موسوعة الفقيه الشيرازي (توضيح العروة الوثقی) المجلد 21

هوية الكتاب

موسوعة الفقيه الشيرازي

(21)

توضيح العروة الوثقی

دروس ألقاها

آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

بطاقة تعريف:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان المؤلف واسمه:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

تفاصيل النشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مواصفات المظهر:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج21: 3-291-204-964-978

حالة الاستماع:فيپا

لسان:العربية

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

تصنيف الكونجرس:1394 8م5ح/8/159BP

تصنيف ديوي:297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4153694

ص: 1

اشارة

سرشناسه:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

مشخصات نشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مشخصات ظاهری:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج21: 3-291-204-964-978

وضعيت فهرست نويسی:فيپا

يادداشت:عربي

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

رده بندی كنگره:1394 8م5ح/8/159BP

رده بندی ديويی:297/312

شماره كتابشناسی ملی:4153694

موسوعة الفقيه الشيرازي

شجرة الطيبة

---------------

آية اللّه الفقيه السيّد محمّد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)

المطبعة: قدس

إخراج: نهضة اللّه العظيمي

الطبعة الأولی - 1437ه- .ق

---------------

شابك دوره: 8-270-204-964-978

شابك ج21: 3-291-204-964-978

---------------

دفتر مركزي: قم خيابان معلم، میدان روح اللّه،

نبش كوچه 19، پلاك 10، تلفن: 9 – 37744298

چاپ: شركت چاپ قدس، تلفن 37731354 فكس 37743443

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

الفصل الأوّل: باب الاجتهاد والتقليد

اشارة

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم(1)

مسألة 1: وجوب التقليد أو الإحتياط علی غير المجتهد

مسألة 1: يجب على كلّ مكلّف في عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهداً أومقلّداً أو محتاطاً(2).

--------------------------

مسألة 1:

نعلم بلا إشكال أنّ هناك أحكاماً إلهيّة تتعلّق بنا نحن البشر، وليس البشر كباقي المخلوقات الّتي لا تكليف لها، وإنّما هناك قوانين وأحكام، نظّمها اللّه تعالى للبشر، والشيء الذي يهمّنا نحن المكلفين أن نخرج من عهدة هذه التكاليف الإلهيّة، وبعبارة ثانية: إنّنا نجد المؤمن غداً أمام اللّه يحتاج إلى شيء يجيب اللّه تعالى به إذا ما سأله: ماذا فعلت تجاه الأحكام والقوانين؟ فهنا أمام

ص: 7


1- إنّه لاتخفی أهمية كتاب العروة الوثقی للفقيه الكبير آية اللّه العظمی السيد محمد كاظم اليزدي (قدس سره) ، كونه ضمّ بين دفتيه أمّهات المسائل الفقهية التي يكثر الإبتلاء بها، بدقة منقطعة النظير، ولذا صار الكتاب من حين تأليفه قبل أكثر من مائة عام قطب رحی الأبحاث الفقهية سواء علی مستوی بحوث المجتهدين العميقة ام علی مستوی الرسائل العمليّة، فعادة ومن ذلك الحين كل فقيه أراد كتابة كتاب فقهي استدلالي جعل العروة الوثقی النص الذي يتم بحث مسائله، وهكذا دأب عامة الفقهاء علی كتابة فتواهم في تعاليق مقتضبة علی متن الكتاب. ومن هذا المنطلق فقد قام الفقيه المقدس آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (قدس سره) وايام كان في الكويت مهاجراً؛ بتدريس الكتاب وتوضيح مسائله؛ وحيث كان الدرس عاماً حيث أريد منه استفادة العموم لذلك اكتفی (قدس سره) بتوضيح المسائل بلغة واضحة ومفهومة. وقد قام بعض الإخوة بكتابة تلك الدروس وتنزيلها من أشرطة التسجيل؛ ليعم نفعها علی المؤمنين؛ فكان هذا الكتاب.
2- العروة الوثقى 1: 7.

--------------------------

المؤمن أحد أشياء ثلاث، إمّا الاجتهاد وإمّا التقليد وإمّا الاحتياط.

ومعنى الاجتهاد: معرفة قواعد الاجتهاد، من المنطق وعلوم العربيّة وعلم الرجال وعلم الأصول، وما أشبهها.

فالصنف الأول من الناس يسمّى المجتهد، وهو الذي يذهب بنفسه ويلاحظ الأدلّة ويستخرج الأحكام الشرعيّة منها، وهذا العمل يطلق عليه الاجتهاد.

والصنف الثاني من الناس، يسمّى المقلّد، وهو مَن ليس لديه وقت ليبذل الجهد حتّى يستخرج الأحكام الشرعيّة، فيقلّد، ومعنى التقليد هو: أن يرجع إلى الخبير في الفقه، فيسأله ما هو حكم اللّه في شرب التبغ مثلاً، حلال أم حرام؟ فإذا قال له الفقيه حلال، فيعتمد على فتواه، وإذا قال له حرام يعتمد على فتواه أيضاً، وهذا العمل يطلق عليه التقليد, وهو العمل بقول الخبير.

والصنف الثالث من الناس، هو المحتاط، يعني أن يعمل شيئاً يقطع بأنّه أدّى التكليف به، فمثلاً: إذا شُكّ في أنّ التدخين حلال أم حرام، فالمحتاط يترك شرب التبغ، فلا يدخّن، ويكون قد أدّى التكليف قطعاً؛ لأنّه إذا كان التدخين - في علم اللّه - حراماً، فقد اجتنب عنه، وإذا كان حلالاً، فليس كلّ حلال بواجب على كلّ واحد أن يفعله، وهذا يعني أنه لم يرتكب خلاف الواقع، بل فعل الواقع.

أو مثلاً إذا شككنا في التسبيحات الثلاث - لاختلاف المجتهدين فيها - هل تجب ثلاثاً أو واحدة، فالمحتاط يأتي بالثلاث، فإذا أتى بالثلاث فقد أدّى الوظيفة قطعاً؛ لأنّه إذا كانت الثلاث واجبة، فقد أتى بالثلاث، وإذا كانت

ص: 8

--------------------------

واحدة واجبة، فقد أتى بالواحدة وإضافة.

ولو فرضنا أنّ الفقهاء اختلفوا في حكم ما، فبعض قال هو حلال وبعض قال هو حرام، فماذا يفعل المحتاط؟ فهنا يعمل بأشقِّ المحتملات في الموضوع، فإذا لم يعلم بحرمة شيءٍ أو وجوبه, أو هل هو حرام أم حلال، فمقتضى الاحتياط يتركه، وهذا يطلق عليه المحتاط.وهذا الشيء ليس موجوداً في علم الفقه فقط بل في كلّ العلوم، ففي علم الطب أمامك ثلاثة طرق:

الطريق الأول: أن تكون مجتهداً في علم الطب، إذ تدرس فَتعرف المباني الّتي يبتني عليها الطب فتشخّص هذه الحالة أو تلك، أو ما الذي ينبغي أنّ يعمل في هذه الحالة، فأنت طبيب معناه أنّك مجتهد، وخبير.

الطريق الثاني: أن تكون مقلّداً، فمثلاً أنت لست بطبيب فلابدَّ أن ترجع إلى طبيب عند الحاجة إليه والعقل هو الذي يقول لك ذلك، فالرجوع إلى الطبيب، يعني أنّك لست بمجتهد بل أنت مقلّد.

الطريق الثالث: أن تكون محتاطاً، يعني أنّك لا تعلم أنّ الطعام الفلاني مضرٌّ أم غير مضرٍّ، فتتركه، وهذا يطلق عليه الاحتياط, لذلك قال المصنّف (رحمه اللّه) «يجب»، وهذا الوجوب وجوب عقلي، يعني أنّ العقل يحكم بذلك، فالوجوب ثابت في علم الفقه وفي كلّ العلوم الّتي يحتاج إليها المكلّف، وتبتني عليها حياته.

والمكلّف هو: البالغ العاقل الملتفت، أمّا المجنون فليس عليه تكليف، فلو أخذ عزّ وجلّ ما وهب سقط ما وجب، وأمّا من ليس ببالغ فهو غير مكلّف.

ص: 9

مسألة 2: جواز العمل بالإحتياط

مسألة 2: الأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهداً كان أو لا، لكن يجب أن يكون عارفاً بكيفيّة الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد(1).

--------------------------

وكذا غير الملتفت، كالذين يعيشون في منقطع من الجبال، ولا يعرفون أيّ شيء مثلاً، فهؤلاء لا واجب عليهم بالوجوب العقلي؛ لأنّ الأخير غير ملتفت، والأول غير مكلّف.

إذن يجب على كلّ مكلّف أنّ يكون مجتهداً خبيراً، أو مقلّداً يعتمد على خبير، أو محتاطاً يعمل بشيء يقطع معه بفراغ الذمّة، ولكن ما هو متعلق الوجوب في قوله «يجب»؟

يقول المصنّف: «في عباداته ومعاملاته»، العبادات كالحجِّ مثلاً وما أشبه من الأمور الّتي تحتاج إلى نيّة القربة، والمعاملات كالبيع والشراء والرهن.

يقول السيّد الوالد دام ظله في الحاشية: بل وسائر أفعاله وتروكه من اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة وعائليّة وغيرها(2)، ففي كلّ شيء وكلّ شأن من الشؤون يجب أن تكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً، فهل نثور على الظالمين أم لا نثور؟ إمّا أن تكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً لكي تحدد مصيرك تجاه الظالمين، وكيف تكون الدولة في عهد الغيبة، وكيف نتعامل مع المرأة والأولاد؟ وكيف نربّي الأولاد، وهكذا، فالفقه يشمل كلّ الحياة.

مسألة 2:

إذا كان المجتهد لا يعمل باجتهاده، بل يعمل بالاحتياط. فلا إشكال فيه،

ص: 10


1- العروة الوثقى، للسيد اليزدي 1: 7.
2- الحاشية على العروة الوثقى لآية اللّه العظمى السيد محمد الشيرازي: 5, ط: دار الحجة اصفهان.

--------------------------

وغير مجتهد - العامي - يحق له الاحتياط أيضاً، كما لو كان رأي المجتهد وجوب التسبيحات الاربع مرة واحدة ولكنه يأتي بها ثلاث مرّات. فاحتياطه هنا ممكن ولا إشكال فيه، وكما لو كان رأيه أنّ التبغ حلال شرعاً مثلاً ولكنّه لا يدخّن احتياطاً، ووجه ذلك الاحتمال في أن يكون رأيه مخالفاً للواقع؟

فالطبيب له رأي معيّن - في مسألة طبيّة مثلاً - ولكن هل هناك احتمال أن يكون رأيه مخالفاً للواقع أم لا؟ نعم الاحتمال موجود، فما دام هناك احتمال في أن يكون رأيه خلاف الواقع يحتاط، ولو عمل برأيه ليس فيه إشكال؛ لأنّ رأيه حجّة من الناحية الشرعيّة، ولكن أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت، فالأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهداً كان أم غير مجتهد أيضاً.

ولكن يجب أن يكون عارفاً بكيفيّة الاحتياط. فإنّ الاحتياط ليس عمل كلّ أحد، بل يحتاج إلى معرفة، فنحن قلنا: إنه احتياطاً يأتي بالتسبيحات الثلاث، ولكن إذا لم يبق للغروب إلاّ دقائق محدودة, فإذا أتى بها ثلاثاً يكون بعض من الفريضة خارج الوقت، فماذا يعمل؟ فهل يأتي بها مرّة واحدة، وتكون كلّ الفريضة داخل الوقت، أو يأتي بها ثلاث مرّات فيكون بعض الفريضة خارج الوقت؟ فالاتيان بها مرّة واحدة، توجب كون كلّ الفريضة داخل الوقت، ولكنه خالف الاحتياط في التسبيحات فهذا المكلّف يجب أن يعرف كيفيّة الاحتياط؛ لأنّه يحتاج إلى فنّ والى معرفة، فإذا أراد أحد أن يحتاط فلابدّ أن يعرف كيفيّة الاحتياط، وسيأتي في المسائل القادمة تفصيل هذا المطلب وكيف أنّ الاحتياط بالنتيجة يعتمد إمّا على الاجتهاد وإمّا على التقليد.

ص: 11

مسألة 3: الاحتياط في الفعل أو في الترك

مسألة 3: قد يكون الاحتياط في الفعل كما إذا احتمل كون الفعل واجباً، وكان قاطعاً بعدم حرمته، وقد يكون في الترك، كما إذا احتمل حرمة فعل وكان قاطعاً بعدم وجوبه، وقد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار، كما إذا لم يعلم أنّ وظيفته القصر أو التمام(1).

--------------------------

مسألة 3:

الاحتياط على ثلاثة أنواع، فقد يكون الاحتياط في الفعل، وقد يكون في الترك، وقد يكون في الجمع.

النوع الأول: الاحتياط في الفعل، وهو أن يأتي بالعمل، كما إذا احتمل كون الفعل واجباً وكان قاطعاً بعدم حرمته، ولكنّه محتملٌ أن يكون واجباً، فيأتي به، مثلاً: الأتيان بالتسبيحات الاربع ثلاث مرّات ليس بمحرّم جزماً، لكنّه محتمل أن يكون واجباً، فتأتي بذلك العمل.

مثال آخر: الدعاء عند رؤية الهلال، ليس هناك احتمالٌ حرمته، ولكن هناك احتمالٌ أن يكون واجباً؛ لأنّ هناك رواية تقول «ادعوا عند رؤية الهلال»(2) أو مايؤدّي هذا المضمون، فالذي يدعو عند الرؤية،يكون قد أتى بذلك العمل.

النوع الثاني: الاحتياط في الترك، كما إذا احتمل حرمة فعلٍ, كالتدخين مثلاً، فهذا الفعل من المحتمل أن يكون حراماً؛ لأنّه مضرّ وكان قاطعاً بعدم وجوبه، فماذا يعمل؟ هنا يلجأ إلى تركه, وهذا هو النوع الثاني.

ص: 12


1- العروة الوثقى 1: 7.
2- انظر قريباً منه: من لا يحضره الفقيه, ح2, ص101, ح: 1845.

مسألة 4: جواز الاحتياط ولو استلزم التكرار

مسألة 4: الأقوى جواز الاحتياط، ولو كان مستلزماً للتكرار وأمكن الاجتهاد أو التقليد(1).

مسألة 5: لزوم الإجتهاد أو التقليد في مسألة الإحتياط

مسألة 5: في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهداً أو مقلّداً،

--------------------------

النوع الثالث: الاحتياط في الجمع بين أمرين مع التكرار، كما لو كنت لا أعلم أنّ وظيفتي القصر أم التمام، ففي كثير من المواقع نشكّ في أنّ الوظيفة هنا قصر أم تمام، ركعتان أم أربع ركعات، فبعض الفقهاء يقول هي ركعتان، وبعض الفقهاء يقول هي أربع ركعات، والمحتاط يجمع بين الأمرين، مرّة يأتي بركعتين ومرّة بأربع ركعات، بأن يصلّي الظهر ركعتين ثمّ أربع، ثمّ يصلّي العصر ركعتين ثمّ أربع مثلاً.

مسألة 4:

يجوز لمن أمكنه الاجتهاد ولم يجتهد، أن يأتي بالعمل مكرراً كما يمكنه أن يقلّد، بأن يسأل المجتهد أنّ وظيفته في هذا السفر قصر أم تمام؟ فإذا لم يسأل المجتهد، ولم يقلّده عمل بالاحتياط، ولا إشكال فيه؛ لكون الاحتياط إفراغ قطعيٌّ للذمّة، فلعلّه يكون أفضل من العمل بالاجتهاد من العمل بالتقليد، لأنّني إذا احتطت، وكانت وظيفتي في الواقع القصر فقد أتيت بالقصر، وإذا كانت وظيفتي التمام فقد أتيت بالتمام.

مسألة 5:

هل إنّ الاحتياط جائز أم غير جائز؟ يجب أن نكون في هذه المسألة إمّا مجتهدين أو مقلّدين، لمعرفة يريد أنّ الدين ينفي الاحتياط لأنه يوجب

ص: 13


1- العروة الوثقى 1: 8.

لأنّ المسألة خلافيّة(1).

--------------------------

التكرار في العمل أم لا؟ فيجب إمّا أن يجتهد في هذا الموضوع، لمن تحققت فيه ملكة الاجتهاد بالبحث في الأدلّة، ورؤية الشبهات الّتي طرحت على مشروعيّة الاحتياط ليتوصل إلى أنّ الاحتياط ممكن أم غير ممكن، من الناحية الشرعيّة، فيحتاط لعدم اشكال فيه.

وأمّا من لم تكن عنده القدرة على الاجتهاد يستفتي مجتهداً في جواز الاحتياط فإن أجاز عمل به، وإلا فلا.

وعليه ففي مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون المكلّف مجتهداً أو مقلّداً، ففي الواقع عندنا طريقان، الاجتهاد والتقليد، والاحتياط يتركّب إمّا على الاجتهاد وإمّا على التقليد.

بعبارة ثانية: إثبات شرعية الاحتياط متوقف على الاجتهاد أو التقليد فقد لا يجوز الاحتياط مع وجود نص على عدمه واتفاق الأعلام على ذلك.

فعمل العامي - ومعناه عموم الناس غير المجتهدين - بلا تقليد ولا احتياط باطل، إلاّ في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا طابق العمل الواقع، مثلاً: الشاب في بدايات بلوغه عمل بدون تقليد، ثمّ فيما بعد وجد أنّ عمله مطابق للواقع، مثلاً كان يؤدّي صلاة الصبح ركعتين والظهر أربع ركعات وهي مطابقة للواقع، فهذا يكشف أنّ عمله صحيحٌ، ولا يجب عليه شيء.

ص: 14


1- العروة الوثقى 1: 8.

مسألة 6: لاحاجة إلی التقليد في الضروريات واليقينيات

مسألة 6: في الضروريات لا حاجة إلى التقليد،كوجوب الصلاة والصوم ونحوهما، وكذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين، وفي غيرهما يجب التقليدإن لم يكن مجتهداً إذا لم يمكن الاحتياط، وإن أمكن تخيّر بينه وبين التقليد(1).

--------------------------

الحالة الثانية: إذا كان العمل مطابقاً لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل، مثلاً: كان المكلّف في أيام السيّد الحكيم (رحمه اللّه) وفي ذلك الوقت كان المفروض أنّ يقلّده ولم يقلّده ولكن عمله كان مطابقاً لفتوى السيّد الحكيم، وهذا يكفي أيضاً ولا يجب عليه شيء.

الحالة الثالثة: إذا كان العمل السابق الذي صدر منه مطابقاً لفتوى المجتهد الفعلي الذي يجب تقليده في الحال، وكان عمله مخالفاً للسيد الحكيم الذي كان عليه أن يقلده وقت عمله السابق مثلاً، لكنّه مطابقٌ لفتاوى المجتهد الفعلي صحَّ عمله.

والحاصل أنَّ فعله إن طابق الواقع أو طابق المجتهد المتقدّم أو طابق المجتهد الفعلي صحيح ولا شيء عليه.

مسألة 6:

من أين نعلم أنّ الاحتياط جائز؟ فلأجل حلّ هذه المعضلة لابدَّ أن نسأل المجتهد الذي اجتهد في الأدلة الشرعية، ما هو رأي الدين في الاحتياط؟ فيجيب المصنف: بجواز الاحتياط، عندها نحتاط، أو إذا كان عندي قدرة فأحقق في هذا الموضوع، فأرى أدلّة المثبتين، وأدلّة النافين، فالأدلّة المختلفة

ص: 15


1- العروة الوثقى 1: 8.

--------------------------

توصلني إلى قناعة أنّ الدين ليس له مانع من الاحتياط، فاحتاط في أعمالي، وفي مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهداً أو مقلداً لأنّ المسالة خلافيّة وليست مسألة واضحة، فإن كانت المسالة واضحة - كما سوف يأتي في المسألة القادمة - وكل الفقهاء متّفقون عليها، وليس فيها خلاف ولا غموض، فلا نقلّد إذ لا نحتاج إلى التقليد، ولكن في جواز الاحتياط يُرفع إمّا بالاجتهاد أو بالتقليد.

ثم إنه لا تقليد في الضروريّات، كما لا تقليد في اليقينيّات.

والضروريّات هي القضايا البديهيّة الواضحة كوجوب الحجّ والصلاة وحرمة الزنا حيث لا يُسأل فيها فقيه، ويدلُّ عليه قوله تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(1)

ومع العلم بوجوب الحجّ، كما لو كنت تسأل عن الوقت نهاراً أو ليس بنهار، وأنت في النهار فإنه لا يحتاج الى مثل هذا السؤال؛لأنّه واضح أنّه الآن نهار، ففي العلم في إطار القضايا الضروريّة، الّتي نعلم بها، لا حاجة إلى التقليد للغويته، وكذا في اليقينيّات، فإذا حصل بهذا الموضوع يقين فلا حاجة إلى التقليد، ولكن ما الفرق بين الضروريّات واليقينيّات؟ وبينهما العموم من وجه, فلنا قضايا ضروريّة غير يقينيّة، وقضايا يقينيّة غير ضروريّة، وقضايا ضروريّة ويقينيّة، فوجوب الحجّ ضروري؛ لأنّ الكل يعرف ذلك أيضاً؛ لأنّ عندنا يقين وقطع بذلك، وعندنا قضيّة ضروريّة

ص: 16


1- النحل: 43 والانبياء: 7.

--------------------------

ولكن غير يقينيّة، كما لو كان شخص يعيش في أدغال أفريقيا فلا يعرف أنّ الحجّ واجب، فوجوب الحجّ ضروري في الإسلام وعند المسلمين لكن هذا الشخص غير متيقّن بهذا الموضوع؛ لأنّه ليس في هذه الأجواء، وقد يكون شيئاً يقينيّاً وليس ضروريّاً، كما لو كنت متيقناً بذلك، ولكن هذا الموضوع ليس واضحاً عند الكلِّ كوضوح وجوب الحج، فالفقيه أحياناً يقطع بقضايا معينة مع أنً القضيّة ليست ضروريّة، ففي هذه القضايا من اليقينيّات، لا حاجة إلى التقليد.

وهنا بحث وهو أنَّ كل واحد من العامّة يقول أنا عندي يقين بأنّ الشيء الفلاني حلال والآخر حرام، إذن فلا أقلّد، وهنا يجب أن نبحث أولاً عن اليقين أو الظن فكثيراً ما يختلط اليقين بالظنّ {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}(1) فكثيراً ما يقال إنّي متيقن بهذا الموضوع، وهو ظاهر لا يحق له أن يعمل بهذا الظن، {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}(2) بل في القطع يجب أن لا يوجد احتمال للخلاف، فهذا يطلق عليه اليقين؛ لذلك المصنف يقول وكذا في اليقينيّات.

البحث الثاني: بحث موكول إلى محلّه أنّه إذا كان هنالك تقصير في المقدّمات فهذا القطع مؤاخذ عليه، والتفصيل في محلّه على كل حال.

فإذا كانت القضيّة ضروريّة كوجوب الحج، فلا يحتاج إلى التقليد فيها؛

ص: 17


1- الجاثية: 24.
2- يونس: 36.

--------------------------

لأنّها واضحة ولا تحتاج الى الذهاب إلى المجتهد،للسؤال عنها.

وكذا إذا حصل له اليقين، كما في الشبهات الموضوعية فالملعقة هل يطلق عليها آنية أو لا، فلو قطعتم بأنها آنية فلا يحتاج إلى سؤال المجتهد عنها؛ لأن هذا يؤثر في أواني الذهب والفضة التي هي محرّمة، وإذا قطعت بأنّها ليست آنية فقطعك حجة ولا يحتاج معه إلى التقليد، وكذا في كثيرٍ من الموضوعات على فرق في الموضوعات بين الموضوعات الصرفة والموضوعات المستنبطة وما أشبه ذلك، فالموضوعات الصرفة لا يجري فيها التقليد، كما يأتي فيما بعد، فإذا كنت قاطعاً بأنّ فلاناً عادل، فهل يحتاج إلى أن تبحث وتسأل من الناس أنّ هذا عادل أم غير عادل، لأنّك مطّلع على حقيقة أمره وتعرف بواطن أمره، فلا يحتاج إلى سؤال لا من المجتهد ولا من غير المجتهد، فإذا حصل لك يقين بقضية [شبهة موضوعيّة أو شبهة حكميّة]، فلا حاجة إلى التقليد ولكن الكلام في حصول هذا اليقين وعدمه، وإمّا في غيرهما (غير الضروريّات وغير اليقينيات) فيجب إمّا الاحتياط أو الاجتهاد أو التقليد، إن لم يكن مجتهداً، ولم يمكن الاحتياط؛ كما هو دأب الكثير من الناس الذين لا يتمكنون من الاحتياط فطريق الاجتهاد والاحتياط مغلق، فلا يبقى عنده طريق غير التقليد فيجب عليه، أمّا إن كان غير المجتهد متمكناً من الاحتياط، فما هو حكمه؟ هو مخيّر إمّا أن يقلّد وإمّا أن يحتاط، وقوله: (إن أمكن) يعني أمكن الاحتياط للعامّي غير المجتهد، تخيّر بين الاحتياط وبين التقليد، فغير المجتهد إمّا أن يحتاط وإمّا أن يقلّد، وسوف يأتي البحث إن شاء اللّه مفصّلاً حول

ص: 18

مسألة 7: عمل العامّي بلا تقليد ولا احتياط باطل

مسألة 7: عمل العامّي بلا تقليد ولا احتياط باطل.

--------------------------

عشرة أشياء لا يجري فيها التقليد في (مسألة 67).

مسألة 7:

البطلان على نوعين:

النوع الأول البطلان الشرعي - يعني العمل الذي يكون فاسداً - كما لو أنّه صلّى بلا طهور - بلا وضوء - فعمله هذا باطل شرعاً، عالماً كان أو جاهلاً، فإذا التفت بعد ذلك إلى حكم عمله بأنّه باطل وجب عليه إعادته.

البطلان العقلي: معناه أنّ العقل يقول له إنّ عملك لا يكفي؛ لأنّه محتمل أن لا يكون هذا الفعل هو الذي أراده اللّه منك، فإذا أتى بأعماله هكذا وبدون أن يقلّد فقيهاً من الفقهاء وبدون أن يحتاط في عمله؛ فالعقل يقول له انّه محتمل أن يكون عملك هذا باطلاً، ومحتمل أن لا يكون جامعاً للشرائط، فهذا معنى البطلان العقلي يعني العقل يقول أنّ هذا العمل لا يكفي، أنّ هذا العمل ليس فيه ضمان، وليس فيه أمان، فعمل العامّي - وهو كلّ من لم يكن مجتهداً - عامّياً(1)، بلا تقليد ولا احتياط باطل، وهذا البطلان ينتهي في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا طابق الواقع، يعني إذا لم يكن مقلّداً ككثير من الشباب في بدايات بلوغهم، ثمّ فيما بعد اكتشفوا أنّ عملهم مطابق للواقع فالصلاة الّتي كانوا يؤدّونها كانت مطابقةً للواقع، كما لو كان يؤدي صلاة الصبح ركعتين وصلاة الظهر أربع ركعات، فهو مطابق للواقع، فهذا يكشف أنّ عمله كان

ص: 19


1- لأنّ المجتهدين أقليّة، بينما غير المجتهدين أكثريّة، كما أنّ الأطباء أقليّة وغير الأطباء أكثرية، فالعموم يطلق عليهم العامّي. (منه (رحمه اللّه) ).

مسألة 8: تعريف التقليد

مسألة 8: التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن وإن لم يعمل بعد، ولو لم يأخذ فتواه فإذا أخذ رسالته والتزم بالعمل بما فيها كفى في تحقق التقليد(1).

--------------------------

صحيحاً ولا يجب عليه شيء.

الحالة الثانية: إذا كان عمله مطابقاً لفتوى المجتهد، الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل، كما لو كان في أيّام السيد الحكيم (رحمة لله عليه)، وفي ذلك الوقت كان من المفروض عليه أن يقلّده، وعمله مطابق لفتاوى السيد الحكيم، فهو يكفي.

الحالة الثالثة: أو مطابقاً لفتوى المجتهد الذي يجب عليه تقليده في الحال، كما لو قالو له الآن يجب أن تقلّد، فقلّد فلاناً، وعمله الآن مخالف لفتاوى السيد الحكيم مثلا، لكن مطابق لفتوى المجتهد الفعلي فيكفي ذلك أيضاً.

فإذن هذا البطلان باعتباره بطلاناً عقليّاً وليس ببطلان شرعي، فإذا طابق الواقع أوطابق المجتهد المتقدّم، أو طابق المجتهد الفعلي، في كلّ الحالات عمله صحيح ولا شيء عليه.

مسألة 8:

ما معنى التقليد؟ ومتى يتحقق كون المكلّف مقلّداً؟ هنالك نظريتان، النظريّة الأولى: إنّ التقليد عبارة عن الالتزام بالعمل، يعني نيّة باطنة، عقد للقلب. أنا أنوي من اليوم أن أقلّد فلاناً، فماذا يعني أقلّد فلاناً؟ يعني في قضاياي أتبع رأي فلان، هذه النيّة الباطنيّة وعقد القلب هذا، يطلق عليه التقليد، هذا النظر

ص: 20


1- العروة الوثقى 1: 8.

--------------------------

الأول الذي هو نظر المؤلّف.

السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(1)

يقول: «ليس التقليد معناه عقد القلب، بل هو الاستناد إلى فتوى مرجع التقليد في العمل، أنا مقلّد لفلان، يعني عملي مطابق لرأيه ومنبعث عن رأيه، هذا معنى التقليد، وعندما نقول فلان يقلّد خطيباً - ليس معناه عقد القلب على ذلك، بل إذا كانت كيفيّة أدائه في العمل مطابقةً لكيفيّة أداء ذلك الخطيب، يطلق عليه أنّه مقلّد له.

فالتقليد هو العمل طبقاً لرأي المجتهد؛ انبعاثاً عن رأي المجتهد، وهذا يعني شيئين:

أوّلاً: أعمل وليس أنوي فقط، فيقول لي كيف أحج، فأحج كما يقول.

ثانياً: أنا أنبعث في عملي عن رأي المجتهد، يعني لأنّ المجتهد قال ذلك، فأنا أعمل كذلك، أمّا إذا كان غير مقلّد لمجتهد، لكن اتفاقاً كان عمله، مثل رأيه، فهذا لا يطلق عليه مقلّد، فلو رأى المجتهد وجوب التسبيحات الثلاث في الصلاة، وهذا الشاب اعتماداً على رأي أُمّه وعلى عمل أبيه وإخوته، يأتي بها كذلك، ولم تبلغه كلمة التقليد، ولا سمع بذلك المجتهد، فهذا لا يطلق عليه أنّه مقلّد لذلك المجتهد؛ لأنّه ولوكان عمله مطابقاً لرأي ذلك المجتهد، لكنّه لا ينبعث عن رأيه، فإذن التقليد هو الاستناد إلى فتوى مرجع التقليد في العمل.

نأتي إلى ما يقوله المؤلّف: (التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن وإن لم يعمل بعد، بل ولو لم يأخذ فتواه، فإذا أخذ رسالته والتزم بالعمل بما

ص: 21


1- حاشية السيد الشيرازي على العروة الوثقى: 2.

مسألة 9: حكم البقاء على تقليد الميّت

مسألة 9: الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت، ولا يجوز تقليد الميّت ابتداء(1).

--------------------------

فيها كفى في تحقق التقليد)، فعلى نظر المؤلف، يرى أنّ عقد القلب يكفي.

ثم إنَّ كلمة المعيّن في: «بقول مجتهد معيّن» يعني يجب أن يعيّن المجتهد الذي يقلّده، فإذا كان عندنا مجموعة من المقلّدين فهل يصح أن أقول أنا أقلّدهم كلّهم؟ لا يمكن، فإذا تعدد المجتهدون، يجب أن أقلّد هذا المجتهد بعينه، التعيين في مقابل التعدد والإبهام.

ومن القضايا الموجودة الآن أنّ أفراداً يبقون على تقليد الميّت، نقول أنّ البقاء على تقليد الميّت يحتاج إلى إذن، ولكن ليس من كلّ المجتهدين الباقين، بل يجب أن تعيّن مجتهداً معيّناً تأخذ منه إذن البقاء، فتقول إنّني أعتمد في هذا العمل على رأي فلان، أمّا أنّ الإبهام في المرجعية، فلا يمكن ذلك.

مسألة 9:

هذه المسألة تدور حول تقليد الميّت، فهل يمكن تقليد الميّت أم لا؟ من الفوارق بيننا وبين بقيّة المذاهب الأخرى أنّهم يقولون لا مانع من تقليد الميّت، ونحن نرى أنّ تقليد الميّت لا يمكن، فأحدهم في يومنا هذا أبا حنيفة، الذي مات أقبل كثر من ألف عام، وينفّذون آرائه ويطبّقونها، ونحن نرى أنّ التقليد الابتدائي للميت محرّم، ولا يمكن، ولعلّ من العوامل المؤثرة في تطوّر الفكر الشيعي مقارنةً ببقيّة المذاهب الأخرى هو هذا الموضوع، فإنّهم يقلّدون الأموات ونحن نشترط في التقليد الابتدائي أن يكون المجتهد حيّاً، فلا يجوز تقليد

ص: 22


1- العروة الوثقى 1: 8.

مسألة 10: عدم جواز العدول من الحيّ الی الميّت

مسألة 10: إذا عدل عن الميّت إلى الحي لا يجوز له العود إلى الميّت(1).

مسألة 11: عدم جواز العدول من الحيّ إلى الحيّ إلاّ إذا كان أعلم

مسألة 11: لا يجوز العدول عن الحيّ إلى الحيّ، إلاّ إذا كان الثاني أعلم(2).

--------------------------

الميّت ابتداءاً.

أمّا إذا كان مقلّداً لمجتهد حي كالسيد الحكيم (رحمه اللّه) ، ثمّ مات ذلك المجتهد، فيبقى على تقليده ولا إشكال فيه، أمّا أنّ المكلّف من البداية يقلّد مجتهداً ميتاً فلا يمكن.

مسألة 10:

لو كان المكلّف مقلّداً للسيّد الحكيم، فبإمكانه أن يبقى على تقليده، أو أن يقلّد فقيهاً حيّاً، فإذا عدل إلى الحيّ لا يمكنه العودة إلى الميّت، لماذا؟ لأنّ هذا تقليد ابتدائي للميّت، والحالة الوحيدة الخارجة عن هذا العموم هو أن تبقى على تقليد الميّت.

مسألة 11:

والعدول من الحي هو أن يقلّد مجتهداً حيّاً ثانياً، والعدول في القضايا الاحتياطيّة لا إشكال فيه، إن لم يكن للمجتهد فتوى في قضيّة من القضايا، وإنّما يقول الأحوط كذا، فلا إشكال أن نترك احتياطه، ونقلّد فقيهاً آخر، ولكن البحث في فتواه فلا يصح العدول فيه إلى مجتهد ثانٍ، لكونه خلاف

ص: 23


1- العروة الوثقى 1: 9.
2- العروة الوثقى 1: 9.

مسألة 12: وجوب تقليد الأعلم مع الإمكان

مسألة 12: يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط ويجب الفحص عنه(1).

--------------------------

الاحتياط، فيجب البقاء على من قلّدته ولا يجوز العدول عن الحيّ إلى الحيّ. يقول السيّد الوالد دام ظله(2)

على الأحوط احتياطاً وجوبيّاً، أمّا العدول عن الميّت إلى الحيّ فلا إشكال فيه.

نعم، يوجد استثناءٌ واحدٌ وهو: فيما إذا كان المجتهد الثاني أعلم، يعني أنا قلّدت مجتهداً ثمّ عرفت أنّ المجتهد الثاني أعلم من الأول، ففي هذه الحالة لا مانع من العدول عن ذلك المجتهد، الذي ليس بأعلم إلى المجتهد الثاني الأعلم، بهذا الشرط (إلاّ إذا كان الثاني أعلم فيعدل عن الأول إلى الثاني)، يكون العدول إمّا جوازاً كما هو ظاهر العبارة، وإمّا وجوباً أو احتياطاً كما يظهر من السيّد الوالد دام ظله في الفقه(3).

مسألة 12:

يوجد في تقليد الأعلم بحثان:

البحث الأول: من هو الأعلم؟ وسوف يأتي في مسألة رقم (17)، ولكنّه لو فرضنا أنّنا علمنا أنّ فلاناً هو الأعلم وجب علينا تقليده. فإذا اختلفت رتبة المجتهدين في الأعلميّة، يجب تقليد الأعلم، «يجب تقليد الأعلم على الأحوط...» إن أمكن، ووجه الشرط أنَّ تعيين الأعلم قضيّة شائكة، ولذلك منذ

ص: 24


1- العروة الوثقى 1: 9.
2- حاشية السيد الشيرازي على العروة الوثقى: 5.
3- الفقه 1: 116.

مسألة 13: إذا كان المجتهدان متساويين في الفضيلة

مسألة 13: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما إلاّ إذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع(1).

--------------------------

القدم كان هناك خلاف بين أهل الخبرة في تعيين من هو الأعلم، لأنّ الضوابط الّتي سوف نذكرها فيما بعد للأعلم - إن شاء اللّه تعالى - ضوابط مشكلة. لذلك اختلف أهل الخبرة في تشخيص مصداقه بين مثل الشيخ الأنصاري لكونه أدقاً وصاحب الجواهر ولكل منهجيته في فهم النصوص الشريفة واستخراج الأدلة.

فإذا أمكن تعيين الأعلم، وجب تقليده على الأحوط، «ويجب الفحص عنه» أيّ يجب أن نبحث عمّن هو الأعلم وكيفيّة البحث سوف يأتي فيما بعد إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 13:

متساويان في الفضيلة يعني العلم، وهما في درجة واحدة، كما ينقل عن صاحب المدارك وصاحب المعالم(رحمة اللّه عليهما)، وهم أقارب، ويقال بتقارب ذوقهم الفقهي وكان عندهم صلاة جماعة واحدة على ما قيل، والذي يأتي قبل الثاني هو الذي يكون الإمام والثاني يكون المأموم، فهو يقتدي بالأول والمجتمع يقتدي به، كان عندهم بحث واحد، فمن حضر قبل الآخر يدرّس في ذلك اليوم، والثاني يجلس تحت المنبر، ومن منهم حقّق في مسألة معيّنة في أنّ البئر ينفعل بالملاقاة أو لا ينفعل، اعتمد الثاني على رأيه، فهنا يتخيّر المكلّف بينهما في التقليد أو يجزّئ في تقليدهما بأن يقلّد هذا في بعض

ص: 25


1- العروة الوثقى 1: 9.

--------------------------

المسائل ويقلّد ذاك في بعض المسائل الأخرى، فإذا كان هناك ترجيح في الأورعيّة - الأورعيّة لا تعني التقوى والعدالة لاشتراطاهما في المجتهد بل معناه الاجتناب عن المشتبهات بترك ما يحتمل حرمته كما في بضائع البلاد الأجنبية وان جاز الانتفاع منها بالتمسك بالأصول العملية شرعاً، ولكن باعتبار أحدهما يرى أنّ القضيّة فيها نوع شبهة، فيبتعد عنها، بينما الثاني يرى أنّ القضيّة لا إشكال فيها من الناحية الشرعيّة فيقتحم فيها، كما ينقل أنَّه كانت هنالك أموال تأتي من الهند في قضيّة معيّنة قبل مدّة طويلة وهذه الأموال كانت مشبوهة، يحتمل أن يكون ورائها أشياء وأغراض معيّنة، فبعض كان يأخذها باعتبار أنّ هذا مال حلال، وبعض كان يشكّك في هذا المال... فكان يتورّع عن ذلك، فالأول أورع وإن كان الآخر متقياً أيضاً، فإذا كان هناك تفاضل بين المجتهدين في الأورعيّة، وتكافؤ في الأعلميّة، فهل يجب تقليد الأورع؟ كلا تقليده غير واجب؛ لأنّه لا دليل على وجوب تقليد الأورع، مادام الثاني متقياً، الشارع يقول له كلّ شيء لك حلال، فلو اُعطيت هديّة، ويحتمل أن يكون في أموال المُهدي شبهة يحتمل أن يكون مُرابياً، هذا المال محرّم فلا يأكله الأول، والثاني عادل أيضاً ويطبّق قاعدة فقهية أمر بها الشارع، فما دام عادلاً يمكن تقليده أيضاً، فالأورعيّة لا دليل عليها، لكن الأفضل في حالة التكافؤ في الأعلميّة أن ننتخب من هو الأورع، إلاّ إذا كان أحدهما أورع، فيختار الأورع على نحو الندب لا على نحو الوجوب.

ص: 26

مسألة 14: في الرّجوع إلی غير الأعلم

مسألة 14: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسالة الأخذ من غير الأعلم وإن أمكن الاحتياط(1).

--------------------------

مسألة 14:

إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل، بل له تأمّلٌ، أو فيه تردد، أو كتب: الآن ليس لدي وقت أن أحقق في هذا الموضوع فما هو حكمنا؟ نرجع إلى غيره في تلك القضيّة، إذ يجوز في تلك المسألة الآخذ من غير الأعلم، ونراعي في ذلك الأعلم فالأعلم... بأن نرى من هو الأعلم بعد الأعلم الأول فيكون في الرتبة الثانية، ونأخذ منه الحكم في تلك القضيّة، فإن لم يكن للاعلم في الدرجة الثانية رأي وليس لديه وقت لكي يحقق في هذا الموضوع، أو تردد فيه، أو توقّف فيه، نذهب إلى الأعلم في الرتبة الثالثة، فنرى ما هو رأيه، ونعمل برأيه في ذلك الموضوع، والحاصل: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم، وإن أمكن الاحتياط، إذ حتّى مع إمكان الاحتياط، لا يجب علينا الاحتياط، وإنّما نرجع إلى الفقيه الذي هو في الرتبة اللاحقة.

وهنا يوجد تعقيب يتعلّق بالاحتياط لا بأس بالإشارة إليه وهو أنّ الاحتياط ممكن في بعض الأشياء، ولكن في مجموعة من القضايا لا يمكن الاحتياط، كما لو دار الأمر بين المحذورين، مثلاً: إذا أفتى بعض الفقهاء بوجوب دفن الكافر، وبعض آخر في حرمته، فهل ندفنه أو لا ندفنه؟ فالاحتياط لا يمكن، فإذا دفنته خالفت رأي ذلك الفقيه، وإذا لم تدفنه خالفت رأي هذا الفقيه، فهنا

ص: 27


1- العروة الوثقى 1: 9.

مسألة 15: في الرّجوع إلی الحيّ في جواز البقاء علی تقليد الميّت

مسألة 15: إذا قلّد مجتهداً كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة، بل يجب الرجوع إلى الحي الأعلم في جواز البقاء وعدمه(1).

--------------------------

لا مجال للاحتياط، فإمّا يجب عليك الاجتهاد وإمّا يجب عليك التقليد، وكذلك إذا حدث خلاف في أنّ صلاة الجمعة واجبة أو محرّمة فهنا خلاف بين الفقهاء، في الوجوب أو الحرمة في عصر الغيبة، فلا يمكن الاحتياط، إذا دار الأمر بين النقيضين، فيتعين إمّا الاجتهاد وإمّا التقليد.

مسألة 15:

هذا الموضوع من المواضيع المبتلى بها، وهو أنّه إذا كان المكلّف يقلّد مجتهداً فمات، فلا يحقّ له البقاء على تقليد المجتهد الميّت إلاّ بإذن المجتهد الحي، فإذا قال الفقيه الحيّ الأعلم، يمكن البقاء على تقليد الميّت، عندئذٍ يمكنه أن يبقى على تقليد الميّت، وإذا الفقيه الحي الأعلم لم يأذن بالبقاء على تقليد الميّت، فهذا المقلّد ليس له حقّ في أن يبقى على تقليده، وإنّما يجب عليه أن يقلّد الفقيه الحي، وإذا لم يأخذ الإذن من الفقيه الحي فإنّه غير مقلّد، وإذا بقي غير مقلّد فما هو حكمه؟ إذا عمل بفتاوى المجتهد الميّت من دون أخذ الإذن من الفقيه الحي، كان تقليده كلا تقليد، يعني: كأنّه غير مقلّد، ففي هذا الموضوع الملاك رأي الفقيه الحي، ولا نأخذ برأي الفقيه الميّت، هذا الكلام ماذا يعني؟ يعني: أنّ الفقيه الميّت كان يقول: يجوز البقاء على تقليد الميّت، والفقيه الحي يقول لا يجوز البقاء على تقليد الميّت، فما هو الحكم؟

ص: 28


1- العروة الوثقى 1: 9.

--------------------------

هنا في هذه المسألة نأخذ برأي الفقيه الحي، ولا يحقّ لنا أن نبقى على تقليد الميّت في هذه الفتوى، أمّا لو قال الفقيه الميّت: البقاء على تقليد الميّت محرّم، لكن الفقيه الحي يقول لا مانع من البقاء على تقليد الميّت، فما هو الحكم؟هنا نأخذ رأي الفقيه الحي، ولا يحقّ لنا أن نبقى على تقليد الميّت، فرأيه ليس بحجّة بعد وفاته، وإنّما يجب اتباع الحي، فإذا قال واجب... فيجب البقاء، وإذا قال حرام، فيحرم البقاء... وإذا قال بالجواز، فهو جائز.

فإذا كان الفقيه الميّت يقول: يحرم البقاء على تقليد الميّت، لكن الفقيه الحي يقول ليس بحرام، فما هو الحكم؟ الحكم أنّه ليس بحرام...، بل يجب الرجوع إلى الفقيه الحي الأعلم في جواز البقاء وعدمه، والعلّة في ذلك أنّنا نشكّ في أنّ رأي الفقيه الميّت حجّة أم غير حجّة؟ فإذا اعتمدنا على رأيه فرأيه حجّة، فهذا دور، فإن رأيه غير معلوم الحجية، فإذا اعتمدنا على قوله بأنّ رأيه حجّة، فهو دور، وتوضيح ذلك، نحن لدينا دائرتان، الدائرة الكبرى والدائرة الصغرى، الدائرة الكبرى تشمل كلّ الأحكام، أحكام الحجّ والبيع والهبة والرهن والإرث... كلّ هذه الأحكام، ولا نعلم أنَّ آراء الميّت، بعد موته حجّة في هذه الدائرة أم لا؟ وهناك دائرة صغرى فيها مسألة واحدة، وهي أنّه هل يمكن البقاء على تقليد الميّت أم لا؟ نقول: بقاء تلك الآراء على الحجيّة الموجودة في الدائرة الكبرى بأيّ دليل، بدليل الفتوى الموجودة في الدائرة الصغرى؛ لأنّه يقول آرائي حجّة... ثم ما الدليل على حجية بقيّة آرائي، الآن نأتي بمثال لتوضيح المطلب، أخبركم شخص ما ألف خبر، وأنتم تشكّون هذا

ص: 29

مسألة 16: عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل

مسألة 16: عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل وإن كان مطابقاً للواقع وأمّا الجاهل القاصر أو المقصّر الذي كان غافلاً حين العمل وحصل منه قصد القربة، فإن كان مطابقاً لفتوى المجتهد الذي قلّده بعد ذلك كان صحيحاً والأحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل(1).

--------------------------

الرجل كلامه مطابق للواقع أم لا؟ فإذا قلتم أنّ كلامه صحيح لأنّه هو يقول كلامي صحيح، وهذا لا يمكن أن يعتمد عليه.

إذن في هذه القضيّة يعني في الدائرة الصغرى نرجع إلى الفقيه الحي، فإذا أعطى الشرعيّة وقال لا إشكال فيه، فآراء الميّت كلّها حجّة، وكلّ آراء الميّت في الدائرة الكبرى تكون حجّة، ويحقّ لك العمل بها.

مسألة 16:

إذا كان المكلف لم يقلّد، فما هو حكمه؟ كأغلب الشباب في بدايات بلوغهم، لا يعرفون ما هي قضيّة التقليد، لقد قلنا الحكم فيما مضى: إذا تبيّن فيما بعد أنّ عمله مطابق للواقع فهو صحيح، أو تبيّن أنّ عمله كان مطابقاً لفتوى المجتهد الذي كان في ذلك الوقت، والذي كان عليه في بداية بلوغه أن يقلّده، أو مطابقاً لفتوى المجتهد الذي يجب أن يقلّده الآن فإن تحققت إحدى هذه الملاكات، بلا فرق في ذلك بين أن يكون جاهلاً قاصراً أو جاهلاً مقصّراً، والجاهل القاصر هو الذي لا يمكنه التعلّم، أو لم يلتفت إلى وجوب التعلّم، كالذي يعيش في أدغال أفريقيا، هذا ليس له طريق إلى تعلّم الأحكام

ص: 30


1- العروة الوثقى 1: 9.

مسألة 17: تعريف الأعلم

مسألة 17: المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة، وأكثر اطلاعاً لنظائرها وللأخبار، وأجود فهماً للأخبار، والحاصل أن يكون أجود استنباطاً والمرجع في تعيينه أهل الخبرة والاستنباط(1).

--------------------------

الشرعيّة غالباً، والمقصّر هو الذي يتمكّن من تعلّم الأحكام، وملتفت إلى وجوب تعلمها، ولكن لا يتعلمها، هناك بعض الناس الذين كانوا في بعض البلاد، يذهب إليهم رجال الدين؛ ليعلموهم أحكام الدين، كانوا يقولون لرجال الدين لا تعلّمونا فأنتم تعلموننا الأحكام وتورطوننا، أفضل شيء نبقى على جهلنا، فهذا يطلق عليه الجاهل المقصّر، لأنّه ملتفت إلى وجوب تعلّم الأحكام، وقادر على تعلّمها، ولكن لا يتعلّم الأحكام، ففي هذه الشقوق الثلاثة الّتي قلناها هناك فرق، فهذا الجاهل الذي لم يكن يعرف قضيّة التقليد في بداية بلوغه يكون جاهلاً قاصراً، ملتفتاً كان حين العمل إلى أنّ عمله فيه إشكال أو غير ملتفت... في كلّ الحالات إذا تبيّن فيما بعد أنّ عمله مطابق للواقع، أو مطابق لفتوى الفقيه المتقدّم أو مطابق لفتوى الفقيه اللّاحق، فعمله صحيح... هذا هو الشيء الذي يراه السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(2).

مسألة 17:

سبق أنّ الأحوط تقليد الأعلم، والمسائل الفقهية فيها قواعد نقليّة، قواعد نقليّة مثل قاعدة «لا ضرر»، وقاعدة «لا حرج» وقاعدة «ما يضمن بصحيحه

ص: 31


1- العروة الوثقى 1: 10.
2- حاشية السيد الشيرازي على العروة الوثقى: 5.

--------------------------

يضمن بفاسده»، والقواعد العقليّة، مثل: «استحالة اجتماع المثلين» «استحالة اجتماع الضدّين» «استحالة اجتماع النقيضين» «المتكافئان متضايفان قوّة وفعلاً» وما أشبه ذلك من هذه القواعد...، والقواعد العقليّة أحياناً تنفع في عمليّة الاجتهاد، الفقيه يجب أن يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة، ليطبّق تلك القواعد الكليّة على المورد، مثلاً الخبز المحترق، هل يجوز أكله أم لا؟ لابدّ أن نرجع إلى قواعدها كَقاعدة «لا ضرر» فهل الخبز المحترق مضرّ أم لا، إذا كان مضرّاً فهو حرام، وإذا كان غير مضر فهو حلال... مثلاً الطبيب يؤتى إليه بمريض مصاب بداءٍ مجهول، يعرف القواعد الطبيّة أكثرمن غيره، فيلاحظ مجموعة القواعد ثم يطبقها على هذا المورد الجزئي الخارجي، فيقول هذا مريض بكذا، فالضابطة الأولى: أن يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة.

الضابطة الثانية: «وأكثر اطلاعاً لنظائر المسألة» النظائر تعني الأشباه، فإنها مؤثّرة في فهم الحكم بشكل أفضل، مثلاً لو أنّ أحداً عرضتم عليه عمل قامت به دولة من الدول، وهو لا يعرف اشباه هذا العمل وتاريخ هذه الدولة ربما يخطئ في تحليله، ولكنّه لو كان مطلّعاً على تاريخ هذه الدولة وأشباه هذا العمل، بانها المورد المشابه عملت كذا عمل... وانتهى إلى هكذا أمر... وفي مورد آخر كان ظاهر العمل مخالفاً للباطن... فمن لديه الاطلاع، يحلّل الظاهرة وينتفع من أشباه هذا العمل الذي قامت به هذه الدولة، فيكون تحليله أفضل، والفقيه الذي عنده معرفة بالفقه... وإحاطة تامّة به، ويعرف أشباه هذه

ص: 32

--------------------------

القضيّة الّتي يحللها من أول الفقه إلى آخره، يكون فهمه لهذا الموضوع أفضل، فهو الأعلم. مثال آخر يقول تعالى: {وَاعْلَمُواْ إنّما غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ}(1)، ولنا حقان حقّ الرهانة، و«حقّ الجناية» فالخمس من أيّ نوع؟ الفقيه المسلّط على الفقه، والمحيط به، ويعرف الأشباه والنظائر، يتمكن أن يحلل أنّ حقّ الخمس من هذا النوع أو ذاك النوع، والحاصل: إن الإحاطة الفقهيّة مؤثّرة جدّاً في الأعلميّة في الفقه طبقاً للضابطة الثانية.

الضابطة الثالثة: «وأكثر اطلاعاً للأخبار» وجهه انه لا يقتصر نظره لروايات باب واحد كالطهارة فحسب بل محيط بالبحار والوسائل وباقي الأخبار من بقيّة الأبواب، فينتفع بالروايات الواردة في بقيّة الأبواب في هذا المورد، بخلاف الفقيه المحدود المعرفة بالأخبار يقتصر نظره إلى الأخبار المذكورة في هذا الباب فقط، بينما الفقيه الذي لديه اطلاع أكثر على الأخبار، ينتفع بالرواية في باب الديات لحكمٍ في باب الطهارة.

مثلاً قاعدة «لا تنقض اليقين بالشكّ» ينقل أنّ الشيخ الأنصاري أوّل من تفطّن إليها، مثال آخر: كيف يتعامل الدين مع المشركين؟ يقول بعض الفقهاء إمّا أن نقتلهم إذا لم يكونوا أهل الكتاب وإمّا نجبرهم على الإيمان؟ لكن بعض الفقهاء يقول لا، وإنّما يرى طريقاً ثالثاً، ويستدل بالروايات الواردة المذكورة في أبوابها حول عمل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع أهل مكّة، والحاصل: إنّ الاطلاع على الأخبار مؤثّر في الحكم الفقهي.

ص: 33


1- الأنفال: 41.

--------------------------

الضابطة الأخيرة: «وأجود فهماً للأخبار» نوعيّة فهم الخبر تكون أفضل، والجودة تحصل غالباً بكثرة مزاولة العرف دون المنعزل عنهم فإنه قد لا يكون له ذهن عرفي في فهمه للأخبار بخلاف من يزاول العرف ويعرف كيفيّة كلامهم، فإنَّ الأئّمة صلوات اللّه عليهم كانوا يكلّمون العرف «أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم»، وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}(1)،

مثلاً الفهم العرفي في دعاء الغفيلة «أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا» هو أن تطلب حاجتك، واحد العلماء كان يرى التقيد بالألفاظ فحسب لا تغييرها إلى وأن تعطيني العلم والفهم وما أشبه، وهذا الكلام بعيد عن الفهم العرفي في فهم الخبر فكذا وكذا لفظ كنائي غير، والقصد المكنّى به، والحاصل: إن الفقيه الذي لديه فهم عرفي يرى: «ان تفعل بي كذا وكذا»، يعني تطلب حاجتك، فهذه نوعيّة الفهم، هذا قد يكون أجود فهماً وذاك ليس بأجود فهماً.

مثال آخر، أحد العلماء في الرواية: تأتي إلى حرم الحسين (عليه السلام) وتصلّي ركعتين وتقول: هاتان الركعتان هديّة منّي لمولاي الحسين ثمّ تأتي إلى حرم العباس وتصلّي ركعتين وتقول مثل ما قلت، ومعناه انك تهدي صلاتك إلى الحسين (عليه السلام) مع ان الفهم العرفي هو انك أنت مصلٍّ في حرمه فتعدي الركعتين إلى العباس (عليه السلام) ، هذا نوع من الفهم وذاك نوع من الفهم، ربّما يكون

ص: 34


1- إبراهيم: 4.

مسألة 18: الأحوط عدم تقليد المفضول

مسألة 18: الأحوط عدم تقليد المفضول حتّى في المسألة الّتي توافق فتواه فتوى الأفضل(1).

--------------------------

هذا الفهم الثاني غير عرفي، والفهم الأول أقرب إلى العرف، لذلك نرى الفقهاء كثيراً مايؤيّدون الفقيه الحاج رضا الهمداني، ويستذوقون مشربه الفقهي؛ لأنّه يطبّق مطالبه على العرف وعلى الفهم العرفي، فهذه الضوابط الأربعة هي ضوابط الأعلميّة، أن يكون أعرف بالقواعد والمدارك، أكثر اطلاعاً للنظائر، أكثر اطلاعاً للأخبار، أجود فهماً للأخبار.

وحاصله: أن يكون «أجود استنباطاً» يعني استخراجاً للحكم الشرعي من مداركه.

ثم إنّ المرجع في تعيين الأعلم هم أهل الخبرة والاستنباط يعني المجتهدين القادرين على الاجتهاد، فالذين لهم هذه الملكة، هم الذين يعيّنون من هو الأعلم، وإذا تعارضوا في تعيينه كما سيأتي فيما بعد.

كما لو تعارض خبراء أهل العرف حول أفضلية طبيب معين على غيره من الأطباء، كان لكم الاختيار في اختيار أحدهما.

مسألة 18:

قلنا فيما مضى إنّ الفضيلة في كلام الفقهاء، لا تعني الفضيلة الّتي يعنيها علماء الأخلاق، فعلماء الأخلاق عندما يطلقون كلمة الفضيلة والفاضل وما أشبه ذلك ربما يريدون بها مجموعة الأخلاق الطيّبة، فقولهم فلان فاضل أو ذو فضيلة يعني وفيّ، صادق، ... الخ، وإنما الفضيلة في مصطلح علماء الفقه

ص: 35


1- العروة الوثقى 1: 10.

مسألة 19: عدم جواز تقليد غير المجتهد

مسألة 19: لا يجوز تقليد غير المجتهد وإن كان من أهل العلم، كما أنّه يجب على غير المجتهد التقليد وإن كان من أهل العلم(1).

--------------------------

في أمثال هذه المواقع تعني العلميّة، فالمفضول مستوىً علمي أقلّ، والأفضل مستواه العلمي أعلى، الفاضل والمفضول من الفقهاء أحيانا يتخالفان في الفتوى، فَأحدهم يقول إنّ أهل الكتاب طاهرون، والثاني إنّهم غير طاهرين، في هذه الحالة يتعيّن - على الأحوط - تقليد الأعلم، وأحياناً يتوافقان في الفتوى، بطهارة أهل الكتاب، أو كفاية التسبيحات الأربعة في الركعة الثالثة والرابعة مرّة واحدة مثلاً فهل يمكن لنا تقليد المفضول والعمل واحد؛ لأنّ المقلّد يأتي بعمل يوافق فتوى الفقيهين فهل يشترط استناد عمله إلى أحدهما؟ فالفرق في الباعث الباطني، وأنه إذا سئل عن وجه اتيانه بالتسبيحات مرّة واحدة، أجاب استناداً إلى هذا أو ذاك.

صاحب العروة يقول الأحوط وجوباً عدم تقليد المفضول، يعني أن لا يكون مستندك في العمل فتوى المفضول، حتّى في المسألة الّتي وافقت فتواه فتوى الأفضل، حتّى في موارد التطابق بين الفتويين، ولكن السيد الوالد دام ظله في الحاشية(2)

يرى أنّ لا مانع من ذلك، يعني يمكنك الاعتماد على فتوى هذا، أو فتوى ذاك، والنتيجة العمليّة واحدة في الحالتين.

مسألة 19:

هناك فرق بين المجتهد وبين العالم، فالذين يدخلون الحوزات العلميّة

ص: 36


1- العروة الوثقى 1: 10.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 5.

مسألة 20: ما يُعرف به اجتهاد المجتهد

مسألة 20: يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني، كما إذا كان المقلّد من أهل الخبرة وعلم باجتهاد شخص، وكذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل

--------------------------

ويتعلّمون النحو والصرف والمنطق والفقه والأصول علماء إلا أنَّ الاجتهاد ملكة معيّنة، الفرق بينهما أنَّه قد يكون الفرد أستاذاً في الفقه متظلّعاً في كلام الفقهاء، ولكن ليس لديه قدرة على استخراج الحكم الشرعي، فعندما تطرح عليه الروايات والقواعد، لا يتمكن من الجمع بينهما وإن ظل في الحوزة العلميّة أربعين عاماً، وهذا حكمه حكم العامّي، عليه أن يقلّد هو أو يحتاط ولا يمكن تقليده وإن أتى بالمصطلحات العلمية وذكر آراء الأعلام لكن ليس له القدرة على استخراج الحكم الشرعي، فإذا أعطيته روايتين متعارضتين، لا يدري كيف يجمع بينهما، ويتوقف، أو تعطيه مجموعة من القواعد العقليّة أو الفقهيّة المتناقضة في الموضوع، فلا يتمكن أن يوفق بينهما.

يقول السيّد الوالد دام ظله: (أو الاحتياط)(1) وان كان من أهل العلم، فإذا لم يكن الفرد مجتهداً، فإمّا أن يقلّد أو يحتاط، وليس له الحقّ أن يعمل بآرائه؛ لأنّه ليس بمجتهد، فكيف يحقّ لغير المجتهد أن يعمل بآرائه.

مسألة 20:

لمعرفة الاجتهاد؟ طرق ذكر المصنّف ثلاث منها:

الطريق الأول: العلم الوجداني

ومعناه القطع، واليقين، والمعرفة بالاجتها وهو ملكة باطنيةتحصل عن آثارها،

ص: 37


1- الحاشية على العروة الوثقى: 6.

الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد، وكذا يعرف بالشياع المفيد للعلم، وكذا الأعلميّة تعرف بالعلم أو البيّنة غير المعارضة أو الشياع المفيد للعلم(1).

--------------------------

كالمعرفة بالشجاعة في الحرب نعرف أنّه شجاع أو غير شجاع، فالملكة الباطنية تكتشف من الآثار، كما أنّ الجود ملكة باطنيّة, تُعرف من آثارها.

ولا يشخصها إلا من كان من أهل الخبرة، وعلم باجتهاد شخص من بحوثه العلمية.

ينقل أنّ شخصاً ذهب لأحد العلماء وطلب منه إجازة اجتهاد، وأراد منه أن يكتب له أنّه مجتهد، فطرح عليه المجتهد فرعاً فقهياً، وفي خلال دقائق معدودة عرف أنّه مجتهد، وكتب له إجازة اجتهاد.

الطريق الثاني: شهادة العدلين

تكفي شهادة رجلين من أهل الخبرة بأنّ فلاناً مجتهد، بعض الأمور لا يحتاج إلى خبروية، كما إذا شهد عادلان بأنّ هذا المكان نجس مثلاً، فهذا أمر لا يحتاج إلى الخبروية، فإن رؤية وقوع الدَم على مكان لا يحتاج إلى خبروية معيّنة، ولكن الشهادة بالاجتهاد تحتاج إلى أولاً: أن يكونا عادلين، وثانياً: أن يكونا من أهل الخبرة، وثالثاً: أن لا تكون شهادتهما معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد، ومع المعارضة تتساقط الشهادتين، ثم إنه مع العلم لا تصل النوبة إلى شهادة العدلين؛ لأنّ للعلم حجّة ذاتية لا تقبل الوضع ولا تقبل الرفع.

ولكن إذا حصل شكّ، اثنان قالا بأنّه مجتهد، واثنان آخران قالا بأنّه غير

ص: 38


1- العروة الوثقى 1: 10.

مسألة 21: كفاية الظّن والإحتمال في تعيين الأعلم

مسألة 21: إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما ولا البينة، فإن حصل الظنّ بأعلمية أحدهما تعيّن تقليده، بل لو كان في أحدهما احتمال الأعلميّة يقدّم، كما إذا علم أنّهما إمّا متساويان أو هذا المعيّن أعلم، ولا يحتمل أعلمية الآخر، فالأحوط تقديم من يحتمل أعلميته(1).

--------------------------

مجتهد، تعارضا، فتساقطا السيد الوالد دام ظله يذهب مع التعارض إلى ملاحظة المرجّحات(2)، تفصيله يأتي إن شاء اللّه في المسائل القادمة.

الطريق الثالث: الشياع المفيد للعلم

فإذا شاع أن فلاناً طبيب أوجب ذلك الشياع العلم، كفى، وكذلك إذا قال أحدهم أنّ هذا مجتهد، وقال الآخر الآخر هذا مجتهد، وأفاد لكم ذلك القول العلم، كفي هذا المقدار في إثبات الاجتهاد.

مسألة 21:

إذا كان هناك مجتهدان ولا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما ولا قامت البيّنة، وهنالك مجتهدان أو عدّة مجتهدين، لا نعلم من هو الأعلم منهم، كما أنّه غالباً ما يتعارض أهل الخبرة في تعيين الأعلم، فهل نعتمد على الظنّ أو الاحتمال في أنّ فلاناً هو الأعلم.

صاحب العروة يعين العمل وفق الظن والاحتمال، والسيد الوالد دام ظله(3)ينفي ويرى التخيير في تقليد أحدهما، مثلاً إذا كان طبيبان في البلدة، ولم نعلم

ص: 39


1- العروة الوثقى 1: 11.
2- الفقه 1: 19.
3- الفقه 1: 198.

مسألة 22: يُشترط في المجتهد أمور

مسألة 22: يشترط في المجتهد أمور: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والرجوليّة، والحريّة على قول، وكونه مجتهداً مطلقاً، فلا يجوز تقليد المتجزئ، والحياة، فلا يجوز تقليد الميّت ابتداءً، نعم يجوز البقاء كما مرّ، وأن يكون أعلم فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع التمكن من الأفضل، وأن لا يكون متولّداً من الزنا، وأن لا يكون مقبلاً على الدنيا وطالباً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه(1).

--------------------------

الأعلم منهما كان لك الاختيار في أن تراجع هذا، أو ذلك.

ولكن صاحب العروة يقول: «فإن حصل الظنّ بأعلميّة أحدهما تعيّن تقليده»، أيّ: تعمل بالظنّ، بل لو كان في أحدهما احتمال الأعلميّة يقدّم، حتّى مع الاحتمال بتساويهما، كما إذا علم أنّهما إمّا متساويان، أو هذا المعين أعلم، ولا يحتمل أعلميّة الآخر، بمعنى لو أنهما في مرتبة واحدة ففي هذه الحالة الأحوط تقديم من يحتمل أعلميته.

والحاصل: انه عند السيد الوالد دام ظله مع العلم يلزم تقليد الأعلم احتياطاً وبلا علم فله الخيار.

مسألة 22:

يشترط في المجتهد أمور:

الشرط الأول: البلوغ

فإذا كان لأحدهم نبوغ فرضاً، فاجتهد قبل البلوغ، لا يحقق لنا تقليده، كما ينقل ذلك في أحوال العلامة الحلي (رحمه اللّه) ، ويذكر أنّ أحدهم أتى ليرى العلامة

ص: 40


1- العروة الوثقى 1: 11.

--------------------------

الحلّي ويسأله عن بعض القضايا الشرعيّة، فرأى مجموعة من الأطفال يلعبون فسأل أحدهم عن بيت العلاّمة، فأخذه أحد الأطفال إلى البيت، وبعد ذلك جلس أمامه وقال له تفضّل، قال الضيف: أنا أريد العلاّمة، فقال: أنا هو تفضل، فهو طفل يلعب ولكنّه على ما يحكى مجتهد، ولكن لا يحقّ تقليده؛ لأنّ الشرط في التقليد هو البلوغ، ولا بلوغ في المقام.

الشرط الثاني: العقل

فإذا جنّ المجتهد وفقد مداركه العقليّة، لا يحقّ تقليده، بمعنى أنّ العقل كما هو شرط في ابتداء الاجتهاد والتقليد كذلك يشترط في الدوام.

الشرط الثالث: الإيمان

يخرج بقيد الإيمان الكافر، ويخرج المخالف، وفرق الشيعة غير الاثني عشرية مثل الواقفية، فهؤلاء لا يحقّ تقليدهم. وينقل عن بعض العلماء قوله: أنّ اللّه أراد أن يغلق بيوت هؤلاء، أن لا يكونوا مراجعاً للأحكام الشرعيّة.

فالشرط الثالث: أن يكون مؤمناً، يعني اثني عشرياً.

الشرط الرابع: العدالة

وسوف يأتي أنّ العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك المحرّمات.

الشرط الخامس: الرجولية

فالمرأة المجتهدة لا يمكن تقليدها, كما ينقل عن زوجة العلاّمة الحلي أنّها كانت مجتهدة.

ولعلّ الحكم في ذلك أنّ اللّه تعالى خلق في المرأة كثافة عاطفيّة كما خلق

ص: 41

--------------------------

في الرجل كثافة عقلانيّة، وهذا ليس بنقص كما يقوله بعض العلماء كالسيارة التي تحمل الحديد، وسيارات صغيرة تحمل الركاب، ليست السيارة الصغيرة ناقصة، بل يجب أن تكون كذلك، وكذا الكبيرة ليس فيها نقص، وإنّما يجب أن تكون كذلك، فبناءً على ذلك المرأة يجب أن تكون عاطفية كما خلقها اللّه, وهذا كما يقوله بعض العلماء ليس لنقص فيها؛ وإنّما كمالها أن تكون عاطفية، والرجل يجب أن يكون عقلانياً، والأعمال القيادية من هذا النوع تحتاج إلى عقلانية أكثر... والحالة العاطفية لا يمكن أن تتحمل مثل هذا المقام الخطير، فلا يمكن أن تكون مرجعاً للتقليد، في الدنيا الحاضرة الّتي فتحت المجال أمام المرأة، أغلب القيادات رجال، ولعلّه في كلّ واحد بالألف توجد امرأة، كرؤوساء الدول، ورؤساء البرلمانات، والقادة الكبار في الجيش مثلاً، أغلبهم رجال، مع أنّ المجال مفتوح أمام المرأة، لماذا؟ لأنّ طبيعة هذه الأعمال على نحو الغلبة لا تنسجم مع التكوين النفسي للمرأة، ولعل هناك حٍكَمٌ أُخرى اللّه تعالى عالم بها.

الشرط السادس: الحرية

يشترط البعض الحرية وعدم العبودية، ولكنّ قال السيد الوالد دام ظله: والحرية على قول غير قوي(1).

الشرط السابع: وكونه مجتهداً مطلقاً

فلا يجوز تقليد المتجزئ. ولبيان ذلك نقول الملكات قابلة للشدّة والضعف،

ص: 42


1- الحاشية على العروة الوثقى: 6.

--------------------------

كملكة الشجاعة لها مراتب... كمراتب الغنى والفقر والنور والظلمة، كأمير المؤمنين (عليه السلام) في الشجاعة حيث يقول: «واللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها»(1)، فهو شجاع في أقوى المراتب من حيث الشدة والقوّة في الملكة، كما أنّ الملكات على هذا الشكل، كملكة الجود، كذلك ملكة الاجتهاد، هنالك ملكة اجتهاد قوية في كلّ الأبواب فيجتهد في باب الطهارة، في باب الديّات، في باب البيع، في باب الرهن، في كلّ أبواب الفقه، كما أنّ بعض أبواب الفقه ليست هيّنة، مثل باب الديات إذ توجد فيه روايات معدودة، قليلاً من يجتهد ويحقق فيها ويمكنه أن يخرج بنتيجة، بعض الأبواب الفقهية معقّدة وفيها قواعد متداخلة، وقواعد متضاربة مثل معرفة الحاكم من المحكوم، والوارد من المورود، وما أشبه ذلك، فتحتاج إلى ملكة شديدة، فباب الطهارة والبيع من الأبواب المعقدة في الفقه، لأنّ فيها كثيراً من القواعد المتداخلة، فهنالك فقيه يمكنه أن يستنبط في باب الديّات فقط، ولكن لا يمكنه أن يستنبط في باب البيع، فمثل هذا الفقيه يسمّى المتجزئ في بعض الأبواب فقيهٌ، وفي بعض الأبواب ليس بفقيه، ولا يستطيع أن يستنبط.

ثم إن الأحوط عدم تقليد المتجزئ حتّى في الباب الذي اجتهد فيه.

الشرط الثامن: الحياة

فلا يجوز تقليد الميّت ابتداءً، كتقليد العلاّمة الحلي مثلاً، كما يفعل العامّة حيث يأخذون كتاب أبي حنيفة ويقلّدونه... فلا يمكن أن نأخذ كتاب الشرائع

ص: 43


1- امالي الصدوق: 604, ح840.

--------------------------

للمحقق الحلي ونقلّده... ولا يمكن أن نأخذ كتاب العروة ونقلّد صاحب العروة، لأنّه فقيه ميّت، والفقيه الميّت لا يقلّد ابتداءً، إلاّ إذا لاحظ المقلّد حواشي المرجع الذي يقلّده فيعمل بحواشيه، نعم البقاء على تقليد الميّت لا إشكال فيه، كما قلنا.

الشرط التاسع: وأن يكون أعلم

وهذا الشرط هو شرط احتياطي، فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع التمكن من الأفضل، يعني الأعلم، وقد مضى الكلام عن هذا الشرط.

الشرط العاشر: وأن لا يكون متولداً من الزنا

وفيه بحث طويل نؤجله إلى وقت آخر.

الشرط الحادي عشر: وأن لا يكون مقبلاً على الدنيا

أو طالباً لها مكبّاً عليها مجدّاً في تحصيلها... يحبّ المال والثروة والمقام والصدارة في كلّ مكان.

يقول السيّد الوالد دام ظله في الحاشية: (بما ينافي العدالة)(1)، يعني إذا كانت هذه الحالة تنافي العدالة فتجعله غير مؤهل للتقليد، يعني يعمل الحرام. فإذا له منافس مثلاً يحاول إسقاطه بشتّى الطرق المشروعة وغير المشروعة، يقال كان أحدهم يفكّر في المستقبل من هم منافسوه المحتملون، فَيكتب مكاتيب إلى أهليهم وذويهم ومن يعرفهم ويكذب عليهم لإسقاطهم، ويوقّع على الرسالة بأنها من مجهول.

ص: 44


1- الحاشية على العروة الوثقى: 6.

مسألة 23: تعريف العدالة

مسألة 23: العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك المحرّمات، وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علماً أو ظنّاً وتثبت بشهادة العدلين، وبالشياع المفيد للعلم(1).

--------------------------

إذاً الانكباب على الدنيا بما ذكر يسقطه عن العدالة بخلاف ما إذا كان حبّ المال لا ينافي العدالة، ففي الخبر من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه، إذن هذا الشرط في نظر السيد الوالد دام ظله ليس بشرط في حدّ ذاته ولكن الشرط هو العدالة.

مسألة 23:

ما هو المقصود من العدالة؟ توضيح ذلك: أنّ فعل الواجبات واجتناب المحرّمات، يمكن أن يفرض على أنحاء ثلاثة:

النحو الأول: أن يكون هناك مانع يمنع المكلّف من فعل المحرم، أو يلجئه إلى الإتيان بالواجب، كما لو أنّ فقيراً لا يتمكن أن يأتي بالحرام، فهو لا يأتي بالعمل المحرم؛ لأنّه لا يملك المال، أو لا يغتاب؛ لأنّه في مكان لا يوجد فيه أحد حتّى يغتاب عنده، فقد تجنّب المحرّمات، فهو لجأ إلى ذلك بسبب مانع منعه من ذلك، فهو غير عادل قطعاً.

النحو الثاني: أن يفعل الواجبات ويتجنّب المحرّمات ولكن لا عن ملكة باطنية، لأنّه يعيش في أجواء معيّنة، في أجواء الإيمان في أجواء التقوى فهو مع هذه الأجواء، ولكن إذا تبدّلت الأجواء يتبدّل هو أيضاً، مادام في هذا البلد فهو متديّن، فإذا ذهب إلى مكان آخر يتبدّل ويتحوّل... فَلا يطلق عليه أنّه عادل.

ص: 45


1- العروة الوثقى 1: 12.

--------------------------

النحو الثالث: أن يكون مقيّداً بالواجبات وبالمحرمات ولكن عن ملكة باطنية وتمنعه عن فعل المحرّمات، وإنّما يطلق على هذه الحالة الملكة لأنّه يملكها... فالعدالة إذن عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك المحرّمات الحالة الباطنيّة تدفع وتمنع.

ولمعرفة حيازة الفرد عليها:

الطريق الأول: حسن الظاهر الكاشف عن الملكة علماً أو ظنّاً، بأن ظاهره يكون له ظاهر جيد، ويُعرف ذلك من خلال المعاشرة في الحضر والسفر، فما رأينا فيه شيئاً مخالفاً للواجب أو فاعلاً للمحرّم، بأن يغتب أو يتّهم أو يتهاون في حياته بالواجبات، ومع عدم العِشرة نسأل ممّن عاشروه من جيرانه أو إخوته أو أصدقاءه، فإن قالوا: إنّنا لم نر منه إلاّ خيراً، كفى.

ثم إنَّ حسن الظاهر كاشف عن العدالة إمّا علماً، أو ظناً، يعني الاحتمال الأرجح أن يكون عادلاً... مع احتمال كونه مرائياً، أو منافقاً، ولكن الأرجح أن يكون عادلاً.

بل ذهب بعض الأعلام بكفاية حسن الظاهر وإن لم يوجب الظن بعدالته.

الطريق الثاني: شهادة عدلين، فإن شهد رجلان عادلان بأنّ فلاناً عادل كفى.

الطريق الثالث: الشياع المفيد للعلم، إذ من المعروف أنّ الشيخ المرتضى عادل... وقد أفاد ذلك الشياع العلمَ لنا بعدالته.

ص: 46

مسألة 24: فيما إذا فقد المجتهد شرائط التقليد

مسألة 24: إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلّد العدول إلى غيره(1).

--------------------------

مسألة 24:

الشرائط الّتي ذكرناها في مرجع التقليد هي شرائط حدوثيّة وبقائيّة. بمعني أنّه في الابتداء يجب أن تكون هذه الشرائط متوفّرة في المجتهد، فالمجنون لا يمكن تقليده، وكذا إذا لم يكن مؤمناً كما لو كان فطحياً أو واقفيّاً أو مخالفاً أو كافراً تقليداً ابتدائياً فالشرط حدوثي، وبقائي، فلو حدثت فتنة فانقلب على وجهه، وتحوّل إلى فطحي، أو واقفي لا يمكن البقاء على تقليده؟ أو كان عاقلاً ثمّ اختلّت مداركه العقليّة على أثر التقدّم في العمر.

فهذه الشرائط كما هي شرائط حدوثيّة، هي أيضاً شرائط بقائيّة، إذ كيف يرضى الشارع بتقليد مجتهد مجنون ولا يمكن أن تكون القيادة بيد مجنون أو مخالف أو كافر، أو بيد رجل غير عادل، نعم يستثنى من ذلك شرط واحد:

هو الحياة، فإنه شرط حدوثي، ولكنّه ليس بشرط بقائي، فإذا كان المجتهد حيّاً فقلّدناه، ثمّ مات، جاز البقاء على تقليده؛ لأنّ الموت لا يشكّل نقصاً وإنّما هو كمالٌ في الواقع؛ لأنّه انتقال من هذه النشأة الدنيا إلى نشأة عليا، الجنين إذا خرج من بطن أُمّه إلى هذه الحياة، هذا كمال له؛ لأنّ الانتقال إلى نشأة أعلى هو كمال في ذلك الفرد، لأنّنا كنّا هنا مسجونين في عالم المادّة الضيّق وهناك ننطلق، فهذا الشرط حدوثي فقط وغير بقائي.

ص: 47


1- العروة الوثقى 1: 12.

مسألة 25: فيما إذا قلّد من لم يكن جامعاً للشرائط

مسألة 25: إذا قلّد من لم يكن جامعاً، ومضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلّد أصلاً(1).

مسألة 26: فيما إذا قلّد من يُحرّم البقاء على تقليد الميّت

مسألة 26: إذا قلّد من يحرّم البقاء على تقليد الميّت، وقلّد من يجوّز البقاء له أن يبقى على تقليد الأول في جميع المسائل إلاّ مسألة حرمة البقاء(2).

--------------------------

مسألة 25:

بين عدم التقليد وتقليد من لا يكون أهلاً للتقليد - كمن لم

يراجع الطبيب أو يراجع من ليس بطبيب - فحكمه كمن لم يقلّد, وحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر الذي قلنا فيما مضى إنه إن طابق عمله الواقع أو طابق فتوى المجتهد المتقدّم الذي يجب أن يقلّده في ذلك الوقت أو طابق فتوى المجتهد الفعلي، الذي يجب الآن عليه تقليده، صح، أمّا إذا كان عمله مخالفاً فهو باطل, ويجب عليه الإعادة أو القضاء.

مسألة 26:

إذا كان المجتهد الذي أقلّده يقول: يحرم البقاء على تقليد الميّت ففي رأيه أنّ البقاء على تقليده محرّم، عَلَيَّ أن أرجع إلى الفقيه الحي، فإذا قال لا مانع من البقاء على تقليد الميّت الذي يقول إنّ البقاء على تقليده حرام وقد سبق القول بعدم حجيّة قوله بعد موته، فإذا قال الفقيه الحي إنّ البقاء على تقليد الميّت واجب، فيجب البقاء، وإذا قال يجب العدول إلى الحيّ وجب العدول،

ص: 48


1- العروة الوثقى 1: 12.
2- العروة الوثقى 1: 12.

مسألة 27: وجوب العلم بأجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها

مسألة 27: يجب على المكلّف العلم بأجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها ولو لم يعلمها، لكن علم اجمالاً أنّ عمله واجد لجميع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع، صحّ وإن لم يعلمها تفصيلاً(1).

--------------------------

وإذا قال بالتخيير فنحن مخيرون في أن نبقى على تقليد الميّت أو أن نعدل إلى الحي.

والحاصل: ان أفتى المجتهد الحي بجواز البقاء على تقليد الميّت، جاز لي أن أبقى على تقليد الذي مات في جميع المسائل، مسائل البيع والحج والرهن والإجارة والإرث، ومن أول الفقه إلى آخر الفقه، إلاّ في مسألة واحدة وهي مسألة حرمة البقاء.

اما وجهه فلأنّه يستلزم الجمع بين النقيضين؛ لأنّ المفروض أنّ المجتهد الحي يجوّز البقاء، فإذا اعتمدنا على رأيه وقلدنا الميّت في مسألة حرمة البقاء كان البقاء يكون جائزاً لأنّ الفقيه الحيّ يقول بجوازه، وحراماً لأنّ المجتهد الميّت كان يقول بحرمته فالجمع بين الرأيين جمع بين النقيضين أو الضدّين.

وحل المعضلة ان أقلّد الحي في مسألة واحدة فقط وهي جواز البقاء على تقليد المجتهد الميت؟ وأقلّد المجتهد الميّت في كلّ المسائل الأخرى ولا مانع في ذلك من اجتماع الضدّين.

مسألة 27:

البحث الأول: يجب على المكلّف البالغ العاقل الملتفت - كما أشرنا إليه في بداية كتاب التقليد - العلم بأجزاء العبادات وشرائطها، ونعني بالأجزاء

ص: 49


1- العروة الوثقى 1: 12.

--------------------------

الركوع والسجود مثلاً، والشرائط الوضوء، والموانع الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر، أو القهقة أو البكاء مثلاً في أثناء الصلاة ومقدّماتها، أوكالبحث عن الماء لفاقده - وهذا يطلق عليه المقدمات - والشرائط بعضها مقدمة على العمل وبعضها مقارنة للعمل، كاستقبال القبلة مثلاً فهو شرط وهو مقارن للعمل، بخلاف الطهارة لأنها حالة باطنيّة فهي شرط مقارن على التفصيل المذكور في محلّه.

وفي الحاشية(1)

يقول السيد الوالد دام ظله: «بالمقدار الذي يكون محلّ ابتلائه» ومعناه: فَأنّ الكثير من الأحكام ليس محلّ ابتلائه، فلا يحتاج إليها، بل المقدار الذي اُبتلى به واُحتيج إليه يجب عليه تعلّمه.

البحث الثاني: العلم نوعان، علم تفصيلي، وعلم إجمالي. اما الثاني فكإن صلّيت أمام مجتهد، فقال صلاتك صحيحة، هذا المقدار يكفي أمّا التفاصيل فلا أعرفها، وجه الصحة لأنّ عملي مطابق للواقع، وكثير من الذين يذهبون للحج، لا يعرفون أحكام الحجّ تفصيلاً، بل يذهبون مع المطوّف الثقة والمطوّف يقول لهم أنّ ما فعلتموه صحيح، فهم لا يعرفون أنّ الطواف يجب أن يكون بين البيت والمقام، ولا يعرفون أنّ الحجر يجب أن يكون داخلاً ضمن الطواف، فإذا سألتهم بصحة الطواف من الجهة الأُخرى ترددوا بل يقولون: نحن نسير مثل سير المطوف، وكما قال الشاعر:

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت *** وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أو أبيت

ص: 50


1- الحاشية على العروة الوثقى, للسيد الشيرازي: 6.

مسألة 28: وجوب تعلّم مسائل الشكّ والسهو

مسألة 28: يجب تعلّم مسائل الشكّ والسهو بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالباً، نعم لو اطمأن من نفسه أن لا يبتلى بالشكّ والسهو، صحّ عمله وإن لم يحصل العلم بأحكامها(1).

--------------------------

فهم وإن لم يعلموا الشرائط والموانع والمقدّمات وما أشبه ذلك تفصيلاً، ولكنّهم علموا اجمالاً بأنّ عملهم واجدٌ لجميع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع، ولا يجب عليهم التعلّم.

مسألة 28:

هذه المسألة جزئيّة من جزئيات المسألة المتقدّمة، فمسائل الشكّ والسهو أيضاً يجب تعلمها، لأنّ المبتلى بها سوف يشكّ يوماً ما، فإذا شكّ المكلّف بين الثلاث والأربع في الصلاة مثلاً، ولم يعرف الحكم إمّا أن يقطع الفريضة، وهو حرام. وإمّا أن يعمل بما يراه من نفسه والذي - غالباً - يكون مخالفاً للواقع.وهذا حال الشخص غير المتعلّم للأحكام.

أمّا لو كان متعلّماً أتى بالوظيفةالصحيحة، وكذلك مسائل السهو، فلو اشتبه المكلّف ولم يسجد سجوداً واحداً وتذكّر في القيام. أيعود إلى السجود أو لا يعود، أو إذا كان في الركوع وتذكّر أنّه في الركعة الماضية لم يأت بسجود واحد أيعود أو لا يعود، فيجب عليه أن يتعلّم حكم ذلك بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالباً.

وهناك مسائل بعيدة لا نبتلي بها مثل: من شكّ بين الخمس والست في حال القيام... فلا أظن أنّ هذا الشكّ محلّ ابتلاء غالباً، بخلاف الشك بين الاثنين أو بين

ص: 51


1- العروة الوثقى 1: 12.

مسألة 29: وجوب التقليد في المستحبات

مسألة 29: كما يجب التقليد في الواجبات والمحرّمات يجب في المستحبات والمكروهات والمباحات، بل يجب تعلّم حكم كلّ فعل يصدر منه، سواء كان من العبادات أو المعاملات أو العاديّات(1).

--------------------------

الثلاث والأربع. والشكّ في الاتيان بسجدة واحدة أو سجدتين يُبتلى به، فيجب على المكلّف أن يتعلمها، بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء لغالب الناس، نعم لو اطمأنّ من نفسه أن لا يبتلى بالشكّ والسهو صحّ عمله وإن لم يحصل العلم بأحكامها، كمن يؤدّي أعماله جماعة وإذا شكّ أحدهم فشكه غير معتبر، لأنّه يرى ما يفعل الإمام فيفعل معه، أو هناك أفراد لا يشكّون، بخلاف الأفراد الذين نفوسهم مريضة كثيراً مايشكّون، فإذا كان يعلم أنّه لا يشكّ، فالتعلّم ليس بواجب عليه؛ لأنّ التعلّم ليس له موضوعيّة هنا بحسب الفرض، بل التعلّم إنّما هو للعمل.

مسألة 29:

يجب التقليد في كلّ فعل يصدر من المكلّف، لأنّه من المحتمل أن يكون هذا العمل محرّماً، وأنت تعمل به، أو من المحتمل أن يكون واجباً، وأنت تتركه، فيجب أن تعلم حكمه، مثلاً صلة الرحم واجبة أو غير واجبة؟ ومن المحتمل أن يكون قطع الرحم محرّم،

وكون خلف الوعد حرام أم مكروه، وهكذا، فالتشبه بالكفار, كارتداء الثياب الّتي يرتديها الكفار، حرام أم غير حرام؟ فما دام يوجد احتمال للحرمة أو للوجوب في العمل، يجب عليك التعلّم.

ص: 52


1- العروة الوثقى 1: 12.

مسألة 30: جواز الفعل إذا علم بعدم الحرمة

مسألة 30: إذا علم أنّ الفعل الفلاني ليس حراماً، ولم يعلم أنّه واجب أو مباح أو مستحب أو مكروه يجوز له أن يأتي به، لاحتمال كونه مطلوباً وبرجاء الثواب وإذا علم أنّه ليس بواجب ولم يعلم أنّه حرام أو مكروه أو مباح، له أن يتركه لاحتمال كونه مبغوضاً(1).

--------------------------

بخلاف ما إذا لم يوجد احتمال للحرمة أو للوجوب، كَأكل الجبن فإنه إمّا مباح أو مكروه. وإن كان التعلّم فضيلة، ولكن إذا احتمل ذلك وجب التعلم، ومن أين يعرف العامّي أنّ هذا العمل غير محرّم، فلعلّه محرّم قطعاً، من أين يعرف أنّه غير واجب... فلعلّه واجب، فيجب عليه أن يتعلّم, فكما يجب عليه التقليد في الواجبات والمحرّمات يجب عليه أيضاً في المستحبات والمكروهات والمباحات، بل ويجب تعلّم حكم كلّ فعل يصدر منه، سواء كان من العبادات أو المعاملات - فالعبادات كالصلاة مثلاً، والمعاملات كالبيع مثلاً - إذا احتمل الوجوب أو الحرمة, أمّا إذا لم يوجد احتمال للوجوب أو للحرمة فلا يجب عليه التعلّم.

مسألة 30:

لها صور متعددة نشير إلى أُمّهاتها.

الوجوب والندب والحرمة والكراهة هي الأحكام التكليفيّة، فإذا دار الحكم في موضوع بين حكمين أو أكثر من هذه الأحكام، فما هو موقف المكلّف بلحاظ الاحتياط والتقليد؟

الحالة الأولى: أن يدور حكم الموضوع بين الوجوب والحرمة، والمكلّف

ص: 53


1- العروة الوثقى 1: 13.

--------------------------

لا يعلم أنّ هذا الشيء واجب أو محرّم، ففي هذه الحالة هل يمكنه الاحتياط؟ لأنّه دوران الأمر بين المحذورين، فالمكلّف غير المجتهد يجب عليه التقليد، وليس له طريق آخر، فمثلاً إذا سلّم عليك الكافر هل يجب عليك ردّ التحيّة أو يحرم؟ فالاحتياط لا يمكن، وإنّما يجب على المكلّف غير المجتهد أن يقلّد في هذه القضيّة، كما إذا شككنا أنّ دفن الكافر واجب أو محرّم ويجب التقليد، لأنّه لا يمكن التوفيق بين هذين الاحتمالين المتناقضين أو المتضادّين، وكما إذا شككنا في أنّ إقامة الحدود واجبة في عهد الغيبة أو محرمة كما هو الآن في هذا العهد، حيث غاب الولي، وهذا الأمر من مهمات الإمام صلوات اللّه عليه، ولا يتمكن أحد آخر أن يقيم ذلك، فإذا شككنا بسبب إختلاف الفقهاء مثلاً في ذلك، لم يمكن الاحتياط، فيجب التقليد في هذه الحالة الأولى.

والمؤلف (رحمه اللّه) لا يشير إلى هذه الحالة، وهي حالة الدوران بين قطبي الوجوب والتحريم.

الحالة الثانية: لا يحتمل الوجوب ولا التحريم. كما إذا قطعنا أنّ أكل الجبن لا واجب ولا محرّم، ولكن يحتمل كونه مندوباً، أو مكروهاً، فالحكم عدم لزوم التقليد وعدم لزوم الاحتياط. لأنّه لا معنى للاحتياط في هذا الموضوع، لعدم احتمال للعقاب في هذا الموضوع، لأنّ احتمال العقاب إنّما يكون مع احتمال تحريم أو وجوب، فيبقى المكلّف على جهله ولا إشكال فيه، مثلاً هل أخذ الشارب واجب؟ ... قطعاً غير واجب، فإذا شكّ أحد أنّ أخذ الشارب مندوب أو مكروه أو مباح، يجب عليه الاحتياط لأنّه لا يوجد احتمال

ص: 54

--------------------------

للعقوبة ويجب عليه أن يذهب إلى المجتهد يسأله حكم أخذ الشارب؟ بل هو حر في أن يعمل أو لا يعمل فهو مخيّر، هذه هي الحالة الثانية.

الحالة الثالثة: دوران الأمر بين الوجوب وغير التحريم، فإمّا ان يكون واجباً أو حكماً غير الحرام كالدعاء عند رؤية الهلال، فيأتي بذلك الفعل, لأنه إن كان واجباً أتى به وان كان مندوباً، لم يضرّه الإتيان به.

الحالة الرابعة: الدوران بين الحرمة وبين غير الوجوب, فإمّا حرام أو حكم آخر غير الوجوب, كما في أكل الجبن الأجنبي، ومن غير المحتمل أن يكون أكله واجب إذ نقطع أنّه غير واجب، ولكن هو إمّا حرام أو مكروه أو مباح مثلاً، هنا يجب التقليد، ولكن الاحتياط ممكن بترك أكل هذا النوع من الجبن، ففي النوع الأول يجب التقليد، وفي النوع الثاني لا يجب الاحتياط ولا التقليد وفي النوع الرابع المكلّف مخيّر بين الاحتياط والتقليد، والمصنّف يتناول بعض الصور ولكن، توجد فروض كثيرة، فإذا علم أنّ الفعل الفلاني ليس حراماً، ولم يعلم أنّه واجب، ولكن لا يدري هل هو مباح أو مستحب أو مكروه، فهذه أربع احتمالات ويمكن تحويلها إلى ثلاث احتمالات، لم يعلم أنّه واجب أو مباح أو مكروه، ممكن أن تحويلها إلى احتمالين لم يعلم أنّه واجب أو مباح، وكلّ واحد من هؤلاء الثلاثي والرباعي والثنائي له أنواع وكلّها مندرجة في هذا الحكم، فيجوز للمكلف أن لا يقلّد وإنّما يحتاط أن يأتي باحتمال كونه مطلوباً، وبرجاء الثواب، أو برجاء المطلوبية، إذ لعلّه يكون مطلوباً للمولى، فيأتي به، فإذا كان واجباً فقد أتى بمطلوب المولى، وإذا كان

ص: 55

مسألة 31: إذا تبدّل رأي المجتهد

مسألة 31: إذا تبدّل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد البقاء على رأيه الأول(1).

--------------------------

مندوباً حقق شيئاً محبوباً للمولى، وإذا كان مباحاً لم يضرّ الإتيان بشيء مباح، وإذا كان مكروهاً، فكلّ مكروه يمكن فعله، فلم يتضرر شيئاً، من ناحية العقوبة، والحالة الأخرى ما إذا علم العقل أنّه ليس بواجب، كأكل الجبن، فهو قطعاً غير واجب، ولم يعلم أنّه حرام أو مكروه أو مباح، فمن المحتمل أن يكون مكروهاً ومن المحتمل أن يكون مباحاً, فله هنا أن لا يقلّد ولا يذهب إلى المجتهد لكي يسأل عن حكم أكل الجبن، وإنّما يتركه، فلا يأكل الجبن، لاحتمال أن يكون مبغوضاً للمولى، فاحتياطاً يترك أكل الجبن.

مسألة 31:

إنَّ المعصوم (عليه السلام) ، لا يعدو الواقع، لأنّه مرتبط بالوحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} و{إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى}(2).

أمّا المجتهد، فيبذل ما في طاقته لفهم الحكم الشرعي، ومن غير المعلوم مطابقة فهمه للواقع ولكنّه معذور أمام اللّه؛ لأنّه بذل جهده في تحصيل الحكم الشرعي، فهو كالطبيب المحتمل أن يخطأ، ولكنّه بذل كلّ جهده لفهم المرض، وفهم العلاج، فالمجتهد الذي له رأي في موضوع ما، ولم يكن ذلك الرأي اعتماداً على الهوى وإنّما بقدر فهمه، فأفتى، وبعد مدّة تبدّل رأيه، لوجود هناك رواية أو قاعدة في هذا الموضوع لم يكن ملتفتاً إليها، كالعلامة

ص: 56


1- العروة الوثقى 1: 13.
2- الفجر: 3-4.

مسألة 32: إذا توقّف المجتهد في الفتوی

مسألة 32: إذا عدل المجتهد عن الفتوى إلى التوقّف والتردد يجب على المقلّد الاحتياط، أو العدول إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد(1).

--------------------------

الحلي له آراء يكتبها، وبعد مدّة يتغيّر رأيه، فكان يكتب كتاباً جديداً يضمّنه آرائه الجديدة، هنا لا يحقّ للمقلّد البقاء على رأيه الأول. لأنّ المجتهد كان يضمّن ذلك الرأي سابقاً ولكنه رفع يديه عنه، كما إذا ذهبنا الى الطبيب وعين المرض والدواء قال أنا أخطأت، بل الدواء شيء آخر غير الأول، لم يصح في أن نستمرّ على الدواء الأول؛ لأنّ الخبير رفع يديه عن رأيه، فلا يجوز للمقلّد البقاء على رأيه، وتبدّل الآراء يشمل كلّ البشر، ولكن التبدّل مرّة يكون المكلّف معذوراً فيه أمام اللّه، وأخرى غير معذور فيه، فتارةً الطبيب وبلا فحص وبلا بحث يبدي رأيه في الحالة المرضية، وأخرى يبذل كلّ جهده فيتوصّل إلى رأي، ثمّ يتبيّن له بعد فترة أنّ رأيه كان خطأََ، وهذا الشيء ممكن.

مسألة 32:

مثلاً ذكر (سبحان اللّه والحمد لله ولا اله إلاّ اللّه واللّه اكبر) في الركعة الثالثة والرابعة مرّة واحدة في الصلاة، ثم توقّف في الحكم, فماذا يفعل المكلّف المقلّد؟ لديه طريقان، إمّا الاحتياط، بأن يأتي بالتسبيحة ثلاث مرّات، أو العدول إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد؛ لأنّه في احتياطات المجتهد يتمكّن من أن يقلّد المجتهد الثاني، ففي هذا الموضوع نرجع إلى المجتهد الأعلم بعد هذا الأعلم، يعني الأعلم الثاني - الأعلم في الدرجة الثانية - المجتهد أفتى بجواز التضليل ليلاً ثم تردد في هذا الموضوع، فتوقّف فيه وقال لا أعلم أنّ التضليل

ص: 57


1- العروة الوثقى 1: 13.

مسألة 33: جواز التبعيض في المسائل

مسألة 33: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم، كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء، ويجوز التبعيض في المسائل، وإذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولى بل الأحوط اختياره(1).

--------------------------

في الليل هل يطلق عليه تضليل أم لا فالمقلّد إمّا أن يترك التضليل، وهذا احتياط، وإمّا يرى المجتهد الذي في الرتبة الثانية ويقلده.

مسألة 33:

إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم، في رتبة علميّة واحدة، فالمقلّد أمامه طريقان:

الطريق الأول: أن يقلّد أيّهما شاء، لأنّ كليهما جامعان للشرائط، كما مثّلنا بصاحب المعالم وصاحب المدارك، فإذا قطعنا أنّهما في رتبة علميّة واحدة، فهما متكافئان، فيقلد أيهما شاء.

الطريق الثاني: هو جواز التبعيض في المسائل، بأن يقلّد هذا المجتهد في الحج مثلاً والآخر في الصلاة مثلاً، فالتبعيض ممكن، فمن بداية التقليد يمكن للمكلف أن يقلّد مجموعة من المجتهدين المتكافئين، أو يقلّد اثنين من المجتهدين المتكافئين، ولا مانع من ذلك، مثلاً إذا كان أحدهما أرجح من الآخر في غير العلم، كالعدالة أو الورع أو الوثاقة فالأفضل هنا اختياره، ولكن ليس اختياره بواجب؛ لما سبق من أنّ الأعدليّة والأورعيّة والأوثقيّة، ليست بملاك للترجيح ولكن الأفضل أن تختاره.

ص: 58


1- العروة الوثقى 1: 13.

مسألة 34: إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّى إلى الأعلم

مسألة 34: إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّى إلى الأعلم ثمّ وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول إلى ذلك الأعلم وإن قال الأول بعدم جوازه(1).

--------------------------

مسألة 34:

لو كان رأي الأعلم حرمة العدول من تقليده إلى تقليد مجتهد آخر, حتى لو كان ذلك الآخر أعلم, فإذا قلّد المكلف مجتهداً، وتقليده صحيح لأنّه كان هو الأعلم ولكن بعد مدّة هناك أفراد آخرون جدّوا واجتهدوا وصاروا هم الأعلم، كما ينقل أنَّ أحد العلماء كان في زمنٍ ما أعلم من الشيخ الأنصاري، ولكنّه ترك البحث العلمي، فضعفت فيه ملكة الاجتهاد شيئاً فشيئاً، حتى أصبح الشيخ الأنصاري هو الأعلم، فهنا أمره مشكل لان العدول خلاف الاحتياط والبقاء على غير الأعلم مشكل أيضاً ولذلك ذهب السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(2)

إلى أنّه مخير، لأنّ هذين - عدم العدول أو تقليد الأعلم - مرجّحان متكافئان من ناحية الحكم الإقتضائي.

تشير الحاشية إلى: «بل الأولى إن أفتى الأعلم بوجوب العدول»(3)

يعني: المجتهد الثاني يقول: يجب العدول إلى الأعلم، والمجتهد الأول يقول: يحرم العدول إلى الأعلم، فهنا له الخيار بأن يبقى على الأول أو يرجع إلى الثاني، ولكن الأفضل والأولى العدول؛ لأنّ قضيّة الأعلميّة دليلها أقوى من دليل العدول نوعاً ما، فالأفضل أن يلاحظ قضيّة الأعلميّة ولا يلاحظ قضيّة العدول،

ص: 59


1- العروة الوثقى 1: 13.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 6.
3- المصدر نفسه.

مسألة 35: إذا أخطأ في التطبيق

مسألة 35: إذا قلّد شخصاً بتخيل أنّه زيد، فبان عمراً، فإن كانا متساويين في الفضيلة ولم يكن على وجه التقييد صحّ وإلاّ فمشكل(1).

--------------------------

وعليه: يترك المجتهد الأول ويعود إلى المجتهد الثاني.

مسألة 35:

كما إذا أخذ الكتاب الفقهي وكان يتصور أنّه لمرجع تقليده الذي يقلّده ومن ثمّ تبيّن أنّ هذا ليس به، وإنّما كتاب مجتهد ثاني،(2) فما هو حكم الأعمال السابقة؟

السيّد الوالد دام ظله يرى أنّ في كلّ الصور عمله السابق صحيح ولا إشكال فيه(3)،

فإذا قلّد شخصاً بتخيل أنّه زيد، فبان عمراً فعمله صحيح في كلّ الصور ولا إشكال في تقليده السابق.

ولكن المصنّف هنا لديه تفصيل في الموضوع يرتبط بقضيّة التقيّد والخطأ في التطبيق سنتعرض اليه إن شاء اللّه. تبعاً للمسألة الخامسة والثلاثين في البحث في التقييد والخطأ في التطبيق، ومعنى الأخير أن ينوي عنواناً كلّياً ويظنّ أنّ الموجود هو الفرد الخاص من ذلك العنوان الكلّي، بحيث لو كان الفرد الموجود

ص: 60


1- العروة الوثقى 1: 13.
2- يقولون جاء أحدهم إلى إحدى العتبات وكان مقلّداً لأحد العلماء، وهو السيّد أبو الحسن الأصفهاني، فرأى الحاج أغا حسين القمي الذي كان عالماً أيضاً في ذلك العهد، فتخيّل أنّ هذا هو مُقلَّده فأعطاه الحقوق الشرعيّة، وعرف في اليوم الثاني أن هذا العالم غير ذلك العالم الذي أعطاه بالأمس الأموال، فحقق فوجد نفسه أنّه أخطأ في التشخيص وأعطى الحقوق الشرعيّة إلى مجتهد ثان، فجاء وأخبرمقلّده القضيّة، فقال له السيد الاصفهاني لا إشكال فيه، فكلّنا واحد، والمال اعتبره قد وصل إليَّ، وأعطاه ورقة مختومة بختمه الشريف تثبت أنّه قد استلم المال (منه (رحمه اللّه) ).
3- الحاشية على العروة الوثقى: 6, وانظر كذلك: الفقه 1: 322.

--------------------------

فرداً آخر من ذلك الكلّي لم يكن له مانع ولم تكن نيّته منافية، بينما التقييد يعني أنّه يريد هذا الفرد بذاته وليس فرداً آخر، كمن يريد أن يأتمّ خلف أيِّ إمام عادل، وهذه هي نيته ولا يفرق عنده بين أن يكون هذا الإمام العادل فلان أو فلان، فكلاهما إمامان عادلان، فأتى وتخيّل أنّ الإمام هو أحدهما فصلّى خلفه، ثمّ تبيّن أنّ الإمام هو الآخر بحيث أنّه لو كان من البداية يعلم لم يكن عنده مانع من الاقتداء به، وهذا ما يطلق عليه الخطأ في التطبيق، يعني هو لا ينوي هذا بذاته، لا ينوي(أ) بذاته، يريد الإمام العادل، لكن ظنّ أنّ الإمام العادل انطبق على(أ) بينما في الواقع الإمام العادل انطبق على(ب)، فهنا جماعته صحيحة، ولا إشكال فيها، ولكنّه إذا أراد الاقتداء خلف(أ) بالذات، ولا يريد الاقتداء خلف إمام آخر، بحيث لو قالوا له من البداية أن هذا ليس(أ) وإنّما هو(ب) لم يقتد خلفه، وهذا يطلق عليه التقيد، يعني يريد هذا بذاته وبعينه، فهنا قال بعض العلماء: إنّ جماعته باطلة وصلاته باطلة، إذ يوجد فرق بين الخطأ في التطبيق وبين التقييد فيما نحن فيه، فتارةً يريد أن يقلّد فقيهاً عادلاً جامعاً للشرائط وليس عنده فرق بين فقيه وفقيه ايرانياً كان أو عراقياً أو هندياً، إذ يقول كلّهم وكلاء الإمام، فما هو الفرق مادام كلّهم جامعين للشرائط، فأخذ كتاب(أ) وعمل به مدّة من عمره ثمّ تبيّن أنّ هذا ليس كتاب(أ)، بل هذا كتاب(ب)، فتقليده صحيح.

وتارةً أخرى يريد (أ) بالذات و لا يريد أن يقلّد فقيهاً آخر، مثلاً أنّه ينتمي إلى منطقه معيّنه، وهذا الفقيه من تلك المنطقة، ولا يريد أن يقلّد فقيهاً من منطقة أُخرى، فأخذ كتاب الفقه المعيّن وعمل به ثمّ تبيّن أنّ هذا ليس بكتابه،

ص: 61

مسألة 36: ما يُعلم به فتوی المجتهد

مسألة 36: فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور:«الأول»: أن يسمع منه شفاهاً، «الثاني»: أن يخبر بها عدلان، «الثالث»: إخبار عدل واحد، بل

--------------------------

بل هذا الكتاب لفقيه آخر، فما هو حكم تقليده؟

المصنّف يقول بأن تقليده مشكل، غير معلوم أن يكون صحيحاً.

أمّا السيّد الوالد دام ظله في الحاشية يقول: لا بل تقليده صحيح؛(1) لأنّ هذا الفقيه بذاته هل هو جامع للشرائط أم غير جامع؟ نعم جامع للشرائط والمفروض أنّه من ناحية العلم والعدالة والأعلميّة وبقيّة الجهات الأخرى جامع، فمنتهى القضيّة أنّ هذا أضاف في ذهنه قيداً إضافيّاً، هذا القيد الإضافي لغو، كما لو قال المولى جئني بالماء أو العصير، فأنا إذا جئته بالماء امتثلت التكليف، وإذا جئته بالعصير امتثلت التكليف، والآن ظننت أنّه ماء وأنا لا أريد أن آتي له بالعصير فتبيّن أنّه عصير، فقد امتثلت التكليف، فهذا التقييد الذهني لا أثر له في البقاء ما دام عملي مطابقاً لمراد المولى، فالفقيهان إن تبيّن أنّهما كانا متساويين في العلميّة أو لم يكونا متساويين في العلميّة, لا إشكال في كلّ الحالات فالسيّد الوالد دام ظله يرى في الحاشية أنّ تقليده السابق لا إشكال فيه.

مسألة 36:

طرق معرفة الفتوى كالتالي:

الطريق الأول: أن تُسمع منه شفاهاً، حيث يذهب المكلّف إلى المجتهد ويسأله عن مسألة فيجيبه المجتهد، فيعلم بهذا الجواب رأيه في تلك المسألة، ولا فرق في الشفاه بين أن يكون شفاهاً مباشراً، أو يكون شفاهاً عبر الآلات

ص: 62


1- العروة الوثقى 1: 13.

يكفي إخبار شخص موثّق يوجب قوله الاطمئنان وإن لم يكن عادلاً. «الرابع»: الوجدان في رسالته، ولابد أن تكون مأمونة من الغلط(1).

--------------------------

الحديثة كالتليفون مثلاً، فهذا أيضاً في حكم الشفاه.

الطريق الثاني: أن يخبر بالفتوى عدلان، أي رجُلان عادلان يقولان أنّ رأي المجتهد الفلاني في الجيلاتين مثلاً كذا، فإذا قال العدلان ذلك يكون قولهما حجّة.

الطريق الثالث: إخبار عدل واحد، أي رجل عادل واحد، أو امرأة عادلة واحدة، تخبرنا بفتوى المجتهد, فذلك الاخبار كاف، بل يكفي إخبار شخص موثق، ويوجب قوله الاطمئنان وإن لم يكن عادلاً، فهناك بعض الافراد غير عدول ولكنّهم ثقات يُعتمد على كلامهم، فهناك بعض الافراد غير مقيّدين ببعض بالاحكام الإلهيّة، فيقال له مثلاً أنّ حلق اللّحية محرّم ولكنه يحلق لحيته، فهذا الرجل غير عادل، ولكنّه لا يكذب في حياته، فإذا أخبرنا بشيء واطمأننا - والاطمئنان علم عرفي - نعتمد على كلامه، وقد كانوا يأخذون الأحكام من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ، بهذا الطريق.

فمثلاً هناك امرأة تسأل زوجها عن مسألة فيسأل الإمام ويجيبها بما ذكره (عليه السلام) ، فكانوا يعتمدون على ذلك منذ قديم الأيام، فإذا كان كلام الرجل أو المرأة موجبا للوثوق والاطمئنان كفى، وإن لم يكن عادلاً.

الطريق الرابع: الوجدان في رسالته، ولابدّ أن تكون الرسالة مأمونة من الخطأ عرفاً، وعادة المراجع يختمون أنّ لا مانع من العمل بهذا الكتاب مثلاً،

ص: 63


1- العروة الوثقى 1: 14.

مسألة 37: مَن قلّد غير الأعلم أو مَن ليس أهلاً للفتوی

مسألة 37: إذا قلّد من ليس له أهليّة الفتوى، ثمّ التفت وجب عليه العدول، وحال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلّد. وكذا إذا قلّد غير الأعلم وجب على الأحوط العدول إلى الأعلم، وإذا قلّد الأعلم ثمّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول إلى الثاني على الأحوط(1).

--------------------------

أمّا إذا لم نأمن من الخطأ، كأن يكون الكتاب مطبوعاً في مكان آخر، وغير معلوم من الذي طبعه، ومن المحتمل أن تكون فيه أخطاء مطبعيّة، فلا يمكن الاعتماد عليه، ولذلك نقل عن بعض المراجع أنّه كان يقول لا تعتمدوا على كتابي إلاّ على الطبعة الخاصة, لأنّ بقيّة الطبعات غير دقيقة فإذا عرفنا أنّ هذه الطبعة مأمونة من الخطأ فنعتمد عليها، أمّا إذا لم يتوفّر الاطمئنان بها فلا نعتمد عليها.

مسألة 37:

إذا قلّد المكلف من ليس له أهليّة الفتوى، كما لو قلّد غير العادل مثلاً ثمّ التفت بعد ذلك وانكشف أنّه غير عادل وجب عليه العدول, ولكنّه لا يسمّى عدولاً، لأنّ العدول معناه أن تقلّد تقليداً حقيقياً ثمّ تعدل، وهذا ليس بتقليد حقيقي، فهذا التقليد كلا تقليد، وإنّما أطلق عليه العدول لأنّه في صورة العدول الأعمال السابقة حالها حال عمل الجاهل غير المقلّد، وقد سبق الملاك في ذلك من مطابقتها الواقع وعدمها، فإذا طابقت فتوى المجتهد الفعلي لا إشكال فيه، فإحدى الملاكات الثلاث كافية.

وكذا إذا قلّد غير الأعلم وجب على الأحوط العدول إلى الأعلم، لما سبق

ص: 64


1- العروة الوثقى 1: 14.

مسألة 38: إذا إنحصر الأعلم في شخصين

مسألة 38: إذا كان الأعلم منحصراً في شخصين ولم يمكن التعيين فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط، وإلاّ كان مخيراً بينهما(1).

--------------------------

من أنّ الاعلمية من الشرائط، وإذا قلّد الأعلم ثمّ صار غيره أعلم وجب العدول(2).

والحاصل: إن تبين ان غير مرجعي هو الاعلم أو لم يكن أحد أعلم منه، ثم وجد غيره ودرس وجدّ واجتهد وتحوّل إلى أعلم، فهنا يقلد إلى هذا الأعلم الجديد(3).

مسألة 38:

يقول السيّد الوالد دام ظله لا يجب الاحتياط بين القولين، بل أنت مخيّر فيما بينهما،(4) كما إذا اختلف أهل الخبرة في البلد، في أفضلية الطبيب الفلاني

ص: 65


1- العروة الوثقى 1: 14.
2- ينقل عن أحد العلماء أنّه كان لديه بحث علمي وكان عنده تلاميذ كثر، ففي يوم من الأيام يأتي قبل الدرس بدقائق، فيرى شيخاً يلقي درساً بمستوى عال من الدقة والجودة، وفي اليوم الثاني جاء هذا العالم المشهور أبكر من اليوم السابق وأخذ يلتفت لما يقوله ذلك الشيخ غير المعروف، وعندما جاءه التلاميذ في اليوم الثاني والثالث، قال لهم وجدت لكم بحثاً أفضل منّي، قوموا واذهبوا إلى بحث ذلك الشيخ، فقام هو وكلّ تلاميذه وعطَّل بحثه والتحق ببحث ذلك الشيخ، والشيخ هو مرتضى الأنصاري (منه (رحمه اللّه) ).
3- يقال إنّ المجدد، صاحب قضيّة التنباك، جاء إلى النجف مجتهداً، وزاره الشيخ المرتضى، وطرح عليه فرع علمي. وأخذ في مناقشة أدلة المجدد واحداً واحداً فاقتنع المجدد ثم أخذ الشيخ في إبطال ما ناقشه من الأدلة فاقتنع المجدد ثم ناقش ما أبطله على ما هو منهج الشيخ في كتبه والمجدد يغير رأيه إلى ثلاث أو أربع مرّات، ليس جزافاً بل بأدلّة علميّة متينة، فلما جاء الغد حضر المجدد بحث الشيخ، مع أنّه مجتهد، لكن الاجتهاد له درجات وواصل بحث الشيخ حتّى وصل إلى ما وصل إليه.
4- الحاشية على العروة الوثقى: 6.

مسألة 39: إذا شكّ في موت المجتهد أو تبدّل رأيه

مسألة 39: إذا شكّ في موت المجتهد، أو في تبدّل رأيه، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، يجوز له البقاء إلى أن يتبيّن الحال(1).

مسألة 40: إذا علم بلا تقليد مدّة من الزمن

مسألة 40: إذا علم أنّه كان في عباداته بلا تقليد مدّة من الزمان ولم

--------------------------

أو غيره المعين، وأنت بحثت ولم تنته إلى نتيجة، كنت بالخيار، ولكن الأفضل الاحتياط بين القولين بأن تلاحظ فتاوى هذا وتلاحظ فتاوى ذلك، وترى أيّاً هو الأقوى والأشق فتعمل به، فَإذا كان المجتهد يرى كفاية التسبيحة الواحدة في الصلاة واحدة، وآخر يلزمها ثلاث مرّات، نأتي بها ثلاث مرّات، فهذا أفضل لكنّه غير واجب.

مسألة 39:

قانون لا ينقض اليقين بالشكّ، فالشيء الذي كان على حالة، يبقى على تلك الحالة إلى أن يتيقن بالخلاف، وما دمت لم تتيقن بالخلاف، كما إذا كنت متيقناً من الوضوء وشككت في انتقاضه ففي هذه الحالة تقول أنَّ الوضوء باق، فكذلك إذا شككنا في أنّ المجتهد مات أو لم يمت، نقول بحياته أونشكّ في تبدّل رأيه بعدما كان له رأي معين في الطبعات الأولى من رسالته نتمكن من أن نعمل بتك الآراء، أو نشكّ في عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، لاحتمال فقد مداركه العقليّة على أثر التقدّم في السن، فالقاعدة تقول يجوز له البقاء من باب لا تنقض اليقين بالشكّ، إلى أن يتبيّن الحال ويتضح الخلاف.

مسألة 40:

هنا يوجد بحثان:

ص: 66


1- العروة الوثقى 1: 14.

يعلم مقداره فإن علم بكيفيّتها وموافقتها للواقع أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلّفاً بالرجوع إليه فهو، وإلاّ فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط، وإن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن(1).

--------------------------

البحث الاول: إنّه لم يكن مقلّداً، ككثير من الشباب في بدايات حياتهم، وهنا توجد ثلاث حالات:

1- يعلم بأنّ أعماله كانت مطابقة للواقع أو لفتوى المجتهد.

2- يعلم أنّ أعماله كانت مخالفة للواقع أو لفتوى المجتهد.

3- مرّة يشكّ في أنّ أعماله كانت مطابقة أو مخالفة.

في الحالة الأولى يعلم أنّ أعماله كانت مطابقة، أمّا للواقع أو الفتوى, أي لفتوى المجتهد المتقدّم أو لفتوى المجتهد الفعلي، وحكم أعماله الآن لا إشكال فيها، فلو لم يكن مقلّداً، لكن عمله كان مطابقاً للواقع أو للفتوى فلا إشكال فيه.

وفي الحالة الثانية يعلم أنّ أعماله كانت مخالفة للواقع ويجب عليه القضاء أو الإعادة.

وفي الحالة الثالثة يشكّ أنّ أعماله حقيقة كانت مطابقة أو مخالفة، وهذا النوع لم يتعرض إليه المؤلّف، ومثاله كما في بدايات البلوغ كيف كان يؤدي عباداته، هنا تشمله أصالة الصحّة، ومفادها أنَّ كلّ شيء شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو، مثلاً المعاملة الّتي عاملتها البارحة هل كانت جامعة للشرائط أم لم تكن جامعة؟ الأصل الصحة.

ص: 67


1- العروة الوثقى 1: 15.

--------------------------

فإذا علم أنّه كان في عباداته بلا تقليد مدّة من الزمان ولم يعلم مقدار الزمان الذي كان فيه بلا تقليد، عشرة أعوام أو ثمانية أعوام؟ فإن علم بكيفيّتها وموافقتها للواقع أو لفتوى المجتهد الفعلي أو لفتوى المجتهد المتقدّم، فهو، أي أعماله صحيحة، وإذا شكّ لا شيء عليه، وأمّا إذا علم بالمخالفة، فيقضي أو يعيدثم إنه شكّ بين الأقل والأكثر، يعني المكلف لا يعلم عشرة أعوام كانت أعماله فيها مخالفة للواقع أو ثمانية أعوام كانت القاعدة العامّة في الدوران بين الأقل والأكثر هي البراءة من الزيادة، مثلاً أنت مدين لفلان ولكن لا تدري مدين 100 دينار أو 200 دينار، فيجب أن أدفعها، والمئة الثانية أشكّ في أنّ المولى يكلفني بأدائها أولاً، فهنا تأتي قاعدة رفع عن أمتي ما لا يعلمون،وما دمت لا تعلم أنّها في ذمتك فلا شيء عليك، وهذا يطلق عليه قاعدة البراءة، العقليّة والبراءة النقليّة، لقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «رفع ما لا يعلمون»(1) وفي قوله (عليه السلام) : «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(2) فمن فاته صلاة الصبح، ولا يدري كم عددها، يقتصر على المتيقن والأكثر مشكوك فلايجب قضاء الزائد وان كان الأفضل الأكثر لأنّه عندما لا تعلم أنّك يجب عليك أن تقضي عاماً أو عامين، فإذا أتيت بعامين تتيقن بالبراءة, واليقين أفضل، وأخوك دينك فاحتط لدينك، يمكنه أن يأخذ بالأقل، وهذا احتياط ندبي لا وجوبي، وإن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن يعني الأقل.

ص: 68


1- التوحيد للصدوق: 353, باب56, ح25؛ تحف العقول50, الوسائل 15: 369, باب56, ح1.
2- توحيد الصدوق: 413, باب 64, ح9, الوسائل27: 163, باب 12, ح33.

مسألة 41: إذا شكّ في صحّة تقليده السابق

مسألة 41: إذا علم أنّ أعماله السابقة كانت مع التقليد، لكن لا يعلم أنّها كانت عن تقليد صحيح أم لا، بني على الصحّة(1).

مسألة 42: إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ في كونه جامعاً للشرائط

مسألة 42: إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ في أنّه جامع للشرائط أم لا، وجب عليه الفحص(2).

--------------------------

مسألة 41:

في الفرع المتقدّم كان الكلام في أنّه لم يكن مقلّداً، وفي هذا الفرع كان مقلّداً منذ بداية بلوغه، ولكنّه لا يعلم أنّ الاعمال التي أتى بها هل كانت عن تقليد صحيح، وهل مرجعه جامع للشرائط هل هو عادل أم غير عادل؟ فهو يشكّ في ذلك كله، والحكم أن يبني على صحة أعماله السابقة كلها.

مسألة 42:

الشكّ نوعان، الشكّ الطاريء، والشكّ الساري.

النوع الأول: الشكّ الطارئ وهو يعني أنه كان يقين بوجود شيء ما والآن شكّ في بقائه، والمتيقن في محلّه ثابت، ولكن الشكّ في أنّ هذا المتيقن بقي أو لا، مثلاً: كنت أعلم بأنّ فلاناً عادل وأنا الآن أشكّ في أنّ عدالته بقيت أو لم تبق، فعندما يقال هل كان عادلاً أو لم يكن عادل؟ أقول: قطعاً كان عادلاً، ويقيني بعدالته فيما مضى إلى الآن باقية، ولكنّي أشكّ في أنّ هذه العدالة الّتي كانت ثابتة في البدء بقيت أو لم تبق، حكم هذا الشكّ أنه لا يعتني به، لقوله (عليه السلام) : «لاتنقض اليقين بالشكّ» فلو كان المجتهد في بداية أيامه عادلاً

ص: 69


1- العروة الوثقى 1: 15.
2- العروة الوثقى 1: 15.

مسألة 43: يحرم الإفتاء والقضاء علی مَن ليس أهلاً لهما

مسألة 43: من ليس أهلاً للفتوى يحرم عليه الإفتاء وكذا من ليس

--------------------------

أتت الدنيا بين يديه. وشككنا في أنّ الدنيا غيّرته أو لم تغيره، يحكم باستمرار عدالته لقوله (عليه السلام) : لا تنقض اليقين بالشكّ، وكذلك إذا كانت مداركه العقليّة - مثلاً- كاملة سابقاً، والآن نشكّ على أثر العمر الطويل والهرم هل ذهبت مداركه أم لا، نحكم بان مداركه باقية.

النوع الثاني: الشكّ الساري، بأن يسري الشك إلى اليقين المتقدّم، ويزلزل اليقين المتقدّم عن محلّه، فأنا كنت أعلم أنّ فلاناً عادل، والآن أشكّ في عدالته من الأول؟ إذ لعلّه من البداية لم يكن عادلاً، مثلاً اثنان شهدا عندي بأنّ فلاناً مجتهد. فتيّقنت بأنّه مجتهد يقيناً تعبديّاً، وبعد ذلك تبيّن أنّ هذين الشاهدين لم يكونا عادلين فأنا الآن أشكّ في أنّ هذا الرجل منذ البداية هل كان مجتهداً، أو لم يكن مجتهداً؟ وهذا يطلق عليه الشكّ الساري، أمّا الحكم في هذه الحالة فهو وجوب البحث من جديد، إذ الآن أنت لا تعلم أنّ فلاناً حقيقة هل هو مجتهد أم غير مجتهد فيجب عليك التفتيش والفحص من جديد، فإذا قلّد مجتهداً، يجب أن يتيقن بأنّه جامع للشرائط، إمّا يقين وجداني وإمّا يقين تعبدي، فإذا شكّ في أنّه جامع للشرائط من بدايته بأن شك هل هو جامع للشرائط أو لم يكن جامعاً للشرائط - فهنا وجب الفحص والتفتيش من جديد، فإن انتهى الفحص إلى أنّه جامع للشرائط يقلّده، وإن انتهى إلى أنّه غير جامع للشرائط فلابد أن يقلّد مجتهداً آخر.

مسألة 43:

من لم يكن أهلاً للفتوى يحرم عليه الإفتاء، وبيان النظر في القضايا الفقهيّة، لكونه ليس مجتهداً وغير جامع للشرائط فعندما تطرح قضيّة معيّنة, يبدي نظره

ص: 70

أهلاً للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس، وحكمه ليس بنافذ ولايجوز الترافع إليه ولا الشهادة عنده، والمال الذي يؤخذ بحكمه حرام وإن كان الآخر محقّاً، إلاّ إذا انحصر استنقاذ حقّه بالترافع عنده(1).

--------------------------

وهو مشكل من الناحية الشرعيّة؛ لأنّ الدين لم يأذن لك في أن تقول فيه ما لا تعلم، وحتّى من الناحية العقليّة لأنّ الرجل الذي ليس لديه الخبروية بشيء معيّن كيف يفتي في ذلك الشيء، كما لو طرحت قضيّة طبيّة على غير الخبير في علم الطب، ولذلك من ليس أهلاً للفتوى يحرم عليه الإفتاء، إمّا لأنّه غير مجتهد أو غير عادل، أو فاقد لبعض الشروط الأُخر.

كذلك الأمر في القضاء، من ليس أهلاً له يحرم عليه القضاء بين الناس، لأنّ للقضاء شرائط معقّدة، يشترط فيها العدالة، والاجتهاد على ما هو المعروف بين الفقهاء، وشروط أُخر، وعليه تترتب أحكام:

أولاً: يحرم عليه القضاء، لأنّ القضاء يحتاج إلى إذن من الشارع ولم يأذن له في ذلك، فتصدّيه للقضاء محرّم.

ثانياً: إذا حكم في مسألةٍ فحكمه غير نافذ،كما لو حكم أنّ هذا المال لفلان، أو أنّ هذه الدار الّتي يوجد خلاف عليها لفلان، فحكمه غير نافذ، بل نفوذ الحكم إنّما يكون من القاضي الشرعي، دون غيره.

ثالثاً: لا يجوز الترافع عنده، لقوله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}،(2) والترافع إليه نوع من الركون، فالمتنازعان ليس لهم حقّ في الذهاب اليه

ص: 71


1- العروة الوثقى 1: 15.
2- هود: 113.

مسألة 44: تثبت عدالة المفتي والقاضي بأمور

مسألة 44: يجب في المفتي والقاضي العدالة وتثبت العدالة بشهادة عدلين، وبالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة، أو الاطمئنان بها، وبالشياع المفيد للعلم(1).

--------------------------

للشكوى.

رابعاً: الشهادة عنده محرّمة، فإذا تنازع اثنان وطلب شهوداً، فلم يحقُّ الذهاب إليه والشهادة عنده.

خامساً: المال الذي يؤخذ بحكمه حرام، وإن كان الآخذ محقّاً، فإذا كانت الدار له وترافع مع الطرف الآخر إلى هذا القاضي الذي لا يحمل المؤهّلات الشرعيّة؛ فحكم بأنّ الدار له فيحرم عليه أخذ الدار، إلاّ في حالة واحدة، وهي فيما إذا انحصر استنقاذ الحقّ بالترافع عنده، كما في البلاد الّتي يحكم فيها بالاحكام الوضعية، والقاضي الشرعي ليس له قيمة، ولولا الترافع عنده لضاع حقه، والضرورات تبيح المحذورات، فالمحقّ يترافع إلى الحاكم الجائر، الذي ليس له أهليّة الحكم والقضاء لإنقاذ حقّه، من باب أنّ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

مسألة 44:

يجب في المفتي المجتهد والقاضي العدالة، وتثبت العدالة بما مضى: أولاً: شهادة عدلين، وثانياً: المعاشرة المفيدة للعلم بالملكة أو الاطمئنان بها وسبق كفاية حسن الظاهر الكاشف عنها علماً أو ظنّاً، فالظنّ كاف، كما لو عشنا معه مدّة في السفر، وفي الحضر، فاطمأننت أو ظننت أنّه عادل وعنده ملكة العدالة، لحسن ظاهره، وثالثاً: بالشياع المفيد للعلم، إذا اشتهر بين الناس أنّ فلاناً عادل،

ص: 72


1- العروة الوثقى 1: 15.

مسألة 45: إذا شكّ في كون أعماله السابقة عن تقليد صحيح

مسألة 45: إذا مضت مدّة من بلوغه وشكّ بعد ذلك في أنّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا، يجوز له البناء على الصحّة في أعماله السابقة وفي اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلاً(1).

مسألة 46: وجوب تقليد الأعلم مطلقاً

مسألة 46: يجب على العامّي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد

--------------------------

والعلم، وذلك يكفي أيضاً.

مسألة 45:

التقليد الصحيح هو المبتني على الضوابط الشرعيّة من شهادة عدلين من أهل الخبرة بأنّه مجتهد، أو شياع مفيد للعلم، أو علم وجداني، فتقليده السابق هل هو صحيح أو لا؟ هنا يوجد بحثان:

البحث الأول ما مضى من تقليده والبحث الثاني ما يأتي، أمّا ما مضى فمحكوم عليه بالصحة، وهو أصل من الأصول الترخيصية، فهناك مجموعة من الأصول قررها الشارع لتسهيل الأمر على المكلفين، منها أصالة الطهارة وأصالة الصحّة وما أشبه ذلك من القواعد والأصول العمليّة، فالشارع يقول كلّ ما مضى وقع صحيحاً، ولا شيء عليك، فيجوز لك البناء على الصحّة في أعمالك السابقة، البحث الثاني الاعمال اللاحقة: فيجب عليه الفحص عن المجتهد الجامع للشرائط ليقع تقليده وفقاً للضوابط الشرعيّة.

مسألة 46:

لتقليد الأعلم ثلاثة مواقف محتملة:

الموقف الأول: يرى الاعلم وجوب تقليد الأعلم، والحكم لزوم تقليد

ص: 73


1- العروة الوثقى 1: 16.

الأعلم أو عدم وجوبه، ولا يجوز أن يقلّد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم، بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه، فالقدر المتيقن للعامّي تقليد الأعلم في الفرعيّات(1).

--------------------------

الاعلم قطعاً، أمّا تقليد غير الأعلم فلا يصلح ببراءة الذمة معه والعقل يذهب إلى لزوم تقليد الأعلم الذي تكون نجاتك متيقنة في تقليده، كما في مثل وجود طريقين واحدهما يؤدّي بك إلى النجاة قطعاً، والطريق الثاني غير معلوم هل يوصلك أو ليس فيها نجاة، وهذا ما يطلق عليه دوران الأمر بين اليعيين والتخيير، والعقل يحكم بالتعيين، وأما رأي الأعلم بعدم لزوم تقليد الاعلم فلا يلتفت إليه.

الموقف الثاني: يرى غير الاعلم عدم وجوب تقليد الاعلم. يقول صاحب العروة لا يُعتمد على كلامه بل يجب على العامّي أعني غير المجتهد. أن يقلّد الأعلم في قضيّة وجوب تقليد الأعلم، فإذا قال إنّ تقليد الأعلم واجب، وجب تقليده ولا يجوز أن يقلّد غير الأعلم.

وأمّا إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم، فلا يؤخذ بقوله.

الموقف الثالث: لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم، فهنا يشكل المصنّف الاعتماد عليه، فلا تعتمد على فتواه، وإنّما قلّده هو، فالقدر المتيقن للعامّي تقليد الأعلم في الفرعيّات، ففي الاحكام الفرعيّة اعتمد على كلام الأعلم، كالشكّ بين الركعة الأولى والثالثة، أمّا في هذه المسألة الّتي ترتبط

ص: 74


1- العروة الوثقى 1: 16.

مسألة 47: إذا كان كلٌّ من المجتهدين أعلماً ولكن في بعض المسائل

مسألة 47: إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات، والآخر أعلم في المعاملات، فالأحوط تبعيض التقليد وكذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلاً والآخر في البعض الآخر(1).

--------------------------

بكلّ الفقه، من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديّات، فلا يُعتمد على كلام الأعلم على ما هو رأي المصنّف.

ولكن المعروف بين المحشّين كالسيد الخوئي والسيد الگلبايگاني والسيد الوالد دام ظله والسيد النجفي؛ لأنّ كلام الأعلم حجّة، يعني حتّى في باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير أي إمّا فتوى الأعلم وحده حجّة، وإما فتوى الأعلم وغير الأعلم حجّة؟ فإذن كلام الأعلم وحده حجّة، وهو يقول: يجوز لك سلوك ذلك الطريق وأنت اعتماداً على كلامه قلدت المجتهد غير الأعلم، والمانع من ذلك، وكل الحجة في ذلك لأن كلام الأعلم حجّة، فإذا كان حجّة، فهو الذي أعطى الحجّية لكلمات غير الأعلم، فيكون كلام غير الأعلم حجّة بتوثيق الأعلم، وهذا المقدار يكفي والخلاصة إذا كانت فتوى الأعلم بعدم جواز تقليد غير الأعلم، وجب تقليد الأعلم، أمّا إذا قال يجوز تقليد غير الأعلم، جاز تقليد الأعلم، أو تقليد غير الأعلم.

مسألة 47:

- على الأحوط - تبعيض التقليد، يعني في أحكام العبادات تقلّد(أ) الذي هو أعلم في العبادات، وفي أحكام المعاملات تقلّد(ب) الذي هو أعلم في المعاملات، وكذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات والآخر في البعض

ص: 75


1- العروة الوثقى 1: 16.

مسألة 48: وجوب الإعلام علی المجتهد إذا أخطأ في بيان الفتوی

مسألة 48: إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلّم منه، وكذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام(1).

مسألة 49: إذا اتّفقت مسألة وهو في الصلاة

مسألة 49: إذا اتفق في أثناء الصلاة مسالة لا يعلم حكمها يجوز له

--------------------------

الآخر، فالأول هو الأعلم في كتاب الحجّ؛ لأنّه مدقّق وباذل كلّ جهده فهو أعلم في الحجّ، والثاني أعلميته في كتاب الطهارة، ففي الطهارة تقلّد الأعلم في، وفي الحجّ تقلّد الأعلم فيه(2)،

وكذلك إذا كان في علم السياسة هو الأعلم؛ لأنّه حقق في علم السياسة، والثاني ليس أعلم في علم السياسة: لأنّه لم يحقق في هذا الباب، ولم يتطرّق إلى هذا الباب، لكنّه أعلم في غير باب السياسة.

مسألة 48:

إذا أخطأ الشخص في بيان الحكم، مجتهداً كان أو ناقلاً غير مجتهد ثمّ تبيّن أنّه أخطأ، وجب عليه بكلّ جرأة وشجاعة أن يقول أنّني أخطأت، حتّى لا يقع الطرف الآخر في مخالفة الواقع.

مسألة 49:

إذا اتفق حصول مسألة لا يعلم حكمها في أثناء الصلاة، مثلاً لو شكّ بين الثالثة والرابعة ولايعلم الحكم، أو نسي الحكم، فيجوز له أن يبني على أحد

ص: 76


1- العروة الوثقى 1: 16.
2- ينقل أنّه كان أحد الفقهاء في مدينة قم المقدسة يقول: كتبت كتاباً حول التيمم، ومباحث التيمم، وحققت في قضاياه قضيّة قضيّة واستغرق البحث عشرة أعوام من التحقيق والتدقيق، فربما يكون هذا الذي حققّ عشرة أعوام في كتاب التيمم هو الأعلم في باب التيمم، طبعاً لو اجتمعت فيه الشروط الأخرى (منه (رحمه اللّه) ).

أن يبني على أحد الطرفين، بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة، وأنّه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته، فلو فعل ذلك وكان ما فعله مطابقاً للواقع لا يجب عليه الإعادة(1).

مسألة 50: وجوب العمل بالاحتياط في زمن الفحص عن المجتهد

مسألة 50: يجب على العامّي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط في أعماله(2).

--------------------------

الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة، إمّا أن يبني على الثلاث وإمّا أن يبني على الأربع، وأنّه أتى بذلك بقصد ما كان ما أتى به على خلاف الواقع أن يعيد صلاته، فَيبني على أحد الأطراف، وبعد ذلك يرى إذا كان ما بنى عليه مطابقاً للواقع فصلاته صحيحة، وإذا كان مخالفاً للواقع فيعيد صلاته، فلو فعل ذلك وكان ما فعله مطابقاً للواقع، فلا تجب عليه الإعادة، وإن كان مخالفاً للواقع وجبت عليه الإعادة.

مسألة 50:

هذه المسألة فيها شقّان.

الشق الأول: إنّ المكلّف لا يعلم من هو المجتهد، ومن هو غير مجتهد. ففي زمان البحث عن المجتهد يجب عليه في مقام العمل الاحتياط لأن امامه أحد الطرق الثلاثة. اما الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط، أمّا الاجتهاد فلا يتمكن منه؛ لأنّه غير مجتهد وليس له مقدمّات الاجتهاد، وأمّا التقليد، أيضاً لا يتمكن منه؛ لأنّه لا يعلم من هو المجتهد حتّى يقلّده، فما الذي يجب عليه في

ص: 77


1- العروة الوثقى 1: 17.
2- العروة الوثقى 1: 17.

مسألة 51:المأذون والوكيل عن المجتهد ينعزل بموت المجتهد

مسألة 51: المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القصّر ينعزل بموت المجتهد، بخلاف المنصوب من قبله،

--------------------------

مقام العمل؟ يجب عليه الاحتياط، وهذه قاعدة عامّة وهي أنّه إذا تعذّر بعض أطراف الوجوب التخييري يتعيين الوجوب في الباقي، مثلاً: المفطر عمداً في شهر رمضان إذا كان عليه إمّا عتق رقبة أو الإطعام أو الصيام، فالعتق لا يتمكن منه، والإطعام لا يتمكن منه؛ لأنه ليس لديه أموال، ويجب عليه العدل الأخير وهو الصيام.

الشق الثاني: أنّ المكلّف يعلم بوجود مجتهدين ويعلم أنّ كليهما مجتهد، ولكن لا يعلم من هو الأعلم؛ لأنّنا احتطنا فيما مضى بوجوب تقليد الأعلم، والآن لا يعرف من هو الأعلم، وأهل الخبرة أيضاً متعارضون في تشخيص الأعلم هنا يقول صاحب العروة: يجب عليه الاحتياط، ولكن السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(1) وفي الفقه(2) يجوِّز أن يقلّد فقيهاً عادلاً، خلال مدّة البحث، لأنّ الاحتياط مشكل في كثير من الأحيان، فهذا يقلّد أحد الفقهاء الموجودين إلى أن يعثر على الأعلم.

مسألة 51:

ولتوضيح مبنى هذا الموضوع نقول: الإذن يختلف، من ناحية السعة والضيق، ومن ناحية الطول والقصر، فمثلاً: أنتم لديكم عبد أو خادمة مستأجرة تبعثونها إلى بيت أحد الاصدقاء ضمن الشروط المقررة فقط، وتأذنون له في

ص: 78


1- الحاشية على العروة الوثقى: 6.
2- الفقه 1: 367.

كما إذا نصّبه متولياً للوقف أو قيّماً على القصّر فإنّه لا تبطل توليته وقيمومته على الأظهر(1).

--------------------------

أنّ هذه الخادمة أو هذا العبد يقوم بخدمة الشؤون الداخليّة في البيت من تنظيف وما أشبه ذلك، وتقولون له أن لا إذن لها في أن تخرج خارج البيت بأن تذهب وتشتري اللحم وما أشبه ذلك، فهل له حقّ أن يبعثها إلى خارج البيت؟ لا... ليس له حقّ، لأنّ نطاق الإذن محدد، فبمقدار التحديد تتمكّن أن تتصرّف، أمّا أكثر من هذا فلا تتمكن.

نأتي إلى ناحية الامتداد، فمرّة تأذن له أن ينتفع بهذا العبد انتفاعاً في الخدمة لمدّة يوم، ومرّة تأذن أن ينتفع بهذا العبد لمدّة عام، فالأمر يختلف، فإذا إذن لك في يوم فلك الحقّ في يوم فقط، وإذا إذن لك في عام فإنَّ لك الحقّ في عام، فالإذن يختلف من ناحية الامتداد العرضي ومن ناحية الامتداد الطولي، باختلاف نوعيّة الإذن ومن له الإذن، فالمجتهد عندما يعيّن وكيلاً فمرّة يعطيه وكالة في حال حياته فيقول له: أنت وكيل عنّي في حال حياتي فإذا مات المجتهد تبطل وكالته؛ لأنّها لم تكن وكالة مطلقة، وأغلب الوكالات في زماننا أو كلّها وكالات محدودة بما دام العمر.

والنوع الثاني هو أنَّ المجتهد يأذن إذناً أبديّاً، مثلاً المجتهد الذي يدير شؤون الأيتام الذين لا ولّي لهم لانه ولّي من لاوليّ له، فإذا عيّن واحداً قيّماً على هؤلاء الأيتام فإن ولايته تستمر إلى النهاية، فإذا مات المجتهد بعد ذلك بقي القيم إلى نهاية حياته، وعادة تطلق على النوع الأول من الاذن كلمة الأذن

ص: 79


1- العروة الوثقى 1: 17.

مسألة 52: في مَن بقي على تقليد الميّت، دون أن يقلّد الحيّ

مسألة 52: إذا بقي على تقليد الميّت من دون أن يقلّد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد(1).

--------------------------

والوكالة، فإذا قال أنت مأذون أو وكيل يعني الإذن المحدود أو الوكالة المحدودة، وعادة تطلق على النوع الثاني كلمة منصوب فيقول أنت منصوب أو قيّم لإدارة هؤلاء الأيتام. وجوهر القضيّة أنّ الإذن قد يكون إذناً محدوداً، وقد يكون إذناً أبديّاً، فاختلف الاذن والوكالة عن المنصوب من قبل المجتهد، كما إذا عين الوزير مديراً للعمل، أو عيّن رجلاً في عمل، فإذا لم يعد وزيراً، فهل يتغير هذا المدير أم لا ؟ في بعض الأحيان يتغيّر، وفي بعض الأحيان لا يتغيّر، وهنالك فرق في النوعية، كما أنّ الإمام (عليه السلام) يتمكن أن يعيّن واحداً تعييناً أبديّاً، ويتمكن أن يعيّن واحد تعييناً محدوداً، وكذلك المجتهد.

ولكن كثير من العلماء لا يقبلون الشقّ الثاني من كلام المصنّف، فقالوا حتّى المنصوب تبطل قيمومته ويبطل نصبه فيجب عليه أن يأخذ القيمومة والنصّب من المجتهد الجديد.

مسألة 52:

فلم يستأذن الفقيه الحي في البقاء على تقليد الميّت، كان تقليده كلا تقليد، كمن عمل من غير تقليد، فمن يريد البقاء على تقليد المجتهد الميّت، يجب عليه أن يعود إلى الفقيه الحي، فإن أذن الفقيه الحي في البقاء على تقليد المجتهد الميّت جاز ذلك واما إذا بقي من دون إذن فكأنّه غير مقلّد وقد مضى تفصيل هذه المسالة فيما مضى.

ص: 80


1- العروة الوثقى 1: 17.

مسألة 53: في مَن قلّد مَن يُفتی بخلاف مجتهده الأوّل

مسألة 53: إذا قلّد من يكتفي بالمرّة مثلاً في التسبيحات الأربع، واكتفى بها، أو قلّد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة ثمّ مات ذلك المجتهد، فقلّد من يقول بوجوب التعدّد لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة، وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثمّ مات وقلّد من يقول بالبطلان، يجوز له البناء على الصحّة نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني، وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة ثمّ مات وقلّد من يقول بنجاسته، فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحّة، وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء، وأمّا نفس ذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته وكذا في الحلّية والحرمة، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلاً، فذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد وقلّد من يقول: بحرمته فإن باعه أو أكله حكم بصحّة البيع، وإباحة الأكل وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله وهكذا(1).

--------------------------

مسألة 53:

المسألة نؤطّرها بإطار ليكون موضّحاً لمضمونها، فنقول الأشياء على نوعين، أشياء تنقضي بمرور الزمان، وأشياء لا تنقضي بانقضاء الزمان، فنأتي إلى محلّ البحث، مثلاً أنّني كنت أقلّد فقيهاً ثمّ مات ذلك الفقيه وقلّدت آخر، وفتوى الفقيه الأول والفقيه الثاني تخالفتا، الأول يقول يكفي في التسبيحات الاربع أن يقول مرّة واحدة (سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر)

ص: 81


1- العروة الوثقى 1: 17.

--------------------------

وعشرون عاماً كنت افعل ذلك إذ كنت أقلّده، والآن قلّدت فقيهاً آخر يقول لاتكفي التسبيحة الواحدة بل تجب ثلاث مرّات، فما هو حكم أعمالي الماضية فهل كلّها باطلة فأعيدها كلّها من جديد أم لا؟ أو الفقيه الأول كان يقول العقد صحيح فعقدت المرأة بتلك الكيفية، والفقيه الثاني يقول بالبطلان، فهل كلّ العقود تكون باطلة؟ كثير من العلماء كانوا يعيدون أعمالهم عندما يتبدّل تقليدهم أو اجتهادهم، يقولون فلان عالم أعاد أعماله كلّها ثلاث مرّات، لتغيّر رأيه ثلاث مرات في فترات متباعدة فهذا المقلّد هل يجب عليه أن يعيد عمله في كلّ يوم قلّد فيه المجتهد, الجواب: الأشياء على نوعين كما قلنا النوع الأول ما ينقضي بانقضاء الزمان، وهذا النوع لا يحتاج إلى إعادة وقضاءِ وفتوى الفقيه الأول نافذة فيه، فمثلاً العبادات تنقضي بانقضاء الزمان، يعني صلاة الصبح الّتي أدّيتها اليوم انقضت أم لم تنقض؟ انقضت وذهبت وليس لها وجود.

فإذا قلّد من يكتف بالتيمم بضربة واحدة، تضرب على الأرض ضربة واحدة وتمسح الجبهة والكفين، بعد ذلك لا يحتاج إلى ضربة ثانية، ثمّ مات ذلك المجتهد، فقلّد مجتهداً جديداً يقول لاتكفي الضربة الواحدة بل يجب التعدّد في الضربة، فهذا من النوع الذي ينقضي، لأنّ التيممات الماضية انتهت، وليس لها وجود الآن؛ لأنّ كلّ عمل قمت به انتفى، فالزمان ينتهي والزمانيّات تنتهي بانتهاء الزمان، فلا تجب عليه إعادة الاعمال الماضية، بل كلّها صحيحة، وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً، والفرق بين العقد والايقاع العقد يتقوّم بطرفين مثل البيع، أنا أبيع وهو يشتري، مع رضا الطرفين، والإيقاع له طرف واحد،

ص: 82

--------------------------

ورضاية الثاني غير مهمة، مثل الطلاق، فإذا طلق الرجل زوجته سواء رضيت أم لم ترضَ لا يحتاج إلى قبولها، فقد وقع الإيقاع، أو أعتق عبده، فقال له أنت حرّ لوجه اللّه، فالعبد ليس له أن يقول أنا لا أرضى بالحرية، فقد أصبح حرّاً، وكذا إذا أوقع عقداً كالنكاح أو إيقاعاً كالطلاق بتقليد مجتهد معيّن يحكم بالصحّة، مثلاً عقد باللّغة الفارسيّة، المجتهد الأول مثلاً يقول لا إشكال فيه، ثمّ مات هذا المجتهد وقلّد من يقول بالبطلان، قلّد من يقول بأنّ العقد يجب أن يكون باللّغة العربيّة، فالعقد انتهى أو لم ينته؟ انتهى طبعاً، ولو المرأة موجودة، فمتعلّق العقد موجود، لكن ذات العقد انتهى، لأنّ الألفاظ تنتهي، كلّ كلمة كلّ حرف لا يأتي إلاّ على نفس الحرف المتقدّم، فيجوز له البناء على الصحّة في أعماله الماضية، أمّا الأعمال الجديدة بأن يريد أن يبيع، اليوم يريد أن يتزوّج، حكمه أنّه يجب أن يكون باللّغة العربيّة, طبعاً بمقتضى المجتهد الثاني، ففيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني، هذا كلّه في النوع الأول.

أمّا النوع الثاني وهو ما لا ينقضي بانقضاء الزمان، لبقاء عينه وذاته، فمثلاً: المجتهد الأول كان يقول هذا الشيء طاهر، مثلاً عرق الجنب من الحرام، المجتهد الأول كان يقول بطهارته فإذا هذا الثوب أصابه العرق مثلاً فلا يعدّ نجساً حسب فتوى هذا المجتهد، ومن ثمّ مات المجتهد الأول، والمجتهد الثاني يقول أنَّ عرق الجنب غير طاهر، وهنا العين موجودة الثوب موجود وحكمه أنَّه يجب عليه الاجتناب عن هذا الثوب من الآن، وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة، الغسالة يعني عندما تغسل يدك مثلاً الذرّات الّتي

ص: 83

مسألة 54: الوكيل والوصيّ يعملان بمقتضی تقليد الموكّل والموصي

مسألة 54: الوكيل في عمل الغير كإجراء عقد، أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين، وكذلك الوصيّ في مثل ما لو كان وصيّاً في استئجار الصلاة عنه يجب أن يكون على وفق فتوى مجتهد الميّت(1).

--------------------------

تنفصل يطلق عليه الغسالة, في الماء القليل، ثمّ مات وقلّد من يقول بنجاسة ذاك الشيء، أما الصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحّة؛ لأنّها مضت، وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء، بأن صلّى في ثوب ملاق للغسالة، وأمّا نفس ذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، هذا الثوب الذي لاقى الغسالة، لا يتمكّن أن يصلّي فيه، فينقلب الحكم من الطهارة إلى النجاسة، وكذا في الحلّية والحرمة، مثلاً، نأخذ الحيوان نذبحه بالزجاج، فمات المجتهد الذي يجوّز الذبح بغير الحديد، فإذا كان قد أكل من الخروف فقد مضى ولا اشكال؛ لأنّه لا وجود له، وإمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً، والمفروض أنّ المجتهد الثاني يقول هذا الحيوان ميتة، لكونه غير مذبوح على الطريقة الشرعيّة حسب فتوى المجتهد الثاني، فلا يجوز بيعه ولا أكله وهكذا في بقيّة الأمثلة، فالضابط أنّ ما لا ينقضي بانقضاء الزمان تطبّق فيه من الآن فتاوى الفقيه الجديد وما انقضى زمانه فقد انقضى.

مسألة 54:

الوكيل والوصي والأجير، هل يعملان بتقليدهما أو يعملان بتقليد الطرف الآخر؟ فمثلاً لو أنّ شخصاً كان قادراً على الحج من الناحية المالية ولكنّه غير

ص: 84


1- العروة الوثقى 1: 18.

--------------------------

قادر من الناحية البدنية - على التفصيل المذكور في باب الحجّ - فلا يقدر أن يذهب إلى الحجّ فيطلب نائباً لكي يحجّ عنه، فهل يعمل النائب طبق نظر مجتهده، أو طبق نظر مجتهد الرجل الذي أعطى المال؟

يقول السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(1): تارةً يوجد تقييد، فيقيّد، ويقول يجب أن تأتي بالعمل على هذا النحو، مثلاً يعطيك مال يقول صلِّ نيابة عن الميّت بشرط أن تأتي بالتسبيحات ثلاث مرّات، وكان نظرك أو نظر مجتهدك أنّ المرة الواحدة كافية، ولكنّه قيّد، فقال لابد أن تأتي بها ثلاث مرّات، فإذا قيّد العمل فلا لك الحقّ أن تتخلّف عن ذلك؟ لأنّه قيّد فقال يجب أن تأتي بالعمل على هذه الكيفية.

أمّا إذا لم يقيّد، وقال أذهب للحجّ، أو صلّ عن الميّت، فما هو الحكم؟ يقول السيّد الوالد دام ظله:(2)

أنّ تأتي به على تقليدك أنت لا تقليده، فالعامل يرى ما هو مقتضى تقليده أو اجتهاده ان كان مجتهداً، فالوكيل أو الأجير في عملٍ عن الغير كإجراء عقد، كالزواج أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك، إذا وجد تقييداً في العمل، عمل بمقتضى التقييد، وإلا فيعمل بمقتضى تقليد نفسه، وكذلك الوصيّ في مثل لو ما كان وصيّاً في استئجار الصلاة عنه، بأن عين الميّت قبل موته وصيّاً وقال له استأجر عنّي شخصاً لكي يصلّي، هذا المستأجر الذي يصلّي يؤدّي الصلاة على طبق نظر نفسه مجتهداً

ص: 85


1- الحاشية على العروة الوثقى: 7.
2- المصدر نفسه.

مسألة 55: اختلاف المتعاملين في التقليد

مسألة 55: إذا كان البائع مقلّداً لمن يقول بصحّة المعاطاة مثلاً، أو العقد بالفارسي، والمشتري مقلّداً لمن يقول بالبطلان لا يصحّ البيع بالنسبة إلى البائع أيضاً لأنّه متقوّم بطرفين، فاللازم أن يكون صحيحاً من الطرفين، وكذا في كلّ عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، ومذهب الآخر صحته(1).

--------------------------

أو مقلداً لا طبق نظر الوصيّ، أو الميّت.

مسألة 55:

الكلام في الأشياء الّتي فيها طرفان، سواء كانت عقداً متقوّماً بطرفين، أو إيقاعاً له طرفان، فإذا كان مذهب أحد الجانبين البطلان، ومذهب الجانب الثاني عدم البطلان، مثلاً رجل عقد على امرأة بغير اللّغة العربيّة لصحته عند مجتهده ومجتهد المرأة يرى بطلانه هنا توجد نظريّتان:

النظريّة الأولى: وهي نظريّة المؤلف (رحمه اللّه) وهو أنّ هذا العقد باطل من الطرفين، لأنّ لدينا أموراً لا تتحقق إلاّ من الجانبين، فمثلاً لدينا مفهوم المحاذاة، فأنا الآن محاذي لزيد وفي نفس الوقت زيد محاذي لي، يعني في خط واحد ومن غير الممكن أن يكون القرب من جانب واحد بأن يكون قريباً منه وهو بعيد عني، فالقرب من الجانبين، والعقد علاقة متقوّمة بطرفين، فإمّا أن تكون باطلة من الطرفين وإمّا أن تكون صحيحة من الطرفين، فإذا فرضنا أنّ هذا العقد من جانب المرأة كان باطلاً؛ لأنّ مجتهدها يقول بالبطلان، فيكون من جانب الرجل أيضاً باطلاً، فلا يتمكن أن ينظر إليها، أو أن يواقعها وكما إذا

ص: 86


1- العروة الوثقى 1: 18.

--------------------------

كان البائع مثلاً مقلّداً لمن يقول بصحّة المعاطاة، والمعاطاة بيع بلا لفظ، تعطي له الثمن وتأخذ المثمن، للعقد اللّفظي الذي تقول عند البيع بعتُك وهو يقول اشتريت، أو كان العقد بالفارسية مثلاً، والمشتري مقلّداً لمن يقول بالبطلان، فمجتهد المشتري يقول أنّ المعاملة المعاطاتية باطلة مثلاً، والعقد بغير اللّغة العربيّة باطل، وعليه فَلا يصحّ البيع بالنسبة إلى البائع أيضاً، يعني أنّ البطلان في جانب المشتري يؤثر في البطلان في جانب البائع أيضاً لأنّ العقد متقوّم بطرفين وهو من المفاهيم الإضافيّة، أو يشبهما فاللازم أن يكون العقد صحيحاً من الطرفين.

النظرية الثانية: ما عليها المشهور بين المحشّيين، كالسيّد النجفي، والسيّدالگلبايگاني، والسيّد الخوئي، والسيّد القمي، وهي التفكيك بين أن نقول بالصحّة من جانب والبطلان من جانب آخر والسيد الوالد دام ظله في الحاشية يقول بل الأقرب الصحّة(1)، يعني من طرف البائع وعلى كلّ منهما العمل وفق تكليف نفسه وهكذا الحكم في كلّ ما يرتبط بطرفين من عقد أو ايقاع أو غيرهما، فأنا لا أعلم بتكليف الآخر، لكن وعليّ بتكليفي، فهذا الرجل الذي عقد على هذه المرأة باللّغة العربيّة، ينظر ما هو رأي مجتهده, فإذا كان رأيه أنّ هذه المرأة أصبحت زوجته الشرعيّة، فلماذا لا ينظر إليها، فالذي يرى الصحّة في هذا الجانب لا عليه برأي الجانب الآخر، فليعمل بوظيفته وتكليفه، وهذا يطلق عليه التفكيك في مرحلة الأحكام الظاهريّة، فلو شككت لا يوجد

ص: 87


1- الحاشية على العروة الوثقى: 6.

مسألة 56: في المرافعات تعيين الحَكَم بيد المدّعي

مسألة 56: في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدّعي، إلاّ إذا كان مختار المدّعي عليه أعلم، بل مع وجود الأعلم وإمكان الترافع إليه الأحوط الرجوع إليه مطلقاً(1).

--------------------------

مانع منه في أنّ هذا الماء طاهر أو غير طاهر، أقول كلّ شيء لك طاهر، وآخر يعلم أنّ هذا الماء كان نجساً فيما مضى، فيشكّ في أنّ نجاسته باقية أو غير باقية يقول لا تنقض اليقين بالشكّ فيبني على أنّه نجس، فهذا الماء طاهر في حقّي، نجس في حقّه، فما هو المانع من ذلك، فكلّ منهما يعمل على وفق وظيفته، فلو أتى شاهدان فشهدا أنّ غداً عيد، وأنا اعتبر أنّ هذين الشاهدين عادلان، فأعمل على وفق شهادتهما، والطرف الآخر لا يرى أنّهما عادلان، فَيعمل على وفق نظره، نعم إنَّ هذا التفكيك يولّد الخلاف، البائع يرى أنّ البيع صحيح، فالثمن انتقل إليه فيذهب ليأخذ الثمن بالقوة، والمشتري يعتقد أنّ المعاملة باطلة فيحتفظ بالثمن في جيبه ولا يعطيه للبائع، فإذا حدث خلاف يذهبون إلى القاضي، فَيفصل فيما بينهما طبق رأيه، ورأي القاضي نافذ على الجميع.

مسألة 56:

إذا حدث خلاف بين شخصين، فأحدهما مدّعي والآخر منكر، كما إذا ادّعى شخصٌ أنّ هذا الرداء الّذي عليك هو ملك له، فهو المدعي؟ وأنت الذي عليك الرداء منكر، فتعيين القاضي الذي نرجع إليه.

بيد المدّعي على ما يراه المصنف، فإذا قال لنراجع القاضي الفلاني، يجب عليك أن تجيبه إلى ذلك.

ص: 88


1- العروة الوثقى 1: 19.

مسألة 57: لا يجوز نقض حكم الحاكم الجامع للشرائط

مسألة 57: حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه، ولو لمجتهد

--------------------------

أمّا السيّد الوالد دام ظله في الحاشية يقول الأظهر عدم ثبوت هذا الحقّ(1)، لأنّه يريد الذهاب إلى القاضي(أ)، وأنت تقول أنا لا أحضر أمام القاضي(أ)، بل أترافع عند القاضي(ب)، ولا دليل على اجبار المنكر للحضور عند قاضي المدعي (أ).

والحاصل: في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدّعي على نظر المؤلّف، وفي نظر السيّد الوالد دام ظله لا يوجد هكذا حقّ، وإنّما يكفيه أن يقبل بالرجوع إلى قاضي شرعي، هذا كافٍ، إلاّ إذا كان الأعلم مختاراً من المدّعى عليه، يعني إذا كان مختار المدّعي غير الأعلم، ومختار المدّعى عليه [المنكر] هو الأعلم، يلغى مختار المدّعي، ولكن السيّد الوالد دام ظله لا يقبل هذا الحكم، ويقول اطلاقاً ليس له حقّ أن يملي عليّ شيئاً سواء كان مختاره هو الأعلم أو لم يكن مختاره هو الأعلم، فهل يجب في الخلاف القضائي وفي المرافعات القضائيّة الرجوع إلى الأعلم؟ الجواب: لا فإنَّ الرجوع الى الأعلم غير واجب، فيتمكنان أن يتفقا في الرجوع إلى غير الأعلم، فالأعلميّة إنّما هي شرط في التقليد فقط، أمّا في المرافعات القضائيّة بإمكانهما أن يتفقا في الرجوع إلى غير الأعلم، إذا كان مجتهداً جامعاً للشرائط.

مسألة 57:

هذه المسألة فيها تفصيل، وسنشير إلى بعض النقاط فيها.

الموضوع الأول: الحاكم ليس هو الذي بيده القدرة، إذ الحاكم الشرعي

ص: 89


1- الحاشية على العروة الوثقى: 7.

آخر إلاّ إذا تبيّن خطأه(1).

--------------------------

في نظرنا لا يأخذ حجيّته من قدرته فإذا كان لفقيه قدرة، ولديه دولة، وفقيه آخر ليس لديه تلك القدرة، ففي نظر الدين هما في عرض واحد، ولا أولويّة لأحدهما على الآخر، لأنّ كليهما يأخذان شرعيتهما من الشرع والأئمّة لم يقيّدوا شرعيّة الفقيه بأن يكون حاكماً، أو يكون مقتدراً، وإنّما قالوا «فيما روي عنهم»: وأمّا من كان من الفقهاء... فللعوام أن يقلّدوه، أو في رواية ثانية، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه، والحجّية ليست مقيّدة بأن تكون القدرة بيده، وهذا لا يؤثّر في أنّ وكيل الإمام ونائبه في عرض الفقيه الآخر، يعني لا يوجد طولية فيما بينهما، وإنّما هما في مستوىً واحد، فإذن لا يوجد فرق، فالحاكم المقتدر يحكم والحاكم غير المقتدر يحكم أيضاً.

والبحث الثاني أنّ الحاكم إذا حكم بحكم. في باب القضاء مثلاً، سواء كانت القدرة بيده أم لم تكن بيده فقال إنّ الحقّ مع فلان، فهل يحقّ لفقيه آخر مقتدر أن يحكم أو لا... لأننا قلنا أنّ القدرة غير مؤثّرة، وهذا له صور في باب القضاء:

الصورة الأولى: إنّ هذا الفقيه الحاكم - يعني الذي حكم - غير جامع للشرائط فهنا يتمكن الفقيه الثاني أن ينقض حكمه؛ لأنّ حكم غير العادل أو غير المجتهد كلا حكم، وإنّما جعلوا العادل حجّة، فإذا غير الحجة أفتى أو حكم، فحكمه كلا حكم، ففي هذه الصورة يجب أن يكون الحاكم جامعاً للشرائط.

ص: 90


1- العروة الوثقى 1: 19.

--------------------------

الصورة الثانية: أن لا يتبين خطأه، فإذا تبيّن خطأه في الحكم، يعني الفقيه الجامع للشرائط حكم بحكم، ثمّ تبيّن أنّه أخطأ في حكمه، كما ينقل أحد العلماء أنّه رأى فتوى خطّية لأحد المراجع حكم فيها في قضيّة قضائية، كتبت بخطّه، فعندما رأيت الفتوى علمت أنّه أخطأ فيها؛ لأنّ القضاء له ضوابط معيّنة، وهو مخطئٌ في هذه الفتوى، فيقول: أنا أخذت الورقة، وجئته غداً عند صلاة الغداة في حرم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأريته الفتوى، فقلت له ما هذه الفتوى؟ قال بمجرّد أن رأى الفتوى الّتي كتبها انتبه أنّه قد أخطأ، فأخذ الورقة وأمحى خطها حتّى لا يبقى منها أثر، ثمّ طلب المترافعين وحكم بينهما من جديد، والحاصل: إذا علمنا أنّ المجتهد أخطأ، فحكمه لا قيمة له، مثال آخر في الرواية: البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، يعني إذا واحد ادعى ردائي، عليه أن يأتي بالبيّنة، وأمّا إذا لم يطالب الحاكم المدّعي بالبيّنة، بل قال للمنكر احلف واذهب، فَحلف المنكر وذهب، كان هذا خلاف الموازين القطعيّة للقضاء؛ لأنّه ليس هذا أسلوب الدعوى، فأسلوب الدعوى أولاً يرى المدّعي، ويقول له هل عندك بيّنة أو لا، فإذالم يكن له بيّنة يلاحظ المنكر الذي كان الرداء على كتفه فيقول له أنت احلف، فإذا أخطأ بمجرّد ما تداعيا، ولاحظ المنكر وقال له احلف إنّ الرداء لك، وهذا حلف، فقال لهما اذهبا فإنَّ الرداء للمنكر, فإنَّ هذا خطأ، وللفقيه الثاني الحقّ أن ينقض هذا الحكم.

الصورة الثالثة: الحاكم جامع للشرائط وحكم ولم يتبيّن خطأه، وحكم بأن هذه الزوجة المتنازعة فيما بين هذين الرجلين لفلان، فالحاكم الثاني ليس له حقّ نقض هذا الحكم، لأنّه حكم الحاكم الجامع للشرائط، يعني الفقيه العادل...

ص: 91

مسألة 58: في مَن نقل فتوی المجتهد، ثم تبدّل رأيُه

مسألة 58: إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره، ثمّ تبدّل رأي المجتهد في تلك المسألة، لا يجب على الناقل إعلام من سمع منه الفتوى الأولى، وإن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبيّن له خطأه في النقل فإنّه يجب عليه الإعلام(1).

--------------------------

فلا يجوز نقضه ولو لمجتهد آخر، إلاّ إذا تبيّن خطأه، فإذن, أولاً يجب أن يكون جامعاً للشرائط، وثانياً أنّ لا يتبين الخطأ، هذا بحث في كتاب القضاء.

البحث الثاني: هل يجري الحكم في بقيّة الأبواب، كما إذا حكم أنّ غداً عيد، فهل يجري عليه هذا الحكم أم هذا خاصّ بباب القضاء فقط، فيه خلاف بين الفقهاء، وبحثه موكول إلى محلّه، والقدر المتيقن باب القضاء، أمّا في بقيّة الأبواب ففي شمول هذا الحكم لذلك تأمّل ونقاش وبحث بين الفقهاء، والمسألة فيها تفصيلات، وشقوق مذكورة في كتاب القضاء وبقيّة الكتب الفقهيّة.

مسألة 58:

إذا نقل الناقل فتوى المجتهدٍ لغيره، كما لو سألني شخصٌ: ما هو رأي الفقيه في طهارة أهل الكتاب، وأنا قلت له: انه يفتي بطهارتهم وكان نقلي للفتوى صحيحاً وبعد ذلك تغيّر رأي الفقيه فأصبح يرى عدم الطهارة، فلا يجب عليّ أن أذهب إلى هذا الرجل وأقول له أنّ رأي المجتهد قد تبدّل، فالمجتهد إذا تبدّل رأيه يكتبه في رسالته العمليّة، فإذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره، ثمّ تبدّل رأي المجتهد في تلك المسألة، فلا يجب على الناقل إخبار من

ص: 92


1- العروة الوثقى 1: 19.

مسألة 59: إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى

مسألة 59: إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا، وكذا البيّنتان، وإذا تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاهاً، قدّم السماع، وكذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع، وفي تعارض النقل مع ما في الرسالة، قدّم ما في الرسالة، مع الأمن من الغلط(1).

--------------------------

سمع منه الفتوى الأولى، لأن كلامي عند نقل الفتوى مطابقاً للواقع، ولكن بعد ذلك تغيّر رأيه، يبلغه المجتهد مقلديه، وإن كان الأحوط الندبي إيصاله إلى مقلديه، بخلاف ما إذا تبيّن له خطأه في النقل فإنّه يجب عليه الإعلام، فإذا تبيّن أنّ هذا الناقل مشتبه، وجب عليه محو الآثار.

مسألة 59:

إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى، أحدهما يقول السيّد الحكيم يرى طهارة أهل الكتاب، والآخر يقول إنه يرى نجاستهم وقع التعارض وإذا تعارضا تساقطا، وكذا البيّنتان، يعني رجلان عادلان آخران قالا فتوى المجتهد كذا، ورجلان عادلان قالا فتوى المجتهد غيرهُ، فقد تعارضا فتساقطا، وإذا تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاهةً، فالمجتهد يقول التسبيحة واجبة مرّة واحدة، ويقول وكيله ان المجتهد يقول بالثلاث قدَّم قول المجتهد لأنّه أقرب إلى رأيه، لأنّ كلامه طريق إلى رأيه، وكلام الوكيل طريق إلى الطريق، فالأول أقرب، فنأخذ بكلام المجتهد، وكذلك في تعارض المكتوب في الرسالة العلمية والسماع شفاهاً.

أما في تعارض النقل مع ما في الرسالة يُقدّم ما في الرسالة على النقل، مع

ص: 93


1- العروة الوثقى 1: 19.

مسألة 60: إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها ولم يكن الأعلم حاضراً

مسألة 60: إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها ولم يكن الأعلم حاضراً، فإن أمكن تأخير الواقعة إلى السؤال يجب ذلك، وإلاّ فإن أمن

--------------------------

الأمن من الخطأ، فإذا قال الوكيل ما يعارض الرسالة العمليّة هذا ولكن يرى السيّد الوالد دام ظله في الحاشية ما لفظه: بل الأوجه الأخذ بالأرجح عرفاً(1)، فقد يكون الوكيل أضبط من الرسالة العمليّة، لأنّه دقيق ومواظب ومقيّد، وطبعت الرسالة غير دقيقة مثلاً - وإن كان هذا الفرض خارجاً عن فرض المؤلّف فالمقدّم وهو الارجح هو الاضبط وهو الوكيل في المثال.

وأمّا إذا تعارضا الناقلان فقال: إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا، فلو أنّ وكيلين نقلا فتوى المجتهد بشكلين محتلفين، وأمّا مع التساوي، فلا... فإذا كان الوكيلان في درجة واحدة من الضبط، فأنت بالتخيير في كلّ الفروع المذكورة في هذه المسألة.

مسألة 60:

إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها، ولم يكن الأعلم حاضراً، لأننا في قرية بعيدة مثلاً في منقطع لا نتمكن أن نصل إلى الأعلم، وإمّا لأنّ الأعلم في وضع لا يمكننا التحدّث معه، كما لو كان في المعتقل مثلاً، أو كان في بلد لا يمكننا الرجوع إليه فهنا مراحل يذكرها المصنف:

المرحلة الأولى: الاحتياط أو التأخير.

المرحلة الثانية: الرجوع إلى الأعلم فالأعلم.

المرحلة الثالثة: العمل بالمشهور.

ص: 94


1- العروة الوثقى 1: 18.

الاحتياط تعيّن وإن لم يمكن يجوز الرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم، وإن لم يكن هناك مجتهد آخر ولا رسالته يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء، إذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور، وإذا لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع إلى أوثق الأموات، وإن لم يمكن ذلك أيضاً يعمل بظنّه، وإن لم يكن له ظنّ بأحد الطرفين يبني على أحدهما، وعلى التقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد إن كان عمله مخالفاً لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء(1).

--------------------------

المرحلة الرابعة: العمل بأوثق الأموات

المرحلة الخامسة: العمل بالظنّ.

المرحلة الأخيرة: العمل بأحد الطرفين.

وهذه المراحل هي مراحل مترتبة، لا نصل فيها إلى المرحلة الثانية إلاّ بعد عدم إمكان المرحلة الأولى وهكذا.

المرحلة الأولى: الإرجاء أو الاحتياط، وفيها نؤخّر القضيّة، فإذا كانت هنالك مشكلة كما لو أنَّ رجلاً تزوّج فتاة بدون إذن وليّها؛ لأنّها فتاة بكر، ولا يعلم الحكم الشرعي يؤخّر القضيّة, إذا أمكن أو يحتاط، فإن أمكن تأخير الواقعة فيها إلى السؤال، وجب ذلك، أو الاحتياط، والاحتياط معناه العمل بأشقّ الأقوال، مثلاً: جنين مشوّه في بطن الأم، هل يحقّ لنا إسقاطه أم لا؟ لا نعلم الحكم الشرعي، والأعلم غير حاضر، فنؤخّر القضيّة، أيّ ننتظر إلى أن نتمك-ن من السؤال من الأعلم، فَلا نسقط هذا الجنين المشوّه، أو نحتاط،

ص: 95


1- العروة الوثقى 1: 20.

--------------------------

ومقتضى الاحتياط في كلّ مسألة العمل بأشقّ الأطراف، فنعمل بذلك، هذه المرحلة الأولى. وحيث لا يمكن الاحتياط ولا التأخير؛ لأنّ القضيّة قضيّة فوريّة، لا يمكن التأخير فيها ننتقل إلى:

المرحلة الثانية: نرجع إلى مجتهد ثانٍ، هو الأعلم في الرتبة الثانية، كما هو الحال في الأطباء، فإن لم يكن السؤال عن الأعلم في مسألة فوريّة ولم يمكن التأخير والاحتياط فيها، يراجع العقلاء طبيباً ثانياً هو الأعلم بعد الأعلم، ثم مع فقده كمن هو في السجن مثلاً، والسجناء تمرّ مسائل لا يعرفون جوابها ننتقل إلى:

المرحلة الثالثة: يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء, وفي مقابل المشهور النادر والقليل، ولكن في تعيين قول المشهور مشكلة، فإذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور بأن يراجع الجواهر والحدائق ومفتاح الكرامة، والكتب الفقهية فيعمل به وإلا نأتي:

المرحلة الرابعة: أوثق الأموات، فمن هو الفقيه الأوثق من الأموات فترجع اليه، وقد تختلف الآراء فعند واحد مثلاً الشيخ المرتضى الأنصاري، هو الفقيه الأوثق، فيأخذ كتابه ويعمل به، ويثق غيره بفقيه آخر غير فيأخذ كتابه ويعمل بما فيه، وإن لم يمكن في هذه المرحلة الوصول إلى الأوثق، ننتقل الى:

المرحلة الخامسة: وهي العمل بالظنّ، والظنّ هو الاحتمال الراجح أي: من 51% إلى قبل القطع واليقين, يعني العلم،(1)

فالعمل بالظن هو العمل بالطرف الراجح وأما ان لم يكن له ظنّ بأحد الطرفين، ولا يعلم ما هو الحكم فيبنى

ص: 96


1- أمّا الاحتمال بدرجة 50% فهو شكّ.

--------------------------

على أحد الطرفين كما لو كانت هنالك قضية ارثية ولا يعلم الحكم هنا فيعمل بالاحتمال اما هذا الطرف أو ذاك، وعلى التقادير كلّها بعد الاطلاع على فتوى المجتهد الأعلم الذي نقلّده إن كان عملنا مخالفاً لفتواه فعلينا الإعادة والقضاء, لأنّ الحجّة كما ذكرنا هي قول الأعلم، وإنّما تنزّل إلى هذه المراحل الست لأنّه مضطرٌ إلى ذلك.

وبعد ذلك إذا تبيّن أن ما عمله لم يكن مطابقاً لقول الحجّة - الذي يجب عليه تقليده - فعليه الإعادة أو القضاء،(1) والحاصل إنَّ: المرحلة الأولى هي التأخير أو الاحتياط وهما في عرض واحد، والمرحلة الثانية نرجع إلى الفقيه الحي الأعلم فالأعلم، والمرحلة الثالثة العمل بقول المشهور بين العلماء، والمرحلة الرابعة أوثق الأموات، والمرحلة الخامسة العمل بالظنّ، والمرحلة الأخيرة العمل بأحد الطرفين إذا لم يكن لديه ظنّ، كما في مسائل الحجّ حيث تطرأ قضايا فورية لا يعلم مالذي يعمل فيها، نقل أحد العلماء أنّه كان يريد أن يذهب إلى الحجّ فذهب إلى السيّد عبد الهادي الشيرازي (رحمه اللّه) ، وكان من الفقهاء الفحول، فقال له أنّ في الحجّ قد تطرأ لي قضايا غير مذكورة لا أتمكن من الوصول إلى مجتهد فهل لي الحقّ أن أعمل بكتاب اللّمعة الدمشقيّة؟ فقال صحيح إن شاء اللّه، أعمل به، فهذا العمل إنما هو الرجوع إلى أوثق الأموات أو على قول السيّد الوالد دام ظله في الفقه،(2) إذا لم يوجد أوثق الأموات كمن لا يعرف من العلماء أوثقهم فإنّه يعمل برسالة

ص: 97


1- والفرق بين الإعادة والقضاء هو: أنّ الإعادة في داخل الوقت والقضاء خارج الوقت.
2- الفقه 1: 424.

مسألة 61: في مَن عدل إلی الحيّ بعد موت مُقلَّديه الأوّل والثاني

مسألة 61: إذا قلّد مجتهداً ثمّ مات، فقلّد غيره ثمّ مات، فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميّت، أو جوازه، فهل يبقى على تقليد المجتهد الأول، أو الثاني؟ الأظهر الثاني والأحوط مراعاة الاحتياط(1).

--------------------------

ميّت من الأموات, هذه هي المراحل المذكورة في المقام.

مسألة 61:

مَن قلّد المجتهد الأول فمات، وقلّد المجتهد الثاني فمات، يجب أن يعود إلى المجتهد الثالث، حتّى يسأله في حكم البقاء على تقليد الميّت وأفتى بوجوب البقاء على تقليد الميّت أو جوازه، فهل المقلد يرجع للأوّل أو الثاني؟

المصنّف يقول الأظهر الثاني، أي أنّه إذا أراد أن يبقى على تقليد الميت إنّما يبقى على تقليد المجتهد الثاني لأنّ تقليد الأول قد انقطع بعد ترك الأول والرجوع إلى الثاني وتقليد الأول، ليس بقاءً على تقليد الميّت، بل هو تقليد ابتدائي للميّت؛ لأنّ ذلك الخيط انقطع، والتقليد الابتدائي للميت لا يجوز.

إلا أن السيّد الوالد دام ظله يقول والأوجه التخيير،(2)

فهو مخيّر في أن يقلّد الأول أو الثاني أو يعدل إلى الثالث، فهنا احتمالات، أن يعود إلى الأول أو يبقى على الثاني أو يعود إلى الثالث أيضاً، ودليله مذكور في الفقه.

والأحوط مراعاة الاحتياط، وهذا أحتياط ندبي وغير واجب، فعليه أنّ يراعي الاحتياط بين فتوى الفقيه الأول والفقيه الثاني، فيعمل بأشقّ الفتويين، من الفقيه الأول الميّت والثاني الميّت.

ص: 98


1- العروة الوثقى 1: 20.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 7.

الفصل الثاني: كيف يتحقق التقليد

اشارة

ص: 99

ص: 100

مسألة 62: ما يكفي في تحقق التقليد

مسألة 62: يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة والالتزام بالعمل بما فيها، وإن لم يعلم ما فيها ولم يعمل، فلو مات مجتهده يجوز له البقاء وإن كان الأحوط مع عدم العلم بل مع عدم العمل ولو كان بعد العلم عدم البقاء والعدول إلى الحيّ بل الأحوط استحباباً- على وجه - عدم البقاء مطلقاً، ولو كان بعد العلم، والعمل(1).

--------------------------

مسألة 62:

تقّدم فيما مضى ما يشبه هذه المسألة، وهي أنّه يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة العمليّة والالتزام بالعمل بما فيها، والمصنّف هنا يرى أنّ التقليد قضيّة قلبيّة، فعَقد القلب أي التصميم على أنّي مقلّد لفلان، فأصبحت مقلّداً له، فإذا صممت على أنّي أقلّد فلاناً، وعقدت القلب على ذلك، فمات المجتهد، فهل لي حقّ في أن أبقى على تقليده أم لا؟ نعم؛ لأنّي كنت مقلّداً له، فإذا قلنا أنّ التقليد يعني عقد القلب، فأنا بعقد القلب والتصميم القلبي أصبحت مقلّداً له، فإذا مات بعد دقيقة، أبقى على تقليده، ويكفي في تحقق التقليد في نظر المصنّف أخذ الرسالة والالتزام بالعمل بما فيها، ولا يحتاج إلى قيد - أخذ الرسالة؛ لأنّه إذا فسّرنا التقليد بالالتزام فحتّى إذا لم نأخذ الرسالة، وإنّما صمم على أن يقلّد فلاناً، وفي كلّ مسألة يسأل وكيله مثلاً، فهذا المقدار كافٍ، وإن لم يعلم ما في الرسالة ولم يعمله، فلو مات مجتهده، يجوز له البقاء عليه،

ص: 101


1- العروة الوثقى 1: 21.

مسألة 63: احتياطات الأعلم

مسألة 63: في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخيّر المقلّد بين العمل بها، وبين الرجوع إلى غيره الأعلم فالأعلم(1).

--------------------------

ولكن الأحوط استحباباً مع عدم العلم عدم البقاء، فإذا لم يتعلّم أحكامه، فالأحوط ندباً أن لا يبقى، بل مع عدم العمل ولو كان بعد العلم، فإذا علم ولم يعمل، فالأحوط أن لا يبقى عليه وأن يعدل إلى المجتهد الحيّ، بل الأحوط على وجه عدم البقاء مطلقاً، ولو كان بعد العلم والعمل؛ لأنّه يوجد خلاف في البقاء على تقليد الميّت، فذهب بعض إلى أنّ البقاء على تقليد الميّت محرّم مطلقاً حتّى إذا علمت فتاواه وعملت بها، والتقليد للميت لا يجوز لا ابتداءً ولا استمراراً، فالاحتياط على أن لا يبقى على تقليد الميّت، ويعود إلى تقليد الحي، هذا ما ذكره المصنّف.

لكن السيّد الوالد دام ظله(2) - وكثير من الفقهاء - يرى أنَّ أصل الموضوع في التقليد هو العمل مستنداً إلى فتوى المجتهد، فاذا عقد قلبه فقط ثمّ مات المجتهد ولم يعمل لا يكفي في البقاء، وإذا عمل منطلقاً من فتوى المجتهد فله حقّ أن يبقى؛ لأنّ الآثار تترتب على الاستناد العملي وقد شرحنا مسألة الاستناد العملي فيما مضى.

مسألة 63:

المقصود هو الاحتياطات الوجوبيّة، وسوف يأتي الفرق بين الاحتياط الوجوبي والاستحبابي، والحكم فيها هو أن يتخيّر المقلّد بين العمل بها، وبين

ص: 102


1- العروة الوثقى 1: 21.
2- الفقه 1: 428, الحاشية على العروة الوثقى: 7.

مسألة 64: في أقسام الإحتياط

مسألة 64: الاحتياط المذكور في الرسالة إمّا استحبابي، وهو ما إذا كان مسبوقاً أو ملحوقاً بالفتوى، وإمّا وجوبي وهو ما لم يكن معه

--------------------------

الرجوع إلى غيره الأعلم فالأعلم، فَإذا قال المجتهد: الأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربع ثلاث مرّات، وهذا من باب الاحتياط الوجوبي، ففي هذا الاحتياط أنا مخير إمّا أن أعمل بهذا الاحتياط، فآتي بالتسبيحات الأربع ثلاث مرّات، وإمّا أن أرى من هو الأعلم بعد هذا المجتهد، فأرى ما هو رأيه في هذا الموضوع فأقلّده، فإذا كان الأعلم الثاني رأيه أنَّ مرّة واحدة تكفي، فآتي بها مرّة واحدة واقلده في هذه المسألة، وإذا كان الأعلم الثاني يحتاط أيضاً فأذهب إلى الأعلم الذي في الرتبة الثالثة، وهذا هو معنى الأعلم فالأعلم، يعني إذا كان الأعلم الذي في الرتبة الثانية محتاط أيضاً، أو ليس لديه فتوى في هذه المسألة، فلم يحقق في هذا الموضوع، - لأن الفقهاء لا يحققون المواضيع دفعة واحدة، بل يحققونها في خلال أعوام، مسألة مسألة - فإذا كان الأعلم في الرتبة الثانية ليس لديه فتوى ولم يحقق بعد، كما لو سألناه ما هو رأيك في صلاة الجمعة، فقال لا أدري لم أحقق بعد في هذا الموضوع - فنعود إلى الأعلم الثالث، طبعاً هذا الأمر في الاحتياطات الوجوبيّة.

مسألة 64:

الفرق بين الاحتياط الوجوبي والاستحبابي؟ أنَّ الاستحبابي مسبوق أو ملحوق بفتوى مضادّة، والوجوبي لا يمكن أن تكون هناك فتوى ضدّه، مثلاً: إذا قال المجتهد يكفي في التسبيحات الأربع أن يؤتى بها في الصلاة مرّة واحدة، لكن الأحوط الإتيان بها ثلاث مرّات، فهنا توجد فتوى مضادّة سبقت الاحتياط، فهذا الاحتياط استحبابي، إمّا إذا قال، الأحوط الإتيان بالتسبيحة

ص: 103

فتوى، ويسمّى بالاحتياط المطلق، وفيه يتخيّر المقلّد بين العمل به والرجوع إلى مجتهد آخر، وأمّا القسم الأول فلا يجب العمل به، ولا يجوز الرجوع إلى الغير، بل يتخيّر بين العمل بمقتضى الفتوى وبين العمل به(1).

--------------------------

ثلاث مرّات ولكن الأقوى كفاية المرّة الواحدة، فهو احتياط استحبابي؛ لأنّه بعد ذلك قال تكفي المرّة. ففي هذه الأنواع من الاحتياطات، إمّا أن أعمل بالفتوى فآتي بها مرّة واحدة، أو أعمل بالاحتياط فآتي بها ثلاث مرّات، لأنّ الاحتياط غير وجوبي، بل الاحتياط هو ندبيٌّ، وليس لك الحقّ في أن ترجع إلى فقيه آخر، لأنّ المجتهد له فتوى في القضيّة، فإذا كان للمجتهد فتوى في القضيّة فليس لك الحقّ في أن تعدل إلى فقيه آخر، فإمّا أن تعمل بفتواه أو باحتياطه، ولا تعدل إلى فقيه آخر، والحاصل: إن الاحتياط المذكور في الرسالة إمّا استحبابي وهو ما إذا كان مسبوقاً أو ملحوقاً بالفتوى مضادّة لمفاد الاحتياط.

وإمّا الاحتياط الوجوبي، فهو ما لم يكن معه فتوى مضادّة، كما لو قال: الأحوط الإتيان بالتسبيحة مرّة واحدة وسكت، فهو احتياط وجوبي هنا، أو قال الأحوط الاجتناب عن عرق الجنب، فهو احتياط وجوبي، أو يسمّى بالاحتياط المطلق؛ لأنّه لا يوجد بعده أو قبله فتوى فهو مطلق وفيه - يعني في الاحتياط الوجوبي - يتخيّر المقلّد بين العمل بالاحتياط الوجوبي أو الرجوع إلى مجتهد آخر، فَعندما يقول الأحوط معناه أنّه ليس له رأي في المسألة، وتوجد عقدة

ص: 104


1- العروة الوثقى 1: 21.

مسألة 65: التخيير في صورة تساوي المجتهدين

مسألة 65: في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد أيّهما شاء، كما يجوز له التبعيض حتّى في أحكام العمل الواحد حتّى أن لو كان

--------------------------

في القضيّة، توجد مشكلة في القضيّة، فالمجتهد متردد في الموضوع، وليس لديه رأي قاطع، فيكتب الأحوط، فما دام المجتهد ليس له رأي في القضيّة، فلك الحقّ أن تعمل برأي المجتهد الآخر، الأعلم فالأعلم.

وأمّا القسم الأول - الاحتياط الاستحبابي - فإنَّ المجتهد له رأي في المسألة فلا يحق لك العدول إلى غيره نعم لا يجب العمل بالاحتياطات؛ لأنّه مستحب، والعدول خلاف الاحتياط، بل يتخيّر المقلّد بين العمل بمقتضى الفتوى الّتي هي كفاية التسبيحة الواحدة، وبين العمل بالاحتياط الندبي، الذي هو الإتيان بها ثلاث مرّات، ومثال آخر: إذا قال المجتهد تكفي ضربة واحدة في التيمم، لكن الأحوط ضربتان، فهذا الاحتياط استحبابي، وليس لك حقّ في أن تقلّد مجتهداً آخر في هذا الموضوع؛ لأنّ المجتهد كان له رأي يقول: ضربة واحدة كافية، ولكن الأحوط والأفضل ضربتان، فإمّا أن أعمل بالفتوى ضربة واحدة، وإمّا أعمل بالاحتياط ضربتين، فالمسألة تخييرية.

مسألة 65:

قد شرحنا هذا فيما مضى، فإذا كان المجتهدان متكافئين من الناحية العلميّة، فإذا كنت من البداية أقلّد هذا فقط أو أقلّد ذاك فقط، أو أقلّد هذا في كتاب الصلاة وأقلّد ذاك في كتاب الحجّ، فهذا كلّه جائز، أمّا إذا قلّدت مجتهداً فالعدول إلى غيره خلاف الاحتياط، واما التبعيض فهو يختلف عن العدول, إذ هناك فرق بينهما فالتبعيض من البداية، أي بداية البلوغ يقلّد هذا في كتاب الزكاة ويقلّد ذلك في كتاب الصلاة، وهذا لا إشكال فيه، فلو كان

ص: 105

مثلاً فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة، واستحباب التثليث في التسبيحات الأربع، وفتوى الأمر بالعكس، يجوز أن يقلّد الأول في استحباب التثليث، والثاني في استحباب الجلسة(1).

مسألة 66: في تشخيص موارد الاحتياط

مسألة 66: لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي إذ لابدّ فيه من الاطلاع التامّ، ومع ذلك قد يتعارض الاحتياطان فلابدّ من الترجيح، وقد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتّى يحتاط، وقد يكون

--------------------------

يقلّد السيّد الحكيم، ومات، والآن يوجد مجتهدان متكافئان من الناحية العلميّة، ومن الآن يقلّد هذا في بعض الأحكام ويقلّد ذاك في بعض الأحكام، فهذا ممّا لا إشكال فيه، ولكن هل يجوز التبعيض في العمل الواحد إذا كان العمل على القولين يوجب البطلان؟ التبعيض في المركب الواحد، أي المركب الارتباطي، كما لو أنّ الفقيه الأوّل يقول: تكفي المرّة الواحدة في التسبيحات، والثاني يقول: المرّة الواحدة غير كافية، والفقيه الثاني يقول أنّ جلسة الاستراحة غير واجبة، خلافاً للآخر، والمكلف يأتي بصلاة ليس فيها تسبيحات ثلاث ولا فيها جلسة استراحة، كلا الفقيهين لا يقبلان هذه الصلاة، والسيّد يقول لا يمكن.

مسألة 66:

سبق أنّ لدينا ثلاثة أطراف عرضية، الاجتهاد والتقليد والاحتياط، وكلّ مكلّف إمّا أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً، فإذا أراد العامي غير المجتهد أن يحتاط، ولا يريد أن يقلّد، فإن الاحتياط أمر مشكل، فلا يمكن لأيّ أحد أن يحتاط، ولذلك - في غالب الموارد - من لم يبلغ رتبة الاجتهاد أو الاحتياط

ص: 106


1- العروة الوثقى 1: 22.

الاحتياط في ترك الاحتياط، مثلاً: الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط الوضوء به، بل يجب ذلك، بناءً على كون احتياط الترك استحباباً، والأحوط الجمع بين الوضوء والتيمم، وأيضاً الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت، ويلزم وقوع بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترك هذا الاحتياط، أو يلزم تركه، وكذا التيمم بالجصّ خلاف الاحتياط، لكن إذا لم يكن معه إلاّ هذا فالأحوط التيمم به، وإن كان عنده الطين مثلاً فالأحوط الجمع، وهكذا(1).

--------------------------

لا يُتمكن منه، فلا يبقى إلاّ الطريق الثالث، وهو طريق التقليد، ولا يخفى أنّ موارد الاحتياط عسر على العامّي فَلابدّ في الاحتياط من الاطّلاع التامّ، فيجب أن يكون مطّلعاً على الأقوال في المسألة، وإلاّ إذا لم يكن مطلّعاً على الأقوال في المسألة كيف يحتاط؟ وكيف يجري الاحتياط ومع ذلك فقد يتعارض الاحتياطان، فَلابدّ أن نقدّم أحد الاحتياطين على الآخر، فلابدّ من الترجيح، بأن نقدّم أرجح الاحتمالين، على الآخر، ومن أين نعرف أنّ هذا الاحتياط هو الأرجح أو ذاك الاحتياط هو الأرجح؟ وقد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتّى يحتاط في المسألة، لأنّ الاحتياط إنّما هو حلّ لعقدة معيّنة في المسألة، فإذا كان هو غير ملتفت إلى وجود عقدة في المسألة، كيف يحتاط؟ وقد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط، وفي بعض حالات الاحتياط أن لا تحتاط، فمن أين يُعرف ذلك؟ وعلى كلّ التقادير هناك احتياط في ظرف دون ظرف وفي

ص: 107


1- العروة الوثقى 1: 22.

--------------------------

وقت دون وقت, فهذا في رأيه أنّ هذا احتياط، فيطبّق الاحتياط، بينما المفروض في هذا الفرض أن لا يطبّق الاحتياط؛ ولذلك فإنّ الاحتياط قضيّة مشكلة، فمثلاً: الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، يعني في حدث الجنابة وفي حدث الحيض وما أشبه ذلك من هذه الأحداث، فإذا اغتسل المكلّف من حدث الجنابة وهذا الماء اجتمع في مكان معيّن، - بعد تطهير البدن - كان الأحوط أن لا يستعمل هذا الماء في الوضوء، فهذا احتياط، أما المقلّد فيقلّد المجتهد، والمجتهد يقول لا إشكال فيه، السيّد الوالد دام ظله يقول لا إشكال فيه، فاستعمال غسالة الماء المستعمل في الحدث الأكبر في الوضوء أو في الغسل مرّة ثانية، لا إشكال فيه، ولكن إذا أراد أن يحتاط في هذه المسألة، فكيف يحتاط؟ يحتاط بأن لا يستعمل هذا الماء، ولكن هذا الاحتياط غير موجود دائماً وعلى كلّ تقدير كما في صورة انحصار الماء فيه بأن لم يوجد إلاّ هذا الماء، الأحوط هنا أن لا يستعمل هذا الماء؛ بل الأحوط هنا الوضوء به، بل يرى البعض الوجوب في الوضوء به بناءاً على كون احتياط الترك استحباباً، كما هو رأي السيّد الوالد دام ظله،(1) فعليه لابدّ أن تتوضّأ بهذا الماء، بل الأحوط الجمع بين الوضوء به والتيمم، إذا أراد أن يعمل بالاحتياط التامّ؛ لأنّ المباني مختلفة في المسألة، والآراء مختلفة، كما يرى السيّد المرعشي (رحمه اللّه) ذلك،(2) يقول: الأحوط أنّ يتوضّأ بهذا الماء ويتيمم،

ص: 108


1- الفقه 1: 441.
2- انظر: القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 2: 356.

--------------------------

فإذا كان المكلف لا يعرف هذه الموازين العلميّة، وأنّه سمع بأنّ الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، فيترك هذا الماء ويتيمم، بينما هذا تيمم خلاف الاحتياط، فإذا أراد مراعاة الاحتياط التامّ، كان الأحوط أن لا يعمل بالاحتياط، نعم الأحوط في الحالات الطبيعية أن لا يستعمل هذا الماء، ولكن في الحالات الطارئة الأحوط أن يستعمل هذا الماء، فانظروا كيف توجد عقدة في قضيّة الاحتياط، ونضرب مثالاً آخر أيضاً، الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع، أي الاحتياط أن تأتي بالتسبيحات الاربع في الصلاة ثلاث مرّات، والعامي يأخذ هذا الاحتياط في كلّ الظروف، فهل هذا الاحتياط محكّم؟ كلا... فإذا كان في ضيقٍ من الوقت فإذا أراد أن يثلث في التسبيحات الأربع، فبعض الصلاة يقع خارج الوقت، كان الأحوط - عندئذ - ترك هذا الاحتياط، أو يجب ترك هذا الاحتياط؛ لأنّ أهميّة الوقت أقوى من هذا الاحتياط، فإذن صار الأحوط ترك الاحتياط، لأنّه في ضيق الوقت تأتي بالتسبيحات مرّة واحدة، ومثال آخر أيضاً: التيمم بالجصّ خلاف الاحتياط على رأي بعض الفقهاء، ولكن السيّد الوالد دام ظله يرى أنّ التيمم بالجصّ لا إشكال فيه، فإذا كان المقلّد يتيمم على الجصّ، ولكن إذا أراد أن يحتاط - الاحتياط الوجوبي أو الندبي - ترك التيمم بالجصّ، ولكن إذا لم يكن معه إلاّ هذا، أي ليس له إلاّ الجصّ فقط، فالأحوط التيمم بالجصّ، وإن كان عنده طين فالأحوط الجمع، يعني يتيمم مرتين، مرّة يتيمم بالجصّ، ومرة يتيمم بالطين، وتفصيل هذه المسألة في مباحث التيمم، فالاحتياط مسألة مشكلة، فاذن إذا أراد المكلف أن يحتاط يقع في الحرج، نعم المجتهد أو الفاضل

ص: 109

مسألة 67: محلّ التقليد ومورده

مسألة 67: محلّ التقليد ومورده هو الأحكام الفرعيّة العمليّة، فلا يجري في أُصول الدين، وفي مسائل أُصول الفقه، ولا في مباديء الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما، ولا في الموضوعات المستنبطة العرفيّة أو اللّغويّة ولا في الموضوعات الصرفة، فلو شكّ المقلّد في مائع أنّه خمر أو خل مثلاً، وقال المجتهد أنّه خمر، لا يجوز له تقليده نعم من حيث أنّه مخبر عادل يقبل قوله، كما في إخبار العامّي العادل، وهكذا، وأمّا الموضوعات المستنبطة الشرعيّة، كالصلاة ونحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العمليّة(1).

--------------------------

قدير يتمكن أنّ يدبّر كيفيّة الاحتياط في القضايا، أمّا غالباً فإن غير المجتهد وغير الفاضل في غالب القضايا لا يتمكن من الاحتياط، فانحصر الطريق في التقليد.

مسألة 67:

هناك عشرة موارد ينبغي البحث فيها من حيث التقليد وهي: أُصول الدين، أُصول الفقه، الأحكام الفرعيّة العمليّة، الموضوعات المستنبطة الشرعيّة، الموضوعات المستنبطة العرفيّة، الموضوعات المستنبطة اللّغويّة، الموضوعات الصرفة، مباديء الاستنباط، اليقينيّات، الضروريّات.

فنبحث في أيّها نقلّد، وفي أيّها لا نقلّد، في بداية الكتاب تحدثنا عن اثنين، عن الضروريّات واليقينيّات، ولا حاجة إلى التقليد فيهما كما سبق، فالاثنان خرجا من دائرة التقليد، وبقي ثمانية، نأتي إلى واحدٍ واحدٍ منها، فمحلّ التقليد

ص: 110


1- العروة الوثقى 1: 22.

--------------------------

ومورده هو الأحكام الفرعيّة العمليّة الّتي تتعلق بعمل المكلّف، كالطواف حول الكعبة، فهو ليس بقضيّة عقائدية، بل قضيّة عمليّة، وهكذا التقليد في الأحكام الفرعيّة العمليّة - يعني كتاب الطهارات، كتاب الحجّ، كتاب الديّات، كتاب الإرث، كتاب الهبة، وما أشبه ذلك، هذه كلّها يطلق عليها الأحكام الفرعيّة العمليّة فيجري فيها التقليد.

الرابع: أُصول الدين: وهل يجري فيها التقليد أم لا؟،(1) لا يجوز التقليد في أُصول الدين {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}،(2) بل يجب أن تعلم بأصول الدين عن طريق البرهان، فإذا قالوا بأيّ دليل يستدلّ على وجود اللّه؟ يكفي ذكر دليل إجمالي، كما إذا قلنا: إذا لم يكن اللّه موجوداً، فمن الذي خلقنا، هذا الدليل يكفي، الدليل على النبوة، بأيّ دليل أن النبي نبي؟ بالقرآن، فالقرآن معجزة، ولم يتمكن أحد أن يأتي به كدليل، فالدليل الإجمالي كافٍ، لكن إذا كان الأمر مجرّد تقليد، كما لو قلنا لماذا نقول: إنّ اللّه واحد؟ لأنّ المجتهد أو أبي يقول إنّ اللّه واحد، فهذا لا يكفي، فأُصول الدين لا يجري فيها التقليد.

ص: 111


1- يقولون أنّه جاءت موجة إلحاديّة إلى العراق، فمجموعة من ضعاف الإيمان أخذتهم هذه الموجة، كان شخص عابداً متديناً، وكلّ يوم مقيّد بزيارة الحضرة المقدسة وحضور صلاة الجماعة ولكن أخذته هذه الموجة، وأنكر وجود اللّه وأنكر الحضرة وترك الجماعة، فقال أحد المتدينين أتاني هذا المنكر وقال: إنّ بقيّة المتدينين كلّهم يكذبون، وأنا أعتمد على كلامك، أنت تقسم لي بالعباس على أنّ اللّه موجود، يقول أنا نظرت إليه نظرة متعجّباً، فقلت له: والعباس إنَّ اللّه موجود، فقال انتهى، أنا أيقنت بوجود اللّه من قسمك هذا، وعاد إلى صلاته وجماعته وإيمانه.
2- الزخرف: 22.

--------------------------

الخامس: مسائل أُصول الفقه: التي تبحث في علم الأصول، مثلاً: هل يدلّ الأمر على الوجوب؟ وهل ظاهر النهي على التحريم؟ وهل أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه؟ والنهي في العبادة هل يدلّ على البطلان؟ فأنا أقلّد المجتهد، فأقول له ما هو رأيك في أنّ الأمر هل يدلّ على الوجوب أم لا؟ فإذا قال: إنّ الأمر يدلّ على الوجوب: التزم به فهل مثل هذا المسألة يجري فيها التقليد أم لا؟ صاحب العروة ينفي، والسيّد الوالد دام ظله(1) يثبت ويظهر أثره فيما لو كان الشخص نفسه هو مجتهد، يعني قادر على التطبيقات الفرعيّة، ولكن ليس لديه وقت يحقق في أنّ الأمر يدلّ على الوجوب أم لا، أو لا يقدر على المسائل الأصولية، فهو لديه ملكة اجتهاد ضعيفة، فيأتي إلى المجتهد الذي يجب أن يقلّده، فيقول له ما هو رأيك، في مسألة دلالة الأمر على الوجوب فيقلّده ثم يطبق هذه الكبرى الكليّة على مواردها، مثلاً يقول اللّه تعالى في القرآن: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا...}،(2) فهو بظاهره مشكل، لأنَّ حيّوا أمرٌ، والأمر يدلّ على الوجوب، بدليل أنّ المجتهد يقول ذلك وهذا مجتهد في هذه الكبرى يقلّد ذلك المجتهد، والنتيجة: اذا حياك أحد بتحيّة فيجب عليك ردّ التحيّة، ولا اشكال فيه، فلا مانع من أنّ المجتهد يلفّق استخراجه للحكم الشرعي، بين اجتهاده وتقليده، فالمجتهد يقلّد في بعض المباني ثمّ يحاول تركيب هذه المباني على اجتهاده ومن هذا المجموع

ص: 112


1- الحاشية على العروة الوثقى: 7.
2- النساء: 86.

--------------------------

يستخرج الأحكام الشرعيّة، ومثله مثل الأطباء، حيث لا يجتهد الطبيب في كلّ مسألة طبيّة، بل يجتهد في بعضها ويعتمد في بعضها على اجتهاد الأطباء الآخرين، فيلفّق اجتهاده مع اجتهادهم، ويشخص المرض والعلاج.

السادس: مباديء الاستنباط، المباديء تعني المقدمات، والاستنباط يعني استخراج الحكم الشرعي، مثل القضايا النحوية والقضايا الصرفية ونحوهما؛ لأنّ النحو يتوقف عليه فهم بعض الأحكام مثلاً، والجملة الشرطيّة هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء، أو لا تدل على الانتفاء عند الانتفاء؟ وتتوقف عليها أحكام شرعيّة، وكذلك أنّ تقديم ما من حقّه التأخير يفيد الحصر كقولنا «إيّاك نعبد» بخلاف ما لو قال نعبدك فإنّه لا يدلّ على الحصر، لكن إيّاك نعبد يدلّ على الحصر، حصر العبودية في اللّه سبحانه وتعالى، وهذه مسألة نحوية أو بلاغية، وكذلك كلمة (إنّما) تدل على الحصر مسألة نحوية. وهكذا في بقيّة القضايا، فهل يجري التقليد في هذه القضايا أو لا يجري، بأن يتمكن المجتهد أن يقلّد نحوياً في ذلك، فالمجتهد تارة يحقق في أنّ «إيّاك نعبد» هل يدلّ على الحصر أو لا يدلّ على ذلك، واُخرى لا يحقق فيه وإنّما يذهب إلى أئمّة الأدب والبلاغة فيجد أنّهم يقولون ذلك فيقلّدهم في هذه القضيّة ويبني عليها الحكم الشرعي، السيّد الوالد دام ظله(1)

يقول لا مانع من ذلك، وجريان التقليد في هذه المباديء وفي هذه المقدمات لا مانع منه، فإذن بامكان الفقيه أن يقلّد في هذه المقدمات، وبإمكانه أن يجتهد أيضاً، وكذلك

ص: 113


1- الحاشية على العروة الوثقى: 7.

--------------------------

من جملة المباديء، علم الرجال، أنّ كردويه مثلاً هل هو ثقة أم غير ثقة؟ الفقيه مرّة هو يجتهد في هذه القضيّة، ومرة يقلّد فقيهاً آخر فيها، ولا مانع من ذلك.

السابع والثامن: الموضوعات المستنبطة العرفيّة، والموضوعات المستنبطة اللّغويّة، ولتوضيحها نقول: بعض الموضوعات واضحة، كالبياض فإنَّ معناه اللون المعيّن الذي يفرق نور العين، فالبياض مفهوم واضح، حدوده واضحة، والحمرة مفهوم واضح، وحدودها واضحة، الماء - غالباً - وفي كثير من الموارد له مفهوم واضح، وحدوده غالباً واضحة، ولكن عندنا بعض المفاهيم اللّغويّة وبعض المفاهيم العرفيّة لا تخلو من غموض فتحتاج إلى إعمال النظر، لمعرفة حدودها، ولذلك وقع الكلام بين الفقهاء، مثلاً الغناء من الموضوعات المستنبطة،الّتي تحتاج إلى استنباط، وتحتاج إلى اجتهاد، وإعمال النظر، فما هو معنى الغناء؟ هل هو الصوت الذي فيه ترجيع وترديد؟ أو الصوت المطرب؟ أو هو مفهوم آخر؟ فهذا المفهوم يحتاج إلى إعمال النظر، وكذلك الوطن ما هو معناه كما لو أنَّ شخصاً ذهب إلى أحد بلاد الغرب ويريد أن يبقى فيها ثلاثة أعوام، هل هي وطنه أم لا؟، وكذلك الصعيد في قوله تعالى {فَتَيمّموا صَعيداً طَيباً}،(1) هذه كلّها موضوعات مستنبطة عرفية أو لغوية والعرف قد اختلف فيها، واللّغة قد اختلف اللغويون فيها، فهل يجري فيها التقليد؟ المصنّف (رحمه اللّه) يرى أنّ التقليد لا يجري فيها، يعني أنّ هذا وطن أم

ص: 114


1- النساء: 43, والمائدة: 6.

--------------------------

لا، أنت لا تقلّد، بل تُعمِلُ نظرك، وإنما نرجع إلى المجتهد في هذه القضايا، من باب أنّه ثقة، وليس من باب أنّه مجتهد، فهناك فرق بين العنوانين.

التاسع: الموضوعات الصرفة، وهي الّتي لا تحتاج إلى إعمال النظر، كما في مايع أنّه ماء أم لا، لا يدرى حيوان في الخارج ولا أعلم أنّه خروف أم كلب، فهنا لا تقليد بل المجتهد يقول بذلك، أذهب وحقق فيه هل هو خروف أم كلب، وهذا ماء أو غير ماء، فهذه التطبيقات ليست وظيفة المجتهد، وإنّما هي وظيفة المقلّد، فالموضوعات الصرفة كالمستنبطة العرفية لا يرجع فيها إلى المجتهد، الفرق بين الموضوعات الصرفة والمستنبطة؟ هو أن المستنبطة فيها نوع من الغموض، والصرفة ليس فيها غموض، في المفهوم في حدّ ذاته، ولا يحتاج إلى بحث أو إلى إعمال النظر، فلو شكّ المقلّد في مائع أنّه خمر أو خل مثلاً، عليه أن يسأل المخبريين في ذلك، فلو قال المجتهد أنّه خمر، لم يجز له تقليده، لأنّ هذه القضيّة ليست قضيّة تقليديّة، المجتهد يبيّن الكبريات، أمّا تطبيق الكبريات على الصغريات فليس من وظيفته، نعم توجد في المجتهد حيثية فمن حيث أنّه مخبر عادل يقبل قوله، كما في أخبار العامي العادل، فإذا قال المجتهد هذا خمر لأنّه ثقة يقبل كلامه، كما لو أنّ العامي غير المجتهد قال إنّ هذا المائع ليس بخمر، فلا يوجد فرق من هذه الحيثيّة بين المجتهد وبين العامي، كما في إخبار عامي أو المجتهد بنجاسة مكان حيث يقبل لكونه مخبراً عادةً.

العاشر: الموضوعات المستنبطة الشرعيّة، فما هو معناه؟ المولى يقول الحجّ واجب، والوجوب حكم، والحجّ موضوع، نرجع إلى المجتهد لتشخيصه

ص: 115

مسألة 68: لا تُعتبر الأعلميّة في أمور

مسألة 68: لا يعتبر الأعلميّة فيما أمره راجع إلى المجتهد، إلاّ في التقليد. وأمّا الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف الّتي لا متولّي لها، والوصايا الّتي لا وصيّ لها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلميّة، نعم الأحوط فيها الأعلميّة، نعم الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد، أو في غيره ممّا لا حرج في الترافع إليه(1).

--------------------------

فيجزي التقليد فيه كالاحكام العمليّة الفرعيّة، كما نقلّده في أنّ الخمر محرمة، كذلك نقلّده في أنّ الصلاة ما معناها؟

وخلاصة العشرة: الضروريات واليقينيّات وأُصول الدين لا يجري فيها التقليد، وأُصول الفقه، والأحكام الفرعيّة العمليّة، والموضوعات المستنبطة الشرعيّة... يجري فيها التقليد، أمّا الموضوعات المستنبطة العرفيّة والموضوعات المستنبطة اللّغويّة... فلايجري فيها التقليد، بخلاف مباديء الاستنباط حيث يجري فيها التقليد، وأما العاشر فهو الموضوعات الصرفة... لايجري فيها التقليد، وهذه عشرة كاملة في بعضها يجري التقليد، وفي بعضها الآخر لا يجري التقليد.

مسألة 68:

الأعلميّة شرط في التقليد فقط، على الأحوط، فالمقلّد يجب عليه أن ينتخب المجتهد الأعلم، إذا تمكن من تعيين الأعلم، ولكن في بقيّة وظائف المجتهد، والمهام المحفوظة بالمجتهد، فإنَّ الأعلميّة ليست شرطاً، فالقاضي يجب أن يكون أعلم، وإنّما يكفي أن يكون مجتهداً، وكلّ مجتهد يمكن أن

ص: 116


1- العروة الوثقى 1: 23.

مسألة 69: إذا تبدّل رأي المجتهد هل يجب عليه الإعلام؟

مسألة 69: إذا تبدّل رأي المجتهد هل يجب عليه إعلام المقلّدين أم لا؟ فيه تفصيل: فإن كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط فالظاهر عدم الوجوب، وإن كانت مخالفة فالأحوط الإعلام، بل لا يخلو عن قوّة(1).

--------------------------

يكون قاضياً، فالولاية على الأيتام، والمجانين، والقصّر، والأوقاف الّتي لا متولّي لها كذلك، ولا تعتبر الأعلميّة فيما أمره راجع إلى المجتهد، إلاّ في التقليد، والمجتهد لا يجب أن يباشر إدارتهم، ولكن تكون تحت نظره، ولو بتعييّن ثقة تحدد له الحدود، ويقول له أنت تتولّى شؤونها، كالأوقاف الّتي لا متولّي لها، كالمسجد، والوصايا الّتي لا وصيّ لها، فإذا كان الميّت لديه وصيّة ولا يوجد أحد ينفذ هذه الوصيّة - لموت الوصي مثلاً - فالمتولي هو الفقيه المجتهد، ونحو ذلك، فلا يعتبر فيها الأعلميّة، نعم الأفضل في القاضي أن يكون أعلم ممن في ذلك البلد، أو في غيره ممّا لا حرج في الترافع إليه، يعني أنّ الأفضل أن تبحث عن القاضي الأعلم وترجع إليه، إذا أمكن ذلك أمّا إذا كان القاضي الأعلم في مكان بعيد، ويوجد هناك حرج ومشكلة في التراجع إليه، فلا يلزم الرجوع اليه.

مسألة 69:

إذا تبدّل رأي المجتهد، ومن الطبيعي أن يتبدّل رأيه، بخلاف الإمام فرأيه لا يتبدّل؛ لأنّ علمه علمٌ لدنّي، ولأنّه محيط، فالمجتهد قد يرى دليلاً أو رواية لم يكن رآها، فأفتى، ثمّ وجد تلك الرواية فتغيّرت فتواه، فإذا تغيّر رأيه، هل يجب عليه إعلام المقلّدين بأنّ رأيه تبدّل أو لا...؟، الجواب فيه تفصيل،

ص: 117


1- العروة الوثقى 1: 23.

مسألة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء الأصول في الشبهات الحكميّة

مسألة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الضرورة، أو

--------------------------

فالفتوى القديمة قد تكون موافقة للاحتياط وقد تكون مخالفة للاحتياط، فإذا كانت موافقة للاحتياط والفتوى الجديدة مخالفة للاحتياط، فلا يجب عليه الإعلام، مثلاً في البداية كان المجتهد يقول أنّ الجيلاتين المجلوب من البلاد الأجنبيّة والمأخوذ من عظام الحيوان حرام، والآن رأيه الجديد أنّه حلال، فمن غير الواجب أن يقول لهم أنّه حلال، فيبقيهم على الاحتياط الذي كان فيما سبق، لأنّه يوجد محذور في ذلك، أو مثلاً كان رأيه القديم أنّ التسيبحات واجبة ثلاث مرّات، وبعد ذلك غيّر رأيه من أجل رواية تقول بكفاية المرّة الواحدة فمن غير اللازم أن يخبرهم، والمقلّدون إذا لم يخبرهم، فهل يأتون بالتسبيحات ثلاث مرّات.

أمّا إذا كانت القضيّة بالعكس، بأن كان رأيه القديم مخالفاً للاحتياط، ورأيه الجديد موافقاً للاحتياط، فهل يجب عليه الإعلام؟،يعني قديماً كان يقول أنّ التسبيحة الواحدة كافية، والآن تبدّل رأيه وقال إن ّالثلاث هي الواجبة، فإذا لم يخبرهم بذلك التبدل، يبقون على الواحدة، فهو أوقعهم في خلاف الواقع، فيجب عليه أن يُعلم فتواه الجديدة؛ حتّى لا يقعوا في خلاف الواقع. إذن إن كانت الفتوى القديمة مخالفة للاحتياط فالأحوط الإعلام بل لا يخلو عن قوّة.

مسألة 70:

هل يجوز للمقلّد إجراء الأصول في الشبهات الموضوعيّة، أو في الشبهات الحكميّة أو لا؟ والشبهات هي الشكوك، والأشياء المشكوكة تطلق عليها مشتبهات، والفرق بين الشبهتين أن الشبهات الحكميّة هي الشكوك المتعلّقة

ص: 118

الاستصحاب في الشبهات الحكميّة، وأمّا في الشبهات الموضوعيّة فيجوز بعد أن قلّد مجتهده في حجيّتها، مثلاً إذا شكّ في أنّ عرق الجنب من الحرام نجس أم لا، ليس له إجراء أصل الطهارة، لكن في أن هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا، يجوز له إجراؤها بعد أن قلّد المجتهد في جواز الإجراء(1).

--------------------------

بالحكم، والشبهات الموضوعيّة هي المتعلّقة بالموضوع، ونعرف الشبهة حكميّة الموضوعيّة في مثل الدخان حلال أو حرام، أو التتن حلال أم حرام بأنها هل هي شبهة حكميّة أو موضوعيّة، من ما إذا كانت الشبهة ناشئة من إجمال النصّ أو فقدان النصّ أو تعارض النصّين، كانت الشبهة حكميّة، مثلاً: أنا أشكّ في أنّ هذا الشيء دم أو غير دم، إذ يوجد شيء أحمر، لا أدري هل هو دم أم لا، فهذه شبهة موضوعيّة، لإنّه لا يوجد غموض في الموقف الشرعي، فالموقف الشرعي واضح، إذ الشارع يقول الدم نجس، والصبغ الأحمر طاهر، فلا يوجد غموض من ناحية الشرع، إنّما الغموض في الشيء الخارجي، وهذا غير معلوم ما هو، ولذلك تذهب به إلى المختبر فربّما يكشف أنّه دم أو غير دم، فهذه شبهة موضوعيّة نابعة من اختلاط الأمور الخارجيّة، فالغموض في الخارج وليس في الحكم الشرعي، ولكن إذا شككنا في أنّ الدخان أو الغراب الأبقع حلال أم حرام فهل هي شبهة حكميّة أم موضوعيّة؟ إنّها شبهة حكميّة، لأنّه يوجد احتمال الحرمة، ولو أنّه مضر لكن ضرره قليل إذاً هو حلال، فالغموض في الموقف الشرعي، نابع من فقدان الدليل، أو

ص: 119


1- العروة الوثقى 1: 23.

--------------------------

إجماله، أو تعارض الدليلين، وكذلك الغراب شبهة حكميّة إذ نفرض أنّه وردت روايات بحلية الغراب الأبقع، ورواية بحرمته، فالموقف الشرعي هنا فيه غموض، فإذن الشبهات الحكميّة الغموض يكون ناشئاً في الموقف الشرعي فيها، والشبهات الموضوعيّة يكون الغموض فيها ناشئاً في الخارج، يعني من اختلاط الأمور الخارجيّة، ثم إن المرجع في الشبهات الموضوعية أُصول عمليّة يتمكن المقلّد العمل بها بعد أن يأخذ حجيّتها من المجتهد، ولكن في الشبهات الحكميّة هذه ليست وظيفته، بل هي وظيفة المجتهد، ونقول بشكل موجز إنّ المقلّد ان شك بشبهة موضوعية الشيء طاهر أو غير طاهر، فلا يعلم أنّ هذا دم أو لا؟ فيأتي ويقول للمجتهد: هل تقبل أصالة الطهارة أم لا؟ بطهارة شيء فيستفسر المجتهد بانك ترى اصالة الطهارة أم لا؟ فإن أجاب بالإثبات كان للمقلد لك طاهر في كلّ شيء يشكّ، (شبهة موضوعيّة)، أنّ هذا طاهر أم غير طاهر، يقول: إن شاء اللّه طاهر، كما لوحكّ جلد ظهره فخرج شيءٌ ولا يدري أهو قيح أم دم فيقول بطهارته، فيجري أصالة الطهارة في الشبهة الموضوعيّة.

أما الشبهة الحكميّة، فالمقلّد فيها لا يعلم أنّ عرق الجنب من الحرام طاهر أم غير طاهر، هذه شبهة حكميّة؛ لأنّ الحكم الشرعي غير واضح تجاه عرق الجنب، فهنا لا يمكنه إغماض عينه والقول بطهارته بل هو وظيفة المجتهد، فالمجتهد هو الذي يمكنه أن يفتي في هذه الشبهة، فيجب الذهاب إلى المجتهد وسؤاله هل أنّ عرق الجنب طاهر أو غير طاهر، فالأصول العمليّة مثل أصالة الطهارة تطبّقها في الشبهة الموضوعيّة، أمّا في الشبهة الحكميّة، فلا

ص: 120

--------------------------

تجري تلك الأصول.

ثم إن المجتهد عندما يحاول تحديد الموقف الشرعي تجاه حكم من الأحكام كحليّة التنباك أو لحم الأرنب يجب أن يمرّ بمراحل نذكرها ليتبين لماذا لا يحقّ للمقلّد أن يجري الأصول العمليّة في الشبهات الحكميّة.

المرحلة الأولى: مرحلة الأدلّة الاجتهادية، والأدلّة الاجتهادية تعني الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل، فهل هناك دليل فيها يدلّ على حرمة التنباك؟ أو على الحلية؟ فهذه يطلق عليها الأدلّة الاجتهاديّة، وطبعاً هذا البحث طويل؛ لأنّه عندما يلاحظ الفقيه حديثاً يجب أن يلحظ أنّ هذا الحديث هل صدر من الأئمّة (عليهم السلام) أو لم يصدر، فمن نقل هذا الحديث هل هو ثقة أو غير ثقة، والرواة الذين في سند هذا الحديث هل يمكن الاعتماد عليهم أو لا يمكن؟ فالمرحلة الأولى الصدور.

المرحلة الثانية: الظهور، وهي أنّ هذا الحديث ظاهر في أيّ معنى؟ وهل يدلّ على الوجوب أو لا يدلّ وفي الحديث الواحد قد تحتمل معانٍ مختلفة، فهل هو ظاهر في هذا المعنى، أو في ذلك المعنى، وبعد مرحلة الصدور والظهور تأتي:

المرحلة الثالثة: وهي قضيّة الجهة، وهي أنّ هذا الحديث هل صدر لبيان الحكم الواقعي أو كان تقية، وبعد ذلك هل هذا الحديث له معارض أو ليس له معارض؟ وإذا كان له معارض فهل يجب الأخذ به أو يجب الأخذ بمعارضه؟ وهل هنالك جمع دلالي فيما بين الطائفتين المتعارضتين، أو لا يوجد جمع ولا يمكن التوفيق بين هاتين الطائفتين المتعارضتين، وهكذا ففي

ص: 121

--------------------------

مرحلة الأدلّة الاجتهادية يجب على الفقيه أن يلاحظ جميع هذه الأمور في الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، فإذا بحث الفقيه في قضيّة التنباك، وتتبّع كلّ الأدلّة، ولم يجد شيئاً فيه دلالة على الحكم في مرحلة الأدلّة الاجتهادية، لأنّ الدين وضع مجموعة من القواعد للشاكّ، فإذا شككت في شيء ولم تعرف حكم ذلك الشيء وليس لك دليل يكشف حقيقة ذلك الشيء، فالشارع وضع مجموعة من القواعد نطلق عليها الأصول العمليّة، فالشيء الذي شككت في أنّه حلال أو حرام،الشارع يقول «رفع ما لا يعلمون» وهذه تسمّى بأصالة البراءة، البراءة الشرعيّة تجري في كلّ شيء لم تعرف أنّه حلال أو حرام، وإذا لم يكن هناك دليل يدلّ عليه في مرحلة الأدلّة الاجتهادية، وفي مرحلة الأصول العمليّة، قل أنّه حلال، وهكذا، وبعد ذلك يوجد في الأصول العمليّة حاكم ومحكوم، وارد ومورود، فهذا الرجل الذي ليس بمجتهد، هل يمكنه أن يقول نحن نشكّ في أنّ الأرنب حلال أم حرام فيقول «رفع ما لا يعلمون» فهو حلال؟ القضيّة ليست بهذه السهولة، بل يجب أن تبحث أولاً في الأدلّة الاجتهادية، وهل يوجد دليل على حرمة الأرنب أو لا يوجد دليل؟ فإذن الأصول العمليّة في الشبهات الحكميّة لا تجري إلاّ بعد طيّ المرحلة الأولى، ولكن من الذي يتمكن أن يطوي تلك المرحلة الأولى؟ أنه الفقيه، والعامي ليس له حقّ إجراء القواعد العمليّة في الشبهات الحكميّة إذ هذا الإجراء له شرط وهو التفتيش والبحث والتنقيب، والعامّي غير قادر على ذلك، لذلك المصنّف (رحمه اللّه) يقول لا يجوز للمقلّد - يعني العامّي الذي يجب عليه التقليد - إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستحباب فيها كالشك أنّ التنباك حلال أم

ص: 122

--------------------------

حرام؟ فالبراءة يعني إنه حلال «رفع ما لا يعلمون» بل مع الشك يجب عليه أن يعود إلى المجتهد، أو كما في الطهارة، فإذا شكّ في أنّ بول الغراب طاهر أو غير طاهر، فلا يتمكن أن يقول كلّ شيء لك طاهر فهو طاهر لأنَّ الشبهة حكميّة، أو كما في الاستصحاب... مثلاً: يشكّ في أنّ صلاة الجمعة الآن واجبة أو غير واجبة، فقول في عهد النبي كانت واجبة، ونشكّ أنّ هذا الوجوب باقٍ أم لم يبقَ، فنستصحب الوجوب، وكذا لا تنقض اليقين بالشكّ، فلا يحقّ له إجرائها في الشبهات الحكميّة.

النوع الثاني الشبهات الموضوعيّة، وهي غير النابعة عن غموض في الموقف الشرعي، وإنّما نابعة من اختلاط الأمور الخارجيّة وغموض الواقع الخارجي العيني، فلا مانع هنا في أن يجري الأصول العمليّة ولكن بعد أن قلّد مجتهده في حجيّتها، فيذهب إلى المجتهد ويقول له: هل أنت تقبل أصالة الطهارة في الشبهات الموضوعيّة؟ فيقول نعم، ففي كلّ شبهة موضوعيّة العامّي يطبّق أصالة الطهارة، مثلما لو شكّ في أنّ عباءته نجسة أم طاهرة، فماذا يقول، يقول إن شاء اللّه طاهرة، وإذا شكّ في أنّ الأجبان المجلوبة من البلاد الأجنبيّة طاهرة أم غير طاهرة، يقول إن شاء اللّه طاهرة وإذا شكّ في أنّ هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا، يجوز له إجراء أصالة الطهارة بعد أن قلّد المجتهد في جواز الإجراء، والمجتهد يقبل أصالة الطهارة، فإن شك في أنّ هذا نجس أو طاهر، يحكم بطهرته، كما لو ذهب إلى المجتهد وقال له: هل تقبل جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعيّة يقول نعم، والمقلّد كان متوضئاً، ويشكّ في أنّه نام لكي يحكم بانتقاض طهارته أم لم ينم، فيستصحب عدم نومه ب«ولا

ص: 123

مسألة 71: لا يجوز تقليد المجتهد غير العادل أو مجهول الحال

مسألة 71: المجتهد غير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده، وإن كان موثوقاً به في فتواه ولكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه، وكذا لا ينفذ حكمه ولا تصرّفاته في الأمور العامّة، ولا ولاية له في الأوقاف والوصايا وأموال القصّر والغيّب(1).

--------------------------

تنقض اليقين بالشكّ»، فتكون الطهارة باقية، وهكذا في بقيّة الأمثلة.

مسألة 71:

إذا كان المجتهد فاسقاً، مثل الشلمغاني العالم المنحرف لم يجز؛ لأنّ الشرط في المقلَّد أن يكون عادلاً، وهو فاقد له.

وأمّا إذا كان المجتهد مجهول الحال، لا أعرف أنّه عادل أو غير عادل، والأدلّة والعلائم الّتي ذكرناها، غير متوفّرة فيه، كشهادة العدلين، وما أشبهها، لم يمكن تقليده؟ لأنّ الشرط يحتاج إلى يقين بوجوده، وإن كان موثوقاً به في فتواه، فالرجل ثقة في الفتوى، يعني لا يتكلم جزافاً، لأنّه ذهب وحقق وتتبع الأدلّة الشرعيّة، ولا يكذب، ونظره هذامعتبر في حقّ نفسه، ولكن نظره غير معتبر في حقِّ غيره، وقد نقل عن الشيخ محمد تقي الشيرازي، أنّه كان يقول إنَّ اللّه تعالى يريد أن يغلق باب الفاسق، حتّى إذا كان مجتهداً أعلم العلماء؛ لأنّه لا يفيد.

كما يقول الشاعر:

لوكان في العلم من دون التقى شرفٌ *** لك-ان أشرف خل-ق اللّه إبليس

ص: 124


1- العروة الوثقى 1: 24.

مسألة 72: الظنّ بفتوى المجتهد لا يكفی في جواز العمل

مسألة 72: الظنّ يكوّن فتوى المجتهد، كذا لا يكفي في جواز العمل، إلاّ إذا كان حاصلاً من ظاهر لفظه شفاهاً، أو لفظ الناقل، أو من

--------------------------

فالعلم وحده ليس بملاك، العلم والتقوى هما الملاك، فهو يتمكن أن يعمل بآرائه لأنّه قاطع بها. والمجتهد قاطع بآرائه دائماً، إمّا قطع بالحكم الواقعي وإمّا قطع بالوظيفة العمليّة، فيعمل وفق قطعه، ولكن لا يجوز تقليده لاشتراط العدالة كما في اشتراط الذكورية فلو أنّ امرأة اجتهدت كما يقال في زوجة العلامة الحلّي، لا يتمكن أحد أن يقلّدها، ولكن هي تتمكن أن تعمل بآرائها.

فهذه الشروط، هي شروط في التقليد، وقد ذكرناها، وليس العمل بنظره أو بنظرها شرط في [التقليد]، فهي تعمل بآرائها، فالمرأة لا مانع أن تكون مجتهده، وهي تعمل بآرآئها، أنّما المانع هو أن تكون مقلَّدة، وفتاوى هذا المجتهد غير العادل أو المجهول الحال - معتبرة لعمل نفسه، فهو يعمل بآرائه، وأما إذا قضى في قضيّة معيّنة فقضائه غير نافذ، ولا تصرفاته في الأمور العامّة، كما إذا حكم في السلم أو في الحرب أو ما أشبه ذلك، كان كلامه وتصرفه غير حجّة، ولا ولاية له في الأوقاف والوصايا وأموال القصّر والغيب - القصّر يعني غير البالغين والمجانين الذين لا ولّي له، والغيّب، غائب، تارك لأمواله، وغير معلوم أين ذهب، على التفصيل المذكور في بابه - .

مسألة 72:

فتارةً أقطع بقطع وجداني بأنّ فتوى المجتهد كذا، هذا القطع حجّة، وتارةً أخرى ليس لي قطع ولكن قام الدليل المعتبر على ذلك، يعني شاهدان عادلان أو عادل واحد قال لي أنّ فتوى المجتهد كذا، فأعتمد على كلامه ولا عذر لأحد في التشكيك فيما روى عنّا ثقاتنا، في باب بيان الأحكام، وكذلك في

ص: 125

ألفاظه في رسالته، والحاصل أنّ الظنّ ليس حجّة، إلاّ إذا كان حاصلاً من ظواهر الألفاظ منه، أو من الناقل(1).

--------------------------

باب بيان الفتاوى، فإذا رجل عادل أو ثقة نقل لك الفتوى فإنك تعتمد على كلامه، ولكن مجرّد الظنّ، بأن أظن أنّ فتوى المجتهد كذا، فهذا لا يكفي. لأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، فالظن لا يكفي، والطرق الظنيّة الّتي لم يقم دليل على اعتبارها، لا تكفي، فلو أخبرني غير الثقة أنّ فتوى المجتهد كذا وأنا ظننت بذلك فهل هذا يكفي؟ كلا، فإنه لا يكفي في جواز العمل، وإنّما يجب علينا التثبت.

يقول الشيخ المرتضى أنّ الأدلّة الأربعة قامت على عدم جواز العمل بالظنّ، يعني الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وكلّها تقول أنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً.

نعم الظنّ في باب الظواهر حجة، فإذا قال لك المولى إفعل، فظاهر إفعل هو الوجوب، والعبد يجب أن يعمل بهذا الظاهر، ولا يمكن أن يقول للمولى أنا احتملت أنّ أمرك ليس أمراً وجوبياً بل هو ندبيٌ، فلم أنفذه، بل المولى يأخذ هذا العبد ويعاقبه، فالظن في باب الظواهر حجّة، فإذن إذا كنّّا نظن من ظاهر كلام الفقيه شيئاً، ظنّاً ظهوريّاً فهذا الظنّ حجّة، مثلاً تقرأون في الرسالة العمليّة أنّ من شكّ في الصلاة الثنائية فليعد صلاته، ف (ليعد) صيغة أمر، والظاهر أنّها للوجوب، فهذا الظاهر حجّة، ونتمكن أن نقول: تجب الإعادة؛ اعتماداً على الظهور. مع أنّه ليس لدينا قطع بذلك، إلاّ إذا كان الظنّ حاصلاً من ظاهر لفظة

ص: 126


1- العروة الوثقى 1: 24.

--------------------------

شفاهاً، يعني هو قال لنا: إفعل، وظاهر إفعل الوجوب، فنعتمد على هذا الظاهر، أو من لفظ الناقل، الذي نقل لنا فتوى المجتهد، وظاهر هذا اللفظ شيء، فنعتمد على هذا الظاهر، أو من ألفاظه في رسالته العمليّة، فنعتمد عليها.

والحاصل أنّ الظنّ مطلقاً ليس بحجّة، إلاّ إذا كان حاصلاً من ظواهر الألفاظ، أمّا الألفاظ من نفس المجتهد، أو ألفاظ الناقل الثقة عن المجتهد، وتفصيله مذكور في علم الأصول في باب أنّ الظهورات حجّة ومنها أنّ الأمر ظاهر في الوجوب، والنهي ظاهر في الحرمة، والجملة الشرطية ظاهرة في الانتفاء عند الانتفاء.

ص: 127

ص: 128

الفصل الثالث: الطهارة

اشارة

ص: 129

ص: 130

البحث الأوّل: المياه

مقدمة فقهية

اشارة

الماء إمّا مطلق، أو مضاف كالمعتصر من الأجسام، أو الممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء، والمطلق أقسام: الجاري، والنابع غير الجاري، والبئر، والمطر، والكرّ، والقليل، وكلّ واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهّر من الحدث والخبث(1).

--------------------------

البحث الأوّل: المياه

مقدمة فقهية

الماء ينقسم إالى قسمين، الماء المطلق والماء المضاف، فإذا أمكن أن يقال للشيء ماء بلا إضافة فهذا الشيء يطلق عليه الماء المطلق؛ لأنّه أطلق وحرّر عن قيد الإضافة، اما في مثل ماء البحر فالبحر وإن كان مضافاً إليه، ولكن هذه الإضافة غير مقوّمة، فيمكن أن نقطعه عن الإضافة، ونقول سبحت في الماء، أو غسلت يدي في الماء، فالماء المطلق يمكن أن يضاف، ولكن يمكن أن لا يضاف فهو مطلقٌ من قيد الإضافة، فهذا الشيء الذي يمكن أن لا يضاف، يطلق عليه الماء المطلق، أمّا إذا كانت الإضافة مقوّمة فهو الماء المضاف كماء العنب، فلا يمكن أن نشير إلى ماء العنب ونقول هذا ماء فقط، بل نقول ماء العنب، فالإضافة مقومّة له، وضروريّة فيه.

ص: 131


1- العروة الوثقى 1: 25.

فالحاصل: أن الماء إمّا مطلق إن لم تكن الإضافة مقوّمة له، وإمّا مضاف إن كانت الإضافة مقوّمة له.

والمؤلف يمثل للمضاف كالمعتصر من الأجسام، كماء البرتقال مثلاً، فالبرتقال جسم يعصر فيخرج منه الماء المضاف، والمثال الآخر للماء المضاف الممتزج بغيره، هو ماءٌ نصبّ فيه الملح بما يخرجه عن صدق الماء. فتارةً الملح فيه قليل جدّاً بحيث يطلق عليه الماء، وأخرى يكون الملح فيه كثيراً بحيث لا يقال له ماء وإنّما يقال له ماء الملح، أو ماء الورد، أو ماء السكر وما أشبه ذلك، فالمضاف قد يكون إضافته إمتزاجية - يعني على نحو الامتزاج - وقد يكون على نحو العصر من جسم.

والماء المطلق على أنواع:

النوع الأول: الماء الجاري، كمياه الأنهار الّتي تنبع من الأرض وتجري على الأرض.

النوع الثاني: النابع غير الجاري مثل مياه النزيز، كانت فيما مضى حول مدينة كربلاء مياه تنبع من الأرض ولكنّها واقفة لا تجري كجريان الأنهار، ماء نابع ولكن غير جاري.

النوع الثالث: ماء البئر، الّتي يؤخذ فيها عمق ووقوف، يعني نوع من العمق والماء واقف أيضاً لا يجري، بحيث يصدق عليه عرفاً ماء البئر.

النوع الرابع: ماء المطر.

النوع الخامس: ماء الكرّ.

النوع السادس: الماء القليل وكلّ واحد من أقسام الماء المطلق مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر في حدّ ذاته يمكن شربها، مطهِّرة من الحدث والخبث،

ص: 132

مسألة 1: حكم الماء المضاف

مسألة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر، لكنّه غير مطهّر من الحدث ولا من الخَبَث، ولو في حال الاضطرار، وإن لاقى نجساً تنجّس، وإن كان كثيراً، بل وإن كان مقدار ألف كرّ، فإنّه ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، ولو بمقدار رأس إبرة في أحد أطرافه فينجس كلّه، نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل، ولاقى سافله النجاسة لا

--------------------------

والخَبَث هو النجاسة الظاهريّة، كالدم، والبول، وما أشبه، والحدث هو النجاسة المعنويّة والظلمانيّة الباطنيّة، فلو توضّأ وجدت في باطنه نورانيّة معيّنة، فهذا الماء الذي توضئنا به أذهب تلك الظلمانيّة الباطنيّة، وتلك النجاسة المعنويّة الروحيّة، يطلق عليها الحدث، وكذلك الرجل الذي يكون جنباً يكون في داخله نوع من الكدورة، فإذا اغتسل غسل الجنابة، ذهبت تلك الكدورة.

مسألة 1:

الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر, وهذا واضح، فماء البرتقال طاهر، إذا لم تقع فيه نجاسةٌ، وأثر الطهارة إمكان الشرب مثلاً، لكنّه غير مطهّر من الحدث ولا من الخَبَث، فلا يمكن رفع الحدث به، فلو توضّأ المكلّف بماء الورد، كما لا يمكن إزالة الخَبَث به ولو في حال الاضطرار فلو لم يكن لدينا ماء آخر إلاّ الماء المضاف، لم يزل الحدث والخَبَث به، ولذلك في الآية الكريمة: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا}(1) فإذا لم تجد الماء المطلق، تيمم، وليس لك أن تنتقل إلى الماء المضاف. والماء المضاف إن لاقى نجساً، بأن وقعت فيه نجاسة مثلاً، كقطرة من الدم، تنجّس، ويجب الاجتناب عنه،

ص: 133


1- النساء: 43.

ينجس العالي منه، كما إذا صبّ الجلاّب من إبريق على يد كافر فلا ينجس ما في الإبريق وإن كان متّصلاً بما في يده(1).

--------------------------

وهل هناك فرق بين أن يكون المضاف قليلاً أو كثيراً؟ يرى المصنف عدم الفرق بل يتنجس جميع المضاف وإن كان كثيراً بمجرّد أن تقع قطرة دم في أحد أطرافه، وإن كان مقداره ألف كرّ فإنّه ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، ولو بمقدار رأس إبرة في أحد أطرافه، فلو وضع شخص يده في طرف وفي نفس اللحظة وقعت قطرة دم، فجميع هذا الماء المضاف يتنجّس، ويجب التجنّب عنه بأجمعه.

لكن يقول السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(2) في المثال ونظائره إشكال، السيّد الوالد دام ظله والسيد الحكيم وبعض الفقهاء يشكّكون في ذلك، فيقولون إذا كان الماء المضاف قليلاً انفعل كله، مثلاً إذا كان لدينا قدرٌ وقعت فيه قطرة دم، فكلّ هذا القدر الذي فيه ماء مضاف يتنجس، أو كان لدينا مقدار من العصير فوقعت فيه قطرة دم، أمّا إذا كان لدينا بئر نفط، ولامسته يد الكافر كما هو المتعارف، لأنّ الكفار يأتون ويلامسون عين النفط مثلاً، فبئر النفط الّتي تحتوي آلاف البراميل لا دليل على تنجسه، وإنّما يتنجس بمقدار السراية العرفيّة والتلويث العرفي؛ لأنّ النجاسة فيها تلويث، الآن إذا فرضنا لدينا حوض كبير وفي ذلك الجانب وقع مكروب، فالعرف يرى أنّ موقع الملاقاة، والمقادير المقاربة له يجتنب عنها، أمّا بقيّة الماء لا يجتنب عنه،

ص: 134


1- العروة الوثقى 1: 25.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 7.
مسألة 2: إذا صُعّد الماء المطلق

مسألة 2: الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه، نعم لو مزج معه غيره وصعّد كماء الورد يصير مضافاً(1).

--------------------------

فبمقدار السراية العرفيّة والتلويث العرفي يتنجس، فإذا أخذنا ذلك المقدار، فإنَّ بقيّة الماء المضاف كلّه يكون طاهراً، فإذن هنالك فرق بين المضاف القليل والمضاف الكثير، كألف كرّ وما أشبه ذلك.

هذا، ولكن الماء المضاف إذا كان جارياً من فوق إلى تحت، لم يتنجّس العالي بملاقاة السافل، فلو جرى من فوق جبل إلى أسفله ووقع في أسفله دم لا يتنجس الأعلى، ومثاله: كما إذا صببت ماء الورد من إبريق على يد كافر، فلا ينجس ما في الإبريق وإن كان متّصلاً بما في يد الكافر، فأسفل هذا الماء ملاصق ليد الكافر، القطرات الملاصقة ليد الكافر نجسة، لكن ما في الإبريق ليس نجساً، وهذا الخيط المتّصل أسفله نجس لكن أعلاه ليس نجساً؛ لأنّه لا يصدق على ما في الإبريق أنّه لاقى يد الكافر، ولا يصدق على ما في الإبريق أنّ النجاسة سرت إليه ولوَّثَته، وبناءً على هذا نخرج من مجموع المتن والحاشية بأنّ الماء المضاف ينجس بملاقاة النجاسة، إلاّ في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كان كثيراً جدّاً كآبار النفط.

الحالة الثانية: إذا كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل وكان الأسفل ملاقياً للنجاسة، فالأعلى لا تسري إليه النجاسة.

مسألة 2:

الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد (التبخير) عن اطلاقه، إذا صعّدنا الماء

ص: 135


1- العروة الوثقى 1: 25.

--------------------------

المطلق، يعني بخّرناه، هذا البخار مرّة ثانية عاد ماءاً (بطريقة التكثيف) فهو من قسم الماء المطلق، فماء البحر يتبخّر بفعل حرارة أشعة الشمس، فيتحول إلى بخار ثمّ يعود ماء، كماء المطر، فهذا الماء هو من قسم المطلق، فالماء المطلق لا يخرج بالتصعيد(التبخير) عن إطلاقه.

أمّا إذا صعدّنا الماء المضاف، كماء الورد بخّرناه فتحول إلى بخار، ثمّ تحوّل البخار إلى ماء، فهل هو مطلق أم مضاف؟ يقول صاحب العروة: أنّه مضاف، إذ المضاف المصعّد مضاف.

بخلاف السيّد الوالد دام ظله(1)

حيث يرى أنه ليس لدينا هكذا قاعدة، فالمضاف المصعّد قد يكون مطلقاً وقد يكون مضافاً، إذا صدق عليه العنوان الماضي، فإذا صدق عليه المضاف فهو مضاف، وإذا لم يصدق عليه المضاف فهو مطلق، فإذا أخذنا ماء الورد وبخرناه، ثمّ تحوّل البخار إلى ماء، فنرى هذا الماء الجديد المتولّد من البخار، فإذا قيل عنه ماء ورد، فهو مضاف، وإذا قيل عنه ماء، فهو مطلق، فليس لدينا قاعدة تقول «أنّ الماء المضاف المصعّد مضاف»، كما في المسألة الثالثة.

فلو فرض معه غيره، كما لو فرضنا معه السكر أو الملح الكثير وصُعّد، لم يصر مضافاً.

إذن المطلق المُصعّد(المُبَخّر)، حكمه أنّه ماء مطلق، والمضاف المصعّد مرتبط بالإطلاق العرفي، فإذا أطلق عليه أنّه مطلق فهو مطلق، وإذا أطلق عليه

ص: 136


1- الحاشية على العروة الوثقى: 8.
مسألة 3: إذا صُعّد الماء المضاف

مسألة 3: المضاف المصعّد مضاف(1).

مسألة 4: طهارة الماء النجس بالتصعيد

مسألة 4: المطلق أو المضاف النجس يطهّر بالتصعيد لاستحالته بخاراً ثمّ ماءً(2).

--------------------------

أنّه مضاف فهو مضاف.

مسألة 3:

تمّ شرحها في المسألة السابقة.

مسألة 4:

لو فرضنا أنّ لدينا ماءاً مطلقاً نجساً، أو لدينا ماء مضاف نجس، فصعدّناه، فهذا يطلق عليه التحوّل، ولدينا من المطهرات التحوّل، مثلاً الكلب وقع في المملحة وهي الأرض المالحة، وبقي هناك مدّة حتى تحول الكلب إلى ملح، يصبح طاهراً؛ لأنّ هذا لا يطلق عليه كلب، بل ملح، نعم هو كان كلباً، ولكن الآن خرج عن الحالة الكلبيّة، إذاً هو طاهر، أو مثلاً: كلّ واحد من البشر يوم من الأيام {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى}،(3) في تلك الحالة كان نجساً، ولكن ذلك المني تحوّل إلى بشر. فما حكم هذا البشر؟ الجواب: حكمه أنّه طاهر، فهذا ليس منياً الآن، كان منياً، ولكن التحوّل طهّره، أو بعض الخضروات يضعون لها الفَضَلات النجسة كسماد، وهذه الخضروات تمتص هذا السماد وتحوّله إلى جزء من ذاتها، فما هو حكمها؟ حكمها الطهارة، لأنّ هذا عنوان جديد، لدينا قاعدة ذكرها فخر المحققين ابن العلاّمة الحلّي (رحمه اللّه)

ص: 137


1- العروة الوثقى 1: 26.
2- العروة الوثقى 1: 26.
3- القيامة: 37.

--------------------------

يقول فيها: «الأحكام تابعة للعناوين» فإذا تبدّل العنوان تبدل الحكم، وقد كان لدينا بحسب الفرض ماء مطلق أو مضاف متنجّس فتحول إلى بخار، فهو طاهر، لأنّه تحوّل إلى حقيقة ثانية، فإنَّ البخار غير ذلك الماء، حتّى لو كان مأخوذاً منه، ولكن عرفاً الماء حقيقة، والبخار حقيقة ثانية، فهو في المرحلة البخاريّة صار طاهراً، ثم عاد مرّة ثانية إلى الماء، فهل هذا الماء نجس أم طاهر؟ إنّه طاهر، لأنّه انقطع عن الحالة المتقدّمة وعن المرحلة الأولى، لذلك المصنّف يقول: المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد لاستحالته بخاراً فطهر، ثمّ ماءً، وهذا الماء الجديد غير الماء الأول، فلا يمكن أن نقول بأنّه محكوم بحكم الماء الأول.

يقول السيّد الوالد دام ظله في حاشيتة: بشرط أن لا يصدق عليه عنوانه السابق،(1) هو تامٌ، يعني إذا صعدنا النجس، ففي المرحلة الثالثة (مرحلة تحوّل البخار الى ماء)، إذا صدق عليه عنوان المرحلة الأولى، فلا يمكن أن نقول إنّه طاهر، مثلاً أخذنا خمراً، فصعّدناه، ثمّ عاد إلى المرحلة السائلة فإذا صدق عليه عنوان الخمر ليس بطهار وإن طهرت المرحلة البخارية، لأنّ البخار طاهر، لكن عندما عادت إلى المرحلة السائلة وانطبق عليها عنوان الخمر، فحكمه أنّه خمر، والخمر نجس.

فإذن التصعيد يطهّر الماء المتنجّس أو الماء النجس بشرط أن لا ينطبق عليه أنّه عين العنوان المتقدّم كما في مثال الخمر المتقدّم.

ص: 138


1- الحاشية على العروة الوثقى: 8.
مسألة 5: إذا شكّ في مائع أنّه مضاف أو مطلق

مسألة 5: إذا شكّ في مائع أنّه مضاف أو مطلق، فإن علم حالته السابقة أخذ بها، وإلاّ فلا يحكم عليه بالإطلاق، ولا بالإضافة، لكن لا يرفع الحدث والخبث، وينجس بملاقاة النجاسة إن كان قليلاً، وإن كان بقدر الكرّ لا ينجس لإحتمال كونه مطلقاً، والأصل الطهارة(1).

--------------------------

مسألة 5:

هذه المسألة تحتاج في شرحها إلى دقّة، فإذا شكّ في مائع أنّه مضاف أو مطلق، مثلاً لدينا إناء من الماء ألقوا فيه ربع ملعقة ملح، بقي على إطلاقه وإذا أضافوا ملعقة ثالثة فهو مطلق، وكذا مع ملعقة رابعة حتّى تصلّون إلى مرحلة تشكّون في كونه مطلقاً أم مضافاً، فلو شك في أنّ هذا الماء مطلق أم مضاف نقول: إذا علمنا الحالة المتقدّمة نأخذ بها، كما في مثال الحوض، فالحوض كان مطلقاً، ووضعنا فيه قليلاً من الملح، وشككنا في أنّه مطلق أم مضاف؟ استصحبنا الإطلاق ل: «لا تنقض اليقين بالشكّ»، وكذا إذا كان لدينا حوض ماء مضاف، وأضفنا إليه قليلاً من الماء المطلق، فهل يبقي على إضافته، أم يخرج عنها ؟ فنقول: أنّه كان مضافاً، والآن نشكّ في أنّه هل خرج عن الإضافة إلى الإطلاق أم لا، ولدينا قاعدة «لا تنقض اليقين بالشكّ» ولازلنا متمسكين بمفادها والعمل على وفقها، إذاً هذا الماء باقٍ على الإضافة، فهو مضاف، فلا يمكن الوضوء به، ولا يمكن رفعُ الخَبَث به، فإذا شُكّ في مائع أنّه مضاف أو مطلق، فإن علم حالته السابقة أخذ بها، ولكن لو لم نعلم حالته المتقدّمة، فلا ندري هذا الماء منذ البداية كان مطلقاً، أو كان مضافاً، أو

ص: 139


1- العروة الوثقى 1: 26.

--------------------------

تعاقبت عليه الحالات والتواريخ واختلطت، يعني مدّة من الزمن كان مطلقاً ثمّ صار مضافاً، والآن لا نعلم ما هو ولم ينطبق عليه عنوان معلوم التاريخ ومجهول التاريخ لتواردالحالات المختلفة عليه، فنحن شاكّون في آخر حالة، وأول حالة فما حكم هذا الماء هل هو مطلق أم مضاف؟

فإذا لم نعلم أنّ هذا المائع مطلق أو مضاف، كما لو كان هنالك ماء وشككنا في أنّه ماء ورد أو ماء مطلق، والفاحص له فاقد للشامّة والذائقة، فإذا كانت هناك حالة متقدّمة نأخذ بتلك الحالة المتقدّمة، لقوله عليه السلام: «لا تنقض اليقين بالشكّ»، فإن كان مطلقاً نحكم عليه بالإطلاق، وإذا كان مضافاً نحكم عليه بالإضافة في مرحلة الشكّ.

ولكن الكلام فيما إذا لم نعرف الحالة المتقدّمة، فلا نعلم أنّ هذا الماء منذ البداية كان مطلقاً، أو كان مضافاً، أو تعاقبت عليه الحالات المختلفة. ولم نتمكن أن نعرف المتقدّم والمتأخّر، فما هو الحكم في هذه الحالة؟ إنّ الحكم على شيء بشيء إمّا أن يكون بالعلم بالموضوع علماً وجدانياً، وإمّا بالعلم بالموضوع علماً تعبدياً، فالعلم الوجداني هو أن تعلم أنّ هذا الماء طاهر. فإذا علمت أنّ هذا الماء طاهر، فتجري عليه أحكام الطاهر. والعلم التعبدّي يعني ليس لديك علماً وجدانياً، أي علماً يقينياً بذلك، ولكن هناك دليل شرعي يقول لك أنّه طاهر، مثل الماء الذي لا تعلم أنّه طاهر أو غير طاهر، فالشارع يقول لك«كلّ شيء لك طاهر» فأنت ليس لديك يقين وجداني بأنّه طاهر، ولكن عندك يقين تعبدّي بأنّه طاهر، فتبني على أنّه طاهر، فهذا الماء الذي لا نعلم أنّه مطلق أو مضاف بالعلم الوجداني ولا يوجد علم تعبدي بأنّه مطلق أو

ص: 140

--------------------------

بأنّه مضاف! كما في باب الطهارة وعدم الطهارة، فالشارع يقول إبنِ على أنّه طاهر، وفي باب الحليّة والحرمة الشارع يقول: إبن على أنّه حلال، فكلّ شيء لك حلال، لكن في باب الإطلاق والإضافة لا يوجد لدينا دليل يقول كلّ شيء شككت فيه فابنِ على أنّه مطلق ولا يوجد عندنا دليل يقول كلّ شيء شككت فيه فابن على أنّه مضاف إذاً مثل هذا الماء ليس محكوماً بالإطلاق ولا بالإضافة.

فلا تترتب عليه آثار الماء المطلق؛ لأنّه لم يثبت أنّه ماء مطلق، لا آثار الماءالمضاف كذلك فلا يحكم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة وعليه فلا يرفع الخَبَث والحدث؛ لأنّ الذي يرفع الحدث والخَبَث هو الماء المطلق، وأنت ليس لديك علم بأنّ هذا الماء مطلق، وبعبارة أخرى ترتيب الأثر متوقّف على أن تعلم أنّ هذا الموضوع هو هو، أمّا إذا لم تعلم بأنّ هذا الموضوع هو أم غيره، فالآثار لا تترتّب، فثبوت المحمول فرع ثبوت الموضوع، فإذا لم يثبت أنّ هذا ماء مطلق، كما يرفع به الحدث؛ لأنّ الذي يرفع الحدث، هو الماء المطلق، واطلاقه غير ثابت، فلا يرفع الخَبَث؛ لأنّ الذي يرفع الخَبَث هو الماء المطلق، وهو غير معلوم، فإذا وقعت نجاسة وكان هذا الماء أقلّ من الكرّ، تنجّس؛ لأنّه على كلّ تقدير يتنجّس، وإذا كان مضافاً، فالمضاف يتنجس قليلاً كان أو كثيراً، وإذا كان مطلقاً، فالمطلق القليل يتنجّس بملاقاة النجاسة، فإذن هذا الماء إذا وقعت فيه نجاسة فهو نجس على كلّ تقدير.

أمّا إذا كان كرّاً ووقعت فيه نجاسة، لقول الشرع: كلّ شيء لك طاهر، كما لوشككت في أنّ قطرة الدم وقعت على قدمي أو لم تقع، فيوجد احتمالان،

ص: 141

مسألة 6: في كيفيّة تطهير المضاف النجس

مسألة 6: المضاف النجس يطهر بالتصعيد كما مرّ وبالاستهلاك في الكرّ أو الجاري(1).

--------------------------

احتمال وقعت على قدمي فقدمي تنجست، واحتمال أنها لم تقع على قدمي فقدمي لم تتنجس، فماذا نقول بالنتيجة؟ نقول «كلّ شيء لك طاهر» وإن كان الماء بقدر الكرّ لا ينجس لاحتمال كونه مطلقاً، لأنّه محتمل أن يكون مطلقاً، فإذا كان مطلقاً وهو كرّ فلا يتنجس، فإذا دار الأمر بين الاحتمالين فأصالة الطهارة هي الحاكمة في المقام، بخلاف ما لو كان قليلاً ووقعت فيه النجاسة فإنه يتنجس.

مسألة 6:

إذا كان لدينا ماء ورد وقعت فيه قطرة دم، تنجس وكما لو كان لدينا قدر كبير من عصير الفواكه، والطفل وضع يده النجسة فيه، فقد تنجس كلّه، ولتطهيرهما توجد طريقتان:

الطريقة الأولى: التصعيد، يعني التبخير، نبخّره فإذا صار بخاراً ثمّ عاد البخار إلى المرحلة المائيّة يكون طاهراً، وقد ذكرنا فيما مضى أنَّ السيد الوالد دام ظله يقول إنّ ذلك إنّما يكون إذا لم ينطبق عليه العنوان المتقدّم، أمّا إذا كان بنظر العرف عين المتقدّم الذي في المرحلة الأولى فلا يطهر.

الطريقة الثانية: طريقة الإعدام، أو الاستهلاك في الكرّ أو الجاري، كما في أن نصبّه في ماء البحر فيطهر، أو نصبّه في الماء الجاري فيطهر، وفي الواقع هذا ليس بتطهير وإنّما هو إعدام له، وهذا يطلق عليه الاستهلاك، فإنّ الاستهلاك في

ص: 142


1- العروة الوثقى 1: 26.
مسألة 7: إذا أُلقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الإطلاق

مسألة 7: إذا أُلقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، تنجّس إن صار مضافاً قبل الاستهلاك، وإن حصل الاستهلاك والإضافة دفعة فلا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه، لكنّه مشكل(1).

--------------------------

الكرّ أو الجاري إعدام؛ وعليه فالمضاف إذا تنجس لا يطهر، لأنّ الطريقتين إعدام له، لانه قلنا يشترط أن لا يصدق عليه العنوان المتقدّم فإذن ليس لديه طريقة للتطهير.

مسألة 7:

ذكر السيّد الوالد دام ظله في الفقه(2) أنّه استفتى بعض فقهاء زماننا من يصنع الدبس من التمر، وهذا الدبس تنجس، فأتى إلى أحد الفقهاء وقال له ماذا أفعل؟ فهذا ليس له طريقة للتطهير - كما سبق - فقال له الفقيه خذ هذا الدبس المتنجس وأعدمه في كرّ، بحيث أنّ الكرّ لا يتحوّل إلى مضاف، بأن يكون الماء كثيراً لا يتحوّل إلى مضاف، ويبقى على إطلاقه، فهذا الماء كلّه طاهر، استخدم هذا الماء في صناعة الدبس القادم، لأن الذرّات الدبسيّة موجودة في هذا الماء، فيؤثر نوعاً ما في قوام الدبس القادم، وهذا يختلف عمّا إذا ألقينا فيه ماء ليس فيه ذرّات دبسيّة، فهذا النوع من الإنقاذ للماء المضاف إنقاذ بقدر، وهو مؤثّر إلى حدّ ما، مثل الماء الصافي الذي تضع فيه الشربت، أو ماء فيه قليل من السكر تضعه في الشربت، فهو مؤثّر أكثر من الماء الثاني الذي ليس فيه سكر.

ص: 143


1- العروة الوثقى 1: 26.
2- الفقه 2: 81.

--------------------------

ثم إنه إذا ألقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، كما إذا كان عندنا مضاف متنجس كعصير الليمون المتنجس، وقد أردنا تطهيره، وقد قلنا بأنَّ تطهيره هو إعدامه فأخذناه والقيناه في الكرّ، لأنّ له أثراً يختلف عمّا إذا ألقيناه في الصحراء أو في التراب، فألقيناه في الكرّ وأصبح مضافاً، بتبدل لونه أو طعمه يصدق عرفاً عليه أنّه ماء مضاف، فما هو حكمه؟هنا يوجد لدينا ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إنعدام الماء المضاف، ثمّ بعد ذلك تحوّل الكرّ إلى مضاف، فالإنعدام أولاً ثم الإضافة ثانياً، وهذا الفرض لا يذكره المصنّف وكيف يحصل ذلك؟ مثلاً لديكم قليلاٌ من الماء، وتضعون فيه قليلاً من النشأ، والنشأ يتحلل ويذوب في هذا الماء، وينعدم، لكن بعد ذلك اذا سلطت الحرارة عليه، فهذا الماء الذي كان ماءاً مطلقاً، ربما يتحوّل إلى ماء مضاف، فيأخذ قوام، ويثخن، فيتحوّل إلى ماء مضاف، فمن الممكن - إذن - أنّ ذلك الشيء، ينعدم عرفاً، وبعد مدّة يتحول الماء إلى ماء مضاف، وبعبارة أخرى إنَّ هذا باعتباره شيئاً قليلاً فإنَّه ينعدم في هذا الحوض الكبير، ولكن يولّد تفاعلات على أثر عوامل معيّنة، فنفس الماء الكرّ يتحوّل إلى ماء مضاف، فانعدام الشيء أولاً، ثمّ تحوّل الماء المطلق الكرّ إلى ماء مضاف، فما هو حكم هذا الكرّ في هذه الحالة، الجواب: طاهر لان الكر لا ينفعل بالنجاسة لو ألقيت فيه فهذه الذرات بقيت إلى أن انعدمت وانتهت، وعندما انعدمت كان الحوض طاهراً؛ لأنّه ماء مطلق، والأشياء المتنجسة انعدمت فيه، ولكن بعد ذلك، فإنَّ الماء على أثر الحرارة تحوّل إلى ماء مضاف، وهذا الماء المضاف طاهر، ولم

ص: 144

--------------------------

يلاق النجاسة في الحالة الّتي يكون فيها مضافاً، وإنّما لاقى النجاسة عندما كان مطلقاً، ولا أثر له، فعندما كانت ذرّات النجاسة موجودة، كان الماء مطلقاً وكرّاً، فلا يتنجس، وبعد ذلك عندما تحوّل إلى ماء مضاف، على أثر حرارة الهواء أو تسليط النار عليه، لم تكن فيه نجاسة؛ لأنّ النجاسة انعدمت فيه، فهذا الحوض إذاً حوض طاهر. هذا الفرض الأول.

الحالة الثانية: عكس هذا الفرض، فبمجرّد ما ألقينا فيه الذرّات المتنجسة، فإنَّ الماء فوراً تحوّل إلى ماء مضاف، مثلاً كرّ من الماء ونصف كرّ من العصير المتنجس، أو النشأ المتنجس، ووضعناهُ في الكرّ، وبمجرّد أن ألقيناه في الماء تحوّل إلى مضاف، وذرّات النشأ المتنجسة موجودة، فهذا الحوض متنجس؛ لأنّ ماء الحوض أصبح مضافاً والماء المضاف المتنجس لازال موجوداً في الحوض فينجّسه، فإذا ألقي المضاف النجس في الكرّ، كالنشأ المتنجس فخرج الكرّ عن الإطلاق إلى الإضافة، تنجس ولا توجد طريقة لتطهيره، إلاّ بإعدامه، والمفروض أنّه غير منعدم الآن، صار مضافاً قبل إنعدام النشأ.

ففي الفرض الأول إنعدم ثمّ صار الكرّ مضافاً، وحكمه الطهارة، وفي الفرض الثاني، الكرّ تحوّل إلى مضاف، ولكن بعد مدّة الماء المضاف إنعدم في الكرّ، فحكم الكرّ النجاسة.

الحالة الثالثة: الإنعدام والإضافة حدثا في لحظة واحدة، فما هو الحكم هنا؟ وقبل الإجابة لابدّ من مناقشة هذا الفرض فهل هو معقول أم غير معقول؟ بعض الفقهاء قالوا أنّه غير معقول، أمّا السيّد الوالد دام ظله يقول: يمكن تعقّل

ص: 145

مسألة 8: إذا إنحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين

مسألة 8: إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر حتّى يصفو ويصير الطين إلى الأسفل، ثمّ يتوضّأ على الأحوط، وفي ضيق الوقت تيمّم لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق(1).

--------------------------

هذا الفرض في الفقه،(2)

بأن نفرض مادّة معيّنة تخلّف تفاعلات في الماء وتحوّل الماء إلى مضاف بعد عشر دقائق مثلاً، وهذا الشيء يتحوّل وينعدم بعد عشر دقائق، ففي لحظة واحدة تحوّل الماء الكرّ إلى مضاف والماء المضاف الذي ألقيناه في الكرّ إنعدم بلا تقدّم ولا تأخّر، فلا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه لكنّه مشكل.

والمسألة فيها إشكال من الناحية العلميّة، وتفصيل الاحتمالين مذكور في الفقه.(3)

مسألة 8:

إن لم يكن لدى المكلّف إلاّ ماء فيه طين، والطين قد يكون قليلاً جدّاً، بحيث يطلق على الماء، أنّه ماء مطلق، تتوضّأ بهذا الماء، مثل مياه الأنهار حيث فيها عادةً قليلاً من الطين، لكن هذا الطين لا ينافي أن يكون الماء ماءً مطلقاً، أمّا إذا أخرج الطينُ الماءَ عن كونه ماءً مطلقاً، ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر، إذا لم يكن لديه إلاّ هذا الماء، فبمرور الوقت يترسّب الطين قليلاً قليلاً

ص: 146


1- العروة الوثقى 1: 26.
2- الفقه 2: 83.
3- المصدر نفسه.
مسألة 9: في كيفيّة تنجّس الماء المطلق بأقسامه

مسألة 9: الماء المطلق بأقسامه حتّى الجاري منه ينجس إذا تغيّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة: من الطعم والرائحة، واللون بشرط أن يكون بملاقاة النجاسة، فلا يتنجّس إذا كان بالمجاورة كما إذا وقعت ميتة قريباً من الماء فصار جائفاً، وأن يكون التغيّر بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجس، فلو وقع فيه دبس نجس فصار أحمر أو أصفر

--------------------------

إلى الأسفل، فإذا ترسّب، فتتوضأ بالطبقة الفوقانية من الماء، أمّا إذا كان الوقت ضيقاً فَيتيمّم؛ لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق، فإنَّ اللّه تعالى يقول في القرآن{فَلَمْ

تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُوا}(1) فإن لم أجد الماء أول الوقت يجب أن أنتظر قليلاً حتّى يتحوّل إلى مطلق.

اما لو كان الانتظار يوجب الخروج عن الوقت فأترك هذا الماء المضاف وأتيمّم لكون الوقت أهم، والحاصل: إذا كان الوقت موسعاً، فينتظر، وإذا لم يكن الوقت موسعاً يتيمّم لأنّ اللّه تعالى يقول: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء}(2)، وأنا لم أجد الماء والوقت ضيّق، فإنَّ الموجود الآن ليس بماء، بل يسمّى ماء الطين، ولا يمكن الوضوء به فأتيمم.

مسألة 9:

حالة واحدة تنجس جميع أنواع الماء، من المطر والجاري والقليل والكر وغيرها وهي إذا ما تغيّرت أحد أوصاف الماء الثلاثة (اللون، الطعم، الرائحة)، فإذا تغيرت إحدى هذه الأوصاف الثلاثة بالنجاسة فهو نجس، فلو وقع الدم

ص: 147


1- النساء: 43.
2- النساء: 43.

لا ينجس إلاّ إذا صيّره مضافاً، نعم لا يعتبر أن يكون بوقوع عين النجس فيه بل لو وقع فيه متنجّس حامل لأوصاف النجس فغيّره بوصف النجس تنجّس أيضاً، وأن يكون التغيير حسيّاً، فالتقديري لا يضرّ، فلو كان لون الماء أحمر أو أصفر فوقع فيه مقدار من الدم كان يغيّره لو لم يكن كذلك لم ينجس، وكذا إذا صبّ فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيّره، وكذا لو كان جائفاً فوقع فيه ميتة كانت تغيّره لو لم يكن جائفاً وهكذا، ففي هذه الصورة ما لم يخرج عن صدق الأطلاق محكوم بالطهارة على الأقوى(1).

--------------------------

في الماء فاصبح لون الماء أحمر انفعل الماء المطلق بأقسامه حتّى الجاري منه كنهر دجلة ونهر الفرات، وينجس إذا تغيّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة من الطعم والرائحة واللون، فقط، أمّا إذا حدث تغيّر في أوصاف أخرى فلا يؤثّر، كما إذا كان عندنا حوض وألقينا فيه دماً حارّاً فلم يحصل تغيّر في لونه أو طعمه أو رائحته وإنّما حصل تغيّر في حرارته - يعني تحوّل إلى ماء حار - إلى حدّ ما - ولم ينفعل، فالإنفعال إنّما يكون فقط في أحد هذه الأوصاف الثلاثة، فأصل المسألة لا إشكال فيها.

ولكن الكلام في مجموعة من البحوث:

البحث الأول: إنّ التغيّر على نوعين:

الأول: تغيّر بالملاقاة وتغيّر بالمجاورة، فالتغيّر بالملاقاة يعني أنّ الدم يقع في الماء، فيغيّره.

ص: 148


1- العروة الوثقى 1: 27.

--------------------------

الثاني: التغيّر لا يكون بملاقاة النجس للماء، وإنّما يكون بالمجاورة، مثلاً الميتة تقع بقرب الماء، وفيها رائحة وبمرور الأيام إكتسب الماء رائحة الميتة، فهل ينجس هذا الماء أو لا؟

المصنّف يقول: لا ينجس، ولكن الوالد دام ظله في الحاشية(1) يحتاط بالاجتناب عن هذا الماء، والعلّة في ذلك إنّ الأدلّة الّتي تقول بالنجاسة إنّما علّقت النجاسة على التغيّر، والتغيّر حاصل في المقام، وهذا الماء قد تغيّر وكان تغيّره بسبب النجاسة، فالملاك الموجود في الروايات قد تحقق في المقام.

فالبحث الأول: شرط التنجس أن يكون التغيّر بملاقاة النجاسة مباشرة على رأي المصنّف، فلا يتنجّس الماء إذا كان التغيّر بالمجاورة كما إذا وقعت ميتة قريبة من الماء فصار جائفاً, يعني متغيّراً في رائحته.

والبحث الثاني: قد يكون التغيّر بأوصاف النجاسة، كما لو ألقينا الدم في الماء فأصبح لون الماء أحمر، وقد يكون التغيّر بأوصاف المتنجّس، كما لو كان عندنا قنينة عطر في يد كافر، وقد لامست يده هذا العطر، فالعطر تنجّس؛ لأنّه ماء مضاف لاقى نجاسةً، وهذه القنينة من العطر صببناها في حوض كرّ، فتغيّرت رائحة الحوض برائحة العطر، وهذا التغيّر إنّما كان بأوصاف المتنجّس وهو العطر، لا بأوصاف النجس الذي هو يد الكافر، لم يتنجس الحوض.

نعم إذا كان قليلاً تنجّس، لأنّ العطر متنجّس، والمتنجّس يؤثّر في الماء القليل، ولكن الكرّ إذا تغيّر بأوصاف المتنجّس دون أوصاف النجس لا يؤثّر

ص: 149


1- الحاشية على العروة الوثقى: 7.

--------------------------

فيه لأن الشرط إن يكون التغيّر بأوصاف النجاسة، كالاحمرار بالدم، دون أوصاف المتنجّس، مثال المصنّف، هو لو وقع في الماء المطلق دبس نجس فصار أحمر أو أصفر، قد وقعت في الدبس قطرة بول بيضاء، ثمّ ألقينا الدبس في الحوض، ولون الماء لم يتغيّر بالبول وإنّما تغيّر بالدبس فصار أحمر، لم يتنجّس إلاّ إذا صيّره مضافاً، فليس كلّ حمرة توجب الاضافة كما في المياه الّتي تأتي من الحنفيات في كثير من الأحيان قد تكون فيها نوع من الحمرة مع أنّها ليست مضافة، وكذلك الأحواض القديمة التي كانت تتحوّل بمرور الأيام إلى لون يشبه الأخضر، مع أنّه باقٍ على إطلاقه، فالاحمرار والاصفرار في كلّ مراتبه لا يوجب إضافة الماء، وإنّما في بعض المراتب يحوّله إلى مضاف، والملاك في ذلك هو العرف والإطلاق العرفي، فإذا حوّل الدبس المتنجّس الماء الكرّ إلى مضاف فإنّه ينجس.

ولكن السيّد الوالد دام ظله يقيّد في الحاشية(1) وعين النجس بإنَّ عين المتنجّس باقية، يعني الدبس أو الدم الذي وقع في الدبس، لازال موجوداً، فما هو حكم هذا الحوض؟ الجواب: يتنجّس؛ والعلّة في ذلك أنّ هذا الحوض قد تحوّل إلى مضاف، فإذا فرضنا أنّ عين الدم أو عين الدبس المتنجّس موجودة، والدبس المتنجّس في الماء لم يستهلك فالماء نجس، لما سبق من أن المضاف لا يطهر، فإذا حوّل الماء إلى مضاف، وبقيت عين النجس أو المتنجّس بعد الإضافة في الماء فيتنجّس ذلك الحوض، بخلاف ما إذا لم

ص: 150


1- المصدر نفسه.

--------------------------

يتحوّل إلى مضاف، فإنّ الكرّ لا يتنجّس والجاري لا يتنجّس، فإذا حوّله إلى مضاف ولكن لم تكن في حال الإضافة عين النجس أو عين المتنجّس موجودة في الماء، لم يؤثّر.

البحث الثالث: صورة وقوع النجس في الماء ثلاث:

الأولى: دم يقع في الماء، فيحوّل الماء إلى اللون الأحمر، سبق انَّ الماء الكرّ يتنجّس؛ لأنّه تغيّر بالنجاسة في لونه.

الثانية: متنجّس يقع في الماء, كالعطر، فيحوّله بلون المتنجّس أو بطعم المتنجّس أو برائحة المتنجّس، سبق بأنه لا يؤثّر ذلك شيئاً.

الثالثة: متنجّس يقع في الماء فيغيّره بوصف النجس، مثلاً عندنا ماء، وضعنا فيه دم، والماء تحوّل إلى لون أحمر فهذا الماء متنجّس، ولكن هذا الماء المتنجّس ألقيناه في الكرّ فتحوّل الكرّ إلى لون أحمر، تنجّس، لأنّ العنوان هو أنّ النجس يغيّر، وهنا النجس هو الذي أحدث التغيّر، وهذه الحالة تختلف عن الحالة المتقدّمة، ففي الحالة المتقدّمة إنّ المتنجّس هو الذي غيّر، وهذه الحالة أنّ النجس هو الذي غيّر ولكن هذا النجس محمول في متنجّس، نعم لا يعتبر أن يكون وقوع عين النجس في الماء - أي نفس الدم يقع - بل لو وقع في الماء متنجّس كماءٍ قد وقع فيه دم أحمر، وهذا الماء ألقيناه في الحوض، فاصبح حاملاً لأوصاف النجس، فغيّره بوصف النجس لا بوصف المتنجّس، فهو نجس أيضاً، وكذلك الدهن ذائب قد وقع فيه دم، ثم ألقيناه في الحوض فحوّل الحوض إلى اللّون الأحمر، تنجس الحوض.

وفي البحث الثاني، توجد بحوث:

ص: 151

--------------------------

الأول: هل يجب أن يكون التغيّر بالملاقاة أو تكفي المجاورة؟

الثاني: هل يجب أن يكون التغيّر بأوصاف النجس أو يمكن أن يكون التغيّر بأوصاف المتنجّس؟ في الانتقال؟

الثالث: التغيّر على نوعين، تغيّر حسّي وتغيّر تقديري، كما في دجاجة فعلية نراها أو بيضة هي دجاجة بالقوة لو حُضنت، أو مجتهد فعلي صاحب رسالة عملية الآن أو طفل هو مجتهد بالقوة لو درس عشرين سنة. فالتغيّر مرّة يكون فعلياً، يعني نلقي الدم في الماء فيصبح لون الماء أحمر، فيتنجس، ومرّة التغيّر تقديري، كمقدار كبير من بول لا لون له، أو كان أصفر اللون لغيّر الحوض، ولكن بإعتباره لا لون له، لم يغيّر الحوض، فلون الحوض بقي على ما كان عليه، وهذا يطلق عليه التغيّر التقديري في الحوض، فهل ينجس الحوض أم لا؟ المصنّف يجيب بالنفي، والوالد دام ظله(1) يحتاط بالاجتناب عن هذا الحوض، وكذلك لو كان لون الماء أحمر أو أصفر، فوقع فيه مقدارٌ من الدم كان يغيّره لو لم يكن الماء أحمر، مثل مياه الحنفيات - ولكنها ليست حمرة تخرجه عن الإطلاق إلى الإضافة، لقلتها - وفي هذا الماء صببنا بولاً أصفر، أو صببنا دماً أحمر، فإذا لم يكن لون الماء أحمر فصار أحمر، فهل هذا الماء يتنجّس أو لا يتنجّس؟ المصنّف يقول: لا، والحاصل: لو كان لون الماء أحمر أو أصفر، حمرة لا تخرجه عن الإطلاق - فوقع فيه مقدار من الدم والحاصل: كان يغيّر الماء لو لم يكن أحمر أو أصفر فإنّه لم ينجس في نظر المصنّف،

ص: 152


1- المصدر نفسه.
مسألة 10: لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة

مسألة 10: لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة مثل الحرارة والبرودة والرقّة والغلظة والخفّة والثقل لم ينجس ما لم يصر مضافاً(1).

--------------------------

وكذا إذا صببت في الماء الكرّ بول كثير، لا لون له، بحيث لو كان للبول لون لغيّر ذلك الماء، فإنَّ المصنّف يقول لا يتنجّس، وكذا إذا كان جائفاً، يعني الماء بمرور الأيام قد اكتسب رائحة خبيثة، ثم وقع في الماء ميتة وكانت هذه الميتة تغيّر الماء لو لم يكن جائفاً، لكن فعلاً لم تغيّره لأنّه جائف، وهكذا في بقيّة الأمثلة، ففي هذه الصور كلّها الماء محكوم بالطهارة في نظر المصنّف.

أمّا السيّد الوالد دام ظله(2) فيرى أنّ لا يترك الاحتياط في التغيّر التقديري وكذلك لا يترك الاحتياط بالتغيّر بالمجاورة، طبعاً ما لم يخرج عن صدق الأطلاق، إلاّ إذا كان الماء قد تحوّل إلى مضاف وعين النجس أو المتنجّس كانت موجودة فيه، كما مضى.

مسألة 10:

لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من الطعم واللون والرائحة، من أوصاف النجاسة مثل الحرارة والبرودة، كما لو ألقينا فيه بولاً حاراً أو بارداً، فصار الماء حاراً أو بارداً، لكن لونه وطعمه ورائحته لم تتغيّر لم ينفعل بالنجاسة؛ لأنّ الأدلّة إنّما تقول التغيّر في اللون أو الطعم أو الرائحة هو الذي ينجّس الماء، وأمّا الحرارة والبرودة والرقّة والغلظة، فإذا صببتم شيئاً غليظاً في

ص: 153


1- العروة الوثقى 1: 27.
2- المصدر نفسه.
مسألة 11: لا يعتبر في تنجّس الماء أن يكون التغيّر بوصف النجس

مسألة 11: لا يعتبر في تنجّسه أن يكون التغيّر بوصف النجس بعينه، فلو حدث فيه لون أو طعم أو ريح غير ما بالنجس، كما لو أصفر الماء مثلاً بوقوع الدم تنجّس، وكذا لو حدث فيه بوقوع البول أو العذرة رائحة أخرى غير رائحتهما فالمناط تغيّر أحد الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة، وإن كان من غير سِنخ وصف النجس(1).

--------------------------

الماء، فالماء يصبح قوامه غليظاً قليلاً، والخفّة والثقل، فإذا صار الماء خفيفاً أو ثقيلاً لم ينجس، ما لم يصر مضافاً بالشرط المتقدّم.

مسألة 11:

التغيّر قد يكون بالانتشار وقد يكون بالتأثير، فالانتشار يعني ذرّات الشيء تنتشر في الماء، وتحوّل الماء إلى كيفيتها، والنوع الثاني أن يكون بالتأثير، يعني تؤثر في حدوث وصف ليس من نوعها في الماء، بعبارة أخرى، وبتعبير أوضح، مرّة نلقي الدم في الماء فيصبح لون الماء أحمر، وحكمه أنَّه ينفعل، وأخرى نلقي الدم في الماء فيصبح لون الماء أصفراً، يتنجّس؛ لأنّ النجاسة غيّرت لونه، فالأدلّة لم تقل إلاّ إذا كان تغيّرها بنفس لون النجس، وإنّما قالت التغيّر يجب أن يكون مستند إلى تلك النجاسة، والمفروض أنّ هذه الصفرة جاءت من الدم، فينفعل هذا الماء ويُعدُّ نجساً، فلا يعتبر في تنجّس الماء أن يكون التغيّر لوصف النجس بعينه، فنفس الوصف غير لازم، فيكفي لو حدث فيه لون أو طعم أو ريح غير اللون أو الطعم أو الريح الّتي بالنجس، فالمهم النجاسة تكون هي العلّة في التأثير، أمّا نفس الرائحة فإنّه غير لازم في الحكم

ص: 154


1- العروة الوثقى 1: 27.
مسألة 12: لا فرق في زوال الوصف بين الأصلي والعارضي

مسألة 12: لا فرق، بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العارضي، فلو كان الماء أحمر أو أسود لعارض فوقع فيه البول حتّى صار أبيض تنجّس، وكذا إذا زال طعمه العرضيّ أو ريحه العرضيّ(1).

--------------------------

بالنجاسة، فالحاصل: أن المناط والملاك والمقياس في النجس تغيّر أحد الأوصاف المذكورة، اللون والطعم والرائحة بسبب النجاسة، فالنجاسة هي العامل، وإن كان من غير سنخ وصف النجس.

مسألة 12:

الماء له أوصاف أصلية مثل المياه الطبيعية، وقد تكون له أوصاف عارضية مثل الماء الموجود في الأراضي المالحة نوعاً ما يكون فيه قليل من طعم الملوحة، وكما في مياه الآبار، وكذلك إذا كانت الأرض نوعاً ما حمراء، الماء نوعاً ما يكون لونه أحمر، فصبَّ فيه بولٌ أبيض كثير حتّى اصبح لون الماء شفافاً كطبعه الأصلي، فما حكم هذا الماء، حكمه أنَّه يتنجّس؛ لأنّنا قلنا إنَّ الملاك هو تغيّر الماء في أحد أوصافه الثلاثة بسبب النجاسة، وهذا الملاك منطبق في المقام، فلو كان لون الماء أحمر أو أسود لعارض لمروره في أرض حمراء أو سوداء أو وقوع جسم فيه فصار أسود أو أحمر، ولكن حمرة تبقيه على إطلاقه، فوقع فيه البول حتّى صار أبيض فهل تغيّر بسبب البول أو لم يتغيّر؟ نعم تغيّر، فإذاً تنجّس، وكذا إذا زال طعمه العرضي أو ريحه العرضي، فإنَّه أيضاً ينفعل بسبب النجاسة.

ص: 155


1- العروة الوثقى 1: 28.
مسألة 13: لو تغيّر طرفٌ من الحوض

مسألة 13: لو تغيّر طرف من الحوض مثلاً تنجّس، فإن كان الباقي أقلّ من الكرّ تنجّس الجميع، وإن كان بقدر الكرّ بقي على الطهارة، وإذا زال تغيّر ذلك البعض طهر الجميع، ولو لم يحصل الإمتزاج على الأقوى(1).

--------------------------

مسألة 13:

لو تغيّر طرف من الحوض مثلاً، كما لو وقعت هرّة ميتة في الحوض، فتغيّر بعض الحوض، حكم المتغير أنّه تنجس... وهذا واضح، ولكن القسم الثاني من الحوض الذي لم يتغيّر.

إذا كان أقلّ من الكرّ يتنجس؛ لأنّه ماء قليل لاقَى المتنجس فينفعل كلّ الحوض، أمّا إذا كان القسم غير المتغير كرّاً، فهو طاهر، فإن كان الباقي الذي لم يتغيّر أقلّ من الكرّ فقد تنجّس الجميع، البعض بالتغيّر والبعض الآخر بالملاقاة للمتغير، وإن كان الباقي بقدر الكرّ بقي على الطهارة؛ ففي الحديث «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(2)،

وإذا زال تغيّر ذلك البعض، كما إذا أخرجنا الميتة من الماء، وذلك القسم المتغيّر بقي مدّة وبتصفيق الرياح ومرور الأيام تبدلت رائحته فأصبحت طبيعية، لأنّه متصل بالكر وهو القسم الثاني، فالقسم الثاني الذي هو كرّ يطهّر القسم الأول المتغيّر فإذا زال تغيّر البعض المتغيّر طهر الجميع، ولكن يجب مزج القسمين بعضهما بالبعض الآخر.

لعدم دليل على اشتراط الإمتزاج، وإنّما صرف الإتصال بالكر مطهّر.

ص: 156


1- العروة الوثقى 1: 28.
2- الكافي3: 2, باب: 2, حديث1و2, من لا يحضره الفقيه1: 9, باب المياه, الحديث:12.
مسألة 14: تغيّر الماء بعد مدّة من وقوع النجاسة

مسألة 14: إذا وقع النجس في الماء فلم يتغيّر ثمّ تغيّر بعد مدّة فإن علم استناده إلى ذلك النجس تنجّس، وإلاّ فلا(1).

مسألة 15: إذا وقع جزءٌ من الميتة في الماء

مسألة 15: إذا وقعت الميتة خارج الماء ووقع جزء منها في الماء

--------------------------

مسألة 14:

فأحيانا توجد عوامل تمنع ظهور التغيّر، فمثلاً في الجو البارد التغير لا يظهر، فالميّت عندما يموت في الصيف فإنَّ رائحته تظهر بسرعة، لكن رائحته في الشتاء لا تظهر بسرعة، فالقطة إذا وقعت في ماء الحوض، ثم اخرجناها كان الجو بارداً جدّاً، فشممنا رائحة الماء فوجدنا أنّ رائحته ليست متغيّرة، ولكن غداً عندما أشرقت الشمس، وأصبح الطقس حاراً فظهرت رائحة في هذا الماء، فهل يتنجّس هذا الماء أم لا؟

نقول: إنَّ هذه الرائحة الّتي ظهرت فيما بعد هل تعلمون أنّها بسبب تلك الهرّة الميتة أو لا؟ فإذا عُلم أنّها بسببها، فالماء نجّس، والخلاصة: إذا كان استناد التغيّر إلى ذلك النجس، فقد تنجّس، وإن لم نعلم، بل شككنا في أنّ العامل في النجاسة هل هو الهرّة الميتة أم هناك عامل آخر هو المؤثّر، فلا يتنجّس، لأنّ الشكّ كافِ في الحكم بالطهارة، إذ الحكم بالنجاسة يحتاج إلى يقين، أمّا إذا شككنا فتشمله قاعدة كلّ شيء لك طاهر.

مسألة 15:

هنا صورتان:

الصورة الأولى: عادة الميتة عندما تقع في الماء فإنَّ بعضها يكون في الماء

ص: 157


1- العروة الوثقى 1: 28.

وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجّس بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء(1).

مسألة 16: إذا شكّ في التغيّر أو في استناده إلی النجس

مسألة 16: إذا شكّ في التغيّر وعدمه أو في كونه للمجاورة أو بالملاقاة، أو كونه بالنجاسة أو بطاهر لم يحكم بالنجاسة(2).

--------------------------

وبعضها يكون خارج الماء، فهذا المجموع أثّر في تغيّر الماء، أو الميتة وقعت على الشاطيء يدها في الماء، وجسمها كان خارج الماء، ولكن كلاهما الداخل والخارج أثّرا في تغيّر رائحة الماء، تنجّس الماء.

الصورة الثانية: الميتة خارج الماء ولكن تغيّرت رائحة الماء بسبب المجاورة، فهل تؤثر في الماء النجاسة؟ قلنا إنّ الوالد دام ظله يقول نعم، لا فرق في أن يكون التنجّس بالمجاورة أو بالمباشرة بخلاف المصنف.

مسألة 16:

صور الشكّ: إذا شكّ في التغير وعدمه، كما إذا وقعت نجاسة في الماء، لا أدري هل الطعم تبدّل أم لم يتبدّل.

نقول: في كلّ شكّ تجري أصالة العدم، فالتغير قضيّة حادثة، والأصل عدم التغير، فحكم الماء طاهر، امّا إذا كان التغيّر قطعياً ولكن شك انه للمجاورة أو بالملاقاة، على رأي السيد الوالد دام ظله لأن كلا الأمرين يوجب النجاسة.

فلو شك في أنّه لاقى أو لم يلاق، فالأصل عدم الملاقاة، هو طاهر فعلى المجاورة ليست نجسة وعلى الملاقاة هو نجس فما دام يوجد احتمالان يكون

ص: 158


1- العروة الوثقى 1: 28.
2- العروة الوثقى 1: 28.
مسألة 17: إذا وقع في الماء دمٌ، وشيءٌ طاهرٌ أحمر

مسألة 17: إذا وقع في الماء دم وشيء طاهر أحمر فاحمرّ بالمجموع لم يحكم بنجاسته(1).

--------------------------

الأصل عدم الملاقاة، كما لو أحمر الماء ولا يدري انه بالدم أو الصبغ لم يحكم بالنجاسة؛ لأنّ الأصل عدم ملاقاة النجس له، وهو من الأصول الترخيصية الّتي وضعها الشارع للتسهيل على المكلّفين، فكلّ ما شككتم في حدوث النجاسة وعدم حدوث النجاسة، تحكمون بأنّ النجاسة لم تحدث.

أمّا على نحو الأصل الموضوعي أو الحكمي على التفصيل المذكور في محلّه.

مسألة 17:

نقول إنّ المسألة لها صورتان، فأصل المسألة أنّ مقداراً من الدم ومقداراً من الصبغ الأحمر وقعا في الماء فاحمرّ الماء، فهذه المسألة لها صورتان:

الصورة الأولى: إنّ الدم بوحده ما كان كافياً للتغيير، وكذلك الصبغ الأحمر، ومجموعهما هو العلّة في التغيير، كما لو أنّ زيداً إذا طُعن بطعنة واحدة لا يموت بالجانب الأيمن، وإذا طُعن طعنة بالجانب الأيسر لا يموت، لأنّه ينزف منه مقدار من الدم، وهذا المقدار ليس بكافٍ لموته، ولكنّه لو طُعن في الجانبين فمن الممكن أن يموت، فمن الذي قتله؟ من طعنه بالطعنة الأولى أو من الثانية قتلته؟ كلا، وإنّما مجموع الطعنتين قتله، وهنا الدم وحده لم يغيّر الماء، والصبغ الأحمر وحده لم يغيّر الماء، ولكن كلاهما اجتمعا، و باجتماعهما تغيّر الماء، هنا لم يحكم بنجاسته، لأنّ الماء لم يتغيّر بالدم، وإنّما

ص: 159


1- العروة الوثقى 1: 29.
مسألة 18: إذا زال تغيّر الماء من نفسه

مسألة 18: الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر، نعم الجاري والنابع إذا زال تغيّره بنفسه طهر، لإتصاله بالمادّة، وكذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكرّ كما مرّ(1).

--------------------------

تغيّر بالمجموع المركّب، ولا دليل في أنّ المجموع المركب من نجس وطاهر ينجس، بل إذا تنجّس بسبب النجاسة فهو نجس.

الصورة الثانية: يقول السيّد الوالد دام ظله في الحاشية: إذا استند التغيير - ولو ببعض مراتبه - إلى الدم فالأحوط حينئذٍ الاجتناب. ونوضح ذلك بهذا المثال: كما إذا علقتم مصباحاً واحدً في هذه الغرفة، فالغرفة تضيء، ولكن إذا علّقتم مصباحين، فإنَّ هذا الضوء معلول للإثنين، ولكن أي ضوء؟ الضوء الشديد معلول للإثنين، ولكن المرتبة الأولى الضعيفة من الضوء معلولة للمصباح الواحد، فالمصباح الواحد مؤثر في الإضاءة، ولكن اجتماع المصباحين أثّر في شدّة الإضاءة، فالدم كذلك، فإنَّ الدم بمفرده كان مغيّراً ولكن بمرتبة قليلة، ولكن عندما اجتمع معه الصبغ الأحمر أثّرا بحمرة شديدة، ففي هذه الحالة يتنجّس؛ لأنّ الدم غيّر.

مسألة 18:

إذا زال تغيّر الماء بنفسه كما إذا لم نوصله بماء الكرّ، أو بماء النهر، كما إذا ترك مدّة في الهواء الطلق، لم يكف هذا في طهارة الماء؟ لأن الطهارة والنجاسة من الأشياء الّتي لو حدثت دامت، مثل الحريّة، فإذا كان الشخص حرّاً فإنه يبقى إلى النهاية حراً، وكذا إذا كان رقّاً فإنَّه يبقى إلى النهاية رقاً،

ص: 160


1- العروة الوثقى 1: 29.

--------------------------

وكذا الزوجيّة، فإذا المرأة أصبحت زوجة بالزواج الدائم، فإنّها تبقى إلى النهاية زوجة، إلاّ إذا عرض ما يقطع تلك الحالة كالطلاق مثلاً، فالطهارة والنجاسة أيضاً من هذا القبيل، فالماء إذا تنجّس يبقى إلى النهاية نجس، إلاّ إذا عرض له مطهّر، كما لو أوصل بالكرّ، أو أُلقي كرّ عليه، أو تمّ وصله بالماء الجاري، كهطول ماء المطر عليه وما أشبه ذلك، من الأشياء الّتي ذكروها، أمّا أنّ صرف ذهاب تغيّره بذاته أو بالهواء، فهذا ليس بمطهّر، فيبقى على النجاسة.

نعم تُستثنى حالة واحدة وهي ما لو كانت للماء مادّة يعني أصل ومنبع لمدّه مثلاً ماء دجلة تغيّر عندما هاجم التتار والمغول البلاد فيقولون إنَّ دجلة تحولت إلى لون أحمر ولكن بمرور الأيام ذهب هذا اللون الأحمر، فما هو حكم هذا النهر؟ حكمه أنّه يطهر، لأنّ له مادّة، يعني منبع يمدّه، أو البئر مثلاً، وقعت فيه ميتة، فرائحته تبدلت، ولكن بعد ذلك أخرجنا الميتة، وبقي مدّة من الزمن حتى تغيّر ماء البئر هذا، يعني رائحته ذهبت وعاد إلى حالته الطبيعية، فإنَّ هذا البئر يطهر، لأنّ له مادّة، يعني أصل يمدّه، وكذا الجاري كماء النهر والنابع كماء البئر وماء العيون، إذا زال تغيّره بنفسه - يعني بلا إلقاء كرّ عليه، أو هطول المطر عليه أو ما أشبه، فإنَّه بذلك قد طهر، لإتصاله بالمادّة، وكذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكرّ كما مرّ في مسألة (12) فالقسم الذي تغيّر ثمّ ذهب تغيّره يطهر بالبعض الآخر الذي هو بمقدار الكرّ.

ص: 161

البحث الثاني: الماء الجاري

مقدمة فقهيّة

الماء الجاري وهو النابع السائل على وجه الأرض فوقها أو تحتها كالقنوات لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغيّر، سواء كان كرّاً أو أقلّ، وسواء كان بالفوران أو بنحو الرشح، ومثله كلّ تابع وإن كان واقفاً(1).

--------------------------

البحث الثاني: الماء الجاري

مقدمة فقهيّة

الكلام في الماء الجاري، وفي تعريفه، يعتبر المؤلف قيدين النبع، والسير:

القيد الأول: وهو النابع، إذ يجب أن يكون نابعاً من الأرض، أمّا إذا كان الماء يمشي على الأرض ولكن ليس نبع له، كما لو أخذت القدر والقيت ماءه على الأرض، فأخذ يسير على الأرض، لا يطلق على هذا الماء الجاري من الناحية الشرعيّة وان صدق من الناحية اللغوية، أو مثلاً هناك قليل من الثلج فوق الجبال وقد ذاب فأخذ يجري من على الجبل إلى الأرض، لم يطلق عليه ماء جاري.

بل يجب أن يكون له منبع أرضي، وهذا الماء يخرج من ذلك المنبع الأرضي.

ص: 162


1- العروة الوثقى 1: 30.

--------------------------

القيد الثاني: أن يسير على وجه الأرض بمعنى الجريان والمشي بخلاف كالآبار، فإنّها تنبع من الأرض ولكنّها لا تمشي، ولا يطلق عليها الجاري، فيجب أن يكون نابعاً وجارياً على وجه الأرض، إمّا فوق الأرض كالأنهار وإمّا تحت الأرض، كالقنوات، التي تُحفَر في باطن الأرض يمشي فيه الماء من مكان إلى مكان آخر، فلا فرق في الجاري بين أن يكون فوق الأرض كالأنهار المتعارفة أو يكون تحت الأرض كالقنوات، هذا بحث في الموضوع.

ص: 163

البحث الثالث: حكم الماء الجاري

مسألة 1: حكم الجاري على الأرض من دون مادّة

مسألة 1: الجاري على الأرض من غير مادّة نابعة أو راشحة إذا لم يكن

--------------------------

البحث الثالث: حكم الماء الجاري

الماء الجاري لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغيّر سواء كان كرّاً أو أقلّ، اما الكرّ فإنَّه لا يتأثّر بالنجاسة، وأما غيره فإنَّه أيضاً لا يتنجّس؛ لذكر العلة في الدليل وهي قوله عليه السلام: «لأنّ له مادّة،والمادّة يعني المنبع الذي يمدّه، فهذا الماء الجاري على الأرض وإن كان قليلاً ولكنّه معتصم بتلك المادّة، سواء كان الجاري كرّاً - وهو واضح - أو أقلّ لأنّ له مادّة، وسواء كان بالفوران أو بنحو الرشح، والفوران يعني أنَّه يخرج بقوّة من الأرض، والرشح، يخرج قليلاً قليلاً، ومثله كلّ نابع وإن كان واقفاً، وكذا كلّ ماء له مادّة فإنَّ له هذا الحكم، فماء البئر له هذا الحكم، والمياه الواقفة التي لها منبع هي التي إذا اُخذ قليل من مائه يمتلأ مكان ذلك الماء مرّةً اخرى؛ لأنّ ذلك النبع يمدّه، هذا ولو لم يطلق عليه الجاري، لعدم جريانه على وجه الأرض، ولكن له حكم الجاري، فإذا كانت إصبعكم ملوثة بالدم ووضعتموها في هذا الماء فإصبعكم تطهّر وذلك الماء لا ينجس.

ولا يخفى أنَّ هذا كلّه بشرط أن لم يتغيّر أمّا إذا تغيّر بالنجاسة في لونه أو طعمه أو رائحته، فإنّه ينجس، بل حتى البحار الكبيرة تتنجَّس بالتغيّر، فكيف بالأنهار وبالعيون، فالتغيّر يؤثّر في تنجيس ما يلاقيه.

مسألة 1:

الجاري من غير مادّة، كما لو صببتم ماء القدر على الأرض فأخذ يجري

ص: 164

كرّاً ينجس بالملاقاة، نعم إذا كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه بملاقاة الأسفل للنجاسة، وإن كان قليلاً(1).

مسألة 2: إذا شكّ في أنّ له مادّة

مسألة 2: إذا شكّ في أنّ له مادّة أم لا وكان قليلاً ينجس بالملاقاة(2).

--------------------------

على الأرض، فإنّه ليس له مادّة، لا مادّة نابعة، ولا مادّة راشحة، فحكمه إذا كان كرّاً فإنّه لا ينفعل بالملاقاة، وإذا كان أقلّ من الكرّ فإنّه ينفعل بالملاقاة، كالمياه العادية.

نعم إذا كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل، فقد سبق من أنّه لا ينجس أعلاه بملاقاة أسفله للنجاسة، وإن لم يكن كرّاً، كما لو أنّ ماءاً قليلاً يأتي من فوق جبل، وهذا الماء بمجموعه أقلّ من كرّ، وأسفل هذا الماء لاقى الدم مثلاً، فالأعلى منه لا يتنجّس، فإذا كان بيد أحد إبريق مثلاً ويصب الماء على يد الكافر وأسفل هذا الماء لاقى يد الكافر، فالأسفل منه يتنجّس، ولكن الأعلى الموجود في الإبريق الذي لم يلاقِ بدن الكافر، لا يتنجّس بالملاقاة، إذن إذا كان الجاري الذي ليس له مادّة جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه بملاقاة الأسفل للنجاسة، وإن كان هذا الماء الجاري قليلاً دون الكر.

مسألة 2:

لو ذهبتم إلى الصحراء ووجدتم حفرة فيها كميّة من الماء، ولا تعلمون أنّ هذه الحفرة لها مادّة أم لا، فمن المحتمل أن يكون مجتمعاً من ماء بلا مادّة، ومن المحتمل أن تكون له مادّة تحت الأرض هي الّتي تخرج هذا الماء، فإذا

ص: 165


1- العروة الوثقى 1: 29.
2- العروة الوثقى 1: 29.

مسألة 3: يُعتبر في عدم تنجّس الجاري اتّصاله بالمادّة

مسألة 3: يعتبر في عدم تنجّس الجاري اتّصاله بالمادّة، فلو كانت المادّة من فوق تترشّح وتتقاطر، فإن كان دون الكرّ ينجس، نعم إذا لاقى محلّ الرشح للنجاسة لا ينجس(1).

--------------------------

شُكّ في أنّ له مادّة أم لا، فإن كان كثيراً، يعني كان كرّاً - طوله ثلاثة أشبار وعرضه ثلاثة أشبار، وعمقه ثلاثة أشبار - لم ينفعل في كل الأحوال كان له مادّة أم لم يكن لا ينفعل بالملاقاة، ولكن إذا كان قليلاً فما هو حكمه؟ المؤلّف يقول ينجس بالملاقاة؛ لأنّ الأصل عدم المادّة، فكلّ شيء شككنا في وجوده وعدمه، فالأصل عدمه، فإذا شككنا في أنّ له مادّة أم لا، فالأصل يقول ليس له مادّة، فإذا وضعتم فيه قطرة من الدم يتنجّس ذلك الماء القليل.

ولكن يقول السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(2) على الأحوط الأولى في التجنّب عن هذا الماء الذي وقع فيه الدم أو البول أو ما أشبه، ويمكن لكم أن لا تتجنّبوه؛ لعدم تمامية الأصل، لأنّه عدم أزلي، والعدم الأزلي لا يثبت العدم النعتي، فليس بواجب التجنّب عن هذا الماء ولكنّه أفضل.

مسألة 3:

يعتبر في عدم تنجّس الجاري اتصاله بالمادّة، يعني أن يكون متواصلاً مع المادّة، فهذه المادّة هي المنبع وهذا الماء هو الجاري، أمّا إذا كان فيما بينهما انفصال انفعل الماء فلو كانت المادّة من فوق الجبل مثلاً تترشّح وتتقاطر في حفرة فيها قليل من الماء فإن كان الماء الذي في الأسفل دون الكرّفإنّه ينجس،

ص: 166


1- العروة الوثقى 1: 29.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 8.

مسألة 4: يُعتبر في المادّة الدّوام

مسألة 4: يعتبر في المادّة الدوام، فلو اجتمع الماء من المطر أو غيره تحت الأرض، ويترشّح إذا حُفرت لا يلحقه حكم الجاري(1).

مسألة 5: لو انقطع الاتّصال بالمادّة

مسألة 5: لو انقطع الاتّصال بالمادّة كما لو اجتمع الطين فمنع من

--------------------------

والتقاطر لا ينفع في عدم الانفعال، وإنّما يجب أن يكون متّصلاً بالمادّة وهو غير متّصل بها لم ينفعل ولا ينجس؛ لأنّه متّصل بالمادّة، فالماء الفوقاني لا ينفعل؛ لأنّه متّصل بالمادّة فيما الماء التحتاني ينفعل بالنجاسة؛ لأنّه منفصل عن المادّة.

مسألة 4:

يعتبر في المادّة الدوام، كما هو الحال في ماء العيون المتعارفة، والمياه الجارية المتعارفة، وهذه المادّة والمنبع لمدّها دائمة، ولكن يوجد هنالك أشياء يطلق عليها الشند، والشند هو شيء في باطن الأرض صخرة أو ما أشبه ذلك، فماء المطر عندما يأتي يقف في هذه الصخرة، وبعد ذلك ينقطع ماء المطر، فإذا حفرنا في هذه الأرض، يخرج هذا الماء قليلاً قليلاً، فهذا لا يكفي ولا ينفع؛ لأنّ هذه مادّة غير دائمة، والمادّة يجب أن تكون مادّة دائمة، لأنّه ماء قليل يخرج ويتوقّف، والروايات الّتي تقول بأنّ الماء الذي له مادّة الظاهر منها المادّة الدائمة، وليس المادّة الّتي تخرج ثمّ تنتهي، بل يعتبر في المادّة الدوام.

مسألة 5:

الماء الفوقاني كان لا ينفعل لأنّه متّصل بالمادّة، فإذا انقطع اتصاله بالمادّة يعود كالمياه العادية، فإذا كان كرّاً فلا ينفعل، وإذا كان قليلاً فإنّه ينفعل، فلو انقطع الاتّصال بالمادّة كما لو أجتمع الطين فمنع من النبع، كان حكمه حكم

ص: 167


1- العروة الوثقى 1: 30.

النبع كان حكمه حكم الراكد، فإن أُزيل الطين لحقه حكم الجاري، وإن لم يخرج من المادّة شيء، فاللازم مجرّد الاتّصال(1).

مسألة 6: الراكد المتّصل بالجاري، كالجاري

مسألة 6: الراكد المتّصل بالجاري كالجاري فالحوض المتّصل بالنهر، بساقيه يلحقه حكمه وكذا أطراف النهر، وإن كان ماؤها واقفاً(2).

--------------------------

الراكد، كماء الحوض أو ماء الأواني وماء الحفر الذي لا نبع لها، فإن أزيل الطين أو الحجر الذي وضع في فوهة ذلك النبع ومنع من نبوع الماء فإنّه يلحقه حكم الجاري، فإذا كان متّصلاً حكم بالجاري، وإذا كان منفصلاً ينقطع عنه الحكم، ولو عاد الاتّصال عاد الحكم؛ لأنّ الحكم تابع لموضوعه، فلمجرّد تبدّل الموضوع يتبدّل الحكم، وإن لم يخرج من المادّة شيء، فليس لازماً خروج ماء النبع واختلاطه بهذا الماء، بل يكفي أن يتّصل بذاك الماء الفوقاني، فاللازم مجرّد الاتّصال، فإنّه كافٍ في ذلك؛ لأنّ المياه إذا كانت ضعيفة النبع تخرج قليلاً قليلاً، واختلاطها بهذا الماء الفوقاني يحتاج الى وقت، فهنا بمجرّد ما ارتبط الماءان بعضهما بالبعض الآخر كفى ولا حاجة الى الوقت لكي يمتزجان بحيث يصيران ماءً واحداً.

مسألة 6:

الماء الراكد المتّصل بالجاري كالجاري، كالأنهار الّتي فيها انحناءات، وعند الزوايا المنحنية الماء يقف ولا يتحرك، وكذلك في الجدران المحيطة بالنهر توجد ثغرات دائرية وفي هذه الثغرات يقف الماء، فهذا ماء راكد ولكنّه

ص: 168


1- العروة الوثقى 1: 30.
2- العروة الوثقى 1: 30.

مسألة 7: العيون الّتي تنبع تارةً وتنقطع أخری

مسألة 7: العيون الّتي تنبع في الشتاء مثلاً وتنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها(1).

مسألة 8: إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه

مسألة 8: إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتّصل

--------------------------

متّصل بالجاري فحكمه حكم الجاري؛ فإذا وضع يداً متنجّسة بالدم مثلاً في هذه المنطقة الدائرية الّتي وقف بها الماء المتصل بالجاري والذي حكمه حكم الماء الجاري، لا تتنجّس، ولكن هذا كلّه بشرط عدم التغيّر، فإذا تغيّر الماء تنجس وهذا مفروغ عنه، إذن الراكد المتّصل بالجاري كالجاري يعني له أحكام الجاري في عدم الانفعال وما أشبه ذلك، فالحوض المتّصل بالنهر بساقية، وهذا كان متعارفاً في العراق، حيث يوجد نهر، ويريدون أن يضعوا حوضاً داخل البيت، أو داخل البستان مثلاً، فيصلون هذا الحوض بساقية إلى النهر، والساقية حفرة تربط الحوض بالنهر وتسقي الحوض من النهر، فماء الحوض راكد، ولكن لأنّه متّصل بالجاري فله حكم الجاري، فحتى إذا كان أقلّ من الكرّ لا ينفعل بالملاقاة.

مسألة 7:

تنبع في الشتاء؛ لأنّ المطر يأتي فتقوى المادّة، وفي الصيف لا يوجد مطر فتضعف المادّة، فيلحقها الحكم في زمان نبعها، ما دامت نابعة، فحكم الماء الفوقاني كالجاري، أو المعتصم بالمادّة، فإذا انقطع النبع يعود عليه حكم الماء الراكد.

مسألة 8:

إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه الآخر، كما لو وقعت ميتة في النهر فغيّرت

ص: 169


1- العروة الوثقى 1: 30.

بالمادّة لا ينجس بالملاقاة، وإن كان قليلاً والطرف الآخر حكمه حكم الراكد إن تغيّر تمام قطر ذلك البعض المتغيّر، وإلاّ فالمتنجّس هو المقدار المتغيّر فقط، لاتصال ما عداه بالمادّة(1).

--------------------------

بعضه، فالبعض المتغيّر حكمه أنّه متنجّس، إذا تبدّل لونه أو طعمه أو رائحته بالنجاسة.

أما حكم البعض الآخر الذي لم يتغيّر؟ فنقول انّ النهر فيه جانبان، الجانب الأول الجانب المرتبط بالمادّة، يعني بقرب ذلك المنبع، مرتبط بذلك المنبع، وهذا حكمه أنّه لا يتنجّس، ولكن هذه المنطقة التي قد تغيّرت حكمها أنّها نجسة ويجب الاجتناب عنها، فإذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتّصل بالمادّة والمرتبط بالنبع لا ينجس بملاقاة النجاسة، ولو كان هذا البعض متّصلاً بالماء المتغيّر، وحكم الماء المتغيّر أنه يتنجّس، ولكن هذا القسم لا يتغيّر؛ لأنّه معتصم بمادته وإن كان قليلاً، أما المقدار الآخر المتّصل بالمادّة وإن كان قليلاً لكنّه في حكم الكرّ؛ لأنّ متقوٍ بمادته ونبعه، أما الطرف الآخر غير المتّصل بالمادّة إذا كان هذا المقدار المتغيّر قطع الارتباط بين النبع وبين ذلك الجانب، يعني أنّ عرض النهر كلّه تغيّرفي هذا الجانب، والماء الذي في الجانب الثاني من النهر انفصل عن المادّة؛ لأنّ الماء المتغيّر لا يمكن أن يكون رابطاً بالمادّة، فالجانب الثاني من النهر لا يوجد طريق يربطه بالمادّة اطلاقاً الاّ الماء المتغيّر فحكمه حكم الراكد إذا كان كرّاً فلا ينفعل، وأمّا إذا كان قليلاً فإنّه ينفعل؛ لأنّه ماء قليل ولاقَى الماء المتغيّر، فينفعل بالملاقاة بخلاف

ص: 170


1- العروة الوثقى 1: 30.

--------------------------

ما إذا كانت كمية من الماء في عرض النهر غير متغيّرة بعد، فذلك الماء في الجانب الثاني عبر هذا الماء يرتبط بالنبع، فحكمه كالجاري، والمتنجّس هو المقدار المتغيّر فقط؛ لاتصال ما عداه بالمادّة، أمّا ما كان قرب المادّة فواضح؛ لأنّه مرتبط بالمادّة، وأمّا ماء الجانب الثاني فلأنّه غير مرتبط بالمادّة ولكن مرتبط بما هو مرتبط بالمادّة ولا فرق بين الارتباط بالمادّة والارتباط بما هو مرتبط بالمادّة مثل المأموم، المأموم قد يكون مرتبطاً بالامام مباشرة يعني خلف الإمام، وقد يكون مرتبط بمأموم مرتبط بالامام، وكلاهما في معنى واحد.

والخلاصة: الماء المتغيّر منفعل، اما الماء الذي لم يتغيّر ومرتبط بالنبع مباشرة فلا ينفعل، وكذلك الماء الذي في الجانب الآخر هو غير مرتبط بالنبع مباشرة ولكنّه مرتبط بما هو مرتبط بالنبع - ومن الواضح أن المتغيّر لا يمكن أن يكون رابطاً -.

ص: 171

البحث الرابع: الماء الراكد

اشارة

الراكد بلا مادّة إن كان دون الكرّ ينجس بالملاقاة، من غير فرق بين النجاسات حتّى برأس إبرة من الدم الذي لا يدركه الطرف سواء كان مجتمعاً أو متفرّقاً مع اتّصالها بالسواقي، فلو كان هناك حُفُر متعددة فيها الماء واتّصلت بالسواقي ولم يكن المجموع كرّاً إذا لاقى النجس واحدة منها تنجّس الجميع، وإن كان بقدر الكرّ لا ينجس وإن كان متفرقاً على الوجه المذكور، فلو كان ما في كلّ حفرة دون الكرّ وكان المجموع كرّاً ولاقى واحدة منها النجس لم تنجّس لإتصالها بالبقية(1).

--------------------------

البحث الرابع: الماء الراكد

الماء الراكد هو الماء الذي لا تنطبق عليه العناوين المتقدّمة والعناوين التالية، فالماء الجاري والماء النابع من الأرض وماء العيون وماء المطر لا يطلق عليه هذا العنوان، أما المياه العادية كالماء الذي يجتمع في حفرة بدون أن يكون له مادّة أرضيّة تمدّه، أو مياه الأحواض أو المياه في الإبريق أو في الإناء، فيطلق عليها الماء الراكد، وحكم الماء الراكد أنّه إذا كان كرّاً وقع فيه بول أو دم أو ما أشبه ذلك، لم ينفعل، وإذا كان أقلّ من مقدار الكرّ فإنّه ينفعل بالملاقاة، من غير فرق بين النجاسات الواقعة فيه من كونها بولاً أو دماً أو منياً أو يد كافر وضعت في ذلك الماء، ففي كلّ الأحوال يتنجّس هذا الماء حتّى

ص: 172


1- العروة الوثقى 1: 30.

مسألة 1: القليل يتنجّس مطلقاً

مسألة 1: لا فرق في تنجّس القليل بين أن يكون وارداً على النجاسة أو موروداً(1).

--------------------------

برأس إبرة من الدم الذي لا يدركه الطرف، ويجب الاجتناب عنه، وليس هناك فرق في أنّ الماء القليل يكون مجتمعاً أو متفرّقاً في عدّة أواني مع وجود رابط يربط فيما بين هذه الأواني، فإذا كان مجموع هذه المياه دون الكرّ ولاقى واحداً منها الدم تتنجس جميع الأواني، أو إذا كانت حفر في الأرض بعضها مرتبطة بالبعض الآخر برابط كقناة أو حفرة، وكان مجموع هذه المياه أقلّ من الكرّ، فوقع الدم في أحدها، فإنّها تتنجّس كلّها، سواء كان هذا الماء الراكد مجتمعاً في مكان واحد أو متفرّقاً مع اتصالها بالسواقي، كحفر متعدّدة فيها ماء إذا لاقى النجس واحدةً من هذه الحفر تنجّست، أمّا إذا كان الذي في هذه الحفرة كرّاً أو مجموع الحفر المترابطة كانت كرّاً، لاتصالها بالبقيّة، والمفروض أنّ المجموع كرٌّ، فبناءً على ذلك الملاك هو كريّة المجموع فإذا كان المجموع كرّاً فلاينفعل، وإذا كان أقلّ من كرٍّ فإنّه ينفعل.

مسألة 1:

لا فرق في تنجّس القليل من الماء بين أن يكون القليل وارداً على النجاسة، كما لو ألقينا الماء على إناء فيه قطرة دم، فيتنجّس، أو يكون القليل موروداً، كما لو كان ماء في إناء وألقينا عليه الدم، فهذا الماء المورود ينفعل، أي يتأثّر بالنجاسة، فعلى كلا التقديرين هذا الماء قد لاقى الدم(النجاسة) فينفعل(يتأثّر) بها فيجب الاجتناب عنه.

ص: 173


1- العروة الوثقى 1: 31.

مسألة 2: تحديد مقدار الكرّ وزناً ومساحةً

مسألة 2: الكرّ بحسب الوزن ألف ومائتا رطل بالعراقي، وبالمساحة ثلاثة وأربعون شبراً إلاّ ثمن شبر، فبالمنّ الشامي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً - يصير أربعة وستين منّاً إلاّ عشرين مثقالاً(1).

--------------------------

مسألة 2:

الكرّ له ملاكان، ملاك وزني وملاك مساحتي، أمّا الملاك الوزني: فالكرّ بحسب الوزن 1200 رطل بالعراقي، والرطل وزن من الأوزان، ولكن توجد رطل مكّي ومدني وعراقي، والوارد في الروايات 1200 رطل ولكن أيّ رطل؟ عراقي أو مدني أو مكّي، مجموعة من الفقهاء يقولون بأنّ المراد بهذا الرطل هو الرطل العراقي، فالملاك 1200 رطل بالعراقي، والرطل 376 كيلو و 740 غراما وبالمساحة 43 شبراً إلاّ ثمن شبر، وهذا ناتج من ضرب الطول الذي هو 3،5، في العرض وفي العمق، يعني 3،5 عرضه (عليه السلام) 2،5 طول (عليه السلام) 2،5 عمق = المجموع يصير 43 شبر إلاّ ثمن الشبر، والطريقة الرياضية لاستخراج ذلك مذكورة في حاشية اللّمعة الدمشقيّة.

وبناءً على هذا فالمنّ الشامي الذي كان معروفاً في زمان المصنّف يعادل 1280 مثقالاً، فيكون 64 منّاً إلاّ عشرين مثقالاً.

هذا ولكن السيد الوالد دام ظله في الحاشية(2) والسيّد الخوئي والسيّد القمّي يرون كفاية 27 شبراً وهذا ناتج من ضرب 3 (عليه السلام) 3 (عليه السلام) 3، الطول، العرض، العمق، فتضرب 3 (عليه السلام) 3 = 9 (عليه السلام) 3 = 27. فيكفي أن يكون المجموع 27 شبراً، وليس من المهم أن يكون كلّ واحد 3، المهم أن يكون المجموع 27

ص: 174


1- العروة الوثقى 1: 31.
2- الحاشية على العروة الوثقى 1: 8.

مسألة 3: الكرّ بحقة الإسلامبول

مسألة 3: الكرّ بحقة الاسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - مائتا حقة واثنتان وتسعون حقة ونصف حقة(1).

مسألة 4: الماء لو كان أقل من الكر

مسألة 4: إذا كان الماء أقلّ من الكرّ ولو بنصف مثقال، يجري عليه حكم القليل.

--------------------------

شبراً ولو أنّ الطول كان أكثر من 3 والعرض كان أقلّ من 3، فبناءً على هذا فالكرّ كثيراً ما يكون أقلّ من ذلك.

مسألة 3:

والاسلامبول هي عاصمة الدولة العثمانية وهي الاسطنبول.

مسألة 4:

لو عملتم كرّاً دقياً 27 شبراً بالضبط، ثم أخرجتم منه نصف مثقال ماء، أو ملعقة ماء فحكم هذا الماء أنّه أصبح قليلاً؛ لأنّ التحديد الشرعي بني على الدقّة العقليّة، ولا يمكن لأحد أن يقول هذه الملعقة الواحدة لا قيمة لها وليس لها أهمية تذكر لأنَّ الشارع قال المجموع 27 شبر أو المجموع 42 شبراً إلاّ ثمن الشبر، وهذا مثلما يقال في الصوم من الفجر فما هو المانع في الأكل بعد الفجر، حيث يجب أن تتقيّد بالفجر، وعندما يقول مغرب يجب أن تتقيّد بالمغرب، أمّا الصلاة قبل الوقت بثانية بأن يبدأ الصلاة كانت باطلة، في حالة التعمّد، أما في غير حالة التعمّد هنالك تفصيل في الموضوع، وعلى كلّ حال فالكلام أنّه إذا كان أقلّ من الكر ولو بمثقال جرى عليه حكم القليل؛ لأنّ التحديدات الشرعيّة مبنيّة على الدقّة.

ولكن يوجد هناك سؤال وهو أنّ هذا الماء الذي هو بمقدار الكر الذي لا

ص: 175


1- العروة الوثقى 1: 31.

مسألة 5: ينجس العالي بملاقاة السافل

مسألة 5: إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل كالعكس نعم لو كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي بملاقاة السافل، من غير فرق بين العلوّ التسنيمي والتسريحي(1).

--------------------------

يزيد ولا ينقص إذا شرب منه الكلب تنجّس لأنه قل عن مقدار الكر وإذا بال فيه الكلب - من غير أن يتغير - لم يتنجّس؛ لأنّه كرٌّ.

مسألة 5:

إذا كان أوانٍ مترابطة بعضها بالبعض الآخر وكان اختلاف في مستوى المياه، بان كان الإناء الثاني في منطقة منخفضة وبينهما رابط يربط فيما بينهما فإذا لاقى الأعلى النجاسة فالأسفل ينجس، وإذا لاقى الأسفل النجاسة فالأعلى ينجس أيضاً، أو كان هناك حفر سطوحها مختلفة، يعني واحد قليل عالي وآخر قليل منخفض وبينهما روابط، فينجس العالي بملاقاة السافل للنجاسة، فإذا لاقى السافل الدم فالعالي ينجس أيضاً كالعكس، يعني ينجس السافل بملاقاة العالي، إلاّ في حالة واحدة ذكرناها فيما مضى وهي حالة الجريان، فلو كان الماء يجري من الأعلى إلى الأسفل فلاقى أسفلُه النجاسة، فالأعلى لا ينجس، نعم لو كان الماء جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي إذا لاقى السافل النجاسة، من غير فرق بين العلوّ التسنيمي والعلو التسريحي، والعلو التسنيمي هو العلو الدفعي، مثل ماء الجبل يأتي ثمّ دفعة يهبط إلى الاسفل، والعلو التسريحي يعني قليلاً قليلاً ينزل في هذه الأراضي الّتي تنخفض تدريجياً، ففي كلتا الحالتين إذا لاقى الأسفلُ الدمَ وكان الماء جارياً من الأعلى إلى الأسفل بقوّة،

ص: 176


1- العروة الوثقى 1: 31.

مسألة 6: إذا جَمَد بعض ماء الحوض والباقي دون الكرّ

مسألة 6: إذا جمد بعض ماء الحوض والباقي لا يبلغ كرّاً ينجس بالملاقاة، ولا يعصمه ما جمد، بل إذا ذاب شيئاً فشيئاً ينجس أيضاً، وكذا إذا كان هنالك ثلج كثير فذاب منه أقلّ من الكرّ فإنّه ينجس بالملاقاة ولا يعتصم بما بقي من الثلج(1).

--------------------------

فالأعلى لا يتنجّس، وسبق مثال ماء الورد الذي يلقى على يد الكافر، فمع أنّ أسفله لاقى يد الكافر لكنّ ما في الإبريق لا يتنجّس.

مسألة 6:

إذا انجمد بعض ماء الحوض في المناطق الباردة، فإن كان الماء الذي لم ينجمد كرّاً، لا ينفعل بالملاقاة، أمّا إذا لم يكن كرّاً، كما لو كان نصف كرٍّ، فهو قد كان كرّاً ولكن نصفه قد جمد ونصفه باقٍ على الحالة المائيّة، فوقعت قطرة دم في ذلك النصّف الذي لم ينجمد فإنّه ينفعل بالنجاسة؛ لكونه أقلّ من كرٍّ إذ الثلج حقيقة ثانية عرفاً، فالثلج شيء والماء شيء آخر، ولذلك لا يطلق عليه ماء، فإذا قال إئتني بماء، وأتيته بثلج، لم تعد ممتثلاً إذ بامكانه أن يحتج فيقول هذا ليس ماءاً، بل ثلج، وان كان الثلج مأخوذاً من الماء، ولكن الثلج لا يطلق عليه ماء، فبناءً على ذلك فقد قال المولى: إذا كان الماء قدر كرّ لاينفعل، وهذا الماء أقلّ من الكرّ فإنّه ينفعل، فإذا انجمد بعض ماء الحوض ولم يبلغ الباقي قدر كرٍّ، فإنّه ينجس بالملاقاة للنجاسة، ولا يعصمه ما جمد من الماء، بل إذا ذاب الثلج شيئاً فشيئاً، يعني بمقدار إبريق مثلاً ذاب، فهو يتنجّس أيضاً؛ لأنّه ماء قليل لاقى ذلك الماء الأول المنفعل، فهذا الماء ينفعل، وبعد

ص: 177


1- العروة الوثقى 1: 31.

مسألة 7: حكم الماء المشكوك كريّته

مسألة 7: الماء المشكوك كريّته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط، وإن كان الأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة، نعم لا يجري عليه حكم الكرّ، فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكرّ عليه، ولا يحكم بطهارة متنجّس غسل فيه، وإن علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة(1).

--------------------------

ذلك ذاب قليل، فإنَّه أيضاً ينفعل فإذا ذاب كلّه شيئاً فشيئاً ينجس أيضاً، وكذا إذا كان هناك ثلج كثير أشرقت عليه الشمس فذاب منه نصف كرّ فوقعت قطرة دم في ذلك الماء فإنّه ينفعل بالنجاسة ويتأثّر، وهكذا كلّما ذاب شيء منه فإنَّه ينفعل، إلاّ إذا ذاب دفعة واحدةوهو كرّ فلا ينفعل، وفيه تفصيل سيأتي.

والحاصل: ان الثلج لا يكون عاصماً - يعني لا يكون دافعاً للنجاسة - عن ذلك الماء المذاب.

مسألة 7:

نظير هذا الموضوع قد مضى فلا يحتاج إلى تفصيل، فإذا كان لدينا علم بالحالة المتقدّمة نأخذ بها فإذا كان الحوض كرّاً فشككنا في أنّه تحوّل إلى قليل أم لم يتحوّل، فنقول بقي على الكريّة، ويشمله قوله عليه السلام: لا تنقض اليقين بالشكّ، وكذا إذا كان في البداية قليلاً، وشككنا في أنّه تحوّل إلى كرٍّ أم لم يتحوّل فنقول أنّه باقٍ على عدم الكرّية، فالماء المشكوك في كريّته إذا علمنا بحالته الماضية فلا بحث، أمّا إذا لم نعلم بحالته الماضية أنه هل كان كرّاً أو قليلاً، فلعلّه من البداية كان كرّاً، كما إذا وقع ماء من الجبل في حفرة و

ص: 178


1- العروة الوثقى 1: 32.

--------------------------

تعاقبت عليه الحالات، واختلط علينا الترتيب متى كان كراً ومتى كان قليلاً، لا نتمكّن من أن نجري عليه القلّة، لأنها غير معلومة ولا نتمكن أن نجري عليه الكريّة، لأنها غير معلومة، لتعاقب الحالات فإذا وقعت فيه قطرة.

لأنّه يوجد احتمالان، فإذا كان كرّاً لم ينفعل، وإذا كان قليلاً ينفعل، فإذا كان احتمال الانفعال واحتمال عدم الانفعال، فالمُحكم كلّ شيء لك طاهر، ولكن الأحوط أن تجري عليه حكم القليل وإن كان الأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة.

فمع وجود الاحتمالين نقول يشمله كلّ شي لك طاهر فلا يتنجّس، ولكن أحكام الكرّ لا تجري عليه؛ لأنّه غير ثابت أنّه كرٌّ، فلا تجري عليه أحكام القليل ولا تجري عليه أحكام الكرّ فلا يطهّر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكرّ عليه، مثل الماء القليل المنفعل، إذا أردنا أن نطهّره يجب علينا أن نلقي عليه كرّاً، فإذا أخذتم هذا الماء المشكوك وألقيتموه على ذلك الماء المنفعل لم يطهّر ذلك الماء المنفعل؛ بل يجب أن تعلم أنّك القيت عليه كرّاً، مثلما يقول المولى في منى إذبح خروفاً، فنأخذ شيئاً لا يعلم أنّه خروف أو ثعلب فنذبحه، فلا يكفي ذلك قطعاً، بل لابدّ أن تعلم أنَّ هذا خروف حتّى تذبحه، فالمولى هنا قال ألق عليه كرّاً، وهذا غير معلوم الكرّية، فإذن لا يطهر، كما لا يحكم بطهارة متنجّس ما قد غسل فيه، فيدكم إذا كانت نجسة بالدم ووضعتموها في الماء القليل لا تطهر، بخلاف ما إذا وضعتموها في الماء الكرّ، أما إذا وضعتموها في هذا الماء المشكوك، فاليد لا تطهر؛ لأنّ المولى قال يدك تطهر إذا أدخلتها في الكرّ، وهذا غير معلوم الكريّة، فالموضوع ليس محققاً، وهذا

ص: 179

مسألة 8: إذا لم يعلم السابق من الملاقاة والكرّية

مسألة 8: الكرّ المسبوق بالقلّة إذا علم ملاقاته للنجاسة، ولم يعلم السابق من الملاقاة والكرية إن جهل تاريخهما أو علم تأريخ الكريّة حكم بطهارته، وإن كان الأحوط التجنّب، وإن علم تأريخ الملاقاة حكم بنجاسته، وأمّا القليل المسبوق بالكرية الملاقي لها فإن جهل التأريخان أو علم تأريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة، مع الاحتياط المذكور فإن علم تأريخ القلّة حكم بنجاسته(1).

--------------------------

الماء الذي وضعتم فيه اليد النجسة، لا يتنجّس، فهنا تفكيك: اليد تبقى على نجاستها، والماء يبقى على طهارته - وهذا يطلق عليه التفكيكات الفقهيّة - لأنّه غير معلوم أنّه قليل والقليل ينفعل بملاقاة النجاسة.

مسألة 8:

هذه المسألة يطلق عليها مجهول التأريخ، ومجهول التأريخ هو أنّه إذا لم نعلم أنّ الدم الذي وقع في هذا الماء وقع في حالة الكريّة فيكون طاهراً، أو وقع فيه في حالة القلّة فيكون متنجّساً، فما هو الحكم في هذه الحالة، هنالك فرضان:

الفرض الأول: ماءٌ قليل ثمّ تحوّل إلى كرّ - كما في الأحواض القديمة - ووقعت في هذا الماء قطرة من الدم، ولا نعلم أنّها وقعت فيه في حالة القلّة، أم وقعت فيه في حالة الكريّة، فما هو الحكم؟

قبل تبيين الحكم نقول أن قاعدة لا تنقض اليقين بالشكّ، إنما تجري في مجهول التأريخ، ولا تجري في معلوم التأريخ، فإذا كان التأريخ معلوماً فلا

ص: 180


1- العروة الوثقى 1: 32.

--------------------------

يقع شكّ، والاستصحاب يجري في موارد الشكّ، مثلاً إذا التأريخ الكريّة معلوم وتأريخ الملاقاة معلوم أيضاً، فليس لدينا شكّ في المقام، فإذا علمنا أنّه في الوقت الفلاني وقع الدم في الماء، في الحادية عشرة مثلاً وفي الثانية عشرة تحوّل الماء إلى كرّ، فالحكم هو وجوب الاجتناب عن هذا الماء، فمع العلم بالتأريخ لا شكّ، وإنّما الشكّ يكون في الجهل بالتأريخ، والجهل بالتأريخ له أنحاء ثلاثة:

النحو الأول: الكريّة مجهولة والملاقاة مجهولة، فنشكّ في أنّ الكريّة كانت قبل الملاقاة أو الملاقاة كانت قبل الكريّة، فالدم هل وقع أولاً ثمّ تحوّل إلى كرّ بالابريق الأخير، أو أنّه كان كرّاً أولاً ثمّ وقعت فيه قطرة الدم، فكلاهما الكريّة والملاقاة مجهول التأريخ، والفرض لم يحصل دفعة بل بالماء القليل بالأباريق وليس بالحنفيّات الحاضرة، كما في كثير من القرى والأرياف، ففي كلّ شيء شككنا فيه نجري فيه أصالة العدم، فإذا شككت في أنّني مدين أم غير مدين، فالأصل عدم المديونيّة، وهنا الكريّة والملاقاة كلاهما مشكوك التأريخ، فنستصحب عدم الكريّة إلى حين الملاقاة؛ لأنّ الكريّة شيء حادث، فنقول لم يكن كرّاً إلى حين الملاقاة أي إلى حين وقعت قطرة الدم، إذن إذا لم يكن كرّاً إلى حين الملاقاة فالحكم أنّه متنجّس، وكذلك يمكن أن نستصحب عدم الملاقاة إلى حين الكريّة، وكلا الطرفين مشكوك فنستصحب عدم الملاقاة، فلم يلاق إلى أن أصبح كرّاً فإذن الماء طاهر، لأنّ الملاقاة بعد الكريّة ليس لها أثر، فإذن عندنا هنا استصحابان متعارضان، نستصحب عدم الكريّة إلى حين الملاقاة، إذاً هو متنجّس،

ص: 181

--------------------------

ونستصحب عدم الملاقاة إلى حين الكريّة إذاً هو طاهر، فيتعارض هذا الاستصحاب مع ذاك الاستصحاب وإذا تعارضا تساقطا، إذاً استصحاب عدم الكريّة ساقط، واستصحاب عدم الملاقاة ساقط فنبقى بلا دليل وإذا لم يوجد لدينا دليل نحكم بالطهارة؛ لأنّه كلّ شيء لك طاهر: كلّ شيء مشكوك وليس لدينا دليل عليه لا من هذا الطرف ولا من ذاك الطرف، فالحكم فيه أنّه طاهر.

والحاصل: في صورة مجهولي التأريخ، الحكم هو بالطهارة.

النحو الثاني: الكريّة معلومة التأريخ والملاقاة مجهولة التأريخ، فغير معلوم أنّ الملاقاة هل كانت الساعة الحادية عشرة أو الساعة الواحدة فهذا هو المجهول، فالشكّ في الملاقاة، أمّا الكريّة فتاريخها معلوم، فلأن الإبريق الأخير ألقيناه في الساعة الثانية عشرة وتحوّل الحوض إلى كرٍّ، والآن وجدنا في هذا الماء قطعة من الدم، ولكن هذه القطعة في أيّ وقت وقعت، هل في الساعة الحادية عشرة فالماء نجس وإذا كان في الساعة الواحدة فالماء طاهر، هنا استصحاب عدم الكريّة خطأ؛ لأنّه معلوم التأريخ، ومعلوم التأريخ ليس لدينا فيه شكّ حتّى نستصحب فيه عدم الكريّة، اما المجهول التأريخ - وهو الملاقاة - يعني وقوع الدم وملاقاته للماء - فنستصحب عدم الملاقاة إلى حين الكريّة، فلم يلاق إلى الساعة الثانية عشرة الذي تحوّل الماء فيها إلى كرٍّ، فإذاً حكمه الطهارة أيضاً؛ لأنّه إذا لم يلاق إلى أن أصبح كرّاً فهو طاهر، ففي هذه الصورة نحكم عليه بالطهارة.

النحو الثالث: الملاقاة معلومة التأريخ، في الساعة الثانية عشرة، ولكن الكريّة مجهولة التأريخ، فالكريّة هل كانت في الساعة الحادية عشرة أو كانت

ص: 182

--------------------------

في الساعة الواحدة، غير معلوم، لا يمكن استصحاب عدم الملاقاة لأنّ الملاقاة معلومة التأريخ فنستصحب عدم الكريّة، فلم يكن الماء كرّاً إلى حين الملاقاة يعني إلى الساعة الثانية عشرة إذن فهو نجس، ففي هذه الصورة يحكم على هذا الحوض بوجوب الاجتناب، فالكرُّ المسبوق بالقلّة في الأول كان قليلاً وبعد ذلك تحوّل إلى كرٍّ فنستصحب القلّة.

فالأحواض القديمة الّتي كانت تملأ شيئاً فشيئاً، إذا علمت ملاقاتها للنجاسة ولم يعلم السابق من الملاقاة والكرّية، ففيها ثلاث صور، إن جهل تاريخهما، أو علم تأريخ الكريّة حكم بطهارته، وإن كان الأفضل في الشبهات أنّ يتجنّب المكلّف، وإن علم تأريخ الملاقاة كما في الصورة الثالثة حكم بنجاسته.

هذه الصور الثلاث من البحث الأول هي في ما إذا كان الماء قليلاً ثمّ أصبح كرّاً.

والبحث الثاني كان الماء كرّاً ثمّ تحوّل إلى قليل، كما لو كان عندنا حوض وكنّا نأخذ منه إبريقاً إبريقاً حتّى تحوّل إلى قليل، ففي هذا الفرض كان كرّاً قطعياً ثمّ تحوّل شيئاً فشيئاً إلى قليل، ووقع فيه دم ولا يعلم هل أنّ الملاقاة كانت قبل القلّة أو القلّة كانت قبل الملاقاة، فهنا أيضاً تأتي الصور الثلاث.

ففي الصورة الأولى: الملاقاة مجهولة التأريخ، والقلّة مجهولة التأريخ، فنستصحب عدم الملاقاة إلى حين القلّة فهو نجس، ونستصحب عدم القلّة إلى حين الملاقاة، فهو طاهر، فهذان الاستصحابان يتعارضان فيتساقطان فنبقى بلا دليل، وإذا بقينا بلا دليل فنقول: كلّ شيء لك طاهر، وهذه القاعدة محكّمة في حالة عدم الدليل، إذن هذا الماء طاهر، فيحكم عليه بالطهارة.

ص: 183

مسألة 9: إذا لم يعلم تأريخ وقوع النجاسة في الكرّ

مسألة 9: إذا وجدت نجاسة في الكرّ ولم يعلم أنّها وقعت فيه قبل الكريّة أو بعدها، يحكم بطهارته إلاّ إذا علم تأريخ الوقوع(1).

--------------------------

وفي الصورة الثانية، علم تأريخ الملاقاة، والملاقاة كانت في الساعة الثانية عشرة، ولكن القلّة مشكوكة التأريخ، فالملاقاة لا يجري فيها الاستصحاب، بل يجري في مجهول التأريخ وهو القلّة، فنستصحب عدم القلّة، فإلى حين وقوع قطرة الدم لم يقل، فهو طاهر.

وفي الصورة الثالثة علم تأريخ القلّة وكان في الساعة الثانية عشرة فصار قليلاً، فنستصحب عدم الملاقاة إلى حين القلّة، فالملاقاة بعد القلّة، فيجب الاجتناب عنه.

فالقليل المسبوق بالكريّة، يعني من الأول كان كرّاً ثمّ عرضت عليه القلّة، وقد لاقى النجاسة، فإن جهل التاريخان فهو طاهر، أو علم تأريخ الملاقاة فهو طاهر، وقد حكم بطهارته مع الاحتياط المذكور، فالأفضل التجنّب عنه لأنّه شبهة، وإن علم تأريخ القلّة في الساعة الثانية عشرة قلّ الماء وسقط عن الكريّة فحكم بنجاسته، ف( لا تنقض اليقين...) إنّما تجري في مجهول التأريخ، ويتمكّن الفرد بدون الرجوع إلى الكتاب أن يعلم حكم هذه الصور الثلاث في الفرض الأول وفي الفرض الثاني من حيث الطهارة وعدمها.

مسألة 9:

لقد كتب بعض المحشّين أنّ هذه المسألة مندرجة تحت المسألة المتقدّمة، فإذا وجدت نجاسة في الكرّ كما لو رأينا قطرة دم في الكرّ، ولم يعلم أنّها

ص: 184


1- العروة الوثقى 1: 32.

مسألة 10: إذا حدثت الكريّة والملاقاة معاً

مسألة 10: إذا حدثت الكريّة والملاقاة في آن واحد حكم بطهارته، وإن كان الأحوط الاجتناب(1).

مسألة 11: إذا لم يعلم الكرّ من القليل ووقعت نجاسةٌ في أحدهما

مسألة 11: إذا كان ماءان: أحدهما كرٌّ، والآخر قليل، ولم يعلم أنّ

--------------------------

وقعت فيه قبل الكريّة أو بعدها، بأن كان قليلاً ثمّ تحوّل إلى كرٍّ نفس الفرض الأول: إن جهل تأريخها أو علم تأريخ الكريّة حُكم بطهارته، وإن علم تأريخ الوقوع حكم بنجاسته، فالوقوع والملاقاة بمعنى واحد.

مسألة 10:

وذلك لأنّ الكريّة مانعة عن تأثير النجاسة كالدم فلا تؤثّر، والمانع قد يكون متقدّماً وقد يكون مقارناً، اما المتقدّم فإنه يمنع السراية كالرطوبة تمنع تأثير النار، فإذا في آن واحد ترطبت ولاقتها النار، لم تؤثّر فيها فلا فرق في أن يكون المانع متقدّماً أو مقارناً؛ لأنّه في لحظة وجود النار كانت الورقة مبلّلة فلا تؤثّر فيها النار، وكذلك الكريّة مانعة من تأثير النجاسة، ولا فرق بين أن تكون متقدّمة أو مقارنة، وعلى كلا التقديرين فالكرّ لا ينفعل ولا يتأثّر، لأنّ الملاقاة حدثت عندما كان الماء كرّاً والرواية تقول: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء»(2).

مسألة 11:

لو كان عندنا ماء قليل وزنه كرّاً(1200) رطل بالعراقي - على مبنى أنَّ الكرّ 1200 رطل - والثاني 1100 رطل بالعراقي، وبعد ذلك اختلط علينا الأمر فلا نعلم أنّ هذا هو الكرّ أم ذاك هو الكرّ، وأحدهما كرٌّ قطعاً، ثم وقعت نجاسة

ص: 185


1- العروة الوثقى 1: 32.
2- الكافي3: 2، باب الماء الذي لا ينجسه شيء، الحديث: 1و 2.

أيّهما كرٌّ فوقعت نجاسة في أحدهما معيّناً أو غير معيّن، لم يحكم بالنجاسة، وإن كان الأحوط في صورة التعيّن الاجتناب(1).

مسألة 12: إذا وقعت نجاسة ولم يعلم أنّها وقعت في الماء النجس أو الطاهر

مسألة 12: إذا كان ماءان أحدهما المعيّن نجس فوقعت نجاسة لم

--------------------------

في أحدهما، إمّا أحدهما المعيّن يعني في هذا، أو في أحدهما غير المعيّن ففي الفرض الأوّل يعلم بوقوع النجاسة في الاناء على الجانب الأيمن لكن الشك في انه هو الكر أو الاناء الآخر، وفي الفرض الآخر شكّان:

الشكّ الأول: هل هذا هو الكرّ أم ذاك هو الكرّ.

الشكّ الثاني: الدم الذي وقع هل وقع في هذا أم في ذاك.

فهذان شكّان، ففي الفرض الأوّل شكّ واحد وهو هل أنّ هذا هو الكرّ أم ذلك هو الكرّ، ولعلّ الدم وقع في ذلك قطعاً، فهل يجب الاجتناب عن هذين المائين، أو عن ذلك الماء الذي علمنا وقوع الدم فيه فَحسب؟ نرجع إلى القواعد، فنقول: قطرة الدم إمّا أنّها وقعت في هذا الكرِّ فليس لها أثر وهو طاهر، وإمّا أنّها وقعت في القليل فإذاً تنجّسه، فمع وجود الاحتمالين نتمسك بقوله عليه السلام: «كلّ شي لك طاهر». وفي الفرض الثاني وقعت النجاسة في غير المعيّن، فلنا شكٌّ آخر هل هذا كرٌّ أم ذاك كرٌّ، وهل النجاسة وقعت في هذا أم في ذاك؟ وهنا لا يحكم بالنجاسة أيضاً وإنّما يحكم بالطهارة.

والاحتياطات المذكورة في الفتاوى كلّها احتياطات غير وجوبيّة.

مسألة 12:

أما الإناء النجس فهو من الأول كان نجساً ولا أثر لوقوع النجاسة الجديدة

ص: 186


1- العروة الوثقى 1: 33.

يعلم وقوعها في النجس أو الطاهر لم يحكم بنجاسة الطاهر(1).

مسألة 13: إذا وقعت نجاسة ولم يعلم أنّها وقعت في الماء المطلق أو المضاف

مسألة 13: إذا كان كرّاً لم يعلم أنّه مطلق أو مضاف، فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته وإذا كان كرّان أحدهما مطلق، والآخر مضاف، وعلم وقوع النجاسة في أحدهما، ولم يعلم على التعيين، يحكم بطهارتهما(2).

--------------------------

فيه، وإنما الشكّ في الإناء الطاهر في أنّه هل هو الذي وقعت فيه قطرة الدم أم لم تقع؟ وحكمه أنّه طاهر؛ لأنّ قطرة الدم إذا وقعت فيه نجّسته، وإذا لم تقع فيه لم تنجّسه، فهنا احتمالان ونشك في نجاسة الطاهر فيجري قوله (عليه السلام) ولا يحكم بنجاسة الطاهر وإنّما يبقى على طهارته، فهذه القضيّة من مصاديق انحلال العلم الإجمالي، ولا أثر له بيقين تفصيلي وشبهة بدويّة.

مسألة 13:

سائل كرٌّ لكن لا يعلم أهو كرُّ ماء ورد أو كرُّ ماء عادي، فوقعت فيه قطرة دم، فإذا كان مطلقاً لم ينفعل، وإذا كان مضافاً انفعل، فحكمهُ أنّه لا ينفعل؛ للعلّة الّتي ذكرناها، فلا يحكم بنجاسته.

وكذلك إذا كان الماءان كرين، أحدهما مطلق والآخر مضاف، وعلم وقوع النجاسة في أحدهما ولم يعلم على التعيين، فيحكم بطهارتهما معاً؛ لأنّ هذه القطرة إذا وقعت في الكرّ المطلق فليس لها أثر؛ لأنّ الكرّ المطلق لا ينفعل بالنجاسة فالمطلق والمضاف طاهران.

ص: 187


1- العروة الوثقى 1: 33.
2- العروة الوثقى 1: 33.

مسألة 14: حكم القليل النجس المتمّم كرّاً

مسألة 14: القليل النجس المتمّم كرّاً بطاهر أو نجس، نجس على الأقوى(1).

--------------------------

مسألة 14:

يعني إذا كان عندنا نصف كرٍّ نجس، فمرّة نلقي عليه كرّاً أو نوصله بالأنابيب الفعليّة فيطهر بعد زوال التغيّر عنه، ولكن إذا لم نلق عليه كرّاً ولم نوصله بكرٍّ، وإنّما ألقينا عليه نصف كرٍّ، فبالمجموع صار كرّاً، فهل يطهر أم لا؟ الجواب: لا يطهر؛ لأنّ المطهّر هو الكرُّ، وأما النصّف الثاني فقد تنجّس أيضاً، ثم إن هذا النصّف - أي الكرّ الثاني - إمّا طاهر وإمّا نجس، ففي كلتا الصورتين ذلك القليل المتمّم نجس على الأقوى، يعني إذا كان عندنا نصف كرٍّ متنجّس، وألقينا عليه نصف كرٍّ طاهر، فالمجموع متنجّس، وكذا إذ كان عندنا نصف كرٍّ متنجّس وألقينا عليه نصف كرٍّ متنجّس فحكمه أيضاً متنجّس.

ص: 188


1- العروة الوثقى 1: 33.

البحث الخامس: حكم ماء المطر

اشارة

ماء المطر حال تقاطره من السماء كالجاري، فلا ينجس ما لم يتغيّر وإن كان قليلاً، سواء جرى من الميزاب، أو على وجه الأرض، أم لا، بل وإن كان قطرات بشرط صدق المطر عليه، وإذا اجتمع في مكان وغسل فيه النجس طهر وإن كان قليلاً، لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء(1).

--------------------------

البحث الخامس: حكم ماء المطر

ماء المطر له حكم الماء الجاري الماء الكرّ، فكما لا ينفعل الكرّ بالملاقاة فكذلك ماء المطر وإن كان قليلاً ولكن بشروط ثلاثة في عدم الانفعال وفي التطهير:

الشرط الأول: أن يكون حال التقاطر، يعني ماء المطر متوالياً في تقاطره، فنفرض أنّ هنالك حفرة، واجتمع فيها قليل من ماء المطر، بمقدار قبضة اليد، ولازال ماء المطر متوالياً، وكانت يد أحدهم متنجّسة فوضعها في هذا الماء فإنّها تطهر، والماء لا ينفعل، أمّا إذا انقطع المطر فوضع يده في هذه الحفرة الّتي هي أقلّ من الكرّ فالماء ينفعل واليد لا تطهر، فالشرط الأول أن يكون التقاطر مستمرّاً.

الشرط الثاني: أن تذهب العين - أي عين النجاسة - أمّا إذا كانت العين

ص: 189


1- العروة الوثقى 1: 33.

--------------------------

باقية، يعني اليد الّتي فيها دم وضعها تحت المطر والدم باق لم تطهر اليد؛ لأنّ العين (عين النجاسة) بعدها باقية، بل حتّى إذا وضع هذه اليد في البحر مثلاً، لا تطهر، كما إذا كان في الثوب دم أو مني ووضعه تحت المطر، والمني بقي على الثوب فلا يطهر.

الشرط الثالث: أن لا يتغير الماء، أمّا إذا تغيّر الماء، فلا يطهّر بل ينفعل هو أيضاً.

فهذه هي الشروط الثلاثة وهي دوام التقاطر، وذهاب العين وعدم التغيّر، وهذه المسألة كثيرة الابتلاء في القرى والأرياف الّتي لا ماء فيها. ثم إنّ ترشح ماء المطر المتساقط على أعيان النجاسة كالدَّم - كما يحصل في الطرق كثيراً - إذا لم يكن به ذرّات الدم ولم يتغيّر فهو طاهر، فلا ينجس ما لم يتغيّر وإن كان أقلّ من الكرّ، سواء جرى من الميزاب أو جرى على وجه الأرض - وذلك إنّما يكون في حالة شدّة المطر وتكاثره - أم لم يجر، فالمطر القليل لا ينفعل ويطهّر أيضاً، بل وإن كان قطرات, بشرط صدق المطر عليه، والحاصل: إذا أُطلق عليه المطر ولو كان قليلاً فإنّه لا ينفعل، لقوله عليه السلام: «كلّ شيء رآه ماء المطر فقد طهره»(1)، نعم لو سقطت قطرة واحدة فلا يقال عنها إنّها مطر، فهي تنفعل ولا تطهِّر بل يحتاج إلى أن يكون مطراً، يطلق عليه من رآه أنّه ماء المطر، فإذا اجتمع في مكان وغسل فيه النجس طهر ذلك الشيء. وبناءً على هذا فإذا كان لدينا حوض متنجّس، أخرجنا منه عين النجاسة وليس فيه

ص: 190


1- الكافي3: 13، باب اختلاط ماء المطر بالبول، الحديث: 3.

مسألة 1: إذا تقاطر المطر علی الثوب أو الفراش النجس

مسألة 1: الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر ونفذ في جميعه طهر، ولا يحتاج إلى العصر أو التعدد، وإذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه، هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، وإلاّ فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها(1).

--------------------------

لون النجاسة ولا طعمها ولا رائحتها، فتقاطرت عليه قطرات من ماء المطر لم يطهر إذا كانت قليلة جدّاً، ولكن إذا أُطلق عليه أنّ هذا الحوض رأى ماء المطر، حكمه أنَّه يطهر، فإذن هنالك حكمان في ماء المطر، أنّه لا ينفعل، وأنّه يطهّر كالماء الجاري، ثم إن الكلام في بعض التطبيقات:

مسألة 1:

إذا تقاطر المطر على الثوب أو الفراش النجس فإذا وصل المطر إلى كلّ النقاط المتنجّسة ونفذ في جميعه فإنّه يطهر، لكن بشرط أن لا تبقى فيه العين النجسة، فيلزم إزالة الدم مثلاً ثم نضعه تحت المطر فيطهر ولا يحتاج إلى العصر أو التعدد، خلافاً للبعض في الثوب بل يجب عصره ان وضع في الماء الراكد على رأيهم ولا بحث في ماء المطر.

لأنّ الرواية قالت كل شيء رآه المطر، ولم تقل عصره، فالرؤية كافية، ولا تحتاج إلى التعدد كما هو الأمر في الإناء إذا تنجّس حيث يحتاج إلى غسله بالماء القليل ثلاث مرّات، بأن يُصبُّ الماء فيه ويدار خارجاً، ثلاث مرّات في الماء القليل، بل تكفي مرّة واحدة إن وصلت القطرات إلى جميعه، وأما إذا وصل المطر إلى بعض الثوب أو الفراش دون البعض الآخر، حكم بطهارة

ص: 191


1- العروة الوثقى 1: 34.

مسألة 2: إذا تقاطر المطر علی الإناء المتروس بماءٍ نجس

مسألة 2: الإناء المتروس بماء نجس كالحُبّ والشربة ونحوهما إذا تقاطر عليه طهر ماؤه وإناؤه بالمقدار الذي فيه ماء، وكذا ظهره وأطرافه إن وصل إليه المطر حال التقاطر، ولا يعتبر فيه الامتزاج، بل ولا وصوله إلى تمام سطحه الظاهر، وإن كان الأحوط ذلك(1).

--------------------------

البعض الذي وصل إليه المطر يطهر، ان لم يكن فيه عين النجاسة، وإلاّ ازيلت أوّلاً ثمّ نضعه تحت المطر ليتقاطر عليه ماء المطر، فإذا تقاطر عليه طَهُر.

مسألة 2:

الإناء المملوء بماء نجس يطهر مائه لو وُضع تحت المطر والمطر تقاطر عليه، أما الإناء فحكمه الطهارة بالمقدار الذي فيه الماء أيضاً، فلو كان الماء في الإناء، إلى ثلثيه مثلاً، فالماء كلّه يطهر وهذان الثلثان من المساحة التي يشغلها الماء يطهران أيضاً، أمّا الثلث الذي ليس فيه ماء، إذا كان متنجّساً من قبل فإنَّه يجب أن يصيبه ماء المطر، فإذا أصابه بذاته كفى في تطهيره، فالإناء المتروس بماء نجس كالحب والشربة ونحوهما إذا تقاطر عليه المطر طهر ماؤه، وإناؤه بالمقدار الذي فيه ماء، أمّا ما لم يكن فيه الماء فيجب أن يصيبه ماء المطر حتّى يطهره، وكذا ظهر الإناء وأطرافه، فإنَّها تطهر إنّ وصل إليه حال التقاطر ولا يعتبر فيه الامتزاج بهذا الماء، مثلاً عندنا حوض كبير متنجّس، ولازم الامتزاج نزول مقدار كثير من ماء المطر ليختلط مع أعماقه ولكن الامتزاج ليس شرطاً، لقوله عليه السلام: رآه ماء المطر، ولم يذكر قيد الامتزاج، بل ولا وصول المطر إلى تمام السطح الظاهر، فلو كان نصف

ص: 192


1- العروة الوثقى 1: 34.

مسألة 3: إذا تقاطر المطر علی الأرض النجسة

مسألة 3: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط أن يكون من السماء، ولو بإعانة الريح، وأمّا لو وصل إليها بعد الوقوع على محلّ آخر كما إذا ترشّح بعد الوقوع على مكان فوصل مكاناً آخر لا يطهر، نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل إلى مكان مسقف بالجريان إليه طهر(1).

--------------------------

الحوض تحت السماء ونصفه تحت البناء، ووصل المطر إلى هذا النصّف، طهر النصّف الثاني أيضاً.

مسألة 3:

وصول المطر إلى الأرض المتنجسة له أشكال:

الشكل الأول: أنّ يكون مباشراً لهذه الأرض، وهي مكشوفة والمطر أصاب مواضعها، فحكمها أنّها تطهر.

الشكل الثاني: أن يكون بإعانة الريح، يعني هذه الأرض المتنجّسة تحت السقف والريح حركت المطر فألقته على الأرض فإنَّها تطهر أيضاً؛ لأنّه يصدق عليها أنّها رآها المطر، فإذا صدق عليها فقد طهرت.

الشكل الثالث: أنّه وقع على مكان ثمّ قفز عن ذلك المكان إلى الأرض، مثلاً وقع على ورق الشجر، وتقاطر ثمّ قفز من ورق الشجر ووقع على الأرض، فيطهّر الأرض. لصدق يراه عليها على رأي السيد الوالد دام ظله بخلاف المصنف(2).

ص: 193


1- العروة الوثقى 1: 34.
2- راجع: الفقه2: 366.

مسألة 4: إذا تقاطر المطر علی الحوض النجس

مسألة 4: الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر، وكذا إذا كان تحت السقف وكان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض، بل وكذا لو أطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض، وكذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه(1).

--------------------------

الشكل الرابع: أنّه جرى على وجه الأرض، إلى أن وصل إلى مكان مسقّف متنجس فإنه يطهره؛ لأنّ العنوان المأخوذ في الروايات هو كلّ شيءٍ يراه ماء المطر، أو نحو ذلك من التعليلات والعناوين، وفي كلّ الحالات الأربع فإنَّ هذا العنوان ينبطق عليه.

مسألة 4:

هناك عدّة طرق لتطهير الحوض النجس، وكلّ هذه الأشكال مقبولة:

الشكل الأول: أن يكون الحوض المتنجس تحت المطر مباشرة، والمطر يتقاطر عليه، فالحوض يطهر بشرط أن لا يبقى فيه التغيّر، فإذا بقي متغيّراً بلون أو طعم أو رائحة الدم مثلاً فلا ينفع.

الشكل الثاني: الحوض المتنجس تحت السقف ولكن هناك ثقب ينزل منه المطر على الحوض مباشرة يطهر أيضاً.

الشكل الثالث: أطارت الريحُ المطر حال التقاطر فوقع في الحوض النجس، فأيضاً يطهر.

الشكل الرابع: جرى ماء المطر من الميزاب فوقع في الحوض النجس فهو أيضاً يطهر.

ص: 194


1- العروة الوثقى 1: 34.

مسألة 5: إذا تقاطر المطر من السقف

مسألة 5: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهراً، بل وكذا إذا وقع على ورق الشجر ثمّ وقع على الأرض. نعم لو لاقى في الهواء شيئاً كورق الشجر أو نحوه حال نزوله لا يضرّ، إذا لم يقع عليه ثمّ منه على الأرض، فمجرّد المرور على الشيء لا يضرّ(1).

--------------------------

الشكل الخامس: وقع ماء المطر على أوراق الاشجار ومنها ترشّح على الحوض، فالحوض النجس هنا أيضاً يطهر على ما سبق بيانه من الخلاف بين السيد الوالد دام ظله والمصنف كما يأتي منه.

مسألة 5:

هنا فروض: الأوّل: إذا تقاطر ماء المطر من السقف كما في البيوت القديمة، فوقع على أرض الغرفة النجسة فقد يصدق على أرض هذه الغرفة أنّها رأت ماء المطر ورآها ماء المطر وإذا صدق عليها هذا العنوان فهو يطهّرها على رأي السيد الوالد دام ظله(2)، لصدق عنوان يراه المطر بخلاف المصنف حيث يشترط المباشرة.

الفرض الثاني: وكذلك إذا وقع ماء المطر على ورق الشجر ثمّ وقع على الأرض فإنّه يكون مطهّراً للأرض على ما مضى من الخلاف بين العلمين.

الفرض الثالث: وفيه صورتان: الأولى: ما لو لاقى في الهواء شيئاً، كأوراق الأشجار بأن يقع على ورق الشجر ثمّ يقفز منه ويقع على الأرض، وقد قلنا إنّه مطهّر على رأي السيّد الوالد دام ظله، والثانية لايقع عليه، بل يمرّ على ورق

ص: 195


1- العروة الوثقى 1: 34.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 9.

مسألة 6: إذا تقاطر المطر على عين النجس، فترشّح منه

مسألة 6: إذا تقاطر على عين النجس، فترشّح منها على شيء آخر، لم ينجس إذا لم يكن معه عين النجاسة ولم يكن متغيّراً(1).

مسألة 7: إذا تقاطر المطر من السقف، بعدما مرّ بالسطح النجس

مسألة 7: إذا كان السطح نجساً فوقع عليه المطر، ونفذ وتقاطر من

--------------------------

الشجر كحالة المصافحة، ثمّ يقع على الأرض فهو مطهر على رأي العلمين رحمهما اللّه تعالى.

فالمصنّف يقول إذا وقع عليه ثمّ قفز منه ووقع على الأرض فلا ينفع في تطهير الأرض، أمّا المرور فلا يضرّ ويوجب التطهير، ولكن السيّد الوالد دام ظله يقول لا فرق بين الأمرين، فإذا مرّ عليه يطهّر الأرض، وإذا وقع على ورق الشجر ثمّ وقع على الأرض أيضاً يطهّر.

مسألة 6:

إذا تقاطر ماء المطر على عين النجس، كما لو كان في الشارع دم، أو نجاسة من النجاسات الأخرى، فتقاطر عليها ماء المطر، فقطرت قطرة من المطر على عين الدم ثمّ ترشّحت على ثوبكم، فما هو حكمها؟

الجواب: إذا كانت هذه القطرة ليس فيها دم، وليس فيها ذرّات الدم فلا تضر؛ لأنّها كالماء الكرّ، فترشّح منها يعني من العين على شيء آخر كالثوب فالماءُ لم ينجس، والحكم بعدم النجاسة مع الشروط الثلاثة لم يكن معه عين النجاسة ولم يكن متغيّراً، وكان التقاطر متّصلاً.

مسألة 7:

إذا كان السطح نجساً، ووقع عليه المطر ونفذ وتقاطر من السقف وأتى إلى

ص: 196


1- العروة الوثقى 1: 35.

السقف، لا تكون تلك القطرات نجسة، وإن كان عين النجاسة موجودة على السطح ووقع عليها، لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء، وأمّا إذا انقطع ثمّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس فيكون نجساً، وكذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس(1).

مسألة 8: إذا تقاطر المطر من السقف النجس

مسألة 8: إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهراً، إذا كان التقاطر

--------------------------

الداخل ووقع على أرض الحجرة، فما حكم هذه القطرات؟

الجواب: بالشروط الثلاثة تكون هذه القطرات كلّها طاهرة، وحقيقة هذه الأحكام كلّها تيسير من الدين، فإن كان الشارع يحكم على ماء المطر بالتنجّس فكلّ الأرض تتنجّس، والشروط الثلاثة كما سبق هي عدم التغيّر وأن لا تكون معها الذرّات، وأن يكون التقاطر متوالياً، فإن كانت عين النجاسة كالدم موجودة على السطح ووقع المطر عليها، وهذه القطرة قد لاقت عين الدم ثمّ نفذت في السقف ثمّ وقعت على أرض الغرفة، فلا إشكال فيه، لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء، والمطر لا زال متوالياً، وأمّا إذا انقطع المطر ثمّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس، كما لو كان عليه دم، وأنا أعلم أنّ هذه القطرة قد لاقت الدم وأنّ المطر قد توقّف، ثم نفذت القطرة وتقاطرت فهي نجسة، أمّا إذا لم تعلم بملاقاتها النجس فكلّ شيء لك طاهر، وكذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس.

مسألة 8:

والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها، أن المتنجس قد يك-ون القشرة

ص: 197


1- العروة الوثقى 1: 35.

حال نزوله من السماء، سواء كان السطح أيضاً نجساً أم طاهراً(1).

مسألة 9: إذا تقاطر المطر علی التراب النجس

مسألة 9: التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل إلى أعماقه حتّى صار طيناً(2).

مسألة 10: إذا تقاطر المطر علی الحصير والفراش المفروش

مسألة 10: الحصير النجس يطهر بالمطر، وكذا الفراش المفروش على الأرض، وإذا كانت الأرض الّتي تحتهما أيضاً نجسة تطهر إذا وصل إليها. نعم إذا كان الحصير منفصلاً عن الأرض يشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها، نظير ما مرّ من الإشكال فيما وقع على ورق الشجر وتقاطر منه على الأرض(3).

--------------------------

الظاهرية من السقف المسمى بالسطح وقد ينفذ البول إلى داخل السقف، والسقف يعني باطن السطح، فلو طهرنا القشرة الخارجيّة للسطح فالسطح طاهر، ولكن عمق السطح نجس، فيكون المطر طاهراً إذا كان التقاطر كان حال نزوله من السماء، سواء كان السطح طاهراً أم نجساً. والحاصل: لا فرق في طهارة ماء المطر سواء كان السطح والسقف نجسين أو احدها طاهراً.

مسألة 9:

يطهر التراب النجس بنزول المطر عليه إلى كلّ مكان فيه مع صيروته طيناً.

مسألة 10:

الحصير النجس نطهّرهُ بوضعه تحت المطر، وكذا الفراش المفروش على الأرض فإنّه أيضاً يطهر، فإذا كانت الأرض الّتي تحت الأفرشة أو تحت

ص: 198


1- العروة الوثقى 1: 35.
2- العروة الوثقى 1: 35.
3- العروة الوثقى 1: 35.

مسألة 11: إذا تقاطر المطر علی الإناء النجس

مسألة 11: الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه. نعم إذا كان نجساً بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير، لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة إلى التعدد(1).

--------------------------

الأغطية نجسة فإنَّها تطهر إذا وصل ماء المطر إليها، بعد نفوذه في الحصير ومن الحصير نفذ إلى الأرض وأصاب مواضع الأرض، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحصير متّصلاً بالأرض موضوعاً عليها أو منفصلاً عنها، فالحصير يطهر والأرض تطهر، أو منفصل عن الأرض بأن نضع الحصير النجس على سرير والأرض الّتي تحته أيضاً نجسة، فالماء أولاً يصيب الحصير ثمّ يتقاطر منه عليها فإن الأرض أيضاً تطهر في رأي السيّد الوالد دام ظله كما سبق في ورق الشجر.

مسألة 11:

الكلام في الإناء النجس وليس الماء الذي فيه حكمه أنَّه يطهر إذا أصاب ماء المطر جميع مواضع النجس منه إذا كان نجساً بولوغ الكلب كما لو شرب منه الماء، فهذا الإناء يحتاج إلى تعفيره أولاً بالتراب، ثمّ نغسله بالماء، وأما القول: بأن هذا الإناء النجس قد رأى ماء المطر - كما في الرواية - فيكفي في تطهيره ولا نحتاج إلى التراب؟

غير تامٍ لأنّ ظاهر الأدلّة أنّ المطر قائم مقام الماء، وليس قائماً مقام بقيّة المطهرات، فالكافر مطهّره الشهادتان، فإذا ذهب تحت المطر لا يطهر، وابن الكافر إذا تشهّد أحد أبويه طهر تبعاً على التفصيل الذي سيأتي، أمّا لو ذهب

ص: 199


1- العروة الوثقى 1: 36.

--------------------------

تحت المطر لا يطهر، وعين الدم يطهّرها التحوّل إلى حقيقة ثانية، فإذا وضعنا عين الدم تحت المطر لم تطهر فالمطر لا يقوم مقام التبعيّة، ولا يقوم مقام التحوّل، ولا يقوم مقام الانقلاب، ولا يقوم مقام الانتقال وبقيّة المطهّرات، فماء المطر له قوّة أكثر من الماء القليل، وان كان ماءً قليل القطرات، ولذلك لا يحتاج إلى التعدد بخلاف الماء القليل فما ولغ فيه الكلب، نغسله بالماء القليل مرّتين بعد التعفير، ولكن ماء المطر كالماء الكثير تكفي مرّة واحدة لو كلّ جوانبه فإنَّه يطهّرُهُ.

ص: 200

البحث السادس: ماء الحمام

ماء الحمام بمنزلة الجاري، بشرط اتّصاله بالخزانة، فالحياض الصغار فيه إذا اتّصلت بالخزانة لا تنجّس بالملاقاة، إذا كان ما في الخزانة وحده أو مع ما في الحياض بقدر الكرّ، من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة أو عدمه، وإذا تنجّس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة بشرط كونها كرّاً، وإن كانت أعلى وكان الاتّصال بمثل المزملة. ويجري هذا الحكم في غير الحمام أيضاً، فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكرّ أو أزيد وكان تحته حوض صغير نجس واتصل بالمنبع بمثل المزملة يطهر، وكذا لو غسل فيه شيء نجس فإنّه يطهر مع الاتّصال المذكور(1).

--------------------------

البحث السادس: ماء الحمام

الكلام في ماء الحمام، حيث كان سابقاً نوع معيّن من الحمّامات توجد بعض في الأرياف وحتّى في المدن، فيها أحواض صغيرة، ولها منبع، وكان هنالك اتصال بين هذه الحياض الصغيرة وبين ذلك المنبع، فالماء يأتي من المنبع إلى هذه الأحواض وعلى كلّ واحد من هذه الأحواض آنية، والأفراد يأخذون الماء من هذا الحوض ويغتسلون به، وقد يكون الرجل يأتي ويده ملوّثة فيضع يده في هذا الحوض الصغير، أو يلاقيه الكافر وعابد الوثن، فما هو

ص: 201


1- العروة الوثقى 1: 36.

--------------------------

حكمه؟ نقول: البحث تارة في الدفع واخرى في الرفع، اما البحث الأوّل والمقصود بالدفع فيه عدم قبول الانفعال فَلا إشكال فيه بشرطين:

الشرط الأول: أن تكون هذه الأحواض متّصلة بذلك المنبع.

الشرط الثاني: أن يكون الماء الذي فيها وفي المنبع كرّاً، فإذا كان كرّاً فإنَّ الكرّ لا ينفعل بالملاقاة، وقد قلنا فيما مضى: لا فرق في الكرّ بين أن يكون مجتمعاً في مكان واحد أو يكون في مكانين بينهما اتصال، فهذا الحوض الصغير أقلّ من الكرّ، ولكن باعتبار أنّ مجموع مافيه ومجموع ما في المنبع كرٌّ لم يقبل الانفعال، فماء الحمام الموجود في هذه الحياض بمنزلة الماء الجاري، كما أنّ الماء الجاري لا ينفعل فهذا أيضاً لا ينفعل بالملاقاة، ولكن بالشرطين المذكورين الاتصال وكرية المجموع من غير فرق بين تساوي سطح الحياض مع الخزانة أو عدمه، فتارةً الحياض والخزانة، وهي المنبع يكونان في مستوىً واحد، وأخرى تكون الخزانة في مكان أعلى، ومرّة تكون الخزانة في مكان أسفل، ففي كلّ الحالات يكون معتصماً ولا ينفعل بالملاقاة.

البحث الثاني في الرفع، يعني إذا وقع الدم في هذا الحوض وتغيّر مائه يتنجّس؛ لأنّ كلّ ماء إذا تغيّر بالنجاسة يتنجّس وينفعل بها، وطريق تطهيره أولاً ازاله التغير. ثانيا أن يكون ماء الخزانة كرّاً، وهنا لا يكفي أن يكون مجموع الحياض والخزانة كرّاً، بل الخزانة يجب أن تكون كرّاً حتّى تدفع النجاسة عن هذا الحوض، لأنّ الماء إذا تنجّس يجب أن يوصل بالكرّ بخلاف الدفع حيث يكفي كون المجموع كرّاً، أمّا في الرفع فيجب أن يكون الرافع كرّاً، فإذا تنجّس ما في الحياض فإنّه يطهر بالاتّصال بالخزانة مع زوال التغيّر

ص: 202

--------------------------

وبشرط كون الخزانة كرّاً، إما وحدها وأمّا الخزانة مع الحياض غير المتغيّرة، فالمهمّ في حالة الدفع أن يكون المجموع كرّاً فيدفع، وأما الماء الذي يريد أن يرفع النجاسة عن هذا الماء المتغيّر فيجب أن يكون كرّ، فإذا تنجّس ما في الحياض يطهر بالاتّصال بالخزانة بشرط كونها كرّاً، إمّا الخزانة وحدها وإمّا الخزانة مع الحياض غير المتغيّرة المترابطة بعضها بالبعض الآخر، وإن كانت الخزانة أعلى وكان الاتّصال بمثل المزمّلة(الحنفية)، والخزانة الّتي فوق تدفع وترفع النجاسة عن هذا الحوض الصغير، هذا ولا يخفد عدم الاقتصار فيما ذكر من الحكمين دفعاً ورفعاً بالحمام بان يحتمل التعبدية فيه بل يجري الحكمان في غيره أيضاً.

كما لو كان عندنا حوض صغير، وهذا الحوض متّصل بالخزّان المتّصل فوق السطح بحنفية، فإن كان الخزان أو مجموع المائين كرّاً فلا ينفعل بالملاقاة هذا من ناحية الدفع، ومن ناحية الرفع إذا تنجّس هذا الحوض الصغير، بأن تغيّر مثلاً فيجب أن يزول التغيّر ويتّصل بالمنبع بشرط كون المنبع كرّاً.

ص: 203

البحث السابع: حكم ماء البئر

اشارة

ماء البئر النابع بمنزلة الجاري لا ينجس إلاّ بالتغيّر، سواء كان بقدر الكرّ أو أقلّ، وإذا تغيّر ثمّ زال تغيره من قبل نفسه طهر؛ لأنّ له مادّة، ونزح المقدرات في صورة عدم التغير مستحب، وأمّا إذا لم يكن له مادّة نابعة فيعتبر في عدم تنجّسه الكريّة، وإن سمّي بئراً، كالآبار الّتي يجتمع فيها ماء المطر ولا نبع لها(1).

--------------------------

البحث السابع: حكم ماء البئر

ماء البئر نوعان:

النوع الأول: أنّ يكون بئراً نابعاً مائها من تحت الأرض، فهذه البئر لا تنفعل بالملاقاة وتطهّر الشيء النجس إذا وضع فيها، ويوجد فرق بين أن تكون البئر كرّاً أو لا تكون كرّاً، فما لها مادّة أرضيّة وينبع من الأرض كانت بمنزلة الجاري، والجاري بالملاقاة لا يتنجّس ولا ينفعل، بل التغيّر هو الذي يؤثّر فيه سواء كان الماء بقدر الكرّ أو أقلّ، هذا حكمه.

أما إذا تغيّر ماء البئر، كما لو وقع فيه الدم فصار لونه أحمر، فإنّه ينفعل ويتنجّس، ومن ثمّ زال تغيره من قبل نفسه فذهب اللون، فإنّه يطهر، لاتصاله بالمادّة، فنقول طهر لأنّ له مادّة، وهذا التعليل «لأنّ له مادّة» واردة في الروايات.

ص: 204


1- العروة الوثقى 1: 36.

مسألة 1: إذا تنجّس ماء البئر

مسألة 1: ماء البئر المتّصل بالمادّة إذا تنجّس بالتغير فطهره بزواله،

--------------------------

ثم إن هناك خلافاً حيث كان لبعض المسائل الفقهية شهرة عند القدماء ثم انقلبت الشهرة عند المتأخرين يعني قديماً كان الفقهاء غالباً لهم رأي معيّن، وبعد ذلك انقلبت الشهرة؛ للعثور على أدلّة جديدة، فأصبحت شهرة المتأخّرين خلافاً لشهرة القدماء، ومنها البئر، فقد ذهب القدماء إلى وجوب نزح ماء البئر بمقدار معين ان اصابه الكلب أو المني أو ما أشبه ذلك وإن لم يتغيّر، إلى أن وجد العلاّمة الحلّي على قرائن تدلّ على أنّ هذا الحكم غير واجب، وان كان الأفضل ذلك فقال: وعندي أنّ ذلك كلّه مستحبّ، خلافاً للفقهاء المتقدمين غالباً، ثم انقلبت الشهرة، بعد العلامة لذلك المصنّف يقول ونزح المقدرّات يعني المقادير الّتي وردت في الروايات مستحب وغير واجب، تغير أو لم يتغيّر ومع التغير فَبمقدار يزول به التغيّر، فالمقياس عند المتأخرين ليس مقداراً معيّناً، فإذا لم يتغيّر فليس عليه شيء، وإذا تغيّر فإنه يطهر بمقدار يزول به التغيّر حتى لو زال التغيّر من تلقاء نفسه.

النوع الثاني من الآبار، الآبار الّتي ليس لها مادّة. فلو كانت بئر جافة، ليس فيها نبع، فاجتمع فيها ماء المطر،كان لها حكم الماء الراكد، فإذا كان قليلاً ينفعل بالملاقاة، وإذا كان كرّاً لا ينفعل بالملاقاة، والحاصل: إذا لم يكن لماء البئر مادّة نابعة اعتبر في عدم تنجّسه الكريّة والتسمية لا تنفعها.

مسألة 1:

ماء البئر المتّصل بالمادّة إذا تنجّس بالتغيير، بالبول أو بالدم أو ما أشبهه، في لونه أو طعمه أو رائحته بالنجاسة، فطهره بزواله ولو من قبل نفسه فإذا بقي مدّة ثمّ ذهبت الرائحة، فيصير طاهراً؛ لأنّ له مادّة، وهذا يكفي فضلاً عن نزول

ص: 205

ولو من قبل نفسه، فضلاً عن نزول المطر عليه أو نزحه حتّى يزول، ولا يعتبر خروج ماء من المادّة في ذلك(1).

مسألة 2: إذا تنجّس الماء الراكد

مسألة 2: الماء الراكد النجس كرّاً كان أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر، أو بالجاري، أو النابع غير الجاري، وإن لم يحصل الامتزاج على الأقوى، وكذا بنزول المطر(2).

--------------------------

المطر عليه حتّى يزول التغيّر، كما لا يجب نزحه حتّى يزول التغيّر، فإذا هو بنفسه تغيّر كفي، كما لا يعتبر خروج ماء من المادّة في ذلك ليختلط بما في البئر بل صرف الاتّصال كافٍ، ولا فرق بي البئر أن ينبع بقوة فيختلط بالماء أو يرشح بضعف.

مسألة 2:

الماء الراكد النجس كماء الحوض الراكد الذي ليس له مادّة، إذا كان قليلاً وتنجّس بالملاقاة، أو كرّاً وتنجّس بالتغيّر إنما يطهر بالارتباط بكرٍّ أو ما في حكم الكرّ، كالماء الجاري، وماء العيون وماء البئر، وماء المطر، فالنجس كرّاً كان أو قليلاً فإنَّه يطهر بالاتصال بكرٍّ طاهر، ولا ننتظر حتى يختلط جميع هذا الماء المتنجس مع ذاك الماء، فلو ذهب التغيّر بمجرد الاتصال طهر، وهذا مثل الترع الموجودة في البساتين إذا ربطناها بماء النهر أو البئر فإنّها تطهر كلّها بشرط زوال التغيّر، وتفصيله يأتي. وإن لم يحصل الامتزاج على الأقوى فإنه دليل عليه.

ص: 206


1- العروة الوثقى 1: 37.
2- العروة الوثقى 1: 37.

مسألة 3: لا فرق بين أنحاء الاتّصال في حصول التطهير

مسألة 3: لا فرق بين أنحاء الاتّصال في حصول التطهير، فيطهر بمجرّده، وإن كان الكرّ المطهر مثلاً أعلى والنجس أسفل، وعلى هذا فإذا أُلقي الكرّ لا يلزم نزول جميعه، فلو اتصل ثمّ انقطع كفى، نعم إذا كان الكرّ الطاهر أسفل، والماء النجس يجري عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتّصال(1).

--------------------------

مسألة 3:

لا فرق بين أنحاء الاتّصال في حصول التطهير بل كلّ أنواع الاتّصال كافية، فإذا اتّصل المتنجّس بالكرّ كفى، فلو كان الكرُّ أعلى والماء النجس أسفل، أو كانا في مستوى واحد، أو كان الكرّ المطهر في مستوى أسفل وارتبط بالماء المتنجّس فإنّه يطهر، وعلى هذا فإذا أُلقي الكرّ لا يلزم نزول جميعه، فلو اتصل ثمّ انقطع كفى، فعندما نفتح الحنفية لم يجب نزول مقدار كرّ في الحوض المتنجّس بل بمجرّد ما ارتبط هذا الخيط ولو لحظة واحدة طهر ماء ذلك الحوض المتنجّس.

نعم توجد حالة لا يكفي فيها كما لو عندك إبريق فيه ماء متنجّس فتأخذ الإبريق وتصبّه على الحوض لم يطهر. فإذا كان الكرّ الطاهر أسفل، والماء النجس يجري عليه من فوق بقوة، فلا يطهر الفوقاني بهذا الاتّصال، فالمقدار الموجود في الإبريق لا يطهر، ولكن إذا كان كرّان، أو ماء متنجّس وكرٌّ طاهر، وربطناهما معاً ولكن الكر الطاهر أسفل منه، بحيث أنّ ذلك الماء المتنجس لا يجري عليه بل هما مرتبطان فهنا مع أنّ المطهر أسفل، لكن لا إشكال فيه، والكرّ الأسفل يطهّر الأعلى.

ص: 207


1- العروة الوثقى 1: 37.

مسألة 4: غمس الكوز المملوء من الماء النجس في الحوض

مسألة 4: الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر، ولا يلزم صبّ ماءه وغسله(1).

مسألة 5: إلقاء الكرّ علی الماء المتغيّر

مسألة 5: الماء المتغير إذا أُلقي عليه الكرّ فزال تغيّره به يطهر، ولا

--------------------------

مسألة 4:

عندنا إناء والماء الذي في ذلك الإناء متنجّس، سواء كان هذا الإناء كوزاً أو شيئاً آخر، فهنالك طريقتان لتطهيره:

الطريقة الأولى: أن نصبّ ذلك الماء الذي فيه ثمّ نغمس هذا الإناء في الحوض أو في ماء النهر أو في ماء البحر فيطهر ذلك الإناء.

الطريقة الثانية: أن لا نلقي ذلك الماء وإنّما نأخذ تلك الجرّة أو ذلك الإناء ونغمسه مع الماء الموجود فيه في هذا الماء الطاهر، فإن اتصل بالكر أو بماء هو في قوّة الكرّ، فماءالكوز والكوز يطهران؛ لأنّ الماء النجس في الكوز لا يعتبر فاصلاً بين ماء النهر ونفس الكوز، فالكوز أو الإناء أيضاً يطهر، وهنالك طرق أُخرى يأتي ذكرها إن شاء اللّه في بحث المطهّرات، والحاصل: الماء والكوز متنجّسان، فإذا غمس في الحوض يطهر الماء والكوز بمرّة واحدة؛ لأنّه في الماء الكرّ لا حاجة إلى التعدد، ولا يلزم صبّ ماءه أولاً وغسله ثانياً، وإن كانت هذه الطريقة الثانية كافية أيضاً، لكن الطريقة الأولى مجزيّة.

مسألة 5:

الماء المتغيّر نجس، ولتطهير الماء المتغيّر، توجد طريقتان:

الطريقة الأولى: أن نزيل التغيّر أولاً بوسيلة من الوسائل، ثمّ بعد ذلك نلقي

ص: 208


1- العروة الوثقى 1: 37.

حاجة إلى إلقاء كرّ آخر بعد زواله، لكن بشرط أن يبقى الكرّ الملقى على حاله من اتّصال أجزائه وعدم تغيره، فلو تغيّر بعضه قبل زوال تغيّر النجس، أو تفرّق بحيث لم يبق مقدار الكرّ متصلاً ً على حاله تنجّس ولم يكف في التطهير، والأولى إزالة التغير أولاً، ثمّ إلقاء الكرّ أو وصله به(1).

--------------------------

عليه الكرّ.

الطريقة الثانية: أن لا نزيل التغيّر، وإنّما نلقي عليه الكرّ، وبهذا الإلقاء يحدث زوال التغيير والتطهير معاً. ولا حاجة إلى إلقاء كرّ آخر بعد زوال التغيّر، ولكن بشرطين: الشرط الأول: يجب أن لا يتغيّر هذا الكرّ الملقى، أمّا إذا فرضنا أنّ الماء كان متغيّراً وألقينا عليه الكرّ، وهذا الكرّ تغيّر بعضه، والبعض الذي لم يتغيّر كان أقلّ من مقدار الكرّ، فكلّ الماء ينجس؛ لأنّ الماء المتغيّر نجس، والمقدار الذي تغيّر من الكرّ، تنجّس أيضاً، فيبقى المقدار الذي لم يتغيّر، فإن كان أقلّ من الكرّ فهو أيضاً ينفعل بالملاقاة فكلّ الماء يكون متنجّساً.

والشرط الثاني: أن لا ينفصل الكر بعضه عن البعض الآخر، كما إذا كان الماء أحمراً، وألقينا عليه الكرّ، ثم الكر انقسم إلى قسمين وبينهما الماء المتغيّر باقٍ على حمرته فينجس الجميع؛ لأنّه في كل جانب نصف كرّ وهما مفصولان بالماء المتغيّر، فنصف الكرّ لا ينفع بل يجب أن يكون كرّاً غير متغيّر في مكان واحد وفي موقع واحد، فالشرط أن يبقى الكرّ الملقى على حاله باتصال أجزائه وعدم تفرقها، فلو تغيّر بعض الكرّ الملقى قبل زوال تغيّر

ص: 209


1- العروة الوثقى 1: 37.

مسألة 6: طرق ثبوت نجاسة الماء

مسألة 6: تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم، وبالبينة، وبالعدل الواحد على إشكال لا يترك فيه الاحتياط، وبقول ذي اليد وإن لم يكن عادلاً، ولا تثبت بالظنّ المطلق على الأقوى(1).

--------------------------

النجس، والمقدار الذي لم يتغيّر من الكرّ الملقى كان أقلّ من مقدار الكرّ، أو إذا تفرّق مقدار الكرّ الملقى بحيث لم يبق مقدار الكرّ متّصلاً وباقياً على حاله، فنصفه صار في الجانب الأيمن ونصفه صار في الجانب الأيسر فقد تنجّس الماء كلّه، فالأولى والأفضل إزالة التغيير أولاً ثمّ إلقاء الكرّ عليه أو وصل الماء المتغيّر الذي أزلنا تغيّره بالكرّ أو الحنفيّات، فإذا كان عندنا حوض تغيّر كما لو وقعت فيه هرة فماتت فتغيّر ثمّ فتحنا الحنفيّة وهي كرّ إلى أنّ يزول التغيّر فيطهر.

مسألة 6:

توجد في المقام عدّة طرق لمعرفة الكيفيّة التي بها تثبت نجاسة الماء وهي:

الأولى: العلم الوجداني وهو حجّة ذاتية ليس فقط في الماء، وإنّما شيء، فإذا علمت أنّ هذا الماء أو الفرش أو الجدار أو غيرها لاقاه الدم، وكان قليلاً مثلاً، فيثبت أنّه متنجّس، فالعلم حجّة.

الثانية: البينة، فإذا ذكر شاهدان عادلان أنّ هذا المكان متنجّس، ويجب الاجتناب عنه.

الثالثة: العدل الواحد إذا أخبرك بالتنجّس يثبت، وفي رأي السيد الوالد دام ظله لا إشكال في ذلك(2).

ص: 210


1- العروة الوثقى 1: 38.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 9.

--------------------------

الرابعة: وبقول ذي اليد أي: الذي له هيمنة على ذلك الشيء، كما لو كنت مالكاً لهذه العباءة، فأنا ذو يد عليها ومهيمن عليها، فإذا قلت أنّ هذه عبائتي متنجّسة فيجب عليكم الاجتناب، وكذلك إذا استأجر شخص داراً، فإنَّ له يداً على هذه الدار ومسلّط عليها ومهيمن، فإذا قال إنّ هذا المكان متنجّس، وجب عليكم الاجتناب عنه، فقول ذي اليد حجّة عادلاً كان أو فاسقاً.

فهذه طرائق أربعة: العلم الوجداني، البيّنة، العدل الواحد، قول ذو اليد.

والثلاثة الأخيرة من الظنون الخاصة الّتي قام الدليل الشرعي على حجيّتها، كقول ذي اليد فإنّه لا يوجب العلم وإنّما يوجب الظنّ، ولكن الأدلّة الشرعيّة تقول: اعتمد على قول ذي اليد.

وقول العادل لايوجب العلم وان لم يتعمّد الكذب ولكن قد يكون مشتبهاً في كلامه ولكن الدليل يعتمد على كلام الرجل العادل، فهذا يطلق عليه الظنّ الخاصّ، وهو الظن الذي قام الدليل على حجّيته، وأمّا الظنّ الذي لم يقم الدليل على حجّيته فهو الظنّ المطلق وغير حجة فلو ظنّ أحدنا أنّ أرضيّة المرحاض نجسة وليس له علم بذلك فظنّه غير حجّة، وإنّما يتعامل معه معاملة الطاهر، وكذا لو ظُنّ أنّ بعض المخالفين - الذين ليسوا مقيّدين بالقضايا والاحكام الشرعية ولا يعتقدون بما نعتقد - نجسون، ولكنّ لا دليل شرعي على ذلك، وكمن يظنّ أنّ أهل البوادي والأعراب وأهل القرى الذين ليس لهم ماء، متنجّسون، فظنّه ليس حجّة ولا يعتني بهذا الظنّ.

فلا تثبت النجاسة بالظنّ المطلق الذي لم يقم على حجّيتة دليل شرعي على الأقوى.

ص: 211

مسألة 7: في تعارض البيّنتين أو البيّنة مع قول ذي اليد

مسألة 7: إذا أخبر ذو اليد بنجاسته وقامت البيّنة على الطهارة قدمت البيّنة وإذا تعارض البيّنتان تساقطتا إذا كانت بيّنة الطهارة مستندة إلى العلم، وإن كانت مستندة إلى الأصل تقدّم بيّنة النجاسة(1).

--------------------------

مسألة 7:

لو تعارض قول البينة وقول ذي اليد كان كلاهما حجّة، ولكن بعض الحجج أقوى من البعض الآخر، ويفهم ذلك من لحن الأدلّة، فتعبيرات الأدلّة تدلّ أنّ البيّنة أقوى من قول ذوي اليد، كما أن أقوال الفقهاء تدلّ على أنّ البينة أقوى، فلو أخبر شاهدان عادلان بطهارة شيئ ما، وذو اليد المهيمن عليه بنجاسته أو العكس قدمت البيّنة.

أما إذا تعارضت بيّنتان، فقد قال السيد الوالد دام ظله في الحاشية(2):

تارةً البيّنتان تستندان إلى العلم، وأخرى تستندان إلى الأصل، ومرّة إحداهما تستند إلى الأصل والأخرى تستند إلى العلم، فعندنا ثلاث حالات:

الحالة الأولى: كلتاهما تستندان إلى العلم، فالبيّنة الأولى تقول نعلم أنّ هذا المكان طاهر، والبيّنة الثانية تقول إنّ هذا المكان نجس، فهنا تأتي قاعدة التعارض وإذا تعارضت البيّنتان تساقطتا، فإذا تساقطتا فلا بيّنة الطهارة حجّة، ولا بيّنة النجاسة حجّة.

فَنبقى بلا دليل، فنرجع إلى أصل من الأصول العمليّة وهو أنَّ كلّ شيء لك طاهر، فما دامنا بلا دليل نقول هذا الشيء إن شاء اللّه يكون طاهراً، ولكن ليس

ص: 212


1- العروة الوثقى 1: 38.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 9.

--------------------------

اعتماداً على بيّنة الطهارة؛ لأنّ بيّنة الطهارة سقطت بالمعارضة، وإنّما اعتماداً على قاعدة كلّ شيء لك طاهر.

الحالة الثانية: كلتاهما تستندان إلى الأصل العملي، يعني بينّة الطهارة تقول بالأمس كان طاهراً فنستصحب طهارته، ولا علم لنا اليوم بأنّه طاهر، فنقول لا تنقض اليقين بالشكّ، وبيّنة النجاسة بالأمس كان متنجّساً فنستصحب النجاسة، فإذا كانت كلتا البيّنتين تستندان إلى الأصل العملي تعارضتا فتساقطتا، والمرجع هو أصالة الطهارة: (كلّ شيء لك طاهر).

الحالة الثالثة: أحدهم يعتمد على العلم والثاني يعتمد على الأصل العملي، كما لو قلنا: إننا نعلم بأنّ هذا الشيء متنجّس لأنّنا رأينا الصبي قد بال عليه، والبيّنة الثانية يقولان هو طاهر استناداً إلى الاستصحاب أو اصالة الطهارة كان العلم هو المقدّم؛ لأنّ مستند البيّنة الأولى العلم أو قول ذي اليد والعلم أقوى من الأصول العمليّة، لأنّ الأصول العمليّة في رتبة متأخرة عن العلم وعن قول ذي اليد العلم لا يدع مجالاً للأصول العمليّة فينفيها كلّها، فالبيّنة الأولى تقول هذا نجس اعتماداً على العلم والرؤية، والبيّنة الثانية تقول هذا طاهر اعتماداً على أصالة كلّ شيء لك طاهر، ولكن يقدم الذي دليله أقوى وبلا شكّ أنّ بيّنة النجاسة أقوى فتقدّم.

والحاصل: يرى السيّد الوالد دام ظله في الحاشية: «إنّ كلّ بيّنتين تعارضتا وكانت إحداهما مستندة إلى الأصل العملي والأخرى إلى الدليل الشرعي قدمت المستندة إلى الدليل الشرعي سواء كانت بينة النجاسة أم بينة

ص: 213

مسألة 8: ترجيح إحدی البيّنتين علی الأخری بالكثرة

مسألة 8: إذا شهد اثنان بأحد الأمرين، وشهد أربعة بالآخر، يمكن بل لا يبعد تساقط الاثنين بالاثنين، وبقاء الآخرين(1).

مسألة 9: طرق ثبوت كرّية الماء

مسألة 9: الكريّة تثبت بالعلم والبيّنة، وفي ثبوتها بقول صاحب اليد

--------------------------

الطهارة»(2).

وتفصيل هذا المبحث في علم الأصول ففي الرتبة الأولى العلم وفي الرتبة الثانية الأدلّة، وفي الرتبة الثالثة الأصول العمليّة، فإذا وجد العلم فإنّه لا يدع مجالاً لأيّ شيءآخر، لا للدليل ولا للأصول العمليّة، وأمّا إذا تعارض الدليل كقول ذي اليد والأصل العملي كقاعدة الطهارة أو استصحابها فالدليل هو المقدّم.

مسألة 8:

لو شهد اثنان مقابل أربعة، فما الحكم؟ بعض الفقهاء يقول يتساقطان؛ لأنّ هذا حجّة، وذاك حجّة أيضاً، فحجّة تعارض حجّة فيتساقطان، ولكن السيّد الوالد دام ظله(3) وصاحب العروة يقولان: لايتساقطان، بل اثنان مقابل اثنين يتساقطان فيبقى اثنان فيثبت قولهما، بل لا يبعد على نحو الفتوى تساقط الاثنين بالاثنين وبقاء الآخرين، فإذا قال اثنان بإنَّ هذا الشيء نجس، وقال أربعة بانّه طاهر فهو طاهر، وإذا قال اثنان طاهر، وأربعة قالوا نجس فهو نجس؛ لأنّ قول الأربعة يقدّم.

مسألة 9:

طرق إثبات الكرية هي العلم الوجداني، والبيّنة (قول رجلين عادلين)،

ص: 214


1- العروة الوثقى 1: 38.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 9.
3- الحاشية على العروة الوثقى: 9.

وجه. وإن كان لا يخلو عن إشكال، كما أنّ في إخبار العدل الواحد أيضاً إشكالاً(1).

مسألة 10: يحرم شرب الماء النجس

مسألة 10: يحرم شرب الماء النجس إلاّ في الضرورة، ويجوز سقيه للحيوانات، بل وللأطفال أيضاً ويجوز بيعه مع الإعلام(2).

--------------------------

وبقول صاحب اليد، وبإخبار العدل الواحد، فإذا شهد عندك العدل الواحد فقال هذا كرٌّ فاعتمد على كلامه على ما هو الأصح وان اشكل عليه صاحب العروة (رحمه اللّه) .

مسألة 10:

والمراد بالماء النجس الماء المتنجّس بالأعيان النجسة كالبول والدم، فالماء القليل إذا وقعت فيه قطرة بول، فهذا الماء ماء متنجّس ويحرم شربه لقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}(3)،

وغيره إلاّ في حالة الضرورة، والاضطرار، فهو إمّا أن يشرب أو يموت أو يفقد الباصرة من جراء العطش مثلاً، فلا إشكال عندها في أنّ يشرب، كما يمكن سقي الماء المتنجّس للحيوانات؛ لأنّها لا تكليف عليها، وكذلك يمكن سقي الماء المتنجّس كعصير الفواكه للأطفال؛ لأنّ الطفل ليس عليه تكليف.

نعم السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(4) يقول: بشرط عدم الضرر لهم، بأنّ لا يكون مضرّاً، أمّا إذا كان مضراً لهم فلا يجوز للشخص أن يوقع الطفل في

ص: 215


1- العروة الوثقى 1: 38.
2- العروة الوثقى 1: 38.
3- المدّثر: 5.
4- الحاشية على العروة الوثقى: 9.

--------------------------

الضرر. كما لا إشكال في بيعه مع الإعلام، أمّا بيعه بلا إعلام فلا يجوز، والمشتري له أن يطهّرَهُُ ويستفيد منه، أو يستعمله في سقي حديقة أو ما أشبه ذلك.

ص: 216

البحث الثامن: الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر والأصغر

اشارة

الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهّر من الحدث والخبث، وكذا المستعمل في الأغسال المندوبة، وأمّا المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته ورفعه للخبث، والأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضاً، وإن كان الأحوط مع وجود غيره التجنّب عنه. وأمّا المستعمل في الاستنجاء ولو من البول فمع الشروط الآتية طاهر ويرفع الخَبَث أيضاً، لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث، ولا في الوضوء والغسل المندوبين. وأمّا المستعمل في رفع الخَبَث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء والغسل، وفي طهارته ونجاسته خلاف. والأقوى أنّ ماء الغسلة المزيلة للعين نجس، وفي الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب(1).

--------------------------

البحث الثامن: حكم المياه المستعملة

اللّه تبارك وتعالى تفضل علينا بالماء وهو نعمة كبرى والكلام الآن في المياه المستعملة التي تجمع هل يمكن ان يتوضأ بها مرة ثانية أم لا؟

المياه المستعملة على خمسة أنواع:

1- الماء المستعمل في الوضوء.

2- الماء المستعمل في الأغسال المندوبة.

ص: 217


1- العروة الوثقى 1: 39.

--------------------------

3- الماء المستعمل في الأغسال الواجبة.

4- الماء المستعمل في الاستنجاء.

5- الماء المستعمل في إزالة بقيّة النجاسات.

ويلزم البحث في حكم هذه المياه الخمسة من حيث الطهارة أولاً، ورفعها للحدث ثانياً، ورفعها للخَبَث ثالثاً.

يقول المصنّف (رحمه اللّه) يقول المياه الثلاثة الأُوَل، كلّها طاهرة ومطهّرة من الحدث ومطهّرة من الخَبَث، فيمكن أن تجمع هذه المياه وتُعاد مرّة ثانية في رفع الحدث والخَبَث.

النوع الأول: الماء المستعمل في الوضوء طاهر في حدّ ذاته، فإذا ترشّح على الثوب أو شيء آخر كان طاهراً وهو مطهّر من الحدث، والحدث يعني الظلمة الباطنية، فيكن أخذ هذا الماء الذي توضّأ به ليتوضّأ به مرّة ثانية، أو يغتسل به ولا إشكال فيه، وفي الأحاديث أنّ أصحاب النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانوا يأخذون ماء وضوء النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويتوضّؤن به، وكما هو مطهر من الحدث فهو مطهّر من الخَبَث، والخَبَث يعني القذارة الظاهريّة كالبول والدم وما أشبه ذلك، فيمكن أخذ الماء الذي توضأة به وتطهير اليد النجسة ولا إشكال فيه.

النوع الثاني: الماء المستعمل في الأغسال المندوبة مثل غسل الجمعة، وغسل التوبة وما أشبه ذلك فإنّه طاهر مطهّر من الخَبَث والحدث.

النوع الثالث: الماء المستعمل في الأغسال الواجبة كغسل الجنابة وغسل الحيض طاهر ومطهر من الحدث والخبث لكن يشترط أن يكون البدن طاهراً

ص: 218

--------------------------

لأن البدن إذا لم يكن طاهرا تجنس الماء به، ولا يخفى أنّ الكلام في الماء القليل، كالماء في الإبريق مثلاً، والمراد من المستعمل في الحدث الأكبر، الجنابة والحيض وما أشبه ذلك، لا تغسيل الميّت؛ لأنّ الميّت ينجس بدنه بالموت، فيتنجس ما تغسله بالملاقاة، أمّا إذا كان البدن متنجّساً، أي كان جنباً وقد تنجس بدنه ثم اغتسل فان الماء المنفصل متنجس وليس الكلام فيه وانما الكلام إذا كان الجبن قد طهر بدنه أولاً ثمّ اغتسل في ماء قليل وجمع ذلك الماء القليل فلا إشكال في طهارة ذلك الماء، ورفعه للخبث(القذارات الظاهرية)، والأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضاً، ولكن الأفضل إذا وجد ماءاً آخراً أن لا يستعمل هذا الماء الذي رفع به الحدث الأكبر. والحاصل: ان هذه المياه الثلاثة تؤثر في رفع الحدث والخبث.

النوع الرابع: الماء المستعمل في الاستنجاء، أي الماء الذي يراق طاهر مع مراهاة الشروط الآتية والمذكورة في المسألة الثانية ويرفع الخَبَث أيضاً ولكن لا يرفع الحدث، فإذا ترشّح ماء الاستنجاء على البدن لم يكن به بأس ويرفع الخَبَث أيضاً، ويمكن جمعه والاستنجاء به مرّة ثانية، لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث، ولا في الوضوء والغسل المندوبين.

النوع الخامس: الماء المستعمل في رفع الخَبَث غير الاستنجاء لا يجوز استعماله في الوضوء والغسل كمن كانت على يده قطرة من الدم فرفعها بالماء القليل لما ذكرنا سابقاً إنّ المياه الّتي ترفع بها الأخباث لا يمكن أن ترفع بها الأحداث، فيما بعد، ولكن في طهارته ونجاسته خلاف، والأحوط عند السيّد

ص: 219

مسألة 1: القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل

مسألة 1: لا إشكال في القطرات الّتي تقع في الإناء عند الغسل، ولو

--------------------------

الوالد دام ظله(1)

أنّ ماء الغسلة المزيلة للعين نجس احتياطاً، وفي الغسلة غير المزيلة الأولى الاجتناب، فقد ذكر السيد الوالد دام ظله في الحاشية وفي الفقه(2)،

أنّ الماء المستعمل لرفع الخبث غير الاستنجاء على نوعين:

الأول: الماء القليل الذي يلاقي عين النجاسة، كما لو كان على يد الإنسان دم فصب الماء عليه ولاقى الماء القليل عين الدم. بلا فرق بين أن يزيلها أو لا. وحكمه وجوب الاجتناب عنه احتياطا فإذا ترشح ذلك الماء على بدنه وجب ان يطهره احتياطاً.

الثاني: الماء القليل الذي لم يلاق عين النجاسة، كما لو أزيل الدم أولاً فلم تبق عين للدم، ثمّ صُبَّ عليه الماء مرّة واحدة، وحكمه انه لا يجب الاجتناب عن ذلك الماء، وكذا إذا لم تكن للنجاسة عين كالبول(3)، فإذا صُبَّ عليه الماء القليل مرّتين وترشّح هذا الماء لم يكن به بأس. والحاصل: ان السيد الوالد دام ظله يفصّل بين ما لم يلاق عين النجاسة فلا يجب الاجتناب عن ترشّحه وبين ما يلاقي عين النجاسة فيجب الاجتناب عن ترشّحه.

هذه هي الأنواع الخمسة من الماء المستعمل.

مسألة 1:

في الأزمنة السابقة كان الناس يضعون الماء في الطشت أو الاناء ثم يقفون

ص: 220


1- الحاشية على العروة الوثقى: 9.
2- الفقه 3: 129.
3- فان بعض أنواع البول يكون شفافا وليس فيه جرم ثخين فلا يرى له أثر بعد الجفاف.

قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر(1).

مسألة 2: ما يُشترط في طهارة ماء الإستنجاء

مسألة 2: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور:

--------------------------

بجانبه ويغتسلون منه غسل الجنابة فكات قطرات الماء تتساقط في ذلك الطشت فهل يصح ذلك؟

الجواب: هناك مبنيان: الأول: ما ذكرناه سابقاً من انه لا اشكال في الماء الذي يستعمل في رفع الحدث الأكبر. الثاني: من يقول إن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، لا يمكن أنّ يستعمل في رفع الحدث الأكبر مرّة أُخرى.

لكن حتّى على مبنى هؤلاء يصح إكمال الغسل من الطشت حتّى وان تساقطت فيه القطرات المستعملة في رفع الحدث الأكبر وذلك لأنّ هذا الشيء كان متعارفاً في القديم فيأتون إلى هذا الطشت ويغتسلون به، ولو كان اكمال الغسل بماء الطشت منهيا عنه لكان المفروض أن يأتي النهي في الروايات، لكن لم يرد نهيٌ. والحاصل: انه لا إشكال في القطرات الّتي تقع في الإناء عند الغسل عند رفع الحدث الأكبر، حتى ولو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر، نعم إذا وقف المُغتسِل واغتسل فيه في إناء وكان كل الماء الذي يصبّه على بدنه يذهب في ذلك الإناء، فهذا الماء على المبنى الثاني لا يتمكّن استعماله مرّة ثانية.

مسألة 2:

قلنا سابقاً إنّ الماء الذي يستنجى به من البول أو الغائط طاهر، فإذا ترشّح على البدن لا إشكال فيه، ولكن إنّما يكون طاهراً بشروط:

ص: 221


1- العروة الوثقى 1: 39.

«الأول»: عدم تغيّره في أحد الأوصاف الثلاثة.

«الثاني»: عدم وصول نجاسة إليه من الخارج.

«الثالث»: عدم التعدّي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء.

«الرابع»: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى، مثل الدم، نعم الدم الذي يعد جزء من البول أو الغائط لا بأس به.

«الخامس»: أن لا يكون فيه الأجزاء من الغائط، بحيث يتميّز، أمّا إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء أو شيء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به(1).

--------------------------

الشرط الأول: عدم التغيّر، أمّا إذا تغيّر هذا الماء، كما لو اصفرّ لونه مثلاً، وترشّح عليه، فهو نجس ويجب أن يغسل المحل الذي ترشح عليه ولو شك انه تغير أم لا لم يجب عليه الفحص والنظر ويحكم بعدم التغيير. والحاصل: انه عند تغيّر ماء الاستنجاء في أحد الأوصاف الثلاثة يعني اللون أو الطعم أو الرائحة فإنَّه يُعدّ نجساً، وإلاّ فلا.

الشرط الثاني: عدم وصول نجاسة إليه من الخارج، أمّا إذا وصلت إليه نجاسة من الخارج كما لو كانت الأرض الّتي يجلس عليها متنجسّة بالدم وماء الاستنجاء انفصل وأصاب الأرض المتنجسة وترشّح عليه فإنَّه حينئذٍ يجب الاجتناب عنه.

الشرط الثالث: عدم التعدّي الفاحش، ولا اشكال في تعدي الغائط تعدٍّياً قليلاً بحيث يطلق على تطهيره الاستنجاء، واما إذا تعدى تعدٍياً فاحشاً، كما لو

ص: 222


1- العروة الوثقى 1: 39.

--------------------------

أنّ قطعة من الغائط أصابت رجله مثلاً، فعند تطهيره لا يطلق عليه الاستنجاء. فان معنى الاستنجاء غسل المخرج وما حوله، أمّا أن يغسل رجله من غائط وقع عليها، فلا يقال إنّه يستنجي، والحاصل: انه إذا تعدّى الغائط تعدٍياً فاحشاً، وأخذ يغسل رجليه من الغائط، كانت القطرات نجسة ويجب الاجتناب عنها.

اما التعدي الذي يصدق عليه الاستنجاء كما هو الغالب في الأفراد الذين يصابون بالاسهال، فالغائط يتعدّى تعدٍياً ربما يحفظ معه صدق هذه الكلمة، فلا إشكال فيه.

الشرط الرابع: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أُخرى كالدم، فالأفراد الذين يصابون بالبواسير مثلاً، يُخرج منهم الدم أو ما أشبه ذلك، كانت غسالة الاستنجاء نجسة، نعم لا بأس بالدم الذي يعدُّ جزءاً من البول أو الغائط كما لو كان مستهلكاً، أو شبه المستهلك من قلّتة.

الشرط الخامس: أن لا يحمل الماء معه بعض أجزاء الغائط بحيث يتميّز، فلو انفصلت قطعة من الغائط مع الماء، ووقع الماء على الأرض الّتي فيه القطعة المتميّزة والواضحة ثمّ ترشّح على البدن، وجب غسل ذلك الترشّح، لكن لا اشكال في ما إذا كان مع الماء دود مثلاً، أو جزء غير منهضم من الغذاء أو شيء آخر لا يصدق عليه الغائط وانفصل مع الماء ثمّ ترشحت تلك القطعة من الماء.

فبهذه الشروط الخمسة يكون ماء الاستنجاء طاهراً.

ص: 223

مسألة 3: عدم اشتراط سبق الماء على اليد في طهارة ماء الإستنجاء

مسألة 3: لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد، وإن كان أحوط(1).

مسألة 4: إذا سبق بيده بقصد الإستنجاء ثمّ أعرض، ثمّ عاد

مسألة 4: إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثمّ أعرض، ثمّ عاد لا بأس، إلا إذا عاد بعد مدّة ينتفي معها صدق التنجّس بالاستنجاء، فينتفي حينئذ حكمه(2).

--------------------------

مسألة 3:

لا يخفى أنّ كلّ هذه الأحكام ترتبط بالماء القليل لا الكر، وفي كيفيّةالاستنجاء بالماء القليل هنالك طريقان:

الأوّل: أن يصبَّ الماء ثمّ مباشرة يضع يده ويطهّر.

الثاني: ان يضع يده أولاً ثمّ يصبّ الماء ويطهّر بفاصلة لحظة، وفي كلتا الطريقتين تجري الأحكام الّتي ذكرناها، فلا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد، يعني أولاً يصبّ الماء ثمّ بلحظة يضع يده ويطهّر، فهذه الطريقة ليست شرطاً، والطريقة الثانية أيضاً ممكنة، وهي أن يضع يده أولاً ثمّ يصبّ الماء، فهذا الماء يكون ماءً طاهراً، ولكن الأفضل انتخاب الطريقة الأولى يعني أن يصبّ الماء أولاً ثمّ يضع يده ثانياً.

مسألة 4:

إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ثمّ أعرض؛ لأنّ الماء انقطع مثلاً، ثمّ وجد الماء فعاد لسيتنجي، فما حكم هذا الماء؟

ص: 224


1- العروة الوثقى 1: 40.
2- العروة الوثقى 1: 40.

مسألة 5: لا فرق في ماء الإستنجاء بين الغسلة الأولى والثانية

مسألة 5: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى والثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد(1).

مسألة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي

مسألة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي، ومع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته(2).

--------------------------

الجواب: الماء طاهر، لأنه يسمّى ماء الاستنجاء، أما إذا لم يسمَّ بماء الاستنجاء، كما لو وضع يده فلم يجد ماءاً فمسح يده فذهب إلى عمله وبعد ساعتين عاد فطهّر المحل، فهذا الماء ليس ماء الاستنجاء؛ فالقطرات الّتي تنفصل متنجّسة.

مسألة 5:

لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى والثانية في البول، فغسالة المرّة الأولى طاهرة وغسالة المرة الثانية أيضاً طاهرة فان في البول يعتبر التعدد، يعني يجب أنّ يغسل المحل مرتين بالماء القليل وإلا فالمرة الواحدة في الماء الكثير كافية، بينما بقيّة النجاسات يكفي غسلها مرّة واحدة في الماء القليل.

مسألة 6:

إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي - فهنالك أفراد - والعياذ باللّه - يصابون بشيء فيفتحون لهم منفذاً آخر وفيخرج الغائط منه - فما هو الحكم؟

الجواب: للمسألة شقان الأول: ان يكون المخرج معتاداً، الثاني: أن لا يكون معتاداً، فإذا كان مخرجاً معتاداً، بمعني أنّ مخرجه الطبيعي تحوّل إلى هذا

ص: 225


1- العروة الوثقى 1: 40.
2- العروة الوثقى 1: 40.

مسألة 7: إذا شكّ في ماء أنّه غسالة الإستنجاء أو غسالة سائر النجاسات

مسألة 7: إذا شكّ في ماء أنّه غسالة الاستنجاء، أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة، وإن كان الأحوط الاجتناب(1).

--------------------------

المخرج الجديد، وقد أصبح مخرجه الجديد طبيعيا، ومخرجه الطبيعي لم يَعُد في الحالة السابقة، فهذا له أحكام محلّ الغائط، فالغسالة طاهرة، ولا إشكال فيها، أمّا إذا لم يكن مخرجاً طبيعيّاً، وإنّما فتح المنفذ الجديد لفترة العمليّة فهذا المخرج مخرج مؤقت فحكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته وقد قلنا أنّ رأي السيد الوالد دام ظله أنّ غسالة الغسلة الّتي تلاقي عين النجاسة الأحوط الاجتناب عنها، أمّا إذا أزال العين أولاً ثمّ صبّ الماء القليل فهذا الماء القليل طاهر ولا إشكال فيه.

مسألة 7:

إذا شكّ في ماء أنّه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات، فإذا كان غسالة الاستنجاء فهو طاهر، وأمّا إذا كان غسالة بقيّة النجاسات فهو نجس - مع ملاحظة رأي السيد الوالد دام ظله بأنّه نجس على الأحوط ان لاقى العين - فإذا شكّ في أنّه من هذا النوع أو من ذلك النوع، فهو طاهر؛ لأنّ القاعدة تقول كلّ شيء لك طاهر. وكذلك - في رأي السيد الوالد دام ظله - إذا غسل البول ثمّ شكّ في أنّ البول كان له عين أو لم يكن له عين لأنّ الأبوال تختلف، فبعض الأبوال لها عين صفراء غليظة واضحة آثارها، وبعض الأبوال ليس لها عين ولا أثر يبقى لها، فإذا شككنا في أنّ البول الذي غسلنا منه يدنا كان فيه عين أو لم يكن فيه عين فالحكم أنّ الماء الذي ينفصل طاهر؛ لقاعدة كلّ

ص: 226


1- العروة الوثقى 1: 40.

مسألة 8: إذا إستنجی في الكرّ، لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر أو غسالة الإستنجاء

مسألة 8: إذا اغتسل في الكرّ كخزانة الحمام، أو استنجى فيه، لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر أو غسالة الاستنجاء أو الخَبَث(1).

--------------------------

شيء لك طاهر.

مسألة 8:

كلّ الأحكام الّتي ذكرناها إنّما هي في الماء القليل، أمّا الماء الكرّ فطاهر، ولا تجري فيه تلك الأحكام، فإذا اغتسل في كرٍّ كخزانة الحمام، أو استنجى فيه فلا يطلق على هذه الخزانة الّتي هي كرٌّ أنّها غسالة الحدث الأكبر أو غسالة الاستنجاء أو الخبث حتّى يجب الاجتناب عنها، أو يكون الأفضل الاجتناب عنها على رأي السيد الوالد دام ظله فان هذه الأحكام خاصة بالماء القليل، وكذلك إذا أخذ الحنفيّات المتداولة وطهّر موضع البول أو موضع الغائط أو الدم، الذي على يده أو أيّ شيء آخر، فحكم هذه الغسالة المنفصلة أنّها طاهرة إلاّ إذا كانت متغيّرة في أحد الأوصاف الثلاثة(اللون أو الطعم أو الرائحة)، فإذا كانت متغيّرة أو فيها عين النجاسة، فهي نجسة، فلو كان في اليد دم فوضعناها تحت الحنفيّة وأخذ الماء يترشّح عليه، فالغسالة طاهرة؛ لأنّها ماء متّصل بالكرّ، أمّا إذا كانت هذه الذرات المتطايرة متغيّرة فهي نجسة، وكذلك إذا لم تكن هذه الذرّات متغيّرة ولكن أخذت معها قطرة من الدم وأتت على بدنه فينجّسه الدم، والحاصل: انه لا تجري الأحكام السابقة في الماء الكرّ كخزانة الحمام، ومياه الحنفيّات، وماء المطر الذي هو في حكم الكرّ، وماء النهر، وماء الغدير الكرّ، وماء البئر.

ص: 227


1- العروة الوثقى 1: 41.

مسألة 9: إذا شكّ في وصول نجاسة من الخارج

مسألة 9: إذا شكّ في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم(1).

مسألة 10: جريان أحكام ماء الإستنجاء إنّما هو في الماء القليل فقط

مسألة 10: سلب الطهارة والطهوريّة عن الماء المستعمل في رفع

--------------------------

مسألة 9:

قلنا إنّ ماء الاستنجاء محكوم بالطهارة ولكن بشروط، ومن جملتها أن لا تنتقل نجاسة من الخارج إلى ماء الاستنجاء، فإذا شككنا في ذلك، كما لو كان على الأرض دم واستنجى الإنسان عليها ولكن لا يعلم أنّ هذه القطرة الّتي ترشّحت عليه أصابت الدم أم لم تصب، فإذا أصابت الدم فهي متنجّسة، وإن لم تصب الدم فهي طاهرة، بنى على العدم؛ لأنّ قطرة الماء هذه قبل وصولها إلى الأرض كانت طاهرة فنشكّ في أنّها لاقت الدم أو لا، فنستصحب عدم ملاقاتها للدم فيحكم عليها بالطهارة، وكذلك إذا شككنا في خروج نجاسة مع الغائط،كما لو كان مصاباً بالبواسير مثلاً وكان يخرج منه الدم، وشكّ في خروج الدم منه في هذه المرة، فإذا خرج منه الدم فهذا الماء كانت الغسالة نجسة، وإذا لم يخرج فهي طاهرة، فيستصحب عدم خروج الدم، أو يستصحب عدم ملاقاة هذا الماء للدم.

مسألة 10:

هذه مسألة مكرّرة أو شبه مكرّرة، فالأحكام الّتي ذكرناها من أنّ الماء المستعمل أحياناً يكون نجساً، وأحياناً أخرى يكون طاهراً ولا يكون مطهّراً، فهذه الأحكام إنّما تجري في الماء القليل، أمّا في الماء الكرّ فلا تجري هذه

ص: 228


1- العروة الوثقى 1: 41.

الحدث الأكبر أو الخَبَث استنجاء أو غيره إنّما يجري في الماء القليل، دون الكرّ فما زاد، كخزانة الحمام ونحوها(1).

مسألة 11: المتخلّف من الماء في الثوب بعد العصر

مسألة 11: المتخلّف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر، فلو

--------------------------

الأحكام، فسلب الطهارة يعني أن نقول إنّ الماء غير طاهر، كالماء الذي يغسل به الدم مثلاً، أو الذي يلاقي العين، فقد قلنا أنَّ هذا غير طاهر؛ لأنّه لاقى عين النجاسة، وكذا سلب الطهوريّة - الطهوريّة يعني المطهريّة - فالماء الذي غُسل به الدم ليس بمطهّر، وكذلك بالنسبة إلى ماء الحدث الأكبر على بعض الأقوال طاهر ولكنّه لا يطهّر من الحدث، على بعض المباني، فالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر - كما قال بعض العلماء بأنّه غير مطهّر من الحدث أو الخبث، وإن كان طاهراً في حدّ ذاته، والحاصل: ان الماء المستعمل في رفع الخَبَث - يعني النجاسة الظاهريّة - سواء كان في الاستنجاء أو غير الاستنجاء، إنّما تجري عيله هذه الأحكام فيما إذا كان الماء قليلاً، دون الكرّ فما زاد، كخزانة الحمام ونحوها، فإذا كان الماء كرّاً واغتسل فيه أو اغتسل به(2)-

أو طهّر به الموضع فلا تجري الأحكام المذكورة.

وهذا الماء - يعني الماء الكرّ - يبقى طاهراً، ويبقى مطهّراً من الحدث والخبث لكن بشرط أنّ لا يتغيّر.

مسألة 11:

لو كان هنالك ثوب فيه بول مثلاً، وقد غسل مرّتين، فالماء الذي ينفصل

ص: 229


1- العروة الوثقى 1: 41.
2- اغتسل فيه كما لو دخل في خزانة الحمام واغتسل غسل الجنابة، أو طهّر نفسه، واغتسل به مثل ماء الحنفيّات.

أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة، وكذا ما يبقى في الإناء بعد إهراق ماء غسالته(1).

--------------------------

عنه متنجّس على التفصيل الذي مرّ، من أنّه ملاقٍ للعين، أو غير ملاقٍ للعين، أو ما أشبه، فإذا عصرنا هذا الثوب - بناءً على بعض المباني الّتي ترى أنّ الثوب يجب أن يعصر - فإنَّه تبقى - بالنتيجة - ذرّات قليلة من الماء في هذا الثوب، حيث لا يخرج كل الماء ولذا يوجد فيه نوع من الرطوبة فما هو حكم هذه الرطوبة؟

الجواب: هذه الرطوبة طاهرة؛ للتبعيّة، ففي الفقه باب يطلق عليه التبعيّة، كما لو كان هنالك إناء فيه خمر، والخمر نجس والإناء أيضاً نجس بالخمر، فإذا انقلب الخمر خلاً يطهر بالانقلاب، والإناء أيضاً يطهر بالتبعية، هذا هو قانون التبعية، وفي المسألة التي نحن يها الثوب صار طاهراً وهذه الذرّات المتخلّفة في الثوب أيضاً تكون طاهرة، طبعاً هذا كلّه في الماء القليل ولا بحث في الماء الكر فان لك ما يرتبط به طاهر، والماء المتخلّف في الثوب بعد العصر(2) طاهر، حتّى إذا حكمنا على الذرّات الّتي تنفصل بالنجاسة ولكن المتبقي طاهر، فلو أخرج بعد ذلك بعصر شديد لم يلحقه حكم الغسالة وإنّما هو ماء طاهر ومطهّر، وكذا الذي يبقى في الإناء بعد اهراق ماء غسالته، إذ الإناء يغسل ثلاث مرّات بالماء القليل, حيث يجعل فيه ماءً قليلاً ويراق، ومرّة ثانية، ومرّة ثالثة كذلك، وعند إراقة الماء في المرّة الثالثة ستبقى رطوبة،

ص: 230


1- العروة الوثقى 1: 41.
2- وفي وجوب العصر وعدم وجوبه خلاف.

مسألة 12: تطهر اليد تبعاً لتطهير محل الإستنجاء

مسألة 12: تطهر اليد تبعاً(1) بعد التطهير، فلا حاجة إلى غسلها، وكذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب ونحوه(2).

--------------------------

وحكمها الطهارة.

من باب قانون التبعية، وإلاّ إذا أردنا أن نحكم عليها بأنّها نجسة فالإناء لا يطهر أبداً، فحتماً عندما نغسله تبقى به ذرّات من الماء فيبقى نجساً إلى النهاية، وقد مرّ من السيد الوالد دام ظله تفصيل بين الغسلة الّتي تلاقي العين والغسلة الّتي لا تلاقي العين.

مسألة 12:

إذا استنجى الشخص تنجست يده عندما توضع على النجاسة، فإذا طهّر المحل فاليد أيضاً تطهر من باب التبعيّة، فلا حاجة إلى غسل اليد مستقلةً، وهكذاالحكم في الظرف الذي يغسل فيه الثوب النجس ونحوه، ولا يخفى ان الطشت إذا وقع فيه بول وتنجس، فلابدّ من أن يغسل بالماء القليل ثلاث مرّات، فالإناء يغسل ثلاث مرّات بالماء القليل، ولكن في المسألة التي نحن فيها الطشت لم يتنجّس بذاته، وإنّما وضع به الثوب المتنجّس بالدم، والثوب المتنجّس بالدم يغسل مرّة واحدة، لأنّ القانون العام في تطهير النجاسات من البول مرّتين، ومن غيره مرّة واحدة، وفي الإناء ثلاث مرّات، والحاصل: ان الإناء إذا تنجّس بذاته فلابدّ من غسله ثلاث مرّات بالماء القليل، أو مرّة بالماء الكثير، ولكن في المقام لم يتنجّس بذاته بل وضعنا فيه ثوباً متنجّساً بالدم

ص: 231


1- مفعول لأجله يعني للتبع.
2- العروة الوثقى 1: 41.

مسألة 13: المقدار الزائد من الماء بعد حصول الطهارة، طاهرٌ

مسألة 13: لو أُجري الماء على المحلّ النجس زائداً على مقدار يكفي في طهارته، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر، وإن عدّ تمامه غسلة واحدة ولو كان بمقدار ساعة، ولكن مراعاة الاحتياط أولى(1).

--------------------------

وصببنا عليه الماء وغسلناه، فالثوب يطهر بغسلة واحدة في غير البول، وبغسلتين في البول، فإذا طهّر الثوب فالإناء يطهر أيضاً، فنجاسته ما دامت نجاسة تبعيّة فطهارته أيضاً تكون طهارة تبعية فلا يحتاج إلى ثلاث مرّات، بل في البول مرتين وفي الدم مرّة واحدة.

والمراد من (نحو الثوب) اللّحم وما شابهه كما إذا وضعناه في الإناء وغسلناه في الإناء، فالإناء يطهر بطهر اللّحم.

مسألة 13:

فإذا كان هنالك دم على اليد، ونحن صببنا عليه الماء لحظة، والماء أخذ الدم وذهب، فهذا الماء المنفصل الذي لاقى الدم نجس - طبعاً هذا كلّه في الماء القليل، وفي الكرّ المناط التغيّر وعدمه - فلو استمر صب الماء على اليد دقيقة واحدة وفبعد اللّحظة الأولى الماء الذي ينفصل عن اليد كلّه طاهر؛ لأنّ اليد تطهر باللحظة الأولى فإذا طهرت اليد فماء اللّحظة الثانية واللّحظة الثالثة وما يليها من اللّحظات يكون قد لاقى شيئاً طاهراً فيكون طاهراً، فإذا ترشّح الماء في اللحظة الثانية على البدن فهو طاهر، فلو أجرى الماء من الإبريق (الماء القليل) على المحلّ النجس زائداً على مقدار يكفي في طهارته،

ص: 232


1- العروة الوثقى 1: 41.

مسألة 14: إذا لاقت الغسالة شيئاً آخر

مسألة 14: غسالة ما يحتاج إلى تعدد الغسل كالبول مثلاً إذا لاقت شيئا لا يعتبر فيها التعدد، وإن كان أحوط(1).

مسألة 15: غسالة الغسلة الاحتياطيّة

مسألة 15: غسالة الغسلة الاحتياطيّة استحباباً يستحبّ الاجتناب عنها(2).

--------------------------

وأجرينا الماء أربع لحظات فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر؛ لأنّه قد لاقى محلاًً طاهراً عند تماميّة غسلة واحدة.

مسألة 14:

فالماء الذي غسل فيه البول إذا ترشّح على البدن، فإنَّ هذا الترشّح يغسل مرّة واحدة؛ لأنّه ليس بولاً، بل هو ماء متنجّس بالبول، والرواية تقول: البول يغسل مرتين، فغسالة ما يحتاج إلى تعدد الغسل كالبول مثلاً، إذا لاقت اليد مثلاً أو الرجل، لا يعتبر فيها التعدد، وإنّما يكفي فيها المرّة الواحدة، وإن كان ذلك أحوط يعني أفضل.

مسألة 15:

فالدم يغسل مرّة واحدة ولكن الأحوط ندباً مرّتين، والمرة الثانية ليست واجبةً، بل أفضل، فإذا ترشّحت الغسالة في المرة الثانية على البدن، فلا يجب غسل تلك البقعة؛ لأنّ المحل طاهر، ففي الغسلة الأولى أصبح المحلّ طاهراً، فغسالة الغسلة الثانية طاهرة، ولكن الأفضل الاجتناب عنها ومن الأفضل أن تغسلها أيضاً.

ص: 233


1- العروة الوثقى 1: 41.
2- العروة الوثقى 1: 41.

--------------------------

فكما كان الأفضل أن تغسل ذلك المكان مرّة ثانية، كذلك الأفضل أن تغسل ما يلاقي ترشّحه، ولكن ليس بواجب.

ص: 234

البحث التاسع: الماء المشكوك النجاسة

اشارة

الماء المشكوك نجاسته طاهر إلا مع العلم بنجاسته سابقاً، والمشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق إلا مع سبق إطلاقه، والمشكوك إباحته محكوم بالإباحة إلا مع سبق ملكيّة الغير، أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له(1).

--------------------------

البحث التاسع: الماء المشكوك النجاسة

هنالك مجموعة من الشكوك:

الشكّ الأول: الشكّ في الطهارة والنجاسة، كما في ماء يشكّ في أنّه طاهر أم نجس، وهو طاهر، فكلّ شيء لك طاهر، إلاّ في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: العلم بالنجاسة، فهنا لا شكّ، فإذا علم بأنّ هذا الشيء نجس، فلا تجري قاعدة كلّ شيء لك طاهر؛ لأنها تجري في كلّ شيء مشكوك، وليس لديك شكّ في المقام.

الحالة الثانية: قيام الأمارة مثل شاهدين عادلين، أو العدل الواحد، أو قول ذي اليد، أو ما أشبهه، حيث يقول بأن هذا المكان نجس مثلاً. فلا تجري القاعدة فقولهم إذا كان هنالك استصحاب للنجاسة، فلو كان المكان متنجّساً ثم شك في أنّه طهر أم لم يطهر، فلا تجري قاعدة كلّ شيء لك طاهر؛ لأنّ الاستصحاب الذي هو أصل عملي أقوى من الأصول العمليّة الثانية، مثل

ص: 235


1- العروة الوثقى 1: 42.

--------------------------

أصالة الطهارة وأصالة الحلّية وأصالة البراءة، فينفيها جميعاً، والحاصل: انه إذا وجد علم بالنجاسة أو امارة أو استصحاب عليها فلا يمكن القول أنّه طاهر، أمّا إذا أنتفت هذه الثلاثة، فهو طاهر، إذ كلّ شيء لك طاهر.

هذا هو الشكّ الأول.

الشكّ الثاني: أن يشكّ في الإطلاق، أي شكّ أن هذا الماء مطلق أم مضاف، فإذا كان سابقاً مطلقاً حكم عليه الآن بأنّه مطلق، وإذا كان سابقاً مضافاً حكم عليه الآن أنّه مضاف، أمّا إذا لم نعلم بأنّ هذا الماء هل كان مطلقا ام مضافاً فليس عندنا أصالة الإطلاق، ولا أصالة الإضافة، فلا نتمكّن أن نحكم عليه أنّه مطلق ولا أنّه مضاف، وقد شرحنا هذه المسألة فيما مضى، وقلنا إنّ الماء الذي لا نعلم أنّه مطلق أم مضاف لا نحكم عليه بالإضافة، ولكن لا نتمكّن أن نتوضّأ به؛ لأنّه غير معلوم أنّه مطلق، والوضوء يجب أن يكون بالماء المطلق، وإذا كان هذا الماء مشكوك الكرية وادخلت اليد النسجة لم تطهر اليد ولم يتنجس الماء، وقد شرحنا هذا الموضوع فيما مضى، في مسألة إذا شكّ في مائع... إلخ.

الشكّ الثالث: أن نشكّ في أنّ هذا الماء مباح أم غير مباح، يعني هل هو ملك للآخرين أم ليس ملكاً لأحد، فلو كان الماء سابقاً ملكاً لزيد والآن نشكّ في أنّه بقي ملكاً له أم خرج عن ملكه، استصحبت الملكية؛ لأنّها حالة متقدّمة، حيث كان سابقا ملكاً له ويشكّ في أنّه خرج عن ملكه أم لا فيحكم أنه لا زال ملكه ولا يمكن الحكم عليه بالاباحة ولو كان في يد الغير وتحت هيمنته، ولا ندري أهو ملكه أم ليس ملكه، فما دام مهيمناً عليه ومسيطراً عليه وتحت يده

ص: 236

مسألة 1: في الشبهة المحصورة وغير المحصورة

مسألة 1: إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور كإناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع، وإن اشتبه في غير المحصور كواحد في ألف مثلاً لا يجب الاجتناب عن شيء منه(1).

--------------------------

يحكم بأنه له لأن اليد حجة ولا يحق التصرف فيه، أمّا إذا لم يكن سابقا تحت سيطرة الغير، كالماء الموجود في الصحراء ولا يعلم هل هو ملك لأحد أم لا، فيحكم عليه بانّه مباح، ويصح أخذه والوضوء به، فكلّ شيء لك حلال.

فهذه شكوك ثلاثة، الشكّ في الطهارة والنجاسة ويحكم عليه بالطهارة، الشكّ في الاباحة وعدم الاباحة ويحكم عليه بالاباحة، طبعاً إذا لم يوجد استصحاب أو يد أو أمارة أو ما أشبهه، والشكّ الثالث في الإطلاق والإضافة، ولا يحكم عليه لا بالإطلاق ولا بالإضافة، فأصالة الطهارة موجودة وثابتة، وكذلك أصالة الاباحة، ولكن لا يوجد إسمه أصالة الإطلاق وأصالة الإضافة.

مسألة 1:

هنالك مجموعة من المسائل تتناول أحكام الشكوك.

المسألة الأولى تتعلّق بالعلم الإجمالي، فان العلم على نوعين الأول العلم التفصيلي بان نعلم أن هذا الشيء حرام، الثاني العلم الإجمالي نعلم أنّ أحد هذين الشيئين محرّم فنقول هذا الشيء أو ذلك الشيء محرّم، مثلاً لو قلنا سافر زيد فهذا علم تفصيلي، ولكن إذا قلنا سافر زيد أو عمرو فالسفر مؤكّد ولكن القائم بالسفر مردد، فهو إمّا زيد وإمّا عمرو، فهذا هو العلم الإجمالي المركب

ص: 237


1- العروة الوثقى 1: 42.

--------------------------

من علم وشكّ، فإذا اجتمع العلم والشكّ فيما نحن فيه أطلق عليه العلم الإجمالي، فإذا علم ان احدى هذه الأواني نجسة فهل يجب الاجتناب عن جميعها أو لا؟ يقول المصنف (رحمه اللّه) : العلم الإجمالي نوعان، تارة تكون أطراف العلم الاجمالي محصورة، كما لو علم أنّ إحدى هذه الأواني العشرة متنجّسة، ففي هذه الحالة يجب الاجتناب عن الجميع، وتارة تكون غير محصورة، كما لو علم أنّ إناءاً واحداً من هذه الأواني الألف متنجّس، وفي هذه الحالة لا يجب الاجتناب عنها، والحاصل: ان حكم العلم الإجمالي هو انه إذا كانت الشبهة محصورة مثل إناء في عشرة، وجب الاجتناب عن الجميع، وإذا كانت الشبهة غير محصورة كإناء في الالف لم يجب الاجتناب عن الأواني، فإذا اشتبه نجس في عدد محصور، أو اشتبه مغصوب في محصور، كإناء في عشر أواني وجب الاجتناب عن الجميع، أي كلّ الأواني.

وإن اشتبه النجس أو المغصوب في عدد غير محصور، يعني العدد الكثير الذي يطلق عليه الشبهة غير المحصورة، كواحد في الألف مثلاً فلا يجب الاجتناب عن شيء منه، وإنّما يحقّ الشرب من جميعها، يقول السيّد الوالد دام ظله في الحاشية(1): يجب علينا أن نبحث عن ملاك المحصور وغير المحصور، فواحد في عشرة، وواحد في الألف ليس بملاك، فليس العدد ملاكاً، وإنّما هنالك ضابطان(2):

ص: 238


1- الحاشية على العروة الوثقى.
2- المصدر نفسه.

--------------------------

الضابط الأول: كون احتمال التكليف في كلّ فرد ضعيفاً جدّاً بحيث لا يعتني به العقلاء، فإذا كان هنالك إناءان وعلم أنّ أحدهما سمّ فاحتمال وجود السم في الإناء الأول 50% فيكون احتمال الموت الموت أيضاً 50% واحتمال العدم أيضاً كذلك، فلا يقوم العقلاء على الشرب منه، لأن الاحتمال معتد به عندهم، أمّا إذا كان السم في إناء في ضمن مليون إناء، فاحتمال كون السم في الاناء الأول هو واحد بالمليون، وهذا الاحتمال ضعيف جدّاً، وفي علم الرياضيات نظرية حساب الاحتمالات وفيها تفصيل وتطويل، إذ ان احتمالاً واحداً في مقابل 999999، احتمال ضعيف جدّاً، بحيث لا يعتني به العقلاء ولا يبنون عليه، فإذا كان احتمال التكليف في هذه الأطراف احتمالاً ضعيفاً، بحيث لا يعتني به العقلاء، فلا اثر لهذا العلم الإجمالي وحاصل الضابط الأول هو عدم وجود المقتضي، يعني أنّ التكليف باجتناب الخمر، والمغصوب ليس فيه مقتضي للشمول.

الضابط الثاني: عدم المانع، أي ثبوت المانع عن تنجيز العلم الإجمالي وهو تحقق الضرر أو الحرج المرفوعة بالأدلة الشرقية ك«لا ضرر ولا ضرار»، و«ما جعل عليكم في الدين من حرج» وما أشبه ذلك، كخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء فإنّ الاجتناب عن كلّ هذه الأطراف فيه ضرر أو ما أشبه ذلك، فلا يؤثر العلم الإجمالي، والحاصل: ان الملاك في تنجيز العلم الإجمالي أمّا عدم المقتضي وأمّا وجود المانع.

ص: 239

مسألة 2: لو اشتبه مضافٌ في محصور

مسألة 2: لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء أو الغسل إلى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه، فإذا كانا اثنين يتوضّأ بهما، وإن كانت ثلاثة أو أزيد يكفي التوضّؤ باثنين إذا كان المضاف واحداً، وإن كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل، وإن كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة، والمعيار أن يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد، وإن اشتبه في غير المحصور جاز استعمال كلّ منها كما إذا كان المضاف واحدا في ألف، والمعيار أن لا يعدّ العلم الاجمالي علماً، ويجعل المضاف المشتبه بحكم العدم فلا يجري عليه حكم الشبهة البدويّة أيضاً، ولكن الاحتياط أولى(1).

--------------------------

مسألة 2:

لو اشتبه مضاف في محصور، فنحن نعلم أنّ أحد هذه الأواني العشرة مضاف والبقيّة مطلقة، فهل يمكن تكرار الوضوء بهذا الماء؟

الجواب: نعم، ولكن ما هو المقياس في ذلك؟ المقياس أن تلاحظ كم هو المضاف فتزيد عليه واحداً، فإذا كان إناء من عشرة أواني مضاف والبقيّة ماء مطلق، توضّأ مرّتين، فيقطع انه توضّأ بالماء المطلق، وإذا علم بأنّ ثلاث أواني من هذه الأواني العشرة مضاف توضأ أربع مرّات فيقطع بأنه توضأ بالماء المطلق، وانما قال المصنف: «لا يجوز» لأنّه يتمكّن أن يأخذ ماءاً مطلقاً تفصيلاً فيتوضّأ به، كما يجوز له أن يكرر الوضوء أو الغسل إلى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه.

ص: 240


1- العروة الوثقى 1: 42.

--------------------------

والحاصل: انه إذا كان المضاف واحداً من ثلاثة، توضّأ مرتين، وإن كان المضاف اثنين في الثلاثة توضّأ ثلاث مرّات بكل إناء مرّة، فيجب استعمال الثلاثة، وإن كان المضاف اثنين في أربعة توضّأ ثلاث مرّات والمقياس هو أن يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد، فإذا كان المضاف عشرة توضّأ إحدى عشر مرّة، وإذا كان اثنى عشر، توضّأ ثلاث عشر مرّة، وهكذا، هذا كلّه إذا اشتبه المضاف في العدد المحصور، أمّا إذا اشتبه المضاف في غير المحصور، كما لو كان عندنا عشرة آلاف إناء، ونعلم أنّ واحداً منها مضاف، ففي الإناء الأول يوجد احتمال أن يكون مضاف واحد مقابل 9999 احتمال، وهذا الاحتمال ضعيف، فيصح ان يتوضئ بأي اناء حيث يجوز استعمال كلّ منها، وملاك غير المحصور هو أن لا يفيد العلم الإجمالي علماً، وان علم بان واحدا من الألف مضاف، ولكن هذا الواحد في الألف ليس علماً في الواقع، أي لا يتعامل معه معاملة العلم، والعقلاء لا يرتّبون عليه أثراً، ولذا لا يكترث العقلاء باحتمال وجود الخطر في ركوب الطائرة والسيارة، لأنّ الاحتمال ضعيف، والحاصل: ان وجود المضاف المشتبه بحكم العدم، وكأنّه لا يوجد مضاف، فلا يجري عليه حكم الشبهة البدويّة أيضاً، أما إذا كانت الشبهة بدوية كما في الاناء الواحد الذي لا يعلم هل هو مطلق، أم مضاف فلا يصح التوضئ به لأن اللّه تعالى يقول: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا}(1)، والمضاف كماء الرمّان ليس بماء، والاناء المجهول كونه مطلقا أو مضافا شبهة بدوية فلا يصح

ص: 241


1- الفرقان: 48.

--------------------------

التوضئ به بخلاف ما نحن فيه في الشبهة غير المحصورة حيث نأتي إلى الإناء الأول الذي في عشرة آلاف، ويصح التوضئ به مع وجود احتمال انه مطلق واحتمال انه مضاف والفرق في الشبهة البدوية الاحتمال عقلائي 50% مطلق، 50% مضاف، أو 60% مطلق، 40% مضاف، فيحتمل عقلائيا أن يكون مضافاً، فيجب البحث عن ماء آخر، أمّا في الشبهة غير المحصورة احتمال ان يكون الاناء الأول مضافا هو احتما واحد مقابل عشرة آلاف إلاّ واحد، وهو احتمال ضعيف جدّاً، فلا إشكال في الوضوء بهذا الماء وحده من دون ضم ماء آخر، فالعلم الإجمالي في غير المحصور أضعف من الشبهة البدويّة، والشبهة البدويّة يعني ليست المقرونة بالعلم الإجمالي، إذ هو إناء واحد ليس فيه إمّا وإمّا، ليس إمّا هذا الإناء أو ذلك الإناء، بل إناء واحد، لا يعلم أهو مطلق أم مضاف، فلا يمكن التوضئ به، ولكن في عشرة آلاف إناء يمكن التوضئ بالإناء الأول، ويجعل المضاف المشتبه بحكم العدم، وكأنّه لا وجود له، فلا يجري عليه حكم الشبهة البدويّة أيضاً، ففي الشبهة البدوّية لا يكفي الوضوء بهذا الإناء، ولكن في العلم الإجمالي الذي أطرافه غير محصورة يكفي الوضوء بالإناء الأول، أو بالإناء الثاني، أو بالإناء الثالث، إلى آخر الأواني، نعم الاحتياط أولى، فالاحتمال قائم ان يكون الاناء الذي توضئ به هو المضاف فللاحتياط يتوضئ مرّتين، مرّة بهذا الإناء ومرة بالإناء الثاني، فإذا كان واحداً في عشرة آلاف توضّأ وضوئين، وإذا كان اثنان في عشرة آلاف، الأفضل أن يتوضّأ ثلاث مرّات، لكنّه غير واجب.

ص: 242

مسألة 3: لو شك في إطلاق الماء وإضافته ولم يكن عنده غيره

مسألة 3: إذا لم يكن عنده إلا ماء مشكوك إطلاقه وإضافته، ولم يتيقن أنّه كان في السابق مطلقاً يتيمم للصلاة ونحوها، والأولى الجمع بين التيمم والوضوء به(1).

مسألة 4: لو علم إجمالاً بنجاسة الماء أو إضافته

مسألة 4: إذا علم اجمالاً أنّ هذا الماء إمّا نجس أو مضاف يجوز

--------------------------

مسألة 3:

إذا كان عنده ماء واحد لا يعلم أهو مطلق أم مضاف، لم يصح الوضء به إلا إذا كانت الحالة المتقدّمة معلومة فنستصحب، فإذا كان سابقاً مطلقاً، يحكم باطلاقه فيصح الوضوء به لأجل الاستصحاب فله أحكام المطلق، اما إذا كان سابقاً مضافاً وشك في أنّه صار مطلقاً أم لم يصر، حكم باضافته استصحاباً لحالته السابقة، وأمّا إذا لم يعلم الحالة المتقدّمة أو تعاقبت عليه الحالات، كان مطلقاً ومضافاً مطلقاً ومضافاً واختلطت الحالات، ولا يعلم المتقدّم من المتأخّر، فالحكم هو وجوب التيمم.

للصلاة ونحوها، كالطواف حول الكعبة، ولا يحتاج إلى وضوء؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: «ولم تجدوا ماءً فتيمموا»، وهو شاك في انه واجد للماء أم غير واجد، لأنّه إذا كان هذا الماء ماء رمّان فهو غير واجد للماء، وإذا كان ماء مطلق فهو واجد للماء، فإذا لم يعلم فالأصل عدم الوجدان له، فالحكم التيمم، ولكن الأفضل التوضؤ والتيمم لاحتمال كونه ماءاً حقيقة فعلم بالاحتياط، وأخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت.

مسألة 4:

لو كان الإناء واحداً لكن فيه احتمالان، فما هو الحكم؟ في المسألة فروض:

ص: 243


1- العروة الوثقى 1: 43.

شربه، ولكن لا يجوز التوضّؤ به، وكذا إذا علم أنّه إمّا مضاف أو مغصوب. وإذا علم أنّه إمّا نجس أو مغصوب فلا يجوز شربه أيضاً، كما لا يجوز التوضّؤ به، والقول بأنّه يجوز التوضّؤ به ضعيف جدّاً(1).

--------------------------

الفرض الأوّل: إذا علم اجمالاً أنّ هذا الماء إمّا نجس أو مضاف، فعلى الاحتمالين لا يصح التوضؤ به، فإذا توضّأ به كان وضوؤه باطلاً على كلا التقديرين، كما لو علم أنّ هذه إمّا أُمّه من الرضاعة وإمّا أخته من الرضاعة، فلا يجوز أن يتزوّجها، وكما لو علم أنّ هذا اللّحم إمّا لحم هرّة وإمّا لحم فأرة، فلا يجوز أن يأكل منه.

والبحث الثاني في المسألة هو جواز شرب هذا الماء أم لا؟ لأنه إمّا نجس أو مضاف، فإذا كان مضافاً جاز شربه، وإذا كان نجساً لم يجز فهو شك في حكم المولى بوجوب الاجتناب لأنه إذا كان مضافاً لا يجب الاجتناب عنه والحكم في الشبهة الموضوعيّة؟ هو الحلية لقوله: «كلّ شيء لك حلال»، كالجبن الذي يشك فيه شحم الخنزير أو ليس فيه، حيث يجوز أ:له لأدلة البراءة ك: «كلّ شيء لك حلال»، و«رفع ما لا يعلمون»، و «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»، والحاصل: انه إذا علم اجمالاً أنّ هذا الماء إمّا نجس كما لو وقعت فيه قطرة دم، أو مضاف طاهر جاز شربه؛ لأنّه شكٌّ في التكليف، والشكُّ في التكليف مجرىً للبراءة العقليّة وللبراءة الشرعيّة، ولكن لا يجوز التوضؤ به لأنّ التوضؤ به باطل على كلا التقديرين.

الفرض الثاني: إذا علم أنّه إمّا مضاف وإمّا مغصوب، كما لو أخبر بذلك

ص: 244


1- العروة الوثقى 1: 43.

مسألة 5: لو أريق أحد الإنائين المشتبهين

مسألة 5: لو أريق أحد الإنائين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبيّة لا يجوز التوضّؤ بالآخر وإن زال العلم الإجمالي، ولو أريق أحد المشتبهين من حيث الإضافة لا يكفي الوضوء بالآخر، بل الأحوط الجمع بينه وبين التيمم(1).

--------------------------

البيّنة فلا يصح الوضوء به لان الوضوء باطل على كلا الاحتمالين لكن يجوز شربه لقاعدة رفع ما لا يعلمون، وكلّ شيء مطلق، وكلّ شيء حلال.

الفرض الثالث: إذا علم أنّه إمّا نجس وإمّا مغصوب، فلا يصح الوضوء به لان الوضوء باطل على كلا الاحتمالين؛ لأنّه إذا كان نجساً فشرب النجس حرام، وإذا كان مغصوباً فشرب المغصوب أيضاً حرام، فالتكليف متوجه إليه على كلّ التقادير، فيجب الاجتناب عنه، والقول بأنّه يجوز التوضّؤ به ضعيف جدّاً، فهذا الذي يقول يجوز التوضّؤ بهذا الماء كلامه غير صحيح؛ لأنّه إذا كان مغصوباً فالوضوء به باطل، وإذا كان نجساً فالوضوء به باطل، فإذا توضّأ به كان وضوؤه باطلاً على كلا التقديرين.

مسألة 5:

لو حصل علم إجمالي منجّزٌ للتكليف، ويجب الاجتناب عن كلّ الأطراف المحتملة فيما لو كانت الشبهة شبهة محصورة، فإذا خرج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، فهل يبقى التنجيز أم لا؟ كما لو كان هنالك إناءان أحدهما ملاقٍ للدم وجب الاجتناب عن كليهما، فإذا ألقي أحدهما في البحر ولم يبق إلاّ إناء واحد، فهل يجب الاجتناب عن الإناء المتبقي؟

ص: 245


1- العروة الوثقى 1: 43.

--------------------------

الجواب: نعم؛ لأنّ العلم الإجمالي إذا تنجّز وثبت في رقبة المكلّف، يبقى ثابتاً حتّى إذا فرض خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، وللتوضيح نمثل بهذا المصال إذا علم بأنّ العدو ألقى السمّ في أحد الانائين فالعقل يقول اجتنب عن كليهما، فإذا أُتلف أحدهما وأُعدم، فلا يجوّز العقل الشرب من الإناء الثاني؛ لأنّ العلم الإجمالي إذا تنجّز كان تنجزه باقيا وان خرج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، والحاصل انه أريق أحد الاناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو المشتبهين من حيث الغصبيّة، بحيث خرج عن محلّ الابتلاء، كما لو ألقي في البحر، فلا يجوز التوضّؤ بالإناء المتبقي ولا يجوز شربه، وإن زال العلم الإجمالي؛ لعدم وجود متعلق له، فسابقاً كنت تقول إمّا هذا الإناء أو ذاك الإناء، أمّا الآن فلا يوجد يشار اليه إمّا هذا أو ذاك لانتفاء أحد العدلين ومع ذلك يبقى الحكم.

المسألة الثانية: إذا كان أحد الإنائين مطلقاً والثاني مضافاً وليس هنالك إناء آخر، فالحكم هو الوضوء بهما معاً؛ لأنّه إذا توضّأ بهما معاً علم بانه توضّأ بالماء المطلق، فإذا أُريق أحد الإناءين ولم يبق إلاّ إناء واحد، فما هو الحكم هنا؟ الوضوء أم التيمّم أم الجمع بين الوضوء والتيمم؟

الجواب: الحكم الجمع فيما بين الوضوء وبين التيمم، ولا يكفي الوضوء بالماء الآخر، فقط، بل الأحوط الجمع بينه وبين التيمّم.

وربما يقال هنا ما هو الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الثالثة؟ حيث كان عنده ماء ولكن لا يعلم أنّه مطلق أم مضاف، وقد قلنا إنّ حكمه التيمم، وهنا نقول يتوضّأ ويتيمم.

ص: 246

مسألة 6: في ملاقي أحد المشتبهين بالشبهة المحصورة

مسألة 6: ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة، لكن الأحوط الاجتناب(1).

--------------------------

الجواب، الفرق فيما بينهما، أنَّ هناك لا يعلم أنّ هذا الماء مطلق أم مضاف والأصل عدم وجدان الماء فالحكم التيمم لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا}(2) أمّا هنا فالماء المتبقي ان كان غير معلوم أنّه مطلق أو مضاف إلا أن المولى أوجب الوضوء به من قبل ولم يعرف أنّ حكم المولى تغيّر أم لم يتغيّر فيستصحب الحكم وبقاءه، فنقول أنّ المولى قد قال توضّأ بهذا الإناء فنتوضأ به، وبعد التوضئ لا يعلم انه متوضئ لاحتمال ان يكون الماء مضافا فيجب التيمّم أيضاً؛ هذا ما يستفاد من تقرير بعض العلماء، وبعبارة ثانية يتوضّأ لأنّ المولى كلفه من قبل بالوضوء بهذا الإناء، ويتيمم حتّى يتيقن بانه متطهّر. وهنالك تقرير آخر مفاده: يعلم الفرد انه مكلّف إمّا بالوضوء أو التيمم فيجب عليه الجمع فيما بينهما، والحاصل: انه لا يكفي الوضوء بالإناء بالآخر، بل الأحوط الجمع بينه وبين التيمم.

مسألة 6:

قلنا ان الملاقاة للنجس أو المتنجّس توجب تنجّس الملاقي، فلو لاقت اليد الدم برطوبة فهي تتنجّس؛ لأنّ ملاقي النجس يتنجّس، كما لو لاقت إناءً متنجساً فاليد تتنجّس، لأن ملاقي المتنجس يتنجس، وهذه المسألة في ملاقي الشبهة المحصورة فلو كان هنالك اناءان احدهما متنجس وقد حكم المولى

ص: 247


1- العروة الوثقى 1: 43.
2- النساء: 43.

--------------------------

بلزوم الاجتناب عنها معاً فلاقت اليد أحد هذين الإنائين فهل تصبح متنجّسة أم لا؟ فان ملاقاة المتنجّس توجب الاجتناب عن الملاقي، ولكن اليد لاقت المشتبه، فإنَّ من المحتمل أن يكون الماء متنجّساً فتصير اليد متنجسة، ومن المحتمل أن يكون غير متنجّس فلا تصير متنجسة، فاليد إمّا تنجست وإمّا لم تتنجس والحكم هو الطهارة، بخلاف ما إذا وضعت إليه في الاناءين معاً فانها تتنجس قطعا لأنها لاقت المتنجس اما ملاقاة الشبهة المحصورة، يعني لاقت بعض الأطراف وليس كلّ الأطراف، كما في مثال أحد الإنائين، فلا يحكم عليها بالنجاسة، وهذه المسألة لها ثمرة عمليّة عظيمة في البيوت، فالطفل يبول في البيت، فمن يعلم أنّ بعض الأماكن متنجسة وبعد ذلك يأتي شخص ورجله مبلّلة ويمشي على هذه الأرض أو على هذا السجّاد، فما حكم رجله؟ الجواب: تارة يعلم أنّ رجله لاقت الموضع المتنجّس فالحكم النجاسة، وأخرى لا يعلم حقيقة هل لاقت رجله الرطوبة المحلّ المتنجّس أم لا؟ هذا غير معلوم، لعلّها لاقت، ولعلّها لم تلاق، والحكم الطهارة ولا يلزم عليه أن يغسل رجله، بل ينقل عن بعض العلماء أنّه إذا كان في الغرفة 100 طابوقة، وكان 99 منها طاهرة وواحدة نجسة وقد وضع الإنسان رجله الرطبة على الطابوقة الأولى لم تتنجس رجله لاحتمال عدم ملاقاة النجاسة وهكذا لو وضعها على الطابوقة الثانية وإلى 99 طابوقة فإنّها لا تتنجس، بل يحكم عليها بالطهارة؛ لأنه غير متيقن بحصول الملاقاة للشيء المتنجّس، ولكن الأفضل الاجتناب احتياطاً «أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت».

ص: 248

مسألة 7: لو إنحصر الماء في المشتبهين

مسألة 7: إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمّم، وهل يجب إراقتهما أو لا؟ الأحوط ذلك، وإن كان الأقوى العدم(1).

مسألة 8: لو اُريق أحد الإنائين المتعيّن النجس منهما من الطاهر

مسألة 8: إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس، والآخر طاهر، فأريق

--------------------------

مسألة 7:

إذا انحصر الماء في المشتبهين من حيث النجاسة، حيث لا يوجد إلاّ ماءان، وقد وقع الدم في أحدهما فالحكم التيمم، وهل يجب إراقة المائين قبل التيمم أو لا؟ قال بعض العلماء نعم؛ لأنّه ورد في الرواية ما مضمونه عن رجل له إناءان تنجّس أحدهما ولا يعلمه بعينه فقال الإمام صلوات اللّه عليه يهريقها ويتيمم، فأولاً يريق المائين ثمّ يتيمم وهو الأحوط، لكن الأقوى العدم، والمراد من قوله (عليه

السلام) يهريقهما يعني لا ينتفع به، وهذه كناية وليس المقصود المعنى الحقيقي للإراقة بل عدم التوضئ به وهذا مثلما لو سئل العالم عن شربت مضاف وضع الطفل يده الملوّثة بالدم فيه فأجاب صبّه في البحر، فهل المراد صبّه في البحر حقيقة؟ كلا، بل المراد عدم الانتفاع به، وهذه كناية كما في بعض الروايات يلقيه في «البالوعة» في الدراهم المغشوشة، يقطعهما نصفين ويلقيها في البالوعة، فهل فعلاً يقطعها نصفين ويلقيها في البالوعة، أم هذه كناية يعني لا ينتفع بها، والحاصل: ان الإراقة غير واجبة ولكن الأفضل ذلك.

مسألة 8:

إذا كان هنالك إناءان أحدهما المعيّن نجس والآخر طاهر، فهنا يتحقق علم تفصيلي، ولا علم إجمالي في البين، حيث لا ابهام في المقام، فهذا الإناء الذي

ص: 249


1- العروة الوثقى 1: 43.

أحدهما ولم يعلم أنّه أيّهما فالباقي محكوم بالطهارة، وهذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين وأريق أحدهما، فإنّه يجب الاجتناب عن الباقي، والفرق أنّ الشبهة في هذه الصورة بالنسبة إلى الباقي بدويّة بخلاف الصورة الثانية، فإن الماء الباقي كان طرفاً للشبهة من الأول، وقد حكم عليه بوجوب الاجتناب(1).

--------------------------

على الأيمن نجس، وهذا الذي على الأيسر طاهر، فاريق أحدهما، كما لوأتى الطفل وحمل أحد الإنائين وصبّه على الأرض، فالإناء الباقي محكوم بالطهارة وذلك لأن المتحقق في المقام علم تفصيلي وقد خرج عن محل الابتلاء فنأتي إلى الإناء الباقي فنقول هذا الإناء إمّا طاهر أو نجس ولم يعلم من قبل ان المولى أمر بالاجتناب عنه حيث انه إذا كان هو النجس فالمولى أمر بالاجتناب عنه، وإذا كان هو الطاهر فالمولى لم يأمر بالاجتناب عنه، فإذن إمّا قال اجتنب عنه وإمّا لم يقل، ولم يقل إمّا هذا وإمّا هذا فان التعبير مختلف، فتارية يقول إمّا هذا وإمّا هذا، وتارة لا أعلم هل قال أم لم يقل فهنا تردد، والحكم هو كلّ شيء لك طاهر، فدائماً إذا دار الأمر إمّا حلال وإمّا حرام، فالحكم الحلية وإذا دار الأمر بين أن يكون طاهراً أو غير طاهر، فالحكم الطهارة، فإذن الإناء الباقي محكوم بالطهارة.

يقول السيد الوالد دام ظله في الحاشية(2)

يقول إن لم يكن للمراق أثر فعلي في محلّ الابتلاء ولو نفس الآنية أو ملاقيها أو نحو ذلك، توضيح هذه الحاشية،

ص: 250


1- العروة الوثقى 1: 43.
2- الحاشية على العروة الوثقى، 10.

--------------------------

تارة يكون الأمر مثل ما مثلّنا بالطفل الذي أتى وأخذ الإناء وإلقاه في البحر، فهذا الكلام صحيح، وتارة يوجد إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس، والطفل أتى وأراق أحد الاناءين في الغرفة، فهنا لدينا علم إجمالي؛ لأننا نعلم إمّا هذا الماء المتبقي نجس فيجب الاجتناب عنه، أو الفرش متنجس فيجب الاجتناب عنه ومع تحقق العلم الإجمالي يجب الاجتناب عن الطرفين الفرش والماء المتبقي، بخلاف الصورة الأولى حيث لا أثر كما في الاناء الملقى في البحر فاننا نأتي إلى الإناء الثاني فنقول أنّه نجس أم لا؟ غير معلوم، وهل يأمر المولى بالاجتناب عنه؟ هل قال في السابق اجتنب عن هذا الإناء؟ غير معلوم، فيكون مشمولا لقوله كلّ شيء لك طاهر، فالإناء الذي لم يلق في البحر طاهر، وهذا الفرض في صورة العلم التفصيلي، وهو بخلاف ما لو تحقق العلم الإجمالي من قبل، فمن البداية أمر المولى بالاجتناب، ولكن لا يعلم هل الأمر بالاجتناب تعلّق بهذا الإناء أو بذلك الإناء، فالعقل يقول اجتنب عن الاثنين، ثم جاء الطفل وأخذ أحد الإنائين وألقاه في البحر، وبقي إناء واحد فيجب الاجتناب عنه؛ لأنّ المولى أمر من قبل: بالاجتناب عنه، والآن يجب الاجتناب عنه، ولكن ما هو الفرق بين الصورتين؟ ففي صورة العلم التفصيلي قلنا لا يجب الاجتناب عن الإناء المتبقي، أمّا في صورة العلم الإجمالي فيجب الاجتناب عن الإناء المتبقي؟ الفرق هو أنّ الشبهة في الصورة الأولى بالنسبة إلى الإناء الباقي شبهة بدويّة(1)، أي غير مقرونة بالعلم الإجمالي، فعندما أشكّ

ص: 251


1- وقد شرحنا معنى الشبهة البدوية.

مسألة 9: فيما إذا لم يعلم أنّه مأذون في التصرّف في الماء

مسألة 9: إذا كان هناك إناء لا يعلم أنّه لزيد أو لعمرو، والمفروض أنّه مأذون من قبل زيد فقط في التصرّف في ماله لا يجوز له استعماله، وكذا إذا علم أنّه لزيد مثلاً لكن لا يعلم أنّه مأذون من قبله أو من قبل عمرو(1).

--------------------------

في أنّ هذا طاهر أم غير طاهر، فهذه الشبهة بدويّة، بخلاف الصورة الثانية الّتي منذ البداية كان فيها علم إجمالي، فإنّ الماء الباقي كان طرفاً للشبهة من الأول، فإذا كان علم إجمالي في أنّ هذا الماء إمّا متنجّس أو ذلك الماء، وقد حكم المولى باجتنب، المتعلّق إمّا بالأول أو بالثاني، فيحكم العقل باجتنب عن الاثنين، فإذا كان اجتنب متعلقا بهذا الإناء وهذا الإناء قد أُلقي في البحر ف«اجتنب» الإناء الثاني باقٍ ولا يذهب به العلم الإجمالي فقد قلنا أن العلم الاجمالي تنجّز وثبت في رقبة المكلّف فإنّه يبقى في رقبة المكلّف، حتّى إذا خرج أحد أطرافه فان العلم يبقى بحاله فإنّ الماء المتبقي كان طرفاً للشبهة من الأول وقد حكم عليه بوجوب الاجتناب، والعقل أو المولى قال اجتنب عن هذا الإناء، «فاجتنب» يبقى حتّى إذا خرج الإناء الثاني عن محلّ الابتلاء.

مسألة 9:

لو أذن زيد بالتصرّف في أمواله بينما عمرو لم يأذن ويوجد هنا إناء أو أرض أو ثوب، ولا يعلم بأنّه لزيد أو لعمرو، فلا يجوز التصرف فيه؛ لأنّه لا يحلّ التصرّف في أموال الآخرين إلاّ بإذنهم، ولا يعلم تحقق الإذن في التصرّف في هذا الإناء أو لا؟ بل يجب تحصيل اليقين بالإذن، وأمّا احتمال

ص: 252


1- العروة الوثقى 1: 44.

مسألة 10: فيما إذا توضّأ من الإنائين المشتبهين

مسألة 10: في الماءين المشتبهين إذا توضّأ بأحدهما أو اغتسل وغسل بدنه من الآخر ثمّ توضّأ به أو اغتسل صحّ وضوءه أو غسله على الأقوى. لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة، ومع الانحصار الأحوط ضمّ التيمم أيضاً(1).

--------------------------

الإذن فهو غير كافٍ، وكذا إذا عُلم أنّ الإناء لزيد، ولكن لا يعلم أنّه مأذون من قبله أو من قبل عمرو، فلا يجوز التصرف فيه لعدم العلم بإذن مالك هذا الإناء في التصرّف، والخلاصة: التصرّف في أموال الآخرين يحتاج إلى اليقين بالاذن، فإذا شككت في أنّ هذا مال الآذن أم مال غيره، فلا حق في التصرّف فيه.

مسألة 10:

قلنا أنّه لو كان ماءان مشتبهان، وعلمنا أنّ أحدهما طاهر والثاني غير طاهر، فان وظيفة المكلّف هي التيمم، وهنالك طريقة ثانية وهي: أن يتوضّأ وضوئين بأن يأخذ الإناء الأول فيتوضأ به وضوءاً ثم أنّ يأخذ الإناء الثاني ويطهّر به مواضع الوضوء من الأول، يعني يصبّ الماء على مواضع الوضوء حتّى تطهر، لو فرضنا أنّها تنجّست بسبب الإناء الأول، ثم أن يتوضّأ بالإناء الثاني وضوءً ثانياً، فيكون وضوء بالإناء الأول، ووضوء بالإناء الثاني، وبينهما يطهّر مواضع الوضوء بالإناء الثاني، وتصح هذه النظرية في المائين المشتبهين الذين نعلم بأنّ أحدهما متنجّس، والعلّة ان هنالك أمران أحدهما الوضوء والآخر الطهارة، (الطهارة الحدثيّة والطهارة الخبثيّة)، وقد حصلا في المقام أمّا بالنسبة إلى الطهارة الحدثيّة يعني إزالة الظلمة الباطنيّة فقد حصلت؛ لأنّه إذا كان الماء

ص: 253


1- العروة الوثقى 1: 44.

--------------------------

الأول طاهراً فقد توضّأ بالماء الطاهر فإذاً هو متوضئٌ، وإذا فرضنا أنّ الماء الأول لم يكن طاهراً فالوضوء الأول باطل، والمفروض أنّه غسل مواضع الوضوء بالإناء الثاني فطهرت تلك المواضع، ثمّ توضّأ وضوءاً ثانياً بالإناء الثاني، فعلى كلّ تقدير هو متوضيء. أمّا إذا كان الاناء الثاني نجساً فقد توضّأ بالأول، وقد حصلت الطهارة الحدثيّة قطعاً، فهو متوضيءٌ على كلّ تقدير، سواء كان الإناء الأول هو الطاهر، أو كان الإناء الثاني هو الطاهر، واما الطهارة الخبثيّة فلأنّ بدنه كان متنجّساً في وقت وطاهرا في وقت آخر، فبدنه متنجس إمّا حين الوضوء الأول، وإمّا حين الوضوء الثاني، فنستصحب النجاسة، وفي المقابل نستصحب الطهارة إذ كان بدنه طاهراً في وقت من الأوقات فيتعارضان، ويتساقطان، وبالنتيجة يشكّ في أنّ بدنه الآن طاهر أم لا، فهنا احتمالان، فيكون مشمولا لقوله: «كلّ شيء لك طاهر» فيحكم عليه بانه متوضّئ وطاهر قطعاً، وهذا تخريج صنعه بعض الفقهاء.

ويتمكّن أن يدخل في الفريضة بهذا الوضوء، لكن الأفضل ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة، فإذا وجد ماءاً طاهراً قطعاً فالأفضل أنّ يتوضّأ بذلك الماء ويترك الوضوء بهذين المائين المشتبهين.

وأمّا مع الانحصار، أي لم يوجد عنده إلاّ هذين المائين المشتبهين، كما لو كان في الصحراء مثلاً، فالأحوط ضمّ التيمم أيضاً، لكنه غير واجب، والحاصل: ان التيمم ممكن والوضوء بهذا النحو ممكن أيضاً، ولكن الأفضل إذا توضّأ بهذا النحو أن يضمّ التيمم أيضاً.

ص: 254

مسألة 11: في جريان قاعدة الفراغ إذا حصل له العلم بنجاسة أحدهما بعد التوضّي

مسألة 11: إذا كان هناك ماءان توضّأ بأحدهما أو اغتسل، وبعد الفراغ حصل له العلم بأنّ أحدهما كان نجساً، ولا يدري أنّه هو الذي توضّأ به أو غيره، ففي صحّة وضوئه أو غسله إشكال، إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محلّ إشكال. وأمّا إذا علم بنجاسة أحدهما المعيّن وطهارة الآخر فتوضّأ، وبعد الفراغ شكّ في أنّه توضّأ من الطاهر أو من النجس، فالظاهر صحّة وضوءه لقاعدة الفراغ، نعم لو علم أنّه كان حين التوضّؤ غافلاً عن نجاسة أحدهما يشكل جريانها(1).

--------------------------

مسألة 11:

إذا كان هناك ماءان فتوضّأ بأحدهما أو اغتسل، وبعد الفراغ من الوضوء قامت البيّنة فقالت إنّ أحد الإنائين كان نجساً ولم تعين أيها النجس حيث علمت البينة بأنّ الطفل قد نجّس أحد الإنائين بالأمس، فما هو حكم الوضوء أو الغسل، وهنا بحثان.

البحث الأول: في جريان قاعدة الفراغ ومفادها أنَّ كلّ ما يعمله الإنسان ثم يشك في صحة بطلانه يحكم بصحته كما لو صلى وبعد الصلاة شك في انه صلّى إلى القبلة أو إلى عكسها، فالحكم صحة الصلاة، وكما لو صلاة الصبح في حالة من الغفلة وبعدها شك في انه توضأ أم لم يتوضّأ، وكلّما فكّر لم يتذكّر، فالحكم صحة الصلاة، وفي المسألة التي نحن فيها هل تجري قاعدة الفراغ أم لا؟ يقول المصنف في صحّة وضوءه أو غسله إشكال فإن جريان قاعدة الفراغ هنا محلّ إشكال، ولكن السيد الوالد دام ظله يقول لا إشكال فيه

ص: 255


1- العروة الوثقى 1: 44.

--------------------------

من ناحية قاعدة الفراغ(1)، والسر في الاختلاف بينهما ان صاحب العروة يرى ان قاعدة الفراغ مشروطة بالالتفات حين العمل، فإذا كان ملتفتاً حين العمل جرت القاعدة، أمّا إذا لم يكن ملتفتاً حين العمل فلا تجري، وفي المقام لم بكن يعلم أنّ أحد الإنائين متنجّس ولم يكن ملتفتا حين العمل وانما التفت فيما بعد فلا تجري في حقه قاعدة الفراغ عنه صاحب العروة. وأما السيّد الوالد دام ظله فيرى أنّ قاعدة الفراغ تجري سواء كان غافلاً حين العمل أم لم يكن غافلاً؛ لأنّ الأدلّة - أي أدلة قاعدة الفراغ - مطلقة، فكلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فأمضه كما هو، وبناءً على ذلك يظهر الحكم والفرق بين الرأيين في هذه المسألة وهي أنه إذا كان في اليد خاتم ولا يعلم في حال الوضوء أوصل الماء إلى ما تحته أم لا وشك بعد الوضوء، فعلى رأي صاحب العروة إذ كان ملتفتاً إلى وجود الخاتم حين العمل ولكن مع الالتفات غفل ولم يوصل الماء تحته فان الحكم الصحة فيقول إن شاء اللّه وصل الماء، وعلى رأي السيد الوالد دام ظله سواء كان ملتفتاً إلى وجود الخاتم أو غير ملتفت، ولكن احتمل وصول الماء إليه جرت القاعدة فيقول إن شاء اللّه الماء وصل الماء إليه، هذا هو البحث الأول من ناحية قاعدة الفراغ.

البحث الثاني: من ناحية العلم الإجمالي، فان السيد الوالد دام ظله من هذه الناحية يفصّل(2)

فيقول تارة يوجد علم إجمالي منجّز في البين، وتارة لا

ص: 256


1- الحاشية على العروة الوثقى: 10.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 10.

--------------------------

يوجد، كما لو توضأ بأحد الإنائين ثمّ خرج الإناء الآخر الذي لم يتوضّأ به عن محل الابتلاء كما لو ألقاه الطفل في البحر، وبعد ذلك قامت البيّنة على إنّ أحد الإنائين كان متنجّساً، فلا يوجد علم إجمالي الآن؛ لخروج أحد طرفي العلم الإجمالي عن محل الإبتلاء، فالعلم الإجمالي غير مؤثّر، فالحكم هنا صحة الوضوء، أمّا إذا كان الإناء الثاني موجوداً، فالعلم الإجمالي منجز لأنه توضأ بالاناء الأيمن مع وجود الإناء الأيسر فيعلم ان المولى يقول إمّا وضوؤك باطل فأعد وضوءَك، إذا كان الإناء الأيمن متنجساً وإمّا أجتنب عن الإناء الأيسر، إذا كان الإناء الأيسر هو المتنجّس ولا يدع العلم الإجمالي مجالاً لقاعدة الفراغ فيقف أمامها؛ لأنّ القواعد والأصول العمليّة لا تجري في أطراف العلم الإجمالي المنجّز، فيقول المولى اجتنب عنهما وكذا العقل، الحاصل: انه لا اشكال من ناحية قاعدة الفراغ، وإنّما الإشكال من ناحية العلم الإجمالي، فإذا كان العلم الإجمالي قائماً فالوضوء باطل، ولا تجري قاعدة الفراغ في أطراف العلم الإجمالي، أمّا إذا لم يكن العلم الإجمالي قائماً، كما في ذهاب المتعلّق الآخر، وسقوطه في البحر قبل تولّد العلم الإجمالي، فالوضوء صحيح؛ لجريان قاعدة الفراغ.

الفرع الثاني: لو علم تفصيلا بنجاسة احدهما المعين كما لو كان الإناء الأيمن طاهراً والإناء الأيسر نجساً، ثمّ توضّأ، وبعد الفراغ شكّ في أنّه توضّأ من الطاهر أو من النجس، فمن المحتمل أنّه غفل فتوضأ من الماء النجس ومن المحتمل أنّه توضّأ من الإناء طاهر، فلا علم اجمالي في البين فلا يوجد مانع من جريان قاعدة الفراغ، فالظاهر صحّة وضوئه لقاعدة الفراغ، بلا فرق بين أن

ص: 257

مسألة 12: في وجوب الضمان إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبيّة

مسألة 12: إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبيّة لا يحكم عليه بالضمان إلا بعد تبيّن أنّ المستعمل هو المغصوب(1).

--------------------------

يكون حين التوضّؤ غافلاً أو ملتفتاً، فتارة المكلّف حين التوضؤ ملتفت إلى علمه المتقدّم، ومرّة أخرى ذُهل حين التوضؤ وقد كان يعلم أنّ هذا الإناء طاهر وذلك نجس، ولكنّه ذُهل فغفل، فلا فرق في أن يكون حين العمل غافلاً أو لا، والحاصل: إذا كان عنده علم تفصيلي بنجاسة هذا الإناء وطهارة ذلك، ثمّ توضّأ بأحدهما وشك انه بأيهما توضأ فوضوءه صحيح على كلّ التقادير.

مسألة 12:

إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبيّة، بعد أن علم أن أحدهما مغصوب، لكن لم يعلمه بعينه فلا ضمان عليه فإذا تناول الإناء الأول وشرب منه فلا يحكم عليه بالضمان لصاحب أحدهما المشتبه، إلاّ بعد تبيّن أنّ المستعمل هو المغصوب فإذا تبيّن أن الذي شرب منه هو ملك الرجل فيجب عليه دفع بدله، أمّا إذا لم يتبيّن فهو غير ضامن؛ لأنّه انما يثبت الضمان إذا أتلف مال الغير، وذلك غير معلوم في المقام؛ لأنّ من المحتمل أن يكون المتلف مال الغير، ومن المحتمل أن يكون ذلك الآخر هو مال الغير ولم يتلفه، وإنّما أتلف مال نفسه لأن المفروض أنّ أحدهما ملكه والآخر ملك غيره، فإذا لم يعلم انه اتلف مال الغير فهو غير ضامن، فالضمان بثبوت المحمول فرع ثبوت الموضوع، مثلاً إذا قال المولى أنّ الكلب نجس، وهنالك كلب وشاة، وفي الظلام لمس أحدهما، فلا تتنجس يده؛ لأنّ المولى قال ملامسة الكلب

ص: 258


1- العروة الوثقى 1: 45.

--------------------------

برطوبة منجسة وغير معلوم انه لامس الكلب، فلم يثبت الموضوع فلم يثبت المحمول أيضاً.

والحاصل: انه غير ضامن إلى ان يثبت الحال، فإذا تبيّن أنّ هذا الإناء إناء الآخرين فهو ضامن لهم، وإذا لم يتبيّن فهو غير محكوم من الناحية الظاهريّة بالضمان، فلا يحكم عليه بالضمان إلاّ بعد تبيّن أنّ المستعمَل - يعني الذي استعمله وأتلفه - هو المغصوب وهو ملك الآخرين فيكون ضامناً لهم.

ص: 259

البحث العاشر: في الأسئار

سؤر نجس العين كالكلب والخنزير والكافر نجس، وسؤر طاهر العين طاهر، وإن كان حرام اللّحم، أو كان من المسوخ، أو كان جلّالاً نعم يكره سؤر حرام اللّحم ما عدا المؤمن، بل والهرّة على قول، وكذا يكره سؤر مكروه اللّحم كالخيل والبغال والحمير، وكذا سؤر الحائض المتّهمة بل مطلق المتّهم(1).

--------------------------

البحث العاشر: في الأسئار

السؤر في مصطلح الفقهاء عبارة عن الماء الذي لاقاه جسم حيوان، فمثلاً إذا شربت الهرّة من الماء فالماء المتبقي في الإناء يطلق عليه السؤر، وكذلك إذا وضعت الهرة يدها في اناء أيضاً، وكذلك بالنسبة إلى الطعام الذي لاقاه جسم الحيوان إذا كانت فيه رطوبة سارية فالبقيّة الباقية من ذلك الطعام الذي سرت إليه الرطوبة يطلق عليه السؤر، ولكن الآسار على أربعةأنواع:

النوع الأول: سؤر نجس العين نجس كما لو أنّ يد الكافر وفمه لاقيا الماء أو لاقيا الطعام المرطوب، فسؤر الكلب وأخويه - الخنزير والكافر - سؤرها محكوم بالنجاسة.

النوع الثاني: سؤر حرام اللّحم، غير تلك الثلاثة(الكافر والكلب والخنزير) مكروه، كالهرّة والسبع والنمر وما أشبه ذلك، فكلّ حيوان محرّم اللّحم سؤره

ص: 260


1- العروة الوثقى 1: 45.

--------------------------

مكروه وليس بحرام، فالأسد أو القرد إذا شرب من ماء، يكره أن يشرب من ذلك الماء، نعم يستثنى من ذلك المؤمن والهرّة، فالمؤمن حيوان(1)

حرام اللّحم، ولكن لا كراهة في سؤره، والهرة أيضاً، ولا كراهة في سؤرها على قول بعض الفقهاء.

النوع الثالث: سؤر مكروه اللّحم كالخيل والبغال والحمير مكروه.

النوع الرابع: سؤر بقيّة الحيوانات الّتي هي ليست نجس العين ولا حرام اللّحم ولا مكروهه، مباح وليس بحرام ولا مكروه، وأمّا في سؤر أهل الكتاب فهنالك خلاف بين الفقهاء.

والحاصل: ان سؤر طاهر العين الّتي هي كلّ الحيوانات الأُخرى عدا(الكلب والخنزير والكافر) طاهر حيث لا موجب لتنجّسها، لأنّ الحيوان ليس نجساً حتّى ينجّس ذلك الماء، أو ينجّس ذلك الطعام، وإن كان حرام اللّحم، فحتّى إذا شرب الأسد من ماء فبقيّة ذلك الماء طاهر وغير نجس؛ لأنّ الأسد ليس نجساً، أو كان من المسوخ كالقرد والفيل والضبّ والقنفذ والأرنب، فهذه الحيوانات ممسوخة ولكن سؤرها طاهر أيضاً، وفي الروايات أنّ هذه الحيوانات الّتي عندنا الآن ليست من المسوخ؛ لأنّ المسوخ لا تعيش أكثر من ثلاثة أيام، فالأفراد الذين تحوّلوا(مُسخوا) إلى قردة والفرد الذي حوّل إلى فيل لم يبقوا إلاّ ثلاثة أيام، ثمّ انقرضوا، وقد خلق اللّه سبحانه وتعالى

ص: 261


1- (حيوان بالمعنى المنطقي)، يعني جسم نام متحرّك بالإرادة إلى آخر الحدّ المذكور في المنطق، فهو حيوان، يعني حيّ وحرام اللّحم؛ لأنّه لا يمكن أن يؤكل.

--------------------------

على هيئتهم هذه الحيوانات، فإذا قيل إنّها مسوخ يعني أنّها على هيئة تلك المسوخ، وهذه الحيوانات كلّها طاهرة، فإذا شربت من ماء فذلك الماء لا يتنجّس، وإذا وضعت يدها في ماء فالماء لا يتنجّس، وكذا إذا كان الحيوان جلّالاً، والجلّال هو الحيوان الذي يتغذّى على عذرة الإنسان مدّة، فيطلق عليه الجلّال مثل الدجاج الموجود في البيت يأكل العذرة حتّى يطلق عليه الجلّال، فهذا الجلّال كان حلال اللّحم، ولكن الآن لحمه محرّم بسبب الجلل لكن بدنه طاهر، فبناءً على ذلك إذا شرب من الماء فالماء لا يتنجّس، إذ أنّ النجس من الأسئار هو سؤر الكلب وأخويه فقط (الكافر والخنزير).

وكذا سؤر الحائض المتّهمة، فالمرأة الحائض الّتي لا تجتنب عن النجاسة سؤرها مكروه، بل مطلق المتّهم، وكذلك سؤر الأفراد الذين لا يبالون بالطهارة.

ص: 262

الفصل الرابع: النجاسات

اشارة

ص: 263

ص: 264

البحث الاول: في عدد النجاسات

الأول والثاني: البول والغائط

النجاسات اثنا عشر: الأول والثاني: البول والغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه، إنساناً أو غيره، بريّاً أو بحريّاً، صغيراً أو كبيراً، بشرط أن يكون له دم سائل حين الذبح. نعم في الطيور المحرمة الأقوى عدم النجاسة، لكن الأحوط فيها أيضاً الاجتناب، خصوصاً الخفّاش، وخصوصاً بوله. ولا فرق في غير المأكول بين أن يكون أصليّاً كالسباع ونحوها، أو عارضيّاً كالجلاّل وموطوء الإنسان، والغنم الذي شرب لبن خنزيرة وأمّا البول والغائط من حلال اللّحم فطاهر، حتّى الحمار والبغل والخيل، وكذا من حرام اللّحم الذي ليس له دم سائل كالسمك المحرّم ونحوه(1).

--------------------------

البحث الاول: في عدد النجاسات

النجاسات اثنا عشر، ولكن السيد الوالد دام ظله يرى انها(2)

إحدى عشرة، لأنّ المصنّف أدخل عرق الجنب من الحرام فيها، والسيد الوالد دام ظله يرى انه ليس نجساً وإنّما هو مانع، وهناك فرق بين النجاسة والمانعيّة.

الأول والثاني: البول والغائط، وهما من النجاسات وفي نجاستهما شرطان:

الشرط الأول: أن يكون الحيوان حرام اللّحم.

ص: 265


1- العروة الوثقى 1: 46.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 10.

--------------------------

الشرط الثاني: أن يدفق دمه عند الذبح فيخرج بقوّة وقفز.

فإذا كان البول والغائط من الهرّة فهو نجس، وكذلك من الإنسان وسائر الحيوانات المحرمة اللحم، إذا ذبحناها وكان دمها يدفق عند الذبح، أمّا إذا فقد أحد الشرطين فبوله وخرؤه طاهر، كالأغنام والخيل والبغال والحمير وبقيّة الحيوانات المحلّلة اللّحم، وكذا الحكم في الحيوان حرام اللّحم ولكن دمه لا يدفق عند الذبح، ولا يخفى ان الدم تارة يكون دافقا عند الذبح كدم الغنم وتارة لا يكون للحيوان دم دافق كالسمك، فالسمك حتّى إذا كان حرام اللّحم فبوله وخرؤه طاهران، فإذا وضعنا سمكاً محرّماً في ماء وبال في ذلك الماء أو خرج منه شيء آخر فذلك الماء طاهر، والحاصل: ان (البول والغائط) إنّما يكونان نجسين بشرطين: أن يكون الحيوان حرام اللّحم، ويدفق دمه عند الذبح، ولا فرق فيما لا يؤكل لحمه سواء كان انساناً أو غيره، بريّاً أو بحريّاً، صغيراً أو كبيراً بلا فرق، نعم يستثنى من هذه القاعدة مورداً واحداً وهو الطير، فالطير حتّى إذا توفّر فيه هذان الشرطان فان بوله وخرؤه طاهران كالغراب، ولذا ما يخرج من الطيور بكلّ أنواعها يكون طاهراً، وقد عبّر المصنف عن ذلك بقوله: لكن الأقوى عدم النجاسة، والأفضل فيها الاجتناب، وان لم يكن واجباً، خصوصاً في بول الخفّاش.

البحث الثاني: حرمة اللّحم على نوعين:

النوع الأول: أن تكون الحرمة ذاتية، كالهرة الّتي هي بذاتها محرمة، وليس لعروض عارض.

ص: 266

مسألة 1: ملاقاة الغائط في الباطن

مسألة 1: ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة، كالنوى الخارج

--------------------------

النوع الثاني: الحرمة العرضيّة كالحيوان الجلاّل، فهو بذاته ليس محرماً، ولكن لأنّه أكل العذرة مدّة فأصبح لحمه محرّماً من دون نجاسة، فلا يجوز أكله ما دام جلّالاً، فبوله وخرؤه يكون نجساً أيضاً؛ لأنّه ممّا لا يؤكل لحمه عرضاً بسبب الجلل، والحاصل: انه لا فرق في غير المأكول بين أن يكون أصلياً يعني فيه حرمة ذاتية كالسباع ونحوها، أو أن يكون عارضيّاً، كالجلال الذي أكل العذرة مدّة وكذا الحكم في موطوء الإنسان فإذا وطأ انسانٌ شاةً مثلاً - والعياذ باللّه - فلحمها يكون محرّماً، وبولها وخرؤها يكون نجساً أيضاً، والجدي الذي شرب لبن خنزيرة - حتّى اشتدّ عظمه بهذا الشراب، على ما يقول الوالد دام ظله في الحاشية(1)- فهذا أيضاً لحمه محرّم فيكون بوله وخرؤه نجساً، وأمّا البول والغائط من الحيوان حلال اللّحم فطاهر، كالحمير والبغال والخيل، وكذا الحكم من حرام اللّحم الذي ليس له دم سائل، أي ليس له دم دافق كالسمك المحرّم(2) ونحوه، فان بوله وخرؤه طاهران.

مسألة 1:

الملاقاة للغائط في الباطن على نوعين:

النوع الأول أنّ شيئاً باطنيّاً يلاقي الغائط في الباطن، كما إذا أكل الإنسان نواةً أو حبّةً فخرجت، وعلم أنّها لاقت الغائط فان خرجت ملوّثةً بالغائط فهي قطعاً نجسة، لأنّها لاقت النجاسة في الخارج، وإن خرجت نظيفةً وقد علم أنّها

ص: 267


1- الحاشية على العروة الوثقى: 11.
2- الذي ليس له فلس، قشر.

الخارج من الإنسان أو الدود الخارج منه إذا لم يكن معه شيء من الغائط وإن كان ملاقياً له في الباطن. نعم لو أدخل من الخارج شيئاً فلاقى الغائط في الباطن كشيشة الاحتقان إن علم ملاقاتها له فالأحوط الاجتناب عنه، وأمّا إذا شكّ في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة فلو خرج ماء الاحتقان ولم يعلم خلطه بالغائط ولا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته(1).

--------------------------

لاقت الغائط في الباطن فلا يحكم عليها بالنجاسة، فهو باطنيٌّ لاقى باطنيّاً فلا يتنجّس، وكذا الحكم في الدود الخارج من الإنسان.

النوع الثاني: أن يلاقي شيءٌ خارجيٌّ الغائط في الباطن مثل انبوب الاحتقان أو الماء الذي دخل فلاقى الغائطَ في الداخل ثمّ خرج نظيفاً وغير ملوّث، وفي حكمه خلاف بين الفقهاء، حيث يرى بعض الفقهاء أن الأحوط الاجتناب عنه، بينما يرى آخرون عدم وجوب الاجتناب عنه، فملاقاة الغائط في الباطن لا يوجب النجاسة، وان كان الاجتناب أفضل، وكذلك إذا أدخلنا الإبرة في العروق فان خرجت ومعها دم، فهي نجسة قطعاً، أمّا إذا خرجت نظيفة بان مسح الدم في الداخل فالقولان التي ذكرناهما، وإمّا إذا شكّ في ملاقاتها للغائط أم لا فلا يحكم عليها بالنجاسة، فلو خرج ماء الاحتقان من الإنسان المحقون بالحقنة ولم يعلم خلطه بالغائط ولا ملاقاته له ولا نعلم أنّه لاقى أو لم يلاق، فنشكّ في أنّ هذا الماء طاهر أم غير طاهر فالحكم الطهارة فانه مشمول لقوله: كلّ شيء لك طاهر.

ص: 268


1- العروة الوثقى 1: 46.

مسألة 2: بيع البول والغائط

مسألة 2: لا مانع من بيع البول والغائط من مأكول اللّحم، وأمّا بيعهما من غير المأكول فلا يجوز، نعم يجوز الانتفاع بهما في التسميد ونحوه(1).

--------------------------

مسألة 2:

بيع البول والغائط على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: البول والغائط من مأكول اللّحم وهما طاهران مثل بول وغائط الشاة.

النوع الثاني: البول والغائط من الحيوان المحرم اللّحم وهما طاهران، كالسمك المحرّم الذي لا يدفق دمه عند الذبح والطيور المحرمة.

النوع الثالث: الحيوان الحرام اللّحم وخرؤه وبوله نجس، كالهرة والفيل والسبع والذئب وما أشبه ذلك.

يرى السيد الوالد دام ظله(2) ان الحكم البيع في هذه الأنواع الثلاثة واحد، فإذا تعلّقت الأغراض العقلائيّة ببيعها بمعنى أنّ فيها منفعة عقلائيّة مقصودة، كما لو ينتفع به في التسميد مثلاً أو في شيء آخر، فبيعها حلال، لأنّ الشيء له مالية عقلائية، أمّا ما لا منفعة عقلائيّة مقصودة فيه كبول الخفاش مثلاً، نفرض أنّ ليس له فائدة عقلائيّة مقصودة، فبيعه محرّم؛ لأنّه أكل للمال بالباطل، {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}(3)، أو لأنّ هذه المع-امل-ة مع-املة سفهيّة،

ص: 269


1- العروة الوثقى 1: 47.
2- الحاشية على العروة الوثقى: 11.
3- البقرة: 188.

مسألة 3: إذا شك في نجاسة بول حيوان معيّن

مسألة 3: إذا لم يعلم كون حيوان معين أنّه مأكول اللّحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله وروثه، وإن كان لا يجوز أكل لحمه بمقتضى الأصل، وكذا إذا لم يعلم أنّ له دماً سائلاً أم لا. كما أنّه إذا شكّ في شئ أنّه من فضلة حلال اللّحم أو حرامه، أو شكّ في أنّه من الحيوان الفلاني حتّى يكون نجساً، أو من الفلاني حتّى يكون طاهراً، كما إذا رأى شيئاً لا يدري أنّه بعرة فأر أو بعرة خنفساء، ففي جميع هذه الصور يبني على طهارته(1).

--------------------------

والمعاملة السفهيّة منهيٌّ عنها.

فهذه أحكام الأنواع الثلاثة، هذا كلّه بالنسبة إلى البيع.

أمّا الانتفاع بالبول والغائط كما لو أراد أن يضع سماداً في الحديقة.

مسألة 3:

قلنا إنّ البول والغائط محكوم عليهما بالنجاسة ولكن بقيدين:

القيد الأول: أن يكونا من الحيوان الحرام اللّحم.

القيد الثاني: أن يكون للحيوان دم دافق، وبناءً على هذا فالبول والغائط من الشاة طاهر؛ لأنّها محللة اللّحم، والبول والغائط من السمك الذي لا يدفق دمه عند الذبح أيضاً طاهر؛ لأنّه وإن كان محرّمَ اللّحم فرضاً ولكن لا يوجد له دم دافق، والبحث الآن في الشكوك، فهنا مجموعة من الشكوك.

الشكّ الأول: ان لا يعلم أنّ هذا الحيوان حلال اللّحم أو حرام اللّحم، كما لو أتوا بحيوان من استراليا مثلاً، ولا يعلم أنّه خروف أو كلب، فإذا كان خروفاً

ص: 270


1- العروة الوثقى 1: 47.

--------------------------

فبوله طاهر، وإذا كان كلباً فبوله غير طاهر، هذا نوع من الشكّ.

الشكّ الثاني: ان لا يعلم أنّ هذا الحيوان له دم دافق أو ليس له دم دافق، مثل الحيّة، فما هو حكم بولها وفضلها، هذا النوع الثاني من الشك.

الشكّ الثالث: الشك في الفضلة لا الحيوان، فلو شك في بعر أو بول انه من حيوان حلال اللّحم أو حرام اللّحم، له دم دافق أم ليس له دم دافق، كما إذا رأى شيئاً لا يدري أنّه بعرة فأرة أو بعرة خنفساء وكلاهما محرّمان، فإذا كانت بعرة الفأر فهي نجسة، وإذا كانت بعرة الخنفساء فهي طاهرة والحكم في كلّ هذه الشكوك الطهارة؛ للقاعدة العامّة الّتي ذكرناها «كلّ شيء لك طاهر» ففي جمع هذه الصور يبنى على طهارته، وللسيد الوالد دام ظله حاشية في الشبهات الموضوعيّة يقول: الأحوط وجوباً الفحص(1)، بيان ذلك ان الشبهة على نوعين الأول الحكميّة والثاني الشبهة الموضوعيّة، ففي الشبهة الحكميّة لا يعلم حكم المسوخ هل هي طاهرة مثلاً أم غير طاهرة، أو أنّ عرق الجنب من الحرام طاهر أم غير طاهر، وفيها يجب الفحص والتفتيش عن الحكم، أمّا في الشبهات الموضوعيّة، فهل يجب الفحص أو لا يجب؟ بعض الفقهاء ومنهم المصنف يرون عدم وجوب الفحص، كما لو لم يعلم أنّ هذه بعرة فأرة أو بعرة خنفساء مع علمه بحكم كل واحد منها، فهذه ليست شبهة حكميّة، فليس هنالك غموض في الموقف الشرعي، ولكن الغموض في الأمر الخارجي، فان الشبهة نابعة من اختلاط الأمور الخارجيّة، لكن السيد الوالد دام ظله يرى

ص: 271


1- الحاشية على العروة الوثقى: 11.

--------------------------

وجوب الفحص في كلّ الشبهات الموضوعيّة أولاً، فإذا لم يظفر بالمعيّن لأحد أطراف الشكّ جرت الأصول العمليّة، ويظهر الفرق بين القولين في هذا المثال إذا كان المكلف جالساً فوق السطح في شهر رمضان ولا يعلم هل طلع الفجر أم لا، وهو يتمكن أن ينظر فيلاحظ ذلك لكنّه يأكل اعتمادا على: «لا تنقض اليقين بالشكّ» فيقول كان ليل وأشكّ في طلوع الفجر، والأصل عدم طلوعه، والأصل بقاء الليل، والفحص غير واجب هذا على القول الأول، لكن يرى السيد الوالد دام ظله انه يجب عليه التفتيش والفحص فإذا بحث ونظر ولم يفهم شيئاً من الأفق ولم تكن لديه ساعة ولا راديو يعتمد عليه، فيجري: «لا تنقض اليقين بالشكّ» فلا إشكال في الأكل، وفيما نحن فيه أيضاً يجب الفحص، فإذا لم تعلم بأنّ هذه بعرة فأر أو بعرة خنفساء وجب الفحص، وإذا فحص ولم يصل إلى نتيجة جرت أصالة الطهارة، إلاّ في مورد واحد حيث لا يجب الفحص، كما لو أغمض عينه ومشي على شيء يحتمل ان يكون متنجسا وكما لو لم يعلم أنّ هذا الماء تنجّس بالدم أم لم يتنجّس، فمن المحتمل سقوط قطرة دم في الماء، وكذا لو ذهب إلى بيت الخلاء فترشّح عليه ماء ولم يعلم ما هو هذا الترشّح، ماء متنجّس، أم طاهر، وكلّ شيء احتملنا تنجّسه فليس بنجس، ففي هذه الأمثلة ونظائرها لا يجب الفحص بل تجري الأصول بلا حاجة إلى الفحص، والسيرة العقلائية على ذلك، فالعقلاء كما يفحصون في الشبهات الحكمية يفحصون أيضاً في الشبهات الموضوعية، هذا بحث.

ص: 272

--------------------------

والآن نعود إلى المسألة الأصليّة، وهي انه إذا لم يعلم كون حيوان معيّن أنّه مأكول اللّحم أو لا، فيحكم بطهارة بوله وروثه مطلقاً أو بعد الفحص على الخلاف بين السيد الوالد دام ظله وما هو المعروف والمشهور من الفقهاء، هذا بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة واما بالنسبة إلى جواز أكل لحمه وعدم جوازه.

يقول السيد الوالد دام ظله(1):

للمسألة صورتان، الصورة الأولى: نعلم أنّ هذا الحيوان قابل للتذكية، مثل حيوان لا نعلم أنّه شاة أم نمر أو أسد أو فهد، فإذا كان نمراً فهو قابل للتذكية؛ لأنّنا قلنا إنّ السباع قابلة للتذكية، وإذا كان شاةً فالشاة أيضاً قابلة للتذكية، فإذا أخذنا هذا الحيوان المجهول وذبحناه، فهذا اللّحم حلال؛ لقوله: «كلّ شيء لك حلال»، هذا بعد الفحص وعدم الوصول إلى النتيجة.

الصورة الثانية: نعلم أنّ الحيوان غير قابل للتذكية، أو نشكّ في أنّه قابل للتذكية أم لا، كحيوان لا نعلم بأنّه شاة أو كلب، فإذا كان شاةً فهو قابل للتذكية، وإذا كان كلباً فغير قابل للتذكية، فلا يجوز أكله بعد الذبح؛ لأنّ أصالة الحلّية لا تجري هنا، بل تجري أصالة عدم التذكية، فهذا الحيوان عندما كان حيّاً كان غير مذكىً وبعد ذبحه أيضاً غير مذكى لأنّ شرط كونه مذكىً أن يكون قابلاً للتذكية، أمّا إذا لم يكن قابلاً للتذكية، أو شك في قابليته للتذكية فالأصل عدم قبوله لأنها إنّما تكون في المحلّ القابل لها، فإذا لم يكن له قابليّة لا يطلق عليه أنّه مذكى، وهذا الحيوان الذي لا نعلم أنّه شاة أو كلب،

ص: 273


1- الحاشية على العروة الوثقى: 11.

--------------------------

فعند فري أوداجه الأربعة لم يعلم انه صار مذكىً، فانه إذا كان قابلاً للتذكية فقد صار مذكىً، وإذا لم يكن قابلاً للتذكية، فهو غير مذكّى؛ لأنّ الأصل عدم التذكية، يعني نستصحب أنّه غير مذكى فإذاً هو حرام، ومع وجود أصالة عدم التذكية لا نتمكّن من الحكم بالحلية؛ لأنّه لم يذكّ فهو حرام، إذاً لا تنقض اليقين بالشكّ يحكم بأنه غير مذكّى فلا وحيث توجد قاعدة لا تنقض تخرج الأصول العمليّة الأُخرى كلّها من الميدان، فان الاستصحاب السببي حاكم أو وارد على كلّ الأصول العمليّة الثانية، والحاصل: ان الحيوان الذي لا نعلم بأنّه حلال اللّحم أو حرام اللّحم، فان علم انه قابل للتذكية ولا نعلم أنّه شاة أو نمر فلحمه حلال، ليس لأصالة عدم التذكية بل لأنّه ذكيّ، فيبقى أنّه حلال اللّحم أم حرام اللّحم؟ فكلّ شيء لك حلال، أمّا إذا لم نعلم بأنّ قابل للتذكيةأم غير قابل، أو نعلم أنّه غير قابل للتذكية كما لو دار الأمر بين الشاة والكلب، فالأصل عدم التذكية، فإذا كان الأصل عدم التذكية فإذاً هو محرّم ولا يحقّ أكله، هذا تفصيل الوالد دام ظله في الحاشية.

ومعنى قابل للتذكية يعني انه قابل للذبح الشرعي، كالسباع (الأسد، الثعلب، النمر) فكلّها قابلة للتذكية، فيصح أخذها وذبحها إلى القبلة مع مراعاة شروط الذبح المقررة شرعاً، وفائدة التذكية هو طهارة جلدها فمن المهم جدّاً أن يكون جلده طاهراً لكي لا ينجّس البدن أو الثوب إذا لامسه، حيث يجلس الإنسان عليه وينام، ويلبسه، المهمّ أنّ بعض الحيوانات تقبل التذكية كالاسد، وبعض الحيوانات لا تقبل التذكية اطلاقاً كالكلب؛ لأنّه نجس العين حتّى إذا ذكّيناه 100 مرّة، فيبقى نجساً، وكذلك الآدمي أيضاً غير قابل للتذكية، فإذا

ص: 274

مسألة 4: في نجاسة فضلة الحيّة والتّمساح

مسألة 4: لا يحكم بنجاسة فضلة الحيّة؛ لعدم العلم بأنّ دمها سائل، نعم حكي عن بعض السادة أنّ دمها سائل، ويمكن اختلاف الحيّات في ذلك، وكذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح، للشكّ المذكور، وإن حكي عن الشهيد أنّ جميع الحيوانات البحريّة ليس لها دم سائل إلاّ التمساح، لكنّه غير معلوم، والكليّة المذكورة أيضاً غير معلومة.

--------------------------

أخذ الظالم إنساناً وذبحه، فهو نجس، كما قال الشاعر:

قد بلينا بأمير ظلم الناس وسبّح***فهو كالجزّار فيهم يذكر اللّه ويذبح

لأن الإنسان غير قابل للتذكية، وهنالك بحث في بعض الأشياء أنّها قابلة للتذكية أم غير قابلة.

مسألة 4:

ما حكم فضلة الحيّة؟

الجواب: حيث لا يعلم أنّ لها دماً دافقاً أم لا وبعد الفحص وسؤال أرباب الفنّ وعدم علمهم بذلك أو اختلافهم تجري قاعدة: «كلّ شيء لك طاهر»، فلا يحكم بنجاستها؛ لعدم العلم بأنّ دمها سائل، نعم حكي عن بعض السادة أنّ دمها سائل، لكن من هو هذا السيّد الذي قال هذا الكلام؟ وهل كلامه صحيح، وهل كلّ الحيّات هكذا، أو بعضها؟ وهل عمل تجربة على أنواع حيّات العالم، فأخذها واحدة واحدة وذبحها فرأى أنّ لها دماً سائلاً مثلاً، أم عن طريق آخر، كل ذلك مجهول، ويمكن اختلاف الحيّات في ذلك.

ولكن ما حكم فضلة التمساح؟

الجواب: الشك المذكور في الحية جار في التمساح أيضاً، لأنّنا لا نعلم أنّ التمساح له دم دافق أم ليس له دم دافق، وإن حكي عن الشهيد أنّ جميع

ص: 275

الثالث:المني

الثالث: المني من كلّ حيوان له دم سائل، حراما كان أو حلالاً، بريّاً أو بحريّاً. وأمّا المذي والوذي والودي فطاهر من كلّ حيوان إلاّ نجس العين، وكذا رطوبات الفرج والدبر ما عدا البول والغائط.

--------------------------

الحيوانات البحريّة إذا ذبحناها فدمها لا يدفق عند الذبح إلّا التمساح، ولكنّه غير معلوم، والكلّية المذكورة(1)

أيضاً غير معلومة، فإذا شككنا ولم تقم بيّنة شرعيّة على ذلك، فيحكم بطهارة فضلاتها.

انتهى الأول والثاني من النجاسات، وهو البول والغائط.

الثالث: من النجاسات «المني» وملاك نجاسة المني أن يكون للحيوان دم دافق، فكلّ حيوان له دم دافق عند الذبح فمنيّه نجس، وبناءً على هذا يكون منيّ الشاة نجساً؛ لأنّ لها دم دافق حين الذبح، ومنيّ الإنسان نجس ؛لأنّ له دم دافق، أمّا إذا لم يكن للحيوان دم دافق مثل السمك فمنيّه طاهر، أو البعوض مثلاً والذباب فمنيّها طاهر، فالمنيّ من كلّ حيوان له دم دافق سائل، حراماً كان كالأرنب أو حلالاً كالشاة بريّاً أو بحريّاً نجس.

وأمّا حكم بقيّة رطوبات المجرى غير البول والغائط والمني، فهي طاهرة من كل حيوان، كالمذي والوذي والودي. والمذي هو ما يخرج حال الملاعبة وقبل خروج المني، والوذي ماء غليظ لزج يخرج بعد المني في بعض الأحيان، والودي ما يخرج بعد خروج البول، واما هذه الثلاثة من نجس العين (الكلب والخنزير والكافر) فهي نسجة؛ لأنّ الكلب والخنزير والكافر وما يتعلّق بهم نجس كلّه, وكذا رطوبات القبل والدبر، ما عدا البول والغائط والمني،

ص: 276


1- كلّ الحيوانات البحريّة ليس لها دم سائل.

الرابع:الميتة

الرابع: الميتة من كلّ ما له دم سائل، حلالاً كان أو حراماً، وكذا أجزاؤها المبانة منها، وإن كانت صغاراً، عدا ما لا تحلّه الحياة منها، كالصوف والشعر والوبر والعظم والقرن والمنقار والظفر والمخلب والريش والظلف والسن، والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى، سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام، وسواء أخذ ذلك بجزّ أو نتف أو غيرهما، نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة، ويلحق بالمذكورات الأنفحة، وكذا اللبن في الضرع، ولا ينجس بملاقاة الضرع النجس، لكن الأحوط في اللبن الاجتناب، خصوصاً إذا كان من غير مأكول اللّحم. ولا بدّ من غسل ظاهر الأنفحة الملاقي للميتة، هذا في ميتة غير نجس العين، وأمّا فيها فلا يستثنى شيء(1).

--------------------------

وكلّ ما يخرج فهو طاهر - غير الدم أيضاً - فإذا خرجت هنالك صفرة أو رطوبة فكلّها محكومة بالطهارة.

الرابع: المَيتَة وهي كلّ حيوان لم يذكّ على الطريقة الشرعية، فالتذكية لها منهج شرعي معيّن، كتوجيه الحيوان إلى القبلة وذكر اللّه وما أشبه ذلك من شرائط الذبح الواجب توفرها في الذباحة، فكلّ حيوان لم يذبح على هذا المنهج أمّا أن يموت ميتة طبيعية، وإمّا أن يذبح خلاف القبلة أو لا يقال: (بسم اللّه الرحمن الرحيم) أو لا يكون الذابح مسلماً فهو ميتة فيكون نجساً، والملاك في نجاسة الميتة الدم السائل، أي الدم الدافق، فكلّ حيوان له دم دافق إذا لم يذبح على الطريقة الشرعيّة كان نجساً؛ لذلك السمك إذا مات على غير

ص: 277


1- العروة الوثقى 1: 47.

--------------------------

الطريقة الشرعيّة فليس نجساً؛ لأنّ دمه ليس دافقاً، والحاصل: ان الميتة من كلّ ما له دم دافق حلالاً كان كالخروف أو حراماً كالهرة نجس وحكم الأجزاء المبانة يعني المفصولة من الميتة أيضاً كذلك، لأنّ مغنى نجاسة الميتة هو أنّ هذا المجموع المركب بكلّ ما يحتويه من الأجزاء نجس سواء كانت هذه الأجزاء متّصلة أو منفصلة، وكذا أجزاء الميتة المبانة حتّى إذا كانت جزءًً صغيراً، كقطعة لحم صغيرة أو بثور صغيرة أو ثالول أو دمل أو ما أشبه ذلك فكلّها نجسة، ولكن يستثنى من ذلك ما لا تحّله الحياة من الميتة، فان الحياة لها مراتب، ويعتقد البعض أنّ كلّ ما في الكون حي، ويقول الحاجي:

وكلّ ما هناك حيٌّ ناطقٌ***ولجمال اللّه ذوقٌ عاشق

فكلّ ما في الكون كما يقوله البعض حيٌّ ناطق، وربما أيضاً يظهر من بعض الآيات أنّ حقيقة الحياة سارية في كلّ الموجودات {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم}(1)، ولكن هذه الحياة لها مراتب، حياة جماديّة، حياة نباتيّة، حياة حيوانيّة، حياة إنسانيّة، والمراد بما لا تحلّه الحياة، يعني ما لا تحلّه الحياة الحيوانيّة، وهي نوع من أنواع الحياة، فإذا لم يكن في الميتة حياة حيوانيّة وإن كان فيها حياة نباتيّة فهذا لا ينجس بالموت، مثل الشعر، فالشعر ليس فيه حياة حيوانيّة وإن كان فيه نوع من الحياة؛ لأنّه ينمو كالنبات، بخلاف اللحم، ولذلك يتألّم بالقرص وكذلك الظفر وما أشبه ذلك، فهذه الأشياء الّتي ليس فيها حياة حيوانيّة لا تنجس بالموت، فالهرّة إذا

ص: 278


1- الإسراء: 44.

--------------------------

ماتت نجسة، ولكن شعرها وظفرها ليس نجساً، والحاصل: ان ما لا تدخله الحياة من أجزاء الميتة كالصوف للخروف والشعر للمعز والوبر للإبل والعظم والقرن والمنقار الموجود على فم الطير، والظفر والمخلب وماأشبه ذلك، والريش والظلف، والسن وكذلك البيض إذا اكتسى القشرة، سواء كانت هذه الأشياء من الحيوان الحلال كالخروف أو الحرام، كالهرة فهي طاهرة، وأما الحلية والحرمة في البيض فهي مربوطة بحلية الحيوان وحرمته، فإذا كان الحيوان حلالاً كالدجاجة وماتت وفي بطنها بيضة مكتسية بالقشرة الصلبة فهي طاهرة ومحللة، أمّا إذا كان الحيوان حرام اللّحم ومات وفيه بيضة مكتسية بالقشرة الأعلى، فهو طاهر لكنّه محرّم، أمّا إذا لم تكتسي القشرة الصلبة فهي نجسة وإذا كانت نجسة فهي حرام أيضاً، فهنالك قاعدة مفادها: «كلّ نجس حرام»، وليس عندنا قاعدة يكون مفادها: أنّ كلّ حرام نجس، فبعض الأشياء محرّمة لكنّها غير نجسة، مثل المسكرات الجامدة فهي طاهرة ولكنّها محرمة.

وسواء أخذ الصوف والشعر والوبر وما أشبهه بجزٍّ بالمقص أو بنتف، أو غيرهما، كالإحراق مثلاً يأخذ الكبريت ويحرق أصولها فتنفصل بقيتها، نعم يجب غسل المنتوف، فإذا نتف الشعر أو الصوف وكانت أُصولها ملاقية للميتة برطوبة، وجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة، ويلحق بالمذكورات شيئان: الأنفَحة، وهي شيء في باطن الجدي الرضيع أو الشاة الرضيعة وما أشبه ذلك قبل أن تأكل الطعام، وهذا الشيء أصفر يؤخذ ويطلق عليه عند الناس بالمجبنة(1)، هذه الأنفحة توضع في الجبن أو ما أشبه ذلك، فالأنفحة طاهرة

ص: 279


1- وفي اللّغة الفارسية يسموه «پنير مايه».

مسألة 1: في الأجزاء المبانة من الحيّ

مسألة 1: الأجزاء المبانة من الحيّ ممّا تحلّه الحياة كالمبانة من

--------------------------

حتّى إذا أخذت من الميتة، وكذا الأنفحة الّتي تأتي من البلاد الأجنبيّة وإن كانت مأخوذةً من الميتة فهي طاهرة، ولا تؤثّر نجاسة الميتة في نجاسة الجبن، لكن لابد من غسل ظاهر الأنفحة الملاقية للميتة، وكذا حكم اللّبن في الضرع فإذا ماتت الشاة وفي ضرعها يوجد لبن فهو طاهر، ونتمكن بعد الموت من حلبها وشربه، ولا ينجس هذا اللّبن بملاقاة الضرع النجس، ولو كان الضرع نجساً؛ لأنّ الشاة نجسة، ولكن اللّبن لا إشكال فيه، لكن الأفضل في اللّبن الاجتناب عنه، خصوصاً إذا كان من حيوان محرّم اللّحم لا يؤكل لحمه.

فهذه المجموعة من الأشياء التي صارت أربعة عشر طاهرة من الميتة وهي: الصوف، الشعر الوبر، العظم، القرن، المنقار، الظفر، المخلب، الريش، الظلف، السن، البيضة إذا اكتست القشرة الأعلى، الانفحة، اللبن في الضرع، والحكم المذكور في كلّ الحيوانات، الشاة، والهرّة، والأسد، والنمر والفيل فكلّ هذه الحيوانات، شعرها وصوفها ووبرها، وعظمها، ومنقارها، وسنّها، طاهرة، ولكن الحيوان الذي هو نجس العين كالكلب والخنزير فهو نجس بكلّه حتّى شعره سواء في حال الحياة، وبعد الموت، وكذا عظمه نجس في حال الحياة وبعد الموت، وهكذا، ففي ميتة نجس العين لا يستثنى شيء ممّا تقدّم من الأربعة عشر المذكورة.

مسألة 1:

الأجزاء المبانة من الحيّ، كالرجل المقطوعة لها حكم الميتة، واما الأجزاء المبانة من الحيّ ممّا لا تحلّه الحياة، كما لو قطعنا الصوف من الخروف طاهرة؛ لأنّه إذا قطعت من الميتة كانت طاهرة فكيف إذا قطعت من الحيّ، أمّا

ص: 280

الميتة إلا الأجزاء الصغار، كالثالول والبثور وكالجلدة الّتي تنفصل من الشفة، أو من بدن الأجرب عند الحكّ ونحو ذلك(1).

مسألة 2: في فأرة المسك المبانة من الحيّ

مسألة 2: فأرة المسك المبانة من الحيّ طاهرة على الأقوى، وإن كان الأحوط الاجتناب عنها. نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك، وأمّا المبانة من الميّت ففيها إشكال، وكذا في مسكها نعم إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها، ولو لم يعلم أنّها مبانة من الحيّ أو الميّت(2).

--------------------------

لو قطعت لحم الخروف مثلاً وهو حيّ، فهو نجس وبحكم الميتة، كالقطعة المبانة من الميتة، ويستثنى من ذلك الأجزاء الصغار فلا إشكال فيها، مثل القشرة على الشفة تقطع فهي مبانة من الحيّ ولكنّها طاهرة، وكالثالول والبثور والدماميل الّتي توجد على اليد أو في البدن، فيقطعها الإنسان، وكالجلدة الّتي تنفصل من الشفة أو من بدن الأجرب عند الحكّ، فهي طاهرة.

مسألة 2:

المسك على ما يقوله البعض: قسم من دم الظبي، دم الغزال، يتحوّل إلى مسك، يقول الشاعر:

فإن تَفُق الأنام وأنت منهم***فإنّ المسك بعضُ دم الغزال

والفأرة هي الوعاء الذي فيه المسك، فان المسك موجود في وعاء وهذا الوعاء موجود في الظبي، والسيد الوالد دام ظله يفصل حكم المسك إلى أنواع

ص: 281


1- العروة الوثقى 1: 48.
2- العروة الوثقى 1: 49.

--------------------------

فيقول(1):

النوع الأول: تؤخذ الفأرة من الظبي المذكّى فهو طاهر البدن والفأرة الّتي توجد في بدنه أيضاً طاهرة، والمسك الموجود في تلك الفأرة أيضاً طاهر مطلقاً.

النوع الثاني: إذا أُخذت فأرة المسك من الظبي الحيّ، يعني من غير المذكى فإذا حان وقت قطعها فهي طاهرة مطلقاً، وإذا لم يحن وقت قطعها فهي نجسة مطلقاً، فان للفأرة وقت للقطع فإذا حان وقت قطعها فهي طاهرة مطلقاً، سواء أخذت من حيّ أو من ميّتة، أمّا إذا لم يحن وقت قطعها فهي نجسة مطلقاً، سواء أخذت من الحيّ أو الميّت، فإذن مجموع الأقسام ستّة:

1-2- إذا أخذت من المذكى سواء حان وقت قطعها أم لم يحن، وهي طاهرة.

3- وإذا أخذت من الحيّ وقد حان أوان قطعها فهي طاهرة.

4- أمّا إذا لم يحن فهي نجسة.

5- إذا أخذت من ميتة غير مذكّاة وقد حان وقت قطعها فهي طاهرة.

6- إذا أخذت من ميتة غير مذكاة ولم يحن وقت قطعها فهي نجسة.

إذن مجموع الصور ستة، في أربعة منها محكومة بالطهارة وهي من المذكى بصورتين، وما حان وقت قطعها بصورتين، وفي صورتين يحكم عليها بالنجاسة، هذا التفصيل الذي يذكر في الحاشية.

ومن حكم الفأرة يتّضح حكم المسك المائع الموجود في داخلها، فالمسك

ص: 282


1- الحاشية على العروة الوثقى: 11.

مسألة 3: في ميتة ما لا نفس له

مسألة 3: ميتة ما لا نفس له طاهرة، كالوزغ والعقرب والخنفساء والسمك، وكذا الحيّة والتمساح، وإن قيل بكونهما ذا نفس، لعدم معلوميّة ذلك، مع أنّه إذا كان بعض الحيّات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك(1).

--------------------------

إذا كان مائعاً وموجوداً في داخلها فإنّه يرتبط بالطهارة والنجاسة للفارة؛ لأنّه إذا لاقى الفأرة الطاهرة فهو طاهر، وإذا لاقى الفأرة النجسة وهو رطب فهو نجس، وأمّا الجامد فلا بحث فيه؛ لأنّ الجامد طاهر مطلقاً، وأما لو ذهبنا إلى السوق ووجدنا فيه مسكاً ولا نعلم أنّ هذا مأخوذ من حي أو ميتة، أو مذكّى، حان وقت قطعه أم لم يحن، يقول السيد الوالد دام ظله إذا لم تعلم بأنّه طاهر أو نجس فهو محكوم بالطهارة، فكلّ شيء لك طاهر، ولا فرق بين أن تأخذه من يد المسلم أو تأخذه من يد الكافر، فالشيء الذي يؤخذ من يد الكافر إذا شك فيه فهو أيضاً محكوم بالطهارة.

مسألة 3:

قلنا إنّ الميتة نجسة من الحيوان الذي له دم دافق، وأما الحيوان الذي ليس له دم دافق طاهر ولو مات ميتة غير شرعية، فميتة ما لا نفس(2)

له طاهرة، كالوزغ والعقرب، والخنفساء، والسمك، إذا مات على غير الطريقة الشرعيّة(3)،

وكذا الحيّة والتمساح، وان قال البعض إنّ الحيّة والتمساح لهما دم دافق - لعدم معلوميّة ذلك، فإذا شك في أنّ هذه الحية الميّتة لها دم دافق أم ليس لها دم

ص: 283


1- العروة الوثقى 1: 49.
2- نفس يعني الدم الدافق.
3- ذكاة السمك إخراجه من الماء حياً.

مسألة 4: في الشكّ في أجزاء الحيوان

مسألة 4: إذا شكّ في شيء أنّه من اجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة، وكذا إذا علم أنّه من الحيوان، لكن شكّ في أنّه ممّا له دم سائل أم لا(1).

مسألة 5: في المراد من الميتة

مسألة 5: المراد من الميتة أعم ممّا مات حَتف أنفه أو قتل، أو ذبح

--------------------------

دافق، كلّ شيء لك طاهر، طبعاً لاتختلط الطهارة بالحليّة، فالحيّة ليست محللة، بل محرمة ولكنّها طاهرة، مع أنّه إذا كانت بعض الحيّات لها دم دافق فلا يلزم الاجتناب عن المشكوك أنّ له دما دافقا أو ليس له دم دافق.

مسألة 4:

إذا شكّ في شيء أنّه من أجزاء الحيوان أم لا، فهو محكوم بالطهارة، فإذا لم نكن نعلم بأنّ هذا جلد طبيعي أو صناعي جاء من البلاد الأجنبيّة، فإذا كان طبيعيّاً ومن البلاد الأجنبيّة فهو نجس، وإذا كان صناعيّاً فهو طاهر، وكلّما دار الأمر بين الطهارة والنجاسة نحكم بالطهارة، وكذا إذا علم بأنّه من الحيوان ولكنّه غير معلوم جلد حيّة أو جلد شاة ميتة، فإذا كان جلد حيّة فهو طاهر حتّى إذا جاء من البلاد الأجنبيّة، وإذا كان جلد شاة فهو نجس، وهكذا الشكّ في ان الجلد المأخوذ من الحيوان الذي له دم سائل أم لا، وكذلك هنالك صورة أُخرى وهي أنّنا نعلم أنّه من الحيوان الفلاني، ولكن لا نعلم أنّ له دم دافق أو ليس له فهو طاهر.

مسألة 5:

المراد من الميتة أعم ممّا مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه

ص: 284


1- العروة الوثقى 1: 49.

على غير الوجه الشرعي(1).

--------------------------

الشرعي، فهذه كلّها يطلق عليها الميتة، مات حتف أنفه، يعني هو مات، أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي، كما لو رمي بصخرة إلى أن مات، أو في الجاهليّة كانوا يأخذون الحيوان فيقطّعونه قطعةً قطعةً وهو حيّ ينظر، فتهجم عليه مجموعة ويقطّعونه قطعة قطعة، أو ذبح ولكن ما فريت الأوداج الأربعة منه، أو ذبح ولم يقل بسم اللّه، أو لم يكن الذابح مسلماً، ولم يكن باتّجاه القبلة هذه كلّها يطلق عليها الميتة وبعبارة موجزة كلّ ما لم يذكّ على الطريقة الشرعيّة.

ص: 285


1- العروة الوثقى 1: 49.

ص: 286

فهرس المحتويات

الفصل الأوّل: باب الاجتهاد والتقليد

مسألة 1: وجوب التقليد أو الإحتياط علی غير المجتهد ... 7

مسألة 2: جواز العمل بالإحتياط... 10

مسألة 3: الاحتياط في الفعل أو في الترك... 12

مسألة 4: جواز الاحتياط ولو استلزم التكرار... 13

مسألة 5: لزوم الإجتهاد أو التقليد في مسألة الإحتياط... 13

مسألة 6: لاحاجة إلی التقليد في الضروريات واليقينيات... 15

مسألة 7: عمل العامّي بلا تقليد ولا احتياط باطل... 19

مسألة 8: تعريف التقليد ... 20

مسألة 9: حكم البقاء على تقليد الميّت... 22

مسألة 10: عدم جواز العدول من الحيّ الی الميّت ... 23

مسألة 11: عدم جواز العدول من الحيّ إلى الحيّ إلاّ إذا كان أعلم... 23

مسألة 12: وجوب تقليد الأعلم مع الإمكان... 24

مسألة 13: إذا كان المجتهدان متساويين في الفضيلة... 25

مسألة 14: في الرّجوع إلی غير الأعلم... 27

مسألة 15: في الرّجوع إلی الحيّ في جواز البقاء علی تقليد الميّت... 28

مسألة 16: عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل... 30

مسألة 17: تعريف الأعلم... 31

مسألة 18: الأحوط عدم تقليد المفضول... 35

مسألة 19: عدم جواز تقليد غير المجتهد... 36

مسألة 20: ما يُعرف به اجتهاد المجتهد... 37

مسألة 21: كفاية الظّن والإحتمال في تعيين الأعلم... 39

مسألة 22: يُشترط في المجتهد أمور ... 40

مسألة 23: تعريف العدالة... 45

مسألة 24: فيما إذا فقد المجتهد شرائط التقليد ... 47

ص: 287

مسألة 25: فيما إذا قلّد من لم يكن جامعاً للشرائط... 48

مسألة 26: فيما إذا قلّد من يُحرّم البقاء على تقليد الميّت... 48

مسألة 27: وجوب العلم بأجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها... 49

مسألة 28: وجوب تعلّم مسائل الشكّ والسهو... 51

مسألة 29: وجوب التقليد في المستحبات ... 52

مسألة 30: جواز الفعل إذا علم بعدم الحرمة... 53

مسألة 31: إذا تبدّل رأي المجتهد ... 56

مسألة 32: إذا توقّف المجتهد في الفتوی... 57

مسألة 33: جواز التبعيض في المسائل... 58

مسألة 34: إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّى إلى الأعلم... 59

مسألة 35: إذا أخطأ في التطبيق... 60

مسألة 36: ما يُعلم به فتوی المجتهد... 62

مسألة 37: مَن قلّد غير الأعلم أو مَن ليس أهلاً للفتوی... 64

مسألة 38: إذا إنحصر الأعلم في شخصين ... 65

مسألة 39: إذا شكّ في موت المجتهد أو تبدّل رأيه... 66

مسألة 40: إذا علم بلا تقليد مدّة من الزمن ... 66

مسألة 41: إذا شكّ في صحّة تقليده السابق... 69

مسألة 42: إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ في كونه جامعاً للشرائط... 69

مسألة 43: يحرم الإفتاء والقضاء علی مَن ليس أهلاً لهما... 70

مسألة 44: تثبت عدالة المفتي والقاضي بأمور... 72

مسألة 45: إذا شكّ في كون أعماله السابقة عن تقليد صحيح... 73

مسألة 46: وجوب تقليد الأعلم مطلقاً... 73

مسألة 47: إذا كان كلٌّ من المجتهدين أعلماً ولكن في بعض المسائل ... 75

مسألة 48: وجوب الإعلام علی المجتهد إذا أخطأ في بيان الفتوی... 76

مسألة 49: إذا اتّفقت مسألة وهو في الصلاة... 76

مسألة 50: وجوب العمل بالاحتياط في زمن الفحص عن المجتهد... 77

مسألة 51:المأذون والوكيل عن المجتهد ينعزل بموت المجتهد... 78

مسألة 52: في مَن بقي على تقليد الميّت، دون أن يقلّد الحيّ... 80

مسألة 53: في مَن قلّد مَن يُفتی بخلاف مجتهده الأوّل... 81

ص: 288

مسألة 54: الوكيل والوصيّ يعملان بمقتضی تقليد الموكّل والموصي... 84

مسألة 55: اختلاف المتعاملين في التقليد ... 86

مسألة 56: في المرافعات تعيين الحَكَم بيد المدّعي... 88

مسألة 57: لا يجوز نقض حكم الحاكم الجامع للشرائط ... 89

مسألة 58: في مَن نقل فتوی المجتهد، ثم تبدّل رأيُه... 92

مسألة 59: إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى... 93

مسألة 60: إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها ولم يكن الأعلم حاضراً... 94

مسألة 61: في مَن عدل إلی الحيّ بعد موت مُقلَّديه الأوّل والثاني... 98

الفصل الثاني: كيف يتحقق التقليد

مسألة 62: ما يكفي في تحقق التقليد ... 101

مسألة 63: احتياطات الأعلم... 102

مسألة 64: في أقسام الإحتياط ... 103

مسألة 65: التخيير في صورة تساوي المجتهدين... 105

مسألة 66: في تشخيص موارد الاحتياط... 106

مسألة 67: محلّ التقليد ومورده... 110

مسألة 68: لا تُعتبر الأعلميّة في أمور... 116

مسألة 69: إذا تبدّل رأي المجتهد هل يجب عليه الإعلام؟... 117

مسألة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء الأصول في الشبهات الحكميّة... 118

مسألة 71: لا يجوز تقليد المجتهد غير العادل أو مجهول الحال... 124

مسألة 72: الظنّ بفتوى المجتهد لا يكفی في جواز العمل... 125

الفصل الثالث: الطهارة

البحث الأوّل: المياه... 131

مقدمة فقهية... 131

مسألة 1: حكم الماء المضاف... 133

مسألة 2: إذا صُعّد الماء المطلق ... 135

مسألة 3: إذا صُعّد الماء المضاف... 137

مسألة 4: طهارة الماء النجس بالتصعيد... 137

مسألة 5: إذا شكّ في مائع أنّه مضاف أو مطلق... 139

ص: 289

مسألة 6: في كيفيّة تطهير المضاف النجس... 142

مسألة 7: إذا أُلقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الإطلاق ... 143

مسألة 8: إذا إنحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين... 146

مسألة 9: في كيفيّة تنجّس الماء المطلق بأقسامه... 147

مسألة 10: لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة ... 153

مسألة 11: لا يعتبر في تنجّس الماء أن يكون التغيّر بوصف النجس ... 154

مسألة 12: لا فرق في زوال الوصف بين الأصلي والعارضي ... 155

مسألة 13: لو تغيّر طرفٌ من الحوض... 156

مسألة 14: تغيّر الماء بعد مدّة من وقوع النجاسة ... 157

مسألة 15: إذا وقع جزءٌ من الميتة في الماء... 157

مسألة 16: إذا شكّ في التغيّر أو في استناده إلی النجس ... 158

مسألة 17: إذا وقع في الماء دمٌ، وشيءٌ طاهرٌ أحمر ... 159

مسألة 18: إذا زال تغيّر الماء من نفسه... 160

البحث الثاني: الماء الجاري... 162

مقدمة فقهيّة ... 162

البحث الثالث: حكم الماء الجاري... 164

مسألة 1: حكم الجاري على الأرض من دون مادّة ... 164

مسألة 2: إذا شكّ في أنّ له مادّة... 165

مسألة 3: يُعتبر في عدم تنجّس الجاري اتّصاله بالمادّة ... 166

مسألة 4: يُعتبر في المادّة الدّوام ... 167

مسألة 5: لو انقطع الاتّصال بالمادّة ... 167

مسألة 6: الراكد المتّصل بالجاري، كالجاري ... 168

مسألة 7: العيون الّتي تنبع تارةً وتنقطع أخری ... 169

مسألة 8: إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه ... 169

البحث الرابع: الماء الراكد ... 172

مسألة 1: القليل يتنجّس مطلقاً ... 173

مسألة 2: تحديد مقدار الكرّ وزناً ومساحةً ... 174

مسألة 3: الكرّ بحقة الإسلامبول... 175

مسألة 4: الماء لو كان أقل من الكر... 175

مسألة 5: ينجس العالي بملاقاة السافل... 176

ص: 290

مسألة 6: إذا جَمَد بعض ماء الحوض والباقي دون الكرّ ... 177

مسألة 7: حكم الماء المشكوك كريّته... 178

مسألة 8: إذا لم يعلم السابق من الملاقاة والكرّية ... 180

مسألة 9: إذا لم يعلم تأريخ وقوع النجاسة في الكرّ ... 184

مسألة 10: إذا حدثت الكريّة والملاقاة معاً... 185

مسألة 11: إذا لم يعلم الكرّ من القليل ووقعت نجاسةٌ في أحدهما ... 185

مسألة 12: إذا وقعت نجاسة ولم يعلم أنّها وقعت في الماء النجس أو الطاهر ... 186

مسألة 13: إذا وقعت نجاسة ولم يعلم أنّها وقعت في الماء المطلق أو المضاف ... 187

مسألة 14: حكم القليل النجس المتمّم كرّاً ... 188

البحث الخامس: حكم ماء المطر ... 189

مسألة 1: إذا تقاطر المطر علی الثوب أو الفراش النجس ... 191

مسألة 2: إذا تقاطر المطر علی الإناء المتروس بماءٍ نجس ... 192

مسألة 3: إذا تقاطر المطر علی الأرض النجسة... 193

مسألة 4: إذا تقاطر المطر علی الحوض النجس... 194

مسألة 5: إذا تقاطر المطر من السقف... 195

مسألة 6: إذا تقاطر المطر على عين النجس، فترشّح منه ... 196

مسألة 7: إذا تقاطر المطر من السقف، بعدما مرّ بالسطح النجس ... 196

مسألة 8: إذا تقاطر المطر من السقف النجس... 197

مسألة 9: إذا تقاطر المطر علی التراب النجس... 198

مسألة 10: إذا تقاطر المطر علی الحصير والفراش المفروش ... 198

مسألة 11: إذا تقاطر المطر علی الإناء النجس... 199

البحث السادس: ماء الحمام... 201

البحث السابع: حكم ماء البئر... 204

مسألة 1: إذا تنجّس ماء البئر... 205

مسألة 2: إذا تنجّس الماء الراكد... 206

مسألة 3: لا فرق بين أنحاء الاتّصال في حصول التطهير... 207

مسألة 4: غمس الكوز المملوء من الماء النجس في الحوض ... 208

مسألة 5: إلقاء الكرّ علی الماء المتغيّر... 208

مسألة 6: طرق ثبوت نجاسة الماء... 210

ص: 291

مسألة 7: في تعارض البيّنتين أو البيّنة مع قول ذي اليد ... 212

مسألة 8: ترجيح إحدی البيّنتين علی الأخری بالكثرة ... 214

مسألة 9: طرق ثبوت كرّية الماء... 214

مسألة 10: يحرم شرب الماء النجس... 215

البحث الثامن: الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر والأصغر ... 217

مسألة 1: القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل... 220

مسألة 2: ما يُشترط في طهارة ماء الإستنجاء ... 221

مسألة 3: عدم اشتراط سبق الماء على اليد في طهارة ماء الإستنجاء ... 224

مسألة 4: إذا سبق بيده بقصد الإستنجاء ثمّ أعرض، ثمّ عاد ... 224

مسألة 5: لا فرق في ماء الإستنجاء بين الغسلة الأولى والثانية ... 225

مسألة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي... 225

مسألة 7: إذا شكّ في ماء أنّه غسالة الإستنجاء أو غسالة سائر النجاسات ... 226

مسألة 8: إذا إستنجی في الكرّ، لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر أو غسالة الإستنجاء ... 227

مسألة 9: إذا شكّ في وصول نجاسة من الخارج... 228

مسألة 10: جريان أحكام ماء الإستنجاء إنّما هو في الماء القليل فقط ... 228

مسألة 11: المتخلّف من الماء في الثوب بعد العصر ... 229

مسألة 12: تطهر اليد تبعاً لتطهير محل الإستنجاء ... 231

مسألة 13: المقدار الزائد من الماء بعد حصول الطهارة، طاهرٌ ... 232

مسألة 14: إذا لاقت الغسالة شيئاً آخر... 233

مسألة 15: غسالة الغسلة الاحتياطيّة... 233

البحث التاسع: الماء المشكوك النجاسة... 235

مسألة 1: في الشبهة المحصورة وغير المحصورة... 237

مسألة 2: لو اشتبه مضافٌ في محصور... 240

مسألة 3: لو شك في إطلاق الماء وإضافته ولم يكن عنده غيره ... 243

مسألة 4: لو علم إجمالاً بنجاسة الماء أو إضافته ... 243

مسألة 5: لو أريق أحد الإنائين المشتبهين... 245

مسألة 6: في ملاقي أحد المشتبهين بالشبهة المحصورة ... 247

مسألة 7: لو إنحصر الماء في المشتبهين... 249

مسألة 8: لو اُريق أحد الإنائين المتعيّن النجس منهما من الطاهر ... 249

مسألة 9: فيما إذا لم يعلم أنّه مأذون في التصرّف في الماء ... 252

ص: 292

مسألة 10: فيما إذا توضّأ من الإنائين المشتبهين ... 253

مسألة 11: في جريان قاعدة الفراغ إذا حصل له العلم بنجاسة أحدهما بعد التوضّي ... 255

مسألة 12: في وجوب الضمان إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبيّة ... 258

البحث العاشر: في الأسئار... 260

الفصل الرابع: النجاسات

البحث الاول: في عدد النجاسات... 265

الأول والثاني: البول والغائط... 265

مسألة 1: ملاقاة الغائط في الباطن... 267

مسألة 2: بيع البول والغائط... 269

مسألة 3: إذا شك في نجاسة بول حيوان معيّن... 270

مسألة 4: في نجاسة فضلة الحيّة والتّمساح ... 275

الثالث:المني... 276

الرابع:الميتة ... 277

مسألة 1: في الأجزاء المبانة من الحيّ... 280

مسألة 2: في فأرة المسك المبانة من الحيّ ... 281

مسألة 3: في ميتة ما لا نفس له... 283

مسألة 4: في الشكّ في أجزاء الحيوان... 284

مسألة 5: في المراد من الميتة... 284

فهرس المحتويات ... 287

ص: 293

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.