موسوعة الفقيه الشيرازي (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين) المجلد 20

هوية الكتاب

موسوعة الفقيه الشيرازي

(20)

تعليقة علی مباني منهاج الصالحين

لآية اللّه العظمی السيد تقي القمي (دام ظله)

بقلم

آية اللّه السيد محمد رضا الشيرازي رحمه اللّه

بطاقة تعريف:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان المؤلف واسمه:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

تفاصيل النشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مواصفات المظهر:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج21: 3-291-204-964-978

حالة الاستماع:فيپا

لسان:العربية

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

تصنيف الكونجرس:1394 8م5ح/8/159BP

تصنيف ديوي:297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4153694

ص: 1

اشارة

سرشناسه:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

مشخصات نشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مشخصات ظاهری:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج20: 6-290-204-964-978

وضعيت فهرست نويسی:فيپا

يادداشت:عربي

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه -- قرن 14

رده بندی كنگره:1394 8م5ح/8/159BP

رده بندی ديويی:297/312

شماره كتابشناسی ملی:4153694

موسوعة الفقيه الشيرازي

شجرة الطيبة

---------------

آيةاللّه الفقيه السيّد محمّد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)

المطبعة:قدس

إخراج:نهضة اللّه العظيمي

الطبعة الأولی - 1437ه- .ق

----------------------

شابك دوره: 8-270-204-964-978

شابك ج20: 6-290-204-964-978

----------------------

دفتر مركزي: قم خيابان معلم، میدان روح اللّه،

نبش كوچه 19، پلاك 10، تلفن: 9 – 37744298

چاپ: شركت چاپ قدس، تلفن 37731354 فكس 37743443

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

كتاب الصوم

اشارة

ص: 5

ص: 6

الفصل الأول: النية

وقوله: [أضف إلى ذلك أنّه قد ورد في بعض النصوص: أن الصوم مما بُني عليه الإسلام...](1) هذا الدليل غير واضح؛ إذ البناء لا يقتضي التعبّدية، كما لو قلنا: (بني الإسلام على علاقة بين العبد واللّه سبحانه وتعالى وهي الصلاة، والعبد والمجتمع وهي الإنفاق) أي أنّ الإسلام يقوم بالإنفاق، وإن كان غير قرين، ونحوه: (قام الإسلام بسيف علي وبمال خديجة)(2)، وكذا لو قلنا: (بني الإسلام على العبادات والمعاملات والإيقاعات والأحكام)، ونحوه روايات بُني الإسلام المذكورة في أبواب مقدمات العبادات من كتاب الوسائل(3).

ويُحمل كلامه أنّه لو بحثنا في الروايات نجد أدلة على كون الصوم عبادياً، مضافاً إلى الضرورة، فراجع أبواب النية وأبواب الرياء (مثل: لا عمل إلاّ بنية - لكل امرئٍ ما نوى)(4).

قوله: [فإنّ المناسبة بين الموضوع والحكم تقتضي أن ما يكون الإسلام مبنياً عليه يكون في عداد الصلاة والحج، ويكون قربياً

ص: 7


1- مباني منهاج الصالحين 6: 3.
2- شجرة طوبى 2: 233.
3- وسائل الشيعة 1: 13-29.
4- الكافي 1: 70؛ مسائل علي بن جعفر: 346؛ تهذيب الأحكام 1: 83.

فلاحظ](1) لو فرضنا أنّ الإسلام دين يرتبط بالآخرة فقط فلعل هذا الكلام يتم، أما لو اعتبرناه ديناً للآخرة والدنيا، قال تعالى: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}(2)، و{مَعِيشَةً ضَنكًا}(3) فالمبني عليه ربما يكون أعمّ.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا بمعنى وقوعه عن النية كغيره من العبادات الفعلية، بل يكفي وقوعه للعجز عن المفطرات...](4) الظاهر اشتراط النيّة، إلاّ أنّ النية أعم من الإخطار والارتكاز، والثاني موجود ولو في حالة النوم، أي لو سئل ماذا تفعل، لأجاب؟ كما هو مذكور في بحث النية في كتب الرسائل العملية.

وعليه لا يظل فرق بين العبادات الوجودية والعدمية - كالسعي لو نام في أثنائه وهو محمول على كرسي - فإنّ الارتكاز كافٍ، فتأمل.

نعم، لو كانت في العبادة التي تشترط فيها الطهارة الحدثية بطلت بالنوم.

ثم إنه ينقض ما ذكر المصنف بالاعتكاف، فإنّه عبادة وجودية، أو مركبة من وجود وعدم، ومع ذلك لا يبطلها النوم. ويمكن تبديل العبارة إلى (وتكفي النية الارتكازية والتعليقية) فالأول: كما في حالة الغفلة، والثاني: كما في حالة الصارف النفساني.

قوله: [أي لا يلزم أن يكون الإمساك في كل آنٍ من آنات النهار

ص: 8


1- مباني منهاج الصالحين 6: 3.
2- القصص: 77.
3- طه: 124.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 4.

مستنداً إلى إرادة موافقته لأمر اللّه، وإلاّ يلزم بطلانه بانتفاء ذلك بالنوم أو الغفلة](1) توجد هنا بحوث ثلاثة:

الأول: انتفاء الاستناد الإخطاري، أي الاستناد في الترك إلى إرادة الموافقة لأمره تعالى، وذلك كما في حالة النوم والغفلة.

الثاني: وجود الاستناد، ولكن للداعي غير القربي (فعلاً)، كما لو كان هنالك منفر طبيعي، أو لم يرغب فيه.

الثالث: العجز عن الإتيان.

أمّا الأول: فحلّه بما سبق من كفاية الارتكاز. وأمّا الثاني فحلّه المصنف بوجود الداعي التعليقي، أي: أن يكون الداعي الإلهي مستقلاً في الانزجار ولو بنحو التعليق، وكذا الثالث.

وقد يقال بأول الثلاثة، وقد يحل باستقلال الداعيين: أي أن كلاً منهما داعٍ مستقل لو كان منفرداً، ولكن مآله إلى ما ذكره المصنف.

مع أنّ صورة استقلال الداعيين - لوكانا عرضيين - يورث بطلان العمل، فأنّه يوجب الكسر والانكسار في الداعيين فعلاً، لاستحالة اجتماع شيئين مستقلين على معلول واحد.

والحاصل: أولاً: لو كانا عرضيين لأورثا بطلان العمل.

ثانياً: لو كانا طوليين مستقلين - أي أنّ أحدهما هو الداعي فعلاً، لكن الآخر لو لم يكن الأول لكان داعياً - فمآله إلى الداعي التعليقي.

ولعل الحل في البحث الثاني والثالث إلى أنّ الموارد مختلفة، ولا بد من

ص: 9


1- مباني منهاج الصالحين 6: 4.

لحاظ كل مورد مورد، ولحاظ دليله، بلا فرق بين كون العبادة وجودية أو عدمية، فتأمل.

قوله: [أو العجز عن ارتكاب المفطر](1) سيأتي من الشارح أنَّ النهي لغو؛ لأنه تحصيل للحاصل.

قوله: [وعدم الرغبة فيه أو وجود المنفر الطبيعي عنه، ولا يمكن الالتزام بهذا اللازم بلا كلام، بل يكفي تحققه بحيث يكون الداعي الإلهي مستقلاً في الانزجار، ولو بنحو التعليق...] هذا فقدان المقتضي وبعده يمثل وجود المانع، وكلاهما في صورة التمكن.

قوله: [مع كونه لله] أي عدم الفعل.

قوله: [وإن شئت قلت: الفعل العبادي يلزم أن يؤتى به مع القصد والاختيار، ويكون الداعي إلى فعله التقرب من اللّه، وأما الترك العبادي فيكفي في تحققه قصد القربة...] لم يظهر الفرق بين الفعل العبادي والترك العبادي؛ إذ الارتكاز كافٍ في الاثنين، والداعي الإلهي التعليقي لو كفى في الترك لكفى في الفعل، كما لو أعطى الزكاة لإشفاقه على الفقراء، لكن لو لم يكن له ذلك الإشفاق لحركه الداعي الإلهي.

وقد مضى النقض بالاعتكاف، إلاّ أن يقال: إن الفارق هو أنّ أدلة اشتراط الفعل العبادي بالنية والخلوص، تدل على لزوم الإتيان به مع القصد والاختيار بداعٍ إلهي فعلي.

ص: 10


1- مباني منهاج الصالحين 6: 4.

أما أدلة اشتراط الترك العبادي بالنية - مثل الضرورة أو بُني الإسلام - فلا تدل على أكثر من لزوم الداعي ولو التعليقي.

أو يقال: إن صحة الصوم من النائم والغافل، ومن أفطر نسياناً تدل على ذلك، ولا يوجد مثل ذلك في الأفعال العبادية. وكذا في من وجد عنده منفر طبيعي، أو لم يرغب في الفعل بذاته.

والداعي تعليقي حتى في النوم؛ لأنّه لو لم يكن نائماً لامتنع لأجله تعالى، وكذا في حال الغفلة، كما هو مورد نصوص الإفطار للنسيان.

والظاهر أنّ الغفلة قسمان:

الأول: أن يعزب عن سطح الذاكرة، كما لو اشتغل بشأن آخر، فإنّ الإنسان يشغله شأن عن شأن.

الثاني: أن يعزب عن الذاكرة بالمرّة، كما هو مورد النصوص، والارتكاز يحل الأول، والداعي التعليقي يحل الثاني، فتأمل.

هذا، وقد يقال: إنّه لو اشترط الداعي الفعلي في العبادات العدمية لم يتحقق صوم أبداً؛ إذ ليس الإمساك في كل آنٍ عن كل مفطر لداعٍ فعلي، فلاحظ.

قوله: [عن السيّد (قدس سره) بأنّ وقت النية آخر جزء من الليل متصل بالنهار](1) كأنّه مبني على مبنى كون النيّة مع الإخطار.

قوله: [ويرده أنّه لو نوى أحد أول الليل أن يصوم ثم نام إلى أن طلع الفجر كان صومه صحيحاً، فلا توقيت فيها] لم يظهر الردّ، بل كأنّه

ص: 11


1- مباني منهاج الصالحين 6: 5.

تكرار للمدّعى.

قوله: [كتروك الإحرام](1) هل الثابت أنها عبادية، أو أنّها واجبة كتروك الصلاة؟

قوله: [كتروك الإحرام، فإنّ التقريب الذي ذكرناه بالنسبة إلى الصوم جارٍ في غيره من سائر التروك العبادية، فلاحظ] مضى الإشكال في الفرق بين العبادات الوجودية والعدمية، فتأمّل.

قوله: [بل يكفي تحققه بشرط سبق النية] أو بالنية التعليقية.

قوله: [إنّ الأمر العبادي لا بد في تحققه من قصد القربة ولو ارتكازاً، والمفروض انتفاؤها](2) لا بد من البحث في معنى الارتكاز أوّلاً(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يلحق بالنوم السكر](4) يمكن فرض ذلك بما لو شرب مسكراً قبل الفجر ثم ظهر أثره أثناء النهار، أو سكر سُكراً ممتداً إلى النهار، أو كان سكره بالتزريق في الوريد - مثلاً - لا بالشرب، بناءً على عدم كونه مفطراً في حدّ ذاته.

قوله: [مضافاً إلى أنه كيف يكفي عدم القدرة؛ إذ مع عدمها لا وجه للنهي...](5) والجواب: أنّ النهي تعليقي، أي لو قدرت لا تفعل.

ص: 12


1- مباني منهاج الصالحين 6: 5.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 5.
3- راجع التعليق على قول الماتن: (بمعنى وقوعه عن النية).
4- مباني منهاج الصالحين 6: 5.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 6.

لا يقال: إنّه لو علم عدم القدرة إلى اللحظات الأخيرة يكون الخطاب لغواً.

فإنّه يقال: أولاً: يكفي في الثمرة أنّه ينوي تعليقاً، وذلك بما يقربه إلى تعالى، كما في نيّة الخير، لو قدر بما يقرب الإنسان له تعالى، وينمّي الملكات الطيبة في النفس.

وثانياً: أنّ هناك فرقاً بين الخطاب الشخصي الخاص والقانون العام الذي يشمل القادر والعاجز، فتأمل.

وثالثاً: النقض بالنواهي، فإنّ القدرة إنما تتعلق بالطرفين، فإذا فرضناً أنّ شرب جميع خمور العالم لم يكن مقدوراً، فعدم شرب جميعها ليس مقدوراً، فيكفي نهي المولى عن شرب كل خمر. وكذا الكون في كل مكان مغصوب ليس مقدوراً، فعدمه ليس مقدوراً، وهكذا اغتياب جميع الناس ليس مقدوراً - على نحو الغيبة التفصيلية - فكذلك عدمه، فهل يلتزم المصنف بأن النهي بدلي، أي شرب خمرٍ من الخمور على سبيل البدل الاستغراقي، أي ما كان فعله مقدوراً.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجب قصد الوجوب والندب ولا الأداء والقضاء...](1) إلاّ إذا توقف التعيين على ذلك فيجب من باب المقدمة.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل يكفي القصد إلى المأمور به عن أمره] أي منبعثاً عن الأمر.

قوله (قدس سره) في المتن: [عن أمره كما تقدم في كتاب الصلاة] أو نحو ذلك، مثل: متقرباً به إلى المولى، ونحو ما ذكر في العروة(2).

ص: 13


1- مباني منهاج الصالحين 6: 6.
2- العروة الوثقى 3: 522-523.

قوله: [الأمر كما أفاده، فإن قصد الوجه غير واجب كما ثبت في محله](1) وقد ذكر في الأصول في مباحث القطع(2)، كما ذكر في العروة في باب الوضوء والصلاة (مباحث النية)(3).

قوله: [إذ النائب يمتثل الأمر المتوجه إليه لا الأمر إلى غيره...](4) لكن عليه فرض تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه، فيتوجه إليه بعدئذٍ نفس الأمر المتوجة إلى المنوب عنه، لكنه مجرد فرض في عالم الثبوت، ولا دليل على ذلك إثباتاً ظاهراً.

إلاّ أن يقال: إنّ ذلك قصد لامتثال الأمر المتوجه إلى المنوب واقعاً، لكن عبر هذا الأُسلوب المجازي - على نحو المجاز السكاكي - فتأمل. ولزيادة التوضيح راجع بحث النيابة في العروة الوثقى(5).

قوله: [إن الأمر غير متوجه إلى المنوب عنه؛ إذ تعلق الأمر بالميت لا معنى له] بل له معنى؛ إذ يلزم في التكليف تحريك نفس المكلف، بل ترتب تحريك على التكليف، وهذا حاصل؛ إذ يترتب عليه تحريك الولي مثلاً. ومن ذلك «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».

نعم، قد يدّعى أن الأدلة لا تساعد على ذلك إثباتاً، فتأمل.

ص: 14


1- مباني منهاج الصالحين 6: 6.
2- كفاية الأصول: 365؛ أصول الفقه 1: 118.
3- العروة الوثقى 1: 407.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 6.
5- العروة الوثقى 4: 538.

ويدل على ذلك: الأدلة الدالة على أنّه (وغداً حساب ولا عمل)(1)، ونحو ذلك، فتأمل.

قوله: [إذ أزيد من هذا المقدار لا دليل على وجوبه...](2) وبعبارة اُخرى: الشرط - وهو القصد - يتحقق بذلك.

وبعبارة ثالثةٍ: الأدلة تدل على لزوم النية، وهي حاصلة بالنية الإجمالية.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل...](3) في المسألة صور:

الأولى: قصد الصوم عن أمور يعلم دخول المفطرات فيها، وهذا كافٍ.

الثانية: قصد الصوم عن أمور ولم يعلم أن الارتماس منها مثلاً ولم يقصد فعله، لعدم المقتضي أو لوجود مانع.

الثالثة: قصد فعله ولم يفعله.

الرابعة: قصد فعله وفعله.

والظاهر أنّ المصنف يقصد الصورة الأولى، وأما سائر الصور فيمكن مراجعة أحكامها في العروة(4).

ويحتمل القول بصحة الصورة الثانية والبطلان في الأخيرتين، أما الرابعة فلفعل المفطر، وأما الثالثة فلقصد فعل المفطر إن قلنا إن قصد المفطر مفطر،

ص: 15


1- نهج البلاغة 1: 92-93، الخطبة رقم (42).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 6.
3- ( [3])مباني منهاج الصالحين 6: 6.
4- العروة الوثقى 3: 522-529.

وإلاّ فهذه الصورة تصح أيضاً.

وقد يشكل في الصورة الثانية لعدم القصد، والقصد شرط. إلاّ أنه يشكل الأمر في كثير من العوام لو قلنا بذلك؛ إذ لا يعلمون بكون القيء مفطراً - مثلاً - ومن البعيد الحكم ببطلان صومهم كلهم، فتأمل.

والحل: أنّه قصد امتثال الأمر الواقعي، والخطأ في التطبيق(1).

ولتوضيح المتن يضاف إليه: (عن المفطرات إجمالاً بحيث يعلم دخول جميع المفطرات فيما نواه كفى).

ثم إنّ الإجمال نوعان: أصولي ومنطقي، راجع الفقه للوالد (رحمه اللّه) (2).

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يقع في شهر رمضان صوم غيره على إشكال](3) لا إشكال فيه.

قوله: [وفيه: أن عدم مشروعية الصوم المستفاد من الآية بالنسبة إلى صوم رمضان...](4) إن قلت: الآية الكريمة مطلقة.

قلت: ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

قوله: [وفيه أن المستفاد من الحديث المنع عن صوم رمضان في السفر...] (5) بل المستفاد العموم، وإلاّ لصام الإمام (عليه السلام) تطوعاً، وقوله (عليه السلام) :

ص: 16


1- وهل يفرق في الأحكام بين القاصر والمقصّر، و(على نحو التقيّد) أو (الخطأ في التطبيق)؟ (منه (رحمه اللّه) ).
2- الفقه 34: 27.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 7.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 7.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 8.

«ما أمرنا»(1) الظاهر أنه الإفطار.

قوله: [أضف إلى ما ذكر أن المرسلات لا اعتبار بها] وفيه: أن المرسلتين معمول بهما.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإن نوى غيره بطل](2) للنهي في العبادة الذي يقتضي الفساد.

قوله: [وأما بحسب النصوص الواردة في المقام فهي تدل على احتسابه من رمضان وإن قصد غيره...] الظاهر في خصوص المتردد لا الجاهل مطلقاً؛ إذ قد يكون الجاهل قاطعاً أنه من شهر شعبان.

والحاصل: أن هنالك ثلاث صور:

الأولى: المتردد.

الثانية: القاطع أن من شعبان.

الثالثة: الناسي.

والنص ورد في المتردد، إلاّ أن يستفاد العموم والتعليل.

ثم إن الناسي قد يكون متردداً، كما لو علم أنه شهر رمضان ثم نسي وأصبح متردداً، فالنص يشمله.

وعليه فلا وجه لجعل الشارح (الناسي) في قبال (الجاهل)، بل اللازم جعل الموضوع (المتردد) ثم التنظر في إلحاق غيره به.

قوله: [لكن لقائل أن يقول: بأنه لو كان المكلف عالماً بكونه من

ص: 17


1- وسائل الشيعة 10: 203.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 9.

رمضان، ولكن لا يعلم بعدم جواز الإتيان بصوم آخر فأتى به، فهل يمكن الالتزام بالصحة](1) الظاهر أنّه قد نظر إلى أنه لو كان علة لدار مدارها الحكم، وعليه يلزم الحكم بالصحة في الجاهل بالحكم.

وقد يجاب بالفرق في أن التعليل يشمل الناسي عرفاً، ولا يشمل الجاهل بالحكم، فتأمل.

وهذا مثل: (أحب هذا المسجد لأنه أكبر) فإنه عرفاً يشمل (البيت) و(الدكان) - مثلاً - ولا يشمل (المرأة الأكبر).

قوله (قدس سره) في المتن: [يكفي في صحة صوم رمضان القصد إليه ولو إجمالاً...](2) خلاصته: الفرق بين الصوم الواجب والمندوب في الإجزاء، ففي الواجب لابد من التعيين، إما تفصيلاً أو إجمالاً - كأن ينوي الصوم الذي أمر به الشارع - ولا فرق بين شهر رمضان وغيره.

وأما في المندوب فيكفي قصد الصوم مطلقاً، ولو صادف صوماً خاصاً، فإن نواه تحقق الصوم الخاص وأثيب عليه، وإلاّ صح مندوباً مطلقاً، ففي الثواب لا بد من التعيين.

إذن، ففي الإجزاء هناك فرق بين الصوم الواجب والمندوب، فلا بد من التعيين في الواجب كي يجزي، أما في المثوبة فلا بد من التعيين حتى في المندوب، وإلاّ لم يثبت الثواب الخاص.

ص: 18


1- مباني منهاج الصالحين 6: 10.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 10.

هذا ولكن ورد في (العروة)(1) أنّ شهر رمضان يختلف عن غيره من الصيام الواجب، فيكفي فيه قصد الصوم مطلقاً؛ وذلك لأنّ المأمور به هو الصوم بلا تعنون بعنوان خاص - أي الصوم في ظرفٍ خاص - وقد قصد الصوم في ذلك الظرف.

وهذا بخلاف {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}(2) إذ المطلوب الوفاء بالنذر، فإذا لم ينوه لم يتحقق ذلك العنوان.

وقد يقال بنحوه في صوم أيام البيض؛ إذ المطلوب الصوم في هذا الظرف، وقد صامه.

ولكن قد يشكل فيهما: بأنّه لم يقصد الانبعاث عن هذا الأمر، أي صوم أيام البيض، أو {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(3) فلا يقع عنه. وإنما قصد الصوم العام المستفاد من أوامر الصيام العامّة، فتأمل.

قوله: [إذ لا دليل على وجوب شيء زائد بعد تحقق الامتثال...] مراده أن المطلوب النية، ولا فرق بين النية الإجمالية والتفصيلية.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما إذا قصد صوم غد دون توصيفه بخصوص المشروع لم يجز](4) فيه تأمل.

قوله: [إذ يلزم في تحقق الامتثال الانبعاث من الأمر المتوجه إليه

ص: 19


1- العروة الوثقى 3: 523-525.
2- الانسان: 7.
3- البقرة: 185.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 10.

من قبل المولى، والمفروض عدم الانبعاث...] ونحوه كقصد التقرب.

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، إذا قصد ما في ذمته وكان واحداً أجزأ عنه] لا فارق بين الوحدة والتعدد، بل لا بد في كليهما من قصد الأمر المتوجه إليه إمّا إجمالاً أو تفصيلاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إن قصد الطبيعة الخاصة صح المندوب الخاص وإلاّ صح مندوباً مطلقاً](1) في عدم صحته مندوباً خاصاً تأمل.

قوله: [لم يظهر لي المراد، فإن المفروض أن الصوم في الصورة المذكورة صوم خاص...] المراد واضح؛ إذ الصوم مأمور به مطلقاً، كما في أوامر الصيام (وأنه جنة وأنه كذا...)(2) فإذا لم يقصد الحصة الخاصة وقصد الصوم تحقق امتثال الأوامر المطلقة ب- (صم)، فقوله: (إنَّ المجعول من قبل المولى ليس إلاّ الأمر بالحصة الخاصة)(3) فيه: أن هنالك مجهولين: أمر بالحصة الخاصة، وأمر بالصوم مطلقاً. (على ما هو موضح في العروة)(4).

قوله (قدس سره) في المتن: [وقت النيّة في الواجب المعين ولو بالعارض عند طلوع الفجر الصادق...](5) الوقت الذي يمكن أن تكون فيه النية هو:

1 - الواجب المعين بالذات - شهر رمضان - النية عند الفجر.

ص: 20


1- مباني منهاج الصالحين 6: 11.
2- وسائل الشيعة 10: 395-407.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 11.
4- العروة الوثقى 3: 523-526.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 11.

2- الواجب المعين بالعارض - كالنذر المعيّن - النية عند الفجر.

3- الواجب غير المعيّن وكان موسعاً - كالقضاء - النية إلى الزوال.

4- الواجب غير المعيّن وكان مضيقاً - كالقضاء - النية إلى الزوال.

5- المندوب النية إلى قبيل المغرب.

قوله (قدس سره) في المتن: [وفي الواجب غير المعين يمتد وقتها إلى الزوال، وإن تضيق وقته] فيه إشكال، والاحتياط لا يترك بمقارنة النية لابتداء الصوم فيه.

قوله: [في هذه المسألة فروع: الفرع الأول: إن آخر وقت النيّة في الواجب المعيّن إذا كان من شهر رمضان عند طلوع الفجر الصادق...](1) هذا بالنسبة للمتعمد، وأمّا الناسي ونحوه فسوف يأتي البحث عنه لاحقاً.

قوله: [ولكن لا يمكن المساعدة عليهما مع البناء على عبادية الصوم...](2) فمقتضى القاعدة العامة لزوم الاستيعاب في النية، ولا دليل بالخصوص يدل على اغتفار تأخر النيّة كما في الفروع الآتية.

قوله: [عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: «لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل»(3)](4)

ويمكن الجواب أيضاً عن المرسل: بأن القيد غالبي، حيث إنه لا يمكن أن تكون النية مقارنة للفجر عادة، فيكون التبييت مقدمة وجودية،

ص: 21


1- مباني منهاج الصالحين 6: 12.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 12.
3- مستدرك الوسائل 7: 316.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 12.

فتأمل.

قوله: [ومن الظاهر أن المرسل لا اعتبار به، والحق جواز النية في كل جزء من الليل...] حيث إنَّ النية مع الارتكاز، فاللازم المقارنة لأول الفجر، ولا عبرة بالنية في الليل لا وجوداً ولا عدماً.

قوله: [الفرع الثاني: إن أخّر وقت النية في الواجب المعيّن - ولو بالعارض - عند طلوع الفجر الصادق...] مراده كالنذر الموقت، لا يضيق الوقت.

قوله: [ويمكن أن يقال: إن مقتضى بعض النصوص الواردة في المقام جواز تأخير نية الواجب المعين إلى الزوال...] النصوص ظاهرة في الواجب غير المعين، بل الموسع منه فقط، فلاحظ.

فرواية الحلبي: «قلت له: إنَّ رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار، أيصوم؟ قال: نعم»(1) علّق فيها الصوم على الإرادة، وهذا لا يشمل النذر الموقت مثلاً، وإلاّ لقال «إنّ رجلاً نذر صوم يوم معيّن ثم عصى أو نسي ثم تاب، وأراد أن يصوم» أي أن فيه مؤونة زائدة.

وأمّا رواية ابن الحجاج: «الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، ولم يكن نوى ذلك من الليل، قال: نعم، ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئاً»(2) فهي واردة في القضاء الرمضاني، بل الأولى تشمل المندوب والواجب غير المعيّن - أي

ص: 22


1- وسائل الشيعة 10: 10.
2- وسائل الشيعة 10: 10.

الموسع - والثانية واردة في قضاء شهر رمضان.

وإليك بعض الروايات الشريفة حول غير المندوب، وسوف يأتي البحث حولها بعدئذٍ إن شاء اللّه تعالى.

الأولى: رواية الحلبي: «أن رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار، أيصوم؟ قال: نعم»(1)، وهي تشمل المندوب والواجب غير المعين (الموسّع)، ولا تشمل شهر رمضان، والواجب المعيّن بالعارض.

وهل تشمل الواجب غير المعيّن (المضيق)، كقضاء شهر رمضان عند تضيق الوقت؟ لعله لا، فقد علّق الحكم فيه على ارتفاع النهار.

الثانية: رواية ابن الحجاج: الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، ولم يكن نوى ذلك من الليل، قال: «نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئاً»(2) وهي تشمل القضاء الموسع. وهل تشمل القضاء المضيق؟

الظاهر: أنه لا تشمله؛ لأنه قد تقدم الكلام أن الصوم من العبادات، فلا بد من وقوعه مع نية القربة من أوله إلى آخره. وكذا لا تشمل شهر رمضان ولا المندوب ولا الواجب المعين بالعارض، فقد علّق الحكم فيه على ارتفاع النهار.

الثالثة: رواية محمد بن قيس: «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً، أو يشرب شراباً ولم يفطر، فهو بالخيار

ص: 23


1- وسائل الشيعة 10: 10.
2- وسائل الشيعة 10: 10.

إن شاء صام وإن شاء أفطر»(1).

وهي ظاهرة في المندوب والواجب غير المعيّن، أو في المندوب فقط. ولعله الأظهر؛ لأنّ وقت النية في الواجب غير المعين - على ما تقدم - يمتد إلى الزوال فقط، والحكم مطلقاً يشمل حتى الغروب.

الرابعة: رواية عمّار الساباطي: «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الإفطار فليفطر. سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: لا.»(2).

إلاّ أن الرواية ضعيفة على مبنى المصنف.

الخامسة: رواية هشام بن سالم: «الرجل يصبح ولا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال: إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى»(3).

وهي ظاهرة في المندوب والواجب الموسع، والرواية تفصّل بين قبل الزوال وبعده.

السادسة: رواية ابن الحجاج الثانية: «عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم

ص: 24


1- وسائل الشيعة 10: 11.
2- وسائل الشيعة 10: 13.
3- وسائل الشيعة 10: 12.

يشرب ولم ينو صوماً، وكان عليه يوم من شهر رمضان ألَهُ أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامّة النهار؟ فقال: نعم، له أن يصومه ويعتد به من شهر رمضان»(1).

وهي خاصة بيوم من شهر رمضان قضاء، ومقتضاها الإجزاء ولو ذهب عامّة النهار.

ولنبحث في فروع (تبعاً للمصنف)(2):

الأول: شهر رمضان - الواجب المعين بالذات - ومقتضى القاعدة لزوم النية عند طلوع الفجر كما سبق.

الثاني: الواجب المعيّن بالعارض - كالنذر والعهد واليمين - مع تعيّن وقته، ومقتضى القاعدة كونه كالأول، والنصوص الآتية لا تشمله.

أما رواية الحلبي: فقد تقدم أنها لا تشمل المعين لتعليق الصوم فيها على الإرادة.

وأما رواية بن الحجاج: فهي واردة في القضاء (وهو واجب غير معيّن موسعاً ومضيقاً).

وأما رواية بن قيس فهي اجنبية موضوعاً إذا في المقام قد فرض على نفسه.

وأما رواية عمّار فهي ضعيفة - على مبنى المصنف - وهي واردة في القضاء.

ص: 25


1- وسائل الشيعة 10: 11.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 12-20.

وأما رواية هشام - (حدث له رأي في الصوم) - فهي لا تشمل المقام؛ إذ إنها منصرفة عن الواجب المعين؛ لتعليق الصوم فيها على الإرادة.

وأما رواية ابن الحجاج الثانية: فهي واردة في قضاء شهر رمضان.

إذن، فالروايات إمّا خاصّة موضوعة أو منصرفة.

الثالث: الواجب غير المعيّن، كالقضاء موسعاً ومضيقاً، بلا فرق بينهما على رأي الماتن، وكذا النذر المطلق، يمتد وقت نيته إلى الزوال لجملة من النصوص.

منها: رواية الحلبي: «أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ قال: نعم»(1).

والرواية تشمل الصوم الندبي، والواجب غير المعيّن حال كونه موسعاً، وأماّ حال كونه مضيقاً ففيه تأمل؛ لتعليق الصوم فيها على الإرادة.

ثم إن المأخوذ فيها ارتفاع النهار، والظاهر: أنه فترة قبل الظهر (مثل ثلاث ساعات قبل الظهر)(2)، ولا يدل على ما بعده، ولا على عدم الإجزاء فيما بعده، فهو يدل على المدّعى في الجملة.

وأما ما في المستند(3)

من ظهورها في الصوم الندبي ففيه نظر، لشمولها للواجب غير المعيّن من حيث مدخلية إرادة المكلف في التطبيق، كما ذكره هو، فالإرادة قد تتعلق ب:

أولاً: أصل الشيء وجوداً وعدماً.

ص: 26


1- وسائل الشيعة 10: 10.
2- راجع كتب اللغة (منه (رحمه اللّه) ).
3- مستند الشيعة 10: 209-211.

ثانياً: أو بحصصه وأفراده.

وما يناط بالإرادة بنحو مطلق هو المندوب، وما يناط بها من وجه دون وجه هو الواجب غير المعيّن (الموسع)، وما لا يناط بها مطلقاً هو:

أولاً: شهر رمضان.

ثانياً: الواجب المعيّن كالنذر الموقت.

ثالثاً: الواجب غير المعيّن إذا تضيّق وقته، كقضاء شهر رمضان.

والظاهر: أنّ كلمة (أراد) كما تطلق على النوع الأول تطلق على النوع الثاني أيضاً، لأن السؤال عن الفرد، أي (أراد أن يصوم) يوماً لا عن أصل الصيام، وقول الشارح: (وأفاد سيدنا الأُستاذ: أنه لا يبعد ظهور هذه الرواية في الصوم الندبي...) فيه نظر.

قوله: [لو بنى على إطلاقها شملت الواجب غير المعين، حيث إنه بميله وإرادته...](1) ينبغي أن يراد به الموسع لا المضيق، وكذا قوله بعدئذٍ [ولغير المعيّن] فقول الشارح: [ويرد عليه إنّ الإرادة وردت في سؤال الراوي] الظاهر أنه لم يتضح الفرق بين ورودها في سؤال الرواي أو كلامه (عليه السلام) .

قوله: [إطلاقها يشمل صوم رمضان، والتخصيص بغير المعين يحتاج إلى دليل] من الناحية اللغوية يشمل، إذ نقول: إنّ العاصي أراد أن يصوم عند الظهر مثلاً، لكن الانصراف مانع دون ذلك.

قوله: [وعليه يشكل ما مر في الفرع الثاني من أن آخر وقت النية

ص: 27


1- مباني منهاج الصالحين 6: 13.

في المعين هو الفجر الصادق] بل يشكل هنا، وكذا ما مر في الفرع الأول، فلا وجه للتخصيص بالثاني.

ومنها: رواية ابن الحجاج: وهي خاصة بقضاء شهر رمضان. كما أن المأخوذ فيها «ارتفاع النهار» على نحو ما مرّ في الرواية السابقة.

كما أنها ظاهرة في كون القضاء موسّعاً لا مضيقاً؛ لظهور كلمة (يبدو) التي تدل على كونه مختاراً. فهي تدل على المدّعى في الجملة من جهات ثلاث، أي أنّها أخص من ثلاث جهات.

قوله: [قال سيدنا الأُستاذ: يستفاد من كلمة (يبدو) أن القضاء ليس متعيناً عليه بحيث يكون مختاراً بين الصوم وعدمه](1) بل يستفاد أكثر من ذلك، وهو كون الواجب موسعاً غير مضيق.

قوله: [فلا تشمل الرواية الواجب المعين](2) لا حاجة إلى التشبث بذيل كلمة: «يبدو» بل موضوع الرواية «قضاء شهر رمضان» وهو واجب غير معيّن.

ومنه يظهر الكلام في إشكال الشارح بقوله [ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين غير المعين والمعين] إذ لا إطلاق مع ضيق الموضوع.

قوله: [وفيه: ما تقدم آنفاً، فإن هذه الكلمة واردة في سؤال الراوي، ونظر السائل إلى أن التأخير هل يضر أم لا؟ ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين غير المعين والمعين...] ما مضى يرد عليه أيضاً، فإن موضوع

ص: 28


1- مباني منهاج الصالحين 6: 14.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 14.

الرواية هو «قضاء شهر رمضان» وهو واجب غير معين، بإلاضافة إلى أنّ الصوم من العبادات، فلا بد من وقوعه مع نية القربة من أوله إلى آخره.

ومنها: رواية ابن قيس: قال علي (عليه السلام) : «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً، أو يشرب شراباً ولم يفطر، فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر»(1)، ولعلها ظاهرة في المندوب فقط؛ إذ في الواجب هنالك فرض إمّا من قبل الشارع أو من قبل نفسه على نفسه، ومقتضى الرواية الشمول لما بعد الزوال، فهي أجنبية عما نحن فيه.

قوله: [والظاهر من الرواية بيان حكم الواجب غير المعين أو الأعم منه ومن المندوب، ولا تشمل الواجب المعين...](2) بل الظاهر حكم بيان المندوب فقط؛ إذ الظاهر عدم وجود فرض مطلقاً، وفي الواجب غير المعيّن هنالك فرض من المكلف على نفسه.

ومنها رواية عمار: «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان، ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت فإن كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الإفطار فليفطر، سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم إن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: لا»(3) وقد ذكر المصنف أنها ضعيفة، حيث قال: >وهذه الرواية تدل على المدعى بوضوح، لكن سند الرواية مخدوش بضعف

ص: 29


1- وسائل الشيعة 10: 11.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 14.
3- وسائل الشيعة 10: 13.

إسناد الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال»(1).

ثم إنها خاصة بالقضاء الرمضاني، فلا تشمل مثل النذر غير المعيّن. الاّ أنها تدل على التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده بوضوح.

ومنها: رواية هشام بن سالم: «قلت له: الرجل يصبح ولا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم. فقال: إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى»(2) والظاهر أنها تشمل المندوب والواجب غير المعيّن (الموسّع)، لقوله: (حدث له رأي في الصوم) ومنه يظهر النظر في ما قاله المصنف (فإن إطلاق صدر الحديث يشمل الصوم المندوب والواجب...)(3).

والجواب: إن الحديث يدل على التفصيل بين ما قبل الزوال وبعده، وذلك بقرينة ارتكاز المتشرعة أن الصوم لا يتبعض، فتأمل.

فلا بد من أن تكون الرواية مرتبطة بالمثوبة لا بالصحّة. لكن الظاهر عود الضمير إلى نفس الصوم بذاته، أي أن الصوم يحسب من الساعة التي نوى فيها، فهو صيام نصفي لا كامل، ومن المعلوم أن مثله لا يجزي عن الواجب.

فتحصل: أن المستفاد من الروايات هو الصوم غير المعيّن (الموسع) ولا يشمل المضيّق، فيبقى المضيق تحت القاعدة الأولية من الاحتياج إلى النية عند الفجر، فتأمل.

ص: 30


1- مباني منهاج الصالحين6: 15.
2- وسائل الشيعة 10: 12.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 15.

نعم، تبقى معارضة هذا الحكم مع رواية ابن الحجاج الثانية بالنسبة للقضاء الرمضاني، والظاهر أن الشهرة مع تلك الروايات، ولكن رجح الشارح بالأحدثية، فقال: (تصل النوبة إلى الترجيح بالأحدثية، والترجيح من هذه الناحية مع رواية عبد الرحمن، فإنها مروية عن أبي الحسن (عليه السلام) وتلك الرواية مروية عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) )(1) فتأمل.

الفرع الرابع: الواجب غير المعيّن - وعلى معنى الموسع فقط، وأما المضيق فاللازم مقارنة النية للفجر - لايجوز تأخير نيته عن الزوال، ولو أخر لم يكن الصوم صحيحاً.

ويدل على ذلك رواية عمار، إلاّ أنها ضعيفة السند، وواردة في قضاء شهر رمضان. كما يدل عليه رواية هشام، حيث ورد فيها: «حسب له من الوقت الذي نوى».

إلاّ أن يشكل عليه بما ذكره الشارح بأن الرواية ناظرة إلى المثوبة لا بالصحة، فتأمل. وقد تقدم الكلام مفصلاً حولها فراجع.

وأما رواية ابن الحجاج الثانية في القضاء الرمضاني فالجواب عنها بأمور:

أولاً: تقيدها برواية هشام كما في المستند(2).

ويرد عليه ما في الشرح حيث قال: (حديث هشام لا يدل على التفصيل بين ما قبل الزوال وبعده، ولا يكون معارضاً مع رواية عبد الرحمن فالصحيح مذهب ابن الجنيد لحديث عبد الرحمن، وإن قلنا إنه يعارضه

ص: 31


1- مباني منهاج الصالحين 6: 17.
2- مستند الشيعة 10: 212-215.

حديث هشام؛ إذ يدل على التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده، فلا بد من إعمال قانون التعارض، وحيث إنه لا مرجح لأحد الطرفين - لا من الكتاب ولا من حيث مخالفة العامّة - تصل النوبة إلى الترجيح بالأحدثية، والترجيح من هذه الناحية مع رواية عبد الرحمن بن الحجاج، فإنها مروية عن أبي الحسن (عليه السلام) وتلك الرواية مروية عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) )(1).

هذا مضافاً إلى أن التقييد غير عرفي، فلو سأل المولى (لو ذهب عامة النهار ونوى فالصوم صحيح؟) فأجاب نعم، ثم قال: (بشرط أن يكون بعد الزوال) في مكان آخر، بحيث لم يشمل الأول إلاّ مقدار نصف ساعة - مثلاً - فهو عرفي.

وبعبارة أُخرى: أنه من تخصيص الأكثر، وبعبارة ثالثة: لو قال: (لو ذهب عامة النهار ونوى الصوم الصحيح) فهو يشمل من نصف ساعة قبل الظهر - مثلاً - إلى (الغروب) أي حوالي (سبع ساعات مثلاً) ثم أخرج الساعات حتى لم يبق إلاّ نصف الساعة الأولى فهو قبيح، فتأمل.

وأما قول الشارح: [النهار يحسب من أول طلوع الشمس لا من أول الفجر، فلا وجه للاحتساب المذكور...](2) ففيه نظر، وتفصيله في كتاب الصلاة.

ثانياً: لا تعارض بينهما؛ لأن رواية هشام في المثوبة، فيكون مذهب ابن الجنيد صحيحاً.

ص: 32


1- مباني منهاج الصالحين 6: 17.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 17.

ثالثاً: الترجح بالشهرة، لقوله (عليه السلام) : «يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر»(1).

رابعاً: الترجح بالأحدثية، ومقتضاها ترجح مذهب ابن الجنيد.

ثم لا يخفى أن الرواية خاصة بالقضاء الرمضاني، فلا مانع - لو قبلنا مضمونها - من أن تخصص روايات التفصيل بين ما قبل الزوال وبعده. فتلك الروايات تشمل الواجب غير المعيّن (أو الموسع منه) عموماً، وهذه الرواية تختص بالقضاء الرمضاني فقط، فتأمل.

ثم إنه لو فرض التساقط بين الروايتين - لعدم المرجح - رجعنا إلى القاعدة الأولية من عدم الصحة، إلاّ مع استيعاب النية - خرج منه ما خرج - فتأمل.

والشارح اختار مذهب ابن الجنيد على كل تقدير.

الفرع الخامس: المضيّق بضيق وقته - أي واجب غير معيّن مضيّق - وعلى ما سبق يحتاج إلى مقارنة النية للفجر؛ لأن نصوص الباب لا تشمله على ما سبق. ومنه يظهر النظر فيما ذكره الشارح.

وأما تفريق السيد الخوئي بين المعين بذاته، والمعين بضيق الوقت، فليس واضحاً على ما في المتن.

الفرع السادس: الصوم المندوب: وقد ذكر الحكم فيه في الشرح.

قوله: [يمكن أن يكون المراد دخوله بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس، فلا تدل الرواية على المدّعى](2) لعل المراد به أداء صلاة الفجر.

ص: 33


1- مستدرك الوسائل 17: 303.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 18.

قوله: [بل في مقام بيان حكم تأخير النية بهذا النحو فيتم الإطلاق فتأمل](1) لكنه ليس بصدد البيان من هذه الجهة ليتم الإطلاق.

قوله: [لاحظ أحاديث ابن سنان](2) الظاهر أنه لم يسبق ذكره، ولعل مراده أنه سيأتي لاحقاً في الأمر الرابع.

وخلاصة الأمر: أن الدليل على امتداد النية إلى الغروب في المندوب هو الروايات، وهي:

الأولى: رواية هشام بن سالم: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدخل على أهله فيقول: عندكم شيء وإلاّ صمت، فإن كان عندهم شيء آتوه به وإلاّ صام»(3).

بدليل الغلبة عند السيد الخوئي (رحمه اللّه) (4)، أو الإطلاق عند السيد الحكيم (رحمه اللّه) (5). وقد ناقشها الشارح(6).

الثانية: ما رواه أبو بصير: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، قال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر، وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك اليوم إن شاء»(7) إلاّ أنها

ص: 34


1- مباني منهاج الصالحين 6: 19.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 20.
3- وسائل الشيعة 10: 12.
4- شرح العروة الوثقی 21: 48-49.
5- مستمسك العروة الوثقى 8: 217-218.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 18.
7- وسائل الشيعة 10: 14.

مقيدة ب- (مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم) فهل تشمل حتى لحظة ما قبل الغروب بعنوان أنها بعد العصر؟

الثالثة: رواية هشام: «حسب له من الوقت الذي نوى»(1).

الرابعة: مطلقات الباب، كرواية محمد بن قيس: «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب شراباً ولم يفطر، فهو بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر»(2) إذ لم تحدد وقتاً.

وأما رواية الحلبي قلت له: «إن رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار، أيصوم؟ قال: نعم»(3) فهي مقيدة بارتفاع النهار.

يبقى الكلام في معارضة دليل الجواز لما رواه ابن بكير: قال: «سألت

أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح، أيصوم ذلك اليوم تطوعاً؟

فقال: أليس هو بالخيار ما بينه ونصف النهار»(4).

والجواب عنها بأمور:

الأول: يمكن التخصيص بالجنابة، ويبقى الباقي تحت العموم.

الثاني: الجمع ببركة رواية هشام، باعتبار المثوبة.

الثالث: التساقط والمرجح مطلقات الباب.

ولكن هنا بحث وهو: هل الخاصان يتعارضان ويبقى العام، أو الكل

ص: 35


1- وسائل الشيعة 10: 12.
2- وسائل الشيعة 10: 11.
3- وسائل الشيعة 10: 10.
4- وسائل الشيعة 10: 68.

يتعارض بعضه مع بعض؟ مثلاً لو ورد (أكرم زيداً) و (لا تكرم زيداً)، وكان عندنا عام يقول: (أكرم العلماء)، فهل يتعارض الجميع في مورد زيد ويتساقط، ونرجع للأُصول العملية مثلاً، أو يتعارض الخاصان ويكون المرجع العموم الفوقاني؟

قد يقال: إن الخاص المثبت لا يعارض العام؛ لأنه تأكيد له، والخاص النافي لا يعارض العام؛ لأنه تخصيص له. وعليه، فمركز التعارض هو بين الخاصين المتساقطين - إذا لم يكن مرجح - ويبقى العام.

ولكن الكلام هو: هل هذا الجمع عرفي، أو ان العرف يرى تعارض الجميع في مورد زيد؟!

ولو فرض تساقط الجميع كان المرجع القاعدة العامة من الاحتياج إلى النية، كما سبق.

الرابع: أن نرجح بالشهرة، لو فرضت شهرة، فتأمل.

وقد نسب للمشهور أن المندوب كالفريضة من حيث التحديد إلى الزوال.

الخامس: إن الرواية أجنبية عما نحن فيه، لأنها ترتبط بالغسل لا بالنية، أي أنه بالخيار إلى نصف النهار في الاغتسال، وإلاّ لم يكن مرتبطاً بالسؤال، أي لو قلنا إنه يستطيع النية إلى نصف النهار، فالمفطر لا يضر إلى ذلك الوقت، مثل: لو سأل سائل فقال: رجل أكل صباحاً، فقول: أليس هو بالخيار إلى نصف النهار، فالظاهر ارتباطه بأن الإصباح جنباً غير مفطر إذا اغتسل إلى نصف النهار، فتأمل.

ص: 36

قوله (قدس سره) في المتن: [يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر...](1) الملاك في النية هو الداعي الارتكازي، ولا بدّ من مقارنته للصوم في كل يوم من أيام الشهر من الفجر إلى الغروب، وقد سبق أنّ النية لا تجدي إذا لم يكن الداعي الارتكازي مقارناً، ومعه لا أثر لسبق النية، إلاّ أن يكون السبق ملازماً له، فيكون مؤثراً باعتباره لا باعتبار نفسه، ومنه يظهر الكلام في غير شهر رمضان، بالمقدار الذي تجب النية فيه.

قوله: [ويمكن أن يستدل عليه بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(2) فإنّ المستفاد...](3) الظاهر أن هنالك خلطاً في الشرح، إذ مقتضاه كفاية النية عند دخول الشهر، ومقتضى المتن الكفاية قبل الشهر، وموضوع الآية الكريمة شهود الشهر، لا ما قبل الشهود، والظاهر تحققه بهلال ليلة أول الشهر.

ثم إنّ قوله: [ويمكن أن يستدل] يرد عليه:

أولاً: النقض ب- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}(4) فإنه يجب علينا الصيام إلى آخر العمر، فتكفي نية واحدة إلى آخره، وقد كثرت الروايات في الصيام وغيره (مثل: إن من وظائف المؤمن: صوم شهر رمضان) وظاهره إلى آخر العمر، وكذا في غير الصيام.

ص: 37


1- مباني منهاج الصالحين 6: 20.
2- البقرة: 185.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 20.
4- البقرة: 183.

وينقض عليه بالحج، فإنه بمجرد دخول أشهر الحج يتوجه خطاب {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ}(1) فينوي أول شوال كل الحج.

وينقض عليه - أيضاً - ب- {أَطِيعُواْ اللّهَ}(2)، فإنه يشمل جميع الواجبات والمحرمات إلى آخر العمر، فتكفي نية واحدة لجميعها، فهل يلتزم بهذه اللوازم؟

وثانياً: إن الظاهر - عرفاً - أن الوجوب تفكيكي. نعم، الشهر ينحل إلى عدة وجوبات بعدد الأيام، وكل يوم يتعلق به وجوب مستقل، أي: صم اليوم الأول والثاني والثالث.

وكذا يرد على قوله: [ويمكن أن يستدل] إن عبارة المتن مطلقة، وعبارة الشرح مقيدة بكون الوجوب فعلياً تعليقياً، والمقيد لا يصلح تعليلاً للمطلق.

قوله: [وربما يقال - كما في المستمسك(3) - إن كان الداعي الارتكازي كافياً في تحقق العبادة، فلا فرق بين تحقق النية في الليل بالنسبة إلى صوم الغد، وبين تحققها أول الشهر...](4) فيه: أنه لوتمت دلالة الآية الكريمة نختار الشق الثاني، ونقول: لا بد من الإخطار، والداعي الارتكازي لا يكفي، إلاّ أنه في الصوم دل الدليل على ذلك، فيكون تخصيصاً للقاعدة العامّة، فتأمل.

ص: 38


1- آل عمران: 97.
2- آل عمران: 32.
3- مستمسك العروة الوثقى 2: 464-465.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 20.

قوله: [لوحدة الملاك، ففي كل مورد يكون الوجوب فعلياً ولو كان الواجب استقبالياً، يجوز تقديم النية...](1) عبارة المتن مطلقة، وعبارة الشرح مقيدة بكون الوجوب فعلياً تعليقياً، والمقيد لا يصلح تعليلاً للمطلق.

والظاهر أن مراد المتن أن النية الواحدة ملازمة لوجود الداعي الارتكازي، وهو كافٍ، كما سبق وأشرنا إليه في شرح قوله: (ويمكن أن يستدل).

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا لم ينو الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم أو الموضوع أو للجهل بهما، ولم يستعمل مفطراً ففي الاجتزاء بتجديد نيته إذا تذكر أو علم قبل الزوال إشكال] ظهر وجهه مما سبق من لزوم مقارنة النية للفجر في الواجب المعين.

قوله: [مبدأ نية المسافر القادم أهله زمان قدومه من السفر، وأما الجاهل والناسي فزمان النية بالنسبة إليهما طلوع الفجر، فلا وجه للقياس] هذا يناقض ما سيأتي منه من أن الرفع عن الناسي واقعي.

قوله: [غاية الأمر يكون الرفع بالنسبة إلى الجاهل ظاهرياً، وبالنسبة إلى الناسي واقعياً](2) فيه نظر، بل هو ظاهري أيضاً، ويلزم على مبنى المصنف أنه لوكان ناسياً لأصل وجوب الصوم فلا وجوب، وعليه: فلا قضاء، لأن القضاء فرع الفوت، ولا فوت.

قوله: [لكن لا يستفاد من الحديث كفاية العمل الناقص عن التمام]

ص: 39


1- مباني منهاج الصالحين 6: 21.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 22.

لعل مراده أن الحديث مقتضاه الرفع فقط، لا الإثبات، والوضع والإجزاء أمر إثباتي.

وفيه: أنه لو رفع جزءاً أو شرطاً فالمأمور به هو الباقي فقط - هذا في الناسي حيث يرى المصنف أن الرفع واقعي ظاهراً - فامتثل المأمور به، فلا مقتضي للقضاء.

وأما بالنسبة للجاهل فالرفع ظاهري فقد فات منه الواقع فعليه القضاء، وأما على مبنانا: فالرفع في كليهما ظاهري، فعليه القضاء لفوت الواقع.

قوله: [المرسل: «إن ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي فشهد برؤية الهلال، فأمر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منادياً ينادي: مَنْ كان لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك»(1)، وفيه أن المرسل لا اعتبار به...] إلاّ أن يقال: إنه مجبور بالشهرة، فتأمل.

قوله: [مضافاً إلى ما فيه من الإشكال](2) إذ لا تكفي شهادة أعرابي، بل لا بد من شهادة عدلين، إلاّ أن يقال: إنه حكاية فعل، ولعله أورث العلم، أو كان ثقة بحيث يوجب الاطمئنان، فتأمل.

قوله: [الرابع: إطلاق بعض النصوص جواز التأخير، كحديث ابن سنان - يعني عبد اللّه - عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: في حديث: «إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم، فإنه يحسب له من الساعة

ص: 40


1- الحدائق الناضرة 13: 19؛ رياض المسائل 5: 292.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 22.

التي نوى فيها»(1)] فيه: أنه ظاهر في الندب والواجب غير المعين (الموسّع) كما مر سابقاً، فلا يشمل ما نحن فيه.

مع أن الحساب من الساعة التي نوى فيها لا ينسجم مع الوجوب؛ إذ لا بد فيه من صيام كل اليوم، إلاّ أن يكون النظر للمثوبة، على ما سبق.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندباً أو قضاء أو نذراً](2) أو غيرها كالكفارة.

قوله: [لو صام يوم الشك بنية شعبان ندباً] في صورة عدم وجود صوم واجب في ذمته.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية](3) على الأحوط، وإن احتمل الانقلاب القهري.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن صامه بنية الأمر الواقعي المتوجه إليه إما الوجوبي أو الندبي فالظاهر الصحة](4) لكن هذا النحو من النية خلاف الأحوط الأولى.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن صامه على أنه إن كان من شعبان كان ندباً، وإن كان من رمضان كان وجوباً، فالظاهر البطلان] الأقوى الصحة، وإن كان الاحتياط في الترك.

ص: 41


1- وسائل الشيعة 10: 11.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 23.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 23.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 23.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أصبح فيه ناوياً للإفطار فتبين أنه من رمضان قبل تناول المفطر، فإن كان قبل الزوال فالأحوط تجديد النية ثم القضاء، وإن كان بعده أمسك وجوباً] على الأحوط.

وفي المسألة العاشرة(1)

فروع:

الأول: لو صام بنية شعبان ندباً - بشرط أن لا يكون عليه صوم واجب - فبان أنه شهر رمضان أجزأ عنه. وتدل عليه نصوص يعارضها نصوص دالة على البطلان، ويمكن الجمع بينها بما يلي:

أولاً: الجمع ببركة حديث سماعة الدال على أنه إن صام بنية شهر رمضان بطل، وإن كان بعنوان شعبان صح.

ثانياً: أن نقول: إنَّ (من رمضان) في النص الأول، أي على أنه من رمضان وبقيده، فيكون البطلان خاصاً بهذه الصورة، ولا أقل من كون متعلقه مجملاً، أي لا يُعلم أنه متعلق ب- (يصوم) أو (يشك فيه).

نعم، النص الثاني مطلق، ولعل عبارة (وإن كان كذلك) مشعرة بكونه صام على أنه من شهر رمضان، فتأمل.

ثالثاً: يؤيده: أن الظاهرة التي كانت سائدة آنذاك اتّباع العامة الذين بيدهم السلطة - بل لا زالت هذه الحالة إلى الآن، فإن الناس على دين ملوكهم، وهم يأخذون دينهم من الإعلام، كالإذاعة والتلفزيون، ومن بيدهم السيف والسوط - فتكون قرينة على أن الردع مرتبط باتّباعهم والسير معهم.

رابعاً: حمل النصوص الرادعة عن صوم يوم الشك على التقية على ما في

ص: 42


1- المسألة العاشرة في مباني منهاج الصالحين 6: 23.

الحدائق(1).

الفرع الثاني: لا فرق بين أن يصوم ندباً أو قضاءً أو غيرهما للإطلاق. ولابد هنا من ملاحظة سائر روايات الباب.

أما ما ذكره المصنف من رواية معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : «الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك، فقال: هو شيء وفق له»(2) ففي إطلاقها نظر، لأن اللفظ ورد في كلام الراوي لا في كلام الإمام (عليه السلام) ، ولم يعلم كونه في مقام البيان من هذه الجهة كي ينعقد له إطلاق، فتأمل.

اللّهم، إلاّ أن يتمسك بعموم التعليل في قوله (عليه السلام) : «هو شيء وفق له»، فتأمل.

ولعل التعليل في رواية سماعة أصرح، حيث ورد فيها: «فإنما هو شيء وفقك اللّه له»(3).

ونضم إليه قوله (عليه السلام) : «إنما يصام يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان، لأنه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك وإنما ينوي»(4) فإنه ظاهر في العموم، فتأمل ولاحظ سائر روايات الباب.

وخاصة لو لاحظنا أن كثيراً من المكلفين عليهم صيام واجب، كالحامل

ص: 43


1- الحدائق الناضرة 9: 165.
2- وسائل الشيعة 10: 22.
3- وسائل الشيعة 10: 21.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 9.

والحائض، ولا يجوز صيام الندب مع الواجب، فلو كان (كونه ندباً) قيداً لكان اللازم التنبيه عليه، فتأمل.

قوله: [وربما يستفاد من حديث بشير النبال، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن صوم يوم الشك فقال: «صمه فإنْ يك من شعبان كان تطوعاً وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له»(1) أنه لا بد من الإتيان بالصوم يوم الشك بعنوان التطوع. وهذه الرواية ضعيفة السند، فلا تصل النوبة إلى التعرض لدلالتها على المدعى](2) إذ لعله يلاحظ الغالب.

قوله: [وفي المقام روايات يستفاد منها النهي عن صوم يوم الشك...](3) ظاهر بعض هذه الروايات التحريم.

مثلاً: الرواية الأولى(4) تحتوي على مادة النهي، والرواية الأخيرة(5) تحتوي على صيغة النهي، مضافاً للسياق فتأمل، وحينئذ فيكون ظاهره الحرمة، فتقيد برواية سماعة(6).

وأما الحمل على التقية فإنما هو بعد عدم إمكان الجمع الدلالي، ومع

ص: 44


1- الكافي 4: 82.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 24.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 25.
4- وهي رواية قتيبة الأعشى التي تقدّم ذكرها.
5- يقصد رواية عبد الكريم بن عمرو قال: >قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال: صم ولا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه» وسائل الشيعة 10: 26.
6- وسائل الشيعة 10: 21.

إمكان تقييدها تصل النوبة إليه، مع أن سياقها آبٍ عن الحمل المزبور، فتأمل.

وأما رواية محمد بن الفضيل فلا تفيد الحرمة لقصورها سنداً ودلالة، بل المستفاد منها الكراهة، وحينئذ فلا مجال للتقييد، بل لا بد من القول بالكراهة.

نعم، قد يقال: إنها معرض عنها دلالة، فتسقط إن ثبت الإعراض، ولو لم يثبت الإعراض فلا مانع من القول بالكراهة، ولعله لأجل مخالفة العامة الذين يكون الرشد في خلافهم، ووضع الحاجز النفسي الذي هو مقدمة لصنع الحاجز الخارجي، فتأمل.

قوله: [ما رواه قتيبة الأعشى قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «نهى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن صوم ستة أيام: العيدين وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان»(1)](2) وفيه: أن قوله: (من شهر رمضان) يعلم متعلقه، ويكفي الإجمال في سقوط الدلالة. مضافاً إلى ما ذكره المصنف من التقييد.

قوله: [ما رواه محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن اليوم الذي يشك فيه ولا يدري أهو من شهر رمضان أو من شعبان، فقال: «شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيبه الشهور من التمام والنقصان، فصوموا للرؤية وأفطروا للرؤية، ولا يعجبني أن

ص: 45


1- وسائل الشيعة 10: 25.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 25.

يتقدمه أحد بصيام يوم» (1) والكلام فيه هو الكلام](2) ويؤيده تعارف الصوم بعنوان شهر رمضان عند العامة، بل عند كثير من الخاصة.

قوله: [مضافاً إلى الإشكال السندي] فيه: أنه مع قاعدة التسامح في أدلة السنن لا مجال للبحث السندي، إلاّ أن يستشكل في نفس القاعدة.

الفرع الثالث: إذا تبين قبل الزوال أو بعده أنه من شهر رمضان جدد النية.

أي أن الانقلاب ليس قهرياً، بل إرادياً.

وفي الفقه نظائر للانقلاب القهري، مثل: مَنْ أتى بالعمرة المفردة في أشهر الحج، حيث قال بعض بإمكان قلبها إلى عمرة تمتع، وقيل بأن الانقلاب قهري.

وقد يقال: إنه لا حاجة للنية، لسكوت الروايات عن ذلك، مع أن الابتلاء بذلك ليس نادراً.

واستدل الشارح على اللزوم بما مؤداه: أن الصوم عمل عبادي يحتاج إلى النية، ووقوع المنوي عن غير المنوي يحتاج إلى دليل، والدليل دل على الوقوع فيما لو انكشف كونه من شهر رمضان بعدئذٍ، أي أن النصوص ناظرة إلى صورة انكشاف الخلاف بعد العمل لا أثنائه، فيبقى مورد الفرض تحت القاعدة العامة من (الاحتياج إلى النية في كل جزء جزء).

ولا أقل من كون النصوص مجملة، فيقتصر في الخروج عن القاعدة

ص: 46


1- وسائل الشيعة 10: 263.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 25.

العامة على المتيقن.

هذا، ولكن قد يورد عليه بإطلاق الأدلة، فتأمل ولاحظ.

وأما الاجتزاء بما أتى به فاستدل عليه المصنف بالأولوية، وقد يستدل عليه بالإطلاق، فتأمل.

الفرع الرابع: لو صام يوم الشك بعنوان أنه من شهر رمضان كان باطلاً.

وتدل على البطلان روايات فيها صيغة النهي، كرواية سماعة(1)، أو مادته كنفس الرواية، وكرواية الزهري(2).

ومن المعلوم أن النهي - سواء أكان بالمادة أم الصيغة - يقتضي البطلان في العبادة.

وكذا ما ورد فيه الأمر بالقضاء - كرواية هشام(3) - فإن مفاده البطلان، وإلاّ لم يكن وجه للقضاء، لعدم الفوت.

إذن، فما فيه نهي يدل على البطلان بمادته، وكذا ما فيه نهي بصيغته، وكذا مادل على لزوم القضاء، سواء أكان جملة خبرية أم إنشائية.

وفي قبال تلك الروايات ما يدل على الإجزاء، لاحظ ما رواه معاوية: «الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك، فقال: هو شيء وفق له»(4).

ص: 47


1- وسائل الشيعة 10: 21.
2- وسائل الشيعة 10: 23.
3- وسائل الشيعة 10: 27.
4- وسائل الشيعة 10: 23.

والجواب عنه بما يلي:

أولاً: ليس النص واضح الدلالة على أنه صام بنية شهر رمضان، أو ليس نصاً، فإن (من شهر رمضان) يحتمل تعلقه ب- (يشك فيه) لا ب- (يصوم)، وقوله (فيكون كذلك) عبارة عرفية، أي فيكون شهر رمضان مثل (شككت أنه عددي فكان كذلك).

ومع إجمال الرواية لا تعارض كي تصل النوبة إلى العلاج. ولو قيل بالإطلاق فجوابه أنها لا تكون نصاً في الصوم بنية شهر رمضان، وعليه يكون حديث سماعة المتقدم شاهد جمع، فتأمل.

ثانياً: لو فرض التعارض فالشهرة مرجحة لتلك الروايات الدالة على البطلان.

ثالثاً: لو فرضت دلالة النص فإنه معرض عنه.

رابعاً: لو لم نقل بإجمال الرواية فهي مطلقة، لا أنها نص في الصوم بنية شهر رمضان، وحديث سماعة شاهد جمعٍ، فتأمل.

خامساً: لو فرض التساقط كان المرجع العموم الفوقاني، وهو يقتضي عدم الإجزاء.

وأما ما ذكره المصنف من ترجيح دليل الإجزاء لأن العامة متفقون على عدم الإجزاء والرشد في خلافهم - ولأن مبنى كلامهم عدم النيّة، فما نواه لم يقع، وما وقع لم ينوه مع غفلتهم عن أنه على نحو الخطأ في التطبيق، فتأمل - ففيه: أنه لا تصل النوبة إلى الترجيح بذلك مع ما ذكرناه في الأجوبة الأربعة المتقدمة فتأمل.

ص: 48

وهنالك تقرير آخر للإجزاء، وهو أن الجمع الدلالي يقتضي الحمل على الكراهة، فالنهي نهي كراهة، والقضاء على نحو الافضلية، والتوفيق بينها ينافي الكراهة، كقرائة الحائض للقرآن خاصة على مبنى كون الكراهة بمعنى قلة الثواب، إلاّ أن يقال: إنَّ الجمع غير عرفي، فتأمل.

الفرع الخامس: لو صام بنية الأمر الواقعي المتوجه إليه يصحّ صومه.

والوجه فيه: أنه مطابق للقاعدة العامة، فأنها تقتضي صحة نية الأمر الواقعي الموجود في عالم الثبوت؛ إذ يكون المأتي به حينئذٍ مطابقاً للأمر، وهو يقتضي الإجزاء، والنصوص الناهية لا تشمل هذا الفرض؛ لأنها في مَنْ نوى الصيام الرمضاني، لكن الشارح أشكل لحديث سماعة «إنما يصام يوم الشك من شعبان ولا يصوم من شهر رمضان».

لكن الظاهر: أن الحصر اضافي.

ورده الشارح: بأن ذيل الحديث (إنما) يدل على حصر الجواز في هذه الصورة.

وفيه: أن قرينة الموجود تمنع الدلالة على الحصر الحقيقي.

ومنه يظهر النظر في قوله: إن ظاهر سوق الكلام هو التأسيس؛ إذ لو كان الذيل جملة مستقلة لأمكن أن يدل على الحصر الحقيقي، ولكنه ورد في سياق حصر إضافي.

وعليه، فإما أن يُدّعى ظهوره في الحصر الإضافي أيضاً، أو يقال: بكونه مجملاً، فيقتصر - لأجل ذلك - على القدر المتيقن.

والخلاصة:

ص: 49

أولاً: إما أن يقال: بكون الصدر والذيل، حصراً إضافياً (ظهوراً أو للقدر المتيقن).

ثانياً: أو كون كلاهما حصراً حقيقياً إما للظهور أو للقدر المتيقن.

ثالثاً: إما كون الصدر حصراً إضافياً والذيل حقيقياً - كما ذهب إليه الشارح ظاهراً - فلا يساعده الظهور.

وأما تقريبه الآخر: ففيه: أن (نية شهر رمضان على نحو النية الإجمالية) غير متبادرة من النصوص، كما لا يساعدها المتعارف خارجاً من نية خصوص شهر رمضان.

ومعه لا تصل النوبة إلى ما ذكره من مسألة (الجزم بالامتثال) الذي لا يحصل مع هذه النية، ومفاده: عدم جواز التمسك بعمومات الصيام المأمور به مع كون الشبهة مصداقية، فتأمل.

الفرع السادس: أن ينوي بنحو الترديد.

وهنا بحثان:

الأول: في الموضوع، فهل هنالك فرق بين هذا الفرض والفرض السابق.

قد يفرق بأن الأول (ترديد في المنوي) و (هذا ترديد في النية).

وفيه نظر: إذ في هذا الفرع هو ناوٍ للصوم جزماً، لكنه لا يعلم أن الأمر وجوبي أو ندبي، وأنّ الصوم إمتثال لهذا أو ذاك، ولزيادة الإيضاح راجع العروة الوثقى وحواشيها(1).

ص: 50


1- العروة الوثقى 3: 536-538.

ويظهر من المتن أن الفرق هو: أن الأول: الوجوب والندب صفة للأمر. والثاني: هما صفة للفعل (أي الصوم).

لكن الظاهر وجود ملازمة بين صفة الأمر وصفة الفعل، فتأمل.

البحث الثاني: في الحكم، والظاهر أن حكم هذه الصورة حكم الصورة السابقة.

فإذا قلنا بكون الحصر إضافياً (في حديث سماعة) لم يشمل المقام، فيكون مقتضى القاعدة الصحة.

وأما دليل المصنف الثاني وهو قوله: [إن مقتضى دليل النهي عن الإتيان بعنوان رمضان عدم الفرق بين الإتيان به جزماً والإتيان به احتمالاً ورجاءً](1): فيرد عليه أن الظاهر - أو المتيقن - الإتيان بعنوان شهر رمضان جزماً لا رجاءً.

فتحصّل أن النية على ثلاثة أنواع:

الأول: النية الجزمية.

الثاني: النية الإجمالية.

الثالث: النية الرجائية الظاهرة من الحديث الأول، وهو القدر المتيقن، وخاصة لو لاحظنا ما سبق من مسألة التعارف الخارجي.

الفرع السابع: وليس فيه جديد على ما مضى من الكتاب(2)، بل هو جزئي من جزئيات المسألة التاسعة المتقدمة.

قوله: [ويمكن الاستدلال عليه بأنه قد قام الدليل على أن المسافر

ص: 51


1- مباني منهاج الصالحين 6: 30.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 21.

إذا صار حاضراً قبل الزوال ولم يأت بالمفطر يجب عليه الصيام فالمقام كذلك](1) مضى الاستدلال عليه بحديث الرفع(2).

الفرع الثامن: لو كان التبين بعد الزوال أمسك وجوباً ثم قضى.

لكن الظاهر أن بعض الأدلة (لو تمت دلالتها) تقتضي الصيام والصحّة، فتأمل حديث الرفع وإطلاق بعض نصوص جواز التأخير (المتقدم ذكرها) لكن يمكن رده بما مضى من المناقشة في هذه الأدلة.

أما عدم الصحة، فلعدم الدليل عليها (مع أن النية شرط للكل ولم تستوعب). وأما الإمساك، فللاجماع المدّعى، وأما القضاء، فلفوت الصوم.

قوله (قدس سره) في المتنِ: [فإذا نوى القطع فعلاً أو تردد بطل](3) الصور هي:

الأولى: نية القطع فعلاً.

الثانية: نية القاطع فعلاً.

الثالثة: نية القطع مستقبلاً.

الرابعة: نية القاطع مستقبلاً.

الخامسة - الثامنة: التردد في كل ذلك، فالصورثمانية.

قوله: [الذي يختلج بالبال أنه لا معنى لنية القطع فيما يأتي، فإنّ نية القاطع وإلاتيان بالمفطر يتصور بالنسبة إلى الزمان المستقبل، وأما نية القطع فلا معنى لها] لعل المراد: الملازمة بين نية القطع مستقبلاً ونية القطع

ص: 52


1- مباني منهاج الصالحين 6: 30.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 22.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 31.

فعلاً، فإنه مع الالتفات إلى أن الصوم واجب ارتباطي لا يمكن فيه الجمع بين الصوم فعلاً ونية قطعه مستقبلاً.

وفيه: أنه مع الالتفات كذلك، أما عند العوام فقد ينوي إدامة الصوم فعلاً إلى الظهر ثم يقطع النية، لعدم التفاتهم إلى ارتباطية الصوم و النية.

قوله: [الذي يختلج بالبال... وأما نية القطع فلا معنى لها؛ إذ كيف يمكن العزم على بقاء النية مع العزم على إفسادها فيما يأتي] الظاهر عدم اختصاص الإشكال بنية القطع، بل الأمر كذلك في نية القاطع مستقبلاً، فإنه مع الالتفات إلى كونه قاطعاً، ومع الالتفات إلى ارتباطية الصوم، تلازم نية القاطع مستقبلاً مع انتفاء النية فعلاً، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة هذا في الواجب المعين](1) بل وكذا في الواجب غير المعيّن إذا كان مضيقاً على الأحوط وجوباً.

قوله: [إذ هذا التردد في الحكم الشرعي لا في العمل...](2) الظاهر وجود ملازمة بينهما، وحينئذٍ يجب البحث في أن النية على تقدير دون تقدير هل تجدي أو لا؟ كما لو نوى أنه لو طرق الباب طارق قطع صلاته، وتفصيله موكول إلى محلّه.

ولا فرق - ظاهراً - بين كون التقدير خارجياً - كالطارق - أو داخلياً مثل أنه لو ضجر قطع صلاته.

ص: 53


1- مباني منهاج الصالحين 6: 31.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 32.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما الواجب غير المعيّن فلا يقدح شيء من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال](1) وفي المندوب لا يقدح ذلك إذا رجع إلى نيته قبل الغروب بزمان يمكن فيه تجديد النية.

قوله: [إلاّ أن يقال: إنه يكفي إطلاق نصوص المقام...] عمدة الكلام هل أن نصوص المقام لها إطلاق، أو أنها منصرفة إلى صورة عدم النية ثم حصول النية؟ أي أنه تارة لا ينوي الصوم ثم يبدو له، وهذه مشمولة للأدلة، وتارة ينوي ثم ينوي القطع أو القاطع فعلاً أو مستقبلاً، أو يتردد ثم يعود إلى النية.

مثلاً: حديث ابن سنان: «إن بدا له أن يصوم»(2) قد يقال بانصرافه للصورة الأولى. إلاّ أن يقال: إنه بعد نية القطع أو القاطع يصدق عليه «بدا له أن يصوم» ولم يقيد ذلك بعدم سبق نية الصوم.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يصح العدول من صوم إلى صوم إذا فات وقت نية المعدول إليه وإلاّ صح](3) هذا ليس عدولاً، بل هو من باب تحقق موضوع المعدول إليه.

قوله: [لو صام ندباً - مثلاً - فتذكر أنه عليه صوم رمضان، وكان تذكره قبل الزوال يمكنه العدول، أي يرفع اليد عن الصوم الندبي وينوي امتثال الأمر القضائي...] يحتمل بطلانه في حدّ ذاته - على ما يأتي

ص: 54


1- مباني منهاج الصالحين 6: 32.
2- وسائل الشيعة 10: 10.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 32.

بيانه من الكتاب(1) - فالأولى التمثيل بنوعين من الواجب.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يصح العدول من صوم إلى صوم إذا فات وقت نية المعدول إليه وإلاّ صح على إشكال] لا إشكال فيه.

ص: 55


1- مباني منهاج الصالحين 6: 177.

الفصل الثاني: المفطرات

اشارة

توجد هنا شبهة في كل المفطرات، وهي أن نية القاطع مفطرة - كما سبق بيانه في الكتاب(1) - فبمجرد نية الأكل يبطل صومه، فكيف يكون نفس الأكل مفطراً؟

ولعله يمكن الجواب بكونها مفطرة باعتبار نيتها - أي ما يكون نية إتيانه مفطراً - أو أنها عبارة عرفية عن أن نية الأكل مفطرة ونية الشرب مفطرة... وقد يمكن - نادراً - تقارن النية والأكل كأن ينوي حين الازدراد أو الارتماس، وهل يمكن تصور الإفطار بعد الإفطار، كتصور الخرق في الثوب بعد الخرق؟ فإن الفطر ظاهراً بمعنى الشقّ، وسيأتي بحث ذلك مفصلاً عند شرح إبطال الصوم بالإخلال بالنية من دون استعمال المفطر(2).

الأول والثاني: الأكل والشرب

قوله: [إجماعاً من جميع المسلمين في الجملة](3)

مقابل بعض التفصيلات، كالخلاف في غير المعتاد.

قوله: [إذ الحكم مترتب على عنوان الأكل والشرب، والقلة لا توجب عدم الصدق] لا يخفى أن المراد أن الأكل القليل لا يضر، والأكل

ص: 56


1- مباني منهاج الصالحين 6: 31.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 148.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 33.

موضوع عرفي، فيرجع فيه إلى العرف، ولا تلاحظ فيه الدقة العقلية، وعليه: فإذا كان الشيء أكلاً عقلاً لا عرفاً لم يضر، كما في البخّاخ على نظر بعض الفقهاء، ولو كانت فيه ذرات الدواء، وكذا بالنسبة إلى الدواء الذي يقطّر في العين فيحسّ طعمه في الحلق، فإنّ انتقال العرض محال - على المعروف - فهي ذرّات تصل للحلق، ونحو ذلك ما ذكروه في أنّ ازالة اللون غير معتبر في النجاسات، مع أنها ذرّات صغيرة عقلاً.

ومنه ينقدح الإشكال في قول الشارح: [والقلة لا توجب عدم الصدق] إذا لا توجبه عقلاً، وقد توجبه عرفاً.

ومنه يظهر التأمل فيما ذكره صاحب العروة(1) من مثال الخياط، فتأمل.

وكذا التأمل في تحريك اللسان على الشفة مرّة بعد مرّة، مع تبللها سابقاً بماء الفم، فتأمل.

وسيأتي التعرض له في مسألة: النخامة، ومسألة: مص لسان الزوجة.

قوله (قدس سره) في المتن: [الأكل والشرب مطلقاً ولو كانا قليلين](2) بشرط صدق الأكل والشرب عرفاً، ولا تلاحظ في ذلك الدقة العقلية.

قوله (قدس سره) في المتن: [الأكل والشرب مطلقاً ولو كانا قليلين أو غير معتادين] يوجد هنا إشكال: وهو أنهم ذكروا أن الألفاظ لا تشمل غير المتعارف، فكيف يشمل الأكل والشرب غير المتعارف؟

وفيه: أن التعارف ليس ملاكاً، بل الانصراف، فإن كان عدم التعارف

ص: 57


1- العروة الوثقى 3: 541.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 33.

بحيث يوجب الانصراف (كاليوم الذي هو 10 دقائق في النروج مثلاً) فبها، وإلاّ فلا موضوعية للتعارف.

ويؤيده أنه لو قال «جئني بعالم» أو«أكرم العالم» فكان هنالك عالم قصير جداً طوله شبران، فهل أن الإطلاق أو العموم لا يشمله؟

قوله: [والعمدة صدق العنوان المأخوذ في الدليل عليه، فبمقتضى الإطلاق يحكم على غير المعتاد مثل ما يحكم على المعتاد] فلو أكل كيلواً من الحشيش ألا يصدق عليه الأكل؟ ولو شرب لتراً من الماء الآجن(1) ألا يصدق عليه الشرب؟

قوله: [ودعوى الانصراف على فرض تماميتها بدوية تزول بالتأمل، كما أن عنوان الأكل والشرب الواردين في جملة من النصوص يشمل غير المعتاد أيضاً](2) هذا الانصراف نابع من التعارف أو كثرة الوجود أو كثرة استعمال اللفظ، وهو لا يقدح في الإطلاق، والذي يقدح ما أوجب تحول وجهة اللفظ عن مصداقٍ من المصاديق.

الثالث: الجماع

قوله (قدس سره) في المتن: [الجماع قبلاً ودبراً فاعلاً ومفعولاً به](3) المفعول به تارة يكون امرأة وأخرى رجلاً، فإن كان امرأة فلعل الاستفادة

ص: 58


1- الآجن: الماء المتغير الطعم واللون. الصحاح5: 2067، مادة >أجن».
2- مباني منهاج الصالحين 6: 33.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 34.

بدليل الاشتراك في التكليف، فتأمل.

أو بشمول الأدلة مثل (الذي يجامع)(1)، أو يستفاد من «أدلة البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر»(2) بالأولوية.

وكذا سائر أدلة المقام، أو الاستفادة العرفية من {أُحِلَّ لَكُمْ}(3) وغيره من الأدلة، ولا فرق فيما ذكرناه بين قبلها ودبرها، فتأمل.

وإن كان رجلاً، وقلنا بتحقق الجنابة بذلك شملته أدلة البقاء على الجنابة(4).

وربما يدّعى شموله «الذي يجامع»(5) فتأمل.

قوله: [ويدل على المدّعى جملة من النصوص...](6) ويدل عليه قبل ذلك الكتاب العزيز، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَآئِكُمْ}(7) وقوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ...}(8).

لو فرض أن الغاية تشمل المباشرة أيضاً، ولا تختص بالأكل والشرب

ص: 59


1- وسائل الشيعة 10: 39.
2- وسائل الشيعة 10: 63-65.
3- البقرة: 187.
4- وسائل الشيعة 10: 63-65.
5- وسائل الشيعة 10: 39.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 34.
7- البقرة: 187.
8- البقرة: 187.

فتأمل. ومع الشك القدر المتيقن الرجوع للأكل والشرب فقط، كما ذكر في الاستثناء المتعقب للجمل، خاصة مع تخلل: {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ}(1) إلاّ أن يرتبط بالمباشرة أيضاً، فتأمل.

و{أُحِلَّ} يدل على المطلوب بالدلالة العرفية، وإن كان اللقب لا مفهوم له، فإنه سلب الكلّي لا سلب كلّي. فتأمل وراجع شأن نزول الآية الكريمة في التفاسير(2).

قوله: [لإطلاق الجماع وإتيان الأهل فتأمل، مضافاً إلى اتفاقهم على الحكم...](3) والرفث والمباشرة ولا يصدق اجتناب النساء.

قوله (قدس سره) في المتن: [الجماع قبلاً ودبراً فاعلاً ومفعولاً حياً وميتاً حتى البهيمة على الأحوط وجوباً] إما للجنابة لو ثبتت، ولصدق (يجامع) فتأمل وراجع سائر أدلة الباب.

قوله: [إذ الكفارة مترتبة على الإتيان بالمفطر، ومع عدمه لا وجه لثبوتها](4) أي مع عدم إحرازه، أو مع عدمه بحكم الأصل.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ - مثلاً - فدخل في أحد الفرجين] هل يشترط الاطمئنان بعدم الدخول، أو يكفي عدم المعرفة؟ وهل يستفاد من الأدلة ذلك؟ وجوه.

ص: 60


1- البقرة: 187.
2- تفسير العياشي 1: 83؛ تفسير القمي 1: 66؛ مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 19.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 34.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 35.

الرابع: الكذب على اللّه أو على رسوله

قوله (قدس سره) في المتن: [الكذب على اللّه تعالى أو على رسول اللّه (عليهما السلام) وعلى الأئمة (عليهم السلام) ...] وكذا الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها.

قوله: [مضافاً إلى النصوص منها: مارواه أبو بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم، قال: قلت له: هلكنا، قال: ليس حيث تذهب، إنما ذلك الكذب على اللّه وعلى رسوله وعلى الأئمة (عليهم السلام) »(1)] واشتمال الحديث على ما لا نقول به من نقضه للوضوء لا يقدح؛ لعدم سقوط الخبر بسقوط بعضه. مع أنه يمكن حمله على أفضلية الوضوء، فتأمل.

قوله: [إن الموضوع الوارد في الخبر عنوان الكذب، وتحققه لا يتوقف على وجود سامع يفهم كلام المتكلم...](2) لكن ربما يدعّى انصراف الدليل، كانصراف الغيبة والبهت إلى وجود سامع يسمع ويفهم، فتأمل.

الخامس: رمس تمام الرأس في الماء

قوله (قدس سره) في المتن: [رمس تمام الرأس في الماء من دون فرق بين الدفعة والتدريج](3) الروايات المذكورة هنا ذكر فيها «الارتماس في الماء»(4) والظاهر هنا أن العنوان لا يصدق على رمس الرأس فقط، فإنه يقال

ص: 61


1- وسائل الشيعة 10: 33.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 36.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 37.
4- وسائل الشيعة 10: 22-24.

حينئذٍ (رمس رأسه) لا (ارتمس) وكذا لو رمس البدن فقط، فالظاهر أن المراد هو ارتماس الكل (أي مجموع الرأس والبدن).

ولا بد من مراجعة الروايات حتى يرى هل ورد عنوان (رمس رأسه) فإن كان، يكون المفطر (رمس تمام البدن والرأس) أو (رمس الرأس وحده) ويؤول ذلك إلى أن المفطر (رمس الرأس) - سواء كان مع البدن أم لا -.

قوله: [لعدم صدق الموضوع الوارد في دليل المنع، فإنّ صدقه يتوقف على رمس جميع الرأس في الماء آناً ما](1) لا أقل من الإجمال فيؤخذ بالقدر المتيقن، وهو الارتماس الاستيعابي لآنٍ ما فيه.

قوله: [بدعوى عدم صدق الارتماس في الصورة المزبورة، ومع عدم صدقه لا يترتب عليه الحكم] ولا أقل من الإجمالي في الدليل، والخلاصة: أن صدق مفهوم الارتماس تشكيكي، ففرد منه «الارتماس المباشري» - الذي يلامس الماء البدن بلا حائل - وفرد منه «الارتماس غير المباشري» وفي صدقه عليه بلحاظ الدليل، أو الانصراف إجمال، والاجمال كافٍ في عدم ترتب الأثر.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا إرتمس عمداً ناوياً للاغتسال فإن كان الصوم واجباً معيناً بطل غسله وصومه](2) والظاهر أنه لا يجدي نية الغسل حال الخروج أو بالتحريك تحت الماء، لكون الدخول مبغوضاً والخروج مبغوضاً والمكث مبغوضاً، إما لأن الكل يعتبر عملاً واحداً

ص: 62


1- مباني منهاج الصالحين 6: 37.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 38.

(ارتماساً). وإما لأن إتيان المفطر بعد المفطر مبغوض أيضاً، ولو لم يبطل الثاني (الصوم)، لأنه تحصيل للحاصل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إن كان ناسياً صح صومه وغسله في جميع ذلك] في صحة الغسل تأمل؛ لكون هذا العمل مبغوضاً واقعاً، وإن كان لا يبطل الصوم للأدلة الدالة على اشتراط العمد، ومع مبغوضية العمل كيف يكون مقرباً؟ فتأمل (راجع بحث الوضوء بالماء المغصوب نسياناً أو جهلاً).

والخلاصة أن بطلان الغسل غير متفرع على بطلان الصوم حتى ينتفي بانتفائه، بل على مبغوضية العمل، وحيث إن العلم والجهل غير دخيلين في المبغوضية لا جرم يكون العمل مبغوضاً وحراماً واقعياً، فلا يكون مصداقاً للمأمور به، فتأمل.

هذا ولكن قد يقال: إن هنالك مراحل:

الأولى: مرحلة الملاك (المصلحة والمفسدة).

الثانية: مرحلة الحب والبغض.

الثالثة: مرحلة الحكم.

الرابعة: مرحلة الجري العملي.

والتناقض في أية مرحلة؟ حيث إنه لا تحريك فلا تناقض في مرحلة الجري العملي؛ لعدم العلم.

وأما الحكم فهو أمر اعتباري، ولا تناقض في الأمور الاعتبارية لو لوحظت في حد ذاتها، وأما الحب والبغض فليس للمولى حب وبغض.

السادس: إيصال الغبار الغليظ إلى الجوف

قوله (قدس سره) في المتن: [إيصال الغبار الغليظ منه وغير الغليظ إلى

ص: 63

جوفه عمداً على الأحوط. نعم، ما يتعسر التحرز عنه فلا بأس به](1) تكليفاً، وأما وضعاً ففيه إشكال كسائر المفطرات.

قوله (قدس سره) في المتن: [إيصال الغبار الغليظ منه وغير الغليظ إلى جوفه عمداً على الأحوط] بل الأولى، وكذا الكلام فيما أُلحق به.

قوله: [والدليل عليه ما رواه سليمان بن جعفر (حفص) المروزي(2)] ويضاف إلى ذلك:

أولاً: ارتكاز المتشرعة في (الدخان الغليظ) فإنه من المنكرات عندهم.

ثانياً: أنه مصداق من مصاديق الأكل في مثل (الغبار الغليظ). لو بني على الدقة العقلية في مفهوم الأكل والشرب. لكن الظاهر أنه عرفاً لايقال له أكل ولا شرب، فتأمل.

قوله: [وسليمان الراوي للخبر لم يوثق] ولكن ربما يدّعى أن الخبر معمول به، والعمل في خصوص الغليظ، لا مطلقاً، فتأمل.

قوله: [أضف إلى ذلك أنه يعارضه ما رواه عمرو بن سعيد(3)](4) قد يقال: إنَّ «تدخل» أي بلا اختيار وكذا «يدخل». إلاّ أنه غير عرفي، ولو كان كذلك لنبّه الإمام (عليه السلام) على ذلك، فتأمل.

فتحصل أنّ الإشكالات في المقام هي:

ص: 64


1- مباني منهاج الصالحين 6: 38.
2- وسائل الشيعة 10: 69-71.
3- وسائل الشيعة 10: 70.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 39.

أولاً: عدم توثيق سليمان.

ثانياً: إضمار الخبر.

ثالثاً: المعارضة برواية ابن سعيد.

رابعاً: مضافاً إلى وقوعه في سياق أمور غير مفطرة.

قوله: [وقد صرح في الرواية بعدم البأس بالغبار وجواز دخول الدخنة في الحلق] ونحوهما البخار. نعم، المتعارف في الحمامات القديمة لا بأس به.

السابع: تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر

قوله: [ومنها: مارواه سليمان بن جعفر (حفص)(1) المروزي](2) مرَّ تضعيف المصنف إياه(3)، وضعفه المصنف أيضاً فيما سيأتي والرواية تشمل العمد وغيره بخلاف الروايات السابقة.

قوله: [إنّ المستفاد من الآية الشريفة جواز الرفث والمباشرة في كل جزء من الليل] (4) حتى قبل الفجر بدقيقة بحيث لا يستطيع الغسل بعده.

قوله: [ما رواه إسماعيل بن عيسى(5) ... وهذه الرواية ضعيفة بإسماعيل](6) مضافاً إلى أن علائم التقية لائحة عليها من حيث النقل عن عائشة، فتأمل.

ص: 65


1- وسائل الشيعة 10: 69-70.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 40.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 39.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 41.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 41.
6- وسائل الشيعة 10: 59.

قوله: [ومنها: ما رواه حمّاد بن عثمان(1) ... وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال](2) بالإضافة إلى بعدها في حد نفسها من حيث إن الجماع كذلك مرجوح ظاهراً، ويستلزم فوت صلاة الليل، مع دلالة «كان» على الاستمرار.

قوله: [ومنها ما رواه حبيب الخثعمي(3)](4) هذه الرواية لا تعارض الروايات المتقدمة حتى تحمل على التقية، بل الجمع الدلالي موجود، وهو حمل تلك على الأفضلية.

إلاّ أن يقال: الجمع غير عرفي خصوصاً مع قوله: [إذا أفطر] و [يستغفر ربه] و [يعتق رقبة...] في الروايات المتقدمة من الكتاب(5)، وخصوصاً مع ملاحظة ذهاب العامة إلى الصحّة ورواية عائشة(6).

قوله: [وفيه: أنه ما المراد من السنة القطعية، فإن كان المراد بها الحكم الشرعي الواقعي فلا دليل على المدّعى...] الظاهر أنه ليس بمراد.

قوله: [لا دليل على سقوط الرواية إذا عارضتها الرواية القطعية صدوراً؛ إذ مقبولة ابن حنظلة...](7) وفيه: أنها مقبولة، وكفى ذلك في اعتبارها.

ص: 66


1- وسائل الشيعة 10: 57.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 41.
3- وسائل الشيعة 10: 64.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 42.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 40.
6- وسائل الشيعة 10: 59.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 42.

قوله: [إذ الإصباح جنباً لا شبهة في مرجوحيته، وكيف يمكن أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يستمر على الأمر المرجوح] نعم، الإتيان بالعمل المرجوح نادراً ممكن، وذلك أيضاً لبعض الجهات المرجحة، كالتوسعة على الأمة وبيان أنه ليس محرماً، أما بلا جهة فلعله بعيد، إذ حتى المؤمن الملتزم يشق عليه أن يأتي بما هو مرجوح؛ لأنه يشعر أنه يفعل ما يكرهه المولى تعالى، فتأمل.

قوله: [وفيه: إنَّ مرجوحيته أول الكلام، والإشكال...](1) لا إشكال في مرجوحيته بقرينة الروايات السابقة(2) مع أن الجنابة خباثة معنوية، والبقاء على الخباثة لا إشكال أنه مرجوح، بل البقاء على الحدث الأصغر مرجوح، فتأمل.

فتحصل أن الإشكالات ثلاثة:

الأول: أنه خلاف الروايات القطيعة.

الثاني: أنه لا يمكن تصديقه في حدّ نفسه، لعدم استمرار النبي (عليهما السلام) على المرجوح.

الثالث: التعارض والحمل على التقية.

قوله: [ومنها: ما رواه عيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل، فأخر الغسل حتى طلع الفجر فقال: يتم صومه ولا قضاء عليه»(3) وهذه الرواية إن قلنا دلالتها على المدّعى بالإطلاق ويمكن تقييدها بغير صورة العمد

ص: 67


1- مباني منهاج الصالحين 6: 43.
2- ذكرها (الشارح) في مباني منهاج الصالحين 6: 40.
3- وسائل الشيعة 10: 58.

فهو...](1) خلاف الظاهر، لأن «أخر» ظاهر في صدوره عن عمدٍ واختيار، كما هو الظاهر في سائر الأفعال، مثل (ادخل) [راجع كتاب النكاح في محرّمات المصاهرة، مثل: {مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}(2) ففيه بحث].

قوله: [ما رواه سماعة بن مهران قال: «سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر، فقال (عليه السلام) : عليه أن يتم صومه ويقضي يوماً آخر، فقلت: إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان، قال: فليأكل يومه ذلك وليقضي، فإنه لا يشبه رمضان شيء من الشهور»(3)] هذا دليل على أن القضاء كالأداء في كل الأحكام، فتأمل.

قوله: [مضافاً إلى دعوى أن القضاء والأداء متحدان في الماهية فيتحدان في الأحكام](4) ونحوه ما ذكره الهمداني من أن ظاهر اللفظ إذا اطلق كونه مثله في كل الأحكام، أي أنه لو شرح الشارح الصلاة وجعل لها أحكاماً، ثم قال (صلاة الليل) مثلاً، فالظاهر كونه مثل الصلاة في كل الأحكام، إلاّ ما خرج بالدليل فراجع، وإلا أشكل الأمر في كثير من الشرائط والأجزاء في كثير من العبادات.

ص: 68


1- مباني منهاج الصالحين 6: 43.
2- النساء: 23.
3- وسائل الشيعة 10: 67-68.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 44.

قوله: [إن المستفاد من حديث ابن مسلم(1) أنّه لا دخل لغير المذكورات في تحقق الصوم...](2) قد يشكل بأن الحصر فيه إما حقيقي أو إضافي، فإن كان حقيقياً فلا تكون سائر المفطرات - كالحقنة والقيء والكذب - مفطرة، وهو خلاف المبنى. وإن كان إضافياً لم ينفع في المورد المشكوك.

وقد يجاب بأنه يُحمل على الحقيقي إلا ما خرج، كما ذكروا في دلالة صيغة الأمر على الوجوب خرج ما خرج، فتأمل.

قوله: [يضاف إلى ذلك بالنسبة إلى الصوم المندوب أن الدليل الخاص دل على عدم بطلانه بذلك، لاحظ حديثي حبيب(3) وابن بكير(4)](5) لكنه ذكر فيه أنه بالخيار إلى نصف النهار، وقد مضى الكلام في هذا الحديث فراجع، لكنه لا يضر بما نحن فيه من أن الإصباح جنباً لايضر.

قوله: [لاختصاص دليل البطلان بصورة العمد فلا وجه للتعدي](6) وقد مرّ أن رواية المروزي(7) مطلقة، إلاّ أنها ضعيفة على ماتقدم من

ص: 69


1- وسائل الشيعة 10: 31.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 44.
3- وسائل الشيعة 10: 68.
4- وسائل الشيعة 10: 68.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 44.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 44.
7- وسائل الشيعة 10: 63-64.

الكتاب(1)، أما سائر الروايات فهي مقيدة.

قوله: [للإطلاق] فيه نظر، فإن صريح الرواية الثانية سعة الوقت لقوله (عليه السلام) : «وصم غداً»(2)، ولعل منصرف الرواية الأولى - أو القدر المتيقن منها - «ويصوم غيره»(3) في سعة الوقت.

وعليه، يبقى إطلاق الأدلة الدالة على لزوم الصوم بين الرمضانين، فإن المخصص إذا كان مجملاً أو منصرفاً بقي العام على إطلاقه.

بالإضافة إلى أنه قد يشكل على قوله: [للإطلاق] - مضافاً للإشكال السابق - أن أدلة القضاء فيما بين الرمضانين مطلقة، والحديثان مطلقان، فيتعارضان في صورة التضيق والإصباح جنباً لا عن عمدٍ.

وفيه: أن الدليل المتعرض لبيان الشرط أو الجزء حاكم، فتأمل.

نعم، يبقى الإشكال السابق.

قوله: [ادعي عدم الخلاف فيه والإجماع، بل كونه ضرورياً وتدل على المدّعى جملة من النصوص...] فيه خفاء.

قوله: [لعدم الدليل على البطلان، بل حديث ابن مسلم الدال على حصر المفطر يدل على عدمه](4) مضى إشكال في ذلك، وخلاصته: أن الحصر إما حقيقي أو أضافي، وعلى الأول لا تكون سائر المفطرات مفطرة،

ص: 70


1- مباني منهاج الصالحين 6: 39.
2- وسائل الشيعة 10: 667.
3- وسائل الشيعة 10: 667.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 45.

وهو خلاف المبنى، وعلى الثاني لم ينفع في المورد المشكوك.

قوله: [لا إشكال في أنَّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار](1) عقاباً لا خطاباً كما قرر في محله.

ثمَّ إنَّ قوله: [لا إشكال في أنَّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار] يكون متعمداً، فيصدق عليه الموضوع المأخوذ في النصوص.

قوله: [لا إشكال في أن بدلية التيمم ليست بدلية اختيارية، فلا يكون المكلف مخيراً بين الأمرين] المطلوب من المكلف أن يصبح متطهراً من الجنابة، وقد أصبح متطهراً بالتيمم.

منتهى الأمر: أنه عصى بتبديل الطهارة الذاتية أو المائية إلى الترابية.

والخلاصة: أن التيمم بدل عن المائية في كل الأحكام بمقتضى (أحد الطهورين)(2)، و(يكفيك عشر سنين)(3)، و(أن رب الماء هو رب الصعيد)(4).

فكما أنه لو اغتسل صح صومه، كذلك لو تيمم، ولا قضاء عليه ولا كفارة.

ووزانه من جعل نفسه مريضاً شديداً بحيث لا يستطيع الوضوء، أو اراق الماء ثم تيمم وصلى، فهل يجب عليه القضاء؟ خصوصاً لو فرضنا أنّ مرضه استمر شهوراً، أو فرض أن الوجوب قبل الوقت تعليقي في الوضوء لا مشروط أو قلنا بحرمة تفويت الملاك، وكون المقام من قبيل تفويت الملاك.

ص: 71


1- مباني منهاج الصالحين 6: 46.
2- وسائل الشيعة 3: 37.
3- وسائل الشيعة 3: 369.
4- وسائل الشيعة 3: 37.

وبتقرير آخر: أن أدلة الإبطال بالبقاء متعمداً مجملة لا يعلم شمولها لهذه الصورة (راجع الروايات التي ذكرها الشارح في الكتاب)(1).

وفيه: أن بعضها وإن كان مجملاً كرواية البيزنطي(2)، إلاّ أن بعضها غير مجمل كرواية أبي بصير(3)؛ إذ ورد فيها: «ثم ترك الغسل متعمداً». فهذا التقرير محل نظر.

فالأولى الاستدلال بما ذكرناه أولاً من وجود المانع وهو أدلة البدلية.

والخلاصة: أن تلك الأدلة حاكمة على هذه الأدلة؛ إذ تقول هذه الأدلة: (ثم لم يغتسل بطل صومه). وتقول تلك الأدلة (التيمم كالغسل).

إلاّ أن يقال بانصراف تلك الأدلة إلى صورة الاضطرار.

ولكن قد يقال: لا انصراف والإطلاق محكم، فتأمل.

فالخلاصة: أنه لو تيمم عصى وصح صومه ولا قضاء ولا كفارة عليه، ولو لم يتيمم بطل صومه وعليه القضاء والكفارة في شهر رمضان.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا تمكن من التيمم وجب عليه التيمم والصوم وقضاءه على الأحوط](4) الأولى.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن ترك التيمم وجب عليه القضاء والكفارة] في مثل شهر رمضان.

ص: 72


1- مباني منهاج الصالحين 6: 39-43.
2- وسائل الشيعة 10: 62.
3- وسائل الشيعة 10: 63.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 46.

قوله: [لا إشكال في أنَّ بدلية التيمم ليست بدلية اختيارية، فلا يكون المكلف مخيراً بين الأمرين] والخلاصة: إن الأقوال ثلاثة:

الأول: لو تيمم فلا قضاء ولا كفارة وإن كان آثماً، وقد اخترناه.

الثاني: لو تيمم فعليه القضاء والكفارة، واختاره الشارح.

الثالث: لو تيمم فعليه القضاء، على الأحوط، واختاره الماتن.

قوله: [لا يكون المكلف مخيراً بين الأمرين، ولذا لا يجوز إراقة الماء] بعد الوقت أو قبله بناءً على كون الوجوب معلقاً، أو حرمة تفويت الملاك، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا نسي غسل الجنابة ليلاً حتى مضى يوم أو أيام من شهر رمضان بطل صومه، وعليه القضاء دون غيره من الواجب المعين وغيره](1) إلاّ في قضاء شهر رمضان، فإن الأحوط وجوباً إلحاقه بشهر رمضان.

قوله: [والوجوه المذكورة لا ترجع إلى محصل صحيح، أمَّا حديث رفع النسيان فهو لا يقتضي إثبات الصحة للفاقد، وغايته إثبات العذر](2) مضى نظيره وقلنا: لعل مراده أنَّ حديث الرفع مقتضاه الرفع فقط لا الإثبات.

وفيه: أنَّه لو رفع جزءاً أو شرطاً لكان المأمور به فقط الباقي - هذا في الناسي حيث يرى المصنف أنَّ الرفع واقعي ظاهراً - فامتثل المأمور به، فلا مقتضي للقضاء.

ص: 73


1- مباني منهاج الصالحين 6: 46.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 47.

مضافاً إلى أن عموم الحديث يمكن تخصيصه برواية الحلبي(1).

قوله: [أمَّا الوجه الثاني فيرد عليه أنَّ الدليل الدال على عدم فساد الصوم بالنوم لا يقتضي عدم فساده من ناحية أُخرى](2) أي أنه حيثي، فهو لا يفسد من هذه الحيثية، وإن فسد من حيثية أُخرى.

قوله: [خروجاً عن شبهة الخلاف، ولا إشكال في حسن الاحتياط](3) أو لأن ماهية الصوم واحدة، فما ثبت في فرد ثبت في الطبيعي - إلاّ ما خرج بالدليل - فتأمل.

قوله: [كون الحيض أعظم من الجنابة في بعض الجهات] ككراهة قراءة القرآن الكريم مطلقاً.

قوله: [لا يقتضي كونه مثله في جميع الأحكام] لكن قد يقال: إن مقتضى كونه قضاءً له اشتراكه معه في جميع الشرائط والخصوصيات (ومنها الطهارة).

قوله: [إلاّ أن يقال إنَّ حديثي ابن سنان(4) يشمل المقام بالإطلاق](5) لعله كذلك، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن تيمم وجب عليه أنْ يبقى مستيقظاً إلى

ص: 74


1- وسائل الشيعة 10: 238.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 47.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 48.
4- وسائل الشيعة 10: 67.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 48.

أن يطلع الفجر على الأحوط] بل على الأولى.

قوله: [بدعوى انتقاض تيممه بالحدث الأصغر كالنوم، فيجب عليه البقاء مستيقظاً إلى طلوع الفجر] لم يبرهن على ذلك، والاستصحاب قاضٍ بالبقاء، إلاّ أن يقال: الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية، فلا دليل على بقاء الطهارة الترابية، كما هو مبنى الماتن، فلاحظ.

والظاهر أن نظر الماتن: أن الجنابة باقية لا ترتفع بالتيمم، بل ترتفع الآثار، والقدر المتيقن ارتفاع الآثار ما دام لم يصدر منه حدث أصغر، فإذا صدر لم يبق دليل على بقاء الأحكام، بل يكفينا الشك في الارتفاع وعدمه، فتأمل.

قوله: [إنَّ المستفاد من الكتاب والسنة أنَّ التيمم كالوضوء والغسل في حق غير المتمكن، وبعبارة أخرى: أنَّه رافع مؤقت](1) أو مبيح، وبعبارة اُخرى: رافع مؤقت لأحكام الحدث، لكن مراد المصنف رفع الحدث حقيقة، وأمَّا رفع أحكام الحدث فسيأتي في جوابه الثاني تحت عنوان: (مضافاً).

قوله: [بتقريب: أنَّ فرض الراوي أنَّ الإمام المتيمم في حال الجنابة أمَّ القوم، والإمام (عليه السلام) (2) قرره على ما في ذهنه] أولاً: هذه عبارة عرضية يراد بها صدور حدث الجنابة.

ثانياً: بقاء الجنابة لا ينافي ارتفاع أحكامها بالتيمم.

وثالثاً: شرائط التقرير ليست مجتمعة، وبعبارة أُخرى: لا ظهور في

ص: 75


1- مباني منهاج الصالحين 6: 49.
2- وسائل الشيعة 8: 327.

التقرير، ولا يترتب على عدم التنبيه أثر؛ إذ ليس السائل في مقام السؤال من هذه الجهة.

وبعبارة ثالثة: إذا أخطأ السائل في سؤاله لكن كان الخطأ لا يرتبط بموضوع السؤال، فلا يلزم على المسؤول التنبيه، فتأمل.

قوله: [وفيه: أنَّه ترفع اليد عن تقريره في هذه الرواية بما يدل على أنَّ التيمم كالغسل] لو فرض تحقق التقرير فهو حجة شرعية، فيقع التعارض، وكذا في قوله: (مضافاً إلى أنَّ المستفاد من أدلة البدلية أنَّه يترتب على التيمم ما يترتب على الغسل) ، والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق أنَّ مقتضى الأول أنَّه رافع للحدث، ومقتضى الثاني أنَّه وإن لم يرفع لكن يترتب عليه ما يترتب على الغسل، فلاحظ وراجع الهامش(1).

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا ظن سعة الوقت للغسل فأجنب فبان الخلاف، فلا شيء عليه مع المراعاة، أمَّا بدونها فالأحوط القضاء] في غير قضاء شهر رمضان كما سبق.

قوله: [لاحتمال صدق التعمد] الاحتمال لا يجدي؛ إذ لا بد من إحراز الموضوع، والظاهر أن التعمد غير صادق.

قوله: [بتقريب أنَّ المستفاد من الحديث أنَّ الإتيان بالمفطر مع عدم رعاية الوقت والفحص يوجب بطلان الصوم ووجوب القضاء](2) هذه

ص: 76


1- مباني منهاج الصالحين 6: 48-49، الهامش (5).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 50.

الاستفادة مبنية على استفادة العرف عموم العلة من: «لأنَّه بدأ بالأكل»(1).

وعليه، يكون الأمر كذلك في كل مفطر.

قوله: [واستدل على المدّعى بالنسبة إلى الحيض بما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أنْ تغتسل في رمضان حتى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم»(2)](3) وهذه الرواية ضعيفة، إلاّ أنَّها مجبورة بالشهرة، فتأمل.

ثمَّ إنَّ قوله: [ضعيفة] خلاصة كلام المصنف أن رواية: «الأخذ بروايات بني فضال» لا تجدي في المقام.

أولاً: لضعف تلك الرواية.

ثانياً: لو فرض تسليمها فإنما يتم لو ثبت أنها رواية بني فضال، وذلك غير ثابت؛ لضعف إسناد الشيخ إلى علي بن الحسن.

وثالثاً: لو فرض صحة إسناد الشيخ إلى علي بن الحسن فهي تدل على التأمين من جانبه - أي علي بن الحسن - أي أن فساد العقيدة لا ينافي الأخذ بالرواية، ولا يدل على التأمين مما قبله، والوسائط بين علي بن الحسن والإمام (عليه السلام) بعضها غير نقي - ظاهراً - فلاحظ، وراجع بحث (التوثيقات في علم الرجال).

قوله: [فإن المستفاد من هذه الرواية(4) أنَّ البقاء على حدث

ص: 77


1- وسائل الشيعة 10: 116.
2- وسائل الشيعة 10: 69.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 50.
4- وسائل الشيعة 10: 66.

الاستحاضة، وعدم الإتيان بالغسل قبل الفجر يوجب بطلان الصوم ووجوب القضاء](1) لو فرض دلالة الرواية على أن الغسل لليلة الماضية، لكن سيأتي أنَّ الغسل لليلة القادمة على رأي المصنف، فلا يتم الأمر. أي أنه لصحة يوم الاثنين - مثلاً - يجب أن تغتسل للظهرين، وللعشاءين من ليلة الثلاثاء، فيكون دخولها في صوم يوم الاثنين مستحاضة بلا إشكال، فلا تتم الأولوية القطعية التي ادعاها الماتن(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [حدث الحيض والنفساء كالجنابة في أن تعمد البقاء عليهما مبطل للصوم في رمضان](3) على الأحوط. ولكن الأحوط إلحاق قضاء شهر رمضان به في الحكم.

قوله: [وأمَّا بالنسبة إلى النفاس فيمكن الاستدلال عليه بالأولوية] في هذه الرواية إشكالات سيأتي التعرض لها.

منها: عدم قضاء الصلاة.

ومنها: أن فاطمة (عليها السلام) كانت ترى الدم.

قوله: [أنَّه لابد من رعاية الخصوصيات المرعية في أصل الطبيعة فقضاء صوم رمضان مشروط بالشروط المرعية في أصل الطبيعة] بل جميع الخصوصيات إلاّ أن يقال بإجمال «كما فاته» فتأمل.

قوله: [ويمكن أن يقال إنَّ دليل القضاء في حد نفسه يقتضي

ص: 78


1- مباني منهاج الصالحين 6: 51.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 51.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 50.

ذلك](1) إذ (اقضِ) معناه: إت بنفس العمل لكن خارج الوقت، فالمظروف هو هو وإن كان الظرف مختلفاً.

أو يقال: ما ذكرناه سابقاً من «أن الصوم ماهيته واحدة فما ثبت في فرد ثبت في الطبيعي، إلاّ ما خرج بالدليل» إلاّ أنَّه يقتضي التعميم لكل أنواع الصوم لا القضاء فقط.

قوله: [لعدم ما يقتضي البطلان، وبعبارة أُخرى لا تعمد في البقاء على الحدث إلى الفجر] إن كان المستند الرواية الأولى(2) فالمأخوذ فيها التواني، وأما الرواية الثانية(3) فهي مطلقة ولم يؤخذ فيها العمد، إلاّ إن يقال أن الرواية الأولى مجبورة بالعمل فتقيد المستفاد من الرواية الثانية، وليس ذلك استدلالاً باللقب كي يقال إنه لا مفهوم له، بل لأنه لو لم يكن فرق بين التواني وغيره كان أخذ التواني لغواً، مثل: «الإنسان الأبيض لا يعلم الغيوب، والأسود إذا نام لا يبصر»(4)، فتأمل.

ويمكن الاستدلال أيضا بأن في البقاء على الجنابة يشترط التعمد، والجنابة أعظم من الحيض، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم، أو لم تعلم بنقائها حتى طلع الفجر صح صومها](5) لكن

ص: 79


1- مباني منهاج الصالحين 6: 52.
2- وسائل الشيعة 10: 69.
3- وسائل الشيعة 10: 66.
4- معالم الدين: 80.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 51.

الأحوط استحباباً القضاء.

قوله (قدس سره) في المتن: [المستحاضة الكثيرة يشترط في صحة صومها الغسل لصلاة الصبح...](1) الشرط هو الغسل للظهرين وللعشاءين من الليلة الماضية فقط، وذلك في شهر رمضان، والأحوط إلحاق قضائه به في الحكم.

قوله: [اشتمال الحديث على ما لا يقولون به من عدم قضاء الصلاة لا يقتضي سقوط الرواية عن الاعتبار، فإن التفكيك بين فقرات الحديث الواحد في الحجية أمر ممكن] ولعله ينفع في المقام مراجعة مبحث تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية وعدمها.

قوله: [إنَّ قيام الدليل على أنَّ فاطمة (عليها السلام) بنت الرسول (عليهما السلام) لم تكن ترَ حمرة لا يقتضي رفع اليد عن الرواية لاحتمال أنَّ المراد غيرها] فيه: أن اللفظ ينصرف للأكمل (أي المتعارف) أو أظهر الأفراد. إلاّ أن يجاب بأن هذا ليس أكثر من ظهور قابل لرفع اليد عنه بالنص.

قوله: [مع أنَّ هذه الكلمة ساقطة] لو دار الأمر بين عدم الزيادة وعدم النقيصة فالأصل الأول.

قوله: [أمَّا دخل الغسل لليلة الآتية فهو وإن كان في مقام التصور أمراً ممكناً لكنه بعيد عن الفهم العرفي] إذ بانقضاء الصوم يرى العرف أن العبادة انتهت فلا يتصور - عرفاً - دخل شرط متأخر في الصحة.

قوله: [أمَّا شموله لغسل الفجر فهو من باب أنَّ المستفاد من الرواية

ص: 80


1- مباني منهاج الصالحين 6: 52.

أنَّ المركوز في ذهن السائل أن حدث الاستحاضة يقتضي بطلان الصوم](1) هذا يحتاج إلى علم الغيب! منتهى الأمر الظن، وهو لا يغني من الحق شيئاً. وكما يحتمل ذلك يحتمل كون المركوز في ذهنه موضوعية الغسل. لكل صلاتين، خاصة وهو من الأجلاء، وكلامهم دقيق.

نعم، قد يكون المركوز في ذهن العوام ذلك، فتأمل.

قوله: [وإذا كان المرتكز في ذهنه غسل العشاءين لليلة الماضية لكان المناسب] لعل الشارح خفف؛ اذ غسل الفجر صعب، وأما غسل العشاءين فهو يوجب تخفيف التلوث المعنوي، بل المادي أيضاً.

ومنه يظهر الكلام في قوله: [فكيف يمكن أن يكون الحدث الموجود في الليلة الماضية مانعاً؟]

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يجب تقديم غسل الصبح على الفجر، بل لا يجزي لصلاة الصبح إلاّ مع وصلها به] الملاك صدق العندية العرفية، ولا يشترط العندية العقلية.

قوله: [حديث أبي المغرا، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم، قال: «تلك الهراقة إن كان دماً كثيراً فلا تصليَّنَ وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كل صلاتين»(2)](3) لا موضوعية للكثير والقليل في الحكم بالحيضة أو

ص: 81


1- مباني منهاج الصالحين 6: 53.
2- وسائل الشيعة 2: 331.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 54.

الاستحاضة، ولعلهما اخذا طريقاً، فتأمل.

ثمَّ إنَّ قوله: [فلا تصلِّ ذينك اليومين] هذا خلاف ما قرر في محله من أن أقل الحيض ثلاثة أيام.

قوله: [إمَّا حديث إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المستحاضة كيف تصنع؟ قال: «إذا مضى وقت طهرها الذي كانت تطهر فيه فلتؤخر الظهر إلى آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي ركعتين قبل الغداة...»(1) الحديث](2).

لعل الاستناد إلى «ثم» الذي يفيد التأخير بانفصال، لكن في الاستدلال نظراً؛ اذ هذه عبادة عرفية وتنسجم مع الاتصال، فتأمل.

ومعنى «ثم» عدم التقديم، وكذا قوله (ثم تصلي ركعتين قبل الغداة) إذ يفيد الفاصلة مع صلاة الصبح. وفيه: أن هذا النحو من الفاصلة لا إشكال فيه، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا اغتسلت لصلاة الليل لم تجتزئ به للصبح](3) فيه تأمل.

قوله: [أمَّا الصورة الأولى فلا إشكال في صدق تعمد البقاء على الجنابة إلى الصبح] مضافاً لعدم النية كما سوف يأتي بعد قليل.

قوله: [وبعض النصوص الدالة على البطلان واردة في النوم

ص: 82


1- وسائل الشيعة 2: 377.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 54-55.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 55.

العمدي] أي نام متعمداً للنوم، ولا يلازم ذلك نية ترك الغسل. وفيه: أنه مطلق فيشمل نية ترك الغسل أو التردد أو غيره.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أجنب في شهر رمضان ليلاً ونام حتى أصبح، فإن نام ناوياً لترك الغسل أو متردداً فيه لحقه حكم تعمد البقاء على الجنابة] في هذه الصورة يجب عليه القضاء دون الكفارة؛ إذ الأدلة تقول متعمداً، وهذا لا تعمد له. نعم، هو فاقد للنية، وسوف يأتي توضيحه في الحاشية القادمة. فتأمل.

نعم، قد يقال: إنه أتى بالمفطر متردداً وهو «البقاء على الجنابة». وفيه: أن المفطر «البقاء متعمداً» كما في الروايات.

قوله: [وأمَّا الصورة الثانية فأيضاً يصدق عليها عنوان العمد] فيه غموض، إذ لا قصد، بل هنالك تردد، ودائماً العمد يشكل نسبة 100 بالمئة، أما التردد فهو مثلاً 50 بالمئة، وهما متضادان.

نعم، دليله الثاني تام، إلاّ أنه يقتضي صرف القضاء لا الكفارة(1).

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن نام ناوياً للغسل فإن كان في النومة الأولى صح صومه](2) بشرط الوثوق بالانتباه.

قوله: [أمَّا الصورة الأولى فالظاهر بطلان الصوم] اجتماع المقسم مع هذا القسم، بل القسم الثاني مشكل؛ اذ كيف يبني على الغسل مع أنَّه واثق بعدم حصول مقدمته - أي الانتباه - ؟ مثل أن ينوي الكون على السطح مع

ص: 83


1- مباني منهاج الصالحين 6: 48.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 56.

عدم نصب السلم - في صورة الالتفات إلى الملازمة - إلاّ أن يكون البناء تضيقياً، أي أنَّه لو فرض وتحققت معجزة فاستيقظ - في الصورة الأولى - لاغتسل، وأما الصورة الثانية فقد ظهر الكلام فيها من الحاشية المتقدمة.

قوله: [لإنَّ نومه مع الفرض المذكور يكون مصداقاً للتعمد على البقاء فيكون صومه باطلاً] وأيضاً: نية الصوم غير متحققة.

قوله: [لكن يعارضه مارواه سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان قام وقد علم بها، ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر فقال: «عليه أن يتم صومه ويقضي يوماً آخر»(1)](2) لا معارضة لإمكان الجمع بالحمل على الاستحباب، خصوصاً وأنَّ الرواية الأولى معللة، والعلة تعمم وتخصص، وكونها حكمة خلاف الظاهر، فتأمل. وراجع الحاشية الآتية.

قوله: [وفي المقام طائفة أُخرى من النصوص تدل على البطلان في صورة العمد](3) خلاصة وجوه الجمع هي: توجد هنالك طوائف:

أ- لا شيء عليه: فيمن اجنب فنام حتى أصبح (ولعله ظاهر في النومة الأولى).

ب - ويقضي يوماً آخر: فيمن علم بالجنابة ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر.

ص: 84


1- وسائل الشيعة 10: 62.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 57.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 57.

ج - بطل: في صورة العمد.

د - التفصيل بين النومة الأولى والثانية: فهنا إما أن نقول بإطلاق (ب) أو بظهورها في النومة الأولى فعلى الثاني يجمع بينهما بالاستحباب، وعلى الأول: (أ) تخصص (ب) لأن (أ) ظاهر في استمرار النومة الأولى.

ولو فرض أن (ب) غير قابل للتخصيص بما ذكر نقول: إنه يدل على أن (الغسل) مطلوب مطلقاً، إلاّ أن (د) يدل على أن المطلوبية في النومة الأولى على نحو الاستحباب لا الوجوب (جمعاً).

فتحصل أن القضاء مطلوب مطلقاً، إلاّ أن المطلوب يختلف، ولا مانع من استعمال الصيغة في طبيعي بعض أفراده (واجبة) وبعضها (مستحب) مثل: (اعملوا الخير).

وهنالك بعض الوجوه الأُخر للجمع مذكورة في (المتن)(1).

والخلاصة:

1- إن قلنا: إن (أ) و (ب) ظاهر في النومة الأولى جمع بينهما بالاستحباب.

2- وإن قلنا: إن (أ) ظاهر في ذلك و (ب) مطلق: قيد (أ) ب- (ب).

3- وإن قلنا بإطلاقهما كان (د) قرينة للجمع بينهما.

والنتيجة على كل التقادير واحدة.

إلاّ أن الظاهر الاحتمال الأول، وعليه يكون القضاء مستحباً.

وأما (ج) فرواية أبي بصير(2) ظاهرة في الترك عمداً، فهي أجنبية عما

ص: 85


1- مباني منهاج الصالحين 6: 59-61.
2- وسائل الشيعة 10: 63.

نحن فيه، وهو محتمل في رواية الحلبي(1) أيضاً. فيكون معناها متعمداً ترك الغسل، ولو فرضنا كونه (متعمداً للنوم) فهنا فرضان.

الأول: أن نقول بظهورها في النومة الأولى: فيجمع بالاستحباب، والاستغفار ممكن حتى في ترك المستحبات أو فعل المكروهات، بل حتى في ترك الأولى.

الثاني: أن نقول بالإطلاق، فتخصص ب- (د).

قوله: [فالطائفة الأولى تخصص بالطائفة الثالثة...](2) فيكون المفاد (لا شيء عليه في صورة غير المتعمد)، فتنقلب نسبتها - عليه أن يقضي - إلى الخصوص المطلق. فعليه أن يقضي مطلقاً، ولا شيء عليه في صورة «الجهل ونحوه» أخص منه فيخصصه. فيكون المفاد التفصيل بين العمد وغيره. وهو ينفعنا إذا فرضنا أن لا شيء عليه في النومة الأولى إن لم يكن متعمداً.

هذا ولكن لا يخفى - مضافاً لما تقدم - أنَّ (ج) لا مفهوم لها، اذ كلمة (متعمداً) وردت في كلام الراوي، والإمام (عليه السلام) أجابه طبق سؤاله(3).

قوله: [إنَّ النوم وقع بعد الجنابة حتى فيما كانت جنابته احتلامية](4) خلاف الظاهر، فإن الظاهر أنه يجنب مستيقظاً ثم ينام، إلاّ أن يقال هذا انصراف بدوي، فتأمل.

ص: 86


1- وسائل الشيعة 10: 63.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 57.
3- وسائل الشيعة 10: 63.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 58.

قوله: [قلت: هذا خلاف الظهور العرفي، وإن شئت قلت: التقسيم قاطع للشركة](1) الظاهر إن الرواية مجملة، أو ظاهرة في نومة الاحتلام فقط، فيكون المراد إن نام مرتين فعليه القضاء، وإن استمرت نومة الجنابة إلى الفجر فلا شيء عليه. وأما النومة الأولى فهي مسكوت عنها في الرواية، فتأمل.

فتحصل أن الاحتمالات ثلاثة:

الأول: ظهور (وإن لم يستيقظ) في النومة الأولى.

الثاني: ظهور (وإن لم يستيقظ) في نومة الجنابة.

الثالث: إطلاق (وإن لم يستيقظ) لنومة الجنابة والنومة الأولى.

مضافاً إلى احتمال الإجمال.

قوله: [يكون مفهوم الشرطية فساد الصوم بالنومة التي بعد الاستيقاظ الأول، فتكون الرواية دالّة على خلاف المدعى] يمكن أن تكون ساكتة عن النومة الأولى كما سبق بيانه، فتأمل.

قوله: [ولقائل أن يقول: إنَّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «وإن لم يستيقظ» عدم الفرق بين النومة التي أجنب فيها والنومة الأولى بعد الإنتباه](2) خلاف الظهور العرفي، وما يأتي إلى ذهن العرف مطلقاً، فتأمل.

قوله: [فيدور الأمر بين الاشتباه بالزيادة والاشتباه بالنقيصة والترجيح مع الثانية] ببناء العقلاء، كما يرى في نقل ناقلين قصة مع الزيادة

ص: 87


1- مباني منهاج الصالحين 6: 58.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 59.

والنقيصة.

قوله: [مضافاً إلى ما قيل من أنَّ الفقيه أضبط] راجع دروس في علم الرجال، ففيه بحث حول كثرة اشتباهات الشيخ لكثرة أعماله، وكذا في «معجم رجال الحديث».

قوله: [ولقائل أن يقول: من الممكن تعدد الرواية، فإنَّ دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة فرع وحدة الرواية، وهي(1) أول الكلام](2) ومقتضى «صدّق العادل» تصديق الاثنين، فتكون الروايتان صادرتين.

ولو فرض ذلك فتحمل رواية التهذيب على «الاستحباب» كما سبق مثله.

ومع فرض التوقف في الاشتباه تسقط الرواية عن الاعتبار، ويمكن الاستدلال برواية ابن عمار، أو يقال: إنه على كلا التقديرين: تكون النومة الثانية مشمولة للحكم، إما بالدلالة المطابقية أو بالأولوية العرفية، وأما ثبوت الحكم للنومة الأولى فيدفع بأصالة البراءة.

قوله: [مع انتقاضها بموارد عديدة، منها: غسل الجنابة فإنَّه يوجب القضاء دون الكفارة] لكن هنالك فارق: حيث إن هنا نسياناً، وهناك تعمد للنوم، إلاّ أن يقال: الجامع عدم تعمد الإتيان بالمفطر، فتأمل.

قوله: [أمَّا الكفارة فيظهر من كلمات القوم أنَّ المشهور وجوبها، وأدّعي عليه الإجماع، وذهب جماعة من الأساطين إلى عدم الوجوب، لعدم الدليل عليه، وقد عرفت ضعف الوجوه القائمة على

ص: 88


1- هكذا في المصدر، والصحيح (وهو).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 59.

الوجوب](1) إلاّ أن يقال بالانجبار بالشهرة، فإن رواية المروزي(2) تدل على وجوب الكفارة مطلقاً، لكن خرج منه (النومة الأولى والثانية) بما سبق من الأدلة فتبقى النومة الثالثة، وصورة العمد.

وكذا الكلام في المرسل(3)، لكن لعله ظاهر في العمد فقط، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذلك في النومين الأولين إذا لم يكن معتاد الإنتباه](4) إن لم يكن واثقاً بالانتباه لحقه حكم المتعمد في وجوب القضاء لا في الكفارة. نعم، لو كان واثقاً بعدم الانتباه فعليه القضاء والكفارة معاً. (راجع الحاشية اللاحقة)(5).

قوله: [مع عدم الوثوق به يكون متردداً في تحقق الغسل فيكون مصداقاً للعامد] ولأنه فاقد للنية فلا يصح صومه.

وفيه: أنه لا عمد لما سبق.

وأما فقدان النية ففيه القضاء لا الكفارة، فالأمر مشكل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا نام عن ذهول وغفلة فالأحوط وجوب القضاء في النومين الأولين والكفارة أيضاً في الثالث استحباباً] هذا يناقض ما سبق من(6) أنَّه لو كان متردداً بالغسل وعدمه لحقه حكم المتعمد،

ص: 89


1- مباني منهاج الصالحين 6: 60.
2- وسائل الشيعة 10: 63-64.
3- وسائل الشيعة 10: 64.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 61.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 61 الحاشية (2).
6- مباني منهاج الصالحين 6: 55.

فإنَّه إذا لم يكن معتاد الانتباه فمعناه أنه يتردد في تحقق الغسل منه وعدمه، بل يظن بعدمه، فكيف لا تجب عليه الكفارة؟

إلاّ أن يقال: إنه ناوٍ للغسل على تقدير الانتباه، فهو يختلف عن المتردد في أنه يغتسل أو لا؟

وفيه: أن النية تقديرية، واللازم النية الفعلية، فهو مثل أن ينوي أن يمسك عن الاُكل إن لم يجد طعاماً لذيذاً.

والخلاصة: أن نية المقدمة التي تنتهي عادة إلى نتيجة هي نية لتلك النتيجة، مثلاً: لو نوى إلقاءه في «دوّار ماء» يغرق من يُلقي فيه عادة، لكنه لم ينو القتل، فهو ناوٍ للقتل واقعاً، ولذا يعتبر القتل عمدياً لو نوى الإتيان بشيء يقتل عادةً.

وبعبارة أُخرى: إنَّ نية المقدمة هي نتيجة النتيجة، ونية اللازم أو الملزوم أو الملازم مساوقة لنية الآخر، فتأمل.

إلاّ أن يشكك في ذلك فيقال: إنّه نوى المقدمة ولم ينو النتيجة، راجع (الترتب) بحث أن حب الشيء لا يستلزم حب مقدماته، (كحب ما يترتب على قتل ولي من أولياء اللّه تعالى).

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز النوم الأول والثاني مع احتمال الاستيقاظ وكونه معتاد الانتباه](1) الملاك هو الوثوق بالانتباه، ولا يكفي الاحتمال ولا الظن. وكذا الكلام في الفرعين التاليين في هذه المسألة.

والسبب: أنه لا بد من نية الصوم، والنية لا تحصل إلاّ في صورة الوثوق،

ص: 90


1- مباني منهاج الصالحين 6: 61.

وإلاّ فمع عدم الوثوق لا نية بتية.

قوله: [إذ مع كونه معتاد الانتباه يثق بأنَّه إذا نام لا يصبح جنباً، فلا ينافي نومه مع نية الصوم](1) لا ملازمة بين الاعتياد والوثوق؛ إذ يوجد هنالك احتمال عقلائي لتخلف العادة، منتهى الأمر أنه ظني، وهو يغني.

قوله: [وفيه: أنَّه لا مجال له مع صدق تعمد الإصباح جنباً، فإنَّ الأصل لا مجال له مع قيام الدليل على حرمة النوم](2) الإلحاق بالتعمد في القضاء لا في وجوب الكفارة وقد مضى نظيره، هذا في صرف الاعتياد أما الوثوق فهو في حكم العلم.

قوله: [واستدل للقول الثاني بما رواه إبراهيم بن عبد الحميد(3) والمرسل لا اعتبار به] مضافاً إلى أنه لم تطرح مسألة الاعتياد فيه.

قوله: [العقوبة تناسب الحرمة بخلاف النوم الأول، فإنَّه قد صرح بأنَّه ليس عليه شيء] الرواية ليست في صدد بيان الجواز، بل في صدد الكفارة والقضاء، فلا تدل على عدم حرمة النوم الأول، فتبقى تحت القاعدة العامة.

قوله: [وأورد فيه بأنَّ العقوبة المستلزمة للحرمة العقوبة الأخروية لا العقوبة الدنيوية] لكن ظاهر العقوبة هو أنه فعل محرماً.

ثم إن العقوبة الأخروية لا تلازم الحرمة، فقد ورد في عدة مكروهات:

ص: 91


1- مباني منهاج الصالحين 6: 61.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 62.
3- وسائل الشيعة 10: 64.

«فَرقه اللّه بمنشار من نار»(1) مع كونه مكروهاً.

فالخلاصة: أنه مرهون بنوم العقوبة. إلاّ أنه لا ينافي الظهور في الحرمة مطلقاً، فتأمل.

قوله: [نسب إلى جملة من الأساطين عدم العلم بالخلاف، والحق عدم الوجوب كما في المتن للأصل](2) مع وجود الدليل الاجتهادي، وهو خبر العيص(3)، لا تصل النوبة للأصل العملي. وكذا الإجماع لو ثبت وثبتت حجيته.

قوله: [قيل: إنَّه مقطوع به وهو كذلك بعدم الدليل على عدم الجواز؛ إذ لا شبهة في أنَّه لا تحصل جنابة جديدة](4) وهي محذورة لما سيأتي بعد سطور في المتن.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولكن لو اغتسل قبل الاستبراء بالبول فالأحوط تأخيره إلى ما بعد الغروب] استحباباً.

قوله: [لعل وجه عدم الجزم بالحكم انصراف الدليل عن هذه الصورة، والإنصاف أنَّه لا يبعد دعوى الانصراف] مضافاً إلى أنه لو كان لبان؛ اذ كثير من الناس لا يتقيدون بالبول بعد الجنابة، فلو كان اللازم تأخير البول لورد في الروايات التنبيه على ذلك، فتأمل.

ص: 92


1- وسائل الشيعة 5: 61.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 63.
3- وسائل الشيعة 10: 57.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 63.

قوله: [فإن مقتضى إطلاق الرواية(1) أنَّه لو نام في شهر رمضان في الليل وأجنب واستيقظ، ثم نام وبقي نائماً إلى الفجر لم يكن بنومه بأس، فلا يترتب عليه القضاء والكفارة](2) إلاّ أن يقال إنَّ نفي البأس بلحاظ الحكم التكليفي، أي أنه مشروع وجائز. وأما الحكم الوضعي فهو أمر آخر، فتأمل.

قوله: [الثالث: مارواه ابن أبي يعفور فإنَّه يستفاد من هذه الرواية أن النومة التي تكون بعد اليقظة الثانية].

الظاهر أنه لا تعرض للرواية للنومة الأولى بعد العلم، بل هي تتناول نومة الإجناب والنومة الثانية بعد العلم، وأما النومة الأولى بعد العلم فهي مسكوت عنها (راجع الاحتمالات عند شرح قوله: التقسيم قاطع للشركة).

قوله: [إنَّ مقتضى الفهم العرفي كذلك حيث يفهم من الدليل عدم الفرق بين الثالث وغيره] بل الأولوية، راجع الشرح في الكتاب.

قوله (قدس سره) في المتن: [الأقوى عدم إلحاق الحائض والنفساء بالجنب، فيصح الصوم مع عدم التواني] الملاك صدق التعمد في البقاء وعدمه.

إلاّ أن يقال: الرواية التي ذكر فيها التواني(3) مجبورة بالعمل، راجع الهامش اللاحق(4).

ص: 93


1- وسائل الشيعة 10: 57.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 64.
3- وسائل الشيعة 10: 69.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 64 الهامش (3).

قوله: [لاختصاص النص بالجنب ولا وجه للتعدي، بل العبرة بصدق التعمد](1) إلاّ أن النص(2) مطلق يشمل صورة العمد وغيره، لكن أجبنا عن ذلك بما حاصله:

أولاً: أنَّ الرواية(3) المأخوذ فيها التواني مجبورة بعمل المشهور، فتقيد المستفاد من هذه الرواية، وهذا ليس استدلالاً باللقب ليقال لا مفهوم له، بل لأنَّه لو لم يكن هناك فرق بين أخذ الثواني وغيره لكان أخذه لغواً.

ثانياً: الأولوية من الجنابة، فتأمل.

الثامن: إنزال المني

قوله: [وتدل على المدّعى جملة من النصوص](4) بعض هذه النصوص في شهر رمضان، كالأول(5)، وبعضها في قضائه، كالثاني(6)، إلاّ أنَّ جملة منها مطلقة، مثل ما رواه سماعة(7) وأبو بصير(8) والحلبي(9).

قوله: [وهذه النصوص وإن كانت دالَّة بالمطابقة على الكفارة لكن تدل على المدَّعى بالملازمة للإجماع](10) المصنف يناقش في الإجماعات

ص: 94


1- مباني منهاج الصالحين 6: 64.
2- وسائل الشيعة 10: 66.
3- وسائل الشيعة 10: 69.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 65.
5- وسائل الشيعة 10: 39.
6- وسائل الشيعة 10: 40.
7- وسائل الشيعة 10: 40.
8- وسائل الشيعة 10: 40.
9- وسائل الشيعة 10: 97.
10- مباني منهاج الصالحين 6: 66.

عادة، صغرى وكبرى، فكيف نهض هذا الإجماع بإثبات المدّعى؟

ثم إنّ هذه النصوص تدل على الحرمة، ولا تدل على الحكم الوضعي، أي البطلان والمفطرية، فتأمل.

قوله: [ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنَّه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئاً، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنَّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني»(1)] وليست بالمعنى الاصطلاحي، بل مثل: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً}(2).

وهل يدل على الحرمة؟ فيه تأمل، بل يحتمل كونه أعم، فتأمل.

قوله: [قلت: ترفع اليد عن الإطلاق بما رواه زرارة(3)](4)

بل التعليل في رواية الحلبي (مخافة أن يسبقه المني)(5)، ورواية منصور (لأنّه لا يؤمن)(6)، وسماعة (ما لم يخف)(7) فإنَّ التعليل في الأوليين يُعمم ويخصص، ورواية سماعة تفصل بين الحالتين.

قوله: [فإن الإطلاق يقيد بهذه الرواية، مضافاً إلى أنَّه كيف يمكن جعل الكفارة على أمر غير اختياري] لا مانع من ذلك؛ إذ الكفارة لا

ص: 95


1- وسائل الشيعة 10: 97.
2- الاسراء: 38.
3- وسائل الشيعة 10: 100.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 67.
5- وسائل الشيعة 10: 97.
6- وسائل الشيعة 10: 97.
7- وسائل الشيعة 10: 98.

يشترط فيها أن تكون عقوبة، بل ربما تكون لرفع الآثار الوضعية، مثل ما ورد في كفارة الصيد، فإنه لا فرق فيها بين العالم والجاهل القاصر والمقصر (راجع المناسك).

التاسع: الاحتقان بالمائع

قوله: [إنما الكلام في كونه مفسداً للصوم، وهو المدَّعى في المقام، ويدل عليه] خلاصة الاستدلال أن هنالك ثلاث روايات هي:

الأولى: رواية البزنطي(1):مَن به علّة، الصائم لا يجوز له أن يحتقن.

الثانية: رواية محمد بن الحسن(2): اللطف(3) يستدخله الإنسان قال: «لا بأس بالجامد».

الثالثة: رواية علي بن جعفر(4) عن أخيه: سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال: «لابأس».

وطريقة الاستدلال بها أن نقول:

أولاً: الاحتقان في الأولى ظاهر في المائع والثالثة ظاهرة في الجامد، فلا تعارض.

ثانياً: أو نقول: إنَّ الاحتقان في الأولى ظاهر في المائع والثالثة أعم، فتخصص الأولى الثالثة.

ص: 96


1- وسائل الشيعة 10: 42.
2- وسائل الشيعة 10: 41-42.
3- في المصدر (التلطف)، واللطف: ما صغر ودقّ. القاموس المحيط، مادة >لطف».
4- وسائل الشيعة 10: 41.

ثالثاً: أو نقول: إنَّ كلاهما ظاهر في الأعم، وعليه: فعلى القول بانقلاب النسبة: فإن الثانية تخصص الأولى، أي لا يجوز أن يحتقن بالمائع، فتخصص الأولى الثالثة.

وأما على القول بعدم الانقلاب: فإن الثانية وسيلة جمع بين المتعارضين، أي الأولى والثالثة، حيث تقيدهما.

رابعاً: الاستدخال في الثالثة أعم، فتخصصه الأولى، أي كل أنواع الاستدخال جائز إلاّ الاحتقان.

خامساً: أن نفرض التعارض والتساقط، وحينئذٍ لا يبقى دليل على التحريم، فنرجع للبراءة أو لحديث الحصر(1).

سادساً: أن نشك في أن الاحتقان يطلق على الجامد أو لا؟ ويظهر حكمه مما تقدم.

والظاهر أن المقبول من هذه الاحتمالات: هو الثاني والثالث، والرابع والخامس والسادس.

قوله: [بتقريب: أنَّ النهي في هذه الموارد يرشد إلى الفساد](2) أي أن النهي أو الأمر في المركبات يدل على الحكم الوضعي لا التكليفي.

قوله: [وإن كان المراد من النهي الحرمة النفسية كيف يمكن أن يحكم (عليه السلام) بالحرمة] لعل المراد الردع عن الاحتقان؛ لأنَّه علة ولو كانت بسيطة، كما يفعله الناس عادة، حيث يلجأون إلى الإفطار لأقل شيء، كما

ص: 97


1- وسائل الشيعة 1: 31.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 68.

هو الملاحظ الآن، حيث يفطر الكثيرون بحجة «جرح المعدة»!

وفيه: أن الجواب يكون طبق السؤال، والمفروض في السؤال وجود «العلة» وهي تختلف أنواعها لتسوغ الإفطار (راجع الحاشية اللاحقة).

قوله: [والحال أنَّ الصوم لا يصح للمريض](1) فيه تفصيل حسب اختلاف المرض، لكن ذلك لا يخل بما المصنف بصدده، إذ لا شك في الجواز في مختلف أنواع المرض، فتأمل.

قوله: [والحال أنَّ الصوم لا يصح للمريض مضافاً إلى قاعدة رفع الحرج] هذا يدل على أن المصنف يرى أن رفع الحرج يرفع الحرام، فتأمل.

قوله: [لو شك في الصدق يكون المرجع حديث الحصر](2) وأيضاً: المرجع البراءة الجارية حتى في المركبات الارتباطية.

قوله: [لا يبعد أن تدل هذه الرواية بالمفهوم على كون الاحتقان بالمايع مفسداً، لا من باب مفهوم اللقب كي يقال: إنَّه لا مفهوم له، بل لخصوصية في المقام] راجع المعالم في: (الانسان الأبيض لا يعلم الغيوب، والأسود إذا نام لا يبصر)(3).

قوله: [حديث علي بن جعفر(4) ظاهر في الجامد](5) لا وجه لذلك

ص: 98


1- مباني منهاج الصالحين 6: 68.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 68.
3- معالم الدين: 80.
4- وسائل الشيعة 10: 41.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 69.

ظاهراً؛ إذ الاستدخال أعم من استدخال المائع والجامد.

قوله: [إن قلنا بأن حديث البزنطي(1) ظاهر في المايع، وحديث ابن جعفر(2) ظاهر في الأعم، فحديث البزنطي يخصص تلك الروايات، فلا تعارض أيضاً لعدم المعارضة بين العام والخاص](3) هذا الاحتمال ضعيف، والظاهر أنه خلاف الإجماع المركب، فتأمل.

قوله: [وأيضاً لا معارضة على القول بأنَّ شمول مفهوم الاحتقان للجامد مشكوك فيه] إذ المخصص المنفصل لو دار بين الأقل والأكثر يؤخذ بالأقل، لانعقاد عموم العام.

وكذا الحال في مثل (أكرم العلماء)، ثم قال: (لا تكرم فسَّاق العلماء) ودار أمر الفاسق بين مرتكب المعصية مطلقاً، أو مرتكب خصوص الكبيرة.

والسر ما ذكرناه من انعقاد عموم العالم، فلا يرفع اليد عنه إلاّ بالمقدار المتيقن.

قوله: [إذ المفروض في تلك الرواية(4) استدخال الدواء، والاستدخال أعم...](5) إذ يشمل الإدخال في الفرج أو الإنف أو الأُذن.

قوله: [الَّلهم إلاّ أن يقال: المتبادر من اللفظ هو الاستدخال من

ص: 99


1- وسائل الشيعة 10: 42.
2- وسائل الشيعة 10: 41.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 69.
4- وسائل الشيعة 10: 41.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 69.

المحل المعهود...](1) لعل هذا الانصراف بدوي، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق الحلق، مما لا يسمى أكلاً أو شرباً، كما إذا صب دواءً في جرحه أو في أُذنه أو في احليله أو عينه فوصل إلى جوفه، وكذا إذا طعن برمح أو سكين فوصل إلى جوفه](2) دون أن يمر بحلقه كما هو مفروض المتن.

نعم، لو كان طعماً مجرداً فلا بأس به مطلقاً؛ وذلك لصدق الأكل حينئذٍ، إذ لا فرق بين أن يدخل حلقه من الخارج أو الداخل، فإذا ازدرده صدق عنوان الأكل، وأما الطعم المجرد فلا بأس به كما ذكر في مسألة «مضغ الطعام» و «مضغ العلك» فإنه يعتبر عرضاً لا طعاماً، وإن فرض القول باستحالة انتقال الأعراض.

ونحوه ما ذكروه في بقاء لون الدم من أنَّ الموضوع عرفي، فالرجوع فيه إلى العرف ولا تلاحظ فيه الدقة العقلية، فإذا كان المضغ عقلاً أكلاً، لما فيه من تفتت الأجزاء ودخولها، لم يعتبر ذلك مفطراً إن لم يصدق عليه الأكل عرفاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم لو فرض إحداث منفذ لوصول الغذاء إلى الجوف من غير طريق الحلق، كما يحكى عن بعض أهل زماننا - فلا يبعد صدق الأكل] ولا فرق في ذلك بين الدائم والموقت (راجع مسألة البول من غير المنفذ المعتاد).

ص: 100


1- مباني منهاج الصالحين 6: 70.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 70.

قوله: [إنَّ الميزان صدق العنوان ومع الشك يحكم بعدمه على ما هو المقرر عندنا من جريان الأصل في الشبهة المفهومية] عند الدوران بين الأقل والأكثر - لا المتباينين - وذلك للبراءة.

قوله (قدس سره) في المتن: [أمَّا إدخال الدواء بالإبرة في اليد أو الفخذ أو نحوهما من الأعضاء فلا بأس به] وإن كانت مغذية؛ لعدم صدق الأكل والشرب، والملاك غير معلوم؛ ولذا يجوز النوم طول النهار وإن لم يذق ألم الجوع والعطش، وكذا المكث في المكان البارد المرطوب، كالسرداب مثلاً أو الذهاب إلى المناطق التي يقصر فيها النهار.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجوز ابتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس من الخلط إذا وصل إلى فضاء الفم على الأحوط](1) استحباباً.

قوله: [لصدق عنوان الأكل عليه فلا يجوز] الظاهر عدم الصدق، وكذا لو نهى الطبيب المريض عن الأكل أو الشرب لم تحصل المخالفة بذلك.

خصوصاً لو لاحظنا أن المسألة كثيرة الابتلاء، فلو كان ذلك محرماً لبان، ولو عرضت المسألة - حرمة الأكل والشرب - على العرف لم ير ذلك صادقاً على الابتلاع المزبور، ويؤيده خبر ابن سنان(2)، وإن ناقش فيه المصنف سندياً.

كما يؤيده خبر مص لسان الزوجة(3)، وإن أشكل فيه المصنف سندياً.

وكذا خبر «الذباب يدخل حلق الصائم؟ قال: ليس عليه قضاء لأنَّه ليس

ص: 101


1- مباني منهاج الصالحين 6: 71.
2- وسائل الشيعة 10: 88-89.
3- وسائل الشيعة 10: 102.

بطعام»(1) وإن فسره المصنف بتفسير آخر.

قوله: [وحيث إنَّ المراد من النخامة غير معلوم ودائر أمرها بين معان ثلاثة](2) لعل الظاهر عرفاً هو «الجامع بين الأمرين» ومع وجود المعنى العرفي لا يعتنى بالتفسير اللغوي.

ثم إن المعاني اللغوية غير متنافية، وكل من الأولين يبيّن مصداقاً، فلا تنافي التفسير بالجامع.

وبعبارة أُخرى: التفسيرات غير متكاذبة، خصوصاً لو لاحظنا طريقة استخراج اللغويين لها، حيث إنهم يلاحظون المورد فيفسرون به (فتأمل وراجع بحث حجية قول اللغوي في كتب الأصول).

قوله: [وصفوة القول: إنَّ مقتضى الدليل الأولي الحرمة، والذي لا إشكال فيه أنَّ عموم الدليل قد خصص بمورد، ولكن لا يمكننا العلم به، فلا مناص عن الاحتياط](3) ولكن هل يوجب الكفارة؟ فيه غموض؛ إذ لا علم بأنه مفطر. نعم، هو مبطل للصوم على مبنى المصنف؛ لأنه يرجع إلى عدم نية الصوم على كل تقدير، فتأمل (راجع مسألة ذي الرأسين في العروة)(4).

قوله: [الظاهر أنَّ ما ذكرنا هو الوجه في عدم جزم الماتن، بل بنى

ص: 102


1- وسائل الشيعة 10: 109.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 71.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 71.
4- العروة الوثقى 3: 557.

الحكم بعدم الجواز على الاحتياط](1) لعله لأجل الوهم في صدق الأكل والشرب عرفاً، أي عدم جزمه بذلك مع استظهاره ذلك.

قوله: [لانصراف دليل المنع عن مثله](2)

بل لصحة سلب «الأكل والشرب» عنه، لأنه أكل أو شرب لكن الدليل منصرف عنه، فتأمل.

قوله: [مضافاً إلى جريان السيرة من المتشرعة عليه] وقد يستدل بالحرج. وفيه: أنه شخصي.

العاشر: تعمد القيء

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا خرج بالتجشؤ شيء ثم نزل من غير اختيار لم يكن مبطلاً](3) الأحوط استحباباً عدم التجشؤ إن علم أنه يخرج معه شيء من الطعام.

قوله: [مفهوم التجشؤ يغاير مفهوم القيء على ما يظهر من اللغة، بل يظهر التغاير المفهومي بينهما من النص، لاحظ مارواه سماعة قال: «سألته عن القلس وهي الجشأة يرتفع الطعام من جوف الرجل من غير أن يكون تقيأ وهو قائم في الصلاة؟ قال: لا ينقض ذلك وضوءه، ولا يقطع صلاته ولا يفطر صيامه»(4)](5) إلاّ أنه ورد في كلام الراوي لا

ص: 103


1- مباني منهاج الصالحين 6: 71.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 72.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 73
4- وسائل الشيعة 10: 9.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 73.

الإمام (عليه السلام) .

قوله: [ومن تلك النصوص ما رواه عبد اللّه بن سنان(1)](2) لكن الرواية ضعيفة على ما سيشير إليه المصنف في الهامش الآتي.

قوله: [ولم يظهر لي وجه عدم جزم الماتن وبنائه المسألة على الاحتياط مع أنَّه يرى صحَّة الانقلاب] لعل الوجه أن في صدق الأكل عليه حينئذ تأملاً، وإن كان الظاهر كونه أكلاً على مبنى الماتن، كما اشار إليه الشارح بقوله: (ويمكن أن يكون الوجه في عدم الجزم انصراف دليل حرمة الأكل عن المقام)(3).

وأما صحة الانقلاب فلضعف الرواية.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا ابتلع في الليل ما يجب قيئه(4) في النهار بطل صومه](5) الظاهر عدم البطلان مطلقاً. إلاّ إذا اختار القيء أو نواه ولو على سبيل البدل؛ وذلك الأمر الترتبي الموجود في المقام.

قوله: [وبعبارة واضحة تتصور للمكلف حالات ثلاث...](6) فلا يكون الأمر الترتبي تحصيلاً للحاصل. راجع بحث الترتب في شرائط تحقق الموضوع.

ص: 104


1- وسائل الشيعة 10: 88-89.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 74.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 74.
4- هكذا في المصدر، والصحيح (قيؤه).
5- مباني منهاج الصالحين 6: 75.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 75.

قوله: [أمَّا بالنسبة إلى الواجب غير المعيَّن فالظاهر هي الصحَّة ولو على القول بالترتب...] الظاهر أنه لا فرق بين المعيّن وغيره.

إذ في المعين هنالك أمران متنافيان مضيقان، قيء وصم هذا اليوم وفي غير المعين أمر مضيق وآخر موسع، والموسع ينافي هذا المضيق في تطبيقه على هذه الحصة، قيء وصم مطلقاً فإن مطلقاً يشمل هذا اليوم فيتعارضان في الحصة.

ولذا ذكروا أن (صل الموسع) يعارض (أزل المضيق) وتصحيح ذلك بالترتب.

فالظاهر أن الصحة مبنية على القول بالترتب.

قوله: [إلاّ على القول بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد] فنقول: قيء - يستلزم لا تصم في هذه الحصة - ولا تصم وإن كان غيرياً إلا أنه يقتضي الفساد.

وفيه: أن الملاك ليس ذلك بل استحالة الأمر بضدين في عرض واحد.

فلا مناص إلاّ عن طريق الترتب.

قوله: [وعلى الجملة لا نرى وجهاً للفساد في الواجب غير المعيَّن ولذا لا مجال لتوهم فساد الصلاة اليومية](1) ظهر أن له مجالاً، مما سبق.

قوله (قدس سره) في المتن: [بطل صومه في الواجب المعيَّن وإن لم يقئه وكذلك الواجب غير المعيَّن على الأحوط إذا كان اخراجه منحصراً

ص: 105


1- مباني منهاج الصالحين 6: 76.

بالقيء وإن لم يكن منحصراً لم يبطل إلاّ إذا قاءه اختياراً](1) أو نواه ولو على سبيل البدل - كما سبق - فإن النية - ولو البدلية - ترجع إلى عدم نية الصوم، أي أنها منافية لها. وأما وجوب الكفارة وعدمه فهو تابع لأنه أتى بالمفطر أو صرف النية، فلاحظ.

قوله (قدس سره) في المتن: [ليس من المفطرات مص الخاتم ومضغ الطعام وذوق المرق ونحوها مما لا يتعدى إلى الحلق](2) الملاك عدم صدق الأكل والشرب عرفاً.

قوله: [لحصر المفطر في غيره، ومقتضى الأصل الأولي عدم كونه مفطراً وحراماً، مضافاً إلى النص الخاص] فهنا ثلاثة أدلة:

الأول: الأصل الأولي: عدم الحرمة وعدم المفطرية (والبراءة).

الثاني: النصوص العامة الحاصرة للمفطرات.

الثالث: النص الخاص(3)، ولعل العمدة عدم شمول أدلة المفطرات له ولأمثاله.

قوله: [ما: رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: «أنه سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ له الخبز وتطعمه، قال: لا بأس به والطير إن كان لها»] الظاهر أن هذا القيد، أي: أن الطير إن لم يكن لها فلا يحق لها ذلك. لكن - بضميمة الإجماع ظاهراً - يمكن حمله على الأولوية.

ص: 106


1- مباني منهاج الصالحين 6: 75-76.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 76.
3- وسائل الشيعة 10: 109.

قوله: [أما حمل النهي على الكراهة - كما في كلام سيد المستمسك (قدس سره) (1)، وكلام سيدنا الأستاذ(2) - ففيه ما قلناه من أنه ليس جمعاً عرفياً](3) بل هو عرفي مثل (كل الجبن) و (لا تأكله) ، بل لعل مبنى الفقه على مثل ذلك.

قوله: [نعم، يمكن الحمل على الكراهة ببركة ما رواه محمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «يا محمد، إياك ان تمضغ علكاً فإني مضغت اليوم علكاً وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً»(4)](5) هذا مبني على إلغاء الخصوصية، وكون العلك له طعم، وأنه (عليه السلام) لم يبلع الطعم.

قوله: [الظاهر أن الإمام (عليه السلام) لا يرتكب الحرام فيكون مكروهاً] لا يتعين ذلك؛ إذ قد يكون فيه حزازة أو أنه ترك الأولى.

قوله: [لعين الملاك](6) يمكن الاستدلال بعدم صدق الأكل والشرب، وأما الملاك فهو مرهون باستفادته، ولا تبعد - عرفاً -.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما ما يتعدى عمداً فمبطل وإن قل] على الأحوط وجوباً فيما لا يصدق عليه الأكل والشرب عرفاً؛ لأنه مقتضى القاعدة العامة أنه لا فرق في الأكل بين القليل والكثير، وهنا صدق عنوان

ص: 107


1- مستمسك العروة الوثقى 8: 327.
2- شرح العروة الوثقی 21: 294.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 77.
4- وسائل الشيعة10: 104.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 77.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 77.

الأكل والشرب فيه غموض - عادة -.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا بأس بمضغ العلك وإن وجد له طعماً في ريقه ما لم يكن لتفتت أجزائه](1) بل وإن بلع ريقه إن كان طعماً مجرداً، ولا مانع من البلع إن استهلكت الأجزاء الالأالجزاء عرفاً، أو كان طعماً مجرداً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا بمص لسان الزوج والزوجة، والأحوط الاقتصار على صورة ما إذا لم تكن عليه رطوبة](2) وجوباً فيما لا يصدق عليه الشرب عرفاً.

قوله: [إن دليل الجواز ناظر إلى صورة عدم الرطوبة عليه والشبهة واهية] فيه: أنه مقتضى القاعدة العامة؛ إذ الخبر ضعيف، ومقتضى القاعدة أنه لا فرق في الأكل بين القليل والكثير. إلاّ أن في صدق عنوان الأكل والشرب غموضاً - عادةً -.

راجع ما ذكرناه في مسألة (النخامة) وكذا ما ذكرناه في مفطرية الأكل القليل، إلاّ أن يجاب بالاستهلاك، فتأمل.

قوله: [لاحظ ما عن الرضا (عليه السلام) قال: «قال علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه وآله): ثلاثة لا يعرض أحدكم نفسه لهن وهو صائم: الحجامة والحمام والمرأة الحسناء»(3)](4) يدل على مطلق المرأة.

ص: 108


1- مباني منهاج الصالحين 6: 78.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 78.
3- وسائل الشيعة 10: 97.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 78.

لكن هنالك روايات مطلقة ذكرها الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(1).

قوله: [وما رواه الحلبي(2) وما رواه منصور(3)](4) هاتان الرواياتان تدلان على النهي في صورة خوف سبق المني وعدم الأمن، فلا ترتبطان بالمقام.

ما يكره للصائم:

قوله (قدس سره) في المتن: [يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها وملاعبتها إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الإنزال، وإن قصد الإنزال كان من قصد المفطر](5) كما أنه لو لم يكن واثقاً بعدم الإنزال بطل صومه.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويكره له الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق](6) الظاهر الكراهة مطلقاً، والاكتحال بالمسك وما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق أشد كراهة.

ذكر الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(7)

ذلك وعلله بإطلاق بعض الأخبار، وأما التقييد في بعضها الآخر فلا يقيده، لعدم بنائهم على التقييد في باب المستحبات والمكروهات.

ص: 109


1- الفقه 35: 69-71.
2- وسائل الشيعة 10: 97.
3- وسائل الشيعة 10: 97.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 78.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 78.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 79.
7- الفقه 35: 71-75.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويكره له... وإخراج الدم المضعف](1) إن كان الإخراج بالاحتجام فهو مكروه مطلقاً؛ وذلك للروايات المطلقة في الحجامة(2)، وقد سبق عدم التقييد في باب المستحبات والمكروهات قبل سطور.

وقد ذكر ذلك في (الفقه)(3)، وما ذكر فيه التقييد في الحجامة، فهو بمعنى كونه أشد كراهة.

ومنه يظهر النظر في قوله «ولكن بما فصل فيه بين احتمال الضعف والأمن منه يفصل كما في المتن»(4).

قوله: [ومن عموم العلة يسري الحكم إلى غير الحجامة على الإطلاق] يستفاد من ذلك أنه لا توجد رواية حول إخراج الدم؛ لذا اضطر إلى الاستناد إلى عموم العلة.

نعم، الرواية وردت في خصوص (الاحتجام)(5) و(إدماء الفم)(6).

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [ويكره له... إخراج الدم المضعف](7) بل كل مضعف.

ص: 110


1- مباني منهاج الصالحين 6: 79-80.
2- وسائل الشيعة 10: 77-81.
3- الفقه 35: 71-75.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 80 .
5- وسائل الشيعة 10: 77-81.
6- وسائل الشيعة 10: 78.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 80.

وقوله (قدس سره) في المتن: [ويكره له... وإخراج الدم المضعف] كذا إن أوجب هيجان المرّة، بل يكره مطلقُ ما يوجب هيجانها.

قوله: [ما رواه ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصائم يحتجم ويصب في أُذنه الدهن، قال: «لا بأس إلا السعوط فإنه يكره»(1)](2) كلمة الكراهة وإن اصطلح فعلاً على إطلاقها على ما يقابل الحرام من المرجوحات، إلاّ أنه لم يثبت لها حقيقة شرعية في ذلك، وحينئذٍ فتكون بمعنى «المرجوحية».

قال تعالى: {عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}(3) وصرف المرجوحية لا يثبت الحرمة.

قوله: [مع وصوله إلى الحلق يدخل في عنوان الأكل المفطر المحرم، ولو فرض نص دال على الجواز لا يمكن استفادة الإطلاق منه بحيث يستفاد منه الجواز حتى في الصورة المفروضة، إذ ليس في مقام البيان من هذه الجهة](4) بل هو في مقام بيان أصل الجواز وعدم الحرمة؛ لأنه في مقام توهم الحظر أو احتماله، فهذا دفع لذلك الاحتمال.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويكره له... والسعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق] والظن لا يكفي في الحرمة؛ لوجود المؤمن، وهو أصالة عدم الوصول إلى الحلق، أو الأصول الحكمية.

ص: 111


1- وسائل الشيعة 10: 43.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 80.
3- الإسراء: 38.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 81.

قوله (قدس سره) في المتن: [مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق] بنفسه، وأما وصول رائحته فلا بأس.

قوله: [ومنها ما رواه غياث بن إبراهيم(1)](2) لا ربط له بالمقام؛ إذ الكلام في النبت.

قوله: [قال سيد العروة (قدس سره) (3): إن المراد بالريحان كل نبت طيب] تفسير (الفقه)(4) كافٍ، ولو نوقش في ذلك تمسكنا بعموم العلة في الروايات، مثل: >الصائم يشم الريحان؟ قال: لا، لأنه لذة ويكره له أن يتلذذ»(5) (راجع الفقه)(6) وهذا الملاك موجود في كل نبت طيب الريح.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويكره له... وبل الثوب على الجسد](7) وكذا لبس الثوب المبلول؛ لأنه ورد كلا التعبيرين في الروايات، راجع (الفقه)(8): «فيبل ثوباً على جسده قال (عليه السلام) : لا»(9).

فما استدل به الشارح لا يطابق - تماما ً - ما في المتن، إلاّ أن يقال: لا فرق - في الفهم العرفي - بين التعبيرين، أو يقال: إنَّ الملاك واحد فيهما.

ص: 112


1- وسائل الشيعة 10: 93.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 81.
3- العروة الوثقى3: 588.
4- الفقه 35 : 90.
5- الكافي 4: 113.
6- الفقه 35: 90-96.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 82.
8- الفقه 35: 96.
9- وسائل الشيعة 10: 37.

ثم الظاهر من الرواية الأولى(1): أن العصر يخفف الكراهة، بمقتضى إطلاق سائر الروايات(2). أي أن الكراهة لها مراتب.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويكره له... وجلوس المرأة في الماء](3) بل مطلق دخولها فيه إذا كان سبباً في دخول الماء إلى قبلها. وأما القيد فللتعليل في الرواية(4).

وهل يكره مطلق الجلوس ولو لم يسبب ذلك؟ استظهر الوالد (رحمه اللّه) (5) ذلك لفتوى الفقهاء بضميمة التسامح.

فالحاصل في المقام ثلاثة أحكام:

الأول: الجلوس المسبب لحمل الماء: مكروه، للنص.

الثاني: الجلوس غير المسبب لحمل الماء: مكروه، للفتوى.

الثالث: غير الجلوس مما يسبب حمل الماء: مكروه للتعليل.

قوله: [بتقريب: أن دليل المنع عن الاحتقان بإطلاقه يشمل الاحتقان بالجامد](6) ويمكن تقريبه بفتوى (الفقه)(7)، بناءً على قاعدة التسامح في أدلة السنن.

ص: 113


1- وسائل الشيعة 10: 36.
2- وسائل الشيعة 10: 36-37.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 82.
4- وسائل الشيعة 10: 37.
5- الفقه 35: 97.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 82.
7- الفقه 35: 97.

ثم إن قوله: [بتقريب: أن دليل المنع] فيه: أولاً: ما سبق من أن الاحتقان ظاهر في المائع.

وثانياً: يتعارضان(1)،

والمكاتبة(2) وسيلة جمع بين ما دل على عدم جواز الاحتقان مطلقاً، وبين ما دل على جواز استدخال الدواء مطلقاً، بالتفصيل بين المائع والجامد فلا يجوز بالمائع، فتأمل.

وثالثاً: ما ذكره - لا يجوز - ظاهر في الفساد.

ثم إن قوله: [بتقريب: أن دليل المنع عن الاحتقان بإطلاقه يشمل...] الأولى الاستدلال بالنهي عن الحقنة في الروايات، كخبر الدعائم(3) في الحقنة وقول المقنع(4) والرضوي(5) - لو فرض شمول الحقنة للجامد - فيدل على النهي مطلقاً، ورواية التعجيل تدل على عدم الحرمة في الجامد، لكن الكراهية تبقى، أي أصل «المرجوحية».

قوله: [ودليل جواز استدخال الدواء يشمل المائع](6) الأولى: يشمل الجامد كي يقع التعارض.

قوله: [ما رواه حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول:

ص: 114


1- رواية البزنطي المانعة عن الاحتقان مطلقاً في وسائل الشيعة 10: 42، ورواية علي بن جعفر في استدخال الدواء في وسائل الشيعة 10: 41.
2- وسائل الشيعة 10: 41-42.
3- دعائم الإسلام 1: 275؛ مستدرك الوسائل7: 324.
4- المقنع: 191.
5- فقه الرضا (عليه السلام) : 212.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 82.

«يكره رواية الشعر للصائم وللمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة وأن يروي بالليل، قال: قلت: وإن كان شعر حق؟ قال: وإن كان شعر حق»(1)](2) أي مطابقاً للواقع، أو الواقع يطابقه، مثل وصف السماء والنجوم، وهذا العموم يمكن تخصيصه بالرواية اللاحقة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإنشاد الشعر إلاَّ في مراثي الأئمة (عليهم السلام) ] المراد ما يشمل النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

قوله: [ما رواه خلف بن حماد قال: قلت للرضا (عليه السلام) ...، والرواية ضعيفة للإرسال] لكنها مجبور بالفتوى طبقها فتأمل، قال في الحدائق: «إن أصحابنا (رضي اللّه عنهم) قد خصوا الكراهة بالنسبة إلى كراهة إنشاد الشعر في المسجد أو يوم الجمعة، أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة، بما كان من الأشعار الدنيوية الخارجة عمّا ذكرناه، وممن صرح بذلك شيخنا الشهيد في الذكرى، والشهيد الثاني في جملة من شروحه، والمحقق الشيخ علي والسيد السند في المدارك»(3).

وكذلك تؤيده سيرة المتدينين كما في (الفقه)(4).

قوله: [مضافاً إلى أن المستفاد من حديث حماد... المنع](5) فيه أنهما

ص: 115


1- تهذيب الأحكام 4: 195.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 83.
3- الحدائق الناظرة 13: 162.
4- الفقه 35: 103.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 84.

يتعارضان، فتحمل الأخيرة على التقية، أو يرد علمها إلى إهلها، كما في (الفقه)(1).

ثم أنه لو فرض ذلك كان بالعنوان الأولي (أي فرض ما ذكره الشارح) ويمكن كونه واجباً لكونه مقدمة للواجب - كما هو كذلك عادةً - فإنّ التأثير في النفوس وتحريك العو اطف يتوقف عادة على ذلك.

ثم إنه قد يقال: إنَّ ذلك لا يدل إلاّ على الكراهة، وهي بمعنى قلة الثواب، فالأفضل إذن الإتيان، وإن قيل: إذا كان كذلك فلماذا ورد النهي عنه؟

قلت: إنه إرشاد إلى أفضل الفردين، فلو دار الأمر بين هذا الفرد أو ذاك فذاك أفضل، أما لو دار بين الوجود والعدم فالوجود أفضل، كالصلاة في الحمام مثلاً.

وقد يقال: إن النهي بمعنى الحزازة.

وفيه: إنه يؤول إلى اجتماع المبغوضية والمحبوبية في شيء واحد، فإن قلنا في مسألة (اجتماع الأمر والنهي) - في مثل الصلاة في الدار المغصوبة - بعدم المانع، كان هذا كذاك؛ إذ لا فرق بين الأحكام الخمسة، وإن قلنا بالإشكال أشكل في المقام أيضاً.

والسر في ذلك حصول الكسر والانكسار في المبادئ، وإن لم يكن تضاد في نفس الأحكام فتأمل.

قوله: [ما رواه خلف بن حماد قال: «قلت للرضا (عليه السلام) ... وقد هممت

ص: 116


1- الفقه 35: 102-103.

أن أرثي أبا الحسن وهذا شهر رمضان، فقال لي: إرث أبا الحسن في ليلة الجمعة، وفي شهر رمضان وفي الليل، وفي سائر الأيام، فإنّ اللّه يكافيك على ذلك»(1)](2) لا فرق بين المدح والرثاء - عرفاً - أو أنَّ الملاك واحد عرفاً، فلا يضر اختصاصه بالمراثي بعد وحدة المناط، كما عن السيد الوالد في كتابه (الفقه)(3).

قوله: [مضافاً إلى أنَّ المستفاد من حديث حماد(4)... المنع] لو فرض انجبار الرواية السابقة بالعمل فيمكن أن يقال:

1- إن الرواية السابقة لاحقة، والمصنف يرى الترجيح بالأحدثية، فيرجح عدم الكراهة.

2- إن هذه الرواية تخصص الرواية السابقة، فتكون الكراهة خاصة بشهر رمضان وبالليل، وأما سائر الأيام فهو مشمول لقوله (عليه السلام) : «وفي سائر الأيام»(5)، فتأمل.

تتميم:

قوله (قدس سره) في المتن: [المفطرات المذكورة إنما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد، ولا فرق بين العالم بالحكم والجاهل](6).

ص: 117


1- وسائل الشيعة 14: 559.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 83-84.
3- الفقه 35: 102.
4- وسائل الشيعة 10: 169.
5- وسائل الشيعة 14: 559.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 84-86.

الإقسام هي.

1- أن يفطر عالماً عامداً.

2- جاهلاً بالحكم (قاصراً أو مقصراً).

3- جاهلاً بالموضوع.

4- ناسياً أنه صائم (عالماً بالحكم والموضوع).

5- مكرهاً.

6- ملجأ.

قوله: [والإفطار غير العمدي الذي لا يكون مفطراً على قسمين: القسم الأول: ما يصدر عن المكلف من غير قصد](1): لعل المراد من غير اختيار، كما هو المستفاد من أدلته، ومن الأمثلة المذكورة في رواياته، كرواية محمد بن مسلم(2).

قوله: [الظاهر أنه لو صدر فعل من أحد بلا اختيار لا يقال إنه لم يجتنب](3) مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ}(4). وراجع كلام النائيني (رحمه اللّه) في أن الفعل ظاهر في الصدور عن اختيار(5).

فلا يضره دخول الذباب في حلقة مثلاً، أو إلقاءه في الماء.

قوله: [وإن شئت قلت: لا مقتضي للبطلان بالفعل الصادر عن غير

ص: 118


1- مباني منهاج الصالحين 6: 84.
2- وسائل الشيعة 10: 31.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 85.
4- الشورى: 37.
5- أجود التقريرات 1: 93.

اختيار] أي أنَّ الفعل جامع للشرائط فاقد للموانع، لقوله (عليه السلام) : (لا يضر).

قوله: [الوجه الثاني: التعليل الوارد في حديث ابي بصير وسماعة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم، ثم إنَّ السحاب انجلى فإذا الشمس، فقال: «على الذي أفطر ذلك اليوم... لأنه أكل متعمداً»(1)](2) لا يخفى أن هذا التعليل يقتضي بطلان صوم القسم الثالث - أي الجاهل بالموضوع - لأن المفروض أنهم علموا بالحكم وبالصيام، منتهى الأمر أنهم ظنوا أن الليل قد دخل، وهذا خلاف ما بنى عليه المصنف فيمن اعتقد أنَّ المائع الخارجي مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء، فإنه يُبنى على عدم تحقق العمد، فلا يصدق أنه ارتمس في الماء عمداً.

والخلاصة: إما أن يقول: إنه حكمة أو علة، فعلى الأولى لا يجدي. وعلى الثانية يلزم الحكم بالمفطرية فيما لو جهل الموضوع، إلاّ أن يقال: إنه علة خرج ما خرج، فتأمل. وقد يقال: بإعراض المشهور عن العلية، فتأمل.

إلاّ أن يكون ذلك استثناءً، ولكن ينافيه: عدم التعليل، فتأمل.

قوله: [إنَّ المستفاد من هذه الرواية أنَّ الأكل غير الاختياري ليس مفطراً، فإنَّ المراد من قوله: «لانه ليس بطعام» أنه لا يكون اختيارياً، لا أن الذباب ليس طعاماً فلا يكون مفطراً، اذكيف يمكن الالتزام

ص: 119


1- وسائل الشيعة 10: 121.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 85.

بذلك](1) تقدم منا أنه مع وجود المعنى العرفي لا يعتنى بالتفسير اللغوي، وهنا المراد هو المعنى العرفي، بل لا يمكن الالتزام بالمعنى اللغوي.

قوله: [ولكن قيد التعمد واقع في كلام السائل لا في كلام الإمام (عليه السلام) ] فلا ينفع الاستدلال، راجع (الكتاب)(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا فرق بين العالم بالحكم والجاهل به](3) الظاهر أنه لا شيء على الجاهل مطلقاً، إذا صدق أنه صام في عرف المتشرعة. أما إذا لم يصدق الصيام كأن ارتكب جميع المفطرات، وتصور أنّ الصوم هو عدم الكلام - مثلاً - فعليه القضاء، لانصراف الدليل عن مثله.

قوله: [لإطلاق دليل المفطر الشامل لجميع الصور، وعن جملة من الأساطين عدم كونه مفطراً مع الجهل بلا فرق بين أنواع](4) وهنالك تفاصيل مذكورة في كتاب (الفقه)(5).

قوله: [النسبة بين هذه الرواية وتلك الأدلة عموم من وجه](6) فإنَّ الرواية تفترق عن الأدلة من ناحية العالم بالحكم بالنسبة للكفارة، إلاّ أنهما يجتمعان في الجاهل بالحكم بالنسبة إلى وجوب القضاء، وبعبارة أوضح: إن

ص: 120


1- مباني منهاج الصالحين 6: 86.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 40.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 86.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 86.
5- الفقه 34: 365-400.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 87.

الروايات دلت على أنه (ليس عليه شيء)، والأدلة دلت على الإطلاق (بالمفطر).

ليس عليه شيء مفطّر

كفارة جاهل - قضاء عالم

هذا، ولكن الظاهر: إن لسان أدلة (معذورية الجاهل) لسان الحكومة، وفي الحكومة لا تلاحظ النسبة المنطقية. هذا أولاً، وثانياً: النسبة هي عموم مطلق؛ إذ أدلة المفطرية تدل - مطابقة أو بالدلالة الالتزامية، ولو بضميمة سائر الأدلة - على أنَّ كذا مفطر للعالم والجاهل، وعليه القضاء والكفارة، وهذه الرواية (ليس عليه شيء) استثنت خصوص الجاهل في القضاء والكفارة.

وعليه، لو تمت الرواية سنداً فلا تعارض بينهما حتى يحتاج إلى علاجه.

ثم إنه لو فرض التعارض والتساقط كان المرجع: أصالة البراءة عن لزوم القضاء - بناءً على كونه بالأمر الجديد - وأما لو بني على أنه بنفس الأمر الأول: فالظاهر استصحاب بقائه، بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، فتأمل.

قوله: [إن هذه الرواية ضعيفة سنداً بضعف اسناد الشيخ إلى ابن الفضال](1) ذكر المصنف ذلك أيضاً فيما سبق(2)، ثم أورد إشكالاً حول الأخذ بروايات بني فضال بإن المستفاد من الحديث المستند إلى الإمام العسكري (عليه السلام) (3) أنه لا ينبغي التشكيك في روايات بني الفضال، فهو لا يدل على

ص: 121


1- مباني منهاج الصالحين 6: 87.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 15، 50.
3- وسائل الشيعة 27: 102.

توثيق الواسطة بينهم وبين الإمام (عليه السلام) ، ولا بدل على تصديق الوسائط. فتأمل.

قوله: [بتقريب: أنَّ النسبة بين هذه الرواية وتلك الأدلة عموم من وجه](1) مضى ما فيه وأن النسبة هي العموم المطلق.

قوله: [وقال سيّدنا الاستاذ: إنَّ هذه الرواية(2) لا تدل على نفي الكفارة؛ لأنَّ لبس المخيط لا يقتضي بطلان الحج](3) هنالك ثلاثة إشكالات:

الأول: إن الرواية تدل على نفي الكفارة، لأن لبس المخيط ولو عمداً يقتضي بطلان الحج، فعدم البطلان ليس من آثار الجهل، حتى يرتفع به.

وأجاب الشارح: أن هذا لا يمنع إطلاق الذيل، فإنه يتضمن قاعدة كلّية.

الثاني: المستفاد أن الأثر المترتب على الفعل مرتفع عند الجهل، وأثر الإفطار: الكفارة فترتفع. وأما القضاء فهو من آثار عدم الإتيان بالمأمور به.

وخلاصة الإشكال الأول هي: أن الرواية ناظرة إلى نفي الكفارة فقط.

وخلاصة الإشكال الثاني: أن مفاد الرواية أن كل أثر مترتب على الفعل يرتفع عند الجهالة.

وفيه: إن عدم الإتيان كلّي طبيعي يتمثل ويتحقق في صور:

منها: عدم النية.

ومنها: النية الريائية.

ص: 122


1- مباني منهاج الصالحين 6: 87.
2- وسائل الشيعة 12: 488-489.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 87.

ومنها: الإتيان بالمفطر.

وباعتبار اتحاد الطبيعي مع الفرد يصح القول: إنَّ القضاء من آثار الإتيان بالمفطر؛ فيرتفع بالجهل.

وبعبارة أُخرى: الإفطار علّة لعدم الإتيان، ولا بأس بإسناد الفعل إلى العلة، وعلة العلة. ثم إن هذا تحمّل لا يفهمه العرف من الحديث الشريف.

وقد يجاب بأن عدم الإتيان(1) خطئي، فإن الجهل من أنواع الخطأ، فيرتفع أثره وهو القضاء، كما ذكره المصنف في الإكراه(2).

الثالث: استلزام الدور.

وفيه: أولاً: نقضاً: بالجهر موضع الإخفات والعكس، والإتمام في مقام القصر، وغير ذلك من الموارد التي أشار إليها الوالد (رحمه اللّه) في الوصول(3).

وثانياً: بأنه ليس تقييداً، بل منّةً على الجاهل بإسقاط القضاء، وغير ذلك مما ذكر في بحث أخذ القطع بالحكم موضوعاً لحكم نفسه.

وثالثاً: النقض بنفس الكفارة.

ثم إن الوالد (رحمه اللّه) استدل في الفقه(4) على عدم القضاء بأمور:

الأول: آية {إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(5)، ورواية(6) الأمير (عليه السلام) في تفسير ذلك.

ص: 123


1- لا الإفطار.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 91.
3- الوصول 1: 538، 4: 479.
4- الفقه 34: 397.
5- البقرة: 286.
6- دعائم الاسلام 1: 274؛ مستدرك الوسائل 7: 328.

وارتكاب الجاهل - خصوصاً القاصر - من أقسام الخطأ.

الثاني: قوله (عليه السلام) : «ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر»(1) (في القاصر).

الثالث: إطلاق رواية عمار(2).

الرابع: حديث الرفع(3).

واختاره صاحب المستمسك(4)، حيث قال: «فالبناء على الصحة في الجاهل وإن كان مقصراً أقوى».

وأيده الوالد (رحمه اللّه) (5) بأن أكثر المتدينين يجهلون جملة من المفطرات خصوصاً في أوائل البلوغ.

قوله: [وأجاب سيدنا الأُستاذ عن الحديثين بوجه آخر](6) مضى ما فيه.

قوله: [ولذا لم يحتمل أحد أنه لو تكلم في صلاته جاهلاً بكونه مبطلاً أن لا تكون صلاته باطلة] لا مانع من الالتزام بذلك بمقتضى قوله (عليه السلام) : «أي رجل ركب أمرأً بجهالة فلا شيء عليه»(7).

قوله (قدس سره) في المتن: [بل الظاهر فساد الصوم بارتكاب المفطر حتى

ص: 124


1- تهذيب الاحكام 2: 12؛ وسائل الشيعة 8: 259.
2- وسائل الشيعة 10: 53.
3- وسائل الشيعة 15: 369.
4- مستمسك العروة الوثقى 8: 283.
5- الفقه 34: 399.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 88.
7- تهذيب الأحكام 5: 72-73.

مع الاعقاد بأنه حلال](1): الظاهر الصحة - كما سبق -.

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، إذا وقعت على وجه غير العمد، كما إذا اعتقد أن المائع الخارجي مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء] هذه هي الصورة الثالثة من الصور المتقدمة.

قوله: [لعدم تحقق العمد، فإنه مع اعتقاد أن المائع الخارجي مضاف لا يصدق](2) ويدل على اشتراط العمد أمور:

الأول: التعليل (لأنه أكل متعمداً)(3) إلاّ أنه - باعتبار مورده - يدل على خلاف المقصود.

الثاني: النصوص التي فيها قيد التعمد(4)، لكن مضى الإشكال في ذلك، وقلنا: إن لسان أدلة (معذرية الجاهل) لبيان الحكومة، وفي الحكومة لا تلاحظ النسبة المنطقية، بالإضافة إلى أن النسبة بينهما وبين الأدلة نسبة العموم المطلق.

نعم، ورد في بعض المفطرات قيد التعمد مثل (الكذب) و (القيء) فيكون مؤيداً لما نحن فيه.

الثالث: التعليل ب- (إنما هو شيء رزقه اللّه فليتمم صومه)(5) ونحوه: (إنما

ص: 125


1- مباني منهاج الصالحين 6: 89.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 89.
3- وسائل الشيعة 10: 121.
4- وسائل الشيعة 10: 53، 10: 121.
5- وسائل الشيعة 10: 50.

هو شيء أطعمه اللّه)(1).

الرابع: رواية المقنع (من غير تعمد)(2).

الخامس: آية {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسينا أَوْ أَخْطَأْنا}(3) بضميمة رواية الأمير (عليه السلام) على ما في كتاب الفقه(4)، وهذا خطأ.

وعلى كل، فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال وتحتاج لتأملٍ أكثر.

وقد يؤيد المدّعى بفهم المشهور.

ولعل العمدة هو الأمر الثالث والخامس وفيهما الكفاية إن شاء اللّه، فتأمل قوله وكذلك حديث الرفع(5).

قوله: [ما رواه الحلبي عن أبي عبد (عليه السلام) أنه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر، قال: «لا يفطر إنما هو شيء رزقه اللّه، فليتم صومه»(6)](7) هنا شبهة وهي أن في انطباق هذا التعليل على ما لو أتى بالحرام خفاء، فهل يقال لمن استمنى «أنه شيء رزقه اللّه» أو «كذب على اللّه تعالى متعمداً» ناسياً صومه، يقال: رزق رزقه اللّه تعالى؟

إلاّ أن يتمسك بدعوى الإجماع، فتأمل.

ص: 126


1- وسائل الشيعة 10: 51.
2- المقنع: 182.
3- البقرة: 286.
4- الفقه 34: 397.
5- وسائل الشيعة 15: 369.
6- وسائل الشيعة 10: 50.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 89-90.

وقد تعرض الوالد (رحمه اللّه) لذلك في الفقه، حيث قال: «خصوصاً وكثيراً ما يكون أكل الناس وشربهم محرماً بسبب الغصب»(1). ثم استقرب (رحمه اللّه) الإطلاق.

أقول: وكذا الخمس، بناء على كونه على نحو الإشاعة، فإن التصرف في كل جزء حرام على المشهور.

وقد يقال:

أولاً: إن «الرزق» يشمل الحرام، على بعض المباني في علم الكلام، حيث اختلفوا في أن الرزق يشمل الحرام أو لا. وكل رزق هو منه، فتأمل.

وفيه: أنه ولو فرض ذلك إلاّ أن الدليل منصرف عنه أولاً. ولأن الدليل في مقام الامتنان ثانياً، وأن ذلك تفضل منه تعالى وهو لا ينسجم مع الحرام ثالثاً.

ثانياً: أن ذلك حكمة لا علّة، وإلاّ لأشكل الأمر في «إيصال الغبار الغليظ» أو القيء مثلاً، فهل هو رزق؟

وقد يشكل بأنه لو كان حكمة، فكيف يتعدى إلى غير الثلاثة «الأكل والشرب والجماع»؟

والجواب: أنه بالأولوية؛ لأن هذه الثلاثة هي العمدة وفيما ورد «لا يضر الصائم» وورد ذكرها في القرآن الكريم.

أو نتمسك بالإجماع أو بقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(2)وبحديث «رفع الخطأ» وغير ذلك من الأدلة المذكورة في الفقه(3).

ص: 127


1- الفقه 34: 395.
2- البقرة: 286.
3- الفقه 34: 387-390.

قوله: [ويؤيد المدعى ما رواه: زرارة(1) عن أبي جعفر (عليه السلام) في المحرم يأتي أهله ناسياً](2) إذ ليست الرواية في مقام البيان حول الصيام، فلا إطلاق لها.

قوله: [لكن يمكن أنْ يدعى أنَّ العرف يفهم عدم الفرق بين الموارد](3) عهدته على مدّعيه.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أفطر مكرهاً بطل صومه]: على الأحوط استحباباً.

قوله: [وربما يقال: بعدم فساد الصوم بالإفطار الإكراهي] حكي عن الخلاف والنافع والمنتهى والتحرير، والمختلف والإرشاد والدروس، والروضة والشرائع(4)، بل حكي عن الأكثر، كما في الجواهر والمستند(5)، ولا استبعاد في ذلك، فإن الناسي لا يجب عليه القضاء وإن افطر.

قوله: [ولازم رفع الحرمة رفع التكليف عن الصوم فلا يجب الصوم فيفسد، ويجب قضاؤه، ولا دليل على تعلق الأمر بالباقي، فلا دليل على صحة الفاقد](6) الدليل هو قاعدة الميسور - لو سلّمنا - إلاّ أن

ص: 128


1- وسائل الشيعة 10: 51.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 90.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 90.
4- الخلاف 2: 195؛ المختصر النافع: 66؛ منتهى المطلب 9: 97؛ تحرير الأحكام 1: 479؛ مختلف الشيعة 3: 428؛ إرشاد الأذهان 2: 99؛ الدروس الشرعية 1: 273؛ الروضة البهية 2: 90؛ شرائع الاسلام 1: 141.
5- جواهر الكلام 16: 258؛ مستند الشيعة 10: 323.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 91.

يقال: لا دليل على القاعدة إلاّ روايات ضعيفة.

وفيه: أنها مجبورة بالعمل، فتأمل.

أو يقال: ثبت أنه لا تبعيض في الصيام - كما ذكروه، فتأمل وراجع الفقه في (بحث المرض وغيره)(1).

قوله: [وصفوة القول: إن مقتضى حديث رفع الإكراه رفع الآثار المترتبة على الإفطار بالإكراه] مضى ما فيه.

قوله: [ولقائل أن يقول: سلمنا أنَّ القضاء من آثار عدم الإتيان بالمأمور به، لكن يصح أن يقال: إنَّ عدم الإتيان بالمأمور به إكراهي، والمفروض أن الإكراه يرفع الأثر] يوجد هنا تقريران:

الأول: إنَّ حديث رفع الإكراه يرفع الآثر، وأثر الإفطار هو وجوب القضاء، فيرتفع بكون الإفطار إكراهياً (الإفطار إكراهي فيرتفع أثره).

وناقشه المصنف بأن وجوب القضاء أثر عدم الإتيان بالمأمور به، لا الإفطار «وهذه مناقشة صغروية».

الثاني: إنَّ عدم الإتيان بالمأمور به إكراهي، فيرتفع أثره وهو وجوب القضاء.

أو أنّ الإفطار إكراهي فيرتفع أثره، لكن هذا التعبير خلاف ما بنى عليه الآن وسابقاً(2).

إلاّ أن يقال: إنَّ عدم الإتيان الحقيقي ليس ملاكاً، بدليل الناسي، بل عدم

ص: 129


1- الفقه 36: 7-28.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 88.

الإتيان الذي لم ينزله الشارع منزلة الإتيان. والمفروض في المقام حصول التنزيل بأدلة «رفع الإكراه»، فتأمل.

وأما قوله: [إلا أن يقال: إنَّ المستفاد من الأدلة أن وجوب القضاء من آثار الإفطار، وعدم الاتيان بالصوم أعم من أن يكون الإتيان به عن عذر أو لا عن عذر، فلا وجه لسقوط القضاء، ولذا لو غفل عن الصوم ولم يصم يجب عليه القضاء](1) ففيه عدم حصول التنزيل شرعاً، فتأمل.

وكذا فيه: أنه رفع بأدلة (رفع الخطأ والنسيان و...).

فالأولى أن يقال: إن هنالك فرقاً بين عدم الإتيان أصلاً؛ والإتيان بالناقص، فالأدلة منصرفة عن القسم الأول.

وهو نظير ما في (المستمسك)(2) في (الإكراه تقية) حيث فرق بين الإفطار في عيدهم، أو الإفطار في وقت إفطارهم، وكذا حاشية البروجردي على (العروة)(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أفطر مكرهاً بطل صومه، وكذا إذا كان تقية](4) على الأحوط استحباباً.

قوله: [تارة يقع الكلام في المقام من حيث مقتضى القاعدة،

ص: 130


1- مباني منهاج الصالحين 6: 91.
2- مستمسك العروة الوثقى 8: 318-319.
3- العروة الوثقى 3: 583.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 90-91.

وأُخرى من حيث مقتضى النص الخاص](1) الظاهر أن التقية فرد من أفراد الإكراه فيشمله ما ذكرناه في البحث السابق - بحث الإكراه - وإن كان - لولا حديث الإكراه ونحوه - مشمولاً للقاعدة العامّة -.

قوله: [إنَّ «الفطر يوم يفطر الناس»(2) فيه](3) لعل ظاهره: افطروا معهم ولا تصوموا، وحيث لم يصم فعليه القضاء، لو قلنا بوجوب القضاء في الإفطار تقية، أو لم ينوِ الصيام أصلاً. ولعل وجه هذا الأمر هو التقية.

وعليه فلا يدل على المدّعى وهو أن القضاء غير واجب؛ إذ مفاده (أنه لا صوم) لا (أنه لا قضاء).

قوله: [يمكن أن يقال: إن مفاد الرواية لا ينطبق على زماننا وأمثاله](4): هذه عبارة عرفية مثل (حشر مع الناس عيد) فهل المراد جميع الناس، أو كل مَنْ في بيته إذا اتبعهم؟ قيل: إنه أفطر مع الناس. والحاصل: أنه في قبال الانفراد -.

ثم إنه في ذلك الوقت لعله لم تكن هنالك حكومة واحدة (لاحظ التاريخ وثقافات الدول).

قوله: [نعم، حديث أبي الجارود(5) يختص بالإفطار يوم يفطر فيه

ص: 131


1- مباني منهاج الصالحين 6: 91-92.
2- وسائل الشيعة 10: 133.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 92.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 92.
5- وسائل الشيعة 10: 6: 92.

الناس، ولا يشمل جميع موارد الإفطار عن تقية] إلاّ أن يتمسك بالأولوية، فإنه إذا أفطر يوم عيدهم كان مجزياً، فإذا صام وأفطر عند غروبهم كان مجزياً بطريقة أولى، فتأمل.

قوله: [ويستفاد من مرسلة رفاعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام، إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام، عليَّ بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم واللّه أنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد اللّه لكن المرسل لا اعتبار به»(1)](2): إلاّ أن يقال: إنَّ روايته في الكافي كافية، فتأمل.

ويرد على الاستدلال به:

أولاً: أنه لا يدل على وجوب القضاء، فإن الفعل أعم من الوجوب.

وثانياً: إنَّه معارض بأحاديث ذكّرت القضية ولم تذكر القضاء، كالمروي في الكافي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال وهو بالحيرة في زمن أبي العباس «إني دخلت عليه، وقد شك الناس في الصوم وهو واللّه من شهر رمضان فسلمت عليه، فقال: يا أبا عبد اللّه، أصمت اليوم؟ فقلت: لا والمائدة بين يديه، قال: فادنُ فكل، قال: فدنوت فأكلت، قال: وقلت: الصوم معك والفطر معك، فقال الرجل لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : تفطر يوماً من شهر رمضان؟

ص: 132


1- وسائل الشيعة 10: 132.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 93.

فقال: أي واللّه، أفطر يوماً من شهر رمضان أحب إليَّ من أن يضرب عني»(1). وكذلك الخبر الآخر في التهذيب، عن خلاد بن عمارة، عن أبي عبد اللّه وفيه قال (عليه السلام) : «فدنوت فأكلت وأنا واللّه أعلم أنه من شهر رمضان»(2).

وفيه: أن الأصل في تعارض الزيادة والنقيصة هو عدم الزيادة، فالأمر يدور بين الاشتباه بالزيادة والاشتباه بالنقيصة، والترجيح مع الثانية.

قوله: [العمل المخالف للمأمور به الذي يؤتى به تقية، لا يكون مجزياً على طبق القاعدة الأولية على ما هو المقرر من أن الأجزاء يحتاج إلى دليل](3) ذكرنا الدليل سابقاً.

قوله: [أما وجوب الإفطار لكونه مصداقاً للتقية، والتقية واجبة فيجب الإفطار](4) إذا أدّى عدم التقية إلى الهلاك المحرّم أو ضرر كبير لا يجوز تحملّه شرعاً. وإلاّ فالتقية قد تكون جائزة أو مكروهة، أو على تفصيل يأتي بعد قليل إن شاء اللّه تعالى.

قوله: [للتقية جهات.

الجهة الأولى: في معناها، وهي: مأخوذة من الوقاية، وهي التحفظ عن الضرر على نحو الإطلاق، فان الحفظ من الداء] قبل حلوله: بالتحفظ من وجوده، وبعده بالتحفظ من استمراره، أو زيادته.

ص: 133


1- الكافي 4: 83.
2- تهذيب الأحكام 4: 317.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 93.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 93.

قوله: [فالتحفظ من كل ضرر متوجه إلى الشخص يكون مصداقاً للتقية بالمعنى العام]: وقد تفسر الوقاية بالحذر، ولعله من باب وضع السبب مكان المسبب. فالحذر يوضع مكان التحفظ.

او يراد بالحذر: الحذر العملي، فيكون مساوياً للتحفّظ.

قوله: [الجهة الثانية: في حكمها تكليفاً، فنقول: أما التقية من اللّه تبارك وتعالى] قال تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ}(1).

قوله: [فتتحقق بإتيان الواجبات وترك المحرمات، وعليه لا تكون محكومة بحكم جديد، بل الأمر المتعلق بها في كثير من الموارد إرشاد إلى ما يحكم به العقل] بالظهور العرفي: أنه ليس تكليفاً جديداً، لا لمحذور عقلي (على تفصيل مذكور في أوامر الطاعة).

قوله: [على كلا التقديرين لا يكون الأمر بالتقوى منه تعالى إلاّ إرشاديا، كالأمر المتعلق بالإطاعة والنهي عن المعصية، ولا يعقل أن يكون مولوياً إلا على نحو التأكيد](2) فيه: أنه معقول على ما ذكر في محله، راجع الأصفهاني وبحث «التجري» للأخ دام عزّه، بل ذكر الوالد (رحمه اللّه) في كتابه: الوصول إلى كفاية الأصول(3) أن هنالك رواية تدل على أن هنالك ثوابين: ثواب للعمل وثواب ل- (اطع).

ص: 134


1- آل عمران: 102.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 94.
3- الوصول 3: 291.

قوله: [وأما التقية بالمعنى الأعم](1) من قبال التقية في قبال العامة خصوصاً.

قوله: [وأما التقية بالمعنى الأعم فيمكن الاستدلال على جوازها بقاعدة الضرر على المسلك المشهور] كما يمكن الاستدلال بالروايات، كحديث رفع الاضطرار، وهو ما رواه حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه، والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشقة»(2).

وكذا ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه؟ فقال: «لا، إلا أن يكون مضطراً ليس عنده غيرها، وليس شيء مما حرم اللّه إلا وقد أحله لمن اضطر اليه»(3).

وكذا ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنما جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية»(4).

وكذلك أدلة نفي العسر.

قوله: [يمكن الاستدلال على جوازها بقاعدة نفي الضرر على المسلك المشهور](5) لعله في قبال كون «لا» ناهية (اي لا تضرّوا) لا نافية.

ص: 135


1- مباني منهاج الصالحين 6: 94.
2- وسائل الشيعة 15: 369.
3- وسائل الشيعة 5: 483.
4- وسائل الشيعة 16: 234.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 94.

قوله: [كما أنه لو كان تحمل الضرر المتوجه إلى المكلف من ترك التقية حرجياً يمكن الاستدلال على الجواز بقاعدة نفي العسر] أو نفي الحرج (راجع الفرق في القواعد الفقهية للوالد (رحمه اللّه) ).

قوله: [نعم ربما يكون ملاك ترك التقية أعظم](1) بمقدار لازم الاستيفاء.

قوله: [وأما المستحبة منها فيمكن ان يمثل لها بمورد تكون التقية فيه جائزة، ولكن يعرض على المورد عنوان موجب لرجحان التقية، كاستدعاء مؤمن] قد يقال: إن إجابة المؤمن مستحبة لا التقية، وإن فرض الاتحاد وجوداً - بانطباق الطبيعي على فرده - فإن الخصوصيات الفردية لا حكم لها. وإلاّ فلو فتح هذا الباب لقلنا إن كل المباحات - كشرب الماء -. مستحب باستدعاء المؤمن ،.إلاّ إن يقال: لا مانع من الالتزام بذلك، فتأمل.

ولزيادة الإيضاح يمكن مراجعة مسألة أن الاوامر متعلقة بالطبائع أو الافراد، وإن الأمر تعلق بصورة ذهنية مجردة عن الخصوصيات الفردية، حتى أنه لو فرض أمكن الإتيان بلا خصوصيات فردية لكفى ذلك.

قوله: [وأما المكروهة منها فقد مثل لها بما لو أكره على إظهار البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) ](2) سيأتي الكلام فيه(3)، وقد مثل لذلك بانطباق عنوان من العناوين المكروهة عليها، كإحزان المؤمنين مثلاً، فتأمل وراجع الحاشية السابقة.

ص: 136


1- مباني منهاج الصالحين 6: 95.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 95.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 100.

قوله: [أما التقية بالمعنى الأخص، وهي التقية من العامة فيمكن أن يقال بوجوبها لجملة من نصوص](1) يمكن الاستدلال بعدة روايات:

1- «لا دين لمن لا تقية له»(2).

2- «لا ايمان لمن لا تقية له»(3).

3- «عليكم بمجاملة أهل الباطل»(4)، «دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم»(5)، «اكتم

امرنا ولا تذعه»(6).

4- «أمركم اللّه أن تأخذوا بها»(7).

5- «المذيع لأمرنا كالجاحد له»(8).

6- «إن تارك التقية كتارك الصلاة»(9).

7- «من ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا»(10)، فتأمل.

قوله: [أما التقية بالمعنى الأخص، وهي التقية من العامة فيمكن أن

ص: 137


1- مباني منهاج الصالحين 6: 95.
2- وسائل الشيعة 16: 215.
3- وسائل الشيعة 16: 204.
4- وسائل الشيعة 16: 207.
5- وسائل الشيعة 16: 207.
6- وسائل الشيعة 16: 210.
7- وسائل الشيعة 16: 207.
8- وسائل الشيعة 16: 210.
9- وسائل الشيعة 16: 211.
10- وسائل الشيعة 16: 211.

يقال بوجوبها](1) في الجملة؛ إذ ليست الروايات ظاهرة في صدد بيان أن كل تقية واجبة، بل إنها واجبة في قبال العدم، فتأمل.

وقد يقال: إنها امتنانية فلا تجب، إلاّ إذا كان فيه هلاك أو خطر عظيم، فتأمل.

وقد يستدل: بأنه «لا إيمان لمن لا تقية له»(2).

والجواب: إنَّ الموجبة الجزئية (التقية في الجملة) نقيض السالبة الكلية (لا تقية له) فلو اتقى جزئياً فالموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلّية، فتأمل ، ومثله «فمن ترك التقية»(3)، و «تارك التقية»(4).

وقد يقال: بعدم جريان هذه النكتة في مثل هذه الروايات.

إلا أن يقال: إنّها قضية خارجية لا حقيقية.

وفيه: أنها خلاف الأصل، إلاّ أن يقال: إنه لا ظهور لأمثال ذلك في العموم الأزماني، بل لكلٍ ظرف مشابه ذلك الظرف، فتأمل.

هذا، ولكن الإنصاف أنه انحلالي أي (لا تقية له في كل مورد مورد من موارد التقية) مثل «لا إيمان لمن لا حياء له» فهل يقال بكفاية الموجبة الجزئية؟

فالعمدة: الأشكال الأول، وهو أنها ليست في صدد البيان، فتكون في قوة الجزئية، فتأمل.

ص: 138


1- مباني منهاج الصالحين 6: 95.
2- وسائل الشيعة 16: 211.
3- وسائل الشيعة 16: 211.
4- وسائل الشيعة 16: 211.

قوله: [ومنها: ما رواه أيضاً عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «اتقوا على دينكم واحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له، انما أنتم في الناس كالنحل في الطير...»(1)](2) قد يستدل بذلك على أن محبوبية التقية أو وجوبها دائرة مدار الخطر (راجع سائر الروايات)(3).

إلاّ أن يقال: لو لم يكن خطر فلا معنى للتقية إلاّ المجاملية (راجع ما ذكره السيد الماتن في المقام).

قوله: [ومنها: ما في رسالة أبي عبد اللّه (عليه السلام) إلى أصحابه قال: «وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم وإياكم ومماظتهم، دينوا بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام بالتقية، التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم»(4)](5) لعلها تدل على التقية المجاملية.

قوله: [فإنَّ المستفاد من هذه النصوص وجوب التقية] لكن ارتكاز المتشرعة قد يأبى الوجوب كلياً، وهو ينافي تقسيم المصنف سابقاً التقية العامّة للأحكام الخمسة، مع ملاحظة ذهابه إلى عموم هذه الروايات، وقد ذكرنا سابقاً أنَّ هذه الروايات ليست ظاهرة في صدد بيان أن كل تقية واجبة، بل إنها واجبة في قبال العدم، وقد يقال انها امتنانية فلا تجب إلا إذا

ص: 139


1- وسائل الشيعة 16: 205.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 96.
3- وسائل الشيعة 16: 203-214.
4- وسائل الشيعة 16: 207.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 97.

كان فيه هلاك أو خطر.

قوله: [الجهة الثالثة: في مورد التقية مقتضى الإطلاق والعموم الواردين في النصوص وجوبها في كل مورد](1) أو جوازها (على ما تقدم في الحاشية السابقة).

قوله: [ومما يستفاد منه المدعى ما رواه محمد بن مسلم(2)، وما رواه أبو حمزة الثمالي(3)] تدل على الجواز لا الوجوب، وكذلك الرواية التالية، إلاّ بضميمة أن حفظ النفس واجب. ولكن يقتصر فيما اذا أدّى ترك التقية إلى الهلاك، فلا تدل الرواية على أكثر من ذلك. وقد يستدل بتبعية الأحكام للعناوين، فمتى صدق عنوان التقية وجبت.

قوله: [فالنتيجة: إنَّ الأصل الأولي هي التقية، والاستثناء يحتاج إلى دليل، وقد ذكرت للاستثناء موارد] ذكر الماتن خمسة موارد، ويمكن إضافة ثلاثة أُخرى، وهي:

المورد السادس: شرب النبيذ، كما في رواية أبي عمر الأعجمي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث أنه قال: «لا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين»(4).

المورد السابع: العمرة التمتعية، لاحظ رواية محمد بن الفضل الهاشمي،

ص: 140


1- مباني منهاج الصالحين 6: 108.
2- وسائل الشيعة 16: 234.
3- وسائل الشيعة 16: 234-235.
4- وسائل الشيعة 16: 215.

قال: دخلت مع إخوتي على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقلنا له: إنا نريد الحج وبعضنا صرورة، فقال: «عليكم بالتمتع، ثم قال: إنا لا نتقي أحداً بالتمتع بالعمرة إلى الحج سلطاناً، واجتناب المسكر والمسح على الخفين»(1) لكن ضعفّها المصنف، وكذا رواية زرارة قال: قلت له: في مسح الخفين تقية، فقال: «ثلاثة

لا أتقي فيهن أحداً: شرب المسكر، ومسح الخفين ومتعة الحج»(2)، لكن المصنف ضعّف دلالتها.

المورد الثامن: اجتناب المسكر، كما في رواية محمد بن الفضل(3) المتقدمة. لكن ضعفها المصنف، ورواية زرارة (4) المتقدمة، لكن المصنف ضعّف دلالتها.

وهذا أعمّ مطلقاً من المورد السادس، لكن يحتمل كونه هو هو؛ إذ النبيذ هو الحلال عندهم لا المسكر مطلقاً، فتأمل وراجع.

لكن هذه الروايات ضعّفها المصنف.

قوله: [وأفاد سيدنا الأُستاذ: بان المقام يدخل في باب التزاحم؛ لأنَّ المكلف يحرم عليه قتل النفس المحترمة، ويجب عليه حفظ نفسه، فيدور الأمر بين المحذورين، وحيث لا مرجح](5) المرجح ارتكاز المتشرعة.

قوله: [وما أفاده من الغرائب، فإنه مع وجود النص الصريح الدال

ص: 141


1- الكافي4: 293.
2- وسائل الشيعة 1: 457.
3- الكافي 4: 293.
4- وسائل الشيعة 1: 457.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 98.

على عدم المجال للتقية وعدم جواز قتل الغير](1) لعل الماتن لا يرى النص صحيحاً، فراجع.

قوله: [وعلى فرض التسليم لا وجه لإيجاب دفع الدية على القاتل، إذ المفروض أنه لا قود في المقام. وأيضاً ليس مصداقاً لموضوع الدية] القتل يوجب الديّة مطلقاً، فلاحظ.

إلاّ أن يقال: إن الجواز شرعاً يدل على رفع الاحكام الوضعية، كما ذكره الوالد (رحمه اللّه) (2) في كسر أواني المنكر - فلا ضمان - لكنه خلاف ما بنى عليه المشهور (أو المعروف) أو يقال: إن الإكراه يرفع أثر الفعل الإكراهي، حتى في مثل الضمان. لكن إن كان لدليل الضمان عموم أو إطلاق يؤخذ به ويلتزم بالضمان، فلو أتلف أحد مال الغير تقية يضمن لإطلاق الدليل أو عمومه، ولا تنافي بين الأمرين.

قوله: [وأيضاً ليس مصداقاً لموضوع الدية، ولكن الذي يهون الخطب أن العصمة لأهلها] ثم إنه لو فرض أن شخصاً كان عاملاً للظالم، فيقتل الأُلوف خلال حياته المنقرضة، فهل تلاحظ - على مبنى الباني - كل حادثة على حدة، او تلاحظ مجموع الوقائع.

فالأمر يدور بين أن يقتل هو، أو يقتل مئات أو ألوف الأشخاص، والظاهر ملاحظة مجموع الوقائع، فتأمل. والدليل: ارتكاز المتشرعة.

قوله: [المورد الثاني: ما إذا لم يترتب على ترك التقية أي ضرر

ص: 142


1- مباني منهاج الصالحين 6: 99.
2- الفقه 48: 197.

عاجل أو آجل فذكر أنه لا مورد للتقية، ولكن خروج هذا المورد من موارد التقية خروج موضوعي؛ إذ المفروض أنه لا يتوجه ضرر على تركها لا عاجلاً ولا آجلاً](1) ربما يكون هنالك عسر أو حرج فتشرع التقية، أو يقال بالتقية المجاملية.

قوله: [المورد الثالث: مسح الخفين، حيث ذكر أن التقية غير جارية فيه] لعل عدم الاتقاء باعتبار اختلاف العامّة في المسح على الخفين، فلعل مَنْ لا يمسح يحمل فعله على أنه من المذهب الآخر(2).

قوله: [المورد الثالث: مسح الخفين... واستدل على المدعى بجملة من النصوص] رواياته إما ضعيفة سنداً أو دلالة، مثل (إنا لا نتقي)(3) على ما ذكره المصنف.

قوله: [ومنها: ما رواه أبو عمر الأعجمي(4)، وهذه الرواية ضعيفة بأبي عمر، ومنها ما رواه زرارة مرسلاً(5)، وهذه الرواية لا اعتبار بها من حيث الإرسال، وعنوان غير واحد لا يقتضي دخول الخبر في المتواتر] قد يقال إن أقل (غير واحد) - عرفاً لا لغةً - هو الثلاثة، ومن البعيد بحساب الاحتمالات اجتماعهم على الكذب أو الخطأ.

ص: 143


1- مباني منهاج الصالحين 6: 99.
2- راجع مسائل فقهية لشرف الدين وتأكّد (منه (رحمه اللّه) ).
3- الكافي 4: 293.
4- وسائل الشيعة 16: 215.
5- وسائل الشيعة 16: 215.

وفيه: أولاً: أنه يشمل الاثنين - لغةً -، بل وعرفاً، فتأمل.

وثانياً: من الممكن اجتماعهم على الكذب والخطأ، إذا كانت بينهم خلطة أو ما أشبه (كالمصلحة المشتركة) وذلك نظير شهود الهلال المجهولين إذا كانوا ثلاثة.

إلاّ أن يقال: إن هذه الكلمة مشعرة بكون الخبر مفروغاً عنه عند زرارة. كما نقول: (أخبرني أكثر من واحد بهذا الخبر).

وفيه: أنه لا يدل على الاعتماد (اي اعتماد زرارة). ولو فرض فلعل الاعتماد للقرائن الخارجية لا لوثاقة الراوي، والتوثيق الاجتهادي للخبر لا ينفع.

قوله: [وهذه الرواية لا يستفاد منها عموم الحكم، إذ من الممكن أن عدم التقية في المذكورات من مختصاته (عليه السلام) ](1) أو أنه أمر مستحب عام للكل، فتأمل.

قوله: [المورد الرابع: ما إذا أكره على التبري من أمير المؤمنين (عليه السلام) لما ورد في جملة من الأخبار من النهي عنه] الذي يظهر أن السب لفظي والبراءة واقعية. مثل: شخص يدخل مع البعثيين فينسلخ - واقعاً - عن دينه.

ويدل عليه التعليل ب- (فاني ولدت على الفطرة)(2) فإنه لا ينسجم مع لفظ (البراءة) إذ ما الفرق بين (الشتم) و (لفظة برئت)؟

قوله: [ومنها: ما رواه محمد بن الحسين الرضي في نهج البلاغة،

ص: 144


1- مباني منهاج الصالحين 6: 100.
2- وسائل الشيعة 16: 228.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن، يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد فاقتلوه، ولن تفعلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرأوا مني فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة»(1) وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال] إلاّ أن يقال: بأن الاشتهار كافٍ (ذكره الوالد (رحمه اللّه) حول روايات نهج البلاغة).

وقد يقال: إن قوة المضمون تكفي عن السند، فتأمل.

قوله: [المورد الخامس: ما لو زاحم التقية عنوان آخر أهم](2) وكانت مهمة بحيث يلزم استيفاؤها.

قوله: [وإن شئت قلت: لا إشكال في أنه يرفع بالتقية ما يكون قابلاً لأن تناله يد التشريع، وهو عبارة عن الحكم التكليفي الأولي، فلو شرب المكلف ما يكون شربه حراماً تقية لا يكون حراماً بالنسبة إليه] هذا استدلال بالأعم على الأخص، ولا استدلال فيه في حدّ ذاته.

قوله: [لا إشكال في أنه يرفع بالتقية ما يكون قابلاً لأن تناله يد التشريع، وهو عبارة عن الحكم التكليفي] أي جزئي من جزئياته، وإلاّ فالحكم الوضعي أيضاً قابل لذلك.

قوله: [وأما الاثار المترتبة على الفعل، كالحد والكفارة والضمان،

ص: 145


1- نهج البلاغة 1: 105.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 101.

فالحق هو التفصيل فيها بأن نقول: أما الكفارة والحد فيرتفعان بالتقية؛ إذ المفروض أن المكلف عمل بوظيفته الشرعية، فلا مجال لأن يحد أو يكفر] وفيه: أن الكفارة نوع تدارك، ولا منافاة بين كون العمل وظيفة شرعية واحتياجه إلى نوع تدارك، مثل مَنْ كسر أواني الخمر للنهي عن المنكر، فإنه ضامن (على المعروف). وكذا الاكل في المخمصة.

نعم، قد يستدل بالملازمة العرفية، أو بإطلاقات أدلة التقية، فلاحظ.

قوله: [وأما الضمان: فإن كان لدليله عموم أو إطلاق يؤخذ به ويلتزم بالضمان، فلو أتلف أحد مال الغير تقية يضمن، لا من جهة ان رفع الضمان خلاف الامتنان](1) وفيه أن أدلة التقية فيها عموم او إطلاق أيضاً، فيتعارضان بالعموم من وجه (كأدلة رفع الإكراه).

وذلك لأن أدلة الضمان: إما اتلاف بلا تقية (كالإتلاف العدواني). وإما تقية وإتلاف. في حين أن أدلة التقية: إما تقية وإتلاف، وإما تقية بلا إتلاف (كالصلاة تقية).

وعليه فهما يلتقيان في (تقية وإتلاف) فيما تفترق أدلة الضمان بالإتلاف بلا تقية، وتفترق أدلة التقية بالتقية بلا إتلاف.

بل قد يقال: إن لسان أدلة التقية لسان الحكومة على جميع الأدلة الأولية، فحتى في صورة التعارض بالعموم الوجهي تتقدم أدلة التقية (ونحوه ما ذكر في أدلة رفع الضرر)(2). إلا أن ينضم إلى ذلك الإجماع.

ص: 146


1- مباني منهاج الصالحين 6: 101.
2- راجع كفاية الأحكام 1: 380-383 (منه (رحمه اللّه) ).

أو يقال: إنَّ أدلة التقية منصرفة عن مثل ذلك، فنلتزم بالضمان؛ وعليه فلو اتلف أحد مال الغير تقية يضمن لإطلاق دليله أو عمومه في المقام، لا من جهة كون الضمان على خلاف الامتنان بالنسبة إلى الغير.

قوله: [وأما الضمان: فإن كان لدليله عموم أو إطلاق يؤخذ به ويلتزم بالضمان، فلو أتلف أحد مال الغير تقية يضمن، لا من جهة أن رفع الضمان خلاف الامتنان بالنسبة إلى الغير، فإنه لا دليل على رعاية تحقق الامتنان بالنسبة إلى الغير] إلاّ أن يكون المراد بذلك هو الانصراف، أي انصراف أدلة التقية عن رفع الآثار التي على خلاف الامتنان بالنسبة إلى الغير، فتأمل.

قوله: [الأمر الأول: أنه ربما يقال: إن محل الكلام في المانعية المنتزعة عن النواهي الغيرية، وأما المانعية المنتزعة عن النهي المستقل فهي غير داخلة في محل الكلام](1) مثل قول المولى (لا تغصب)، فإن العقل ينتزع من ذلك (المانعية) أي الحكم الوضعي، لا التكليفي فقط.

قوله: [إن محل الكلام في المانعية هو المانعية المنتزعة عن النواهي الغيرية](2) ومثله الكلام في الجزئية والشرطية.

قوله: [أما المانعية المنتزعة عن النهي المستقل فهي غير داخلة في

ص: 147


1- مباني منهاج الصالحين 6: 102.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 102.

محل الكلام - فلو صلى المكلف في المكان المغصوب تقية تصح صلاته- والوجه في خروج هذا القسم من محل الكلام هو أن المانعية في هذا القسم بحكم العقل، ومنشأ حكم العقل حرمة الفعل] الحرمة حكم العقل بالمانعية، فإذا ارتفعت الحرمة - للتقية - ارتفع المنشأ، فيرتفع المنشأ.

قوله: [والوجه في خروج هذا القسم من محل الكلام هو أنَّ المانعية في هذا القسم بحكم العقل، ومنشأ حكم العقل حرمة الفعل] لم يظهر الفرق بين هذا القسم والمانعية المنتزعة من النواهي الغيرية، إذ المانعية في ذلك القسم أيضاً بحكم العقل، ومنشأ حرمة الفعل، فإذا ارتفعت الحرمة ارتفعت المانعية. فما هو الفرق بين (لا تغصب). و (لا تلبس الحرير في الصلاة)؟

وقوله: «إذ المفروض أن المانعية ليست ناشئة عن الحرمة النفسية كي ترتفع بارتفاعها». فيه: أن المانعية ناشئة عن الحرمة الغيرية فترتفع بارتفاعها.

والخلاصة: أن الحرمة الغيرية إما ثابتة أو لا؟ والأول خلاف فرض «الترخيص في التقية». والثاني مستلزم لارتفاع المانعية لارتفاع منشائها.

والحاصل: أن ارتفاع المنشأ لا يفرق فيه بين كون المنشأ الحرمة النفسية - كما في لا تغصب - أو الغيرية، مثل لا تصل في الحرير.

إلاّ أن يقال: إن المانعية الغيرية ناشئة عن الحرمة الغيرية، والحرمة الغيرية غير ملحوظة في حدّ ذاتها، ولا حكم لها في حدّ ذاتها، فلا توضع ولا ترفع!

وفيه: أنه لو سلّم ذلك إلاّ أنه قد يقال: إنها قد توضع وترفع (بوضع

ص: 148

المجموع المركب وبرفعه).

ولكن: لو قبل بذلك فهنا يظهر الفرق؛ اذ النهي النفسي يوضع ويرفع، ولكن الأمر بالمركب باق على حاله، أما النهي الغيري فلو رفع برفع المركب فلا أمر بالمركب، فكيف يكون العمل صحيحاً(1)؟

نعم، قد يقال: إنه لا مانع من وضع النهي الغيري ورفعه بذاته، فتأمل.

ودليله الوجدان؛ إذ لا مانع أن يقول المولى: إني رفعت نهي (لا تصل في الحرير) فتأمل.

قوله: [وعن الميرزا النائيني (قدس سره) أن المانعية باقية حتى في صور الضرورة، بتقريب: أن المفسدة منشأ لأمرين: أحدهما: الحرمة، ثانيهما: المانعية، والاضطرار يقتضي ارتفاع الحرمة](2) المفسدة منشأ للحرمة والمانعية، فكلتاهما ناشئتان من المفسدة»، والمانعية باقية، لعله للاستصحاب، فحتى في (لا تغصب) الصلاة باطلة.

والخلاصة: أن المفسدة الواقعية منشأ لحكمين: تكليفي ووضعي، والأول يرتفع، والثاني باقٍ، فيفسد العمل.

قوله: [وأورد عليه سيدنا الأُستاد: (بأنه لا يبعد أن يكون المقتضي للمنع باقياً، حتى بعد عروض الاضطرار؛ إذ رفع الحكم يقتضي بقاء ما يقتضي بقاؤه] غير معلوم، إذ الملاقاة الواقعية مجهولة لنا، فلعل الملاك مرتفع بكامله، فلا تقتضي. إلاّ أن يتمسك بالاستصحاب.

ص: 149


1- لزيادة التوضيح راجع مباني المنهاج 6: 104 (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 102.

قوله: [وبعبارة أُخرى: رفع الحكم لأجل الاضطرار لا لعدم المقتضي والملاك] فرفعه يعني أنه كان مقتضٍ لبقائه، إلاّ أنه لأجل مانع لم يؤثر المقتضي في مقتضاه.

وفيه أولاّ: أنه لم ترد كلمة الرفع ظاهراً.

وثانياً: لو وردت فالرفع يصحّ ولو بلحاظ مثل المورد، وإن كان المقتضي مرتفعاً في خصوصه، كقولنا «الصلاة مرفوعة عن الحائض» أو «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم».

قوله: [رفع الحكم لأجل الاضطرار لا لعدم المقتضي والملاك] أي «ما يقابل عدم المانع» فهو جزء العلة لا العلّة التامة. ومنه يظهر معنى قوله: «والملاك».

قوله: [ولكن مع ذلك لا يتم ما أفاده الأُستاذ (قدس سره) ؛ وذلك لأن الملاك على تقدير بقائه غير مؤثر في المنع بعد عروض الاضطرار، لأن الشارع قد رخص في فعله، وبعد ترخيص الشارع لا يبقى مجال للمانعية](1) سيأتي توضيحه في الهامش القادم إن شاء اللّه تعالى.

قوله: [والذي يختلج بالبال أن يقال: ان ما أفاده الميرزا (قدس سره) تام؛ وذلك لأن الملاك إذا كان باقياً يكون الفعل مبغوضاً، والمبغوض ليس قابلاً لأن يتقرب به، ومجرد الترخيص المولوي لا يقتضي الصحة](2) فيه: أن الملاك لا يعقل أن يكون باقياً؛ إذ الملاك هو (العلة

ص: 150


1- مباني منهاج الصالحين 6: 102.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 103.

التامة)، ومع وجود العلة التامة يوجد الحكمان: التكليفي والوضعي قهراً. ومع ارتفاع الحكم التكليفي ينكشف أنه لا توجد هنالك علّة تامة، فلا مبغوضية. ولو كانت مبغوضية ما فهي محكومة بقانون الكسر والانكسار، فلا تكون مؤثرة.

وأما (صرف المقتضي) فالمكلف ليس مكلفاً به مطلقاً، ولذا لو علمنا بوجود المقتضي لحرمة الخمر اول بعثة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يترتب أثر على ذلك. وكذلك في قوله (عليه السلام) : «إن اللّه تبارك وتعالى حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقضوها، وسكت عن أشياء، لم يسكت عنها نسياناً»(1).

ونحوه: ما ذكر من الأحكام المودعة عند الحجة (عليه السلام) (2).

قوله: [والذي يختلج بالبال أن يقال: إن ما أفاده الميرزا (قدس سره) تام؛ وذلك لأن الملاك إذا كان باقياً يكون الفعل مبغوضاً، والمبغوض ليس قابلاً لأن يتقرب به، ومجرد الترخيص المولوي لا يقتضي الصحة](3) الخلاصة: أن الترخيص لا ينافي مبغوضية الفعل (أي بقاء الملاك الواقعي المقتضي للتحريم).

وبعبارة أخرى: يوجد عندنا الملاك والمبغوضية والحكم. فارتفاع الحكم بالترخيص لا يعني ارتفاع المبغوضية.

قوله: [ولذا ذهب سيدنا الأُستاذ إلى فساد العبادة إذا كان المكلف

ص: 151


1- من لا يحضره الفقيه 4: 75.
2- راجع كفاية الأحكام: 258 مراتب الحكم (منه (رحمه اللّه) ).
3- مباني منهاج الصالحين 6: 103.

جاهلاً بالغصب بالجهل العذري، ولا وجه للفساد إلا عدم إمكان صيرورة مبغوض المولى محبوباً له](1) لا ترخيص شرعي في المقام، بل هو ترخيص عقلي للجهل بالواقع، فيختلف عما نحن فيه.

قوله: [فعلى هذا نقول: المفسدة في الفعل عند الاضطرار إن لم تكن باقية، فلا مقتضى لبقاء الحكم، ولا معنى للرفع- كما هو قائل به- وإن كانت باقية ومقتضية للمبغوضية فلا يمكن الالتزام بالصحة] يمكن الدفع باعتبار وجود ملاكٍ ولو مغلوب، فلا مانع من الالتزام بالصحة، كما أن الرفع صادق.

قوله: [لكن هذا البيان إنما يتم بالنسبة إلى حديث الرفع، وأما في المقام فلا يتم، إذ المفروض أن التقية واجبة، ومع وجوبها لا يمكن أن يكون الفعل مبغوضاً] ربما تكون جائزة فيندرج تحت القسم المتقدم، فالتقية قد تكون جائزة أو واجبة أو محرمة أو مستحبة أو مكروهة(2).

قوله: [وصفوة القول: إن الالزام تارة يرتفع برعاية حال المكلف مع بقاء مقتضى المنع، وأُخرى يرتفع الحكم مع بقاء المقتضي، وانفتاء الموضوع الأولي كالمقام، فإن كان من القسم الأول يتم ما أفاده الميرزا (قدس سره) ، وإن كان من القسم الثاني يتم ما أفاده سيدنا الأُستاذ] الظاهر أنه لا فرق؛ إذ الملاك الذي لا يؤثر في المنع لا أثر له،

ص: 152


1- مباني منهاج الصالحين 6: 103.
2- لزيادة التفصيل راجع أقسام التقية في مباني منهاج الصالحين 6: 95 (منه (رحمه اللّه) ).

سواء حل محله ملاك يقتضي «الوجوب» أم «الترخيص»، فتأمل.

ونتيجة جميع ما تقدم أنه لا فرق في المانعية المنتزعة من الموانع الغيرية أو النواحي النفسية، فتأمل.

قوله: [الأمر الثاني: إن محل الكلام ما لو كان لدليل الجزئية أو الشرطية أو المانعية إطلاق، أو عموم يشمل حال التقية والاضطرار، وأما لو لم يكن لدليله إطلاق أو عموم فهو خارج عن محل البحث](1) كما لو ثبت بالإجماع مثلاً، أو لم يكن الدليل في مقام الإطلاق والعموم.

قوله: [مقتضى أصالة البراءة واستصحاب عدم الجزئية والشرطية والمانعية عدم اعتبارها، فتكون الصحة على طبق القاعدة الأولية](2) وبعبارة اُخرى: إنّ دليل هذا الجزء ليس له إطلاق فتشمله البراءة والاستصحاب، ودليل سائر الأجزاء له إطلاق حتى لحالة التقية - وترك الجزء- فيكون الإطلاق صحيحاً، فيكون الإتيان بالأجزاء التسعة في الصلاة - باستثناء العاشر مثلاً - واجباً.

قوله: [الوجه الأول: حديث الرفع بتقريب: أن الاضطرار يقتضي رفع ما اضطر إليه المكلف] وكذا الإكراه، بناءً على شمول الإكراه للتقية على ما تقدم بحثه.

ص: 153


1- مباني منهاج الصالحين 6: 103.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 104.

قوله: [وفيه: أن الاضطرار إما غير مستوعب لتمام الوقت، أو مستوعب لتمامه، أما على الأول فلا مجال لهذا التقريب؛ إذ مع وجود المندوحة لا تتحقق الضرورة] لا ضرورة لطرح هذا الشق؛ إذ إنه خروج عن الموضوع، وأيضاً: هنالك خلاف - احتمالاً - في جواز البدار لذوي الأعذار وعدمه، والإجزاء وعدمه.

قوله: [وأما على الثاني فأيضاً لا يتم الاستدلال] بيان المصنف: أن المرفوع.

1- أما الجزئية، وهو غير صحيح؛ إذ لا تنالها يد الجعل.

2- وأما المجموع المركب، أي الأمر بالمركب.

وقد سبق أن الاحتمال الأول ممكن. وأن هنالك شقاً ثالثاً: وهو ارتفاع الأمر الضمني بالجزء نفسه.

قوله: [وأما على الثاني فأيضاً لا يتم الاستدلال؛ إذ الجزئية بنفسها لا تنالها يد الجعل، لا إثباتاً ولا نفياً، فإنَّ الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب، وارتفاعها بارتفاعه] لا مانع من ذلك؛ إذ هنالك ملاك يقتضي الإتيان بالجزء أو الشرط، وهذا قد يعبر عنه ب- «اركع» - مثلاً - أو ب- «الركوع جزء». ولا وجه لاعتبار أحدهما اصلاً، والآخر تبعاً أو انتزاعاً.

والخلاصة: أن المولى لو قال: (اركع) انتزعنا الجزئية، ولو قال (جزء) انتزعنا الوجوب.

قوله: [فإن الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب، وارتفاعها بارتفاع ذلك الأمر، فعند الاضطرار يرتفع الأمر المتعلق بالمركب] وبالأحرى:

ص: 154

الاضطرار يرفع وجوب الجزء، وحينئذٍ :

1- فإمّا أنْ يبقى الأمر بالمجموع المركب، وهو تناقض.

2- أو يرتفع، فلا مثبت للأمر بالباقي.

وعلى هذا التقرير لا حاجة إلى مسألة أن الجزئية لا تنالها يد الجعل، فتأمل.

قوله: [فعند الاضطرار يرتفع المتعلق بالمركب، وحديث الرفع متكفل لبيان ارتفاعه، وأما إثبات أمر آخر متعلق بالباقي فحديث الرفع غير متكفل لبيانه] فيه: أن المتكفل لوجوده قاعدة الميسور - بناءً على ثبوتها كما هو المشهور. نعم، المصنف - ظاهراً - لا يرضاها. أو يقال: إنَّ الاستفادة عرفية، فتأمل.

قوله: [وفيه: أولاً: إنما يتم على مسلك القوم في مفاد القاعدة، من كون مفادها نفي الحكم الضرري وأما على المسلك المنصور فلا]: لعل المراد: أن الحديث الشريف يفيد النهي لا النفي.

قوله: [وثانياً: أنه مع وجود المندوحة لا يتم الاستدلال، ومع عدمها فالكلام هو الكلام في مفاد حديث الرفع فلا نعيد](1) يرد عليه ما تقدم فلا نعيد.

قوله: [الوجه الرابع: أن المستفاد من جملة الروايات أن التقية جائزة أو واجبة، فالتقية وظيفة للمكلف وفيه: أن المستفاد من هذه

ص: 155


1- مباني منهاج الصالحين 6: 104-105.

الروايات جواز التقية أو وجوبها، وأما الإجزاء وكفاية الناقص عن التام فلا يستفاد منها](1) إلاّ أن يقال: إنَّ الاستفادة عرفية، فتأمل.

او يتمسك بما سبق من قاعدة الميسور.

قوله: [الوجه الخامس: ما رواه إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سالم ومحمد بن مسلم وزرارة، قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم، فقد أحله اللّه له»(2)] الظاهر إمكان دمجه في الوجه الاول؛ إذ مفاد حديث الرفع وهذا الحديث واحد ظاهراً.

قوله: [إن قلت: القضاء من آثار التقية فيرتفع. قلت: القضاء من آثار عدم الإتيان بالمأمور به، والمفروض أنه ترك](3) فيه: أن عدم الإتيان بالمأمور به حدث تقية، فيرتفع أثره وهو القضاء. وهذا نظير ما قاله المصنف في الإكراه. وملاكه جار في التقية، أو يقال: التقية فرد من أفراد الإكراه، كما سبق.

إلاّ أن يجاب: المستفاد من الادلة أن وجوب القضاء من آثار عدم الإتيان عن عذر أو بلا عذر(4).

قوله: [وفيه: أن المستفاد من الرواية(5) التفصيل بين الإمام العادل

ص: 156


1- مباني منهاج الصالحين 6: 105.
2- وسائل الشيعة 16: 214.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 106.
4- راجع ما ذكره المصنف في الإكراه 6: 91 (منه (رحمه اللّه) ).
5- وسائل الشيعة 8: 405.

والفاسق، فإن كان عادلاً يقتدى به، وإن كان فاسقاً يتم صلاته](1) وفيه: أن الوارد ليس إتمام الصلاة، (بل إتمامها معه على ما استطاع) والظاهر: أنه يأتي بها ولو ناقصة، وذلك حسب القدرة.

إن قلت: الرواية خاصة بالصلاة.

قلت: الاستناد إلى عموم التعليل «فإن التقية واسعة...». فإنه يدل على السعة في ترك كل جزء أو شرط.

فانقدح أن هذا الدليل تام ظاهراً.

قوله: [الوجه الثامن: النصوص الدالة على جواز الغسل بدل المسح، لاحظ ما رواه عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلا رجليه، ثم يخوض بهما الماء خوضاً، قال: «أجزأه ذلك»(2)](3) قد يستدل بهذه الروايات على جواز الغسل في حد ذاته، لكنه بعيد؛ للظهور في التقية مع جمعه مع الروايات الناهية.

والجمع الدلالي وإن كان ممكناً إلا أن الظهور في التقية أقوى، فيتعين الحمل عليها.

قوله: [وفيه: إن هذه النصوص(4) معارضة مع ما يدل على تعيّن المسح(5)، والترجيح مع الطائفة الثانية لموافقتها مع الكتاب ومخالفتها

ص: 157


1- مباني منهاج الصالحين 6: 107.
2- وسائل الشيعة 1: 421.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 107.
4- نصوص جواز الغسل بدل المسح المروية في وسائل الشيعة 1: 418.
5- وسائل الشيعة 1: 418-420.

مع العامة](1) لعل الجمع بمراتب التقية واختلافها أولى من إيقاع المعارضة.

ثم الظاهر أن الفقهاء عملوا بما يدل على وجوب الغسل أو جوازه، فلا تكافؤ بين الطائفتين.

قوله: [وفيه: ان هذه النصوص معارضة] الأولى الاستدلال بأنه لا يدل على المدّعى بشكل عام، بل هو خاص بمورده.

قوله: [الوجه التاسع: النصوص(2) الدالة على محبوبية الاقتداء بالامام الجائر، والتغريب في حضور جماعاتهم](3) الظاهر أنه والوجه السابع واحد.

قوله: [ويعارض هذه الروايات ما رواه سماعة(4)، والترجيح مع الطائفة الثانية لمخالفتها مع العامة، كما أن المرجح بعد التساقط الأدلة الأولية الدالة على وجوب المركب التام](5) سبق أن الترجيح بالشهرة.

والاولى الاستدلال بأن الوارد خاص - كما سبق قبل قليل -.

إلاّ أن نجد في الروايات ما يدل على العموم - بتعليل أو نحوه -.

قوله: [ويرد عليه: أولاً: أنه مرّ قريباً تعارض الروايات في جواز الصلاة معهم، وكذلك الغسل بدل المسح](6) مضى ما فيه.

ص: 158


1- مباني منهاج الصالحين 6: 107.
2- وسائل الشيعة 8: 299.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 107.
4- وسائل الشيعة 8: 405.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 108.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 108.

قوله: [وثانياً: إن التقية لو اقتضت أن الصلاة معهم تكون صحيحة تكون صحتها من باب أنها لا تسقط بحال] وبعبارة أُخرى: أنه من خصوص الوارد.

قوله: [وثالثاً: إنه يكفي للردع النصوص الدالة على عدم جواز الغسل بدل المسح والمسح منكوساً](1) فيه: أنه تبين الحالة الأولية، ولا إطلاق لها بحيث تشمل حالة التقية؛ إذ ليست بصدد البيان من هذه الجهة، فتأمل.

قوله: [ويرد عليه أنه لا دليل على عدم احتياطهم (عليهم السلام) بأنفسهم، بل نحتمل أنهم (عليهم السلام) كانوا يحتاطون بحيث لا يفهم أحد، وأما عدم ردعهم الشيعة فيمكن أن يكون الوجه فيه التقية](2) فيه: أنه لو كان لبان، بل لو فعل مرجع عادي لبان. فيكيف بالإمام (عليه السلام) ؟ فتأمل.

قوله: [أضف إلى ذلك أن مقتضى خبر أبي الجارود(3) أن الأضحى يوم يضحي الناس، فإنَّ مقتضى هذا الخبر أن الوقوف معهم يجزي، فانقدح بما ذكرنا عدم قيام دليل على كون التقية مجزية عن المأمور به الواقعي](4) مضى كفاية الدليل السابع، وكذا ما ذكر في ذيل الوجه السادس، فلاحظ.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا غلب على الصائم العطش وخاف الضرر

ص: 159


1- مباني منهاج الصالحين 6: 109.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 109.
3- وسائل الشيعة 10: 133.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 109.

من الصبر عليه أو كان حرجاً](1) زائداً على المقدار اللازم للصوم عادةً وكان الخوف معتداً به عند العقلاء.

قوله (قدس سره) في المتن: [جاز ان يشرب بمقدار الضرورة ويفسد بذلك صومه] بل وجب إن كان الضرر بمقدار لا يجوز تحمله شرعاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويفسد بذلك صومه ويجب عليه الامساك في بقية النهار إذا كان في شهر رضمان] في الشرب على الأقوى وفي سائر المفطرات على الأحوط، وإن كان لا يخلو من إشكال.

قوله (قدس سره) في المتن: [وأما في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب](2) الأحوط في الواجب المعيّن، والموسع بعد الزوال الإمساك في بقية النهار.

قوله: [ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه، ولا يشرب حتى يروى»(3)](4) الرواية في خصوص مَنْ يصيبه العطاش، وهل المراد خصوص ذي العطاش أو مطلق مَنْ يصيبه العطش؟ يوجد احتمالان(5).

ص: 160


1- مباني منهاج الصالحين 6: 109.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 110.
3- وسائل الشيعة 10: 214.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 110.
5- راجع مادة العطاش في كتب اللغة (منه (رحمه اللّه) ).

والخلاصة أن الحكم على خلاف القاعدة العامّة في باب الصيام. وبتقرير آخر هنالك:

1- عام فوقاني: هو الميسور في مطلق الأمور، وهو العام الفوقاني الأول.

2- وعام أخص منه وهو (أن الصيام لا يتبعض) وهو العام الفوقاني الثاني.

3- واستثناء لذي العطاش أو مَنْ أصابه العطش، ومع احتمال الخصوصية في النص يرجع إلى العام الفوقاني الثاني، فتأمل.

قوله: [المستفاد من الحديث(1) أن الموجب للجواز الخوف على النفس، أي يخاف أن يموت من العطش](2) هذا التفسير ليس عرفياً أولاً، وحمل على الفرد النادر ثانياً. و «يخاف على نفسه» عرفاً يشمل ما لو خاف الظمأ أو الضرر الكثير - مثلاً - فلا اختصاص له عرفاً بخوف الموت.

قوله: [فيشكل ما أفاده في المتن من جعل الموضوع مطلق الضرر] ظهر أنه لا إشكال فيه.

قوله: [والوجه فيه أنه لا فرق بين الماء وبقية المفطرات] لا ربط له بالفرع الرابع، بل هو فرع جديد.

قوله: [فإذا لم يجز له الشرب حتى يرتوي لم يجز له الإتيان ببقية المفطرات] فيه إشكال؛ إذ لعل لشرب الماء خصوصية، أو للشرب والأكل دون غيرهما من سائر المفطرات. خاصة مع ما تقرر من أن الصيام لا

ص: 161


1- وهو ما رواه عمار، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه، ولا يشرب حتى يروى». وسائل الشيعة 10: 214.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 110.

يتبعض(1).

قوله: [الفرع الخامس: أن هذا الحكم مختص بشهر رمضان، وأما في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا، أما في الواجب الموسع فيجوز له الإفطار بالاختيار](2) أي قبل الزوال.

قوله: [أما في المعين فلدعوى انصراف الدليل إلى خصوص شهر رمضان، أو لعدم الإطلاق] الظاهر أنه لا انصراف، وإلاّ لورد في كثير من الروايات الأُخرى في باب الصيام.

إلاّ أن يقال: إنَّه القدر المتيقن في مقام التخاطب.

وفيه: أنه ليس من مقدمات الحكمة ذلك، فتأمل.

ص: 162


1- راجع الفقه 35: 23-30 (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 111.

الفصل الثالث: كفارة الصوم

في المسألة صور:

الأولى: الإفطار متعمداً.

الثانية: الإفطار إلجاءً.

الثالثة: الإفطار نسياناً للصوم.

الرابعة: الإفطار للجهل بالحرمة قصوراً.

الخامسة: الإفطار للجهل بالحرمة تقصيراً.

السادسة: الإفطار متردداً في الحرمة وعدمها.

السابعة: الإفطار عالماً بالحرمة جاهلاً بالمفطرية.

وتفصيل ذلك:

أولاً: أن في الإفطار متعمداً الكفارة - فيما تجب فيه الكفارة - للرواية.

ثانياً: وأما الإفطار إلجاءً: فلم يصدر منه فعل (إفطار).

ثالثاً: والإفطار نسياناً: طعام أطعمه تعالى. روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر؟ قال: «لا يفطر، إنما هو شيء رزقه اللّه فليتم صومه»(1)، ونحوه روايات أُخر(2).

رابعاً: الأفطار للجهل بالحرمة قصوراً، وذلك لرواية زرارة - وأبي بصير

ص: 163


1- وسائل الشيعة 10: 50.
2- وسائل الشيعة 10: 50-53.

قالا جميعاً: سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم، وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له، قال: «ليس عليه شيء»(1). لكنه في الجماع فقط، ولا يشمل سائر المفطرات.

إلاّ أن يستدل بأولويته من سائر المفطرات - غير الأكل والشرب - باعتبار وروده في القرآن الكريم {الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ}(2).

وباعتبار ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء»(3) التي قدمت الأكل والشرب عليه، فيكون الجماع أهم المفطرات الأُخرى، فإن ثبت فيه ثبت في باقي المفطرات بباب أولى.

وعن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: «أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه»(4).

ولنصوص التعمد(5). وان كان النص الوارد في الجماع كرواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل وقع على أهله في شهر رمضان، فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكيناً، قال: «يتصدق

بقدر ما يطيق»(6)، والإنزال مطلقاً، كرواية سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال:

ص: 164


1- وسائل الشيعة 10: 53.
2- البقرة: 187.
3- وسائل الشيعة 10: 31.
4- وسائل الشيعة 8: 248.
5- وسائل الشيعة 10: 44-50.
6- وسائل الشيعة 10: 46.

عليه إطعام ستين مسكيناً، مد لكل مسكين»(1) وقد يستدل - أيضاً - بأدلة أُخر، منها: حديث الرفع: فعن حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : رفع عن أمتي تسعة أشياء: ... وما لا يعلمون»(2).

ومنها: ما رواه زكريا بن يحيى، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(3) ونحوها.

خامساً: والإفطار للجهل تقصيراً لإطلاق الدليل.

سادساً: والإفطار متردداً فهل يصدق عنوان العمد؟ قد يقال: لا؛ لعدم صدق «ركب أمراً بجهالة».

وهل أنَّ وجوب الاحتياط ينافي الجهالة.

وهل أنَّ تنجز الحكم الواقعي في حقه ينافي الجهالة؟

فالحكم الواقعي وإن كان مجهولاً إلا أن الحكم الظاهري - وهو وجوب الاحتياط - غير مجهول، فلا تصدق معه الجهالة.

سابعاً: وأما العلم بالحرمة والجهل بالمفطرية: فهل يصدق: (وهو لا يرى إلاَّ أن ذلك حلال له)؟ الجواب: كلا.

وهل يصدق (بجهالة)؟

وهل المراد (الجهالة: ولو جهالة إفساده للصوم)؟

وهل تعمد الإفطار يصدق مع الجهل بالمفطرية؟

ص: 165


1- وسائل الشيعة 10: 49.
2- وسائل الشيعة 15: 368.
3- وسائل الشيعة 27: 163.

سيأتي جواب ذلك بالإضافة إلى صور أُخرى.

ثامناً: وأما الإكراه، فلا كفارة عليه؛ إذ «رفع ما أُكرهوا عليه» يرفع آثار الإكراه، وهو الكفارة. «وقيد متعمداً» لا يصدق.

وقد يستدل بالأولوية؛ إذ «وهو لا يرى إلاّ أن ذلك حلال له»(1) فهنالك حلية خيالية، وهنا حلّية واقعية - وإن كانت بالعنوان الثانوي -.

تاسعاً: وأما التقية: فيجري فيها ما ذكرناه في الإكراه، بل قد سبق أنها فرد من أفراده.

عاشراً: وأما الاضطرار فهو كالإكراه.

وقد يستدل على بعض ما تقدم بأدلة منها: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(2)، و(رفع النسيان) و (رفع ما لايعلمون) ونحو ذلك من الأدلة.

قوله: [ومقتضى إطلاق الإفطار عموم الحكم لكل واحد من المفطرات، ولا يختص بخصوص الأكل والشرب](3) ذكروا في بحث «من دعاه أخوه المؤمن إلى الإفطار» أن الإفطار هل يشمل غير الأكل والشرب أو لا؟ والوجهان المحتملان مبنيان على ما ذكره المصنف، وعلى دعوى الانصراف، لكن عن السيد الوالد في كتاب (الفقه)(4) أن المفطر يطلق على كل ما يوجب شق الصوم، وقد استعمل في اللغة وكلام الفقهاء

ص: 166


1- وسائل الشيعة 10: 53.
2- البقرة: 286.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 111.
4- الفقه 35: 109.

في ذلك. والانصراف لا وجه له.

قوله: [أما إذا لم يكن عن عمد بأن أوجر في حلقه أو نسي أنه صائم، فلا تجب الكفارة، أما في الصورة الأولى فظاهر إذ لم يصدر منه فعل على الفرض كي تجب عليه الكفارة] (1) إذ الفرض عدم صدور فعل منه ظاهراً، وعن الميرزا النائيني (رحمه اللّه) : أن الأفعال ظاهرة في الاختيار فلاحظ، وتأمل فيما سبق.

قوله: [إن مقتضى حديث المشرقي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياماً متعمداً ما عليه من الكفارة؟ فكتب: «مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوماً بدل يوم»(2)](3) قد يقال: إنَّه لا دلالة فيه؛ إذ الجواب كان على ما يطابق السؤال، وحيث إن السؤال كان عن خصوص صورة التعمد كان الجواب على خصوصها، فلا مفهوم للجواب، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما إذا كان جاهلاً به فلا تجب الكفارة حتى إذا كان مقصراً ولم يكن معذوراًَ لجهله](4): نعم، لو كان حين العمل متردداً في الجواز وعدمه ففيه إشكال.

قوله: [وصفوة القول: إن مجرد الجهل بالمفطرية يكفي في عدم

ص: 167


1- مباني منهاج الصالحين 6: 112.
2- وسائل الشيعة 10: 49.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 112.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 112.

وجوب الكفارة. نعم، إذا كان ملتفتاً حين العمل وكان متردداً في الجواز وعدمه لا يشمله الدليل؛ إذ مقتضى وجوب الاحتياط شرعاً وعقلاً أن يحتاط ولا يرتكب، فلا يصدق أنه ركب أمراً بجهالة؛ إذ الحكم الواقعي منجز في حقه، وأيضاً يصدق عنوان التعمد](1) الظاهر أنه لا يمكن التسليم بكل ما أفاده المصنف؛ وذلك: أما عنوان التعمد فالظاهر أنه لا يصدق - خلافاً للمصنف - فأنه وإن تعمد مخالفة الحكم الظاهري الوارد في حقّه، إلاّ أن ظاهر الدليل (تعمد ارتكاب المفطر)، أو (تعمد الإفطار)(2) وهو لم يتعمد الإفطار، كما ذكر المصنف نظيره في حاشيته.

وعليه، نقول: ما الفرق بين المقامين: العلم بالحكم التكليفي - لا الوضعي - والتردد في الحكم الوضعي؟

نعم، لو قيل: إنَّ (تعمد الإفطار) يعني تعمّد مخالفة الأمر واقعياً أو ظاهرياً صحّ ما ذكره، لكنه بعيد جداً.

وكذا لو قيل: إنَّ (تعمد الإفطار) يشمل (تعمد ما يحتمل كونه مفطراً) أصح أيضاً، لكنه بعيد أيضاً.

هذا، ولكن سبق من الشارح(3) أن بعض النصوص مطلقة في بعض المفطرات.

ص: 168


1- مباني منهاج الصالحين 6: 113.
2- وسائل الشيعة 10: 130.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 112.

إلا أنْ يستدل بالإجماع المركب، أو يقال: إنَّ جريان الأمر في (الأكل والشرب) يدل على غيرهما بالأولوية أو المساواة، فتأمل.

وأما عنوان (ركب أمراً بجهالة)(1) فهو صادق لغة، إلاّ أن صدقه عرفاً محل نظر؛ إذ يحتمل انصراف الحديث الشريف عن صورة التردد، لاحتمال كون المراد (الجهالة المركبة) أي (يجهل ويجهل أنه يجهل) لا البسيطة (أي يجهل ويعلم أنه يجهل) فتأمل.

مضافاً إلى أن الحكم الواقعي وإن كان مجهولاً إلاّ أن الحكم الظاهري - وهو وجوب الاحتياط - غير مجهول، فلا يصدق بجهالة، فتأمل.

وأما قوله: (وهو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له)(2) فلا ينطبق ، إلاّ أن يقال: المقصود الحلّية الحيثية (أي من ناحية الصوم) كما ذكر الوالد في كتاب (الفقه): «إنَّ نفي جوازه للصائم في الصحيح، فيكون ذلك لأجل الصوم، لأنَّ تعليق الشيء بالوصف يشعر بالعلية، فإذا وجد الاحتقان انتفى الصوم، وانتفاء الصوم يوجب الكفارة»(3).

وخلاصة كل ذلك أنه لا دليل على وجوب الكفارة، فإن المأخوذ فيها عنوان التعمد وهو لا يصدق عليه، حتى لو فرض أن «بجهالة» و«هو لا يرى» لا ينطبق نعم، يبقى إشكال عدم الإطلاق المتقدم.

وبعبارة أُخرى: إنّ القصور في المقتضي، لا لوجود المانع.

ص: 169


1- تهذيب الأحكام 5: 72-73.
2- وسائل الشيعة 10: 53.
3- الفقه 35: 114.

إلاّ أن نجد أدلة أُخرى ذكرت فيها الكفارة بشكل مطلق.

وأما وجوب الاحتياط: فهو لا ينافي القصور المزبور؛ إذ ظاهره مع علمه بالحرمة الواقعية لا الظاهرية أو مع العلم بالمفطرية، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان عالماً بحرمة ما يرتكبه، كالكذب على اللّه سبحانه، وجبت الكفارة أيضاً وان كان جاهلاً بمفطريته](1) فيه إشكال.

قوله: [ويرد عليه: أن المفروض أنه يرى أنه حلال له من حيث الصوم] الظاهر أن الحلية الحيثية خلاف ظاهر الدليل، فتأمل.

لكن قال الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه): (يكون ذلك لأجل الصوم)(2) كما تقدم.

قوله: [كما أنه يصدق أنه ركب الأمر بجهالة من حيث إفساده الصوم]. الجهالة الحيثية خلاف الدليل، فتأمل.

قوله: [المأخوذ في موضوع وجوب الكفارة عنوان تعمد الإفطار، ومع الجهل بكونه مفطراً لا يصدق هذا العنوان، فلاحظ] وعلى الأقل نشك في الصدق، فتأمل.

قوله: [فإن هذه الرواية واردة في إتيان الأهل، الذي هو من اهم المفطرات أو أهم منها، فاذا ثبت التخيير فيه يثبت التخيير في غيره بطريق أولى](3) لا أولوية بالنسبة إلى الأكل والشرب. نعم، أولوليته في غيرهما ممكنة، كما تقدم ذلك.

ص: 170


1- مباني منهاج الصالحين 6: 113.
2- الفقه 35: 114.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 114.

قوله: [ودلالة هذه الطائفة على تعين الصدقة بالإطلاق](1) ويسمى ب(الإطلاق الأوي) مقابل (الواوي)(2).

قوله: [ودلالة هذه الطائفة على تعين الصدقة بالإطلاق، فلو قام دليل على التخيير بين الأمور الثلاثة، أو على الترتيب بينهما يلزم تقييد الإطلاق المقتضي للتعين].

هذا بالنسبة إلى التخيير واضح، إذ مفاد الطائفة الثانية وجوب الصدقة، سواء أعتق أم لا، وسواء صام ستين يوماً أم لا؟

ومفاد ما يدل على التخيير أنه لو أعتق لا يجب عليه التصدق. وهكذا بالنسبة إلى الصيام، فيقيد ذلك مفاد الطائفة الثانية.

وأما بالنسبة إلى الترتيب ففيه غموض؛ إذ ليس المذكور فيها الخصلة الأولى أي (العتق)، فيكون ذكر الخصلة الثالثة - في الطائفة الثانية - بلا مبرر واضح.

إلاّ أن يقال: المبرر تعذر العتق والصيام غالباً، أو تعسرهما، أو في خصوص مورد السؤال، فتأمل.

قوله: [فيقع التعارض بين الطائفة الأولى والرابعة](3) لا تعارض: إذ تحمل الطائفة الأخيرة على الأفضلية، أو على خصوص الجماع، كما سيأتي.

قوله: [الطائفة الثانية: ما يدل على تعين الصدقة؛ لاحظ ما رواه

ص: 171


1- مباني منهاج الصالحين 6: 114.
2- الإطلاق الأوي هو المستفاد من كلمة (أو)، والإطلاق الواوي هو المستفاد من كلمة (واو).
3- مباني منهاج الصالحين 6: 114.

سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: «عليه إطعام ستين مسكيناً مد لكل مسكين»(1)](2) فان المستفاد من هذه الرواية أن الإنزال يوجب الكفارة، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أفرادها.

قوله: [الطائفة الثالثة: ما يدل على تعين العتق، لاحظ ما رواه المشرقي(3)، وهذه الرواية ضعيفة سنداً](4) مضافاً لإمكان الجمع بتقييد الإطلاق الأوي، كما سبق.

قوله: [فيقع التعارض بين الطائفة الأولى والرابعة] لا تعارض؛ إذ مضافاً إلى ما سبق - يمكن الترتيب في خصوص الجماع. فيكون الحاصل: إنَّ المكلف مخير مطلقاً، إلاّ في خصوص الجماع.

إلاّ أن يقال: بعدم القول بالفصل، فتأمل.

أو يقال: إنه لو تم في الجماع يتم في الأكل والشرب بطريق أولى أو مساوٍ، فتأمل.

هذا ولكن هذا الكلام أساساً غير مقبول، لورود رواية في التخيير في خصوص الجماع. فعن سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمداً، قال: «عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم ومن أين له مثل ذلك اليوم»(5).

ص: 172


1- وسائل الشيعة 10: 49.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 114.
3- وسائل الشيعة 10: 49.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 114.
5- وسائل الشيعة 10: 49.

قوله: [يظهر من كلام الشيخ في (الخلاف)(1) أن أقوال العامة مختلفة في المقام]. مع وجود الجمع الدلالي الذي ذكرناه لا تصل النوبة إلى ملاحظة وجود هذا المرجح سلباً وإيجاباً.

قوله: [فلا مجال لترجيح إحدى الطائفتين على الأُخرى بالمخالفة مع العامة](2) يجب أن نلاحظ فقه مَنْ كان حاكماً زمن صدور الروايات، حتى تكون التقية منه.

قوله: [فتصل النوبة إلى الترجيح بالأحدثية؛ والترجيح بها مع حديث ابن جعفر] سبق التأمل في ذلك(3).

وخلاصة ما تقدم: أن هنالك وجوهاً للجمع.

الأول: أنْ نحمل الطائفة الرابعة على الأفضلية.

الثاني: أن نجعلها مقيدة لإطلاق الطائفة الأولى.

وفيه: أنه غير وارد أساساً، كما تقدم.

الثالث: أن نلاحظ أن الفقه الحاكم للعامة في ذلك الزمان كان فقه مَنْ؟ فنرجح المخالف له.

الرابع: الترجيح بالأحدثية، وهويقتضي، ترجيح الطائفة الرابعة.

ويرجح الجمع الأول فهم المشهور لذلك.

وأما ما ذكر في الثالث والرابع فهو فرع التعارض، ومع وجود الجمع المذكور في الجمع الأول لا تصل النوبة إليه.

ص: 173


1- الخلاف 1: 386.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 115.
3- ورد في حاشية صفحة (17) من الكتاب (منه (رحمه اللّه) ).

هذا، وقد يقال: إنَّ الظاهرين متعارضان، فإنَّ (أو) ظاهر في التخيير، إلاّ أنها ليست نصاً فيه، لإمكان استخدامها في صورة الترتيب أيضاً. و(فإن لم يستطع) ظاهرة في الترتيب اللزومي، ولكنها لا تأبى الحمل على الأفضلية. فالظاهران متعارضان ولا ترجيح.

هذا، ولكن الظاهر - ولو بقرينة فهم المشهور - الأخير.

ثم إنه لو فرض التساقط - للتعارض - وفرض أنه لم يكن هنالك مرجح فما الحكم؟

هنا تأتي مسألة (الدوران بين التعيين والتخيير).

وهي على نحوين: الدوران في مجال الحجج. والدوران بين التعيين في مجال الأحكام الفرعية. والأول موكول إلى محلّه. وأما الثاني فقد يقال:

أولاً: على مبنى أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية، نشك أن أمر (اعتق) هل هو ثابت حتى بعد (الصيام) - لفرض أنه لا إطلاق له للتعارض - فلا يجري استصحاب الوجوب، فتصل النوبة للبراءة.

ثانياً: لو فرض الجريان فيها وقلنا إنه في الشك في المقتضي لا يجري الاستصحاب، وتجري البراءة.

ثالثاً: لو فرض الجريان وإن كان الشك في المقتضي؟ ففيه:

قد يقال: إنّه إن كان لفظ وشك في قيد زائد مع انطباق اللفظ على المأتي، كما لو قال (جئني بلحم) وشككنا أن كونه من الغنم شرط أو لا؟ فهنا شك في التكليف الزائد فتجري البراءة.

وإن لم يكن لفظ، أو كان لفظ لا يعلم انطباقه على المأتي به، مثل (كفّر) فلا نعلم أن الصيام تكفير أو لا؟ فهنا يجب الاحتياط.

ص: 174

ولاحظ مسألة ضرورة وجود جامع بين الخصال على مبنى صاحب النهاية لقاعدة «الواحد».

ولو فرض أنه ليس ضرورياً، فهل هنالك جامع حقيقي أو انتزاعي؟ وهل تعلق به التكليف بحيث نقول: إن هذا هو المتيقن، والأكثر مشكوك فيه فتجري البراءة؟

تقريره أن نقول: إننا لا نعلم أن (العتق) مأمور به بما هو هو، وبما له من عنوانه الخاص، أو بما أنه فرد من أفراد الكلّي الحقيقي أو الانتزاعي أو الاعتباري المنطبق عليه؟

فالوجوب متعلق بالكلّي قطعاً، ونشك في الخصوصية الزائدة، فالأصل البراءة عنها.

هذا، ولكن الظاهر أنه تام بناءً على وجود جامع حقيقي، أما الجامع الذي نعتبره نحن فلم يتعلق الوجوب به حقيقة كي يقال بانحلاله إلى متيقن ومشكوك، فتأمل.

علق السيد على قول الماتن: (لكل مسكين مد) بقوله: [لاحظ ما رواه سماعة قال: «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: عليه إطعام ستين مسكيناً، مد لكل مسكين»(1) فإنَّ هذه الرواية تدل على المدعى بالصراحة](2) إلاّ أن الرواية في خصوص الإنزال بسبب اللزوق بالأهل، وقد يتعدى إلى مطلق إخراج المني ومطلق الجماع، فلا يظل إلاّ الاطلاقات،

ص: 175


1- وسائل الشيعة 10: 49.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 115.

وهي لا تحتوي على أكثر من الاطعام.

إلاّ أن يستدل بعدم القول بالفصل، من جهة فهم عدم الخصوصية، كما عن السيد الوالد في الفقه(1).

فإن تم ذلك فبها، وإلا فمقتضى القاعدة وجوب الإطعام، وأنّه يتحقق بأقل من المد، إلاّ في اللزوق بالأهل والإنزال فعليه المدّ بخصوصه، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد](2): الظاهر كفاية الإطعام، وإن تحقق بأقل من المدّ، إلاّ في الإنزال، فلا بد من المدّ.

وأما قوله (قدس سره) في المتن: [وهو يساوي ثلاثة أرباع الكيلو تقريباً] راجع مباحث الوضوء ففيها التفصيل، وقد ذكر ذلك في العروة في كتاب الصوم أيضاً(3).

قوله: [ربما يقال: بأن كفارته مثل كفارة إفطار شهر رمضان، والدليل عليه ما رواه زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء؟ قال: «عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان؛ لأن ذلك اليوم عند اللّه من أيام رمضان»(4)] لا

ص: 176


1- الفقه 35: 200.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 113-115.
3- العروة الوثقى 3: 603.
4- وسائل الشيعة 10: 348.

يقال: إن الرواية في خصوص الجماع، فإنه يقال: العموم مستفاد من عموم التعليل.

قوله: [استدل عليه بما رواه هشام بن سالم، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان، فقال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه، يصوم يوماً بدل يوم، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم، وأطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك»(1). بتقريب: أن المراد بالعصر وقت صلاة العصر](2) ويمكن التقريب بأن الرواية مسوقة على نحو القضية الخارجية، حيث إن المتعارف جمع الصلاتين والصلاة أول الوقت، وعادة لا تقع الواقعة بين الصلاتين المجموعتين، وحينئذٍ فالوقوع عليها قبل صلاة العصر يكون عادة قبل الزوال، وبعد العصر يكون بعد الزوال، فيكون ذلك هو المراد، ولو بقرينة رواية العجلي(3) الآتية، فتأمل.

قوله: [وبعبارة أُخرى: رفع اليد عن الظهور العرفي يتوقف على قيام قرينة دالة على أن المراد من اللفظ الكذائي خلافه](4) القرينة: فهم المشهور ذلك، فتأمل.

قوله: [أما حديث بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل أتى

ص: 177


1- وسائل الشيعة 10: 347.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 116.
3- وسائل الشيعة 10: 347.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 116.

أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: «إن كان أتى اهله قبل زوال الشمس فلا شيء عليه، إلا يوم مكان يوم، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس، فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع»(1) فضعيفة سنداً بالحارث بن محمد](2) الرواية مروية في الكافي(3) أولاً. ومجبورة بعمل المشهور - بل ادعي عليه الإجماع - ثانياً، فلا بأس بذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكفارة إفطار الصوم المنذور المعين كفارة يمين] ويجدر أيضاً التكفير بصيام شهرين متتابعين.

وهذا مبني على اعتبار رواية عبد الملك(4)

بعمل المشهور الجابر لضعفها، فيكون العمل بكل واحدة من الطائفتين جائزاً.

وبعبارة أُخرى: يكون مخيراً بين كفارة اليمين وكفارة إفطار شهر رمضان. وبأُخرى: يرفع اليد عن الإطلاق الأوي بقرينة الطائفة الأولى ويكون جعل الحاشية هكذا: فالظاهر هو التخيير بين كفارة اليمين وكفارة إفطار شهر رمضان.

قوله: [في قبال المشهور قول آخر، وهو أن كفارته كفارة اليمين، ويدل على القول المشهور ما رواه عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد

ص: 178


1- وسائل الشيعة 10: 347.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 116.
3- الكافي 4: 122.
4- وسائل الشيعة 22: 394.

اللّه (عليه السلام) قال: سألته عمن جعل لله عليه أن لا يركب محرماً سماه فركبه، قال: «لا، ولا اعلّمه إلا قال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكيناً»(1). وهذه الرواية ضعيفة بعبد الملك](2) قد يقال: إنه لا يضر الضعف بعد الانجبار بعمل المشهور.

وفيه: أن مآل ذلك إلى الجبر السندي، فتكون الرواية معتبرة، إلا أن الجمع الدلالي بينها وما دل على أن الكفارة كفارة يمين هو الأفضلية بإتيان الأكثر «أي كفارة الصيام الرمضاني» فتأمل كما سيأتي.

قوله: [إن صاحب الوسائل (قدس سره) لم يذكر الرزاز في الموثقين، وأما سيدنا الأُستاذ فأفاد أن الرجل ثقة ولم يذكر وجهه](3) ربما يقال: إنه إنْ ثبت إكثار الكليني الرواية عنه ثبتت وثاقته؛ إذ لا يحتمل الإكثار عن مجهول أو ضعيف، خاصة للكليني الذي كتب كتابه ليكون مرجعاً للأجيال إلى يوم القيامة، وكون الوثاقة خبرية لا مخبرية إنما يصح في أخبار محدودة لا كثيرة. مضافاً إلى ضمان الكليني لو قبل.

قوله: [مقتضى الصناعة أن يخصص الدليل الدال على أن كفارة حنث النذر كفارة اليمين](4): او يقال: إنه أفضل الأفراد، وهو أقرب إلى الفهم العرفي من التخصيص؛ إذ يكون ذكر «كفارة يمين» غير موجّه عرفاً فتأمل.

ص: 179


1- وسائل الشيعة 22: 394.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 117.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 118.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 119.

هذا، بالنسبة إلى «أصل التصدق». وأما خصوصية «السبعة» فالجمع يقتضي كون العشرة أفضل الفردين، لولا الإعراض، فتأمل.

قوله: [أما حديث علي بن مهزيار، قال: وكتب إليه يسأله يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب إليه: يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة»(1) الدال على أن الكفارة حنث نذر الصوم عتق الرقبة، فالظاهر أنه غير مذكور في الكافي بالسند المذكور](2) مضافاً إلى الإشكال السابق من أن تعين العتق لا يمكن الالتزام به؛ إذ لم يلتزم به أحد.

قوله: [هذه الرواية مذكورة في الكافي بسند آخر، والسند مخدوش بالرزاز](3) مضى الكلام فيه.

قوله (قدس سره) في المتن: [وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مد أو كسوة عشرة مساكين](4) على التفصيل المذكور في بابه.

قوله: [وتدل على المدعى جملة من النصوص، منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : في كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين، مد من حنطة أو مد من دقيق، وحفنة أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة وهو في ذلك بالخيار أي ذلك الثلاثة شاء صنع، فإن لم

ص: 180


1- وسائل الشيعة 22: 392.
2- مباني منهاج الصالحين 9: 119.
3- مباني منهاج الصالحين 9: 119.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 120-121.

يقدر على واحدة من الثلاثة فالصيام عليهم ثلاثة أيام»(1)](2) فقوله: (حفنة) الظاهر أنه عطف على الاثنين (أي مد من حنطة وحفنة) أو (مد من دقيق وحفنة). ويؤيده: خبر هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : في كفارة اليمين مدّ مدّ من حنطة وحفنة، لتكون الحفنة في طحنه وحطبه»(3).

قوله: [إذا عرفت هذا الاختلاف في الأخبار، فنقول: إذا لم يكن النصوص متعارضة ويكون مقتضى القاعدة حمل الحفنة على الاستحباب فهو](4) الظاهر أنها غير متعارضة عرفاً، كما في كل ما هو دائر بين الأقل والأكثر عرفاً - مما هو مثل المقام -.

قوله: [أما إن قلنا: بإنها متعارضة فبعد التعارض تتساقط، وتجري أصالة البراءة عن وجوب الزائد على المد] هنالك مرحلة متقدمة على التساقط، وهي الترجيح بالكتاب العزيز؛ إذ الاطعام صادق على المد بلا حاجة إلى الحفنة، فتأمل، وهو نظير ما ذكره المصنف عند بحثه في الكسوة، فلاحظ.

قوله: [فإن كان مقتضى الجمع العرفي حمل ما يدل على وجوب ثوبين على الاستحباب فهو](5) والظاهر أنه كذلك.

قوله: [لابد من ترجيح أحد الطرفين على الآخر من مرجح، وحيث

ص: 181


1- وسائل الشيعة 23: 375.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 120.
3- وسائل الشيعة 22: 381.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 121.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 122.

إن ما يدل على مطلق الكسوة موافق للكتاب يكون الترجيح معه](1) ولو فرض التساقط كان المرجع البراءة، كما ذكر المصنف نظيره في (المدّ والحفنة)(2).

قوله: [إن مقتضى إطلاق الدليل عدم الفرق بين تخلل التكفير وعدمه، واتحاد الجنس المفطر وعدمه، فإن الإطلاق ينفي جميع ذلك، وإن شئت قلت: المقتضي للتعدد موجود] وهو تحقق الموضوع. وبعبارة أوضح: الموضوع تحقق مرتين. وحيث إنّ نسبة الموضوع للمحمول - من وجه - كنسبة العلّة للمعلول فذلك يقتضي تعدد المحمول، ولا نقصد العلّية العقلية، لكونه اعتبارياً، بل الظهور العرفي.

قوله: [إن الكفارة رتبت بالنسبة إلى غير الجماع وما يلحق به على عنوان الإفطار، وهذا العنوان غير قابل للتكرار](3) فهو مثل (القتل) إذ الإفطار هو الشق، وقد شق من قبل. ولو فرض الشك - باعتبار احتمال صدق الإفطار عرفاً وإن لم يصدق دقةً -كفانا الشك؛ إذ نشك في لزوم كفارة أُخرى، ومقتضى البراءة عدم الوجوب.

قوله: [ربما يقال: بوجوب التكرار وذكر في وجهه أمور: الأول: إن التداخل على خلاف الأصل فيجب التكرار، وفيه: إنه كما ذكرنا لا مجال لهذا البيان لإنتفاء موضوعه] وهو الموضوع القابل للتكرار.

ص: 182


1- مباني منهاج الصالحين 6: 122.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 121.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 123.

قوله: [الثالث: إنه لا دليل على انتقاض الصوم باستعمال المفطر أو لا، بل من الجائز صحته حتى بعد استعمال المفطر.

وفيه أولاً: إن الدليل قائم على انتقاضه باستعمال المفطر] وهو الروايات الدالة على أنه بطل صدمة أو فسد.

قوله: [قال الماتن: [إلا في الجماع] ما يمكن أن يقال في وجهه أمور: الأول: ما رواه الفتح بين يزيد الجرجاني أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال، أو حرام في يوم عشر مرات، قال: عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة، فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد»(1)](2) وهذه الرواية ضعيفة سنداً ولا جابر لها.

وعن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه: (وأشكل في الروايات بضعف السند ولا جابر لها؛ إذ قد عرفت أن الذي أفتى بمضمونها السيد، ثم لم يكن بها فتوى إلا من صاحب المستند، حتى أن الصدوق الناقل لم يظهر منه فتوى بذلك، والعلامة الناقل لم يفت بذلك في أكثر كتبه، وعليه فالظاهر أن الاحتياط حسن، لكنه استحبابي)(3).

وكذا في الثاني: ما روي عن كتاب شمس المذاهب عنهم (عليهم السلام) : >أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامداً فعليه القضاء والكفارة، فإن عاود

ص: 183


1- وسائل الشيعة 10: 55.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 124.
3- الفقه 35: 154.

إلى المجامعة في يومه ذلك مرة أُخرى فعليه في كل مرة كفارة»(1) من الأدلة. والثالث: ما أرسله العلامة (قدس سره) قال: >وروي عن الرضا (عليه السلام) أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطء»(2).

قوله: [الرابع: إطلاق دليل وجوب الكفارة لإتيان الأهل، والدليل عليها عدة نصوص:](3) مقتضى هذا الدليل وجوب التكرار في كل المفطرات، أو كثير منها؛ إذ ورد - مثلاً - «من أكل... فعليه كذا» ومقتضى الإطلاق الشمول للأكل الأول والثاني، وهذا لا ينسجم مع مبنى التفصيل بين الجماع وما أُلحق به وسائر المفطرات.

قوله: [منها: ما رواه سماعة(4)، فإن مقتضى إطلاق الرواية تكرر الكفارة بتكرر الجماع، ودعوى انصراف الاتيان إلى خصوص إتيان المفطر - كما ادعاه سيد المستمسك (قدس سره) (5) - لا وجه له ظاهراً](6) وجهه: أنه هو المتبادر للذهن، ولا يناط الأمر بالحرمة وعدمها.

قوله: [ومنها: ما رواه عبد المؤمن بن الهيثم (القاسم) الأنصاري، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن رجلاً أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: هلكت وأهلكت، فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم،

ص: 184


1- وسائل الشيعة 10: 55.
2- وسائل الشيعة 10: 55-56.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 124.
4- وسائل الشيعة 10: 49.
5- مستمسك العروة الوثقى 8: 317.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 124.

فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أطيق، قال: تصدق على ستين مسكيناً، قال: لا أجد، فأتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بصدقة في مكتل فيه خمسة عشر صاعاً من تمر، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : خذ هذه فتصدق بها، فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا، فقال: خذه وكله أنت وأهلك فإنه كفارة لك»(1)](2) لو تمت هذه الرواية سنداً لدلت على جواز أكل الفقير كفارة نفسه، فتأمل. وسيأتي نظير لها من بعض الوجوه(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [إلا في الجماع والاستمناء فانها تتكرر بتكررها](4) على الأحوط استحباباً؟ إذ لا دليل إلاّ روايات ضعيفة سنداً، ولم تنجبر بالعمل، وروايات لا دلالة لها، فتأمل.

قوله: [لاحظ ما رواه سماعة(5) فإن المستفاد من هذه الرواية أن الإنزال يوجب الكفارة، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أول فرد منه والثاني وهكذا. هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى أنَّ العرف يفهم أنَّ الموضوع هو الإنزال](6) عهدة ذلك على مدّعيه، مثلاً: لو نظر فأنزل فهل له نفس الحكم بمقتضى هذه الرواية؛ إذ لعل اللزوق بالأهل له

ص: 185


1- وسائل الشيعة 10: 46-47.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 125.
3- سيأتي عند شرح مباني منهاج الصالحين 6: 139.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 126.
5- وسائل الشيعة 10: 49.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 126.

خصوصية، من حيث كونه مظنة للإنزال أكثر من النظر، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [ومَن عجز عن الخصال الثلاث فالأحوط أن يتصدق] استحباباً، والظاهر التخيير بين التصدق بما يطيق والاستغفار وصيام ثمانية عشر يوماً.

قوله: [منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين، فلم يقدر على الصيام، ولم يقدر على العتق، ولم يقدر على الصدقة؟ قال: «فليصم ثمانية عشر يوماً عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام»(1) وهذه الرواية ضعيفة بابني المرار والمبارك](2) إلاّ أنها مجبورة بالشهرة، كما ذكرها المدارك(3). ولمزيد من التفصيل راجع ما كتبه السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(4).

قوله: [الحديث... قال: «فليصم ثمانية عشر يوماً عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام»(5)] قد يقال: إنَّ الجملة الأخيرة دليل على كون الكفارة مرتبة، فلا ترتبط الرواية بما نحن فيه، إلا أنَّ السيد الوالد (رحمه اللّه) أجاب عنه في الفقه بقوله: «وخبر أبي بصير وسماعة إن لم يكن ظاهر في المرتبة بقرينة ما في ذيل الجواب من توزيع الصيام على الصدقة على ستين

ص: 186


1- وسائل الشيعة 10: 381-382.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 127.
3- مدارك الأحكام 8: 323.
4- الفقه 35: 203.
5- وسائل الشيعة 10: 381-382.

مسكيناً، الظاهر في كونه بدل الصدقة على ستين مسكيناً المتعينة، فلا أقل من عدم ظهوره في العموم»(1).

قوله: [وكون الأول في أسناد تفسير علي بن إبراهيم، والثاني في أسناد كامل الزيارات لا يفيد، فإن التوثيق المستفاد من ابن إبراهيم وقولويه لا يتجاوز عن الطبقة الأولى](2) بل قد يناقش حتى في توثيق الطبقة الأولى.

قوله: [ومنها: ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام، قال: يصوم ثمانية عشر يوماً لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام»(3)](4) إلاّ أن يقال: إنه لأجل فهم عدم الخصوصية، كما في الفقه(5)، وفيه نظر.

قوله: [ما رواه علي بن جعفر(6)، ومقتضى هذه الرواية أنَّ المكلف إن عجز عن الخصال يجب عليه الاستغفار، وحيث إنه لا تنافي بين المثبتين](7) فيه: أن الجمع بين الروايات يقتضي التخيير، مثلاً: لو جاء شخص وقال (أفطرت) فقال (عليه السلام) : «اعتق رقبة» وجاء شخص آخر وقال

ص: 187


1- الفقه 35: 201.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 127.
3- وسائل الشيعة 22: 372.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 127.
5- الفقه 35: 202.
6- وسائل الشيعة 10: 48.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 127-128.

كذلك، فقال (عليه السلام) : «صم ستين يوماً» وجاء ثالث وقال كذلك، فقال (عليه السلام) : «اطعم ستيناً مسكيناً» فالظاهر تخيير المكلف بين أي واحد منها. خصوصاً وأن المولى (عليه السلام) في مقام بيان الوظيفة؟ ولاحظ ذلك فيما إذا جاء ثلاثة مستفتين إلى عالم فأجابهم ففأجابهم بمثل ذلك.

وحيث إن الطائفة الأولى مجبورة بالعمل يكون التخيير بين الثلاثة، فتأمل.

ثم الظاهر، أن قاعدة الميسور - لو ثبتت - لا تجري في المقام؛ وذلك للنص، ومنه يظهر النظر فيما ذكر في العروة(1).

ثم إن ما في «الفقه» من رواية علي بن جعفر (عليه السلام) بصيغة: «من عجز عن الخصال استغفر»(2) فنقل بالمعنى، فما فرع عليه من أن «الخصال يشمل الصدقة والصيام ثمانية عشر يوماً» لا يخلو من تأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [ومن عجز عن الخصال الثلاث فالأحوط أن يتصدق بما يطيق، ويضم إليه الاستغفار، ويلزم التكفير عند التمكن على الأحوط وجوباً] بل استحباباً.

قوله: [الذي يختلج بالبال أن يقال: إن التكفير إذا لم يكن وجوبه فورياً - كما أنه لا يكون فورياً - فلا تصل النوبة إلى التصدق والاستغفار](3) حيث إن الموضوع محقق - وهو «لم يقدر» و«لم يجد» - تصل النوبة إليهما.

ص: 188


1- العروة الوثقى 3: 601.
2- الفقه 35: 205.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 128.

لا يقال: الموضوع «عدم القدرة» طيلة الوقت.

فإنه يقال: الموضوع عرفي، وهو صادق فيما نحن فيه.

ويؤيده: سكوت الأدلة في مقام البيان عن ذلك، مع أنه كثيراً ما يستطيع الإنسان بعد عجزه، بل ذلك دليل، وليس بمؤيد فحسب، وقد فصل ذلك السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(1). وكذا في مباحث الصلاة في القدرة والعجز، ومباحث التيمم في العجز عن استعمال الماء، ومباحث الجبيرة.

وحيث جعل التصدق - مثلاً - بدلاً فظاهر سقوط المبدل منه، وعودته بعد القدرة بحاجة إلى دليل، والأصل البراءة.

نعم، لو علم بأن العجز سوف يزول قريباً فلعل الأدلة منصرفة عنه(2)؛ لأنها ناظرة إلى الحالة الطبيعية الاعتيادية، وهي عدم العلم.

قوله: [ما يمكن أن يستدل به على المدعى جملة من النصوص: الأول: ما رواه الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام) : يابن رسول اللّه، قد روي... الحديث» (3)وهذه الرواية ضعيفة بعبد الواحد بن محمد بن عبدوس وغيره] قال في (الفقه)(4): أن الخبر إما صحيح، كما عن العلاّمة أو حسن كما عن المجلسي، أو موثق كما عن بعض آخر.

ولو ثبت عمل المشهور به كان حجة، بل يكفي تصحيح وتوثيق هؤلاء،

ص: 189


1- الفقه 35: 207.
2- راجع ما كتبه السيد الوالد في الفقه 35: 207 (منه (رحمه اللّه) ).
3- وسائل الشيعة 10: 53-54.
4- الفقه 35: 123-124.

فتأمل.

قوله: [الثاني: ما روي عن المهدي (عليه السلام) : فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً بجماع محرم عليه، أو بطعام محرم عليه أنَّ عليه ثلاث كفارات(1)](2) الرواية في الجماع أو الطعام فلا تشمل سائر المفطرات.

إلاّ أن يتمسك بالاولوية (كما سبق تقريره).

أو عدم القول بالفصل، فتأمل. وكذا الكلام في (الثالث ما رواه سماعة)(3).

قوله: [الثاني: ما روي عن المهدي (عليه السلام) الحديث...(4) وهذه الرواية ضعيفة] إلاّ أن يقال إنها منجبرة بعمل المشهور - لو ثبت - ثم إن هنا شبهة وهي أن الروايات تناولت (الجماع) و (الطعام) و (الإفطار) والأولان خاصّان، والثالث بمعنى: الأكل والشرب.

وفيه: ما سبق من الأولوية في الأولين. وأن الإفطار بمعنى مطلق الشق.

قوله: [الثالث: ما رواه سماعة، قال: سألته عن رجل أتى أهله في رمضان متعمداً، فقال: عليه عتق رقبة، وإطعام ستين مسكيناً، وصيام شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، وأنى له مثل ذلك اليوم»(5)](6).

ص: 190


1- وسائل الشيعة 10: 55.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 129.
3- وسائل الشيعة 10: 54.
4- وسائل الشيعة 10: 55.
5- وسائل الشيعة 10: 54.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 129.

ولعل الأولى حمله على استحباب الجمع، كما احتمله في الوسائل(1)، ويتلوه كون الواو بمعنى (أو) كما في (الفقه)(2) مستشهداً بما قيل في قوله تعالى: {مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ}(3).

قوله: [في مقام الدوران بين الزيادة والنقيصة يقدم احتمال النقيصة](4) هذا ليس عرفياً في مثل المقام، بل هو دوران بين المتباينين، فإن (و) و (أو) متباينان عرفاً. هذا بالنسبة إلى اللفظ.

وأما بالنسبة إلى الكتابة، فالظاهر أن احتمال النقيصة مقدم - كما في الكتاب - إذ احتمال أن يزيغ النظر عن الهمزة وارد، بخلاف احتمال إضافة الهمزة. إلاّ أنه لم يثبت كون الرواية منقولة بطريق الكتابة، بل يحتمل كونها منقولة بطريق المشافهة.

لكن حيث إن المشافهة مبنية عادة على كتابٍ - لا على الحفظ - فاحتمال النقيصة مقدم: إما في الكتابة، وإما في النظر. اي لم يقرأ الهمزة فقرأ بالواو فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أكره زوجته على الجماع في صوم شهر رمضان] لم يرد هذا القيد في النص ولعله للانصراف، خصوصاً وقد فرض أنها صائمة - كما يظهر من الحكم - وهذه قرينة على أن الشهر كان شهر رمضان حيث صاما معاً. وللقدر المتيقن في مقام التخاطب، فتأمل.

ص: 191


1- وسائل الشيعة 10: 54-55.
2- الفقه35: 124-125.
3- النساء: 3.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 129.

قال الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه): «خصوصاً بعد ذكر التعزيز المنصرف إلى الإفطار في شهر رمضان»(1). ثم استظهر الاختصاص.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أكره زوجته] كما هو صريح الرواية.

وأما الزنا فلم يرد فيه نص إلاّ أن يستدل بالأولوية، إلاّ أنها محل منع، كما في {وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}(2).

قوله: [وإن كان أكرهها ضرب خمسين سوطاً نصف الحد](3) أي حدّ الزنا.

قوله: [واستدل على المدعى بما رواه المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أتى امرأته وهو صائم، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفارتان، وإن كان أكرهها ضرب خمسين سوطا نصف الحد، وإن كان طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً، وضربت خمسة وعشرين سوطاً»(4) وهذه الرواية ضعيفة](5) إلاّ أن تكون مجبورة بالشهرة. وقال في الفقه(6) المخالف للحكم ابن عقيل فقط. وجزم بعدم الخلاف فيه صاحب المستند. ونفى عنه الخلاف في الحدائق(7).

ص: 192


1- الفقه 35: 188.
2- المائدة: 95.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 130.
4- وسائل الشيعة 10: 56.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 129-130.
6- الفقه 35: 183.
7- الحدائق الناضرة 13: 235.

قوله: [ومقتضى الصناعة أن يكفر الزوج عن نفسه، وأما الزائد عليه فلا، لأصالة البراءة](1) نعم التعزيز ثابت - على المعروف - في كل معصية، فيعزر - مقدار ما يراه الحاكم - لذلك.

قوله: [وأما الزوجة فلا شيء عليها لقاعدة الإكراه] لكنهم فرقوا بين الإكراه والإلجاء - وإن مضى التأمل في ذلك - مع أن المصنف اختار سابقاً أن القضاء من آثار عدم الإتيان بالصوم، ولم تأتِ الزوجة به، هذا، ولكن الكلام في المتن في الكفارة والتعزير لا القضاء.

قوله: [لعدم الدليل ومقتضى الأصل عدم الوجوب] ويدل عليه التقابل في قوله تعالى {إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ}(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا علم أنه أتى بما يوجب فساد الصوم وتردد بين ما يوجب القضاء فقط، أو يوجب الكفارة معه لم تجب عليه](3) نعم، هنا بحث يأتي في هذا الفرع والفروع اللاحقة، وهو أنه لو كان عالماً ثم نسي إهمالاً فهل هو مشمول لأدلة البراءة أو لا؟ ولزيادة إيضاح راجع ما كتبه السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(4).

والظاهر: الشمول للإطلاق أو العموم في أدلة البراءة.

قوله: [للشك في التكليف الزائد ومقتضى الأصل عدمه] قد يقرر

ص: 193


1- مباني منهاج الصالحين 6: 130.
2- المؤمنون: 6.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 130.
4- الفقه 35: 168-169.

هذا على نحو الأصل الحكمي، بأن نشك في ثبوت «كفّر» فالأصل العدم.

وقد يقرر على نحو الأصل الموضوعي - ولو في الجملة -. مثلاً موضوع القضاء هو: الإفطار، وموضوع الكفارة هو الإفطار متعمداً، فنشك في قيد «التعمد» فالأصل عدمه، فتأمل.

قوله: [كما هو الميزان في الشك بين الأقل والأكثر](1) خاصة غير الارتباطيين، كما في المقام.

قوله: [إن إحدى الخصال مقطوع الوجوب، والشك في وجوب الزائد، ومقتضى الأصل عدمه، ولقائل أن يقول: إنَّ الأمر ليس دائراً بين الأقل والأكثر](2) خلاصته: أن الأمر دائر بين المتباينين؛ إذ الواجب إما عنوان أحدهما، أو عنوان الجميع، والأصل في كل منهما معارض بالآخر، فلا أصل كي ينفى الأكثر.

وفيه: أولاً: أن (أحدهما) عنوان منتزع متحد في الوجود مع كل خصلة من الخصال الثلاث، وليس مستقلاً عنها. فيتوارد الوجوبان، المعلوم وجود أحدهما بالإجمال على المأتي به أولاً، اي لو قام أولاً بالإطعام - مثلاً - كان مصداقاً ل- (أحدهما)، لو كان هو الواجب، وجزءاً من أجزاء الكفارة لو كان الواجب الجميع، فالمأتي به أولاً واجب على كلا التقديرين، وحينئذٍ يشك في أنه هل وجب في ذمته شيء آخر بعد ذلك؟ والأصل البراءة.

وبتقرير آخر: المكلف يقول - قبل الإتيان - أول فعلٍ آتي به واجب قطعاً، وأشك في وجوب ما عداه فالأصل عدمه.

ص: 194


1- مباني منهاج الصالحين 6: 130.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 130-131.

لكن قد يقال: إنه محكوم باستصحاب بقاء الوجوب.

وفيه: أنه لا يرد على مبنى عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية. كما لا يرد على مبنى عدم جريانه في الشك في المقتضي.

وأما لو قيل بالجريان فيهما ففيه إشكال. وحله بعدم جريان الاستصحاب لاختلال الركن الأول من أركانه، إذ لا علم بوجوب ما عدى (المأتي به الأول) من الأساس.

ثانياً: وهنالك تقرير آخر: وهو أن الواجب ليس (احدهما) بل (الصيام) و(الإطعام) و (العتق)، لكن الوجوب مشروط بترك الآخر، أو نحو ذلك من التقريرات المذكورة في بحث «الوجوب التخييري والكفائي».

فحينئذ نقول: المأتي به الأول واجب قطعاً - إما على نحو الوجوب المطلق أو المشروط - ونشك في وجوب ما عداه والأصل عدمه.

واستصحاب الوجوب مسببي، إذ مركز الشك أن المأتي به الثاني واجب أو لا؟ والأصل عدمه، فلا شك في بقاء الوجوب حتى يستصحب، وسيأتي تمام الكلام - إن شاء اللّه تعالى - في البحث اللاحق.

قوله: [لابد من الاتيان بكفارة الجمع. إلا أن يقال: إنَّ مقتضى البراءة رفع الكلفة الزائدة، ورفع التكليف عن الجامع لا يرفع أصل التكليف؛ إذ أصل التكليف قطعي](1).

ص: 195


1- مباني منهاج الصالحين 6: 131.

خلاصته: أن ظاهر أدلة البراءة رفع الكلفة، وجعل المكلف في سعة، وجريان البراءة في (الجامع الانتزاعي) اي عنوان (أحدهما) لا يرفع الكلفة، ولا يجعل المكلف في سعة؛ إذ هنالك علم قطعي بوجوب الأحد - إما بذاته وإما في ضمن الجميع - فلا يجري فيه، فيجري في (الجميع) بلا معارض.

وهنالك تقريب آخر، وهو أن نقول: إن جريان البراءة لغو؛ إذ لا أثر عملي له، وجريان الأصول العملية مشروط بالأثر العملي.

وقد سبق بعض الأجوبة عن هذا الإشكال فراجع.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان، أو كان من قضائه، وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة، وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكيناً](1) بل يكفيه إطعام عشرة مساكين.

قوله: [وقال سيد العروة (قدس سره) في عروته: «بل له الاكتفاء باطعام عشرة مساكين»(2) ... وأورد عليه سيدنا الأستاذ(3) بأن الأمر ليس كذلك؛ إذ الوجوب التخييري متعلق بالجامع الانتزاعي، فالأمر دائر بين تعلق الوجوب بإطعام عشرة مساكين، وتعلقه بالجامع بين الخصال](4) فيه: أنه إنما يتم على مبنى رجوع التخيير الشرعي إلى العقلي،

ص: 196


1- مباني منهاج الصالحين 6: 130-131.
2- هكذا في المصدر، ولكن لا توجد في العروة كلمة (بإطعام) وإنما الموجود >بل له الاكتفاء بعشرة مساكين» العروة الوثقى 3: 597.
3- شرح العروة الوثقى 21: 352.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 131.

كما عليه صاحب الكفاية(1)، لقاعدة الواحد أو غيرها، وأما على غير ذلك فنقول: الوجوب التخييري متعلق بنفس الخصال كما تقدم.

و حينئذٍ، فاطعام ال- (عشرة) واجب قطعاً - ولو في ضمن إطعام ال- (ستين) ولو على نحو الوجوب التخييري - وما عداه مشكوك، والأصل عدمه. كما تقدم توضيحه سابقاً.

والخلاصة أن إطعام ال- (عشرة) واجب - ولو ضمنياً أو تخييرياً - ووجوب الأكثر مشكوك، فالأصل عدمه، بل حتى لو قلنا برجوع التخيير الشرعي إلى العقلي، وأن الواجب عنوان (إحدى الخصال) نقول: إن ما فيه الملاك وإن كان عنوان إحدى الخصال، إلاّ أن ظاهر الدليل كون مصب الوجوب المولوي هو «الإطعام» أو «الصيام» أو «العتق» لكن مشروط بترك الآخرين، أي يجب «الإطعام» لو ترك الآخرين، ويجب «الصيام» لو ترك الآخرين و... هكذا.

وللمولى أن يعين مصب الوجوب (ومتعلق حق الطاعة) سواء كان هو فيه الملاك أم لازماً لما فيه الملاك، ملزوماً له أم ملازماً له؛ إذ الغرض يحصل على كل تقدير، وتعيينه في أحدهما إما لملاكٍ يقتضي ذلك، أو لأنه أحد مصاديق تحقيق الغرض، ولا مانع من الترجيح بلا مرجح إذا كان الغرض يتعلق بالجامع.

مثلاً: لو كانت «التقوى» لازمة التحصيل، وكان طريقها «الصيام» مثلاً. فللمولى أن يقول: «كن متقياً» أو «صم» لتحقق الغرض في كلتا الصورتين.

أو: لو كان الملاك في استقبال الجنوب، فللمولى أن يقول: (استقبل

ص: 197


1- كفاية الأصول: 143.

الجنوب) أو (استدبر الشمال) أو (ليكن يمينك إلى الغرب) أو (ليكن يسارك إلى الشرق) لتحقق الغرض في كل الصور.

وحيث إن المولى جعل مصب الوجوب (الإطعام أو الصيام أو العتق) يكون هو الواجب، وهو الملقى في عهدة المكلف.

لكن تخريج نحو الوجوب التخييري بحاجة إلى مراجعة؛ إذ لو قال «يجب الإطعام إن تركت الآخرين»، و«يجب الصيام إن تركت الآخرين»... و... ففي صورة ترك الجميع تجب الثلاثة لتحقق الشرط، فيكون قد ترك ثلاثة واجبات، فيستحق ثلاث عقوبات.

ولنا أن نقول في الجواب: إن معنى الوجوب التخييري هو أن المأتي به أولاً هو الواجب. والاستصحاب لا يجري لاختلال الركن الأول؛ إذ لا علم لنا بوجوب ما عدى «المأتي به الاول» من الأساس.

وعليه فنقول - في المقام -:إنَّ احتمال كون الواجب الكفارة الكبرى المخيّرة، أو الصغرى المعيّنة ينحل بإطعام ال- (عشرة)، إذ لا علم بوجوب أزيد من ذلك، فتأمل.

والخلاصة: أن ضرورة وجود «الجامع» لا تلازم كون مصب التكليف هو نفس الجامع، فالجامع هو الملاك، والملاك قائم به، إلاّ أن مصب التكليف هو الأفراد، والدليل على ذلك ظهور الدليل - عرفاً - الذي هو الحكم في باب الألفاظ، فتأمل.

قوله: [وصفوة القول: إن مرجع الوجوب التخييري الشرعي العقلي - كما حقق في محله - فعليه يكون الأمر في المقام دائر بين

ص: 198

المتباينين](1) والخلاصة أمور:

الأول: أن مرجع الوجوب التخييري الشرعي إلى التخيير العقلي، فيكون الواجب في الخصال الثلاث هو (الجامع الانتزاعي) أي عنوان أحدها.

الثاني: فيدور الأمر في المقام بين المتباينين.

الثالث: فلا تجري الأصول المؤمنة.

فيلزم العمل بمقتضى الاحتياط.

قوله: [ونخبة الكلام في المقام أن انحلال العلم الإجمالي، وعدم تنجزه يتوقف على جريان الأصل في بعض الأطراف دون الآخر](2). الانحلال نوعان:

الأول: انحلال حقيقي، كما في الأقل والأكثر غير الارتباطيين، إذ تجري البراءة الشرعية، فلا يكون الاكثر واجباً.

والخلاصة: إنَّ البراءة لا تجري في الأقل، وتجري في الأكثر، فنستطيع أن نقول: ليس الأكثر واجباً شرعياً - ظاهراً - ولا يظل مجال للترديد بين الأقل والأكثر.

الثاني: انحلال حكمي، كما في الأقل والأكثر الارتباطيين، إذ هنا لا تجري البراءة الشرعية، وتجري البراءة العقلية؛ لعدم البيان على الأكثر، ويقع العقاب بلا بيان، لكن ذلك لا يوجب زوال الترديد؛ إذ يحتمل كون الأكثر واجباً او الأقل.

ويرد عليه: أن الترديد في الحكم الواقعي باقٍ في الصورتين. وأما الترديد

ص: 199


1- مباني منهاج الصالحين 6: 131.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 132.

في الحكم الظاهري فمرتفع في الصورتين، ولو ببركة القاعدة العقلية «قبح العقاب بلا بيان». فلم يظهر وجه للتفريق بين الصورتين، فتأمل.

قوله: [وأفاد سيدنا الأُستاذ: أن البراءة الشرعية - أيضاً - تجري في الأكثر، ولا تجري في الأقل بتقريب: أن المكلف يعلم بتعلق الوجوب بالأقل بنحو الإهمال، ولا يدري أنَّ الواجب بشرط شيء أو لا بشرط](1) حاصله أن البراءة الشرعية تجري - أيضاً - في المركب الارتباطي، كغير الارتباطي.

قوله: [بتقريب: أن المكلف يعلم بتعلق الوجوب بالأقل] عبر البراءة، وهو يحصل بالتمسك بالاستصحاب.

قوله: [البراءة تجري عن المقيد، لأن فيه كلفة زائدة، واما بالنسبة إلى الإطلاق فلا تجري؛ إذ ليس في الإطلاق كلفة زائدة] يوجد هنا تقريران:

الأول: إن ظاهر أدلة البراءة الشرعية أنها في مقام رفع الكلفة والتوسعة، وليس في الإطلاق كلفة زائدة، ولا توسعة في رفع الإطلاق.

الثاني: إن ظاهر أدلة البراءة، أنها بصدد المنّة على المكلفين، ولا منّة في رفع الإطلاق.

قوله: [ويرد عليه: أن رفع الإطلاق في حد نفسه امتناني؛ ولذا لا إشكال في أنه شك في تعلق التكليف بماهية مطلقة يجري فيه

ص: 200


1- مباني منهاج الصالحين 6: 132.

الأصل وينفي عنها الوجوب] الكلام وإن كان صحيحاً كبروياً، لكن لا مجال له في المقام - صغروياً - كما أشار إليه بقوله: «إلاّ أن يقال» نعم، لو شككنا أنّ المولى قال «جئني بلحم» - على نحو المعيّة المطلقة - أو لا؟ فتجري البراءة، لكن ذلك أجنبي عما نحن فيه، لغرض العلم بوجوب الأقل على جميع التقادير.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أفطر عمداً ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة](1) على الأحوط.

قوله: [ادعي عليه الإجماع، وربما يستدل بما رواه زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «أيما رجل كان له مال حال عليه الحول فإنه يزكيه، قلت له: فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال: ليس عليه شيء أبداً، قال: وقال زرارة عنه: إنه قال: إنما هذه بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته، ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه، قال: إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز، ولم يكن عليه شيء بمنزلة من خرج ثم أفطر، إنما لا يمنع الحال عليه، فأما ما لا يحل فله منعه»(2)](3) الإنصاف أن الدليلين المذكورين لا يخلوان من قصور.

ص: 201


1- مباني منهاج الصالحين 6: 132.
2- وسائل الشيعة 10: 135.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 132-133.

أما الرواية الشريفة: فمن غير المعلوم أن الملاك في تحقق الكفارة وعدمها جواز الإفطار، بل ربما يكون الثبوت في الذمّة وعدم الثبوت (اي ثبوت الصوم).

وحيث إن الزكاة ثبتت في الذمة بعد الحول لم يبطل وجوبها الهبة، وحيث إن الصوم ثبت في الذمة بعد الظهر لم تسقط الكفارة بالسفر.

ولم يذكر في الدليل أي شيء يدل على أن المناط في سقوط الكفارة وعدمه جواز الإفطار وعدمه.

وأما تقريب الشارح فكان المناسب - عليه - أن يقول (عليه السلام) (بمنزلة من خرج) أو (بمنزلة مَنْ أفطر وخرج) فلا دلالة فيه؛ إذ هذا إشارة للمثال المتقدم، وإنما استقر عليه فيما سبق لوضوحه أكثر من مثال لو أفطر ثم خرج قبل الظهر في الأذهان، ويؤيده قوله «في آخر النهار» مع أنه لا خصوصية للآخر؛ إذ كان بالإمكان أن يقال «بعد الظهر».

وعموماً: فإن التمثيل لمطلب من البلاغة فيه أن يؤتى بمثال فيه وضوح، أو تهويل كي يتقبل المطلب ويسهل الاقتناع به، خاصة وأن القضايا المالية مما يعسر على النفوس تقبل ما يتعلق بها.

وأما قول الشارح «لكان المناسب» ففيه أنه (عليه السلام) ليس في صدد بيان ضابطة المسقط للكفارة، بل بصدد ذكر مثال يقرب حكم الزكاة، فلاحظ.

وأما الدليل الثاني - أي النصوص الدالة على أن الإفطار يوجب الكفارة - وقد شكّل المصنف صغرى وكبرى، هي: هذا إفطار محرم، وكل ما كان كذلك يوجب الكفارة. فهي منصرفة إلى الإفطار في حالة الصيام، وهذا لم يكن صائماً، بل ممسكاً.

ص: 202

وبتقرير آخر: الإفطار هو الشق، ولا صيام - في مثالنا - كي يشق بالإفطار، بل هو مجرد إمساك واجب، فتأمل.

أي أن الإفطار إنما يتحقق في ظرف الصيام، وحيث لا صيام فلا إفطار. وهذا التقرير مذكور في الفقه(1).

وفيه: أن الروايات - كرواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث... قال: هذا واحد إذا قصرت أفطرات، وإذا أفطر قصرت»(2). وكذا ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: «وليس يفترق التقصير والافطار فمن قصر فليفطر»(3). وما رواه الطبرسي في مجمع البيان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من سافر قصر وأفطر... الحديث»(4). وما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم، ويعتد به من شهر رمضان... الحديث»(5) - ذكرت الإفطار، فالإفطار يستخدم بمعنين:

الأول: شق الصيام.

الثاني: شق الإمساك.

وكذا الأمر بالنسبة إلى الانصراف في سائر الألفاظ الواردة مثل «أتى أهله» و«لزق بأهله» ونحو ذلك مما هو مذكور في محله.

ص: 203


1- الفقه 35: 171-175.
2- وسائل الشيعة 10: 184.
3- وسائل الشيعة 10: 184.
4- وسائل الشيعة 10: 184.
5- وسائل الشيعة 10: 185.

ويؤيده أنه لو أتى بهذه الأمور فعليه الإفطار ولا كفّارة عليه، مع صدق «الأكل والشرب» ونحوها، لو وردت في الروايات بلا ذكر الصيام، وأما المس ففيه الكفارة مطلقاً، وتتعدد بالتعدد، كما سبق.

قوله: [لعدم الدليل عليه، ومقتضى الأصل عدمه](1) إذ النص الشريف(2) ورد في رجل أتى امرأته وهو صائم.

ثم إن هنالك إكراهاً والجاءً، ولعل المراد بالإكراه في المتن الأعم منهما.

وحينئذٍ فنقول: إن الإلجاء يقتضي إبطال الصوم، ولا شك - ولو بقرينة ارتكاز المتشرعة - أنَّ إبطال العبادة محرم، كمن يدفع شخصاً في الصلاة حتى تبطل صلاته.

قوله: [ربما يقال: بان إكراه الغير على عمل لا يكون مورداً لاستحقاق المكره بالكسر، وحيث ان الجماع لا يكون حقاً للزوج فلا يكون إكراه الزوجة عليه من قبل الزوج جايزاً. وأورد عليه سيدنا الأُستاذ «بانه لا دليل على هذه الكبرى الكلية»]. لا يقال: لم يعلم كون الجماع حقاً للزوج كما في (الفقه)(3) من انصراف أدلة كون الجماع حقاً عن مثل تلك الحالات، فالصغرى: الجماع ليس حقاً للزوج، والكبرى: ما لا

ص: 204


1- مباني منهاج الصالحين 6: 136.
2- وسائل الشيعة 10: 54 والنص هو: عن سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله شهر رمضان متعمداً؟ فقال: >عليه عتق رقبة وإطعام ستين مسكيناً، وصيام شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، وأنى له مثل ذلك اليوم».
3- الفقه 35: 195.

يكون حقاً لا يجوز الإكراه عليه، فإنه يقال: الكلام في الإكراه بالحلال ولو على غير الحق، فبلحاظ هذا المقدار من الأدلة ينبغي التفصيل بين الإكراه بالطلاق مثلاً، فهو جائز بما ذكره، من منع الكبرى، والإكراه بالضرب أو القتل او الإجارة. فهو ليس بجائز.

والخلاصة: أن الصغرى وإن سلمت إلاّ أن الكبرى محل إشكال. وسيأتي الكلام في سائر الأدلة إن شاء اللّه تعالى.

فالجماع في المقام نظير الكتابة، وكما يجوز الإكراه بالطلاق في مسألة الكتابة يجوز الإكراه بالطلاق في مسألة الجماع.

قوله: [لا دليل على حرمة هذا الإكراه، ولكن مع ذلك لا يمكن الالتزام بالجواز من ناحية أُخرى] وهنالك دليل ثالث مذكور في الفقه(1): وهو أنه منكر في ارتكاز المتشرعة، ورابع(2): وهو أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الواقعية، وهذا تفويت لتلك المصالح.

وفيه: إن الدليل يدل بالدلالة المطابقية على الحكم، وبالالتزامية على الملاك، ومع سقوط المطابقية فلا دليل على بقاء الملاك، فتأمل.

قوله: [لا يمكن الالتزام بالجواز من ناحية أُخرى، وهي أنه لو نهى المولى جماعة عن عمل يفهم عرفاً أنه مبغوض له، بلا فرق بين صدوره بالمباشرة، أو بتسبيب الغير، وحديث رفع الإكراه يقتضي رفع

ص: 205


1- الفقه 35: 196.
2- الفقه 35: 196.

المواخذة والعقاب لا رفع المبغوضية](1) فيه تأمل، إذ الكاشف عن المبادئ هو الحكم، ومع ارتفاع الحكم لا يظل كاشف عنها، فكيف يتم إحراز كونه مبغوضاً؟

والخلاصة: أن الدليل دال بالدلالة المطابقية على الحكم، وبالالتزامية على الملاك، فإذا سقط الدليل لم يبق دال على بقاء الملاك.

إلاّ أن يتمسك باستصحاب بقائه، فتأمل.

أو يقال: إن نفس الفهم العرفي من دليل (النهي) يدل على بقاء الملاك، إذ وجود الحكم كاشفٍ إني عن وجود الملاك، وإلاّ كان من قبيل وجود المعلول بدون وجود علته.

قوله: [وتمامية ما أفاده تتوقف على ما ادعاه من أنَّ المستفاد من أدلة المحرمات النهي عن المباشرة والتسبيب، والجزم بهذا المدعى مشكل] لا إشكال عرفاً فيه؛ إذ الاستفادة عرفية. كما لو قال المولى: (لا تدخلوا داري) فأكره أحدهم الآخر - بالحلال - على الدخول في الدار.

قوله: [الحرام هو الفعل المنهي عنه، وإثبات أنَّ المنهي عنه في الشريعة منهي بالنسبة إلى غير مَنْ حرم عليه في غاية الإشكال. ويؤيد المدعى لو لم يدل عليه أن سيدنا الأستاذ لم يلتزم بهذه المقالة في طرف الأمر](2) لا مانع من الالتزام بذلك، بل يدل على الوجوب أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كانت هذه قرينة خارجية، والكلام في

ص: 206


1- مباني منهاج الصالحين 6: 136.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 137.

نفس اقتضاء الأمر أو النهي.

قوله: [لاحظ ما رواه حماد بن عثمان في كتابه، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إنَّ الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة، وكل عمل صالح ينفع الميت، حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه، ويقال: هذا بعمل ابنك فلان، وبعمل أخيك فلان، أخوك في الدين»(1)](2) دلالته بالإطلاق لا بالنص؛ إذ يشمل صورة إهداء الثواب وقصد النيابة.

إلاّ أن يقال: إنها ليست في صدد البيان من هذه الجهة، فلا يتم الإطلاق، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [في جوازه عن الحي إشكال](3) التبرع عن الحي برجاء المطلوبية لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في سقوطه عنه به.

قوله: [الواجب عليه أن يعتق رقبة أو يطعم مساكين، ومقتضى إطلاق الدليل عدم اشتراط أن يكون من خالص ماله، وما ورد أنه لا عتق إلا في ملك يمكن أن يكون ناظراً إلى أن العتق لا يقع على الحر] ومع تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال.

قوله: [يمكن أن يكون ناظراً إلى أن العتق يلزم أن يكون بإذن المالك](4) فيه بعد.

ص: 207


1- وسائل الشيعة 8: 280.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 137.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 138.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 138

قوله: [الوكالة تجري في موردين: ... ثانيهما: ما يكون من قبيل القبض والإقباض، فإنَّ السيرة العقلائية شاهد على جريان الوكالة في هذين الموردين] ينبغي ضميمة غير المردوعية.

قوله: [ما عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قضية الخثعمية لما سألت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إن أبي أدركته فريضة الحج شيخاً زمناً لا يستطيع أنَّ يحج، إنْ حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها: «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم، قال: فدين اللّه أحق بالقضاء»(1)...

وفيه: أن الحديث المروي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ضعيف سنداً](2) مع احتمال كونه متوفى، ولا إطلاق؛ إذ إنها قضية جزئية.

وعن السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه): «إنه قياس مع الفارق؛ إذ أبوها لم يكن ليستطيع الحج - على فرض كونه حياً - وما نحن فيه أعم ممن يستطيع الكفارة وممن لا يستطيع»(3).

قوله: [مضافاً إلى أن الكلام في المقام ليس في الحج، ولو سلمنا الصغرى فلا إشكال في الكبرى](4) وفيه: أن الاستدلال بعموم الذيل «فدين اللّه أحق».

ص: 208


1- بحار الأنوار 85: 315؛ مستدرك الوسائل 8: 26 مع اختلاف يسير.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 139.
3- الفقه 35: 215.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 139.

قوله: [أما حديث جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ... الحديث](1) مضى نظير لهذه الرواية في بحث تكرر الكفارة بتكرر الجماع.

قوله: [المستفاد منه أنه يجوز التصدق بمال الغير بإذنه](2) لا التبرع عن الغير.

قوله: [أما المنع على الإطلاق فبتقريب أنَّ مقتضى ظاهر الأمر وجوب مباشرة المكلف بنفسه، أو بالتوكيل فيما يجوز فيه الوكالة، واما السقوط بفعل المتبرع فلا دليل عليه] فيكون مقتضى الإطلاق بقاء الوجوب حتى بعد التبرع. وقد يستدل باستصحاب بقاء الوجوب أيضاً.

إلاّ أنه لا يتم لو قيل بعدم جريانه من الشبهة الحكمية، أو الشك في المقتضي، فتأمل.

قوله: [فالحق هو القول الثاني، وهو عدم جواز التبرع مطلقاً] ويتفرع على ذلك: الاحتياج إلى التوجيه في النيابة عن الإمام الحجة (عليه السلام) في الحج، ولمزيد من التوضيح راجع ما كتبه السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(3).

قوله: [أما في الصوم فظاهر لعدم جواز الوكالة](4) فكيف يجوز التبرع؟

قوله (قدس سره) في المتن: [وجوب الكفارة موسع، ولكن لا يجوز التأخير

ص: 209


1- مباني منهاج الصالحين 6: 139.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 140.
3- الفقه 35: 217-220.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 140.

إلى حد يعد توانياً وتسامحاً في أداء الواجب](1) الملاك هو الاستخفاف، أو التضييع للواجب. وكلمة التواني كلمة مجملة، ولعلها ترادف التكاسل، وهو في حدّ ذاته لا إشكال فيه، وكذا التسامح كلمة مجملة.

وأما الاستخفاف فهو محرم للارتكاز، ولقوله (عليه السلام) : (أشد الذنوب ما استخف به صاحبه)(2) ونحوه.

وكذا التضييع فإنه محرّم عند العقلاء، ومحرم بارتكاز المتشرعة (لاحظ سيرة الموالي والعبيد). ولاحظ التضييع في الأدلة مثل: > ملعون ملعون من ضيع مَنْ يعول»(3) .

قوله: [لا مجال لأن يقال: إنَّ الكفارة نحو عقوبة فلابد من الإتيان بها، كالتوبة التي تجب فوراً؛ لأنَّ الكفارة بنفسها من الواجبات، ولا تكون كالتوبة ماحية للسيئة](4) حاصله:

أولا ً: الكفارة لا تمحو الذنب؛ ولذا يحتاج إلى التوبة معها.

وثانياً: الكفارة أعم من الذنب، ولذا توجد في قتل الخطأ، وكفارات الاحرام خطأً، فتأمل.

نعم، لابد من ملاحظة أن الترك لو كان عصياناً - أو الفعل - فهل الكفارة نوع تدارك؟ وهل التدارك جزء مقوم من أجزاء التوبة، أو أنه يكفي الندم

ص: 210


1- مباني منهاج الصالحين 6: 141.
2- نهج البلاغة 4: 110.
3- عوالي الئالي 3: 68 .
4- مباني منهاج الصالحين 6: 141.

والتصميم على عدم العود، والاستغفار؟ كما هو ظاهر العروة(1) والمحشين، بل شكك بعضهم في وجوب بعض الثلاثة.

قوله: [بحيث لا يطمأن بإمكان الامتثال، فإنَّ امتثال كل واجب لازم بحكم العقل](2) الاطمئنان نوعان: قد يكون وجدانياً، وقد يكون حاصلاً بالأصل العملي.

والاستصحاب الاستقبالي - بناءً على حجيته - تكفل بإثبات البقاء.

إلا أنّ يقال: إنَّ السيرة العقلائية قائمة على الملزوم، وهذا تخصيص الإطلاقات أدلة الأصول العملية، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [مصرف كفارة الإطعام الفقراء إما بإشباعهم](3) الوارد في النصوص«الإطعام» والظاهر صدقه - عرفاً - ولو بالأقل من الإشباع، فلو دعا جماعة وقدم لهم طعاماً دون شبعهم بقليل يصدق - عرفاً - أنه (أطعمهم).

وكذا لو أعطت الأم وليدها دون حدّ الشبع بقليل. وكذا لو دخل الإنسان بيته وتغذى دون الشبع، فإنه يصحّ أن يقول - عرفاً - «طعمت».

خاصة: لولاحظنا أن الشبع مكروه، وأن الزهاد والأولياء ما كانوا يشبعون فهل يصح أن يقال: إنهم كانوا يطعمون؟

قوله: [ادعي الإجماع على أن الفقير والمسكين يراد كل منهما من

ص: 211


1- العروة الوثقى 3: 602.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 141.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 141-142.

الآخر عند الانفراد](1) استشكل المصنف مراراً في الإجماعات المنقولة (راجع ما تقدم).

على أنه لا يضر إشكال القواعد بالإجماع، لأنه معلوم النسب - على مبنى الدخول - ولا يضر بالحدس - على مبنى الحدس -.

قوله: [إضف إلى ذلك كله ما رواه اسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن إطعام عشرة مساكين، أو إطعام ستين مسكيناً أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطه؟ قال: «لا، ولكن يعطي إنساناً إنساناً، كما قال اللّه تعالى، قلت: فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين؟ قال: نعم، الحديث»(2)](3) مضافاً إلى ما في (الفقه)(4) من النقض بأنه لو ورد الفقير فلا يجوز إعطاء المسكين، لمكان التقابل بين المفهومين.

إلاّ أن يقال: بالأولوية العرفية، كما في: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ}(5) (راجع بحث فحوى الخطاب في الأصول).

ثم إنَّه قد يستشكل في دلالة الرواية؛ إذ الاستدلال بإطلاق «إن كانوا محتاجين».

وفيه: أن الاحتياج نوعان:

ص: 212


1- مباني منهاج الصالحين 6: 142.
2- وسائل الشيعة 22: 386.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 142.
4- الفقه 35: 225.
5- الإسراء: 23.

1- احتياج فقري.

2- واحتياج مسكنتي.

وحيث إن الرواية ليست في صدد البيان من هذه الجهة لا ينعقد لها إطلاق، إذ سؤال الراوي عن أصل جواز إعطاء الرجل قرابته مع الاحتياج، لا أن أية مرتبة من مراتب الاحتياج موضوع لجواز الإعطاء، فتأمل.

مضافاً إلى ما قيل من أن «الاحتياج مطلق» فيقيد بالروايات الدالة على لزوم «الاحتياج المسكنتي» فتأمل.

وقد أشبع السيد الوالد (رحمه اللّه) البحث في كتابه (الفقه)(1) فراجع.

قوله: [أضف إلى ذلك كله ما رواه إسحاق بن عمار(2):] فيه: أن الرواية خاصة بباب اليمين، والتعدي بحاجة إلى فهم مناط قطعي، وعهدته على مدّعيه، لاحظ نقيض ذلك منه(3) في البحوث الآتية، فإنه خصها باليمين.

وقوله (قدس سره) في المتن: [إما بإشباعهم] على الأحوط، وإن كان لا يبعد كفاية صدق «الإطعام» عرفاً، وهو يتحقق بأقل من مقدار الإشباع. نعم، لا يكفي في الصدق العرفي إطعام اللقمة ونحوها.

علق على قول الماتن: [وإما بالتسليم إليهم كل واحد مد] بقوله: [هذا هو المشهور، ويدل على المدعى ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر

ص: 213


1- الفقه 35: 224-228.
2- وسائل الشيعة 22: 386.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 146.

رمضان متعمداً، قال: «عليه خمسة عشر صاعاً لكل مسكين مد بمد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1)](2) قد يقال: إنَّ أدلة المدّ تقيد أدلة الإطعام، فيجب أن يكون الإطعام بالمدّ.

وفيه: أنه ليس تقييداً عرفياً. مع أنه لم يفهم أحد من الفقهاء - فيما نعلم - التقييد.

والظاهر - عرفاً - كفاية كل منهما، وكأنه جعل المدّ تخفيفاً وتسهيلاً.

هذا، وقد يقال: إن الإطعام يصدق على إعطاء المد. فلو أن شخصاً كان يقدم للعوائل الفقيرة كل شهر «الأُرز» لقيل: إنه يطعم العوائل الفقيرة، ولو لم يكن مطبوخاً، فتأمل.

ويدل عليه أو يؤيده خبر سماعة: (وعليه إطعام ستين مسكيناً مد لكل مسكين».

قوله: [مع التصريح بكفاية المد في المقام] فيحمل «مدان» على الأفضلية.

وقوله (قدس سره) في المتن: [ويجزي مطلق الطعام من التمر والحنطة والدقيق والأُرز والماش وغيرها مما يسمى طعاماً](3) هنالك شبهة، وهي: أن الواجب الإطعام، ولا يشترط في الكلمة تطابق المشتق مع ما اشتق منه، راجع ما كتبه السيد الوالد في (الفقه)(4).

ص: 214


1- وسائل الشيعة 10: 48.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 143.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 143-144.
4- الفقه 35: 234-235.

إلاّ أن الظاهر عرفاً هو أن الإطعام هو إعطاء الطعام، فالشبهة مندفعة، فتأمل.

قوله: [لا إشكال في أن الإشباع لا بد من أن يكون على النحو المتعارف من إشباعهم بالطعام المطبوخ](1) فيه نظر؛ إذ لو قدم لهم السّلَطة المشكلة من مختلف الفيتامينات «كالجزر والخضار والزيتون ودهن الزيتون والخل» فلعله يصدق الإطعام، فتأمل.

ومع الغض عن ذلك نقول: الأعراف قد تختلف، فلو تعارف في بلدٍ أو قرية أكل الطعام نيئاً فيها - كما في أكل اللحم نياً في لبنان - فلا إشكال في صدق الطعام والإطعام. وقد ذكروا اختلاف الحكم باختلاف الأعراف، كما فيما لا يؤكل في باب السجود، والكيل والوزن في باب الربا.

قوله: [لا بد من أن يكون على النحو المتعارف من إشباعهم] الحمل على المعنى المتعارف من الأمور المسلمة في الفقه والأصول في كثير من القضايا، ولزيادة الاطلاع يمكن مراجعة بحث أن الألفاظ تحمل على المتعارف.

قوله: [قد ورد في رواية أبي بصير(2) في عداد الأطعمة الخبز، ومقتضى إطلاقه عدم تقيده بكونه من الحنطة، فما الوجه في الاحتياط المذكور في المتن] الوجه أن الرواية خاصة باليمين، واستفادة كون الخبز من الدقيق لعله بالأولوية، أو لوحدة المناط - عرفاً - لا لرواية أبي

ص: 215


1- مباني منهاج الصالحين 6: 144.
2- وسائل الشيعة 22: 381.

بصير، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، الأحوط في كفارة اليمين الاقتصار على الحنطة ودقيقها وخبزها] (1) لكن يمكن المناقشة فيه كما ناقشه السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2) بأنّ المستفاد عرفاً كل طعام، فلاحظ.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجزي في الكفارة إشباع شخص واحد مرتين...](3) يشمل الواحدة.

قوله (قدس سره) في المتن: [... أو إعطائه مدين أو أكثر] كما يجوز الإطعام بعددهم.

قوله: [لاحظ رواية أُخرى ليونس عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين، أيعطي الصغار والكبار سواء، والنساء والرجال، أو يفضل الكفار على الصغار والرجال على النساء؟ فقال: كلهم سواء»(4). فإنها صريحة في التسوية، والرواية وإن كانت واردة في إطعام عشرة مساكين، ولكن لا يحتمل الفرق من هذه الجهة بين العشرة والستين](5) عرفاً، ولو احتمل محتمل الفرق لأبدى العرف استغرابه.

ص: 216


1- مباني منهاج الصالحين 6: 144.
2- الفقه 35: 234-235.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 144.
4- وسائل الشيعة 22: 387.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 145.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكيلاً عنهم في القبض] علق عليه الشارح بقوله: [إذ اللازم في الإعطاء تمليك المسكين المد، فإذا لم يكن الفقير ولياً أو وكيلاً لا يتحقق الامتثال] بل الإعطاء أو الإطعام ونحوهما، وقد وردت هذه في النصوص، أما «يطعم» فكثيراً(1)، وأما «الإعطاء» ففي رواية إسحاق بن عمار(2)، وأما التصدق ففي رواية أبي بصير(3) وغيره.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم إذا كانوا كباراً، وان كانوا صغاراً صرفه في مصالحهم] يكفي في التصرف عدم المفسدة، ولا يجب وجود المصلحة.

قوله: [لا يجوز التصرف في ملك الغير. نعم، يجوز التصرف مع الإذن إذا كان قابلاً للإذن، كما أنّه يجوز إذا كان مولى عليه، ويكون التصدق في ملكه على طبق مصالحه](4) على الخلاف المعروف في أنّ اللازم وجود المصلحة أو عدم المفسدة.

قوله: [التصدق إذا كان بالبذل لا بالإعطاء، فهل يكفي الصغير عن الكبير أم لا؟](5) أي الإطعام، لكن قد يقال: إن الإطعام في الروايتين يشمل البذل والإعطاء، وقد ذكرنا وجهه فيما تقدم من أن المد جعل للتخفيف،

ص: 217


1- وهي روايات عديدة مذكورة في وسائل الشيعة 22: أبواب الكفارات.
2- وسائل الشيعة 22: 386.
3- وسائل الشيعة 22: 382.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 145.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 145.

وصدقه على الإطعام على مَنْ قدم للفقراء مد من الأُرز.

قوله: [ما رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه: «أن علياً (عليه السلام) قال: من أطعم في كفارة اليمين صغاراً أو كباراً فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير»(1). وهذه الرواية ضعيفة بالنوفلي](2) لكن قرر في علم الرجال ملازمة النوفلي للسكوني عادةً، وحيث عملت الطائفة بروايات السكوني فلازمه توثيق النوفلي.

قوله (قدس سره) في المتن: [مسألة: زوجة الفقير] علق عليها الشارح فقال: [الظاهر أنّ ما أفاده مبني على ما تعرضوا له في كتاب الزكاة من عدم جواز أخذ مثلها] الظاهر إمكان الاستدلال بطريق أقرب، وهو: أن الموضوع المأخوذ في المقام ليس محققاً في مثلها؛ إذ هو عبارة عن المسكين، وهذه لا يقال لها: مسكينة.

قوله (قدس سره) في المتن: [زوجة الفقير إذا كان زوجها باذلاً لنفقتها على النحو المتعارف](3) أي المقدار الواجب لا المتعارف بين الناس، إذ قد يكون المتعارف دون الواجب، أو فوقه، فليس المتعارف ملاكاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [زوجة الفقير... لا يجوز إعطاؤها من الكفارة إلا إذا كانت محتاجة](4) هل كل احتياج إلى شيء كافٍ في صدق عنوان

ص: 218


1- وسائل الشيعة 22: 387.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 146.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 146.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 146.

«المسكين»؟ أو أن الاستدلال بقوله: (إن كانوا محتاجين) في رواية إسحاق بن عمار(1)، اذا فرض استفاده العموم منه. وقد تقدم تفصيل البحث حول الاحتياج في رواية إسحاق بن عمار، فراجع.

قوله: [يمكن استفادة المدعى من النص الوارد في أن المحترف ليس فقيراً، لاحظ ما رواه زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا

تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي، ولا لمحترف ولا لقوي. قلنا: ما معنى هذا؟ قال: لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكفَّ نفسه عنها»(2)](3) الاستفادة مبنية على أنه في قوة التعليل، أي (لأنه يقدر). ونظيره أن نقول لشخص: (لا يحل لك أن تأخذ هذا وأنت غير محتاج)، أو (لا يحل لك أن تدخل داره وهو غير راضٍ) فإنه يستفاد - عرفاً - التعليل، والعلة تعمم وتخصص.

قوله (قدس سره) في المتن: [تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين، ولا تتوقف البراءة على أكله الطعام](4) انطباق عنوان (الإعطاء) المذكور في: «فيعطيه الرجل قرابته»(5) واضح، وكذا عنوان (التصدق) المذكور في: «تصدق على ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً لكل مسكين مدين»(6)، أما عنوان

ص: 219


1- وسائل الشيعة 22: 386.
2- وسائل الشيعة 22: 386.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 147.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 147.
5- وسائل الشيعة 22: 386.
6- وسائل الشيعة 22: 382.

(الإطعام) فبمجرد التمليك غير واضح الصدق؛ إذ لا يقال (أطعمه)، بل (ملّكه الطعام) أو (عرض عليه الطعام) أو (بعث إلى بيته الطعام).

وحيث إن هذه العناوين لا يقيد بعضها بعضاً بالفهم العرفي، فيكفي تحقق أحدها، وعليه يتم ما في المتن، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [فيجوز له بيعه عليه وعلى غيره](1) وعليه يمكن أن يبرأ ذمته بإعطاء مدّ واحد لستين مسكيناً، بأن يعطيه لأحدهم ثم يشتريه منه، أو يستوهبه، ثم يعطيه للآخر، وهكذا إلى تمام الستين.

قوله (قدس سره) في المتن: [تجزي حقة النجف، التي هي ثلاث حقق اسلامبول وثلث عن ستة أمداد] وبالكيلوات المتعارفة يعادل كل مدّ واحد حوالي ثلاثة أرباع الكيلو تقريباً.

قوله: [أما وجوب القضاء فلتركه الصوم بالإخلال بالنية](2) فإن المشروط عدم عند عدم شرطه، وحيث لا نية فلا صوم.

قوله: [وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم دليل عليها، إذ الكفارة مترتبة في النصوص على استعمال المفطر، والمفروض عدم استعماله](3) فإن بعض النصوص ذكر فيها إتيان الأهل(4)، أو نكاح امرأته(5)،

ص: 220


1- مباني منهاج الصالحين 6: 147.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 148.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 148.
4- وسائل الشيعة 10: 49.
5- وسائل الشيعة 10: 48.

أو اللزوق بأهله(1).

وبعض النصوص وإن احتوت على عنوان (من أفطر)(2) إلاّ أن ظاهر هذا العنوان، أو المنصرف منه، أو القدر المتيقن في مقام التخاطب منه، هو إتيان المفطرات المعهودة.

قوله: [إن قلت: إذا كان الصوم يبطل بنية الإفطار لانهدام الصوم بالاخلال بالنية](3) فأنتم بين محذورين:

الأول: إما أن تقولوا «نية الإفطار غير مفطرة وغير مبطلة» فلا بد حينئذٍ من رفع اليد عما في المتن.

الثاني: أو تقولوا «إنها مفطرة» وحينئذٍ لا تجب الكفارة على المفطرات العشرة، لأن الإفطار حصل بالنية سابقاً، وتحصيل الحاصل محال، كما أن الأكل بعد الأكل لا يكون مفطراً.

قلت: تطرقنا لهذا البحث سابقاً. وخلاصة ما قيل أو يقال في المقام:

أولاً: أنه لا مانع من تحقق الإفطار بعد الإفطار، فأنه هو الشق، ويمكن حصول الشق بعد الشق - كما في خرق الثوب -. وذلك كما في الجماع، فإن كل جماع يوجب الكفارة. وأما سائر المفطرات فالأدلة منصرفة عن الثاني من وجوداتها، فتأمل.

ثانياً: أن المراد بكونها مفطرة كون نية إتيانها مفطرة. فحاصل الأدلة أن

ص: 221


1- وسائل الشيعة 10: 49.
2- وسائل الشيعة 10: 55.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 148.

مَنْ أتى بما يكون نية إتيانه مفطراً فعليه الكفارة.

ثالثاً: ما ذكره الوالد (رحمه اللّه) في كتابه (الفقه)(1) من اندراج الأضعف تحت الأقوى حين اجتماعها، كما لو قتل إنساناً بالإدماء، فإنه لا تجب عليه دية الإدماء، بل القتل، وكذلك إذا ذهب نور بصره بالقلع، فما نحن فيه كذلك، فإطلاق المفطر على المفطرات العشرة باعتبار أقوى العلتين، وذلك أخذاً بظاهر الدليلين، أي «ما يدل على أن النية مفطرة»، وما «يدل على أن المفطرات العشرة مفطرة».

ومنه يظهر أنه لا فرق بين العرضيين - كما في مثال القلع - أو الطوليين - كما في مثال الإدماء -. .

رابعاً: إنَّ المصنف حمل - ظاهراً - نصوص الكفارة على:

أ- أن المراد استعمال العشرة بعد النية، فعليه الكفارة.

ب - أن المراد >من نوى الإفطار وتعقب النية» استعمال العشرة فيمن أفطر، أي استعمل العشرة على الأول، و«من أفطر» أي نوى العشرة، على الثاني.

ويمكن أن يقال: (تأييداً لما ذكره): إن «أفطر» في المصطلح الشرعي ليس عبارة عن مطلق الشق، بل استعمال هذه العشرة، وإنما أُطلق عليها المفطرات باعتبار أن نيتها مفطرة أو نحو ذلك.

وأما عدم النية فليس من المفطرات الشرعية المصطلحة، بل هو من مبطلات الصيام. ولا يخفى أن الشق الثاني (ب) ذكرناه في الثاني من خلاصة ما يقال.

ص: 222


1- الفقه 35: 264.

قوله: [لا إشكال في أن المستفاد من النصوص من حيث المجموع أن الكفارة مترتبة على استعمال المفطر، لا على انهدام الصوم وبطلانه، والعرف يفهم منها كذلك، فإن جملة من النصوص الدالة على الكفارة أخذ في موضوعها الوقوع على الأهل، أو إتيان الأهل، أو نكاح امرأته](1) وجملة منها وإن ذكر فيها «الإفطار» إلاّ أنه مضى الجواب عنها فيما تقدم. وخلاصته: ان ظاهر هذا العنوان أو القدر المتيقن في مقام التخاطب هو إتيان المفطرات المعهودة.

قوله: [في المقام شبهة، وهي: أنه لو أخل بالنية من الليل بأن لم ينو الصوم، فلا يصدق عنوان الصائم عليه، ومع عدم صدق هذا العنوان لا يصدق الإفطار، ولازمه عدم تحقق الكفارة ولو مع استعمال المفطر؛ لعدم تحقق الموضوع فرضاً. إلا أن يقال: حيث إن الإمساك واجب عليه يصدق عنوان الإفطار على استعمال المفطر](2) وهو كذلك عرفاً، فإنه يقال: «المفطرون» للفساق الذين لا ينوون الصوم.

قوله: [كما هو مقتضى القاعدة الأولية؛ إذ المفروض أنه لم يأت بالمأمور به ففات منه الصوم] لكن قد يقال: إن القاعدة الثانوية قلبت مقتضى القاعدة الأولية، وهي قوله (عليه السلام) : «أي رجل ركب أمراً بجهالة»(3)

ص: 223


1- مباني منهاج الصالحين 6: 148.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 149.
3- تهذيب الأحكام 5: 72-73.

ونحو ذلك، فتأمل. وقد أجاد السيد الوالد في (الفقه)(1) في ذلك.

قوله: [المفروض أنه لم يأت بالمأمور به ففات منه الصوم، فيجب القضاء] نعم، كان له مؤمن وهو استصحاب بقاء الليل، بناءً على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

إلاّ أن هذا المؤمّن ظاهري، ومن المقرر أن الأمر الظاهري لا يقتضي الإجزاء. ولو قيل بوجوب الفحص كان بلا مؤمّن أيضاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا كان مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل فلا قضاء] بنفسه، وأما إذا اعتمد على أخبار مخبر - ولو كان ثقة - فبان طلوع الفجر فعليه القضاء.

وقوله (قدس سره) في المتن: [واعتقاد بقاء الليل] اعتقاداً جزمياً أو اطمئنانياً.

قوله: [مقتضى إطلاق حديث الحلبي(2) وجوب القضاء هنا أيضاً](3) الظاهر أنه لا إطلاق له، بل هو ظاهر في عدم الفحص، ولو فحص لتبين، لأن فيه مؤونة زائدة، فتأمل.

قوله: [حديث سماعة بن مهران، قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان، قال: إن قام فنظر فلم ير الفجر فأكل، ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع الفجر

ص: 224


1- الفقه 35: 275-277.
2- وسائل الشيعة 10: 115.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 149.

فليتم صومه، ويقضي يوماً آخر؛ لأنه بدأ بالأكل قبل النظر، فعليه الإعادة»(1)](2) هذه علّة، والعلة تعم، فيدل على أنّ النظر كافٍ في الإجزاء مطلقاً، ولو كان الصوم مندوباً أو واجباً غير معيّن.

إلاّ أن يقال: إن المشهور لم يفهموا العلّية، بل كونها حكمة.

أو يقال: العلّية معارضة بسائر الروايات التي توجب القضاء، إلاّ أن يقال: الجمع يقتضي حمل الأمر بالقضاء على الاستحباب، لكنه غير عرفي، فتأمل.

قوله: [أما الكفارة فعدم وجوبها لعدم المقتضي؛ إذ هي متفرعة على الإفطار العمدي، والمفروض أنه لم يفطر عمداً](3) بل أفطر مع وجود المؤمن - على مبنى المشهور - وهو استصحاب بقاء الليل، بناءً على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، إلا انه مؤمن ظاهري، ومن المقرر أن الأمر الظاهري لا يقتضي الإجزاء.

قوله: [ربما يقال: بانه لو كان في المعيّن يكون مجزياً مع المراعاة ويكون مثل شهر رمضان] الذي له قضاء، لأنه المستفاد من قوله (عليه السلام) : «اقضه»(4).

قوله: [والدليل عليه حديث معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : أمر الجارية تنظر الفجر فتقول: لم يطلع بعد فآكل، ثم انظر

ص: 225


1- وسائل الشيعة 10: 115-116.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 149-150.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 150.
4- وسائل الشيعة 10: 118.

فأجد قد طلع حين نظرت، قال: «اقضه أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء»(1)](2)

هذا دليل على أنّ الإفطار اعتماداً على خبر مخبر - ولو كان عادلاً - موجب للقضاء.

قوله: [وهذه الرواية مروية في الكافي مع الاختلاف في المتن، ففيه قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : أمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا فتقول: لم يطلع فأكل، ثم انظره فأجده قد طلع حين نظرت، قال: تتم يومك ثم تقضيه أما أنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضائه»(3)](4) لعل هذه الجملة دليل على كون الصوم صوم شهر رمضان، فإن الإتمام فيه واجب، فتأمل.

قوله: [فعلى هذا يقع التعارض بين حديث معاوية حسب نقل الفقيه وذيل رواية الحلبي](5) ففي حديث معاوية لا شيء عليه مع المراعاة، سواء أكان في شهر رمضان أم في غير شهر رمضان.

وأما حديث الحلبي ففي غير شهر رمضان عليه الإفطار راعى أم لم يراعِ.

وقوله: [التعارض] لو فرض التعارض فهو كما ذكر.

لكن قد يقال: لا تعارض؛ لأن الظاهر - في أمثال المقام - اتحاد الروايتين،

ص: 226


1- وسائل الشيعة 10: 118.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 150.
3- الكافي 4: 97.
4- هكذا في المصدر، والصحيح (قضاؤه).
5- مباني منهاج الصالحين 6: 151.

وحيث إنّ الكافي أضبط، يكون هوالمقدّم.

مضافاً إلى أنّه لو دار الأمر بين (عدم الزيادة) و (عدم النقيضة) يقدم الأول، فتكون رواية الكافي مقدّمة.

مع أنّه قد يدّعى أنّ ظاهر الرواية - خصوصاً بقرينة «اقضه» - كونه في شهر رمضان، أمّا كونه منذوراً معيناً - مثلاً - ففيه مؤونة زائدة، ولو كانت لبين ذلك في الرواية.

تبقى قضية التعليل في حديث سماعة، وقد ذكرنا ما فيها، وأنها تعم فيدل على أن النظر كافٍ في الإجزاء مطلقاً، ولو كان الصوم مندوباً أو واجباً غير معين، ويؤيد فهم الروايات الأخرى الدالة على لزوم القضاء - وقد بحثها السيد الوالد موسعاً في (الفقه)(1) - والجمع بالاستحباب غير عرفي كما مضى.

وأيضاً: التعليل مضاد بتعليل مضاد (لأنك أكلت مصبحاً) في الموثق(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [الخامس: الإفطار قبل دخول الليل لظلمة ظن منها دخوله، ولم يكن في السماء غيم](3) الظاهر عدم وجوب القضاء ولا الكفارة.

والمسألة لا تخلو من إشكال؛ لعدم دلالة الروايات فتحتاج إلى مراجعة جديدة.

ص: 227


1- الفقه 35: 277-278.
2- وسائل الشيعة 10: 117.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 151.

فالرواية الاولى(1): ظاهرة في القطع أو هو القدر المتيقن منها.

والثانية(2): لم يعلم كونها «لرجل ظن» أو «رجل ظن» وعلى الأول فالقدر المتيقن منها: الظن المعتبر في خصوص الغيم، فتأمل.

والثالثة(3): لا يعلم أنها صحيحة أو لا؟

قوله: [والوجه في وجوب القضاء بطلان الصوم بالإفطار، فإن مقتضى القاعدة الأولية وجوبه، ولا دليل على السقوط](4) الدليل موجود، وهو الروايات التي سنتعرض لها تبعاً، كرواية زرارة الثانية.

قوله تعليقاً على قول الماتن: [وجوب الكفارة]: [ما أفاده على طبق القاعدة؛ إذ مع عدم العلم بدخول الليل وجداناً أو تعبداً يجب عليه الامساك بمقتضى الاستصحاب، فيكون إفطاره إفطاراً عمدياً](5).

والخلاصة: أن مقتضى الاستصحاب ترتيب ما يترتب على العلم الوجداني - من الآثار الشرعية - فلو علم علماً وجدانياً بالنهار فافطر فعليه القضاء والكفارة، فكذا لو علم وجدانياً بالنهار فافطر فعليه القضاء والكفارة، فكذا لو علم علماً تعبدياً - ولو بواسطة الأصل المحرز - كما في نظائر المقام، فإن استصحاب حياة زيد يترتب عليه ثبوت آثار الحياة التكوينية

ص: 228


1- وسائل الشيعة 10: 122.
2- وسائل الشيعة 10: 123.
3- وسائل الشيعة 10: 123.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 151.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 152.

الواقعية، والخلاصة: أنّه لا فرق في ترتب الآثار الشرعية بين (الحياة التكوينية) و(الحياة التعبدية) والمفروض ثبوت الأخيرة بالاستصحاب، فكذا في المقام.

قوله: [إن المستفاد من الروايات أن غيبوبة الشمس بلحاظ كون الغيم في السماء](1) الظاهر كونه أعم؛ إذ قد يكون للغبار أو الدخان أو الظلمة، وكون الغالب سببية الغيم لا يوجب ثلم الإطلاق، لما ذكر في كثرة الوجود.

قوله: [ولا بد من حمل الرواية(2) على مورد قيام حجة على تحقق الغروب كي يجوز الإفطار](3) لا ملازمة بين الحكم التكليفي والوضعي؛ إذ قد يكون الإفطار محرّماً، لكن الشارع رفع عنه وجوب القضاء إرفاقاً.

قوله: [إن المستفاد من الرواية(4) أنه أفطر لحصول الظن المعتبر على دخول الليل وسقوط القرص](5) بل مطلق، كما ظهر مما تقدم.

قوله: [وحيث إن الظن بالليل لا بد له من منشأ، فيحمل الحديث على صورة غيم في السماء الموجب للظن] بل مطلقا كما ظهر مما تقدم.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب الكفارة]

ص: 229


1- مباني منهاج الصالحين 6: 152.
2- وسائل الشيعة 10: 122.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 152.
4- وسائل الشيعة 10: 123.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 152.

مراده فيما لو كان الظنّ غير معتبر، كما هو واضح.

قوله: [فيحمل الحديث على صورة غيم في السماء الموجب للظن. ويؤيد المدعى ما رواه أبو الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل صام ثم ظن أن الشمس غابت وفي السماء غيم فأفطر، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال: قد تم صومه ولا يقضيه»(1)](2) عبر عنها السيد الوالد (رحمه اللّه) في كتابه (الفقه)(3) بالصحيحة.

قوله: [ويعارض هذه الروايات ما رواه أبو بصير وسماعة(4)، فإن مقتضى هذه الروايات وجوب القضاء، فلا بد من رفع التعارض](5) ويمكن رفع التعارض بالحمل على الاستحباب، كما عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(6)، فتأمل.

قوله: [والذي يختلج بالبال أنْ يقال: إنّ المستفاد من الحديث الثاني لزرارة(7) أن الظان بدخول الوقت وتحقق الليل إذا أفطر لا قضاء عليه](8) قد يشكل بأنّ الرواية في قضية شخصية خارجية، فلا إطلاق

ص: 230


1- وسائل الشيعة 10: 123.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 152-153.
3- الفقه 35: 297.
4- وسائل الشيعة 10: 121.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 153.
6- الفقه 35: 296.
7- وسائل الشيعة 10: 123.
8- مباني منهاج الصالحين 6: 153.

لها، فلعل ظنه كان ظناً معتبراً، ولعل المنشأ وجود العلّة في السماء، ولعل العلّة هي الغيم لا غيره، فتأمل.

نعم، الرواية الأولى(1) مطلقة - ظاهراً - فإنّ غيبوبة القرص قد تكون بالغيم أو الدخّان أو غيرهما، لكن تلك الرواية ظاهرة في صورة العلم بالغيبوبة، أو هو المنصرف منها، أو هو القدر المتيقن، فتأمل.

لكن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه قال: «إنّ إطلاقه شامل لما يتقين، أو الليل، أو ظن»(2) فهو أعم، وإلاّ لو قيل بالإطلاق لزم صورة الشمول للشك والوهم، فتأمل.

إلاّ أن يقال: في الرواية الثانية أنّ الظاهر فهم زرارة موضوعية الظنّ بما هو ظن، فلو كان هناك قيد آخر دخيل لقيده به، وفهمه حجة.

وبتقرير آخر: إنّ زرارة ينقل لنا أن الظن له موضوعية، أي: أنّه في مورد الظن بلا قيد قال الإمام (عليه السلام) : «ليس عليه قضاء»(3) ونقل الراوي للموضوع حجة، كما قرر في علم الرجال، فلاحظ.

وعن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(4): «رجل ظنّ»، لا >لرجل ظن» خصوصاً وأنّ الضمير غائب «ليس عليه». وأمّا تقييد هذه الروايات بغير شهر رمضان لأن رواية أبي بصير(5) فيه، فغير عرفي.

ص: 231


1- وسائل الشيعة 10: 122.
2- الفقه 35: 297.
3- وسائل الشيعة 10: 123.
4- الفقه 35: 297.
5- وسائل الشيعة 10: 121.

قوله: [وأما مع عدم الظن المعتبر فيمكن الاستدلال على عدم وجوب الكفارة بالأولوية؛ إذ لو لم يكن القضاء واجباً فعدم وجوب الكفارة بالأولوية](1) أو لسكوت الأدلة عن وجوبها في مقام البيان.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما العلة التي تكون في السماء غير الغيم ففي إلحاقها بالغيم في ذلك إشكال، والأحوط وجوباً عدمه] (2) الظاهر الإلحاق. وقوله (قدس سره) : >غير الغيم» فيراد به كل شيء يوجب الظلمة غير الغيم المنصوص، كالدخان والغبار.

قول الماتن (قدس سره) : [إذا شك في دخول الليل لم يجز له الإفطار، وإذا أفطر أثم وكان عليه القضاء والكفارة] قال الشارح: [كما يقتضيه الاستصحاب، فإنه محكوم ببقاء اليوم، فإفطاره إثم وموجب للقضاء والكفارة. وإن شئت قلت: إنه عالم تعبداً] تقدم تقرير الاستصحاب، وخلاصته: أن مقتضاه ترتيب ما يترتب على العلم الوجداني من الآثار الشرعية، فكما يجب عليه القضاء والكفارة لو علم بالنهار فأفطر، كذا لو علم تعبداً بالأصل المحرز، وهو الاستحصاب.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا الحكم إذا قامت حجة على دخوله](3) الظاهر سقوط كلمة (عدم) فتكون العبارة: (قامت حجة على عدم دخوله).

ص: 232


1- مباني منهاج الصالحين 6: 154.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 154.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 154.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا قامت حجة على دخوله أو قطع بدخوله فافطر فلا أثم ولا كفارة. نعم، يجب عليه القضاء إذا تبين عدم دخوله] الظاهر عدم وجوب القضاء في صورة حصول القطع أو الظن.

أما القطع فللأولوية من الظنّ، كما هو ظاهر لعين الملاك والتقريب، واما التقييد بحصول الظن من الحجة فلأن الخارج من قاعدة الأولوية حصول الظنّ، فاذا لم يحصل له الظن يبقى مشمولاً للقاعدة الأولية.

إلاّ أن يقال بالاولوية، فإنّه إذا حصل له ظنّ غير معتبر وأفطر فلا قضاء عليه، فكيف إذا أفطر اعتماداً على قول العادل الذي جعله الشارع حجة، وإن لم يحصل له الظن الشخصي، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ظاهراً](1) بعد الفحص. وهذا مبني على مبنى وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

قوله (قدس سره) في المتن: [السادس: ادخال الماء إلى الفم بمضمضة وغيرها، فيسبق ويدخل الجوف، فإنه يوجب القضاء دون الكفارة] على الأحوط استحباباً.

قوله: [إنما الدليل على وجوب القضاء النص الخاص] حيث إن هنالك ثلاث طوائف:

الأولى: تدل على أنه لا قضاء مطلقاً ك(رواية عمّار)(2).

الثانية: تدل على أنه لا قضاء إن كانت المضمضة في وضوء، كرواية

ص: 233


1- مباني منهاج الصالحين 6: 155.
2- وسائل الشيعة 10: 72.

سماعة(1)، فتقيد الثانية الأولى.

الثالثة: تدل على أنه لا قضاء إن كان وضوؤه لصلاة فريضة ك(حديث حماد)(2) فتقيد الثالثة الثانية.

هذا، ولكن الظاهر أنّ الأولى نص في غير وضوء الفريضة، بل في المضمضة العادية، بدليل قوله (عليه السلام) «قد أساء» ولا إساءة في مضمضة الوضوء، فتكون آبية عن التخصيص.

وعلى هذا فتحمل الطائفتان الأخيرتان على مراتب الفضل، كما ذهب إليه السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(3).

اللّهم إلاّ أن يقال: بإعراض المشهور عن الطائفة الأولى.

وفيه: أنّ الإعراض دلالي لا سندي، وراجع جواب السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(4)، فتأمل.

قوله: [لاحظ ما رواه سماعة قال: «سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه، قال: عليه قضائه(5)، وإن كان في وضوء فلا بأس به»(6)](7) الرواية مضمرة، إلاّ أن يقال: إنّه من أجلاء الرواة،

ص: 234


1- وسائل الشيعة 10: 72.
2- وسائل الشيعة 10: 71.
3- الفقه 35: 312.
4- الفقه 35: 312-313.
5- هكذا في المصدر، والصحيح (قضاؤه).
6- وسائل الشيعة 10: 71.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 155.

أو غير ذلك من الأجوبة المذكورة في علم الرجال في بحث المضمرات.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا إذا كان في مضمضة وضوء الفريضة والتعدي إلى النافلة مشكل](1) لا إشكال فيه.

قوله: [يمكن أنّ يقال: إنه لا ارتباط بين الحديثين، فإن حديث عمار وارد في الوضوء، والمضمضة ليست داخلة] الظاهر أنّ المنصرف من الحديث هو المضمضة - لا أقل من الإطلاق - وعدم دخول المضمضة في الوضوء دقةً لا يقدح، لدخولها فيه عرفاً، أي أن الرواية تشمل المضمضة عرفاً. خصوصاً لو لوحظ أنّ دخول الماء بلا مضمضة نادر، فيكون الحمل المذكور حملاً للرواية على الفرد النادر، فتأمل.

ويؤيد ذلك قوله (عليه السلام) : في رواية سماعة: «وإن كان في وضوء»(2) الظاهر منه الظرفية، إلاّ أن يحمل على التعليل، مثل: «في هرّة» أي لأجل هرّة، لكنه خلاف الظاهر.

قوله (قدس سره) في المتن: [السابع: سبق المني بالملاعبة ونحوها إذا لم يكن قاصداً ولا من عادته، فإنه يجب فيه القضاء دون الكفارة](3) الظاهر وجوبها أيضاً.

قوله: [أما وجوب القضاء فلأن المفروض أنه أنزل بالاختيار، والانزال الاختياري بنفسه من المفطرات] الظاهر أنّه ليس اختيارياً لفرض

ص: 235


1- مباني منهاج الصالحين 6: 156.
2- وسائل الشيعة 10: 71.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 156.

سبق المنيّ، ثم هو نقيض ما ذكره المصنف فيما تقدم من (أنه لم يستعمل المفطر بالاختيار، وإنما الدليل على وجوب القضاء هو النص الخاص)(1).

قوله: [وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم التعمد في الإفطار، فلا مقتضي لوجوبها] الظاهر أنَّ وجوب الكفارة للنصوص الخاصّة، كإطلاق رواية العبث مع امرأته حتى يمني(2)، ورواية: «مَنْ لزق بأهله»(3)، ورواية: «يعبث بأمرأته...»(4). والنص في رواية حفص «فيسبقه الماء فينزل»(5). وإطلاق «فادفق»(6). والتعليلات «فلا لانه لا يؤمن»(7)، والتقييد «ما لم يخف على نفسه»(8)(9) بضميمة أن النهي في المركبات يفيد الوضع.

ثم كيف يجمع المصنف بين فتواه فيما تقدم(10) بأنّه من المفطرات، وأن المفطرات توجب الكفارة(11)، وبين قوله هنا بأنّه لا كفارة.

قول الماتن (قدس سره) : [أما إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الخروج فسبقه

ص: 236


1- مباني منهاج الصالحين 6: 156.
2- وسائل الشيعة 10: 40.
3- وسائل الشيعة 10: 40.
4- وسائل الشيعة 10: 39.
5- وسائل الشيعة 10: 39.
6- وسائل الشيعة 10: 40.
7- وسائل الشيعة 10: 97.
8- وسائل الشيعة 10: 97.
9- مباني منهاج الصالحين 6: 156.
10- مباني منهاج الصالحين 6: 65.
11- مباني منهاج الصالحين 6: 111.

المني اتفاقاً فالظاهر عدم وجوب القضاء] قال الشارح: [إذ المفروض أنه تحقق بلا اختيار، والإتيان بالمفطر إذا كان بالاختيار يكون مفطراً، مضافاً إلى النص الدال على المدعى، لاحظ محمّد بن مسلم وزرارة(1)](2) بضميمة: أن ظاهر «لا بأس» ونحوه: ليس الحكم التكليفي فقط، بل الوضعي أيضاً، أو الملازمة فيما بينهما.

ص: 237


1- وسائل الشيعة 6: 100.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 157.

الفصل الرابع: شرائط صحة الصوم ووجوبه

اشارة

وفيه مبحثان:

الأول: شرائط صحة الصوم

علق عليه الشارح بقوله: [كما تدل عليه جملة من الروايات، منها: ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «كل من دان اللّه عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه، ولا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، واللّه شانئ لأعماله إلى أن قال: وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق. واعلم يا محمّد، إن أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد»(1)](2) قد يقال: إن عدم القبول أعم من عدم الصحّة. وقد يجاب: بأنّه كذلك في اصطلاح الفقهاء، أمّا في مصطلح الروايات فالظاهر منه عدم الصحّة.

وأما قوله: «شانئ لأعماله» أي مبغض، والمبغوضية لا تجتمع مع العبادية والصحّة، إلاّ أن يقال: إنّ المبغوضية لها درجات، كالصلاة في الحمام

ص: 238


1- الكافي 1: 183-184.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 157.

والعبادات المكروهة.

وقد يجاب: بأن ظاهر المبغوضية البطلان، إلاّ أن يقوم دليل من الخارج.

وأيضاً «كرماد...» و «لا يقدرون».

ثم إنّه وردت في المقام روايات أُخرى تدل على المدعى فراجع.

قوله: [إجماعاً قطعياً - كما في بعض الكلمات - ويدل على المدعى جملة من النصوص، منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشي حاضت أتفطر؟ قال: نعم، وإن كان وقت المغرب فلتفطر»(1)](2) يمكن الاستدلال بالخبر الأول على حكم النفاس أيضاً، لأنّ كل ما هو ثابت للحيض ثابت للنفاس أيضاً على ما تقدم(3)، ويمكن الاستدلال بالأولوية وقيام الإجماع على ان النفساء كالحائض.

ويمكن الاستدلال بالخبر الثاني على حكم الحيض، بناءً على انعكاس هذه الموجبة الكلية بالعكس المستوي في خصوص المقام.

قوله: [وقوله (عليه السلام) في الرواية: «وإن كان وقت المغرب فلتفطر»] أي قربه، وإلاّ فلا معنى للإفطار.

قول الماتن (قدس سره) : [أتم صومه واجزأه] علق الشارح بقوله: [الظاهر أنه ناظر إلى أن المخالف إذا استبصر جازت أعماله التي أتى بها إلا

ص: 239


1- وسائل الشيعة 10: 227.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 158.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 51.

الزكاة لجملة من النصوص، منها: ما رواه بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: «كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم مَنَّ اللّه عليه وعرفه الولاية، فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة... الحديث»(1)](2) الرواية وإن كانت في الناصب، وكذا الرواية الأخيرة - وهي رواية ابن أُذينه، قال: كتب إلي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إن كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله، أو في حال نصبه، ثم مَنَّ اللّه عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه، ويكتب له إلا الزكاة، فإنه يعيدها؛ لأنه وضعها في غير موضعها، وإنما موضعها أهل الولاية، فأما الصلاة والصوم فليس عليه قضاؤهما»(3) - إلاّ أنّه يستفاد الصحّة في مطلق العامي بالأولوية.

وأمّا الرواية الثانية - وهي رواية الفضلاء كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليهما السلام) : أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء، الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر، ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم، أو زكاة أو حج، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لابد أن يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير مواضعها، وإنما مواضعها أهل الولاية»(4) - فالظاهر إطلاقها، وذكر الحرورية والمرجئة والقدرية الظاهر أنّه من باب المثال، فتأمل.

ص: 240


1- وسائل الشيعة 9: 216.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 159.
3- وسائل الشيعة 9: 216.
4- وسائل الشيعة 9: 216.

قوله: [الظاهر أنه ناظر إلى المخالف إذا استبصر جازت اعماله التي أتى بها إلا الزكاة](1) الظاهر أنّ الروايات ناظرة إلى صورة تمام العمل، أو هو المنصرف منها أو القدر المتيقن، واستفادة الشمول لأثناء العمل لعله بالأولوية، فإذا كان تمام العمل في حال عدم الإيمان صحيحاً لو تعقبه الإيمان، فبطريق أولى لو كان بعض العمل مع الإيمان، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا حدث الكفر أو الخلاف أو الجنون أو الحيض أو النفاس قبل الغروب بطل الصوم] المراد المغرب الشرعي.

ثم إنّ قول الماتن (قدس سره) في المتن: [بطل الصوم] علّق عليه الشارح بقوله: [لارتباطية أجزاء الصوم، وبعبارة أُخرى: الإمساك من الفجر إلى الليل عمل واحد، ومع فساد بعضه يفسد العمل كما هو ظاهر] ويدل عليه - في الجملة - بعض النصوص، مثل: رواية ابن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة تلد بعد العصر، أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال: تفطر وتقضي ذلك اليوم»(2).

قوله: [ما رواه صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم: قال «ليس من البرّ الصوم في السفر»(3)](4) وإذا لم يكن برّاً لم يكن عبادة فيكون باطلاً.

ص: 241


1- مباني منهاج الصالحين 6: 159.
2- وسائل الشيعة 10: 229-230.
3- وسائل الشيعة 10: 177.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 160.

قوله: [وما رواه الصدوق، قال قال الصادق (عليه السلام) : «ليس من البر الصيام في السفر»(1)](2)

في مراسيل الصدوق واعتبارها وعدمه بحث مذكور في علم الرجال، فراجع.

قول الماتن (قدس سره) : [سفراً يوجب قصر الصلاة] قال الشارح: [للملازمة بين الأمرين، كما هي(3) المستفاد من حديثي معاوية وسماعة)(4)](5) والملازمة طَرفينيّة، كما هو المستفاد من حديث معاوية.

قوله: [مقتضى حديث سماعة(6) أن صوم ثلاثة أيام يجب أن يقع في الحج، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين أن يقع في السفر بلا قصد الاقامة وبين وقوعه في محل الإقامة، ومقتضى أدلة عدم جواز الصوم في السفر عدم الفرق بين هذه الثلاثة وغيرها من الصيام، وحيث إن النسبة بين الدليلين العموم من وجه يقع التعارض بينهما](7) لو فرض التعارض والتساقط يكون المرجع أصل البراءة، ومقتضاه جواز إيقاعه في السفر، مضافاً لما ذكره الشارح(8) من أنّ إطلاق المخصص مقدّم على

ص: 242


1- وسائل الشيعة 10: 177.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 160.
3- هكذا في المصدر، والصحيح (هو).
4- وسائل الشيعة 10: 184.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 161.
6- وسائل الشيعة 10: 200.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 162.
8- مباني منهاج الصالحين 6: 162.

إطلاق العام، لاحظ التأمل الذي ذكره في الدليلين وهوامشهما(1).

قوله: [على فرض التعارض يقدم دليل الثلاثة؛ لكونه موافقاً مع الكتاب، مضافاً إلى أنه لا مجال لهذه المناقشة، فإنه استثنى في نفس الرواية](2) لأنّه موافق لإطلاقه، راجع بحث التعادل والتراجيح في الأصول.

قوله: [ويدل على المدعى ما رواه ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: «عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة، أو في الطريق أو في أهله»(3). فإن المستفاد من الحديث - لا سيما مع التخيير بين إيقاعها في مكة أو إيقاعها في الطرق - جواز إيقاعها في حال السفر، وإن أبيت فلا أقل من الإطلاق، فإن قلنا بالتساقط يكون المرجع أصل البراءة](4) أو يقال: إنّ العبادة يجب أن تثبت مشروعيتها، فمع الشك يكون الأصل عدم الجواز.

وهو مثل ما إذا شككنا أنّ صلاة تسع ركعات متواصلة مشروع أو لا، فإن الأصل عدم الجواز لا البراءة، فتأمل.

قوله: [ولسيدنا الأستاذ كلام في المقام - على ما في التقرير - وهو أنه: (على فرض تسليم الإطلاق في حديث ضريس يكون مقدماً على

ص: 243


1- مباني منهاج الصالحين 6: 162.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 162.
3- وسائل الشيعة 13: 558.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 163.

إطلاق دليل المنع من الصوم في السفر، بدعوى: أن إطلاق المخصص مقدم على إطلاق العام)(1)](2) مثل ما لو قال «أكرم العلماء»، ثم قال «لا تكرم زيداً». فزيد له حالات: كالصحّة والمرض والغنى والفقر، ففي حال فقره - مثلاً - يقدم «لا تكرم » لا «أكرم العلماء».

وبعبارة أُخرى: ظاهر التخصيص أنّه إخراج للفرد من العام بكل أحوال الفرد، وبثالثة: للمخصص إطلاق - أو عموم - أفرادي وأحوالي، وهو مقدم على الإطلاق - أو العموم - الأفرادي والأحوالي للعام.

قوله: [الإنصاف أن ما أفاده غير تام... وفي المقام ليس كذلك لأنّ الموضوع في ذلك الدليل الصيام في السفر، والموضوع في هذا الدليل صيام ثمانية عشر بدلاً عن النحر، فلا يكون ما بين الموضوعين عموماً وخصوصاً مطلقين] بل عموم من وجه، كما مضى نظيرهُ من الشارح(3) في الثلاثة أيام، التي هي بعض العشرة بدل الهدي لمن عجز عنه، فصيام ثمانية عشر يوماً تفترق مع «لا صوم في السفر» بصيامها مع قصد الإقامة، وتجتمع مع عدم قصد الإقامة فيما تفترق (لا صوم في السفر) مع صيام الثمانية عشر يوماً في سائر الصيام.

ولكن مع ذلك أدلة «الصيام» مقدمة؛ لظهورها في عدم نية الإقامة، وكون الصوم في السفر، كما أنَّ العرف لا يرى تعارضاً بين الدليلين، فهو

ص: 244


1- شرح العروة الوثقی 21: 464.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 163.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 162.

منصرف عن صورة قصد الإقامة، فيكون مخصصاً لدليل عدم الجواز.

قوله: [ويدل عليه من النصوص ما رواه علي بن مهزيار(1)، وهذه الرواية واضحة الدلالة على المدعى، وكونها مضمرة لا يوجب سقوطها عن الاعتبار، إذ مضمرها مثل ابن مهزيار، وهو من الأجلاء](2) مضافاً لما ذكر في بحث «المضمرات».

قوله: [كما أن ذكر المرض مع السفر لا يوجب رفع اليد عن دلالة الرواية على المدعى في المقام] ورواية علي بن مهزيار هي: قال: كتب بندر مولى إدريس: يا سيدي، نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب (عليه السلام) وقرأته: «لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض، إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت منه من غير علّة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين، أسأل اللّه التوفيق لما يحب ويرضى»(3) والإشكال عليها بظهور الرواية في جواز الصوم حال المرض فيه: أوّلاً: يمكن كون اسم الإشارة يتعلق بحالة السفر فقط بقرينة القرائن الخارجية، ولا مانع من تخصيص الإطلاق بمخصص.

وثانياً: يمكن القول بجواز ذلك - أو وجوبه - لو لم يكن المرض شديداً، وقد ذكر ذلك السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(4).

ص: 245


1- وسائل الشيعة 10: 195.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 164.
3- وسائل الشيعة 10: 195-196.
4- الفقه 35: 380-381.

قوله: [أن جعل كفارة الحنث بالنحو المذكور والحال أنّ كفارة حنث النذر ليست كذلك لا يوجب رفع اليد عن الرواية](1) إذ فيه: أنه ذكره في المقنع بلفظ «عشرة» مكان «سبعة»، على ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2).

قوله: [وبعبارة أُخرى: سقوط بعض الفقرات الواردة في الرواية لا يقتضي رفع اليد عن بقية فقراتها، كما هو ظاهر](3) ينبغي مراجعة البحث؛ إذ بناء العقلاء ليس على الآخذ في صورة سقوط بعض فقرات المنقول.

مثلا: لو جاء ناقل وقال أنه «مات زيد وعمرو في الحريق» فثبت أنّ زيداً لم يمت، فهل يأخذون بالفقرة الثانية؟

أمّا الادلة اللفظية، فلعلها منصرفة عن مثل تلك الصورة، مضافاً إلى أنّ مبنى البعض كونها إرشاداً لما عليه بناء العقلاء، فتأمل.

قوله: [ويدل على المدعى أيضاً: ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لم يكن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصوم في السفر تطوعاً ولا فريضة»(4)] قد يقال: إنّه لا يدل على الحرمة، منتهى الأمر دالة على المرجوحية - كسائر العبادات المكروهة - لالتزام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالترك.

ص: 246


1- مباني منهاج الصالحين 6: 164.
2- الفقه 35: 380.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 164.
4- وسائل الشيعة 10: 204.

قوله: [وفي قبال هذه النصوص روايات ربما يتمسك بها على الجواز، منها: مرسل إسماعيل(1)، وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال وغيره. ومنها: ما أرسله الجمال(2)، وهذه الرواية كسابقتها مرسلة لا اعتبار بها، ومنها: ما رواه سليمان الجعفري(3)](4) قد يتمسك بهذه الروايات:

أولاً: باعتبار رواية الكافي لبعضها(5)، وقد ضمن الكليني ما فيه، (راجع الفقه)(6). لكن المعروف: عدم حجية ضمان الكليني.

ثانياً: بالانجبار بعمل الأكثر، على المحكي (راجع الفقه)(7).

وفيه نظر.

ثم إنه لو فرض حجّية هذه الروايات لتعارضت مع الروايات المتقدمة، ولا جمع دلالي مع (لا يحل) و (معصية) فالظاهر التساقط، ويكون الأصل في العبادات عدم المشروعية، أو البراءة على ما اختاره المصنف فيما تقدم(8)، ولاحظ الحاشية.

ص: 247


1- وسائل الشيعة 10: 203.
2- وسائل الشيعة 10: 203.
3- وسائل الشيعة 10: 203.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 165.
5- الكافي 4: 130-131.
6- الفقه 35: 390.
7- الفقه 35: 388.
8- مباني منهاج الصالحين 6: 163.

وذهب الوالد (رحمه اللّه) إلى التخيير (الفقه)(1)، ومثله السيد الخونساري (رحمه اللّه) في بعض المسائل من (جامع المدارك) وهو بحاجة إلى تأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر إلا ثلاثة أيام للحاجة في المدينة](2) على الأحوط الأولى.

ووجهه أن رواية معاوية بن عمار - عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء، وتصلي ليلة الاربعاء عند إسطوانة أبي لبابة، وهي إسطوانة التوبة التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء، وتقعد عندها يوم الأربعاء...»(3) - مطلقة في صدرها: «صمت».

نعم، في ذيلها: «وسل حاجتك». فربما يقال: إنّ هذه القرينة متصلة، وهي تمنع عن انعقاد إطلاق للصدر.

وفيه: أنّه - عرفاً - غير مانع مع هذه الفاصلة الطويلة.

وقد تكررت هذه الكلمة في الأدعية «وتسأل حاجتك». وهي لا تدل على أن الورود في مورد كون الدعاء للحاجة، بل أعم من كونه له أو لسبب آخر، فتأمل. وراجع بقية الروايات التي أوردها السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(4) في الباب، كصحيح الحلبي(5).

ص: 248


1- الفقه 35: 390-391.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 164-165.
3- وسائل الشيعة 10: 202.
4- الفقه 35: 392.
5- وسائل الشيعة 14: 351.

قوله (قدس سره) في المتن: [إلا ثلاثة أيام للحاجة في المدينة](1) الأحوط اختصاص الأيام الثلاثة بالأربعاء والخميس والجمعة.

قوله: [ومقتضى هذه الرواية(2) اختصاص الثلاثة أيام بالأربعاء والخميس والجمعة، ولا وجه للإطلاق](3) الوجه: ما عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(4) من دلالة بعض المطلقات، مضافاً إلى أن بناءهم على عدم تقييد المستحبات بالقيود ولو المذكورة في نفس الرواية.

وقد يناقش بضعف إسناد الروايات المذكورة، فلا تنهض في قبال الأدلة التي تدل على عدم المشروعية في السفر.

والظاهر التقييد في القيود المذكورة في نفس الرواية، إلاّ ما خرج بالدليل، كالمستحبات المذكورة في هذه الرواية، خصوصاً بقرينة فهم الفقهاء، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم](5) أو بالخصوصيات الحكمية؛ وذلك لإطلاق بعض روايات الباب، فإن المتيقن من الرواية الأولى - رواية عبد اللّه بن علي الحلبي(6) وإن كان أصل

ص: 249


1- مباني منهاج الصالحين 6: 165.
2- وسائل الشيعة 10: 202.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 166.
4- الفقه 35: 391.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 166.
6- وسائل الشيعة 10: 179.

الحكم، إلاّ أن الرواية الثانية - رواية عيص بن القاسم(1) - تعم الجهل بأصل الحكم أو بالخصوصيات الحكمية، وكذلك بعض الروايات الأُخرى.

قول الماتن (قدس سره) : [إن علم في الأثناء بطل] قال الشارح: [لخروج المفروض عن تحت النصوص المشار إليها، ومقتضى القاعدة الأولية البطلان، والخروج عن الأصل الأولي يحتاج إلى دليل](2) إذ إنها كلها تضمنت القضاء، وهو لا يصدق إلاّ بانتهاء العمل.

قول الماتن (قدس سره) : [يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام، كناوي الإقامة والمسافر سفر معصية ونحوهما] علق عليه بقوله: [للملازمة الموجودة بين الأمرين المستفادة من النص، لاحظ حديثي معاوية(3) وسماعة(4)](5) الظاهر أن المستفاد منهما أربعة أحكام:

الأول: إذا قصر أفطر وهو بالمنطوق.

الثاني: إذا أفطر قصر.

الثالث: إذا لم يقصر لم يفطر، وهو بالمفهوم (أي إذا أتم صام).

الرابع: إذا لم يفطر لم يقصر، وهو بالمفهوم (أي إذا صام اتم).

والاستدلال في المقام استدلٌ بالمفهوم.

ص: 250


1- وسائل الشيعة 10: 180.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 167.
3- وسائل الشيعة 10: 184.
4- وسائل الشيعة 10: 184.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 167.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يصح الصوم من المريض](1)، فيه إشكال، نعم، لو كان الضرر بالغاً لم يصح، والوجه فيه: أن الأمر بالإفطار في مقام توهم وجوب الصوم يفيد الجواز، أي أن المقام مقام توهم حظر الإفطار، فالأمر بالافطار يدل على جوازه.

والتقرير غير ثابت، والوجوب بمعنى الثبوت. والسياق لا يدل، على ما سيأتي في حاشية قول الشارح: (تدل عليه جملة من النصوص).

وأما لو كان مضراً ضرراً بالغاً فهو مبغوض، والمبغوض لا يصلح للمقربية. كما ذكروا نظيره (في الطواف بالثوب الغصبي أو غير المخمس. وكذا بالوضوء أو الغسل بماء مغصوب، أو مصب مائه مغصوب...).

ويؤيد ذلك فتوى المصنف(2)، بجواز الإفطار مع الحرج إن أراد بالجواز معناه الأخص - لا وجوب الإفطار - مع أنّ ظاهر الآية الكريمة عدم جعل الحكم أصلاً.

وعن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(3): أنّ الحكم امتناني، وهو لا يدل على رفع المشروعية، بل رفع الوجوب.

فتحصّل أن الضرر على ثلاثة أقسام:

الأول: طفيف جداً.

الثاني: الضرر الشديد.

ص: 251


1- مباني منهاج الصالحين 6: 167.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 170.
3- الفقه 36: 106.

الثالث: حالة الوسط.

قوله: [ادعي عليه عدم الخلاف تارة، والإجماع أُخرى، وتدل على المدعى الآية الشريفة(1)](2) بالنسبة إلى صوم شهر رمضان.

قوله: [كما أنه تدل عليه جملة من النصوص] الرواية الأولى - وهي رواية سماعة، قال: سألته ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار، كما يجب عليه في السفر {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}(3)؟ قال: «هو مؤتمن عليه، مفوض إليه، فإن وجد ضعفاً فليفطر، وإن وجد قوة فليصمه، كان المرض ما كان»(4) - دالة على عدم الصحّة لقول السائل: «يجب على صاحبه فيه الإفطار» وتقرير الإمام (عليه السلام) ذلك، وللسياق حيث جعل في عداد السفر، إلاّ أن يقال: إنّ الوجوب بمعنى الثبوت، وهو أعم من الوجوب.

والسياق ليس دليلاً، إلاّ أنّ ذلك لا يلغي الظهور العرفي في الوجوب، خصوصاً وأنه ليس سياقاً فقط، بل تنظيراً.

وللأمر «فليفطر» بضميمة أن وجوب الإفطار لا يجتمع مع محبوبية ضده؛ إذ لا يجتمع حب الضدّين، وإرادة الضدين، والأمر بالضدّين، فتكون العبادة بلا إرادة ولا محبوبية ولا أمر، وهو يقتضي البطلان.

ص: 252


1- البقرة: 184.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 167.
3- البقرة 185.
4- الكافي 4: 118.

أمّا الثانية - وهي رواية عمر بن أذينة - قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) أسأله ما حد المرض الذي يفطر صاحبه، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة من قيام؟ فقال: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}(1)، وقال: ذلك إليه هو أعلم بنفسه»(2) - فلا دلالة فيها على وجوب الإفطار، بل قوله «يفطر» ينسجم مع الوجوب والجواز، إلاّ أن يستدل بالسياق، فتأمل.

والرواية الثالثة - وهي رواية عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : في الرجل يجد في رأسه وجعاً من صداع شديد، هل يجوز له الإفطار؟ قال: «إذا صدع صداعاً شديداً، وإذا حم حمى شديدة، وإذا رمدت عيناه رمداً شديداً، فقد حلّ له الإفطار»(3) - تدل على الحلية، وهي أعم من الحلّية بالمعنى الأعم والأخص.

والرابعة - وهي رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن حد ما يجب على المريض ترك الصوم؟ قال: «كل شيء من المرض أضر به الصوم فهو يسعه ترك الصوم»(4) - تدل على أنه يسعه ترك الصوم.

فالعمدة الآية الكريمة في خصوص شهر رمضان، والرواية الأولى من مجموع ما ذكره المصنف في المقام.

ص: 253


1- القيامة: 14.
2- وسائل الشيعة 10: 220.
3- وسائل الشيعة 10: 220.
4- وسائل الشيعة 10: 222.

وكذا الرواية القادمة، وهي رواية حريز، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر»(1) ف- «أأفطر» جملة خبرية، وهي تدل على الوجوب، وبضميمة إلغاء الخصوصية يتعدى إلى كل مرض يخاف منه، إلاّ يناقش من أنه حكمة لا علة، فلا يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، أي أنها علة للتشريع لا للحكم.

قوله: [ما رواه سماعة قال: سألته ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار، كما يجب عليه في السفر {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}(2) قال: هو مؤتمن عليه، موفض إليه، فإنْ وجد ضعفاً فليفطر، وإن وجد قوة فليصمه كان المرض ما كان(3)](4) كأن الراوي أراد الاستشهاد بالآية الكريمة.

قول الماتن (قدس سره) : [ومنه الأرمد إذا كان يتضرر به] قال الشارح: [بلا إشكال فإن المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي ذلك، ولا يبعد أن تكون الأدلة منصرفة إلى هذه الصورة](5) مضافاً إلى التعليل من الآية الكريمة: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}(6) إلاّ أن يقال: إنّه حكمة

ص: 254


1- وسائل الشيعة 10: 218.
2- البقرة: 185.
3- وسائل الشيعة 10: 220.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 167-168.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 168.
6- البقرة: 185.

لا علة، ولذا لا يدور الحكم مدارها وجوداً أو عدماً، أي أنها علّة للتشريع لا الحكم، إلاّ أن يردّ بأن ذلك لا يلغي ظهور الآية الكريمة في المدّعى.

وأيضاً لو كان المرض له موضوعية بما هو هو لبان؛ لأن أكثر الناس ربما يكونون مرضى، فكان المفروض أن يكثر السؤال والجواب حول ذلك، ولبان عدم الوجوب، فتحصل من الادلة:

1- الانصراف.

2- مناسبة الحكم والموضوع.

3- التعليل في الآية الكريمة.

4- لو كان لبان.

5- التصريح في جملة من النصوص الشريفة.

قول الماتن (قدس سره) : [لإيجابه شدته أو طول برأه أو شدة ألمه] قال الشارح: [كل ذلك للإطلاق، فإنه يصدق في جميع هذه الصور أن الصوم يضر به فلا يجوز](1) فيكون مشمولاً ل- «أضر به الصوم» الورادة في رواية علي بن جعفر(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [بالمقدار المعتد به] الملاك صدق إضرار الصوم به عرفاً، وأنه لا يكون من اللوازم الطبيعية للصوم، كالصداع الخفيف مثلاً.

ومن هنا يظهر أن الملاك كونه «كصومه» عرفاً لا دقة(3).

قول الماتن (قدس سره) : [كل ذلك بالمقدار المعتد به] قال الشارح:

ص: 255


1- مباني منهاج الصالحين 6: 169.
2- وسائل الشيعة 10: 222.
3- راجع ما أفاده الشارح في مباني منهاج الصالحين 6: 169 الهامش (2) [منه (رحمه اللّه) ].

[ويمكن أن يكون الماتن ناظراً فيما أفاده إلى ما رواه عمار(1)، فإن المستفاد من هذه الرواية أن وجع الرأس إن كان شديداً يوجب الإفطار](2) ويمكن أن يكون النظر إلى أن المقدار غير المعتد به لازم قهري للصيام، فإنّ كل صائم يحس عادةً بصداعٍ أو نحو ذلك.

والحكم إذا جعل في مورد له لوازم قهرية طبيعية لا ترفع تلك اللوازم الحكم، وقد ذكروا في قاعدة: «لا حرج، ولا ضرر» أنهما لا يرفعان المقدار الطبيعي في الأحكام.

قوله: [كفاية صدق الخوف في جواز الإفطار مستفاد من حديث حريز(3)](4) بضميمة أنّه لا فرق - عرفاً، بين الرمد وغيره. إلاّ أن يقال: إن للرمد خصوصية باعتبار ارتباطه بالعين، وهي عضو حساس، فلا يتعدى إلى ما هو أقل منها حساسية وأهمية، أو يقال: إنّ الخصوصية محتملة، والتعدي بحاجة إلى الجزم بعدم الخصوصية، فتأمل.

نعم، فيما هو أخطر يوجد دليل «الفحوى» وفيما هو مساوٍ يفهم العرف عدم الخصوصية، خاصّة فيما يرتبط بنفس العين.

قول (قدس سره) في المتن: [ولا فرق بين حصول اليقين بذلك والظن والاحتمال الموجب لصدق الخوف](5) بشرط كونه عقلائياً.

ص: 256


1- وسائل الشيعة 10: 220-221.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 169.
3- وسائل الشيعة 10: 218.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 169.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 169.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا لا يصح من الصحيح إذا خاف حدوث المرض، فضلا عما إذا علم ذلك](1) بالقيد المذكور سابقاً.

قوله: [الظاهر أنه لا فرق بين الرمد وغيره من الأمراض] فيه نظر قد تقدم، وخلاصته: أن للرمد خصوصية ارتباطه بالعين، وهي عضو حساس، وعلى الأقل من القول إنها محتملة الخصوصية.

قوله: [الظاهر أنه لا فرق بين الرمد وغيره من الأمراض، فإن حكم الأمثال واحد] هذا متوقف على ثبوت المثلية.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا لا يصح من الصحيح إذا خاف حدوث المرض] مضى الإشكال فيه. نعم، لو كان الضرر بالغاً لم يصح.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا خافت حدوث المرض] بالشرط المتقدم.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يكفي الضعف في جواز الإفطار، ولو كان مفرطاً، إلا أن يكون حرجا] بشرط أن لا يكون من اللوازم الطبيعية للصوم.

قول الماتن (قدس سره) : [حرجاً] أو ضرراً بالشرط المتقدم.

قول الماتن (قدس سره) : [لا يكفي الضعف في جواز الإفطار، ولو كان مفرطاً] قال الشارح: [لعدم صدق المرض على الضعف] مضافاً إلى طروّه غالباً، خاصة في أيام الصيف الطويلة، وخصوصاً للعمال وأمثالهم (راجع ما قاله السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2) ولاحظ قضية الخندق.

قوله: [إلا أن يكون حرجياً فيجوز الإفطار، ويجب القضاء بعد

ص: 257


1- مباني منهاج الصالحين 6: 170.
2- الفقه 36: 105-108.

ذلك] قال الشارح: [إذ الحرج يرفع التكليف فلا يجب](1) بالشرط المتقدم، أما إذا كان من اللوازم الطبيعية فلا، على ما تقدّم سابقاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [فيجوز الإفطار، ويجب القضاء بعد ذلك، وكذا إذا أدى الضعف إلى العجز عن العمل اللازم للمعاش، مع عدم التمكن من غيره] المسألة: من باب التزاحم، فلا بد من لحاظ الأهم وتقديمه.

قوله (قدس سره) في المتن: [من غيره] وكذا عدم امكان الاستقراض ونحوه، بدون حرج أو ضرر، أمّا إذا إمكن الاستقراض ونحوه بدونهما فهو واجب.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو كان العامل بحيث لا يتمكن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش](2) ظهر الكلام فيه مما تقدم.

قول الماتن (قدس سره) : [الأحوط فيهم الاقتصار في الأكل والشرب على مقدار الضرورة، والإمساك عن الزائد] قال الشارح: [لم يظهر لي وجه الاحتياط المذكور؛ إذ المفروض أنه ليس مكلفاً بالصوم](3) لكنه يطلق عليه أنه صائم عرفاً، هذا أولاً.

وثانياً: لم يؤخذ موضوع الصائم في الدليل بل ورد «الرجل يصيبه العطاش» إلاّ أن يقال: الظاهر أن المراد الصائم، كما استظهره الشارح.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط فيهم] مضى التأمل في أن معنى «العطاش» أي العطش، أو يكون ذا عطاش.

ص: 258


1- مباني منهاج الصالحين 6: 170.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 170-171.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 171.

قوله (قدس سره) في المتن: [الاقتصار في الأكل والشرب على مقدار الضرورة، والإمساك عن الزائد](1) كما يجب عليه الإمساك عن سائر المفطرات على الأحوط.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان الخلاف، ففي صحة صومه إشكال] مضى الإشكال في استلزام الضرر لبطلان الصوم مطلقاً، وإن كان ذلك غير مؤثر فيما ذكره المصنف في المقام.

قوله: [الحق أن يفصل في المقام بان يقال: إن كان المستند لعدم وجوب الصوم الأدلة الدالة عليه من الآية والرواية فالصوم باطل، والوجه فيه أن مَنْ يضر به الصوم بمقتضى الآية والرواية خارج عن تحت موضوع الحكم] مضى الإشكال في ذلك، وخلاصته: إنه لو كان مضراً فهو مبغوض، والمبغوض لا يصلح للمقربية.

قوله: [ولا دليل على صحة عمله] الدليل ما ذكرناه، مضافاً إلى وجدانه للملاك كما سيأتي.

قوله: [بل مقتضى الأصل فقدان عمله للملاك والمصلحة](2) فيه: أن الأصل بالعكس؛ لاستصحاب الملاك، بناءً على جريانه عند الشك في المقتضي. راجع مباحث استصحاب الملاك في الأصول في مباحث «الضدّ»، وراجع الترتب وغيره: حيث ذكر أن الكاشف عن ثبوت الملاك

ص: 259


1- مباني منهاج الصالحين 6: 171.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 172.

هو الأمر، فإذا أسقط لم يدل دليل على بقائه، وتأمل.

قوله: [إن كان الدليل قاعدة نفي الضرر وقلنا بحكومتها على أدلة الأحكام ورفعها في موارد الضرر، لكن المكلف اعتقد عدم الضرر وصام، ففي هذا الفرض يكون صومه صحيحاً] هنا تقريران للصحّة:

الأول: ما أفاده في المستند: أن «لا ضرر امتناني، و رفع الوجوب في هذه الصورة ورفع المشروعية ليس امتنانياً، بل خلاف المنّة».

وأجاب عنه الشارح(1): بأن الامتنان ليس تابعاً لأوهام المكلّف، فالكبرى - رفع الوجوب، ولك أن تسميها الصغرى - غير تامّة.

وهذا الجواب بحاجة إلى تأمل؛ إذ الظاهر - عرفاً - أنه خلاف الامتنان، وإن احتمل - عقلاً - كون الحكم بالبطلان منّة على المكلف، حيث إن أثره وجوب القضاء، ولعل القضاء - في حال الصحة - امتنان على المكلف لفوائده الدنيوية أو الأُخروية.

الثاني: ما أفاده الشارح: من أن لا ضرر امتناني، ولا يتم الامتنان إلاّ في مورد وجود الملاك، وإلاّ فلا معنى للامتنان.

مثلاً: لو كان المقتضي لضرب الولد موجوداً فإنا نمنُّ عليه بعدم الضرب، أمّا لو لم يكن موجوداً فلا معنى للمنّة، وهكذا الحال في أخذ ضرائب الدولة.

قوله: [إن المستفاد من الدليل على المشهور نفي الأحكام الضررية، ومن الممكن أن الأحكام الضررية لا ملاك في متعلقاتها](2)

ص: 260


1- مباني منهاج الصالحين 6: 172.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 172.

فالشارح قال: «لا ضرر» ليس لأجل الامتنان، بل لأجل بيان أنّ الأمور الضررية لا ملاك فيها ولا أمر.

قوله: [فلا تصل النوبة إلى البحث عن مفاد القاعدة] بل تصل لما ذكرناه، إلاّ أن الظاهر أن «لا ضرر» مبتلى بنفس الإشكال، حيث إنّه في موارد توهم الوجوب أو الحرمة يكون مفاد «لا ضرر» أنّه لا حظر في الاجتناب أو الارتكاب، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل](1) مضى التأمل في بطلان الصوم بالأضرار غير البالغة.

والخلاصة: أنّ الصوم باطل في صورتين.

الأولى: اذا لم يتمشَ منه قصد القربة.

الثانية: إذا بان الضرر.

أمّا لو تمشى منه القصد أو بان عدم الضرر فإنّه صحيح.

قوله (قدس سره) في المتن: [باعتقاد الضرر أو خوفه] بالشرط المتقدم.

قوله: [قد ظهر مما تقدّم أنه لابد من التفصيل بأن نلتزم بالبطلان إذا كان المستند الآية أو الرواية؛ لعدم تمشي قصد القربة منه] الظاهر أنّ عوام الناس قد يتمشى منهم القصد حتى مع العلم بالنهي - كمن يصلون في الدار المغصوبة مع علمهم بالنهي - راجع بحث الوضوء بالماء المغصوب، فبان غير مغصوب في العروة(2)؟

ص: 261


1- مباني منهاج الصالحين 6: 172.
2- العروة الوثقى 1: 418-419.

ثم إنه قد يكون جاهلاً بالحكم فتتمشى منه القربة.

قوله: [إن كان المستند قاعدة لا ضرر يصحّ لإمكان تمشي قصد القربة منه](1) مضى عليه إشكالان منه:

الأول: أن المفاد النهي لا النفي.

الثاني: لم يعلم كونه امتنانياً.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يبعد الحكم بالصحة إذا بان عدم الضرر بعد ذلك] قال الشارح: [لا إشكال في هذه الصورة؛ إذ لا وجه للبطلان كما هو المفروض](2) وجه البطلان أنّ ظاهر الأدلة أنّ «الخوف» تمام الموضوع لوجوب الصيام(3)، فبمقتضاه يكون خارجاً من تحت موضوع الحكم، وبزوال الخوف ينقلب الموضوع.

لكن قد يجاب: بأنّ الخوف ظاهر في الطريقية لا الموضوعية.

قول الطبيب:

قوله (قدس سره) في المتن: [قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو خوفه وجب لأجله الإفطار].

في إطلاقه إشكال كما مضى، إلا إذا كان الضرر بالغاً فلا يصح؛ لأن الأمر بالإفطار في مقام توهم وجوب الصوم يفيد الجواز.

ص: 262


1- مباني منهاج الصالحين 6: 172-173.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 173.
3- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 168 (منه (رحمه اللّه) ).

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذلك إذا كان حاذقاً وثقة](1) وكذا إذا كان عادلاً، بناءً على أنّ قول العدل حجة ولو لم يكن ثقة، وراجع مباحث الاجتهاد والتقليد: في أنّ قول العدل غير الثقة حجة أو لا؟ وأنه هل تشترط الخبروية أو لا؟

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا لم يكن مطمئناً بخطأه](2) قال الشارح: [إذ مع الاطمئنان بالخطأ لا يكون قوله حجة، فإن الأمارات حجة ما دام الشك، وإلا فلا أثر لها](3) راجع المنتقى(4) أوائل مبحث القطع في أنّ الاطمئنان مرتبة من مراتب العلم.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا قال الطبيب لا ضرر في الصوم وكان المكلف خائفاً وجب الإفطار](5) خوفاً عقلائياً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا برئ المريض قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجدد النية لم يصح صومه] المراد به المريض الذي لا يصحّ منه الصوم، وقد مضى أنّ المراد: المرض المعتد به، وأمّا غير المعتد به فلا مانع من الصوم فيه، وعليه يجوز تجديد النية ما دام وقت النية باقياً. كما مضى التأمل في المرض غير الضار ضرراً بالغاً.

ص: 263


1- مباني منهاج الصالحين 6: 173.
2- كذا في المصدر، والصحيح (بخطئه).
3- مباني منهاج الصالحين 6: 173.
4- منتقى الأصول 4: 33.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 173.

قوله: [لعدم الدليل على الصحة، بل الدليل قائم على البطلان، إذ المفروض كونه مريضاً، والمريض ليس عليه الصوم] فهو فاقد للشرط في بعض اليوم، ولا فرق في انتفاء المشروط بين فقدان الشرط كلياً أو جزئياً.

قوله: [إن شئت قلت: إنّ المستفاد من الأدلة تقسيم المكلف إلى الصحيح والمريض، والصحيح يجب عليه الصوم، والمريض يجب عليه الإفطار، والمفروض في المقام كون المكلف مريضاً](1) والتقسيم قاطع للشركة.

قوله: [أما على تقدير عدم كونه مضراً فالظاهر أن الوجه في الفساد من ناحية النية](2) فلا يكون مانع حينئذٍ من جهة الضرر، وإنما ينفي الإشكال من جهة النية؛ وذلك لما سبق من أنّ المرض الذي يوجب الإفطار هو المرض الذي يضرّ، والذي لا يضر لا يوجب الإفطار، وأما إفطاره فلعله لتخيل الضرر، أي لخوفه، فتأمل.

قوله: [تقدّم في بحث النية أنه يمكن القول بجواز تجديد النية بمقتضى إطلاق بعض النصوص] على التفصيل أنه مرّ في وقت النية.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط استحباباً أن يمسك بقية النهار] الظاهر أنّ مراده في شهر رمضان، فراجع.

ص: 264


1- مباني منهاج الصالحين 6: 174.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 174.

قوله (قدس سره) في المتن: [يصح الصوم من الصبي](1) المميز.

قوله (قدس سره) في المتن: [يصح الصوم من الصبي كغيره من العبادات] الظاهر أنّ مراده أن عبادته شرعية لا تمرينية (لاحظ آثار ذلك في الاجتهاد والتقليد للوالد (رحمه اللّه) ).

فقد ذكر في الاستدلال على المدّعى ثلاثة أدلة:

الأول: الأمر بالأمر أمر بالشيء؛ إذ إن ولي الصبي اُمر بأن يأمره بالصوم على ما جاء في رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: «إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش والغرث(2) أفطروا، حتى يتعودوا الصيام ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام، فإذا غلبهم العطش أفطروا»(3).

الثاني: الأمر المباشر، كما استدل به المصنف بما رواه سماعة، قال: سألته عن الصبي متى يصوم؟ قال: «إذا قوي على الصيام»(4)، بل يمكن الاستدلال حتى بالرواية الأولى (إنا نأمر صبياننا).

الثالث: الإطلاقات والرفع امتناني، على ما أفاده في المستمسك(5) من أن إطلاق أدلة مشروعية العبادات عدم الفرق بين الكبير والصغير، وحديث

ص: 265


1- مباني منهاج الصالحين 6: 175.
2- الغرث: الجوع. الصحاح، مادة >غرث».
3- وسائل الشيعة 10: 234.
4- وسائل الشيعة 10: 234.
5- مستمسك العروة الوثقى 8: 423.

رفع القلم(1) عن الصبي حتّى يحتلم امتناني لا يصلح أن يرفع المشروعية.

قوله: [لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) الحديث(2)](3)

الاستدلال في وضعين:

الأول: قوله: (إنا نأمر صبياننا) ولا نحتمل الفرق بين صبيانهم وسائر الصبيان من هذه الجهة. لكن فيه: أن الفرق بين ال- (السبع) و (التسع) مذكور في الرواية، فلا وجه لاستفادة العموم، فتأمل.

الثاني: قوله: (فمروا صبيانكم) فالأمر بالشيء يكون أمراً بذلك الشيء.

قوله: [ويمكن الاستدلال على المدعى بما رواه سماعة، قال: سألته عن الصبي متى يصوم؟ قال: «إذا قوي على الصيام»(4)] ومعناه «يصوم» والجملة خبرية تدل على الإنشاء.

قوله: [ويدل على المدعى بالنسبة إلى الصلاة ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن أبيه قال: «إنا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين»(5)](6) والاستدلال بالرواية بموضعين - أيضاً - نظير مامضى ، ومضى التأمل فيه. إلاّ أن يقال: إنَّ الفرق في السن لا في أصل الأمر.

ص: 266


1- وسائل الشيعة 1: 45.
2- وسائل الشيعة 10: 234.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 175.
4- وسائل الشيعة 10: 234.
5- وسائل الشيعة 4: 20.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 175.

ثم إن قول الشارح: (بالصلاة) لاحظ الفرق. ففي الصيام ذكر في السن (سبعاً) و(تسعاً)، وأما في الصلاة فذكر (خمساً) و(سبعاً) ولعل ذلك لما في الصوم من مشقة لا تتحمل للصبيان عادة.

قوله: [فإذا علمنا بصحة صومه وصلاته نعلم بصحة بقية عباداته أيضاً] لعلّه للأولوية، حيث إنهما أهم العبادات، أو لعدم القول بالفصل، أو للاستفادة العرفية.

قوله: [التكليف إذا رفع عن الصبي كما هو المفروض، فلا دليل على بقاء المشروعية، وإن شئت قلت: الموضوع قلم التكليف، وحديث الرفع يرفعه، فما الدليل على بقاء المشروعية؟](1) الدليل هو أن (الرفع)(2) رفع القلم، وهو ظاهر في العبادات في رفع الوجوب لا الجواز والمشروعية.

والخلاصة: أن البالغ يحرم عليه أن ينظر إلى الأجنبية، فحديث الرفع يرفع (الحرمة)، والبالغ (الصلاة واجبة عليه) فحديث الرفع (يرفع الوجوب). وظاهره: (أنه ليس واجباً امتناناً) بقاء المشروعية بالدلالة العرفية. فلا يقال: إن الفعل لو انتفى فلا دليل على بقاء الجنس فهو نظير ما لوكلف المولى ابنه بشيء، ثم قال: رفعته عنك في وقت الحرّ امتناناً، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب من قضاء شهر رمضان](3) يدل عليه عدة روايات، منها: ما رواه

ص: 267


1- مباني منهاج الصالحين 6: 176.
2- وسائل الشيعة 1: 45.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 176.

الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوع؟ فقال: لا حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان»(1)، وكذا ما رواه زرارة(2)

وأبو الصباح الكناني(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [أو غيره] قال الشارح: [لما رواه الحلبي وأبو الصباح جميعاً، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شيء من الفرض»(4) ولا وجه لحمل المطلق على المقيد في المقام؛ إذ المفروض أن كليهما مثبتان، فلا تنافي بينهما، وأيضاً لا مفهوم للمقيد كي يقيد به المطلق](5) الظاهر: أنه ليس استدلالاً جديداً، بل هو شرط في القاعدة السابقة.

وتوضيحه: أن المثبتين لا تنافي بينهما بشرط أن لا يكون أحدهما ذا مفهوم، وإلاّ لزم الانقلاب في الموضوع؛ اذ لو كان ذا مفهوم كان مركباً من الإثبات والنفي، فيقيد به المثبت الآخر.

مثلاً: لو قال هنا: (لا يجوز أن يتطوع وعليه شيء من الفرض)، وقال: (لا يجوز أن يتطوع إذا كان عليه شيء من شهر رمضان)، فالجملة الثانية تنحل إلى (لا يجوز إذا كان عليه شيء من شهر رمضان)، و(يجوز إذا لم يكن عليه شيء منه).

ص: 268


1- وسائل الشيعة 10: 346.
2- وسائل الشيعة 10: 345-346.
3- وسائل الشيعة 10: 346.
4- وسائل الشيعة 1: 346.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 177.

وحينئذٍ نستطيع أن نقول: إن مفهوم الجملة الثانية يقيد إطلاق الجملة الأولي.

مثال أوضح لو قال: (اكرم العلماء) و(اكرم العلماء العدول)، فلا تنافي بينهما، لكونهما مثبتين.

أمّا لو قال: (أكرم العلماء إن كانوا عدولاً) فإن المفهوم يقيد الجملة الأولى، فلاحظ.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا نسي أن عليه صوماً واجباً فصام تطوعاً فذكر بعد الفراغ صح صومه](1) مشكل.

وقوله: [الناسي لا يمكنه الإتيان بالفرض](2) وأيضاً ينتقض بالمسافر، فإنه لا يستطيع أن يصوم الواجب، فهل يستطيع أن يصوم المندوب؟ كثلاثة أيام للحاجة في المدينة، لو قلنا بجواز الصوم المندوب في السفر، وإن ذهب صاحب العروة(3) إلى عدم الجواز، لكن أشكل فيه الوالد (رحمه اللّه) (4).

قوله: [انصراف دليل المنع عن هذه الصورة وانصرافه إلى صورة تمكن المكلف عن الإتيان بالفرض، وحيث إنَّ الناسي لا يمكنه الإتيان بالفرض يجوز له الإتيان بالنفل](5) بل يمكنه الاتيان بالفرض

ص: 269


1- مباني منهاج الصالحين 6: 177.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 177.
3- العروة الوثقى 3: 614.
4- الفقه 35: 390-391.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 177.

باحتمال الوجوب الواقعي(1).

قوله: [بدعوى انصراف دليل المنع عن هذه الصورة... يرد على هذه المقالة... لا نرى وجهاً للانصراف، فإن الموضوع مَنْ عليه الفرض، وهذا يصدق حتّى في حال النسيان] والحاصل: إنّ الأوامر والنواهي المتعلقة بالمركبات ظاهرة في الوضع، فهذا شرط في صحّة الصوم المندوب، وبالإخلال بالشرط ينتفي المشروط.

وعليه، فلا وجه للتقييد بالنسيان، بل الجهل القصوري كذلك. كما عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [الظاهر جواز التطوع لمن عليه صوم واجب استيجاري](3) فيه إشكال.

قال الشارح: [لانصراف دليل المنع، فإنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شيء من الفرض»(4) بما أنه صوم، والواجب في الإجارة الوفاء بالعقد وتسليم مملوك الغير](5) ووجهه - مضافاً لما في المتن - أمور:

ص: 270


1- راجع الأصول بحث الأمر المجعول هل يمكن أن تكون له داعويّة أو لا؟ وكذا بداية مباحث الأصل في العمل بالظن (منه (رحمه اللّه) ).
2- الفقه 36: 44-45.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 177.
4- وسائل الشيعة 10: 346.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 177-178.

الأول: ندرة الصوم الاستيجاري سابقاً، فلا يأتي للذهن. وفيه: أن الندرة لا توجب الانصراف.

الثاني: أنّه صوم الآخرين لا صومه، وفيه: أنّه بقبول الإجارة يكون «عليه» فينطبق العنوان المأخوذ في الرواية.

قوله: [وللمناقشة فيما ذكر مجال؛ إذ أي فرق بين المقام والصوم الواجب بالنذر](1) الفرق أنّه «صومه» والاستيجار صوم الآخرين كما سبق في الثاني من وجوه الانصراف، وإن كان محلاً للإشكال.

قوله (قدس سره) في المتن: [كما أنه يجوز إيجار نفسه للصوم عن غيره، إذا كان عليه صوم واجب] فيه إشكال إذا قيدت الإجارة بصومه قبل الإتيان بالواجب.

الثاني: شرائط وجوب الصوم

البلوغ والحضر وعدم الإغماء، وعدم المرض والخلو من الحيض والنفاس، علق الشارح على عدم الإغماء بقوله: [الظاهر أنه لم يرد دليل بالنسبة إلى الإغماء، وكونه كالجنون لا دليل عليه] بل الدليل قائم - ظاهراً - على عدمه، وتؤيده الروايات الدالة على «إغماء الأئمة (عليهم السلام) »(2) إلاّ إذا قيل: إنّها عبارة عن الضعف الذي ظنّه الراوي إغماءً.

هذا، ولو قبل التأويل أمكن أن يقال: إنّ المغمى عليه لا عقل له حالة الأغماء، فيكون مشمولاً للأدلة الدالة على اعتبار العقل، مثل «إياك آمر

ص: 271


1- مباني منهاج الصالحين 6: 178.
2- الصحيفة السجادية: 514.

وإياك أنهى»(1) إلاّ أن يقال: بانصرافها، إلاّ أن يقال: إنّه بدوي. وقد أيد السيد الوالد (رحمه اللّه) في كتابه (الفقه)(2) أنّه مشمول لأدلة فاقد العقل، فراجع.

قوله: [لا فرق بين النوم والإغماء، فإذا نوى الصيام بالليل ثم أُغمي عليه إلى الليلة الآتية يمكن الالتزام بصحة صومه](3) موضوع كلام المتن حول شرائط الوجوب، والمصنف انتقل إلى الصحّة وعدمها، ولم يظهر الوجه؛ إذ قد يكون الأمر ثابتاً والصحّة منتفية، كما في الكافر مثلاً. وأثر الأمر وجوب القضاء مثلاً.

نعم، يمكن بيان التلازم هكذا:إنه لو صحّ الصوم منه لوجب، وحيث إنّه صحيح، اذن فهو واجب، إلاّ ما خرج بالدليل كصوم الصبي ، فإنّه صحيح وليس بواجب.

وأمّا وجه الوجوب فهو شمول الإطلاقات له.

وأمّا ما ذكر من مثال «الكافر» فهو مناقشة في عكسه.

ففي الكافر (لو صح لوجب) والكلام الآن في أنّه لو صح لوجب.

وأمّا الاستدلالات القادمة فهي نفي للمقدم - أي الصحّة- وبه ينتفي التالي.

إذن، ينتج في الشرطي الاتصالي ، وضع المقدم ورفع التالي، فتأمل.

ومنه يظهر النظر في الاستدلالات القادمة.

قوله: [وعن العلامة (قدس سره) (4): الاستدلال على عدم صحة صوم

ص: 272


1- وسائل الشيعة 1: 39.
2- الفقه 36: 60.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 179.
4- تذكرة الفقهاء 6: 102-103.

المغمى عليه بوجوه ، الأول: إنّ الإغماء يوجب سقوط التكليف عنه وجوباً وندباً، فلا يصح منه الصوم مع سقوطه](1) إن أراد في نفس حالة النوم فيرد عليه ما أورده الشارح(2)، من أنه لا ملازمة بين سقوط التكليف وعدم الصحة، فإنّ النائم غير مكلف قطعاً، مع أنّ صومه صحيح بالإجماع، فإذا نوى الصوم قبل عروض الإغماء ثم أُغمي عليه لا يكون مانع من صحة صومه، وإن أراد مطلقاً فهو أول الكلام؛ إذ لو التفت أنّه يغمى عليه وجبت عليه النية من قبل، مع أنّنا لا نسلّم سقوط التكليف في حال النوم، كما سيأتي في الحاشية القادمة.

قوله: [إنّ النائم غير مكلف قطعاً] أي بالتكليف البعثي المنجز بحيث يعاقب عليه. وأما التكليف الفعلي فهو ثابت؛ ولذا يجب عليه القضاء.

ثم أنّه لو التفت قبل الوقت كان مكلفاً ومنجزاً ، بناءً على كون الوجوب تعليقياً، أو قلنا بوجوب تحصيل أغراض المولى؛ ولذا كان الوالد (رحمه اللّه) يقول: «إنّ وضع المنبّه - ونحوه من المقدمات الوجودية - واجب».

قوله: [الثالث: إن سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء، وحيث إنّ القضاء عنه ساقط فالأداء كذلك. وفيه: أن هذه الملازمة ليست مسلمة، بل يمكن الانفكاك بينهما، ولابد من ملاحظة الدليل على القضاء] خصوصاً لو قلنا:إنّ القضاء بأمر جديد، فقد لا يتولد الأمر الجديد، فتأمل.

إذ قد يقال بوجوده في قوله (عليه السلام) :«ما فاتتك من فريضة فاقضها كما

ص: 273


1- مباني منهاج الصالحين 6: 179.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 179.

فاتتك»(1).

قوله: [إنّ هذه الملازمة - سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء- ليست مسلمة، بل يمكن الانفكاك بينهما](2) ولذا يجب على الكافر الأداء ويسقط عنه القضاء لو أسلم، فتأمل.

قوله: [لابد من ملاحظة الدليل على القضاء، فعلى فرض تماميته نلتزم به وإلا فلا](3) الدليل مذكور في أحكام قضاء شهر رمضان على ما سيأتي بيانه.(4)

قوله (قدس سره) في المتن: [لو صام الصبي تطوعاً وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال](5) الأولى (ولو قبل)؛ إذ احتاط بعض - كالسيد الگلبايگاني(6) - بالاتمام لو بلغ قبل الزوال.

قوله (قدس سره) في المتن: [لم يجب عليه الإتمام] قال الشارح: [لعدم الدليل عليه؛ إذ الصوم عبارة عن الإمساك من الفجر إلى الليل، والمفروض أنَّ البلوغ تحقق أثناء النهار، وحيث إنه لا دليل على كون الباقي بحكم الصوم في تمام اليوم لا يمكن الحكم بكونه واجباً] العبارة مضطربة؛ إذ المفروض أنّه سيصوم تمام اليوم، والعبارة

ص: 274


1- عوالي اللئالي2: 54.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 179.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 179.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 233-234.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 180.
6- هداية العباد 1: 269.

اللاحقة كذلك، إذ لا حاجة إلى التنزيل الآتي.

في قول الشارح: [وبعبارة أُخرى: توجه التكليف بالصيام تكليفاً إلزامياً بعد البلوغ يحتاج إلى دليل يدل على تنزيل البعض منزلة الكل](1) كما في المسافر إذا حضر قبل الزوال ولم يكن أفطر.

والأولى أن يقال: إن انقلاب التكليف الندبي إلى وجوبي يحتاج إلى دليل، والأصل عدم الوجوب.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا سافر قبل الزوال، وكان ناوياً للسفر من الليل وجب عليه الإفطار، وإلا وجب عليه الإتمام والقضاء على الأحوط، وإن كان السفر بعده وجب إتمام] قال الشارح: [النصوص الواردة في المقام على طوائف:

الطائفة الأولى: ما يدل على جواز الإفطار للمسافر على نحو الإطلاق وبلا قيد، لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «إنَّ الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس ينفع شيء مكانها دون أدائها، وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياماً غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك»(2)](3) قد يقال في هذه الرواية: إنها لا إطلاق لها؛ إذ ليست في مقام لبيان من هذه الجهة، بل في مقام بيان مطلب آخر.

ص: 275


1- مباني منهاج الصالحين 6: 180.
2- وسائل الشيعة 10: 173.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 180.

ثم إن في الرواية سؤالاً: عن الفرق بين الصلاة والصوم؟

قوله (قدس سره) في المتن: [على الأحوط](1) الظاهر أنّه يجب عليه الإفطار والقضاء.

قوله: [وهذه الطائفة موافقة مع إطلاق الآية الكريمة، ويؤيد هذه الطائفة ما دل من النصوص(2) من الملازمة بين التقصير والإفطار](3) بل يدل عليه.

قوله: [الطائفة الثالثة: ما يدل على التفصيل بين تبييت النية وعدمه، بلزوم الإفطار في الأول، والصوم في الثاني، ومن هذه الطائفة ما رواه رفاعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح، قال: يتم صومه (يومه) ذلك...(4)](5) إن كان قوله «حين يصبح» قيداً ل- «يعرض» تمت دلالته على المطلوب، أما لو كان قيداً ل- (السفر) أي السفر صباحاً فلا يدل؛ لأنه لأمرٍ طارئ، كموت قريب «عرض له سفر صباحاً» وإن فرض كون النية مبيّتة من الليل، وعليه تكون الرواية داخلة في روايات الطائفة الأولى، إلاّ أن الأقرب الاحتمال الأول.

قوله: [ومنها: ما رواه الجعفري، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)

ص: 276


1- مباني منهاج الصالحين 6: 180.
2- وسائل الشيعة 10: 184.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 181.
4- وسائل الشيعة 10: 186.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 181-182.

عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان، فيخرج من أهله بعدما يصبح، فقال: «إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم، إلا أن يدلج دلجة»(1) إلا أن الرواية ضعيفة بعلي بن أحمد بن أشيم](2) تدل على التفصيل بين السفر ليلاً أو صباحاً، ولا تدل على مسألة التبييت، فتندرج ضمن الطائفة الرابعة.

قوله: [ما ذكره سيدنا الأُستاد(3) في تقريب تصحيح طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن الفضال يتوقف على كون أحمد بن عبدون ثقة، والحال أن الرجل لم يوثق. واستدل سيدنا الأُستاذ(4) على وثاقته بكونه من مشايخ النجاشي، بتقريب: أن المستفاد من كلام النجاشي أنّه لا يروي بلا واسطة عمّن ضُعّف أو غَمز فيه](5) يوجد هنا إشكالان:

الأول: الظاهر أنّه لا يروي عن الضعيف لا عن المجهول.

الثاني: مضافاً إلى أنّه لا يروي عن (المضعف) لا مطلق الضعيف.

فالاقسام الثلاثة:

1- مجهول. 2- ضعيف غير مضعف. 3- المضعّف.

والمستفاد أنه لا يروي عن خصوص المضعف.

ص: 277


1- وسائل الشيعة 10: 186.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 182.
3- شرح العروة الوثقی 21: 203.
4- معجم رجال الحديث 2: 152.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 182-183.

ولا يخفى أن المضعف نوعان:

الأول: ضعيف مضعف.

الثاني: مضعف غير ضعيف.

والظاهر أن «التضعيف» له خصوصية وموضوعية في عدم الرواية، إمّا لكي لا يتهم النجاشي، «فإن من دخل مداخل السوء أتهم»، وإما لكي لا يكسر المشايخ، فإن القدماء كانوا يهتمون بأن لا تسقط كلمة المشايخ.

قوله: [ننقل عبارة النجاشي كي يعلم صحة مقالتنا، قال في ترجمة أحمد بن عبيد بن حسن الجوهري: «رأيت هذا الشيخ، وكان صديقا لي ولوالدي، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أرو عنه شيئاً وتجنبته»(1). والمستفاد من هذه العبارة بحسب الفهم العرفي أن الذي يضعفه جماعة لا يكون مروياً عنه للنجاشي](2) أو يدل على مطلق التضعيف، فتأمل.

وراجع كليات في علم الرجال(3) حول توثيق مشايخ النجاشي.

قوله: [الطائفة الرابعة: ما يدل على أن الاعتبار في الإفطار تحقق السفر خارجاً قبل الفجر، فلو سافر بعده يصوم مطلقاً بلا فرق بين أقسامه. ومنها: ما رواه أيضاً، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم، إذا

ص: 278


1- رجال النجاشي: 86.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 183.
3- كليات في علم الرجال: 281-382.

سافر لا ينبغي له أن يفطر ذلك اليوم، وليس يفترق التقصير والإفطار، إذا قصر فليفطر»(1). وهذه الرواية يناقض صدرها مع ذيلها](2) وحيث إن القرينة متصلة لا ينعقد لها ظهور في شيء، فتأمل.

قوله: [مضافاً إلى أنها معارضة مع النصوص المفصلة... أضف إلى ذلك أنه لم ينسب القول به إلى أحد من الإمامية - على ما قيل - فهذه الطائفة لا اعتبار بها أيضاً](3) هذا دليل على أن الإعراض مسقط، وقد ذكر ذلك المصنف في مواضع(4).

قوله: [الطائفة الخامسة: ما يدل على أنه إذا أصبح في بلده ثم خرج، فإن شاء صام، وان شاء أفطر، لاحظ ما رواه رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يريد السفر في رمضان؟ قال: «إذا أصبح في بلده ثم خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر»(5). والقول بالتخيير المستفاد من هذه الرواية لم ينسب إلى أحد من الإمامية. مضافاً إلى معارضتها مع الطائفة الأولى] الظاهر أنه لا تعارض؛ إذ ما يدل على التعيين لا يعارض ما يدل على التخيير، مثل: «اعتق رقبة» و«اعتق رقبة أو صم» فينصرف الإطلاق الأولي لما يدل على التعيين.

ص: 279


1- وسائل الشيعة 10: 187.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 184.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 185.
4- انظر: مباني منهاج الصالحين 6: 116، 117، 119، 185، 188 (منه (رحمه اللّه) ).
5- وسائل الشيعة 10: 187.

قوله: [أضف إلى ذلك كله أن القول بلزوم تبييت النية موافق للعامة](1) إن كان جمع دلالي فلا تضر موافقتهم، إلاّ أن تكون أمارات التقية لائحة، مثل (الغروب والمغرب).

ثم لابدّ من ملاحظة أن فقه المذكورين كان حاكماً آنذاك أو لا؟

ولابد من ملاحظة الجمع الدلالي بين الطائفة الثانية والثالثة.

فالطائفة الثانية تدل على أنه إن سافر بعد الزوال فعليه الإتمام، وإن سافر قبله وجب عليه الإفطار. فيما تدل الطائفة الثالثة على أنه إن بيت النية أفطر وإلا أتم، فالصور بينهما أربع: يجتمع كل منهما في اثنتين ويتعارضان في اثنتين.

فيجتمعان في صورة الخروج قبل الزوال ولم يبيت النية، فعلى كلتيهما يتم.

والثانية: خرج بعد الزوال وبيت النية، فإنه يفطر وتتعارض الصورتان في:

الأول: قبل الزوال ولم يبيت النية، فإنه على الثانية يفطر وعلى الثالثة يتم.

الثانية: بعد الزوال وبيت النية، فإنه على الثانية يتم وعلى الثالثة يفطر.

قال (قدس سره) في المتن: [إذا كان مسافراً فدخل بلده أو بلداً نوى فيه الإقامة...] قال الشارح: [بلا خلاف ظاهر - كما في كلام بعض الأصحاب - وتدل على المدعى جملة من النصوص(2)](3) النصوص المذكورة هنا هي في القدوم إلى الوطن ظاهراً.

ص: 280


1- مباني منهاج الصالحين 6: 185.
2- وسائل الشيعة 10: 189-191.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 186.

مثل: (قدم من سفر)(1) (يدخل أهله)(2)، (يقدم من سفر)(3)، ولا تشمل محل الاقامة(4).

فلابد من التماس نصوص أُخرى، أو دليل يدل على أن محل الإقامة كالوطن في كل الأحكام.

قوله: [منها: ما رواه رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر، حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار؟ قال: «إن طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر»(5). والذي يظهر من هذه الرواية أن الخيار بين الصوم والإفطار قبل الدخول](6) بل هي نص كالرواية اللاحقة، وهي رواية محمّد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار؟ قال: «إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر»(7) إلاّ أنّ الموضوع (وهو خارج ولم يدخل) ولا وجه للتفريق بينهما، بأن الأول ظاهر، والثاني نص.

ص: 281


1- وسائل الشيعة 10: 190.
2- وسائل الشيعة 10: 190.
3- وسائل الشيعة 10: 190-191.
4- وسائل الشيعة 10: 191.
5- وسائل الشيعة 10: 189-190.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 187.
7- وسائل الشيعة 10: 190.

قوله: [ومنها: ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: «فإذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وإن شاء صام»(1)](2) هذه الرواية هي الوحيدة بين الروايات التي نقلها المصنف والتي ترتبط بمحل الاقامة.

قوله: [لا يمكن الاعتماد عليها؛ إذ على ما في الحدائق(3) لم يلتزم بهذا القول أحد حتّى من العامة... أضف إلى ذلك أنه معارض مع بقية النصوص، فلا مجال للالتزام به](4) سبق أن سائر النصوص المذكورة هنا ترتبط بالوطن لا بمحل الإقامة.

قوله: [ما رواه سماعة، قال: سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال: «لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً، ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل»(5). ولقائل أن يقول: إن المستفاد من هذا الحديث كراهة الأكل لا استحباب الإمساك](6) فتوى الفقهاء كافية في ثبوت الاستحباب، بناءً على أن «من بلغ» يفيد الاستحباب، وإن فتوى

ص: 282


1- وسائل الشيعة 10: 189.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 187.
3- الحدائق الناضرة 13: 399-400.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 188.
5- وسائل الشيعة 191-192.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 188.

الفقيه تدل بالدلالة التضمنية على وجود رواية متضمنة للثواب.

لكن لو شكك في الأّول، فلا تنفع فتوى الفقيه لاحتمال عثوره على رواية تدل على الثواب، ففهم منها الاستحباب.

إلاّ أن يكون مبنى المفتي كالمصنف، فإنه يدل على عثوره على رواية تدل على الاستحباب، ففتواه كاشفة عن عثوره على تلك الرواية.

وقد يورد عليه: لعل الرواية حجة عنده وليست حجة عندنا، فلا يمكن الكشف الإنّي.

والخلاصة: إنّ الأمر موقوف على:

أولاً: عثوره على رواية تدل على الاستحباب لا صرف الثواب فقط.

ثانياً: وكونها حجة عنده.

ثالثاً: وكون الرواية حجة عندنا أيضاً.

والثالث غير ثابت في المقام.

قوله: [أما بالنسبة إلى مَنْ دخل بعد الزوال فالظاهر أنه لا دليل عليه](1) تكفي فتوى الفقيه، على ما تقدم.

إلاّ أن يستفاد بالأولوية من حكم الدخول قبل الزوال، فالذي دخل الوطن استحب له الإمساك قبل الزوال، فبطريق أولى لو دخل بعده، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن كان بعد الزوال، أو تناول المفطر في السفر بقي على الإفطار. نعم، يستحب له الإمساك إلى الغروب](2) هل

ص: 283


1- مباني منهاج الصالحين 6: 188.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 186-188.

مراده: عن الأكل أو كل المفطرات؟ إن أراد الثاني فالرواية(1) وردت في(الأكل والجماع) فقط، ولعله يستفاد منها بالفهم العرفي الشرب.

وأما سائر المفطرات فلا يستفاد منها إلاّ بدعوى إلغاء الخصوصية، وهي محل نظر.

قوله: [أما بالنسبة إلى مَنْ دخل بعد الزوال فالظاهر أن لا دليل عليه](2) قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، يستحب له الإمساك] الثابت كراهة الأكل والمواقعة إن دخل وطنه قبل الزوال، لا استحباب الإمساك.

وإما غيرها من المفطرات فيمسك عنه بنية رجاء المطلوبية لا بنية الاستحباب. وكذا لو دخل وطنه بعد الزوال، فإنه يمسك عن المفطرات مطلقاً بالنية المزبورة.

هذا، كلّه على مبنى عدم التسامح، وإما عليه فلا بأس، كما تقدّم نظيره في شرح عبارة الشارح أن المستفاد من حديث سماعة(3) كراهة الأكل لا استحباب الإمساك.

قوله (قدس سره) في المتن: [الظاهر أن المناط في الشروع في السفر قبل الزوال وبعده، وكذا في الرجوع منه هو البلد لا حد الترخص](4) الروايات الواردة في المقام على طائفتين:

ص: 284


1- وسائل الشيعة 10: 191-192.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 188.
3- وسائل الشيعة 10: 191-192.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 188.

الأولى: جعلت الملاك الخروج:

منها: ما رواه عبيدة بن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: «إن خرج قبل الزوال فليفطر، وإن خرج بعد الزوال فليصم، فقال: يعرف ذلك بقول علي (عليه السلام) : أصوم وأفطر حتّى إذا زالت الشمس عز عليّ، يعني الصيام»(1).

ومنها: ما رواه عبيد بن زيارة أيضاً، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام، فإذا خرج قبل الزوال أفطر»(2).

ومنها: ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم، ويعتد به من شهر رمضان... الحديث»(3).

فقد ورد في هذه الروايات: «إن خرج قبل الزوال في جواب الرجل يسافر» و«إذا خرج الرجل بعد الزوال» و«إذا سافر فخرج».

الثانية: ذكر في السؤال الخروج من بيته.

منها: ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته، وهو يريد السفر وهو صائم؟ قال: فقال: «إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر، وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه»(4).

ص: 285


1- وسائل الشيعة 10: 186.
2- وسائل الشيعة 10: 186.
3- وسائل الشيعة 10: 186.
4- وسائل الشيعة 10: 186.

وظاهر «خرج» أنّه نفس «يخرج من بيته» في السؤال، وإلاّ لقيل من «البلد».

وحينئذٍ: إمّا أن نقول: إن المراد «من بيته» أي بلده. أو نقول: «إن خرج» لا يتطابق مع «يخرج». أو نقول: «خرج» في الطائفة الأولى أي «من بيته» بتقييد إطلاقها بهذه الرواية.

وإمّا كون الملاك «حد الترّخص» فهو بعيد عن مساق الأخبار.

ويمكن الإشكال على من ذكر ذلك بحساب المسافة، فإنّها من آخر البلد لا من حدّ الترخص.

فإذا جعل الشارع ذلك من توابع البلد - كما عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في(الفقه)(1) - فلِمَ لَمْ يحتسب المسافة من حدّ الترخص؟

ولعله بقرينة فهم المشهور - ظاهراً - يرجح الاحتمال الثاني، أي عدم التطابق.

قوله: [المستفاد من أدلة حد الترخص كونها مقيدة لإطلاق أدلة أحكام المسافر. وبعبارة أخرى: الميزان بحسب الأدلة هو الخروج من البلد والوصول إليه](2) راجع بحث روايات المسافر فلعل فيها دلالة على ذلك في اول صلاة المسافر(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز السفر في شهر رمضان اختياراً ولو للفرار من الصوم] علق عليه الشارح بقوله: [على المشهور شهرة

ص: 286


1- الفقه 36: 72.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 188-189.
3- وسائل الشيعة 8: 47-475.

عظيمة كادت أن تكون إجماعاً - كما في كلام بعض الأصحاب- والقاعدة الأولية تقتضي جوازه؛ إذ المستفاد من الآية الشريفة(1) أنّ المكلف على قسمين: حاضر ومسافر، والحاضر يجب عليه الصوم، وأما المسافر فلا](2) والظاهر أن الموضوعين عرضيان، فلا مانع من إخراج المكلف نفسه من موضوع، وإدخاله في موضوع آخر. نعم، في الموضوعين الطوليين لا يجوز ذلك. ومن الأول: تناول المرأة دواءً يدرّ عليها الحيض أو يؤخره. ومن الثاني: إراقة ماء الوضوء بعد دخول الوقت، وحمل الإنسان نفسه مضطراً إلى تناول الحرام.

قوله: [والقاعدة الأولية تقتضي جوازه](3) كما أن مقتضى الأصل العملي - لو وصلت النوبة إلى الشك - هو الجواز.

قوله: [وبعبارة أُخرى: يستفاد من الآية الكريمة اشتراط وجوب الصوم بالحضر، ومن الظاهر أنه لا يجب ايجاد شرط الواجب] فالشرط هو الحضر إلى الظهر، ولا يجب إيجاد هذا الشرط.

قوله: [أما بحسب النصوص فيظهر من بعضها ان الصوم أفضل، لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحاً، ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر، فسكت فسألته غير مرة، فقال: «يقيم

ص: 287


1- البقرة: 182.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 189.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 189.

أفضل إلا أن تكون حاجة لا بد له من الخروج فيها، أو يتخوف على ماله»(1)](2) لعل المراد الإقامة في الوطن، لا الإقامة عشرة أيام، ولعله أعم؛ إذ قوله: « أن يسافر» قرينة على الأول، وإلاّ كان السفر تحصيلاً للحاصل.

قوله: [وتدل على عدم الجواز جملة من الروايات(3)](4) الجمع الدلالي - لو تمت أسانيد الطائفة الثانية - يقتضي الحمل على الكراهة، ولا تعارض بين الدليلين، خلافاً للشارح.

قوله: [منها: ما رواه أبو بصير، قال: « سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان؟ فقال: لا، إلا فيما أخبرك به: خروج إلى مكة أو غزو في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تريد وداعه، وأنه ليس أخا من الأب والأم»(5). وهذه الرواية ضعيفة بالبطائني](6) لا بد من ملاحظة حاله، ووقت نقله للرواية.

ثم إن قوله: [أبو بصير] يحتمل كون الرواية قضية في واقعة، أي لخصوصية في الراوي، كتقية مثلاً، وإلاّ فكيف يكون مرجوحاً مع فتوى المعروف بإن الذهاب إلى مكة - لأجل العمرة - لا كراهية فيه؟

ص: 288


1- وسائل الشيعة 10: 181.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 189.
3- وسائل الشيعة 10: 181-183.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 190.
5- وسائل الشيعة 10: 181.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 190.

ويؤيده عدم وضوح التعليل؛ فإنّ الآية الكريمة لا تدل على أفضلية الإقامة، بل على التنويع(1).

قوله: [نعم، مقتضى حديث الحلبي(2) أن الأفضل ترك السفر](3) وكذا رواية أبي بصير(4).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولكنه مكروه] علق عليه الشارح بقوله: [على ما ذكرنا ظهر أنه لا وجه للكراهة](5) الوجه هو قاعدة التسامح - لو تمت - وإلاّ ينبغي أن يقال: الإقامة أفضل.

قوله: [والذي يختلج بالبال أن يقال: إنّ العرف يرى التعارض بين الدليلين، ولا مجال للجمع العرفي](6) سبق أنه لا تعارض.

قوله: [إلا أن يقال: ان المستفاد من الآية الشريفة أنَّ المكلف في فرض كونه حاضراً يصوم، وفي فرض كونه مسافراً يفطر، وليست الآية متعرضة لحكم السفر والحضر، فلاحظ](7) راجع ما أفاده الشارح من الأدلة مع الهواش في المقام.

قوله (قدس سره) في المتن: [لكنه مكروه إلا في حج أو عمرة أو غزو في

ص: 289


1- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 189 مع هوامشه (منه (رحمه اللّه) ).
2- وسائل الشيعة 10: 181.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 191.
4- وسائل الشيعة 10: 183.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 191.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 191.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 191-192.

سبيل اللّه، أو مال يخاف تلفه أو إنسان يخاف هلاكه] أو حاجة لابد له من الخروج فيها، أو زرع يحين حصاده، أو مؤمن يشيعه، أو أخ يريد وداعه، وقد ذكر السيد الوالد (رحمه اللّه) ما يدل على ذلك من روايات في كتابه (الفقه)(1).

وقوله (قدس سره) في المتن: [أو إنسان] الوارد في الروايات(2) «أو أخ». لكن الحكم أعم، حيث إن إنقاذ النفس واجب، فتأمل.

وأمّا كون الأخ نوعين: الأخ في الدين، وفي الإنسانية، فهو خلاف الظاهر من النصوص المذكورة في الباب، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو يكون بعد مضي ثلاث وعشرين ليلة] علق عليه الشارح بقوله: [بعد ما علم أن الروايات المشار إليها ضعاف لا يمكن الاعتماد عليها في الفتوى بالكراهة](3) إلاّ أن يقال بالتسامح، كما سبق.

ثم إنّ الذي ورد في بعض الروايات(4) (إذا صام ثلاثة وعشرين يوماً) وقد نقلها السيد الوالد (رحمه اللّه) في كتابه (الفقه)(5) ولعله يمكن الحمل على اختلاف المراتب، وخفة الكراهة بعد ليلة ثلاث وعشرين وزوالها بعد يوم ثلاث وعشرين، فتأمل.

ثم إنَّ السيد الوالد (رحمه اللّه) استفاد في (الفقه)(6) أن ما ذكر في الأخبار -

ص: 290


1- الفقه 36: 78.
2- وسائل الشيعة 10: 181-182.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 192.
4- كرواية علي بن اسباط المروية في وسائل الشيعة 10: 182.
5- الفقه 36: 78-79.
6- الفقه 36: 80.

ظاهراً - إنما لراجح ديني أو دنيوي، إلا أنّ الجزم به مشكل. نعم، لا بأس بما ثبت مساواته لما ذكر أو أفضليته منه، كزيارة الإمام (عليه السلام) في كربلاء.

قوله: [ولا أدري كيف يجمع بين ما أفاده في المقام، وبين عدم مستند له ظاهراً إلا جملة من النصوص الضعيفة](1) الظاهر أن المصنف أشار في بداية الكتاب إلى أنّ ما ذكرناه بعنوان الاستحباب أو الكراهة يؤتى به بنية الرجاء.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا كان على المكلف صوم واجب معين جاز له السفر وإن فات الواجب](2) فيه نظر.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن كان في السفر لم تجب عليه الإقامة لأدائه] فيه نظر.

قوله: [لا إشكال في أنَّ مقتضى القاعدة وجوب ترك السفر، وإذا كان المكف في السفر يقيم؛ وذلك لأن الواجب المطلق يجب بحكم العقل الإتيان به، فإذا توقف على مقدمة مقدورة للمكلف يجب الإتيان بها] عقلاً؛ إذ وجوب مقدمة الواجب عقلي.

قوله: [وأما الصوم المعين فليس مشروطاً بحضور المكلف، بل واجب عليه مطلقاً، فيجب إيجاد مقدماته، ومن جملتها الحضور فيجب](3) توجد هنا شبهة وهي: أنّه لو قلنا بوجوب الإقامة فسافر يكون

ص: 291


1- مباني منهاج الصالحين 6: 192.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 192.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 193.

سفره سفر معصية، فيصوم فيه لوجوبه في سفر المعصية، فإذا صام لم يفت صومه، فلا يكون سفره سفر معصية؛ لأن المعصية إنما كانت لتركه الصوم، والمفروض صيامه في السفر، وعدم صيامه يسلتزم المعصية. وهذا يلزم من وجوده وعدمه.

ولعله يمكن الجواب: بإن السفر الملازم لترك واجب ليس سفر معصية، كالسفر الملازم لترك الدين، (بل السفر الذي هو معصية، ما قصد به المعصية، كما لو قصد بسفره الفرار من الصوم فالأمر مشكل، فراجع العروة(1).

قوله: [ربما يقال: المستفاد من حديث زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : «إن أمّي كانت جعلت عليها نذراً إن ردّ اللّه عليها بعض ولدها من شيء كانت تخاف عليه، أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة، فأشكل علينا لمكان النّذر أتصوم أو تفطر؟ فقال (عليه السلام) : لا تصوم قد وضع اللّه عنها حقه، وتصوم هي ما جعلت على نفسها. قلت: فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أتقضيه؟ قال (عليه السلام) : لا. قلت: أفتترك ذلك؟ قال: لا، لأني أخاف أن ترى في الذي نذرت ما تكره»(2)](3) في هذه الرواية أمور:

أولاً: أنها في خصوص النذر لا مطلق الصوم الواجب المعيّن - كما في المتن - إلاّ أن يقال: إنّه يستفاد من قوله «قد وضع - عنها حق» إنّه علة عامّة.

ص: 292


1- العروة الوثقى 3: 436.
2- الاستبصار 2: 101.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 193.

لكن فيه غموض خصوصاً مع وجود كلمة «عنها».

وبعبارة أُخرى: إن قوله (عليه السلام) : (قد وضع عنها حقه) قد تكون علة بخصوص الوضع عمن نذر، أو عمن عليه صوم واجب معين مطلقاً، واستفادة العموم فيه غموض.

وثانياً: الاستفادة العرفية حتى في النذر التي ذكرها الشارح بقوله: «إن المستفاد من الحديث أن عدم السفر كما أنه شرط في وجوب صوم رمضان كذلك شرط في وجوب بقية الصيام»(1) محل تأمل؛ إذ كان من الممكن أن يأمرها بالصيام ولو في السفر، كما في سفر المعصية مطلقاً، وسفر صيد اللّهو، لكنه رفقاً بها وضع حقه، ولا يدل ذلك على أن فعلها - أي السفر - حلال.

وعلى كل، فالظاهر أنّ في استفادة جواز السفر نوعاً من الغموض، فتأمل.

قوله: [وبعبارة أُخرى: السؤال عن الصوم في فرض تحقق السفر وجوابه (عليه السلام) راجع إلى هذه الجهة، أي لا يجتمع الصوم والسفر، لكن الإنصاف أن المستفاد بحسب الفهم العرفي جواز السفر فلاحظ](2) ولاحظ ما ذكرناه من أنّ المستفاد أنه وضع حقه إرفاقاً بها، ولا يدل ذلك على أن فعلها السفر حلال.

قوله: [وفي المقام رواية أُخرى لعلي بن مهزيار، قال: كتبت إليه -

ص: 293


1- مباني منهاج الصالحين 6: 193.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 194.

يعني إلى أبي الحسن (عليه السلام) : يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى، أو أيام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ وكيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: «قد وضع اللّه الصوم في هذه الأيام كلها، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّه»(1)](2) ترد عليها الملاحظة الثانية التي ذكرناها قبل قليل، أمّا الأولى فلا ترد لظهورها في كل سفر، فتأمل.

إذ قد يقال: لا فرق بينهما، فإما أن يختصا معاً بالنذر، أو يعما كل صوم معين واجب، أمّا الاستفادة العرفية فقد سبق التأمل فيها.

والخلاصة: إن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة - أي بيان أنّ السفر مشروع أو لا- بل في مقام بيان أن السفر لا يجامع الصوم.

نعم، قد يشكل الأمر من جهة أُخرى، وهي أنّه لو كان السفر محرّماً، أو كانت فيه الإقامة واجبة، فلِمَ لَمْ ينبه (عليه السلام) على ذلك، من باب النهي عن المنكر؟

وقد يجاب: بعدم استجماع شرائط النهي، أو لعدم كونه في مقامه، مثلاً: لو سألنا شخص (رجل أفطر شهر رمضان) فقلنا: يقضيه، فهل معنى ذلك أنّ الإفطار مشروع؟

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز للمسافر التملي من الطعام والشراب،

ص: 294


1- وسائل الشيعة 23: 310.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 194.

وكذا الجماع في النهار على كراهة في الجميع]. قال الشارح: [أما جواز التملي من الأكل والشرب فلعدم دليل على الحرمة](1)

ولو كان حراماً لبان قطعاً، كما يذكر المصنف نظيره فيما يأتي(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [على كراهة في الجميع](3) وكذا يكره ما ذكر لكل مَنْ جاز له الإفطار. وقد ذكر ذلك صاحب العروة(4)، وعن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(5) أنَّ الفقهاء تعدوا عن مورد الروايات - الذي هو المسافر - إلى كل مَنْ يجوز له الإفطار.

قوله: [وأما كراهة التملي فيمكن أن يستفاد من حديث ابن سنان، قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية، أفله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال: «سبحان اللّه، أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان، إنَّ له في الليل سبحاً طويلاً... ثم قال: والسنة لا تقاس، وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت، وما أشرب إلا الري»(6)](7) هذا قد يكون لاستحباب أكل هذا المقدار، أو لكراهة التملي، فلا ينسجم مع قول الماتن «على كراهة».

ص: 295


1- مباني منهاج الصالحين 6: 194.
2- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 197 (منه (رحمه اللّه) ).
3- مباني منهاج الصالحين 6: 194.
4- العروة الوثقى 3: 625.
5- الفقه 36: 89.
6- وسائل الشيعة 10: 206.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 195.

إلاّ أن الظهور العرفي هو الكراهة.

ثم هنا بحث: وهو أنّ هنالك «قوتاً» و«تملياً» فهل هنالك حد وسط بينهما؟ الظاهر: نعم، فيكون الحدّ الوسط مكروهاً أيضاً.

فقوله (عليه السلام) : «ما آكل إلا القوت، وما أشرب إلاّ الري» يعني أن لا يأكل إلاّ القوت، ولا يشرب إلاّ الريّ، أي: لا يرتوي كاملاً.

قوله في الرواية: [سبحان اللّه، أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان](1) معرفة الحق ليست واجبة، وعدم معرفته ليس محرماً، فلا تدل على الحرمة.

قوله: [وأما الجماع فيستفاد من جملة من النصوص أنه حرام، لاحظ رواية ابن سنان المتقدمة(2)، وما رواه أيضاً، قال: سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر؟ فقال: «ما عرف هذا حق شهر رمضان إن له في الليل سبحاً طويلاً»(3). وما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان، فإن ذلك محرم عليه»(4). وما رواه سماعة(5)](6) لا ربط له بالمسافر، بل لمن قدم من السفر

ص: 296


1- مباني منهاج الصالحين 6: 195.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 195.
3- وسائل الشيعة 10: 206-207.
4- وسائل الشيعة 10: 207.
5- وسائل الشيعة 191-192.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 195-196.

وقد أكل قبل الزوال.

قوله: [والمستفاد من طائفة أُخرى الجواز، لاحظ ما رواه عمر بن يزيد: «... الحديث»(1) ... وما رواه محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان، فيصيب امرأته حين طهرت الحيض أيواقعها؟ قال: لا بأس به»(2)](3) ما رواه محمّد بن مسلم لا ربط له بمحل البحث، بل هو في مَنْ قدم من سفر.

قوله: [وقد حملوا نصوص النهي على الكراهة جمعاً بين الطرفين، لكن الظاهر أن هذا ليس جمعاً عرفياً] لابد من ملاحظة مادة (رخص) و(حرم) في اللغة والعرف، وهل تنسجمان مع الكراهة الشديدة؟

وعلى كلٍ: فالظاهر أن الجمع العرفي يقتضي أنّ هذه الطائفة المجوزة أظهر في مفادها من المحرّمة، وتحمل الروايات المحرّمة على ضرب شديد من الكراهة.

مضافاً لما ذكره المصنف، فقد ذكر عدة مرجحات وهي كالتالي:

أولاً: الترجيح بموافقة الكتاب، فإطلاقات الكتاب مع جواز الجماع.

ثانياً: الترجيح بالأحدثية، كرواية علي بن الحكم عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام) .

ثالثاً: مسلمية الجواز، فلو كان حراماً لم يكن ليقع مورد البحث والقيل

ص: 297


1- وسائل الشيعة 10: 205.
2- وسائل الشيعة 10: 208.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 196-197.

والقال.

ومن لاحظ أدلة المكروهات رأى ظاهراً كثرة استخدام مثل هذه الألفاظ، ومثل (سُحت) في كسب الحجّام(1)، و :«محاش نساء أمتي حرام»(2) في النكاح.

ص: 298


1- وسائل الشيعة 17: 92.
2- الاستبصار 3: 244.

الفصل الخامس: ترخيص الإفطار

قوله (قدس سره) في المتن: [وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص: منهم: الشيخ والشيخة وذو العطاش، إذا تعذر عليهم الصوم] قال الشارح: [لا إشكال في عدم وجوب الصوم في فرض التعذر، إذ كل تكليف مشروط بالقدرة، ومرجع التعذر إلى عدم القدرة](1) ما المراد بالتعذر؟ هل المراد عدم القدرة عقلاً، بمعنى أنه لو صام يموت أو يغمى عليه وسط اليوم؟

أو بمعنى عدم القدرة عرفاً؟ وحينئذٍ يكون مآله إلى الحرج والمشقة، أو بمعنى عدم القدرة شرعاً؟ بمعنى أنه لو صام تعمى عينه أو تشل قوة من قواه؟ فإن المانع الشرعي كالعقلي.

ولعل المراد ما يعم الأول والأخير، فتأمل.

إلاّ أن الآية الكريمة: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(2) ظاهرة في الأول.

ولعله عدم القدرة شرعاً يرجع - على ملاحظة إرادة الامتثال - للمعنى الأول. ثم إن الأدلة القادمة تأتي في صورة التعذر.

ص: 299


1- مباني منهاج الصالحين 6: 197-198.
2- البقرة: 184.

أمّا الآية الكريمة: فبالأولوية إن لم نقل بالعموم، لاحظ معنى الإطاقة في التفاسير.

أمّا الروايات(1) فقد فسرت الآية الكريمة بالشيخ الكبير، والذي يأخذه العطاش بلا قيد بالتعسر، فيشمل التعذر أيضاً(2).

وأما القاعدة فبالاولوية، فتأمل. وأما الروايات فهي مطلقاً.

قوله: [بتقريب: أن المستفاد من الآية الشريفة تقسيم المكلفين إلى ثلاثة أقسام: الحاضرين الأصحاء، والمسافرين والمرضى، والذين يطيقون الصوم، وهم الذين يكون الصوم حرجاً ومشقة بالنسبة إليهم](3) على هذا التقريب: كل من كان الصوم حرجياً عليه - ولو لم يكن شيخاً وشيخة ونحوهما - يجب عليه الفداء. فالمريض الذي لا يضره الصوم، لكنه حرجي عليه عليه الفدية.

وحينئذٍ يجتمع فيه عنوانان (المرض) و (يطيقونه) فيكون محكوماً بحكم الاثنين، أي القضاء والفدية. وهل يلتزمون بذلك؟

نعم، وردت رواية بتحديد الإطاقة، وهي ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(4) قال: «الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش، وعن قوله عزّ

ص: 300


1- وسائل الشيعة 10: 209-211.
2- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 199 (منه (رحمه اللّه) ).
3- مباني منهاج الصالحين 6: 198.
4- البقرة: 184.

وجلّ: {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}(1) قال: من مرض أو عطاش»(2) وظاهره التحديد لا المثال، وراجع ذيل الرواية.

وراجع الرواية اللاحقة، وهي ما رواه ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال: الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك، فعليهم لكل يوم مد»(3)، وهل الرواية مع إرسالها معتبرة؟

قوله: [أما القضاء فيحتاج وجوبه إلى قيام دليل عليه](4) والأمر الأول غير موجود، وأما قوله (عليه السلام) : «ما فاتتك من فريضة»(5) فموضوعه الفريضة، ولا فريضة على هؤلاء ليجب القضاء.

قوله: [بل على تقدير استفادة عدم الوجوب من الكتاب - كما مر - إن وردت رواية دالة على وجوب القضاء لابد من ردها لمخالفتها مع الكتاب](6) هذا من ملحقات الوجه الأول.

ثم إن الآية مشعرة بذلك لا نص، أولها ظهور، ولا مانع من رفع اليد عن الظهور بالنص، أو عن النص بنص أقوى دلالة. ويؤيده ما سيأتي(7) من

ص: 301


1- المجادلة: 4.
2- وسائل الشيعة 10: 210.
3- وسائل الشيعة 10: 211.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 198.
5- عوالي اللئالي 2: 54.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 198.
7- سيأتي في مباني منهاج الصالحين 6: 205 (منه (رحمه اللّه) ).

وجوب القضاء على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن، مع أنهما - ظاهراً - من مصاديق الآية الكريمة، ويؤيده الاستدلال في الرواية الشريفة ب- «لأنهما

لا يطيقان الصوم»(1).

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذلك إذا كان حرجاً ومشقة] قال الشارح: [يمكن الاستدلال على المدعى بوجوه...

الوجه الثالث: النصوص الدالة على عدم وجوب الصوم بالنسبة إلى المذكورين ووجوب الفدية عليهم، لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام، ولا قضاء عليهما، وإن لم يقدرا فلا شيء عليهما»(2)](3) لم يؤخذ في موضوع هذه الرواية الحرج والمشقة والعسر، بل هو مطلق. إلاّ أن يقال بالانصراف، أو مناسبات الحكم والموضوع، كانصراف المريض إلى مريض يضره الصوم لا مطلقاً، كما سبق.

ثم إن قوله في الرواية «في كل يوم» يدل على وجوب - أو جواز - التصدق في كل يوم، ولا يجب انتظار نهاية شهر رمضان.

وأما قوله: «وإن لم يقدرا» فإنَّ ظاهره أنّه إن لم يقدرا في نفس اليوم فلا شيء عليهما وإن تجددت القدرة فيما بعد، فتأمل.

ص: 302


1- وسائل الشيعة 10: 215.
2- وسائل الشيعة 10: 209-210.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 198-199.

قوله: [وما رواه محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول وذكر مثله إلا أنه قال: «ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام»(1)](2) يحمل على الأفضلية جمعاً.

قوله: [وما رواه ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله اللّه عزّ وجلّ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(3) قال:

الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك، فعليهم لكل يوم مد»(4)](5)

الرواية مرسلة، إلاّ أن يكون المرسل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، أو تصحيح مراسيلهم. وفيه نظر. ففي علم الرجال(6) ذكر هنالك أنّ تصحيح ما يصح عنهم أي قبول الرواية بلحاظهم أنفسهم.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولكن يجب عليهم حينئذٍ الفدية عن كل يوم بمد من طعام] قال الشارح: [يقع الكلام تارة في حكم المذكورين في المتن، من حيث وجوب الفدية مع فرض تعذر الصوم، وأخرى مع الإطاقة... أما المورد الأول: فالمشهور - على ما نسب إليهم -

ص: 303


1- وسائل الشيعة 10: 210.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 199.
3- البقرة: 184.
4- وسائل الشيعة 10: 211.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 199.
6- كليات في علم الرجال: 178-182.

ذهبوا إلى وجوب الفدية... فنقول: المستفاد من الآية الشريفة أنَّ مَنْ أطاق الصوم يسقط عنه الصوم وتجب عليه الفدية، وأما العاجز عن الصوم - أي غير القادر عليه - فلا تعرض في الآية لحكمه من هذه الجهة](1) قد يستدل على العاجز غير القادر بالأولوية، أو بأن الإطاقة تنطبق عليه، أو بإطلاق تفسير الروايات، كقوله (عليه السلام) : «ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد»(2).

قوله: [ومنها: ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان، فقال: «يتصدق بما يجزي عنه طعام مسكين لكل يوم»(3) وهذه الرواية لا دلالة فيها على المدعى؛ إذ الموضوع الوارد فيها الشيخ الكبير، الذي يضعف عن الصوم](4) فيه نظر، فإنّ (يضعف) يشمل العجز عرفاً (وراجع اللغة)(5) مثل فلما «ضعف عن القتال»، ونحوه قوله (عليه السلام) : «لأنهما

لا تطيقان الصوم» أي تضعفان عنه لا عدم الطاقة العقلية.

قوله: [ومنها: ما أرسله العياشي، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(6) قال:

ص: 304


1- مباني منهاج الصالحين 6: 199.
2- وسائل الشيعة 10: 209.
3- وسائل الشيعة 10: 212.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 201.
5- لسان العرب 9: 203.
6- البقرة: 184.

المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير»(1)، والمرسل لا اعتبار به، مضافاً إلى المناقشة في دلالتها](2) لا مناقشة في دلالتها للإطلاق. نعم، هي تفسير للآية الكريمة، فلتلاحظ «الاطاقة» وقد سبق الكلام فيه.

قوله: [ومنها: ما رواه عبد اللّه بن سنان، قال: سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان، قال: «يتصدق كل يوم بما يجزي من طعام مسكين»(3). وهذه الرواية موضوعها الضعيف عن الصوم، وكلامنا في العاجز عنه](4) سبق التأمل فيه، وقلنا: إنه يشمل العجز عرفاً.

قوله: [ومنها ما رواه عبد الملك بن عتبة الهاشمي، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان، قال: «تصدق في كل يوم بمد حنطة»(5). وهذه الرواية ضعيفة بعبد الملك بن عتبة الهاشمي، مضافاً إلى أن الواقع فيها الضعيف عن الصوم](6) ولكن في المناقشة بالضعيف تأمل؛ إذ إنه يشمل العجز عرفاً ولغة.

قوله: [ومنها ما رواه محمّد بن مسلم(7)، وهذه الرواية تفسر المراد

ص: 305


1- وسائل الشيعة 10: 212.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 201.
3- وسائل الشيعة 10: 211.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 201.
5- وسائل الشيعة 10: 211.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 201-202.
7- وسائل الشيعة 10: 209-210.

من الآية، وقد تقدّم أن الآية لا تشمل العاجز](1) يوجد هنا بحث في معادلة الروايات المفسرة، فهل المفسِّر يحدد المفسَّر أو بالعكس؟

مثل: تفسير (الجدال في الحج) ب- «لا واللّه» و«بلى واللّه».

وكذلك تفسير (الفسوق) ب- (الكذب والسباب والمفاخرة).

فهل العبرة إطلاق الرواية هنا، أو بتقييد الآية الكريمة؟

لكن، مضى التأمل في معنى الإطاقة، وأنها هل تشمل العاجز بالإطلاق أو الأولوية؟

قوله (قدس سره) في المتن: [والأفضل كونها من الحنطة] قال الشارح: [مقتضى الآية الشريفة(2)، وجملة من نصوص الباب(3)، كفاية مطلق الطعام، ولكن قد ورد في حديث الهاشمي(4) لفظ الحنطة، ومقتضى حمل المطلق على المقيد أن الواجب خصوص الحنطة، لكن قد ذكرنا أنَّ الحديث ضعيف سنداً بعبد الملك](5) مضافاً إلى ما ربما يقال: من أنّ كثرة الروايات المطلقة قرينة على حمل هذه الرواية على الاستحباب، فإنّ ظهور المطلقات في الإطلاق أقوى من ظهور المقيد في الوجوب(6).

ص: 306


1- مباني منهاج الصالحين 6: 202.
2- البقرة: 184.
3- وسائل الشيعة 10: 209-213.
4- وسائل الشيعة 10: 211.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 202-203.
6- راجع مباحث الوضوء في المسح باليد اليمنى ونحو ذلك من مباحث مشابهة (منه (رحمه اللّه) ).

قوله: [كما أنه لا مجال للحكم الجزمي بأفضلية الحنطة؛ إذ قاعدة التسامح لا يستفاد منها الاستحباب. نعم، لا بأس بالالتزام بالاستحباب من باب كون الاحتياط مستحباً، فلاحظ](1) وهذا جزئي من جزئياته.

لكن هل يلتزم بمثل ذلك في كل الفقه؟ مثلاً: هل نستطيع أنّ نقول: إنّ التعطر بعطر «قمصر» مستحب، لأن طبيعي التعطر مستحب؟(2).

وعلى كلٍ، فقد يدّعى أن الأمر متعلق بصرف الطبيعة، بحيث لو أمكن الإتيان فيها مجردة عن كل الخصوصيات لكفى، فالخصوصيات الفردية مقارنات اتفاقية للمطلوب، لا أنّها داخلة في عمق المطلوب، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل كونها مدين] قال الشارح: [كما في حديث ابن مسلم(3)، المروي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، وأما حديثه الآخر(4) المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) فالمذكور فيه المد، وقد حمل الحديث الدال على المدين على الاستحباب بقرينة الحديث الآخر الدال على كفاية مد واحد، والذي يختلج بالبال أن يقال: إنهما متعارضان](5) الظاهر أنه لا تعارض عرفاً، كما في كل أقل وأكثر.

مثلاً: في الصلاة، لو وردت كيفيتان إحداهما مع القنوت والصلوات

ص: 307


1- مباني منهاج الصالحين 6: 203.
2- راجع مباحث تعلق الأمر بالطبائع أو الافراد (منه (رحمه اللّه) ).
3- وسائل الشيعة 10: 210.
4- وسائل الشيعة 10: 210.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 203.

والأذكار المطولة، فهل نحملها على الاستحباب، أو نقول إنهما متعارضتان؟

قوله (قدس سره) في المتن: [والظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ والشيخة إذا تمكنا من القضاء] قال الشارح: [لما تقدّم من أنَّ المستفاد من الآية(1) أن مَنْ يطيق الصوم مرفوع عنه الصوم، ولا يجب عليه شيء، لا أداءً ولا قضاءً، فلا دليل على وجوب القضاء](2)

لتبعية القضاء للأداء، إذ موضوع القضاء فوت الفريضة.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط وجوباً لذي العطاش القضاء مع التمكن] قال الشارح: [المستفاد من الآية الشريفة(3) عدم وجوب القضاء على مَنْ يطيق الصوم، كما أن المستفاد من حديث ابن مسلم(4) عدم وجوبه أيضاً](5) مع التمكن لا يطلق عليه ذو العطاش، أو إذا كان كذلك فالدليل منصرف عنه، كما هو كذلك في المريض الذي لا يضره الصوم.

ومنه يظهر الإشكال في الاستدلال بالحديث الشريف. نعم، يبقى عدم الدليل؛ لتبعية القضاء للأداء كما هو معلوم.

قوله: [إن قلت: الذي ذكرت يتم بالنسبة إلى مَنْ يطيق، وأما بالنسبة إلى العاجز عن الصوم فما الوجه في عدم وجوب القضاء

ص: 308


1- البقرة: 184.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 203.
3- البقرة: 184.
4- وسائل الشيعة 10: 209-210.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 204.

عليه؟ قلت: يكفي دليلاً على عدم الوجوب إطلاق الرواية، مضافاً إلى أنه مقتضي لوجوب القضاء](1) مضافاً لما سبق من أن «يطيق» أعم، فراجع. مضافاً إلى الأولوية، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط وجوباً لذي العطاش القضاء مع التمكن] بل استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ومنهم الحامل المقرب التي يضر بها الصوم] قال الشارح: [بلا خلاف ولا إشكال - كما في كلام بعض الأصحاب(2) - وعن الجواهر: «إن عليه الإجماع بقسميه»(3)، ويدل على المدعى ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنهما لا يطيقان الصوم، وعليهما أن يتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطر فيه بمدّ من طعام، وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد»(4)] كما تدل عليه أدلة نفي الضرر ونفي الحرج والعسر والمشقة، وأن الدين سمح، راجع: القواعد الفقهية، وقاعدة التيسير.

وقوله (عليه السلام) في الرواية: «لأنهما لا يطيقان» فقد سبق أنّ المراد أنه يعم

ص: 309


1- مباني منهاج الصالحين 6: 204.
2- الاقتصاد: 294؛ الوسيلة: 150؛ السرائر 1: 400.
3- جواهر الكلام 17: 151.
4- وسائل الشيعة 10: 215.

عدم القدرة عقلاً أو الحرج والمشقة.

قوله: [ودلالة الرواية على المدعى ظاهرة، فإنه بمناسبة الحكم والموضوع يفهم أن وجوب الصوم ساقط عن الحامل بلحاظ تضررها منه](1) بل للتعليل الوارد في الرواية: (لأنها لا تطيقان)

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [يضر بها الصوم] أو: «يشق عليها» أو «يعسر عليها».

قوله (قدس سره) في المتن: [أو يضر حملها] قال الشارح: [لإطلاق النص](2) الظاهر: أنّ ظاهر النص الضرر أو المشقة عليها نفسها، ولم تعلل الرواية ب- «لأن الصوم يضر الحمل».

نعم، الحكم كما في المتن لا للرواية، بل لدليل نفي الضرر، فإنه كما يشمل الضرر المتوجه إلى نفس الشخص كذلك يشمل الضرر المتوجه إلى غيره.

خاصة إذا قلنا: إنّ «لا ضرر» ناهية لا نافية، أي لا تضرّوا الآخرين، فإن صومها إضرار بالجنين.

قوله (قدس سره) في المتن: [والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بها الصوم] أو «شقّ عليها» أو «عسر عليها».

قوله (قدس سره) في المتن: [والمرضعة القليلة اللبن إذا اضر بها الصوم] قال الشارح: [كما صرح بها في النص] سبق أنّ مفاد الرواية صعوبة الصوم، ومنه التضرر.

ص: 310


1- مباني منهاج الصالحين 6: 204-205.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 205.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو أضر بالولد] قال الشارح: [للإطلاق] سبق أنّه لدليل نفي الضرر.

وقد يقال: إنّ قوله (عليه السلام) : (لا يطيقان الصوم)(1) يشمل تضرر الولد، فالأم تقول: «لا استطيع الصيام» فإذا قيل لها لماذا؟ تقول: لأنّ الولد يتضرر، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وعليهما القضاء بعد ذلك، كما أن عليهما الفدية أيضاً فيما إذا كان الضرر على الحمل او الولد] بل مطلقاً، وما ذكره المصنف عجيب، لأنه سبق أن ظاهر الرواية يرتبط بتضررها نفسها لا تضرر الغير بصومها، أو على الأقل بالصعوبة، ومنها تتضرر.

فالرواية الظاهرة في تضررها وترتب الفدية على ذلك جعلوها في مورد تضرر الولد أو الحمل، فلاحظ.

ولابد من ملاحظة سائر الروايات ليرى دليل وجوب الفدية على من يضرّ الصوم حملها أو ولدها!

قوله: [استدل الماتن على ما ادعاه بوجهين: أحدهما: أن الإمام (عليه السلام) قيد الحكم بوجوب التصدق بالحامل المقرب(2) فيعلم أن هذا الحكم بلحاظ الترخيص في الإفطار من ناحية تضرر الحمل بصوم الأم، ولو كان الحكم مطلقاً لم يكن وجه لهذا التقييد](3) قد يكون التقييد لأجل غلبة تضرر المُقرب بالصيام، وأمّا غير المُقرب - فغالباً - لا تضرر خصوصاً

ص: 311


1- وسائل الشيعة 10: 215.
2- وسائل الشيعة 10: 215.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 205.

سابقاً. أو نقول: غير المُقرب لا تتأذى بالصيام، وتطيق الصيام بخلاف المقرب. فالوجه هو الغلبة للإطاقة وعدمها.

ويدل عليه التعليل بعدم الإطاقة، والحكم يدور مدار العلة وجوداً وعدماً.

قوله: [وفيه: أن مناطات الأحكام غير واضحة لدينا، والميزان ظهور كلام الإمام (عليه السلام) ، والمفروض أن مقتضى إطلاق كلامه عدم الفرق من هذه الناحية] بل سبق احتمال كون الرواية ظاهرة في عدم إطاقتها بنفسها للصوم.

قوله: [ثانيهما: إن مقتضى الكتاب والسنة عدم وجوب التصدق على المريض المفطر، ومقتضى إطلاق الدليل عدم الفرق بين الحامل التي يضرها الصوم وغيرها من المرضى، كما أن مقتضى حديث ابن مسلم الوارد في المقام عدم الفرق بين كون الإفطار لأجل الضرر المتوجه إلى الأم، وبين توجهه إلى الولد](1) الظاهر أن الحاسم لمادة الإشكال غض النظر عما سبق من أن الرواية ظاهرة في تضررها بنفسها، فيكون أخص مطلقاً من المريض، فتأمل.

ثم إن في الحكم حيثيتين، فالحامل التي يضرها الصوم، من حيث إنها مريضة، لا فدية عليها، ومن حيث إنها حامل أو مرضع، عليها الفدية، فلا تعارض كي تصل النوبة إلى ما ذكره المصنف من النسبة والتعارض والتساقط.

ص: 312


1- مباني منهاج الصالحين 6: 206.

وقوله: [ثانيهما] في المقام بيانات بعضها يقتضي الوجوب وبعضها العدم. وهي ثلاثة:

الأول: بين الدليلين عموم من وجه، فيتعارضان ويتساقطان.

الثاني: بين الموضوعين تباين كلي؛ إذ المرض غير الضرر أو الحكم حيثي.

الثالث: بين الموضوعين عموم من وجه؛ إذ المريض إنما رفع عنه الصوم باعتبار الضرر.

فالمريض رفع عنه الصوم باعتبار الضرر، وكذا الحامل رفع عنها الصوم باعتبار الضرر، فإذا اجتمعا في مورد تعارضا وتساقطا، أو كان الترجيح بمخالفة الكتاب أو موافقته.

أو نقول: إنَّ الموضوع هو الضرر في كلا الدليلين، فيتعارض الدليلان في «الحامل التي يضرها الصوم» ويتساقطان، أو يرجح أحدهما على الآخر.

وفيه نظر؛ إذ الضرر قيد لا أنه هو الموضوع.

وبمعنى آخر: ملاحظة المريض الذي لا فدية عليه مع مدلول حديث محمّد بن مسلم معاً يعطينا أمور:

أولاً: المريض الذي لا فدية عليه يجتمع مع مدلول حديث محمّد بن مسلم في الحامل التي يضرها الصوم لأجل نفسها.

ثانياً: المريض الذي لا فدية عليه يفترق مع مدلول حديث محمّد بن مسلم في سائر المرضى الذين يكون الضرر لأجل أنفسهم.

ثالثاً: حديث محمّد بن مسلم يفترق عن المريض الذي لا فدية عليه في الحامل، التي يكون الضرر عليها من الصوم لأجل الولد لا لأجلها. فيتعارضان في مورد الاجتماع، وهو الحامل التي يضرها الصوم لأجل

ص: 313

نفسها، ومقتضى التعارض أنهما يتساقطان.

ومع التساقط لا يبقى دليل على وجوب التصدق فيما لو كان التضرر لنفسها.

وفيه: أ - ما ذكره المصنف: وهو أنّ المريض، غير مَنْ يضره الصوم، فالإطلاق محكم.

فهنا موضوعان: الأول: المريض الذي لا فدية عليه، والثاني: الحامل والمرضع، إذا أضر بهما الصوم، وهنا عليهما الفدية، فالموضوعان متباينان. ويؤخذ بإطلاق الدليل الثاني (بهما: بنفسهما أو بحملهما).

ب - ليس الموضوع في المقام الضرر بل هو عدم الطاقة، أي لا يقدر، أي يشق عليه ويعسر عليه أو يضره.

فهنا أمور: الأول: ملاحظة المريض الذي لا فدية عليه مع الحامل التي لا تطيق الصيام، حيث نجد أن بينهما عموم من وجه؛ وذلك لأنهما:

1 - يجتمعان في الحامل المريضة التي يضرها الصوم لأجل نفسها، إذ لا فدية عليها.

2 - يفترق المريض الذي لا فدية عليه في غير الحامل عن سائر المرضى الذين يضر الصوم بهم.

3 - تفترق الحامل عن المريض في الحامل التي يشق الصوم على حملها لا عليها.

وحينئذٍ يتعارضان بالعموم من وجه، فهل يتساقطان؟

نعم، يتساقطان في مورد الاجتماع؛ لأن الموضوع في كليهما هو الضرر، فيتعارضان ويتساقطان، أو يرجع أحدهما على الآخر بأحد المرجحات.

الثاني: بين الضرر والمرض عموم من وجه؛ وذلك لأنهما:

ص: 314

1- يجتمعان في المريض الذي يضره الصوم.

3- يفترق الضرر عن المرض بالمودي إلى ضعف المزاج.

3- يفترق المرض عن الضرر في المريض الذي لا يضره الصيام.

فإطلاق (يضرها الصوم) محكم؛ إذ المرض عنوان آخر، وقد يضر الحامل الصوم بدون أن تكون مريضة. فكل حامل - ليست بمريضةٍ - تجب عليها الفدية، سواء أكان الضرر لأجلها أم لأجل الحمل.

الثالث: الصدقة وجبت بلحاظ الضرر، فلا ينافي عدم الوجوب بلحاظ المرض.

الرابع: هنالك عنوان واحد هو التضرر، والمريض إنما لا يجب عليه الصوم للتضرر، وإلاّ فلو لم يتضرر يجب عليه، فالضرر موضوع لكلا الدليلين، والنسبة بينهما عموم من وجه فيتساقطان. المريض المتضرر والحامل المتضررة.

وكأنّ المصنف لاحظ النسبة بين أصل المريض والحامل وإلاّ فهما بقيدهما موضوعان متباينان، ولو لاحظ نفس الضرر فهما عنوان واحد. وفي كلمات المصنف اضطراب في المقام.

الخامس: نفس الرابع لكن نقول رواية محمّد بن مسلم(1) معارضة للكتاب فتسقط.

السادس: نفس الرابع لكن نقول: الكتاب مرجح للروايات المعارضة لرواية بن مسلم فلا فدية، إلاّ أن يقال: إنّه لا تعارض؛ إذ لا اقتضاء للآية الكريمة.

ص: 315


1- وسائل الشيعة 10: 215.

وفيه: أنّ التقسيم قاطع للشركة(1).

وخلاصة ما تقدم أنّه: لا فدية على مؤدى الوجه: الأول والرابع والخامس والسادس، والفدية ثابتة على مؤدى الوجه الثاني والثالث.

قوله: [إنَّ مقتضى الكتاب والسنة عدم وجوب التصدق على المريض المفطر](2) جوابه أنّه حيثي تابع لنفس المريض، فالحامل التي يضرها الصوم من حيث إنها مريضة لا فدية عليها، ومن حيث إنها حامل أو مرضعة عليها الفدية.

قوله: [ومقتضى إطلاق الدليل عدم الفرق بين الحامل التي يضرها الصوم وغيرها من المرضى] المرض غير الضرر كما سيأتي بعد سطور في الكتاب، مع أنّه سبق أنّ الموضوع ليس الضرر، بل عدم الطاقة، لأن الضرر قيد، لا أنه الموضوع.

مع أن الدليل(3) معارض للكتاب فيسقط خبر ابن مسلم؛ لأنه مباين مع الكتاب بالتباين الجزئي. أو نقول: الكتاب مرجح للروايات الدالة على عدم وجوب الصدقة، على ما يدل عليه خبر ابن مسلم، فيسقط عن الحجية.

قوله: [كما أن مقتضى إطلاق حديث ابن مسلم الوارد في المقام عدم الفرق بين كون الإفطار لأجل الضرر المتوجه إلى الأم، وبين

ص: 316


1- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 198 فقد ذكر المصنف هناك هذا الأمر، وراجع حواشيها عليه (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 206.
3- وسائل الشيعة 10: 215.

توجهه إلى الولد، وحيث إن النسبة بين الدليلين العموم من وجه يتعارضان في مورد الاجتماع ويتساقطان، وبعد التساقط لا دليل على وجوب التصدق](1) إمّا أنّ نقول بالتساقط، فلا دليل على الفدية، أو نقول: إن خبر ابن مسلم معارض للكتاب فيسقط، فلا دليل على الفدية.

أو نقول: الكتاب مرجح للأخبار الدالة على عدم وجوب الفدية ومضاد لخبر بن مسلم، فلا دليل على الفدية.

قوله: [وصفوة القول: إن المتضرر بالصوم أعم من المريض](2) من وجه.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يجزي الاشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها](3) إلاّ إذا كان الإشباع الشبعة بمقدار المدّ.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها، وأن يكون لغيرها، والأقوى الاقتصار على صورة عدم التمكن من إرضاع غيرها للولد] بل الأولى.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأقوى الاقتصار على صورة عدم التمكن من إرضاع غيرها للولد] قال الشارح: [والوجه فيه أن الحكم بجواز الإفطار قد علل في الرواية(4) بعدم الإطاقة، ومن الظاهر أن هذا

ص: 317


1- مباني منهاج الصالحين 6: 206.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 206.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 207.
4- وسائل الشيعة 10: 215.

المفهوم لا يصدق مع وجود المندوحة](1) الظاهر صدقه عرفاً، وإن لم يصدق دقة، ويؤيده عدم الإشارة إلى ذلك في الروايات، بل يدل عليه.

والخلاصة: إنّ من نظر في الرواية يرى أنها خالية عن التقييد، والتقييد غير مفهوم منها عرفاً أبداً؛ ولذا لو أرضعت القليلة اللبن طفلها - مع إمكان الاستئجار - وقيل لها لِمَ أفطرت؟ لقالت: لا أقدر على الصوم، ولا يعترض عليها بأنّها تتمكن من الاستئجار.

والخلاصة: أنّ المحمول (لا تطيق) ملحوظ مع فرض الموضوع (مرضع لا تطيق) وهذا الوصف منطبق حقيقة عليها، وما قاله المصنف نفي للمحمول بنفي الموضوع، ولا يلزم ذلك.

وبعبارة أُخرى: إنَّ تبديل الموضوع غير لازم.

ويؤيده: أن الحامل المُقرب لو استطاعت - بلا حرج - نقل جنينها إلى الجهاز وجب ذلك على مبنى المصنف؛ لأنها لا يصدق عليها عنوان (عدم الإطاقة)، ومن البعيد جداً أنّ يلتزم بذلك أحد.

وهل يلتزم المصنف بأنّ المرضع أيضاً كذلك، أي لا يحق لها الإرضاع مع وجود مرضعة أُخرى؟

وعلى ما ذكره ينبغي أنّ يضيف الماتن: وعدم وجود حليب آخر ترضعه به، كحليب الأبقار أو الحليب الصناعي أو ماء السُّكر، فتأمل.

ص: 318


1- مباني منهاج الصالحين 6: 207.

الفصل السادس: ثبوت الهلال

اشارة

قوله (قدس سره) في المتن: [يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر](1) عقلاً أو شرعاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو غيرهما] كقول الفلكي إن أورث العلم.

قوله (قدس سره) في المتن: [وبالاطمئنان الحاصل ومن الشياع أو غيره] بل مال الوالد (رحمه اللّه) في كتابه الفقه(2) إلى حجية الشياع مطلقاً إذا لم يكن متهماً، لأنه طريق عقلائي(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [أو غيرهما] قال الشارح: [فإنه حجة عقلية، واعتباره ذاتي غير قابل للجعل، كما أنه ليس قابلاً للرفع، ولا فرق فيه من هذه الجهة بين منشئه، فإذا حصل يكون حجة](4) في حجة القطع بحوث مفصلة(5).

ويمكن الاستدلال عليه بأنّه طريق عقلائي، وحجة عقلائية يحتج به المولى على العبد، والعبد على المولى، فلاحظ وتأمل.

ص: 319


1- مباني منهاج الصالحين 6: 207-208.
2- الفقه 36: 127.
3- راجع كتاب الاجتهاد والتقليد في كتاب الفقه للسيد الوالد (رحمه اللّه) (منه (رحمه اللّه) ).
4- مباني منهاج الصالحين 6: 208.
5- راجع مباحث القطع في علم الأصول (منه (رحمه اللّه) ).

وتؤيده الروايات والآيات المرشدة لحجية العقل، وأنّه حجة باطنية.

نعم، في مسألة العقاب وعدمه هنالك فرق بين القاصر والمقصر في المقدمات، أمّا الحجة العقلية فلا فرق لدى القاطع إنْ حصل القطع وثبت ودام.

وقول الشارح: [عقلائي] ويعبر عنه بأنّه مرتبة من مراتب العلم عرفاً.

وملخصه: أنّه يحتج به المولى على العبد والعبد على المولى، وطرق الطاعة والمعصية عقلائية.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو بمضي ثلاثين يوماً من هلال شعبان، فيثبت هلال شهر رمضان، أو ثلاثين يوماً من شهر رمضان فيثبت هلال شوال] قال الشارح: [كما هو ظاهر، إذ معه لا يبقى شك في بقاء شعبان أو رمضان](1) للبداهة، وللروايات المتواترة(2) وفيها معتبرة(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [وبشهادة عدلين] قال الشارح: [قال الشيخ في الخلاف: «ثبوت الهلال بشهادة عدلين مجمع عليه»(4)، وتدل على المدعى جملة من النصوص](5) وهي نوعان: خاص بالباب وعامة.

ص: 320


1- مباني منهاج الصالحين 6: 208.
2- وسائل الشيعة 10: 261-266.
3- على ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في كتابه الفقه 36: 130-133 فقد ذكر جملة من النصوص المعتبرة، كصحيحة محمّد بن مسلم، وموثق عمار، وموثق محمّد بن مسلم، وموثق عبيد، وصحيح محمّد بن قيس ونحوها، مما رواه صاحب الوسائل 10: 261-266 (منه (رحمه اللّه) ).
4- الخلاف 1: 394.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 208.

قوله: [ومنها: ما رواه داود بن الحصين، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في حديث طويل، قال: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلا شهادة عدلين، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة»(1)](2) ضعفها المصنف بقوله: وأما حديث داود بن الحصين فهو ضعيف سنداً، بضعف اسناد الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال».

قوله: [رواية أبي أيوب، إبراهيم بن عثمان الخزاز، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه تعالى، فلا تؤدوا بالتظني، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد: قد رأيته ويقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر»(3). لكن لا يبعد أن يقال: بان هذه الرواية في مقام بيان أن الهلال لا يثبت بالظن فلا أثر لتعدّد الشهود، بل لا بد من حصول العلم](4) ويدل عليه صدر الرواية وعنوانها، وهي تصلح للقرينة، والكلام متصل فلا ينعقد له ظهور، خاصة مع ملاحظة دأب العامة قديماً وحديثاً -

ص: 321


1- وسائل الشيعة 10: 291.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 208-209.
3- وسائل الشيعة 10: 289.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 209.

كما في الجواهر والفقه- من الاعتماد على كل شيء، والدولة كانت تتدخل في كل شيء، حتى الأمور الدينية، كما لاحظناه في عهدنا، فردَّ ذلك عن هذا الطريق، لا بتفسيق الشهود، فإنّه أمر حادّ.

وأما ما ذكر في الرواية فليس حادّاً، ولعل هذا المقدار كان ممكناً؛ لقلة التقية في عهد الإمامين الصادقين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعنهما رويت الروايتان، فتأمل.

قوله: [ويمكننا ان نقول: بان السيرة جارية على ثبوت الهلال بشهادة عدلين في الأعصار والأمصار، ولو لم يكن كافياً لذاع وشاع](1) وهي كاشفة عن البيان الشرعي كشفاً إنّياً، لكن هل هي متصلة، أو أن الاتصال ليس شرطاً؛ إذ السيرة طريق عقلائي، وإن فرض عدم اتصالها؟

وقوله: [السيرة] ويدل عليه أيضاً: شهرة الفقهاء قديماً وحديثاً، وإعراض الفقهاء عن الرواية المضادة.

قوله: [أضف إلى ذلك أنه لقائل أن يقول: المستفاد من الرواية رد شهادة الشهود فيما تكون ملازمة بين رؤية واحدة ورؤية ألف، ومن الظاهر أنه مع الملازمة المذكورة يحصل القطع بكون الشهادة خلاف الواقع] الظاهر: أنّ الإمام (عليه السلام) يبين الملازمة، لا أنّه في صدد بيان أنّه لو كانت ملازمة لكان كذا، إلاّ أن يقال: إنّ قوله (عليه السلام) «إذا لم يكن في السماء علة» قرينة على أنّه حيث إنّه لا سحاب ولا دخان، فالملازمة ثابتة، فإذا شهد واحد ولم ير الآخرون فيقطع بخطئه أو كذبه، فتأمل.

ص: 322


1- مباني منهاج الصالحين 6: 210.

ويدل على ذلك أنّ التعليل ظاهر في كونه بأمر عقلائي لا بأمر تعبدي، وهو لا يتم إلاّ في مورد وجود الملازمة المذكورة، وإلاّ لأمكن الإشكال على التعليل بأنّه لا ملازمة بين رؤية الواحد ورؤية الألف أو العشرة آلاف.

قوله: [فالنتيجة: إن المرجع مفاد تلك النصوص، وإن أبيت عن ذلك كله فنقول: يسقط كل من الدليلين بالتعارض، والمرجع بعد التساقط عموم حجية شهادة عدلين في الموضوعات](1) هنا مطلب وهو: أنه هل يمكن فرض تعارض الأدلة بمجموعها؟

مثلاً: لو ورد (أكرم العلماء)، وورد (أكرم زيداً العالم)، وورد (لا تكرمه)، فهل يقال في مورد (زيد) تتعارض الأدلة جميعاً؟

والظاهر أنه قد سبق عدم التعارض بين (العموم الفوقاني) و (الخاصين)، فالتعارض فقط بين الخاصّين فيتساقطان.

وبعبارة أُخرى: انعقد ظهور للعام في العموم بتمام الكلام، ولم يثبت حكم يناقض حكم العام في مورد (زيد) فتبقى أصالة العموم متحكمة.

فتحصل أن الأدلة:

1- الرواية في مقام أن الهلال لا يثبت بالظن.

2- السيرة على الثبوت بشاهدين.

3- دعوى الإجماع.

4- إعراض الفقهاء عن تلك الرواية.

5- التنافي بين فقرات الرواية.

ص: 323


1- مباني منهاج الصالحين 6: 210.

6- التساقط والمرجع العمومات الفوقانية.

7- الرواية في مورد الملازمة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وفي ثبوته بحكم الحاكم الذي لا يعلم خطأه(1)، ولا خطأ مستنده إشكال، بل منع](2) لا إشكال فيه.

قوله: [مقتضى القاعدة الأولية عدم ثبوت الهلال بحكم الحاكم؛ إذ اعتبار حكمه أمر شرعي، ولابد من قيام دليل عليه، وما دام لم يقم عليه دليل لا يمكن الالتزام به، بل مقتضى الأصل عدم اعتباره] والشك في الحجة موضوع عدم الحجة(3).

قوله: [فان عدمه مقتضى الاستصحاب](4) في استصحاب عدم الحجة بحوث مطوّلة. نعم، يستصحب عدم الوجوب بلا مانع.

قوله: [مقتضى القاعدة الأولية...] لكن القاعدة الثانوية تقتضي الثبوت، لأنّه نائب الإمام (عليه السلام) فتشمله أحكامه (عليه السلام) إلاّ ما خرج بالدليل، ولا يحتاج إلى دليل خاص، كبعض الروايات المذكورة في كلام المصنف(5).

قوله: [وهذه الرواية لا تدل على المدعى؛ إذ المتبادر من لفظ

ص: 324


1- هكذا في المصدر، والصحيح (خطؤه).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 211.
3- راجع تفصيل ذلك في أول مباحث الامارات في تأسيس الأصل والتقريرات لذلك، وكذا ما ذكره صاحب الكفاية في بيان القاعدة المذكورة (منه (رحمه اللّه) ).
4- مباني منهاج الصالحين 6: 211.
5- راجع مباحث الاجتهاد والتقليد، وكذا مباحث ولاية الفقيه (منه (رحمه اللّه) ).

الإمام المفروض طاعته على الأنام روحي وأرواح العالمين له الفداء، لا يكون مرجع التقليد إماماً](1) يحتاج إلى مراجعة الروايات التي تضمنت لفظ الإمام (عليه السلام) ليرى.

قال الوالد (رحمه اللّه) : (إنّه خلاف المستفاد من الروايات الواردة حول الإمام في باب الحج والصيام، ولو شك فالأصل الإطلاق)(2) فتأمل.

ولو فرض ذلك فأدلة النيابة العامّة تدل على قيامه مقامه في ذلك.

قوله: [مضافاً إلى أنه ليس في الرواية أنه (عليه السلام) يحكم بالهلال، بل المصرح به فيها أنه (عليه السلام) يأمر، وأمره واجب الإطاعة، فإنه مطاع في عرض النبي الأكرم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، بل في عرض ذاته تبارك وتعالى؛ فلا ترتبط الرواية بالمقام)(3) ] فيه: إن أمر المجتهد كأمره (عليه السلام) بأدلة النيابة العامّة.

ثم إنّه لا فرق بين حكمه (عليه السلام) وأمره (عليه السلام) ، فلا وجه للتفكيك.

ثم إن قوله: [بل في عرض ذاته] أي في طول.

قوله (قدس سره) في المتن: [وفي ثبوته بحكم الحاكم الذي لا يعلم خطأه(4) ولا خطأ مستنده إشكال، بل منع] في مسألة الخطأ مباحث مطولة، راجع (الفقه)(5) في المقام، وراجع العروة في مباحث (الاجتهاد

ص: 325


1- مباني منهاج الصالحين 6: 211.
2- الفقه 36: 156-157.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 211.
4- هكذا في المصدر، والصحيح (خطؤه).
5- الفقه 36: 161-163.

التقليد)(1)، وراجع (كتاب القضاء) من الكتب الفقهية.

قوله: [مقتضى القاعدة الأولية عدم ثبوت الهلال بحكم الحاكم... وما يمكن ان يكون وجهاً لاعتباره عدة روايات... منها ما رواه إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) : «أما ما سألت عنه أرشدك اللّه وثبتك إلى أن قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة اللّه»(2) بتقريب أن الهلال من الحوادث فيجب إرجاعه إلى رواة الحديث. وهذه الرواية ضعيفة بمحمد بن محمّد بن عصام واسحاق بن يعقوب](3) إلاّ أن يقال: إنها مجبورة بالعمل، فتأمل.

قوله: [ومنها: ما رواه عمر بن حنظلة في حديث... قال: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم اللّه... الحديث»(4) بتقريب: إن المستفاد في الرواية أن اللّه تعالى جعل مَن يعرف الحلال والحرام

ص: 326


1- العروة الوثقى 1: 39.
2- كمال الدين وتمام النعمة: 483-484.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 211-212.
4- الكافي 7: 412.

حاكماً. وهذه الرواية ضعيفة بابن حنظلة](1) مضافاً إلى أنها في القضاء، ولا ترتبط بحكم الحاكم في الموضوعات غير الخلافية، إلاّ أن يقال إن أمر الهلال مرتبط بالحاكم والقاضي من قديم الزمان، وقد ذكر ذلك مفصلاً السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2) ويؤيده أو يدل عليه عدم التعليل.

وأمّا الضعف: فيجبر بكونها مقبولة واشتهارها بذلك، فتأمل.

ثم إنّ السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(3) استدل عليه بالشهرة، بل قيام الإجماع والسيرة عليه عن (منتهى المقاصد). وذكر أنه يلزم الهرج والمرج لولاه كما عن (المستمسك)(4).

قوله (قدس سره) في المتن: [وفي ثبوته بحكم الحاكم] علق عليه السيد بقوله: [مقتضى القاعدة الأولية عدم ثبوت الهلال بحكم الحاكم إذ اعتبار حكمه أمر شرعي... وما يمكن أن يكون وجهاً لاعتباره عدة روايات](5) المتحصل أن هنالك دليلين:

الأول: أدلة النيابة العامّة.

الثاني: الأدلة الخاصة الواردة في خصوص المقام.

قوله: [ومنها ما رواه إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن

ص: 327


1- مباني منهاج الصالحين 6: 212.
2- الفقه 36: 156.
3- الفقه 36: 155.
4- مستمسك العروة الوثقى 8: 459-463.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 211.

عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) : «أما ما سألت عنه أرشدك اللّه وثبتك إلى أن قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه)(1)](2) قد يقال: إن الرجوع إلى الراوي بما هو راوٍ قرينة على أن المراد الشبهات الحكمية، والهلال شبهة موضوعية.

وفيه: أنّه لا مانع من العموم، فللراوي مقام إلهي، يقتضي جعله مرجعاً في الأحكام والموضوعات. ويؤيده التعليل ب- «فإنّهم حجتي»، فتأمل.

قوله: [ومنها ما رواه عمر بن حنظلة قال: الحديث...)(3)] لا يخفى قوة الجمل المستخدمة في هذه الروايات الثلاث، وهي:

أولاً: قوله (عليه السلام) : «فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه»(4).

ثانياً: قوله (عليه السلام) : «فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا»(5).

ثالثاً: قوله (عليه السلام) : «فإني قد جعلته قاضياً»(6).

قوله: [ومنها ما رواه أبو خديجة سالم بن مكرم الجمال، قال: قال

ص: 328


1- كمال الدين وتمام النعمة: 483-463.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 211.
3- الكافي 7: 412.
4- كمال الدين وتمام النعمة: 483-484.
5- الكافي 7: 412.
6- الكافي 7: 412.

أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(1)... وهذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق إلى أحمد بن عائذ، بالحسين بن علي الوشاء، بالإضافة إلى الإشكال في أبي خديجة. مضافاً إلى ذلك الرواية لا تدل على المدعى؛ إذ مفادها اعتبار حكم قاضي التحكيم بين المترافعين، ولا ترتبط باعتبار حكم الحاكم في الموضوعات، كالهلال](2) الظاهر أنه في القاضي المنصوب من قبل الإمام (عليه السلام) ، لا قاضي التحكيم.

قوله: [ومنها: ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: «صم لرؤية الهلال وافطر لرويته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رايأه فاقضه»(3)] إلاّ أن يقال: إن قوله (عليه السلام) «شاهدان» يطلق على الشاهدين والشاهدتين، كما هو في نظائر المقام، فتأمل. وكذا في الرواية(4) التالية.

قوله: [وأما حديث داود بن الحصين(5) فهو ضعيف سنداً بضعف

ص: 329


1- مباني منهاج الصالحين 6: 212.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 212-213.
3- الاستبصار 2: 63-64.
4- الكافي 4: 76.
5- الاستبصار3: 30.

اسناد الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال](1) الإشكالات على الاستدلال بهذا الحديث هي:

أولاً: أنه مطلق، وهو قابل للتقييد بما دل على التعدد.

وفيه: أنه خلاف الظاهر عرفاً.

وبعبارة أُخرى: إنَّ: ظاهر لفظ «عدل» أنه بشرط لا، فلا يجتمع مع بشرط شيء؛ ولذا لو قال شخص (ثبت كذا بشهادة عدل واحد) بشرط أن ينضم إليه ثانٍ عدّ كلامه غير عرفي.

ثانياً: ما في الوسائل(2): من أن العدل يطلق على الواحد والكثير.

وفيه: أنها نكرة منونة، وهي عبارة عن الواحد، أي الفرد المنتشر بين الأفراد فتأمل؛ إذ قد يقال: إنّه وإن كان كذلك عموماً إلاّ أنه في خصوص المقام لا يدل على الوحدة وإن لحقه التنوين.

ثم إن التنوين على أقسام، فلا يتعين دلالتها على الوحدة (راجع الكتب النحوية في الوحدة والتنكير والتمكين و...) عند قول ابن مالك(3) (بالجر والتنوين والندا و أل).

ثالثاً: التعارض والتساقط، والمرجع عموم حجية شهادة العدلين في الموضوعات.

وفيه: أن المرجع عموم شهادة العدل فيها إلاّ ما خرج، كالقضاء.

ص: 330


1- مباني منهاج الصالحين 6: 214.
2- وسائل الشيعة 10: 288.
3- شرح ابن أبي عقيل 1: 16.

رابعاً: النسخ مختلفة والترجيح مع الزيادة.

وفيه: أنه تباين وليس أقل وأكثر، فالمرجع التساقط، إلاّ أن يقال: إن الرواية لو نقلت من كتاب فاحتمال الزيادة بعيد، أما احتمال أن يرفع البصر ويقرأ باسقاط (بعض المقاطع) فهو قريب، فالمرجع عدم الزيادة، ولا يبعد ذلك عرفاً.

خامساً: اعراض الفقهاء عن رواية «العدل» او اعراض المشهور.

قوله: [وإن أبيت فغايته التعارض والتساقط، والمرجع بعد التساقط عموم حجية شهادة عدلين في الموضوعات، إلا أن يقال: قول العدل الواحد كافٍ في الموضوعات، مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال بانه لا وجه للتساقط؛ إذ ما يدل على كفاية عدل واحد خاص، ومورده ثبوت هلال شوال، وتلك الروايات بإطلاقها تفيد أن الهلال لا يثبت إلا بعدلين، ومقتضى قاعدة تخصيص العام بالخاص تقييد المطلقات بهذا القيد](1) فيه أن الخاص - العدل - الذي يريد أن يقيد العام - عموم حجية البينة - مبتلى بالمعارض - عدلين - فيسقط، فلا صلاحية له لتقييد العام.

قوله: [إن قلت: يقع التعارض أيضاً بين هذه الرواية وبقية الروايات، حيث إن المستفاد من هذه الرواية اشتراط كون الشاهد عدولاً، والحال أن مفاد تلك الروايات كفاية شهادة عدلين،

ص: 331


1- مباني منهاج الصالحين 6: 215.

فالتعارض بحاله. قلت: الترجيح مع تلك النصوص](1) أو يقال: لفظ الجمع يطلق على الاثنين فصاعداً، مثل (عيون وآذان) وقد ورد - ظاهراً - في القرآن الكريم، ذلك فلاحظ.

قوله: [قلت: الترجيح مع تلك النصوص؛ إذ أقوال العامة مختلفة على ما يظهر من كلام الشيخ في (الخلاف)(2) فتصل النوبة إلى الترجيح بالأحدثية](3) سبق أن الأحدثية ليست من المرجحات، والمشهور لم يقولوا بذلك، ودلالتها ليست عامّة، بل هي حكم وقتي، فلاحظ.

ثم إنه لو فرض التعارض تساقطا، فنرجع إلى العموم الفوقاني وهو أدلة حجية البينة بشكل عام.

قوله: [إذ أقوال العامة مختلفة] لابد من ملاحظة الفقه الحاكم في زمن صدور الروايات، وقد مضى نظير ذلك سابقاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا بقول المنجمين]؛ علّق عليه الشارح: [إذ المستفاد من النصوص الواردة في المقام أن ثبوت الهلال يتوقف على الرؤية أو شهادة عدلين، فما دام لم يقم دليل على ثبوته بأمر آخر يكون إطلاق دليل المنع محكماً، ولولاه لكان للقول باعتبار قولهم مجال، لأنهم من أهل الخبرة، والرجوع إلى أهل الخبرة موافق

ص: 332


1- مباني منهاج الصالحين 6: 216.
2- الخلاف 1: 394.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 216.

للأصل الأولي](1) إذ ظاهره الحصر الحقيقي، وهو قابل للاستثناء، فما عُلم استثناؤه فهو خارج، وإلاّ كان داخلاً في دليل المنع.

وقد يشكل عليه: بأن بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة، فيكون علماً، والإمضاء الشرعي العام موجود لكل قول أهل خبرة.

هذا ولكن قد يستشكل بأنهم ليسوا أهل خبرة، بل هم أفراد يحكمون بالظنون، التي ليست علماً عند العقلاء، وبعبارة أُخرى: إن حكمهم حدسي لا يعتني به العقلاء؛ ولذا نجد الاختلاف الفاحش في كل هلال بينهم، ومثل هذا الاختلاف يسلب الثقة العقلائية.

وقد ذكر صاحب المستند(2) أن قول المنجم غايته الظن، وليس حجة بالأدلة الأربعة.

وفيه: أنّ مثله موجود في اختلاف المقوّمين، فتأمل.

وقد يؤيد أصل عدم كونهم من اهل الخبرة بأن قواعدهم من حركة الهلال والأرض والشمس دقيقة، إلاّ أن الهلال يُرى في هذه الدرجة من النور أو لا يرى قضية نظرية غير قابلة للاعتماد العقلائي عليها، فتأمل.

فتحصل أن الأدلة هي:

أولاً: إطلاق أدلة المنع، أي الروايات الخاصّة.

ثانياً: أنّهم ليسوا اهل خبرة.

ثالثاً: مضافاً إلى أنّه لو كان الشارع يعتمد عليهم لبان ولكان في

ص: 333


1- مباني منهاج الصالحين 6: 216.
2- شرح العروة الوثقی 22: 91.

الواضحات، لأن المسألة محل ابتلاء.

رابعاً: مضافاً إلى أنّ الإعراض القطعي من قبل الفقهاء عن أقوالهم كاشف عن البيان الشرعي، فتأمل.

خامساً: الروايات الواردة في ذم المنجمين(1) تدل على عدم اعتبار قولهم حتى بالنسبة إلى ثبوت الهلال.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يثبت بشهادة النساء... ولا بقول المنجمين](2) إلاّ أن يوجب حصول الاطمئنان أو العلم فيكون حجة لذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا بتطوق الهلال] قال الشارح: [ذهب الصدوق (قدس سره) - على ما نسب إليه- أن تطوق الهلال أمارة كونه لليلتين، والدليل عليه ما رواه مرازم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا تطوق الهلال فهو لليلتين، وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث»(3). والرواية معتبرة سنداً، ودلالتها على المدعى تام، فلا وجه لعدم الالتزام به، ولكن الاحتياط طريق النجاة](4) الظاهر ثبوت الإعراض عنها من القدماء، فتأمل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [ولا بتطوق الهلال] فيه إشكال.

ص: 334


1- وسائل الشيعة 10: 297.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 213-216.
3- وسائل الشيعة 10: 281.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 216.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا بغيبوبته بعد الشفق ليدل على أنه لليلة السابقة] قال الشارح: [لعدم الدليل عليه، إلا حديث إسماعيل بن الحر، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين»(1). والحديث ضعيف بجميع أسناده، مضافاً إلى كونه معارضاً بحديث أبي علي بن راشد](2) وهي معتبرة كما في المستند(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية] قال الشارح: [إذ الشهادة لا تصدق فيما يكون الإخبار عن حدس](4) وإلاّ كان اجتهاداً لا شهادة.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يبعد ثبوته برؤيته قبل الزوال فيكون يوم الرؤية من الشهر اللاحق](5) فيه إشكال.

قوله: [خلافاً للمشهور والعمدة ملاحظة النصوص الواردة في المقام، ومن تلك النصوص ما رواه جراح المدائني، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «من رأى هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه»(6).

ص: 335


1- وسائل الشيعة 10: 282.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 217.
3- شرح العروة الوثقی 22: 93.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 217.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 217.
6- وسائل الشيعة 10: 278.

وهذه الراية ضعيفة بالقاسم بن سليمان](1) مضافاً إلى أنها مطلقة تقبل التقييد بالروايات الآتية المفصلة بين ما قبل الزوال وبعده.

قوله: [النهار يحسب من أول طلوع الشمس لا من طلوع الفجر] فيه بحث محلّه كتاب الصلاة، إلاّ أن ظاهر نصوص الباب كون وسط النهار والزوال واحداً، فلاحظ ما رواه محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إذا رأيتم الهلال فافطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فاتموا الصيام إلى الليل، وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم افطروا»(2).

وما رواه إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن هلال شهر رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان، فقال: «لا تصمه إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه، وإذا رأيته من وسط النهار فأتم صومه إلى الليل»(3).

وما رواه عبيد بن زرارة وعبد اللّه بن بكير، قالا: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، وإذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان»(4).

وما رواه حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا رأوا الهلال قبل

ص: 336


1- مباني منهاج الصالحين 6: 218.
2- وسائل الشيعة 10: 278.
3- وسائل الشيعة 10: 278-279.
4- وسائل الشيعة 10: 279.

الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة»(1).

قوله: [والمستفاد من هذين الحديثين أن رؤية الهلال قبل الزوال تدل على أن ذلك اليوم من الشهر الآتي، ورؤيته بعد الزوال يدل على أن ذلك اليوم من الشهر الماضي](2) بل الروايتان المتقدمتان تشعران بذلك أيضاً، وإلاّ كان التقييد ب- الوسط بلا وجه.

قوله: [وحيث إن سند الحديثين معتبر لا مانع من العمل على طبقهما] المانع هو إعراض المشهور، فتأمل.

اتفاق الآفاق واختلافها:

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الآفاق، بحيث إذا رؤي في بلد الرؤية رؤي فيه] وكذا إن كان البلدان متقاربين، وكذا إذا كان أُفق الرؤية شرقاً بالنسبة إلى البلد الآخر.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل الظاهر كفاية الرؤية في بلد ما في الثبوت لغيره من البلاد مطلقاً] فيه إشكال، بل منع.

فهل المصنف يريد الإطلاق، أو يقيده باشتراكهما في جزء من الليل؟

قوله (قدس سره) في المتن: [البلدان الواقعة على سطح الأرض تنقسم إلى قسمين](3) لا يخفى أنه لا عبرة بالحدود الجغرافية في بلدية البلاد.

ص: 337


1- وسائل الشيعة 10: 279.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 219.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 220.

قوله (قدس سره) في المتن: [أحدهما: ما تتفق مشارقه ومغاربه أو تتقارب] ما هو مقياس التقارب؟(1).

قوله (قدس سره) في المتن: [ثانيهما: ما تختلف مشارقه ومغاربه اختلافاً كبيراً. أما القسم الأول: فقد اتفق علماء الإمامية على أن رؤية الهلال في بعض هذه البلاد كافية لثبوته في غيرها، فإن عدم رؤيته فيه إنما يستند لا محالة إلى مانع يمنع من ذلك](2) والرؤية طريقية لا موضوعية، كما هو الشأن غالباً في ألفاظ (العلم) و (اليقين) و (التبين) مثل {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ}(3) فالمهم وجود الهلال بحيث يمكن أن يُرى بالعين المجردة لولا المانع، وهو متحقق في المقام.

قوله (قدس سره) في المتن: [المعروف بينهم القول باعتبار اتحاد الأُفق](4) وقد اختاره عدد من الفقهاء منهم:

1- الشيخ الطوسي في (المبسوط)(5).

2- نقله العلاّمة في (التذكرة)(6) عن بعض علمائنا.

3- اختاره صريحاً في (المنتهى)(7).

ص: 338


1- راجع العروة الوثقى وشروحها في المقام (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 220.
3- البقرة: 187.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 220.
5- المبسوط 1: 268.
6- تذكرة الفقهاء 6: 121-122.
7- منتهى المطلب 2: 592.

4- المحدث الكاشاني في (الوافي)(1).

5- صاحب الحدائق في (حدائقه)(2).

6- مال إليه صاحب الجواهر في (جواهره)(3).

7- والنراقي في (المستند)(4).

8 - والسيد الحكيم في (مستمسكه)(5) في الجملة.

ومنه يعلم أن القول بذلك نادر جداً، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وهذا القول، أي كفاية الرؤية في بلد لثبوت الهلال في بلد آخر ولو مع اختلاف أُفقهما، هو الأظهر، ويدلنا على ذلك أمران: الأول: أن الشهور القمرية إنما تبدأ على أساس وضع سير القمر، واتخاذه موضعاً خاصاً من الشمس](6) ما ذكره هنا صرف مصادرة، وتكرار للمدّعى بعبارات متعددة مثل (هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الأرض) فإن الكلام هو: أنه هل هنالك خروج واحد أو خروجات متعددة، كطلوع واحد وطلوعات متعددة للشمس، فضرورة أنه ليس لخروجه منه أفراد عديدة أول الكلام؛ إذ الظاهر اتفاق الفلكيين على أن الخروج من المحاق واحد لا يرتبط بالأرض، فتأمل.

ص: 339


1- الوافي 11: 148.
2- الحدائق الناضرة 13: 264.
3- جواهر الكلام 16: 371.
4- مستند الشيعة 10: 420.
5- مستمسك العروة الوثقى 8: 470.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 221.

والخلاصة: أن الخروج من المحاق يلاحظ في ذاته، بينما طلوع الشمس يلاحظ بالنسبة إلى كل بقعة بقعة من بقاع الأرض. فهو أمر حقيقي لا أمر إضافي بالنسبة للأرض أو بقاعها.

ومع تسليم جميع ذلك نقول: لو فرض أن الخروج من المحاق فرد واحد، لكن الروايات لم تعلق على ذلك، بل على (الرؤية) وقوله في الرواية (في جميع البلاد) - كما سيأتي - والرؤية غير متحققة في سائر البلاد. فما ذكره المصنف محل إشكال صغرى وكبرى.

قوله (قدس سره) في المتن: [ومن هنا يظهر: أن ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الأُفق مبني على تخيل ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض كارتباط طلوع الشمس](1) بل على ظهور الروايات الشريفة في أنَّ الملاك رؤية كل بلدٍ بعينه وبنفسه.

قوله (قدس سره) في المتن: [الثاني: النصوص الدالة على ذلك، ونذكر جملة منها: 1- صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: فيمن صام تسعة وعشرين، قال: «إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً»(2)](3) قد يتأمل في ذلك بأن الصحيحة وإن كان لها إطلاق في حدّ ذاتها، إلاّ أن المتعارف آنذاك تقارب الآفاق؛ إذ الأخبار كانت تنقل عبر المسافرين، والسفر كان إلى

ص: 340


1- مباني منهاج الصالحين 6: 222.
2- وسائل الشيعة 10: 265.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 222.

الآفاق المتقاربة لا المتباعدة عادة، أو أنّ سؤال السائل كان حول ذلك.

والخلاصة: أن القضية خارجية لا حقيقية، فتأمل؛ إذ قد يقال: إن السفر إلى الآفاق المتباعدة كان متعارفاً. خاصة للحج والزيارات؛ إذ ربما كانوا يأتون من أقاصي بلاد المغرب، وربما طالت السفرة سنوات، كما في التفاسير في قوله تعالى: {مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}(1) مع أنّ ظاهر الروايات أن القضايا حقيقية لا خارجية.

فلا محيص إلاّ عن القول بتقييد هذه الرواية بما سيأتي من الرواية اللاحقة، وستأتي تتمة للكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

ثم إنه ينقض على الماتن بالآفاق التي لا اشتراك بينها ولو في جزء من الليل، فلماذا لا نقول بالإطلاق فيها أيضاً؟

وقد يقال: بإعراض المشهور عن هذه الروايات، فتأمل.

ثم إنه قد يقال بالتعارض والتساقط كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

قوله (قدس سره) في المتن: [2- صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان؟ فقال: «لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عادلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، وقال: لا تصم ذلك اليوم إلا أن يقضي جميع أهل الأمصار، فان فعلوا فصمه»(2)](3) هذه الرواية تدل على عكس المطلوب، إذ تقول

ص: 341


1- الحج: 27.
2- وسائل الشيعة 10: 287.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 223.

(من جميع أهل الصلاة) أي تتفق كل الأمصار على رؤية الهلال، فمفهومها إن لم تتفق جميع الأمصار فلا تقضه.

وقال الشارح: [يكفي لإثبات الهلال شهادة شاهدين عدلين من كل فرقة من فرق المسلمين](1).

إلاّ أن في عبارة الشارح نوع غموض؛ إذ قد يتوهم أن مراده شهادة رجلين من أية فرقة، بينما الظاهر أن المراد من كل فرقة، أي من جميع الفرق، فيدخل الشهود الشيعيون ضمن الشهود، وكذا قوله (فإن فعلوا فصمه) المتضمن لمفهوم الشرط.

لا يقال: إن اتفاق الجميع والعلم بذلك فرد نادر.

فإنه يقال: لا ندرة لإمكان المعرفة في موسم الحج أو المدينة، فتأمل.

وعلى كلٍ: فهذه الرواية تقيد إطلاق الرواية السابقة، خاصة مع لحاظ ما ذكره المصنف من أنها بالعموم الوضعي، فتقيد المطلقات. وإن كان فيه نظر؛ لأن ّ الظاهر أنه لا فرق في العموم المستفاد من الوضع، ومقدمات الحكمة، مثل (اكرم العلماء) و (أكرم العالم) فلا يصلح ذلك مرجحاً في باب التعارض. والعرف دليل ما نقول.

فلو قال شخص (أكرم العلماء)، وقال (لا تكرم الفاسق) فيتعارضان في مورد (العالم الفاسق) لا أن عموم (أكرم العلماء) يكون مقدماً.

هذا ولكن في كون أصل التقييد عرفياً نظر سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

ص: 342


1- مباني منهاج الصالحين 6: 229.

ولو فرض التعارض لتساقطا، ولم يبق دليل على وجوب القضاء.

وأما قول الشارح: [إنّه بعد التساقط تصل النوبة إلى أخذ عمومات (صم للرؤية) الذي يدل على أنّ الميزان رؤية كل بلدٍ بلدٍ](1) فقد يقال: إنّه يقع طرفاً للمعارضة من البداية مع الطائفة الآخرى، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [الشاهد في هذه الصحيحة جملتان: الأولى: قوله (عليه السلام) : «تقضه إلا أن يثب شاهدان عادلان من جميع أهل الصلاة...» فإنه يدل بوضوح على أن رأس الشهر القمري واحد بالاضافة إلى جميع أهل الصلاة على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها، ولا يتعدد بتعددها](2) بل يدل على أنّه ربما يكون واحداً.

قوله (قدس سره) في المتن: [صحيحة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان، فقال: «ولا تصمه إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه»(3)](4) يرد على الاستدلال - مضافاً لما تقدم - أنّه أخص من المدّعى؛ إذ هنا فردان:

الأول: أن يكون مانع (كالغيم) لا يرى الهلال لأجله على فرض وجوده.

الثاني: أن لا يكون مانع، فنقطع بعدم وجود الهلال في أُفقنا أو نشك.

ص: 343


1- مباني منهاج الصالحين 6: 230.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 223.
3- وسائل الشيعة 10: 287.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 224.

والرواية تثبت اعتبار الأُفق الآخر من المورد الأول، بينما المدّعى هو الإطلاق.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويشهد على ذلك ما ورد في عدة روايات في كيفية صلاة عيدي الأضحى والفطر، وما يقال فيها من التكبير من قوله (عليه السلام) في جملة تلك التكبيرات: «أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً»(1)، فإن الظاهر أن المشار إليه في قوله (عليه السلام) (في هذا اليوم) هو يوم معين خاص](2): قوله (عليه السلام) : «هذا اليوم» يمكن أن يراد به أحد معنيين:

الأول: يوم الجمعة - مثلاً -.

الثاني: عيد الفطر.

والجملة لها ظهور في الثاني، ولا أقل من الإجمال، فلا يصح الاستدلال.

وهذا مثل أن يقول الخطيب: في هذا اليوم قتل الإمام الحسين (عليه السلام) أي إنه كلّي طبيعي «عاشوراء» الذي يختلف باختلاف البلاد، لا «يوم الجمعة» مثلاً.

وكذا ورد في زيارة عاشوراء «أن هذا يوم تبركت»(3).

مضافاً إلى النقض الذي ذكره الشارح بقوله: [كيف ينطبق ما أفاده على البلدين اللذين لا اشتراك بينهما في اليوم والليلة، فإن الإشكال

ص: 344


1- وسائل الشيعة 7: 467-470.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 224.
3- مصباح المتهجد: 773-777.

المذكور لا دافع له في مورد النقض](1).

قوله (قدس سره) في المتن: [ويدل أيضاً على ما ذكرناه الآية الكريمة الظاهرة في أنَّ ليلة القدر ليلة واحدة شخصية لجميع أهل الأرض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم، ضرورة أن القرآن نزل في ليلة واحدة، وهذه الليلة الواحدة هي ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر](2) ظهر الحال فيه بما تقدم، فهو مثل أن أقول: (نزلت كربلا ليلة الجمعة) أي ليلة جمعتها، لا ليلة جمعة كل العالم، فالقرآن نزل على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو السماء الكذائية في ليلة قدرها.

وكذا بالنسبة إلى التقادير في ليلة القدر، ولا ينافي ذلك أداء الأعمال في ليلة القدر لكل منطقة؛ إذ لو تقدمت عن ليلة القدر تكون مقدمة، ولو تأخرت عن ليلة قدر الإمام المنتظر (عليه السلام) تكون كالشرط المتأخر للتقديرات الحسنة.

قول الماتن (قدس سره) : [بل من جهة ما ذكرناه من قياس هذه المسألة بمسألة طلوع الشمس وغروبها، وقد عرفت أنه قياس مع الفارق] علق عليه الشارح بقوله: [الماتن استدل على مدعاه بتقريبين: التقريب الأول: إن الميزان في بداية الشهر القمري وحلوله خروج القمر عن حالة المحاق، وبعد خروجه عن هذه الحالة يتحقق الشهر الجديد، ولا يفترق البلاد بالنسبة إلى خروج القمر عن المحاق...

ص: 345


1- مباني منهاج الصالحين 6: 231.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 225.

ولقائل أن يقول: إن المستفاد من الأدلة أنّ الحكم بالصوم والإفطار قد رتب على رؤية الهلال، غاية الأمر الرؤية طريق إلى ثبوت الموضوع، وليس لها موضوعية في إثبات الحكم، فلو فرض عدم إمكان الرؤية لم يكن الموضوع متحققاً](1) هذا مضافاً إلى ما سبق من أن الدليل مصادرة؛ إذ ما الدليل على أنّ الخروج من المحاق أمر واقعي مطلقاً لا أمر إضافي لبي؟ فإن ذلك أول الكلام، فتأمل. والمشهور بنوا على ذلك ظاهراً، فتأمل.

قوله: [التقريب الثاني: جملة من النصوص الواردة في المقام، فإنها تدل على المدعى: الأولى: ما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين، قال: «إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً»(2)... ومقتضى إطلاق كلامه (عليه السلام) عدم الفرق بين البلد القريب والبعيد، وأيضاً مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المتلازمين في الرؤية وغيرها يثبت المدعى. والإنصاف يقضي بان المدعى يستفاد من الرواية، وبعبارة أُخرى: لا إشكال في إطلاق الرواية من هذه الجهة، ومع تحقق الإطلاق لابد من الالتزام بمقتضاه](3) يرد عليه أمور:

ص: 346


1- مباني منهاج الصالحين 6: 226.
2- وسائل الشيعة 10: 265.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 227.

الأول: إمكان التقييد.

الثاني: إعراض المشهور.

الثالث: التعارض والتساقط.

الرابع: إنّ القضية خارجية لا حقيقية، وقد مضى الكلام في ذلك(1).

الخامس: النقض بالآفاق التي لا اشتراك بينها ولو في جزء من الليل، وقد مضى الكلام فيه.

قوله: [إلاّ أن يقال: إن المعيار الإطلاق في الجواب لا خصوص السؤال، فالإطلاق متحقق](2) لا إطلاق، فإنّ موضوع السؤال ضيق، ولو فرض الغض عن ذلك نقول: إن ما تقدم يصلح للقرينية، واحتمال القرينية من الكلام المتصل يمنع عن انعقاد الإطلاق، فتأمل.

قوله: [إن المستفاد من هذه الجملة أنه يكفي لإثبات الهلال شهادة شاهدين عدلين من كل فرقة من فرق المسلمين](3) أي من جميع الفرق لا خصوص الحنفية مثلاً فقط - كما سبق بيانه، فيدخل شاهدا الفرقة المحقّة فيهم.

ثم إنه هل المراد من جميع أهل الصلاة أي كل الفرق أو كل البلدان، أو هو مجمل؟ وعلى الإجمال يسقط الاستدلال.

قوله: [الجملة الثانية: قوله (عليه السلام) : «لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى، إلا أن يقضي أهل الأمصار، فإن فعلوا فصمه» بقريب: أن المستفاد

ص: 347


1- تقدّم في الحواشي على مباني منهاج الصالحين 6: 222.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 228.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 229.

من هذه الجملة أن جميع بقاع الأرض مشتركة في أول الشهر، وأول شهر هذه البقعة أول شهر بقية البقاع.

ويرد عليه: أن الحكم معلق على قضاء أهل كل مصر، ولم يعلق على قضاء مصر على الإطلاق](1) هل الرواية (أهل الأمصار)كما هنا، أو (جميع أهل الأمصار) كما ورد في المتن؟(2).

فعلى الأول فهو قابل للتأويل، كما لو قلنا (إلاّ أن يقضي الآخرون) فهو يشمل أهل مصر واحد؛ إذ قد يقال: بالظهور في العموم وما يطلق على مصر واحد (وأهل الأمصار).

قوله: [ويمكن أن يقال: إن المستفاد من ذيل الحديث بنحو الحصر أن قضاء جميع أهالي الأمصار شرط لوجوب القضاء، ومفهومه عدم كفاية قضاء أهل بعض الأمصار دون بعض](3) مضى أن هذا التقييد غير عرفي.

والخلاصة: أنّ هنا روايتين:

الأولى: ورد فيها: (على أهل مصرٍ)(4)، و(أهل بلدٍ آخر)(5).

الثاني: ورد فيها (أهل الامصار)(6).

فإمّا أن نقيد الأولى بالأخيرة، أو نقول: إن (أهل الامصار) يطلق - عرفاً -

ص: 348


1- مباني منهاج الصالحين 6: 229.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 223.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 230.
4- وسائل الشيعة 10: 265.
5- وسائل الشيعة 10: 254.
6- وسائل الشيعة 10: 293.

على بلدٍ واحد، وهذا نظير أن نقول: (قال المفسرون كذا)، مع أننا رأينا مفسراً واحداً -.

والثاني أقرب عرفاً. ومع فرض التعارض يتساقطان.

قوله: [ويمكن أن يقال: إن المستفاد من ذيل الحديث بنحو الحصر أن قضاء جميع أهالي الأمصار شرط لوجوب القضاء](1) للمصنف بيانان:

الأول: أنّ دلالة هذه الرواية بالعموم الوضعي، فتُرفع اليد بها عن الإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة.

الثاني: أنّ هذه الرواية أخصّ من تلك.

قوله: [ثم إن سيدنا الأُستاذ أفاد بان الشاهد على المدعى ما ورد في خطبة صلاتي الفطر والأضحى من قوله (عليه السلام) : «اسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً»(2). بتقريب: أن هذا اليوم يوم مخصوص معين الذي جعل عيداً للمسلمين لا كل يوم...

ويرد عليه: أولاً: كيف ينطبق ما أفاده على البلدين اللذين لا اشتراك بينهما في اليوم والليل...

وثانياً: إن المشار إليه في كلامه (عليه السلام) الذي جعل عيداً عبارة عن اليوم الأول من شوال، أو العاشر من ذي الحجة، فإنّ هذا المفهوم في

ص: 349


1- مباني منهاج الصالحين 6: 230.
2- وسائل الشيعة 7: 467-470.

كل مورد تحقق مصداقه، وينطبق على مصداقه يكون عيداً بالنسبة إلى مورده، وهذا نظير ما وردت وظائف خاصة لليلة الجمعة أو يومها](1) الاولى التمسك بقول الخطيب في ليلة الجمعة: (إنّ هذه الليلة ليلة مباركة وفيها يستجاب الدعاء) أي الكلّي الطبيعي المنطبق عندنا على هذه الليلة، وفي مكان آخر على ليلة أُخرى.

ثم إنّه قد يقال: إن قوله (عليه السلام) : (للمسلمين) أي لمسلمي بلادنا وما قاربها لا الكل، فالمسلمون في قبال المسيحيين واليهود، لا أنّه يراد به كل المسلمين، إلاّ أنه خلاف ظهور الكلمة في العموم، فتأمل.

قوله: [إن شئت قلت: هذه الجملة لا تعرض فيها لإثبات كون تلك الليلة ليلة واحدة لجميع أهل العالم](2) مضافاً إلى الجواب المتقدم(3): من أنّه في ليلة قدر الإمام (عليه السلام) تكتب جميع التقادير لجميع أهل العالم، تقدمت ليلة قدرهم أو تأخرت أو طابقت، وأما جواب المصنف ففيه غموض؛ إذ ظاهر الآية كتابتها في ليلة واحدة، فتأمل.

ص: 350


1- مباني منهاج الصالحين 6: 230-231.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 232.
3- تقدّم في الحاشية على مباني منهاج الصالحين 6: 225.

الفصل السابع: أحكام قضاء شهر رمضان

قول الماتن (قدس سره) : [لا يجب قضاء ما فات زمان الصبا] علق عليه الشارح بقوله: [إجماعاً، بل ضرورة كما في كلام بعض الأصحاب، والأمر كما أفيد فإنه لا إشكال في عدم وجوب قضاء ما فات من المكلف قبل بلوغه، ولا دليل عليه، بل مقتضى أصل البراءة عدم وجوبه](1) لا تصل النوبة إلى أصل البراءة مع وجود الأدلة الاجتهادية.

إلاّ أن يوجه: إنّ قلم التكليف مرفوع عنه قطعاً بمقتضى (رفع القلم عن الصبي) والقضاء فرع الفوت، ولا فوت مع عدم وجوب الأداء - وكما سيأتي - وحينئذٍ نبقى بلا دليل على وجوب القضاء فالأصل البراءة.

لكن مع الإجماع والضرورة على عدم وجوب القضاء لا تصل النوبة لمثل ذلك.

فتحصل أنّ الادلة هي:

1- الإجماع. 2- الضرورة 3- أدلة الرفع، والقضاء فرع الفوت، والأصل البراءة. 4- ما سيأتي من المصنف.

قوله: [ويمكن الاستدلال على عدم الوجوب بتقريب آخر، وهو أن المكلف في الآية الشريفة(2) قسم بأقسام ثلاثة: قسم يجب عليه

ص: 351


1- مباني منهاج الصالحين 6: 232.
2- البقرة: 183-185.

الصوم، وقسم يجب عليه الإفطار والقضاء في وقت لاحق، وقسم تجب عليه الفدية، ولم يقم عليه دليل على وجوبه بالنسبة إليه](1) إن أراد أنّه لم تتعرض الآية الكريمة إلى وجوب القضاء على الصبي ففيه: أنّه من مفهوم اللقب، إلاّ أن تضم إليه البراءة.

وإن أراد أنه غير مكلف، والآية مُصدّرة ب- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}(2)، والقضاء فرع الفوت، ففيه: أن عدم التكليف من البديهيات، فلا يتوقف إثباته على الاستدلال بالآية الكريمة.

قول الماتن (قدس سره) : [أو الجنون] علق عليه الشارح بقوله: [عن الروضة(3) الإجماع عليه](4) بل الضرورة قائمة على ذلك، كالصبي.

قوله: [ويمكن الاستدلال على المدعى بما استدل به على عدم الوجوب حال الصبا] يرد عليه ما ورد على سابقه.

والحاصل: أنّه بناءً على هذا التقدير فإنه رجوع إلى أصل البراءة لا أنه دليل جديد.

قوله: [وإن شئت قلت: القضاء ليس بالأمر الأول، مضافاً إلى عدم تعلق الأمر الادائي إلى المجنون، والأمر الجديد بالقضاء متعلقه الفوت، ولم يفت من المجنون شيء](5) الاولى القول: لم يثبت الفوات،

ص: 352


1- مباني منهاج الصالحين 6: 233.
2- البقرة: 185.
3- الروضة البهية 2: 115-116.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 233.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 233.

بل لم يفت.

قوله: [القضاء ليس بالأمر الأول] إلاّ أن يضم إليه قاعدة الميسور إذا ثبت تعدد المطلوب، فتأمل.

قوله: [ولم يفت من المجنون شيء لا خطاباً ولا ملاكاً، أما خطاباً فظاهر، وأما ملاكاً فلا دليل على وجود الملاك، بل الدليل على عدمه، فإن المستفاد من النص أن ملاك التكليف العقل] أو شرطه، والملاك هو الأغراض المترتبة على الفعل، التي هي أول الفكر وآخر العمل.

قول الماتن (قدس سره) : [أو الإغماء] علق عليه الشارح بقوله: [لجملة من النصوص، منها: ... ومنها: ما رواه علي بن محمّد القاساني، قال: كتبت إليه (عليه السلام) وأنا بالمدينة أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته؟ فكتب (عليه السلام) : «لا يقضي الصوم»(1)](2) الرواية مضمرة إلاّ أن يكون (عليه السلام) من الراوي نفسه لا من النساخ أو المؤلفين، أو أن يكون الراوي جليلاً.

قوله: [ومنها ما رواه علي بن مهزيار، قال: سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب (عليه السلام) : «لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»(3)](4) إنّ إشكال الاضمار وارد هنا، ويمكن التخلص منه بالجلالة، على فرض ثبوتها، فراجع.

ص: 353


1- وسائل الشيعة 10: 226.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 233.
3- وسائل الشيعة 8: 262.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 233-234.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو الاغماء] لكن القضاء مستحب على المغمى عليه. بناءً على إثبات الرواية الضعيفة للاستحباب، أي القبول بقاعدة التسامح في أدلة السنن.

قوله: [ربما يقال: بان المغمي عليه من أقسام المريض، والمريض يجب عليه القضاء... وفيه: إن الإغماء عنوان في قبال المرض](1) كما هو واضح عرفاً.

قوله: [مضافاً إلى أنه لو سلم أنه من مصاديقه لا نسلم وجوب القضاء، لقيام الدليل الخاص على عدم الوجوب بالنسبة إليه] أي أنه تخصيص في أدلة المرض.

قوله: [وفي المقام روايتان: إحداهما: ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنه سأله عن المغمى عليه شهراً أو أربعين ليلة؟ قال: «إن شئت اخبرتك بما آمر به نفسي وولدي أن تقضي كل ما فاتك»(2). ثانيتهما: ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «يقضي المغمى عليه ما فاته»(3)](4) فيه.

أولاً: الرواية ضعيفة السند.

ثانياً: تخصص بأدلة عدم وجوب قضاء الصوم، إلاّ أن يشكل بما ذكره

ص: 354


1- مباني منهاج الصالحين 6: 234.
2- وسائل الشيعة 10: 226.
3- وسائل الشيعة 10: 226.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 234.

المصنف.

ثالثاً: مقتضى الجمع الحمل على الاستحباب.

قوله: [وفي المقام رواية رواها علي بن مهزيار أنه سأله، يعني أبا الحسن (عليه السلام) ، عن هذه المسألة، يعني مسألة المغمى عليه، فقال: «لا يقضي الصوم ولا الصلاة، وكلّما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر»(1)... بتقريب: أن المستفاد من الرواية أنَّ العلة المنحصرة لعدم الوجوب غلبة اللّه.

وفيه: أن غاية ما يمكن أن يقال: إن هذا الدليل لا يشمل المورد الذي يكون مستنداً إلى نفس المكلف، لكن لا تدل على أن العلة لعدم القضاء منحصرة بها](2) فهو من مفهوم اللقب.

هذا مضافاً إلى إمكان ادعاء انتساب كل شيء إلى اللّه تعالى، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية الكريمة، مثل نسبة الهداية والإضلال والإغواء وغيرها إليه تعالى؛ إذ كل شيء ينتهي إليه تعالى، إلاّ أن يقال: بالانصراف، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو الكفر الأصلي](3) لكن القضاء مستحب، بناءً على إثبات الرواية الضعيفة للاستحباب، أي القبول بقاعدة التسامح في أدلة السنن.

ص: 355


1- وسائل الشيعة 10: 227.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 235.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 235.

قوله: [وتدل على المدعى جملة من النصوص، منها: ما رواه عيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام، هل عليهم ان يصوموا ما مضى منه، أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: «ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه، إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر»(1)](2) هذه الرواية تدل على أنّه لا بد من استيعاب الاسلام تمام اليوم، وإلاّ فلا يجب الصوم، أي أنّ الصوم لا يتبعض بلحاظ الإسلام، وهذا هو الظاهر من رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه (عليهم السلام) : «أن علياً (عليه السلام) كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان: أنه ليس عليه إلا ما يستقبل»(3).

وبذلك يُقيّد إطلاق رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : أنه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال: «ليس عليه إلا ما أسلم فيه»(4) لو كان له ظهور في وجوب صوم اليوم الذي أسلم فيه.

قوله: [وفي قبال هذه النصوص ما رواه الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أسلم بعدما دخل من شهر رمضان أيام؟ فقال: ليقض ما فاته»(5). فإنَّ هذه الرواية تدل على وجوب قضاء ما فات

ص: 356


1- وسائل الشيعة 10: 327.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 235-236.
3- وسائل الشيعة 10: 328.
4- وسائل الشيعة 10: 329.
5- وسائل الشيعة 10: 329.

من الصيام على مَنْ أسلم، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الإسلام المسبوق بالكفر والمسبوق بالارتداد](1) يمكن الجمع بالحمل على الاستحباب.

قوله: [وجملة من الأصحاب(2) حملوا حديث الحلبي على الاستحباب، أو إسلام المرتد](3) الروايات كلّها ظاهرة في الإسلام عن الكفر الأصلي، والتبعيض بينها غير ظاهر، وإلاّ لأشكل الأمر في وجوب القضاء على المرتد، باعتبار إطلاق روايات (أنّ الكافر لا يجب عليه القضاء).

قوله: [وبعبارة أُخرى: لا مجال للأخذ بإطلاق رواية الحلبي، مضافاً إلى أن هذه الرواية ضعيفة بقاسم بن محمّد الجواهري، لعدم ثبوت وثاقته، ومجرد كونه في أسناد كامل الزيارات(4) لا أثر له كما مر منا مراراً، وأما توثيق ابن داود إياه فلا يترتب عليه أثر؛ إذ ابن داود بنفسه لم يوثق، فإن المنقول عن الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين أنه شهد في حقه بكونه صالحاً، ولم يقل: إنه ثقة، فإنه لا يبعد أن يفهم من هذا الكلام أن الرجل بحسب الظاهر من الصلحاء، وليس هذا شهادة بالوثاقة](5) الظاهر أن الشهادة بالصلاح وبالعدالة بمعنى

ص: 357


1- مباني منهاج الصالحين 6: 236.
2- رياض المسائل 5: 429؛ جواهر الكلام 17: 10-11.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 236.
4- كامل الزيارات: 349.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 236-237.

واحد، فتدل على الوثاقة، وكذا في كلمة (ديّن).

قوله: [وبعبارة أُخرى: المصطلح عند الرجاليين في مقام توثيق شخص توثيقه بقولهم: (فلان ثقة أو فوق الوثاقة) فالرجوع عن هذا التعبير بتعبير آخر كقولهم: (صالح أو دين) يكون أعم. نعم، إذا قالوا: (فلان عادل) تثبت الوثاقة](1) بين العدالة والوثاقة عموم من وجه على ما في مباحث الاجتهاد والتقليد، لكن الظاهر أنّه عندما يقال: إنّه عادل: فهذا يعني أنه ثقة أيضاً. ولو كان عادلاً غير ثقة للزم التنبيه على ذلك في كتب الرجال.

قول الماتن (قدس سره) : [ويجب قضاء ما فات في غير ذلك من ارتداد] علق عليه الشارح بقوله: [بلا خلاف - كما عن الذخيرة(2) - وعن المدارك(3): إنه قطعي، ويمكن الاستدلال عليه بإطلاق حديث الحلبي(4)](5) فيه نظر، لما سبق من أنّ الروايات كلها ظاهرة في الإسلام عن الكفر الأصلي، وتقريبه: أنّ كون الإسلام بعد الارتداد مؤونة زائدة، ولو كانت للزم التنبيه عليها في الكلام، فعدم التنبيه دليل على عدم وجودها.

قوله: [بل لا يبعد الاستدلال عليه بما دل على وجوب القضاء على مَنْ أفطر متعمداً، مثل حديث سماعة(6)] خلاصة الاستدلال: وجود

ص: 358


1- مباني منهاج الصالحين 6: 237.
2- ذخيرة المعاد: 526.
3- مدارك الأحكام 6: 201-202.
4- وسائل الشيعة 10: 329.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 237.
6- وسائل الشيعة 10: 54.

المقتضي وعدم المانع.

أمّا المقتضى فأمران: الأول: شمول أدلة مَنْ افطر متعمداً.

الثاني: ما يستفاد من الأدلة أنّ كل مكلف فات عنه الصوم يجب عليه القضاء.

وأما عدم المانع، فلعدم شمول (أدلة الجب وسقوط القضاء) للإسلام بعد الارتداد.

قوله: [ويمكن الاستدلال على المدعى بتقريب آخر، وهو أن المستفاد من الأدلة أن كل مكلف فات عنه الصوم يجب عليه القضاء، فالتخصيص يتوقف على قيام دليل يدل على عدم الوجوب] بتقريب: أنّ الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول.

قول الماتن (قدس سره) : [أو حيض] علق عليه الشارح بقوله: [بلا إشكال، وتدل عليه جملة من النصوص، منها: ما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن السنة لا تقاس ألا ترى أن المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها»(1)](2) والظاهر أنّه من الواضحات، ولعله من الضروريات، فتأمل.

[قول الماتن (قدس سره) : [أو نفاس] علق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة

ص: 359


1- وسائل الشيعة 2: 346.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 237-238.

تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال: تفطر وتقضي ذلك اليوم»(1)](2) وقد يستدل عليه باشتراك النفساء مع الحائض في كل الأحكام، وقد مرّ سابقاً.

وأما قول الراوي: «تلد بعد العصر» فلعله باعتبار ملازمة الولادة لخروج الدم عادةً، وفرض عدم الخروج لعله نادر ملحق بالمعدوم، ولذا لم يقيّد بخروج الدم.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو نوم] وعلق عليه الشارح بقوله: [فإن النوم إذا صار سبباً لبطلان الصوم لأجل عدم سبق النية، فالقضاء واجب بمقتضى وجوبه على كل من فاته صوم شهر رمضان، فالحكم بالقضاء على طبق الأصل الأولي](3) إذا نافى النوم وجود النية، ولو الإرتكازية منها.

ثم إن قوله: (عدم سبق النية) المقصود: عدم وجود النيّة الارتكازية حين الصوم، وإلاّ فالسبق لا مدخلية له في الصحّة.

لكن قد مضى التأمل في وجود النية الارتكازية للصائم، وأنّ تصحيح صومه إنما هو بالسيرة والتسالم، فالملاك سبق النية ولو الارتكازية منها(4).

قول الماتن (قدس سره) : [أو سكر] علق عليه الشارح بقوله: [الذي يختلج

ص: 360


1- وسائل الشيعة 10: 230.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 238.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 238.
4- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 5 (منه (رحمه اللّه) ).

بالبال أن يكون السكر كالنوم، فإن كان مسبوقاً بالنية لا يكون الصوم باطلاً، وإنما يجب القضاء فيما لم يكن مسبوقاً بالنية، ووجوب القضاء في فرض عدم سبق النية على طبق القاعدة الأولية] (1) هذا لو قلنا: إنّ الحكم في النائم على طبق القاعدة، لكن سبق أنه للسيرة والتسالم.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو خلاف للحق] راجع بحث «الإيمان يجب ما قبله» من القواعد الفقهية.

ثم إنّ هنا فرعاً، وهو أنّه لو ترك الصلاة أو الصوم على طبق مذهبه فهل يجب عليه القضاء؟

مثلاً: إنَّ البلوغ عندنا بالإنبات ولم يكن عندهم، فصلى وصام بعد الإنبات بسنةٍ - حين احتلم مثلاً - فهل يجب عليه القضاء؟

ذكر الوالد (رحمه اللّه) بأنّ عدم القضاء غير بعيد، لأنّ المستفاد من الأدلة على عدم الإعادة باستثناء الزكاة(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، إذا صام المخالف على وفق مذهبه](3) راجع بحث الجبّ، وهل أنّه يجب كونه على مذهبه أو أي مذهب من المذاهب؟ وما الحكم لو صام على مذهبنا؟

والظاهر الصحّة في الأخير، لأنّه أتى بالتكليف الواقعي المشترك بين الجميع. ومقتضى القاعدة البطلان في الأوّل(4) ؛ لأنّ المتيقن من النصوص

ص: 361


1- مباني منهاج الصالحين 6: 238.
2- الفقه 36: 254.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 239.
4- مراد المصنّف (رحمه اللّه) هو ما لوكان طبقاً للمذاهب الأخرى، لا مذهبه ولا مذهبنا.

المصحّحة كونه صام وفق مذهبه - كما هو المتعارف - والتصحيح لغير الصحيح يحتاج إلى دليل.

والحاصل: أنّ مقتضى القاعدة الأولية وجوب القضاء على مَنْ لم يأت بالواقع، إلاّ أن ينهض دليل على السقوط.

إلاّ أن يقال: إنّ الأدلة مطلقة، والإتيان على غير المذهب ليس فرداً نادراً بحيث تنصرف عنه الأدلة، بل هو فرد شائع، خاصّة مع اختلاط الأفراد من المذاهب المختلفة والتداخل فيما بينهم. أو نعثر على دليل يدل على التصحيح(1).

ثم إن قوله (قدس سره) : [نعم، إذا صام المخالف على وفق مذهبه لم يجب عليه القضاء] بل مطلقاً.

قول الماتن (قدس سره) : [إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي بنى على الأداء]. علّق عليه الشارح بقوله: [يمكن الاستدلال على المدعى بتقريبين: أحدهما: قاعدة الحيلولة المستفادة من حديث زرارة والفضل، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث، قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنك لم تصلها، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، وإن شككت بعدما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت»(2). بدعوى: عدم اختصاص الرواية بالصلاة.

ص: 362


1- كرواية بريد العجلي المرويّة في وسائل الشيعة 9: 216.
2- وسائل الشيعة 4: 283.

وفيه: أنه لا مقتضي في الرواية للعموم وهي تختص بالصلاة](1) يمكن أنّ يُدعى الظهور في ذلك، ولا أقل من الإجمال، باعتبار احتمال قرينية الموجود، فلا ينهض دليلاً على العموم، ويقتصر على القدر المتيقن.

قوله: [وفيه: أن المستفاد من الشرع وجوب القضاء على مَنْ لم يصم، ومقتضى الاستصحاب عدم تحقق الصوم، فموضوع الوجوب عدم الإتيان بالصوم، مضافاً إلى أن الفوت ليس أمراً وجودياً] بل هو نفس عدم الإتيان، او يقال الواسطة - لو كانت - ولكنها خفية.

قوله: [النتيجة: إن مقتضى الأصل وجوبه، ومما ذكرنا علم أنه لا مجال لجريان أصالة البراءة عن وجوب القضاء، لأن الأصل الجاري في السبب حاكم على الأصل المسببي، إلا أن يقوم اجماع تعبدي كاشف على عدم الوجوب](2) لكن الظاهر عدم الوجوب، لقاعدة الفراغ أو التجاوز، لاحظ قوله (عليه السلام) : «كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو»(3) وغيره.

إلاّ أن يقال: الفراغ فرع تحقق أصل العمل. وأمّا التجاوز فيكفي فيه مجاوزة المحل، أو الحمل على الاحسن، بناءً على أنّه لا فرق بين النفس والغير لوحدة المناط على ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) (4).

ص: 363


1- مباني منهاج الصالحين 6: 239.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 240.
3- وسائل الشيعة 8: 238.
4- الفقه 36: 259.

قول الماتن (قدس سره) : [وإذا شك في عدد الفائت بنى على الأقل] علق عليه الشارح بقوله: [التقريب هو التقريب والإشكال هو الإشكال](1) سبق أنّه لا إشكال.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجب الفور في القضاء وإن كان الأحوط استحباباً عدم تأخير قضاء شهر رمضان عن رمضان الثاني] لا ينبغي تركه.

قوله: [في بعض الكلمات أنه نسب إلى المشهور عدم الجواز، ولابد من قيام دليل على عدمه، وإلا فمقضى القاعدة الأولية هو الجواز، وما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المقام وجهان:

الوجه الأول: إنه بالتأخير تجب الفدية، ووجوبها يدل على عصيان المكلف بالتأخير.

وفيه: إن وجوبها أعم من المدعى، ولذا نرى أن مقتضى النصوص وجوبها على مَنْ استمر به المرض إلى رمضان الثاني](2) لاحظ كلمة الفدية في الروايات خاصة في كفارات الحج، وكذا في الآية الكريمة {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ}(3) في شهر رمضان وفي الحجّ.

قوله: [الوجه الثاني: إنه قد عبر في بعض النصوص عن التأخير

ص: 364


1- مباني منهاج الصالحين 6: 240.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 240-241.
3- البقرة: 196.

بالتواني، كحديث محمّد بن مسلم(1)... وفي بعض آخر بالتهاون، كحديث أبي بصير(2)... ولولا وجوب الإتيان بالقضاء قبل رمضان الثاني لما صح مثل هذه التعبيرات.

وفيه: إن التواني أو التهاون عبارة أُخرى عن عدم الإتيان بالقضاء قبل رمضان الثاني بلا عذر، وهذا لا يدل على ترك الواجب، فبهذا التقريب لا يثبت المدعى، فلا دليل على الوجوب](3) وأما الرواية الثانية: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطره فدية طعام، وهو مد لكل مسكين، قال: وكذلك أيضاً في كفارة اليمين وكفارة الظهار مداً مداً، وإن صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعاً لكل يوم مداً إذا فرغ من ذلك الرمضان»(4) فهي تدل على الوجوب بقولها «فإنما عليه أنّ يقضي الصيام» والظاهر - بقرينة ما بعده - أي بين الرمضانين. لكن فيه:

أولاً: أنه استعارة لا دلالة، فتأمل.

وثانياً: الرواية ضعيفة السند.

ثم إنه ينبغي البحث في كلمات (التواني) و(التهاون) خصوصاً في تأخير

ص: 365


1- وسائل الشيعة 10: 335.
2- وسائل الشيعة 10: 337.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 241.
4- وسائل الشيعة 10: 337.

الصلاة إلى آخر الوقت، وكذا في الصوم في (تواني الحائض عن الاغتسال).

قوله: [مضافاً إلى ما عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سالته عن رجل يكون مريضاً في شهر رمضان، ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك، أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال: أحب له تعجيل الصيام، فإن كان أخره فليس عليه شيء»(1)](2) الرواية ضعيفة السند(3).

فتحصل أنّه لا دليل على عدم الوجوب ولا على الوجوب. وتبقى الشهرة، فإن قلنا إنها جابرة للرواية الضعيفة جبرت ضعف رواية أبي بصير الدالة على الوجوب.

قوله: [ويمكن أن يكون الوجه في احتياط الماتن الخروج عن شبهة الخلاف](4) بل لرواية أبي بصير أيضاً.

ثم إنه يجب البحث في حد التأخير، وقد بحثه المصنف في موضع آخر، - ولعله مذكور أيضاً في أحكام الأموات(5).

وأظن أنّ مبنى المصنف دوماً وجوب المبادرة، إلاّ إذا اطمأن بالبقاء. وفيه إشكال للاستصحاب الاستقبالي، فتأمل.

ص: 366


1- وسائل الشيعة 10: 337.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 241-242.
3- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 250 وحواشيه (منه (رحمه اللّه) ).
4- مباني منهاج الصالحين 6: 242.
5- راجع العروة الوثقى في أحكام الأموات (منه (قدس سره) ).

قول الماتن (قدس سره) : [وإن فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين ولا الترتيب، وإن عين لم يتعين] علق عليه الشارح بقوله: [والسر فيه أن التعيين فرع التعين الواقعي والتميز في نفسه، والمفروض أنه لا تعين للأيام في الواقع، بل الواجب على المكلف قضاء عدة أيام من رمضان](1) الأيام متعيّنة في الواقع؛ إذ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد. فهذا هو اليوم الأول من شهر رمضان وذاك هو الثاني وهكذا.

نعم، لو أراد عدم التعيين بلحاظ دليل وجوب القضاء فله وجه. كعدم تعيّن دراهم الدين بلحاظ دليل وجوب الأداء، فلا دليل على التعيّن بالتعيين، وأمّا ما ذكره المصنف فهو مصادرة؛ إذ الفرعية هي محل الكلام.

لكن قد يتأمل فيه بقوله (عليه السلام) : (لكل امرئ ما نوى)(2).

وتظهر الثمرة في النذر ونحوه.

ثم إنه مقتضى لتسلط الإنسان على ماله ونفسه، فتأمل. راجع بحث (لو كانت عليه سجدتا السهو مرتين) فهل يجب التعيين؟ أو (كتاب الصوم «التعيين شرط» من العروة).

ولاحظ الأمثلة العرفية، كمَنْ عليه ضريبتان للدولة، سواء أكانت بسبب واحد أم بأسباب متعددة، وسواء أكانت مختلفة الهيئة أم لا، وسواء أكانت مخلفة لآثار أم لا.

والخلاصة: أن هنالك دليلين:

ص: 367


1- مباني منهاج الصالحين 6: 242.
2- عوالي اللئالي1: 81.

الأول: أدلة النية، ولكل امرئ ما نوى، ونحوه: العقود تابعة للقصود.

إلاّ أن يقال: المقصود نية القربة في قبال الرياء، وفيه: أنّه عام.

الثاني: أدلة السلطنة.

ثم إنّ الأثر موجودٌ؛ إذ قد يبرأ الدائن - من ديون العام الماضي، لا دين هذا العام - فينوي بدفع هذا الدرهم: درهم العام الماضي، أو يذهب إلى تاجر فيقول: إنّ علي ديناً من العام الماضي، (فيما لو دفع الدرهم بنيّة الدرهم الأخير).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يجب عليه التعيين](1) لعدم الدليل، ولصدق الامتثال عرفاً. وقد يشكل فيه: بأنّ وقوعه عن المعين بلا مرجح، وعن المردد بأنّه لا وجود له، وعن كليهما بعدم القابلية، وعن المخير لا دليل عليه.

وفيه: أنّه لا نحتاج إلى أزيد من صدق الامتثال عرفاً. فتأمل وراجع ما كتبوه في نظائر المقام (كتقليد المجتهد بلا تعيين).

وكذا قد يشكل ب- (إنما الأعمال بالنيات).

وفيه: أنّه لم يعلم عدمه لمثل ذلك، بل هو في مقام أن العمل بلا نية القربة لا يقبل، فتأمل وراجع.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين ولا الترتيب] فيه إشكال، بل منع.

قول الماتن (قدس سره) : [وإن عين لم يتعين] علق عليه الشارح بقوله:

ص: 368


1- مباني منهاج الصالحين 6: 242.

[والسر فيه أن التعيين فرع التعين الواقعي والتميز في نفسه، والمفروض أنه لا تعين للأيام في الواقع، بل الواجب على المكلف قضاء عدة أيام من شهر رمضان، فإذا قضى يوماً من تلك الأيام سقط عن ذمته يوم منها وهكذا] يرد الإشكال السابق: أنّه أي يوم يسقط؟

وقد يجاب: بأنّ ما اختاره نفس سقوطه، لكن لا دليل على ذلك. وقد يجاب بأنّ الكاشف، صدق الامتثال عرفاً، فتأمل.

قوله: [نعم، إذا تميز المكلف به بخصوصية ممتازة عن بقية الأفراد يجب في مقام الأداء قصد ذلك الفرد الخاص وإلا فلا] هل أنه وجوب شرطي أو نفسي بمعنى أنّه لو لم يقصد الخصوصية لم يقع عنه، أو لم يقع مطلقاً؟

يُحتمل وقوعه عن الطبيعة بلا ذلك القيد الزائد(1).

قوله: [نعم، إذا تميز المكلف به بخصوصية ممتازة عن بقية الأفراد يجب في مقام الأداء قصد ذلك الفرد الخاص] (2) مراده: التميز في الماهية أو الآثار ظاهراً، وكذا في قوله (أما الثابت في الذمة فلا امتياز بين أفراد الثابت فيها، وخصوصية السبب لا تقتضي خصوصية ممتازة في المسبب عن الأفراد الأُخر)، فتأمل.

قوله: [فوجوب قضاء عدة أيام من شهر رمضان كوجوب أداء عدة

ص: 369


1- لاحظ كتاب الصوم فيمن كان في ذمته أنواع متعددة ولم يقصد إلا الطبيعي (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 242.

دراهم في ذمة المكلف إذا ثبت اشتغال الذمة بكل فرد من تلك الدراهم بسبب خاص، أما الثابت في الذمة فلا امتياز بين أفراد الثابت فيها، وخصوصية السبب لا تقتضي خصوصية ممتازة في المسبب عن الأفراد الأخر، فلا موضوع للتعيين والترتيب وإن عين لم يتعين](1) الموضوع هو التعدد في متن الواقع، وإن لم يكن تميز في الماهية، والخلاصة: أنّ التميز في المشخصات الفردية كافٍ في التعدد وهو لازم، إذ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد، راجع ما سبق في دفعه.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان عليه قضاء من رمضان سابق ومن لاحق لم يجب التعيين] فيه نظر؛ لاختلاف الهيئة الكاشف عنه اختلاف الآثار؛ إذ في أحدهما الفدية وفي الآخر عدم الفدية، إلاّ أن يقال: إن التعيين غير لازم تكليفاً، إلاّ أنّه لو لم يعين ترتبت في ذمته الفدية، لوقوعها عما لا تشخيص زائد له.

والخلاصة: أنّ الكلام في الحكم التكليفي لا الوضعي. ومنه يظهر الكلام في قوله «يكون صوم أيام من رمضانين، كصوم أيام من رمضان واحد»(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [إلا أنه إذا تضيق وقت اللاحق بمجيء رمضان الثالث، فالأحوط قضاء اللاحق](3) الذي لا ينبغي تركه، كما مر قريباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن نوى السابق حينئذ صح صومه] وكذا إن

ص: 370


1- مباني منهاج الصالحين 6: 242.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 242.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 243.

نوى الطبيعة.

قوله (قدس سره) في المتن: [ووجبت عليه الفدية] علق عليه الشارح بقوله: [أما صحة صومه فلأجل الإتيان بالمأمور به المتقضي للإجزاء، وأما وجوب الفدية فلأجل أن الفدية مترتبة على عدم الإتيان بالقضاء إلى مجيء رمضان اللاحق، فاللاحق متميز بهذه الخصوصية، فيتوقف سقوط الفدية على قصد قضاء الصوم اللاحق كي يسقط كقصد أداء الدين، الذي أُخذ رهن بأزائه، فما دام لا يقصد بخصوصه لا تخرج العين المرهونة عن الرهن](1) والخلاصة: أن فك الرهن متوقف على أداء دينه، وهذا العنوان لا يتحقق إلاّ بقصد أداء الدين الخاص، فهذه الخصوصية لا تتحقق إلا ّ بالقصد، وإلاّ لو لم يقصد وقع عن الطبيعة، لأنها خصوصية زائدة وراء الطبيعة.

إن قلت: الطبيعة لا بشرط لم يقصدها أيضاً.

قلت: اللابشرطية عدم القيد لا أنّها قيد، فيكون الانطباق قهرياً.

ونحوه الكلام في الصوم؛ إذ سقوط الفدية موقوف على قضاء شهر رمضان لا غير، فلو لم يقصده لم يقع عنه بما له من هذه الخصوصية.

والخلاصة: إنّ كل شيء فيه خصوصية زائدة على الطبيعة يحتاج وقوع العمل عنه إلى قصده، وإلاّ وقع عن الطبيعة المطلقة.

ولو شك في الوقوع فالأصل عدم الوقوع عنه. ولا يعارض بأصل عدم

ص: 371


1- مباني منهاج الصالحين 6: 243.

الوقوع عن الغير فإنّه لا أثر له. ولا يقال: إنّ الأصل عدم الفدية فإنّه مسببي.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة والنذر، فله تقديم أيهما شاء] علق عليه الشارح بقوله: [لإطلاق الأدلة المقتضي لعدم التقييد، كما أن مقتضى أصالة البراءة عن القيد كذلك(1)] لو وصلت النوبة إليها.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا فاته أيام من شهر رمضان بمرض ومات قبل أن يبرأ لم يجب القضاء عنه] لكن إن مات بعد حلول شهر رمضان القادم وجب إخراج الفدية من تركته، وكذا الحكم في الفرع اللاحق.

قوله: [لجملة من النصوص، منها: ما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض، فتوفي قبل أن يبرأ، قال: ليس عليه شيء، ولكن يقضي عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضي»(2).

ومنها: ما رواه منصور بن حازم. قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت قال: لا يقضى عنه، والحائض تموت في شهر رمضان قال: لا يقضى عنها»(3).

ص: 372


1- مباني منهاج الصالحين 6: 243.
2- وسائل الشيعة 10: 329-330.
3- وسائل الشيعة 10: 332.

ومنها: ما رواه ايضا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت قال: «يقضى منه وان امراة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها والمريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه»(1)](2) ربما يقال: إنّه على طبق القاعدة وإن لم ترد به النصوص، لأن القضاء فرع الفوت والفوت فرع التكليف، ولا تكليف للمريض لا بالأداء ولا بالقضاء. وكذا في الحائض والنفساء.

لكنه يشكل الأمر في المسافر.

إلاّ أن يقال: حكمه للنص الخاص في رواية منصور بن حازم الثانية، فالمسافر وإن لم يكن مكلفاً فعلاً، إلاّ أن القضاء واجب عنه للنص، ولولاه لكنا نقول بعدم وجوب القضاء عنه أيضاً.

ثم إن قوله (عليه السلام) في الرواية: «وإن امراة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها» هذا الإطلاق مقيّد بموتها في شهر رمضان، أو عدم استطاعتها القضاء خارج شهر رمضان.

والتقييد لأنّه القدر المتيقن من ذلك أو المنصرف، فلو استطاعت ولم تقض دخل تحت القاعدة العامّة، من أنّ: كل مَنْ استقر في ذمته الصوم، ولم يقضِ وجب القضاء عنه.

وأما قوله: «تموت في شهر رمضان» في رواية منصور بن حازم الأولى، فلا يصلح للتقييد، لأنه من مفهوم اللقب.

ص: 373


1- وسائل الشيعة 10: 334.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 243-244.

ثم إن قوله (عليه السلام) في رواية سماعة بن مهران: قلت: فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال، فقال: «لا يقضى عنها»(1) أي وهي لا تقدر، لما سبق في الحاشية المتقدمة.

وكذا في قوله (عليه السلام) في نفس الرواية عن «رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام، فمات في شهر رمضان، أو في شهر شوال قال: «لا صيام عليه ولا يقضى عنه».

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا إذا فات بحيض أو نفاس ماتت فيه، أو بعدما أفطرت قبل مضي زمان يمكن القضاء فيه] علق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما رواه سماعة بن مهران، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام، فمات في شهر رمضان، أو في شهر شوال، قال: لا صيام عليه ولا يقضى عنه، قلت فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال، فقال: لا يقضى عنها»(2) وما رواه منصور(3)](4) مكرّراً(5).

ص: 374


1- وسائل الشيعة 10: 332.
2- وسائل الشيعة 10: 332.
3- وسائل الشيعة 10: 332.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 244.
5- حيث نقل عنه روايتين، الأولى في الصفحة 243، والثانية في الصفحة 244.

ثم لا يخفى أن النصوص أخص من المدّعى؛ إذ قوله (عليه السلام) في رواية منصور بن حازم الأولى: «الحائض تموت في شهر رمضان» مجمل، وقوله في رواية سماعة: «نفساء... في شهر رمضان أو في شوال» لا في غيرهما.

إلا أن يوجه بعدم فهم الخصوصية، أو بفهم عدم الخصوصية، أو بروايات أُخرى، أو بكون ما ذكر طبق القاعدة العامّة، كما سبق بيانه قبل قليل.

ثم إن ما ثبت للحائض ثبت للنفساء وبالعكس - ظاهراً - فلاحظ، فيمكن الاستدلال بكلٍ للأُخرى، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض، واستمر به المرض إلى رمضان الثانية سقط قضائه(1)](2) لكن القضاء مستحب. أي سقط وجوباً وإن بقي استحباب القضاء.

قوله (قدس سره) في المتن: [سقط قضائه(3) وتصدق عن كل يوم] علق عليه الشارح بقوله: [لجملة من النصوص منها: ما رواه محمّد بن مسلم(4) ومنها ما رواه زرارة(5)... ومنها: ما رواه علي بن جعفر(6)...

ص: 375


1- هكذا في المصدر، والصحيح (قضاؤه).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 244.
3- هكذا في المصدر، والصحيح (قضاؤه).
4- وسائل الشيعة 10: 335.
5- وسائل الشيعة 10: 335-336.
6- وسائل الشيعة 10: 338-339.

وربما يقال - كما عن ابن أبي عقيل(1) وغيره(2): انه يجب عليه القضاء دون الكفارة](3) راجع المشتركات لتجد هل هنالك ما يعينه؟

قوله: [مضافاً إلى الإشكال في دلالتها؛ إذ لا يبعد أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) : «فإن كان مريضاً فيما بين ذلك» أنّ المرض لم يستمر به، بل كان مريضاً في بعض الأيام دون بعض، والمراد بالذيل التتابع واستمرار المرض إلى مجيء رمضان آخر، فالرواية من أدلة القول المشهور، لكن يشكل الجزم بهذا التقريب](4) بل الرواية ظاهرة في استمرار المرض، ولو كان صحّ في الأثناء لقال: «مرض وصحّ» والتفريع ب- «حتى» دليل على أنّها العلّة فقط.

وقوله: (وما بين ذلك) أي كله، وقوله: «فيما بين ذلك» أي كله.

قوله: [فالعمدة الإشكال في سند الرواية] وهناك إشكالات أُخرى، هي:

أولاً: الرواية عامّة؛ إذ لم يتعرض في المتن إلى كون ترك الصيام للمرض، حيث ورد عليه من شهر رمضان طائفة - فتخصص بالأدلة الدالة على كون المرض علة الترك من شهر رمضان، فتأمل.

ثانياً: لو فرض التعارض فالشهرة ترجح تلك.

ص: 376


1- عنه في مختلف الشيعة3: 517.
2- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 184 وابن ادريس السرائر 1: 396.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 244-245.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 245.

ثالثاً: الترجح بالأحدثية - على مبنى المصنف - ورواية علي بن جعفر (عليه السلام) (1) متأخرة فترجح.

رابعاً: الترجح بموافقة الكتاب بقوله تعالى: {مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(2).

لكن هذا الأخير يناقض مدّعى الماتن، وهو نقيض الوجوه المتقدمة.

قوله: [ونسب إلى ابن الجنيد (رحمه اللّه) وجوب القضاء والكفارة معاً، ويمكن الاستدلال عليه بما رواه سماعة قال: سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه، فقال: «يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام، وليصم هذا الذي أدركه، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإني كنت مريضاً فمر علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن، ثم أدركت رمضاناً آخر فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام، ثم عافاني اللّه تعالى وصمتهن»(3)](4) هذه الرواية تدل على أنّ كل من لم يصم فعليه المدّ(5).

ص: 377


1- وهي علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: >سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما، ثم صحّ بعد ذلك، كيف يصنع؟ قال: يصوم الأخير، ويتصدق عن الأول بصدقة لكل يوم مد من طعام لكل مسكين» وسائل الشيعة 10: 339.
2- البقرة: 184.
3- وسائل الشيعة 10: 336-337.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 246.
5- راجع مباني منهاج الصالحين 6: 251 (منه (رحمه اللّه) ).

ثم إن قوله: [بما ورواه سماعة] الرواية مضمرة، راجع بحث المضمرات في علم الرجال.

قوله: [فإن مقتضى هذه الرواية وجوب الجمع بين الأمرين، لكن لا يبعد أن يحمل على الاستحباب بلحاظ ما رواه عبد اللّه بن سنان(1)](2) وبلحاظ سائر الروايات، مثل رواية محمد بن مسلم (وليس عليه قضاؤه)(3) ورواية زرارة(4).

قوله: [رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من أفطر شيئاً من رمضان في عذر، ثم أدرك رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم، فأما أنا فأني صمت وتصدقت»(5)](6) هذه الرواية تدل على أن القضاء يسقط لمن ترك الصوم في شهر رمضان من أي عذر، سواء أكان مرضاً أم غيره، بشرط كون الترك للقضاء بسبب المرض، وسيأتي تفصيل الشارح.

قوله (قدس سره) في المتن: [وتصدق عن كل يوم بمد] علق عليه الشارح بقوله: [كما يستفاد من جملة من النصوص، منها: ما رواه محمّد بن

ص: 378


1- وسائل الشيعة 10: 336.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 246.
3- وسائل الشيعة 10: 335.
4- وسائل الشيعة 10: 335-336.
5- وسائل الشيعة 10: 336.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 246.

مسلم(1)، واحتاط السيد اليزدي(2) (قدس سره) بالتصدق بمدين](3) والأفضل مدّان، وذلك لفتوى جملة من الأعيان، ونقل «مدين» في بعض النسخ(4).

قوله: [وعلى فرض التعارض بين النسخ يكون المرجع بقية الروايات الدالة على كفاية مد واحد](5) كما أنّ مقتضى أصالة البراءة - لو وصلت النوبة إليها - ذلك أيضاً.

ثم إن قوله: [مدّ واحد] لو فرض أنه ورد في النسخة الصحيحة «التصدق بمدين» وليست بمعارضة، فمقتضى الجمع بين روايات الباب حمل «المدين» على الاستحباب.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما إذا فاته بعذر غير المرض](6) الصور هي:

الأولى: أن يكون العذر لعدم الصوم في شهر رمضان، هو المرض، والعذر بعده هو المرض أيضاً.

الثانية: أن يكون العذر في شهر رمضان غير المرض، وبعده: المرض أيضاً.

الثالثة: أن يكون العذر في شهر رمضان المرض وبعده السفر.

الرابعة: أن يكون العذر في شهر رمضان السفر وبعده المرض.

ص: 379


1- وسائل الشيعة 10: 335.
2- العروة الوثقى3: 64-65.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 246.
4- تهذيب الأحكام 4: 238.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 246.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 247.

ورواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثم أدرك رمضان آخر وهو مريض، فليتصدق بمد لكل يوم، فأما أنا فأني صمت وتصدقت»(1) ظاهرها أنه في الصورة الأولى والثانية والرابعة فيسقط عنه القضاء وعليه الفدية فقط(2).

ولا يخفى أن الصورة الرابعة مندرجة في الثانية، لكن أفردناها لإفراد المصنف إياها، ولمزيد بحث فيه. والرواية صحيحة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وجب القضاء] إن كان سبب ترك القضاء المرض المستوعب فالظاهر سقوط القضاء، ووجوب التصدق بمدّ فقط. وذلك لدلالة صحيحة عبد اللّه بن سنان، كما سبق قبل قليل.

ومنه يظهر الكلام في إطلاق قول الشارح عند التعليق على المسألة: [إذ يجب قضاء شهر رمضان، وعدم الوجوب في مورد يحتاج إلى قيام دليل عليه، والمفروض عدمه](3).

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا إذا كان سبب الفوت المرض، وكان العذر في التاخير السفر، وكذا العكس] علق عليه الشارح بقوله: [والوجه فيه أن الدليل على سقوط القضاء مورده استمرار المرض، وكون الإفطار مستنداً إليه، ففي غير هذه الصورة يجب القضاء](4) الظاهر في هذه الصورة

ص: 380


1- وسائل الشيعة 10: 336.
2- راجع التفصيل الذي ذكره الشارح في الصفحة 250.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 247.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 248.

سقوط القضاء، ووجوب التصدق بمدّ فقط، وكذا في كل عذر سبب الفوت مع استناد تأخير القضاء إلى المرض، ووجه ظاهر مما سبق.

قوله: [ويشكل بان النسبة بين هذه الرواية وقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(1) عموم من وجه؛ إذ تفترق الآية عن الرواية في مورد لا يكون المفطر مريضاً بين رمضانين، وتفترق الرواية عن الآية فيما لا يكون الوجه للإفطار السفر، والتعارض بين الطرفين فيمن أفطر لأجل السفر ولم يقض لأجل المرض.

وأجاب سيدنا الأُستاذ(2) عن هذا الإشكال بجوابين:

الأول: أنه لا يرى العرف بين الدليلين معارضة، بل يرى الرواية قرينة وحاكمة على الآية... بل يجعل العرف وجوب القضاء مختصاً بمعذور لم يستمر به المرض](3) الظاهر أن هذا الجواب وارد - عرفاً - خصوصاً لو لاحظنا ما قيل من أن الآيات الكريمة في مقام بيان أصل التشريع - فهي في مقام الإجمال - لا بيان الخصوصيات، وإن كان لا يخلو من نظر(4).

ومنه يظهر الإشكال في إيراد الشارح على الماتن.

إلاّ أن إيراده صحيح بالنظر الدقّي، فتأمل.

قوله: [الثاني: إن النسبة بين الآية والرواية وإن كان بالعموم من

ص: 381


1- البقرة: 184.
2- شرح العروة الوثقی 2: 194.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 248-249.
4- راجع مباحث حجية ظواهر الكتاب العزيز (منه (رحمه اللّه) ).

وجه، لكن التعارض بالإطلاق، والمتعارضان بالإطلاق في مورد التعارض في العموم من وجه يتساقطان...

ويرد على ما أفاده أولاً: إنه كيف لا يرى معارضة بين الآية والرواية، والحال أن ملاحظة المجموع تقتضي المناقضة](1) الجزئية، بالعموم الوجهي.

ثم ان قوله في الجواب الثاني: [يتساقطان وتصل النوبة إلى الأصل ومقتضاه البراءة] لا يقال: إننا نعلم إجمالاً بوجوب إما القضاء أو الفداء.

فإنّه يقال: الفداء ثابت على كل حال - للتأخير - ويبقى الشك في وجوب القضاء، والخلاصة: أن العلم الإجمالي منحل بتنجيز أحد طرفيه.

قوله: [ولا يجب القضاء على مَنْ أفطر لعذر، واستمر به العذر إلى رمضان ثانٍ، بلا فرق بين كون العذر هو المرض أو غيره] بل هو السفر أو غيره.

قوله: [فالنتيجة: أنه لو كان العذر للإفطار السفر، واستمر المرض إلى رمضان آخر يجب القضاء والفداء، أما القضاء فلدلالة الآية عليه، وأما الفداء فلرواية سماعة. نعم، لو كان الإفطار لعذر غير السفر، واستمر المرض إلى رمضان آخر أمكن القول بعدم وجوب القضاء، ووجب الفداء لحديث ابن سنان](2) فالصور هي:

ص: 382


1- مباني منهاج الصالحين 6: 249.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 250.

الأولى: المرض في شهر رمضان، والمرض بعده، وحكمه سقوط القضاء ووجوب الفداء.

الثانية: السفر في شهر رمضان، والمرض بعده، وحكمه يجب القضاء والفداء.

الثالثة: غير السفر في شهر رمضان، والمرض بعده وهو كالأول، يسقط القضاء ووجب الفداء.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر أو عمد، وآخر القضاء إلى رمضان الثاني مع تمكنه منه عازماً على التاخير أو متسامحاً أو متهاوناً وجب القضاء والفدية معاً] علّق عليه الشارح بقوله: [لجملة من النصوص منها: ما رواه محمّد بن مسلم(1)](2) الرواية في التواني، وتدل على التعمد بطريق الأولوية، مضافاً إلى بقية النصوص.

قوله: [ومنها: ما رواه زرارة(3)، ومنها: ما رواه أبو بصير(4)](5) الظاهر أن الرواية ضعيفة بالبطائني.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن كان عازماً على القضاء قبل مجيء رمضان الثاني، فاتفق طرؤ العذر وجب القضاء، بل الفدية أيضاً على

ص: 383


1- وسائل الشيعة 10: 335.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 250.
3- وسائل الشيعة 10: 335-336.
4- وسائل الشيعة 10: 337.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 250.

الأحوط ان لم يكن أقوى] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ حديث ابن مسلم(1)، فإن المستفاد من هذه الرواية أن التأخير إن كان مستنداً إلى المرض لا يجب عليه القضاء، بل تجب عليه الفدية](2) الظاهر أن الرواية في مورد الترك بدون طرو العذر؛ إذ طرو العذر مؤونة زائدة، ولو كان لقال (توانى ثم طرأ العذر) وبعبارة أُخرى: الظاهر أن التواني هو علة الترك لا (التواني وطرو العذر).

وهذا نظيره أن نقول (مَنْ توانى عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس) فإنه لا يشمل صورة (التواني ثم طرو الإغماء مثلاً قبل الطلوع) فتأمل.

قوله: [وربما يقال: بانه لو كان عازماً على القضاء وإنما تركه لعذر لا تجب عليه الفدية. واستدل على المدعى بجملة من النصوص: الأول: حديث ابن مسلم. بتقريب: أن الحكم بالقضاء والفداء رتب على التواني، فمع عدم التواني لا يجب الفداء.

وفيه: إنا ذكرنا أن التواني لا ينافي العزم على الفعل، مضافاً إلى أنَّ الحديث لا مفهوم له؛ إذ قد ذكر المفهوم في كلامه (عليه السلام) بقوله (عليه السلام) : «وإن كان لم يزل مريضاً»](3) هذه قضية كليّة، وهي أن ثبوت المفهوم هل هو متوقف على عدم ذكر المفهوم؟

مثلا لو قال: (إن جاء زيد فأكرمه، وإن لم يجئ فلا تكرمه) فهل يعني أنه

ص: 384


1- وسائل الشيعة 10: 335.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 250-251.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 251.

لا مفهوم للجملة الشرطية الأولى؟

ثم إنّ مقصود المصنف: أن التواني قد ذكر في قبال «وإن كان لم يزل مريضاً» فلا إطلاق للجملة الأُولى ليشمل ما نحن فيه، فتكون الجملة ساكتة عما نحن فيه، ويكفي لإثبات المدّعى إطلاق حديثي زرارة(1)

وسماعة(2).

لاحظ ما ذكرناه قبل سطور.

قوله: [فلا تصل النوبة إلى ملاحظة مدلوله، مضافاً إلى الخدشة في دلالتها، فإن التهاون لا ينافي العزم على الفعل](3) الخدشة في الدلالة مضى البحث فيها .

ثم إنه يرد نفس ما ورد سابقاً(4) من أن الرواية لا مفهوم لها؛ إذ قد ذكر المفهوم فيها في كلام الإمام (عليه السلام) .

قوله: [الثالث: ما رواه الفضل بن شاذان، فإنه (عليه السلام) في ذيل الحديث قال: «فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته»(5) وهذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق إلى الفضل](6) مضافاً أن التضييع يصدق ولو مع طرو العذر في آخر الوقت، كمن آخر صلاة الصبح إلى آخر الوقت، ثم نسي، او طرو عذر

ص: 385


1- وسائل الشيعة 10: 335-336.
2- وسائل الشيعة 10: 336-337.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 252.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 251.
5- علل الشرائع 1: 251-274.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 252.

آخر، فإنّه مرتبة من مراتب التضييع.

ثم إن التضييع حكمة لا علّة، فتأمل.

قوله: [الرابع: ما أرسله العياشي، عن أبي بصير، فإنه (عليه السلام) قال في ذيل الحديث: «يقضي الصوم ويتصدق من أجل أنه ضيع ذلك الصيام»(1) وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال، فالنتيجة أن الحق ما أفاده في المتن من وجوب القضاء والفدية معاً](2) يرد نفس ما ورد على سابقه.

ثم إنه - عموماً - يجب أنّ يلاحظ أنه لو ورد عام وورد حديث معلل بعلة خاصة فهل يخصصه؟

مثلاً هنا ورد «يقضي»، وورد «يقضي لتهاونه» فهل هذه العلّة تخصص ذلك العموم؟

وكذا لو ورد: «الدم حرام»، وورد «الدم حرام لإضراره بالبدن» فلو فرض وجود دم غير مضر بالبدن فهل هو حلال؟

وكذا لو ورد «العدّة واجبة»، و «العدّة واجبة لعدم اختلاط الأنساب» فما الحكم في مقلوعة الرحم، ومَنْ (لم ينزل فيها، أو أنزل في غير الموضع الطبيعي)(3)؟

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات وجبت

ص: 386


1- وسائل الشيعة 10: 339.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 252.
3- راجع أوائل المسائل المستجدة (منه (رحمه اللّه) ).

الفدية مرة للأول ومرة للثاني، وهكذا إن استمر إلى أربعة رمضانات، فتجب مرة ثالثة للثالث وهكذا لا تكرر للشهر الواحد، وإنما تجب لغيره أيضاً](1) العبارة فيها نوع تشويش.

قوله: [ما أفاده على طبق القاعدة، فإن المستفاد من النصوص أنه لو استمر به المرض إلى مجيء رمضان الآتي تجب الفدية، ففي كل واحد من رمضانات صدق الموضوع يترتب عليه الحكم، وإلا فلا، وتكرر الفدية بالنسبة إلى رمضان واحد](2) حاصله: انصراف الروايات عن غير الرمضان الأول، أي الأول بعد الفوات.

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد ومن شهور إلى شخص واحد] ما دام فقيراً. (يجب مراجعة كتاب الزكاة ليلاحظ أن الملاك هو مؤونة السنة أو حدّ الغنى، والفرق بين الدفعة والدفعات).

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز] لكن ظاهر بعض الروايات التعدد مثل «مد من طعام لكل مسكين»(3) «لكل

يوم مسكيناً»(4) لاحظ سائر الروايات.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يجب فدية العبد على سيده] علّق عليه الشارح بقوله: [لعدم الدليل عليه، ومقتضى أصالة البراءة عدم

ص: 387


1- مباني منهاج الصالحين 6: 252-253.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 253.
3- وسائل الشيعة 10: 338-339.
4- وسائل الشيعة 10: 336.

الوجوب، وليس المقام داخلاً في النفقة الواجبة](1) وفي استصحاب البراءة بحث، فهل المقدّم: البراءة أو الاستصحاب؟

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا فدية الزوجة على زوجها] علّق عليه الشارح بقوله: [بتقريب: أنها ليست داخلة في النفقة الواجبة على الزوج، ولكن لا يبعد أن يستفاد من قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(2)، وكذلك قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(3)، وقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}(4) وجوبها عليه](5) فيه تأمل؛ لأنّه ليس خلاف العشرة والأمساك بالمعروف - عرفاً - فتأمل.

وينقض بأداء كل الديّات والديون، فهل يلتزم الشارح بأن أداء جميعها واجب على الزوج(6)؟

قوله (قدس سره) في المتن: [لا تجزي القيمة في الفدية، بل لابد من دفع العين وهو الطعام](7) ولا بأس بإعطاء الثمن للفقير ليبدلها إلى العين وكالة،

ص: 388


1- مباني منهاج الصالحين 6: 253.
2- البقرة: 229.
3- النساء: 19.
4- البقرة: 231.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 253.
6- راجع بحث النفقات في كتاب النكاح (منه (رحمه اللّه) ).
7- مباني منهاج الصالحين 6: 254.

مع الاطمئنان بقيامه بذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا الحكم في الكفارات] علّق عليه الشارح بقوله: [لعدم دليل على الإجزاء، وكفاية غير المأمور به عنه يحتاج إلى قيام دليل عليه](1) وبعض الروايات وإن كانت مطلقة - مثل رواية زرارة(2) - إلاّ أنّ بعضها الآخر مقيد، حيث ورد فيه: (مدّ من طعام)(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلى الغروب] علّق عليه الشارح بقوله: [كما هو مقتضى القاعدة الأولية بعد عدم الدليل على حرمة الإفطار، مضافاً إلى النص الدال عليه(4)](5) إذ انقلاب المندوب إلى واجب بحاجة إلى دليل، كما ورد في الاعتكاف، وكذا في الحج المستحب قال تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}(6).

نعم، قد يستدل بقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}(7) .

وفيه: أنّها مجملة، ولعل المراد الإحباط بالشرك ونحوه، كما لعله يقتضيه السياق، فراجع (بحث إبطال الصلاة).

قوله: [أما حديث مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، عن أبيه

ص: 389


1- مباني منهاج الصالحين 6: 254.
2- وسائل الشيعة 10: 335.
3- وسائل الشيعة 10: 338.
4- وسائل الشيعة 10: 17.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 254.
6- البقرة: 196.
7- محمد: 33.

أن علياً (عليه السلام) قال: «الصائم تطوعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم»(1) فلا يترتب عليه الأثر، لضعفه بمسعدة](2) مضافاً إلى أن الجمع الدلالي يقتضي حمل «الوجوب» على مطلق الثبوت، أي استحبابه استحباباً مؤكداً، وقد ورد في النصوص - ظاهراً - استعمال الوجوب في الندب الأكيد.

قوله: [وأمّا حديث] راجع رواية أُخرى، وهي رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصبح وهو يريد الصيام ثم يبدو له فيفطر، قال: هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، قلت: هل يقضيه إذا أفطر قال: نعم، لأنها حسنة أراد أن يعملها فليتمها، قلت: فإن رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ قال: نعم»(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يجوز في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال إذا كان القضاء عن نفسه] علّق عليه الشارح بقوله: [عن المدارك: «إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً»(4) وتدل على المدعى جملة من النصوص، منها:...

ومنها: ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت، وصوم قضاء

ص: 390


1- وسائل الشيعة 10: 19.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 254.
3- وسائل الشيعة 10: 19.
4- مدارك الأحكام 6: 230.

الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر»(1)](2) هذه الرواية تدل على مطلق القضاء - كقضاء النذر مثلاً- وسيأتي الكلام في ذلك(3).

قوله: [ومنها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصبح وهو يريد الصيام، ثم يبدو له فيفطر، قال: هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، قلت: هل يقضيه إذا أفطر؟ قال: نعم، لأنها حسنة أراد أن يعملها فليتمها، قلت: فإن رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ قال: نعم»(4)](5) لعل ظاهر الرواية في الصوم المستحب، بقرينة قوله (عليه السلام) «لأنها حسنة أراد أن يعملها»، وبقرينة «ارتفاع النهار» فإنّه ليس إلاّ في الصوم المندوب، لو كان المراد من (ارتفاع النهار) الزوال.

وفيه نظر، راجع بحث الأوقات في ارتفاع النهار.

والواجب لا يقال فيه حسنة أراد أنّ يعملها، بل فريضة مفروضة عليه. فتدل الرواية على أنّ الأفضل في الصوم المستحب عدم الإفطار بعد الزوال، وهو نظير رواية مسعدة بن صدقة.

وعلى كلٍ: فلو فرض منه العموم للصوم المندوب فالجمع بينه وبين

ص: 391


1- وسائل الشيعة 10: 18.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 254-255.
3- سيأتي في مباني منهاج الصالحين 6: 257 (منه (رحمه اللّه) ).
4- وسائل الشيعة 10: 18.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 255.

حديث جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال في الذي يقضي شهر رمضان: «أنه

بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوعاً فإنه إلى الليل بالخيار»(1) يقتضي الحمل على الأفضلية.

قوله: [مضافاً إلى أن الحكم المذكور راجع إلى الزوج، فلا دلالة في الرواية على الجواز بالنسبة إلى الزوجة] (2) وهنالك بحث عام، وهو: أنّه لو حرم شيء على شخص فهل يجوز لشخص آخر إكراهه عليه - لو كان حقاً له في حدّ ذاته - ؟

قد يقال: بالعدم، لأن المفهوم أنّ تحقق هذا العمل مبغوض من الشارع(3).

لكن الرواية تعتبر تخصيصاً للقاعدة العامّة، لو دلت على الكراهة.

ثم إن قوله: [ما رواه: عبد اللّه بن سنان(4)] ضعفها في التنقيح(5).

قوله: [وفي المقام روايتان في مقابل النصوص الدالة على التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده، إحداهما: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت عن الرجل يقضي رمضان أله أن يفطر بعدما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: «إذا كان نوى ذلك من الليل

ص: 392


1- وسائل الشيعة 10: 16.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 255.
3- راجع بحث الإكراه على الإفطار، وبحث ظهور الروايات عرفاً في حرمة التسبّب إلى الحرام في كتاب الطهارة (منه (رحمه اللّه) ).
4- مباني منهاج الصالحين 6: 255.
5- شرح العروة الوثقی 22: 229.

وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه»(1)](2) الرواية الأولى تعتبر تخصيصاً لروايات جواز الإفطار قبل الزوال، بأنّه إن نوى ذلك من الليل فلا يفطر، وإلاّ جاز الإفطار.

إلاّ أنها معارضة برواية ابن سنان(3).

والمصنف جمع بينهما بوجهين، إلاّ أن الظاهر أنّه لا معارضة مطلقاً، بل الحديث الأول يحمل على الكراهة جمعاً. فلا تصل النوبة لملاحظة المرجحات.

قوله: [والترجيح مع حديث ابن الحجاج للأحدثية، لكن الجزم بالأحدثية محل الإشكال](4) سبق أنها ليست مرجحة.

قوله: [كما يظهر للمراجع، وفتاوى العامة مختلفة ظاهراً، ولا يبعد أن يكون خبر ابن الحجاج(5) مخالفاً معهم، فيكون راجحاً من هذه الناحية، مضافاً إلى كونه موافقاً مع الاحتياط](6) إلاّ أنه معارض للبراءة، والترجح في الشبهة التحريمية مع أدلة البراءة.

قوله: [فعليه يشكل الالتزام بجواز الإفطار فيما يكون ناوياً للصوم

ص: 393


1- وسائل الشيعة 10: 17.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 256.
3- وسائل الشيعة 10: 17.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 256.
5- وسائل الشيعة 10: 17.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 256.

من الليل، إلا أن يقوم إجماع تعبدي كاشف على الجواز] ظهر أنّه لا إشكال فيه.

قوله: [ثانيهما: ما رواه زرارة، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل صام قضاء شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان؛ لأن ذلك اليوم عند اللّه من أيام رمضان»(1). فإن المستفاد من هذه الرواية أن اليوم المقضي فيه صيام شهر رمضان من أيام رمضان، فلا يجوز الإفطار فيه حتى قبل الزوال](2) هذا تنزيل، والتنزيل ينصرف إلى أظهر الآثار، ولو فرض العموم فهو قابل للتخصيص بأدلة الجواز قبل الزوال. هذا، مضافاً إلى ضعف السند.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل تقدم أن عليه الكفارة، أما قبل الزوال فيجوز] علّق عليه الشارح بقوله: [قد ظهر مما ذكرنا أن إطلاق الحكم محل الإشكال والكلام](3) ظهر أنّه لا إشكال فيه.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما قبل الزوال فيجوز] لكنه مكروه إذا نوى الصيام من الليل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وأما الواجب الموسع غير قضاء شهر رمضان فالظاهر جواز الإفطار فيه مطلقاً، وإن كان الأحوط ترك الإفطار بعد

ص: 394


1- وسائل الشيعة 10: 348.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 256-257.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 257.

الزوال] لا يترك.

قوله: [لا يبعد أن يستفاد التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده من رواية سماعة(1)...

وسيدنا الأُستاذ(2) أفاد في المقام أن الرواية ضعيفة بمحمد بن سنان، ولكن للرواية طريق آخر، وهو طريق الصدوق إلى سماعة، وطريقه إليه صحيح، فالرواية تامة سنداً ودلالة. نعم، لا يبعد أن يكون المنصرف إليه من الرواية ما يكون فريضة بعنوانه الأولي، لا ما يكون فرضاً بالعنوان الثانوي كالنذر وأمثاله](3) أي أنّه فرض بعنوان أنّه صوم لا بعنوان أنّه نذر مثلاً.

وقد يقال: بالإطلاق. وفيه: أنّ القدر المتيقن هو الفريضة بالعنوان الأولي. وفيه: أنّ وجوده لا يمنع الإطلاق، فتأمل.

قوله: [ويؤيد المدّعى ما رواه عبد اللّه بن سنان(4)](5) التأييد لعله لضعف السند كما مرّت الإشارة إليه.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يلحق القاضي عن غيره بالقاضي عن نفسه في الحرمة والكفارة، وإن كان الأحوط استحباباً الإلحاق](6) بل وجوباً.

ص: 395


1- وسائل الشيعة 10: 17.
2- شرح العروة الوثقی 22: 229.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 257.
4- وسائل الشيعة 10: 18.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 257.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 257-258.

نعم، في المتبرع يجوز الإفطار مطلقاً؛ وذلك لكونه مستحباً، وانقلابه إلى الوجوب يحتاج إلى دليل.

قوله (قدس سره) في المتن: [يجب على ولي الميت، وهو الولد الاكبر حال الموت، أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر إذا وجب عليه قضائه(1)](2) بل الأوفر حظاً من الميراث من الذكور في كل الطبقات، فيشمل الأخ - مثلاً - في حالة فقدان الطبقة الأولى، ومع التساوي في الميراث يقسط على الجميع.

ويحتمل كونه واجباً على نحو الوجوب الكفائي، فراجع كتاب الصلاة وتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [أن يقضي ما فات أباه] إنّ لم يكن للميت مال، وإلاّ تصدق عنه مكان كل يوم بمدّ، والأحوط استحباباً الجمع في الصورة الأخيرة.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط استحباباً إلحاق الأكبر من الذكور في جميع طبقات المواريث على الترتيب في الإرث بالابن، والأقوى عدمه] مضى ثبوت الوجوب على الأوفر حظاً من الذكور في كل الطبقات.

قوله (قدس سره) في المتن: [وأما ما فات عمداً أو أتى به فاسداً ففي

ص: 396


1- هكذا في المصدر، والصحيح (قضاؤه).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 258.

إلحاقه بما فات عن عذر إشكال] لا إشكال في الإلحاق.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل الأحوط إلحاق الأُم بالأب، وإن كان الأقوى خلافه] لا ينبغي تركه.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن فاته ما لا يجب عليه قضائه(1)، كما لو مات في مرضه لم يجب القضاء] نص قريباً استثناء المسافر.

قوله: [في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: إنه يجب على الولد الذكر الأكبر حال الموت أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر إذا وجب عليه قضاؤه(2)] نعم، في المسافر يجب القضاء على الولي، وإن لم يستطع الميت القضاء بعد الشهر.

قوله: [إنه يجب على الولد الذكر الأكبر حال الموت أن يقضي] سيأتي بعد قليل أنّه لا يختص به.

قوله: [واستدل الماتن على مدعاه بروايتين:

الأولى: ما رواه حفص البختري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: لا إلا الرجال»(3)](4) في عبارة «أولى الناس بميراثه» احتمالان:

ص: 397


1- هكذا في المصدر، والصحيح (قضاؤه).
2- هكذا في المصدر والصحيح (قضاؤه).
3- وسائل الشيعة 10: 330-331.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 258-259.

الأول: أي الوارث؛ لأنهم أولى من الآخرين - أولى من الناس - بالميراث.

ولو أراد المعنى الذي ذكره الماتن لقال: (أولى الورثة).

الثاني: الأوفر حظاً من جميع الوارثة في جميع الطبقات، لا خصوص الولد الاكبر. فهذا عنوان عام ينطبق على أفراد متعددين.

وعليه، فهل المراد الأولوية الشأنية أو العقلية؟

اختار الوالد (رحمه اللّه) الأول، مثلاً لو كان لميت أب وعشرة أولاد، فالولد أوفر حظاً وشأناً من الأب، وإن كان فعلاً أقل حظاً.

ويؤيد المعنى الثاني: الرواية الثانية، حيث ورد فيها: (أفضل أهل بيته)(1).

وكأنّه لوحظ في هذا الحكم: أنّ زيادة الميراث تقتضي زيادة المسؤولية تبعاً لقانون (تكافؤ الحقوق والواجبات) فتأمل.

ويؤيد التعدد: ما أشار إليه الشارح بقوله: (فيعلم أن الأولوية لا تنحصر في فرد، بل الأولى عنوانا قد ينطبق على الأكبر من الذكور، وقد ينطبق على غيره(2).

قوله: [بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن القاضي هو الأولى من جميع الناس بميراث الميت على نحو الإطلاق، وهذا المفهوم منحصر في الولد الذكر الأكبر باعتبار أن الحبوة له](3) هذا تحمل لا يفهمه - عادةً - حتى الطلاب، فكيف بسائر الناس؟

ص: 398


1- وسائل الشيعة 10: 332.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 259.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 259.

والراوي بنفسه لم يفهم هذا المعنى - كما سيأتي من الشارح بعد قليل بعنوان (ويؤيد المدّعى) - وأما قول الماتن في التنقيح: «علينا بروايته لا بدرايته»(1). فيه أنّ الخطاب له، فكيف يخاطبه بما لا يفهمه؟ بل لا بد أن يقرّه على فهمه(2).

قوله: [ويرد عليه: أن المستفاد من الرواية أن المكلف بالقضاء الأولى بالإرث، وهذا يختلف باختلاف الوارث، فربما يكون الأولى الأكبر من الذكور، وربما يكون غيره](3) وهذا ينطبق على (أخ) في قبال (الأُخت) فهو أولى منها بالميراث - في الأبوين أو الاب - وهذا في سائر الوارث.

قوله: [الثانية: ما رواه أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه، قال: «يقضيه أفضل أهل بيته»(4). بتقريب: أن الظاهر من الرواية أن الأفضلية من حيث الإرث لا من الجهات الأُخر، كالعلم والتقى، والأفضل من حيث الإرث الأكبر من الذكور لكون نصيبه أوفر](5) ولو بقرينة الرواية السابقة، وبقرينة فهم العلماء.

ص: 399


1- شرح العروة الوثقی 22: 215-216.
2- راجع بحث حجية الظواهر وانّ الظواهر تفيد القطع لا الظن في المنتقى وغيره (منه (رحمه اللّه) ).
3- مباني منهاج الصالحين 6: 259.
4- وسائل الشيعة 10: 332.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 259-260.

قوله: [فالنتيجة: أن وجوب القضاء على خصوص الأكبر من الذكور دون غيره يشكل الالتزام به.

وكيف كان فقد نسب الخلاف إلى ابن أبي عقيل(1)، فأنكر وجوب القضاء، وأوجب التصدق عن الميت، وما يمكن أن يستدل به على هذا القول حديثان:

الأول: ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: قلت له: رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدق؟ قال: «يتصدق عنه، فإنه أفضل»(2). وهذه الرواية مخدوشة سنداً ودلالة، أما سنداً فلأن الصدوق (قدس سره) رواها مرسلاً بقوله: (روي)](3) لابد من ملاحظة عبارة (الصدوق)(4) فإنه قال «وكل ما رويته عن ابن بزيع فقد رويته عن فلان»، فالظاهر أنّ العبارة تشمل (قال) و (روي) فراجع.

قوله: [وأمّا دلالة: فلأنه لم يفرض في الرواية أن القاضي عن الميت وليه أو ولده، بل مورد السؤال مطلق ويمكن انطباقه على الأجنبي] (5) كما يمكن تقييد إطلاق رواية «الصدقة أفضل»(6) برواية:

ص: 400


1- مختلف الشيعة 3: 528.
2- من لا يحضره الفقيه3: 376.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 260.
4- من لا يحضره الفقيه4: 451.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 260.
6- من لا يحضره الفقيه 3: 376.

«يقضي عنه أولى الناس بميراثه»(1)، بأن يقال: إن قوله (عليه السلام) «الصدقة أفضل» تشمل الولي والأجنبي، وهذه الرواية >يقضي» تخصص ذلك الإطلاق، كذلك يمكن تقييد إطلاق (يقضي) ب- (عدم التصدق)، فظاهر (يقضي) القضاء مطلقاً «الوجوب تعييني»، لا «أو» فيه (الإطلاق الأوي).

ومقتضى «الصدقة أفضل» أنّ الصدقة عدل للقضاء، فتظهر في الإطلاق الأوي، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر يتعارضان ويتساقطان، وحينئذ، نشك أن الوجوب هل جعل في ظرف عدم الإتيان بالتصدق أو مطلقاً؟ فيجري استصحاب الوجوب، أي وجوب القضاء ولو بعد التصدق.

لكن قد يقال: إنّ العرف يقتضي التخيير، أي أن العرف يرى أن المرجح هو تقييد الإطلاق الأوي، فيكون الحاصل التخيير، فتأمل.

لكن العمدة ما أورده الشارح من ضعف سند الرواية بالإرسال، فتأمل.

قوله: [الثاني: ما رواه أبو مريم الأنصاري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان، ثم لم يزل مريضاً حتى مات فليس عليه شيء، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد، وإن لم يكن له مال صام عنه وليه»(2). والمستفاد من هذه الرواية أنه لو كان للميت مال يتصدق عنه، وإن لم يكن له مال يقضي عنه وليه، وحيث إن فرض أن لا يكون للميت

ص: 401


1- وسائل الشيعة 10: 330-331.
2- وسائل الشيعة 10: 331.

مال فرض نادر ملحق بالعدم](1) الظاهر أنّه ليس نادراً، ويكفيك ملاحظة حال الملايين من الفقراء في العالم.

ثم إنه قد يكون له مال لكن ديونه أكثر، فالنتيجة أنّه ليس له مال، كما رأينا في بعض المراجع وغيرهم.

وعليه فتقيد المطلقات بهذه الرواية.

قوله: [لا يمكن تقييد المطلقات الدالة على وجوب القضاء بهذه الرواية] إذ يلزم حملها على الفرد النادر، وهو أن يكون الميت بلا مالٍ.

قوله: [فيقع التعارض بين هذه الرواية وتلك المطلقات، وحيث إنّ تلك المطلقات مخالفة مع العامة - حيث إنهم قائلون بالتصدق - يكون الترجيح معها] لابد من ملاحظة فتوى العامّة في صورة عدم وجود مال للميّت، فإن كانت فتواهم الصيام، أو لا فتوى لهم، لم يكن ذلك مخالفة لهم.

قوله: [الفرع الثالث: إن ما فاته عمداً أو أتى به فاسداً يشكل إلحاقه بما فات عن عذر، وإن كان أحوط لزوماً، وما قيل في هذا المقام أمران:

أحدهما: إن بعض النصوص مورده الفوت عن عذر، فلا يشمل مورد الفوت بلا عذر، لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم(2).

وفيه: إن الأمر وإن كان كذلك، ولكن يكفي ما فيه الإطلاق،

ص: 402


1- مباني منهاج الصالحين 6: 261.
2- وسائل الشيعة 10: 329-330.

لاحظ ما رواه حفص، فإن الموضوع فيه: «الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام»(1)، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق، ومن ناحية أُخرى أنه لا تنافي بين المثبتين](2) وإن قيل: إنّ ما رواه محمد بن مسلم فيه حصر، قلنا: إنّ الحصر إضافي، فلاحظ.

قوله: [ثانيهما: إن الإطلاق منصرف عن صورة الفوت عن غير عذر.

والجواب: إن الانصراف لا وجه له حتى لو فرض قلة أفراد الفوت عن غير عذر؛ إذ المطلق لا ينصرف إلى الفرد النادر، لا أنه ينصرف عنه، مضافاً إلى أن قلة وجوده أول الكلام](3) إذ كثير من الفسّاق تفوت منهم الفرائض، ولعل أكثرية الشباب في بداية أمرهم كذلك، وأما القضاء فعادة يهمل أو ينسى أو يكون المكلف جاهلاً بالمسألة.

ثم إن قوله: (لا ينصرف إلى الفرد النادر، لا أنه ينصرف عنه) أي لا يتبادر إلى الذهن فوراً، وبعبارة أُخرى: إنَّ الانصراف بدوي يزول بالتأمل.

ثم إن قوله (وما قيل في هذا المقام أمران) ويمكن إضافة ثالث لهما، هو: ما علم من الشرع من لزوم البرّ بالأُم أكثر من الأب، (لاحظ الروايات)(4).

وقد يشكل: بأنّ كونه براً أول الكلام.

إلاّ أن يقال: إنّه عرفاً بر، فتأمل.

ص: 403


1- وسائل الشيعة 10: 330-331.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 262.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 262.
4- وسائل الشيعة 21: 491-492.

وقد ذكر الوالد (رحمه اللّه) (1): أنّ المستفاد عرفاً وحدة الحكم بينهما، فراجع.

قوله: [الفرع الرابع: إن الأحوط إلحاق الأُم بالأب... والذي يمكن أن يقال في وجه الإلحاق أمران:

أحدهما: ما رواه أبو حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان، أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم»(2).

وما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في امرأة مرضت(3)... وفيه: أنه لا يستفاد منهما إلا مشروعية القضاء عنها في مورد ما فات منها بالسفر](4) لا أقل من الإجمال في الرواية، المقتضي لعدم دليل على الوجوب، فتجري أصالة البراءة.

قوله: [وأما الزايد عن هذا المقدار فلا، مضافاً إلى أن مورد الروايتين مطلق المرأة لا الأم](5) إلاّ أنه كافٍ؛ لأنّ المطلق يشمل المقيّد الذي نحن فيه.

قوله: [ثانيهما: قاعدة الاشتراك في التكليف، فإن هذه القاعدة

ص: 404


1- الفقه 36: 323.
2- وسائل الشيعة 10: 330.
3- وسائل الشيعة 10: 334.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 262-263.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 263.

تقتضي إلحاق المرأة بالرجل والأم بالأب.

وفيه: إن مقتضى قاعدة الاشتراك أنه لو وجب شيء على الرجل أو حرم عليه يجب الأول ويحرم الثاني على المرأة، لا ما إذا كان الموضوع في تكليف الرجل، فإنه لا وجه للتسرية] وبعبارة أُخرى: هناك فرق بين التكليف المتعلق بالرجل أو المرأة، وبين وقوع الرجل موضوعاً في تكليف.

ولذا ورد أنّه إذا مات الرجل صنع كذا، وهذا لا يشمل المرأة، وكذا وقع رجل في البئر ومات.

ثم إنه هنا بحثاً: وهو أنّه لو ثبت حكم للمرأة فهل يثبت للرجل بقاعدة الاشتراك في التكليف؟

الظاهر ذلك، فلاحظ وراجع.

قوله: [الفرع الخامس: أنه لو فاته ما لا يجب قضائه(1) عليه لا يجب القضاء على وليه أيضاً. وهذا ظاهر، إذ المفروض أن موضوع وجوب القضاء عنه عنوان: «أن عليه صلاة أو صيام» - كما في حديث حفص(2)- ومع عدم الوجوب عليه لا موضوع للقضاء عنه](3) قد يشكل في المسافر، فإنّه حال السفر لا صيام عليه، وبعد السفر مات في الأول من شوال مثلاً، فلا وجوب للأداء ولا للقضاء.

ص: 405


1- هكذا في المصدر، والصحيح (قضاؤه).
2- وسائل الشيعة 10: 330-331.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 263-264.

والخلاصة: ما الفارق بين السفر والمرض؟

إلاّ أن يقال: إنّ النص أخرج المسافر على خلاف القاعدة الأولية.

قوله (قدس سره) في المتن: [يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع وكفارة التخيير ويكفي في حصوله صوم الشهر الأول ويوم من الشهر الثاني متتابعاً] علّق عليه الشارح بقوله: [لا إشكال في أن مقتضى النصوص الدالة على وجوب التتابع عدم جواز التفريق بين أجزاء الشهرين»](1) سيأتي أنّ المراد: الجواز وضعاً أو تكليفاً(2).

قوله: [عدم جواز التفريق بين اجزاء الشهرين بوجه] هذا يتم لو قيل: إنّ الألفاظ تحمل على المعاني الدقيقة، ولا عبرة بالمسامحات العرفية في التطبيقات.

وأمّا لو قيل: إنّ العرف حجّة في التطبيقات - كالمفاهيم - فيكفي التتابع العرفي.

قوله: [وإنما نرفع اليد عن القاعدة الأولية بالنص الخاص الوارد في المقام، لاحظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن قطع صوم كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل، فقال: «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين، والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر شيئاً أو أياماً منه، فإن عرض له شيء يفطر منه أفطر، ثم يقضي ما بقي

ص: 406


1- مباني منهاج الصالحين 6: 264.
2- سيأتي ذلك في الصفحة 265 (منه (رحمه اللّه) ).

عليه، وإن صام شهراً ثم عرض له شيء فافطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم كله... الحديث»(1)](2) هذا نوع من أنواع الحكومة، وهو من نوع التوسعة في الموضوع.

قوله: [المستفاد من هذه النصوص أن مَنْ عليه صوم شهرين متتابعين لو صام الشهر الأول، ويوماً من الشهر الثاني يجوز له بعد ذلك التفريق، فلا وجه لما نسب إلى بعض الأساطين من أن التفريق حرام](3) يوجد هنا بحثان:

الأول: الحكم الوضعي: ولا إشكال في الإجزاء بعد صوم شهرٍ ويومٍ، ولو فرّق فيما بعده.

الثاني: الحكم التكليفي: وهو أنّه هل يجوز التفريق بعد شهر ويوم أو لا؟

والمنسوب لبعضٍ: عدم الجواز تكليفاً، ووجهه: أن ظاهر الأدلة وجوب صوم شهرين متتابعين، كالآية الكريمة(4)، وهذه الرواية - وهي رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قطع صوم كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل (الدم)، فقال: «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فافطر أو مرض في الشهر الأول، فإن عليه أن يعيد الصيام، وإن صام الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئاً، ثم عرض له ما له فيه عذر، فإن

ص: 407


1- وسائل الشيعة 10: 373-374.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 264.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 265.
4- المجادلة: 4.

عليه أن يقضي»(1) - تدل على عدم الإخلال وضعاً لو فرّق لا الجواز تكليفاً.

لكن ظاهر الأدلة: الجواز تكليفاً ووضعاً.

لاحظ قوله «أفطر» أي جاز له الإفطار، وعروض الشيء أعمّ من العذر العرفي - كالسفر - والشرعي - كالمرض -.

وكذا رواية سماعة بن مهران، قال: سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين، أيفرق بين الأيام، فقال: «إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فإن كان أقل من شهر، أو شهراً فعليه أن يعيد الصيام»(2) وإن كان قد يدّعى - بقرينة المقابلة - أنه لا بعد في الظهور في الحكم الوضعي، فتأمل.

والخلاصة: أنّ هنا أمرين:

الأول: أصل وجوب التتابع تكليفاً.

والظاهر: أنّه لا دليل على لزوم تحققه في المرّة الأولى، أيّ أنّه لو صام بلا تتابع مطلقاً - فكيف بما لو كان بعد شهر ويوم - لم يفعل محرّماً؛ إذ المطلوب طبيعي صيام شهرين متتابعين، فعدم التتابع يساوق عدم انطباق الطبيعي على هذا الفرد، فلا بد من الإتيان بفرد آخر.

ولعل هذا هو مراد الشارح من قوله (مضافاً إلى أن غاية ما في الباب وجوب الاستيناف، وأما الإثم في التفريق فلا وجه له)(3).

ص: 408


1- وسائل الشيعة 10: 372-373.
2- وسائل الشيعة 10: 372.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 265.

الثاني: لو فرضنا وجوب التتابع تكليفاً بالمعنى المزبور.

والظاهر الإشكال في دلالة الروايات على الجواز؛ لظهورها - بقرينة المقابلة - في الحكم الوضعي كما سبق قبل قليل، فتأمل.

إلاّ أن يدّعى أنّ (لا بأس) له ظهور لما يعم الحكم التكليفي والوضعي، لاحتمال قرينيّة ما بعده لما يعم الإطلاق أو العموم.

ومنه يتقدم الإشكال في قول المصنف «بعد قيام الدليل على الجواز» مطلقاً.

ولو فرض الشك في المقام الأول - أصل وجوب التتابع بالمعنى المزبور - فأصالة البراءة تقتضي العدم.

ثم إن قوله (عليه السلام) في رواية سماعة: «فعليه أن يعيد الصيام» هذه الرواية مطلقة تشمل العذر الشرعي والعرفي - كالسفر للتجارة مثلاً، وهي تخصص بالأدلة الآتية(1). وكذا الرواية السابقة «عرض له شيء»(2)، والقادمة: «ما له فيه عذر» (3).

ولو فرض عدم إمكان التخصيص حملنا هذه الروايات على الأفضلية جمعاً، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر اضطر إليه بنى على ما مضى عند ارتفاعه، وإن كان العذر بفعل المكلف إذا

ص: 409


1- سيأتي في مباني منهاج الصالحين 6: 267 (منه (رحمه اللّه) ).
2- وسائل الشيعة 10: 373-374.
3- وسائل الشيعة 10: 372.

كان مضطراً إليه] علّق عليه الشارح بقوله: [إجماعاً ظاهراً في الشهرين - كما في كلام بعض الاصحاب - ويدل على المدعى ما رواه رفاعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام شهراً ومرض، قال: يبني عليه، اللّه حسبه. قلت: امراة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها، قال: تقضيها، قلت: فإنها قضتها ثم يئست من المحيض، قال: لا تعيدها أجزأها ذلك»(1)](2) الرواية وإن وردت في المرض بعد الشهر، إلاّ أن عموم العلّة يقتضي عدم الفرق.

ثم إن قول الإمام (عليه السلام) في الرواية: «تقضيها» أي تقضي أيام الحيض فيما بعد وتعوّضها.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: (اذا كان مضطراً اليه) قد يقال: إنّ ظاهر الرواية ما لم يكن لفعل المكلف دخل فيه، كما سيأتي من المستند(3).

وقد يقال: بإجمال الرواية فيؤخذ بالقدر المتيقن. خاصّة مع صلاحية ما تقدم - هذه الضابطة- للقرينية.

وقد يقال بالتفصيل - كما في الفقه(4) - ففي بعض الصور يصدق، كما لو اضطر شرعاً لذلك ، كما لو سافر لجهاد واجب عيني عليه، فإنّه يصح له أن

ص: 410


1- وسائل الشيعة 10: 347.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 265-266.
3- مستند الشيعة 10: 535.
4- الفقه 37: 397-398.

يقول: «اللّه حبسني عن الصوم».

أمّا لو اضطر لذلك لعلاج مرض، أو بإكراه مكرهٍ، أو بتسفير ظالم فلا، وقد يفصل في الاضطرار لعلاج المرض بأنّه إن كان داعي السفر إلهياً - أي سافر لأجل أمر اللّه تعالى - صحّ أن يقول «حبسني»، وإن كان لصحّة بلا لحاظ الداعي الإلهي فلا.

والمسألة مشكلة تحتاج إلى مزيد تتبع وتأمل.

ثم إن في إطلاق قوله: [إذا كان مضطراً إليه] إشكال.

ثم إن قوله (عليه السلام) في الرواية: «أجزأها ذلك» تدل على أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري يقتضي الإجزاء - ولو في الجملة - فتأمل.

قوله: [وبعموم العلة المذكورة في الرواية، أي قوله (عليه السلام) : «يبنى عليه، اللّه حسبه» يتعدى إلى كل عذر، ويؤيد العموم السؤال عن الحيض وجوابه (عليه السلام) بعد اليأس وعدم وجوب الإعادة](1) إذ العرف لا يرى فرقاً بين مرض يوجب الإفطار، وحيض يوجبه، واضطرار إلى سفر يوجبه، فما الفرق بين أن يمرض هو فيضطر إلى الإفطار، أو يمرض ولده فيضطر إلى السفر لعلاجه، وخاصة لو لاحظنا أن جميع الأمور تنتهي إليه سبحانه، وقد نسب كل شيء في القرآن الكريم إليه سبحانه. فنقول بالعموم، - إلاّ بمقدار ما انصرف عنه الدليل كالسفر الاختياري - فتأمل.

قوله: [ويؤيد المدعى ما رواه سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد

ص: 411


1- مباني منهاج الصالحين 6: 266.

اللّه (عليه السلام) عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوماً ثم مرض فإذا برأ يبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ قال: «بل يبني على ما كان صام، ثم قال: هذا ما غلب اللّه عليه، وليس على ما غلب اللّه عز وجل عليه شيء»(1)](2) هل المراد أن المرض قهري؟ وكذا في الرواية السابقة عند قوله: «اللّه حبسه» أو أن اللّه تعالى فرض عليه الإفطار على أثر مجيء المرض، فهو حبسه عن الصيام بالأمر.

والخلاصة: هل أنّ الحبس بالتكوين أو التشريع؟

لعل الظاهر الأول، أي أن إفطاره ليس باختياره.

قوله: [وربما يقال: بان حديث رفاعة(3) يعارضه ما رواه جميل ومحمد بن حمران، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار، فيصوم شهراً ثم يمرض، قال: «يستقبل، فإن زاد على الشهر الآخر يوماً أو يومين بنى على ما بقي»(4)] (5) لا معارضة؛ إذ إنه في خصوص الظهار، فلو تم في حدّ ذاته كان تخصيصاً للعموم.

قوله: [فإن المستفاد من هذه الرواية فساد التتابع بالإفطار ولو لأجل المرض، فيقع التعارض، ولكن رواية جميل وابن حمران في

ص: 412


1- وسائل الشيعة 10: 374-375.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 266.
3- وسائل الشيعة 10: 374.
4- وسائل الشيعة 10: 371.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 266.

موردها معارضة بما رواه رفاعة أيضاً عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «المظاهر إذا صام شهراً ثم مرض اعتد بصيامه»(1)](2) لا تعارض؛ إذ يجمع بالحمل على الأفضلية.

قوله: [وبعد التعارض والتساقط يكون المرجع إطلاق الرواية الأولى لرفاعة] وقد سبق أنّه لو كان عام وخاصان متعارضان سقطا ورجع إلى العام مثل: «أكرم العلماء» و (أكرم زيداً - ولا تكرم زيداً). فراجع.

قوله: [قلت: حديث الحلبي مطلق يشمل مطلق العذر أعم من الشرعي وغيره، ورواية رفاعة تختص بالعذر الشرعي، فبرواية رفاعة يقيد حديث الحلبي، فلا تعارض] (3)

وقد سبق إمكان حمل الرواية على الأفضلية لو لم يمكن التخصيص.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما إذا لم يكن اضطرار وجب الاستيناف] علّق عليه الشارح بقوله: [الماتن فصل فيما يكون العذر بفعل المكلف بين كونه اضطرارياً... والمسألة محل الخلاف فربما يقال: - كما عن الجواهر(4)- إن المعذرية في الإفطار تكفي في عدم قطع التتابع، وإن كان سببه اختيارياً](5) ولعل وجهه أنّه وإن سافر باختياره إلاّ

ص: 413


1- وسائل الشيعة 10: 375.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 266.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 267.
4- جواهر الكلام 17: 75.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 267.

أن اللّه تعالى حبسه عن الصيام لكونه مسافراً، فهو نظير امرأة استعملت دواءً أوجب حيضها، فإنّه مشمول للرواية(1).

قوله: [وربما يقال - كما عن المستند(2)- إنه يتوقف صدق العذر على أن لا يكون من فعل المكلف دخل في تحقق الإفطار](3) ولعل وجهه: أنّ اللّه لم يحبسه؛ إذ السفر ليس من اللّه تعالى، بل منه أو من الظالم. نعم، المرض حبس من اللّه تعالى.

ثم إنه لا بد من التحقيق في أن «اللّه حبسه» هل المراد حبسه عن الصيام، أو حبسه بالمرض عن الصيام؟ وبعبارة أُخرى: هل النظر للسبب أو المسبب أو كليهما(4).

قوله: [وصفوة القول: إن المتبادر من الرواية صورة الاضطرار، وإن أبيت فلا أقل من عدم تحقق الإطلاق، فلا يمكن الالتزام بعدم القطع إلا بهذا المقدار] إن قوله (عليه السلام) : «اللّه حبسه» لا يشمل صورة السفر الاختياري للتجارة مثلاً، ولا أقل من الشك. وبعبارة أُخرى: أنّه منصرف، خاصّة مع القرينة الموجودة، وهي «المرض».

قوله (قدس سره) في المتن: [ومن العذر ما إذا نسي النية إلى ما بعد الزوال، أو نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكر إلا بعد الزوال] علّق

ص: 414


1- رواية رفاعة. وسائل الشيعة 10: 374.
2- مستند الشيعة 10: 535.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 267.
4- راجع المستند في شرح العروة 22: 297 (منه (رحمه اللّه) ).

عليه الشارح بقوله: [وربما يقال: بان النسيان من الشيطان وليس من فعله تعالى، كما يدل عليه قوله تعالى: {فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ}(1)](2) وقوله تعالى {وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}(3).

قوله: [ويرد عليه: أولاً: إنه قضية في واقعة خاصة، ولا تدل الآية على أن كل نسيان من الشيطان](4) راجع الروايات لتلاحظ هل أنّ كل نسيان من الشيطان؟

قوله: [ثانياً: المقصود من قوله (عليه السلام) في الرواية: «اللّه حسبه» أنه ليس مأموراً من قبله تبارك وتعالى، ومن هذه الجهة لا فرق بين كون النسيان من فعل الشيطان وبين كونه من فعله تعالى] (5) فيه نظر، إذ المسافر - أيضاً - ليس مأموراً من قبله تعالى بالصيام.

ثم إنّ الأحكام الواقعية لا تناط بالعلم والجهل والنسيان على المذكور، فهو مأمور ، فتأمل.

وأما: ما ذكره المصنف من أنّ المقصود أنه ليس مأموراً من قبله تبارك وتعالى، فليس واضحاً وظاهراً.

والأولى أن يقال: إنّ المرض قد يكون من الشيطان، أو من الإنسان، أو

ص: 415


1- يوسف: 43.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 268.
3- الكهف: 63.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 268.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 268.

من نفس المريض - من خلال الأكل - والمقصود: أنّه لا دخل له فيه، فتأمل.

وبتقرير آخر: العرف لا يرى فرقاً بين النسيان والمرض. وقد يقال: إنَّ النسيان - أيضاً - مرض روحي، فتأمل.

وقد سبق: أنّ كل الأمور تنتهي إليه سبحانه.

قوله (قدس سره) في المتن: [ومنه ما إذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس، فإن تخلله في الأثناء لا يضر في التتابع] علّق عليه الشارح بقوله: [لصدق الحبس الوارد في حديث رفاعة، ولا وجه للقول بانصراف الدليل إلى عذر لا يعلم به، وإلا يلزم إخراج الحيض؛ إذ بحسب المتعارف تعلم المرأة بعروضه] لقد ورد الحيض مستقلاً، وهو تمام الموضوع، ولا ربط له بقوله (عليه السلام) : «حبسه».

والخلاصة أنّ المانع الشرعي كالعقلي، والحبس التشريعي كالتكويني.

إلاّ أن الكلام أنّ هذا النذر هل ينعقد أو ينحل بهذا المقدار بوجود المانع الشرعي، فهو كنذر الكون يوم عرفة في كربلاء ثم طرو الاستطاعة؟ إلاّ أن يفرّق بين الواجب بالأصالة - كالحج - والواجب بالعرض - كالكفارة - فالنذر ينحل مع الأول ولا ينحل مع الثاني(1).

قوله (قدس سره) في المتن: [بل يحسب من الكفارة أيضاً إذا تعلق النذر بصوم يوم الخميس على الإطلاق](2) بحيث يشمل صوم الكفارة، ولو

ص: 416


1- راجع المسألة في باب (مَن نذر قبل الاستطاعة) ولاحظ ملاكاتها (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 6: 268.

بالارتكاز.

ثم إن قوله في المتن: [بل يحسب] أي بالنيّة.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال] علّق عليه الشارح بقوله: [أما في الصورة الأخيرة فظاهر، إذ المفروض أنه يمكن الإتيان بالمأمور به على ما هو عليه، فلا وجه للانتقال](1) أي يوجب الانتقال.

قوله: [وأما في الصورة الأولى فلكونه محبوساً إلهياً فلاحظ] قد يقال - كما في الفقه(2)- : إنّ الاضطرار في طول الإختيار، والصوم غير المتتابع فيه اضطرار.

ويرد عليه: أولاً: أنّه قد يكون من قبيل الموضوعين العرضيين، كالمسافر والحاضر، وفيه: أنّه خلاف «حبسه».

وثانياً: أنّه لو كان الانتقال لازماً للزم التنبيه عليه، فالإطلاق المقامي في الرواية كافٍ في عدم اللزوم.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا نذر صوم شهرين متتابعين جرى عليه الحكم المذكور، إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها](3) بالتتابع العرفي.

ثم إن قوله في المتن: [إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها] ولو بقصد التتابع العرفي كفى العرفي، ولا يحتاج إلى التتابع الدقّي.

ص: 417


1- مباني منهاج الصالحين 6: 269.
2- الفقه 36: 402.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 269.

وقد تقدم سابقاً أنّه لو قصد التتابع العرفي، فيكفي العرف، ولا يلزم التتابع الدقّي، ولا ربط لهذا البحث بما مضى من أن العرف حجّة في التطبيقات أو لا؛ إذ الكلام في أنّ الناذر جعل الموضوع عرفياً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم أنه لا يسلم بتخلل عيد أو نحوه] وقد يقال: إنّه ينطبق عليه «حبسه» وفيه: أنّ ما بالاختيار لا ينافيه، إلاّ أن نقول: إنَّ الموضوعين عرضيان. وفيه ما سبق قبل قليل.

قوله: [لاحظ حديثي زرارة(1) وحديثه الآخر، قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل قتل رجلاً في الحرم، قال: عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكيناً، قال: قلت: يدخل في هذا شيء، قال: وما يدخل؟ قلت: العيدان وأيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق لزمه»(2). والظاهر من هذه الروايات وجوب الصوم على القاتل متتابعاً في هذه الأشهر](3) فيه غموض؛ إذ هنالك عبارتان:

الأولى: قوله (عليه السلام) : (يصوم) وليس واضحاً أنّه يصوم يوم العيد، بل يصوم الشهرين.

الثانية: قوله (عليه السلام) : (يصومه) وهو كذلك؛ إذ لا يرجع الضمير إلى العيد،

ص: 418


1- وسائل الشيعة 10: 380.
2- وسائل الشيعة 10: 380.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 270.

بل إما يعود إلى الشهرين، أو العيد وأيام التشريق.

فعلى كل تقدير لا بد من التصرف في الضمير، بأن يراد: يصوم ما ذكر.

قال في المغني(1):

فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق

وحيث إنّ صوم العيد حرام والرواية مجملة، فلا تصلح لتخصيص العمومات. فيكون المراد: إن تخلل العيد لا يضر بالتتابع، فالمراد بالدخول دخول العيد في الأثناء.

مضافاً إلى ما في العروة من (شذوذ القائل بذلك)(2) وإن تأمل فيه الوالد (رحمه اللّه) .

ويؤيده: وضوح حرمة صوم يوم العيد مطلقاً في أذهان المتشرعة، وإن كان قد يقال: إنّه نشأ على إثر الفتاوى، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إلا في كفارة القتل في الحرم أو في الأشهر الحرم، فإنه يجب على القاتل صوم شهرين من الأشهر الحرم، ولا يضره تخلل العيد على الأظهر. نعم، إذا لم يعلم فلا بأس إذا كان غافلاً فاتفق ذلك](3) في العبارة نوع اضطراب ولعل هنالك سقطاً.

ثم قوله في المتن: [إذا لم يعلم] إنّ الجاهل: قاصر ومقصر - فهل الحكم يشمل الاثنين؟ وهل العلّة «حبسه» تشمل الجاهل المقصّر، أو أنّه هو حبس

ص: 419


1- مغني اللبيب 2: 678.
2- العروة الوثقى 3: 661.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 269-270.

نفسه، وما بالاختيار لا ينافيه؟

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان غافلاً فاتفق ذلك] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ حديثي رفاعة(1) وسليمان(2)، فإن المتسفاد منهما أن عدم التتابع لعذر شرعي لا يضر به](3) ذكر المصنف سابقاً أن رواية سليمان ضعيفة.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يضرّه تخلل العيد] بمعنى أنّه لا يضرّه تخلل الإفطار يوم العيد خلال الشهرين، لا أنّه يصوم يوم العيد.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويستنثى من ذلك الثلاثة بدل الهدي] علّق عليه الشارح بقوله: [وهو المشهور فيما بينهم، بل أُدعي عليه الإجماع، ويدل عليه ما رواه يحيى الأزرق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعاً وليس له هدي، فصام يوم التروية ويوم عرفة، قال: يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق»(4)] ترد على هذه الرواية أمور:

أولاً: لا تدل على كونه بلا فصل، ويؤيده قوله «يوماً آخر» في الرواية الثانية، وهي، ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوماً آخر»(5).

ص: 420


1- وسائل الشيعة 10: 371.
2- وسائل الشيعة 10: 371.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 270.
4- وسائل الشيعة 14: 196.
5- وسائل الشيعة 14: 195.

وثانياً: ليس فيها ذكر بعد العيد.

فلا بد من مراجعة سائر الروايات، وما ذكروه في كتاب الحج.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا شرع فيها يوم التروية وعرفة، فإن له أن يأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل] علّق عليه الشارح بقوله: [كما هو المستفاد من حديث الأزرق](1) بل الرواية في «بعد أيام التشريق».

قوله (قدس سره) في المتن: [أو بعد أيام التشريق لمن كان بمنى، أما إذا شرع يوم العرفة وجب الاستيناف] علّق عليه الشارح بقوله: [إذ يجب التتابع في الثلاثة وإنما لا نلتزم بالوجوب بمقدار دلالة النص، ومقتضى النص الوارد في المقام أن يصوم يوم التروية ويوم عرفة ويؤخر اليوم الثالث إلى ما بعد العيد، أو إلى ما بعد أيام التشريق، وأما تأخير يومين فلا دليل على جوازه](2) والخلاصة: أن الرواية في صوم يومين وتأخير يوم لا العكس.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا نذر أن يصوم شهراً أو أياماً معدودة لم يجب التتابع إلا مع اشتراط، أو الانصراف إليه على وجه يرجع إلى التقييد] النذر تابع لقصد الناذر أو ارتكازه، ولو قصد المفهوم العرفي فالظاهر أنّ المنصرف من الشهر غير الملفق، فيشترط فيه التتابع.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع

ص: 421


1- مباني منهاج الصالحين 6: 271.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 271.

فالأحوط التتابع في قضائه] علّق عليه الشارح بقوله: [خروجاً عن شبهة الخلاف، وإلا فلا وجه للتتابع في القضاء](1) الظاهر أنّ الوجه هو أنّ مفهوم القضاء هو الإتيان به بعينه وبكامل خصوصياته، باستثناء اختلاف الظرف الزماني. فنفس القضاء يدل على ذلك. وقد سبق من المصنف الإشارة لذلك(2).

لكن قد يناقش بعدم الدليل، والقضاء بأمرٍ جديد. (راجع المستند)(3) و(الفقه)(4).

قوله (قدس سره) في المتن: [الصوم من المستحبات المؤكدة] علّق عليه الشارح بقوله: [بلا إشكال، لاحظ ما رواه إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد اللّه عن آبائه (عليهم السلام) : «إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لأصحابه: ألا اُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في اللّه والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه، ولكل شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصيام»(5)] (6) لعل هنالك

ص: 422


1- مباني منهاج الصالحين 6: 272.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 44.
3- شرح العروة الوثقی 22: 266-271.
4- الفقه 37: 21.
5- وسائل الشيعة 10: 395-396.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 272-273.

روايات أظهر منها دلالة على الاستحباب المؤكّد، والظاهر كفاية الارتكاز في أذهان المتشرعة لإثبات ذلك، مع غض النظر عن الروايات.

وما ذكره هنا كافٍ ظاهراً في اثبات التأكّد مثل (تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب، وإن كان جزءاً من المجموع، و(اسوداد وجه الشيطان) و (أنّه زكاة).

وأمّا الرواية الثانية، وهي رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه (عليهم السلام) : «أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: إن اللّه عز وجل وكل ملائكته بالدعاء للصائمين، وقال: أخبرني جبرئيل عن ربه، أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه» (1)، فتدل على أثر وضعي للصيام، ولعلها لا تدل على مدّعى الشارح، فتأمل.

وما ذكر بعدئذٍ من أنّه جنة(2) وغير ذلك دال أيضاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وقد ورد أنه جنة من النار](3) لعله باعتبار قضائه على الشهوات الباطنية الآثمة، التي تقود الإنسان للنار.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن نوم الصائم عبادة، ونفسه وصمته تسبيح، وعمله متقبل، ودعاءه مستجاب] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما روي عن الصادق (عليه السلام) قال: «نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعلمه متقبل،

ص: 423


1- وسائل الشيعة 10: 396.
2- وسائل الشيعة 10: 395.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 273.

ودعاؤه مستجاب»(1)](2) لا يدل على أن نفسه تسبيح، فراجع سائر الروايات(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [وتدعوا له الملائكة حتى يفطر، وله فرحتان، فرحة عند الإفطار، وفرحة حين يلقى اللّه تعالى](4) لعل الفرحة عند الإفطار باعتبار أنّه أدّى الوظيفة، وهذا يخلق شعوراً باطنياً بالراحة.

ولعل ذلك هو المراد من قوله: «وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشيء، وصلها واسترح منها»(5).

ولا مانع من أن يراد المعنى الظاهر، لفرح الإنسان بطيبات الطعام والشراب. ولعل المقصود: المعنى الظاهر والباطن معاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وأفراده كثيرة، والموكّد منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل... وأول أربعاء من العشر الأواسط...](6) لعل هنالك أفراداً مؤكدة أُخرى، فراجع منها صوم التسعة أيام من ذي الحجّة، ففيه بعض الروايات العجيبة(7).

ولا بد من التأكد هل هذه مؤكدة كلها أو لا؟ لأن بعض الروايات المنقولة لا تدل على التأكيد مثل يوم النوروز... وهي: ما رواه المعلى بن

ص: 424


1- وسائل الشيعة 120: 401.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 273-274.
3- وسائل الشيعة 10: 395-407.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 274.
5- الكافي 8: 348-349.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 274-275.
7- الفقه 37: 48.

خنيس، عن الصادق (عليه السلام) في يوم النيروز، قال: «إذا كان يوم النيروز فاغتسل، والبس انظف ثيابك، وتطيب بأطيب طيبك، وتكون ذلك اليوم صائماً»(1).

قوله في المتن: [والمؤكّد منه](2) هنالك أنواع أُخرى مؤكّدة منه، وقد ذكرت في المفصّلات.

قوله (قدس سره) في المتن: [وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشر الأواسط] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما رواه حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «صام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى قيل: ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل: ما يصوم، ثم صام صوم داود (عليه السلام) يوماً ويوماً لا، ثم قبض (عليه السلام) على صيام ثلاثة أيام في الشهر، وقال: يعدلن صوم الدهر، ويذهبن بوحر الصدر، وقال حماد: الوحر الوسوسة - وقال حماد، فقلت: وأي الأيام هي؟ قال: أول خميس في الشهر، وأول أربعاء بعد العشر منه، وآخر خميس فيه، فقلت: وكيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال: لأن من قبلها من الامم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام، فصام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هذه الأيام لأنها الأيام المخوفة»(3)](4) هذه الرواية تدل على تعيّن هذه الكيفية لا أنّها الأفضل، لقوله: (أي الأيام هي؟) ولقوله (لأن من قبلنا).

ص: 425


1- وسائل الشيعة 10: 468.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 274.
3- وسائل الشيعة 10: 415.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 275.

وحينئذٍ فلا بد من البحث في سائر الروايات، فإن كان فيها مطلق فلا يقيّد بالمقيّد هذا، ومن المطلقات (وإن شاء صام في كل عشرة يوماً)(1) وقد ذكر ذلك السيد الوالد في (الفقه)(2) فراجع.

أو يقال: المستفاد من روايات المندوبات تعدد المطلوب، وقد ذكره صاحب العروة في الصلوات المندوبة(3)، وأشكل فيه بعض الشرّاح.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال](4) أي مع عدم تخوف كونه يوم الأضحى.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويوم المباهلة](5) فهو عيد النبوة والإمامة معاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويوم المباهلة] علّق عليه الشارح بقوله: [قال في الحدائق: «وعلله العلاّمة في المنتهى(6) بأنه يوم شريف قد أظهر اللّه فيه نبينا على خصمه، وحصل فيه التنبيه على قرب علي (عليه السلام) من ربه، واختصاصه به، وعظم منزلته وثبوت ولايته، واستجابة الدعاء به ما لم يحصل لغيره، وذلك من أعظم الكرامات الموجبة لإخبار اللّه تعالى أن نفسه نفس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيستحب صومه شكراً لهذه

ص: 426


1- وسائل الشيعة 10: 419-420.
2- الفقه 37: 19.
3- العروة الوثقى 2: 501.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 276.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 276.
6- منتهى المطلب 2: 611.

النعم الجسيمة»(1)](2) هذا التعليل لا يثبت الاستحباب بخصوصه، بل انطباق عنوان عام وهو عنوان الشكر عليه.

ولعل هنالك رواية يُعثر عليها بالفحص، وظاهر الفقه(3) وجود مرسلة للصدوق في ذلك.

ويكفي في ثبوت الاستحباب فتوى الفقيه إذا لم يكن معللاً بما لا يصلح للعلّية.

قوله (قدس سره) في المتن: [وتمام رجب] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما رواه في كتاب مسار الشيعة(4)... ولاحظ ما رواه كثير النواء، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن نوحاً ركب السفينة أول يوم من رجب، فأمر (عليه السلام) ومن معه أن يصوموا ذلك اليوم، وقال: مَنْ صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام سبعة أيام أُغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية، ومن صام خمسة عشر يوماً أُعطي مسألته، ومن زاد زاد اللّه عز وجل»(5)](6) هذه لها صلاحية الشمول لكل الشهر، فتدل على مطلوبيته واستحبابه.

ص: 427


1- الحدائق الناضرة 13: 38.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 276-277.
3- الفقه 37: 44.
4- مسار الشيعة: 56.
5- وسائل الشيعة 10: 471.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 277.

قوله (قدس سره) في المتن: [وتمام رجب وتمام شعبان وبعض كل منهما على اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل] علّق عليه الشارح بقوله: [وتدل على المدعى جملة من النصوص، ... ومنها: ما رواه أبان بن عثمان نحوه إلا أنه قال: «ومن صام عشرة أيام أُعطي مسألته، ومَن صام خمسة وعشرين يوماً منه قيل له: استأنف العمل فقد غفر لك، ومن زاد زاده اللّه»(1)](2) يلاحظ اختلاف هذه الروايات، مثلاً: هنا (عشرة أيام) لو كانت في رجب، وسابقاً في رواية كثير النواء(3) : (خمسة عشر يوماً) ولعل الجمع باختلاف السائلين، أو باختلاف السؤال، أو بمراتب المسألة. وكذا: (من صام خمسة وعشرين يوماً منه قيل استأنف العمل).

ثم إنه ورد في رواية الخثعمي (من صام يومين...)(4).

قوله: [ومنها: ما رواه علي بن فضال، عن أبي الحسن علي بن موسى (عليه السلام) قال: «من صام أول يوم من رجب رغبة في ثواب اللّه عز وجل وجبت له الجنة، ومن صام يوماً في وسطه شفع في مثل ربيعة ومضر، ومن صام يوماً في آخره جعله اللّه عز وجل من ملوك الجنة،

ص: 428


1- وسائل الشيعة 10: 472.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 277-278.
3- النواء بفتح النون والواو المشددة وبعدها ألف، نسبة إلى بيع النوى، وأهل المدينة يبيعونه ويعلفونه جمالهم، والمشهور بهذه النسبة كثير النواء أبو إسماعيل يروي عن عطية، وروى عنه الكوفيون. راجع: الغارات 1: 288.
4- وسائل الشيعة 10: 473.

وشفعه في أبيه وأمه وأبنته وأخيه وأخته، وعمه وعمته وخاله وخالته ومعارفه وجيرانه، وإن كان فيهم مستوجب النار»(1)](2) يظهر أن هنالك ملكاً وملوكاً، أمّا الملك فلعله للكل، قال تعالى: {وَمُلْكًا كَبِيرًا}(3)، وأمّا الملوك فيبدو أن لهم سلطنة وكوكبة متميزة، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وأول يوم من محرم وثالثه وسابعه] علّق عليه الشارح بقوله: [لم أظفر على مأخذه واللّه العالم](4) لا بد من مزيد البحث، وهنالك روايات تدل على استحباب صوم كل محرّم، كما عن السيد الوالد (عليهم السلام) في «الفقه»(5)، ومن الروايات: «إن كنت صائماً بعد شهر رمضان فصم المحرم، فإنه شهر تاب اللّه فيه على قوم»(6) وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من صام يوماً من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوماً»(7) إلى آخره.

ويكفي فتوى الفقهاء في السنن في كتاب الصوم.

ثم إن قوله في المتن: [وسابعه] بل كلّه باستثناء اليوم العاشر، فإنّ صومه مكروه. نعم، يستحب فيه الإمساك إلى ما بعد العصر.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكل خميس] علّق عليه الشارح بقوله: [قال

ص: 429


1- وسائل الشيعة 10: 474.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 278.
3- الإنسان: 20.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 280.
5- الفقه 37: 53.
6- وسائل الشيعة 10: 469.
7- وسائل الشيعة 10: 470.

في الجواهر: «لأنه اليوم الذي تعرض فيه الأعمال»(1)](2) الظاهر أن ذلك لا يكفي لثبوت الاستحباب الخاص. نعم، ورد(3) أن يوم الخميس يوم عرض الأعمال - ولعل ظاهره استحباب صوم الخميس ولو منفرداً، كما عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(4).

ثم إن هنالك روايات(5) ورد فيها: أن لا يخص يوم الجمعة وحده إلاّ أن يصوم غيره أو بعده، فراجعها وراجع كلام الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(6).

قوله: [ولاحظ ما رواه الزهري، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس... الحديث»(7)](8) الخيار في العبادة يدل على الرجحان.

قوله (قدس سره) في المتن: [يكره الصوم في موارد، منها: الصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء، والصوم فيه مع الشك في الهلال بحيث يحتمل كونه عيد أضحى] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن صوم يوم

ص: 430


1- جواهر الكلام 17: 110.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 280.
3- وسائل الشيعة 10: 416.
4- الفقه 37: 18.
5- وسائل الشيعة 10: 411-413.
6- الفقه 37: 46.
7- وسائل الشيعة 10: 411.
8- مباني منهاج الصالحين 6: 281.

عرفة، فقال: مَنْ قوي عليه فحسن، إن لم يمنعك من الدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، فصمه، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه»(1)](2) ظاهره التحريم، إلاّ أن يخرج عن ذلك بسائر الروايات، أو بفهم الفقهاء، أو بقرينة نفس الرواية، حيث إنّ المنع عن الدعاء ليس محرّماً، والخلاصة أنّ النهي ليس ظاهراً في التحريم.

قوله (قدس سره) في المتن: [وصوم الضيف نافلة بدون إذن مضيفه] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما رواه الزهري عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث، قال: «واما صوم الإذن فإن المرأة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوعاً إلا بإذن سيده، والضيف لا يصوم تطوعاً إلا بإذن صاحبه، وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : مَنْ نزل على قوم فلا يصومن تطوعاً إلا بإذنهم»(3)](4) ظاهره التحريم، إلاّ أن ينهض دليل على الخلاف.

وكذا قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (فلا يصومن)، وقوله (ولا يصوم الضيف)(5).

والدليل هو فهم المشهور، أو ظهور ما رواه هشام بن الحكم في الكراهة، والرواية هي: عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من فقه

ص: 431


1- وسائل الشيعة 10: 465.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 281.
3- وسائل الشيعة 10: 529-530.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 281-282.
5- وسائل الشيعة 10: 53-531.

الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلاّ بإذن صاحبه، - إلى أن قال -: وإلا كان الضيف جاهلاً»(1)، وكذا سائر روايات الباب(2) مثل: (لئلا يعملوا الشيء فيفسد لهم)(3) كما ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) في شرحه على العروة(4).

والخلاصة هي:

أولاً: إنّ بعض الروايات ضعيف السند، كرواية الزهري، حيث ضعفها المصنف(5).

ثانياً: وبعضها ضعيف الدلالة، مثل صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة، فإنّ الفقه عبارة عن فهم الحكم الشرعي، وهو ينقسم إلى واجب وندب وغيرهما، وعدم الفقه ليس محرماً مطلقاً، كما أن الجهل ليس محرماً مطلقاً، وقال في المستند(6) إن الرواية صحيحة، وكذا الصحيحة المشار إليها في المستند (فيفسد عليهم).

والرواية الثالثة ضعيفة السند، كما ذكره المصنف(7).

قوله (قدس سره) في المتن: [والولد من غير إذن والده] علّق عليه الشارح بقوله: [لاحظ ما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) ،

ص: 432


1- وسائل الشيعة 10: 430.
2- وسائل الشيعة 10: 529-531.
3- وسائل الشيعة 10: 528.
4- شرح العروة الوثقی 22: 320.
5- مباني منهاج الصالحين 6: 286.
6- شرح العروة الوثقی 22: 323.
7- مباني منهاج الصالحين 6: 286.

عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفيها: «ومن برّ الولد أن لا يصوم تطوعاً ولا يحج تطوعاً، ولا يصلي تطوعاً إلاّ بإذن أبويه وأمرهما»(1)](2) الرواية لا تدل على التحريم؛ إذ البرّ ليس واجباً على إطلاقه. والرواية صحيحة كما في المستند(3)، لكنه نقلها هكذا «ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعاً إلاّ باذن أبويه وأمرهما».

هذا، ولكن ذيل الرواية دال على التحريم؛ إذ ورد في: «وإلا... كان الولد عاقاً»(4).

والظاهر أن العقوق محرم بكل مراتبه.

ومجمل الإشكالات على الاستدلال بهذه الرواية، هي:

أولاً: إنّ البرّ ليس واجباً مطلقاً، والعقوق ليس حراماً مطلقاً.

وفيه: أن ظاهر العقوق الحرمة، وهو المنصرف منه عند الإطلاق(5).

ثانياً: الرواية محل تأمل سنداً؛ إذ فيها أحمد بن هلال، الذي رجع إلى النصب، وقول النجاشي (إنه صالح الرواية)(6) لا يدل على الوثاقة، بل لعله قرأ رواياته ورأى أنّه ليس فيها ما يخالف العقيدة، فتأمل(7).

ثالثاً: أن ظاهر الرواية غير قابل للتصديق، كما عن السيد الخوئي (رحمه اللّه) في

ص: 433


1- وسائل الشيعة 10: 530.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 282.
3- شرح العروة الوثقی 22: 323.
4- علل الشرائع 2: 385.
5- راجع العقوق في سائر الروايات (منه (رحمه اللّه) ).
6- رجال النجاشي: 82.
7- راجع: المستند في شرح العروة 22: 323 (منه (رحمه اللّه) ).

(المستند)(1)، ولم يقل أحد بالعقوق بمجرد عدم الإذن، وقال الصدوق(2) ما مضمونه: إن ظاهر الرواية مقطوع البطلان.

رابعاً: ذهاب الأكثر إلى الكراهة، كما في المدارك(3)، وذكر ذلك السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(4).

خامساً: إن سيرة المسلمين عدم استجازة الأولاد الكبار في الصيام، خصوصاً المنفصلين في بلاد بعيدة، ولو كان ذلك واجباً لبان.

والخلاصة: إنّ من البعيد جداً وجوب ذلك، ولو كان ذلك واجباً لظهر، ولشكّل ظاهرة ملفتة في الروايات، ولكثر السؤال عنه، وليس في الروايات عين ولا أثر من ذلك، فاللازم كون الحكم أخلاقياً، أو حمله على ما إذا أوجب الإيذاء. والمسألة مشكلة، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [يحرم صوم العيدين وأيام الشتريق لمن كان بمنى] علّق عليه الشارح بقوله: [وتدل على المدعى جملة من النصوص، منها: ما رواه معاوية بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن صيام أيام التشريق، فقال: أما بالأمصار فلا بأس به، وأما بمنى فلا»(5)](6) وقد مضت بعض النصوص الدالة على ذلك.

ص: 434


1- شرح العروة الوثقی 22: 324.
2- علل الشرائع 2: 385.
3- مدارك الاحكام 6: 276.
4- الفقه 37: 75.
5- وسائل الشيعة 10: 516.
6- مباني منهاج الصالحين 6: 282-283.

قوله: [ومنها ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «النحر بمنى ثلاثة أيام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضى الثلاثة الأيام، والنحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد»(1)](2) في الرواية مشكلة؛ إذ النحر يوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، وأما قوله: (حتى تمضي الثلاثة يظهر منه حلية صوم اليوم الثالث عشر، مع أنه من أيام التشريق؛ إذ أيام التشريق هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وكذا قوله (والنحر بالأمصار يوم) إذ النحر ثلاثة أيام أيضاً فراجع.

وفي (الفقه)(3) أن النص والإجماع قام على أن المراد هو الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. وقد ذكر في رواية (أربعة) فيزاد مع العيد.

قوله (عليه السلام) : في رواية معاوية بن عمار: «وأما بمنى فلا» فبهذه الرواية المفصلة تقيّد الروايات المطلقة الدالّة على حرمة صوم أيام التشريق.

قوله (قدس سره) في المتن: [ونذر المعصية بأن ينذر الصوم على تقدير فعل الحرام شكراً] علّق عليه الشارح بقوله: [إذ الصوم من العبادات ويشترط فيه قصد القربة، والحال أنه كيف يمكن القرب بالصوم الذي يكون شكراً على ارتكاب المحرم](4) فيه نظر؛ إذ العمل مقرب بطبعه، والنية مبعّدة.

ص: 435


1- وسائل الشيعة 10: 517.
2- مباني منهاج الصالحين 6: 283.
3- الفقه 37: 283.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 284.

إلاّ أن يجاب: بأن قبح النية يسري إلى العمل، فهو كالسجود شكراً على معصية، فلا يعتبر عبادة.

والخلاصة: أن العبادة لا يكفي فيها الشأنية، بل الفعلية، وفعلية كونه عبادة ممنوعة للنية، فتأمل.

والحاصل: أن العبادة نوعان: شأنية وذاتية، أو اقتضائية وذاتية، فالذاتية السجود، والاقتضائية: كالتكبير برفع اليدين، فتأمل.

والبحث: أن فساد النية هل يخل بعبادية العمل؟ فالتقبيل لليد تعظيم، فلو قبل الابن يد الأب شكراً على معصيته، فهل يمكنه التقرب به إليه؟

والظاهر: أنّ التقرب بمثل ذلك إليه غير ممكن.

فالمسألة تامّة على طبق القاعدة العامّة، ولو فرض أنّه لم يكن هنالك نص خاص.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا بأس بتأخير الإفطار ولو إلى الليلة الثانية إذا لم يكن عن نية الصوم] علّق عليه الشارح بقوله: [إذ المنهي عنه الإمساك الصومي، بحيث يكون الإمساك إلى الليلة الثانية مثلاً مصداقاً للمأمور به الشرعي، وإلا فمجرد الإمساك لا يكون منهياً عنه، كما هو ظاهر](1) وهو متقوم بالنية، أي بنية الصوم، لا أقل من الإجمال، فيؤخذ بالقدر المتيقن.

قوله (قدس سره) في المتن: [كما أن الأحوط عدم صوم الزوجة والمملوك

ص: 436


1- مباني منهاج الصالحين 6: 284-285.

تطوعاً بدون إذن الزوج والسيد، وإن كان الأقوى الجواز في الزوجة إذا لم يمنع عن حقه] علّق عليه الشارح بقوله: [أما بالنسبة إلى صوم الزوجة... والنصوص الواردة في المقام مختلفة، فمنها ما يدل على توقف الصحة على إذنه(1)... ومنها: ما يدل على الجواز بلا إذن(2)... وحيث إن أقوال العامة مختلفة... فالترجيح مع الطائفة الثانية للأحدثية](3) سبق أنّ الأحدثية لا دليل عليها.

نعم، الجمع يقتضي الكراهة بلا إذن الزوج.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [وإن كان الأقوى الجواز في الزوجة] والعبد بالشرط المزبور.

قوله: [وأما بالنسبة إلى صوم المملوك بدون إذن سيده، فقد استدل على المدعى بأنه مملوك للمولى لا يصح له التصرف في نفسه، ولا يملك منافعه](4) ولعله استند إلى قوله تعالى: {عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}(5). أو أن منافعه مملوكة، فلا يستطيع أن ينتفع بشيء من نفسه ومنافعه.

قوله: [وفيه: أن ما ذكر لا يمكن أن يكون دليلاً على عدم الجواز، وأي فرق بين الصوم وقراءة القرآن؟ فهل يمكن أن يقال: إنه لا تجوز له القراءة بلا إذن مولاه] لعل مراده أنّه لم يدل دليل على الملكية إلى هذا

ص: 437


1- وسائل الشيعة 10: 527.
2- وسائل الشيعة 10: 528.
3- مباني منهاج الصالحين 6: 285.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 286.
5- النحل: 75.

الحدّ، لا عقلاً، وهو واضح، ولا شرعاً؛ إذ قوله تعالى: {لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} منصرف عن أمثال ذلك، فتأمل.

مثلاً: هل يستطيع العبد التفكير أو لا يستطيع إلاّ لو أذن له مولاه؟

قوله: [وقد وردت في المقام جملة من النصوص، منها: ما رواه الزهري(1)، ومنها: ما رواه حماد بن عمرو وأنس بن محمّد(2)، ومنها: ما رواه هشام بن الحكم(3). ودلالة بعضها على الحرمة وإن كانت تامة لكن السند مخدوش](4) إلاّ أن يقال بالجبر بفتوى المشهور، فتأمل.

أو يقال: إنَّ بعضها صحيح كرواية هشام بن الحكم، كما ذكر ذلك السيد الخوئي (رحمه اللّه) في المستند(5).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه] لا بأس بتركه.

انتهى كتاب الصوم ولله الحمد.

ص: 438


1- وسائل الشيعة 10: 529-530.
2- وسائل الشيعة 10: 530-531.
3- وسائل الشيعة 10-530.
4- مباني منهاج الصالحين 6: 286.
5- شرح العروة الوثقی 22: 323.

كتاب الخمس

اشارة

ص: 439

ص: 440

فيما يجب فيه الخمس:

وهي أمور:

الأول: الغنائم

قوله (قدس سره) في المتن: [الغنائم المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم](1) في غير المنقولة خلاف(2).

والظاهر: أن الآية الكريمة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(3) مطلقة، والغنيمة تصدق على غير المنقول والمنقول - عرفاً - والخطاب ليس للآحاد كي يقال: انّهم لم يغنموا -كما في المستند(4)- بل للمجموع.

مضافاً إلى أن الآحاد غنموا أيضاً، لأنهم يستفيدون من الأرض ونحوها، فتأمل. إذ قد يقال: بجريان مثله في الأوقاف العامّة ونحوها مع أنّه لا خمس فيها.

أمّا الروايات الشريفة فالظاهر بينها وبين الآية الكريمة عموم من وجه، فإن الآية الكريمة تشمل الغنائم المنقولة وخمس الأرض، بينما تشمل

ص: 441


1- مباني منهاج الصالحين 7: 3.
2- راجع الفقه 33: 13 والمستند في شرح العروة 25: 6-10 وغيرهما (منه (رحمه اللّه) ).
3- الانفال: 41.
4- شرح العروة الوثقی 25: 5.

الروايات الواردة في الأرض الخراجية خمس الأرض والأربعة أخماس الباقية، فيتعارضان في مورد الاجتماع، وهو خمس الارض.

وحيث إن الروايات قطعية - كما في المستند(1) - يتساقط الإطلاقات معاً، وتجري اصالة البراءة عن الخمس. وفيه تأمل سيأتي.

نعم، يبقى الكلام فيما ذكره الوالد (رحمه اللّه) من الروايات الصريحة في الخمس(2).

والظاهر أن الأخيرة - التي وردت في تحف العقول(3)- والثانية(4): لا دلالة فيهما.

هذا، ولكن الظاهر أنّه مع التعارض الجزئي للكتاب تسقط السنّة وإن كانت قطعية؛ لأن دلالتها غير قطعية.

وبعبارة أخرى: الأمر لا يعدو إطلاقاً أو عموماً، ومن المحتمل النقل بالمعنى أو نحو ذلك، فتشمله روايات العرض على الكتاب، وطرح ما يخالف الكتاب فيكون عموم الآية الكريمة هو المحكم.

ويؤيد ذلك أو يدل عليه ما ذكره الوالد (رحمه اللّه) (5) من الرواية الأولى(6)، حيث إنها واضحة الدلالة ظاهراً فراجع. ويعضد ذلك الشهرة، بل عن

ص: 442


1- شرح العروة الوثقی 25: 7.
2- الفقه 33: 13-15.
3- تحف العقول: 339-346.
4- تهذيب الأحكام 4: 144.
5- الفقه 33: 12.
6- وسائل الشيعة 9: 510.

بعضهم الإجماع عليه.

قوله (قدس سره) في المتن: [الغنائم المنقولة](1) وغير المنقولة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وخمسها للإمام (عليه السلام) ] بل هي للطوائف الست المذكورة في الآية الكريمة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وخمسها للإمام (عليه السلام) إذا كان القتال بإذنه] علّق عليه الشارح بقوله: [قال في مصباح الفقيه(2): هو القدر المتيقن مما يفهم حكمه بنص الكتاب {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}(3)](4) لعله للسياق أو للمورد.

قوله: [ويدل على المدعى من النصوص، ما رواه أبو بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإن لنا خمسه، ولا حل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا»(5)](6) الرواية ضعيفة - على ما ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) في المستند(7)- لاشتمالها على علي بن أبي حمزة البطائني، لكن في وثاقته كلام (راجع الرجال).

ص: 443


1- مباني منهاج الصالحين 7: 3.
2- مصباح الفقيه 3: 108.
3- الانفال: 41.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 3.
5- وسائل الشيعة 9: 484.
6- مباني منهاج الصالحين 7: 4.
7- شرح العروة الوثقی 25: 10.

ثم إن قوله (عليه السلام) : «لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً» لعل المراد: خمس ما فيه الخمس، وأما الأربعة الأخماس الباقية فلا بأس بها، وهذا يشعر بكون الخمس على نحو الكلّي في المعيّن، لا على نحو الإشاعة، وإلا حرم شراء المال الذي فيه الخمس لا نفس الخمس، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل الحكم كذلك اذا لم يكن بإذنه](1) في هذه الصورة تكون الغنيمة كلّها للإمام (عليه السلام) ، إلاّ أنها أُبيحت للشيعة بعد إخراج الخمس منها.

قوله: [النص الدال على هذا المدعى، ما أرسله العباس الوراق، عن رجل سماه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»(2)، وهذه الرواية مرسلة](3) إلاّ أنها مجبورة بالشهرة.

وعن السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(4) أن المخالف له نادر، وفي المستند(5) إن الحكم متسالم عليه من الأصحاب - في زمان الحضور - بل أُدّعي عليه الإجماع.

قوله: [وربما يقال: إن حديث معاوية بن وهب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) السرية يبعثها الإمام فيصبون غنائم كيف يقسم؟ قال: إنْ

ص: 444


1- مباني منهاج الصالحين 7: 4.
2- وسائل الشيعة 9: 529.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 4-5.
4- الفقه 33: 23.
5- شرح العروة الوثقی 25: 13.

قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم أُخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسم بينهم ثلاثة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب»(1) بمفهومه يدل على المدعى](2) الظاهر تمامية الاستدلال، لأن الشرطية الأولى تتضمن قيدين «القتال» و «كونه بأمر الإمام» ولو لم يكن لأمر الإمام أو تأميره مدخل كان ذكر القيد المزبور لغواً(3).

ثم إن قوله (عليه السلام) : [وقسم بينهم ثلاثة أخماس] الظاهر أنه أربعة أخماس، كما يقتضيه السياق والحكم.

قوله: [ويمكن استفادة المدّعى من حديث الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم، فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خمساُ ويطيب له»(4)] هذا الحديث معارض لمقتضى الأدلة السابقة:

ولكن يمكن توجيهه بما يلي:

أولاً: إنه موافق للعامّة - ظاهراً - فيطرح، فتكون الغنيمة كلّها للإمام.

ثانياً: أنّه تحليل عام للأربعة أخماس.

ثالثاً: أنّه تحليل خاص لبعض الموالين، وهذا ما اختاره السيد الوالد (رحمه اللّه)

ص: 445


1- وسائل الشيعة 9: 524.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 5.
3- راجع المستند في شرح العروة 25: 14-15 (منه (رحمه اللّه) ).
4- وسائل الشيعة 9: 488.

في (الفقه)(1). واختار الثاني في المستند والجواهر(2).

رابعاً: ما في المستند من أن السؤال عن حكم الغنيمة التي يستلمها المقاتل الذي لا يعتقد وجوب الخمس. وفيه نظر واضح.

خامساً: احتمال إذن الإمام (عليه السلام) في تلك الحروب، وهذا ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(3).

والظاهر هو الثاني، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [سواء كان القتال بنحو الغزو للدعاء إلى الاسلام أم لغيره أو كان دفاعاً لهم عند هجومهم على المسلمين] علّق عليه الشارح بقوله: [كل ذلك لإطلاق الآية والرواية، لاحظ خبر الحلبي المتقدم ذكره](4) وغيره كخبر أبي بصير المتقدم أيضاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ما يؤخذ منهم بغير القتال من غيلة](5) بأن أغفله فأخذ ماله، كما عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(6).

قوله (قدس سره) في المتن: [ما يؤخذ منهم بغير القتال من غيلة، أو سرقة، أو ربا، أو دعوى باطلة، فليس فيه خمس الغنيمة، بل خمس الفائدة،

ص: 446


1- الفقه 33: 26.
2- جواهر الكلام 16: 11-12.
3- الفقه 33: 25.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 5.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 6.
6- الفقه 33: 34.

كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى](1) الظاهر التفصيل بين ما كان في أثناء الحرب ففيه خمس الغنيمة الحربية، وما كان بدون الحرب ففيه خمس الفائدة، كما ذهب إليه السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2). لاحظ هل أن الملاك كونه في أثناء القتال، أو كونه من شؤون القتال ولوازمه وتوابعه؟

قوله (قدس سره) في المتن: [ما يؤخذ منهم بغير القتال من غيلة، أو سرقة، أو ربا، أو دعوى باطلة، فليس فيه خمس الغنيمة](3) الحربية، وهي الغنيمة بالمعنى الأخص.

قوله (قدس سره) في المتن: [من غيلة أو سرقة] إنَّ جواز ذلك تكليفاً موقوف على عدم طروّ عنوان ثانوي يوجب التحريم، كتشويه سمعة الإسلام مثلاً، وكذا في الدعوى الباطلة.

وقوله (قدس سره) في المتن: [أو سرقة] ليست سرقته إلا بحسب ظاهرها، وإلاّ فالكافر الحربي لا يملك شيئاً، أو ليس ملكه محترماً.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [أو دعوى باطلة] قد يكون وجه جوازه الاستنقاذ، أو الأهم والمهم إن كان.

قوله (قدس سره) في المتن: [ما يؤخذ منهم بغير القتال...] علّق عليه الشارح بقوله: [لعدم المقتضي، فإن مقتضى إطلاقات أدلة الخمس من الكتاب والسنة ثبوت الخمس في كل فائدة، وبدليل خاص ثبت

ص: 447


1- مباني منهاج الصالحين 7: 6.
2- الفقه 33: 35.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 6.

أن الخمس بعد المؤونة](1) لم يتضح وجهه؛ إذ الماتن يقول: إنّ فيه خمس الفائدة، وعليه فيكون في الحول بعد إخراج مؤونة السنة، فيدخل ما نحن فيه في الدليل الخاص.

والاولى أن يقول: لأنه لم تصدق عليه العناوين المأخوذة في خمس الغنيمة الحربية، مثل: (كل شيء قوتل عليه)(2)، أو (إذا غزا قوم)(3)، أو (السرية يبعثها الإمام)(4)، أو (يكون في لوائهم)(5).

والظاهر أن المصنّف أراد الإيحاء إلى ما في المستند(6) فعبر بما ذكر، فكل فائدة يستفيدها الغانم لا يجب خمسها إلاّ بعد المؤونة، إلاّ ماثبت خلافه بدليل خاص، كالغنائم الحربية والمعدن، ولم يثبت في المأخوذ غيلة أو سرقة، فالمتبع الإطلاق المتقدّم.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً على الأصحّ] المراد بذلك، الغنيمة الحربية.

قوله (قدس سره) في المتن: [أما إذا كان في أيديهم مال للحربي بطريق الغصب أو الامانة، أو نحوهما جرى عليه حكم مالهم](7) في المسألة

ص: 448


1- مباني منهاج الصالحين 7: 6.
2- وسائل الشيعة 9: 487.
3- وسائل الشيعة 9: 529.
4- وسائل الشيعة 9: 524.
5- تهذيب الأحكام 4: 124.
6- شرح العروة الوثقی 25: 26.
7- مباني منهاج الصالحين 7: 6.

صورتان:

الأولى: أن يكون المغصوب منه في حالة حرب أيضاً.

الثانية: أن لا يكون كذلك.

وفي كلتا الصورتين المال هدر؛ إذ الحربي غصب مالاً من حربي، فلا احترام للمال. وكذا في صورة الأمانة.

والخلاصة: أن فعلية الحرب ليست شرطاً في هدر مال الحربي، فالمغصوب من ماله هدر، والغاصب حربي بالفعل.

والخلاصة: أن المهم أن يكون المغصوب منه محكوماً بأحكام الحربي بالفعل.

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز أخذ مال الناصب أينما وجد، والأحوط وجوباً وجوب الخمس فيه من باب الغنيمة لا من باب الفائدة] أي من باب الغنيمة الحربية.

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز أخذ مال الناصب أينما وجد] والجواز موقوف على عدم طروّ عنوان ثانوي يوجب التحريم، كما سبق نظيره. ويمكن أن تكون الحاشية هكذا: «أشكل فيه بعض الأعلام، واختار عدم الجواز جماعة...» الخ.

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز أخذ مال الناصب...] علّق عليه الشارح بقوله: [أما جواز أخذ ماله فمضافاً إلى الشهرة وإسناده إلى الطائفة المحقة خلفاً عن سلف، يدل عليه بعض النصوص، كقوله (عليه السلام) : «خذ

ص: 449

مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس»(1)] (2) لكن أشكل فيه الحجّة، واختار عدم الجواز جماعة، منهم: الحلّي(3)، بل عن ابن إدريس، وشارح المفاتيح(4)، دعوى الإجماع على العدم، ويظهر من الجواهر في كتاب الخمس(5)، كما ذكر ذلك السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(6).

قوله: [وأما كون الخمس فيه من باب الغنيمة فلظاهر الدليل، فإن الظاهر أن الخمس يتعلق بتمامه بلا إخراج المؤونة](7) أي إطلاق الدليل، فإنّ «بعد المؤونة» قيد، والإطلاق ينفيه، ويظهر بمقارناته، كما لو قال المجتهد للمقلّد «خذ الفائدة البنكية وادفع الخمس» فإنّ الظاهر منه الفورية والكلّ.

قوله: [والدليل الدال على كون الخمس بعد المؤونة ظاهر في الفوائد العائدة بالاكتساب والاتجار والاتهاب ونحوها](8) مثلاً: ورد في صحيحة ابن مهزيار فيما أوجبه على أصحاب الضياع «عليه الخمس بعد المؤونة»(9) وهي في الضياع كما عن السيد الخوئي (رحمه اللّه) في (المستند)(10).

ص: 450


1- وسائل الشيعة 9: 487-488.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 6-7.
3- مستطرفات السرائر: 195.
4- مفاتيح الشرائع 1: 223.
5- جواهر الكلام 16: 12.
6- الفقه 33: 36.
7- مباني منهاج الصالحين 7: 7.
8- مباني منهاج الصالحين 7: 7.
9- وسائل الشيعة 9: 500.
10- شرح العروة الوثقی 25: 203.

وكذا صحيحته الأُخرى: «في أمتعتهم وصنائعهم، قلت والتاجر عليه، والصانع بيده؟ فقال إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(1) على ما ذكره السيد في المستند(2).

لكن ورد في صحيح ابن مهزيار: «المستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع... فكتب الخمس بعد المؤنة»(3) ذكره السيد الوالد في (الفقه)(4)، وفي المباني (وعلى الصنّاع)(5) وسمّاه خبر الأشعري أو حديثه، وقد استدل به الشارح على المعدن.

والأمر بحاجة إلى تتبع أكثر؛ إذ ظاهر الأدلة إطلاق الاستثناء، فتأمل.

قوله: [وأما ما عدا ذلك، كغنائم دار الحرب والمعدن والمال المأخوذ من الناصب، وأمثالها مما ثبت فيها الخمس بأدلتها، فالمتبع إطلاق تلك الأدلة](6) أي بالأدلّة الخاصّة التي تعنونت بعناوين معيّنة، ك«مال الناصب» و«المعدن».

قوله: [مضافاً إلى أنه لو قيدت تلك الأدلة بهذا القيد، ويختص الخمس فيها بما بعد المؤونة، لم يبق لتلك الموضوعات خصوصية، والحال أن الظاهر من الأدلة الواردة فيها أن كل واحد منها موضوع

ص: 451


1- وسائل الشيعة 9: 500.
2- شرح العروة الوثقی 25: 209.
3- وسائل الشيعة 9: 499-500.
4- الفقه 33: 264.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 12.
6- مباني منهاج الصالحين 7: 7.

لوجوب الخمس بنفسه] قد يكون من باب ذكر المصاديق للتنبيه على اندرجها في الموضوع الكلّي، وعليه فلا يكون ذكرها لغواً، أو لمزيد أهميتها، أو لكونها مورداً للكلام أو السؤال أو الخلاف. إلى غير ذلك، ككونه مورداً للشك مثل ما نحن فيه.

قوله: [واستدل سيدنا الأستاذ(1) على المدعى، بتقريب آخر، وهو إن نفس الشك يكفي للالتزام لوجوب الخمس ابتداء، أي لو شك في أن دليل اختصاص وجوب الخمس بما بعد المؤونة هل يشمل أمثال المقام أم لا يلزم الالتزام بعدم الشمول؛ وذلك لأن الخمس يثبت في العين منذ التسلط عليها، غاية الأمر الشارع المقدس أذن في عدم الإخراج والتصرف فيها إلى آخر السنة. فلو شك في شمول الدليل لا يجوز التصرف؛ إذ لا يجوز التصرف في مال الغير إلا مع الإذن، والمفروض أن الإذن محل الشك ويرد عليه: أولاً: أنه إن تم إطلاق دليل الاستثناء فلا يبقى شك، وإن لم يتم فالمحكم إطلاق دليل الوجوب](2) فيه: أنّ هنالك شقاً ثالثاً، وهو أن يكون كلا الدليلين مجملاً - أي دليل استثناء المؤونة ودليل الوجوب - فتصل النوبة إلى ما ذكره صاحب المستند(3).

لكن قد يقال: بالبراءة في هذا الفرض، كما سوف يأتي بيانه لاحقاً.

ص: 452


1- شرح العروة الوثقی 25: 23.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 7-8.
3- شرح العروة الوثقی 25: 35.

ويمكن تقريب مدّعى المستند: بأنّ دليل الخمس مطلق، ودليل «الخمس بعد المؤونة» مجمل مردّد بين الأقل والأكثر، وفي مثله يؤخذ بإطلاق الدليل الأول، مثل: «أكرم العلماء» ثم «لا تكرم فاسقهم» فلو دار مفهوم الفاسق بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الذنب مطلقاً، فإنّ الإطلاق أو العموم ينعقد بتمام الكلام، فيؤخذ بالقدر المتيقن، التخصيص والتقيّد. وقد ورد نظير ذلك - بنحو آخر - في موضع آخر في المستند.

قوله: [وثانياً: تعلق الخمس بالفاضل وإن كان من أول الأمر، لكن إنما يتعلق بما يفضل، فيجوز التصرف في العين بأنواع التصرفات إلى آخر السنة. وبعبارة أُخرى: الخمس يتعلق بالحصة الخاصة، وهو الفاضل لا مطلقاً، فلا مجال للبيان المذكور، وعليه تكون نتيجة الشك أن الخمس هل يتعلق بالعين جميعها أو يتعلق بما يفضل، والمتيقن هو الثاني](1) لكن للوالد (رحمه اللّه) (2)

كلام في أن الأصل في موارد الشك هو التخميس، وإن كان قد يقال: إنّه تمسّك بالعام في المصداقية.

كما أنّ له (رحمه اللّه) (3) كلاماً في أنّه لو شك في إطلاق دليل الاستثناء كان المرجع الإطلاق؛ لأنّ الأصل هو الإطلاق، فيكون دليل الاستثناء مطلقاً مخصّصاً لأدلة وجوب الخمس في مال الناصب.

وتحقيق ذلك في مباحث «مقدّمات الحكمة».

ص: 453


1- مباني منهاج الصالحين 7: 8.
2- الفقه 33: 13.
3- الفقه 33: 42.

قوله: [والمتيقن هو الثاني] فتجري البراءة فيما عداه.

قوله: [فلا مجال للقول بحرمة التصرف في المعين فلاحظ](1) وخلاصة ما تقدّم:

أولاً: إنّه إمّا أن يقال بإطلاق كلا الدليلين - وجوب الخمس في مال الناصب، والخمس بعد المؤونة - وحينئذٍ يخصص الثاني الأول، فلا يجب الخمس إلاّ في الفاضل عن المؤونة، كما في مسألة النظائر، كالضياع وأعمال الصنّاع.

والخلاصة: أن لسان «الخمس بعد المؤونة» لسان الحاكم أو الناظر أو المخصص.

ثانياً: وإما أن يقال: بإطلاق الأول دون الثاني فيجب الخمس.

ثالثاً: أو بإطلاق الثاني دون الأول، فلا يجب الخمس.

رابعاً: أو يقال: بعدم انعقاد الإطلاق في أي منهما، والظاهر أنّه مجرى البراءة، وعلى مبنى الوالد (رحمه اللّه) الظاهر أنه يجب الخمس.

ص: 454


1- مباني منهاج الصالحين 7: 8.

الثاني: المعدن

قوله (قدس سره) في المتن: [المعدن](1) الملاك في الصدق هو العُرف، أو ورود النص الخاص لو فرض عدم صدق المعدن عرفاً عليه، وأمّا ما ذكره الكيمياويون من تقسيم الإجسام البسيطة إلى قسمين: الأول: المعادن، كالذهب، والثاني: أشباه المعادن،كالكبريت، فهو اصطلاح خاص لا تحمل عليه الأحكام الشرعية المبتنية على الموضوعات العرّفية(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [كالذهب، والفضة، والرصاص، والنحاس، والعقيق، والفيروزج، والكحل، والملح، والقير، والنفط، والكبريت، ونحوها، والأحوط إلحاق مثل الجص، والنورة، وحجر الرحى، وطين الغسل](3) الذي ورد في النصوص الصحيحة، هو: الرصاص والصفر والحديد والنفط والكبريت والملح وأشباهها.

قوله (قدس سره) في المتن: [ونحوها مما يصدق عليه اسم الأرض] ورد في المستند(4): أنّ اسم الأرض يصدق على العقيق والفيروزج ونحوهما. إذ لا فرق بينهما وبين سائر الأحجار، فما وجه العدول هنا والتفريق؟

ص: 455


1- مباني منهاج الصالحين 7: 8.
2- راجع ما ذكره علماء اللغة (منه (رحمه اللّه) ).
3- مباني منهاج الصالحين 7: 8.
4- شرح العروة الوثقی 25: 34.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكان له خصوصية في الانتفاع به](1) المراد؛ خصوصية غير مألوفة، وإلاّ فلكل قطعة أرض خواص فتأمل، ولذا ورد في بعض الكتب «خصوصية يعظم الانتفاع بها»(2).

قوله (قدس سره) في المتن: [المعدن] علّق عليه الشارح بقوله: [ادعى عليه الإجماع من جملة من الأعاظم، مضافاً إلى كون وجوب الخمس في المعدن من الأمور المغروسة في أذهان المتشرعة، وتدل عليه جملة من النصوص، منها: ما رواه الحلبي (في حديث) قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس، وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة(3)](4) هل يريد دعوى الضرورة؟ وهل المراد عموم المتشرعة؟ والظاهر أنّه ليس كذلك؛ إذ لعل أغلب المتشرعة غافلون عن هذا الحكم، خصوصاً في بعض الصغريات كالملح ونحوه.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط إلحاق مثل الجص والنورة وحجر الرحى وطين الغسل] لا يترك.

ص: 456


1- مباني منهاج الصالحين 7: 8.
2- الروضة البهية 2: 66؛ مسالك الأفهام 1: 458؛ الحدائق الناضرة 12: 327؛ مفتاح الكرامة 6: 346.
3- وسائل الشيعة 9: 492.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 8.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن كان الأظهر وجوب الخمس فيها من جهة الفائدة] علّق عليه الشارح بقوله: [الميزان صدق عنوان المعدن الذي وقع في النصوص، ففي كل مورد علم صدق هذا العنوان يترتب عليه الحكم، وإذا شك في الصدق يكون المرجع أصالة عدم الصدق](1) هذا استصحاب للعدم الأزلي؛ إذ المشكوك إمّا هو معدن منذ تكوّنه أو لا؟ فلا توجد حالة سابقة متيقنة له، إلاّ على نحو العدم الأزلي. وجريان الاستصحاب فيه محل تأمل، بل منع، لكونه غير عرفي، والأدلة منصرفة عن مثله، إلاّ أن يوجّه الاستصحاب بما سيأتي بعد قليل.

قوله: [بناء على ما بنينا عليه من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية، مضافاً إلى أصالة البراءة عن الوجوب] هذا أصل حكمي، والسابق أصل موضوعي.

وهنالك تقرير آخر، وهو: أن المعادن في اليوم الأول لم تكن معدناً، بل حصل ذلك على أثر التفاعلات الأرضية، فنقول: لم يكن معدناً، ونشك في تحوله إلى معدن. فيكون المستصحب العدم النعتي لا الأزلي، ونظير ذلك ما ذكره القمّي في حاشيته في الماء المشكوك إطلاقه وإضافته، فإن كان ماءً كان مطلقاً أولاً، ثم يشك في طرو الإضافة عليه.

إلاّ أن كلامه هناك في الشبهة الموضوعية، وكلامنا هنا في الشبهة المفهومية. وعليه يكون الاستصحاب في الشبهة المفهومية، فإن قلنا به، فلا

ص: 457


1- مباني منهاج الصالحين 7: 9.

محذور. فهو نظير استصحاب النهار بعد غياب القرص، لو شك في مفهومه.

فتحصّل أنّ هنالك ثلاثة تقريرات:

الأول: استصحاب عدم المعدنية على نحو العدم الأزلي.

الثاني: استصحابه على نحو العدم النعتي.

الثالث: أصالة البراءة.

وقد يضاف استصحاب البراءة وتحقيق جريانه في أول ظن الرسائل(1)، وبحث أن الشك في الحجّية موضوع عدم الحجّية في «الكفاية»(2).

نعم، للوالد (رحمه اللّه) (3) مبنى: أنّ كل مشكوك الخمس فيه الخمس، فعليه يجب الخمس على نحو خمس المعدن، ولا تستثنى مؤونة السنة، وقد سبق الإشارة لذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب، وهو قيمة عشرين ديناراً - ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذهب المسكوك - سواء كان المعدن ذهباً، أم فضة، أو غيرهما](4) مراده أن كل دينار يعادل الوزن المذكور.

وقوله (قدس سره) في المتن: [عشرين ديناراً] وهو يساوي وزن ثلاثمائة وستين حمّصة.

ص: 458


1- فرائد الأصول 2: 59.
2- كفاية الأصول 2: 22.
3- الفقه 33: 5.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 9.

وقوله (قدس سره) : [المسكوك] بل مطلقاً.

ثم إن قوله في المتن: [يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب وهو قيمة عشرين ديناراً] والأحوط استحباباً قيمة دينار واحد.

قوله (قدس سره) في المتن: [سواء أكان المعدن ذهباً أم فضة أو غيرهما] علّق عليه الشارح بقوله: [لحديث البزنطي قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً»(1)... فإن سؤال الراوي مطلق يشمل كلما يصدق عليه المعدن، فلا يختص بقسم خاص منه، فيكون المراد من جوابه (عليه السلام) «في مثله الزكاة» المالية، أي إذا بلغ مالية ما فيها الزكاة هذا المقدار، وحيث إنها مختلفة عينها (عليه السلام) بعشرين ديناراً](2) وبتقريرٍ آخر: ظاهر قوله (عليه السلام) : «حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة» بلوغ قيمة تتعلق بها الزكاة، وهذا يصدق على أقل أفراده، إلاّ أنّه (عليه السلام) خصص العامّ هذا ب- «عشرين ديناراً» فيكون من قبيل تخصيص العام، فتأمل.

وعلى كلٍ فالفهم العرفي يقتضي التحديد بعشرين ديناراً.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط - إن لم يكن أقوى - كفاية بلوغ المقدار المذكور، ولو قبل استثناء مؤنة الإخراج والتصفية](3) استحباباً،

ص: 459


1- وسائل الشيعة 9: 494-495.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 9.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 10.

وإن كان الظاهر اعتبار بلوغ النصاب بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية.

قوله: [وقع الكلام بين القوم في أن اعتبار هذا النصاب قبل استثناء المؤونة أو بعده، والثاني هو المشهور بينهم، بل أُدعي عليه نفي الخلاف، وصاحب المدارك ( (قدس سره) )(1) ذهب إلى الأول؛ لإطلاق الدليل، فإن مقتضى حديث البزنطي(2) كفاية بلوغه هذا النصاب ولو قبل الاستثناء، فلا وجه للتقييد] الظاهر اعتبار بلوغ النصاب بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية؛ وذلك للفهم العرفي، فإن ما ذكره المصنف وإن كان ممكناً ثبوتاً إلاّ أنّه غريب عرفاً، والأفهام العرفية لا تتوجه إليه إلاّ بصعوبة.

مثلاً: لو أخرج شخص عشرين ديناراً فقلنا يتعلق به الخمس وخَمّسه، ثم صرف على المؤونة تسعة عشر ديناراً فيبقى له دينار، فيخمس الدينار ب- (خمس الدينار) فإن هذه الطريقة من الحساب طريقة الرياضيين لا العرف.

ويدل على ذلك: الشهرة بين الفقهاء، بل ادُّعي عليه عدم الخلاف.

والخلاصة: أن هنالك ثلاثة أدلة:

الأول: المعدن فيه خمس.

الثاني: لا يجب الخمس في المعدن حتى يبلغ عشرين ديناراً.

الثالث: المؤونة مستثناة، والمصفى هو الذي يُخمس فقط.

فلو أعطينا هذه الأدلة الثلاثة للعُرف سوف يفهم ما فهمه المشهور لا ما ذكره صاحب المدارك.

ص: 460


1- مدارك الأحكام 5: 364.
2- وسائل الشيعة 9: 494-495.

وأمّا ما ذكره المصنف من إطلاق الدليل، ففيه: أنّه منصرف عن بلوغ النصاب قبل استثناء المؤونة، بل إن إفهام هذا المطلب للعُرف لا يخلو عن صعوبة.

وأمّا قوله: (فلا تنافي) ففيه: أنّه لا تنافي عقلاً، لكن التنافي العرفي قائم.

ولو فرض الشك، فمقتضى أصالة البراءة، عدم وجوب التخميس، إذ الشك في أنّه لو بقي بعد استثناء المؤونة أقل من عشرين ديناراً، فهل يجب تخميسها - من حيث المعدنية - أو لا؟ فالأصل عدم الوجوب، أو يستصحب عدم الوجوب.

وبتقرير آخر: يوجد هنا قيدان ولا أولوية لسبق أحدهما على الآخر.

فنقول على مسلك المصنف: المعدن البالغ عشرين ديناراً يخمس بعد استثناء المؤونة. وعلى مسلك المشهور: المعدن المستثنى منه المؤونة يخمّس إذا بلغ عشرين ديناراً.

والخلاصة: أنّه على مسلك المشهور الموضوع مقيّد بقيدين: «المعدن إذا بلغ عشرين ديناراً واستثنيت منه المؤونة يجب تخميسه» و«المعدن المستثنى منه المؤونة البالغ عشرين ديناراً يجب تخميسه» فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإذا بلغ ذلك أخرج الخمس من الباقي بعد استثناء المؤنة] علّق عليه الشارح بقوله: [كما أُدعي عليه الإجماع، والظاهر أنه لا إشكال بينهم فيه، ويمكن أن يستدل عليه بما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازاً ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه

ص: 461

منه من حجارته مصفى الخمس»(1)فإن المستفاد من هذا الخبر أن الخمس بعد التصفية](2) قوله (عليه السلام) في الرواية: (ففيه ما أخرج اللّه) الظاهر أنّه بدل البعض من الكل، أي «ففيه الخمس» وحيث إن الخمس فيه بلا استثناء المؤونة، قال «ما»، أي «في ما أخرج سبحانه منه من حجارته مصفى».

وظاهر كلمة «مصفى» عند عرف السوق «استثناء المؤونة»، حيث يقال: «صافي الربح».

قوله: [ثم إنه وقع الكلام بين الأصحاب في أن وقت تعلق الخمس قبل التصفية أو بعدها، وله ثمرة مهمة عملية؛ إذ لو قلنا إن وقت تعلق الوجوب بعد التصفية، يمكن عدم تعلق الخمس بالمعدن في بعض التقادير](3) هذا غير ظاهر من الحديث الشريف؛ إذ الظاهر أنّ المقدار الخالص يتعلق به الخمس، لا أنّه بعد الخلوص يتعلق الخمس. وستأتي تتمة الكلام بعد قليل.

وعلى ما ذكره المصنف يلزم إمكان سقوط خمس المعدن رأساً؛ إذ كل أحدٍ لا يصفي المعدن المشوب ويبيعه قبل الخمس، فلا خمس لا على البائع ولا على المشتري! ثم بعد ذلك يشتري المعدن من المشتري فلا خمس عليه، لأنّه لا يعد مستخرجاً في هذا الملك الجديد الذي حصل له بالاشتراء.

ص: 462


1- وسائل الشيعة 9: 492.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 10.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 10-11.

نعم، يبقى أنّ المال لو بقي عنده أو المعدن وجب عليه الخمس في رأس السنة باعتبار خمس الفائدة، وهذا إلغاء لخمس المعدن عملياً في كثير من الأحيان، فتأمل.

والعمدة ما ذكرناه أولاً من عدم ظهور الدليل في المعنى الذي ذكره المصنف هنا فعلاً.

قوله: [كما لو أخرج أحد معدناً، وقبل التصفية نقله إلى غيره ببيع أو غيره من أسباب النقل، فلا وجه لتعلق الخمس لا بالمخرج ولا بالمشتري، أما المخرج فلأن المفروض أنه أخرجه من ملكه قبل التصفية، وأما المشتري فلأنه ليس مخرجاً للمعدن، بل انتقل إليه بالبيع](1) لم يعلق الخمس على الإخراج، بل المعدن فيه خمس، والخمس في العين، لظاهر اللام في الآية الكريمة(2)، فإذا لم يخمسه البائع لعدم تحقق الشرط، وصفاه المشتري وجب فيه الخمس.

ودليل ذلك إطلاق قوله: «المعادن كم فيها؟ قال الخمس»(3) وما ذكره هنا يناقض ما ذكره المصنف بعد ذلك بقوله: [بل المستفاد من الرواية أن تمام الموضوع ما أخرجه المعدن](4).

وكذا إطلاق قول السائل في رواية البزنطي: «عما أخرج من

ص: 463


1- مباني منهاج الصالحين 7: 11.
2- الانفال: 41.
3- وسائل الشيعة 9: 492.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 14.

المعدن»(1) وهذا المخرج لو قيل بالانصراف أو الإجمال فيه كفانا إطلاق الحديث السابق؛ إذ اللقب لا مفهوم له.

وكذا «كل ما كان ركازاً ففيه الخمس»(2) ولا يقيده قوله (عليه السلام) في نفس الرواية: (ما عالجته) لما سبق.

قوله: [وقال المحقق الهمداني (قدس سره) في هذا المقام: «وفي الكتاب المنسوب إلى شيخنا المرتضى (قدس سره) والظاهر أن أول وقته بعد التصفية فيما يحتاج إليها لظاهر صحيحة زرارة»(3). ونقل أيضاً عن صاحب الجواهر (قدس سره) (4) قوله ما مضمونه إن ذيل صحيحة زرارة ظاهر في تعلق الخمس بعد التصفية وظهور الجوهر، ويمكن أن يقال: إنه يفهم من الحديث أن المراد من كلامه (عليه السلام) أن متعلق الخمس ما يصفو له بعد وضع مقدار ما صرفه فيه من ماله، لا أن أول تعلقه بعد التصفية](5) فلفظ (مصفى) ليس معناه: بعد تصفية الحجر، بل: بعد إخراج المؤونة، ووضع مقدار ما صرفه فيه من ماله فيسمى (صافي الربح).

قوله: [لكن الإنصاف يقتضي أن يقال: إن المستفاد من الحديث أن الخمس فيما يخرج بعد تصفيته، فإن كلمة مصفى في كلامه (عليه السلام)

ص: 464


1- وسائل الشيعة 9: 494-495.
2- تهذيب الأحكام 4: 122.
3- مصباح الفقيه 3: 113.
4- جواهر الكلام 16: 21.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 11.

ظاهرة في كونها حالاً من حجارته، فيجب في الحجارة في حال كونها مصفاة، فإن لم يقم إجماع تعبدي على خلاف ما يستفاد من الرواية نلتزم بمفادها، وطريق الاحتياط ظاهر] فيه نظر؛ إذ مصفّى مذكر والحجارة مؤنث، ويجب التطابق - ظاهراً - بين ذي الحال والحال في الإفراد والتثنية والجمع والتأنيث. فلا يصح أن يقال: «جاءت هند راكضاً».

ولو نوقش في الإفراد وقسيميه لقوله تعالى {قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ}(1) فالظاهر أنّه لا نقاش في الأخير.

هذا ولكن قد يقال: إنّه حال من «ما» الثانية، فتكون النتيجة هي: «معدن عالجته بمالك ففيه في ما أخرج سبحانه من ذلك المعدن من حجارته مصفّى» ف- «في» بدل من ضمير «فيه» أي: بدل البعض من الكل. و«من» الثانية بيانية.

والخلاصة هي: «معدن عالجته بمالك ففي ما أخرج منه - أي الحجارة - حال كونه مصفّى، الخمس». فلا فرق بين كونه «مصفّى» حالاً من «حجارته» أو «ما الثانية».

قوله: [ومع ذلك كله في النفس شيء، وهو أنه يمكن أن يكون المراد من التصفية ما يصفو ويبقى ويربح، والقرينة عليه قوله (عليه السلام) : «ما عالجته بمالك» فإنه يحتمل قوياً، بل لا يبعد دعوى الظهور أن المراد من كلامه (عليه السلام) إنما أخرج اللّه سبحانه بعد تصفيته مما عولج في

ص: 465


1- آل عمران: 18.

خروجه يكون متعلقاً للخمس، فيكون دالاً على وجوب الخمس قبل تصفية الجوهر، فعلى هذا يمكن أن يقال - كما في كلام المحقق الهمداني (قدس سره) (1) - إن الرواية مجملة إن لم تكن ظاهرة في الاحتمال الأخير، فعلى تقدير كون الرواية ظاهرة في الاحتمال الأخير تكون دليلاً على تعلق الوجوب بعد الإخراج قبل التصفية، كما أنها تكون دليلاً على كون الخمس بعد مؤنة التصفية، فالمخرج يجب عليه الخمس لكن بعد إخراج المؤونة](2) الإجمال لا يضر في النتيجة، فإن إطلاقات أدلة تعلق الخمس بالمعدن تدل على التعلق به فور الإخراج.

وهذا الدليل (مصفى) لا يصلح للتخصيص بما بعد التصفية، لكونه مجملاً، والمجمل لا يصلح لصرف إطلاق المطلق ما دام ورد منفصلاً.

قوله: [ويمكن الاستدلال على استثناء المؤونة بحديث محمّد بن الحسن الأشعري، قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب، وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب (عليه السلام) بخطه: الخمس بعد المؤنة»(3)](4) إلاّ ان يقال: إن الرواية ظاهرة في خصوص أرباح المكاسب.

ص: 466


1- مصباح الفقيه 3: 113-114.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 11-12.
3- وسائل الشيعة 9: 499-500.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 12.

وفيه: أنّها مطلقة.

ثم إن قوله: [محمّد بن الحسن الأشعري] خدش فيه المصنف على ما سيأتي(1).

قوله: [فإن الظاهر من الحديث إما خصوص مؤنة التحصيل، أو مطلق المؤونة، وعلى كلا التقديرين يثبت المدعى، مضافاً إلى الإجماع المدّعى في المقام](2) مضافاً إلى أنّه لو وجب الخمس بلا إخراج المؤونة فلازمه أنّه لو استخرج ألف دينار معدناً، وخسر عليه عشرة آلاف دينار لزم عليه الخمس فوق الخسارة التي تحملها، وهو غير عرفي، وغير ظاهر من أدلة وجوب الخمس في المعدن، فتأمل.

وخلاصة ما تقدم:

1- الشيخ الهمداني يرى أن المراد «التصفية للحجر» فالخمس يتعلق بعد التصفية.

2- المصنف يرى أن المراد «صافي الربح».

3- الإنصاف: «التصفية» هي المراد بقرينة كون «مصفّى» حالاً من «حجارته».

وفيه نظر لما سبق من لزوم التطابق بين الحال وذيه في التذكير والتأنيث فراجع بما علقناه.

4- ومع ذلك: «صافي الربح» هو المراد بقرينة «ما عالجته بمالك»(3).

ص: 467


1- مباني منهاج الصالحين 7: 65.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 12.
3- وسائل الشيعة 9: 492.

ثم احتمل الإجمال في الرواية.

على أنّه لو فرضنا كون «مصفّى» بمعنى «التصفية للحجر» فلا يقدح لاحتمال ما ذكرناه،(1)

فإن ادّعينا ظهوره في ذلك فبها، وإن فرض الإجمال لم يقدح أيضاً لإطلاقات أدلة وجوب الخمس في المعدن، وهذه لا تصلح - لإجمالها - لتخصيص الوجوب بما بعد التصفية للحجر.

قوله: [إيقاظ: ربما يقال بأن إخراج المؤونة في المقام وأشباهه المقصود منه أعم من مؤنته ومؤنة السنة، فلا يجب الخمس في المعدن مثلاً أو الكنز إلا بعد إخراج مؤنة السنة، بمقتضى إطلاق دليل أن الخمس بعد المؤونة](2) سبق الكلام فيه(3) فلا حاجة للتكرار لأن سوق الأدلة واحد.

قوله: [ولكن هذا التوهم فاسد، إذ لو كان صحيحاً لم يكن وجه لجعل الخمس على المذكورات بالخصوص في الشريعة؛ لأن جعل الخمس على الأرباح والفوائد بإطلاقه كان شاملاً لجميع موارده من المذكورات وغيرها، فيعلم أن للمذكورات خصوصية، ومقتضى لحاظ أدلة المذكورات ودليل الأرباح وإخراج المؤونة أنه لو وجد معدن واجداً لشرائط الخمس يجب تخميسه، ثم إنه بعد الإخراج إذا زاد عن مؤنة السنة يجب تخميسه ثانياًً](4) بمقتضى أنّ الأصل تعدد

ص: 468


1- سيأتي تفصيله في مباني منهاج الصالحين 7: 75 والتعليق عليه (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 12.
3- في التعليق على مباني منهاج الصالحين 7: 7 (منه (رحمه اللّه) ).
4- مباني منهاج الصالحين 7: 12-13.

المسبب بتعدد السبب - أي عدم التداخل - ونظيره «المال الحلال المختلط بالحرام» حيث يخمّس مرّتين.

ولكن ينبغي أن يلاحظ أنّ «المخمّس لا يخمّس» هل يشمل المقام أو لا؟

وهل المراد أن المخمس من حيثية لا يخمس ثانية من تلك الحيثية، أو مطلقاً.

والفتوى على الأول، إلاّ أن الأمر بحاجة إلى تأمل أكثر.

قوله: [فإن التخميس الأول بعنوان المعدن، والثاني بعنوان الاسترباح، وأما إن لم يزد فلا شيء عليه من الجهة الثانية، فلاحظ](1) خلاصة الأدلة:

أولاً: ظاهر جعل الخمس على هذه العناوين أن لها خصوصية، لا أنها مندرجة في الفوائد العامّة.

ثانياً: إطلاق دليل «فيه الخمس» لأنّ بعد المؤونة قيد. ودليل «الخمس بعد المؤونة» ظاهر في أرباح المكاسب أو مجمل.

ثالثاً: لولا ذلك كان ذكر كل منها بعنوانه لغواً.

رابعاً: كفاية نفس الشك، وقد مضى الكلام في كل ذلك سابقاً(2)، إمّا بتقرير الوالد (رحمه اللّه) ،(3) أو بتقرير المستند،(4) وقد سبق التأمل في كل منهما.

لكنّ المسألة عموماً بحاجة إلى تتبع أكثر كما ذكرنا ذلك سابقاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الإخراج عرفاً]

ص: 469


1- مباني منهاج الصالحين 7: 13.
2- تقدم في التعليق على مباني منهاج الصالحين 7: 7 (منه (رحمه اللّه) ).
3- الفقه 33: 264.
4- شرح العروة الوثقی 25: 23.

الظاهر عدم الاعتبار. نعم، لوكانت الفترات متباعدة جداً لم يضم بعضها إلى بعض.

قوله (قدس سره) في المتن: [يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الإخراج عرفاً، فإذا أخرجه دفعات لم يكف بلوغ المجموع النصاب] علّق عليه الشارح بقوله: [الأحكام الشرعية تابعة لموضوعاتها، فلابد من تحقق الموضوع في نظر العرف كي يترتب عليه حكمه، وحيث إن النصاب معتبر في تعلق الخمس، فما دام لا يكون المقدار المخرج بحد النصاب لا يكون موضوعاً للوجوب، فالنتيجة انه لو لم يكن بحد النصاب لا وجه للتعلق وإن بلغ مجموع الدفعات].(1)

الموضوع هو: «كل ما كان ركازاً ففيه الخمس»،(2) و«المعادن كم فيها؟ قال: الخمس»(3)، و«عمّا أخرج المعدن»،(4) و«وما عالجته بمالك ففيه... الخمس».(5)

منتهى الأمر أنه قيد بالنصاب «ما أخرج المعدن - ليس فيه شيء حتى يبلغ... عشرين ديناراً».(6)

والظاهر صدق هذه العناوين ولو مع تعدد الإخراج، فلو أخرج عشرة

ص: 470


1- مباني منهاج الصالحين 7: 13.
2- وسائل الشيعة 9: 492.
3- وسائل الشيعة 9: 492.
4- وسائل الشيعة 9: 494-495.
5- وسائل الشيعة 9: 492.
6- وسائل الشيعة 9: 494-495.

دنانير صباحاً، وعشرة دنانير ليلاً صدق العنوان المأخوذ، خاصة لو لاحظنا عدم صرف المال.

وإلاّ لأمكن التوصل إلى إلغاء الخمس عملياً بهذه الطريقة، بأن يخرج بين فترة وأُخرى صباحاً وظهراً وعصراً وليلاً ومنتصف الليل وفجراً كل مرّة تسعة عشر ديناراً، أي يستخرج كل يوم مئة وأربعة عشر ديناراً، وليس عليه شيء. أمّا الذي استخرج عشرين دفعة فعليه الخمس، وهو لا يخلو من غرابة عرفية، بل لو استخرج كل ساعة تسعة عشر ديناراً لم يجب عليه شيء!

وهذا وإن لم يكن دليلاً، إلاّ أنه مؤيد عرفي؛ إذ لا يفهم العرف من الدليل ذلك.

والعمدة إطلاق الدليل الشامل للدفعة والدفعات.

والخلاصة أنّ عنوان. (ما أخرج المعدن... حتى يبلغ... عشرين ديناراً) صادق في المقام.

ومنه يظهر أن قول الشارح: «ما دام لا يكون المقدار المخرج بحد النصاب لا يكون موضوعاً للوجوب، فالنتيجة أنه لو لم يكن بحد النصاب لا وجه للتعلق، وإن بلغ مجموع الدفعات»(1) مصادرة؛ إذ الكلام: أن نصاب المقدار المخرج هل يلاحظ فيه كل إخراج منفرداً، أو مجموع الدفعات؟

قوله: [ويظهر المدعى من ملاحظة نظائر المقام، مثلاً لو قال المولى: يحرم عليك اشتراء مَنٍّ من الحنطة، فلو اشترى العبد نصف المن دفعة، والنصف دفعة أُخرى، فهل يمكن أن يقال إنه فعل

ص: 471


1- مباني منهاج الصالحين 7: 13.

المحرم؟](1) الظاهر أنّه في المثال يصدق فعل المحرم. وكذا لو قال: «لا تقرأ رسالة زيد» فقرأ نصف الرسالة اليوم، والنصف الثاني غداً. وكذا لو قال: «لا تنظر إلى عورة زيد»، أو «إلى جسد المرأة» أو «لا تقطع رقبته» فقطع نصفها اليوم ونصفها غداً». وكذا لو قال: «مَنْ خالف عشرين مرّة أخرجناه من المدرسة»، وكذا لو قال: «الجنب لا يقرأ سبعة آيات فقرأها متفرقة»، وكذا لوقال: «من قرأ آية السجدة فعليه السجود» فقرأها في مرّتين - أي دفعتين - .

إلاّ أن يقال: إنّ الأمثلة العرفية على قسمين: فقسم هكذا، وقسم كذلك. وحيث لم يعلم أن ما نحن فيه من أي قسم، فنتمسك في تعلق الخمس بلحاظ المعدنية، فالأصل عدم الوجوب أو نستصحب عدم الوجوب.

ومثال ما ذكره المصنف أن يقول: «لا ترمس رأسك في الماء» فإنّه لا مانع من رمس نصف الرأس ثم رمس النصف الآخر.

وفي مثال: «شراء المنّ من الحنطة» قد يكون المحرّم فيه شراء المنّ دفعة، حيث إنه تتعلق به العيون، أو يثقل عليه الحمل، وقد يكون صرف الوزن، ولو في دفعات.

ومثله: «لا ترفع عشرين كيلواً» فإنّه قد يكون المراد منه: دفعة.

وعلى كل، فالظاهر أنّ التقييد ب- «دفعة» قيد لم ينهض عليه دليل، فيشمله الإطلاق، وهو حاكم على البراءة والاستصحاب.

وقوله: [وصفوة القول إن المستفاد من حديث ابن أبي نصر أن

ص: 472


1- مباني منهاج الصالحين 7: 13.

الموضوع للخمس الخارج من المعدن البالغ مقداراً خاصاً، والمفروض أن الخارج في كل دفعة غير الخارج في دفعة أُخرى] لا يضر إذ لم يقيد الدليل ب«في دفعة واحدة» فالغيرية الخارجية لا تنافي الوحدة الدليلية الانطباقية.

وقوله: [وبعبارة أُخرى: إن الخارج في كل دفعة لا يصدق عليه العنوان المقوم للموضوع، فلا مقتضي لثبوت الخمس فيه] فيه أنّ هذا القيد لم يؤخذ في الدليل، بل أخذ قيد «الخارج» والخارج يصدق على مجموع ما خرج، فإنّ الطبيعي ينطبق على فرده.

إلاّ أن يقال: بالانحلال.

لاحظ العناوين، مثل: «ما أخرج المعدن» و«الركاز»؛ إذ قد يقال: إنّه كذلك، ف- «القرآن» يصدق على القليل والكثير.

ثم أنّه قد يُسأل عن الفرق بين ما ذكره المصنف هنا، وما ذكره في الكنز، فراجع؟

نعم، لوكانت الفترات متباعدة جداً فلربما ينصرف الدليل عن مثلها، كما لو أخرج الآن عشرة دنانير، ثم بعد عشر سنوات أخرج عشرة دنانير، فلا يضم بعضهما إلى البعض الآخر، خاصّة مع صرف ما تقدم وعدم بقاء عينه. والمسألة بحاجة إلى تأمل أكثر، لأن هنالك صوراً متعددة، هي:

الأولى: بقاء العين وعدم بقائها.

الثانية: بقاء الثمن والعدم.

الثالثة: بعد المدّة والعدم.

ص: 473

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الإخراج عرفاً](1) علله في الشرح بأنّه لا بد من تحقق الموضوع في نظر العرف. وقد سبق أن الموضوع محقق في نظر العُرف ولو مع الدفعات.

ونضيف هُنا: أن ما ذكر هنا ينافي ما بنوا عليه من أن العرف ليس مرجعاً في التطبيقات، بل هو مرجع في المفاهيم. وعليه، فلا بد من الوحدة الدقّية العقلية لا العُرفية.

وهنالك عدّة مسائل تعرّضوا فيها لذلك.

الأولى: أن وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة عرفية في الاستصحاب(2).

الثانية: لو أخفت ببعض الحروف في القراءة الجهرية فهو كافٍ، وقد ذكر ذلك في العروة(3).

الثالثة: الكر لو كان أقل بنصف مثقال(4).

الرابعة: لو لم يغسل بمقدار رأس إبرة في الوضوء أو الغسل(5).

الخامسة: لو كان المسجد أقل من أربع أصابع بقليل أو أكثر أو شبر، ذكر في العروة(6) أنّه لا بأس به - ظاهراً(7) -.

ص: 474


1- مباني منهاج الصالحين 7: 13.
2- نهاية الأفكار 4: 136؛ منتهى الأصول 2: 450، 642.
3- العروة الوثقى 2: 508.
4- دليل العروة الوثقى 1: 95.
5- الحاشية على مدارك الأحكام 2: 184.
6- العروة الوثقى 2: 556-557.
7- راجع (المسائل المتجددة) في أنّ العرف مرجع في المفاهيم والتطبيقات (منه (رحمه اللّه) ).

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا اشترك جماعة كفى بلوغ مجموع الحصص النصاب](1) الظاهر اعتبار بلوغ حصّة كل مكلف، النصاب في تعلق الخمس.

قوله: [لإطلاق حديث ابن أبي نصر(2)، فإنَّ المذكور في هذا الحديث (عنوان ما أخرج المعدن) فكلما صدق هذا العنوان يترتب عليه الحكم، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون المخرج واحداً أو متعدداً](3) المركوز في اذهان المتشرعة أنّ الأحكام الضمانية يلحظ فيها كل شخص بعينه، ولا يلاحظ المجموع. وعليه، فالإطلاق منصرف بالقرينة المزبورة.

وإلاّ فلا وجه لقيد الاشتراك، بل لو أخرج عشرون نفراً - غير مشتركين - عشرين ديناراً بشكل منفصل وجب على كل منهم الخمس؛ إذ عنوان (ما أخرج المعدن) صادق في حالة الاشتراك وغيرها، ولم يقل بذلك أحد فيما نعلم.

قوله: [بل المستفاد من الرواية أن تمام الموضوع ما أخرجه المعدن، فلو صدق هذا العنوان بنفسه وطبعه بلا دخالة شخص، ثم تملكه أحد يجب عليه الخمس، وصفوة القول: إن الخمس متعلق بما أخرجه المعدن، فلاحظ] هذا يناقض ما ذكره المصنف سابقاً بقوله: «أما

ص: 475


1- مباني منهاج الصالحين 7: 13-14.
2- وسائل الشيعة 9: 494-495.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 14.

المشتري فلأنه ليس مخرجاً للمعدن، بل انتقل إليه بالبيع»(1) إذ إنّ مَنْ انتقل إليه بالبيع يصدق على ما ملكه «أنّه أخرجه المعدن» فلماذا أفتى بعدم الخمس فيه؟

قوله (قدس سره) في المتن: [المعدن في الأرض المملوكة إذا كان من توابعها] عرفاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ملك لمالكها] إن قصد التملك.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن أخرجه غيره بدون إذنه فهو لمالك الأرض] بالشرط المزبور، وإلاّ فبدون قصد التملك لا دليل على الملك القهري، إلاّ فيما ثبت بالدليل الخاص، كالارث، ولذا ذكروا أنّه لو اغترف من الشط ماءً لم يملكه إلاّ مع قصد التملك(2).

أمّا لو قصد العبث ونحوه لم يدخل في ملكه.

ومن هنا لو اكتشف معدناً في أرضه منذ سنوات لا يجب عليه الخمس باعتبار ما مضى، بل باعتبار الحال. وكذا في الكنز.

وتظهر الثمرة فيما لو كان المستخرج يُعدّ من أرباح المكاسب - لا المعدن والكنز - فإن الحول يبدأ من حين الإخراج ونية التملك، لا من حين الملكية الواقعية المدعاة في عبارة المصنف.

قوله (قدس سره) في المتن: [المعدن في الأرض المملوكة... فهو لمالك الأرض] علق عليه الشارع بقوله: [ما أفاده بالقيد المذكور في العبارة

ص: 476


1- مباني منهاج الصالحين 7: 11.
2- التحفة السنّية في شرح النخبة المحسنيّة: 246.

هو الصحيح، فإن مجرد ملك الأرض لا يقتضي ملكها إلى قعرها، بل بحكم السيرة والعقلاء المالك للأرض بملك ما يكون تابعاً لها في أنظار أهل العرف](1) ولذا لا يحق للمالك أن يمنع طيران الطائرة فوق ملكه بعشرة آلاف متر مثلاً.

والخلاصة: أن الملكية أو الحق أمر عرفي، والعرف يرى الملكية في القريب لا البعيد، ويختلف الأمر باختلاف الأفراد والمواقع، فملكية الشخص للبيت غير ملكية الدولة للأرض؛ إذ قد تكون حدود الثانية أوسع، فيحق لها أن تمنع الطائرات من التحليق إلى مسافات واسعة. وكذا في «الحريم البحري».

هذا كله بناءً على ملكية الدولة مطلقاً، أو خصوص الدولة الشرعية.

ومنه يظهر الكلام في المساجد، فإنّ مسجديتها في حدود التبعية العرفية، وكذا في سائر الأوقاف.

ومن قبيل ما نحن فيه - وإن لم يكن منه - أنّ امتداد الملك في عمق الزمان عرفي أيضاً، وقد ذكره الوالد (رحمه اللّه) (2) في بحث الكنز، مثل الآثار الموجودة الآن لبني العباس، فهل هي - على فرض كونها ملكاً لهم - ملك لوراثهم؟

قوله: [إن قلت: إحياء الأرض مملك لها بلا إشكال، ومن ناحية أُخرى إخراج المعدن نوع إحياء للأرض فيكون للمخرج. قلت:

ص: 477


1- مباني منهاج الصالحين 7: 14.
2- الفقه 33: 111-112.

الإحياء وإن كان مملكاً، لكن يختص بما يكون واقعاً في الأرض غير المملوكة](1) ولذا لو جاء أحد إلى أرض مملوكة وبنى فيها بيتاً فهل يكون له؟ وكذا في الأرض المحجّرة، فتأمل إذ البيت له.

لكن أصل الإشكال غير واضح؛ إذ نسأل هل هو إحياء للأرض، أو للمعدن؟

ظاهر العبارة أنّه إحياء للأرض، والنتيجة: أنّه يملك المعدن، وهذه النتيجة لا ترتبط بتلك المقدّمة، كما هو واضح.

إلاّ أن يقال: مَنْ أحيا أي شيء فهي له، وهذا أحيا المعدن فهو له، فتأمل.

قوله: [بحكم العقلاء] سبق أنّه ليس كذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن أخرجه غيره بدون إذنه فهو لمالك الأرض، وعليه الخمس] يوجد هنا بحث، وهو: أن المخرج هل يستحق شيئاً أو لا؟ خاصة لو فرضنا أنّه ليس غاصباً، بل كان جاهلاً - بلا تقصير - بكون الأرض للغير. فلا يقال فيه (الغاصب يؤخذ بأشد الأحوال)، وإن كان لا دليل عليه، وإن نسبه السيد محمد كلانتر(2) إلى ولي الأمر عجل اللّه تعالی فرجه الشريف لكنّه لم يبد مدركاً لذلك.

والحاصل: أنّ هذه الفائدة اشترك في صناعتها المخرج، أفليس حرمانه ظلماً؟ وقد قال تعالى: {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}(3).

ص: 478


1- مباني منهاج الصالحين 7: 14.
2- الروضة البهية 10: 138.
3- البقرة: 279.

وكذا لو كان هنالك ذهب فصاغه شخص - جهلاً - فارتفعت قيمته، فهل للصائغ أن يشترك في العين، أو أنه يستحق الأجرة (1)؟

ولو فرض ذلك، فهل يعتبر ما يدفع له من المؤونة، فيقلل من العين المستخرجة، وبالتالي: يدفع مالك الأرض الخمس على ما يتبقى بعد الإخراج للمؤونة، أو لا؟

قوله: [فإن ثبت جريان السيرة على الأخذ والإخراج من الأراضي المفتوحة عنوة بلا نكير يمكن القول بالجواز](2) الأدلة المذكورة هنا، هي:

أولاً: لا مقتضي لملكية باطن الأرض في الأراضي المفتوحة عنوة.

ثانياً: جريان السيرة على الأخذ والإخراج.

والظاهر تمامية هذا الدليل؛ إذ المسألة مما يكثر الابتلاء بها، ولو كان ذلك ممنوعاً لبان، وكذا لو احتاج إلى الإذن من الحاكم الشرعي.

ولا فرق بين المعادن والغابات وغيرها بلحاظ هذا الدليل، وإن كان جريان السيرة في الغابات والمياه أوضح.

لكن قد يقال: إنّه لم يعلم كونها عامرة وقت الفتح، أو إنّ الأرض تملك تبعاً لأثارها(3).

والعلم الإجمالي لا يؤثر؛ لخروج سائر الأطراف عن محل الابتلاء، أو لأن الشبهة غير محصورة، فتأمل.

لكن الظاهر أنّه منذ اليوم الأول جرت سيرتهم على الأخذ والانتفاع، ولو

ص: 479


1- راجع مباحث الغصب في الكتب الفقهية (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 15.
3- راجع كتاب (الروضة البهية) كتاب الجهاد والبيع (منه (رحمه اللّه) ).

كان ذلك ممنوعاً منه لبان؛ لأنّه يكثر الابتلاء به، وهو محل الاحتياج.

ثالثاً: الإجماع المدّعى.

رابعاً: خلو اخبار الباب.

والظاهر تماميته لما تقدم قبل قليل.

خامساً: لزوم حمل المطلقات على الفرد النادر.

قوله: [أما خلو أخبار الباب عن التعرض للمنع، فلا تدل على المدعى؛ لأنها ليست في مقام بيان هذه الجهة](1) فيه نظر، فإنّ الردع عن المنكر لازم، وتنبيه الغافل لازم، ولو نوقش في ذلك نقول: إنّه مما يهدد غرض المولى، فمن اللازم - بمقتضى الحكمة - التنبيه عليه، خاصّة مع الغفلة العظيمة عن ذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أخرجه بإذن ولي المسلمين على الأحوط وجوباً] بل الأحوط استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا شك في بلوغ النصاب فالأحوط استحباباً الاختبار مع الإمكان](2) بل الأحوط وجوباً. وهذا مبني على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، إلاّ ما خرج بالدليل.

وقد ذهب بعضهم إلى عدم الوجوب فيها، إلاّ أنه في القضايا المالية ذكر الوجوب لبناء العقلاء على الفحص فيها(3).

ص: 480


1- مباني منهاج الصالحين 7: 15.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 16.
3- راجع كتاب الزكاة والحج فيما لو شك في بلوغ النصاب، وكتاب الدين فيما لو شك فيه بين الأقل والأكثر (منه (رحمه اللّه) ).

قوله: [الذي يختلج بالبال، أنه مع بلوغ النصاب واقعاً يكون الخمس متعلقاً، ومن ناحية أُخرى لو قلنا بأن الاحتياط مستحب في الشبهات الموضوعية بمقتضى الجمع بين اخبار البراءة والاحتياط، يترتب عليه حسن الاحتياط](1) وبمقتضى حكم العقل أيضاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [فالأحوط استحباباً الاختبار] أو التخميس.

قوله: [لكن هذا التقريب يقتضي حسن التخميس لا الاختبار، فإن الاختبار طريق لمعرفة الموضوع] إلاّ أن يقال: إن الاختبار أيضاً نوع من أنواع الاحتياط عرفاً.

قوله: [وربما يقال: إن اهتمام الشارع بإدراك الواقع في أمثال المقام يوجب لزوم الاحتياط بالاختبار، وفيه: إنه يتوقف على قيام الدليل عليه، وليس فليس] قد يقال: إنّه مما علم من الشارع من الاهتمام الأكيد بتجنب الغصب، كما ذكر في باب الوضوء من أنّه لو كان مصب مائه غصباً كان باطلاً، وكذا لو صلّى وخيط من ثوبه مغصوب، إلى آخر ما ورد في كتاب الغصب وأخباره.

وقد يقال بالتفصيل بين الأموال العظيمة وغيرها(2).

وقد يستدل على أصل الدعوى بجريان بناء العقلاء على الفحص في القضايا المالية(3).

ص: 481


1- مباني منهاج الصالحين 7: 16.
2- راجع ما ذكروه في الثلاثة المهمة: الدماء والأعراض والأموال العظيمة (منه (رحمه اللّه) ).
3- راجع كتاب الزكاة والخمس والدين في المقام (منه (رحمه اللّه) ).

قوله: [وربما يقال: بأن العلم الإجمالي بالوقوع في الخلاف يقتضي الاحتياط وعدم إجراء الأصل، وفيه: إنه لو علم المكلف أن بعض الموارد التي يجري فيها الأصل خلاف الواقع لا يجوز له إجراء الأصل](1) ملخصه: أن التكليف الدائر بين المكلّف وغيره ليس بمنجز، فالعلم بأن بعض موارد الأصل مخالفة للواقع - إمّا الجارية في حقّه أو غيره - لا ينجز الواقع. نعم، لو علم أن الأصول التي يجريها هو - بنفسه - فيها ما يخالف الواقع لم يجز الإجراء، بناءً على تنجيز العلم الإجمالي في الأمور التدريجية.

قوله: [وأما مجرد العلم بوقوع الخلاف في موارد الأصل فلا يقتضي وجوب الاحتياط، وإلا لزم عدم جريان جميع الأصول للعلم الإجمالي بأن بعض هذه الموارد خلاف الواقع] المردد بينه وبين غيره.

قوله: [وملخص الكلام أنه مع العلم بالخلاف يكون العلم الإجمالي منجزاً ومانعاً عن جريان الاصل، وإلا فلا] أي بخلافه هو.

قوله: [وبعبارة واضحة: العلم الإجمالي بمخالفة جملة من موارد الأصول مع الواقع لا يمنع عن جريان الأصل، فإن العلم التفصيلي بمخالفة الأصل الذي يجريه غير العالم لا يمنع عن جريان الأصل بالنسبة إلى نفسه، وكذلك العلم الإجمالي بالخلاف بهذا النحو لا

ص: 482


1- مباني منهاج الصالحين 7: 16.

يضر كما هو ظاهر](1) الفرق ظاهر، لأنّه لا ربط بين العلم بخطأ الغير، وإجراء الأصل في حق نفسه؛ إذ لا مانع منه، بخلاف العلم الاجمالي، فإنّه قد يُدّعى بأنّ بناء العقلاء على عدم إجراء الأصل في المقام.

مثلاً: لو سمع العبدان نداء المولى بأحدهما، فإنّه قد يُدّعى: أنّه لا يصحّ لكل منهما إجراء البراءة بحجة أنّه لا يعلم بتكليف موجهٍ إليه بذاته، فتأمل.

وكأن مراد المصنف: أنّه شك في التكليف؛ إذ يشترط في تنجيز العلم الإجمالي كونه منجزاً للتكليف على كل تقدير، وحيث إنّه في صورة مخالفة الغير التفصيلية لا تكليف بالنسبة إليه، كذلك بالنسبة إلى المخالفة الإجمالية المرددة بين نفسه وغيره.

ثم إنّه قد يقال: إنّه لا علم إجمالي مطلقاً، لاحتمال إصابة الأصول النافية للواقع، إلاّ أنه ضعيف بحساب الاحتمالات، بل قد يطمئن بالعدم.

قوله (قدس سره) في المتن: [ومع عدمه لا يجب عليه شيء] علّق عليه الشارح بقوله: [لعدم المقتضي للوجوب، ومقتضى الأصل الموضوعي - أي الاستصحاب - عدم وصوله إلى حد النصاب، كما أن مقتضى الأصل الحكمي - أي البراءة - عدم الوجوب] كأنه عدم أزلي في صورة احتمال كونه نصاباً منذ البداية. نعم، لو علم أنّه لم يكن نصاباً وشك في طروّ الزيادة جرى استصحاب العدم النعتي.

ص: 483


1- مباني منهاج الصالحين 7: 17.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا إذا اختبره فلم يتبين له شيء](1) لا مانع من إجراء الأصول الترخيصية في هذه الصورة.

ص: 484


1- مباني منهاج الصالحين 7: 17.

الثالث: الكنز

قوله (قدس سره) في المتن: [الكنز] علّق عليه الشارح بقوله: [نقل عليه الإجماع عن غير واحد، والظاهر أنه لا خلاف بينهم في أصل الحكم، وتدل عليه جملة من النصوص، منها: ما رواه الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) : «عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس»(1) وغيره... مما ورد في الباب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ومن النصوص الدالة على المدعى ما رواه (زرارة)(2).

فإن السؤال وإن كان عن المعدن لكن الجواب عن حكم كل ما يصدق عليه عنوان الركاز، الصادق على الثابت في الأرض، معدناً كان أو غيره، ومن مصاديقه الكنز، وصفوة القول إنه لا إشكال ولا كلام في أصل الحكم، إنما الكلام في بعض الخصوصيات](3) إلاّ أن وجود ما يصلح للقرينية - وهو ما ذكر في صدر السؤال - صارف للعموم، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وهو المال المذخور في موضع أرضاً كان، أم جداراً أم غيرهما](4) الظاهر عدم اشتراط الصدق بالقصد، فالعنوان يصدق

ص: 485


1- وسائل الشيعة 9: 495.
2- وسائل الشيعة 9: 492.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 17.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 18.

ولو فرض عدم تعلق إرادة إنسانية بذخره.

قوله (قدس سره) في المتن: [المذخور في موضع] علّق عليه الشارح بقوله: [وقع الكلام بين القوم في أن صدق الكنز متقوم بكونه مذخوراً من قبل إنسان، أو لا يكون مقيدا بهذا القيد، يظهر من مجمع البحرين قوام صدق هذا المفهوم بالقصد](1) الظاهر عدم التقوم، ولذا لو عثرنا على كنز لا ننتظر لنحقق هل أن هنالك إرادة إنسان وراءه أو لا، حتى نطلق عليه الكنز، بل نطلق عليه الكنز فوراً؟

قوله: [كما أنه لو شك في سعة المفهوم وضيقه، يكون مقتضى الأصل - أي استصحاب العدم الأزلي - عدم صدقه، فإنا ذكرنا مراراً أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية، وقلنا إنه يصح أن يقال إن الأمر الفلاني قبل وجوده لم يكن العنوان الكذائي صادقاً عليه عرفاً، والآن كما كان، ولا إشكال في هذا الاستصحاب؛ إذ جميع أركانه تامة فعلية، ومع الشك في الصدق يشكل ترتيب الأثر عليه] في هذا الاستصحاب إشكالان:

الأول: كونه من الاستصحاب في العدم الأزلي.

الثاني: كونه من الاستصحاب في الشبهة المفهومية.

ولئن عولج الإشكال من الناحية الثانية إلاّ أنّه يبقى في الناحية الأولى؛ إذ ليس عرفياً(2).

ص: 486


1- مباني منهاج الصالحين 7: 18.
2- مرّ نظير ذلك فراجع (منه (رحمه اللّه) ).

ثم إنه يمكن كونه من استصحاب العدم النعتي، كما لو كان المال فوق الأرض ثم حدثت زلزلة فدفن تحت الأنقاض، فانه قد يقال: لم يكن كنزاً، ونشك في طرو هذا العنوان عليه. نعم، لو كان من الأشياء المنكونة تحت الأرض جرى ما ذكره المصنف، إلا أنه أشبه أن يكون معدناً لا كنزاً.

وعلى كل، فالظاهر أن الاستصحاب في المقام من استصحاب العدم النعتي لا الأزلي، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [هذا فيما إذا كان المال المذخور ذهباً أو فضة مسكوكين] علّق عليه الشارح بقوله: [لا إشكال في أن صدق الكنز لا يتوقف على كون المذخور خصوص الدينار والدرهم، ولكن هل قام دليل على تخصيص وجوب الخمس بالدرهم والدينار أم لا؟](1) ويؤيده أن المتعارف اختلاط الكنوز بغيرها، فتأمل.

بل قال السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2): بغلبة الاختلاط.

قوله: [ربما يقال بأن مقتضى صدق الكنز على كل مال مذخور وإن كان وجوب الخمس بلا تقييد، لكن النص الخاص قد دل على الاختصاص، وهو ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(3). بدعوى أن الظاهر من سؤال

ص: 487


1- مباني منهاج الصالحين 7: 19.
2- الفقه 33: 103.
3- وسائل الشيعة 9: 496-496.

الراوي هو الجنس لا المقدار، فالجواب يحمل على مورد السؤال، فيكون التماثل في الجنس، أي الدينار والدرهم.

ويرد عليه: أن الرواية على خلاف مقصوده أدل، وظاهرة في المقدار](1).

ويكفينا الإجمال في الرواية إذ (ما) في (عما) يحتمل الجنس والمقدار، فتكون الإطلاقات محكمة.

والخلاصة: أن مقتضى الإطلاقات الشمول، والمجمل لا يصلح لصرف الإطلاقات، وسيأتي زيادة بحث فيما يأتي.

ثم إن قوله: (ويرد عليه) كما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) من فهم الفقهاء: (بل دعوى الاتفاق في الرياض)(2).

قوله: [إذ لو كان المراد التماثل في الجنس لم يكن وجه للإتيان بكلمة مثله، بل كان المناسب أن يقول (عليه السلام) في الجواب: ما يجب فيه الزكاة ففيه الخمس، فلفظ مثله يستفاد منه المقدار، فالنتيجة إن المال المذخور الصادق عليه عنوان الكنز متعلق لوجوب الخمس بلا تقيد بقيد](3) الفرق غير ظاهر: إذ ما الفرق بين ان تقول: المقدار الذي تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس) أو (جنس تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس)، أو (مقدار تجب الزكاة فيه ففيه الخمس)، أو (جنس يجب

ص: 488


1- مباني منهاج الصالحين 7: 19.
2- الفقه 33: 104.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 19.

الزكاة فيه ففيه الخمس) وجعل ذلك السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(1) مؤيداً.

إلاّ أن يقال: التعبير ب- (مثل) لا بأس به في (المقدار) أمّا في الجنس فلا معنى له، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وأما في غيرهما فوجوب الخمس من جهة الكنز إشكال، والوجوب أحوط](2) بل أظهر.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويعتبر في جواز تملك الكنز أن لا يعلم أنه لمسلم، سواء أوجده في دار الحرب أم في دار الإسلام، مواتاً كان حال الفتح أم عامرة، أم في خربة باد أهلها، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن] بل لمحترم المال مطلقاً.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [لمسلم] بشرط عدم انقطاع الصلة عرفاً بينه وبينه، كما في مواريث بني العبّاس مثلاً.

وعلى ذلك نبّه الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(3) فإنّ الملكية أمر عرفي، وبانقطاع الصلة عرفاً تنقطع الملكية، فلا يحق لورّاث بني العبّاس أن يطالبوا بأملاكهم، على فرض كونها ملكاً شخصياً لهم.

ونظير ذلك ما ذكره (رحمه اللّه) في المساجد التي أصبحت شوارع، فإن عنوان المسجد أمر عرفي يرتفع بصيرورته شارعاً مثلاً(4).

ص: 489


1- الفقه 33: 104.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 19.
3- الفقه 33: 111.
4- راجع كتاب العروة للسيد اليزدي (رحمه اللّه) كتاب الطهارة (منه (رحمه اللّه) ).

قوله (قدس سره) في المتن: [أن لا يعلم أنه لمسلم] وفي حالة الشك في الملكية وعدمه، أو انقطاع الصلة وعدمه بحث سيأتي إن شاء اللّه تعالى، وإن كان الظاهر في بادئ النظر شمول أدلة الكنز له، وإلاّ لزم حملها على الفرد النادر؛ إذ الاحتمال قائم غالباً، فتأمل.

ثم ان قوله: [لاحظ ما رواه سماعة(1)](2) بل هو من الضروريات، وعليه أدلة متواترة، وكذا قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}(3)، و{عَن تَرَاضٍ}(4)، و{ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}(5).

قوله: [ولاحظ التوقيع المبارك: كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه في جواب مسائله إلى صاحب الدار (عليه السلام) : «وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا، ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه... إلى أن قال: وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها، وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقربا إليكم، فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا! إنه من فعل شيئاً من ذلك لغير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه، ومن أكل من مالنا شيئاً فإنما

ص: 490


1- وسائل الشيعة 5: 120.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 20.
3- البقرة: 29.
4- النساء: 29.
5- البقرة: 279.

يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً»(1)](2) ذكر المصنف أنّه مخدوش سنداً، حيث قال: «وما صدر عن الناحية المقدسة مخدوش سنداً»(3).

قوله: [وفيه: إنه إذا ثبت الإطلاق في أدلة الكنز للواجد وعليه الخمس، فمقتضاه عدم الفرق بين الموارد، وليس عموم عدم جواز تملك مال الغير من العمومات العقلية غير القابلة للتخصيص، فلاحظ](4) لا إطلاق، للانصراف. ولازم ما ذكره المصنف أنّه لو وضع زيد كنزاً في داره، وكان عمرو مأذوناً في حفر الدار حق له أن يأخذه. وكذا لو وضعه في أرض مباحة. وهو بعيد جداً عن أذهان المتشرعة، بل هو من المستنكرات عندهم. لكن استثنى المصنف المورد الأول فيما يأتي(5). مضافاً للتعارض وسيأتي أيضاً(6).

ثم إن قوله: [وليس عموم عدم جواز تملك مال الغير من العمومات العقلية غير القابلة للتخصيص] فهو نظير الأكل من بيوت من نصت عليه الآية الكريمة(7)، والشرب من الأنهار الكبار، وحق المارّة، والأكل حين المخمصة.

ص: 491


1- وسائل الشيعة 9: 540-541.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 20.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 21.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 20.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 22.
6- مباني منهاج الصالحين 7: 22.
7- النور: 61.

قوله: [إن قلت: بين الدليلين عموم من وجه، فما الوجه في تقديم دليل جواز تملك الكنز على دليل حرمة التصرف؟

قلت: الميزان الكلي إنه لا تعارض بين العناوين الأولية والثانوية، وعنوان الكنز عنوان ثانوي فلا تعارض](1) لم يظهر وجهه، بل هو عنوان أولي، والعنوان الثانوي هو كالاضطرار والضرورة.

قوله:[وان أبيت عما ذكرنا وقلت إنه لا وجه لتقديم أحد الدليلين على الآخر، وكل واحد من العناوين ثانوي] سبق أنّ كليهما أوليان.

قوله: [نقول: سلمنا التعارض بين الحديثين، لكن الترجيح مع رواية تعلق الخمس، ودخول الكنز في ملك الواجد للأحدثية، لاحظ ما رواه ابن أبي نصر(2)، وما صدر من الناحية المقدسة(3)](4) أولاً: الأحدثية ليست دليلاً.

وثانياً: ما صدر عن الناحية المقدّسة مجبور بالعمل فهو الأحدث، بناءً على جابرية العمل.

وثالثاً: أنّ ذلك مخالف للقرآن الكريم والسنّة المتواترة فيطرح.

وقد سبق دلالة القرآن الكريم والسنّة على حرمة التصرف في مال الغير بلا إذنه.

ص: 492


1- مباني منهاج الصالحين 7: 21.
2- وسائل الشيعة 9: 495-496.
3- وسائل الشيعة 9: 540-541.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 21.

قوله: [بل يمكن الاستدلال على المدعى بما رواه زرارة(1)، فإن هذه الرواية بالعموم الوضعي يدل على ثبوت الخمس في كل ركاز، ولا إشكال في أن الكنز من مصاديق الركاز، كما أنه لا إشكال في دلالة الرواية على كون الركاز ملكاً لواجده](2) أولاً: لا فرق بين العموم والإطلاق، كما سبق.

وثانياً: أدلة حرمة التصرف فيها عموم وضعي أيضاً، مثل قوله تعالى: {إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ}(3) {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بينكم بالباطل}(4)، وكذا قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله، إلاّ بطيبة نفس منه»(5) فتأمل؛ إذ قد يقال: إن (ماله) فيه إطلاق.

وثالثاً: رواية الركاز(6) فيها إشكال على ما سبق.

قوله: [ربما يقال: إن المستفاد من حديث إسحاق بن عمار - قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع ؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها،

ص: 493


1- وسائل الشيعة 9: 492.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 21.
3- النساء: 29.
4- البقرة: 188.
5- وسائل الشيعة 5: 120.
6- وسائل الشيعة 9: 492.

قلت: فإن لم يعرفوها، قال: يتصدق بها»(1)، أنه لا يجري حكم الكنز على مال الغير، بل لا بد من التعريف ثم التصدق به. ولكن يمكن أن يقال: بأنه أخص من المدعى، فإنه حكم خاص وارد في مورد خاص، ولا يمكن استفادة الكلية من هذه الرواية، ومورد الرواية إن المال وجد في منزل مسكون لأهله](2) وهو المنزل المأهول بأهله، فلا يشمل ما لو وجد في أرض موات مثلاً.

والخلاصة: أن تكون عليه يد فعلية، ومقتضى القاعدة الأولية أن يسلمهم بلا تعريف؛ لأن الملكية تثبت باليد بلا حاجة إلى تعريف، إلاّ أنّ الرواية خصّصت القاعدة العامّة.

ثم إنّ روايتي محمّد بن مسلم(3) تدلان على أنّه لهم بلا تعريف. ولعلّه يمكن الجمع بما يلي:

أولاً: تخصص إطلاق الروايتين بالمدفون، ففي المدفون يُعرّف وفي غيره لا.

ثانياً: خصوصية بيوت مكّة، فيلزم فيها التعريف دون غيرها، ولعلها لأنها محل الزوار، فليس من المعلوم كونها لأهل المنزل.

والأول أولى ظاهراً، فتأمل.

فالمتحصل أن المدفون يعرّف، وغيره يُعطى لهم بلا تعريف.

ص: 494


1- وسائل الشيعة 25: 448.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 21-22.
3- وسائل الشيعة 25: 447.

ثالثاً: أن نقول: الرواية الأولى في المدفون، والروايتان في غير المدفون، أي اللقطة(1).

لكن قد يقال: إنَّ الخصوصية ملغاة عرفاً، فما الفرق بين الموردين في العرف وفي ارتكاز المتشرعة؟ بل لعل ما نحن فيه أولى، لأن مورد الرواية في احتمال الملكية، وما نحن فيه القطع بالملكية في الأرض الموات، مثلاً.

وعلى كلٍ، فالقول إنّه حتى مع العلم بالملكية يحلّ لواجده مشكل جداً.

ويتفرع على ما ذكره المصنف: أنّ كل من دفن كنزاً في الصحراء، وعرف به أحد - صدفة او عن طريق التجسس المحرّم - فإنّه يحق له نبشه وأخذه؟ وهو مستنكر جداً في أذهان المتشرعة.

قوله: [ويؤيد ما ذكرنا، ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به»(2)](3) لعل السبب أنه في صورة الخراب والجلاء يحدث الانعراض القهري، ولا فرق بين الإعراض والانعراض.

ويوضحّه ما سبق من أن الملكية رابطة عرفية.

أو أن ملك ما في الأعماق تبعي لملك نفس الدار، إذا لم يكن الكنز لهم. فإذا خرجت نفس الدار عن الملكية خرج عنها ما دخل بتبع الدار، وقد تقدم ما ينفع المقام.

ص: 495


1- شرح العروة الوثقی 25: 88-89.
2- الكافي 5: 138.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 22.

قوله: [ويؤيد ما ذكرنا، ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به»(1)، وما رواه أيضاً عن احدهما (عليهما السلام) في حديث قال: «وسألته عن الورق يوجد في دار، فقال: إن كانت معمورة فهي لأهلها، فإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت»(2)](3) لعله باعتبار أنّ الدار المعمورة لها خصوصية، ولذا يتعلق كنزها بأهلها، بل يتعلق جميع ما فيها - أو اللقطة التي فيها - بأهلها.

ويمكن تأييده باعتبار أن محلّ البحث هو الكنز، ومحل الرواية هي اللقطة - بناءً على أحد الاحتمالين(4).

قوله: [بل الحديثان دليلان على المدعى في الجملة، فإن مقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين كون ما وجده كنزاً وغيره](5) وهو أن الكنز لواجده مطلقاً، إلاّ أن مورد الرواية الكنز في الخربة، لا في الأرض الموات مثلاً.

لكن قد يقال بإلغاء الخصوصية، فيدل على المدّعى مطلقاً.

ص: 496


1- وسائل الشيعة 25: 447.
2- وسائل الشيعة 25: 447-448.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 22.
4- شرح العروة الوثقی 25: 88-89.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 22.

قوله: [إلاّ أن يقال: إن الظاهر من الخبرين أن مورد السؤال فيهما اللقطة، ولا يشمل الكنز، وبعبارة أُخرى: مورد الروايتين المال الضائع] الظاهر أنّه لا وجه له للإطلاق، والانصراف لو كان فهو بدوي، فتأمل.

قوله: [مضافاً إلى حديث محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها»(1)](2) لم يتضح ربطه بمحل البحث.

ثم إن قوله: [مضافاً] هذا الحديث يعارض ما سبق، ويمكن توضيح التعارض بما يلي:

1- الدار المعمورة فيها أهلها فالورق لهم، والخربة التي جلا عنها أهلها يكون الورق للواجد.

2- الدار المعمورة إذا وجد فيها لأهل الدار والخربة للواجد.

3- الخربة يجب على الواجد التعريف وإلاّ تمتع بها.

ولعله يمكن الجمع بالإعراض وعدمه، أو انقطاع الصلة العرفية وعدمه.

وفي مستند العروة(3) حمل الموثقة(4) على خربة لها مالك موجود بالفعل لم يعرض عنها فيجب الفحص والتعريف، دون الخربة التي أعرض عنها

ص: 497


1- وسائل الشيعة 25: 448.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 22.
3- شرح العروة الوثقی 25: 88.
4- وسائل الشيعة 25: 448.

مالكها. والقرينة صحيحة محمّد بن مسلم(1). فهذه الصحيحة تقيد الموثقة.

قوله: [وعلى الجملة إنه يستفاد من جملة من نصوص الكنز أنه يصير ملكاً لواجده، منها: ما رواه عمار بن مروان، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس»(2).

فإن المستفاد من هذا الحديث أن الكنز كالمعدن يصير ملكاً لواجده، وسند الرواية تام على حسب ما أفاده سيدنا الأُستاذ(3)؛ لأنه قال: إن عمار المذكور في السند مشترك بين اليشكري الثقة الذي هو معروف وله كتاب، والراوي عنه محمّد بن سنان غالباً، والحسن بن محبوب أحياناً، وبين الكلبي الذي هو مجهول كما أنه غير معروف](4) توجد قرينتان في المقام:

الأولى: أن اليشكري الثقة معروف وله كتاب، أمّا الكلبي فهو مجهول وغير معروف، واللفظ ينصرف عند الإطلاق إلى ما هو الأشهر الأعرف، الذي له أصل أو كتاب دون الشاذ غير المعروف.

الثانية: أن الراوي عنه هو الحسن بن محبوب بلا واسطة، مع أنّه لا يروي عن الكلبي إلاّ بواسطة أبي أيوب.

ص: 498


1- وسائل الشيعة 25: 447.
2- وسائل الشيعة 9: 494.
3- شرح العروة الوثقی 25: 84.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 23.

قوله: [لكن محمّد بن عيسى واقع في السند](1) سيأتي من الشارح أن الرواية ضعيفة بمحمد بن عيسى لاحتمال كونه العبيدي.

قوله: [ثم إنه لم يظهر وجه تخصيص الماتن المنع بخصوص المسلم، فإن الدليل لو لم يشمل مورد كون الكنز لمحترم المالك لم يكن فرق بين المسلم والذمي](2) بل والمعاهد والمحايد على احتمالٍ.

قوله (قدس سره) في المتن: [ويشترط في وجوب الخمس فيه بلوغ النصاب] علّق عليه الشارح بقوله: [نقل عليه الإجماع عن جملة من الأعيان، ويدل عليه ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر(3)](4) سبق احتمال الإجمال في الرواية، فالاحتمالات ثلاثة.

1- الجنس.

2- المقدار.

3- الإجمال.

وهنالك احتمال رابع هو الأعم من الأولين. وعلى الأول والثالث: لا تنهض الرواية دليلاً، إلاّ أن يتمسك بفهم الفقهاء على ما تقدم بيانه، بل ادعاء الإجماع هنا وهناك، ولعل ذلك كافٍ خصوصاً وأن الناقل جملة من الأعيان.

ص: 499


1- مباني منهاج الصالحين 7: 23.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 23-24.
3- والرواية هي: عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: >سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» من لا يحضره الفقيه 2: 40؛ وسائل الشيعة 9: 495-496.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 24.

ومقابل ذلك أن نقول بالإطلاق في أدلة وجوب الكنز للبراءة، ولا ريب أنّ هذا أقوى عقلائياً، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وهو أقل نصابي الذهب والفضة مالية في وجوب الزكاة] علّق عليه الشارح بقوله: [فإن الميزان المستفاد من هذه الرواية في وجوب الخمس وصول الكنز إلى مقدار متعلق للزكاة، ومن الظاهر أنه يصدق على الأقل، فلاحظ](1) فلو كان ذهباً وكان نصاب الفضّة - أي ماليته - أقل لوحظت الفضّة، وهكذا لو كان فضّة... إلى آخره... ولو كان لؤلؤاً لوحظت ماليته الأقل من نصابي الذهب والفضّة.

إلاّ أن هذا النوع من التثمين لا يخلو من غموض.

ولعل المتبادر أنّه لو كان ذهباً يلاحظ نصاب الذهب ولو كان فضةً فنصاب الفضّة أو غيرهما، فلا زكاة فيه. فتأمل وراجع ما تقدم سابقاً.

ثمّ إن هنا إشكالاً وهو أنّه لماذا لا تلاحظ قيمة سائر النصب الزكوية كالحنطة والشعير، إذ ما دام الملاك هو القيمة فلنلاحظ قيمة الحنطة؟ إلاّ أن يقال: إنّه لم يقل به أحد، أو بالانصراف، فتأمل.

وذهب الوالد (رحمه اللّه) في الحاشية(2) إلى أن الكنز إن كان دنانير كان نصابه عشرين ديناراً، وإن كان دراهم كان النصاب مأتي درهم، وإن كان غيرهما لوحظت قيمة الأقل.

ولعله للاستفادة العرفية من قوله: (ما يجب الزكاة في مثله ففيه

ص: 500


1- مباني منهاج الصالحين 7: 24.
2- الفقه 33: 124-125.

الخمس)(1) فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا فرق بين الإخراج دفعة ودفعات] علّق عليه الشارح بقوله: [لأن الموضوع لوجوب الخمس في الكنز وجدانه وتملكه، وليس للإخراج وعدمه دخل في الحكم، بل تمام الموضوع هو الوجدان، فلا فرق بين الإخراج دفعة أو دفعات، لاحظ ما رواه الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) : «عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس» الحديث(2)](3) هذا يناقض ما ذكره المصنف في المعدن، راجع ما تقدم منه(4).

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا فرق بين الإخراج دفعة ودفعات] إلاّ أن تكون الفترات متباعدة جداً، فلا يضم بعضها إلى بعض، كما سبق نظيره.

قوله: [لوحدة الدليل والتقريب، فإن مقتضى قوله (عليه السلام) في حديث زرارة إن متعلق الخمس هو المصفى من الركاز] مضى الإشكال في دلالة الرواية على حكم الكنز.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن علم أنه لمسلم، فإن كان موجوداً وعرفه دفعه اليه](5) مضى اشتراط عدم انقطاع الصلة بينه وبين المال عرفاً.

قوله: [نعم، على فرض انصراف نصوص الكنز عن مورد يكون

ص: 501


1- وسائل الشيعة 9: 495-496.
2- وسائل الشيعة 9: 495.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 24.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 13.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 24-25.

مملوكاً للمسلم أو الذمّي](1) بل محترم المال مطلقاً، كالمعاهد، والمحايد إن قلنا به.

قوله: [يجب إيصاله إلى مالكه بأي نحو ممكن، وإلا يجب أن يتصدق به عن مالكه على ما هو المشهور عند القوم] مع مراعاة عدم الضرر والحرج ونحوهما، كما هو واضح.

قوله: [ولا يخفى: أن ما أفاده ليس موافقاً للاحتياط التام، إذ على تقدير ترتب حكم الكنز كيف يجوز دفعه إلى المالك؟] وكذا الفقير إذا لم يكن واجداً لشرائط أخذ الخمس.

قوله: [نعم، إذا كان مستحقاً لأخذ الخمس يكون الدفع إليه موافقاً للاحتياط] بسهميه، بأن يكون سيداً فقيراً وقلنا: إن سهم الإمام (عليه السلام) يمكن أعطاؤه للسادة الفقراء.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان المسلم قديماً] لا فرق بين القديم والجديد، والملاك ما ذكرناه سابقاً. من انقطاع الصلة وعدم الانقطاع بلا فرق بين القديم والجديد.

ثم إنّ ملاك القديم والجديد غير واضح، إلاّ أن يكون المراد مثل آثار بني العبّاس.

لكنّه عموماً لا يخلو من إبهام.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا كان المسلم قديما فالأظهر إن الواجد يملكه، وفيه الخمس] علّق عليه الشارح بقوله: [بتقريب أن المالك قد

ص: 502


1- مباني منهاج الصالحين 7: 25.

مات ولا وارث له، فيكون ملكا للواجد، ويجب فيه الخمس](1) إمّا لأصالة عدم الوارث، أو لانقطاع الصلة عُرفاً.

قوله: [وبعبارة أُخرى: يشمله دليل كون الكنز للواجد وعليه تخميسه. وفيه: إن الإمام (عليه السلام) وارث لمن لا وارث له، فيكون الكنز ملكاً له، فكيف يملكه الواجد؟] إنَّ أدلة أنّه (عليه السلام) وارث مَنْ لا وارث له منصرفة عن الكنز، فيكون ملكاً للواجد.

وبعبارة أخرى: توجد هنالك صورتان:

الأولى: أن يكون الكنز لمالك فعلي، أو لم تنقطع الصلة، وهنا أدلة الكنز منصرفة عنه.

الثانية: أن يكون لمالك قديم، وهنا يتعارض الدليلان، دليل ما لا وارث له فللإمام (عليه السلام) ، مع دليل الكنز لواجده.

فالمال الذي وجد إما أن يكون مالاً عادياً، أو كنزاً لا وارث لمالكه، أو كنزاً في أرض موات غير مملوكة، فيشترك الدليلان في مورد الكنز الذي لا وارث له، فإما أن يكون للإمام (عليه السلام) باعتباره وارث من لا وارث له، وإما هو لواجده اعتماداً على أدلة الكنز.

ولكن أدلة الكنز حاكمة - عرفاً - إذ الظاهر أن كل كنز لواجده، إلاّ ما خرج بالدليل، كما ذكرنا في عدم انقطاع الصلة. وقد سبق من المصنف(2) أن دليل الكنز ثانوي.

ص: 503


1- مباني منهاج الصالحين 7: 25-26.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 21.

ولعله لذا يتعامل الناس مع أملاك بني العبّاس معاملة الملك، فتأمل.

ولو فرض تعارض الدليلين وتساقطهما رجعنا إلى أصالة البراءة، وكل شيء لك حلال، إلاّ أن ذلك لا يثبت الخمس، فتأمل.

قوله: [والذي يختلج بالبال أن يقال: إنه لو قلنا بان دليل الكنز منصرف عن مورد يكون مملوكاً للغير كما هو المدعى، فلا يجوز تملك الكنز فيما يكون ملكاً للإمام (عليه السلام) ، كما لو فرض أن الكنز من السهم المبارك؛ إذ المفروض عدم شمول دليله لما يكون ملكاً للغير، ولا دليل على جواز تملك ملك الإمام (عليه السلام) لكل أحد؛ ولذا لا يجوز التصرف في السهم المبارك لكل شخص كما هو ظاهر، وإن لم نقل بالانصراف المدعى فلا وجه لهذا التفصيل](1) وهو المختار، لكن لا يلازم عدم جواز تملك الكنز؛ إذ قلنا: إن أدلة الكنز حاكمة عرفاً، أو الجمع العرفي يقتضي تقديم أدلة الكنز.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط استحباباً إجراء حكم ميراث من لا وارث له عليه] الاحتياط شبه التام إعطاء نصف الخمس للسادة الفقراء، الذين يحرز رضا الإمام (عليه السلام) بإعطائه لهم، وصرف سائر المال في موارد إحراز رضاه (عليه السلام) . فإنّه: إن كان المال لواجده وفيه الخمس فقد خمّسه وزيادة. وإن كان للإمام (عليه السلام) فقد صرفه في موارد رضاه كلاً.

لكن تبقى شبهة أنّه يكون لوراث المالك القديم، والاحتياط التام غير

ص: 504


1- مباني منهاج الصالحين 7: 26.

ممكن، من هذه الجهة.

وخلاصة المختار: التفصيل بين انقطاع الصلة عرفاً، فهو لواجده وعليه الخمس، وعدم انقطاعها فهو لمالكه.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا وجد الكنز في الأرض المملوكة له، فان ملكها بالإحياء كان الكنز له، وعليه الخمس] علّق عليه الشارح بقوله: [بمقتضى أدلة وجوب الخمس في الكنز، منها ما روى محمّد بن أبي عمير: «إن الخمس على خمسة أشياء: الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامسة»(1).

ومنها: ما روى حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة. الحديث»(2) الدالة على أمرين: أحدهما صيرورة الكنز للواجد، ثانيهما: إن فيه الخمس](3) هذه الرواية مرسلة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن ملكها بالشراء ونحوه فالأحوط أن يعرفها المالك السابق واحداً أم متعدداً، فإن عرفه دفعه إليه، وإلا عرفه السابق](4) لم يرد التعريف للمالك الأسبق في رواية زرارة(5) التي هي

ص: 505


1- وسائل الشيعة 9: 486.
2- وسائل الشيعة 9: 486.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 26-27.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 27.
5- وسائل الشيعة 9: 492.

المستند في الحكم عند المصنف، وكذا لم يرد في الروايات الواردة: «فيمن

اشترى دابة فوجد في جوفها مالاً» وهي رواية عبد اللّه بن جعفر(1)، ومجرد كونها آناً ما في ملكهم لا يستدعي هذا الحكم؛ إذ يحتمل كون الملكية الفعلية واليد الفعلية ذات تأثير في الحكم، بل قالت الرواية فوراً: (يتصدق بها) وليس التعريف احتياطاً؛ لأنه معارض باحتياط التصدق. إلاّ أن يقال: الملاك احتمال كون الكنز لهم، وهذا الاحتمال قائم في الملاك السابق، وفيه تأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن ملكها بالشراء ونحوه فالأحوط أن يعرفها المالك السابق](2) الظاهر وجوب تعريفها للمالك السابق، فإن لم يعرفه كان له وعليه الخمس. نعم، لو علم أنّه لا يعرفه بالتعريف حلّ له تملكه بلا تعريف وعليه الخمس، ومنه يظهر الحال في الفروع اللاحقة؛ إذ التعريف لا موضوعية له، بل هو طريق إلى المعرفة، ومستند هذه الحاشية روايات عبد اللّه بن جعفر في اللقطة(3) بعد إلغاء الخصوصية، وأمّا رواية زرارة(4) فهي في اليد الفعلية، فلاحظ.

قوله: [في المقام تتصور فروع:

الفرع الأول: أنْ يعلم أن المال الذي وجده تحت الأرض ليس

ص: 506


1- وسائل الشيعة 25: 452.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 27.
3- وسائل الشيعة 25: 452.
4- وسائل الشيعة 9: 492.

لمسلم وليس لمحترم المال كالذمي، فهذا لا إشكال في جواز أخذه، ودليل وجوب الخمس يقتضي صيرورته للواجد بلا دليل معارض، إذ المفروض أن مال الحربي لا حرمة له](1) لا يخفى أن الفروع الثلاثة الأول في غير ما ملك بالشراء ونحوه، بدليل ذكر الشراء في الفرع الرابع، فلاحظ.

قوله: [الفرع الثاني: أن يشك في كون المال لمن يكون، لمحترم المال أو لا؟ ربما يقال: بأنه لا يجوز تملكه، بل هو داخل في عنوان اللقطة، وما يمكن أن يقال في وجه هذا القول أو قيل أمور، منها: إن الاصل عدم جواز تملكه من غير تعريف، حيث إن الملكية أم حادث يحتاج ثبوته إلى الدليل، ومقتضى الأصل عدمه].

أدلة هذا القول هي:

أولاً: شمول أدلة اللقطة له.

ثانياً: الأصل عدم جواز التملك وعدم الملكية. ومنه يظهر أنّه غير الأول وإن جعلها المصنف بمعنى واحد.

ثالثاً: أصالة الاحترام الثابتة بالرواية وحكم العقل والسيرة العقلائية.

وأما أدلة المصنف فهي:

1 - الأصل عدم دخوله في ملك محترم المال.

2- إطلاقات أدلة الكنز.

ص: 507


1- مباني منهاج الصالحين 7: 27.

والأول أصل عملي، والثاني دليل اجتهادي.

قوله: [منها: إنّ الأصل عدم جواز تملكه من غير تعريف] لا يقال: الأصل في كل مشكوك الجواز، فإنّه يقال: إن الجواز في المقام مسبب عن الملكية، والأصل عدم الملكية، ومع وجود السببي لا تصل النوبة إلى المسببي.

قوله: [ويرد عليه ان دليل وجوب الخمس دليل جواز التملك] (1) والأصل أصيل حيث لا دليل، والخلاصة: أنّه يوجد الأصل العملي الحاكم، والدليل الاجتهادي أيضاً، فلا تصل النوبة إلى الأصل.

قوله: [ويرد عليه: إن دليل وجوب الخمس دليل جواز التملك؛ إذ قد ذكرنا أن ذلك الدليل يدل على أمرين، مضافاً إلى أن دليل اللقطة لا يشمل المقام، فإن دليل اللقطة ناظر إلى الضالة، ومن الظاهر أن هذا العنوان لا يصدق على الكنز] قد يقال بالشمول بإلغاء الخصوصية عرفاً؛ إذ ما الفرق أن يكون المال فوق الأرض أو تحتها؟ إلاّ أن يقال: إنّ المقابلة ظاهره عرفاً بين الضالة والكنز، أو هي أخص منهما.

قوله: [أضف إلى ذلك أن المفروض في المقام الشك في كونه لمحترم المال](2) لعل المراد: أنّ الشك في الملكية وعدمه مسبب عن الشك في كونه لمحترم المال، والأصل عدم كونه لمحترم المال.

ص: 508


1- مباني منهاج الصالحين 7: 28.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 28.

قوله: [إن قلت: إن المال المذخور تحت الأرض مما جرت عليه اليد، ومعلوم أن له مالكاً، ومن ناحية أُخرى قد دل ما رواه محمّد بن جعفر الاسدي(1) أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره بغير إذنه، فبمقتضى هذه الرواية لا يجوز تملك الغير إلا بمجوز، والمفروض أن المجوز غير محرز](2) فيما لو تردد بين كونه لمحترم المال أو للكافر الحربي. وأمّا لو احتمل كونه بلا مالك فلا ينهض هذا الدليل.

قوله: [قلت: أولاً: إن الرواية ضعيفة سنداً، فيمكن إحراز عدم كونه للمسلم أو من هو في حكمه بالأصل؛ إذ مقتضى الأصل عدم دخوله في ملك من يكون ماله محترماً] هذا الدليل مخصص بما دلّ على جواز تملك مال الكافر الحربي، ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولا يخفى أنّ هذا من النوع الثاني من أنواع التمسك بالعام؛ إذ تارة لا نعلم اندراج الفرد تحت العام مطلقاً، وأُخرى نعلم اندراجه تحته ولكن نحتمل شمول دليل المخصص له. مثل (أكرم العلماء) و (لا تكرم فاسقهم) بالنسبة إلى زيد العالم الذي لا نعلم أنّه فاسق أو لا.

وفي كونه من التمسك بالعام بحث، إلاّ أن المختار أنّه منه.

ثم إنه قد يشكك في أصل ملك الكافر الحربي؛ إذ المولى لم يملّكه - راجع أدلة ملكية الكون للإمام (عليه السلام) - وإنما الحرمة على أعدائهم. نعم، في المخالف والذمّي ونحوهما دلّت الأدلة على احترام أموالهم، ولذا عُبّر ب-

ص: 509


1- وسائل الشيعة 9: 54.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 28.

«الاستنقاذ»(1) إلّا أنّه أعم من المدّعى؛ إذ هو في مطلق المستحل لا خصوص الحربي.

هذا ولكن سيأتي المناقشة في ذلك، باعتبار أصالة الاحترام في الأموال، فلا يجوز التصرف في صورة الشك.

ثم إنه قد يحتمل أنّ الكنز ليس له مالك أصلاً، وإنما اتفق اندفانه تحت الأرض على أثر زلزال مثلاً.

ثم إن قوله: [قلت أولاً](2) الخلاصة هي:

أولاً: إنّ الرواية ضعيفة سنداً.

ثانياً: إمكان إحراز الموضوع بالأصل.

ثالثاً: مع الغض عن كل ذلك فإنّ مالك الملوك أجاز في ذلك، كما أجاز في الأنهار الكبار والأراضي الوسيعة، وحق المارّة وبيت من تضمنته الآية(3).

قوله: [الرواية ضعيفة سنداً](4) لكن قد يقال: إنّ مضمونها قطعي، راجع ما تقدم منا.

ولو بحث باحث في الروايات فالظاهر أنّه يعثر على روايات متواترة في ذلك.

ثم إن قوله: [فيمكن إحراز عدم كونه للمسلم، أو من هو في

ص: 510


1- بحث بيع المذكى المشتبه بالميتة، الذي يباع ممن يستحله (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 28.
3- النور: 61.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 28.

حكمه بالأصل] الظاهر عدم تفرع ذلك على ما قبله، بل لو فرض أن الرواية صحيحة السند لأمكن التمسك بالأصل لإحراز الموضوع، لكن سيأتي الحاكم أو الوارد على هذا الأصل.

قوله: [وربما يقال: إن الأصل الأولي حرمة التصرف في مال الغير الا أن يثبت الجواز، وبعبارة أُخرى: إن أصالة الاحترام من غير إناطة بالإسلام هي المعول عليها في كافة الأموال بالسيرة العقلائية، وحكومة العقل القاضي بقبح الظلم إلا إذا ثبت إلغائه، ويؤيد المدعى التوقيع الشريف(1)، ولذا لا شك في أنه لو رأينا شخصاً مجهول الحال في بادية، وشككنا في كونه حربياً أو مسلماً أو ذمياً لا يجوز لنا أخذ ماله بأصالة عدم كونه محترم المال، فالنتيجة إن جواز التصرف في مال أحد يحتاج إلى دليل يدل على الجواز](2) إن أصالة احترام مال الغير، وأصالة حرمة التصرف، يدل عليه أدلة ثلاثة:

الأول: الرواية السابقة(3)، ورواية سماعة(4)، بل الآيات الكريمة والروايات الشريفة.

الثاني: السيرة العقلائية.

الثالث: حكم العقل القاضي بقبح الظلم.

ص: 511


1- وسائل الشيعة 9: 540.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 28.
3- وسائل الشيعة 9: 540.
4- وسائل الشيعة 5: 120.

لكن المصنف أجاب عن حكم العقل: بأنّ حكم العقل لا يستتبع الحكم الشرعي. نعم، لو ظُلم شخص لم يمكن للشارع تسويغ ذلك، ولكن العقل لا يشخص أنّ هذا ظلم؛ إذ لعله مهدور المال.

والخلاصة: أنّه لا يوجد حكم شرعي كي يكون له إطلاق، والعقل لا يتكفل موضوعه.

وما ذكره المصنف لا يخلو من تأمل؛ إذ الحكم الشرعي لا يتكفل موضوعه ، فلو قال الشارع: «الظلم قبيح»، أو «لا يحق لأحد التصرف في أموال الآخرين» فإنه لا شك أنّه خصص ب- «أموال غير المحترم» وحيث إن المقام مقام شك فلا يجوز التمسك بالعام.

إلاّ أنه يبقى أنّ الفقهاء - ظاهراً - لا يلتزمون بالجواز في المثال الذي ذكره الشارح من أن المال المذخور تحت الأرض مما جرت عليه اليد، ومعلوم أن له مالكاً، وسيأتي الكلام في أصالة الاحترام(1).

وأما السيرة، فقد أجاب عنها المصنف بما يلي:

أولاً: السيرة غير ممضاة، أو لم يثبت إمضاؤها.

وفيه: أن عدم الردع دليل الإمضاء، راجع مباحث السيرة وكيف أنّ سكوت الشارع يهدد بتفويت أغراضه، أو أنّه مكلف بالنهي عن المنكر، وهل ما نحن فيه كذلك؟

قد يقال: نعم، لأنه لا يتملكه - أي المشكوك - فلا يحج مع أنّه مستطيع،

ص: 512


1- راجع بحث العام والخاص في الأصول، وأنه لو شك أنّ اليد يد أمانة أو يد عادية، وكيف حكموا بالضمان؟ (منه (رحمه اللّه) ).

ولا يخمس مع أنّه دخل في ملكه، ولا ينفق على زوجته مع أنّه قادر، ولا يؤدّي دينه، إلى آخر الآثار المترتبة على تملكه لهذا المال، فتأمل.

وثانياً: بالردع بخبر سماعة(1).

وفيه: ما ذكره المصنف من أنّ الوصف لا مفهوم له، والتخصيص بالمسلم لعله من باب كونه محل السؤال أو الابتلاء أو غير ذلك.

ونظائر هذا كثيرة مثل: «المسلم من سلم المسلمون...»(2) وكل ما ورد فيه لفظ (المسلم) مع كون الحكم أعم.

وأمّا الدليل الأول المتقدم ففيه أنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

والذي يبدو لنا بعد كل ما سبق: أنّ أصالة الاحترام أصل ثابت عند العقلاء وبذهنية المتشرعة... وأمّا ما ذكره المصنف من (أنّ الأصل عدم دخوله في ملك من يكون ماله محترماً) ففيه: أنّ هذه الأصالة العقلائية واردة أو حاكمة على هذا الأصل العملي.

ودليله: المثال المتقدم - المال المذخور تحت الأرض مما جرت عليه اليد، ومعلوم أن له مالكاً - وقد تقدم إمضاء الشارع لهذه السيرة العقلائية، وتقدم ما يدل على هذا.

قوله: [وثانياً: قد قلنا: بان دليل ملكية الكنز للواجد يدل على أن وجدان الكنز بنفسه من المملكات، غاية الأمر لا نلتزم بالجواز حتى بالنسبة إلى مورد نعلم كونه ملكاً لمحترم المال، وأما مع الشك -

ص: 513


1- وسائل الشيعة 5: 120.
2- الكافي 2: 234.

كما هو المفروض - فلا مانع من الأخذ بدليل الكنز](1) هذا تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأنّ هذا العموم مخصص بما سبق من أدلة «احترام كنز محترم المال».

والخلاصة: أنّه مع العلم بكون الكنز لمحترم المال أو الشك في ذلك، وكذا مع العلم بعدم انقطاع الصلة أو الشك في ذلك، تجري أصالة الاحترام، فتأمل. وسيأتي ما فيه بعد قليل.

وعلى كلٍ، فهنا أدلة:

أولاً: الكنز لواجده.

ثانياً: تخصيص ذلك بغير محترم المال. وحيث إنّ المقام مقام الشك لا يجوز التمسك بأي منها.

ثالثاً: أصالة الاحترام الثابتة بالأدلة الثلاثة.

رابعاً: أصل عدم كونه لمحترم المال.

خامساً: أصل عدم الملكية.

سادساً: أصل جواز التصرف.

والشك في السادس منها نابع من الشك في الخامس، والشك في الخامس نابع عن الشك في الرابع، فالأصل عدم كونه لمحترم المال، إلاّ أنّ ذلك محكوم بأصالة الاحترام الثابتة بالأدلة الثلاثة.

هذا، ولكن في النفس من ذلك شيء؛ إذ مقتضاه: أنّه لا يجوز تملك أي كنز يجده الإنسان في العراء؛ لوجود احتمال كونه لمحترم المال عادةً،

ص: 514


1- مباني منهاج الصالحين 7: 29.

فيكون ذلك مستلزماً لالغاء أدلة «تملك الكنز» - غالباً -. فلا يبقى لأدلة الكنز إلاّ مصاديق نادرة.

فالأولى أن يقال: إنّ أدلة الكنز تدل على ترخيص الشارع في كل كنز، إلاّ ما علم أنه لمالكٍ لم تنقطع الصلة بينه وبين المال، فإن الأدلة منصرفة عن مثل ذلك.

لكن المصنف ذكر أنّ أدلة الكنز تشمل حتى مثل ذلك، فراجع.

قوله: [الفرع الرابع: إنه لو ملك أرضاً بالشراء ونحوه ووجد فيها الكنز، فالأحوط أن يعرفه المالك السابق واحداً كان أم متعدداً، فإن عرفه دفعه إليه، وإلا عرفه السابق مع العلم بكونه في ملكه وهكذا](1) لا يجب ذلك، بل يتصدّق به، أو يتملكه على التفصيل المتقدم.

قوله: [فإن لم يعرفه الجميع فهو لواجده بشرط عدم العلم بكونه لمسلم جديد أو قديم، وإلا تجري عليه الأحكام المذكورة في المسألة الثامنة بتقريب أن اليد أمارة الملكية] اليد سابقة وليست فعلية، فهل تظل الأمارية؟ فهو مثل: ما لو أخبر ذو اليد السابقة بنجاسته فهل تُسمع دعواه؟(2) فالقاعدة الأولية عدم السماع، ولو فرض ذلك فهنالك حاكم على القاعدة الأولية وهو رواية زرارة(3) المتقدمة على إشكال، وكذا الروايات في الدابة(4) على ما ستأتي الإشارة إليه، إلاّ أن يقال: إنّ اليد مطلقاً أمارة

ص: 515


1- مباني منهاج الصالحين 7: 29.
2- راجع العروة الوثقى بحث الطهارة (منه (رحمه اللّه) ).
3- وسائل الشيعة 9: 492.
4- وسائل الشيعة 25: 452.

الملكية، وسيأتي تفصيل ذلك وإنه لبناء العقلاء، فتأمل.

قوله: [وفيه: إن مقتضى أمارية اليد على الملكية، الدفع إلى ذيها بلا تعريف ولا ادعاء؛ إذ مقتضى الحكم الشرعي أن المال الموجود تحت اليد ملك لذيها، ولا يحتاج إثبات الملكية إلى دليل، بل يكفي للإثبات نفس اليد](1) سبق أنّ الأمارية مختصة باليد الفعلية لا السابقة.

قوله: [ولكن يمكن أن يقال: إن الدليل على المدعى ما رواه إسحاق بن عمار(2)، فإن مقتضى هذه الرواية وجوب تعريف الدراهم أولاً لصاحب المنزل ثم التصدق بها، فلا يبقى إشكال ويتم المدعى، أي يجب أولاً تعريفه لصاحب المنزل، ثم التصدق به إن كان مملوكاً لمحترم المال، والا يكون للواجد ويجب عليه الخمس](3) سبق الإشكال فلاحظ.

هذا ولكنه إن أُشكل في الرواية السابقة لكون اليد فعلية إلاّ أنه بخلاف المقام، حيث إنّ اليد سابقة، فيمكن الاستدلال بالروايات المذكورة، مثل: «من اشترى دابة فوجد في جوفها مالاً» التي ستأتي بعد قليل.

ثم إن قوله: [ان الدليل على المدعى ما رواه إسحاق بن عمّار] سبق الإشكال في دلالة الرواية على ما نحن فيه، والأولى الاستدلال

ص: 516


1- مباني منهاج الصالحين 7: 30.
2- وسائل الشيعة 25: 448.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 30.

بالروايات القادمة، أي روايتي عبد اللّه بن جعفر(1).

وقوله: [ولكن يمكن أن يقال] هذا مخالف لمدّعى الماتن؛ إذ مدّعاه التعريف ثم التملك، والمذكور في الرواية التعريف ثم التصدّق.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا اشترى دابة فوجد في جوفها مالاً عرفه البائع، فإن لم يعرفه كان له](2) عرفه للبائع مع احتمال كونه له، لما سبق من أنّ التعريف لا موضوعية له.

ثم إن قوله: [كان له] بشرط أن لا يعلم المالك بعلم تفصيلي أو إجمالي محصور.

قوله: [ادعى عليه عدم الخلاف، ويدل على المدعى ما رواه عبد اللّه بن جعفر، قال: «كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع (عليه السلام) : عرفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك اللّه إياه»(3)، وما رواه أيضاً قال: «سألته (عليه السلام) في كتاب: «عن رجل اشتری جزوراً أو بقرة أو شاةً أو غيرها للأضاحي أو غيرها فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع لمن يكون ذلك؟

ص: 517


1- وسائل الشيعة 25: 452.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 30.
3- وسائل الشيعة 25: 452.

وكيف يعمل به؟ فوقع (عليه السلام) : عرفها البائع، فإن لم يعرفها فالشيء لك رزقك اللّه إياه»(1)، فإن مقتضى الحديثين أن ما وجد في جوف الدابة يجب تعريفه للبائع، فإن لم يعرفه البائع يكون للمشتري، ومقتضى إطلاق الروايتين أنه له، ولو مع العلم بكونه لمسلم محترم المال، فلا يجب التعريف ثم التصدق](2) ولا يقال إنّه خلاف الانصراف، وأدلة «احترام مال الآخرين» آبية عن مثل هذا التخصيص عرفاً. وعليه يجب التعريف ثم التصدق.

نعم، لو لم يعلم بذلك كان له. وفيه أنّ (صرّة فيها دراهم) ظاهرة في أنّه لمسلم، بل قد يُطمأن بذلك عادة، أما احتمال أنها أكلته في الصحراء قبل فترة. وكان المال لمن انقطعت صلته به فهو بعيد، فتأمل.

نعم، لو علم أنه (لزيد بن أرقم) فالأمر مشكل، أي يشكل إطلاق الرواية لمثل ذلك. والمسألة بحاجة إلى مزيد تأمل.

والظاهر أنه لو علم المالك بعينه، أو خمن أو احتمل كونها أكلته في الصحراء فلا مانع من الشمول، فتأمل.

قوله: [وصفوة القول إن المستفاد من النص بحسب الفهم العرفي أنه مع احتمال كونه للبائع يجب تعريفه إياه، وأما مع العلم بعدم كونه له فلا يجب التعريف، بل يكون للمشتري، ومقتضى الإطلاق

ص: 518


1- وسائل الشيعة 25: 452
2- مباني منهاج الصالحين 7: 30-31.

شمول الحكم لمورد يعلم بكونه لمالك محترم](1) لكن الانصراف يدفعه، وفيه تأمل سبق، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا الحكم في الحيوان غير الدابة مما كان تحت يد البائع] علّق عليه الشارح بقوله: [الأمر كما افاده، فإن مقتضى إطلاق الحديث الثاني(2) عدم الفرق بين الدابة وغيرها](3) ولو لم يكن الحديث الثاني فالظاهر كفاية الأول؛ إذ الخصوصية ملغاة عرفاً، وإنما الملاك الاحتمال أو اليد السابقة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وأما إذا اشترى سمكة ووجد في جوفها مالاً فهو له، من دون تعريف] الحكم فيها كالحكم في الدابة.

قوله: [بتقريب أن ما في جوف السمكة إما من مكونات البحر وغير داخل في ملك أحد، وإما لا يكون كذلك ويكون مملوكاً لأحد، أما على الأول فلا يكون للبائع قطعاً، لأنه حاز سمكة ولم يقصد حيازة ما في جوفها كي يصدق عليه قاعدة من حاز ملك، فلا وجه لتعريف المال، فيجوز أخذه بلا تعريف بمقتضى إطلاق النص](4) ولو فرضت الملكية التبعية فقد زالت بزوالها، فإنّ ما يدخل في الملك تبعاً يخرج عنه تبعاً.

ص: 519


1- مباني منهاج الصالحين 7: 31.
2- وسائل الشيعة 25: 452.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 31.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 31-32.

قوله: [وأما على الثاني فلأن كونه للبائع بعيد جداً، ولا يحتمل احتمالا عقلائياً؛ إذ المفروض أن البائع يصيد السمكة من البحار والشطوط، ولا يربي السمكة في ملكه الشخصي كي يحتمل كون ما في جوفها له، فلا يجب التعريف على كلا التقديرين](1) لا بعد فيه، خاصّة لو كان من الأسماك المرباة في الأحواض المملوكة، أو كانت هنالك كتابات تدل على ملكية البائع لها.

ثم إنّ البعد غيركافٍ في رفع اليد عن القواعد الأولية، إلاّ أن يكون الاحتمال ضعيفاً جداً بحيث لا يعتني به العقلاء.

قوله: [ويرد عليه: بأنه إن قلنا بأن مورد الرواية لا يشمل المقام، إذ موردها الحيوان الذي يذبح، والسمكة لا تذبح فإن احتمل كونه للبائع يجب دفعه إليه، لكونه له بمقتضى قاعدة اليد، وإن لم يحتمل كونه له، فإن علم بكونه ملكاً لمحترم المال يجب الفحص عنه، ثم التصدق به عنه، وإن لم يعلم أو علم عدمه لمالك محترم المال يجوز تلمكه، لأصالة عدم كونه لمالك محترم المال] وفي البائع الذي قبله وقبله بحث مضى(2)

وعلى كل تقدير فيده منقطعة فلا تشمله قاعدة اليد، وحينئذٍ يكون البائع كسائر من يحتمل ملكيّته.

إلاّ أن يقال: إن بناء العقلاء على أولويته، فتأمل.

ص: 520


1- مباني منهاج الصالحين 7: 32.
2- هل اليد تشمل اليد الفعليّة، التي كانت أوان الشرط؟ (منه (رحمه اللّه) ).

قوله: [وإن قلنا: بأن العرف يفهم من الرواية الكبرى الكلية، وعموم الحكم لكل حيوان بلا فرق بين أنواعه، كما هو ليس ببعيد، فالميزان في وجوب التعريف للبائع وعدمه احتمال كونه له، فلو احتملنا كونه له، ولو من باب احتمال قصده حيازة السمكة مع ما في بطنها، يجب إعلامه، وإلا يكون للمشتري، واللّه العالم](1) والظاهر أنّه ليس ببعيد؛ إذ الخصوصية ملغاة عرفاً، كما في >رجل» و>اشترى» و>جزوراً» في الرواية الأولى و >للأضاحي»، و >فلما ذبحها»، إذ يمكن خروجها بلا ذبح، أو موتها، و>صرّة ودراهم» ولا يخفى أن الرواية الثانية أعم من الرواية الأولى من بعض الجهات، وإن كانت تماثلها في بعض الجهات الأُخرى.

وقوله: [من باب احتمال قصده حيازة السمكة مع ما في بطنها يجب إعلامه] أي يجب التعريف، كما في الرواية السابقة.

ثم إن قوله: [وإلاّ يكون للمشتري] على التفصيل المتقدم سابقاً.

قوله: [ويرد عليه: بانه إن قلنا بان مورد الرواية لا يشمل المقام] الخلاصة:

إنه إن قلنا إنّ مورد الرواية لا يشمل ما نحن فيه، فإن:

1- احتمل كونه للبائع - على رأي المصنف - وجب دفعه إليه. وفيه إشكال، لأنّه ليس بذي يد فعلية.

2- لم نحتمل كونه للبائع وعلم بكونه ملكاً لمحترم المال فيجب الفحص

ص: 521


1- مباني منهاج الصالحين 7: 32.

والتصدّق.

3- لم نحتمل كونه للبائع ولم يعلم كونه لمحترم المال جاز التملك.

4- لم نحتمل كونه للبائع وعلم العدم جاز التملك.

وفي الثالث إشكال؛ لأصالة الاحترام، وهي حاكمة على أصالة عدم كونه للمالك المحترم.

وإن قلنا: إن مورد الرواية يشمل ما نحن فيه، فالميزان احتمال كونه له، فإن احتمل وجب الإعلام، وإلاّ فلا.

ص: 522

الرابع: ما أُخرج من البحر بالغوص

قوله (قدس سره) في المتن: [ما أُخرج من البحر بالغوص من الجوهر وغيره] علّق عليه الشارح بقوله: [بلا خلاف بين الأصحاب، كما في الحدائق(1)، والعمدة النصوص الواردة في المقام](2) بل الإجماع المحكي إن تواتر نقله، أو تعدد من العلماء المدققين الدقيقين، فهو معتمدٌ أيضاً، فتأمل.

وعلى كلٍ فهو مرهون بالحدس أو حساب الاحتمالات فلا بد من ملاحظة الناقل ونحوه.

ثم إن الإخراج لا موضوعية له، بل الحيازة بالغوص، فيتعلق الخمس بمجردها.

وعليه، فلو غاص وبقي في الغواصّة شهراً تحت الماء، ولم يخرج الجواهر من البحر كان عليه الخمس فوراً لا بعد الخروج، وذلك لصدق عنوان «الغوص» وإن لم يصدق عنوان «ما يخرج من البحر» فإنّ المثبتين لا منافاة بينهما.

وأما قوله (قدس سره) في المتن: [بالغوص] وكذا لو أخرجه منه بآلة على الأحوط،كما سيأتي، وكذا لو أخذه من سطح البحر، أمّا لو أخذه من ساحله

ص: 523


1- الحدائق الناضرة 12: 343.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 32-33.

ففيه إشكال، وإن كان الأحوط التخميس؛ وذلك لأنّ الإخراج منه لا موضوعية له عرفاً، بل الإخراج طريق إلى الخروج، بل أنّه أولى بالتخميس؛ إذ لو تحمّل مؤونة الإخراج وجب عليه الخمس، ولو أخذه من الساحل فلا خمس عليه، فتأمل.

قوله: [منها ما رواه الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال: عليه الخمس الحديث»(1)، وهذه الرواية تختص بالعنبر واللؤلؤ فلا تستفاد منها كلية الحكم](2) إلاّ أن يقال: بإلغاء الخصوصية عرفاً، ولكنه أشبه بالقياس؛ إذ لعل لهذين خصوصية.

قوله: [ومنها ما رواه الصدوق مرسلاً، قال: «سئل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عما يخرج من البحر، من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس»(3)

وهذه الرواية لإرسالها لا اعتبار بها](4) في مراسيل الصدوق ثلاثة أقوال، والمختار أنّها لا اعتبار بها.

قوله: [ومنها: ما رواه ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامس»(5) وهذه الرواية

ص: 524


1- وسائل الشيعة 9: 498.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 33.
3- وسائل الشيعة 9: 493.
4- وسائل الشيعة 9: 494.
5- وسائل الشيعة 9: 494.

مرسلة](1) لكن في مراسيل الثلاثة كلام، فإنهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة.

لكن ثبت روايتهم عن غير الثقات، فالتمسك بذلك في مرسلاتهم تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

إلاّ أن يقال: إن الاحتمال ضعيف جداً(2).

قوله: [وما أفاده سيدنا الأُستاذ(3) في المقام من أن لفظ غير واحد ظاهر في كونهم رجالاً مشهورين، بحيث يستغنى عن ذكرهم لا دليل عليه](4) الأولى أن يقال: إنّ (غير واحد) أقلّه ثلاثة، أو اثنان على احتمالٍ.

ومنشأ الاحتمالين: أنّه لغةً صادق على الاثنين، لكن عرفاً لا يصدق، مثل «مرّ غير مرّة».

لكن الظاهر صدقه على المرّتين أيضاً، ولذا لو مرّ مرّتين وقال «مرّ غير مرّة» كان صادقاً.

ومن البعيد اجتماع اثنين أو ثلاثة من مشايخ ابن أبي عمير على الكذب.

وفيه: أنّه لا بُعد في ذلك. نعم، لو كانوا أفراداً متباعدين ولا رابط بينهم ولا مصلحة تجمعهم أمكن ذلك.

ثم ان قوله: [ومنها ما رواه عمار بن مروان(5)، وهذه الرواية ضعيفة

ص: 525


1- مباني منهاج الصالحين 7: 33.
2- راجع كليات في علم الرجال (منه (رحمه اللّه) ).
3- شرح العروة الوثقی 25: 108.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 33.
5- وسائل الشيعة 9: 494.

بمحمد بن عيسى، لاحتمال كونه العبيدي](1) لكن عن السيد الخوئي (رحمه اللّه) في المستند(2) كونها صحيحة، ولم يعرض لمحمد بن عيسى هنالك أصلاً.

قوله: [ومنها: ما رواه أحمد بن محمّد، قال: حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث، قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه، ولم يحفظ الخامس، الحديث»(3) وهذه الرواية لا اعتبار بها من جهة إرسالها ورفعها](4) لكن في مراسيل البزنطي - إن كان هو الراوي وهو بعيد - كلام حول «مشايخ الثلاثة» ولو سُلّم فالقدر المتيقن الواسطة المباشرة لا مطلقاً.

ثم إن قوله: [لا اعتبار بها من جهة إرسالها] أولاً: للإرسال على ما سبق، وثانياً: للرفع، وثالثاً: لعدم ذكر اسم المروي عنه.

قوله: [وحيث إنه لا دليل معتبر على وجوب الخمس في الغوص على الإطلاق يشكل الالتزام بوجوبه فيه مطلقاً، إلا أن يتم المدعى بالإجماع التعبدي الكاشف، فلاحظ](5) الظاهر أنّ هذه الروايات مجبورة بالعمل أولاً، بناءً على جبر العمل.

وثانياً: أنها متواترة إجمالاً، إذ يبعد - بحساب الاحتمالات - كذب الرواة

ص: 526


1- مباني منهاج الصالحين 7: 34.
2- شرح العروة الوثقی 25: 107.
3- وسائل الشيعة 9: 489.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 34.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 35.

جميعاً، خصوصاً مع ملاحظة تعددهم، واختلاف المروي عنه. وهذه الرواية كالتالي:

الأولى: الحلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام) .

الثانية: محمد بن علي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) .

الثالثة: ابن ابي عمير عن غير واحد، عن الإمام الصادق (عليه السلام) .

الرابعة: عمّار بن مروان عن الإمام الصادق (عليه السلام) .

الخامسة: حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا، عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، مضافاً إلى المجاهيل بالرفع ونحوه.

والخلاصة: أنّ اختلاف الرواة وتعدد أزمنتهم، وتعدد المروي عنه (عليه السلام) يبعد احتمال اجتماعهم على الكذب.

لكن لو كان المستند التواتر الاجمالي فيؤخذ بالقدر المتيقن.

هذا، ولا يخفى أنّ الرواية الأولى معتبرة إلا ّ أنّها في خصوص «العنبر وغوص اللؤلؤ».

قوله (قدس سره) في المتن: [لا مثل السمك ونحوه من الحيوان] علّق عليه الشارح بقوله: [بلا إشكال، فإن المتبادر من نصوص الباب غير الحيوان، مضافاً إلى أن عدم وجوب الخمس في الحيوان المصاد من الماء أوضح من أن يخفى](1) لأنه لو كان لبان، خاصّة وأن المسألة كثيرة الابتلاء، فإن الملايين يصيدون كل يوم، فلو كان ذلك لبان واشتهر وكثر السؤال عنه والجواب، وليس فليس.

ص: 527


1- مباني منهاج الصالحين 7: 35.

قوله (قدس سره) في المتن: [الأحوط وجوب الخمس فيه وان لم تبلغ قيمته ديناراً] علّق عليه الشارح بقوله: [يستفاد من حديث محمّد بن علي بن أبي عبد اللّه(1) اشتراط وجوب الخمس فيما يخرج من البحر من المذكورات في الرواية بالنصاب، ولكن الرواية ضعيفة كما مر، فلا وجه للاشتراط المذكور، ففي كل مورد تم الدليل على وجوب الخمس فيه كالعنبر لا وجه لهذا التقييد فيه](2) إلا أن يقال: بالانجبار بعمل المشهور.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا أخرج بآلة من دون غوص فالأحوط - وجوباً - جريان حكم الغوص عليه] علّق عليه الشارح بقوله: [الوجه في عموم الحكم، أنه قد ترتب في بعض النصوص وجوب الخمس على عنوان الغوص، كمرسل ابن أبي عمير(3)، وفي بعضها الآخر أُخذ العنوان في الموضوع الإخراج، لاحظ ما رواه عمار بن مروان(4) وحيث إنه لا تنافي بين العنوانين لا وجه لتقييد أحدهما بالاخر، بل نأخذ بكلا الدليلين ونلتزم بعموم الحكم لكلا العنوانين](5) إلاّ أن يقال: إنّ حصر الخمس في الخمسة دليل عدم وجود عنوانين، وإلاّ لكانت ستة، كما ذكره الهمداني (راجع ردّه في المستند)(6).

ص: 528


1- وسائل الشيعة 9: 493.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 35.
3- وسائل الشيعة 9: 494.
4- وسائل الشيعة 9: 494.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 35.
6- شرح العروة الوثقى 25: 110-111.

قوله (قدس سره) في المتن: [الظاهر أن الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص](1) الملاك شمول لفظ «الغوص» عرفاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [يخرج منها بالغوص] وأما لو أخرج بلا غوص فلا يشمله لا عنوان (الغوص) ولا عنوان ( ما يخرج من البحر).

وهذه النتيجة لا تخلو من غرابة؛ إذ الإخراج من البحر فيه الخمس، والإخراج من النهر لا خمس فيه، إذا لم يكن غوصاً.

إلاّ أنّه لو فرض سوق الأدلة إلى هذا الفرق فلا إشكال.

ملاحظة: إن قوله: «ما يخرج من المعادن والبحر» يصدق على رواية عمار بن مروان، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس»(2)، وقد اعتبرها صاحب المستند(3) صحيحة، وضعفها الشارح(4) بمحمد بن عيسى، وكذا على ما يؤخذ من وجه الماء في البحر.

والإشكال بأن الإخراج فرع الدخول - كما في المستند(5) - مردود بصدق الإخراج؛ لأنّه كان في البحر - الشامل لكونه على سطحه عرفاً - وخرج.

ثم إنّ كونه على الساحل غير مشمول للحكم، لأنّه وإن احتمل كون

ص: 529


1- مباني منهاج الصالحين 7: 36.
2- وسائل الشيعة 9: 494.
3- شرح العروة الوثقی 25: 107.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 34.
5- شرح العروة الوثقی 25: 112.

«يخرج» في قوله: (يخرج من المعادن والبحر) مبنياً للمعلوم إلا أن احتمال كونه مبنياً للمجهول موجود، وحيث شك يكون الحكم البراءة؛ إذ لا شك فيما يُخرج، والشك فيما تخرج، فالعلم الإجمالي منحل، لكن مضى الإشكال في ذلك.

وقد تحصّل من جميع ما سبق: أنّ العناوين المأخوذة في الروايات المعتبرة على رأي المستند هي:

أولاً: العنبر، فيشمل الإخراج بالغوص ومن وجه الماء أو على الساحل.

ثانياً: غوص اللؤلؤ. وهذه الرواية(1) صحيحة عند الشارح أيضاً.

ثالثاً: الغوص في رواية ابن أبي عمير(2).

رابعاً: ما يخرج من المعادن والبحر في رواية عمّار بن مروان(3).

كما أنّ عنوان الإخراج كذلك، لكنّه مقيّد ب- «البحر» فالعمدة إطلاق كلمة «الغوص».

ثم إنّ النتيجة المتحصّلة لا تخلو من غرابة عرفية:

1- إذ الأقسام في المقام هي: أ - العنبر. ب - اللؤلؤ ج - سائر المخرجات.

2- وكل منها إما مُخرج من النهر العظيم، أو غير العظيم، أو البحر.

3- وكل منها إمّا مُخرج بالغوص، أو الإخراج من سطح الماء، أو من الساحل، أو بآلةٍ.

ص: 530


1- وسائل الشيعة 9: 498.
2- وسائل الشيعة 9: 494.
3- وسائل الشيعة 9: 494.

والظاهر لدى العُرف أن حكم الأقسام كلّها واحد؛ إذ الملاك هو الإخراج، وما ذكر لا موضوعية له، بل الملاك هو الخروج، فما الفرق بين الأقسام(1).

هذا وحيث إنّ الجدول متداخل فالأولى أن يكون هكذا:

العنبر:

1- العنبر بالغوص وفروعه:

أ - في البحر (معتبرة الحلبي)(2) صحيحة تشمل المقام.

ب - في النهر العظيم (لو فرض شمول إطلاق الغوص له) والرواية صحيحة.

ج - في النهر غير العظيم (لو فرض وصدق عليه الغوص) والرواية صحيحة.

2 - العنبر بالأخذ من وجه الماء، أو بآلة من عمقه، وفروعه:

أ - في البحر (معتبرة الحلبي)(3) صحيحة وشاملة للمقام.

ب - في النهر العظيم (لو فرض شمول إطلاق الغوص له).

ج - في النهر العظيم (لو فرض وصدق عليه الغوص).

3 - العنبر بالأخذ من الساحل وفروعه:

أ - في البحر (معتبرة الحلبي)(4) صحيحة تشمل المقام.

ب - في النهر العظيم (لو فرض شمول إطلاق الغوص له).

ج - في النهر غير العظيم (لو فرض وصدق عليه الغوص).

ص: 531


1- راجع (الفقه) للسيد الوالد، حيث ذكر وحدة المناط (منه (رحمه اللّه) ).
2- وسائل الشيعة 9: 498.
3- وسائل الشيعة 9: 498.
4- وسائل الشيعة 9: 498.

والظاهر الشمول لكل الصور؛ لإطلاق معتبرة الحلبي، والانصراف بدوي، إلاّ أن المصنف ذكر ثلاث صور.

والخلاصة: أن كلمة (العنبر) شاملة لكل الصور التسع، كما أن كلمة (الغوص) شاملة لكل مكان صدق مفهوم الغوص عليه، وهي الثلاث الأول - لو فرض الصدق -.

ففي الصور الثلاث الأول يتوارد الدليلان.

اللؤلؤ:

اللؤلؤ: يظهر الحكم فيه لما سبق وسيأتي، إلاّ أن غوص اللؤلؤ منصوص في معتبرة الحلبي(1).

سائر المخرجات بالغوص:

1- سائر المخرجات بالغوص وفروعه:

أ - في البحر (ما يخرج من البحر والغوص).

ب - في الأنهار العظيمة (لو فرض إطلاق الغوص له).

ج - في الأنهار غير العظيمة (لو صدق الغوص عليه).

2 - سائر المخرجات بالأخذ من وجه الماء أو بآلة من عمقه وفروعه:

أ - في البحر (يخرج من البحر).

ب - في الأنهار العظيمة (لو صدق الغوص عليه).

ج - في الأنهار غير العظيمة (لو صدق عليه الغوص).

3- سائر المخرجات بالأخذ من الساحل وفروعه:

ص: 532


1- وسائل الشيعة 9: 498.

أ - بالأخذ من الساحل في البحر.

ب - بالأخذ من الساحل في الأنهار العظيمة.

ج - بالأخذ من الساحل في الأنهار غير العظيمة.

ثم إنه لو فككنا بين (الأخذ من وجه الماء) أو (بآلة من عمقه)، (ارتقت الصور إلى ستٍ وثلاثين صورة. وقد ذكر المصنف في المستند أن الأخذ من البحر أو الأخراج من البحر لا يصدق على الأخذ من سطح الماء(1).

ثم إن من المهم معرفة المشهور من هذا الباب، لأن غير رواية الحلبي(2) المحتوية على (العنبر وغوص اللؤلؤ) محل كلام وإشكال، فلا بد من معرفته رأي المشهور، وإن أية رواية جبروها بالعمل وبأي مقدار، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا إشكال في وجوب الخمس في العنبر إن أخرج بالغوص، والأحوط وجوبه فيه إن أُخذ من وجه الماء أو الساحل](3) وكذا إن أُخرج بآلةٍ، كما سبق.

ص: 533


1- شرح العروة الوثقی 25: 112.
2- وسائل الشيعة 9: 498.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 36.

الخامس: الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم

قوله (قدس سره) في المتن: [الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، فإنه يجب فيها الخمس على الأقوى](1) إلاّ أن هذا الخمس مجرد ضريبة من الدولة عليه، ولعل هذا الحكم لتحديد الشراء، كي لا يحدث مثل ما حدث في «فلسطين» وما يحدث في العراق حالياً. ولعله للضغط عليهم كي يسلموا، كما في الحكم بالنجاسة ونحوها على القول بها.

وعليه، فلا يشترط فيه نية القربة ونحوه، أي يصحّ ولو لم ينو القربة، فلا يؤخذ منه ثانية. وهذا لا ينافي تكليف الكفّار بالفروع؛ إذ وظيفته نيّة القربة.

وأمّا عملنا نحن: فنأخذه منه مرّة واحدة نوى أو لا.

والخلاصة: أنّ وجوب النية حكم تكليفي لا وضعي في خصوص المقام، فتأمل. وكذا لا تشترط نية القربة من الحاكم لعدم الدليل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [الأرض التي اشتراها الذمي] وفي حكمه غيره من الكفّار - غير الحربيين -. كالمحايد والمعاهد، بناءً على وجود المحايد، وأما الحربي فماله هدر ولا احترام له.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإنه يجب فيها الخمس على الأقوى] علّق عليه الشارح بقوله: [والدليل عليه: ما رواه أبو عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) قال: «أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه

ص: 534


1- مباني منهاج الصالحين 7: 36.

الخمس»(1)، ويدل عليه أيضاً ما أرسله المفيد ( (قدس سره) ) في (المقنعة) عن الصادق (عليه السلام) قال: «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس»(2)](3) المرسل لا اعتبار به، وقد اشار المصنف إلى ذلك مراراً، فكيف اعتبره هنا دليلاً؟

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا فرق بين الأرض الخالية وأرض الزرع، وأرض الدار وغيرها. ولا يختص الحكم بصورة وقوع البيع على الأرض، بل إذا وقع على مثل الدار أو الحمام، أو الدكان وجب الخمس في الأرض] علّق عليه الشارح بقوله: [بدعوى أن المرجع إطلاق الدليل، ومقتضاه العموم وعدم الفرق. ولكن الانصاف أن الجزم بالإطلاق مشكل، فإن المتبادر من الأرض هي الخالية عن البناء والأشجار](4) الظاهر أنّه ليس مشكلاً، لأنّه اشترى أرضاً وبناءً، والضميمة لا تلغي صدق «اشترى من مسلم أرضاً».

قوله: [وان أبيت فلا أقل من عدم الجزم بالإطلاق، ومقتضى الأصل عدمه] فيه نظر، فإنه لا يعلم أن هذا الخمس هل هو ملك الذمي أو لأرباب الخمس؟ فلو شككنا فمقتضى القاعدة إجراء قاعدة العدل والإنصاف.

نعم، بناءً على كون الخمس في الذمّة فالأصل البراءة.

ص: 535


1- وسائل الشيعة 9: 505.
2- وسائل الشيعة 9: 505.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 36-37.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 37.

قوله (قدس سره) في المتن: [كما أنه لا يختص الحكم بالشراء، بل يجري في سائر المعاوضات أو الانتقال المجاني](1) على الأحوط وجوباً.

قوله:[بدعوى أن العرف يفهم عدم خصوصية في البيع والشراء، فيعم الحكم لكل انتقال، ويرد عليه أن ملاك الأحكام مجهول عندنا، ولا وجه للحكم بالتعميم بعد اختصاص الدليل بخصوص الاشتراء، فالحق هو الاختصاص بخصوص الاشتراء، كما ورد في النص، والحكم بالعموم مبني على الاحتياط] لكن العرف يفهم خصوصية كما سبق في كلامه.

ولو كان ذلك لأمكن لكل ذمّي الفرار بأن يبيع الدنانير ويأخذ الأرض، فكان بائعاً لا مشترياً. كما ذكر ذلك السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2).

بل قد يقال: إن الرواية في (الذمّي) لا (الذمّية) فلا يشملها الحكم، وكذا (المسلم) لا (المسلمة). لكن الظاهر أن المراد هو الجنس لا الطبيعة، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا اشترى الارض ثم اسلم لم يسقط الخمس](3) على الأحوط استحباباً.

قوله: [لعدم دليل على السقوط، ومقتضى إطلاق الدليل بقاء الوجوب بحاله، كما أن مقتضى الاستصحاب كذلك. لكن

ص: 536


1- مباني منهاج الصالحين 7: 37.
2- الفقه 33: 243.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 37.

الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض بأصالة عدم الجعل الزائد، فالدليل على عدم السقوط إطلاق النص](1) فيه نظر بُين في الأُصول.

قوله: [وأما حديث الجب «الإسلام يجب ما قبله» (2)، و«التوبة تجب ما قبلها(3) من الكفر والمعاصي والذنوب»(4)، فغير معتبر سنداً](5) لكنّه مجبور بالعمل راجع القواعد الفقهية(6).

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا إذا باعها من مسلم، فإذا اشتراها منه - ثانياً - وجب خمس آخر، فان كان الخمس الأول دفعه من العين كان الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس الباقية، وإن كان دفعه من غير العين كان الخمس الثاني خمس تمام العين. نعم، إذا كان المشتري من الشيعة جاز له التصرف فيها من دون إخراج الخمس](7) الظاهر: وجوب دفع خمس تمام العين مرتين في الصورتين لو كان المشتري من الشيعة.

وأما لو كان من غيرهم، فإن اجاز الحاكم الشرعي المعاملة وجب على الذمّي خمس تمام العين مرّتين. وإن لم يجزها لم ينتقل الخمس إلى

ص: 537


1- مباني منهاج الصالحين 7: 37.
2- مستدرك الوسائل 7: 448.
3- مستدرك الوسائل 12: 129.
4- مجمع البحرين 1: 337.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 37.
6- القواعد الفقهية 1: 47-48.
7- مباني منهاج الصالحين 7: 38.

المشتري، ولا منه إلى البائع الذمّي، فيجب على الذمّي خمس تمام العين للشراء الأول، وخمس الأربعة أخماس الباقية للشراء الثاني.

قوله (قدس سره) في المتن: [كان الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس الباقية] علّق عليه الشارح بقوله: [كما هو ظاهر؛ إذ المفروض أنه لم يبق في ملكه إلا هذا المقدار](1) فيه نظر؛ إذ إنّه خرج من ملكه بعد أمر الشارع له بتخميس العين مرّة ثانية.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [كان الخمس الثاني خمس تمام العين] في العبارة والشرح نوع غموض؛ إذ لم يُعلم أن المراد: اشترى ثم خمس ثم باع الأربعة أخماس ثم اشتراه. أو اشترى ولم يخمّس ثم باع تمام العين ثم اشترى تمام العين.

فإن كان الأول فمن الواضح أنّه لم يدخل في ملكه في الشراء الثاني سوى أربعة أخماس، فلا يخمس غيرهما.

أمّا لوكان الثاني ففيه إشكال كما في حاشيتنا؛ لأن المولى أمره بتخميس الأرض - ألف متر مثلاً - فلم يخمس وباعها للمسلم فانتقلت بكامله إليه، لأدلة التحليل، ولما اشتراها انتقلت بكاملها إلى الذمّي، فأمره المولى بالتخميس لأصالة عدم التداخل، فعليه خمسان كاملان، فتأمل.

لكن عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2) أنّه لا وجه له.

وعليه، فالاقوال ثلاثة ثالثها: تفصيل المصنف.

ص: 538


1- مباني منهاج الصالحين 7: 38.
2- الفقه 33: 256.

هذا كلّه إن كان المشتري من الشيعة. وأمّا لو كان المشتري من غيرهم فالمعاملة - أي بيع الذمّي له - فضولية، فتناط بإذن الحاكم الشرعي.

قوله (قدس سره) في المتن: [يتعلق الخمس برقبة الأرض المشتراة، ويتخير الذمي بين دفع خمس العين ودفع قيمته، فلو دفع أحدهما وجب القبول، وإذا كانت الأرض مشغولة بشجرة أو بناء، فإن اشتراها على أن تبقى مشغولة بما فيها بأُجرة أو مجاناً قوم خمسها كذلك، وإن اشتراها على أن يقلع ما فيها قوم أيضاً كذلك] أي بقيمتها على أن تقلع، لا بقيمتها مقلوعةً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا اشترى الذمي الأرض، وشرط على المسلم البائع أن يكون الخمس عليه، أو أن لا يكون فيها الخمس بطل الشرط، وإن اشترط أن يدفع الخمس عنه صح الشرط، ولكن لا يسقط الخمس إلا بالدفع](1) إذ الأمر لا يسقط إلاّ بامتثاله ولم يمتثل بكله. وهذا نظير ما ذكروه من أن ذمّة الولي لا تبرأ باستئجار شخص للصلاة عن الميت، بل بالأداء، فراجع.

ص: 539


1- مباني منهاج الصالحين 7: 39.

السادس: المال المخلوط بالحرام

قوله (قدس سره) في المتن: [المال المخلوط بالحرام إذا لم يتميز ولم يعرف مقداره ولا صاحبه] علّق عليه الشارح بقوله: [على المشهور كما في كلام بعض الأصحاب، وقد ذكرت جملة من النصوص في مقام الاستدلال على المدعى، الاول: ما رواه عمار بن مروان»(1)، وهذه الرواية ضعيفة بمحمد بن عيسى، لاحتمال كونه العبيدي](2) لكن الشيخ قوّاها.

قوله: [الثاني: ما رواه حسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن رجلاً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إني أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: اخرج من ذلك المال، فإن اللّه عز وجل قد رضي من ذلك المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم»(3)، وهذه الرواية ضعيفة بحكم بن بهلول](4) الظاهر أنّ المراد مقدار يُعلم صاحبه فيفيد العلم بالمقدار والمالك.

قوله: [الثالث: ما رواه عمار، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه سئل عن

ص: 540


1- وسائل الشيعة 9: 494.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 39.
3- وسائل الشيعة 9: 505-506.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 39-40.

عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلا أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسة إلى أهل البيت»(1)، وهذه الرواية وإن كانت تامة سنداً، ولكن في دلالتها على المدعى إشكال؛ إذ لم يفرض كون المأخوذ من السلطان حراماً، بل يمكن كون جميعه حلالاً](2) فالرواية لها إطلاق يشمل صورة العلم بكون كلّه حلالاً.

ثم إن العلم الإجمالي بكون بعض أموال السلطان محرّمة غير منجّز؛ لخروج سائر الأطراف عن محل الابتلاء(3).

قوله: [والأمر بالتخميس من باب حرمة نفس العمل وأنه لا بأس به عند الضرورة، لكن يجب إعطاء خمس المأخوذ من السلطان كفارة للدخول في حوزته، فلا ترتبط الرواية بالمقام](4) إلاّ أنّه لم يقل بذلك أحد فيما نعلم، فيتعيّن كون الوجه الاختلاط. لكن يدفعه الإطلاق. ولعله أمر استحبابي.

ويمكن الحمل على خمس أرباح المؤونة، فإنّه خمس فوري وإن كان تأخيره جائزاً إلى آخر السنة إرفاقاً.

فتحصل أن الاحتمالات هي:

ص: 541


1- وسائل الشيعة 9: 506.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 40.
3- راجع بعض المسائل المتعلقة بالمقام كخمس أموال البنك (منه (رحمه اللّه) ).
4- مباني منهاج الصالحين 7: 40.

أولاً: أنّه خمس الاختلاط.

ثانياً: أنّه كفارة لعمله.

ثالثاً: أنه أمر استحبابي.

رابعاً: أنه من باب أرباح المؤونة.

قوله: [الرابع: ما أرسله الصدوق (قدس سره) ، قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، أصبت مالاً أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال: ايتني خمسه، فأتاه بخمسه، فقال: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه»(1)، وهذه الرواية لإرسالها لا اعتبار بها](2) في مراسيل الصدوق أقوال ثلاثة، وإن كان المختار ما في المتن.

قوله: [الخامس: ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «أتى رجل امير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إني كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط علي، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : تصدق بخمس مالك، فإن اللّه رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال»(3)](4) ظاهر الصدقة أنّها للفقير. إلاّ أن يقال: إنّها مستخدمة في معناها الأعم(5).

ص: 542


1- وسائل الشيعة 9: 506.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 40.
3- وسائل الشيعة 9: 506-507.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 40-41.
5- راجع مبحث «الشك في النقل مع العلم بحصول النقل الجديد» مباحث >علامات الوضع» و>الحقيقة الشرعية» و>حجّية الظواهر» في علم الأصول (منه (رحمه اللّه) ).

وقد يقال: إن كلمة الخمس - خصوصاً بقرينة التعليل - أقوى دلالة فتصرف ظاهر كلمة تصدّق.

قوله: [وهذه الرواية ضعيفة بضعف أسناد الصدوق إلى السكوني بالنوفلي، فالنتيجة عدم دليل معتبر على المدعى](1) إلاّ أن في علم الرجال طريقاً لتوثيق النوفلي، باعتبار روايته غالباً عن السكوني، مع اعتبار رواياته، فالقول بعدم اعتباره مساوق عملاً لإلغاء غالب روايات السكوني.

ثم، لو فرض عدم وجود دليل معتبر، إلاّ أن مجموع الروايات مما يُطمأن بصدور بعضها، كما ذكرناه سابقاً في الغوص، من أن هذه الروايات مجبورة بالعمل - على القول به - بالإضافة إلى أنها متواترة؛ إذ يعبد - بحساب الاحتمالات - كذب الرواة جميعاً، خصوصاً مع تعددها واختلاف المروي عنه.

ولاحظ ما ذكره الشيخ في الاستصحاب.

ثم إنّ الدال منها غير المعتبر، والمعتبر غير دال، فلعل الاستدلال بالمجموع من حيث المجموع. والروايات التي يستدل بها خمسة، وهي:

الأولى: رواية عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) .

الثانية: رواية حسن بن زياد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) .

الثالثة: رواية عمّار بن مروان الثانية عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) .

الرابعة: مرسلة الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) .

الخامسة: رواية السكوني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) .

ص: 543


1- مباني منهاج الصالحين 7: 41.

قوله: [وعليه لابد من أن يعامل معه معاملة المجهول المالك](1) إن كان عدم وجود القائل أو أنه نادر فهذا وجه آخر لتضعيف هذا القول.

قوله: [وعلى هذا الأساس يكون البحث في الفروع الآتية المذكورة في المتن على مبنى القوم، وأما على فرض الإشكال في نصوص المقام فمقتضى القاعدة المعاملة معه معاملة المجهول مالكه] سيأتي من المصنف أن حكم مجهول المالك هو التخميس(2)، فلا فرق بين المبنيين إلاّ في المصرف.

نعم، على مبنى المشهور حكمه التصرف.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإنه يحل بإخراج خمسه] علّق عليه الشارح بقوله: [على ما هو المستفاد من نصوص المقام على مبنى القوم، وعلى ما تقدم يكون طريق تحليله التصدق بالمقدار المملوك للغير على ما هو المعروف، إن قلت: الأخبار الواردة في التصدق موردها الاعيان المتميزة فما الحيلة؟ قلت: لا يبعد أن يقال إن العرف يفهم أن حكم مجهول المالك هو التصدق بلا فرق بين مصاديقه، مضافاً إلى أن الأمر دائر بين التصدق والتملك وإبقائه بحالة، وحيث لا وجه للثاني والثالث، فالمتيقين هو الأول، وفي مفروض المقام يقتصر على المقدار المعلوم؛ إذ الزائد عليه منفي بالأصل](3) أو أن اليد أمارة

ص: 544


1- مباني منهاج الصالحين 7: 41.
2- سيأتي في مباني منهاج الصالحين 7: 44.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 41.

الملكية، إلاّ ما قطع بخروجه، والأمارة لا تدع مجالاً للأصل العملي. هذا إن كانت يد كما سيأتي.

قوله: [والثالث فالمتيقن هو الأول] الوجه أنه لا حل شرعي فيبقى بحاله.

قوله: [ولا يخفى: إنه لا مقتضي لحصول الشركة؛ إذ الشركة تحصل بأحد نحوين](1) بل بأكثر من ذلك، مثل الحيازة معاً، ومثل الميراث(2).

قوله: [أحدهما: عقد الاشتراط، كما لو كان لأحدهما عشرون ديناراً وللآخر عشرة دنانير، فتعاقدا على الشركة، فتكون النتيجة أن كل دينار مشتركاً بينهما، بالثلثين والثلث.

ثانيهما: أن يختلط المالان ولو بغير الاختيار، كما لو اختلط أحد السمنين بالآخر، ولكن يختص بمورد يعد المالان شيئاً واحداً، ولا يكون تمييز بينهما، ومع انتفاء هذين الأمرين لا وجه للشركة، وعليه فبأي وجه يميز بين المالين ويعين مالكه كي يترتب على كل واحد حكمه؟](3) لولا روايات القرعة لأمكن القول بالتخيير، لأنه طريقة عقلائية، وبقاء المال هكذا ضرر، وهو منفي ب- «لا ضرر» وسيأتي مايؤيّده(4).

ص: 545


1- مباني منهاج الصالحين 7: 42.
2- راجع كتاب الشركة (منه (رحمه اللّه) ).
3- مباني منهاج الصالحين 7: 42.
4- سيأتي في مباني منهاج الصالحين 7: 44.

ثم ان قوله: [ولا يخفى: أنه لا مقتضي لحصول الشركة](1) الظاهر أن مراده أن الشركة لا تحصل لعدم تحقق مقتضيها، بل الحاصل الاختلاط والاشتباه، فكيف نعيّن حصّة كل شخص وماله؟ الجواب: بالقرعة.

قوله: [ويمكن أن يقال: إنه يستفاد من بعض النصوص أن الوظيفة في أمثال المقام الرجوع إلى القرعة، لاحظ ما رواه منصور بن حازم، قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن مسألة، فقال: «هذه تخرج في القرعة، ثم قال: فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا أمرهم إلى اللّه عز وجل، أليس اللّه يقول: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ}(2)(3)، فإن المستفاد من هذا الحديث أن المرجع في مثل هذه الموارد هي القرعة](4) لكن هنا كلام، وهو أن القرعة تحتاج إلى العمل، لكنّه مردود بما ذكر في محله، لاحظ (القواعد الفقهية)(5).

قوله: [ولاحظ ما رواه جميل، قال: قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة، أليس حقاً؟ فقال زرارة: بلى هي حق، فقال الطيار: أليس قد ورد أنه يخرج سهم المحق، قال: بلى، قال: فتعال حتى ادعي أنا وأنت شيئاً ثم نساهم عليه فننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: إنما جاء

ص: 546


1- مباني منهاج الصالحين 7: 42.
2- الصافات: 141.
3- وسائل الشيعة 27: 262.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 42.
5- القواعد الفقهية 1: 357.

الحديث بأنه ليس من قوم فوضوا أمرهم إلى اللّه ثم اقترعوا إلاّ خرج سهم المحق، فأما على التجارب فلم يوضع على التجارب، فقال الطيار: أرأيت إن كانا جميعاً مدعيين ادعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما، فقال زرارة: إذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح، فإن كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح»(1).

ومما ذكرنا علم حكم صورة ما لا تكون العين تحت اليد، فإن في هذه الصورة يحكم بكل مقدار معلوم لمالكه، وأما المقدار المشكوك فيه فيرجع فيه إلى القرعة](2) لكن الظاهر حكومة قاعدة العدل والإنصاف على ذلك، راجع ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه: كتاب الخمس)(3) و(الأصول) وقد تناقض رأي المصباح(4) في ذلك، فتارةً قال انّ لا دليل لها إلاّ عذوبة لفظها، وأُخرى: قبلها. والظاهر: أن عليها سيرة العقلاء. ويؤيده(5) رواية (درهمي الودعي)(6). وستأتي بعض الروايات في كلام المصنف بعد قليل.

قوله: [وربما يقال: إن الوظيفة في أمثال المقام التنصيف، والدليل عليه ما رواه غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «إن أمير

ص: 547


1- وسائل الشيعة 27: 257-258.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 42-43.
3- الفقه 33: 178-179.
4- مصباح الفقيه 3: 14.
5- راجع مباحث العلم الإجمالي في كتاب فرائد الأصول للشيخ الأنصاري (منه (رحمه اللّه) ).
6- وسائل الشيعة 18: 451.

المؤمنين (عليه السلام) اخصتم إليه رجلان في دابة، وكلاهما أقاما البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين»(1) فإن مقتضى هذه الرواية أن الوظيفة التنصيف.

ولكن الرواية معارضة بما رواه سماعة، قال: «إن رجلين اختصما إلى علي (عليه السلام) في دابة، فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده، وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد، فاقرع بينهما سهمين، فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة، ثم قال: اللّهم رب السموات السبع، ورب الأرضين السبع، ورب العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها فأسألك أن يقرع ويخرج سمهم، فخرج سهم احدهما فضى له بها»(2)، وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر يتساقطان، وبعد التساقط يكون المرجع حديثي منصور بن حازم(3) وجميل(4)](5) سبق أنّه لو تعارض خاصّان كان المرجع العام.

مثل «أكرم العلماء» و «أكرم زيداً، و لا تكرم زيداً» وقد مضى وجهه.

هذا، ولكن هنالك حاكم على هذا العام، وهو قاعدة العدل والإنصاف

ص: 548


1- وسائل الشيعة 27: 250.
2- وسائل الشيعة 27: 654.
3- وسائل الشيعة 27: 262.
4- وسائل الشيعة 27: 257-258.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 43.

الكلّية. فهناك جزئيان وكلّيان، والجزئيان متعارضان، وأحد الكلّيين حاكم على الآخر.

ثم إن قوله: [وبعد التساقط يكون المرجع](1) في خصوص هذا الجزء يمكن أن يقال: لا تعارض؛ لأن الحكم التخيير، وليست القضية واحدة حتى يتكاذبا، فيمكن القول بالتخيير بين القرعة والتنصيف.

ثم قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط صرفه بقصد الأعم من المظالم والخمس](2) في النصف المتعلق بالسادة، وأما النصف المتعلق بالإمام (عليه السلام) فلا بد أن يدفع اليه أو يستأذنه، والاحتياط الاستحبابي استئذانه في الصرف على السادة الفقراء، فلو أذن صرفه فيهم بقصد الأعم.

قوله: [لاحتمال وجوب إخراج الخمس بعنوان التصدق، لاحظ ما رواه السكوني(3)](4) لكن مضى تضعيف هذا الاحتمال، وإن لم ينافِ ذلك الاحتياط.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي] بل استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدق به عنه، سواء كان الحرام بمقدار الخمس أم كان أقل منه، أم كان أكثر

ص: 549


1- مباني منهاج الصالحين 7: 43.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 44.
3- وسائل الشيعة 9: 506.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 44.

منه] علّق عليه الشارح بقوله: [بدعوى أن المستفاد من دليل وجوب الخمس مورد الجهل بالمقدار الحلال والحرام، ولا يشمل الدليل مورد العلم بكون الحرام أزيد من الخمس، خصوصاً مع تعمد الخلط بداعي أكل مال الغير بهذه الحيلة، كما أنه لا يحتمل وجوب التخميس على مَنْ يعلم بوجود دينارين من مال الغير في ضمن عشرة دنانير من مال نفسه، فالدليل مختص بصورة الجهل بالمقدار، ففي الصورة المفروضة في المتن يجب التصدق، وحيث إن الولاية بيد المالك فلا يجب تمييز مال الغير أولاً ثم التصدق به] ولو كان عالماً بالمقدار لكان فيه مؤونة زائدة، وللزم بيانها في الروايات الواردة.

قوله (قدس سره) في المتن: [الأحوط - وجوباً - أن يكون بإذن الحاكم الشرعي] علّق عليه الشارح بقوله: [بدعوى أنه لا يجوز التصرف في مال الغير، والمقدار المتيقن من الجواز ما يكون بإذن الحاكم الشرعي، مضافاً إلى أن المستفاد من حديث داود بن أبي يزيد - عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رجل: «إني قد أصبت مالاً وإني قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه، قال، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : واللّه، أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: إي واللّه، قال: فأنا واللّه ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، فقال: فحلف، فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن مما خفت منه، قال: فقسمته بين إخواني»(1) - أن صاحب الاختيار ومرجع الأمر

ص: 550


1- وسائل الشيعة 25: 45.

في مجهول المالك الإمام (عليه السلام) ، فمع غيبته يكون المرجع نائبه العام](1) لا مانع من الأمر بالتقسيم، إلاّ أنه غير ظاهر من الرواية كونه ملكاً شخصياً له.

قوله: [وتقريب الاستدلال بالرواية على المدعى: أنه (عليه السلام) قال أنا صاحبه، وليس المراد أنه ملكه، بل المقصود أنه لا بد أن يراجع اليه، ولو كان ملكه لم يكن وجه لأمره (عليه السلام) بالتقسيم بين إخوانه.

ويرد على ما أفيد أما في التقريب الاول فبأن مقتضى دليل التصدق كفايته، وعدم توقفه على الإذن، ولا مانع من الإطلاق بعد انعقاد أصالته](2) لا بد من ملاحظته. وأمّا الرواية السابقة فلا دلالة فيها، كما سبق بيانه.

قوله: [وأما الاستدلال بالرواية: ففيه أولاً: إن السند مخدوش باشتراك موسى بن عمر بين الموثق وغيره، ومجرد كون الراوي في أسناد كامل الزيارة لا اثر له] لا بد من ملاحظة أنّه مجبور بالعمل أولاً - على المبنى - وثانياً: لا بد من الرجوع إلى كتب تمييز المشتركات.

قوله: [فالسند غير تام فلا تصل النوبة إلى ملاحظة الدلالة مع أن تقريب المدعى غير تام] لعله لأنّه ينكر النيابة العامّة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح] علّق عليه الشارح بقوله: [إذ به يتم الأمر ولا يبقى إشكال] الإشكال أنه

ص: 551


1- مباني منهاج الصالحين 7: 44-45.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 45.

كيف يجبر المالك على الصلح، إلا أن يريد صورة رضاهما معاً بالصلح.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن علم المالك وجهل المقدار] لم يبرهن على أن الروايات السابقة لا تشمل هذه الصورة، والظاهر إطلاقها، إلاّ أنّها منصرفة عن الشمول لحكمها، فما دام المالك معلوماً كيف يُعطى الخمس لغيره؟ وهذا وإن كان استبعاداً إلاّ أنّه مانع عن الإطلاق.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن لم يرض المالك بالصلح جاز الاقتصار على دفع الأقل إن رضي بالتعيين] إن كان المال تحت يده، وإلاّ وجب التنصيف في المقدار المشكوك، تحكيماً لقاعدة العدل والإنصاف، كما سبق الكلام حول ذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإلا تعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم الدعوى، وحينئذٍ إن رضي بالتعيين فهو، وإلاّ أجبره الحاكم عليه](1) بل لجأ في التعيين إلى القرعة.

وتأتي هنا شبهة وهي: احتياج القرعة للعمل، كما سبق بيانه.

قوله: [لأن الحاكم المرجع في المرافعات وهو ولي الممتنع، ولقائل أن يقول لا وجه للاجبار، بل مقتضى القاعدة التوسل إلى القرعة، لاحظ حديثي منصور(2) وجميل(3)](4) وتدل عليه السيرة

ص: 552


1- مباني منهاج الصالحين 7: 46.
2- وسائل الشيعة 27: 262.
3- وسائل الشيعة 27: 257.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 46.

العقلائية، وقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}(1) وما أشبه ذلك، وقوله (عليه السلام) : «فإني قد جعلته عليكم حاكماً»(2).

ويبقى هنا بحث: وهو أنه لو تراضيا بشيء فيصل بينهما - كالحاكم أو القرعة - فهل النتيجة ملزمة لهما؟

الجواب: عقلائياً نعم، وأما شرعاً فلا بد من البحث عن الرادع للسيرة العقلائية في كتاب القضاء.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا علم قدر المال الحرام ولم يعلم صاحبه بعينه، بل علمه في عدد محصور، فالأحوط التخلص من الجميع باسترضائهم](3) الأحوط استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإن لم يمكن ففي المسألة وجوه، أقربها العمل بالقرعة في تعيين المالك](4) بل أقربها تقسيم المال بين أطراف الشبهة المحصورة بالسوية.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا الحكم إذا لم يعلم قدر المال، وعلم صاحبه في عدد محصور] وفي هذه الصورة يقتصر على الأقل من القدر، وإن كان الأحوط استحباباً الأكثر.

قوله: [بتقريب أن دليل القرعة لا يشمل المقام؛ إذ موضوعه

ص: 553


1- النساء: 105.
2- وسائل الشيعة 27: 137.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 46.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 46.

المشكل، وفي المقام لا إشكال لأن إرضاء الجميع وظيفة المكلف].

أولاً: هذا أول الكلام، لأننا نبحث الآن في وظيفة المكلف.

ثانياً: في الموارد الأُخرى لم يقل بذلك «إن رضي بالتعيين» فليرضه ولو بدفع أضعاف ماله إليه.

قوله: [لا يقال: إن إرضاء الجميع يوجب الضرر، ودليل لا ضرر ينفه، فإنه يقال: المستفاد من دليل لا ضرر أن الشارع الأقدس لا يأمر بالضرر، ومن الواضح أن الحكم الشرعي غير ضرري] إذ الشارع يقول: إنّ المال لمالكه الواقعي، وهذا ليس بضرري، بل الجهل سبب حكم العقل بالاحتياط، فهو سبب الضرر.

قوله: [وإنما الضرر ناشئ عن جهل المكلف بالمالك، فلا يرتبط بالشارع، هذا ملخص تقريب الاستدلال على المدعى] الضرر نابع من الحكم الشرعي بلزوم الاسترضاء، وبأي وجهٍ كان، وإلاّ انتقض بجميع موارد الاحتياط، كالشبهة الحكمية بعد الفحص.

قوله: [وفيه: إنه لا إشكال في وجوب الاحتياط شرعاً، وقد اعترف الماتن بأن أخبار الاحتياط محمولة على موارد الشبهات الحكمية قبل الفحص، ومواد العلم الإجمالي، فالضرر من ناحية الشارع](1) لأنه أمر بالاحتياط، إلاّ أن يقال: إنّها ارشادية إلى حكم العقل. وفيه: أنّه لا ملزم لحملها على الإرشادية، بل الأصل المولوية(2).

ص: 554


1- مباني منهاج الصالحين 7: 47.
2- راجع مباحث القطع في علم الأُصول، ولاحظ ضابط المولوي والإرشادي (منه (رحمه اللّه) ).

ثم إنّ تقرير حكم العقل وإمضائه ضرري.

وبعبارة أُخرى: إبقاء الشارع قوله: «أو المال إلى مالكه على كل حال كاملاً» ضرري، أي أن إطلاقه لهذه الحالة ضرري، وحكم العقل بالاحتياط نابع من بقاء الأمر الشرعي بإطلاقه، فلا ضرر يرفع الإطلاق، فتأمل.

قوله: [لا من ناحية الجهل](1) بل الجهل موضوع للحكم الشرعي، وإن كان الموضوع نحو علّية للمحمول.

قوله: [مضافاً إلى أنَّ حديثي منصور(2) وجميل(3) يقضيان الرجوع إلى القرعة، ولم يؤخذ في موضوعهما عنوان المشكل كي يقال إنه لا إشكال مع إمكان الاحتياط](4) فيه ما سبق من أن قاعدة العدل حاكمة على القرعة في القضايا المالية.

قوله: [اضف إلى ذلك أن هذا العنوان لعله لم يرد في رواية معتبرة، فلا مجال لهذا التقريب، فالحق أنه في مثل الفرض يرجع إلى القرعة على الإطلاق، ولا وجه للتفصيل] ولو فرض وروده لم يقدح؛ لأن المثبتين لا يقيد أحدهما الآخر، والروايات السابقة(5) أعم.

هذا، مضافاً لما ذكرناه سابقاً في المقام.

ص: 555


1- مباني منهاج الصالحين 7: 47.
2- وسائل الشيعة 27: 262.
3- وسائل الشيعة 27: 257.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 47.
5- وسائل الشيعة 27: 25.

نعم، يبقى هنا بحث، وهو أنّه لو كان بتقصيره فهل تشمله قاعدة «لا ضرر» وقاعدة «العدل والإنصاف»؟

الظاهر: أنّه لا مانع من الإطلاق، والانصراف محل تأمل، فتأمل.

وقد يقال: إنّه أقدم على الضرر. وفيه: أنّه أقدم على الغصب الذي يستلزم رد المال، ولم يقدم على الضرر.

وقد يقال: الغاصب يؤخذ بأشد الأحوال. وفيه: أنّه لا دليل عليه كما سبق، وهنالك رواية ينقلها السيد محمد كلانتر، لكن لم يذكر المصدر (1).

ثم إنّ ملاك المحصور وغير المحصور مذكور في الأصول، ولا موضوعية لهذين اللفظين، ولم يردا في النصوص الشرعية - فيما نعلم - حتى يبحث حول لفظهما.

فتحصّل من جميع ما سبق:

أولاً: الضرر ناشئ من حكم الشارع بالاحتياط.

ثانياً: الضرر ناشئ من إمضاء الشارع حكم العقل بالاحتياط.

ثالثاً: الضرر ناشئ من إطلاق (أدّ المال إلى مالكه).

رابعاً: حديثا منصور وجميل يقضيان اللجوء إلى القرعة، وهما مطلقان.

خامساً: المشكل لا وجود له في رواية معتبرة، ولو كان فلا يقيّد أحد المثبتين الآخر.

سادساً: الضرر يسند عُرفاً إلى الحكم الشرعي.

سابعاً: النقض بالموارد الأخرى التي حكم فيها بالقرعة.

ص: 556


1- الروضة البهية 10: 195.

ثامناً: النقض بموارد العلم الإجمالي لو استلزم الضرر، فإنّ الاحتياط غير واجب مع أنّه ناشئ من جهل المكلّف؟

تاسعاً: قاعدة العدل حاكمة على الاحتياط أو القرعة، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس، فإن علم جنسه ومقداره، فإن عرف صاحبه رده إليه، وإن لم يعرفه، فإن كان في عدد محصور، فالأحوط وجوباً استرضاء الجميع، وإن لم يمكن عمل بالقرعة، وإن كان في عدد غير محصور تصدق به عنه، والأحوط - وجوباً - أن يكون بإذن الحاكم الشرعي](1) القاعدة العامّة عند المصنف هي:

1- في الجهل بالمقدار يؤخذ بالأقل.

2- في الجهل ب- (الجنس القيمي) يؤخذ بالأقل أيضاً.

3- في الجهل ب- (الجنس المثلي) تجب المصالحة وإلا القرعة.

4- في الجهل بالمالك المحصور، يجب الاسترضاء وإلا فالقرعة.

5- في الجهل بالمالك غير محصور يجب التصدّق، واحتياطاً بإذن الحاكم.

وفي الثالث والرابع تأمل؛ إذ يحتمل إجراء قاعدة العدل والإنصاف.

وعلى ما ذكره المصنّف فهناك فرع:

أولاً: إذا علم الجنس والمقدار ففيه ثلاثة فروع:

ص: 557


1- مباني منهاج الصالحين 7: 47.

1- إذا علم صاحبه ردّه إليه.

2- إذا جهل صاحبه - وكان في عدد محصور - فيجب الاسترضاء، وإلا القرعة.

3- إذا جهل صاحبه - وكان في عدد غير محصور - تصدّق به عنه، مع الإذن من الحاكم.

ثانياً: إذا علم الجنس دون المقدار، ففيه ثلاثة فروع:

1- إذا عرف المالك دفع إليه الأقل.

2- إذا جهله - وكان في عدد محصور - فيجب الاسترضاء وإلا القرعة.

3- إذا جهله - وكان في عدد غير محصور - تصدق به عنه مع الإذن من الحاكم.

ثالثاً: إذا لم يعرف الجنس ففيه فرعان:

1- إذا كان قيمياً فحكمه كالسابق.

2- إذا كان مثلياً فتجب المصالحة، وإلاّ القرعة.

قوله (قدس سره) في المتن: [فالأحوط وجوباً استرضاء الجميع](1) بل استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن لم يمكن عمل بالقرعة] بل بقاعدة العدل والإنصاف.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي] بل استحباباً.

ص: 558


1- مباني منهاج الصالحين 7: 47.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس] علّق عليه الشارح بقوله: [كما هو ظاهر؛ إذ موضوعه الاختلاط الذي لا يتحقق إلا في العين الخارجية] لو راجعنا الروايات لوجدنا أنها قد عبرت عنه بتعابير مختلفة، تصدق على العين الخارجية فقط، وهي:

1- مختلط: وهي رواية عمار بن مروان، قال سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس»(1).

2- لا أعرف حلاله من حرامه، ومن ذلك المال، وهذا ما عبرت عنه رواية حسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن رجلاً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إني أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: اخرج الخمس من ذلك المال، فإن اللّه عز وجل قد رضي من ذلك المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يُعلم»(2).

3- شيء فليبعث بخمسه، وهي: ما رواه عمار، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا، إلا أن لا يقدر على شيء يأكل ولايشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(3).

4- ايتني خمسه، وهو ما أرسله الصدوق (قدس سره) قال: «جاء رجل إلى أمير

ص: 559


1- وسائل الشيعة 9: 494.
2- وسائل الشيعة 9: 505-506.
3- وسائل الشيعة 9: 506.

المؤمنين (عليه السلام) فقال: أصبت مالاً أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال (عليه السلام) : ايتني خمسه، فأتاه بخمسه، فقال: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه»(1).

5- تصدّق بخمس مالك، وهو ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «أتي رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إني كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط علي. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : تصدق بخمس مالك، فإن اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»(2).

وهذه الروايات صريحة أو ظاهرة أو منصرفة إلى كونه في العين لا الذمّة.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإن علم جنسه ومقداره، فإن عرف صاحبه رده إليه] علّق عليه الشارح بقوله: [لوجوب رد المال إلى مالكه](3) عقلاً وشرعاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن لم يعرفه، فإن كان في عدد محصور فالأحوط وجوباً استرضاء الجميع، وإن لم يمكن عمل بالقرعة، وإن كان في عدد غير محصور تصدق به عنه] علّق عليه الشارح بقوله: [كما هو الميزان في مجهول المالك على ما هو المقرر عندهم] وعند المصنف: حكم مجهول المالك هو التخميس(4).

ص: 560


1- وسائل الشيعة 9: 506.
2- وسائل الشيعة 9: 506.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 47.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 44.

وهنا بحث: وهو أنّ الشبهة غير المحصورة هل تلحق بالشبهة البدوية مطلقاً أو لا؟ ليس الإلحاق ببعيد(1).

قوله (قدس سره) في المتن: [وان علم جنسه وجهل مقداره جاز له في إبراء ذمته الاقتصار على الأقل، فإن عرف المالك رده إليه، وإلا فإن كان في عدد محصور فالأحوط - وجوباً - استرضاء الجميع](2) بل استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [الاقتصار على الأقل] لا يقال إن كان المال تحت يده، وإلاّ وجب التنصيف في المقدار المشكوك، فإنّه يقال: المفروض أن المال في ذمته لا في العين، فلا موقع لذلك.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإن لم يمكن رجع إلى القرعة](3) بل إلى قاعدة العدل والإنصاف.

قوله (قدس سره) في المتن: [والا تصدق به عن المالك، والأحوط - وجوباً - أن يكون باذن الحاكم] بل استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن لم يعرف جنسه وكان قيمياً وكانت قيمته في الذمة، فالحكم كما لو عرف جنسه، وإن لم يعرف جنسه وكان مثلياً، فإن أمكن المصالحة مع المالك تعيّن ذلك] استحباباً.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإلا فلا يبعد العمل بالقرعة بين الأجناس] بل

ص: 561


1- راجع علم الأصول، وراجع روايات باب مجهول المالك (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 48.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 48.

العمل بقاعدة العدل.

قوله (قدس سره) في المتن: [جاز له في إبراء ذمته الاقتصار على الأقل] علّق عليه الشارح بقوله: [لجريان الأصل فيما زاد على المقدار المعلوم] سبق: أن المحكم قاعدة اليد.

قوله (قدس سره) في المتن: [فلا يبعد العمل بالقرعة بين الأجناس] علّق عليه الشارح بقوله: [بتقريب أنه مع إمكان المصالحة لا تصل النوبة إلى القرعة؛ لأنها لكل أمر مشكل، ومع إمكان الصلح لا إشكال، فلا موضوع للقرعة](1) دليل القرعة لا يشمل المقام؛ لأن موضوعه المشكل، ولا إشكال في المقام.

فإن قلت: إن إرضاء المالك بالمصالحة يوجب الضرر، ودليل لا ضرر ينفيه.

قلت: إن دليل لا ضرر يستفاد منه أنَّ الشارع المقدس لا يأمر بالضرر، والحكم الشرعي غير ضرري، وإنما الضرر ناشئ من جهل المكلف بالجنس، فلا ربط له بالشارع.

قوله: [ويرد عليه أولاً: ما تقدم منا من أن حديثي منصور وجميل لم يؤخذ في موضوعيهما عنوان المشكل، وقلنا لعله لا يكون في روايات القرعة حديث معتبر يكون عنوان المشكل مأخوذاً في موضوعه، وثانياً: على الأساس الذي سلك الماتن لا بد من أن يلتزم

ص: 562


1- مباني منهاج الصالحين 7: 48.

بوجوب رد جميع الأجناس المحتملة، ولا تصل النوبة إلى القرعة، فإن العلم الاجمالي ينجز الأطراف، ومع إمكان الامتثال ورد المال بهذا النحو من الاحتياط لا تصل النوبة إلى القرعة، فالإيراد عليه نقضاً وحلاً، والحق ما قلناه من التوسل إلى قانون القرعة، فلاحظ](1) لا يخفى أنّ الأقسام المتصورة كثيرة في المقام، وهي:

1- أن يعلم المالك والجنس والمقدار.

2 - أن يجهل المالك والجنس والمقدار.

3 - أن يعلم المالك والجنس دون المقدار.

4 - أن يعلم المالك والمقدار دون الجنس.

5 - أن يعلم الجنس والمقدار دون المالك.

6 - أن يعلم المالك فقط.

7 - أن يعلم المقدار فقط.

8 - أن يعلم الجنس فقط.

ثم إنّ العلم إمّا أن يكون تفصيلياً أو إجمالياً، محصوراً أو غير محصور، والجنس إمّا أن يكون مثلياً أو قيمياً.

ويعرف حكم الأقسام مما ذكرناه في القواعد العامّة في حاشية مسألة (19)، فراجع.

ثم إن قول المصنف «وإن لم يمكن عمل بالقرعة»(2)، وكذا قوله «فإن لم

ص: 563


1- مباني منهاج الصالحين 7: 48-49.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 47.

يمكن رجع الى القرعة»(1)، وهكذا «فإن أمكن المصالحة مع المالك»(2) لم يعلم المقصود بالإمكان، فهل هو عدم قبول الطرف؟ وهل مجرد عدم القبول يبرر الانتقال إلى هذا الحكم، كما أشكل الشارح على الماتن (قدس سره) أنه على ما سلكه الماتن لابد أن يلتزم بوجوب رد جميع الأجناس المحتملة، ولا تصل النوبة إلى القرعة.

ثم: إن الفرق بين كون الغصب محللاً - بأن كان جاهلاً - أو محرماً - بأن كان عالماً أو مقصراً - قد مضت الإشارة إليه.

ثم إنَّ وجوب الفحص في هذه الموارد مبني على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية مطلقاً، أو في بعض الموارد، فلاحظ.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا تبين المالك بعد دفع الخمس، فالظاهر عدم الضمان له] علّق عليه الشارح بقوله: [إذ المستفاد من نصوص الخمس أن الباقي بعد أداء الخمس يكون ملكاً للمكلف، فلا وجه للضمان بعده، لاحظ ما رواه السكوني(3)، فإن المصرح به في هذه الرواية أن سائر المال له حلال، هذا على القول بالخمس كما هو المشهور](4) وذهب إليه الشارح، وإن كان رأيه أنّه مجهول المالك، وأن حكمه عنده التخميس.

ص: 564


1- مباني منهاج الصالحين 7: 48.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 48.
3- وسائل الشيعة 9: 506-507.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 49.

ثم إن قوله: [ما رواه السكوني] لعلّه لا إطلاق له، ولا لسائر روايات الباب لصورة تبيّن المالك؛ إذ الغالب أنّه لا يتبيّن. لكن مبنى القوم إطلاق الدليل، ولو كان لازماً للزم التنبيه عليه في روايات الباب، والغلبة لا تصرف المطلق عن إطلاقه.

والخلاصة: أنّه أدى وظيفته فلا شيء عليه.

وبعبارة أُخرى: كان اللازم إيصال المال لصاحبه، وهذا إيصال تعبدّي، فتأمل.

قوله: [وأما على القول بالتصدق فالظاهر أن الأمر كذلك أيضاً؛ لأن الظاهر من دليل التصدق أنه مصداق للإيصال إلى المالك بحكم الشارع](1) أو أنه بدل اضطراري، فإن لم يمكن إيصال عين المال فليوصل إليه الثواب، فيبقى إطلاق (وجوب رد المثل أو القيمة لصاحبه)، إلاّ أن يقال: إطلاق هذه الأدلّة ظاهر في نفي إطلاق أدلة الردّ وحاكم عليه، فتأمل.

ثم ما هو الفرق بين هذه المسألة والمسألة القادمة، لو فرضنا أنّه ايصال تعبّدي؟

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا علم بعد دفع الخمس أن الحرام أكثر من الخمس وجب عليه دفع الزائد أيضاً] هذا إن علم مقداره، وإن لم يعلم مقداره وجب عليه التخميس مرّة ثانية؛ لكونه مصداقاً للمختلط فيجب الخمس.

ص: 565


1- مباني منهاج الصالحين 7: 49.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا علم أنه انقص لم يجز له استرداد الزائد على مقدار الحرام] إن كانت عينه تالفة ولم يشترط الرجوع، وإلاّ جاز الاسترداد؛ لأنه ماله(1)، وأمّا عدم الجواز عند تلف العين، فلأنّه غارّ وهو سبب تلف ماله.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا علم بعد دفع الخمس أن الحرام أكثر من الخمس وجب عليه دفع الزائد أيضاً] علق عليه الشارح بقوله: [بتقريب أن دليل التخميس منصرف عن المورد، فلا يحل الباقي بالتخميس](2) لم يُعلم وجه الانصراف، كما سيذكره الماتن بعد اسطر.

قوله: [ولكن يرد عليه: أنه مع فرض الانصراف لا وجه لتحليل المال بأداء الزائد؛ إذ المفروض أن المال مختلط بالحرام، فلا بد من الاحتياط أو تعيين مال الغير بالقرعة] وجهه أنّه قد تخلّص منه، وقد سبق(3) أن الولاية للمالك. ولا فرق بين ذلك المقام وهذا المقام، ولأنّه عمل عقلائي لم يردع عنه الشارع. إلاّ أن يقال: إنَّ القرعة رادعة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإذا علم أنه انقص لم يجز له استرداد الزائد على مقدار الحرام] علق عليه الشارح بقوله: [فإن مقتضى إطلاق النصوص أنه لا يرجع ما دفعه بعنوان الخمس] النصوص منصرفة عن

ص: 566


1- راجع كلي المسألة في مبحث >من يستحق الخمس» وكذا «في مباحث الزكاة» إذ الظاهر أنه لا فرق بين المقام وذلك الكلي (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 49.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 44.

هذه الصورة.

قوله: [وبعبارة أُخرى: ما دفعه بهذا العنوان صار ملكاً لأهل الخمس، ولا دليل على زوال تلك الملكية بعد انكشاف الواقع، فلاحظ](1) هذا أول الكلام.

قوله: [هذا على القول بوجوب الخمس، وأما على القول بوجوب التصدق فلو انكشف كونه أكثر يجب دفع الزائد كما هو ظاهر؛ لتحقق الموضوع الموجب لترتب الحكم عليه](2) وهو كونه مجهول المالك.

قوله: [وأما لو علم أنه أنقص يجوز استرداد الزائد إن دفعه بالعنوان التقديري، وعلى فرض كون الواجب هذا المقدار فإنه بعد كشف الخلاف لا مانع من الاسترداد؛ إذ تحقق المعلق يتوقف على تحقق المعلق عليه، والمفروض أنه لا تحقق له، فالزائد باق في ملك الدافع، فجواز الاسترداد على القاعدة الأولية] لا وجه لهذا التفصيل، بل الملاك أنّه موجود فيستحق أخذه، أو تالف مع شرط الرجوع فيستحق، أو تالف بلا شرط الرجوع فلا يستحق، وقد مضى بعض الكلام في ذلك، ولعله بل الظاهر أنّ مراد الشارح ب- «العنوان التقديري» هو شرط الرجوع على القابض.

ثم إن قوله: [وأمّا على القول بوجوب التصدق] لم يظهر وجه فصل الشارح بين المبنى الأول والثاني، فإنّ كان هنالك إطلاق للنصوص فهنا

ص: 567


1- مباني منهاج الصالحين 7: 50.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 50.

إطلاق أيضاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان الحرام المختلط من الخمس، أو الزكاة أو الوقف العام أو الخاص، لا يحل المال المختلط به بإخراج الخمس، بل يجري عليه حكم معلوم المالك، فيراجع ولي الخمس أو الزكاة، أو الوقف على أحد الوجوه السابقة](1) لو كان خمساً حلّ بإخراج الخمس، إلاّ أنّه غير لازم، بل يجوز الاقتصار على الأقل المتيقن على التفصيل المذكور سابقاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان الحلال الذي اختلط به الحرام قد تعلق به الخمس، قيل: وجب عليه بعد إخراج خمس التحليل خمس الباقي] فالخمس الأول لفرز ماله عن مال غيره، والخمس الثاني، للخمس الطبيعي، فتأمل.

وقد يتأمل في ذلك: بأنّه يتم بناءً على كون الخمس الثاني في الذمّة، وأمّا بناءً على كونه في العين فهنا خمسان، فما الفرق بين تقديم هذا أو ذاك؟

نعم، لو قيل: إنّ المصرفين مختلفان كان فرق عملي، ولكن بلحاظ الأدلة: يجب عليه خمسان، فأيهما أخرجه أولاً كفى، وعليه إخراج الآخر بعده، فتأمل وراجع ما ذكره السيد الوالد ( (رحمه اللّه) ) في (الفقه)(2).

هذا، ولكن الظاهر أنّ الفهم العرفي يعيّن إخراج خمس الاختلاط أولاً،

ص: 568


1- مباني منهاج الصالحين 7: 50.
2- الفقه 33: 228.

ثم خمس أرباح السنة ونحوها، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإذا كان عنده خمسة وسبعون ديناراً وجب تخميسه ثم تخميس الباقي، فيبقى له من مجموع المال ثمانية وأربعون ديناراً، ولكن الظاهر كفاية استثناء خمس المال الحلال المتيقن أولاً، ثم تخميس الباقي](1) مثال آخر لو كان عنده ألف دينار. فعلى الطريقة الأولى يخمّس الألف للاختلاط، فيدفع مائتين ويبقى ثمانمائة، ثم يخمس للأرباح - مثلاً - فيدفع من الثمانمائة مائة وستون، فيكون مجموع ما دفعه ثلاثمائة وستين، ويبقى له ستمائة وأربعون.

وعلى الطريقة الثانية: لو فرضنا أن الحلال قطعاً خمسمائة، فيخمّسها بمائه، فيبقى له تسعمائه فيخمّسها بمائه وثمانين، فيكون مجموع المدفوع مائتين وثمانين، ويبقى له سبعمائة وعشرون.

قوله (قدس سره) في المتن: [لكن الظاهر كفاية استثناء خمس المال الحلال المتيقن أولاً] هذا غير ظاهر، والمتعيّن الطريقة الأولى، وهي وجوب إخراج خمس آخر للمال المختلط، الذي تعلق به الخمس بعد إخراج خمس التحليل.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإذا فرضنا في المثال أن خمسين ديناراً من المال المخلوط حلال جزماً، وقد تعلق به الخمس، ومقدار الحرام مردد بين أن يكون أقل من الخمس أو أكثر منه، فيجزيه أن يستثني

ص: 569


1- مباني منهاج الصالحين 7: 50.

عشرة دنانير خمس الخمسين، ثم يخمس الباقي، فيبقى له اثنان وخمسون ديناراً] علق عليه الشارح بقوله: [ربما يقال بأنه يكفي تخميس المال من أجل الاختلاط، ولا يجب تخميس آخر، والدليل عليه ما رواه السكوني(1)، بتقريب أنه صرح في الرواية بأن سائر المال لك حلال، ويرد عليه أن الحكم بحلية سائر المال بلحاظ الاختلاط، لا باعتبار آخر والعرف ببابك، فلا إشكال في وجوب التخميس ثانياً](2) والخلاصة: أن تعدد الحيثيات يستدعي تعدد الحكم، وقد سبق نظير ذلك أوائل كتاب الخمس فراجع.

قوله: [إنما الكلام في أنه يخمس للاختلاط أولاً، ثم يخمس الباقي كما عليه سيد العروة ( (قدس سره) ) أو يخمس على الترتيب المذكور في المتن] وقد سبق أنه لا فرق بين دفع خمس الاختلاط أولاً أو آخراً ، والتأمل في ذلك على ما تقدّم.

قوله: [أفاد الماتن في مقام الاستدلال على مدعاه بأن المستفاد من دليل الخمس لأجل التحليل خاص بالمال المخلوط بالحرام، فموضوع الحكم ما يكون مخلوطاً من هذين القسمين، وأما المشتمل على قسم ثالث فلا يشمله الدليل، فلابد من إخراج الخمس بعنوان الأرباح، ثم تخميس الباقي بعنوان التحليل، وبين القولين فرق ظاهر

ص: 570


1- وسائل الشيعة 9: 506.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 51.

كما بين في المتن] وهو أرباب خمس الأرباح مثلاً.

قوله: [بعنوان الأرباح] أو بعنوان الغنيمة أو غير ذلك.

قوله: [والذي يختلج بالبال أن يقال: إنْ كان دليل المال المختلط مطلقاً يشمل المقام، فلابد من تخميسه من تلك الحيثية أولاً] وهو الظاهر، خصوصاً بقرينة كون أغلب الأفراد الذين يختلط حلالهم بالحرام لا يخمّسون؛ اذ لو كان متديّنا لما خلط أمواله، ولاحظ الروايات (أغمضت فيه)(1). (أغمضت في مطالبه)(2).

قوله: [وإن لم يكن إطلاق كما عليه الماتن، فلابد من تميز مال الغير عن مال نفسه بالقرعة، وبعد تشخيص مال نفسه يخمسه من باب وجوب خمس الأرباح](3) الظاهر أنّه لا إطلاق له مع وجود القسم الثالث، وهو (أموال أرباب خمس الأرباح مثلاً) أمّا بعد فرزه فلا مانع من الإطلاق، فإشكال الشارح غير ظاهر.

وبعبارة أدقّ وأصحّ: أنه مطلق لغير القسم المعلوم، فتأمل.

وفيما ذكر إشكال، وهو: أنّه لو كان الإطلاق بعد الفرز فلا يجب الفرز لكونه مقدّمة وجودية، فتأمل.

ثم إن قوله: [فلابد من تميز مال الغير عن مال نفسه بالقرعة] أو بقاعدة العدل كما سبق.

ص: 571


1- وسائل الشيعة 9: 506.
2- وسائل الشيعة 9: 506-507.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 51.

قوله: [وبعبارة واضحة: على تقدير عدم شمول ذلك الدليل للمقام كيف يمكن للمالك التصرف في العين مع كونها مخلوطة بالحرام؟](1) والجواب: بالولاية كما سبق نظيره(2)، بان نلتزم بكونه ذا ولاية في التعيين، أو بأنّه منهج عقلائي لم يردع عنه الشارع، ولو لم يقبل ذلك فالفرز بالقرعة كما ذكره.

قوله: [ولا يبعد أن يقال: النص الدال على وجوب الخمس مطلق من هذه الجهة، فلاحظ] كما سبق تقريره قبل قليل بأن أغلب الأفراد الذين يختلط حلالهم بالحرام لا يخمسون.

ثم إنّه لا يبعد مختار الماتن أنّه لو كان شخص يجب عليه أن يدفع نسبة مئوية من أمواله إلى شخص - كما لو نذر أن يدفع 20% لوالده - أو أمره واجب الإطاعة بذلك - على تأمل في مثال النذر؛ لأنّه تابع لقصد الناذر- فاتفق هذا المثال فكيف يصنع؟

هل يقول لوالده: إن المتيقن أنني أملك خمسين، فيدفع له عشرة فيبقى له خمسة وستون، فيخمّسه للاختلاط بثلاثة عشر، فيبقى له اثنان وخمسون. أو أنّ العقلائي أن يقال له أخرج المختلط فيخمّس الخمسة والسبعين بخمسة عشر، فيبقى له ستون، فيدفع لوالده اثنا عشر، وهي خمس الشيء، فيبقى له ثمانية وأربعون ؟

والخلاصة: إنّ الستين هي تمام أمواله وارباحه - بعد إخراج حق الآخرين

ص: 572


1- مباني منهاج الصالحين 7: 52.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 44.

تعبداً- فيجب أن يعطي لشريكه خمس الستين لا خمس الخمسين.

ومن فعل الطريقة الثانية: فالظاهر أنّه يعتبر شطارة واحتيالاً عرفاً، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه بالاتلاف لم يسقط الخمس، بل يكون في ذمته، وحينئذ إن عرف قدره دفعه إلى مستحقه وإن تردد بين الأقل والأكثر جاز له الاقتصار على الأقل والأحوط دفع الأكثر](1) هذا مبني على أنّ البراءة هل تجري في خصوص القاصر، أو تجري حتى في العامد والجاهل المقصّر؟

مثلاً: لو سجّل ديونه في دفتر فأحرقه تخلصاً، فهل يجوز له الاقتصار على الأقل؟ ولو سجّل فوائته في دفتر فأحرقه عمداً، فهل يجوز له قضاء الأقل؟

لا يبعد إطلاق الدليل، وإن كان آثماً بالاتلاف فتأمل.

لكن العم - حفظه اللّه تعالى - ذهب إلى أن البراءة لا تجري للانصراف ، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [والأحوط دفع الأكثر] علق عليه الشارح بقوله: [إن قلنا بأن الخمس المتعلق بالمخلوط كبقية اقسامه ملك للسادة والإمام (عليه السلام) يجب دفعه إليهما بدفع بدله بعد إتلافه، وإن لم نقل بهذه المقالة، بل قلنا بان التخميس طريق شرعي لتحليل المال المخلوط، ويكون المال المخلوط مع مال المالك باقياً على ملك مالكه، فلابد من المعاملة معه معاملة مجهول المالك، وحيث إن الماتن يرى أن تعلق

ص: 573


1- مباني منهاج الصالحين 7: 52.

الخمس في المقام كبقية أقسامه أفاد بان الواجب عليه أن يدفع المقدار المعلوم إلى المستحق، ومقتضى الاحتياط دفع الأكثر، ولا إشكال في أن مقتضى الاحتياط كذلك، فلاحظ](1) لعل مراد الشارح إن هنالك مبنيين:

الأول: أنّ المال المختلط حكمه دفع الخمس، فالشريك معه أرباب الخمس فقط، لا المالك، وحيث إنه أتلف الخمس على أربابه وجب عليه دفع البدل.

الثاني: إنّ المال المحرّم باقٍ على ملك مالكه، فإذا دفع الخمس حلّ له الباقي. وحينئذٍ: فقد أتلف مال المالك على مالكه، فيكون حكمه حكم مجهول المالك، وهو التصرّف لا التخميس.

هذا، ولا يبعد بقاء ملك المالك على ملكه؛ إذ لم يظهر من الأدلة خروجه، فمقتضى الإطلاقات بقاؤه، ولو شك فالاستصحاب محكم. والروايات السابقة تقول (هو لك)(2) بعد إخراج الخمس ظاهراً.

هذا، ولكن الظاهر أنّه على المبنيين الحكم هو الخمس، فإنّ الظاهر أنّ الشارع جعل الخمس وسيلة لفك رقبته، فإن كان فبها، وإلاّ وجب دفع البدل.

والخلاصة: إنّ الأمر الشرعي تحول من رد المال إلى مالكه، إلى خمس المال، وحيث إنّه أتلفه فعليه دفع بدله لأرباب الخمس.

وبعبارة أُخرى:إنّ (على اليد ما أخذت حتى تؤدّي)(3) ظاهره وجوب دفع العين، وإلاّ فالبدل أو القيمة.

ص: 574


1- مباني منهاج الصالحين 7: 52.
2- وسائل الشيعة 9: 506.
3- عوالي اللئالي 1: 224.

السابع: الفاضل عن مؤونة السنة

قوله (قدس سره) في المتن: [السابع: ما يفضل عن مؤنة سنته له ولعياله من فوائد الصناعات والزراعات، والتجارات، والإجارات وحيازة المباحات] علق عليه الشارح بقوله: [ادعيت عليه شهرة عظيمة، ونقل عن بعض الأعيان أنه إجماعي، وتدل على المدعى جملة من النصوص، منها: ما رواه الأشعري(1)](2). خدش فيه الشارح فيما يأتي(3).

قوله: [ونقل عن بعض الأعيان أنه إجماعي] ونقل في مستند العروة(4) أنّ المخالف اثنان: ابن الجنيد(5) وابن أبي عقيل(6) ظاهراً، وعبارتهما غير صريحة.

قوله: [ومنها ما رواه شجاع النيسابوري:« أنه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر، ما

ص: 575


1- وهو هي: >كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : أخبرني عن الخمس، أعلى جميع مايستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب، وعلى الصناع؟ فكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤونة» وسائل الشيعة 9: 499.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 52.
3- مباني منهاج الصالحين 65:7.
4- شرح العروة الوثقی 25: 195.
5- حكاه في الحدائق الناضرة 12: 347 عنه في المختصر الأحمدي.
6- حكاه في الحدائق الناضرة 12: 347 عن الشهيد في البيان.

يزكى؟ فأخذ منه العشر، عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً، وبقي في يده ستون كراً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع (عليه السلام) : لي منه الخمس ما يفضل من مؤونته»(1)](2) خدش فيه الشارح أيضاً فيما يأتي(3).

ثم إن قوله: (عليه السلام) في الرواية: [فأخذ منه العشر، عشرة أكرار] الظاهر أن المراد به الضريبة التي كانت تأخذها الدولة. ومنه سُمّي العشار عشاراً.

وقوله (عليه السلام) : [رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى] هذه الرواية تدل على أن العين الواحدة يتعلق بها الخمس و الزكاة معاً.

قوله: [ومنها: ما رواه علي بن مهزيار، قال:«قال لي أبو علي بن راشد: قلت له أمرتني بالقيام بأمرك واخذ حقك ، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال (عليه السلام) : يجب عليهم الخمس ، فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال (عليه السلام) : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(4)](5) لعل الظاهر «قال له».

ثم إن قوله (عليه السلام) في الرواية: [فقال: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم] لعل

ص: 576


1- وسائل الشيعة 9: 500.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 52-53.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 65.
4- وسائل الشيعة 9: 500.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 53.

المراد إنّ أمكنهم الخمس، بأن بقي في يده شيء بعد المؤونة. وربما يُحتمل أن المراد: إن لم يكن حرج عليهم ولا ضرر، بأنّ احتاج مثلاً إلى شراء دار ونحوه ، إذا لم نعتبر ذلك من المؤونة.

قوله: [ومنها: ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) - وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة - قال:«إن الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين، فقط لمعنى من المعاني، أكره تفسير المعنى كله خوفاً من الانتشار، وسأفسر لك بعضه إن شاء اللّه،إن موالي - أسأل اللّه صلاحهم - أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم... فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك»(1). فقوله (عليه السلام) في الرواية: «قصروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك»](2) هذا يدل على تشابه الأزمنة، وإن بعض الناس لم يكونوا يدفعون ما عليهم من الحقوق الشرعية آنذاك.

وقوله (عليه السلام) في الرواية: [ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام] هذه الرواية بحاجة إلى تفسير، وقد شرحها في مستند العروة، فراجع(3).

ص: 577


1- وسائل الشيعة 9: 501-503.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 53-54.
3- شرح العروة الوثقی 25: 203.

وقوله (عليه السلام) في الرواية: [فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر](1) تدل على التفصيل في الجوائز، وسيأتي بحثه إن شاء اللّه تعالى.

وقوله (عليه السلام) في الرواية: [ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب] فرق في مستند العروة(2) بين العبارة وبين «لا يعرف صاحبه» فراجع.

وقوله (عليه السلام) في الرواية: [فليوصله إلى وكيلي] يدل على أنّ مال الإمام (عليه السلام) يجب إيصاله لوكيله.

وقوله (عليه السلام) في الرواية: [ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين] يدل على أن الحق لا يسقط بالتعذر، ويجب التقسيط أو الدفع بعد حين.

قوله: [إلى غيرها من النصوص الدالة على وجوب الخمس](3) والنصوص المروية في هذا الكتاب رويت مرة عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، ومرة أخرى عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) ، وثالثة عن الإمام الهادي (عليه السلام) بدليل (أبيك) وهي مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني: «أقرأني على كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع، أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنه ليس على من لم يقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس

ص: 578


1- وسائل الشيعة 9: 501-503.
2- شرح العروة الوثقی 25: 205.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 55.

بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب - وقرأه علي بن مهزيار -: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان»(1).

وفي المستند(2): موثقة سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(3).

قوله: [وفي قبال هذه النصوص روايات تدل على تحليل الخمس للشيعة، منها: ما رواه أبو بصير وزرارة ومحمد بن مسلم كلهم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، إلا أن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل»(4)] لعل ذلك كان مرتبطاً بفترة الأمير (عليه السلام) حيث أنهم لم يكونوا يأخذون الخمس(5).

وكذلك ما رواه زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) حللهم من الخمس - يعني الشيعة - ليطيب مولدهم»(6).

قوله: [ولا يخفى: إن مجرد ثبوت الخمس وضعاً لا ينافي التحليل كما هو ظاهر، كما أن وجوب أداء الخمس على الإطلاق لا ينافي

ص: 579


1- وسائل الشيعة 9: 500-501.
2- شرح العروة الوثقی 25: 201.
3- وسائل الشيعة 9: 503.
4- وسائل الشيعة 9: 543.
5- راجع تفصيل ذلك في مستند العروة، أوّل بحث الفاضل عن المؤونة (منه (رحمه اللّه) ).
6- وسائل الشيعة 9: 550.

عدم وجوبه على الشيعة لجواز التخصيص، لكن المستفاد من حديث علي بن مهزيار(1) أن الخمس واجب على الشيعة في كل سنة، وفي كل عام في الغنائم والفوائد، ولاحظ ما رواه علي بن مهزيار أيضاً(2) فإن المستفاد من هذا الحديث أنه يجب على الشيعة الخمس](3) حاصل وجوه الجمع بين الطائفتين:

1- الحلّية التكليفية لا تنافي الثبوت الوضعي، فلو تزوج أو اشترى أمةً ولم يخمّس كان وقاعه حلالاً، إلاّ أن الخمس ثابت في ذمّته. هذا ولكن قد يقال: إنّ ظاهر التحليل الحلّية مطلقاً، تكليفاً ووضعاً.

وفيه: أنّه وإن كان كذلك، إلاّ أن التعليلات المذكورة وما أشبه تفيد - أو القدر المتيقن منها - الحلّية الوضعية، فالناظر يرى أن المقصود أن تطيب الولادة، وأن لا يكون في بطونهم محرّم له أثر وضعي، فهو مثل أكل المخمصة - مثله من بعض الوجوه - حيث إنّه حلال لكن يترتب عليه الضمان، فلاحظ.

2- بعض الروايات مرتبطة بفترة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد سبق توجيهها بأنهم لم يكونوا يأخذون الخمس.

3- تخصيص وجوب الخمس العام على كل أحد، بالشيعة، فلا يجب عليهم.

ص: 580


1- وسائل الشيعة 9: 500.
2- وسائل الشيعة 9: 501-503.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 55.

لكنه خلاف المستفاد من صريح الأحاديث، كما في الشرح.

4- على تقدير المعارضة فالترجيح للموجبة، للشهرة العظيمة، بل الإجماع، كما سبق.

5- على تقدير المعارضة فالترجيح للموجبة للسيرة المستمرة المتصلة.

6- على تقدير المعارضة فالترجيح للموجبة لموافقتها مع الكتاب العزيز.

7- على تقدير المعارضة فالترجيح للموجبة لمخالفة العامّة.

8 - على تقدير فالترجّيح للموجبة للأحدثية، على مبنى المصنف.

9- عدم وجوب أداء الخمس ينافي ملاك جعله كما في الشرح(1)، ولعله يريد أن يقول إنّه مقطوع البطلان، لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، فكلفوا علة الجعل.

10- لو لم يكن واجباً لشاع وذاع، ووردت مئات الروايات في ذلك، مع أنّه لا عين ولا أثر.

11- ما ذكره في مستند العروة(2) من شاهد الجمع بين الطائفتين: وأن المراد انتقال المال ممن لا يعتقد بالخمس أو ممن لا يخمّس.

12- إعراض المشهور عن الطائفة المحلّلة.

قوله: [أضف إلى ذلك أنه يمكن أن يقال: إن عدم وجوب أداء الخمس وتحليله للشيعة ينافي ملاك جعله؛ إذ جعله - على ما يظهر من النص - في مقابل الزكاة، فإن الزكاة لغير السادة من الفقراء، وأما

ص: 581


1- مباني منهاج الصالحين 7: 56.
2- شرح العروة الوثقی 25: 353.

الخمس فقد جعل لفقراء السادة، فلو لم يكن واجباً على الشيعة أدائه(1)، والحال أن العامة لا يؤدون لعدم اعتقادهم بوجوبه، فمن أين يعيش فقراء السادات؟](2) أي سهم السادة منه.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل الأحوط الأقوى تعلقه بكل فائدة مملوكة له كالهبة والهدية، والجائزة] التي لها خطر، وفي الجائزة التي ليس لها خطر إشكال، والاحتياط لا يترك.

قوله (قدس سره) في المتن: [والمال الموصى به] لابد من مراجعة أنّه يملك بلا قبول أو مع القبول (راجع كتاب الوصية - وكتاب «العروة» آخر الجزء الثاني».

فإن احتاجت إلى قبول: يضاف إلى المتن «بعد القبول».

قوله (قدس سره) في المتن: [ونماء الوقف الخاص أو العام] بعد التملك.

قوله (قدس سره) في المتن: [كالهبة والهدية والجائزة] علق عليه الشارح بقوله: [فإن الهبة داخلة في إطلاق الآية الشريفة؛ إذ عنوان «ما غنتم» يشمله، ويمكن الاستدلال على المدعى بجملة من النصوص، منها: ما رواه علي بن مهزيار(3)، فان قوله (عليه السلام) : «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، يشمل الهبة](4) الظاهر أنّ الجائزة عنوان مغاير - عرفاً - لعنوان الهبة والهدية، فالجائزة هي التي يحصّلها الإنسان عند الاقتراع أو ما أشبه.

ص: 582


1- هكذا في المصدر، والصحيح (أداؤه).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 56.
3- وسائل الشيعة 9: 501-503.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 56-57.

قوله: [لكن يمكن أن يقال: بأن التقييد بكونها خطيراً يدل بالمفهوم على أن ما لا يكون كذلك ليس فيه الخمس، لا من باب مفهوم الوصف، حتّى يقال: إن الوصف لا مفهوم له، بل من باب مفهوم التحديد، فإن الظاهر أنه (عليه السلام) في مقام التحديد](1) لكن عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2)، والسيد الخوئي (رحمه اللّه) في مستند العروة(3): أن التقييد لعلّه لأنّ الجائزة غير الخطيرة لا تبقى إلى نهاية العام.

والحاصل: أنّه لا بد في التقييد في المقام من فائدة، وإلاّ لكان لغواً، كما مثل له في المعالم (الإنسان الأبيض إذا نام لا يبصر...)(4).

ويكفي في الفائدة: انتفاء الوجوب ولو في بعض الأحيان في غير الخطير، وهو ما لا يتبقى إلى نهاية السنة لقلته.

وهو لا يخلو من إشكال؛ لأنّه يكون حينئذٍ سالبة بانتفاء الموضوع، ولا حاجة إلى بيانه، فلو تركنا وشأننا فالظاهر أنّه لا خمس فيه، ولكن الاحتياط لا يترك، لقلّة القائل بذلك أو عدمه، وإعراض المشهور - ظاهراً - عن التفصيل، فتأمل.

قوله: [ومنها: ما رواه سماعة، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس، فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(5) فإن

ص: 583


1- مباني منهاج الصالحين 7: 57.
2- الفقه 33: 275.
3- شرح العروة الوثقی 25: 213.
4- معالم الدين: 80.
5- وسائل الشيعة 9: 501-503.

قوله (عليه السلام) : «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» يشمل الهبة وغيرها، ومنها: ما رواه الأشعري، فإن المكاتب: «سئل عن جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب، فأجاب (عليه السلام) بخطه: «الخمس بعد المؤونة»(1).

ويمكن أن يقال: بأن هذه الرواية أقوى ظهوراً في وجوب الخمس حتّى في الهدية، التي لا تكون خطيرة، من تلك الرواية التي تدل على عدم الوجوب بالمفهوم](2) الخاص أقوى ظهوراً من العام.

قوله: [ومنها: ما رواه محمّد بن إدريس (في آخر السرائر)(3) نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن هلال، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه، والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليها فيها الخمس؟ فكتب (عليه السلام) : الخمس في ذلك. وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس؟ فكتب (عليه السلام) : أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم، هو كسائر الضياع»(4)](5) أفاد في مستند العروة(6) بأنّ سند

ص: 584


1- وسائل الشيعة 9: 499-500.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 57.
3- مستطرفات السرائر: 606.
4- وسائل الشيعة 9: 504.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 58.
6- شرح العروة الوثقی 25: 213-214.

الرواية معتبر، وإن كان فيه أحمد بن هلال إلاّ أنه ثقة، فراجع.

قوله (قدس سره) في المتن: [والميراث الذي لا يحتسب] علق عليه الشارح بقوله: [إذ الميزان في ثبوت الخمس ووجوبه صدق الفائدة](1) أو الغنيمة كما في الآية الكريمة وغيرها.

قوله: [ولا إشكال في صدق هذا العنوان على الموصى به، وعلى نماء الوقف خاصاً كان أو عاماً] بعد التملك، وإلاّ فقبله المالك هو العنوان، ولا خمس فيه.

قوله (قدس سره) في المتن: [والظاهر عدم وجوبه في المهر في عوض الخلع] الظاهر الوجوب فيه، إذا زاد عن مؤونة السنة.

قوله: [استدل سيدنا الأستاذ(2) على عدم الوجوب في الموردين المذكورين بأنه لا يصدق عنوان الفائدة على المهر وعوض الخلع؛ إذ المهر بدل عن البضع، فإن المرأة تبذل نفسها بالمهر، فلا تحصل لها فائدة، كما أن المرء يبدل سلطنته على زوجته بأخذ عوض الخلع](3) فيه: أنّ البُضع بدل البُضع.

إلاّ أن يقال: إنّ قوله (عليه السلام) : «يشتريها بأغلى الثمن»(4) يدل على ذلك، فتأمل.

ص: 585


1- مباني منهاج الصالحين 7: 58.
2- شرح العروة الوثقی 25: 219-202.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 58.
4- الكافي 5: 365.

قوله: [ويرد عليه: إن صدق عنوان الفائدة على الموردين المذكورين يساعده الفهم العرفي] كما يرد عليه: أنّه لو كان كذلك للزم انتفاء الخمس عن الإجارات والتجارات ونحوها؛ إذ الأجير لا يحصل على ما يحصل عليه إلاّ بكد اليمين وعرق الجبين، والمتاجر لا يحصل ثروته إلاّ بسهر الليالي، وإتلاف الأعصاب والركض في البلاد. أفلا يقال: إنّه فائدة؟

قوله: [نعم، لا يبعد جريان السيرة على عدم دفع الخمس عن المهر](1) أولاً: لم يثبت أصل السيرة.

وثانياً: لم يثبت اتصالها بزمانه (عليه السلام) .

وثالثاً: لم يثبت إمضاؤها.

والظاهر: أنّ المهر كثيراً ما يصرف قبل الحول، فلا يبقى منه شيء، فلم يثبت قيام السيرة على عدم تخميسه.

قوله: [وأما الالتزام بعدم الوجوب في عوض الخلع فيتوقف على قيام إجماع تعبدي على العدم، فلاحظ] وهو محل إشكال صغرى وكبرى.

قوله (قدس سره) في المتن: [الأحوط - إن لم يكن أقوى - إخراج خمس ما زاد عن مؤنته مما ملكه بالخمس، أو الزكاة أو الكفارات، أو رد المظالم أو نحوها] لابد أن يلاحظ هل يمكن إعطاء الفقير أزيد من مؤونة عام واحد، فإن كان كذلك فالمسألة واردة، وإلاّ كشف عن عدم ملكيته

ص: 586


1- مباني منهاج الصالحين 7: 59.

أصلاً، فلا خمس؛ لأنّه لم يدخل في ملكه.

نعم، قد لا تتطابق السنة التمليكية مع السنة الخمسية، مثلاً: خمسه أوّل محرم وأعطي المال قبل محرم بيوم بما يكفيه لسنة كاملة، فهنا يكون موضوع للمسألة.

قوله (قدس سره) في المتن: [أو رد المظالم أو نحوها] علق عليه الشارح بقوله: [لصدق الفائدة على المذكورات، وبعد تحقق الموضوع يترتب الحكم عليه طبعاً، وأما ما روى ابن عبد ربه، قال: «سرح الرضا (عليه السلام) بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل علي فيما سرحت إلي خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس»(1) فهو غير تام سنداً، فلا تصل النوبة إلى ملاحظة دلالته، فلاحظ](2) إذ قد يشكل بأن المجتهد ليس صاحب الخمس، بل نائب صاحب الخمس، إلاّ أن يقال بالولاية العامّة، وإن الوكيل كالأصيل في كل شيء إلاّ ما خرج.

وأمّا ضعف السند فباعتبار وقوع سهل بن زياد في السند، كما عن السيد الخوئي (رحمه اللّه) في (المستند)(3)، وفي سهل بحث طويل فلا بد من المراجعة. ولا يبعد كونه ثقة كما ذهب إليه بعض، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان عنده من الاعيان التي لم يتعلق بها الخمس، أو تعلق بها وقد أداه فنمت، وزادت زيادة منفصلة، كالولد،

ص: 587


1- وسائل الشيعة 9: 508.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 59.
3- شرح العروة الوثقی 25: 227.

والثمر، واللبن، والصوف، ونحوها، مما كان منفصلاً، أو بحكم المنفصل - عرفاً - فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة](1) الظاهر وجوب الخمس في جميع الصور، إلاّ في الميراث والمؤونة، أما الأول فلا خمس فيه مطلقاً، وأمّا المؤونة فلا خمس فيها مادام يصدق عليها العنوان. نعم، لو أبدلها بما ليس من المؤونة وجب خمس الجميع، إن لم تكن مخمسة من قبل، وإلاّ وجب خمس الارتفاع فقط.

إما وجوب الخمس فلصدق الفائدة والغنيمة، وأما الميراث ففيه احتمالات:

الأول: لا خمس قبل البيع، ويجب خمس الارتفاع بعد البيع.

الثاني: وجوب خمس جميع المال بعد البيع.

الثالث: لا خمس مطلقاً لا قبل البيع ولا بعده.

ووجه الأول: أدلة أصالة العدم، وأمّا لو باعه فإنّه يجب خمس الارتفاع لارتفاع المانع، فإن المانع من شمول أدلة الغنيمة كونه إرثاً، وقد ارتفع هذا المانع بالبيع.

ولكنه لا يخلو من إشكال؛ إذ عوض الإرث ليس إرثاً، فاللازم تعلق الخمس بالجميع.

وفيه: إن الظاهر من الدليل هو الشيء وعوضه فإنّه نفسه، ولكنه غير صورته، أمّا الارتفاع فلا يشمله الدليل، فتأمل.

وأما ما ذكر في المؤونة فواضح.

ص: 588


1- مباني منهاج الصالحين 7: 59.

هذا، وقد يقال: إن الميراث لا خمس فيه مطلقاً، أما قبل البيع فهو إرث، وأما بعده فلما ذكرناه من أن المتفاهم عرفاًً هو «الشيء وعوضه».

ويؤيده سيرة المتشرعة، فإنهم لم يُعهد منهم أنّهم يخمسّون الميراث، ولا يخمّسون عوضه بعد البيع، مع أنّ المتعارف ارتفاع القيم السوقية، بل هذا هو الدليل، وأما الأول فقد ينقض بالمؤونة، فلماذا لا تقولون: المؤونة وبدلها؟

هذا وقد اختار الوالد (رحمه اللّه) وجوب الخمس في ارتفاع القيمة السوقية مطلقاً، حتى في الميراث(1)، فراجع.

قوله (قدس سره) في المتن: [بل الظاهر وجوبه في الزيادة المتصلة أيضاً، كنمو الشجر وسمن الشاة إذا كانت للزيادة مالية عرفاً](2) بحيث يصدق عنوان الغنيمة والفائدة. إذ الملاك هذا، وإن كان الظاهر الملازمة بين الأمرين، أي المالية العرفية وصدق العناوين، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة] علق عليه الشارح بقوله: [لصدق الفائدة عليها، والمفروض أنها موضوع وجوب الخمس فيجب] والغنيمة، وكذا في الهامش القادم.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كانت للزيادة مالية عرفاً] علق عليه الشارح بقوله: [لعين الملاك؛ فإنه تصدق عليها الفائدة، فيجب الخمس في تلك الزيادة، وربما يقال: بأن النماء المتصل إن كان مثل

ص: 589


1- الفقه 33: 278.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 59.

المنفصل كالصوف والثمرة فلا إشكال، وإلا يشكل صدق الفائدة كالسمن](1) لا إشكال فيه عرفاً، وقربه الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2): بأنّه ما الفرق بين أن تكون له أغنام هزيلة فخمسها ثم سمنت، أو لم يخمّسها فسمنت؟ فإن الخمس في الصورة الثانية يتعلق بالكل.

قوله: [وكيف كان، على القول بتعلق الخمس بالقسم الثاني من النماء المتصل لابد من الالتزام بالشركة في المالية، أي صاحب الخمس شريك مع المالك في مالية العين](3) بل في المال، لا في القيمة. ولعل مراده هذا إذ الخمس مطلقاً يتعلق بالعين على المشهورة، وهذا فرد من أفرادها.

قوله (قدس سره) في المتن: [قد اشتراه وأعده للتجارة](4) لا موضوعية للشراء، بل جميع المعاوضات كذلك، بل حتى لو لم تكن معاوضة، كما لو استخرجها من الأرض، فإنّه يصدق الربح في صورة الإعداد للتجارة.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإن كان الأصل قد اشتراه وأعده للتجارة وجب الخمس في الارتفاع المذكور] علق عليه الشارح بقوله: [بتقريب أنه يصدق أنه ربح هذا المقدار، وبعبارة أُخرى: المقصود في التجارة تحصيل الربح وازدياد المال] أي المال، كما سبق في الهامش

ص: 590


1- مباني منهاج الصالحين 7: 59-60.
2- الفقه 33: 291.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 60.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 60.

السابق.

قوله: [بلا خصوصية للأشخاص، ولا إشكال في أنه يصدق هذا العنوان في فرض ارتفاع القيمة ولو مع عدم البيع، فيقال فلان ربح هذا المقدار، فيجب خمس مقدار الزيادة، والنتيجة الشركة في المالية] أي أنَّ العين لا موضوعية لها، بل المالية لها الموضوعية، أي القيمة.

قوله (قدس سره) في المتن: [فإن كان الأصل قد اشتراه وأعده للتجارة وجب الخمس في الارتفاع المذكور] الأقسام ثلاثة.

1- أن يكون قد اشتراء للتجارة.

2- لم يشتره.

3- اشتراه لا للتجارة، فالاشتراء هو المحور.

ولم يتضح وجه ذلك! وما ذكره في الدليل للقسم الأول يشمل بعض صور القسم الثاني بلا فرق عرفاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولم يكن قد اشتراه لم يجب الخمس في الارتفاع](1) هذا عنوان عام، والظاهر أنّه يريد الشراء ونحوه كالهبة والصلح. إلاّ أنّه يشمل الإرث وحيازة المباحات، وإحياء الموات، ونحوها.

ومن البعيد أن يريد المصنف هذا العموم، فلو حاز أرضاً مساحتها مليون متر وخمسّها فبقي عنده ثمانمائة ألف ثم ارتفعت قيمتها مئة ضعف لم يجب خمس الارتفاع ولو باع الأرض!، وسيأتي من المصنف خلاف

ص: 591


1- مباني منهاج الصالحين 7: 60.

ذلك(1).

قوله (قدس سره) في المتن: [لم يجب الخمس في الارتفاع] علق عليه الشارح بقوله: [بتقريب أن المالية أمر اعتباري](2) ينشأ من كثرة الراغب ونحوها.

قوله: [ولم يزد في ماله شيء خارجي، فلا وجه لتعلق الخمس] لم يعلق الخمس على الزيادة، بل على الفائدة والقيمة، والظاهر أنهما متحققان عرفاً، ولذا يقول التاجر: ربحت ربحاً عظيماً، أو خسرت خسارة عظيمة) كما عن السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(3).

وهذا في غير الأرث واضح، كما لو كان عنده خمس سكك ذهبية، فدفع منها سكة وبقيت اربع، فارتفعت قيمتها إلى الضعف، إلاّ أن يقال: إنّه ربح واستفاد في صورة عدم الشراء.

قوله: [ويمكن أن يقال: إنه لو أعدّه للتجارة وزادت ماليته، فلماذا لا يتعلق به الخمس؟ وما الفرق بين هذه الصورة والفرع السابق؟ حيث أفتى بوجوب الخمس فيما يكون معدّاً للتجارة] أي أنَّ هنا فرضين:

الأول: لم يشتره ولم يعده للتجارة.

الثاني: لم يشتره وأعدّه للتجارة، كما تقدم في الهامش السابق.

ص: 592


1- في مباني منهاج الصالحين 7: 62 الثالث (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 60.
3- الفقه 33: 292.

قوله: [إلاّ أن يقال: إن الفارق الدليل الدال على عدم وجوب الخمس في الإرث، والمفروض في المقام أن نفس الإرث أعدت للتجارة، فدليل عدم وجوب الخمس في الإرث يقتضي عدم تعلقه به] هذا ينبطق على الأرث فقط، ولا ينطبق على غيره، كحيازة المباحات.

قوله: [لكن المفروض في جميع الأقسام العين التي لا يتعلق بها لاخمس، فلو فرض أنه اشترى فرشاً واستفاد منه وصار مؤنة له، ثم جعله مال التجارة وزادت قيمته لا يجب فيه الخمس، كما لا يجب في الأرض. نعم، لو باعه يجب في المقدار الزائد](1) فليس الكلام في الارث فقط، بل يشمل حيازة المباحات مثلاً، وهذا إشكال على إطلاق «لا يقال».

ثم إن قوله: [فلو فرض أنه اشترى فرشاً واستفاد منه وصار مؤنة له، ثم جعله مال التجارة] ليس الكلام في الشراء، فالأولى التمثيل بحيازة مباح هو مؤونة، ثم إن مثاله داخل في القسم الثالث، وحكمه موافق لحكم الماتن، فلا وجه للإشكال عليه.

ثم إن قوله: [وزادت قيمته لا يجب فيه الخمس](2) هذا مبني على أنّ المؤونة لا يجب فيها الخمس مطلقاً، ولو خرجت عن المؤونة. وفيه نظر؛ لأنّ الأحكام تابعة للعناوين. وقد ذكرت المسألة في العروة فراجع(3).

ص: 593


1- مباني منهاج الصالحين 7: 60.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 60.
3- العروة الوثقى 4: 288.

قوله: [إلا أن يقال: إن كلام الماتن لا يشمل هذه الصورة، وهو ناظر إلى صورة اشتراء شيء للتجارة، وكيف كان الذي يختلج بالبال أن يقال: إذا اشترى شيئاً بمال لا خمس فيه للتجارة يجب الخمس في زيادة القيمة، ولا فرق بين صورتي البيع وعدمه، كما في المتن، والوجه فيه أن الملحوظ بالنسبة إلى التاجر مقدار المالية، ولا خصوصية للعين في نظره](1) هذه هي الصورة الأولى من كلام الماتن، وخلاصة رأي الشارح أنّ الأقسام ثلاثة:

الأول: اشترى بمالٍ لا خمس فيه للتجارة فيجب الخمس مطلقاً.

الثاني: جعل العين الموروثة مال التجارة فلا بد أن يفرق بين صورتي البيع وعدمه.

الثالث: ملك شيئاً بالشراء أو الحيازة لا للتجارة، فلا خمس إلاّ بعد البيع.

وفي القسم الأول يوافق الماتن. وفي الثاني يخالفه بالتفصيل. وفي الثالث يوافقه إلاّ أنّه عمّه للبيع وغيره.

فالخلاصة: أنّه في غير الميراث الملاك هو أنّه للتجارة، أو لا للتجارة؟

ثم إن قوله: [إلاّ أن يقال: إن كلام الماتن لا يشمل هذه الصورة، وهو ناظر إلى صورة: إشتراه شيء للتجارة](2) لم يتضح مفهوم الكلام، وقوله: (وهو ناظر) فيه: أنّ هذه هي الصورة الأولى، والكلام فعلاً في الصورة الثانية. وكيف كان فالظاهر أنّ كلام الشارح مضطرب جداً.

ص: 594


1- مباني منهاج الصالحين 7: 60-61.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 60.

والاضطراب من قوله «فلو فرض أنه اشترى فرشاً واستفاد منه وصار مؤنة له، ثم جعله مال التجارة وزادت قيمته لا يجب فيه الخمس، كما لا يجب في الإرث. نعم، لو باعه يجب في المقدار الزائد».

إلا ان يقال: إن كلام الماتن لا يشمل هذه الصورة، وهو ناظر إلى صورة اشتراء شيء للتجارة.

ولعل هنالك سقطاً في العبارة، ويصلح هذا إشكالاً على القسم الأول، فإنّه يرد على إطلاقه بهذا المثال، إلاّ أن يقال: إنّه لا يشمل ما كان مؤونة في وقت، بل اشتراء شيء للتجارة، بلا دخوله في المؤونة. والظاهر أنّ هذا المقطع مرتبط بالشق الأول، أي «الاشتراء للتجارة».

ثم إن قوله: [والوجه فيه أن الملحوظ بالنسبة إلى التاجر مقدار المالية ولا خصوصية للعين](1) بل الوجه صدق الربح والغنيمة والفائدة عرفاً، ولعل المقصود مقيد، وهو أنّ هنالك تلازماً بينهما، كما يظهر ذلك مما تقدّم من أنه يصدق العنوان في فرض ارتفاع القيمة ولو مع عدم البيع، فيقال فلان ربح.

قوله: [واما لو ملك شيئاً بالاشتراء أو الحيازة أو غيرهما ولم يعده للتجارة، فلا يتعلق به الخمس الا بعد البيع، مع فرض زيادة القيمة؛ إذ قبل البيع لا مقتضي للخمس، وأما بعد البيع فلتحقق الربح الزائد] فيه نظر كما سبق، وقوله (لا مقتضي) فيه أن المقتضي هو صرف عنوان الغنيمة والفائدة عرفاً.

ص: 595


1- مباني منهاج الصالحين 7: 61.

قوله (قدس سره) في المتن: [فأقسام ما زاد قيمته: الأول: ما يجب فيه الخمس في الزيادة، وإن لم يبعه، وهو ما اشتراه للتجارة. الثاني: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، وإن باعه بالزيادة، وهو ما ملكه بالإرث ونحوه، مما لم يتعلق به الخمس بماله من المالية، وإن أعده للتجارة.

الثالث: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، إلاّ إذا باعه، وهو ما ملكه بالشراء، أو الهبة، والحيازة ونحو ذلك، بقصد الاقتناء لا التجارة](1) سبق أن الأظهر الوجوب مطلقاً إلاّ في الإرث والمؤونة.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن أعده للتجارة] علق عليه الشارح بقوله: [بتقريب أن الإرث لا يتعلق به الخمس، فما دام كونه إرثاً لا يجب فيه] بل سبق أنّه ولو باعه لا خمس فيه ولو بالزيادة.

قوله (قدس سره) في المتن: [الذين يملكون الغنم يجب عليهم - في آخر السنة - إخراج خمس الباقي، بعد مؤنتهم من نماء الغنم من الصوف، والسمن، واللبن، والسخال المتولدة منها، وإذا بيع شيء من ذلك في أثناء السنة وبقي شيء من ثمنه وجب إخراج خمسه أيضاً، وكذلك الحكم في سائر الحيوانات، فإنه يجب تخميس ما يتولد منها، إذا كان باقياً في آخر السنة بنفسه أو ثمنه] إذا لم تعد من المؤونة عرفاً، كما إذا اشتراها للأنس بها مثلاً، ومنه يظهر الحال في باقي ما ذكر في المسألة؛ إذ المؤونة ليست الأكل فقط. ومنه الغزال - مثلاً - الذي يعده للترفيه بمقدار

ص: 596


1- مباني منهاج الصالحين 7: 62.

شأنه، والحمامات والعصافير التي يتخذّها للأنس، فراجع ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(1)، وتأمل.

وهل يشمل ذلك ما لو أتخذ حديقة حيوانات فيها أُلوف الحيوانات للأنس، إذا كان من شأنه ذلك؟

قد يقال: لا مانع من ذلك إن كان من شأنه، إلاّ أن الكلام في الموضوع أي الشأنية وقد يختلف الأفراد في ذلك، فتأمل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [إخراج خمس الباقي بعد مؤنتهم من نماء الغنم من الصوف، والسمن، واللبن](2) استثنى الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(3) الأشياء القليلة المتبقية في الدار، فراجع.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا عمر بستاناً وغرس فيه نخلاً وشجراً للانتفاع بثمره لم يجب إخراج خمسه، إذا صرف عليه مالاً لم يتعلق به الخمس كالموروث، أو مالاً قد أخرج خمسه كأرباح السنة السابقة، أو مالاً فيه الخمس، كأرباح السنة السابقة ولم يخرج خمسه](4) في المسألة صورتان

الأولى: إن تتم هنالك معاملة، كأن يشتري بالمال أشجاراً مثلاً.

وهنا تكون المعاملة فضولية، فإن أمضاها الحاكم الشرعي كان شريكاً

ص: 597


1- الفقه 33: 312-318.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 62.
3- الفقه 33: 330.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 63.

في العين المشتراة، وإن لم يمضها كان مقدار الخمس باطلاً، ووجب عليه تخميس المال.

الثانية: أن لا تكون هنالك معاملة، كأن كان عنده جص مثلاً أو طابوق فعمّر بها البستان.

وهنا للحاكم أن يطالب ببدلها، إن لم يمكن المطالبة بعينها.

والخلاصة: له المطالبة بالعين إن لم يمكن المطالبة بالبدل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [أو مالاً فيه الخمس](1) إن كانت هنالك معاملة بالمال غير المخمس فهي فضولية، ويناط القبول أو الرد بالحاكم الشرعي. وإن لم تكن كان له المطالبة بالعين، وإن لم يمكن ذلك كان له المطالبة بالبدل.

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، يجب عليه إخراج خمس المال نفسه، وأما إذا صرف عليه من ربح السنة - قبل تمام السنة - وجب إخراج خمس نفس تعمير البستان، بعد استثناء مؤنة السنة، ووجب أيضاً الخمس في نمائه المنفصل، أو ما بحكمه من الثمر، والسعف، والأغصان اليابسة المعدة للقطع، بل في نمائه المتصل أيضاً على ما عرفت، وكذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديداً في السنة الثانية، وإن كان أصله من الشجر المخمس ثمنه مثل: (التال) الذي ينبت فيقلعه ويغرسه](2) وإن لم يجب تخميس ما قابل الثمن المخمس.

ص: 598


1- مباني منهاج الصالحين 7: 63.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 63.

مثلاً: لو خمس النخل أو اشترى بالمال المخمّس نخلاً، وكان فيه فسيل صغير ثم قلعه وغرسه، فإنما يجب عليه خمس الزيادة، ولا يجب خمس نفس الفسيل الصغير لفرض كونه مخمساً؛ إذ لا فرق بين كون الشيء مخمساً أو مشترى بمال مخمّس.

قوله (قدس سره) في المتن: [وكذا إذا أنبت جديداً لا بفعله، كالفسيل وغيره، إذا كان له مالية](1) وقصد تملّكه.

إلاّ أن يقال: بالملك التبعي القهري، فتأمل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [إذا عمر بستاناً وغرس فيه نخلاً وشجراً للانتفاع بثمره لم يجب إخراج خمسه] أي للانتفاع الشخصي، وأمّا لو كان للتجارة فسوف يأتي شرحه(2).

ولا يشترط في البستان أن يكون منفصلاً، بل لو كان له حديقة صغيرة في بيته شمله الحكم.

وهنا يوجد أمران:

الأول: هل ما يدرّ المؤونة من المؤونة أو لا؟

ذهب بعض إلى الأول، ولا بد من تحقيق معنى المؤونة لغةّ وعرفاً وشرعاً، إن كانت هنالك حقيقة شرعية.

الثاني: أنه قد يوجد بستان للإنسان من المؤونة - عرفاً - فهو كالغزال الموجود في البيت، ولا يشترط في المؤونة أن تكون فرشاً أو أكلاً، بل

ص: 599


1- مباني منهاج الصالحين 7: 63.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 64.

وجود شجرة في البيت ربما يكون من المؤونة.

وعليه، فلا بد من فرض المسألة فيما لا يكون مؤونة عرفاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا عمّر بستاناً...](1) إذا عُد البستان مؤونة عرفاً - كما لو كان له بستان صغير في بيته اتخذه للأُنس - لم يجب فيه الخمس مطلقاً، ومنه يظهر الحال في الفروع الآتية المذكورة في هذه المسألة. نعم، لو عمره بمال مضى عليه الحول ولم يخمسه وجب فيه الخمس.

هذا، ولكن مفروض الماتن أنّه اتخذه للانتفاع بثمره لا للأُنس، فتأمل ودقق.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها في أثناء السنة، ولم يبعها غفلة، أو طلباً للزيادة، أو لغرض آخر ثم رجعت قيمتها في رأس السنة إلى رأس مالها فليس عليه خمس تلك الزيادة](2) بشرط كون عدم البيع من شأنه. أما لو لم يكن من شأنه، كما لو علم أن القيم سوف تهبط، وكان من المتعارف البيع في هذه الصورة، فإنه تصرف تصرّفاً لا يتناسب مع شأنه، فيضمن الخسارة الواردة.

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، إذا بقيت الزيادة إلى آخر السنة، ولم يبعها من دون عذر وبعدها نقصت قيمتها فهو ضامن للخمس] اللازم دفع الخمس في الحول، فإن أخر الدفع بلا عذر ونقصت القيمة فهو ضامن، سواء أكان عدم البيع لعذر أم بلا عذر.

ص: 600


1- مباني منهاج الصالحين 7: 63.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 64.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [ولم يبعها من دون عذر وبعدها نقصت قيمتها] الملاك كون تأخير دفع الخمس عن الحول بعذر أو من دون عذر، لا كون عدم البيع لعذرٍ أو من دون عذر.

هذا، وقد يحتمل كون الملاك هو أن التأخير مأذون فيه من قبل الحاكم الشرعي أو لا، فان لم يكن مؤذوناً ضمن ولو كان له عذر، كهطول المطر الشديد، فتأمل ودقق.

قوله (قدس سره) في المتن: [فهو ضامن للخمس] علق عليه الشارح بقوله: [وجه التفريق بين الصورتين أن التأخير في الصورة الأولى بإذن الشارع الأقدس، ولا يجب إخراج الخمس قبل مضي السنة، فلا مقتضي للضمان، وأما بعد مضي السنة واستقرار الوجوب لو لم يخرج الخمس يكون ضامناً؛ إذ ليس له الولاية على التأخير، فلاحظ](1) لم يُعلم الإذن في جميع الصور التي ذكرناها سابقاً، ولو فرض الإذن فليس من شأنه، وهو ضامن لكل تصرف ليس من شأنه، وإن كان بإذن الشارع، كما أنّه لو أهدى هدية غير مناسبة لشأنه فعليه الخمس، وإن لم يكن عمله محرّماً(2).

قوله: [إن التأخير في الصورة الأولى بإذن الشارع] ويدل عليه سيرة المتدينين والعلماء، راجع ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(3).

ص: 601


1- مباني منهاج الصالحين 7: 64.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 66.
3- الفقه 33: 295-296.

قوله (قدس سره) في المتن: [المؤونة المستثناة من الأرباح، والتي لا يجب فيها الخمس أمران: مؤنة تحصيل الربح] علق عليه الشارح بقوله: [الظاهر: أنه لا إشكال في مؤنة تحصيل الربح؛ إذ لا يصدق الربح إلا بعد استثناء ما صرف في تحصيله، مضافاً إلى جملة من النصوص](1) ولذا لو بذل ألفاً وخسر ألفاً يقول: لم أربح شيئاً، ولو بذل ألفاً وخسر ألفين يقول: خسرت.

قوله: [الدالة على عدم تعلق الخمس إلا بما زاد عن المؤونة، لكن الحديث الأول مخدوش سنداً بالأشعري(2)](3) لم يخدش فيه الشارح فيما تقدم(4).

قوله: [والحديث الثاني بالنيسابوري(5)] لم يخدش فيه كذلك فيما تقدم(6).

قوله: [والحديث الثالث(7): يستفاد منه وجوب الخمس بعد مؤونة الشخص](8) لا بد من ملاحظة أن لفظ المؤونة ماذا يعني عرفاً ولغةً؟ وهل

ص: 602


1- مباني منهاج الصالحين 7: 64-65.
2- وسائل الشيعة 9: 499-500.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 65.
4- مباني منهاج الصالحين 7: 12، 52.
5- وسائل الشيعة 9: 500.
6- مباني منهاج الصالحين 7: 52.
7- وسائل الشيعة 9: 500.
8- مباني منهاج الصالحين 7: 65.

مؤونة تحصيل الربح يصدق عليها «مؤونتهم»؟

قوله: [والمستفاد من الحديث الرابع(1) استثناء خصوص خراج السلطان](2) لابد من ملاحظة معنى «مؤونة» كما سبق في الحاشية المتقدمة.

قوله: [فيشكل استثناء مؤنة تحصيل الربح على الإطلاق، إلاّ ان يقال: إن موضوع وجوب الخمس - على ما يظهر من النصوص - الفائدة والربح والغنيمة، ومن الظاهر أنه لا يصدق الربح إلا بعد إخراج مؤنة تحصيله كما هو ظاهر] لم أجد هذا العنوان في النصوص عاجلاً.

قوله: [مضافاً إلى أنه لا إشكال فيه ولا خلاف على ما يظهر من كلام بعض الأصحاب] المصنف عادة يستشكل في الإجماعات باحتمال المدركية.

قوله: [إلاّ أن يقال: بأنه نلتزم بعدم تعلق الخمس في هذه(3) الموردين، وأما في غيرهما فلا مانع من الالتزام بتعلقه بلا إشكال فتوى ونصاً](4) لكنه خلاف الفهم العرفي للنصوص.

قوله (قدس سره) في المتن: [والمراد من مؤنة التحصيل كل مال يصرفه الإنسان في سبيل الحصول على الربح، كأجرة الحمال، والدلال،

ص: 603


1- وسائل الشيعة 9: 500.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 65.
3- هكذا في المصدر، والصحيح (هذين).
4- مباني منهاج الصالحين 7: 65.

والكاتب، والحارس والدكان، وضرائب السلطان] أو في إبقائه، كالحارس - مثلاً - وكالمصانعات المتعلقة بالدولة.

قوله (قدس سره) في المتن: [والمراد من السنة التي يجب الخمس في الزائد عليها كل ما يصرفه في سنته، في معاش نفسه وعياله على النحو اللائق بحاله، أم في صدقاته وزيارته، وهداياه وجوائزه المناسبة له، أم في ضيافة أضيافه، أم وفاء بالحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة، أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ، أو فيما يحتاج إليه من دابة وجارية، وكتب وأثاث أو في تزويج أولاده وختانهم وغير ذلك](1) كلمة المؤونة فيها نوع غموض، وذهب البعض إلى أنّها لغةً (خصوص الأكل والشرب). فلو ثبت ذلك يتعارض فهم الفقهاء وقول اللغويين، ولا شك أنّ فهم الفقهاء كاشف عن العُرف فيتعارض المعنى اللغوي والعرفي، والثاني هو المقدّم كما ذكر في الأصول(2).

لكن قد يقال: إنّ اللغوي أيضاً كاشف عن العرف.

وفيه: ما ذكر في مبحث (قول اللغوي) من أنّه أهل خبرة الموارد لا الأوضاع، بالتفسير الثاني الذي ذكرناه في الأصول لا بالتفسير المعروف، فراجع.

وعلى كلٍ ففي أذهاننا أن المفهوم فيه نوع غموض.

ص: 604


1- مباني منهاج الصالحين 7: 66.
2- في مبحث حجية الظواهر، وتؤيّده روايات مذكورة في الأصول (منه (رحمه اللّه) ).

وفي موارد الشك: هل الأصل البراءة؛ إذ لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا يشمله عموم (خمس) و (بعد المؤونة)، أو أنّ هذا من النوع الثاني من التمسك بالعام ولا بأس به؟ أشرنا لهذا المبحث سابقاً.

وقد ذكر السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه: أن المستفاد من الأدلة، أصالة الخمس(1)، إلاّ ما ثبت خروجه، فهو نظير اصالة الاحترام في الأموال والأنفس، إلاّ ما ثبت خروجه، فراجع.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [كل ما يصرفه في سنته](2) الخمسية.

وقوله (قدس سره) في المتن: [في معاش نفسه وعياله] أي من يعوله؛ إذ فرق بين مفهوم العيال ومن يعول، (راجع: زكاة الفطرة).

وقوله (قدس سره) في المتن: [أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ] في العمد نوع تأمل؛ إذ إنّه محرّم، فهو كمن استدان لشرب الخمر، فهل يُعد أداء الدين من مؤونته؟

والظاهر: أنّه نعم؛ إذ من شأن الإنسان أن يؤدّي جميع ديونه، راجع كتاب الزكاة في إعطاء الزكاة لمن استدان للحرام.

قوله (قدس سره) في المتن: [فالمؤونة كل مصرف متعارف له، سواء أكان الصرف فيه على نحو الوجوب، أم الاستحباب أم الاباحة، أم الكراهة. نعم، لابد في المؤونة المستثناة من الصرف فعلاً، فإذا قتر على نفسه لم يحسب له] لا بمعنى ما اعتاده، بل بمعنى ما كان من شأنه.

ص: 605


1- الفقه 33: 9.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 66.

قوله (قدس سره) في المتن: [أم الكراهة] علق عليه الشارح بقوله: [فإن المؤونة ما يحتاج إليها في الأمور الدنيوية والأُخروية] بمعنى كونه من شأنه؛ إذ قد يكون شيء لا يحتاج إليه لكنّه من شأنه، هذا وقد يدّعى المساوقة بين الأمرين، فتأمل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [أم الكراهة](1) لعلّه يمثل له بشراء الجبن لأكله نهاراً وحده، أو الصرف للهو واللعب المكروه.

قوله (قدس سره) في المتن: [يحسب ذلك من الربح الذي لم يصرف في المؤنة] علق عليه الشارح بقوله: [بتقريب أنه الظاهر من الأدلة](2) ولو شك كانت أصالة الخمس محكمة على ما مضى تقريبه.

قوله: [ويمكن تقريب الاستدلال على المدعى بأن الظاهر من لفظ (بعد المؤونة) الواقع في النصوص هو الزمان، أي وجوب الخمس إنما يتعلق ويتحقق في الزمان الواقع بعد المؤونة، وإن شئت قلت البعد الزماني لا يتصور إلا بصرف المؤونة] والخلاصة: أنّه سواء أقيل بالبعدية الرتبية أم الزمانية فالمراد ما يصرف فعلاً لا شأناً. إلاّ أنه على الثاني نص في ذلك، وعلى الأول ظاهر فيه.

وبعبارة أُخرى: ظاهر الألفاظ الفعلية لا الشأنية، ومحل الكلام مؤونة شأنية لا فعلية(3).

ص: 606


1- مباني منهاج الصالحين 7: 66.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 67.
3- راجع ما أفاده الشارح في مباني منهاج الصالحين 7: 68 الهامش (1)، وراجع الأصول في أنّ لفظ اليقين والشك في روايات الاستصحاب ظاهران في الفعلية (منه (رحمه اللّه) ).

قوله (قدس سره) في المتن: [وأيضاً لابد أن يكون الصرف على النحو المتعارف، فإن زاد عليه وجب خمس التفاوت، وإذا كان المصرف سفهاً وتبذيراً لا يستثنى المقدار المصروف، بل يجب فيه الخمس، والظاهر أن المصرف إذا كان راجحاً شرعاً لم يجب فيه الخمس، وإن كان غير متعارف من مثل المالك مثل عمارة المساجد، والإنفاق على الضيوف ممن هو قليل الربح](1) إذا نوى القربة، وإلاّ فليس راجحاً شرعاً؛ إذ قد يقال: الرجحان في حدّ ذاته كافٍ، ولذا إن جاء آخر السنة لا يُسأل: أنك قصدت القربة بضيافة أضيافك أو لا ؟ فالسيرة دالة على الإطلاق. ولو كان غير ذلك لبان واشتهر وذاع، فتأمل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان المصرف سفهاً وتبذيراً] قد يقال: إنّ التبذير لو كان متعارفاً فلا خمس فيه، وإلاّ فأغلب الأفراد يبذّرون ويسرفون، ولو كان الخمس واجباً في ذلك لبان وشاع وانتشر، كما ذكرنا نظيره في حاشية الإنفاق على الضيوف، فراجع ودقق.

وقوله (قدس سره) في المتن: [إذا كان المصرف سفهاً] كما إذا باع بيته الذي قيمته ألف دينار بمئة فهذه المعاملة سفهية، إلاّ أنّ إيصال النفع إلى المؤمن مطلوب، وقد فرضنا سابقاً أن الملاك هو الرجحان الذاتي لا القصدي، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا يستثنى المقدار المصروف، بل يجب فيه الخمس] علق عليه الشارح بقوله: [كما هو ظاهر، فإن الأمر السفهي

ص: 607


1- مباني منهاج الصالحين 7: 67.

لا يكون محتاجاً إليه، بل اللازم خلافه](1) لا إطلاق له. ويأتي هنا بحث لزوم قصد القربة أو لا.

قوله (قدس سره) في المتن: [وإن كان غير متعارف من مثل المالك مثل عمارة المساجد، والإنفاق على الضيوف ممن هو قليل الربح] علق عليه الشارح بقوله: [إذ الأمور الخيرية التي يمكن التقرب بها من اللّه تعالى يحتاج إليها كل مكلف، فلا معنى للتقدير فيها، فكما أنه لا معنى لأن يقال هذا المقدار من الصلاة والصوم محتاج إليه لا أزيد من ذلك، كذلك في بقية الأمور القابلة للقرب، وصفوة القول: إن المكلف محتاج إلى الوسائل القربية، فأي مقدار فرض منها لا يكون خارجاً عن شأنه، بل مطابق لشأنه، واللّه العالم](2) فيه نظر؛ إذ قد يجب عليه الصرف في الأهم، مثلاً: مَنْ كانت عائلته تموت جوعاً، فلم يصرف عليها المال حتى ماتت وصرف المال في بناء مسجدٍ - مثلاً - فهنا:

أولاً: أن نقول: إنَّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه، ففي هذه الحال يكون صرف لمال منهي عنه، فكيف يقال: إنّه مطابق لشأنه، وأنّه يحتاج إليه.

ثانياً: أن لا نقول بذلك، ولكن لا نقول بالترتب إذ نقول بوجود الملاك في المقام، فهنا الملاك كافٍ.

ثالثاً: كالسابق لا نقول بالترتب ولا بالملاك، فهنا بناء المسجد لا أمر به

ص: 608


1- مباني منهاج الصالحين 7: 67.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 67-68.

ولا ملاك فيه.

وهنا مبنيان:

الأول: النهي عن الضدّ.

الثاني: لا يوجد نهي عن الضد.

وعلى الأول - وهو أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده - لا يمكن أن يقال بالمطابقة لشأنه، وأما على القول بعدم استلزام ذلك فهنا إما أن يكون على نحو الترتب، أو لا يكون.

وعلى الأول - وهو الترتب - لا إشكال بالمطابقة، وأما على عدم الترتب فيوجد فرعان:

أ - الملاك موجود.

ب - الملاك غير موجود.

وعلى الأول فالمطابقة متحققة، وأما على الثاني - وهو عدم وجود الملاك - فلا مطابقة، فيكون بناء المسجد لا أمر به.

رابعاً: أن لا نقول بذلك، فنقول بالترتب فهنا، يوجد أمر استحبابي بذلك.

إلاّ أنه ليس من شأنه ذلك عرفاً، فتأمل. وعلى كل فالمسألة مشكلة.

والخلاصة: أنّه على الترتب أو الملاك يمكن التصحيح، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [رأس سنة المؤنة وقت ظهور الربح] علق عليه الشارح بقوله: [وقع الكلام بين الأعلام في أن مبدأ السنة حين حصول الربح، أو المبدأ حين الشروع في الاكتساب بالنسبة إلى الكاسب، وظهور الربح بالنسبة إلى غيره الذي يحصل له ربح

ص: 609

اتفاقاً](1) الظاهر أن هنا بحثين:

الأول: أن رأس سنة الخمس ما هو مبدؤه؟

الثاني: إن رأس سنة المؤونة ما هو مبدؤه؟

فلو بدأ بالعمل أول محرم وربح أول صفر، فهل يجب عليه الخمس في الأول من محرم، أو في الأول من صفر؟

ثم، إن المؤن التي صرفها من الأول من محرم إلى الأول من صفر هل تستثنى من مؤونة العام أو لا؟ وهل هناك ملازمة بين المسألتين؟

والظاهر وقوع الخلط في كلمات الشارح بين المسألتين، ولعله يرى التلازم بينهما، بل هو الظاهر كما سيأتي.

والظاهر: أنّه إن قلنا: إن السنة الخمسية تبدأ حين الشروع في العمل - بالنسبة للكاسب ونحوه - فسنة المؤونة تبدأ من الشروع أيضاً.

وإن قلنا: إنّها تبدأ حين ظهور الربح فسنة المؤونة تبدأ من الظهور أيضاً.

ولعل المنساق من جمع الأدلة - مثل {أَنَّما غَنِمْتُمْ}(2)،

و(في كل ما أفاد الناس)(3)، و (الخمس بعد المؤونة)(4)، إن الخطاب يتولد حين الغنيمة، لكن إرفاقاً يخرج مؤونة العام، أي عام من حين الغنيمة. أي أن هذا استثناء من ذلك العامّ، فلا يكون أعم منه.

ص: 610


1- مباني منهاج الصالحين 7: 68.
2- الأنفال: 41.
3- وسائل الشيعة 9: 503.
4- وسائل الشيعة 9: 499-500.

فالمتحصل: إذا غنمت فخمس كل ما حصلت عليه بعد مرور عام إلاّ مؤونة عامك.

ولعل التفكيك بينهما غير عرفي، مثلاً: (لو بدأ أول محرم بالعمل وربح أول رجب، فنقول: إن سنة الخمس تبدأ حين العمل، لكن لا يستطيع أن يخرج إلاّ مؤونة رجب وما بعدها، وأما المؤونة السابقة فلا يخرجها.

قوله: [اختار الماتن القول الأول؛ بتقريب أن المشتق وما في حكمه من الجوامد ظاهر في الفعلية، والوارد في النصوص عنوان المؤونة، والمفروض أن موضوع الخمس تحقق الربح، فكل شيء صدق عليه عنوان المؤونة الفعلية بعد ظهور الربح يكون داخلاً في النصوص المشار إليها، وأما ما يكون مؤنة لما قبل ظهور الربح فلا](1) أي ما تلبس بكونه مؤونة في سنة الربح، لا ما تلبس بذلك سابقاً، أي قبل سنة الربح وبعد الشروع بالعمل، فإن المشتق حقيقة في المتلبس لا في المنقضي عنه المبدأ.

قوله: [وعلى فرض الشك يكون الأمر كذلك؛ إذ في المخصص المنفصل المجمل يقتصر على القدر المعلوم، والمقدار المعلوم من دليل الاستثناء ما يكون مؤنة بعد ظهور الربح] لأصالة العموم في العام باستثناء ما يتيقن خروجه، راجع في كتاب الاجتهاد والتقليد: بحث لو تردد مفهوم الفاسق بين مرتكب مطلق الذنب أو خصوص الكبيرة. وراجع الأصول في بحث (إجمال المخصص).

ص: 611


1- مباني منهاج الصالحين 7: 68.

ثم إن قوله: [إذ في المخصّص المنفصل المجمل] بالإجمال المفهومي.

قوله: [ويمكن أن يقال: إن التعارف الخارجي في الكاسب والتاجر والصانع جعل مبدأ السنة الشروع في العمل](1) التعارف إنما هو حساب الأرباح والخسائر بلحاظ البدء في العمل، فإذا بدأ أول محرم يلاحظ كم ربح وكم صرف وكم خسر؟ ويحسب المجموع في نهاية السنة.

ولكن لو لاحظنا الدليل نجده يقول: «إذا غنمت فخمس بعد مرور عام إلاّ المؤونة» فهو - كما سبق - استثناء من الربح، فتأمل.

والخلاصة: إن الظاهر تطابق سنة الخمس مع سنة المؤونة، وحيث إنّها سنة الخمس تبدأ من حين الربح فهكذا سنة المؤونة من حين الربح أيضاً.

قوله: [وهو الظاهر من حديثي علي بن مهزيار(2) والهمداني(3)، فإن الظاهر من المؤونة، مؤنة السنة، ومع لحاظ التعارف الخارجي يفهم العرف أن المبدأ هو الشروع في العمل. وأما حديث ابن أبي نصر - قال كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : «الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب بعد المؤونة»(4) - فهو مطلق يشمل الكاسب وغيره](5)

ص: 612


1- مباني منهاج الصالحين 7: 68.
2- وسائل الشيعة 9: 500.
3- وسائل الشيعة 9: 500-501.
4- وسائل الشيعة 9: 508.
5- مباني منهاج الصالحين 7: 68-69.

بعد ما ذكرناه لا يتبقى ظهور.

والخلاصة: لو كان عندنا دليل واحد يقول: (اخرج مؤونة سنتك) لكان ظاهراً فيما ذكره المصنف، ولكن مقتضى الجمع ما ذكرناه.

ثم إنه لم يتضح مقصود المصنف، فهل سنة الربح تبدأ من حين العمل أو من حين الربح؟.

فإن اختار الأول لزم أن يكون خطاب «خمس» بلا موضوع، لعدم تحقق الربح، وإن بدأت من حين الربح لزم إخراج مؤونة عام ونصف - مثلاً - من أرباح سنة.

مثلاً: لو اشتغل أول محرم وربح في رجب، ففي أول رجب الثاني يخمس ويستخرج مؤونة عام ونصف. لكن ظاهر المصنف الأول(1).

قوله: [إن قلت: يلزم التفكيك في مبدأ عام الربح. قلت: لم يرد في الدليل هذا العنوان، وإنما الوارد فيه عنوان المؤونة، والمراد منها مؤنة السنة](2) والخلاصة: أن الاختلاف من قبل المصاديق ولا تعدد في المفهوم.

قوله: [ويختلف هذا العنوان باختلاف المورد، فبالنسبة إلى التاجر والصانع يصح جعل سنة الربح من أول الشروع في العمل، وأما بالنسبة إلى من يحصل له الربح اتفاقا، فلا يصدق إلا بعد ظهور الربح] الموضوع هو «غنمتم» لا سنة الربح، فتأمل.

قوله: [ولا يخفى: ان المتعارف الخارجي بالنسبة إلى غير الكاسب

ص: 613


1- مباني منهاج الصالحين 7: 69 السطر (3) (منه (رحمه اللّه) ).
2- مباني منهاج الصالحين 7: 69.

جعل مبدأ السنة بعد ظهور الربح في العام الأول، وأما في الأعوام الآتية فيحاسبون حسابهم، ويجعلون مبدأ السنة بحساب مبدأ السنة الأولى، مثلاً: لو حاسب حساب خمسه أول المحرم يكون مبدأ سنة أوله في كل عام](1) هذا بناءً على مبنى الماتن.

قوله (قدس سره) في المتن: [ومن الجائز أن يجعل الإنسان لنفسه رأس سنة، فيحسب مجموع وارداته في آخر السنة، وإن كانت من أنواع مختلفة، كالتجارة، والإجارة، والزراعة، وغيرها، ويخمس ما زاد على مؤونته، كما يجوز له أن يجعل لكل نوع بخصوصه رأس سنة، فيخمس ما زاد عن مؤنته في آخر تلك السنة] هذه الطريقة هي المتعيّنة.

قوله: [ذهب سيدنا الأُستاذ إلى جواز كلا القسمين وعدم تعين أحدهما، بتقريب أن المستفاد من دليل الخمس أن كل ربح يتعلق به الخمس، غاية الأمر الشارع الأقدس أرفق وأجاز في التأخير، فكل ما يبقى من الربح يجب فيه الخمس] فدليل الغنيمة والفائدة انحلالي، فتكون كل غنيمة فرداً وموضوعاً جديداً لهذا العنوان، فوزانه وزان (الكنز)، في أنّ كل كنز خارجي يكون مشمولاً لهذا العنوان.

ثم إن قوله: [فكل ما يبقى من الربح يجب فيه الخمس] بعد المؤونة.

قوله: [وبعبارة أُخرى: وجوب الخمس متعلق بما زاد عن المقدار

ص: 614


1- مباني منهاج الصالحين 7: 69.

المصروف في المؤونة، فكل ربح بنفسه له سنة وموضوع للخمس](1) لما سبق من الانحلالية.

قوله: [فيجوز جعل رأس سنة لكل ربح، كما أنه يجوز جعل رأس السنة للمجموع من حيث المجموع؛ إذ لا إشكال في تعلق الخمس بكل ربح، ولا إشكال في جواز تخميس كل ربح فوراً وقبل مضي السنة] كما يجوز للإنسان أن يخمّس كل ربح فوراً.

قوله: [ولا دليل على تعين القسم الثاني، وقوله (عليه السلام) في حديث علي بن مهزيار «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام»(2) لا يدل على لزوم احتساب الكل موضوعاً واحداً، واعتبار الحول للمجموع من حيث المجموع، فإن الحديث ناظر إلى التفرقة بين الغنائم وغيرها، حيث إنه (عليه السلام) اكتفى بنصف السدس في سنته](3) أي ليس في مقام البيان من هذه الجهة، بل هو (عليه السلام) يبين أن الخمس كاملاً لازم في الغنائم والفوائد، بخلاف غيرها فإنّه يكفي فيه نصف السدس.

قوله: [فأما الغنائم فيجب فيها الخمس في كل عام، فلا نظر إلى جعل الكل ملحوظاً واعتبار الحول له، فلا يستفاد المدعى من الحديث] الانصاف أنّه - عرفاً - دال على المدّعى.

قوله: [ويرد عليه: أنه كيف يمكن الالتزام بوجوب الخمس في كل

ص: 615


1- مباني منهاج الصالحين 7: 69-70.
2- وسائل الشيعة 9: 501-503.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 70.

ربح مع الالتزام بأن متعلق الخمس ما زاد عن المقدار المصروف](1) الشارح يريد أن يبين أن إحدى الطريقتين هي المتعينة، ثم يعيّن ذلك في الطريقة الأولى.

ثم إن قوله: [كيف يمكن الالتزام بوجوب الخمس] فالخمس لا يجب في كل ربح، بل في الربح الزائد على مقدار المؤونة.

قوله: [وبعبارة أُخرى: تارة نقول بأن الخمس متعلق بكل ربح بلا تقيده بقيد، غاية الأمر لا يجب إلا في المقدار الزائد، وعلى هذا التقدير لا مانع من اللالتزام بتعلقه بكل ربح، وأُخرى نقول بأن متعلق الخمس من أول الأمر المقدار الزائد، فكل مقدار يصرف في علم اللّه يكون خارجاً عن موضوع الخمس] فيكون إسقاطاً للحكم الوضعي بعد ثبوته، فتأمل.

قوله: [وعلى هذا التقدير كيف يمكن الالتزام بتعلق الخمس بتمام الربح وتخميسه قبل مضي سنته، فلا مورد للتخيير، بل لابد من اختيار أحد الوجهين، والظاهر أن الوجه الثاني هو الصحيح] فلا يصحّ القول بالتعجيل، والذي بنى عليه الماتن هو التخيير.

قوله: [ويمكن الاستدلال عليه بقيام السيرة عليه، وبالتعارف الخارجي، ولا يبعد أن يستفاد المدعى من بعض النصوص، لاحظ ما رواه ابن مهزيار فإنه (عليه السلام) قال في ذيل الحديث: «إذا أمكنهم بعد

ص: 616


1- مباني منهاج الصالحين 7: 70.

مؤنتهم»(1)، والمفروض أن المراد بالمؤونة مؤنة السنة، فلو فرض أن شخصاً له أنواع من الأمتعة، وله صنائع وضياع يكون مصداقاً لكلامه (عليه السلام) ، فيحسب مجموع أرباحه طول السنة، فإذا أمكنه الأداء بعد استثناء المؤونة يجب عليه، وإلا فلا](2) أدلة المصنف على هذا الحكم هي:

أولاً: قيام السيرة.

ثانياً: التعارف الخارجي، حيث إن التجار لا يجعلون لكل ربح سنة مستقلة.

ثالثاً: بعض النصوص، كقوله (عليه السلام) : (بعد مؤونتهم) أي مؤونة السنة، فهي واجبة عليهم في كل عام بل كل ساعة.

رابعاً: الحرج الشديد.

وعليه فتتعين الطريقة الأولى.

وقد يناقش في السيرة بعدم إحراز اتصالها بزمان المعصوم (عليه السلام) . فتأمل. فلا بد من ملاحظة أنّ «أصالة الثبات» و «تشابه الأزمنة» كما تجري في الأقوال تجري في الافعال أو لا؟(3)

ثم إن ما ذكره من التعلق بالمقدار الزائد لعله خلاف ما بنوا عليه من أنّه يجوز إخراج خمس كل ربح فوراً، إلاّ أن يقال: إنه تبرع لا خمس(4).

ص: 617


1- وسائل الشيعة 9: 500.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 71.
3- راجع بحث حجية الظواهر والحقيقة الشرعية وعلائم الحقيقة والمجاز (التبادر) (منه (رحمه اللّه) ).
4- راجع بحث أنّ التأخير إرفاق في العروة وحواشيها (منه (رحمه اللّه) ).

ثم إنه لو فرضنا العلم بكونه زائداً على المؤونة، فهل يرد إشكال الشارح؟ إذ للماتن أن يقول: يجوز الانتظار في كل ربح إلى حين تمام حول ويجوز التعجيل، إذ (بعد المؤونة) رتبي لا زماني ،كما في: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ}(1)،

وعليه فتجوز كلتا الطريقتين.

ولو شك في مقدارٍ أنّه مؤونة أم لا، كانت أصالة عدم كونه مؤونة محكمة، إما بأصل العدم الأزلي، حيث لم تكن مؤونة في الأزل. أو النعتي، حيث إنها ليست مؤونة الآن. فيضم الوجدان إلى الأصل - ربح ليس مؤونة- فيتم موضوع التخميس ،فتأمل.

وقول الشارح المتقدم: [وعلى هذا التقدير كيف يمكن الالتزام بتعلق الخمس بتمام الربح وتخميسه قبل مضي سنته، فلا مورد للتخيير، بل لابد من اختيار أحد الوجهين](2)

نقول: ليس تعلق الخمس بتمام الربح، بل بالمقدار الزائد ، الثابت كونه زائداً على المؤونة، ولو ببركة الأصل العملي. أمّا مقدار المؤونة فلا يتعلق به الخمس مطلقاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [إن من كان بحاجة إلى رأس مال، لإعاشة نفسه وعياله فحصل على مال لا يزيد على مؤنة سنته، بحيث لو صرفه فيها لم يزد عليها، فالظاهر أنه من المؤنة](3) فيه إشكال والاحتياط لا يترك، وكذا في الفرع اللاحق.

ص: 618


1- النساء: 11.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 70.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 71.

نعم، لو فرض توقف حفظ الشأن في خصوص السنة على ذلك، بأن كان يهان في المجتمع - مثلاً- لو لم يجعله رأس المال فلا يبعد كونه من المؤونة، وحينئذٍ لا يفرق بين كونه بمقدار مؤونة العام أو أكثر.

لكن في بعض الروايات إشعار بوجوب الخمس، مثل «في أمتعتهم وصنايعهم»(1) وما بعدها «المكاتبة»(2).

ثم إن مفهوم المؤونة مجمل، و حينئذٍ تجري أصالة التخميس، أو يحكم عموم العام، على تأمل.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [لم يزد عليها] مثل: أن يكون مصرفه كل يوم دينار فحصل على (360) ديناراً.

والظاهر أنّه محل نظر، إذ لو حصل على أكثر وكان يدر عليه (360) ديناراً كان مؤونة عرفا أيضاًً. والخلاصة: أنّ مُدر المؤونة مؤونة أيضاً.

ولو لم نقل بذلك فيجب الخمس مطلقاً، فالتفصيل محل نظر وليس عرفياً.

وأما قول صاحب مستند العروة(3): أن ثلاثمائة وستين ديناراً مؤونة، ولصرف المؤونة طريقان: إما أن يضعه في صندوق ويسحب منه كل يوم ديناراً، أو بأن يشتري به سيارة - مثلاً- ويعيش بأُجرتها كل يوم ديناراً. ففيه أنّه إنْ حوّله إلى سيارة فليس مؤونة على المبنى الثاني ،كما أشار له الشارح. كما لو اشترى بمال لا يحتاج إليه مطلقاً.

ص: 619


1- وسائل الشيعة 9: 500.
2- وسائل الشيعة 9: 500.
3- شرح العروة الوثقی 25: 249.

وأما «مسألة بقاء الرقبة» فلا يقدح في القول الأول، كبقاء رقبة الدار ونحوها. (راجع ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(1).

والظاهر أن عنوان المؤونة مجمل، فلا بد من مراجعة العرف واللغة، ولو شك فهل الأصل الخمس، أو تجري البراءة؟ أشرنا لهذا البحث سابقاً، وقد تعرض له الوالد (رحمه اللّه) في الفقه اكثر من مرّة(2)

،مضافاً إلى إشعار بعض الروايات بوجوب الخمس كما سبق.

قوله (قدس سره) في المتن: [فالظاهر أنه من المؤونة، فيجوز اتخاذه رأس مال، والاتجار به لإعاشة نفسه وعائلته من أرباحها] علق عليه الشارح بقوله: [فصل الماتن بين رأس المال الذي يعادل مؤونة السنة، وبين الزائد على هذا المقدار، بان اختار عدم الخمس في خصوص الأول، بدعوى أن المال المصروف في المؤونة لا خمس فيه، ولا فرق في الصرف بين صرف نفس المال، وبين ما يشتري به شيء يصرف في المؤونة، ويمكن أن يقال بأنه لو صرفه في المؤونة لا يجب الخمس؛ لانتفاء موضوعه؛ إذ المفروض عد الزيادة على المؤونة وأما لو جعلها رأس المال يصح أن يقال انه ربح كذا مقدار، وبقي الربح إلى آخر السنة، ولم يصرف في المؤونة](3) فيكون زائداً عليها ، وقد ينقض بالبيت والأثاث والأواني ونحوها كما سبق.

ص: 620


1- الفقه 33: 306.
2- الفقه 33: 13، 307.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 71-72.

قوله: [وإن شئت قلت: ما معنى الحاجة إلى رأس المال؟ فإن كان المراد أنه بحاجة في هذه السنة إلى رأس المال فليس الأمر كذلك؛ لأنه يمكنه أن يصرفه في هذه السنة في مصارفه، ولا حاجة إلى رأس المال](1) ومشتري البيت أيضاً يمكنه استئجار بيت ،وصرف المال في ذلك ، فهل البيت لا يعدّ مؤونة؟

ثم إن قوله: [فليس الأمر كذلك؛ لأنه يمكنه أن يصرفه في هذه السنة] قد يجاب بأنّه أحد طريقي رفع الاحتياج، فالجامع محتاج إليه. وقد ذكروا نظيره في «الإكراه إلى الجامع» فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [تلاحظ القيمة آخر السنة] علق عليه الشارح بقوله: [إذ المفروض أن الثمن لم يخمس، والحال أنه موضوع الخمس، فلا بد من ملاحظة القيمة، والظاهر لزوم تقويمها غير ناقصة؛ إذ المفروض عدم كونها من المؤونة فاستعمالها لا يكون محتاجاً إليه فلاحظ](2) فيه نظر ، فإنّه لم يربح إلاّ المقدار الزائد على النقص، والاحتياج ليس دقّيا عقلياً، بل هو شأن عرفي، وليس ذلك أكثر من الشأن، أي من شأن الإنسان الاتجار شرعاً وعرفاً. نعم، لو كان زائداً على مقدار شأنه لزم تقويمها غير ناقصة، إلاّ أنّه فرض بعيد، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا نقص رأس ماله](3) هذا من فروع الأصل

ص: 621


1- مباني منهاج الصالحين 7: 72.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 73.
3- مباني منهاج الصالحين 7: 73.

المتقدم في المسألة السابقة، وقد مضى الإشكال، وقد مضى التفصيل أيضاً.

قوله (قدس سره) في المتن: [جاز تكميله بجبره من أرباح سنته] علق عليه الشارح بقوله: [إذ لا يصدق الربح إلا على المقدار الباقي بعد الجبر، وهذا من فروع الأصل المتقدم الذي قد مر الإشكال فيه] إذ رأس المال مؤونة على مبنى الماتن ، على التفصيل المتقدم.

ثم إن قوله (قدس سره) في المتن: [بجبره من أرباح سنته] إذ لا يصدق الربح إلاّ على الزائد على ذلك المقدار.

قوله (قدس سره) في المتن: [ولا يجوز جبره بأرباح السنين الآتية، وكذلك الحال في النقص الوارد على المصانع والسيارات، وآلات الصنائع، وغير ذلك مما يستعمل في سبيل تحصيل الربح، فإن النقص الوارد عليها يجبر من ربح السنة، ولا يجبر من أرباح السنين الآتية] علق عليه الشارح بقوله: [لعدم الدليل على الجواز، وبعبارة أُخرى: كل ربح موضع للخمس، والمفروض تحققه بهذا المقدار في السنة الفلانية، ولا دليل على جبران خسران غيرها بربحها، فلاحظ](1) ربّما يجبر التجار- عرفاً- بأرباح السنوات اللاحقة، فلو خسر في سنة خمسمائة مثلاً، وربح ألفاً في أُخرى لا يقول: ربحت ألفاً بل يستثني الخسارة ويقول: ربحت خمسمائة، مثلاً.

ص: 622


1- مباني منهاج الصالحين 7: 73-74.

ولكن شرعاً: كل سنة موضوع مستقل، كما يظهر من «في كل عام»(1) وغيرها.

وقد يقال: إنّه عرفاً أيضاً كذلك، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [لا فرق في مؤنة السنة بين ما يصرف عينه، مثل المأكول والمشروب، وما ينتفع به - مع بقاء عينه - مثل الدار، والفرش والأواني ونحوها من الآلات المحتاج إليها، فيجوز استثناؤها إذا اشتراها من الربح، وإن بقيت للسنين الآتية] علق عليه الشارح بقوله: [إذ الميزان صدق عنوان المؤونة، وبعد تحقق هذا العنوان يخرج عن تحت دليل الخمس، ولا مقتضي لدخوله تحته بعد ذلك. وبعبارة أُخرى: كل ربح فيه الخمس إلا ما صرف في المؤونة، والمفروض انه عنون بهذا العنوان، والشيء لا ينقلب عما هو عليه](2) هذا لا يخلو من تأمل؛ لأنّ الأحكام تابعة للعناوين، فإذا تغير العنوان تغير الحكم، كما سنذكره إن شاء اللّه تعالى في مسألة «حلي المرأة»(3)(4).

قوله: [ولا مقتضي لدخوله تحته] فيه أن المقتضي انسلاب عنوان المؤونة، ومنه يظهر الحال في مسألة الحدوث والبقاء.

فالأولى أن يقال: المؤونة صادقة عرفاً حدوثاً وبقاءً.

ص: 623


1- وسائل الشيعة 9: 501-503.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 74.
3- وراجع الأصول بحث المشتق، وكذا في الفقه، وأن العناوين على ثلاثة أنواع (منه (رحمه اللّه) ).
4- سيذكره في التعليق على المسألة في مباني منهاج الصالحين 7: 75.

قوله: [وإن شئت قلت: هذا الربح حين حدوثه لم يشمله دليل الوجوب، وبقاءً لا يكون فرداً آخر للربح كي يشمله الدليل، فالحق كما أفاده](1) مضى الإشكال فيه؛ إذ فيه: أنّه ربح خلع عنه عنوان المؤونة، فيجب فيه الخمس لولا ما ذكرناه في الحاشية السابقة، والربح لا ينقلب على كونه ربحاً بمجرد مرور الحول عليه؛ إذ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه.

قوله (قدس سره) في المتن: [نعم، إذا كان عنده شيء منها قبل الاكتساب لا يجوز استثناء قيمته، بل حاله حال من لم يكن محتاجاً إليها] علق عليه الشارح بقوله: [إذ المفروض أن الميزان بما يكون مؤنة بعد الاكتساب، ولذا يكون لكل سنة حساب خاص بها، فلاحظ. وعلى الجملة لابد أن يصرف الربح في المؤونة في سنة الربح، فلو لم يصرف فيها يتعلق به الخمس] هذا أولى من تقرير السابق؛ إذ فيه أنه مؤونة قبل الاكتساب وبعده. إلاّ أن المال لم يصرف في المؤونة لوجودها عنده.

قوله (قدس سره) في المتن: [يجوز إخراج المؤونة من الربح، وإن كان له مال غير مال التجارة](2) مراده: لم يتعلق به الخمس.

قوله (قدس سره) في المتن: [فلا يجب إخراجها من ذلك المال، ولا التوزيع عليهما] علق عليه الشارح بقوله: [ربما يقال - كما عن الأردبيلي (قدس سره) - أنه يختص الجواز بصورة الاحتياج... الأول: إن دليل

ص: 624


1- مباني منهاج الصالحين 7: 74.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 74.

الخمس بعد المؤونة سنده ضعيف، وعلى تقدير تماميته منصرف إلى مورد الاحتياج، والإجماع ونفي الضرر يختصان بصورة الاحتياج](1) لو كان الدليل الإجماع، ثم ما ذكره يقتصر فيه على المتيقن، لأنه لبّي، وكذا نفي الضرر.

قوله: [الثاني: انه مقتضى الاحتياط. الثالث: إنه يلزم عدم وجوب الخمس في موارد كثيرة، وهذا ينافي تشريع الخمس. ويرد على الوجه الأول أنه لا يكون ضعيفاً سنداً، كما أن الانصراف إلى صورة الاحتياج بمعنى عدم وجود مال آخر لا نصدقه، بل مقتضى الإطلاق عدم الفرق وعموم الحكم لمورد يمكن الصرف من مال آخر](2) وعلى فرض الضعف فهو مجبور بالعمل.

قوله: [ويرد على الوجه الثاني أنّ الاحتياط غير واجب، غاية الأمر كونه راجحاً] أي في المقام، مع وجود الدليل، وهو الإطلاق.

قوله: [ويرد على الوجه الثالث أنه لا محذور فيه، وملاكات الأحكام وجعلها على طبقها بيد الشارع الأقدس، والميزان دلالة الأدلة ومقتضاها الإطلاق] المقصود ينبغي أن يكون: أن تشخيص الملاك بيد الشارع، وجعل الحكم طبقاً للملاك بيده.

قوله: [وأما التوزيع فلا وجه له إلا رعاية قاعدة العدل والإنصاف،

ص: 625


1- مباني منهاج الصالحين 7: 74-75.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 75.

ولا يرجع هذا التقريب إلى محصل صحيح في المقام؛ إذ مقتضى إطلاق الدليل هو الجواز، كما أفاده الماتن] هذا صحيح أو قد يكون في صورة الشك؛ إذ لا يُعلم أنّ الخمس له أو لأرباب الخمس، ومع وجود الإطلاق لا شك.

قوله (قدس سره) في المتن: [إذا زاد ما اشتراه للمؤونة من الحنطة، والشعير، والسمن، والسكر، وغيرها وجب عليه إخراج خمسه] في إطلاقه تأمل.

راجع ما ذكره الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(1) في أنّ الأشياء القليلة التي تزيد في البيت لا خمس فيها، لجريان السيرة على ذلك، ولم ينبه عليه في الروايات. وفي أنّه مؤونة عرفاً، فتأمل.

قوله (قدس سره) في المتن: [وجب عليه إخراج خمسه] علق عليه الشارح بقوله: [إذ المفروض أن الزائد لا يكون مصداقاً للمؤونة فيجب فيه الخمس](2) هذا بالدقة العقلية ، وأمّا عرفاً فهو مؤونة، فتأمل(3).

قوله (قدس سره) في المتن: [أما المؤن التي يحتاج إليها - بعد بقاء عينها إذا استغنى عنها - فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها](4) الظاهر وجوب

ص: 626


1- الفقه 33: 330-332.
2- مباني منهاج الصالحين 7: 75.
3- راجع حاشية المسائل المتجددة (المسألة رقم 1) في أنّ الملاك هو الدقّة العقلية، أو العرفية، أو التسامح العرفي (منه (رحمه اللّه) ).
4- مباني منهاج الصالحين 7: 75.

الخمس فيها إذا استغني عنها بالمرّة.

قوله (قدس سره) في المتن: [سواء كان الاستغناء عنها بعد السنة، كما في حلي النساء الذي يستغنى عنه في عصر الشيب، أم كان الاستغناء عنها في أثناء السنة، بلا فرق بين ما كانت مما يتعارف إعدادها للسنين الآتية، كالثياب الصيفية والشتائية عند انتهاء الصيف أو الشتاء في أثناء السنة، وما لم تكن كذلك] علق عليه الشارح بقوله: [إذ بعد تعنونه بعنوان المؤونة خرج عن تحت دليل وجوب الخمس، وبقاء لا يكون ربحاً جديداً، وقد تقدّم الكلام حول هذه المسألة قريباً](1) مضى الكلام فيه قريباً، وراجع ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في (الفقه)(2)، وما ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) في (المستند)(3).

ص: 627


1- مباني منهاج الصالحين 7: 75-76.
2- الفقه 33: 330-332.
3- شرح العروة الوثقی 25: 260-262.

ص: 628

فهرس المحتويات

كتاب الصوم

الفصل الأول: النية

النية شرط في الصوم ...7

لايجب قصد الوجوب والندب ولا غيرهما في الصوم ...13

لايقع في رمضان صوم غيره ...16

القصد الإجمالي يكفي ...18

وقت النية ...20

يكفي في رمضان نية واحدة ...37

إذا لم ينو لنسيان الحكم أو لغيره ...39

إذا صام يوم الشك بنية شعبان ...41

تجب استدامة النية ...52

لايصح العدول من صوم إلی صوم ...55

الفصل الثاني: المفطرات

الأول و الثاني: الأكل والشرب ...56

الثالث: الجماع ...58

الرابع: الكذب علی اللّه ...61

ص: 629

الخامس: الرمس في الماء ...61

السادس: إيصال الغبار إلی جوفه ...63

السابع: تعمد البقاء علی الجنابة ...65

الاحتلام بالنهار لايبطل ...69

الاجناب العمدي بالليل ...70

إذا نسي غسل الجنابة ...73

عدم امكان الغسل للجنب ...74

إذا ظن سعة الوقت ...76

حدث الحيض والنفساء كالجنابة ...77

حكم المستحاضة الكثيرة ...80

إذا اجنب في شهر رمضان ونام حتی اصبح ...82

يجوز النوم الأول بعد الجنابة ...90

إذا احتلم في النهار ...92

إلحاق النوم الرابع بالثالث ...93

عدم إلحاق الحائض والنفساء بالجنب ...93

الثامن: إنزال المني ...94

التاسع: الإحتقان ...96

إبتلاع ما يخرج من الصدر ...101

لا بأس بإبتلاع البصاق ...103

العاشر: تعمد القيء ...103

ص: 630

إذا ابتلع بالليل ما يجب قيئه بالنهار ...104

مص الخاتم لا يفطر ...106

ما يكره للصائم ...109

يشترط في تحقق الافطار التعمد ...117

الافطار الاكراهي ...128

إذا غلب علی الصائم العطش ...159

الفصل الثالث: كفارة الصوم

صور المسألة ...163

التخيير في الكفارة ...170

تتكرر الكفارة بتكرر الموجب ...182

كفارة الجمع ...189

إذا اكره زوجته علی الجماع ...191

إذا افطر عمداً ثم سافر ...201

إذا كان الزوج مفطراً لعذر فاكره زوجته الصائمة علی الجماع ...204

يجوز التبرع بالكفارة...207

وجوب الكفارة موسع ...209

لايجزي في الكفارة اشباع شخص مرتين ...216

إذا كان للفقير عيال ...216

حكم زوجة الفقير ...218

بماذا تبرء ذمة المكفّر ...219

ص: 631

بماذا يحصل التكفير ...220

وجوب القضاء دون الكفارة في موارد: منها الإخلال بالنية ...220

منها استعمال المفطر بعد طلوع الفجر من غير مراعاة ...223

منها الافطار قبل دخول الليل ...227

إذا شك في دخول الليل ...232

منها ادخال الماء في الفم ...233

منها سبق المني ...235

الفصل الرابع: شرائط صحّة الصوم ووجوبه

شرائط صحّة الصوم ...238

عدم جواز الصوم المندوب في السفر ...246

يصح الصوم من المسافر الجاهل ...249

لايصح الصوم من المريض ...251

عدم كفاية الضعف في الافطار ...257

إذا صام لاعتقاد عدم الضرر ...259

اعتبار قول الطبيب ...262

يصح الصوم من الصبي ...265

لايجوز الصوم المستحبي لمن عليه صوم واجب ...267

شرائط وجوب الصوم ...271

بلوغ الصبيّ في الأثناء ...274

إذا سافر قبل الزوال وكان ناوياً للسفر من الليل ...275

ص: 632

يجوز السفر في رمضان اختياراً ...286

يجوز للمسافر التملي من الطعام ...294

الفصل الخامس: ترخيص الإفطار

الشيخ والشيخة وذوالعطاش ...299

الحامل ...309

المرضعة ...310

الفصل السادس: ثبوت الهلال

بماذا يثبت الهلال ...319

رؤية الهلال في بلدٍ يكفي في الثبوت في غيره ...337

الفصل السابع: أحكام قضاء شهر رمضان

إذا صام المخالف طبق مذهبه ...362

لايجب الفور في القضاء ...364

لاترتيب في صوم القضاء وغيره ...372

إذا فاته أيام من شهر رمضان بمرض ومات قبل أن يبرء ...372

إذا فاته شهر رمضان بمرض واستمر إلی الرمضان الثاني ...375

إذا فاته شهر رمضان وأخّر القضاء إلی الرمضان الثاني ...383

إذا استرم المرض ثلاث رمضانات ...386

لايجب فدية العبد علی سيده ...387

لاتجزي القيمة في الفدية ...388

جواز الافطار في الصوم المندوب ...389

لا يلحق القاضي عن غيره بالقاضي عن نفسه ...395

ص: 633

يجب القضاء علی الولد الأكبر ...396

وجوب التتابع في صوم الشهرين ...406

كل ما يشترط فيه التتابع إذا افطر لعذر ...409

إذا نذر صوم شهرين متتابعين ...417

الصوم من المستبحات المؤكدة ...422

يكره الصوم في موارد ...430

حرمة صوم العيدين ...434

كتاب الخمس

فيما يجب فيه الخمس ...441

الاوّل: الغنائم ...441

حكم ما يؤخذ من الكافر بغير قتال ...446

لايجب في خمس الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً ...448

يجوز أخذ مال الناصب ...449

الثاني: المعدن ...455

يشترط في خمس المعدن النصاب ...458

يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الاخراج ...469

إذا اشترك جماعة في الاخراج ...475

حكم المعدن في الأرض المملوكة ...476

حكم المعدن في الأرض المفتوحة عنوة ...479

إذا شك في بلوغ النصاب ...480

ص: 634

الثالث: الكنز ...485

المراد من الكنز ...485

يشترط في خمس الكنز النصاب ...499

إذا وجد الكنز في الأرض المملوكة ...505

إذا اشتری دابة فوجد في جوفها مالاً ...517

الرابع: ما اُخرج من البحر بالغوص ...523

إذا اخرج بآلة ...528

حكم ما اُخرج من النهر العظيم ...529

يجب الخمس في العنبر ...533

الخامس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ...534

إذا اشتری الأرض ثم اسلم ...536

يتعلق الخمس برقبة الأرض ...539

إذا اشتری وشرط علی المسلم الخمس ...539

السادس: المال المخلوط بالحرام ...540

إذا علم قدر المال ...553

إذا كان في ذمته مال حرام ...557

إذا تبين المالك بعد دفع الخمس ...564

إذا علم بعد الدفع ان الحرام أكثر ...565

إذا كان الحرام المختلط من الخمس و الزكاة ...568

إذا كان الحلال المختلط متعلق الخمس ...568

ص: 635

إذا تصرف قبل دفع الخمس ...573

السابع: الفاضل عن مؤونة السنة ...575

حكم ما ملكه بالخمس أو الزكاة ...586

حكم زيادة القيمة ...587

ما المراد من المؤونة المستثناة ...602

رأس السنة ...609

إذا احتاج إلی رأس المال ...618

يجوز اخراج المؤونة من الربح وان كان له مال آخر ...624

إذا زاد شيء من مؤونته ...626

فهرست المحتويات ...629

ص: 636

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.