرطاً في عمل الزيارة، ويصح إتمام العمل بدونه ، أجل من الممكن ذكره لإحراز الفضيلة ولاثواب الخاصين وهو جيد جداً، لكن الالتزام به بوجه الخصوصية واعتقاد الشرطية لا يخلو من إشكال.

الفائدة السادسة :

أشرنا فيما سلف ونقول ثانية أن ذيل حديث علقمة وإن دل على عدم جواز إجراء عمل الزيارة في الليل للتصريح بلفظ «اليوم» كما تنص الفقرة «وهذا يوم» وهذا اليوم من الزيارة فإنّها تؤكد هذا المذهب ولكن في ذيل حديث صفوان وردت عبارة إذا حدث لك حاجة إلى آخر ما مرّ منها وهذا نص في العموم الزماني وليس لليل خصوصية واستعمال اليوم يطلق على الليل والنهار يعني هو المجرد الزمان المؤلف - بفتح اللام - من هذين الوقتين وهذا حاصل في لغة العرب

ص: 113

بكثرة الورود في أخبار أهل البيت علیهم السلام ، ولعله يفوت الحصر وقد صرح به الفقهاء والأدباء فلا تنافيه رواية علقمة ، وكذلك لا تنافيه عبارة متن الزيارة ؛ لأنّ الإشارة عن يوم عاشوراء وإن لم يجز العمل فيه أو الإشارة إلى الوقت الحاضر وإن كان سائر الأيام.

هذا وإن كان تشريع الزيارة ابتداءاً ليوم عاشوراء فإنّ استعمال «يوم» في الزيارة الشريفة يتناول مطلق الزمان والله العالم بحقائق أحكامه .

الفائدة السابعة :

نبين في هذه الفائدة وجهاً آخر لزيارة عاشوراء غير الذي اخترناه وإنكان قد تقدم سلفاً وشرحناه تفصيلاً فنقول :الآن من أراد الاحتياط الأولى أن يستقبل قبر سيّد الشهداء ثمّ يسلّم عليه ويبالغ في لعن قاتليه بأي لفظ كان ثمّ يصلي ركعتين ويقرأ بعدها زيارة عاشوراء مصحوبة باللعن والسلام، ويصلي ركعتين ثم يدعو بدعاء صفوان فإنّه يؤجر حينئذ ويعتبر قد أدى العمل طبقاً لمفهوم الرواية وحصل اليقين ببرائته .

الفائدة الثامنة :

النظر في الأدلّة يقتضي تأدية العمل في مجلس واحد بحيث يصدق عليه الوحدة العرفية وإن كان الجمود على ظاهر الأخبار والوقوف على متون الأدلّة يلزمنا بدقة بالوحدة العرفية بحيث لا يتخلل العمل فاصل من عمل أجنبي، يمحو صورة هذه الوحدة ولكنّ ظاهر الحال يخبر وقوع بعض الأفعال القليلة التي لا تدلّ على التعدّد العرفي لاسيما إذا كان الفاصل من سنخ العبادات ومقولة الأذكار مثل الاستخارة والصلاة وغيرهما ، ولا وجه للتأمل في ذلك على الظاهر وإن كان الأولى المحافظة على اتصال العمل الواحد بوجه من الوجوه مطلقاً، لأنّ رونق

ص: 114

العمل وروحانية العبادة منوطة بحضور القلب والإقبال على الله واجتماع الحواس وتوجه السر والعلن في جميع الأجزاء والشرائط ، وبالطبع الاشتغال بعمل آخر من شأنه أن يمحو هذه الاعتبارات والخصوصيات ويزيلها إلا في العبادة التي لا تشغل البال ولا تشتت الفكر في حال أداء ذلك العمل كما جرى في التصدق بالخاتم حال الركوع من الولى الأعظم أمير المؤمنين سلام الله عليه وعلى من انتسب إليه حيث صار سبباً لنزول الآية : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» (1)الآية .

سُئل ابن الجوزي أبو الفرج عبدالرحمان الحنبلي البغدادي الواعظ كيف تسنّى للإمام وهو في إقباله التام الالتفات إلى السائل حتى أنفق الزكاة ؟ فتمثل بالبيتين التاليين لحل الإشكال وجواب السؤال وأنشد:

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته***عن النديم ولا يلهو عن الكاس

أطاعه سكره حتى تمكن من***فعل الصحاة فهذا أفضل الناس

ولكن دقّة العلماء الحائمين حول الأسرار الدقيقة يعلمون جيّداً أنّ هذا المقام الرفيع لا يحصل لكلّ أحد بل هو من نصيب الأولياء العظام الذين بلغوا في مرحة العبوديّة ومقام الطاعة إلى أن يكونوا مظهراً لصفة لا يشغله شأن عن شأن وهذه الخاصية المثالية من نصيب ذلك الوليّ الأعظم وأتباعه الذين اقتفوا آثار الأئمّة الأطهار واقتبسوا من ضياء تلك الأنوار سعياً بأقدام الصدق والصفاء ، ومن الكلمات القصار لهذا القاصر - المؤلّف - قوله : «ما كلّ صيد غزالة ، ولا كل نجم غزالة» والله ولي التوفيق .

الفائدة التاسعة :

من مقرّرات علم الأصول أنه لو تعذر الإتيان بالمركب المشتمل على الأجزاء

ص: 115


1- المائدة : 55 .

والشرائط بتمامه ودار الأمر في الإتيان بالعمل بين ترك الجزء أو الشرط يحتمل إرجاع الأمر إلى اختيار المكلف وهو من المرجحات الخارجية ويحتمل أيضاً ترك الشرط والإتيان بالأجزاء ؛ لأن ترك الوصف أولى من ترك الموصوف ويمكن أن يقال باختيار المكلف الأهم وترك غير الأهم لأنه يحدث أحياناً أن يتقوّم الشيء بشرطه أكثر من جزئه لاسيما إذا كان من الأجزاء الكماليّة لا الأصلية. وهذا الاحتمال في بادئ الرأي أولى من غيره وإن لم يخلو من التأمّل. وعلى أية حال ففي زيارة عاشوراء إن عسر على المكلف الإتيان بالزيارة كلها في مجلس واحد ودار الأمر بين ترك الجزء أو ترك الشرط الذي هو وحدة المجلس الأقوى في النظر ترك اعتبار وحدة المجلس بل يجوز له إتيان العمل في مجالس متعدّدة كما صرح بذلك فى الرسائل ، والأولى أن يقلل من تعدد المجلس جهد الطاقة مثل أن يأتي ببقية الزيارة في مجلس آخر ليكون أداء العمل في مجلسين خير منه في ثلاثة مجالس ، وكلّما كان الفاصل الزمني بين مجلس ومجلس أقصر يكون العمل أقرب إلى الحقيقة وأنسب لوحدة المطلوب، والله العالم بحقايق أعماله .

الفائدة العاشرة :

ومن المناسب أن نقوم في هذه الفائدة بتحقيق لفظ عاشوراء لتعلّقه التام بهذه الأبواب وباسم الكتاب ، لهذا لابد من التعرّض لذكره .

اعلم بأنّ جماعة ذكروا أنّ اللفظ معرب ولم يك عربياً، وأصله من العبرانية وهو اليوم العاشر من (ماتشرى) اليهود، ويوجبون ،صومه، ولما قورنت الشهور اليهوديّة بالأشهر العربية وقع في اليوم العاشر من أوّل السنة وهو عاشر محرم الحرام كما وقع في اليوم العاشر من أوّل الشهور اليهودية.

وظاهر جماعة من اللغويين اعتباره عربياً ويشهد على ذلك قياس اللغة ومادة

ص: 116

«عشر» ولا يبعد اشتراك لغتين في كلمة في لغة مرادفة لأخرى في غيرها. مثل الصابون والتنور والكوزة وغير ذلك .

وفي فقه اللغة للثعالبي والمزهر للسيوطي يوجد عدد من هذه الألفاظ ويصح القول بأنّ الأصل عدم التقريب وهذا من الأصول العقلائية ولا يعنى الأصل الأصولي الدال على ثبوت الحالة السابقة والرجوع إلى استصحابها، وقد أُشير إليه في مطاوي كلمات اللغويين والنحويين.

وجملة القول أنّ ظاهرة الاستعمال والأخبار الصحيحة المتواترة في قتل سيد الشهداء علیه السلام إنه فى اليوم العاشر من المحرّم ، وتواتر القول في ذلك حتى لم يدع وجهاً للشك واحتمالاً للخلاف، وعبارة جماعة من اللغويين وفقهاء الفريقين شاهد على اعتبار عاشوراء اليوم العاشر من المحرّم وتاسوعاء اليوم التاسع منه .

وما جاء في صحيح البخاري عن ابن عبّاس من أنّ عاشوراء هو اليوم التاسع وتاسوعاء هو اليوم الثامن لا يعدو الكذب والافتراء .(1)

ويدلّ على كذب هذا المدعى ما روي في صحاحهم أيضاً، لأنهم رووا أنه صام يوم عاشوراء ، فقيل له : إن اليهود والنصارى تعظمه ، فقال علیه السلام : إذا كان العام المقبل صمنا التاسع .(2)

ص: 117


1- ابن عباس : أن رسول الله قال : لئن عشت - قال روح : لئن سلمت إلى قابل لأصومن التاسع - يعني عاشوراء - . (مسند أحمد بن حنبل 1 : 236) . أتيت ابن عباس وهو متوسد ردائه في المسجد الحرام فسألته عن صوم عاشوراء ، فقال : إذا رأيت هلال المحرم فأعد ، فإذا كان اليوم التاسع فأصبح صائماً ، فقلت : كذا كان محمد يصوم ؟ فقال : كذلك محمد يصوم (سنن أبي داود 2: 327 باب الصوم رقم 2446) . (هامش الأصل)
2- عبدالله بن عباس يقول : صام النبي يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه. قالوا: يا رسول الله ، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى . فقال رسول الله : فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع ، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله (سنن أبي داود 2: 237 باب الصوم رقم 2445) (هامش الأصل)

وهذا دليل على أن المراد منه يوم العاشر كما هو واضح، وجرى لفظ تاسوعاء على النهج العربي وجاء في الحديث مكرّراً، ولا عبرة بقول الجوهري بأنه مولِّد (1)؛ لأن المولد وهو عبارة عن الدخيل المستحدث في ألسنة المتأخرين وكلامهم ليس بحجّة ولم يستعمل في فصحاء العرب وأخبار الصادقين علیهم السلام بالاتفاق من هذه الطبقة، وهذا من الشبهات التي نتجت عن عدم التتبع في كلام أهل البيت ، ويوجد في كلامهم شيء كثير نظير «كنه» حيث اعتبره الجوهري مولداً واعتبر الأزهري «أزل» كذلك، وقد ذكر مكرّراً في نهج البلاغة وزبور آل محمد الصحيفة السجادية، وليس غرضنا استيفاء هذا القسم من أخطاء هؤلاء.

وفي لفظ عاشوراء لغات أخرى كثيرة مثل : عاشورا وعاشوراء بالمد والقصر، وعشورا وعشوراء وعاشوراء كما ورد ذلك في القاموس وغيره، وورد في أشعار العرب الفصحاء المتأخرين كما جاء في شعر ذي الحسبين الرضي حيث اعتبر جماعة من ا العامة والخاصة أشعاره مما يحتج بها، فقد قال:

فقلت هيهات فأت السمع قائله***لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور

الفائدة الحادية عشرة

ويجب التنبيه والإشارة إلى أنّ زيارة عاشوراء لها امتياز وتقدم معلوم على سائر الزيارات ولها تفوّق مشهور ؛ لأنّ ظاهر خبر صفوان يدل على أن جبرئيل الأمين تلقّى هذه الزيارة من الربّ الجليل وأنزلها على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وظهر هذا الحكم في عهد الإمام الباقر علیه السلام كشأن سائر الأحكام التي تأخرت أحكامها بناءاً على الليل تلبيسها بمصالح منوطة بخصوصيات الزمان، وهذا الوجه هو معتمد أهل التحقيق، وعلى هذا فإنّ ألفاظها الشريفة تعدّ من الحديث القدسي وهو في

ص: 118


1- جاء في الصحاح : ويوم عاشوراء ، وعشوراء أيضاً ممدودان ولم يذكر شيئاً بعده.

الشرف والفضيلة حليف القرآن الشريف المجيد ، ونظير الكتاب الكريم لكون الاثنين كلام الله ، وهو في حجيّة الألفاظ وصحة المعاني مع القرآن كفرسي رهان، ورضیعی لبان.

والفرق بين الحديث القدسي بناءاً على مذهب بعضهم يتكوّن من أن القرآن كلام منزل بألفاظ معيّنة وترتيبات مخصوصة لقصد الإعجاز بسورة، والحديث القدسي كلام نزل بألفاظ معيّنة وترتيب مخصوص من الواحد الأحد سبحانه على قلب نبيّه لا لغرض الإعجاز كسائر كتب الله والصحف السماويةّ.

وبناءاً على هذا يكون الحديث النبوي موحى بمعناه وأوكل إلى النبي بيانه بتعبيره الخاص، ومذهب الإمامية مطبق على أنّ النبي لا يتكلم بغير الوحي كما ذكر ذلك في القرآن الكريم : «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(1) وإن خالف في ذلك أهل السنة والجماعة من أجل تصحيح قول عمر «إنّ الرجل ليهجر» بتفصيل لا يليق ذكره في هذا الموضع.

واعتبر جماعة الحديث القدسي خاصاً بما ألهمه النبي في المنام أو اليقظة ولكن على شكل إلهام من الله فهو من سنخ الوحي المنزل عليه .

قال السيد المحقق الداماد : يشبه أن يكون التحقيق أن القرآن كلام يوحيه الله سبحانه إلى النبي معنى ولفظاً ، فيتلقاه النبي من روح القدس مرتباً ويسمعه من العالم العلوي منظماً ، والحديث القدسي كلام يوحى إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم معناه فيجري الله تعالى على لسانه في العبارة عنه ألفاظاً مخصوصة في ترتيب مخصوص ليس للنبي أن يُبدّلها ألفاظاً ،غيرها ، أو ترتيباً غيره، والحديث النبوي كلام معناه ممّا

ص: 119


1- النجم : 3 و 4 .

يوحى إلى النبي فيعبر عنه حيث يشاء كيف يشاء(1) ، انتهى المقصود من كلامه، زاد الله في علوّ مقامه .

وقلت قبل ذلك في أُرجوزتي في الدراية الموسومة ب_«يتيمة الحديث»:

ثم الحديث منه قدسي نقل***كلامه بلا تحد إن نزل

كقوله جل علاه «الصوم لي»***فليس من سنخ الكلام المنزل

وللخوض في تحقيقه مقام آخر .

وخلاصة القول يجب أن يلتزم بآداب هذه الزيارة التي هي أشرف الأحاديث القدسيّة ودرّة لتاج هذه الجواهر السنية لكي ينال من المداومة بركات هذا الكلام الإلهي ، والوحي السماوي، وينخرط في سلك الكروبيين وسلسلة الملكوتيّين.

الفائدة الثانية عشرة :

لقد شوهد من زيارة عاشوراء من البركات الأخروية والمنافع الدنيوية والآثار الغريبة والخواص العجيبة وقضاء الحاجات ونيل المقاصد وحصول المطالب ما لا يستطيع إنسان حصره وإحصائه. وفي بعض المنامات الصادقة التي لها حكم المكاشفة الحقِّه علم من هذه الزيارة خصائص عظيمة ومنافع جليلة بحيث لا يمكن استقصائها، ونحن في هذه الفائدة نذكر قصة واحدة من هذه القصص التي يمكن القطع بحدوثها لكثرة الأمارات ووثاقة السند ونذكر أعظم المنافع الكريمة والفوائد العظيمة لهذه الزيارة والرؤيا كما يلي بيانها :

نقل الثقة الأمين والصالح الحاج ملا حسين اليزدي وهو من خيار المتنسّكين والأعيان المتعبدين في النجف الأشرف وهو بالديانة والصلاح مشهور عند

ص: 120


1- الرواشح السماوية : 205 (المترجم)

العلماء ومعروف عند الفقهاء، عن الحاج محمّد اليزدي وهو معروف بالوثاقة والأمانة والفضل والصلاح الذي يجد دوماً في إحراز متاع الآخرة وإصلاح نفسه وكان يبيت ليلاً في مقبرة بيزد تعرف ب_«مزار جوي هر هر» وفيها مدفن جماعة من أهل الصلاح الأخيار وكان له قرين منذ عهد الصبا وريعان العمر، تعارفا وتصافيا وتآخيا وكانا يذهبان معاً أيّام الطفولة إلى الكتاب إلى أن شبا وكبرا، فاختار أن يكون عشاراً وبقي يمارس هذه المهنة إلى أن جائه أجله المحتوم ودفن في المقبرة بالقرب من متعبّد هذا العبد الصالح وبعد أقل من شهر على موته رآه في الطيف بحالة حسنة ووضع جميل ، فجائه الرجل الصالح وسأله عن حاله قائلاً: أنا أشدّ الناس معرفة بك من المهد إلى اللحد، ومطلع على حالك اطلاعاً تاماً ، وأعلم أنه ليس للخير أو الصلاح طريق إلى ذلك ولا يقتضي عملك سوى العذاب، قل لي يا رجل بأي عمل حسن بلغت ما بلغت من رفيع المنزلة ؟

فقال : نعم ، حالي على ما وصفت وزيادة ، ولقد صبّ على عذاب واصب وبلاء شديد من ذلك اليوم إلى يوم أمس، ولكن ماتت زوجة الحدّاد «أشرف» ودفنت في هذا الموضع - وأشار إلى موضع لا يبعد عنه أكثر من مأة ذراع على الحدس والتخمين - وفي ليلة وفاتها زارها الإمام الحسين علیه السلام ثلاث مرّات، وفي المرّة الثالثة أمر برفع العذاب عن هذه المقبرة فانقلبت حالنا مرّة واحدة إلى ما تراه، واقترنت باتساع العيش والفراغ والرفاهية.

يقول الحاج محمد علي : فانتبهت من النوم متحيراً وما كنت على معرفة بالحدّاد ولا أعرف أين يقع بيته وأين تكون محلّته في هذا البلد، فذهبت إلى سوق الحدّادين وشرعت بالسؤال عن الحدّاد حتى تعرّفت عليه وسألته هل كانت لك امرأة ؟ قال : نعم ، توفيت أمس ودفنتها في ذلك الموضع - وذكر اسم

المقبرة - .

ص: 121

فقلت له : هل كانت تزور سيّدالشهداء في حياتها ؟

فقال : لا .

فقلت له : هل تقيم عزائه وتذكر ما جرى عليه ؟

فقال : لا .

فقلت له : أو تحضر مأتمه وتعين عليه ؟

فقال : لا .

عند ذلك سألني : ماذا تريد من هذه المناشدة ؟ وعم تبحث؟

فقصصت عليه أخبار الرؤيا ، فأجابني قائلاً: نعم، إن امرأتي كانت تدمن على زيارة عاشوراء ولما كانت هذه الزيارة المباركة آثارها أُخروية لذلك ببركة حلول شخص واحد يزورها في هذه المقبرة المليئة بالشطار والمذنبين وكان هذا الشخص يديم قرائتها رفع الله العذاب عن ساكني المقبرة كلّهم (1).

وأما آثارها الدنيوية فإنّها لم يداوم على قرائتها صاحب حاجة مهمة أربعين يوماً إلا قضى الله حاجته ، كما ثبت ذلك للعارف والعامي بالتجربة الصحيحة، وحقيق على أهل الإيمان عدم الغفلة عن هذا العمل الصحيح السند ، كثير المعونة ، قليل المؤونة، وعدم التساهل والتفريط به، وإذا قدر لأحدهم أحياناً أن ينال طلبته ويصل إلى بغيته من مراجعة هذا الشرح فلا ينساني من دعاء الخير، والله الموفق لكل خير ، وبه الاعتصام عن كلّ زيغ وضير .

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.

ص: 122


1- طلب فضيلة المرحوم الآخوند الكرباسي وهو من الأوتاد في السير والسلوك وصاحب المقامات في وصيّته أن يدفن بإزاء قبر المرأة ولا تزال مقبرة الكرباسي بمقربة من قبر زوجة الحداد . (المحقق)

الباب الثاني

اشارة

في ترجمة الألفاظ الواردة في الزيارة وشرحها

بما يتّسع له هذا المختصر وما يسمح به اطلاع قليل البضاعة - المؤلّف - وللتمييز بينهما رمزنا للشرح بحرف «ش» وللترجمة بحرف «ج» .(1)

السلام

السلام (2)

ص: 123


1- وسوف نضطر لحذف الترجمة لأنها كتبت للناطقين بالفارسية ولا تعني الناطقين بالعربية . مِن ثَمّ نحذفها مع تقديم العذر سلفاً لسيدنا المؤلف . (المترجم)
2- «السلام عليك يا أبا عبدالله» وهنا ينبغي الإشارة إلى عدة مواضيع : 1 - أثر السلام في الإسلام ، 2 - ما هي العلة في ابتداء السلام بالكنية «أبا عبدالله» ، 3 - ما هو السبب في تكرّر السلام في هذه الزيارة وبقية الزيارات . البحث الأول لكل فريق وأُمّة مع اختلافها الطبقي في التحضّر والتبدّي تسكن المدن أو الصحراء ، لها تحية تناسبها ، يستقبل بعضها البعض بها ، كالإشارة بالرأس واليد ، أو رفع القبعة عن الرأس وغير ذلك، وكل واحدة من هذه التحايا أفرزتها إلى واقع الأمة عوامل خاصة عملت على إظهارها على منصة الوجود وجميع هذه الطرائق - مع شديد الفارق بينها - تحكي عن خضوع الضعيف للقوي واستعباد الثاني للأول وإحساس الأول بالضعة والانحطاط في مقابل ما يملكه الثاني من القوة القاهرة، وهذه المشاعر التي تنتاب الناس سواءاً عرف مصدرها أم لم يعرف إن هي إلا تلك الوراثة التي تلقتها الأمم من عهود البربرية السحيقة في القدم .. ومساحب باقية من ذيول عبادة الأصنام وثمرة من ثمار ذاك الغراس المُرّ . وكان هم الإسلام الأكبر القضاء على هذا الأساس وما يحمل ، وكل تقليد أو قاعدة أو آداب انتمت إليه واستمدت منها فقد أعلنها حرباً لا هوادة فيها ، مِنْ ثَمّ بذل الجهد العظيم في المحافظة على حرية الفطرة البشرية التي هي إحدى الهبات الربانية وهي إنسانية الإنسان، والعمل على إبقائها حية فاعلة . مِن ثُمّ قضى على أتباعه أن يتحابوا عند اللقاء ويسلم أحد المتقابلين على الآخر ويضعه في الصيانة والأمن على دمه وماله وملكاته الفاضلة، ووضع لذلك صيغة خاصة وهي : السلام عليكم أو عليك يعني لك الأمن والأمان والسلامة منّي ، أو بتفسير آخر ليكن اسم الله عليك ضارباً سجفه كالمظلة على رأسك، ومعنى ذلك ليكن الله سبحانه حافظاً وراعياً لك بالأمن والأمان والحفظ. وهذا سلام جعله الله ع-ن-وان-اً للتحيّة وعلى كل أحد سواء أكان عالياً أو دانياً رفيعاً أو وضيعاً قوياً أو ضعيفاً، سيداً أو مسوداً، أن يستقبل بها ملاقيه البحث الثاني في السلام على الحسين علیه السلام بدء بخطابه بكنيته أبا عبدالله ثم خاطبه يابن رسول الله وأمير المؤمنين و ... لأنّ العبارة هنا ذكرت الكنية التي وهبها الله له لتدل على مقام عبوديته، وهذا العنوان من امتيازات-ه وصفاته الذاتية والعنوان الذاتي مقدّم على الانتسابي . البحث الثالث س : لماذا كرر السلام في هذه الزيارة وزيارات بقيّة المعصومين مع أن عرف الناس قاض باعتبار تکراره لوناً من الهزء والسخرية والاستهانة ، فإذا قال القائل : السلام عليكم مثلاً ثم أردفها أخرى وأخرى ليم على ذلك لتبادر العبث والاحتقار إلى ذهن السامع ، ألا يكفي أن يقول الزائر : السلام عليك يا أبا عبدالله وابن رسول الله وابن أمير المؤمنين كما جاء في القرآن الكريم : «وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً» [مريم : 15 ] أو «وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أَبْعَثُ حَيّاً»[مريم : 33]. ج : نعم ، إذا كان السلام موجهاً إلى شخص ذي عنوان واحد وجهة واحدة فإن تكرار السلام يحمل معنى مضاداً للتوقير ، ولكن إذا تعددت الجهات وكانت كلّ جهة من جهات هذا الشخص ذات عظمة ووقع خاص في المجتمع تستحق وحدها السلام كان السلام مضافاً إلى أنه ليس إهانة ولا احتقاراً بل مدعاة للفخر والمباهات كما نقرأ في زيارة أمير المؤمنين : «السلام على المولود في الكعبة، المزوّج في السماء ، السلام على أسد الله في الوغى ، السلام على من شرفت به مكة ومنى ، السلام على صاحب الحوض وصاحب اللواء ، السلام على خامس أهل العباء...» فكل واحد من هذه الصفات لها من الفضيلة والشرف ما تستحق سلاماً وحدها، ونقول في زيارة عاشوراء : سلام عليك يا من حزت في مقام العبودية ( كنية أبا عبدالله) وسلام عليك يابن رسول الله وابن أمير المؤمنين. ونقرأ في زيارة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه : «السلام عليك حين تقرأ وتبين ، السلام عليك حين تصلي وتقنت ، السلام عليك حين تركع وتسجد ، السلام عليك حين تهلل وتكبر» [بحار الأنوار 53 : 171 رقم 5 باب ما خرج من توقيعاته] . وإذا كان العاشق المجازي يتدله بحبّ معشوقه ويظهره له دائماً ويعدد صفاته الطيبة تلذذاً بذكره ، لعلّ قلب صاحبه يعطف عليه ذات يوم، فمن الأولى أن يكون العشاق الحقيقيون لأهل البيت والناضجون على اللهب المقدّس من حبّهم على أمل أن تكحل عيونهم برؤية فجر السعادة وفي قبول سلام واحد مما يرسلون عليهم من التحايا يقعون موقع الرضا والعناية، ويتحول نحاس وجودهم إلى ذهب أبريز بأكسير محمّد وآل محمد (المحقق)

ص: 124

هذه الكلمة المباركة نحصر الحديث عنها في مقامين :

المقام الأول: في بيان معناها اللفظي

وهذا يحتاج إلى تمهيد مقدّمة فنقول : اعلم أنّ لكلّ قوم من الناس آداباً خاصه يمارسونها عند اللقاء الأوّل، وتدخل ضمن العادات المتبعة لهم، ومنها السلام المعبّر عنه بالتحية ، ومن جملتها ما قيل عن النصارى أن تحيّتهم وضع اليد على الفم ، ولكنّها في عصرنا الحاضر عبارة عن رفع قبعة الرأس، وتحيّة اليهود الإشارة ،بالإصبع، وتحيّة المجوس والعجم الانحناء والتعظيم، وتحية العرب قولهم: «حياك الله» أي أبقاك الله على قيد الحياة، وربّما خاطبوا ملوكهم بقولهم: «أبيت اللعن» (1)وأحياناً يقولونا: «عم صباحاً» أو «أنعم صباحاً» أو «نعمت صباحاً» أو

ص: 125


1- في الأساس في لعن : ومن المجاز أبيت اللعن وهي تحيّة الملوك في الجاهلية ، أي : لا فعلت ما تستوجب به اللعن، وفي عده مجازاً في حدود اللعن نظر . (منه) ولا مجال للنظر هنا لأن استعمال الكلمتين من أبيت واللعن في غير ما وضعتاله وهذا هو المجاز . (المترجم)

مساءاً، يقولون العبارات الثلاث كما قال عنترة بن شداد العبسي في مذهَبته :

يا دار عبلة بالجواء (1)تكلّمي***وعمي صبحاً دار عيلة واسلمي

وأشهر التحايا التي تقال في كل مناسبة هي حياك الله ومنها اشتقت كلمة «التحية» وهي من باب «التفعيل» وأصلها «تحييه» وزان تصليه ، وبعد ادغام اليائين صارت وزان «تقيه» ولمّا كانت هذه الكلمة لا تقال إلا في مقام التعظيم والتشريف مِن ثَمّ أُطلق على كلّ إكرام وإعظام لفظ «التحية» ومن هذا الباب «التحيات لله» هذه الكلمة الواردة في التشهد الكبير ، والظاهر أنّ هذا المعنى نفسه ورد في قوله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا»(2) والمراد مطلق الإكرام كما جاء في تفسير الشيخ الأقدم الأعظم علي بن إبراهيم القمي .(3)

وفي الخصال نقل عن الإمام أمير المؤمنين أنّه جعل التحية تعم تسميت العاطس .(4)

ص: 126


1- الجواء على وزن فعال: جبل يلي رحرحان من غربيه وبينه وبين الربذة ثمانية فراسخ (المترجم)
2- النساء : 86 .
3- تفسير القمي: 633 ، بحار الأنوار 76: 7، و 84: 273، وتفسير البرهان ذيل الآية . (هامش الأصل) في تفسير علي بن إبراهيم 1 : 145 ط الثالثة تصحيح السيد طيب الجزائري 1404 - قم .
4- قال أمير المؤمنين : السلام وغيره من البر . وفي البحار 75: 7ط بيروت مؤسسة الوفاء سنة 1403. (المترجم). وفي الخصال : أمرنا الا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وتسميت العاطس، ونصرة المظلوم، وإفشاء السلام .. إلى آخره وهو حديث طويل . (المترجم) الخصال : 633، بحار الأنوار 10 : 111 ، و 76: 54 ، تفسير البرهان ذيل الآية ، بحار الأنوار 44: 195 في فضل الإمام الحسين . (هامش الأصل) لم أجدها في الأجزاء المذكورة وفي :72: 17 أن النبي أمر بسبع وعد منها تسميت العاطس وإفشاء السلام، ومثله في 73: 2 و 340، و 78: 14 و 275 ، و 1101 : 212 ولم أعثر منها على ما ذكره المؤلف وفي كلّها يكون إفشاء السلام أحد المأمور بها. (المترجم)

وفي الصافي والبحار والمناقب في خبر الجارية التي أهدت الإمام الحسن علیه السلام طاقة ريحان وأعتقها واستشهد بالآية «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ»(1).

ويستفاد العموم من مجموع هذه الأخبار ويحمل على الاستحباب. وإذا أريد من لفظ التحيّة خصوص السلام، فلا يحمل على إرادة اللفظ نفسه كما توهم بعض المفسرين حيث لا يخفى ذلك على أصحاب النظر . وما جاء في شعر القطامي وهو من كبار شعراء العرب :

إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطلل***وإن بليت وإن طالت بك الطيل

وفي هذا الشعر الحماسي المعروف :

إنَّا محيّوك يا سلمى فحيّينا***وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

وفي شعر عنترة في مذهبته :

حييت من طلل تقادم عهده***أقوى وأقفر بعد أُمّ الهيثم

وماشابه هذا من الشعر فالاحتمال قائم على أنّ المراد به مطلق الإكرام والتعظيم وأداء عادة التعارف والأظهر أنه دعاء بالحياة كما سبق بيانه والإشارة في الشعر إلى التحيّة المعروفة «حياك الله» كما فهم ذلك الأدباء . وبناءاً على هذا يمكن القول لزوماً بأن لفظ «حيا» و«يحيي» في هذه الأبيات مأخوذ من لفظ «حياك الله» مثل

ص: 127


1- وفي المناقب : جاءت جارية للحسن البطاق ريحان ، فقال : أنت حرّة لوجه الله . فقيل له في ذلك ، فقال : أدبنا الله تعالى : «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ» الآية ، وكان أحسن منها إعتاقها . (الصافي 476:1) وفيها عن الخصال : إذا عطس أحدكم قولوا يرحمك الله ، ويقول هو : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا» الآية، ولعلّ هذا ما حمل المؤلف على القول بأن الإمام عد تسميت العاطس من التحية ، راجع الصافي :1 : 476 لما تقدّم (المترجم) في هامش الأصل : المناقب 3: 183 ، بحار الأنوار 84: 283 ، و 44 : 195 وجرى تطبيقها في المناقب ، ووجدتها في 43: 343 من البحار عن أنس، وفي 44: 195 منسوبة للإمام الحسين وهي عن أنس أيضاً . (المترجم)

البسملة والحوقلة المشتق (1)من اللفظ لا المعنى، ولكنّه بعيد .

وربّما يقال : لمّا كان الحياة لازمة لقول محتوك وحيّيت ، مِن ثُمّ نسب إلى الداعي من هذا اللفظ الدعاء بالحياة للسامع ، وصح إرادة الحياة والبقاء من هذا اللفظ وإن لم يصرّح بهما القائل ، ومثله قول: «جزاه الله خيراً» فإنه يستغني عنه بقول: جزاه خيراً بتضعيف الزاي وتفصيل هذه المسائل خارج عن مهام هذا المقام وخطته .

ويظهر مما قلناه في معنى التحيّة أنّ المراد بها أصل معناها وهو الحياة، وأحياناً تستعمل في البقاء ولما كانت التحيّة من لوازم الملوك وخصت بهم وبتقديم الاحترامات اللازمة للملك، وهي فريضة عرفيّة مِن ثَم راحت التحيّة تستعمل أحياناً بمعنى الملك كما قال زهير بن حباب الكلبي :

ولكلّ ما نال الفتى***قد نلته إلّا التحية

ويقول عمرو بن معد كرب الزبيدي :

أسير به إلى النعمان حتى***أنيخ على تحيّته بجند

أي ملكه . ونقل عن يعقوب بن السكيت أن المراد بلفظ تحيات في الصلاة يحمل على الملك ، والله أعلم بالصواب .(2)

فإذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم بأنّ التحيّة في الإسلام هي السلام كما يستفاد من تفسير الآية المنقول عن الخاصة والعامة : «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً» (3)بناء على قرائة «السلام» المعروفة لا «السلم». وفي رواية أنها قرائة عاصم ابن أبي النجود رحمه الله تعالى .

ص: 128


1- ليس هذا اشتقاقاً وإنما هو نحت . (المترجم)
2- لم يشر إلى المصدر لملاحظته غير أنّي عثرت في إصلاح المنطق على قوله : التحية للملك ، وقولهم : التحيات الله أي الملك الله (إصلاح المنطق : 137). (المترجم)
3- النساء : 94 .

وخلاصة معنى الآية كما يلى : إذا حياكم أحد بتحية الإسلام وأظهر الإسلام بقوله «سلام عليكم» فلا تنكروا عليه ذلك ولا تسارعوا إلى تكذيبه ورميه بالشرك. هذا إذا قرء «مؤمن» بكسر الميم أي أنها اسم فاعل، أما إذا قُرئت بفتحها وهى القرائة المنسوبة إلى الإمام الباقر علیه السلام فيكون المعنى : لا تقولوا له لست آمناً لأنّ المسلم يطلب الأمان بالسلام .

وجملة القول : هذا المعنى وهو السلام تحية خاصة بالإسلام وهو من الوضوح بمكان ولا يحتاج إلى شاهد . وأما استشهاد بعضهم بالآية : «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» (1)فهي محلّ نظر وتأمّل.

معنى السلام :

وذكروا للسلام وجوهاً مختلفة :

منها : أنّ السلام اسم من أسماء الله عزّ وجلّ، والمراد من قول القائل : السلام عليكم أي الله تعالى ،حافظكم، وهذا الوجه وإن ذكر عن ابن الأنباري واقتصر عليه بعض المحدثين ولكنه يبدو للنظر قاصراً؛ لأن الجار والمجرور لا يؤدي معنى الحفظ كما إذا قيل : الله عليك ، والرحيم عليك فإنّ ذلك يبدو نشازاً في المعنى المقصود وهو خلاف الأصل فلا يصار إليه، مع كون صيغة السلام عليكم بالتعريف مساوية لغيرها في المعنى مثل : سلام عليكم بالتنكير ، فلا يتمشى المعنى المذكور في هذه الصيغة لتنكير لفظ السلام كما أن المعنى غير محتمل في سلاماً وسلام عليك (وبلغه سلامي) (2)وبلّغ إليه سلامي واقرأه السلام على الإطلاق.

الوجه الآخر أنّ لفظ «سلام» من باب التفعيل :وهو التسليم.

ص: 129


1- الأحزاب : 44 .
2- هذه الجملة من المترجم .

الوجه الثالث : إنّه مصدر مجرّد ومعناه السلامة. وهذان الوجهان يختلفان باختلاف الاستعمال وإن كان الوجه الثالث أقوى وأظهر في معناه .

وسمع السلام عن العرب بمعاني عدّة والأصل في المعاني كلها «السلامة». وجاء أيضاً بمعنى الحجارة الصلبة التي تمتاز بصلابتها ، وبمعنى الدوحة الواسعة، و بمعنى دجلة، وهذه كلها تأبى الصيغة فهي في مأمن وسلامة.

ويمكن اعتبار معنى السلامة في دجلة لسلامة مائها كما جاء عن الهادي علیه السلام في فضل سامراء حيث وصف مائها بالعذوبة. ويحتمل أن يكون سبب اسمها دار) (السلام) لوقوع دجلة فيها ، ومن ذلك الدلو إذا سلم من الآفات قيل له «سلم» شريطة أن يكون له مقبض ، وهذا المعنى جارٍ في «س ل م» وممّا تركب منها .

وكذلك بالنظر إلى هذا المعنى كان «السلام» من أسماء الله تعالى لأنه يحفظ سبحانه خلقه من الآفات والبلايا والشرور والنقائص ، أو أنه سبحانه خلق القدرة في ذوي الاستعداد والقابليات على الاستفادة من مراتب المواد الممكنة في تربية شمسه الرحمانية المشرقة من قاف إلى قاف على العالمين، والوصول إلى درجة كمال الاستعداد، ويحول بينهم وبين الموانع بضمان سلامتهم حتى يصلوا إلى ما قدر لهم من تلك الحدود، أو أنّه سمّي سلاماً باعتبار سلامته من نقائص الإمكان وتعاليه على أفق الحدوث، فهو السلام ومنه السلام وإليه السلام .(1)

ص: 130


1- وهذه العبارة حديث فاطمة الزهراء : الله السلام ومنه السلام وإليه السلام . (المواهب السنية : 264) سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جاع النبي جوعاً ... فهبط جبرئيل عليه ومعه لوزة فقال : يا محمّد ، إن الله يقرئك السلام فقال : يا جبرئيل ، الله السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام . «المواهب السنية» : (232) سلمان الفارسي عن رسول الله .. فقلت : هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام . (بحار الأنوار 18 : 313 ط طهران) أبي سعيد عن رسول الله : إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام، وعلى جبرئيل السلام (بحار الأنوار 18 : 385 ط طهران) اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام وإليك يعود السلام ودارك دار السلام. (بحار الأنوار 100 : 412 ، مفاتيح الجنان أعمال مسجد الكوفة) اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام. (بحار الأنوار 101: 209 ط طهران) والسلام هنا ينطبق على المعاني الثلاثة : هو السلام باعتباره تعالى ذاتاً مقدّسة عن سمات الإمكان ، و «منه السلام» باعتبار أنه يحمي ويسلم خلقه من الآفات وذلك من ألطافه ، و«إليه السلام» باعتبار أن غاية الموجودات ذوات الاستعداد بلوغ القرب من حضرته كما قال الحكيم المعاصر : يا واهب العقل لك المحامد***إلى جنابك انتهى المقاصد وهو أحسن شعره فاحتفظ ما ذكرناه واغتنمه . (منه)

وجملة القول : أنّه علم ممّا تقدّم أن معنى السلام هو السلامة والراحة ، ولفظ الجار «على» في «عليك» يفيد الشمول والإحاطة كما في رحمة الله عليه و «رضوان الله عليه» وأمثالهما. ويظهر من كلام العلماء وجوه لترجيح هذه التحية وإن كان بعضها لا يخلو من النقاش في النظر الدقيق لولا أن الغرض في ذكر هذه المطالب الإقناع والتقريب ، ونشير إلى بعضها على وجه الإجمال:

الأول : توجد في صيغ التحية الأخرى ألفاظ خاصة من الدعاء وغيره وفي هذه التحية يوجد الإخبار بالسلامة الطاردة لجميع الآفات والشرور من الموت والقتل والأسقام والمذلة والفقر وغيرها؛ فهي أشمل .

الثاني : يرجع إلى العصر الجاهلي حين جرت العادة أن يغير البعض على البعض الآخر، أو يستولي على صاحبه بالغدر والحيلة، وكانت تحاياهم المعتادة لا تؤمن رخاء البال وسكون القلب بصراحة صيغة السلام يتضمن معناها راحة القلوب وسكينة النفس ، فهي أوّل ما يرد السمع من كلام المخاطب ويكون السلام مبدأ للتلاقى ، فيحمل في طياته نواة البشر وطيب النفس والأمان من جميع الصور المتخيّلة الضارّة.

ص: 131

الثالث : أنّ قول «حياك الله» جملة دعائية ولمّا كان الدعاء يستلزم الإجابة لا يستدعي اطمينان الخاطر وسكون النفس، بخلاف «السلام عليك» فإنّها جملة خبرية ومقتضاها تحقق السلامة والأنس، فإذا سمعها السامعون صارت سبباً في راحة الخاطر وسكون البال وأمان الفؤاد على أنّ من قال حياك الله له أن يعتذر إذا لزم الأمر أنّ دعائه لم يستجب ، ولكن لا عذر لصاحب الس-لام ف-ي الع-ذر لأنّ صريح الجمله الخبرية سلامة المسلَّم عليه من المسلم فإذا تخلّف عن مفادها عُدّ كذاباً صراحة لا ضمناً ؛ فافهم ...(1)

الرابع : قال العلماء : إن الأصل في جبلة الحيوان الخير أو الشر ؟ فمنهم من قال : الأصل فيها الشر وهذا كالإجماع المنعقد بين جميع أفراد الإنسان، بل نزيد ونقول :

إنه كالإجماع المنعقد بين جميع الحيوان والدليل عليه أنّ كلّ إنسان يرى إنساناً يعدو إليه مع أنه لا يعرفه فإنّ طبعه يحمله على الاحتراز عنه والتأهب لدفعه ولولا أنّ طبعه يشهد بأنّ الأصل في الإنسان الشر لما أوجبت فطرة العقل التأهب لدفع شر ذلك الساعي إليه بل قالوا هذا المعنى حاصل في كل الحيوانات فإنّ كلّ حيوان عدا إليه حيوان آخر فرّ ذلك الحيوان الأوّل واحترز منه فلو تقرر في طبعه أنّ الأصل في هذا الواصل هو الخير لوجب أن يقف (لأن أصل الطبيعة يحمل على الرغبة في وجدان الخير ولو كان الأصل في طبع الحيوان أن يكون خيره وشره على التعادل والتساوي وجب أن يكون الفرار والوقوف متعادلين فلما لم يكن الأمر كذلك بل كلّ حيوان توجّه إليه حيوان مجهول الصفة عند الأوّل فإنّ ذلك

ص: 132


1- رضي الله عن هذا الشيخ الجليل بما يتفتق عنه ذهنه من هذه المعاني، وهل يدرك بعض هذا أبناء الجاهلية وهم همج رعاع ؟!

الأوّل يحترز عنه بمجرد فطرته الأصليّة علمنا أن الأصل فى الحيوان هو الشر) (1).

كما قالت اللائكة في بدء الخليقة : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ...» (2)وهو شاهد على المدعى.

«اذا ثبت هذا فنقول : دفع الشر أهم من جلب الخير [استدعى ذلك ] إذا وصل إنسان إلى إنسان كان أهم المهمات أن يعرفه أنه منه فى السلامة والأمن والأمان» (3)ليكون فارغ البال وآمن السرب وليعملا بعد ذلك بلوازم المؤاخاة ووظائف الملاقات ..

الخامس : أنّ لفظ السلام كما علمت هو اسم من أسماء الجلالة وبالابتداء بهذا الاسم تنال البركة وإن لم يكن ذلك مقصوراً لذاته ولا يوجد ما فيه من الشرف في الأسماء الأُخرى ولما كان سماعه يوحي بهذا المعنى فإنه يبعث البهجة في قلب السامع ويمنحه لذة أخرى وكأنه يشير إلى هذا المعنى وهو الحديث الذي رواه رئيس المحدثين عروة الإسلام محمد بن علي بن الحسين مرسلاً، ورواه الشيخ الشهيد في الأربعين مسنداً عن صادق آل محمد علیه السلام فقد نقلوا : إنّ الإمام قال بعد ذكر السلام «السلام اسم من أسماء الله» .(4)

ص: 133


1- الرازي ، مفاتيح الغيب 16 : 182 . والمؤلف أخذ منه ولم يُحل عليه . (المترجم)
2- البقرة : 30.
3- هذا من كلام الرازي في مفاتيح الغيب 16 : 182 ومابين الحاصرتين للمؤلف ، ولست أدري لماذا لم يشر إلى المصدر. (المترجم)
4- الروضة ، والبحار 76: 10 . قال رسول الله الله : «السلام من أسماء الله فافشوه بينكم». وفي أربعين 10 الشهيد حديث 22 ، والبحار 84: 306 رقم 20 بالإسناد عن زرارة عن أبي جعفر الباقر قال : سلّم عمار على رسول الله الا الله في الصلاة ثم قال أبو جعفر : إن السلام اسم من أسماء الله عز وجل. (هامش الأصل) وفي خصوص ما أورده المؤلف جاء في الأربعين للشهيد الأول عن الباقر ع : السلام اسم من أسماء الله تعالى (الأربعين : 51) . (المترجم)

وليس مستغرباً من بعض المحققين أن يقصر معنى السلام على الأول لأن ذلك عائد إلى عدم التعمق في بحث الحديث.

السادس : إن هذه التحية هي تحيّة الملائكة للأنبياء والموتى من المؤمنين أوّل دخولهم الجنّة كما جاء في حكاية لوط أنّ الملائكة قالوا للخليل: «سَلاماً قَالَ سَلامٌ» (1)وفي موضع آخر قال: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ» (2)وفي موضع آخر : «وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ».(3)

الوجه السابع : ما أشار إليه الرازي في تفسيره الكبير وهو مبني على النهج الخطابي وطريقة التقريب على نحو التحقيق والتنقيب من ثمّ جاز في نظر الفضلاء أن يتمم بشعر أو مثل إن لم يكن تاماً لأن ذلك حقيق بالمطالب من هذا القبيل، وخلاصة ما قال كما يلي ذلك لأنّ الأرواح البشرية أنواع مختلفة فبعضها أرواح خيّرة عاقلة وبعضها كدرة خبيثة وبعضها شهوانية وبعضها غضبية ولكلّ طائفة من طوائف الأرواح البشرية السفلية روح علوي قوي يكون كالأب لتلك الأرواح البشرية وتكون هذه الأرواح بالنسبة إلى ذلك الروح كالأبناء بالنسبة إلى ذلك الأب وذلك الروح العلوي هو الذي يخصها بالإلهامات تارة في اليقظة وتارة في النوم... وأيضاً الأرواح المفارقة عن أبدانها المشاكلة لهذه الأرواح في الطبيعة والصفات والخاصيّة يحصل لها نوع تعلق بهذا البدن بسبب المشاكلة والمجانسة وتصير

ص: 134


1- هود: 69
2- النحل : 32
3- الزمر : 73 .

كالمعاونة لهذه الأرواح على أعمالها ؛ إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر .(1)

ولمّا كان الإنسان عرضة لتزاحم جنود العلم والجهل وتعارض القوتين الملكية والحيوانية والحرب القائمة بين النفس والعقل، يحدث إثر ذلك في وجوده الصراع المستمر كما قالوا:

جان کشیده سوی بالا بالها***تن زده اندر زمین چنگالها

میل جان اندر علوم و در شرف***میل تن در کسب آب است و علف

ترفرف الروح في الأجواء صاعدة***والجسم في الأرض لم يخرج ولم يعف

ورغبة الروح في علم وفي شرف***ورغبة الجسم في ماء وفي علف

لهذا إن طرقت مسامعه كلمة فيها خبر السلامة حصل عنده البشارة ب-ال-راح-ة والطمأنينة ، ويكون ذلك أمارة على غلبة الجانب الملكوتي وقهر القوة الغضبية والشهويّة تحت لواء القوّة العاقلة وهذه التحيّة لاسيّما إذا كانت من مخبر صادق كامل خير من تحيّة «حياك الله» ومن أجل هذه اللطيفة رجّح بعضهم أن يكون الخطاب بلفظ الجمع «السلام عليكم» يشتمل جميع القوى النفسانية وتكون الإشارة بالسلامة إلى جيع التكثرات المنسجمة في هذا الوجود الوجداني ..(2)

وأنا أعتقد أنّ هذه اللطيفة يجب إجرائها في مكان الكثرة فيها محفوظة

ص: 135


1- هذا ما ذكره الرازي في تفسيره 16: 183 ، أما المؤلف فقد تصرّف بالنص وأضاف إليه شعراً ورأينا ترجمته لتعرف مدى الفرق بين النصين. (المترجم)
2- هذا معنی ترجمه كلام المؤلف وأما ما جاء في تفسير الرازي فقوله : وإذا عرفت هذا السر فالإنسان لابد وأن يكون مصحوباً بتلك الأرواح المجانسة له ، فقوله : «سلام عليكم إشارة إلى تسليم هذا الشخص المخصوص على جميع الأرواح الملازمة المصاحبة إياه بسبب المصاحبة الروحانية ... الخ . [مفاتيح الغيب 16: 183] والمؤلف غير النص تغييراً جذرياً وكان الألفاظ التي قدّم بها للنص في مبتدئه ، اعتبرها عذراً له من هذا التغيير الذي قلب المعنى رأساً على عقب لاسيما الشعر الفارسي الذي أدخله ضمن المتن المترجم حتى أن الناظر فيه يعتبره لأول وهلة أقوال الرازي وهو ليس كذلك .. ( المترجم)

ومتصوّرة ولكنّها في حق الأولياء والأنبياء لا يصح استعمالها لأنهم عند التجلّى يفقدون كثرتهم وتندك في تجلّي الوحدة الحقة والحقيقية، ويتجهون بكلهم قلباً وقالباً إلى الجانب القدسي من ثمّ جاء الخطاب واحداً في سلام الزيارات كلها «السلام عليك» ؛ فافطن واغتنم ...

الثامن: أنّها تحيّة الله لأنبيائه في عدة مواضع ، ولآل النبي صلی الله علیه و آله وسلم حيث يقول: «سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ» (1)ولعموم المؤمنين حيث يقول تعالى: «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» (2)وفي هذه الأثناء تتلاشى جميع التحايا وتضمحل لأنّه لا أثر يبقى للمخلوق عندما يتجلى الخالق ، ولا يتحقق له وجود.

یکی قطره باران زابری چکید***خجل شد چو پهنای دریا بدید

که جائی که دریاست من کیستم***گر او هست حقا که من نیستم

همت قطرة من غيمة وإذا بها***ترى البحر بالأمواج يرغي ويزيد

فقالت أمام البحر والموج من أنا؟***إذا كان بحر لا أعدّ وافقد

تنبيه :

اعلم أنّ الفخر الرازي ذكر في تفسيره الكبير : إذا ثبت هذا فقوله «سلام» لفظة منكرة فكان المراد منه سلام كامل تامّ (و) (إنّ التنكير يدلّ على الكمال) فقد صارت هذه النكرة موصوفة فصح جعلها مبتدأ .. (3)

واعتقادي أنّ هذا الكلام لا يصح من رأس، لأنّ مقامات الكلام مختلفة ، من ثمّ وردت في القرآن مختلفة وليست بصيغة واحدة ولو ادعي العكس لكان أولى «چه

ص: 136


1- الصافات: 130 .
2- الأحزاب : 44 .
3- مفاتيح الغيب 16 : 181 و ما بين القوسين يأتي قبل سابقه .

قصر طبيعت أتم از قصر بعض افراد اگرچه اعتبار کمال شود، چنانچه در الحمد الله تقریر داده اند والسلام على من اتبع الهدى» .. (1)

لطيفة :

ولما علمت أنّ معنى السلام هو القول للمخاطب : إنّ السلامة والاطمئنان ملأت جميعأقطارك ولن يصل مني إليك شرّ وضرر أبداً وإنك آمن من قبلي.

من هنا كان الزائر الماثل بين يدي الإمام أو الذي يزوره على بعد بعد تمثيله بمخيلته ويسلّم عليه أن يكون على حال لم تبدر منه بادرة سوء بحق الإمام لا في الوقت الحاضر ولا في غيره من الأوقات. ولمّا كان من المقطوع به أن هدف هؤلاء الأئمه ينحصر في هداية الأمة وصلاحها وإعلاء كلمة التوحيد وظهور آثار العبودية لله من الناس وإشاعة الطاعة في عمومهم فإنّهم حينئذ يألمون من إتيان المعصية وترك أوامره ظهرياً وفعل ،نواهيه، بل يتأذون من وجود الأخلاق الرذيلة من قبيل الحرص والكبر والرياء والعجب والبخل وحبّ الجاه والمال وأشباه ذلك.

ولقد كانت شكايات أمير المؤمنين علیه السلام على هذا الأساس وكذلك تظلمه، حيث أنّ الناس يعصون الله ولا يطيعون أئمة الهدى، ولا يبعد أن يكون قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما أُوذي نبي كما أُوذيت (2)ناظر إلى هذا المعنى لأنه لم تعصى أُمة نبيها وربها ما عصت هذه الأُمّة حيث غصبت الخلافة وآذت فاطمة وقتلت سيّدالشهداء وأنزلت

ص: 137


1- رأيت ترجمتها غير دقيقة فآثرت الأصل وأرجو من القارئ الدقة في ترجمتها . (المترجم)
2- ما أُوذي أحد مثلما أُوذيت (كنز العمال ج 3 حديث 5817 و 5818 عن الحلية وابن عساكر عن جابر ، وكنز العمال ج 11 ح 32160 و 32161، والجامع الصغير : 334) . (هامش الأصل) جرى تطبيقه في كنز العمال وفي شرح الجامع الصغير للمناوي رقم 7852. (المترجم)

من البلايا على الأئمة ما لم ينزل على رؤوس غيرهم ...(1)(2)

فتبين من هذا أنه لم يؤذ نبي كما أُوذي هذا النبي المكرّم صلی الله علیه و آله وسلم.

وحاصل الكلام أنّه يلزم الزائر أن يكيّف نفسه على وجه فيه رضى للإمام تلك الآونة ولا يؤذيه بسوء سلوكه ليصدق في بذل السلام وأدائه .

إذن، ينبغي عليه أن يطهر القلب بماء التوبة ويذري من عينيه دموع الندم، ثمّ يتقدّم بالسلام على الإمام.

غوطه در اشک زدم کاهل طریقت گویند***پاک شود اول و پس دیده بر آن پاک انداز

غرقت بماء الدم إذ قال رفقتي***تطهر من الآثام ثم انظر الطهرا

وإن لم يكن على الصفة التي ذكرناها فإنّه يكذب حينئذٍ في أوّل كلمة يقولها ويغدر، وهذا المعنى لا يتحقق للعبد إلا بتوفيق من الله وخلوص النيّة ، رزقنا الله ذلك بمحمّد وآله .

المقام الثاني : في لفظ «أبو عبدالله»

اعلم أنّ هذه الكلمة المباركة إنّما هى كنية وهي مأخوذة من الكناية ومعناها الإشارة إلى الاسم بالتلميح مع احتوائها على قرينة توجب الانتقال إلى المعنى

المقصود ، ومن هذه الناحية أطلق البصريون على «الضمير» اسم الكناية .

والكناية عند علماء البيان لا تتجاوز هذا المعنى، فإذا أريد التعمية على اسم أو

أُريد عدم ذكره صراحة كنّي عنه بالأب أو الأم أو الابن، فيدعى بلفظ «أب» أو «أم»

ص: 138


1- «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولُهُ» قال : نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين حقه وأخذ حق فاطمة وآذاها، وقد قال النبي من آذاها في حياتي كمن آذاني بعد مماتي. هامش الأصل نقلاً عن بحار الأنوار 17: 27
2- جرى تطبيقه في بحار الأنوار 43: 25 ط ثانية مؤسسة الوفاء بيروت 1403 .

أو «ابن» من قبيل : أبو عمر، وابن عباس، وأُمّ معبد، وهذه الكلمة تسمّى كناية كما تسمّى كنية لأنّها لا تدلّ على الذات دلالة الاسم الصريح، ولما كان الأغلب من الناس يأنف أن يدعى باسمه العلم .

والألقاب التي يضعها العجم في مقدّمة الأسماء مثل : سيد أو شيخ أو خان أو میرزا لم تكن معروفة عند العرب، لذلك فزعوا إلى الكنية فجعلوها أداة تعبير واعتبروا رعاية أدب اللياقة تكون بها ، كما قال شاعر الحماسة :

أكنيه حين أُناديه لأكرمه***ولا أُلقبه والسوءة اللقبا

كذاك أُدِّبْتُ حتى صار من خُلُقي***إنِّي وجدت ملاك الشيمة الأدبا

من هنا جرت بهم العادة أن يضعوا لكلّ واحد كنية وأحياناً يكنى المرء وإن لم يكن له ولد بل توضع له كنية حين ولادته تيمناً بذلك أن يكون ذا ولد ، والغالب أن يتكنّوا بما يتكنّى به أصحاب الأسماء الشهيرة كما لو وضعوا للوليد اسم علي فإنّ كنيته أبو الحسن ، أو الحسن فتكون كنيته أبا محمد ، لأنّ كنية الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن علیهما السلام أبو الحسن وأبو محمد.

والظاهر من الأخبار الكثيرة أنّ كنية الحسين علیه السلام أبو عبد الله منذ الصغر كما جاء ذلك في رواية أسماء بنت عميس أنّ النبي عند ولادته وضعه في حجره ثمّ قال : يا أبا عبدالله ، عزيز علي ، ثم بكى، فقلت: بأبي أنت وأُمِّي، فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل فما هو ؟ قال : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أُمية .(1)

وهذه الكنية مشتركة بين إمامين: أحدهما سيّد الشهداء والثاني الإمام الصادق علیه السلام ، والظاهر أنّ هذه الكنية وكذلك الاسم هدية من الله لهما .

ص: 139


1- بحار الأنوار 43 : 238 - 240 باب 11 عن العيون وابن شهر آشوب في المناقب، والبحار 44: 250 و 251 عن الأمالي . (هامش الأصل) جرى تطبيقه على البحار باب 31 (المترجم)

فائدة استطرادية :

جاء في كتاب «منتهى الإرب» : يقال : يكنى بأبي عبدالله مجهولاً ولا يقال يكنى بعبد الله . يعني إذا سُئل عن الكنية (فلان ما كنيته) فيقال له : «يكنى بأبي عبدالله» لا بعبد الله .. وأقول أنا : إذا قصد النافي عدم صحة العبارة (أي قول القائل يكنى بعبد الله) فلا وجه له لأنّ باء الجر تارة تتعلّق بالفعل «يكنى» وحينئذ يقال «يكنّى بأبي فلان» وأحياناً تكون الباء سببية وتكون العبارة عندئذ إنه بفلان صار صاحب كنية ولابد من دخول الباء على اسم الولد فيقال «يكنى بفلان».

أمّا إذا قصد النافى نفي الاستعمال فذلك خلاف الواقع وسببه قلّة التتبع وعدم الاطلاع على مذاهب استعمالات العرب لأنّ هذه عبارات شائعة مثل «يكنى بولده فلان» أو بعد ذكر الولد يقال «وبه يكنّى» وهذا جار في كلام السلف والطبقات التي يحتج بكلماتها حتّى فات حدود الإحصاء من ذلك عبارة ابن إسحاق وقتادة المحكية في «أسد الغابة» في ذكر النبي أنه «وبالقاسم كان يكنى».(1)

ومن شعر عبد المطلب علیه السلام الذي نسبته إليه الكتب المعتبرة أنه قال :

وصيت من كنيته بطالب***عبد مناف وهو ذو تجارب

وذلك مستعمل بكثرة عند الشعراء المتأخرين ، فلو ذهبنا نستقصي لطال بنا المقام وأدّى ذلك إلى الملل ونكتفي بهذا البيت الواحد من شعر أبي طالب المأموني وهو من الشعراء المشاهير في عهد الوزير الفاضل المحقق كافي الكفاة

ص: 140


1- أقول : لا وجه لما ذكره المؤلّف فإنّ العبارة التي ناقشها إنّما تختص بمن لا ولد له ولذلك عبر عنه بالمجهول فلا يجوز غيرها ، لأنه لا ولد له لكي ينسب إليه التكنّي به، أما من كان ذا ولد فحينئذ تصح العبارة التي ذكرها المصنف عند ذكر الولادة فيقال مثلاً : وكان له من الأولاد فلان وفلان وفلان و به كان يكنّي ، فلا منافاة بين القولين لأن العبارة الأولى تقال لمن ليس له ولد ، والثانية لمن ولد له أولاد (المترجم)

الصاحب الأجل أبي القاسم إسماعيل بن عباد وفي طبقة أبي سعيد الرستمي وأبي محمد الخازن حيث يقول في قصيدته الميمية المعروفة :

ولا تاج إلا ما تولّيت عقده***على جبهة الملك المكنّى بقاسم

ونحن لو لم نكن على النهج الذي نقله السيوطي في المزهر عن الإيضاح لأبي علي الفارسي وصاحب الكشاف ونجم الأئمة والمحقق الشريف والقاضي البيضاوي وعبد القادر البغدادي والشهاب الخفاجي وجماعة من الفضلاء الذي جوزوا الاستشهاد بشعر العلماء المولّدين لأنّ استعمالهم للفظ يعتبر رواية منهم لذلك اللفظ فهو حجّة حينئذ .

أقول : لو لم نكن على النهج المذكور لوجب التزامنا في خصوص هذا الشعر بالصحة لأنه أنشد بين يدي أعظم العلماء في لغة العرب وأُستاد مهرة الشعر

والأدب و«عبدالقاهر الجرجاني» الذي هو ترجمان البلاغة ، كان يلتقط فتات خوانه وفي خدمة حضرته تعلّم هذه العلوم وكتابه «المحيط» أو بحر اللغة المحيط ، وقرأ الصاحب الشعر وقبله وصين من نقد نادرة النقاد، ولم ينقل عن أحد من أدباء زمانه الذين يناصبونه العداء وكانوا على أهبة الاستعداد لنقد أقواله وأفعاله، نقد له أو مناقشة حول ذلك .

وكان أبو منصور عبدالملك الثعالبي وهو لسان العربية الناطق اختار هذا الشعر في كتابه يتيمة الدهر واعتبرها من الأفراد، وكتبت هذه الفقرات قبل اطلاعي على شعر أبي صخر الهذلي وهو من كبار الطبقة الثالثة من الشعراء ومن ف-حول المتقدمين المعبّر عنهم بالإسلاميين وشعره بالإجمال يصح الاستشهاد به ويحتج ب، وله قصيدة طنانة ذكر شطراً منها صاحب الأغاني وفي الحماسة شطراً آخر منها وهي بأجمعها موجودة في خزانة الأدب للبغدادي عبدالقاهر نقلاً عن ذيل «أمالي القالي» واستشهد سيبويه ومن تأخّر ببعض أبياتها وفيها هذا البيت:

ص: 141

أبى القلب إلا حبّها عامرية***لها كنية عمرو وليس لها عمرو

وظاهر هذا الاستمال أن نفس عمرو يقال ل كنية وبناءاً على هذا تكون الباء في قول القائل «یکنّی به عمرو» مثلاً للتعلّق بالفعل لا للسببية ودخلت الإسناد مجازاً لأن مدار الكناية ومناط الرمز في الحقيقة إنّما هو الاسم ، ولفظ الأب والأم بمثابة العلاقة والرابطة ، وإطلاق الكنية عليه بهذه العناية مستحسنة. وعلى كل حال فإنّ شعره في هذه القصيدة صحيحة النسبة إليه ، برهان قاطع على دفع إنكار المنكرين وتبيّن من هذا أن لا مندوحة من صحة الاستعمال.

ومن مجموع الأحاديث والأقوال التي ذكرناها يظهر وجه تكنية الشيخ الصدوق في كتاب «إكمال الدين» للإمام صاحب الزمان بقوله : «يكنى بجعفر» (1)أن غرضه يكنى بأبي جعفر كما جاء في خبر آخر «يكنّى بعمه»(2). وعمه يدعى جعفراً فتكون كنيته أبا جعفر . ورجّح العلامة المجلسي هذا الاحتمال وجوز أيضاً أن يكنّى عنه بجعفر للإيهام وهذا بعيد، والاحتمال الأول هو المطابق لطريقة الاستعمال يومذاك .

والعجيب أنّ بعض المعاصرين أيده الله استند إلى عبارة منتهى الإرب وجوّز الوجه الثاني وأشكل على العلامة المجلسي حيث استظهر الوجه الأوّل، وأظهر العجب من هذا المعنى واستغربه ، والله العالم بحقائق الأمور.

تنبیه :

أشرنا في البداية أنّ هذه الكنية اختصت بسيد الشهداء وينبغي أن تكون بإذن

ص: 142


1- إكمال الدين 2: 432 باب 42 رقم 11 وتفسيره ذيل الحديث، وبحار الأنوار 5 : 15 و 16 رقم 18 و 23 ، إثبات الهداة 3: 466 و 678 و 484 . (هامش الأصل)
2- المكنّى بعمه. إكمال الدين 1 : 318 رقم 5 وتفسيره ذيل الحديث ، وبحار الأنوار 51: 37 و 38 رقم 9 و 11 .

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم . ومن الواضح البيِّن أن النبي لا يفعل ذلك إلا بأمر الوحى ، ولابد من أن ينطوي سرّ من الأسرار في هذه الكنية ولا يكنى الإمام بها إلا لأمر بالغ الأهمية أو نكتة من الدقة بمكان مكين.

وليس بعيداً أن تكون بمثابة كنية النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم بأبي القاسم - كما جاء في بعض الأخبار - وليست تلقائية من قبيل الكنى المعروفة .

وبيانه كالتالي : لما اقدم الحسين علیه السلام من أجل تبيين مستوى عبادته وعبوديته ورسوخ قدمه في التوحيد ومحبة الربّ الأزلي، على أمر عجز عن الوصول إليه نبي من الأنبياء ولا ولى من الأولياء ما عدا جده وأباه وأخاه العظيم، وكلّهم قال بلسان حاله: «لو دنوت شبراً لاحترقت» لاسيما يوم العاشر من المحرّم حيث أقام عبادة جمعت جميع العبادات كلّها ؛ الظاهرية والأعمال القلبيّة. وكلّ فعل أفعاله وعمل من أعماله كالصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي حصلت من جنابه على نحو الحقيقة والواقع من قبيل الجهاد والأمر بالمعروف والصلاة وما أشبه ذلك ، وقسم آخر من أعماله كالحج والزكاة التي تحتاج إلى التأمل والتدبر لمحاكاتها مع رعاية التطبيق والتشبيه فقد أصبح بناءاً على ما تقدّم عبرة لأولي الأبصار وأصحاب العقول.

وكذلك بالنسبة إلى مكارم أخلاقه ومعالي أموره وشجاعته وسماجته ومروّته وغيرته وحميته وعفوه ومداراته الناس ونصيحته الأمة وإصلاح أمرها ويقينه

واطمئنانه وثباته ولينه وحسن معاشرته ومواساته وبره وملاطفته، هذه الصفات جميعاً التي ظهرت على حياته، وأعظمها جميعاً الصبر الذي يحتوي في الحقيقة على جميع المكارم والفضائل وصار باعثاً على تعجب ملائكة السماء ، وهم النفوس القدسيّة والعباد المكرمون ، وليس بعيداً أن تكون الفقرة المأثورة «لا يوم

ص: 143

كيومك يا أبا عبدالله» (1)إشارة إلى ما ذكرناه .

وذكر الفاضل والفقيه المعاصر في كتاب «خصائص الحسين» شرحاً مسهباً عن العبادات التي صدرت من جنابه يوم عاشوراء وقد أدّى حق هذا المورد كما يستحق أمثاله من أنواع التقريبات الخطابيه ، وحاصله :

أن الحسين علیه السلام لما كان له في مقام إظهار العبودية لله امتياز خاص وقدح معلّى وسهم أوفر كنّي لذلك بأبي عبدالله ، وهذا الوجه له صلة وثيقة في استعمالات العرب اللفظيّة، لأنّ من غلبت عليه صفة من الصفات يتخذ من تلك الصفة معنى مجرّداً ثم يطلق عليه كما كانوا يقولون: رأيت منه أسداً، وأحياناً يقولون: «فلان أبو جواد يعنون أنه صاحب جود عظيم وكرم زائد وما زال هذا الاستعمال شائعاً بين العرب، ولو ألقيت نظرة فاحصة إلى أقسام الكنى المنقولة عن العرب بتدبّر جيد وتمعن صحيح، وفكرت في الأمر تفكيراً جاداً فسوف تشاهد فصلاً ممتعاً وشطراً صالحاً من هذا النوع من الكنايات بحيث يرتفع به الإشكال والاستبعاد ، فقد كانوا يكنون «الفالوذج» بأبي سائغ ، والخلّ بأبي نافع، والسكباج بأبي عاصم ، والشمع بأبي مؤنس، والديك بأبي اليقظان وأمثال ذلك كثير . ومن ذلك ما أشرنا إليه من كنية النبي بأبي القاسم ، لأنّ الجنة والنار قسمتها بيده صلی الله علیه و آله وسلم.

الوجه الثاني : إنّ كلّ من عرف سياسة خلفاء الجور وأتباعهم في الأزمان المنصرمة ، عرف حتماً أنّ الحسين لو لم ينهض وترسخ قدمه في الجهاد ويبذل الجد والجهد في يوم عاشوراء في ميدان الفداء والتضحية، لانمحت الشريعة المحمّديّة من أساسها ، وتلاشت من وجه البسيطة كلّها ، وعاد الناس إلى سيرتهم

ص: 144


1- «لا يوم كيوم الحسين» الخصال . أمالي الصدوق : مجلس 70 رقم 10 ، بحار الأنوار 44: 298 . «ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله» أمالي الصدوق : مجلس 24 تحت رقم 3، بحار الأنوار 45: 218 ط لبنان .

الجاهلية ورجعوا القهقرى إلى شريعة الكفر، ولغلب الجبروت وانتصر الميل إلى الحباة العاجلة فلا ترى مسلماً على دين الهداية. وكانت الأسبقية في الدين للفضائح الأموية والقبائح التيمية والعدوية .

ولكن النهضة الحسينية قومت المعوج، وأصلحت الفاسد، وأقامت انحناء الدين، فكل من جاء بعده وعبد الله حق عبادته والتحف شريعة المصطفى

واقتدى به فهو من بركة وجود الحسين الا وجهاده «لولاه ما عرف الله» .. .(1)وعلى هذا فهو أب لعباد الله جميعاً على الحقيقة، لأنّ من معاني الأب المربي والمؤيّد وهو في لغة العرب شائع الاستعمال، سواء كان العبد عبد عبادة أو عبد عبوديّة، ولا يلزم منه استعمال اللفظ بأكثر من معنى لأنّ حقيقة العبوديه بحسب اللغة التذلّل، ومعنى التعبيد التذليل ، والعبادة من وظائف العبوديّة فلا إشكال حينئذ، والله أعلم.

ص: 145


1- فرائد السمطين 1 : 46ط بيروت بالإسناد عن الصادق : لم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله ... هامش الأصل جرى تطبيقها على فرائد السمطين، وهذا بعض الحديث . (المترجم)

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ.

«ابن» لفظ من الألفاظ التي زيدت فيها همزة الوصل بدلاً عن محذوف

واشتقاقه من البناء لأنّ وجود الابن مبني على وجود الأب، كما ذكر ذلك في مجمع البيان، وليس اشتقاقه من «البنو» كما هو معروف، وشاهده عدم استعمال «بنو» في سائر التراكيب، واستعمال البنوّة لا يمكن أن يكون دليلاً على القول الثاني لما ورد في مبناه من مجيء الفتوة مع أنّ تثنية الفتى فتيان ، وقلّة تبديل الياء بالتاء كما في البنت لا يعارض عدم ورود لفظ «بنو» .

من هذه الجهة روي عن الراغب وابن سيّدة في الحكم الميل إلى الاحتمال الأول(1) ولو فرضنا تعادل الأدلة فإنّه محل توقف وترديد كما في القاموس

وحكي عن الأخفش والجزم بالوجه الثانى لا وجه له .

«الرسول» لغة معناه المرسل وهو في الاصطلاح أخص من النبي .

وبالجملة أرى من المناسب أن نشير إلى الدليل القاطع على انتساب سيد الشهداء والإمام المجتبى وسائر أئمة الهدى إلى النبي بالبنوة الصحيحة وإن كان هذا المطلب مورداً لإجماع الإمامية ومن مسلّمات مذهبهم، وبلغ حدّ الضرورات الدينية لما ورد فيه من أخبار الصحيحة وآثار صريحة .

ولكن لما خالف في ذلك بعض أهل السنة والجماعة فعلينا الاستدلال عليهم

ص: 146


1- وأنقل لك ما قاله الراغب في المفردات : و «ابن» أصله بنو لقولهم الجمع أبناء وفي التصغير بني ، قال تعالى: «يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ»،«يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ»،« يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ»،«يَا بُنَيَّ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ» وسمّي بذلك لكونه بناءاً للأب فإنّ الأب هو الذي بناه وجعله بناءاً في إيجاده ويقال لكلّ ما يحصل من جهة شيء أو من تربيته أو بتفقده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره هو ابنه نحو فلان ابن حرب وابن السبيل للمسافر ، وابن الليل وابن العلم ... الخ . (المفردات : 62). (المترجم)

بالأدلة المقبولة عندهم مِن ثَم نكتفي بإثبات آيتين من كتاب الله الكريم وبعض الأخبار الثابتة لدى أهل السنة والجماعة التي استخرجناها من كتب علمائهم المعتبرة على وجه الإيجاز لئلا تبقى شبهة في القلوب، قلوب الناظرين في هذه الصفحات، وتتوطد عقايد السامعين وتكون محكمة الأركان ثابتة الأساس.

الاية الاولى

«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» .(1)

وخلاصة المعنى أنه سبحانه وتعالى خاطب نبيّه قائلاً: أي محمد ، لو جادلك أحد من الناس حول مخلوقية عيسى وكونه خلق بدون أب كما هو الحال في آدم ثمّ خاصمك في ذلك فقل له : هلم ندعو أبنائنا وتدعون أبنائكم، وندعو نسائنا وتدعون نسائكم، وندعو أنفسنا وتدعون أنفسكم، ثم تبتهل إلى الواحد الأحد أن يجعل الدائرة تدور على الكاذب وتحلّ اللعنة به ويبعد من رحمة الله تعالى.

دلّت هذه الآية على أنّ الحسنين علیهما السلام هما ابنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

يقول ابن الخطيب الرازي - وهو إمام أهل السنة وفخرهم وفخر دينهم - في تفسيره مفاتيح الغيب : (واعلم أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما أورد على نصارى نجران أنواع الدلائل وانقطعوا ثم دعاهم إلى المباهلة فخافوا وما شرعوا فيها وقبلوا الصغار بأداء الجزية، وقد كان علیه السلام على إيمانهم) روي أنه علیه السلام لمّا أورد الدلائل على نصارى نجران ثمّ إنّهم أصروا على جهلهم فقال علیه السلام: إن الله أمرنى إن لم تقبلوا الحجّة أن أباهلكم . فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك، فلمّا

ص: 147


1- آل عمران : 61 .

رجعوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح، ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم - يا معاشر النصارى - أنّ محمداً نبي مرسل ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قط فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لكان الاستئصال ، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

وكان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خرج وعليه مرط شعر أسود، وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا فقال أُسقف نجران يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، ثم قالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك . فقال صلوات الله عليه : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، فأبوا، فقال: فإنّي أُناجزكم القتال ، فقالوا: مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك في كلّ عام ألفي حلّه ؛ ألفاً في صفر وألفاً في رجب ، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا .

وروي أنه علیه السلام لمّا خرج في المرط الأسود فجاء الحسن له فأدخله، ثم جاء الحسين علیه السلام فأدخله، ثمّ فاطمة ثمّ عليّ رضي الله عنهما، ثمّ قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ

ص: 148

لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (1)(2)، وإلى هنا نقلنا مجمل ما قال الفخر الرازي .

ويقول بعد ذلك : واعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير(3) ومثله فعل نظام الدين النيشابوري في تفسيره وادّعى عليها الاتفاق والزمخشري في الكشاف، وناصر الدين البيضاوي في أنوار التنزيل وكذلك أبو السعود نقل ذلك بنفس الطريق، وشمس الدين سبط أبي الفرج بن الجوزي البغدادي في التذكرة روى اتفاق العلماء وأصحاب السير عليها، وابن روزبهان مع تعصبه الشديد في ردّ كشف الحق لآية الله العلّامة ادعى عليها الاتفاق أيضاً، ومثله فعل كمال الدين بن طلحة وأثبت نسبتها إلى جميع النقلة والرواة الثقات والعضدي في المواقف، والشريف في شرحها، والتفتازاني في وشرحه، وعلاء الدين القوشجي ولم يناقش السند أبداً، ومسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحه، وأبو عيسى الترمذي أيضاً في صحيحه، وقد أجمعت أهل السنة على تصحيح ما جاء فيهما من الأحاديث .

فقد روى هؤلاء جمياً أن النبى الله صلی الله علیه و آله وسلم بعد نزول آية المباهلة جمع هؤلاء الأربعة وقال: اللهم هؤلاء أهلي.

وفي الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي بعد نقله عن جابر أن قوله تعالى «أنفسنا» محمد وعلي و نسائنا فاطمة «وأبنائنا» الحسنان ، قال : هكذا رواه الحاكم

ص: 149


1- الأحزاب : 33 .
2- تفسير الفخر الرازي 8 85ط البهية بمصر . (هامش الأصل) وجرت مطابقته على الطبعة الثانية لدار إحياء التراث العربي بيروت 8: 80 ، ونقلت النص كله ولم أتابع المؤلّف لأنه مترجم للنص وله أن يختصر ويحذف وأنا ناقل النص فلا سبيل لي إلا نقله كما أورده صاحب المصدر الرازي . (المترجم)
3- نفسه 80:8

في مستدركه عن عليّ بن عيسى وقال : صحيح على شرط مسلم. ورواه أبو داود والطيالسي عن شعبة ، والشعبي، وروى ابن عبّاس والبراء نحو ذلك .

وذكر ابن الأثير هذه الرواية في أسد الغابة باختلاف أسد الغابة باختلاف يسير ، والقرماني في أخبار الدول، ومودّة القربي لسيّد علي الهمداني، وفي مناقب السبطين لمحب الدين الطبري، وذكرها ابن حجر الهيثمي في شرحه على همزية البوصيري، وذكرها أيضاً في الصواعق المحرقة واعترف بصحتها ، وذكرها جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء وشرح ديوان الحسين بن معين الدين الميبدي، والمحبّ الطبري المكي في ذخائر العقبى، وسيّد مؤمن الشبلنجي المعاصر المصري في نور الأبصار وادّعى اتفاق المفسرين عليها، والعارف القندوزي القسطنطيني المعاصر في مواضع عدّة وبطرق مختلفة .

وهؤلاء الكبار كلّ واحد منهم يُعدّ من أساطين عالم التسنّن ومن أماثل القوم وأساطينهم ، ولهم مراتبهم العلمية المعترف بها ، فقد نصوا عليها في تأليفهم، ولو ذهبنا نستقصي طرق هذه الرواية لكان المثنوي سبعين منا من القرطاس .(1)

ومن هذه الجهة لم يستطع إنكارها الفخر الرازي وهو قمة العصبية المذهبية، وموئل إنكار فضائل أهل البيت ولم يؤت القدرة على ردّها وقال هذه الآية دليل على أن الحسنين ابنا رسول الله، والحمد لله على وضوح الحجّة .

وأورد الزمخشري في الكشاف قائلاً: فإن قلت ما كان دعائه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضمّ الأبناء والنساء ؟ قلت : ذلك أكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على

ص: 150


1- مثل فارسی «مثنوی هفتاد من کاغذ شود».

تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبته واعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة ، وخص الأبناء والنساء لأنّهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى قُتِل ، ومن ثمة كانا يسوقون مع أنفسهم الضعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق .

وقدّمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس مفدون بها ، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على

فضل أصحاب الكساء (1)وهذا مجمل ما قاله صاحب الكشاف .

والعبد الله يقول : أوّلاً: الأولى أن يجعل الوثوق بالصدق والاطمئنان في تقديم الأبناء والنساء هو الأهم والأجدر لأنه وكما قال الزمخشري ينحصر هم الإنسان في مقام المحن والبلاء في نجاة الأبناء والنساء، ومع كل ما يتوقع من جراء هذه المباهلة فإنّ ذوي العزّة والمحبّة في مقام البلاء ونزول الداهية الدهماء يقدّمون الأبناء والنساء، وهذا دليل واضح على صدق الدعوى وثبات القدم ورسوخها حيث لا يوجد عاقل يجعل أطفاله وعياله وقاءاً له أمام البلاء النازل من السماء وفداء له في نزول القضاء المفاجئ..(2)

ثانياً : أنظر بعين الدقة والتأمل الجيد وبالبصيرة النافذة إلى هذا الرجل الذي هو علّامة طائفته المطلق كيف يذعن بأنّ فاطمة والحسنين الله أحبّ الخلق إلى

ص: 151


1- الكشاف 1 : 434 ولم نقنع بما أجمله المؤلّف لأن ذلك يؤثر على النص العربي في الكشاف . (المترجم)
2- رحم الله شيخنا الطهراني كان عليه أن يفطن إلى ما تحت هذا القول من نفي الفضل عن المباهل بهم حيث جعلوا تقديمهم بين يدي النبي يعود أولاً وبالذات إلى الطبع الأبوي وأنه قدمهم إشارة منه إلى صدق دعواه ورسوخ قدمه مع حبّه الشديد لهم ، ولو لم يكن واثقاً بالنصر والنجاة لصدقه لما قدمهم وليس ذلك لفضل فيهم وأمر من الله بتقديمهم . (المترجم)

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو وهم أفلاذ كبده وأنّهم أشد الناس به لصوقاً ودنواً وهمه فى نجاتهم من الأحداث أكثر من أي شخص آخر ثمّ يتقاعس عن أداء حقوقهم بحيث لا نظير له في ذلك ويقدم عليهم الأخسَ المعيب الفطرة الذي ليس له حسب أو نسب ويفضّله عليهم (1)نعوذ بالله من الخزي والخذلان .

الآية الثانية

«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ» إلى قوله تعالى: «وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاً بِكُمْ» (2).

أسند الشيخ الأعظم الأقدم ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني الرازي جزاه الله عن العترة الطاهرة خير الجزاء في جامعه العظيم وهو بشهادة المفيدة لأجل كتب الإسلام وأعظم مصنّفات الإمامية المسمّى ب_«الكافي» والشيخ الجليل العظيم أحمد بن أبي طالب الطبرسي قدّس سرّه الزكي في كتاب الاحتجاج وساقا السند إلى باقر علوم النبيين أبي جعفر الإمام محمد الباقر سلام الله عليه وعلى آبائه وابنائه أنه قال لأبي الجارود: يا أبا الجارود، ما يقولون لكم في الحسن والحسين علیهما السلام؟ قلت ينكرون عليهما أنهما ابنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

قال: فأي شيء احتججتم عليهم ؟ قال : احتججنا عليهم بقول الله عزّ وجلّ في عیسى بن مريم علیهما السلام: «وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ

ص: 152


1- ليس الزمخشري كما يقول عنه المؤلف بل هو معتزلي والمعتزلة رأيهم تفضيل أهل البيت أو رأي الأغب منهم والزمخشري من هؤلاء ، أليس هو القائل : فاز كلب بحبّ أصحاب كهف***كيف أشقى بحب آل النبي (المترجم)
2- النساء : 23 .

وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ »«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى» (1)فجعل عيسى بن مريم من ذريّة نوح علیه السلام.

قال : فأيّ شيء قالوا ؟ قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب.

قال : فأي شيء احتججتم عليهم ؟ قلت احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله له : «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ».(2) قال : فأي شيء قالوا ؟ قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول : أبنائنا.

قال: فقال أبو جعفر علیه السلام : يا أبا الجارود، لأعطينكها من كتاب الله جل وتعالى أنهما من صلب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا يردّها إلا كافر .

قلت : ومن أين ذلك جعلت فداك ؟ قال : من حيث قال تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ» الآية إلى أن انتهى إلى قوله: «وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ» فسلهم يا أبا الجارود: هل كان يحلّ لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نكاح حليلتيهما ؟ فإن قالوا : نعم ، كذبوا وفجروا ، وإن قالوا: لا فهما ابناه لصلبه ...(3)(4)إلى هنا تمّت ترجمة الحديث المبارك إلا ما تخلله من ترجمة الآية ألفاظ قليلة.

وقريب من هذا الاستدلال الخبر الذي رواه في الاحتجاج منقولاً عن الإمام الكاظم علیه السلام أنّ الرشيد العباسي سأله : [كيف] جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ويقولوا لكم يا بنى رسول الله، وأنتم بنو علي وإنما ينسب

ص: 153


1- الأنعام : 84 - 85 .
2- آل عمران : 61 .
3- الكافي 8: 317 و 318 ، الاحتجاج 2 : 58 و 59 (المترجم)
4- الكافي 8: 317 ح 501 ، الاحتجاج 2 : 58 احتجاج الإمام الباقر (هامش الأصل)

المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبي جدّكم من قبل أُمَكم؟

فقلت يا أمير المؤمنين ، لو أنّ النبي نُشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ قال : سبحان الله ولم لا أجبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت له : ولكنّه لا يخطب إليّ ولا أزوجه. فقال : ولم ؟! فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك . فقال : أحسنت يا موسى(1) .

أما الأخبار الواردة عن طريق أهل السنة والجماعة في أنّ الحسنين هل هما ابنا رسول الله أو عليّ أو أحدهما لم أعثر على فرقة ادعت نفيهما عن النبي في كتبهم المعتبرة على بضاعتي العلمية المزجاة، وكلّ منصف يذعن بتواتر ذلك ولا يتحمّل هذا المختصر حصر هذه الأخبار ، ولا في قدرتي إثباتها جميعاً بل لا يتسع الوقت لذلك من ثمّ نقتصر على بضعة أحاديث شريطة أن تكون غاية في الاعتبار ستداً ودلالة ، فنقول :

الأوّل: ما رواه محمّد بن إسماعيل البخاري الذي يعتبر كتابه عند العامة أصحَ الكتب بعد كتاب الله وهو الجامع الصحيح فقد روى فيه عن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة أخرى ويقول : ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين (2). وهذه إشارة إلى صلحه علیه السلام ومعاوية والمراد من إسلام هذا الأخير الظاهري وهو قول الشهادتين وليس فيه دلالة على إسلام أصحاب معاوية ، ولا تنافی الأدلّة الصريحة الدالة على كفر عدوّ أهل البيت كما يظهر ذلك لكلّ ذي

ص: 154


1- الاحتجاج 2 : 163 و 164 . (المترجم وهامش الأصل)
2- صحيح البخاري 5 : 32ط مطابع الشعب باب مناقب الحسن والحسين. (هامش الأصل) صحيح البخاري 3 : 170 ط بيروت دار الفكر الطبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باصطنبول 1401 المجلدات = 8. (المترجم)

بصيرة. وهذا الحديث بعينه مع إضافة لفظ «عظيمتين» بعد قوله «فئتين» مروي في الترمذي الذي يعتبر كتابه من أعظم الكتب السنّة الصحاح .(1)

ورأيته في غير هذين الكتابين في كتب كثيرة من كتب هذه الطائفة - العامة - ولا تنفع في إفلاج حجّة الخصم بعد كتاب البخاري لأنّهم يعتبرون أقواله حجّة قاطعة بل حكم بعضهم بكفر راد أحاديث البخاري، وأنت تعلم أن لا فرق في هذا الأمر بين الحسن والحسين .

الحديث الثاني: نقل محمد بن عبدالله الترمذي صاحب الصحيح في كتابه عن أسامة بن زيد قال : طرقت النبي صلی الله علیه و آله وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو مشتمل على شيء لا أدري ، فلما فرغت من حاجتي قال: فكشفه فإذا حسن وحسين علیهما السلام على وركه ، فقال : هذان ابناي وابنا بنتي ، اللهم إنِّي أُحبّهما فأحبهما وأحبَّ من يحبّهما (2)قال : هذا حديث حسن قريب . ورواه النسائي أحمد بن شعيب صاحب الصحيح في كتاب الخصائص مسنداً .(3)

الحديث الثالث: رواه أيضاً الترمذي في صحيحه عن يوسف بن إبراهيم أنّه سمع أنس بن مالك يقول : سُئل رسول الله : أي أهل بيتك أحب إليك ؟ قال : الحسن والحسين . وكان يقول لفاطمة : ادعي ابني فيشمهما ويضمهما إليه . قال :

ص: 155


1- صحيح الترمذي :3 : 192 ط الصاوي بمصر ، إحقاق الحق 10 : 664 عنه . (هامش الأصل) والحديث عن أبي برّة قال : صعد رسول الله المنبر فقال : إن ابني هذا سيد ، يصلح الله على يديه بين فئتين . هذا حديث حسن صحيح . قال : يعني الحسن (سنن الترمذي 5 : 323 ط دار الفكر طبعة ثانية 1403 تحقيق عبد الرحمان محمد عثمان) . (المترجم)
2- وقع خطأ من المترجم هنا فالمرجع المرقم من هامش الأصل برقم (2) هو للحديث المرقم برقم ،واحد ، أما هامش المترجم فهو صحيح، والحديث المرقم برقم (1) هامش الأصل فهو في ج 5 باب 31 رقم 3773
3- خصائص النسائي : 36 طبع التقدم بمصر . (هامش الأصل)

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث أنس .(1)

الحديث الرابع: ذكر ابن حجر المكي صاحب الصواعق وهو متأخر في كتاب «المنح المكيّة» في شرح بيت البوصيري الذي قال فيه :

كنت تؤويهما إليك كما***أوت من الخط نقطتيها الياء

فقال : : وجاء من طرق صح بعضها ابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما .(2)

وذكر في الصواعق : أخرج ابن عساكر عن عليّ وابن عمر ، وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر ، والطبراني عن قرّة ومالك بن حريث، والحاكم أيضاً عن ابن مسعود مرفوعاً: ابناي هذان الحسن ... الخ .(3)

الحديث الخامس: ويقول في المنح أيضاً : روى البغوي وغيره: سمّى هارون ابنيه شبراً وشبيراً وإنّى سمّيت ابنى الحسن والحسين .(4)

الحديث السادس: وذكر ابن حجر في المنح أيضاً، ويؤيده ما صح عن عمر قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. وفي رواية زيادة الصهر والحسب وكلّ بني أُنثى عصبتهم لأبيهم ما عدا ولد فاطمة فإنّي أنا أبوهم وعصبتهم .(5)

ص: 156


1- صحيح الترمذي 3: 193 مصر الصاوي . (هامش الأصل) سنن الترمذي 5: 323 ط دار الفكر الثانية 1403 تحقیق عبدالرحمن محمد عثمان، بيروت. (المترجم)
2- يوجد في الصواعق المحرقة في الفصل الثالث ص 190 كثير من هذه الأخبار .
3- الصواعق المحرقة ، الفصل الثالث ، ص 191 الحديث الحادي عشر . (هامش الأصل)
4- وفي فرائد السمطين 1: 41 ط بيروت، عن سلمان الفارسي عن رسول الله : وابناي الحسن والحسين (هامش الأصل)
5- نقل هذا الموضوع علماء أهل السنة والجماعة في كتبهم بأسناد مختلفة وذكره بالتفصيل في «إحقاق الحق» 9: 648... وإحقاق الحق 18 : 331

والأولى ذكر أقواله التي ذكر من أجلها الحديث السالف وجاز به شاهداً عليها لأنّ به فوائد كثيرة. ويقول في شرح هذا البيت:

سُدْتُم الناس بالتقى وسواكم***سوّدته البيضاء والصفراء

إن سيادة الحسنين وذرياتهما من حيث النسب أشهر من أن تُذكر، ودليل ذلك آية المباهلة . ويقول بعض المفسرين أهل التحقيق ما من دليل أدلّ من هذه الآية على فضل فاطمة وعليّ والحسنين لأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم دعاهم عند نزولها فحمل حسيناً وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة ورائهم وعلي وراء فاطمة فعلم من ذلك أنّهم المعنيون بالآية فصار أولاد فاطمة وذرّيّتها يدعون أبناء النبي صلی الله علیه و آله وسلم وينسبون إليه نسبة نافعة وحقيقته في الدنيا والآخرة وبرهان ذلك حديث صحيح عن النبي أنه خطب خطبة فقال : ما بال أقوام يقولون : إنّ رحمي لا ينفع ؟! بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة .. إلى آخر الحديث .(1)

وروى الطبراني : إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب عليّ علیه السلام (2).

ص: 157


1- مستدرك الحاكم 4 : 74 وتمامه : وإنّي أيها الناس فرطكم على الحوض فإذا جئت قام رجال فقال هذا : يا رسول الله ، أنا فلان، وقال هذا يا رسول الله ، أنا فلان، فأقول : قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال محقق الكتاب قيد الترجمة : هذا إشارة أي الحديث الذي أسنده المؤلف إلى ابن حجر - إلى الروايات التي فيها أن عمر قال لأُمّ هاني : اعلمي بأنّ محمّداً لا يغني يغني عنك من الله شيئاً، وقال رسول الله في جوابه : ما بال قوم يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، الحديث، وعزاه المحقق إلى إحقاق الحق 9: 480 ولم أعثر على الحديث الذي ذكره المؤلف في هذه الصفحة بل ذكر حديثاً عن الشفاعة كما بينت لك صدره وتتمته : إن شفاعتي تنال صادركم قبيلتان من قبائل اليمن . أخرجه الطبراني . وفي آخر : تنال صداً وحكماً . أخرجه الطبراني في الكبير . وهذا كله يختلف مع سياق شفاء الصدور . (المترجم)
2- الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير يختلف عن سياق المؤلف وهو كالتالي : عن عمر !! قال : سمعت رسول الله يقول : كل بني أُنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم . (المعجم الكبير 3: 44) ط بيروت دار إحياء التراث العربي الثانية نشر مكتبة ابن تيمية القاهرة .. وقال محقق الكتاب قيد الترجمة : وبينت روايات هذا الموضوع في رسالة بالتفصيل وفي إحقاق الحق 9 48 و 18 : 644 ذكر ذلك مشروحاً. أقول : لا سياق في هاتين الصفحتين من إحقاق الحق يتفق وسياق المؤلّف ولكن سياق ص 644 يتفق وسياق المعجم الكبير . (المترجم)

وروى غير الطبراني من عدة طرق وفي بعضها زيادة: إذا كان يوم القيامة يُدعى الناس بأسماء أُمّهاتهم ليسترهم الله تعالى إلا علي وذريتهم فإنّهم يُدعون بأسمائهم لصحة نسبهم .

وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في العلل المتناهية وهو مردود لأنّ كثرة طرقه يلحقه بدرجة الحسن بل يرقى بها إلى درجة الصحيح، ومؤيده ما نقل بالطرق الصحيحة عن عمر : كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي .(1)

وفي رواية : زيادة صهري وحسبي ولكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم...(2)

إلى هنا كان الكلام الذي سمعته هو كلام ابن حجر الناصبي، والرواية صريحة بأنّ النبي أبوهم ولازمه أنهم أولاده كما هي دعوانا ، وقد ورد هذا الخبر في كثير من الكتب بألفاظ مختلفة مثل إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان المصري وأسد الغابة لابن الأثير ، وينابيع المودة للمعاصر القسطنطيني ونور الأبصار للشيخ مؤمن الشبلنجي المعاصر وغيرهم رووا الرواية بطرق عدة، وما شهد به ابن حجر من صحة هذه الرواية عن عمر من الفضل الذي شهدت به الأعداء، وهو فصل الخطاب، والفضل ما شهدت به الأعداء.

ص: 158


1- الطبراني، المعجم الكبير 3: 45. (المترجم)
2- المعجم الكبير 3 : 44 و 22 : 422. (المترجم)

الحديث السابع : قال محمد الصبّان المصري وهو من مشايخ أهل السنة الكبار في رسالة إسعاف الراغبين : روى ابن عساكر وابن مندة عن فاطمة أنها أتت بابنيها فقالت: يا رسول الله ، هذان ابناك فورتهما شيئاً ، فقال : أما حسن فله جرأتي وجودي، وأمّا حسين فله هيبتي وسؤددي وفي رواية: أما الحسن فله حلمي وهيبتي، وأما الحسين فقد نحلته نجدتي وجودي .(1)

فقول الزهراء سلام الله علیها وتقرير النبي صلی الله علیه و آله وسلم كلاهما حجّة .

الحديث الثامن: روى عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير الحافظ وهو من أعاظم الحفاظ وأجلّة المحدثين والمؤرّخين والمحققين عند طائفته في كتابه «أسد الغابة» في موضعين : عن عليّ بن أبي طالب قال : لما ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو . فلما ولد الحسين سميته ، فجاء النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : أروني ابني ما سمّيتموه؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين، فلما ولد الثالث سمّيته حرباً، فجاء النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ثمّ قال: إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر وشبير ومشبر .(2)

وهذا الحديث رواه محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى والحسين بن الديار بكري في تاريخ الخميس. وقال الديار بكري: رواه أحمد بن حنبل وأب-و

حاتم الرازی .(3)

ص: 159


1- إسعاف الراغبين : 166 ط مصر هامش نور الأبصار . (هامش الأصل)
2- أسد الغابة 2 : 11 رقم 1165 و 2 : 1173 . ولفظ الحديث من الجزء الثاني . ( هامش الأصل) وجرى تطبيقه على أسد الغابة 2 : 10 نشر إسماعيليان طهران.
3- راجع : ذخائر العقبى : 119 ط مكتبة القدسي 1356 هجرية.

تنبيه :

في أخبار الشيعة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم سماهم بهذه الأسماء بأمر الله ، ولم يسبقه أمير المؤمنين بتسميتهم ، كما سمعت في خبر تاريخ الخميس، وبعض أخبار الشيعة جاءت موافقة للخبر المتقدم والأول أظهر وأصح وأوفق بالقواعد ويلزم العلم بأن رواية ولادة المحسن في حياة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لا تتفق مع رواياتنا، وجاء في رواياتنا وعن طريق أئمتنا لولادته حديث آخر ذو تفصيل، ولا يتسع المقام الآن لذكره.

الحديث التاسع : ذكر الشيخ الفاضل المؤرّخ الحسين بن محمد الدياربكري وهو من أكابر علماء أهل السنة والجماعة - في تاريخ الخميس عن أسماء بنت

عميس قالت : قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا أسماء ، هلمي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا مولوداً في خرقة صفراء ، فلفيته (1)بخرقة بيضاء فأخذه فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى فقال (ثمّ قال - المصدر) لعلي علیه السلام : سمّيت ابني ؟ قال : ما كنت لأسبقك بذلك، فقال: ولا أنا سابق ربّي، فهبط جبرئيل فقال: يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ويقول لك : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدك ، فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون ، فقال : وما كان اسم ولد هارون یا جبرئیل ؟ قال : شبّر ، فقال(2): إن لساني عربي ، فقال : سمه الحسن، ففعل.

فلما كان بعد حول ولد الحسين، فجاء النبي ، وذكرت مثل الأوّل وساقت قصة التسمية مثل الأوّل ، وأنّ جبرئيل أمره أن يسمّيه باسم ولد هارون شبير، فقال له

ص: 160


1- فلفيته - بالياء والتشديد كما في النسخ فإن صحت فلعله من قبيل التظنّي في نقل المضاعف إلى الناقص للتخفيف . (منه) وفي ذخائر العقبى : 130 ط قدسي «الففته». (هامش الأصل)
2- صلی الله علیه و آله وسلم

النبي مثل الأوّل ، فقال : سمه حسيناً . خرجه الإمام علي بن موسى الرضا علیه السلام ..(1)

وفي هذا الحديث ورد ذكر «ابن» وأطلق على الحسين في ثلاث مواضع، وهذا الحديث عينه مروي في ذخائر العقبى .. (2)

الحديث العاشر : ذكره الشيخ العارف الكامل المحدث الفاضل سليمان بن خواجه كلان الحسيني الحنفي النقشبندي القندوزي البلخي الإسلامبولي المعاصر في كتاب «ينابيع المودة» وفي «جمع الفوائد»(3): عبدالله بن شداد عن أبيه : خرج علينا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في إحدى صلواتي الليل، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم صلی الله علیه و آله وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى الصلاة قال الناس يا رسول الله ، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر ، أو أنه يوحى إليك ؟ قال : كلّ ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته . ذكره النسائي في باب السجدة (4). وإنّي عثرت على هذا الخبر في نفس النسائي بعد ما نقلت من الينابيع العزو إليه .

ص: 161


1- تاريخ الخميس 2 : 418 ط الوهبية، وط بيروت. (هامش الأصل)
2- ذخائر العقبي : 130 ط قدسي، وإحقاق الحق 501:10 . (هامش الأصل)
3- جمع الفوائد : هو كتاب مأخوذ من أخبار جامع الأصول لابن الأثير الذي جمع به الصحاح الستة ومأخوذ أيضاً من جمع الزوائد للهيثمي نورالدين الذي جمع فيه مسند أحمد بن حنبل ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند أبي بكر البزاز والمعاجم الثلاثة للطبراني كما نقل ذلك في أول كتاب الينابيع . (منه)
4- ينابيع المودة : 168 ط إسلامبول، والمستدرك للحاكم 3: 165 ط حيدر آباد الدكن، وأسد الغابة 2: 389 ط مصر . (هامش الأصل) وجرى تطبيقه على ينابيع المودة ط دار الأسوة تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني ، الأولى 1416، 2: 43 ، وعلى المستدرك ط دار المعرفة بيروت تحقيق المرعشلي، 3: 166، و على أسد الغابة نشر إسماعيليان ، 2: 389، وعلى سنن النسائي ، ط دار الفكر بيروت أولى 1348، 2: 230 . (المترجم)

ومجمل القول أنّ الأخبار على هذا النمط في كتب أحاديث أهل السنة والجماعة كثيرة وهي في حنايا كتبهم خارجة عن حدّ الحصر .(1)

إشارة :

المشهور بين علماء الإمامية رضوان الله عليهم أن من كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سواهم لا يستحق الخمس ولكن مذهب السيّد المرتضى خلاف ذلك وتبعه من المتأخرين صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني فأجاز أخذه لهاشمي الأم، وبنو النزاع على مسألة ابن البنت ، وهل يقال له ولد أو لا ؟ والحق أن الإنكار غير متين على هذه المسألة بل مستند المشهور مرسلة حماد عن الإمام موسى الكاظم علیه السلام فقد روي صريحاً عن الإمام الكاظم علیه السلام أن النسب من جهة الأمّ إلى هاشم علیه السلام لا يوجب أخذ الخمس ولا تحريم الصدقة ، قال علیه السلام : فأما من كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له وليس له من الخمس شيء... (2)

شی ولا يقدح بالاحتجاج التضعيف بالإرسال لأنّ حمّاداً من أصحاب الإجماع وأخباره كلّها صحيحة كما أوضحنا ذلك في رسالة مفردة ببيان كاف على وجه لا تبقى معه شبهة .. على أنّ متن الرواية شاهد بنفسه على الصدق، راجع باب الخمس من أصول الكافى، وتأمل الحديث تأملاً جيداً من أوله إلى آخره فستطمئنّ بصدوره عنهم علیه السلام إن كنت من أهل الأنس بلسان الأئمة وتتبع أخبارهم

ص: 162


1- تجد الكثير منها في إحقاق الحق مجلدات 10 - 11 . (هامش الأصل منقولاً)
2- وسائل الشيعة 6 359. ومن كانت أُمه ... فإن الصدقات . (هامش الأصل) وجرى تطبيقه على الوسائل ط آل البيت قم الثانية 1414، 9: 271 . من كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحلّ له وليس له من الخمس شيء ... الخ . (المترجم)

علاوة على أن الشهرة الاستنادية جابرة لكل نوع من أنواع الضعف ورافعة لكلّ قسم من أقسام العيب.

وفي أخبار كثيرة جاء ذكر الهاشمى والظاهر أن هذه النسبة تماماً مثل النسبة إلى القبيلة أو العشيرة لا تكون إلا من جهة الأب لا الأُمّ، وإن كانت بحسب الوضع اللغوي أعمّ من ذلك لأنّ ياء النسبة في جميع المراتب كالنسبة إلى الصنعة أو البلد أو المذهب واحدة لا فرق بينها، ومثلها مادة النسبة، وحمل الأخبار قطعيّة الصدور الواردة في فخر الأئمة بولادتهم من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأنهم أبنائه على المجاز والاستعارة ينافي مقام فضلهم الواقعي وشرفهم الحقيقي في نفس الأمر، بل المتأمل في الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب والاستعمالات غير المقيدة بالقرينة يقطع بأنّ النزاع بين الأئمة وبني العباس يدور على الإطلاق الحقيقي، فإنّ بني العباس إما لجاجة وعناداً وإما خبثاً ودهاءاً منهم يجادلون في انصراف المعنى الحقيقي عن الأئمة في هذه المسألة لإلقاء الشبهة في أذهان العامة، والحديث الذي ذكرناه في ذيل الآية الثانية شاهد صدق على هذا المدعى .

من هذه الجهة ادّعى الشيخ المحقق الفقيه محمد بن إدريس الحلي في كتاب السرائر الإجماع على إطلاق الابن على ابن البنت على الحقيقة في باب المواريث، والكلام المفصّل الذي نقل عن السيد يحكي عدم الخلاف في المسألة.

وحكي عن شيخ الطائفة القول بإجماع الأمة على ذلك ودليل الخصوم بيت الشعر الذي قاله الجاهلي ک

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا***بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد (1)

ص: 163


1- ينسب هذا الشعر إلى عمر بن الخطاب ، جامع الشواهد : 91. (تعليقات المحقق)

وهذا الكلام أوّلاً مجهول القائل (1)خزانة الأدب 1 : 300 . (2) جامع الشواهد .91 (3) تفسير الرازي 8: 488 (4)تفسير القرطبي 104:4 و 7 : 31 . (5) آل عمران : 61 . (6) الأنعام : 84 - 85 . (7) منتخب الطريحي : 491 و 492 والحديث طويل . (هامش الأصل) وهو مترجم كما ترى . (المترجم). (8) تفسير العياشي 1 : 359. (المترجم) نفسه 1: 367، تفسير البرهان 1: 539 ذيل الآية الشريفة . (هامش الأصل). (9) النساء : 23 . (10) تجد هذا كله في تفسير البرهان 356:1 نور الثقلين 2 : 299 ذيل الآية الشريفة (11)، ولا يُدرى متى قاله صاحبه وفي أي طبقة

ص: 164


1- نسب هذا الشعر إلى عمر بن الخطاب
2- ونسبه بعضهم إلى أبي فراس همام الفرزدق
3- . وتمكنت يد السياسة الأثيمة من حمل علماء العامة في مقابل ظاهر الآية الشريفة وتصريح جمع غفير من علمائهم مثل الفخر الرازي
4- والقرطبي
5- وغيرهما وغيرهما، وروايات كثيرة ادعي لها التواتر والإجماع تنص على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله ، أن يقولوا الحسن والحسين ليسا ابني رسول الله استناداً على هذا الشعر الفارغ من المحتوى، ونحن من أجل إظهار واقع السياسة يومذاك وما كان يعانيه شيعة الإمام أمير المؤمنين من الضغط والإكراه ننقل رواية واحدة تدلّ على ما قلناه کنموذج على الواقع يومذاك... نقل الطريحي عن الشعبي الحافظ للقرآن قال : استدعاني الحجاج بن يوسف الثقفي يوم عيد الأضحى وقال : أي يوم هذا ؟ فقلت : عيد الأضحى قال الحجاج : بم يضحي الناس في هذا اليوم ؟ قلت : بالأضاحي والصدقات وأعمال البر . فقال الحجاج : إني نويت التقرب يقتل علوي . فقال الشعبي : فسمعت خشخشة القيود، فخفت أن أتطلع لئلا يستخف بي الحجاج ، فبينا أنا كذلك إذ بدى العلوي وقد وضعت السلاسل على عنقه والقيود من الحديد في رجليه ومعصميه ، فاستقبل الحجاج العلوي بوجهه وقال : أنت فلان بن فلان العلوي ؟ فقال : نعم ، أنا هو ذلك . فقال الحجاج : أنت القائل بأنّ الحسن والحسين أبناء رسول الله ؟ فقال العلوي: ما قلتها ولا أقولها بلى أقول الحسن والحسين ابنا رسول الله لصلبه برغم أنفك فقال الشعبي : فاستوى الحجاج جالساً - بعد أن كان متكئاً - لشدّة غضبه وانتفخ سحره إلى الدرجة التي قطع زرّ قميصه وأمر بتجديد ثيابه، ثمّ قال : أيها العلوي، إن جئت على ما تقول ببرهان من كتاب الله وهبتك ثيابي وأطلقت سراحك ، وإن عجزت عن ذلك قتلتك شر قتلة . يقول الشعبي : وكنت حافظاً للقرآن وأعرف وعده و وعیده و ناسخه و منسوخه، فلم تخطر ببالي آية تدل على ما يطلبه الحجاج، فحزنت للعلوي وكبر عليّ مقتله . قال الشعبي : فشرع العلوي بتلاوة القرآن وقال : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم» فقطع الحجاج تلاوته وقال : لعلك تريد الاحتجاج بآية المباهلة في القرآن : «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ»
6- ؟ فقال العلوي : أما والله إنّ فيها لمقنعاً ولكني أحتج بغيرها ، ثم أخذ يتلو قوله تعالى:«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم»«وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ»«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى»
7- ثم سكت . فقال :الحجّاج : لم تركت عیسی ؟ هل جهلته ؟ فقال العلوي : صدقت يا حجاج، فكيف استقرّ عيسى في عقب نوح مع أنه لا أب له ؟ فقال الحجاج : من جهة أمه يعتبر من صلب نوح. فقال العلوي : وكذلك الحسنان في ولادتهما من رسول الله . فبهت الحجاج من هذا القول فكأنه ألقمه حجراً ...
8- . ونقل العياشي الحديث بصورة مختصرة وقال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن معمر قال : بلغني أنك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذرّيّة رسول الله .
9- وأخيراً كانت هذه المسألة تثير خنق الحكام في كل زمان من ثمّ تشتد وطأة ظلمهم على أبناء النبي وشيعتهم ، ولك أن ترجع إلى حديث الإمام الرضاء في مجلس المأمون، وحديث الإمام موسى بن جعفر مع هارون، واستدلال هذين الإمامين العظيمين على المسألة بالآية الشريفة «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ...»
10- وقالا : لا يحل للنبي الزواج من بناتنا وتحل له بناتكم
11- (المحقق)

ص: 165

هو، ولعله لشاعر قاله تقرباً إلى بنى أُميّة أو بنى العباس، شأنه شأن الموضوعات الكثيرة حولى المعنى ولو اطلعت على ما كان يضعه خلف الأحمر وحماد الراوية والأصمعي وغيرهم من الشعر وينسبونه إلى الأوائل، وهو ثابت في كتب الأدب، لما جعلت مثل هذه الأشعار دليلاً على المدعى ...

وثانياً : إن ما يصل ذهني القاصر أن معنى الشعر ليس لتقرير حقيقة لغوية ، لأنّ ذلك خارج عن نطاق الشعر بل يقوم بعض النحاة واللغويين والأدباء على انتحال الشعر لوضع لفظ فيه مورد خلاف بينهم ليسهل حفظها، ومعنى الشعر في هذا البيت أنّ الشاعر يقول : إنّ الذين يلبون ندائنا ساعة الحاجة ويشفون العله وينقعون الغله هم أبناء أبنائنا لأنهم أبنائنا أما أبناء البنات فهم بمنزلة البعداء لأنّهم يحيون مع آبائهم ويعينونهم، وليس معنى هذا أنه يريد نفي صدق الابن على أبناء البنات ، وهذا المنى لا يخفى على الأريب الذي يميّز دقائق الكلام .

و تفصيل هذا البحث خارج عن نطاق هذا المختصر، وتعرّضنا إلى هذه النكتة لكي تكون إشارة إلى بعض النابهين الناظرين في هذه الصفحات لئلا يحرموا من الفائدة ، والله المعين الموفق .

ص: 166

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

الشرح : يقتضينا شرح هذه الكلمة المباركة الكلام في موضعين :

الموضع الأول: في لفظ أميرالمؤمنين

أما أمير فهو فعيل من الأمر ، مهموز الفاء ومصدره الإمارة والأمر ، ومعناه الآمر وهذا واضح لا غبار عليه ولكن ذكرنا لهذا المورد لوجود إشكال معروف متعلّق بهذه الكلمة .

في الحديث المنقول في علل الشرايع ومعانى الأخبار أن الكاظم علیه السلام أجاب من سأله عن وجه تسمية الإمام الله بأمير المؤمنين ، فقال: «لأنه يميرهم بالعلم» (1)ويدلّ هذا الخبر على أنّ اشتقاق «أمير» من مار يمير كما صرح بذلك جماعة ، من تم عمدوا إلى التوجيه والتأويل وتناولوا ذلك من عدة وجوه:

الأوّل: إنّ الكلمة مشتملة على القلب فقد نقلت عين الفعل إلى فاء الفعل ثمّ اشتق اللفظ منها . وهذا الوجه في غاية الضعف والسخافة لأنّ «مار» فعل أجوف وامر فعل مهموز ، ولو كان قلب، على أن ذلك مخالف للقاعدة فينبغي أن يكون

ص: 167


1- يميرهم العلم . معاني الأخبار : 63 ، علل الشرايع : 65 ، العياشي وبصائر الدرجات: 149 ، بحار الأنوار :37: 293. قد أفلحوا بك أنت والله أميرهم ؛ تُمير هم من علمك . حسن بن محبوب عن الصادق . ابن . شهر آشوب 1 359 في حمله وولادته . (هامش الأصل) وجرى تطبيقه على «علل الشرايع» ط المطبعة الحيدرية 1386 النجف ، 1: 161، وعلى معاني الأخبار للصدوق ط انتشارات اسلامي، الطبعة 1361 هجري شمسي تحقيق علي أكبر الغفاري : 63. (المترجم) أبان بن الصلت عن الصادق : سمّي أمير المؤمنين إنما هو من ميرة العلم وذلك أن العلماء من علمه امتاروا و من ميرته استعملوا . سلمان : سُئل النبي فقال : إنما يمير بهم العلم يمتاروا منه ولا يمتار من أحد . (ابن شهر آشوب 1: 548 في أنه أمير المؤمنين).

«يمر» وتكون صفته المشبهة «يمير» إلا أن يلتزم القائل بهذا بقلب الياء إلى همزة اعتباطاً وعلى خلاف القياس ليكون المصداق الحقيقي للمثل المعروف «زاد في الطنبور نغمة».

الوجه الثاني : تكون هذه الكلمة على سبيل الحكاية لأن أمير المؤمنين كفيل بإيصال الميرة والطعام إلى أهل الإيمان، فقال: «أنا أميرالمؤمنين» [فتكون كلمة أمير فعلاً مضارعاً - المترجم] فكانت هذه الجملة اسمه المبارك نظير تأبط شراً، وهذا الوجه وإن كان أقرب من الوجه الأول (1)ولكنه ضعيف أيضاً لأنّ الجملة إذا سمّي بها لا يتغيّر إعرابها وعلى هذا ينبغي أن يكون لفظ «أمير» مضموم دائماً حتّى إذا كان منصوباً أو مجروراً ولا تغيّره العوامل لأنه فعل وجزء الكلام وهو بالضرورة فاسد ومختل ، وفي الوجهين إشكال مشترك ومعلوم من الأخبار المتواترة أنّ لفظ «أمير» مأخوذ من الإمرة كما قال صلی الله علیه و آله وسلم : «سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين»(2)وهذا الحديث متواتر من جهة الشيعة وهو مروي في صحاح أهل السنة والجماعة ومسلَّم به ولم يقدح في الكتب الكلامية في سنده غالباً، مِن ثَمّ يكون القول في اشتقاقه من من مار باطلاً، وظهور الرواية التي أُبينها بعد ذلك يمنع منه .

الوجه الثالث : والذي أقطع به وذكره الشيخ الطريحي في كتابه مجمع البحرين في مادة «أمر» إجمالاً عن بعض الأفاضل وحكي عن العلّامة المجلسي أنه مختاره ونعم الوفاق، وبيانه على وجه التقريب بنظري القاصر كما يلى لما كان أمير المؤمنين بما يقتضي كونه مدينة العلوم وهو ذو أعلى مراتب الولاية وهي الرياسة على عامة القلوب والنفوس وجميع الأرواح الملكوتية والملائكة

ص: 168


1- بل هو أسخف مرات ومرات . (المترجم)
2- بحار الأنوار :37 290 ط لبنان مناقب ابن شهر آشوب 1 : 546 في أنه صلوات الله وسلامه عليه أمير المؤمنين وفيه أحاديث . (هامش الأصل)

الكروبيّة والعقول المجرّدة والنفوس المفارقة - عند من يقول بها - بفضله يعترف ومن بحره تغترف كما قلت

من علمه علم العقول ونورها***والبحر أصل العارض المتهلل (1)

المؤلّفه أيضاً :

عاجز چوگان عزمش از عناصر تا عقول***بنده فرمان حکمش از ملایک تا دواب

ولمّا كان جميع العوالم من الصدر إلى الساق يعني من مرتبة العقول التي بداية سلسلة النظام الجملي للعالم ، وقاعدة النور وسية قوس الوجود إلى مرتبة الهيولى، العجوز الشوهاء ومبدأ سلسلة العودية وقاعدة الظلمة ، كلّ ما في الوجود وفي أي مقام سواء بلسان النطق أو بلسان الاستعداد آمنوا بوجه من الوجوه كما في الآية الكريمة «وَإِن مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (2)وهي شاهد عدل على هذا العموم وهذه الدعوى .. ولمّا كانت هذه الأصناف المتقدّمة على الشاكلة التي ألمحنا إليها فلابد من حيازتها علماً يساوي إيمانها لذلك كان الجميع بمراتبها المختلفة تستمد من علمه (3)... وتستفيض بإفاضته (4)ذلك لأنه المرآة التي تنعكس فيها من

ص: 169


1- فيضه ، ديوان المؤلف : 251 .
2- الإسراء : 44 .
3- الجميع يستفيدون من العلم حتى الجنين في بطن أمه . حدّث الراوندي قال : إن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد - وكان علي صبياً - : رأيته يكسر الأصنام فخفت أن تعلم كفار قريش ذلك ، فقالت : يا عجباً ، أخبرك بأعجب من هذا وهو أنّي اجتزت بموضع كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني ، فوضع رجليه في جوفي شديداً لا يتركني أقرب منها وأن أمر في غير ذلك الموضع، وإن كنت لم أعبدها قط وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا الأصنام [الخرائج والجرائح للراوندي 2 : 740 ، بحار الأنوار 42: 18 رقم 5 طبع طهران نقلاً عن خرائج الراوندي، ونقل هذا الحديث الشبلنجي في نور الأبصار ، والشيخ محمد الصبان المصري في إسعاف الراغبين مع شيء من التحريف، راجع شفاء الصدور :2 299] (المحقق)
4- راجع ص 447 من الكتاب. روي أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد وكان علي صبياً رأيته يكسر الأصنام فخفت أن يعلم كبار قريش ، فقالت : يا عجباً، أخبرك بأعجب من هذا، إنّي اجتزت بالموضع كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني فوضع رجليه في جوفي شديداً لا يتركني أن أقرب من ذلك الموضع الذي فيه وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا للأصنام. بحار الأنوار 42: 18 ط [ طهران(هامش الأصل) ] مؤسسة الوفاء سنة 1403 بيروت . (المترجم)

أعلاها إلى أدناها الحقيقة المحمدية ، بل هو بحكم آية المباهلة عين نفسه المقدّسة بل جاء في أخبار العامة «عليّ روحي التي بين جنبي»(1) ونوره نوره وشجرته شجرته ومرجع علوم الخلايق جمياً مبتنى على علم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تلميذه الخاص والطالب الظاهر الاختصاص بالأحديّة، وبحكم آية «عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى» (2)إنّه علمه فى مدارس القرب الإلهى علوم الأوّلين والآخرين.

وإذا عرفت هذه المقدّمة التي هي بمنزلة صغرى القياس، فإنّنا نقول : أن من المقرّرات العرفية والمسلّمات العادية أنّ كلّ من يتحمّل بكفالة رزق فريق من الناس أو طائفة منهم ويأخذ على عاتقه إيصال وجوه المعاش إليهم فإنّه يغدو أميرهم وهم المأمورون ، ويشعر بالقضية المعروفة : الإنسان عبد الإحسان ، وهذه القضية بمنزلة كبرى القياس، وبضم هاتين المقدمتين نخرج بقياس على الشكل التالي : علي يمير المؤمنين ، وكل من يمير قوماً فهو أميرهم، ينتج عليّ أمير المؤمنين وهو المطلوب.

ص: 170


1- مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي : 161 سطر 3ط انتشارات فرهنگ اهل البيت . «أنت روحي التي بين جنبي» . وفي فرائد السمطين :2 71 بالإسناد عن ابن عباس عن رسول الله في حديث: «دمك من دمي وروحك من روحي» .. وإحقاق الحق 149:4 عنه مفتاح النجا: 43 عن ابن النجار عن ابن مسعود قال رسول الله: علي بن أبي طالب مني كروحي من جسدي ، وأخرجه إحقاق الحق 5 242 ، أمالي علي الصدوق : 22 بالإسناد عن أمير المؤمنين عن رسول الله : «روحه روحي وطينته من طينتي ... والبحار 40 : 4 عنه .
2- النجم : 5 .

ولعلّ من شواهد هذا التأويل الحديث الوارد في كيفية ولادة أمير المؤمنين علیه السلام وأنّ رسول الله حين دخل بيت أبي طالب علیه السلام رآه علي ... «فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين علیه السلام وضحك في وجهه وقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . قال : ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال : «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ» (1)إلى آخر الآيات ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : قد أفلحوا بك أنت والله أميرهم، تميرهم من علومك وأنت والله دليلهم وبك يهتدون (2)والظاهر أنّ تميرهم تفريع على أنت أميرهم والإمارة علة لجلب رزق علوم المؤمنين. وجملة القول : أنّ هذا التعليل راعى الجناس في أمير الفعل المضارع وأمير الصفة المشبهة ، كما في الآية الكريمة : «قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِنَ الْقَالِينَ» (3)والميرة في الأصل كما جاء في الصحاح بمعنى الطعام ، ومار يمير بمنى إيجاده وجلبه .(4)وفي القاموس : ذكر الميرة بمعنى جلب الطعام (5)وهذا بعيد ، وأخطائه في أمثال هذا كثيرة .

وعلى كل حال «لأنه يميرهم العلوم» ومعناه لما كان على جالب رزق العلوم للمؤمنين صار أمير المؤمنين ، وإطلاق الطعام على العلم في هذا الحديث يناسب الخبر المروي في الكافي في تفسير «فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ» (6)(زيد الشحّام

ص: 171


1- المؤمنون: 1 و 2
2- أمالي ابن الشيخ : 80 و 82، بحار الأنوار 35 38 ط ،لبنان، ابن شهر آشوب 1 359 في حمله وولادته. (هامش الأصل) وفي البحار : وقرأ تمام الآيات إلى قوله : «أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ»«الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» فقال رسول الله وأنت والله دليلهم وبك يهتدون. وللحديث بقية، 37:35. (المترجم)
3- الشعراء : 168 .
4- الميرة الطعام يمتاره الإنسان (الصحاح 2 : 821) . (المترجم)
5- القاموس 2 : 127 . (المترجم)
6- عبس : 24 .

عن أبي جعفر علیه السلام في قوله عزّ وجلّ : «فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ» قال : قلت : ما طعامه ؟ قال : علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه ....(1)

وبالجملة فإنّ هذا بطريق الاستدلال الإنّي وهو الانتقال من المعلول إلى العلة يمكن تطبيقه لأنّ جلب الميرة وكفالة الرزق لازم الإمارة وأخذ دليلاً على تحقق الملزوم ، ومن الواضح جداً أن اختصاص القول بالعلم في هذا الحديث إنّما هو الشرافته ، ولكي تعمّم إمارة الإمام لكل مناحي الوجود ولا ينافي جلبه للرزق الظاهري ، كما تمطر السماء ببركته وتخضر الأرض بيمنه ، وينتفع الخلق ويرزقون «لولاه لساخت الأرض بأهلها» والله أعلم بالصواب .(2)

وجملة القول أن علياً علیه السلام من يوم قال الله «ألست» هو أمير المؤمنين على كلّ الموجودات في كلّ مكان حتى في اللوح المحفوظ كما جرت الإشارة إلى هذا التعميم من طريق أهل السنة والجماعة أيضاً.

يقول السيد علي الهمداني في كتاب مودّة القربي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم :قال : لو علم الناس متى سُمّي عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ...(3)

وفي هذا الكتاب أيضاً روى عن أبي هريرة أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : في يوم الست، ألست بربكم ؟ قالت الأرواح : أجل . فقال : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعليّ أميركم (4).

ص: 172


1- الكافي 1: 49 كتاب 2 باب 16 ح 8. ( هامش الأصل) و 1: 50 تحقيق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية ط ثالثة 1388 هجرية. (المترجم ومنه أخذنا الحديث)
2- فرائد السمطين 1: 45 ط بيروت ، بالإسناد عن الصادق : وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة ويخرج بركات الأرض ولولا ما في الأرض منا لساخت الأرض بأهلها. (هامش الأصل)
3- مودّة القربى : 248 الطبعة الثانية مكتبة المحمدي.
4- نفسه : 248 باب المودة الرابعة في أن علياً أمير المؤمنين، وبحار الأنوار 40: 77 عن فردوس الأخبار مثله . (هامش الأصل)

وفي كتاب اليقين عن عثمان بن أحمد السماك ذكر أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : في اللوح المحفوظ تحت العرش علي أمير المؤمنين .(1)(2)

وجملة القول : أنّ أشباه هذه الفضائل لهذا الإمام العظيم ليست من السهولة بحيث تضبط في كتاب أو توضع في صحيفة سلام الله عليه وعلى أخيه وآله

وذريته .

أما الإيمان : وهو من باب الإفعال ، من الأمن، وحقيقة حفظ النفس من عذاب العصيان أو الملكات الرديئة أو المحافظة على النبي من مخالفة رأيه، كما أنّ الإسلام بهذا الاعتبار مأخوذ من السلامة، ومقتضى القاعدة أن يكون هذان الفعلان متعديين بأنفسهما ولكن بتضمين معنى الإذعان يتعدّيان بالباء واللام وكذلك معنى التصديق والإقرار لأن اشتقاقها جميعاً من متعدّي .

واعتبر المحقق النراقي في معراج السعادة أقسام الإيمان أربعة ، فاصطلح على ذلك بقوله : القشر، وقشر القشر ، واللبّ ، ولبّ اللبّ ، ولكن التتبع يقتضينا فى موارد اطلاقات الكتاب والسنة أن نضيف مرتبة أخرى إلى القشر واللب فتكون الأقسام ستة:

الاوّل :

الوجود اللفظي الصرف، وهو ذلك الإقرار باللسان إذا لم ينفذ إلى القلب مطلقاً ولا يوجد فيه سوى الكفر وفائدته حفظ المال والنفس والطهارة الصوريَّة، وهذه المرتبة المسماة بالنفاق وتُدعى بالاصطلاح المتقدّم قشر القشر.

الثاني : الاعتقاد بالتوحيد والنبوّة مع إنكار الشروط المتضمن للقصور في مقام

ص: 173


1- اليقين : 93 ط نمونه قم ، تحقيق الأنصاري ، اولى 1413. (المترجم)
2- ينابيع المودة : 248 ط اسلامبول، المناقب المرتضويّة : 118 ط ،بمبي ، إحقاق الحق 6 : 152 عنهما مثله . (هامش الأصل)

الولاية، وهذا الثاني شريك الأوّل في الفائدة ، وعدمها ، وإذا ثبت لذوي الاعتقاد المذكور ثواب بموجب ما ورد في أخبارنا فإن ذلك راجع إلى القائلين بالولاية وهم شيعة الأئمة الإثنى عشر ، وهذه المرتبة بالاصطلاح المذكور قشر القشر.

الثالث : الاعتقاد بالأصول الخمسة طبقاً لمذهب الإمامية وإن لم يقترن بالعمل الصالح كسائر فسّاق الشيعة، ولهذه المرتبة شئون ومراتب في الموت والحياة والدنيا والآخرة ، من قبيل «سوره شفاء وقضاء حاجته أفضل من جميع المستحبّات وزيارته وعيادته وإعانته مستحبّة وتحرم غيبته، ويجب حفظ حياته واحترام ميتته بالصلاة والكفن والدفن وذلك واجب .. وتتعلّق بذاته أحكام كثيرة من الواجبات والمستحبّات والمحرّمات والمكروهات.. وربّما تقدّر له النجاة الأُخروية كما هو ثابت عقلاً ونقلاً، كتاباً وسنة وإجماعاً، ولا يستلزم عقابه على المعاصي خلوده في النار ، وإذا كان في الكتاب والسنة الإيعاد بالخلود في العذاب على بعض المعاصي فذلك مأوّل بطول الأمد وامتداد المكث، وهذه المرتبة بناءاً على الاصطلاح المتقدّم تدعى القشر.

الرابع : هذه المرتبة مع العمل الصالح وهو التقوى من المعاصي والدوام على الواجبات مثل عالم الزهّاد والعباد ، أو عدول العوام من أهل الإيمان وترتفع مرتبة هؤلاء على المرتبة السابقة إذ ليس عليهم عذاب، ولهم نعيم كثير ، وتنقدح في قلوبهم الأنوار بواسطة الاعتقاد الصحيح وصلاح العمل، ومجمل الكلام لعلهم ينالون بصيصاً من البصيرة في الأسرار الباطنية، وبرزخ-ه-م أشدّ وضوحاً، وإحاطتهم بالمقامات العالية المثالية أكثر منالاً، وتُدعى هذه المرتبة بالاصطلاح المذكور «اللب».

الخامس : هذه المرتبة نفسها مصحوبة بالعلم الكامل الموجب لشرح الصدر ونورانية الضمير ، وفضل هؤلاء على الطوائف كفضل القمر على سائر النجوم بل

ص: 174

كفضل النبي على سائر الأمة، وهذا المقام في الاصطلاح المشار إليه يُدعى «لب اللب».

السادس : هذه المرتبة مع إضافة اليقين «بلغ القلم إلى هنا وتحطمت ريشته» (1)

وهو مقام الأولياء والصدّيقين ونتيجته: رسوخ الكمالات النفسانية في القلب من الرضا والتوكل والإقبال والطاعة وخلع ربقة العلايق ونضو جلباب الهوى في الخلايق ووحدة الهم وعكوف الهمّة (2)على الواحد الأحد «حضرة الأحدية» جل جناب قدسه ، ولهذا القسم مراتب أيضاً وهو مقول على التشكيك

لمؤلّفه :

إنّ النجوم في ارتفاع قدرها***ليس سهاها في السنا كبدرها

واسم هذه المرتبة في الاصطلاح المذكور لب لب اللب.

وفي الكافي أنّ الإمام الصادق علیه السلام قال لجابر الجعفي : ما من شيء أعز من اليقين (3)(4)

(عن الوشاء، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سمعته يقول... الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ...) وما قسم الله في الناس شيء أقل من اليقين ..(5)

ص: 175


1- قلم اینجا رسید و سر بشکست ، مثل فارسي (المترجم)
2- الكافي ، باب فضل الايمان على الإسلام، 2 : 51 ح (هامش الأصل)
3- هذه الجمل العربية من وضع المؤلّف ولكنه أدخلها إلى اللغة الفارسيه وصعب علي ترجمتها بل هي غير ممكنة لذلك أبقيتها كما استعملها المؤلّف . (المترجم)
4- عن جابر قال : قال لي أبو عبد الله : يا أخا جعف، إن الإيمان أفضل من الإسلام وإنّ اليقين أفضل من الإيمان، وما من شيء أعز من اليقين (الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، المطبعة الحيدرية، الناشر دار الكتب الإسلامية، آخوندي، ط رابعة 1365 هجرية). (المترجم)
5- نفسه ، باب فضل الإيمان على الإسلام 2 : 52 و 51 3. (هامش الأصل والمترجم) وما بين القوسين ملحق بالكتاب من الكافي .

وفي رواية يونس بن عبدالرحمان قال: سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الإيمان والإسلام - إلى أن يقول : - فأي شيء اليقين ؟ قال : التوكل على الله ، والتسليم الله والرضا بقضاء الله ، والتفويض إلى الله (1).

والأخبار في هذا المورد كثيرة، وما تعرضت له من البيان إنما هو الإجمالي منه نالته يدي، ومن الممكن أن تضاف إلى المراتب الأربع الأخرى مراتب أُخرى تستفاد كلّ مرتبة منها من أخبار أهل بيت العصمة والطهارة . والإمارة على أصحاب هذه المراتب جميعاً تناط بأمير المؤمنين علیه السلام يعني كل من وضع قدمه في دائرة الرسالة المحمّديّة فالواجب عليه أن يطوّق عنقه بطاعة علي علیه السلام حتى لو كان منافقاً فإنّ عليه أن يطيعه في الظاهر ، ويتبع أوامره بحكم قوله صلی الله علیه و آله وسلم «من كنت مولاه فهذا على مولاه» (2)فتبين من هذا أن من أقر بولاية رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله وأطاع أمره فإنّه بنفس الدرجة يجب عليه الالتزام بولاية أمير المؤمنين ورئاسته .

الموضع الثانى فى بيان أن «أمير المؤمنين» لقب الهى خاص بعليٍّ علیه السلام فعدى عليه الآخرون ولقبوا أنفسهم به من دون استحقاق وغصبوا هذا الاسم الكريم .

اعلم أنّ ما اتفق عليه الإمامية ضاعف الله اقتدارها أنّ هذا اللقب خاص بالإمام على علیه السلام وثبتت له هذه الرتبة العلية منذ زمن النبوة، والأخبار من طرق الأئمة حول هذا المعنى لا تُعدّ ولا تحصى.

ولكن قال أبناء العامة أن لعلي علیه السلام شريكين من السابقين وسائر الخلفاء في هذا اللقب بل اعتبره البعض منهم من أوليات الثاني، وقالوا : أوّل

من تلقب بلقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

ص: 176


1- الكافي 2 : 52 ح 5 فضل الإيمان على الإسلام.
2- خطبة الغدير . (هامش الأصل)

ولكن في أخبارهم الصحاح والمعتبرة رويت أحاديث من الكثرة بمكان بهذا المضمون أنّ في العرش وفي الجنّة والمحشر وفي لسان جبرئيل والملائكة والنبي والمؤمنين وأخبار اليهود والمشركين وذي الفقار والسباع والمنافقين حتى عمر ، أمير المؤمنين لقب علي علیه السلام ، بحيث لا يمكن إحصاء ما ورد من الأخبار بهذا المعنى بل صرّح في بعضها بأن أحداً من السابقين أو اللاحقين لا يستحق هذا اللقب. روي ذلك عن أكابر الصحابة مثل حذيفة وأبي ذر ، ومذهب هؤلاء أن قول الصحابي حجة ، لما رووا: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».

ولمّا كان الاستدلال بحديث الخصوم في موقع الاختلاف أولى فإنني أسوق عدة أحاديث من طريقهم في هذا المختصر، ولقد كتب السيد الأجل الأزهد الأورع الأقدس أبو القاسم رضي الدين علي بن طاوس الحسيني رضي الله عنه وأرضاه كتاباً في هذا الموضوع جعل أحاديثه كلّها من طرقهم المعتبرة وكتبهم المعتمدة، وإذا كان فيه بعض الأخبار رواها من طرق الشيعة فإنّ ذلك لروايتها من طرق السنّة ، وروى مأتين وعشرين حديثاً في هذا الكتاب بأسانيد مختلفة متعدّدة واعترف نفسه بأنّه لم يستقص الأحاديث كلّها وهو كذلك. وأنا بدوري رأيت أخباراً كثيرة من طرق العامة غير هذه الأحاديث، ولكني أنقل هنا عشرة أحاديث من أجل التبرك والتيمّن من ذلك الكتاب مع حذف الأسانيد في هذا المختصر، منتخبة لتنوير قلوب الإخوان ولتكون قرة عين لأهل الإيمان.

الحديث الأول : في شهادة الله تعالى بثبوت هذا اللقب الشريف لعلي علیه السلام :

أبو الفتح محمد بن علي الكاتب الأصفهاني النطنزي (1)في كتاب الخصائص

ص: 177


1- نطنز - بنون وطاء مهملة ونون وزاي - ناحية معروفة ما بين اصفهان وكاشان وكانت في السابق من أعمال اصفهان وصرّح جماعة بنسبته إلى هذا البلد ومن عجایب الزمان أن واحداً من أدعياء الفضل والفنّ رأيته وكان يعد نفسه وحداً في فن الحديث والأدب والرجال ومع هذا فقد كان يصر على أن هذا اللفظ «نظيري» بنون مضمومة وظاء معجمة وياء مثناة وراء مهملة ولم تكن معه شبهة فضلاً عن الحجة والدليل، وإلى الله المشتكى (منه)

يوصل السند بابن عباس قال : لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس فألهمه الله (الحمد الله ربّ العالمين) فقال ربِّه يرحمك ربّك، فلما أسجد له الملائكة تداخله العجب فقال : يا ربّ، خلقت خلقاً أحبّ إليك مني ؟ فلم يجب ، ثم قال الثانية فلم يجب ، ثمّ قال الثالثة فلم يجب ، ثمّ قال الله عزّ وجلّ له : نعم لولاهم ما خلقتك ! فقال : يا ربّ، فأرنيهم، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ملائكة الحجب أن ارفعوا الحجب ، فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش ، فقال : يا ربّ، من هؤلاء ؟ قال : يا آدم هذا محمد نبيّي، وهذا عليّ أمير المؤمنين ابن عمّ نبيّي ،ووصيه وهذه فاطمة ابنة نبيّي ، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولد نبيّي ، ثمّ قال يا ،آدم هم ولدك ، ففرح بذلك ، فلما اقترف الخطيئة قال : يا ربّ، أسألك بمحمّد وعلى وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي ، فغفر له الله بهذا ، فهذا الذي قال الله عزّ وجلّ : «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ» (1)فلما هبط إلى الأرض صاغ خاتماً فنقش عليه (محمد رسول الله وعلي أميرالمؤمنين) ويكنى آدم ب_«أبي محمد» (2).

الحديث الثاني : شهادة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ابن مردويه وأوصل السند إلى أنس قال : كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في بيت أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فقال : يا أُم حبيبة، اعتزلينا فإنا على حاجة ، ثم دعا بوضوء فأحسن الوضوء ثم قال : إن أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيّد العرب وخير الوصيين وأولى الناس بالناس.

ص: 178


1- البقرة : 37 .
2- اليقين : 174 ط قم - نمونه ، تحقيق الأنصاري طبعة أولى 1413 هجري قمري .

فقال أنس : فجعلت أقول: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار . قال : فدخل علي علیه السلام فجاء يمشي حتّى جلس إلى جنب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فجعل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وجهه بيده ثم مسح بها وجه علي بن أبي طالب ، فقال علي : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : إنّك تبلغ رسالتي من بعدي وتؤدّي عنّي وتُسمع الناس صوتي وتُعلّم الناس من كتاب الله ما لا يعلمون ...(1).

الحديث الثالث: شهادة جبرئيل : فيما نذكره من الحافظ أحمد بن مردويه المسمّى ملك الحفاظ وطراز المحدّثين من كتاب المناقب وساق السند إلى ابن عباس قال : كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في صحن الدار فإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي ، فدخل عليه فقال : كيف أصبح رسول الله ؟ فقال : بخير . قال دحية : إنِّي لأُحبّك وإن لك مدحة أزفها إليك ؛ أنت أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين، أنت سيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين (2)، لواء الحمد بيدك يوم القيامة تزفّ أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى الجنان زفاً، قد أفلح من تولاك وخسر من تخلاك ، محبّو محمّد محبّوك ، ومبغضو محمد مبغضوك ، لن تنالهم شفاعة محمد ، أدن منّى يا صفوة الله ، فأخذ رأس النبي صلی الله علیه و آله وسلم فوضعه في حجره ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : ما هذه الهمهمة ؟ فأخبره الحديث ، قال صلی الله علیه و آله وسلم : لم يكن دحية الكلبي ، كان جبرئيل، سماك باسم سماك الله به وهو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين ورهبتك في صدور الكافرين .(3)

وروى هذا الحديث باختلاف في السابق واللاحق وببعض التفاوت في يقين السيد الرضي بطرق متعدّدة.

ص: 179


1- میزان الاعتدال 1: 30ط القاهرة، وإحقاق الحق 4 : 344 ( هامش الأصل) اليقين : 135 . (المترجم)
2- وإنّما استثنى الرسل لأنه نبي آخر الزمان لا أنّهم أفضل منه لأنّ فضل النبي على الأنبياء من ضرورات مذهب الشيعة . ( منه )
3- اليقين : 129 - 130 . (المترجم)

الحديث الرابع : شهادة الشمس : أخطب خطباء خوارزم موفّق الدين بن أحمد المكي الخوارزمي الذي كان شيخ المحدثين وأثنى عليه محمد بن النجار ف-ي تذييل تاريخ بغداد كما نقل السيد ووصفه بالفقه والفضل والأدب والشعر والبلاغة وكان من تلامذة الزمخشري (1)في كتاب المناقب أسند عن الإمام الحسن العسكري عن آبائه الطاهرين أباً عن أب إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب : يا أبا الحسن ، كلّم الشمس فإنّها تكلّمك . قال علي علیه السلام : السلام عليك أيها العبد المطيع الله . فقالت الشمس : وعليك السلام يا أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، يا علي ، أنت وشيعتك في الجنة. يا علي، أوّل من تنشق عنه الأرض محمد ثمّ أنت وأوّل من يحيي محمد ثمّ أنت وأوّل يُكسى محمد ثمّ أنت ، ثم انكبّ عليّ ساجداً وعيناه تذرفان بالدموع فانكب عليه النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا أخي وحبيبي، ارفع رأسك فقد باهي الله بك أهل سبع سماوات .. .(2)

لا يخفى أنّ علماء أهل السنة والجماعة متفقون على جلالة قدر الأئمة الإثنى عشر وعلمهم وتقواهم وصلاحهم وشرفهم وفضيلتهم، ولم يختلف في ذلك أحد من المسلمين، ولم يتوقف أحد من هذه الطائفة في أخبار الفضائل التي نقلت عنهم ولم تدركه شبهة حول ذلك .

الحديث الخامس : شهادة ذو الفقار : محمد بن جرير الطبري - وهو من أكابر

ص: 180


1- من هنا يعرف تغلغل الفضل بن روزبهان في الجهل حتى بحال علمائهم لأنه يقول في مقام إنكار فضائل أمير المؤمنين : الخوارزمي هذا مجهول الحال ولا يعرفه أحد، وليس لأخباره مأخذ معلوم، ويعلم حال الفضل الخالي من الفضل بعد شهادة ابن النجار بحق الخوارزمي . وفي العبقات توجد له ترجمة مسهبة . ( منه )
2- مناقب الخوارزمي : 64 ط طهران ، بحار الأنوار 41: 170 . (هامش الأصل) اليقين : 164 . (المترجم)

علماء أهل السنّة وعظمائهم وسنشير إلى مناقبه إجمالاً بعد نقل هذا الحديث إن شاء الله - ساق السند إلى ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أعطاني ربّ-ي ذا الفقار ، قال : يا محمّد خُذه وأعطه خير أهل الأرض فقلت من ذل : ذلك يا ربّ؟ قال: خليفتي في الأرض علي بن أبي طالب علیه السلام ، وإن ذا الفقار كان ينطق مع علي علیه السلام ويحدّثه حتى أنه هم يوماً بكسره ، فقال : مه يا أمير المؤمنين إنّي مأمور وقد بقي في أجل المشرك تأخير .(1)

ويقول السيد بعد نقل الحديث : أقول :أنا يمكن أن يكون سقط بعد قوله (همّ يوماً يكسره): «وقد ضرب به مشركاً فلم يقتله» (2)وهو كما قال وذيل

الحديث شاهد على ذلك .

تنبیه :

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: هذا الاسم مشترك بين اثنين وكلاهما من بلاد طبرستان، ولكن الشيعي منهما من جده رستم وهو من أجلّة علماء الشيعة وله كتاب «المسترشد» و «الدلائل» وقد أثنى عليه النجاشي والعلّامة وسائر شيوخ الرجال من المتأخرين وصرّحوا بوثاقته وجلالة قدره وكثرة علمه، ويروي عنه النجاشي بواسطة السيد الجليل العظيم الحسن بن حمزة الطبري الذي قدم بغداد في السنة السادسة بعد الخمسين والثلاثمائة ، والظاهر أنّه من علماء المائة الرابعة.

والآخر هو محمد بن جرير بن كثير بن غالب كما نقل ذلك السيد الشهيد السعيد في كتاب المجالس عن التهذيب للنووي، وسماه الأستاذ الأعظم البهبهاني في التعليقة: محمد بن جرير بن غلاب، وهذا الاختلاف في الجدّ

ص: 181


1- إثبات الهداة 2 : 283 رقم 501 (هامش الأصل)
2- اليقين : 217 . (المترجم)

والأب كثير في الكتب الرجالية فاق حدّ الإحصاء ولكن ابن شهر آشوب في (معالم العلماء) سمّاه محمّد بن جرير بن يزيد ولا يخلو هذا الاسم من غرابة ولكنّه يقدّم على قول النووي عند التعارض، لأن جلالة ابن شهر آشوب في العلم تفوق النووي مأة مرّة، وما يحتمل من كون النووي أعلم به لاتحاد المذهب مدفوع بقرب زمن ابن شهر آشوب من زمنه وكلاهما من طبرستان، وعلى هذا تكون معرفة ابن شهر آشوب على كل حال به أكثر فيقدّم قوله لزوماً .

وبعد تحرير هذا الكلام وقفت على كلام ابن خلكان فرأيته سمّى جده «يزيد» أيضاً ولكنه ذكر «خالداً» (1)بعده وقال: «وقيل : يزيد بن كثير بن غالب وعلى هذا لاجرم أن تكون كلمة يزيد سقطت من نسخة التهذيب ويمكن أن تكون من باب النسبة إلى الجد.

وعلى كل حال فهو من أكابر علماء أهل السنة والجماعة وصاحب التفسير والتاريخ ، وينسب إلى أبي حامد الإسفراييني قوله : لو ذهب إنسان إلى الصين لطلب تفسير محمد بن جرير الطبري لم يكن مبعداً.

ونقل عن محمد بن خزيمة الذي أطلقوا عليه إمام الأئمة قوله : ما أعلم على أديم الأرض أعلم منه.

ونقل السيد الجليل المعاصر المولوي مير حامد حسين الهندي في كتاب «عبقات الأنوار» عن الذهبي واليافعي أنهما نعتاه بالإمامة وشهدا على أن التفسير والتاريخ من تأليفه.

وصرّح ابن خلكان في الوفيات وابن الأثير في الكامل الذي هو مختصر تاريخ

ص: 182


1- غالب . ط . (هامش الأصل)

الطبري (1)وابن خلدون في العبر، أنّ التاريخ منه ، وإصرارهم على نفي كتابه التاريخ عنه ونسبته إلى الطبري الثاني ذلك لأنّه فيه صدق مدعى الشيعة ومنه ينقل علمائهم ولما عجزوا عن إنكار فضله عمدوا عناداً منهم إلى إنكار كتابه وهذا من فرط غبائهم وجهلهم أو ضحالة دينهم، نعوذ بالله من ذلك (2).

وبالجملة فإنّ محمّد بن جرير صاحب كتاب الفضائل وصاحب كتاب إسناد حديث الغدير كما نقل السيد المذكور في كتاب «العبقات» في الهامش من أصل كتاب نتذكرة الحفاظ» للذهبي أنّه قال في ترجمة الطبري : ولما رأى الطبري ابن أبي داوود تكلم في حديث غدير خم كتب كتاب الفضائل وتحدّث فيه عن تصحيح حديث الغدير .

الحديث السادس: شهادة المنادي من بطنان العرش : الشيخ المحدّث صدر الحفّاظ محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب

وأوصل السند إلى ابن عبّاس بن عبدالمطلب قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : يأتي على الناس يوم ما فيه راكب إلا نحن أربعة . فقال له العبّاس بن عبدالمطلب عمّه : فداك أبي وأمي، من هؤلاء الأربعة ؟ فقال : أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه، وعمي حمزة أسد الله وأسد رسوله على ناقتي العضباء ، وأخي عليّ بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنّة مدرّجة الجنبين ؛ عليه حلتان خضراوان من كسوة الرحمان، على رأسه تاج من نور، لذلك التاج سبعون ركناً، على كلّ ركن ياقوتة حمراء تضيء للراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وبيده لواء الحمد ينادي:

ص: 183


1- سامح الله شيخنا الطهراني لقد ظلم صاحب الكامل ، إذ كيف يكون مختصر التاريخ الطبري وهو يورخ لحقبة طويلة مات الطبري قبل بلوغها ؟! (المترجم)
2- من اعتقد أنّ العلماء أهل السنة والجماعة ديناً فهو على خطأ لأنهم مرقوا من الدين بالقواعد التي كبلوا بها الدين. (المترجم)

«لا إله إلا الله محمّد رسول الله» فيقول الخلائق من هذا ؟ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو حامل عرش ؟ فينادي منادي من بطنان العرش : ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل ولا حامل عرش ، هذا عليّ بن أبي طالب وصي رسول ربّ العالمين وأمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم (1).

الحديث السابع : شهادة أبي ذر : روى ابن مردويه عن داود بن أبي عوف قال : حدثني معاوية بن ثعلبة الليثي قال : ألا أحدثك بحديث لم يختلط ؟ قلت: بلى. قال : مرض أبوذر فأوصى إلى عليّ علیه السلام ، فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أميرالمؤمنين عمر كان أجمل لوصيتك من علي علیه السلام ! قال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقّ أمير أمير المؤمنين، والله إنّه للربيع الذي يسكن إليه ولو ق-د فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض.

قال: قلت: يا أباذر ، إنا لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أحبهم إليك . قال : أجل. قلت: فأيهم أحب إليك ؟ قال : هذا الشيخ المضطهد حقه - يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام - .(2)وهذا الحديث مروي بطرق عدّة.

الحديث الثامن : شهادة الأسد : أبو جعفر محمد بن أبي مسلم ابن أبي الفوارس الرازي الملقب بمنتجب الدين في كتاب «الأربعين» وساق السند إلى منقض (3)بن الأبقع الأسدي أحد خواص أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام قال : كنت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في النصف من شعبان وهو يريد موضعاً له

ص: 184


1- كفاية الطالب : 184 ط الحيدرية النجف الأشرف، تاريخ بغداد 13 : 122 ط السعادة بمصر ، مناقب الخوارزمي : 209 ط طهران و 250 ط تبريز ، وإحقاق الحق 4 : 498 و 500 . (هامش الأصل) واليقين 434 . (المترجم)
2- اليقين : 143 . (المترجم)
3- منقذ بن الأنقع - توضيح الدلائل للسيد شهاب الدين أحمد، إحقاق الحق 18 : 222

كان يأوي فيه بالليل وأنا معه حتى أتى الموضع فنزل عن بغلته وحمحمت البغلة ورفعت أُذنيها وجذبتني فحسّ بذلك أمير المؤمنين ، فقال : ما وراك ؟ فقلت: بأبى أنت وأُمّي، البغلة تنظر شيئاً وقد شخصت فلا أدري ماذا دهاها ؟

فنظر أمير المؤمنين علیه السلام سواداً قال : سبع ورب الكعبة، فقام من محرابه متقلّداً بسيفه فجعل يخطو نحو السبع ثمّ قال صائحاً له : قف فخف السبع ووقف فعندها استقرت البغلة، فقال أمير المؤمنين يا ليث، أما علمت أني ليث وأنّي الضرغام الهصور والقسور والحيدر - وهذه كلها أسماء للأسد -؟ ثم قال : ما جاء بك أيها الليث ؟ فقال السبع يا أمير المؤمين ويا خير الوصيين ويا وارث علم النبيين، ويا مفرّقاً بين الحق والباطل، ما افترست منذ سبع شيئاً وقد أضرّ ب-ي الجوع ورأيتكم من مسافة فرسخين فدنوت منكم وقلت: أذهب وأنظر هؤلاء القوم ومن هم ؛ فإن كان لي بهم مقدرة يكون لي فريسة .

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : أيها الليث ، أما علمت أنّي علي أبو الأشبال [الأشباح] الأحد عشر ، ثمّ امتد السبع بين يديه وجعل يمسح يده على هامته ويقول: ما جاء بك أيها الليث؟ أنت كلب الله في أرضه . قال : يا أمير المؤمنين ، الجوع الجوع. فقال : اللهم ارزقه بقدر محمّد وأهل بيته . قال : فالتفت فإذا الأسد يأكل شيئاً كهيئة الجمل حتى أتى عليه ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، والله ما نأكل نحن معاشر السباع رجلاً يحبّك ويحبّ عترتك، ونحن أهل بيت ننتحل حبّ الهاشمي وعترته.(1)

ص: 185


1- ورد في كتاب اليقين ارزقه بقدر محمد وأهل بيته وعند المؤلف «بحق فذ محمد وأهل بيته» وجاء في الهامش تفسير لها : فذ : قد فذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم وبقي فرداً وهي كناية عن سيّدالشهداء وهو الذي فذ عن رسول الله وفاطمة الزهراء وأمير المؤمنين والإمام الحسن و عن أصحابه يوم العاشور ووقع وحيداً فريداً وقال سيد الشهداء : قد استرحت من هم الدنيا وغمها وبقي أبوك وحيداً. (هامش الأصل) وأحسب المحقق صحف الكلمة وخطرت له هذه الخاطرة . (المترجم)

ثم قال أمير المؤمنين علیه السلام : أيها السبع ، أين تأوي وأين تكون؟ فقال: يا أمير المؤمنين ، إنّي مسلّط على كلاب أهل الشام وكذلك أهل بيتي وهم فريستنا ونحن نأوي النيل .

قال : فما جاء بك الى الكوفة ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أتيت الحجاز فلم أُصادف شيئاً وأنا في هذه البرية والفيافي التي لا ماء فيها ولا خير وإنّي لمنصرف من ليلتي هذه إلى رجل يقال له سنان بن وائل ممّن أفلت من حرب صفّين ينزل القادسية وهو رزقي في ليلتي هذه وإنّه من أهل الشام وأنا متوجه إليه، ثمّ قام بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام.

فقال علیه السلام لي : ممّ تعجبت ؟ هذا أعجب أم الشمس أم العين أم الكواكب أم ساير ذلك ؟ فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أحببت أن أُري الناس مما علمنى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من الآيات والعجائب لكانوا يرجعون كفّاراً. ثم رجع أمير المؤمنين علیه السلام إلى مستقره ووجّهنى إلى القادسية، فركبت ووافيت القادسية قبل أن يقيم المؤذن الإقامة ، فسمعت الناس يقولون: افترس سناناً السبع، فأتيت فيمن أتاه ننظر إليه فما ترك السبع إلا رأسه وبعض أعضائه مثل أطراف الأصابع وأتى على باقيه ، فحمل رأسه إلى الكوفة إلى أمير المؤمنين، فبقيت متعجباً فحدثت الناس بما كان من حديث أميرالمؤمنين والسبع، فجعل الناس يتبركون بتراب تحت قدم أميرالمؤمنين ويستشفون به، فقام فحمد الله وأثنى عليه فقال: معاشر الناس، ما أحبّنا رجل فدخل النار ، وما أبغضنا رجل فدخل الجنّة وأنا قسيم الجنة والنار، أقسم بين الجنّة هذا إلى الجنّة يميناً وهذا إلى النار شمالاً ، أقول لجهنم يوم القيامة : هذه لي وهذه لك، حتى تجوز شيعتي على الصراط كالبرق الخاطب، وكالرعد القاصف وكالطير المسرع وكالجواد السابق .

فقام إليه الناس بأجمعهم عنقاً واحداً وهم يقولون: الحمد لله الذي فضلك

ص: 186

على كثير من خلقه، ثم تلا أمير المؤمنين علیه السلام هذه الآية: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» .(1)تمّ الحديث المبارك.

وهناك روايات أخرى عن شهادة الذئب، وشهادة الدرّاج، وشهادة الجمل وشهادة سبعين بالسلام على قبره وهي مذكورة في كتاب اليقين ، وإنّي ذكرت هذا الحديث لما فيه من غرابة وامتياز وليكون سبباً لتسديد قلوب أهل الإيمان مع طوله ، والعجب من القوم الذين يسطرون مثل هذه الآيات البينات في كتبهم ثمّ يرتابون في أميرالمؤمنين ، نعوذ بالله من الخذلان وسوء التوفيق.

الحديث التاسع : شهادة اليهود من كتبهم السماوية : الشيخ منتجب الدين مذكور في كتاب «الأربعين» عن عبد الله بن خالد بن سعيد بن العاص قال : كنت مع أمير المؤمنين علیه السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبر بالصعيد التي يقال لها النخلة على فرسخين من الكوفة، فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود وقالوا: إنك عليّ بن أبي طالب الإمام ؟ فقال : أنا ذا ؟ فقالوا لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستة من الأنبياء وهو ذا نطلب الصخرة فلا نجدها فإن كنت إماماً وجدنا الصخرة. فقال علي علیه السلام : اتبعوني .

قال عبدالله بن خالد فسار القوم خلف أمير المؤمنين إلى أن استبطن فيهم البر ، وإذا بجبل من رمل عظيم ، فقال علیه السلام : أيتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بحق اسم الله الأعظم، فما كان إلا ساعة حتى نسفت الرمل وظهرت الصخرة. فقال علي علیه السلام : هذه صخرتكم . فقالوا : عليها اسم ستة من الأنبياء على ما سمعنا وقرأنا

ص: 187


1- آل عمران : 173 و 174

في كتبنا ولسنا نرى عليها الأسماء! فقال علي علیه السلام : الأسماء التي عليها فهي في وجهها الذي على الأرض فاقلبوها . فاعصوصب عليها ألف رجل حضروا في هذا المكان فما قدروا على قلبها ، فقال علي علیه السلام تنحوا عنها، فمد يده إليها فقلبها، فوجدوا عليها اسم سنّة من الأنبياء أصحاب الشرايع : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام فقال النفر اليهود: نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّد رسول الله وأنك أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وحجة الله في أرضه؛ من عرفك سعد ونجى ومن خالفك ضلّ وغوى وإلى الحميم هوى، جلت مناقبك عن التحديد وكثرت آثار نعتك عن التعديد ...(1)

الحديث العاشر : شهادة أبي بكر وعمر: نقل الحافظ ابن مردويه عن سالم المنتوف [المشوق. بدون ذكر سالم - المؤلف ] مولى علي علیه السلام قال : كنت مع علي علیه السلام في أرض له وهو يحرثها حتى جاء أبوبكر وعمر فقالا : سلام عليك يا ير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقيل : كنتم تقولون في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال عمر : هو أمرنا بذلك .(2)

وشهادة أُخر لعمر في رواية أخرى رويت أنه قال : والله أنت أمير المؤمنين حقاً . فقال أمير المؤمنين : عندك أم عند الله ؟ فقال : عندي وعند الله (3).

وهذه رواية عثمان بن أحمد السماك، والآن يجمل بهذه الطائفة التي تنسب إلى السنة بزعمها أن تصغى إلى الحق وتفتح عيونها فإذا كانوا غير واثقين بشهادة الله والرسول - كما فعلوا مراراً من ردّ هذه الشهادة مثلاً قال الله تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ» (4)ومعناه أنه شهد بعدالة نفسه

ص: 188


1- الأربعين ، مخطوط : 41 ، إحقاق الحق :: 734 (هامش الأصل) اليقين : 252 . (المترجم)
2- اليقين : 133. (المترجم)
3- اليقين : 42 ، بحار الأنوار 37 : 307 رقم 30 باب 54ط بيروت . (هامش الأصل)
4- آل عمران : 18 .

ولكنّهم أنكروه ونسبوه إلى الظلم والجبر ، وجوّزوا على الله ارتكاب القبائح، تعالى الله عن ذلك. وشهد النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أهل بيته بقوله: «ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً» ولكنّهم قدموا أبا حنيفة والشافعي على الصادق والباقر علیهما السلام اللذين هما خزان العلم الإلهي ومعدن الوحي والتنزيل وتمسكوا بمذهب أبي حنيفة وصاحبه .

ومن الراجح أن نشير إلى أنّ القوم من أجل تصحيح خلافة الرجلين جوّزوا على العقل أن يقدّم المفضول على الفاضل وهي من القبائح العقليّة، وأحياناً نفوا العصمة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم العياذ بالله - وجوزوا عليه قول «الهذيان» وقيّدوا الآية «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»(1).. وقلد القوم الرجلين اللذين مرّ ذكرهما ، فلماذا لا يتبعونهما بما قالا من أن هذا اللقب الشريف أُطلق على الإمام من عهد النبي الله ولم يتلبس

به أحد من الناس وهو حق خاص ولقب ثابت الاختصاص لعلي علیه السلام .(2)

تنبیه :

علمت من الأخبار المذكورة اختصاص الإمام علیه السلام بهذا اللقب وجاء في الأخبار أنّ هذا اللقب لا يجوز أن يخاطب به أحد من الناس حتى الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه في عصر الظهور كما روى الحرّ العاملي في كتاب «الوسائل» عن العياشي قال : دخل رجل على أبي عبد الله علیه السلام فقال : السلام عليك يا

ص: 189


1- النجم : 3.
2- لا استعجاب من أبي حنيفة والشافعي .. وأضرابهم ممن استأجرتهم السياسة في سبيل تنفيذ أغراضها والوصول إلى مقاصدها ومأربها فباعوا ضمائرهم لأطماع المغرضين وآخرتهم بدنيا المفسدين ، إنما العجب من مثل ابن أبي الحديد مع اطلاعه على الأحاديث الكثيرة المروية في كتبهم كيف أنكرها وقال : وتزعم الشيعة أنه خوطب في حياة رسول الله بأمير المؤمنين خاطبه بذلك جملة المهاجرين والأنصار ولم يثبت في أخبار المحدثين .. شرح نهج البلاغة 1 : 5، وبحار الأنوار 67:35 ط طهران عنه (هامش الأصل)

أمير المؤمنين ، فقام على قدميه فقال : مه ، هذا الاسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين علیه السلام سمّاه الله به ولم يسم به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحاً، وإن لم يكن ابتلي به (ابتلی به) وهو قول الله في كتابه:«إن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إناثاً وإن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً» (1). قال قلت : فماذا يُدعى به قائمكم ؟ قال : السلام عليك يا بقيه الله السلام عليك يابن رسول الله (2).

وروى في الكافي عن أبي عبدالله الصادق علیه السلام قال : سأله رجل عن القائم يسلّم عليه بإمرة المؤمنين ؟ قال : لا ، ذاك اسم سمّى الله به أمير المؤمنين علیه السلام لم يسم به أحد قبله ولا يتسمّى به بعده إلا كافر ..(3)

ويوافق هذه الأحاديث التي نقلها أخطب خوارزم كما جاء في كتاب اليقين: قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : لما أُسري بي إلى السماء ثم من السماء إلى سدرة المنتهى ووقفت بين يدي ربّى عزّ وجلّ فقال لي: يا محمد ، قلت : لبيك وسعديك . قال : قد بلوت خلقي فأيهم رأيت أطوع لك ؟ قلت : ربّ عليّاً. قال: صدقت يا محمد، فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال : قلت : اختر لي فإنّ خيرتك خيرتي [فإن جبرئيل خبّرني - المؤلف] قال : قد اخترت لك عليّاً فاتخذه لنفسك خليفة ووصيّاً ونحلته علمي وحلمي وهو أمير المؤمنين حقاً لم ينلها أحد قبله وليست لأحد بعده. يا محمد ، علي راية الهدى وإمام من أطاعني ونور أوليائي وهي الكلمة التي ألزمتها المتقين ؛ من أحبّه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني فبشره بذلك يا محمد . قلت : ربّي فقد

ص: 190


1- النساء : 117 .
2- وسائل الشيعة 14 : 600 ط آل البيت (المترجم) العياشي 1 : 276 ، تفسير البرهان 1: 415 ذيل الآية ، بحار الأنوار 9: 636 و 52: 373 رقم 165 أحوال صاحب الأمر . (هامش الأصل)
3- الكافي 1 : 411 باب 107 ح 9. (هامش الأصل) والكافي 1: 411 ط دار الكتاب الإسلامية الثالثة 1388

بشرته ، فقال علي علیه السلام : أنا عبدالله وفي قبضته ؛ إن يعاقبني فبذنوبي لم يظلمني شيئاً، وإن تمّم لى وعدي فالله مولاي. قال [اللهم] اجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان به . قال : قد فعلت ذلك به يا محمد ، غير أني مخصّه بشيء من البلاء لم أخص به أحداً من أوليائي . قال : قلت : ربّ أخي وصاحبي ! قال: قد سبق في علمي أنه مبتلى، لولا علي لم يعرف حزبي ولا أوليائي ولا أولياء رسلي ...(1)

وأحاديث من هذا النوع في كتاب اليقين وغيره من طرق أهل السنّة كثيرة . وإذا تأمّلت هذه الأخبار التي اتفق الفريقان على نقلها تأملاً دقيقاً فستعرف ماذا يجري لمن انتحل هذا اللقب وأطلقه على نفسه من دون استحقاق في الدنيا والآخرة.

كذلك ما جاء في كتاب اليقين عن ابن عقدة - وهو من كبار الحفاظ ويساوي العسقلاني في الثقة والاعتماد وقد بالغ الخطيب البغدادي في الثناء عليه كما في اليقين - فروى وساق السند إلى الإمام الصادق علیه السلام في قوله تعالى: «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سيِّئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوْا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ» (2)قال: فلما رأى فلان وفلان منزلة علي يوم القيامة إذا دفع الله تبارك وتعالى لواء الحمد إلى محمد صلى الله عليه و آله وسلم تحته كل ملك مقرب وكلّ نبي مرسل فدفعه إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون أي باسمه تسمون أمير المؤمنين .(3)

نكتة :

ممّا قلناه في معنى الإمارة يكن الإلمام بسبب صيرورة هذا اللقب من الخصائص ولا يجوز استعماله حتى للأئمة لأن الأئمة أفضل المؤمنين وله-م الإمارة على كلّ أحد لكثرة سوابقهم ووفور فضائلم في زمن النبوة ولا تحادهم مع

ص: 191


1- اليقين : 159 . (المترجم) مناقب الخوارزمي باب فضائل شتّى : 215 ط طهران .
2- الملك : 27
3- اليقين : 182. (المترجم)

الرتبة المحمدية فيما عدا النبوة (1)وهم الواسطة في وصول الأحكام والأسرار التي حملوها عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم، ودرجة الأبوة التي تستدعي وجوب الطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، ولا توجد هذه الصفات في واحد من الأئمة وإن كان كل واحد منهم جامعاً جميع الكمالات وحائزاً تمام المقامات، سلام الله عليهم أجمعين.

وإنك حين تنظر في الأخبار وتلاحظ آداب سلوك الأئمة عند الزيارة وتدقق في أسلوب مخاطبتهم لصاحب الولاية الكبرى تدقيقاً تاماً فإنّهم في موضع يرون الإيمان به مقارناً الإيمان بالله ورسوله ، وفي موضع يرتفع أصواتهم ب--واس-يداه، وفي موضع ينادون أمام قبره بقولهم : عبدك وابن عبدك ، وفي موضع يتضرّعون إلى الله لقضاء حوائجهم بولايته، وفي موضع يتباهون بمحبته، وغير هذه الأمور من الموارد التي لا محلّ لذكرها الآن، وبالطبع لا ينبغي أن تطعن بالشك في صدرك، وينبغي أن يكون اعتقادك ثابتاً جازماً بأنّ لقب أمير المؤمنين مختص بعلي وحده على سبيل الحقيقة، ولا يستحق هذا المقام أحد من الخلق في الأوّلين

ص: 192


1- إن أمير المؤمنين عليّاً بن أبي طالب كرم الله وجهه كان صورة تحقيق حال النبي حيث قال : «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» ألا ترى أن عين اسمه كرم الله وجهه إلى عين معيته مع الإلهيّة، واللام والياء اللتان هما حرفا إضافة ونسبة وتمليك وتخصيص ينتظم منهما كلمة «لي» يعني في قوله : «لي مع الله وقت» كما كرم الله وجهه المبارك بجميع أجزاء روح الكشف فيه وصار روح الكشف ملكاً له وصار مخصوصاً من الله بهذه الكرامة وضع لام التمليك والتخصيص في اسمه وانضم في حضائر القدس ومشاهد الأنس إلى محبوبه ومطلوبه وبهذا السر حصلت له المعية مع الالهية لاجرم لما حصل له هذا الاتصال الشريف صار مضافاً منسوباً ربانياً صمدانياً أُميّاً مضافاً إلى أُمّ الكتاب وأُمّ اللباب في تحصيل المناسبة وحصول حال المعاينة والمشاهدة، ووضع الله تعالى ياء الإضافة والنسبة في آخر اسمه المبارك وهذه الياء كرسي ولايته وينبوع سعادته وهدايته . فرائد السمطين 1: 428ط بيروت . (هامش الأصل) أقول : يريد القوم أن يجعلوا الشريعة السمحة السهلة بمنزلة ثالوث النصارى لا يفهمه حتى حبرهم الأعظم، نحن في غنى عن قول والد الحمويني هذا بأحاديث أهل البيت السمحة السهلة وكلّ ما خالفها سواء أكان قولاً أو فعلاً لا حاجة لنا فيه . (المترجم)

والآخرين ، لأن كل أحد وفي أي مقام أو رتبة كان وكلّ موجود على ظهر الأرض في أي درجة كان ، كلّ ما ناله من الفيض من المبدأ الفياض إنما كان بتوسط «المقام المحمدي» وكان واسطة فيضه المقام العلوي كما قال : «لا يؤدّي عنّي إلا علي» (1)وفي خبر المعراج «لا يؤدّي عنك إلا عليّ (2)، والفعل في قوّة النكرة والنكرة في سياق النفي يفيد العموم كما أن حذف المتعلّق يفيد العموم (3)فتبين من هذا أنّ كلّ

ما يحصل من فيض وجود النبي لا يمكن أن يؤدى إلا بواسطة على علیه السلام .

تو به تاریکی علی را دیده ای***زین سبب غیری بر او بگزیده ای(4)

لقد أظلمت عيناك حين رأيته***لذا اخترت قوماً لا يساوون نعله

ص: 193


1- إشارة إلى قصه إبلاغ سورة برائة إلى أهل مكة حيث أرسل أبا بكر ثم ردّه وأرسل عليّاً بعده وقال النبي : لا يؤدي عني إلا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين. (المناقب للخوارزمي : 101 و 223 ط طهران)
2- أمالي الصدوق .... أمير المؤمنين عن رسول الله ... فهل اتخذت لنفسك من يؤدي عنك ويعلم عبادي .. (بحار الأنوار 18 : 371 رقم 18 ، وفي البداية والنهاية 5: 212 ط القاهرة في حديث الإسراء : هذا وليي والمؤدي عني . وإحقاق الحق 134:4 عنه) . (هامش الأصل)
3- الفعل «يؤدّي» هو في حكم النكرة ووقع في سياق النفي وحذف متعلقه وهو الذي يؤديه من ثم أفاد العموم. (المترجم)
4- من المناسب لإكمال البحث نقل حديث يتضمن العلة في عدم خطاب الإمام عليّ بأمير المؤمنين . قال ابن شهر آشوب : استفاض بين الخاص والعام أن أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين من الغرق لما زاد الفرات، فأتى الشاطئ الفرات وأسبغ الوضوء وصلى منفرداً ثم دعا الله ثم تقدّم إلى الفرات متوكناً على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء وقال : انقص بإذن الله ومشيئته ، فغاض الماء حتى بدت الحيتان ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين، ولم ينطق منها أصناف من السموك وهي الجري والمارماهي والزمار ، فتعجب الناس لذلك وسئلوه عن علة ما نطق وصمت ما صمت ، فقال لا : أنطق الله ما طهر من السموك وأصمت عنّي ما حرمه ونجسه وبعده [مدينة المعاجز 2: 106. (المترجم) ونفسه : 111 الرقم 299 . هامش الأصل)]. والمفيد في الإرشاد مثله ثمّ قال : وهذا خبر مستفيض شهرته بالنقل والرواية كشهرة كلام الذئب وتسبيح الحصى بكفّه وحنين الجذع إليه وإطعامه الخلق من الطعام القليل ونحوه، وذكره الطبرسي في إعلام الورى . [مدينة المعاجز : 111 . ( هامش الأصل) الإرشاد 1 : 248 . (المترجم)] (المحقق)

وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ

لإيضاح هذه الكلمة وبيان شرحها ينبغي الكلام في مطلبين :

المطلب الأول: في إثبات وصيته علیه السلام

اعلم أنّ الوصي هو الذي يخوّله الموصي أن يتصرف بعد مماته فيما كان يتصرف به في حياته، كما يظهر ذلك من كتب اللغة وموارد الاستعمال. ولمّا كانت الأمور التى تختص بالأنبياء هي نشر الأحكام وهداية الأنام وإقامة النظام كانت وصايتهم عبارة عن النيابة على هذه الأمور.

ولابد لمن يتولى منصب الوصية أن يكون أعلم الأمة بما تحتاج إليه الأُمة، وأن يتميز عنها بمحاسن الأخلاق ومكارم الآداب التي هي لازمة الرئاسة العامة من قبيل شرف النسب والزهد والجود والشجاعة والفضيلة ، وأن يفضل جميع الخلق بهذه الملكات لكي يتسنّى له أداء العمل النبوي ، ويتم الغرض من البعثة على يديه، وتبقى آثار الشريعة ماثلة لديه، لأنّ وجود النقص في هذه الأمور ينعكس سلباً على الخلق فيبدو النقص في جانب من جوانب الحياة.

ونحن حين نكون على الحياد، ونلقي نظرة محايدة على الواقع ونفحص الأخبار فحصاً مستوعباً ندرك حتماً ونعلم علماً قطعياً بأنه ليس في الأمة من هو

نظير لأمير المؤمنين علیه السلام في هذه الصفات وجميع الكمالات أو يبلغ درجته.

الا الان أما من جهة الشرف فإنّه أوّل هاشمي أبواه ،هاشميان ، أبوه أبو طالب عمّ رسول الله وناصره ومعينه الذي ملأت خدماته للإسلام وجه البسيطة وعجز العدوّ والصديق حتى النواصب والخوارج عن إنكار فضله ونصرته للنبي صلی الله علیه و آله وسلم متواترة كتواتر ،وجوده، والذي ينكرها فلا مانع لديه من إنكار وجوده من رأس. وأمه

ص: 194

فاطمة بنت أسد التي كان النبي يسميها أُمّي، وكفنها يوم ماتت ببرده، واضطجع في قبرها كما ورد ذلك في ذخائر العقبى وأسد الغابة وغيرها من كتب العامة ، وكان ابن عم رسول الله وصهره زوج فاطمة وأبا الحسنين وجد الأئمة التسعة المعصومين وهم أفضل خلق الله في كلّ عصر .

أما من ناحية العلم فيكفي الحديث المتفق عليه وهو قول النبي : أنا مدينة العلم وعلي بابها ؛ فمن أراد المدينة فليأت الباب، وما أحسن ما قاله فردوسي الله درّه وعلى الله بره :

چه گفت آن خداوند تنزيل ووحی***خداوند امر و خداوند نهی

که من شهر علمم علیم در است***درست این سخن قول پیغمبر است

گواهی دهم کاین سخن را ز اوست***تو گوئی دو گوشم بر آواز اوست

ما الذي قاله الإله مشيداً***بعلي ربّ المقام العاي

إنّما المصطفى مدينة علم***وعليّ باب لعلم النبي

من أراد الدخول لابد أن***يدخل من باب فضله المأتي

قسماً إنّه لسر علي***ما قريب مثل البعيد القصي

وأما من حيث الزهد فيكفيه حديث طلاق الدنيا .

وأما من جهة الجود فإنّ سورة هل أتى شاهد عدل على ذلك.

وأما من جهة الشجاعة فإنّها لا تحتاج إلى دليل .وشاهد ولما كانت هذه الصفات هي شرايط ثبوت وصاية الأنبياء لم تجتمع في غيره قط ، وإنّ العقل السليم يحكم بالضرورة بأن علياً وصي النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

فإن قيل: من أين لكم هذا القول بأن لكل نبي وصيّاً ليكون علي وصيّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

ص: 195

فإننا نقول في الجواب :

أولاً : من استقراء سيرة الأنبياء .

وثانياً : البرهان العقلي الذي أوجب بعث الرسل وتنزيل الكتب فقد أثبت أنه ما من نبي إلا وله وصي، ولقد أجاد القائل وهو الأزري :

أنبي بلا وصي تعالى***الله عما يقوله سفهاها

وهذا الدليل الذي سقناه هنا وإن كان كافياً للذكي طالب الحقيقة والمجاهد طالب الهداية ولكننا من أجل إتمام الحجّة ننقل نماذج عدة من أخبار أهل السنّة والجماعة في إثبات وصيّته من كتبهم المعتبرة ونطلب التوفيق من الله سبحانه لأنّ المنازع في مسألة الوصيّة هذه الفرقة وحدها، وقد عمدت إلى السعي لإبطالها تصريحاً وتلويحاً منها ما قاله أحمد بن عبد ربه القرطبي الأندلسي في كتاب «العقد»: قال رسول الله في حق عليّ : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى (1)من هنا ادّعى الشيعة أنه وصيّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبهذا أراد أن ينقض قول الشيعة في الوصيّة «وَيَأْبَى اللّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (2)وهذا الحديد من الأحايث المتواترة التي أثبتناها في محلها .(3)

من هؤلاء الخوارزمي في المناقب عن أبي الطفيل وهو آخر الصحابة موتاً ، فقد روى عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال: يا علي، أنت وصيّي، حربك حربي وسلمك سلمي (4).

ص: 196


1- العقد الفريد 2: 194 ط مصر الشرقية . هامش الأصل والعقد الفريد 5: 100 تحقيق أحمد أمين. (المترجم)
2- التوبة : 32 .
3- راجع عبقات الأنوار قسم حديث المنزلة، وإحقاق الحق 5: 132 .
4- الحديث في المناقب وليس فيه أنت وصيّي بل أنت على الحوض خليفتي : 129 ط مؤسسة النشر الإسلامي ثانية 1411

وفي المناقب بسنده عن الصادق عن آبائه علیهم السلام رفعه إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : إنّ الله لم يقبض روح نبي حتى يأمره بالوصيّة إلى أفضل عشيرته وعصبته ، وأمرني أن أوصي إلى عليّ فإنّي أثبته في كتب السلف بأنه وصيك وأخذت على هذا الميثاق من الخلايق والأنبياء والرسل، أخذت ميثاقهم على الربوبية لي وعلى النبوّة لك وعلى وصاية على وولايته لك.(1)

وفي المناقب بهذا السند أيضاً أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال الأُم سلمة : اسمعي وكوني شاهدة على أنّ عليّاً أخي في الدنيا والآخرة وحامل لوائي في الدنيا وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وهذا عليّ وصيّي وقاضي عداتي والذائد عن حوضي المنافقين.

وفي المناقب وفرائد السمطين للحمويني عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لفاطمة سلام الله علیها : إن الله اطلع على الأرض واختار زوجك وأمرني أن أزوجه منك وأتخذه وصيّاً .

وفي المناقب بالسند المار ذكره أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلي : إن لم تكن نبياً فأنت وصي نبي ووارثه بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء... .

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء عن أبي برزة السلمي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لربه ليلة المعراج عليّ وصيّي وأخي .

وفي المناقب بالسند المذكور أن جبرئيل هبط على النبي فرحاً مستبشراً وقال: سررت بإكرام الله أخاك عليّاً فقد جعله وصيّك وإماماً لأمتك .

وروى الحمويني أيضاً في فرائد السمطين عن أبي ذر عن النبي أنه قال:

ص: 197


1- الحديث مترجم .

«أنا خاتم النبيين وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين» (1).

وروى الحمويني والخوارزمي عن الرضا عن أُمّ سلمة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : لكل نبي وصيّ وعلي وصيّي في عترتي وأهل بيتي وأُمتي من بعدي.(2)

وروى الموفق بن أحمد عن بريدة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : لكل نبي وصي ووارث وعلي وصيّي ووارثي.

وروى ابن المغازلي حديث الوصية بأسانيد عدّة عن جابر وابن عبّاس وبريدة .(3)

وروى الثعلبي في تفسير الآية الكريمة : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (4)عن البراء ابن عازب .

وأحمد بن حنبل وهو أحد الأئمة الأربعة في المسند عن أنس عن أنس بن مالك أنّه قال: سألت سلمان أن يسأل رسول الله عن وصيّه، فسأله سلمان، فقال النبي له : من وصي موسى ؟ قال : يوشع بن نون . فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إن وصيّي ووارثي ، يقضي ديني وينجز عداتي علي بن أبي طالب ..(5).

ونقل الخوارزمي في حديث القيامة الذي سمعته آنفاً عن ابن عباس أنه كان يقول : هذا عليّ وصيّ محمّد صلی الله علیه و آله وسلم . (6)

ص: 198


1- هذه الأحاديث مترجمة إلا ما وضع بين الأقواس الصغيرة.
2- مناقب الخوارزمي : 90 ط طهران عن أُمّ سلمة. (هامش الأصل)
3- مناقب الخوارزمي : 63 ط طهران بالإسناد عن أبي أيوب الأنصاري .. فأوحى الله إلي أن أُزوجك وأتخذك وصيّاً. (هامش الأصل)
4- الشعراء : 214 .
5- بحثنا عن الحديث في المسند وفي تفسير الثعالبي فلم أعثر عليه فعلمت أن يد التحريف حذفته من الكتابين .
6- مناقب الخوارزمي : 259 ط طهران. (هامش الأصل)

إذن نقل هذه الرواية عشرة من أصحاب أمير المؤمنين وأُمّ سلمة وابن عبّاس وبراء وأبو برزة وأنس وأبو أيوب وبريدة وجابر وأبو الطفيل ، ومع وجود هذا الجم الغفير من الثقاة لا أدري ما وجه الجحود والإنكار ؟!

وما كتبته جملة يسيرة وغيض من فيض من الروايات المتعلّقة في هذا الباب، إذ ليس الموضع موضع استقصائها.

وهذه الجملة اخترتها من فصل أو فصلين من كتاب (ينابيع المودة) للعارف القندوزي وهو أحد العلماء المعاصرين من أهل السنة والجماعة، مع الاختصار والاقتصار على موضع الحاجة علماً بأنّ البيت إن كان به دیار فقول واحد أو قولين يكفي في الاعتبار، ومن تتبع أخبار الماضين وألم بأشعار الغابرين واطلع على أحاديث الأصحاب والتابعين يصل إلى مرتبة اليقين من أنّ ظهور هذا الأمر كان من الوضوح بمكان إلى الحد الذي اعترف به من لم يؤمن بخلافة عليّ وولايته، كما نقل نصر بن مزاحم في كتابه ولوط بن يحيى الأزدي في كتابه وهما من العلماء الثقاة الذين أثنى عليهما علماء العامة، فقد نقلا في كتابيهما من الأشعار الكثيرة والأراجيز الوفيرة في حربي الجمل وصفين حيث صرح أصحابها من

العدو والولي بوصاية أميرالمؤمنين وشهرته بالوصي ...

وذكر ابن أبي الحديد جملة وافرة منها في كتابه شرح نهج البلاغة ونحن نورد لك موضع الشاهد منها :

يقول عبدالله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبدالمطلب في مدح أمير المؤمنين علیه السلام :

ومنّا علي ذاك صاحب حيدر***وصاحب بدر يوم شالت كتائبه (1)

ص: 199


1- شال الشيء ارتفع والكتيبة القطعة من الجيش أو الجماعة وفي المصدر وشفاء الصدور سالت كتائبه . (هامش الأصل)

وصي النبي المصطفى وابن عمه***فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

ويقول أبو الهيثم بن التيهان البدري :

إن الوصي إمامنا ووليّنا***برح الخفاء وباحت الأسرار

ويقول عمرو بن حارثة الأنصاري في مدح محمد بن الحنفية :

سمي النبي وشبل الوصي***ورايته لونها العندم(1)

وقال شاب من بني ضبة من النواصب في معسكر عائشة :

نحن بني ضبة أعداء علي***ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي

ويقول سعيد بن قيس الهمداني من معسكر الإمام علیه السلام :

قل للوصي أقبلت قحطانها***فادع بها تكفيكها همدانها

ويقول زياد بن لبيد الأنصاري من جند الإمام وأصحابه:

كيف ترى الأنصار في يوم الكلب***إنا أُناس لا نبالي من عطب

ولا نبالي في الوصي من غضب***وإنّما الأنصار جدّ لا لعب

ويقول حجر بن عدي الكندي :

ياربّنا سلّم لنا عليّا***سلّم لنا المبارك المضيا

المؤمن الموحد التقيا***لاخطل الرأي ولا غويا

بلهاددياً موفقاً مهديا***واحفظه ربي واحفظ النبيًا

فيه فقد كان لنا وليّاً***ثم ارتضاه بعده وصيّا

ويقول خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين :

يا وصي النبي قد أجلت الحرب***الأعادي وسارت الأظعان

وكذلك يقول خزيمة في يوم الجمل:

ص: 200


1- العندم: خشب أو نبات يصبغ به . (هامش الأصل) العندم: دم الأخوين وقيل هو الأيدع . (لسان العرب)

أعائش خلّي عن عليّ وعيبه***بما ليس فيه إنما أنت والده

وصيّ رسول الله من دون أهله***وأنت على ما كان من ذاك شاهده

ويقول عبدالله بن بديل الورقاء:

يا قوم للحظة العظمى التي حدثت***حرب الوصي وم-ا للحرب من آسي

ويقول عمر بن أحيحة يذكر ابن الزبير ويمدح المجتبى علیه السلام :

لست كابن الزبير لجلج في القول***وطأطأ عنان فسل (1)مريب

وأبى الله أن يقول بما قام***به ابن الوصي وابن النجيب

ويقول زحر بن قيس الجعفي :

أضربكم حتى تقروا لعلي***خير قريش كلها بعد النبي

من زانه الله وسماه الوصي***إنّ الوليّ حافظ ظهر الولي

وكذلك يقول :

فصلّى الإله على أحمد***رسول المليك تمام النعم

رسول المليك ومن بعده***خليفتنا القائم المدّعم

عليّاً عنيت وصي النبي***تجالد عنه غواة الأُمم

ويقول الأشعث بن قيس :

أتانا الرسول رسول الوصي***علي المهذب من هاشم

وزير النبي وذي صهره***وخير البرية والعالم

ونسب نصر بن مزاحم الأشعار التالية للإمام أمير المؤمنين علیه السلام فى كتاب صفّين :

يا عجباً لقد رأيت منكرا***كذباً من القول يشيب الشعرا

ما كان يرضى أحمد لو أُخبرا***أن يقرنوا وصيه والأبترا

ص: 201


1- الفسل : الضعيف الذي لا مروءة له ولا جلد . (هامش الأصل)

شاني الرسول واللعين الأخزرا***إنّي إذا الموت دني وحضرا..

إلى آخر الأشعار. وقول جرير بن عبدالله البجلي :

وصيّ رسول الله من دون أهله***وفارسه الحامي به يضرب المثل

ويقول نعمان بن العجلان الأنصاري :

كيف التفرّق والوصي إمامنا***وذروا معاوية الغوي وتابعوا

دين الوصي لتحمدوه أجلا

ويقول المغيرة بن الحارث بن عبدالمطلب :

فيكم وصيّ رسول الله قائدكم***وصهره وكتاب الله قد نشرا

وقول عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهم :

وصيّ رسول الله من دون أهله***وفارسه إن قيل هل من مُنازل

ومن خلال تأمّل هذه الأشعار التي قالها كثير من الصحابة الذين يرى أهل السنة والجماعة قول كلّ واحد منهم حجّة ، يقطع كلّ منصف صاحب دين أن الإمام يعرف في ذلك الزمان بصفة الوصاية عند كل أحد ، وسمعت قول ذلك المخذول الضبي القائل :

نحن بني ضبة أعداء علي***ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصى

ونكتفي بهذا القدر من أشعار العدو والولي المسلمة التي ذكرتها في الكتاب.

المطلب الثاني: في إثبات كون الإمام أمير المؤمنين سيّد الأوصياء

وهذا المعنى ثابت بعد إثبات الوصيّة لأنّ كلّ وصيّ يقتبس من نور موصيه، ويستمد من روحانيته الفيض الذي يحويه ، والقاعدة تقضي بأن المفيض إن كان أشرف كان المستفيض تبعاً له في أشرفيته، وكلما كان المتبوع أعظم كان التابع أعظم أيضاً ، ولما كان فضل نبينا على الأنبياء ثابتاً كان وصيه الذي يترسم خطى

ص: 202

النبي بقدم الولاية أفضل الأوصياء كما يجب أن تعلم أن الوصى تارة يكون وصيّاً بلا واسطة وأُخرى مع الواسطة. فإذا اعتبرناه وصيّاً بلا واسطة ومعنى ذلك أنّه المبلغ عن النبي وحامل أسراره ومتبع آثاره ومفيض أنواره وناشر أحكام شريعته المفروض على الآخرين الرجوع إليه والأخذ منه كما هو الظاهر في قيد عدم الواسطة وبهذه النظرة يكون أمير المؤمنين خاتم الأوصياء كما ثبت هذا اللقب له وفقاً للأخبار الكثيرة المرويّة من طرق الخاصة والعامة.

وإذا اعتبرنا الوصي أعم من ذي الواسطة وعدمها يكون الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه هو خاتم الأوصياء ولكن الاستعمال الأوّل أكثر شيوعاً في جده المرتضى علیه السلام ومن هذه الجهة كان جابر بن عبدالله الأنصاري إذا ذكر الإمام الباقر علیه السلام قال : حدثني وصيّ الأوصياء ..(1)

وبالنظر إلى الاستعمال الثاني «سيّد الوصيين» بمعنى أن على أوصياء النبي صلی الله علیه و آله وسلمالأخذ من جنابه علیه السلام .

وإنّما بلغتهم ودائع النبوّة وبدائع الولاية بواسطة ذاته المقدّسة ومن وراثتهم مقامه المحمود بلغوا درجة الرئاسة الكلية على ماسوى الله من هنا جاء في بعض

الزيارات مخاطبة(الإمام الحسين) بقول القائل: «يا وصي أمير المؤمنين» .(2)

ص: 203


1- ارشاد المفيد 2 : 160 ونسخة المؤلف : 280 ، بحار الأنوار 46: 286 ط بيروت، مناقب ابن شهر آشوب 2 : 273 في إمامة أبي جعفر ، بحار الأنوار 286:46 ط بيروت.
2- في زيارة الإمام الحسين : «السلام عليك يا وصي أمير المؤمنين». وفي زيارة العسكري: «السلام عليك يابن الأولياء الراشدين». وفي زيارة صاحب الأمر : «السلام عليك يا وصي الأوصياء». وفي فرائد السمطين :1 : 55 قال رسول الله : وأبو هما سيد الوصيين. یزید بن ساباط قال : دخلت على أبي عبد الله في مرضه الذي مات فيه ثم دعا موسى وعبد الله وإسحاق عبدالله و محمّداً وقال لهم : هذا وصيّ الأوصياء وعالم علم العلماء . الكافي : بالإسناد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبدالله في حديث الشامي : إن الإسلام قبل الإيمان صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنك وصيّ الأوصياء . ورواه الطبرسي في الاحتجاج والطبرسي في إعلام الورى والمفيد في الإرشاد. (إثبات الهداة 3: 78 الرقم 7) . (هامش الأصل) وجابر هو بن يزيد الجعفي لا الأنصاري . (المترجم - راجع الإرشاد 2 : 160)

ومجمل القول وردت روايات كثيرة عن أميرالمؤمنين علیه السلام من طرق العامة بتلقيبه بلقب سيّد الوصيين وخير الوصيين من هذه الحديث ما رأيته في اليقين من الروايات السبعة التي ذكرت الإمام علیه السلام بلقب خير الوصيين وفيه خمس روايات ذكرت الإمام علیه السلام البلقب سيد الوصيين.

وعندنا أخبار كثيرة وروايات وفيرة مبثوثة في تضاعيف كتب هذه الطائفة ومطاوي مؤلّفاتها يوجب ذكرها الخروج عن سياسة الاختصار (1). ومن أجل

التيمن بها نذكر الحديث أدناه من كتاب «مودّة القربى» تأليف السيد مير علي الهمداني الذي يوصف بأنه جامع الأنساب الثلاثة، عن ابن عباس قال : دعاني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال لى : أبشرك إنَّ الله تعالى أيدنى بسيد الأولين والآخرين والوصيين علي، فجعله كفو ابنتي فإن أردت أن تنتفع به فاتبعه .

اللهم نقسم عليك بحق هذا الوجود المبارك السعيد أن توفقنا لمتابعته وتنفعنا ببركته في الدنيا والآخرة .

تنبيه :

اعلم أنّ عارفي أهل السنة زوروا كلاماً في المسألة يخدع العوام وفحواه أنّ وصاية علي علیه السلام الباطنية ولم يُعهد إليه الرئاسة الظاهرية لأن مقامه أرفع من أن يلي

ص: 204


1- تجد تفصيلها في كتاب إحقاق الحق 4: 100 فراجعه إن شئت.

ذلك، وبهذا التقريب الباطل وهو من شبهات الشياطين صححوا خلافة خلفائهم .(1)

نقل الميبدي عن الشيخ علاء الدين السمناني أنّه قال : الولاية علم الباطن والوراثة علم الظاهر، والإمامة علم الباطن والظاهر ، والوصاية حفظ سلسلة الباطن ، والخلافة حفظ سلسلة الظاهر ، وكان عليّ بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولياً ووارثاً وإماماً ووصيّاً ولم يكن خليفة ولكنه استخلف بعد عثمان ، تم كلامه .

والحق يقال : إنّ على كلّ عاقل أن يشتد عجبه من استيلاء سلطان الضلالة على هؤلاء وغرز مخالب الشيطان فيهم ، وأن تبلغ به الحيرة كل مبلغ ، وإن من أعجب العجايب ان يظل امرئ حائز على علم الظاهر والباطن جليس داره وحلس بيته ثمّ يختار بضعة أفراد ممن لا علم لهم ولا فهم ولا يعرفون موطئ قدمهم عن الشريعة والطريقة ولا يعلمون من ظواهر القرآن بمقدار ذرّة للرياسة الكلية والخلافة الالهية ، سبحان الله !

وكيف يتسنّى لمن لا علم له الرئاسة الظاهرة وهي حكومة على الأموال والنفوس والأعراض لعامة الخلق ويكون مرجعاً لجميع الأحكام ومبنيّاً لتمام الوقائع لجميع الطبقات المختلفة والفرق المتفاوتة من أصناف البشر وأخلاط الزمر وهو فاقد للعلم والمعرفة وغير مُلِمّ بمراتب الأمّة جميعها أقول بأي وجه يتيسر له ذلك ؟ ذلك هو الضلال المبين .

وما قالوه من أنّ الرياسة الظاهرية لا تناسب مقامه حيلة من وحي إبليس

ص: 205


1- أقول : ما عثرت على هذا القول منسوباً إلى هؤلاء في كتاب غير شفاء الصدور . وهم لا يرون الباطن من الإسلام فكيف يقولون به، نعم ممن اعترف بالوصيّة منهم قال : إنما وصاه على أهل بيته وليس على أُمته ومن لم يعترف بالوصية منهم فلا يحتاج إلى أحد القولين بل فزع إلى الجحود والإنكار ورآه أقرب الطرق إلى السلامة من مقارعة حجج الشيعة وصدمات براهينهم. (المترجم)

شيطانية ، لأنّ غرض الأنبياء لم يكن الرئاسة الظاهرية لكن لما توقف عليها هداية الخلق كافة ونشر أحكام الدين وإجراء الحدود وإغاثة الملهوف وإعانة المظلوم والاقتصاص من الظالم وحفظ رتب الخلق وطبقاتهم، وتوسعة أرزاق الفقراء وأخذ الوجوه الشرعية وأخيراً إقامة نظام معاش بني آدم الموجب لصلاح أهل العالم جميعاً لا يتمّ أبداً إلا بهذه الرياسة الظاهرية على الوجه الصحيح المطلوب للشرع مِن ثَمّ جعلها الله خاصة بالأولياء والأنبياء.

وإن عُدِم ذلك فإنّ المفاسد التي ما تزال من أوّل الدنيا إلى يومنا هذا تشاهد ويبلغ عنها تنشر في الأرض وتعم الفوضى ويستشري الظلم ، وهذا القدر كاف في توجيه عقول أهل الإنصاف .

ص: 206

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعَالَمِينَ

الشرح : ينبغي على مذهب البصريين أن يكون لفظ الزهراء مجروراً، لأنّ الاسم واللقب كليهما مفردان وهو مختار ابن مالك ، والتحقيق في ذلك أن اللقب يجوز فيه الاتباع والقطع ، فقد روى الفرّاء أ روى الفرّاء أنّه سمع من العرب: «هذا يحيي عينان وقيس قفه» وقال الفصحاء : «عبدالله بن قيسٍ الرقيات» بتنوين قيس، ونجم الأئمة الرضي اختار هذا ، ونحن سلكنا هذا المسلك في منظومتنا الممزوجة بالألفية ، وبناءاً على هذا فإن لم يثبت الجرّ جازت الوجوه الثلاثة وشواهد ذلك في أخبار آل محمّد وهم الحجة في ذلك كثيرة .

وهذه العبارة تشتمل على ثلاثة أسماء من أسماء البتول المقدّسة :

الأوّل: «فاطمة» وقد رويت علة تسميتها بهذا الاسم في العلل ومعاني الأخبار والعيون والأمالي وغيرها عن الأئمة الأطهار علیهم السلام بأسانيد مختلفة وألفاظ متفاوتة، ففي بعض هذه الروايات لأنّها فُطمت هي وشيعتها من النار .(1)

وفي بعضها: لأن الله فطم من أحبها من النار .(2)

وفي بعضها: أتدري أي شيء تفسير فاطمة ؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر .(3)

وفي بعضها : إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث (4).

ص: 207


1- بحار الأنوار 43: 12 رقم 3 ط طهران.
2- نفسه 43: 12 ط طهران . (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 43: 10. (المترجم)
4- نفسه 43: 13 . (المترجم)

وفي بعضها : سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولّى ذريتي من النار(1). ويذكر هذا في وجه المناسبة. وجميع هذه الأخبار مذكورة في العلل ، الأوّل

في العيون، والثاني في المعاني والثالث في البحار عن الأمالي ..(2)

وتوجد هذه الرواية في كتب أهل السنة أيضاً بعبارة قريبة من الروايات المذكورة، ففي ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري رواها بثلاثة طرق ، وفي مودّة القربى والينابيع مروية أيضاً، وفي سائر كتبهم وليس مقامنا مقام الاستقصاء هنا وورد في هذه الأخبار إشكال ذكره العلماء وملخصه : إن لفظ فاطمة اسم فاعل ومعناه فعل الفطام من اللبان ومقتضى الأخبار الآنفة أن يكون اسمها «مفطومة» لا فاطمة . وأجيب على هذا السؤال بعدّة أجوبة :

الأوّل : إنّه اسم فاعل بمعنى المفعول، مثل ماء دافق و «عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ»(3) وهذا غاية في البعد ، لأنّ في الأمثلة المذكورة يحمل على المجاز الإسنادي كما ذكره علماء البيان وغالباً ما يتبادر إلى أذهان النحاة السطحيّين الذين لم يدركوا لباب لطايف العربيّة وصفو بدائع الكلام هذا المعنى.

الثاني : أن فعل «فطم» لازم ومتعدّي وهذا الاحتمال ذكره الفاضل المجلسي مع ذكره الاحتمال الأوّل، وهذا الاحتمال استظهره من عبارة القاموس حيث قال: أفطم السخلة حان أن تفطم فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم (4)، انتهى .

ودلالة هذه العبارة على الاستعمال على وجه اللزوم ممنوعة بل يدلّ ظاهره - إن صح النقل - على صحة الاحتمال الأوّل مثل «سرّ كاتم» و«مكان عامر» الذي

ص: 208


1- بحار الأنوار 8: 50 . (المترجم)
2- بحار الأنوار 43: 12 ط طهران ، وإحقاق الحق 16:10 - 24 نقل هذه الأحاديث بالتفصيل .
3- الحاقة : 21 .
4- القاموس 1 : 1478 نشر المكتبة العلمية بيروت (المترجم)

اعتبره قصار النظر من النحاة فاعلاً بمعنى المفعول ، وبناءاً على مذهب التحقيق أن كل واحد من الأمثلة المتقدّمة باقي على معناه من اسم الفاعلية، مثلاً قول القائل «سر كاتم» لم يتغيّر من اسم الفاعل لأن معناه السرّ الذي يحمل في ذاته قوة كتمانه كأنما هو الكاتم ، وكذلك «السخلة فاطم» لأنها ببعدها عن أُمها كانت تبعد نفسها عن الرضاع بنفسها فسمّيت فاطماً لهذا الغرض.

ويبعد هذا الاحتمال أن أحداً من النحاة لم يعتبر التعدي واللزوم ضربة لازم للفعل، وطريقة صاحب القاموس أن يقول عنه الازم متعد» أو «يتعدّى ويلزم» ولم يقل بلزوم هذه القاعدة له .

مضافاً إلى أنّ من الأحاديث ما يخالف هذا الاحتمال وما قبله تنصيصاً وتصريحاً، كما ورد في عل الشرايع عن عبد الله المحض (1)قال : قال لي أبو الحسن (2): لم سمّيت فاطمة فاطمة ؟ قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء . قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ولكن الاسم الذي سمّيت به أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يتزوج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قبله فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها فقطعه عمّا طمعوا ، فبهذا سمّيت فاطمة، لأنها فطمت طمعهم، ومعنى فطمت قطعت .(3)

وهذا الحديث ينص على أن لفظ فاطمة اسم فاعل متعد وهو وإن اختلفت وجوه حمله إلا أن الجمع بينها ممكن فيكون بمعنى انقطاع الطمث، وبمعنى منع

ص: 209


1- عبدالله المحض : عبدالله بن الحسن بن الحسن . راجع العلل والبحار . (هامش الأصل)
2- الظاهر إنه الإمام زين العابدين
3- علل الشرايع : 178 باب 142 مكتبة الحيدرية في النجف، بحار الأنوار 43: 13 رقم 7 (هامش الأصل) وجرى تطبيقه . (المترجم)

الشيعة من النار ، ومنع ذرّيّتها ، وبمعنى قطع طمع من يطمع بوراثة النبي وخلافته . أما إذا حملنا اللفظ على اسم المفعول أو جعلناه لازماً لا متعدّ فينبغي استبعاد هذا الخبر وطرحه .

تنبیه :

عبارة هذا الحديث كما رأيتها مشتملة على سؤال وجواب المجيب هو أبو الحسن، وبيان هذا الوجه للتسمية منه ولكن المؤرّخ المعاصر صاحب ناسخ) «التواريخ نسب السؤال والجواب كليهما إلى عبد الله المحض ولكن سياق الحديث ونظمه يدلان على تعدّد السائل والمجيب، لأنّه أخطأ أوّلاً في فهم الجواب وزعم أنّ هذا الاسم لم يسبق إليه من قبل ولكن الإمام قال : إنّه من الأسماء ثمّ أخذ في تبيين علة هذه التسمية، وسياق كتاب العلل والبحار كما نقلناه نحن إلا أن في ناسخ التواريخ جاء مكان «قال» لفظ «قلت» والظاهر أن خطأ الناسخ وقلة التدبّر جرّ إلى هذا الخلط وهذا هيّن في جنب ما لهذا الكتاب من جلالة وعظمة ومنفعة كبرى شكر الله سعيه وأحسن سقيه ورعيه.

الوجه الثالث : هو أنّ الله تعالى لما رفع العذاب في جهنّم عن الشيعة ببركة هذا الوجود الشريف فكانت الصدّيقة سبباً لهذه النعمة العظيمة لذلك سمّيت فاطمة من قبيل نسبة الفعل إلى السبب فسمّيت فاطمة سلام الله علیها، ومؤيد هذا المعنى الحديث المارّ «فطمت من تولاني» حيث صرحت بسببيتها في نجواها مع الخالق سبحانه ، بل بينت الظاهر من وجه التسمية حيث سبقها قولها «سميتني فاطمة» حيث يدرك ذلك المتأمل الذي من دأبه استفادة المعاني من الألفاظ ويصدّق به.

الاسم الثاني : الزهراء

ذكر في العلل لهذه التسمية جهتين :

ص: 210

الاولى : عن : عن الإمام الصادق علیه السلام : عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال : قلت له : لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال : لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة ساجدين قالوا الهنا وسيدنا ما لهذا النور ؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي .(1)

والثاني : برواية أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : يابن رسول الله ، لم سمّيت الزهراء سلام الله علیها الزهراء ؟ فقال : لأنها تزهر لأمير المؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور : كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة .

فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها سلام الله علیها بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة سلام الله علیها فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها سلام الله علیها بالصلاة فيعلون أنّ الذي رأوه كان من نور وجهها.

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة سلام الله علیها فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم

ص: 211


1- الصدوق، علل الشرايع 1: 179. (المترجم) بحار الأنوار 43: 12 . (هامش الأصل)

وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلی الله علیه و آله وسلم ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة سلام الله علیها، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين علیه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت، إمام بعد إمام ...(1).

وهذا مختصر مضمون الحديث المروي في علل الشرايع .(2)

وقريب من هذه الرواية ما رواه البحار عن المناقب عن أبي هاشم العسكري إنّه قال : سألت صاحب العسكر علیه السلام : لم سمّيت فاطمة الزهراء سلام الله علیها؟ فقال : كان وجهها يزهر الأمير المؤمنين علیه السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية وعند الزوال كالقمر المنير وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ.(3)

ونقل هذه العبارة في المناقب بعد العبارة (غريبين) التي ذكرها في وجه تسمية البتول، واشتبهت الحال على المؤرّخ المعاصر فأسقط اسم «أبو هاشم راوي

الحديث وروى الحديث عن الغريبين بلا واسطة وقال : حكى عبيد الهروي في الغريبين قال: سألت «صاحب العسكر» وهذا الخطأ غاية في الغرابة من عدة جهات، وأهل هذه الصناعة يعرفون ذلك وما من حاجة إلى البيان (4).

ص: 212


1- علل الشرايع 1: 179 (المترجم) علل الشرايع : 180 باب ،143 ، بحار الأنوار 43: 11 رقم 2 (هامش الأصل)
2- اختصره المؤلف ورويناه بطوله . (المترجم)
3- بحار الأنوار 42: 135 باب 122 أحوال رشيد الهجري وميثم (المترجم) بحار الأنوار 16:43 . (هامش الأصل)
4- أولاً : اسم الهروي أحمد بن محمد وكنيته أبو عبيد وليس اسمه عبيداً ثانياً : توفي الهروي عام عشر بعد الأربعمائة من الهجرة النبوية وبين وفاته ووفات الإمام العسكري مائة وخمسون عاماً فكيف يروي عنه ؟ ثالثاً : لم يعده أحد من أهل الشيعة ولا أهل السنة من أصحاب الإمام العسكري . رابعاً : أسقط لفظ أبو هاشم وهو كنية داود بن القاسم الجعفري وهو من أجلة أصحاب الجواد والهادي والعسكري والمنتظر الثقات. خامساً : لم يعز الرواية إلى ابن شهر آشوب ورواها بنحو الاستقلال والظاهر أنها بنحو الوجادة . (منه)

الاسم الثالث : سيّدة نساء العالمين

وفي الأخبار المتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة أنّ هذا اللقب الشريف ثابت لها بل صار ذلك من ضروريات مذهب الشيعة واعترف بثبوت هذا اللقب لها كثير من علماء أهل السنة والجماعة مثل الفخر الرازي والسعد التفتازاني في (المقاصد) و (شرح المقاصد) و (شرح العقائد) والشريف الجرجاني في شرح المواقف وعمر النسفي في العقائد ومحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي، ومحبّ الدين الطبري، والفضل بن روزبهان الاصفهاني وشمس الدين يوسف ابن

الجوزي ، وكمال الدين م بن طلحة وابن أبي الحديد وغيرهم.

ولما نشب الخلاف بين علماء السنّة مع وجود هذه التصريحات حول من هي الأفضل؟ وجاء في رسالة الشيخ محمد الصبان أن الأقرب عند الكثير تفضيل مريم على نساء العالمين ثمّ خديجة ثمّ فاطمة ثمّ عائشة ، وجماعة على تفضيل عائشة .(1)

وحكي عن الأشعري التوقف (2)ونقل عن شيخ إسلامهم ابن حجر المتقدم العسقلاني في شرح البهجة التفضيل من جهات فعايشة من جهة العلم أفضل وخديجة من جهة السبق إلى الإسلام وإعانة الرسول، وفاطمة من جهة القرابة وكونها بضعة النبي ، ومريم من جهة الاختلاف في نبوّتها. وهذا القول باطل جملة

ص: 213


1- إنما فصلوها لشديد بغضها لعلي وأهل بيته وأنا اليوم على استعداد لإثبات كفر عائشة بالأرقام. أما نفاقها فثابت لا شك فيه لقول النبي العلي : لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ، وكانت عائشة تبغضه في حياة النبي وبعد وفاته فكيف صارت أفضل وصديقة ؟ (المترجم)
2- لعنه الله ولعن دينه.

لمخالفته للنصوص الثابتة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و عترته الأطهار .(1)

لأنّ اتفاق علماء الشيعة حاصل بأنّه ما من امرأة عند الله أقرب منزلة من فاطمة سلام الله علیها بل يستفاد من الأخبار أنّها سلام الله علیها أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين حتّى أُولي العزم (2)بل فضلها بعض العلماء على الحسن والحسين وسائر الأئمّة علیهم السلام . ولما كان قانون المناظرة يقتضى أن تحتج على الخصم بكتبه لذلك نحن نستمد العون من سيّدتنا سلام الله علیها ونورد قسماً من الأخبار الصحيحة الموثقة من كتب أهل السنّة والجماعة بعون الله تعالى الدالة على أن فاطمة سيدة نساء العالمين وأنّ جميع نساء العالمين دونها بالرتبة .

الخبر الأوّل : محمّد : محمد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح يقول : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة .(3)

وهذه الرواية وإن كانت مرسلة ولكن لورودها في كتاب البخاري تعتبر صحيحة عند أهل السنّة لأنه أجمعوا على تصحيح ما رواه البخاري في جامعه وإن

رواه الضعفاء أو كان مرسلاً كما صرّح ابن خلدون بذلك في مقدمته .

وهذا الحديث مرويّ في البحار عن مناقب ابن شهر آشوب ورواه مسلم في الصحيح وأبو السعادات في فضائل العشرة وأبو بكر بن شيبة في الأمالي والديلمي في الفردوس .(4)

ص: 214


1- ينبغي ألا يوثق بكلّ نقل فقد ثبت عن ابن حجر العسقلاني قوله : فاطمة أفضل من خديجة وعائشة بالإجماع ثم خديجة ثمّ عائشة . راجع القاضي عبدالنبي الأحمد نگري (جامع العلوم 1 :9) (المترجم) .
2- وهذا ما ذهب إليه مولانا الأميني في محاضراته التي ترجمناها إلى العربية بعنوان (فاطمة أم أبيها) وينبغي للمؤلف أن يستثني من أولي العزم والدها ويستثني من بقية الناس بعلها . (المترجم)
3- صحيح البخاري 5 : 20 - 21 ط المنيريّة. سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة ، رقم 6049. (المترجم)
4- بحار الأنوار 43: 37 ، وإحقاق الحق 10: 69 - 99 (هامش الأصل)

الخبر الثاني: رواه مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري في صحيحه بسندين وأحمد بن شعيب النسائي في الخصائص عن عائشة أن فاطمة سلام الله علیها قالت : قال لها النبي : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء الأُمّة .(1)

والظاهر أنّ الترديد من الراوي ومهما كانت ألفاظ الرواية فإنّها تدلّ على فضل الزهراء على مريم سلام الله علیها فإن كان اللفظ «المؤمنين» فمريم داخلة في هذا المفهوم ويشملها بنفسه إلا أن يدعى أنّ اللفظ ينصرف إلى مؤمني هذه الأمة وهنا يمنع من دخول مريم فيهم ، وإن قصد بالنساء نساء هذه الأمة فإنّها بمعونة الروايات المرويّة في هذا الجامع يكون بالإمكان إثبات مطلوبنا . وعلى كلا الحالتين فقد روي في باب فضائل الخديجة عن أمير المؤمنين أنّه قال : سمعت رسول الله قال : خير نساءها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد. وهذه الرواية رواها بأربعة أسانيد بمعنى أنّه كرّر «حا» الذي هو في اصطلاح المحدثين علامة على التحويل (ويسمونه حاء التحويل) ثلاث مرّات. وفي إحدى الطرق رواية أبي كريب عن وكيع، ولهذا يقول بعد نقل الحديث: إنّ وكيع أشار وهو يروي الرواية إلى السماء والأرض أي: إنّ مرجع الضمير «ها» في «نسائها» عينه وكيع وهو الدنيا كلها وهذا اللون من الإشارات رائج عند العرب.

ويفهم من هذا الحديث المروي في صحيح مسلم المتكرر الإسناد مرتبة مريم وخديجة من طريق أهل السنّة ، ولا شك بأنّ سيّدتنا خديجة سلام الله علیها من نساء هذه الأمة وفاطمة بحكم الحديث المذكور سيدة نساء هذه الأمة ولازمه أن تكون أفضل من مريم أيضاً لأنّ من فضل أحد المتساويين فضل الآخر بالملازمة وعلى

ص: 215


1- صحیح مسلم 7: 142 ط محمد صبيحي بمصر ، وإحقاق الحق 106:10 أحاديث. (هامش الأصل) وجرى تطبيقه في صحيح مسلم رقم 6260 . (المترجم)

هذا ففاطمة سلام الله علیها السيدة نساء العالمين بمقتضى الحديث الذي رواه مسلم وهو صحيح متفق عليه عند أهل السنة والجماعة وهذا البيان من غنائم هذا الشرح، والحمد لله على وضوح الحجّة.

الخبر الثالث : نقل عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالكريم بن الأثير الجزري في أسد الغابة في ذيل رواية مفصلة ينتهي سندها بمسروق عن عائشة أنّ فاطمة سلام الله علیها أخبرتها عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال لها: «ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟».

ثمّ نقل ذلك عن أبي صالح أنّه قال : رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم وهذا من غريب الصحيح فإنّ زكريا روى عن الشعبي أحاديث في الصحيحين وهذا يرويه عن فراس عن الشعبي .(1)

الحديث الرابع : روى الترمذي في صحيحه عن حذيفة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : أما رأيت العارض عرض لي قبل ذلك، هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلّم عليّ ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة . (2)(3)

الخبر الخامس : نقل أحمد بن شعيب النسائي في كتاب الخصائص عن عائشة بأنها روت عن فاطمة سلا الله علیها أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لها : يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأُمّة وسيّدة نساء العالمين .(4)

ص: 216


1- أسد الغابة 5 : 522 ط مصر ، وإحقاق الحق 10: 27 ... ( هامش الأصل)
2- صحيح الترمذي 3 : 197 ط الصاوي بمصر ، وإحقاق الحق 10: 69 أحاديث 2 ، الخصائص : 43 ط التقدم بمصر ، إحقاق الحق 108:10 - (هامش الأصل)
3- الترمذي 5 : 326 بسياق يختلف عن سياق المؤلف . (المترجم)
4- الخصائص : 43 ط التقدم بمصر ، إحقاق الحق 108:10 . (هامش الأصل)

قال في الصواعق : أخرجه أحمد والنسائي وابن حبّان .

الخبر السادس: أحمد بن عبدالله بن محمد أبو العبّاس محبّ الدين الطبري المكي إمام أهل السنّة روى في ذخائر العقبي عن أم سلمة (1)أنها روت عن فاطمة الزهراء سلام الله علیها لأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لها : أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيدة نساء العالمين أو نساء أهل الجنّة (2).

ولما وردت هذه الأخبار بسياقات مختلفة من طريق البخاري ومسلم والترمذي والدولابي وغيرهم مما احتمل تعدّد الواقعة ليجمع بينها وهذا وجه وجيه كما عمل ابن حجر في باب أخبار الكساء فقد احتمل تعدّد الخبر عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال : إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم جمعهم مرّات تحت الكساء وقرأ عليهم آية

ص: 217


1- وصفه السيوطي في طبقات الشافعية بالإمام المحدثى فقيه الحرم شيخ الشافعية محدّث الحجاز وقال الصفدي في الوافي بالوفيات : شيخ الحرم الفقيه الزاهد المحدّث . ولقبه عبدالوهاب بن السبكي في طبقات الشافعية بشيخ الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافع. وقال الأسنوي في طبقات الشافعية : شيخ الحجاز ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عالماً بالآثار والفقه. وأورد الذهبي في كتاب العبر ودول الإسلام وتذكرة الحفاظ والمعجم بأنّه الإمام المحدّث المفتي فقيه الحرم مصنّف الأحكام ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عارفاً بالآثار ومن نظر في أحكامه عرف محله من العلم والفقه، عاش ثمانين سنة، مات سنة أربع وتسعين وستمائة ، وإذا أردت أن تحيط علماً بما قيل فيه من كلمات المدح فعليك بالرجوع إلى كتاب عبقات الأنوار تصنيف السيد الجليل المحدّث العالم نادرة الفرك وحسنة الهند ومفخرة لكهنو وغرّة العصر خاتم المتكلمين المولوي الأمير حامد حسين المعاصر الهندي الكهنوي قدس سره وضوعف بره، وإنّي أُدين الله بأنه منذ تأسيس علم الكلام إلى هذا اليوم حيث أكتب هذا المختصر ، لم يؤلف كتاب في مذهب الشيعة مثل هذا الكتاب المبارك من حيث اتفاق النقل وكثرة الاطلاع على كلمات الأعداء والإحاطة بالروايات الواردة من طرق الخصوم في باب الفضائل إلى آخر ما جاء فيها . فجزاه الله عن آبائه خير جزاء ولد عن والده ووفق خلفه الصالح لإتمام هذا الخير الناجح ، وما نقلناه نحن في هذا المقام من التعريف بالمحب الطبري إنما هو اختصار وجيز مما ورد في ذلك الكتاب .
2- ذخائر العقبي : 42 ط مكتبة القدسي بمصر . (هامش الأصل)

التطهير (1)كما فعل في حديث التمسك بالثقلين فقد قال : رواه عن النبي عشرون ونيف من الصحابة سمعوه منه في مواضع مختلفة .

الخبر السابع : روى في البحار عن مناقب ابن شهر آشوب وهو من أجلة علماء الإمامية وقد أثنى عليه علماء أهل السنة والجماعة ثناءاً بليغاً وقد اعترفوا بوثاقته وتقواه، كما نقل السيد الجليل المعاصر الهندي عن الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي أنّه قال : محمد بن علي بن شهر آشوب أحد شيوخ الشيعة، حفظ أكثر القرآن وله ثماني سنين ، كان يرحل إليه من البلاد، وكان صدوق اللهجة، مليح المحاورة ، واسع العلم كثير الخشوع والعبادة والتهجد ، لا يكون إلا على وضوء، أثنى عليه ابن أبي طي كثيراً. ونقل عن صاحب القاموس في البلغة أنه اعترف بسعة علمه وكثرة عبادته ودوام وضوئه ، وكذلك اعترف السيوطي بهذه الفضائل وأضاف إليها : كثرة الخشوع .

وفي طبقات المفسّرين نقل شمس الدين محمد بن علي المالكي تلميذ جلال الدين السيوطي : اشتغل بالحديث ولقي الرجال وتفقه فبلغ النهاية حتى صار رحلة وتقدّم في علم القرآن والتفسير والنحو وكان إمام عصره وواحد دهره وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي ، واسع العلم كثير الفنون ، انتهت عبايرهم ملخّصة محذوفة الأكثر .

والسرّ في إسهابنا في نعت ابن شهر آشوب من كتب أهل السنة والجماعة لكي لا يتهم في نقله وإن كنت أنقل من بحار الأنوار في هذا الكتاب، ولكن المناقب كثيرة الصدور واسعة الانتشار والحمد لله . والكتب التي ينقل منها موجودة أيضاً والمفقود منها قليل .

ص: 218


1- «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهُرَكُمْ تَطْهِيراً».

ومجمل القول أنّ الشيخ في المناقب ينقل عن الخطيب البغدادي وقال : تاريخ بغداد عن الخطيب عن حميد الطويل عن أنس قال: قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : خير نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد وآسية امرأة فرعون . ثمّ إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم فضّلها على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة .(1)

وروت عائشة وغيرها عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك على نساء العالمين وعلى نساء الإسلام وهو خير دين .(2)

أقول : يستفاد من هذا الحديث إذا كانت امرأة أفضل نساء هذه الأمة فلازم ذلك أن تكون أفضل نساء سائر الأمم وبناءاً على هذا تشهد الأخبار المروية في صحيح مسلم وصحيح الترمذي وخصائص النسائي وغيرها من الكتب المعتمدة لأهل السنة والجماعة التي أطلقت على سيدتنا الصدّيقة لقب «سيدة نساء الأُمّة» والآن لك أن تراجع وتتأمّل وتشكر النعمة عليك حيث حفظ فضل أهل البيت فلم يستطع أحد إهداره ، ولقد بذل العدوّ غاية الجهد لكي يكتم فضلهم فما استطاع ومع عظيم سعيه في ذلك فقد وصل إلينا من فضلهم ما يكفي لإقراره ونشره، وحالفنا التوفيق في ذلك ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، والحمد لله كلّما حمده الحامدون.

الخبر الثامن: بحار الأنوار عن المناقب عن حلية أبي نعيم عن جابر بن سمرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال في حق فاطمة سلام الله علیها : أما إنها سيدة النساء يوم القيامة .(3)

ص: 219


1- في تاريخ بغداد روايتان عن حميد الطويل وينتهي بالسند إلى أنس والثانية عن ثابت عن أنس وليس فيهما زيادة في الدنيا والآخرة . راجع : 7: 194 و 9 : 411 ط بيروت دار الكتب العلمية ، الأولى 1417 (المترجم)
2- بحار الأنوار 43: 36 (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 43: 37 (هامش الأصل)

الخبر التاسع : البحار عن المناقب عن تاريخ البلاذري وهو من أكابر مؤرّخي علماء السنة والجماعة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لها : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة .. (1).

الخبر العاشر : مير سيد علي الهمداني الذي يدعوه السنيون «عليّاً الثاني» قال في كتاب مودّة القربى عن فاطمة سلام الله علیها قالت : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو نساء أُمتي.(2)

وهذا الحديث يختلف عن حديث الخصائص اختلافاً ظاهراً لأنّ في الأوّل (سيدة نساء هذه الأمة) مقدّم على جملة (سيدة نساء العالمين) وفي هذا الحديث وردت جملة (أو نساء أُمتى) بحذف سيّدة وإضافة لفظ «أُمّة» وحذف لفظ «هذه» وهذه الجملة متأخرة وهي مشعرة بتعدد الحديث.

وهذا مجموع الأخبار العشرة التي استخرجناها من صحاحهم المعتمدة لديهم وما كنا ننوي الاستيفاء ولقد صرّح ابن أبي الحديد بتواتر خبر «فاطمة سيدة نساء العالمين» والحمد لله على وضوح الحجّة .

هذا وإن كانت هناك أخبار غيرها من طريق العامة ولكنها تستثني مريم بنت عمران، ولما كانت الأخبار المتقدمة تتفق مع أخبار الإمامية المنقولة عن أهل بيت الرسالة صلى الله عليهم وهم معادن العلم ومخازن الوحي مِن ثَمّ كانت لدينا أرجح وهي مقدّمة على ما سواها، وينبغى أن يهمل من الأخبار ما يعارضها ونحن وإن ألمعنا من قبل إلى أن إجماع الإمامية قائم على أن فاطمة سيدة نساء العالمين

ص: 220


1- نفسه 43: 37 (هامش الأصل)
2- مودة القربي : 260 ط بصيرتي، وفرائد السمطين 1: 55ط بيروت . قال رسول الله : وأمهما سيدة نساء العالمين. (هامش الأصل)

والأخبار حول المعنى لا تُعد ولا تحصى ولكننا نضع بين يدي هذا البحث حديثاً مباركاً جاء في أمالي الصدوق عن الحسن بن زياد العطّار وهو كما يلي ، يقول: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، اسيدة نساء عالمها ؟ قال : تيك مريم وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين (فقال : فقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ؟ قال : هما والله سيّدا شباب أهل الجنّة من الأولين والآخرين ....)(1)وروى نفس الحديث في البحار عن المناقب ولكنه رواه مرسلاً .(2)

والانصاف أنّ كلّ مسلم يجب عليه أن يمعن التفكير في مريم وفاطمة سلام الله علیهما فهل لمريم أب كالمصطفى وبعل كالمرتضى وشبل كالحسن المجتبى والحسين سيد الشهداء ؟

ومما لا شك فيه أن فاطمة أحبّ إلى رسول الله من مريم ومأة مثل مريم، وإذا أمعنت النظر في فضائلها وعلمت أنّ النبي كان يكثر من شمّها وتقبيلها وكان إذا أراد سفراً فإنّ آخر من يودعه فاطمة، وفي كلّ ليلة لا يغمض له جفن إذا لم يقبل وجهها وكان يقوم لمقدمها ويجلس أعلى المجلس حتى اعترضت عائشة على ذلك مراراً ، وقالت : لم تفعل هذا ؟! فيقول لها : إنّى أشم رائحة الجنّة. وكثيراً ما كان يقول : فاطمة بضعة منّي، وفاطمة روحي التي بين جنبي، وفاطمة فؤادي وقلبي وغيرها من الفضائل التي لا تنفد بمرور السنين والأعوام، فإذا راجعت ما تقدّم بتمعن وتدبّر علمت أن فاطمة سلام الله علیها أفضل خلق الله حتى لأنبياء والمرسلين، لأنّ

ص: 221


1- بحار الأنوار 43: 21 ح 10 . (هامش الأصل والمترجم، والزيادة بين قوسين من المترجم)
2- بحار الأنوار 43: 37 رقم 40 (هامش الأصل)

النبي صلی الله علیه و آله وسلم أفضلهم جميعاً وللجزء حكم الكل .(1)

أُمّ من بنت من حليلة من***ويل من سن ظلمها وأذاها

ص: 222


1- كفى في سموّ شأن الزهراء سلام الله عليها كلام خالقها: «الولا فاطمة لما خلقتكما» روي عن الشيخ إبراهيم بن الحسن الذرّاق عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخ زين العابدين علي بن الحسن الخازن الحائري، عن الشيخ أبي عبدالله محمد بن كَي الشهيد بطرقه المتصلة إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه القمي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن رسول الله عن الله تبارك وتعالى أنه قال : يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما . ثمّ قال جابر : هذا من الأسرار التي أمرنا رسول الله له بكتمانه إلا من أهله الجنّة العاصمة لمير جهاني : 149 نقلاً عن كشف اللثالي لصالح بن . عبدالوهاب بن العرندس . ومؤلف كتاب كشف اللثالي من علماء القرن التاسع من علماء الشيعة كان عالماً ناسكاً زاهداً ورعاً أديباً شاعراً، توفي سنة 840 ودفن في الحلة الفيحاء ومدفنه مزار يتبرك به ورجال الحديث من كبار الشيعة، راجع : جنّة العاصمة : 149 .

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ..(1)«إنما أنا عبد من عبيد محمد»بحار الأنوار 3: 283. (المترجم) (2)تجد هذه العبارة من كلام السيد نعمة الله الجزائري في كتاب نور البراهين» 2 : 113 . (المترجم)(3)بحار الأنوار 26 : 260 ، وعبد الله مكان وُحد . (المترجم) (4) النور : 35 . (5)حديث طويل في الجزء السادس والعشرين من بحار الأنوار ص 1. (المترجم) (6)بحار الأنوار 58 : 235 وتمامه : «فإنّ الشيطان لا يترائى بي» فليس الغرض من هذا القول حيث ذهب الكاتب . (المترجم) (7)

ص: 223


1- السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ينحصر توجّه الإنسان إلى أولياء الحق ومظاهره ومحاله التامة بوجهين : الأول : النظر إليهم بعين الاستقلال وإنّهم كمحمّد وعلي ، هم الله سبحانه وما إلى ذلك وهذه الطريقة هي الكفر والإلحاد، وجرت الإشارة إلى ذلك من النبي إلى ذلك كقوله صلی الله علیه و آله وسلم : أنا عبد الله مرزوق ومخلوق . ويقول أمير المؤمنين : أنا عبد من عبيد محمد صلی الله علیه و آله وسلم.
2- ويقول الإمام الصادق الله : لو عرفت الله بمحمد ما عبدته ، وإن الله أجل من أن يعرف بخلقه
3- . الوجه الثاني : التوجه إلى مقام نورانية الأولياء لا بنحو استقلالهم بل لأنهم مظاهر نور الله ، ولا يبدو لهم ذات للناظر مستقلة عن هذا اللحاظ ، لذلك نحن حين نخاطبهم ، نقول : من عرفكم فقد عرف الله ، وجاء في أقوالهم : بنا عُرف الله ، وبنا عبد الله ،وبنا وحد الله
4- وأبى الله أن يعرف إلا بالرجال . ومن هنا يقول الله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ»
5- لاسيما إذا أخذ تفسير الآية من المأثور عن أهل البيت فإن المراد من المصباح والزجاجة محمد وآل محمد، لأنه عندما يلمح النور منعتقاً من حجاب الزجاجة لا يعيرها الناظر إليها اهتماماً بل ينحصر همه في مشاهدة النور ، كما يقول أمير المؤمنين : «یا سلمان یا جندب، معرفتي بالنورانية هي معرفة الله ومعرفة الله هي معرفتي»
6- وكذلك يقول : من رآني فقد رأى الحق
7- ومن عرفكم فقد عرف الله ، ومعرفة الله هي معرفة كلّ أهل زمان إمامهم. وقول أمير المؤمنين : «أنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن، وأنا يد الله وأذن الله وعين الله» يمكن أن تطبق على مثل هذه المعاني، ومع ملاحظتها نقرأ في زيارة عاشوراء : «السلام عليك يا ثار الله و ابن ثاره». لأن النظر إلى ذلك الدم وآثاره وبركاته العجيبة لم يكن في الأصل إليه ولا المعوّل في الحقيقة عليه وإنما يجتازه البصر إلى الحق فيراه من خلاله ، وما المقصود بهذه الرؤية رؤية البصر بل البصيرة والوجدان ، لأنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. وفي مقابل ذلك يمكن أن نخاطب البرابرة الذين قذفت بهم الصحراء ، والعفاريت الأرجاس كمعاوية ونغله يزيد، فنقول : يا دم الشيطان وابن دم الشيطان ، و يا يد الشيطان ولسان الشيطان، ويا بعيداً عن الإنسانية لأنهما لا يملكان من الصفات غير الشيطنة والدنس والكبرياء الفارغة. (المحقق)

اعلم بأنّ الثأر في لغة العرب كما ورد في (أساس اللغة) والصحاح ومختار والألفاظ الكتابية معناه : الضغن ، وطلب الضغن ، وبهذه الملاحظة استعمل بمعنى الثأر للدم وبمعنى الدم، وفسره في القاوس بهذا المعنى ، والأصح ما ذكرناه في الاستعمال لأنّ القاموس لا يوثق به ولا يعتمد عليه في مثل هذه الأُمور . وعلى كل حال فالاستعمال جار بمعنى الدم وطلب الدم.

والمعنى الثاني هو المعنى المصدري يقولون : ثأرت حميمي وثارت فلاناً بحميمي يعني طلبت بدمه أو بواسطته كما ورد ذلك في أساس البلاغة وغيرها.

إذاً ، فالمطالب «ثائر» والقتيل مثئور ومثئور به وكذلك المطلوب وهو القاتل يسمّى المثأور. والعبارة الثانية ثأرت فلاناً بحميمي.

وأحياناً يدعى الثار بالطالب وهذا المعنى حمله في النهاية على حذف المضاف وانتقال حركته إلى المضاف إليه وفي المثل «يا لثارات الحسين». وبناءاً على ما ذهب إليه صاحب النهاية، تقديره : يا أهل ثارات الحسين يعني الطالبون بدم الحسين علیه السلام .

وأحياناً يطلق الثأر على القاتل ، وفي النهاية أوّل هذا المعنى على وجه «موضع الثأر» أو بحذف المضاف أو على المجاز بمعنى الملابسة والحلول، وعلى هذا

ص: 224

يراد من المثال المذور استنهاض القبيلة من أجل بيان فداحة الأمر وتقريعها لتنفصل بذلك عن الأنصار ويعرف حالها.

ونقل الزمخشري أنّ استعمال الثأر هنا بمعنى الطالب من قبيل استعمال المصدر في اسم الفاعل مثل عدل، وفي الثاني من قبيل استعمال المصدر في اسم المفعول مثل «صيد» وفي «يالثارات الحسين» الثار معناه نفس الذحل والدم وصيحتهم بهذا الشعار كأنّهم يقولون يا دماء الحسين تجمعي اليوم فإنه وقت الطلب، وهذا الكلام من رأسه إلى قدمه غاية في المتانة ونهاية في القوة وما هو بحاجة إلى تكلف ابن الأثير .

واحتمال آخر في معنى الثار أنه بمعنى الطالب وهو مخفف من ثائر نظير شاكِ مخفف من شائك، وبناءاً على هذا تحذف الهمزة منه وتبقى ألف الفاعل واللازم نطقها بالألف غير المهموزة بخلاف الوجوه السابقة حيث أن الكلمة المهموزة لأنّ الأصل فيها الهمزة ويؤتى بالألف تخفيفاً وإن كان الغالب في استعمالها بالألف، ومن هذه الجهة ضبطت في جميع كتب المزار بالألف اللينة ، ولا إشكال في ذلك ، وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً إلا أنه أولى من احتمال ابن الأثير .

فإذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم أنّ في المسألة وجوهاً محتملة :

الأوّل: يستفاد من كلام الفاضل المتبحر المحدث المجلسي في مزار البحار أنّ «ثار» بمعناه المصدري ولفظ أهل محذوف مقدّر وإضافته إلى لفظ الجلالة إضافة المصدر إلى الفاعل يعني يا من هو أهل لأن يطلب الله بدمه، وهذا خلاف الظاهر وتقديره خلاف الأصل.

الثاني: ما احتمله الشيخ الجليل فخر الدين الطريحي في مجمع البحرين أنّ-ه مصحف من «ثاير» وهذا مذكور في البحار أيضاً ولم يذكر أحد لهذا الوجه تقريباً ويمكن أن تكون إضافة «ثائر» إلى الله بتقدير اللام أي في سبيل الله وفي سبيل الله

ص: 225

طالب بالدم. ويمكن أن يكون طلبه بالدم نظراً لمن قتل قبله من أصحابه وأولاده أو بالنظر إلى الدماء البريئة التي أُريقت في زمن معاوية ويزيد.

وعلى هذا تقرير وابن ثاره يوجّه . وهناك وجوه واعتبارات يمكن تمشيها في الإضافة ولكنها بعيدة جداً، وهذا الوجه مختل لفظاً ومعنىً.

أمّا لفظاً فالالتزام بالتصحيف مع اتفاق النسخ الصحيحة على عبارة واحدة غريب مع كونه لا حاجة ماسة تدعو إلى هذا الاعتبار لأنك علمت ما ذهب إليه الزمخشري وابن الأثير من جواز استعمال «ثار» بمنى ثائر وكان في كلام الزمخشري وجهان ، وأنّ هذين المحدثين العليمين لم يطلعا على عبارة الأساس والنهاية وإن لم يكونا اطلعا فمن المستبعد الالتزام بالتصحيف.

وأما بحسب المعنى فظاهر فإنّ هذا اللقب ليس بهذا الاعتبار لاسيما وجود قرائن في بعض الزيارات على خلاف هذا المعنى نظير قوله : «في السماوات والأرض» وهذه الجملة تأتي بعد قوله : «الوتر الموتور» والظاهر رجوع اللفظ إلى الاثنين معاً حيث لا يتفق مع هذا الاحتمال .

ووجه آخر مذكور في مشكلات العلوم للفاضل النراقي وليس فيه شيء زائد على هذا المعنى وإن كان لم يشرح بيان الدلالة كما ينبغي، ونحن طلباً للاختصار

نعرض عن ذكره ونقده.

الوجه الثالث : أنّ الثأر بمعنى الدم والكلام مبني على التنزيل والتقدير يعني لو كان الله دمّ لكنت، وهذا من قبيل عين الله وجنب الله ويد الله ، وهذا الوجه لا أرى أني عثرت عليه عند أحدٍ ولكنه لا يبعد لأنه ليس معنى الثأر مطلق الدم بل الدم المراق الذي يطلب له القصاص كما هو ظاهر بيّن للمتتبع (1) بحار الأنوار 43: 335 ط طهران. (هامش الأصل) 43: 335ط بيروت. (المترجم) (2) بحار الأنوار 44 : 82. (هامش الأصل) صح التطبيق . (المترجم) (3) بحار الأنوار 45: 324. هامش الأصل والظاهر أن الخطاب مع يزيد لعنه الله ووقع ابن الزبير لعنه الله هنا خطاً. (4) بحار الأنوار 53:45 . ( هامش الأصل) (5) نفسه 45: 249 (هامش الأصل) (6).

ص: 226


1- الظاهر لا وجه لكلام المصنف هنا إذ الثأر بمعنى الدم ويمكن أن نأتي بموارد حول ذلك : قال الحسن بن علي : نعم ، اجتمعتم على جهل، وخرق منكم فزعمتم أن محمداً صنبور - أي أبتر لا عقب له - والعرب قاطبة تبغضه ولا طالب له بثأره
2- . وفي هذا استعمل الثار في مطلق الدم فإنّه بعد لم يهرق حتى يقال الدم المهراق ، وعلى هذا فالمعنى أنه ليس لرسول الله طالب الدمه لو أريق ، وهذه المعاني مستفادة بتعدد الدال . 2 - قال الحسن بن عليّ أيضاً مخاطباً لعتبة بن أبي سفيان : وأما وعيدك إياي بقتلي فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى ألصق بك ولداً ليس لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديراً وبذلك حرياً، إذ تسومني القتل وتوعدني .
3- وفي هذا الحديث يقول : طلب ثأرك منه أي طلب الدم الذي له صلة بك، ولك أن تقتص من أجله، ولو كان المراد من الثأر الدم المهراق فما من حاجة لكلمة طلب ولا إلى كاف الخطاب بل يكفي أن يقول له : لو شغلت بالثار 3 - وقال ابن عباس مخاطباً لابن الزبير : فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثأري فإن شاء الله لا يبطل لديك دمي ولا تسبقني بثأري وإن سبقتني في الدنيا فقبل ذلك ما قتل النبيون وآل النبيين فيطلب الله بدمائهم فكفى بالله للمظلومين ناصراً ومن المظلومين منتقماً فلا يعجبك إن ظفرت بنا اليوم فنظفر بك يوماً
4- . والظاهر من الثأر هنا الدم وبتعدد الدوال نعرف أنه الدم الذي يتصل بي ولي أن أقتص منك به وشاهده قوله : « لا يبطل لديك دمي» و«فيبطل الله دمائهم حيث جاء بالدم بدلاً من الثأر . 4 - قال رسول المختار : المختار يقرء عليك السلام ويقول لك : يابن رسول الله قد بلغك الله ثأرك ، ففعل الرسول ذلك ، وقال : الحمد لله الذي أجاب دعوتي وبلغني ثأري من قتلة أبي ، ودعا للمختار
5- . 5 - قالت فاطمة الصغيرة بلسان الحال : تنادي جدها يا جدانا***طلبنا بعد فقدك بالذحول
6- والذحول جمع الذحل يقال طلب بذحله أي بثأره فيعلم أن الذحل والثأر بمعني . وأما قوله : إن الثأر بمعنى الدم المهراق فغير صحيح لاستعمال الذحل بدل الثأر أيضاً فتأمل . (المحقق)

ص: 227

الوجه الرابع : اعتبار «ثار» بمعنى مثثور كما ورد في كلام الزمخشري ولكن ليس بمعنى القاتل بل المقتول بل القتيل كما ورد نظير قول القائل ثأرت حميمي، ويكون المعنى :هكذا أيها القتيل الذي يطالب الله بدمه. يؤيّد هذا المعنى عبارة الزيارة الواردة في كامل الزيارة عن يونس بن ظبيان عن صادق آل محمد علیه السلام أنه :قال : السلام عليك يا قتيل الله ، أي القتيل الذي يطلب الله بدمه .

ومجمل القول : أن المبعد لهذا الاحتمال هو عدم استعمال اللغويين له، ولم يصرّح أحد منهم بجواز استعماله وإن لم يمنع من القياس اللغوي، وله أشباه ونظائر موفورة في اللغة .

الوجه الخامس : أنّ «ثار» بمعنى الدم المطلوب وإضافته إلى الله لأنه المخصوص بالطلب به وهو وليه الحقيقي، وهذا أوجه المعانى وتكون الإضافة هنا بمعنى اللام على الوجه المتعارف ، والعجيب أني لم أعثر على من ذكر هذا الوجه مع استقامة معناه بصفة تامة وانطباقه على القواعد، وجريانه مع الأذواق السليمة.

ص: 228

وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ

الشرح : الوتر معطوف على الثار المنادى المضاف المنصوب فهو منصوب أيضاً بالتبع ، في الأصل بمعنى وجاء بمعنى الذحل أيضاً وهو الضغينة والدم وجاء بمعنى النقص والجناية وقتل الأقارب.

ويقول في الصحاح : الوتر بالكسر : الفرد والوتر بالفتح الذحل هذه لغة أهل العالية ، فأمّا لغة أهل الحجاز فبالضد منهم، وأما تميم فبالكسر فيهما ..(1).

وفي المصباح عن الأزهري عكس كلام الصحاح في لغة الحجاز والعالية(2)والأصل في جميع المعاني المذكورة هو الوتر بمعنى الفرد حيث أن كل زوج إذا أصبح فرداً يكون ناقصاً ومثله من يقتل منه قتيل يصير فرداً، والجناية عائدة إلى هذا النقص، والذحل وهو العداوة والنقص والدم يرجع إلى قتل الأقرباء وبالإمكان استفادة هذا المعنى من عبارة أساس البالغة .

والموتور معناه من بقى فرداً ومن أصيب بقتل واحد من أقربائه .

وفي الصحاح : الموتور : الذي قُتل له قتيل فلم يدرك بدمه (3).

ومن هذا الباب قولهم : فلان طلاب أوتار ،وترات، ومنه الحديث : «بكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن (4).

ص: 229


1- صحاح الجوهري 2 : 842 مادة وتر.
2- هذا ما قاله صاحب المصباح المنير : الوتر الفرد والوتر الذحل بالكسر فيهما لتميم، وبفتح العدد وكسر الذحل لأهل العالية، وبالعكس وهو فتح الذحل وكسر الفرد لأهل الحجاز المصباح المنير 2 : 647 . (المترجم)
3- صحاح الجوهري 2 : 843.
4- مجمع البحرين في لغة ثار ، وكامل الزيارات، وبحار الأنوار 101: 153 ط طهران، ومفاتيح الجنان باب الزيارات المطلقة للإمام الحسين . و في البيان والتبيين 2 : 50ط الاستقامة بمصر قال : في رواية جعفر ابن محمد عن آبائه : ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومني أحلم الناس ... وإن بنا تدرك ترة كلّ مؤمن، وبنا تقطع ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا غنم وبنا فتح الله وبنا يختم لا بكم...

وفي مجمع البحرين وقع تصحيف سوف نتكلّم عنه تفصيلاً إن شاء الله في ذیل شرح هذه العبارة، ويمكن استخراج ثلاث احتمالات من لفظ الزيارة:

الأوّل : الوتر بمعنى الفرد والموتور من معناه ويكون تأكيداً لسابقه مثل حجر محجور وبرد «بارد ويوم أيوم» و«موت مانت» و«ليل أليل» و«شعر شاعر» وهذا المعنى وإن ذكره في البحار ومشكلات العلوم ولكنّه في نظر هذا العبد الله بعيد عن الصواب كثيراً لأنّه ليس بينه وبين الكلمة السابقة أيّة مناسبة وهو وارد في الزيارات المشار إليها أيضاً «السلام عليك يا وتر الله» وتوجيهه بالمتفرّد بالكمالات والمتميز من نوع البشر في عصره مع إضافته إلى لفظ الجلالة لا يتلائم جداً وإن ورد في البحار .

الثاني : لما كان الوتر بمعنى الفرد والموتور من قتل منه قتيل ، فيكون المعنى : يا أيّها الفرد الذي قتل أقربائك، وهذا المعنى مذكور في الكتابين السابقين وه-و أقرب من المعنى الأول ولكنه ينافي فقرة الزيارة المذكورة ثم هو غريب بحد ذاته.

الثالث : ما تبادر إلى ذهني من معنى الوتر بأنّه الدم المسفوك (1)وفحوى هذه العبارة هي: يا أيها القتيل الذين أقربائه وأصحابه - كما أقمنا الترجمة على هذا المعنى ، والإضافة إلى الله بهذا المعنى مناسب جداً لأنه قتيل في سبيل الله كما قيل له : قتيل الله .

ص: 230


1- ورد معنى الوتر بمعنى الدم كما جاء في كامل الزيارة الباب 108 نوادر الزيارات حديث 14 ص 234 : لما قتل الحسين سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة فلا ترون فرحاً حتى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم، ويقتل عدوكم، وينال بالوتر أوتاراً ؛ ففزعوا منه .

فائدة استطرادية :

في مجمع البحرين في مادة ثار يقول : إن في الحديث : «إذا خرج القائم يطلب بدم الحسين ويقول : نحن أولياء الدم طلاب الترة» (1)ومثله حديث وصف الأئمة : «بكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن» (2)ولم ينقل في أيّ كتاب من كتب اللغة ثرة - بالثاء - وما من قياس يبيح لنا تبديل ثأر المهموز ب_«الثرة» وهذا المحدّث المتبحر نفسه ذكر الحديث الثاني في مادة ،وتر، وهذا تصحيف غريب جداً، وضرره على اللغة أكثر من أي مكان آخر لأن كتب اللغة إنّما وضعت ليحتج بها وتكون مرجعاً للجميع وأكثر أهل العلم غفل عن مثل هذه التصحيفات، فأقام قواعده العلمية على كلمات من هذا الطراز ، وربما ترتب عليه خطأ أكبر في الدين والدنيا، ولم أجد كتاباً في اللغة لحد الآن أكثر أخطاء من القاموس وكتاب مجمع البحرين، ففيهما كثير من الأخطاء والتصحيفات لاسيّما القاموس، حيث كتبت في إصلاح عيوبه كتب كثيرة ويكفيه ما كان يدعيه من أنّة استوعب اللغة كلّها ومع هذا الادعاء الضخم فقد أحصى عليه في تاج العروس عشرين ألف كلمة لم يذكرها ومع ذلك ففي الزوايا خبايا ، وما أقل كتب الصحاح التي ليس فيها زيادة فائدة على القاموس .

ومجمل القول نأتي ببعض التصحيفات الواردة في القاموس والمجمع نموذجاً لما قلناه آنفاً عنهما ليكون الأدباء وأصحاب الكمال العلمي على معرفة من ذلك .

ص: 231


1- تفسير القمي : أبي عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله في قوله : «أُذِّنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ...» إنَّما هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين وهو قوله : نحن أولياء الدم وطلاب الترة (بحار الأنوار 47:51 رقم 7 . (هامش الأصل)
2- مجمع البحرين 305:1

في القاموس مادة «خور» يقول: «الخور وادٍ وراء برجيل..»(1). وأصل العبارة كما يلي: «خور» وزان «غور» موضع في أرض نجد من ديار بني كلاب. وذكره حميد بن ثور في شعره فقال:

سقى السروة المحلال مابين زاين***إلى الخور وسمّي البقول المديم

ونقل الفاضل الأديب المتبحر المحدّث السيد علي خان في الطراز عن الأودي أنّة قال: خور وادٍ وزابن جبل فجاء صاحب القاموس فصحف الكلمة

حين جعل لفظ «وزابن» «وراء بر» ولفظ جبل جعله «جبل» فصارت الكلمة وراء برجيل والعجيب إذ لم يدخل في خلده برجيل ومعناه فهل هو حيوان أو جماد أو ملك، ونعم ما قال السيّد: إنّ هذا التصحيف يضحك الثكلى ويلهيها عن مصيبتها .. (2)

وقال في مادة قوقس : قاقيس بن صعصعة بن أبي الخريف، محدّث .

وهذا التصحيف لا يقل عن ذاك شناعةً، لأنّ العبارة المنقولة عن الذهبي في مشتبه الأنساب كالتالي: ذكر في «حريف» أوّلاً «عبدالله بن ربيعة السوالي» تابعي يكنى أبا الحريف - بفتح الحاء المهملة ضبطه الدولابي وخالفه ابن الجارود وبمعجمه وفاقاً أي وقع الخلاف في الحاء هل هي مهملة أو معجمة فأعجمها ولكن في الزاي أنّها معجمة وفاقاً . ثمّ قال : قيس بن صعصعة بن الخريف. فجاء هذا الفاضل وألقى نظرة على لفظ «وفاقاً» ففصل وفا عن باقيها وقرأها «وفاء» وبقيت «قا» أي القاف والألف فاحتار صاحبنا كيف يقرأها وأين يضعها بقي في

ص: 232


1- هذا ما قاله صاحب القاموس عن الخور : المنخفض من الأرض والخليج من البحر ومصب الماء في البحر وع بأرض نجد أو وادٍ وراء برجيل (القاموس المحيط 2 : 25 مادة خور). (المترجم)
2- ولم يستدرك عليه ذلك صاحب تاج العروس بل لم يزد على قوله برجيل كقنديل، ولم يذكر المصنف برجيل في اللام 3: 192 ولم أعثر عليها عند أحمد شدياق في الجاسوس على القاموس (المترجم)

حيرة إلى أن انتشله فكره الثاقب منها فألقاها على رأس قيس المسكين وخلع عليه هذه الخلعة القاقيسيّة الشريفة (1)والتصحيف من هذا النمط كثير في كتاب القاموس فإنّة فاق حدود الإحصاء (2).

وقال في (المجمع) في مادة حنف بحاء مهملة ونون أولاد الأحناف وهم الإخوة من أم واحدة وآباء متعدّدة، وضبط العلماء بأجمعهم هذه اللفظة في مادة (خيف) بخاء معجمة وياء مثناة تحتانية آخر الحروف الهجائية، وقالوا : إذا كان الأولاد من أب واحد وأمهات عدة فهم أبناء علات، وإذا كانوا من أُمّ واحدة وتعددت آبائهم فهم أبناء أخياف، وإذا اتحد أبواهم فهم أبناء أعيان وأصل الخيف وزان حول . اختلاف لون العين كأن تكون إحداهما سوداء والأخرى زرقاء، ومن هذا الباب ما جاء في البديع من صنعة الخيفاء وهي الالتزام بالمجيء بكلمة معجمة من بعدها كلمة مهملة نظير عبارة الحريري في المقامة المراغية الكرم :

ثبت الله جيس سعودك يزين***واللؤم غض الدهر جفن حسودك يشين

وكذلك ورد في المجمع في كتاب القاف باب ما أوّله النون في الخبز : نهى عن

ص: 233


1- على شيخنا المؤلّف أن يضع في الحسبان تلاعب النسّاخ بمؤلّفات العلماء فليس من الحق في شيء أن نلقي التبعة على صاحب الكتاب لأني لا أستبعد أن يكون هذا الجهل الفاضح من الناسخ وه-و ف-ي أكثر الأحيان كذلك إلا أن تكون النسخة مخطوطة بيد المؤلّف . (المترجم)
2- قال الزبيدي : (وقيس) هكذا في النسخ والصواب على ما سبق له في ق ق س قاقيس (بن صعصعة بن أبي الخريف المحدّث) روى عن أبيه ، الخ . فيرى قيس خطأ وقاقيس هو الصواب (تاج العروس 6: 83) . (المترجم)

النجقاء في الأضاحي . قال ابن الأعرابي : النجق أن يذهب البصر والعين مفتوحة(1)وليس في لغة العرب مثل هذه الصيغة بل اجتماع الجيم والقاف من علامات الدخيل كما نص على ذلك السيوطي في المزهر والشهاب الخفاجي صاحب الريحانة في شفاء الغليل نظير جوزق ومنجنيق. وهذا اللفظ نخق ونخقاء بباء موحدة وخاء معجمة كما صرّخ بذلك أساس البلاغة والنهاية وتاج المصادر للبيهقي والصحاح ومختار الصحاح والقاموس ومطابقه للنسخ المعتمدة للسامي الميداني (وفقه اللغة للثعالبي) وغيرها، وهذان التصحيفان وإن لم يكونا في غرابة القاموس ولكنّ مفسدتهما لا تقل عن ذلك.

ومن غرايب المجمع العبارة التي أوردها في ذكر الزبير حيث خلط بين ابن العوّام وابن عبدالمطّلب ومن هذا الخلط العجيب حصلنا على عجينة غريبة، كما

فعل صاحب كشف الظنون في لفظ تفسير الطوسي حيث خلط بين ترجمة الشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي، واخترع لنا مركباً غريباً من هذا الخلط . وهذا صديق حسنخاني البهوپالي في (أبجد العلوم) خلط بين أحوال نجم الدين الرضي وأحوال السيد الرضي وخرج من بين هذين بخلطة عجيبة، والإسهاب بذكر مثل هذه الأخطاء خارج من إطار هذا المختصر وخارج عن التناسب مع الموضوع المُعدّ له الكتاب.

وبهذا القدر مما ذكرناه يمكن أن يحدث ابتهاج وتلذذ في الأذهان المتوقدة والطباع الرقيقة المحبّة بالاستطراطات اللطيفة الأدبية والافتتانات الغريبة العلمية

فيحصل فيها توتب وقدح..

ص: 234


1- مجمع البحرين 4: 274 تحقيق السيد أحمد الحسيني طثانية 1408 مكتبة نشر الثقافة الإسلامية، ولم يلتفت المحقق إلى ذلك . (المترجم)

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَنَا خَتْ بِرَحْلِك

الشرح : الأرواح جمع روح وأصل الروح كما نقل ذلك عن أبي عبيدة بمعنى الطيب والطهارة ومن هنا سمّيت روح الإنسان روحاً وسمي الملائكة المطهرون أرواحاً، وجبرئيل روح القدس ، وسمّي الملك الأعظم في الآية الكريمة : «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ» (1)روحاً، ولقب عيسى بروح الله ، ويُدعى الملائكة والجنّ بالعالم الروحاني - بالضم - كما يقال لكلّ ذي روح روحاني.

والروح - بفتح الراء - شريك في هذا المعنى، فيقال: مكان روحاني يعني طيب، وزيادة النون جاءت على خلاف القياس في النسب وذلك من التغييرات فيه مثل ربّي ودهري وربّاني ورحوي - بفتح الراء ..

والريح: بمعنى الهواء مأخوذ منه ، لهذا يجمع على أرواح لأن معناه يلتئم مع الطيب والانشراح كما أنّ الروح معناه النسيم كما أنّ الروح والرياح - بالفتح - بمعنى الخمر مأخوذة من هذا، والريحان بمعنى الورد من وجوه اشتقاقات هذا المعنى وإنّما سمّيت روح الإنسان روحاً بلحاظ الطهر والطيب الذي كان لها في بدو التكوين وأصل الوجود قبل تلوّثها بالعلايق الجسمانية وتدنّسها باللوازم الهيولانيّة.

ومجمل القول أن استعمال الروح في الإنسان له وجوه عدة ، والظاهر أن المراد منه هنا هي النفس الناطقة الإنسانية وهي جوهر لطيف ملكوتي، تبقى بعد فناء البدن ، وهي من أمر الله تعالى، واختلفوا فى تجردها ومادّيّتها .

ونسب صاحب المقاصد القول بالتجرّد إلى محققي الإسلام ، والفاضل المقداد

ص: 235


1- النبأ: 38.

إلى محققي المتكلمين ، كما نقل ذلك عن طائفة كبيرة من علماء الإمامية مثل الصحابي المتكلّم عظيم الشأن رفيع المنزلة الثقة المسلم هشام بن الحكم كذلك نسب القول بالتجرّد إلى الشيخ المفيد ، والشيخ المفيد وعامة بني نوبخت من متكلمي الشيعة الإمامية .

وقال بتجرد النفس الناطقة أستاذ البشر خواجه نصیرالدين الطوسي والفاضل المحقق كمال الدين بن ميثم في شرح المأة كلمة، صرح بذلك وإن نسبه بعضهم إلى الخلاف وذلك ناشئ عن الغفلة .

والشيخ البهائي وسيّد الحكماء والمجتهدين ميرداماد والفقيه الحكيم المحدّث المتوحد المتبحر الكاشاني وتلميذه العارف المحقق المحدّث القاضي سعيد القمي والفاضل المحقق النراقي الأوّل وابنه المحقق العلامة النراقي الثاني والسيّد الأجل الأعظم رئيس الفرقة في عصره الحاج السيد محمد باقر الرشتي الاصفهاني، ومربي مشايخ عصره حجّة الطائفة رئيس الفرقة زعيم الشيعة، شيخ الدنيا ، أستاد العالم شيخنا المرتضى كما نقل ذلك عنه والدنا المحقق الفحل الذي كان لسانه الناطق ، وهذا العلّامة المتبحر ارتضى هذا المذهب واختاره قدّس الله أسرارهم ، وغيرهم من أعاظم الفقهاء وجمهور الحكماء المتشرعين الإمامية مثل صدرالمتألهين والمحقق اللاهيجي والمحقق المقدّس الورع النوري والحكيم الفقيه الفاضل الزنوزي وغيرهم من أساطين أهل الديانة والصيانة هؤلاء جميعاً قالوا بتجرد النفس ، ولهم على ذلك ظواهر آيات عدة وأخبار كثيرة توافقهم على هذا المذهب وأقاموا عليه البراهين العقلية.

وطائفة أُخرى وهم أكثر متكلمى الشيعة والمحدثين من العلماء رجحوا الجانب المادّي ، ولهذه الطائفة أيضاً ظواهر من الأخبار والآيات تمسكوا بها، وأقاموا أدلتهم العقلية عليه.

ص: 236

والعلّامة المجلسي أظهر التردّد في (السماء والعالم) وقال : فما يحك-م ب-ه بعضهم من تكفير القائل بالتجرّد إفراط وتحكم كيف وقد قال به جماعة من علماء الإمامية ونحاريرهم (1)، انتهى .

وجملة القول أنّ المسألة نظريّة وهي مشكلة للغاية وإن كان حلّ هذا الإشكال عن طريق النظر والاستدلال لقليل البضاعة مثلي ممكن ولكن الخوض في تحقيق مثل هذا النوع من المباحث ليس محل الاهتمام أولاً ، وثانياً هو خارج عن إطار هذا الشرح.

وتارة تستعمل الروح بمعنى الجسم والروح كليهما بعلاقة الحال والمحلّ، أو الملابسة كما يقول العرب فعلاً شال روحه أو يقولون «جرح روحه وهذا الاستعمال رائج في العراق والحجاز، وأنا سمعته منهم، ونظيره في لسان الفرس لسان عموم الشعب متداول معروف حيث يقولون: ألبس روحه أو جرح روحه، وهذه علاقة صحيحة واستعمال ،فصيح ، وتنزل على هذا العبارة الواردة في دعاء الندبة : «وعرجت بروحه إلى السماء» (2)لأنّ الضرورة قائمة على حدوث المعراج الجسماني والبرهان يدلّ عليه، كما بينا ذلك في موضعه .

ص: 237


1- بحار الأنوار 104:58 . وقال عقب ذلك : وجزم القائلين بالتجرّد أيضاً بمحض الشبهات ضعيفة مع أنّ ظواهر الآيات والأخبار تنفيه أيضاً جرأة وتفريط .... (المترجم)
2- الظاهر أن تصحيفاً وقع في نسخة مصباحي التي نقل منها المرحوم المجلسي ، وأما نسخة العالم الرباني الحاج ميرزا حسين النوري في كتابه [ تحيّة الزائر ] من (المزار القديم) و (مزار الشيخ محمد بن المشهدي) و (مصباح الزائر) للسيد: عرجت به هذا هو المنقول والدليل على تصحيف النسخة التي وردت فيها عبارة عرجت بروحه الجملتان وسخرت له البراق» و «عرجت به إلى سماءك» لأنّ عروج الروح لا يحتاج إلى البراق ، فالجملة الأولى إشارة إلى هذا، والثانية فيها عرجت به والضمير المجرور يتناول الروح والجسم كليهما ولو أراد الروح وحدها لما جاء به واكتفى بذكرها . (هامش الأصل)

وللروح إطلاقات أُخرى في لسان الأخبار وعرف العرفاء واصطلاح الأطباء، وما من حاجة تدعو إلى سردها .

والحلول وحلّ والمحل : النزول كما جاء في منتهى الإرب وتاج المصادر .

الفناء : بكسر الفاء وزان كساء ما امتد من جوانب الدار (1)حيث ينيخ الناس مراكبهم وابلهم وينزلون هناك .

وأناخه : من باب الإفعال أجوف واوي : (يقال : نوخ : أنخت البعير فاستناخ ونوخته فتنوّخ ، وأناخ الإبل أبركها فبركت) .(2)

رحل : الرحل منزل الرجل ومسكنه وبيته .(3)

وفي هذه الفقرة تحتمل وجوه:

الأول : المراد بهذه الأرواح خصوص أرواح الملائكة والأنبياء والأولياء الذين حضروا واقعة الطف لأنّ المستفاد من بعض الأخبار أنّ أرواح الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين والشهداء والصدّيقين حضروا يوم الطف ، ليشاهدوا الفداء والتضحية الخارقة للعادة ، ليشاهدوا في اليوم المشهود ذلك اليوم المحمود ، وهذا المعنى بعيد جداً. لأنّ ظاهر الحال رجوع السلام على الأصحاب الشهداء بل هذه الزيارة مختصة بالقتلى مطلقاً لهذا لم يحتمل أحد دخول علي بن الحسين فيها - وهو الإمام الرابع علیه السلام - والقرينة الدالة على ذلك هي زيارة جابر الأربعينية حيث وجّه خطابه إلى الأصحاب فقال : السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبدالله .

والظاهر من لفظ الحلول والإناخة نوع الاستقرار والإقامة وهذا لا يناسب

ص: 238


1- لسان العرب 14 : 342 .
2- نفسه .3 65
3- لسان العرب : مادة رحل .

حضور الأنبياء والأولياء الذين حضروا ساعة الشهادة. وأوضح من هذه العبارة زيارة عاشوراء المذكورة في إقبال السيد الأجل طاب ضريحه من كتاب (مختصر المنتخب) : «السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت بساحتك وجاهدت في الله معك وشرت نفسها ابتغاء مرضات الله فيك» .(1)

على أن أصل المسألة في حضور الأنبياء وغيرهم لم تثبت بطريق صحيح أو معتمد من هنا لا وجه للجزم بتنزيل العبارة عليهم ، كما سمع ذلك عن البعض.

الوجه الآخر : المراد عموم الأرواح والنفوس المقدّسة الدائرة في فلك الحسين والمتجحفلة في حيّه وبقاعه ولها اتصال حقيقي بدون تكيّف أو قياس بذلك الجوهر الطاهر والعنصر المنير. وبناءاً على هذا يكون الرحل والفناء بمعنى اللبّ الواقعي لا الرحل والفناء الجسماني الظاهري. (والمعنى المتصوّر من هذه العبارة أنّ من أناخوا برحله وأقاموا بفنائه لا يقصد بذلك حقيقة الرحل والفناء بل توجّه القلوب والأفئدة إليه ...) وهذا الوجه أبعد من الوجه السابق من جهة وأقرب إليه من جهة أُخرى. وعلى كل حال فهو خلاف الظاهر وغاية في البعد.

الوجه الثالث : المعنى المراد منه هم أصحابه الأوفياء لا فرق بين الأقرباء والبعداء في الظاهر الذين هم أقرب إليه من كثير من أهله وأرحامه، وهذا الوجه هو المعين بحسب نظري القاصر، لكن نسبة الحلول والإناخة إليهم بعدة اعتبارات جائزة وصحيحة:

الأوّل: المراد بالأرواح هى الأجسام المقدّسة الطاهرة وقد مر أنفاء أن الروح تطلق هذا الإطلاق أحياناً، ولما كان أصحابه عليه وعليهم السلام كتب الله لهم حياة الخلود فهم القدر المتيقن والمصداق الحقيقي لمن قتل في سبيل الله ، والله

ص: 239


1- الإقبال : باب ذكر الزيارات في يوم عاشوراء : 42 .

تعالى يقول : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (1)لهذا أطلقت الروح وأريد بها الأجسام المطهرة المكرمة ولا مانع من ذلك، ويدل على هذه الوجه الجملة الآتية من زيارة جابر: «المنيخة بقبر أبي عبدالله» .(2)

وبناءاً على هذا يكون الرحل والفناء معناه القبر والحائر . فقد قال الشيخ المفيد : فأما أصحاب الحسين رحمة الله عليهم الذين قتلوا معه فإنّهم دفنوا حوله ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل إلا أنا لا نشك أنّ الحائر محيط رضي الله عنهم وأرضاهم وأسكنهم جنات النعيم .(3)

وقبر أبي الفضل وإن بعد شيئاً عن قبر الحسين علیه السلام ولكنه داخل في فناء سيد الشهداء ورحله ولا جرم يكون المعنى ذلك الحلول الجسماني الذي تم منهم وهم على قيد الحياة حيث نزلوا برحله وأقاموا في ساحته وهذا المعنى متفق مع ظاهر المعنى للرحل والفناء وهو به أنسب وأقرب، وتشهد بذلك عبارة الزيارة في إقبال السيّد لأنّ ظاهر عطف الجهاد والشراء تأخر وقوعه عن الحلول والإناخة.

الثاني : أن يراد بها نفس الأرواح المقدّسة وإن كان وصفها بالحلول والإناخة بناءاً على هذا المعنى لا يخلو من بعد لأنّ هذه الأوصاف لها ظهور في الحالات الجسميّة إلا أن ذلك ليس مختصاً بها بحسب الوضع اللغوي.

الثالث : المراد من الفناء والزحل، حضيرة القدس ومحل القرب ومحفل الملكوت حيث مجلس أُنس ذلك الكائن المقدس (الحسين) إذ من المقطوع الذي لا شك به أنّ أصحابه علیهم السلام في درجته وبالقرب من مقامه وهم جيرانه

ص: 240


1- آل عمران: 169 .
2- زيارة الأربعين من بحار الأنوار 101 : 330 (هامش الأصل)
3- الإرشاد 2: 126

ومطيفون بمنزله ومحل إقامته في تلك الديار السعيدة كما جاء في الأخبار الكثيرة ويعلم منها أنّهم قالوا شيعتنا معنا و في درجتنا في الجنّة .(1)وبناءاً على هذا تكون الأرواح هي نفسها باعتبار مصاحبتها الأبدان المثالية والأجساد البرزخية.

ويمكن أن يراد من الفناء مقام نفس سيّدالشهداء ودرجته الروحية والكمالية التي نالت شرف هذا السموّ لدنوّها المعنوي من الأحدية وجلالتها في حضرة الربوبية، إذ لا بدع أن يصل هؤلاء الأصحاب ببركة هذا الإمام العظيم وبقوة انجذابهم بهداية ذلك الولي المقتدر إلى تلك الرتبة الرفيعة والدرجة المنيعة ، كما كان يقول علیه السلام : ما رأيت أصحاباً أبر وأوفى من أصحابي . وكانوا كما قال لأن عقولهم تفتحت على الحق فأصمّوا آذانهم عن كلّ نداء غير ندائه.. فما سمعوه

ولن يسمعوه.

لمؤلّفه :

فبي وأبي هم من نفوس زكيّة***غدت في السبيل الحق منتهكات (2)

تنبيه :

اختلف العلماء والمؤرّخون اختلافاً عظيماً في عدد الشهداء عدد الشهداء من أصحاب الحسين الذين كانوا في ركاب سعادته ولكن الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد، وابن الأثير في الكامل (3)، والديار بكري في الخميس، والقرماني في أخبار الدول وغيره وظاهر المحكي عن البلاذري والواقدي والمدائني والطابري وغيرهم من

ص: 241


1- الريان بن شبيب بنقل عن الإمام الرضا ... أمالي الصدوق مجلس 27 رقم 5 ، عيون أخبار الرضا 1 : 299 ، بحار الأنوار 44: 286 رقم 23 (هامش الأصل)
2- كريمة ديوان المؤلف : 37.
3- كامل ابن الأثير :4 80ط بيروت. (هامش الأصل)

مهرة الصناعة المعتمد عندهم أنّهم اثنان وسبعون رجلاً؛ الفرسان منهم اثنان وثلاثون، والرجالة أربعون .

ونقل صاحب العقد الفريد جملة عن زحر بن قيس لعنه الله تدلّ على أنّهم سبع وسبعون إنساناً، ونسب هذه العبارة في حياة الحيوان وتاريخ الخميس إلى شمر بن ذي الجوشن لعنه الله ، ونقل في الإرشاد والفصول المهمة عن زحر أيضاً أنّهم ثمان وسبعون ، قال : ورد علينا الحسين في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ..(1)وهذا يطابق ما نقله البحار عن محمد بن أبي طالب من أن عدد الرؤوس ثمان وسبعون رأساً (2).

ويظهر من عبارة الكشي في ترجمة حبيب أنهم كانوا سبعين رجلاً بذلوا لهم الأموال وأعطوهم الأمان فلم يزدهم ذلك إلا إصراراً على الموت وكانوا يستقبلون جبال الحديد وحدود السيوف والرماح بالنحور والصدور في حبّ سيّد الشهداء، وبالطبع كان فيهم الصبي الذي لم يبلغ الحلم، وهذا الخبر أقرب إلى

رواية الثمانية والسبعين.

وفي مطالب السئول والفصول المهمة أنّهم اثنان وثمانون رجلاً.

وفي مروج الذهب وشرح أبو العباس الشريشي على مقامات الحريري أنهم سبع وثمانون.

واختار ابن الجوزي في رسالة الردّ على المتعصب العنيد وسبطه والشيخ محمد الصبان في التذكرة والإسعاف أنّهم مائة وخمس وأربعون ؛ الفرسان منهم خمس وأربعون والرجال مائة راجل ، ونسب هذا العدد السيد في اللهوف إلى الإمام الباقر علیه السلام .

ص: 242


1- بحار الأنوار 45: 129 و 149. (هامش الأصل) وتمت مطابقته . (المترجم)
2- بحار الأنوار 45: 62 . (هامش الأصل) جرت مطابقته . (المترجم)

وقال أيضاً في تذكرة الخواص : وقال قوم: كان أصحاب الحسين علیه السلام سبعين فارساً ومائة راجل .

وروى : السيد الأجل الأزهد ابن طاووس في كتاب الإقبال رواية بسند حسن زيارة من الناحية المقدّسة تتضمّن أسامي الشهداء وأسامي قاتليهم لعنهم الله غالباً والإشارة إلى بعض الوقايع ونحن طلباً للبركة بهذه الزيارة وعموم نفعها ننقلها عينها من كتاب «الإقبال» (1) هكذا في جميع النسخ إلا أن هذا التاريخ لا يناسب ولادة وغيبة الإمام المهدي بفصل عدة سنوات فيحتمل تصحيف الرقم، أو أنها وردت عن الإمام الله العسكري وقد ذكر العلامة المجلسي هذين الاحتمالين في البحار 101 : 274 كما ذكر عوالم العلوم 63 : 787 مخطوط، هذه الرواية تحت عنوان: الأخبار الأئمة القائم أو أبيه . (المحقق) (2):

السلام عليك يا أوّلَ قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل ، صلى الله عليك وعلى أبيك إذ قال فيك : قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما

ص: 243


1- والعبارة في الإقبال كما يلي : فصل فيما نذكره من زيارة الشهداء في يوم عاشوراء رويناها بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي له قال : حدثنا الشيخ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عياش [ الظاهر أحمد بن محمد بن عيّاش معاصر الشيخ لكن نسختي من الإقبال ومن البحار كما ذكرت فتبع منه ] قال : حدثني الشيخ صالح أبو منصور بن عبدالمنعم بن النعمان البغدادي الله قال : خرج من الناحية [ وظاهراً المراد بالناحية الإمام الحسن العسكري كما هو شايع في كثير من الأخبار مثل هذا الإطلاق لأنّ هذا التاريخ سابق على ولادة الإمام صاحب الزمان - منه الله ] سنة اثنتين وخمسين ومأتين
2- على يد الشيخ محمد بن غالب الاصفهاني حين وفاة أبي الله وكنت حديث الس-ن وك-تبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله وزيارة الشهداء رضوان الله عليهم ، فخرج إلي منه : «بسم الله الرحمان الرحيم، إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم فقف عند رجلي الحسين وهو قبر علي بن الحسين صلوات الله عليهما فاستقبل القبلة بوجهك فإنّ هناك حومة الشهداء الله وأوم وأشر إلى علي بن الحسين :وقل: السلام، إلى آخر الزيارة». (منه)

أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا ، كأني بك بين يديه مائلاً وللكافرين قائلاً :

أنا علي بن الحسين بن علي***نحن وبيت الله أولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني***أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي عربي***والله لا يحكم فينا ابن الدعي

حتى قضيت نحبك ، ولقيت ربّك ، أشهد أنك أولى بالله وبرسوله ، وأنّك ابن رسوله وحجته ودينه ، وابن حجّته وأمينه ، حكم الله على قاتلك مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي لعنه الله وأخزاه ومن شركه في قتلك وكان عليك ظهيراً ، أصلاهم الله جهنّم وسائت مصيراً ، وجعلنا الله م-ن م-لاقيك ومرافقيك ومرافقى جدك وأبيك وعمّك وأخيك وأُمّك المظلومة ، وأبرأ إلى الله من قاتليك ، وأسأل الله مرافقتك في دار الخلود ، وأبرأ إلى الله من أعدائك أُولى الجحود ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

السلام على عبدالله بن الحسين الطفل الرضيع المرمي الصريع المتشحط دماً ، المصعد دمه في السماء ، المذبوح بالسهم في حجر أبيه ، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدى وذويه.

السلام علی عبدالله بن أمير المؤمنين مبلي البلاء ، والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء ، المضروب مقبلاً ومدبراً ، لعن الله قاتله ه-ان-ي ب-ن ث-بيت

الحضرمي .

السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له ، الوافي الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي .

السلام على جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسباً ، والنائي عن

ص: 244

الأوطان مغترباً ، المستسلم للقتال ، المستقدم للنزال ، المكثور بالرجال ، لعن الله قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي .

السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سميّ عثمان بن مظعون ، لعن الله راميه بالسهم خولي بن اليزيد الأصبحي الأيادي والأباني الدارمي .

السلام على محمد بن أمير المؤمنين قتيل الأيادي الدارمي لعنه الله وضاعف عليه العذاب الأليم ، وصلى الله عليك يا محمد وعلى أهل بيتك الصابرين . السلام على أبي بكر بن الحسن الزكي الولى المرمي بالسهم الردي ، لعن الله قاتله عبدالله بن عقبة الغنوي .

السلام علی عبدالله بن الحسن الزكي ، لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي.

السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته ، المسلوب لامته حين نادى الحسين عمّه فجلى عليه عمّه كالصقر وهو يفحص برجليه التراب والحسين يقول : بُعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك ، ثم قال : عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو أن يجيبك وأنت قتيل جديل فلا ينفعك ، هذا والله يوم كثر واتره وقل ناصره ، جعلني الله معكما يوم جمعكما ، وبوّأني تبوأ كما ، ولعن الله قاتلك عمر بن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيماً وأعد له عذاباً .

السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان حليف الإيمان ومنازل الأقران ، الناصح للرحمان ، التالي للمثاني والقرآن ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطبة النبهاني .

السلام علی محمد بن عبدالله بن جعفر الشاهد مكان أبيه ، والتالي لأخيه ، وواقيه ببدنه ، لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي .

ص: 245

السلام على جعفر بن عقيل ، لعن الله قاتله وراميه عمر بن خالد بن أسد الجهني .

السلام على القتيل ابن القتيل عبدالله بن مسلم بن عقیل ، ولعن الله قاتله عامر ابن صعصعة [ وقيل : أسد بن مالك ] .

السلام على أبي عبدالله بن مسلم بن عقيل ، ولعن الله قاتله وراميه عمر بن صبيح الصيداوي .

السلام على محمد بن أبي سعيد بن عقيل ، ولعن الله قاتله لقيط بن ناشر [ لقيط بن ياسر -خل ] الجهني .

السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين ، ولعن الله قاتله سليمان ابن عوف الحضرمي .

السلام على قارب مولى الحسين بن علي علیه السلام .

السلام على منجح مولى الحسين بن علي علیه السلام .

السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين وقد أذن له بالانصراف : أنحن نخلّي عنك وبم نعتذر عند الله من أداء حقك ، لا والله حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولا أفارقك ، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك حتى أموت معك وكنت أوّل من شرى نفسه ، وأول شهيد شهد الله وقضى نحبه ففزت ورب الكعبة ، شكر الله لك استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة ، وقرأ : ومنهم «مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (1)لعن الله

ص: 246


1- الأحزاب : 23 .

المشتركين في قتلك عبدالله الضبابي وعبدالله بن خشكارة البجلي ومسلم بن عبدالله الضبابي .

السلام على سعد بن عبدالله الحنفي القائل للحسين علیه السلام وقد أذن له ف-ي الانصراف : لا والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيك ، والله لو أعلم أنِّي أُقتل ثمّ أُحيا ثم أُحرق ثمّ أُبعث حياً ثمّ أُذرى ويفعل بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف أفعل ذلك وإنما هي موتة أو قتلة واحدة ثم بعدها هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ، فقد لقيت حمامك وواسيت إمامك ولقيت من الله الكرامة في دار المقامة حشرنا الله معك في المستشهدين ورزقنا مرافقتكم في أعلا عليّين .

السلام على بشر بن عمر و الحضرمي ، شكر الله لك سعيك لقولك للحسين وقد أذن لك في الانصراف : أكلتنى إذاً السباع حيّاً إن كان فارقتك وأسأل

عنك الركبان ، وأخذلك مع قلة الأعوان ، لا يكون هذا أبداً .

السلام على يزيد بن الحصين الهمداني المشرقي القاري المجدل بالمشرفي .

السلام على عمرو بن كعب الأنصاري ، السلام على نعيم بن العجلان الأنصاري .

السلام على زهير بن القين البجلي ، القائل للحسين علیه السلام وقد أذن له في الانصراف : لا والله لا يكون ذلك أبداً ، أترك ابن رسول الله أسيراً ف-ي ي-د الأعداء وأنجو أنا ؟ لا أراني الله ذلك اليوم .

السلام على عمرو بن قرظة الأنصاري ، السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي ، السلام على الحرّ بن يزيد الرياحي ، السلام على عبدالله بن عمير

الكلبي ، السلام على نافع بن هلال بن نافع البجلي المرادي ، السلام على أنس ابن كاهل الأسدي ، السلام على قيس بن مسهر الصيداوي ، السلام على جون

ص: 247

ابن حوي مولى أبي ذر الغفاري ، السلام على شبيب بن عبدالله النهشلي ، السلام على الحجاج بن زيد السعدي .

السلام على قاسط وكردوس (کرش - خ ل) ابني زهير التغلبيين ، السلام على كنانة بن عتيق ، السلام على ضرغامة بن مالك ، السلام على حوي بن مالك الضبعي ، السلام على زيد بن ثبيت القيسي ، السلام علی عبدالله وعبيدالله ابني يزيد بن ثبيت القيني (القيسي - خ ل) ، السلام علی عامر بن مسلم ، السلام على قعنب بن عمرو التمري ، السلام على سالم مولى عامر بن مسلم ، السلام على سيف بن مالك ، السلام على زهير بن بشر الخثعمي ، السلام على زيد بن معقل الجعفي .

السلام على مسعود بن الحجاج وأبيه ، السلام على مجمع بن عبدالله العائذي ، السلام على عمّار بن حسّان بن شريح الطائي ، السلام على حبّاب ابن الحارث السلماني الأزدي ، السلام على جندب بن حجر الخولاني ، السلام على عمر بن خالد الصيداوي ، السلام على سعيد مولاه ، السلام على یزید بن زیاد بن مهاصر الكندي ، السلام على زاهد مولى عمرو بن الحمق الخزاعي ، السلام على جبلة بن علي الشيباني ، السلام على سالم مولى بني المدينة الكلبي ، السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج ، السلام على زهير ابن سليم الأزدي ، السلام على قاسم بن حبيب الأزدي ، السلام على عمرو بن جندب الحضرمي ، السلام على أبي ثمامة عمر بن عبدالله الصائدي ، السلام على حنظلة بن سعد الشبامي ، السلام على عبدالرحمان بن عبدالله بن الكدر الأرحبى ، السلام على عمار بن أبي سلامة الهمداني .

السلام علی عابس بن أبي شبيب الشاكري ، السلام علی شوذب مولی شاکر ، السلام على شبيب بن الحارث بن سريع ، السلام على مالك بن عبدالله بن

ص: 248

سریع ، السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي حمير الفهمي الهمداني ، السلام على المرتب معه عمرو بن عبدالله الجندعي .

السلام عليكم يا خير أنصار الله ، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، بوّأكم الله مبوّأ الأبرار ، أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ، ومهد لكم الوطاء

ونحن لكم خلطاء في دار البقاء ، والسلام عليكم ورحمة الله وبر ركاته .(1)

وهذه الزيارة مؤيدة لأقوال ابن طلحة وابن الصباغ لأن عدد الأسماء المذكورة فيها بلغت اثنين وثمانين اسماً وفي جملتهم الطالبيون السبعة عشره وهي الرواية الأشهر كما رويت عن الباقر علیه السلام وإنّه قال: قتل من أولاد فاطمة سبعة عشر إن إنساناً .(2)

ونقل ابن عبد ربّه في (العقد) بواسطة روح عن زحر بن قيس الجعفي لعنه الله في مجلس يزيد، كما ذكر ابن عبد ربه بواسطة أبي الحسن المدائني عن الحسن البصري أن قتلى أولاد أبي طالب علیه السلام ستة عشر نفساً ويؤيده شعر سراقة الباهلي حيث يقول :

عين بكي بعبرة وعويلي***واندبي إن ندبت آل الرسول

تسعة منهم لصلب عليٍّ***قد أُصيبوا وسبعة لعقيلي

وفي البحار (3)عن المناقب القديمة عن بستان الطرف نقل نفس الخبر وقال : وفى رواية أُخرى أنّ الحسن بلغ بهم سبعة عشر.

وفي رواية ألعيون والأمالي عن الريان بن شبيب خال المعتصم الخليفة العباسي عن الإمام الرضاء علیه السلام أنهم ثمانية عشر نفساً .(4)

ص: 249


1- بحار الأنوار 45: 65 نقلاً عن الإقبال . (هامش الأصل)
2- بحار الأنوار 45 : 63 ط لبنان (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 45: 64 ط لبنان . (هامش الأصل)
4- العيون 1 : 299 باب 28 ح 58 نشر رضا مشهدی . وفي رواية ابن عباس عن أمير المؤمنين : يدفن الحسين فيها وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة وإنها لفي السماوات معروفة (بحار الأنوار 253:44 عن أمالي الصدوق المجلس 87 رقم 5) وفي رواية كمال الدين .. عن مجاهد عن ابن عباس عن أمير المؤمنين : وهذه أرض كرب وبلاء يُدفن فيها الحسين وتسعة عشر كلّهم من ولدي وولد فاطمة (إثبات الهداة 2 : 412) وفي رواية معاوية بن وهب عن جعفر بن محمد قال : يا شيخ ، ذاك دم يطلب الله تعالى به ما أصيب من ولد فاطمة ولا يُصابون بمثل الحسين ولقد قتل الالها في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا الله ... (بحار الأنوار 45 : 313 نقلاً عن أمالي المفيد) . وفي كامل ابن الأثير :4 83: فدخل زحر بن قيس على يزيد فقال : ما وراءك ؟ فقال : ابشر يا أمير المؤمنين بفتح الله وبنصره ! ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته . (هامش الأصل)

ويقول سبط ابن الجوزي: حاصل الروايات والأقوال أن القتلى تسعة عشر ،وذكر خبراً عن محمد بن الحنفية يؤيد دعواه.

ويقول ابن أبي الحديد في ذيل كلام الجاحظ حول مفاخرة بني هاشم بكثره القتلى : قلت: هذا أيضاً من تحامل أبي عثمان ، هلا ذكر قتلى الطف وهم عشرون سيّداً من بيت واحد قُتلوا في ساعة واحدة وهذا ما لم يقع مثله في الدنيا ؛ لا في العرب ولا في العجم .....(1)

ونقل عن أبي الفرج في مقاتل الطالبيين : إن القدر المسلّم أنّهم اثنان وعشرون

شهيداً (2).

وقال ابن شهر آشوب وصاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : اختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت علیهم السلام الأكثرون على أنهم كانوا سبعة وعشرين .(3)

وفي مصباح الشيخ الطوسي عن الصادق علیه السلام: تجلّت الهيجاء عن آل رسول

ص: 250


1- شرح نهج البلاغة (15 : 251 (المترجم)
2- مقاتل الطالبيين : 67 ، بحار الأنوار 45: 63 ط لبنان .
3- بحار الأنوار 45: 62 . (المترجم) وفي هامش الأصل ثمان وعشرون

الله صلی الله علیه و آله وسلم وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً ...(1)(2)

وأكثر هذه الأقوال يمكن جمعها حيث تكون حجّة أو مظنونة الاعتبار لأنّ في بعضها ورد القول : أولاد فاطمة، والظاهر ان المراد منها فاطمة بنت أسد وتساوق لفظ «طالبي» وفي بعضها آل الرسول وهو أعم من أولاد أبي طالب لأنه يشمل أولاد أبي لهب أيضاً ففي بعض الأخبار أنهم حضروا واقعة الطف، وزيارة الناحية لیست صريحة في انحصارهم.

ولكن بنظري القاصر أن رواية العيون والمحاسن أقوى من غيرها لأنّ سندها صحيح ومعتمد وهي مطابقة لما قاله زحر وشمر لعنهما الله في رواية الإرشاد وحياة الحيوان والفصول المهمة وتاريخ الخميس وكانا في المعركة، وتوافق رواية السيد في اللهوف عن سيد الساجدين علیه السلام حيث قال: رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي مضرّجين على رمضاء كربلاء ، وكذلك رواية البحار عن دلائل الإمامة عن سعيد بن المسيب : لما بلغ عبد الله بن عمر قتل الحسين وثمانية عشر من أهل بيته ، ركب إلى الشام ، ولام يزيد على ذلك فأراه يزيد كتاب أبيه فرضي وسكت بالتفصيل الذي لا موقع لذكره الآن .(3)

ويمكن ردّ رواية محمّد بن الحنفية إلى هذه الرواية لأنه قال : قتل تسعة عشر شاباً من شباب آل محمد كلّهم ركضوا في بطن فاطمة . ويدخل في هذا العنوان سيد الشهداء أيضاً. وكلمة شباب الواردة في الرواية إنّما هي للتغليب لأن بعضهم في سنّ اللبن، ولا يبعد أنّ من أوصلهم إلى سبعة عشر لم يعد عبدالله الرضيع

ص: 251


1- مصباح المتهجد : 782 ولم يتوجه المؤلف إلى قول الإمام في مواليهم إذ أنّهم ومواليهم المقتولين معهم يشكلون هذا العدد (المترجم)
2- مصباح المتهجد : 548 ، بحار الأنوار 66:45 عنه . (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 8: 220 مجلد الفتن والمحن ط أُفست. (هامش الأصل)

منهم ، إذن بالاستناد إلى هذا القول يقرب المعنى كما أن شعر سراقة الباهلي يمكن أن تكون الكلمة الثانية (سبعة لعقيل) مصحفة عن تسعة كما هي في الأولى (تسعة منهم لصلب علي) وهذا التصحيف كثيراً ما يحصل في الروايات، كما حدث في بعض المقاتل اليوم حيث كتب الاثنين «سبعة» وهذا مخالف للنسخ المتعدّدة المعتبرة كما أنّ تصحيف تسعة إلى سبعة وسبعين وتسعين وبالعكس كثير ، لذلك رأيت السيوطى في أدب المحاضرة والسحابة كثيراً ما يضبط اللفظة فيقول على سبيل المثال: سبعين - بالسين قبل الباء - .

ومن هذا الباب ما وقع في تصحيف خمسة وتسعين يوماً بعد وفاة النبي الذي يوافق الثالث من جمادى الثانية، والموافق لرواية الشيخ المفيد وأب-ي ج-عف-ر الطبري وابن طاووس والعلّامة والشهيد والكفعمي في وفاة الصدّيقة الطاهرة فاطمة عليها سلام الله ، رواية الخمسة والسبعين يوماً، وهي رواية معروفة ، ونوكل هذا التفصيل إلى موضع آخر ، والله أعلم بالصواب.

ص: 252

عَلَيْكُمْ مِنّي سَلامُ اللهِ

عَلَيْكُمْ مِنّي سَلامُ اللهِ (1)

ص: 253


1- «عليك مني سلام الله» وهنا أربعة أسئلة تفرض نفسها على الباحث : 1 - كيف يدرك الزائر معنى سلام الله ويبلغه الإمام 2 - لماذا يقول «سلام» «الله» ولا يقول سلامي). 3 - كيف يبلغ سلام الله من قبله . 4 - عندما يعمد الإنسان إلى تبليغ سلام الله لابد من انعتاقه من ذاته وتجرّده عن صفاته ليتمخض في وجوده لوجه الله وينظر بنور الولاية. و من أراد إبلاغ سلام الله لابد من نظره إلى ذاته على أنه مجرد ظلّ ، فكيف الجمع بين هاتين النظرتين : نظرة المحو والصحو ، فهو من الجهة الأولى يتجرّد عن ذاته ولا يشعر لها بوجود ، ومن الجهة الأخرى يحس بها إحساساً ثانوياً ظلياً، والفرق واضح بين الإحساس وعدمه. ونقول في الجواب عن الأوّل : لا يرتاب أحد في لزوم إدراك معنى سلام الله لمن أراد إبلاغه فلا يتيسر ذلك لعامة الناس لاسيما ذوي الرتب الدانية فصاحبها يكلّف شططاً حين يؤمر بتبليغ ما لا يدرك ولا يعرف، وتصبح المسألة عنده مرادفة للغو من دون درك للحقيقة وإن لم يعدم الأجر والثواب على كلّ حال ، وعلينا أن نخاطب الإمام بهذه العبارة كما يقال في الصلاة وسائر العبادات الأخرى. ولكن الزائر حين يلقى باله ويلقى نظره المعنوي إلى أصل نور الولاية من غير لواحق أو ملصقات كما أوضحه الكبار في موضعه يمكنه إدراك معنى سلام الله ، ومن ثَم إبلاغه : گر به این محجوب روئی آوری***پرده خود بینی از من بر دری نور رویت گر کفیل ما شود***ظلمت خود بینی از ما میرود إذا أقبلت يوماً من الحق نظرة***وأوشك للمحجوب أن يهتك السترا وخلّي الأنانيات يربو ظلامها***فتلك خشار لا يباع ولا يشرى فیطرد نور الحق عنه ظلامه***ويغدو بليل الذات يطلعه بدرا وتفكروا في هذه الآيات والروايات . «نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ»[التحريم: 8] «وَأَنِ اعْبُدُونِى هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» [يس: 61] وبناءاً على قرائة أهل البيت فإنهم قرأوا : «هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ»[الحجر: 41]، «وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الليلة اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ» [النور: 40] «والمؤمن ينظر بنور الله»، «بنوره عاداه الجاهلون»، «بنوره آمن به المؤمن»، «المؤمن ،نور، مخرجه ،نور و مدخله ،نور، کلامه نور، منظره يوم القيامة إلى نور»،«قلب المؤمن عرش الرحمن» ، «العرش معدن أنوار «الله» و . وأما الجواب عن السؤال الثاني ، نقول : في هذه العبارة نوع من الخضوع والتواضع كأنّما الزائر يقول : لما كان سلامي زهيداً لا يعدل شيئاً، فليس من اللائق أن أقدمه للمولى ، ولكن سلام الله يليق بجنابه لذلك أقدمه له هدية ، كما قال الشاعر : سلام من الرحمن نحو جنابه***فإن سلامي لا يليق ببابه درود خدا بر جنابش بود***سلامم نه لایق به بابش بود و أما الجواب عن السؤال الثالث : لما كان الوافد للزيارة يهوى أن يقدّم هدية لمولاه لكي يزداد عنده قرباً بهذه الوسيلة فلم يجد أجدر به من سلام الله ، فيقول : سلام الله عليك منّي أقدّمه هديّة لجنابك . ويقال في الجواب عن السؤال الرابع: إن من استضاء بنور الحق وصار نورانياً ومصداقاً من مصاديق الآية الشريفة «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» [النور : 35] واستطاع المخاطبة بلسان الحال : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فإنّ شخصاً كهذا بإمكانه تبليغ سلام الله فيقول : عليك مني سلام الله ..... (المحقق).

أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ

أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ (1) عبارة الطريحي هكذا : وعن الراغب الأمد والأبد متقاربان لكن الأبد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ولا يتقيد يقال : أبداً كذا. والأمد مدة محصورة إذا أطلق وينحصر نحو أن يقال : أمد كذا مجمع البحرين (1 : 99 - المترجم) (2) ..

ص: 254


1- «أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ...». 1 - الأبد معناه الدهر ... لأنّ الإنسان مخلوق للبقاء وحقيقته دهرية، والأبد عمر الدهر ومدته، وحينئذ يريد الله تعالى أن يدوم هذا السلام ويتخطى الدنيا والآخرة ويبقى بقاء الدهر. وبناءاً على هذا يكون «أبداً» من ظرفاً لما بقيت مقدّماً عليه وبقي الليل والنهار» وهما ميزان الزمان . ومعنى قوله «أبداً» أي ما دام الزمان ودام الليل والنهار فإنّ هذا السلام باقي. وخلاصة المعنى طبقاً لهذا الاحتمال يكون كما يلي : سلامي عليك ما بقيت ببقاء الدهر وبقاء الليل والنهار وهما بقاء الزمان . 2 - الأبد يأتي بمعنى الزمان الطويل ، كما احتمل ذلك الشيخ الطريحي .
2- وبناءاً على هذا يكون معنى العبارة كما يلي : من حين زيارتي إلى آخر عمري وما دام لليل والنهار بقاء ووجود فهذا السلام باق و موجود. 3 - الأبد : ما لا آخر له ، ويقابل ما لا أول له ، وهو ذات الربوبية، وبناءاً على هذا الاحتمال يكون المعنى كما العبارة يأتي : سلامي عليك إلى ما لا نهاية من يومي زيارتي إلى آخر وجودي وما دام الليل والنهار . (المحقق)

المنصوب في هذه العبارة على الحاليّة ومؤكّد للعموم المستفاد من ضمير الجمع وفي الحال المؤكدة لا يلزم تقييد مضمون الجملة بل لا يماشي المعنى ومن هذا القبيل : «لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا» (1)وصرّح في الصحاح بأنّ جميعاً مؤكدة وهي منصوبة على الحالية كما في الكشاف وتفسير القاضي وغيرها، وفي هذا المثال يستفاد من القضيّة أنّ الحال مؤكّدة تأكيد العموم وهذا يعتبر من تنبيهات ابن هشام .

أبد : الظاهر أنه مشتق من «الأبود» ومعناه الإقامة في مكان واستعماله بمعنى الدهر والدائم والقديم من هذا المعنى. وفيما نحن فيه جائت بمعنى الدائم الأبدي وهذا الدوام المأخوذ في العبارة ظاهره على الحقيقة، ودليله القول التالي: «ما بقي الليل والنهار» لأنّ ذلك كناية عن التأبيد كما يستعمل الأشباه والنظائر له في هذا المعنى.

وأبداً منصوبة على الظرفية و«ما» في قوله: «ما بقيت» زمانية مصدرية أي مدة بقائي وبقاء الليل والنهار، ويمكن أن تكون الكلمة لتأبيد السلام وقيداً للمبتدأ حيث أن التأبيدات والشرايط المتعارفة في الشعر من هذا القبيل، وهذا المعنى أقرب وأنسب .

ويمكن أن يقال في تأبيد معنى «عليكم منّى» أنّه الإهداء والإرسال، أي أن سلام الله من جانبي عليكم، ويكون المعنى على هذا الوجه أن حالى على هذا المنوال من دوام التسليم واستمراره عليكم على وجه ان كان دائماً فأنا المسلّم وهذا السلام الإجمالي منزل تنزيل السلام المستمر التفصيلي عرفاً وشرعاً واعتباراً.

وهذا المعنى بعيد كما هو الظاهر البيّن .

ص: 255


1- یونس : 99 .

وفي لفظ «منّي سلام الله» احتمالان :

الأوّل : إنزال الإنسان نفسه منزلة من يحمل سلام الله ويدعي ذلك ويؤدّي سلام الله باعتباره يرى سلامه لا يليق بالمقام فهو يحمل سلام الله مكانه ، كهذا الشعر الذي أنشده البهائي في ديباجة بعض رسائله وصرّح بالجهة التي بيناها :

سلام من الرحمان نحو جنابكم***فإن سلامي لا يليق ببابكم

وهذا الشعر وإن كان ضعيفاً إلا أننا استشهدنا بمعناه (1)

والاحتمال الآخر : أنّ قول سلام الله عليكم دعاء بأن يرسل الله السلام عليهم، ولما كان توجه الداعي سبباً لهذه الرحمة والتسليم لهذا يعتبر هذا السلام ابتداءاً من الداعي وجاز له على هذا الوجه أن يقول منّي ، وفي السلام احتمالان :

الأوّل : أن يكون بمنزلة الصلاة المراد منه الرحمة لأنّ السلام تحيّة، وتحيّة الله إكرام وإعظام من جانبه سبحانه وبلوغ المسلم عليه إلى درجة القرب المعنوي ونزول أمطار الرحمة على أراضى الأرواح والأشباح.

والاحتمال الآخر : معناه التسليم بمعنى أنّ الله تعالى طهره وزگاه من جميع العيوب المتصوّرة وحفظه من فقد الكمالات المترقبة وأن يوصله إلى المعارج الرفيعة، ولما كان بهذه المثابة كان حرماً آمناً ووسيلة محكمة ، وبهذا السبب يتمّ الارتباط الوثيق والمناسبة الثابتة بين المسلم والمسلم عليه حتى أصبح رجاءاً للشفاعة وأملاً لوصول المثوبات العظيمة.

وفي جواز السلام على غير النبي وانتفاعه بهذا السلام بحث نرجئه إلى شرح كلمة «صلى الله عليه وآله وسلّم» المذكورة في الزيارة.

ص: 256


1- لست أرى فيه ضعفاً بل على العكس هو قويم مبتكر ولكن المؤلّف قرنه بشخصية قائله فبدى ضعيفاً لعظم هذه الشخصية . (المترجم)

التنبيه :

هذه العبارة الشريفة من صناعات البديع تستمل على صنعة «الالتفات» وهو عبارة عن الانتقال من أسلوب الخطاب إلى أسلوب الغيبة، وذلك بالتكلّم بأحدهما أو عكسه ، وهذا له دخل كبير في تحرّك خاطر المستمع وتطرية نشاطه وتوقد ذهنه وحسن تصدّيه للاستماع كما أن له تأثيراً غريباً عليه، وهو شايع في النظم العربي والفارسي ومنه الكثير وارد في القرآن الكريم كما جاء في قوله تعالى: «وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ»(1)وفي القرآن أيضاً : «حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ»(2).

وقال جرير في شعره:

متى كان الخيام بذي طلوح***سقيت الغيث أيتها الخيام

وشمس الشعراء سروس راست

زكلك او يكى خط خطه را زیر حکم کرد***الا ای کلک خواجه قوت و فعل وقدر داری

وفي هذه القصيدة عدد من الأبيات فيها هذه الصنعة. واحتواء هذه العبارة الشريفة على هذه الصنعة لا تحتاج إلى بيان لأنه كان يخاطب الأصحاب وفجئة انقلب إلى الغيبة ثمّ انتقل بعدها من الغياب إلى الخطاب، ثمّ سلّم عليهم حيث أنّ التوجه إليه يزداد بعد ذكر الأصحاب حتى يحضرهم في الذهن ويخاطبهم كما في قوله تعالى: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» وهو قريب من هذا الوجه.

فائدة :

أشرنا فيما سبق إلى أنّ في العبارة تأبيداً، وفي العربية عبارات وجمل تدلّ على

ص: 257


1- فاطر: 9
2- يونس : 22 .

التأبيد تجري علس ألسنة الفصحاء وعبائر العرب العرباء وهي متداولة بينهم ويأتون بها عندما يؤبدون ، ونحن نذكر منها عدداً محدوداً ونختار العبارة ذات الجرس العذب واللفظ الفصيح، والقرب من الأفهام:

الف - لا أفعل ذلك أبداً ما اختلف العصران .

ب - ماكر الجديدان .

ج - ما اختلف الملوان .

د - ما اصطحب الفرقدان .

ه- - ما تعاقب العصران والفتيان .

و - ما لاح النيران .

ز - ما حنّت النيب .

ح - ما أورق العود .

ط - ما دعا الله داع.

ى - ما عن في السماء نجم .

يا - ما طلع فجر

يب - ما بل بحر صوف .

يج - ما هتفت حمامة .

يد - ما لاح عارض

يه - ما ذرّ شارق .

يو - ما ناح قمري

یز - ما أن كان في الفرات قطرة .

يح - حتّى يحن الضب في أثر الإبل الصادرة .

ص: 258

يط - ما اختلف الدرّة والحرّة (1).

ك - ما اختلف الأجدان .

كا - ما غرّد الحمام .

كب - ولا أفعله أخرى الليالي.

كج - حتّى يرد الضب .

كد - ما أطّت الإبل.

که - ما خوى الليل والنهار.

کو - ما حد الليل والنهار .

كز - أبد الدهر .

كح - أبد الآبدين .

كط - أبد الآباد .

ل - سنّ الحسل (2).

وهذه ثلاثون كلمة اخترتها من كتاب «مزهر اللغة» لجلال الدين السيوطي وكتاب «الألفاظ الكتابية» لعبدالرحمان بن عيسى الهمداني، ووجدتها مستعملة في ألسنة أرباب الفصاحة والبلاغة. وهناك ألفاظ أُخرى ليست جامعة للشرائط أعرضنا عنها ومن أراد المزيد فعليه الرجوع إلى كتابين هما: إصلاح المنطق لابن السكيت، و«تهذيب الإصلاح» للخطيب التبريزي .(3)

ص: 259


1- اختلافها أنّ الدرّة تسفل والحرّة تعلو (منه). (هامش الأصل)
2- أي حتى يسقط سنّ الحسل وهو ولد الضب ولا يسقط سنه أبداً. (هامش الأصل)
3- وسوف يأتي من هذا كثير في كلام الإمام الصادق في ذيل مع إمام منصور أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. (هامش الأصل)

يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَىٰ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلامِ

الشرح : الجلال والعظمة كما جاء في كثير من كتب اللغة وغيرها أنّهما مترادفان وكلاهما بمعنى الكبر - بكسر الكاف وفتح الباء - ولكن ما توصلنا إليه بحسب الاستعمال أنّ العظمة تقابل الصغر، والجلالة تقابل الدقة ، كما يقال : «ماله دقّ ولا جل، ولا دقيقة ولا جليلة، وأتيته فما أدقني ولا أجلّني». ويقول العلماء: النظر الدقيق والنظر الجليل ، وإن وقع كثير منهم في الخطأ فقالوا: النظر الجلي.

يقول الفيومي في المصباح: الدقيق خلاف الجليل». وفي مكان آخر يوضع الغليظ ضدّ الدقيق ، وهذا لا يستقيم في ميزان النظر لأنّ لازم ذلك أن يكون الغليظ والجليل بمعنى كما هو ظاهر الفارابي في ديوان الأدب، لأنه فسّر العظم بالضخامة والضخامة بالغلظة ، ويرفع هذا الإشكال بما يلي:

.. إنّ بناء علماء اللغة ليس على تحقيق وتحديد المعاني الحقيقية، لأن هذا الأمر لا يمكن أن يتصيَّد من استعمال ،واحد ، وإحياناً يكون المعنى في نفس الإنسان حاضراً ولكنّه لا يجد الألفاظ التي تفيء بأدائه لكي يعبر بها عندما يصوغ عباراته للأفهام . لهذا عبر اللغويون بلوازم المعاني أو بالمعاني القريبة من المقصود التي تحوم حول المراد ونزلت عباراتهم على مقدار الأفهام وتفاوت السلائق ، نظماً ونثراً، فعبّروا بها من هذه الجهة وجد الاختلاف الفاحش بين اثنين من علماء اللغة في تفسير المعنى للفظ واحد مع أن المحقق البصير يدرك أن لا خلاف وإنّما أدى كل واحد منهما لازماً لملزوم مشترك وحقق معناه، وغالباً يعمد الأدباء وهم أبناء بجدة اللغة وفقهاء لسان العرب إلى تحمل المشاق في تتبع هذه المعاني وتحصيلها، ومن كان عالماً بهذه الحال ملماً بطرق الاستعمال وله

ص: 260

ممارسة وتتبع في لسان العرب ومعرفة أساليب التعبير عند القوم، ومطلعاً على انتقالات العرب في معانيها من معنى إلى معنى، وينظر الواقع نظراً تحقيقياً لا نظراً قشرياً تعلّمياً يستطيع استخراج المعاني المختلفة والوجوه اللطيفة والأسرار البديعة من كثير من موارد اللغة غير المنصوصة، وبهذا البيان الذي سقناه نكون قد فتحنا باباً عظيماً في فهم اللغات ، ورفعنا الاختلافات الكثيرة بين كلمات اللغويين الواقعة في فهم الكتاب والسنة والتي هي مرجع للفقهاء، تفطن لهذا جيّداً واغتنم الفرصة.

المصيبة : اسم فاعل من أصابه، وأصلها الوصول والبلوغ ولكنها غلبت في الاستعمال بالبلية إذا أصابت أحدهم إلى الدرجة التي إن لم يكن لها موصوف يتبادر منها هذا المعنى بخلاف ما إذا كان لها موصوف مثل الأفكار المصيبة والسهام المصيبة .. ومن توهّم الاشتراك في المعنيين فقد أخطأ.

الرزيّة : في الأصل «رزيئة» مهموزة وخففت الهمزة إلى ياء مثل خطيئة وخطية، وهي بمعنى المصيبة أيضاً.

ومن المناسب أن نذكر مورداً أو موردين من الأخبار والآثار الدالّة على عظم هذه المصيبة في الإسلام وإن كان المتأمل البصير لا يحتاج شهوداً ع-ل-ى هذه الدعوى حيث أنه من خلق الدنيا إلى يومنا هذا لم نر بعد البحث بالتاريخ والسير واقعة بكبر هذه الواقعة، بأن أُمّة من الأمم برزت لابن نبيها وأصحابه وأهل بيته في يوم واحد فيقتلونهم وينهبون رحلهم ومتاعهم، ويحرقون خيامهم، ويحملون رأسه ورؤوس أصحابه وأولاده مع العيال والأطفال من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد، ويعرضون مرّة واحدة عن الملة والدين الذي ينتسبون إليه ، ويطئونه بأقدامهم، وإنما جاءهم السلطان والقوّة من هذا الدين وليس غيره، ومطابق لهذا المعنى ما جاء في الأمالي عن صادق آل محمد الله عن أبيه ع-ن ج-ده لا أن

ص: 261

الحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام دخل يوماً إلى الحسن علیه السلام فلما نظر إليه بكي، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال : أبكي لما يصنع بك . فقال له الحسن علیه السلام : إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يُدسَ إلي فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ؛ يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أُمّة جدّنا محمد له وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونساءك وانتهاب ثقلك فعندها تحل ببني أُميّة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار .(1)

وننقل هنا ثلاثة من الأخبار غير هذا الخبر.

أ - الشيخ الأجل الأقدم الأوثق أبو القاسم جعفر بن قولويه القمّي رضي الله عنه وأرضاه روى في كامل الزيارة وساق السند إلى صادق آل محمد علیهم السلام بأنه قال : لما قتل الحسين علیه السلام سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة فلا ترون فرحاً حتّى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوّكم وينال بالوتر أوتاراً. ففزعوا منه وقالوا : إنّ لهذا القول لحادثاً قد حدث ما لا نعرفه ، فأتاهم خبر قتل الحسين علیه السلام بعد ذلك فحسبوا ذلك فإذا هي تلك الليلة التي تكلّم فيها المتكلم .(2)

ب - وفي علل الشرايع روى عن عبدالله بن الفضل قال : قلت لصادق آل محمد علیه السلام : یابن رسول الله ، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض منه رسول الله علیه السلام واليوم الذي ماتت فيه فاطمة سلام الله علیها ،

ص: 262


1- أمالي الصدوق : 115. (المترجم) أمالي الصدوق : مجلس 24 رقم 3، بحار الأنوار 45: 218 رقم 44.
2- كامل الزيارات : 553 (المترجم) كامل الزيارات : باب 108 نوادر الزيارات ص 336 ح 14 . (هامش الأصل)

واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين علیه السلام ، واليوم الذي قتل فيه الحسن بالسمّ؟

قال: إن يوم الحسين علیه السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام وذلك أن أصحاب الكساء الذي كانوا أكرم الخلق على الله تعالى كانوا خمسة ، فلما مضى عنهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقى أمير المؤمنين وفاطمة والحسن الحسين علیهم السلام فكان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلما مضت فاطمة سلام الله علیها كان في أميرالمؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة ، فلما مضى منهم أمير المؤمنين علیه السلام كان للناس في الحسن والحسين

عزاء وسلوة ، فلما مضى الحسن علیه السلام كان للناس في الحسين علیه السلام عزاء وسلوة ، فلما قُتل الحسين علیه السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة فكان ذهابه كذهاب جميعهم كما كان بقائه كبقاء جميعهم ؛ فلذلك صار يومه أعظم مصيبة .

قال عبدالله بن الفضل الهاشمي فقلت له : يابن رسول الله ، فلم لم يكن للناس في عليّ بن الحسين عزاء وسلوة مثل ما كان لهم في آبائهم علیهم السلام؟؟

فقال : بلى إنّ عليّ بن الحسين كان سيد العابدين وإماماً وحجّة على الخلق بعد آبائه الماضين ولكنّه لم يلق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولم يسمع منه وكان علمه وراثة عن أبيه عن جده عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكان أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام قد شاهدهم الناس مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في أحوال في أن يتوالي فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكّروا حاله مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وفيه ، فلما مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على الله عزّ وجلّ ولم يكن فى أحد منهم فقد جميعهم إلا

في فقد الحسين علیه السلام، لأنه مضى آخرهم فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة.(1)

ص: 263


1- علل الشرايع 1: 226. (المترجم) علل الشرايع 1: 125 - 127 باب 162، بحار الأنوار 44: 271 باب أنّ مصيبته أعظم المصائب . (هامش الأصل)

وفي هذا الحديث صرّح في مواضع منه بأن مصيبة سيّدالشهداء علیه السلام أعظم المصائب على المسلمين .

ويؤيد هذا الحديث كلام العالمة غير المتعلمة عقيلة الرسالة ورضيعة ثدي العصمة سيدتنا زينب - أرواحنا لتراب أقدامها الفداء - في الإرشاد للشيخ المفيد وغيره أنه قالت لسيدالشهداء ليلة عاشوراء والكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن، يا خليفة الماضي وثمال الباقی .(1)

ج - وفي الخصال : عن عمر بن بشر الهمداني قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذل الناس ؟ قال : حين قتل الحسين بن علي علیهما السلام ، وادعي زياد ، وقتل حجر بن عدي .(2)(3)

وسوف نوافيك بحكاية استلحاق زياد لعنه الله إن شاء الله في ترجمة حال عبیدالله بن زياد ... (4).

ومن هذه الأخبار وممّا يماثلها الدالة على عظم المصيبة في الإسلام كثيرة فاقت الحصر، ويقتضينا التقيّد بالاختصار تجنّب استقصائها.

ص: 264


1- بحار الأنوار 2:45 ط لبنان . (هامش الأصل) الإرشاد 93:2. (المترجم)
2- الخصال: 181 ، وأبو إسحاق هو الإمام الصادق (المترجم)
3- الخصال: 181 باب الثلاثة رقم 248 ، بحار الأنوار 44: 271 . (هامش الأصل)
4- ذيل «ولعن الله آل زياد»، ونقل هذه الواقعة في بحار الأنوار 44: 309 ، وابن أبي الحديد بالتفصيل . (هامش الأصل)

وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ

الشرح : في أخبار الإمامية وآثارها وأهل السنة والجماعة عدة روايات وفيها ظهور العلامات الغريبة في السماء والأرض تدلّ على وقوع هذا الخطب الجليل والرزء العظيم وهي خارجة عن الحصر والإحصاء أما نحن فننقل عدداً منها في هذه الفقرة من الشرح تدلّ على عظم مصيبته علیه السلام في السماء على الملائكة في فصلين وننقل قسماً آخر من هذه الأخبار إن شاء الله في فقرة أُخرى التي لها ارتباط بعموم مصيبته علیه السلام مع مراعاة الاختصار.

فصلٌ

في ذكر تأثر الملائكة وبكائها بصفة عامة وجبرئيل بصفة خاصة، ولعلّ في أثناء بعضها ذكراً يدور حول التغييرات العامة ، ونأتي هنا بعدد محدود منها وتجد التفصيل في البحار ومدينة المعاجز للسيد المحدّث الجليل البارع السيد هاشم البحراني :

أ - في كامل الزيارة عن أبان بن تغلب أنه قال : قال صادق آل محمد علیهم السلام :إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي علیه السلام لم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستئذان فهبطوا وقد قُتل الحسين علیه السلام ، فهم عند قبره شُعثٌ غُبْرٌ يبكونه إلى يوم القيامة (رئيسهم ملك يقال له : منصور).(1)

وروى فى كامل الزيارات أربعة عشر حديثاً آخر بأسانيد متفاوتة وعبارات مختلفة متقاربة من هذا المعنى، وبالطبع ملاحظتها بعين البصير الحاذق توجب لكم الحكم بتواترها ، أو تواتر معناها على الأصح ، وكلّها مذكورة في بحار الأنوار .

ص: 265


1- كامل الزيارات : 171 ومابين القوسين تتمة الرواية ولم يوردها المؤلّف . (المترجم) كامل الزيارات باب 77 رقم 9 ، بحار الأنوار 45: 226 رقم 12. (هامش الأصل)

ب - في بحار الأنوار عن محاسن البرقي: روي عن الإمام الصادق علیه السلام قال : وكل الله بالحسين بن علي علیه السلام سبعين ألف ملك يصلون عليه كل يوم شعثا غبراً منذ يوم قتل إلى ما شاء الله (1).

ج - وفي كامل الزيارة حديث طويل مشتمل على أن الملائكة مطيفة بحائر الحسين علیه السلام ليلاً ونهاراً يبكون ولا يفترون إلا وقت الزوال ووقت طلوع الفجر لأنّهم يحادثون في هذين الوقتين ملائكة السماء القادمين لزيارة قبر الحسين ويسألونهم من أخبار السماء (2)(3)

وسوف نذكر ذيل الحديث في فقرة أخرى إن شاء الله تعالى ، وما أوردنا ليست ترجمة تامة للحديث بل النقل بالمعنى .

د - وفي كامل الزيارة أيضاً عن صفوان الجمال عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سألته في طريق المدينة ونحن نريد مكة ، فقلت : يابن رسول الله ، مالي أراك كئيباً حزيناً منكسراً ؟ فقال : لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي . قلت : فما الذي تسمع ؟ قال : ابتهال الملائكة إلى الله عزّ وجلّ على قتلة أمير المؤمنين وقتلة الحسين ونوح الجنّ وبكاء الملائكة الذين حوله وشدّة جزعهم، فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم (4)؟!

ص: 266


1- بحار الأنوار 45: 222 . وتمام الحديث : يعني بذلك قيام القائم . (المترجم) كامل الزيارات : باب 28 رقم 5 ، بحار الأنوار 45: 222 رقم 9 ، وعبارة شفاء الصدور : البحار عن المحاسن صحفت البحار عن الكامل. (هامش الأصل)
2- كامل الزيارة : 176 . وهذا الحديث طويل إلى حد ما وأراه ينطبق على ما قاله المؤلف وإن وردت في كلمات المؤلّف ألفاظ لم أجدها في الحديث . (المترجم)
3- كامل الزيارة : 86 باب 27 رقم 16 ، بحار الأنوار 45 : 227 رقم 17 . (هامش الأصل)
4- كامل الزيارات : 187(المترجم) كامل الزيارات : 92 باب 28 رقم 18 (هامش الأصل)

ه- وفي كامل الزيارات أيضاً وساق السند إلى إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : إني كنت بالحائر ليلة عرفة وكنت أُصلّي وثمّ نحو من خمسين ألفاً من الناس ؛ جميلة وجوههم طيبة روائحهم، وأقبلوا يصلون الليل أجمع فلما طلع الفجر سجدت ثمّ رفعت رأسي فلم أر منهم أحداً .

فقال لى أبو عبد الله علیه السلام : إنّه مرّ بالحسين علیه السلام خمسون ألف ملك وهو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى الله تعالى إليهم مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه ؟ فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شعثا غبراً إلى أن تقوم الساعة .(1)

و - وفي العيون والأمالي عن الإمام الرضا علیه السلام في حديث الريان بن شبيب: في ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم فهم عند قبره شعْثٌ غُبْرٌ إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره (2)

ز - كامل الزيارات : نقل عن سليمان(3): وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يعزيه بولده الحسين علیه السلام ويخبره بثواب الله إياه ويحمل إليه تربته(4).. ؟

ح - وفي كامل الزيارات عن ابن عباس قال: الملك الذي جاء إلى محمد صلی الله علیه و آله وسلم يخبره بقتل الحسين علیه السلام كان جبرئيل علیه السلام الروح الأمين منشور الأجنحة ،

ص: 267


1- كامل الزيارات : 226. (المترجم) كامل الزيارات : 115 باب 39 رقم 6 ، بحار الأنوار 45: 226. (هامش الأصل)
2- عيون أخبار الرضا 2: 268. (المترجم) عيون أخبار الرضا 1 : 299 ، أمالي الصدوق : مجلس ،27، بحار الأنوار 44 : 286 (هامش الأصل)
3- الظاهر أنه سليمان بن عبدالله أبو العلاء الغنوي الكوفي الذي ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (المترجم)
4- كامل الزيارات : 131. (المترجم) كامل الزيارات : 61 باب 17 رقم 8، بحار الأنوار 44: 236 رقم 27 . (هامش الأصل)

باكياً صارخاً قد حمل من تربة الحسين علیه السلام وهي تفوح كالمسك .. (فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : وتفلح أُمّتي تقتل فرخي أو قال: فرخ ابنتي! فقال جبرئيل: يضربها الله بالاختلاف فتختلف قلوبهم)(1)(2)

ونقل الرواية في الكامل بسند آخر

فصل

في الآثار والانقلابات التي حدثت في الفلك والفلكيات عند وقوع ه-ذه المصيبة العظمى والخطب الفادح وذكر عدد من أخبار الإمامية ضاعف الله اقتدارها ونصر من لدنه أنصارها. وفي هذا الباب:

أ - في التفسير للشيخ الأجل الأوثق الأقدم قدوة الطائفة علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي رضي الله عنه وأرضاه في تفسير الآية المباركة : «لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيا»(3) روی جابر عن باقر علوم النبيين أنه قال : لم يجعل الله ليحيى سمياً من قبل ولا للحسين بن على علیه السلام ، وبكت السماء أربعين صباحاً وبكت عليه الشمس مثلها، وبكاء الشمس طلوعها وغروبها في حمرة . وقيل : إن بكاء السماء بكاء أهلها وهم الملائكة .

وينبغي أن تكون العبارة الأخيرة لعلى بن إبراهيم، وأشار إلى ضعف الخبر بصيغة التضعيف «قيل» وهو ضعيف حقاً إذ لا يوجد دليل على هذا التأويل بل الأخبار دالّة على بكائها بالمعنى الحقيقي كما سيظهر لك في تضاعيف هذا الشرح.

ص: 268


1- كامل الزيارات : 131 ولم ينقل المؤلف ما وضعناه بين قوسين وهو تمام الحديث (المترجم)
2- كامل الزيارات : 61 باب 17 رقم 7. (هامش الأصل)
3- مریم 7 .

ب - في كامل الزيارة : عن رجل قال : سمعت أمير المؤمنين علیه السلام وهو يقول في الرحبة وهو يتلو هذه الآية: «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ» (1)وخرج عليه الحسين علیه السلام من بعض أبواب المسجد، فقال: أما إنّ هذا سيُقتل وتبكي عليه السماء والأرض (2)

ج - في الأمالي والعلل أن ميثم التمار قال لجبلة المكية: والله لتقتل هذه الأمة ابن بنت نبيّها في المحرّم لعشر يمضين منه وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم بركة وإنّ ذلك لكائن ... يا جبلة اعلمي أن الحسين بن على علیه السلام سيّد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة يا جبلة، إذا نظرت السماء حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أنّ سيّدالشهداء الحسين قد قتل.

قالت جبلة : فخرجت ذات يوم فرايت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت : قد والله قتل سيدنا الحسين علیه السلام(3) (4)

د - وفي الأمالي والعيون عن الريان بن شبيب عن الرضا علیه السلام أنه قال : ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ...(5)

ه- وفي كامل الزيارة عن رجل من أهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي علیه السلام، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً

ص: 269


1- الدخان: 29
2- كامل الزيارة : 180 تحقيق جواد القيومي طاولى 1417 ، النشر الإسلامي نشر الفقاهة . (المترجم) كامل الزيارات : 88 باب 28 رقم 1. (هامش الأصل)
3- علل الشرايع 1 : 228 . ولم يذكر المؤلف إلا موضع الشاهد من الحديث وما سبقه فهو منا . (المترجم)
4- أمالي الصدوق : مجلس 27 رقم 1، علل الشرايع ،1 : 217، بحار الأنوار 45: 202. (هامش الأصل)
5- عيون أخبار الرضا 2 : 268 وهو جزء من حديث طويل . (المترجم) أمالي الصدوق : مجلس 27 رقم 1، علل الشرایع 1 : 217، بحار الأنوار 202:45. (هامش الأصل)

إلا ورأينا تحتها دماً عبيطاً يغلى واحمرت الحيطان كالعلق، ومطرنا ثلاثة أيام دماً عبيطاً .. .(1)

و - وروى الشيخ الأجل الأعظم الأوثق عبدالله بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن حنان أنّ صادق آل محمّد :قال زوروا الحسين ولا تجفوه فإنّه سيّدالشهداء وسيد شباب أهل الجنّة وشبيه يحيى بن زكريا، وعليهما بكت السماء والأرض .(2)

ز - في كامل الزيارة عن علي بن مسهر القرشي قال : حدثتني جدتي أنها أدركت الحسين بن علي حين قتل قالت : فمكثنا سنة وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة مثل الدم ما ترى الشمس .. (3)

ح - وفي الكامل أيضاً عن داود بن فرقد عن أبي عبدالله علیه السلام قال : احمرت السماء حين قتل الحسين سنة ويحيى بن زكريا وحمرتها بكائها .. (4)ط - في الكامل وساق السند إلى محمّد بن مسلمة عمّن حدّثه قال : لما قتل الحسين بن علي علیه السلام أمطرت السماء تراباً أحمراً (5).

ص: 270


1- كامل الزيارات : 160 . والسياق في الكامل يختلف عن سياق المؤلف لأن المؤلف نقل من موضع الشاهد من الحديث وترك الباقي وهو أهم ما في الحديث . (المترجم) كامل الزيارات : 77 باب 25(24) رقم 2 (هامش الأصل)
2- قرب الإسناد : 99 (المترجم) قرب الإسناد : 66 ، بحار الأنوار 45: 201 (هامش الأصل)
3- كامل الزيارات : 181 . (المترجم) كامل الزيارات : 89 باب 28 ، بحار الأنوار 45: 21 رقم 2 . (هامش الأصل)
4- كامل الزيارات : 182. (المترجم) كامل الزيارات : 89 باب 28، بحار الأنوار 210:45 رقم 21 . (هامش الأصل)
5- كامل الزيارات : 183(المترجم) كامل الزيارات : 89 باب 28 ، بحار الأنوار 45 211 رقم 25 .(هامش الأصل)

ى - وأيضاً في كامل الزيارات بسنده إلى سيد الساجدين أنه قال : إن السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي علیهما السلام . قلت : أي شيء كان بكائها ؟ قال : كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم.(1)

وأخبار من هذا اللون جمّة كثيرة وسوف تأتيكم قطعة منها في بيان عموم المصيبة، وليس المقصود في هذا المختصر الإحاطة بجميعها، وبهذا المقدار

المبين في هذا المقام كفاية.

ص: 271


1- كامل الزيارات : 184 (المترجم) كامل الزيارات : باب 28 ، بحار الأنوار 45: 211 والبراغ برغوث وهو الكلك في الفارسية . (هامش الأصل)

فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

ش - الفاء تفريعيّة وحقيقة التفريق إفادة دخول الحكم السابق في اللاحق وفي هذا المقام لما جرى ذكر المصيبة جرت من تذكرها ثورة في النفس وهيجان وفار العداء لأعداء الله فاستحقوا اللعن، إذن لعظم المصيبة وجلال الخطب وكبر الرزية دخل في هذا اللعن..

وحقيقة المعنى تكون كما يلي : لمّا كان الأمر بهذه المثابة فلعن الله ذلك الفريق. وفاء التفريع معناه عکس معنى فاء التعليل ، مثل «اضربه فقد نام» وهذه بظاهرها جملة نحوية، وبالتدقيق الأدبي والتأمل الأصولي كلا الجملتين التفريعية والتعليلية حكمهما ،واحد ، وحقيقتهما إفادة العلّيّة غاية الأمر أنه في مكان يكون السابق علة للاحق، وفي مكان آخر يكون الأمر بالعكس.

لعن : ومعنى اللعن كما جاء في الأساس والنهاية وديوان الأدب وغيرها يستعمل للطرد والتبعيد من رحمة الله تعالى، وهو كما في النهاية يعتبر دعاءاً وسبّاً إلا أنّ في اعتقادي أنه من قبيل (جزاه الله خيراً) وإجمال هذا الكلام تقدّم في بيان لفظ السلام، وسيأتي نظيره في لفظ صلوات بمنّه وجوده.

الأُمَّة : بمعنى الفرقة والجماعة ، وأحياناً تكون بمعنى الواحد كما في الحديث: يحشر قس أمة وحده (1). والمراد به قس بن ساعدة الأيادي المشهور بالفصاحة شهرة واسعة وفي المثل : «أفصح من قس» إشارة إليه، ولقد بشر بنبوة النبي وإمامة الأئمة الاثنى عشر قبل البعثة وأشعاره مذكورة في بطون الكتب، وارتكب المعاصر المؤرّخ خطأ في تفسير هذه الكلمة واضحاً حين نزلها على أبي طالب

ص: 272


1- رحم الله قساً يحشر يوم القيامة أُمة وحده (سفينة البحار : باب الثقاف وبعده السين، بحار الأنوار 44: 240 . (هامش الأصل)

وجعل معنى قس من دون أن يؤيده عرف أو لغة كناية عن أبي طالب علیه السلام .

وجاء في الآية الكريمة : «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً» (1).

وبعض العلماء لهم تأويل آخر حول وصف إبراهيم بكونه أُمة، وهو كما يلي: كل نبي بحكم رياسته وإحاطته بمقام الأمة يعتبر هو الأمة كلها وباقي الأُمة بمثابة الأجزاء له ، وكلّما يبلغها يبلغه ، وتدلّ عظمته على عظمتها ، وكذلك بحكم التوحد بين الكل والجزء للأمة نصيب من كمالاته ، من ثم كانت الأُمّة المرحومة خير الأُمم وهذا بيان يتناول الرؤساء كافة وإن كانت رياستهم ظاهرية يتناولهم باعتبار العرف المتمشي فيهم على نحو واحد، لأنّ كلّ رئيس بلحاظ طاعة الأُمّة له تكون له الإحاطة والتسلّط على مرؤوسيه، وبهذا الاعتبار يعتبرهم افتراض-اً جزئه وه-ذه الجزئية التقديرية لا تنافي البساطة وهي من لوازم الإحاطة ، ومن هذه الجهة ينسب إلى نفسه كل عمل يصدر منهم أو يشركهم مع نفسه فيقول : فعلنا كذا وقلنا كذا. التأسيس: كما ورد في تاج المصادر ومنتهى الإرب و(المصباح): أسسته تأسيساً جعلت له أساساً. والأساس الأصل. والتأسيس والأساس نسبة أحدهما للآخر مبنية على التجريد مثل : «أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً»(2).. (يقال : أسرى يسرى وسرى يسري فهو سارٍ لغتان بمعنى واحد . والإسراء سير الليل ...) (3)ومعناه مطلق الجعل . والأساس بلسان النحويين المشهور يعتبر مفعولاً.

وهنا يحصل إشكال في أمثال هذه العبارة وحاصله : إن المفعول به عبارة عن شيء وقع عليه الفعل ولازمه وجوب وجود المفعول به قبل وجود الفعل لكي يتمّ

ص: 273


1- النحل : 120 .
2- الإسراء : 1 .
3- التبيان 6: 43 . ويكون بناءاً على هذا التأسيس والأساس معناهما واحد فرّق بينهما التجريد من الهمزة وعدمه . (المترجم)

وقوع الفعل عليه، وفي الموضع الذي تكون ذات الشيء موجودة في نفس الفاعل ، لا يمكن أن يسمّى هذا الشيء مفعولاً لعدم تناول وقوع الفعل له ، كما أشكل عبد القاهر وصاحب الكشاف وأتباعهما على الآية «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» (1)وهو لا يزال عالقاً بخاطري.

والتزموا فى الجواب أن تكون هذه المنصوبات مفعولات مطلقاً، ولا دليل على وجوب كون المفعول المطلق مصدراً لأنّ المفعول المطلق هو فعل الفاعل وأثره لأنه حقيقة المفعول وما حصل عن الفاعل ، وفي مثل ضربت زيداً» المفعول الحقيقي هو الضرب وزيد من فعل - بالبناء للمجهول - الضرب به ، مِن ثَم قيل فيه المفعول به ويكون نائب الفاعل وهو لفظ المفعول في هذه العبارة الثانية هو مصدر الفعل الذي هو الضرب مثلاً غاية الأمر، أن الأثر في أغلب المواضع يكون أحياناً من مقولة المعاني والأحداث، وأحياناً من مقولة الذوات، كما في الخلق والجعل والإيجاد وأمثالها. كما قال الحافظ الشيرازي:

گفتم این جام بلورین به توکی داد حکیم***گفت آن روز که این گنبد مینا می کرد

حيث اعتبر العمل نفس القبة لأنّها فيض الفاعل وأثر الجاهل وذلك حاصل في ذاتها لا في وصفها .

وهذا الإشكال في دستور اللغة العربيّة له إشكال نظيره في الإلهيات وذلك في حمل الوجود على الماهيات وهو ينافي الفرعيّة ومعناها إثبات المعنى للشيء فرغ ثبوت ذلك الشيء ومن ثَمّ أنكر بعضهم قاعدة الفرعية من رأس، وهؤلاء خالفوا ضرورة العقول.

ص: 274


1- الأنعام: 1.

ولكن فريقاً آخر من العلماء كالمحقق الدواني وأصحابه خصصوا قاعدة الفرعية بغير الوجود ولكن المحققين مثل الشيخ الرئيس «أبو على» وأستاد البشر الخواجه وغيره قالوا : الوجود ليس ثبوت شيء لشيء بل ثبوت الشيء ويكون حينئذ حقيقة حمل الوجود التخصص لا التخصيص، وهذا هو الحق ، وقد تكلّمنا عن ذلك في موضعه بشكل مفصل وبيّناه كما هو الحال في هذه المسألة حيث أنّ الأمر ليس فعل شيء بشيء بل فعل الشيء فحسب ولا فرق بين فعلت الضرب وجعلت الأساس أي خلقته وفعلته وأوجدته . وهذا الحديث وإن عسر قبوله على النحويين السطحيين ومن لا رأي لهم ولا نظر ولكن أهل التحقيق بعد إمعان النظر لا يستبعدون ذلك كما التزم بذلك الزمخشري وهو أستاد الفنّ والبلاغة ومؤسس فهم معاني الألفاظ وأشار إليه.

ولكن جواب الإشكال على الوجه العربي الصحيح على أن يماشي مزاج الحكمة أيضاً وذلك باعتبار هذه الألفاظ في جميع الموارد مفعولاً به، مع التزامنا بالتقرير أعلاه لأنّ كلّ ماهيّة بقطع النظر عن إمكان تلبسها بالوجود معتبرة وحينئذ يكون لها لوازم بالنظر إلى هذه الملاحظة وتسمّى لوازم الماهية وبهذا الاعتبار تكون ذات أجزاء تتألف منها وبه يحصل التقرّر الماهوي ، كما أن المثلث - مثلاً - له ماهيّه مؤلّفة من سطح وخط وهما ضلعاه ووتره، وبعد حضور هذا المعنى وبروز هذه الملاحظة له يعرض له الوجود وهذا العروض العقلي سلّم به الجميع ؛ سواء قلنا بإصالة الماهية أو قلنا بإصالة الوجود ؛ لأن الفرق بين المذهبين يتم في الخارج ونشأة ترتب الآثار عليه لا في اللحاظ العقلي والاعتبار ،الذهني، وهذا المعنى مركوز في الأذهان العرفية وملحوظ في الأوضاع اللغوية، وبهذه الملاحظة يكون إحراز الموضوع في الاستصحاب في الحياة والوجود ، كما قرّر ذلك في فنّ

ص: 275

الأصول، بل يمكن أن نرتفع إلى أرقى من هذا أنّ أوهام العوام وأذهان الع--رف تتبادر إلى مذهب الجعل هذا وهو الانصاف .

ومجمل القول قلنا بناءاً على هذا الملاحظة أن فى مثل خَلَق وأوجد وأشباهها تعتبر الماهية مفعولاً بها والوجود هو الأثر ، كما في قضيّة زيد موجود وزيد معدوم يمكن أن نجري نفس الملاحظة في العقل وإلا فيلزم إما اجتماع النقيضين أو الحمل الذاتي غير المفيد، لأننا لو اعتبرنا زيداً معدوماً كان أوّل وإذا اعتبرناه موجوداً كان ثانياً.

والجواب أنّ الاعتبار يعود إلى الماهية مجردة من كل صفة من طرف الوجود أو العدم، ويمكن أن تلبس بهما وتكتسي بحلتهما، وتحقيق هذه المطالب بيناه بعون الله وحسن توفيقه في محلّها من بحوث الأصول والحكمة الإلهية ..(1)وهذا المقام لا يستحق من البسط أكثر من هذا.

وللصلاح الصفدي في شرح لامية العجم تفسير للبيت أدناه وهو : «والدهر يعكس أمالي ....» وقد جاء بأباطيل ملفقة في حل هذه الشبهة لا تنسجم مع أي من الأصول والقواعد العلمية ولولا أن التطويل يؤدّي إلى الملل لعرضت لكلماته وبينت معارضتها للقواعد الكلامية والأصولية العربية وهو وأمثاله لهم عذرهم في الجهل في تحقيق هذه المطالب ؛ فإنّ لكلّ صناعة أهلاً ، ولكلّ كريمة فحلاً .(2)

ص: 276


1- لا أكتم القارئ حرصاً على الأمانة العلمية أن الترجمة لهذه الفقرة لم تكن دقيقة على النهج الفلسفي وإنما ترجمت العبارة فحسب وكان علي لو أمكنني ذلك أن أضع هوامش تشرح هذه الأمور المغلقة للقارئ ولكني أعرضت عن ذلك لاقتضائه وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً ولا أرى الأمر يستحق هذا الاهتمام من ثمّ أوكلت الأمر إلى القارئ أن لا يقنع بالترجمة هذه إن شاء بل ينفتح على أبواب أوسع توضح له جلية الحال . (المترجم)
2- لا ينبغي للعالم أن يعبر بهذا التعبير عن عالم مثله ، لأنّ للصلاح الصفدي مكانته العلمية، وأظن المؤلّف سلقه بهذه العبارة لنصبه فقد كان ناصبيّاً .

خلق الله للحروب رجالاً***ورجالاً لقصعة وثريد (1)

ظلم في أصل اللغة كما في ديوان الأدب والصحاح والمصباح والقاموس

: ومنتهى الإرب معناه وضع الشيء في غير موضعه. وقال في النهاية : أصله الميل والعدول عن الطريق. والوجه الأوّل أقوى (2)من جهة اتفاق جماعة من الأعلام عليه ومساعدة القرائن له. ويأتي أحياناً بمعنى النقص مثل : «وَلَمْ تَظْلِم مِنْهُ شَيئاً» (3)وأحياناً بمعنى المنع مثل : وما ظلمك أن تفعل أي منعك ، ومنه أخذ معنى الظلمة لأنّها سدّ البصر ومنع الباصرة من الإبصار والرؤية.

الجور : معناه العدول عن الطريق ويأتي بمعنى التعدّي والأصل فيه الأوّل كما صرح بذلك الأعلام.

أهل البيت : منصوب على الاختصاص وإن كان واقعاً بعد ضمير الخطاب كما في «بك الله نرجو الفضل» فإنّهم التزموا به. وتكرّر هذا التركيب في الأدعية والزيارات المأثورة عن أهل البيت علیهم السلام (4)، وإذا حكم النحاة بشذوذه بناءاً ع-ل-ى القياس فإنّه مسموم ، وإن كان بحسب الاستعمال أو الورود فإنّه ممنوع ونحن أثبتنا في حينه حجّيّة ألفاظ الأئمة على القوانين المشتركة العلمية وليس ذلك مختصاً بالشيعة القائلين بالعصمة بوجه لم نسبق إليه بعونه تعالى.

والمراد بالبيت بيت الرسالة والنبوّة ، وقد عرف لأنه معهود كما في آية التطهير. ومحصل القول سوف نشير إلى ذلك بعد هذا بمنّه وجوده ، وهذه العبارة

ص: 277


1- رحماك بالعلماء ياسيدي المؤلف فإن الصلاح الصفدي ليس من هذا النمط !
2- وجدت في النهاية : الإلحاد الميل والعدول عن الشيء، وفسر الإلحاد بالظلم والعدوان (236:4) والوجه الأول: وضع الشيء الخ . (المترجم)
3- الكهف : 33 .
4- يعني تركيب «عليكم أهل البيت». (هامش الأصل)

تحتوي على فقرات نحن نشير إليها ضمن عدد من المسائل (إن شاء الله) .

«مسألة»

المراد من الأمة التي أسست الظلم إما عموم الأمة التي ما أمهلت النبي بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى حتى يجهز ويوارى حتى وثبت تطالب بسلطانه ذلك السلطان الباطل والحطام الزائل ويمّمت قصد سقيفة بني ساعدة وخالفت النصوص المسموعة والآيات المشهورة والمبالغات غير المعدودة التي نوّه النبي بها بأهل بيته الكرام فأخرجت سلطان محمد من بيت الوحي والتنزيل، وتظافرت الجهود مابين تيم وعدي وأُميّة وغيرهم، وتحمّلوا جميع المفاسد التي وقعت في الدنيا حتى كفر الكفّار .. لأنّهم لو انحازوا عن هذا الأمر وتركوا الحق إلى أهله ولم يختالوا، لعلت كلمة الحق، وحدث في الأمة الولاء المطلق، وانتشر العدل في الأرض ، وقوي الإسلام كما أراد الله ، واقتلع جذور الشرك من جذمها، وقام أئمة الهدى على نشر الأحكام وإقامة النظام، وغابت الدول الباطلة التي استولت على دنيا الإسلام ونشرت الظلم والفسق في أرجاء الأرض عن عرصة الوجود، ولم ترق هذه الدماء المعصومة بالإسلام في الحروب، ولم تقع هذه المعاصي العظيمة التي يأنف المسلم من تحبيرها على الطروس، وما زالت تحدث وتمارس إلى هذا اليوم.

كما روى الشيخ الكشي عن داود بن النعمان قال : دخل کمیت بن زيد (كذا) الأسدي على الإمام الصادق علیه السلام فأنشده - وذكر نحوه ثمّ قال في آخره : إن الله عزوجل يحبّ معالى الأمور ويكره سفسافها.

فقال الكميت : يا سيّدي ! أسألك عن مسألة ، وكان الإمام علیه السلام المتكناً فاستوى جالساً وكسر في صدره وسادة ثم قال : سل ! فقال : أسألك عن الرجلين ؟

فقال : يا کميت بن زيد، ما أُهريق في الإسلام محجمة من دم ولا اكتُسِبَ مال من غير حلّه ، ولا نُكِحَ فرج حرام إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ،

ص: 278

ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبرائة منهما .(1)

ص: 279


1- رجال الكشي : 206 . (المترجم) رجال الكشي : 707 رقم 363 ، معجم رجال الحديث 126:14 في کمیت ، کافی 8: 102 ح 75 . 10 عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير . ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عنهما ، فقال : يا أبا الفضل ! ما تسألني عنهما ؟! فوالله ما مات منا ميت قط إلا ساخطاً عليهما، وما منا اليوم إلا ساخطاً عليهما، يوصي بذلك الكبير منا الصغير ، إنهما ظلمانا حقنا ومنعانا فيئنا، وكانا أول من ركب أعناقنا، وبثقا علينا بثقاً في الإسلام لا يسكن أبداً حتّى يقوم قائمنا أو يتكلّم متكلمنا . ثم قال : أما والله لو قد قام قائمنا وتكلّم متكلمنا لأبدى من أمورهما ما كان يكتم ، ولكتم من أمورهما ما كان يظهر ، والله ما أُسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما أسسا أولها ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. (الوافي 28 كتاب الحجّة ، الكافي 8 : 345 ح 340). عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال : قلت لأبي عبد الله : خبرني عن الرجلين ؟ قال : ظلمانا حقنا في كتاب الله عزّ وجلّ ومنعا فاطمة صلوات الله عليها ميراثها من أبيها وجرى ظلمهما إلى اليوم . قال : وأشار إلى خلفه ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما . (الكافي 8: 102 ح 74). حدّث أبو عبدالله محمد بن أحمد الديلمي البصري، عن محمد بن كثير الكوفي قال : كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلا بلعنهما ، فرأيت في منامي طائراً معه تور من الجوهر ، فيه شيء أحمر شبه الخلوق، فنزل إلى البيت المحيط برسول الله ثم أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثمّ ردّهما إلى الضريح وعاد مرتفعاً، فسألت من حوالي من هذا الطائر ؟ وما هذا الخلوق ؟ فقال : هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلقهما ، فأزعجني ما رأيت فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما، فدخلت على الصادقين فلما رآني ضحك وقال : رأيت الطائر ؟ فقلت : نعم يا سيدي . فقال : اقرأ: «إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» [المجادلة : 10] فإذا رأيت شيئاً تكره فاقرأها ، والله ما هو ملك موكل بهما لإكرامهما بل هو موكل بمشارق الأرض ومغاربها ، إذا قتل قتيل ظلماً أخذ من دمه فطو قهما به في رقابهما لأنهما سبب كل ظلم مذ كانا. (ابن شهر آشوب 316:2 في إمامة أبي عبدالله الصادق ، إثبات الهداة 3: 146 الرقم 266). عبدالله بن كثير عن الصادق في خبرهما : والله أوّل من ظلمنا حقنا وحملا الناس على رقابنا وجلسا مجلساً نحن أولى به منهما فلا غفر الله لهما ذلك الذنب ، كافران ومن يتولهما كافر يعني عدوين له . وكان معنا في المجلس رجل من أهل خراسان يكنى ب_«أبي عبدالله» فتغير لون الخراساني لما أن ذكرهما ، فقال له الصادق : لعلك ورعت عن بعض ما قلنا ؟ قال : قد كان ذلك يا سيدي . قال : فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ حيث أعطاك فلان بن فلان جاريته لتبيعها فلما عبرت النهر فجرت بها في أصل شجرة كذا وكذا ؟ قال : قد كان ذلك ولقد أتى على هذا الحديث أربعون سنة ولقد تُبت إلى الله تعالى منه . قال : يتوب الله عليك إن شاء الله . (ابن شهر آشوب 2 : 323 في إمامة أبي عبدالله الصادق). وسيأتي ذيل «اللهم العن أول ظالم ظلم ...» كلام معاوية مخاطباً لمحمد بن أبي بكر : فأبوك أسه .. فراجع . الاحتجاج : في جملة احتجاج أمير المؤمنين على جماعة من المهاجرين والأنصار ، قال له طلحة في جملة مسائله عنه : يا أبا الحسن ، شيء أريد أن أسألك عنه رأيتك بثوب مختوم فقلت : أيها الناس ، لم أزل مشتغلاً برسول الله بغسله وكفنه ودفنه ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته ... يا طلحة إنّ كلّ آية أنزلها الله عزّ وجلّ على محمد الله الله عندي بإملاء رسول الله وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حلال وحرام أو حد أو حكم أو شيء يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش. قال : كلّ شيء من صغير أو كبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب ؟ قال : نعم وسوى ذلك أن رسول الله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ... ثمّ قال طلحة : لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن ، ألا تظهره للناس ؟ قال : يا طلحة، عمداً كففت عن جوابك فأخبرني عمّا كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن ؟ قال طلحة : بل قرآن كله . قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة فإن فيه حجّتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا . قال طلحة : حسبي ، أما إذا كان قرآناً فحسبي . ثمّ قال طلحة فأخبرني عمّا في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال : إن الذي أمرني رسول الله أن أدفعه إليه وصبي وأولى الناس بعدي بالناس ابني الحسن ، ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ، ثمّ يصير واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم على رسول الله حوضه وهم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم. ألا إن معاوية وابنه سيليانها بعد عثمان ثمّ سيليها بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن العاص واحد بعد واحد تكملة اثنى عشر إمام ضلالة وهم الذين رأى رسول الله على منبره يردّون الأمة على أدبارها القهقرى، عشرة منهم من بني أُمية ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة (الاحتجاج 1 : 225) . (هامش الأصل)

ص: 280

بل ورد في بعض الأخبار أنّ ذنوب الأولين والآخرين في أعناقهم وعنق سامري هذه الأمة الذي لقن العجل دعوى الرئاسة، وحوّل وجوه الناس بعد انصراف موسى عن هارون . قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسی .

وتأخر الآخرين به وترتب أفعالهم واستنادهم عليه من الوضوح بمكان ، وأما المتقدّمون فاستناد أفعالهم عليه بالنمط الذي يرجع به کل خ-ي-ر ن-ال-ه السابقون بوجود محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم لأن كل واحد من أبناء آدم لابد وأن تكمل فيه صفة من الصفات وتكون أحياناً صفة نقص فيأخذ الناقصون من هذه الصفة العائدة إلى مرتبة النفس ودرجة الحقيقة الأثر الظاهر فيهم وينالون نصيبهم منها سواء كانوا في السابقين أو اللاحقين وشرح هذه المسألة لا يتسع لها هذا المقام .

ويحتمل أن يراد من الأمة ذلك الشخص ذاته ، لأنه مثير الفتنة ومؤسسة البدعة ، وكان أوّل من تطاول إلى البيعة وامتدت الأيدي تبايعه في السقيفة مِنْ ثَمّ قال علماء العامة : انعقد الإجماع على خلافة فلان ببيعة فلان ووجب على عامة المسلمين اتباعه وفاهوا بهذا الكلام لتصحيح الإجماع المزعوم، لأن من المسلّم به والمتفق عليه عندهم وثبت في صحاحهم أنّ أمير المؤمنين وبني هاشم وجماعة من خواص الصحابة مثل الزبير وعمار وسلمان وحذيفة وأبوذر وغيرهم لم يبايعوا ما دامت سيدتنا الصدّيقة عليها الصلاة والسلام على قيد الحياة، ومع تخلّف هؤلاء يكون الإجماع قد انعقد ببيعة ذلك الواحد ومن هنا وجب عليهم

ص: 281

اتباعه وساغ لهم حرق بيت فاطمة سلام الله علیها لحفظ النظام وصلاح الخلق وإن احترق في داخله الحسنان علیهما السلام وفاطمة .

كما صرح بذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد والصاحب في روض المناظر والمسعودي في مروج الذهب عند الكلام على فتنة ابن الزبير وكذلك نقل هذا الأمر من تاريخ الواقدي والطبري وابن حرابة وصاحب كتاب أنفاس الجواهر.

وقال قاضي القضاة في المغني في العبارة المنقولة في «الشافي»: يجوز هذا التهديد بناءاً على المصلحة .(1)تاريخ الطبري 3 : 198 و 2 : 443 ط مصر القديم، وراجع شرح النهج 1 : 124 فقد رواه عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري، والملل والنحل 1 75 و 83 ط مصر تحت إشراف محمد فتح الله بدران ، ومروج الذهب. (2)إثبات الهداة 2 : 334 (3)وهذا قريب ممّا رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 12:1 وابن الشحنة في تاريخه بهامش الكامل 7 : 164 ، وأبو الفداء في تاريخه 1: 156 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2 : 254 ، واليعقوبي في تاريخه 2: 105 .

وهذا لفظ أبي الفداء : إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى عليّ ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها وقال : إن أبوا عليك فاقتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت : إلى أين يابن الخطاب ؟ أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة، فخرج حتى أتى أبابكر فبايعه . كذا نقله جمال الدين بن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربه المغربي ، انتهى .

وأما نص العقد الفريد في تعداد أسماء جماعة تخلّفوا عن بيعة أبي بكر قال : وه-م ع-ل-ي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، وأما عليّ والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال : إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة ، فخرج علي حتى دخل على أبي بكر .... (العقد الفريد 2 : 250 و 3: 63 وراجع أيضاً أعلام النساء 3 : 7 و 12) (4)راجع الإمامة والسياسة ،1: 13، والإمام علي لعبد الفتاح عبد المقصود 1 : 255، وأعلام النساء 3: 6 و 21. (5) شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 134 و 2: 5 و 19 . (6)الملل والنحل : 83ط مصر تحت إشراف محمد فتح الله . (7)إحقاق الحق 2: 372 (8) بحار الأنوار 8: 60 ط أفست. (9)إحقاق الحق 2: 373 (10)لسان الميزان 1 : 268 (11) إثبات الهداة 2 : 373 الرقم 274 . (12)إحقاق الحق 2: 373 (13)دلائل الإمامة للطبري : 241ط انتشارات رضي . (14)

ص: 282


1- بعض أقوال العامة حول إضرام بيت فاطمة : قال العلامة الحلي في نهج الحق (ص (271) : طلب هو وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين و فيه أمير المؤمنين وفاطمة وابناهما وجماعة من بني هاشم لأجل ترك مبايعة أبي بكر . وذكر الطبري في تاريخه
2- قال : أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة . وذكر الواقدي : إنّ عمر جاء إلى عليّ في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقال : أخرجو أو لنحرقتها عليكم. ونقل ابن خيزرانة
3- في غرره قال زيد بن أسلم : كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع عليّ وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا ، فقال عمر الفاطمة : أخرجي من في البيت وإلّا أحرقته ومن فيه . قال : وفي البيت علي وفاطمة الحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي ، فقالت فاطمة : تحرق على ولدي ؟ فقال : اي والله أو ليخرجن وليبايعن .
4- وقال ابن عبد ربه وهو من أعيان السنّة : فأما عليّ والعباس فقعدا في بيت فاطمة وقال له أبو بكر : إن أبيا فقاتلهما ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما الدار فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطاب، أجنت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم . و نحوه روی مصنف كتاب المحاسن وأنفاس الجواهر ، انتهى ما في نهج الحق. قول فاطمة عند إضرام البيت بعد ما سمعت بضعة المصطفى أصواتهم وهي تبكي حزينة كئيبة ، نادت بأعلى صوتها : يا أبه يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة
5- ؟ وقد رآها عمر لعنه الله تصرخ وتولول ومعها نسوة من الهاشميات تنادي : يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على بيت رسول الله ، لا أكلّم عمر حتى ألقى الله
6- ضرب عمر لعنه الله بطن فاطمة وإلقاء محسنها قال الشهرستاني في الملل والنحل
7- نقلاً عن النظام ما لفظه : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ، وماكان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ، انتهى . وفي ذيل الصفحة هذه الكلمة : ألقت المحسن من بطنها
8- . قال ابن أبي الحديد - بعد ذكر هبار بن الأسود وأن رسول الله أباح دمه يوم فتح مكة لأنّه روّع زينب بنت رسول الله بالرمح ، وهي في الهودج وكانت حاملاً فرأت دماً وطرحت ذا بطنها ، قال : قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر ، فقال : إذا كان رسول الله أباح دم هبار لأنّه روّع زينب فألقت ذا بطنها فظاهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روّع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها . فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم إنّ فاطمة رُوِّعت فألقت المحسن ؟ فقال : لا ترو عني ولا ترو عنّي بطلانه فإنّي متوقف في هذا الموضوع لتعارض الأخبار .
9- وقال البلاذري لفظه على ما في إثبات الهداة : إنّه حصر فاطمة في الباب حتى أسقطت محسناً
10- . قال ابن حجر : أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث أبوبكر الكوفي الرافضي الكذاب ، مات في أول سنة 357 وقيل إنه لحق إبراهيم القصار ، حدث عن أحمد بن موسى وموسى بن هارون وعدة وروى عنه الحاكم وقال : رافضي غير ثقة . وقال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته (أي أحمد بن محمد السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث): أبو بكر الكوفي كان مستقيم الأمر عامة دهره ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفت فاطمة حتّى أسقطت بمحسن .. الحديث . الرفث الصدمة بالرجل في الصدر
11- . قال ابن قتيبة : قال أبو بكر عند موته : ليتني كنت تركت بيت فاطمة وإن كان أغلق علي الحرب .
12- اعتذار القوم عند تلك الامور قال المؤرّخ الثقة المسعودي في مروج الذهب في أخبار عبدالله بن الزبير وحصره بني هاشم في الشعب وجمعه لهم الحطب ما هذا لفظه : وحدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن ابن عائشة عن أبيه قال : ع--ن حماد بن سلمة قال : كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول : إنما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم لإحراقهم إذا هم أبو البيعة فيما سلف وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا، وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبار هم المترجم بكتاب حدائق الأذهان .. انتهى.
13- أين بقيّة الحطب بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال : سألته : متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا أبا الجارود ، ولا تدركون . فقلت : أهل زمانه ؟ فقال : ولن تدرك أهل زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد أياس من الشيعة ثم يدخل المسجد فينقض الحائط حتى يضعه إلى الأرض ثمّ يخرج الأزرق وزريق لعنهما الله غضين طريين يكلمهما فيجيبانه فيرتاب عند ذلك المبطلون فيقولون : يكلم الموتى، فيقتل منهم خمسمائة مرتاب في جوف المسجد ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه ليحرقا به عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وذلك الحطب عندنا نتوارثه، ويهدم قصر المدينة .
14-

ص: 283

ص: 284

نعوذ بالله من الخزي والخذلان في أي مذهب يسوغ حرق بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم وبنت النبي صلی الله علیه و آله وسلم وصهر وصهر النبي وأولاد النبي وخواص النبي من أجل أخذ البيعة الأعرابي جاهل مثل الرجل مع مخالفة النصوص المتعدّدة من النبي وآيات الكتاب العزيز، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا إلا اختلاق .

«مسألة»

يمكن أن يستدلّ على جواز لعن تلك الجماعة التي ظلمت محمّداً وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم وأقامت هذا الأساس ومهدت لهذا القياس من آيات القرآن موصولة إلى أخبار صحاح أهل السنّة ، والذين تخلّفوا إنّما حكم القرآن في هذا الأمر ونحن

ص: 285

هنا نكتفي بدليل واحد لأنّ العمومات في لعن الظالمين والكاذبين تملأ القرآن الكريم، وإثبات هذه العناوين الثلاثة لتلك الطائفة سهل ميسور بل الباحث في الأخبار والآثار يقطع بظلمهم وافترائهم وأنّهم ارتدوا عن الدين وطووا كشحاً عن الآخرة، وبيان هذا الدليل كالتالي:

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً» (1).

وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : فاطمة بضعة منّى فمن أغضبها أغضبني .(2)

وروى مسلم في صحيحه بطريق واحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إنه قال في حقها : ابنتي بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها .(3)

وفي صحيح الترمذي حدّث عن النبي أنه قال : إنّما فاطمة بضعة منّي ؛ يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها . وفي نسخة : ينضيني ما أنضاها .(4)

وحاصل مضمون هذه الأخبار من هذه الصحاح الثلاثة التي كانت حاضرة لدي ساعة تأليف هذا الكتاب فأخرجتها منها بلا واسطة أنّ فاطمة بضعة منّي غضبها غضبي وأذيتها أذيّتي ، وتعبها تعبي ونصبها نصبي .

وفي صحيح البخاري في باب غزوة خيبر أنّ عائشة قالت : أرسلت فاطمة سلام الله علیها إلى أبي بكر تطلب ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة إنّما

ص: 286


1- الأحزاب : 57 .
2- صحيح البخاري ، باب مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة بنت محمد :5 : 21 و 29 ط منيريّة مصر
3- صحیح مسلم 7: 140 ط محمد صبيح
4- صحيح الترمذي 3: 246 ط الصاوي بمصر

ياكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أُغير شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها. وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته .(1)

وذيل الحديث وإن كان مفيداً للشيعة ولكن لا ربط له بما نحن فيه ، ونشكر الله على وجود مثل هذه الأحاديث والأخبار الصحيحة التي تثبت غضب الزهراء سلام الله علیها على أبي بكر وإيذائه لها وغضبها وإيذائها يؤذي ويغضب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

وروى آية الله العلّامة عن مسند أحمد بن حنبل وأقرّ بذلك روزبهان أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : من أذى عليّاً فقد آذانى أيها الناس من آذى عليّاً بعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً .. (2)

وإذا ضممت هذه المقدّمة مع مضمون الآية إلى بعضها البعض يتركب القياس على الشكل التالي :

ص: 287


1- صحيح البخاري ح 4077. (المترجم) صحيح البخاري 5: 139 ط أميرية بمصر ، السنن الكبرى 6: 300 ط حیدرآباد، وحميدي في سدس حديث من المتفق عليه من مسند أبي بكر ، إثبات الهداة 2 : 333.
2- مثل هذا الحديث الذي يجعل إيذاء علي إيذاءاً لرسول الله وإيذائه إيذاء الله ، ومن أذى عليّاً يحشر يهودياً ونصرانياً، والتفصيل في إحقاق الحق 6: 390. (هامش الأصل) أما هذا الحديث فقد حذفوه من المسند كفعلهم في كل الأحاديث التي تدينهم وتبطل دعاواهم ولكن في المسند حديث عن عمرو ب-ن شاس وكان من أصحاب الحديبية وفيه قول النبي الله : ياعمرو ، والله لقد أذيتني ، قلت أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله ، قال : بلى من أذى عليّاً فقد آذاني (سمند أحمد بن حنبل 3: 483 ط دار صادر بیروت ، المجلدات 6) (المترجم)

أبو بكر آذى عليّاً ،وفاطمة ، وكلّ من آذى عليّاً وفاطمة فقد آذى رسول الله تكون النتيجة : أبو بكر أذى رسول الله .

ثمّ نأخذ هذه النتيجة فنجعلها صغرى لقياس آخر فنقول :

أبو بكر أذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله لعنه الله في الدنيا والآخرة وأعد له عذاباً مهيناً .

ونحن لا نصرّح بالنتيجة وما عليك إلا التأمل لتصل إليها .

وإن أحداً من أهل السنة والجماعة لا يستطيع المناقشة في واحدة من مقدمات هذين القياسين إلا أن يعرضوا عن القرآن أو عن صحيح البخاري الذي اعتبروه

أصدق كتاب بعد القرآن والحمد لله على وضوح الحجّة.

ومنه تعرف أحوال الباقين ممن أعانه لأنهم جميعاً شركاء في إيذاء عليّ وفاطمة بل أعوانه المباشرين لكثير من الظلم والوقايع، كما كانت الزهراء في كلّ مكان تتظلّم منهم وتظهر بالغ الألم، وقد روي ذلك عنها الكتب المعتبرة لأه-ل السنة والجماعة كما ذكر ذلك عز الدين أبو حامد عبدالحميد بن أبي الحديد عن المدايني في شرح نهج البلاغة وقال في وصفه : عالم محدّث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدّثون ورووا عنه مصنّفاته (1).

وكذلك فعل الشيخ الجليل الكبير الوزير الخطير بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمّة في النسخة المقروئة على المصنف من ذلك الكتاب في ربيع الآخر سنة اثنين وثلاثين بعد الثلاثمائة حيث قرئت عليه ونقل منها وهاتان

ص: 288


1- نص عبارة ابن أبي الحديد كما يلي : وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في السقيفة وفدك وما وقع من الاختلاف والاضطراب عقب وفاة النبي وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدّث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدّثون ورووا عنه مصنّفاته (شرح نهج البلاغة 16 : 210 فليس هو المدائني كما قال المؤلف) . (المترجم)

كلاهما الخطبة المعروفة بخطبة المسجد التي أجابت بها نساء الأنصار وذكرت في الاحتجاج والبحار وناسخ التواريخ وغيرها وقد عزوها إلى ذلك الكتاب... والكلمات كلّها تظلّم وإظهار الألم والصدمة النفسية ومنها حيث تقول فيها: «بئسما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليه وفي العذاب هم خالدون»(1).

وتكفي هذه الكلمات في إثبات المدعى، وإذا أردت طلباً للتفصيل ملاحظة واحد من هذه الكتب التي أشرنا إليها والتي ذكرت الخطبة تفصيلاً أو ترجمتها فإنك سوف تصل بالتأمل الوجداني إلى القطع بالحديث الصحيح قطعي الصدور المنقول في كتب الإمامية مستفيضاً بل متواتراً من أنّ صادق آل محمّد قال : لما مات رسول الله ارتد الناس إلا ثلاثة - وفي رواية : إلا أربعة -: سلمان وأبوذر والمقداد وحذيفة ، وأمّا عمّار فإنّه حاص حيصة ثم عاد(2)

وبعد ملاحظة هذه الأخبار نتوجه جيّداً إلى أركان القضيه العامة : الصحابة كلّهم عدول ، وإنّها متزلزلة ما فى ذلك ريب وهدم بنائها من أسه ، ونرى من المناسب أن نطعم هذا الفصل بعدد من الأخبار المروية في كتاب البخاري عن ارتداد الصحابة وفتنهم وبدعهم المستحدثة التي أخبر عنها النبي صلی الله علیه و آله وسلم أيام حياته ، بصفة مختصرة «محض تسجيل الصواب وتحصيل الثواب» ونوردها بألفاظها من دون ترجمة كما وردت في الجامع ..

ص: 289


1- بلاغات النساء : 19، أعلام النساء 3: 1219 ط دمشق وكتب أخرى من العامة تجد تفصيلها في إحقاق الحق 306:10. (هامش الأصل)
2- روى حديث ارتداد الناس إلا ثلاثة أو أربعة ، بحار الأنوار 8: 50 أفست. (هامش الأصل) وأما حيصة عمّار فإن كانت الولاية فقد ولى سلمان على المدائن حتى مات فيها وإن كان أمر آخر فما هو هذا الأمر ليت شعري ؟ إنّ عمّار بقي على السنة متبعاً خطى عليّ لم ينحرف عنه طرفة عين وهذا ما أدين الله به ومن اعتقد بغير هذا فليستغفر الله منه فإنّه الضلال بعينه ، صلى الله على عمّار وصلى الله على سلمان .(المترجم)

أ - روى البخاري في باب الحوض عن عبد الله عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني فأقول: يا ربّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك .(1)

1 - عن حذيفة مثله .(2)

ج - عن أنس عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني أقول : أصحابي ، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك .(3)

د - أبو حازم عن سهل بن سعد قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إني فرطكم على الحوض، من مرّ علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.

قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول: إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي .

وقال ابن عباس : سحقاً بعداً ، يقال : سحيق بعيد ، سحقه وأسحقه أبعده .

ه- عن أبي هريرة أنه كان يحدث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : ليرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض، فأقول : يا ربّي ، أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

ص: 290


1- صحيح البخاري 8: 119 باب الحوض ط أميرية، وصحيح مسلم ج 7 باب الحوض ، والحميدي ف-ي الجمع بين صحيح مسلم والبخاري ومسند أحمد بن حنبل 5 : 333 و 388ط مصر ، ومثل هذه الروايات كثير تجد تفصيلها في بحار الأنوار 8: 8 ط أفست. (هامش الأصل)
2- نفسه .
3- نفسه .

و - عن ابن المسيب أنه كان يحدّث عن أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلئون عنه فأقول: يا ربّ، أصحابي ؟ فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

وقال شعيب عن الزهري : كان أبو هريرة يحدّث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : يحلون ، وقال عقيل : فيحلئون .

ز - عن أبي هريرة عن النبي مثله .

ح - عن أبي هريرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم، قلت: أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أراه يخلص منهم إلا مثل حمل [همل النعم] [همل - المصدر] النعم .

ط - عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إنِّي على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول: يا ربّ، منّي ومن أُمتي . فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم .

فكان ابن أبي مليكة يقول : إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.

وروي في كتاب الفتن عن ابن أبي مليكة عن أسماء عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : أنا على حوضي أنتظر من يرد عليّ فيؤخذ بناس من دوني فأقول : أمتي ؟ فيقول : لا تدري مشوا على القهقرى .

قال ابن أبي مليكة : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن.

قلت : يمكن التعدد في الاستماع من أسماء ، ويجوز أن تكون أسماء غير بنت أبي بكر والظاهر الوحدة لكن لفظ الثاني أوضح وأصرح .

ى عن أبي حازم مثلما مرّ في باب الحوض.

ص: 291

يا: عن عبدالله قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إنكم سترون بعدي إثرة وأُموراً تنكرونها. قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم .

قلت : فيه إخبار باستئثار أعداء الله بفيء أهل البيت كما يوضحه كون الخطاب لابن عبّاس وفي ذيله أمر بالتقية ولزوم الصبر ، كما فيما قبله عن عبدالله بن يزيد: اصبروا حتى تلقوني على حوضي.

يب : عن أسامة بن زيد قال : أشرف النبي صلی الله علیه و آله وسلم على أطم من آلام المدينة ، فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا. قال: فإنّي لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر.

يج - عن ابن المسيب عن أبي هريرة : ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، القائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو ملاذاً فليعذبه .

يد - أبو سلمة بن عبدالرحمان عن أبي هريرة مثله.(1)

وفي المسألة في صحيح مسلم والترمذي وسائر الكتب أحاديث أُخرى أوضح وأكثر صراحة مما تقدّم ، وهذا المقدار كافٍ في معرفة الحق للمسلم المتديّن، ويعلم من هذه الأحاديث الأربعة عشر أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أخبر عن ارتداد جماعة من أصحابه ، وقال : إن الفتن تقع ويكون القاعد فيها خيراً من القائم ، وقال : تقع الفتنة في بيوتكم كقطر المطر .

وقال لأهل بيته : ستسلب حقوقكم بعدي فاصبروا واحتملوا ثقل وطأتها .

فهل يرى منصف أنّ هذه الإشارات منه صلی الله علیه و آله وسلم إلى غير غصب الخلافة وظلم فاطمة ؟ وهل يحتمل غيره ؟ ومتى وقعت فتنة وبلاء شامل غير هذه الفتنة في

ص: 292


1- ونورد لك أرقام الأحاديث من كتاب البخاري بعد ذكر رموزها : أ - رقم 6335 ، د - رقم 6797 ، ج - رقم 6341 ، ه- رقم 6344 ، ج - رقم 6346 ، ط - رقم 6352 ، يا - رقم 6798 ، يب - رقم 6806 ، يج - رقم 6826 (المترجم)

الإسلام ؟ ولعن الشيعة إنما ينصب على المرتدين والكفار والظالمين ، وإلا فأخيار الصحابة وخواص النبي صلی الله علیه و آله وسلم مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وحذيفة وعمار وأبو الهيثم بن التيهان وعمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي وعدي بن حاتم سلام الله عليهم جميعاً أحب الخلق إلى الشيعة بعد الأئمة عليهم السلام وصلوات الله عليهم، ويرون وجوب احترامهم وتكريمهم في السر والعلانية، ويرون من سب عموم الصحابة كافراً وتجب البرائة منه ، فتبين من هذا أن اتهام الشيعة بسب الصحابة كلّهم إنّما هو من مكائد الأعداء «سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ».(1)

نعم ، لما اختلفت أحوال الصحابة كما سمعت ومن الآيات الكثيرة يفهم كما هو من الضرورة أنّ المنافقين لم ينقرضوا بموت رسول الله ، فكانت حال الناس بعد وفات النبي واحدة لاميزة بينهم فلا يعرف الطيب من الخبيث ، ولا المنافق من المؤمن، ولا الثابت من المرتد .

أجل ، وضع الرسول بنفسه النفيسة ميزاناً صحيحاً وقسطاساً مستقيماً لتميزهم، حيث علم بالتواتر من رواية الفريقين أنّه قال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا .

وقال في موضع آخر : مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق .

وقال في موضع آخر : الحق مع عليّ وعلي مع الحق . رواه ابن مردويه الحافظ في غير واحد .(2)

ص: 293


1- النور : 16 .
2- ينابيع المودة : 91ط اسلامبول هذا الحديث نقله كثير من العامة وتجد تفصيله في إحقاق الحق 5: 625. (هامش الأصل)

وفي موضع آخر يقول: اللهم أدر الحق معه حيثما دار . رواه الترمذي في صحیحه(1).

وقال لعمار : إن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادياً سلكه عليّ وخلّ الناس طرّاً . يا عمار ، إن عليّاً لا يزال على هدى . يا عمّار ، إنّ طاعة عليّ من طاعتي وطاعتي من طاعة الله. رواه العلّامة من طرق الجمهور (2).

وعلمائهم مثل ابن أبي الحديد وابن حجر وغيره اعترفوا بصحة هذه الأحاديث إذاً فميزان الهالك والناجي وفاروق الحق والباطل هو علي وأولاده علیهم السلام فمن سالمهم من الصحابه وسار على هداهم ،نجى، ومن خالفهم فهو الهالك ومن نصيب حزب الهالك. وقد أجاد القائل:

راز بگشا ای علی مرتضی***ای پس از سوء القضا حسن القضا

چون تو بایی آن مدینه علم را***آفتابی آن شعاع حلم را

باز باش ای باب رحمت تا***ابد بارگاه ماله كفوا احد

تو ترازوی احد خود بوده ای***بل زبانه هر ترازو بوده ای

الترجمة :

يا أخا المرتضى أزح عن جبين***السرّ ستراً عن الورى أخفاه

إنّما أنت للمدينة باب***أنت شمس للحلم أنت ضياه

لم يزل مشرعاً إلى أبد الدهر***براه من لا له أشباه

أنت ميزانه وفيك الموازين***عالت قضى بذاك الله

ص: 294


1- صحيح الترمذي 3: 166 ط داوي بمصر ، وهذا الحديث نقله كثير من العامة وتفصيله في إحقاق الحق ه : 625 . (هامش الأصل)
2- مناقب الخوارزمي : 63 ط تبريز ، إحقاق الحق 8: 461. (هامش الأصل)

وفي ذلك أقول في موشّحة طنانة نيروزية علوية :

هو شاهين لميزان الرشاد***بل هو الميزان في يوم العباد

وعلى عرفانه تُجزى العباد***بل هو الآخذ من هذا وذاك

يوم يدعوا كلّهم بالغين(1)

وهاهنا لطيفة منقولة من رجال الشيخ المقدّم أبي العباس النجاشي : إنّه حكى عن عبدالرحمان بن الحجاج قال : كنا في مجلس أبان بن تغلب فجائه شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع عليّ بن أبي طالب علیه السلام من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم؟

قال : فقال له أبان كأنك تريد أن تعرف فضل علي علیه السلام بمن تبعه من أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم؟

قال : فقال الرجل : هو ذاك .

فقال : والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إيَّاه .

قال : فقال أبو البلاد عض بظر أُمه ، رجل من الشيعة في أقصى الأرض وأدناه يموت أبان لا تدخل مصيبته عليه .. .(2)

قال : فقال أبان له : يا أبا البلاد، أتدري من الشيعة ؟ الشيعة الذين إذا اختلف الناس

ص: 295


1- ديوان المؤلف : 330. أحسن المؤلف في المعنى ولكنه أغضب المرحوم سيبويه حين حذف النون من يدعو بلا دخول عامل عليه وهو المسكين من الأفعال الخمسة، وأسقط شيخنا نونه بالقهر والقوة. (المترجم)
2- أقول : ما أقل أدب أبي البلاد وما أجفاه ، كان عليه أن يدعو لأبان بطول العمر أو بشيء من هذا وأن لا يلفظ فوه هذه الكلمة القبيحة التي يربأ بنفسه العاقل عن النطق بها لاسيما في مجلس فيه أبان وإن كان معناها ليس موحشاً كلفظها ، لأن معناها يزوج أمه ويأكل صداقها . (المترجم)

عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أخذوا بقول علي علیه السلام وإذا اختلف الناس عن عليّ أخذوا بقول جعفر بن محمد علیهما السلام .(1)

بل هاهنا كلام أعلى من هذا الكلام ومجمله : إن الشيعة من لا يسب أحداً من الصحابة ومن أجاز الشيعة لعنهم فليسوا من الصحابة لأنّ الصحابي هو الذي لقي النبي وآمن به وخرج من هذه الدنيا مؤمناً ، وإطلاق لفظ الأصحاب على غير هؤلاء هو من المجاز بقرينة العلاقة السابقة ولهذا نحن نصدق بأخبار فضائل الصحابة جميعاً ونقول : هؤلاء - المنحرفون - خارجون عن عنوان الصحابة وشاهدنا النص الوارد عن خير الأنام صلی الله علیه و آله وسلم : قاتلوا عمار ليسوا من أصحابي . وما من شك بأن معاوية وعمرو بن العاص وعبيدالله بن عمرو وجماعة أُخرى من الصحابة هم قاتلوه و لازم هذا الكلام أن معاوية وأضرابه وأترابه لعنهم الله جميعاً ليسوا من الأصحاب.

وأما الحديث المشار إليه فإنّ أبا عمرو أحمد بن عبد ربه المالكي الأندلسي رواه في كتاب «العقد الفريد» وساق السند إلى أُمّ سلمة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لعمار : يابن سمية ، لا تقتلك أصحابي ولكن تقتلك الفئة الباغية(2). وهذا الاستنباط من المواهب الالهية التي حبي بها هذا العبد فلم أعثر عليها في كتاب ولم أسمعها من أحد.

وخلاصة الكلام أنّ الخوض في مثل هذه المطالب من مناهج علم الكلام وفي هذا الشرح المختصر لا يقتضي أكثر من هذا البيان وستعثر على جملة من

هذه الكلمات في تضاعيف الفصول القادمة إن شاء الله تعالى. ولله الحمد.

لباب الكلام في عدول الأصحاب وجورهم ذكر في فصول الرسالة المذكورة.

ص: 296


1- رجال النجاشي : 12 . (المترجم) النجاشي في بحث أبان ، ص 9 ، ط مكتبة داوري . (هامش الأصل)
2- العقد الفريد 2: 203 و 204ط الشرقية بمصر ، والحديث في هذا المورد منقول عن العامة بطرق مختلفة تجد تفصيل ذلك في إحقاق الحق 8: 422 (هامش الأصل)

«مسألة»

لا إشكال في أن لعن الله الله يوجب شدّة العذاب لهم، ونقل السيد المحدّث الجزائري في بعض مؤلّفاته إشكالاً في هذا الباب (1)وأجاب عنه بأجوبة عدّة، وترجمتها كما يلي(2):

وهاهنا اعتراض قوي وحاصله أن اللعن فعل اللاعن فكيف يكون فعل إنسان موجباً لعقاب إنسان آخر لأنه منافٍ لقواعد العدل، وجوابه من وجوه :

الأوّل : لما أنزل الله الأحكام أنزل مع كل حكم جزاءاً لكل فعل وترك، وأنزل معها جزاءاً للعن اللاعنين وبلغ ذلك جميع المكلّفين ، فكل من أقدم مجترءاً على ذلك فقد وضع نفسه عرضة لذلك الجزاء.

الثاني : إن هذا العذاب بمثابة الاقتصاص لأن العدوّ لمّا حال بين أهل الحق ومناصبهم واختفى أهل الحق عن الأنظار صوناً لحياتهم ، فشى الجهل في الناس وعمت الفوضى وازدادت الحاجة للأرزاق المادية والمعنوية، فيكون بناءاً على هذا أنّهم اغتصبوا حقاً من كل لاعن ويكون العقاب بإزاء هذا الحق المغتصب. الثالث : أنّ قلوب المؤمنين وأتباع أهل الحقِّ لما علمت بما ارتكبه العدو تألّمت قلوبهم واحترقت بنار المصاب فكان عذاب العدوّ بأزاء هذا التأثر والألم. هذا ما يقارب عبارات السيّد (3)، وهذا الإشكال والجواب غاية في الغرابة، ولست أدري كيف اعتبر الاعتراض قويّاً لأنّ هذا المعنى ليس من طبّ العلماء،

ص: 297


1- الأنوار النعمانية 1 : 141 الخاتمة. (هامش الأصل)
2- الظاهر أن المؤلّف استنبط هذه الأقوال الثلاثة من مجموع كلام السيد وإلا فقد بحثنا في الجزء الأول من كتابه فلم نعثر عليها . (المترجم)
3- ارجع إلى عبارات السيد عن اللعن في الأنوار النعمانية 1 : 112 و 1: 141 فلن تجد شيئاً من هذا ولا قريباً منه ، فهل جرى حذف في الكتاب ؟ الله أعلم . (المترجم)

وليس لأهل النظر أن ينظروا في مثل هذه الأقوال الواهية ويجيبوا عنها بأوهى منها إلا أن يكون على نهج أصحاب الحديث والسيّد منهم وله وجه في القوة. وليس من دأب السيد رحمه الله تعالى تعاطي المشكلات وحل المعضلات، ولو أنه أشار إلى الحديث الآتي لما كتبناه قط وحاصله أن المنافي للعدل تحمّل غير الفاعل بذنب الفاعل وقد نفاه القرآن بقوله: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (1)ولكن إذا دعى الداعي على فاعل فعلاً استحق بسببه اللعنة أن يزيد عذابه فهو عين العدل ورعاية لحالة المظلومين ومن هنا يظهر لك أنّ الأجوبة المذكورة لا ربط لها بالسؤال لاسيما الأوّل فإنّ الإشكال عينه متوجه إلي-ه ك-ما يعلم بذلك المتأمّل

الواعي ، وأصله في الخبر المعروف : إنّ الميّت ليعذب ببكاء الحي عليه (2).

والسيد الأجل السيد المرتضى سلام الله عليه تعرّض له بالشرح الوافي في تأويل الخبر الثالث من المجلس الثالث والعشرين من الأمالي ؛ فمن أراد من أهل الفضل مزيد الفائدة فليرجع إليه(3).

«مسألة»

المراد من أهل البيت خصوص أهل الكساء أحياناً كما جاء في آية التطهير التي اتفق عليها الفريقان، وظاهر عبارة الشيخ الأجل أمين الإسلام قدس الله نفسه الزكيّة في مجمع البيان أن بناء الشيعة كلّيّاً على هذا المذهب في الآية الكريمة آية التطهير .

ص: 298


1- الأنعام: 164 .
2- كنز العمّال : ج 15 رقم 42427 . (هامش الأصل) ورواه جمع غفير من حفاظ العامة وهو لا أصل له بل رأي رأه عمر وحمل الناس عليه وعزاه إلى النبي إما افتراءاً أو نسياناً وقد فنّدناه في كتابنا «منية الخطيب». (المترجم)
3- أمالي السيد المرتضى 1: 340 المجلس الخامس والعشرون (هامش الأصل) الأمالي 2 : 17 (المترجم)

وأحياناً يتناول اللفظ الأئمة الاثنى عشر ويكون خاصاً بهم كما جاء في أخبار التمسك ووجوب المتابعة لأنّ التمسك بأقوال غير المعصوم ومتابعته لا تجوز

مطلقاً، وليس معصوم في الإسلام غير هؤلاء الأربعة عشر .

وأحياناً يتناول اللفظ مطلق أقرباء النبي وهم من تحرم عليه الصدقة كما جاء مودتهم لا على التعيين وإعانتهم وتعظيمهم وتكريمهم.

وفقرة الزيارة تتناول الأقسام الثلاثة، والأولى الأول والثاني، والخطاب وإن كان سيد الشهداء لكنه لا ينافيه . ومخاطبة الواحد بصيغة الجمع تتمّ أحياناً لأنّ

خلال شخصه يتصوّر المجموع أو لتشريفه وتكريمه أو لأغراض أخرى.

ومن هذه الجهة، مع أنّ المخاطب الواقعي في زيارة الجامعة الواحد بشهادة قوله: «يا ولي الله» ولكنّه يتناول الأئمة الإثنى عشر بخطابه ، وضم الإمام المخاطب إلى المجموع من أجل الإعلان عن فضله وجلالة قدره: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة».

ص: 299

ويقول :

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها

الشرح : الدفع (1): الازالة بقوّة كما جاء في منتهى الارب.

المقام : في الأصل مكان القيام ويستعمل توسعاً في المجلس والمكان، وكلّ ما يقع في المجلس أو ما كان بحاجة إلى قيام. ويستعمل أيضاً في المكانة والمنزلة الاجتماعية المعنوية كما قال المطرزي في حاشية المقامات ، إلّا أنّهم اتسعوا فيها واستعملوها استعمال المكان والمجلس ، قال الله : «خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً» (2)إلى أن قيل : لما يقام به من خطبه أو ما يشبهها مقامه . كما يقال له : مجلس . وقريب منه ما في الأساس، والسيد شارح الصحيح صرّح بتعميم المعنى المذكور وإن كان لا يحتاج إلى شاهد الشديد وضوحه وظهوره.

الإزالة : الإبعاد كما صرّح بذلك البيهقي.

الرتوب (3): الثبات كما ورد في تاج المصادر ومنتهى الإرب، رتب رتوباً ثبت ولم يتحرّك ، ومنه أخذ الترتيب يعني رتبه ترتيباً أثبته. والمرتبة بمعنى اسم المكان منه أيضاً. والترتيب الذي عرف ب_«وضع الشي في مرتبته» يرجع إلى هذا المعنى.

والمراد من الدفع عن المرتبة والإخراج من المقام الإلهي نفس المعنى من عدم تمكينهم من رياستهم الظاهرية وولايتهم الصورية ولا يقصد به حقيقة الإمامة وواقع الخلافة، لأنه غير قابل للغصب وهو أعلى آلاف المرات من أن تطاله يد

ص: 300


1- رجعنا في الكلمة إلى لسان العرب مادة دفع . (المترجم)
2- مریم : 73
3- رتب الشيء يرتب رتوباً وترتب ثبت فلم يتحرك (لسان العرب 1: 409) . (المترجم)

المخالفين لأنه منصب الهي وكمال نفساني ودرجة وهيبة.

وما قيل من أنّ الولاية بمنزلة الحليلة للأئمة واغتصبها المغتصبون منهم فتزوجها فالنواصب أبناء هذه البغيّة. ونزلوا أخبار خبث مولد النواصب هذا التنزيل وقالوا: إنّ الزوج الشرعي للولاية هم الأئمة علیهم السلام وقد عقد الله هذا الزواج في السماء .

وهذا حديث باطل ومردود وهو أدنى من كلام المبرسمين أصحاب الماليخوليا، والأولى أن ندعوه هذيان القلم، وأكثر من هذا لا يستحق من عناية العلماء لردّه ولا يتسق مع سابقة العلماء وشئوناتهم العلمية ورتب أهل الفضل كما قال الحكماء :

از سخن پُر در من هم چون صدف هر گوش را***قفل گوهر ساز یاقوت زمر پوش را

در جواب هر سؤالی حاجت گفتار نیست***چشم بینا عذر میخواهد لب خاموش را

لا تجعلن كل قول مثل جوهرة***تقرط الأذن فيها كي تحلّيها

أبعد عن العين بالأقفال جوهرة***فإنّ حق يتيم الدر تخفيها

ولا تجيبن يوماً كل مسألة***إطباق كل شفاه عذرها فيها

من الأشعار التي أنشدها الإمام الرضا علیه السلام في حضرة المأمون ونسبه إلى بعض فتيان آل عبدالمطلب كما ورد في العيون هذان البيتان:

وإذا ابتليت بجاهل متكلّف***يجد المحال من الأمور صوابا

أوليته مني السكوت وربّما***كان السكوت عن الجواب جوابا (1)

وجملة القول : إنّ هذه الفقرة من الزيارة مساوقة لفقرة الصحيفة السجادية

ص: 301


1- عيون أخبار الرضا 2: 157 وفيه بدل «ابتلیت» «بلیت» وبدل «متکلّف» «متحكم». (هامش الأصل) و في المجلد الأول منه ص 187 أربعة أبيات بدل البيتين . (المترجم)

وفيها يشير الإمام السجّاد إلى عيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة ويقول: «اللهم هذا المقام لخلفائك وأصفياءك ومواضع أمناءك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها» (1)وهذا الابتزاز والإزالة والدفع كلّ ذلك ناشئ عن الصدر السالف والقرن الأوّل من عدول الصحابة ، ولا تتنافى عدالتهم مع ظلم أهل البيت وإيذاء فاطمة سلام الله علیها وإحراق بيتها والخلاف مع علي علیه السلام وبغض الحسنين ، كما مر عليك جانب من ذلك وعسى أن نشير فيما يأتي إلى جملة أخرى منه .

بل لا يتنافى ذلك عندهم مع تغيير جميع الفروع والأصول والأحكام وه--دم أساس الشريعة المقدّسة - على الصادع بها ألف سلام - كما يظهر ذلك من الأخبار المبثوثة في مطاوي كتبهم المعتمدة وأصولهم الصحيحة .

نقل السيد المحقق الأمين شارح الصحيفة المقدّسة من الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأول من أخبار البخاري قالت أم الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمد شيئاً إلا أنّهم يصلون جميعاً .(2)

وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك نقل ع-ن الزهري قال: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال : لا أعرض شيئاً ممّا أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت (3).

وفي حديث آخر إنّه قال : ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 302


1- الصحيفة السجادية، دعاء 49. (هامش الأصل) الكاملة : 281 نشر جامعة المدرسين . (المترجم)
2- صحيح البخاري 1 : 166 باب فضل صلاة الفجر في جماعة ، ط دار مطابع الشعب بمصر . ( هامش الأصل)
3- نفسه، باب تضييع الصلاة عن وقتها، ص 141 . (هامش الأصل)

قيل: فالصلاة؟ قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيها .(1)

وهذه شهادة صريحة من أبي الدرداء وأنس بن مالك - وهما من أكابر الصحابة عند أهل السنة والجماعة - بأن أحكام الشريعة بأجمعها غيرت، وبدلت أحكام الشرع الشريف عامة، حتّى الصلاة وهي أظهر الواجبات وأعرف الفرايض، وجميع ما مرّ جرى على أيدي الصحابة والتابعين الذين رووا في حقهم «خير القرون قرني ثم القرن الذي يليه» .(2)

وإذا كان حال القرن الأول والثاني بهذه المثابة فما بالك بالقرون اللاحقة والأعصار التابعة التي تتبدل في كل يوم أحوالها، وتتنزّل شئونها باعترافهم.

وطبقاً للحديث سابق الذكر يمكن أن نقول:

* خذ جملة البلوى ودع تفصيلها *

ص: 303


1- نفسه
2- عمران بن حصين ، عن النبي عل الله قال : خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم . قال عمران : فما أدري قال النبي بعد قوله مرتين أو ثالثاً، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن . وفي خبر آخر : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم إيمانهم، وإيمانهم شهادتهم [صحيح البخاري ، 8: 113 باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ط دار و مطابع الشعب بمصر] . (هامش الأصل)

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ

الشرح : التمهيد مأخوذ من المهاد بمعنى البساط والفراش أو من المهد بمعنى سرير الطفل، وكلاهما عائد إلى أصل واحد ونص في أساس البلاغة على أن التمهيد معناه التوطئة وتسهيل الأمر والإصلاح، والمراد في أمثال هذه الوقائع وتمهيد العذر من المعاني المجازية ومعناه بسطه وتهيئة قبوله.

والباء في «بالتمكين» للسببية على الظاهر والتمكين بمعنى الإقدار ، والظاهر أن اشتقاق المكان منه بحسب اللفظ ، وأما بحسب المعنى فاشتقاقه من الكون.

القتال بمعنى القتل والذبح والحرب.

والمقصود من الممهدين هم الأوائل الذين سهلوا السبيل ووطئوا الأمور، وهيئوا أسباب الظلم، لأنّه لولاهم وما ارتكبوه من السلوك الوحشي الخشن مع

أهل البيت لما جرأ الأواخر على ظلمهم بتلك القسوة المعهودة.

وهذا أصح الوجوه في تفسير الفقرة المعروفة «المقتول في يوم الجمعة أو الاثنين ..»(1)

ص: 304


1- كما في البحار 44: 199 و 201. وعن علي بن موسى الرضا : يوم الاثنين يوم نحس قبض الله عزّ وجلّ نبيه، وما أصيب آل محمد إلا يوم الاثنين . [الكافي ، باب صوم عرفة وعاشوراء ؛ بحار الأنوار 45: 94] وتأتي هذه الرواية بتفصيلها ذيل «اللهم إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو أمية». مروج الذهب .... وسمعت في جنازته «الإمام أبي الحسن الهادي» سوداء وهي تقول: ماذا لقينا من يوم الاثنين . [بحار الأنوار 207:50] ولنعم ما قيل : «ما قتل الحسين إلا في يوم السقيفة» فلعنة الله على من أسس أساس الظلم والجور على أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين . [بحار الأنوار 338:45] ولنعم ما نقله علي بن عيسى عن بعض الأصحاب عن القاضي أبي بكر بن أبي قريعة في ضمن أبيات له : وأريتكم أن الحسين***أصيب في يوم السقيفه ولأي حال اُلحدت***بالليل فاطمة الشريفه ولما حمت شيخيكم***عن وطي حجرتها المنيفه أوّه لب-نت محمد***ماتت بغضتها أسيفه فوالله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب وتنادي بصوت حزين وقلب كتيب : وا محمداه ! صلى عليك مليك السماء ... وهذا حسين محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فساط مقطع العُرى .... [بحار الأنوار 59:45]

لأن يوم السقيفة حدث في يوم الاثنين، وقد أجاد الشاعر المفلق الحاج هاشم الكعبي حيث قال :

تا الله ما سيف شمر نال منك ولا***يدا سنان وإن جل الذي ارتكبوا

لولا الذي أغضبوا ربّ العُلى وأبوا***نص الولا ولحق المصطفى غصبوا

أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا***وما المسبب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنة***حتى إذا أبصروها فرصة وثبوا

فادرك الكلّ ما قد كان يطلبه***والقصد يدرك لمّا يمكن الطلب

كفُّ بها أمّك الزهراء قد ضربوا***هي التي أختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغئ صاليت جمرتها***كانت لها كف ذاك البغي تحتطب

وليبك يومك من يبكيك يوم غدوا***بالصنو قودا وبنت المصطفى ضربوا

والله ما كربلا لولا السقيفة والإحياء***تدري(1) ولا لا النار ما الحطب

وورد في كثير من الأخبار لعن قاتلي سيّدالشهداء ومقاتليه، ولعلنا نشير إلى جانب منه فيما يأتي . ونكتفي هنا بذكر حديث واحد ليقوم بأداء حق هذا العنوان،

ص: 305


1- جاء في الكتاب «تعلم» ولا يستقيم بها الوزن فاستبدلنا بها «تدري» لأنّي أحفظها .هكذا.

ولئلّا تخلو هذه المقولة من هذه الأخبار من رأس.

وفي تفسير الإمام الحسن العسكري: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ» (1)نزلت في اليهود، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لما نزلت هذه الآية في هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله : أفلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: قوم من أمتي ينتحلون بأنهم أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب أرومتي ، ويبدلون شريعتي وسنتي، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى.

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم، ويبعث على بقايا ذراريهم يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم.

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم .

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين بن علي علیهما السلام رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً.

ألا وإنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتله

ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم، والمتقدمين بهم براء من دين الله .

ألا إنّ الله ليأمر الملائكة المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين علیه السلام إلى الخزان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها، وإنّ الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين علیه السلام ويلقونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها، يشدّد بها على

ص: 306


1- البقرة : 84 .

المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم ...(1).

اللهم اجر دموعنا في مصاب الحسين، ووفقنا للعن قتلته من الأولين والآخرين ، اللهم العنهم لعناً وبيلاً، وعذبهم عذاباً أليماً لا تعذب به أحداً من خلقك ، وصلّ على محمّد وآله الطاهرين من اليوم إلى يوم الدين.

ص: 307


1- تفسير الإمام العسكري : 367 ط أولى 1409 مهر - قم المقدسة . (المترجم) تفسير الإمام العسكري : 148 ، بحار الأنوار 304:44 رقم 17 ( هامش الأصل)

بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ

بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ..(1)

برء : من باب سمع أي فارق والتبري بمعنى المفارقة، وهذا المعنى مأخوذ من كتب الأدب من قبيل منتهى الإرب وتاج المصادر، وترجمة القزويني على القاموس، ولم تبيّن الكتب العربية حقيقة معنى البرائة، وبرأ من مرضه أي تنق وعوفي، وبرأ من دينه أي سقط عنه طلبه، وكلا المعنيين مأخوذ من المعنى المتقدم.

وفي تفسير مجمع البيان ومفاتيح الغيب لابن الخطيب الرازي فسّر البرائة بانقطاع العصمة، وهذا تفسير باللازم ..

وبعض المنتسبين إلى العلم فسّروا البرائة بالامتناع ، وبعد التتبع والفحص الكامل لم نجد وجهاً لهذا التفسير .

و سبب تعدّيته ب_«إلى» كان لإشرابه معنى توجّه أو تعطف، لأنّ المتبرء من واحد متقرّب إلى الآخر ، إذ المتبرء حين يدبر عنه يقبل على غيره فيثير حنقه بمحبة غيره ورعاية قربه، ولعلّ هذا المعنى هو الذي صحح دخول «إلى» على هذا الطرف.

والضمير في «منهم» راجع إلى جميع الطوائف المذكورة المراد من هذه الصفات أولئك الذين لهم المدخليّة التامة في ذلك الأمر حيث استندت إليهم الأفعال ممّا جرى على الحسين علیه السلام بنحو من الأنحاء لينفى عنهم عنوان الأشياع لها والأتباع وينطبق عليهم عنوان مستقل آخر .

تبع تباعاً وتباعاً : اقتفى أثر فلان وتبع وزان فرس بمعنى تابع ، ويطلق على

ص: 308


1- الصحيح من أشياعهم وأتباعهم . وغفلة من المؤلف أو الناسخ حدث التقديم والتأخير . (هامش الأصل)

المفرد والجمع مثل : «إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً» (1)وجمع أتباع، وتباعة ، وإن كان يطلق على المشي الظاهر ولكنّه من جهة التوسع في الإطلاق يتناول المعنوي أيضاً. وفي هذا السياق يوجد حديث مبنى على ذوق أهل المعرفة وليس هذا المقام موضع بیانه .

الشيعة : عبارة عن الأنصار والأتباع ، صرّح بذلك في المصباح وغيره، واشتقاقه من المشايعة ومعناها المتابعة والنصرة، وهو مأخوذ من التشييع والمشايعة بمعنى المصاحبة للتعظيم ، كما يستعمل في معنى مشايعة الموتى وتشييعهم ، وكلا الحقيقتين مأخوذ من الشيوع بمعنى الظهور لأنّ في لفظ : مشيّع ومشايع يتبادر الميت والضيف إلى الذهن وبه يتعالى اسمه ويشيع شرفه.

ومجمل القول : جمع الشيعة شيع ، وجمع الشيع أشياع ، وقد ارتكب الفيروزآبادي في القاموس خطأً القاموس خطأ حين اعتبر الأشياع والشيع كلاهما جمع التشيّع لأنّ قياس العربية لا يسمع بجمع «فعله» على «أفعال»وصرّح بما قلناه الفيومي في المصباح.

الولي : مأخوذ من ولي ومعناه الحقيقي القرب، ويستعمل في القرابة النسبية والقرب الروحاني وهو المحبّة، ويستعمل أيضاً في قرب الإحاطة وهو الرئاسة.

واعلم أن رعاية الصحة تتمّ في أمرين:

الأمر الأوّل : التنقية وهي دفع الفضلات والأخلاط الفاسدة .

والأمر الثاني: التقوية وهي حفظ البنية وبقاء المزاج الذي هو الصورة الخامسة الحاصلة من تفاعل الكيفيات الأربع ، المتداعية بالانفكاك والانفصال.

كما أن حصول الكمال الإنساني والترقّي النفساني في السلوك الأخلاقي بأمرين :

ص: 309


1- إبراهيم : 21

أحدهما : دفع الرذائل من قبيل الحسد واللؤم والقساوة وحبّ الجاه.

وثانيهما : كسب الفضائل من جنس العفو والسماح ورقة القلب والإعراض عن الخلق .

ومثله الإيمان وهو مصحح جميع الأعمال وميزان كل كمال مركب كذلك من جزئين .

الأوّل: البرائة من أعداء الله .

والثاني : محبّة الله وأوليائه .

وهذا المعنى مضافاً إلى ما جاء في سرده وتوضيحه من الكتاب والسنة فإنّه وارد في خصوص جماعة معينة من طريق أهل بيت النبي ؛ أهل العصمة والطهارة أرواحنا لهم الفداء، وذلك معترف به و مشهود به من جميع القلوب الصافية والنفوس الزاكية .

حيث ما من عاقل نبيه يستولي عليه الوهم بالقدرة على الجمع بين محبة إنسان ومحبة عدوّه، كما قال الشاعر في الحكمة الشعرية :

تحبّ عدوّي ثم تزعم أنني***صديقك إنّ الرأي منك لعازبُ

وللعقلاء أصحاب البصائر والقلوب الواعية تكفى هذه الآية المباركة التي يقول الحق تعالى فيها : «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (1)وفي هذه الآيه المباركة وردت وجوه من تأكيد المنع عن موادة أعداء الله

ص: 310


1- المجادلة : 22 .

وفي الحديث المنقول عن العيون بطرق عدة أنّ الإمام الرضا علیه السلام كتب إلى المأمون في حديث طويل : حبّ أولياء الله واجب وكذلك بغض أعداء الله والبرائة منهم ومن أئمتهم ... ولعلنا نشير في أثناء البحث إلى جانب منه في مقام آخر .(1)

ص: 311


1- عيون أخبار الرضا 2: 122 رقم 35 ما كتبه الرضا الها إلى المأمون في محض الإسلام وشرايع الدين (هامش الأصل) وفي نسختي ص 124. (المترجم)

يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ

الشرح : السلم : بمعنى المسالمة والصلح والموادعة . لأنه جاء بمعنى المسالمة والصلح كما في القاموس وغيره، والظاهر عدم الاشتراك بل من باب استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل، فإما أن يكون محمولاً على المبالغة أو بتقدير ذو (أي ذو سلم) كما صرح بذلك الأدباء ، وهذا المعنى وإن لم يكن قياسياً بل متوقفاً على مقتضى الحال الخاصة التي يعرفها الأديب بالممارسة ، كما صرح بذلك الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وإن كانت الأمثلة التي استشهد بها لا تخلو من نقاش، ولكنّ الميزان في هذا الموضع ثابت ومحقق .

ومثله الحديث في كلمة «حرب والأظهر في رأي هذا العبد الله أنّها المعنى المصدري نفسه.

ويجب أن نقول ذلك من أجل إظهار كمال المطاوعة والتوغل في العبودية والمتابعة أنا وصلنا في هذا المقام إلى درجة أصبحنا حقيقة السلم مع من سالمكم ومصداقاً واقعياً للحرب لمن حاربكم.

اليوم : بحسب أصل اللغة من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها كما هو المشهور اللغويين - ويطابق اصطلاح حكماء الفرس وعلماء الهيئة والحساب أو أنّه من أوّل طلوع الفجر حتى غروب الشمس كما صرح بذلك ابن هشام في «شرح الكعبية» والظاهر أنّ المعنى الثاني لليوم هو تحديد الزمن الشرعي من اليوم وليس المعنى اللغوي، وهذا القليل البضاعة أشار تلويحاً في «منظومة ميزان الفلك» إلى هذا المعنى:

واليوم من طلوع جرم الشمس***إلى غروبها بزعم الفُرْس

كذاك في النجوم والحساب***وذاك في السنة والكتاب

يؤخذ من طلوع فجر صادق***إلى ذهاب حمرة المشارق

ص: 312

وتفصيل هذه الجملة أنّ غاية النهار زوال الحمرة (1)كما هو المعروف من مذهب الإمامية ، أو غروب القرص كما هو مذهب أهل السنّة ، وقال بهذا شرذمة من علماء الشيعة نظراً إلى الأخبار المحمولة على التقية أو أنهم جعلوا الأخبار في القول السابقة حاكمة على الأخبار التي قال بها الشيعة لا الأقلية منهم فمالوا إليها وقالوا بها والإفاضة بها خارجة عن منهج هذا الشرح .

وأحياناً يطلق اليوم على مطلق الزمان كما صرح به ابن هشام في شرح الكعبية وحكى القول به عن سيبويه واستشهد بما أثر عن القوم من قولهم : أنا اليوم أفعل كذا، ويريدون الوقت الحاضر ، ومن هذا القبيل قولهم : تلك أيام الهرج، كما قال بعض شراح القاموس .(2)

وأكثر اللغويين والأدباء نصوا على هذا المعنى واستعماله في يوم القيامة أظهر ، لأنه مبنى على هذا المعنى غير ملحوظ به طلوعاً أو غروباً، ولابد من أخذهما في المعنى عند الوقوف على ظواهر العبارات.

وفي الحقيقة إننا وإن أمكننا القول عن حقيقة اليوم بأنه مدة ظهور الشمس في نصف الفلك المرئي ، وأخذ الطلوع والغروب في معناه للدلالة ع-ل-ى م-صاديق أفراده في الخارج، وبناءاً على هذا يكون يوم القيامة من مصاديق المعنى الأول، والله أعلم بالصواب.

القيامة : مصدر قيام ظاهراً ، يقال : قام قياماً وقيامة كما نقل بعض العلماء المتبحرين ،اللغويين، وإن لم يذكر في كثير من الكتب .

ص: 313


1- يجب تحديدها بالمشرقية وبها يعرف دخول الليل ، أما الحمرة المغربية التي تمتد بعد اختطاط الظلام فلا عبرة بها . (المترجم)
2- قال الزبيدي وقد يراد باليوم الوقت، ومنه الحديث : تلك أيام الهرج أي وقته ، ولا يختص بالنهار دون الليل. [تاج العروس 9: 115]

وإطلاق يوم القيامة على يوم الحشر إما بسبب قيام البشرية كافة من مضاجعها للعرض على الله تعالى ، وإما بسبب قيام الخلق كافة في ساحة العدل الرباني جلّت عظمة الله ، كما في قوله تعالى عزّ من قائل: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» (1).

وزعم بعضهم أنّ الكلمة مولّدة من السريانية بمعنى «قيماً» أي يوم الحشر وهذا غاية في البعد ، والأصح الأول.

والظاهر أن التعبير عن يوم الجمعة بيوم القيامة نظراً لهذا المعنى، لقيام الخطيب فيها بالخطبة أو لقيام الناس فيه كافة بالصلوات، أو لقيام أمر النبى فيه ، أو لتذكاره بأمر يوم القيامة ، والله أعلم ..

فائدة

في الأخبار الكثيرة المرويّة عن الفريقين أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لفاطمة وأمير المؤمنين علیه السلام : حربك حربي وسلمك سلمي (2)وكذلك قال لأهل العبا علیهم السلام : «أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم» أو قريباً من هذا اللفظ ، كما أوصل الترمذي في الجامع السند إلى زيد بن أرقم : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام : أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم .(3)

يتبين من هذا الحديث على أصول أهل السنة والجماعة كفر معاوية وأصحاب الجمل وأصحاب واقعة كربلاء جميعاً ، لأنّ من حارب رسول الله باتفاق الأمّة ونص الكتاب والسنّة كافر ، فإذا كان محارب هذه الجماعة محارباً لرسول الله فهو كافر البتة ..

ص: 314


1- المطففين : 6
2- بحار الأنوار 42: 261 وتجد ذلك أيضاً في الأجزاء التالية 26 - 27 - 32 - 33 - 37 - 38 - 39 - 40 - 65 . (المترجم)
3- انظر : سنن ابن ماجة القزويني 1: 52 (المترجم) صحيح الترمذي ، ج 5 باب 61 فضل فاطمة رقم 3870. (هامش الأصل)

وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ

الشرح : يمكن أن يكون الواو في مطلع الجملة للعطف، وتكون هذه الجملة الدعائية معطوفة على ما سبقها من اللعائن ، وعلى هذا الوجه تكون الجملة المتضمّنة للبرائة والاستسلام والمتابعة معترضة بين العاطف والمعطوف عليه، والنكتة المتصوّرة في وجه إقحام هذه الجملة بينهما أن الزائر وهو يمارس لعن الأعداء يتذكّر أعمالهم الشنيعة وآثارهم الفظيعة، فتقلبهم الأيام الخوالي فيهيج وجده الكامن وشوقه الساكن فيفقد السيطرة على نفسه وهو يستعرض جرائم القوم ومنكراتهم فيظهر البرائة منهم دونما اختيار منه ، وتدركه النفرة منهم ومن أتباعهم وأشياعهم من هنا يخاطب الإمام المظلوم لفرط حبّه وخلوص إرادته فيحمله ذلك على عرض مسالمته الكاملة ومتابعته الشاملة مع صفاء الباطن وخلوص النيّة بين يدي ساحة الإمام المقدّسة وسدّته الرفيعة .

وينعتق من هذا الكلام الذي اندفع فجئة على لسانه مرّة أخرى ويعدل عنه إلى الحديث الأوّل من لعن الأعداء ويعطف عليهم أولئك الذين هم أعيان الظالمين المستبين لهذا الخطب الفادح والرزء الجليل، والذين لهم أثر يذكر في جريان هذه الخطوب وإعانة على حدوثها فيأخذ بلعنهم واحداً واحداً، ويعطفهم على الأوائل لكي يشفي غيظه ويريح حنقه ويبرأ من لواعج صدره من ذكرهم بالتفصيل، كما يمكن أن تكون الواو استئنافية .

وعلى كل حال فإنّ النكتة تعود إلى ما ذكرناه تفصيلاً.

وسوف نذكر معنى الآل بعد هذا الحديث إن شاء الله ..(1).

ص: 315


1- ذیل «صلى الله عليه وآله». (هامش الأصل)

وزياد المنصوص عليه باللعن هو والد عبيد الله لعنهما الله المعروف بزياد بن أبيه وزياد بن أمّه وزياد بن عبيد وزياد بن سميّة، واشتهر بعد استلحاق معاوية إياه بابن أبي سفيان، وعبيد وسميّة كلاهما من موالي كسرى فأهداهما كسرى إلى أبي الخير بن عمر الكندي أحد أقيال اليمن، وأشار إلى ذلك أبوبكر بن دريد في مقصورته المعروفة ، فقال :

فخامرت نفس أبي الخير جوى***حتى حواه الحتف فيمن قد حوى

وشرح حاله في الشروح الدريدية وغيرها، وفي شرح الدريدية(1): وكان من حديثه مسيره إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة فلمّا صاروا بكاظمة ونظروا إلى وحشة بلاد العرب فقالوا: أين نمضي مع هذا فعمدوا إلى سم فدفعوه إلى طباخه ووعدوه بالإحسان إليه (2)إن ألقى السم في طعام الملك ، ففعل ذلك ، فما استقر الطعام في جوفه حتى اشتدّ وجعه ، فلما علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنك قد أذنت لنا في الرجوع فكتب لهم بذلك.

ثم إنّ أبا الجبر خف ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بالقرب من مكة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب العرب الثقفي، فعالجه فأبرأه فأعطاه سمية - بضمّ العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثناة من تحتها وفي آخره هاء - وعبيداً - بضم العين المهملة تصغير عبد - وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه .. (3). وهذا يوافق ما نقله ابن عبد ربه وابن خلكان.

ص: 316


1- فيها : إنه أبو الجبر ولم يذكر سميّة ولا عبيداً. [الخطيب التبريزي، شرح مقصورة ابن دريد ، ص 59]. (المترجم)
2- إلى هنا أخذناه من هامش الخطيب : 59 .
3- ابن خلكان، وفيات الأعيان 6 : 356

ويقول ابن الأثير في الكامل وابن خلدون في العبر : أن سمية جارية لدهقان من أهل زنده رود أهداها للحارث بن كلدة لما عالجه ، والطريق الأوّل أتقن وأمتن.

وخلاصة القول : إنّ سميّة ولدت نافعاً على فراش الحارث ولكنّه نفاه ، ثم ولدت أبا بكرة الصحابي المعروف على فراشه فنفاه أيضاً ولم يعترف به، وأعطى سميّة لعبيد، وهؤلاء الثلاثة : زياد ونافع وأبوبكرة أولاد سميّة ومعهم شبل بن معبد الذين شهدوا على المغيرة لعنه الله بالزنا عند عمر بن الخطاب، وتلكأ زياد بشهادته بتلويح من عمر ، فدرأ عن المغيرة الحدّ وأقامه على الشهود وهي من أشدّ المطاعن على عمر ، كما هو مذكور بالتفصيل في الأسفار الكلامية. وقال في العقد الفريد كان الزانيات من النساء في الجاهلية ينصبن على بيوتهن رايات ليعرفن بذلك ويقصدهن الشباب وكان بغاة النفع من الناس يرسلون جواريهم في هذا السبيل كرهاً ليجمعن لهم الحطام الفاني والعرض الزائل وينالوا بذلك الحياة الدنيا، وقد أشار الله تعالى في محكم كتابه المجيد بقوله: «وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِهَهُنَّ»(1) يريد في الجاهليّة فَإنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يريد في الإسلام.

وفي مروج الذهب وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّي الضريبة إلى الحارث بن كلدة وكانت تنزل بالموضع الذي نزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلّة يقال لها : حارة البغايا ...

وجاء أبو سفيان يوماً إلى أبى مريم السلولي وهو خمار في الطائف في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلا جارية الحارث بن كلدة سمية. فقال: ائتني بها على ذفرها وقذرها (يظهر من قول أبي سفيان هذا أنّه

ص: 317


1- النور : 33 .

وطأها قبل هذا اليوم) ... (إلى أن قال) والله لقد أخذ بدرعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً، فلم ألبث أن خرج علي يمسح جبينه، فقلت: مه يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها ..(1).

وولدت سميّة زياداً عام أوّل من الهجرة على فراش عبيدالله ، فكان يعرف بزياد بن عبيد وابن أمه وابن أبيه وابن سميّة، ولما بلغ أشده استكتبه أبو موسى الأشعري فأرسله فأرسله عمر عمر في حاجة فأحسن القيام بها فقدم على عمر وهو في المسجد ، فخطب بين يديه خطبة أعجب بها الحاضرون، فقال عمرو بن العاص : لو كان قرشيّاً لساق العرب بعصاه،

فقال أبو سفيان: أقسم بالله أنّي أعرف الذي وضعه في رحم أمه .

فقيل له: من يا تُرى ؟

فقال: أنا هو !

ولمّا استخلف أمير المؤمنين ، كان زياد معروفاً بالنزاهة ولم يظهر منه خلاف وكان إدراياً سياسياً حازماً ذا فطنة وكياسة، من ثمّ عهد إليه أمير المؤمنين بإدارة حدود فارس (2)، وأراد معاوية خديعته فما تأتى ذلك له ، وكتب إليه يوماً يتهدّده، فقال عقيب ذلك : أتعجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إياي ، وأثنى على أمير المؤمنين علیه السلام اثناءاً بليغاً فأرسل إليه أمير المؤمنين رسالة يحذره من مكر معاوية ويأمره بالثبات على عهده إلى أن استشهد أمير المؤمنين وانقضت أيامه عند ذلك فتح معاوية أحابيله عليه، واستعان عليه بخبث فطرته

ص: 318


1- مروج الذهب 2 : 15 و 16 بتصرف من المؤلف . (المترجم) و 3: 6 ط دار الهجرة (هامش الأصل)
2- لم يعهد إليه الإمام بذلك إنما كان بفعل ابن عباس لأنه والي البصرة يومئذ وفارس من توابعها . (المترجم)

ودنائة مولده وأوكل أمر جذبه نحوه إلى المغيرة بن شعبة وهو يومئذ رأس النفاق و معدن النصب فانطلت الحيلة على زياد واستلحقه معاوية وصيّره أخاه واعترف زياد حبّاً في الدنيا وميلاً إلى جاهها بخباثة مولده ورضي بأخوّة معاوية وأبوة أبي سفيان . وعند ذلك أقسم أبو بكرة أن لا يكلمه لأنّه زنى سميّة وقدح في نسبه .(1)

ولما استقر رأيهما على ذلك أرسلت إليه جويرية بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية ، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه وقالت : أنت أخي، أخبرني بذلك أبو مريم .. ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع الناس، فقام أبو مريم السلولي ، فقال : أشهد أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمار في الجاهلية ، فقال : أبغني بغيّاً، فأتيته وقلت له : لم أجد إلا جارية الحارث بن كلدة سميّة ، فقال : إأتني بها على ذفرها(2)وقذرها.

فقال له زياد : مهلاً يا أبا ،مريم، إنما بعثت شاهداً ولم تبعث شائماً، فقال أبو مريم : لو كنتم كفيتموني لكان أحبّ إلي وإنّما شهدت بما عاينت ورأيت، والله لقد أخذ بكُم درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج علي يمسح جبينه ، فقلت : مه، يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم ، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها .(3)

وفي رواية الكامل : فخرجت من عنده وإن اسكتيها لتقطر منيّاً .(4)

ص: 319


1- كان صرم أبي بكرة له قبل هذا التاريخ أي عندما تلجلج في الشهادة وكان أحد الشهود على المغيرة فأقسم أبو بكرة لا يكلمه مادام حياً (المترجم)
2- الذفر : الرائحة الخبيثة .
3- المسعودي 3 : 16 ط دار الكتب العلمية لبنان - 1411 (المترجم)
4- الكامل في التاريخ 3: 301 (المترجم)

ولولا أنّ ذلك في فضائح أعداء أهل البيت لما ذكرت هذه الجملة، ولكنها في

فضائهم وأنا مترجمها أيضاً..

ويقال : إن المتنبي قال في حقها :

أقم المسالح حول شفر سميّة***إنّ المني بحلقتيها خضرم

وخلاصة الحديث : إنّ معاوية بهذه الشهادة صيّر زياداً أخاه، وقام يونس بن عبيد فقال : يا معاوية، قضى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحجر للفراش مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافاً عن سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بشهادة أبى مريم على زنا أبي سفيان ..(1).

والحق أن هذا العار لا يمحوه الماء وهو طعن لا تجد له جواباً بأي كتاب ، وكان الفضل بن روزبهان التزم بالجواب على مطاعن معاوية في رده على نهج الحق وحين يبلغ الحديث إلى هذا الحدّ يقول : لم يكن معاوية بالخليفة الشرعي ف-لا يلزمنا الجواب عن كل مطاعنه . وهذه الحكاية مذكورة في جميع كتب أهل السنة والجماعة ، ولم يردّها أحد منهم ، وذكرها الشعراء في تلك الفترة وطعنوا بها على معاوية وزياد منهم عبدالرحمن بن الحكم أخو مروان لعنه الله :

ألا أبلغ معاوية بن حرب***مغلغلة من الرجل اليماني(2)

أتغضب أن يقال أبوك عفّ***وترضى أن يقال أبوك زاني

فأشهد أن رحمك من زياد***كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد أنها حملت زياداً***وصخر من سميّة غير دان

ص: 320


1- مروج الذهب 3 : 17 (المترجم) والكامل لابن الأثير 442:3 ط بيروت. (هامش الأصل)
2- كذا في مروج الذهب وفي شرح النهج والوفيات فقد ضاقت بما تأتي اليدان وهو أثبت على هذه الرواية وقيل أنها ليزيد بن المفرغ فيصح ما ذكرناه في المتن . (منه)

وفي زيادٍ وإخوته يقول خالد النجاري :

إنّ زياداً ونافعاً وأبابكرة***عندي من أعجب العجب

إنّ رجالاً ثلاثة خلقوا***من رحم انثى وكلّهم لأب

ذا قرشيّ فيما يقول وذا***مولى وهذا ابن عمّه عربي(1)

وأشعار يزيد بن مفرغ جدّ السيد الحميري في هجاء عباد بن زياد معروفة. وقال ابن زياد ما آلمني شيء كما آلمني قول يزيد بن مفرّغ :

فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر***هل نلت مكرمة إلا بتأمير

عاشت سميّة ما عشت وما علمت***أنّ ابنها من قريش في الجماهير

وكان لزياد عدد من الأولاد منهم عباد هذا ، وكانت لحيته طويلة جداً، فقال يزيد بن المفرغ يهجوه:

ألا ليت اللحى كانت حشيشاً***فنعلفها خيول المسلمينا

ومنهم عبيد الله لعنه الله وفي هجائهما يقول يزيد:

أعبّاد ما للؤم عنك محوّل***ولا لك أمّ من قريش ولا أب

وقل لعبيد الله مالك والد***بحق ولا يدري امرئ كيف ينسب

وأشعار يزيد بن المفرّغ في هذا الباب كثيرة وهي مذكورة في مطاوي كتب الأدب والتاريخ.

وابن زياد لعنهما الله هو الذي قتل شيعة أمير المؤمنين في البصرة والكوفة

ص: 321


1- مروج الذهب 3 : 7 وفيه بدل وكلّهم لأب» «مخالفي النسب» وبدل «ابن عمه» «بزعمه» . (المترجم) مروج الذهب 3: 6 ط دار الهجرة (هامش الأصل) في مروج الذهب أيضاً مفلفلة الخ 3: 17 ، وراجع وفيات الأعيان 6 : 359 ط دار الثقافة بيروت 1968 الدكتور إحسان عباس ، وفي شرح النهج : مفلفلة من الرجل اليماني ، وقال قبل ذلك : إن الأبيات النونية المنسوبة إلى عبد الرحمان بن أمّ الحكم ليزيد بن المفرغ وإن أولها ... الخ ، 16: 192 . (المترجم)

وسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وأدخل حديدة محمية في عيونهم، لأنه كان يُعد منهم فهو يعرفهم على أحسن وجه (1)وهو أول من قتل المسلمين صبراً، ودفن عبدالرحمان بن حسان حيّاً في حبّ أمير المؤمنين علیه السلام ، كما روى ذلك ابن خلدون وابن الأثير ، وأوّل من نال حكومة العراقين، وأوّل من روّج سبّ أمير المؤمنين في العراقين.

وظنّ البعض أنّ قول الإمام الوارد في النهج «سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم مندحق البطن ، يأكل ما يجد وما لا يجد فاقتلوه، ولن تقتلوه، وإنّ-ه

سيدعوكم إلى سبي والبرائة منّي» (2)إشارة إليه ... والأظهر الإشارة إلى معاوية.

وقالوا : دهاة العرب أربع : زياد والمغيرة بن شعبة ومعاوية وعمرو بن العاص، كما ذكر الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم بيتين من الشعر وفيه يذكر الشاعر أسمائهم :

من العرب العرباء قد عُدّ أربع***ذهاة فما يؤتى لهم بشبيه

معاوية عمرو بن عاص مغيرة***زياد هو المعروف بابن أبيه

عليهم اللعنة ، وهؤلاء الأربعة هم أولاد زناً، ومجتمعون على عداوة أمير المؤمنين علیه السلام . وبدع زياد وفتنه في الإسلام أكثر من أن تحصى.

الله قال ابن أبي الحديد وأراد زياد أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البرائة

ص: 322


1- أحسب المؤلف يتحدث عن زياد ووقع ابن زياد خطاً من الناسخ في أوّل الفقرة ... (المترجم)
2- الإشارة إلى معاوية لا إلى زياد وتمامه : فأما السب فستوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البرائة فلا تتبرأوا منّي فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة ... [نهج البلاغة 1 : 105] قال ابن أبي الحديد وكثير من الناس يذهب إلى أنه الله عنى زياداً ، وكثير منهم يقول : إنه عنى الحجاج، وقال قوم: إنّه عنى المغيرة بن شعبة ، والأشبه عندي إنه عنى معاوية لأنه كان موصوفاً بالنهم وكثرة الأكل وكان بطيناً، يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه [الشرح 4: 54 ]. (المترجم)

من عليّ علیه السلام ولعنه ، وأن يقتل كلّ من امتنع من ذلك ، ويخرّب منزله ، فضربه الله ذلك اليوم بالطاعون فمات لا رحمه الله بعد ثلاثة أيام وذلك في خلافة معاوية.(1)

ويؤيد ما قاله ابن أبي الحديد الخبر المروي في أمالي (ابن)(2) الشيخ بسند معتبر عن كثير بن الصلت قال : جمع زياد الناس برحبة الكوفة ليعرضهم على البرائة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام والناس من ذلك في كرب عظيم، فأغفيت فإذا أنا بشخص قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟ فقال : أنا النقام ذو الرقبة ، أرسلت إلى صاحب القصر (3)فانتبهت مذعوراً وإذا غلام لزياد قد خرج إلى الناس فقال : انصرفوا ، فإنّ الأمير عنكم مشغول ، وسمعنا الصياح من داخل القصر ، فقلت في ذلك :

ما كان منتهياً عما أراد بنا***حتى تناوله النقاد ذوالرقبه

فأسقط الشق منه ضربة ثبتت***كما تناول ظلماً صاحب الرحبه (4)

والظاهر أنّ الشطر الأوّل من البيت الثاني فيه إشارة إلى الطاعون ، والقصد من صاحب الرحبة أمير المؤمنين علیه السلام .

تنبيه

عدّ ابن الأثير في أسد الغابة متبعاً أثر ابن عبد البر وابن مندة وأبي نعيم وأبي موسى زياداً لعنه الله من الصحابة مع أنه لم تكن له صحبة مع النبي ولم يرو عنه ، لأنه كان ابن عشر عند وفاة النبي وما كان في مكة و (5)لم يأت المدينة، ولو حدث

ص: 323


1- شرح ابن أبي الحديد 4: 58. (المترجم)
2- أمالي الشيخ صحيح . (المترجم)
3- يعني زياد لعنه الله . (المؤلف)
4- أمالي الشيخ الطوسي : 233
5- العجيب أن ابن الأثير على عدم صحبته ، فقال : وليست له صحبة ولا رواية . [أسد الغابة 2 : 215 ]

ذلك فإنّه بالمقدار الذي رأى فيه النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وتعريف الصحابي بناءاً على القول المشهور عند أهل السنّة وهو مختار الحاجبي والعضدي والتفتازاني وابن السبكي في (جمع الجوامع) والجلال المحلي في الشرح والبناني في الحاشية وغيرهم، يصدق عليه بزعمهم، والأكثر كما في الكتب التي ذكرناه على عدالة الصحابة المطلقة بلا فحص . وبناءاً على هذا فينبغي أن يكون زياد عادلاً سبّ أمير المؤمنين أو قتل خيار الصحابة من دون جرم ولا ذنب، وقد روى البخاري: «من آذى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب» (1).

والآن لا بديل عن واحد من اثنين : فإما أن لا يكون السب إيذاءاً، وإما أن لا يكون عليّ وأولاده وكبار الصحابة من الشيعة أولياءاً الله وتسمية سائر الصحابة المعادين لعلي علیه السلام وأهل بيته أولياء، لأنهم يستدلون بهذه الرواية في كتب أصولهم وكلامهم على حرمة سب الصحابة.

مضافاً إلى ما تقدّم فإنّ الإيمان شرط في اللقاء على صدق اسم الصحابي ، أنهم يعتبرون وهو في التاسعة مؤمناً وفي مقام إثبات سبق إسلام أمير المؤمنين على أبي بكر يقولون: لا يقبل إسلام الصبي وإنّما قبل إسلام عليّ عند ما بلغ أشده وكان ذلك بعد إسلام أبي بكر ، نعوذ بالله من الضلال والخذلان .

فائدة

في لعن آل زياد يدخل زياد قطعاً وذلك إما من باب تنقيح المناط (2)فإنّ لعن

ص: 324


1- من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب [صحيح البخاري 8: 13 باب 37 التواضع .. هامش الأصل) رقم الحديث 6261 وفيه : إن الله قال : من عادى لي ولياً ... الخ . (المترجم)
2- وهو تعيين العلة من بين أوصاف مذكورة أو إلحاق الفرع بالأصل بالفاء الفارق بأن يقال : لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا وذلك لا مدخل له في الحكم فيلزم اشتراكهما في الحكم لاشتراكهما في الموجب [القاموس القويم : 156 و 157] (المترجم)

آل زياد لانتسابهم إليه ورضاهم بفعله وفعل عبيد الله فيكون زياد داخلاً في اللعن بطريق أولى أو من جهة القول بشمول لفظ «الآل» له كما ادعاه بعض العلماء ، وسوف نشير إلى ذلك في شرح الصلوات على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، والله الموفق.

وأولاد زياد كما ذكرهم ابن قتيبة في المعارف هم عبدالرحمان والمغيرة وأبوسفيان وعبيدالله وعبد الله ، وأمهما مرجانة ، وسلم وعثمان وعباد وربيع وأبو عبيدة ويزيد وعنبسة وأمّ معاوية وعمر وغصن وعتبة وأبان وجعفر وسعيد وإبراهيم، وهؤلاء واحد وعشرون ما بين ذكر وأنثى لعنهم الله جميعاً ، آمين.

ص: 325

وَآلَ مَرْوانَ

الشرح : هم آل مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وهو المعروف بابن الطريد ، والملقب بالوزغ ، والمشهور بخيط باطل، وهو أشد الناس عداوة لله ورسوله وآل رسول الله لاسيما أمير المؤمنين علیه السلام ، واجتهد غاية الجهد - طيلة حكم عثمان إلى أن هلك بعده بسنين - في ستر مناقب أميرالمؤمنين وإيجاد مؤاخذات عليه كما كان يزعم لعنه الله .

وأبوه الحكم عمّ عثمان بن عفان وكان عدوّ النبي شديد العداوة له مجاهراً بها ، لا يتخفّى ويصرّح بشنآن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو طريد رسول الله بالاتفاق، نفاه النبي مع جماعة من أهل بيته وذكر وا لذلك أسباباً مختلفة وأشهرها أنه كان يمشي وراء النبي ويتخالج في مشيه مستهزءاً بمشية النبي صلی الله علیه و آله وسلم ويتمايل ذات اليمين وذات الشمال ، فلما رآه النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «فكذلك» فلتكن، ودعا عليه فصار يتخالج في مشيه على أثر دعاء النبي عليه ، وبقي على حاله إلى أن هلك ، ومن هذه الجهة طرده النبى صلی الله علیه و آله وسلم إلى الطائف كما ذكر ذلك المؤرّخون .(1)

وفي أصل أبي سعيد العصفري - وأنا بحمد الله أخذت من نفس ذلك الأصل : عن حماد بن عيسى ، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على المنبر فاضربوه بالسيف، وإذا رأيتم الحكم بن أبي العاص فاقتلوه ولو تحت أستار الكعبة.

قال : ونفاه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى الدهلك أرض من أرض الحبشة ، قال : فلما ولي أبوبكر كلّموه فيه ، قال : فأبى أن يأذن له ... الحديث .(2)

ص: 326


1- كامل ابن الأثير 4 : 193 ط بيروت . (هامش الأصل)
2- أصل أبي سعيد ، الثاني من ستة عشر أصلاً ، ص 19 ، ط انتشارات شبستري (هامش الأصل)

وفي رواية: إن مروان ولد في الطائف ، وقيل في مكة ، وقيل : كان مع أبيه الحكم طفلاً يوم نفي، وظاهر بعض الروايات لعنه حين ولد بالمدينة، كما سوف أشير إليه إن شاء الله تعالى فيما يأتي من الحديث.

وأم الحكم الزرقاء بنت موهب، وكما ذكر ابن الأثير في كامل التاريخ كانت من ذوات الأعلام مشهورة بالزنا .(1)

وكان تعيير مروان بها في الأخبار والأشعار وعلى ألسنة الناس لنسبته إليها، منها ما نقله السيد في اللهوف عندما طلب من الإمام الحسين البيعة في المدينة في أوّل خلافة يزيد لعنه الله عندما قال مروان للوليد : لا تقبل أيها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه ، فغضب الحسين علیه السلام ثم قال : ويل لك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي (2).

وفي الكافي في ذيل الحديث الذي قاله الحسين علیه السلام في مروان : ويلي على ابن الزرقاء دباغة الأدم ...(3)

وفي البحار عن تفسير فرات الكوفي : إنّ مروان خطب يوماً فذكر علي بن أبي طالب علیه السلام فنال منه ... فبلغ ذلك الحسين فجاء إلى مروان، فقال: يابن الزرقاء،

ص: 327


1- كامل ابن الأثير 4 194 ط بيروت. (هامش الأصل) قال ابن الأثير : وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على ثبوت البغاء ، فلهذا كانوا يذمون بها ولعل هذا كان منها قبل أن يتزوجها أبو العاص بن أمية والد الحكم فإنّه كان من أشراف قريش ولا يكون هذا من امرأة وهي عنده . [الكامل 15:4] يقول المترجم : هذا التقدير كله إنّما هو من أجل عثمان ومعاوية وتقديرهما من أجل عمر لأنهما صنيعته، من هنا تدرك أنه أهل السنة أمة بني أمية وليسوا أُمة محمد . (المترجم)
2- ملهوف (كذا) : 17 - 18 ، بحار الأنوار 44: 211 (هامش الأصل) اللهوف : 17 (المترجم)
3- الكافي 6 : 19 باب الأسماء والكنى الرقم 7 ، بحار الأنوار 44: 211 (هامش الأصل) جرى تطبيقه (المترجم)

ويابن آكلة القُمّل ، أنت الواقع في عليّ (1)؟!

ونقل أبو مخنف في حديث أخذ البيعة أنّ سيّد الشهداء قال : يابن الزرقاء ، أنت تقتلني ؟! كذبت يابن اللخناء .. (2)

ومن هذه العبارات يظهر لنا أنّ أمّ الحكم لها صفات أخرى من قبيل: دباغة الأديم ، وأكل القمل ، ولخناء وهو بمعنى الجارية القذرة ، كريهة الرائحة. ويحتمل أن تكون هذه الصفات تعود لأمّ مروان أيضاً وهو ما يظهره العطف في رواية (فرات بن إبراهيم) ومن هذا وذاك تظهر «نجابة»!! مروان لعنه الله واضحة زائدة عن الحدّ .

ويزعم بعضهم أنّ لفظ «الزرقاء» وصف وما هو باسم علم على أحد، وهذا خطأ لأنّ من له اطّلاع على التاريخ لا يشك بذلك ، ولا يصح أن يكون شاهداً على ذلك عدم شرح المجلسي للفظ الزرقاء في بيانات البحار ، لأن لفظ العلم لا يحتاج إلى شرح فلا يعتبر إهمالاً منه او إشكالاً عليه .

وخلاصة القول أنّ مروان وأباه مكنا في الطائف إلى أن انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى، فشفّع فيه عثمان إلى أبي بكر بناءاً على لحمة النسب بينهما فلم يقبل

ص: 328


1- تفسیر فرات : 90، بحار الأنوار 211:44 (هامش الأصل) البحار 43: 344 باختلاف يسير وعزاها إلى المناقب، وكنت أبحث عن تفسير لقول الإمام أكلة القُمَل فلا أجده حتّى قرأت رحلة ابن فضلان فرأيته يذكر عن جماعة من الأتراك، فقال يصفهم ووقفنا في بلد قوم من الأتراك يقال لهم الباشغرة ، فحذرناهم أشدّ الحذر وذلك أنهم شر الأتراك وأقذرهم وأشدهم إقداماً على القتل، يلقى الرجل الرجل فيفرز هامته ويأخذها ويتركه وهم يحلقون لحاقهم يأكلون القمل ! يتتبع الواحد منهم درز قرطقة فيقرض القمل بأسنانه ، ولقد كان معنا واحد قد أسلم وكان يخدمنا وجد قملة في ثوبه فقصعها بظفره ثمّ لحسها وقال لما راني : جيد [رحلة ابن فضلان 1: 139 ط دمشق 1979 مديرية إحياء التراث العربي] فليس بعيداً أن تكون جدة مروان الزرقاء منهم . (المترجم)
2- أنت تأمر بقتلي [أبو مخنف : 12 طبع انتشارات أعلمي - طهران ]. (هامش الأصل)

برده، وحين استخلف عمر تشفَع إليه بعمه فلم يقبل ، ولما أسند الحكم إليه عمد إلى مروان والحكم ومن معهما من اهلهما فخالف بذلك صريح أمر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فكانت هذه من أعظم مطاعنه .

فصعب على الصحابة رؤية مروان والحكم وأراد عثمان أن ينتقم للحكم فعمد إلى نفي أبي ذرع و أعطى الحكم مأة ألف درهم من فيء المسلمين، وفعل بمروان فأعطاه في مجلس واحد خمس أفريقيا وقيمته - في قول جماعة - مأة ألف دينار وكان المسلمون جميعاً فيه شركاء وصادر فدكاً ونحلها إلى أقربائه ، وأعطى خراج سوق المدينة وقد تصدق به النبي صلی الله علیه و آله وسلم على المسلمين - برواية ابن قتيبة في المعارف - للحارث بن الحكم واختار مروان لوزارته وكتابة أسراره، فجرت منه وعثمان على قيد الحياة أحداث عظيمة وفتن موحشة وبدع غريبة طبقاً لميوله السافلة وأهوائه الباطلة، حتى أدّى ذلك إلى مقتل عثمان لعنه الله .

ويعتقد أهل السنة أن كتابة الكتاب وفيه قتل محمد بن أبي بكر وموقع بخاتم عثمان لعنه الله ويحمله غلام عثمان وهو على راحلته موجه إلى عبدالله بن أبي سرح والي مصر هو من فعل مروان بن الحكم ، وبرئوا عثمان من هذا الفعل الباطل كما هو مذكور في موضعه .

وكان مروان في حرب الجمل مع عائشة لعنة الله عليها، وفي هذه الحرب رمى طلحة بن عبیدالله بسهم فأودى بحياته، فأسره أمير المؤمنين بعد الهزيمة فتشفّع فيه الحسنان علیهما السلام إلى أبيهما فخلّى أمير المؤمنين علیه السلام سبيله وقالوا له : فليبايعك يا أمير المؤمنين ، فقال علیه السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بسبته (1)، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه وهو

ص: 329


1- السبة، الاست، ومنه السب أي ذكر السبة فاستعمل في كل أمر قبيح توسعاً . (منه)

أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمراً ...(1)

ثمّ فرّ إلى معاوية بعد ذلك وقد جد واجتهاد بحكم خبث عنصره ومولده وسوء عقيدته في بغض أمير المؤمنين علیه السلام وولّي على المدينة مرتين بعد شهادة أمير المؤمنين .

وقال جماعة من المؤرّخين: إنّ عبد الرحمان بن الحكم قال في ولايته على المدينة هذين البيتين :

فوالله ما أدري وإنّي لسائل***حليلة مضروب القفا كيف يصنع

لحى الله قوما أمروا خيط باطل***على الناس يعطي ما يشاء ويمنع

وقال بعضهم : إنّ هذا الشعر قيل في خلافته ، ومن يومئذٍ سمّي مروان: خيط باطل ، لأنّه طويل مضطرب القامة، وخيط باطل في اللغة هو الهباء المنتشر في ضوء الشمس، وهو لسان الشمس شعاع ممتد فيها على شكل خط، ومن نسيج العنكبوت المسمّى مخاط الشيطان .

وأينما ولّي الخبيث يبذل الجد والجهد في سب أمير المؤمنين علیه السلام كما ذكر ابن الأثير أنه في كل جمعة يرقى منبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ويبالغ في سبّ أمير المؤمنين علیه السلام بحضرة المهاجرين والأنصار.

واستخلف في الشام بعد هلاك يزيد لعنه الله تسعة أشهر، وفي سنة ستّ وخمسين للهجرة التحق بالأسلاف الأجلاف في جهنّم ، والأخبار في لعنه ممّا رواه الفريقان كثيرة، ونحن نذكر ثلاثة من هذه الأخبار من كتب أهل السنة والجماعة المعتبرة لتكون حجّة عليهم .

ص: 330


1- نهج البلاغة ، البلاغة ، صبحي الصالح ، ص 107 الرقم 33. (هامش الأصل) شرح ابن أبي الحديد 6: 147 . (المترجم)

ذكر ابن الأثير في أسد الغابة وابن أبي الحديد عن الاستيعاب لابن عبدالبرّ تعقيباً على الشعر التالى الذي نظمه عبدالرحمان بن حسان بن ثابت في هجاء مروان وأشار إلى جنون أبيه وارتعاشه، فقال:

إن اللعين أبوك فارم عظامه***إن ترم ترم مخلّجاً مجنونا

يمشي خميص البطن من عمل التقى***ويظلّ من عمل الخبيث بطينا (1)

وروى الرواة بأنّ عائشة قالت لمروان لعنه الله : أشهد أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعن أباك وأنت في صلبه.

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي عن البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره وتفسير الفخر الرازي نقل هذا الحديث وبعده أنّ عائشة قالت لمروان : «وأنت بعض من لعنه الله - المؤلّف» ولكن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان بعض من لعنه الله .. (2).

وفي الدر المنثور للسيوطي ذكر أن عبيد بن حميد والنسائي واب-ن م-نذر والحاكم وابن مردويه وصححه ابن مردويه عن محمّد بن زياد أنّ عائشة قالت : ولكن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله... (3).

ويقول ابن الأثير في النهاية : ومنه حديث عائشة لمروان أن النبي لعن أباك وأنت فضض من لعنة الله ، أي قطعة وطائفة منها ، ورواه بعضهم فظاظة بظائين من الفظيظ ماء الكرش وأنكره الخطابي ، وقال الزمخشري : افتظظت الكرش إذا

ص: 331


1- شرح ابن أبي الحديد 6: 150 ، أسد الغابة 2 : 34 (المترجم)
2- تاريخ الخلفاء 1 : 203 ط مصر - السعادة أولى 1371 - 1952م.
3- الدر المنثور 6: 41 . (المترجم)

اعتصرت مائها كأنّه عصارة من اللعنة أو فعالة من الفظيظ : ماء الفحل : أي نطفة من اللعنة .(1)

ويقول الفيروزآبادي في القاموس : الفضض محرّكة كلّ متفرّق منتشر ، ومنه قول عائشة لمروان : فأنت فضض من لعنة الله، وروي فضض كعنق وغراب أي قطعة منها (2).

وفي حياة الحيوان وتاريخ الخميس عن الحاكم في المستدرك عن عبدالرحمان بن عوف !!(3)قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أُتي به النبي صلی الله علیه و آله وسلم فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه...(4).

وتناسب هذه الروايه ما ذكره ثقة الإسلام في الكافي مسنداً عن صادق آل محمد أنّ عبدالله بن طلحة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوزغ ، فقال : رجس وهو مسخ كله فإذا قتلته فاغتسل .

فقال : إنّ أبي كان قاعداً في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه، فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ قال : لا علم لي بما يقول، قال : فإنّه يقول : والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمن عليّاً حتّى يقوم من هاهنا . قال : وقال أبي : ليس يموت من ن أمية ميت إلا مسخ وزغا(5).

ص: 332


1- نهاية ذيل لغة فضض 3 454 كامل ابن الأثير 507:3ط بيروت. (هامش الأصل) جرى تطبيقه المترجم إلا في الكامل فهو في ص 352ط بيروت دار الكتب العلمية 1415 ثانية تحقيق أبي الفداء .
2- الفيروز آبادي ، القاموس المحيط 2 : 340.
3- لا يجوز الترضَي عن هؤلاء ولكنها أمانة النقل.
4- الحاكم النيسابوري ، المستدرك 4: 479 . (المترجم)
5- روضة الكافي :: 232 حدیث 305. (هامش الأصل) و 8: 232 ط دار الكتب الإسلامية الثانية 1389. (المترجم)

ويظهر من هذا أن بين بني أمية والوزغ اتحاداً وسنخية في ولاء عثمان وعداء أمير المؤمنين علیه السلام وهو موافقهم على ذلك فإذا مات الميت منهم مسخ إليه من هنا سمى النبي صلی الله علیه و آله وسلم الحكيم ومروان وزعاً، وصرّح بهذا في الحديث المروي في الكافي عن عبدالرحمان بن أبي عبدالله أنّه قال : سمعت من أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : خرج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه ، فقال له : الوزغ ابن الوزغ . قال أبو عبدالله : فمن يومئذ يرون أنّ الوزغ يستمع الحديث (1). ويظهر من هذا الخبر أن حقيقة مروان والوزغ واحدة إلا في اختلاف الصورة، وأخبر النبي عن ذلك وهو المطلع على حقائق الأشياء والمشرف على ماهية الموجودات والشاهد على اتحاد مروان والوزغ في الصفة هو استراق السمع.

ويظنّ بعضهم أنّ سبب طرد مروان لعنه الله الواقعة التالية. يقول الفخر الرازي: رأى النبي في المنام أن أولاد مروان ينزون على منبره ، فقص رؤياه على أبي بكر وعمر لعنهما الله واختلى بهما في بيته فلما انصرفا من عنده بلغه أنّ الحكم يروي خبر الرؤيا، فاتهم النبي عمر في إفشاء سرّه ، ولما تجلّى له أن الحكم كان يسترق السمع طرده، ومن هنا يظهر لنا إما أن يكون النبي يتهم المؤمن الصادق العقيدة نعوذ بالله ويسيء فيه الظنّ ، وإما أن لا يكون عمر مؤمناً ولا أميناً بل من أهل النفاق وإفشاء سرّ رسول الله، فإما أن يقبل الرازي الاحتمال الأوّل ويأبى الله ذلك والمؤمنون ، وأما الثاني فنعم الوفاق، والحمد لله رب العالمين.

وخلاصة القول كان الحكم يعرف بالوزغ كما ذكر ذلك أبو الفرج الأصفهاني - وهو مرواني - في كتابه الأغاني في ذيل حكاية وفود مروان على معاوية بعد عزله

ص: 333


1- روضة الكافي 8: 238 - ح 323. (هامش الأصل) و ص 238 نفس الجزء في ط دار الكتب الإسلامية 1389 هج_. (المترجم)

عن ولاية المدينة ، والحوار الذي دار بينهما يقول فغضب معاوية وقال: يابن الوزغ ، لست هناك . فقال مروان : هو ما قلت لك وأنا الآن أبو عشرة وأخو عشرة وعمّ عشرة وأوشك أن يتم العدد يعني الأربعين.

ويقول أبو الفرج وهذه إشارة منه إلى الحديث النبوي: «إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً» فهم ينتظرون هذه المدّة ويختم حديثه بقول الأحنف لمعاوية : لماذا تحملت من مروان هذا التطاول ؟ وما هي الإشارة بقول مروان ؟ فروى معاوية هذا الحديث وقال : فوالله لقد تلقّاها مروان من عين صافية ..

وفي النهاية مادة «دخل» يقول : الدخل العيب والعناد والغش، ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخلاً وعباد الله خولاً، وحقيقته أن يُدخلوا في الدين أموراً لم تجريها السنة ...(1)

ويقول في «خول»: الخول حشم الرجل وأتباعه ... ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان عباد الله خولاً أي خدماً وعبيداً يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم ..(2).

وجملة القول: حدّث في حياة الحيوان عن مستدرك الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلی الله علیه و آله وسلم فعرف النبي صلی الله علیه و آله وسلم صوته وكلامه ، فقال : ايذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم وقليل ما هم يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة، ذوو

ص: 334


1- النهاية :2 : 108 . (المترجم)
2- نفسه 2 : 88. (المترجم)

مكر وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق(1).

ويقول ابن الأثير في الكامل: رويت أخبار كثيرة في لعنه ولعن من في صلبه رواها الحفاظ وفي أسانيدها كلام .(2)

وبعد تصحيح الحاكم ورواية جماعة - كما سمعت في كلام السيوطي ورواية ابن الأثير نفسه في أسد الغابة مع تعدّد الطرق - لا يبقى مجال للمناقشة .

ومن العجائب التي تسلب الفكر من عقل المرء أن مثل مروان الذي طرده النبي وأباه وسلخ عمره في عداوة أهل بيت الرسالة وأباح سبّ الحسنين وأبيهما وأشاعه وكان يدمن على ذلك في كل جمعة على المنبر ولعنه النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسماه الوزغ ، وقال أمير المؤمنين علیه السلام : إن يده يد يهوديّة، وهو الذي قتل طلحة كما يعتقده أهل السنة والجماعة، وطلحة من الصحابة ومن العشرة المبشرة بزعمهم، فقد رماه وأقبل على أبان بن عثمان وقال له : قتلت واحداً من قتلة أبيك، ومع كلّ هذه العيوب والمساوي بعدّونه عدلاً منه تؤخذ أحكام الدين، وقد روى له البخاري ومسلم في كتابيهما وهما عند القوم أصح الكتب بعد القرآن.

وفي كشف الظنون: إنّ الإجماع حاصل بتعديل جميع من روي لهما في الصحيحين، ومن الأقوال المعروفة عند محدّثي أهل السنة من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، ومن هذه الجهة استدلّ ابن الأثير على عدالة مروان برواية البخاري عنه واخراجه له وبصلاة الحسنين خلفه دون أن يعيدا.

فيا للعجب إلى أية درجة بلغ الصلف بهؤلاء حيث اعتبروا صلاة الحسنين

ص: 335


1- المستدرك 4: 481 . (المترجم)
2- كامل ابن الأثير 193:4 ط بيروت . (هامش الأصل) وص 15 ط دار الكتب العلمية 1415 تحقيق أبي الفداء عبدالله القاضي . (المترجم)

خلفه دون إعادة دليل على عدالته ، وهذا استدلال واءٍ بناءاً على قواعدهم ، لأنهم لا يرون العدالة شرطاً في إمام الجماعة بل استدلّ في العقائد النسفيّة على عدم اشتراط العدالة بهذا وقال : ودليلنا على المدعى صلاة أئمة الدين وراء الخلفاء ء مع ظهور الجور منهم وانتشار الفجور عنهم .

من هنا تعرف من أين أخذ هؤلاء دينهم وعندما أعرضوا عن أهل بيت نبيهم صلی الله علیه و آله وسلم ثمّ إنّك تلم من هذا التخبّط بحال صحاحهم المزعومة وواقعها، لأن رواتها ورجال أسنادها مثل مروان وعبدالملك والمغيرة بن شعبة ومعاوية وعمرو بن العاص وأقرانهم وهم بأجمعهم لغير رشدة لعنهم الله جميعاً ، وهم جميعاً كفار منافقون لأن محكم ذلك أمير المؤمنين وقول النبي له - وهو ملاعين بشهادة النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم ، من المتواترات - يا علي لا يبغضك إلا منافق ولا يحبّك إلا مؤمن (1).

والعمدة فيما نقول : أننا نثبت ضعف دينهم وفساد مبناهم بتوفيق الله تعالى من كتبهم ، ويتضح بذلك معنى قوله تعالى: «وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ» و «إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ» (2)ويتبين معناه ويثبت برهانه ويعلم بيانه والحمد لله على وضوح الحجة .

فائدة :

لا شك في شمول اللعن لمروان ودخوله ضمن اللعناء في هذا الدعاء يقيناً كأولاده أيضاً وأظهرهم أربعة عبدالملك وب-ه ك-ان يكنّى ، ونال الخلافة، وعبد العزيز وكان والياً على مصر، ومحمد ابنه وقد ولّي على الجزيرة ، وبشر وكان حاكماً على العراقين، وهؤلاء هم الأكبش الأربعة في كلام الإمام عند ابن أبي

ص: 336


1- تجد تفصيل هذه الأحاديث في إحقاق الحق 7: 187 .
2- الصافات: 173 و 172 .

الحديد وإن كان الأظهر والأشهر أنّها إشارة إلى أولاد عبدالملك الذين نالوا الخلافة فسوّدوا في عهدهم نهار الأمة وأوصلوها إلى الحضيض الأوهد وهم:

الوليد وسليمان ويزيد وهشام(1) ولم يتفق لإخوة أربعة نيل الخلافة غيرهم.

ويشمل قول أولاد مروان كل من خرج منه ونال الخلافة سواء من نالها في المشرق وأوّلهم عبدالملك وآخرهم مروان الحمار، أو من نالها في الأندلس وناحية المغرب وأولهم عبدالرحمان بن معاوية بن هشام بن عبدالملك وآخرهم هشام بن محمّد الملقب بالمعتمد بالله .

وظاهر هؤلاء جميعاً الرضا بفعل أسلافهم وادّعاء الحق في الخلافة، وهذا المقدار يكفى في جواز لعنهم والبرائة منهم .(2)

ص: 337


1- 1 - الوليد بن عبدالملك 2 - سليمان بن عبدالملك -3 - يزيد بن عبدالملك 4 - هشام بن عبدالملك (هامش الأصل)
2- قال الحسن بن علي : أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببت أباك ولكن الله عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه .. [الاحتجاج : (150] .( هامش الأصل)

وَلَعَنَ اللهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً

الشرح : قاطبة حال كما مر القول في جميعاً». ومعنى قاطبة جميعاً كما ورد في الصحاح (1)ويظهر من عبارة الأساس أنه مجاز.

وأميّة هو ابن عبد الشمس بن عبد مناف بناءاً على المشهور.

وبنو أمية فرقتان: الأعياص وهم أبو العاص ، والعاص، وأبو العيص، والعيص وأولادهم. والعنابس وهم أولاد حرب بن أُميّة لأنّ اسم حرب عنبسة.

والأخبار فى لعن بني أمية خارجة عن الحدّ ومروية عن طريق الفريقين، وتعدادها يخرج هذا المختصر عمّا أعد له، ولكننا نورد عدداً منها شريطة كونها مروية في كتب العامة لأنهم أتباعهم وأشياعهم، ويعتبرونهم خلفاء رسول الله وأمراءاً للمؤمنين وأئمّة الأمّة وهم أولوا الأمر وطاعتهم واجبة ، لكي تتم الحجّة

عليهم ، ويفلجوا وتقطع عليهم منافذ العذر .

ثمّ ندرج في أثناء ذلك تيمناً وتبركاً أخباراً في نفس الموضوع عن طريق أهل البيت علیهم السلام لكي تكون سبباً لانشراح الصدور وانبساط القلوب، وأولى من ذلك البدأة بالآيات من القرآن الكريم التي صرّحت بلعنهم وذمهم، ثم نبدأ بذكر أخبار الفريقين.

ومن جملة الآيات قوله تعالى: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةٌ للنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً» .(2)

يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير عن سعيد بن المسيّب، قال: رأى

ص: 338


1- قال الجوهري : وتقول : جاء القوم قاطبة أي جميعاً : 1 : 204 . (المترجم)
2- الإسراء : 60 .

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فسائه ذلك(1). وفي هذا التفسير أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الشجرة بنو أمية يعني الحكم بن أبي العاص .(2)

وكلامه في حديث هذه الرؤيا واتهام عمر(3) والإلزام الطريف الذي ألزمناه به بفضل الله وعونه وعون الأئمة الأطهار قد مرّ في أحوال مروان.

وروى النيسابوري عن ابن عبّاس أنّ الشجرة الملعونة بنو أمية .

يقول البيضاوي : وقيل: رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة، فقال: هذا حطّهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وعلى هذا كان المراد بقوله إلا فتنة للناس» ما حدث في أيامهم (4)كناية عن هلاكهم في الآخرة .

وقريب من هذا الكلام في الكشاف مع بيان الرواية.

وفي البحار عن عمدة ابن البطريق عن تفسير الثعلبي نقل هذا الحديث بطريقين .(5)

وذكر ابن أبي الحديد عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب في حديث انّ عمر طويل سأل كعب الأحبار فقال : فإلى من يفضى الأمر تجدونه عندكم ؟ قال : نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة والإثنين من أصحابه إلى أعدائه الذين حاربهم

ص: 339


1- الرازي، تفسير مفاتيح الغيب ، ج 20 المجلد العاشر ص 236 و 237 . (المترجم)
2- نفسه .
3- نفسه : 237 . قال : ورأى رسول الله في المنام أن ولد مروان يتداولون منبره فقص رؤياه على أبي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما فلما تفرقوا سمع رسول الله الحكم يخبر برؤيا رسول الله له فاشتد ذلك عليه وانهم عمر في إفشاء سره ثم ظهر أن الحكم كان يتسمع إليهم فنفاه رسول . ( المترجم)
4- البيضاوي 3: 454 ط دار الفكر - بيروت 1416 تحقيق عبد القادر عرفات العشاحونة (المترجم)
5- بحار الأنوار 8: 359 ط أفست. (هامش الأصل)

وحاربوه وحاربهم على الدين، فاسترجع عمر مراراً ، فقال : أتستمع يابن عباس أما والله لقد سمعت من رسول الله ما يشبه هذا سمعته يقول : ليصعدن بنو أمية على منبري، ولقد أريتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة وفيهم أنزل: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةٌ لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» الآية (1).

وفي المنشور الذي كتبه المعتضد بالله العبّاسي وأمر أن يُقرأ في البلاد كلّها - وسنذكره بطوله عند التعرّض لأحوال بني أمية إن شاء الله - يقول فيه : ثمّ أنزل الله فى شأنهم قرآناً يُتلى وقال تعالى: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» ولا خلاف بين أحد أنه تعالى يريد بني أمية.

وفي رسالة الجاحظ المفاخرة بين بني هاشم وبني أُمية ، أنّ بني هاشم يعتقدون أن الشجرة الملعونة هم بنو أمية ، وممّا لا ريب فيه أنّ بني هاشم لا يرون هذا الرأي ما لم يكن عندهم فيه خبر صحيح.

وفي تلك الرسالة أيضاً إلا أنه ممزوج بكلام ابن أبي الحديد والأظهر أن هذه الفقرة أجدر بها أن تكون من كلام الجاحظ فإن لم تكن له فهي لابن أبي الحديد يقول : قال المفسرون بأجمعهم بنزول الآية في بني أمية ورووا في هذا الباب أخباراً كثيرة ، وأنتم معاشر الأمويون لا تقدرون على إنكار ذلك، ومن هنا تعلم أن ذكر البيضاوي لها بصيغة التمريض غاية في التعصب .

ومن الوضوح بمكان أن تأويل الشجرة الملعونة بشجرة الزقوم لون من ألوان الانحراف وفقدان الأمانة ، وهذا التفسير قطعي الصدور في أخبار أهل البيت فقد جاء بطرق عدة في تفسير علي بن إبراهيم وتفسير مجمع البيان وفي البحار

ص: 340


1- شرح ابن أبي الحديد 12: 81 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار إحياء التراث العربي. (المترجم)

والصافي وتفسير العياشي وألفاظ الروايات فيها متقاربة وفي بعضها ألحق تيم وعدي .(1)

ومن محاسن هذا التفسير وبدايع هذا التأويل جملة «فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً» ويحتمل أن يكون يزيد علماً وحمل الطغيان عليه من باب المبالغة وأنه بلغ به الطغيان حداً إن صار فرداً من أفراد الطغيان الحقيقي، واختصاصه بالذكر دون سائر الفروع الخبيثة لما جرى على يديه من المنكر العظيم والذنب الكبير والجرم الفادح والداهية الدهماء في وادي الطف .

ومن الآيات المأوّلة في بني أمية هذه الآية المباركة : «الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ» (2)كما ذكر البحار نقلاً عن عمدة ابن البطريق لله وهو رواها من تفسير الثعلبي يقول : قال عمر بن الخطاب: هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة وبنو أمية .. (3)

فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين .(4)

وهذا الحديث مذكور في تفسير العياشي عن أمير المؤمنين علیه السلام بدون ذكر للتقسيم . وكلا الآيتين مذكورتان في مقدّمة الصحيفة الكاملة بالتفصيل المذكور.

والمراد بالنعمة في هذه الآية الإمام علیه السلام لأنّ جميع ما سوى سوى الله وجد بفضل وجودهم، فكان كل خير أصاب كل أحد وكلّ نفع جرى من كل أحد فهو بواسطة عليّ وأولاده علیه السلام وهم النعمة الحقيقية التى كفر بها بنو أمية وبدلوا نعمة الله وأحلوا قومهم دار البوار وبئس القرار .

ص: 341


1- أقول : لعن الله أبا بكر وعمر وأخزاهما، وهل قامت لبني أمية قائمة إلا بهما .
2- إبراهيم : 28 و 29 .
3- بحار الأنوار 18 : 360 ط أفست . هما الأفخران. إثبات الهداة 2 : 388 عن الواحدي في الوسيط . (هامش الأصل)
4- بحار الأنوار 31 : 537 عن الثعلبي بإسناده عن عمر بن الخطاب . (المترجم)

ويوافق هذه الأخبار ما ورد عن الصادقين في تفسير قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» (1)وروي في الصافي عن العياشي عن الصادق علیه السلام أنّه سأل أبا حنيفة عن هذه الآية ، فقال له: ما النعيم عندك يا نعمان ؟ قال : القوت من الطعام والماء البارد. فقال : لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه .

حتى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه. قال : فما النعيم جعلت فداك ؟ قال : نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءاً ، وبنا هداهم الله إلى الإسلام وهي [هي] النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي صلی الله علیه و آله وسلم وعترته .(2)

وفي رواية أنه علیه السلام قال له : بلغني أنك تفسّر النعيم في هذه الآية بالطعام الطيب والماء البارد في اليوم الصائف؟ قال : نعم ، قال : لو دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيّباً وسقاك ماءاً بارداً ، ثمّ امتن عليك به إلى ما كنت تنسبه ؟ قال : إلى البخل، :قال : أفتبخّل الله تعالى ؟ قال : فما هو ؟ قال : حبّنا أهل البيت .(3)

وفي العيون عن الرضاء علیه السلام قال : في الدنيا نعيم حقيقي، فقال له بعض الفقهاء ممن حضره : فيقول الله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» أما هذا النعيم في الدنيا هو الماء البارد ، فقال له الرضا - وعلا صوته -: كذا فسرتموه وجعلتموه على

ضروب فقالت طائفة : هو الماء البارد ، وقال غيرهم : هو الطعام الطيب، وقال

ص: 342


1- التكاثر : 8 .
2- تفسير البرهان 503:4، بحار الأنوار 24: 49 ط لبنان. (هامش الأصل) تفسير الصافي 5: 370 تحقيق الأعلمي ط مؤسسة الهادي قم الثانية 1416 . (المترجم)
3- تفسير الصافي 5 : 370 (هامش الأصل والمترجم) بحار الأنوار 10: 220 ط لبنان . (هامش الأصل)

آخرون هو طيب النوم ، ولقد حدثني أبي عن أبيه أبي عبد الله علیه السلام أن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عزّ وجلّ «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» فغضب وقال : إِنَّ الله عزّ وجل لا يسأل عباده عمّا تفضّل عليهم به ولا يمنّ [يمتن] بذلك عليهم والامتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف إلى الخالق عزّ وجلّ ما لا يرضى المخلوقين [به المخلوقين - المصدر] ولكن النعيم حبّنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوّة لأنّ العبد إذا وفى بذلك أدّاه إلى نعيم الجنّة الذي لا يزول ..(1)

وفي الكافي عن الصادق في هذه الآية قال : إنّ الله عزّ وجلّ أعزّ وأكرم من أن طعاماً فيسوعكموه ثم يسألكم عنه، ولكن يسألكم عمّا أنعم عليكم

يطعمكم بمحمّد وآل محمّد .(2)

وفي رواية عن الباقر علیه السلام : إنما يسألكم عمّا أنتم عليه من الحق (3).

وفي المحاسن عن الصادق قال : ثلاثة لا يحاسب العبد المؤمن عليهن : طعام يأكله، وثوب يلبسه وزوجة صالحة تعاونه وتحصن فرجه .

وفي رواية قال : إن الله أكرم من أن يسأل مؤمناً عن أكله وشربه (4).

ومن الآيات النازلة في ذمّ بني أُميّة سورة «إنا أنزلناه» المباركة، لأنّ المراد من ألف شهر دولة بني أمية وهي ألف شهر، وحرموا من فضل ليلة القدر وليلة واحدة من الخير الأخروي خير ألف مرّة من ألف شهر من الخير الدنيوي رياسة بني أمية ،

ص: 343


1- العيون 2 : 129 باب 35 (هامش الأصل) الصافي 5 : 170. (المترجم)
2- الكافي 6: 280 باب 33 - أطعمه . (هامش الأصل) تفسير الصافي 5: 171(المترجم)
3- الكافي 6 : 280 رقم 5 باب 33؛ تهذیب 7: 401 باب 34 حدیث 8 مثله . (هامش الأصل) الصافي 5 : 371 (المترجم)
4- المحاسن 2 : 399 حدیث ثمانين . (هامش الأصل) تفسير الصافي 5: 371 (الأصل والمترجم)

فقد روى الفخر الرازي في تفسيره الكبير وابن الأثير في أسد الغابة عن الإمام الحسن علیه السلام : إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رأى في منامه بني أمية يطئون منبره واحداً بعد واحد. وفي رواية : ينزون على منبره نزو القردة فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» إلى قوله : «خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يعنى ملك بني أمية.

قال القاسم - وهو راوي الحديث : فحسبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر.

ثم يقول الرازي : طعن القاضي في هذه الوجوه ، فقال : ما ذكر من ألف شهر في أيام بني أمية بعيد لأنه تعالى لا يذكر فضلها بذكر ألف شهر مذمومة وأيام بني أمية كانت مذمومة .

ويجيب الرازي القاضي فيقول : واعلم أنّ هذا الطعن ضعيف وذلك لأنّ أيّام بني أُميّة كانت أياماً عظيمة بحسب السعادات الدنيوية فلا يمتنع أن يقول الله تعالى: إنّي أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية .(1)

ونفس الحديث مذكور في صحيح الترمذي باختلاف يسير في باب تفسير القرآن .

ويقول المسعودي في مروج الذهب وهو مرضي علماء العامة وأصلهم الجليل وركنهم الوثيق (2)، يقول : كان جميع ملك بني أمية إلى أن بويع أبو العباس السفاح ألف شهر كاملة لا تزيد ولا تنقص لأنّهم ملكوا تسعين سنة واحد عشراً شهراً وثلاثة عشر يوماً .

قال المسعودي : والناس متباينون في تواريخ أيامهم والمعوّل على ما نورده

ص: 344


1- تفسير الرازي، مفاتيح الغيب ، ج 32 مجلد 16 ص 31. (المترجم)
2- فريق كبير من العامة يطرح مروج الذهب ولا يراه شيئاً ويصرح بذلك ابن تيمية وينبز صاحبه بالرفض ويقول : إن له كتاباً اسمه «الوصيّة» وينهى عن قبول مرويات المسعودي . (المترجم)

وهو الصحيح عند أهل البحث ومن عني بأخبار هذا العالم، وهو أن معاوية بن أبي سفيان ملك عشرين سنة ، ويزيد بن معاوية ثلاث سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوماً، ومعاوية بن يزيد شهراً وأحد عشر يوماً، ومروان بن الحكم ثمانية أشهر وخمسة أيام ، وعبد الملك بن مروان إحدى وعشرين سنة وشهراً وعشرين يوماً، والوليد بن عبدالملك تسع سنين وثمانية أشهر ويومين، وسليمان بن عبد الملك سنتين وستة أشهر وخمسة عشر يوماً ، وعمر بن عبدالعزیز سنتين وخمسة أشهر، ويزيد بن عبدالملك أربع سنين وثلاثة عشر يوماً، وهشام بن عبدالملك تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيام، والوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة وثلاثة أشهر ، ويزيد بن الوليد بن عبدالملك شهرين وعشرة أيام.

(يقول) : وأسقطنا أيام إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك (1)كإسقاطنا إبراهيم بن المهدي أن يعدّ في الخلفاء العباسيين ، ومروان بن محمد بن مروان خمس سنين وشهرين وعشرة أيام إلى أن بويع السفّاح فتكون الجملة تسعين سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً يضاف إلى ذلك الثمانية أشهر التي كان مروان يقاتل فيها بني العباس إلى أن قتل فيصير ملكهم إحدى وتسعين سنة وسبعة أشهر وثلاثة عشر يوماً .. يوضع من ذلك أيّام الحسن وهي خمسة أشهر وعشرة أيام، وتوضع أيام عبد الله بن الزبير إلى الوقت الذي قتل فيه وهي سبع سنين وعشرة أشهر وثلاثة أيام فيصير الباقي بعد ذلك ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر يكون ذلك ألف شهر سواء.

(ثمّ يقول :) وقد ذكر قوم أن تأويل قوله عزّ وجلّ : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»

ص: 345


1- إبراهيم بن الوليد تولى الحكم أربعة أشهر وكان أحياناً يخاطب بالخلافة وأحياناً يترك ذلك منه إلى أخلعه مروان الحمار . (منه)

ما ذكرناه من أيامهم (1)تم كلام المسعودي .

وتكرّر هذا المعنى في أخبار أهل بيت العصمة وكثر وجوده وطال وروده.

وفي الكافي وفي تفسير عليّ بن إبراهيم رضي الله عنهما أن المراد من «ألف شهر» أيام ملك بني أمية ليس فيها ليلة قدر .(2)

والظاهر أن القصد من ذلك حرمان بني أمية وأتباعهم من ثواب ليلة القدر ، لأن الكثير من أخبار فضل ليلة القدر وردت في أيامهم، ولم تحسب أيّام عثمان منهم وإن كان محسوباً من فروع الشجرة الملعونة ، والآيات والأخبار الأخرى تشمله، وفي القرآن الكريم نزلت آيات في ذمّ بني أميه ولكن بما أنّي أميل إلى الأمور المتفق عليها في كتاب الله عند الفريقين فلا أنقل شيئاً منها .

وهذه الزيارة احتوت على لباب عقائد الشيعة في أصول التولي والتبري، على أن ذكر أخبار المخالفين في هذا الباب أدخل في الإلزام وأوقع في الأهواء من ثمّ أكتفي بهذا المقدار مع ضيق المجال وقلة الأسباب وكثرة الشواغل النظرية وتعدّد المشاغل الفكرية ، والآن أذكر حديثين مضافاً إلى ما ذكرته في تفسير الآيات من كتب القوم:

ومثالب شهد المحبّ بنقصها***والنقص ما شهدت به الأحباب

أ - في حياة الحيوان ومثله في المستدرك للحاكم أنّه قال : عن مسلم الربعي عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : رأيت في منامي كأن بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما ينزو القردة، فما رئي النبي مستجمعاً ضاحكاً حتى مات .(3)

ص: 346


1- مروج الذهب 3: 259 و 260 تحقيق عبدالأمير ،مهنا نشر الأعلمي للمطبوعات 1411 - 1991. (المترجم)
2- تفسير القمي 2 : 431 (المترجم) البرهان 4 : 488 رقم 29 . (هامش الأصل)
3- حياة الحيوان ذيل قردة 2: 203 . (هامش الأصل) الحاكم النيسابوري ، المستدرك 4 : 480. (المترجم)

ويقول الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم .(1)

وعلمت فيما سبق من الأخبار أنّ الحديث يتناول مطلق بني أمية بمن فيهم شيخهم الثالث وليس بعيداً أن تتعدد رؤيا النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو أن تخصيص بني مروان من تحريف الرواة زمن معاوية لإخراج آل حرب، ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر.

ب - روى آية الله العلامة - أجزل ا تشريفه وإكرامه - في نهج الحق عن صاحب كتاب «الهاوية» وهو من أهل السنة والجماعة ، عن ابن مسعود أنّه قال : لكلّ شيء آفة وآفة هذا الدين بنو أمية....(2)

ج - في صحيح مسلم : هلاك أمتي على يد هذا الحي .(3)

وينقل هذا الخبر بعد ذكره لبني أمية ، وهذا قرينة على إرادة بني أمية من قوله : «هذا الحي» وهذا ما فهمه العلماء.

وعلى كل حال فإنّ ابن البطريق اعتبره من الأحاديث الذامة لبني أمية كما حكى عنه ذلك صاحب البحار، وخبر البخاري يعينهم ويؤيد هذا المعنى .

ويقول ابن حجر في رسالة (تطهير الجنان) روي بسند حسن أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: «شرّ قبائل العرب بنو آميّة وبنو حنيفة وثقيف».(4) وذكر ابن حجر أيضاً في هذه الرسالة : وفي الحديث الصحيح وقال عنه الحاكم

ص: 347


1- بل قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [نفسه: 480] . (المترجم)
2- نهج الحق وكشف الصدق : 312 ط ،لبنان، كنز العمال ،9/6 ، تطهير الجنان واللسان : 143 المطبوع في هامش الصواعق . (هامش الأصل)
3- صحیح مسلم 4: 2236 رقم 2917. (هامش الأصل) في صحيح مسلم : يهلك أمتي هذا الحي من قريش [رقم 7270] . (المترجم)
4- تطهير اللسان : 143 و 144 المطبوع في هامش الصواعق المحرقة . ( هامش الأصل)

بشرط الشيخين كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بنو أمية .. .(1)

والبخاري يجعل من عناوين كتابه قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم «هلاك أمتي على أغيلمة سفهاء»: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال : أخبرني جدّي قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم بالمدينة ومعنا مروان. قال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش. فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت فكنت أخرج مع جدّي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلماناً أحداثاً ، قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم.(2) وقول أبي هريرة كناية عن بني حرب وبني مروان، ومن هنا يعلم أن أبا هريرة روى هلاك أمتي على يد مروان لأنه شعبة من بني أمية . ومن العنوان الذي ترجم به الباب يعلم أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم سمى هذه الطائفة سفهاء وهم كذلك لأنهم باعوا الدين بالدنيا واتبعوا لغة المعازف والملاعب مثل الوليد الفاسق .

فقد جاء في تاريخ الخميس أنه دخل يوماً فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها ، فقالت له الدادة : هذه دين المجوس، ، فأنشد:

من راقب الناس مات هماً***وفاز باللذه الجسور (3)

ونقل ابن أبي الحديد طي أخبار حمقى العرب، قال: ومن حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبدالملك ، قال يوماً : لعن الله الوليد أخي فلقد كان فاجراً، أرادني على الفاحشة .

ص: 348


1- المصدر السابق. (هامش الأصل)
2- البخاري 2: 242 جزء 4 باب المناقب، باب علامة النبوة في الإسلام (هامش الأصل) ولم يذكر ما قاله مروان في الطريق الأول 4 : 178 غلمة ؟ وفي الثاني :8 88 غلمة لعنة الله عليهم.
3- تاريخ الخميس 2 : 320ط بيروت. (هامش الأصل)

فقال له قائل من أهله : أسكت ويحك فوالله إن كان همّ لقد فعل .(1)

وذكر السيوطي في تاريخه مجمل هذا الخبر .(2)

وفي غالب كتب أهل السنة والجماعة أنّه أذن للصبح مرّة وعنده جارية يشرب الخمر معها، فقام فوطئها وحلف لا يصلي بالناس غيرها ، فخرجت وهي جنب سكرانة فلبست ثيابه و تنكرت وصلت بالناس ...(3)

وفي تاريخ الخميس أيضاً قال: أراد الوليد أن يحج وقال : أشرب الخمر فوق ظهر الكعبة .. .(4)

ومذكور في أكثر الكتب بل هو من المتواترات ومن الكتب التي ذكرته أدب الدنيا والدين للماوردي أنه استفتح بالقرآن يوماً فخرجت الآية: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» (5)فوضع القرآن هدفاً ورماه بالسهام حتّى تناثر وقال:

تهددني بجبار عنيد***فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر***فقل يا رب مزقني الوليد (6)

وفي أدب الحيوان وغيره أنه صنع في حائط له حوضاً ملأه بالخمر، فكلّما رغب في الشرب رمى بنفسه في الحوض وأخذ يعبّ منه حتى تبين النقص فيه .(7)

ص: 349


1- شرح ابن أبي الحديد 18: 163 ط بيروت. (هامش الأصل والمترجم)
2- نظر أخوه إلى رأسه بعد ما قطع وهو سليمان بن يزيد ، فقال : بُعداً له، أشهد أنه كان شروباً للخمر ، ماجناً فاسقاً، ولقد راودني على نفسي [تاريخ الخلفاء 1: 251]. (المترجم) ص 251 مطبعة السعادة بمصر (هامش الأصل)
3- تاريخ الخميس 2 : 320 ط بیروت. (هامش الأصل والمترجم)
4- تاريخ الخميس 2 : 320 ط بیروت. (هامش الأصل والمترجم)
5- إبراهيم : 15 .
6- حياة الحيوان 1: 103 في خلافة الوليد تاريخ الخميس 2: 320
7- حياة الحيوان 1 : 103 في خلافة الوليد تاريخ الخميس 2 : 320 ط بيروت في خلافة الوليد . (هامش الأصل) وذكر أبو الفرج عن الوليد أنه قال يوماً : لقد اشتقت إلى معبد فوجه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد وأمر الوليد ببركة قد هيئت له فملئت بالخمر والماء، وأتي بمعبد فأمره فأجلس والبركة بينهما وبينهما ستر قد أرخى ، فقال له : غنني يا معبد : لهفي على فتية ذلّ الزمان لهم***فما أصابهم إلا بما شائوا ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم***حتى تفانوا وريب الدهر عداء الأغاني 5: 240 (المترجم) .

وعده ابن أبي حجلة في ديوان الصبابة من الخلفاء خليعي العذار وأهل الدعابات .

وذكر داود الأنطاكي فى تزيين الأسواق أن الوليد عشق نصرانية، فراسلها فأبت عليه فكاد أن يطيشق عقله ، فتنكّر يوم عيد النصارى، وبايع صاحب البستان تتنزه فيه بنات النصارى فأدخله، فلما رأته قالت للبوّاب من هذا ؟ قال لها : مصاب، فجعلت تمازحه حتى اشتفى بالنظر إليها، فقيل : أتدرين من هذا ؟ قالت : لا ، قالوا لها : هو الخليفة ، فأجابت حينئذ وتزوج بها، وفيها يقول:

أضحى فؤادك يا وليد عميدا***صباً قديماً للحسان صيودا

من حبّ واضحة العوارض طفلة***برزت لنا نحو الكنيسة عيدا

مازلت أرمقها بعيني وامق***حتى بصرت بها تقبل عودا

عود الصليب فويح نفسي من رأى***منكم صليباً مثله معبودا

فسألت ربّي أن أكون مكانه***وأكون في لهب الجحيم وقود (1)

أجاب الله مسألته ..

وفي ذلك يقول أيضاً لما اشتهر أمره بها :

ألا حبّذا سعدى وإن قيل إنني***كلفت بنصرانيّة تشرب الخمرا

يهون علينا أن نظل نهارنا***إلى الليل لا أُولى نصلي ولا عصر (2)

ص: 350


1- الأنطاكي تزيين الأسواق 1: 311
2- تزيين الأسواق 1 : 250 دار حمد ومحيو . (هامش الأصل) نفسه 1 : 312. (المترجم)

وروى المسعودي في مروج الذهب عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: كنت سميراً للوليد بن يزيد ، فرأيت ابن عائشة القرشيّ عنده ، وقد قال له : غنّني ، فغنّاه :

إني رأيت صبيحة العصر***حوراً نفين عزيمة الصبر

مثل الكواكب في مطالعها***عند العشاء أطفن بالبدر

وخرجت أبغي الأجر محتسباً***فرجعت موقوراً من الوزر

فقال له الوليد : أحسنت والله يا أميري أعد بحق عبد شمس، فأعاد ، فقال : أحسنت والله بحق أميّة أعد فاعاد فجعل يتخطّى من أب إلى أب ويأمره بالإعادة حتى بلغ نفسه ، فقال : أعد بحياتي ، فأعاد ، فقام إلى ابن عائشة فأكبٌ عليه ولم يبق عضواً من أعضائه إلا قبله وأهوى إلى ... يقبله ، فجعل ابن عائشة يضمّ ذكره بين فخذيه فقال الوليد والله لا زلت حتى أقبله، فأبرأه فقبل رأسه وقال : واطرباه واطرباه ، ونزع ثيابه فألقاها على ابن عائشة وبقي مجرداً إلى أن أتوه بثياب غيرها، ودعا له بألف دينار فدفعت إليه وحمله على بغلة له وقال : اركبها على بساطي وانصرف فقد تركتني على أحر من جمر الغضا.

قال المسعودي : وكان ابن عائشة غنّى بهذا الشعر يزيد بن عبدالملك أباه فأطربه وقيل : إنّه ألحد وكفر في طربه وكان فيما قال الساقيه : اسقنا بالسماء الرابعة، فكأن الوليد بن يزيد قد ورث الطرب في هذا الشعر عن أبيه (والشعر لرجل من قریش ...) (1)(2) المعجم الكبير : 147 مخطوط . (هامش الأصل) نفسه 3: 120 رقم الحديث 2861 ط بيروت دار إحياء التراث العربي، الثانية نشر القاهرة مكتبة ابن تيمية بدون تاريخ (المترجم) (3)مجمع الزوائد 9: 189 ط مكتبة القدسي القاهرة (هامش الأصل) (4) مقتل الحسين 1 : 160 ط الغري. (5)مسند أحمد ، آفة أصحاب الحديث : 118 . (6)

ص: 351


1- مروج الذهب 3: 215 ط دار الهجرة - ايران . (هامش الأصل) و 3: 342 و 343 تحقيق المهناط الأعلمي للمطبوعات - بيروت . (المترجم)
2- 1 - الطبراني : حدثنا الحسن بن العباس الرازي ، نا سلم بن منصور بن عمار ، نا أبي (ح). وحدثنا أحمد ابن يحيى الرقي ، نا عمرو بن بكر بن بكار القعنبي نا مجاشع بن عمرو قالا : نا عبد الله بن لهيعة عن أبي قبيل، حدثني عبد الله بن عمرو ابن العاص ، أن معاذ بن جبل أخبره : خرج علينا رسول الله متغير اللون ، فقال : أنا محمد ، أوتيت فواتح الكلام وخواتمه [ جوامع الحكم فواتحها وخواتمها - مقتل الحسين ] فأطيعوني ما دمت بين أظهركم فإذا ذهبت فعليكم بكتاب الله عزوجل ؛ أحلوا حلاله وحرموا حرامه، أتتكم المؤتتة ، أتتكم بالروح والراحة، كتاب من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم كلّما ذهب رجل جاء رجل، تناسخت النبوة فصارت ملكاً، رحم الله من أخذها بحقها وخرج منها كما دخلها ، أمسك يا معاذ واحص. قال : فلما بلغت خمسة قال : يزيد لا بارك الله في يزيد، ثمّ ذرفت عيناه ، ثمّ قال : نعي إلي حسين وأتيت بتربته وأخبرت بقاتله، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعاً . ثم قال : واها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف ، أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد اسم فرعون، هادم شرائع الإسلام، يبوء بدمه رجل من أهل البيت، يسل الله سيفه فلا غامد له - فلا غماد له - واختلف الناس وكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه .
3- وروى الهيثمي من طريق الطبراني عن معاذ بن جبل مثله
4- . والخوارزمي عن أبي الفداء قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل الصيرفي، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين ، أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي ، أخبرنا الحسن ابن عباس الرازي مثله .
5- 2 - قال أحمد : أخبرنا ابن الحصين قال : أخبرنا ابن مالك قال : حدثنا عبدالله ابن أحمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو المغيرة قال : حدثنا ابن عيّاش قال : حدثنا الأوزاعي وغيره عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب قال : ولد لأخي أم سلمة زوج النبي - غلام فسموه الوليد ، فقال النبي : سميتموه باسم فراعنتكم في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، هو شر على هذه الأمة من فرعون لقومه
6- . (المحقق)

وقال المسعودي أيضاً والمبرد في الكامل : إنّ الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه

ص: 352

النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأن الوحي لم يأته عن ربه ، كذب أخزاه الله !! من ذلك الشعر :

تلعّب بالخلافة هاشمي***بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقل الله يمنعني طعامي***وقل الله يمنعني شرابي(1)

وأنا أستغفر الله من حكاية شعره وكتابة كفره . وروى هذا الشعر بل الكفر عن يزيد ويزيد عن أبي سفيان كما سنشير إليه فيما بعد إن شاء الله في كلامهم.

وكان من سوء أفعاله وطئه أمهات أولاد أبيه وله منهن أولاد وعرف على ألسنة الخلفاء من بعده وألسنة المؤرّخين من أهل السنّة بالوليد الفاسق والوليد الزنديق .

وفي تاريخ الخلفاء عن المعافى الجريري قال : جمعت شيئاً من أخبار الوليد ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه وسخافته وما صرّح به من الإلحاد في القرآن والكفر بالله ..(2).

وفي تاريخ الخميس عن الذهبي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد فهو أشدّ لهذه الأمة من فرعون على قومه ...(3).

والأمر العجيب والخطب الفضيع هو أن الوليد مع ما هو عليه من الشقاوة والشر والزندقة والفجور يعتبر إماماً مفترض الطاعة يُدعى بأمير المؤمنين ويسمى خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بل نقل عن القاضي عياض أنه أحد الخلفاء الإثني عشر المنصوص عليهم في الحديث المتواتر (4)المتفق عليه من الخاصة والعامة.

ص: 353


1- مروج الذهب 3: 216 ط دار الهجرة - ايران. (هامش الأصل) و 3 : 340ط الأعلمي للمطبوعات - بيروت 1411 - 1991 . (المترجم)
2- السيوطي ، تاريخ الخلفاء 1: 351 . (المترجم)
3- تاريخ الخميس 2: 320ط بيروت. (هامش الأصل والمترجم) والمؤلّف حذف صدر الحديث وفيه : عن عمر قال : ولد لأخي أم سلمة ولد سموه الوليد ، فقال له : سميتموه بأسماء فراعنتكم ... الخ .
4- جابر بن سمرة قال : سمعت النبي يقول : يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : كلّهم من قريش . [البخاري 8: 127 طبعة دار الفكر - بيروت] ومثله عن مسلم : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. [الحديث رقم 4661 و 4662 و 4663] وفي مسند أحمد : لن يزال هذا الأمر عزيزاً ظاهر حتى يملك اثنا عشر كلهم ... [رقم الحديث 20488 و 20351 ، و 20383، و 20388 ، و 20417 و 20474] والطرق كثيرة وهو مروي في أكثر الكتب وتخبط القوم في تأويله ومنهم القاضي عياض كما قال المؤلف (المترجم)

وفي تاريخ الخلفاء عن ابن حجر العسقلاني المعروف بشيخ الإسلام ، شارح صحيح البخاري وصاحب كتاب «الإصابة» وغيره ، قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه ....(1)

ياللعجب كيف يسوغ لمسلم بل لإنسان أن يطلق على مثل هذا الفظ إمام ويطيعه، ويوجب على الأمة معرفته ؟! وهذا أثر الخذلان وسوء التوفيق وإلا فإنّ العاقل يربأ بنفسه عن هذا، وسوف أذكر شطراً صالحاً من تتمة هذا الباب في الكلام على سيرة يزيد لعنه الله ، بعون الله وحسن مشيئته . وسأنقل عين عبارة القاضي عياض وجملة من المطالب.

ونحن وإن أسهبنا في هذا المقام لكننا لم نخرج عن الغرض الأصلي وهو شرح مثالب بني أمية ونشر معايبها لأن سائر الق-وم م-ن ن-ف-س الط-راز وسالك ن-ف-س الطريق، وورثوا عن أبي سفيان والحكم الكفر والزندقة والإلحاد والفسق والفجور والجور والطغيان ، يتوارثه خلف عن سلف. ومن سبر تاريخ القوم لا يعتريه شك فيهم لاسيما ما يعود إلى أهل السنة والجماعة لأنّ سمة التعصب لا توسم بهؤلاء وإنّهم بذلوا غاية الجهد في إخفاء عيوب خلفائهم ولكن لم يتيسر لهم ذلك وتحوّل من مكان إلى آخر ومن كتاب إلى كتاب. وجرى الحقِّ على ألسنة القوم بتأييد الله وإمداداته السماوية ، وقد اعترفوا بفضائل أئمة الهدى ورذائل أعداء الله . كما أنّ لعلماء الشيعة بصفة عامة ولفضلاء الهند بصفة خاصة - أيدهم الله - في

ص: 354


1- تاريخ الخلفاء 1: 11 ط السعادة بمصر (هامش الأصل والمترجم) ط أولى 1371 هجرية 1952م.

استقصاء هذه السير حظاً موفوراً وسعياً مشكوراً، وإنّي وإن عدمت الفرصة المواتية وتحلّيت بقلة البضاعة ما أزال بين الفينة والفينة على سبيل الاستطراف والاستطراد أضمن بعضاً منها في هذا السفر المختصر، وأهمس به إلى السامعين . ومن محاسن الكتب وبدائع الرسائل المنشور الذي أمر المعتضد العباسي بكتابته وقرائته على المنابر سنة أربع بعد الثمانين والمأتين هجرية، ومنع السقائين من الترحم على معاوية لعنه الله ، كما ذكر ذلك محمّد بن جرير بن جرير الطبري في تاريخه ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرحه الحديدي.

ويشتمل هذا الكتاب او المنشور على طائفة من الأخبار والآثار في مساوئ بني أميّة ، ما تعود إلى الإفراد أو المجموع، واحتوى أكثر الأخبار عنهم، وتضمّن سائر بدعهم وفتنهم بنحو الإشارة والإجمال، ولما كان هذا الكتاب قولاً من أقوال خليفة من خلفاء أهل السنة فطاعته واجبة قطعاً، وفيه التحريض على لعن بني أمية والبرائة من معاوية وأحزابه .

ولما كان الكتاب غاية في الفصاحة والإتقان وجمال العربية، رأينا من الأولى أن ننقله بعينه من دون ترجمة ، لأن جمله ومطالبه تناثرت في مواضع عدة من هذا الكتاب ، وسيمر خلاله جمل أخرى منه إن شاء الله وستكون مطالعته للعلماء وأهل الفضل سبباً للمسرة والابتهاج، وفيه بعد الحمد والصلاة :

أما بعد ، فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة من شبهة دخلتهم في أديانهم ، وفساد لحقهم في معتقدهم ، وعصبية قد غلبت عليها أهوائهم ونطقت بها ألسنتهم على غير معرفة ولا روية قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة ، وخالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة ، قال الله تعالى : «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدَى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي

شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور / ج 1

ص: 355

الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (1)خروجاً عن الجماعة ، ومسارعة إلى الفتنة ، وإيثاراً للفرقة ، وتشتيتاً للكلمة ، وإظهاراً لموالاة من قطع الله عنه الموالاة (2)وتبرأ منه العصمة ، وأخرجه من الملة ، وأوجب عليه اللعنة ، وتعظيماً لمن صغر الله حقه ، وأوهن أمره ، وأضعف ركنه من بني أمية الشجرة الملعونة ، ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة ، وأسبغ عليهم به النعمة من أهل البركة والرحمة ، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين وفساداً لمن قلّده الله أمره من المسلمين وإهمالاً لما أوجبه الله من تقويم المخالفين وتبصير الجاهلين ، وأمير المؤمنين يخبركم :

معاشر المسلمين ، إنّ الله جلّ ثنائه لما ابتعث محمّداً بدينه ، وأمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله وعشيرته ، فدعاهم إلى ربه ، وأنذرهم وبشرهم ونصح لهم وأرشدهم ، فكان من استجاب له وصدق قوله ، واتبع أمره يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربه وناصر لكلمته ، وإن لم ينبع دينه إعزازاً وإشفاقاً عليه (3)فمؤمنهم مجاهد ببصيرته ، وكافرهم مجاهد بنصرته

ص: 356


1- القصص : 50 .
2- ذكر الطبري هذا الكتاب ، فقال : وتحدّث الناس أنّ الكتاب الذي أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يُقرءُ بعد صلاة الجمعة على المنبر ، فلما صلى الناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قرائة الكتاب فلم يقرأ، فذكر أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه ... الخ ، وخوفوا المعتضد فأعرض عن قرائته، والذي خوّفه من آل أبي طالب يوسف بن يعقوب القاضي . [تاريخ الطبري 62:10 و 63]
3- أراه يعني بهذه الجملة سيدنا أبا طالب ، ومن المفارقات أن يصدر الكتب في لعن قوم ويقع سليب العقل والإرادة تحت هيمنتهم لأن رمي أبي طالب صلى الله عليه بعدم الإيمان ما هي إلا دعاوة أموية لعن الله من قالها ولعن الله من صدقها . (المترجم)

وحميّته ، يدفعون من نابذوه ، يقهرون من عازه وعانده ، ويتوتقون له ممّن كانقه وعاضده ، ويبايعون له من سمح له بنصرته ، ويتجسسون أخبار أعدائه ، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين حتى بلغ المدى وحان وقت الاهتداء ، فدخلوا في دين الله وطاعته ، وتصديق رسوله والإيمان به ، بأثبت بصيرة ، وأحسن هدى ورغبة ، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة وأهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، معدن الحكمة وورثة النبوة وموضع الخلافة ، أوجب الله لهم الفضيلة وألزم العباد كلّهم الطاعة .

وكان ممن عانده وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الكثير والسواد الأعظم ، يتلقونه بالضرر والتثريب ، ويقصدونه بالأذى والتخويف ، وينابذونه

بالعداوة ، وينصبون له المحاربة ، ويصدون عن قصده ، وينالون بالتعذيب من اتبعه ، وكان أشدّهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة ، أولهم في كل حرب ومناصبه ، ورأسهم في كلّ أجلاب وفتنة ، لا ترفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها أبا سفيان بن حرب صاحب أحد والخندق ، وغيرهما وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله ، ثمّ الملعونين على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في مواطن عدّة لسابق علم الله فيهم ، وماضي حكمه في أمرهم وكفرهم ونفاقهم ، فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهداً ، ويدافع مكائداً ، ويجلب منابذاً حتى قهره السيف ، وعلا أمر الله وهم كارهون فتعوّذ بالإسلام غير منطو عليه ، وأسر الكفر غير مقلع عنه ، فغلبه وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم .

ثمّ أنزل الله تعالى كتاباً فيما أنزله على رسوله يذكر فيه شأنهم ، وهو قوله

ص: 357

تعالى : «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» (1)ولا خلاف بين أحد من أنه تبارك وتعالى أراد بها بني أمية .

ومما ورد من ذلك في السنّة ورواه ثقات الأمة قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيه وقد راه مقبلاً على حمار معاوية يقوده ويزيد يسوقه (2): لعن الله الراكب والقائد والسائق .

ومنه ما روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان : تلقفوها يا بني عبد شمس تلقف الكرة ، فوالله ما من جنّة ولا نار ، وهذا كفر صراح يلحقه اللعنة من الله ، كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مریم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون .

ومنه ما يروى من وقوفه على ثنية أحد من بعد ذهاب بصره ، وقوله لقائده : هاهنا رمينا محمداً وقتلنا أصحابه

ومنها الكلمة التي قالها للعبّاس قبل الفتح وقد عرضت عليه الجنود : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً ، فقال له العبّاس : ويحك ، إنه ليس بملك إنها

النبوة .

ومنه قوله يوم الفتح - وقد رأى بلالاً على ظهر الكعبة يؤذن ويقول : أشهد أن محمّداً رسول الله - : لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد. ومنها الرؤيا التي رآها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فوجم لها ، قالوا : فما رئي بعدها ضاحكاً ، رأى نفراً من بني أمية ينزون على منبره نزو القردة

ص: 358


1- الإسراء : 60 .
2- يزيد هو ابن أبي سفيان من غير هند الذي غرسه أبو بكر في الشام، فكان أول فروع هذه الشجرة يغرس هناك ويقيمه أبو بكر .

ومنها إطراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الحكم بن أبي العاص لمحاكاته إياه في مشيته وألحقه الله بدعوة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم آفة باقية حين التفت إليه فرآه يتخلّج يحكيه ، فقال : كن كما أنت ، فبقي على ذلك سائر عمره ، هذا إلى ماكان من مروان ابنه في افتتاحه أوّل فتنة كانت في الإسلام واحتقابه [ واختقابه - بحار كل دم حرام سفك فيها أواريق بعدها .

ومنها ما أنزل الله على نبيه صلی الله علیه و آله وسلم : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» قَالُوا : ملك بني أمية .

ومنها أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم دعا معاوية ليكتب بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: لا أشبع الله بطنه ، فبقي لا يشبع ويقول : والله لا أترك الطعام شبعاً ولكن إعياءاً .

ومنها أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملّتي ، فطلع معاوية .

ومنها : أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه .

ومنها الحديث المشهور المرفوع أنه صلی الله علیه و آله وسلم قال : إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنّم ينادي : يا حنان يا منان ، فيقال له : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين .

ومنها : انتزائه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكاناً وأقدمهم إليه سبقاً ، وأحسنهم فيه أثراً وذكراً علي بن أبي طالب ، ينازعه حقه بباطله ، ويجاهد أنصاره بضلاله وأعوانه ، ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحود دينه ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .

ويستهوي أهل الجهالة ، ويموّه لأهل الغباوة بمكره وبغيه الذين قدم رسول الله الخبر عنها ، فقال لعمّار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية ، تدعوهم إلى

ص: 359

الجنّة ويدعونك إلى النار ، مؤثراً العاجلة كافراً بالآجلة ، خارجاً من ربقة الإسلام ، مستحلاً للدم الحرام حتى سفك في فتنته وعلى سبيل غوايته وضالته [ دماءاً - المصدر ] ما لا يحصى عدده من أخيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه .

مجاهداً في عداوة الله ، مجتهداً فى أن يعصى الله فلا يطاع ، ويبطل أحكامه فلا تقام ، ويخالف دينه فلا يدان ، وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة الباطل ، وكلمة الله هي العليا ، ودينه المنصور ، وحكمه النافذ ، وأمره الغالب ، وكيد من عاداه وحادّه المغلوب الداحض ، حتى احتمل أوزار تلك

الحروب وما تبعها ، وتطوّق تلك الدماء وما سفك بعدها .

وسنّ سنن الفساد التي هي عليه إثمها وإثم من عمل بها ، وأباح المحارم لمن ارتكبها ، ومنع الحقوق أهلها ، وغرته الآمال ، واستدرجه الإمهال ، وكان أوجب الله عليه به اللعنة قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة ، والتابعين وأهل الفضل والدين مثل عمرو بن الحمق الخزاعي ، وحجر بن عدي الكندي

فيمن قتل من أمثالهم على أن تكون له العزّة والملك والغلبة .

ثم ادّعائه زياد بن سميّة أخاً ونسبته إياه إلى أبيه ، والله تعالى يقول : «ادْعُوهُمْ لأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ»(1) ورسول الله يقول : ملعون من أدعي

إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه ، وقال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فخالف حكم الله تعالى ورسوله جهاراً ، وجعل الولد لغير الفراش ، والحجر لغير العاهر ، فأحلّ بهذه الدعوة من محارم الله ورسوله في أم حبيبة أمّ المؤمنين وفي غيرها من النساء من شعور ووجوه وقد حرمها الله ، وأثبت

ص: 360


1- الأحزاب : 5 .

بها من قربي قد أبعدها الله ما لم يدخل الدين خلل مثله ، ولم ينل الإسلام تبديلاً يشبهه .

ومن ذلك إيثاره بخلافة الله على عباده ابنه يزيد السكرين الخمير صاحب الديكة والفهود والقردة ، وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر

والسطوة والتوعد والإخافة والتهديد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على رهقه وخبثه ، ويعاين سكراته وفعلاته وفجوره وكفره ، فلما تمكن قاتله الله فيما تمكن منه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين ، فأوقع بأهل المدينة في وقعة الحرّة الوقعة التي لم تكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش (1)فشفى عند نفسه غليله ، وظنّ أنه انتقم من أولياء الله وبلغ الثار الأعداء الله ، فقال مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه :

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

قول لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى كتابه ولا يؤمن بالله وبما جاء من عنده ، ثمّ أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي علیهما السلام مع موقعه من رسول الله ومكانه ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة اجتراءاً على الله وكفراً بدينه

وعداوة لرسوله ومجاهرة لعترته واستهانة لحرمته كأنّما يقتل منه ومن أهل بيته قوماً من كفرة الترك والديلم ولا يخاف من الله نقمة ولا يراقب منه سطوة فبتر الله عمره وأخبت [اجتتْ - المصدر] أصله وفرعه ، وسلبه ما

ص: 361


1- ترى هذا الخبيث العباسي الذي لا يقل خبثاً عمن تبرأ منه لا يذكر ما فعله معاوية بالحسن وكيف قضى عليه بالسم فهو يعدد جرائمه ويقفز على هذه الجريمة لأن أجداده وآبائه لم يقلوا إجراماً عما جنى معاوية ونغله بحق أهل البيت . (المترجم)

تحت يده ، وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته .

هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكام الله واتخاذ مال الله بينهم دولاً ، وهدم بيت الله ، واستحلالهم حرامه ونصبهم المجانيق

عليه ورميهم بالنيران [إيَّاه إليه - المصدر] لا يألون له إحراقاً وإخراباً ، ولما أ حرم الله منه استباحة وانتهاكاً ، ولمن لجأ إليه قتلاً وتنكيلاً ، ولمن أمنه الله

به إخافة وتشريداً ، حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب ، واستحقوا من الله الانتقام ، وملأوا الأرض بالجور والعدوان ، وعموا بلاد الله بالظلم والاقتسار ، وحلّت عليهم السخطة ، ونزلت بهم من الله السطوة ، أتاح الله لهم من عترة نبيّة وأهل وراثته ، ومن استخلصه منهم لخلافته مثل ما أتاح من أسلافهم المؤمنين ، وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين ، فسفك الله به دمائهم مرتدین كما سفك بآبائهم دماء آبائهم المشركين ، وقطع الله دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .

أيها الناس ، إنّما أمر ليطاع ، ومثل ليتمثل ، وحكم ليفعل ، قال الله سبحانه وتعالى : «إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً» (1)وقال : «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (2)فالعنوا أيها الناس من لعنه الله ورسوله ، وفارقوا من لا تنالون القربة من الله إلا بمفارقته .

اللهم العن أبا سفيان بن حرب بن أمية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وولده وولد ولده .

اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلال وأعداء الدين ومجاهدي الرسول

ص: 362


1- الأحزاب : 64 .
2- البقرة : 159 .

ومعطّلي الأحكام ومبدلي الكتاب ومنتهكي الدم الحرام .

اللهم إنا نبرأ إليك من موالاة أعداءك ، ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .(1)

أيها الناس ، اعرفوا الحق تعرفوا أهله ، وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فقفوا عندما وقفكم الله عليه ، وانفذوا كما أمركم الله به ، وأمير المؤمنين يستعصم بالله لكم ويسأله توفيقكم ، ويرغب إليه في هدايتكم ، والله حسبه وعليه توكله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .(2)

وإذا شئت الاطلاع على مساوئ بني أمية بأكثر من هذا أنظر «مفاخرة بني هاشم وبني أمية» الواردة في الشرح المذكور (3)مضافاً إلى الفوائد التي ساقها الشارح من عنده لأن الجاحظ وإن كان من أعداء أمير المؤمنين علیه السلام وكان كتب رسالة في إثبات إمامة المروانية وسمّاها «كتاب إمامة أمير المؤمنين معاوية ...» فقد ذكر في رسالة المفاخرة شطراً مقنعاً وفصلاً مشبعاً من خبث أع-راق هذه الشجرة الملعونة والطائفة المشئومة وسوء أخلاقها ودنائة حسبها وردائة نسبها ، ولله درّ أبي القاسم المغربي حيث قال :

ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت***هزواً وبدل ربحها بخسار

وتنقلت في عصبة أموية***ليسوا بأطهار ولا أبرار

ابين مأفون إلى متزندق***ومداهن ومضعف وحمار

ص: 363


1- المجادلة : 22 .
2- تاريخ الطبري 8: 183 في ما وقع سنة 248 ، بحار الأنوار 8: 543 ط .اُفست (هامش الأصل) و أيضاً في الطبري 55:10 طبعة أخرى ، وشرح ابن أبي الحديد 15 : 180 .(المترجم)
3- شرح ابن أبي الحديد 15 : 262 ط بيروت.

قال ابن أبي الحديد فأما قوله في بين أميّة ما «بين مأفون ..» البيت ، فمأخوذ من قول عبدالملك بن مروان - مصدر ] وقد خطب فذكر الخلفاء من بني أمية قبله ، فقال : إنّي والله لست بالخليفة المستضعف، ولا بالخليفة المداهن ، ولا بالخليفة المأفون، عنى بالمستضعف عثمان، وبالمداهن معاوية، وبالمأفون يزيد بن معاوية، فزاد هذا الشاعر فيهم اثنين وهما المتزندق وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، والحمار وهو مروان بن محمّد بن مروان (1).

تنبیه

في البحار عن كامل البهائي - وهو من مصنفات عماد الدين الحسن بن على الطبري المعاصر للمحقق وأستاذ البشر قدّس سرّهما وكتبه لبهاء الدين محمد

الجويني في عهد هلاكو كما يستفاد ذلك من رياض العلماء للفاضل المتتبع الميرزا عبدالله المعروف بالأفندي تلميذ العلّامة المجلسي - ونقل عنه أنه قال : إنّ أميّة كان غلاماً رومياً لعبد شمس فلما ألقاه كيساً فطناً أعتقه ،وتبناه، فقيل أمية عبد شمس كما كانوا يقولون قبل نزول الآية زيد بن محمد ، والآية: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ» (2)ولذا روي عن الصادقين في قوله تعالى: «الم»«غُلِبَتِ الرُّومُ» (3)أنّهم بنو اُميّة . ومن هنا يظهر نسب عثمان ومعاوية وحسبهما وأنهما لا يصلحان للخلافة لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الأئمة من قريش» .(4)

وفي البحار أيضاً عن إلزام الناصب قال: إن أمية لم يكن من صلب عبد شمس

ص: 364


1- ابن أبي الحديد 6 : 17 ط بيروت واللفظ من المصدر لا شفاء الصدور فإنّ فيه تصحيفات (هامش الأصل) وقد جرت مطابقته من المترجم.
2- الأحزاب : 40 .
3- الروم : 1 و 2 .
4- البحار :8 361ط أفست. (هامش الأصل) و 31: 543 ط دار الرضا بيروت - لبنان . (المترجم)

وإنّما هو من الروم فاستلحقه عبد شمس فنسب إليه، فنبو أُميّة كلّهم ليسوا من صميم قريش وإنّما هم يلحقون بهم ، ويصدق ذلك قول أمير المؤمنين علیه السلام : لصاق وليسوا صحيحي النسب إلى عبدمناف ، ولم يستطع معاوية إنكار ذلك .(1)

وروى المحقق المحدّث الكاشاني قدّس سرّه النوراني من كتاب «الاستغاثة في بدع الثلاثة» - وهو على التحقيق من مصنفات علي بن أحمد الكوفي صاحب کتاب (الأنبياء) وكتاب (الأوصياء) وهذا الكتاب مذكور في رجال النجاشي باسم (كتاب بدع الثلاثة) كما أورد ذلك المحقق التحرير الشيخ أسد الله الشوشتري ناقلاً عن تلميذه المتتبع الشيخ عبدالنبي الكاظمي في حاشية (نقد الرجال) مستمداً من إشارة الشيخ يوسف البحراني ويؤكد نسبة الكتاب إلى علي بن أحمد روايته بلا واسطة عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، ومع كلّ ما تقدّم نسب المحقق المذكور في كتاب الصافي والمحدّث المتبحر المجلسي في مقدّمة بحار الأنوار الكتاب لابن ميثم البحراني وهذا غريب جداً منهما جداً منهما مع سعة باعهما وكثرة اطلاعهما ..

وبالجملة ؛ ورد في الكتاب المذكور وهو مروي عن الكتاب المذكور وهو مروي عن علماء أهل البيت بأسرارهم وعلوّهم ووصل إلى علماء الشيعة أن قوماً ينسبون إلى قريش وليسوا منهم في حقيقة النسب وهذا من الأخبار التي لا يعلمها إلا معادن النبوة وورثة علم الرسالة وذلك نظير بني أمية حيث نفوهم عن قريش وألحقوهم نسباً بالروم وفيهم ورد تأويل هذه الآية «الم»«غُلِبَتِ الرُّومُ» ومعناها أنّهم غلبوا على الملك وسيغلبهم بنو العباس عجلين، وهذا التأويل يناسب قرائة ( غلبت) بصيغة المعلوم كما في الصافي، وجعلت هذه القرائة من الشواذّ.

ص: 365


1- بحار الأنوار 544:31

وفي البحار عن كنز الفوائد للعلامة الكراجكي روى قريباً من هذا المعنى بطريقين: أحدهما عن ابن عقدة، والآخر عن محمد بن العباس الماهيار صاحب التفسير المعروف، ويمكن أن يشار إلى ضعف النسب الأموي بأشعار أبي العطاء السندي وهو من مشاهير شعراء الدولتين المخضرمين التي نظمها في هجاء بني أميّة ، والشعر بنفسه مرغوب فيه وإن لم يؤت به شاهداً على ما تقدّم من نسب الأمويين، فلله درّه وعلى الله بره، فلقد أجاد ما شاء:

إنّ الخيار من البريّة هاشم***وبنو أمية أفجر الأشرار

وبنو أمية عودهم من خروع***ولهاشم في المجد عود نضار

أما الدعاة إلى الجنان فهاشم***وبنو أمية من دعاة النار

وبهاشم زكت البلاد وأعشبت***وبنو أمية كالسراب الحار

النصائح الكافية : 138(1)

فائدة

حكمت طائفة من بني أمية في المغرب، وسموا أنفسهم خلفاء ولكنهم لا يُعتدّ

بهم، ولا يُعدّون شيئاً، لاضطراب أيامهم على الأغلب، وتدهور أمور مملكتهم وكانت رقعة الأندلس صغيرة ، من ثَمّ لم تتجه إليهم الأنظار، ولم يحسب ملكهم في الأندلس من أيام بني أمية، كما أنّ أيّام عبد الملك لم تُعدّ لأنّها صاحبت فتنة ابن الزبير، لأنّ خلافته اختصت بالأردن ودمشق وما حولها (2)، ومثله معاوية فلم يُسم خليفة مع وجود الإمام الحسن وإن حكم مصر والشام.

ص: 366


1- النصائح الكافية : 143 . (المترجم)
2- لعل المؤلّف يقصد مروان أبا عبد الملك وأما عبد الملك ففي عهده قتل ابن الزبير وانتظمت له الأمور وخضع له العباد والبلاد.

فتبيّن من هذا أنّ ضيق رقعة الملك وقلّة المملكة توجب عدم الاعتداد بالمتحكم، ولا خصوصيّة للمشرق أو المغرب في ذلك ، كما هي الحال في بحار الأنوار فقد كانت وجهته المشرق فلم يعتد بغيره وكان عليه اعتماده وله عنايته، وهذا الوجه وإن كان بسبب ما قلناه من ضيق الرقعة وقلة البلاد والحك-م ف-ه-و صحيح من هذه الناحية وإلا فهو ضعيف وموهون.

توضیح

ظاهر العبارة في هذه الزيارة بصرف النظر عن تأكيد التعميم بلفظ قاطبة حيث يوجب سياق الكلام بها منع التخصيص، تكشف عن أن بني أمية أجمعين أكتعين أبصعين أتبعين خبثاء مستحقو اللعن.

لأن المتكلم لم يأخذ وصفاً في عنوان الحكم لينسحب على العام ويتعنون به فلا يوجد في عموم الأفراد وصف قابل لمعارضة الحكم ، فإذا حصل لنا الشك في جماعة من بني أمية هل قضوا على العقيدة الحقة والفطرة النقية وماتوا حين ماتوا مؤمنين بالحق غير دافعين له بل منكرين لسيرة ذويهم، فإننا نحكم بفساد اعتقادهم بناءاً على مقتضى هذا العموم في النص، حيث لعنهم قاطبة ، والمؤمن لا يستوجب اللعن إذا فلا يكون مؤمناً

وهذا نظير ما إذا قال المولى لغلامه : أكرم جيراني، فمع كون حاله تدلّ على عدم إكرام أعدائه ، فإنّ العبارة المذكورة كاشفة أنّ العدوّ لا يوجد في جيرانه وقد حققنا هذا المطالب في الأصول بصفة مستوفاة وشرحه والدنا المحقق في كتاب (مطارح الأنظار) شرحاً وافياً وكان له تحقيق مغن في هذا الباب عما عداه. ولكن يستخلص من هذه العبارة إشكال بيّن لا مندوحة من ذكره، وهو أن الحكم على بني أمية عامة بعدم الإيمان يعارضه وجود جماعة من القدماء والمتأخرين كانوا يوالون أهل البيت مثل خالد بن سعيد بن العاص وأبو العاص

ص: 367

ابن الربيع وهو من الأولى تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ، وثبت مع أمير المؤمنين علیه السلام ، كما نص على ذلك العامة والخاصة في كتبهم ، واعتبر الحرّ العاملي في أمل الآمل الأموي الأبيوردي الشاعر من علماء الشيعة وكذلك يظهر لنا بالتتبع أن كثيراً من الرجال والنساء المنسوبين إلى هذه الطائفة كانوا على جانب كبير من الاستقامة مثل أمامة بنت أبي العاص التي تزوّجها الإمام أمير المؤمنين بعد وفاة الصديقة الطاهرة علیها السلام البوصية منها، ومثل محمد بن حذيفة وأمه بنت أبي سفيان وكان من خواص أمير المؤمنين علیه السلام وتحمّل المشاق الصعبة في سبيل محبّته ، ودخل سجن معاوية في هذا السبيل، وعانى منه سنين عدداً ومعاوية لعنه الله خاله، ولم يتفق معه قط .

والجواب على هذا الاعتراض يمكن تحقيقه في وجوه :

الوجه الأوّل: الظاهر أنّ عموم اللفظ يشمل الموجودين ساعة الخطاب، لأنّ حكم الإضافة في الوضع أنها حقيقة في المعهود ولا معهود في تلك الآونة إلا الموجودون من الأمويين وهذا الوجه ضعيف لأنّ المراد من الموجودين إن كانوا في زمن الراوي الذي هو زمن الإمام الصادق أيضاً فينبغي أن لا يتناول اللفظ أولئك المتقدمين من بني أمية وهم الأكثر ونحن نقطع بدخول معاوية ويزيد في هذا اللعن . وإن كان القصد جميع الأزمان السابقة من إمام إلى إمام فالإشكال باق على حاله فى الأخيار المتقدمين منهم.

الوجه الثاني: أن نلتزم بفساد الفطرة الأموية وانحرافها وإن حصل لبعضهم الاستقامة في عهد ما من المجتمع فإنّ حكم الفطرة المعوجّة يغلب عليهم ويؤدّي إلى انحرافهم عن جادة الصواب ويحملهم ذلك على الارتداد ويخرجون من الدنيا على الضلال، نعوذ بالله العظيم.

ولو أننا قطعنا باستقامتهم السابقة فلا دليل على إحرازها ساعة الوفاة إلّا

ص: 368

بالاستصحاب، والدليل المذكور المتضمّن لتجويز لعنهم قاطبة أمارة كاشفة عن استيعاب واستغراق جميع الأفراد بحكم خباثتهم، من هنا نحكم بجواز لعنهم

والبرائة منهم .

ويجب أن يعلم أنّ المراد ببني أمية بحكم الوضع واللغة هم الرجال المنسوبون بالآباء إلى أميّة فلا وجه لعدّ أمامة وهي بنت أو محمد بن حذيفة وهو منسوب إليهم من جهة أمه وأمثالهما منهم ، بل لا سبيل لعدّ أبي العاص من بني أمية وإن جاء في ذلك خبر ضعيف .(1)

وفي رسالة مفاخرة الجاحظ أنّ بني أمية استدلوا على نفي الشجرة الملعونة عنهم بوجود أبي العاص (2).

فيهم وهذا القول غير ملتئم في ميزان تصحيح الأنساب لأنّ أبا العاص بن ربيع بن عبدالعزى بن شمس بن عبدمناف وهو عبشمي كما ذكر ذلك في أسد الغابة وغيرها.

ولا وجه لذكر الأبيوردي في الشيعة وإن ذكر ذلك الشيخ الحر في أمل الآمال، ولم يقم شاهداً على ذلك وكان بأشعاره يفخر بأمويته ويأسف على ضياع

ص: 369


1- محمد بن أحمد الكوفي الخزاز ، عن أحمد بن محمد بن سعد الكوفي ، عن ابن فضال، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي مسروق النهدذي، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة قال : دخل سعد بن عبدالملك وكان أبو جعفر يسمّيه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان على أبي جعفر فبينا ينشج كما تنشج النساء ، قال : فقال له أبو جعفر : ما يبكيك يا سعد ؟ قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن فقال له : لست منهم ، أنت أموي منا أهل البيت، أما سمعت قول الله تعالى عزّ وجلّ يحكي عن إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» [إبراهيم : 36]. [الاختصاص : 59، بحار الأنوار 46: 338 ط الله لبنان.] (هامش الأصل) الاختصاص : 85 تحقيق غفاري ط جماعة المدرسين - قم ، والبحار 46: 336 (المترجم)
2- ابن أبي الحديد 15: 263 ط بيروت (هامش الأصل)

الملك منهم وهذا الأمر ينافي التشيّع بل تقتضيه الفطرة الأموية الخبيثة.

وأخطاء الشيخ الحرّ من هذا النمط كثيرة ، لأنه عد أبا الفرج الأصفهاني وهو مرواني من علماء الشيعة الإمامية ، لأنه لم يكن إماميّاً بالإجماع بل كان من علماء الزيدية، وسرى الخطاء إلى الشيخ من قول بعضهم أنه من الشيعة وتخالف رواياته روايات الإمامية غالباً كما يظهر ذلك التتبع والتقصي في كتابه الأغاني ، إذ لا يجيز الإمامي أن ينسب إلى عبدالله بن جعفر ذي الجناحين الذي هو في عصره ثاني الحسنين وثالث القمرين استماع الغناء مع أنّ حليلته زينب سلام الله عليها عقيلة خدر الرسالة ومحجوبة ستر الإمامة ورضيعة ثدي الزهد والعصمة والوليّة، وربيبة حجر العلم الحكمة النبوية ، وكانت تعيش معه في بيت واحد.

وهكذا تجد من طراز هذه الترهات والخزعبلات في الأغاني الكثير .. وه-و الذي نسب الندم إلى الحسين من مسيره إلى كربلاء في يوم عاشوراء وكتابه (مقاتل الطالبيين) معروف، وتعرّضنا لشرح حاله وإن جاء على سبيل الاستطراد ولكنه إن تأملت مطلوب لذاته .

ومجمل القول إنّي أذكر في هذا المقام قطعة من الشعر له تدلّ على اختلال عقيدته :

لكنا أقاليم البلاد فأذعنت***لنا رغبة أو رهبة عظمائها

فلما انتهت أيامنا علقت بنا***شدائد أيام قليل رخائها

وكان إلينا في السرور ابتسامها***فصار علينا بالهموم(1) بكائها

وصرنا نلاقي النائبات بأوجه***رقاق الحواشي كاد يقطر مائها

وفي البيت الذي يقول فيه وصرنا نلاقي تداعى في خاطري شعر سيّد

ص: 370


1- في الهموم - وفيات (هامش الأصل)

الشعراء وخاتم الأدباء الشاعر الماهر والأديب المعاصر السيد حيدر الحلي حيث يقول :

من أين تخجل أوجه أمويّة***سكبت بلذات الفجور حيائها

ومن الشعر الذي يفخر به بنسبه هذه الأبيات وهي من نجدياته :

قالت لصحبي سراً إذ رأت فرسي***من الذي يتعدّى مهره خببا

فقال أعلمهم بي إن والده***من كان يجهد أخلاف العلى حلبا

ما مات حتى أقر الناس قاطبة***بعزّه وهو أعلى خندف نسبا

لم يكتف بالفخر بالعنصر الأموي فحسب بل جعله أعلى قبائل خندف في النسب مع ما علمت من ردّ بعضهم نسبهم في قريش وسوف يتجلى نسب أبي سفيان وأمّه حمامة وأهون بالخيبة والفضيحة من النسب الذي ينتهي إلى أبي سفيان ثمّ منه إلى أميّة .

ولو قيل للكلب أمثاله***عوى الكلب من لؤم هذا النسب (1)

وفي غيره من نجدياته يقول:

وإنّي وإن كان الهوى يستفزني***لذو مرة قطاعة للقرائن

أروم العلى والسيف يخضبه دم***بأبيض بتار وأسمر مارن

وإن خاشنتني النائبات تشبثت***بأروع عبل الساعدين مخاشن

إذا سمّته خسفا تلظى جماحه***وأجلين عن خصم ألد مشاحن

لئن سلبتني نخوة أمويّة***خطوب أعاينها فلست بحاضن

ص: 371


1- المشهور في البيت: ولو قيل للكلب يا باهلي***عوى الكلب من لؤم هذا النسب ولا معنى لقوله : أمثاله . (المترجم)

قاتله الله ما أشعره وفي موضع آخر من نجدياته. يقول خارج أدب النسيب ويشتد في تحمّسه في الغزل ثم يقول :

بني خيثم الله الله في دمي***فطالبه الذي قوله الفعل

ومرد على جرد بأيد تمدها***إلى الشرف الضخم الخلائف والرسل

دم أموي ليس ينكر فرده***وما بعده إلّا الفرار أو القتل

ألم يك في عثمان للناس عبرة***فلاتر حضوه طله إنه يغلوا

ولولا الهوى سارت إليكم كتيبة***يعضل من نجد بها الحزن والسهل

ومن تأمّل أشعاره هذه لا يبقى عنده أدنى شك في انحرافه وعدم استقامته وأكثر شعره تصريحاً بنواياه المقطوعة الأخيرة التي يستعيد فيها ذكرى دم عثمان ويتباهى بحروب الجمل وصفين، بل إنّ له أشعاراً في يوم الطفوف كما سوف تعلم أنّ بني أمية إنّما ألبسوها قميص عثمان وأثاروها معنونة بالطلب بدم عثمان ، ولقد ارتكبوا أموراً شنعاء انتقاماً لدمه وأخذاً بثأره.

والعجيب أنّ المقطوعة الأولى من شعره التي سلفت منا مذكورة في الوفيات والشيخ الحر العاملي أخذ شرح أحواله من الكتاب نفسه ولكنه غفل عن مضمون هذا الشعر .(1)

وجملة القول : إنك عرفت تقريب الوجه الثاني، والإنصاف أن الالتزام بهذا الوجه على الوجه الذي يلجئنا إلى رفع اليد عن الأمور المقطوع بها مع فرض التحقق من تحكيم هذا الدليل على استصحاب سلامة عقيدتهم أمر مشكل جداً

ص: 372


1- وفيات الأعيان 446:4 ، وفي القطعة بيت سقط من الناس وهو قوله : إذ ما هممنا أن نبوح بما جنت***علينا الليالي لم يدعنا حيائها والمؤلف ذكره بقرينة استشهاده ببيت الحلّي ولكن الناسخ أهمله غفلة . (المترجم)

لاسيما وأنّ هناك عمومات أخرى في فضائل المؤمنين بأيدينا لا يسهل الالتزام بتخصيصها بل هو صعب مستصعب، وربما كان في رواية حياة الحيوان التي سلفت (ذيل وآل مروان) لا تخلو من تأييد من أنّ النبي قال : ما أقل المؤمنين فيهم .(1)

لأنّ هذا الخبر مع ملاحظة اشتماله على ذمّ بني أمية ، مظنون الصدق، ولا أرى أحداً يقدح بخالد بن سعيد تمسكاً بهذا الحديث مع ما كان عليه خالد بن سعيد من إظهار الإخلاص والتودد والثبات، وما أظهره من حسن البيان في المسجد مع معارضته أبابكر وامتناعه من بيعته، وهذا بأجمعه مذكور بأهم المصادر التاريخية وتشتمل عليه أمهات الكتب الموثقة (2)ثمّ إنّه بعد هذا وذاك صحابي مؤمن مطيع لأهل بيت نبيه صلی الله علیه و آله وسلم والعمومات الواردة في فضل الصحابة ومدايح المهاجرين تشمله ولا دليل على إخراجه بخصوصه منها علاوة على أنّ الوجه الثالث موجب لظهور الوهن والضعف في هذا الوجه.

الوجه الثالث: المراد من بني أمية خصوص أولئك الذين أعانوا في غصب الخلافة وإطفاء نور الله وجحد كلمة الولاية، وشاركوا في مجريات الأحداث

ص: 373


1- رواية الخصال باب الأربعة : 108 بالإسناد عن الرضا عن أبيه عن آبائه أن رسول الله كان يحبّ أربع قبائل : كان يحبّ الأنصار وعبد القيس وأسلم وبني تميم، وكان يبغض بني أمية وبني حنيف [حليف - ظ] وبني ثقيف وبني هذيل ، وكان يقول : لم تلدني أم بكر ولا ثقفية ، وكان يقول : في كل حي نجيب إلا في بني أمية .
2- في الاحتجاج للطبرسي : 47، والخصال باب الإثني عشر 2: 67 : إنه من الإثني عشر الذين أنكروا على خلافته وجلوسه مجلس رسول الله ، بل أولهم، حيث قام فقال : يا أبا بكر ، اتق الله ... وفي الاحتجاج : 51 ، قال لعمر : يابن صهاك الحبشية ، أبأسيا فكم تهدّدوننا أم بجمعكم تفزعوننا ؟ والله إنّ أسيافنا أحد منكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا ، والله لو لا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري فقال أمير المؤمنين : اجلس يا خالد فقد عرف الله مقامك وشكر لك سعيك. وراجع ترجمته في التنقيح 1: 391 (هامش الأصل)

بالسيف والسنان والقلم واللسان، وأظهروا بغض أهل البيت، ويؤيد هذه القضيّة أنّ هذا هو المتبادر إلى الأذهان من ذكر القضية مع ملاحظة الإشكال السابق. أضف إلى ذلك قلة مصاديق عنوان بني أمية لأنّ أبنائه النسبيين قليلو العدد، وأما الحكم وأولاده فكلّهم أبناء سفاح ولغير رشدة، وأما أولاد أبي سفيان فهم متهمون بخبث الولادة بل على التحقيق كانوا لغير رشدة كما سوف أشير إليه في محلّه إن شاء الله ، وأما أولاد أبي معيط وهم أولاد ذكوان أبيه فهم لصقاء؛ لأنّ ذكوان في رأي جماعة إنّه غلام أمية وألحقه بنسبه وتبنّاه كما أشار إليه في أسد الغابة (1).

فلابد من حمل العموم في الجملة المذكورة على الزيادة على الطائفة المشتملة على خلفائهم وأمرائهم، ويكون بناءاً على هذا لفظ بني أمية عنواناً عرفياً من أجل الإشارة إلى تلك الجماعة المعهودة، وحقيقة الإضافة في العهد شاهد صدق هذه الدعوى، ومجملاً يؤيد بل يصدّق هذا المعنى الخبر المذكور في الخصال في باب السبعة : للنار سبعة أبواب، وباب يدخل منه بنو أمية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد، وهو باب لظى، وهو باب سقر ، وهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفاً ....

وفي آخر الحديث : قال محمد بن فضيل الرزقي راوي الحديث : فقلت لأبي عبدالله علیه السلام : الباب الذي ذكرت عن أبيك عن جدك علیهما السلام أنه يدخل منه بنو أمية يدخله منهم من مات على الشرك أو من أدرك منهم الإسلام ؟ فقال : لا أمّ لك ، ألم تسمعه يقول : وباب يدخل منه المشركون والكفّار ، فهذا الباب يدخل فيه كلّ مشرك وكل كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أمية لأنّه

ص: 374


1- وقد قيل إن ذكوان كان عبداً لأمية فاستلحقه [أسد الغابة 5 : 90 ] وفي 1: 251 : ثم أدركته «أمية» وقد عمي يقوده غلام له يقال له ذكوان ...

هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار حطماً لا تسمع لهم فيها واعية ، ولا يحيون فيها ولا يموتون .(1)

وثبت هنا أنّهم فسّروا بني أمية بتلك الجماعة المخصوصة التي تقمصت سروال الخلافة وتشبثت بأذيالها ، وهذا التوجيه بنظري أقرب إلى التحقيق ، وهذا ليس تخصيصاً ليقول القائل : سياق هذا العام من حيث التأكيد يأبى التخصيص بل هو تخصص ومؤكد للتأكيد.

وفى هذا المقام مقال هو أهل لأن نعرض له بل ذكره لازم حتماً ، ومجمله كما يلي : يظهر من طائفة من الأخبار والآثار في الجملة مدح عمر بن عبدالعزيز من قبيل ما فعله من رفع السبّ عن أميرالمؤمنين عندما تسنّم غارب الخلافة، وكان معمولاً به فى العهد الأموي وأشاد به كثير عزة وقال الأبيات التالية في مدحه:

ولیت فلم تشتم عليّاً ولم تخف***برياً ولم تتبع بريّاً ولم تتبع مقالة مجرم

تكلمت بالحق المبين وإنما***تبيّن آيات الهدى بالتكلّم

وصدقت معروف الذي قلت بالذي***فعلت فأضحى راضياً كل مسلم

ألا إنما يكفي الردى بعد زيفه***من الأود البادي ثقاف المقوّم

ورد فدك على أهلها من آل مروان بعد أن نحلها عثمان مروان بن الحكم وأحسن إلى أهل البيت فلم يظلم منهم أحداً.

ونقل عن فاطمة بنت سيّدالشهداء أنها قالت: لو كان عمر بن عبدالعزيز حيّاً لما احتجنا .

ص: 375


1- الخصال 2 : 12 باب للنار سبعة أبواب. (هامش الأصل) الخصال: 361 تحقيق غفاري، نشر جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية. (المترجم)

ونقل العامة عن باقر علوم النبيين : لكل قوم نجيب وعمر بن عبدالعزيز نجيب بني أمية .(1)

ومن الأقوال المشهورة : الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان، والناقص هو يزيد بن الوليد الذي نقص أعطيات أبيه ، والأشج هو عمر بن عبدالعزيز لوجود شجّة

في رأسه.

وفي كتاب قرب الإسناد ويصل السند إلى صادق آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم عن أبيه الباقر علیه السلام إنّه قال : لما ولّى عمر بن عبدالعزيز أعطانا عطايا عظيمة ، قال : فدخل عليه أخوه فقال له : إنّ بني أمية لا ترضى منك بأن تفضّل بني فاطمة عليهم ، فقال : أفضلهم لأني سمعت حتى لا أبالي أن أسمع أو لا أسمع أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يقول: إنّ فاطمة شجنة منّي ، يسرني ما أسرها، ويسوئني ما أسائها، فأنا أتبع سرور رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأتقى مسائته .. (2)

ويعثر المتتبع على أخبار من هذا القبيل ومن هذه الجهة توقف بعض الأكابر وهو الفاضل المتبحر الميرزا عبدالله أفندي صاحب «رياض العلماء» في هذا الكتاب جازماً عن لعنه ونقل كلامه وحكاه عنه ، ولست أود أن أذكر اسمه الشريف وأنسب إليه هذه الدعوى الباطلة في هذا الكتاب.. ولا وجه لذلك (3)بل

ص: 376


1- تاريخ الخلفاء : 230 ط السعاد بمصر . (هامش الأصل) وسُئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبدالعزیز ، فقال : هو نجيب بني أمية وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده .. الخ ، والسياق يخالف ما ذكره المؤلّف . (المترجم)
2- قرب الإسناد 1 : 53 (المترجم) تاريخ الخلفاء : 230 ط السعادة بمصر . (هامش الأصل)
3- أدع شيخي الجليل على رأيه في جواز لعن الرجل وأسأله عن الخلافة هل كان باستطاعته أن يردها إلى أهل البيت بين عشية وضحاها ؟ ومن أين لشيخنا أن ابن عبدالعزيز لا ينوي ردّها وقد كان فيما بلغنا من أخباره أنه ينوي التغيير والثورة على بني أمية حتّى أنّ ابنه عبد الملك طالبه بإعلان الثورة على كل ما هو أموي لكنّ أباه أجابه إني أخشى أن يستعينوا علينا بمن نثور من أجلهم أي الضعفاء، ومعناه أن الثورة لم تنضج بعد . ثمّ أسأل الشيخ عن قول الشريف : غير أني أقول إنك قد طبت***وإن لم يطب ولم يزك بيتك هل يجوز لعن الطيب ؟ وباعتقادي أن الشيخ قسى على ابن عبدالعزيز ومن حقه علينا السكوت ؛ لا نلعنه ولا نترحّم عليه . (المترجم)

لعنه أوضح الواضحات وأوجب الواجبات لأنه لا ذنب أعظم من ذنب غصب الخلافة وادّعاء الإمامة وقد فعلهما، وتحمّل هذا الوزر العظيم حياً وميتاً ، ولا ضرر على الأمّة أعظم من منع الأئمة حقهم في الأمر النهي ، وإذا كان قد أحسن فهو من أجل المصانعة ومداراة الملك .

والحق يقال أنّ أهل السنة أثنوا عليه ثناءاً جميلاً وسموه عمر الثاني، ونحن نصفه أيضاً بهذا الوصف وننحو بحقه هذا النحو، ونعتقد فيه نفس المعتقد، ولقد نال العدل التقديري من عمر بالإرث لأنّه أمّه بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، بل تميزت سيرته الظاهرية عن سائر بني أمية ، وكلام الإمام الباقر - إن صح - فإنّه يحمل على نفس المعنى، فقول: عمر نجيب بني أمية ، معناه مضافاً إلى هذه الطائفة وإن كان في نفسه أخبث خلق الله ، ومثله قول : أعدلا بني مروان أي إنّ عدلهما بالنسبة إلى سائر الأمويين ، وإن كان قياسهم إلى العدول قياس الظالم إلى العادل.

وكيف يطلب عمر بن عبدالعزيز رضا فاطمة ولم يعهد بالخلافة إلى ولدها الإمام الباقر وهو إمام واجب الطاعة ومعجزاته وكراماته ملأت السهل والجبل وملأت سمع العدوّ وبصره وفمه ويده وكان معاصراً له ، ذلك هو الخسران المبين .

وروى في أصل عاصم بن حميد الحنّاط - الذي ملكت نسخته بعناية من الله جل ذكره - عن عبد الله بن عطا أنّه قال : كانت يدي بيد الإمام الباقر علیه السلام لما كان على عمر بن عبدالعزيز ثوبين ممصرين فقال الإمام الباقر : ليلين الولاية سريعاً ثمّ

ص: 377

يموت فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء (1).

وهذه الرواية غاية في الاعتماد بل هي بناءاً على الأصل الذي أصلناه في حجيّة خبر الواحد حائزة على مرتبة نصاب الحجيّة والصحة لأنّ عاصم بن حميد ثقة جليل الشأن، روى عنه في أصله واعتبره نصر بن الصباح الذي يستند العياشي والكشي على أقواله في أكثر من مكان من نجباء أصحاب الصادق علیه السلام ودلالة ذلك على جلالة قدره ظاهرة، ونقل الشهيد الثانى فى كتاب الدراية نفس العبارة دونما نسبة إلى نصر بن الصباح وهذه إمارة الاعتماد وعلامة الاعتداد وموافقة هذا الخبر لعمومات لعن الغاصبين والمنحرفين عن أهل البيت وأعدائهم وإحباء أعدائهم وعموم اللعن المذكور في الزيارة كما بيّناه بنفسه معقل حصين وركن وثيق لمن حاله الشكّ .

أجل ، إنّ من الانصاف أنّ عمر بن عبدالعزيز عمل أعمالاً حسنة من قبيل رفع السب وردّ فدك ونحن نشكر له عمله هذا نظير مدح السيّد الأجل الأعظم

ص: 378


1- أصل عاصم بن حميد هو الأصل الثالث من ستة عشر أصلاً ، ص 23 الحديث الخامس، ونظيره الرواية التالية : أحمد بن محمد، عن الأهوازي ، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن دينار ، عن عبدالله بن عطا التميمي قال : كنت مع عليّ بن الحسين في المسجد فمر عمر بن عبدالعزيز عليه شراكا فضّة، وكان من أحسن الناس وهو شاب، فنظر إلى عليّ بن الحسين فقال : يا عبد الله بن عطا ، أترى هذا المترف ؟ إنّه لن يموت حتى يلي الناس . قال : قلت : هذا الفاسق ؟ قال : نعم ، فلا يلبث فيهم إلا يسيراً حتى يموت ، فإذا هو مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل الأرض [بصائر الدرجات : 45 ، بحار الأنوار 46: 327 ط لبنان ، إثبات الهداة 3 12] (هامش الأصل) أبو بصير قال : كنت مع الباقر في المسجد إذ دخل عمر بن عبدالعزيز متوكياً على موالي له ، فقال : ليلين هذا الغلام فيظهر العدل ويعيش أربع سنين ثمّ يموت فيبكي عليه أهل الأرض وتلعنه أهل السماء لأنه جلس مجلساً ولا حق له فيه ثم ملك وأظهر العدل وجهره . [إثبات الهداة 3: 51 عن الخرايج والجرائح]

الرضي وهو من أكابر الفقهاء والزهاد من أهل البيت ، له في ديوانه الشريف حيث خاطبه بقوله :

يابن عبد العزيز لو بكت العين***فتئ من أمية لبكيتك

غير أني أقول إنّك قد طبت***وإن لم يطب ولم يزك بيتك

أنت نزهتنا عن السب والقذف***ولو أمكن الجزاء جزيتك

ولو أني رأيت قبرك لاس_***تحييت من أن أرى وما حييتك

وقليل أن لو بذلت دماء البُدن***ضرباً على الذرى وسقيتك

دیر سمعان لا أغبك غادٍ***خير ميّت من آل مروان ميتك

أنت بالذكر بين قلبي وعيني***إن تدانيت منك أو قد نأيتك

وإذا حرّك الحشا خاطر منك***توهمت أنني قد رأيتك

وعجيب أني قليت بني مروان***طراً وإنني ما قليتك

قرب العدل منك لما نأى***الجور بهم فاجتنبتهم واجتبيتك

فلو أنّي ملكت دفعاً لما نالك***من طارق الردى لفديتك (1)

إرشاد

الأخبار في لعن عموم بني أمية كثيرة من طريق أهل البيت علیهم السلام ويستحب لعن بني أمية بعد كل فريضة كما روى ذلك شيخ الطائفة في التهذيب بسنده عن أبي جعفر باقر علوم النبيين علیهم السلام أنه قال لجابر الجعفي:

إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلا بانصراف لعن بني أُميّة ..(2)

ص: 379


1- ديوان السيد الرضى 1 : 215
2- التهذيب 1 : 165 و 227 ، بحار الأنوار 58 : 86. (هامش الأصل) التهذيب 2 : 109 و 321 (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ

الشرح : المراد من ابن مرجانة هو ابن زياد وذكره باللعن بعد ذكر آل زي--اد وبني أمية وهو يشمله - كما مر في التحقيق السابق - لخصوصية له في قتل سيّدالشهداء، واحتمل المجلسي عليه الرحمة أنّ إفراده بالذكر لخبث مولده فلا يشمله حينئذٍ لفظ آل زيادٍ وبني أمية، وقد قلنا أنّ هذين الفرعين من بني أمية جميعاً أبناء سفاح ولغير رشدة، وإذا كان هذا هو الوجه فينبغي ذكر أحادهم ولا يقتصر الأمر على ابن زياد ،وحده، ونسبته إلى مرجانة لمزيد انتقاصه وذمه ليعلم مع حال أبيه حال أُمّه كذلك .

وكانت مرجانة من الزواني المعروفات وقد أشير إليها في الأشعار كما يقول في هذا الشعر سراقة الباهلي، ولنعم ما قال :

لعن الله حيث حلّ زياداً***وابنه والعجوز ذات البعول (1)

وقال جماعة : المراد من العجوز ذات البعول مرجانة، وظاهر العبارة المروية في رجال الشيخ الكشي في ترجمة ميثم التمار «يقتله العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة» (2)هذا وإن كانت الإشارة يمكن أن تدلّ على سميّة وربّما كانت أظهر من جهة .

وفي خطبة عاشوراء المروية في الاحتجاج : ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنين ....(3)وهذه العبارة صريحة بأنّ ابن زياد ولد الزنا أيضاً(4) مثل أبيه،

ص: 380


1- خالف شيخنا الجليل الطبري حيث قال : وكانت مرجانة امرأة صدق فقالت لعبيد الله حين قتل الحسين : ويلك ماذا صنعت وماذا ركبت .. الخ [ تاريخ الطبري 5 : 484] . (المترجم)
2- ليأخذنك ... رجال الكشي 1 : 85 رقم 140 . (هامش الأصل) جرى تطبيق ذلك . (المترجم)
3- بحار الأنوار 9:45ط بيروت. هامش الأصل 7:45 (المترجم)
4- يريد الإمام بالدعي استلحاقه بقريش ولكن نسبة الدعوة إلى عبيد الله هو ما قصده المؤلّف . (المترجم)

وسوف تسمع رأي أبناء العامة في ابن الزنا بأنّه أكثر نجابة (1)، والحق يقال : إنه لا أحد بعد الثاني أنجب من ابن زياد .

ولد ابن زياد ظاهراً في سنة ثمان وعشرين أو تسع وعشرين بعد الهجرة، و جمع له العراقان وهو ابن الثانية والثلاثين أي في سنة ستين من الهجرة، وكان أوّل وال يحوز في ولايته خراسان و آذربيجان والبحرين وعمان والهند وغالب الممالك الإيرانية ، ويقال : إن والده زياداً سبقه إلى ذلك. وفي عام واحد وستين شرع في قتل الحسين أرواحنا له الفداء.

وفي كتاب العقد الفريد أنّ عدد جيش الكوفة في عهد زياد كان ستين ألف مقاتل، ومن هنا يمكن العلم بما ورد في الأخبار المعتبرة من أنّ عدد الخارجين على الحسين كانوا ثلاثين ألفاً ولا غرابة في ذلك ؛ لأنّ الجيش الذي قوامه ستّون ألفاً يمكن تعبئة ثلاثين ألفاً منه في مدة وجيزة علاوة على ما يقال من أن ابن زياد يومها كان يستعدّ لقتال أهل الديلم ولكن طرأت وقعة كربلاء أثناء ذلك فحوّلت وجهه إليها دون بلاد الديلم، وبناءاً على هذا لا استبعاد في كثرة الجنود وتتابعها، فلعنة الله عليه وعلى جنوده.

ص: 381


1- إن الأحاديث الواردة في خبث ولد الزنا كثيرة، وفيها عناوين : منها : إن لولد الزنا علامات أحدها بغضنا أهل البيت. راجع سفينة البحار ، ذيل زني . ومنها : ولد الزناشر الثلاثة . راجع جامع الأصول لابن الأثير عن أبي هريرة 8: 79 الحديث 5924 ولكنّ بعض العامة يكذبون ذلك ويقولون : كذب الروافض ويلهم فيما ادعوا***في قولهم ابن الزنا لا ينجب هذا ابن خطاب الأمير وإنّه***أزكى البرية والأنام وأطيب تجارب السلف ، تصنیف هندو شاه صاحب نخجواني : 20 طبع بهمة ميرسيد حسن روضاتي ابن العلامة السيد محمد علي الروضاتي . وقال ميرزا حسن ابن الحكيم الصمداني في كتاب (الشمع واليقين) في معرفة الحق واليقين [بما يرجع إلى] قال القطب الشيرازي الشافعي في كتاب نزهة القلوب، نسب معاوية .... (المحقق)

وفي سنة سبع وستين هجرية - وكان عمره تسعاً وثلاثين عاماً - وصل إلى دركات الجحيم بيد واسطة الرحمة الإلهية والنعمة اللامتناهية إبراهيم بن الأشتر رضي الله عنهما، وتوجد في المقتل المنسوب إلى أبي مخنف واقعة عجيبة عن كيفية قتله ، ولما كانت الحكاية مستبعدة أعرضت عنها مع أنه لا غرض معتد به في هذه التفاصيل .

ومن العجايب أنّ قتله صادف ، أن قتله صادف يوم عاشوراء، ولما حملوا رأسه إلى الإمام السجاد فأدخل عليه وهو يتغدى، فقال علي بن الحسين علیهما السلام : أدخلت على ابن زياد لعنه الله وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه ، فقلت : اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي (1)كما فعل المخذول برأس الإمام المظلوم المبارك عليه وعلى جدّه وأبيه وأمه وأبنائه أفضل الصلاة

ص: 382


1- بحار الأنوار 45: 336. (هامش الأصل) و 45 : 335. (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ

الشرح: عمر بن سعد بن أبي وقاص من الصحابة وأصحاب الشورى المتخلفين عن أمير المؤمنين ، وكان من كبار رجال عصره، وكان يرمى بالدعوة - بكسر الدال - وقد تعرّض علماء النسب لذكر نسبه . وجاء في مروج الذهب حديث حول المقام ننقله استطرافاً واستطراداً وهو كما يلي:

روى المسعودي عن محمد بن جرير الطبري قال : لما حج معاوية طاف في البيت ومعه سعد، فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سریره، ووقع معاوية لعنه الله في علي علیه السلام وشرع في سبّه .

فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سبّ علي، والله لئن يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لئن أكون صهراً لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإن لى من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. والله لئن يكون قال لي ما قاله يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ليس بفرار ، يفتح الله على يديه أحب إلى من أن يكون لى ما طلعت عليه الشمس. والله لئن يكون رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت، ثمّ نهض.

ثم يقول المسعودي : ووجدت في وجه آخر من الروايات وذلك في كتاب عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة وغيره : إنّ سعداً لمّا

ص: 383

قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية (1)وقال له : اقعد حتّى تسمع جواب ما قلت : ما كنت عندي قط ألأم منك الآن، فهلا نصرته وقد قعدت عن بيعته ؟ فإنّي لو سمعت من النبي صلی الله علیه و آله وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشئت .

فقال سعد: والله إنّي لأحق بموضعك منك.

فقال معاوية : يأبى عليك ذلك بنو عذرة، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة.

قال النوفلي : وفي ذلك يقول السيد بن ذلك يقول السيد بن محمّد الحميري:

سائل قريشاً بها إن كنت زاعمه***من كان أثبتها في الدين أوتاداً

من كان أقدمها سلماً وأكثرها***حلماً وأطهرها أهلاً وأولادا

من وحد الله إذ كانت مكذّبة***تدعو مع الله أوثاناً وأنداد

من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا***عنها وإن بخلوا في أزمة جادا

من كان أعدلها حكماً وأقسطها***حلماً وأصدقها وعداً وإيعادا

إن يصدقوك فلم (2)بعدوا أباحسن***إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا

إن أنت لم تلق من تيم أخا صلف***ومن عدي لحق الله حجادا

أو من بني عامر أو من بني أسد***رهط العبيد ذوي جهل وأوغادا

أو رهط سعد وسعد كان قد علموا***عن مستقيم صراط الله صدادا

قوم تداعوا زنيماً ثمّ سادهم***لولا خمول بني زهر لما ساد (3)

ص: 384


1- ضرط له عمل بفيه ما يشبه الضراط والمؤلّف فهم المعنى على الحقيقة ولذا قال : بادی از خود رها کرد براى او ، أي أطلق له الريح من تحته ، وهذا ينافي ما هم عليه لعن الله معاوية. (المترجم)
2- فلن .
3- مروج الذهب :3: 15 ط دار الهجرة - ايران . (هامش الأصل) 3 : 24 و 25 ط مؤسسة الأعلمي تحقيق عبد الأمير مهنا (المترجم)

ومن هنا يعرف نسب عمر بن سعد وسلامة فطرته عليهما اللعنة، فقد ورث الولادة المشبوهة من والده المنافق.

وحكي عن تقريب ابن حجر قيل إنّه من الصحابة وهذا خطأ لأنّ يحيى بن معين جزم بولادته يوم وفاة عمر بن الخطاب (1)ولا ينافي هذا الجزم ما ورد في الكامل بأنّه سعى لنيل أبيه الخلافة بعد هلاك عثمان (2)لأنه يعلم منه أنه لم يكن في ذلك الوقت طفلاً.

وفي الكامل أيضاً: عن ابن سيرين قال عليّ لعمر بن سعد : كيف وأنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنار فتختار النار .(3)

وفي أمالي الشيخ الصدوق رواية يرويها عن أبيه المعظم عن الكميداني [الكمنداني - المؤلّف ] عن ابن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن عبدالله السمين ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا أمير المؤمنين علیه السلام يخطب وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلا نبأتكم به .

فقام إليه سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة.

فقال له : أما والله لئن سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله إنّك ستسألني عنها وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه .(4)

ص: 385


1- يقال : إنّ المولود في تلك الليلة هو عمر بن أبي ربيعة ولذا سمي باسم عمر . (المترجم)
2- کامل ابن الأثير 3: 33 بيروت - دار صادر . (هامش الأصل)
3- الكامل لابن الأثير :3: 33 بیروت - دار صادر . (هامش الأصل) 4 : 47. (المترجم)
4- أمالي الشيخ الصدوق : 133.

وهذا الخبر غاية في الضعف لضعف الكمنداني، وجعفر بن محمد الكوفي، وعبيد بن سمين مجهول بل ابن عيسى أيضاً، وإن كان المناسب في تدرّج الطبقات أن يكون الواسطة بين الكمنداني وابن أبي نجران أحمد بن محمد بن عيسى ، ولكن كان التعبير بابن عيسى خلاف المعهود .

وزبدة القول أنّ السند معلول والقرائن الدالة على خلافه واحد أو اثنان، وأوضحها أنّ سعداً كان من المتخلفين عن بيعة الإمام علیه السلام ولم يطأ أرض الكوفة

الهلال يومئذٍ ولم يضمّه مجلس تحت منبر الإمام علیه السلام مضافاً إلى أن سعداً يحظى بشيء من الاحترام لهجرته ولكونه أحد الذين رشّحهم عمر للخلافة، ولما كان عصر الإمام يتسم باضطراب الأمور وعدم الانتظام فلا يستدعي الحال هذا الجواب الشديد من جانب الإمام علیه السلام ، بل كان الإمام نفسه على طرف التقية وتأليف القلوب على أنّ سمة الصلاح الظاهري على سعد يردعه عن سؤال الجهال والحمقى .

ويؤيّده ما ورد في الاحتجاج نظير هذه الرواية مع اختلاف يسير وفيها مكان سعد وقام رجل وصرّح بطفولة وصغر تلك السخلة التي ما زالت تحبو على يديها ورجليها ويمكن أن يراد منه يزيد أبو خولى أو أنس أبو سنان، أما ذوالجوشن أبو الشمر فلم يكن أسلم بعد .(1)وكان الشمر في زمن أمير المؤمنين يعدّ من الرجال الأبطال كما سنذكره قريباً.

وخلاصة القول : كان لعمر بن سعد يوم عاشوراء من العمر سبع وثلاثون عاما ، وقتل في سنة ست وستين هجرية بيد كيسان أبي عمرة بأمر من المختار، وأقبلوا

ص: 386


1- ترجم له ابن حجر في الإصابة وقال : اسمه ذو الجوشن الضبابي - إلى أن يقول : وقيل له ذلك «ذوالجوشن» لأنّ صدره كان ناتئاً وكان فارساً شاعراً - إلى أن يقول : - وله حديث عند أبي داود من طريق أبي إسحاق عنه وقال إنه لم يسمع منه وإنما سمعه من ولد شمر ، والله أعلم . [2 : 410] وهذا يدل على أنه أسلم ولا يشك أحد بذلك ولكنه سرق من صدقات رسول الله عندما استعمله عليها . (المترجم)

بالرأس إلى مجلسه ووضع بين يدي ولده حفص، وقال له المختار : هل تعرف هذا ؟ فقال : نعم ولا خير في الحياة بعده، فأمر المختار بقطع رأسه وقال : عمر بالحسين وحفص بعلي بن الحسين ، لا والله ولو قتلت ثلاثة أرباع قريش لا تعدل أنملة من أنامل الحسين علیه السلام ، واستجيب للحسين دعائه عليه حيث قال: «سلّط الله عليك من يذبحك على فراشك لأنه وصل إلى دركات الجحيم من بيته وهو آمن في غاية الذل والمهانة.

نادرة

في تقريب ابن حجر - كما نقل الرواة ذلك - أن عمر بن سعد بن أبي وقاص المدني نزيل الكوفة صدوق لكن مقته الناس لكونه أميراً على الجيش الذين قتلوا الحسين من الثانية ، قتله المختار سنة خمس وستين أو بعدها ووهم من ذكره في الصحابة فقد جزم ابن معین بانه ولد يوم مات عمر بن الخطاب.. (1)انتهى .

وهنا يملك الإنسان العجب من اعتبار ابن سعد من طبقة التابعين بإحسان ويُعدّ له ويريد بحيلة أن يبرئه من قتل ريحانة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حيث يقول : كان أميراً ولا يقول : قتل الحسين علیه السلام .

والحق يقال : إن الدين الذي يرى يزيد إماماً مفترض الطاعة لا بدع إذا رأى ابن سعد عادلاً صادق اللهجة، ومنه يأخذون أحكام الدين وسوف نشير إلى ذلك فيما يأتي (2)من أنّ قواعد دين أهل السنة توجب أن لا يكون هؤلاء خارجين على الدين ، أنعم بهذه الشريعة والملة ، وأنعم بهذه الطريقة والمذهب(3).

ص: 387


1- تقريب التهذيب 1 : 717 طبعة ثانية ،1415 ، بيروت - دار الكتب العلمية . (المترجم)
2- في شرح «أمة أسرجت وألجمت وتنقبت» وشرح حال يزيد بن معاوية لعنهما الله . (هامش الأصل)
3- يقول ذلك على طريقة الهزء بهم ، أنعم وأنعم . (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً

الشرح : شمر هو ابن ذي الجوشن لعنه الله ، وقيل اسمه أوس، وقيل اسمه شرحبيل بن الأعور الضبابي.

وجاء في أسد الغابة لابن الأثير في باب الذال : وإنّما قيل له ذوالجوشن لأنّ صدره كان ناتئاً.

يقول : أتيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ابن فرس لى يقال لها القرحاء ، فقلت : يا محمد ، أتيتك بابن القرحاء للتخذه ، قال : لا حاجة لي فيه، إن أحببت أن أقيضك به المختارة من دروع بدر فعلت . قال : قلت : ما كنت لأقيضه ، قال : فلا حاجة لي فيه .

ثم قال: يا ذا الجوشن ، ألا تسلم فتكون من أوّل هذه الأمة ؟ قال : قلت : لا ، قال : ولم ؟ قال : قلت : لأني رأيت قومك قد ولعوا بك، قال: وكيف قد بلغك مصارعهم ؟ قال : قلت : بلغني . قال : فأنّى يهدى بك ؟ قلت : أن تغلب على الكعبة وتقطنها ، قال : لعلّ إن عشت أن ترى ذلك، ثم قال: يا بلال، خذ حقيبة الرجل فزوده من العجوة (أغلى التمر - المؤلّف) فلما أدبرت قال : إنّه من خير فرسان بني عامر .

قال : فوالله إنّي بأهلي بالعودة إذ أقبل راكب، فقلت: من أين؟ قال: من مكة فقلت ما الخبر ؟ قال : غلب عليها محمّد ،وقطنها ، قال : قلت هبلتني لو أمّي أسلمت يومئذٍ ثمّ سألته الحيرة لأقطعنيها (1)وهذا مختصر الكلام المنقول عن ابن الأثير.

ثم يقول ابن الأثير بعد ذلك : وقيل : إنّ ابن إسحاق لم يسمع منه وإنما سمع

ص: 388


1- ابن الأثير ، أسد الغابة 2 : 138 . (المترجم)

حديثه من ابنه شمر بن ذي الجوشن (1)لعنه الله ..

وأمّ الشمر كما يظهر ذلك من خطاب الإمام الحسين له (يابن راعية المعزى)(2)يظهر من حاله أنّها معروفة بدنائة الفطرة وخبث الذات، لأنّ هذه الكلمة سواء أجريت على الحقيقة أو المجاز فإنّها دالة على القصد ولا شبهة في خباثة مولد الشمر وسوء نسبه وأنّه لغير رشده مطلقاً .

وكان الشمر لعنه الله يُعَدّ من شجعان الكوفة أصحاب الصيت، وكان في أوّل أمره مع أمير المؤمنين علیه السلام في عسكره.

وفي كتاب «نصر بن مزاحم» وذكر ذلك غير واحد من المؤرّخين العامّة والخاصة وروا عنه أنه قد كان خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاوية إلى شمر بن ذي الجوشن في هذا اليوم، فاختلفا ضربتين فضربه أدهم على جبينه فأسرع فيه السيف حتى خالط العظم وضربه شمر فلم يصنع شيئاً فرجع إلى عسكره فشرب ماءاً وأخذ رمحاً ثم أقبل وهو يقول :

إنّي زعيم لأخي باهله***بطعنة إن لم أمت عاجله (3)

وضربة تحت الوغى فاصله***شبيهة بالقتل أو قاتله

ثم حمل على أدهم وهو يعرف وجهه وأدهم ثابت له لم ينصرف، فطعنه فوقع عن فرسه(4).

ورأيت في بعض الكتب وأنا أتذكرها الآن أنه انتمى إلى الخوارج وفعل فعلته الشنعاء يوم عاشوراء وهو منهم .

ص: 389


1- نفسه 2 : 138 (المترجم)
2- بحار الأنوار 45: 5 ط لبنان (هامش الأصل) جرت مطابقته، ويوجد في لواعج الأشجان للسيد الأمين : 123 . (المترجم)
3- (إن لم تكن عاجله - المؤلّف) ولا معنى لها (المترجم)
4- ابن أبي الحديد ، شرح النهج 5 : 213 (المترجم)

كان الشمر رجلاً أبرص . وروي في كتب العامة والخاصة مثل حياة الحيوان والبحار وغيرهما عن صادق آل محمد ، قيل له : كم تتأخر الرؤيا ؟ (فذكر منام رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم فكان التأويل بعد ستين سنة) (1)أن النبي صلی الله علیه و اله وسلم رأى كلباً أبقع - أسود وأبيض - يلغ في دمه فعبرت الرؤيا بالشمر لعنه الله (2).

وكذلك جاء في بحار الأنوار عن سيّدالشهداء إنّه قال للشمر : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها علي كلب أبقع (3). فلعنة الله عليه لعناً يملأ أقطار السماوات وآفاق الأرضين.

وقد أطرف الحسين بن الحجّاج البغدادي في قوله - ولعله يهجو به ابن سكرة الناصبي خذله الله :

وأبرص من بني الزواني***ملمع أبلق اليدين

قلت وقد لج في أذاه***وزاد ما بينه وبيني

يا معشر الشيعة أدركوني***قد ظفر الشمر بالحسين

وأخيراً قبض عليه المختار بن أبي عبيد سنة ست وستين للهجرة وأناله جزائه كما ورد في الكامل (4).

أو إنّه قُتل بيد أبي عمرة في قرية قريبة من الكوفة كما جاء ذلك في رسالة الشيخ الأجل ابن نما (5)سقى الله قبره.

ص: 390


1- هذا ما ذكره صاحب البحار ولكن المؤلف أورد قول النبي : رأيت كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي [بحار الأنوار 45 31] (المترجم)
2- بحار الأنوار 45: 31 (هامش الأصل)
3- نفسه 56:45 (هامش الأصل) ص 88 (المترجم)
4- بحار الأنوار 45: 336 كامل ابن الأثير 4 : 237 ط بيروت. (هامش الأصل)
5- بحار الأنوار 45: 338 (هامش الأصل)

وعن أبي الحسن علي بن سيف المدائني المؤرّخ المعروف ، وفي أمالي (ابن) الشيخ رضي الله عنهما أن شمراً طلبه المختار فهرب إلى البادية ، فسعي به إلى أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالاً شديداً فأثخنته الجراحة فأخذه أبو عمرة أسيراً وبعث به إلى المختار فضرب عنقه وأغلى له دهناً في قدر وقذفه فيها فتفسخ ووطئ مولى لآل حارثة بن مضروب وجهه ورأسه(1).

ولكن ذكر في نفح الطيب تأليف أحمد بن محمد المقري المالكي المغربي في تاريخ الأندلس أن الشمر قد فرّ من المختار بولده من الكوفة إلى الشام (فلما خرج كلثوم بن عياض للمغرب كان الصميل فيمن خرج معه ودخل الأندلس في طالعة بلج وكان شجاعاً جسوراً على قلب الدول فبلغ ما بلغ(2).

وإمارة الصميل وإن ذكرت في عبر ابن خلدون وغيره إلا أن هروب الشمر من الشام لا يلائم الواقع لأن مؤرّخي المشرق اتفقت كلمتهم على قتله، ويمكن أن يكون في هروبه الأول الذي نقلناه عن ابن نما ، لم يمكن الله من أولاده الخبيث فتواروا في بلاد الشام التي هي معدن النواصب واستقروا هناك ، ومن الشام انتقلوا إلى الأندلس التي تعرف اليوم بأسبانيول ، وكانت تشتهر قديماً باسم اسبانيا، فلعنة الله عليه وعلى من انتسب بعمله إليه .

ص: 391


1- الأمالي 1 : 250 الجزء التاسع ط النجف . (هامش الأصل) ونقلنا العبارة كلها من أمالي الطوسي : 244 المجلس التاسع . (المترجم)
2- هذا ما ذكره المقري 3: 26 ، وليس فيه ما ذكره المؤلف من أنّ الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن تأمر هناك وإنّما قال : وإنما ذكر ابن حيان أنّ القائم بدولة يوسف والمستولي عليها الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن الكلابي وجده شمر قاتل الحسين . 3: 27 (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ

الشرح : الإسراج اشتقاق جعلي من لفظ سرج وهو جامد لأن كل لفظ يتوقف جريان الحدث في معناه فهو جامد، ويكون الاشتقاق منه خلافاً للأصل ، لأنّ معنى الجريان والتحوّل الذي هو من لوازم المصادر لا يوجد فيه، مِن ثَمّ يسمّى هذا النوع من الاشتقاق الاشتقاق الجعلي، وقولهم في تعرّف التعدية ب_«جعل الشيء ذا مصدره» مبنى على التغليب أو أنّ القصد هو المصدر المطلق الذي هو المبد ومعنى أسرج جعله ذا سرج كما لا يخفى.

الإلجام : نظير الإسراج وهو مأخوذ من اللجام وهو معرب لكام تحقيقاً كما جزم بذلك الجوهري ولا وجه لترديد الفيومي والخفاجي .

تنقبت : يحتمل لهذا اللفظ وجوه منها ما ذكرها العلماء ومنها ما اختصصت باستنباطه .

منها : أنّه مأخوذ من النقاب الذي تضعه المرأة على وجهها حقيقةً وذلك إشارة إلى ما كان يفعله القوم في الحروب حين ينتقبون، وهذا الوجه ذكره في البحار .(1)(2)

الوجه الثاني : أن يكون من ذلك المعنى على وجه الاستعارة فإنّ النساء ينتقبن حين الخروج من منازلهن ومثلهنّ الرجال حين يخرجون إلى الحرب يحملون

ص: 392


1- بحار الأنوار 101: 301 ط طهران. (هامش الأصل) و 98 : 302: قال الكفعمي : يمكن أن يكون المعنى مأخوذاً من النقاب الذي للمرأة ، أي اشتملت بآلات الحرب كاشتمال المرأة بنقابها فيكون النقاب هنا استعارة.
2- يشهد له ما في البحار 35 60 ط طهران ابن عباس قال : لما نكل المسلمون عن مقارعة (قارع القوم : ضارب بعضهم بعضاً) طلحة العبدوي تقدّم إليه أمير المؤمنين ، فقال طلحة : من أنت ؟ (فحسر لثامه) (ما كان على الأنف وما حوله من ثوب أو نقاب) فقال : أنا القضم : (السيف) علي بن أبي طالب .

السلاح ويشتملون عليه شبه لامة الهيجاء بنقاب النساء، وهذا الوجه ذكره الكفعمي في حاشية المصباح .(1)

وكلا الأمرين بعيد غاية البعد لاسيما الثاني وهو ينافي الأذواق السليمة إذ لا وجه بين نقاب المرأه واستعداد الرجال للحرب، اللهمّ إلّا علاقة التضاد وإن لم

يذكره.

الوجه الثالث : مأخوذ من التنقيب بمعنى السير في الطريق مثل : «فَنَقَّبوا في الْبِلادِ» (2)وهذا المعنى قريب معناه بعيد لفظه وهو من الكفعمي أيضاً(3) عليه الرحمة .

الوجه الرابع : يكون مأخوذاً من النقبة وهو ثوب يشتمل به كالإزار (4)وهو شبيه بالسروال ، وتجعل له حجزة أي الموضع الذي يعقد منه ويمر الحزام منه من دون خصر. ويظهر من بعض موارد الاستعمال أنّه لباس يلتجأ إليه الفارس أحياناً بسهولته أو لأسباب غيرها . إذن هو كناية عن ذلك التهيؤ والإعداد ومن موارد استعماله العبارة المنسوبة إلى عمر التي تعرّض العلماء لشرحها مفرقة وقد وردت بتمامها في شرح نهج البلاغة . قال يذكر حال صباه في الجاهلية : لقد رأيتني مرّة وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً لنا قد ألبستنا أمناً نقبتها وزودتنا يمنتيها من

ص: 393


1- مصباح الكفعمي : 483 ، بحار الأنوار 302:101 (هامش الأصل)
2- ق : 36
3- أو يكون معنى تنقبت سارت في نقوب الأرض وهي طرقها الواحد نقب، ومنه قوله تعالى : «فَنَقَّبوا في الْبِلادِ» أي طوفوا وساروا في نقوبها أي طرقها ، قال : لقد نقبت في الآفاق حتى***رضيت من الغنيمة بالإياب راجع مصباح الكفعمي : 483 ، والبحار 98: 302. (المترجم)
4- بحار الأنوار 98: 302

الهبيد فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي وخرجت أسعى عرياناً فنرجع إلى أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فيا خصباه(1). ومنه يعلم حاله مع أخته في البادية وحال الناس معه عرياناً فتذكر حديث الإمارة التي سبق إلى ذكرها الإشارة (2)وتأمل حق التأمل في هذه العبارة.

وبناءاً على هذا تكون العبارة كقول القائل : ارتدى ثوبه أو لبس سرواله ، وهذا المعنى عرض لي أولاً ثمّ عثرت عليه في إشارة وردت في كلام الكفعمي(3).

الوجه الخامس : لا يبعد أن يكون المعنى كما تراثي لي أنه مأخوذ من نقب خف البعير إذا رقّ كما جاء في الشعر :

أقسم بالله أبو حفص عمر***ما مسها من نقب ولا دبر

وصرّح في الأساس أن تنقب بمعنى نقب، وهو كناية عن التعب والعنت في هذا العمل .

الوجه السادس : واحتمل احتمالاً أن يكون مأخوذاً من النقابة بمعنى الرياسة ومعنى ذلك أنّهم جمعوا العساكر وجيشوا الجيوش.

الوجه السابع : مأخوذ من النقاب بمعنى العريف أو بمعنى البصيرة، وانطباقه على ما نحن فيه أنّه إشارة إلى أنّهم علموا بالحرب وتأكدت لديهم أسباب القتال وتعرّف وجوه الجدال، وتنقب بمعنى تجسس وتتبع(4).

ص: 394


1- شرح ابن أبي الحديد 12: 20 مع اختلاف بسيط في بعض الكلمات (المترجم) ابن أبي الحديد 12: 130 ط بيروت. (هامش الأصل)
2- تجدها في شرح العن الله عمر بن سعد تحت عنوان «نادرة». (هامش الأصل) أورد المؤلف العبارة بالعربية.
3- المصباح للكفعمي : 483 ، بحار الأنوار 101 : 302 ط طهران . (هامش الأصل)
4- لسان لاعرب مادة نقب . والنقاب العالم بالأمور ، والنقاب المنقب - بالكسر والتخفيف - الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها والتنقيب عليها .

الوجه الثامن : أنه مشتق من النقيبة بمعنى المشاورة.

وهذان الوجهان الأخيران لم أجدهما في كتاب أحد والذي ثبت في كتب اللغة من هذه الوجوه هو تنقب المرأة وتنقب خفّ البعير ، ولم أعثر على باقي الوجوه لحد الآن في كتب اللغة ، ولكن بما أن هذا الاستعمال ثابت وأنّ الإخلال بوجوه المشتقات من المجرد والمزيد أكثر من النجوم وخ-ارج-ة ع-ن ح-د الإحصاء والحصر، وكل واحدة من هذه المحتملات من الوجوه لا تخلو من مناسبة فلا مانع من ذكرها ، وإن كان - والحق يقال - لا يخلو وجه منها من وجود الخلل، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً .

التهيؤ : مشتق من الهيئة وهو بمعنى الكيفية الحاصلة من اكتناف أعراض مختلفة مثل الوضع واللون والمقدار على الجسم والفرق مابينها وبين الصورة يظهر باختلاف العرضيّة والجوهرية اصطلاحاً وإن استعملت الصورة عرفاً بالمعنى الأعمّ، والظاهر أنّ الأيئة والهيئة من أصل واحد، وحصل هذا الاختلاف من الإبدال. وباب الإبدال واللثغ باب واسع في لغة العرب، وعمد جماعة إلى استيفاء هذين البابين ومع ذلك بقيت عليهم مستدركات، وفي الزوايا خبايا ، وهذا المعنى اشتبه على صاحب القاموس في غالب ما كتب عنه، وعزى موارد الإبدال إلى تعدّد اللغة، ومن المواضع المنصوصة :

إبدال الهمزة والهاء : «هيم الله وأيم الله» في القسم.

و «هنا وأنا» في ضمير المتكلّم.

و«هيا وأيا» في النداء.

و«لهنّك ولأنك» في التأكيد.

و«هيه وايه» فى الاستزادة.

و«هال وآل» و«هداه وأدا»ه و «هروت وأروت» و «هراق وأراق» في الإراقة .

ص: 395

و«هسد وأسد» و «هجيج وأجيج» و«هياك وأياك» في الخطاب.

و«هوقه وأوقه» بمعنى الجماعة.

و«باه وباء» بمعنى الجماع. و أرجاه وأرجاء بمعنى التأخير.

و«بده وبدأ» و «داره و درأ» بمعنى طلع ودفع .

إلى غير ذلك من المواضع. ويؤيّد قول النافين إصالة عدم الوضع والذي له أنس ومعرفة بوجوه لغة العرب واختلاف ألسنتهم في الزيادة والنقصان التغيير والتبديل يجزم بصحة دعوى النفي.

وجملة القول : معنى التهيؤ اتخاذ هيئة أمر ما والاستعداد لأدائه، والتهيئة إعطاء الهيئة وإعداد العدة للأمر ، والله العالم .

ص: 396

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي

الشرح : وضع هذه الجملة في الأصل للدعاء بالفداء، ويكون المعنى هكذا : إذا داهمك بلاء أو آفة يجعل الله روح أبي وأمي فداء ووقاءاً لك، ويقع بهما البلاء

دونك ، ويدلّ هذا الكلام على تقديم المفدّى فى المحبة والإعزاز على الوالدين وتتوقف صحة الاستعمال على حياة المخاطب وحياة الوالدين ، لأن الميت لا يفدى ولا يُفدّى، وهذا المعنى غير خاف على أهل الفهم والإدراك. ومن هذا المعنى قول الكميت بن يزيد الأسدي في إحدى هاشمياته السبع يذكر فيها النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيقول :

أنقذ الله شلونا من شفا النار***به نعمة من المنعام

لو فدى الحي ميتاً قلت نفسي***وبني الفدا لتلك العظام

وفيه نقد يعرفه من ذاق طعم الأدب ونسل إليه ولو من حدب(1)وجملة القول : أنّ هذه الجملة التي نُقلت بلغت أعلى حدّ للظهور ؛ إما لغلبة الاستعمال أو للشهرة في مطلق التعظيم والإكبار لأحد من الناس ، وهذا القول لازم

ص: 397


1- لعله يشير إلى قوله : «أنقذ الله شلونا» لأنّ الشلو الجلد والجسد من كلّ شيء وكلّ مسلوخة أكل منها شيء فبقيتها شلو ولكن الشلو مأثور عن غيره من الشعراء كما قال الراعي : فادفع مظالم عيلت أبناءنا***عنا وأنقذ شلونا المأكولا فليس على الكميت نقد في استعمال هذا اللفظ على سنن إخوانه الشعراء ، وأغلب الظن أن المؤلّف انتقده على لفظ العظام التي أطلقها على النبي وهي لفظة مستكرهة في نعته . ( المترجم)

المعنى الأوّل وغالباً ما يؤتى بها ، ولا يراد منها إلا تجليل المخاطب وتعظيمه.(1)

ص: 398


1- الغرض من ذلك تجليل وتعظيم المخاطب ليس إلا لأن في كثير من الموارد لا توجد شرائط الفداء و بیان هذا المطلب كما يلي : أربعة شروط لازمة في الفداء الحقيقي : 1 - أن يكون المفتدي - اسم فاعل - حيّاً . 2 - أن يكون المفتدى - اسم مفعول - حياً أيضاً . 3 - من يفدي أدنى قدراً ممّن يفدى - بالبناء للمجهول. 4 - لا يجوز أن يكون الفادي أسمى قدراً . فإذا فقدت هذه اللوازم الأربعة كان الفداء صورياً لا واقعياً، ونحن نشاهد عدم رعاية هذه اللوازم الأربعة في كثير من الحالات في الأحاديث المروية عنهم، ومن أجل إثبات ذلك نأتي بشاهد من الروايات لكل لازم من هذه اللوازم الأربعة . أما الأول : عن علي بن الحسين ... وأقبل أمير المؤمنين ونزل جبرئيل على النبي فقال له : يامحمد اقرأ «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»«وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى»«وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى»[سورة الليل] إلى آخر السورة ، فقام النبي علا الله وقبل بين عينيه ثم قال : بأبي أنت قد أنزل الله فيك هذه السورة كاملة. [بحار الأنوار 37:41 الرقم 15 ، وراجع : بحار الأنوار 41: 270 طبع طهران] . أما الثاني : سويد بن : سويد بن غفلة قال : دخلت على عليّ بن أبي طالب ... ويحك يا فضة ، ألا تتقين الله في هذا الشيخ ؟ ألا تنخلون له طعاماً مما أرى فيه من النخالة ؟ فقالت : لقد تقدّم إلينا أن لا ينخل له طعام ، قال : ما قلت لها فأخبرته [ أي علياً ] فقال : [ علي ] بأبي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عز وجل [بحار الأنوار. 40 : 331، ومثله بحار الأنوار 41: 138]. أما الثالث : بالإسناد عن جابر بن عبد الله أنّ النبي أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه وطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منها شيئاً فأتى فاطمة فقال : يا بنية ، هل عندك شيء أكله فإنّي جائع ؟ فقالت : لا والله بأبي أنت وأمي ، فلما خرج ... فرجع إليها ، فقالت : بأبي أنت وأمي قد أتانا الله بشيء . [بحار الأنوار 68:43] وهذه التفدية من العجايب فإنّ فاطمة أفدت ( كذا) أباها لأبيها ، ولا تعدّد في ذلك وأفدت (كذا) أمها الميت (كذا) للحي . أما الرابع : روى المجلسي بالإسناد عن ابن عباس : لما كنا في حرب صفين دعا عليا ابنه محمّداً بن الحنفية، وقال له : يا بني شدّ على عسكر معاوية فحمل على الميمنة ... ثم رجع وبه جراحات وهو يقول : الماء الماء يا أبتاه.. فسقاه جرعة من الماء وصب باقيه بين درعه وجلده ، ثم قال : يا بني ، شدّ على القلب فحمل عليهم وقتل منهم فرساناً ثم رجع إلى أبيه وهو يبكي وقد أثقلته الجراح، فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه (مما بين عينيه - خ) وقال له : فداك أبوك فقد سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي فما يبكيك أفرحاً أم جزعاً [بحار الأنور 106:42 ط طهران ، وراجع أيضاً 42: 117 و 43: 142 و 153 الرقم 11 ط طهران ]. (المحقق)

وصارت من الألفاظ المتداولة للتعارف كالألفاظ التي تصدر بها المكاتيب ومبادئ المراسلات في هذا الزمان من قبيل : فداك ما عداك ، وروحي فداك، وغيرها، وليس غرض القائل أو الكاتب الفداء الواقعي منها وإنّما تذكر لبيان رعاية عظمة المكتوب إليه وملاحظة قدره.

ومن هذا النمط عبارات الزيارة، وإن كان الإمام المخاطب باعتقادنا حيّاً وسميعاً بصيراً، ولكن ذلك لا يؤثر في المعنى، لأن صحة استعمال هذا الكلام مبني على الحياة الصورية الدنيوية، مضافاً إلى أن الفداء وهو الأبوان غالباً ما يكونان في عداد الموتى، ولم يحتمل أحد التفصيل في صحة الخطاب ، فيصح إن كانا حيين ويبطل عند موتهما، وإن كان بالإمكان رفع هذا الإشكال بالتنزيل والفرض، فيقال : إن مراد القائل للمخاطب إنّك أصبحت عندي بمنزلة لو كان والداي حيّين لفديتهما لك ولكن هذا الفرض لا يطرد في جميع الأمثلة.

ولا يصح استعمال هذه العبارة في كثير من الموارد كالرواية المنقولة عن الإمام الباقر في خطابه لأصحاب سيد الشهدا بأبي أنت وأمي(1). ولو احتمل كون الإمام

قال ذلك للتعليم ولم يقصد أباه بل تعليم السامع كيفية الزيارة مع كونه بعيداً .

ويمكن دفع الإشكال بقولنا إنّ الأئمة داخلون في عموم الحكم، وحينئذ

ص: 399


1- كامل الزيارات : 176 - 179 ، بحار الأنوار 101 : 292 ط طهران . (هامش الأصل)

يستحب لهم تلاوة هذه الزيارة والقول للأصحاب بأبي أنت وأمي ، ووالد الإمام إمام وبالطبع لا يصح فدائه لأي واحد من صحابة الحسين علیه السلام بالضرورة.

ومن هذا القبيل كلمات عقيلة الرسالة سلام الله عليها: «بأبي المهموم حتى مضى..» إلى آخر ما قالته في نياحتها على الإمام المظلوم (1)ذلك اليوم ، لأنّ الإمام أمير المؤمنين أجل قدراً من الإمام الحسين .

وذكرها النبي وفاطمة وخديجة في النياحة إما لأن فقد الحسين سيّدالشهداء فقد لهم جميعاً كما قالت ليلة العاشوراء: «اليوم مات جدّي رسول الله»(2) فناحت عليهم جميعاً ، أو أنّ العرف جرى بذكر النائح المعزى كبار أهله وإشرافهم من الموتى ويبكي على كلّ واحد منهم على حدة كما عليه الحال اليوم وعلى كل حال ما من وسيلة لدفع الإشكال في قوله : «بأبي خديجة الكبرى» إلا ما قلناه من الإشارة التي سلفت . والمنصف المتتبع لا يغفل من رشاقة هذا التحقيق.

ص: 400


1- «بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جده رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبي الهدى، بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء، بأبي من رُدّت عليه الشمس حتى صلى ...» [بحار الأنوار 45: 59 ، ط بيروت] . (هامش الأصل)
2- «یا حزناه، یا کرباه ، اليوم مات جدي رسول الله» [بحار الأنوار 45 59ط لبنان ] . اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن» [بحار الأنوار 2:45 ط لبنان] . (هامش الأصل)

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِك

الشرح : اللام جواب لقسم مقدر والتأكيد بالقسم و«قد» التي هي حرف تحقيق للإشارة إلى عظم المصيبة ويجوز في لفظ مصاب احتمالان:

الاوّل : اعتبار مصاب اسم مفعول مع حذف صلته وهي الباء حيث حذف حرف الجرّ وناب عنه الضمير المجرور فكان هو العامل ويسمى هذا النوع من الحذف في علم البيان الحذف والإيصال ، مثل لفظ «مشكوك ومولود» فإن معناه فيه ومولود فيه، وبناءاً على هذا يكون معنى المصاب والمصيبة واحداً فيقال: أصيب زيد بمرض كذا وزيد ،مصاب، والمرض مصاب به.

وباعتبار آخر يلحظ المرضى على أنه فاعل وزيد مفعول به ، لأنّ المرض وقع عليه، وحينئذ لا غرو أن يدعى المرض مصيبة، وأنّث بالتأويل(1)والفرق بين أصاب الله زيداً بكذا وأصاب زيداً كذا لا يدخل في لب المعنى ولا روح المطلب الذي نحرّره فلا نعرض له ، وإنّما الاختلاف يحدث بناءاً على وجوه الاعتبارات المقصودة للمتكلّم ، وبناءاً على هذا تكون الباء في «بك» للسببية، وأطلق عليها المتأدبون من الأدباء هذا الاسم وسماها القدماء باء الاستعانة ، ولما كانت هذه الباء تدخل على الأفعال الربانية كقولنا «خلق بكذا» و«أنشأ بكذا» لزم من ذلك نسبة الاستعانة إلى الواحد المتعالي سبحانه، وهو خارج عن حدود التأدب وقانون التعبّد .

الاحتمال الثاني : أن يكون «المصاب» مصدراً ميمياً من الإصابة ؛ لأنّ القاعدة في العربية أن يصاغ المصدر الميمي واسم الزمان واسم المكان من الأفعال

ص: 401


1- هو تأنيث مجازي، وتاء التأنيث لا تختص بالمؤنث فقط بل تدخل على الأسماء المذكرة مثل طلحة وشيبة وعتبة وغير ذلك . (المترجم)

المزيد، على صيغة اسم المفعول، وهي مسألة قياسية، وتكون هيئة اسم المفعول للمعاني الأربعة في هذا الباب المشترك، وهذه المسألة وإن كانت من الواضحات التي لا تحتاج إلى الشرح والإبانة إلا أنّ ابن أبي الحديد اختلط عليه الأمر فجاء بكلام عجيب نأتي به من باب الاستطراف والاستطراد، قال في شرح هذه الكلمة : «الآن إذ رجع الحق إلى أهله وانتقل إلى منتقله»(1): ومنتقل مصدر بمعنى الانتقال، نظير قولك: «ما معتقدك» أي اعتقادك .

وهنا غفل الشارح غفلة شديدة لأنّ منتقل نفسه اسم مكان ولا حاجة به إلى المضاف بل إذا ذكر لفظ الموضع وأضيف إليه فسد الكلام وصار غاية في الضعف والركاكة بخلاف موضع انتقاله وكذلك مالوا بدل لفظ منتقل بلفظ انتقال، فإنّ العبارة تنحط عن رتبة الفصاحة وتنزل عن الدرجة المتعارفة، وهذه الجملة لمجرّد الإشعار وإلا فإنّ المدعى كالشمس في رائعة النهار ، وما استشهد به من الشعر مع عدم الحاجة إليه فإنّه خطأ؛ لأنّ المعتقد يراد بظاهره وهو المفعول،

يقال : اعتقده واعتقد به .

وعلى كل حال، فالسؤال عن متعلّق الاعتقاد من قبيل العدل والتوحيد والتشيّع ، وهذه هي تعلّقات الاعتقاد المسئول عنها وغيرها، لا عن الاعتقاد الذي هو من مقولة الكيفيات الحاصلة في النفس، وما يقولونه من قولهم : ما اعتقادك مجاز فيه والمراد ما معتقدك بعكس ما تخيّله الشارح وهذا الخطأ من مثله الذي قضى عمره في تطلب علوم العربية وقواعد لغتها ونحوها وصرفها، وكان يدعي بلوغ الغاية القصوى ولم يتنازل عن عرشها قيد أنملة خطأ لا يحتمل وهو غاية في

ص: 402


1- شرح ابن أبي الحديد 1: 139 (المترجم) خطبه 2 ابن أبي الحديد 1: 140 ط بيروت. (هامش الأصل)

الغرابة ، والله العاصم (1).

وجملة القول : إنّ لفظ «مصاب» يأتي بمعنى الإصابة كما جاء في البيت التالي :

أظليم إن مصابكم رجلاً***أهدى السلام تحيّة ظلم

بنصب «رجلاً». روي أنّ أن إحدى القيان غنت في مجلس الواثق بهذا البيت ونصبت رجلاً، فجرى خلاف بين العلماء الحضور في النصب والرفع، وكانت الجارية تصرّ على النصب وتزعم أنّ أبا عثمان المازني له نصب وسمعت ذلك منه ، فأمر الواثق بإحضاره من البصرة.

ومن غرائب الاتفاق أن رجلاً من أهل الذمة تقدّم إليه في ذلك الوقت بحضور درسه في كتاب سيبويه فأبى عليه المازني ذلك وأغراه بدفع مأة دينار لقاء ذلك فامتنع أشدّ الامتناع وقال له المبرد: مالك رددته مع الحاجة وشدّة الفاقة ؟ فقال له : إنّ في كتاب سيبويه ثلاثمائة آية من كتاب الله تعالى ولم أستسغ تسليط هذا العلج عليه.

وخلاصة القول أن المازني قدم على الواثق وسأله عن إعراب البيت، فقال: النصب متعيّن ، فأخذ أحد الجالسين يحاوره ، فقال له المنزلة : هذه العبارة بمنزلة قولك: «ضربك زيداً ظلم» وأفلج الحاضرين بحجّته فأمر له الواثق بألف دينار.. وظهرت بهذه الواقعة كرامة للقرآن.

وعند التأمل يدرك الإنسان رغبة القوم في العلم والأدب حيث تحمّلوا المشاق من أجل إعراب جملة واحدة وكان ثمنها ألف دينار ذهباً، ولكن في زماننا هذا

ص: 403


1- يقول الشارح وانتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره إلى موضع منتقله ، والمنتقل بفتح القاف مصدر بمعنى الانتقال كقولك : لي في هذا الأمر مضطرب أي اضطراب . قال : قد كان لي مضطرب واسع***في الأرض ذات الطول والعرض وتقول : ما معتقدك ، أي اعتقادك .. الخ . [شرح ابن أبي الحديد 1 : 139]

أعرض الناس عن العلم فلا يشترون ألف مسألة معضلة من علوم متفرقة بدينار واحد، والله المستعان .

لي أهل عصر كأن الله صوّرهم***من طينة الجهل فيها ماء إنكار

فالمستجير بهم إذ جلّ حادثه***كالمستجير من الرمضاء بالنار (1)

واحتمل الخفاجي أن يكون ابن السكيت هو الذي عارض المازني وهو احتمال بعيد جداً لأنّ المازني وابن السكيت كلاهما من عدول أصحابنا ومع غلبة التقيه في ذلك الزمان وقلة الشيعة لا يكون الخلاف بينهما متوجهاً في مجلس الخليفة. وارتكب الحريري في حكاية هذه القصة عدة أخطاء :

الأوّل : ذكر ظلوماً والصحيح أنها ظليم، كما رويناه، لأن هذا الغزل تشبيب بظليمة المكناة بأمّ عمران زوجة عبدالله بن مطيع ، وذكر اسمها الشاعر مرخّماً، وثقات أهل العرب يوافقونا على ما قلناه .

الثاني: نسبته الشعر إلى العرجي وهو عبدالله بن عمرو الأموي بينما نسبه ابو الفرج وهو قدوة جميع العلماء في هذه الفنون إلى الحارث بن خالد المخزومي.

الثالث : إنّه اعتبر المعارض للمازني اليزيدي النحوي واليزيدي كان في زمن هارون وتوفي سنة اثنتين وستين بعد المأة ومات الواثق سنة سبعة عشر بعد المأتين، إلا أن يريد باليزيدى بعض أولاده ويعرف باليزيدي أيضاً، وهذا خلاف الظاهر.

وحاصل المطلب - وإن بعدنا عن القصد - أن مصاباً الوارد في فقرة الزيارة إن اعتبرناه مصدراً فينبغي أن يكون مأخوذاً من المبني للمفعول فتكون العبارة هكذا: «لقد عظم مصيبتي فيك»(2)والأظهر في الباء على هذا الوجه أن تكون صلة للفعل وليست سببيّة .

ص: 404


1- ديوان المؤلف : 169 .
2- وردت في المتن مصايبتي وأصلحها المحقق «مصيبتي». (المترجم)

فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَكْرَمَنِي بِكَ

الشرح : يأتي السؤال في لغة العرب على نحوين: فتارة يتعدى بنفسه إلى مفعولين وأخرى يتعدّى إلى المفعول الثاني بالمجاوزة أي بحرف «عن» ويكون معناه في الصورة الأولى الطلب، يقولون : سألته الدرهم، وعلى الفرض الثاني يكون السؤال استعلاماً عن الحال أو المكان أو الكيفية كما يقولون: سألته عن الدرهم، عن حاله أو كيفيته أو جنسه ، وما جاء في القاموس وغيره من أن سألته الشيء وعن الشيء معناهما واحد خطأ محض في ظاهره لأنّ الناظر في مجاري استعمالات العرب يقطع باختلاف هذين الاستعمالين في كلام العرب مِنْ ثَمّ جاء في سورة الأنفال وهي قرائة أهل البيت وغيرهم: «يسألونك الأنفال» وقرأ غيرهم «يسألونك عن الأنفال»(1).

قال ابن جني : القرائة المعروفة هي الأولى لأنّ سؤالهم عن حال الأنفال التي يطلبونها ويريدون حيازتها.

وفي تاج المصادر: إنّ السؤال والمسألة بمعنى الطلب، وإرادة الجواب ع-ل-ى أمرٍ ما أجل لنا أن نقول كلاهما شريكان في الطلب، والف-رق ب-ي-ن الأمرين أنّ أحدهما طلب ذات الشيء والآخر طلب العلم لشيء.

وهذا التوجيه - إن صح في عبارة بعض اللغويين الذين فسّروا السؤال بالطلب المطلب - فإنّه غير متمس في كلام الفيروزآبادي، ولا يبعد أن يكون مخدوعاً بعبارة الجوهري حيث قال : وسألته الشيء وسألته عن الشيء ولم يذكر المعنى فتوهّم أنّ معناهما واحد ، وكانت عادة الجوهري عدم النصّ على المعنى الواضح

ص: 405


1- الأنفال: 1.

غالباً، ويكتفي بذكر مورد الاستعمال والأكثر أنه ينقل عبارة خاله إبراهيم الفارابي في ديوان الأدب وهذه الالتفاتة الدقيقة لم يدركها الفيروزآبادي، ومن ثَمّ توهم

اتحاد المعنى في العبارتين.

وجملة القول إنّ وضوح المسألة يغني عن كثرة التعرّض لها.

الإكرام : الإعظام والتنزيه بحسب الواقع أو السلوك، ويستعمل التكريم في الاعتبارين.

واستوفينا معنى «المقام» في الفقرات السالفة

ويحضرني في شرح هذه الفقرة الشريفة مطلبان :

المطلب الأوّل : في إكرام سيّد الشهداء علیه السلام وهو عبارة عن ألطاف الهية جرت في حقه وهي على ثلاثة أقسام: جنسيّة ونوعية وشخصية .

القسم الأوّل : من هذه الكرامات المقامات المعطاة للأنبياء والأولياء لقربهم من الواحد الأحد من حيث تمكنهم من التصرّف في هيولات الأشياء من تغيير صورهم وإنشائهم خلقاً آخر بإذن الله تعالى - كسائر المعاجز التي جرت ع-ل-ى أيديهم - المترجم - ومثل ذلك يقال في الكمالات النفسانية واللذائذ الروحانية التي جعلت من نصيبهم ، وللحسين علیه السلام منها الحظ الأوفى والسهم الأوفر ، وقد ذكرتها كتب العلماء تفصيلاً وهى موجودة هناك .

القسم الثاني : الخصائص التي منحها الله للأئمة الإثني عشر علیهم السلام من السلطان على سائر البشر والحكومة على عامة الموجودات والإمامة على ما سوى الله تعالى ببركة انتسابهم إلى خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم ومن هذا اللحاظ تكون خصائصهم وشرفهم الثابتة عندنا سبباً لتفضيلهم على الأنبياء وأوصياء السلف.

وجملة القول أنّ هذه الفضائل عمد علماء الإمامية بالقدر الممكن إلى جمعها بجد وجهد كامل مستقاة من مشكاة ولاية أهل البيت علیهم السلام واستمدّوا من عون الله

ص: 406

وهمم أولئك السادة المطهرين فحرّروها في الكتب والطروس والمطوّلات، وكان الحسين علیه السلام بعد أبيه وأخيه بإجماع الإمامية بل الأمة أفضل من جميع الأئمّة .

القسم الثالث : ما امتاز به الحسين علیه السلام من جلالة القدر ورفعة الشأن وعلوّ المنزلة عن سائر الأئمة.

وهذه أمور عدّة عوّضه الله بها عما لاقاه من القتل، وأعطاه في قبال الشهادة التي نالها، وقد ذكر العلماء أربعة منها بعد التتبع في الأخبار المأثورة عن معدن الوحي

والتنزيل ..

الأوّل : أبوّة الأئمّة التسعة حيث أعطاه الله هذا الشرف الرفيع والجاه العريض، وحباه بهذه الفضيلة وخصه بها كما أشير إلى ذلك في الأخبار الكثيرة، ونوّهت

هذه الأخبار بالشرف الخاص والمزيّة المخصوصة بجنابه علیه السلام .

وروى الشيخ الأجل الأقدم عروة الإسلام رئيس المحدثين في كتابه المبارك «علل الشرايع» بسنده عن الإمام الصادق علیه السلام : (عن عبدالرحمان بن كثير

الهاشمي قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : جعلت فداك ، من أين جاء لولد الحسين علیه السلام الفضل على ولد الحسن وهما يجريان في شرع واحد ؟ فقال لا أراكم تأخذون به)(1) إن جبرئيل نزل على محمد وما ولد الحسين بعد ، فقال له : يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك .

فقال: يا جبرئيل، لا حاجة لي فيه، فخاطبه ثلاثاً ثم دعا عليّاً فقال له : إنّ جبرئيل يخبرني عن الله عزّ وجلّ أنه يولد لك غلام تقتله أمتك تقتله أمتك من بعدك . فقال : لا حاجة لي فيه يا رسول الله ، فخاطب علياً ثلاثاً ثم قال: إنه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة.

ص: 407


1- ترك المؤلّف العبارات التي جعلناها بين قوسين فلم يذكرها . (المترجم)

فأرسل إلى فاطمة أن الله يبشرك بغلام تقتله أمّتي من بعدي فقالت فاطمة : ليس لي حاجة فيه يا أبة ، فخاطبها ثلاثاً ثم أرسل إليها: لابد أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة ، فقالت له : رضيت عن الله عزّ وجلّ، فعلقت وحملت بالحسين فحملت ستة أشهر ثمّ وضعته .(1)

وفي تفسير الشيخ الأقدم الأعظم عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنهما أيضاً في تفسير الآية الكريمة : «وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانا»(2) جاء أن الإحسان رسول الله ، وقوله : «بوالديه» إنّما عنى الحسن والحسين، ثمّ عطف على الحسين فقال : «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً» وذلك أن الله أخبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبشره بالحسين قبل حمله، وأنّ الإمامة تكون في ولده إلى يوم القيامة ، ثمّ أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده ، ثمّ عوّضه بأن جعل الإمامة في عقبه وأعلمه أنّه يُقتل ثمّ يُردّ إلى الدنيا وينصره حتى يقتل أعدائه(3). والخبر طويل ونقلنا منه محلّ الحاجة .

والظاهر أن تحريفاً جرى في الكتاب فوضع «الإحسان» مكان «الإنسان» وفي قرائة أهل البيت «الولدين» بدل «الوالدين» لأنّه بغير هذا التأويل لا تلتئم العبارة ، كما أشار إلى ذلك العلّامة المجلسي قدس الله سره(4).

وفي الكافي أيضاً روى قريباً من هذه الأخبار(5) عن أبي عبدالله الحسين علیه السلام

ص: 408


1- علل الشرايع 1 : 205 (المترجم) و 1 : 196 ، وبحار الأنوار 43: 245 (هامش الأصل)
2- الأحقاف : 15 .
3- تفسير القمي 2 : 296. (المترجم) وبحار الأنوار 43: 246 ط طهران . (هامش الأصل)
4- بحار الأنوار 43 : 247 ط طهران ، كامل الزيارة مثله بحار الأنوار 44: 233 . (هامش الأصل)
5- الكافي 1 : 464 باب 116، وكامل الزيارة : 57 ، بحار الأنوار 44 232 (هامش الأصل) وطابقنا بالكافي وأخذنا الرواية منه ، 1 : 464. (المترجم)

قال : إن جبرئيل نزل على محمد الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال له : يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّ الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمّتك من بعدك ، فقال : يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي .

فعرج ثمّ هبط الله فقال له مثل ذلك ، فقال : يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي . فعرج جبرئيل .

وفي الكافي أيضاً بطريق آخر نقل هذه البشارة تعقيباً على قضيّة فطرس(1).

ولا يخفى أنّ هذا الاختصاص للحسين علیه السلام دون الحسن علیه السلام وإن كان هذان السيّدان أنجب خلق الله وأشرف الناس نفساً ونسباً ، فلا جد أعظم من جدهما، كما ثبت ذلك بالضرورة، ويمكن أن نقول على ضوء هذه الملاحظة أنّ سيد الشهداء من حيث المجد وهو شرف مكتسب من الغير خير من جميع البرايا لأنّهما شريكان من جهة الآباء والسماء خير ما بها ،قمراها، إلا أنّ شرف الأبناء تفرّد به الإمام الحسين علیه السلام فلا يدانيه أحد من العالمين من هذه الناحية .

منزّه عن شريك في محاسنه***فجوهر الحسن فيه غير منقسم

الخصيصة الثانية : الشفاء بتربته المقدّسة، وما أحسن ما قاله شاعر معاصر :

بر جلای بَصَر از کحل جواهر چه اثر***باید از کحل در دوست غباری گیرند

وهل يذهب العمش الاكتحال***وإن كنت تكحل بالجوهر

بلی بغبارٍ بباب الحبيب***عيونك إن كحلت تبصر

ص: 409


1- فهبط جبرئيل على النبي فهنأه كما أمره الله عز وجل ، فقال له النبي : تقتله أمتي ؟ فقال له : نعم يا محمد ، فقال النبي : ما هؤلاء بأمتي ، أنا بريء منهم والله عزّ وجلّ بريء منهم، قال جبرئيل وأن-ا بريء منهم .. الحديث [الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة : 283] . (المترجم) كمال الدين 1: 398، بحار الأنوار 43: 248 ، وهذا الحديث أخذه المؤلف من بحار الأنوار وسمّى الكافي خطاً بدلاً من كمال الدين للصدوق .(هامش الأصل)

روى ثقة الإسلام بسند صحيح في الكافي عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال: قال أبو عبدالله علیه السلام : الطين حرام كله كلحم الخنزير ، ومن أكله ثم مات فيه لم أصل عليه، إلا طين القبر فإنّ فيه شفاءاً من كل داء، ومن أكله لشهوة لم يكن له فيه شفاء.. (1)

وروى ابن قولويه في كامل الزيارة والصدوق في العلل ذات الحديث(2).

وروى ثقة الإسلام أيضاً عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن الطين، فقال: أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين قبر الحسين علیه السلام فإنّ فيه شفاءاً من كل داء ، وأمناً من كلّ خوف(3).

ورواه الشيخ في التهذيب (4).

ورواه ابن الشيخ المفيد الثاني في الأمالي، والراوندي في الخرايج بسنده عن الشيخ بطريق الأمالي وفيه اختلاف في الجملة مع طريق الكافي (5).

وفي كامل الزيارة أيضاً عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله علیه السلام قال : كل طين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين علیه السلام من أكله من وجع شفاه الله تعالى(6).

وفي عيون أخبار الرضاء علیه السلام حدث عن المسيب بن زهير أنّ الإمام موسى بن جعفر بعد أن سُمّ قال : لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبرّكوا به فإنّ كل تربة لنا محرّمة

ص: 410


1- الكافي 6 : 265 (المترجم) الكافي 6 : 265 باب 18 حديث 1. (هامش الأصل)
2- كامل الزيارة : 285 باب ،95، علل الشرايع : 532 ط النجف ، بحار الأنوار 101: 129 (هامش الأصل)
3- الكافي 6: 266 باب 18 و 378 کتاب 24 باب 143 ذیل حدیث 2.
4- تهذيب الأحكام 9 89 باب 2 حديث .112
5- الأمالي 1 : 326 ، بحار الأنوار 101: 120 رقم 7 .
6- كامل الزيارة : 286 باب 96. (هامش الأصل) وص 479. (المترجم)

إلا تربة جدّي الحسين بن علي علیه السلام فإنّه تعالى جعلها شفاءاً لشيعتنا وأوليائنا (1)(2).

وفى كامل الزيارة أيضاً مسنداً عن أحدهما علیهما السلام - وفي اصطلاح المحدثين أن الترديد بين الإمامين المروي عنهما يستعمل بين الإمامين الباقر والصادق علیهما السلام - أنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم من الطين فحرّم الطين على ولده.

قال : فقلت : فما تقول في طين قبر الحسين علیه السلام؟

(قال: يحرم على الناس أكل لحومهم ويحلّ لهم أكل لحومنا، ولكن الشيء

ص: 411


1- عيون أخبار الرضاء : 96 ا(لمترجم) 1: 104 حديث 6 وبحار الأنوار 101 : 118 (هامش الأصل) .
2- شبی در یک عبادتگاه مُهری***زیاری باصفا آمد بدستم چو گل بوئیدم و بوسیدم او را***هنوز از عطر روح افزاش مستم بگفتم از کدامین خاک پاکی***که دل ای مُهر بر مهر تو بستم بگفت از تربت پاک حسینم***که در دامان احسانش نشستم کمال همنشین در من اثر کرد***وگرنه من همان خاکم که هستم (المحقق) والأبيات المنظومة بالفارسية تكرّر معناها كثيراً و لكن رأيت أن أنقل صورة منها بالعربية تقرب من معناها وإن لم تستوعبه : تناولت من كف الحبيب بمسجد***تراباً عليه الخلق الله تسجدِ وقبلته لما شممت عبيره***عبيراً يغار الورد منه ويحسد فأسكر روحي العطر حتى سمي بها***إلى دارة الأفلاك يعلو وتصعد فقلت له من أي ترب مطهّر***إلى عطره الأكباد تهفو وتعقد فقال أنا من تربة الطفّ بضعة***وإني لعين الدهر كحل وأثمد تراب حسين طهر الله قدسه***تراب به باهى النبي محمد حضنت حسيناً فامتزجت بطيبه***فأي وجود من وجودي أسعد ولولا کمال نلته بجواره***فما أنا إلا رملة تتبدد (المترجم)

اليسير منه مثل الحمّصة).

واشتملت الرواية على جواز حاصله تجويز أكل القليل قدر الحمّصة (1)، وصريح الأخبار دال على اختصاص الحكم بالحسين علیه السلام كما أن ظاهر الفتاوى الاقتصار على طين تربته وإن دلّت بعض الأخبار على سريان الحكم بقبور النبي وسائر الأئمة علیهم السلام كالخبر الذي رواه في كامل الزيارة مسنداً عن أبي حمزة الشمالي إنه سأل الإمام الصادق علیه السلام ، قال : قلت: جعلت فداك، إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر يستشفون به ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء؟ قال : يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال وكذلك قبر جدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد ، إلى آخر الحديث .(2)

والظاهر أنّ قبر أمير المؤمنين علیه السلام سقط من الرواية ؛ لأن البحار والوسائل نقلا من كامل الزيارة بهذا السياق والمراد بعلي زين العابدين علیه السلام ومن محمد الباقر علیه السلام ولم يذكر قبره إما لكونه ما يزال على قيد الحياة أو لأمور أخرى.

إذاً، ظاهر الخبر عموم الحكم الشامل لجميع الأئمة ؛ لأن الحكم إذا سرى إلى الإمام الباقر فإنّ القطع بسريانه ممكن حينئذ ولا فرق بينهم علیهم السلام.

وفي كشكول الشيخ البهائي نضّر الله وجهه، أنّ هذا الحديث نقله جدّه الشيخ محمّد الجبعي من خط السيد الجليل ذي المناقب والمفاخر السيد رضي الدين علي بن طاووس ، وأن السيد المعظم نقل الحديث من الجزء الثاني من كتاب زيارات محمّد بن أحمد بن داود القمى بن داود القمي عن أبي حمزة. وسياق الكشكول متفق مع هذا السياق .

ص: 412


1- ما بين القوسين عبارة الرواية وأعرض عنها المؤلّف فذكرنا بعدها عبارته : ص 479
2- كامل الزيارة : 467. (المترجم) وص 280 و 93 ، وبحار الأنوار 126:101 . (هامش الأصل)

وفي كامل الزيارة أيضاً ورجال الكشي مذيلاً على حديث مفصل أن الإمام الصادق علیه السلام أعطى محمّداً بن مسلم شراباً لغرض علاجه ، وقال : في هذا الشراب تراب قبور آبائي علیهم السلام.

وهذان الخبران كلاهما غاية في الضعف ؛ لأنّ عدداً من رواته مجهول لا يعرف أو مجروح ، ولو لم يكن فيه إلا عبد الله الأصم الذي قال في حقه النجاشي: عبدالله ابن عبدالرحمان المسمعي البصري ضعيف غال ليس بشيء، له كتاب (المزار) سمعت ممّن رآه فقال : هو تخليط . وقال العلّامة في حقه ضعيف غالٍ ليس بشيء ، له كتاب في الزيارات يدلّ على خبث عظيم، ومذهب متهافت ، وكان من كذابة أهل البصرة ، لكفى ، وكلا الروايتين مشترك بين الراويين ومن هنا يعلم أنّهما لا يحتج بهما.

وإن اعتبر صاحب الجواهر وهنهما من عدم عمل العلماء بهما مع أنّ الأمر بعكس ذلك، ولا يخلو حكم المجلسي باعتبار سندهما من إشكال، ونقلت الإجماعات المتواترة بل الإجماع المحصل الاستشفاء بطين قبر سيّدالشهداء لكان مورداً لوقوع حكم العمومات من حرمة أكل الطين عليه ، ونحن على سبيل التنازل نجيب عن هذين الخبرين فنقول :

أما رواية محمّد بن مسلم فلا دلالة فيها على المدعى ، لأنه يحتمل أن يكون المراد من قول الإمام: «قبر» «آبائي قبر سیدالشهداء علیه السلام، والذي كثر أنسه بأساليب استعمالات اللغة العربية لا يدفع هذا الاستعمال ، مع تصريح هذه الرواية بمزجه بالماء وحينئذ لا مانع منه ، فتبيّن من هذا أن الاستشهاد به على تعميم المدّعى لا وجه له وإن ذكر ذلك في الوسائل والجواهر .

وأما رواية أبي حمزة الثمالي فلم تتعرّض لخصوص الأكل ليس فيه إلا ذكر الشفاء، ولا جرم من جواز ذلك بحمله واستصحابه فيكون موجباً للشفاء والبركة

ص: 413

بل لا يبعد مزجه بالماء وشربه بحيث لا يصدق عليه أكل الطين إذا لا تزول آثاره الواقعية بزوال صدق الإسم العرفي عليه، وهذا حمل قريب للغاية ووجيه جداً، من ثَمّ مال إليه المحقق المجلسي واختاره ، ومثله فعل المحقق النراقي.

وقال في الجواهر : يمكن حمل هذا الخبر بناءاً على جواز أكل التراب مطلقاً على حلّ أكل تراب القبور المقدّسة لأجل الاستشفاء وليس الطين ، ولا يخلو هذا الكلام من وجود الخلل، هذا وإن كان جواز أكل التراب والحجر لاختصاص الأدلة ومعاقد الإجماع وظواهر الفتاوى به وأن المقصود به الطين وهو عبارة عن التراب الممزوج بالماء سواء كان رطباً أو جافاً بدليل صحة التقسيم .

ولو قلنا بموافقة الحكم للاستعمال لكان لا يخلو من قوة، ومن هذه الجهة كانت فتوى الشيخ في الجواهر موافقاً للمحقق الأردبيلي والفاضل النراقي بجواز أكلهما مع أنّ تعدّي الحكم من الطين إلى التراب بدعوى اتحاد المناط بل عدم الالتفات إلى خصوصية في الاستعمال قول وجيه، ولكن مع فرض عدم التعدي اقتصاراً على النصوص وعملاً بالأصول كما هو الأقوى، فلا وجه في حمل الطين على التراب في خبر أبي حمزة مع ردّ السياق لهذا التأويل ، والله أعلم .

ومن خواص هذه التربة التي استنبطناها من تتبع الأخبار وفتاوى الفقهاء أمور:

أ - استحباب تحنيك المولود، وهو تدليك باطن فمه بالتربة كما روى الشيخ في التهذيب عن الحسين بن أبي العلاء أنه قال: سمعت الإمام الصادق علیه السلام يقول : حنكوا أولادكم بتربة الحسين علیه السلام فإنّها أمان(1).

ب - استحباب حمل التربة دفعاً للخوف، كما روى الشيخ في التهذيب وابن

ص: 414


1- تهذيب الأحكام 6: 6: 74. (المترجم) كامل الزيارات : 282 باب 93 مصباح الطوسي : 512 ، بحار الأنوار 101 : 139 ، التهذيب :6 : 74 باب 22 (هامش الأصل)

قولويه في كامل الزيارة عن الحسن بن عليّ بن المغيرة أنه روى عن بعض أصحابنا، وفي أمالي ابن الشيخ قدّس سرّهما بطريق آخر نص على الحارث بن المغيرة والسند غاية في الاعتبار للتكرار وغير ذلك بل الحكم بصحته لاحتمال أخذه من الكتاب وتواتره مع وجود طرق صحيحة أخرى لا تخلو من قوة.

ومجمل القول بأنّ الحارث يقول : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : إنِّي رجل كثير العلل والأمراض وما تركت دواءاً إلا تداويت به، فقال لي: وأين أنت عن طين قبر الحسين علیه السلام فإنّ فيه شفاءاً من كل داء، والأمن من كل خوف، فقل إذا أخذته : «اللهم إني أسألك بحق هذه الطينة، وبحق الملك الذي أخذها، وبحق النبي الذي قبضها، وبحق الوصيّ الذي حلّ فيها صلّ على محمد وأهل بيته واجعل فيها شفاءاً من كل داء، وأماناً من كلّ خوف».

ثم قال : أما الملك الذي أخذها فهو جبرئيل أراها النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : هذه تربة ابنك تقتله أمتك من بعدك . والنبي الذي قبضها محمد صلی الله علیه و آله وسلم، والوصي الذي حلّ فيها فهو الحسين سيّد شباب الشهداء .

قلت : قد عرفت الشفاء من كل داء، فكيف الأمان من كل خوف؟

قال : إذا خفت سلطاناً أو غير ذلك فلا تخرج من منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين علیه السلام ، وقل إذا أخذته: «اللهم إنّ هذه طينة قبر الحسين وليك وابن وليك أخذتها حرزاً لما أخاف وما لا أخاف فإنّه يرد عليك ما لا تخاف .

قال الرجل : فأخذتها كما قال لي ، فأصح الله بدني وكان لي أماناً من كلّ خوف مما خفت وما لم أخف كما قاله . قال : فما رأيت بعدها مكروهاً (1).

ص: 415


1- تهذيب الأحكام 6: 74 و 75 واللفظ له . (المترجم) كامل الزيارات: 282 باب 93، تهذيب الأحكام 2: 26 ، أمالي ابن الشيخ : 201 ، الوسائل أبواب المزار : 411 ، بحار الأنوار 101 : 118 (هامش الأصل)

والأخبار من هذا النمط الدالة على أنّ التربة أمان من الخوف كثيرة ولكن أكلها دفعاً للخوف غير جائز إلا أن يكون الخوف نفسه مرضاً.

ج - استحباب صنع مسبحة منه كما ورد ذلك في أخبار كثيرة منها مزار البحار ومن المزار الكبير أخذ ذلك بسنده عن إبراهيم الثقفي أن أباه روى عن الإمام الصادق علیه السلام أن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنها عقدت خيطاً من الصوف وجعلته سبحة تعدّ بها التكبير ، فلما استشهد الحمزة سيّد الشهداء اتخذت من تراب قبره مسبحة ، وكان الناس يستعملونها، فلما استشهد الحسين علیه السلام عاد الأمر إليه واستعمل الناس تربته لفضلها على غيرها . (1)(2)

وفي التهذيب وساق السند إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام قال - الراوي - دخلت عليه، فقال: لا تستغني شيعتنا عن أربع خمرة يصلّي عليها، وخاتم يتختم به ، وسواك يستاك به وسبحة من طين قبر أبي عبد الله علیه السلام فيها ثلاث وثلاثون حبّة ، متى قلبها ذاكراً الله كتب له بكل حبة أربعون حسنة ، وإذا قلبها ساهياً يعبث بها كتب له عشرون حسنة .(3)

وفي التهذيب أيضاً مسنداً أنّ الحميري سأل الفقيه(4) تحريراً قال: كتبت إلى الفقيه علیه السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين قبر الحسين علیه السلام؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت يسبح به، فما في شيء من التسبيح

ص: 416


1- المزار الكبير : 119 ، بحار الأنوار 101 : 132 ط طهران. (هامش الأصل)
2- إنّ أوّل من صنع تربة للسجود عليها من قبر الحسين و مسبحة الإمام زين العابدين . [منتهى الأمال : 29 باب شهادة علي بن الحسين]. (المحقق)
3- تهذيب الأحكام 6: 75 (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101: 132 رقم 61. (هامش الأصل)
4- كناية عن صاحب الزمان . (المؤلف)

أفضل منه ، ومن فضله إنّ المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له في ذلك التسبيح.(1)

د - استحباب وضعه مع الميت ومزجه بحنوطه كما جاء في ذيل هذا الخبر أن الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله .(2)

ومن فحوى السؤال يعرف بأنّ هذا الفعل كان متداولاً بين الشيعة ومشتهراً عندهم وهو نفسه دليل آخر على المدعى، وكذلك يستحب كتابة الآيات

والشهادة بالتوحيد على كفن الميّت من تراب قبر سيد الشهداء علیه السلام.

وفي المدارك منقولاً عن الذكرى أنّ امرأة قذفها القبر مراراً لفاحشة كانت تصنع (فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها، فاستقرّت .. ونقل الفاضل) أنها كانت تزني وتحرق أولادها ، وإنّ أمّها أخبرت الصادق علیه السلام ، فقال : إنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله اجعلوا معها شيئاً من تربة الحسين علیه السلام ، فاستقرت .(3)

ه- استحباب السجود عليه ، كما طابق النصوص ووافق الفتاوى ، بل هو شعار الإمامية في هذه الأعصار ، بل كان في السابق هو الكاشفة القطعية عن هوية التشيّع بناءاً على السيرة المحققة .. وعزى ابن بابويه في الفقيه على نحو الإرسال وهو لا يقل قبولاً عن غالب مسانيده أنه قال : السجود على طين قبر الحسين علیه السلام ينوّر

ص: 417


1- التهذيب 6 : 75. (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101: 133 رقم 62. (هامش الأصل)
2- التهذيب 6 : 76. (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101 : 133 . (هامش الأصل)
3- الشهيد الأول ، الذكرى : 66

إلى الأرض السابعة ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين علیه السلام كتب مسبحاً وإن لم يسبح بها .(1)

ونقل الشيخ الثقة الأمين أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي عن الحميري في كتاب الاحتجاج وهو على التحقيق من مؤلفاته كما عدّه من مصنفاته ابن شهر آشوب في معالم العلماء وهو من تلامذته، وهذا الأمر وإن كان بيّناً واضحاً اشتبه على الملا محمد أمين الاسترآبادي مع ما يدعيه من معرفة الحديث ومع ما كان ما كان يثيره من الصخب والضجيج حول إحاطته بفنونه فنسبه إلى أمين الإسلام صاحب (مجمع البيان )في الفوائد المدنية .

وجملة القول إنّه في الكتاب المزبور قال: سأل الحميري من إمام العصر روحنا له الفداء عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل - يقصد باللوح التربة المتخذة في هذا العصر - فأجاب علیه السلام : يجوز ذلك وفيه الفضل.(2)

والظاهر في تعريف الفضل أنه دائر فيما بين التربة وما يصح السجود عليه. وفي التهذيب بسند صحيح عن معاوية بن عمار قال : كان لأبي عبدالله - صادق آل محمد - خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله علیه السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثمّ قال: السجود على تربة أبي عبد الله علیه السلام يغرق الحجب السبع .(3)

ص: 418


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 268 (المترجم) 1: 86 ، الوسائل 2 : 207 باب استحباب السجود على تربة الحسين .
2- الاحتجاج 2: 489 . (المترجم) مصباح الطوسي : 514 ، بحار الأنوار 101: 135 ، الاحتجاج : 274، الوسائل باب الصلاة 2 : 608 . (هامش الأصل)
3- مصباح المتهجد : 733 و 734 . (المترجم) نفسه : 511 ، بحار الأنوار 101 : 135 رقم 74 ، الوسائل، الصلاة ، أبواب ما يسجد عليه 1 : 608، والرواية في مصباح الطوسي وأخطأ المصنف في نسبتها إلى التهذيب. (هامش الأصل)

وظاهر الحديث أنّ هذا كلام معاوية بن عمّار ولكنه بعيد ولو كان كذلك فهو حجّة أيضاً ؛ لأنّ محدّثاً عظيم الشأن كهذا المحدّث يعزب عن كلام - وإن كان هذا الكلام بنفسه شاهداً على صدوره عن الإمام - بدون سماعه وتلقيه عن الإمام.

وفي الوسائل والإرشاد للديلمي : كان الصادق علیه السلام لا يسجد إلا على تربة الحسين .(1)

والمراد من الحجب السبعة في حديث معاوية بن عمار السماوات السبع والمقصود عروج الصلاة إلى الملأ الأعلى وبلوغ القرب الحقيقي أو المعاصي السبع المانعة من قبول الأعمال وحجابها وتلك هي المعاصي التي رأى جماعة انحصار الكبائر بها كما ذكر ذلك في الكتب الفقهية : أ - الشرك ، ب - قتل النفس ، ج - قذف المحصنة ، د - أكل مال اليتيم ، ه- الزنا ، و - الفرار من الزحف ، ز - عقوق الوالدين .

ومعنى الخرق (2)لهذه الحجب أنه إن كان مقروناً بالتوبة الصادقة والعزم الثابت فإنّ الله تعالى يعفو عن الذنوب السالفة يمحوها ببركة هذه التربة المقدّسة .

ويمكن أن يكون المراد بالحجب السبعة طبقاً لاصطلاح أهل الأخبار الأدناس وجنود الجهل، بناءاً على ما ذهب إليه جماعة من أهل العلم بأنّ كلّيات الرذائل منحصرة في سبعة أجناس وتتفرع عنها سائر ملكات الرذائل ؛ لأن أصول الملكات العادلة أربعة : العدالة والعفّة والشجاعة والحكمة ولكلّ واحد منها ضدّان ما عدا العدالة فإنّ لها ضدّاً واحداً ، فضدّ العفّة الشره والخمود ، وضدّ الشجاعة الجبن

ص: 419


1- الإرشاد : 141 ، الوسائل : باب استحباب السجود على تراب قبر الحسين 605:11. (هامش الأصل)
2- مرّ عليك أنّ العبارة هي غرق لا خرق ، ولعل الحق مع المؤلف . (المترجم)

والتهوّر ، وضدّ الحكمة البلاهة والجربزة ، وضدّ العدالة الظلم (1)وهذه الصفات السبعة هي في الحقيقة طرق جهنّم نعوذ بالله منها .

وقال أحد أهل العلم :

همه اخلاق نیکو در میانه***که از افراط و تفریطش کرانه

میانه چون صراط المستقیم است***که هر دو جانبش قعر جحیم است

به باریکی و تیزی موی شمشیر***نه روی کشتن و بدون بر او دیر

عدالت چون یکی دارد زاضداد***همین هفت آمد این اضداد زاعداد

به زیر هر عدد سری نهفته است***از آن درهای دوزخ نیز هفت است

چنان گر ظلم دوزخ شد مهیا***بهشت آمد همیشه عدل را جا

ظهور نیکوئی از اعتدال است***عدالت جسم را اقصی الکمال است

الترجمة(2):

وإنّما أوسط الأخلاق أكملها***فاحذر بفعلك إفراطاً وتفريطا

صراطها مستقيم في جوانبه***جهنّم تغتلي كالقدر مسيوطا

كأنّها شفرة الصمصام صفحته***قد أصبح القتل في حديه مربوطا

إن كان للعدل ضدّ واحد فلما***ذكرت ضدّان مشروحاً ومخطوطا

وتحتها تختفي الأسرار معلنة***عن اللظى سبعة أبوابها احتيطا

إن كان للظلم نار الله موصدة***كان النعيم لعدل المرء مشروطا

إنّ الجميل من العدل الذي هو في***ظلّ الكمالات ممدوداً ومبسوطا

مثل العدالة حيث الله جسدها***في الخير لا في ضمير الحكم مغلوطا

ص: 420


1- يقول الفلاسفة : الفضيلة وسط بين رذيلتين فلا مناص من وجود ضدّ آخر للعدالة وهو الغلو بها حتى تخرج عن حد الاعتدال (المترجم)
2- ألمّت الترجمة بمجمل المعنى وليست حرفيّة لأنّ ذلك صعب المنال إلا على من يتفرغ لها ويبذل وسعه في هذا السبيل . (المترجم)

ولكن التحقيق يقضي بأنّ للعدالة ضدّين أيضاً : الأوّل الظلم الذي سمعته ، والثاني الانظلام، ويعبر عنه بالضيم لكي تتحقق الوسيطة ، لأن الوسط دونما طرق محال بالضرورة كما تقرّر في البرهان أنّ الوسط والطرف من براهين إبطال التسلسل ، وشرح هذه المسألة بصورة مبسوطة خارج عن مهمة هذا المقام، وإنّي قد بينت في بعض مسوداتي شرحاً تاماً لهذه المسألة.

وبناءاً على مذهب طائفة من الحكماء المسلمين الذين يحسبون على أهل العرفان يمكن أن يكون المراد من الحجب السبعة الحجب النورانيّة المسمّاة بمدن المحبة ومراتب الولاية ومنازل سفر الأولياء الباطني، وهذه مقامات سبعة : أ - مقام النفس ، ب - مقام القلب ، ج - مقام العقل ، د - مقام الروح ، ه - مقام السرّ ، و - مقام خفي، ز - مقام أخفى .

وهذه الأمور تكون باعتبار الثبات والملكة مقاماً، وباعتبار الزوال والتجدّد حالاً، ولعلّ المناجاة الشعبانية المعروفة التي ذكرها ابن طاووس عن ابن خالويه تشير إلى هذا المعنى.. واعترف العلّامة المجلسي باعتبار سندها، وكان الإمام أمير المؤمنين علیه السلام والأئمة من بعده علیه السلام يديمون قرائتها، وهي هذه :

«وَأنِرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» (1).

وبناءاً على ما تقدّم إنّ كلّ من انعتق من ذاته بسرّ الصدق وباب الصفاء وتوجّه توجهاً تاماً وإقبالاً كاملاً في الصدق وكان متمسكاً بحبل ولاية سيّد الشهداء علیه السلام ويعفّر جبينه بتراب قبره ساجداً على تربته رفع الحجاب عنه وشاهد بعين البصيرة

ص: 421


1- بحار الأنوار باب الأدعية والمناجاة 94: 99ط طهران، مفاتيح الجنان أعمال شعبان المشتركة . (هامش الأصل)

وحقيقة الإيمان جمال المحبوب الحقيقي، ومن بلغ هذه المرتبة فقد بلغ رتبة البركة منه .

از ره گذر خاک سرکوی شما بود***هر نافه که در دست نسیم سحر افتاد

ما عطر الريح من مسك سرى سحراً***ترب المواكب قد مرت بواديكا

وهذا هو تقرير الاحتمال على نهج هذه الطريقة وإن كان في نفسه محل إشكال ، ولكن من حق العلم أن يؤدى بلسان أهله من كل طريقة فلا يزيد فيه ولا ينقص منه . ثمّ تذكر بعد ذلك المؤاخذات عليه، ولا يقتضي المقام بسط الكلام فيه بل مرادنا شرح فضائل التربة المقدّسة الحسينية، فهي الحصى الذي يجري عليه ماء السلسبيل، ونور جناح جبرئيل، ونميرة ماء الحيوان، ونكهة حديقة الرضوان، وكحل عيون الولدان ، وغاية طرر الحور العين في الجنان .

لمؤلّفه :

فيالها تربة يرقى بسجدتها***أقصى معارج توحيد و عرفان

يضوع المسك من ذكرى نوافجها***ولا تضوعه من ذكر نعمان

فمن يرصع بها اکلیل سؤدده***بنعله رضعت تيجان خاقان

ولو تأملها خضر العيون رأى***مرآة اسكندر في عين حيوان

كأنّما مسحت يوماً بها فبدت***بيضاء لامعة كف ابن عمران

فمن يشاهد بها الأسرار كان على***ملك الحقائق أعلى من سليمان

فارغب إليها ولا تطلب لها بدلاً***في سلسبيل ولا في روض رضوان

فذاك ماء وكالصداء ليس وذا***مرعى ولكنّه لا مثل سعدان (1)

ومجمل القول أنّ الإشارة جرت عن هاتين الخاصتين في دعاء الثلاث من

ص: 422


1- قسم من هذا الشعر مذكور في ديوان المؤلف : 344. (هامش الأصل)

شعبان الشريف الذي ذكر في المصباح الكبير وإقبال السيد ومنهما أخذ بحار الأنوار من أن التوقيع الوقيع صدر من الإمام العسكري خرج إلى وكيل الناحيه المقدسة أبي القاسم (القاسم - المؤلّف) بن العلاء (الهمداني) أن مولانا الحسين ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصُمهُ وادْعُ فيه بهذا الدعاء وساق الدعاء إلى قوله في وصف سيّدالشهداء:

«المفوَّض عن قتله أنّ الأئمة من نسله والشفاء في تربته ....» إلى آخر الدعاء (1).

ونحن وإن أطنبنا في ذكر أحكام التربة وخالفنا طريقة الاختصار إلا أنك عندما تدرك قدر هذه التربة المقدّسة وشرفها عند الله تعالى، وتعرف كيف أعزها الله وجعلها محترمة، وصيّر الإنسان محتاجاً إليها من ولادته إلى مابعد وفاته سوف تلم أن اختصاراً أشد من هذا مخلّ بفضلها ولا وجه له على الإطلاق .

الأمر الثالث : استجابة الدعاء تحت قبته وحول القبر الطاهر المقدس كما جاء في الأخبار المتواترة عن العترة الطاهرة والمأثورة ، نحن نذكر خبراً أو خبرين منها:

روى الشيخ المعظم ابن قولويه رضي الله عنه وأرضاه في مزاره وساق السند إلى أبي هاشم قال: بعث إلي أبو الحسن علیه السلام في مرضه وإلى محمد بن حمزة، فسبقني إليه محمد بن حمزة فأخبرني أنه ما زال يقول : ابعثوا إلى الحائر (ابعثوا إلى الحائر) - أي ابعثوا إلى الحائر من يدعو لي - فقلت لمحمد : ألا قلت له أنا أذهب إلى الحائر ؟ ثم دخلت عليه ، فقلت له : جعلت فداك ، أنا أذهب إلى الحائر ، فقال : أنظروا في ذلك - الظاهر أنّ الأمر منه علیه السلام إلى الحجاب والخدم ليعدّوا العُدّة

ص: 423


1- بحار الأنوار 53 : 95 (المترجم) مصباح الطوسي : 574 ، الإقبال : 185 ، بحار الأنوار 101 : 347 (هامش الأصل)

ويهيئوا أهبة الرحيل له - ثمّ قال : ابعثوا رجلاً إلى حائر الحسين علیه السلام يدعو لي ويسأل الله شفائي عنده ، أنظروا في ذلك أي تفكروا وتدبروا فيه بأن يقع وجه لا يطلع عليه أحد للتقيه، محمّداً ليس له سرّ من زيد بن علي وأنا أكره أن يسمع ذلك - كناية على أنّه ليس من الشيعة .. المؤلّف ..

قال - الجعفري - فذكرت ذلك لعلي بن بلال ، فقال : ما كان يصنع بالحائر وهو الحائر ؟! فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس حين أردت القيام ، فلمّا رأيته أنس بي ذكرت قول عليّ بن بلال، فقال لى: ألا قلت له : إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يطوف بالبيت ويقبل الحجر وحرمة النبي صلی الله علیه و آله وسلم والمؤمن أعظم من حرمة البيت ، وأمره الله أن يقف بعرفة ، إنّما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها، والحائر من تلك المواضع (1)و(وأنا أحب أن يُدعى لي في المواطن التي يحب الله أن يُدعى بها، والحائر من هذه المواضع).

ونقل نفس الخبر بتغيير يسير في المتن ،والسند ، ورواه عنه متأخر و العلماء مثل المجلسي والشيخ الحر العاملي وغيرهما .

وروى الشيخ الفقيه الزاهد العارف أحمد بن فهد الحلّى في كتاب «عدة الداعي» أن الصادق علیه السلام أصابه وجع فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيراً يدعو له عند قبر الحسين علیه السلام ، فخرج رجل من مواليه فوجد آخر على الباب فحكى له ما أمر به فقال الرجل : أنا أمشي لكن الحسين علیه السلام إمام مفترض الطاعة وهو أيضاً فكيف ذلك ؟ فرجع إلى مولاه وعرفه قوله، فقال: هو كما قال ، لكن ما عرف أنّ الله تعالى بقاعاً يستجاب فيها الدعاء، فتلك البقعة من تلك البقاع .(2)

ص: 424


1- كامل الزيارات : 459 . (المترجم) نفسه : 273 باب 90 ، بحار الأنوار 112:101. (هامش الأصل)
2- عدّة الداعي : 57. (المترجم) نفسه : 36 ، الوسائل أبواب المزار : 421 باب 76 حديث 2. (هامش الأصل)

وفي كامل الزيارات وساق السند إلى شعيب العقرقوفي عن أبي عبدالله قال : قلت له : من أتى قبر الحسين علیه السلام من الثواب والأجر جعلت فداك ؟ قال : يا شعيب ، ما صلّى عنده أحد (إلا قبلها الله منه) ولا دعا عنده أحد دعوة إلا استجيب له عاجله وآجله .(1)

وفي كامل الزيارات أيضاً عن المفضّل بن عمر قال : قال الصادق علیه السلام : زائر الحسين لا يسأل حاجة من حوائج الدنيا إلّا أعطاه (2).

والأخبار من هذه المقولة خارجة عن حدّ الإحصاء، بل ثبت بالضرورة في مذهب الإمامية - ضاعف الله اقتدارها وكثر أنصارها - أنّ استجابة الدعاء والشفاء في تربته، وهذا من مذهبها في غاية الوضوح وكمال الظهور ، بل لا يقل ظهوراً عن الخصيصة الأولى وهي كون الأئمة من نسله ، فلا حاجة إلى الاستشهاد بالأخبار والاستمداد من كلمات العلماء الأخيار «وقد أشرت إلى هذه الخواص الثلاث في قصيدة حسينية، ومدحت التربة المباركة الزكية بما لم أعرف السبق إليه ، فلا بأس بنقل ما يتعلق بذلك تطريزاً لديباجة الكتاب وادّخاراً لجزيل الأجر والثواب ، وهو :» (3)

ومن فوّض الله أمر الوجود***قبضاً وبسطاً إلى راحته

ومن عوض الله عن قتله***بأنّ الأئمة من عترته

وأن يستجاب دعاء الصريح***إذا ما دعا الله في قبته

وإن جعل الله فضلاً عليه***شفاء البرية في تربته

ص: 425


1- كامل الزيارات : 252 (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101: 83. (هامش الأصل)
2- كامل الزيارات : 135 من حديث طويل. (المترجم) نفسه : 251 ، بحار الأنوار 101: 82 (هامش الأصل)
3- ما وضعناه بين الأقواس هو من نثر المؤلّف العربي . (المترجم)

فيا طيبها تربة أخجلت***نوافج للمسك في نفحته

أرى الخضر قد دسّ منها بما***استقاه فعمر في مدته

ترى القدس منها لنيل الفخار***يرضع تاجاً على قمته

ويغبطها العرش شوقاً كما***يقاسي المقيم من صبوته

لقد عفّر البدر فيها الجبين***وها أثر الترب في جبهته (1)

الخصيصة الرابعة : أنّ أيّام زيارته لا تُعد من أعمار زائريه كما جاء في أمالي ابن الشيخ رضي الله عنهما وساق السند إلى محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد علیهما السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسين علیه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تُعدّ أيّام زائريه جائياً وراجعاً من عمره (2).

ومحصل ما مرّ أنّ الله عوّض الحسين عن القتل بهذه الخصال الأربع، وقد مرّ ثلاث منها ، والرابع عدم عدّ أيّام الزيارة ذهاباً وإياباً من عمر الزائر .

وقال ابن فهد في عُدّة الداعي والشيخ الحرّ العاملي نقل منه في الوسائل : روي أنّ الله عوّض الحسين من قتله أربع خصال: جعل الشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء تحت قبته ، والأئمة من ذرّيّته، وأن لا تُعَدّ أيام زائريه من أعمارهم(3).

ومروي في الأخبار الكثيرة من كامل الزيارة والمصباح والتهذيب والبحار والوسائل وغيرها (4)أنّ ترك زيارته موجب لقصر العمر كما أن زيارته توجب

ص: 426


1- ديوان المؤلف : 58 .
2- أمالي الطوسي : 317. (المترجم) نفسه : 201 ، الوسائل كتاب الحج أبواب المزار : 329 حديث 34 (هامش الأصل)
3- عُدة الداعي : 57 . (المترجم) نفسه : 35 ، الوسائل أبواب المزار : 421 باب 76 (هامش الأصل)
4- كامل الزيارة : 150 باب 61 ، بحار الأنوار 101: 46 ، الوسائل أبواب المزار : 335. (هامش الأصل)

طوله وبعد الأجل، وبما أنّ أخبار هذه الخصيصة فيها إشكال بحسب الظاهر ، حضرتني عده أجوبة عنها :

منها : أنّ رزقه في هذه الأيام لا يحسب من رزقه ال-م-قدر ولا تكتب ذنوبه فيكون نفي العمر عنه مجازاً بنفي لوازمه، ويؤيّده الأخبار الدالّة على عدم كتابة ذنوب الزائرين .

الثاني : أنّ الزيارة سبب في طول العمر، مثل صلة الرحم والصدقة ، فكأنّما هذه الأيام لا تحسب من العمر، ويؤيده أنّ الأخبار الواردة عن الصادق علیه السلام أنه نظر إلى أصحابه وقال: ولو قلت إن أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقاً وذلك لأنكم تتركون زيارة الحسين ..(1)وهذا محصل ما يدور بخاطري من الروايات وأصل الخبر موجود في كتب المزار.

الثالث : أن لفظ آجالهم في الخبر بمعنى آجال الموت أي إنّهم لا يموتون أيام السفر، وهذا التوجيه مبنى على لفظ آجال الوارد في الخبر وليس الأعمار وم-ا كتبت إلّا الذي رأيته .(2)

الرابع : لا تعرض هذه الأيام - أيام الزيارة - في معرض الحساب يوم القيامة، وهذا في الواقع شيء واحد مع التوجيه سالف الذكر ، والأولى هو التوجيه الثاني، وهذا وإن بدى في ظاهره على طرف الإشكال لأنّ اللازم لهذا القول أن لا يلحق الموت أحداً من الزائرين وهذا خلاف المحسوس والمشاهد، ولكن جوابه :

أوّلاً: إنّ هذه الأمور المستحبة والمكروهة التي نسب إليها لوازم من المنافع

ص: 427


1- كامل الزيارة : 151 (المترجم) نفسه : 5 وبحار الأنوار 47:101 (هامش الأصل)
2- بالإسناد عن هيثم بن عبد الله الرماني ، عن أبي الحسن الرضا عن أبيه الله : قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق : لا تحسب من أعمارهم ولا تُعَدُّ من أجالهم. [كامل الزيارة : 136 باب 51]

والمضار ما هي إلا مجرد مقتضيات وليست عللاً تامة مِن ثَمّ لم يرد إلزام في مورد ما نسب إليها، ولا يستحيل في العقل عدم الوقوع ، فما المانع أن تقترن في بعض الموارد بالدفع لآثارها، أو تقترن بما يضاد تلكم الآثار فيكون سبباً لنقص العمر مثل قطع الرحم وترك الصدقة والظلم .

وثانياً : يمكن أن يقال أن خواص المستحبّات وآثارها التي تذكر مجتمعة لا تجري جميعها في الموارد كلّها بل ربما كان لكل واحد منها مورد يجري فيه ، مثلاً يأتي بعضها بسعة الرزق ، والآخر بخشوع القلب ، وثالث بطول العمر ، ورابع برفع البلاء، بحسب تفاوت المصالح واختلاف الاستعدادات ، وهكذا قد يؤدي البعض منها إلى حصول الاثنين والأكثر ، أو حصول الكل. وبناءاً على هذا لا يكون الاقتضاء متيقناً في جميع الموارد واحتمال وجود المقتضي وعدم حصول المانع كافٍ فى الفعل وتحريكه .

ثالثاً: إن أسباباً من هذا النوع على فرض تسليمها خاصة بالأمور المقدّرة في لوح المحور والإثبات لا المقدّرات الحتمية، ومن هذا القبيل الصدقة والدعاء فإن تأثيرهما في كثير من المقدّمات تأثير مشهود ولا مانع بل الأولى في زيارة سيّدالشهداء أن يكون لها هذا الأثر ، ونحن بحمد الله في العلوم العقلية وفي الموضع المناسب منها حللنا عقدة هذا الإشكال بأحسن وجه وأب-ي-ن ن-وع ، ولا يقتضي المقام الدخول فى هذا السياق.

تتمّة مهمّة

لما كانت الأخبار تتضمّن أحياناً ذكر الحائر وأحياناً ذكر القبر وأحياناً يأتي التعبير عن ذلك بألفاظ أخرى ، ولم يبيّن لهذه المواضع حد معلوم يحتوي في داخله على التربة والدعاء ، وكان هذا الإيهام سبباً لحيرة جماعة من المحققين

ص: 428

وذلك لاختلاف الأخبار ونزاع العلماء في تحديد الحائر لاسيما مسألة التقصير والإتمام التي يكون المكلف مخيّراً بينهما في الأماكن الأربعة وهى من مهمات المسائل الفقهيّة، ومن أسرار الأئمة وخواص الإمامية، رأيت من اللايق بي بقدر الوسع والطاقة واتساع هذا المختصر أن أشير إلى تحقيق المسألة :

اعلم أنّ الحائر في اللغة المكان المطمئنّ يجتمع فيه الماء فيتحيّر لا يخرج منه(1). كما ذكر ذلك ابن إدريس في السرائر ولعله مأخذو من الحور بمعنى العمق والقعر ، لأنّ الأرض الواطئة لابد أن تكون بالنسبة لما ارتفع عنها عميقة . وموضع قبر الحسين علیه السلام لما كان في أرض منخفضة كما يظهر ذلك من الصحن المقدّس ويشهد ذلك من جانب باب الزينبية وباب القبلة ، لهذا أطلق عليه اسم الحائر، ولا وجه لما قيل من سبب تسميته بأنّ المتوكل أمر بحرث القبر وأرسل عليه الماء فلم يصل إليه، ويستظهر هذا السبب من كتاب الذكرى، لأنّ في الأخبار الكثيرة الصادرة قبل خلق المتوكل يوجد فيها اسم الحائر ، وهذا من الوضوح بمكان حيث لا يمكن أن يستعمل هذا الاسم بناءاً على تلك الواقعة المتأخرة . ولا شبهة بأنّ المراد من الحائر قبر سيّدالشهداء علیه السلام .

واختلفت الأخبار في تحديده ؛ ففي كامل الزيارة عن عبدالله بن سنان ونقل ذلك بطريقين ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : قبر الحسين بن علي علیه السلام عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً روضة من رياض الجنّة(2).

ورواه الشيخ في التهذيب.

ص: 429


1- لسان العرب مادة حير . (المترجم)
2- كامل الزيارات : 113 (المترجم) نفسه : 112 ، بحار الأنوار 101: 106، التهذيب 6 : 72 ، بحار الأنوار 6: 108 (هامش الأصل)

وفي الكافي وثواب الأعمال وكامل الزيارة ومصباح المتهجد جميعاً عن إسحاق بن عمار عن الصادق علیه السلام : قال : سمعته يقول : الموضع قبر الحسين حرمة معلومة من عرفها واستجار بها أجير .

قلت صف لي موضعها .

قال : امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه وخمسة وعشرين ذراعاً ،عند رأسه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه .. الحديث(1).

وفي كامل الزيارة والمصباح عن الصادق علیه السلام أنه قال: حرمة قبر الحسين فرسخ في فرسخ من أربعة جوانب القبر(2).

وفي الكامل والمصباح عن صادق آل محمد علیهم السلام أنه قال : حريم قبر الحسين خمس فراسخ من أربع جوانب القبر ..(3).

والصدوق عبر بنفس الرواية وقال: حريم قبر الحسين خمسة فراسخ من أربعة جوانبه(4).

وساق الشيخ - الطوسي .. المترجم - السند إلى صادق آل محمّد أنّ «التربة من قبر الحسين على عشرة أميال»(5).

ص: 430


1- الكافي 4 : 588 واللفظ له . (المترجم) كامل الزيارة : 272 مصباح المتهجد : 509، مصباح الكفعمي : 508 ، الكافي 4 : 580 ، ثواب الأعمال : 85، بحار الأنوار 101: 110 (هامش الأصل)
2- كامل الزيارات : 271 (المترجم) بحار الأنوار 101: 111 . (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 101 : 111 رقم 27 و 28 . (هامش الأصل)
4- الرواية في التهذيب 4 : 225 وليس فيه ذكر الصدوق (المترجم) نفسه 6: 72 ، بحار الأنوار 101: 116 . (هامش الأصل)
5- التهذيب :6: 72 (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 116:101. (هامش الأصل)

وفي كامل الزيارة رفعه إلى أمير المؤمنين : حريم قبر الحسين فرسخ في فرسخ في فرسخ(1).

وفي الكامل ورفعه إلى الإمام الصادق علیه السلام قال : لو أنّ مريضاً من المؤمنين يعرف حق أبي عبدالله وحرمته وولايته أخذ له من طينه على رأس ميل كان له دواءاً وشفاءاً(2).

وفي رواية أخرى وقد أشير إليها سابقاً ، قال : يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال(3).

وفي الكافي وكامل الزيارة ومصباح المتهجد وبحار الأنوار ومصباح الزائر رفعوه جميعاً إلى الإمام الصادق علیه السلام : يؤخذ من طين قبر الحسين من عند القبر على سبعين ذراعاً(4).

وروى الخبر نفسه في كامل الزيارة بطريق آخر وتغيير يسير «وعلى سبعين باعاً في سبعين باعاً»(5).

وفي البحار ومصباح الزائر رواى أنه قال بعد هذا الحديث : وروي في حديث آخر مقدار أربعة أميال، وروي فرسخ في فرسخ(6).

ص: 431


1- كامل الزيارة : 271 والرواية عن أبي عبد الله الصادق (المترجم) عن أبي عبد الله : فرسخ في عبدالله فرسخ من أربعة جوانبه كامل الزيارة ، المصباح، بحار الأنوار 101 : 111 رقم 25 و 26 و ص 114 رقم 35 . (هامش الأصل)
2- كامل الزيارة : 275 ، مكارم الأخلاق : 189، بحار الأنوار 101: 124 رقم 20 و 21.
3- كامل الزيارة : 280 ، بحار الأنوار 101 : 127 حدیث 23 . (هامش الأصل)
4- الكافي 4 : 588 ، كامل الزيارة : 285 ، مصباح الطوسي : 510 ، مصباح الزائر : 136 ، بحار الأنوار 101: 130 رقم 50-53 (هامش الأصل)
5- كامل الزيارة : 281 و 136 ، بحار الأنوار 101: 131 رقم 55 (هامش الأصل)
6- بحار الأنوار 101 : 131 رقم 54 (هامش الأصل)

وظاهر خبر أبي سعيد العصفري المنقول في أصله، وفي الكافي والتهذيب نقلاً عنه فى فخر أرض كربلاء: «الشفاء في تربتي»(1).

هذا ويعتبر الاستشفاء في مطلق تراب كربلاء وإن لم توجد هذه الفقرة في نفس الأصل الشريف الذي يوجد بحوزتي، ولابد من كونها قد حذفت، وتوجبه اختلاف الأخبار في تحديد البقعة التي يشملها اسم تربته علیه السلام بعد كون الغالب منها معتمداً ومعتبراً إما لتكرار إسناده أو وثاقة رواته أو كثرة وجوده في الكتب المعتمدة أو اشتمال الكتب الأربعة عليه أو اتفاق مضامينها مع مؤدى الأخبار الأخرى.

أقول : يمكن توجيه الاختلاف هذا أن المسافة التي تناط بها الحرمة من موضع القبر إلى خمسة فراسخ فإنّها مورد الاحترام وتنجيسها حرام ، وقد يؤدّي إلى الكفر أعاذنا الله إذا كان يقصد الإهانة، وكلّما دنت المسافة من القبر ازداد الفضل والحرمة حتى تصل إلى عشرين ذراعاً في مثلها، بل التراب الواق-ع على القبر الشريف أفضلها بالضرورة. ولكن من أجل امتداد رقعة التربة الأفضل بلغوا بها إلى ذلك الحدّ ومن بعده الخمس والعشرون ، ومن بعدها السبعون، ومن بعدها السبعون باعاً، ومن بعدها الميل، ومن بعده الفرسخ ، ومن بعده أربعة أميال وهكذا دواليك.

ص: 432


1- كامل الزيارات : 270 ، بحار الأنوار 101 : 110 رقم :17 وأشهد أنّها تربة الحسين شفاء من كل داء . مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله : 189 ، بحار الأنوار 101: 132 رقم 6 ، مصباح الطوسي : 511، مصباح الزائر : 136 عن الصادق أن تربة الحسين من الأدوية، بحار الأنوار 101 : 135 رقم 73 ، المزار الكبير عن الإمام الباقر قال : عليك بتربة الحسين ال... بحار الأنوار 101 : 138 رقم 83، أمالي الطوسي 1: 326 عن الصادق أن الله جعل تربة جدّي الحسين شفاءاً من كل داء، بحار الأنوار 101 : 119 ، أمالي : 201، بحار الأنوار 44: 221 محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفراً بن محمد يقولان : عوض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته ...

وأشار شيخ الطائفة قدس الله ضريحه في التهذيب والمصباح (1)إلى هذا الوجه، ويمكن أن يراد من لفظ الحائر الوارد في بعض الأخبار أرض كربلاء

مطلقاً وإن كانت في الأصل لا تعدو موضع القبر المقدس أو خصوص الحرم من الخزانة إلى المنحر كما هو ظاهر عبارة السرائر من أنّه «ما دار سور المشهد والمسجد عليه» (2)أو أنه مطلق الصحن الشريف كما قال به جماعة، أو أنّه خصوص القدر الذي يحتويه الجانب القبلي وجانب اليمين واليسار باستثناء باب السدر كما نقل ذلك في البحار عن السيد الفاضل الأمير شرف الدين المجاور في النجف الأشرف وهو من مشايخ صاحب البحار ، والسيد المذكور نقل عن المعمرين من أهل كربلاء.

وشاهد صدق هذه الدعوى إطلاق العامة اسم كربلاء على هذا الموضع لأنّهم يستعملون لفظ كربلاء في الحائر ، وهذا الاستعمال وإن كان مجازاً فلامانع بعد شيوعه من الحمل عليه في مقام جميع الأخبار .. وكان هذا الاستعمال مثبتاً على ألسنة القدماء ومعاصري الأئمة أو القريبين من عصرهم، بل ربما وجد الشاهد على ذلك من أهل أهل البيت علیهم السلام .

وجملة القول : إذا تمّ هذا التقريب فإنّ رفع اختلاف الأخبار يكون سهلاً، ففي بعضها جاء التعبير بحرم الحسين مثل صحيحة عليّ بن مهزيار، وفي بعض الأخبار عند قبر الحسين ، وفي غيرها حائر الحسين علیه السلام .

ولا شبهة أن المراد من حرم الحسين علیه السلام ليس خصوص تلك البقعة المقدسة لأنّ سعة الحرم دليل على جلالة صاحبه، ولا يتلائم ما للحسين من جلالة القدر

ص: 433


1- التهذيب 6 : 72، مصباح الطوسي : 509 ، بحار الأنوار 101 : 112 .
2- السرائر : 78 ، بحار الأنوار 101 : 117 .

مع ما لحرمه من الضيق إذا اعتبر خصوص القبة والمشهد، وقد سمعت تحديده إلى خمسة فراسخ كما مرّت عليك أدلة تحديده بفرسخ.

والتعبير عن مكة والمدينة كما في صحيحة عليّ بن مهزیار بحرم الله وحرم رسوله كما أنّ الكوفة وكربلاء حرم أمير المؤمنين وحرم الحسين، والتفكيك بين هذه المدن الأربع بإرادة نفس البلدين من الأولين والمسجد والقبة وحدهما من الأخيرين غاية في الركة ، إذاً الظاهر من هذا الخبر جواز الإتمام في البلد كله ، وعند قبر الحسين لفظ مجمل وهو يصدق على الكثير والقليل، ويختلف المراد منه بحسب اختلاف عبارات الأخبار، فإذا قالوا مثلاً: أقام عند قبر الحسين ليلاً فلا مانع من إرادتهم كربلاء ، بل الظاهر من أخبار الباب هذا المعنى كما يبين ذلك من مراجعتها في الجوامع السبع العظام وغيرها .

ولفظ «الحائر» كما علمت يستعمله العرب فى هذا العصر بمعنى كربلاء، ويستفاد من عبارة السرائر حيث قال: «والمراد بالحائر ما دار سور البلد عليه لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة» (1)والتقييد بالحقيقة يدلّ على أنّ الاستعمال على غير وجه الحقيقة، ويستشمّ هذا المعنى من عبارة القاموس حيث قال: الحائر موضع قبر الحسين، ومثله الخبر الذي رواه الشيخ عن الصادق علیه السلام : من خرج من مكة أو المدينة أو مسجد الكوفة أو حائر الحسين قبل أن ينتظر الجمعة نادته الملائكة : أين تذهب لا ردّك الله(2) (2). وهو يدلّ على نفس المعنى لأن الخروج من القبة لا معنى له بل المراد الخروج من البلدة المقدّسة.

ص: 434


1- والمراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد - السرائر . (هامش الأصل) تجد العبارة في السرائر ضد ما قاله المؤلف : والمراد بالحائر سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة [1: 342] . (المترجم)
2- التهذيب 2 : 37 ، الوسائل أبوبا المزار باب 78 ص 426 . (هامش الأصل)

وجملة القول : إن هذا احتمال قوي وعلى فرض منعه نقول : إن الحكم لا يدور

مدار ما يصدق عنوان الحائر عليه بل ذكر الحائر من قبيل العنوان الخاص الموافق للعام ولا تنافي بينهما، ويقدّم ظهور خبر عليّ بن مهزيار على غيره وإصالة عدم جواز الإتمام في السفر ينقطع بهذا العموم، إذاً فالاقتصار على القدر المتيقن لا وجه له ، والأقوى جواز الإتمام في أرض كربلاء كلّها كما صرّح بذلك النراقي الثاني ومحكي المحقق في كتاب «السفر» ويحيى بن سعيد، ويحتمل ذلك من عبارة كامل الزيارات وهو المنقول عن السيّد والإسكافي، حيث عبروا بالمشاهد، وتحقيق هذه المسألة لا يتسع لها صدر المقام .. وكتبنا هذا المقدار بعنوان الاستطراد ولا حاجة إلى تعيين مراتب الاحتياط حتى يصل إلى عشرين ذراعاً حول القبر المقدس بعد مراجعة ما سلف والله العالم بحقائق أحكامه .

المطلب الثاني : إكرامنا بسيد الشهداء، وهذا على ثلاثة أقسام :

الأول : إكرامنا بنعم الوجود، فما يصل إلى كلّ واحد من هذه النعم فبيركة وجوده وجوده علیه السلام .

الثاني : الإكرام بالإسلام والإيمان والعلم والإيقان فما جرى من ينبوع الكمال في حياض قلوب أهل اليقين متشعب من بحر فضله

الثالث : الخصوصيات التي نالها المؤمنون من جنابه كثواب البكاء وثواب الرثاء وثواب الإبكاء وثواب الزيارة واستجابة الدعاء تحت قبته وكون الشفاء في تربته المقدسة حيث يكون بعضها ببركة وجوده المقدّس لاسيّما ما يصل الشيعة منها وتفاصيل هذه النعم تجدها متفرّقة في الكتب المفصلة ، ولا حاجة للإطناب بعد الالتفات لما ذكرناه من الإجمال حول ذلك .

تم الجزء الأول

والحمد لله ربّ العالمين

ص: 435

ص: 436

المحتویات....3

مقدمة المترجم....8

مقدّمة الناشر (للمتن الفارسي)....10

1 - ما هي الزيارة ومن هو الزائر ؟....11

2 - دور الزيارة أو الدروس الحية....12

3 - نظرة خاطفة على هذه التعاليم المفيدة....13

4 - زيارة عاشوراء....13

5 - عظمة هذه الزيارة !....13

6 - آثار وبركات زيارة عاشوراء....13

7 - دور كتاب شفاء الصدور....14

8 - في شرح أحوال المؤلّف....15

شيوخ المؤلّف وأساتذته....17

زملاء المؤلف في العلم والبحث....18

آثار المؤلّف العلميّة والأدبية....18

صورة خط المؤلّف....23

مقدّمة المؤلّف....24

ص: 437

الباب الأول

في شرح سند الزيارة الشريفة ومتنها

33 - 122

المقصد الأوّل: في سند الحديث الشريف....61

الفصل الأول : في تعريف آحاد الرواة لهذا الحديث وبيان حاله بحسب الاصطلاح من حيث الاعتبار والضعف....61

الفصل الثاني....71

المقصد الثاني : في فقه الحديث وذكر محتملاته وتحقيق ما هو المطلوب من العمل بهذه الزيارة وذكر بعض الفوائد المتعلقة بها متناً وحكماً وفضلاً....77

الباب الثاني

في ترجمة الألفاظ الواردة في الزيارة وشرحها

123 - 435

السلام....123

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ....146

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ....167

وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ....194

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ....207

السَّلامُ عَلَيْكَ يا نار الله وَابْنَ ثارِه....223

وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ....229

ص: 438

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَنَاخَتْ بِرَحْلِك....235

عَلَيْكُمْ مِنِّي سَلامُ اللهِ....253

أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ....254

يَا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلَى جَميع أَهْلِ الْإِسْلام....260

وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ....265

فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ....272

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها....300

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهْدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ....304

بَرِثْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ....308

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ....312

وَلَعَنَ الله آل زياد....315

وَآلَ مَرْوانَ....326

وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً....338

وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ....380

وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ....383

وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً....388

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ....392

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي....397

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ....401

فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَكْرَمَنِي بِكَ....405

تتمّة مهمّة....428

ص: 439

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.