موسوعة الفقيه الشيرازي (تعليقة علی كتاب الدلائل الجزء الثاني) المجلد 19

هوية الكتاب

موسوعة الفقيه الشيرازي

(19)

تعليقة علی كتاب الدلائل

لآية اللّه العظمی السيّد تقي القمّي (دام ظله)

الجزء الثاني

بقلم

آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

ص: 1

بطاقة تعريف:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان المؤلف واسمه:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

تفاصيل النشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مواصفات المظهر:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج21: 3-291-204-964-978

حالة الاستماع:فيپا

لسان:العربية

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

تصنيف الكونجرس:1394 8م5ح/8/159BP

تصنيف ديوي:297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4153694

اشارة

سرشناسه:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

مشخصات نشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مشخصات ظاهری:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج19: 0-289-204-964-978

وضعيت فهرست نويسی:فيپا

يادداشت:عربي

مندرجات: ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول،جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

رده بندی كنگره:1394 8م5ح/8/159BP

رده بندی ديويی:297/312

شماره كتابشناسی ملی:4153694

موسوعة الفقيه الشيرازي

شجرة الطيبة

--------

آية اللّه الفقيه السيّد محمّد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)

المطبعة: قدس

إخراج:نهضة اللّه العظيمي

الطبعة الأولی - 1437ه- .ق

-----------

شابك دوره: 8-270-204-964-978

شابك ج19: 0-289-204-964-978

-----------

دفتر مركزي: قم خيابان معلم، میدان روح اللّه،

نبش كوچه 19، پلاك 10، تلفن: 9 – 37744298

چاپ: شركت چاپ قدس، تلفن 37731354 فكس 37743443

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

فصل: في أحكام التخلي

اشارة

ص: 5

ص: 6

فصل: في أحكام التخلي

ستر العورة

يجب في حال التخلّي، بل في جميع الأحوال ستر بشرة العورة[1] من كلّ ناظر محترم(*).

(*) نقل عن المعتبر أنّ إجماع علماء الإسلام على ذلك... وقد دلّت عليه جملة من الروايات، منها: ما رواه الحسين[2] بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث المناهي قال: »إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته، وقال: لا يدخلنّ أحدكم الحمّام إلاّ بمئزر، ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم«(1)...

-------------------------

[1] قوله: [بشرة العورة] الملاك هو ستر العورة عرفاً، وهو يتحقق بستر البشرة والحجم معاً، إلاّ أن الماتن قيد - فيما سيأتي - ببعض مراتبه، وعلى كلٍ، فما ذكرناه لا ينافي ما ذكره الماتن؛ لأن ما ذكره بعض جزئيات كلي ستر العورة، وليس المراد الجلد فقط، فلو قلع جلده وجب ستر اللحم، فالمراد بالبشرة الذات، أي ظاهرها لا خصوص الجلد فقط.

[2] قوله: [ما رواه الحسين] الظاهر أنها صحيحة، والشاهد فيها «فليحاذر على عورته»، و«...إلاّ بمئزر»، وأمّا «ونهى أن ينظر» فلا دلالة فيه،

ص: 7


1- وسائل الشيعة 1: 299.

ومنها: ما عن الصادق (عليه السلام) في مرسل[3] الصدوق، قال: »وسئل الصادق (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ وجلّ: {قُل لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}(1) فقال: كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع فإنّه للحفظ[4] من أن ينظر إليه«(2).

-------------------------

لأن حرمة النظر غير وجوب الستر؛ ولذا لا يجب على الرجل ستر صدره ويحرم على المرأة النظر إليه، فتأمل.

إلاّ أن يقال بالملازمة العرفية بينهما - كما ذكره بعض في أحكام النظر من كتاب النكاح(3) - أو يقال: إنه إعانة على الإثم والعدوان.

وقد يجاب: بأن الإعانة بواسطة الفاعل المختار، أو يجاب: بأنه لا دليل على حرمة الإعانة. وفي الأخير نظر(4).

[3] قوله: [مرسل] يأتي فيه بحث مراسيل الشيخ الصدوق من الأقوال الثلاثة(5).

[4] قوله: [للحفظ] والاعتبار يؤيده؛ إذ الآية الكريمة في سياق محرمات النظر ظاهراً.

ص: 8


1- النور: 30.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 114.
3- انظر: منهاج الصالحين، السيد الخوئي 2: 260.
4- انظر: كتاب المكاسب 1: 137.
5- انظر: الهداية: 217.

ومنها[5]: ما عن تفسير النعماني بسنده عن علي (عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ: {قُل لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكنّه من النظر إلى فرجه«(1).

... ومنها:[6] ما رواه حنّان بن سدير، عن أبيه، قال: »دخلت أنا وأبي... فإن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام«(2).

... ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: »سألته عن عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ فقال: نعم، قلت: أعني سفليه، فقال: ليس حيث تذهب إنّما هو إذاعة سرّه«(3).

-------------------------

[5] قوله: [ومنها] الظاهر أن في طريقها علي بن حمزة، وفي وثاقته إشكال.

لكن ذهب السيد العم(4) - حفظه اللّه - إلى أن كل رواية رويت عنه فإنما هي في حال استقامته، فتأمل.

لكن يحتاج إلى معرفة الراوي عنه؛ إذ لعله واقفي مثله، فتأمل.

[6] قوله: [ومنها] لعل الرواية معتبرة.

ص: 9


1- وسائل الشيعة 1: 300.
2- المحاسن 1: 104، الكافي 6: 497 - 498.
3- المحاسن 1: 104.
4- الظاهر أن ذلك في مجلس الدرس، وكتب آية اللّه العظمى السيد صادق الشيرازي(حفظه اللّه) في طور الطباعة.

فإن المستفاد من هذه الرواية أنّ المراد فيها حرمة إذاعة السرّ، وليس فيها تعرّض[7] لما نحن فيه.

وأيضاً لا ينافيها ما رواه ابن أبي يعفور قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) : أيتجّرد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته، أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة الناس، قال: كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد«(1). لأنّ الكراهة أعمّ[8] من الكراهة المصطلحة...

-------------------------

[7] قوله: [تعرض] أي أن الإمام (عليه السلام) أعرض عن جوابه وأجاب بما هو أهم أو يحتاج إليه السائل، ومثل له السيد الوالد (رحمه اللّه) (2) في الفقه ب- {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم}(3)، و{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ...}(4) فالسائل قد يسأل عن شيء إلاّ أن المجيب لا يجيبه، بل يعطف إلى ما هو أهم.

إلاّ أن ذلك خلاف الظاهر، لكن لا بد من الحمل على ذلك للضرورة جمعاً بين الأخبار.

[8] قوله: [أعمّ] فلا تدل على كراهة يجوز فعلها حتى تعارض الأخبار المتقدمة، بل مطلق المبغوضية، ومطلق المبغوضية وإن لم يدل على الحرمة إلاّ أنه تكفي الأخبار المتقدمة لإثبات الحرمة، بل الضرورة وحدها كافية، ولو

ص: 10


1- الكافي 6: 252.
2- انظر: الفقه 7: 118.
3- البقرة: 215.
4- البقرة : 189.

مسلماً كان أو كافراً، عاقلاً كان أو غير عاقل[9]، مكلفاً كان أو طفلاً ممّيزاً(*).

بل يمكن أن يقال: إنّه لو سلم ظهورها في المعنى المصطلح لا بدّ من رفع اليد عنها بصراحة[10] رواية حنّان في الحرمة، فتأمل.

(*) كلّ ذلك لإطلاق[11] بعض ما تقدّم، وإطلاق ما في تحف العقول عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: »يا علي، إيّاك ودخول الحمّام بغير

-------------------------

شككنا في أنه أريد بالكراهة معناها اللغوي أو المتشرعي استصحب الأول.

وقد استعملت الكراهة في القرآن الكريم في غير الكراهة المصطلحة ظاهراً، قال تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً}(1)، و{وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ}(2).

[10] قوله: [أو غير عاقل] مع تمييزه؛ وذلك لانصراف الأدلَّة ظاهراً عن غير المميز، فوزانه وزان الطفل غير المميز.

[9] قوله: [بصراحة] بل بالضرورة.

وقد يقال: لا صراحة؛ لأن الحرام يستخدم في المكروه، أو في المعنى الأعم، إلاّ أن يجاب بأظهرية ذلك.

[11] قوله: [لإطلاق] كالرواية الأولى (فليحاذر) و(إلاّ بمئزر) والأخيرة (عورة على المؤمن..).

ص: 11


1- الإسراء: 38.
2- التوبة: 49.

ويكفي كلّ ما يحصل به الستر، وإن كان بطلي الطين أو باليد(*).

مئزر، ملعون ملعون الناظر والمنظور إليه«(1). ولكن ليس في هذه المطلقات ما يعتمد عليه من حيث السند[12]، وعمل المشهور بها على فرض تحقّقه لا يجبر[13] ضعفها...

(*) لأنّ المستفاد من الأدلَّة حرمة الكشف ولزوم الستر بلا خصوصية[14] للساتر.

-------------------------

[12] قوله: [السند] الظاهر إطلاق (فليحاذر) وما ذكر قبل قليل، و(المؤمن) مطلق فوزانه وزان الناظر.

[13] قوله: [لا يجبر] في المبنى نظر.

[14] قوله: [بلا خصوصية] نعم، ورد في الأدلَّة «المئزر» ولكن الظاهر أن العرف يفهم منه الطريقية لا الموضوعية، إذ لا يوجد - عادةً - ما يستر في الحمام غير المئزر، وإلاّ فلو ستر نفسه بالخشب أو بقماش غير المئزر كفى بلا إشكال.

ص: 12


1- وسائل الشيعة 2: 33.

والأحوط عدم كشف بعض مراتب الحجم أيضاً(*)[15]، بل الأولى ستر ما بين السرّة والركبة(**)[16].

(*) الظاهر أنّه لا وجه[17] لهذا الاحتياط، فإنّ الساتر لو كان بحيث يكون مانعاً عن تميّز اللون لا يصدق عليه الكشف، ولا يطلق عليه النظر إلى البشرة...

(**) نقل عن القاضي أنّ العورة في ما بين السرّة والركبة، ويدلّ عليه ما رواه بشير النبّال قال: »سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحمّام، فقال: تريد الحمّام؟ قلت: نعم، فأمر بإسخان الماء ثمّ دخل فاتّزر بإزار

-------------------------

[15] قوله: [أيضاً] الملاك ستر ما يكون كشفه خلاف ارتكاز المتشرعة، أو مستلزماً لعدم انطباق العناوين المأخوذة في الروايات الشريفة مثل: «فليحاذر على عورته» ونحوها.

[16] قوله: [والركبة] بحيث تكونان داخلتين في المستور.

[17] قوله: [لا وجه] الوجه أمران:

الأول: ارتكاز المتشرعة، فيما لو كان حاكياً عن الحجم الدقيق، فإنه مستبشع. وهذا نظير ما ذكروه في لبس المرأة ثوباً يحكي حجم تقاطيع بدنها.

الثاني: أنه لا يصدق معه العناوين المأخوذة في الروايات ظاهراً، مثل: «فليحاذر على عورته» فإنه يشمل لونها وحجمها، وكذا «إلاّ بمئزر» وكذا «عورة المؤمن».

وأما ما ذكر من اللون والبشرة فالظاهر أنه لا دليل عليه كما سبق.

ص: 13

فغطّى ركبتيه وسرّته إلى أن قال: ثمّ قال: هكذا فافعل[18]«(1).

وما رواه الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال: »إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرنّ إلى عورتها والعورة[19] ما بين السرّة والركبة«.

وما نقل عن الخصال[20] عن عليّ (عليه السلام) : »ليس للرجل أن

-------------------------

[18] قوله: [فافعل] ظاهره الوجوب، ولا خصوصية للحمام عرفاً، إلاّ أن الرواية ضعيفة.

[19] قوله: [والعورة] المصنف قوى سندها، وظاهر «ما بين» أو القدر المتيقن منه: خروج نفس السرة والركبة. وفي الرواية احتمالات:

الأول: الإفتاء بمضمونها مطلقاً، إلاّ أنها معرض عنها، والسيرة على خلافها.

الثاني: أن نرجع علمها إلى أهلها (عليهم السلام) كما ذكره الشارح(2) .

الثالث: أن نقول (اللام) في (والعورة) للعهد، لا للاستغراق أو الجنس، أي عورة الأمة المزوجة، أو على الأقل أن سبق ذكرها يصلح للقرينية للصرف عن الإطلاق، فيكون الحكم خاصاً بالأمة المزوجة، وهذا هو الأظهر في بادئ النظر، وعليه فلا وجه لتوقف الشارح.

[20] قوله: [الخصال] الظاهر أنها ضعيفة أيضاً، وهي أخص من المدّعى.

ص: 14


1- الكافي 6: 501.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 233، حيث قال: «فيرجع تفصيل الحديث إلى مخازن الوحي (عليهم السلام) ، فإنهم أهل البيت، وهم أعرف بما في البيت».

يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم«(1).

ولكن الروايتين الأوليين ضعيفتان، فإنّ في سند الأولى إسماعيل بن يسار وهو غير موثّق، وفي سند الثانية حسين بن علوان وهو غير موثّق أيضاً، مضافاً[21] إلى أنّه صرّح في رواية محمد بن حكيم قال الميثمي: »لا أعلمه إلاّ قال: رأيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) أو من رآه متجرداً وعلى عورته ثوب، فقال: إنّ الفخذ ليست من العورة«(2)...

وفي المراجعة الأخيرة ظهر أنّ الحسين بن علوان موثّق[22] فإنّ ابن عقدة[23] وثّقه، فالسند تامّ لكن لا مجال للعمل بهذه الطائفة، فإنّ السيرة[24] جارية على عدم الستر بالنحو المذكور.

-------------------------

[21] قوله: [مضافاً] الظاهر أن كل الروايات من الطرفين ضعيفة السند غير رواية ابن علوان(3) .

[22] قوله: [موثق] لكن ضعف الرواية في التنقيح(4).

[23] قوله: [ابن عقدة] وهو من القدماء ويعتمد على توثيقه، وإن كان زيدياً ظاهراً.

[24] قوله: [السيرة] لاحظ سيرة المتدينين في الحمامات العامّة، وفي أيام الحج حالة الإحرام.

ص: 15


1- الخصال: 630.
2- تهذيب الأحكام 1: 374.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 232 - 233.
4- انظر: شرح العروة الوثقى 3: 356.

وأولى منه الستر إلى نصف الساق(*)[25].

وأولى[26] من الجميع ستر جميع البدن حال التخلّي بحيث لا يراه أحد وإن كان بالتباعد(**). والمراد من الناظر المحترم غير الزوج

(*) ... ومنه ظهر أنّه يمكن أن يستفاد هذا الحكم من أدلَّة دخول الحمّام بمئزر، لكن قد ذكرنا[27] أنّ الخبر ضعيف السند، وعلم[28] من الأدلَّة أنّ وجوب المئزر لستر العورة وكون العورة ما ذكر أوّل الكلام، مضافاً إلى القطع[29] بعدم حرمة الكشف...

(**) لما روي أنّ النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه لم يرَ[30] على بول ولا غائط...

-------------------------

[25] قوله: [نصف الساق] الأولى أن يقال: إلى ما يستره الإزار، إذ الرواية احتوت ذلك، وقد يغطي الإزار نصف الساق أو أقل أو أكثر حسب اختلاف منطقة الشّد، واختلاف الأفراد في الطول والقصر، ولعله لاختلاف أنواع الإزار في ذلك. إلاّ أن يقال: إن فتوى الفقيه كافية، فتأمل.

[26] قوله: [وأولى] المراد أن لا يُرى حين التخلي، والستر ليس ملاكاً، فإنّ ما ذكر من الروايات: (أن لا يرى) وإن كان رأسه أو يده مثلاً مكشوفاً.

وعبارة الماتن مضطربة؛ إذ ذكر فيها «الستر» و«أن لا يرى» والثاني هو الملاك. نعم، تغطية الرأس أمر آخر سيأتي التعرض إليه.

[27] قوله: [قد ذكرنا] هذا رد على الحلبي.

[28] قوله: [وعلم] لو تمت فالوجوب مطلق، أي في حدّ ذاته.

[29] قوله: [القطع] للسيرة التي مر ذكرها وللارتكاز.

[30] قوله: [لم يرَ] أنه لا يرى شخصه حين ذلك، كأن يجلس الإنسان

ص: 16

والزوجة بالنسبة إلى الآخر، وغير الأمّة بالنسبة إلى مولاها فيجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر(*)؛ لكن يشترط في الأمّة أن لا تكون مزوّجة أو في حكمها كالمطلّقة الرجعية(**)[31].

(*) فإنّ جواز النظر يفهم من جواز الوطء بالأولوية العرفية[32]، وقد دلّت عليه رواية أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) : »أينظر[33] الرجل إلى فرج امرأته وهو يجامعها؟ قال: لا بأس«(1). مضافا إلى وضوح[34] الحكم من غير شائبة وكذا فيما بعده.

(**) لعدم[35] جواز الوطء فالإطلاقات[36] محكمة، مضافاً

-------------------------

خلف جدار قصير بحيث يرى أنه في الحالة الكذائية.

[31] قوله: [الرجعية] بل مطلقاً.

[32] قوله: [العرفية] الظاهر أنها ثابتة، والتشكيك لا يصغى إليه.

[33] قوله: [أينظر] بضميمة إلغاء خصوصية «حال الجماع» عرفاً.

[34] قوله: [وضوح] كأنه ادعاء للضرورة الدينية أو الفقهية.

[35] قوله: [لعدم] فالدليل الأول منتفٍ، وأما الوضوح فلا وضوح أيضاً.

[36] قوله: [فالإطلاقات] مثل: {قل للمؤمنين يغضوا}(2) و«نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم»(3) وغيرها.

ص: 17


1- الكافي 5: 497.
2- النور: 30.
3- وسائل الشيعة 1: 299.

المسألة 73: حرمة النظر إلى عورة الغير

مسألة 73: يحرم على كلّ مكلّف النظر إلى عورة غيره(*) وإن لم يكن الغير مكلّفاً بالستر كالمجنون ونحوه، بل والطفل المميّز(**).[37]

إلى النهي الوارد في رواية حسين بن علوان المتقدّمة وغيرها المذكور في الباب المشار إليه، فراجع، بل مقتضى ما ذكرنا إلحاق كلّ معتدّة بالمزوّجة للإطلاقات[38] الدالة على عدم جواز النظر.

(*) بلا خلاف كما في بعض الكلمات، والظاهر أنّ الحكم في الجملة ممّا لا شبهة فيه، ويدلّ[39] عليه بعض ما تقدّم، وما رواه حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه«(1).

(**) للإطلاق، ولا يخفى أنّ ما كان معتبراً[40] في الروايات قيد

-------------------------

[37] قوله: [المميز] على الأحوط في بعض الفروض.

[38] قوله: [للإطلاقات] وأدلَّة التخصيص - من الأولوية والوضوح - لا تشمل المقام.

[39] قوله: [ويدل] كما قد تدل عليه الآية الكريمة: {قُل

لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(2).

[40] قوله: [معتبراً] إلاّ أن الآية الكريمة - ظاهراً - مطلقة، فإن {يَغُضّوا} يشمل الجميع. نعم، لا بد من ملاحظة أنّه هل ورد تخصيص أو لا؟ كما سيأتي.

ص: 18


1- تهذيب الأحكام 1: 374.
2- النور: 30.

بالمؤمن أو الأخ، فلا يشمل النظر إلى عورة الكافر[41] وما كان مطلقاً غير نقي السند فلا يعتمد عليه، مضافاً إلى أنّه دلّ بعض الروايات على جواز النظر إلى عورة غير المسلم؛ لاحظ ما رواه ابن أبي عمير، عن غير واحد[42] عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار«(1)...

ويظهر من صاحب الوسائل الذهاب إلى عدم الحرمة، ونقل عن الصدوق عدم الحرمة،

-------------------------

[41] قوله: [الكافر] وأما المخالف فالظاهر وجود إطلاق يشمله، كالآية الكريمة ومثل رواية «أو عورة غير أهله»(2) مضافاً إلى إمكان ادعاء الارتكاز على الحرمة.

[42] قوله: [غير واحد] قيل: إن أقله ثلاثة - عرفاً - وإن صدق لغةً على الاثنين، وأما وجه الاعتبار فهو:

أولاً: إما أن مراسيل ابن أبي عمير حجة كمسانيده. وفيه تأمل.

ثانياً: أو أنه يبعد اجتماع ثلاثة من مشايخه على الكذب. وفيه أنه ممكن كما لو قال أحد: «حدثني ثلاثة أشخاص بكذا» فإنه يحتمل اشتباههم أو كذبهم.

لكن ذكر البعض وجهاً للتصحيح، وأن احتمال الاجتماع على الكذب ضعيف جداً، بحيث لا يعتنى به عند العقلاء، فراجع.

ص: 19


1- الكافي 6: 501.
2- أمالي الصدوق: 513، من لا يحضره الفقيه 4: 13.

نعم، لا بأس بالنظر إلى عورة غير المميّز من حيث مجرّد النظر(*).

فمقتضى القاعدة[43] الحكم بالجواز وعدم حرمة النظر...

(*) لانصراف الدليل عنه وعدم صدق الأخ[44] والمؤمن عليه لعدم تميزه.

-------------------------

[43] قوله: [القاعدة] فيه أولاً: ما سبق من ضعف سند الرواية، فتأمل.

وثانياً: الإعراض القطعي قديماً وحديثاً.

وثالثاً: أنه منكر في أذهان المتشرعة، فتأمل.

[44] قوله: [وعدم صدق الأخ] فيه نظر، فإن أولاد المسلمين والمؤمنين - ظاهراً - ملحقون بآبائهم، كما أن أولاد المشركين ملحقون بهم.

ثم ما الفرق في صدق الأخ بين المميز وغير المميز ؟

والأولى الاستدلال بالسيرة، فإنها جارية على النظر، وبها تخصص المطلقات كآية الغض.

ثم إنه قد يقال: إن السيرة جارية - أيضاً - على النظر من قبل الأم، أو من يتولى شؤون الأطفال، وأن الطفل وإن كان مميزاً - مثل أربع سنوات - فإنهم يطهرونهم عند التخلي، والنظر واللمس طبيعيان في هذه الحالة، وكذا يغسلونهم في الحمام ويبعد عدم النظر، إلاّ أن اتصال هذه السيرة بزمان المعصوم (عليه السلام) محل نظر، وإن كان ضعيفاً، ولذا قيدنا المتن صفحة (235)(1) بقولنا: على الأحوط، فتأمل.

ص: 20


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 235.

المسألة 74: ما هي العورة

مسألة 74: العورة في الرجل الذكر والدبر والبيضتان، وفي المرأة الفرج والدبر وما سوى ذلك ليس من العورة حتى الاليتين والعانة والعجان والشعر النابت حول العورة(*).

(*) فإنّها القدر المتيقّن مضافاً إلى ما في رواية الواسطي[45] المتقدّمة قريباً، من قوله (عليه السلام) : »العورة عورتان القبل والدبر«(1)، وهذا هو المشهور بينهم... وتقدّم عن القاضي[46] ما يؤيد المدّعى.

وملخّص الكلام أنّ لفظ العورة لو كان ظاهراً في القبل والدبر فالحكم واضح، ولو كان مجملاً يكون من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر[47] وفيما زاد على المتيقن يرجع إلى الأصل ومقتضاه الجواز. وقد مرّ في ذيل رواية الحسين بن علوان ما له نفع للمقام.

-------------------------

[45] قوله: [الواسطي] إلاّ أنها مرسلة، إلاّ أن تجبر بالشهرة العملية أو الفتوائية.

[46] قوله: [القاضي] ولعل المراد: أنه إذا كان ما بين السرة والركبة عورة دخل فيه العجان بالتضمن، فالمراد بالمدعى مدعى الكركي(2).

[47] قوله: [الأقل والأكثر] غير الارتباطين، والبراءة جارية فيه ولو فرض القول بعدم جريانها في الارتباطين.

ص: 21


1- تهذيب الأحكام 1: 373.
2- انظر: جواهر الكلام 8: 183، مستمسك العروة الوثقى 2: 187.

المسألة 75: حرمة استقبال القبلة

مسألة 75: يحرم في حال التخلي استقبال القبلة واستدبارها(*).

(*) هذا هو المشهور بينهم، بل نقل عن السرائر أنّه من المذهب، وعن الخلاف الإجماع عليه، ويدل عليه[48] ما رفعه عليّ بن ابراهيم القمّي قال: »خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) وأبو الحسن موسى (عليه السلام) قائم وهو غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار، ومنازل النزّال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول، وارفع ثوبك وضع حيث شئت«(1)...

-------------------------

[48] قوله: [ويدل عليه] أمّا الرواية الأولى(2): ففي استقبال القبلة ببول أو غائط. وأمّا الرواية الثانية(3) : ففي استقبال القبلة واستدبارها بالغائط، فينتفي استدبار القبلة بالبول، ولا بد من ملاحظة سائر الروايات.

إلاّ أن يقال: الغائط كناية عن الموضع المنخفض، كما في: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنكُم مّن الْغَآئِطِ}(4) لكن هجران المعنى الأول غير معلوم، فيكون مشتركاً، فلا ينهض لإثبات المدعى.

ص: 22


1- الكافي 3: 16.
2- وهي: ما رفعه عليّ بن ابراهيم القمّي، قال: «خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) وأبو الحسن موسى (عليه السلام) قائم وهو غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار، ومنازل النزّال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول، وارفع ثوبك وضع حيث شئت». الكافي3: 16، ح5.
3- وهي: ما رفعه محمد بن يحيى، قال: «سئل أبو الحسن (عليه السلام) : ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها». الكافي3: 15، ح3.
4- النساء: 45.

وإن رجعنا عن هذا المسلك وقلنا: إنّ الوجوب والحرمة من المداليل اللفظية، ولكن مع ذلك لا وجه لرفع اليد عن الظهور للسياق؛ إذ لا مقتضي[49] له...

نعم، إنّما الإشكال فيها من جهة سندها[50] فإنّه ليس فيها ما يعتمد عليه من حيث السند، وعمل المشهور لا يجبر[51] ضعفها، إلاّ أن يقال: إنّ هذا الحكم من الواضحات[52] والمسلّمات فلا تصل النوبة إلى هذه المناقشات.

-------------------------

[49] قوله: [لا مقتضي] فإن ظهور الكلمة نفسها أقوى من ظهور السياق، وإن أمكن للسياق أن يكون ظهوراً، ونحن نرى أن الخطباء يحشرون الواجبات مع المستحبات في سياق كلامهم.

[50] قوله: [سندها] قد يقال: إنها متواترة، أو إنها مروية في الكافي(1) والفقيه(2) وقد ضمنا كتابيهما(3).

[51] قوله: [لا يجبر] في المبنى نظر.

[52] قوله: [الواضحات] لكن لم يرتضه جماعة، كالشيخ ابن الجنيد والمحقق الأردبيلي(4) والسيد صاحب المدارك(5) والشيخ الكاشاني.

ص: 23


1- انظر: الكافي 3: 15.
2- انظر: من لا يحضره الفقيه 1: 26.
3- انظر: الكافي 1: 8 ، من لا يحضره الفقيه 1: 3.
4- انظر: مجمع الفائدة والبرهان 1: 89 .
5- انظر: مدارك الأحكام 1: 158.

من غير فرق في ذلك بين الأبنية والصحاري(*).

المسألة 76: وجوب غسل محل البول

مسألة 76: يجب[53] غسل مخرج البول بالماء خاصة(**).

(*) ... ولكن الإنصاف[54] أنّ ظهور الرواية في الجواز لا ينكر؛ إذ لو لم يكن جائزاً كيف يمكن أن يكون الكنيف في منزله (عليه السلام) مستقبل القبلة، إلاّ أنّ سندها ضعيف.

(**) مضافاً إلى ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »لا صلاة إلاّ بطهور، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، جرت السنّة من رسول اللّه (عليهما السلام) ، وأمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله[55](1)«...

بل يمكن أن يستدلّ على المطلوب بما ورد فيما يتنجّس[56] بالبول من لزوم صبّ الماء عليه مرّتين...

-------------------------

[53] قوله: [يجب] مقدمة لما يشترط فيه الطهارة.

[54] قوله: [الإنصاف] لعل الكنيف كان في البيت الذي قدمه المأمون للإمام (عليه السلام) فلم يغيره.

[55] قوله: [غسله] لا يدل على خصوص الماء، بل مطلق الغسل، على الخلاف المذكور في أول كتاب الطهارة حول مفهوم الغسل.

[56] قوله: [فيما يتنجس] وهو يشمل الموضع بالعموم أو الإطلاق، والانصراف بدوي، ولو فرض فالعرف يلغي الخصوصية.

ص: 24


1- الاستبصار 1: 55.

مرّتين إذا تجاوز البول المحل المعتاد، وإلاّ فعلى الأحوط(*)[57].

ومحصل الكلام: أنّه لا دليل على مطهريّة غير الماء. نعم، وقع النزاع بينهم في حصول التطهير[58] بالمضاف وعدمه...

فإنّ هذه الرواية(1) وأمثالها من أدلَّة[59] عدم تنجيس المتنجّس، ولا دلالة على حصول الطهارة بالمسح...

(*) ربّما يقال بكفاية المرّة في خصوص المخرج لانصراف أدلَّة التعدّد عنه... ولكن في النفس شيء بحيث يصعب الوثوق بالإطلاق[60]، فتأمل.

وربّما يستدل لكفاية المرّة بما رواه يونس بن يعقوب قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، قال: يغسل ذكره ويذهب الغائط ثمّ يتوضأ مرّتين مرّتين«(2).

-------------------------

[57] قوله: [فعلى الأحوط] بل على الأقوى.

[58] قوله: [التطهير] في غير البول، وإلاّ ففي البول ورد التصريح بالماء. إلاّ أن يقال: إنه من باب أظهر الأفراد، والمثبتان لا يقيد أحدهما الآخر.

[59] قوله: [من أدلَّة] لا أقل من كونها مجملة، فلا تنهض بإثبات المطلوب.

[60] قوله: [بالإطلاق] لكن سبق إلغاء الخصوصية عرفاً على فرض الانصراف.

ص: 25


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 240.
2- الاستبصار 1: 53.

بدعوى أنّ تخصيص[61] ما دلّ على لزوم التعدّد أولى من تقييد الغسل بالمرّتين...

ولو سلّم التساوي يتساقط[62] الدليلان فتصل النوبة إلى الأصل، ومقتضاه[63] الطهارة بعد تعارض استصحاب النجاسة بأصالة عدم الجعل...

لكن الذي يهوّن الخطب[64] حديث البزنطي قال: »سألته عن البول يصيب الجسد، قال: صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء«(1). فإنّه أحدث[65] ويدلّ على لزوم التعدّد فالأقوى لزوم التعدّد. وأمّا رواية نشيط بن صالح... وإن كانت ظاهرة في كفاية المرّة لو كان الماء مثلي ما على الحشفة، لكن لا يعتمد عليها لضعفها سنداً[66].

-------------------------

[61] قوله: [تخصيص] غير عرفي مطلقاً، كما سيأتي في كلام الشارح.

[62] قوله: [يتساقط] بل يعمل بالمرجحات، ومقتضاها ترجيح المرتين.

[63] قوله: [ومقتضاه] بل النجاسة على المبنى، والتعارض غير قبول.

[64] قوله: [يهون الخطب] فيه: أن إشكال الانصراف السابق(2) آتٍ هنا أيضاً.

[65] قوله: [أحدث] سبق أن الأحدثية ليست مرجحة على المشهور.

[66] قوله: [سنداً] وقد يقال: إنه كناية عن المرتين إلاّ أنه خلاف

ص: 26


1- الكافي 3: 55.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 240.

والأولى ثلاث مرات(*). ويلزم[67] غلبة الماء على وجه يستهلك فيه رطوبة البول(**) من غير فرق في ذلك كلّه بين الرجل والاُنثى والخنثى.

(*) لصحيح زرارة قال: »كان يستنجي من البول ثلاث مرّات ومن الغائط بالمدر والخرق«. فإنّ الظاهر[68] أنّ ضمير كان راجع إلى المعصوم، وظاهر الجملة أنّه (عليه السلام) كان مستمراً عليه. فيستفاد[69] الأفضلية، وأمّا اللزوم فلا؛ لأنّ الفعل أعمّ.

(**) الظاهر أنّ الوجه في هذا القيد توقّف[70] صدق الغسل عليه، فإنّه لو لم يكن الماء غالباً لا يصدق الغسل.

-------------------------

الظاهر، لكن قد يقال: إنه جمع، وبتقييد بعض بالبعض يفيد ذلك، أي: مثلين بشرط المرتين، إلاّ أن يقال: إنها مثبتان ولا يقيد أحدهما الآخر. وفيه ما مرّ من التقييد في المركبات والوضعيات، فتأمل.

[67] قوله: [ويلزم] فيه تأمل.

[68] قوله: [الظاهر] بقرينة عظم مقام زرارة.

[69] قوله: [فيستفاد] والظاهر أنه لو فعله مرّة واحدة لم يدل على الأفضلية، وفيه تأمل، راجع بحث «حجية فعل المعصوم (عليه السلام) »(1).

[70] قوله: [توقف] غير معلوم.

ص: 27


1- انظر: ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 473، شرح العروة الوثقى 7: 326، مصباح الفقاهة 1: 522، قوانين الأصول: 490، أُصول المظفر 3: 68.

المسألة 77: كيفيّة غسل الأغلف

مسألة 77: يكتفي الأغلف بغسل غلفته وإن تمكّن من إخراج حشفته(*).

(*) هنا تتصوّر صورتان: إحداهما: أن لا تظهر[71] الحشفة، ثانيهما: أن تظهر، أمّا على الأولى[72] فلا يلزم، لعدم تنجّسه ما دام لم تظهر؛ لعدم دليل على كون النجاسات مؤثّرة ما لم تكن بارزة[73]، لكن الجزم بما ذكر مشكل، فإنّ مقتضى إطلاق[74] التنجيس عدم الفرق بين الداخل والخارج، وعليه يلزم تطهير الحشفة ولو مع عدم ظهورها. وأمّا على الثانية فلو قلنا: بأنّ الباطن ينجس فيلزم[75] غسله إذا اشترط طهارته في شيء.

-------------------------

[71] قوله: [أن لا تظهر] هل مراده فعلية الظهور والعدم، أو مراده الإمكان؟ ظاهر العبارة الأول، إلاّ أنه لا ينطبق مع المتن؛ إذ المأخوذ فيه الإمكان.

[72] قوله: [الأولى] فهي وإن لامست البول إلاّ أن البول لا ينجس ما دام في الباطن.

[73] قوله: [بارزة] راجع بحث «زوال النجاسة عن باطن الإنسان»(1) وهل أنه ينجس وطهره بالزوال، أو لا ينجس؟

[74] قوله: [إطلاق] فيه نظر، فإن العرف لا يفهم من أدلَّة التنجيس نجاسة الباطن، وإلاّ لكانت العروق التي يجري فيها الدم نجسة كلها دائماً، وكان الإنسان يصلي دائماً مع النجاسة الباطنية، فتأمل.

[75] قوله: [فيلزم] أي أن الملاقاة كانت في الباطن لكن الحشفة ظاهرة

ص: 28


1- انظر: ذكرى الشيعة 1: 131، رسائل الكركي 3: 223، مسالك الأفهام 12: 100.

المسألة 78: تطهير مخرج الغائط

مسألة 78: يتخيّر في مخرج الغائط إذا لم يتعدّ المحلّ المعتاد(*) بين غسله بالماء(**) ومسحه بما يزيل النجاسة من خرقة، أو حجر أو عود أو غير ذلك(***)[76].

(*) بحيث يصدق[77] عليه الاستنجاء، إذ التخيير بين الماء وغيره من الحجر والمدر مخصوص بالاستنجاء، فلا بدّ من صدق هذا العنوان...

-------------------------

فعلاً وليس عليها بول، ويظهر النظر فيما ذكره مما تقدم.

[76] قوله: [أو غير ذلك] في شموله لكل قالع ولو من الأصابع تأمل(1)، وإن كان ذلك مقتضى إطلاق أدلَّة الإذهاب، ولو تم الإشكال فينبغي تقييد المتن بما كان من القوالع الخارجية.

[77] قوله: [بحيث يصدق] مقتضى القاعدة وإن كان ذلك، لأن الروايات واردة في الاستنجاء، إلاّ أن الرواية المروية في صفحة (244)(2) تدل على أن الملاك تجاوز محل العادة. إلاّ أن الرواية ضعيفة، ولكن يمكن أن يقال: بجبرها بالشهرة، وعلى فرض عدم الجبر ينبغي تقييد المتن بالمحل المعتاد بحيث يصدق عليه الاستنجاء، والظاهر أنه إذا لم يتعد المحل المعتاد يصدق عليه الاستنجاء قطعاً، إذا لوحظ المتعارف للمتعارف، لا لفرد شاذ، وعليه فلا موقع لحاشية الشارح، إلاّ أن يكون مقصوده إخراج الأفراد الشاذين، الذين يكون متعارفهم خلاف المتعارف، فتأمل.

ص: 29


1- انظر: العروة الوثقى 1: 331 و332.
2- وهي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محل العادة». مستدرك الوسائل1: 279، ح7.

(**) بلا شبهة ولا ريب، ويشهد[78] له إطلاق[79] حديث يونس المتقدّم، فإنّ المعيار المستفاد منه إذهاب الغائط...

(***) قال في الحدائق: الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في إجزاء الأحجار ونحوها مع عدم التعدّي، ويدلّ[80] على إجزاء غير الماء ما رواه زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن التمسّح بالأحجار، فقال: كان الحسين بن عليّ (عليه السلام) يمسح بثلاثة أحجار«(1)...

-------------------------

[78] قوله: [ويشهد] بل هو من البديهيات الفقهية، بل الضروريات.

[79] قوله: [إطلاق] فإنه يشمل الماء أيضاً، وقد يقال: لا إطلاق له؛ لأنه في بيان الوضوء لا كيفية إزالة الغائط. نعم، القدر المتيقن منه - ولو بضميمة ارتكاز المتشرعة - هو الماء فقط.

[80] قوله: [ويدل] الروايات المنقولة هنا في الأحجار فقط، فالتمسك للإطلاق إنما هو بسائر الروايات، مثل ما ورد فيه: «الكرسف والمدر والخرق»(2) ومعها لا يحتمل أن تكون للأحجار خصوصية(3)، أو بما ورد فيه: أن الملاك الإذهاب، مثل حسنة ابن المغيرة: «للاستنجاء حدّ؟ قال لا ينقى ماثمة»(4) ويبعد تقييدها بالأحجار أو بالإجماع المنقول.

ص: 30


1- تهذيب الأحكام 1: 209
2- انظر: تهذيب الأحكام 1: 209.
3- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 371.
4- الكافي 3: 17، ح9.

لكن الغسل أفضل(*)[81]، أمّا إذا تعدّى المحل المعتاد تعيّن[82] الغسل بالماء ولا يجزي غيره(**).

(*) نقل عن كشف اللثام الإجماع[83] على هذا الحكم، ويدل عليه ما رواه جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: »{إِنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهّرِينَ}(1) قال: كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ثمّ أحدث الوضوء[84] وهو خلق كريم«(2)...

(**) نقل عن الغنية والانتصار وغيرهما الإجماع عليه... وربما يستدلّ بما روي عن عليّ (عليه السلام) : »أنّكم كنتم تبعرون بعراً وأنتم اليوم

-------------------------

[81] قوله: [أفضل] والجمع - بتقديم الأحجار ونحوها - أكمل، كما في الشرائع(3) وغيره(4).

[82] قوله: [تعين] في غير المحل المعتاد، وأما فيه فيتخير.

[83] قوله: [الإجماع] وفتوى الفقيه الواحد كافية في الفتوى بالأفضلية، فكيف بالإجماع المنقول؟

[84] قوله: [الوضوء] هذا استخدام للوضوء بمعنى: التطهير.

ص: 31


1- البقرة: 222.
2- الكافي 3: 18.
3- انظر: شرائع الإسلام 1: 14.
4- انظر: كشف الرموز 1: 64، إرشاد الأذهان 1: 222، تحرير الأحكام 1: 64.

تثلطون ثلطاً، فاتبعوا الماء الأحجار«(1). ربما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: »يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة«(2).

وهاتان الروايتان ضعيفتان من حيث السند، ولا يجبر[85] ضعفهما عمل المشهور لو سلم عملهم بهما، مضافاً[86] إلى أنّ المستفاد من الأولى وجوب الجمع بين الأمرين الذي لم يلتزموا به. والذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّه لو تعدّى عن المحلّ المعتاد بحيث لم يصدق عليه الاستنجاء ففي نفس المحلّ يخيّر[87] بين الأمرين...

وأمّا في الزائد فيلزم غسله بالماء لعدم دليل[88] على البدلية، بل وربما يختلج بالبال كفاية المسح في الغائط مطلقاً[89].

-------------------------

[85] قوله: [ولا يجبر] في المبنى نظر كما سبق.

[86] قوله: [مضافاً] سقوط بعض المدلول في الرواية لا يوجب سقوط الباقي، كما قرر في الأصول(3).

[87] قوله: [يخير] إلاّ أنه يصعب عملياً التفكيك.

[88] قوله: [لعدم دليل] والخلاصة: أنه مشمول لأدلَّة وجوب التطهير بالماء، وأدلَّة الاستنجاء لا تشمله، لفرض عدم صدق الاستنجاء عليه عرفاً.

[89] قوله: [مطلقاً] أي وإن تعدى.

ص: 32


1- مستدرك الوسائل 1: 278.
2- مستدرك الوسائل 1: 274.
3- انظر: نهاية الدراية في شرح الكفاية 1: 519.

المسألة 79: حدّ غسل الغائط

مسألة 79: لا حدّ في غسل الغائط وإنّما اللازم نقاء المحلّ عن عين النجاسة(*).

لكن الظاهر أنّ ذلك خلاف الإجماع، بل المتسالم[90] عليه، بل الإنصاف[91] يقتضي أن يقال: إنّ الحديث مختصّ بالمورد الخاصّ[92].

(*) نقل عن الخلاف وغيره الإجماع عليه، ويدلّ عليه رواية يونس المتقدمة[93] فإنّه جعل فيها المعيار الإذهاب، ويدلّ عليه ما

-------------------------

[90] قوله: [المتسالم] ظاهره أن التسالم فوق الإجماع، ولعله باعتبار أن الإجماع مجرد اتفاق، وأما التسالم فهو أخذ القضية مسلّمة ومفروغاً منها، أي كأنها بديهية فقهية.

[91] قوله: [الإنصاف] لعله باعتبار أنه القدر المتيقن في مقام التخاطب، ويمكن الاستدلال بفهم الفقهاء أيضاً، وبالتعارف الخارجي، حيث يكون المسح في مثل ذلك بالأرض.

[92] قوله: [الخاص] أي المسح بالأرض لا مطلقاً.

[93] قوله: [المتقدمة] سبق أنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة(1)، فتأمل.

ص: 33


1- وهي: عن الصفار، عن السندي بن محمد، عن يونس بن يعقوب، قال: قلت: «لأبي عبد اللّه (عليه السلام) الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، قال: يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين». الاستبصار1: 53، ح6.

ولا بأس ببقاء الريح، بل واللون إذا فرض بقاؤه بدون العين(*)[94]. نعم، في صورة التعدّي الأحوط[95] التعدّد.

رواه إبراهيم بن أبي محمود المتقدم[96] من الأمر بغسل ما ظهر من الشرج، ومثلهما غيرهما في الدلالة على الكفاية[97].

(*) كما تقتضيه القاعدة[98]،

-------------------------

[94] قوله: [بدون العين] عرفاً، وإلاّ فبالدقة العقلية العين باقية؛ لاستحالة انتقال العرض.

[95] قوله: [الأحوط] استحباباً.

[96] قوله: [المتقدم] قد يقال: إن الرواية(1) ليست في مقام بيان الغسل، بل إن الظاهر يجب غسله في قبال الباطن، فتأمل.

[97] قوله: [الكفاية] وقد يستدل بالقرآن الكريم مثل: {مَاء طَهُورا}(2) ونحوه مما سبق في أوائل بحث الطهارة.

[98] قوله: [القاعدة] هذا خلاف مبناهم من الدقة العقلية، وعدم قبول المسامحات العرفية، وله نظائر مثل الأصل المثبت والواسطة الخفية، وإخفات آخر الكلمة في الجهريات، وارتفاع موضع السجود.

ص: 34


1- وهي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يستنجي ويغسل ما ظهر منه على الشرج، ولا تدخل فيه الأنملة». الكافي3: 17، ح3.
2- الكافي 3: 17.

وأمّا مسحه بالحجر وغيره فاللازم فيه التثليث وإن حصل النقاء بالأقلّ(*).

فإنّ الأثر لا يصدق[99] عليه العذرة، ويدلّ[100] عليه ما رواه ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: »قلت له: للاستنجاء حدّ؟ قال: لا، ينقى ماثمة، قلت: فإنه ينقى ماثمة ويبقى الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها«(1).

(*) كما هو المشهور ويدلّ عليه ما رواه زرارة. بتقريب: أنّ المستفاد [101] منه أنّ أقلّ المجزئ في الاستنجاء بدل الماء ثلاثة

-------------------------

[99] قوله: [لا يصدق] فيه نظر، فإن هذه اللفظة تطلق على المجموع من الذرات، والمفروض أن الذرات باقية، إلاّ أن يقال: إنها تطلق عليها بقيد الاجتماع. وأيضاً: فإن المولى قال «اغسله» ولم يغسله دقة، وقال «ازله، ويذهب ونحوهما» ولم يذهبه، فتأمل، وكذا ينقّي.

[100] قوله: [ويدل] في الريح لا اللون.

ويدل عليه أيضاً: أن إزالة الريح أمر خلاف المتعارف خاصة مع شحة المياه في العصور القديمة، فلو كان واجباً لزم التدقيق الكثير، ولو كان لازماً لبان واشتهر؛ لكونه أمراً على خلاف المتعارف.

[101] قوله: [المستفاد] عرفاً، وإلاّ فعقلاً يستفاد أنه مجزٍ.

ص: 35


1- الكافي 3: 17.

أحجار، فلا يرد[102] عليه ما في بعض الكلمات من أنّ اقتران الحكم بالسنّة يمنع عن ظهوره في الوجوب، مضافاً[103] إلى أنّه يمكن أن يكون إطلاق السنّة عليه من جهة نسبته إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في مقابل ما فرضه اللّه، ويؤيّده[104] النبويّ؛ روي عن سلمان قال: »نهانا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار«(1)...

وربّما يستدلّ له بما في رواية يونس[105] وهو قوله (عليه السلام) : »يغسل ذكره ويذهب الغائط«(2). فإنّ مقتضى إطلاقه كفاية الأقلّ لو تحقق الذهاب...

ولقائل أن يقول: مقتضى القاعدة في المقام الاكتفاء بأحد أمرين من الاستنجاء بثلاثة أحجار ومن حصول النقاء؛ وذلك لأنّ النسبة بين

-------------------------

[102] قوله: [فلا يرد] هنا إيرادان:

الأول: إنه قال: يجزيك.

الثاني: لفظ السنّة.

[103] قوله: [مضافاً] إن السنة بمعنى الطريقة والأُسلوب فلا تدل على الاستحباب، وهذا المعنى - الاستحباب - حادث فلا تحمل عليه الروايات الشريفة.

[104] قوله: [ويؤيده] بل يمكن أن يعد دليلاً نجبره بالشهرة.

[105] قوله: [يونس] سبق أنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة، فلا إطلاق له.

ص: 36


1- مستدرك الوسائل 1: 275.
2- تهذيب الأحكام 1: 47.

رواية يونس ورواية زرارة ليس العموم المطلق، بل النسبة بينهما عموم من وجه[106]...

إلاّ أن يقال: إنّ العرف بارتكازه[107] يفهم من دليل الثلاثة أنّ الثلاثة إنّما تجزي لو حصل النقاء بها لا مطلقاً، وعليه يكون دليل الثلاثة أخصّ مطلق من دليل كفاية النقاء ويقيّده.

-------------------------

[106] قوله: [من وجه] لأن رواية يونس في الإذهاب، سواء كان بحجرين أم بثلاثة، ورواية زرارة حول الأحجار الثلاثة، سواء أذهبت أم لم تذهب، فمحل اجتماعهما الإذهاب بالثلاثة.

وعليه فلا تعارض بينهما؛ لأنهما يتفقان في الإذهاب بالثلاثة، وينفرد كل منهما بفرد لا يعارضه فيه الآخر، فمقتضى القاعدة إجزاء كل منهما.

إلاّ أن يقال: ظاهر كل متعين(1)، إلاّ أنه يرفع اليد عن هذا الظاهر بخصوصية كل منهما، أي أن الإذهاب له خصوصية وموضوعية وكذلك الثلاثة، وإلاّ لكان ما ذكره لغواً لو كان الآخر ملاكاً أو كلاهما ملاكاً.

[107] قوله: [بارتكازه] العرفي والمتشرعي؛ إذ الثلاثة بلا إذهاب لا تنفع، لبقاء النجاسة، بل هو من البديهيات في أذهان المتشرعة.

هذا وقد يقال: إنه ذكرت الثلاثة للغلبة، أي: أنه غالباً يحصل التطهير بها، وإلاّ فلا موضوعية للثلاثة بما هي ثلاثة، لكنه خلاف ظاهر الألفاظ؛ إذ ظاهرها الموضوعية، فيكون لكليهما موضوعية، أما الإذهاب ففي الماء، وأما الثلاثة ففي الأحجار، الذي يلازم الإذهاب غالباً.

ص: 37


1- كذا في الأصل، والأولى: تعيَّن.

بل لو لم يحصل بالثلاثة لزم الإكثار إلى حصوله(*).

ويكفي فيه زوال العين وإن بقي الأثر(**).

(*) ادّعى عليه عدم الخلاف(1)، بل ادّعى عليه الإجماع[108] ويدلّ عليه خبر يونس[109]...

ولا مجال لدعوى أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على كفاية الثلاثة حصول الطهارة ولو مع بقاء شيء؛ لأنّ هذه الدعوى خلاف مرتكز العرف، فإنّه لا يفهم من هذه الأدلَّة طهارة[110] ما بقي من العذرة.

(**) لو كان المراد من الأثر[111] اللون والرائحة كما فسّره بعض بالأول فلا إشكال في عدم لزوم رفعه، وأمّا لو كان المراد من الأثر الأجزاء الصغار التي لا ترى فالوجه في عدم لزوم إزالته إطلاق الأدلَّة، فإنّ إزالته تحتاج إلى عناية زائدة[112] ومبالغة

-------------------------

[108] قوله: [الإجماع] بل قد يقال: إنه من البديهيات الفقهية، أو من الضروريات، فتأمل.

[109] قوله: [يونس] سبق التأمل في إطلاقه، فتأمل.

[110] قوله: [طهارة] أو العفو عنه.

[111] قوله: [الأثر] أي ما لا يزول بالمسح بالأحجار عادة، من اللون والرائحة والأجزاء الصغار التي لا تُرى.

[112] قوله: [عناية زائدة] فلو كانت هنالك عذرة ومسحت بالحجر ونحوه، ثم وضعت اليد عليه لرأيت أن هنالك ذرات صغاراً، بل في الغسل

ص: 38


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 247.

المسألة 80: يعتبر في مسح موضع الغائط أن يكون بثلاثة اشياء

مسألة 80: يعتبر في المسح أن يكون بثلاثة أشياء، فلا يكفي المسح بأطراف شيء واحد على الأحوط(*)[113] وأن تكون طاهرة فلا يكفي بالأعيان النجسة[114] كجلد الميتة.

كثيرة خارجة عن المتعارف، بل يكون حرجاً[115] نوعاً...

(*) ... ومنها: القطع بعدم الفرق بين المسح بالمنفصلات وبين المسح ثلاثاً بالشيء الواحد.

ويرد عليه: أنّه لا منشأ لهذا القطع، ومناط[116] الأحكام الشرعية غير معلوم لدينا، فالحقّ ما أفاده في المتن عملاً بظاهر الأدلَّة.

-------------------------

بالماء يستغرق زوال الذرات الصغيرة الملموسة باليد وقتاً ما.

[113] قوله: [على الأحوط] الأولى.

[114] قوله: [النجسة] أو المتنجسة، ولعل مراده النجسة بالمعنى الأعم.

[115] قوله: [حرجاً] قرر في محله: أن الحرج شخصي لا نوعي، بل ناقش البعض في رفعه للأحكام الوضعية(1)، كالنجاسة.

[116] قوله: [ومناط] إلاّ أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عدم الفرق، وهذا فهم عرفي من الدليل، واحتمال الموضوعية غير مألوف للعرف، وإنما ذكرت الأحجار الثلاثة في الروايات لأنها الطريقة المتعارفة للإزالة، وأما الحجر ذو الجهات ففيه صعوبة ومظنة للتلويث.

ص: 39


1- انظر: كتاب الطهارة، الأنصاري 1: 334، العروة الوثقى 3: 232، جامع المدارك 2 : 423 و4: 162، فوائد الأُصول 1: 256.

ما ذكر في مستند هذا الشرط أمور، منها: مرسلة أحمد المتقدّمة آنفاً فإنّه اشترط فيها أن تكون الأحجار أبكاراً.

ويرد عليه أولاً[117]: أنّ الظاهر من البكر أن لا يكون مستعملاً في استنجاء آخر، ولذا استدلّ بها في مقام اشتراط عدم سبقها باستنجاء.

وثانياً[118] أنّ الرواية قاصرة من حيث السند فلا يعتمد عليها...

لكن لا يبعد أنّ العرف حيث إنّ الراسخ في ذهنه بالنسبة إلى المطهّرات الخارجية اشتراطها بهذا الشرط، فبحسب طبعه الأوّلي يستفيد[119] من الأدلَّة كونها مشروطة به مادام لم يردعهم عن هذا الارتكاز رادع.

ومنها: أنّ ما يستنجي به لو كان نجساً أو متنجساً يوجب انفعال المحلّ به، فيلزم[120] تطهيره بالماء خاصّة

-------------------------

والخلاصة: أن ما يذكرونه في سائر المقامات في مناسبات الحكم والموضوع جارٍ في المقام أيضاً، فتأمل.

[117] قوله: [أولاً] وفيه: أن الارتكاز العرفي يقتضي أن البكارة إنما هي لعدم التنجس، والنجاسة موجودة بشكل أقوى في الأعيان النجسة، لا أقل من المساواة.

وفيه: أن اشتراط البكارة قد يكون للأمن من التلويث لا للنجاسة، فتأمل.

[118] قوله: [وثانياً] فيه: أنه مجبور بالشهرة أو بالعمل، فتأمل.

[119] قوله: [يستفيد] أي: أن الأدلَّة تنصرف عن النجاسات والمتنجسات.

[120] قوله: [فيلزم] فلا ينفع الاستنجاء بالأحجار أو الجلد مثلاً.

ص: 40

المسألة 81: كفايه كل جسم قالع في المسح

مسألة81: يكفي في المسح كلّ جسم قالع[121] للنجاسة(*)، إلاّ

لعدم الدليل على مطهّرية الأحجار مع انفعال المحلّ بالنجاسة الخارجية، وادّعاء الإطلاق في الأدلَّة من هذه الجهة مدفوع بعدم إطلاق[122] فيها من هذه الجهة...

ومنها: الإجماع... وأيضاً نقل عن المنتهى دعوى الإجماع عليه، فإنّ تمت بحيث يكشف[123] عن رأي المعصوم (عليه السلام) فهو، وإلاّ فللمناقشة في هذه الأدلَّة مجال...

(*) على ما هو المشهور بينهم... ويمكن استفادة الإطلاق لكلّ جسم من مجموع الأخبار الواردة في الباب ففي بعضها عبّر بالأحجار... وفي بعضها الآخر عبّر بالمدر[124] والخرق...

-------------------------

[121] قوله: [كل جسم قالع] لكن الأولى الاقتصار على المنصوصات.

[122] قوله: [بعدم إطلاق] لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة.

[123] قوله: [بحيث يكشف] ذكر في الأُصول أنه لا يبعد كون الإجماع دليلاً(1) في حد ذاته، لبناء العقلاء على منجزيته ومعذريته في الطاعة والمعصية، وللأدلَّة اللفظية مثل: {وَيَتّبِعْ

غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}(2) فتأمل.

[124] قوله: [بالمدر] الطين العلك الذي لا رمل فيه(3)، والعلك الذي يعلق باليد ونحوها.

ص: 41


1- انظر: قوانين الأصول: 10، و356، هداية المسترشدين: 69
2- النساء: 118.
3- انظر: لسان العرب 5: 162، مادة «مدر».

فيستفاد من مجموع الروايات أنّ كلّ جسم قالع للنجاسة موضوع لهذا الحكم، والإنصاف[125] أنّه يمكن النقاش في هذا الاستدلال... بل القاعدة تقتضي الاقتصار بالموارد المنصوصة وفي غيرها يحكم ببقاء[126] النجاسة...

وأمّا الاستدلال بإطلاق[127] ما في رواية يونس، حيث جعل المطهر فيه الإذهاب كما عن بعض فيرد عليه:

-------------------------

[125] قوله: [والإنصاف] ما ذكره صحيح في حد ذاته، إلاّ أن تعدد العناوين المذكورة في الروايات أولاً - الأحجار، المدر، والخرق، العود، الكرسف - مما يبعد عرفاً احتمال الخصوصية، لكن رواية العود ضعيفة.

وثانياً: فهم المشهور، بل ادعي عليه الإجماع.

وثالثاً: أخذ الإذهاب في بعض الروايات حدّاً، والتصريح في بعضها بأنه لا حدّ له الإ النقاء. كل ذلك مما يقرب ما ذهب إليه المشهور.

والكرسف: القطن(1).

[126] قوله: [ببقاء] لا للاستصحاب، لأن الشبهة حكمية - على مبنى الماتن - بل لإطلاق أدلَّة النجاسة، وما علم من الضرورة أن النجاسة لا تزول إلاّ بمزيل.

[127] قوله: [بإطلاق] سبقت المناقشة فيه، والأولى الاستدلال بأنه لا حد له، فإن تحديد المزيل نوع من الحد(2).

ص: 42


1- انظر: العين 5: 426، مادة «كرسف».
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 246.

العظم والروث فإنّه لا يجوز[128] الاستنجاء بهما(*).

بل الأحوط[129] عدم حصول الطهارة بهما(**).

أنّ الإطلاق مقيّد[130] وبعد التقييد كيف يؤخذ به...

(*) ... وفي حديث المناهي قال: »ونهى أن يستنجي الرجل بالروث والرمّة[131]« (1)...

وهذه الروايات كلّها مخدوشة من حيث السند، وعمل المشهور بها على فرض تحققّه لا يجبر ضعفها على مسلكنا[132]، فالعمدة الإجماع، فإن قام بحيث يكشف[133] عن رأيه (عليه السلام) فهو، وإلاّ فلا وجه للاستثناء.

(**) فإنّ المستفاد[134] من أخبار الباب ذلك على ما تقدّم...

-------------------------

[128] قوله: [فإنه لا يجوز] على الأحوط.

[129] قوله: [بل الأحوط] فيه تأمل، أو في لزومه تأمل.

[130] قوله: [مقيّد] ليس هذا تقييداً عرفاً، بل هو بيان لبعض المصاديق.

[131] قوله: [الرمّة] ما بلي من العظام(2).

[132] قوله: [على مسلكنا] وأما على مسلكنا فيجبر، والظاهر اشتهار الفتوى بذلك، فالشهرة فتوائية وأما العملية فتحتاج إلى مراجعة، فتأمل.

[133] قوله: [يكشف] لكنه لا يكشف لاحتمال الاستناد، فتأمل.

[134] قوله: [المستفاد] فيه نظر؛ إذ قوله (عليه السلام) «لا يصلح»(3) يدل على

ص: 43


1- من لا يحضره الفقيه 4: 6، والرِمَّة: العظام البالية.
2- انظر: الصحاح 5: 1937، مادة «رمم».
3- تهذيب الأحكام 1: 354، ح 16.

وكذا لا يجوز استعمال الأجسام المحترمة كتربة المشاهد المشرّفة وأوراق الكتب الشرعية، والقطعة من ثوب الكعبة المعظّمة وأمثال ذلك، بل قد يوجب في بعض صوره الكفر(*).

(*) كما لو يستنجي بالتربة - نعوذ باللّه - معانداً لمشرّفها، فإنّا ذكرنا في بحث نجاسة الكافر أن المستفاد من الأدلَّة أنّ المعاند[135] لهم (عليهم السلام) كافر.

-------------------------

الحرمة وكذا «لا ينبغي» و«نهى»، ومقتضى إطلاقات (ينقي - يذهب) حصول الطهارة بكل ذلك.

إلاّ أن يقال: بالجبر الدلالي. وفيه نظر: إذ لم يعلم ذهاب المشهور إلى الحرمة الوضعية.

[135] قوله: [المعاند] أو الناصب لهم؟

ص: 44

آداب التخلي

اشارة

فصل: فيما يؤتى به من آداب التخلّي ولو رجاءً[136] وهي: تقديم الرجل اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج(*)، والتسمية[137]. والأولى ما ورد منها في

(*) الظاهر أنّه لا دليل[138] عليه، لكن نقل عن الصدوق في الفقيه أنّه ذكره في جملة الآداب، وباب الرجاء واسعة.

-------------------------

[136] قوله: [ولو رجاءً] بل يمكن الإتيان بها بعنوان الاستحباب أيضاً، بناءً على أن قاعدة التسامح تفيد الاستحباب.

[137] قوله: [والتسمية] بعد الدخول والخروج، إذ ظاهر الرواية - «إذا دخلت - فإذا خرجت»(1) - تحققهما.

[138] قوله: [لا دليل] فتوى الفقيه كافية في الاستحباب، وعن الغنية(2) الإجماع عليه، بل أفتى به في المقنع(3)، الذي هو متون الروايات، وقد ضمن الفقيه ما فيه.

ص: 45


1- انظر: الكافي 2: 570.
2- انظر: غنية النزوع: 36.
3- انظر: المقنع: 7.

الأخبار(*) وتغطية الرأس(**)[139].

(*) لإحراز[140] ما هو مطلوب قطعاً.

(**) الموجود في جملة من الأخبار عنوان التقنّع[141]، فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »أنّه كان يعمله إذا دخل الكنيف يقنّع رأسه ويقول سرّاً في نفسه بسم اللّه وباللّه«(1)...

-------------------------

[139] قوله: [وتغطية الرأس] والأولى هو التقنع.

[140] قوله: [لإحراز] نقلوا أن ظاهر روايات المستحبات تعدد المطلوب(2) وإن لم يقبل ذلك فيشكل قول المصنف، بل يكون المتعين في الاستحباب الخاص الاقتصار على نفس الصيغة الواردة، إلاّ أن تكون هنالك فتاوى مطلقة أثبتت الاستحباب المطلق، فتأمل.

[141] قوله: [التقنع] الظاهر أن التقنع أشمل من تغطية الرأس، ولذا قال في العروة: «وأن يتقنع ويجزي عن ستر الرأس»(3) لكن السيد الوالد (رحمه اللّه) رأى أنّ الستر: يراد به ستر كل الرأس، أما التقنع فهو ستر غالب الرأس(4) لكنه خلاف الظاهر، بل تغطية الرأس تتم بمثل وضع المنديل أو ما أشبه فتأمل. وفي اللغة: «القناع ما تغطي به المرأة رأسها»(5).

ص: 46


1- تهذيب الأحكام 1: 24.
2- انظر: العروة الوثقى 2: 501.
3- العروة الوثقى 1: 342.
4- انظر: الفقه 7: 288.
5- لسان العرب: 8: 300.

والاستبراء(*).. ويكره التخلّي في الشوارع والمشارع[142] ومساقط الثمار[143].

(*) على ما هو المشهور كما في بعض الكلمات، ونقل عن الاستبصار الوجوب، والظاهر أنّ المدرك لهذا الحكم ما ورد في كيفيّة

-------------------------

وعلى كلٍ: فيكفي في استحباب التقنع نقل الشيخ المفيد(1).

[142] قوله: [الشوارع والمشارع] النافذة، وأما غير النافذة ففيه إشكال، لكونها ملكاً لأربابها على المشهور، وسبب ذلك الإضرار بالآخرين وهو محرم.

وأمّا المشارع فهي الطريق إلى الماء، والرواية المذكورة(2) هنا دلت على خصوص «شطوط الأنهار» وفي بعض الروايات: «شفير بئر ماء يستعذب منها»(3). ولعل التعميم للمناط أو غيره، وتكفي فتوى الفقيه.

[143] قوله: [ومساقط الثمار] الذي ذكره الشارح عنوان «تحت الأشجار المثمرة» نعم، وورد في رواية «ومساقط

الثمار»(4).

والظاهر أن بين العنوانين عموماً من وجه، فقد يكون تحت شجرة مثمرة ولا تسقط فيه الثمار، كما لو وضع كيس على الشجرة، وقد يكون العكس،

ص: 47


1- انظر: المقنعة: 40.
2- وهي: عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رجل لعلي بن الحسين (عليه السلام) أين يتوضأ الغرباء؟ قال: يتقي شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن، فقيل له: وأين مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور». وسائل الشيعة 1: 324، ح1.
3- تهذيب الأحكام 1: 353.
4- الكافي 3: 16.

ومحال نزول القوافل[144]

الاستبراء من ظهوره[145] في الوجوب، ففي رواية[146] محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : »رجل بال ولم يكن معه ماء، قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول ولكنّه من الحبائل«(1)... ولا يخفى أنّه لا يستفاد من هذه الرواية وشبهها الوجوب النفسي، بل يستفاد[147] منها الإرشاد إلى أنّ هذا العمل يوجب الحكم بعدم بولية ما يخرج بعده...

-------------------------

كما لو ذهب خارج ظلها لكن الثمرة تسقط إليها، فتأمل.

[144] قوله: [القوافل] بل منازل النزّال مطلقاً. والظاهر أن منازل النزال - كما في النص - أعم من كون النزال على شكل قوافل، بل يصدق ولو كانوا فرادى.

[145] قوله: [ظهوره] لأنه جملة خبرية، ولاحظ رأي الكفاية(2) في قبال المستند.

[146] قوله: [رواية] هنالك شبهة وهي أنه لو فعل ذلك وخرج منه شيء لاقى المحل المتنجس فيتنجس، فلا ينفع الاستبراء شيئاً، فتأمل.

[147] قوله: [بل يستفاد] بقرينة التعليل «فإن خرج» فإن الظاهر أنه عرفاً تعليل لا تفريع، وكذا غيرها مثل «فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي»(3)

ص: 48


1- الكافي 3: 19.
2- الكفاية: 70.
3- الاستبصار 1: 194.

وأبواب الدور[148] والمواضع التي يلعن المُحدث(*) واستقبال الشمس والقمر بالفرج[149]

(*) لما في رواية عاصم بن حميد من ذكرهما، فإنّ ذكر الدور من باب المثال[150] فتأمّل.

-------------------------

فليس من البول، بالإضافة إلى أنه لو كان واجباً لبان واشتهر وكثرت عنه الأسئلة، فتأمل.

[148] قوله: [وأبواب الدور] التي يلعن فيها المُحدث؛ وذلك لأن الظاهر من الرواية(1) كون اللعن علة للحكم، فيدور مدارها الحكم وجوداً وعدماً، فلو كان باب دار لا يلعن فيها، بل يفرحون بذلك - لأن أشجارهم غير المثمرة تحتاج إلى ذلك - فالحديث منصرف عنه، ومن هنا عمّم الحكم لكل مواضع اللعن.

وأبواب الدور إن كان فيها حريم الدار كان محرماً بدون رضا أربابها.

[149] قوله: [بالفرج] الظاهر أنه يشمل القبل والدبر، راجع قوله تعالى: {وَيَحْفَظُوا

فُرُوجَهُمْ}(2).

[150] قوله: [من باب المثال] بتقريب أن اللعن علة كما سبق.

هذا ولكن يحتمل كون اللعن حكمة، فتعم كل الدور، وكون أبواب الدور حصراً لا مثالاً، إلاّ أنه بعيد عن الفهم العرفي، فتأمل.

ص: 49


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 324.
2- النور: 30.

بأن يكون بادئاً لهما(*)[151].

(*) لما في حديث المناهي[152] قال: »ونهى أن يبول الرجل وفرجه بادٍ للشمس أو القمر«(1)...

-------------------------

[151] قوله: [بادئاً لهما] الظاهر كراهة استقبال الشمس والقمر بالبدن مطلقاً، وكراهة استقبال الشمس والقمر بالفرج حين البول، وكراهة أن يكون فرجه بادياً للشمس أو القمر حين البول. وقد ظهر وجهه مما تقدم في الروايات، إلاّ أن يعمم الحكم بضميمة فتوى الفقهاء.

ثم إنّ في الروايات تقيد الأخيرين بالرجلِ، ولعله يعمم لعدم فهم الخصوصية أو لاشتراك الأحكام، فتأمل.

ثم إن تفسير الماتن الاستقبال بالفرج بالبدو محل تأمل؛ إذ هما عنوانان مستقلان، فتأمل.

ثم إن الاستقبال بالفرج الظاهر منه بالذكر، وأما بموضع الغائط ففيه غموض، فتأمل.

[152] قوله: [حديث المناهي] الذي رأيته في الروايات، ما يلي:

1 - استقبال الشمس والقمر بالبول أو الغائط.

2- أن يكون فرجه بادياً للشمس أو القمر حين البول [في الرجل].

3- استقبال الشمس والقمر بفرجه وهو يبول [في الرجل].

4- استقبال الشمس والقمر.

ص: 50


1- من لا يحضره الفقيه 4: 4.

واستقبال الريح بالبول(*)[153] والبول في الأرض الصلبة(**)[154].

(*) لما في مرفوعة[155] محمّد بن يحيى، قال: »سئل أبو الحسن (عليه السلام) : ما حدّ الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها«(1).

(**) لما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

-------------------------

والظاهر منها:

أ - كراهة استقبال الشمس والقمر حين البول أو الغائط.

ب - كراهة استقبال الشمس والقمر بالفرج حين البول.

ج - كراهة أن يكون فرجه بادياً للشمس أو القمر حين البول.

[153] قوله: [بالبول] وبالغائط أيضاً، وفي حكم الاستقبال الاستدبار(2).

[154] قوله: [الصلبة] لم أجد دليلاً على كراهته. نعم، يستفاد من الرواية(3) مطلوبية التوقي من ترشح البول، إلاّ أن باب التسامح واسع.

والخلاصة: أن الملاك هو النضح والترشح، لا كونها أرضاً أو لا، وصلبة أو لا.

[155] قوله: [مرفوعة] هذه الرواية لا ترتبط بالبول، بل بالغائط، إلاّ أن

ص: 51


1- الكافي 3: 15.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 338.
3- انظر: مفتاح الكرامة 1: 227، مستمسك العروة الوثقى 2: 242.

وثقوب الحيوانات(*)، وفي الماء جارياً كان أو راكداً(**).

أشدّ الناس توقّياً عن البول، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول«.

(*) لما روي عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : »أنّه نهى أن يبال في الجحر[156]«(1).

(**) لما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : »أنّه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلاّ من ضرورة وقال: إنّ للماء أهلاً[157]«(2). ولما أرسله

-------------------------

يقال: المراد بالغائط الموضع المنخفض «أي حالة التخلي»، وفيه نظر: للانصراف فعلاً إلى التغوط، إلاّ أن يقال: الأصل عدم النقل عن المعنى اللغوي. وفيه: أنه يجري لو شك في أصل النقل لا فيما إذا علم به وجهل تاريخه.

[156] قوله: [الجحر] وكذا ورد: «ولا تبولن في نفق»(3).

[157] قوله: [أهلاً] قد يستفاد من هذا التعليل عمومية الحكم للراكد أيضاً، والتخصيص بالجاري في الصدر(4) لعله للمورد لا لخصوصية فيه، أو لمزيد الكراهة، وعلى كلٍ ففي الرواية التالية(5) كفاية.

ص: 52


1- سنن أبي داود 1: 15.
2- الاستبصار 1: 13.
3- مستدرك الوسائل 1: 286.
4- وهي: عن مسمع، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة، وقال: إنَّ للماء أهلاً» الاستبصار1: 13، ح5.
5- وهي: وقد روي: «أن البول في الماء الراكد يورث النسيان». من لا يحضره الفقيه1: 22.

ويكره الأكل والشرب[158] ما دام جالساً للتخلّي(*)[159].

الصدوق، وقد روي: »أن البول في الماء الراكد يورث النسيان[160]«(1).

(*) لما أرسله الصدوق قال: »دخل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه، فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلمّا خرج (عليه السلام) قال للمملوك: أين اللقمة؟ فقال: أكلتها يا بن رسول اللّه، فقال (عليه السلام) : إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلاّ وجبت له الجنّة، فاذهب فأنت حرّ، فإنّي أكره أن استخدم رجلاً من أهل الجنّة«(2). بتقريب أنّه لو لم يكن الأكل حين التخلّي مكروهاً لكان

-------------------------

[158] قوله: [والشرب] كأنه لاستفادة المناط أو لدليل لم يصل إلينا، وإلاّ فالرواية(3) في خصوص الأكل فقط.

[159] قوله: [للتخلي] بل في بيت الخلاء مطلقاً؛ لأن الرواية(4) لم تدل على حالة التخلي فقط، بل الأعم.

[160] قوله: [النسيان] هنالك بحث عام وهو أن أمثال هذه الروايات التي ذكرت آثاراً وضعية هل تفيد حكماً شرعياً أو أنها مجرد إرشاد؟ الظاهر الأول، إذ كل شيء فيه ملاك، والأحكام تابعة للملاكات، والمولى يريد صلاح عبده، ويؤيده فهم الفقهاء، لكن يرى بعض المعاصرين - في حاشيته على العروة - الإرشادية(5) . فتأمل.

ص: 53


1- من لا يحضره الفقيه 1: 22.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 27.
3- المصدر نفسه.
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 361، ح1.
5- انظر: العروة الوثقى 1: 125.

والسواك في حاله[161] والاستنجاء باليمين(*)، وباليسار إذا كان فيها خاتم عليه اسم اللّه(**)[162].

المناسب أن لا يؤخر (عليه السلام) [163] أكلها مع شدّة اهتمامه به.

(*) لما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »نهى[164] رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يستنجي الرجل بيمينه«(1).

(**) لما عن أبي أيّوب[165] قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : أدخل

-------------------------

[161] قوله: [حاله] بل في الخلاء مطلقاً.

[162] قوله: [اسم اللّه] بل يكره الدخول معه في بيت الخلاء مطلقاً؛ إذ الرواية(2) لم تخص الكراهة بحالة التخلي فقط.

[163] قوله: [يؤخر] قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ}(3)، و:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(4).

[164] قوله: [نهى] في بعض الروايات المذكورة في المقام دلالة على الحرمة، والشارح لا يعتني بالشهرة والإجماع فلماذا لم يفتِ بالحرمة؟ أما نحن فنرى فهم المشهور حجة.

[165] قوله: [أيوب] والرواية(5) تعم اليمين واليسار فتدل على ما نحن

ص: 54


1- الكافي 3: 17.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 330، ح1.
3- آل عمران: 135.
4- البقرة: 150.
5- المصدر نفسه.

والكلام(*) إلاّ بذكر اللّه تعالى أو آية الكرسي[166].

الخلاء وفي يدي خاتم فيه أسماء اللّه تعالى، قال: لا، ولا تجامع فيه«(1).

-------------------------

فيه ضمناً.

[166] قوله: [أو آية الكرسي] أو حكاية الأذان، وآية الحمد لله رب العالمين، وقد تضمنت بعض الروايات حكاية الآذان وآية، كما في خبر عمر بن يزيد(2).

ثم إن الوالد رد هذا الخبر في الفقه(3)، لكنه غير واضح، فراجع.

ثم إنّ قوله (عليه السلام) : «يحمد اللّه» في هذه الرواية(4) يراد به مطلق الذكر؛ لبعد إرادة خصوص الحمد المصطلح من مطلقات الأدلَّة، ثم إن الحمد يطلق على مطلق الذكر؛ لأنه نوع حمد، فتأمل. قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}(5).

وأما تسميت العاطس فالظاهر أن المراد أنه لو عطس يقول «الحمد لله».

لكنه خلاف ظاهر فتوى العروة(6)، إلاّ أن الوالد(7) قال: لم أجد عليه دليلاً خاصاً، وعللّه بالمناط في خبر مسعدة أو لكونه داخلاً في مطلق الذكر،

ص: 55


1- وسائل الشيعة 1: 33.
2- وهو: وسأل عمر بن يزيد أبا عبد اللّه (عليه السلام) : «عن التسبيح في المخرج، وقراءة القرآن، فقال: لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ويحمد اللّه، أو آية الحمد لله رب العالمين». من لا يحضره الفقيه 1: 28، ح 57.
3- انظر: الفقه 7: 331.
4- أي في رواية عمر بن يزيد المتقدمة.
5- الفرقان: 58.
6- انظر: العروة الوثقى 1: 345.
7- انظر: الفقه: 7: 332.

والتطميح[167] بالبول، والبول من موضع عال، والتخلّي

(*) لما عن[168] أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: »نهى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يجيب الرجل آخر، وهو على الغائط أو يكلّمه حتّى يفرغ«(1).

-------------------------

فتأمل.

[167] قوله: [والتطميح] ظاهر الكلمة الارتفاع بالبول، أي البول إلى جهة الفوق(2)، لكن ظاهر الروايات المروية: البول من الشيء المرتفع(3) وفتوى الفقيه كافية في الاستحباب، كما أن التعليل بأن للهواء أهلاً(4) يشمل كلا القسمين.

[168] قوله: [لما عن] الرواية(5) المنقولة تدل على كراهة الجواب والتكليم، ولا تدل على كراهة مطلق الكلام ولو مع نفسه.

نعم، الرواية القادمة: «لم يرخص»(6) تدل على الكراهة مطلقاً، وكذا روايات أُخرى.

ص: 56


1- تهذيب الأحكام 1: 27.
2- انظر: مصباح المنهاج 2: 142.
3- انظر: الفقه 7: 316.
4- وهي: ما رواه الصدوق في الخصال في حديث الأربعمائة: 610 - 613: «ولا يبولن من سطح في الهواء، ولا يبولن في ماء حار فإن فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه، فإن للماء أهلاً وللهواء أهلاً».
5- انظر: وسائل الشيعة 1: 309، ح1.
6- انظر: وسائل الشيعة 1: 312، ح7.

على القبر وبين القبور(*)[169]... واستصحاب الدرهم الأبيض[170] إلاّ أن يكون مصروراً.

(*) لما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »من تخلّى على قبر، أو بال قائماً، أو بال في ماء قائم[171] أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائماً[172] أو خلا في بيت[173] وحده وبات

-------------------------

[169] قوله: [على القبر وبين القبور] إذا لم يكن هتكاً وإلا كان محرماً، وكذا لو كان المكان مملوكاً أو حريماً للملوك.

ثم إن ذلك لا ينافي استحباب البول من الموضع المرتفع؛ إذ المستحب الارتفاع اليسير(1).

[170] قوله: [الأبيض] ذكر الوالد (رحمه اللّه) : أن الوجه كتابة اسم اللّه عليه، كما كان متعارفاً في زمن صدور الرواية(2)، لكن ظاهر الرواية(3) الإطلاق، والأصل في القضية أن تكون حقيقية لا خارجية، فتأمل.

[171] قوله: [قائم] لعل المراد «واقف» مثل: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ}(4).

[172] قوله: [شرب قائماً] ظاهر الرواية(5) التفصيل بين الليل والنهار.

[173] قوله: [بيت] لعل المراد الحجرة.

ص: 57


1- انظر: الفقه 7: 317.
2- انظر: الفقه 7: 327.
3- انظر: تهذيب الأحكام 1: 353.
4- البقرة: 22.
5- انظر: الكافي 6: 383، ح 2، وفيه: ... عن محمد بن أحمد بن أبي محمود رفعه إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «شرب الماء من قيام بالنهار يمرئ الطعام، وشرب الماء من قيام بالليل يورث الماء الأصفر».

المسألة 82: ماء الاستنجاء طاهر

مسألة 82: ماء الاستنجاء طاهر(*).

على غمر[174] فأصابه شيء من الشيطان لم يدعه إلاّ أن يشاء اللّه...«(1)... و لما عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) : »قال: ثلاثة يتخوّف منها الجنون: التغوّط[175] بين القبور والمشي في خفّ واحد والرجل ينام وحده«(2).

(*) اختلفوا[176] رضوان اللّه عليهم في المقام، فذهب بعضهم إلى كونه نجساً، كما هو مقتضى القاعدة الأوّلية، بناء على انفعال الماء القليل...

ومن الأخبار الواردة في هذا المقام ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن رجل، عن العيزار، عن الأحول أنّه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام) في

-------------------------

[174] قوله: [غمر] لعل المراد: الدسومة في اليد أو الفم(3) .

[175] قوله: [التغوط] الرواية نهت عنه فقط، فلا يشمل البول بين القبور إلاّ أن يستفاد المناط، أو يستدل بقوله (عليه السلام) : «لا تبولوا بين ظهراني القبور»(4)، وفسره في الفقه(5) أي قرب القبور، ويكفي في الإطلاق فتوى الفقيه.

[176] قوله: [اختلفوا] الأقوال في المسألة ثلاثة، كما في الشرح: الطهارة مطلقاً والنجاسة مطلقاً، والتفصيل بين رفع الحدث والخبث.

ص: 58


1- الكافي 6: 533.
2- وسائل الشيعة 1: 329.
3- الغمر بالتحريك: الدهن والزهومة من اللحم، قال في الصحاح 2: 773: «والغمر: أيضاً بالتحريك: ريح اللحم والسهك. وقد غمرت يدي من اللحم فهي غمرة، أي: زهمة، كما تقول من السمك: سهكة».
4- مستدرك الوسائل 1: 265.
5- انظر: الفقه 7: 326.

حديث: »الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به، فقال: لا بأس، فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا واللّه، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر«(1). وهذه الروايةتدلّ[177] على طهارة ماء الاستنجاء وعدم انفعاله من النجاسة لو كان أكثر من القذر وغالباً عليه، والإشكال بأنّ الرواية مجملة من حيث الدلالة لأنّه لا مصداق[178] لها إلاّ موردها؛ إذ المستفاد من مفاهيم أدلّة الكرّ انفعال القليل مطلقاً، وكون الانفعال دائراً مدار التغيير، مخصوص بالماء العاصم من الكرّ والجاري غيرهما فلا مجال للعمل بظاهر الرواية فيكون مجملاً، يمكن دفعه[179] بأنّ هذا الذي ذكر في وجه الإشكال أوّل الكلام وأنّا لا نسلم ذلك...

فلا إشكال[180] في استفادة طهارة الماء وعدم البأس به، وهذا المقدار ممّا لا شبهة فيه، والمطلوب في المقام ليس إلاّ ذلك، فمن

-------------------------

[177] قوله: [تدل] بقرينة التعليل، ومعنى الأكثرية - ولو بقرينة فهم المشهور - أنه غالب عليه.

[178] قوله: [لا مصداق] إذ الظاهر أنها في الماء القليل، خصوصاً وأنه في العهود القديمة لم توجد أنابيب المياه الحالية، ولا يوجد عندنا ماء قليل لا ينفعل بالملاقاة، على المشهور.

[179] قوله: [دفعه] كما يمكن دفعه بأنه حكمة لا علة - ولو بقرينة سائر الروايات - ولا مانع من ذكر حكمة تختص بموردها.

[180] قوله: [فلا إشكال] وقد تقرر في محله: أن سقوط بعض الرواية لا يسقط باقيها، فكيف بالإجمال؟

ص: 59


1- وسائل الشيعة 1: 222.

حيث الدلالة لا إشكال فيها.

وأمّا من حيث السند فيشكل الاعتماد عليها لإرسالها، إن قلت: المرسل فيها يونس بن عبد الرحمن وهو من أصحاب الإجماع. قلت: لا يمكن الاعتماد على هذا الإجماع فإنّه اختلف[181] في المراد من هذا الإجماع...

وهذه الروايات بأجمعها لا دلالة[182] فيها إلا على عدم انفعال ما يلاقي الماء المستنجى به. وأمّا طهارة نفس الماء فليس فيها تعرّض لها ولا تنافي[183] بين كون الماء نجساً وبين كونه غير مؤثر في التنجيس...

-------------------------

[181] قوله: [اختلف] إذ «ما يصح» هل هو الرواية أو المروي، والمختار عدم دلالتها إلاّ على صدق رواتها، لكن يمكن القول: إنها مجبورة بالشهرة، فتأمل.

[182] قوله: [لا دلالة] هنالك تقريبان للدلالة:

الأول: الملازمة العرفية(1).

الثاني: لو فرضنا أن الثوب لا زال رطباً وأراد أن يصلي فيه فهل يستطيع مع وجود عين الماء فيه؟ مقتضى الإطلاق الجواز، وهذا ملازم عرفاً لطهارة الماء، وإن لم يكن ملازماً عقلاً، فتأمل.

وهنالك وجه ثالث وهو أن نقول: إن رواية الأحول(2) مجبورة بالشهرة.

[183] قوله: [ولا تنافي] كما في النجاسة الواقعة في الماء الكر ونحوه، فإنها نجسة غير مؤثرة.

ص: 60


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 260.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 222، ح2.

لا يقال[184] كما أنّ مقتضى عموم انفعال القليل نجاسة الماء كذلك عموم تنجيس المتنجّس يقتضي الحكم بطهارة الماء؛ إذ مقتضى عمومه وعدم تخصيصه أنّ طهارة الملاقي من جهة عدم المقتضي[185] للتنجيس...

فإنّه يقال[186]: الميزان في الأخذ بالعموم أو الإطلاق هو أنّ يشكّ في شمول الحكم لفرد بعد إحراز فرديته... لا مجال للأخذ بالعموم لإثبات أنّ خروج الفرد المعلوم خروجه موضوعي، ويترتّب عليه أثاره، فإنّه لم يثبت من العقلاء ذلك، والمقام من القسم الثاني،

-------------------------

[184] قوله: [لا يقال] هنالك عامان:

الأول: كل ماء قليل لاقى نجاسة تنجس.

الثاني: كل متنجس ينجّس.

وعليه لا بد أن ينجس ماء الاستنجاء الثوب، وحيث إنه لا ينجس قطعاً يدور الأمر بين:

أ - أن نقول: إنه ليس متنجساً، فتبقى القاعدة على العموم.

ب - أن نقول: إنه متنجس لكنه لا ينجّس، فينخرم عموم القاعدة.

ومقتضى أصالة العموم الأول.

[185] قوله: [عدم المقتضي] أي أنه ليس متنجساً.

[186] قوله: [فإنه يقال] إن الشك نوعان:

الأول: الشك في شمول الحكم مع العلم بالفردية.

الثاني: الشك في نفس الفردية، ومجرى أصالة العموم الأول.

ص: 61

فإنّ عدم انفعال الملاقي[187] معلوم، والشكّ في أنّ المنشأ في طهارته عدم المقتضي[188] للتأثير أو من جهة التخصيص[189].

وبعبارة أخرى عدم تأثير ماء الاستنجاء في التنجيس معلوم ووجهه غير معلوم، فلا مجال لإجراء أصالة العموم وعدم التخصيص لإثبات طهارة الماء، فالمتعيّن الأخذ بدليل انفعال القليل والحكم بنجاسته[190].

وربما يقرب لطهارة الماء تقريب أخر، وهو أنّه يستفاد من دليل طهارة الملاقي بالفهم العرفي[191] والملازمة العرفية أنّ نفس الماء أيضاً طاهر...

-------------------------

[187] قوله: [الملاقي] أي الثوب.

[188] قوله: [عدم المقتضي] أي ليس ماء الاستنجاء نجساً، فيكون خروجه موضوعياً.

[189] قوله: [التخصيص] أي أنه ماء نجس لكنه لا ينجّس.

[190] قوله: [بنجاسته] ولذلك نظائر كثيرة في الفقه، وقد تعرضوا لها في بحث «العام والخاص». ومثاله الواضح أنه لو قال: «أكرم العلماء» ثم قال «لا تكرم بشيراً» ولم نعلم أن خروج بشير حكمي (أي أنه عالم لا يجب إكرامه) أو موضوعي (أي أنه ليس عالماً، بل بقالاً) فهنا لا تجري أصالة العموم لنقول: إنه ليس عالماً.

[191] قوله: [بالفهم العرفي] فإنه لا يفهم العرف التفكيك، ويدل عليه فهم الفقهاء.

ص: 62

وأمّا الطهارة فيمكن أن يكون الوجه فيه عدم تأثير الملاقاة لقصور[192] في النجس، أو لمانع في الملاقي أو وجه آخر مجهول لدينا...

ولا يخفى أنّه لا مجال للاعتماد على هذه الإجماعات المنقولة، فإنّ مدركها[193] محتمل أو مقطوع.

... ومن الظاهر أنّه على القول بطهارته[194] لا تنطبق تلك الكبرى عليه...

-------------------------

وعليه، فقوله: (لا ملازمة)(1) محل نظر؛ إذ ليس المدّعى الملازمة العقلية، بل العرفية وهي ثابتة.

[192] قوله: [لقصور] أي أن السبب هو: إما قصور المقتضي، أو وجود المانع.

وهنالك أمر ثالث: وهو فقدان الشرط، ولعله هو الوجه المجهول المشار إليه. ونظيره: ماء الكر، فإنّ النجس مع كونه نجساً لا يؤثر فيه.

[193] قوله: [مدركها] تقرر في محلّه أن ذلك لا يضرّ.

[194] قوله: [بطهارته] أي أنَّ الإجماع إنما هو باعتبار نجاسة مزيل الخبث، أو يحتمل كونه لذلك، وحيث إن ماء الاستنجاء طاهر - على المشهور - لا تنطبق تلك الكبرى عليه، أو بعبارة أُخرى: المزيل النجس لا يرفع به الحدث، وهذه الكبرى لا تنطبق على ماء الاستنجاء.

ص: 63


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 263.

سواء كان من البول أو الغائط(*)، ويجوز إزالة النجاسة به، إلاّ أنّه لا يصحّ[195] استعماله في الوضوء والغسل.

ثانيها: ما رواه عبد اللّه بن سنان. بتقريب أنّ المستفاد منه أنّ المانع إزالة الخبث[196] وذكر الثوب من باب المثال...

فالرواية من حيث الدلالة لا قصور فيها، وأمّا من حيث السند فلا يعتمد[197] عليها...

(*)... ثالثها: إنّ استنجاء الغائط حيث إنّه لا ينفك عن استنجاء البول غالباً فعدم التفصيل في الجواب يدلّ على عموم الحكم، وهذا الوجه أيضاً ساقط[198] فإنّه لو لم يكن اللفظ شاملاً للاستنجاء عن البول لا وجه للتعميم، والغلبة الخارجية لا توجب إسراء حكم

-------------------------

[195] قوله: [لا يصح] على الأحوط.

[196] قوله: [الخبث] لا خصوص البول وما أشبه مما يقع على الثوب.

[197] قوله: [فلا يعتمد] إلاّ أن يقال: إنها مجبورة بالشهرة، فتأمل.

[198] قوله: [ساقط] فيه نظر، فإنه لو فرض أن استنجاء الغائط ملازم لاستنجاء البول غالباً، وفرض أن غسالة البول نجسة إذن يلغو هذا الحكم غالباً، ولزم لمن يريد الطهارة أن يصنع حفرة خاصة لاستنجاء البول وحفرة خاصة لاستنجاء الغائط. ولاحظ روايات «يستنجي فيقع ثوبه فيه»(1) خصوصاً مع مبنى المصنف من أن «يستنجي» خاص بالغائط أو يحتمل ذلك.

ص: 64


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 261.

ويعتبر في الحكم بطهارته أمران: الأوّل: أن لا يكون متغيّراً بالنجاسة في أحد أوصافها الثلاثة، وإن كان فيه أجزاء غير متميّزة من النجاسة(*)[199].

موضوع إلى موضوع آخر[200].

(*) ... لكن بما أنّ في أدلة الانفعال بالتغيّر ما يكون عمومه بالوضع، مثل رواية حريز يقدّم[201] على دليل ماء الاستنجاء؛ لأنّ شموله لمورد التغيّر بالإطلاق ومقدّمات الحكمة.

وذكرنا في محلّه أنّ الوضعي مقدّم على العموم الإطلاقي، لكن رجعنا[202] عن المسلك المذكور وقلنا:

-------------------------

[199] قوله: [من النجاسة] بشرط أن لا تلاقي الثوب ونحوه برطوبة مسرية، وإلا كانت منجسة له، وأدلَّة الاستنجاء لا تشمل مثل ذلك.

[200] قوله: [آخر] بل هو نفس الموضوع لا موضوع آخر، بقرينة ما ذكرناه من الغلبة واللغوية.

[201] قوله: [يقدم] فيه أن بعض روايات الاستنجاء فيها عموم أيضاً مثل رواية الأحول(1)، لأن فيها تعليلاً والتعليل من أقوى ما يفيد العموم، لكن مضى الإشكال في التعليل، فتأمل.

[202] قوله: [رجعنا] فلو قال: (أكرم العلماء) وقال: (لا تكرم الفاسق)

ص: 65


1- وهي: عن الأحول أنه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام) - في حديث - : «الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به؟ فقال: لا بأس، فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا واللّه، فقال: إن الماء أكثر من القذر». وسائل الشيعة 1: 222، ح2.

الثاني: أن لا يصبها (يصيبه) نجاسة من خارج، ومنه التعدّي عن المحل المتعارف[203] وخروج ما لا يكون من حقيقة الغائط كالدم معه[204] والاستنجاء بالأعيان النجسة[205].

لا فرق[206] بينهما، وأمّا لو قلنا بأنّ المستفاد من الأدلّة ليس إلاّ عدم انفعال ما يلاقي ماء الاستنجاء بلا تعرّض لطهارته، فالقاعدة تقتضي عدم الفرق بين صورتي التغيّر وعدمه لإطلاق الدليل[207]...

-------------------------

لتعارض في العالم الفاسق، ولا يقدم الأول؛ إذ لا فرق بين العام والمطلق عرفاً.

[203] قوله: [المتعارف] بحيث لا يصدق عليه الاستنجاء.

[204] قوله: [كالدم معه] فيه تأمل فيما تعارف خروجه كالدم، لأن خروج الدم كثير، وكثير من الأفراد مبتلى بالبواسير، ولم ينبه على ذلك، فتأمل.

[205] قوله: [النجسة] مع الرطوبة المسرية.

[206] قوله: [لا فرق] لكن ذلك لا يضر في الشرط المزبور؛ إذ المرتكز في أذهان المتشرعة أن التغير مانع عن الحكم بالطهارة مطلقاً، ولذا لو تغير حتى ماء دجلة حكم عليه بالنجاسة، فدليل التغير حاكم.

وعليه يتعارض الدليلان ويتساقطان والمرجع أصالة الطهارة، أو استصحاب الطهارة لو قلنا إنها تجري في الشبهات الحكمية، وفي تقديم أصل الطهارة أو الاستصحاب بحث طويل.

[207] قوله: [لإطلاق الدليل] فيه أن دليل التغير حاكم بقرينة ما سبق قبل قليل.

ص: 66

المسألة 83: تعدّي الغائط عن المحلّ

مسألة 83: إذا لم يتعدّ الغائط عن المحلّ المتعارف بنفسه لكنّه تعدّى عند المسح بالأحجار أو غيرها، فالمقدار الذي يستلزمه المسح بالأحجار مثلا نوعاً لا بأس به، وفي الزائد من ذلك إشكال[208].

المسألة 84: إذا اشتبه ماء طاهر بماء نجس

مسألة 84: إذا اشتبه ماء طاهر بماء نجس فإن كانت الشبهة محصورة فلا يرفع حدثاً ولا خبثاً(*)، إلاّ أن يغسل الخبث بكلّ واحد منهما(**)[209].

(*) للعلم[210] الإجمالي المنجز على ما هو المقرّر في محلّه عند القوم.

(**) فإنّه[211] في هذه الصورة يقطع بحصول الطهارة في زمان، كما أنّه يقطع بوجود نجاسة في زمان آخر مع القطع بارتفاع النجاسة الأوّلية إمّا بالغسل الأوّل، وإمّا بالثاني...

-------------------------

[208] قوله: [إشكال] إن لم يصدق عليه الاستنجاء عرفاً.

[209] قوله: [بكل واحد منهما] لا يجدي ذلك في جميع الصور في رفع الخبث، لكن هنالك شبهة طرحت، وسيأتي بيانها فلاحظها.

وعليه، يكون النص في مقام توهم الحظر فلا يفيد اللزوم، فتأمل.

وأما الحدث فهو يرتفع في كل الصور.

[210] قوله: [للعلم] بل حتى لو لم نقل بتنجيز العلم الإجمالي يحكم بعدم الرفع، وذلك لاستصحاب البقاء، فما يظهر من الشارح من ابتنائه على مبنى القوم محل نظر.

[211] قوله: [فإنه] هنالك نجاسة أولى وهي مرتفعة قطعاً، إما بالماء الأول أو الثاني، وهنالك نجاسة وطهارة - بأحد الماءين - وحيث لا يعلم

ص: 67

-------------------------

المتقدم منهما والمتأخر يستصحب كلاهما ويتساقطان، أو لا يجري أي منهما وتجري أصالة الطهارة في الفرضين.

وفيه نظر؛ لأن - مضافاً إلى ما سيأتي(1) - وجود النجاسة الثانية غير معلوم، لأنه إن كان الماء الأول نجساً فالبدن لا يتنجس لأنه تحصيل للحاصل. إذن، فالنجاسة الأولى مرتفعة قطعاً، والنجاسة الثانية غير معلوم وجودها أصلاً، فتستصحب الطهارة - الحاصلة بأحد الماءين - إلاّ أن يورد عليه بأنه لا يعلم اتصال زمان الشك باليقين على ما ذكره صاحب الكفاية(2)، فيكون المرجع أصالة الطهارة.

لكن سيرد أن استصحاب النجاسة متعين.

نعم، قد يقرر: لا بالنجاسة حتى يورد عليه بما ذكر، بل بالعلم بالنجاسة حين ورود الماء النجس، فالماء الأول إن كان نجساً فلا ينجس، لكن المحل نجس بالنجاسة السابقة، وإن كان الماء الثاني نجساً فهو منجس للمحل، فهنالك علم بالنجاسة - بالمعنى الأعم من المصدري واسم المصدري - فنستصحب تلك النجاسة.

وأورد عليه الشارح: بأنه عليه لا وجه لهذا التفصيل المذكور في المتن.

وأيضاً يرد عليه بأنه هنالك علم بطهارةٍ ما حين ورود الماء الطاهر، فإن الماء الأول إن كان طاهراً طهر المحل من النجاسة السابقة، وإن كان الماء

ص: 68


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 269.
2- انظر: كفاية الأصول: 420.

لكنّه قد يقال[212] بابتلائه حينئذ بنجاسة أُخرى إلاّ فيما لو كان الماء الثاني كرّاً وكانت النجاسة ممّا لا يحتاج إلى التعدّد

-------------------------

الثاني طاهراً طهر المحل من النجاستين، فتستصحب الطهارة ويقع التعارض والتساقط، ويكون المرجع أصالة الطهارة.

والخلاصة: إن كان المراد التنجس فهو باطل، وإن كان المراد العلم بنجاسةٍ ما فهو معارض بالعلم بطهارةٍ ما.

نعم، لو كانت النجاسة الثانية أشد من النجاسة الأولى فحدوثها متيقن، لكنه أجنبي عن محل الكلام؛ لأن الكلام في الماءين.

[212] قوله: [لكنه قد يقال] يوجد هنا تقريران لذلك:

الأول: أن نقول: حين وصول الماء الثاني للبدن - أي لحظة المماسة وقبل الانفصال - نقطع بنجاسة البدن، إما لأن الماء الأول كان نجساً ولم يطرأ عليه المطهر، لأن المطهر يكون بصدق الغسل، وبصرف المماسة لا يصدق الغسل، أو لأن الثاني نجس فنستصحب تلك النجاسة.

وهذا التقرير لا يجري فيها لو كان الماء الثاني كراً، والنجاسة لا تحتاج إلى التعدد - كالبول في الكر على بعض المباني - فإنه لا نعلم أنه في لحظة الملاقاة للكر كان البدن نجساً؛ لأنه في لحظة الملاقاة لو كان الماء الأول نجساً يطهر البدن بمجرد ملاقاة الكر.

وعليه فالصور ثلاث:

الأولى: الماء الثاني غير كرّ، فالحكم هو النجاسة.

الثانية: الماء الثاني كر ويحتاج للتعدد، فالحكم هو النجاسة.

ص: 69

-------------------------

الثالثة: الماء الثاني كر ولا يحتاج للتعدد، فالحكم هو الطهارة.

والخلاصة: أن نكتة النجاسة إنما هي العلم بوجود النجاسة حين المماسة للماء الثاني، وهذه النكتة غير موجودة في الصورة الثالثة.

الثاني: أن نقول(1): إنه عند وصول الماء الثاني للبدن لا يصل إليه دفعة، لأن المفروض أن الأعضاء متنجسة ولم يعلم ارتفاع نجاستها بالماء الأول، بل يصل إليه تدريجياً، ولو كان الغمس بالكر، وحينئذ نفرض أنه أدخل كفه في الحوض - في الماء الثاني - فهو في هذه اللحظة يعلم أن كفه نجسة - لو كان ماء الحوض نجساً - أو ذراعه نجسة - لو كان الماء الأول نجساً - .

والخلاصة: أن له علماً إجمالياً بنجاسة بعض أجزاء بدنه، فيستصحب تلك النجاسة.

وعلى هذا التقرير لا يفرق بين أن يكون الثاني كراً أو لا، محتاجاً للتعدد أو لا، ولكن تبقى هنالك شبهة وهي أن استصحاب الطهارة لا مانع منه فيتعارضان.

بيانه: أنه لو علمنا بنجاسة في الساعة الثانية عشرة، وعلمنا بطهارة إما في الساعة الحادية عشرة أو في الساعة الواحدة، فطهارة الساعة الحادية عشرة وإن كانت مقطوعة الارتفاع على فرض وجودها، وطهارة الساعة الواحدة مشكوكة الحدوث - وإن كانت متيقنة البقاء على فرض وجودها - إلاّ أن طبيعي الطهارة - الكلي - معلوم الوجود مشكوك الارتفاع فيُستصحب.

ص: 70


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 269.

فإنّه يمكن حينئذ رفع الخبث به، بل والحدث بالتكرير(*).

(*) لو كان المراد بنجاسة أخرى العلم بالنجاسة[213] حين وصول الماء النجس بالمحلّ المتنجّس، ففي هذا الفرض لا يفرق بين كون النجاسة ممّا يحتاج في زوالها إلى التعدّد، وبين ما لايكون كذلك... وعليه يمكن رفع الخبث والحدث به، هذا حسب ما تقتضيه القواعد الأوّلية[214]...

بل يمكن أن يقطع[215] بوقوع الصلاة عن طهارة من الخبث والحدث وذلك بأن يصلي بعد غسل يديه والوضوء، وإعادة الصلاة

-------------------------

وكذا الأمر فيما نحن فيه، فإن الطهارة متيقنة إما قبل زمان النجاسة أو بعدها فتستصحب، ويتعارض الاستصحابان ويتساقطان والمرجع أصالة الطهارة.

إلاّ أن ذلك لا يتمشى على مبنى صاحب الكفاية(1) من لزوم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك، فتأمل.

[213] قوله: [بالنجاسة] ولو الحاصلة من قبل، وليس المراد حصول التنجس.

[214] قوله: [الأولية] بل ما تقتضيه القواعد الأولية موافق لما في النص(2).

[215] قوله: [أن يقطع] هذا هو اللازم أولاً - لو لم يكن محذور خارجي كنجاسة البدن للصلوات القادمة - إلاّ أن النص رفع وجوب ذلك.

ص: 71


1- انظر: كفاية الأُصول: 420.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 269.

المسألة 85: إذا اشتبه ماء مطلق بماء مضاف

مسألة 85: إذا اشتبه ماء مطلق بماء مضاف فلا يرفع الخبث إلاّ بالغسل بكلّ واحد منهما، وكذا في رفع الحدث، إلاّ أنّ الأحوط[216] الاقتصار فيه على صورة الانحصار.

المسألة 86: إذا اشتبه الماء المباح بالمغصوب

مسألة 86: إذا اشتبه الماء المباح بالغصبي لم يجز استعمال أحدهما في الشبهة المحصورة(*)[217].

بعد الغسل والوضوء الثاني(1).

والحاصل: أنّه يلزم الخروج عن مقتضى القاعدة بهذه الرواية؛ وحيث إنّ المستفاد منها على خلاف القاعدة لا بدّ من الاقتصار[218] على موردها...

وثانياً: إنّا نفرض الأمر كذلك ولكن يمكن إحراز الواقع[219] كما مرّ في كلامنا، وهو أنّ المكلّف أولاً يطهر بدنه بالماء الأوّل ويتوضأ، أو يغتسل ويصلّي ثمّ يطهّر أعضاءه بالماء الثاني وهكذا...

(*) للعلم الإجمالي بالحرمة وعدم دليل[220] على ترجيح أحد

-------------------------

[216] قوله: [الأحوط] الأولى.

[217] قوله: [المحصورة] فيه تأمل.

[218] قوله: [الاقتصار] سبق أنه مقتضى القاعدة فلا وجه للاقتصار.

[219] قوله: [إحراز الواقع] غير لازم كما سبق، للنص، ولعل وجهه: أنه يوجب العسر أو الحرج، وأنه عادة يترشح فيلزم تنجيس سائر البدن.

[220] قوله: [وعدم دليل] توجد هنا شبهتان:

ص: 72


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 269.

الطرفين، بل ما قوّيناه في هذا البحث من الأصول، ولعلّه أشرنا إليه في بعض مباحث هذا الشرح، من جواز استعمال أحد الأطراف بشرط ترك الآخر إلى الأبد، لا يجري في المقام؛ لأنّ أصالة[221] عدم حصول ما يوجب جواز التصرّف من الملك وغيره جارٍ في كلّ من الطرفين؛ إذ لا يلزم من جريان هذا الأصل في الطرفين إلاّ المخالفة الالتزامية[222] وما يكون مانعاً من جريان الأصل لزوم المخالفة العملية.

-------------------------

الأولى: كما أن هنا علماً بالحرمة، كذا هنا علم بالوجوب - في صورة الانحصار - لأنه يعلم بوجوب الوضوء.

إلا أن يجاب: بأن ملاك الحرمة أهم من ملاك الوجوب، لما علم من الشارع من الاهتمام جداً بقضية الغصب، فتأمل.

الثانية: قاعدة العدل والإنصاف، فإنها تقتضي أنه يحق له أن يأخذ أحدهما لنفسه، وكذا التجنب عن الاثنين ضرري، فتأمل(1).

[221] قوله: [لأن أصالة] أي هنالك أصل منقح للموضوع في كل منهما، وهو أن كل جواز تصرف مسبوق بمسوغ - كالحيازة والشراء ونحوهما - والأصل عدم حيازة هذا وذاك.

[222] قوله: [الالتزامية] بل العملية أيضاً في بعض الصور، كصورة الانحصار.

وفي جوازها بحث مذكور في «الأُصول»(2) فراجع ورجح السيد الوالد (رحمه اللّه) عدم جوازها.

ص: 73


1- انظر: هداية المسترشدين 3: 607، فرائد الأصول 2: 254.
2- انظر: كفاية الأُصول: 432، نهاية الدراية 2: 35-39، نهاية الأفكار 4: 121، فوائد الأصول 4: 20.

المسألة 87: لا يلزم في غسل مخرج البول مسح الموضع باليد

مسألة 87: لا يلزم في غسل مخرج البول مسح الموضع باليد(*)، إلاّ إذا توقّف إزالة البول على المسح أو خرج معه وذي أو مذي[223]، بل الأحوط ذلك في صورة الشكّ أيضاً[224].

المسألة 88: نجاسة الماء القليل بمجرّد الملاقاة

مسألة 88: ينجس الماء القليل بمجرّد ملاقاة النجاسة[225] مطلقاً(**).

(*) إذ لا دليل عليه[226].

(**)... وما يمكن أن يستدلّ به على الانفعال عدّة روايات منها: ما دلّ على عاصمية الماء إذا كان كراً، ففي رواية محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب، قال: إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء«(1).

-------------------------

[223] قوله: [أو مذي] أو ودي، مع التوقف المزبور.

[224] قوله: [أيضاً] مع العلم بالتوقف أو الشك فيه، لكن قد يشكل ذلك بأن من المتعارف خروجهما ولم ينبه في الأدلَّة على لزوم المسح، مع أنه مما يغفل عنه العامّة، فتأمل.

[225] قوله: [بمجرد ملاقاة النجاسة] على الأحوط، وفي النجاسة بملاقاة المتنجس الثاني تأمل لرواية حنان بن سدير(2).

[226] قوله: [لا دليل عليه] وإطلاقات أدلَّة «اغسله» بلا مقيد.

ص: 74


1- الاستبصار 1: 6.
2- وهي: عن حنان بن سدير، قال: «سمعت رجلاً سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال: إني ربما بلت فلا أقدر على الماء، ويشتد ذلك علي؟ فقال: إذا بلت وتمسحت، فامسح ذكرك بريقك، فإن وجدت شيئاً فقل: هذا من ذاك» وسائل الشيعة 1: 284، ح7.

وبهذا المضمون غيره، فإنّه يدلّ بالمفهوم[227] على أنّ الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ينجّسه شيء[228]...

ودلالة هذه الروايات على انفعال الماء بملاقاة النجاسة في الجملة ممّا لا شبهة فيه، وليس دلالتها[229] على انفعال الماء ولو مع عدم التغيّر بالإطلاق.

-------------------------

[227] قوله: [بالمفهوم] وهو من أقوى المفاهيم؛ لأنه مفهوم شرط.

[228] قوله: [شيء] أو كل شيء على الخلاف في أنَّ مفهومه منطقي أو عرفي؟ فتأمل.

[229] قوله: [وليس دلالتها] وإلاّ لم يبق فرق بين الكر وغيره لو كان الملاك التغير، وأما سائر الروايات فلا مانع من تقييدها بالتغير ولا محذور.

لكن لا مانع من حمل هذه الروايات على الأفضلية للجمع الدلالي - لو تمت أدلَّة المانعين - فإن الأمر يمكن حمله على الاستحباب، والنجاسة لا مانع من حملها على القذارة المغلظة غير البالغة إلى درجة التحريم، ونظير ذلك روايات (سُحت)(1) في كسب الحجام(2) وما أشبه ذلك. وراجع كلمة (النجاسة ونجسة) لترى هل استعملت في المكروه ونحوه؟

ثم إنّه قيل: الحصر - في روايات التغير - إضافي، والجمع يقتضي أن كلاً من التغير والقلة علة، فهو نظير (إذا خفي الأذان أو إذا خفيت الجدران)

ص: 75


1- انظر: الكافي 5: 120، من لا يحضره الفقيه 3: 161، الاستبصار 3: 61.
2- انظر: الكافي 5: 127.

... ولا يعارضها مفهوم روايات الكرّ؛ لأنّ المفهوم فيها موجبة جزئية، فإنّ نقيض السالبة الكلّية موجبة جزئية[230] ولا نضايق عن الالتزام بانفعال القليل ببعض الأشياء[231]...

ولكن يرد عليه: أنّ إطلاق هذه الأخبار مقيّد[232]

-------------------------

فالتغير علة وملاقاة القليل علة، وهذا أولى عرفاً من التقييد، فتأمل.

فتحصل من كل ذلك أن المقتضي للنجاسة موجود، إنما الشأن في المانع، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

[230] قوله: [موجبة جزئية] لكن قد يدعى أنه عرفاً بمعنى ينجّسه كل شيء، فتأمل.

[231] قوله: [الأشياء] كالولوغ مثلاً.

[232] قوله: [مقيد] قد يقال بينهما عموم من وجه.

يكفئ الإناء عند الملاقاة، سواء الإناء المتغير أم غير المتغير.

وكلما غلب الماء فتوضأ، سواء الإناء غير المتغير أم الكر غير المتغير.

فمورد الاجتماع الإناء غير المتغيّر؛ إذ لا يكون إلا قليلاً عادة، فتأمل.

نعم، على ما ادعاه المصنف(1) من أن أدلَّة «يكفئ الإناء»(2) غير قابلة للتقييد بالتغير يكون المتعين تقديم تلك في مورد التعارض، لكن مضى الإشكال في كلامه، فتأمل.

ص: 76


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 272.
2- وسائل الشيعة 1: 153.

بما ورد[234] في انفعال الماء القليل فترفع اليد عن الإطلاق ويؤخذ بما دلّ على انفعاله.

ومنها: ما رواه محمّد بن ميسّر قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان، قال: يضع يده ثمّ يتوضّأ[235] ثمّ يغتسل«(1)...

وتقريب الاستدلال بهذه الرواية على المدّعى أنّ الموضوع في السؤال هو القليل ومقتضى الجواب عدم انفعاله بالملاقاة.

-------------------------

نعم، قد يقال: إن بعض تلك الروايات آبٍ عن حملها على صورة التغير، مثل: «إناء أصابته قطرة من الدم»(2) فإنه من الواضح أنه لا يتغير كله عادة، وكذا «يدخل يده في الإناء وهي قذرة»(3) وكذا : «شرب

منه الكلب أو الخنزير»(4) وإن كان يمكن القول بخروج الأخير بالإجماع ونحوه.

وعليه، فالمتعين التخصيص لا أن يقال: النسبة عموم من وجه.

[234] قوله: [بما ورد] مراده - ظاهراً - غير أدلَّة «اعتصام الكر» لما ذكره المستدل قبل قليل، وهي سائر الروايات(5).

[235] قوله: [ثم يتوضأ] لعل المراد يغسل يده القذرة.

ص: 77


1- الكافي 3: 4.
2- المصدر نفسه 1: 154
3- تهذيب الأحكام 1: 39
4- انظر: الاستبصار 1: 19
5- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 273.

ويرد[236] عليه: أنّ القليل[237] لا يكون نصّاً ولا ظاهراً فيما دون الكرّ...

ومنها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال: لابأس«(1). وتقريب الاستدلال به على المدّعى أنّ الحبل الذي يستقى به الماء يتقاطر منه الماء في الدلو فحكمه (عليه السلام) بعدم البأس بالوضوء منه يدلّ على عدم انفعال ما في الدلو من الماء.

ويرد عليه: أنّه يمكن[238] أن يكون الوجه في السؤال استعمال الحبل من حيث كونه جزءاً للخنزير...

-------------------------

[236] قوله: [ويرد] إذ قد يراد بالقليل القليل بالنسبة إلى مياه البحار والأنهار، كحفرة ماء فيها كر.

لكن الانصاف: أن ذلك خلاف الظاهر، فتأمل.

وفي التنقيح(2) أن ذلك قد يكون تقية لذهاب بعض العامّة إلى نجاسة الماء في غسالة الجنابة، فراجع.

[237] قوله: [أن القليل] فهو اصطلاح فقهائي، ولم يثبت كونه كذلك في زمن الشارع(3).

[238] قوله: [أنه يمكن] بعيد جداً، إذ لا ينقدح مثل هذا الاحتمال في

ص: 78


1- تهذيب الأحكام 1: 409.
2- انظر: شرح العروة الوثقى 1: 157.
3- انظر: المصدر نفسه.

ومنها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »قلت له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميّتة، قال: إذا تفسّخ[239] فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميّتة إذا أخرجتها طرية«(1)...

وتقريب الاستدلال بالرواية على المدّعى ظاهر لا يحتاج إلى البيان، لكنّ الرواية ضعيفة من حيث السند، فإنّ عليّ بن حديد[240] في

-------------------------

الأذهان عادةً، خاصة من مثل زرارة، فتأمل.

لكن في التنقيح تقريب لذلك فلاحظ(2)، مع أنه لو فرض أن الجواب حيثي لكن حيث إنه عادة يتقاطر في الدلو فاللازم أن تبين حيثية النجاسة، وإلاّ لزم حمل الجواب على الفرد النادر، بل غير الموجود، إذ لا ينفك الدلو من التقاطر - عادة - .

وأجاب في التنقيح(3) بأن الرواية شاذة فلا تعارض الروايات المشهورة، وبجواز دلالتها على طهارة شعر الخنزير، فتأمل.

[239] قوله: [إذا تفسخ] الظاهر أن التفسخ طريقي لا موضوعي، فالملاك التغير الحاصل بالتفسخ ويبعد كونه موضوعياً، ويؤيده: أنه لم يقل به أحد فيما نعلم.

[240] قوله: [علي بن حديد] لكنه من مشايخ الثقات، فيتعارض الجرح

ص: 79


1- الاستبصار 1: 7.
2- انظر: المصدر نفسه.
3- انظر: المصدر نفسه 1: 158.

سندها وهو غير موثّق، بل مضعّف.

... وعلى الثاني هل يكون وجه للتفصيل بين المتنجّس بعين النجس وبين المتنجّس بالمتنجّس بأن خصّص الانفعال[241] بالأوّل وعدمه في الثاني، كما يظهر من بعض آخر أو لا وجه لهذا التفصيل أيضاً؟

الظاهر أنّه لا وجه للتفصيل مطلقاً، وحيث إنّ القائل بالتفصيل الأوّل، وكذلك الثاني إنّما ذهب إليه من باب عدم الدليل[242] على الإطلاق، فالازم علينا بيان ما يقتضي الانفعال مطلقاً.

... فإنّ إطلاق قوله (عليه السلام) فيها: »فإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه فليهرق الماء كلّه«(1) يقتضي انفعال الماء ولو لم يكن عين المني موجوداً[243] عند الملاقاة.

-------------------------

والتعديل، وننتهي للتوقف وقد بنينا على أن مشايخ الثقات ثقات في مسانيدهم لا مراسيلهم.

[241] قوله: [الانفعال] أي انفعال الأشياء به، لا انفعاله وإلاّ رجع للبحث السابق.

[242] قوله: [عدم الدليل] فإن النجاسة أمر حادث وتحتاج للدليل، فعدم الدليل كافٍ في عدمها.

[243] قوله: [موجوداً] خاصة لو لوحظ أنه عند إصابة المني يحك الإنسان المني بيده عادة، ولا يبقى المني فيه.

ص: 80


1- وسائل الشيعة 1: 154.

... لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه قال: وقال: إن كانت يده قذرة[244] فأهرقه، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه«(1)...

وأمّا التفصيل الثاني فيردّه ما تقدّم في رواية ابن أبي نصر من السؤال »عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة، قال: يكفئ الإناء«(2) فإنّ القذارة الشرعية[245] بمثابة القذارة العرفية...

-------------------------

[244] قوله: [قذرة] سيأتي أن القذارة الشرعية هي ما يستقذر شرعاً، وهذه اليد وإن زالت العين تستقذر شرعاً(3).

وهنالك رواية أُخرى تدل على المطلوب وهي: «ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء»(4).

وفي المقام شبهة، وهي: أن القدر المتيقن من الروايات التي ذكرها المصنف(5) صورة وجود المني في اليد.

وفيه: أن الإطلاق يدفعه، والقدر المتيقن الخارجي لا ينحل بالإطلاق، ولا قدر متيقن في مقام التخاطب، بل لا يقدح وجوده، فتأمل.

[245] قوله: [الشرعية] قد يقال: إن في كلمات المصنف رجوعاً إلى

ص: 81


1- تهذيب الأحكام 1: 37.
2- وسائل الشيعة 1: 153.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 277.
4- الاستبصار 1: 32.
5- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 276.

وبعبارة أُخرى[246] القذر ما يستقذر منه، ومن الظاهر أنّه لا فرق في إطلاق القذر على ما يستقذر منه بين أن يكون مستقذراً من نفس القذارة، أو يكون مستقذراً منها بالواسطة، فلو أدخل أحد إبهامه في أنفه ومسحه بخرقة فيلاقي بالرطوبة قبل غسله إبهامه يكون الإبهام قذراً عرفاً[247].

-------------------------

المقام الأول؛ إذ اليد تارة يكون عليها المني، وتارة يمسح المني عنها، وفي الحالتين ينفعل الماء بها؛ لأنها قذرة، وليس الكلام في ذلك؛ إذ قد فرغ منه في المقام الأول، بل الكلام أن هذا الماء لو لاقى ماءً آخر فهل ينجس بذلك؟

ويمكن توجيه كلام المصنف بأنه لا شك أن الماء الأول قذر، فلو لاقى الماء الثاني شمله الدليل.

وإذا أردنا التطبيق على الرواية(1) ، فنقول: قطرة دم وقعت في ماء، ثم غمس يده في الماء، فلا شك في نجاسة الماء واليد، لأن اليد لاقت المتنجس، وحينئذ تكون قذرة، فإذا غمس يده في اللبن انطبق الحديث، فيكفئ إناء اللبن.

[246] قوله: [وبعبارة أخرى] ولذا يستطيع أن يقول: إن يدي قذرة وإن زالت العين.

[247] قوله: [قذراً عرفاً] وإن مسح عنه أخلاط الأنف.

ص: 82


1- وهي: عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة، قال: يكفئ الإناء». تهذيب الأحكام1: 39، ح44.

... فإنّ شهادة الشيخ يؤخذ بها إلاّ فيما علم بخلافه، لكن رجعنا[248] عن هذه المقالة، وقلنا: إنّه لا فرق بين المرسلات. مضافاً[249] إلى أنّه لا بدّ من رفع اليد عن ظهور هذه الأدلّة بروايات أُخرى تدلّ على عدم تنجيس المتنجّس في الواسطة الثانية[250]، ومن تلك الروايات ما رواه حنّان[251] بن سدير قال: »سمعت رجلاً سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال: إنّي ربما بلت فلا

-------------------------

[248] قوله: [رجعنا] فإنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، أو لغير ذلك.

بيانه: إن هنالك رواة ثقات، وهنالك أفراد ثبت ضعفهم، فنحتمل أن الرجل المجهول هو من أولئك الضعاف. وفي ذلك بحث مفصل في علم الرجال، والمختار أن مراسيلهم غير حجة، أما مسانيدهم فهي حجة، تُثبتُ وثاقة المروي عنه(1).

[249] قوله: [مضافاً] هذا الرد يشمل الروايتين، ولا وجه لجعله رداً على الثانية فقط(2).

[250] قوله: [الثانية] أي أن المتنجس الأول - كالذكر - ينجس، أما المتنجس الثاني - كالريق - فلا ينجس الثوب.

[251] قوله: [حنان] قد يشكل بأن مسح الذكر مسح نفس موضع البول وغيره، فيقيد بالأدلَّة الدالة على نجاسة الملاقي للبول.

ص: 83


1- انظر: الحدائق الناضرة 12: 186، المستند في شرح العروة الوثقى، 4: 36، المستند في شرح العروة الوثقى، 2: 427.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 278.

أقدر على الماء ويشتدّ ذلك عليّ، فقال: إذا بلت وتمسحّت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئاً فقل هذا من ذاك«(1).

وحيث إنّه وقع في بعض الكلمات الإشكال في الرواية من جهة المتن نقول: يمكن[252] أن يكون الوجه في الاشتداد أنّه مع عدم الماء وإحساس رطوبة يعلم بكونها من البول، فيقع في المشقّة من جهة تنجّس بدنه ولباسه...

واستدلّ على ما ذهب إليه بما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطراً صغاراً فأصاب إناءه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: إن لم يكن شيئاً[253](2) يستبين في الماء فلا بأس، وإن

-------------------------

وفيه: أن النسبة عموم من وجه، فيتعارضان في موضع الاجتماع، والمرجع أصالة الطهارة، فتأمل.

قد يقال: إنه في خصوص البول والتخلي.

يُجاب بأنه: لا خصوصية عرفاً، خاصة وأن البول أشد النجاسات، وفيه تأمل؛ إذ الكلب أشد نجاسة، فراجع.

[252] قوله: [يمكن] أي يمكن أن يكون وجه الاشتداد: العلم بكونه بولاً وجدانياً، أو العلم بكونه بولاً تعبدياً محكوماً بالبولية لعدم الاستبراء.

[253] قوله: [شيئاً] مقتضى النظرة الأولية أن يقال: «شيء» وهذا التعبير

ص: 84


1- الكافي 3: 20.
2- هكذا في الوسائل1: 150، ح1. وفي الكافي3: 74، ح16 وغيره: «شيء».

كان شيئاً بيّناً فلا يتوضّأ منه«(1)...

ويرد عليه: أنّ استعمال الإناء في الماء يحتاج إلى قرينة وهي مفقودة في المقام، فالظاهر من الرواية أنّ الدم أصاب نفس الإناء، وأمّا إصابته لنفس الماء فمشكوك فيها فلا وجه لانفعاله[254].

... واستدلّ عليه بأنّه لو قلنا بانفعاله ولو كان وارداً لما أمكن تطهير شيء إلاّ بإيراد كرّ عليه، وذلك يوجب المشقّة[255] فيعلم أنّ الماء لا ينفعل فيما كان وارداً.

وهذا الاستدلال غير تامّ، فإنّه يرد عليه أوّلاً: أنّ الدليل أخصّ[256] من المدّعى...

وثانياً: أنّه لا مانع[257] من الالتزام بانفعال القليل بملاقاة المتنجّس وتطهّره به...

-------------------------

يوهم أن هنالك دماً لكنه ليس بيناً. والجواب: أن المراد لم يكن الدم المتساقط بيناً في الماء مع إصابته الإناء، فتأمل.

[254] قوله: [لانفعاله] لأنها شبهة بدوية.

[255] قوله: [المشقة] الأولى أن يقال: وهو خلاف السيرة القطعية.

[256] قوله: [أخص] فلا بد من التفصيل بين «الوارد غير المطهر» و«الوارد المطهر».

[257] قوله: [لا مانع] ووزانه وزان القذارات العرفية، فإن الماء يحمل القذر ويطهر المحل.

ص: 85


1- وسائل الشيعة1: 150، ح1.

أمّا مفهوم أدلّة اعتصام الكرّ فليس فيه عموم أفرادي[258] فضلاً عن الأحوالي[259]، وأمّا غيره من الأدلّة فموردها صورة ورود النجاسة على الماء لا العكس.

والجواب[260] عن هذا التقريب:

أنّ العرف[261] بحسب الارتكاز يفهم من مجموع الأدلّة أنّ ملاقاة النجاسة للماء القليل توجب انفعاله بلا خصوصية لورود النجاسة على الماء أو وروده عليها.

الجهة الخامسة: في أنه هل يفصل بين ملاقاة الماء للنجاسة واستقراره معها فيلتزم بانفعاله، وبين ملاقاته لها وعدم استقراره معها فيلتزم بعدم

-------------------------

[258] قوله: [أفرادي] فلا يشمل الدم والبول والولوغ.

[259] قوله: [الأحوالي] فلا يشمل الوارد والمورود، بل هو موجبة جزئية، كما سبق.

[260] قوله: [والجواب] هذا جواب عن الشق الثاني(1)، وظاهره تسليم الشق الأول من الاستدلال، أي: عدم العموم الأحوالي(2).

[261] قوله: [العرف] ونظيره القذارات العرفية، فإذا قال: (إذا لاقى الماء ميكروباً فحكمه كذا) لا يفرق بين الوارد والمورود. أو قال: (إذ وقع الميكروب في الماء فلا تشربه) فلا يفهم خصوصية للورود، فالمورد كذلك.

ص: 86


1- وهو ما ذكره في الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 279، عند قوله: «.. وبين أن يكون موروداً للنجاسة فينفعل».
2- وهو ما ذكره في الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 280، عند قوله: «أما مفهوم أدلة اعتصام الكر فليس فيه عموم أفرادي فضلاً عن الأحوالي».

... إلاّ إذا كان وارداً على النجاسة بقوّة ودفع، فلا ينجس الجزء غير الملاقي[262] للنجاسة منه(*).

الانفعال؟ يستدلّ عليه بما رواه عمر بن يزيد قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة، فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض، فقال: لا بأس به«(1). وهذه الرواية إن تمّت دلالتها[263] على المدّعى فلا يعتمد عليها من حيث السند...

(*) فإنّه لقوّته[264] ودفعه لا يتأثّر من ملاقاة النجاسة كما هو الحال في تأثّر القذارات العرفية.

-------------------------

[262] قوله: [الجزء غير الملاقي] الملاك الملاقاة عرفاً لا عقلاً، ففوق موضع الملاقاة بإبرة ليس ملاقياً عقلاً لكنه ملاقٍ عرفاً، فتأمل.

[263] قوله: [دلالتها] إذ المكان من مصاديق ما تعاقب عليه الطاهر والنجس، فتأمل.

[264] قوله: [لقوته] هذا أشبه بالمصادرة وتكرار للمدّعى.

والأولى الاستدلال: بأن العناوين المأخوذة في الروايات لا تشمله، مثل: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الماء الذي تبول فيه الدواب، وتلغ فيه الكلاب، ويغتسل فيه الجنب»(2)، و«يدخل يده في الإناء»(3) فلو فرضنا أن ماءً ينزل من فوق الجبل بقوة، وبالت دابة في أسفله فلا يصدق على الأعلى منه «أنه

ص: 87


1- انظر: الكافي 3: 14.
2- الكافي 3: 2، ح2.
3- علل الشرائع 1: 282.

المسألة 89: اعتصام الماء الكرّ

مسألة 89: الماء الكرّ لا ينجس مطلقاً إلاّ إذا تغيّر(*).

(*) الظاهر[265] أنّه لم يرد دليل في الكرّ يدلّ على انفعاله بالتغيّر...

-------------------------

بالت فيه الدواب».

وبتقرير آخر: الدلالة منصرفة عن مثل ذلك، كما هو الحال في القذارات العرفية.

[265] قوله: [الظاهر] كأن المصنف يريد أنه لا دليل على النجاسة بالتغير.

أما رواية «النقيع»(1) فالنقيع أعم من الكر والقليل، فتكون النسبة بينه وروايات الكر عموماً من وجه.

إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء، سواء لم يتغير أم تغيّر.

والماء النقيع إن تغيّر فلا تتوضأ منه، سواء كان كراّ أم قليلاً.

فمورد الاجتماع الكر المتغيّر. فيتعارضان في الكر المتغير ويتساقطان، والمرجع أصالة الطهارة. وكذا الرواية الثانية(2).

وفيه: أن لسان أدلَّة التغير لسان الحكومة، مع أن الارتكاز المتشرعي يقتضي النجاسة بالتغير ولو كان مثل دجلة، بالإضافة إلى الإجماع وفهم الفقهاء وأدلَّة البئر(3).

ص: 88


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 138.
2- وهي: عن علي بن الحكم، عن شهاب بن عبد ربه، قال: «أتيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) أسأله، فابتدأني، فقال: إن شئت فسل يا شهاب، وإن شئت أخبرناك بما جئت له، قلت: أخبرني، قال: جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة، أتوضأ منه أو لا؟ قال: نعم، قال: توضأ من الجانب الآخر، إلا أن يغلب الماء الريح فينتن. وجئت تسأل عن الماء الراكد من الكر مما لم يكن فيه تغير أو ريح غالبة، قلت: فما التغير؟ قال: الصفرة، فتوضأ منه، وكلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر». وسائل الشيعة 1: 161، ح11.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 282.

لونه أو طعمه أو رائحته(*)[266].

وربما يستدلّ على المدّعى بالإجماع[267]، فإنّ الظاهر أنّ الحكم مسلّم بينهم، اللّهم إلاّ أن يقال: بأنّه محتمل[268] المدرك إن لم يكن مقطوعاً. وربّما يستدلّ عليه أيضاً بما دلّ على انفعال ماء البئر[269] بالتغيّر مع كونه عاصماً، فيفهم أنّ التغيّر يوجب الانفعال وإن كان الماء عاصماً في نفسه.

(*) أمّا الانفعال بالتغيّر باللون فيمكن أن يستدلّ عليه بما مرّ من

-------------------------

[266] قوله: [أو رائحته] هنا شبهة وهي: أن روايات التغير مطلقة، فتشمل التغير في سائر الأوصاف، كالحرارة والبرودة والرقة والغلظة و...

والجواب: أن مقتضى رواية ابن بزيع(1) الحصر، فلا ينجس الماء بأي تغير، وخرج التغير اللوني بالنصوص، هذا مضافاً إلى فهم الفقهاء والتسالم ظاهراً.

[267] قوله: [بالإجماع] وقد يترقى فيستدل بالتسالم، وقد قبله المصنف في غيرها، وظاهر المصنف أنه فوق الإجماع(2).

[268] قوله: [محتمل] سبق أن ذلك غير قادح.

[269] قوله: [البئر] مع إلغاء الخصوصية، بل قد تدعى الأولوية؛ لأن له مادة، ومع ذلك ينجس بالتغير، فكيف بالكر الذي لا مادة له؟

ص: 89


1- وهي: عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) ، فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه، فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه؛ لأن له مادة». تهذيب الأحكام1: 234، ح7.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 245.

من النجاسة(*)

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فإنّ الظاهر من التغيّر بالدم[270] هو التغيّر اللوني، ولا أقلّ من الإطلاق[271]، فإنّ مقتضى إطلاقه انفعال الماء لو تغيّر لونه من النجاسة...

(*) لو كان المراد[272] من العبارة أنّه لابدّ في الانفعال أن يتغيّر الماء ويتصّف بوصف النجس، وأمّا لو تغيّر من النجاسة وحدث فيه وصف ثالث لا ينفعل، فيرد[273] عليه: أنّه لا وجه لهذا التقييد...

-------------------------

[270] قوله: [بالدم] وكذا بالبول.

[271] قوله: [لإطلاق] فيه نظر، فإن الإطلاق يقيد بالحصر الموجود في رواية ابن بزيع(1)، لكن بقرينة ما نص فيه على التغير اللوني يحمل الحصر فيه على الإضافي.

[272] قوله: [لو كان المراد] هذا الاحتمال بعيد جداً، بل مراده قبال التغير بالمتنجس، كالتغير برائحة العطر المتنجس مثلاً، كما سيأتي في المتن(2) .

[273] قوله: [فيرد] مضافاً إلى أنه يلزم أن لا يتنجس شيء بالدم مثلاً؛ إذ لونه أحمر مع أن اللون الذي ينشره في الماء هو الأصفر، فتأمل.

ص: 90


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 172.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 283، عند قوله: «إنما يكون فيما لو تغيّر برائحة كريهة، وطعم خبيث، وكراهة الريح والطعم تختص بما لو تغيّر بالنجاسة؛ لأنّ المتنجس ربّما يكون طيب الرائحة كالعطور، أو طيب الطعم كالسكر والدبس وأمثالهما».

ولو بواسطة المتنجس(*)لا من المتنجّس(**).

(*) والوجه فيه إطلاق بعض الروايات فإنّ قوله (عليه السلام) في حديث ابن بزيع: »ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه«(1). يقتضي[274] انفعال ما يتغيّر بالمتنجّس...

(**) الظاهر أنّه لا وجه[275] له فإنّ مقتضى إطلاق الحديث انفعال الماء بالتغيّر الحاصل من المتنجّس ولو بوصفه...

ويرد على هذا البيان: أوّلاً: أنّه يلزم التفصيل[276] بين المتنجّسات فيلتزم بالانفعال فيما يكون المتنجّس كريه الرائحة أو خبيث الطعم.

وثانياً: أنّه كيف يمكن الجمع بين هذا الكلام وبين الالتزام بأنّ

-------------------------

[274] قوله: [يقتضي] مراده أن لفظ (شيء) في الرواية(2) ليس المراد منه مطلق الشيء، بل الشيء الذي يقتضي فساد ما يلاقيه لولا المانع - كالكرية مثلاً - والماء المتنجس يقتضي فساد ما يلاقيه؛ إذ لو أُلقي في القليل غيره فهو لا يفسد البئر إلاّ أن يغيرها.

[275] قوله: [لا وجه] الوجه هو: الانصراف عن مثل العطر، وكذلك فهم الفقهاء.

[276] قوله: [التفصيل] لا مانع منه لو ساعده الدليل، والإجماع المركب لو تمثل في عدم القول بالفصل ليس بحجة.

ص: 91


1- تهذيب الأحكام 1: 234.
2- أي: رواية ابن بزيع المتقدمة.

المسألة 90: عدم وجوب الاستبراء

مسألة 90: لا يجب الاستبراء بعد البول أو المني، بل ينبغي ذلك(*)[277].

لكنّه مع عدم الاستبراء لو خرجت رطوبة مشتبهة[278] بالبول فهي محكومة بالبولية(**)... كما أنّه لا فرق في الحكمين بين من تخرج

النجاسة لو غيّرت الماء بوصف ثالث ينفعل كما مرّ منّا آنفاً، إلاّ أن يقال[279]: إنّ نفس النجس لو غيّر الماء يلتزم بالانفعال لإطلاق الروايات الأخرى...

(*)... ويمكن أن يكون ما أفاده في المقام إشارة إلى ما مرّ في آداب التخلّي من ذكره في عدادها، ونقلنا القول بالوجوب عن بعض، وحيث إنّه ذهب إلى وجوبه ينبغي أن لا يترك بأن يأتي به رجاءً[280]...

(**) لجملة من الروايات منها: ما رواه عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في الرجل يبول ثمّ يستنجي ثمّ يجد بعد ذلك بللاً، قال: إذا

-------------------------

[277] قوله: [ذلك] بل هو مستحب.

[278] قوله: [مشتبهة] للاشتباه صورتان:

الأولى: أن لا يعلم أنه بول أو من الحبائل أو مذي.

الثانية: أن يعلم أنه مذي - مثلاً - ولكن لا يعلم أن البول مخلوط به أو لا.

[279] قوله: [إلاّ أن يقال] أي أن التغير لو استند إلى نفس النجاسة - ولو بوصف آخر - نجس، بخلاف ما لو استند إلى وصف المتنجس.

[280] قوله: [رجاءً] بل بنية الاستحباب لا مانع منه للتسامح.

ص: 92

منه تلك الرطوبة وغيره، وبين الملتفت إلى خروجها وغير الملتفت لجنون أو نوم أو نحو ذلك(*).

المسألة 91: لو لم يستبرئ وقطع بعدم بقاء البول

مسألة 91: لو لم يستبرئ لكنّه قطع بعدم بقاء شيء من البول في المجرى، فقد يقال بسقوط الاستبراء وطهارة الرطوبة المشتبهة منه

بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ثمّ استنجى، فإن سال حتّى يبلغ السوق[281] فلا يبالي«(1) فإنّه بمفهومه[282] يدلّ على أنّه يلزم الموالاة(2) لو خرج البلل قبل الخلط(3)...

(*) لإطلاق[283] الأدلّة، وحيث إنّه حكم وضعي لا يفرق [284] فيه بين المختار وغيره وهذا ظاهر.

-------------------------

[281] قوله: [السوق] يحتمل أنه جمع ساق، أو المراد به سوق البيع والشراء، ولعل الأول أقرب.

[282] قوله: [بمفهومه] الشرطي.

[283] قوله: [لإطلاق] بحسب الفهم العرفي، فلا يفرق بين الحالات المذكورة.

[284] قوله: [لا يفرق] يمكن القول: إن الاضطرار يرفع تمام الآثار، حتى الوضعية منها، إلاّ ما خرج بإجماع أو ضرورة، فتأمل.

ص: 93


1- الاستبصار 1: 94.
2- هكذا في المصدر، والصحيح «المبالاة».
3- هكذا في المصدر، والصحيح «الخرط».

لكنّه محلّ إشكال(*).

المسألة 92: حكم الاستبراء مع قطع الذكر أو الحشفة

مسألة 92: لا يسقط الاستبراء وحكمه مع قطع الذكر أو الحشفة، بل يأتي بما يمكن من الاستبراء ويعصر موضع القطع بدل الحشفة، ويترتّب عليه الحكم(**).

(*) منشأ هذا القول: إنّ المستفاد[285] من الأدلّة الواردة في المقام أنّ الميزان نقاء المحلّ من البول، فلو نقى بغير السبب المنصوص يحكم بطهارة البلل الخارج المشتبه، ولكنّه يشكل[286] القطع بذلك، ولا يمكن رفع اليد[287] عمّا دلّ على نجاسة الخارج قبل الاستبراء.

(**) للقطع[288] بعدم الفرق بين الصحيح وبين من قطع ذكره

-------------------------

[285] قوله: [إنّ المستفاد] فالاستبراء طريقي لا موضوعي.

[286] قوله: [يشكل] إذ الأصل الموضوعية، لكن الإنصاف: أنه قريب جداً عرفاً، خاصة مع رواية «فليس من البول ولكنه من الحبائل»(1) لكن مع لحاظ أن ملاكات الشارع مجهولة لدينا يشكل القطع بذلك، فتأمل.

[287] قوله: [رفع اليد] وذلك للإطلاق.

[288] قوله: [للقطع] عرفاً، ولا ينافي هذا ما سبق في الهامش السابق(2) من الموضوعية؛ إذ ليس الملاك نقاء المحل، بل أي ملاك فرض فهو يتحقق في السليم والمقطوع على حد سواء، فتأمل.

ص: 94


1- وسائل الشيعة 1: 320.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 286.

المسألة 93: حكم المباشرة في الاستبراء

مسألة 93: لا يعتبر في الاستبراء المباشرة فيحصل بمباشرة الزوجة والأمّة(*).

أو حشفته فيأتي بما يمكن. نعم، لو لم يقطع بذلك واحتمل الفرق يشكل الحكم بالطهارة، إلاّ أن يقال[289] إنّ القاعدة الأوّلية تقتضي طهارة البلل الخارج المشتبه...

(*) يفهم[290] من الأدلّة أنّ هذا العمل يلزم إجراؤه بأيّ نحو كان، ولا خصوصيّة للشخص في تحقّقه.

-------------------------

ويؤيده، بل يدل عليه فهم الفقهاء(1).

[289] قوله: [إلاّ أن يقال] فيه نظر، فإن الروايات بينت الحكم الوضعي، وعجز هذا عن ذلك لا يرفع الحكم الوضعي، كما هو مبناهم في الفقه في أبواب مختلفة، فهو كمثل مَنْ قدر على بعض الخرطات دون بعض، فإن أدلَّة «افعل» شاملة له، إلاّ أن السبب لم يتحقق فيحكم بنجاسة الخارج منه.

والخلاصة: أننا نختار أن أدلَّة الاستبراء شاملة له، إلاّ أنه عاجز عن تحقيق السبب، فيبقى الحكم الوضعي، راجع بحث أن العجز والقدرة ليسا قيدين في التكاليف مطلقاً، أو خصوص الوضعية منها(2).

وعليه، فالعمدة القطع العرفي بعدم الفرق وتحقق الملاك، بضميمة فهم الفقهاء.

[290] قوله: [يفهم] عرفاً.

ص: 95


1- انظر: نهاية الأحكام 1: 96، الحدائق الناضرة 3: 13، العروة الوثقى 1: 499.
2- انظر: هداية المسترشدين 2: 108، نهاية الدراية 1: 183.

المسألة 94: الشكّ في الاستبراء

مسألة 94: مع الشكّ في الاستبراء يحكم بعدمه[291] فلو خرجت رطوبة حينئذ ولو بعد الوضوء أو في حال الصلاة يحكم بنجاستها وناقضيتها، فيلزم قطع الصلاة[292] وإعادة الوضوء(*).

المسألة 95: كيفيّة الاستبراء

مسألة 95: الأولى[293] في كيفيّة الاستبراء أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثاً، ثمّ يضع إبهامه على العانة واصبعه الوسطى تحت الذكر ويمسح بقوّة[294]

(*) للأصل[295] فيترتّب عليه آثار عدم الاستبراء وهو ظاهر.

-------------------------

[291] قوله: [بعدمه] إلاّ مع تجاوز محلّه المعتاد، فإنه يحكم بتحققه.

[292] قوله: [قطع الصلاة] بل تنقطع بنفسها.

[293] قوله: [الأولى] باعتبار بعض الكيفيات، مثل وضع الإبهام على العانة والإصبع الوسطى تحت الذكر، وإلاّ فأصل المسحات التسع لازم على المعروف.

[294] قوله: [للأصل] ولا فرق بين العلم الوجداني بعدم الاستبراء والعلم التعبدي ولو بأدنى مراتبه، راجع مبحث قيام الأُصول مقام القطع الطريقي(1).

لكن قاعدة التجاوز - بناءً على شمولها للمحل المعتاد - حاكمة على الأصل أو واردة عليه.

[295] قوله: [بقوة] ذكر الوالد (رحمه اللّه) (2) أن المقدار اللازم في العصر والنتر هو ما يفعله الإنسان حين يريد إفراغ البلاستيك - مثلاً - من شيء فيه،

ص: 96


1- انظر: نهاية الأفكار 3: 18، فوائد الأصول 3: 21.
2- انظر: الفقه 7: 264.

إلى رأس القضيب ثلاثاً، ثمّ يعصر الحشفة كالحالب ثلاثاً(*).

(*) الروايات[296] الواردة في كيفيّة الاستبراء ثلاثة:...

-------------------------

كالحليب مثلاً.

[296] قوله: [الروايات] في المقام ثلاث:

الأولى: رواية عبد الملك: وقد ورد فيها خرط ما بين المقعدة والانثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما(1).

وما استظهره المصنف من المعنى فيه نظر؛ إذ الظاهر أن «ما بينهما» أي الذكر، أي ما بين الانثيين، ويؤيده: أن الضمير يعود للأقرب، وهو «الانثيان» كما يؤيده فهم الفقهاء، وكذا أنه ليس هنالك «خرط وغمز» بل خرط فقط، إلاّ أن يقال: المراد هو: المسح مع الغمز، أي مسح غمزي. وضعف السند مجبور بعمل المشهور (على المبنى).

الثانية: رواية حفص بن البختري: «في الرجل يبول... قال: ينتره ثلاثاً»(2).

وما استظهره المصنف من رجوع الضمير إلى الذكر فيه نظر، بل الظاهر عود الضمير إلى البول، أي يجذب البول بقوة، ولذلك نظائر في اللغة مثل قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ}(3) أي: العدل المدلول عليه بكلمة «اعدلوا»(4) فالضمير يعود للبول المستفاد من «يبول».

ص: 97


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 282.
2- تهذيب الأحكام 1: 27.
3- المائدة: آية 8 .
4- انظر: تفسير جوامع الجامع 1: 481، مجمع البيان 3: 290.

-------------------------

وعليه، تكون الرواية مجملة ومفسرة بسائر الروايات.

الثالثة: رواية محمد بن مسلم: «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه»(1).

وفي الجمع احتمالات:

الأول:أن يقال: إن الرواية الثانية مجملة وحينئذ تبقى الرواية الأولى والثالثة، فيقال: إن الخرط مستحب والعصر لأصل الذكر واجب، وكونها على مرحلتين مستحبة، بل يحق له أن يخرط الذكر كله مرّة واحدة.

الثاني: أن يقال: بالتخيير بين الأولى والثالثة فإما يخرط ثم يغمز، أو يعصر وينتر.

الثالث: أن نقيد الرواية الثانية بالثالثة، فينتر ذكره ثم ينتر طرفه - بناءً على تفسير المصنف لضمير ينتره - فيتخير بين ذلك وبين الرواية الأولى، وهو أن يعصر المقعدة إلى الأُنثيين - بناءً على تفسير المصنف - وهذا مبني على القاعدة الكلية من أنه إذا ورد سببان اُكتفي بأحدهما في حصول المسبب.

لكنه - مع الإشكالات التفسيرية - بعيد اعتباراً؛ إذ لو خرط من المقعدة إلى الأُنثيين انجذب البول إلى الأعلى فصار أقرب للخروج والتنجيس، وهو نقض للغرض(2).

الرابع: أن نقول: بلزوم الجمع بين الثلاث: وهي الرواية الأولى والثانية والثالثة على الترتيب.

ص: 98


1- الكافي 3: 19.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 288.

ومقتضى ما قالوا[297] في محلّه من أنّه إذا ورد سببان لشيء يُكتفى بأحدهما في حصول المسبّب، كالاكتفاء في القصر بأحد الأمرين من خفاء الأذان وخفاء الجدران، أن يكتفي بأحد الأمرين في المقام من المسح من المقعدة إلى الأنثيين، ومن عصر الذكر من أصله إلى طرفه ونتر طرفه.

ولكن في المقام ألزموا[298] الجمع بين الأمور المذكورة. وأمّا بناء على مسلكنا من أنّ القاعدة تقتضي الجمع فالأمر ظاهر، فإنّ الأمر دائر[299] بين رفع اليد عن ظهور كلّ شرطية في الانحصار ويكتفي ومن ناحية

-------------------------

الخامس: أن نطرح حديث عبد الملك فيلزم نتر الذكر ثم نتر الطرف فقط.

وعلى كل فالأمر يتوقف على: 1- كيف نفسر الروايات فقهياً؟ 2- هل رواية عبد الملك معتبرة أو لا (روائياً ودرائياً وأُصولياً)؟ 3- كيف يجمع بين الشرطيتين أُصولياً؟

[297] قوله: [قالوا] سوف يختاره المصنف(1) وهو المختار، والظهور العرفي يساعده، مثل ما لو قال: «إن ظاهرت فكفّر، وإن حنثت فكفّر»، أو قال: «إن جاءك زيد فأكرمه، وإن أهداك هدية فاكرمه».

[298] قوله: [ألزموا] لعله بعد التخيير كما سبق في أوائل هذه الصفحة(2).

[299] قوله: [دائر] للجملة الشرطية ظهوران:

الأول: الظهور في الانحصار، وأنه لا علة غيرها، وهذا هو الإطلاق الأوي.

ص: 99


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 289.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 288، عند قوله: «.

المسألة 96: لا استبراء على النساء

مسألة 96: لا استبراء على النساء(*). نعم، ينبغي[300] لهنّ الصبر بعد البول في الجملة[301] والتنحنح وعصر الفرج عرضاً، والبلل

أُخرى قد ذكرنا في محلّه بأنّ مقتضى الصناعة تخصيص[302] كلّ واحد من المفهومين بمنطوق الآخر، والنتيجة الاكتفاء بأحد الأمرين.

(*) لعدم دليل[303] عليه.

-------------------------

الثاني: الظهور في الاستقلال، وأنها علة تامة لا جزء علة، وهذا هو الإطلاق الواوي. فلو وردت جملتان شرطيتان تعارض الظهوران، فإما أن نرفع اليد عن الأول، فنقول: كل منهما علة تامة، أو نرفع اليد عن الثاني، فنقول: كل منها جزء علة فيلزم اجتماعهما، وحيث لا مرجح لأحدهما يصبح الكلام مجملاً، فلا نقطع بوجوب القصر إلاّ بخفاء الأذان والجدران معاً.

[300] قوله: [ينبغي] بل يستحب بناءً على إثبات التسامح: الحجية، وشموله لفتوى الفقيه.

[301] قوله: [في الجملة] لعل المراد بمقدار تنقطع دريرة البول وذراته.

[302] قوله: [تخصيص] فلو قال: إذا خفي الأذان فقصر، فمفهومه: إذا لم يخف الأذان فلا تقصر، فنقيده ب- : «إلاّ إذا خفيت الجدران».

وكذا «إذا خفيت الجدران فقصر» فمهومه: «إذا لم تخفَ الجدران فلا تقصر»، فنقيده ب- «إلاّ إذا خفي الأذان».

وهذا هو الظاهر عرفاً، إذ الظاهر أنَّ كلاً منهما علة تامة للحكم كما سبق مثاله.

[303] قوله: [لعدم الدليل] الروايات في المقام ثلاث:

ص: 100

المشتبه الخارج منهنّ طاهر مطلقاً ولو مع ترك الأمور المذكورة(*).

بأحد الأمرين، وبين أن ترفع اليد عن استقلال كلّ من السببين ويلتزم باجتماع كلا الأمرين...

(*) ... إن قلت؛ كيف يؤخذ بقاعدة الطهارة والحال أنّ الرطوبة التي تخرج تلاقي البول في المجرى فيحكم عليها بالنجاسة.

قلت: أوّلا[304]: لا كلّية لهذه القضية...

وثانياً: أنّه يستفاد[305] من أدلّة الاستبراء أنّ الرطوبة الخارجة لا تنفعل بالملاقاة مع البول في الداخل، ولولا ذلك لم يكن فرق بين الاستبراء وعدمه.

-------------------------

الأولى والثانية: في الرجل يبول(1).

الثالثة: رجل بال، قال: يعصر أصل ذكره(2).

والسيد العم (حفظه اللّه)(3) يرى أن الرجل يشمل المرأة ظاهراً، أو نقول بالاشتراك في التكاليف كما في سائر موارد «رجل..» لكن هنا - ولو بقرينة فهم الفقهاء والسيرة ولو كان لبان - لا يشمل المرأة.

[304] قوله: [أولاً] وأما نفس المجرى فلا ينجس بالملاقاة؛ لأنه ملاقاة باطني لباطني، بل يحتمل أن البول ليس نجساً في الباطن، فيكون هذا جواباً ثالثاً.

[305] قوله: [يستفاد] فيه نظر، لاحتمال أن ذلك في خصوص المستبرئ.

ص: 101


1- انظر: من لا يحضره الفقيه 1: 65، ح 148.
2- انظر: الكافي 3: 19، ح 1.
3- الظاهر أنه قاله في مجلس درسه، ولآية اللّه العظمى السيد صادق الشيرازي(حفظه اللّه) كتب في طور الطباعة.

ص: 102

فصل: في أحكام الوضوء

اشارة

ص: 103

ص: 104

فصل: في أحكام الوضوء

في ما يجب له الوضوع الأول: الصلاة الواجبة

في ما يجب له الوضوء وهو أربعة أمور: الأوّل: الصلاة الواجبة(*)،

(*) إجماعاً، بل ضرورة كما قيل[1]، ويدلّ عليه قوله تعالى[2]: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(1)، وجملة من الروايات[3] منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »لا صلاة إلاّ بطهور[4]«(2).

-------------------------

[1] قوله: [كما قيل] ولعله كذلك، لوضوحه في أذهان عامة المسلمين، ولو فرض أنه ليس من الضروريات الدينية فهو من الضروريات الفقهية.

[2] قوله: [قوله تعالى] لكن فسرت في الرواية بالقيام من النوم(3)، إلاّ أن يقال: إنه من باب المصداق، ولعدم القول بالفصل، فتأمل.

[3] قوله: [الروايات] بل لعل المتتبع في مختلف الأحكام المرتبطة بالطهارة يجد عشرات الروايات في ذلك.

[4] قوله: [بطهور] لو قيل:إن معناه الطهارة الحدثية أو أنه أعمّ.

ص: 105


1- المائدة: 6.
2- الاستبصار 1: 55.
3- انظر: الاستبصار 1: 80 ، ح 9، مستند الشيعة 2: 215، جواهر الكلام 3: 327.

وفي حكمها الأجزاء المنسيّة(*).

بل وسجود السهو على الأحوط(**)[5] والصلوات الاحتياطية[6].

(*) الظاهر أنّ الحكم إجماعي[7]، ويمكن أنّ يستدلّ عليه بما دلّ على شرطية الطهارة في الصلاة، حيث إنّ الصلاة عبارة عن الأجزاء، فالمشروط بالطهارة نفس الأجزاء... والإنصاف أنّه يمكن النقاش[8] في الاستدلال، بأنّ الصلاة لا تصدق على الجزء[9] فلا دليل على الشرطية...

(**) ... واستدلّ عليه تارة بأنّهما جابرتان للصلاة التي مشروطة بطهارة، وأخرى بأنّ دليل وجوبهما منصرف إلى المشروط بالطهارة، وثالثاً بأنّه موافق للاحتياط، وظاهر أنّ شيئاً من هذه الوجوة لا يرجع إلى محصل صحيح، أمّا كونهما جابرتين فلا يلازم اشتراطهما

-------------------------

[5] قوله: [على الأحوط] استحباباً.

[6] قوله: [الاحتياطية] على الأقوى.

[7] قوله: [إجماعي] وكفى به دليلاً، إلاّ أن المصنف - عادة - يناقش في الإجماعات.

[8] قوله: [النقاش] الأولى النقاش: بأن الأدلَّة منصرفة عن الجزء الخارج، بل هي تشمل الأجزاء الداخلية فقط، إلاّ أن يمنع الانصراف، فتأمل.

[9] قوله: [الجزء] وفيه: أنه لو تمَّ لَمْ تجب الطهارة في التكبير؛ لأنه لا يصدق عليه الصلاة، وهكذا كل جزء جزء.

ص: 106

الثاني: الطواف

الثاني: الطواف الواجب(*)، بل الوضوء شرط في صحّة هذين الأمرين أيضاً(**)،

بما يشترط به المنجبر[10]، وأمّا الانصراف فلا وجه له، وأمّا الاحتياط فحسن لكنّه غير لازم مع وجود المعذر[11].

(*) ادّعي عليه الإجماع، ويدلّ عليه ما رواه معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا بأس أن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف، فإنّ فيه صلاة[12] والوضوء أفضل«(1).

(**) كما استفيد[13] من لسان أدلّتهما.

-------------------------

[10] قوله: [المنجبر] إذ ليس لنا قاعدة مفادها: كل جابر في حكم المنجبر.

[11] قوله: [المعذر] وهو البراءة.

[12] قوله: [فإن فيه صلاة] في الحديث غموض؛ إذ يحتمل أنه شرع الوضوء لأجل الصلاة لا لذاته، فيمكن أن يطوف ثم يتوضأ ثم يصلي.

إلاّ أن يقال: إنه حكمة لا علة، فتأمل. فالأولى الاستدلال بغيرها من الروايات.

[13] قوله: [كما استفيد] مثل: «لا صلاة إلاّ بطهور»(2)، بل يمكن أن يقال: إن الأوامر في المركبات ظاهرة في الوضع، وراجع سائر الأدلَّة التي تتناول أحكام من لم يتوضأ وصلى أو أحدث في أثناء الصلاة(3).

ص: 107


1- تهذيب الأحكام 5: 154.
2- وسائل الشيعة 1: 365.
3- انظر: دعائم الإسلام 1: 190، مستدرك الوسائل 5: 405 و 406.

وفي صحّة الصلوات المستحبّة(*).

الثالث: مسّ كتابة القرآن

الثالث: مسّ كتابة القرآن(**).

(*) لإطلاق[14] ما دلّ على شرطية الطهارة في الصلاة، مضافاً إلى أنّه لا خلاف على الظاهر بينهم(1).

(**) وجوب الوضوء لمسّ كتابة القرآن فيما يجب[15] مسّها يتوقّف[16] على حرمة مسّ المحدث لها، فلا بدّ من تنقيح ذلك أوّلاً، فنقول: ما يمكن أن يستدلّ على حرمة المسّ في حال الحدث أمور، منها: قوله تعالى: {إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلا الْمُطَهّرُونَ}(2) بناء على كون المراد من لفظ »لا« النهي، ومن المطهّرين المطهّرين من الحدث، ولكن حيث إنّه يحتمل[17] أن يكون المراد من لفظ »لا« النفي، ومن المطهّرين الطهارة من الشرك أو غيره من رذائل النفس، لا يمكن الاستشهاد بها على المدّعى كما هو ظاهر.

ويؤيّد هذا المعنى ما رواه في الاحتجاج: »من أنّه لمّا استخلف

-------------------------

[14] قوله: [لإطلاق] مثل: «لا صلاة إلاّ بطهور».

[15] قوله: [فيما يجب] وإلاّ لم يجب الوضوء لعدم وجوب المس، أي: لا وجوب مقدمي للوضوء لعدم وجوب ذي المقدمة.

[16] قوله: [يتوقف] بل لا يتوقف؛ لأن بعض الأدلَّة في خصوص الوضوء.

[17] قوله: [يحتمل] فالمراد لا ينال معانيه العالية أو بركاته إلاّ الطاهرون

ص: 108


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 298.
2- الواقعة: 77 - 79.

عمر سأل علياً (عليه السلام) أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه[18] فيما بينهم فقال:... لا يمسّه[19] إلاّ المطهّرون والأوصياء من ولدي«(1)...

ومنها: ما رواه أبو بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عمّن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء، قال: لا بأس ولا يمسّ الكتاب«(2). وهذه الرواية لا يعتمد عليها لأنّ في سندها أبا بصير، وهو مشترك بين الصحيح والضعيف، ولكن الإشكال في غير محلّه؛ إذ أبو بصير منصرف إلى الثقة[20].

ومنها: مرسلة حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »كان إسماعيل بن أبي عبد اللّه عنده، فقال: يا بني اقرأ المصحف[21] فقال: إنّي لست على وضوء، فقال: لا تمسّ الكتابة ومسّ الورق فاقرأه«(3)...

-------------------------

عن الرذائل(4)، لكن هذا المعنى خلاف ظاهر كلمة «المس» عرفاً، فإنه مرادف ل- «اللمس» فتأمل.

[18] قوله: [فيحرفوه] أي: كانت هذه غايتهم.

[19] قوله: [لا يمسه] أي: لا يصل إليه، لا أنه لا يلمس كتابته، فتأمل.

[20] قوله: [الثقة] وهما شخصان، لكن المنصرف إليه أحدهما.

[21] قوله: [المصحف] إن قيل: إنه ظاهر في الكتابة ثبت المطلوب،

ص: 109


1- الاحتجاج 1: 228.
2- الكافي 3: 51.
3- تهذيب الأحكام 1: 127.
4- انظر: التبيان في تفسير القرآن9: 510.

واسم الجلالة(*)[22] وصفاته وأسمائه

ومنها: ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) : »أنّه سأله عن الرجل أيحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال: لا«(1). وهذه الرواية تدلّ على عدم كتابة القرآن على غير وضوء، والمدّعى[23] ليس ذلك...

فانقدح ممّا ذكر أنّه لا دليل على الحرمة، ولكن مع ذلك لا يمكن الجزم بالجواز، ولا يرضى الفقيه أن يفتي به، فلا بدّ من الاحتياط، ولا يخفى أنّ حديث أبي بصير يكفي لكونه مستنداً للحكم لتمامية سنده[24].

(*) استدلّ عليه بفحوى ما دلّ على حرمة مسّ القرآن. ويشكل بأنّ الملاك[25] غير معلوم فلا مجال لهذه الدعوى.

-------------------------

وإن قيل: إنه أعم ثبت أيضاً.

[22]قوله:[واسم الجلالة]على الأحوط، وكذا في الصفات والأسماء الخاصة.

[23] قوله: [والمدعى] إلاّ أن يتمسك بالأولوية، لكن الحرمة غير ثابتة في موردها فكيف يتعدى عنها؟

[24] قوله: [سنده] وكذا الروايات الضعيفة لو قيل إنها مجبورة بالشهرة، وكذا الآية الكريمة(2) بناءً على الظهور في اللمس المادي.

[25] قوله: [الملاك] الظاهر أنه لو ثبت حكم لكلمات اللّه فالأولى أن

ص: 110


1- وسائل الشيعة 1: 270.
2- وهي قوله تعالى: {لا يَمَسّهُ إِلّا الْمُطَهّرُونَ}.

الخاصّة إذا وجب[26] مسّها للإخراج من يد كافر[27] أو من مزبلة، أو لنذر وشبهه(*). والأحوط[28] إلحاق أسماء الأنبياء وسيّدة النساء والأئمة (عليهم السلام) ...

(*) إذا انطبق على المسّ عنوان راجح[29] أو قلنا بأنّ متعلّق النذر[30] لا يلزم أن يكون راجحاً في حدّ نفسه.

-------------------------

يثبت لأسمائه تعالى، وهذه الأولوية عرفية، فتأمل.

[26] قوله: [إذا وجب] ذكر هذا القيد حتى يثبت الوجوب المقدمي للوضوء.

[27] قوله: [كافر] لو قيل بوجوبه، أو كان وجوده هتكاً.

[28] قوله: [والأحوط] الذي لا ينبغي تركه، وكذا فيما بعده(1)، وأما الملاك فهو غير معلوم. وهنالك بحث وهو هل أن المعصومين (عليهم السلام) أفضل أم القرآن؟ ولو قيل بأفضليتهم (عليهم السلام) فهو لا يلازم أفضلية أسمائهم، فتأمل.

[29] قوله: [راجح] هل أن مس الكتابة راجح في نفسه أو لا؟ لا بد من مراجعة روايات استحباب ذلك؟

وأما العنوان الراجح فهو كلمس الأعمى ليقرأ، فتأمل.

[30] قوله: [النذر] الظاهر أنه اشتباه والصحيح «اليمين» أما متعلق النذر فلا بد أن يكون راجحاً في نفسه.

ص: 111


1- وهو قوله: «بل الأحوط إلحاق أسماء الملائكة أيضاً». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 297.

الرابع: النذر وشبهه

الرابع: النذر والعهد واليمين(*)[31] لكن لا يجعل هذين الأمرين - أعني الثالث والرابع - غاية[32] للوضوء في النيّة(**)[33].

(*) ... وأمّا لو قلنا: بأنّه غير مطلوب نفساً فلا بدّ من أن يتعلّق النذر أو شبهه بما يكون مشروطاً به[34] كي يجب بالنذر.

-------------------------

[31] قوله: [واليمين] وشبهها كالشرط في ضمن العقد اللازم.

[32] قوله: [غاية] لعل مراده (رحمه اللّه) أما الرابع: فالغاية هي المحرك الذي يبعث على العمل لتحقيقه، والنذر والعهد وغيرهما سابقة على الوضوء، فلا تكون غاية للوضوء.

نعم، الغاية هي الوفاء بالنذر، وهذا بخلاف الوضوء للصلاة، فإنّ الغاية من الوضوء الإتيان بالصلاة التي أمر بها المولى سبحانه.

وأما الثالث: فالغاية مشروعية المس لا نفس المس؛ إذ نفس المس لا يتوقف على الوضوء.

وفيه نظر، إذ الغاية هي المس المشروع، كالطواف المشروع، وإلا فنفس الطواف تكويناً لا يتوقف على الوضوء.

[33] قوله: [في النية] لا مانع من جعل الثالث(1) غاية، كما لا مانع من جعل الغاية في الرابع(2) الوفاء بالنذر وأخويه.

[34] قوله: [مشروطاً به] إذ ليس المنذور الحركات الخاصة، بل عبادة

ص: 112


1- أي: قوله: «الثالث: مس كتابة القرآن». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 295.
2- أي: قوله: الرابع: النذر والعهد واليمين». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 298.

(**) الذي يختلج[35] بالبال في هذه العجالة أن يقال: إنّ العبادية تتحقّق بالإضافة إلى المولى، إنّما الإشكال في تحقّق النذر كما تقدّم منّا آنفاً، فإنّ الوضوء لو كان راجحاً في نفسه يتحقّق النذر المتعلّق به، وفي الفرض يكفي لتحقّق القربية أن ينوي المكلّف الأمر النذري[36] غاية...

-------------------------

من العبادات، وحيث إنه ليس واجباً ولا مستحباً نفسياً فليس عبادة، فعباديته تتوقف على قصد غاية مرجحة له، فينذر الوضوء للصلاة، أو الوضوء للكون على الطهارة، وهكذا.

[35] قوله: [يختلج] مضى ما يحتمل كونه وجهاً له.

[36] قوله: [الأمر النذري] فيتوضأ امتثالاً للأمر النذري لقوله: «فِ لله بقولك»(1).

ص: 113


1- الاستبصار 4: 46.

فصل: في موجبات الوضوء ومبطلاته

الأوّل: البول

فصل: في موجبات الوضوء ومبطلاته، وهي أمور: الأوّل: البول(*).

(*) الظاهر أنّ الحكم من المسلّمات[37]... وتدلّ عليه جملة من النصوص منها: ما رواه زرارة قال: «قلت لأبي جعفر وأبي عبد اللّه: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر والدبر، من الغائط والبول أو مني أو ريح والنوم حتّى يذهب العقل، وكلّ النوم يكره[38] إلاّ أن تكون تسمع الصوت»(1).

ومنها: ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: »إنّما وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفين خاصّة، ومن النوم دون سائر

-------------------------

[37] قوله: [المسلّمات] بل قد تدعى الضرورة الدينية أو الفقهية على ذلك.

[38] قوله: [يكره] لعل المراد أنه مبغوض باعتباره ناقضاً، أو المبغوضية الوضعية، إلاّ لو سمع الصوت فإنه لا ينقض.

ص: 114


1- الكافي 3: 36.

الثاني والثالث: الغائط والريح

الثاني: الغائط(*). الثالث: الريح سواء كان له صوت أم لا.

ولا بأس بما يخرج من قبل المرأة(**).

الأشياء[39] لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة«(1)...

(*) الظاهر أنّه إجماعي أيضاً، بل قيل: لا خلاف فيه بين المسلمين، ويدلّ عليه ما رواه زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا يوجب الوضوء إلاّ من غائط أو بول أو ضرطة تسمع[40] صوتها أو فسوة تجد ريحها«(2).

(**) لعدم صدق[41] الضرطة والفسوة على ما يخرج من قبلها، ولا دليل على ناقضية غيرهما، فإنّ الحصر[42] المستفاد من جملة من الروايات المتقدّم بعضها يقتضي عدم ناقضية غيرهما.

-------------------------

[39] قوله: [الأشياء] الظاهر - جمعاً - أن الحصر إضافي مقابل ما تقوله العامة.

[40] قوله: [تسمع] لعله مقابل الشكوك أو نفخ الشيطان، فالقيد قيد محقق للموضوع، لا أنه احترازي - بمعنى أن يكون الطبيعي قسمين - بل الطبيعي فيما نحن فيه قسم واحد، والقرينة فهم الفقهاء والإجماع.

[41] قوله: [لعدم صدق] لا أقل من الشك، وهو كافٍ في استصحاب الطهارة.

[42] قوله: [فإن الحصر] بل لو لم يكن حصر لثبت المدعى؛ إذ استصحاب الطهارة جارٍ، وأما استصحاب عدم الناقضية فهو مثبت، فتأمل.

ص: 115


1- وسائل الشيعة 1: 251.
2- تهذيب الأحكام 1: 10.

الرابع: النوم

الرابع: النوم الغالب على السمع والبصر(*).

(*) لو قلنا بأنّ النوم غير الغالب عليهما لا يصدق عليه النوم فالقيد توضيحي[43] ولو قلنا بأنّه يصدق على غير الغالب عليهما فالقيد احترازي، فإنّ المستفاد من نصوص الباب أنّ النوم ينقض إذا غلب عليهما[44]، ففي المروي[45] عن الرضا (عليه السلام) : »عن الرجل ينام على دابته فقال: إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء«(1).

ولا يعارض ما يدلّ على ناقضية النوم... فإنّه ربّما يقال: بأنّ المستفاد من هذه الرواية أنّ النوم بما هو نوم لا يكون ناقضاً[46] فيقع التعارض بينهما...

-------------------------

[43] قوله: [توضيحي] هذا هو الظاهر، فمن نام وعينه تنظر أو أُذنه تسمع لا يقال إنه نام عرفاً، فهاتان علامتان على تحقق حقيقة النوم.

[44] قوله: [عليهما] وفي بعض النصوص «إذا ذهب النوم بالعقل»(2) ولا يبعد التلازم.

[45] قوله: [المروي] وهنالك روايات صريحة في المدعى، فراجع(3).

[46] قوله: [ناقضاً] في الرواية احتمالان:

ص: 116


1- الاستبصار 1: 79.
2- تهذيب الأحكام 1: 6، الاستبصار 1: 79.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 252 - 254، مثل: عن زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك، أو النوم». وعن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد اللّه بن المغيرة ومحمد بن عبد اللّه، قالا: «سألنا الرضا (عليه السلام) عن الرجل ينام على دابته؟ فقال: إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء».

وبعبارة أخرى: مع ظهور تلك الروايات، بل التصريح في بعضها بناقضية النوم، وجعله ناقضاً في قبال ما خرج من الطرفين، كما في رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: »لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك أو النوم«(1). لا يبقى مجال للعمل بإشعار[47]

-------------------------

الأول: الموضوعية. الثاني: الطريقية.

والظاهر - ولو بقرينة فهم الفقهاء والضرورة الفقهية - الثاني.

وبتقرير آخر: الشق الأول ملازم للنوم الواقعي دائماً، فعبر بأحد المتلازمين وأُريد لازمه.

والشق الثاني ملازم لعدم النوم، وإلاّ فكيف يتيقن أنه لم يحدث؟ إلاّ أن يكون بإخبار ولي، مثلاً، وهي حالة نادرة لا يحمل عليها الحديث(2).

[47] قوله: [بإشعار] بل قد يقال: إنها رواية(3) مجملة لا تصلح للتعارض مع الروايات الصريحة.

ص: 117


1- الاستبصار 1: 79.
2- انظر: وسائل الشيعة1: 253، ح6، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة؟ فقال: إن كان لا يحفظ حدثاً منه - إن كان - فعليه الوضوء وإعادة الصلاة، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة».
3- انظر: وسائل الشيعة1: 253، ح6، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة؟ فقال: إن كان لا يحفظ حدثاً منه - إن كان - فعليه الوضوء وإعادة الصلاة، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة».

في رواية الكناني المتقدّمة كما هو الظاهر، مضافاً إلى أن ناقضية النوم في الشرع الأقدس غير قابلة للخدش[48].

كما أنّه لا يعارض تلك الأخبار الدالّة على كون النوم ناقضاً بمضمرة سماعة بن مهران: »أنّه سأله عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائماً أو راكعاً، فقال: ليس عليه وضوء«(1)، فإنّ الخفقة أعمّ[49] من النوم، فيقيّد إطلاقه[50] بما دلّ على أنّ النوم الغالب على القلب ناقض. أضف إلى ذلك أنّه لا اعتبار بمضمرات سماعة فإنّه واقفي[51]...

-------------------------

لكن لو أريد الجمود على القواعد الأصولية فمقتضاها تقييد النوم بقوله (عليه السلام) : «لا يحفظ حدثاً»(2) فتأمل.

[48] قوله: [للخدش] فإنها ضرورة فقهية.

[49] قوله: [أعم] وقد يقال: إن الخفقة مباينة للنوم، فهي من مقدمات النوم، لكن الظاهر الأعمّية، فإنها قد تجامع النوم، ولذا استصحبت الطهارة(3).

[50] قوله: [إطلاقه] قد يقال: المثبتان لا يقيد أحدهما الآخر.

وفيه نظر؛ لظهور الأدلَّة في المقام في التقييد.

[51] قوله: [واقفي] لا يضر ذلك؛ إذ لم يعتقد بإمامة غير المعصومين (عليهم السلام) حتى يحتمل نقله عنه، فالأولى جعل الملاك جلالة الرواي بحيث لا يروي عن غير المعصوم (عليه السلام) .

ص: 118


1- وسائل الشيعة 1: 255.
2- وسائل الشيعة1: 253، ح6 .
3- انظر: فرائد الأصول 3: 55 و 56، كفاية الأصول: 389، مقالات الأصول 2: 344 - 345.

ولا يخفى أنّه لا يعتمد على هاتين الروايتين؛ لإرسال الأولى وعمل مرسلها بها على فرض[52] تحقّقه لا يكون جابراً[53] لها.

... حيث دلّ ما رواه عمران بن حمران على هذا التفصيل، فإنّه روى: فإنّه سمع عبداً صالحاً (عليه السلام) يقول: »من نام وهو جالس لا يتعمّد النوم فلا وضوء عليه«(1). فإنّ عمران بن حمران الراوي لهذه الرواية غير موثّق[54].

كما أنّ التفصيل المستفاد من رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في الرجل هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس؟ قال: إن كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه وذلك أنّه في

-------------------------

وهل مقصود المصنف احتمال روايته عن رؤساء الوقف الضالين الذين لا يعتمد عليهم؟ فتأمل.

[52] قوله: [فرض] الظاهر ذلك؛ وذلك لضمانه ما روي في الفقيه(2).

[53] قوله: [جابراً] مع أنها معرض عنها، والظاهر أنها صدرت تقية.

[54] قوله: [موثق] كما أن المراد ب- «العبد الصالح» غير معلوم، وليس الراوي من الجلالة بحيث لا يروي إلاّ عن المعصوم (عليه السلام) .

ص: 119


1- الاستبصار 1: 80 .
2- انظر: من لا يحضره الفقيه 1: 3، حيث قال: «ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته، واعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - تقدس ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول وإليها المرجع».

الخامس و السادس والسابع: الجنون والإغماء والسكر

الخامس: الجنون[55]. السادس: الإغماء[56]. السابع: السكر(*)[57].

حال ضرورة«(1) لا يعتد به[58] فإنّ في سند الرواية من يكون مشتركاً[59] بين الموثّق والمجهول فلا يعتمد عليها...مضافاً[60] إلى أنّ متن الرواية لا يخلو عن اضطراب...

(*) ما يمكن أن يقال في مدرك ناقضية هذه المذكورات أمور[61]:

-------------------------

[55] قوله: [الجنون] على الأحوط.

[56] قوله: [الإغماء] على الأحوط.

[57] قوله: [السكر] على الأحوط.

[58] قوله: [لا يعتد به] ليس من الخبر، بل هو خبر (أنّ التفصيل)(2).

[59] قوله: [مشتركاً] وهو محمد بن إسماعيل.

[60] قوله: [مضافاً] لم يظهر وجه الاضطراب، والأولى أن يقال: بالحمل على التقية، فإن الخروج من المسجد خلاف التقية - كالمسجد الحرام فعلاً - فإنه لو أُقيمت الجمعة وخرج الشخص يحمل ذلك على أنه شيعي، فلو كان الجفاة حاكمين فربما قتلوه لذلك، وكلمة (ضرورة) تشعر بذلك.

[61] قوله: [أُمور] ومنها: وحدة المناط مع النوم وفيه تأمّل؛ إذ إنه يشبه القياس، فتأمل.

ص: 120


1- تهذيب الأحكام 1: 8 .
2- أي: قوله: «كما أنّ التفصيل المستفاد من رواية عبد اللّه بن سنان». انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 302.

الثاني عشر: مسّ الميّت

... الثاني عشر: مسّ الميّت على الأحوط، وأمّا الجنابة فإنّها وإن

منها: الإجماع، فعن التهذيب إجماع المسلمين عليه... ومع ذلك يمكن النقاش[62] في حجّية هذا الإجماع مع احتمال كون المدرك عندهم أو البعض منهم أحد الوجوه الآتية.

ومنها: أنّ المستفاد من بعض الأخبار الواردة في النوم أنّه ينقض إذا ذهب بالعقل، فيفهم منه أنّ المناط في الناقضية ذهاب العقل بالنوم، فلو نقض بذهابه بالنوم فينقض بذهابه بالجنون والإغماء بالأولويّة[63].

ويرد عليه: إنّ المستفاد[64] من الرواية المشار إليها أنّ النوم الناقض هو الذي يوجب ذهاب العقل، وأمّا كون المدار في الناقضية ذهابه فلا تكون الرواية دالّة عليه...

ومنها: ما رواه الفضل عن الرضا (عليه السلام) قال: إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة...

-------------------------

[62] قوله: [النقاش] فيه نظر، فإن الاحتمال لا يضر كلياً في خصوص المقام؛ لقوة احتمال كونه إجماعاً تعبدياً، فتأمل.

[63] قوله: [بالأولوية] لأنّ الجنون والإغماء أشد من النوم في إذهاب العقل، فتأمل.

[64] قوله: [المستفاد] فالرواية(1) في مقام بيان تحديد النوم الناقض، فهو مثل أن يقال: «أكرم العالم إن كان متديناً» فلا يستفاد منه إكرام كل متديّن.

ص: 121


1- وهي: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد اللّه بن المغيرة ومحمد بن عبد اللّه، قالا: «سألنا الرضا (عليه السلام) عن الرجل ينام على دابته؟ فقال: إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء». وسائل الشيعة1: 252، ح2.

كانت ناقضة للوضوء لكنّها ليست موجبة له، بل موجبة للغسل فقط فيصلّي معه من غير وضوء، وأمّا في الحيض والنفاس والاستحاضة المتوسّطة والكثيرة ومسّ الميّت، فإنّه وإن لزم الغسل لكن يجب معه الوضوء أيضاً للصلاة ونحوها، فلا تصحّ إلاّ بهما معاً على الأحوط[65].

المسألة 97: وجوب تقديم الوضوء في موارد الجمع

مسألة 97: في موارد الجمع بين الوضوء والغسل وجوب تقديم الوضوء غير معلوم وإن كان أحوط(*)[66].

والجواب[67] عن هذا الاستدلال: أنّ تحقّق هذه العلّة في هذه الموارد غير معلوم، بل معلوم العدم[68]، أضف إلى ذلك الإشكال في سند[69] الحديث...

(*) الظاهر[70] أنّ الوجه في هذا الاحتياط تقدّم الامتثال القطعي

-------------------------

وبعبارة أُخرى: ذهاب العقل علامة تحقق النوم، فالنوم هو الناقض في الحقيقة، ويكفينا في المقام الاحتمال، فإنه يبطل الاستدلال.

[65] قوله: [معاً على الأحوط] الأولى، وهذا مبني على أن الأغسال مطلقاً تكفي عن الوضوء.

[66] قوله: [أحوط] لا بأس بتركه.

[67] قوله: [والجواب] مضافاً إلى أنه أشبه بالحكمة لا العلة، أي: لا ظهور له في العلية، فتأمل.

[68] قوله: [معلوم العدم] لكنه في الإغماء كالنوم، بل أولى.

[69] قوله: [سند] إلاّ أن يقال إنه مجبور بالعمل.

[70] قوله: [الظاهر] هذا مبني على أن الوضوء مأمور به قبل الغسل، ولعل دليله إطلاقات الأمر بالوضوء بعد انتقاض وضوئه بالنواقض.

ص: 122

المسألة 98: المدار في حصول هذه النواقض

مسألة 98: المدار في حصول هذه النواقض على العلم العادي[71] فلا عبرة بالظنّ فضلاً عن الشكّ.

وإن كان النقض ثمّ الوضوء مع الشكّ فضلاً عن الظنّ أولى(*)[72]

على الاحتمالي... وقد مرّ منّا أنّه لا فرق في نظر العقل بين أنواع الامتثال، ولا تقدّم لبعضها على بعضها الآخر[73].

(*) لدرك الواقع[74] وأمّا النقض ثمّ الوضوء فالظاهر أنّ

-------------------------

[71] قوله: [العلم العادي] الظاهر أنه يريد ما يشمل الاطمئنان.

[72] قوله: [أولى] بل الأولى تجديد الوضوء رجاءً، أو بنية ما في الذمة - في صورة كون التجديد مستحباً - وكأن وجه قول الماتن: إن بعض ذهب أو احتمل، إلى أن النقض لليقين بوضوء جديد حرام، فقد ورد «وإياك أن تحدث وضوءاً أبداً»(1) أما نقضه لليقين بالحدث فهو نقض لليقين، وحيث احتمل التحريم كان الأولى النقض بالحدث خروجاً عن شبهة الخلاف.

لكن الاحتمال ضعيف جداً، ولم يقل به المشهور، والحرمة حرمة تشريعية لا احتياطية، وقد قرر أن الاحتياط ضد التشريع، فراجع(2).

[73] قوله: [الآخر] وبعبارة أُخرى: بعد أن اغتسل فإما الوضوء مطلوب منه أو لا؟ فعلى الأول فقد أتى به، وعلى الثاني يكون فعله لغواً، ولا تشريع؛ إذ الاحتياط ضد التشريع.

[74] قوله: [لدرك الواقع] فإنه احتياط، والاحتياط حسن على كلّ حال.

ص: 123


1- الكافي 3: 33.
2- منتهى الدراية في توضيح الكفاية 3: 225.

إذا لم يفضِ إلى الوسوسة(*).

الوجه فيه تحقّق الامتثال التفصيلي[75]، والحقّ أن يقال: إنّ الأولى تجديد[76] الوضوء رجاءً بلا إبطاله أوّلاً...

(*) لما استفيد من جملة من الروايات أنّها مبغوضة للشارع، فلا يحسن الاحتياط إذا أفضى[77] إليها. ففي رواية زرارة وأبي بصير دلالة على ذلك؛ قالا: »قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه، قال: يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ، قال: يمضي في شكّه، ثمّ قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه... قال زرارة: ثمّ قال: إنّما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم«(1). ولكن ذكرنا

-------------------------

[75] قوله: [التفصيلي] الظاهر أن المراد به القطعي وهو مقدم على الاحتمالي كما سبق.

[76] قوله: [تجديد] إذ ليس كل تجديد مستحباً، كما لو جدد كل دقيقتين خمسين مرة، فإن الأدلَّة منصرفة عن مثله.

[77] قوله: [أفضى] فإنه يكون مقدمة للحرام، وحينئذ يحصل التزاحم بين المقدمة المستحبة، وذي المقدمة المحرمة، والثاني أولى ترجيحه في نظر العقل فتأمل. أو يقال: إنه لا يوجد استحباب لمثل هذا الاحتياط، كما لعله يظهر من الرواية(2) المنقولة هنا.

ص: 124


1- تهذيب الأحكام 2: 188.
2- انظر: تهذيب الأحكام 2: 188.

أخيراً أنّه لا يستفاد من الحديث حرمة العمل[78]...

-------------------------

[78] قوله: [حرمة العمل] ظاهر «يمضي» وجوب المضي، وظاهر «لا تعودوا» التحريم، وكذا «فليمض» و«لا يكثرن» فإنها جمل خبرية، وصيغة نهي، وصيغة أمر، وهي دالة على الوجوب.

ص: 125

فصل: في حقيقة الوضوء

حقيقة الوضوء

في حقيقة الوضوء: وهي غسل الوجه(*) واليدين ومسح الرأس والرجلين، وأمّا غسل الوجه فيجب من قصاص الشعر(**).

(*) ادّعي إجماع علماء الإسلام عليه(1)، وفي بعض الكلمات: بل ينبغي نظمه في سلك الضروريات[88]...

(**) ... ويدلّ عليه ما رواه زرارة بن أعين أنّه قال لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) : »أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ الذي قال اللّه عزّ وجلّ، فقال: الوجه الذي قال اللّه وأمر اللّه عزّ وجلّ بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه[89] ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم؛ ما دارت[90] عليه الوسطى والإبهام من

-------------------------

[88] قوله: [الضروريات] الفقهية والمذهبية والدينية.

[89] قوله: [يزيد عليه] أي: باعتباره داخلاً في الحدّ، وإلاّ فالمقدمة العلمية لا بأس بها، بل هي واجبة عقلاً، كما في غير المقام، كالطواف والصوم وغيرهما.

[90] قوله: [ما دارت] لعله بيان الحد الطولي، وقوله (عليه السلام) «ما جرت» بيان الحد العرْضي.

ص: 126


1- أي: على وجوب غسل الوجه.

قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت عليه الإصبعان مستديراً فهو من الوجه، وما سوى ذلك فليس من الوجه، فقال له: الصدغ من الوجه، فقال: لا«(1). هذا بحسب رواية الصدوق.

ورواه الكليني عن زرارة مثله، إلا أنه قال: »وما دارت عليه السبابة والوسطى والإبهام«(2) ... ولا يخفى أنّه لا فرق[91] بين ذكر السبّابة وعدمه، إلاّ أن يراد التخيير بين السبّابة والوسطى، وهذا المعنى مضافاً إلى أنّه خلاف ظاهر الجملة[92] إذ لم يعبّر بلفظ »أو« غير معقول[93]...

إنّما الكلام في وجه[94] تعبيره بالدوران فنقول: يمكن أن يكون

-------------------------

[91] قوله: [لا فرق] والظاهر أن الذكر لتلازمهما عادة في الوضع، أما رفع السبابة فهو أمر غير متعارف في معرفة التحديد.

[92] قوله:[ظاهر الجملة] وخلاف فهم الفقهاء، وخلاف السيرة والشهرة.

[93] قوله: [غير معقول] بل هو معقول.

[94] قوله: [وجه] قد يقال: لا تأثير لذلك في الحكم بعد الظهور المدّعى في السطر الأول(3)، فتأمل.

ص: 127


1- من لا يحضره الفقيه 1: 44، ح 88.
2- الكافي 3: 27، ح 1.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 310، أي قوله: «والظاهر أنّ هذا المعنى ظاهر من الجملة بحيث يفهمه العرف بلا عناية وتكلف».

الوجه[95] في قوله (عليه السلام) : »ما دارت« أنّ الرأس مدوّر[96] وبتبعه يكون الوجه مدوّراً[97] فلو وضع الإصبعان على الوجه المقرّر يحدث دائرة، وأمّا التعبير بالتدوير في الجملة الأُخرى[98] فإمّا باعتبار ما ذكر في الجملة الأولى، وإمّا باعتبار تدوير الوجه عرفاً

-------------------------

[95] قوله: [الوجه] لو ثبت لغةً مجيء دارت بمعنى أحاطت(1)، فهذا وجه آخر(2).

ونقل عن السيد الحكيم (رحمه اللّه) أن الإحاطة بالجسم الدائر يقال له: دارت، فلو وضعت كرة صغيرة في يدك تقول دارت عليها يدي، فتأمل.

[96] قوله: [الرأس مدور] عرفاً، وبعض الوجوه قريبة إلى التدوير الحقيقي.

[97] قوله: [الوجه مدوراً] فإن الجسم المدور يكون أحد وجوهه مدوراً أيضاً.

[98] قوله: [الأُخرى] الظاهر أن «مستديراً» حال من «ما»(3) فلو جمعنا الإصبعين على الناصية وفرقناهما يميناً وشمالاً، ثم جمعناهما عند نهاية الذقن تكون شبه دائرة.

ص: 128


1- انظر: لسان العرب4: 295، مادة: (دور).
2- انظر: الفقه 8: 157- 159.
3- انظر: «ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت عليه الإصبعان مستديراً فهو من الوجه». الكافي3: 27.

باستدارة[99] اللحيين، بل وباستدارة قصاص الشعر من الناصية إلى العذار[100] كما في بعض الكلمات.

-------------------------

[99] قوله: [باستدارة] أي: نصف دائرة، وكذا في قوله (باستدارة) لكن مجموع النصفين يشكل دائرة كاملة، وعلى هذا فلا يكون هذا الوجه وجهاً في قبال الأول، فإن جمع نصفي الدائرة يشكل دائرة واحدة، فتأمل.

[100] قوله: [العذار] لا بأس بتفسير هذه الكلمات:

النزعتان: البياضان المكتنفان للناصية(1).

الناصية: منبت الشعر المنتهي إلى أول الجبهة بإزاء الأنف(2).

الصدغان: الشعر المتدلي بين العين والأُذن مما يلي الأُذن فقط(3).

قصاص: منتهى شعر الرأس من طرف مقدم الرأس(4).

الذقن: آخر الوجه في طرف البدن(5).

العذار: الشعر النابت على العظم المرتفع على سمت الصماخ ووتد الأُذن، ويتصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض(6) «صدغٌ عذارٌ عارضٌ فَذَقَنُ».

ص: 129


1- نهاية الأحكام1: 35، العين1: 359.
2- انظر: العين7: 159.
3- انظر: كشف الالتباس1: 150.
4- انظر: العين5: 10.
5- انظر: لسان العرب 13: 172.
6- انظر: كشف الالتباس1: 150.

وكيف كان، الأمر ظاهر ولا مجال لما استشكله البهائي (قدس سره) على ما نقل من أربعينه حيث ردّ على المشهور في تفسيرهم للرواية بأنّه يلزم[101] على هذا التفسير دخول النزعتين، وهما البياضان المكتنفان بالناصية والصدغان في المحدود الواجب غسله، مع خروج الأولتين عن وجوب الغسل بالإجماع[102] وخروج الآخرين بنصّ الرواية...

-------------------------

العارض: الشعر المسترسل عن القدر المحاذي للأُذن إلى الذقن(1).

مواضع التحذيف: ما يتصل أعلاه بالنزعة وأسفله بالصدغ(2).

[101] قوله: [يلزم] لم يظهر وجه ذلك؛ إذ على كلا التفسيرين يلاحظ المقياس وسط الجبهة، فعلى المشهور نضع الإصبعين على الناصية ثم نفرقهما يميناً وشمالاً حتى يلتقيا عند الذقن، ومن الواضح أنه مع تفريق الإصبعين كذلك لا نصل إلى النزعتين.

وعلى قول الشيخ البهائي(3) نضع الوسطى على الناصية - أي الوسط - والإبهام على الذقن ونثبت وسطهما، ثم نحركهما حتى تحصل دائرة، ويتبادل مكان الإصبعين.

نعم، لو أُريد منتهى كل منبت ورد الإشكال على التفسيرين، فتأمل.

[102] قوله: [بالإجماع] بل لبيان الوجه عرفاً.

ص: 130


1- انظر: الكنز اللغوي: 176.
2- انظر: ذكرى الشيعة2: 123، مجمع البحرين5: 35.
3- انظر: الحبل المتين: 13، 14.

وبعبارة أُخرى: الحدّ الواجب غسله هو ما حوته الدائرة الهندسية[103] التي يكون قطرها قدر ما بين الإصبعين، وبهذا التحديد تخرج[104] النزعتان والصدغان عن الحدّ المغسول. هذا ملخص كلامه.

ويرد عليه أولاً: أنّ هذا المعنى خلاف المتفاهم العرفي[105]؛ لذا لم يتوجّه إليه أحد من الفقهاء فيما نعلم.

وثانياً: أنّه يلزم منه خروج بعض الوجه عن الحدّ؛ لأنّ ما[106] بين الإبهام والوسطى أقلّ ما بين القصاص والذقن...

-------------------------

[103] قوله: [الهندسية] الظاهر أنه يحصل منها شبه دائرة لا دائرة حقيقية(1).

[104] قوله: [تخرج] إذ الدوران نحو الأسفل يوجب ضيق الدائرة.

[105] قوله: [العرفي] ولو لم يكن الشيخ البهائي مضطلعاً في الهندسة لما خطر بذهنه هذا المعنى.

[106] قوله: [ما] الظاهر (مما) وفيه نظر، ولعل الوجوه تختلف، والخلاصة: أن مراده أنه على طريقة البهائي لا يستوعب ما بين القصاص والذقن؛ إذ لو وضعنا أحد الإصبعين على القصاص لم يصل الآخر إلى الذقن، لكن ذلك خلاف التجربة، إلاّ أن تختلف الوجوه، كما في أن الذراع شبران أو أكثر أو أقل، فراجع التنقيح(2).

ص: 131


1- انظر: الفقه 8: 160، حيث قال: «وما ذكره البهائي لا يحصل منه دائرة حقيقة، بل شبه دائرة».
2- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 48.

إلى آخر الذقن طولاً وما دار عليه الإبهام والوسطى عرضاً(*).

وأمّا ما أورده على تفسير المشهور من دخول النزعتين والصدغين فيجاب عنه: أنّ المراد من قصاص الشعر منتهى منبت الشعر من مقدم الرأس فلا يعمّ الناصية[107]...

(*) لو قلنا[108]: بأنّ الغاية داخلة في المغيى فالظاهر أنّ ما أفاده (قدس سره) من لزوم الغسل إلى آخر الذقن هو الصحيح...

توضيح ذلك: أنّ الغاية لا يمكن أن يكون ذا أجزاء كما هو ظاهر[109]...

ولا يبعد أن يقال: إنّ المتفاهم الخارجي في المحاورات خروج الغاية عن المغيى(1)

-------------------------

[107] قوله: [الناصية] الظاهر النزعة.

[108] قوله: [لو قلنا] توجد هنا عدة مبانٍ:

الأول: الغاية في (إلى) داخلة في المغيّا، فمعنى الرواية «اغسل الوجه مع الذقن» وغسل الذقن لا يتم إلاّ بغسل تمامه.

الثاني: الغاية فيها خارجة عن المغيّا فلا يجب غسل الذقن.

الثالث: الكلمة مجملة، فلا يجب غسل الذقن أيضاً، للبراءة.

[109] قوله: [ظاهر] إذ معناها النهاية، ولا معنى لكون كل جزء نهاية، إلاّ أن نقول بإمكان التخيير بين الأقل والأكثر، وقد مضى الكلام الإجمالي فيه وسيأتي.

ص: 132


1- كذا في المصدر، والصحيح: المغيّا.

فيما جعل الدالّ عليهما لفظ - إلى [110] - بخلاف ما جعل الدالّ عليهما لفظ - حتّى - فإنّ المتفاهم الخارجي فيها دخولها فيه كما لو قال القائل: أكلت السمك حتّى رأسها[111].

وإن شئت قلت: الأكثر في الاستعمالات دخولها فيه إذا أُتي بلفظ حتّى... كما هو الشأن في باب دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر[112].

ولا يخفى أنا قد ذكرنا أخيراً أن في مورد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين لا يجري الأصل[113] لا البراءة ولا الاستصحاب.

-------------------------

[110] قوله: [إلى] كما في قوله تعالى: {وأتموا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}(1).

[111] قوله: [حتى رأسها] أما لو قال: «إلى رأسها» فالظاهر خروج الرأس.

[112] قوله: [والأكثر] ولو كانا ارتباطيين، كما هو كذلك في المقام.

[113] قوله: [الأصل] إذ لو قلتم: الأصل عدم وجوب الأكثر، نقول: الأصل عدم وجوب الأقل.

إن قلت: الأقل متيقن على كل تقدير.

قلنا: ليس كذلك، إذ لو كان الأكثر واجباً لم يكن الأقل - لا بشرط، أو بشرط لا - واجباً، فالواجب هو الأقل لا بشرط، أو الأقل بشرط شيء، وهما متباينان. وعليه، فلا نستيطع القول: إن الأقل - لا بشرط - متيقن على كل تقدير، فلا ينحل العلم الإجمالي.

ص: 133


1- البقرة: 187.

إذ بالتعارض تسقط الأُصول، وتصل النوبة إلى حكم العقل بالاحتياط[114]، اللّهم إلاّ أن يقال[115] في مورد العلم الإجمالي لا مانع من جريان الأصل في بعض الأطراف...

-------------------------

وكذا الكلام في استصحاب عدم وجوب الأكثر، فإنه معارض باستصحاب عدم وجوب الأقل، وكذا استصحاب عدم جعل وجوب الأكثر(1).

لكن هذا المبنى خلاف المشهور، فراجع وتأمل.

[114] قوله: [بالاحتياط] للعلم الإجمالي.

[115] قوله: [يقال] هذا مبنى المصنف حيث إنه يرى جواز إجراء الأُصول في أحد طرفي العلم الإجمالي. وعليه، فنستطيع إجراء البراءة عن الأكثر، ولو مع وجود العلم الإجمالي غير المنحل، لكنه ناقض ذلك في صفحة (375)(2).

فتحصل أنه مع الشك في أنّ المغيّا داخل أو لا:

1- المشهور جريان البراءة، فالذقن خارج.

2- ولو لم نقل بالبراءة فيلزم الاحتياط للعلم الإجمالي، فالذقن داخل.

3- إلاّ أن نقول: إنه لا مانع من إجراء الأصل في بعض أطراف العلم الإجمالي، فيمكن إخراجه.

ص: 134


1- انظر: منتقى الأصول 5: 224.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 375، السطر الأخير، حيث قال: «مضافاً إلى أنا قوّينا الاشتغال في أمثال المقام».

لا يقال: الشكّ في المقام يكون في المحصّل والمرجع فيه أصالة الاشتغال[116] والوجه في ذلك أنّ المستفاد من جملة من الروايات أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة[117]...

فإنّه يقال: إنّ المستفاد من جملة من الروايات أنّ الطهور عبارة عن نفس[118] الوضوء والتيمم، ففيما رواه زرارة في حديث قال: »قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة، قال: فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ في صلاته، فإنّ التيمم أحد الطهورين«(1). فيعلم[119] من هذه الرواية وغيرها أنّ الطهور الذي جعل شرطاً في الصلاة عبارة عن هذه الأفعال

-------------------------

[116] قوله: [الاشتغال] كما لو كان المطلوب إنقاذ ولد المولى، فإن كل مشكوك يجب الإتيان به.

[117] قوله: [بالطهارة] وهي نور باطني، كقوله (عليه السلام) : «الوضوء على الوضوء نور على نور»(2).

[118] قوله: [نفس] فهو عبارة عن الحركات الخاصة لا الأثر المترتب عليها.

[119] قوله: [فيعلم] إذ «التيمم أحد الطهورين»(3) مفاده أن الوضوء هو الطهور الآخر، والتيمم هو الحركات.

ص: 135


1- الكافي 3: 63.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 41.
3- الكافي 3: 64.

الخاصّة، ولا ينافي ذلك المعنى اللغوي، فإنّ الطهور في اللغة له معنيان: أحدهما: المعنى المصدري، أي: الغسلات والمسحات، ثانيهما: ما يتحقّق بهذه الأفعال وتكون هذه الأفعال آلة له، فلا ينحصر في المعنى الآلي[120]...

وثانياً[121]: لو أغمض عن الروايات ووصلت النوبة إلى الأصل العملي فمقتضاه الاكتفاء بما علم وجوبه ولا مجال للاشتغال...

-------------------------

[120] قوله: [الآلي] أي: الأخير، وفيه نظر؛ إذ ظاهر كلمة «الآلي» هو الأول، ولا مشاحة.

[121] قوله: [وثانياً] فيه نظر، فإنه يعلم بلزوم الانفعال، إما بالوجوب الشرعي أو العقلي - أي المقدمي - لكن لا ينحل بذلك العلم الإجمالي بالوجوب الشرعي للمقدمة أو ذيها، كما لو شككنا أن الواجب المولوي (نصب السلم) أو (الكون على السطح) فاللازم الإتيان بهما معاً، فلا نستطيع القول: إن نصب السلم واجب قطعاً إما بالوجوب الشرعي أو العقلي المقدمي، فينحل العلم الإجمالي إلى أقل متيقن، وأكثر مشكوك، فتجري البراءة فيه، فتأمل.

فقوله: «الاكتفاء بما علم وجوبه»(1) فما علم وجوبه الشرعي مردد.

وقوله: «لا يعلم»(2) فيه: أنه وإن لم يعلم تفصيلاً لكن علم إجمالاً.

ص: 136


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 314.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 314

ويلزم إدخال شيء من أطراف حدّ المذكور في الغسل لتحصيل العلم بغسل تمام المقدار الواجب، بل إدخال[122] شيء من باطن الأنف والشفتين لذلك أيضاً(*). وداخل العين من الباطن فلا يجب غسله(**).

(*) فإنّه لو توقّف العلم بالامتثال وتحقّق ما هو واجب غسله يلزم من باب المقدّمة[123] إدخال شيء من الأطراف...

(**) الظاهر أنّ عدم وجوب غسل ما يكون من الباطن اتفاقي[124] بينهم... منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة[125] إنّما عليك أن تغسل ما ظهر«(1).

-------------------------

[122] قوله: [بل إدخال] في وجوبه نظر؛ وذلك لغفلة العامة عنه، وعدم التنبيه في الروايات عليه، ولو كان لبان، فتأمل.

[123] قوله: [المقدمة] العلمية، فإن المقدمة إما وجودية أو وجوبية أو علمية.

[124] قوله: [اتفاقي] وهو كافٍ في المطلوب، وإن ناقش المصنف في الإجماعات مراراً.

[125] قوله: [ولا سنة] أي: سنة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما مرّ بيانها.

ص: 137


1- الاستبصار 1: 67.

وهذه النصوص وإن كان في سندها خدش[126] لكن لا يبعد أن تورث بمجموعها الوثوق بصدور مضمونها إجمالاً، بل يمكن أن يقال: إنّه لا مقتضي للزوم غسل الباطن، فإنّ الوجه ظاهر فيما يبدو للناظر كما في اللغة؛ ولذا يصدق النظر إلى وجه من يكون مطبقاً لجفنيه[127].

-------------------------

[126] قوله: [خدش] إلاّ أنها مجبورة بالعمل، مضافاً لما ذكره(1).

فتحصل أن الأدلَّة خمسة، وهي:

الأول: الاتفاق.

الثاني: الوضوءات البيانية.

الثالث: النصوص التي توجب غسل الظاهر فقط، مما يفيد مجموعها الوثوق، أو يقال: إنها مجبورة بالعمل.

الرابع: صدق غسل الوجه دون غسل الباطن.

الخامس: لو كان لبان.

[127] قوله: [لجفنيه] وبعبارة أُخرى: المطلوب {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(2) وهو يصدق ولو مع عدم غسل باطن العين، ويضاف إلى ما ذكره: أن عوام الناس يغفلون عن ذلك، فلو كان لازماً لزم التنبيه عليه، كما سبق بيانه قبل قليل.

ص: 138


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 315.
2- المائدة: 6.

والمدار في القصاص والأصابع على مستوي الخلقة، فلا عبرة بغيره(*)[128]، ويجب أن يكون الغسل من الأعلى(**)[129]

(*) ... وما في جملة من الكلمات من أنّ الميزان المتعارف من الخلق، فالظاهر أنّ المراد منها ليس ما بنوا عليه في تعيين الكر بالأشبار[130] فإنّه في المقام لا ينسبق إلى الذهن إلاّ تناسب أعضاء

-------------------------

[128] قوله: [بغيره] المقصود رعاية تناسب أعضاء كل مكلف بالنسبة إلى المتعارف في صنفه، فلو كان الشخص عملاقاً غير متعارف لكن أصابعه مناسبة لوجهه، فيجب أن يغسل كل وجهه، لا أن يرى الأفراد المتعارفين فيغسل نصف وجهه مثلاً.

وكذا لو كان الشخص قزماً ضئيلاً ضعيفاً، فلا يلاحظ المتعارف فيغسل إلى خلف الأُذنين مثلاً.

[129] قوله: [الأعلى] عرفاً، وسيأتي الكلام في مراعاة الأعلى فالأعلى.

ثم إنّ هنا مسألتين:

الأولى: صبّ الماء من الأعلى.

الثانية: غسل الأعلى فالأعلى، إمّا دقة أو عرفاً.

وفي كلمات الشارح دمج - كما هو الظاهر - بين المسألتين، فلاحظ.

[130] قوله: [الكر بالأشبار] فإن المقصود هناك الرجوع إلى المتعارف - الوسط - ولذلك نظائر.

1- المسافة المعينة بالأقدام.

2- الصلاة والصوم في المناطق القطبية.

ص: 139

كلّ مكلّف بالنسبة إلى ما يكون متعارفاً في صنفه...

(**) ... وعن بعض دعوى الاتفاق[131] عليه، ويمكن أن يستدلّ بما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) من حكاية وضوء النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) روى زرارة قال: »حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدعا بقدح فأخذ كفاً من ماء فأسدله[132] على وجهه، ثمّ مسح وجهه من الجانبين

-------------------------

3- حد الترخص: فالمدار هو العين المتعارفة والأُذان المتعارفة.

4- السوط في باب الحدود والتعزيرات.

5- الملاك في مشاهدة النجاسة هو المشاهدة المتعارفة لا بالميكروسكوب.

6- الملاك في الاستهلاك على الاستهلاك العرفي.

7- رؤية الهلال بالعين المتعارفة لا المسلحة.

فتحصل أن المتعارف له معنيان:

الأول: المتعارف المطلق.

الثاني: المتعارف النسبي، أي: المتعارف في هذا الصنف.

[131] قوله: [الاتفاق] بل جعل صاحب التنقيح ذلك متسالماً عليه وجعله - مع السيرة - هو العمدة(1).

[132] قوله: [فأسدله] لعل الاستدلال باعتبار ظهور كلمة «السدل» في كونه من الأعلى.

ص: 140


1- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 68.

جميعاً، ثمّ أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده اليمنى ثمّ مسح جوانبها...«(1).

لا يقال: لا يمكن استفادة الوجوب ممّا ذكرنا، لأنّه نقل فعل، والفعل أعمّ من وجوبه[133] كما هو ظاهر.

-------------------------

[133] قوله: [وجوبه] راجع بحث «فعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) » في الأصول(2)، فلعله كان مستحباً أو لعله كان كيفية من الكيفيات، فيكون مباحاً، لكنه خلاف الظاهر؛ إذ قد يقال: كما أن سائر الخصوصيات لا يستفاد منها الرجحان، مثل: كونها كفاً لا أكثر ولا أقل، ودعاء الامام الباقر (عليه السلام) بقدح، لا غير القدح، ولا مباشرته بنفسه بالإتيان، فتأمل.

وراجع «القوانين»(3) فقد ذكر أن فعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يدل على الوجوب أو لا فيه أقوال خمسة، واستدل بآية الأُسوة(4).

وفيه: أنه يلزم تخصيص الأكثر؛ إذ أكثر أفعاله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يجب العمل بها، فتأمل.

فالمراد الإتيان بما فعله على وجه الوجوب وجوباً، وعلى وجه الندب ندباً، وهكذا.

ص: 141


1- الكافي 3: 24.
2- انظر: أُصول المظفر 3: 66.
3- انظر: قوانين الأصول: 490.
4- قوله تعالى: {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الأحزاب: 21.

فإنّه يقال: لا شبهة في أنّه يستفاد من نقله (عليه السلام) عمل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رجحان النحو المذكور، وقد نقحنا[134] في الأصول أنّه لو علم من المولى رجحان فعل ولم يعلم الترخيص في تركه لا بدّ من إتيانه بحكم العقل، وبهذا البيان قرّبنا[135] استفادة الوجوب من صيغة الأمر...

ونقل[136] عن العلاّمة في المنتهى والشهيد في الذكرى أنّهما قالا بعد نقل الرواية الأولى: روي عنه أنّه قال بعد ما توضّأ أنّ: »هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به«(1).

-------------------------

[134] قوله: [نقحنا] فيه نظر جليّ، ولذا لو قال المولى «ارجح أن تأتي بهذا العمل» لم يلزم على العبد الإتيان، ولا يستحق العقاب عند العقلاء، فتأمل.

ويؤيده رواية «إنما أنا شفيع»(2) في قضية بريرة، مع علمها بحب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لذلك.

[135] قوله: [قربنا] سيأتي من المصنف المناقشة فيه(3).

[136] قوله: [ونقل] هذا وجه ثانٍ لاستفادة الوجوب من الرواية الأولى.

ص: 142


1- وسائل الشيعة 1: 438.
2- مستدرك الوسائل 15: 32، روى ابن عباس: «أن زوج بريرة كان عبداً أسود يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تجري على لحيته، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟! فقال لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لو راجعته، فإنه أبو ولدك، فقالت: يا رسول اللّه، أ تأمروني؟ قال: لا، إنما أنا شفيع، فقالت: لا حاجة لي فيه».
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 319.

ويمكن أن يناقش[137] فيما ذكر بأنّ استفادة الوجوب من الوضوءات البيانية بحكم العقل يتوقّف على عدم دليل على كفاية مطلق الفعل، وحيث إنّ إطلاق[138] الآية الشريفة يقتضي كفاية مطلق الغسل لا مجال لهذا الاستدلال.

إن قلت: هذه المناقشة جارية فيما استفيد رجحان القيد بصيغة الأمر[139]، والحال أنّه لا شبهة في حمل المطلق على المقيّد في الواجبات، مع أنّ استفادة الوجوب من الصيغة أيضاً بحكم العقل على هذا المسلك.

قلت[140]: ظهور صيغة الأمر في الوجوب والإلزام ليس قابلاً

-------------------------

[137] قوله: [يناقش] هذه مناقشة في الوجه الأول، وهو: أن الروايتين تدلان على الرجحان، ولو علم رجحان فعل - بلا علم بالترخيص في تركه - كان إتيانه لازماً عقلاً.

[138] قوله: [إطلاق] هذا الإطلاق مقيد بفعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإلاّ حملت جميع أفعاله على الإباحة لمطلقات الإباحة، فتأمل.

والخلاصة: إن وزان فعله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وزان قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكما يخصص الإطلاقات كذلك الأول يخصصها، فتأمل.

[139] قوله: [الأمر] كما لو قال: «طف والكعبة على يمينك» فإنه يقيد {وليطوّفوا}(1).

[140] قوله: [قلت] لعل مراده: أن اللفظ أقوى من المطلقات ظهوراً

ص: 143


1- الحج: 29.

للإنكار، ومعه لا مجال لهذه المناقشة.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّه لا موجب للزوم كون الغسل من الأعلى إلى الأسفل مع رعاية[141] الأعلى فالأعلى...

ويؤيّد[142] المقصود ما رواه أبو جرير الرقّاشي قال: »قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) : كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: لا تعمق في الوضوء، ولا تلطم وجهك بالماء لطماً، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك«(1)...

-------------------------

بخلاف الفعل، فتأمل.

[141] قوله: [مع رعاية] هذه العبارة ترتبط بالبحث الثاني(2) لا بما نحن فيه، وفي العبارات اضطراب من حيث تأييد الوجوب تارةً ونفيه تارةً أُخرى.

[142] قوله: [ويؤيد] هذا دليل آخر على وجوب الغسل من الأعلى، فهو مضافاً إلى دعوى الإجماع، والوضوءات البيانية بالتقريبين المتقدمين، وارتكاز المتشرعة فإنهم يستنكرون ذلك، فإن هذه الرواية تدل على ذلك.

ثم إنّ هذه الرواية(3) تدل على المبحثين معاً، كما أن الوضوءات البيانية مشعرة بهما.

ص: 144


1- وسائل الشيعة 1: 398.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 318.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 398- 399.

غاية[143] الأمر دلّ الدليل من الخارج على كفاية الغسل، ولو لم يكن بالمسح فإنّ الإجماع، بل التسالم بينهم يقتضي كفاية الغسل بلا تحقّقه في ضمن المسح...

ولا يخفى أنّ أبا جرير الواقع في سند الرواية مجهول[144] الحال، فلا يعتمد على روايته، وعليه لا يمكن[145] الاستدلال بها على لزوم غسل الأعلى فالأعلى...

-------------------------

[143] قوله: [غاية] هذا دفع إشكال على أن رواية الرقاشي قالت «اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً»(1) مع أن المسح غير لازم.

[144] قوله: [مجهول] إلاّ أن يقال: إنها مجبورة بالعمل، وهل الشهرة في المقام عملية أو فتوائية؟ وهل هنالك فرق بينهما؟ راجع بحث الشهرة في الأُصول(2).

[145] قوله: [لا يمكن] أي: لا تدل على المطلب الثاني(3)، وهذا شروع في المبحث الثاني، فالأدلَّة عليه هي:

الأول: رواية الرقاشي، إلاّ أنها ضعيفة.

الثاني: الوضوءات البيانية، وهي لا تدل إلاّ على المبحث الأول(4)، وفيه ما سبق من أنها مشعرة بالثاني أيضاً، فتأمل.

ص: 145


1- وسائل الشيعة1: 398، ح 22.
2- انظر: هداية المسترشدين 3: 440- 444.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 319.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 319.

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه هنا كان تبعاً لسيّدنا الأُستاذ، ورجعنا[146] عن هذه المقالة ولا نلتزم بأنّ الوجوب بحكم العقل...

وقلنا: إنّ الوجوب المستفاد من صيغة الأمر بلحاظ الظهور العرفي[147]...

وإن شئت فقل: صيغة الأمر تدلّ على أنّ المولى في مقام إظهار جعل بشيء[148](1) في ذمّة المكلّف وبعثه نحوه... فإنّ الإطلاق المقامي يقتضي ذلك؛ إذ بقيّة الدواعي تحتاج إلى مؤونة زائدة[149].

-------------------------

الثالث: الإجماع، فتأمل.

الرابع: السيرة كما سيأتي.

[146] قوله: [ورجعنا] الظاهر أنه لا أثر لهذا الرجوع في المقام؛ إذ الروايات البيانية ظاهرة في الوجوب - كما سيأتي - وليست لفظاً، بل عملاً، فلا ثمرة لهذا البحث العلمي في كيفية استفادة الوجوب من صيغة الأمر، وهل أنه بحكم العقل أو بالظهور اللفظي؟ فتأمل.

[147] قوله: [العرفي] ولذا يفهم العرف الوجوب بغض النظر عن مسألة الرجحان وملازمته للوجوب.

[148] قوله: [جعل شيء] أي: جعلاً لزومياً.

[149] قوله: [مؤونة زائدة] لعله باعتبار أنه بعث إنشائي بداعي البعث الواقعي، لا مؤونة فيه، بخلاف البعث الإنشائي بداعي السخرية، فإن فيه

ص: 146


1- هكذا في المصدر، والصحيح: (جعل شيء).

وفي المقام حيث إنّ الإمام (عليه السلام) في مقام[150] بيان الوضوء المقرّر من قبل الشارع يلزم الأخذ بجميع الخصوصيات...

وبعبارة أُخرى لزوم رعاية الأعلى فالأعلى يستفاد من مجموع النصوص بلا إشكال، لاحظ ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : »ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فقلنا: بلى، فدعا بقعب فيه شيء من ماء فوضعه بين يديه، ثمّ حسر عن ذراعيه ثمّ غمس فيه كفّه اليمنى، ثمّ قال: هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة، ثمّ غرف ملؤها ماء فوضعها على جبينه، ثمّ قال: بسم اللّه وسدله[151] على أطراف لحيته ثم أمّر يده على وجهه...«(1).

-------------------------

تعملاً، ولا ربط لذلك بالإطلاق المقامي، فتأمل.

إلاّ أن يقال: إنه بعث، وسائر الدواعي بعث بداعي كذا، فتأمل.

[150] قوله: [في مقام] مضى التأمل في ذلك. وهذا يحتمل أمرين:

الأول: كون الإمام (عليه السلام) في مقام بيان الوضوء اللازم.

الثاني: كونه في مقام بيان الوضوء الذي توضأه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فالإمام (عليه السلام) يقول: إنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) توضأ هكذا، ولا يلزم رعاية الخصوصيات المذكورة فيه من: الغمس واليمين وملؤ اليد والوضع على الجبين وغير ذلك، إلاّ أن يقال: إنها خرجت بالدليل، فتأمل.

[151] قوله: [وسدله] لعل المراد: أراق الماء على أطراف لحيته، فتأمل ولاحظ الكيفية.

ص: 147


1- الكافي 3: 25.

ولو وضع وجهه في حوض مثلاً، ولكن نوى البدأة بالأعلى وحرّكه بحيث جرى عليه(*).

فإنّ الظاهر[152] من الحديث رعاية الأعلى فالأعلى...

أضف إلى ذلك دعوى الاتّفاق[153] على لزوم رعاية الأعلى، بالإضافة إلى السيرة[154] الجارية على الرعاية واستنكار خلافه.

(*) نقل عن المجلسي أنه نسب هذا الحكم إلى اتفاق الأصحاب، وعن الشهيد الثاني أنّ هذا الحكم، أي: لزوم الجريان[155]

-------------------------

[152] قوله: [الظاهر] إذ الوضع كان على الجبين، والسدل وأمرّ، كلها ظاهرة في كونه من الأعلى، لكن هنا تأملٌ في أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هل وضع الماء على أعلى الجبين؟ فلو كان كذلك للزم إعمال دقة وعناية إضافية، إلاّ أن يقال: إنه مجمل، فلعل ذلك مقدمة الوضوء لا نفس الوضوء، والأعلى يستفاد من ثم «أمرّ» فتامل.

[153] قوله: [الاتفاق] المصنف عادة يناقش في الاتفاقات فكيف قبله في المقام؟

[154] قوله: [السيرة] القدر المتيقن منها الأعلى فالأعلى العرفي.

[155] قوله: [الجريان] الاحتمالات ثلاثة:

الأول: لزوم الجريان ولو بمعين، كاليد.

الثاني: لزوم الجريان بنفسه.

الثالث: لا لزوم للجريان مطلقاً.

ص: 148

معروف بين الفقهاء، ولا سيما المتأخرين، ويمكن أن يستدلّ عليه بالكتاب والسنّة حيث دلاّ على لزوم الغسل[156] الذي أخذ في مفهومه لغة وعرفاً الجريان...

ولا يرفع اليد عمّا يقتضي إجراء الماء بما رواه زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »إنّما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه ومن يعصيه، وأنّ المؤمن لا ينجسه[157] شيء إنّما يكفيه مثل الدهن«(1)، فإنّه يمكن[158] أن يكون وجه الشبه أنّه

-------------------------

وظاهر المشهور أو القدر المتيقن منه: الأول، لكن فيه نظر، فإن الروايات(2) اللاحقة وسّعت في مفهوم الغسل، واعتبرت مثل الدهن غسلاً، فيكفي ذلك، ولا إبهام في الروايات عرفاً حتى نضطر للتأويل ونبحث عن وجه للجمع، أو نطرح الرواية.

[156] قوله: [الغسل] وفيه: أن الروايات القادمة(3) حاكمة وموسعة، أو هي ملحقة لما لا يجري بالغسل حكماً؛ وإن لم تكن توسعة موضوعية.

[157] قوله: [لا ينجسه] لعل المراد نجاسة ذاتية كالكفر، فالقضية ليست رفعاً لنجاسة، بل هي مجرد اختبار للطاعة.

[158] قوله: [يمكن] لا إجمال في الرواية حتى يبحث عن تأويل، فلو اُعطيت هذه الرواية للعرف فهم منها كفاية مجرد الإمساس كالدهن، ولو

ص: 149


1- الكافي 3: 21.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 321.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 321.

لا يلزم في الغسل أزيد من مسمّى بحيث يسيل ويقع على الأرض... ويشهد[159] لما ذكر ما روي عن عليّ (عليه السلام) كان يقول: »الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ من الدهن الذي يبلّ الجسد«(1).

والحاصل أنّه لا بدّ[160] من حمل الرواية على هذا المعنى، وإلاّ يرفع اليد عنها؛ إذ[161] لو كان المراد منها ما ينافي[162] مفهوم الغسل يكون مخالفاً للكتاب والسنّة، فلا بدّ من طرحها...

لكن ذكرنا أنّ المرجح منحصر في الأحدثية[163] فيكفي لإلغاء

-------------------------

كان بحيث لا يجري.

[159] قوله: [ويشهد] لا شهادة فيه؛ إذ لا شك في لزوم البلل، وإنما الكلام في الجريان.

[160] قوله: [لابد] لا لزوم لذلك.

[161] قوله: [إذ] حاصل ما ذكره في الرواية(2) هو:

أولاً: أنها منافية للكتاب.

ثانياً: منافية للسنة المتواترة فتطرح لمجرد المنافاة.

ثالثاً: أنها منافية لسائر الروايات، والكتاب مرجح لسائر الروايات.

[162] قوله: [ينافي] لا منافاة، بل هي حكومة أو إلحاق حكمي.

[163] قوله: [الأحدثية] سبق أنها ليست مرجحاً فكيف بانحصارها.

ص: 150


1- الاستبصار 1: 122.
2- وهي: عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: «أن علياً (عليه السلام) كان يقول: الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ من الدهن الذي يبل الجسد». تهذيب الأحكام1: 122، ح7.

من الأعلى إلى الذقن[164] كفى(*)، كما أنّه يكفي لو أجرى الماء على وجهه منكوساً[165].

ولكن نوى[166] الغسل من الأعلى برجوعه(**)، ولا يجب غسل

الحديث كونه مخالفاً مع الكتاب[167].

(*) لما تقدّم آنفاً[168] من عدم لزوم المسح، بل يكفي الغسل من أعلى بأيّ وجه كان لاقتضاء إطلاق[169] الأدلّة ذلك.

(**) لتحقّق ما هو مأمور به[170] كما هو ظاهر.

-------------------------

[164] قوله: [من الأعلى إلى الذقن] عرفاً.

[165] قوله: [منكوساً] بصنبور الماء مثلاً.

[166] قوله: [نوى] عند الإجراء، ولا تكفي النية عند الرجوع؛ وذلك لأنه يكون منوياً، وأما نفس الرجوع فليس عملاً اختيارياً، وإنما يكون اختيارياً بالنية حين الإجراء، فتأمل.

[167] قوله: [الكتاب] أو السنة المتواترة.

[168] قوله: [آنفاً] واستدل بالإجماع والتسالم والرواية(1) .

[169] قوله: [إطلاق] فإن: {فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ}(2) ينطبق عليه.

[170] قوله: [مأمور به] وهو الغسل، والعمل يستند إليه، فإنه اختياري باختيارية مقدماته.

ص: 151


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 322.
2- المائدة: 6.

البشرة المستورة بالشعر النابت عليها(*)، سواء في ذلك شعر اللحية والحاجب وأشفار العين(**)... نعم، لو كانت مرئيّة بين خلال الشعر لتباعد منابته وجب غسلها[171].

(*) لقول[172] أبي جعفر (عليه السلام) : »كل ما أحاط[173] به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء«(1)...

(**) لإطلاق ما تقدّم وللتنصيص على اللحية فيما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: »سألته عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته؟[174] قال: لا«(2).

-------------------------

[171] قوله: [وجب غسلها] الملاك صدق الغسل المأمور به - عرفاً - فكونها مرئية أو غير مرئية ليس ملاكاً؛ ولذا أطلق في الرواية السابقة(3)، فتأمل.

[172] قوله: [لقول] وقبل ذلك لصدق: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(4) عرفاً، كما لو أمر الطبيب بذلك.

[173] قوله: [أحاط] هل المُحاطية والمستورية مترادفان، أو بينهما تباين جزئي؟ فلو كان كذلك لزم تغيير التعبير إلى «المحاطة » ولاحظ حدود صدق الغسل عرفاً.

[174] قوله: [لحيته] هذا يشمل المحيطة وغير المحيطة، واللحى مختلفة

ص: 152


1- تهذيب الأحكام 1: 364.
2- الكافي 3: 28.
3- وهي: عن محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته؟ قال: لا». الكافي3: 28.
4- المائدة: 6.

وأمّا غسل اليدين فيجب من المرفق، وهو مجمع عظمي الذراع والعضد(*)[175].

(*) وقع الخلاف[176] في المراد من المرفق، ففي بعض الكلمات أنّه المفصل أو الموصل على اختلاف التعبير...

-------------------------

في ذلك، فلا يقال: إنه منصرف للمتعارف، فاللحى - عادةً - توجد بينها فجوات تُرى البشرة من خلالها وعادة لا تخلل، فتأمل.

[175] قوله: [مجمع عظمي الذراع والعضد] على الأحوط.

وقد يطرح هذا التساؤل: هل أنَّ التفسير اللغوي يقبل الاحتياط؟

ويحتمل كون المراد منه: الخط الفاصل، فإنه هو الذي يفهمه العرف، وهو أمر مرئي محسوس واضح، بخلاف سائر التعاريف، فإنها لا تخلو من غموض عرفاً، إلاّ لمن اتقن فن التشريح، فتأمل.

[176] قوله: [الخلاف] ذكر في التنقيح(1) معاني ثلاثة للمفصل:

الأول: أنه الخط الوهمي الفاصل بين عظم الذراع المحاط بعظمي العضد المحيطين.

الثاني: أنه عظم الذراع المتداخل في عظمي العضد، أي: طرف الساعة

الداخل في العضد.

الثالث: أنه مجموع العظام الثلاثة، وقد اختاره صاحب العروة(2).

ص: 153


1- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 89 - 90.
2- انظر: العروة الوثقى 1: 736.

فلو أريد من هذا التعبير الحدّ المشترك بين الطرفين[177] فيردّه أنّه على هذا المعنى لا مجال لوقوع النزاع في وجوب غسله وعدمه؛ إذ الحدّ المشترك بين الطرفين ليس إلاّ أمراً موهوماً[178] كالنقطة... وفي بعض الكلمات تفسيره بالعضد[179]...

-------------------------

وفي الفقه(1) ذكر أقوالاً خمسة، وما ذكره المصنف هنا لا يخلو من غموض.

[177] قوله: [الطرفين] أي: بين الذراع والعضد، على ما في الفقه(2): وهو الخط الموهوم المشترك بين سطحي الذراع والعضد، فتأمل.

[178] قوله: [موهوماً] إذ لا يوجد هنالك حد مشترك بين الأشياء، مثلاً: لو فرضتم جدارين في غرفة فهل هنالك حدّ مشترك بينهما؟ فكل شيء فرضتم فإما هو داخل في هذا أو ذاك.

وفي بحث النقطة والخط والسطح أن الأشياء لا نهاية لها؛ إذ كل شيء فرضتم يمكن تجزئته إلى شيئين، فتأمل.

هذا، ولكن الظاهر أن المراد بالحد المشترك العرفي، وهو الخط الملحوظ في باطن الذراع الذي ينثني عنده الذراع.

[179] قوله: [بالعضد] بعيد جداً، ولم أجده فيما لديّ، ولعل في

ص: 154


1- انظر: الفقه 8 : 207، حيث قال: «المشهور بين الفقهاء، بل هو المتبادر عرفاً، ويكفي به دليلاً، وإن اختلفوا فيه على أقوال واحتمالات: والاول: إنه مجموع العظمين المتداخلين. الثاني: إنه رأس العظمين. الثالث: إنه المقدار المتداخل منهما لا المقدار الخارج منهما - وهذه الثلاثة يجمعها قولهم: إنه مجمع عظمي الذراع والعضد - . الرابع: إنه الخط الموهوم المشترك بين سطحي الذراع والعضد. الخامس: إنه طرفا العضد والذراع - وهذان يجمعهما قولهم أنه موصل الذراع بالعضد - ».
2- انظر: المصدر نفسه.

مدخلاً له في المغسول(*)، بل يلزم غسل شيء من العضد مُقدّمة

ولا يخفى أنّ النزاع فيه يترتّب عليه أثر عملي، خلافاً لما في بعض الكلمات من عدم ترتّب أثر عليه بدعوى ظهور اتّفاقهم على وجوب غسل تمام البشرة المستديرة[180] على موضع التواصل والتداخل بين العظمين بأيّ معنى أخذ المرفق إلى آخر كلامه، فإنّ الإجماع[181] مستند إلى الروايات[182] الواردة في المقام ولا أقلّ من احتماله. وغاية ما يستفاد من هذه الروايات أنّ غسل المرفق لازم، فلو شكّ في المراد منه يكون الشكّ بين الأقلّ والأكثر[183] والمرجع البراءة...

(*) نقل[184] عن الخلاف والتحرير والتذكرة وكشف اللثام وغيرها دعوى الإجماع عليه...

-------------------------

العبارة(1) سقطاً.

[180] قوله: [المستديرة] أي: المحيطة، أي: اللحم المحيط.

[181] قوله: [فإن الإجماع] الأولى أن يقال: إنه لا إجماع، وأما احتمال الاستناد فلا يضر كما سبق.

[182] قوله: [الروايات] أو إلى أقوال اللغويين أو إلى العرف.

[183] قوله: [بين الأقل والأكثر] الارتباطيين.

[184] قوله: [نقل] الأدلَّة المذكورة هنا(2) لوجوب غسل المرفق هي:

الأول: الإجماع المنقول.

ص: 155


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 323.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 324.

وأمّا الآية والنصوص المتضمّنة لذكر المرفق متضمناً لحرف الغاية كرواية زرارة، فلا تصلح لإثباته لو لم تصلح لنفيه، بناء على كون الأصل الخروج في مدخولها، فتكون الرواية معارضة[185] مع

-------------------------

الثاني: مرسلة الخلاف(1) التي جعلها الشيخ كالصحيح، وقد وذكر المصنف المناقشة فيها(2).

الثالث: وضع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الماء على المرفق(3).

الرابع: النصوص والآية التي تضمنت لفظ (إلى)(4).

الخامس: السيرة وارتكاز المتشرعة.

السادس: ما سيأتي من لفظ «من»(5).

وحال الإجماع معلوم عند المصنف، لكن يمكن ادعاء تواتر نقله، فتأمل.

وأما الثالث: فلعله كان من باب المقدمة العلمية، وليس الكلام فيها - إذ سيأتي بعد قليل - بل فيما يلزم غسله بالأصالة، والرجحان سبق التأمل في أصله وفي دلالته على الوجوب.

[185] قوله: [معارضة] فيه نظر بيّن، فإن الأصل أي: القاعدة التي يبني

ص: 156


1- انظر: الخلاف 1: 78.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 324- 325.
3- انظر: الوسائل، باب 15 من أبواب الوضوء، ح2.
4- وهي قوله تعالى: { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}. [المائدة:6].
5- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 325، الفقه 8: 309.

لحصول اليقين بغسل تمام المرفق(*).

ويجب الابتداء من المرفقين إلى رؤوس الأصابع(**).

النصوص التي تدلّ على لزوم غسل المرفق، ومقتضى الصناعة لزوم العمل بهذه الرواية[186]...

(*) لتحصيل العلم[187] بتحقّق ما علم وجوب غسله.

(**) هذا هو المشهور[188] بين الأصحاب ... وتدلّ على قول المشهور جملة من الروايات منها: ما رواه الهيثم بن عروة التميمي، قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قوله تعالى {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}..«(1)...

-------------------------

العقلاء عليها لولا المعارض «أي المفسر» فلو قال: اجلس هنا إلى الساعة الثانية عشرة، ثم قام دليل معتبر على أن الغاية داخلة لم يعد معارضاً.

وبعبارة أُخرى: هو تعارض غير مستقر، والعرف يجمع بينهما بأن اللفظ هنا لم يرد ظاهره، وعليه فلا تجري قوانين التعارض.

[186] قوله: [الرواية] أي: الدالة على عدم لزوم غسل المرفق(2).

[187] قوله: [العلم] وهذه هي المقدمة العلمية، ومثلها: الصوم والطواف وغيرهما.

[188] قوله: [المشهور] بل يمكن ادعاء الضرورة الفقهية عليه، بل هو من

ص: 157


1- المائدة: 6.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 388.

ولا يرد[189] على الرواية أنّ المتواتر في القراءة لفظة »إلى« فالرواية مطروحة، لأنّه يمكن[190] أن يكون المراد بالتنزيل المراد أي أريد من الآية الابتداء في الغسل من المرفق، فلا تنافي الرواية القراءة المتواترة...

ومن الظاهر[191] أنّ استفادة هذا المعنى من الآية الشريفة لا

-------------------------

الواضحات حتى عند العوام، وما عن الشهيد وغيره(1) لا يقدح في ذلك فلعله بشبهةٍ حصلت لهم، ويحتمل كون النقل عنهم غير صحيح فراجع. وقد ذكر الشارح أنّ السيرة قائمة على ذلك(2).

[189] قوله: [ولا يرد] هذه ثلاثة إشكالات على الرواية(3):

الأول: أنها خلاف التواتر.

الثاني: ضعف السند.

الثالث: أنها خلاف رواية إسماعيل بن جابر(4).

[190] قوله: [يمكن] خلاف الظاهر جداً، والأولى التشكيك في التواتر، إلاّ أنه مشكل جداً.

[191] قوله: [ومن الظاهر] فالآية الكريمة لبيان حد المغسول، لا اتجاه الغسل، وهو أمر عرفي يفهمه كل أحدٍ، مثل: اصبغ الغرفة إلى منتصفها، واغسل رجلي الطفلة إلى الركبة.

ص: 158


1- انظر: الانتصار: 99، السرائر 1: 99، جامع المقاصد 1: 215، جواهر الكلام 2: 160.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 328.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 405.
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 399.

تحتاج إلى تفسير وتأويل... والمستفاد من رواية ابن عروة أنّ الآية وإن كانت مطلقة ولكن المراد منها الغسل الخاصّ، أي المبتدأ به من المرفق إلى الأسفل فلا تنافي[192] بينهما...

وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل: إنّه رافضي[193] فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلمّا نظر إلى وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة(1)...

ومنها: ما عن تفسير العيّاشي عن صفوان قال: »سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ وجلّ: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} إلى أن قال: قلت: فإنّه قال: اغسلوا أيديكم إلى المرافق، فكيف الغسل؟ قال: هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى، ثمّ يفضّه على المرفق ثمّ يمسح إلى الكفّ، إلى أن قال: قلت له: يرد الشعر؟[194] قال: إذا كان عنده آخر فعل وإلاّ فلا«(2)...

-------------------------

[192] قوله: [فلا تنافي] إذ لا تنافي بين المطلق والمقيد.

[193] قوله: [رافضي] الذين تبوؤوا مناصب من الشيعة متعددون، ومنهم أيضاً عبد اللّه بن سنان(3).

[194] قوله: [يرد الشعر] الظاهر أن المراد منه بنية الوضوء، وإلاّ فلا بأس به في حد ذاته ظاهراً.

ص: 159


1- وسائل الشيعة 1: 445.
2- تفسير العياشي 1: 300.
3- انظر: معجم رجال الحديث 11: 225.

على النحو المذكور في الوجه(*)، فلو عكس بطل(**)، ومن قطع بعض يده اكتفى بغسل ما بقي من محلّ الغسل.

(*) بأن يغسل من الأعلى إلى الأسفل مع رعاية الأعلى فالأعلى، ويدلّ عليه ما تقدّم في رواية ابن عروة[195]... ويدلّ عليه أيضاً ما عن العيّاشي كما هو ظاهر، أضف إلى ذلك السيرة[196].

(**) قد ذكرت في تقريب المدّعى وجوه[197]:

منها: الإجماع، وفيه أنّه على فرض حصوله محتمل المدرك[198]...

-------------------------

[195] قوله: [عروة] لكنه ضعفها سنداً(1).

[196] قوله: [السيرة] السيرة فعل ولا تدل على الوجوب، بل الجواز، فالأولى الاستدلال بارتكاز المتشرعة.

[197] قوله: [وجوه] ومنها: أنه لولا ذلك لزم سقوط الوضوء والتيمم؛ إذ المفروض أن كفه - مثلاً - مقطوعة، فيكون فاقد الطهورين، وحكمه - على المشهور(2) - سقوط الأداء، فلا يصلي أداءً مطلقاً، وهذا منكر في أذهان المتشرعة، ولو قيل بسقوط القضاء - أيضاً - فالأمر أنكر! لكن المبنى - أي: سقوط الأداء أو القضاء أيضاً - محل إشكال كما سيأتي.

[198] قوله: [محتمل المدرك] سبق أن ذلك لا يضر.

ص: 160


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 325.
2- انظر: مختلف الشيعة 1: 443، جامع المقاصد 2: 45، مجمع الفائدة والبرهان 1: 328، مدارك الأحكام 2: 232، الحدائق الناضرة 4:318، مفتاح الكرامة 4: 414، جواهر الكلام 5: 232.

ومنها: قاعدة الميسور، ويرد عليه: أنّ هذه القاعدة لا دليل[199] معتبر عليها.

ومنها: استصحاب وجوب الغسل. وفيه أولاً: أنّه يلزم أن يكون القطع أثناء[200] الوقت كي يقطع بوجوب الغسل ثمّ الشكّ فيه، فالدليل أخصّ من المدّعى.

وثانياً: أنّ غسل اليد ليس واجباً استقلالياً كي يستصحب وجوبه، وإنّما الواجب الصلاة مع الوضوء، والوضوء بتمامه واجب بالوجوب المقدّمي العقلي، فلا موضوع[201] للتقريب المذكور...

ومنها: النصوص الواردة في المقام، لاحظ ما رواه رفاعة قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الأقطع فقال:

-------------------------

[199] قوله: [لا دليل] فيه: أنها مجبورة بالعمل، فتأمل.

[200] قوله: [أثناء] أو يقال بالوجوب المعلق.

[201] قوله: [فلا موضوع] لعل مراده أنه حكم عقلي، والاستصحاب لا يجري فيه، كما بينه الشيخ (رحمه اللّه) في الرسائل(1).

وهناك تقريب آخر وهو: أن الغسل واجب مقدمي لحصول اغسل الكل «أي الوضوء» والموجود ليس مقدمة لذلك.

والخلاصة: أن الوجوب النفسي غير محقق، والوجوب المقدمي إنما يتحقق في فرض المقدمية لغسل كل الأعضاء، ولا مقدمية مع قطع البعض.

ص: 161


1- انظر: فرائد الأصول 3: 39.

يغسل ما قطع منه[202]«(1)...

ولاحظ ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده«(2). فإنّ الجار[203] لا يكون بياناً للموصول، وإلاّ كان المناسب أن يقال يغسل عضده...

-------------------------

[202] قوله: [قطع منه] أي: الذي قطع منه المقطوع، أي: المقطوع منه لا المقطوع، وهو وإن كان يشمل ما فوق الذراع إلاّ أن القدر المتيقن هو المقدار الواجب غسله لولا القطع، فليس للرواية الشريفة إطلاق.

[203] قوله: [الجار] الاحتمالات ثلاثة:

الأول: يغسل ما بقي، أي: عضده.

وفيه: أنه لو كان كذلك لناسب أن يقال: يغسل عضده، ومع الفرض لا يضر، لما سبق أن المرفق مركب من شيئين: الذراع وشيء من العضد.

الثاني: أن يتعلق ب- (بقي)، أي: ما بقي من عضده يغسله.

وأجاب عنه المصنف: أن ظاهر السؤال أن المرفق بقي، حيث إن القطع ابتدأ من المرفق، فالمرفق لم يقطع.

وفيه نظر: إذ تستعمل «من» ولو مع قطع المرفق تاماً.

الثالث: لعل مراد المصنف أن الجار متعلق ب- «يغسل» أي: يغسل مبتدئاً من العضد ما بقي، وإنما ابتدأ من العضد للمقدمة العلمية، فتأمل.

ص: 162


1- الكافي 3: 29.
2- تهذيب الأحكام 1: 360.

ولو قطع جميعه اكتفى بغسل سائر الأعضاء(*)،

وفي الباب حديثان آخران أحدهما ما رواه ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن الأقطع اليد والرجل قال: يغسلهما«(1).

ثانيهما: ما رواه رفاعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه«(2). فإنّهما إمّا يكونان قابلين للجمع[204] مع حديث عليّ بن جعفر وإمّا لا يكونان كذلك...

(*) الظاهر[205] أنّ الوجه فيما أفاده أنّه يستفاد من النصوص

-------------------------

والأولى ما ذكرناه، من أن المرفق يحتوي على شيء من العضد، فلا يضر انتخاب أي من الاحتمالات الثلاثة، وهي: 1- يغسل ما بقي، أي عضده. 2- يغسل ما بقي من عضده. 3- يغسل من عضده ما بقي، فتأمل.

[204] قوله: [للجمع] لعل مراده: أنه يغسل المقدار الذي كان واجباً غسله قبل القطع.

والظاهر: أنه لا وجه للإشكال؛ إذ وزان هاتين وزان الروايات السابقة(3) فلا فرق لتلاحظ النسبة بينها.

[205] قوله: [الظاهر] ويدل على المطلوب أيضاً:

أولاً: قاعدة الميسور. ثانياً: ما سبق من استنكار المتشرعة.

ص: 163


1- الكافي 3: 29.
2- تهذيب الأحكام 1: 359.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 329.

ولو كان له يد زائدة أو إصبع كذلك أو لحم نابت دون المرفق وجب غسله(*)[206] دون ما لو كان فوق المرفق.

المشار إليها اعتبار قاعدة الميسور في المقام، بتقريب أنّ العرف[207] يفهم أنّ الشارع الأقدس اكتفى بغسل ما بقي وجعله بدلا عن الكلّ، والإنصاف أنّ الجزم بالتقريب المذكور مشكل[208]... لكن مقتضى قاعدة لا تسقط الصلاة بحال[209] بقاء وجوب الصلاة واكتفاء الشارع بها بلا طهارة. نعم، مقتضى الاحتياط الإتيان بغسل ما بقي من الأعضاء[210] والإتيان بالصلاة، واللّه العالم بحقائق الأمور.

(*) الظاهر أنه لا خلاف في ذلك... ويمكن أن يستدلّ[211]

-------------------------

[206] قوله: [وجب غسله] على الأحوط في بعض الصور.

[207] قوله: [العرف] إذ لا فرق بين قطع بعض عضوٍ أو عضو كامل.

[208] قوله: [مشكل] إذ إنه قياس.

[209] قوله: [بحالٍ] استشكل المصنف في القاعدة(1) ثم أقرّها، وهي من صغريات «فاقد الطهورين».

[210] قوله: [الأعضاء] الحكم في ذلك مبني على الاحتياط، لو لم نفهم البدلية عرفاً، ولم نعتبر قاعدة الميسور.

[211] قوله: [يستدل] وأيضاً بقوله (عليه السلام) في صحيحة الأخوين: «فليس له أن يدع شيئاً إلى المرفقين إلاّ غسله»(2).

ص: 164


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 442.
2- الكافي 3: 26.

والأحوط غسل الشعر هنا مع البشرة(*)[212].

عليه بالأدلّة الأولية[213] فإنّ وجوب غسل اليد إلى المرفق يقتضي غسل هذا المقدار بتمامه...

(*) ... وأمّا غسل البشرة ولو مع تكاثف الشعر كما هو مقتضى إطلاق العبارة، فالظاهر أنّ منشأه قصور الدليل[214]... فإنّ ما دلّ على كفاية غسل الشعر عن غسل البشرة روايتان: إحداهما ما رواه الصدوق في الفقيه في باب حدّ الوضوء قال: قال زرارة بن أعين لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) : »أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ... فقال: كلّما أحاط[215]

-------------------------

[212] قوله: [البشرة] لا يبعد عدم وجوب غسل البشرة فيما لو صدق غسل اليد بدون غسلها، كما في البشرة المحاطة بالشعر الكثيف.

[213] قوله: [الأولية] قد يتأمل فيه باعتبار أن الأدلَّة تنصرف للمتعارف، وهذا غير متعارف في مثل اليد الزائدة واللحم غير المتعارف - كالكثير - فتنصرف الأدلَّة عنه، وأما غسل ما تحته فهو غير مقدور، فتأمل(1).

[214] قوله: [قصور الدليل] بل منشؤه: صدق {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}(2) عرفاً فيما لو كان الشعر محيطاً.

[215] قوله: [كلما أحاط] حيث إن هذه الفقرة وقعت في ضمن مباحث

ص: 165


1- انظر: الفقه 8 : 212.
2- المائدة: 6.

ولا يجب إزالة الوسخ الكائن تحت الأظفار ما لم يكن تجاوز

به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء«(1)...

ولكن يشكل الجزم بالإطلاق؛ إذ لا معنى[216] أنّ الراوي يسأل الإمام (عليه السلام) ابتداء عن حكم الشعر، فيلزم بحسب الصناعة الاحتياط لا سيما في المقام[217].

-------------------------

غسل الوجه، وبعدها جاءت مسائل غسل اليدين، فلا ينعقد لها ظهور في العموم، فإنه محتمل القرينية، وهو قادح في الإطلاقات.

وربما يجاب: بأن خصوص المورد لا يخصص الوارد(2).

وقد يقال: إنه من خصوص الوارد لا خصوص المورد، فتأمل.

[216] قوله: [لا معنى] فالاحتمال قوي جداً أن الرواية مقتطعة، فهل من المتصور أن يأتي أحد للفقيه ويبتدئ قائلاً: «أرأيت ما كان تحت الشعر» بدون ذكر الوضوء ونحوه؟!

[217] قوله: [المقام] حيث إنّ الأمر يرتبط بالطهارة، التي هي شرط واقعي في الصلاة، التي هي عمود الدين.

ص: 166


1- من لا يحضره الفقيه 1: 44.
2- انظر: حقائق الأُصول 2: 412، المحكم في أصول الفقه 2: 56، و 6: 267.

القدر المتعارف(*)[218].

(*) استدلّ[219] عليه بأنّه من الباطن فلا يجب غسله، وبجملة [220] من النصوص، منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر«(1)...

-------------------------

[218] قوله: [المتعارف] وعدّ من الظاهر، وإلاّ فالباطن لا يجب غسله مطلقاً، وإن كان خارجاً عن المتعارف، فالماتن جعل الملاك هو كونه متعارفاً أو لا.

وعلى ما ذكرناه، فالملاك مركب من الظهور والخروج عن المتعارف، والصور أربع:

الأولى: باطن متعارف. الثانية: باطن غير متعارف.

الثالثة: ظاهر متعارف. الرابعة: ظاهر غير متعارف.

وفي الثالثة تأمل. نعم، قد يدعى التلازم بين «التعارف والبطون» و«عدم التعارف والظهور» فيصح ما ذكره الماتن، والمسألة بحاجة إلى تأمل أكثر.

[219] قوله: [استدل] هذا يدل على التلازم بين المتعارف والبطون، وكذا الاستدلال بالروايات(2).

[220] قوله: [وبجملة] الظاهر أن الصحيح لجملة من النصوص.

ص: 167


1- الاستبصار 1: 67.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 431- 433.

نعم، لو قصّ الظفر فظهر الوسخ وجب إزالته وغسل موضعه(*)[221]

ولا يخفى أنّ ما دلّ على عدم وجوب غسل الباطن مع تعدّده ضعيف[222] من حيث السند فلا يعتمد عليه، ولكن[223] حيث إنّ الوسخ تحت الظفر لو لم يكن خارجاً عن المتعارف أمر متعارف شائع بين أصناف المكلّفين، ولم يدلّ على لزوم إزالته، ولم يقع في الروايات سؤال عن حكمه، يعلم عدم وجوب غسله...

(*) كما هو مقتضى[224] القاعدة الأوّلية وعدم جريان ما تقدّم فيه كما هو ظاهر.

-------------------------

[221] قوله: [وغسل موضعه] على الأحوط في اليسير.

[222] قوله: [ضعيف] إلاّ أنه قد يدّعى جبره بالعمل أو الفتوى، فتأمل.

[223] قوله: [ولكن] الأدلَّة في المقام أربعة، وهي:

الأول: أنه من الباطن الذي لا يجب غسله.

الثاني: أنه أمر متعارف، ولو كان لازم الإزالة لنُبّه عليه في الروايات.

الثالث: صدق غسل اليدين بدونه.

الرابع: الإطلاق المقامي في الوضوءات البيانية.

[224] قوله: [مقتضى] هذا مبني على لزوم الاستيعاب، وفيه تأمل(1)، فالحكم مبني على الاحتياط(2).

ص: 168


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 431- 433.
2- انظر: الفقه 8 : 221.

ويجب استيعاب الغسل لجميع أجزاء الوجه واليدين بحيث لا يترك شيء منها بلا غسل، ولو مقدار مكان شعرة[225] فلو كان فيها مانع عن وصول الماء وجب رفعه أو تحريكه بحيث يصل الماء إلى محلّ الغسل(*). وأمّا مسح الرأس فيجب مسح شيء من الربع المقدّم[226] من الرأس(**).

(*) من باب المقدمة[227](1).

(**) ... وحمل الشيخ هذه الرواية على ما نقل عنه في الوسائل على

-------------------------

وقد يدعى تعارف مثل هذه الأوساخ لو كانت يسيرة خاصة في الّذين يعملون في الطين وأمثاله، فتأمل.

[225] قوله: [شعرة] على الأحوط.

[226] قوله: [المقدم] الوارد في الرواية(2) الشريفة وإن كان هو مسح المقدم إلاّ أن الظاهر - أو القدر المتيقن - المقدم مقابل المؤخر واليمين واليسار، ولذا فهو يساوق الربع المقدم معنىً، كما ذكره الشارح، وفهم الفقهاء وسيرة المتشرعة دليلان آخران.

[227] قوله: [المقدمة] الوجودية ومع الشك يحتمل كون المقدمة علمية.

ص: 169


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 334.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 410، ح1، وهي: عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «مسح الرأس على مقدمه».

التقيّة، ويرد عليه أولاً[228]: إنّه لا تعارض بين هذه الرواية وتلك الروايات حتّى تحمل على التقية...

وثانياً[229]: أنّ هذه الرواية ليست مطابقة لفتوى العامّة، فإنّ العامّة ما بين قائل بوجوب مسح تمام الرأس...

وأمّا رفع اليد عنها بإعراض المشهور عنها فلا يتمّ على مسلكنا[230] من عدم وهن الخبر الموثّق بالإعراض...

-------------------------

[228] قوله: [أولاً] التعارض ليس دقياً عقلياً، بل عرفياً، والظاهر أنه محقق، وما ذكره(1) من الجمع ليس بعرفي، ويدل على ذلك أنه على ما ذكره المصنف يكون قوله (عليه السلام) : «على مقدمه»(2) لغواً؛ إذ كان يكفي أن يقول: (امسح الرأس) فما وجه إقحام «على مقدمه» وليس المقام مقام شك في المقدم كي يكون دفعاً للتوهم، لاحظ أقوال العامّة(3) فلعله للاستحباب، فتأمل.

[229] قوله: [وثانياً] لا بد من ملاحظة الفقه الحاكم، ولا يشترط مطابقة كافة العامة في التقية.

[230] قوله: [مسلكنا] في المبنى نظر(4)، ومع الفرض فالمسألة مسألة

ص: 170


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 335.
2- الاستبصار 1: 60.
3- انظر: كتاب الأم 1: 41، فتح العزيز 1: 353، روضة الطالبين 1: 164، المدونة الكبرى 1: 16، تحفة الفقهاء 1: 9.
4- وقع الخلاف بين الفقهاء في أن إعراض المشهور مسقط للرواية أو لا. انظر: المهذب 2: 5-7، العروة الوثقى 5: 553، مستمسك العروة الوثقى 1: 157، نهاية الأفكار 3: 186، نهاية الدراية في شرح الكفاية 2: 402، مصباح الأصول 2: 203.

بما يسمّى مسحاً عرفاً(*).

(*)... نسب إلى المشهور من أنّ الاكتفاء بإصبع واحد في مسح الرأس والرجلين لا ينافي ما ذكر؛ لأنّه يمكن أن يكون بياناً لأقلّ ما يتحقّق به المسح، لا إلزامه بالخصوص ولو تحقّق بأقلّ منه[231].

وكيف كان يدلّ على المدّعى ما رواه زرارة قال: »قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين، فضحك فقال: يا زرارة، قاله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونزل به الكتاب من اللّه عزّ وجلّ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل، ثمّ قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين، ثمّ فصل بين الكلام فقال: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} فعرفنا حين قال: {بِرُؤُوسِكُمْ} أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء[232]»(1)...

-------------------------

تسالم، وقد قبله المصنف سابقاً.

[231] قوله: [بأقل منه] كطرف الإصبع - طولاً - وقد يقال: إن «بإصبع واحد» يشمل المسح بطرف الإصبع، فقولهم: بإصبع مقابل الكل لا مقابل طرف الإصبع فهو إضافي.

[232] قوله: [لمكان الباء] راجع التنقيح(2) والفقه(3) في وجه دلالة الباء

ص: 171


1- الكافي 3: 30.
2- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 66.
3- انظر: الفقه 8 : 248.

والأحوط[233] كونه مقدار عرض إصبع(*).

(*) نقل عن الشيخ والشهيد عدم الاكتفاء بأقلّ[234] من إصبع...

-------------------------

على التبعيض، والظاهر أنه لا حاجة للتأويل، بل يكفي قول الامام (عليه السلام) - وهم أُمراء الكلام وعليهم نبتت عروقه - في ذلك، ولا يقل - والعياذ باللّه - قوله (عليه السلام) عن قول مثل سيبويه ونفطويه!

[233] قوله: [والأحوط] الأولى، ولعل احتياطه استحبابي بقرينة كلامه السابق.

والذي يبدو أن المراد ما يستوعبه المسح من الرأس في عرض الرأس، فلو أدخل إصبعاً فقد استوعب من عرض الرأس عرض الإصبع، وأما الطول فلم يذكر في المتن، ولا يشترط نفس الإصبع، بل مقدار ذلك - راجع التنقيح(1) - وهكذا لو أدخل ثلاثة أصابع، فقد استوعب من عرض الرأس مقدار عرض ثلاثة أصابع مضمومة، ولا يشترط كونه بالثلاثة، بل مقدارها.

ومن هنا يتضح ارتباط الشرح بالمتن وكيفية الاستدلال بروايات: «إدخال الإصبع»(2)، و «موضع ثلاث أصابع»(3)، فتأمل وراجع العروة(4) فإن ظاهره ما ذكرناه.

[234] قوله: [بأقل] لعل مرادهم الإصبع حقيقة لا مقدارها، وهذا وإن كان ملازماً لكون العرض عرض إصبع، لكن الواجب مجموع اللازم والملزوم، فتأمل.

ص: 172


1- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 177.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 414.
3- الكافي3: 29، ح1.
4- انظر: العروة الوثقى 1: 383.

ويرد على الاستدلال أولاً: أنّه لا اعتبار بسند إحدى الروايتين للإرسال[235]، وثانياً[236]: أنّه لا يستفاد منهما عدم كفاية مطلق المسح؛ إذ الطبيعي لا يتحقّق إلاّ بإدخال الإصبع كما هو ظاهر. مضافاً[237] إلى أنّ الظاهر منهما التعرض لعدم وجوب رفع العمامة

-------------------------

والتأويل بأن المراد المقدار(1) خلاف الظاهر، فتأمل.

[235] قوله: [للإرسال] إلاّ أن يقال: إنه من أصحاب الإجماع، لكن المبنى غير مرضي.

[236] قوله: [وثانياً] فاللازم أن يدخل الإصبع، لكن يمكن أن يمسح بطرف الإصبع، أي: يمسح بجانبها الأيمن أو الأيسر، إلاّ أن يقال: إنه المتعارف، وفيه أنه لا يقيد الإطلاق، فتأمل.

[237] قوله: [مضافاً] أي: أنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة، فلا يستفاد منه لزوم كونه بعرض إصبع.

والخلاصة: أنه إنما قيل يدخل إصبعه لأنه لا يمكن طبيعي المسح المطلوب بلا إدخال، وقيل «يدخل» مقابل المسح على العمامة، فهذان وجهان:

الأول: إنَّ المطلوب هو الطبيعي، وهو يتحقق بأي فرد.

الثاني: المقصود أن لا يمسح على العمامة، فلا إطلاق له، فمفاد الأول الإطلاق، ومفاد الثاني عدم التعرض لحكم المقدار أصلاً.

ص: 173


1- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 146.

والأولى مسح مقدار ثلاثة أصابع مضمومة(*)[238].

وجواز المسح بإدخال الإصبع، فلا يستفاد منهما حكم آخر. ولو تنزّلنا عن ذلك يمكننا أن نقول بأنّهما تدلاّن على كفاية الأقلّ من الإصبع؛ لأنّ باطن الإصبع المماس لظاهر الممسوح أقلّ مسافة من عرض الإصبع؛ لأنّ الإصبع كالرأس غير مسطح[239].

(*) نسب إلى السيد والصدوق وكتاب عمل يوم وليلة للشيخ وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة...

وما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : »المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر[240] ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها«(1)...

-------------------------

[238] قوله: [مضمومة] وأولى منه أن يكون بثلاثة أصابع مضمومة؛ إذ قد يتحقق مقدارها بإصبع واحدة. هذا، ولكن الرواية(2) ذكرت موضع الثلاثة وقدرها، فالقول بنفس الثلاثة إنما هو لفتوى الفقيه، وهو كافٍ في إثبات الاستحباب.

[239] قوله: [مسطح] وفيه: أنه بعرض الإصبع عرفاً، إذ لا يراد الدقة العقلية.

[240] قوله: [قدر] هل المراد من «قدر» طول الرأس أو عرضه، فعبارة المتن ظاهرها عرض الرأس، لكن ظاهر الرواية أنه يمسح بالطول هذا المقدار،

ص: 174


1- تهذيب الأحكام 1: 77.
2- الكافي3: 29، ح1، حيث قال: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن شاذان بن الخليل النيسابوري، عن معمر بن عمر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل».

وثانياً: أنّ الاستدلال بهما على المدّعى يتوقّف على القول بمفهوم العدد[241] الذي لا نقول به، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون الحكم بالإجزاء في الثانية ناظراً[242] إلى كفاية المسح بدون إلقاء الخمار.

وممّا ذكر ظهر ضعف ما عن بعض من التفصيل بين الرجل بكفاية إصبع واحد، والمرأة بلزوم مسحها بالثلاث[243]...

-------------------------

أي: من قمة الرأس باتجاه الجبهة، فتأمل.

[241] قوله: [العدد] ظاهراً أنه لا يجزي غيره كما في: «ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار»(1)، وعدم القول بمفهوم العدد لا ينافي الظهور في بعض الموارد، بل هذا الظهور مستفاد من كلمة «يجزيك» فهو مثل: يجزيك أن تصوم شهرين متتابعين.

إلاّ أن يقال: العبارة تستخدم في مطلق الإجزاء مثل «يجزيك تمرة» أو: «يجزيك أن تتصدق على الفقير بكذا» فتأمل.

[242] قوله: [ناظراً] والأولى في الجواب أن يقال: إنه لو كان واجباً لبان، ولاشتهرت الفتوى بذلك، وأيضاً: روايات(2) الإطلاق آبية عن التقييد عرفاً.

وبعبارة أُخرى: إنها أقوى ظهوراً في الإطلاق من ظهور هذه(3) في الوجوب.

[243] قوله: [بالثلاث] فالرواية تدل على أنه مع الضرورة - أي العرفية -

ص: 175


1- تهذيب الأحكام 1: 209.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 418.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 416، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 338.

من غير فرق في ذلك بين الذكر والأُنثى(*).

إلاّ أنّه يستحبّ[244] لها مؤكّداً في مسح الوضوء لصلاة الصبح

(*) إذ لا وجه للفرق بينهما، فإنّ الوجه في رجحان الثلاث[245] وجود القول به، بل دلالة[246] الرواية عليه ويشتركان فيها.

-------------------------

لا بأس بالإصبع، ولا يحتاج لنزع العمامة، فهي ضرورة عدم النزع لا ضرورة الإصبع الواحدة.

[244] قوله: [يستحب] لعل الوجه فيه المستورية في صلاة الصبح، وكذا صلاة المغرب دون الظهرين، فوضع الخمار ملازم لانكشاف الرأس، خاصة في البيوت القديمة المتداخلة، والتي تعيش فيها أُسر متعددة، وأما العشاء فلعلها لقربها من وقت المنام، وإنهاك البدن عندها خفف فيها، فتأمل.

[245] قوله: [الثلاث] لعل قول الماتن «ذلك»(1) يرجع لكلا الحكمين السابقين، أو كل الأحكام السابقة.

[246] قوله: [دلالة] بالنص في الرواية الأولى(2)، والضعف لا يقدح في الاستحباب أو الأولوية.

ص: 176


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 339.
2- وهي: عن معمر بن عمر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل». الكافي3: 29، ح1.

إزالة خمارها(*)، ودون ذلك استحبابها في الوضوء لصلاة المغرب،

(*) لما روي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال[247] إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها...(1). ولما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »ولا تمسح كما تمسح الرجال، بل عليها أن تلقي الخمار من موضع مسح رأسها في صلاة الغداة والمغرب وتمسح عليه، وفي سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها خمارها«(2). وهاتان الروايتان لا بأس بهما من حيث الدلالة على الوجوب[248]، لكن قاصرتان عن الدلالة على الإلزام من حيث

-------------------------

[247] قوله: [الرجال] لعل المراد أنهم يخلعون عمامتهم وما على رؤوسهم.

[248] قوله: [الوجوب] إذ في الثانية كلمة «عليها»(3) والأُولى(4) جملة خبرية، وهي تدل على الوجوب، بل آكد في الدلالة عليه، على ما في الكفاية(5).

ص: 177


1- تهذيب الأحكام 1: 77.
2- وسائل الشيعة 20: 220.
3- انظر: وسائل الشيعة20: 220، ح1.
4- انظر: تهذيب الأحكام1: 77، ح43.
5- انظر: كفاية الأصول: 70- 71.

ويجزيها في سائر الصلوات إدخال إصبعها من تحت قناعها للمسح(*).

والأولى كون مسح الرأس على الناصية(**).

السند فلا يعتدّ[249] بهما.

(*) ... وأمّا كون الاستحباب فيها دون إلقائها في صلاة الصبح، فالظاهر أنّ الوجه في التفصيل قول جملة[250] من الفقهاء به...

(**) ... ولما روي[251] عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ... والجواب عنه: بأنّ قوله (عليه السلام) : تمسح، عطف على فاعل لفظ يجزيك المتقدّم في

-------------------------

[249] قوله: [يعتد] لكنهما كافيتان في إثبات الاستحباب، بناءً على التسامح، أو الرجاء بناءً على عدمه.

[250] قوله: [جملة] بل المستند اللفظي موجود، وهو: أن الأولى(1) ذكرت أنها تمسح في المغرب بناصيتها، والثانية(2) ذكرت أنها تلقي الخمار، وهذا بخلاف الصبح حيث اتفقت الروايتان في إلقاء الخمار، فهذا التفصيل في الثانية دليل على كون المغرب دون الصبح، فهو مثل قولنا: (أضف زيداً وعمراً ولا بأس بترك الآخرين) وقولنا: (أضف زيداً ولا بأس بترك الآخرين) فإن الجمع يدل على أن إضافة عمر دون إضافة زيد في التأكد.

[251] قوله: [ولما روي] إلاّ أنه ضعف السند(3).

ص: 178


1- انظر: تهذيب الأحكام1: 77، ح43.
2- انظر: وسائل الشيعة20: 220، ح1.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 339، وفيه:« وهاتان الروايتان لا بأس بهما من حيث الدلالة على الوجوب لكن قاصرتان عن الدلالة على الإلزام من حيث السند فلا يعتدّ بهما».

العبارة، وعليه لا دلالة فيه على الوجوب، بل دليل على الإجزاء، غير تامّ فإنّه خلاف الظاهر[252]...

ومع هذا الاختلاف في معنى الناصية لا يبقى مجال لتعينها فيما عيّنه هذا البعض على ما نقل عنه، فلا وجه[253] لتقييد المطلقات إلاّ بما تيقّن كونه من الناصية...

ولكن كيف يمكن الالتزام بما ذكر والحال أنّه خلاف السيرة الجارية بين أهل الشرع وارتكازهم[254]... أضف[255] إلى ما ذكر أنّ المستفاد من حديث حسين، أنّه يكفي المسح بإصبع واحدة.

-------------------------

[252] قوله: [الظاهر] وفيه: أنّ وجود كلمة «يجزيك»(1)صالح للقرينية، فلا أقل من إجمال الرواية.

[253] قوله: [فلا وجه] فيه: أن الشك في أصل التقييد؛ إذ يحتمل كون الناصية مرادفة للربع المقدم، فلا يقين بالتقييد، فيعمل بأصالة الإطلاق، ومنه يعلم الإشكال فيما فرعه عليه(2).

والخلاصة: أن مسح الربع المقدم واجب، والتقييد مشكوك، فتجري البراءة.

[254] قوله: [وارتكازهم] خاصة وأن مسح هذا المقدار لا يخلو من صعوبة، خصوصاً مع الالتزام بعدم جواز اختلاط بلة الكف ببلة الوجه.

[255] قوله: [أضف] هذا ردّ على ما ذكر من لزوم مسح تمام الناصية(3).

ص: 179


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 387- 388.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 340.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 340.

بل الأحوط[256] عدم كونه في أواخر الربع المقدم من السمت الأعلى. والأحوط[257] أن يكون من الأعلى إلى الأسفل(*).

ولا يجب أن يكون المسح على بشرة مقدم الرأس، بل يكفي المسح على شعره النابت عليه(**).

(*) ... ولا تعارف[258] في مسح الرأس خارجاً حتّى يقال بأنّه مانع عن انعقاد الإطلاق... بل يقرب كونهما متحّدتين، فإنّ مجرّد الاستبعاد لا يوجب رفع اليد عن تعدّد الرواية مع أنّ الأصل الأوّلي هو التعدّد[259]...

(**) ... ويشهد[260] له مضافاً إلى ذلك إطلاقات الأدلّة، فإنّ الإنصاف أنّ المسح على الرأس يصدق على المسح على الشعر النابت عليه...

ولا ينافي ما ذكر المرفوع عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمّ يبدو له في الوضوء، قال: لا يجوز حتّى يصيب بشرة

-------------------------

[256] قوله: [بل الأحوط] استحباباً، ولعل مراده الاستحباب، فتأمل.

[257] قوله: [والأحوط] استحباباً.

[258] قوله: [ولا تعارف] كما يشاهد في مسح الرأس بالدهن، ثم لو فرض التعارف فليس مانعاً عن الإطلاق.

[259] قوله: [هو التعدد] لعله لأصالة عدم الاشتباه من الراوي.

[260] قوله: [ويشهد] كما أن السيرة الخارجية شاهدة على ذلك، فتأمل.

ص: 180

رأسه بالماء«(1). فإنّه لا اعتبار به سنداً[261]...

ولا ينافيهما[262] ما في رواية أُخرى لابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : «أنّه سئل عن المسح على الخفّين وعلى العمامة، قال: لا تمسح عليهما»(2).

-------------------------

[261] قوله: [سنداً] ولو فرض الاعتبار لم يقدح؛ إذ الحناء ليس من توابع الرأس، فالبشرة يراد بها في قبال الحناء لا قبال الشعر.

[262] قوله: [ولا ينافيهما] وجوه رد روايتي(3) «الحناء» هي:

أولاً: أنها معارضة لرواية: عدم المسح على العمامة(4).

وفيه: أنهما موضوعان مختلفان، مع إمكان حمل الأخيرة على الكراهة، وكذا إمكان التخصيص.

ثانياً: أنها معارضة لرواية: عدم صحة مسح المرأة على الخمار(5).

وفيه: أنهما موضوعان مختلفان، مع أنه يجوز حمل«لا يصلح» على الكراهة.

ثم إنه - أي جواز المسح على الحناء - تخصيص من الدليل العام لو فرض استفادة العموم.

ص: 181


1- الكافي 3: 31.
2- تهذيب الأحكام 1: 361.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 455- 456.
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 416.
5- انظر: وسائل الشيعة 1: 414- 415.

إذ يمكن أن يقال: لا ملازمة[263] بين جواز المسح على الحنّاء

-------------------------

ولو فرض التعارض فالترجيح مع روايات المنع، إما للحمل على التقية، فتكون موافقة العامة منقحة لروايات جواز المسح على الحناء، أو يقدم ما دل على المنع لموافقته للكتاب والسنة المتواترة، فإن الظاهر مسح نفس الرأس، أو يلجأ للترجيح بالأحدثية، وهو حديث «خمار المرأة»(1).

إلاّ أن يقال: بالتفصيل بين الرجل والمرأة(2) فلا تعارض كي نلجأ للتراجيح.

ثالثاً: أنه لا يمكن للفقيه الالتزام بجواز ذلك.

رابعاً: إعراض الفقهاء عن مدلول الخبرين.

هذا وقد قال في التنقيح(3): أنه لا خصوصية للحناء عرفاً وقولاً، فتكون الرواية معارضة للروايات المشهورة الآمرة بالمسح على نفس الرأس.

وخلاصة الكلام: أن الروايتين تعارضان الروايات الكثيرة - بعد إلغاء الخصوصية - فتطرحان للندرة، أو لموافقة العامّة، أو لمخالفة الكتاب والسنة، أو لإعراض الفقهاء أو الأحدثية.

[263] قوله: [لا ملازمة] الظاهر أنه يمكن استفادة الحكم الكلّي(4)؛ إذ يبعد الخصوصية.

ص: 182


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 456.
2- وفيه تأمل. (منه (قدس سره) ).
3- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 154.
4- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 154.

وجوازه على العمامة، وعلى فرض تسليم استفادة الحكم الكلّي ممّا ورد في الحنّاء يمكن الجمع بينه وبين ما دلّ على عدم الجواز على العمامة بحمل الأولى على الكراهة[264]...

إلاّ أن يقال: إنّ ما رواه عليّ بن جعفر وارد في المرأة، والصناعة[265] تقتضي التفصيل بين الرجل والمرأة في هذا الحكم...

والحق أن يقال: إنّ حمل أحد الخبرين على التقيّة أو على الكراهة على خلاف التحقيق[266]، وحيث إنّ خبر ابن جعفر أحدث، ومن ناحية أُخرى يبعد[267] الفرق بين الرجل و المرأة يكون المرجع حديث ابن جعفر، فلا يجوز المسح على الحائل[268].

-------------------------

[264] قوله: [الكراهة] صناعياً تام، أما مع لحاظ الأجواء والروايات والتعليلات في المسح على الخفّين فبعيد، فتأمل.

[265] قوله: [والصناعة] بعيد جداً.

[266] قوله: [التحقيق] أما الأول فلأنه لا تعارض، فتأمل.

وأما الثاني فلعدم كون الجمع عرفياً خصوصاً في المقام(1).

[267] قوله: [يبعد] هل الاستبعاد دليل شرعاً؟ إلاّ أن يتمسك بفهم الفقهاء وارتكاز المتشرعة.

[268] قوله: [الحائل] وخلاصة الكلام: أن الظاهر هو التعارض، فتجري المرجحات، ومع فرض عدم التعارض نلجأ لإعراض الفقهاء.

ص: 183


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 343 - 344.

ما لم يكن مجموعاً عليه مع كونه يخرج بمده عن حدّه(*)[269].

كما أنّه لو كسر[270] الشعر على الموضع على خلاف المتعارف

(*) إذ المسح[271] يلزم أن يكون بمقدّم الرأس فما أفاده تامّ.

-------------------------

[269] قوله: [عن حدّه] إطلاق الحكم مبني على الاحتياط.

[270] قوله: [كما أنه لو كسر] لعل مراده: جعل شعر المقدم طبقات بعضها فوق بعض، وإلاّ فلو كسر شعر غير المقدم على المقدم فلا إشكال في عدم جواز المسح عليه، سواء أكان متعارفاً أم غير متعارف.

هذا ولكن الشرح يأبى هذا التفسير، وكأن الشارح فهم أن المراد جمع غير المقدم على المقدم، فتأمل.

ووجه الإشكال: أن الواجب مسح نفس البشرة، وخرجنا عنه بما تقدم(1)، وهو لا يشمل الشعر المنكسر على غير المتعارف، ولا يعدّ من توابعه عُرفاً.

[271] قوله: [إذ المسح] وهذا لا يصدق عليه المقدم ولو بالمسامحة العرفية، وفيه تأمل؛ إذ إنه فعلاً على المقدّم وهو شعر المقدم. نعم، لو جررناه يخرج عن المقدم، فهو خارج عن المقدم تقديراً لا فعلياً، وقد قال السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه: «وفي صدق مسح المقدم على مثل ذلك نظر؛ لانصراف الأدلَّة عنه، وإن صدق عليه الناصية»(2). وفي الفقه تفصيل طويل وصور متعددة فراجع(3).

ص: 184


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 342.
2- الفقه 8 : 260.
3- انظر: الفقه 8 : 260- 261.

كان المسح عليه محلّ إشكال(*)، ويجب أن يكون المسح بباطن الكفّ[272].

والأحوط الأيمن(**).

(*) نقل[273] الإجماع على عدم الجواز عن المدارك وكشف اللثام، والوجه فيه أنّه لا يصدق المقدم عليه... نعم، فيما لو اجتمع شعر غير المقدم على المقدم بحسب الخلقة الأصلية[274] يشكل الالتزام بوجوب تخليل الشعر؛ لأنّه على خلاف العادة[275]، ولكن لو قلنا بأنّه لا يصدق عنوان الواجب إلاّ بالتخليل فلا بدّ منه مقدّمة[276] للامتثال.

(**) ... أمّا وجوبه باليد[277] فمضافاً إلى دعوى الاتفاق عليه من جملة من الأصحاب، كما في الحدائق[278] على ما نقل

-------------------------

[272] قوله: [الكفّ] على الأحوط.

[273] قوله: [نقل] هل الإجماع مرتبط بما نحن فيه، بالوجه الذي فسرنا العبارة به، أو بما فهمه الشارح - احتمالاً -؟

[274] قوله: [الأصلية] كما في الشعر المجعد.

[275] قوله: [العادة] ولو كان واجباً لنُبّه عليه في الروايات وبان، فتأمل.

[276] قوله: [مقدمة] أي المقدمة الوجودية.

[277] قوله: [باليد] لا بخرقة يأخذ بها بلل اليمين ويمسح بها أو بخشبةٍ.

[278] قوله: [الحدائق] فتحصل أن الأدلَّة هي:

أولاً: دعوى الاتفاق.

ص: 185

عنه، ونفى الخلاف عنه نصاً وفتوى كما عن شيخنا الأنصاري، يشهد[279] له ما في رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) من قوله: »وتمسح[280] ببلّة يمناك ناصيتك«(1)...

وأمّا وجوبه بالكفّ فعمدة[281] الوجه فيه التعارف الخارجي...

لا يقال: المشهور بينهم أنّ المطلق لا ينصرف[282] إلى النادر،

-------------------------

ثانياً: قوله (عليه السلام) : «وتمسح ببلة يمناك ناصيتك»(2) فإنها ظاهرة في المباشرة لا بآلةٍ.

ثالثاً: السيرة القطعية.

رابعاً: الروايات البيانية، وقد مضى البحث فيها.

خامساً: أنه هو المتعارف، وسيأتي بعد قليل البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

[279] قوله: [يشهد] وتشهد له السيرة القطعية، فإنهم لا يأخذون بخشبة وخرقة، لكن العمل أعم من الوجوب، ولعله للاستحباب أو الأسهلية.

[280] قوله: [وتمسح] سبق الإشكال في دلالة الجملة على الوجوب، وقد استشكل المصنف(3).

[281] قوله: [فعمدة] تجري فيه - أيضاً - بعض الأدلَّة السابقة كالسيرة والروايات البيانية.

[282] قوله: [لا ينصرف] أي: ليس خاصاً بالنادر، بل يشمله والغالب.

ص: 186


1- الكافي 3: 25.
2- الكافي 3: 25.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 341.

لا أنّه منصرف عنه فلا يتمّ ما ذكرت، فإنّه يقال[283] الفرد غير الغالب تارة يكون نادراً وجوده في الخارج، وبواسطة ندرة وجوده لا يكون متعارفاً...

فإنّ المتعارف في المسح أن يكون بباطن الكفّ، أضف[284] إلى ذلك أنّه قد صرّح[285] في حديث زرارة: »ثمّ مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفّيه«(1).

-------------------------

[283] قوله: [فإنه يقال] حاصله أن الندرة نوعان:

الأول: ندرة الوجود الخارجي، وهي لا توجب الانصراف.

الثاني: ندرة الاستعمال والتداول، وهي توجبه.

وفيه نظر، مثلاً: الغسل بالماء الوسخ القذر قليل التداول، ومع ذلك تشمله المطلقات، والأكل من القفا، بأن يمد يده من وراء العنق ويأكل نادر الاستعمال وتشمله المطلقات، والمشي القهقرائي كذلك، وكذا في باب الصوم، كشرب الماء من الأنف، وفيما نحن فيه لو قال: (ادهن رأسك) فهل يتوهم أنه لا يحق له أن يدهنه بذراعه؟!

[284] قوله: [أضف] الظاهر أنه لا ربط له بما نحن فيه، بل يتعلق بلزوم الكف.

[285] قوله: [صرّح] مضى البحث في أنَّ الوضوءات البيانية هل تدل على الوجوب أو لا؟(2).

ص: 187


1- تهذيب الأحكام 1: 56.
2- وقد ذكر أنها تدل على الوجوب، فراجع.

بل الأولى[286] الأصابع(*).

وأن يكون بما بقي في يده من نداوة الوضوء فلا يصحّ بماء جديد(**).

(*) الظاهر أنّ الوجه فيه نسبته إلى جملة من الأصحاب، فتوجب هذه النسبة رجحانها من باب الاحتياط[287] أو لقاعدة التسامح على ما هو المقرّر عندهم.

(**) ... ويؤيّده، بل يدلّ عليه أمر النبيّ ليلة المعراج[288]...

وفي المقام روايات تدلّ بظاهرها على تعيّن[289] المسح بالماء الجديد، بل صريح بعضها عدم الإجزاء بما في اليد...

-------------------------

[286] قوله: [الأولى] بل هو مستحب، بناءً على ثبوت قاعدة التسامح، أو قولنا: إن أوامر الاحتياط تفيد الاستحباب.

[287] قوله: [الاحتياط] لعل الفرق أن الاحتياط العقلي لا يثبت الاستحباب، وقاعدة التسامح تثبت الاستحباب على مبنى البعض(1).

وفيه نظر؛ إذ قد يقال: إن «احتط» الشرعي يفيد الاستحباب أيضاً، فتأمل.

[288] قوله: [المعراج] مضى الكلام في الوضوءات البيانية، ويؤيده قوله: هنا «بيده اليمنى»(2).

[289] قوله: [تعين] تكليفاً وعدم الإجزاء وضعاً.

ص: 188


1- انظر: مصباح الفقيه10: 47، العروة الوثقى2: 85 ، الهامش، مصباح الفقاهة1: 674.
2- وسائل الشيعة 1: 390.

ولا يخفى[290] أنّ ما دلّ على تعيّن المسح بماء جديد مخالف للإجماع[291] وللسيرة[292] العملية المستمرّة، وللوضوآت البيانيّة[293] الدالّة على أنّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مسح بما في يده من الماء...

وأمّا الأولى فإنّ الظاهر من الراوي السؤال عن جواز المسح[294] بما في يده من الماء، وأجاب (عليه السلام) بعدم الجواز...

-------------------------

[290] قوله: [ولا يخفى] حاصل كلام المصنف أنه طرح هذه الروايات(1) لعدّة أُمور:

الأول: مخالفتها للإجماع.

الثاني: مخالفتها للسيرة العملية.

الثالث: مخالفتها للوضوءات البيانية.

الرابع: معارضتها لما دل على جواز المسح بالماء الجديد، فيؤخذ بما يخالف العامّة أو بالمشهور.

[291] قوله: [للإجماع] المصنف يناقش في الإجماعات عادةً فكيف قبله هنا؟

[292] قوله: [للسيرة] مضى أنها لا تدل على الوجوب، فلعله للسهولة.

[293] قوله: [البيانية] مضى الكلام في دلالتها. نعم، لا بأس بالاستدلال بارتكاز المتشرعة وبالإجماع عندنا.

[294] قوله: [جواز المسح] لا عن الفعل الخارجي كي يقال: «لا تمسح»

ص: 189


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 347.

المسألة 99: لو تعذّر المسح بباطن الكفّ

مسألة 99: لو تعذّر المسح بباطن الكفّ مسح بغيره من سائر أعضائه(*)، لكن لا يترك[295]

إن قلت: يمكن حمل النهي في الرواية الأولى على الكراهة. قلت: كيف يمكن ذلك مع استقرار السيرة الخارجية على هذا الأمر المكروه[296] بحيث يعدّ خلافه باطلاً، وتضمّن[297] كثير من الأخبار البيانية على المسح بما بقي في اليد.

(*)... فيمكن استفادة[298] الحكم من الروايات الواردة في الأقطع، فإنّه يستفاد[299] منها أنّ حكم الوضوء لا يسقط بتعذّر بعض

-------------------------

ويحمل النهي على الكراهة جمعاً.

[295] قوله: [لا يترك] لا بأس بتركه، والظاهر التخيير بينهما.

[296] قوله: [المكروه] مع أنّ المقدسين مقيدون عادة بالمستحبات.

[297] قوله: [وتضمّن] فكيف فعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فعلاً مكروهاً مع أنه لا مبرر له؟ فتأمل.

[298] قوله: [استفادة] وفي التنقيح وجه آخر مبني على إطلاق دليل المطلقات، وعدم إطلاقه في دليل المقيد(1).

[299] قوله: [يستفاد] بالفهم العرفي؛ إذ لا فرق بينهما عرفاً، وقد يقال: هنالك فرق؛ إذ الأقطع حالته مستمرة، بخلاف ما نحن فيه، إلاّ أنه ليس فارقاً عرفاً، فتأمل.

ص: 190


1- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 212

الاحتياط بالجمع حينئذ بين المسح بحواشي باطن الكفّ وبظاهرها، ولو تعذّر المسح بالكفّ أصلاً مسح بالذراع(*).

الأعضاء... والحاصل: أنّ النظر في النصوص والفتاوى يوجب الاطمئنان بأنّ المسح لا يسقط بتعذّر تحقّقه بباطن الكفّ، لكن قد مرّ منّا أنّ مقتضى القاعدة سقوط[300] الطهارة إلاّ أن يتم المدّعى بالتسالم.

(*) ... ثانيها: أنّ الأمر دائر بين التعيين والتخيير فيلزم الحكم بالتعيين، والجواب عنه: أنّ التخيير مقتضى القاعدة عند الدوران[301].

ثالثها: الإجماع على تقديم الأقرب[302] إلى الواجب المتعذّر على غيره...

ويرد فيه: أنّ قيام الإجماع التعبّدي[303] الكاشف عن رأي

-------------------------

[300] قوله: [سقوط] إذ المركب والمشروط يسقطان بانتفاء الجزء والشرط.

[301] قوله: [الدوران] إذ أصل المسح مسلّم، والشك أنما هو في الخصوصية الزائدة، والأصل البراءة.

[302] قوله: [الأقرب] كما ذكروه في الذبح في أطراف منى(1)، والوقوف أطراف الموقفين(2).

[303] قوله: [التعبدي] لا يشترط ذلك(3).

ص: 191


1- انظر: شرح العروة الوثقى 5: 210.
2- انظر: المصدر نفسه 5: 177.
3- انظر: مصباح الأُصول 2: 233، زبدة الأصول 1: 334.

والأحوط فيه تقديم الباطن على الظاهر(*).

المعصوم (عليه السلام) على هذا الأمر في غاية الإشكال، فإنّه يمكن أن يكون الوجه في نظرهم أنّ قاعدة الميسور[304] تقتضي النحو المذكور.

هذا، ولكن بعد وجود الدليل على عدم سقوط حكم المسح ووجوبه بعد تعذّر الباطن يقرب الالتزام بتقديم الظاهر أو الحواشي على غيرهما، فإنّ دعوى أنّ العرف يفهم هذا المعنى من الأدلّة قريبة[305] جداً، إلاّ أنّ الإشكال في أصل المدعى[306].

(*) ما ذكرناه في توجيه تقديم ظاهر الكفّ على الذراع لا يجري[307] في المقام، فإنّه لا فرق في نظر العرف بعد تعذّر المسح بالكفّ بين باطن الذراع وظاهره.

-------------------------

[304] قوله: [الميسور] ولا بأس بها؛ إذ إنه ميسور عرفاً، فلو قيل: «قف في عرفات» فيمسوره - مع قطع النظر عن الأدلَّة الخاصة - الوقوف حواليه، لا في مكة.

[305] قوله: [قريبة] ويقربها أكثر فهم الفقهاء، وهل هذا المقدار من القرب يوجب حكماً شرعياً، أم أنه صرف استحسان؟

[306] قوله: [أصل المدعى] وهو ثبوت الطهارة وعدم سقوطها.

[307] قوله: [لا يجري] فيه: أولاً: قاعدة الميسور، وثانياً: إنّ ما ذكره من الفهم العرفي جار في المقام أيضاً، فتأمل، ولاحظ لو أمر المولى بالتدهين فتعذر بالكف، ودار الأمر بين ظاهر الذراع وباطنه.

ص: 192

المسألة 100: لا يصحّ المسح على الخفّ

مسألة 100: لا يصحّ المسح على الخفّ والجورب وأمثالهما(*).

إلاّ في حال التقيّة(**).

(*) هذا الذي أفاده تقتضيه القاعدة الأوّلية، فإنّ المسح على الخفّ وأمثاله لا يكون مسحاً على البشرة[308]...

(**) ... واستدلّ عليه أيضاً بعموم مشروعية التقيّة بناء على دلالتها على الصحّة والإجزاء. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال، فإنّ أبا ورد ضعيف[309] ولا يعتمد على روايته...

وأمّا العمومات فعلى تقدير[310] دلالتها على المطلوب تخصّص بما ورد في خصوص المقام من نفي التقيّة فيه، ومما يدلّ على التخصيص[311] ما رواه زرارة عن غير واحد قال: »قلت لأبي

-------------------------

[308] قوله: [على البشرة] وظاهر «امسح على الرأس»(1) في الأدلَّة المسح على نفس البشرة، وكذا في مسح الرجلين: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(2).

[309] قوله: [ضعيف] فيه: أن عمل المشهور جابر على مسلكنا.

[310] قوله: [تقدير] لعل مراده أنها تفيد الجواز لا الصحة، وفيه نظر.

[311] قوله: [التخصيص] فيه أولاً: أن المشهور أعرضوا عن هذه الروايات.

ص: 193


1- انظر: الكافي 3: 29، الاستبصار 1: 6و 75، تهذيب الأحكام 1: 91.
2- المائدة: 6.

جعفر (عليه السلام) في المسح على الخفّين تقيّة، قال: لا يتّقى في ثلاث، قلنا: وما هنّ؟ قال: شرب الخمر - أو قال: شرب المسكر - والمسح على الخفّين، ومتعة الحجّ«(1).

ويؤّيده[312]، بل يدلّ عليه ما رواه زرارة أيضاً قال: »قلت له في مسح الخفّين تقيّة، فقال: ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، ومسح الخفّين ومتعة الحجّ«(2)...

-------------------------

وثانياً: أنها تعارض الرواية السابقة(3) المجبورة، وتلك هي المشهورة.

وثالثاً: ما في التنقيح(4): من أن الصحيح: «لا نتقي» وفيه نظر.

ورابعاً: ما في التنقيح(5) أيضاً من أنه «لا يتقى» لانتفاء الموضوع. وفيه نظر.

[312] قوله: [ويؤيده] هذا نقيض المطلوب، إذ الحكم خاص به (عليه السلام) ، إلاّ أن يقال: إن فهم زرارة ليس بحجة.

ص: 194


1- الكافي 6: 415، ح 12، وفيه: «لا يتقى في ثلاثة» بدل «ثلاث».
2- وسائل الشيعة 1: 457.
3- وهي: رواية أبي الورد قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن أبا ظبيان حدثني أنه رأى علياً (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفين، فقال: كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول علي (عليه السلام) فيكم ، سبق الكتاب الخفين؟ فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك». الاستبصار1: 76، ح1.
4- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 274.
5- انظر: المصدر نفسه.

وفي بعض أقسام الضرورة(*)[313].

ويؤيّد ما ذكرنا ما نقله في الحدائق عن جملة من المتأخرين منهم سيّد المدارك من المناقشة في هذا الحكم، واحتملوا[314] انتقال التكليف إلى التيّمم.

(*) أي ما يكون في تركها حرج[315] أو ضرر غير

-------------------------

[313] قوله: [الضرورة] أي: ما يكون في الفعل حرج أو ضرر أو عسر فوق ما تقتضيه طبيعة الوضوء.

[314] قوله: [واحتملوا] الاحتمالات هي:

أولاً: التيمم.

ثانياً: عدم التقية ولو بلغ الأمر القتل.

ثالثاً: الانتقال لغسل الرجل.

[315] قوله: [حرج] الأدلَّة في المقام عدّة، وهي:

الأول: رواية أبي الورد(1)، وأشكل عليها بضعف السند(2).

الثاني: رواية مولى آل سام(3)، وأشكل عليها بضعف السند(4) أيضاً.

الثالث: أدلَّة (لا ضرر) و (لا حرج) وأشكل عليها بأن مفادها النهي، مع أنها لا تثبت الحكم.

ص: 195


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 458.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 351.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 464.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 353.

معتاد[316]... والحقّ معهم في استفادة الحكم الكلّي منها، إنّما الإشكال كما تقدّم في سندها من جهة أبي الورد ولا جابر[317] له...

لكنّ الإشكال في سند[318] الرواية، فإنّ عبد الأعلى لا يمكن الاعتماد بوثاقته، وأمّا التمسّك بقاعدة نفي الحرج والضرر فيرد عليه: أنّ الحكم الإثباتي[319] لا يستفاد من القاعدتين...

يمكن أن يستفاد المطلوب ممّا ورد في باب الجبائر[320]، فإنّ الناظر في تلك الروايات يفهم بأنّ عدم إمكان غسل البشرة نفسها أو المسح عليها لا يوجب سقوط حكم الوضوء، ولا تتبدّل الوظيفة بالتيمّم...

-------------------------

الرابع: حكم الجبائر، وقد يشكل بأنه قياس.

الخامس: قاعدة الميسور، وهي غير ثابتة على مبنى المصنف.

السادس: الإجماع، وليس تعبدياً.

[316] قوله: [غير معتاد] لعل مراده ما هو فوق ما تقتضيه طبيعة الوضوء.

[317] قوله: [ولا جابر] سبق أن الجابر عمل المشهور.

[318] قوله: [سند] إلاّ أنها مجبورة بالعمل.

[319] قوله: [الإثباتي] فيرتفع وجوب المسح على البشرة، لكن لا يثبت وجوب المسح على الحائل، وأما أدلَّة المركب فهي ساقطة لتعذرها؛ فإن المركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه.

[320] قوله: [الجبائر] إلاّ أن يشكل بأنه قياس؛ ولذا لم يعملوا بالجبيرة في مواضع متعددة، بل انتقلوا للتيمم أو احتاطوا بالجمع، كما لو كان المانع نجاسة البدن أو القير اللاصق مثلاً.

ص: 196

كما يصحّ التقيّة في سائر أفعال الوضوء(*).

أضف[321] إلى ذلك أنّ مفاد قاعدة لا ضرر - على مسلكنا - النهي عن الإضرار.

(*) ... للروايات العامّة الواردة في التقيّة بناءً[322] على دلالتها على الصحّة والإجزاء، كما أنّ بناءهم على ذلك... فإنّه من الظاهر[323] أنّ المسح على الخفّين عند العامّة بلا ترتيب أثر عليه لا مانع منه... وعليه يكون الداخل في المستثنى منه[324] مورداً للتقيّة

-------------------------

[321] قوله: [أضف] الظاهر أنه تابع للسطر الخامس(1)، فمفاد «لا ضرر» النهي لا النفي أولاً، ولو كان المفاد النفي فهو ينفي ولا يثبت ثانياً.

[322] قوله: [بناءً] أولاً: فهم الفقهاء دليل.

وثانياً: الإطلاق المقامي، حيث إنه لم يُؤثر في روايات التقية بالإعادة والقضاء، كرواية ابن يقطين(2) وغيرها، ولو كان لازماً لزم التنبيه عليه. وراجع بحث إجزاء الأمر الاضطراري عن الواقعي(3).

[323] قوله: [الظاهر] أي: مفاد الرواية(4) تتقي في كل شيء بحيث يكون صحيحاً إلاّ في المسح، فلا يكون صحيحاً.

[324] قوله: [في المستثنى منه] أي: كل شيء ما عدا الثلاثة.

ص: 197


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 353.
2- انظر: بحار الأنوار 48: 38، ح14.
3- انظر: كفاية الأُصول: 86 ، نهاية الأفكار 1- 2: 244.
4- انظر: جامع أحاديث الشيعة 2: 322، ح21.

ولو حصل التقيّة بكلّ من المسح على الخفّ وغسل الرجلين فالأحوط، بل الأقوى[325] تعيّن الغسل(*).

وصحيحاً ومجزياً، لكنّ الإنصاف[326] أنّ الحديث لا يدلّ على الإجزاء، بل يمكن أن يقال: إنّ الرواية دالّة[327] على عدم الإجزاء.

(*) ... إنّ المستفاد من خبر أبي الورد أنّ المسح على الخفّ لا يجوز إلاّ في صورة الضرورة، ومع إمكان الغسل لا ضرورة[328] في المسح فيتعيّن الغسل، ويؤيّده ما ذكر في المقام من أنّ الغسل أقرب إلى الواجب، حيث إنّ اليد[329] يلاصق البشرة بخلاف المسح على الخفّ...

-------------------------

[325] قوله: [الأقوى] لا قوة فيه، والأقرب التخيير.

[326] قوله: [الإنصاف] إذ مفاد الرواية(1): تجوز التقية في أي شيء إلاّ في الثلاثة، فالكلام في الجواز لا الإجزاء.

[327] قوله: [دالة] لم يظهر وجه ذلك.

[328] قوله: [لا ضرورة] فيه: أنه واقع في ضرورة التقية، وهي تندفع بكلّ منهما، والاضطرار إلى الجامع اضطرار إلى كل فرد.

[329] قوله: [اليد] الظاهر «الماء». وفيه نظر؛ إذ الماء المتبقي لا يلامس البشرة، بل هو ماء مستأنف، فالأمر دائر بين (نفس المتبقي على الحائل) أو (ماء جديد على البشرة) وكلاهما ميسور عرفاً، إلاّ أن يقال: إنه أقرب عرفاً، فتأمل.

ص: 198


1- انظر: المصدر نفسه.

ولو أمكن الوضوء حينئذ صحيحاً بلا محذور فالأحوط، بل الأقوى[330] تعيّنه(*).

(*) ... ويمكن[331] أن يستدلّ على تقييد مطلقات التقية وتخصيص عموماتها ببعض الروايات، كرواية إبراهيم[332] بن شيبة...

لاحظ[333] ما رواه إسحاق بن عمّار قال: »قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : يا إسحاق، أتصلّي معهم في المسجد؟ قلت: نعم: قال: صلّ

-------------------------

[330] قوله: [الأقوى] لا قوة فيه مع صدق التقية عرفاً، والظاهر جوازها حينئذٍ ولو مع وجود المندوحة الزمانية أو المكانية، إلاّ أن المسألة بحاجة إلى تأمل أكثر.

[331] قوله: [ويمكن] بل يمكن أن يقال: إنه لا تقية حينئذٍ موضوعاً مع الإمكان، وأجاب عنه السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(1): بصدق التقية عرفاً ولو مع المندوحة الزمانية أو المكانية، وأوكل (رحمه اللّه) الأمر إلى العرف(2).

[332] قوله: [إبراهيم] الرواية(3) ضعيفة.

[333] قوله: [لاحظ] هذه الرواية(4) في خصوص الصلاة، ولا تشمل الوضوء، فلعل التقية التحبيبية في خصوص الصلاة، فقد يقال: إن التفكيك

ص: 199


1- انظر: الفقه8 : 361.
2- حيث قال: «فإن العرف يشهد بأن العمل التقيي يسمى تقية وإن كانت مندوحة، بل الغالب وجود المندوحة». الفقه8 : 361.
3- انظر: تهذيب الأحكام 3: 276.
4- انظر: وسائل الشيعة 8 : 300.

المسألة 101: اعتبار الجفاف في محل المسح

مسألة 101: يعتبر في محلّ المسح الجفاف من الماء[334]. نعم، لا يضرّ نداوته على وجه يغلب عليه ماء الكفّ ويقع المسح بمائه وحده(*)[335].

معهم فإنّ المصلّي معهم في الصفّ الأوّل كالشاهر سيفه في سبيل اللّه«(1).

(*) لاحظ ما رواه زرارة[336] فإنّ قوله (عليه السلام) فيه: »وتمسح ببلّة

-------------------------

بين الوضوء والصلاة غير متعارف، خاصة وأن الوضوء قد يكون في مساجدهم(2).

وما فعله السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(3)، من جعل صدق التقية عرفاً هو الملاك قريب، وبعض الروايات(4) يدل تعليلها على مطلق التقية التحبيبية.

[334] قوله: [من الماء] على الأحوط.

[335] قوله: [وحده] كما لا يضر وجود القطرات التي تتساقط عادةً على الرِجل أثناء الوضوء، وكذا العرق المتعارف.

[336] قوله: [زرارة] مضى الكلام في الوضوءات البيانية، وفي أن «تمسح» يفيد الوجوب أو صرف الإجزاء.

ص: 200


1- وسائل الشيعة8 : 301.
2- انظر: وسائل الشيعة 8 : 299- 300.
3- انظر: الفقه 8 :361.
4- انظر: وسائل الشيعة 16: 204 و 215.

يمناك ناصيتك وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدك اليمنى، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى«(1) يدلّ على أنّ المسح لا بدّ أن يكون بما بقي من البلّة في اليد. فلو كان الممسوح رطباً بحيث تغلب تلك الرطوبة على ما في اليد أو لا يغلب عليه، ولكن تكون بحيث تمنع عن صدق عنوان المسح ببلّة اليد يكون المسح باطلاً؛ لعدم تحقّق عنوان المأمور به على الفرض[337].

نعم، لو كانت قليلة بحيث تستهلك[338] فيما بقي في اليد لا تمنع

-------------------------

[337] قوله: [على الفرض] الظاهر يصدق أنه مسح بها عرفاً ولو كانت رطبة.

واستدل السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2) بعدّة أمور:

الأول: صدق المسح، كما لو قال الطبيب: امسح بالدهن الفلاني، فإنّه يصدق ولو كان بدنه مدهناً قبل ذلك.

الثاني: غلبة تساقط القطرات على الرِجل حال الوضوء، ولو كان لازماً للزم التنبيه عليه.

الثالث: غلبة العرق في فصل الصيف.

الرابع: ما دل على صحة الوضوء تحت المطر.

الخامس: ما دل على جواز أخذ ماء جديد للمسح.

[338] قوله: [تستهلك] يظهر مما تقدم عدم لزوم الاستهلاك.

ص: 201


1- الكافي 3: 25.
2- انظر: الفقه 8 : 320.

المسألة 102: الوضوء بغمس اليد في الماء

مسألة 102: إذا توضّأ بغمس اليد في الماء فإن نوى الوضوء بإدخاله في الماء أو بتحريكه[339] فيه لم يجز المسح بمائه(*)،

من تحقّق المأمور به، لكنّ الإشكال في أنّه يمكن فرض استهلاك شيء في مماثله، أو يشترط في تحقّق الاستهلاك تغاير الأمرين جنساً، لكنّ الظاهر أنّه لا مانع عن صدق الاستهلاك مع اتحاد الجنس، فلاحظ[340].

(*) لعدم جواز المسح بماء جديد[341] كما مرّ.

-------------------------

[339] قوله: [أو بتحريكه] يحتاج إلى التأمل في أنه هل يصدق الغسل على التحريك؟ فلو قال: «اغسل يدك» فحركها تحت الماء فهل يصدق الغسل؟

[340] قوله: [فلاحظ] كما لو وضعنا قطرة ماء في الحوض، فإنه يقال استهلكت، لاحظ العروة: مبحث استهلاك الماء المغصوب في الحوض المباح(1).

[341] قوله: [جديد] وهو عندما يخرج يده من الماء يصادف الماء الجديد، لانتهاء عملية الوضوء بالإدخال أو التحريك.

ص: 202


1- انظر: العروة الوثقى 1: 416، حيث قال: «إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح، فإن أمكن رده إلى مالكه وكان قابلاً لذلك لم يجز التصرف في ذلك الحوض، وإن لم يمكن رده يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه؛ لأن المغصوب محسوب تالفاً، لكنه مشكل من دون رضى مالكه».

وإن نواه بالإخراج[342] بأن نوى الغسل بمرور أجزاء اليد بسطحه الأعلى، وكان على وجه لا يجري[343] ماء الذراع إلى الكفّ جاز المسح بمائه وصحّ الوضوء(*).

المسألة 103: إذا جفّ ما في اليد من بلّة ماء الوضوء

مسألة 103: إذا جفّ ما في اليد من بلّة ماء الوضوء لنسيان المسح أو غيره من الأعذار جاز أخذ الماء من سائر

(*) أمّا جواز المسح فلعدم وجه لعدمه كما هو المفروض، وأمّا الصحّة فالأمر فيها كذلك.. لكن لو قيل بلزوم إحداث الغسل يشكل الالتزام بالصحّة[344].

-------------------------

[342] قوله: [بالإخراج] أو بمجموع الإدخال والإخراج، فإن الحركة تعتبر واحدة عندئذٍ(1).

[343] قوله: [لا يجري] على الأحوط. وقد يحتاج إلى تأمل في أن «بلة يمناك»(2) لا تصدق مع الجريان المذكور مع تعارفها عادةً.

[344] قوله: [بالصحة] فإنّ ظاهر الأمر الإحداث، فلو قيل: «اسجد» وكان ساجداً لا بد من رفع الجبهة أولاً، وكذا لو قيل: «اقعد» للقاعد.

نعم، الإشكال لا يرد لو قصد بمجموع الحركتين: الدخولية والخروجية، كما أشرنا إليه قبل قليل.

ص: 203


1- انظر: العروة الوثقى 1: 381.
2- أي: قوله (عليه السلام) : «وتمسح ببلة يمناك ناصيتك، وما بقي من بله يمناك ظهر قدمك اليمنى». تهذيب الأحكام1: 360، ح13.

أعضاء الوضوء للمسح(*)[345].

(*) يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) أنّ الحكم مورد الاتّفاق[346] سيّما بين المتأخرين، وفي بعض الكلمات أنّه لا ينبغي التأمّل في هذا الحكم، فإن تمّ إجماع تعبّدي كاشف[347] على الحكم فهو.

وإلاّ يشكل الالتزام به، لأنّ ظاهر قوله (عليه السلام) في رواية زرارة: »وتمسح[348] ببلّة يمناك ناصيتك وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى«(1) أن المسح لا بد أن يكون بما بقي في الكف...

والروايات الواردة في المقام لا تدلّ على جواز الأخذ من بلل سائر الأعضاء مطلقاً، بل إمّا تدلّ على جواز الأخذ من بلل اللحية[349]، كرواية زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في الرجل ينسى

-------------------------

[345] قوله: [للمسح] الأولى الاقتصار على بلل اللحية.

[346] قوله: [الاتفاق] وكفى به دليلاً.

[347] قوله: [تعبدي كاشف] لا يشترط ذلك(2).

[348] قوله: [وتمسح] مضى الإشكال في الروايات البيانية، وهي إفادة «تمسح» الوجوب.

[349] قوله: [اللحية] وهي المعتبرة فقط سنداً، وأما الباقية فهي مجبورة بالعمل لو قلنا به.

ص: 204


1- الكافي 3: 25.
2- انظر: مصباح الأُصول 2: 233.

والأولى تقديم ماء اللحية والحاجبين(*)[350].

مسح رأسه حتى دخل في الصلاة، قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصّل[351]«(1)...

فلا وجه[352] للقول بجواز الأخذ من بقيّة الأعضاء بلا تقييد.

-------------------------

[350] قوله: [والحاجبين] الأولى تقديم ماء اللحية ثم الحاجبين وأشفار العينين، أو الحاجبين أو أشفار العينين كما في الحديث الشريف(2).

[351] قوله: [وليصل] الظاهر أن ذكر اللحية لأنها مظنة وجود البلل عادة بخلاف سائر الأعضاء، وكذا في الجفاف لو جف ما في اللحية فقد جف - عادةً - ما في سائر الأعضاء.

[352] قوله: [فلا وجه] الوجه أنه لم يذهب أحد إلى الترتب، ظاهراً أو احتمالاً(3).

ص: 205


1- تهذيب الأحكام1: 89 .
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 409، ح8 ، وهو: محمد بن علي بن الحسين، قال: «قال الصادق (عليه السلام) : إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء فخذ ما بقي منه في لحيتك، وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك، وأشفار عينيك، وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء». وكذلك الوسائل 1: 407، ح1، وفيه: ... عن خلف بن حماد، عمن أخبره ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: «الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة؟ قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به ، قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: يمسح من حاجبيه أو أشفار عينيه».
3- انظر: الفقه8 : 315.

(*) أمّا تقديم ماء اللحية فلا يجوز[353] خلافه كما ذكرنا... وأمّا تقديم ماء الحاجبين فلا وجه[354] له...

وما أسند إليه من أنّ ما يرويه حجّة له على فرض عدم عدوله[355] منه لا أثر له، فإنّ حجّية رواية عنده لا تكون من أدلّة اعتبار الرواية، كما هو ظاهر[356]...

وهذا المرسل أيضاً لا يعتمد عليه لإرساله[357]، مضافاً إلى أنّ المستفاد من المرسلين تأخّر[358] ما في الحاجبين والأشفار عمّا في اللحية...

-------------------------

[353] قوله: [فلا يجوز] الإجماع دليل على الجواز كما سبق.

[354] قوله: [فلا وجه] الوجه أن الروايات مجبورة بالعمل والإجماع، ثم إنه يبعد اختصاص الرجل بالحكم دون المرأة؛ إذ لا لحية لها، فيكون وضؤوها باطلاً، فتأمل.

[355] قوله: [عدوله] ظاهره عدم العدول، ولا فرق بين التنصيص الجزئي والتعميم الكلي.

[356] قوله: [ظاهر] إذ قد يكون للقرائن لا التوثيق المخبري.

[357] قوله: [لإرساله] لكنه مجبور بالعمل والشهرة.

[358] قوله: [تأخر] فلا يتم ما في المتن من مساواة اللحية والحاجبين(1).

ص: 206


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 359، حيث قال: «والأولى تقديم ماء اللحية والحاجبين».

لكن من المقدار الداخل منها في حدّ الوجه(*)[359] ومع جفاف جميع الأعضاء يعيد الوضوء.

المسألة 104: إذا لم يمكن حفظ نداوة الماء

مسألة 104: إذا لم يمكن حفظ نداوة الوضوء للمسح لحرارة الهواء أو شدّة الرياح أو غيرهما،

(*) لانصراف[360] الدليل إلى ما يكون باقياً من بلّة الوضوء، وما يكون في المسترسل لا يكون من ماء الوضوء. نعم، لو قلنا باستحباب غسل المسترسل فغسله استحباباً لا بأس بالأخذ منه أيضاً؛ لأنّه جزء من ماء الوضوء حينئذٍ، لكن إنّما يتمّ لو صحّ[361] القول بالجزء المستحب...

-------------------------

[359] قوله: [الوجه] بل مطلقاً ما لم يخرج عن المتعارف.

[360] قوله: [لانصراف] لا وجه له، وقوله «اللحية»(1) يشمله، ولا يأتي لذهن العرف الفرق بينهما. نعم، لو سقط ماء الوضوء على ثوبه لا يشمله الدليل للانصراف.

[361] قوله: [لو صح] مثلوا له بالسرداب(2) في البيت، فإنه جزء من البيت، لكن لا يقدح عدمه في عدم الهيئة، فهو جزء حال وجوده، وخارج حال عدم وجوده.

ص: 207


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 359.
2- انظر: أجود التقريرات 1: 41، محاضرات في أُصول الفقه 1: 179، منتقى الأصول 1: 231.

فالأولى المسح بماء جديد ثمّ التيمّم[362] وأولى منه المسح أوّلاً باليد الجافّة ثمّ بالماء الجديد ثمّ التيمّم(*).

(*) ... واستدلّ له بنفي[363] الضرورة والحرج وصدق الامتثال واختصاص وجوب المسح بالبلل بالإمكان المنتفي على الفرض. وفي الكلّ ما لا يخفى، فإنّ نفي الضرر والحرج لا يقتضي تعلّق[364] الأمر بغير متعلّقه، كما أنّ الامتثال لا يتحقّق مع عدم الإتيان بما هو مأمور به، واختصاص[365] وجوب المسح بالبلل يقتضي سقوط الأمر

-------------------------

[362] قوله: [ثم التيمم] الظاهر كفاية المسح بالماء الجديد، ولعل مراد الماتن هو ذلك لقوله: فالأولى(1).

[363] قوله: [بنفي] وبقاعدة الميسور وبالاستصحاب كما سيأتي، وبجواز الماء الجديد اختياراً فكيف اضطراراً؟

[364] قوله: [تعلق] وبعبارة اُخرى: إنّ حديث نفي الضرر ينفي لزوم المسح بالنداوة، ولا يثبت ما هي الوظيفة حينئذٍ.

[365] قوله: [واختصاص] كأن المستدل تصور أن هذه أوامر تكليفية فقيدها بالإمكان، مع أنها أوامر وضعية.

هذا ويمكن توجيهه وتوجيه القول الثاني(2): بأن أدلَّة المسح - كالآية الكريمة(3) - لها إطلاق، وأدلَّة وجوب المسح ببلة اليمين، وحرمة استئناف

ص: 208


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 360.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 361.
3- وهي قوله تعالى: { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}. المائدة: 6.

بالوضوء والعدول إلى التيمّم، فإنّه قد حقّق في الأصول أنّ هذا النحو[366] من الأوامر إرشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية...

وعن نهاية الأحكام وغيرها أنّه لو جفّ ماء الوضوء لحرارة الهواء أو غيرها جاز المسح باليد الجافّة[367] ولا يجوز استئناف ماء جديد...

وما في الجواهر من قصور ما دلّ على شرطية المسح بالنداوة عن شموله للمقام لظهوره في صورة الإمكان قد ظهر[368] ما فيه، فإنّه لا قصور فيه...

إلاّ أن يدلّ على البدلية دليل، وما يمكن أن يكون دليلاً له أحد الأمرين[369]، أحدهما: قاعدة الميسور، وقد مرّ منّا لعلّه مراراً

-------------------------

ماء جديد لا إطلاق لها، بل هي خاصة بصورة الإمكان، أي: أن ذلك هو منصرفها أو قدرها المتيقن، فيكون المحكم إطلاق أدلَّة المسح(1).

[366]قوله: [النحو] الظاهر أن مراده الأمر بالمركبات.

[367] قوله: [الجافة] لعله لأنه الميسور، والماء الجديد مباين للمأمور به، فإن بلة النهر غير بلة الوضوء، لكنه غير عرفي، فإنه ميسور عرفاً.

[368] قوله: [قد ظهر] فإن مثل هذه الأوامر تفيد الوضع، لكن مضى توجيهه.

[369] قوله: [الأمرين] هذان الأمران(2) يمكن أن يصلحا دليلاً لكل من القولين.

ص: 209


1- انظر: شرح العروة الوثقى 4: 126.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 361 - 362، وهما: قاعدة الميسور، واستصحاب وجوب الوضوء.

أنّ أدلّة هذه القاعدة مخدوشة[370]...

ثانيهما: استصحاب وجوب الوضوء كما في الجواهر، ويرد عليه أولاً: أنّه على فرض جريانه يختصّ بما لو تعذّر الوضوء التامّ بعد الوقت[371] كي يتعلّق الخطاب به...

ومن الظاهر - كما ذكرنا - أنّ الخطاب المتعلّق بالوضوء التامّ سقط[372] بتعذّر بعض شرائطه...

وثالثاً: أنّ جريان هذا الأصل يتوقف على القول بحجّية الاستصحاب في الشبهات الحكمية، وقد ذكرنا مراراً أنّا لا نلتزم[373] به...

-------------------------

[370] قوله: [مخدوشة] فيه: أنها مجبورة بالشهرة القطعية، كما في الفقه(1)، ثم إن الظاهر أن الميسور - عرفاً - هو المسح بالبلة الجديدة لا باليد الجافة.

[371] قوله: [الوقت] أو قيل بالوجوب التعليقي.

[372] قوله: [سقط] إلاّ أن يقال: بالوحدة العرفية بين الواجد والفاقد، فتأمل.

[373] قوله: [لا نلتزم] في المبنى نظر(2)، ثم إنه مضى الكلام في نظير هذه الإشكالات، فراجع.

ص: 210


1- انظر: الفقه8 : 336.
2- جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية مورد خلاف بين الأعلام. انظر: فوائد الأصول 3: 20، كفاية الأصول: 392 و 407، مقالات الأصول 2: 364.

وأمّا مسح الرجلين فيجب من رؤوس الأصابع إلى الكعبين طولاً(*)[374].

فانقدح بما ذكرنا: أنّه مع عدم إمكان الوضوء التامّ، ولو بالتأخير[375] إلى آخر الأزمنة، تصل النوبة إلى التيّمم...

(*) أمّا وجوب المسح فالظاهر أنّه لا خلاف بينهم، وفي الجواهر ادّعى عليه إجماع الإمامية محصلاً ومنقولاً، وقال: بل هو من ضروريات مذهبهم[376] وأخبارهم به متواترة...

وروي عن طريق العامّة[377] عن ابن عبّاس أنّه وصف وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمح على رجليه(1)...

... ويشهد للمقصود - مضافاً إلى ما سمعت - قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} فإنّ ظاهر الآية الشريفة أنّ الوظيفة في الرِجل المسح كالرأس، ولا فرق[378]

-------------------------

[374] قوله: [طولاً] على الأحوط.

[375] قوله: [بالتأخير] بناءً على عدم جواز البدار لذوي الأعذار.

[376] قوله: [مذهبهم] كما أنه من الضروريات الفقهية.

[377] قوله: [العامة] وكأن الغسل من بدع عثمان، راجع كتاب: وضوء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

[378] قوله: [ولا فرق] للظهور العرفي، إذ العطف على الوجوه بعيد للفاصلة الكلامية الموقعة في وهم خلاف المقصود، وقد قيل: إن عطف

ص: 211


1- تهذيب الأحكام 1: 63.

في استفادة هذا المعنى بين أن يقرأ لفظ أرجلكم بالجرّ، كما عن ابن كثير وأبي عمرو وحمزة...

ويدلّ عليه ما رواه غالب بن الهذيل قال: »سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ وجلّ: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} على الخفض هي أم على النصب؟ قال: بل هي على الخفض[379]«(1)...

وأمّا على الثاني فإنّه معطوف على المحلّ[380] فإنّ لفظ الرؤوس منصوب محلاً لأجل المفعولية...

وأمّا على قراءة الجرّ فيلتزم بكون جرّه للمجاورة، كما في قولهم: »هذا جحر ضبّ خرب[381]«(2) فيرد عليه:

-------------------------

الأرجل على الوجوه من أقبح الوجوه(3).

[379] قوله: [الخفض] لو اُريد تأويل الرواية يقال: إن معناها على الخفض لا لفظها.

[380] قوله: [المحل] مثل «ما الحازم الشهم مقداماً ولا بطل»، و«ليس زيد بقائم ولا قاعداً»(4).

[381] قوله: [خربٍ] القاعدة تقتضي أن يقال: خربٌ، لأنه صفة جحر لكن جر لمجاورة النصب.

ص: 212


1- تهذيب الأحكام 1: 70.
2- تهذيب الأحكام 1: 66.
3- انظر: مشرق الشمسين: 287.
4- انظر: مغني اللبيب 2: 473و 476.

أنّ هذا[382] خلاف الظاهر، بل على خلاف القواعد الأدبية...

... يمكن أن يكون المراد بالمفصل ما ذكره العلاّمة، كذلك يحتمل أن يكون المراد منه المفصل[383] الواقع وسط القدم، فلا وجه لتعيينه فيما ذكره (قدس سره) ، بل يقوى أن يراد به الثاني[384] لأنّه لو كان المراد بالمشار إليه في قوله: هذا من عظم الساق كما هو الظاهر، فالمفصل الواقع بين الساق والقدم قريب منه جداً، ويبعد[385] أن يطلق عليه عنوان الأسفل...

إذا عرفت ما تقدّم فالإنصاف[386] أنّ رفع اليد عن هذه الرواية وحملها على غير ما فهم منها العلاّمة مشكل، كما أنّ تأويل

-------------------------

[382] قوله: [أن هذا] أي: العطف على الوجوه، فإنه بعيد للفصل بجملة تامة وللإيهام، وأما على قراءة الجرّ مضافاً إليه فأصل جوازه محل إشكال.

[383] قوله: [المفصل] فإن المشط مفصل كما يجده من نظر إلى الهيكل العظمي(1).

[384] قوله: [الثاني] في عبارة المصنف غموض وتحتاج لتأمل أكثر، والظاهر أن صدر الرواية(2) وذيلها متضارب، فتأمل.

[385] قوله: [ويبعد] لا بُعد فيه.

[386] قوله: [فالإنصاف] سبق أنّ الرواية مجملة، فتأمل.

ص: 213


1- انظر: الفقه8 : 287.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 374.

ويكفي مسمّاه عرضاً وإن كان بإصبع واحدة(*)[387].

تلك الروايات[388] بنحو ينطبق على مدّعى العلاّمة كذلك...

لكنّ الإنصاف أنّه لا يمكن الاكتفاء به في مقام العمل سيّما[389] أنّ الوضوء شرط للصلاة التي هي قوام الدين وعموده، مضافاً إلى أنا قويّنا[390] الاشتغال في أمثال المقام.

(*) ... واستدلّ للمشهور بوجوه[391]؛ أحدها: ما في رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، حيث قال: »وأرجلكم إلى الكعبين« فعرفنا حيث وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما، فلا يجب الاستيعاب العرضي.

-------------------------

[387] قوله: [واحدة] أو أقل.

[388] قوله: [تلك الروايات] التي استدل بها المشهور وخاصة رواية البزنطي كما سبق.

[389] قوله: [سيما] مع جريان البراءة لا مانع من ذلك، فإنها تحرز المطلوب تعبداً.

[390] قوله: [قوينا] بل قوى نقيضه سابقاً(1).

[391] قوله: [بوجوه] وقبلها إطلاق الكتاب الكريم(2)، فإن المسح صادق ولو بالأقل.

ص: 214


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 312 و 323.
2- المائدة: 6، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}.

ويرد عليه[392]: أنّ القول بوجوب الاستيعاب العرضي لا ينافي البعضية؛ إذ ظاهر القدم بعض من مجموعه...

ثانيها: ما في حديث الأخوين. بتقريب أنّه يستفاد من الباء التبعيض وقوله (عليه السلام) : ما بين، بدل عن الشيء فالمسح بشيء وبجزء من هذا الحدّ كاف. ويرد عليه[393]: ما ذكرناه في لزوم الاستيعاب الطولي من أنّ الظاهر من الرواية أنّه يلزم مسح هذا المقدار من حيث الطول والعرض... فهذه الرواية على خلاف مقصود المشهور أدلّ[394]...

... وبما رواه زرارة وبكير أنّهما: »سألا أبا جعفر (عليه السلام) عن وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدعا بطشت أو تور(1) فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبّها على وجهه فغسل بها وجهه، ثمّ غمس كفّه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه

-------------------------

[392] قوله: [ويرد عليه] الأولى الإيراد بظهور الرواية(2) في الاستيعاب الطولي، أي: أنها ناظرة إلى الطول لا العرض فلا إطلاق لها، فتأمل.

[393] قوله: [ويرد عليه] الأولى الإيراد بما ورد على الأول، وقد سبق بعض الكلام حول الرواية فراجع.

[394] قوله: [أدلّ] سبق أنها ناظرة إلى الطول فتأمل، ولو فرضت الدلالة فهي مخصصة بالسيرة كما سيأتي.

ص: 215


1- التور: بالفتح فالسكون إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه ويؤكل ويتوضأ فيه. انظر: الصحاح2: 602، لسان العرب4: 96.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 388، ح3.

من المرفق إلى الكفّ لا يردها[395] إلى المرفق«(1)...

وهذا الذي ذكرنا من ظهور الرواية في المدّعى ليس من جهة أنّ الباء[396] لا يصلح لأن يكون للتبعيض؛ لأنّه لا معنى لبعض الشيء في مقابله...

-------------------------

[395] قوله: [لا يردها] لعل المراد بنية الوضوء، وإلاّ فلا مانع منه بحدّ ذاته.

وهذا الدليل مبني أولاً: على وجوب ما ورد في الوضوءات البيانية، وقد مضى الكلام فيه.

وثانياً: أن يكون «ما بين الكعبين...» بياناً للشيء، أي ذلك الشيء الممسوح هو «ما بين» أما لو فرض بياناً للقدمين فهو يدل على نقيض المطلوب، وفي الدلالة غموض، فلعله مجمل فتأمل.

لكن قد يدعى الظهور العرفي، وأما الاحتمال الآخر فبعيد عن الذهن العرفي، فتأمل.

[396] قوله: [الباء] لعله يريد أن يقول: إن الباء لم ترد للتبعيض، بل للإلصاق، فمعنى الآية «امسحوا ملصقين المسح برؤوسكم» وحيث إن الرواية(2) تفسير للآية فيكون معناها: فإذا مسح شيئاً من رأسه، أو شيئاً من قدميه

ص: 216


1- الاستبصار 1: 57.
2- انظر: تهذيب الأحكام1: 90، ح86 ... عن الحسين بن سعيد، وأبيه محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة وبكير ابني أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المسح : «تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك، وإذا مسحت بشيء من رأسك، أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك».

ولا يخفى دلالته على المقصود، واشتماله على وجوب المسح بتمام الكفّ لا يوجب[397] رفع اليد عن دلالتها على الوجوب من حيث الاستيعاب طولاً...

وحيث إنّه قرن حرف الغاية بالأصابع، فيعلم أنّ الغاية المذكورة في الآية غاية للممسوح، فلا دلالة[398] في الآية على الاستيعاب.

وبما رواه الأخوان[399]، بجعل قوله (عليه السلام) ما بين بدلاً من القدمين. وبما

-------------------------

- وهو «ما بين» - فتدل على المطلوب، ولم يظهر ذلك لنا فعلاً؛ إذ ليس الكلام في الباء، بل في «شيء» وإن «ما» بدل من «شيء» أو «قدميه»؟ فتأمل أكثر.

[397] قوله: [لا يوجب] فإن سقوط بعض الرواية لا يوجب سقوط الباقي، مع أنه ليس في المقام إلاّ تصرف في الظهور لا السقوط الكلي.

[398] قوله: [فلا دلالة] هذا لا يكفي لإثبات المدعى؛ إذ تكون الآية الكريمة غير دالة لا على مذهبه، ولا على المذهب المقابل له. نعم، هذا رد على دليل الخصم(1).

[399] قوله: [الأخوان] سبق أن الإنصاف دلالتها، إلاّ أن دلالتها مرتبطة ب- «تحت الشراك»(2) لا ب- «وإذا مسحت»(3) وقد سبق الإجمال أو الظهور المضاد في المقطع الثاني(4) ، وأما الأولى(5) فسيأتي البحث حولها إن شاء اللّه تعالى.

ص: 217


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 369.
2- الكافي 3: 26.
3- المصدر نفسه.
4- أي قوله (عليه السلام) : «وإذا مسحت».
5- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 369.

دلّ على جواز إدخال اليد في الخفّ المخرق، وهو ما رواه جعفر[400] بن سليمان قال: »سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) قلت: جعلت فداك، يكون خفّ الرجل مخرّقاً فيدخل يده فيمسح ظهر قدمه أيجزيه ذلك؟ قال: نعم«(1)...

وأمّا جواز إدخال اليد في الخف المخرّق[401] فلا يدلّ[402] على عدم وجوب الاستيعاب. كما أنّ عدم استبطان الشراك لا يلازم عدم الاستيعاب؛ لأنّه يمكن أن يتجاوز عن محلّه بحركة اليد[403]، وأيضاً يمكن أن يكون معقده فوق الحدّ[404]. مضافاً إلى جميع ذلك أنّه مع فرض التسليم يمكن أن يجعل المسح على

-------------------------

[400] قوله: [جعفر] يُحتمل عدم اعتبارها(2).

[401] قوله: [المخرق] قد يقال: إن الخرق لا يكون عادةً بحيث يسمح بالاستيعاب في المسح، بل هو سبب لتخرقه أكثر، فتأمل.

[402] قوله: [فلا يدل] فهو ليس في مقام البيان من هذه الجهة، بل في مقام أنه لا يجب نزع الخف.

[403] قوله: [بحركة اليد] بعيد جداً، ولو كان ذلك لقال: وحرك الشراك.

[404] قوله: [الحد] لو قيل: إن الكعب هو القبّة، وإلاّ فليس متعارفاً.

ص: 218


1- الكافي 3: 31.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 377، حيث قال: «يظهر من تعبير صاحب الحدائق أن الرواية غير معتبرة».

ولا يترك الاحتياط[405] بالمسح إلى المفصل(*).

الشراك بدلا[406] عن المسح على البشرة. فتحصّل ممّا ذكر كلّه: أنّ الحقّ[407] المنصور ما ذهب إليه المشهور.

(*) ... واستدل للمشهور بالإجماعات[408] المنقولة عليه...

-------------------------

[405] قوله: [ولا يترك الاحتياط] لا بأس بتركه.

[406] قوله: [بدلاً] فيه بُعد، وينافيه تعليلات: «لا تمسح على الخف والجورب» فتأمل(1).

وقد يقال: إنه نوع تسهيل من الشارع للمكلفين، بل هو دال على لزوم الاستيعاب، وإلاّ لمسح إلى ما قبل الشراكين ولم يؤمر به في رواية الأخوين(2).

[407] قوله: [الحق] بل هو الأحوط لقوة دلالة «الخف المخرق»(3) و«عدم استبطان الشراكين»(4).

[408] قوله: [بالإجماعات] ولعلها تصلح دليلاً كافياً للمدعى، بضميمة المعروفية وكلام المعتبر(5) والذكرى(6)، والنهاية(7)، مضافاً إلى بعض الروايات، والأصل العملي.

ص: 219


1- انظر: الكافي 3: 32.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 414.
3- انظر: الكافي 2: 31.
4- انظر: من لا يحضره الفقيه 1: 43.
5- انظر: المعتبر 1: 151.
6- انظر: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 2: 149.
7- انظر: نهاية الأحكام 1: 44.

وبجملة من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) بدعوى أنّ المستفاد منها أنّ الكعب عبارة عمّا ذهب إليه المشهور. منها: ما رواه البزنطي[409]

عن الرضا (عليه السلام) . بتقريب أنّ الجملة ظاهرة في أنّ قوله إلى ظاهر القدم تفسير لقوله (عليه السلام) : إلى الكعبين، فيعلم أنّ الكعب عبارة عن ظاهر القدم. والظاهر في اللغة يطلق على المرتفع[410]...

ومنها: ما رواه ميسر[411] عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »الوضوء واحد ووصف الكعب في ظهر القدم«(1).

ومنها: ما رواه أيضاً ميسّر[412] عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ألا

-------------------------

[409] قوله: [البزنطي] الرواية(2) ظاهرة في هذا المعنى، وحملها على معنى آخر تكلّف.

[410] قوله: [المرتفع] لا يقال: المفصل - أيضاً - مرتفع، فإنه يقال: لا يقال له مرتفع، بل يقال له: نهاية القدم.

[411] قوله: [ما رواه ميسر] الإنصاف أنه لا يدل على المدّعى(3)؛ إذ قد يكون مقابل القائلين: إنَّ الكعب في بطن القدم.

[412] قوله: [ميسر] الإنصاف أنه لا يدل أيضاً(4)، لنفس السبب السابق.

ص: 220


1- تهذيب الأحكام 1: 57.
2- انظر: الكافي3: 30، ح6، وهي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، فقلت: جعلت فداك لو أن رجلاً قال بإصبعين من أصابعه هكذا؟ فقال: لا إلا بكفه».
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 435.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 372.

أحكي لكم وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثمّ أخذ كفّاً من ماء فصبّها على وجهه، ثمّ أخذ كفاً فصبّها على ذراعه، ثمّ أخذ كفاً فصبّها على ذراعه الأُخرى، ثمّ مسح رأسه وقدميه، ثمّ وضع يده على ظهر القدم، ثمّ قال: هذا هو الكعب، قال: وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب[413]»(1)...

والحاصل: أنّ كلام أهل اللغة ليس متّفقاً على المعنى المشهور، وإن أُريد به إجماع الفقهاء الذي يرجع إلى إجماع على الحكم[414]، فمضافاً إلى مخالفة[415] العلاّمة وجمع آخر من المحقّقين لا يترتّب عليه أثر...

وأمّا الروايات فيرد في الأولى منها أنّه يمكن أن يكون المراد بالظاهر

-------------------------

[413] قوله: [العرقوب] العرقوب: عصب غليظ فوق العقب(2).

العقب: مؤخر القدم(3).

الظنبوب: حرف عظم الساق من القدم(4).

[414] قوله: [الحكم] أو موضوع الحكم، إذ قد يكون للفظ معنيان، فيكون إجماعهم كاشف عن أنّ المراد هذا المعنى، فإن مرجعه إلى الإجماع على الحكم.

[415] قوله: [مخالفة] هذا المقدار من المخالفة لا يضر بالشهرة العظيمة والإجماعات.

ص: 221


1- وسائل الشيعة 1: 391- 392.
2- الصحاح 1: 180، مادّة (عرقب).
3- العين 1: 178، مادّة (عقب).
4- العين 1: 165، مادّة (ظنب).

ما يقابل الباطن، ويكون المقدر[416] لفظ الانتهاء أو الآخر...

مضافاً إلى ما نقل عن البهائي[417] من أنّ قول الراوي أنّ الإمام (عليه السلام) وصف الكعب في ظهر القدم يعطي أنّ الإمام (عليه السلام) ذكر للكعب أوصافاً ليعرفه الراوي بها...

والحاصل[418]: أنّه يمكن أن يكون المراد من الظهر الردّ على العامّة، حيث فسّروا الكعب بالناشزين في جانبي القدم...

وأمّا قول العلاّمة فاستدل[419] له بما دلّ على وجوب مسح ظاهر القدم كقوله (عليه السلام) في رواية زرارة: »وما بقي من بلّة يمينك ظهر

-------------------------

[416] قوله: [المقدّر] التقدير خلاف الأصل، وهو هنا خلاف الظاهر أيضاً كما سبق.

[417] قوله: [البهائي] وصف الكعب(1)، أي: ذكر أنه فيه، ثم إنه لا مانع من وصفه لخفائه عن البعض، خاصة الذين لهم لحم وفير، أي: الذين يعلو قبتهم لحم وفير.

[418] قوله: [والحاصل] كأن جملة (ولكن الإنصاف.. أحدث)(2) جملة أُضيفت فيما بعد، وهي تختلف عن سياق ما قبلها وما بعدها؛ إذ السياق يدل على قول العلامة(3)، وهذه الجملة تدل على قول المشهور.

[419] قوله: [فاستدل] فيه: أنه يقيد بالأدلَّة السابقة.

ص: 222


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 373.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 373- 374.
3- انظر: المعتبر 1: 151، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 373 - 374.

قدمك اليمنى، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى«(1) فإنّ الظاهر منها وجوب مسح ظاهر القدم كلّه.

وبرواية البزنطي[420] بالتقريب المتقدّم، وبما في حديث الأخوين[421] »قلنا أين الكعبان؟ قال: ها هنا يعني المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك«(2)...

ويمكن النقاش في الدليل الأول بأنّ المسح على بعض الظاهر يصدق عليه مسح ظاهر القدم، فتأمّل[422]...

وما رواه أبو همّام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في وضوء الفريضة في كتاب اللّه تعالى: »المسح والغسل في الوضوء للتنظيف[423]«(3).

-------------------------

[420] قوله: [البزنطي] روايته(4) تدل على النقيض، ومع التنازل فهي مجملة.

[421] قوله: [الأخوين] الإنصاف أن الرواية(5) مجملة وظهورها متضارب.

[422] قوله: [فتأمل] لأن الظاهر الاستيعاب.

[423] قوله: [للتنظيف] أي: لو غسل رجله فإنما هو تنظيف، أما المأمور به

ص: 223


1- الكافي 3: 25.
2- وسائل الشيعة 1: 389.
3- الاستبصار 1: 64.
4- وهي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته: «عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، فقلت: جعلت فداك، لو أن رجلاً قال بإصبعين من أصابعه هكذا؟ فقال: لا إلا بكفه». الكافي3: 30، ح6.
5- وهي: «قال: فقلنا: أين الكعبان؟ قال، ههنا يعني المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك». الكافي3: 25، ح5.

وحيث[424] إنّ ما دلّ على تعيّن المسح موافق للكتاب ومخالف للعامّة يؤخذ به، ويرفع اليد عن معارضه.

ولا يخفى أنّ المرجّح من حيث الأحدثية مع ما دلّ على لزوم المسح، وهذا هو المرجّح الوحيد[425] في باب الترجيح...

وأمّا استيعابه[426] من رؤوس الأصابع إلى الكعبين فالمشهور بينهم كما في الحدائق وجوبه.

-------------------------

فهو المسح، وظاهر الرواية(1) أن الكلام في مسح الرجلين أو يعم الرأس، فتأمل.

[424] قوله: [وحيث] حاصله أن الروايتين(2) متعارضتان، وحينئذٍ تتعين رواية المسح لعدّة اُمور:

أولاً: لموافقتها الكتاب. ثانياً: ومخالفتها العامّة. ثالثاً: وللأحدثية.

[425] قوله: [الوحيد] سبق أنه ليس بمرجح فكيف بكونه وحيداً؟

[426] قوله: [استيعابه] الأدلَّة التي ذكرها المصنف هي:

الأول: الشهرة والإجماع، وقد أقره المصنف(3) خلافاً لدأبه حيث يناقش في الإجماعات عادةً.

الثاني: الآية الكريمة(4)، سواء قيل: إنَّ الغاية غاية للمسح أم الممسوح.

أما لو قلنا: إنها غاية للمسح فظاهر، أي: امسحوا أرجلكم مسحاً إلى الكعبين،

ص: 224


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 420، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 365.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 365.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 366.
4- وهي قوله تعالى { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}. المائدة: 6.

-------------------------

أي: لبيان الاتجاه.

وأما لو قلنا: إنها غاية للممسوح فكذلك، إذ الظاهر أن المعنى (امسحوا بعض أرجلكم) فكأنه سأل: ما هو ذلك البعض الممسوح؟ فقيل: إن الممسوح هو إلى الكعبين، أي: أن منطقة المسح ذلك، كما لو قال: (اصبغ بعض الجدار إلى منتصفه)، فإنه وإن كان غاية للممسوح إلاّ أنه ظاهر في الاستيعاب.

الثالث: حديث المعراج(1)، لا يقال: إنه من مختصاته، فإنه يقال: تجري أصالة الأُسوة.

الرابع: ما رواه زرارة وبكير، وهو قوله: «فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه..»(2).

الخامس: ما روياه(3) عن الإمام الباقر (عليه السلام) (4)، بنفس التقريب، والإنصاف أنها ظاهرة في نقيض المطلوب وكفاية البعض.

السادس: ما رواه البزنطي(5) عن الإمام الرضا (عليه السلام) .

السابع: ما يظهر من بعض النصوص(6) ولعل الاستدلال أن ظاهرهما: الاستيعاب الكلي، لكنهما ضعيفان.

ص: 225


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 390، ح5.
2- الكافي 3: 25.
3- أي: زرارة وبكير ابني أعين.
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 414.
5- انظر: وسائل الشيعة 1: 417.
6- انظر: وسائل الشيعة 1: 415.

ولا ينافيه ما يدلّ من الروايات على جواز النكس، بل هو المشهور كما ادّعاه في الحدائق؛ إذ المستفاد من الآية وجوب الاستيعاب ولزوم كون الابتداء من الأصابع، وبقيام الدليل على جواز النكس يرفع اليد عن أحد الأمرين، ولا وجه لرفع اليد عن الآخر[427]...

ثالثها: ما رواه جعفر بن سليمان. بتقريب أنّ إدخال اليد في الخفّ ومسح الرجل بها داخل الخفّ يلازم عدم الاستيعاب عرضاً. ويرد عليه: أنّ هذه الملازمة لا نسلّمها[428]، وبهذا لا يمكن رفع اليد عمّا دلّ على لزوم الاستيعاب...

ومن الظاهر أنّ بلل اللحية يكفي غالباً للمسح عرضاً وطولاً، أضف

-------------------------

وقد تحصل من جميع ما سبق تمامية الدليل الثاني والثالث والسادس، ويبقي الكلام في المانع عن ذلك. أما الشهرة والإجماع المدّعى فيحتاجان إلى تأمل أكثر. وسيأتي الكلام في المانع.

[427] قوله: [عن الآخر] إذ سقوط بعض الدلالة لا يسقط الباقي، مثل: (اغتسل للجمعة وللجنابة) وراجع بحث «إن سقوط الدلالة المطابقية هل يستلزم سقوط الالتزامية أو لا؟»(1).

[428] قوله: [لا نسلمها] الظاهر أنها مسلمة، إلاّ لو كان الشق كبيراً جداً، وهو بعيد.

ص: 226


1- انظر: هداية المسترشدين 1: 648، نهاية الأفكار 1- 2: 161، نهاية الدراية في شرح الكفاية 1: 519، محاضرات في أُصول الفقه 3: 71، حيث ذهب البعض إلى سقوط الدلالة الالتزامية عند سقوط المطابقية، وفصل آخرون.

إلى ذلك أنّ الحكم مختصّ بمسح الرأس[429] ولا يشمل مسح الرجلين.

فظهر[430] أنّ شيئاً من المذكورات لمستند المشهور لا يصلح للاعتماد

عليه، بل الحقّ القول الآخر لما رواه البزنطي[431]... فإن قام إجماع تعبّدي كاشف عن رأيه (عليه السلام) على الاجتزاء بأقلّ من ذلك فهو، وإلاّ لا بدّ من الأخذ به، والسيرة الخارجية ليست بحيث يمكن الاعتماد عليها، فإنّ الناس مختلفون[432] في إيجاد المسح، إلاّ أن يقال: إنّ قيام السيرة على عدم التقيّد[433] بهذا النحو المذكور المستفاد من الرواية وعدم ارتكاز هذا المعنى في أذهان المتشرعة يكشف عن عدم وجوبه.

-------------------------

[429] قوله: [بمسح الرأس] الظاهر عدم الخصوصية ولو بقرينة فهم المشهور.

[430] قوله: [فظهر] بل ظهر العكس، لإطلاق الآية الكريمة(1) وإطلاق الرواية الأولى(2)، لو سلم الإطلاق، ورواية الخف(3) الممزق المخرق والبلل.

[431] قوله: [البزنطي] لا ملازمة بين المسح بتمام الكف واستيعاب ظاهر القدم كما هو ظاهر.

[432] قوله: [مختلفون] الأغلبية القريبة إلى الاتفاق لا تستوعب في المسح ظاهراً.

[433] قوله: [عدم التقيد] بل التقيد غالباً بالعدم، خاصة مع ملاحظة أن الاستيعاب صعب ويحتاج للتمرين.

ص: 227


1- وهي قوله تعالى: { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}. المائدة: 6.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 392.
3- انظر: الكافي 2: 31.

والأولى أن يكون بتمام الكفّ، والأحوط[434] أن يكون الابتداء فيه من الأصابع إلى الكعبين(*).

(*)... واستدلّ لهذا القول بالآية الشريفة: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(1) بتقريب أنّ (إلى) غاية للمسح، وبالوضوءات البيانية الدالّة على أنّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يمسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ولحديث البزنطي...

وفي الجميع نظر، أمّا الآية فمضافاً إلى الإشكال فيها بعدم ظهورها في المدّعى[435]، بل يحتمل أن تكون الغاية غاية للممسوح يرفع[436] اليد عنها بما دلّ على جواز النكس...

وأمّا الوضوءات البيانية فغاية ما يستفاد منها رجحان[437] هذا النحو... مضافاً إلى أنّ ما دلّ على جواز النكس يقتضي رفع[438] اليد عمّا يدلّ على عدم جوازه.

-------------------------

[434] قوله: [والأحوط] الأولى.

[435] قوله: [في المدعى] بملاحظة ما قبلها، وهو (إلى المرافق)(2) وبملاحظة النظائر العرفية، مثل: اصبغ الجدار إلى منتصفه.

[436] قوله: [يرفع] أو تحمل على الاستحباب.

[437] قوله: [رجحان] بل سبق احتمال أنها تدل على أنه أحد الأنحاء.

[438] قوله: [رفع] أو الحمل على الاستحباب.

ص: 228


1- المائدة: 6.
2- المائدة: 6.

ويجب[439] جفاف الممسوح على النحو المذكور في مسح الرأس. والأحوط مسح اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى(*). ولا يشترط في صحة الوضوء يبوسة الأعضاء قبله،

... مضافاً إلى أنّه لا مجال لجريانها كما بيّناه سابقاً، بل المرجع البراءة وإن رجعنا[440] عن ذلك...

واحتمال كون قوله (مدبراً) عطفاً على قوله مقبلاً حتّى يكون المستفاد عدم البأس بتكرار المسح كذلك، مردود بأنّ الظاهر[441] إعادة العامل...

والحقّ[442] أن يقال: إنّ الوضوءات البيانية تدلّ على التعيين...

(*) ... والمناقشة[443] في دلالة الرواية على اللزوم كما ترى لا وجه لها...

-------------------------

[439] قوله: [ويجب] على الأحوط.

[440] قوله: [رجعنا] بملاحظة سائر الموارد الظاهر أنه لم يرجع.

[441] قوله: [الظاهر] ولذا لا يأتي احتمال التكرار إلى أذهان العرف.

[442] قوله: [والحق] إلاّ أن ظهور رواية حماد(1) أقوى فيقدم، ولا تعارض مع ذلك.

[443] قوله: [والمناقشة] مضى الكلام في أنه هل يدل على اللزوم أو الإجزاء؟

ص: 229


1- تهذيب الأحكام1: 83 ، ح66، وهي: عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بمسح القدمين مقبلاً ومدبراً».

بل لو توضأ على الأعضاء المبتلّة صح الوضوء(*).

المسألة 105: لو وقف تحت المطر أو الميزاب للغسل أو الوضوء

مسألة 105: لو وقف تحت المطر أو الميزاب للغسل أو الوضوء جاز وصحّ الغسل والوضوء إذا حصلا بشرائطهما(**)، لكن يجب أن يكون مسح الرأس والرجلين بما جرى من المطر على يديه لغسلهما لا بما جرى عليهما بعد تمام غسلهما، ولا بالممزوج منهما[444] للزوم كون المسح بماء الوضوء.

المسألة 106: لو كرّر المسح لم يضرّ

مسألة 106: لو كرّر المسح لم يضرّ سواء كان لرعاية الاحتياط في

(*) لعدم الدليل عليه وتحقّق[445] ما هو المأمور به من الغسل.

(**) كما تقتضيه القاعدة [446] لتحقق المأمور به، أعني الغسل...

-------------------------

[444] قوله: [ولا بالممزوج منهما] على الأحوط؛ وذلك لتعارف الاختلاط في الوضوء تحت المطر، فعدم التنبيه عليه دليل عدم اللزوم، فتأمل.

[445] قوله: [وتحقق] هذا بيان المقتضي و «لعدم الدليل»(1) بيان عدم المانع.

والحاصل: أنه يصبح البلل الموجود جزءاً من بلل الوضوء.

[446] قوله: [القاعدة] ولا ينافي ذلك المباشرة، فإن العمل يسند إليه لاختيارية مقدماته.

ص: 230


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 380.

تحقّقه أم للعبث(*). نعم، إذا قصد به التشريع أثم، بل وأفسد الوضوء فيما لو رجع إلى عدم قصد الامتثال(**)[447]. وكذا يشكل فيما لو كان التكرار في مسح الرأس وانتقل منه البلّة إلى اليد[448]، ووقع

(*) لعدم[449] دليل على إضراره بالوضوء...

(*) فإنّه لو رجع[450] إلى هذا المعنى لم يتعلّق القصد بالمأمور به فلا يصحّ...

-------------------------

[447] قوله: [عدم قصد الامتثال] نعم، لو بدا له ذلك بعد الفراغ من الوضوء فمسح ثانياً بعنوان أنه من الوضوء لم يبطل.

وأمّا ما في الشرح من قوله: «من المسح»(1) ففي إطلاقه نظر؛ إذ لو فرغ من مسح الرأس فمسح ثانياً بنية التشريع التقييدي لم يحصل قصد الامتثال بباقي الوضوء.

[448] قوله: [اليد] وكذا يشكل لو مسح الرأس أو الرجل فلم يبتل المقدار الواجب مسحه، فكرر المسح بلا تجفيف للمحل، بحيث وقع المسح بالماء الممتزج.

وقوله: (لعدم) بيان عدم المانع، والمقتضي هو شمول إطلاقات الوضوء.

[449] قوله: [لعدم] هذا تعليل للثاني(2)، وأما الأول(3) فهو مشمول لنفس الدليل الآمر بالمسح، أو لأدلَّة الاحتياط.

[450] قوله: [لو رجع] بأن كان على نحو التقييد.

ص: 231


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 381.
2- أي: قول الماتن: (للعبث). انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 381.
3- أي: قول الماتن: (لرعاية الاحتياط). انظر: المصدر نفسه.

مسح الرجل اليمنى بها أو بالممزوج منها ومن بلّة اليد(*).

(*) لما مرّ من أنّ المسح لا بدّ أن يكون ببلّة الوضوء[451].

ولقائل أن يقول: إنّ البلّة المنتقلة من الرأس إلى اليد تصدق عليها أنها بلّة اليمنى فلا وجه للبطلان، ويجاب عن ذلك: بأنّه (عليه السلام) قال في رواية زرارة »وما بقي[452] من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى«(1)...

منها: ما رواه معاوية بن وهب قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الوضوء، فقال: مثنى مثنى«(2) وجوب التعدّد. كما أنّه يمكن أن يقال: إنّ مرسل يونس يدلّ على وجوب التعدّد[453].

ويدفع بأنّ أخبار التثنية لا ظهور لها في هذا المعنى، فإنّه يحتمل أن يكون المراد منها أنّ الغسل في الوضوء اثنان[454] باعتبار الوجه واليدين...

-------------------------

[451] قوله: [الوضوء] هذه بلة الوضوء، فالأولى ببلة اليمنى.

[452] قوله: [وما بقي] وهذه ليست بلة باقية، بل بلة منتقلة، إلاّ أن يقال: إن «ما بقي» في قبال البلل الجديد، لا في قبال ما انتقل، فلا إطلاق ل- «ما بقي»(3).

[453] قوله: [وجوب التعدد] هذا الوهم مندفع بالإعراض القطعي والسيرة المضادة.

[454] قوله: [اثنان] وكذا المسح، ويدل عليه ظاهر الكتاب: {فَاغْسِلُوا

ص: 232


1- الكافي 3: 25.
2- الاستبصار 1: 70.
3- وسائل الشيعة 1: 387- 388.

المسألة 107: التبعيض في الوضوء

مسألة 107: يجوز التبعيض في الوضوء بأن يغسل بعض الأعضاء بالارتماس وبعضها بغيره[455].

المسألة 108: جواز إتيان الصلاة الواجبة بالوضوء المستحبّ

مسألة 108: يجوز إتيان الصلاة الواجبة والمستحبة بالوضوء المستحبّ أو الغسل المستحب الرافع للحدث، كغسل الجنابة قبل الوقت(*) لا بمثل وضوء الحائض

(*) لتحقّق[456] الشرط، فإنّ الوضوء أو الغسل لو كان رافعاً للحدث - كما هو المفروض - فلا وجه لتجديد الطهارة كما هو ظاهر...

-------------------------

وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ...وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}(1) ولذا قيل «الوضوء غسلتان ومسحتان»(2). إلاّ أن هذا التفسير خلاف الظاهر.

ويمكن الجواب: بأنه عام يخصص بالغسلات، وأما في المسحات فمعرض عنها، فتأمل.

[455] قوله: [بغيره] كما يجوز التبعيض في العضو الواحد.

[456] قوله: [لتحقق] ويدل عليه - أيضاً - قوله تعالى: { إِذَا قُمْتُمْ..}(3) فإنه يصدق ولو قام إليها قبل الوقت، كما لو قام قبل الفجر وتوضأ وذهب إلى المسجد ليصلي الصبح، فتأمل. وكذا قوله تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}(4).

ص: 233


1- المائدة: 6.
2- من لا يحضره الفقيه1: 105، تهذيب الأحكام 1: 63.
3- المائدة: 6.
4- المائدة: 6.

وغسل الجمعة(*)[457].

(*) ... ونقل عن المدارك أنّه جعل الروايتين رواية واحدة، وشنّع[458] على من جعلهما روايتين، وبمرسلة الكليني[459] فإنّه قال: »وروى أنّه ليس شيء من الغسل فيه وضوء إلاّ غسل يوم الجمعة فإنّ قبله وضوء«(1)...

وهذه الروايات[460] وإن كان سند بعضها مخدوشاً لكن في المعتبر

-------------------------

[457] قوله: [وغسل الجمعة] على الأحوط الأولى.

[458] قوله: [وشنع] لا وجه للتشنيع مع اختلاف المفاد والطريق.

[459] قوله: [الكليني] تدل على المدّعى في الجملة، وكذا في الرواية(2) التالية، كما تدل على نقيض مدّعى المشهور في الجملة.

[460] قوله: [وهذه الروايات] الإشكال على قول المشهور: أن المقتضي تام بلحاظ الآية الكريمة، لكنه معارض بالمانع الذي يقتضي حمله على الاستحباب، أو يخصص بالروايات.

أما الروايات(3) السابقة فيرد عليها:

أولاً: إن سندها ضعيف جميعاً، إلاّ أن يقال: بانجبارها بعمل المشهور، أو تقبل مراسيل ابن أبي عمير.

ص: 234


1- الكافي 3: 45.
2- انظر: وسائل الشيعة 2: 248- 249، الدلائل 1: 385، وهي رواية علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) : «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل».
3- انظر: وسائل الشيعة 2: 245 و248.

منها كفاية في الاستدلال على مدّعى المشهور، فإنّ ما رواه ابن أبي عمير وإن كان في حكم المرسل[461].

لكن حيث إنّ الراوي ابن أبي عمير وقلنا سابقاً إنّ الشيخ (قدس سره) [462] شهد بأنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة فيؤخذ بروايته. فلا إشكال من حيث المقتضي، لكن رجعنا عن هذه المقالة وقلنا لا فرق[463] بين مراسيل ابن أبي عمير وغيره من حيث عدم الاعتبار...

ويدلّ على خلاف المشهور ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »الغسل يجزي عن الوضوء، وأيّ وضوء أطهر[464] من الغسل«(1)...

-------------------------

ثانياً: معارضتها مع الروايات الدالَّة على الكفاية(2)، فتحمل الأولى على الاستحباب.

ثالثاً: لو فرضت المعارضة تقدم الثانية؛ لأن الوجوب موافق للعامّة.

وفيه: أن الوجوب موافق للكتاب فيقدم، كما أنه لو لوحظت الأحدثية فخبر ابن يقطين الدال على الوجوب - في غسل الجمعة - أحدث.

[461] قوله: [حكم المرسل] بل هو مرسل.

[462] قوله: [الشيخ] وقد اخترنا التفصيل بين مسانيده ومراسيله.

[463] قوله: [لا فرق] هنالك فرق إلاّ أن مسألة «التمسك بالعام في الشبهة المصداقية»(3) تمنع من الأخذ برواياته.

[464] قوله: [أطهر] هذه علة وهي تفيد التعميم.

ص: 235


1- الاستبصار 1: 126.
2- انظر: وسائل الشيعة 2: 244.
3- انظر: نهاية النهاية 1: 40، مقالات الأُصول 1: 445، نهاية الدراية في شرح الكفاية 1: 642.

ومن تلك الأخبار ما رواه معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »المستحاضة تنظر أيّامها[465] فلا تصلّي فيها، ولا يقربها بعلها، فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب[466] الكرسف اغتسلت للظهر والعصر... وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء، وهذه يأتيها بعلها إلاّ في أيّام حيضها«(1).

ومقتضى الجمع بين هذه الأخبار وتلك الأخبار الدالّة على وجوب الوضوء حملها على الاستحباب كما هو المقرّر[467] عندهم...

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الصحيح خلاف المشهور، وكفاية كلّ غسل[468] - واجباً أو مندوباً - عن الوضوء.

ولا يخفى أنّ المرجّح الوحيد في باب الترجيح الأحدثية[469]، فلا أثر لكون الحديث مخالفاً للعامّة أو موافقاً للكتاب، ولكن مع هذا الحقّ كفاية كلّ غسل عن الوضوء،

-------------------------

[465] قوله: [أيامها] أي: أيام عادتها.

[466] قوله: [يثقب] الظاهر أنه يثقب من الجانب الخارج ويخرج، فتكون كثيرة، لكن ينافيه المقابلة، فتأمل.

[467] قوله: [المقرر] وهو الجمع العرفي خلافاً لمبنى المصنف.

[468] قوله: [كل غسل] مع رفعه للحدث، أي: مع بقاء الحدث معه لا كغسل الحائض.

[469] قوله: [الأحدثية] في المبنى نظر، لكن عليه يقدم ما دل على

ص: 236


1- الكافي 3: 88 - 89 .

المسألة 109: جواز الوضوء قبل الوقت

مسألة 109: يجوز أن يتوضّأ قبل الوقت ولو للكون على الطهارة(*)[470].

فإنّ المعارض ضعيف[471] سنداً كما تقدّم[472].

(*) بلا خلاف كما عن كشف اللثام وإجماعاً كما عن العلاّمة الطباطبائي، ويشهد له قوله تعالى[473]: { إِنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهّرِينَ}(1)...

-------------------------

وجوب الوضوء مع غسل الجمعة كما سبق.

[470] قوله: [على الطهارة] بل لا يبعد ثبوت الاستحباب نفسياً.

[471] قوله: [ضعيف] إلاّ أنه مجبور بالعمل.

[472] قوله: [تقدم] فتحصل من جميع ذلك أن مقتضى القاعدة الجمع الدلالي بالحمل على الاستحباب.

إلاّ أن يقال: إن روايات الوجوب معرض عنها، وقد يطرح هذا التساؤل: هل هذا المقدار من الإعراض يكفي في السقوط أم لا؟

[473] قوله: [قوله تعالى] هذا متوقف على ضميمة صغرى، وهي: (أن الوضوء تطهر) والظاهر تكفل الأدلَّة بذلك، مثل صحيحة زرارة: «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة، ولا صلاة إلاّ بطهور»(2)، و: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور...»(3) وغيرها.

ص: 237


1- البقرة: 222.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 33.
3- تهذيب الأحكام 2: 152.

بل يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الصناعة استحباب نفس[474] الوضوء، أعني: الغسلات والمسحات، بتقريب أنّ المستفاد من حديث: «من بلغ» كون الفعل البالغ عليه الثواب مستحباً[475]...

-------------------------

[474] قوله: [نفس] ولو بدون نية الكون على الطهارة.

[475] قوله: [مستحباً] إلاّ أن المصنف لا يقبل القاعدة - ظاهراً - والروايات(1) المزبورة ضعيفة. هذا ويمكن القول: إن نفس الدليل آتٍ هنا، إذ إنّ اللّه {يُحِبُّ

الْمُتَطَهِّرِينَ}(2)، ولم يقيد بقصد التطهر، والوضوء طهور.

ص: 238


1- انظر: الكافي 2: 87 ، ح1و 2.
2- البقرة: 222.

فصل: في شرائط الوضوء

الأمر الأوّل: النيّة

وهي أمور: الأوّل: النيّة(*)[476].

(*) اعتبارها في الوضوء إجمالاً ممّا لا شبهة فيه ولا شكّ يعتريه، فإنّ[477] الوضوء فعل اختياري ولا يعقل تحقّقه في الخارج إلاّ بنيّة...

-------------------------

[476] قوله: [النية] النية في المصطلح الفقهي تنحل إلى: القصد، وكون الداعي أمر اللّه تعالى، والخلوص.

والشارح: شرحها بالقصد فقط، وهو غير مستقيم. فقوله «اعتبارها»(1) أي: القصد.

[477] قوله: [فإن] ويمكن الاستدلال عليه بأن ما دل على اعتبار داعوية الأمر الإلهي، والخلوص يدل على ذلك بالالتزام.

وفيه نظر، وإلاّ لتمشى هذا الدليل في جميع التوصيلات، مثل «طهر ثيابك» إذ المقصود صرف تحقق العمل في الخارج في المثال - من التوصيلات غير القصدية - فيمكن أن يكون «توضأ» كذلك.

نعم، لو تمم ذلك بأن ظاهر الأوامر صدورها عن اختيار - كما ذكره الميرزا النائيني (رحمه اللّه) (2) - ضم إلى ذلك كبرى صدور العمل الاختياري بلا قصد محال، وتمّ الدليل.

ص: 239


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 389.
2- انظر: أجود التقريرات 1: 93.

مضافاً إلى أنّ اعتبارها فيه، بل في كلّ طهارة منسوب[478] إلى علمائنا، ... ولا يقدح في تحقّق الاتفاق عدم تعرّض جملة من القدماء كالصدوقين لها؛ لإمكان اتّكالهم على وضوح[479] الأمر وعدم الحاجة إلى الذكر.

ونقل عن ابن الجنيد الخلاف في ذلك وعدم إيجابها، وهو مع معارضته بنقل المحقّق خلافه في المعتبر ضعيف[480] لا يعبأ به.

وربّما يستدلّ على المطلوب بجملة من الروايات[481]، فعن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال: »لا عمل إلاّ بنيّة«...

و لكن الإنصاف[482] أنّها لا تدلّ على ما نحن بصدده،

-------------------------

[478] قوله: [منسوب] المصنف يناقش عادة في الإجماعات، فلِمَ لَمْ يناقش هنا؟

[479] قوله: [وضوح] في النية بمعنى القصد، بل وكذا في المعنى الثاني والثالث(1).

[480] قوله: [ضعيف] ولعل مراده نفي وجوب الإخطار.

[481] قوله: [الروايات] سيأتي من المصنف تضعيفها(2)، لكن قد يقال: إنها متواترة إجمالاً، بل معنىً، فتأمل.

[482] قوله: [ولكن الإنصاف] توجد طائفتان من الروايات:

ص: 240


1- انظر: الحدائق الناضرة 8 : 13و 18، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 289.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 392، عند قوله: «مضافاً إلى أنها مخدوشة سنداً».

-------------------------

الأولى: «لا عمل إلاّ بنية»(1).

الثانية: «إنما الأعمال بالنيات»(2).

أما الأولى فالمحتملات فيها هي:

الأول: نفي الكمال، إلاّ أنه خلاف الظاهر ولا يصار إليه إلاّ بالقرينة.

الثانية: نفي الماهية، وحيث انتفت الماهية فالبطلان حتمي، سواء أريد نفي الماهية حقيقةً - بناءً على الصحيح - أم نفيها باعتبار نفي آثارها، ومن هذه الآثار سقوط القضاء.

ثم إنه لو أُريد من النية: «القصد»(3) دل على ما نحن فيه بالمطابقة، وإن أُريد بها «الداعي والمحرك والباعث»(4) دل على ما نحن فيه بالالتزام كما سبق، إلاّ أن الظاهر منها إرادة «الداعي» فلا فرق بينها وبين الطائفة الثانية، ومما سبق ظهر أن الطائفة الثانية(5) تدل على ما نحن فيه بالالتزام، وإن كان مدلولها المطابقي يتعلق ب- «البواعث» وأنها إلهية أو شهوية، إلاّ أن يشكل بأنها تنفي الثواب ولا تنفي الصحة.

ص: 241


1- الكافي 2: 84 .
2- تهذيب الأحكام 1: 83 .
3- المعتبر 1: 390.
4- انظر: مفتاح الكرامة 6: 611.
5- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 390.

وهي عبارة عن قصد العمل(*).

بل تدلّ[483] على أنّ الكامل التام ما يؤتى به له تعالى، كما هو صريح بعض تلك الأخبار، ولو أبيت عن ذلك فلا أقلّ من إجمالها[484] وعدم ظهورها في المدّعى[485].

(*) الظاهر[486] أنّ المراد من القصد

-------------------------

[483] قوله: [بل تدل] ظهر ممّا سبق أنها تدل على ما نحن فيه - أي القصد - بالالتزام، وإن كان مدلولها المطابقي الداعي الإلهي وغيره، فتأمل.

[484] قوله: [إجمالها] ظهر أنها تدل على المقصود على كل تقدير.

[485] قوله: [في المدعى] فتحصل أن الأدلَّة في المقام هي:

الأول: إنَّ ظاهر الأوامر صدورها عن اختيار.

الثاني: الإجماع.

الثالث: روايات «لا عمل إلاّ بنية»(1) ونحوها بالدلالة الالتزامية على ما سبق توضيحه، أو بالمطابقية لو قيل: إن النية في الطائفة الأولى بمعنى القصد.

[486] قوله: [الظاهر] كأن مقصوده أن القصد يأتي بمعنيين:

الأول: الحركة الخارجية مثل (قصدت زيداً) أي ذهبت إليه، وفي الزيارات: (قصدتك) ظاهراً.

الثاني: القصد القلبي مقابل النائم والغافل والساهي.

والمقصود هنا الأول.

ص: 242


1- الكافي 2: 84.

وإتيانه[487] لله تعالى(*)[488].

هنا الإرادة[489]، قال في الجواهر[490]: النيّة لغة وعرفاً[491] إرادة تؤثّر في وقوع الفعل، وبها يكون الفعل فعل مختار، وهو المراد ممّن فسّرها بالقصد على ما يظهر من ملاحظة كثير من كلمات الأصحاب وبعض كلمات أهل اللغة.

(*) العمدة في المقام الإجماع، بل كون الوضوء من العبادات المتوقّفة على قصد القربة من ضرويّات الفقه[492]. وأمّا الاستدلال[493] له

-------------------------

[487] قوله: [وإتيانه] هذا ينحل إلى شرطين: القصد، وكون الداعي أمر اللّه تعالى.

[488] قوله: [لله تعالى] بلا إشراك غيره فيه.

[489] قوله: [الإرادة] وهذا ليس جارياً على مصطلح المناطقة في أنَّ الارادة هي: «الشوق الشديد المحرك للعضلات لتحصيل المراد»، فتأمل.

[490] قوله: [الجواهر] فالنية هي الإرادة، والإرادة هي القصد، فالإرادة والقصد شيء واحد.

[491] قوله: [وعرفاً] إلاّ أنها - شرعاً- شيء آخر كما سبق.

[492] قوله: [الفقه] بل قد يقال: إنه من ضروريات الدين.

[493] قوله: [وأما الاستدلال] الظاهر أن المستدل اعتبره غاية للأمر، أي: أن غاية الأمر هو العبادة مخلصاً، فيثبت بذلك أن الأصل في كل أمرٍ هو التعبدية.

ص: 243

بقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصّلاةَ وَيُؤْتُوا الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيّمَةِ}(1) فلا يستقيم، فإنّ الآية متعرّضة للزوم التوحيد والنهي عن الشرك، ولا ترتبط بالمقام، ويشهد لذلك عطف {وَيُقِيمُوا الصّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزّكَاةَ}، فإنّه لا معنى[494] لكون إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة غاية للواجبات كما هو

-------------------------

والشارح رده بأنه متعلق الأمر لا غايته(2)، أي: أنهم أمروا ب- (العبادة المخلصة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) فلا يعبدون غير اللّه تعالى، وهو مفاد التوحيد العبادي، فهي في قوة الأمر بالتوحيد العبادي، ولا تدل على أن كل عمل يجب أن يؤتى به له تعالى.

لكن - من الناحية اللغوية - جعله متعلقاً فيه نوع غموض.

وعلى كلٍ، فالعبادة الخالصة لا تنافي أن يغسل الإنسان ثوبه لا بقصد القربة، وكذلك المقام، فتأمل.

نعم، قد يقال: إنه عليه - أيضاً - يلزم قصد القربة، فإن الأمر لم يتعلق إلاّ بالعبادة الخالصة، فيجب أن يكون الباعث إلهياً، إلاّ فيما خرج كالتوصليات، إلاّ أن يقال: إنه يستلزم تخصيص الأكثر، وعليه يكون الحصر إضافياً، أي: أن العبادة يجب أن تكون له تعالى وحده، لا أن كل مأمور به يجب أن يؤتى به بداعٍ إلهي، فلاحظ.

[494] قوله: [لا معنى] إلاّ أن يقال: إن غاية العبادات والواجبات كلها

ص: 244


1- البيّنة: 5.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 391.

ظاهر لمن تأمّل. والحاصل[495]: أنّ المتأمل في الآية الشريفة يفهم منها أنّ المراد إيجاب التوحيد، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

وأمّا قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ}(1)، فأيضاً[496] لا يدلّ على المطلوب...

وبعبارة أُخرى: إطاعة كلّ أمر تابع للخصوصيّات المأخوذة في المأمور به، ولو أغمض عمّا ذكر وقلنا: بأنّ الظاهر من الآية إيجاب قصد القربة فأيضاً لا يفيد الخصم؛ لأنّ الظاهر[497] من الأمر

-------------------------

هو الارتباط باللّه تعالى بالعبادة وبالمجتمع بالاتفاق، فتأمل.

[495] قوله: [والحاصل] فالمقصود أن هذه متعلق الأمر لا أنها غاية للأمر.

[496] قوله: [فأيضاً] فلو قال اللّه تعالى: «اغسل ثوبك بأي داعٍ اتفق» تحققت الإطاعة ولو كان بقصد التنظيف - مثلاً - لكن فيه غموض، فإنه لا يصدق (أنه أطاع المولى). نعم، سقط الأمر لتحقق الغرض، والأمر كما يسقط بامتثاله يسقط بتحقق غايته.

وعلى كلٍ، فلو نظف كافر ثيابه لا بقصد امتثال الأمر الإلهي لم يصدق أنه أطاع، وأن له ثواب الإطاعة، فكذلك المسلم، وإلاّ لزم كون الكفار مطيعين لكثير من الأوامر الإلهية، فتأمل.

[497] قوله: [الظاهر] غير ظاهر، بل الظاهر أنه شرط في المأمور به،

ص: 245


1- النساء: 59.

الوجوب النفسي، والخصم في مقام إثبات الوجوب الغيري...

نعم، ربّما يحتمل هذا المعنى من قوله (عليه السلام) في جملة من الروايات: »لا عمل إلاّ بنيّة«(1)، وحيث إنّ هذه الجملة مجملة، وقابلة لمعان عديدة، فإنّه يمكن[498] أن يكون المراد منها أنّ العمل إذا لم يكن فيه نيّة - بأن يصدر نسياناً أو غفلة - لا يصحّ و لا أثر له...

ويمكن أن يكون المراد منها ما هو المقصود، ومع الإجمال لا تكون قابلة للاستدلال، مضافاً إلى أنّها مخدوشة[499] سنداً.

-------------------------

والعرف ببابك!

[498] قوله: [يمكن] هذه الجملة - أي: لا عمل إلاّ بنية - يمكن أن يراد منها عدّة احتمالات:

الأول: إنها تدل على شرطية القصد.

الثاني: تدل على نفي الكمال.

الثالث: تدل على ما هو المقصود، وهو اشتراط القربة والخلوص.

ولكن قد سبق أن الثاني خلاف الظاهر، والأول وإن كان معنى النية لغة وعرفاً إلاّ أن اللفظ في الروايات ظاهر في القربة، وعليه فالمتعين هو الاحتمال الثالث.

[499] قوله: [مخدوشة] سبق كونها متواترة إجمالاً أو معنى - احتمالاً - فتأمل.

ص: 246


1- الكافي 2: 84 .

ولا يلزم فيها الإخطار، بل يكفي الدّاعي(*)[500] ويلزم أن يكون موجوداً من أوّل العمل إلى آخره(**)[501].

(*) إذ[502] لا مقتضي له، فإنّ المتيقّن من الإجماع أعمّ من ذلك، والمعلوم[503] من بناء العقلاء كفاية صدور الفعل بالاختيار بداعي القربة في كونه عبادة، ولا يشترط فيه الالتفات التفصيلي وإخطار صورة العمل.

(**) والوجه[504] فيه ظاهر، فإنّ العمل المفروض كونه عبادة مركّب من الأجزاء، فلو لم يكن القصد الكذائي موجوداً في تمام الأحوال يخرج العمل عن كونه عبادة[505].

-------------------------

[500] قوله: [الداعي] وهو المحرك الباطني على وزان المحرك لسائر الأعمال اليومية الاختيارية.

[501] قوله: [آخره] نعم، لا تضر نية الخلاف في الآنات المتخللة.

[502] قوله: [إذ] لعل الأولى الاستدلال بانطباق العناوين المأمورة بها عليه، مثل النية والعبادة.

[503] قوله: [والمعلوم] أي: أنه يصدق عليه عنوان العبادة عقلائياً، وبعبارة أُخرى: يصدق الامتثال.

[504] قوله: [والوجه] ما ذكر غير وافٍ؛ إذ هنالك أبعاض للمركب، وهنالك آنات مُتخللة، وهذا الوجه يفي بلزوم النية في الأولى لا الثانية، فلو سكت ونوى الخلاف ثم عاد إلى النية الأولى فهل العمل باطل؟ الجواب: كلا، لكن يندفع الإشكال بأنها ليست من العمل، فلاحظ.

[505] قوله: [عبادة] أي: أن الشرط غير متحقق، فالمفروض أن يكون

ص: 247

إلاّ أنّه يلزم[506] أن يكون في ابتداء العمل ملتفتاً إليه، وفي الأثناء لا يضرّ الغفلة عنه في الجملة(*).

الأمر الثاني: الترتيب

الثاني: الترتيب، بأن يغسل الوجه أولاً(**)،

(*) لم يظهر لي الوجه في التفريق بين الابتداء والأثناء، فإنّ الالتفات الإجمالي الارتكازي يكفي في الابتداء أيضاً، لعدم المقتضي لاشتراط الزائد من هذا المقدار، اللّهمّ أن يكون مراده (قدس سره) أمراً آخر لم يختلج[507] ببالي واللّه العالم.

(**) نقل[508] عليه الإجماع من الخلاف والانتصار والمختلف والغنية...

-------------------------

الوضوء عبادياً، والوضوء: هو «غسلتان ومسحتان»(1)، ولم يتحقق الشرط.

[506] قوله: [إلاّ أنه يلزم] لا فرق بين الابتداء والأثناء.

[507] قوله: [لم يختلج] الظاهر أنه مبني على مبنى الإخطار الذي لا يقول به الماتن، والغفلة في الأثناء طبيعية فلا تضر حتى على مبنى الإخطار، وإلاّ لزم بطلان عبادات الأكثر، فتأمل.

[508] قوله: [نقل] الظاهر أن الترتيب(2) في الجملة من ضروريات الفقه، بل المذهب، بل الدين.

ص: 248


1- تهذيب الأحكام 1: 63.
2- انظر: العروة الوثقى 1: 425.

ثمّ اليد اليمنى(*).

(*) ... وما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمّ اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإنّ بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثمّ اغسل اليسار، وإن نسيت مسح رأسك حتّى تغسل رجلك[509] فامسح رأسك ثمّ اغسل رجليك«(1).

-------------------------

ثم لو قلنا: إنّ (الواو) تدل على الترتيب(2) لدل الكتاب العزيز على الترتيب في الجملة، ولو لم نقل بذلك وقلنا: إن قوله (عليه السلام) «ابدأ بالوجه»(3) بمثابة كبرى كلّية لآل ذلك إلى أن كل (واو) في القرآن الكريم للترتيب مثل:{إنَّ

الصفا والمروة}(4)، ولو لم نقل بذلك لكانت الرواية(5) دليلاً على الترتيب في خصوص المقام.

[509] قوله: [حتى تغسل رجلك] التقية هنا لا تخل بسائر فقرات الرواية(6)، كما ذكروه في عدم تبعية فقرة لفقرة في الحجّية(7).

ص: 249


1- تهذيب الأحكام 1: 99.
2- انظر: المهذب البارع 3: 229.
3- الكافي 3: 34.
4- البقرة: 158.
5- انظر: وسائل الشيعة 2: 246.
6- انظر: وسائل الشيعة 2: 248.
7- انظر: جواهر الكلام 3: 322.

ثمّ اليد اليسرى(*)، ثمّ يمسح الرأس ثمّ الرجلين، والأحوط تقديم اليمنى منهما أيضاً[510]،

وما رواه الحلبي[511] عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله، ومسح رأسه ورجليه«(1)...

(*) ويدلّ[512] عليه مضافاً إلى الإجماع رواية زرارة المتقدّمة، فإنّ مقتضاها تقديم غسل الشمال على مسح الرأس.

-------------------------

[510] قوله: [أيضاً] لا يبعد جواز المقارنة.

[511] قوله: [الحلبي] لا تدل على المقصود؛ إذ لم يغسل اليمين فأمر بغسل اليمين، والاتباع إن أُريد به الموالاة فلا ربط له بالمقام، لكن ظاهر رواية زرارة(2) غير ذلك.

وإن أُريد به الترتيب فلم يفرض في هذه الرواية(3) الترتيب بين اليمين والشمال، إلاّ بناءً على دلالة (الواو) على الترتيب.

[512] قوله: [ويدل] المصنف هنا ناظر إلى تقديم اليسرى على الرأس، وأما تأخير اليسرى عن اليمنى فقد استفيد من الأدلَّة(4).

ص: 250


1- الاستبصار 1: 74.
2- انظر: الكافي 3: 34، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 393.
3- انظر: الاستبصار 1: 74.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 394.

بل الأقوى عدم جواز تقديم اليسرى(*).

(*) ذهب[513] بعضهم إلى التخيير فجوّز تقديم مسح كلّ من اليمنى واليسرى على الأُخرى...

ويؤيّده ما في رواية الهاشمي مولى محمّد بن عليّ عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم جالس مع محمّد بن الحنفية إذ قال له: يا محمّد، ايتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة... قال:

-------------------------

[513] قوله: [ذهب] إن أدلة الأقوال الثلاثة هي:

الأول: القول بالتخيير، فيجوز تقديم مسح كل من اليمنى واليسرى على الأُخرى، وسببه إطلاق الآية الكريمة(1) والروايات(2).

الثاني: التخيير بين المقارنة وتقديم اليمنى، لرواية الاحتجاج(3).

الثالث: تعين تقديم اليمنى، وعدم جواز المقارنة وتقديم اليسرى، وذلك لرواية «وابدأ بالشق الأيمن»(4).

والجمع يقتضي تقييد إطلاق أدلَّة القول الأول بالثاني، وحمل أدلَّة القول الثالث على الاستحباب.

ص: 251


1- المائدة: 6.
2- انظر: من لا يحضره الفقيه 1: 41- 42.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 450، ح 5: وهي: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج، عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان (عليه السلام) : «أنه كتب إليه يسأله عن المسح على الرجلين بأيهما يبدأ باليمين، أو يمسح عليهما جميعاً معا؟ فأجاب (عليه السلام) يمسح عليهما جميعاً معاً، فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين».
4- الكافي 3: 30.

ثمّ غسل وجهه فقال: اللّهمّ بيّض وجهي يوم تسودّ فيه الوجوه ولا تسوّد وجهي يوم تبيض الوجوه، ثمّ غسل يده اليمنى فقال: اللّهمّ اعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان بيساري[514] وحاسبني حساباً يسيراً«(1)...

فإنّ الرواية من حيث المجموع ظاهرة في أنّه (عليه السلام) مسح الرجلين دفعة[515]...

فإنّ في رواية محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »وذكر المسح فقال: امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشقّ الأيمن«(2). فإنّ هذه الرواية وإن كانت ظاهرة في لزوم تقديم اليمنى على اليسرى مطلقاً، لكن يرفع[516] اليد عنها برواية الاحتجاج.

-------------------------

[514] قوله: [بيساري] فيه احتمالان:

الأول: أن تعطى ورقة الخلد بالشمال.

الثاني: أن يراد به اليُسر، والظاهر ورود كلا المعنيين في اللغة(3).

[515] قوله: [دفعة] لعدم ذكر التفصيل بين الرِجلين والتقديم والتأخير، مع أن الرواية بصدد التفصيل، وإنما جعله مؤيداً للإشكال السندي أو للدلالة، فقد ذكر الرِجلين ولعله لوحدة الدعاء، وإنما فصل في اليد لتعدد الدعاء.

[516] قوله: [يرفع] فتحمل على الاستحباب جمعاً.

ص: 252


1- من لا يحضره الفقيه 1: 41- 42.
2- الكافي 3: 29.
3- انظر: الفروق اللغوية: 40، الصحاح 2: 857 ، مادّة (يسر).

فلو عكس نسياناً عاد على ما يحصل معه الترتيب ما لم تفت الموالاة(*).

(*) كما هو مقتضى[517] قاعدة[518] لزوم الامتثال...

ثمّ إنّه هل[519] يكفي في الإعادة إعادة ما حقّه التأخير، ولا يلزم إعادة ما حقّه التقديم، أو يلزم إعادته أيضاً...

والحقّ هو القول الأوّل، فإنّ القاعدة الأوليّة تقتضي ذلك؛ فإنّه لا وجه لإعادة ما حقّه التقديم بعد فرض بقاء الشرط[520]. وتشهد له

-------------------------

[517] قوله: [مقتضى] هذا ناظر إلى أصل لزوم العود لا تفاصيله.

[518] قوله: [قاعدة] إلاّ أن يقال: إن أدلَّة الرفع ترفع الشرطية في صورة النسيان والسهو ونحوهما.

[519] قوله: [ثم إنه هل] الأقوال أربعة:

الأوّل: إعادة ما حقه التأخير فقط.

الثاني: إعادة كل الوضوء من رأس، وهو الظاهر من دليله، وإن كانت عبارته(1) موهمة هنا.

الثالث: التفصيل بالإعادة في صورة النسيان فقط.

الرابع: التفصيل بالإعادة في صورة العمد فقط.

[520] قوله: [بقاء الشرط] منتهى الأمر أنه أضاف شيئاً زائداً، وليس الوضوء كالصلاة بحيث تضره الزيادة، ثم إنه لو فرض التشريع في الجزء لم

ص: 253


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 397.

جملة من الروايات، ففيما روى ابن حازم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث تقديم السعي على الطواف قال: »ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد عل شمالك[521]«(1)...

وهذه الرواية وإن اختصّت بالناسي لكن يتمّ الأمر في العامد بالأولوية القطعية[522] ولكن يرفع اليد عنها بقرينة تلك الروايات الدالّة على عدم لزوم الإعادة بأن تحمل[523] على استحباب الإعادة...

واستدلّ للقول الثالث برواية سماعة المتقدّمة آنفاً، فإنّها تدلّ على لزوم الإعادة في صورة النسيان

-------------------------

يضر، كما سيأتي.

[521] قوله: [شمالك] والرواية(2) تدل بالإطلاق اللفظي أو المقامي على عدم لزوم إعادة اليمنى.

[522] قوله: [القطعية] إذ لا يحتمل - عرفاً - صحته، فتتعين الإعادة.

[523] قوله: [بأن تحمل] الظاهر أن الحمل الثاني(3) هو الأقرب؛ وذلك لفرض أنه (توضأ وصلّى) ولذا ورد أنه يعيد الوضوء والصلاة(4)، ولا أقل من أنّ هذه الصورة هي القدر المتيقن.

ص: 254


1- تهذيب الأحكام 5: 130.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 451.
3- أي:«على فوات المولاة» انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 398.
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 451.

فيقيّد[524] بها ما دلّ على كفاية إعادة ما حقّه التأخير، وفيه[525] أنّ ما رواه أبو بصير[526] واردة في خصوص الناسي.

ويمكن الاستدلال للرابع بأنّه تشريع فيكون الوضوء باطلاً، وبأنّه موجب لفوات الموالاة، فإنّ الموالاة[527] على بعض المسالك عبارة عن المتابعة مع الاختيار، وبمفهوم[528] حديث أبي بصير المتقدّم، فإنّ مفاده في صورة عدم النسيان، إمّا الصحة بلا إعادة المقطوع فساده، وإمّا البطلان وهو المطلوب.

-------------------------

[524] قوله: [فيقيد] والخلاصة: أنّ أدلَّة الإعادة الجزئية مطلقة، وهذه الرواية(1) (في إعادة الكل) مختصة بصورة النسيان، فتقيد تلك المطلقات.

[525] قوله: [وفيه] مضافاً إلى ما سبق(2) من أنها لا تدل على المدعى مطلقاً، بل هي في صورة فوات الموالاة.

[526] قوله: [أبو بصير] وهي تدل على الإعادة الجزئية في صورة النسيان.

[527] قوله: [فإن الموالاة] هذه العلة وإن كانت مشتركة بين صورة العمد والنسيان، إلاّ أنه ناظر - احتمالاً - إلى أنّ أدلَّة الرفع ترفع وجوب الموالاة في حالة النسيان.

[528] قوله: [وبمفهوم] توجد هنا ثلاثة احتمالات: الأول: الإعادة الجزئية، وهذا ينافيه مفهوم الشرط، وإلاّ لم يكن فرق بين الحالتين.

ص: 255


1- انظر: المصدر نفسه، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 398.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 398.

ويرد على الوجه الأوّل: أنّ التشريع لو كان في إتيان الجزء في غير محلّه فلا وجه للبطلان[529]...

وعلى الوجه الثالث أنّه لا مفهوم للحديث، فإنّه سيق[530] لبيان تحقّق الموضوع فلا مفهوم له.

إذا عرفت ما تقدّم نقول: الذي يختلج[531] بالبال في

-------------------------

الثاني: الصحة بلا إعادة مطلقاً، فيكون الناسي أسوأ حالاً من العامد.

الثالث: البطلان، وهو المطلوب.

[529] قوله: [للبطلان] نعم، لو كان التشريع في أصل الوضوء بطل؛ لأن ما أمر به لم يقصده.

[530] قوله: [سيق] لا أقل من إجماله وتردده بين الشرط المسوق لتحقق الموضوع وغيره، فلا ينهض دليلاً.

[531] قوله: [يختلج] لا تعارض عرفاً، والعرف يجمع بين النصوص جمعاً عرفياً، مثل «كل الجبن، ولا تأكل الجبن» مع أن العمدة في التعارض رواية سماعة(1)، وقد حملناها على فوات الموالاة، فلا مجال لتوهم التعارض كي يجمع جمعاً عرفياً، والأحدثية ليست مرجحة، وإطلاق الكتاب مع العلم بورود التخصيص عليه - بالإعادة الكلّية أو الجزئية - غير مقبول، فإن المتعارضين يسقطان في مدلولهما المطابقي، أما الالتزامي فلا(2).

ص: 256


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 451.
2- انظر: نهاية النهاية 1: 220، نهاية الدراية 1: 519، فوائد الأصول 4: 755.

وكما يجب الترتيب بين الأعضاء كذلك يجب بين أجزاء كلّ عضو، فيجب غسل الأعلى فالأعلى بالنسبة إلى الأجزاء المسامتة(*)[532].

هذه العجالة أنّ النصوص متعارضة... وحيث إنّه لا يميّز الأحدث عن غيره يكون المرجع إطلاق الكتاب، وهو كفاية الغسل على الإطلاق[533]...

(*) ما أفاده تامّ[534] من لزوم رعاية غسل الأعلى فالأعلى...

لاحظ ما رواه زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث حكاية وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »ثمّ غمس كفّه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى

-------------------------

[532] قوله: [المسامتة] الملاك هو صدق الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفاً، ومع تحقق ذلك لا يجب رعاية الأعلى فالأعلى، لا بحسب الخطوط العرضية، ولا بحسب الخطوط الطولية.

[533] قوله: [على الإطلاق] أي: أنه كافٍ ولو أخل بالترتيب.

[534] قوله: [تام] ورد في النصوص(1) الوضع على الجبين أو المرفق، وهو قد يصدق وإن وضعه على منتصف الجبهة عرفاً، فتأمل.

نعم، ورد في رواية: «من أعلى الوجه»(2) وعليه فيكون الملاك هو الأعلى العرفي.

ص: 257


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 387.
2- الاستبصار 1: 58.

الكف لا يردها[535] إلى المرفق، ثم غمس كفّه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى«(1)...

فإنّه لا إشكال[536] في أنّه يستفاد من هذه النصوص لزوم الترتيب ورعاية غسل الأعلى فالأعلى.

إذ الظاهر من حكاية وضوء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بيان ما هو الوظيفة الشرعية المقرّرة لكلّ مكلّف، لا بيان موضوع تأريخي، فلا إشكال في الحكم نصاً وسيرة[537] وارتكازاً...

ثمّ إنّه بعد لزوم رعاية الأعلى فالأعلى، فهل اللازم رعاية ذلك بحسب الخطوط العرضية، فلا يجوز[538] غسل الأدنى قبل الأعلى...

-------------------------

[535] قوله: [لا يردها] الظاهر أن المراد بعنوان الوضوء، فالرد لا بهذا العنوان لا إشكال فيه، فتأمل.

[536] قوله: [لا إشكال] سبق التأمل في ذلك، فإنه يحتمل كونه إحدى الكيفيات، خصوصاً مع احتواء الرواية(2) على أُمور غير لازمة، لكن الظاهر ما أفاده المصنف، وخروج ما خرج لا يضر بالباقي.

[537] قوله: [وسيرة] السيرة تدل على الجواز لا اللزوم؛ إذ يحتمل كون ذلك مراعاة للأسهلية؛ إذ الغسل من الأسفل صعب عادةً، إلاّ أن يقال: إن التقييد بذلك دليل اللزوم، فتأمل.

[538] قوله: [فلا يجوز] كما ينقل - احتمالاً - عن الشيخ محمد

ص: 258


1- الكافي 3: 26.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 392.

ولو توضّأ في المطر قصد غسل الأعضاء الأوّل فالأوّل، وغسل أجزائها الأعلى فالأعلى

أو عرفاً أو لا يلزم شيء من ذلك، بل يكفي أن يصدق عنوان الغسل من الأعلى إلى الأسفل؟ الظاهر هو الأخير فإنّه لا دليل[539] على أزيد من ذلك.

أمّا الوجه الأوّل فلا مقتضي لإلزامه ووجوبه، مضافاً إلى أنّه يوجب الحرج الشديد، وأنّه خلاف[540] ما استقرّت عليه السيرة الجارية بين المتشرّعة...

-------------------------

تقي (رحمه اللّه) (1).

نعم، له الحق أن لا ينوي الوضوء بالخط اللاحق وإن غسله، لأن الوضوء أمر قصدي.

[539] قوله: [لا دليل] وعليه فإذا غسل من الأعلى إلى الأسفل عرفاً ثم مسح آماق عينيه صدق العنوان، أي: الغسل من الأعلى، وإن لم يراعِ الخطوط الطولية والعرضية، وكذلك لو التفت إلى وجود نقطة وسط الوجه لم يغسلها فغسلها فقط، فتأمل.

[540] قوله: [خلاف] بل هو خلاف ما يستفاد من النصوص الحاكية لفعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ؛ إذ لو روعيت هذه الدقة لبينت في الأحاديث، فإنه أمر على خلاف الطبيعية الأولية.

ص: 259


1- انظر: جواهر الكلام 2: 151.

مع التحفّظ[541] على وقوع المسح بماء الوضوء كما مرّ(*). ولو توضّأ ارتماساً في الماء حرّك الأعضاء فيه بالترتيب بقصد الغسل من الأعلى إلى الأسفل، مع التحفظ على كون المسح بماء الوضوء، وهو يكون بأحد وجهين[542]:

(*) وقد ذكرنا هناك: أنّ ما ذكر مقتضى القاعدة الأولية[543] وتشهد له رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتّى

-------------------------

[541] قوله: [مع التحفظ] على الأحوط فيما تعارف ابتلاله بماء المطر. ووجهه ظهور الرواية(1) في عدم ضرر ذلك؛ لأنه متعارف، والتحفظ المذكور فيه عناية فائقة، مع غفلة عوام الناس عن ذلك، ولا أقل من الإطلاق المقامي، هذا لو سلم أصل ضرر بلة مواضع المسح، فتأمل. ولو ثبت إعراض المشهور فلا بد من الاحتياط في المقام.

[542] قوله: [وجهين] والوجه الثالث: أن يقصد الغسل بمجموع الحركتين: الدخولية والخروجية، فإنه - عرفاً - غسلة واحدة، وقد ذكرت ذلك بعض الرسائل العملية(2)، وكأنه مأخوذ من السيد البروجردي (رحمه اللّه) .

[543] قوله: [الأولية] لأنه نوع من أنواع الغسل والمسح، فيكون مشمولاً للطبيعي المأمور به.

ص: 260


1- أي: رواية علي بن جعفر المذكورة في المتن.
2- انظر: منهاج الصالحين، السيد الخوئي1: 26.

الأول: أن يقصد الغسل بالإخراج[544] من الماء كما مرّ.

الثاني: أن يغسل اليد اليسرى بتمامها أو من الزند[545] خارج الماء باليد اليمنى.

يبتلّ رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه، هل يجزيه ذلك من الوضوء؟ قال: إن غسله[546] فإنّ ذلك يجزيه«(1).

ولا يخفى[547] أنّ المستفاد من الرواية جواز ذلك

-------------------------

[544] قوله: [بالإخراج] قال السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه: «فاللازم أن يقصد الوضوء بمرور أجزاء اليد بالطبقة الفوقانية من الماء»(2)، لكنه احتياط استحبابي؛ لأنه عرفاً غسلة واحدة، وقد ذكرنا جواز قصد الوضوء بمجموع الحركتين، فكيف بالحركة الخروجية فقط؟

[545] قوله: [الزند] أو نحوه مما يحقق الغرض المزبور.

[546] قوله: [إن غسله] ظاهر الرواية بقرينة هذه اللفظة(3) أن الكلام في مواضع الغسل، أما المسح فلا بد أن يكون باليد.

[547] قوله: [ولا يخفى] فلا يستفاد أن الترتيب ليس شرطاً، وكذا الموالاة، فهو كطهارة موضع العض في قوله تعالى: {أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}(4).

ص: 261


1- الاستبصار 1: 75.
2- الفقه8 : 234.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 454. واللفظة هي: إن غسله.
4- المائدة: 4.

الأمر الثالث: الموالاة

الثالث: الموالاة، وهي المتابعة في الأعضاء بأن يشرع في العضو اللاحق قبل جفاف تمام الأعضاء السابقة(*)

إذا اجتمع[548] شرائط الصحّة، ولا يستفاد منها الجواز مطلقاً...

(*) الظاهر أنّ تفسير الموالاة بهذا المعنى هو المشهور بينهم، كما عن جملة من الأعلام، ويمكن الاستشهاد[549] له بحديث أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »إذا توضّأت بعض وضوئك وعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك فأعد وضوءك، فإنّ الوضوء لا يبعّض«(1). وحديث معاوية بن عمّار قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ربما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي، فقال: أعد«(2). بتقريب أنّ المستفاد[550] من الروايتين أنّ المخلّ في الوضوء اليبوسة الحاصلة في الأعضاء السابقة.

-------------------------

[548] قوله: [إذا اجتمع] وحيث إنَّ بلة مواضع المسح أو اليد الماسحة مغفول عنها فلا بد من الاستثناء، كما سبق قبل قليل، والدليل: أننا لو ذكرنا ذلك للعامّة غفلوا عن هذا الشرط، وتصوروا أنَّ البلة الخارجية هنا لا تضرّ.

[549] قوله:[الاستشهاد] لكن هنالك رواية(3) تدل على عدم قدح الجفاف.

[550] قوله: [إنّ المستفاد] بل ليس المستفاد من الروايتين(4) إلاّ ضرر

ص: 262


1- وسائل الشيعة 1: 447.
2- الكافي 3: 35.
3- انظر: وسائل الشيعة 2: 237، ح2، وهي: عن عبد اللّه بن المغيرة، عن حريز في الوضوء يجف. قال: قلت: «فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي...».
4- وسائل الشيعة 1: 446- 447، ح2 و3، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 403.

مع اعتدال الهواء(*)[551].

(*) يمكن أن يقال في وجه ذلك: أنّ المستفاد[552] من الرواية - مع قطع النظر عن التعليل - أنّ الصحّة دائرة مدار بقاء الرطوبة مطلقاً.

-------------------------

ما كان الجفاف حاصلاً على أثر طول الزمان، فإن الرواية الأولى في عروض حاجة مما يستلزم الفصل الطويل، فإن علة اليبس هو عروض الحاجة، أي: تخلل فعلها، لا مدخلية حرارة الهواء أو البدن أو نحوهما، وكذلك في الرواية الثانية، فإن الإبطاء هو علة الجفاف، فلاحظ.

[551] قوله: [الهواء] والمزاج ونحوهما.

[552] قوله: [المستفاد من الرواية] هذا فقط في الرواية الأولى(1) لأجل مفهوم الشرط، فإنّ له مفهوماً. إلاّ أن يقال: إنه شرط محقق للموضوع فتأمل. وظاهر كلام المصنف فيها لأنه ذكر التعليل.

وأما الرواية الثانية(2) فلا يستفاد منها أنه لو بقي فلا يعاد ولو طال الزمان، فإنّ ذلك من مفهوم اللقب.

والحاصل: أنَّ هنا أمرين:

الأول: لو بقي البلل صح الوضوء وإن طال الزمان.

ص: 263


1- انظر: وسائل الشيعة1: 446، ح2، وهي: عن فضالة بن أيوب، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا توضأت بعض وضوئك وعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك ، فإن الوضوء لا يبعض».
2- وسائل الشيعة1: 447، ح3، وهي: عن معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي، فقال: أعد».

بل الأحوط[553] في حال الاختيار[554] مراعاة المتابعة العرفية(*).

... غاية الأمر لا يضرّه الفصل بمقدار بقاء الرطوبة في الأعضاء السابقة، فالرطوبة وعدمها ليست لهما موضوعية [555]، بل معرّفة للمقدار الذي عين في نظر الشارع، وعليه فالمدار هو المتعارف من الهواء والمزاج وغيرهما؛ لأنّ التحديد لا بدّ أن يكون منضبطاً[556].

-------------------------

الثاني: لو جف البلل بطل الوضوء.

والرواية الثانية تدل على الثاني ولا تدل على الأول.

[553] قوله: [بل الأحوط] الأولى، لكن الأولوية متوقفة على حل مشكلة الوضوءات البيانية.

[554] قوله: [الاختيار] المراد به ما يقابل حال الاضطرار العرفي لا العقلي.

[555] قوله: [موضوعية] فلو والى وجف لحرارة الهواء صدق «أنه لم يبعض الوضوء»(1)، ولو فصل طويلاً ولم يجف لبرد الهواء صدق أنه «بعّض الوضوء».

[556] قوله: [منضبطاً] الأولى الاستدلال بأن الألفاظ تحمل على المتعارف، والمتعارف منضبط عرفاً بخلاف الإحالة إلى غيره، فتأمل.

ص: 264


1- انظر: تهذيب الأحكام 1: 87 .

(*) نقل عن جماعة أنّ الموالاة عبارة عن المتابعة في الأعضاء اختياراً وعدم الجفاف اضطراراً[557].

وأصحاب هذا القول بين قائل[558] بعدم بطلان الوضوء بالإخلال بالمتابعة، بل الإخلال موجب للإثم خاصّة، وبين قائل بالبطلان إذا لم يتابع اختياراً...

وبهذا التفصيل يجمع[559] بين الروايات الدالّة على اشتراط التتابع، وما دلّ على عدم البطلان لو أخّر لعارض، إلاّ أن تجف الأعضاء السابقة...

-------------------------

[557] قوله: [اضطراراً] الظاهر أن المراد الاضطرار العرفي، لأنّه المستفاد من «فأبطأت علي بالماء»(1) مع أنه ربما كان بإمكانه أن يركض للماء، وكذلك «عرضت لك حاجة»(2) فإنّ الحاجة لا يشترط فيها - بمقتضى الإطلاق - الاضطرار العقلي.

[558] قوله: [بين قائل] الأقوال ثلاثة:

الأول: الإثم. الثاني: البطلان. الثالث: الإثم والبطلان معاً.

[559] قوله: [يجمع] فهذه الروايات تقول: «تابع بين الوضوء»(3) وهناك روايات(4) تقول: إن لم يجف فلا بأس، وإن فرضنا أن المتابعة العرفية لم تتحقق.

والظاهر: أن ظاهر الأوامر المتعلقة بالمركبات الوضع، فيكون المؤدّى أن

ص: 265


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 447.
2- المصدر نفسه 1: 446.
3- الكافي3: 34، ح5.
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 447.

وفي رواية حكم بن حكيم قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس، قال: يعيد الوضوء، إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضاً«(1). وتقريب الاستدلال بهذه الروايات أنّ الأمر تعلّق بالمتابعة فهي واجبة، فلو تركها يأثم[560].

والجواب عن ذلك: أنّ المستفاد من هذه الروايات ليس إلاّ الترتيب بين الأعضاء، فإنّ القرائن[561] الدالّة على هذا المعنى موجودة في الروايتين الأوليين.

وأمّا الرواية الثالثة فهي أيضاً تحمل على هذا المعنى بقرينة غيرها، أو تحمل[562] على مورد يبس الأعضاء السابقة...

-------------------------

المتابعة شرط إلاّ في حالة الاضطرار، فإنها ليست شرطاً - إلاّ إذا جف - فالقول الثاني هو الأظهر.

[560] قوله: [يأثم] أو تبطل كما بيّنا في الحاشية السابقة.

[561] قوله: [القرائن] لا أقل من كونها مكتنفة بما يحتمل القرينية، وحينئذٍ تسقط في الدلالة على الوجوب.

لا يقال: العلم الإجمالي حاصل بوجوب أحدهما.

لأنّه يقال: إنه منحل بالعلم بضرورة عدم الجفاف، ويشك في اشتراط المتابعة العرفية، فالأصل البراءة.

[562] قوله: [تحمل] فإنّها إمّا أن تحمل على اختلال الترتيب، أو اختلال الموالاة بالمعنى الأول، فلا تنهض لإثبات الموالاة بالمعنى الثاني.

ص: 266


1- الكافي 3: 35.

وربّما يستدلّ للمدّعى بالوضوءات البيانيّة، حيث إنّ الظاهر منها[563] التتابع بين الأعضاء فيجب. والجواب عن ذلك: إنّه على فرض[564] دلالتها إنّما تتمّ لو لم يكن إطلاق[565] يقتضي كفاية مطلق الغسل كيف اتّفق...

والحاصل: أنّ غاية ما يستفاد من الوضوءات البيانية محبوبية [566] التتابع.

-------------------------

[563] قوله: [الظاهر منها] إذ لو كانت فاصلة عرفية بين الأعضاء لذكرت في الروايات البيانية، فإنّ الفاصلة أمر غير عرفي، ولا مبرر له. نعم، لو سأل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سائل عن مسألة وسط الوضوء كان هنالك مبرر للتأخير، لكن لو كان ذلك لظهر وانعكس.

والخلاصة: أنه لو كان هنالك مبرر للتأخير - كالسؤال - لظهر وانعكس ولو لم يكن هناك سؤال فلا مبرر له.

[564] قوله: [فرض] الظاهر أنه تام كما سبق.

[565] قوله: [إطلاق] فيه نظر، فإنّ الإطلاق يقيد بذلك، كما فعله المصنف سابقاً.

[566] قوله: [محبوبية] فيه نظر، فإنّ الظاهر هو الوجوب كما صنعه المصنف(1).

والخلاصة: أن ما ذكره المصنف هو:

ص: 267


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 403 - 404.

... وبما رواه أبو بصير، وجه الاستدلال أنّه لو لم يكن التتابع لازماً لما كان وجه لإعادة[567] غسل الوجه...

-------------------------

أولاً: إنها لا تدل على التتابع.

ثانياً: إنّ الإطلاق يدل على أنَّ التتابع أمر عادي لا أنَّه أمر مطلوب.

ثالثاً: لو فرض أنَّه مطلوب فهو على سبيل الندب لا الوجوب.

وكل هذه الوجوه قابلة للنقاش، ولذا تراجع المصنف عن ذلك(1).

نعم، يبقى أنَّ الرواية البيانية هل تدل على وجوب كل ما تضمنته أو لا، بغض النظر عن الإطلاق؟

وهنالك إشكال آخر: وهو أنَّه لو كان التتابع واجباً لانعكس صريحاً في الرواية، وإلاّ فكل ما عمله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في وضوئه قد يكون من المفارقات الاتفاقية، مثل أنّ وضوءه كان على الأرض لا فوق السطح، وتحت السماء لا تحت البناء، وإن الماء كان في الإناء لا في النهر.

وفيه نظر؛ إذ الظاهر لزوم كل ما فعله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلاّ ما خرج بالدليل.

والخلاصة: أنَّ القضية مشكلة وتحتاج لتأمل أكثر.

ويمكن أن يقال: إنَّه لو كان التتابع واجباً لذكره الإمام (عليه السلام) فعدم ذكره دليل على عدم الوجوب، خاصة أنَّه مما يغفل عنه عادةً، فتأمل.

[567] قوله: [لإعادة] فإنَّ ظاهر مادة (الإعادة) فعل ما فعله من قبل، لا فعل ما تركه من قبل.

ص: 268


1- انظر: المصدر نفسه1: 407.

ويرد عليه أوّلاً: أنّ إعادة الذراع وحده لا ينافي التتابع[568] كما هو ظاهر، وثانياً: أنّ المراد لو كان كما توهّم ينافيه[569] ما في ذيل الرواية من كفاية إعادة غسل الأيمن بلا إلزام لإعادة غسل الوجه...

وأمّا لزوم إعادة غسل الوجه فإمّا يحمل[570] على صورة الجفاف، وإمّا يحمل على صورة عدم غسل الوجه...

وممّا ذكرنا ظهر ضعف الاستدلال بهذه الروايات على الوجوب النفسي[571]، فإنّه لا يستفاد منها كما ذكرنا إلاّ لزوم الترتيب...

مضافاً إلى أنّ مقتضاه[572] وجوب أصل الوضوء فوراً، والمدّعى

-------------------------

[568] قوله: [التتابع] إذ مرادنا العرفي لا الدقّي العقلي.

[569] قوله: [ينافيه] وكذا ما في آخرها من الاكتفاء بمسح الرأس(1).

[570] قوله:[فإما يحمل]أو يحمل على الاستحباب كما سبقت الإشارة إليه.

[571] قوله: [النفسي] سبق أنَّ ظاهر مثل هذه الروايات الوجوب الشرطي.

[572] قوله: [مقتضاه] لو كان أصل العمل فورياً فيجب أن تكون أجزاؤه فورية بالأولوية أو الملاك، فإنّه غير مستساغ - عرفاً - أن تجب المبادرة إلى الأصل ولا تجب المبادرة إلى أبعاضه.

ص: 269


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 452، ح8 ، وهي: ... عن فضالة بن أيوب، عن الحسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك، ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثم اغسل اليسار، وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فأمسح رأسك ثم اغسل رجليك».

نعم، لو لم يمكن التحفّظ على بقاء رطوبة السابق حين الشروع في اللاحق لحرارة الهواء أو هبوب الرياح أو حرارة البدن مثلاً، سقط اعتبارها وأتى بالوضوء متتابعاً من غير فصل(*)[573].

هو لزوم التتابع. وأمّا أصل[574] الوضوء فلا قائل بوجوبه فوراً...

مضافاً إلى أنّه حقّق في محلّه أنّ مقتضى الأصل في الشبهات الحكمية هي البراءة[575]...

(*) قد ظهر ممّا تقدّم عدم تمامية ما أفاده (قدس سره) ، فإنّ القول بكون الشرط أحد الأمرين[576] كما هو مفاد المتن لا دليل عليه، بل

-------------------------

[573] قوله: [من غير فصل] على الأحوط الأولى، ويكفي ملاحظة تقدير زمن بقاء الرطوبة في الأوضاع الطبيعية.

[574] قوله: [وأمّا أصل] فالوضوء ككل لا قائل بوجوب البدار إليه، والأبعاض لا دليل على وجوب المبادرة إليها.

[575] قوله: [البراءة] لأنَّه شك في التكليف، وهو مجرى البراءة ولو في الواجب الارتباطي.

[576] قوله: [أحد الأمرين] الظاهر أنَّ مفاد المتن هو وجوب كلا الأمرين(1). نعم، في حال الاضطرار يسقط اعتبار بقاء الرطوبة.

ص: 270


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 407، حيث قال: «نعم، لو لم يمكن التحفّظ على بقاء رطوبة السابق حين الشروع في اللاحق لحرارة الهواء» أو هبوب الرياح أو حرارة البدن مثلاٌ سقط اعتبارها، وأتى بالوضوء متتابعاً من غير فصل، كما أنّه فيما تبقى رطوبة السابق مدّة مديدة لنداوة الهواء لا عبرة بها على الأحوط إن لم يكن أقوى، فالمعيار هو المعتدل من الهواء والمزاج وغيرهما».

كما أنّه فيما تبقى رطوبة السابق مدّة مديدة[577] لندواة الهواء لا عبرة بها على الأحوط إن لم يكن أقوى...

المسألة 110: لو جفّت اليد اليمنى قبل الشروع في اليسرى

مسألة110: لو جفّت اليد اليمنى قبل الشروع في اليسرى مع بقاء نداوة الوجه كفى وصحّ الوضوء، وإن كان الأحوط الإعادة لكن المعتبر من نداوة الوجه هي نداوة ما يجب غسله من البشرة والشعر، فلو لم يبق من نداوته إلاّ في المقدار الخارج عن حدّ الوجه من اللحية فالاكتفاء بها مشكل[578]، والأحوط إعادة الوضوء.

الأمر الرابع: المباشرة مع الاختيار

الرابع: المباشرة مع الاختيار بأن يباشر إتيان الوضوء بنفسه بحيث يسند إليه في العرف(*).

المستفاد من الروايتين أنّ الفصل الموجب ليبس الأعضاء السابقة يوجب البطلان، وإلاّ فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق أدلّة الغسل والحكم[579] بالصحّة، وممّا ذكرنا يظهر ما في ذيل كلامه[580] رفع مقامه.

(*) ... ثم إنّ هذا الحكم مقتضى القاعدة، فإنّ الظاهر[581] من الخطاب

-------------------------

[577] قوله: [مديدة] غير متعارفة.

[578] قوله: [مشكل] لا إشكال فيه ما لم يخرج عن المتعارف.

[579] قوله: [والحكم] عطف على إطلاق.

[580] قوله: [ذيل كلامه] لا إشكال فيه حتى على مبنى الشارح.

[581] قوله: [فإنَّ الظاهر] توجد هنا دعويان:

ص: 271

المتوجّه إلى المكلّف كقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(1) لزوم استناد الفعل إلى المكلّف، فلو تولّى الغير لم يسند إليه فلا يجزي. وحيث إنّ ظاهر الخطاب يقتضي المباشرة لا مجال للقول بجواز النيابة، فإنّ دليل النيابة والوكالة لا يثبت موضوعه[582]...

-------------------------

الأولى: لزوم استناد الفعل إلى المكلف.

الثانية: ولا يتحقق ذلك إلاّ بالمباشرة.

وراجع بحث «الذبح في منى»(2) و «السعي بين الصفا والمروة»(3)، و«الطواف به»(4) و «زكّ أموالك» و «خمس أموالك».

فإنَّ الظاهر أنَّ المقامات مختلفة، وكذلك عرفاً، ومع الشك في القيد تجري البراءة، فالظاهر أنَّ تمامية المطلب موقوفة على الاستعانة بفهم الفقهاء، أو بالروايات المنجبرة، أو بارتكاز المتشرعة، فتأمل.

[582] قوله: [موضوعه] في كلمات المصنف دعويان:

الأولى: إنّ دليل النيابة إنما يدل على الجواز فيما ثبت كونه قابلاً لها، ولم يثبت في المقام ذلك.

الثانية: لقد ثبت في المقام عدم الجواز؛ لظهور الأدلَّة في المباشرة.

وقد يقال: إنَّ أدلَّة النيابة والوكالة - عقلائياً - تقتضي الجواز مطلقاً إلاّ

ص: 272


1- المائدة: 6.
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 5: 207 - 208.
3- المصدر نفسه 5: 64.
4- المصدر نفسه 5: 30.

فما دلّ على مشروعية النيابة من بناء العقلاء يكون حاكماً[583] عليه، غير تامّ، فإنّه لم يثبت من العقلاء بناء على صحّة النيابة في كلّ مورد، بل خلافه معلوم منهم، كما هو ظاهر لمن راجع إلى العرف[584].

نعم، قد يعلم من القرينة الداخلية أو الخارجية أنّ مطلوب المولى ليس إلاّ تحقّق هذا الفعل في الخارج من أي شخص، فالمخاطب مكلّف بإيجاد المتعلّق أعمّ من المباشرة والتسبيب[585]...

وربما يستدلّ له بقوله تعالى:{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَداً}(1)...

-------------------------

فيما ثبت عدم الجواز، فتنفي الدعوى الأولى، فتأمل.

[583] قوله: [حاكماً] فإنَّ فعل النائب ينسب إلى المنوب عنه، كما في قولنا: «باع».

[584] قوله: [العرف] كما في أداء التلاميذ الامتحان، وكحقوق الزوجة، وشرب الدواء للمريض ونحو ذلك.

[585] قوله: [والتسبيب] فالأنواع أربعة:

الأول: اشتراط المباشرة.

الثاني: كفاية النيابة فقط.

الثالث: كفاية التسبيب فقط.

الرابع: المهم هو وقوع الفعل في الخارج ولو بلا تسبيب، كسقي الحديقة ماءً.

ص: 273


1- الكهف: 110.

وقد ورد في تفسير الآية رواية رواها جرّاح المدائني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: »{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَداً} قال: الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنّما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي[586] أشرك بعبادة ربّه«(1)...

نعم[587]، ورد في تفسيرها في جملة من الروايات أنّ الاستعانة في مقدّمات الوضوء شرك. ومن تلك الروايات ما رواه الحسن بن علي الوشاء قال: »دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة، فدنوت منه لأصبّ عليه فأبى ذلك، فقال: مه يا حسن، فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ[588] على يديك تكره أن أؤجر؟ قال:

-------------------------

[586] قوله: [فهذا الذي] يدل على الحصر في الرواية(2) السابقة، أمّا (فهو مشرك)(3) هنا فلا دلالة فيه على الحصر.

[587] قوله: [نعم] لكن المصنف يضعف كل هذه الروايات(4)، فلا يبقى إلاّ ظاهر الآية الكريمة والروايات الأول المفسّرة لها بالشرك العبادي.

[588] قوله: [أصب] بقرينة سائر الأدلَّة يخصص الصب بالصب الذي يقصد منه الوضوء، لا الصب الذي هو مقدمة للوضوء.

ص: 274


1- الكافي 2: 293- 294.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 71، ح6.
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 68، ح 13: «ومن عمل عملاً مما أمر اللّه به مراءاة الناس فهو مشرك، ولا يقبل اللّه عمل مراء».
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 410.

تؤجر أنت وأؤزر أنا، فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَداً}(1) وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد«(2)...

وما في جملة من كلمات من أنّ التشريك في مقدّمات الوضوء ليس حراماً للإجماع والنصّ، فلا تقوم تلك الروايات دليلاً على المنع، مدفوع[589] بأنّ الشرك بأيّ معنى كان تستفاد حرمتها من الآية...

نعم، يقع الكلام في أنّه هل يمكن الجمع[590] بين هذه الروايات المفسّرة للشرك بالتشريك في العمل، وبين الروايات المفسّرة بالتشريك في العبادة والإخلاص، أو يكون بينهما التعارض...

-------------------------

[589] قوله: [مدفوع] وبعبارة أُخرى: الصب وإن كان مطلقاً فيدل على حرمته مطلقاً، لكن الإجماع والروايات(3) خصصته بالصب الوضوئي، فلا يشمل الصب المقدمي.

[590] قوله: [الجمع] يمكن الجمع بين الروايات المفسّرة للشرك بالتشريك في العمل، وبين الروايات المفسّرة له بالتشريك بالعبادة، بما يلي:

أولاً: بأن أحدهما ظهر والآخر بطن.

ثانياً: أو استعملت اللفظة في المعنى الجامع بين المعنيين.

ص: 275


1- الكهف: 110.
2- الكافي 3: 69.
3- انظر: المصدر نفسه1: 410.

ولو باشره الغير أو شاركه ولو في البعض على وجه لم يسند الفعل إلى المتوضئ وحده بطل، من غير فرق في ذلك بين العالم والجاهل والعامد والناسي والغافل(*)[591].

(*) لوحدة ملاك المنع، فإنّه لا مقتضي[592] للصحّة بعد ما فرض أنّ الظاهر من الخطاب لزوم المباشرة. نعم، في الناسي والغافل يسقط[593] التكليف لعدم إمكان تعلّقه بهما...

-------------------------

ثالثاً: أو استعملت اللفظة في معنيين، فإنّه ليس محالاً، خلافاً للكفاية(1). نعم، يفتقر إلى القرينة، والقرينة قائمة، وهي الطائفتان المفسرتان.

[591] قوله: [والغافل] على الأحوط في غير العالم والجاهل المقصر، ووجهه: أنَّ أدلَّة الرفع ترفع الشرطية، فتأمل. ولاحظ هل أنَّ الأدلَّة المزبورة ترفع الأحكام الوضعية أيضاً أو لا، ولاحظ أيضاً مبنى النسبة بين الوضعية والتكليفية وأنها غيرها أو منتزعة منها؟

[592] قوله: [لا مقتضي] مرّ بيان المقتضي، والغرض المزبور لا ينافي الحاكم، وهو أدلَّة الرفع.

[593] قوله: [يسقط] فيه نظر كما ذكر في الأصول(2). نعم، التكليف بداعي جعل الداعي(3) ممتنع، إلاّ أنَّ التكليف لا يساق لذلك فقط، وإلاّ لم يكن فرق بين الناسي والجاهل.

ص: 276


1- انظر: كفاية الأصول: 37.
2- انظر: أوثق الوسائل: 377.
3- انظر: حاشية المكاسب 2: 253.

ولا فرق بين الوضوء والغسل والتيمم، ولا بين الغسل والمسح. نعم، لو لم يتمكن من المباشرة تولى مباشرته الغير فيوضيه، والأحوط حينئذٍ أن ينوي كلاهما(*).

(*) اتفاقاً[594] كما في الحدائق، وإجماعاً كما عن المنتهى، وعليه اتفاق الفقهاء كما عن التحرير. ويشير إليه ما ورد في المجدور[595] فإنّه وقع في جملة من الروايات أنّ المجدور يتيمّم...

-------------------------

[594] قوله: [اتفاقاً] ويدل عليه - أيضاً - قاعدة الميسور، إلاّ أن المصنف لا يرتضيها.

[595] قوله: [المجدور] الرواية(1) في الجدري في الجنابة، وفي الوجع(2) في الجنابة، فيتم الأمر في غيرهما بوحدة المناط عرفاً، أو بفهم الفقهاء عدم الفرق.

ومنه يظهر الإشكال في قول المصنف(3): إنّه قياس، ولو كان قياساً لكان قياس غير المجدور والوجع عليهما قياساً أيضاً.

ص: 277


1- انظر: وسائل الشيعة 3: 346، ح1، وهي: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن مسكين وغيره، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «قيل له: إن فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات، فقال: قتلوه، ألا سألوا ؟! ألا يمموه؟! إن شفاء العي السؤال».
2- انظر: وسائل الشيعة1: 478، ح1، وهي: عن أبي بصير، وعن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن عبد اللّه بن سليمان جميعاً، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «في حديث أنه كان وجعاً شديد الوجع فأصابته جنابة، وهو في مكان بارد قال: فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فحملوني ووضعوني على خشبات، ثم صبوا على الماء فغسلوني».
3- أي: الشارح، عند قوله: «إن إتمام الأمر بحسب القاعدة مشكل، وقياس الوضوء بباب الغسل لا وجه له». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 413.

وإن كان الأظهر كفاية نيّة المتوضئ فيما[596] لو كان يسند إليه الفعل عرفاً، وكان الموضئ بمنزلة الآلة(*).

ويمكن أن يقال كما في طهارة شيخنا الهمداني (قدس سره) [597] أنّ المتبادر من الأمر بالغسل ليس إلاّ وجوب إيجاد هذه الطبيعة على كلّ مكلّف، على وجه يستند الفعل إليه عرفاً...

(*) لو قلنا[598]: بأنّ مدرك الحكم هو الإجماع، فلا بدّ من أن ينويا كلاهما للعلم الإجمالي[599] بأنّ أحدهما يلزم أن ينوي

-------------------------

[596] قوله: [فيما] هل هذا قيد محتاج إليه، أو مستفاد مما سبق؟

[597] قوله: [الهمداني] كلام لطيف، لكن قد يقال: إنه لو وجه خطاب شخصي إلى عاجز فظاهره التسبيب، أما الخطاب العام فكما يمكن أن يكون مفاد (توضأ) الظاهر في المباشرة وجوب التسبيب، كذلك يمكن سقوط الوضوء عن العاجز مطلقاً.

نعم، لو قلنا: إن معناه فقط (توضأ على وجهٍ يسند إليك) لم يبعد كلامه، فتأمل.

[598] قوله: [لو قلنا] ولو قلنا: إن المدرك رواية الميسور(1) فالظاهر لزوم نية المتوضئ العاجز، فإن نيته ليست معسورة.

[599] قوله: [الإجمالي] لكن مبنى المصنف عدم لزوم الموافقة القطعية في العلم الإجمالي.

ص: 278


1- عوالي اللئالي4: 58، وهي: قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يترك الميسور بالمعسور».

الأمر الخامس: إطلاق الماء

الخامس: إطلاق الماء، فلا يصحّ بالماء المضاف، كماء الرمّان وماء الورد[600] وأمثالهما، ولو مزج به شي ء من ملح أو جلاب أو غيرهما كان الاعتبار بصدق اسم الماء عليه في العرف، فلو لم يصدق

وغير مشخص. وإن كان المدرك الروايات، فحيث إنّ قوله (عليه السلام) : »فغسّلوني«(1)، أو قوله: »ألا يمّموه«(2)، ظاهر[601] في أنّ الغسل أو التيمّم مستند إلى الموضي بتمام خصوصياتهما، فلا بدّ أن ينوي الموضيّ.

-------------------------

قد يقال: لا علم بذلك؛ إذ يحتمل قيام الإجماع على لزوم نية أحدهما - أي: الجامع - وحينئذٍ يكون الشك شكاً في الزائد، فتجري البراءة وتكفي نية أحدهما.

[600] قوله: [وماء الورد] المضاف.

[601] قوله: [ظاهر] لا ظهور له، فإنّ الظهور فرع كون المولى في مقام البيان من هذه الجهة، ولا ظهور لها في ذلك، بل ظاهر الرواية(3) كونها في مقام نفس المباشرة الخارجية، أو التسبيب الخارجي.

ص: 279


1- تهذيب الأحكام 1: 198.
2- الكافي 3: 68.
3- انظر: وسائل الشيعة 3: 346، ح1. وهي: وهي: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن مسكين وغيره، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «قيل له: إن فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات، فقال: قتلوه، ألا سألوا ؟! ألا يمموه؟! إن شفاء العي السؤال».

لم يصحّ الوضوء به. نعم، لا بأس بمثل ماء القليان المتعارف(*).

(*)... وأمّا التمسّك بالإجماعات المنقولة، بل المحصّلة، فرد عليه: أنّ المدرك عندهم معلوم[602] ولا أقلّ من احتمال استنادهم إلى الآية الشريفة...

يمكن أن يكون المراد من الطهور في الآية(1) الشريفة الطهور التكويني الخارجي لا الشرعي، والمضاف لا يكون طهوراً بهذا المعنى قطعاً[603].

والحاصل: أنّه لا دليل[604] على إرادة المعنى الشرعي من الطهور في الآية، ولذا لم يذكر التراب[605] مع أنّه طهور أيضاً، ولو أغمض

-------------------------

[602] قوله: [معلوم] ذكرنا أنَّ احتمال المدركية لا يضر، بل قد يقال: إن العلم به لا يضر، راجع الأصول: وجوه حجية الإجماع(2).

[603] قوله: [قطعاً] غالباً، وإلاّ فمثل ماء الورد المضاف مطهر عرفاً قطعاً، وكذلك بعض المعقمات الحديثة.

[604] قوله: [لا دليل] لو علم بالنقل وشك في تاريخه فلا تجري أصالة عدم النقل، وحينئذٍ يكون اللفظ مجملاً، فلا يصلح للاستدلال به.

[605] قوله: [التراب] وسائر المطهرات المذكورة في بحث المطهرات، وهي أكثر من أربعة عشر.

ص: 280


1- أي قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً}. الفرقان: 48.
2- قوانين الأصول: 346، الفصول الغروية في الأصول الفقهية: 348.

عن ذلك وسلّم أنّه أُريد منه المعنى الشرعي يمكن[606] أن يكون الوجه في ذكره كثرة وجوده وعموميّة نفعه[607]...

ويؤيّدها[608] ما في بعض الروايات من حصر الطهور في الماء والصعيد، كما في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »عن الرجل يكون معه اللبن[609] أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال: لا، إنّما هو الماء والصعيد«(1).

واستدلّ الصدوق على مدّعاه على ما نقل عنه بما رواه يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت له: »الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة قال: لا بأس بذلك«(2). وهذه الرواية لا مجال[610] للاعتماد

-------------------------

[606] قوله: [يمكن] إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، لكن تخصيصه بالذكر لا بد له من وجه، وإلاّ كان ترجيحاً بلا مرجح، فلذا ذكر المصنف الوجه.

[607] قوله: [نفعه] وشدة تطهيره، ورخص ثمنه، أو كونه بلا ثمن.

[608] قوله: [ويؤيدها] لم يعده دليلاً، إما لضعف السند أو لعدم ذكر القائل، لكن الثاني ضعيف، إذ مثل أبي بصير لا يروي عن غير المعصوم (عليه السلام) .

[609] قوله: [اللبن] كأن المراد منه الحليب(3).

[610] قوله: [لا مجال] مجموع الإشكالات هي:

-------------------------

ص: 281


1- الاستبصار 1: 14.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 6، الهامش.
3- انظر: العين1: 191.

الأول: احتمال كونه ماء الوِرد(1) الذي كان متعارفاً، حيث كان ترده الدواب ونحوها، بل هو كثير الآن في القرى والصحارى والأرياف، وقراءة الصدوق(2) بالفتح لا تنهض دليلاً؛ إذ لعله قرأه في الكتاب ولم يتلقه من المشايخ سماعاً، واجتهاده ليس حجة علينا.

الثاني: ضعف السند بسهلٍ(3) وغيره.

الثالث: الإجماع الذي ادّعاه الشيخ على ترك العمل بظاهره(4).

الرابع: إنّه شاذ(5).

الخامس: احتمال إرادة ماء الورد المطلق، وفيه: إنَّ الإطلاق يدفعه.

وقد يشكل: بأنّه لا يعلم ما هو مراد السائل؟

والجواب: أنَّ ظاهر اللفظ الإطلاق، والإرادة الاستعمالية كاشفة عن الإرادة الجدّية.

السادس: التعارض مع الآية بالعموم من وجه:

فالآية (فلم تجدوا ماءً فتيمموا) حتى ماء الورد.

ص: 282


1- انظر: العين8 : 66، حيث قال: «والورد: وقت يوم الورد بين الظمئين، وهو وقتان، وورد الوارد يرد وروداً . والورد أيضاً اسم من ورد يرد يوم الورد».
2- انظر: الهداية: 65.
3- انظر: مختلف الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 295، كتاب الطهارة، السيد الخوئي 1: 31.
4- تهذيب الأحكام 1: 219.
5- المصدر نفسه.

عليها لضعف سندها، فإنّ في طريقها سهل[611] بن زياد، والرجل مورد طعن جماعة من أهل الفنّ، بل قيل في حقّه إنّه غال[612] فلا يعتمد على اخباره...

قد بيّنا في محلّه أنّ التعارض بين المطلقين يوجب تساقطهما؛ إذ الإطلاق يتوقّف حدوثاً وبقاء على عدم البيان، وكلّ من الدليلين قابل لأن يكون بياناً للآخر، فيسقط كلا الدليلين، ويرجع إلى إطلاق دليل الغسل[613]...

-------------------------

والرواية (توضأ بماء الورد) سواء كان ماء الورد المضاف أم ماء الورد المطلق. فمورد الاجتماع وجدان ماء الورد المضاف، فيتعارضان فيسقطان، ويكون المرجع إطلاق الصدر، أي: {فإغسلوا وجوهكم}(1)، وسائر الأدلَّة.

السابع: أو يقال: مع التعارض يقدم الكتاب.

[611] قوله: [سهل] لكن قيل: الأمر في سهل سهلٌ(2).

[612] قوله: [غالٍ] كونه غالياً ليس ملاكاً، بل صدق اللّهجة هو الملاك.

[613] قوله: [دليل الغسل] وغيره من الأدلَّة، والأولى الاستدلال بها؛ إذ الإطلاق في الصدر(3) قد يورد عليه: بأنه محفوف بما يحتمل القرينة فلا إطلاق، إلاّ إن يقال: إن محتمل القرينة ساقط بالمعارضة، فلا يصح لصرف الإطلاق.

ص: 283


1- المائدة: 6.
2- انظر: جواهر الكلام41: 286، شرح العروة الوثقى 1: 240.
3- انظر: المائدة: 6، وهو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}.

وأمّا ما ربّما يقال كما قيل: بأنّ القاعدة[614] تقتضي أن يقدّم إطلاق الرواية على الآية، حيث إنّ الرواية لو قيّدت بالآية لا يبقى لعنوان ماء الورد مورد، ويكون أخذه في موضوع الحكم لغواً[615] بخلاف العكس كما هو ظاهر، ليس على ما ينبغي، وذلك لأنّ ماء الورد لم يقع موضوعاً للحكم ابتداء في كلام الإمام[616] حتّى يجري فيه هذا البيان، بل وقع مورد السؤال في كلام الراوي...

وأمّا ابن أبي عقيل[617] فاستدلّ على مدّعاه بما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن بعض الصادقين قال: »إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلا يتوضأ باللبن إنّما هو الماء أو التيمم، فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذاً فإنّي سمعت حريزاً يذكر في حديث أنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء«(1)...

-------------------------

[614] قوله: [يقدم] هذا حل لمشكلة التعارض.

[615] قوله: [لغواً] إذ ماء الورد المطلق كسائر المياه المطلقة، فلا وجه لتخصيصه بالذكر.

[616] قوله: [الإمام (عليه السلام) ] بل حتى لو وقع فلعله لدفع شبهة أنَّه لا يجوز، كالوضوء بماء الأنهار المطيَّن أو بماء البحر، إذ قد يسشكل فيه بعض.

[617] قوله: [عقيل] مجموع الإيرادات على قوله هي:

أولاً: قد يوجد في النبيذ احتمالان: الأول: إنهم كانوا ينبذون في الماء تمرات لمرارة الماء.

ص: 284


1- الاستبصار 1: 15.

-------------------------

والثاني: كون المراد النبيذ المطلق، وإنما قيد بعدم القدرة على الماء مع أنّه فرد من أفراد الماء؛ لأن النفس تعاف الوضوء به عادةً للزوجته.

إلاّ أن يقال: إنَّ إطلاق ماء النبيذ يشمل النوعين، كما ذكرناه قبل قليل، فتأمل.

ثانياً: احتمال كون المراد غير الإمام (عليه السلام) (1).

وقد يدفعه كثرة استعمال الصادقين في المعصومين (عليهم السلام) .

لكن قد يشكل: بأنَّ هذه الكثرة لم تصل إلى حد الوضع التعيّني، فتأمل.

ثالثاً: الواسطة بين حريز والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غير معلوم.

إلاّ أن يقال: إن نقل الإمام (عليه السلام) توثيق للرواية، فتأمل.

رابعاً: هذا النوع من النقل عن الصحابة مشعر بالتقية، خاصة مع لحاظ مذهب العامّة في ذلك.

خامساً: احتمال كون التتمة من كلام ابن المغيرة. وفيه: أنه خلاف الظاهر.

سادساً: إعراض الأصحاب عن مدلوله، وإجماع التنقيح(2).

ص: 285


1- انظر: شرح العروة 1: 37، حيث قال: «إنه لم يعلم أن عبد اللّه بن المغيرة رواها عن أحد المعصومين (عليهم السلام) ، فإنه نقلها عن بعض الصادقين، والمراد به بعض العدول؛ لأن صيغة الصادقين التي هي صيغة جمع في الرواية لمكان البعض لم ير استعمالها، وإرادة الأئمة منها في شئ من الموارد. نعم، الصادقين بصيغة التثنية يطلق على الباقر والصادق (عليهما السلام) من باب التغليب، كالشمسين والقمرين، وقد عرفت أن الصادقين في المقام ليس بتثنية. وبالجملة إن تعبيره ببعض الصادقين مشعر بعدم إرادته المعصوم».
2- انظر: شرح العروة الوثقى 1: 39، حيث قال: «وعلى الجملة فلا يثبت بهذه الرواية على علاتها حكم مخالف لما كاد أن يكون ضرورياً من مذهب الشيعة».

ولو اشتبه المطلق بالمضاف جاز الوضوء بالتكرير بهما في حال الانحصار[618]، بل مطلقاً إذا كان التكرير لداعٍ عقلائي[619].

الأمر السادس: إباحة الماء

السادس: إباحة الماء فلا يصحّ الوضوء بالماء المغصوب(*).

(*) بلا خلاف بين الأصحاب كما في الحدائق، وفي بعض الكلمات أنّه استفاض نقل الإجماع عليه، بل قيل: إنّه يظهر من غير واحد ذلك حتّى من القائلين بجواز الاجتماع[620]...

والإنصاف أن تحقق إجماع كاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) في غاية الإشكال[621]، فالمتعيّن أن يستدلّ على عدم الجواز بوجه آخر، فنقول: يمكن أن يقال[622]: إنّ إطلاق دليل الوضوء لا يشمل التصرّف الغصبي...

-------------------------

سابعاً: إن عدم جواز الوضوء بالنبيذ من واضحات الفقه، بل المذهب.

[618] قوله: [الانحصار] بل يجب في هذه الصورة.

[619] قوله: [عقلائي] بل مطلقاً مع توفر قصد امتثال الأمر.

[620] قوله: [بجواز الاجتماع] لعله لدليل تعبدي، أو لأن الاجتماع إنما يفرض في غير العبادات كالإنفاق على الزوجة، وأما فيها فلا يعقل كون المبعد مقرباً فتأمل؛ لأنه خلاف تمثيلهم بالصلاة في الدار المغصوبة، ولأن المبعد غير المقرب؛ لأن تعدد العناوين يستدعي تعدد المعنونات، وعلى كلٍ فإتمام الأمر - على مبنى الاجتماع - وفق القاعدة يحتاج إلى تأمل.

[621] قوله: [الإشكال] لا إشكال فيه كما تقدم مراراً.

[622] قوله: [أن يقال] فيه نظر، فإن الأمر بالطبيعي يشمل أفراده ضمن أية

ص: 286

نعم، لا يشترط كونه مملوكاً للمتوضئ، فلو توضأ بماء لغيره بإذنه الصريح أو بفحوى[623] أو يمكن أن يقال: إنّ العرف بما له من الارتكاز يقدّم أدلّة العناوين الثانوية[624] على أدلّة العناوين الأوّلية والمقام كذلك...

وحيث إنّ العرف محكم في باب الظهورات ويقدّم بحسب مركوزه دليل الغصب، فلا يجوز[625] التوضؤ بالماء المغصوب، مضافاً إلى أنّه لو قدّم الدليل الأولي لا يبقى موضوع[626] للدليل الثانوي...

-------------------------

خصوصية وقعت، والإطلاق كاشف عن النظر، فإن الإرادة الاستعمالية كاشفة عن الإرادة الجدّية، ومثال ضرب اليتيم(1) لا يجدي، فإنَّ الكلام فيه هو الكلام، إلاّ مع دليل خارجي - عقلي أو نقلي - على التقييد.

[623] قوله: [بفحوى] أي: الأولوية، كما لو أذن له فيما هو أكثر من ذلك.

[624] قوله: [الثانوية] الظاهر أنَّ دليل الغصب أولي.

[625] قوله: [فلا يجوز] الظاهر أنَّ مراده: أنَّ دليل «توضأ» لا يشمله أصلاً، كما هو الحال في العناوين الأولية والثانوية، وحينئذٍ فيكون الوضوء باطلاً؛ لأنَّه ليس بمأمور به.

[626] قوله: [موضوع] مثلاً: لو قدم دليل «صلّ» على دليل «لا ضرر» لم يبقَ موضوع ل- «لا ضرر» أصلاً.

ص: 287


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 418، حيث قال: «لو دل دليل على جواز التصرف في المال لا يقتضي بإطلاقه جواز ضرب اليتيم، بأن يقال: ضرب اليتيم بالعصا تصرف في المال وهو جائر مطلقاً».

شاهد حال[627] على رضاه صحّ. والأولى في شاهد الحال الاقتصار على صورة حصول العلم بالرضا منه(*). نعم، في مثل الأنهار الواقعة في الطرق والمنازل[628] في الأسفار[629] لا بأس بالوضوء منها(**).

(*) ... ولو كان مراده من العبارة ذلك فأيضاً يمكن أن يناقش، بأنّه لا فرق بين ظهور الألفاظ وظهور الحال[630] ففي كلّ مورد حكم العرف بالظهور يؤخذ به...

(**) ... وأمّا التمسّك للجواز بما رواه محمّد بن سنان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: »سألته عن ماء الوادي، فقال: إنّ المسلمين شركاء في الماء والنار والكلأ«(1). فليس في محلّه[631].

-------------------------

[627] قوله: [شاهد حال] كما لو رأينا الناس المختلفين يدخلون أفواجاً أفواجاً إلى بيته، ويتوضؤون منه.

[628] قوله: [والمنازل] أي: محل نزول القوافل والأفراد لا البيوت، وإلاّ فلم تثبت سيرة على الوضوء من البيوت.

[629] قوله: [في الأسفار] الظاهر أنَّ مراده محل النزول لا البيوت.

[630] قوله: [وظهور الحال] هل العقلاء كما يبنون على ظواهر الأقوال يبنون على ظاهر الحال؟

[631] قوله: [فليس في محله] مجموع الإشكالات هي:

ص: 288


1- من لا يحضره الفقيه 3: 239.

-------------------------

الأول: أنَّ الدليل منصرف إلى المباحات الأصلية، في قبال الأقطاع الذي كان سابقاً، وتملك الدول - فعلاً وسابقاً - للغابات والأنهار وغيرهما.

الثاني: الجمع بين هذا الدليل(1) ودليل حرمة الغصب(2).

وفيه نظر؛ إذ هذا الدليل يقول: إنَّه ليس غصباً، لأنَّه لا يملك.

إلاّ أن يجاب: إن التملك ضروري وبديهي، وسلب حق الآخرين غصب عرفاً.

الثالث: أنَّه يستلزم تخصيص الأكثر؛ إذ أكثر الموارد مملوكة ملكاً شخصياً، كالماء الموجود في بيوت الأفراد.

الرابع: ظاهره أنَّه بنحو المشاع، وهو مقطوع البطلان.

وفيه: أنَّه بقرينة ذلك يُحمل على نحو حق المسجد والمدرسة ونحوهما.

الخامس: الإشكال السندي، وفيه: أنَّه ذهب بعض إلى وثاقة محمد بن سنان(3).

ص: 289


1- أي: ما رواه محمد بن سنان عن أبي الحسن (عليه السلام) : «سألته عن ماء الوادي، فقال: إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء». وسائل الشيعة25: 417، ح1.
2- انظر: وسائل الشيعة 25: 385- 386.
3- انظر: اختيار معرفة الرجال1: 5، حيث قال في الهامش: العلامة رحمه اللّه تعالى في المختلف والمنتهى كثيراً ما يستصح الحديث وفي الطريق محمد بن سنان... وسيجئ في كلام أبي عمرو الكشي (رحمه اللّه تعالى) أنه يروي عن محمد بن سنان جماعة من العدول والثقات وأهل العلم، وذلك آية حسن حاله. وقد وثقه الشيخ المفيد».

فإنّ الجمع بين هذا الدليل ودليل حرمة الغصب يقتضي حمل الأوّل على ما لم يكن له صاحب ومالك، لما ذكرنا آنفاً من عدم المعارضة بين أدلّة العناوين الأوّلية وبين دليل العناوين الثانوية[632]...

إيقاظ[633]: الرواية مذكورة في الوسائل بهذا المضمون، وأمّا ما كتب في بعض المؤلّفات من أنّ الناس في ثلاثة شرع سواء: الماء والنار والكلاء، فلم نظفر عليه في كتب الرواية... أضف إلى ذلك أنّه لو لوحظت النسبة بين دليل الغصب وبقيّة الأدلّة ربما لا يبقى مورد[634] لدليل الغصب، وهذا يوجب تقديمه على بقيّة الأدلّة...

وأمّا ما نقل عن العلاّمة من أنّ شاهد الحال يقتضي الجواز فهو متوقّف على وجوده ومنحصر فيه كما هو ظاهر[635].

-------------------------

[632] قوله: [الثانوية] سبق أنه ليس دليلاً ثانوياً.

[633] قوله: [إيقاظ] لم يظهر فرق بين التعبيرين، إلاّ أن يريد التقيد بعين عبارة الرواية(1).

[634] قوله: [مورد] فيه نظر؛ فإنَّ المستثنى هذه الثلاثة(2) أو الأربعة(3) فقط.

[635] قوله: [ظاهر] فالدليل أخصّ من المدّعى.

ص: 290


1- وهي: محمد بن سنان عن أبي الحسن (عليه السلام) : «سألته عن ماء الوادي، فقال: إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلأ». وسائل الشيعة25: 417، ح1.
2- أي: الماء والنار والكلأ.
3- أي: بإضافة الملح إلى الأربعة المتقدمة. انظر: المصدر نفسه، ح2.

ما لم يظهر الكراهة من ملاكها(*)،

وأمّا ملاحظة[636] النسبة بين دليل الغصب وبين أدلّة جواز الوضوء، أو الشرب من الماء الذي لم يتغيّر، فقد ظهر جوابه ممّا ذكرناه آنفاً، فإنّه لا تعارض بين الدليلين كما هو ظاهر.

وأمّا الحكم بالجواز باستناد قاعدة نفي الحرج فيرد عليه[637]: أنّ الحرج ناشئ من الإلزام بالوضوء بالماء المباح[638]، ونفي الحرج يقتضي[639] رفع وجوب الوضوء ووصول النوبة إلى التيمّم...

(*) لعدم قيام[640] السيرة في الفرض والمفروض أنّ الجواز دائر مدارها.

-------------------------

[636] قوله: [ملاحظة] هكذا:

(كل ما لم يتغير فتوضأ به) سواء كان غير المتغيّر مباحاً أم غصبياً.

و (لا تغصب) سواء غير المتغيّر الغصبي أم المتغيّر الغصبي.

[637] قوله: [فيرد عليه] وبعبارة اُخرى: الحرج كما يرتفع بجواز الوضوء كذلك يرتفع بتشريع التيمم، فلا يدل على أحدهما. نعم، عدم تجويز الشرب حرجي.

[638] قوله: [المباح] أي: لو قال المولى: اُُريد منك الوضوء بالماء المباح لزم الحرج بأن يطوي مسافات طويلة حتى يحصل على الماء المباح.

[639] قوله: [يقتضي] فيه نظر، بل يدور الأمر بين شيئين كما سبق، إلاّ أن يستفاد ذلك بضميمة أدلَّة حرمة الغصب.

[640] قوله: [قيام] الأولى لعدم ثبوت قيام السيرة في الفرض.

ص: 291

ولا يقدح احتمال كونها لصغير أو مجنون مثلاً(*).

(*) ... ومحصّل الكلام: أنّ التصرّف في مال الغير بلا إذنه عدوان[641] وهو غير جائز حتّى مع الشكّ في وجود الإذن، لأنّه يحكم بعدمه بالاستصحاب، بل يمكن أن يقال: إنّ التصرّف حتّى مع الشكّ في الرضا يعدّ عدواناً[642] وتعدّياً...لاحظ ما رواه سماعة عن

-------------------------

[641] قوله: [عدوان] ظاهري، وذلك ببركة الاستصحاب. إلاّ أن يقال: إنَّه مثبت فلا يثبت عنوان العدوانية. نعم، يثبت عدم الجواز، فنستصحب عدم الإذن، إذن فلا يحل.

وهذا أثر شرعي لعدم الإذن كما في الرواية(1) المذكورة أسفل هذه الصفحة(2).

[642] قوله: [عدواناً] أي: حتى لو لم يكن هنالك استصحاب، بأن تعاقبت الحالتان، وجهل المقدم والمتأخر مثلاً.

وفيه نظر؛ لأنَّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

نعم، لو قيل: إنَّه يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص فلا مانع، إلاّ أنَّه خلاف المختار، فتأمل.

نعم، لا شك أنَّه تجرٍ، وله أحكام التجري.

ص: 292


1- انظر: الكافي7: 273، ح12، وهي: «من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه».
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 421.

كما أنّه يصحّ الوضوء بالمغصوب مع الجهل بالغصب أو مع سهوه(*)، وإن ضمن الماء[643].

أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه[644]»(1)...

(*) ... والتحقيق أن يقال - كما ذكرنا في محلّه من الأصول - بأنّ الحكم الواقعي محفوظ[645] في حال الجهل، فالحرمة موجودة وهي

-------------------------

والخلاصة: أنَّه لو أقدم ثم بان رضاه لم يكن متعدياً ولا عاصياً. نعم، تثبت له أحكام التجري.

[643] قوله: [الماء] على الأحوط، ووجه الاحتياط هو فهم الفقهاء، فتأمل.

[644] قوله: [لطيبة نفسه] المفروض: احتمال الطيبة، فإذا انكشفت الطيبة واقعاً لم يكن إلاّ متجرياً، كما سبق قبل قليل.

نعم، لو قيل بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص أمكن التمسك.

فتحصل أنَّه محرم بحكم الاستصحاب، ومع الغض عنه فهو تَجَرٍٍّ.

[645] قوله: [محفوظ] فإنَّ الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل، سواء بالحكم أم الموضوع، راجع بحث التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي(2).

ص: 293


1- الكافي 7: 273.
2- انظر: درر الفوائد 2: 350، نهاية الأفكار 3: 243، فوائد الأصول 3: 104.

تلازم المبغوضية[646]، ومن الظاهر أنّ المبغوضية والمحبوبية ضدّان لا يجتمعان، فلا يصحّ[647] الوضوء بالماء الغصبي ولو مع الجهل بالغصب. نعم[648]، في صورة السهو لا مانع من الصحّة؛ لأنّ الحكم الواقعي غير موجود[649]؛ إذ لا يعقل بقاؤه في حال السهو.

-------------------------

[646] قوله: [المبغوضية] هذا أول الكلام؛ إذ الحكم الواقعي حكم بلا مبادئ، فلا مانع من كونه محبوباً - راجع تفصيل ذلك وسائر الأجوبة في بحث التوفيق بين الحكمين(1) - ولذا أمكن جعل الحكم الظاهري في مورد الجهل والشك.

[647] قوله: [فلا يصح] فيه نظر كما سبق وجهه، ولذا نقل الاتفاق على الصحة في صورة الجهل(2) .

[648] قوله: [نعم] نفس ما ذكرناه سابقاً يأتي في صورة السهو.

[649] قوله: [غير موجود] فيه نظر، ولا مانع من بقائه، إلاّ إذا قيل: إن التكليف لا يكون بداعي جعل الداعي. وفيه إشكال، كما هو مبيّن في محله، مع أنه ينتقض بصورة الجهل بالحكم أو الموضوع.

نعم، قد يستدل على الارتفاع بدليل «رفع النسيان» وفي دلالته على الرفع الواقعي تأمل، إلاّ أن يقال: ظاهر «رفع» رفع الحكم بتمام مراتبه، ولا مانع عقلي منه، أمّا في الجهل فالمانع يعيّن حمل الرفع على الرفع الظاهري، فتأمل.

ص: 294


1- انظر: منتهى الأصول2: 72و243، نهاية الأفكار 3: 43، دروس في علم الأصول 3: 16.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 422، حيث قال: «اتفاقاً كما في الحدائق، واستدل عليه بعدم تعلق النهي في حال الجهل، فلا مانع».

إلاّ أن يقال[650]: إنّ حديث الرفع الرافع للحكم الواقعي عند السهو حيث إنّه بلسان الامتنان على الأمّة يقتضي بقاء المبغوضية...

-------------------------

[650] قوله: [أن يقال] يوجد إشكال على رفع الحكم في صورة السهو، وهو مكوّن من عدّة مقدمات، وهي:

الأولى: إنَّ الرفع امتناني.

الثانية: الامتنان لا يكون إلاّ مع وجود الملاك والمقتضي.

الثالثة: وبقاء الملاك يستلزم المبغوضية.

الرابعة: والمبغوضية لا تجتمع مع المحبوبية.

فيكون الوضوء باطلاً في حالة السهو كالجهل.

ويمكن التأمل والمناقشة في المقدمة الأولى، فإنَّ الامتنان حكمة لا علة، وهي لا تطّرد، بل اللازم أن يكون امتناناً في الجملة، لا في كل مورد، مع أنّه لم يثبت كونه امتنانياً فتأمل؛ إذ في كلمة «عن أُمتي»(1) إشارة للامتنان، فتأمل.

وقد يناقش المصنف في المقدمة الثانية، فإنَّ الامتنان تارة يكون برفع الحكم مع وجود المقتضي، كما في «لولا أن أشق على أُمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة»(2)، وأُخرى: لا ملاك، لكن الشارع كان بإمكانه أن يوجب الاحتياط، بأن يأمر بالوضوء من ماء البحر - مثلاً - أو الأنهار حيث لا احتمال للغصبية أو السهو، فعدم إيجاب الاحتياط امتنان، لكن للمصنف

ص: 295


1- الكافي 2: 463.
2- الكافي 3: 23.

اللّهم إلاّ أن يقال: إنّ الامتنان لا يستلزم بقاء المبغوضة، بل يحصل الامتثال[651] بعدم وجوب التحفّظ، وعليه لا دليل على المبغوضية[652]، فالنتيجة صحّة الوضوء، مضافاً[653] إلى أن عدم الحكم الواقعي بحكم العقل...

-------------------------

بيان آخر(1)، فليس الوضوء بالماء مبغوضاً، فلا مانع من الصحة.

والحاصل: أن رفع السهو باعتبار رفع الاحتياط، فيكون امتناناً، والمسألة بحاجة إلى مزيد تأمل.

وأما أصل مسألة أنَّ الامتنان لا يتحقق إلاّ مع وجود الملاك فتوضيحه: أنَّه لو كان شخص مديوناً فهنالك مقتضٍ للأخذ منه، فلو رفع الدائن عنه الدين كان امتناناً منه، أمَّا لو لم يكن مديوناً فلا معنى للمنّة بالإبراء.

وهكذا لو كان شخص مستحقاً للقتل، فَمَنَّ عليه وارث المقتول، أمّا بدون استحقاق فلا معنى للامتنان.

[651] قوله: [الامتثال] الصحيح: الامتنان.

[652] قوله: [المبغوضية] ومعه تتكفل أدلَّة الرفع برفع الحكم الواقعي بتمام مراتبه، فلا يبقى هنالك ملاك، فتأمل.

[653] قوله: [مضافاً] كأنّه يريد أن يقول: إن ارتفاع الحكم الواقعي إمّا شرعي بدليل »رفع النسيان«(2)، أو عقلي بالدليل المزبور.

ص: 296


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 439.
2- الكافي 2: 436.

وإن ضمن الماء(*).

الأمر السابع: طهارة الماء

السابع: طهارة الماء فلا يصحّ الوضوء بالماء النجس(**)،

(*) لما بنوا عليه من أنّ الإتلاف يوجب الضمان مطلقاً، وحديث الرفع لا يرفعه؛ لأنّه خلاف الامتنان[654]. والذي يختلج ببالي القاصر من سالف الزمان أنّ هذا البيان غير تامّ، وذلك لأنّ حديث الرفع في مقام المنّة على من يكون الدليل شاملاً[655] له، لا أنّ جريانه في كلّ مورد يلزم أن يكون امتناناً على جميع الأمّة...

(**) بلا خلاف كما في الحدائق، وإجماعاً، بل ضرورة كما في كلام بعض آخر، ويشهد له جملة من النصوص...

ومنها: ما رواه عمّار[656]

-------------------------

[654] قوله: [الامتنان] قد يتأمل في كونه امتنانياً على نحو العلَّة.

[655] قوله: [شاملاً] فهو منّة على المكلف، لكن قد يقال: إنَّه منصرف عن ذلك، وقرينته فهم مشهور الفقهاء، فتأمل.

وأيضاً: لو قالت دولة: «إنني مننت على الناس بأن لا ضمان عليهم» لم يكن كلامها مقبولاً عند العقلاء، ولحدث هرج ومرج ضدّها، ولا فرق بين ذكر ذلك عامّاً أو خاصاً، ولعل هذا هو سبب فهم المشهور الانصراف، فتأمل.

[656] قوله: [عمّار] الرواية(1) في الدم، فيتم في غيره - كالبول - بالأولوية

ص: 297


1- وهي: عن عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سئل عما تشرب منه الحمامة، فقال: كل ما اُكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب، وعما شرب منه باز أو صقر أو عقاب، فقال: كل شيء من الطير توضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا توضأ منه ولا تشرب». الكافي3: 10، ح5.

ولو مع الجهل بالنجاسة(*).

إلى غير ذلك من النصوص الواردة في هذا الباب.

(*) لاقتضاء[657] الأدلّة[658] عدم الفرق بين حالتي العلم والجهل...

وقوله (عليه السلام) في حديث حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر«(1)، بتقريب أنّ المطلقات[659] تقيّد بهذا الخاص، ويشترط في النجاسة العلم بها، فلا وجه لفساد الوضوء بالماء النجس[660] في حال الجهل. فيرد عليه: أنّ الظاهر[661] من الروايتين ثبوت نجاسة واقعية...

-------------------------

أو لفهم عدم الخصوصية، أو لعدم القول بالفصل، على إشكال فيه.

[657] قوله:[لاقتضاء] أدلَّة الرفع تقتضي الرفع، إلاّ أنه رفع ظاهري لا واقعي.

[658] قوله: [الأدلَّة] بإطلاقها، وللأدلَّة المذكورة في مبحث «اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل» عقلاً ونقلاً.

[659] قوله: [المطلقات] أي: مطلقات التنجس بالملاقاة.

[660] قوله: [النجس] فإنّه ليس بنجس، وإنمّا عبر بالنجس تسامحاً أو مجاراة مع المشهور.

[661] قوله: [الظاهر] عرفاً، فهو كالميكروب، إذ لا يناط بالعلم والجهل،

ص: 298


1- الكافي 3: 1.

فيجب إعادة الوضوء بعد العلم بها(*).

مضافا إلى أنّ الالتزام بما أفاده (قدس سره) يستلزم القول بالتصويب [662] وخلوّ[663] الواقعة عن الحكم مع الجهل، والمفروض أنّه مجمع على بطلانه هذا.

وأمّا ما أورده على صاحب الحدائق بأنّ الحكم بالطهارة لو حمل على الحكم الواقعي يستلزم اجتماع الضدّين[664] ولو احتمالاً...

(*) ... كما أنّ مقتضى دليل وجوب القضاء[665] على من لم

-------------------------

ولو بقرينة فهم مشهور الفقهاء، ويؤيده: «فليس عليك»(1) أي: فلست مؤاخذاً، فتأمل.

وكذا «حتى تعلم أنه قذر»(2) فإنَّه يوجب الدور أو ملاكه، فكيف أعلم أنَّه قذر إذا لم يكن قذراً؟

إلاّ أن يقال: إنَّه علم غائي، فتأمل.

[662] قوله: [بالتصويب] فيه نظر؛ إذ التصويب بتبعية الأحكام الكلّية لآراء المجتهدين، لا الأحكام الجزئية، فتأمل وراجع.

[663] قوله: [وخلو] لا خلو؛ إذ الماء طاهر واقعاً، وبالعلم يكون نجساً واقعاً، فمتعلق العلم مغير للموضوع.

[664] قوله: [الضدّين] فيه غرابة، فإنَّه طاهر واقعاً فأين اجتماع الضدّين؟

[665] قوله: [القضاء] لو قيل: إنَّ القضاء بأمرٍ جديد، وإلاّ كان مقتضى

ص: 299


1- وسائل الشيعة 3: 467.
2- وسائل الشيعة 1: 142.

الأمر الثامن: عدم الخوف من استعمال الماء

الثامن: عدم الخوف في استعمال الماء من حدوث مرض أو زيادته أو بطء برئه، أو من عطش على نفسه(*).

يأت بالصلاة هو القضاء خارج الوقت؛ لأنّ المفروض عدم الإتيان بالصلاة الصحيحة[666].

(*) يمكن[667] أن يستدلّ بعمومات نفي الضرر والحرج.

-------------------------

نفس الأمر الأوّل.

[666] قوله: [الصحيحة] وأدلَّة: «لا تعاد»(1) لا تشمل المقام، لأنَّ الطهور من المستثنيات.

[667] قوله: [يمكن] يوجد هنا بحثان:

الأول: الخوف من العطش(2)، وهو منصوص عليه.

الثاني: الخوف من المرض(3) حدوثاً أو زيادة أو بطء برء.

والدليل عليه: أولاً: عمومات نفي الضرر والحرج، إن قلت: لا يُعلم أنَّه يقع في الحرج أو الضرر.

قلت: كما أنَّ العلم طريق كذلك الخوف طريق عقلائي للمكلف، وقد

ص: 300


1- من لا يحضره الفقيه 1: 279.
2- وهي: عن زرعة، عن سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته؟ قال: يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء، فإن اللّه عز وجل جعلهما طهورا: الماء والصعيد». وسائل الشيعة3: 388، ح3.
3- وهي: عن داود بن السرحان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل، ويتيمم». وسائل الشيعة3: 348، ح8 .

-------------------------

أمضى الشارع الطريقية في موراد العطش وقلة الماء.

وفيه نظر، فإنَّ ظاهر الأدلَّة موضوعية الخوف، ولا دليل على الطريقية، والأصل عند الشك الموضوعية.

ثانياً: إنّ الإلزام بالوضوء مع الخوف المزبور حرجي، فينفى بأدلَّة نفي الحرج، لكن لا كليَّة له؛ إذ قد لا يكون حرجياً.

ثالثاً: إطلاق رواية سماعة، حيث إنَّ «فيخاف قلته»(1) لم يذكر متعلقه، فيشمل ما لو كان الخوف من حدوث مرضٍ ما، فإنَّ العطش سبب لكثير من الأمراض، ولا خصوصية للمرض النابع من خوف القلّة. فهنا أمران:

أ - الاستعمال وخوف القلَّة والمرض، وخوف العلَّة ملازم لخوف المعلول.

ب - الاستعمال، وخوف المرض، فإنَّه عرفاً لا فرق بينهما.

رابعاً: رواية ابن سنان(2)، فإنَّ خوف العطش لا موضوعية له عرفاً، خصوصاً إذا كان ما يخاف منه أعظم من العطش.

خامساً: روايات خوف البرد(3)، ومعناها خوف المرض من جهة حدوث البرد.

ص: 301


1- وسائل الشيعة3: 388، ح3.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة3: 348، ح7، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام) : «في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل، يتيمم».

حيث إنّ الخوف طريق عقلائي[668] وأمضاه الشارع، فإنّه يمكن أن يستفاد[669] من جملة من الموارد أنّ الشارع جعل الخوف طريقاً ورتّب عليه الأثر... فإنّ الرواية الثانية وإن كانت في مورد العطش لكن يفهم[670] العرف أنّ العطش ليس له خصوصية، بل الحكم عام... ولكن الاستدلال بقاعدة نفي الضرر والحرج يتوقّف على إحراز موضوعهما[671]، وطريقية الخوف على متعلّقيهما لا دليل عليها، بل الظاهر كونهما موضوعين في جملة من الموارد، فإنّ الالتزام بالطريقية خلاف الظاهر[672]...

-------------------------

سادساً: ما ورد في الكسير(1) والمجدور(2) مع أنَّه لا يعلم تحقق الضرر.

[668] قوله: [طريق عقلائي] للضرر والحرج، فهو كالقطع بوقوعه في الضرر والحرج.

[669] قوله: [يستفاد] لا يستفاد، بل ظاهر الأدلَّة الموضوعية كما سبق.

[670] قوله: [يفهم] وليس هذا قياساً، بل إلغاء للخصوصية عرفاً.

[671] قوله: [موضوعهما] وهو تحقق الضرر والحرج فيما بعد.

[672] قوله: [خلاف الظاهر] وقد سبق أنَّ الأصل في العناوين هو الموضوعية.

ص: 302


1- وسائل الشيعة1: 346، ح2، قال: «وروي ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل».
2- وهي: عن محمد بن مسكين وغيره، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «قيل له: إن فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات، فقال: قتلوه، ألا سألوا؟! ألا يمموه؟! إن شفاء العي السؤال». وسائل الشيعة3: 346، ح1.

أو مصاحب يتضرّر بتلفه(*)، ولو كان كافراً(**).أو نفس محترمة(***)،

وما رواه داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: لا يغتسل ويتيمّم«(1) فإنّ الظاهر[673] من الخوف الواقع في الرواية الخوف من حدوث المرض من جهة البرودة...

(*) لإطلاق[674] رواية سماعة فإنّها بإطلاقها تشمل المقام...

(**) لأنّ المفروض[675] أنّه يتضرّر بموته فيخاف من قلّة الماء فيسقط وجوب الوضوء.

(***) يمكن أن يقال: إنّ حفظ الماء مع خوف التلف من مراتب وجوب حفظ النفس فيجب حفظه،

-------------------------

[673] قوله: [الظاهر] ومع الغض عن ذلك نقول: لا خصوصية لخوف البرد عرفاً، خصوصاً إذا كان ما يخاف منه أعظم منه.

[674] قوله: [لإطلاق] بل ولسائر الأدلَّة مثل: (لا ضرر) وغير ذلك مما سبق.

وفيه نظر، فإنَّه محفوف بما يصلح للقرينية، إلاّ أن يقال: العبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال، فتأمل.

[675] قوله: [المفروض] بل لجريان نفس الأدلَّة السابقة، ومنها ذلك.

ص: 303


1- تهذيب الأحكام 1: 185.

أو حيوان محترم يتضرّر بموته(*)[676]، أو من ضيق الوقت ولو لركعة(**)[677].

كما أنّه لا مانع[678] من الأخذ بإطلاق الروايتين...

(*) لإطلاق[679] الرواية، مضافاً إلى عموم نفي الحرج...

(**) ولم أظفر على رواية تدلّ على جواز التيمّم عند الخوف من فوت الوقت، والالتزام بكون الخوف طريقاً[680] إلى متعلّقه قد عرفت إشكاله. نعم، لقائل أن يقول: يستفاد حكم المقام من رواية زرارة عن أحدهما، قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في

-------------------------

[676] قوله: [يتضرر بموته] بل مطلقاً، فإن دليل: «فيخاف قلته»(1) يشمل المقام. إلاّ أن يقال: لا إطلاق له، فتأمل.

[677] قوله: [ولو لركعة] في صورة دوران الأمر بين الأمرين: الوقت والطهارة المائية، يتعين الأول.

[678] قوله: [لا مانع] وكذا لا مانع من سائر الأدلَّة كروايات المجدور.

[679] قوله: [لإطلاق] ولدليل الضرر، وقد يستدل بالتزاحم بين دليل الوضوء والإسراف فيتخير، لكن قد يقال: إنَّ الصلاة عمود الدين فتكون أهم.

وقد يقال: الموارد مختلفة، وقد يستلزم الوضوء تلف مال عظيم - كحيوان عظيم القيمة - نعلم أنَّ الشارع لا يرضى بتلفه، فتأمل.

[680] قوله: [طريقاً] فيحرز بالخوف ضيق الوقت كالعلم.

ص: 304


1- تهذيب الأحكام 1: 405.

الوقت، فإذا خاف أن يفوته[681] الوقت فليتيمّم وليصلّ»(1)... ولكن رفع اليد عن القاعدة الأوّلية وإحراز[682] بقاء الوقت باستصحاب بقائه مشكل.

لكنّ الظاهر[683] أنّ الحكم المدّعى يستفاد من الحدث، أضف[684]

-------------------------

[681] قوله: [يفوته] الظاهر أنَّه يشمل خوف بعض الوقت، كقولنا: «أخاف أن يفوتني الدرس»، ورواية «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(2) لا توسع في الوقت في المقام - كما سيأتي - فلا تكون حاكمة.

[682] قوله: [وإحراز] أي: رفع اليد عن إحراز بقاء الوقت، فبالاستصحاب نحرز أنَّ الوقت باقٍ، وهذا استصحاب استقبالي.

[683] قوله: [الظاهر] فالاستصحاب محكوم بالدليل الاجتهادي، وهو: «فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلَِّ»(3).

[684] قوله: [أضف] هذا هو الدليل الثالث لجواز التيمم في حال حصول الخوف من استعمال الماء، فالأدلّة في المقام ثلاثة:

الأول: الخوف طريق عقلائي إلى متعلقه.

الثاني: رواية زرارة(4) عن أحدهما (عليهما السلام) .

ص: 305


1- الكافي 3: 63.
2- وسائل الشيعة 4: 218.
3- وسائل الشيعة 3: 341.
4- وهي: عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل». وسائل الشيعة3: 341، ح1.

فلو كان لو توضّأ أدرك ركعة من الصلاة في الوقت تعيّن الوضوء(*)[685].

إلى ما ذكر أنّ التحفّظ على الصلوات واجب بمقتضى الآية الشريفة... ويرد عليه: أنّه مع اعتبار الاستصحاب وحجّيته لا يكون الوضوء مخالفاً[686] للتحفّظ.

(*) الظاهر - واللّه العالم - أنّ ما أفاده (قدس سره) مبنيّ على قاعدة: »من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت« لاحظ ما رواه عمّار[687] بن موسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »فإن

-------------------------

الثالث: مقتضى المحافظة على الصلاة سقوط الطهارة المائية - حين خوف فوت الوقت - والانتقال إلى الطهارة الترابية.

[685] قوله: [مخالفاً] فإنَّه محافظة على الصلاة لكن بالعلم التعبدي، ولا فرق بينه وبين الوجداني.

[686] قوله: [تعيّن الوضوء] لو استلزم الوضوء وقوع جزء من الصلاة خارج الوقت يتعين التيمم. نعم، لو تساوى الزمانان أو كان زمان التيمم أطول يتعين الوضوء.

[687] قوله: [عمار] هذه الرواية(1) التي جعلها المصنف العمدة لا تدل مطلقاً، ولو لم تكن الرواية لقلنا بمقتضاها؛ إذ ما يستفاد منها: أنَّ خروج الوقت لا يبطل الصلاة، بل عليه أن يكمل صلاته، وصلاته صحيحة، ولا

ص: 306


1- التي تقدمت في المتن.

صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت صلاته«(1)، فإنّه مقتضٍ للتوسعة في الوقت عند الضرورة، وعليه يلزم على المكلّف الوضوء[688]؛ لأنّ مقتضى التنزيل المستفاد من القاعدة أنّ إدراك ركعة من الوقت في حكم إدراك تمامه...

أمّا الإجماع ففيه ما لا يخفى[689]، فإنّ المحتمل، بل المقطوع أنّ مدرك المجمعين الأخبار الواردة في المقام... وأمّا الروايات فهي على قسمين[690]: قسم منها مروي عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... وقسم منها مروي عن الأئمة (عليهم السلام) .

والمعتبر[691] من هذه الروايات حديث عمّار فقط،

-------------------------

يستفاد منها التوسعة في الوقت، وأما سائر الروايات فهي كذلك، خاصَّة وأنَّ المشهور اختلفوا في استفادة الإطلاق منها.

[688] قوله: [الوضوء] إذن لا يخاف من فوت الوقت، لأن إدراك ركعة من الوقت في حكم إدراك الوقت كلَّه.

[689] قوله: [لا يخفى] سبق أنَّ الاحتمال، بل القطع لا يضر.

[690] قوله: [قسمين] التقسيم لا أثر له ما دام الكل نوراً واحداً، ولا بد في التقسيم من أثر.

[691] قوله: [والمعتبر] سائر الروايات مجبورة بالشهرة، بل الإجماع المحكي، وأمَّا رواية(2) عمّار فلا دلالة لها كما سبق.

ص: 307


1- الاستبصار 1: 276.
2- انظر: وسائل الشيعة4: 217، ح3، وهي: عن عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) - في حديث - قال: «فإن صلى من الغداة ركعة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته».

فلا وجه للتعدّي[692]...

وأمّا الجهة الثانية: فربّما يقال إنّ القاعدة ظاهرة[693] في أنّه لو فات ولم يبق منه إلاّ مقدار ركعة يكون ذلك المقدار بجعل الشارع في حكم الوقت التامّ... ولكن لنا أن نقول: مقتضى إطلاق القاعدة وإن كان جواز التأخير ولو عمداً، لكن خرج منها بحكم الضرورة صورة العمد، وبقي الباقي والتأخير في المقام لا يكون عمدياً[694]... إلاّ أن يقال[695]: إنّ غاية الأمر عدم تقديم الطهارة الترابية، وأمّا تأخّرها عن المائية بمقتضى القاعدة فلا وجه له.

-------------------------

[692] قوله: [للتعدي] بل هي في صلاة الغداة فقط، وفيه: أنَّ العرف لا يفهم الخصوصية، بل يفهم عدم الخصوصية، ولذا فهم الفقهاء العموم، وقد استدل المصنف كراراً - ظاهراً - بمثل ذلك(1).

[693] قوله: [ظاهرة] الظاهر أنَّ الظهور مسلم، ولا أقل من كونه القدر المتيقن.

[694] قوله: [عمدياً] أي: أنَّ القدر الخارج بالضرورة هو التأخير العمدي، ومعناه: أو القدر المتيقن منه هو التأخير لا لعذر شرعي.

[695] قوله: [إلاّ أن يقال] أي: أنَّ الشارع حكم ببدلين:

1- بدلية ركعة عن الوقت كلّه.

2- بدلية الطهارة الترابية عن المائية.

ولا وجه لتقديم إحداهما على الأُخرى.

ص: 308


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 428.

فعلى مسلك المشهور من إجراء حكم التزاحم[696] في أمثال المقام يقدّم[697] ما يكون أهمّ أو يحتمل الأهمّية... وأمّا على ما سلكناه من أنّ هذه الموارد كلّها من باب التعارض[698] فلا بدّ من إعمال قواعده...

والحقّ[699] أنّه لا تصل النوبة إلى هذه المقالات؛ إذ المفروض أنّ الشارع أوجب الصلاة مع الطهارة في الوقت...

وصفوة القول: إنّ قاعدة: »من أدرك« لا تقتضي جواز

-------------------------

[696] قوله: [التزاحم] فإنَّ كلاً من الوقت والطهارة المائية فيه ملاك، لكن لا يمكن للمكلف الجمع بين الملاكين.

[697] قوله: [يقدم] ومع عدم إحراز الأهمية ومع عدم احتمالها يتخير. وكذا لو قلنا: إنَّ احتمال الأهمية مجرى البراءة.

[698] قوله: [التعارض] فالدليلان متعارضان، أي: إطلاق (صلِّ داخل الوقت)، وإطلاق (توضأ).

[699] قوله: [والحق] هذا مع غض النظر عن قاعدة «من أدرك»، والمصنف(1) يرى أنَّ القاعدة خاصَّة بصلاة الغداة، فلا يقاس غيرها عليها.

وفيه نظر يظهر مما سبق، وهو: أنه لا فرق عرفاً بين الغداة وغيرها، وأن الأدلَّة المجبورة بالشهرة مطلقة.

ص: 309


1- وهو: عدم الخوف في استعمال الماء من حدوث مرض. انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 425.

المسألة 111: كون الشرط الثامن والسادس من الشرائط العلمية

مسألة 111: هذا الشرط والشرط السادس - أعني إباحة الماء - من الشرائط العلمية لا من الشرائط الوجودية، بمعنى أنّه لو لم يعلم به لم يضرّ[700].

التأخير اختياراً[701]...

وبما ذكرنا ظهر الحال في الجهة الثالثة من تقدّم قاعدة: »بدلية التراب عن الماء« على قاعدة: »من أدرك[702]«.

-------------------------

[700] قوله: [لم يضرّ] في إطلاقه نظر بالنسبة إلى الشرط الثامن(1)، كما في صورة كون الماء مضراً ضرراً بالغاً يحرم تحمله، وكذا في صورة كون الوقت ضيقاً وتوضأ بنية الصلاة على نحو التقييد؛ إذ مع الضرر البالغ يكون الوضوء محرماً ومبغوضاً، ولا تجتمع المبغوضية مع المحبوبية، لكن قد يشكل بأنَّه حكم بلا مبادئ.

وأمّا مع ضيق الوقت، فإن توضأ بنية غاية اُخرى، أو بغاية الصلاة على نحو الداعي فإنَّه يصح، وأمَّا لو توضأ بنية التقييد، فإنَّه لا أمر ناشئ من تلك الصلاة بالوضوء، فما قصد لا أمر به، فتأمل.

[701] قوله: [اختياراً] الظاهر أنَّ مراده في غير صلاة الغداة.

[702] قوله: [من أدرك] والظاهر أنَّ الحديث سيتكرر مرَّة أُخرى في مباحث التيمم، إلاّ أنَّه ذكره هنا إجمالاً.

ص: 310


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 425، و432.

الأمر التاسع: أن لا يكون غسالة الاستنجاء

التاسع: أن لا يكون غسالة الاستنجاء ولو كان هو طاهراً(*)[703].

الأمر العاشر: أن لا يكون مشتبهاً بالنجس

العاشر: أن لا يكون مشتبهاً بالنجس، فلو فرض انحصار الماء في المشتبهين، فإن كان كلّ منهما قليلاً تعيّن التيمّم[704]، وإن كان كلاهما كراً يصحّ[705] أن يتوضّأ بأحدهما ثمّ يطهر بالآخر كلّما أصابه ذلك الماء من جسده ثمّ يتوضّأ به. وكذا لو كان أحدهما كرّاً مع جعله أخيراً في الاستعمال(**).

(*) قد مرّ منّا في بحث ماء الاستنجاء أنّ القاعدة تقتضي صحّة الوضوء به بناء على القول بطهارته فراجع ذلك البحث، لكن الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه[706].

(**) يقع الكلام في هذا المقام من جهات:

-------------------------

[703] قوله: [طاهراً] على الأحوط.

[704] قوله: [تعيّن التيمم] على الأحوط، والأحوط إراقة الماءين أولاً، وكذا فيما يأتي.

ووجهه: أنَّ الأمر وارد في مقام توهم الحظر، فلا يدل على الوجوب، فتأمل.

[705] قوله: [يصح] فيه إشكال، والأحوط الاقتصار على التيمم، وكذا في الفرع التالي(1).

[706] قوله: [تركه] بل لا يترك كما مضى وجهه.

ص: 311


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 432، وهو قوله في المتن: «وكذا لو كان أحدهما كراً مع جعله أخيراً في الاستعمال».

الجهة الأولى: في مقتضى القاعدة الأوّلية مع قطع[707] النظر عن النصّ الخاصّ، فنقول: لو انحصر الماء في المشتبهين فالقاعدة تقتضي أن يتوضّأ ويصلّي، لأنّه واجد للماء ولا مانع عن استعماله، لأنّه يمكنه أن يتوضّأ بأحد الإناءين ويصلّي، ويغسل أعضاء وضوئه بالماء الآخر ويتوضّأ به، ويصلّي ثانياً، فإنّه مبرئ للذمّة قطعاً[708]...

كما أنّه يمكنه أن يتوضّأ بأحدهما ثمّ يغسل مواضع[709] الوضوء بالثاني، ويتوضّأ به ويصلّي، لأنّ الاستعمال الثاني[710] وإن كان موجباً لحصول علمه بنجاسة أعضائه، إمّا بالماء الأوّل وإمّا بالثاني،

-------------------------

[707] قوله: [قطع] وفائدة هذا البحث: أنَّه لو لم يشمل النص الخاص مورداً - كما في الكرّين أو كون أحدهما كراً - نرجع إلى مقتضى القاعدة الأولية.

[708] قوله: [قطعاً] لأنَّ أحدهما وقع مع الطهارة الواقعية الحدثية والخبثية. نعم، قد يشكل الأمر للصلوات القادمة من ناحية الخبث.

لكن يدفع: بأن لا وجوب لها فعلاً.

إلاّ أن يقال: بالوجوب المعلق، أو بحرمة تفويت أغراض المولى، وحينئذٍ يقع التزاحم، وهل يقدم حينئذٍ ما هو الأسبق زماناً؟

[709] قوله: [مواضع الوضوء] وما ترشحت القطرات عليه.

[710] قوله: [الثاني] فهو حين وصول الماء الثاني إلى البدن وقبل الانفصال يعلم بنجاسة أعضائه قطعاً، إمَّا بالماء الأول ولم يأت المطهر بعد، لأنَّ المطهر الانفصال، وإمَّا بالماء الثاني.

ص: 312

ويشكّ في ارتفاعه ومقتضى الاستصحاب بقاؤها، لكن يعلم إجمالاً [711] بكون أعضائه طاهرة في زمان، ومقتضى الاستصحاب بقاؤها...

وربّما يقال كما عن المحقّق الخراساني: بأنّ الماء الثاني في الفرض لو كان قليلاً[712] يشكل الأمر؛ إذ بمجرّد وصول الماء[713] إلى العضو يعلم بالنجاسة... وأمّا الطهارة فلا يجري الأصل فيها؛ لأنّ اتّصال زمان الشكّ باليقين غير معلوم[714].

-------------------------

[711] قوله: [إجمالاً] فهنا استصحاب جزئي للنجاسة، واستصحاب كلَّي للطهارة؛ إذ الأعضاء طاهرة في زمانٍ ما، فيستصحب الطهارة، فيتساقط الاستصحابان وتصل النوبة إلى أصالة الطهارة.

وهنالك طريقة ثالثة: وهي أن يهريق أحدهما ويتوضأ بالآخر.

ورابعة: وهي أن يبني على عدم التعرض لأحدهما ويتوضأ بالآخر(1).

[712] قوله: [قليلاً] أمَّا لو كان كثيراً فلا يقيّن بالنجاسة؛ إذ يحتمل كونه طاهراً، فبمجرد وصول البدن إليه يطهر - على فرض كون الأول نجساً - وحينئذٍ، نعلم بنجاسةٍ ما وطهارةٍ ما، فلا يجري أي واحد من الاستصحابين.

والخلاصة: أنَّه فيما سميناه بالكلَّي لا يجري الاستصحاب مطلقاً.

[713] قوله: [وصول الماء] أي: الثاني، وذلك قبل انفصاله.

[714] قوله: [غير معلوم] إذ يحتمل كون الماء طاهراً، فانفصل زمان اليقين عن زمن الشك - لانفصاله بالنجاسة بالماء الثاني - ويحتمل كون الماء الثاني

ص: 313


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 435.

وقد أجبنا[715] عن هذا الإشكال في بحث الأصول، وقلنا بأنّه لا مانع من جريان الأصل...

إن قلت[716]: سلّمنا ولكن لا مجال لقاعدة الطهارة بعد تساقط

-------------------------

طاهراً فاتصل الزمان، ولا يصدق النقض إلاّ مع الاتصال، أمَّا مع الانفصال فلا يصدق، وأما مع احتمال الانفصال فهو تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

[715] قوله: [وقد أجبنا] كأنَّ صاحب الكفاية(1) جعل استصحاب الطهارة جزئياً، فزمان الطهارة إن كان الماء الأول فانفصل، أو الماء الثاني فاتصل، والمصنف جعله كلياً(2)؛ إذ هنالك طهارةٍ ما في زمانٍ ما، فنلاحظ تلك اللحظة ثم ننتقل لللحظة الثانية فنشك هل ارتفعت الطهارة، فنستصحب وبذلك يكون اتصال الزمانين وجدانياً.

[716] قوله: [إن قلت] انتهى المصنف إلى تساقط الاستصحابين(3) وجريان أصالة الطهارة، ومفاد الإشكال أنَّه في لحظة وصول الماء الثاني إلى أوّل جزء يحصل علم إجمالي إمَّا بنجاسة الملاقى أو غيره، فلا تجري حينئذٍ أصالة الطهارة للعلم الإجمالي.

مثلاً: أوّل لحظة صب الماء على الجبهة، أو وضع الجبهة في الماء يحصل علم إجمالي بنجاسة الجبهة، وكذا أسفل اليد وأعلاها.

ص: 314


1- انظر: كفاية الأصول: 420.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 433.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 433.

الاستصحابين، بلا فرق بين كون الماء الثاني قليلاً وبين كونه كثيراً؛ وذلك لأنّ وصول الماء الثاني إلى أعضاء الوضوء تدريجي[717] لا محالة...

وعليه فبمجرّد وصول الماء إلى أوّل جزء من الأعضاء يحصل العلم الإجمالي بنجاسة حاصلة، إمّا في العضو الملاقي للماء الثاني، وإمّا في العضو الملاقي للماء الأوّل، ومع العلم[718] الإجمالي لا مجال لجريان أصالة الطهارة.

قلت[719]: قد حقّقنا في محلّه من الأصول أن تنجّز العلم الإجمالي دائر مدار تعارض الأصول الجارية في الأطراف...

فعليه هذه الصورة[720] كالصورة السابقة يحصل بها الطهارة

-------------------------

[717] قوله: [تدريجي] فإنَّه حتى لو غمسه في الكر فلا يصل دفعةً، فالأنف يصل إلى الماء أولاً مثلاً، وهكذا في غمس اليد.

[718] قوله: [ومع العلم] وذلك لتعارض الأُصول في أطرافه.

[719] قوله: [قلت] خلاصته: إنَّ التعارض علّة تنجز العلم حدوثاً وبقاءً، فلو ارتفع التعارض لا علم إجمالي ولا تنجز ويجري الأصل، وبعد غسل الأعضاء بتمامها تتحول الشبهة إلى بدوية، ويجري أصل الطهارة. ومقولة «لا تُحيى» لا دليل عليها.

وبعبارة أُخرى: أنَّ ما قلناه هو مقتضى «الضرورات تقدر بقدرها»(1).

[720] قوله: [هذه الصورة] أي: الوضوء ثم الغسل بالماء الثاني ثم الوضوء

ص: 315


1- مستمسك العروة الوثقى 8: 577.

الحدثية والخبثية، بلا فرق في الماء الثاني من حيث القلّة والكثرة.

نعم[721]، لو توضّأ بأحدهما وتوضّأ بالثاني بلا غسل أعضاء الوضوء لا تصحّ الصلاة من جهة أنّه لم يحرز حصول الوضوء الصحيح...

-------------------------

بالماء الثاني، وهنالك صورتان أشرنا إليهما سابقاً وسيأتي بيانهما(1).

[721] قوله: [نعم] أي: لو توضأ وضوءين متتابعين بلا غسل لم يحرز الوضوء؛ لاحتمال كون الأول نجساً، والثاني حيث لاقى الأعضاء المتنجسة تنجس، فلم يصح به الوضوء أيضاً، وصرف هذا الاحتمال كافٍ؛ إذ الطهارة بحاجة إلى إحراز ولا إحراز، وهذا إنَّما يتم في صورتين:

الأولى: اشتراط طهارة الأعضاء، أو القول بانفعال القليل، فلو قلنا: القليل ينفعل فالماء لا يصلح للوضوء به، ولو قلنا: إنَّه لا ينفعل لكن طهارة الأعضاء شرط فأيضاً لا يصح الوضوء.

الثانية: كون الماء الثاني قليلاً، أمَّا لو كان كراً وتوضأ ارتماساً فيقطع بحصول الوضوء؛ إذ الأول إن كان طاهراً فقد حصل الوضوء، والثاني إن كان طاهراً طهر المواضع السابقة، وكان وضوءاً بشرط أن يطهر المواضع أولاً ثم يتوضأ، بناءً على الشرطية حتى في الكر.

وفيه: أنَّه يشكل الأمر في مواضع المسح؛ إذ الأول إن كان نجساً أصبحت مواضع المسح نجسة، والمسح الثاني حيث إنَّه بالقليل ينفعل، فلا إحراز للوضوء الصحيح؛ إذ إنَّه متقوم بإحراز طهارة الماء ولا إحراز، وأصل

ص: 316


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 435.

وانقدح أنّه لا فرق بين الصور[722] من جهة اقتضاء القاعدة، هذا فيما يقدر على الوضوء بأحد النحوين.

وأمّا لو لم يقدر إلاّ على النحو الثالث[723] الموجب[724] لابتلائه بنجاسة البدن، فلا يبعد أنّ مقتضى القاعدة سقوط الوضوء ولزوم التيمّم؛ إذ الموضوع المأخوذ في دليل الوضوء هو الوجدان، والعرف يفهم منه أنّه يشترط في وجوب الوضوء وجود الماء وعدم محذور[725] في استعماله.

وحيث إنّ المفروض أنّ التوضّي يوجب تنجّس بدنه يسقط وجوبه [726]، مضافاً إلى أنّه

-------------------------

الطهارة لا يجري في أطراف العلم الإجمالي.

[722] قوله: [الصور] ففي كلها يستطيع الوضوء - على مقتضى القاعدة - بأحد النحوين.

[723] قوله: [الثالث] أي: يأتي بوضوءين متتابعين بلا تخلل غسل تطهيري.

[724] قوله: [الموجب] بل لا يحرز الوضوء حتى لو كان الثاني كراً.

[725] قوله: [محذور] بدليل ذكر المرض في الآية الكريمة(1).

[726] قوله: [يسقط وجوبه] ما الدليل على ذلك؟ بل هو من التزاحم بين الطهارة الحدثية والخبثية.

ص: 317


1- النساء: 43، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً}.

لا يمكنه إحراز[727] صحّة الوضوء فلا يقدر عليه، ومقتضى الملازمة بين سقوط الوضوء ووجوب التيمّم أن يتيمّم، إلاّ أن يستشكل[728] في أصل المبنى...

أضف[729] إلى ذلك أنّه يمكنه أن يهريق أحد الإناءين ويتوضّأ

-------------------------

وقد ذكر المصنف: أنَّه لا دليل على مقولة «لو دار بين رفع الحدث أو الخبث» قدم الأول(1).

[727] قوله: [إحراز] لكنه يحتمل واقعاً حصول الوضوء؛ إذ يحتمل كون الأول طاهراً، فيدور الأمر بين طهارة حدثية احتمالية وطهارة خبثية قطعية، فأيهما المقدم؟

[728] قوله: [يستشكل] إن أراد أنَّه يقدر في الصورة الثالثة(2)، ففيه: أنَّه يحتمل القدرة.

وإن أراد أنَّه يقدر في الصورتين الأوليين، ففيه: أنَّه خروج عن محل البحث.

[729] قوله: [أضف] هذا وما بعده مبني على رأي المصنف.

وقد يشكل بأنَّه إن كان سائغاً فلِمَ قالت الرواية: «يهريقهما»(3)؟ أي مع وجود طريق صحيح للوضوء لِمَ لجأت الرواية إلى البدل وهو التيمم!

ص: 318


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 727.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 435.
3- وسائل الشيعة 1: 155.

بالآخر؛ إذ قد ذكرنا في محلّه أنّ تنجّز العلم الإجمالي يتوقّف على تعارض الأصول، ومع إهراق[730] أحدهما لا تعارض...

فإنّ مقتضى هذه الطائفة جواز التيمّم مع وجدان الماء، ومن الظاهر أنّها تخصّص[731] دليل الوضوء... لكن حيث إنّ المقام مورد توهّم الحظر لا ينعقد[732] للقضية إلاّ جواز التيمّم، فيجوز للمكلّف أن

-------------------------

وقد يجاب: بأنَّ الأمر بالإهراق للجواز لا للوجوب - كما سيأتي - والتجويز لعله لكراهة النفوس مثل ذلك - أي الوضوء بماء محتمل أنَّه وقعت فيه فأرة مثلاً - فرفع الشارع يده عن الوجوب، وخيّر بين الأمرين، كما في موارد الأضرار غير الخطيرة التي يتخير المكلف فيها بين الوضوء والتيمم، فتأمل.

[730] قوله: [إهراق] إذا أهرقه في مكان ليس محلاً لابتلائه مثلاً، أمَّا لو أهرقه في مكان محل ابتلائه كان تعارض الأصول قائماً.

[731] قوله: [تخصص] أي: مع أنَّه واجد للماء واقعاً لا يجب عليه الوضوء، ويحق له التيمم.

[732] قوله: [لا ينعقد] فيه نظر، بل الظاهر عرفاً الوجوب، والعرف متحير في المقام، لا أنَّ هنالك حظراً مسلماً حتى لا يدل على الوجوب.

والخلاصة: أنَّه تارةً يرى العرف الحظر فالأمر لا يدل على الوجوب، مثل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ}(1)، وأخرى يتحيّر العرف ماذا يفعل؟ وهنا

ص: 319


1- المائدة: 2.

يتيمّم ويجوز له أن يتوضّأ لكن بأحد النحوين المتقدّمين[733] بحيث يحرز كلتا الطهارتين.

وأمّا التوضّي بالنحو الثالث[734] الذي يوجب عدم إحراز الطهارة الحدثية، بل يوجب ابتلاءه بالنجاسة الخبثية فلا دليل على جوازه.

الجهة الثالثة: في أنّه هل يمكن التعدّي عن مورد الرواية والالتزام بترك الوضوء وجواز التيمّم حتّى فيما كان الماءان كثيرين أو أحدهما كثيراً والآخر قليلاً، كما أفاده في المتن أو يلزم الاقتصار على مورد الرواية، الظاهر هو الثاني[735]، فإنّ التيمّم - كما ذكرنا - خلاف القاعدة للقدرة[736] على الوضوء...

-------------------------

الأمر يدل على الوجوب، خاصة لو ضم إلى ذلك فهم الفقهاء، فتأمل.

[733] قوله: [المتقدمين] وأضاف المصنف لهما نحوين آخرين: الإراقة. والبناء.

لكن مضى الإشكال في النحو الأول من حيث الصلوات القادمة، فراجع(1).

[734] قوله: [الثالث] أي: وضوءين بلا تخلل تطهير خبثي.

[735] قوله: [الثاني] فيه نظر عرفاً؛ إذ لا فرق بين القليل والكرّ، ولاحظ فهم الفقهاء.

[736] قوله: [للقدرة] بأحد الأنحاء الأربعة(2) .

ص: 320


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 310.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 436.

وكذلك فيما يكون أحدهما كثيراً، فإنّ التطهير بالكثير - كما هو ظاهر - يحتمل[737] قوياً أنّ الشارع رفع اليد عن وجوب الوضوء في مورد المشقّة...

مضافاً إلى أنّ فرض الانفعال مع كون الماء كثيراً لا يكون إلاّ مع تغيّر[738] الماء بالنجاسة إلاّ في صورة[739] اجتماعه من القليل النجس.

الجهة الرابعة: في أنّه لو أراد التيمّم هل يجب عليه إهراق الماءين أو لا يجب؟ ظاهر الرواية هو الأوّل، واحتمال أن يكون الوجه في الأمر بالإراقة للإرشاد إلى عدم منفعة[740] في الماءين لا من جهة الشرب ولا من جهة استعماله في الطهارة...

-------------------------

[737] قوله: [يحتمل] الظاهر أنَّ العرف لا يلتفت إلى مثل ذلك، ويرى القليل والكثير من وادٍ واحد.

[738] قوله: [مع تغير] لم يفرض التغير في الروايتين(1)، بل قيل بصرف الوقوع.

[739] قوله: [صورة] بناءً على أنَّ المتمم كراً نجس، وأنَّ الكرّية دافعة لا رافعة.

[740] قوله: [منفعة] مثل الأمر بإراقة الدهن المتنجس، أو إلقاء الدرهم المغشوش في البالوعة.

ص: 321


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 155.

ولا يترك[741] الاحتياط بضمّ التيمّم إلى الوضوء في الصورتين(*).

الأمر الحادي عشر: طهارة مواضع الوضوء

الحادي عشر: طهارة مواضع الوضوء، بل لو أجرى الماء على المحلّ بقصد التطهير والوضوء لم يصحّ(**)[742].

(*) لاحتمال[743] تعيّن التيمّم.

(**)... وهذه الروايات واردة في غسل الجنابة ولا وجه للتعدّي[744] منها إلى الوضوء، ومقتضاها وجوب تطهير جميع

-------------------------

[741] قوله: [ولا يترك] سبق أنَّ المتعين - احتياطاً - التيمم، ولا مبرر للعدول عن ظاهر الرواية(1) من الأمر بإهراق الماءين والتيمم.

[742] قوله: [لم يصح] على الأحوط في القليل، وأمَّا في الكثير فالأقوى الصحّة.

[743] قوله: [لاحتمال] لما ذكرنا من ظاهر الرواية(2) بضميمة عدم فهم العرف الفرق بين القليل وغيره.

[744] قوله: [للتعدي] الظاهر أنَّ العرف لا يفهم خصوصية لغسل الجنابة، ويؤيده فهم الفقهاء، فالأولى الجواب: بأنَّ الرواية(3) - ظاهراً - في

ص: 322


1- وهي: «وعن رجل معه إناء ان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره؟ قال: يهريقهما جميعا ويتيمم». الكافي3: 10، ح6.
2- المصدر نفسه.
3- انظر: وسائل الشيعة 2: 230، ح7 ، وهي: عن حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن غسل الجنابة؟ فقال: أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها، ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثم اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل».

الأعضاء قبل الغسل، والقائلون بهذا الشرط مختلفون[745] في وجوب طهارة جميع الأعضاء قبل الوضوء، ووجوب طهارة كلّ عضو قبل غسله...

ومنها: أصالة عدم التداخل في المسبّب... ويرد[746] عليه: إنّا لا نسلّم هذا الأصل بنحو الإطلاق، فإنّه لو كان بين العنوانين عموماً من وجه[747] من حيث التحقّق الخارجي، فلا مانع من الالتزام

-------------------------

القليل ولا تشمل الكثير.

[745] قوله: [مختلفون] ظاهر الرواية(1) يؤيد الأول(2)، فتأمل.

[746] قوله: [ويرد] ويمكن الجواب: بأنّه عُلم أنَّ المطلوب في الخبثية زوالها بأية نيةٍ كانت أو بلا نية، فلو نوى الوضوء تحقق ما نوى وزال الخبث قهراً.

والخلاصة: أنَّ باب إزالة الأخباث مستثنى من قانون عدم التداخل، فتأمل.

[747] قوله: [من وجه] إنَّما ذكره لأنَّه محل الكلام في المقام، فإنَّ (طهر الخبث) و (طهر الحدث) بينهما عموم من وجه، ويسري نظير الكلام - ظاهراً - في العموم المطلق لو أتى بالأخص مطلقاً، كما لو قال: (أكرم هاشمياً) وقال: (أكرم حسينياً) مثلاً.

ص: 323


1- المصدر نفسه.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 438.

بالتداخل، فلو أمر المولى بإكرام الهاشمي في دليل، وأمر بإكرام العالم في دليل أخر، فأكرم المكلّف عالماً هاشمياً يتحقّق الامتثال، فإنّه مقتضى الإطلاق[748]...

ومنها: أنّ ماء الوضوء لا بدّ أن يقع على محلّ طاهر، وإلاّ لأجزأ الغسل مع بقاء عين النجاسة، وفساد[749] هذا الدليل بوضوح من المكان؛ لأنه مصادرة واضحة.

ومنها: أنّ الماء ينفعل بملاقاة العضو فلا يتحقّق به الطهارة الحدثية؛ لأنّه يشترط الطهارة في ماء الوضوء. ولا يخفى أنّ هذا الدليل يتمّ على القول بانفعال الغسالة وكون[750] المتنجس منجساً... وأمّا في غير هذا الفرض، كما لو فرض النجاسة في العضو الأخير[751] فلا يتوجّه هذا الإشكال كما هو ظاهر...

-------------------------

[748] قوله: [الإطلاق] ولو شك فمقتضى البراءة عدم اللزوم؛ إذ إنَّه شك في التكليف، فتأمل.

ولعل المراد أنَّه أراد إكرام هاشمي ولو في ضمن عالم أتى بإكرامه، وأراد إكرام عالم ولو في ضمن ذلك الهاشمي، فتأمل.

[749] قوله: [وفساد] ويمكن الجواب: بأنَّه لا مانع من الالتزام بذلك لو فرض وصول الماء إلى البشرة، ولم يكن هنالك محذور خارجي، كما لو وضع يده التي عليها عين النجاسة في الكر، ولعل هذا هو مراد المصنف.

[750] قوله: [بانفعال الغسالة وكون] كأنّهما شيء واحد في المقام، فتأمل.

[751] قوله: [الأخير] أي: آخر العضو. وفيه نظر؛ لأنَّه بمجرد الملاقاة ينفعل فوراً، فلا يصلح للتطهير الحدثي.

ص: 324

الأمر الثاني عشر: إباحة مكان الوضوء

الثاني عشر: إباحة مكان الوضوء بمعنى عدم غصبيته، وهذا الشرط علمي أيضاً، فلو علم بالغصب وتوضّأ فيه بطل الوضوء(*).

(*)... نعم، مع السهو والغفلة يكون الحكم الواقعي ساقطاً[752]. لكن حيث إنّه يستفاد من حديث الرفع بقاء الملاك الملزم، والملاك يستلزم المبغوضية، فلا مجال للالتزام بالصحّة؛ للزوم اجتماع الحبّ والبغض، والتسليم[753] ببقاء الملاك والالتزام بالصحّة، بدعوى أنّ الملاك غير المؤثّر في تعلّق النهي لا يكون مؤثّراً في المبغوضية لا مجال له، فإنّ الملاك لو لم يكن تامّاً[754] في ظرف السهو والغفلة فلا وجه

-------------------------

والخلاصة: أنَّ لحظة الانفعال توجد مع لحظة الوضوء، فيكون في لحظة الوضوء منفعلاً لا طاهراً، وقد اشترطنا الطهارة في ماء الوضوء.

نعم، لو قيل: إنَّه بالانفصال ينفعل تم هذا التفصيل. ولعل وجهه: أنَّه لو قيل بالملاقاة ينفعل، فلم يطهر الماء القليل شيئاً أبداً.

[752] قوله: [ساقطاً] شرعاً، لأدلَّة الرفع(1)، وعقلاً على مبنى المصنف(2).

[753] قوله: [والتسليم] مبتدأ خبره لا مجال.

[754] قوله: [تاماً] فيه نظر، فإنَّه لو كان تاماً لأثر في النهي؛ إذ يستحيل تخلف ما هو كالعلة عن ما هو كالمعلول، فالأولى تبديل «الملاك» إلى «المقتضي» الذي قد يمنع عن مقتضاه مانع، وحينئذٍ قد يشكل بأنَّ صرف

ص: 325


1- انظر: الكافي 2: 462، ح1.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 439.

أمّا لو جهل الغصب أو سها عنه أو نسيه[755]وتوضّأ ثم تذكر بعد الوضوء لم يبطل، وإن لزمه أجرة المثل للمالك[756] إن كان له أُجرة في العرف.

لكون الرفع امتناناً، وإن كان تامّاً يكون الفعل مبغوضاً قهراً، فلا يمكن أن يكون محبوباً؛ لاستحالة اجتماع الضدّين، ولكن قد تقدّم[757] منّا عدم تمامية التقريب المذكور...

-------------------------

المقتضي لا يقتضي المبغوضية، فتأمل.

[755] قوله: [أو نسيه] ما الفرق في المقام بين السهو والنسيان؟

لعله لأن السهو زوال الصورة كلياً، والنسيان زوالها جزئياً مع التذكر بعدئذ، فتأمل.

[756] قوله: [للمالك] على الأحوط.

[757] قوله: [قد تقدم] أولاً: عدم الأمر بالتحفظ.

ثانياً: الملاك غير المؤثر في تعلق النهي لا يكون مؤثراً في المبغوضية.

ثالثاً: لا حب ولا بغض للمولى.

رابعاً: الحكم الواقعي حكم بلا مبادئ.

وفي الثالث نظر، إذ: أولاً: ذكر السيد الوالد (رحمه اللّه) في الوصول(1): أنَّ له حباً وبغضاً. وثانياً: ينقدح الحب والبغض في النفس النبوية أو الولوية - ما يمكن انقداحهما فيه - كما أجاب به صاحب الكفاية(2).

ص: 326


1- انظر: الوصول إلى كفاية الأصول 2: 328.
2- انظر: كفاية الأصول: 278.

الأمر الثالث عشر: إباحة مصبّ ماء الوضوء

الثالث عشر: إباحة مصبّ ماء الوضوء[758] فيما لو كان المصبّ منحصراً(*)[759]،

وصفوة القول أنّ المولى لو كان محبّاً ومشتاقاً[760] إلى تحقّق الفعل في الخارج يقتضي أن يأمر بالتحفظ عن الوقوع في الغفلة...

(*) إذ مع فرض الانحصار لا يقدر المكلف أن يترك الغصب ومع ذلك يجب أن يصلّي، وحيث إنَّ الموضوع لوجوب الوضوء الوجدان،

-------------------------

[758] قوله: [إباحة مصب ماء الوضوء] لو نوى الوضوء بالمسح لا بالصب صحَّ الوضوء على نحو الترتب، وإن كان آثماً بالصب.

وهذا مبني على الترتب وعلى الشرط المتأخر، فإنَّه بعد غسل الوجه على هذا النحو ينهاه المولى عن صبِّ الماء على اليد، لكن يقول: إن صببت على اليدين - على نحو الشرط المتأخر - فانوِ الوضوء في الوجه بالمسح، وكذا في اليدين، فتأمل.

[759] قوله: [منحصراً] فإنَّه ملازم للتصرف أو هو بنفسه تصرف، أمّا لو لم يكن منحصراً فالبطلان منوطٌ بكونه تصرفاً أو علة للتصرف.

ومنه يتضح أنَّ الملاك كونه تصرفاً أو علة له، والانحصار لا دخل له في الموضوع، وإنما ذكره باعتبار أنَّه مصداق لهما دائماً.

[760] قوله: [ومشتاقاً] ونظيره ما ذكروه في بحث «العنوان والمحصل»(1) فراجع.

ص: 327


1- انظر: منتهى الأصول 2: 262 - 228.

أو كان الوضوء علّة للتصرّف فيه(*)، أو كان تصرّفاً فيه عرفاً، فمع عدم الانحصار وعدم كون الوضوء تصرفاً أو علة للتصرف فيه يصح الوضوء(**)...

المسألة 112: لو كان محلّ المتوضّي مغصوباً وهواؤه مباحاً

مسألة 112: لو كان محلّ المتوضّي غصبياً، وهواؤه مباحاً كما لو كان على سقف أو سرير غصبي، فإن كان وضوؤه عليه يعدّ تصرفاً فيه أو علّة للتصرف فيه لم يصحّ، وإلا صحّ ولو مع الانحصار، كالوضوء في النعل الغصبي(***).

ومقتضاه بحسب الفهم العرفي عدم محظور في استعمال الماء، فيسقط [761] وجوب الوضوء وتصل النوبة إلى التيمم.

(*) هذا مبني[762]على مقدمة الحرام، وأمّا على تقدير إنكارها - كما هو القوي في النظر - فلا وجه لما أفاده (قدس سره) .

(**) أمّا على تقدير كونه تصرفاً ومصداقاً للحرام فما أفاده مقتضى القاعدة، وأمّا لو كان علّة له ففيه إشكال[763] يظهر من سابقه.

(***) لو كان المراد من العبارة ما ظاهره، وهو صحة الوضوء حتى في فرض الانحصار من حيث مكان المتوضّي، فمع أنه

-------------------------

[761] قوله: [فيسقط] أمَّا على نحو الترتب والشرط المتأخر فقد سبق بيانه.

[762] قوله: [مبني] فيه نظر، فإنَّ مقدمة المبغوض لا يعقل أن تكون محبوبة، وإن فرض عدم تعلق نهي بها.

[763] قوله: [إشكال] سبق أنَّه لا إشكال فيه.

ص: 328

المسألة 113: الغسل في الحمّام المغصوب

مسألة 113: الغسل في الحمّام الغصبي باطل ولو مع إباحة مائه. نعم، لو أخذ الماء المباح من المكان الغصبي حمّاماً كان أو غيره فتوضّأ أو اغتسل به في مكان مباح صحّ الوضوء والغسل، وإن عصى بالتصرّف في الغصب(*).

مناقض[764] لما أفاده في الشرط الثالث عشر، لا يمكن تسلّمه لما مرّ من أنّه لا يمكن الجمع[765] بين الامتثالين، فيلزم سقوط أحدهما، إلاّ أن يلتزم بالصحّة بالترتّب[766]...

(*) هذا مبني[767] على حرمة المقدمة، وقد مرّ منعها...

-------------------------

[764] قوله: [مناقض] لا مناقضة؛ إذ إنَّه هنالك إنما ذكر الانحصار باعتبار أنَّه مصداق دائماً للتصرف أو علة له، وأمَّا هنا فكونه مع الانحصار كذلك مشكوك، بل معلوم العدم، كما في الوضوء في النعل الغصبي، فإنَّ الحركات الوضوئية لا تعد - عرفاً - تصرفاً في النعل، ولا مقدمة للتصرف.

[765] قوله: [الجمع] لا ارتباط بين الامتثالين، بل كل منهما أجنبي عن الآخر.

[766] قوله: [بالترتب] لا ربط له بالمقام مطلقاً.

[767] قوله: [مبني] لا يبتني على ذلك، بل نفس الحركات الوضوئية تصرف في الفضاء المغصوب، إلاّ أن يريد: أنَّه لا يعد التصرف في الهواء تصرفاً عرفاً في المغصوب، وحينئذٍ يبتني على المقدمية باعتبار مصب الماء.

ص: 329

المسألة 114: فاقد الطهورين

مسألة 114: فاقد الطهورين: وهو من لم يتمكن من الطهارة المائية ولا الترابية ولو لمانع شرعي، الأحوط له أن يأتي بالصلاة في الوقت كذلك(*)[768].

(*)... ومقتضى إطلاقه سقوط وجوب الصلاة عند تعذّرها؛ لأنه لو بقي[769] الشرط على حاله يلزم سقوط التكليف لعدم القدرة عليها...

وإمّا ما ورد في المستحاضة عن زرارة قال: »قلت له: النفساء متى تصلّي: فقال: تقعد بقدر حيضها وتستظهر[770] بيومين، فإن انقطع الدم وإلاّ اغتسلت[771] واحتشت واستثفرت وصلّت، فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ثمّ صلّت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وإن لم يجز الدم الكرسف

-------------------------

[768] قوله: [كذلك] والأحوط أن يأتي بصورة التيمم على ما أمكن.

[769] قوله: [لو بقي] فإن قال المولى: (صلِّ مع الطهور) كان تكليفاً بغير المقدور، وإن قال: (صلِّ بلا طهور) كان خلاف مقتضى إطلاق «لا صلاة إلاّ بطهور»(1).

[770] قوله: [وتستظهر] الظاهر أنَّ المراد ترك العبادة.

[771] قوله: [اغتسلت] فإنَّها مستحاضة. نعم، لو انقطع على العشرة بان أنَّ الجميع نفاس.

ص: 330


1- الاستبصار 1: 55.

صلّت بغسل واحد[772]«(1)...

أمّا قاعدة الميسور فقد ذكرنا في محلّه أنّ الروايات المستفادة منها هذه القاعدة مخدوشة[773] سنداً ودلالة. وأمّا ما ورد في المستحاضة فيرد عليه[774] أولاً: أنّه لا يستفاد منه الحكم الكلّي حتى بالنسبة إلى النفساء فكيف بغيرها، فإنّه لا يبعد أن يستظهر من تلك الرواية أنّ النفساء[775] لا تدع الصلاة في هذه الحالات الطارئة عليها...

وثالثاً: لو أغمض عن جميع ذلك، فإنّ انطباق القاعدة يتوقّف على صدق[776] الحقيقة الصلاتية، وأمّا مع فقدها وانعدامها فلا مجال لهذا الكلام...

-------------------------

[772] قوله: [بغسل واحد] هذا مطلق خرج منه الاستحاضة القليلة بالدليل الخارجي.

[773] قوله: [مخدوشة] لكنَّها مجبورة بالعمل.

[774] قوله: [فيرد عليه] كل هذه المناقشات مردودة بما سيذكره المصنف آخراً(2).

[775] قوله: [النفساء] والحائض كما في ذيل الرواية(3).

[776] قوله: [صدق] لأنَّه موضوعها.

ص: 331


1- الكافي 3: 99.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 443.
3- انظر: وسائل الشيعة2: 373، ح5 عند قوله: «فإن انقطع عنها الدم وإلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء، ثم تصلي ولا تدع الصلاة على حال».

ثم يقضي مع الطهارة لزوماً(*)[777].

لكنّ الإنصاف[778] أنّ المستفاد من التعليل أنّه يجب الإتيان بأيّ مقدار ممكن، والمفروض إمكان الإتيان بها بهذا النحو فيجب.

(*) لزوم القضاء بعد زوال العذر هو المشهور بين المتأخرين، كما في الحدائق، واستندوا في هذا الحكم إلى أدلّة القضاء الواردة في الموارد الخاصّة، بدعوى أنّه يفهم[779] من مجموع أدلّتها أنّه لو ترك الصلاة في الوقت يجب قضاؤها في خارجه، إلاّ أن يدلّ دليل على عدمه، كما دلّ الدليل بالنسبة إلى الحائض، بل في أدلّة القضاء ما يكون بإطلاقه[780] شاملاً للمقام. لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء، وكان عليك قضاء صلوات[781] فابدأ بأوّلهن فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها، ثمّ

-------------------------

[777] قوله: [لزوماً] لا لزوم له. نعم، لا ينبغي تركه؛ لأنَّه أتى بوظيفة فلم يَفُتْه شيء.

[778] قوله: [الإنصاف] هذا هو الظاهر بقرينة التعليل، وإلاّ لَوَرد مثل ذلك في جميع الروايات المعلّلة، فتأمل.

[779] قوله: [يفهم] قد يقال: إنَّه قياس.

[780] قوله: [بإطلاقه] فيه نظر؛ فإنَّ ظاهر: «إذا نسيت صلاة»(1) أي مفروضة.

[781] قوله: [قضاء صلوات] لا يتكفل موضوعه، والوقت في المقام أول الكلام، بل لا فوت؛ إذ لا فرض.

ص: 332


1- وسائل الشيعة 4: 290.

صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة«(1)...

فظهر أنّ مقتضى القاعدة سقوط الصلاة في الوقت ووجوبها في خارجه.. واستدلّ له بأنّه مقتضى الأصل[782] وأنّ القضاء تابع للأداء، وأنّه مثل الحائض، وأنّ أدلّة القضاء منصرفة عنه لقلّة وجوده. والكلّ كما ترى، فإنّ الأصل يرتفع[783] بالدليل، وتبعية القضاء للأداء بهذا المعنى لا دليل[784] عليها...

وهنا قول بوجوب الأداء بلا طهارة والقضاء في خارجه وقائله غير معلوم، ولا وجه[785] له أصلا. نعم، مقتضى الاحتياط كذلك، ويتصور في المقام قول رابع، وهو ثبوت الإداء وسقوط القضاء، ويستدلّ له بقاعدة الميسور، وبقاعدة عدم سقوط الصلاة على حال، وقد بيّنا عدم تماميّتها، وإن رجعنا عنه وقلنا: إنّ الحقّ بحسب الصناعة هذا القول[786].

-------------------------

[782] قوله: [الأصل] الظاهر أنَّ مراده أصالة البراءة.

[783] قوله: [يرتفع] بالورود أو الحكومة.

[784] قوله: [لا دليل] الدليل هو : أنَّ الموضوع هو الفوت ولا فوت.

[785] قوله: [ولا وجه] إذ لو أتى بتكليفه فلماذا يقضي؟ وكأنَّ وجهه الاحتياط.

[786] قوله: [القول] وهو الأقرب، لكن يبقى موضوع مخالفة المشهور.

فتحصل أنَّ الأقوال أربعة:

ص: 333


1- الكافي 3: 291.

-------------------------

الأول: سقوط الأداء والقضاء، وهو ما ذهب إليه المحقق(1) وصاحب الحدائق(2).

الثاني: وجوب الأداء والقضاء، ولم يُعلم قائله(3).

الثالث: وجوب الأداء بلا قضاء، وهو قول السيد الوالد (رحمه اللّه) (4) ومال إليه المصنف.

الرابع: وجوب القضاء بلا أداء، وهو القول المشهور بين المتأخرين(5).

ص: 334


1- انظر: شرائع الإسلام 1: 91.
2- انظر: الحدائق الناضرة 4: 317 و 318.
3- انظر: الحدائق الناضرة 4: 317.
4- انظر: الفقه11: 380، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 445.
5- انظر: الحدائق الناضرة 4: 317 و 318.

فصل: في حكم صاحب الجبيرة

اشارة

والمراد بها هنا الألواح والخيوط التي يشدّ بها الكسر والخرق، والأدوية[787] التي توضع على الجروح[788] والدماميل[789].

-------------------------

[787] قوله: [والأدوية] ونحوها، كالجبس الذي يبنى على الكسور، فإنه مشمول لقوله (عليه السلام) : «لحال الجبر إذا جبر»(1).

[788] قوله: [الجروح] العناوين الواردة في الروايات المذكورة هنا:

أولاً: «ينكسر ساعده»(2).

ثانياً: «القرحة»(3).

ثالثاً: «الجرح»(4).

رابعاً: «الدواء»(5) لكن هذه الرواية ضعيفة(6).

[789] قوله: [والدماميل] ونحوها، فيشمل محل المرض الذي يوضع

ص: 335


1- وسائل الشيعة 1: 465.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة 1: 463.
4- المصدر نفسه.
5- وسائل الشيعة 1: 465، ح 9.
6- حيث ضعفها الشارح بقوله: «لكن حديث الوشاء لا اعتبار به سنداً». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 452.

فصاحب الجبيرة إن تمكن[790] من غسل العضو، ولو بغمسه في الماء أو تكرار الصبّ عليه، أو استمراره حتّى يصل إليه على وجه يصدق عليه الغسل في العرف وجب عليه ذلك(*)، وإن لم يتمكن[791]

(*) كما تقتضيه القاعدة الأولية، وليس في نصوص[792]

-------------------------

عليه دواء، وإن لم يكن جرحاً ولا قرحاً ولا كسراً، وذلك لإطلاق الرواية الأخيرة(1)، لكنَّها ضعيفة كما سبق(2)، فالدليل قاعدة الميسور - كما سيأتي - والمناط على تأمل.

[790] قوله: [إن تمكن] بلا ضرورة ولا عسر ولا حرج.

[791] قوله: [لم يتمكن] ولم يتمكن من المسح على البشرة، وإلاّ كان متعيناً على الأحوط، وإن احتاط الماتن بالجمع وارتأى الشارح المسح على نفس الجبيرة(3).

فالمراحل هي: أولاً: الغسل. ثانياً: مسح البشرة. ثالثاً: مسح الجبيرة.

[792] قوله: [نصوص] وبعض النصوص المطلقة(4) لا إطلاق له، أو القدر

ص: 336


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 465، ح9، وهي: عن الحسن بن علي الوشاء قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح على طلي الدواء؟ فقال : نعم يجزيه أن يمسح عليه».
2- حيث ضعفها الشارح بقوله: «لكن حديث الوشاء لا اعتبار به سنداً». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 452.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 449، عند قوله في المتن: «ولكن لا يترك الاحتياط بالجمع بينه وبين مسح الجبيرة».
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 465.

مسح على الجبيرة بالماء(*).

الباب ما يوجب رفع اليد عن مقتضى القاعدة...

(*) اتفاقاً[793] كما في الحدائق، ونقل عن الخلاف والتحرير والمنتهى والتذكرة وغيرها الإجماع عليه. ويشهد له ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ... قال: »وسألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال: اغسل[794] ما حوله«(1)...

-------------------------

المتيقن منها غير ذلك، وعلى فرض الإطلاق فالنص يقيده.

[793] قوله: [اتفاقاً] ولعله يدل عليه (قاعدة الميسور)، ولاحظ رواية عبد الأعلى مولى آل سام(2)، وإن ضعفها المصنف(3) لكن قد يقال: إنَّها مجبورة بالعمل.

[794] قوله: [اغسل] الظاهر عدم وجوب المسح عليه، ولا وضع خرقة عليه، فتأمل.

إلاّ أن يقال: إنَّه لا ينفي ما قيد بالمسح على الخرقة(4).

وفيه: أنَّ التقييد فيما لو كانت جبيرة، أمَّا لو لم تكن فلا يجب إلاّ غسل ما حوله، وبهذا يتم التفصيل بين الجرح المكشوف والمجبور، فتأمل.

ص: 337


1- الكافي 3: 33.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 464.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 454، عند قوله: «لكن الإشكال في سندها، فإنّ عبد الأعلى مولى آل سام لم يوثق».
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 463.

على وجه يصدق عليه أقلّ مسمّى الغسل(*)[795].

(*) جمعاً بين الاحتمالات، فإنه نسب إلى ظاهر الشهيدين التخيير بالغسل والمسح، ووجّه بأن الأمر الوارد في المقام الدال على وجوب المسح حيث إنّه في مقام توهّم الحظر لا يدلّ[796] على تعيّن المسح، فتكون النتيجة التخيير بين الأمرين. لكن هذا البيان يتمّ لو كان هذا الدليل وارداً في موضع يجب غسله، وحيث إنّه وارد في حكم الجبيرة[797] لا وجه لرفع اليد عن مدلول الدليل، فلا مجال للتخيير. واحتمل[798] جماعة - على ما نسب إليهم - أنّ المراد من المسح الوارد في الدليل مجرد إيصال البلل ولو لم يكن بإمرار اليد ليكون مسحاً، ولا بنحو الغلبة والجريان ليكون غسلاً، ووجّه هذا القول بأنّ المستفاد من الأدلة

-------------------------

[795] قوله: [الغسل] غير لازم، بل يكفي المسح، والأحوط وجوباً أن يكون بنحوٍ لا يصدق عليه الغسل.

[796] قوله: [لا يدل] فكأن المولى قال: «لا يجب عليك الغسل، بل يكفي المسح» ومفاد ذلك التخيير.

[797] قوله: [حكم الجبيرة] التي لا يعلم العرف ما حكمها؟

[798] قوله: [واحتمل] الظاهر أنَّ هذا أعم من الأول(1)، فلو أوصل رطوبة قليلة فليست غسلاً ولا مسحاً، لأنَّه لم يمسح يده، لا إمراراً ولا غلبة.

ص: 338


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 447.

وفيما يكون العجز لنجاسة العضو وعدم إمكان تطهيره يحتاط[799]

بمناسبة الارتكاز[800] العرفي لزوم إيصال الماء إلى الجبيرة من دون دخل خصوصية للغسل والمسح...

ونسب إلى جماعة منهم كاشف اللثام لزوم الغسل، فلا يكفي مجرد إيصال الماء، بل لا بدّ من صدق الغسل، ووجّه هذا القول بأنّ الظاهر من الأدلّة بدلية الجبيرة عن البشرة، فكما يجب غسل البشرة يجب غسل الجبيرة، وهذه الدعوى أيضاً لا شاهد[801] لها، بل المستفاد من الأدلة كفاية[802] المسح على الجبيرة بأيّ وجه كان.

والحاصل: أنّ المستفاد من النصوص لزوم المسح، ومقتضاه كفاية المسح ولو لم يصدق الغسل، ولكن الاحتياط[803] يقتضي ما أفاده في المتن.

-------------------------

[799] قوله: [يحتاط] ندباً.

[800] قوله: [الارتكاز] إذ الارتكاز إنَّما يكون فيما يحيط العرف بملاكاته، كأوامر الطبيب أحياناً، لا في مثل المقام.

[801] قوله: [لا شاهد] بل هي اجتهاد في قبال النص(1).

[802] قوله: [كفاية] بل لزوم المسح - كما سيأتي - ولعل مراد المصنف الكفاية بالمعنى الأعم بقرينة ما سيأتي.

[803] قوله: [الاحتياط] كونه احتياطاً متوقف على ملاحظة النسبة بين الغسل والمسح، كما سبق.

ص: 339


1- انظر: وسائل الشيعة1: 463، ح1.

بضمّ التيمّم أيضاً، ولا يلزم حينئذٍ[804] قصد المسح(*).

(*) نقل عن المدارك أنّه لا خلاف فيه، ونقل عن جملة من الأعلام الذهاب إلى هذا القول. والإنصاف أنّ استفادته من نصوص الباب في غاية الإشكال[805]... فالنتيجة تعيّن[806] التيمّم. وعليه لو لم يمكن تطهير المحلّ واشترطنا طهارة المحلّ تصل النوبة إلى التيمم.

-------------------------

[804] قوله: [حينئذٍ] الظاهر أنَّ مراده يعود إلى أصل المسألة لا فرض نجاسة المحل؛ إذ المصنف جمع بين الاحتمالات(1)، فلا يقصد الغسل ولا المسح، بل ما هو في الذمَّة.

[805] قوله: [الإشكال] هو كذلك لأنَّه قياس، لكن يستفاد ذلك من قاعدة الميسور، خاصَّة لو لوحظت رواية مولى آل سام(2)، لكن المصنف ضعفها كما سبق(3)، إلاّ أن يقال: إنَّها مجبورة بالعمل، بل ربما يدّعى أنَّ العرف يلغي الخصوصية، ويرى أنَّ المانع هو كل ما يمنع من وصول الماء، ولاحظ فهم الفقهاء في المقام.

[806] قوله: [تعيَّن] بل تعيَّن الوضوء الجبيري.

ص: 340


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 448.
2- انظر: وسائل الشيعة1: 464، ح5، وهي: عن عبد الاعلى مولى آل سام ، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على أصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عز وجل، قال اللّه تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} امسح عليه».
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 454، عند قوله: «لكن الإشكال في سندها، فإنّ عبد الأعلى مولى آل سام لم يوثق».

كما أنّه لا يقصد[807] عنوان الغسل، بل يقصد ما هو الواجب عليه، وهذا بخلاف[808] مسح الرأس والقدمين ولو على الجبيرة، فإنّه يجب أن يقصد فيهما عنوان المسح، وإن كان يكفي قصد ما في الذمة هنا أيضاً، ولو تمكن من مسح البشرة[809] وجب(*)[810]، ولكن لا يترك الاحتياط[811] حينئذ بالجمع بينه وبين مسح الجبيرة، ويجب مسح جميع الجبيرة[812] وعدم ترك شيء منه مع الإمكان.

(*) قيل في وجهه: إنّه الميسور من الغسل، فلو أمكن وجب بمقتضى

-------------------------

[807] قوله: [يقصد] وله أن يقصد المسح بعنوانه.

[808] قوله: [وهذا بخلاف] في العبارة تشويش، ومراده: أنَّه في مواضع الغسل يجب أن يقصد ما في الذمة، بخلاف مواضع المسح فإنَّه مخير بينه وبين قصد المسح، وكذا التشويش في عبارة الشارح في الهامش الثاني(1)، والمقصود واضح.

[809] قوله: [البشرة] أي: في مواضع الغسل.

[810] قوله: [وجب] على الأحوط، وقد سبق الكلام في ذلك.

[811] قوله: [لا يترك الاحتياط] لا بأس بتركه.

[812] قوله: [الجبيرة] على النحو المتعارف.

ص: 341


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 449، عند قوله: «أي: لا بد من أن يأتي بالمسح قربة إلى اللّه، فإنّ المأمور به ليس دائراً بين الأمرين، بل المأمور به هو المسح».

القاعدة، ويرد عليه أولاً[813]: أنّ القاعدة غير تامة كما ذكرنا مراراً في هذا الشرح، وثانياً: أنّه ينافي ذلك مقتضى النصوص الواردة في المقام، فإنّ مقتضى رواية الحلبي[814] أنّ الماء لو كان يؤذيه يجب المسح على الجبيرة، ولا دليل على أنّه لو كان الغسل مؤذياً يجب مسح البشرة...

-------------------------

[813] قوله: [أولاً] لكنَّها مجبورة بالعمل، ولاحظ رواية مولى آل سام(1)، لكن المصنف ضعفها كما سبق.

[814] قوله: [الحلبي] الرواية(2) مجملة، وقد يقال بالإطلاق بالبيان التالي:

أولاً: إن آذاه الماء فليمسح على الخرقة، وظاهر إطلاقه: إنَّ آذاه غسلاً ومسحاً، إلاّ أن يقال: إنَّه مجمل.

ثانياً: إن لم يؤذه الماء، فظاهر إطلاقه - أي: لا غسلاً ولا مسحاً - فليغسل، إلاّ أن يقال: إنّه مجمل، وتبقى صورة «يؤذيه غسلاً لا مسحاً» خارجة عن الرواية، فتأمل.

والخلاصة: أنَّ بين (يؤذيه) و (لا يؤذيه) واسطة وهي: يؤذيه من وجه ولا يؤذيه من وجه، والرواية غير متناولة له، ولعل السر أنَّه فرض نادر، فتأمل.

وقد نقول: إن الرواية ناظرة إلى إيذاء الغسل وعدم إيذائه فقط، فليست

ص: 342


1- انظر: وسائل الشيعة1: 464.
2- انظر: وسائل الشيعة1: 463، ح2، وهي: عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «أنه سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء، فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ، فقال: إذا كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها».

ولكن لا يترك الاحتياط حينئذٍ بالجمع بينه وبين مسح الجبيرة، ويجب مسح جميع الجبيرة وعدم ترك شي ء منه مع الإمكان كنفس البشرة(*).

(*)... ونقل عن الذكرى بعد تحسينه هذا القول بأنّه يشكل وجوب الاستيعاب، حيث إنّ المسح يصدق ولو بجزء من العضو، ولا يلزم الاستيعاب كما أنّ الأمر كذلك في الرجلين. ويرد عليه: أنّ الجبيرة في المقام بدل[815] عن العضو، فالظاهر من الدليل وجوب مسح كلّ جزء من الجبيرة بدلاً عمّا تحته، ولا يقاس المقام بالرجلين لوجود المقتضي[816] هناك وعدمه هنا.

-------------------------

ناظرة للمسح أبداً، أو نقول: إنّ مقتضى الرواية (إنْ لم يؤذه مطلقاً فليغسل) و(إن آذاه مطلقاً فليمسح على الخرقة) فيبقى محل الكلام خارجاً عن الفرض، أو محل تعارض الشرطيتين، ولعل الأول أظهر، فتأمل.

[815] قوله: [بدل] والبدل في حكم المبدل منه، ويمكن الاستدلال - أيضاً - بأن «فليمسح على الخرقة»(1) ظاهر في الاستيعاب، حيث إنَّ الخرقة يعني: مجموعها، فلا بد من مسح مجموعها، وقولنا: مسح الخرقة عند مسح بعضها تسامح في التعبير، قال الجدّ (رحمه اللّه) : لمكان الاستثناء، راجع بحث التسامحات العرفية في أول المسائل المتجددة.

[816] قوله: [المقتضي] لعل المراد باء التبعيض في الآية الكريمة(2).

ص: 343


1- وسائل الشيعة 1: 463.
2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً...}. المائدة: 6.

نعم، ما لا يمكن مسحه أو يشقّ[817] ممّا بين الخيوط والألواح فالظاهر سقوط مسحه(*)، ولا يجب في محلّ الغسل المسح باليد أو الكفّ، بل يكفي بكلّ ما يحصل به المسح(**).

(*) لانصراف[818] الدليل عن المداقة، مضافاً إلى لزوم الحرج[819] المرفوع في الشريعة ولو أحياناً[820].

(**) لإطلاق[821] الدليل وعدم ما يوجب تقييده.

-------------------------

[817] قوله: [أو يشق] أو لم يكن مسحه متعارفاً.

[818] قوله: [لانصراف] لماذا لم يقولوا بذلك في نفس البشرة، وحملوا الألفاظ على الدقَّة العقلية؟

والأولى الاستدلال بأنَّ الدليل يحمل على المتعارف، ونظيره ما ذكره في أحجار الاستنجاء، ومقدار ما يجب أن يزول بها.

[819] قوله: [الحرج] أو العسر.

[820] قوله: [أحياناً] لكنَّه لا يثبت قاعدة كلَّية؛ إذ الحرج شخصي ويتقدر بقدره، ثم إنَّ الحرج هل يرفع الأحكام الوضعية؟ وهل يثبت الصحَّة؟

[821] قوله: [لإطلاق] ولأنَّ حكم البدل حكم المبدل منه، وفي نفس العضو يكفي المسح بأي شيء.

إن قلت: فلِمَ لَمْ يقولوا بذلك في محل المسح، كالرأس؟ قلت: لعله لدليل: «وتمسح ببلة يمناك ناصيتك»(1) ونحوه مما هو ظاهر في مباشرة

ص: 344


1- الكافي 3: 25.

المسألة 115: لو كان في العضو جرح أو قرح مكشوف

مسألة 115: لو كان في العضو[822] جرح أو قرح مكشوف، فإن تمكّن[823] من غسله وجب، وإلاّ مسح بشرته(*)[824]، ولو لم يتمكنّ من ذلك لتضرّره بالماء أو لنجاسته وعدم إمكان تطهيره وضع[825]

(*) استشكل صاحب الحدائق (قدس سره) في ذلك، وأفاد بأنّه لم أقف على مستند[826] لهذا الحكم وليس في أخبار الباب شاهد له. وقال: إنّ ما علل به من أنّ فيه تحصيلاً لشبه[827] الغسل عند تعذّر

-------------------------

نفس الماسح، فتأمل.

[822] قوله: [العضو] مراده عضو الغسل.

[823] قوله: [تمكن] بلا ضرورة ولا حرج ولا عسر.

[824] قوله: [بشرته] على الأحوط.

[825] قوله: [وضع] على الأحوط الأولى، ومنه يظهر الكلام في الاحتياط اللاحق(1).

[826] قوله: [مستند] سبق بيان المستند، وهو قاعدة الميسور ورواية(2) مولى آل سام على تأمل.

[827] قوله: [لشبه] لعل مراده أنَّ قاعدة الميسور عقلائية، كما هي شرعية.

ص: 345


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 451، عند قوله: «ولو تعذر ذلك أيضاً فالأحوط الجمع بين الوضوء بغسل أطرافه فقط والتيمم».
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 464.

عليه خرقة طاهرة ومسح عليها بالماء. ولو تعذر ذلك أيضاً فالأحوط الجمع بين الوضوء بغسل أطرافه فقط والتيمم(*)، بل لا يترك الاحتياط[828] بالجمع بين الوضوء والتيمم في جميع صور هذه المسألة غير صورة إمكان غسل

حقيقته إذا كان الجرح في محلّ الغسل، أو أنّه وسيلة إلى المسح الواجب في موضع المسح، فلا محصل له. وما أفاده متين؛ فإنّه لا دليل على هذا الأمر، بل مقتضى[829] رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله«(1) كفاية غسل حول الجرح إذا كان مكشوفاً...

(*) الوجه فيه العلم الإجمالي بتعلق أحد التكليفين، لكن ظهر ممّا ذكر تعيّن الغسل[830].

-------------------------

[828] قوله: [بل لا يترك الاحتياط] لا بأس بتركه.

[829] قوله: [بل مقتضى] هذا لا ربط له بالمطلب الحالي، بل هو مرتبط بالمطلب القادم(2).

[830] قوله: [الغسل] أي: غسل الأطراف فقط.

ص: 346


1- وسائل الشيعة 1: 464.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 451.

نفس البشرة[831].

المسألة 116: لو كانت الجبيرة نجسة

مسألة 116: لو كانت الجبيرة نجسة ولم يتمكن من تطهيرها ولا تبديلها، وليس له ما يضع عليها ويمسح عليه غسل أطرافها في محلّ الغسل، ومسح طرفيها في محل المسح ويتيمم[832]،

-------------------------

[831] قوله: [البشرة] فتحصل أنَّ الصور في نظر المصنف هي:

الأولى: غسل نفس البشرة. الثانية: مسحها. الثالثة: وضع خرقة طاهرة والمسح عليها. الرابعة: الجمع بين الوضوء بغسل الأطراف والتيمم.

والمراد بقوله: (لا يترك الاحتياط) الصورة الثانية والثالثة.

والأولى في الصورة الثانية مسح نفس البشرة، ووضع خرقة طاهرة والمسح عليها والتيمم.

ثم الظاهر إنَّ الاحتياط بالتيمم في الصورة الثانية ضعيف؛ لوجود الرواية(1) بغسل ما حوله، منتهى الأمر الجمع بين مسحها ووضع خرقة طاهرة والمسح عليها، فتأمل.

[832] قوله: [ويتيمم] على الأحوط الأولى، ووجهه قاعدة الميسور، والمناط الذي ذكره الشيخ الأعظم أسفل الصفحة(2)، وإن كان محل تأمل.

ص: 347


1- انظر: وسائل الشيعة1: 464، ح3، وهي: عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله».
2- وهو تنقيح المناط. انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 452.

بل يلزم[833] ضمّ التيمّم في كلّ مورد لم يمكن مسح الجبيرة(*).

المسألة 117: لو كان مانع غير الجبيرة

مسألة 117: لو كان على العضو مانع غير الجبيرة لا يمكن إيصال الماء معه إلى البشرة، ويتعذر أو يتعسر إزالته مسح على المانع بالماء كالجبيرة، واحتاط[834] بضمّ التيمّم إليه(**).

المسألة 118: لو كانت الجبيرة على الماسح

مسألة 118: لو كانت الجبيرة على الماسح وجب المسح ببلّتها(***) من ماء الوضوء على الرأس والرجل.

(*) قد ظهر ممّا تقدم الإشكال فيما أفاده (قدس سره) ، فإنّ غسل الأطراف مختصّ[835] بالجرح المكشوف، وأمّا المجبور فمع عدم التمكن من المسح على الجبيرة يكون مقتضى القاعدة التيمم.

(**) ... واستدل له بأنه وإن كان خارجاً عن النصوص، لكن يمكن التعدي عن موردها إلى المقام بتنقيح المناط[836]...

وأمّا لو كان مانعاً آخر فلا وجه للجبيرة، بل لا بدّ من رفعه لو لم يكن حرجياً[837] وإلاّ تصل النوبة إلى التيمم.

(***) لأنّها بدل[838] عن بلّة العضو، وحيث إنّ المسح يجب أن

-------------------------

[833] قوله: [يلزم] لا لزوم له. نعم، هو أولى.

[834] قوله: [مختص] ظهر وجه التعميم مما تقدم آنفاً.

[835] قوله: [واحتاط] ندباً.

[836] قوله: [المناط] الأولى الاستدلال بقاعدة الميسور.

[837] قوله: [حرجياً] أو ضررياً أو عسراً.

[838] قوله: [بدل] وحكم البدل حكم المبدل منه - كما سبقت الإشارة

ص: 348

المسألة 119: عدم الفرق بين كون الجبيرة في محلّ الغسل أو المسح

مسألة 119: لا فرق بين كون الجبيرة في محلّ الغسل أو المسح، وإن كان الأولى مع كونها في محلّ المسح ضمّ التيمّم أيضاً(*).

يكون ببلّة العضو وهو غير ميسور، فلا بدّ من المسح بما يكون بدلاً عنه.

(*) ... ويمكن أن يستدلّ بقوله (عليه السلام) فيما رواه الحلبي »إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة«(1) فإنّه بإطلاقه يشمل موضع المسح. نعم يختص[839] الرواية بما يضره الماء، وأمّا في غيره كما لو كان حلّ الجبيرة متعذراً من جهة تضرر المحل بحلّها، فلا بدّ من التماس دليل آخر[840] لكن لا يختصّ ذلك بمحل المسح، بل موضع الغسل كذلك أيضاً...

-------------------------

إلى القاعدة - والأولى الاستدلال بشمول الأدلَّة مثل: «وتمسح

ببلة يمناك ناصيتك»(2) ونحوه فتأمل.

[839] قوله: [نعم يختص] الظاهر أنَّ الملاك عرفاً واحد.

[840] قوله: [دليل آخر] الظاهر أنَّه - مضافاً لذلك - تشمله رواية «فلا

يقدر أن يحلَّه»(3) لكن قد يشكل بأن ذيل الرواية ظاهر في موضع الغسل لقوله (عليه السلام) : «ويضع موضع الجبر في الماء»(4) فتأمل.

ص: 349


1- الكافي 3: 33.
2- الكافي3: 25، ح4.
3- وسائل الشيعة 1: 465.
4- المصدر نفسه.

المسألة 120: لا بدّ من طهارة الجبيرة

مسألة 120: لا بدّ من طهارة الجبيرة، فلو كانت نجسة ولم يمكن تبديلها ولا تطهيرها وضع خرقة طاهرة عليها ومسح على الخرقة، واحتاط[841] بضمّ التيمّم أيضاً.

المسألة 121: لا يعتبر في صحة الوضوء أن تكون الجبيرة ممّا تصحّ الصلاة فيه

مسألة 121: لا يعتبر في صحة الوضوء أن تكون الجبيرة ممّا تصحّ الصلاة فيه، فلو كانت جبيرة الرجل من الحرير المحض صحّ الوضوء بالمسح عليه(*). نعم يعتبر أن تكون مباحة[842] فلا يصحّ الوضوء

ويدلّ عليه ما رواه عبد الأعلى مولى آل سام، وهذه الرواية مستند القوم في إجراء حكم الجبيرة على محلّ المسح، ولا قصور في دلالتها، لكنّ الإشكال في سندها، فإنّ عبد الأعلى مولى آل سام لم يوثّق[843]، فالمتعين التيمم.

(*) لعدم مقتضٍ[844] لذلك، فمقتضى إطلاق الأدلّة الصحّة ولو كانت ممّا لا تصحّ فيه الصلاة.

-------------------------

ومع الغض عن ذلك تكفي قاعدة الميسور، وتؤيده رواية مولى آل سام(1)، ولو قيل بالجبر تدل عليه.

[841] قوله: [واحتاط] استحباباً.

[842] قوله: [مباحة] إنْ صدق التصرف في المغصوب عرفاً على ذلك.

[843] قوله: [لم يوثق] إلاّ أن يقال: إنَّها مجبورة بالعمل، فتأمل.

[844] قوله: [مقتضٍ] وما يتوهم في المقام: أنَّ الأمر بالنزع يقتضي النهي

ص: 350


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 464.

بالمسح على الجبيرة الغصبية.

المسألة 122: لو ارتفع عذر صاحب الجبيرة

مسألة 122: وضوء صاحب الجبيرة صحيح ما دام العذر، أمّا لو ارتفع فالأحوط[845] إعادة الوضوء للعمل المستقبل(*)، خصوصاً [846] فيما لو ارتفع في أثناء الوضوء فإنّه يستأنف الوضوء.

(*) ما قيل في وجه ذلك أنّه بدل اضطراري[847] للوضوء التامّ، وليس في عرضه كي يترتّب عليه أثره...

لكنّه لا مجال لمساعدته، فإنّ الظاهر[848] من أدلّة الجبيرة أنّها في حكم الوضوء التامّ...

-------------------------

عن ضدِّه الخاص - أي المسح - لو كانا متنافيين، لكن المحقق عدم الاقتضاء(1).

[845] قوله: [فالأحوط] استحباباً.

[846] قوله: [خصوصاً] الأقوى في هذه الصورة الاستئناف.

[847] قوله: [بدل اضطراري] هذا أوّل الكلام، بل يحتمل كونه كالصلاة التامَّة والمقصورة باختلاف الحالات.

لكن الظاهر أنَّ تلقي العرف عن الأدلَّة أنَّه بدل اضطراري، فتأمل.

وهذه مناقشة صغروية، وأمَّا الكبرى، فلا دليل على أنَّ كل بدل اضطراري رافع في الجملة.

[848] قوله: [الظاهر] لعل مراده إطلاق: «اجزأه»(2) وإلاّ لم أجد ذلك

ص: 351


1- انظر: معالم الدين: 63، قوانين الأصول: 14، نهاية الأفكار 1-2: 360، فوائد الأصول 1-2: 304.
2- وسائل الشيعة 1: 465.

لكن يحتمل أن يترتب على الناقص مرتبة من الأثر الكامل، بحيث لا يبقى مجال لتدارك ما نقص من الأثر الكامل[849]، ومع هذا الاحتمال كيف يمكن الالتزام بانتقاض الناقص عند زوال العذر؟

-------------------------

صريحاً في ما ذكر هنا من روايات(1) .

[849] قوله: [الكامل] مثلاً: لو أراد شرب العصير فلم يجده فشرب الماء، فربما لا يبقى مجال للشرب، وكذا لو أراد أكل الرز والمرق فلم يجد فأكل الخبز والبصل، وقد مثلوا له بسقي الحديقة الماء المالح عندما لم يجد العذب.

وعلى كلٍ، فإن تم الإطلاق المشار إليه فبها، وإلاّ أمكن التمسك بالاستصحاب، بناءً على جريانه في الشبهات الحكمية(2).

ص: 352


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 446 - 447.
2- انظر: كفاية الأصول: 392، مقالات الأصول 2: 364، فوائد الأصول 4: 311.

فصل: في أحكام الشكوك المتعلقة بالوضوء

المسألة 123: من تيقن الحدث وشك في الوضوء

مسألة 123: من تيقن الحدث وشك في الوضوء يلزم أن يتوضأ، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الطهارة، ومن تيقن بهما وشك في المتأخر منهما فله صور يلزم البناء على الطهارة في جميعها(*).

(*) إمّا يكون كلاهما مجهولي التاريخ، وإمّا يكون تاريخ الوضوء معلوماً وتاريخ الحدث مجهولاً، وإمّا يكون عكس ذلك، فعلى ما ذهب إليه صاحب الكفاية من التفصيل[850] لا بدّ من القول بتعارض[851] الأصلين في الشقّ الأول واستصحاب الطهارة في الثاني، واستصحاب الحدث في الثالث، وأمّا على مسلك غيره - كما هو المنصور المؤيّد - فيتعارض الأصلان في تمام الصور ولا بدّ[852] من الوضوء.

-------------------------

[850] قوله: [التفصيل] لعل مراده ضرورة إحراز اتصال زمان اليقين بالشك، وقد مضى الكلام حول ذلك.

[851] قوله: [بتعارض] بل لا يجريان لعدم إحراز الاتصال.

[852] قوله: [ولابد] إذ الوضوء يحتاج إلى إحراز ولا محرز، لا وجداني ولا تعبدي في المقام.

ص: 353

المسألة 124: من شكّ في الوضوء بعد الصلاة

مسألة 124: من شكّ في الوضوء بعد الصلاة بنى على صحّتها(*)، إلا فيما لو علم بكون دخوله فيها مع الغفلة عن الوضوء، وفيما لو كان منشأ[853] الشكّ قبلها، بحيث لو كان ملتفتاً لكان شاكّاً، فإنّ الأحوط[854] في هاتين الصورتين إعادة الصلاة بالوضوء، وأمّا بالنسبة إلى الصلاة المستقبلة فيلزم الوضوء في جميع الصور(**).

(*) ... وبعبارة أُخرى: لا دليل على كون القاعدة معللة، بل يمكن أن تكون الجملة الأخيرة حكمة[855] للجعل...

(**) لأنّه لم يحرز وجود الوضوء، فإنّ القاعدة الجارية في الصلاة تصحّح[856] الصلاة من ناحية الشكّ في الطهارة...

-------------------------

[853] قوله: [منشأ] كما لو كان على يده صبغ لم يلتفت إليه حين الوضوء، بحيث لو التفت لشك.

[854] قوله: [الأحوط] استحباباً.

[855] قوله: [حكمةً] والأصل العلية، لكن كثر استعمال أمثال ذلك في الحكمة، وهذا لا يدفع الظهور، كما ذكروا في ظهور صيغة الأمر في الوجوب.

[856] قوله: [تصحح] بل لا يعلم أنَّها تصحح، بل الشارع يقول: لا تعتن بالشك.

نعم، لو قيل: إنَّها أمارة، وإنَّ مثبتاتها حجة مطلقة، لثبت وجود الوضوء.

ص: 354

المسألة 125: لو شكّ في الطهارة في أثناء الصلاة

مسألة 125: لو شكّ في الطهارة[857] في أثناء الصلاة فالأحوط له[858] إتمامها(*) ثمّ إعادتها بطهارة جديدة...

المسألة 127: من شكّ في شيء من أجزاء الوضوء

مسألة 127: من شكّ في شيء من أجزاء الوضوء قبل الفراغ منه رجع إليه وبما بعده مع مراعاة الموالاة والترتيب وسائر الشرائط، من غير فرق بين الشكّ في الجزء والشرط، والظنّ هنا كالشكّ(**).

(*) يمكن أن يكون الوجه فيه حرمة إبطال العمل، حيث إنه يحتمل الصحّة فلا يجوز إبطالها، لكنّ الشبهة مصداقية فلا يتمسك بالعام، مضافاً[859] إلى أنّ مقتضى الأصل عدم صحّتها.

(**) بلا خلاف كما في الحدائق، وعن المدارك والمفاتيح، ونقل عن شرحي الدروس والمفاتيح دعوى الإجماع عليه، لأنّ مقتضى الأصل والقاعدة الأولية لزوم الرجوع[860] والقاعدة الثانوية - أعني قاعدة الفراغ - غير جارية في الشكوك الواقعة في الوضوء ما دام متشاغلاً به، لما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما...

-------------------------

[857] قوله: [الطهارة] الحدثية.

[858] قوله: [فالأحوط له] تكفي الإعادة بطهارة جديدة.

[859] قوله: [مضافاً] هذا مغاير لما سبق، فما سبق: أنَّه شك في الصحة، وهنا علم تعبدي بالبطلان، وذلك باستصحاب عدم الطهارة.

[860] قوله: [الرجوع] إذ لا بد من إحراز الامتثال إما وجداناً أو تعبداً، والوجدان لا يدل على ذلك، والتعبد خاص بغير الوضوء.

ص: 355

فإذا قمت[861] عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة... فإن شككت[862] في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك«(1)...

لكن المستفاد[863] من رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره، فليس

-------------------------

[861] قوله: [فإذا قمت] هذه العبارة ظاهرة في أنَّ الملاك هو الدخول في الغير، وظاهر عبارة «قاعداً

على وضوئك»(2) أنَّ الملاك الاشتغال بالوضوء، وحينئذٍ فإذا فرغ من الوضوء ولم يدخل في حالٍ أُخرى فشك فهل تجري قاعدة الفراغ أو لا؟

إن قيل: إنَّ جملة «فإذا قمت عن الوضوء» أظهر فبها، وإلاّ تعارضت الشرطيتان وأصبحنا بلا دليل، فهل يحكم العموم الفوقاني، أي: الأدلَّة الدالة على قاعدة الفراغ كلياً أو لا؟

والمسألة بحاجة إلى تأمل أكثر.

[862] قوله: [فإن شككت] في حال الصلاة أو غيرها، وقوله «فامسح» يحمل على الندب بقرينة ما قبله وما بعده.

[863] قوله: [لكن المستفاد] والجواب عن ذلك بعدّة أُمور:

الأول: قد ندّعي الظهور في العود إلى الوضوء، كما سيأتي.

الثاني: قد ندّعي الإجمال.

ص: 356


1- الكافي 3: 33.
2- وسائل الشيعة 1: 469.

فلا عبرة بظنّ الإتيان ما لم يتيقّن(*)،

شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه«(1) خلاف ذلك... لكن الإجماع[864] قائم على وجوب الرجوع قبل الفراغ من الوضوء...

إلاّ أن يقال: إنّ دلالة الرواية على إجزاء الوضوء بنحو يرى العرف بين الروايتين معارضة[865]. لكن الذي يختلج بالبال أن يقال: إنّ الظاهر رجوع الضمير إلى نفس الوضوء، ويؤيّد المدعى: أنّ الأقرب[866] يمنع الأبعد...

(*) لعدم حجّة الظنّ، وعدم دليل على حجّيته[867] في المقام.

-------------------------

الثالث: قد ندّعي الإطلاق فيقيد برواية زرارة(2).

الرابع: الإعراض عن هذه الرواية.

وأمَّا الجمع بالندب فخلاف الإجماع، كما سيأتي.

[864] قوله: [الإجماع] المصنف لا يعتني بالإجماعات، فكيف اعتنى به هنا؟

[865] قوله: [معارضة] لعله لأجل التعليل.

[866] قوله: [الأقرب] الأقربية لا تصنع ظهوراً.

[867] قوله: [على حجيته] فلا يكون خارجاً بالدليل، كالظنون الخاصَّة

ص: 357


1- تهذيب الأحكام 1: 101.
2- انظر: وسائل الشيعة1: 469، ح1، وهي: «إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما، وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله».

كما لا عبرة بالشكّ من كثير الشكّ[868]، بل يمضي عليه(*)، كما لا حجّية في قول العدل الواحد في شيء من ذلك[869].

(*) كما لعلّه المشهور بينهم، ويشهد له التعليل[870] الواقع في غير واحد من الروايات الناهية عن الاعتناء بالشكّ في الصلاة، لاحظ ما رواه زرارة وأبو بصير جميعاً قالا: »قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً[871] في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه، قال: يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ، قال: يمضي في شكّه... قال زرارة: ثمّ قال: إنّما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم«(1)...

-------------------------

في الأصول(2)، وكالظن في القبلة(3).

[868] قوله: [كثير الشك] بحيث كلما أعاد شك.

[869] قوله: [من ذلك] الظاهر حجيته وحجية قول الثقة.

[870] قوله: [التعليل] فانَّ العلة تعمم، ومنه يستفاد أنَّ الحكم يشمل جميع العبادات، بل جميع الأمور، فتأمل.

[871] قوله: [كثيراً] يوجد هنا إشكال، وهو: إنَّ الإمام (عليه السلام) قال: «يعيد» في جواب يشك كثيراً، ثم قال: «يمضي» في جواب «يكثر عليه ذلك كلَّما أعاد شك» فيبدو أنَّ كثرة الشك لها مرتبتان، فتأمل وراجع كلمات الفقهاء.

ص: 358


1- الكافي 3: 358.
2- انظر: هداية المسترشدين 1: 208، فرائد الأصول 1: 173، نهاية الأفكار 3: 125.
3- انظر: وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول: 762، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول 7: 292، المحكم في أصول الفقه 5: 151.

المسألة 128: لو كان بعض مواضع وضوئه نجساً

مسألة 128: لو كان بعض مواضع وضوئه نجساً فشكّ بعد الوضوء في تطهيره بنى على صحة الوضوء، ولكن يجب[872] أن يطهر ذلك الموضع النجس(*).

والإشكال فيه بأنّ ترتّب الحكم يتوقّف على إحراز كون الشكّ من الشيطان، وهو غير محرز[873] ليس في محله، فإنه يعلم[874] من الرواية أنّ كثرة الشك من الشيطان.

(*) لاستصحاب بقاء النجاسة، ولا مانع من الالتزام بأمرين[875] فإنّه تفكيك بين الآثار بلا محذور مخالفة عملية[876]. ولقائل أن يقول:

-------------------------

[872] قوله: [يجب] على الأحوط.

[873] قوله: [غير محرز] في محل الكلام وهو الوضوء.

[874] قوله: [يعلم] عرفاً، خاصة بملاحظة «ولا يكثرن نقض الصلاة»(1).

وبتقرير آخر: لا شك أنَّ كثرة الشك من الشيطان، فيشمله التعليل، إلاّ أن يقال: لعله من النفس الأمَّارة، والإنصاف أنَّ التشكيك المزبور له مجال بالنظر الدقي، وإن كان الظاهر أنَّه لا مجال له عرفاً.

[875] قوله: [بأمرين] أي: متباينان ثبوتاً.

[876] قوله: [عملية] بل هي مخالفة التزامية، راجع بحث المخالفة الالتزامية في الأصول(2).

ص: 359


1- الكافي3: 358، ح2.
2- نهاية النهاية 2: 38، درر الفوائد 2: 344، مقالات الأصول 2: 25و 26.

ما المانع من جريان القاعدة في نفس الغسل، فإنّ الغسل[877] لا بدّ من تحقّقه قبل الوضوء[878] على القول باشتراط طهارة الأعضاء، ولا يلزم أن يكون المشكوك فيه متعلّق الأمر كي يقال: بأنّ الغسل ليس متعلّق أمر الشارع[879].

وبعبارة أخرى مقتضى إطلاق قوله: »إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره«(1)، وبقيّة الإطلاقات الواردة في هذا الباب جريان القاعدة[880] فيما يشكّ فيه. نعم، لا بدّ أن يكون له

-------------------------

[877] قوله: [الغسل] أي: لا في الوضوء فقط، بل في التطهير الخبثي أيضاً.

[878] قوله: [قبل الوضوء] أو معه - على المبنى الآخر - ولا فرق في النتيجة هنا بين القولين.

[879] قوله: [الشارع] إذ تقيد الوضوء بالطهارة هو متعلق الأمر.

وفيه: أولاً: أنَّه متعلق أمر الشارع.

وثانياً: لا يشترط ذلك كما ذكره المصنف(2).

[880] قوله: [القاعدة] قاعدة التجاوز تشمل التجاوز عن المحل الشرعي قطعاً، وفي غيره - كالمحل العادي - خلاف، وحينئذٍ فمحل التطهير شرعاً قبل الوضوء أو حينه، فلا يعتني بالشك، لأنَّه تجاوز محله الشرعي.

ص: 360


1- انظر: تهذيب الأحكام 1: 101.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 460 - 461.

وكلّ موضع علم بتلوثه برطوبته، إلاّ فيما علم بكون دخوله في الصلاة مع الغفلة عن أمر التطهير، فإنّه يلزم التطهير وإعادة الوضوء[881]...

أثر شرعي، وفي المقام كذلك فإنّه لو أحرز الغسل يترتب عليه الطهارة التي هي أثر شرعي، لكن الحق[882] عدم تمامية التقريب المذكور...

-------------------------

[881] قوله: [الحق] الظاهر أنَّ مراده أنَّ الغسل والتطهير ينحل بالدقة العقلية إلى شيئين:

الأول: التطهير الوضوئي. الثاني: التطهير المطلق.

والرواية(1) تثبت الأول(2) لا الثاني(3). نعم، الأول ملازم للثاني، لكن القاعدة لا تثبت اللوازم العقلية.

وفيه: أولاً: لو قلنا: إنَّها أمارة - والأمارة مطلقاً تثبت لوازمها - أثبتت اللازم المزبور.

وثانياً: الواسطة خفية.

[882] قوله: [الوضوء] إعادة الوضوء في صورة الغفلة احتياط غير لازم.

ص: 361


1- وهي قوله: «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه». تهذيب الأحكام1: 101، ح111.
2- أي: التطهير الوضوئي.
3- أي: التطهير المطلق.

فصل: في أحكام صاحب الحدث المستمر

اشارة

فصل[883] صاحب الحدث المستمر بحيث لو أراد[884] تجديد الطهارة لكلّ حدث في أثناء الصلاة لزم الحرج الشديد[885]... إن كان

-------------------------

[883] قوله: [فصل] خلاصة الفصل: أنَّ معظم الأحكام المذكورة يمكن استفادتها من رواية: «يتوضأ ثم يرجع»(1) وذلك:

أولاً: بضميمة الجبر بالشهرة.

ثانياً: إلغاء خصوصية البطن، فتأمل.

وأمَّا التلوث فيستفاد من رواية منصور بن حازم(2)، بضميمة إلغاء الخصوصية للسلس.

[884] قوله: [بحيث لو أراد] هذه العبارة زائدة إذ يأتي في الأقسام - القسم الثالث - وهو أن يجدد لكل حدث أثناء الصلاة.

[885] قوله: [الشديد] يكفي مطلق الحرج في رفع الحكم، وكذا الضرر والعسر.

ص: 362


1- وسائل الشيعة1: 298.
2- انظر: وسائل الشيعة1: 297، ح2، وهي: عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه، قال: فقال لي: إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر يجعل خريطة».

له فترة تسع الطهارة والصلاة أتى بالصلاة فيها[886]، وإلا فإن أمكنه[887] المنع من الحدث مقدار أداء الطهارة والصلاة ولو بإدخال قطنة أو لفّ خرقة من غير تضرر به[888] لزم. وإلا فإن كان له فترة يمكنه فيها الصلاة مع الطهارة بتجديدها عند كلّ حدث والإتيان ببقية الصلاة، وهكذا أتى بصلاته فيها كذلك[889]، والأحوط له[890] حينئذٍ إتمام الصلاة بالوضوء الأول ثمّ الإتيان[891] بها على النحو المذكور.

وإن لم يمكن له ذلك أيضاً لكن كان له فترة تسع أقلّ الواجب من الصلاة، الذي هو عبارة عن الإيماء وتسبيحة واحدة في كلّ ركعة،

-------------------------

[886] قوله: [أتى بالصلاة فيها] على الأحوط.

[887] قوله: [وإلاّ فإن أمكنه] هذا في عرض الأول لا في طوله. نعم، بلحاظ التضرر يمكن أن يكون في طوله.

[888] قوله: [تضرر به] ولا لزوم حرج أو عسر.

[889] قوله: [فيها كذلك] على الأحوط في المسلوس، والأقوى في المبطون.

[890] قوله: [والأحوط له] استحباباً، إلاّ أنه متوقف على فهم الفقهاء عدم الفرق بين المسلوس والمبطون، وإلاّ فإنْ عُدّ الوضوء فعلاً كثيراً فالأحوط التكرار، فتأمل.

[891] قوله: [ثم الإتيان] لا خصوصية لهذا النحو من التقديم والتأخير.

ص: 363

ولو بالتحفظ على الطهارة في هذه المدّة، فالأحوط له[892] الإتيان بالصلاة كذلك بعد الإتيان[893] بها تامّة الأفعال على النحوين المذكورين، وإن لم يتمكن من شيء من ذلك لتواتر حدثه توضّأ لكلّ صلاة[894]، وأتى بها بعده من غير مهلة[895]. ولا يعتني بما يصدر حال الصلاة، ويجب على مسلوس البول والمبطون أن يشد عليه خرقة، أو يضع له كيساً لمنع تعدي النجاسة بما أمكن من ثيابه وبدنه(*).

(*) تتصوّر في المقام صور، الصورة الأولى: ما لو كان الوقت واسعاً للصلاة مع بقاء الوضوء، ولا إشكال[896] في وجوب الإتيان

-------------------------

[892] قوله: [فالأحوط له] غير لازم.

[893] قوله: [بعد الإتيان] لا خصوصية لهذا النحو من التقديم والتأخير.

[894] قوله: [توضأ لكل صلاة] على الأحوط في المسلوس، وعلى الأقوى في المبطون. والأحوط تكرار الوضوء عند كل حدث بمقدار لا يبلغ حدّ الحرج ونحوه.

[895] قوله: [مهلة] عرفية.

[896] قوله: [ولا إشكال] فيه نظر، بل هو مبني على مسألة «جواز البدار لذوي الأعذار»(1).

ص: 364


1- انظر: مستمسك العروة الوثقى 2: 401.

بها مع الوضوء، وهذا على طبق القاعدة الأولية؛ إذ المكلّف مكلّف بإتيان العمل الجامع للشرائط، ولا تصل النوبة إلى الوظيفة الاضطرارية مع إمكان[897] الإتيان بالعمل الاختياري...

الصورة الثانية[898]: أن لا تكون له فترة تسع الصلاة أو بعضها مع الوضوء، ومقتضى القاعدة في هذه الصورة عدم وجوب الصلاة مع الطهارة أي الوضوء؛ إذ لا أثر له، ويكتفي بالصلاة بلا طهارة من باب أنها لا تسقط بحال[899].

وربما يستدل[900] على وجوب الوضوء بما رواه سماعة قال:

-------------------------

[897] قوله: [مع إمكان] الكلام في أنَّ الملاك الإمكان الفعلي، أو الإمكان على امتداد عمود الزمان، وكذا في «أيقدر على حبسه»(1).

[898] قوله: [الصورة الثانية] مراده أنَّه بمجرد أن يتوضأ يصدر منه الحدث، أو في أثنائها فلا يستطيع أن يؤدي بعض الصلاة بطهور.

[899] قوله: [بحال] وإلاّ فمقتضى القاعدة سقوط الصلاة أيضاً؛ لأنَّ المشروط عدم عند عدم شرطه.

[900] قوله: [يستدل] الشاهد في إطلاق: «وليتوضأ وليصلَّ»، فإنَّه يشمل ما نحن فيه.

ولكن الإنصاف أنَّ الرواية مجملة جداً؛ إذ يحتمل أنَّ مراده بالغير: القيح، وقوله (عليه السلام) : «إلاّ من الحدث» يحتمل أن يشمل سلس البول، فإنَّه

ص: 365


1- وسائل الشيعة 1: 297.

«سألته عن رجل أخذه تقطير من قرحة إمّا دم وإمّا غيره، قال: فليضع خريطة وليتوضأ وليصلّ، فإنّما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدنّ إلاّ من الحدث الذي يتوضأ منه»(1). وهذه الرواية لا اعتبار بها سنداً، حيث إنّ سماعة من الواقفة[901] ولم يحرز عدم إضماره عن غير المعصوم. وإن شئت فقل: الأصل الأولي في الإضمار عدم الاعتبار؛ إذ يحتمل أن يكون المراد من المرجع غير المعصوم (عليه السلام) ، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، إلاّ أن يعلم[902] من الخارج بأنّ مراد الراوي من المرجع الإمام (عليه السلام) ...

لكنّ الإنصاف أنّه يستفاد حكم البول؛ إذ لا يتصوّر شيء غير البول يوجب فساد الصلاة، اللّهم إلاّ أن يقال: يمكن أن يكون المراد

-------------------------

حدث، وإنما أمر الإمام (عليه السلام) بوضع خريطة لئلا يتلوث بدنه أو ثيابه بالدم أو القيح، فتأمل.

[901] قوله: [الواقفة] سبق أنَّ الوقف لا مدخل له في المقام.

[902] قوله: [يُعلم] لجلالة الراوي مثلاً، كما في مضمر زرارة في الاستصحاب(2).

ص: 366


1- وسائل الشيعة 1: 266.
2- وهو: عن زرارة قال: قلت له: «الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة، قد تنام العين ولا ينام القلب والاُذن، فإذا نامت العين والاُذن والقلب فقد وجب الوضوء، قلت: فإن حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به، قال: لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر». تهذيب الأحكام1: 8 ، ح11.

من الغير الغائط[903]...

وأمّا حديث حريز[904] عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: »إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيساً، وجعل فيه قطناً ثمّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ثمّ صلّى«(1)، فلا يدلّ على وجوب الوضوء؛ إذ يمكن أن يكون أمر الإمام بالجمع بين الصلاتين من باب الإرشاد إلى الطريق الأسهل وعدم الابتلاء بالحرج[950].

الصورة الثالثة[906] أنه يمكنه أن يجدد الوضوء في أثناء الصلاة، وفي هذه الصورة لا يجب التجديد بمقتضى القاعدة الأولية...

وأما حديث العياشي(2) [907] أبي النضر يعني: محمّد بن مسعود،

-------------------------

[903] قوله: [الغائط] لكن الملاك واحد عرفاً، فتأمل.

[904] قوله: [حريز] ويمكن الاستدلال برواية البطن(3) لانجبارها بالعمل، وعدم الفرق بين المسلوس والمبطون عرفاً ولفهم الفقهاء، فتأمل.

[905] قوله: [بالحرج] لتطهيره ثيابه وبدنه مكرراً مثلاً.

[906] قوله: [الثالثة] أي: يمكن أن تكون له فترة بعد الوضوء ليؤدي بعض الصلاة بطهارة، ويمكنه - أيضاً - تجديد الوضوء.

[907] قوله: [العياشي] فيه: أنَّه مجبور بالعمل، فتأمل.

ص: 367


1- من لا يحضره الفقيه 1: 64.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 298.
3- انظر: وسائل الشيعة1: 297- 298، ح3، وهي: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ابن بكير، عن محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المبطون، فقال: يبني على صلاته».

المسألة 129: غير ما مرّ من النواقض ليس ناقضاً عندنا

مسألة 129: غير ما مرّ من النواقض من المذي والوذي والودي، وقصّ الظفر وحلق الرأس وغير ذلك مما هو ناقض عند العامّة ليس ناقضاً عندنا. نعم، يستحب تجديد الوضوء للمذي والودي بالدال المهملة(*).

عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) ... فلا اعتبار به سنداً...

وأمّا بالنسبة إلى المبطون، فلا يترك الاحتياط من جهة منع التعدي، فإنّ مناسبة[908] الحكم والموضوع تقتضي أن يكون المبطون كالمسلوس في الحكم المذكور.

(*) أمّا عدم كون المذكورات ناقضة فهو على طبق القاعدة الأولية؛ إذ بعد ما عيّن[909] من قبل الشارع عدد النواقض يفهم عدم كون غيره ناقضاً، وإلا يلزم نقض الغرض[910] المنافي مع الحكمة،

-------------------------

[908] قوله: [مناسبة] إذ الملاك عدم التلوث لا عدم التلوث بالبول فقط، ويؤيده فهم الفقهاء، فتأمل.

[909] قوله: [عيّن] بقوله: «لا يوجب الوضوء إلاّ من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها»(1).

[910] قوله: [نقض الغرض] وهنالك تقريرات اُُخرى مذكورة في الأصول في (حجية التقرير)(2) مثل أنَّ الشارع مكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويكفي - أيضاً - الاستصحاب، بناءً على جريانه في

ص: 368


1- تهذيب الأحكام 1: 10.
2- انظر: قوانين الأصول: 354؛ أصول الفقه 3: 70، المعالم الجديدة للأُصول: 32.

أضف إلى ذلك جملة من النصوص... منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إن سال من ذكرك شيء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله[911] ولا تقطع الصلاة، ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك«(1)...

ومنها: ما رواه زرارة قال: »قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الرجل يقلّم أظفاره ويجز شاربه، ويأخذ من شعر لحيته ورأسه، هل ينقض وضوءه؟ فقال: يا زرارة، كلّ هذا سنة[912] والوضوء فريضة، وليس شيء من السنة ينقض الفريضة«(2)...

وأمّا حكمه باستحباب الوضوء للمذي والودي فيمكن أن يكون الوجه في نظره أحاديث محمّد بن إسماعيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: »سألته عن المذي فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه سنة أخرى

-------------------------

الشبهات الحكمية(3).

[911] قوله: [فلا تغسله] حيث إنَّه في مقام توهم الوجوب لا يدل إلاّ على عدم الوجوب.

[912] قوله: [سنة] لعل المراد: أنَّ المستحب لا ينقض الواجب، أو المراد سنة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ص: 369


1- الكافي 3: 39.
2- من لايحضره الفقيه 1: 63.
3- انظر: مقالات الأصول 2: 364، فوائد الأصول 4: 311و 312.

فأمرني[913] بالوضوء منه«(1)...

... وأبي بصير قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : المذي يخرج من الرجل، قال: أحدّ لك فيه حدّاً؟ قال: قلت: نعم، جعلت فداك، قال: فقال: إن خرج[914] منك على شهوة فتوضأ[915]، وإن خرج [916] منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء«(2)...

..وابن يقطين قال: »سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المذي أينقض الوضوء؟ قال: إن كان من شهوة نقض[917]«(3)...

-------------------------

[913] قوله: [فأمرني] هذا يدل على استعمال مادة الأمر في الندب.

[914] قوله: [إن خرج] الظاهراً أنه مقوم لكونه ندباً.

[915] قوله: [فتوضأ] يحمل على الاستحباب بقرينة الرواية السابقة(4).

[916] قوله: [وإن خرج] إطلاق المني عليه لعله من باب المجاز، والمراد سائر الرطوبات، فتأمل.

[917] قوله: [نقض] حمله على الندب بعيد، ولعل الأولى حمله على التقية.

ص: 370


1- الاستبصار 1: 92.
2- تهذيب الأحكام 1: 19.
3- الاستبصار 1: 93.
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 279، ح9، وهي: عن محمد بن إسماعيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المذي؟ فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه سنة أخرى، فأمرني بالوضوء منه، وقال: إن علياً (عليه السلام) أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واستحيى أن يسأله، فقال: فيه الوضوء. قلت: وإن لم أتوضأ، قال: لا بأس».

... وابن سنان يعني عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »ثلاث يخرجن من الإحليل، وهنّ: المني وفيه الغسل، والودي فمنه الوضوء [918]«(1)...

بتقريب أنّ الجمع بين النصوص يقتضي الالتزام بالاستحباب، لكن الجمع بالنحو المذكور غير مقبول[919] عندنا، وبالنتيجة لا يمكن الجزم بالاستحباب والفتوى به...

-------------------------

[918] قوله: [فمنه الوضوء] ظاهره الوجوب في الودي، إلاّ أنَّه بقرينة فهم الأصحاب وضرورة الفقه يحمل على الاستحباب، وقد يُحمل على التقية فلا يبقى دليل على الاستحباب، ولكن يكفي في الاستحباب فتوى الفقيه.

[919] قوله: [غير مقبول] وفيه: أنَّه عرفي.

ص: 371


1- الاستبصار 1: 94.

فصل: في سنن الوضوء وآدابه

في سنن الوضوء وآدابه التي لا إشكال في إتيانها رجاءً[920]، وهي أن يضع الإناء الصالح[921] لأن يغترف منه على اليمين(*)، ولو كان أشلّ، والاغتراف بها حتّى لغسلها، والتسمية عند[922] وضع اليد في الماء(**)،

(*) لمن(1) نجد[923] له دليلاً.

(**) لاحظ ما عن علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال: »لا يتوضأ الرجل حتى يسمي يقول قبل أن يمسّ[924] الماء بسم اللّه

-------------------------

[920] قوله: [رجاءً] بل وكذا إتيانها بنية الاستحباب.

[921] قوله: [الصالح] هل هذا قيد، أو أن الفتاوى مطلقة؟ فلو كان الإناء ضيقاً - كالقناني الحديثة - فهل يبقى الاستحباب؟

[922] قوله: [عند] الرواية تقول: «إذا وضعت»(2) وظاهره البعدية لا العندية، وعلى كل ففتوى الفقيه كافية.

[923] قوله: [لم نجد] فتوى الفقيه كافية.

[924] قوله: [قبل أن يمس] ظاهر الجمع: أنَّ هذا مستحب قبل الوضع في

ص: 372


1- هكذا في المصدر والصحيح (لم).
2- وسائل الشيعة 1: 423.

وأن يقول[925] بسم اللّه وباللّه اللّهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، والدعاء بالمأثور[926] عند التسمية في أوّل الوضوء[927].

وغسل اليدين من الزندين[928] على الأظهر قبل إدخالهما[929]

وباللّه اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين«(1)...

-------------------------

الماء وحين الوضع، أو يقال: إنَّه مستحب واحد ويتخير المكلف في موضعه.

[925] قوله: [وأن يقول] هل هذا غير التسمية؟ ظاهر المتن أنهما مستحبان، والشارح فسر الأول(2) بالثاني(3)، فلاحظ.

[926] قوله: [والدعاء بالمأثور] ظاهر المتن أنَّه غير ما سبق، لكن الشارح فسره بما سبق.

[927] قوله: [في أول الوضوء] لعل المراد الدعاء بقوله: «الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً»(4).

[928] قوله: [من الزندين] لم أجد له دليلاً في الروايات التي ذكرها، وفتوى الفقيه كافية.

[929] قوله: [قبل إدخالهما] بل مطلقاً؛ وذلك لإطلاق الرواية الثانية(5).

ص: 373


1- وسائل الشيعة 1: 426.
2- أي قوله في المتن: (والتسمية). الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 469.
3- أي قوله في المتن: (وأن يقول: بسم اللّه وباللّه). المصدر نفسه.
4- مستدرك الوسائل، باب24 من أبواب الوضوء، ح4.
5- الاستبصار1: 67، ح2، وهي: عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يغسل الرجل يده من النوم مرة، ومن الغائط والبول مرتين، ومن الجنابة ثلاثاً».

الإناء الذي يغترف منه، والزند المفصل بين الكفّ والساعد يغسلهما من حدث البول والنوم مرّة[930] ومن الغائط مرّتين، والمضمضمة والاستنشاق(*)، ... وأن يبدأ[931] الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى، وبباطنهما في الثانية، بناء على مشروعية تثنية الغسلات[932].

(*) لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »المضمضة والاستنشاق ممّا سنّ[933] رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) «...

-------------------------

[930] قوله: [مرَّة] والأفضل في البول مرَّتين.

[931] قوله: [وأن يبدأ] الرواية مجملة(1)، إذ البدء فيها يحتمل البدء العددي - أي المرّة الأولى في قبال الثانية - أو الموضعي، أي: يبدأ في كل واحدة من الغسلتين بالظاهر.

لكن لا بأس بما في المتن، لفتوى الفقيه.

[932] قوله: [الغسلات] وهو المختار.

[933] قوله: [سنّ] راجع الفرق بين (السنّة والفريضة)(2)، والظاهر أنَّه لا يدل على أنَّه مستحب، بل يفهم ذلك بسائر الأدلَّة.

ص: 374


1- انظر: وسائل الشيعة1: 466- 467، ح1، وهي: عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «فرض اللّه على النساء في الوضوء للصلاة أن يبدأن بباطن أذرعتهن، وفي الرجال بظاهر الذراع».
2- قيل: إن المراد من السنة هي السيرة المستمرة من بدو تشريع مناسك الحج من زمن إبراهيم (عليه السلام) أو ما قبله أيضاً، وإن المراد بالفرض هنا هو وقوع تشريع المفروض بعد ذلك. انظر: كتاب الحج، تقرير بحث المحقق الداماد للآملي3: 56، الفروق اللغوية: 285.

... ويكره الاستعانة فيه بالصبّ في اليد ونحوه، وكذا في سائر مقدماته القريبة(*).

(*) لاحظ[934] أحاديث حسن بن علي الوشاء[935]... والسكوني، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال: »قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : خصلتان لا أحبّ

-------------------------

[934] قوله: [لاحظ] هذه الأحاديث(1) تدل على كراهة الصب والمشاركة، وهل أنّ كلمة المشاركة تشمل المقدمات القريبة كلّها كما ذكرنا، أم أنها مجملة؟ وعلى كلٍ ففتوى الفقه كافية.

وأمَّا شمول المشاركة للمقدمات البعيدة ففيه غموض، ولعل قوله: «اتيني

بإناء»(2) يدل على عدم الكراهة.

[935] قوله: [الوشاء] الرواية(3) تدل على الحرمة لاستخدامها كلمة الوزر والشرك، لكن حيث إنها ضعيفة حملت على الكراهة.

نعم، كلمة الشرك يمكن حملها على الكراهة؛ لأنَّ للشرك مراتب، فتأمل.

ص: 375


1- انظر: وسائل الشيعة 1: 476- 478، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 471.
2- تهذيب الأحكام1: 53، ح2.
3- الكافي3: 69، ح1، وهي: عن الحسن بن علي الوشاء قال: «دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة، فدنوت منه لأصب عليه، فأبى ذلك وقال: مه يا حسن، فقلت له: لم تنهاني أن أصب على يدك، تكره أن أوجر؟ قال: توجر أنت وأوزر أنا، فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت اللّه عز وجل يقول: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد».

... والأفضل له إبقاء بلل الوضوء على الأعضاء(*)، وقد روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «أنَّ أمير المؤمنين بيننا هو ذات يوم جالس مع محمّد بن الحنفية، إذ قال له: يا محمّد، ايتني بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة... فقال: اللّهم حصّن فرجي وأعفه واستر عورتي، وحرّمها[936] على النار... فقال: اللّهم بيّض

أن يشاركني[937] فيهما أحد: وضوئي، فإنه من صلاتي، وصدقتي فإنّها من يدي إلى يد السائل، فإنّها تقع في يد الرحمان«(1)...

(*) لاحظ ما عن الصادق (عليه السلام) : »من توضأ وتمندل كتبت له حسنة، ومن توضّأ ولم يتمندل حتى يجفّ[938] وضوؤه كتب له ثلاثون حسنة«(2)...

-------------------------

[936] قوله: [وحرّمها] لعله باعتبار أن العورة منشأ لكثير من الآثام.

[937] قوله: [يشاركني] لعل كلمة «يشاركني» تعم جميع المقدمات القريبة، فتأمل.

[938] قوله: [بمدٍ من ماء] الظاهر أنَّه يشمل المقدمات كالمضمضة والاستنشاق أيضاً، وذلك لظهور الرواية(3)، فتأمل.

ص: 376


1- وسائل الشيعة 1: 478.
2- المصدر نفسه1: 50.
3- وهي: عن حماد، عن حريز، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد رطل ونصف، والصاع ستة أرطال». الاستبصار1: 121، ح2.

وجهي يوم تسودّ[939] فيه وجوه ولا تسوّد وجهي يوم تبيضّ فيه وجوه، ثمّ غسل يده اليمنى فقال: اللّهم أعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان بيساري[940] وحاسبني حساباً يسيراً...»(1)، وقال بعض العلماء: يقرأ سورة القدر ثلاث مرّات[941]... و يستحبّ أن يكون الوضوء بمد من ماء[942].

-------------------------

[939] قوله: [تسود] لعل المراد: الخزي، ولعله السواد الظاهري؛ لأنَّه خلق مشوه، وراجع آية {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}(2).

[940] قوله: [بيساري] لعل المراد اليسر، ولعل المراد أنَّ ورقة الخلد تُعطى بالشمال.

[941] قوله: [ثلاث مرّات] لم يعين موقعه، وهل أنَّه بعد الوضوء أو في أثنائه؟

[942] قوله: [حتى يجف] لعله يدل على أنَّ التمندل لا خصوصية له، بل المهم أن يتركه حتى يجف، فلا يجففه بالهواء الحارّ الصادر من بعض الوسائل الحدثية مثلاً، فتأمل.

ص: 377


1- من لا يحضره الفقيه 1: 41.
2- آل عمران: 106.

ص: 378

فصل: في الأغسال

اشارة

ص: 379

ص: 380

فصل: في الأغسال

اشارة

فصل: في الغسل، وهو نوعان: واجب ومستحبّ، والواجب سبعة[1]: غسل الجنابة وغسل الحيض...

أمّا غسل الجنابة فسببه أمران: الأوّل: خروج المني من الموضع المعتاد... ولا بين كونه بالاختيار[2] أو بغيره، ولا بين خروج الكثير منه أو القليل ولو بمقدار ذرّة، وفي حكم المني[3] البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء[4]، والأقوى[5] إتيان الغسل بخروج المني من غير الموضع العادي أيضاً... والخنثى غير المشكل

-------------------------

[1] قوله: [سبعة] غير غسل الأموات، والملتزم بنذر وشبهه ليس واجباً نفسياً، بل هو واجب شرطي.

[2] قوله: [بالاختيار] لماذا لا تشمله أدلَّة رفع الاضطرار أو الإكراه؟ قد يقال: لأنَّه حكم وضعي، أو بقرينة أنَّه في المنام يوجب الغسل، فتأمل.

[3] قوله: [وفي حكم المني] يستثنى من ذلك ما يخرج من المرأة عقيب الجماع وإنزال الرجل في فرجها، فإنَّه لا يجب عليها الغسل به في صورة الاشتباه.

[4] قوله: [قبل الاسبتراء] بالبول.

[5] قوله: [والأقوى] الملاك صدق عنوان الإنزال عرفاً.

ص: 381

حكمه واضح[6]، وأمّا المشكل منه فيتحقق جنابته بخروج المني من فرجيه، أو مما اعتاد خروجه منه، وفي غير هاتين الصورتين إشكال أقواه وجوب الغسل[7].

الأمر الثاني: الجماع، وهو يحصل بغيبوبة الحشفة في قبل المرأة للرجل والمرأة، بل وكذا في دبرها على الأحوط إن لم يكن أقوى[8] خصوصاً للرجل، وإن لم يخرج المني، وفي حصوله بوطء الذكر أو الخنثى[9] أو الميّت[10] أو الحيوان إشكال، كالإشكال في حصوله لموطوء الميّت والحيوان، وكذا في حصوله لمقطوع الحشفة[11]، أو فيما لو دخل بعضها[12]، ولا يترك الاحتياط في جميع ذلك(*).

-------------------------

[6] قوله: [واضح] وقد اتضح مما تقدم أنَّه لو خرج من غير المخرج الأصلي فالملاك صدق عنوان الإنزال.

[7] قوله: [وجوب الغسل] مع صدق عنوان الإنزال.

[8] قوله: [أقوى] لا قوة فيه. نعم، هو أحوط.

[9] قوله: [الخنثى] المشكل.

[10] قوله: [الميت] الأقوى فيه وجوب الغسل، فيما يجب الغسل منه على فرض الحياة، وكذا في موطوء الميت.

[11] قوله: [لمقطوع الحشفة] الأقوى فيه وجوب الغسل فيما يجب الغسل منه.

[12] قوله: [بعضها] الأقوى عدم الوجوب فيه.

ص: 382

(*) في المقام جهات من البحث:

الجهة الأولى: أنّ الغسل من حيث الحكم الشرعي نوعان: واجب ومستحب، والظاهر أنّ المراد بالوجوب في كلامه أعمّ من التكليفي[13]؛ إذ من الواضح[14] أن غسل الجنابة مثلاً لا يكون واجباً في حد نفسه بالوجوب النفسي...

قلت[15]: إنّه لو فرض صدق المني على الخارج من الخصية لا يمكن أن يقال: إنه لا يكون منياً...

-------------------------

[13] قوله: [التكليفي] الظاهر أنَّ مراده النفسي والشرطي، فلا يجب إلاّ للمشروط.

[14] قوله: [الواضح] وضوحاً فقهياً، بل ربما تدعى ضرورة المذهب والدين، فتأمل.

[15] قوله: [قلت] فيه نظر؛ إذ صدق عنوان المني لا يستدعي ترتب هذا الحكم - وجوب الغسل - عليه ما دام الشارع قد قيد بالخروج من الإحليل، كالحيض الذي يكون أقل من ثلاثة.

والأولى أن يقال: إنَّ اثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فالرواية(1) تقول: المني يخرج من الإحليل، وليس مفادها: إنَّ ما لا يخرج من الأحليل ليس منياً.

ص: 383


1- وهي: عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان - يعني عبد اللّه - عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ثلاث يخرجن من الإحليل، وهن: المني وفيه الغسل..» . وسائل الشيعة2: 188، ح10.

نعم، قد دلّت[16] جملة من النصوص، منها ما رواه عمر بن يزيد قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني أعليها غسل؟ فقال: إن أصابها من الماء شيء فلتغسله وليس عليها شيء إلا أن يدخله، قلت: فإن أمنت هي ولم يدخله، قال: ليس عليها الغسل«(1)...

-------------------------

[16] قوله: [قد دلّت] النصوص دلت على عدّة اُمور هي:

الأول: «فإن أمنت»(2) ليس عليها الغسل، وهي صريحة.

الثاني: «فأمنت»(3) وهي صريحة، وقد جعل الملاك فيها الجماع نوماً أو يقظة.

الثالث: «وأمنت هي»(4) ليس عليها غسل، وهي كالسابقة، خاصَّة وأنَّ الراوي فرق بين الإمناء والإمذاء.

الرابع: «الماء الأعظم»(5) وهي ظاهرة في المني مع لحاظ الاحتلام، فتأمل.

ص: 384


1- الاستبصار 1: 106.
2- الاستبصار1: 106، ح6.
3- وهي: عن محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل، ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت؟ قال: لأنها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل، والآخر إنما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل؛ لأنه لم يدخله، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل، أمنت أو لم تمن». وسائل الشيعة2: 191، ح19.
4- المصدر نفسه2: 191، ح20.
5- المصدر نفسه2: 191، ح21.

ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة قال: »قلت له: هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟ قال: لا... ثمّ قال: لا ليس عليهن ذلك، وقد وضع[17] اللّه ذلك عليكم، قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ} ولم يقل ذلك لهن[18]«(1)...

وفي قبالها[19] جملة أخرى تدلّ على الوجوب، منها: ما رواه

-------------------------

الخامس: «الاحتلام»(2) لا يوجب الغسل، ويدل بالإطلاق على العدم ولو أمنت، وآخرها صريح في اختصاص الخطاب بالرجال(3).

[17] قوله: [وضع] أي: فرض.

[18] قوله: [لهن] هذه الرواية(4) خلاف قاعدة الاشتراك، فتأمل.

[19] قوله: [قبالها] الظاهر أنَّ الجمع العرفي مشكل، فالأولى أن يقال:

أولاً: إنَّ الطائفة الأولى معرض عنها(5).

ص: 385


1- الاستبصار 1: 107.
2- المصدر نفسه2: 192، ح22.
3- وهو: عن عبيد بن زرارة قال: «قلت له: هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟ قال: لا، وأيكم يرضى أن يرى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو أخته، أو أمه، أو زوجته، أو أحداً من قرابته قائمة تغتسل، فيقول: ما لك؟ فتقول: احتلمت وليس لها بعل. ثم قال: لا ليس عليهن ذلك وقد وضع اللّه ذلك عليكم، قال: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا }، ولم يقل ذلك لهن». وسائل الشيعة2: 192، ح22.
4- الاستبصار 1: 107.
5- انظر: شرح العروة الوثقى 5: 306.

إسماعيل بن سعد الأشعري قال: »سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلمس فرج جاريته حتّى تنزل الماء من غير أن يباشر، يعبث بها بيده حتّى تنزل، قال: إذا أنزلت[20] من شهوة[21] فعليها الغسل«(1)...

وفي رواية أخرى قال: »عليها غسل، ولكن لا تحدّثوهنّ بهذا فيتّخذنه علّة[22]«(2)...

-------------------------

ثانياً: أو أنَّها تقية(3).

ثالثاً: أو نقول: «خذ بما اشتهر بين أصحابك»(4) بعد التعارض المستقر بين الطائفتين.

نعم، قد يقال: بإمكان الجمع العرفي بالحمل على الاستحباب، لكن لم يقل بذلك أحد فيما نعلم.

[20] قوله: [أنزلت] الظاهر أنَّه متقوم بالخروج إلى خارج البدن، كما ذكروا نظيره في جنابة الرجل، وفي الحيض والنفاس والاستحاضة.

[21] قوله: [من شهوة] الظاهر أنَّه مقوم لكونه منياً.

[22] قوله: [علة] لعل المراد: أنَّها تخرج إلى بيت صديقها مثلاً، فتقول: إنني احتلمت، فتخرج بعنوان الحمام إلى بيته.

ص: 386


1- الكافي 3: 47.
2- الكافي 3: 48- 49.
3- المصدر نفسه.
4- مستدرك الوسائل 17: 303.

ومنها: ما رواه معاوية قال: »سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: إذا أمنت[23] المرأة والأمّة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فإنّ عليها الغسل«(1)...

ومقتضى الجمع[24] بين الطوائف الثلاث[25] أن يقال: إذا كان الإنزال بالنسبة إلى المرأة ناشئاً عن الشهوة يحكم بكونها جنباً، ويجب عليها الغسل وإلا فلا...

الجهة الثالثة: أنّ البل المشتبة الخارج قبل الاستبراء[26] محكوم

-------------------------

[23] قوله: [أمنت] هذه الرواية(2) تدل على أنَّ المرأة تمني.

[24] قوله: [الجمع] الظاهر أنَّه ليس جمعاً؛ إذ الشهوة - كما سبق - مقومة لكونه منياً، فمقتضى التفصيل: أنَّها تجنب مطلقاً. ثم إنَّ الروايات(3) صريحة - ولو بعضها - في أنَّ إمناءها لا غسل فيه.

[25] قوله: [الثلاث] الظاهر أن مراده هو:

أولاً: يجب عليها الغسل مطلقاً.

ثانياً: لا غسل عليها مطلقاً.

ثالثاً: التفصيل بين الإنزال بشهوة وعدمه، وقد مضى ما في هذا الجمع.

[26] قوله: [الاستبراء] أي: بالبول.

ص: 387


1- الاستبصار 1: 106.
2- انظر: الاستبصار1: 106.
3- انظر: وسائل الشيعة 2: 190- 191.

بكونه منياً، ويترتب عليه حكمه،مع أنّ مقتضى الأصل الأوّلي[27] والقاعدة الأولية عدم كونه مصداقاً له، والوجه في الخروج عن القاعدة الأولية عدة نصوص؛ منها: ما رواه محمّد بن مسلم قال: »قال أبو جعفر (عليه السلام) : من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ يجد بللاً فقد انتقض غسله، وإن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللاً فليس ينقض غسله، ولكن عليه الوضوء[28] لأنّ البول لم يدع شيئاً«(1)...

ومنها: ما رواه محمّد - يعني ابن مسلم - قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء قال: يغتسل ويعيد الصلاة[29]، إلاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنّه لا يعيد غسله«(2)...

ومنها: ما رواه سماعة قال: »سألته عن الرجل يجنب ثمّ يغتسل قبل أن يبول فيجد بللاً بعدما يغتسل، قال: يعيد الغسل فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله، ولكن يتوضّأ ويستنجي[30]«(3)...

-------------------------

[27] قوله: [الأولي] أي: أصالة عدم كونه منيّاً، ولو قيل: إنَّه عدم أزلي نقول: الأصل عدم ترتب أحكام الجنابة عليه.

[28] قوله: [عليه الوضوء] مقيد بأدلَّة الاستبراء بالخرطات.

[29] قوله: [ويعيد الصلاة] الظاهر أنَّ المراد إن صلَّى بعد الخروج.

[30] قوله: [ويستنجي] الظاهر أنَّ المراد يطهر الموضع.

ص: 388


1- تهذيب الأحكام 1: 144.
2- الاستبصار 1: 119.
3- الكافي 3: 49.

ومنها: ما رواه سليمان[31] بن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء، قال: يعيد الغسل، قلت: فالمرأة يخرج منها شيء بعد الغسل قال: لا تعيد«(1)...

وفي قبال[32] هذه النصوص طائفة أخرى تدلّ على عدم وجوب الغسل...

فالحقّ أنّ البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء بالبول بحكم المني، ولا يختص الحكم بالرجل، بل يعمّ المرأة، فإنّ الحديث الخامس[33] من الباب الثالث عشر من أبواب نواقض الوضوء، يشمل كلا الفريقين...

-------------------------

[31] قوله: [سليمان] سيأتي أنَّ الرواية تدل على التفصيل في المرأة.

[32] قوله: [وفي قبال] سيأتي من المصنف تضعيفها(2) جميعاً، مضافاً إلى أنَّها معرض عنها ظاهراً، فلا تنهض للمقابلة.

ثم إنَّها لو فرض اعتبارها فتدل على التفصيل بين الناسي وغيره.

[33] قوله: [الخامس] لأنَّ كلمة (مَنْ)(3) تطلق على الرجل والمرأة.

ص: 389


1- تهذيب الأحكام 12: 143.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 486، حيث قال: «وحيث إنها لا اعتبار بأسنادها لا تكون قابلة للمعارضة مع الطائفة الأولى».
3- انظر: وسائل الشيعة 1: 283، ح5، وهي: عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللاً، فقد انتقض غسله».

-------------------------

وقد يقال: كذلك الرواية الثانية(1) بضميمة قاعدة الاشتراك، لكن قد ذكر في الأصول(2) المناقشة في ذلك، لأنَّ الموضوع هو الرجل، فتأمل.

وكذا في الثالثة والرابعة(3) وأمَّا الخامسة(4) فهي كالأولى، وأمَّا السادسة والسابعة والثامنة(5) فقد احتوت على كلمة (رجل).

لكن لَمْ يفُتِ كثير بذلك، بل حكموا بالطهارة مطلقاً.

ص: 390


1- انظر: وسائل الشيعة2: 283، ح2، وهي: عن عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «في الرجل يبول ثم يستنجي، ثم يجد بعد ذلك بللاً، قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات، وغمز ما بينهما، ثم استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي».
2- انظر: نهاية الأفكار 1- 2: 538، فوائد الأصول 1- 2: 549.
3- انظر: وسائل الشيعة2: 283، ح2و3، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «في الرجل يبول، قال: ينتره ثلاثاً، ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي. عن سماعة، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) : إني أبول ثم أتمسح بالأحجار، فيجئ مني البلل ما يفسد سراويلي، قال؟ :ليس به بأس».
4- انظر: وسائل الشيعة 1: 283، ح5، وهي: عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللاً، فقد انتقض غسله».
5- انظر: وسائل الشيعة2: 1: 283 - 285، ح 6و7و8، عن سماعة - في حديث - قال: «فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله، ولكن يتوضأ ويستنجي. عن حنان بن سدير، قال: «سمعت رجلا سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال: إني ربما بلت فلا أقدر على الماء، ويشتد ذلك علي؟ فقال: إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك، فإن وجدت شيئاً فقل: هذا من ذاك . عن عبد الرحيم قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في الخصي يبول فيلقى من ذلك شدة، ويرى البلل بعد البلل؟ قال: يتوضأ، وينتضح في النهار مرة واحدة».

الجهة الرابعة: أنّ حكم الخنثى غير المشكل واضح، فإنّ الآلة التي تكون بدلاً عن الآلة الأصلية واضحة، ولا يصير الأمر مشتبهاً[34]. وأمّا المشكل فإن خرج المني من كلا الفرجين يترتب عليه الحكم للعلم بتحقّق الموضوع، وأيضاً لو خرج من الموضع الذي اعتاد خروجه منه بحيث صدق[35] عليه عنوان الموضوع فهو واضح أيضاً...

ويرد عليه: بأنّه لا وجه له إلاّ مع صدق عنوان الإنزال الذي جعل في النصّ موضوعاً للحكم، وفي غير هذه الصورة يكون مقتضى الأصل الحكم بعدم[36] تحقّق الجنابة وعدم وجوب الغسل.

الجهة الخامسة: أنّ الجنابة تتحقّق بالجماع[37] وهو يحصل

-------------------------

[34] قوله: [مشتبهاً] وحينئذٍ فلو خرج من غير المخرج الأصلي - أي الزائد - يكون الملاك صدق عنوان الإنزال، كما تقدم.

[35] قوله: [صدق] والظاهر أنه يصدق دائماً، فتأمل.

[36] قوله: [بعدم] هذا أصل موضوعي، وما يليه(1) أصل حكمي، لاحظ بحث هل تجري الأصول الحكمية والموضوعية معاً أو أنَّها مترتبة؟(2).

[37] قوله: [بالجماع] العناوين المذكورة هنا هي:

أولاً: «إذا أدخله»(3).

ص: 391


1- وهو قوله: (وعدم وجوب الغسل). الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 487.
2- انظر: حقائق الأُصول 2: 41.
3- وسائل الشيعة 2: 182.

بغيبوبة الحشفة في قبل المرأة للرجل والمرأة[38]...

وأمّا حديثا محمّد بن عذافر، قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) : متى يجب على الرجل والمرأة الغسل؟ فقال: يجب عليهما الغسل حين يدخله، وإذا التقى[39] الختانان فيغسلان فرجهما«(1). وعنبسة بن مصعب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »كان عليّ (عليه السلام) لا يرى في شيء الغسل إلاّ في الماء الأكبر[40]«(2) فضعيفان سنداً فلا يعتدّ بهما...

-------------------------

ثانياً: «إذا التقى الختانان» وقد فسر بغيبوبة الحشفة في الحديث(3) .

ثالثاً: «إذا وقع الختان على الختان»(4).

رابعاً: «إذا مس الختان الختان»(5).

ومع التفسير لا مجال للبحث في معنى العناوين، خاصَّة مع ضم فهم الفقهاء.

[38] قوله: [للرجل والمرأة] أي: كلاهما يجنبان.

[39] قوله: [التقى] ويحتمل تأويله بصرف الالتقاء بلا غيبوبة، فتأمل.

[40] قوله: [الأكبر] يحتمل تأويله بأنَّه حصر إضافي، أي: أنَّ ما يخرج

ص: 392


1- وسائل الشيعة 2: 185.
2- الاستبصار 1: 109.
3- الكافي3: 46، ح2، عن محمد بن إسماعيل قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم».
4- المصدر نفسه3: 46، ح3.
5- من لا يحضره الفقيه1: 84 ، ح184.

وصفوة القول في المقام: إنّ المدرك لعموم الحكم إمّا الإجماع وإمّا النصّ...، وأمّا النصّ[41] فالظاهر منه ولو بحكم الانصراف لا يشمل المذكورات...

ويرد عليه: أنّه يلزم[42] الحكم بتحقق الجنابة فيما أدخلت

-------------------------

لا يوجب الغسل إلاّ المني، فالمذي والوذي والودي لا توجب الغسل.

[41] قوله: [وأما النص] فيه نظر؛ إذ عنوان {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}(1) مطلق، ولا انصراف له، وكذلك سائر العناوين المذكورة، فراجع مثل: «إذا أدخله»(2).

وأمَّا ما دل على الانحصار فيحتمل كونه إضافياً، أي: في قبال الجماع قريباً من الفرج، ومع هذا الاحتمال تكون الرواية مجملة، فلا تصلح لتقييد تلك المطلقات، فرواية ابن بزيع(3) في قبال «القرب من الفرج» إذ سائر الروايات مطلقة، فتأمل.

[42] قوله: [يلزم] لا مانع من الالتزام بذلك، وما ذكره من الفرق(4) غير

ص: 393


1- النساء: 43.
2- وسائل الشيعة 2: 182.
3- المصدر نفسه2: 183، ح2، عن محمد بن إسماعيل - يعنى ابن بزيع - قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم».
4- عند قوله: «ويرد عليه: أنّه يلزم الحكم بتحقّق الجنابة فيما آدخلت المرأة ذكر الرجل الميّت في قبلها، وهل يلتزم الخصم بهذا اللازم؟ مضافاً إلى أنّ العرف لا يفهم من النصوص شمول الحكم لصورة كون أحد الطرفين ميّتاً، وهذا العرف ببابك، ولا أقلّ من عدم الجزم بالإطلاق، والنتيجة انتفاء الحكم بالأصل».

المسألة 130: كيفيّة تشخيص المني واوصافه

مسألة 130: المني إن علم[43] به فلا إشكال سواء، في ذلك الرجل والمرأة.. وأمّا مع وجود أحدها سواء علم بانتفاء الآخرين أم لا فلا يترك الاحتياط[44] بالجمع بين الغسل والوضوء، وأمّا المريض[45] فلا يترك الاحتياط فيه بالجمع بين الوضوء

المرأة ذكر الرجل الميت في قبلها، وهل يلتزم الخصم بهذا اللازم؟...

كما أنّه لو أدخل مقداراً من الحشفة بحيث لم يتحقق الالتقاء[46] لا يتحقق الموضوع، وأيضاً[47] لو أدخل تمام الذكر مقطوع الحشفة...

-------------------------

واضح، فتأمل.

[43] قوله: [إن علم أنَّه] فإنَّ العلم حجة ذاتية، والأمارات إنما جعلت في ظرف الشك.

[44] قوله: [فلا يترك الاحتياط] لا بأس بتركه.

[45] قوله: [وأمَّا المريض] الملاك في المريض هو الشهوة والفتور فقط.

[46] قوله: [الالتقاء] المفسر بغيبوبة الحشفة(1).

[47] قوله: [وأيضاً] فيه نظر؛ إذ أدلَّة التقاء الختانين منصرفة لمَنْ له ختان، أمَّا المقطوع فتشمله المطلقات ولا تشمله المقيّدات.

ص: 394


1- الكافي3: 46، ح2، عن محمد بن إسماعيل قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم».

والغسل... وأمّا النساء فيعتبر فيهنّ الشهوة وفتور الجسد[48] في حال الصحّة والمرض ولا يعتبر الدفق(*).

(*) أقول: الخارج من المكلّف إن علم أنّه مني فلا إشكال في ترتب الحكم عليه، وهذا واضح[49] لا يحتاج إلى البحث، وأمّا إذا لم يكن وشكّ في كونه منياً فمقتضى القاعدة الأولية الحكم بعدم كونه منياً بالاستصحاب[50]...

لاحظ ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلّها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال: إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل، وإن

-------------------------

[48] قوله: [وفتور الجسد] لا يبعد عدم اعتباره.

[49] قوله: [واضح] قد يشكل بما ذكر في الحيض من أنَّ الشارع حدّد ترتب أحكام الحيض بصفات ومحددات(1)، فمع عدمها لا يحكم بالحيضية وإن علم بذلك، فما فرقه عن المقام؟

[50] قوله: [بالاستصحاب] هذا عدم أزلي، إلاّ أن يقال: إنَّه كان مائعاً - ماءً مثلاً - ولم يكن منياً، فنستصحب عدم صيرورته منياً، والأصل عدم كونه وذياً أو مذياً لا أثر له، فلا يتعارضان.

ويمكن - أيضاً - استصحاب عدم ترتب آثار الجنابة، أي: الأصل الحكمي.

ص: 395


1- انظر: الكافي 3: 77 - 79.

كان إنّما شيء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس«(1) فإنّ مقتضى الشرطية[51] انتفاء الحكم بانتفاء الشرط...

-------------------------

[51] قوله: [الشرطية] مفهوم الجملة الأولى: أنَّه لا يحكم بالمنوية في الحالات التالية:

الأولى: انتفاء الجميع.

الثانية: انتفاء الشهوة والدفع.

الثالثة: انتفاء الشهوة والفتور.

الرابعة: انتفاء الدفع والفتور.

الخامسة: انتفاء الشهوة.

السادسة: انتفاء الدفع.

السابعة: انتفاء الفتور.

وذيل الرواية(2) يضمن الحالة الثالثة فقط، أي: انتفاء الشهوة والفتور، وإذا كان للذيل مفهوم فمعناه:

أولاً: إن وجد له فترة وشهوة فعليه الغسل.

ثانياً: إن وجد له فترة فعليه الغسل.

ثالثاً: إن وجد له شهوة فعليه الغسل.

رابعاً: إن وجد الثلاثة(3) فعليه الغسل.

ص: 396


1- الاستبصار 1: 104.
2- انظر: الاستبصار1: 104، ح2، علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال: إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شيء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس».
3- أي: الشهوة والدفع والفتور.

-------------------------

وتبقى حالة وجود الدفق فقط بلا فترة ولا شهوة، والظاهر أنَّها حالة غير ممكنة أو غير متعارفة، وتكون النتيجة: وجوب الغسل في كل الحالات إلاّ حالة انتفاء الثلاثة.

وحيث تعارضت الشرطيتان يكون مقتضى العلم الإجمالي وجوب الاحتياط بالغسل والوضوء، كما ذكره الماتن(1) .

والأولى التفصيل بين سبق الحدث أو سبق الوضوء؛ إذ مع سبق الحدث لا يجب إلاّ الوضوء بمقتضى الاستصحاب.

هذا ولكن الظاهر أنَّ مفهوم الشرطية الأولى أقوى عرفاً، والثانية بيان لبعض مصاديق المفهوم كما ذكره الشارح(2)، فهو مثل أن تقول: (إذا جاءك عالم وكان مؤمناً تقياً فاكرمه، وإن لم يكن الجائي عالماً ولا تقياً فلا تكرمه) فتأمل.

وقد يسأل: لماذا تناولت الجملة الثانية(3) هذه الحالة فقط؟

والجواب: لأنَّها الحالة المتعارفة - لا فتور ولا شهوة - الملازمة لعدم الدفق، فتأمل.

ويدل على ما ذكرناه فهم مشهور الفقهاء، فتأمل.

ص: 397


1- عند قوله: «فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 491.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 491.
3- أي قوله (عليه السلام) : «لم يجد له فترة ولا شهوة». وسائل الشيعة 2: 194.

وأمّا الرجل المريض فيكفي فيه الشهوة[52]، لاحظ ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: »الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئاً، ثمّ يمكث الهوين بعد فيخرج، قال: إن كان مريضاً فليغتسل وإن لم يكن مريضاً فلا شيء عليه«(1)...

-------------------------

[52] قوله: [الشهوة] قد يشكل في ذلك بأن الظاهر من الروايتين(2) إرادة نفي شرطية الدفق، فيبقى الباقي - أي الشهوة والفتور - تحت الإطلاقات المتقدمة.

والخلاصة: أنَّ الرواية مجملة، فتبقى الإطلاقات الأولية بالنسبة للفتور.

فتحصل من جميع ذلك أنَّ الملاك:

أولاً: في الرجل الصحيح لا بد من تحقق الثلاثة، أي: الدفق والشهوة والفتور.

ثانياً: في الرجل المريض لا بد من تحقق الشهوة والفتور.

ثالثاً: في المرأة لا بد من تحقق الشهوة فقط، فتأمل.

ص: 398


1- الكافي 3: 48، ح4.
2- انظر: وسائل الشيعة2: 195- 196، ح3و ، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئاً، ثم يمكث الهوين بعد فيخرج، قال: إن كان مريضاً فليغتسل، وإن لم يكن مريضاً فلا شيء عليه. وعن محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة، ثم قام فلم ير في ثوبه شيئاً، قال: فقال: إن كان مريضاً فعليه الغسل، وإن كان صحيحاً فلا شيء عليه».

المسألة 131: احتلام المرأة وأحكامها

مسألة 131: لو فرض احتلام المرأة وإنزالها[53] كانت كالرجل[54] في وجوب الغسل عليها، ولزوم الإمساك عن النومة الثانية[55] في ليالي شهر رمضان وغير ذلك(*).

المسألة 132: لا يجب الغسل بمجرّد حركة المني

مسألة 132: لا يجب الغسل بمجرّد حركة المني من محلّه ما لم يخرج من الحشفة أو ما في حكمها(**).

(*) لا إشكال في أنّ الاحتياط الكامل لازم في المقام، وأمّا بحسب الصناعة فالالتزام بما ذكر مشكل مع أنّ الوارد في النصوص عنوان الرجل، وعنوان الرجل لا يصدق على المرأة، وقاعدة الاشتراط معناها أنّ الحكم المترتّب على عنوان لا يكون مختصاً[56] بجماعة دون أخرى...

(**) إذ الموضوع للحكم إنزال المني وخروجه[57]، فما دام لم

-------------------------

[53] قوله: [وإنزالها] بشهوة كما سبق.

[54] قوله: [كالرجل] على الأحوط في بعض المذكورات.

[55] قوله: [الثانية] بل الأولى، على تفصيل مذكور في كتاب الصوم(1).

[56] قوله: [مختصاً] فيه نظر؛ إذ هذا هو مقتضى الإطلاق، ولا يحتاج إلى قاعدة الاشتراك، فتأمل.

[57] قوله: [وخروجه] ذكر هذا العنوان في رواية ابن سنان(2)، ولذلك

ص: 399


1- انظر: مدارك الأحكام 6: 61، كفاية الأحكام 1: 232؛ الحدائق الناضرة 13: 117.
2- وسائل الشيعة 2: 188، ح10.

المسألة 133: الاستمناء

مسألة 133: الاستمناء، وهو طلب خروج المني مع خروجه[58] حرام إذا كان بغير ملاعبة الزوجة أو الأمة وموجب للغسل مطلقاً(*).

يتحقّق العنوان المذكور لا يترتّب الحكم...

(*) أما كونه حراماً فمضافاً إلى كون حرمته مشهورة[59] عند أهل الشرع، وارتكاز حرمته عندهم تدلّ عليه عدّة نصوص؛ منها: ما رواه عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في الرجل ينكح بهيمة أو يدلك فقال: كلّ ما أنزل به الرجل ماءه من هذا وشبهه فهو زنا[60]«(1)...

ومنها: ما رواه إسحاق بن عمار قال: »قلت لإبي عبد اللّه (عليه السلام) : الزنا شرّ أو شرب الخمر، وكيف صار في شرب الخمر ثمانين وفي الزنا مائة؟ فقال: يا إسحاق، الحدّ واحد ولكن زيد هذا لتضييعه[61]

-------------------------

نظائر ذكرها الفقهاء في الحيض وأخويه.

[58] قوله: [مع خروجه] أمَّا لو لم يخرج فهو محكوم بأحكام التجري.

[59]قوله: [مشهورة] هذا استدلال بالشهرة، مع أنَّ المصنف لا يقبل الإجماع.

[60] قوله: [زنا] ظاهره التحريم، فإنَّه أظهر آثار الزنا وأحكامه، وكذا ضرب بيده.

[61] قوله: [لتضييعه] ظاهره أنَّ التضييع حرام، راجع روايات(2) العزل

ص: 400


1- الكافي 5: 541.
2- انظر: الكافي 5: 504، ح1- 4.

النطفة، ولوضعه إياها في غير موضعه الذي أمره اللّه عزّ وجلّ به«(1)...

ومنها: ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال: »سئل الصادق (عليه السلام) عن الخضخضة فقال: إثم عظيم قد نهى اللّه عنه في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت[62] بما يفعله ما أكلت معه...، فقال: هو ذنب عظيم قد قال القائل: بعض الذنب أهون من بعض، والذنوب كلّها عظيم عند اللّه، لأنّها معاصي، وأنّ اللّه لا يحبّ من العباد العصيان، وقد نهانا اللّه عن ذلك لأنها من عمل الشيطان، وقد قال: {لّا تَعْبُدُوا الشّيْطَانَ}(2)، {إِنّ الشّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتّخِذُوهُ عَدُوّا إِنّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السّعِيرِ}(3)[63]«(4)...

-------------------------

عن الحرة في كتاب النكاح(5)، ومقتضاها تخصيص هذا الحكم، فتأمل.

[62] قوله: [ولو علمت] أي: علماً ظاهرياً؛ إذ إنهم (عليهم السلام) غير مكلفين بالعمل بعلمهم الواقعي، فتأمل.

[63] قوله: [السعير] ظاهره أنَّ هدف الشيطان هو ذلك.

ص: 401


1- من لا يحضره الفقيه 4: 39.
2- يس: 60.
3- فاطر: 6.
4- وسائل الشيعة 28: 364.
5- انظر: الخلاف 4: 359، السرائر 3: 419، المختصر النافع: 172، مختلف الشيعة 7: 94، جواهر الكلام 29: 111.

المسألة 134: لو شكّ في خروج المني

مسألة 134: لو شكّ في خروج المني أو رأى في النوم خروجه بجماع أو غيره، ولم يجد أثراً له بعد الانتباه لم يجب عليه الغسل(*).

وفي قبال[64] هذه الطائفة حديثان يدلاّن على الجواز...

أمّا الحديث الأول فلا اعتبار بسنده إذ الواسطي لم يوثّق، وأمّا الحديث الثاني فأيضاً يكون سنده مخدوشاً، فإنّ ثعلبة وحسين لم يوثّقا في الرجال، وإن ذكرت لهما مدائح[65]...

(*) ما أفاده (قدس سره) على طبق القاعدة الأولية؛ إذ مع الشكّ يحكم بالعدم ببركة الاستصحاب[66].

-------------------------

[64] قوله: [وفي قبال] يمكن حملهما(1) على التقية، ثم إنهما معرض عنهما.

[65] قوله: [مدائح] إذ بعض المدح يدل على الحُسن والاعتبار.

[66] قوله: [الاستصحاب] هذا استصحاب موضوعي، أي: استصحاب عدم الخروج، وهنالك استصحاب حكمي، وهل يجريان معاً، أو هما مترتبان؟ فيه بحث موكول إلى محله.

ص: 402


1- انظر: الكافي5: 540، ح2، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الدلك، قال: ناكح نفسه لا شيء عليه». وفي وسائل الشيعة28: 363، ح3، عن ثعلبة بن ميمون، وحسين بن زرارة، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل يعبث بيديه حتى ينزل، قال: لا بأس به ولم يبلغ به ذاك شيئاً». ثم قال الحر العاملي: «أقول: حمله الشيخ على أنه ليس عليه شيء موظف لا يجوز خلافه، بل عليه التعزير بحسب ما يراه الإمام، ويمكن حمله على التقية».

المسألة 135: لو خرج مني الرجل من المرأة

مسألة 135: لو خرج مني الرجل من المرأة أو وجدت منياً وشكّت في كونه لها أو للرجل أو ظنّت[67] بخروجه منها ولم تعلم بكونه لها أو للرجل لم يجب عليها الغسل(*).

(*) أمّا صورة وجدانها مني الرجل فعدم الوجوب ظاهر واضح؛ إذ المفروض أنّه ليس منها[68] فلا وجه للوجوب، وأمّا صورة الشكّ فبحكم الاستصحاب[69] يحكم بعدم كونها منها، فلا موضوع للوجوب أيضاً.

-------------------------

[67] قوله: [أو ظنت] هناك كلام في عدم حجية الظن في الأصول وقد ناقش السيد الوالد (رحمه اللّه) في ذلك(1)، ولكن حتى لو فرض حجية الظن فلا أثر له في المقام؛ إذ المفروض أنَّها تشك أنَّه منها أو من زوجها.

[68] قوله: [ليس منها] والأدلَّة منصرفة إلى ما كان من نفس الإنسان، أو ظاهرة في ذلك، مثل: «إذا أنزلت من شهوة»(2)، ثم إنَّ الشهوة شرط، وهذا الشرط مفقود في المقام.

[69] قوله: [الاستصحاب] هل هو عدم أزلي، إذ إنَّه من البداية إمَّا منيها أو مني الرجل؟

إلاّ أن يقال: إنَّه عندما كان ماءً لم يكن منيها فتستصحب ذلك، فتأمل.

وعلى كلٍ، فلو فرض عدم جريان الأصل الموضوعي، فالحكمي ثابت في المقام.

ص: 403


1- انظر: الوصول إلى كفاية الأُصول 3: 378 - 380.
2- وسائل الشيعة 2: 186.

المسألة 136: خروج مني الرجل من المرأة مخلوطاً

مسألة 136: لو خرج مني الرجل من المرأة مخلوطاً بمنيها وجب عليها الغسل(*).

المسألة 137: لو وجد منياً في ثوبه

مسألة 137: لو وجد منياً في ثوبه المختص به وعلم بكونه منه، وأنّه لم يغتسل منه وجب عليه الغسل، وإعادة الصلوات التي علم بسبقه عليها مع احتمال[70] التفاته إلى حاله عند كلّ صلاة وإلاّ ففيه تفصيل[71].

(*) الأمر كما أفاده؛ إذ المفروض أنّ المني خرج منها فقد

-------------------------

[70] قوله: [مع احتمال] بل مطلقاً، وذلك لجريان قاعدة الفراغ في المشكوك حتى مع العلم بالغفلة.

وهذا قيد في أنَّه يعيد ما علم بالسبق فقط ولا يعيد المشكوك؛ إذ المصنف يشترط الالتفات أو احتمال الالتفات(1)، وأمَّا مع الغفلة فيعيد المشكوك أيضاً، لعدم جريان قاعدة الفراغ.

ولكن المختار: الجريان مطلقاً كما سبق.

[71] قوله: [تفصيل] لعل المراد مما ذكره هو:

أولاً: أنَّه لو كان الثوب مشتركاً فهل يجب عليهما الغسل، أو لا غسل عليهما؟

ثانياً: لو احتمل الغسل، فهل يجري استصحاب عدم الغسل، أم تجري قاعدة الفراغ، أم يفصل بين الالتفات والغفلة واحتمال الالتفات؟

ثالثاً: الصلوات المشكوك سبقها ما هو حكمها؟

ص: 404


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 496.

فرض تحقّق الموضوع[72].

-------------------------

والمختار في الأول: أنَّه لا غسل، وفي الثاني: سبق البحث فيه(1)، وفي الثالث: يحكم بصحة الصلوات مطلقاً، إلاّ ما علم كونه مع الحدث.

[72] قوله: [الموضوع] وقد ذكرنا سابقاً: أنَّه لا فرق بين القليل والكثير.

ص: 405


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 461.

فصل: فيما يشترط بالغسل

وهو أمور:

الأول: الصلاة واجبة كانت أو مستحبة أو احتياطية، وفي حكمها الركعات الاحتياطية والأجزاء المنسية، بل وسجود السهو على الأحوط[73]. نعم، لا يشترط صلاة الميت وسجود التلاوة بالطهارة، الثاني: الطواف الواجب[74]، الثالث: الصوم الواجب كما يأتي تفصيله في بابه، الرابع[75]: مسّ أسماء اللّه تعالى من غير فرق بين اسم الجلالة وغيره[76]، وكتابة القرآن

-------------------------

[73] قوله: [على الأحوط] الأولى.

[74] قوله: [الواجب] وأمَّا المستحب فلا يشترط فيه. نعم، يحرم دخول المسجد الحرام جنباً، وتظهر الثمرة لو طاف ناسياً، فإنَّه صحيح في المستحب، وملاك المستحب أن لا يكون جزءاً من حج ولا عمرة.

[75] قوله: [الرابع] هل يحتاج إلى استثناء الدراهم والدنانير المنقوش عليها أسماء اللّه تعالى، أو آيات القرآن الكريم؟ وكذا الكلام في مبحث الوضوء سابقاً.

[76] قوله: [وغيره] من أسمائه وصفاته الخاصة.

ص: 406

فإنه يشترط[77] جواز مسهما بالغسل...

وأمّا أسماء الأنبياء وأئمة الهدى والصديقة الطاهرة (عليهم السلام) فالأحوط[78] عدم مسّها مع الجنابة إن لم يكن هو الأقوى في بعضها، بل الأحوط[79] ترك مسّ أسماء الملائكة أيضاً، لكن يشترط في حرمة مسّ هذه الأسماء غير اسم الجلالة أن يكون المقصود[80] منها نفوسهم المقدسة...

نعم، يجوز للجنب العبور في المسجد، بأن يدخل من باب ويخرج من باب آخر[81] من غير مكث إلاّ في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ...

ولو أجنب في أحدهما أو دخل مع الجنابة عمداً أو سهواً تيمم للخروج، ولو كان زمان الخروج أقصر من زمان

-------------------------

[77] قوله: [يشترط] على الأحوط في الأول(1)، والأقوى في الثاني(2).

[78] قوله: [فالأحوط] الذي لا ينبغي تركه.

[79] قوله: [بل الأحوط] الأولى.

[80] قوله: [المقصود] الملاك الصدق العرفي لا القصد، فتأمل.

[81] قوله: [آخر] على الأحوط لا من نفس الباب.

ص: 407


1- وهو اسم الجلالة. انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 497.
2- وهو كتابة القرآن. انظر: المصدر نفسه.

التيمم بادر[82] إلى الخروج بدونه...

ويحتمل كون المشاهد المشرّفة في حكم المسجدين، فلا يدخلها الجنب ولو جوازاً[83] ولو أجنب في أحدها تيمّم[84] للخروج، والأحوط[85] كون الرواق في حكمها.

-------------------------

[82] قوله: [بادر] على تأمل؛ إذ يحتمل وجوب التيمم مطلقاً.

[83] قوله: [جوازاً] على الأحوط.

[84] قوله: [تيمم] فيه تأمل؛ إذ الحكم خاص بالمسجدين، فمن أين التعدية؟

إلاّ إذا قيل: إنَّها أعظم من الكعبة، فحكمها كحكم الكعبة، قال السيّد مهدي بحر العلوم:

ومن حديث كربلاء والكعبة***لكربلاء بان علو الرتبة

[85] قوله: [والأحوط] الأولى، يحتاج لتأمل؛ إذ يصدق عليه عنوان البيوت.

وقد يقال: بالانصراف، ثم لاحظ فهم الفقهاء - وراجع العروة(1)- ولماذا لا يصدق بيوت على الصحن، مثل بيت زيدٍ؟ فتأمل.

وفيه نظر؛ إذ البيت بمعنى الغرفة، وأما قوله (عليه السلام) : «أما تستحيي يا أعرابي

ص: 408


1- انظر: العروة الوثقى 1: 604.

السادس[86]: دخول المساجد لوضع شيء فيها، والأحوط عدم وضع شيء فيها ولو في حال العبور أو من الخارج...

السابع: قراءة شيء[87] من سور العزائم...

الثامن: يجب الغسل للنذر وشبهه من العهد واليمين مع الاحتياط [88] فيه بإتيانه بقصد غاية من الغايات.

-------------------------

أن تدخل على إمامك وأنت جنب»(1) فيشك في صدقه على الأروقة، ومنه يعلم الكلام في الصحن.

[86] قوله: [السادس] والخلاصة أن الصور هي:

الأولى: الدخول والوضع.

الثانية: الوضع حال العبور.

الثالثة: الوضع من الخارج.

الرابعة: الدخول للأخذ.

الخامسة: الأخذ من الخارج.

السادسة: الأخذ حال العبور.

والسرّ: أنَّ الوضع موضوع فيكون محرّماً بكل أنواعه، والدخول للأخذ مشمول لأدلَّة حرمة الدخول.

[87] قوله: [قراءة شيء] الأظهر اختصاص التحريم بخصوص آية السجدة منها.

[88] قوله: [الاحتياط] غير لازم، وكذا في ما يليه(2).

ص: 409


1- وسائل الشيعة 2: 212.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 498، عند قوله: «كما أنّ في استحباب الغسل لنفسه أيضاً تأمل، فالاحتياط إتيانه لغاية من الغايات أيضاً، ولو للكون على الطهارة».

كما أن في استحباب الغسل لنفسه أيضاً تأمل، فالاحيتاط إتيانه لغاية من الغايات أيضاً، ولو للكون على الطهارة(*).

(*) ... بلا فرق بين كونها واجبة أو مستحبة أو احتياطية، وهذا من الواضحات[89]؛ إذ »لا صلاة إلا بطهور«(1) فبدونه لا يمكن تحقّقها، وأمّا الركعات الاحتياطية فحيث إنّها نوع صلاة يلزم أن تكون مع الطهور بالتقريب المتقدم[90]...

-------------------------

ثم إن في عبارته غموضاً، والظاهر أنَّ المراد أن المنذور هو الغسل لغاية حتى يكون متعلق النذر راجحاً، لا أنَّه ينذر الغسل مطلقاً ثم يأتي به لغاية، لكن العبارة موهمة، فتأمل.

[89] قوله: [الواضحات] إذ يدل عليه القرآن الكريم {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}(2)، والروايات(3) والإجماع والضرورة(4).

[90] قوله: [المتقدم] لأنها صلاة، وقد دل الدليل(5) على اشتراط الصلاة بالطهارة مطلقاً، مضافاً إلى الإجماع(6) والضرورة.

ص: 410


1- الاستبصار 1: 55.
2- المائدة: 6.
3- مثل: «لا صلاة إلا بطهور» وغيرها. وسائل الشيعة 1: 315.
4- انظر: مشارق الشموس 1: 61.
5- وهو قوله (عليه السلام) : «لا صلاة الاّ بطهور». الاستبصار 1: 55.
6- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 293.

وأمّا سجود السهو فلا يشترط فيه الطهارة لعدم الدليل[91]...

وأمّا صلاة الجنازة فمضافاً إلى ارتكاز[92] عدم كونها مشروطة بالطهارة، والسيرة جارية على المنوال المذكور يكون عدم الاشتراط مقتضى الأصل الاولي...

ولاحظ[93] ما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال:

-------------------------

[91] قوله: [لعدم الدليل] راجع الأدلَّة ومناقشتها(1)، وحيث لا دليل يكون الإطلاق محكماً.

[92] قوله: [ارتكاز] هل هو كذلك، أم أنَّه معروف عند بعض المتدينين؟ ولعله نشأ من الفتاوى، راجع بحث الارتكاز(2) والسيرة في الأصول(3).

[93] قوله: [ولاحظ] هذا دليل جديد، وهو النص على عدم الاشتراط.

فتحصل أنَّ الدليل:

أولاً: النص على أنَّها ليست بصلاة(4) ، فمقتضى الأصل عدم الشرطية.

ص: 411


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 294، حيث قال: «نقل عن بعض الأعلام ذلك، واستدلّ عليه تارة بأنّهما جابرتان للصلاة التي مشروطة بطهارة، وأخرى بأنّ دليل وجوبهما منصرف إلى المشروط بالطهارة، وثالثاً: بأنّه موافق للاحتياط، وظاهر أنّ شيئاً من هذه الوجوه لا يرجع إلى محصل صحيح، أمّا كونهما جابرتين فلا يلازم اشتراطهما بما يشترط به المنجبر، وأمّا الانصراف فلا وجه له، وأمّا الاحتياط فحسن لكنّه غير لازم مع وجود المعذر».
2- انظر: مقالات الأُصول 1: 147، نهاية الأفكار 1- 2: 219، حقائق الأصول 2: 93.
3- انظر: نهاية الدراية في شرح الكفاية 2: 232، نهاية الأفكار 3: 103.
4- وهو: عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) قال: «... وإنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع، ولا سجود، وإنما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود». وسائل الشيعة1: 367، ح9.

«سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير طهر، قال: فليكبّر معهم«(1)... وأمّا سجود التلاوة فلا دليل[94] على اشتراطه بالطهارة، فالحقّ ما أفاده.

... يشترط الطهارة في الطواف الواجب، وقد تقدم في بحث الوضوء ما يستدل به على اشتراط الطهارة في الطواف الواجب فراجع ما ذكرناه هناك[95].

... وحيث إنّ الحديث الثاني الدالّ على الجواز أحدث يكون الترجيح بالأحدثية[96] معه، لكن مقتضى التورّع عدم ترك الاحتياط، هذا على تقدير[97] أنّ المراد بالدراهم هي التي يكون عليها اسمه تعالى...

-------------------------

ثانياً: النص على عدم وجوب الطهارة.

[94] قوله: [فلا دليل] فيكون مقتضى إطلاق دليله كفاية إتيانه ولو بلا طهارة.

[95] قوله: [هناك] ما ذكره هناك فيه غموض.

[96] قوله: [بالأحدثية] الجمع العرفي يقتضي الحمل على الكراهة، والأحدثية ليست مرجحة.

[97] قوله: [تقدير] الظاهر ذلك، وإلاّ فلا خصوصية للدراهم البيض.

ثم إنَّه قد يقال: إنَّ لمس الدرهم الأبيض غير لمس اسم اللّه تعالى المنقوش عليه.

ص: 412


1- الكافي 3: 178، ح3.

... أنّه يحرم اللبث في المسجد للجنب، وهذا هو المشهور بين أهل الشرع ومركوز في أذهانهم، وتدلّ على المدّعى جملة من النصوص[98]، منها: ما رواه جميل، قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الجنب يجلس في المساجد، قال: لا، ولكن يمرّ فيها كلّها إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) «(1).

... ويعارضها[99] ما رواه محمّد بن القاسم قال: »سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجنب ينام في المسجد، فقال: يتوضّأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه«(2).

وهذه الرواية أحدث من الطائفة الأولى، ولكن كيف يمكن الأخذ

-------------------------

وفيه: أنَّه ملازم له عرفاً، بل لا يمكن - عادة - لمس الدرهم إلاّ بلمس الكتابة المنقوشة عليه.

[98] قوله: [النصوص] هذه النصوص(3) في الجلوس لا مطلق اللبث، وقد يعمم تنقيح المناط عرفاً، أو بقرينة المقابلة بالمرور، بل نفس «يمرّ فيها» ظاهر في أنَّه لا حق له أن يقف فيها.

[99] قوله: [ويعارضها] سيأتي أنَّه لا معارضة، بل هو تخصيص(4).

ص: 413


1- الكافي 3: 50.
2- تهذيب الأحكام1: 371.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 500 - 501.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 501، عند قوله: «اللّهم إلا أن يقال: الحديث لا يباين الكتاب كي يضرب عرض الجدار، بل يكون مخصصاً له».

بها مع كونها مخالفة مع ما ارتكز في أذهان المتشرعة، مضافاً إلى أنّها تخالف[100] الكتاب، أي: قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتّىَ تَغْتَسِلُواْ}(1) فإنّ الآية الشريفة وإن لم يذكر فيها عنوان المسجد لكن لا إشكال في أنّ المراد[101] منها النهي عن مكث الجنب في المسجد.

... ولا فرق في الحكم المذكور بين كون حدوث الجنابة قبل الدخول أو في المسجد، ولا بين كونه بالاحتلام أو غيره، والوجه فيه إطلاق[102] الدليل. نعم، يجوز له أن يعبر بأن يدخل من باب

-------------------------

[100] قوله: [تخالف] سبق أنَّه تخصيص.

[101] قوله: [المراد] بقرينة العبور.

[102] قوله: [إطلاق] ولو نوقش فيه أمكن الاستدلال بتنقيح المناط عرفاً.

ثم إنَّه يمكن المناقشة في رواية محمد بن القاسم(2) بما يلي:

الأول: الإعراض عنها، والعجب أنَّ صاحب التنقيح(3) استند إلى الإعراض!

الثاني: أنَّها موافقة للعامة، وفيه نظر؛ إذ الترجيح بذلك فرع التعارض، ولا تعارض للجمع العرفي بالتخصيص.

فتحصل أنَّ الرواية محل إشكال فهي:

ص: 414


1- النساء: 43.
2- التي تقدمت قبل قليل.
3- انظر: شرح العروة الوثقى 5: 395.

ويخرج من باب آخر[103] من غير مكث إلاّ في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ...

ولو أجنب في أحدهما أو دخل[104] مع الجنابة عمداً أو سهواً تيمم للخروج...

-------------------------

أولاً: خلاف المركوز. ثانياً: خلاف الكتاب.

ثالثاً: أعرض عنها الأصحاب.

رابعاً: إنّها موافقة للعامَّة، والعمدة الثالث، كما ظهر لما تقدم، فتأمل.

[103] قوله: [آخر] أمَّا من نفس الباب ففيه خلاف، والظاهر أنَّه لا يصدق (يمرّ).

نعم، يمشي صادق، كما ورد في رواية محمد بن القاسم(1).

إلاّ أن يقال: إنَّه منصرف.

[104] قوله: [أو دخل] كأنَّه لتنقيح المناط عرفاً، وإلاّ فالموجود في النص(2) غيره.

ويؤيده: أنَّه لو اقتصر على ما في النص لزم الاقتصار على الرجل لا المرأة، وكونه نائماً، و الاحتلام لا الدخول أو الإنزال، وهذا كلَّه غير عرفي.

ص: 415


1- انظر: تهذيب الأحكام1: 371، حيث ورد فيها: «ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه».
2- وهو: عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاحتلم فأصابته جنابة، فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمماً، ولا بأس أن يمر في سائر المساجد، ولا يجلس في شيء من المساجد». تهذيب الأحكام1: 407، ح18.

ولو كان زمان الخروج أقصر من زمان التيمم بادر[105] إلى الخروج، ولقائل أن يقول: لا وجه له، فإنّ مقتضى[106] حديث أبي حمزة وجوب التيمم...

وقد تلحق المشاهد المشرّفة والأروقة[107] بالمسجدين[108] الشريفين، بتقريب أنّها في حكم المسجد، بل أعظم، وبجملة من النصوص منها: ما رواه بكر بن محمّد[109] قال: »خرجنا من المدينة

-------------------------

[105] قوله: [بادر] كأنَّه لانصراف الدليل، فيكون مشمولاً للإطلاقات.

[106] قوله: [مقتضى] فلعل المشي فيه خصوصية، أو لعله نوع احترام للمسجد الحرام.

[107] قوله: [والأروقة] كأنَّه لصدق «بيوت الأنبياء»(1) عليها، لكن مضى التأمل فيه.

[108] قوله:[بالمسجدين]إذ قوله (عليه السلام) :«يدخل بيوت»(2) يشمل حتى العبور.

وقد تلحق بالمساجد، بتقريب: أنَّ النص(3) منصرف عن صورة إرادة العبور فقط، لكن الظاهر صدق «يدخل..» فتأمل.

[109] قوله: [بكر بن محمد] الرواية(4) صحيحة، وأكثر روايات الباب ضعاف.

ص: 416


1- وسائل الشيعة 2: 211.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.

نريد منزل أبي عبد اللّه (عليه السلام) فلحقنا أبو بصير خارجاً من زقاق وهو جنب... فقال: يا أبا محمّد، أما تعلم أنّه لا ينبغي[110] لجنب أن يدخل بيوت الأنبياء؟ قال: فرجع أبو بصير ودخلنا«(1).

ومنها: ما رواه المفيد في الإرشاد عن أبي بصير قال: »دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها... ثم قال: يا أبا بصير، أما علمت أن بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها[111] الجنب فاستحييت«(2)...

-------------------------

[110] قوله: [لا ينبغي] هل تدل على التحريم، أو على الكراهة، أو أنها مجملة؟ اختار في التنقيح(3) الدلالة على الحرمة، لكنَّه غير واضح، فتأمل.

[111] قوله: [لا يدخلها] جملة خبرية تدل على التحريم لكن السند ضعيف ظاهراً.

وأمَّا قوله: «تدخل علي وأنت جنب»(4) فهو عتاب، ولا يدل على التحريم.

وأمَّا قوله: «أما تستحيي»(5) فالاستحياء كما يكون من الحرام يكون من القبيح.

ص: 417


1- وسائل الشيعة 2: 211.
2- وسائل الشيعة 2: 211.
3- انظر: شرح العروة الوثقى 5: 403.
4- المصدر نفسه 2: 212، ح3.
5- المصدر نفسه، ح4.

وأما الوجه الثاني فإن النصوص المشار إليها إما قاصرة عن الإثبات سنداً وإما دلالة، وإما من كلتا الناحيتين فلاحظ[112]...

ثمّ إنّه لا يجوز الدخول لوضع شيء فيها، بل الأحوط[113] عدم وضع شيء فيها حال العبور أو من الخارج...

لاحظ ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين، إلى أن قال: ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئاً، قال زرارة: قلت له: فما

-------------------------

نعم، الغضب قد يدل على التحريم، كما في «من غضب اللّه وغضبك»(1)، فتأمل.

[112] قوله: [فلاحظ] لكن قد يقال: إنَّه لو ثبت جبرها بالعمل لكفى. وللتنقيح(2) كلام سبق.

[113] قوله: [بل الأحوط] فإنَّ الموضوع هو الوضع، فيشمل جميع الحالات «ولا يضعان فيه شيئاً»(3).

ص: 418


1- وسائل الشيعة 2: 212.
2- انظر: شرح العروة الوثقى 5: 403، حيث قال: « قدمنا أن الوضع محرم في نفسه لا من جهة حرمة الدخول، فلو وضع فيه شيئاً من الخارج ارتكب محرماً، كما لا محالة أنه لو وضعه فيه بالدخول ارتكب محرمين، ولكن الأخذ جائز، والفارق ما ورد في النصوص: من أن الجنب لا يتمكن من أخذ ما في المسجد إلا من المسجد، ولكنه يتمكن من الوضع في غير المسجد».
3- وسائل الشيعة2: 213، ح2.

بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال: لأنّهما لا يقدران[114] على أخذ ما فيه إلاّ منه، ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره«(1).

والأحوط[115] عدم الدخول لأخذ شيء منها؛ لإطلاق النهي عن الدخول إلاّ مجتازاً. نعم، يجوز الأخذ منها من الخارج، فإنّ القاعدة الأولية تقتضي الجواز، مضافاً إلى النصّ[116]...

-------------------------

[114] قوله: [لا يقدران] لعل المراد أنَّه لو أراد شرب الماء - مثلاً - فلا يقدر عليه - عادة - إلاّ منه، أمَّا لو كان عنده متاع فيمكن أن يضعه في مكان آخر، فتأمل.

[115] قوله: [والأحوط] لا يقال: إن «يأخذان» مطلق فيشمل الأخذ في حال الدخول، فإنَّه يقال: ليس في مقام البيان من هذه الجهة، وحينئذٍ يشمل النهي لدخول ذلك.

علماً بأنَّ النسبة المنطقية عموم من وجه:

(يأخذان) سواء الأخذ بغير دخول أم بالدخول للأخذ.

(لا يدخلان) سواء بالدخول للأخذ أم الدخول لغير الأخذ.

فمورد الاجتماع (بالدخول للأخذ).

ولكن حيث لا إطلاق ل- «يأخذان» يكون المحكم إطلاق «لا يدخلان».

[116] قوله: [النص] لإطلاقه، فإنَّه يشمل الأخذ من الخارج والأخذ حال الاجتياز.

ص: 419


1- وسائل الشيعة2: 213، ح2.

أنّه تحرم على الجنب قراءة سور العزائم... لاحظ حديثي زرارة ومحمد عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: »قلت له: الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئاً؟ قال: نعم ما شاءا إلاّ السجدة[117] ويذكران اللّه على كلّ حال«(1)...

وأمّا تعيين مورد العزائم فيما ذكر فتدل عليه جملة من النصوص، منها[118]: ما رواه داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة«(2)...

ومنها: ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبّر[119] قبل سجودك، ولكن

-------------------------

[117] قوله: [السجدة] الظاهر منها آية السجدة، أو على الأقل هو القدر المتيقن، ويرجع في غيرها إلى البراءة، وكذا ما بعده(3).

[118] قوله: [منها] (اقرأ باسم ربك)(4) اللفظ فيه واحد، وكذا (النجم) و(حم السجدة) وأمَّا الأُخرى: فعبر ب- (تنزيل السجدة) أو (ألم تنزيل).

[119] قوله: [فلا تكبر] حيث إنَّه في مقام توهم الوجوب لا يفيد إلاّ نفي الوجوب.

ص: 420


1- الاستبصار 1: 115.
2- الخصال: 252.
3- انظر: وسائل الشيعة 2: 216، الدلائل 1: 505.
4- سورة العلق.

تكبّر حين ترفع رأسك، والعزائم أربعة: حم السجدة وتنزيل والنجم واقرأ باسم ربك«(1)...

أنّه يجب الغسل للنذر وشبهه، والوجه فيه أنّ متعلق النذر إذا كان راجحاً وتعلق به النذر يجب، وكذلك بواقي المذكورات[120]، والمفروض أنّ غسل الجنابة أمر راجح، بل ادّعي عن بعض وجوبه النفسي، ولكنّ الحقّ أنه مستحب نفسي[121]... الظاهر أنه لايحتاج فإنّ المستفاد[122] من الدليل أنه بنفسه يوجب الطهارة...

فإنّ المستفاد[123] من الآية الشريفة أنّ الغسل بنفسه طهارة...

-------------------------

[120] قوله: [المذكورات] في اليمين لا يشترط الرجحان.

[121] قوله: [نفسي] لقوله تعالى: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(2) ولا شك أنه طهارة، والمغتسل متطهر.

[122] قوله: [فإن ّالمستفاد من الدليل] بل يكفي إطلاق {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولم يقل بقصد الكون على الطهارة.

[123] قوله: [المستفاد من الآية] لكن قد يقال: إنَّه محفوف بما يمنع الإطلاق وهو: { إِذَا قُمْتُمْ..}(3) ففي هذا الظرف تكون الطهارة محبوبة لله تعالى، وما هو محفوف بما يصلح للقرينية يمنع الإطلاق(4).

ص: 421


1- الكافي 3: 317.
2- البقرة: 222.
3- المائدة: 6.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 387 - 388.

فصل: فيما يكره للجنب

فيما يكره للجنب[124]، وهو أمور: الأوّل: الأكل والشرب إلاّ أن يتوضأ قبلهما، أو يتمضمض ويستنشق[125]. الثاني: قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن غير سور العزائم(*)[126]

(*) لاحظ ما رواه سماعة قال: »سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: ما بينه وبين سبع[127] آيات«(1)...

-------------------------

[124] قوله: [للجنب] على مبنى الماتن والشارح يرد سؤال، وهو أنَّه لِمَ لَمْ يذكرا «ولو رجاءً»؟ إذ إنَّهما - كما يبدو - يستشكلان في قاعدة التسامح.

[125] قوله: [ويستنشق] ويغسل يديه قبلهما، والقبلية مبنية على أنَّ (الواو) في أمثال المقام تفيد الترتيب، مثل قوله: تكبير وتسبيح وتهليل، فإنَّ ظاهره الترتيب، وإن كانت (الواو) عموماً لمطلق الجمع، فتأمل.

[126] قوله: [العزائم] على الأحوط الأولى. نعم، يحرم قراءة آية السجدة كما سبق.

[127] قوله: [وبين سبع] هل هذا يدل على ست أو سبع، أو أنَّ البين تدل على عدم بلوغ السبع؟

ص: 422


1- الاستبصار 1: 114- 115.

وأشدّ كراهة قراءة سبعين آية(*).

والأولى عدم قراءة شيء من القرآن حتى يغتسل(**).

الثالث: مسّ غير الكتابة من القرآن كحواشيه وبين سطوره(***).

(*) لاحظ حديث سماعة: وفي رواية زرعة عن سماعة: قال: »سبعين[128] آية«(1).

(**) لاحظ ما روي عن عليّ (عليه السلام) : »كان رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يحجزه[129] عن قراءة القرآن إلاّ الجنابة«(2).

(***) لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : »الجنب والحائض يفتحان[130] المصحف من وراء الثوب

-------------------------

[128] قوله: [سبعين] هذه العبارة مجملة، وكذا ما قبلها(3)، فهل بينه وبين السبعين؟ ولو كان كذلك فلماذا جعل ما فوق السبع مكروهاً، وجعل السبعين مكروهاً لا فوق السبعين؟

[129] قوله: [لا يحجزه] تدل على المرجوحية، وإلاّ لقرأ، وراجع بحث أن الكراهة في العبادة ماذا تعني(4)؟

[130] قوله: [يفتحان] هل تدل على استحباب ذلك، أو كراهة ضدَّه؟

ص: 423


1- المصدر نفسه.
2- مستدرك الوسائل 1: 465.
3- وهو قوله (عليه السلام) : «ما بينه وبين سبع آيات». الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 507.
4- ذكر الفقهاء أن الكراهة في العبادة تعني قلّة الثواب. انظر: الرسائل الفقهية: 163، العروة الوثقى2: 276، فقه الصادق (عليه السلام) 8 :301.

والأفضل له تعجيل الغسل مع الإمكان(*).

الخامس: الخضاب بالحناء وغيره، كما أنّه يكره له إجناب نفسه إذا كان مختضباً قبل أن يأخذ الخضاب مأخذه[131] ويكره غير ذلك أيضاً.

ويقرآن من القرآن ما شاءا إلاّ السجدة«(1). الحديث، فإنّ المستفاد من الخبر حرمة مسّ غير الكتابة أيضاً، وحيث إنّه لا يمكن[132] الالتزام بمفاده يحمل على الكراهة، والسند مخدوش...

(*) لعلّه (قدس سره) ناظر[133] إلى محبوبية الطهارة، فإنّ اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين.

-------------------------

ويكفي فتوى الفقيه بالكراهة.

[131] قوله: [مأخذه] الكراهة مستمرة ما دام عليه نفس الخضاب، فليس الملاك أن يأخذ الخضاب مأخذه، بل ما دام عليه خضاب.

[132] قوله: [لا يمكن] لعلّه لأنَّه خلاف الإجماع والسيرة، فتأمل.

[133] قوله: [ناظر] وأيضاً روايات اُُخر ظاهرها ذلك، مثل: «إنَّا

لنكسل»(2).

ص: 424


1- تهذيب الأحكام 1: 371.
2- وسائل الشيعة 2: 220.

فصل: فيما ينبغي عند الاغتسال

اشارة

فصل فيما ينبغي عند الاغتسال، وهو أمور: الأول: غسل اليدين من المرفقين ثلاث مرّات قبل الغسل[134].

-------------------------

[134] قوله: [قبل الغسل] الموجود في الروايات هنا «قبل إدخالهما الإناء»(1) فلعله لا يشمل الغسل تحت الدوش(2) مثلاً، إذ لعل للإدخال خصوصية، إلاّ أن يقال: بشمول أدلَّة التسامح لفتوى الفقيه، أو بإلغاء الخصوصية عرفاً، فتأمل. ولاحظ سائر روايات الباب مثلاً رواية زرارة(3) فهي مطلقة.

ثم إنَّ الروايتين الأوليين(4) ذكر فيهما غسل اليد اليمنى فقط. نعم، الرواية

ص: 425


1- انظر: وسائل الشيعة 2: 231، ح8 .
2- قد يوضع على فوهة الأنبوب حاجز فيه ثقوب ويسمّى ب- (الدوش) وهو متعارف في هذه الأعصار. انظر: مهذب الأحكام 1: 221.
3- انظر: وسائل الشيعة2: 230، ح5، عن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن غسل الجنابة، فقال: تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرحك ومرافقك، ثم تمضمض واستنشق...».
4- وهما: عن عبيد اللّه بن علي الحلبي، قال: «سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال: واحدة من حدث البول، واثنتان من حدث الغائط، وثلاث من الجنابة». وسائل الشيعة1: 427، ح1. الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 510. وعن أحمد محمد بن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام) أنه قال في غسل الجنابة: «تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك، ثم تدخلها في الإناء، ثم اغسل ما أصاب منك، ثم أفض على رأسك وسائر جسدك». وسائل الشيعة2: 233، ح16، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 510.

الثاني: المضمضمة كذلك ثلاث مرات[135].

-------------------------

الثالثة ورد فيها: «غسل اليدين»(1) ولعل غسل اليمنى آكد.

ثم إنَّ الرواية الثانية ذكرت «من المرفق» والثالثة «إلى المفصل»، ولعل ذلك يشير إلى درجتين من درجات الاستحباب.

ثم إنَّ الرواية الثانية مطلقة من حيث العدد، والأولى والثالثة(2) حدّدت العدد بثلاثة، والظاهر أنهما مرتبتان من الاستحباب.

[135] قوله: [المضمضة كذلك ثلاث مرات] لم يذكر في الرواية السابقة(3) الثلاث.

نعم، هنا(4) ذكرت الثلاث إلاّ أنها مجملة لا يعلم عودها للأخير فقط أو لما سبقه أيضاً.

إلاّ أن يقال: إنَّ وجود كلمة «ثم» تدل على عودها للثلاثة معاً، وعلى كلٍ فتكفي فتوى الفقيه.

ص: 426


1- انظر: مستدرك الوسائل1: 470، وهي: «وتغسل يديك إلى المفصل ثلاثاً قبل أن تدخلهما الإناء».
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 510.
3- انظر: وسائل الشيعة2: 230، ح5، وهي: عن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن غسل الجنابة، فقال: تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك، ثم تمضمض واستنشق، ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك...». حيث ذكرت المضمضمة فقط، ولم تذكر ثلاث مرات.
4- وهي: عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن غسل الجنابة، فقال: تصب على يديك الماء فتغسل كفيك، ثم تدخل يدك فتغسل فرجك، ثم تمضمض وتستنشق وتصب الماء على رأسك ثلاث مرات، وتغسل وجهك وتفيض على جسدك الماء». وسائل الشيعة2: 225، ح2.

الثالث: الاستنشاق كذلك ثلاث مرّات[136].

الرابع: إمرار اليد على ما تصل إليه من جميع بدنه خصوصاً[137] في الترتيبي، بل ينبغي كمال الاستظهار[138] في إيصال الماء، وتخليل الشعر المجتمع الذي لعلّه لا يصل تحته الماء كاللحية وشعر الإباط، وإخراج الخاتم ونحوه من اليد، وإيصال الماء إلى العكن(1)

-------------------------

[136] قوله: [ثلاث مرات] لم يذكر العدد في الرواية(2)، ولاحظ رواية أبي بصير(3)، ويكفي فتوى الفقيه، أو يقال: إنَّ الاستنشاق منصرف إلى الثلاث بقرينة الوضوء، وفيه نظر.

[137] قوله: [خصوصاً] لعل وجه الخصوصية كونه مورداً للروايتين(4).

وأمَّا في الإرتماسي فلعله لإلغاء الخصوصية، أو لأدلَّة الاحتياط العامَّة، وعلى كلٍ فتكفي فتوى الفقيه.

[138] قوله: [كمال الاستظهار] بحيث لا يصل إلى درجة الوسوسة.

ص: 427


1- العكنة: الطي الذي في البطن من السمن، والجمع عكن وأعكان. وتعكن البطن، إذا صار ذا عكن. انظر: الصحاح 6: 2165.
2- انظر: وسائل الشيعة2: 230، ح5، عن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن غسل الجنابة، فقال: تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك، ثم تمضمض واستنشق، ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك..».
3- المصدر نفسه2: 225، ح2، والتي تقدمت قبل قليل.
4- انظر: وسائل الشيعة2: 232، ح 11، و257، ح6، وانظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 511.

لكمال الاستظهار، وأمّا مع الشكّ[139] في وصول الماء بدون ذلك فيجب مقدمة لحصول العلم بتحقق الغسل(*)...

المسألة 138: غسل الجنابة يجزي عن الوضوء

مسألة 138: غسل الجنابة يجزي عن الوضوء لكلّ ما يتوقف عليه(**).

(*) ما أفاده تامّ؛ إذ مع الشكّ لا يحصل العلم بالامتثال، فتكون قاعدة الاشتغال محكمة على المشهور[140] والاستصحاب مرجعاً على المسلك المنصور.

(**) هذا من الواضحات التي لا تكون قابلة للبحث والخدش، ومورد الاتفاق قديماً وحديثاً، ويدل عليه قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ وَإِن كُنتُم مّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنكُم مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً}(1) فإن الآية الشريفة قسّمت المكلّف إلى قسمين، وبيّنت وظيفة كل فريق،

-------------------------

[139] قوله: [الشك] أو الظن ما لم يبلغ مرحلة الاطمئنان.

[140] قوله: [المشهور] قد يقال بجريانهما معاً، لاحظ بحث الأُصول(2) السببية والمسببية المتوافقة.

ص: 428


1- المائدة: 6.
2- انظر: فوائد الأصول 4: 476، مصباح الأصول 3: 107.

المسألة 139: لو أحدث في أثناء الغسل

مسألة 139: لو أحدث في أثناء غسل الجنابة بالحدث الأصغر لا يلزم إتمام الغسل وإعادته، بل يكفي[141] استئناف الغسل من أوّله بقصد ما هو عليه واقعاً من التمام، أو الإتمام ويتوضّأ بعده[142] لكلّ ما يشترط بالوضوء كالصلاة(*).

والتقسيم قاطع للشركة[143]...

ثانيهما[144]: ما رواه محمّد بن ميسرة، قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق، ويريد أن يغتسل منه، وليس معه إناء يغرف به، ويداه قذرتان، قال: يضع يده ثمّ يتوضّأ ثم يغتسل«(1)...

(*) ... وتقريب المدعى أن المستفاد[145] من الآية الشريفة في

-------------------------

[141] قوله: [بل يكفي] الظاهر كفاية الإتمام والوضوء.

[142] قوله: [بعده] أو في أثنائه.

[143] قوله: [للشركة] إلاّ أنَّ الآية الكريمة في خصوص الصلاة، إلاّ أن يتم المدعى بعدم القول بالفصل أو بالمناط، فتأمل.

[144] قوله: [ثانيهما] يحتمل كون المراد بالوضوء التطهر، راجع كتاب الأطعمة والأشربة، بحث الوضوء قبل الأكل(2).

[145] قوله: [المستفاد] الآية الكريمة في خصوص الصلاة، ويتم الأمر

ص: 429


1- الكافي 3: 4.
2- نزهة الناظر: 12، مشارق الشموس 1: 167، الينابيع الفقهية 26: 221.

فصل: في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : أنّه من قرأ بعد الوضوء أو غسل الجنابة هذا الدعاء سقطت عنه ذنوبه[146] كما يسقط ورق الشجر(1).

سورة المائدة: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} أنّ المكلف المحدث قسمان: قسم محدث بالحدث الأصغر، وقسم محدث بالحدث الأكبر...

ومن ناحية أخرى[147] المجنب قبل تمامية غسله لا يخرج عن كونه جنباً...

وأمّا في الأثناء فلا أثر له؛ إذ الحدث الأصغر[148] بالنسبة إلى

-------------------------

في غيرها بفهم الملاك عرفاً، أو بفهم عدم الخصوصية، أو عدم القول بالفصل.

[146] قوله: [ذنوبه] هنا سؤال عام: وهو أنَّ الفقهاء يشترطون سقوط الذنوب بالتوبة المصطلحة فمعها لاحاجة إلى ذلك، وبدونها لا يجدي ذلك شيئاً، وهذا الكلام سيال في أبواب كثيرة.

والجواب: أنَّه مقتضٍ، وإن كان مشروطاً بشرط، فتأمل.

[147] قوله: [أخرى] لكن الدليل منصرف عنه ولو بقرينة فهم المشهور.

[148] قوله: [الأصغر] الأولى الاستدلال بأنه ليس طاهراً، والحدث بعد

ص: 430


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 522 بتصرف.

المحدث بالأكبر غير مؤثر في شيء فلاحظ[149].

-------------------------

الحدث لا معنى له؛ لكونه تحصيلاً للحاصل.

[149] قوله: [فلاحظ] لكن هنالك رواية تدل على لزوم الإعادة من رأس(1)، لكن الظاهر ضعف سندها.

ص: 431


1- انظر: وسائل الشيعة2: 238، ح4، وهي: عن الصادق (عليه السلام) قال: «لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة، ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثاً من بول أو غائط أو ريح أو مني بعدما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله».

فصل: في كيفية غسل الجنابة

اشارة

وهو قسمان[150]: ترتيبي وارتماسي(*).

أمّا الترتيبي فهو عبارة عن غسلات ثلاث[151]... والأحوط[152] غسل الجانب الأيمن من العنق مع الطرف الأيمن، وغسل الجانب الأيسر (منه) مع الطرف الأيسر أيضاً، ويلزم[153] غسل النصف الأيمن من العورة والسرّة مع الطرف الأيمن، والنصف الأيسر منهما مع الأيسر. والأولى غسل تمامهما مع كل من الطرفين بقصد ما هو عليه واقعاً(**).

(*) لا إشكال في أنّ الغسل قسمان[154] في وعاء الشرع، وتدلّ على المدّعى السيرة وارتكاز أهل الشرع والشهرة في الألسن والكلمات...

(**)... وتدل على المدعى جملة من النصوص، منها: ما رواه

-------------------------

[150] قوله: [قسمان] وأضاف العم حفظه اللّه تعالى: الغسل تحت المطر، لكن الظاهر أنه ملحق بالارتماسي، فتأمل.

[151] قوله: [ثلاث] لا يبعد عدم لزوم الترتيب بين الجانبين.

[152] قوله: [والأحوط] الأولى.

[153] قوله: [ويلزم] سبق أنه لا ترتيب بين الجانبين.

[154] قوله: [قسمان] سبق إضافة قسم ثالث.

ص: 432

محمّد بن مسلم[155] عن أحدهما (عليهما السلام) قال: »سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفيك فتغسلهما ثمّ تغسل فرجك، ثمّ تصب على رأسك ثلاثاً، ثم تصب على سائر جسدك مرتين، فما جرى عليه الماء فقد طهر«(1)...

قال بعض المحققين من علمائنا المتأخرين: إنّ الرأس عند الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) يقال على معانٍ[156]: الأوّل: كرة الرأس التي هي منبت الشعر وهو رأس المحرم[157]. الثاني: أنّه عبارة عن ذلك مع الأُذنين، وهو رأس الصائم[158]. الثالث: أنّه ذلك مع الوجه وهو رأس الجناية في الشجاج...

ويمكن الاستدلال على المدّعى بما رواه زرارة. ووجه الاستدلال أنّه لا إشكال[159] في لزوم غسل العنق ولم يذكر في الحديث...

-------------------------

[155] قوله: [محمد بن مسلم] الشاهد في الروايات الثلاث(2) كلمة «ثم».

[156] قوله: [معانٍ] غير ثابت ويحتاج للتحقيق.

[157] قوله: [المحرم] في بعض المناسك: إضافة الأُذنين.

[158] قوله: [الصائم] قال في العروة: «المراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه»(3).

[159] قوله: [إشكال] بالضرورة، ولقوله: «ثم تغسل جسدك من لدن

ص: 433


1- الكافي 3: 43.
2- انظر: الوسائل، باب26 من أبواب الجنابة، ح1، 2، 8 .
3- العروة الوثقى3: 555.

أضف إلى ذلك السيرة[160] الخارجية الجارية بين أهل الشرع...

الأمر الثالث: غسل الطرف الأيمن من البدن، ويمكن الاستدلال على المدعى بما رواه زرارة[161]، فإنّ المستفاد من الحديث الترتيب بين الجانبين...

وبعبارة أخرى: لفظ (ثمّ) يدلّ على الترتيب، وأمّا لفظ (واو) فلا يدلّ إلاّ على الجمع، لكن هل يمكن الإذعان بما ذكر، مثلاً إذا ورد في الدليل يستحب في يوم السبت لكلّ مكلف أن يصلي ركعتين ويذكر الحوقلة مئة مرّة، ويقول: يا اللّه مئة مرة ويتصدق على المسكين، ماذا[162] يفهم من الحديث المذكور؟...

-------------------------

قرنك إلى قدمك»(1)، و«ثم يفيض الماء على جسده كلّه»(2).

[160] قوله: [السيرة] فيه نظر.

[161] قوله: [زرارة] الظاهر أنه يفيد العكس، إذ قال «ثم...» وهو لا يدل على تأخر البدن عن الرأس، ثم قال «ثم صب على منكبه الأيمن»(3) مما يدل على عدم الترتيب بين الجانبين، ولا أقل من الإجمال مع هذه القرينة، فالمرجع البراءة.

[162] قوله: [ماذا] في مثل هذا لا يبعد الترتيب، وإن كانت (الواو) لا

ص: 434


1- تهذيب الأحكام1: 148.
2- وسائل الشيعة1: 212، ح4.
3- وسائل الشيعة2: 229، ح2.

ويمكن تقريب المدّعى بنحو آخر، وهو: أنّ المستفاد[163] من حديث زرارة أنّ الغسل له ثلاثة أجزاء.

وأمّا الاستدلال على المدّعى بما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) ... فيرد فيه: أنّ السند مخدوش[164] بإبراهيم بن مهزيار، لكن يكفي لإثبات المدعى ما تقدم في حديث زرارة مؤيداً بالسيرة الخارجية، بحيث لا يبعد أن يكون خلافها مستنكراً[165] عند أهل الشرع، فلاحظ...

الأمر السابع: أنّه يجب[166] غسل النصف الأيمن من العورة مع الجانب الأيمن، وغسل النصف الأيسر منها مع الجانب الأيسر...

-------------------------

تدل على الترتيب أساساً، قال ابن مالك: «فاعطف بواو سابقاً أو لاحقاً...»(1) لكن مع القرينة المزبورة لا تدل.

[163] قوله: [المستفاد] لا يستفاد ذلك أصلاً، وإنما ذُكر المنكبان ليصل الماء إلى جميع البدن.

[164] قوله: [مخدوش] مضافاً إلى أنَّ التشبيه من ذلك الجانب لا هذا الجانب، أي: شبه غسل الميت بغسل الجنب لا العكس، فلو قيل: زيد كالأسد، لم يُستفد أن كل حكم لزيد فهو للأسد.

[165] قوله: [مستنكراً] فيه نظر جداً.

[166] قوله: [يجب] سبق أن الترتيب أولى.

ص: 435


1- شرح ابن عقيل 2: 226.

المسألة 140: إيصال الماء إلى البدن في الغسل

مسألة 140: الواجب في الغسل هو إيصال الماء إلى البدن بأي نحو كان[167] ولا يجب خصوص الصب ولا إمرار اليد...

المسألة 142: كيفية الغسل في الماء

مسألة 142: لو كان في الماء فحرّك رأسه تحت الماء بقصد الغسل، ثمّ حرك طرفه الأيمن ثم الأيسر كفى وصح الغسل، وأما الارتماسي وهو عبارة عن غسل جميع البدن بالتغطية في الماء دفعة[168]، ولا يعتبر[169] حصوله في آن حقيقي. كما لا يكفي الدخول في الماء تدريجاً بالثاني، بل اللازم دخول أجزاء البدن في الماء متعاقباً بلا تراخي، بحيث يشتمل الماء على جميع الأجزاء في

الأمر الثامن: أنّ الأولى غسل تمام العورة مع كلّ من الطرفين بقصد ما هو عليه واقعاً، والظاهر أنّه لا وجه[170] لما ذكر أصلاً...

-------------------------

[167] قوله: [كان] بحيث يسمى غسلاً عرفاً.

[168] قوله: [دفعةً] على الأحوط، ومنه يظهر الكلام فيما يأتي(1).

[169] قوله: [ولا يعتبر] بل قال الشارح: «لا يلزم إدخال العضو في الماء»(2)، وإن تنظرنا فيه.

[170] قوله: [لا وجه] الوجه أن البعض أفتى بلزومه(3)، وهذا كافٍ في الأولوية.

ص: 436


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 522.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 522 - 523.
3- انظر: العروة الوثقى 1: 523، الحواشي.

تلك التغطية، ولا يصل إلى شي ء من البدن مانع عن الماء إلى دخول تمامه فيه، والغسل الترتيبي أفضل من الارتماسي(*).

(*) ... واحتاط سيّدنا الأُستاذ (قدس سره) في منهاجه بلزوم الإدخال في الماء، بتقريب أن الأمر ظاهر[171] في الإحداث، ولا يتحقق الغسل بالإحداث إلاّ بإدخال العضو في الماء...

ويرد[172] عليه: أنه لا دليل على كون الأمر ظاهراً في الإحداث، وقلنا[173]: إنه لو أمر المولى عبده بكونه في المكان الفلاني من الظهر، والعبد دخل ذلك المكان قبل الظهر وبقي هناك إلى ساعة بعد الظهر، فلا إشكال في تحقق الامتثال.

... ثمّ إن اللازم في الارتماسي غسل جميع البدن بالتغطية في الماء دفعة، والظاهر[174] أنّ الوجه فيه أنّ الوارد في النص عنوان

-------------------------

[171] قوله: [ظاهر] كما لو قال: (اسجد) فلا يكفي إدامة السجود.

[172] قوله: [ويرد] مقتضاه أنه لا يلزم التحريك أيضاً، بل يكفي الإبقاء.

[173] قوله: [وقلنا] هنا يعلم أن المقصود الكينونة، ولا تعلم في مسألة الغسل، إلاّ أن يقال: إنه يعلم هنا عرفاً، فتأمل.

[174] قوله: [والظاهر] فيه نظر، فإن الارتماس مفهوم عرفي، وهو يصدق وإن خرج بعض رجله قبل دخول رأسه، أو دخل بعض رجله في الطين، فتأمل.

وللسيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(1) كلام في ذلك، إذ ذكر أنه مقتضى الجمع

ص: 437


1- انظر: الفقه10: 147.

الارتماس، والارتماس فسر في اللغة بالستر[175]، والستر عنوان يتحقق دفعة؛ إذ ما دام لا يكون مستوراً[176] لا يتحقق عنوان الستر، وإذا تحقق فلا تدرج فيه.

وبعبارة واضحة: لا يتصور في الستر التدرج، فيلزم في الغسل الارتماسي الدفعة، لكن يكفي الدفعة العرفية، ولا يعقل[177] تحقق الحقيقية.

... إنّ الغسل الترتيبي أفضل من الارتماسي، ويمكن أن يكون الوجه فيه حديث زرارة[178]، فإنّ المستفاد من الحديث أنّ الوظيفة الأولية الغسل الترتيبي، لكن يجوز للمكلف الإتيان بالارتماسي.

-------------------------

عرفاً بين «فما جرى عليه الماء»(1)، و «إذا مس جلدك» ثم تنظر في ذلك، فراجع.

[175] قوله: [بالستر] لكنه عرفاً بمعنى الدخول في الماء(2)، فتأمل.

[176] قوله: [مستوراً] هذه دقة عقلية لا تتحملها الأذهان العرفية.

[177] قوله: [ولا يعقل] قد يقال: يعقل فيما لو كان تحت الماء ونوى الغسل بالتحريك، فتأمل.

[178] قوله: [زرارة] فيه نظر، فإنه يمكن أن يكون ذكره كذلك لسهولته ووفرته بخلاف الارتماسي، وتكفي فيه فتوى الفقيه، أو يقال: إنه

ص: 438


1- تهذيب الأحكام1: 133، ح 59.
2- انظر: العروة الوثقى1: 524.

-------------------------

مسارعة في الخير - فيما لو كان أسرع - فإنّه حصول تطهر أسرع، فتأمل، فإن الموارد تختلف.

وعلى رأي المصنف قد يتعارضان، فقد نحتاج في الارتماسي إلى ثلاث دقائق، بينما الترتيبي خمس دقائق، فهنا يتعارض الارتماسي مع الترتيبي، وهنا يوجد عنوانان متزاحمان: الإسراع للخير في الارتماسي، وأن الترتيبي أفضل، وقد يكون الوجه أن الترتيبي بطبعه أحمز، فتأمل.

ص: 439

فصل: فيما يعتبر في الغسل

يعتبر في الغسل أمور:

الأوّل: النية، وهو القصد إلى العمل الخاص بداعي القربة[179] على النحو المذكور في الوضوء، ويجوز الجمع بين أغسال متعددة في عمل واحد، بأن ينوي[180] حصول الجميع بتغطية واحدة مثلاً، سواء كانت واجبة أم مستحبة، وأما لو كان بعضها واجباً وبعضها مستحباً فينوي الواجب مع الالتفات[181] إلى كفايته عن المستحب.

الثاني: غسل جميع ظاهر البدن وعدم ترك شيء منه... كما أنّه لا يترك[182] غسل ما يشكّ كونه من ظاهر البدن...

السادس: طهارة البدن قبل الغسل، ويكفي طهارة العضو الذي يريد غسله وإن كان غيره نجساً، وإن كان

-------------------------

[179] قوله: [القربة] مع الخلوص.

[180] قوله: [بأن ينوي] الإجزاء غير متوقف على نية الجميع. نعم، حصول الثواب موقوف عليها.

[181] قوله: [الالتفات] لا أثر له في المقام.

[182] قوله: [لا يترك] لا بأس بتركه.

ص: 440

الأحوط[183] طهارة جميع البدن قبل الشروع في الغسل مطلقاً... وإن كان الأولى مراعاتها بمعنى المتابعة على ما نقل[184] عن بعض الفقهاء. نعم، قد تجب الموالاة بالنذر وشبهه أو لضيق الوقت وأمثال ذلك، لكن لو تركها في تلك الحال أيضاً كان الغسل صحيحاً(*)[185].

-------------------------

[183] قوله: [الأحوط] لا يترك، وذلك للرواية(1)، بضميمة عدم الفرق عرفاً بين الموضع وغيره؛ إذ قد يقال: إنه ذكر أولاً للتسهيل على المكلف، فتأمل.

[184] قوله: [نقل] تكفي فتوى الفقيه، ويشمله «إنا لنكسل»(2)، وكذلك هو مشمول ل- {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(3) فإنه قبل تمام الغسل لا يصدق التطهر، وهو نوع مسارعة إلى البر، وتساعده ظواهر بعض الأدلَّة.

[185] قوله: [صحيحاً] ولكن في ضيق الوقت لو نوى الغسل من جهة الصلاة التي ضاق وقتها على نحو التقييد كان باطلاً؛ لأنه غير مأمور به لها، بل هو مأمور بالغسل الذي تراعى فيه الموالاة، إلاّ في ضيق الوقت لو نوى الغسل بلا موالاة للصلاة التي ضاق وقتها على نحو التقييد، فإنه لا يبعد البطلان حينئذٍ، وكذا في المستحاضة والمسلوس والمبطون لو اتفق خروج الحدث، فتأمل.

ص: 441


1- انظر: وسائل الشيعة2: 226، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 518..
2- المصدر نفسه2: 220، ح7.
3- البقرة: 222.

(*) ... إنّ التداخل في المسببات، وإن كان على خلاف القاعدة الأولية، ولكن يجوز في الاغسال المتعددة بلحاظ النص الخاص، لاحظ ما رواه زرارة قال: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر[186] أجزأك غسلك ذلك للجنابة والحجامة، وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة«(1)...

ولا فرق بين كونها واجبة أو مندوبة أو مختلفة، فإنه قد صرّح [187] في الحديث بالجواز...

وأمّا ما أفاده في المتن من أنه لو كان بعضها واجباً وبعضها مستحباً ينوي الواجب مع الالتفات إلى كفايته عن المستحب، فلا أدري ما مراده من عبارته، وأي أثر[188] للالتفات مع عدم القصد...

وأمّا كفاية نيّة واحدة منها فلا تستفاد[189] من النصوص، وإن

-------------------------

[186] قوله: [الفجر] لعل التقييد باعتبار أن بعض المذكورات تبدأ من اليوم، كالنحر والحلق والذبح.

[187] قوله: [صرّح] لكن لم يفرض في الحديث(2) المندوبة وحدها، فالعمدة الإطلاق.

[188] قوله: [وأي أثر] لعل مراده القصد.

[189] قوله: [فلا تستفاد] فيه: أنه لو اُعطي الحديث(3) للعرف لم يفهم لزوم تعدد النية، بل يراه مجزياً مطلقاً.

ص: 442


1- الكافي 3: 41.
2- الذي تقدم في المتن.
3- الذي تقدم في المتن، وهو: «فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد».

شئت فقل[190]: التداخل على خلاف القاعدة، ويلزم تعدد الغسل...

وصفوة القول: إنّ مقتضى القاعدة عدم كفاية غسل واحد عن أسباب عديدة إلاّ مع نية الجميع؛ إذ المستفاد من دليل الكفاية وحدة الغسل، ولا يكون المولى مع بقية الجهات في مقام البيان[191].

... إنّه يلزم غسل جميع البدن ورفع كلّ مانع عن وصول الماء، وهذا ظاهر واضح؛ إذ الواجب بحسب المستفاد من الدليل وجوب غسل تمام البدن، فلو بقي شيء يسير لم يتحقق الامتثال[192]...

ومنها: ما رواه جميل، قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عمّا يصنع النساء في الشعر[193] والقرون، قال: لم تكن هذه المشطة إنّما كنّ يجمعنه، ثمّ وصف أربعة أمكنة«(1)...

-------------------------

[190] قوله: [فقل] خلاصته: أن اللازم تعدد الغسل وتعدد النية، والقدر المتيقن من الحديث(2) رفع اليد عن الأول فيبقى الثاني.

[191] قوله: [البيان] فيه أولاً: أن الأصل كون المولى في مقام البيان من تمام الجهات. وثانياً: أنه إغراء بالجهل لو كان الواجب تعدد النية، فتأمل.

[192] قوله: [الامتثال] لكنه عرفاً يتحقق(3).

[193] قوله: [الشعر] الذي لا يعد جزءاً من البدن(4).

ص: 443


1- تهذيب الأحكام 1: 147.
2- الذي تقدم في المتن، وهو: «فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد».
3- انظر: الفقه 10: 146.
4- انظر: العروة الوثقى 1: 522.

إنّه لا يجب غسل الشعر، واستدل عليه بجملة من النصوص، منها: ما رواه غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) ، قال: »لا تنقض[194] المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة«(1)...

ومنها: ما رواه عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إنّ النساء اليوم أحدثن مشطاً تعمد إحداهن إلى القرامل [195] من الصوف تفعله الماشطة تصنعه مع الشعر، ثمّ تحشوه بالرياحين ثمّ تجعل عليه خرقة رقيقة، ثمّ تخيطه بمسلة[196] ثم تجعله في رأسها، ثم تصيبها الجنابة، فقال: كان النساء الأول إنّما يتمشطن المقاديم، فإذا أصابهن الغسل تغدر[197] مرها أن تروي رأسها من الماء وتعصره حتى يروي، فإذا روى فلا بأس عليها«(2)...

-------------------------

[194] قوله: [لا تنقض] فلا يدخل إليه الماء أو يحتمل ذلك.

[195] قوله:[القرامل]ما تصله المرأة بشعرها من صوف أو شعر أو إبريسم(3).

[196] قوله: [بمسلة] المسلة: الإبر الكبار(4).

[197] قوله: [تغدر] تترك الشعر على حاله ولا تنقضه(5).

ص: 444


1- الكافي 3: 45.
2- وسائل الشيعة 2: 256.
3- لسان العرب 11: 556، مادّة (قرمل).
4- انظر: الصحاح5: 1731، مادة «سلل».
5- الكافي3: 82 ، الهامش.

وهذه النصوص ضعيفة سنداً فلا يعتد بها، ودعوى الإجماع[198] على المدّعى لا أثر لها بعد ما ثبت في محلّه من عدم اعتبار الإجماع.

... إنه لو شك في جزء من البدن من الظاهر أو الباطن حكم بعدم ترك غسله، والحق أنّ مقتضى القاعدة عدم الوجوب؛ إذ بمقتضى الأصل الأزلي[199] يحكم بعدم كونه من الظاهر فلا يجب غسله...

إنّه يشترط طهارة العضو المغسول، مثل ما تقدّم[200] في الوضوء...

وصفوة القول: إنّ الموالاة لا تجب في الغسل الترتيبي، والدليل عليه مضافاً إلى الشهرة والارتكاز[201] عند أهل الشرع جملة من النصوص...

-------------------------

[198] قوله: [الإجماع] فيه نظر تقدم، هذا ويمكن الاستدلال: بأنه لا تقضي لغسل الشعر؛ إذ الأدلَّة لا تشمله مثل: (رأسك، سائر جسدك) (فكبه) (جسده كله) ولا أقل من الإجمال، فتأمل.

[199] قوله: [الأزلي] فيه نظر، والأولى الاستدلال بالبراءة أو استصحاب البراءة، أي: الأصل الحكمي.

[200] قوله: [تقدم] لكن ظاهر الرواية(1) وجوب تقدم غسل العورة قبل الغسل.

[201] قوله: [والارتكاز] قد يقال: إنه يحتمل نشوؤه من الفتاوى، فتأمل.

ص: 445


1- انظر: وسائل الشيعة2: 229، ح5، عن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن غسل الجنابة، فقال: تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك، ثم تمضمض واستنشق، ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك...».

ومنها: ما رواه حريز[202]: »في الوضوء يجفّ، قال: قلت: فإن جف الأوّل قبل أن اغسل الذي يليه، قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي، قلت: وكذلك غسل الجنابة؟ قال: هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثمّ افض على سائر جسدك«(1)...

ومنها: ما رواه الصدوق عن الصادق (عليه السلام) قال: »لا بأس بتبعيض الغسل، تغسل يدك وفرجك ورأسك، وتؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة، ثمّ تغسل جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثاً من بول أو غائط أو ريح أو مني بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله[203]«(2).

-------------------------

[202] قوله: [حريز] هذه الرواية تدل على عدم لزوم الموالاة في الوضوء، فتأمل.

[203] قوله: [أوّله] ظاهر الرواية ينافي ما تقدم من المصنف، لكن الظاهر ضعف السند.

ص: 446


1- الاستبصار1: 72.
2- من لا يحضره الفقيه1: 88 .

فصل: في الأغسال المندوبة

في الأغسال المندوبة[204] وهي كثيرة ولا يبعد انتهائها إلى مائة...

الأول: غسل الجمعة(*)، ووقت أدائه[205] من طلوع الفجر الصادق

(*) لاحظ ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »الغسل يوم الجمعة على[206] الرجال والنساء في الحضر، وعلى الرجال في السفر وليس على النساء في السفر«(1).

-------------------------

[204] قوله: [المندوبة] لم يثبت استحباب بعضها إلاّ بقاعدة التسامح، فلِمَ لَمْ يقل المصنف والشارح: «رجاءً» على مبناهما؟

[205] قوله: [أدائه] فعلى رأي المصنف له أربعة أوقات:

الأول: من فجر الجمعة إلى الظهر أداءً.

الثاني: ظهر الجمعة إلى المغرب أو الغروب قربة.

الثالث: ليلة السبت رجاءً.

الرابع: يوم السبت قضاءً.

[206] قوله: [على] ظاهره الوجوب، لكن يرفع اليد عن ذلك بالقرائن الخارجية، ومنها: الوضوح.

ص: 447


1- الكافي 3: 42.

في يوم الجمعة إلى الزوال(*). ووقت قضائه من الزوال[207] إلى الغروب من يوم السبت(**)، ويأتي به في ليلة السبت رجاءً[208].

(*) لاحظ ما عن دعائم الإسلام عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) أنّه قال: «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنّه من السنة، وليكن[209] غسلك قبل الزوال»(1).

(**) لاحظ ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: «ومن فاته غسل

-------------------------

[207] قوله: [من الزوال] أي: من زوال الجمعة إلى غروب يوم السبت، فله وقتان:

الأول: فجر الجمعة وظهرها أداءً.

الثاني: ظهر الجمعة وغروب السبت قضاءً، لكن سيأتي التربيع.

ولا يخفى أن الرواية المذكورة(2) تدل على يوم السبت، ولا تشمل بعد ظهر الجمعة ولا ليلة السبت لإجمالها.

[208] قوله: [رجاءً] قد يقال: لا مانع من الإتيان به استحباباً، لفهم الأولوية، فتأمل.

[209] قوله: [وليكن] يفيد الشرطية في المركبات، إلاّ أن يقال: إنه في المندوبات يفيد المثبتان تعدد المطلوب لا التقيد، فتأمل.

ص: 448


1- دعائم الإسلام 1: 181.
2- انظر: مستدرك الوسائل2: 507، ح2، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: «ومن فاته غسل يوم الجمعة، فليقضه يوم السبت».

كما أن الأحوط إتيانه بقصد القربة المطلقة، لا القضاء بعد الزوال إلى آخر يوم الجمعة، بل لا يترك ذلك(*).

ولو خاف عدم التمكن من الماء في يوم الجمعة جاز إتيانه يوم الخميس، أو ليلة الجمعة بنية التقديم(**)،

يوم الجمعة فليقضه يوم السبت[210]»(1).

(*) لعلّه لعدم دليل على قضائه بعد الزوال من يوم الجمعة، لكن يدل على جواز القضاء بعد الزوال ما رواه عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة، قال: يغتسل[211] ما بينه وبين الليل، فإن فاته اغتسل يوم السبت«(2).

(*) لاحظ ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال لأصحابه: »إنكم تأتون

-------------------------

[210] قوله: [يوم السبت] هل يشمل ليلة السبت؟ المصنف احتاط، والظاهر أنه عرفاً لا يشمل الليلة، إلاّ أن يقال: بالأولوية، فتأمل.

[211] قوله: [يغتسل] لا يدل على كونه قضاءً إلاّ سكوت الإمام (عليه السلام) عن قول السائل «فاته» ولا ظهور له، فهو كقول السائل «رجل فاتته الصلاة أول الوقت، فقال: يصلي آخر الوقت» فإن فوت وقت الفضيلة نوع فوت، فتأمل.

فتحصل أنَّ عندنا عنوانين: الأول: يوم الجمعة، وليكن قبل الزوال؛ الثاني: فليقضه يوم السبت.

ص: 449


1- مستدرك الوسائل 2: 507، ح2.
2- تهذيب الأحكام 1: 113.

ولو خاف عدم التمكن منه لعذر آخر قدمه فيهما رجاءً[212]. ولكن إذا تمكن منه يوم الجمعة قبل الزوال أعاده في الصورتين، فإن لم يعده قضاه في مدة القضاء، أمّا إذا لم يتمكن إلا من القضاء لم يعده واكتفى بالتقديم المزبور(*).

غداً منزلاً ليس فيه ماء[213] فاغتسلوا اليوم لغد، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة«(1). ولكن النص يختص[214] بالإتيان به يوم الخميس، وأمّا جواز إتيانه ليلة الجمعة فلم أجد له دليلاً...

(*) ... وأمّا إذا لم يتمكن يوم الجمعة لا يكون وجه للقضاء؛ إذ من الواضح أنّ التقديم وقع في محلّه[215]...

-------------------------

[212] قوله: [رجاءً] ولا مانع من الإتيان به استحباباً، لفهم العرف عدم خصوصية لعدم الماء، فتأمل.

[213] قوله: [ليس فيه ماء] الرواية تختص بصورة العلم بعدم الماء، وأمّا صورة الخوف فتكفي فيها فتوى الفقيه.

[214] قوله: [يختص] إلاّ أن يقال: تكفي فتوى الفقيه.

[215] قوله: [في محله] وبتقرير آخر: لا فوت حتى يقضى.

وبتقرير آخر: لم يقل (عليه السلام) في الرواية المتقدمة: ثم اقضوا بعد ذلك، فتأمل.

وقد يُنظّر له بتقديم وقوف المشعر الاضطراري.

ص: 450


1- وسائل الشيعة 3: 319.

الثاني: غسل يوم عيد الفطر(*).

الثالث: غسل يوم الأضحى، والأحوط أن يأتي بهذين الغسلين من الفجر إلى الزول، وأما بعد الزوال فلا يقصد فيه الورود، بل يأتي بهما رجاءً(**)...

الخامس: غسل يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة(***).

(*) لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «الغسل يوم الفطر سنّة[216]»(1).

(**) لاحظ ما عن فقه الرضا (عليه السلام) : »إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل، وهو أول أوقات الغسل ثم إلى وقت الزوال، قال (عليه السلام) : وقد روي في الغسل إذا زال[217] الليل يجزي من غسل العيدين«(2).

(***) ذكر المحدث القمي في مفاتيح الجنان أن الشيخ الشهيد يرى[218] استحباب الغسل في هذا اليوم،

-------------------------

[216] قوله: [سنّة] وهو يعم الوجوب والاستحباب فلا ينهض دليلاً على الوجوب، مع وضوح الأمر.

[217] قوله: [زال] لعل المراد من زواله أي انعدامه، أي: بعد الفجر، فيكون من التداخل، أو الزوال، أي: منتصف الليل، فتأمل.

[218] قوله: [يرى] وفتوى الفقيه كافية.

ص: 451


1- وسائل الشيعة 3: 329.
2- مستدرك الوسائل 2: 512.

السادس: غسل يوم الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، ووقته - على ما في رواية - في صدر نهاره، وفي أخرى قبل الزوال بنصف ساعة(*)[219].

ولاحظ ما أرسله[220] الصدوق قال: »قال أبو جعفر (عليه السلام) : الغسل في سبعة عشر موطناً: ليلة سبعة عشر من شهر رمضان...«(1).

(*) لاحظ ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث طويل... إلى أن قال:

-------------------------

[219] قوله: [بنصف ساعة] هذا الخبر(2) وارد في استحباب الصلاة مع الغسل، وعليه يختص الاستحباب المذكور في المتن بصدر النهار.

ثم إنّه هل المستحبات تقيد وحدة المطلوب أو تعددها؟ وما هو معنى صدر النار، فهل هو أوّله؟

نعم، لا بأس بالتداخل، لكن هل يمكن اجتماعهما؟ أي: صدر النهار ونصف ساعة قبل الزوال.

ثم ما معنى الساعة(3) في مصطلح الرواية؟

[220] قوله: [أرسله] بغض النظر عن البحث في مرسلاته، فالرواية مشمولة لأدلَّة التسامح.

ص: 452


1- الخصال: 508.
2- انظر: مستدرك الوسائل2: 520، ح2، قال مولانا جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) : «يوم غدير خم - إلى أن قال - : ومن صلى فيه ركعتين يغتسل لهما قبل الزوال بنصف الساعة...».
3- الساعة جزء مؤقت من أجزاء الليل والنهار. انظر: كتاب العين8 : 404.

وفي غيرهما يأتي رجاءً[221].

السابع: غسل يوم المباهلة، وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة على أصحّ الروايات على ما في الإقبال(*)...

الحادي عشر: غسل شهر رجب وهو في اليوم الأوّل ويوم النصف واليوم الآخر وفي ليالي هذه الأيام(**).

»فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب[222] الغسل في صدر نهاره«(1).

(*) لاحظ ما رواه[223] السيد في الإقبال في أعمال يوم المباهلة... وغسل الاستخارة يستحبّ، لكن في الرواية (غسل المباهلة) لا غسل[224] يوم المباهلة.

(**) ... ولاحظ ما رواه هشام بن حسان، عن الحسن، قال: »قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وفي وسطه، وفي آخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه«(2).

-------------------------

[221] قوله: [رجاءً] لاحظ هل هنالك فتوى بالاستحباب المطلق؟

[222] قوله: [وجب] بمعنى ثبت، مثل: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}(3).

[223] قوله: [رواه] وتكفي فتوى الفقيه لذلك.

[224] قوله: [لا غسل] لكن سبق كفاية فتوى الفقيه.

ص: 453


1- مستدرك الوسائل 2: 520.
2- وسائل الشيعة 3: 334.
3- الحج: 36.

الثاني عشر: غسل ليلة النصف من شعبان(*).

الثالث عشر: غسل شهر رمضان وهو في أول الشهر(**)

بتقريب أنّ عنوان أول رجب يصدق[225] على كلّ واحد من اليوم والليلة، وكذلك عنوان النصف وعنوان الآخر، فتكون النتيجة[226] استحباب الغسل في هذه الليالي والأيام.

(*) لاحظ ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه، ذلك تخفيف[227] من ربكم ورحمة»(1).

(**) لاحظ ما روي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «يستحب الغسل في أول ليلة[228] من شهر رمضان وليلة النصف منه»(2).

-------------------------

[225] قوله: [يصدق] لعل الظاهر النهار كما ذكر في غسل يوم الجمعة، فتأمل.

[226] قوله: [النتيجة] فيه نظر؛ إذ يكفي الغسل في الليل أو النهار لا هما معاً، كما هو ظاهر عبارة الماتن وقاله الشارح(3) ؛ إذ الطبيعي يمتثل بالفرد الواحد، لكن يكفي لإثبات المدّعى فتوى الفقيه.

[227] قوله: [تخفيف] لعلّه تخفيف للذنوب، فتأمل.

[228] قوله: [ليلة] لكن مدعى الماتن أول الشهر لا أوّل ليلة. نعم، أوّل

ص: 454


1- وسائل الشيعة 10: 492.
2- المصدر نفسه 3: 325.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 538.

والليالي الأفراد منه(*).

ويتأكد في ليالي القدر(**)... والظاهر استحبابه في كلّ ليلة من ليالي العشر الأواخر(***)، كما أنّ الظاهر أنّه لو أتى بغسل ليلة الثالث والعشرين في أول الليل استحب له غسل آخر في آخرها[229].

(*) لم نجد[230] دليلاً على الحكم المذكور.

(**) لاحظ ما رواه عيسى بن راشد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الغسل في شهر رمضان، فقال: كان أبي يغتسل في ليلة تسع عشرة، وإحدى[231] وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين»(1).

(***) لاحظ ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر[232] في كل ليلة»(2)...

-------------------------

الشهر يشمل أول ليلة.

[229] قوله: [آخرها] وعلى هذا يكون في شهر رمضان عشرون غسلاً تقريباً.

[230] قوله: [لم نجد] تكفي فتوى الفقيه.

[231] قوله: [وإحدى...] ظاهره أنه عطف، أي: في ليلة إحدى وعشرين.

[232] قوله: [في العشر الأواخر] تبدأ - ظاهراً - من إحدى وعشرين إلى ثلاثين، فهل المراد ليلة إحدى وعشرين واثنتين وعشرين، وحينئذٍ يتحد مع المتن؟

ص: 455


1- وسائل الشيعة 3: 327.
2- المصدر نفسه 3: 326، ح10.

الرابع عشر: غسل ليلة عيد الفطر(*).

وليس للأغسال المذكورة التي لم يذكر لها وقت خاصّ في أوقاتها المزبورة وقت معيّن، لكن الأولى إتيانها في أوائل أوقاتها، إلا في غسل الجمعة الذي صرّح الفقهاء بأنّه كلّما قرب إلى الظهر كان أولى(**).

(*) لاحظ ما رواه الحسن بن راشد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إنّ الناس يقولون إنّ المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر، فقال: يا حسن، إنّ القار يجار إنّما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة العيد، قلت: جعلت فداك فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال: إذا غربت[233] الشمس فاغتسل»(1).

(**) ... وبعبارة أخرى: الإطلاق عبارة عن الإرسال، ولعل ما أفاده من الأولوية من باب أن في التأخير آفات[234]...

-------------------------

[233] قوله: [غربت] لكن الغروب قبل الليل، فلا ينهض على ما في المتن(2) .

[234] قوله: [آفات] بل لقوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ}(3) وسائر أدلَّة المسارعة مثل { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ}(4).

ص: 456


1- من لا يحضره الفقيه 2: 167، ومعنى «القار يجار» معرب «كاريگار» وفي بعض النسخ «الغاريجان» وهو بمعنى الحصاد الذي يحصد بالفرجون، بمعنى الداس.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 540، عند قوله: «غسل ليلة عيد الفطر».
3- آل عمران: 133.
4- البقرة: 148.

وهذه الأغسال لا ينقضها الحدث الأصغر ولا الأكبر بمعنى عدم استحباب إعادتها بعده(*)...

الثاني: الغسل لدخول المسجد الحرام(**).

ويدل عليه ما رواه البزنطي، عن الرضا (عليه السلام) قال: «كان أبي يغتسل يوم الجمعة عند الرواح[235]»(1)...

(*) ما أفاده مقتضى القاعدة الأولية، فإن الانتقاض يتوقف على الدليل[236].

(**) لاحظ ما أرسله الصدوق: «الغسل في سبعة عشر موطناً، ليلة سبعة عشر من شهر رمضان وليلة تسعة عشر منه، وليلة إحدى وعشرين، والعيدين وإذا دخلت الحرمين[237]»(2)...

-------------------------

[235] قوله: [الرواح] هل المراد الرواح إلى الجمعة أو معنى آخر؟ وعلى كل ٍ لو كان معناه وقت الرواح إلى الجمعة لم يدل على ما في المتن؛ إذ لعل رواحه كان قبل ساعتين، لكن الظاهر أن الرواح بمعنى الظهر، فتأمل.

[236] قوله: [الدليل] والطبيعي يمتثل بالمرة.

[237] قوله: [الحرمين] لا يعلم كونه بمعنى المسجد الحرام، بل يحتمل كونه بمعنى حرم مكة وحرم المدينة. نعم، قد يقال: «ويوم يدخل البيت»(3) أي: المسجد الحرام، فتأمل.

ص: 457


1- وسائل الشيعة 3: 322.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 77.
3- مستدرك الوسائل2: 498،ح3.

الثالث: الغسل لدخول الكعبة(*)...

السادس: الغسل لدخول روضته المقدسة، لكن كون استحباب الغسل في الأخير للمكان غير معلوم(**)(1).

(*) لاحظ ما أرسله الصدوق المتقدّم آنفاً[238]...

(**) فلا يكون[239] من الأغسال المكانية، بل يكون داخلاً في الأغسال لأجل جملة من الأفعال، وبعبارة أخرى يكون للزيارة[240].

-------------------------

[238] قوله: [آنفاً] لم يعلم كون دخول البيت بمعنى دخول الكعبة، بل يحتمل كونه بمعنى المسجد الحرام.

[239] قوله: [فلا يكون] لكن لم يذكر الشارح دليله.

[240] قوله: [للزيارة] هل معنى الزيارة حضور الزائر عند المزور أو غيره؟

وعلى الأول: هل يكون مكانياً أو فعلياً؟ ثم هل تنتقض الأغسال المكانية بالحدث؟

قال في العروة: «كما لا يبعد كفاية غسل واحد في أول اليوم، أو أول الليل للدخول في آخره»(2). لكنه قال: «ينتقض الأغسال الفعلية من القسم الأول، والمكانية بالحدث الأصغر»(3) واحتمل عدم انتقاضهما(4)،

ص: 458


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 542.
2- العروة الوثقى 2: 153.
3- المصدر نفسه 2: 159- 160.
4- المصدر نفسه2: 160، حيث قال: «ويحتمل عدم انتقاضها».

القسم الثالث: الأغسال التي يؤتى لبعض الأفعال[241]، ومنها الغسل للإحرام(*)،

(*) لاحظ ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: »الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين،

-------------------------

فقال(1) السيد الوالد (رحمه اللّه) : عدم انتقاضها أقرب مع استحباب إعادتها، وكذا ذكر السيد الوالد (رحمه اللّه) (2) بالنسبة إلى الأغسال التي يؤتى بها لأجل الفعل الذي يريد أن يفعله.

[241] قوله: [الأفعال] وقسمها في العروة إلى قسمين: الأول: ما يكون مستحباً لأجل الفعل الذي يريد أن يفعله(3).

الثاني: ما يكون مستحباً لأجل الفعل الذي فعله(4)، وقد ذكر الماتن القسم الأول في الصفحة 546(5).

ص: 459


1- انظر: الفقه15: 490، حيث قال: «كما عن ابن ادريس، حيث قال: بعدم الانتقاض مطلقاً، وهنا قول: ثالث بالتفصيل بين النوم فالنقض، وبين غيره فعدم النقض، كما عن جماعة آخرين. لكن الظاهر ما ذكرنا، من القول الأول، والأقرب عندنا هو الثاني».
2- انظر: المصدر نفسه 15: 494.
3- انظر: العروة الوثقى 2: 154.
4- المصدر نفسه 2: 156.
5- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 546، حيث قال: «وقد يستحب الغسل بعد حصول بعض الأفعال، ومن ذلك الغسل لقضاء صلاة الكسوف...».

وللطواف وللوقوف[242] بعرفات.

وللوقوف بالمشعر(*)، وللنحر أو الذبح وللحلق، وللزيارات[243] للنبي والأئمة صلوات اللّه عليهم، ولمن أراد أن يرى الإمام (عليه السلام)

وحين تحرم[244]«(1)...

(*) قد ذكره الماتن (رحمه اللّه) وبعض آخر من الفقهاء رحمهم اللّه، ولكن لم نجد[245] دليلاً يدلّ عليه، واللّه العالم.

-------------------------

[242] قوله: [وللوقوف] الروايات(2) الواردة لا تدل على ذلك، بل تدل على أنه بعد زوال الشمس يغتسل، فلعله لأعمال عرفة، أو ليكون متطهراً في وقت الوقوف، فتأمل.

[243] قوله: [وللزيارات] هل المراد هو صرف الحضور أو الزيارة المصطلحة الفعلية؟ قد ذكرنا ذلك سابقاً.

[244] قوله: [تحرم] ظاهره الأولي بعد الإحرام، لكن قد يعبر بالفعل ويراد إرادة الفعل كما في المغني(3)، مثل «إذا قمتم» كما أن العكس وارد أيضاً، ومناسبة الحكم والموضوع تقتضي تقديم الغسل،كما أنَّ فهم الفقهاء والسيرة يؤيدان ذلك أيضاً.

[245] قوله: [لم نجد] تكفي فتوى الفقيه.

ص: 460


1- الكافي 3: 40.
2- انظر: وسائل الشيعة 12: 328، الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 543.
3- انظر: مغني اللبيب 2: 689.

في منامه لمعرفة مقامه[246]. وللتوبة[247] عن المعاصي...

-------------------------

[246] قوله: [مقامه] أي: مقام نفس الرائي. إلاّ أنَّ في الرواية(1) الغسل ثلاث ليالٍ، والماتن أطلق، إلاّ أن يستفاد تعدد المطلوب في المندوبات عموماً، فيغتسل ثلاث ليالٍ يناجي بهم (عليهم السلام) .

[247] قوله: [وللتوبة] الرواية(2) تدل على التوبة من الأمور العظيمة لا مطلقاً، وكذلك الرواية(3) اللاحقة، فتأمل.

ص: 461


1- مستدرك الوسائل2: 521، ح1، عن أبي المغرا، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سمعته يقول: «من كانت له إلى اللّه حاجة، وأراد أن يرانا وأن يعرف موضعه، فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا، فإنه يرانا، ويغفر له بنا، ولا يخفى عليه موضعه».
2- انظر: وسائل الشيعة 3: 331، ح1، عن مسعدة بن زياد، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال له رجل: بأبي أنت وأمي، إني أدخل كنيفاً ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعاً مني لهن، فقال (عليه السلام) : لا تفعل، فقال الرجل: واللّه ما آتيهن، إنما هو سماع أسمعه بأذني، فقال (عليه السلام) : لله أنت، أما سمعت اللّه يقول: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}؟ فقال: بلى واللّه، لكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه من عربي ولا عجمي، لا جرم إني لا أعود إن شاء اللّه، وإني أستغفر اللّه، فقال له: قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك، فإنك كنت مقيماً على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك، أحمد اللّه، وسله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا كل قبيح، والقبيح دعه لأهله، فإنّ لكل أهلاً».
3- انظر: مستدرك الوسائل2: 514، ح3، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «بينما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم على جبل من جبال تهامة والمسلمون حوله إذ أقبل شيخ وبيده عصا، فنظر إليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: مشية الجن ونغمتهم وعجبهم، فأتى فسلم فرد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له: من أنت؟ فقال: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس إلى أن قال: قال هامة: فقلت: يا نوح انني ممن شرك في دم العبد الصالح الشهيد السعيد هابيل بن آدم، هل تدري عند ربك من توبة، قال: نعم يا هام، هم بخير وافعله قبل الحسرة والندامة، إني وجدت فيما أنزل اللّه تبارك وتعالى علي: إنه ليس من عبد عمل ذنباً كائناً ما كان، وبالغاً ما بلغ ثم تاب إلا تاب اللّه تعالى عليه، فقم الساعة واغتسل، وخر لله ساجداً، ففعلت ما أمرني، إذ نادى مناد من السماء: ارفع رأسك قبلت توبتك ، فخررت لله ساجداً حولاً».

ولطلب الحاجة[248]، وللاستخارة يعني لطلب تقدير الخير من اللّه في الأمور(*)... كما أنّ غسل طلب الحاجة غير مختصّ بصلاة الحاجة(**)...

(*) لاحظ[249] ما رواه سماعة.

(**) الجزم بالإطلاق مشكل[250]؛ إذ المستفاد من حديث القصير وأمثاله التقييد...

-------------------------

وتفريع «فقم الساعة واغتسل»(1) على التوبة لا يدل على تفرعها على كل توبة، بل على التوبة في خصوص المقام، فتأمل.

[248] قوله: [ولطلب الحاجة] الرواية(2) لها كيفية خاصة، ولا تدل على المتن.

[249] قوله: [لاحظ] هل الاستخارة بمعناها اللغوي، أو لها معنى اصطلاحي جديد؟ وما حكم الشك؟ وهل هنالك علم بالنقل؟

[250] قوله: [مشكل] لا إشكال فيه؛ إذ نسبه صاحب التذكرة(3)لعلمائنا،

ص: 462


1- وسائل الشيعة 3: 331، ح1.
2- انظر: وسائل الشيعة 3: 333، ح1، عن عبد الرحيم القصير قال: «دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك، إني اخترعت دعاءً، قال: دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قلت: كيف أصنع؟ قال: تغتسل وتصلي ركعتين».
3- تذكرة الفقهاء2: 146، حيث قال: «ويستحب غسل صلاة الحاجة والاستخارة عند علمائنا».

-------------------------

ونفى البعد عنه في الجواهر(1)، وللرضوي: «إذا كانت لك حاجة إلى اللّه تبارك وتعالى فصم ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة فابرز إلى اللّه تبارك وتعالى قبل الزوال وأنت على غسل فصلّ ركعتين...»(2).

ص: 463


1- جواهر الكلام5: 54، حيث قال: «.. وغسل الاستخارة وغسل طلب الحوائج من اللّه تبارك وتعالى، وليس فيهما ذكر الصلاة، بل ظاهرهما الاستحباب لنفس الأمرين ، كالمحكي لنا من عبارة التذكرة ناسبا لها إلى علمائنا، ولعله غير بعيد».
2- فقه الرضا (عليه السلام) : 151.

فصل: الغسل بعد حصول بعض الأفعال

اشارة

وقد يستحب الغسل[251] بعد حصول بعض الأفعال، ومن ذلك الغسل لقضاء صلاة الكسوف للمفرط فيه مع احتراق القرص(*) [252]، بل الأحوط[253] وجوبه، ومن ذلك الغسل لرؤية المصلوب[254]...

(*) لا إشكال في حسن الاحتياط، وأما وجوبه فعلى خلاف الضرورة[255] الفقهية.

-------------------------

[251] قوله: [الغسل] هذا هو القسم الثاني من الأغسال الفعلية.

[252] قوله: [القرص] هل هذا غسل لما تقدم، أو للصلاة القادمة؟

[253] قوله: [الأحوط] الأولى.

[254] قوله: [المصلوب] يكفي فيه فتوى الفقيه، وإن كانت الرواية(1) مقيدة، كما ذكره الشارح، ولاحظ «الفقه»(2).

[255] قوله: [الضرورة] لعله باعتبار الارتكاز، أو لوكان لبان.

ص: 464


1- انظر: من لا يحضره الفقيه1: 78، ح175، حيث قال: وروي «أن من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة». وسائل الشيعة3: 332، ح3.
2- انظر: الفقه 15: 466، حيث قال: «فإن استحبابه هو المشهور، بل لم يعرف الخلاف إلا عن ظاهر الصدوق، وأبي الصلاح، حيث قالا بوجوبه، بل عن الغنية دعوى الإجماع على استحبابه».

المسألة 143: كفاية الغسل أول النهار لذلك اليوم وأول الليل لتلك الليلة في بعض الأعمال

مسألة 143: الأقوى فيما يؤتى به لبعض الأعمال، كالغسل للزيارة ولصلاة الحاجة وأمثال ذلك كفاية الغسل في أوّل النهار لذلك اليوم، وفي أول الليل لتلك الليلة(*)... وفي انتقاضه بالحدث بينه وبين ذلك العمل إشكال، فالأحوط[256] تجديده له(**).

(*) ما أفاده مقتضى القاعدة الأولية؛ إذ لا وجه لبطلانه ما دام لم يترتب[257] عليه ذلك الفعل الذي اغتسل لأجله.

(**) الظاهر أنّه لا وجه للإشكال؛ إذ لا دليل[258] على بطلانه بالحدث الأصغر...

-------------------------

[256] قوله: [فالأحوط] لا دليل على البطلان إلاّ في الغسل للطواف.

[257] قوله: [لم يترتب] إذ لو ترتب انتهى مفعوله بانتهاء موضوعه.

[258] قوله: [لا دليل] الدليل دل في الطواف(1).

ص: 465


1- وهو ما رواه علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال لي: «إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك». الكافي 4: 400.

فصل: في الحيض

وهو دم يكون في الغالب أحمر غليظاً[259] عبيطاً يخرج بدفق وحرقة ولدغ[260]... وأقلّ الحيض ثلاثة أيّام، فلو رأت الدم يوماً أو يومين مثلاً فليس بحيض، وأكثره عشرة أيّام فلا يزيد عليها، كما أنّ أقلّ الطهر بين الحيضين عشرة أيّام فلا ينقص عنها(*).

(*) ... والظاهر أنّ ما أفاده (قدس سره) في مقام تعريف دم الحيض مأخوذ من حديث حفص بن البختري، قال: »دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره، قال: فقال لها: إن دم الحيض حارّ عبيط[261] أسود له دفع[262] وحرارة[263]، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم

-------------------------

[259] قوله: [غليظاً] لم يذكر في النصوص المعتبرة.

[260] قوله: [ولدغ] الظاهر أنه عبارة أُخرى عن الحرقة.

[261] قوله: [عبيط] أي: طري، ولكن المتعارف في الدم المحتبس أنه لا يكون طرياً، بخلافه في الحيض.

[262] قوله: [دفع] أي: يخرج بدفق بخلاف الاستحاضة فإنَّه يخرج بفتور.

[263] قوله: [وحرارة] لعله تأكيد للحار، ولعله عبارة عن اللدغ واللذع، أي: حار ومحرق، فتأمل.

ص: 466

حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة، قال: فخرجت وهي تقول: واللّه أن لو كان امرأة ما زاد على هذا«(1)...

وبعبارة أخرى[264]: الصفات المذكورة في النصوص معرفات، ولا تكون دخيلة في حقيقة الموضوع...

وعرف في حديث إسحاق بن جرير[265] قال: »سألتني امرأة منّا أن أدخلها على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت إلى أن قال...«(2)...

-------------------------

لكن الظاهر من الذيل أن الحار والحرارة شيء واحد، إلاّ أن يقال: لم يذكر الحار لأنه ملازم للحرارة، ولم يذكر العبيط لأنه عادة كذلك.

[264] قوله: [أخرى] فيما ذكره نظر؛ إذ الشارع زاد ونقص في شرائط بعض الموضوعات، فدم الحيض قبل البلوغ ليس بحيض، وكذا بعد اليأس، وكذلك ما نقص عن ثلاثة، فالأولى الاستدلال: بأنه دم حيض، والروايات التي ذكرت فيها الأوصاف أنها وردت في مورد التحير(3)، وكذلك: «فما علمها به»(4).

[265] قوله: [إسحاق بن جرير] لم يذكر في هذه الرواية وصف زائد؛ إذ الحرقة هي عبارة عن الحرارة المذكورة في رواية حفص(5)، فتأمل.

ص: 467


1- الكافي3: 91، ح1.
2- انظر: الكافي 3: 91.
3- انظر: الكافي3: 91، ح2.
4- المصدر نفسه3: 91، ح3.
5- انظر: الكافي3: 91، ح1.

فإنه يدل بالمفهوم على الحكم بعدم الحيضية في صورة عدم اجتماع الصفات، ومنطوق هذه الرواية يقيد[266] بمنطوق حديث ابن جرير، فالنتيجة أنّه لو شكّ يلزم اجتماع الحرارة والطراوة، والسواد والدفع والحرارة والحرقة[267]...

-------------------------

[266] قوله: [يقيد] سبق النظر فيه.

[267] قوله: [والحرارة والحرقة] سبق أن الحرقة نفس الحرارة، فتأمل.

هذا تمام الكلام في الجزء الثاني من تعليقة على كتاب الدلائل في شرح منتخب المسائل.

ص: 468

فهرس المحتويات

فصل: في أحكام التخلي

ستر العورة ... 7

المسألة 73: حرمة النظر إلى عورة الغير ... 18

المسألة 74: ما هي العورة ... 21

المسألة 75: حرمة استقبال القبلة ... 22

المسألة 76: وجوب غسل محل البول ... 24

المسألة 77: كيفيّة غسل الأغلف ... 28

المسألة 78: تطهير مخرج الغائط ... 29

المسألة 79: حدّ غسل الغائط ... 33

المسألة 80: يعتبر في مسح موضع الغائط أن يكون بثلاثة اشياء ... 39

المسألة 81: كفايه كل جسم قالع في المسح ... 41

آداب التخلي ... 45

المسألة 82: ماء الاستنجاء طاهر ... 58

المسألة 83: تعدّي الغائط عن المحلّ ... 67

المسألة 84: إذا اشتبه ماء طاهر بماء نجس ... 67

المسألة 85: إذا اشتبه ماء مطلق بماء مضاف ... 72

المسألة 86: إذا اشتبه الماء المباح بالمغصوب ... 72

المسألة 87: لا يلزم في غسل مخرج البول مسح الموضع باليد ... 74

المسألة 88: نجاسة الماء القليل بمجرّد الملاقاة ... 74

المسألة 89: اعتصام الماء الكرّ ... 88

المسألة 90: عدم وجوب الاستبراء ... 92

المسألة 91: لو لم يستبرئ وقطع بعدم بقاء البول ... 93

المسألة 92: حكم الاستبراء مع قطع الذكر أو الحشفة ... 94

المسألة 93: حكم المباشرة في الاستبراء ... 95

المسألة 94: الشكّ في الاستبراء ... 96

المسألة 95: كيفيّة الاستبراء ... 96

المسألة 96: لا استبراء على النساء ... 100

فصل في احكام الوضوء

ص: 469

في ما يجب له الوضوع الأول: الصلاة الواجبة ... 105

الثاني: الطواف ... 107

الثالث: مسّ كتابة القرآن ... 108

الرابع: النذر وشبهه ... 112

فصل في موجبات الوضوء ومبطلاته

الأوّل: البول ... 114

الثاني والثالث: الغائط والريح ... 115

الرابع: النوم ... 116

الخامس و السادس والسابع: الجنون والإغماء والسكر ... 120

الثاني عشر: مسّ الميّت ... 121

المسألة 97: وجوب تقديم الوضوء في موارد الجمع ... 122

المسألة 98: المدار في حصول هذه النواقض ... 123

فصل: في حقيقة الوضوء

حقيقة الوضوء ... 126

المسألة 99: لو تعذّر المسح بباطن الكفّ ... 190

المسألة 100: لا يصحّ المسح على الخفّ ... 193

المسألة 101: اعتبار الجفاف في محل المسح ... 200

المسألة 102: الوضوء بغمس اليد في الماء ... 202

المسألة 103: إذا جفّ ما في اليد من بلّة ماء الوضوء ... 203

المسألة 104: إذا لم يمكن حفظ نداوة الماء ... 207

المسألة 105: لو وقف تحت المطر أو الميزاب للغسل أو الوضوء ... 230

المسألة 106: لو كرّر المسح لم يضرّ ... 230

المسألة 107: التبعيض في الوضوء ... 233

المسألة 108: جواز إتيان الصلاة الواجبة بالوضوء المستحبّ ... 233

المسألة 109: جواز الوضوء قبل الوقت ... 237

فصل في شرائط الوضوء

الأمر الأوّل: النيّة ... 239

الأمر الثاني: الترتيب ... 248

الأمر الثالث: الموالاة ... 262

المسألة 110: لو جفّت اليد اليمنى قبل الشروع في اليسرى ... 271

الأمر الرابع: المباشرة مع الاختيار ... 271

ص: 470

الأمر الخامس: إطلاق الماء ... 279

الأمر السادس: إباحة الماء ... 286

الأمر السابع: طهارة الماء ... 297

الأمر الثامن: عدم الخوف من استعمال الماء ... 300

المسألة 111: كون الشرط الثامن والسادس من الشرائط العلمية ... 310

الأمر التاسع: أن لا يكون غسالة الاستنجاء ... 311

الأمر العاشر: أن لا يكون مشتبهاً بالنجس ... 311

الأمر الحادي عشر: طهارة مواضع الوضوء ... 322

الأمر الثاني عشر: إباحة مكان الوضوء ... 325

الأمر الثالث عشر: إباحة مصبّ ماء الوضوء ... 327

المسألة 112: لو كان محلّ المتوضّي مغصوباً وهواؤه مباحاً ... 328

المسألة 113: الغسل في الحمّام المغصوب ... 329

المسألة 114: فاقد الطهورين ... 330

فصل في حكم صاحب الجبيرة

المسألة 115: لو كان في العضو جرح أو قرح مكشوف ... 345

المسألة 116: لو كانت الجبيرة نجسة ... 347

المسألة 117: لو كان مانع غير الجبيرة ... 348

المسألة 118: لو كانت الجبيرة على الماسح ... 348

المسألة 119: عدم الفرق بين كون الجبيرة في محلّ الغسل أو المسح ... 349

المسألة 120: لا بدّ من طهارة الجبيرة ... 350

المسألة 121: لا يعتبر في صحة الوضوء أن تكون الجبيرة ممّا تصحّ الصلاة فيه ... 350

المسألة 122: لو ارتفع عذر صاحب الجبيرة... 351

فصل في أحكام الشكوك المتعلقة بالوضوء

المسألة 123: من تيقن الحدث وشك في الوضوء ... 353

المسألة 124: من شكّ في الوضوء بعد الصلاة ... 354

المسألة 125: لو شكّ في الطهارة في أثناء الصلاة ... 355

المسألة 127: من شكّ في شيء من أجزاء الوضوء ... 355

المسألة 128: لو كان بعض مواضع وضوئه نجساً ... 359

فصل في أحكام صاحب الحدث المستمر

المسألة 129: غير ما مرّ من النواقض ليس ناقضاً عندنا ... 368

ص: 471

فصل في سنن الوضوء وآدابه

فصل في الأغسال

المسألة 130: كيفيّة تشخيص المني واوصافه ... 394

المسألة 131: احتلام المرأة وأحكامها ... 399

المسألة 132: لا يجب الغسل بمجرّد حركة المني ... 399

المسألة 133: الاستمناء ... 400

المسألة 134: لو شكّ في خروج المني ... 402

المسألة 135: لو خرج مني الرجل من المرأة ... 403

المسألة 136: خروج مني الرجل من المرأة مخلوطاً ... 404

المسألة 137: لو وجد منياً في ثوبه ... 404

فصل فيما يشترط بالغسل

فصل فيما يكره للجنب

فصل فيما ينبغي عند الاغتسال

المسألة 138: غسل الجنابة يجزي عن الوضوء ... 428

المسألة 139: لو أحدث في أثناء الغسل ... 429

فصل في الدعاء المأثور عن الإمام العسكري (عليه السلام)

فصل في كيفية غسل الجنابة

المسألة 140: إيصال الماء إلى البدن في الغسل ... 436

المسألة 142: كيفية الغسل في الماء ... 436

فصل فيما يعتبر في الغسل

فصل في الأغسال المندوبة

فصل الغسل بعد حصول بعض الأفعال

المسألة 143: كفاية الغسل أول النهار لذلك اليوم وأول الليل لتلك الليلة في بعض الأعمال ... 465

فصل في الحيض

فهرست المحتويات ... 469

ص: 472

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.