موسوعة الفقيه الشيرازي (تعليقة علی كتاب الدلائل الجزء الأول) المجلد 18

هوية الكتاب

موسوعة الفقيه الشيرازي

(18)

تعليقة علی كتاب الدلائل

لآية اللّه العظمی السيد تقي القمي (دام ظله)

الجزء الأول

بقلم

آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

بطاقة تعريف:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان المؤلف واسمه:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

تفاصيل النشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مواصفات المظهر:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج21: 3-291-204-964-978

حالة الاستماع:فيپا

لسان:العربية

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

تصنيف الكونجرس:1394 8م5ح/8/159BP

تصنيف ديوي:297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4153694

ص: 1

اشارة

سرشناسه:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

مشخصات نشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مشخصات ظاهری:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج18: 3-288-204-964-978

وضعيت فهرست نويسی:فيپا

يادداشت:عربي

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول،جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15(بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقةعلی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

رده بندی كنگره:1394 8م5ح/8/159BP

رده بندی ديويی:297/312

شماره كتابشناسی ملی:4153694

موسوعة الفقيه الشيرازي

شجرة الطيبة

--------

آية اللّه الفقيه السيّد محمّد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)

المطبعة:قدس

إخراج:نهضة اللّه العظيمي

الطبعة الأولی - 1437ه- .ق

-----------

شابك دوره: 8-270-204-964-978

شابك ج18: 3-288-204-964-978

-----------

دفتر مركزي: قم خيابان معلم، میدان روح اللّه،

نبش كوچه 19، پلاك 10، تلفن: 9 – 37744298

چاپ: شركت چاپ قدس، تلفن 37731354 فكس 37743443

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

كتاب التقليد

اشارة

ص: 5

ص: 6

في أحكام التقليد

المسألة 1: في احكام التقليد

مسألة 1: يجب التقليد[1] على من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد، سواء كان عامّياً محضاً أم كان من أهل العلم والفضل(*).

(*) الوجوب المذكور فطري[2]

-------------------------

[1] قوله: [التقليد] أو الاحتياط، ولم يذكر الاحتياط لأنّه مركب على التقليد؛ إذ من أين للعامي أن يعرف أن الشارع يرضى بالاحتياط؟ فلعله يشترط الجزم بالنية في العبادات، ولعله لا يريد إتلاف وقت المكلّف بغسل الثوبين، ولو بهذا المقدار، ولكن في التروك غير العبادية التي لا تحتاج إلى التكرار، والظاهر وضوح جواز الاحتياط، كترك أكل اللحم.

إلاّ أن يقال: إنّ المكلّف يقطع عادةً بكون الاحتياط مبرئاً للذمّة، فيكون وزانه وزان التقليد على مايذكره المصنف بعد قليل.

[2] قوله: [فطري] الوجوب ثلاثة أنواع:

1- شرعي. 2- وعقلي. 3- وفطري.

أمّا الشرعي: فالظاهر عدم ظهور الأدلَّة في ثبوته، فوزانه: {فاسألوا أهل الذكر}(1) ووزان: «سل الناس الأعراب».

ص: 7


1- النحل: 43.

من باب دفع الضرر المحتمل[3]؛ ولذا لا فرق فيه بين الإنسان والحيوان، لكن لا ينحصر دفعه بخصوص التقليد، بل يحصل بأحد أمرين، وهما: التقليد والاحتياط، ولا فرق من هذه الجهة بين العامّي المحض وأهل العلم والفضل[4] لوحدة الملاك، وهو الجهل[5] بالحكم الشرعي(1).

-------------------------

وأمّا الفطري: فهو موقوف على ثبوت حركة الحيوان، من قاعدة «دفع الضرر المحتمل» وهو محل تأمل؛ إذ لعل الضرر عنده مقطوع به لا محتمل، وحيث إننا لا نعلم المعادلات التي تحكم حركة الحيوان فلا يصحّ أن نحكم عليه. إذن فالوجوب عقلي.

[3] قوله: [من باب دفع الضرر] أو من باب وجوب شكر المنعم؛ وقوله(2): إنه مستند لقاعدة دفع الضرر غير واضح، بل من باب أن مولوية المولى تقتضي ذلك، بعيداً عن الشكر والدفع المذكورين.

[4] قوله: [وأهل العلم والفضل] بل حتى المجتهد الذي لم يستنبط بالفعل على التفصيل المذكور في محله.

[5] قوله: [وهو الجهل] وهو الموضوع في لسان الأدلَّة الشرعية، كقوله تعالى: {إن كنتم لا تعلمون}(3)، وهو الملاك في السيرة العقلائية.

ص: 8


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 5.
2- انظر: مصباح المنهاج، التقليد: 363.
3- النحل: 43.

ولا يخفى أنَّ التقليد للعامّي لا يكون تقليدياً ولا اجتهادياً[6]، إذ على الأوّل يلزم التسلسل[7]... وأمّا على الثاني فيلزم الخلف[8] إذ المفروض أنّه عامّي، والعامّي كيف يمكن أن يجتهد؟!

ولذا ذكرنا في محلّه من كتاب مباني المنهاج أنَّ العامّي يقطع[9] بأنَّ الحكم في الشريعة المقدّسة جواز التقليد.

وبعبارة واضحة: العامّي المتدين يسأل[10] أهل الذكر والاطلاع والعلماء الموثوق بهم(1)

-------------------------

[6] قوله: [ولا اجتهادياً] بل هو حكم عقلي قطعي.

[7] قوله: [التسلسل] كأن يرجع إلى الطبيب لأنّه يقول: ارجع إليَّ، أو يخبر المخبر ثم يقول: هذا الخبر صادق.

[8] قوله: [الخلف] انظر التعليقة الآتية رقم [9].

[9] قوله: [يقطع] هذا نوع اجتهاد، إلاّ أن يقال: إن الاجتهاد - اصطلاحاً - إعمال الجهد وبذل الوسع(2) ، وليس في عمل العامي ذلك.

[10] قوله: [يسأل] وهناك عدّة طرق:

1- أن يحكم به وجدانه، كما في سائر أهل الخبرة.

2- أن يسأل فيقطع.

3- أن يرى السيرة فيقطع.

4- دليل الانسداد وعدم البديل.

ص: 9


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :5- 6.
2- انظر: مسالك الأفهام 3: 7.

ويرى[11] أنّهم يخبرون عن جواز التقليد فيقلّد أو يحتاط، حيث يعلم بأنَّ الاحتياط يكون مجزياً...

ثم إنَّه لا إشكال في جواز التقليد، فإنَّ السيرة[12] جارية على رجوع الجاهل إلى العالم في جميع الأمور، وإنَّ بناء العقلاء على العمل بهذه الطريقة، والشارع الأقدس لم يردع عنها، بل أمضاها[13].

إن قلت: كيف لم يردع[14] عنها والحال أنَّه تعالى نهى عن العمل بغير علم، ونهى عن العمل بالظنّ(1).

-------------------------

[11] قوله: [ويرى] فيحصل له القطع من ذلك.

[12] قوله: [فإنّ السيرة] والأدلة اللفظية تعضده، كما سيأتي في كلام الشارح.

[13] قوله: [بل أمضاها] عموماً، نعم لو كانت هنالك سيرة عقلائية على أمرٍ، فبيان الشارع هل هو إمضاء أو تأسيس؟

وتظهر الثمرة فيما لو كانت حدود اللفظ أوسع من السيرة العقلائية، كما في الفراغ لو قلنا: إنَّ ظاهر الأدلَّة أن الأذكرية حكمة لا علّة.

والظاهر هو التأسيس، وفي المقام قد تكون السيرة العقلائية على الرجوع إلى الثقة، ولكن الشارع قد يجعل الرجوع للعادل، وبين العادل والثقة عموم من وجه؛ إذ قد لا يكون العادل ثقة.

[14] قوله: [لم يردع] قد يقال: لا يستطيع الردع؛ لأنّ بناء العقلاء نابع من العقل، ولا يمكن الردع عنه.

ص: 10


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 : 6.

قلت: يرد عليه أوّلاً[15]: أنَّه إذا كان الأمر كذلك فكيف أنَّ الأصحاب يعملون بالظواهر؟ ...

وثانياً: نجيب بالحلّ، وهو أنَّ قول العادل والثقة وكذلك الظواهر، وكذا قول العالم علم[16] عند العقلاء فلا يشمله الظنّ.

وإن شئت فقل: إنَّ الشارع الأقدس لا يكون له طريق خاصّ[17] في محاوراته وإيصال أحكامه إلى العباد(1).

-------------------------

وفيه: أنّه فرق بين العقل النظري والعملي، ولا مانع من الردع عن الأخير، كما ردع عن القياس؛ إذ بناء العقلاء معلول ملاكات كثيرة، ومنها الانسداد، مثلاً للشارع أن يقول: لا تعتمدوا على ظواهر الألفاظ.

[15] قوله: [أولاً] هذا جواب نقضي.

[16] قوله: [علم] أو هو تخصيص في العموم، والأولى أن نقول: إنّ الظن هو ما لم يقم دليل على اعتباره، فإذا قام دليل على اعتباره كان عملاً بالعلم لا بالظن، فهو كتقليد الحيّ في تقليد الميت، فإنّه تقليد للحي واقعاً. أو كتقليد الأعلم في تقليد غير الأعلم، فإنّه تقليد للأعلم واقعاً.

والخلاصة: أنّ ظاهر الأدلَّة الظن المتمحض في الظنّية، أو هو المنصرف أو القدر المتيقن، لا الظن الذي قام علم على اعتباره.

[17] قوله: [لا يكون له طريق خاص] فيه نظر، فهو كدولة جديدة

ص: 11


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 6.

فإذا لم يردع[18] عن طريق عقلائي يستفاد منه إمضاؤه، ولذا نرى أنّه نهى عن العمل بالقياس[19] فلاحظ.

-------------------------

تأتي وتلغي كل القوانين السابقة وتضع قوانين جديدة، فليس هذا إمضاءً وإن توافقت في بعض الجزئيات.

[18] قوله: [فإذا لم يردع] فهو تقرير، وحينئذ يخرج موضوعاً عن الظنّ؛ إذ موضوعه ما لم يقم دليل على اعتباره، وقد قام الدليل على اعتبار ذلك.

فإنّ قلت: إنَّ أدلَّة الردع عن الظنّ كافية في الردع.

قلت: لا تصلح للرادعية مع استحكام العمل العقلائي، بل يحتاج إلى ردع أوضح، كما حدث في القياس.

[19] قوله: [بالقياس] قد يقال: إنّ القياس ليس بناء العقلاء عليه، وأمّا ردع الإمام (عليه السلام) عنه فلأنه أصبح تياراً حاكماً.

وفيه نظر: إذ إنّه عمل عقلائي، كما في ركوب السيارة والطائرة استناداً إلى أنّ الغالب السلامة، والتاجر يتاجر بالقياس. ونحن لو رأينا أهل بلدٍ - غالباً - طيبين أو غير طيبين فسوف نتعامل مع الآخرين كذلك... إلى آخر الأمثلة.

ص: 12

المسألة 2: شرائط مرجع التقليد، الذكورية

مسألة 2: لا إشكال[20] في جواز تقليد من اجتمع فيه شروط عشرة، وهي: الذكوريّة والحريّة والبلوغ والعقل والإيمان، أي كونه اثني عشرياً، وطهارة المولد، أي عدم كونه ولد زنا، والاجتهاد المطلق، أي لا يكون متجزياً، والعدالة والأعلمية والحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداءً، وأما البقاء فلا مانع منه، وإن كان الاحتياط أولي(*).

(*) ... أمّا الذكورية فلا يخفى أنَّ الأصل الأوّلي عند الشكّ هو الاشتراط؛ إذ لو لم تتمّ الأدلّة، ولم تف بجواز تقليد غير الذكر يكون مقتضى الاستصحاب عدم اعتبار[21] رأي المرأة، والظاهر[22]

-------------------------

[20] قوله: [لا إشكال] لا إشكال في عدم الإشكال في تقليد مَنْ استجمع الشروط المذكورة، وإنما الكلام في الاشتراط، والظاهر عدم اشتراط الحرّية والبلوغ والاجتهاد المطلق والأعلمية، وفي شرطية الحياة في التقليد الابتدائي تأمل.

[21] قوله: [عدم اعتبار] أي عدم الحجّية - لو لم تتم الأدلَّة اللفظية ولا السيرة العقلائية - فلا يكون منجزاً ولا معذراً.

[22] قوله: [والظاهر] هذا بيان المقتضي لجواز تقليد المرأة.

وفي المقام أُصول:

الأول: الأصل عدم الشرطية، ولعله مثبت. إلاّ أن يقال: إنَّ الواسطة خفيّة، ثم إنّه معارض باستصحاب عدم الحجّية، وليس بينهما سببية ولا مسببية، بل

ص: 13

هما في عرض واحد؛ إذ الشرطية والحجّية إما مجعولان أو لا؟

أنّه لا فرق في السيرة العقلائية[23] بين الرجل والمرأة(1).

-------------------------

الثاني: الأصل عدم جعل الشرطية: والبحث فيه كالبحث في أصالة عدم الجعل. وأنّه مثبت أو لا.

الثالث: استصحاب اشتغال الذمّة وعدم الفراغ منها.

وعموماً يجري في المقام بحث «دوران الأمر بين التعيين والتخيير» في الطرق.

ثم إن الاستصحاب لا حالة سابقة له، إلاّ أن يقال بالعدم الأزلي، وأما استصحاب عدم الحجية قبل اجتهاد المرأة وافتائها فالظاهر أنّه فاقد لشرط وحدة الموضوع عرفاً، فتأمل.

نعم، لو كانت المرأة أعلم من الرجل فهنا يحتمل التعيين في الرجل والمرأة معاً، ومقتضى القاعدة الاحتياط، إلاّ أن يثبت إجماع على عدم وجوب الاحتياط في باب التقليد.

[23] قوله: [في السيرة العقلائية] السيرة ليست مقتضياً، بل الإمضاء هو المقتضي، وإلاّ فهي كالحجر جنب الإنسان، إلاّ أن يراد الاقتضاء، أي لو انضم إليها الشرط.

والحاصل: أنّ المراد بالمقتضي أنّه لو خُلّي وطبعه لأثر أثره، والعقلائية لو خُلّيت وطبعها لما كانت الحجّية ثابتة، بل الحجّة هي الإمضاء الشرعي.

ص: 14


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 6- 7.

كما أنَّ النصوص الدالّة على جواز التقليد تفي بالمراد، فإنَّ المستفاد من قوله (عليه السلام) في حديث أحمد بن إسحاق[24] عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: »سألته وقلت: من أُعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون[25]« (1)...

وما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال على المنع أمور:

الأوّل: الإجماع[26] وحال الإجماع في الإشكال واضح[27] إذ قد حقّق في محلّه أنَّ الإجماع لايكون حجّة بلا فرق بين المنقول والمحصّل...

وأمّا المحصّل فعلى تقدير حصوله فمضافاً إلى الإشكال العام في

-------------------------

[24] قوله: [أحمد بن إسحاق] إلاّ أن يقال: إنّه ليس في صدد البيان من هذه الجهة.

وفيه: إنّ الأصل الكون في مقام البيان، فتأمل.

[25] قوله: [فإنّه الثقة المأمون] تعليل والعلّة تعمم.

لكن قد يقال: إنّه في الرواية لا الاجتهاد، فالعلّة تعم في إطار الرواية لا مطلقاً، فتأمل.

[26] قوله: [الإجماع] الظاهر أنّه إجماع مستنبط، أي حدسي، وإلاّ فالمسألة ليست مطروحة في كلام كثيرين، فتأمل.

[27] قوله: [واضح] لا إشكال في المحصّل، بل ولا في المنقول في الجملة.

ص: 15


1- الكافي 1: 330.

الإجماع أنّه محتمل المدرك[28] فلا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) .

الثاني: ما رواه أبو خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : »إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه«(1). والحديث وارد في حكم القضاء[29] والكلام في المقام في الفتوى(2).

-------------------------

[28] قوله: [محتمل المدرك] لا يمنع ذلك عن الحجّية العقلائية.

قد يقال: إن كل إجماع مقطوع الاستناد لدليلٍ، وفيه: أنّه ليس المراد ذلك، بل إلى دليل من الأدلَّة المتوفرة عندنا، كرواية ضعيفة مثلاً.

[29] قوله: [القضاء] إلاّ أن يقال بالأولوية العرفية، لكن لا اطرّاد لذلك، فتأمل.

والظاهر ثبوت الأُولوية، فإنّ القاضي يحكم في قضايا جزئية، بينما يحكم المفتي بفتوى تترتب عليها الأُلوف من القضايا الجزئية، والقاضي وإن فرض كونه مجتهداً - إن لم نعتبر الاجتهاد في القاضي - إلاّ أنّ دائرة عمله فصل الأمور الجزئية، بخلاف مرجع التقليد.

إلاّ أن يقال: إنَّ القضاء يستلزم - عادةً - التماسَ مع الناس والتهديد والمرافعة والكلام والأخذ والرد بخلاف الإفتاء، فتأمل.

إلاّ أنّ فهم الفقهاء دليل على شمول الحكم للإفتاء، فتأمل.

ص: 16


1- من لا يحضره الفقيه 3: 3، ح 3219.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 8 .

الثالث[30]: ما رواه عمر بن حنظلة قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما... إلى أن قال: فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟...«(1).

والحديث ضعيف بعمر[31] مضافاً إلى أنّه مربوط بباب القضاء[32].

الرابع[33]: ما رواه عامر بن عبد اللّه بن جذاعة قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إنّ امرأتي تقول بقول زرارة ومحمّد بن مسلم في الاستطاعة وترى رأيهما، فقال: ما للنساء وللرأي«(2).

-------------------------

[30] قوله: [الثالث] وفيه: أنّ مورد السؤال: أنّ كلاً اختار رجلاً فالجواب لا يدل على نفي المرأة، ولا معنى للاشتراك في المقام؛ لأنّ الرجل هنا موضوع السؤال. والخلاصة: أنّ الدليل ساكت عن المرأة لا أنّه نافٍ لها.

[31] قوله: [بعمر] ذكرنا في الأصول توثيقه(3).

[32] قوله: [القضاء] يرد ما ورد على سابقه.

[33] قوله: [الرابع] هذا دليل على أنّه لا رأي لها ولا اجتهاد، فيدل

ص: 17


1- الكافي 1: 67.
2- اختيار معرفة الرجال 1: 393، رقم 282.
3- انظر: تبيين الأصول2: 333.

وهذه الرواية ساقطة سنداً بجبرئيل[34] بن أحمد وغيره.

الخامس: ما افاده سيّدنا الأُستاذ، وهو أنّه علم من مذاق الشرع أنَّ اللازم على المرأة التستّر[35] وتصدّي الأمور المنزلية[36]، وهذا ينافي دخولها في الأمور العامّة، ومن الظاهر أنَّ الفتوى منها(1).

ويرد عليه: أنَّ الإفتاء لا يستلزم الدخول في الأمور ولا التصدّي للأمور العامّة... بل لا يلزم أنَّ المقلّدين لها يعرفونها؛ إذ يجوز أن يشهد أحد من محارمها بكونها أعلم،

-------------------------

بالالتزام على عدم حجّية رأيها للآخرين، إلاّ أنّ دلالتها المطابقية ساقطة؛ إذ لا إشكال في أنه يجوز للمرأة الاجتهاد، ولها العمل برأيها، ويبقى البحث في أنّ سقوط الدلالة المطابقية هل يستلزم سقوط الالتزامية أو لا؟

ثم إنّ الحديث قد يكون في المسائل العقائدية الغامضة، فراجع تتمة الحديث وتأمل.

[34] قوله: [بجبرئيل] وهو شيخ الكشّي، إلاّ أنّه مجهول.

[35] قوله: [التستر] كالهلال، وإمامة الرجال، وعدم الحضور للجماعة.

[36] قوله: [وتصدي الأمور المنزلية] التصدّي ليس لازماً، فهذا يفيد الأولوية فقط، ولا يحرّم دخولها في الأمور العامّة. إلاّ أن يقال: إنَّ المراد أنّ الشارع الذي أراد - وجوباً أو استحباباً - عدم إقحامها في الأمور العامة، كالهلال، كيف يقحمها فيها كالمرجعية؟

ص: 18


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 8 - 9.

ولكن مع ذلك في النفس شيء[37] وربّما يقال بأنَّ الحكم بالجواز يقرع الأسماع ويكون مستنكراً[38] عند أهل الشرع.

أضف إلى ذلك ما في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ}(1) قال: هذه لقوم من اليهود ... إلى أن قال: وقال رجل للصادق (عليه السلام) : إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلّدون علمائهم؟ ... إلى أن قال: فقال (عليه السلام) : بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة وتسوية من جهة؛ أمّا من حيث الاستواء فإنّ اللّه ذمّ عوامنا[39] بتقليدهم

-------------------------

[37] قوله: [شيء] لعلّه لكونه نوع تدخل في الأمور العامّة.

[38] قوله: [مستنكراً] منكرية الشيء عند المتشرعة قد يكون بما هم متشرعة، وحينئذٍ يكون كاشفاً إنياً عن البيان الشرعي، وقد يكون بما هم عرف خاص، كالمانتو(2) فعلاً في بعض البلاد، فكيف نعرف أنّ هذا من هذا أو ذاك؟

وقد يجاب: بأنّ عمومية الاستنكار وامتداده إلى عصر المعصوم (عليه السلام) دليل على أنهم ينكرونه بما أنهم متشرعة، لكن كيف تثبت الصغرى؟ ولعلّها تثبت بالتتبع والاستقراء أو الاستنباط، فتأمل.

[39] قوله: [فإن اللّه ذمّ عوامنا] ثم إنّه قد يسأل عن «ذم عوامنا»(3) متى

ص: 19


1- البقرة: 79.
2- نوع من الملابس يلبس في بعض البلدان.
3- انظر: وسائل الشيعة27: 131، ح20.

علماءهم كما ذمّ عوامهم، وأمّا من حيث افترقوا فإنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، وأكل الحرام والرشاء وتغيير الأحكام، واضطرّوا بقلوبهم إلى أنّ من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز أن يصدّق على اللّه، ولا على الوسائط بين الخلق وبين اللّه فلذلك ذمّهم، وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدّنيا وحرامها، فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمّهم اللّه بالتقليد لفسقة علمائهم، فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه... فإنَّ قوله (عليه السلام) : من كان من الفقهاء، لا يشمل المرأة[40]،

-------------------------

وكيف؟ والجواب: لعلّه بالمدلول الالتزامي للآية الكريمة(1).

[40] قوله: [لا يشمل المرأة] هذه الألفاظ حرفياً وإن لم تشمل المرأة، فهنالك فرق بين قاتل وقاتلة، إلاّ أنّها عرفياً تشملها. مثل «بول الصبي» والإحرام بالطفل أو الصبي، والدعاء لأربعين مؤمناً في صلاة الليل، وكذا في منزوحات البئر: كالثعلب والكلب، وكذا في جميع الأبواب الفقهية، كالمحرم والقاتل ونحوهما، وهذا غير دليل الاشتراك في التكليف.

ثم إنَّ في قوله: لا يشمل المرأة بحثين:

ص: 20


1- وهي قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند اللّه}. البقرة: 79، راجع الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 10.

وأمّا من حيث السند فبنينا أخيراً على اعتباره[41](1).

-------------------------

الأول: أنّه أعم، كما في الخطابات العرفية، فلا تقول عادةً: أيها الأخوة وأيتها الأخوات يجب عليكم وعليكن أن تقيموا وتقمن الصلاة...

الثاني: دليل الاشتراك في التكليف.

لكن دليل الاشتراك - كما سبق، وكما في مباحث الظن من الأصول(2) - لا ينفع فيما كان الرجل موضوعاً، فراجع وتأمل الفرق بين الاشتراك والموضوع.

وللعم (حفظه اللّه) رأي في أنّ هذه الألفاظ لا تدل على الذكر لغةً، أو استعمالاً، فقد ذكر ذلك في شرحه للعروة(3)، حتى أنَّ الرجل - في نظره - لا يدل على الرجل، مثل قوله تعالى: {لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ}(4).

[41] قوله: [على اعتباره] راجع ما ذكره الوالد (رحمه اللّه) في «الاجتهاد والتقليد»(5).

وخلاصته: أنَّ اعتماد الصدوق عليه أكبر اعتماد، وراجع كلام العمّ حيث يقول: الشيخ الصدوق اعتمد عليه، ورواه عن الشيخ الصدوق الشيخ المفيد

ص: 21


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 10- 11.
2- انظر: محاضرات في أصول الفقه 4: 26، نهاية النهاية 1: 297، وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول: 398.
3- انظر: بيان الفقه في شرح العروة الوثقى 3: 94.
4- الأحزاب: 4.
5- الفقه 1: 216- 219.

-------------------------

والطوسي والطبرسي والراوندي وابن شهر آشوب، والمحقق الكركي والشهيد الثاني والمجلسيان والوحيد البهباني، والشيخ البحراني والشيخ الحرّ العاملي والمحدّث الجزائري، والشيخ النوري.

لكن قد يقال: إنّ عدم اعتماد المشهور دليل مضاد، وكذا احتواؤه على الغرائب، وهل هؤلاء رووا فقط أو اعتمدوا؟ فتأمل.

وهنالك دليل سابع غير ما ذكر، وهو أنّ الروايات الواردة في ذم المرأة - التي ذكر بعضها في الفقه(1) - مثل «ولا تطيعوهن في المعروف»(2)، و«ناقصات العقول»(3)، و«كنتم جند المرأة»(4) إلى آخره... لا تنسجم مع تجويزه تبوأها أعلى المناصب...

فلو جوّز أحد - مع هذه الروايات - تبوؤ المرأة لأعلى المناصب لعدّ متناقضاً مع ذاته - عرفاً - ولا يخفى أنّ المرجعية الدينية أعلى المناصب وأسماها لدى الأمّة.

وقد يقال: إنّه لو قال قائد دولة: إنّ فلاناً ناقص العقل والحظ والإيمان... وقال: شاوروه وخالفوه... وقال: ما أفلح قوم وليهم فلان... ثم جعله خليفة من بعده كان متناقضاً في نظر العرف مع ذاته، فلاحظ.

ص: 22


1- انظر: الفقه 1: 217.
2- الكافي5: 518.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 390.
4- نهج البلاغة 1: 45.

الحريّة والبلوغ

وأمّا الحرّية فلا دليل على اعتبارها في مرجع التقليد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى المقتضي للجواز موجود، فإنّه لا فرق في السيرة العقلائية[42] بين الحرّ والعبد...

وأمّا البلوغ فلا فرق بينه وبين غير البالغ من حيث المقتضي، فإنّ العقلاء[43] لا يفرّقون بين البالغ وغيره، كما أنَّ النصوص الدالّة على جواز التقليد تشمل غير البالغ. وأمّا حديث أبي خديجة المأخوذ فيه عنوان الرجل فراجع إلى القضاء[44] والكلام في الفتوى...

الوجه الثاني: أنَّ المعلوم من مذاق الشارع أنَّ غير البالغ غير لائق لهذا المقام. وفيه أنَّ الأمر ليس كذلك؛ إذ نرى[45] أنَّ المسيح كان نبياً في المهد، وإمامنا الجواد (عليه السلام) كان إماماً قبل بلوغه(1)...

-------------------------

وأمّا تاريخياً، فقلَّ أنّ نجد امرأة وصلت إلى مقام الزعامة، بل حتى في الوقت الحاضر، وكذا في رؤساء المخابرات والجيش و...

وفي تاريخنا: لم نجد ولا امرأة واحدة أصبحت مرجعاً للتقليد، وهذا كاشف عن ارتكاز قطعي متوارث بخلاف مقام الرواية.

[42]قوله:[السيرة العقلائية]مضى أنّها لا تنفع إلاّ بالإمضاء، ولا يعلم وجوده.

[43] قوله: [فإن العقلاء] الإشكال فيه كالإشكال في سابقه.

[44] قوله: [فراجع إلى القضاء] مضى الكلام فيه.

[45] قوله: [إذ نرى] لكن الإمام (عليه السلام) معصوم وذلك بخلاف المرجع، فلا يقاس أحد المقامين بالآخر.

ص: 23


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 11.

الوجه الثالث[46] إنَّ القلم مرفوع عن الصبي وغير جار عليه؛ لاحظ[47] حديث عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم«(1).

وفيه[48] أنَّ عدم جري القلم لا يستلزم سقوط رأيه عن الاعتبار كما هو واضح.

-------------------------

[46] قوله: [الوجه الثالث] وهنالك ملازمة عرفية بينهما؛ إذ الذي لم يجعله الشارع مكلفاً، ولم يفتح له سجلاً - بالنسبة للواجبات والمحرّمات - كيف يصبح قائداً عاماً للأمّة؟

[47] قوله: [لاحظ] إنَّ أدلَّة رفع القلم عن الصبي متعددة مثل: «رفع القلم عن الصبي...»(2).

وهذه الرواية معرض عنها، وإن كانت موثقة بالفطحية من رواتها، إلاّ أنّ مبناهم أنّ سقوط بعض الجمل لا يسقط سائرها.

[48] قوله: [وفيه] أي أنّ الملازمة العرفية ممنوعة، فهذا - مثلاً - إرفاق بالصبي، ولا يلازم ذلك سقوط رأيه.

ص: 24


1- الاستبصار 1: 408.
2- انظر: وسائل الشيعة 1: 45.

الوجه الرابع[49]: حديث محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »عمد الصبي وخطأه(1) واحد«(2)، فإنَّ المستفاد من الحديث أنَّ عمده في حكم خطئه فلا أثر لرأيه.

وفيه[50] أنَّ الحديث لا يشمل الرأي، فإنَّ الرواية ظاهرة في أفعاله، فلا تشمل رأيه فلاحظ(3).

-------------------------

[49] قوله: [الوجه الرابع] وهنالك وجه خامس: وهو أنّه ليس عادلاً.

وفيه: أولاً: أن العدالة عبارة عن ملكة الاجتناب(4)، وقد تكون موجودة.

وثانياً: أنّ هنالك محرمات على الصبي، كالكفر والقتل - على بعض المباني - فتكون العدالة بالاجتناب عنها، أو بملكة الاجتناب عنها، فتأمل.

وقد يضاف سادس، وهو: أنَّ بناء العقلاء ليس على الرجوع إليه.

وفيه: أولاً: أنّه لعدم الوثاقة باتزانه وتعقّله، وإلاّ لو فرض ذلك لاعتمدوا عليه؛ ولذا لا يعتمدون حتى على البالغ، بل حتى على الشاب في الأمور المهمة.

وثانياً: لو فرض بناؤهم، فهو مردوع عنه بالإطلاقات، كما هو كذلك في أوائل البلوغ، فتأمل.

[50] قوله: [وفيه] أولاً: لا يشمل، أي أنّه منصرف.

وثانياً: العمد لا يشمل إلاّ السلبيات، فلا يقال: إنّه تعمد صلاة الصبح، ولو

ص: 25


1- كذا في المصدر، والصحيح: (خطؤه).
2- تهذيب الأحكام 10: 233.
3- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 12.
4- انظر: خاتمة المستدرك 7: 89 ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة21: 434.

العقل والايمان

وأمّا العقل فلا إشكال في اعتباره؛ إذ لا عبرة برأي من لا يكون عاقلاً. نعم، إذا كان أدوارياً[51] لا مانع عن تقليده في دور عقله.

وأمّا الإيمان فمضافاً إلى الإجماع[52] المدّعى في المقام، أنّه كيف يمكن إنكار الاشتراط بالإيمان في مرجع التقليد، والحال أنَّ غير المؤمن كافر[53] على مسلك بعض الأصحاب... وإن شئت فقل: إنكار الشرط المذكور يقرع الأسماع ومستنكر[54] عند أهل الشرع(1).

-------------------------

فرض كون العمد لغةً أعم، إلاّ أنّه عرفاً أخص. راجع اللغة واستعمالات الآية الكريمة مثل {تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}(2). والخلاصة: أن ظاهر العمد هو الجنايات ونحوها.

[51] قوله: [إدوارياً] مع الاطمئنان بعدم تأثير جنونه فيه فعلاً.

[52] قوله: [الإجماع] المصنف يناقش عادةً في الإجماعات، فكيف لم يناقش فيه في المقام؟ ولعله لئلا يستفاد من ذلك استفادة سلبية.

[53] قوله: [كافر] الكلام فيه أيضاً، فإنّه ما المانع منه؟ فإنّ شرطية الإيمان تقابلهما معاً.

نعم، قال ذلك لاستنكار المتشرعة، وهو تام.

[54] قوله: [ومستنكر] وقد يضاف إليه: أنّ المعروف من الشارع ذم غير المؤمن (مثل أنّه ليس أخاً وليس مؤمناً وتجوز غيبته وأنّه ملعون و...) وهذا ينافي - عرفاً - جواز تبوئه المنصب الأعلى وهو المرجعية، والخلاصة: أنّ

ص: 26


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل: 1 : 12- 13.
2- الأحزاب: 5.

ويؤيد عدم الجواز جملة من النصوص.

منها[55]: ما رواه عليّ بن سويد السابي قال: »كتب إليّ أبو الحسن (عليه السلام) وهو في السجن: وأمّا ما ذكرت يا عليّ ممّن تأخذ معالم دينك، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا اللّه ورسوله وخانوا أماناتهم. إنّهم أئتمنوا على كتاب اللّه فحرّفوه وبدّلوه، فعليهم لعنة اللّه ولعنة رسوله ولعنة ملائكته...«(1).

-------------------------

الشارع الذي قال ذلك لو قال بجواز تقليده لعد متناقضاً. راجع ما ذكرناه في المرأة.

وكذا قوله: «الرشد في خلافهم»(2). وأمّا الرواية عنهم فتختلف - عرفاً - عن الفتوى، فتأمل.

وقد يؤيد ذلك: بأنّا لم نجد - تاريخياً - تقليداً لهم، لكن قد يقال: إنّه لعدم وجود شخص منهم يجتهد وفق طريقة الشيعة، فتأمل.

[55] قوله: [منها] وفيه: أولاً: أنّها ضعيفة بمحمد بن إسماعيل الرازي، وعلي بن حبيب المدائني؛ إذ لم يوثقا. إلاّ أن يقال: إنّها مجبورة بالعمل.

وثانياً: أنّها معلّلة بالخيانة، والعلّة تعمم وتخصص، فلو علمنا أنهم لا يخونون لم تنطبق.

إلاّ أن يقال: إن الخيانة بمعنى: الانحراف العقائدي. لكن ظاهر كلمة

ص: 27


1- وسائل الشيعة 27: 150.
2- وسائل الشيعة 27: 113.

ومنها[56]: ما رواه أحمد بن حاتم بن ماهوية قال: »كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) - أسأله عمّ آخذ معالم ديني، وكتب أخوه أيضاً بذلك فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا، وكلّ كثير القدم في أمرنا،

-------------------------

الخيانة هو التعمد، وإلاّ فالمجتهد لو أخطأ الواقع لا يقال: إنّه خان.

وثالثاً: أنّها منصرفة لمن يجتهد على مبانيهم، لا على مبنانا، ويؤيده: أخذ الرواية عنهم.

ورابعاً: أنها مكاتبة، ولا يُعلَم الواسطة في الإيصال، فهو مثل قول الصدوق: (قال الإمام (عليه السلام) مرسلاً).

وفيه: أنّ الفرق عقلائي، فإنّه في المقام يبنى على أصالة الحسّ، أي أنّه عرف خط الإمام (عليه السلام) ، بخلاف المرسل فإنّه اجتهادي عقلائي ولا يعتمد عليه.

والحاصل: أنّ السيرة العقلائية جارية على الاعتماد على الكتابة لو شهد بأنّه منه، بخلاف المرسلات، فتأمل.

وخامساً: أنّ المكاتبة تحتمل التقية.

وفيه: 1- الأصل عدم التقية.

2- أنّه لا يحتمل التقية في خصوص هذه المكاتبة، بل هي ضدّ التقيّة.

[56] قوله: [ومنها] وهي تحتوي على جملة من الضعاف منهم: أحمد بن حاتم، إلاّ أن يقال: إنّها مجبورة بالعمل كما في سابقتها.

مضافاً إلى أنّ ما ذكر فيها محمول على الأفضلية؛ إذ لا يجب توفّر هذه الصفات إجماعاً. إلاّ أن يقال: إنها كناية عن الثبات وعدم التزلزل.

ص: 28

فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى«(1).

ومنها: ما رواه أبو خديجة سالم بن مكرم الجمّال[57].

ومنها: ما رواه عمر بن حنظلة[58].

أضف إلى ذلك ما في تفسير[59] العسكري (عليه السلام) فإنَّ الفاسق خارج عن الحدّ فكيف بالسنّي[60](2).

طهارة المولد

وأما طهارة المولد فما يمكن أن يذكر في تقريب الاشتراط وجوه:

الوجه الأول: الإجماع، وفيه ما فيه.

-------------------------

[57] قوله: [الجمّال] ضعيفة الدلالة. وقد يقال: إنها منصرفة للقضاة الذين لا يحكمون طبق مباني الشيعة، أمّا مَنْ يحكم طبق مبانينا فليست الروايات ناظرة إليه؛ لأنّه شاذ، بل لا وجود له.

وفيه: أنّ ندرة الوجود لا تضر بالإطلاق، إلاّ أن يقال بالانصراف، فتأمل.

[58] قوله: [حنظلة] ضعيفة السند والدلالة.

[59] قوله: [تفسير] قوّى الشارح سندها(3).

وقد يقال: إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وفيه: أنّ الظاهر كونها في مقام التحديد.

[60] قوله: [بالسنّي] قد يقال: إنّ العدالة بمعنى أن يعمل بما يراه صواباً، كالفقيه المخطئ.

ص: 29


1- وسائل الشيعة 27: 151.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :13.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 11.

-------------------------

وفيه: أنّه لو سُلّم ذلك إلاّ أنّ الرواية ظاهرة في اشتراط التشيع، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة، وغيرها من العبائر.

وقد يضاف لذلك:

1- اشتراط الإيمان في إمام الجماعة، فكيف بأهم منصب وهو المرجعية؟

وقد يقال: إنّه يشترط في إمام الجماعة: الطهارة ولا يشترط في المرجع؟ وهكذا سائر الشروط.

وفيه: الفرق العرفي، فتأمل.

2- إنّ الروايات الواردة في ذمّه ولعنه كثيرة، مثل: «جدر بالنهار»(1) و: «ليس

أخاً»(2)، و: «ليس

مؤمناً»(3) ولو جوّز الشارع مع ذلك تقليده عدّ متناقضاً عرفاً، كما سبق نظيره في المرأة.

وقد ينقض بأخذ الرواية عنه.

وقد يجاب: بأنّه فرق عرفاً، ففي الرواية هو مجرد ناقل، وفي الاجتهاد حاكم ومستنبط ووليّ، فتأمل.

ص: 30


1- بحار الأنوار 84: 160.
2- انظر: وسائل الشيعة1: 218، ومفتاح الكرامة 12: 456.
3- انظر: وسائل الشيعة1: 218، مفتاح الكرامة 12: 213.

الوجه الثاني: الأصل[61] فإنَّ مقتضاه عدم اعتبار قول من لا يكون مولده طاهراً...

الوجه الثالث: أنّه يعتبر في إمام الجماعة طهارة المولد، فبالأولوية تعتبر في مرجع التقليد.

وفيه: أنَّ ملاكات[62] الأحكام غير معلومة عندنا فلا موضوع للأولوية، فالحكم مبني على الاحتياط(1).

-------------------------

[61] قوله: [الوجه الثاني: الأصل] تقدم بعض الكلام فيما مضى.

وقد يقال: إنّ الأصل: عدم الشرطية الشرعية، وهو حاكم على استصحاب عدم الحجّية؛ لأنّه سببي ومسببي، فوزانه وزان نفي الجزئية الزائدة في الواجب الارتباطي بأصالة عدم الجزئية أو الشرطية.

وفيه: أنّه مثبت في المقام؛ إذ المطلوب إثبات إجزاء الفاقد، والأثر مترتب عليه، وإثبات أحد الضدّين بنفي الآخر مثبت، والترتب عقلي لا شرعي، مثل إثبات الركعة بنفي السكون.

وهذا بخلاف الواجب الارتباطي؛ إذ وجوب الأقل مسلم، ووجوب الجزء الزائد مشكوك فيُنفى بالأصل، بلا حاجة إلى ترتب أثر أو لازم.

[62] قوله: [إنّ ملاكات] لكن الأولوية عرفية، فهو مثل قوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ}(2) المستفاد منه حرمة الضرب.

ص: 31


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :14.
2- الإسراء: 23.

الاجتهاد

وأمّا الاجتهاد فلا إشكال في اعتباره؛ إذ مع عدم كونه مجتهداً يكون الرجوع إليه من مصاديق رجوع الجاهل[63] إلى مثله. إنّما الكلام في كفاية التجزّي[64] على تقدير إمكانه.

-------------------------

[63] قوله: [الجاهل] فلا تشمله الأدلَّة اللفظية مثل: «وأما من كان من الفقهاء»(1)، ولا السيرة العقلائية.

[64] قوله: [التجزي] هنا عدّة مباحث:

الأول: لو اجتهد في مسألة واحدة فقط، فهل يصدق عليه الفقيه ويجوز تقليده؟

الثاني: لوكانت له ملكة عامّة إلاّ أنّه لم يجتهد إلاّ في باب الطهارة مثلاً.

الثالث: لو كانت له ملكة خاصة.

والظاهر: أنّ كلمات الفقهاء في الأخير، لكن عبارات المصنف غير واضحة.

وعلى كلٍ، فلو كانت له قدرة محدودة - الكلام في القدرة لا الفعلية - فهل يمكنه الاستنباط؟

والجواب: نعم، فإن الملكة تختلف باختلاف المتعلق شدّة وضعفاً وسهولة وصعوبة، فقد يستطيع استنباط حكم الإرث لأنّه مضطلع بما فيه، ولا يستطيع استنباط حكم بيع الفضولي لأنّه يبتني على قواعد لا يفقهها.

وقد يمثل لذلك: بأنّ شخصاً لو أراد استنباط حكم رمي الجمرة، فاجتهد في تمام مدارك هذا الفرع، ولم يجتهد في بحث الأصول العملية مطلقاً؛ لأنّه لا يرتبط ببحثه، فهو قادر على استنباط هذا الفرع، دون حكم بيع الفضولي مثلاً؟

ص: 32


1- وسائل الشيعة27: 131، ح20.

... يستفاد منه أنّ الميزان في جواز التقليد كون المرجع فقيهاً[65] ولا يصدق هذا العنوان إلاّ على من يكون مجتهداً على الإطلاق...

-------------------------

كما أنّه لا يخفى أنّ مدارك الأحكام مختلفة في السهولة والصعوبة، فبحث حجّية الظواهر، أو حجّية ظواهر الكتاب ربما يكون سهلاً، بخلاف المباحث العقلية، كمباحث الضد والترتب، فقد يستطيع استنباط الأحكام المبتنية على المدارك السهلة من أصول وقواعد فقهية ورجالية، ولا يستطيع استنباط الأحكام المبتنية على المدارك الصعبة.

وهذا نظير سائر الصنائع، كنجار يستطيع صنع باب، ولا يستطيع صنع دولاب، وكذا نظير سائر الملكات كالشجاعة مثلاً.

إن قلت: من أين ندري أن سائر المسائل لا مدخلية لها؟

قلت: قد يطمئن بذلك من تتبع كلمات الفقهاء من الشيخ إلى الشيخ ومن السيّد إلى السيد.

[65] قوله: [فقيهاً] الظاهر: أنّ كونه فقيهاً طريقي لا موضوعي، أي أنّ الملاك الفقه في مسألة، مثل «راجع الأطباء» فإنّ الطبيب وإن لم يصدق على العارف بمسألة واحدة، إلاّ أنّه - عرفاً - يراد منه من يعرف حكم المسألة؛ ولذا يجوز الرجوع إليه. ويؤيده أو يدل قوله (عليه السلام) : «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم»(1).

وعليه فالأدلَّة تشمل:

ص: 33


1- من لايحضره الفقيه 3: 3.

وأمّا العدالة فمضافاً إلى دعوى الإجماع[66] على الاشتراط، وأنَّ دعوى عدم الاشتراط يقرع الأسماع ويكون مستنكراً، وأنّ المناسبة[67] بين الحكم والموضوع تقتضي الاشتراط، يدل[68] عليه حديث العسكري (عليه السلام) فإنّ المستفاد منه اشتراط العدالة[69] في المرجع، فلاحظ(1).

-------------------------

1- المجتهد مطلقاً مع إعمال اجتهاده مطلقاً.

2- المجتهد مطلقاً مع إعمال في مقدار معتد به.

3- المجتهد مطلقاً مع إعمال في مقدار غير معتد به.

4- المجتهد المتجزي مع إعمال في مقدار معتد به.

5- المجتهد المتجزي مع إعمال في مقدار غير معتد به.

[66] قوله: [الإجماع] ناقش فيه مراراً.

[67] قوله: [المناسبة] فالموضوع فيه «الدال على الشريعة والرابط بينك وبين اللّه تعالى والولي» والحكم جواز التقليد.

[68] قوله: [يدل] ويدل عليه:

1- أنّه لو جوّز تقليده عدّ متناقضاً، كما مضى مثله.

2- أنّه لا تجوز الصلاة خلفه، فبالأولى لا يجوز تقليد، وقد مضى نظيره.

[69] قوله: [العدالة] أو فوق العدالة، وحيث إنّ الجوّ جوّ نفي الفسق - ظاهراً - وما فعله علماء اليهود والعامّة، فالقدر المتيقن من الرواية الدلالة على أصل العدالة لا فوقها.

ص: 34


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :15.

الاعلميّة

وأمّا الأعلمية فالإنصاف[70]

-------------------------

[70] قوله: [فالإنصاف] هنا بحث في أنّ السيرة العقلائية هل هي بنفسها دليل إذا لم يردع عنها الشارع، أو أنّها بضميمة الإمضاء تكون دليلاً؟

إن قيل: بالملازمة الكلّية بينهما فلا كلام، لكن عدم الردع قد لا يدل على الإمضاء والقبول.

والظاهر أنّها بحاجة إلى الإمضاء؛ إذ هي بنفسها ليست دليلاً. والإمضاء قد يكون:

1- لأنّه بلا ردع يكون تفويتاً للغرض.

2- أو لأن الشارع موظف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- أو لظهور حال الشارع.

إن قلت: إنّ السيرة ناشئة من العقل، والعقل حجّة.

قلت: العقل قسمان:

الأول: نظري: كإدراكه بأنّ كل معلول بحاجة إلى علّة.

الثاني: عملي: ولم تثبت حجّية الثاني؛ إذ لعلّه للانسداد، فلا يوجد طريق آخر غير حجّية الظن وخبر الثقة ونحوهما، ودليله تخصيص الشارع للظن مثلاً.

إن قلت: إنَّ أدلَّة حجّية العقل مطلقة.

قلت: إنَّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، فتأمل.

إن قلت: إنَّ الشارع سيّد العقلاء، فامضاؤهم لشيء إمضاؤه.

قلت: كونه سيد العقلاء قد يقتضي أن يدرك ما لا يدركون، فلا يمضي بناءاتهم العملية.

ص: 35

أنَّ العقلاء في سيرتهم يراجعون[71]

-------------------------

وعلى كلٍ، فالقول إنَّ كل عمل عقلائي ممضى شرعاً مشكل، مثل بناؤهم على كل معاملة: كالمغارسة - إلاّ بضميمة: أوفو بالعقود - وقوانين المرور والقوانين الجزائية وغيرها.

هذا، وقد يفرق بين «تباني العقلاء» و«بنائهم» فالأول يختلف من قوم إلى قوم، كالإشارة الحمراء الدالة على وجوب التوقف، والبناء: عام ولا يختلف فيه العقلاء، فتأمل.

ثم إنّ هنا بحثاً آخر: وهو أن المراجعة للأعلم هل ثبتت في الأمر الديني، أو في الطب ونحوه؟

أمّا الأول: فلم يثبت اتصال السيرة بزمان الإمام (عليه السلام) . وأمّا الثاني: فلا يدل على الإمضاء الكلّي.

والجواب: إنّه إمضاء النكتة.

فتحصّل أنّ هنا دليلين:

1- كل بناء عقلائي نابع من العقل.

2- كل عدم ردع كاشف عن الإمضاء.

[71] قوله: [يراجعون] مع العلم بالاختلاف في نظرنا، وإن كان ظاهر المصنف الإطلاق، بل قد يقال: إنّهم يراجعونه حتى مع عدم العلم بالاختلاف، كما ذكره المصنف.

لكن الظاهر عدم صحّة الدعوى الأخيرة، بل قد يقال: إنّه حتى مع العلم بالاختلاف يراجعون غير الأعلم حتى في القضايا المحتملة؛ ولذا يجرون

ص: 36

الأعلم في الأمور المهمّة، ومن الظاهر[72] أنَّ الأمر الديني أهمّ الأمور، لكن[73]

-------------------------

العمليات الجراحية الخطيرة عند غير الأعلم، ويركبون الطائرة مع وجود العلم العادي بالاختلاف في التشخيص.

هذا، ولكن مع العلم وكون المسألة خطيرة، قد يُمنع الرجوع لغير الأعلم، ولا علم إجمالي في المراجعات بالاختلاف فيما هو محل الابتلاء؛ ولذا يراجعون غير الأعلم.

[72] قوله: [ومن الظاهر] هذا تطبيق للكبرى على الصغرى، فإنّ الأمر الديني يترتب عليه السعادة الدائمة أو الشقاء الدائم، أو ما لا يقاس حتى القليل منه بكل عذابات الدنيا.

[73] قوله: [لكن] يوجد هنا مقامان:

1- السيرة العقلائية: وقد سبق أنهم يراجعون الأعلم مع العلم بالاختلاف.

2- الأدلَّة اللفظية: وهي مطلقة، تشمل الأعلم وغير الأعلم.

لكن مع العلم بالاختلاف لا تشمل؛ لأن الأدلَّة لا تشمل المتكاذبين.

ثم إنَّ هنا بحثين:

الأول: هل يمكن الشمول عقلاً، أي هل يمكن إعطاء الحجّية للمتناقضين ثبوتاً؟

الثاني: هل الأدلَّة ظاهرة - إثباتاً - في ذلك؟

فتحصّل أن رأي المصنف هو: أن السيرة العقلائية هي الرجوع للأعلم مطلقاً، وأنّ الأدلَّة اللفظية مطلقة، إلاّ في صورة التعارض.

ص: 37

المستفاد[74] من حديث العسكري (عليه السلام) وأحمد بن إسحاق[75] كفاية الاجتهاد، وأمّا الأعلمية فلا. نعم، مع العلم بالاختلاف

-------------------------

[74] قوله: [لكن المستفاد] وسيرة العقلاء لا تصلح لتقييد الحكم الشرعي، ككل حكم شرعي في مورده سيرة عقلائية. فمثلاً، بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة، لكن لا مانع أن يجعل الشارع خبر العادل مطلقاً حجة - بمفهوم آية النبأ - وإن كان غير ثقة على أنّ بينهما عموماً من وجه. وكذا الاستصحاب، مع أنّ بناء العقلاء فيما كان ظنّ وفقه أو لم يكن ظنّ بالخلاف، وكذا الفراغ مع أنّ بناء العقلاء فيما كان أذكرية حين العمل.

[75] قوله: [وأحمد بن إسحاق] قد يقال: إنّ الرواية واردة في روايته لا في الرأي، والدليل كلمة «عني» فإنّ اجتهاد المجتهد ليس «عنه» بل عن «رأيه». مثل ما لو قال ولد المولى: إنّ انطباعي أن المولى يريد هذا، فلا يجب على العبد إطاعته.

لكن جملة الفقهاء فهموا الأعم والمراد ب- «عني» أي الاستناد إليّ لا إلى الهوى ونحوه. وعلى كلٍ: ففي سائر الروايات كفاية.

إن قلت: سلمنا الإطلاق لكن المقبولة «وأفقههما»(1) مقيّدة.

قلت: لا تصلح للتقييد؛ لأنّها في مقام الخصومة التي لا بد أن ترتفع برافع ولو بالقرعة - فإن القاضي قد يقرع - وليس موضوعها مطلق الجهل حتى تشمل ما نحن فيه.

ص: 38


1- الكافي1: 67، ح10.

يلزم الرجوع إلى الأعلم[76] أو الاحتياط(1)...

عدم جواز تقليد الميت ابتداءً

الفرع الثاني: أنّه لا يجوز تقليد الميّت ابتداء... ولا إشكال في تمامية المقتضي[77] للجواز؛ ولذا جوّزوا البقاء وإنّما منعوا عن التقليد الابتدائي، والمانع المتصوّر الإجماع على عدم الجواز، والحال أنَّ الاستدلال بالإجماع مردود:

-------------------------

[76] قوله: [إلى الأعلم] فإنه متيقن الإبراء.

[77] قوله: [المقتضي] إذ المقتضي أمران:

الأول: السيرة العقلائية: وهي عامّة، ولذا لو أخذ كتاب الشفاء لا يسأل أنّ مؤلفه حي أو ميت، وكذا الجامعات فإنّها تعتمد على نظريات ابن سينا الطبّية.

الثاني: الأدلَّة اللفظية: وهي مطلقة، مثل {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ}(2) و«فإنهم حجّتي عليكم»(3)، {وَلِيُنذِرُواْ

قَوْمَهُمْ}(4).

وسيأتي أنّ «صائناً لنفسه»(5) ليس مانعاً، فهو مثل (راجع الطبيب المتتبع) فإنّه طريق لرأيه لا موضوعية له. ويؤيّده: ما ذكر في باب الروايات من الرجوع للراوي الميت.

لكن لو وصلت النوبة إلى الشك والأُصول العملية، فهل نستصحب عدم حجّية رأيه على هذا المقلّد؟ فلو صحّ ذلك فلا مقتضي للتقليد.

ص: 39


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :15.
2- النحل: 49.
3- وسائل الشيعة 27: 140.
4- التوبة: 122.
5- وسائل الشيعة 27: 131.

أوّلاً[78]: بإنكار الصغرى، أي تحقق الإجماع ولا أقلّ من الشكّ فيه، فلا يكون قابلاً للاستدلال به.

وثانياً: بأنّ المنقول منه غير حجّة كما حقّق في محلّه، والمحصل منه على فرض حصوله محتمل المدرك[79] (1).

وبعبارة واضحة: الإجماع بما هو ليس دليلاً[80] في قبال بقيّة الأدلَّة، فلا يكون مجال للاستدلال به.

وصفوة القول: أنّه لا فرق في السيرة العقلائية[81] في أمثال المقام بين الميّت والحيّ، والشارع الأقدس في الأمور العقلائية لا يكون له

-------------------------

[78] قوله: [أولاً] كالإخباريين وغيرهم وسيأتي لاحقاً.

[79] قوله: [المدرك] مثل ظهور «صائناً» في كونه حياً فعلاً، كما ستأتي الإشارة إليه.

[80]قوله:[ليس دليلاً]ذكرنا في الأُصول بحث كونه دليلاً مستقلاً، فراجع(2).

[81] قوله: [في السيرة العقلائية] قد يقال: إنّها قائمة على الرجوع في الأمور الطبيعية وأمثالها، لا على الرجوع في الفتوى، فلا إطلاق، فالممضى خصوص ذلك.

إلاّ أن يقال: إنّ النكتة ممضاة.

وهل نستطيع أن نقول: كل شيء بنى عليه العقلاء فهو ممضى، كالمغارسة وحق التقدم في الطابور والشهرة والإجماع؟

ص: 40


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :16.
2- انظر: تبيين الأصول2: 22.

طريق مخصوص... فلا مجال لأن يقال: إنَّ الأدلَّة الدالّة على النهي عن العمل بالظنّ كقوله تعالى: {إَنّ الظّنّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقّ شَيْئًا}(1) وقوله تعالى أيضاً: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(2)، وأمثالهما رادعة عن تقليد الميّت فإنّه يرد عليه:

أوّلاً[82]: أنّه ما الفرق بين المقام وبين العمل بالظواهر فإنَّ الملاك واحد.

وثانياً[83]: أنّ موارد السيرة تكون علماً تعبدّياً في نظر العقلاء ومعتبرة عندهم.

وثالثاً[84]: أنّ عدم الردع بالخصوص يدلّ على الإمضاء، ولذا نرى أنّ الشارع الأقدس نهى عن العمل بالقياس[85] وقد وردت فيه روايات كثيرة(3).

-------------------------

نعم، وذلك لأن طرق الطاعة والمعصية عقلائية.

[82] قوله: [أولاً] وفيه: أنّه لم يرجع للميت في الأمور الدينية.

وفيه: أنّ الملاك واحد.

[83] قوله: [وثانياً] سبق نظيره.

[84] قوله: [وثالثاً] وفيه: أنّه لعله ردع ولم يصل، كما أن الروايات في أصل التقليد قليلة جداً، فلا يصح القول: إنَّه لو لم يردع... .

[85] قوله: [بالقياس] مفاده: أنّه لو لم يردع لكان حجّة، وفيه نظر.

ص: 41


1- يونس: 36.
2- الإسراء: 36.
3- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :16.

فالنتيجة: أنّ تقليد الميّت كتقليد الحيّ مورد لإمضائه وإجازته، مضافاً إلى دلالة جملة من النصوص على المطلوب، لاحظ ما رواه أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) فإنّه (عليه السلام) قال في هذه الرواية: »العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون[86]«(1)...

إن قلت[87]: نفرض أنّ التقريب تامّ والمقتضي للجواز موجود لكن يستفاد من حديث الإمام العسكري (عليه السلام) عدم الجواز، فإنّ قوله (عليه السلام) : »فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه«(2) الخ، يعطي ضابطة كليّة لجواز التقليد. ومن الظاهر[88]

-------------------------

[86] قوله: [فإنّه الثقة المأمون] هذا تعليل يفيد العموم، لكن لعل الرواية في بيان قبول قوله في الرواية لا الرأي، فتأمل ولاحظ عموم التعليل.

[87] قوله: [إن قلت] إنّ المقتضي موجود وهو السيرة العقلائية وإطلاقات الأدلَّة اللفظية، لكن يوجد هنا مقامان:

الأول: حديث الإمام العسكري (عليه السلام) .

الثاني: محذور الإمام الثالث عشر(3).

[88] قوله: [ومن الظاهر] لو قلنا: إنّ المشتق حقيقة في الأعم لم ينافِ

ص: 42


1- الكافي 1: 330.
2- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 300.
3- أي: لو كان تقليد الميت جائزاً ابتداءً لزم الاعتقاد بالإمام الثالث عشر. انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 18 - 19.

أنّ العنوان المذكور لا يصدق على الميّت...

قلت[89]: لنا أن نقول: إنّ الحصر إضافيّ، بتقريب أنّ المقصود نفي الاعتبار عن قول الفاسق الفاجر(1)...

مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال[90]: إنّ المستفاد من الحديث

-------------------------

الظهور العرفي، مثل «صلّ خلف الإمام العادل».

[89] قوله: [قلت] هنالك ثلاثة أنواع:

1- ليس في مقام التحديد.

2- التحديد من جميع الجهات.

3- التحديد من جهة دون جهة، مثلاً: لو قال شخص: يحل الجرّي والمار ماهي، فقلنا: لا يحل إلاّ السمك ذو الفلس والروبيان، فهذا لا يفيد حرمة الطير مثلاً؛ لأنه ليس ناظراً لهذه الجهة، وكذلك قول الصيّاد: (لا شيء في الصحراء)، وقول الحطّاب: (كل شيء موجود).

إن قلت: إنّه من نفس الحديث نستفيد ذلك - لا من مقام التحديد - إذ ليس الميت حافظاً.

قلت: إنّه حسّي، كقول شخص: إنّي أُراجع العجائز في أمراضي. فقلنا: لا تراجع إلاّ الطبيب المتتبع الحاذق، فإنّه في مقابل العجوز، وليس معناه: أنّ الميت الذي لا تتبع له لا تراجعه.

[90] قوله: [أن يقال] إنه طريقي، ولذا لو لاحظنا كتاباً طبياً - مثلاً - فلا

ص: 43


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :17- 18.

وأمثاله حجّية القول ولا خصوصيّة للشخص...

ولسيّدنا الأستاذ[91] كلام في المقام، وهو أنّه لو كان تقليد الميّت جائزاً ابتداءً يلزم الاعتقاد بالإمام الثالث عشر...

ويرد عليه[92]: أنّ المحذور المذكور على فرض تماميّته إنّما يتوجّه في صورة العلم بالخلاف، وأمّا مع عدم العلم به فلا محذور(1).

-------------------------

نفكّر أنّ المؤلف حيّ أو ميت، بل لا يخطر في بالنا ذلك.

[91] قوله: [ولسيّدنا الأُستاذ] هذا مبتنٍ على: 1- جواز تقليد الميت. 2- وجوب تقليد الأعلم عند العلم بالاختلاف.

[92] قوله: [ويرد عليه] أولاً: إنّه في صورة العلم بالخلاف.

وفيه: أنّ الظاهر أنّه موجود.

إلاّ أن يقال: إنّه في بعض المتدينين المطلّعين، وأمّا الغالبية فيظنّون أنَّ الكل على رأي واحد، فتأمل.

ثانياً: لماذا نعتبر ذلك دليلاً على بطلان تقليد الميت، فلنعتبره دليلاً على بطلان تقليد الأعلم؟

والخلاصة: أنّ المحذور مبتنٍ على أمرين:

أ- وجوب تقليد الأعلم.

ب - جواز تقليد الميّت، فلماذا اعتبرتم هذا المحذور دليلاً على بطلان الثاني دون الأول؟

ص: 44


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :18 - 19.

مضافاً[93] إلى أنّ الأعلم لا يكون شخصاً واحداً في جميع الأعصار...

ومن العجب[94] طرح هذه الشبهة مع أنّها لا ترجع إلى محصل... وممّا يؤيد المدّعى أنّ جملة من الأخباريّين قائلون بالجواز،

-------------------------

ثالثاً: إنّ التشخيصات في الأعلم مختلفة، مثلاً صاحب الجواهر أو الشيخ الأنصاري.

رابعاً: إنّه في المسائل المتجددة نقلّد الأحياء فتعدد المقلّدون.

خامساً: وجود الفرق الذاتي بين الإمام والمجتهد، فالإمام معصوم والمجتهد غير معصوم إلى غير ذلك من الفوارق، وليس تقليده يجعله إماماً.

سادساً: إنّ الأعلمية ليست مسألة الذاتية، بل الفعلية، فقد يكون افلاطون أعلم ذاتاً من الكل، لكن الفيزيائي أو الفلكي البسيط الفعلي أعلم منه فعلاً؛ لأن العلم مبني على عنصر التراكم، فالفلكي البسيط الفعلي يفهم في الفلك أفضل من افلاطون، وإن كانت ذاتية الثاني أقوى، وليس الملاك في التقليد الذاتية، بل الفعلية. وكذا الجراح العادي الفعلي يفهم في عملية القلب أفضل من ابن سينا.

[93] قوله: [مضافاً] سبق توضيحه، ويحتمل معناه الظاهر: أنّه يكون أعلم في زمان، ثم يأتي أعلم منه.

[94] قوله: [ومن العجب] لعل المراد أن رجوع الجميع إلى شخص واحد واضح البطلان، لا أنّ مراده «الإمام الثالث عشر» حقيقةً، أي سدّ باب الاجتهاد.

ص: 45

وأيضاً ذهب جماعة من الأصوليّين، كصاحب القوانين والفاضل التوني والمقدس الأردبيلي[95] إلى الجواز على ما نقل عنهم.

بقي شيء[96]: وهو أنّ العقلاء مع العلم بعدم موافقة رأي الأعلم مع غيره يحتاطون، فكيف يمكن الرجوع إلى غير الأعلم مع احتمال كون الأعلم غير موافق معه. قلت: يرد على التقريب المذكور:

أوّلاً: أنّا لا نسلّم عدم جريان السيرة العقلائية، فإنّ العقلاء يراجعون أهل الخبرة إلاّ في صورة العلم بعدم الموافقة بين أهل الخبرة، إلا أن يقال[97] بالاستصحاب يحرز عدم الموافقة(1).

-------------------------

وفيه: أنّه ليس بطلانه واضحاً، وما حصل إنما هو على أثر الفتاوى منه؛ ولذا لا يوجد هذا الوضوح عند الأخباريين، فتأمل.

[95] قوله: [الأردبيلي] والمقلدة بعد الشيخ الطوسي، راجع المعالم والشيخ المفيد في أحوال الشيخ الطوسي(2).

[96] قوله: [بقي شيء] توجد هنا ثلاث صور:

الأولى: العلم بالموافقة، ورأي المفضول حجّة.

الثانية: العلم بعدم الموافقة، ورأي المفضول ليس بحجة.

الثالثة: الشك بالموافقة، والشك في الحجّية موضوع عدم الحجّية.

[97] قوله: [إلاّ أن يقال] وفيه:

أولاً: إنَّ الأمارة العقلائية مقدّمة على الاستصحاب.

ص: 46


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 19.
2- انظر: معالم الدين وملاذ المجتهدين: 5و 19.

وثانياً[98]: يكفينا للقول بالجواز النصوص، فإنّ المستفاد من الروايات جواز الرجوع إلى العالم الثقة. نعم، مع العلم بالمعارضة يحكم بالتساقط بحكم العقل، وأمّا مع الشك في التعارض فلا مانع من الأخذ بدليل الجواز، فإنّ استصحاب عدم التعارض يحرز تحقّق الموضوع، هذا على تقدير القول بأنّ المخصص اللّبي يوجب تعنون العامّ. وأمّا على القول بعدم كونه موجباً له فالأمر أوضح[99] إذ مجرّد الشكّ يكفي للأخذ بدليل الجواز، فلاحظ(1).

-------------------------

ثانياً: إنّ الاستصحاب معارض بأصالة عدم المخالفة، فإنّ الموافقة والمخالفة أمران حادثان.

ثالثاً: أصل عدم الموافقة لا أثر له؛ إذ الأثر للمخالفة وعدمها - أي المخالف لا يجوز تقليده - وليست الموافقة موضوعاً للأثر.

[98] قوله: [وثانياً] أي إن الموضوع هو أهل الذكر غير المعارض اسألوه، وكونه أهل الذكر وجداني، وكونه غير معارض أُثبت بالاستصحاب، فالأثر مرتب على العام المعنون، وهو يثبت أحد جزئيه بالوجدان والآخر بالأصل. هذا لو قلنا: إنّ المخصص العقلي يعنون العام.

[99] قوله: [أوضح] وفيه:

1- إن القرينة العقلية كالمتصلة، فيصبح العام مجملاً.

إلاّ أن يقال: بالتفصيل بين المخصص العقلي الواضح، فيكون كالمتصل والغامض، فيكون كالمنفصل، فتأمل.

ص: 47


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :18- 19.

جواز البقاء علی الميت

الفرع الثالث[100]: أنّه يجوز البقاء: الظاهر أنَّ الفارق بين الابتداء والبقاء أمران:

الأمر الأوّل: الإجماع على عدم الجواز ابتداءً بخلاف البقاء.

ويرد عليه أوّلاً: أنّه لا إجماع حيث نرى أنّ الأخباريّين[101] يجوّزون الابتداء كالبقاء(1)...

-------------------------

2- لو كانت القرينة منفصلة لا يصح التمسك. مثل (أكرم العلماء) و(لا تكرم النحويين) ثم شككنا أن زيداً العالم نحوي أو لا، فإنّ هذا نحو ثانٍ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

[100] قوله: [الفرع الثالث] لو ثبت جواز التقليد ابتداءً فسوف يثبت جوازه استدامة بالأولوية، وكأنّ غرض المصنف هنا: أنّ التفريق لا وجه له.

إلاّ أن البحث - فنياً - غير صحيح؛ إذ الكلام هنا في جواز البقاء لا عدم جواز الابتداء، إلاّ أنّ المصنف نقل البحث إلى عدم جواز البقاء وردّه. ولعل مراده ما سبق من الأولوية، كما مضى قبل قليل.

[101] قوله: [الأخباريين] وغيرهم كما سبق.

قد يقال: إنّ الموجود عندهم الرواية لا الاجتهاد.

وفيه: إنّ واقع الاجتهاد عندهم، وإن سمّوه نقل رواية، فواقع تقليد الميت قائم عندهم منذ القدم، وليس أمراً حادثاً من الشيخ الاستر آبادي، فلا إجماع على عدم الجواز قبله.

ص: 48


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :20.

الأمر الثاني: أنّ جملة من النصوص تدلّ على جواز التقليد كما تقدّم، وتلك النصوص تدلّ بإطلاقها على جواز البقاء، وأمّا ابتداء فلا يستفاد[102] من تلك النصوص...

-------------------------

[102] قوله: [فلا يستفاد] إننا نستصحب الموضوع فلا يشمله الإطلاق.

ص: 49

المسألة 3: يجب تقليد الأعلم مع العلم بمخالفته لغير الأعلم

مسألة 3: يجب[103] تقليد الأعلم مع العلم[104] بمخالفته لغير الأعلم في الفتوى في محلّ الابتلاء(*)، والمراد[105] من الأعلم هو الأعرف[106] بقواعد الاستنباط الأجود فهماً للأحكام من أدلّتها(**).

-------------------------

[103] قوله: [يجب] على الأحوط استحباباً.

[104] قوله: [مع العلم] هل الملاك العلم أو الواقع؟

والجواب: حيث إنّ الدليل هو السيرة العقلائية، فهي جارية على أنّ الملاك هو العلم لا الواقع. نعم، لو كان هنالك دليل لفظي دار حول محور الواقع، فتأمل.

[105] قوله: [والمراد] لا تكفي الذاتيّة، بل الإعمال هو المهم؛ ولذا قد يكون شخص أعلم في حدّ ذاته - كالشيخ - إلا أنه صرف على مسألة ما دقائق محدودة، وآخر صرف سنوات، فربما يكون الثاني هو الأعلم.

[106] قوله: [هو الأعرف] أي في فهم الكبرى والقدرة على التطبيق على الصغرى، وذلك كالطبيب - مثلاً- حيث يعرف قواعد المرض والعلاج، ويقدر على التطبيق والتشخيص.

ثم إنّ الملاك ليس القدرة على الحذلقة اللفظية، واستخدام المصطلحات العلمية الغامضة، بل على فهم الواقع، مثلاً: يعرف أنّ الأمر ظاهر عرفاً في الوجوب، ولو لم يعرف ألفاظه وحذلقاته.

وعلى هذا، فالفهم للقواعد الكلّية - ولو مطوياً - كافٍ، ولا يحتاج إلى الفهم التفصيلي.

ص: 50

(*) والوجه[107] فيه أنّ السيرة العقلائية جارية على تقليد الأعلم في هذه الصورة، وأمّا الدليل اللفظي فيسقط عن الاعتبار بالمعارضة(1).

-------------------------

فالمراد بالعلم بالقواعد العلم بها كواقع لا كألفاظ، كالنحو مثلاً على السليقة العربية. وتلفظ (ض) لإيراني أو لعربي قح.

فأنت من تقلد في نطق الضاد هل الأول أو الثاني؟

وعلى كل، نستطيع أن نقول: إنَّ الأعلم في الفقه أعلم في الأصول، ولا عكس، فتأمل.

إذ قد يقال: إنّ الملاك الأعلمية في كليهما؛ إذ قد يكون جيّد الفهم لكنّه غير محيط بالقواعد.

وفيه: أنّ المراد الاستنباط الفعلي لا القدرة الشأنية، وحينئذٍ فإذا كان استنباطه جيداً كان أعرف ضمناً بالقواعد، فالثاني مغنِّ عن الأول، ولذا قال في العروة «والحاصل أن يكون أجود استنباطاً»(2) فتأمل.

[107] قوله: [والوجه] إنّ الدليل اللفظي يدل على جواز التقليد في جميع الصور: 1- عدم العلم بالمخالفة. 2- العلم بالموافقة. 3- العلم بالمخالفة.

إلاّ أنّه لا يشمل المتعارضين مطلقاً، سواء أكان هنالك أعلم أم لا. وتبقى السيرة العقلائية، وهي على تقديم الأعلم في صورة العلم بالمخالفة، وهذه السيرة لم يردع عنها الشارع فتكون حجّة.

ص: 51


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :20- 21.
2- العروة الوثقى 1: 22.

(**) الظاهر[108] أنَّ الأمر كما أفاده، فإنَّ الأعلم في كلّ فنّ الأعرف بقواعد ذلك الفنّ. وإن شئت قلت: مفهوم الأعلم مفهوم عرفي[109] يدركه كلّ أحد ولا يحتاج إلى البحث فيه...

-------------------------

وفيه: إنّه لا مانع من شمول الأدلَّة للمتعارضين، وقد سبق أنّ صرف عدم الردع لا يكفي، بل لا بد من الإمضاء، فلا يكفي صرف السيرة، وهل هنالك إمضاء؟ وهل الإمضاء في بعض الجزئيات دليل على الإمضاء العام للنكتة؟ وهل العقلاء يتعبدون بالرجوع للأعلم في صورة العلم بالمخالفة، مثلاً: أطباء أمريكا أفضل من أطباء لندن، فهل يتعبدون بالذهاب للأولين؟

[108] قوله: [الظاهر] الظاهر كونه ناقصاً؛ إذ لا تكفي المعرفة بالكبريات، بل لا بد من ضم الصغريات أيضاً.

[109] قوله: [عرفي] فيه تأمل، لأنه قد يكون الأمر عندهم واضحاً في سائر الفنون؛ لأن الملاك واضح - كعلاج المرض - أمّا في الفقه فليس واضحاً، فتأمل.

ولذا اختلف الفقهاء اختلافاً كبيراً في معنى الأعلم، إلاّ أن يقال: النزاع لفظي، فتأمل.

ص: 52

المسألة 4: يثبت الاجتهاد بالعلم

مسألة 4: يثبت[110] الاجتهاد بالعلم(*)[111] أو البيّنة من أهل الخبرة(**)[112] أو الشياع المفيد للعلم[113] وكذا الأعلمية(***).

-------------------------

[110] قوله: [يثبت] على رأي الماتن هنالك طرفان: 1- العلم. 2- البيّنة. وإنما ذكر الشياع مستقلاً لكونه طريقاً عادياً يورث العلم بكثرة، بل هو الطريق الوحيد لغالب العوام - ظاهراً.

[111] قوله: [بالعلم] الشامل للاطمئنان.

[112] قوله: [من أهل الخبرة] في شرطية ذلك بحث، لإطلاق الأدلَّة، إلاّ أن يقال بالانصراف، فتأمل.

[113] قوله: [المفيد للعلم] بل مطلقاً، إذا لم يكن متهماً؛ وذلك لبناء العقلاء على الشياع، مثلاً: إذا ذهبتم إلى مدينة وشاع أنّ فلاناً طبيب فسوف تعتمدون عليه. هذا وقد يقال: إنّه يورث الاطمئنان عادةً، فالبناء على الاطمئنان، ولو شك لم يعتمد عليه.

وقد يقال: إنّ عدم كونه متهماً مساوق للاطمئنان.

والخلاصة أنّ هنالك صوراً: 1- إفادته العلم أو الاطمئنان. 2- إفادته الظن. 3- حصول الشك. 4- حصول الوهم. فهو حجّة في أية صورة؟

ثم إنّ الاطمئنان نوعان: شخصي ونوعي، وقد يستشكل في إمضاء الشارع لبناء العقلاء هذا، إلاّ أن يتمسك بما ذكرناه سابقاً من النكتة، أو يقال: إنّ طرق الطاعة والمعصية عقلائية، راجع الكفاية في باب التجري،

ص: 53

(*) فإنّه حجّة ذاتاً بحكم العقل[114]

(**) بل يثبت بشهادة العدل الواحد، بل بإخبار ثقة[115] واحد(1)...

فإنّ ثبوت الموضوعات الخارجية لا تنحصر[116] بالإخبار

-------------------------

حيث قال: «الوجدان الحاكم على الإطلاق في باب الاستحقاق»(2) فتأمل.

وقد يستدل على حجة الشياع، أيضاً بما يلي:

أولاً: قوله (عليه السلام) : «فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم»(3).

ثانياً: قوله (عليه السلام) : «حتى يستبين لك غير ذلك»(4)، والشياع نوع استبانة عرفاً. فتأمل.

ثم إنَّه هل الملاك في الاطمئنان الشخصي أو النوعي؟

الظاهر هو الأخير؛ إذ لا عذر للشخص مع حصول الاطمئنان النوعي، فتأمل.

[114] قوله: [بحكم العقل] أو برؤيته.

[115] قوله: [ثقة واحد] وبين العدل والثقة عموم من وجه، فتأمل.

[116] قوله: [لا تنحصر] للسيرة العقلائية وللأدلَّة اللفظية، مثل آية النبأ أو غيرها، وللتعليلات مثل: «فإنّه الثقة المأمون»(5).

ص: 54


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :21.
2- انظر: كفاية الأُصول: 262.
3- وسائل الشيعة 19: 83 .
4- الكافي 5: 314.
5- الكافي 1: 330.

الصادر عن البينة. ويمكن أن يقال[117]: إنّه لا يشترط في الاعتبار كون المخبر من أهل الخبرة، بل اللازم كون الإخبار حسياً... إلاّ أن يقال[118]: إذا لم يكن من أهل الخبرة لا يمكن أن يشخص ويميّز ويدرك الأعلم فلا أثر لإخباره...

(***) فإنّ حكم الأمثال[119] واحد(1).

-------------------------

[117] قوله: [أن يقال] عقلائياً، أمّا شرعياً فلا؛ للإطلاق، إلاّ أن يقال بالانصراف - كما سبق - راجع كلام الشيخ في خبر الواحد(2)؟

والصور ثلاث:

الأولى: حسّي.

الثانية: حدسي بعيد من الحس(3).

الثالثة: حدسي قريب منه.

[118] قوله: [إلاّ أن يقال] وفيه: إنّه يمكن أن يكون له مدرك شرعي، فثقته تمنع عن الإخبار بلا مدرك، وإن لم يستطع التشخيص والتمييز، فتأمل.

[119] قوله: [حكم الأمثال] الأولى الاستدلال بإطلاقات الأدلَّة أو الملاك.

ص: 55


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :21- 22.
2- انظر: عدّة الأُصول 1: 87.
3- انظر: عدّة الأُصول 1: 87.

المسألة 5: لو لم يتعيّن له الأعلم

مسألة 5: لو لم يتعيّن له الأعلم[120] فهو مخيّر بين من يجوز تقليده من الأحياء مع عدم العلم[121] باختلافهم في الفتوى في محلّ ابتلائه(*).

(*) ... وبعبارة أُخرى[122] لزوم تقليد الأعلم في مورد[123] الاختلاف في الفتوى، حيث إنَّ الدليل لا يشمل كليهما[124] لأوله إلى التناقض، ولا يشمل أحدهما لا معيّنا ولا مخيراً لعدم الدليل عليه(1)...

-------------------------

[120] قوله: [لو لم يتعين له الأعلم] هذا بيان أحد الفرضين، إذ التخير - مع عدم العلم بالاختلاف في الفتوى - موجود حتى لو يتعين له الأعلم، كما سبق وسيأتي.

[121] قوله: [مع عدم العلم] ولو علم بالاختلاف سقط الجميع للتعارض، فإن أدلَّة الحجّية لا تشمل المتعارضين.

[122] قوله: [وبعبارة أخرى] خلاصته: أنّ المحذور الكلّي لا يجري في المقام.

[123] قوله: [في مورد] أي «كائن في مورد» فهو خبر لزوم.

[124] قوله: [لا يشمل كليهما] هذا الدليل منظور فيه كما ذكر تفصيله في شورى الفقهاء.

والمحذور إمّا أن يطرح ثبوتياً أو إثباتياً، أمّا ثبوتياً فلا وجه له، أي كونه محالاً؛ لوقوع مثله في التخيير في الخبرين المتعارضين، وأماّ إثباتياً فلا مانع منه، والإطلاق يساعد عليه، فتأمل.

ص: 56


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :22- 23.

المسألة 6: لو تعيّن الأعلم وتعذّر الوصول إلى فتاويه

مسألة 6: لو تعيّن الأعلم[125] وتعذّر الوصول إلى فتاويه لزم[126] تقليد من هو أعلم في الباقين(*).

المسألة 7: يجوز العمل بالاحتياط

مسألة 7: يجوز[127] العمل بالاحتياط حتّى في صورة استلزام التكرار إذا كان لداعٍ عقلائي(**)[128].

(*) قد ظهر[129] ممّا ذكرنا عدم لزوم تقليد الأعلم فلا تصل النوبة إلى تعيّن الأعلم في الرتبة الثانية، بل الميزان في الجواز كون المرجع مجتهداً(1)...

-------------------------

[125] قوله: [لو تعيّن الأعلم] سبق المختار في مسألة تقليد الأعلم.

[126] قوله: [لزم] على الأحوط استحباباً، ولعله لبناء العقلاء.

وفيه: أنّه مع العلم بالاختلاف يجب الاحتياط؛ إذ لا فرق في موارد وجوب تقليد الأعلم بين تعذر الوصول إليه أو العدم، في أنّ اللازم إمّا تقليد الأعلم أو الاحتياط، على القول بوجوب تقليد الأعلم. نعم، قد يقال: إنّ بناء العقلاء على ما ذكره الماتن، وفيه نظر، فتأمل.

[127] قوله: [يجوز] لأنّه إحراز للواقع.

[128] قوله: [لداعٍ عقلائي] بل مطلقاً.

[129] قوله: [قد ظهر] الشرح ناقص؛ إذ لم يذكر حالة العلم بالاختلاف، وقد سبق أنّ الحكم هو الاحتياط - على المبنى - .

ص: 57


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :23.

المسألة 8: لو تعذر الوصول إلى قول المجتهد

مسألة 8: لو تعذر[130] الوصول إلى قول المجتهد الحيّ ولو بالهجرة لزم العمل

(**) لا وجه للقيد المذكور في المتن، فإنّ غاية ما قيل في مقام الاستدلال على المنع أنّه لو لم يكن للمكلف داعٍ عقلائي في الاحتياط يكون لاعباً وعابثاً. ويرد عليه[131]: أنّه على فرض تسليم المدّعى يكون اللعب في طريق الامتثال[132] لا في نفسه، فلا إشكال من هذه الجهة(1)...

-------------------------

[130] قوله: [لو تعذر] أو تعسّر أو كان الوصول حرجياً.

[131] قوله: [ويرد عليه] يوجد هنا طريقان:

الأول: إنّه ضم امتثال إلى عبث، والعبث مكروه، ونصف أعمال العقلاء عبث، فهو من ضم مكروه إلى واجب.

الثاني: إنّه لعب في إحراز الامتثال، على ما في النهاية(2)، وذكرناه في الأصول(3) ، فليس اللعب في طريق الامتثال، بل في كيفية إحراز الامتثال.

[132] قوله: [في طريق الامتثال] اللعب قد يكون في أصل الامتثال، كقولهم (حنطة) بدل (حطّة) أو يصلي استهزاءً وسخرية، وقد يكون في طريقه، مثل أن يأتي بالماء وهو يحرّك يديه أو رجليه عابثاً.

ص: 58


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :23.
2- انظر: نهاية الدراية في شرح الكفاية: 654.
3- انظر: تبيين الأصول2: 250.

بالاحتياط[133] ومع عدم إمكانه أو لزومه العسر[134] أو الحرج الشديد[135] عمل بقول المشهور[136]

-------------------------

[133] قوله: [لزم العمل بالاحتياط] المكلّف مخيّر أساساً بين التقليد والاحتياط، ولا يترتب جواز الاحتياط على تعذر الوصول.

[134] قوله: [العسر] أو الضرر.

[135] قوله: [الشديد] بل مطلقاً، والملاك في الضرر والحرج هو ذهنية المتشرعة، فالشين(1) قد يرفع وجوب الوضوء، أما الحرج الشديد فلا يرفع حرمة الزنا.

ويلاحظ في ذلك أيضاً: هل الحكم موضوع في مورد الحرج والضرر أو لا؟ كالجهاد والخمس، ولاحظ: هل ذلك يعتبر ضرراً أو لا؟ إذ لحاظ الضرر إنما هو مع ملاحظة مجموع المعادلات، مثل: شق بطن المريض هل هو ضرر؟ فلا بد أن نلاحظ أنّه ماذا يترتب عليه، وكذا ذهاب الطفل أول مرة للمدرسة مع ما يستلزم من إيقاظ وغيره وهل يقال: للأب أخّره؟

[136] قوله: [عمل بقول المشهور] الملاك ما يحصل منه الظن الأقوى، ولا خصوصية للمذكورات، ولا للترتيب المذكور في المتن، ومع فقد الظن يعمل بأقوى المحتملات.

ص: 59


1- الشين: ما يحدث في ظاهر الجلد من الخشونة، يحصل به تشويه الخلقة، مجمع البحرين 6: 237، مادة «شين».

ثمّ الأشهر الأوثق[137] ومع عدم إمكانه كذلك أيضاً، عمل بقول أوثق الأموات، وإلاّ عمل بالمظنون[138] وإلاّ فبالاحتمال.

-------------------------

نعم، الغالب أنّ الظن يحصل من الترتيب المذكور: 1- المشهور. 2- الأشهر. 3- أوثق الأموات. 4- الظن. 5- الاحتمال.

إذ قد يحصّل من فتوى ثلاثة ظنٌ أقوى من قول المشهور مثلاً.

ثم إنّ الترتيب المذكور إنما هو بناءً على عدم جواز تقليد الميت ابتداءً، وإلاّ كان مقدماً. فلاحظ.

[137] قوله: [الأوثق] لماذا أضاف الأوثق هنا، ولم يذكره فيما سبق ولحق؟

[138] قوله: [بالمظنون] بالظن النوعي لا الشخصي؛ إذ الملاك عند العقلاء: النوعي لا الشخصي، ولو خالف النوعي ظناً شخصياً لا يعذر، وقد قرر أن طرق الطاعة والامتثال عقلائية.

ص: 60

المسألة 9: لو لم يعلم طريقة الاحتياط

مسألة 9: لو لم يعلم طريقة الاحتياط سأل من عدلين أو عدلاً واحداً[139] يخبر عن طريق الاحتياط على رأي مجتهد يتعيّن عليه تقليده(*)[140].

مسألة10: لو قلّد غير الأعلم

مسألة10: لو قلّد غير الأعلم ثمّ تمكّن من تقليد الأعلم فالأحوط[141] له الجمع بين قوليهما ولو بتكرار العمل(**).

(*) قد علم ممّا تقدم منّا كفاية إخبار الثقة الواحد في الموضوعات، فإنّ السيرة[142] العقلائية جارية على العمل بقول الثقة الواحد.

-------------------------

[139] قوله: [أو عدلاً واحداً] أو ثقة؛ وذلك لأدلَّة حجية قول الثقة اللفظية، وللسيرة العقلائية.

[140] قوله: [على رأي مجتهد يتعين عليه تقليده] أو عن طريق الاحتياط المطلق.

[141] قوله: [فالأحوط] استحباباً والأقوى التخيير؛ وذلك لمشكلة العدول المحرّم وتقيلد الأعلم الواجب، وهذا على مبناه، مع العلم بالاختلاف، وإلاّ فلا لزوم للجمع.

[142] قوله: [فإن السيرة] والأدلَّة اللفظية، وقد تقرر بنحوين:

الأول: عموم التعليل، كما في قوله (عليه السلام) «فإنه الثقة المأمون»(1)، و: «فإنهما الثقتان»(2).

ص: 61


1- وسائل الشيعة 27: 138.
2- المصدر نفسه.

(**) ... وأمّا مع العلم بالاختلاف فلا بدّ من الرجوع إلى الأعلم بلا فرق بين الموارد[143] فلا وجه للاحتياط المذكور في المتن(1).

-------------------------

الثاني: إطلاق: «فما أديا إليك عني»(2) إلاّ أن يقال: بانصرافه للأحكام، فتأمل.

[143] قوله: [بين الموارد] أي ابتداءً أو استمراراً.

والظاهر: أنّه لو كان الدليل هو السيرة العقلائية فلا فرق بين الابتداء والاستمرار. نعم، لو كان الدليل الإجماع والأدلَّة اللفظية فقد يقال بالفرق.

ص: 62


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :24.
2- المصدر نفسه.

المسألة 11: التقليد هو تعلم فتاوي المجتهد

مسألة 11: التقليد هو تعلم[144] فتاوي المجتهد بقصد العمل بها، بل القول بكونه مجرد الالتزام برأي المجتهد ولو إجمالاً لا يخلو عن وجه، لكن الاحيتاط لا يترك في غير صورة التعلم للعمل مع العمل بها(*).

(*) التقليد بما له من المفهوم عبارة[145] عن العمل مستنداً إلى فتوى المجتهد، وبما ذكر يظهر أنّ تفسيره بمجرد الالتزام برأي المجتهد ليس وجيهاً، والذي يهوّن[146] الخطب أنّه لم يرد هذا اللفظ تحت دليل معتبر، فلا يترتب على تحقّقه أثر. وقد انقدح بما ذكرنا أنّه لا ملزم[147] للاحتياط المذكور في المتن(1)...

-------------------------

[144] قوله: [هو تعلم] بل هو العمل استناداً إلى رأي المجتهد.

[145] قوله: [عبارة] العمل تارة يكون جوارحياً، وأُخرى جوانحياً، والاستناد شرط في صدق التقليد عرفاً. أي أنّه يعتقد مستنداً له، أو يعمل مستنداً له، وإلاّ فصرف التطابق لا يقال له تقليد.

مثلاً: لو أكل بنحوٍ معين لرغبة فيه لا يقال إنّه قلد فلاناً في ذلك. والعمل في كل شيء بحسبه: فكرياً أو عملياً. وظاهر الرواية المذكورة هنا: التقليد العملي لا صرف الالتزام.

[146] قوله: [يهون... دليل معتبر] أي معتبر عند المشهور.

[147] قوله: [لا ملزم] في مسألة العدول يظهر الفرق؛ إذ على رأي الماتن لو التزم برأي مجتهد معيّن ولم يعمل فلا يحق له العدول إلى آخر، أما على رأي الشارح فيحق له العدول. أما في مسألة البقاء فمتطابقان.

ص: 63


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :25.

المسألة 12: طريقة تعلّم المسائل

مسألة 12: طريقة تعلّم المسائل أن يسمع من نفس المجتهد، أو من ناقل عادل أو موثوق به، أو يأخذ من كتاب يعلم أو يطمئن بصحّته[148].

المسألة 13: لو كان المجتهدان يتساوى فقاهتهما

مسألة13: لو كان مجتهدان[149] يتساوى فقاهتهما في الشياع ولم يعلم أعلميّة أحدهما من الآخر، ولا اختلافهما في الفتوى في محلّ الابتلاء تخيّر في تقليد أيّهما أراد، ويجوز تقليد أحدهما في بعض المسائل وتقليد الآخر في بعضها الآخر، ما لم يستلزم العلم بمخالفة الواقع[150](*).

(*) إذ مع العلم بالمخالفة مع الواقع لا مجال[151] للتقليد كما هو ظاهر واضح.

-------------------------

[148] قوله: [بصحته] ويكفي الشياع إذا لم يكن متهماً. على ما سبق تفصيله.

[149] قوله: [لو كان مجتهدان] سبق المختار في مسألة تقليد الأعلم، والقيود المذكورة لا حاجة لها؛ إذ الملاك عنده العلم بالاختلاف فقط. نعم، قد يكون ذلك لبيان المصداق الذي يتفق كثيراً، كما سبق نظيره.

[150] قوله: [الواقع] الوجداني أو التعبدي؛ إذ مع العلم بمخالفة الواقع التعبدي - بأن خالف عمله كلا الفتويين، كمجموع مركب - لم يعلم بناء العقلاء على العمل، والأدلَّة اللفظية منصرفة عن ذلك، فتأمل.

هذا وقد يقال: إنّه لا مانع من ذلك ما دام كل جزء مطابقاً للحجة، هذا في صورة عدم العلم الوجداني.

[151] قوله: [لا مجال] إذ ظرف الأمارات الشك، ولا فرق بين التفصيلي والإجمالي.

ص: 64

ولا يلزم تعيين أحدهما بالخصوص فيما يتوافقان فيه من المسائل (*).

المسألة 14: لا يجوز العدول عن المجتهد الحيّ

مسألة14: لا يجوز[152] العدول عن المجتهد الحيّ. نعم، لو حصل مجتهد أعلم فالأحوط[153] الجمع بين قوليهما كما مرّ(**).

(*) فإنَّ المفروض توافقهما فكأنَّ كليهما في الفتوى واحد[154](1).

(**) أقول[155] تارة يعلم المقلّد مخالفتهما في الفتوى، وأخرى

-------------------------

[152] قوله: [لا يجوز] على الأحوط استحباباً.

[153] قوله: [فالأحوط] استحباباً على ما مر.

[154] قوله: [واحد] الأولى الاستدلال بأنّه لا دليل على لزوم التعيين، لا بلحاظ الأدلَّة اللفظية ولا بلحاظ السيرة العقلائية. ثم إنّ عدم التعيين يمكن أن يفترض بأنحاء:

أ - تقليد المجموع.

ب - تقليد أحدهما غير المعين، وهذا له وجود للانطباق، حيث يمكن أن نقول: هذا أحدهما.

ج - تقليد الفرد المردد، وهذا لا وجود له لا ذهناً ولا خارجاً.

[155] قوله: [أقول] حاصله أن هنالك ثلاث صور:

الأولى: عدم العلم بالمخالفة، فهو مخير.

الثانية: العلم بالمخالفة مع التساوي - أي تعارضا - فيعمل بأحوط القولين، للسيرة العقلائية لا لإطلاق الأدلَّة، كما سبق.

ص: 65


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :26.

لا يعلم، أمّا مع العلم بالمخالفة فمع تساويهما يجب العمل بأحوط القولين، وأمّا لو كان أحدهما أعلم يجب تقليده... وبعبارة أُخرى: لا فرق بين التقليد الابتدائي والعدولي، وكلاهما من باب واحد بلا فرق إلاّ أن يكون مراده[156] من الجملة المذكورة أنّ المقلّد لو قلّد زيداً في مسائل الصلاة مثلاً لا يجوز له العدول إلى غيره في مسائل الصوم، ولكن مع ذلك لا وجه لما أفاده(1).

-------------------------

الثالثة: العلم بالمخالفة مع الأعلمية، فيقلد الأعلم.

ولا فرق في الملاك بين العدول والابتداء، أي الاستمرار والابتداء.

وفيه: إن الدليل هو الإجماع المدّعى أو الشهرة أو غير ذلك.

وعليه فقوله: «ففي أي مورد»(2) محل نظر؛ إذ يوجد هنا محذوران: العدول المحرّم وتقليد الأعلم الواجب، كما سبق.

[156] قوله: [إلاّ أن يكون مراده] فيه غموض.

ص: 66


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :26.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 26.

المسألة 15: الجاهل القاصر أو المقصّر إذا عمل عملاً من غير تقليد

مسألة 15: الجاهل القاصر أو المقصّر إذا عمل عملاً من غير تقليد لكن أتى به باعتقاد صحته[157] وحصل منه قصد القربة في العبادي[158] واتّفق مطابقته[159] لفتوى من يتعيّن عليه تقليده في تلك

-------------------------

[157] قوله: [باعتقاد صحته] لا مدخلية للاعتقاد، بل الملاك المطابقة مطلقاً، وحصول قصد القربة في العمل العبادي. وعليه فيكفي الإتيان به رجاءً أو للاحتمال.

[158] قوله: [في العبادي] قيد للأخير أو الاثنين(1)، لكن قد سبق أن الإضافة الرجائية كافية.

[159] قوله: [واتفق مطابقته] هل الملاك المطابقة للواقع، أو لفتوى من كانت فتواه حجة في حقه حين العمل، أو لفتوى من تكون فتواه حجة في حقه فعلاً؟

فهنالك حجتان، فإن توافقتا فلا كلام، وقد أثار شبهة التقليد الابتدائي للميت لو استند للميت.

وفيه: أن صرف المطابقة كافٍ؛ لأن التقليد طريقي، فتأمل.

وهل يحتاج في المعذرية للاستناد، مع أنه من غير المعلوم شمول أدلَّة حرمة التقليد الابتدائي للمقام، لأنها لبّية؟ فتأمل.

إنما الكلام فيما لو تخالفت الحجتان، فإن بنينا على سقوط المتخالفين سقطتا، ولزم الاحتياط فيما بينهما، وإن لم نبنِ على ذلك، فالظاهر كفاية

ص: 67


1- أي المقصر، أو لهما «أي الجاهل القاصر والمقصر».

-------------------------

المطابقة لإحداهما؛ إذ كل منهما حجة، ولا وجه لترجح الثانية على الأولى.

إن قلت: إنّ الحجة الجديدة لها إطلاق تشمل الماضي.

قلت: الحجة القديمة - أيضاً - لها إطلاق؛ لأنها تحكي عن الحكم الإلهي الشامل للماضي والحاضر والمستقبل، فلا وجه لترجيح أحد الإطلاقين على الآخر.

وبتقرير آخر: جعل حجة جديدة مع كون الحجة القديمة لها شرعية، ليس له ظهور في الماضي - ليس له أثر رجعي - كما في القاضي المنصوب من قبل الدولة.

هذا ولكن قد يقال: إنّ الحجة فعلاً هي الجديدة، والحجة القديمة بطلت، فهو كالرأي السابق للمجتهد الواحد.

وفيه: أن القياس مع الفارق؛ إذ المجتهد يرفع اليد عن الرأي السابق، وكونه حجة مستنداً إلى ضمانه، أما المجتهد القديم فلم يرفع ضمانه، فقولكم: الحجة القديمة بطلت أول الكلام.

والخلاصة: إن الحجّتين متكاذبتان، فاللازم ما في المتن من الاحتياط بينهما. نعم، لو قلنا إنّ أدلَّة الحجية تشمل المتعارضين - كما هو المفروض فعلاً - فلا مانع من شمول أدلَّة الحجية لهما معاً، وعليه تكون الحجية تخييرية، فتأمل.

ومعنى الحجة التخييرية أن كليهما معذر، لا أن كليهما متنجز، فهو كقول المولى: «كل من قول ابنيّ طريق لك ومعذر لك».

ص: 68

الحال، ومن يرجع إليه بعد ذلك كان صحيحاً، وإلاّ فلا على الأحوط(*).

(*) لا إشكال في أنّ الاحتياط حسن، ولكن مقتضى الصناعة كفاية المطابقة مع الوظيفة الفعلية؛ إذ التقليد[160] بما هو لا موضوعية له وإنما هو أمارة للوصول إلى الواقع(1)...

-------------------------

[160] قوله: [إذ التقليد] أي لا يهم أن يكون مقلداً للفقيه السابق؛ إذ المطلوب الوصول للواقع، وقد انكشف له الواقع بفتوى الفقيه اللاحق.

ص: 69


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :26.

المسألة 16: العدالة هي ملكة

مسألة 16: العدالة هي ملكة[161] الاجتناب من الكبائر،

-------------------------

[161] قوله: [هي ملكة] بل هي الاستقامة في جادة الشرع، مضافة إلى اللّه تعالى.

والفرق بين القولين: إنّه لو كان في بلد شخص مقدس، وكانت الأجواء تدفعه للصلاح - بلا ملكة - فلو ذهب إلى بلاد الغرب لفسد فوراً، فهنا على مبنى الماتن ليس عادلاً، وإن كانت الأجواء الإيمانية تدفعه للصلاح، أما على رأي الشارح فهو عادل.

والظاهر: أنّه لم يظهر من الأدلَّة اشتراط الملكة، والعدالة صادقة عرفاً، وسكوت الأدلَّة في مقام البيان دليل على ذلك.

قد يقال: إن الشجاعة والسخاوة لا تصدقان بلا ملكة، فخشبة مستوية لا تصدق إلاّ لو كانت الاستقامة طبيعية لها.

وفيه: إن ظاهر الأدلَّة كفاية «عدم الظلم والخلف والكذب و...»(1).

وقد أُشكل على ذلك بأنه كيف تكون ملكة مع زوالها بالذنب الواحد الكبير، بخلاف سائر الملكات، فإن الكريم لا يسلب عنه العنوان لو بخل مرّة واحدة؟

والجواب: إن العدالة ملكة مع عدم التخلف عن مقتضاها، ولو مرّة، فهو مفهوم مركب أولي كسائر الملكات.

ص: 70


1- انظر: وسائل الشيعة 8 : 316.

وترك الإصرار على الصغائر(*) خوفاً من اللّه تعالى(**)[162].

(*) الظاهر[163] أنّه لا فرق بين الكبيرة والصغيرة في زوال العدالة عن المرتكب ولا يحتاج إلى الإصرار...

(**) لا وجه لهذا القيد فإنّ الميزان كون الشخص على جادة الشرع بأيّ داع وغاية، إلا أن يقال[164]: إنّ كون الشخص على جادة الشرع يتوقف على كونه مطيعاً[165] لأمر المولى،

-------------------------

[162] قوله: [خوفاً من اللّه تعالى] يكفي مطلقاً الإضافة إلى اللّه تعالى، وعليه فلا فرق بين كون الاجتناب لأجل الرغبة أو الرهبة أو الشكر، أو لكونه أهلاً للعبادة، أو لغير ذلك، لا ترك المعاصي بداعٍ آخر، كالمرتاض الذي يريد تقوية نفسه مثلاً.

وفيه نظر: إذ إنه لم يخالف حكماً.

إلاّ أن يقال: بالانصراف عن مثل ذلك. نعم، العبادات متقومة بقصد القربة.

[163] قوله: [الظاهر] إذ إنه ليس في جادة الشرع، فليس عادلاً. نعم، وعد بتكفير سيئاته، إلاّ أن ذلك غير العدالة، كما هو كذلك في الظاهر على المعروف.

[164] قوله: [إلاّ أن يقال] لم يرد هذا اللفظ - أي جادة الشرع - في الروايات كي يكون المحور في الأخذ والرد. نعم، ورد «فلم يكذبهم»(1) .

[165] قوله: [مطيعاً] الإطاعة هي الانبعاث عن بعث المولى لا صرف المطابقة.

ص: 71


1- وسائل الشيعة8 : 316.

والأظهر الأحوط[166] اعتبار المروّة[167] فيها أيضاً(*) وحسن الظاهر كاشف عن العدالة إذا كان بحيث يحصل منه الاطمئنان والوثوق[168] بها على الأحوط(**).

ومن الظاهر أنّ العازم[169] على العصيان لا يكون مطيعاً وعلى جادّة الشرع(1)...

(*) أمّا كون اعتبار المروّة أحوط فلا إشكال فيه، وأمّا كونه أظهر فلا، بل الأظهر خلافه، فإنّ خلاف المروّة إن كان حراماً فيدخل تحت القسم الأول ولا يكون أمراً جديداً، وإن لم يكن كذلك

-------------------------

[166] قوله: [والأظهر الأحوط] الأظهر عدم الاعتبار، إلاّ أن يكون فيه مخالفة للشرع من جهة أُخرى، مثل ما لو قلنا: إن ما يوجب هتك حرمة المؤمن حرام، أو لبس لباس الشهرة.

[167] قوله: [المروة] إذا لم يخالف الشرع، ولو اختلفت الأعراف لوحظ المجموع، كما لو كان متعارفاً في منطقته وغير متعارف في أخرى، فلو كان ينتشر عبر التصوير فلعلّه يكون خلاف المروة.

[168] قوله: [الاطمئنان والوثوق] النوعيان ولا يشترط الشخصي منهما.

ثم إن الأولى أن يبدل المتن إلى «وتحرز العدالة بأن لا يعرف من عاشره منه فسقاً» وأما مسألة حسن الظاهر والظن والاطمئنان فلا داعي لها ظاهراً.

[169] قوله: [العازم] وكذا غير العازم، كما سيأتي بعد قليل.

ص: 72


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :27.

فلا وجه لاعتبار عدمه، فلاحظ.

(**) ... استدل سيّدنا الاستاذ (قدس سره) على المدّعى بطائفة من النصوص:

منها: ما رواه عبد اللّه بن المغيرة قال: »قلت: لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيّين، قال: كلّ من ولد على الفطرة وعرف[170] بالصلاح في نفسه جازت شهادته«(1).

ومنها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً[171] صائناً» (2).

-------------------------

[170] قوله: [وعرف] أي ولو شككت أنت.

وفيه: أن المراد هو العلم؛ إذ المعرفة هي العلم أو الاطمئنان، فلا تدل على المدعى.

ثم إن الرواية لم تجب على السؤال، بل ذكرت أمراً كلياً، وذلك لا يدل على قبول شهادة الناصبي، كما في «ذلك إلى الإمام إن صمت صمنا، وإن أفطرت أفطرنا»(3).

[171] قوله: [عفيفاً] الحكم معلق على الواقع، أي العفة والصون، ولا يدل على أن حسن الظاهر كافٍ؛ إذ لم يقل «عرف بالعفة» أما كيفية المعرفة فلعلها بالبعث إلى محلته والسؤال، كما في روايات اُخرى.

ص: 73


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :28.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 44.
3- وسائل الشيعة 10: 132.

ومنها: ما رواه حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) »في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور[172] أُجيزت شهادتهم جميعاً»(1)...

والإنصاف[173] أنّ هذه النصوص لا تفي بإثبات المدّعى،

-------------------------

[172] قوله: [ليس يعرفون بشهادة الزور] بقرينة «معروفين بالفسق»(2) يعلم أن المراد «ليسوا معروفين بالفسق».

وظاهر المعرفة أنه من قبيل العدم والملكة، لا أن ترى شبحاً من بعيد وتقول: إنه ليس معروفاً بالفسق، أي مع فرضية المعرفة تقول: لم أعرف، فليس من قبيل السلب والإيجاب.

ثم إن ليس معروفاً يختلف عن ليس مشهوراً، والفرق بين المعروف والمشهور في مقابل الموهوم والمظنون، وذلك يوجب الاطمئنان النوعي بذلك، أي بالعدالة.

[173] قوله: [والإنصاف] فيه: إن جمع الأدلَّة يقتضي أن ذلك هو العدالة لا أن نفعل كما فعل صاحب التنقيح(3): حيث طرح هذه النصوص لمعارضتها لما أقوى منها.

ص: 74


1- الكافي 7: 403.
2- الكافي7: 403، ح5.
3- انظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الاجتهاد والتقليد: 281 - 283.

بل غاية ما يستفاد منها قبول شهادة المذكورين فيها... لكن يمكن الاستدلال على المدّعى بحديث سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال: »من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته، وكملت مروءته وظهر عدله[174] ووجبت اخوّته«(1).

فإنّ المستفاد من الحديث أنّ الشخص لو كان موصوفاً بما ذكر فيه يحكم بعدالته، ولو لم يكن الظاهر المشاهد منه موجباً للوثوق بعدالته واقعاً، فلاحظ[175].

-------------------------

إذن، فقول التنقيح طرح لا يصار إليه مع إمكان الجمع. وقول المصنف: إنه في الشهادة لا العدالة فيه أن ذلك خلاف أدلَّة اشتراط العدالة في الشهادة.

[174] قوله: [وظهر عدله] يفيد الاطمئنان، مثل ظهرت شجاعته، أي شجاعته الباطنية ظهرت واتضحت، فالظهور هو الاتضاح.

[175] قوله: [فلاحظ] الظاهر أن الرواية الثالثة(2) فقط دالة على المدعى، ومع ذلك فيها ما ذكرناه.

ص: 75


1- الكافي 2: 239.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 28.

المسألة 17: إذا شك في أنّه قلّد أم لا

مسألة 17: إذا شك في أنّه قلّد أم لا، فإن كان ذلك قبل العمل بنى على عدمه وجدّد التقليد، وإن كان بعد العمل لم يعتن بالشكّ وبنى على صحّة العمل(*)، وإن كان في أثناء العمل فإن كان ما مضى من العمل مطابقاً[176] لرأي[177] من يتعيّن عليه تقليده في هذه الحال[178] صحّ ما مضى وجدّد التقليد في البقيّة إن أمكن، وإلاّ أعاد[179] بالتقليد.

(*) لقاعدة الفراغ[180] إذا تحقّق موضوعها وهو الدخول[181] في الغير(1).

-------------------------

[176] قوله: [مطابقاً] تكفي مطابقة إحدى الفتويين، مع إجازة الحي للبقاء؛ إذ التقليد طريقي، والملاك الحجية، أي جعل الشارع له الحجية.

[177] قوله: [لرأي] أو للواقع.

[178] قوله: [في هذه الحال] أو فيما مضى من الحال.

[179] قوله: [وإلاّ أعاد] إلاّ أن يشمله مثل حديث «لا تعاد»(2).

[180] قوله: [الفراغ] مع التذكر حين العمل على المعروف، وإن كان المختار خلافه.

[181] قوله: [وهو الدخول] في اشتراطه نظر.

ص: 76


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :29- 30.
2- من لا يحضره الفقيه1: 279، ح857 .

المسألة 18: إذا مات المجتهد ولم يعلم المقلّد بموته

مسألة 18: إذا مات المجتهد ولم يعلم المقلّد بموته صحّ ما أتى به على رأيه إذا كان مطابقاً لرأي من يتعيّن عليه تقليده بعده، ومن يرجع[182] إليه.

المسألة 19: مجتهدان أحدهما أعلم والآخر أوثق

مسألة 19: إذا كان هناك مجتهدان أحدهما أعلم والآخر أوثق فالأحوط[183] الجمع بين قوليهما(*).

مسألة20: أحدهما أعلم من الآخر لكّنهما متوافقان في الفتوى

مسألة20: إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم من الآخر لكّنهما متوافقان في الفتوى جاز تقليد غير الأعلم منهما، بل يجوز تقليد غير الأعلم مع عدم العلم[184] بمخالفته للأعلم في الفتوى فيما هو محلّ الابتلاء كما مرّ(1).

(*) الميزان[185] في التعيّن الأعلمية، وعلى هذا لا وجه للاحتياط المذكور، فإنّ بناء العقلاء وسيرتهم جار على تقديم الأعلم عند دوران الأمر بينه وبين غيره.

-------------------------

[182] قوله: [ومن يرجع] الظاهر أن المراد الميت، لكن الشارح فهم أن العطف تفسيري.

[183] قوله: [فالأحوط] ولا يبعد التخيير.

[184] قوله: [مع عدم العلم] بل مطلقاً، كما مرّ.

[185] قوله: [الميزان] كيفية فرض المسألة: أنّ مباني أحدهما أدق وهو أعلم، إلاّ أنَّ الثاني صرف وقتاً أطول في مباني المسألة، أو قضى أكثر في

ص: 77


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :30.

-------------------------

الاستعلام والفهم والعلاج، وذلك كطبيبين أحدهما عنده شهادة علمية، والآخر أدنى مستوى، إلاّ أنه يبذل وقتاً طويلاً لفحص المريض، أو أنَّ ذهنه أكثر استجماعاً.

ولعل فتوى الماتن لبناء العقلاء على الاحتياط في مثل الفرض، فرأي الشارع غير واضح، بناءً على وجوب تقليد الأعلم.

ص: 78

كتاب الطهارة

اشارة

ص: 79

ص: 80

كتاب الطهارة

كيفيّة التطهير بالماء القليل

اعلم أنّه يلزم[1] تطهير المتنجّس بالبول بالماء القليل مرّتين(*)[2].

(*) كما هو المشهور، بل نسب إلى المعتبر نسبة ذلك إلى عمائنا، وتدل عليه روايات...

ومنها: ما رواه أبو إسحاق النحوي[3] عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن البول يصيب الجسد، قال: صبّ عليه الماء مرّتين«(1).

ومنها: ما رواه الحسين[4] بن أبي العلاء قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد، قال: صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما

-------------------------

[1] قوله: [يلزم] أي على نحو اللزوم الشرطي، وإلاّ فليس واجباً في حد ذاته، بل لما هو مشروط بالطهارة.

[2] قوله: [مرتين] على الأحوط في غير البدن والثوب، وعلى الأقوى فيهما، وذلك لما سيأتي.

[3] قوله: [النحوي] صحيحة أو حسنة.

[4] قوله: [الحسين] حسنة.

ص: 81


1- الكافي 3: 20، ح 7.

هو ماء، وسألته عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله مرّتين«(1) الحديث. إلى غير ذلك من الروايات، وبها ترفع اليد عن إطلاق مطهّرية الماء لو كان[5] وعن إطلاق الغسل.

وأمّا ما في مرسلة[6] الكليني أنّه يجزئ أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة أو غيره، فضعيف بالإرسال(2).

-------------------------

[5] قوله: [لو كان] إذ إنّ {ماءً

طهوراً}(3) ونحوه نوقش في دلالته على المطهرية، لاحتمال كون المراد: الطاهرية.

[6] قوله: [مرسلة] يمكن المناقشة بما يلي:

1- إنها مرسلة.

2- إن المرتين مستحب بدليل الجمع.

3- أن يراد بمثله، أي في المائية و«من الماء» بيانية، فوزانه وزان «إنما هو ماء»(4) في الرواية الأخيرة(5) ، فالمراد بيان المثلية في المائية لا المقدار، فلا يكفي الحجر، إلاّ أنه خلاف الظاهر.

4- ويحتمل كون النسخة «بمثليه». إلاّ أن العمدة: الإرسال وعدم الجبر.

ص: 82


1- تهذيب الأحكام 1: 249.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :33.
3- الفرقان: 48.
4- تهذيب الأحكام 1: 249.
5- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 33.

... وقد يستدلّ له بما في رواية الحسين المتقدّمة على ما رواها في المعتبر والذكرى بزيادة قوله الأوّل للإزالة والثاني للإبقاء، فإنّه مع اليبس[7] لا حاجة إلى غسلة الإزالة، ولكنّه في غير محلّه؛ لعدم ثبوت الزيادة المذكورة، وعن المعالم[8] لم أر لهذه الزيادة[9] أثراً في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التصفّح بقدر الوسع(1)...

-------------------------

[7] قوله: [مع اليبس] لا يعلم زوال النجاسة باليُبس، والأولى: لو أُزيلت بالمعقمات الحدثية، أو بالماء المضاف كالورد.

[8] قوله: [وعن المعالم] ومثله ما في الحدائق(2). والظاهر - كما قيل - إن الاشتباه من الشهيد حيث حسب الزيادة من الرواية مع أنها من كلام المحقق(3) ذكرها تفسيراً للرواية.

وخلاصة المناقشات:

1- إنها مرسلة ولم يذكر المحقق طريقها.

2- إن العبارة لا تشبه عبارات الروايات، بل هي أشبه بكلمات الفقهاء.

3- لم يرد أثر لها في كتب الحديث.

4- الإعراض.

[9] قوله: [لهذه الزيادة] ولو شككنا فالأصل عدم وجود هذه الجملة في الرواية.

ص: 83


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :34.
2- انظر: الحدائق الناضرة 2: 17.
3- انظر: المعتبر 1: 435.

وثانياً[10]: أنّه يمكن أن يكون الأوّل مزيلاً لمرتبة من النجاسة والثاني ينقي المحلّ... والحاصل أنّه لو فرض وجود هذه الزيادة لا يمكن رفع اليد عن لزوم التعدّد بأن يقال الأوّل للإزالة فلو زال بأيّ نحو كان يكفي غسله مرّة، فإنّه يمكن أن يكون للإزالة بالماء خصوصية[11].

إيقاظ[12]: اعلم أنّ هذا الحكم وإن ورد في خصوص الثوب والبدن لكن العرف يفهم من هذه الأخبار عموم الحكم لكلّ شيء ينجس بالبول، ولا يفهم مدخلية للثوب والبدن(1).

-------------------------

[10] قوله: [وثانياً] خلاف الظاهر؛ إذ الظاهر كونه علة لا حكمة؛ إذ الأصل العلية، ومن الواضح زوال النجاسة - عرفاً - بالمعقمات أو بماء الورد.

والأصل العلية كما ذكروه(2) في «فإن

اليقين لا يدفع بالشك»(3)، وكون اللام للعهد خلاف الظاهر، بل للاستغراق أو الجنس، وكثرة استعمال اللام في الحكمة لا يخل بالظهور، ككثرة استعمال الأمر في الندب(4).

[11] قوله: [خصوصية] خلاف الظاهر.

[12] قوله: [إيقاظ] فيه: إنه قد يكون للثوب والبدن خصوصية، حيث إن الشارع أراد فيهما منتهى النظافة. وعرفاً: هو كذلك حيث إن العرف يهتم بنظافتهما أكثر من غيرهما، لكن المشهور فهم عدم الخصوصية.

ص: 84


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :34- 35.
2- انظر: مصباح الفقيه3: 191 - 192.
3- انظر: مستدرك الوسائل 1: 228، ح4.
4- انظر: تقريرات آية اللّه المجدد الشيرازي 1: 78.

وغسالته الأولى[13] نجسة مطلقاً(*)[14].

(*) لا يخفى أنّ العمدة في مستند هذا الحكم أدلَّة انفعال الماء القليل، فإنّه لو تمّ دلالتها نحكم بالنجاسة في المقام لإطلاقها[15] الأفرادي والأحوالي... ولكن الكلام تمام الكلام في تمامية تلك الأدلَّة والمقام ليس محلاً لذلك البحث، ولكن بنحو الإجمال نشير إلى ما في نظرنا من المناقشة في دلالة تلك الأدلَّة على هذا المدّعى، فنقول[16]:

-------------------------

[13] قوله: [الأُولى] ينبغي أن يكون المراد ما لاقى عين النجاسة، ومنه يظهر أنَّ المراد بالثانية ما لم يلاقها.

[14] قوله: [مطلقاً] أي تغير أو لا.

[15] قوله: [لإطلاقها] لو كان لها إطلاق؛ إذ مفهوم: «لم ينجسه شيء»(1) أنه لو كان قليلاً لتنجس في الجملة، كأن نشير إلى جبل ونقول: «ما أحد يستطيع أن يصعد هذا الجبل»، فإن مفهومه « أن غيره يستطيع أن يصعده متعددون» أو أفراد في الجملة، فإن السالبة الكلية نقيضها موجبة جزئية.

لكن ذكروا في الأُصول(2): أن عكسها وإن كان كذلك منطقياً إلاّ أنه عرفياً «نجّسه كل شيء» فتأمل.

[16] قوله: [فنقول] : دليل انفعال القليل دلّ على انفعاله سواء تغير أم لا، ودليل عدم نجاسة ما لم يتغير دلّ على عدم نجاسته، سواء كان قليلاً أم كراً، فمورد الاجتماع القليل غير المتغير.

ص: 85


1- الكافي3: 2، ح 1.
2- انظر: فوائد الأُصول 1: 485، منتهى الأُصول 1: 429، أجود التقريرات 1: 420.

الأدلَّة التي دلّت على انفعال الماء القليل تدلّ على انفعاله مطلقاً... وفي قبالها روايات تدلّ على أنّ الميزان في النجاسة هو التغيّر ومع عدمه لا ينجس الماء مطلقاً، أي أعمّ من أن يكون كثيراً أو قليلاً، فيقع التعارض بين الطائفتين في الماء القليل غير المتغيّر، ومقتضاه التساقط[17] وربما يقال[18] يلزم العمل بالطائفة الثانية لأنّ فيها ما يكون عامّاً بالوضع[19] ولكن رجعنا[20] عن تقديم العموم الوضعي على العموم الإطلاقي(1).

-------------------------

[17] قوله: [التساقط] وحينئذٍ المرجع: كل شيء لك طاهر. وفيه: أنه تصبح أدلَّة «إذا

كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(2) لغواً؛ إذ لا أثر للكرية والقلة، بل الماء إن تغير نجس وإلاّ فلا، بلا فرق بين الكر والقليل، فهو نظير ما ذكروه في الماء الجاري لو قدمت عليه أدلَّة القليل.

والخلاصة: أنه لا بد في مورد التعارض من تقديم أدلَّة الانفعال - «إذا كان الماء قد كرّ» - وإلاّ كانت أدلَّة الكرية لغواً.

[18] قوله: [وربما يقال] النتيجة: هي الطهارة كالأول.

[19] قوله: [عاماً بالوضع] لعل مراده «خلق اللّه الماء طهوراً»(3) أي جميع المياه.

[20] قوله: [رجعنا] مبنانا أنه - عرفاً - لا فرق بين العالم والعلماء،

ص: 86


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :35.
2- الكافي 3: 2، ح 1.
3- وسائل الشيعة 1: 135، ح9.

... ولكن رجعنا أخيراً وقلنا: إنّ الحقّ هو انقلاب النسبة[21]

-------------------------

وكلاهما يحتاج إلى قرينة الحكمة في انعقاد الإطلاق أو العموم، ومبنى المصنف: أن المطلق وحده يحتاج إلى قرينة لكن من مقدمات الحكمة: عدم وجود قرينة مقطوعة. أما القرينة المحتملة فلا تصح لصرف الإطلاق، فلا يقال: من مقدمات الإطلاق أن لا تكون قرينة، والقرينة المحتملة هنا موجودة، وهي العام، فلا ينعقد للمطلق إطلاق.

[21] قوله: قوله: [انقلاب النسبة]: والخلاصة: إن هنا دليلين:

1- أدلَّة انفعال القليل: «إذا كان الماء قدر كرٍ»(1).

2- إطلاقات المطهر: «خلق اللّه الماء طهوراً»(2).

وهما يتعارضان في القليل الذي لم يتغير، فمقتضى الأول: الانفعال للملاقاة، ومقتضى الثاني: عدم الانفعال لعدم التغير، والنسبة بين الدليلين عموم من وجه كما سبق.

لكن هنالك طائفة ثالثة تدل على أن الماء يتغير بالصفرة ونحوها (كالجيفة). وهذه الطائفة تخصص الطائفة الأولى، فتنقلب نسبة الطائفة الأولى إلى الطائفة الثانية إلى العموم المطلق، فتخصص الطائفة الأولى الطائفة الثانية هكذا:

الطائفة الأولى: في غير صورة المتغير الكر لا ينفعل، والقليل ينفعل. الطائفة الثانية: كل ماء طاهر إلاّ المتغير.

ص: 87


1- الاستبصار 1: 6.
2- وسائل الشيعة 1: 135، ح9.

إذ المناط المراد الجدّي[22] لا ظهور الأدلَّة فقط، وعليه لو فرض أنّه علم من مجموع الأدلَّة أنّ المراد الجدّي للمولى ذلك الأمر الخاصّ[23] نأخذ به مثلاً [24] لو فرض أنّه ورد في دليل إنّه يجب إكرام العالم، وفي دليل آخر لا يجب إكرام العالم، وفي دليل ثالث يحرم إكرام العالم الفاسق، يخصّص دليل الوجوب بالدليل الثالث... (1).

-------------------------

فالطائفة الأولى أخص من الثانية؛ إذ مفادها القليل غير المتغير ينفعل، وهذا أخص من كل ماء طاهر، فتكون النتيجة انفعال الماء القليل بمجرد الملاقاة.

[22] قوله: [المراد الجدي] ففيما نحن فيه نعلم أن قوله: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»(2)، ومفهومه لا يشمل صورة المتغير قطعاً، بالإجماع والأدلَّة اللفظية، وليس المناط: المراد الاستعمالي، بل المراد الجدي.

[23] قوله: [ذلك الأمر الخاص] وهو في المثال «غير المتغير» إذ المتغير لا يريده المولى قطعاً، فإن البحر لو تغير تنجس، فكيف نقول: لم ينجسه شيء؟

[24] قوله: [مثلاً] لو ورد في دليل: يجب إكرام العالم، وفي آخر: لا يجب إكرام العالم، فهذان الدليلان متعارضان والحكم هو التساقط.

ثم ورد يحرم إكرام العالم الفاسق، وهذا الثالث حيث إنه ليس طرفاً في المعارضة يبقى سليماً، ويكون الحاصل «حرمة إكرام العالم الفاسق فقط» هذا على مبنى عدم انقلاب النسبة.

أما على مبنى الانقلاب فنقول: إن دليل الأول لا يراد به العالم الفاسق

ص: 88


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :36.
2- الكافي3: 2، ح1.

-------------------------

قطعاً، وذلك للدليل الثالث الذي لم يعارض، فنخصص الدليل الأول بالدليل الثالث. فالنتيجة: «يجب إكرام العالم العادل» أي غير الفاسق.

وهذا أخص من الثالث، فالنتيجة: لا يجب إكرام العالم إلاّ العالم العادل، فالثالث يخصص الأول، والأول يخصص الثاني.

وتظهر الثمرة في الواسطة أي «عالم لا فاسق ولا عادل»، فالعالم الفاسق يحرم إكرامه بمقتضى الدليل الثالث، والعالم العادل يجب إكرامه بمقتضى الدليل الأول، والعالم غير العادل وغير الفاسق يشمله الدليل الثاني أو الأول لو قلنا إنَّ «العالم غير الفاسق يجب إكرامه» وهذا غير فاسق، فتأمل.

لا يقال: لو قلنا إن الأول بعد التخصيص يكون «يجب إكرام العالم غير الفاسق» فدليل الثاني يكون لغواً؛ إذ العالم الفاسق مشمول للدليل الثالث، والعالم العادل والواسطة مشمول للأول فما هو دور الثاني؟

والجواب: إنه تأكيد، أو يكون الحكم حيثياً، أي مفاده أن العالم بما هو عالم لا يجب إكرامه، بل العالم بما هو عادل أو غير فاسق، مثل أن نقول: «الإنسان بما هو إنسان لا يجب احترامه، بل بما هو مؤمن» فتأمل.

فتحصل من جميع ذلك : أنه على رأي المصنف: إنّ دليل «انفعال القليل» و«عدم الانفعال إلاّ بالتغير» تعارضا وتساقطا، ونرجع لأصالة الطهارة.

ولكن يوجد هنا إشكالان:

الأول: إن العموم في الطائفة الثانية عموم وضعي فهي مقدمة، والمصنف لم يرتض هذا الاستدلال وإن كان مؤداه موافقاً لمختاره.

الثاني: انقلاب النسبة، فتقدم أدلَّة انفعال القليل، ولم يرتضه المصنف ثم ارتضاه، والنتيجة هي النجاسة.

ص: 89

... وما ربّما يقال[25] بأنّ مفهوم أدلَّة اعتصام الكرّ كاف في إثبات المطلوب، ولو لم يكن عامّاً من حيث الأفراد، حيث إنّ نقيض السالبة الكلّية هي الموجبة الجزئية، وذلك لأنّ الإطلاق الأحوالي[26] يقتضي تنجيس الغسالة، غير تام[27] لأنّه كما لا يكون للمفهوم عموم أفرادي كذلك لا يكون له عموم أحوالي. وبعبارة واضحة أنّ المستفاد من الشرطية انفعال الماء القليل في الجملة[28](1).

-------------------------

[25] قوله: [وما ربما يقال] هذا موافق لمختار المصنف، أي نجاسة الغسالة.

[26] قوله: [الإطلاق الأحوالي] أي «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه أي شيء» ومفهومه المنطقي: إذا كان الماء أقل من الكر نجسه شيء في الجملة، أي بعض النجاسات، كالدم مثلاً. فثبت أن الدم منجس، وهذا مطلق من ناحية الأحوال، أي لا فرق بين أن يكون وارداً أو موروداً، أي تستقر معه النجاسة في مكان واحد أو لا، كالغسالة التي هي محل بحثنا.

[27] قوله: [غير تام] منطقياً، لكن العرف لا يرى فرقاً بين الحالات، فلو قيل: إنّ الملاقي للميكروب اجتنب عنه لم يفهم الفرق بين «ما ورد أو ورد عليه».

لكن حيث إن الملاكات الشرعية غير واضحة عندنا فلعل الشارع جعل الوارد طاهراً تسهيلاً على المكلفين، وصرف هذا الاحتمال كافٍ في عدم الجزم بعدم الفرق.

[28] قوله: [في الجملة] فكأن الشارع قال: قضية مهملة - في المفهوم - أفراداً وأحوالاً.

ص: 90


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 36.

وهنا وجوه أُخر[29] ربّما يتمسّك بها على نجاسة الغسالة:

منها: الرواية المحكية عن العيص بن القاسم قال: »سألته عن رجل أصابه(1) قطرة من طشت فيه وضوء[30] فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل[31] ما أصابه[32]« (2).

وقد ذكرها الشيخ (قدس سره) في الخلاف، وقد استشكل فيها تارة بأنّها غير مذكورة في كتب الأخبار، وإنّما نقلها مرسلة، الفقهاء في كتبهم[33] كالشيخ في الخلاف والمحقّق في المعتبر والعلاّمة في المنتهى، وأُخرى بالإضمار.

-------------------------

[29] قوله: [وجوه أُخر] تدل على نجاسة الغسالة بالخصوص غير أدلَّة «الماء الكر والقليل مطلقاً».

[30] قوله: [وضوء] بالفتح: أي آلة التوضؤ، والتوضؤ له معنيان: اللغوي: أي التطهير، والتوضؤ الشرعي: والمراد به ماء غسل فيه متنجس.

[31] قوله: [فيغسل] والجملة وإن كانت خبرية إلاّ أنها تدل على الوجوب.

[32] قوله: [ما أصابه] وهذه الرواية مطلقة، فتشمل كون الوضوء وارداً أو موروداً، فإذا أصاب هذا الوضوء رجلاً لزم عليه الغسل.

[33] قوله: [في كتبهم] إن قلت: إن الملاك هو الإرسال بلا فرق بين كونها في كتب الأخبار أو الاستدلال.

ص: 91


1- هكذا في الدلائل، وفي الوسائل1: 215، ح14: «أصابته».
2- وسائل الشيعة 1: 215.

وأجيب[34] عن الأّول بأنّ مقتضى نسبة الشيخ الرواية إلى العيص وجدانها في كتابه، وطريق الشيخ إلى العيص حسن(1).

وعن الثاني[35] بأنّ الإضمار ناش(2) عن تقطيع الرواية وإلاّ كيف يمكن أن يثبت العيص رواية عن غير الإمام في كتابه الموضوع لثبت الروايات عنهم (عليهم السلام) ، ولكن العمدة في الإشكال أنّ طريق الشيخ إلى العيص ضعيف[36] فلا يعتد بالرواية.

-------------------------

قلت: قد يتوسع الفقهاء في كتب الاستدلال فينقلون أخبار المخالفين، والقواعد العقلية الظنية ونحوها تأييداً للاستدلال، وهذا بخلاف كتب الأخبار، فتزيد ضعفاً إلى ضعف.

[34] قوله: [وأُجيب] لا يتعين ذلك؛ إذ لعله رواه عن الرواة، ولعل بعض الرواة غير معتبر عندنا. والخلاصة: إنّ النسبة تتحقق بالوجدان، أو بالنقل عن الرواة، فما هو المعيّن للأول؟

[35] قوله: [وعن الثاني] لم يُعلم أنه أثبته في كتابه، كما سبق قبل قليل، ويؤثر في ذلك أيضاً، كون البعض من الأجلاء أو لا.

[36] قوله: [ضعيف] لعله لأنه وقع في الطريق: «ابن أبي جيد» وهو لم يذكر بمدح ولا قد ح، إلاّ أنه من مشايخ النجاشي(3)، والمختار عندنا أن عبارته في «ابن البهلول وغيره» لا تدل على توثيق جميع مشايخه (أي المباشرين).

ص: 92


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :36- 37.
2- هكذا في المصدر، والصحيح: ناشئٌ.
3- انظر: الرسائل العشر: 23.

ومنها: رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سئل عن الكوز والإناء يكون قذراً كيف يغسل وكم مرّة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ ذلك الماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر[37] فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه وقد طهر، إلى أن قال: وقال: اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميّتاً سبع مرات«(1).

وتقريب الاستدلال: أنّه لو لم تكن الغسالة نجسة لما كان وجه لإفراغ الماء في المرّة الثالثة. والجواب[38] عن ذلك أنّه يمكن أن يكون انفصال الغسالة في كلّ مرّة شرطاً في حصول الطهارة(2)...

-------------------------

[37] قوله: [ثمّ يصب فيه ماء آخر] الإفراغ الأول والثاني لإتاحة المجال لصب الماء ثالثاً.

إن قلت: الماء الأول والثاني لم يستوعبا الإناء.

قلت: إننا وإن صببنا فيه ماءً جديداً إلاّ أن الماء القديم موجود، وهو غير مطهر؛ لأنه ماء غسالة، فيختلط القديم بالجديد، ولا نعلم أن الجديد وصل إلى جميع مواضع الإناء، وأما الإفراغ ثالثاً فهو لنجاسة الغسالة.

[38] قوله: [والجواب] أي: أن التطهير موقوف على شرط وهو الانفصال، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. والخلاصة: أنه جزء مفهوم - عرفاً، أو شرعاً - أو شرطه، لا لأنه نجس.

ص: 93


1- وسائل الشيعة 3: 497.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :37.

ومنها: خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل«(1)... الدالّ على عدم جواز الوضوء بما يغسل به الثوب ويغتسل به من الجنابة، بتقريب أنّه لا وجه لهذا النهي إلاّ كونه نجساً، والجواب عن ذلك ظاهر، فإنّ عدم صحّة الوضوء بماء لا يلازم نجاسته[39] مضافاً إلى أنَّ السند ضعيف[40].

وممّا ذكرنا علم أنّ العمدة[41] كما تقدّم أدلَّة انفعال القليل، فلا بدّ من ملاحظة تلك المسألة فانتظر.

وربّما يستدل على الطهارة بوجوه:

منها: الأصل، والجواب[42] عنه أنَّ الأصل لا يقاوم الدليل فلا بدّ من ملاحظة الأدلَّة.

-------------------------

[39] قوله: [نجاسته] كالماء المغصوب، فإنه لا يجوز الوضوء به مع أنه طاهر.

[40] قوله: [ضعيف] في سندها «أحمد بن هلال» المنسوب للغلو تارة والنصب أُخرى، وكلام الشيخ(2) يدل على أنه لم يكن يتدين بدين أصلاً.

[41] قوله: [العمدة] لا الروايات الخاصة.

[42] قوله: [والجواب] لكن تصل إليه النوبة بعد سقوط الأدلَّة الاجتهادية.

ص: 94


1- الاستبصار 1: 27.
2- انظر: اختيار معرفة الرجال 2: 816.

ومنها: مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: »سئل عن مجتمع [43] الماء في الحمّام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: لا بأس«(1)...

والجواب[44] عن ذلك أوّلاً: أنّ الرواية مرسلة ولا اعتبار بها، وثانياً: أنّ الغسالة المجتمعة تلاقي عين النجس كبدن الكافر مثلاً على القول بكونه من الأعيان النجسة، والخصم[45] لا يلتزم بالطهارة في الفرض(2).

-------------------------

ثم إن الأصل قد يراد به الاستصحاب أو أصالة الطهارة، والأول مبني على جريانه في الشبهات الحكمية.

[43] قوله: [مجتمع] الظاهر أنه ليس المراد البالوعة، إذ لا يصيب الثوب عادة، بل تحدث في الحمام فجوات أو شقوق فيكون فيها الماء.

[44] قوله: [والجواب] أولاً: لا علم بنجاستها، فأصالة الطهارة محكمة.

ثانياً: أنه من تعاقب الحالتين، فيحكم بالطهارة.

نعم، لو فسرناه بأنه البالوعة، فهنالك علم قطعي بنجاسته مع امتداد الأزمنة؛ إذ الكفار والجنب يغتسلون فيه، والماء قليل في الحمامات القديمة.

[45] قوله: [والخصم] فيه نظر، فإنه لا فرق في الغسالة بين ما يلاقي النجس أو المتنجس، والرواية مطلقة تشمل الصورتين.

ص: 95


1- الكافي 3: 15.
2- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1 :38- 39.

ومنها خبر عمر[46] بن يزيد قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة، فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض، فقال: لا بأس به«(1).

والجواب عنه - أيضاً - هو الجواب في سابقه، فإنَّ الرواية ضعيفة من حيث السند، فإنَّ في سندها معلّى بن محمّد[47] وهو غير موثّق، وأيضا السند مخدوش بغيره.

ومنها: صحيح الأحول، محمّد بن النعمان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »قلت له: أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيه وأنا جنب، فقال: لا بأس به«(2). بتقريب أنّ الظاهر

-------------------------

[46] قوله: [خبر عمر] قد يقال: إنه لا يعلم بالملاقاة، ويرد عليه الإطلاق.

وقد يقال: إنه من موارد تعاقب الحالات، وقد سبق نظيره في الروايات السابقة.

[47] قوله: [معلّى بن محمد] هو شيخ الكليني، وهو ثقة على مبنى من يرى أنَّ الورود في تفسير القمي كافٍ في الوثاقة(3).

ص: 96


1- الكافي 3: 14.
2- تهذيب الأحكام 1: 86.
3- انظر: معجم رجال الحديث 19: 272، وفيه: معلى بن محمد: روى عن علي بن أسباط، وروى عنه الحسين بن محمد تفسير. القمي: سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : {واللّه ربنا ما كنا مشركين}».

من العبارة كون الاستنجاء من المني[48].

وفيه أولاً[49]: أنّا لا نسلّم هذا الظهور، بل ربّما يقال بظهوره في الاستنجاء من البول أو الغائط، وإنّما السائل احتمل خصوصية لحالة الجنابة[50] فسأل.

وثانياً[51]: أنّ غايته طهارة غسالة استنجاء المني، ولا يثبت به طهارة مطلق الغسالة كما هو ظاهر.

-------------------------

[48] قوله: [من المني] وإلاّ فماء الاستنجاء لا بأس به في حد ذاته.

[49] قوله: [أولاً] وفيه: إن الرواية مطلقة، خاصة وأن الغالب تلوث المحل بالمني، فكان اللازم أن يكون الجواب: إن كان فيه ذرات المني فكذا وإلاّ فكذا.

إلاّ أن يقال: إنَّ الحكم حيثي، أي من حيثية الجنابة، وإلاّ فمسألة وجود العين ليست ملحوظة، لكن قوة الإطلاق تمنع ذلك، فتأمل.

[50] قوله: [لحال الجنابة] كحال الحيض، حيث إنه في الأذهان موجب للنجاسة أو القذارة.

[51] قوله: [وثانياً] لعل الشارع تسامح في الاستنجاء لصعوبة الاجتناب عن ترشحه، خاصة في العهود القديمة مع قلة الماء، وعدم وجود المراحيض على النحو الفعلي.

ثم إن هذه الرواية تثبت شرطية عدم وجود نجاسة أُخرى مع البول أو الغائط، وهنا محل تأمل في إطلاقها.

ص: 97

ومنها: مرسلة[52] يونس بن عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) الواردة في طهارة ماء الاستنجاء في حديث: »الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به، فقال: لا بأس، فسكت، فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا واللّه، فقال: إنَّ الماء أكثر من القذر«(1) فبعموم التعليل يحكم بطهارة الغسالة فيما كان غالباً كما هو محلّ البحث[53]...

ومنها: ما ورد في صبّ الماء على الثوب من بول الصبي، وهو ما رواه الحسين بن أبي العلاء في حديث قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصبي يبول على الثوب، قال: تصبّ عليه الماء قليلاً ثمّ تعصره«(2).

-------------------------

[52] قوله: [مرسلة] لا بد من ملاحظة أن الإرسال قبل يونس أو بعده، وعلى مبنى أنَّ «الثلاثة لا يرسلون إلاّ عن ثقة»(3) لوكان من بعده إلى الامام (عليه السلام) مجهولاً لا يضر.

إلاّ أن المبنى غير مقبول وإن كان مبنى «إنهم لا يروون إلاّ عن ثقة»(4) مقبولاً.

[53] قوله: [محل البحث] بل محل البحث أعم؛ إذ لا يلزم في القطرتين أن تكونا متصلتين.

ص: 98


1- وسائل الشيعة 1: 222.
2- الكافي 3: 55.
3- انظر: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 49.
4- انظر: معارج الأصول: 151.

بتقريب[54] أنّه لو كانت الغسالة نجسة لكان اللازم انفصالها، والجواب: أنّ الماء الباقي في المحلّ المغسول طاهر بلا كلام[55].

ومنها: ما ورد من تطهير النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المسجد من بول الأعرابي بذنوب[56] من الماء(1)...

ومنها: ما ورد في خبر محمّد بن مسلم[57] قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله في المركن مرّتين،

-------------------------

[54] قوله: [بتقريب] غير واضح، ولعل المراد أن صب الماء القليل - مع عدم لزوم العصر على ما هو المبنى والتصريح في الرواية لا ينافي ذلك، إذ لعله للاستحباب - يدل على الطهارة.

[55] قوله: [بلا كلام] بدلالة الاقتضاء، وإلاّ لم يطهر المغسول أبداً لبقاء شيء دائماً.

[56] قوله: [بذنوب] لعل وجه الاستدلال أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يأمر بجمع الغسالة.

إن قلت: إنها تنفذ في الأعماق.

قلت: أعماق المسجد - أيضاً - يجب أن تكون طاهرة، ولعل وجه الاستدلال: لزوم تنجس المسجد أكثر مما كان من قبل، فتأمل.

[57] قوله: [محمد بن مسلم] لعل وجه الاستدلال ما يلي:

1- أنه (عليه السلام) لم يأمر بصب الغسالة.

ص: 99


1- انظر: مستدرك سفينة البحار 1: 441.

فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة«(1) وفيه: أنّ الرواية لا تدلّ على طهارة الغسالة، بل ساكتة[58] من هذه الجهة، ولو بنينا على النجاسة نلتزم بعدم نجاسة ما يغسل بالماء النجس من ناحية[59] الغسل.

ومنها: التمسّك بالوجه العقلي، وهو أنّه لو كانت الغسالة نجسة ويطهر المحلّ بها يلزم تأثير الشيء في ضدّه، وهو محال للزوم الملائمة(2) [60] بين العلّة ومعلولها.

والجواب[61] عن ذلك أولاً[62]: أنّ الأحكام الشرعية لا تناط

-------------------------

2- أو أنها لو كانت نجسة لتنجس الإناء ونجس ماء الغسلة الثانية ونجس الثوب.

[58] قوله: [بل ساكتة] لأنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

[59] قوله: [من ناحية] أي ما تنجس بالغسل.

[60] قوله: [الملاءمة] أصل القانون محل نظر، على ما ثبت في محله.

[61] قوله: [والجواب] فالمزيل الشرعي كالعرفي، فكما أن المزيل للنجاسة العرفية يفيد رفع القذر، فكذلك المزيل للنجاسة الشرعية.

[62] قوله: [أولاً] فإن المحالات العقلية محال في الأمور التكوينية، وأما الاعتبارية فليس لها وجود حقيقي حتى تشملها الاستحالة.

ص: 100


1- تهذيب الأحكام 1: 250.
2- هكذا في المصدر، والصحيح (الملاءمة).

بالوجوه العقليّة، بل تتبع أدلتها، وثانياً[63]: أنّه لا يلزم من القول بالنجاسة خرق هذه القاعدة، فإنّ الماء الطاهر يؤثر في المحل بأن يطهّره، والمحل يؤثّر في الماء بأن ينجّسه.

ومنها: أنّه يدور الأمر بين رفع اليد عن عموم انفعال الماء القليل، وبين رفع اليد عن قواعد ثلاثة أولاها[64] لزوم طهارة الماء المطهّر بالإجماع، ثانيها[65] تنجيس المتنجّس، فإنّ الغسالة لو كانت نجسة يلزم أن تنجّس بسرايتها إلى ما يتّصل بالمحل المتنجّس.

ثالثها[66] اتّحاد حكم الماء الواحد، ولو لم نقل بالطهارة يلزم

-------------------------

[63] قوله: [وثانياً] فيه نظر، فإنه بمجرد الملاقاة ينفعل الماء، فيكون النجس مؤثراً في التطهير. إلاّ أن يقال: إنه ينفعل بالانفصال، لكنه خلاف إطلاق أدلَّة منجسية النجاسات.

[64] قوله: [أولاها] فالماء وإن كان نجساً إلاّ أنه يكون مطهراً.

[65] قوله: [ثانيها] فالماء وإن تنجس إلاّ أنه لا ينجس أطرافه.

[66] قوله: [ثالثها] فلو صببنا ماءً على شيء وكان مقداره عشر قطرات فلا ينفصل كله، بل تبقى هنالك نداوة في المحل، كأن تنفصل ثماني قطرات، وتبقى قطرتان، فقبل الانفصال، إما أن نقول: إنَّ هناك قطرتين طاهرتين، وثمانية نجسة، وهذا معناه اختلاف حكم الواحد. أو نقول: كلها نجسة، ولكن بانفصال الثمانية تطهر القطرتان المتبقيتان.

وفيه: إن الانفصال ليس من المطهرات ولم يذكروه منها.

أو نقول: إنَّ الغسالة مطلقاً طاهرة، وهو المطلوب.

ص: 101

اختلاف حكم الماء الواحد... إمّا اختلاف حكم الماء الواحد لو قلنا بطهارة المتخلّف في أعلى الخشبة قبل الانفصال[67]، وإمّا يلزم أن يطهر الماء المتخلّف[68] بعد الانفصال بلا مطهّر، فبعد تعارض قاعدة انفعال الماء القليل مع هذه القواعد الثلاثة لو لم نقل بترجيح[69] تلك القواعد عليها، فلا أقل من التعارض والرجوع إلى استصحاب الطهارة.

ويرد فيما ذكر: أولاً[70] أنّه لو سلّم التعارض فلا تصل النوبة إلى استصحاب الطهارة(1).

فإنّ استصحاب الطهارة يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد[71] فلا يمكن ترتيب آثار الطهارة على مثل هذا الماء.

-------------------------

[67] قوله: [قبل الانفصال] أي قبل انفصال الثمانية في مثالنا المتقدم.

[68] قوله: [الماء المتخلف] أي القطرتان.

[69] قوله: [بترجيح] لأكثريتها، فإنه في هذا الجانب توجد قاعدة واحدة، وفي المقابل توجد ثلاث قواعد متعاضدة.

[70] قوله: [أولاً] إلاّ أن المبنى غير مرضي، كما قرر في محله(2).

[71] قوله: [عدم الجعل الزائد] فإن الجعل الضيق مسلم، سواء أكان في ضمن الواسع أم الضيق، والشك في الجعل الأكثر، والأصل عدمه، عدماً أزلياً ونعتياً؛ إذ في أول البعثة الشريفة لم يكن جعل لهذه الأحكام.

ص: 102


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 41 - 42.
2- انظر: مقالات الأصول 2: 364، فوائد الأصول 4: 311، حقائق الأصول 2: 412، دروس في علم الأصول 3: 182.

نعم، يمكن أن يتمسّك بقاعدة[72] الطهارة.

وثانياً: أنّه لو[73] لم يقم دليل على كلّية هذه القواعد الثلاثة(1) بنحو يشمل الفرض فإنَّ القدر المعلوم من لزوم كون طهارة المطهّر أن يكون طاهراً قبل الاستعمال، وأمّا لزوم طهارته حتّى بعد[74] الاستعمال فليس عليه دليل، وادّعاء الإجماع عليه كما ترى.

وأمّا قاعدة تنجيس المتنجّس فعلى فرض تسليمها فلم يقم دليل على تنجيسه حتّى في مثل المقام، فإنّ هذه القاعدة على فرض صحّتها، وإن كان لنا فيها كلام[75] ... وأمّا القاعدة الثالثة فهي أيضاً كذلك... كما لا مانع [76] من الالتزام بطهارة الماء المتخلف بعد الانفصال،

-------------------------

إن قلت: نستصحب عدم الشرطية وهي سبب.

قلت: لا سببية، بل كلاهما في رتبة واحدة، فالجعل الزائد كجعل وجوب الجمعة مطلقاً، وشرطية الحضور في الوجوب.

[72] قوله: [بقاعدة] والنتيجة مساعدة للخصم.

[73] قوله: [لو لم] الظاهر زيادة (لو).

[74] قوله: [حتى بعد] أي حين.

[75] قوله: [فيها كلام] إذ هنالك رأي وهو أن المتنجس لا ينجس، وإنما المنجس أعيان النجاسات فقط(2).

[76] قوله: [كما لا مانع] فيضاف إلى المطهرات هذا المطهر، أي انفصال ثماني قطرات.

ص: 103


1- هكذا في المصدر، والصحيح (الثلاث).
2- انظر: الحدائق الناضرة 1: 409، جواهر الكلام 2: 15.

إلى أنّ المتخلّف في أعلى الخشبة بعد الانفصال لا نسلّم اتّحاده[77] مع المنفعل...

وثالثاً: أنّه لا شبهة في لزوم رفع اليد عن هذه القواعد[78] إمّا للتخصيص أو للتخصّص، مثلاً قاعدة تنجيس المتنجّس لا تتّم في المقام، إمّا لعدم تنجّس[79] الغسالة[80] وإمّا لعدم[81] كونها نجسة...

وأمّا قاعدة الانفعال فلا وجه لرفع اليد عنها[82].

-------------------------

[77] قوله: [اتحاده] فلا موضوع للقاعدة في المقام - أي الماء الواحد - فإن المنفصل وغير المنفصل ليسا واحداً، لا عرفاً ولا شرعاً، كالنهر الذي تغير بعضه.

[78] قوله: [القواعد] فلا يدور الأمر بين الرفعين، بل هذه مرفوع اليد عنها، وتبقى قاعدة انفصال الماء القليل بلا معارض.

[79] قوله: [تنجس] الصحيح: تنجيس.

[80] قوله: [لعدم تنجيس الغسالة] فيكون تخصيصاً في أدلَّة تنجيس المتنجس.

[81] قوله: [وإما لعدم] فلا تشمل القاعدة المقام؛ لأنه ليس متنجساً.

[82] قوله: [لرفع اليد عنها] وأما القاعدة الأولى فالمقصود فيها «إن النجس لا يطهر». وهذه القاعدة لا تجري في مقام غسل اليد - مثلاً -. لأن هذا الماء إما نجس بالملاقاة فيطهر فهو تخصيص، أو أنه ليس نجساً فهو تخصص. وأما الثالثة: ففي مثال الخشبة، إما ليس ماءً واحداً، أو ماء واحد اختلف حكمه.

ص: 104

كيفيّة التطهير بالكر والجاري

والثانية الأحوط الاجتناب عنها(*). وأمّا في الكرّ والجاري فيكفي المرّة(**)[83].

إن قلت[84]: حيث إنّ مثبتات الأصول اللفظية حجّة يمكن أن يتمسك بأصالة العموم، فببركتها يثبت عدم انفعال القليل لأنّه لازمها...

قلت[85]: لا نسلّم جريان أصالة العموم بهذا المقدار...

(*) يمكن أن يكون الوجه في التفرقة بين الغسالة الأولى والثانية

-------------------------

[83] قوله: [المرّة] الأحوط التعدد في خصوص الكرّ.

[84] قوله: [إن قلت] مثاله: لو قال: «أكرم العلماء» ثم علمنا بحرمة إكرام «بشير» ودار الأمر بين خروجه موضوعاً - تخصصاً - أو حكماً - تخصيصاً - فأصالة العموم تقتضي أنه ليس عالماً، لا أنه عالم لا يجب إكرامه.

وهذا الانتقال وإن كان انتقالاً عقلياً، إلاّ أن مثبتات الأصول اللفظية - كأصالة العموم - حجة.

[85] قوله: [قلت] إنما يجري أصل العموم لو شككنا في أصل الخروج وعدمه مع العلم بالفردية، كما لو قلنا: «أكرم العلماء» وشككنا في استثناء العالم الفاسق حكماً.

والخلاصة: أولاً: عند الشك في شمول الحكم تجري أصالة العدم.

ثانياً: عند الشك في الفردية، فلا تجري أصالة العموم لإثبات أنه ليس فرداً.

ص: 105

هو أنّه يمكن أن يقال[86] إنّ أدلَّة تنجيس النجاسات قاصرة عن شمول المتنجّس، أو على فرض شمولها معارضة[87] بأدلَّة أُخر دالّة على عدم التنجيس.

لكن يرد عليه: أنّه لو كانت الغسالة الأولى لا تلاقي عين النجاسة، كما لو أُزيل العين أوّلاً بغير الماء ثمّ يغسل بالماء، لا يتّم[88] التقريب، ويمكن أن يكون المقصود أنّ المتنجس بعين النجاسة نجس، فالغسالة الأولى نجسة مطلقاً، وأمّا الثانية فنجاستها مبنيّة على الاحتياط...

والحاصل[89]: أنّه لو التزمنا بانفعال الماء القليل حتّى من المتنجّس نلتزم بالنجاسة حتّى في الغسالة المطهرة بلا خصوصية فيها...

-------------------------

[86] قوله: [أن يقال] فالإجماع لبي، والروايات واردة في الأعيان النجسة.

[87] قوله: [معارضة] كمرسلة الواسطي المتقدمة في صفحة 38 من كتاب الدلائل(1).

[88] قوله: [لا يتمّ] فاللازم التفصيل بين ما لو لاقى العين فمرتين، ولم يلاق فمرة، ولو كانت في الغسلة الأُولى كما لو أُزيلت العين بالمعقمات الحديثة، أو جفت بحيث لم يبق لها عين - عرفاً -.

[89] قوله: [والحاصل] فيه نظر؛ إذ قد يكون المبنى هنالك الاحتياط في الانفعال من المتنجس، فيكون هذا الاحتياط فرداً من الاحتياط الكلي.

ص: 106


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 38.

(**) الوجه في كفاية المرّة في الجاري ما رواه محمّد بن مسلم[90]، وأمّا كفاية المرّة في الكرّ فربّما يستدلّ عليها بالمرسل المرويّ عن أبي جعفر (عليه السلام) : »كان بالمدينة رجل يدخل على أبي جعفر، محمّد بن علي (عليهما السلام) ، وكان في طريقه ماء[91] فيه العذرة والجيف، وكان يأمر الغلام يحمل كوزاً من ماء يغسل به رجله إذا أصابه، فأصبره يوماً أبو جعفر (عليه السلام) فقال: إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره، فلا تعد لله منه غسلاً«(1).

ويرد[92] على هذا الاستدلال أولاً: بأنّ الرواية ضعيفة من جهة الإرسال، والقول بأنّها منجبرة بالعمل كما أفاده الشيخ الهمداني (قدس سره) مردود بأنّ العمل لا يجبر[93] الخبر الضعيف، كما بيّنا وجهه ملخصاً في بعض المباحث السابقة[94]،

-------------------------

[90] قوله: [ما رواه محمد بن مسلم] ولا خصوصية للثوب عرفاً.

[91] قوله: [ماء] هذا الماء إما كر أو قليل، وعلى كلا التقديرين يثبت المطلوب، وهو مطهرية الكر.

[92] قوله: [ويرد] كما قد يرد عليه أنه ليس في مقام البيان من جهة المرّة والتكرار؛ إذ المقصود أن هذا الماء ليس نجساً، بل هو مطهر.

[93] قوله: [لا يجبر] في المبنى نظر مذكور في محله.

[94] قوله: [السابقة] في غير هذا الكتاب.

ص: 107


1- مستدرك الوسائل 1: 198.

مضافاً[95] إلى أنّ استناد المشهور بهذه الرواية غير معلوم...

وثانياً: أنّه على فرض غمض العين عن ضعفها تكون النسبة بين هذه الرواية وبين ما دلّ على لزوم التعدّد في البول عموماً من وجه[96] ولا وجه لتقديم الرواية على تلك الأدلَّة، فإنّ العموم المستفاد من هذه الرواية بالإطلاق[97] لا بالوضع، فلا تتقدّم على تلك الأدلَّة... نعم[98]، على ما بيّنا سابقاً أنّ الاستصحاب الجاري في الحكم الكلّي دائماً معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد...

-------------------------

[95] قوله: [مضافاً] إذ هو مجرد موافقة عملية، ولم يعلم استنادهم لها، بل ربما استندوا إلى وجوه عقلية أو نحوها.

[96] قوله: [من وجه] فمادة الاجتماع هو تطهير البول بماء الكر، فالرواية تدل على كفاية المرة، والأدلّة تقول بلزوم التعدد حتى في الكر.

[97] قوله: [بالإطلاق] لأنّ كلمة (هذا)(1) أي هذا الماء، وحيث لا خصوصية لهذا الماء نستفيد أن المراد كل كر، فهو أضعف من الإطلاق.

[98] قوله: [نعم] فالحق على مبنى المشهور: النجاسة، والحق على مبنى المصنف: الطهارة؛ إذ المشهور يرون جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، فاللازم الحكم بالنجاسة بعد الغسلة الأُولى، والمصنف يرى عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، فاللازم عليه إجراء أصالة الطهارة بعد الغسلة الأُولى.

ص: 108


1- أي قوله (عليه السلام) : «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره» مستدرك الوسائل1: 198، ح8 .

وممّا استدلّ به على المدّعى صحيح داود[99] بن سرحان، قال:

-------------------------

[99] قوله: [صحيح داود] توجد هنا عدّة صور:

الأولى: الماء الجاري يكفي فيه الكثرة.

الثانية: والحياض الصغار بمنزلتها.

الثالثة: فنفس المادة تكون كذلك بطريق أولى.

الرابعة: ولا فرق بين مادة في حمام أو غيره.

وهنا عدّة مناقشات:

الأولى: المناقشة في الصورة الثانية؛ إذ التنزيل ينصرف الى أظهر الآثار أو القدر المتيقن، وأظهر الآثار عدم الانفعال، خصوصاً وأنه جواب سؤال، ولا يعلم ماذا كان في ذهن السائل، ومحل الابتلاء - عادة - هو الانفعال وعدمه، لا غسل البول فيه.

إلاّ أن يقال: بالإطلاق، لكن وجود ما يصلح للقرينية - وهو السؤال - يمنع عن انعقاد الإطلاق، فتأمل.

الثانية: المناقشة في الصورة الثالثة: إذ «ماء الحمام» منصرف عن نفس المادة، فتأمل.

الثالثة: المناقشة في الصورة الرابعة بما ذكره المؤلف(1)، إلاّ أن يقال: لا

ص: 109


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 46، حيث قال: «ولكن للمناقشة في هذا الاستدلال مجال واسع فإنّا نحتمل وجداناٌ أنّ ماء الحمّام لأجل عموم الابتلاء به جعل الشارع له خصوصيّة، أي جعله كالماء الجاري، ولذا يمكننا أن نقول بعاصميّة مائه ولو لم يكن الماء بمقدار الكرّ ومع تطرّق هذا الاحتمال لا موقع لهذا الاستدلال».

»قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ما تقول في ماء الحمّام؟ قال: هو بمنزلة الماء الجاري«(1)...

فظهر ممّا ذكرنا أنّه يشكل الحكم بكفاية المرّة في الكرّ في المتنجس بالبول. نعم، يمكن أن يفصّل[100] بين الأجسام التي ينفذ فيها الماء، كالثياب والفرش وغيرها كالبدن وأشباهه...

والوجه في هذا التفصيل أنّ الروايات الدالّة على تعدّد الغسل بنحو الإطلاق، كرواية ابن أبي يعفور واردة في الثوب[101] وما ورد في البدن دلّ على لزوم صبّ الماء مرّتين على المحلّ المتنجّس...

-------------------------

فرق - عرفاً - للمناط؛ ولذا لو كان لأحدٍ مادة وفي بيته حمام ومطبخ فعرفاً لا فرق بينهما، ولكن حيث يُحتمل كون المناط التسهيل، لأجل عموم الابتلاء، فلا قطع بالمناط، كما سهل الشارع في ماء الاستنجاء ولم يسهل مثله في بعض النجاسات الأُخر، فتأمل.

[100] قوله: [أن يفصل] الأجسام على أنواع:

الأول: الأجسام التي ينفذ فيها الماء كالثياب، فتجب المرّتان.

الثاني: التي لا ينفذ صباً فتجب المرتان.

الثالث: التي لا ينفذ غسلاً وغمساً فتجب مرّة واحدة.

[101] قوله: [في الثوب] وبإلغاء الخصوصية يثبت غيره مما ينفذ فيه الماء كالفرش.

ص: 110


1- تهذيب الأحكام 1: 378.

اما المتنجس بالغائط والمني والدم

وأمّا المتنجّس بالغائط والمني والدم[102] فيغسل بعد زوال العين[103] بالماء القليل مرّتين على الأحوط(*)[104].

وأمّا البدن وأمثاله فلو طهّرناه بصبّ[105] الماء عليه يلزم التعدّد أعمّ من أن نغسله بالقليل أو بالكرّ، وأمّا لو طهرّناه بالغسل[106]

في الكرّ فيكفي المرّة عملاً بإطلاق[107] جملة من الروايات الدالّة على كفاية مطلق الغسل. هذا، والظاهر[108] أنّه لم يلتزم أحد بهذا التفصيل، ولكنّ المستفاد من الأدلَّة ما ذكر.

-------------------------

[102] قوله: [والدم] وغيرها من النجاسات.

[103] قوله: [بعد زوال العين] الظاهر أن الغسلة المزيلة للعين تعد من الغسلات، مع فرض جريانها على المحل المتنجس.

[104] قوله: [على الأحوط] استحباباً والأقوى كفاية المرّة.

[105] قوله: [بصب] وأما بغير الصب فلا موضوع للصب حتى تحمل عليه المرتان.

[106] قوله: [بالغسل] أي بالغمس.

[107] قوله: [بإطلاق] مثل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}(1) و(اغسله).

[108] قوله: [والظاهر] كما أنه عرفي، والفرق أن يصب عليه الماء أو يغمسه في الماء، فتأمل.

ص: 111


1- الفرقان: 48.

(*) أمّا الاحتياط فحسن، وأمّا لزومه فلم يظهر لي إلى الآن وجهه، فإنّ المستفاد من الروايات الواردة في الموارد المتعدّدة كفاية مطلق الغسل. ففي رواية محمّد بن مسلم[109] عن أحدهما (عليهما السلام) قال: »سألته عن المذي يصيب الثوب، فقال: ينضحه بالماء إن شاء، وقال في المني يصيب الثوب قال: إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك فاغسله كلّه«(1).

وفي صحيح[110] عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال:

-------------------------

[109] قوله: [محمد بن مسلم] قد يشكل أنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة - التعدد وعدمه - بل هو في مقابل المذي الذي لا يجب غسله، إن كانت الرواية واحدة، بل يكفي احتمال ذلك، فتأمل.

[110] قوله: [وفي صحيح] نفس الملاحظة، أي أنه في مقام بيان المراتب الطولية - الغسل، الصلاة فيه - لا بيان العدد.

ولكن يرد عليه: أن الظاهر كون المولى في مقام البيان من جميع الجهات، إلاّ ما خرج بالدليل، وإلاّ لانثلمت جميع المطلقات، بل والعمومات على مبنانا من احتياجها إلى مقدمات الحكمة، مثلاً: {أحل اللّه البيع}(2) يقال: إنه لا يدل على حلية البيع الكذائي؛ إذ إنه في مقام الحلية في مقابل حرمة الربا، لا الإطلاق... وهكذا.

ص: 112


1- الكافي 3: 53.
2- البقرة: 275.

»سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب[111] ثوباً نصفه دم أو كلّه دم يصلّي فيه، أو يصلي عرياناً؟ قال: إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصلّ عرياناً«(1)...

هذا مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السلام) في روايات عديدة: الماء يطهِّر[112] ولا يطهَّر، يدلّ على مطهّرية الماء على الإطلاق...

-------------------------

ومع غض النظر عن ذلك نقول: الظاهر أن السائل يريد معرفة الوظيفة العملية. مثلاً: لو أنَّ شخصاً جاء إلى المرجع وسأله عن عريان وجد ثوباً فيه دم، فقال: إن وجد ماءً غسله وإلاّ صلى فيه، فإن صلى المستفتي في ثوب غسله بلا تعدد فلا حجة للمفتي عليه؛ إذ يقول له لماذا لم تقل بالتعدد؟

فهو مثل أن يقول المولى لعبده: «إن وجدت بيتاً تشتريه فاشتره وإلاّ فاستاجر» فلا يصح أن يقال: إنه ليس في مقام البيان من جميع الجهات، بل في قبال الاستئجار، أي أنه في مقام بيان المراتب الطويلة، فلا إطلاق للبيت فلا يشمل الصغير والكبير والقريب والبعيد، إذ يقال للمولى: إن العبد كان في مقام العمل فَلِمَ لمْ تبين؟ فتأمل؛ إذ قد يقال: إنه يقول بينت بالأدلَّة الأُخر؟ والجواب: أنه لا أدلَّة أُخر في المقام.

[111] قوله: [فأصاب] أي فوجد.

[112] قوله: [يطهر] أي يُطهِّر غيره، ولا يُطهِّره غيره، والاستهلاك إعدام عرفي، وكذا الاستحالة.

ص: 113


1- الاستبصار 1: 169.

اللّهم إلاّ أن يقال: قوله: الماء يطهّر ليس في مقام البيان من هذه الجهة فلا إطلاق له، وأيضاً الروايات الواردة في الموارد الخاصّة ليست في مقام بيان هذه الجهة، فتصل النوبة إلى استصحاب[113] النجاسة.

ولكن يرد على هذا الوجه بأنّ استصحاب النجاسة على فرض[114] جريانه وتسليم ما تقدّم من عدم الإطلاق معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد، فتصل النوبة إلى قاعدة الطهارة.

وملخّص[115] الكلام في المقام: أنّ في كلّ مورد ورد الأمر

-------------------------

[113] قوله: [استصحاب] فيه: إن هنالك أصلاً حاكماً أو وارداً عليه، وهو أن الأصل عدم شرطية المرّة الثانية، ومع وجود السببي - ولو كان هو البراءة - يرتفع موضوع المسببي، ولو كان هو الاستصحاب، كما لو شككنا في وجوب القنوت فمقتضى قاعدة الاشتغال أو استصحاب اشتغال الذمة - على الخلاف في جريانهما معاً، أو جريان قاعدة الاشتغال أو استصحاب اشتغال الذمة - بقاء الاشتغال بعد إتيان الصلاة بلا قنوت، لكن هذا الشيء مسبب عن أن القنوت واجب أو لا، وشرط أو لا؟ فالأصل عدم الوجوب وعدم الجزئية والشرطية، وهو حاكم عليه.

[114] قوله: [على فرض] إذ الأدلَّة الاجتهادية مقدمة على الأصول العملية.

[115] قوله: [وملخص] 1- إنَّ إطلاق «اغسل» يكفي المرّة.

2- إذا لم يرد اغسل، بل دل الدليل على أنّ كذا ينجس ملاقيه، فإن ثبت إجماع على أنه لا فرق بين النجاسات - وقد ثبت وجوب الغسل مرّة في بعضها - فتكفي المرّة، لكن مضى وجود الأصل الحاكم وهو أصالة عدم الشرطية.

ص: 114

كيفية التطهير بماء المطر

وفي الكرّ والجاري يكفي المرّة(*)، وإن كانت هي الغسلة المزيلة، ولكن مع استمرارها[116] إلى بعد زوال العين على وجه يتحقّق الغسل بعده بذلك ونحوه، وماء المطر حال جريانه[117]

بالغسل يؤخذ بإطلاقه... وفي كلّ مورد لم يرد أمر بالغسل، بل دلّ الدليل على أنّ الشيء الفلاني ينجس ما يلاقي، فلو ثبت عدم القول بالفصل[118] بين الموارد يكفي الغسل مرّة أيضاً؛ للإجماع...

-------------------------

ثم إن في جريان الأصول المتوافقة جميعاً - حاكمة ومحكومة - كلام مذكور في محله.

وعليه فتجري في المقام أصالة عدم الشرطية أو الوجوب، وأصالة الطهارة.

وأما استصحاب النجاسة فلا يجري لوجود الحاكم المخالف، فتأمل.

[116] قوله: [ولكن مع استمرارها] المناط تحقق الغسل، وليس الاستمرار شرطاً.

[117] قوله: [حاله جريانه] هنالك شرطان:

الأول: أن لا ينقطع المطر.

الثاني: أن يكون جارياً في الأراضي المتعارفة لا قليلاً.

ولا يبعد صدق ماء المطر عرفاً في بعض الصور ولو بعد الانقطاع، لكن الاحتياط لا يترك.

[118] قوله: [عدم القول بالفصل] ليس بحجة، بل الحجة القول بعدم الفصل.

وقد ناقش المصنف في الإجماعات المحصلة سابقاً - ظاهراً - فكيف بعدم القول بالفصل؟!

ص: 115

من السماء بحكم الجاري[119] بشرط جريانه على الأراضي المتعارفة(**)[120].

(*) كفاية المرّة على ما ذكرنا ظاهرة، ولكن على ما بني عليه من لزوم التعدّد احتياطاً وجوبياً في القليل لم يظهر[121] لي وجه كفاية المرّة في الكرّ والجاري مع عدم وجود النصّ، إلاّ أن يكون الإجماع قائماً على ذلك في نظره، أو يتمسّك بالمرسل الوارد في الغدير من الماء الدالّ على تطهيره لكلّ ما يراه ويحكم في الجاري بالأولية[122].

(**) يقع الكلام في ماء المطر تارة من جهة كونه عاصماً[123] وغير منفعل بالنجاسة، وأخرى من حيث تطهيره للمتنجس.

أمّا الجهة الأولى: فتدل على اعتصامه صحيحة هشام بن سالم،

-------------------------

[119] قوله: [بحكم الجاري] لا إشكال في اعتصام ماء المطر وتطهيره للمتنجس، وأمّا جريان الأحكام الخاصة بالجاري عليه فلا يخلو من إشكال. مثل: «تطهير الثوب من البول فيه مرة واحدة».

[120] قوله: [بشرط جريانه على الأراضي المتعارفة] على الأحوط. والمراد الجريان التقديري لا الجريان بالفعل.

[121] قوله: [لم يظهر] لعل الوجه: الأولوية من البول في الجاري، والروايات الضعيفة المجبورة بالعمل.

[122] قوله: [بالأولية] الصحيح: بالأولوية.

[123] قوله: [عاصماً] أي معتصماً.

ص: 116

أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) : »عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكفّ[124] فيصيب الثوب، فقال: لا بأس به ما أصابه[125] من الماء أكثر منه«(1).

... نعم، وقع الاختلاف بينهم في بعض الخصوصيات:

منها: أنّه هل يشترط في اعتصامه جريانه من السماء، كما اشترطه (قدّس سرّه) أو لا يشترط ذلك؟ لا يبعد[126] القول بالثاني فإنّه يمكن استفادة هذا المعنى من الرواية الثانية،

-------------------------

[124] قوله: [فيكفّ] الظاهر أنه من وكف يكف، أي يقطر(2)، لا من الكفّ، ويدل عليه فاء التفريع والتعليل، أي بسبب الوكف يصيب الثوب.

[125] قوله: [ما أصابه] الظاهر أن المراد ما أصاب السطح من الماء أكثر من البول، ولعل ذلك لأنه إذا كان مساوياً أو أقل من البول يتغير بالنجاسة فيكون نجساً بالتغير، أما لو كان أكثر فلا، لاحظ «يُبال» فالظاهر أنه وصف، لا أنه اتفق مرة واحدة، فتأمل.

[126] قوله: [لا يبعد] لكن إلى متى يصدق عليه ماء المطر؟ إذ لو أريد «ماء كان مطراً» صدق على كل البحار والأنهار، وكذلك جميع المياه، قال تعالى: {فَسَلَكَهُ

يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ}(3) أو «ماء هو مطر بالفعل» فليس ما يجري من الميزاب بعد الانقطاع ماء مطر.

ص: 117


1- من لا يحضره الفقيه 1: 7.
2- انظر: العين 5: 413، مادة «وكف».
3- الزمر: 21.

إذ يصدق على النازل من الميزاب ماء المطر ولو كان المطر منقطعاً[127]...

وكيف يمكن الالتزام بذلك؟ يجاب عنه: بأنّ المناط في هذه الأمور نظر العرف[128] فإنَّ العرف لا يطلق على مثل هذا الماء ماء المطر. هذا، ولكن حيث إنَّ هذا القول خلاف المشهور ينبغي أن لا يترك الاحتياط فيه، بل ادّعي في بعض المؤلّفات[129] أنّه لا خلاف في هذا الحكم.

ومنها: أنّه يشترط جريانه على الأرض، نسب إلى الشيخ الطوسي اعتبار جريانه من الميزاب في عدم الانفعال، ونسب إلى ابن حمزة اعتبار جريانه الفعلي في اعتصامه. ولا يخفى أنّه لا يمكن المساعدة[130] على شيء من القولين،

-------------------------

والفارق هو العرف، فماء البحر لا يطلق عليه أنه ماء مطر بالفعل بخلاف ماء الميزاب.

وهل يصح استصحاب كونه ماء مطر؟

فيه شبهة احتمال عدم وحدة الموضوع، ومع الغض عن ذلك لا مانع من الجريان؛ إذ الأثر يترتب عليه بلا واسطة، فتأمل.

[127] قوله: [منقطعاً] خاصة، أو فرض أنه انقطع لثوانٍ.

[128] قوله: [نظر العرف] هل هو تمسك بالعرف في التطبيقات؟

[129] قوله: [المؤلفات] وفهم الفقهاء دليل، بالإضافة إلى أنه لا فرق - عرفاً - بين هذا الماء وأي ماء قليل آخر، وهو نظير ماء متصل بالكر فانقطع اتصاله لثوانٍ.

[130] قوله: [المساعدة] يَظهر أنه ليس المقصود الظاهر الذي فهمه

ص: 118

فإنَّ لازم[131] القول الأوّل عدم اعتصام ماء المطر ولو كان كثيراً لو جرى في مكان لا يكون له ميزاب...

وأمّا اعتبار الجريان التقديري فالظاهر أنّه مستفاد من الأدلَّة، ففي رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: »وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف، فيصيب الثياب أيصلّى فيها قبل أن تغسل؟ قال: إذا جرى[132] من ماء المطر، فلا بأس«(1)...

ويدلّ عليه ما رواه أيضاً عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: »سألته عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثمّ يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى[133] فلا بأس به.

-------------------------

المصنف، بل المراد الجريان التقديري.

[131] قوله: [فإن لازم] سبق أنَّ هذا خلاف الظاهر؛ إذ ليس هذا شرطاً تعبدياً، وكذا في القول الثاني.

[132] قوله: [إذا جرى] يحتمل - كما سيأتي من الشارح - أن المراد: أنّ هنالك مطراً وكنيفاً فيه نجاسات متجمعة، فإن جرى جرياناً ناشئاً من الأول فلا بأس، في قبال جريان الثاني على اثر ارتفاع منسوب المياه، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، بل يحتمل القول بظهور الرواية في ذلك، فالمقصود إذا جرى ناشئاً منه أو حال كونه من ماء المطر.

[133] قوله: [إذا جرى] مضافاً لما ذكره الشارح فيما بعد، يحتمل أن يقال: إنه إن لم يجر كان قليلاً، ومعه يتغير، فاعتبر الجريان طريقاً لعدم

ص: 119


1- وسائل الشيعة 1: 145.

قال: وسألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه[134] ولا رجله ويصلّي فيه ولا بأس به«(1)...

ولكنّ الإنصاف أنّه يمكن أن يناقش في كلتيهما ... وأمّا الثانية فيمكن أن يقال: إنّ المستفاد منها عدم جواز التوضّي به، وهو أعمّ[135] من انفعال الماء، وطريق الاحتياط ظاهر.

وأمّا الجهة الثانية فاستدل عليها برواية الكاهلي، عن رجل، عن

-------------------------

التغير. والحاصل: أن الجريان طريقي لا موضوعي.

إلاّ أن يقال: إن الرواية مطلقة فتشمل الشرطية صورة التغير وعدمه، فتأمل.

[134] قوله: [لا يغسل ثوبه] فيه احتمالات:

1- إن الخمر ليست نجسة.

2- لأن المطر مستمر، فيكون كالكر.

وفيه: الصدق العرفي ولو بعد الانقطاع، فتأمل.

3- إن الماء كر.

وفيه: أنه خلاف الإطلاق.

4- إن الماء القليل لا ينفعل.

[135] قوله: [وهو أعم] لكن الظاهر أن المنظور إليه الانفعال، فتأمل.

ص: 120


1- من لا يحضره الفقيه 1: 8.

أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »قلت: يسيل عليّ من ماء المطر أرى فيه [136] التغيّر وأرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليّ وينتضح عليّ منه، والبيت يتوضّأ على سطحه فيكف على ثيابنا؟ قال: ما بذا بأس لا تغسله، كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر«(1).

وهذه الرواية من حيث الدلالة لا إشكال فيها، بل تتقدّم على ما يدلّ على العصر والتعدد لأنّ عمومه بالوضع، لكن من حيث السند ضعيفة فإنّها مرسلة وعمل الأصحاب بها غير معلوم، مضافاً إلى أنّا ذكرنا أنّ العمل لا يجبر[137] ضعف الرواية فلا أثر لها.

أضف إلى ذلك أنّا أنكرنا تقدّم ما بالوضع على ما بالإطلاق[138]، فالذي يدل على كونه مطهراً ما يدلّ على مطهريّة مطلق الماء، فإنّ المطر ماء فلو غسل به المتنجس يطهر، ولكن لا وجه لإلحاقه بالجاري[139] ... إلاّ أن يتمسك بالسيرة المتشرعية فإنّها قائمة

-------------------------

[136] قوله: [فيه] ليس المراد ما يسيل عليه، بل أرى في ماء المطر، بدليل الارتكاز والإجماع على نجاسة المتغير. والخلاصة: أنه لم يفرض أن ما أصابه متغير.

[137] قوله: [لا يجبر] فيه نظر.

[138] قوله: [على ما بالإطلاق] لكن قد يستفاد أن لماء المطر خصوصية، كما ذكرناه سابقاً في الكر.

[139] قوله: [بالجاري] فلا يكفي غسل الثوب فيه مرّة واحدة من

ص: 121


1- وسائل الشيعة 1: 146.

المسألة 21: لو كان بعض مواضع البدن نجساً

مسألة 21: لو كان بعض البدن نجساً ودخل الماء الكرّ كفى[140] في التعدّد[141] تحقّق الفصل بين المغسول والماء بحائل، كالمسح باليد مثلاً ثمّ رفعه ليصل الماء إليه بعد انفصاله عنه(*).

على إلحاقه بالجاري من حيث الأحكام، ولكن يمكن النقاش في اعتبار السيرة أيضاً، فإنّها لو كانت ناشئة من فتاوى العلماء[142] كما هو المظنون[143] فلا أثر لها كما هو ظاهر.

(*) لعدم[144] خصوصية للإخراج، بل الإخراج طريق لحصول

-------------------------

البول، كما ثبت ذلك في الجاري بقوله (عليه السلام) : «فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة»(1)، وكذا لورود: اغتسل في ماء جارٍ(2).

[140] قوله: [كفى] وإن كان الأحوط استحباباً عدم الاكتفاء بذلك.

[141] قوله: [التعدد] اللازم في البول - على بعض المباني - أو المستحب احتياطاً على البعض الآخر.

[142] قوله: [العلماء] والخلاصة: أنه لم يعلم اتصاله بزمان المعصوم (عليه السلام) .

[143] قوله: [كما هو المظنون] بل يكفي الشك والوهم؛ لأن حجية السيرة لا تكون إلاّ مع القطع باستجماعها للشرائط.

[144] قوله: [لعدم] الظاهر أنه لا يصدق «اغسله مرتين» مع ذلك إلاّ أن يقال الغسل طريقي - عرفاً - لجريان الماء عليه مرّتين.

ص: 122


1- تهذيب الأحكام 1: 250، ح 4.
2- انظر: وسائل الشيعة 3: 326، ح 7.

المسألة 22: لزوم العصر في القليل

مسألة 22: اللباس المتنجّس ونحوه ممّا ينفذ فيه الماء يلزم[145] عصره في كلّ غسلة في القليل، وكذا في الكثير على الأحوط(*).

تعدّد الغسل[146] وهو يحصل بما ذكره (قدس سره) .

(*)... القائلون بلزوم العصر اختلفوا في مدرك هذا الحكم، فتارة: استدل بأنّ النجاسة الموجودة لايتيقّن[147] خروجها إلاّ به... وثالثة[148]: بأنّ النجاسة ترسخ في الثوب فلا تزول إلاّ بالعصر... وخامسة[149]

-------------------------

ومنه يظهر النظر في تشبيهه ب- «اسجد مرّتين» لو سجد ثم وضع حائلاً، ثم رفع الحائل، فإنه - عرفاً - لا يصدق «اسجد مرتين» بخلاف المقام بمعونة فهم العرف الطريقية.

[145] قوله: [يلزم] على الأحوط استحباباً، وكذا فيما بعده.

[146] قوله: [تعدد الغسل] أو تعدد الجريان.

[147] قوله: [لا يتيقن] فيستصحب بقاؤها، وهل الاستصحاب جارٍ أم أنه مثبت، كاستصحاب وجود الكر في البيت؟

الظاهر أنه ليس مثبتاً؛ إذ نستصحب بقاء النجاسة في الثوب ووجود النجاسة على الثوب.

[148] قوله: [وثالثة] فرقه عن الأول، أن الأول شك وهذا يقين.

[149] قوله: [وخامسة] وسادسة: بورود العصر في بعض الموارد، مثل: بول الصبي على الثوب «ثم تعصره»(1).

ص: 123


1- انظر: وسائل الشيعة3: 397.

بأنّ العصر مأخوذ[150] في مفهوم الغسل في الثوب ونحوه.

ويرد على الأول: أنّه لو كان المراد من النجاسة عين النجس فالدليل أخصّ من المدّعى، فإنّ القائل بالعصر يلزمه ولو بعد زوال العين[151] وإن كان المراد بها النجاسة الحكمية فلا نسلّم عدم تيقّن خروجها إلاّ بالعصر، فإنّ الغسل[152] لو تحقق بدون العصر نحكم بالطهارة؛ لأنّ ما دلّ على لزوم الغسل يدلّ على الطهارة بعده.

ويرد على الثاني[153]: بأنّه لو قلنا: بأنّ الغسل يتحقق بدون العصر فنلتزم بطهارة ما يبقى في الثوب بالملازمة[154]... مضافاً إلى أنّ إخراج الغسالة لا يتوقف على العصر فقط، بل يمكن إخراجها بالتجفيف[155].

-------------------------

[150] قوله: [مأخوذ] عرفاً.

[151] قوله: [العين] أو في صورة عدم وجود عين للنجاسة أصلاً.

[152] قوله: [فإن الغسل] إذ المفروض أننا نتحدث بغض النظر عن الجواب الخامس(1).

[153] قوله: [على الثاني] هذا جواب مبنائي.

[154] قوله: [بالملازمة] العرفية، ولعل المراد دلالة الاقتضاء، وإلاّ كان الثوب نجساً أبداً، وكذا غيره.

[155] قوله: [بالتجفيف] بالآلات الحديثة مثلاً، أو بتسليط حرارة هائلة.

لكن قد يجاب: إن القائل بالعصر لا يرى له موضوعية - وفق هذا الدليل الثاني - بل يرى أن المهم خروج الغسالة بأي نحوٍ، وأما البقاء حتى يجف

ص: 124


1- وهو قوله: «بأنّ العصر مأخوذ في مفهوم الغسل في الثوب ونحوه». الدلائل1: 53.

... وأمّا الدليل الخامس فما يختلج بالبال القاصر أن يفصّل[156] بين غسل الثوب في الماء العاصم كالجاري ونحوه، وبين أن يغسل بالماء القليل المنفعل بملاقاة النجس أو المتنجّس، ففي الأوّل لا يلزم العصر وفي الثاني يلزم...

فعليه لا بدّ من التفصيل، ولو شككنا في تحقّق الغسل بدون العصر يلزم العصر، وذلك لاستصحاب[157] عدم تحقّق الغسل، فببركة هذا الأصل يحكم ببقاء النجاسة.

-------------------------

فهو سبب بقاء الغسالة.

[156] قوله: [أن يفصّل] هذا التفصيل غير واضح عرفاً، أما عرفاً فالملاك زوال القذارة والوساخة، فلا فرق بين القليل والكثير، وأما شرعاً فالمفروض أن العين غير موجودة أو زالت، والغسل يتحقق عرفاً في جميع الموارد.

والخلاصة: أنه لو غسل ثوبه الوسخ في البحر ولم تذهب الوساخة لم يكفِ عرفاً، ولو لم تكن فيه وساخة وغسله بالقليل كفى عرفاً، وأما شرعاً فنحن لا نعلم الملاك وأن القذارة عينية أو حكمية وإنها باقية أو لا، فالملاك صدق الغسل، والظاهر أنه يصدق بلا عصر.

[157] قوله: [لاستصحاب] فإن الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، والخلاصة:إنّه من قبيل «العنوان والمحصل» ونشك في صدق العنوان.

لا يقال: الأصل عدم شرطية العصر.

فإنه يقال: هذا أصل مثبت - ليس ذلك شرطاً - فإذا تحقق الغسل طهر؛ إذ الحكم محقق على عنوان الغسل، فإثبات الموضوع بالأصالة المزبورة مثبت.

ص: 125

المسألة 23: اللباس المصبوغ

مسألة 23: اللباس المتنجّس المصبوغ بالنيل ونحوه يطهر بالماء القليل فضلاً عن الكثير، وإن خرج منه الماء متلوثاً ما لم يصر مضافاً(*)[158].

إن قلت: هذا من موارد الشكّ في المفهوم والمقرّر في محلّه أنّ الأصل لا يجري في الشبهة المفهومية.

قلت: هذا الذي ذكرت وإن التزموا به ولكن لا نلتزم بهذه المقالة، بل نقول: لا مانع من جريان الاستصحاب، فإنّ ما في الخارج وإن كان دائراً بين مقطوع الوجود[159] ومقطوع العدم...

(*) المقدار اللازم غسل المتنجّس بالماء الطاهر المطلق، وأمّا لو زال عند الإطلاق بعد انفصاله، بل لو صار مضافاً بعد الغسل،

-------------------------

[158] قوله: [ما لم يصر مضافاً] بل وإن صار مضافاً إذا نفذ الماء في جميعه بوصف الإطلاق.

[159] قوله: [مقطوع الوجود] كأن هذا استدلال الطرف(1) .

وفيه: إنه ثبوتاً - دائماً - الأمر دائر بين مقطوع الوجود أو العدم، وإثباتاً: شك، فلو شككنا في حياة زيد، فإن كانت الإرادة الإلهية تعلقت بحياته فهو حيّ قطعاً، وإلاّ فهو ميت قطعاً، فأين الشك؟

ومثاله الآخر: لو شككنا أن مفهوم النهار هل وضع إلى الغروب أو المغرب؟

ص: 126


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 55.

المسألة 24: إذا تنجّست يداه

مسألة24: إذا[160] تنجّست يداه وليس عنده إلاّ ماء قليل جاز أخذ الماء بالفم وصبّه على يديه وغسلهما به(*)، وإذا كان بعض مواضع بدنه نجساً جاز أن يصبّ الماء بإحدى يديه ويغسله بالأُخرى[161].

أي بعد الوصول إلى المتنجّس، فلم يظهر لي وجه الإشكال فيه[162] واللّه العالم.

(*) فإنّه أحد طرق التطهير؛ إذ لا خصوصية للصبّ بطريق

-------------------------

[160] قوله: [مسألة24: إذا] كأن طرح هذه المسألة تبعاً للرواية الشريفة(1)، ولشبهة الإضافة باختلاطه - ولو جزئياً - بماء الفم، الذي هو ماء مضاف، بل ليس بماء، ولذا لا يكون ذلك المقدار مطهراً.

وفيه: إنه مستهلك.

[161] قوله: [ويغسله بالأُخرى] لعل المراد يدلكه إذا احتاج إلى الدلك.

[162] قوله: [الإشكال فيه] وجهه: أنه لو اشترطنا العصر في مفهوم الغسل في الماء القليل، بل مطلقاً - كما سبق - فالغسل لا يتم إلاّ بالعصر، فلو صار مضافاً فقد غسل بماء غير مطلق فلا يكفي. ومن هنا ذكروا «لزوم إطلاق الماء إلى تمام الغسل»(2).

نعم، لو قيل: إن العصر شرط تعبدي، لا أنه دخيل في مفهوم الغسل، لم يحتج إلى ذلك.

ص: 127


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 56.
2- انظر: العروة الوثقى 1: 398و 399.

المسألة 25: بول الرضيع

مسألة 25: الأحوط عدم الفرق بين بول الرضيع وغيره في الحكم بالتعدّد مطلقاً(*)[163].

خاصّ[164] وما أفاده بعده أيضاً مبنيّ على ما ذكر...

(*) لا إشكال في أنّ ما أفاده موافق للاحتياط، إنّما الكلام فيما تقتضيه الأدلَّة. قال في الحدائق: مذهب الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) لا نعلم فيه مخالفاً أنّه يكفي صبّ الماء في بول الرضيع من غير غسل، ونقل عليه الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة[165].

-------------------------

[163] قوله: [مطلقاً] وإن كان الظاهر كفاية الصب مرة في الصبي الذي لم يأكل بعد، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء، والأحوط وجوباً العصر(1).

إلاّ أن يقال بالإعراض عن الوجوب، فتأمل. وعليه لا يبقى فرق بين الصب والغسل.

إلاّ أن يقال: إنه لو كان قليلاً جداً لا يقال له غسل وإن قيل له صب.

[164] قوله: [بطريق خاص] وغلبة غيره لا تصرف المطلق عن إطلاقه، كما هو المقرر في باب المطلق والمقيد(2).

[165] قوله: [إجماع الفرقة] الظاهر كفايته دليلاً في المقام.

ص: 128


1- وذلك لما رواه الحسين بن أبي العلاء في حديث قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصبي يبول على الثوب، قال: تصبّ عليه الماء قليلاً ثم تعصره» وسائل الشيعة 3: 397.
2- انظر: جامع المدارك 5: 319، زبدة الأصول 4: 212.

والمستفاد من الروايات الواردة في هذا المقام هو التفصيل بين الرضيع غير المتغذي[166] وبين الرضيع المتغّذي، فيكفي الصبّ من غير غسل في الأوّل ويلزم الغسل في الثاني. ففي حديث الحلبي قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن بول الصبي قال: تصبّ[167] عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً والغلام والجارية في ذلك شرع سواء«(1)[168].

ولا يعارضه ما رواه سماعة[169] قال: »سألته عن بول الصبي

-------------------------

[166] قوله: [المتغذي] المذكور في الرواية الأكل لا التغذي(2).

[167] قوله: [تصب] ولا تعدد، لأنه ليس غسلاً حتى يجب التعدد، وراجع ما ذكرناه قبل قليل في الفرق بين الصب والغسل.

[168] قوله: [شرع سواء] الظاهر أن يعود للكل لا للأخير فقط، ولو فرض عوده للأخير - للظهور أو للإجمال، كما ذكروه في الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة - لم يقدح؛ إذ الجملة الأخيرة جملة شرطية، فلها مفهوم، وبمجموع المنطوق والمفهوم يثبت المطلوب، وهو العموم، فتأمل.

[169] قوله: [سماعة] أولاً: سيأتي عدم اعتبارها للإضمار.

ص: 129


1- الكافي 3: 56.
2- والرواية وردت في تهذيب الأحكام1: 249، ح2، وهي: وبهذا الأسناد عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن بول الصبي؟ قال: تصب عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً، والغلام والجارية شرع سواء».

يصيب الثوب، فقال (عليه السلام) : اغسله: قلت: فإن لم أجد مكانه؟ قال: اغسل الثوب كلّه«.(1) وما في رواية الحسين[170] بن أبي العلاء،

وما في رواية السكوني[171] عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أنّ علياً (عليه السلام) قال: »لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمّها، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب، ولا بوله قبل أن يطعم؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين«(2).

-------------------------

وثانياً: إنها قابلة للتقييد برواية الحلبي.

وثالثاً: قد يقال: إنه في مقابل عدم الغسل، لتوهم بعض العوام أن بول الصبي طاهر، والصب مرتبة من مراتب الغسل، فتأمل وراجع ما سبق في الفرق بين الصب والغسل.

[170] قوله: [الحسين] فإنه يقيد برواية الحلبي.

والخلاصة: أن هنالك ثلاث طوائف:

الأولى: رواية سماعة في بول الصبي: (اغسله).

الثانية: رواية الحسين في بول الصبي: (تصب عليه الماء ثم تعصره).

الثالثة: رواية الحلبي: التفصيل بين الصبي الآكل فالغسل، وغيره فالصب(3).

[171] قوله: [السكوني] كأن التعليل مخالف لما ثبت علمياً؛ لأن اللبن

ص: 130


1- الاستبصار 1: 174.
2- تهذيب الأحكام 1: 250.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 57.

... فإنّ رواية الحلبي تقيّد[172] رواية الحسين ابن أبي العلاء ورواية سماعة، وتوجب حمل رواية السكوني على الاستحباب، حيث إنّها صريحة[173] في عدم الفرق بين الغلام والجارية...

لكن العمدة عدم اعتبار سندها؛ إذ الحمل على الاستحباب في أمثال المقام غير مقبول[174] عندنا، ولا يخفى أنّه لا اعتبار بحديث سماعة للإضمار، فإنّ سماعة من الواقفة[175]...

-------------------------

هو انقلاب الدم.

[172] قوله: [تقيد] بالتفصيل بين الأكل وغيره، كما سبق قبل قليل.

[173] قوله: [صريحة] فيه نظر، وإن كان هو المختار(1).

[174] قوله: [غير مقبول] لكنه عرفي.

[175] قوله: [الواقفة] ليس ذلك ملاكاً؛ إذ الملاك: أن الراوي إن كان جليلاً - كزرارة - فجلالته تمنع الرواية عن غير المعصوم (عليه السلام) ، وإلاّ فلا، فالملاك الجلالة لا لكونه واقفياً أو لا.

ثم إن الواقفة يعتقدون بالأئمة (عليهم السلام) إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) فلا يعتقدون بإمام غيرهم حتى يحتمل روايتهم عنه، بخلاف الفطحية - مثلاً - فكونه واقفياً ليس دخيلاً مطلقاً.

ص: 131


1- انظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 83.

المسألة 26: ما لا يقبل العصر

مسألة 26: ما لا يقبل العصر كالخشب والحنطة وأمثالهما إذا تنجّست بواطنها بنفوذ النجاسة يطهر ظاهرها بالقليل والكثير(*)، وأمّا باطنها[176] فيشكل[177] تطهيره إلاّ إذا وضعت في غير القليل(**) وعلم بنفوذ الماء لا مجرّد الرطوبة[178] إليه، ولو توقّف العلم بنفوذ

-------------------------

[176] قوله: [وأما باطنها] هناك ثلاثة احتمالات.

الأول: أن لا يطهر الباطن مطلقاً.

وفيه نظر، لإطلاقات أدلَّة المطهرية، إلاّ أن يقال بالانصراف أو عدم تحقق الغسل.

وفيه: إنه بدوي، وغسل كل شيء بحسبه.

الثاني: أن يطهر مطلقاً.

الثالث: التفصيل بين القليل والكثير.

وعمدة الكلام: أنه هل يطلق عليه الغسل أو لا؟ ولو نفذ الكثير، فهل يكون نافذاً بوصف كونه كثيراً، أو أنه ينفصل ويصبح قليلاً؟ ومع شرطي المصنف (الماتن) يحل الإشكال، إذ لو نفذ الماء صدق الغسل، فتأمل.

[177] قوله: [فيشكل] لا إشكال فيه مطلقاً، وإن كانت مراعاة الاحتياط أولى، فتأمل.

[178] قوله: [لا مجرد الرطوبة] لعل مراده النداوة، كما ذكروه في مسح الوضوء(1)، ويشترط - أيضاً - خروج الأجزاء المائية النجسة منه في طهره.

ص: 132


1- انظر: الاقتصاد: 243، المعتبر 1: 147، منتهى المطلب 2: 55.

الماء إلى باطنها على تجفيفها أوّلاً ثمّ وضعها في الماء لزم، وقد مرّ كفاية المرّة في الجاري، بل وفي الكرّ(***)[179].

(*) لعدم مانع من حصول الطهارة مع تحقّق[180] الغسل.

(**) يمكن[181] أن يكون الوجه فيه أنّه لو وضعت في الكثير فحيث إنّ الماء عاصم[182] لا يلزم انفصال الغسالة[183] في تحقّق الغسل فيحصل سبب الطهارة، وهذا بخلاف القليل غير العاصم فإنّه يشترط في تحقّق الغسل به انفصال الغسالة، والمفروض أنّه لا ينفصل[184] فلا يطهر.

-------------------------

[179] قوله: [بل وفي الكر] مرّ الاحتياط في الكر في الغسل من البول.

[180] قوله: [مع تحقق] أي لوجود المقتضي وهو الغسل - المطهر - وعدم المانع. وبعبارة أُخرى: تشمله الأدلَّة.

[181] قوله: [يمكن] فيه إشكال، وذلك لما سبق من انفصال الماء النافذ عن الكثير فيكون قليلاً، وعليه لا يظل فرق بين الكثير والقليل، فإما أن يقال بالتطهير مطلقاً، أو بعدمه مطلقاً، فتأمل.

[182] قوله: [عاصم] هل هو معتصم حتى بعد النفوذ؟ سبق قبل قليل التأمل في ذلك.

[183] قوله: [انفصال الغسالة] هل هو شرط؟ وهل هو مراد من العصر؟ ولو قلنا بعدم لزوم العصر فهل نقول بلزوم الانفصال؟

[184] قوله: [لا ينفصل] أو نشك في انفصاله، فنستصحب النجاسة.

ص: 133

(***) لم أعرف[185] وجه لزوم التجفيف، إلاّ أن يقال[186]: ما دام لم يجفّف لا يصدق الغسل...

-------------------------

[185] قوله: [لم أعرف] وجهه ما صرح به من توقف العلم بنفوذ الماء إلى الباطن، وسبب ذلك أن هذه الأجسام تشرب مقداراً من الماء، فلو شبعت لا تشرب بعد ذلك، فلا بد من التجفيف أولاً - ولو في بعض الموارد - كي تشرب الماء الطاهر.

[186] قوله: [إلاّ أن يقال] هذا إشكال آخر غير ما نظر إليه المتن(1). (لا ينفذ الماء أو ينفذ ولكن لا يصدق الغسل).

ص: 134


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 58.

المسألة 27: إذا نفذ الماء النجس إلى جوف الحب والكوز

مسألة 27: إذا نفذ الماء النجس إلى جوف الحب والكوز ونحوهما يلزم تجفيفهما أولاً[187] ثمّ وضعها في الكرّ أو الجاري[188] مثلاً حتّى ينفذ الماء الطاهر إلى الجوف فيطهر بذلك، وإن كان الأحوط فعل ذلك مرّتين(*)[189].

(*) لو كان[190] وجه الاحتياط ما رواه عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الدنّ يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ(1) أو زيتون؟ قال: إذا غسل[191] فلا بأس«(2).

-------------------------

[187] قوله: [يلزم تجفيفها أولاً] إن توقف العلم بنفوذ الماء إلى باطنها، أو العلم بخروج الأجزاء المائية النجسة على ذلك، ويظهر وجهه مما ذكرناه في المسألة السابقة.

[188] قوله: [أو الجاري] مرّ إمكان التطهير بالماء القليل أيضاً.

[189] قوله: [مرتين] وأحوط منه فعله ثلاثاً.

[190] قوله: [لو كان] وجه الاحتياط: أن البعض يحتاط بالمرتين في مطلق النجاسات ظاهراً.

[191] قوله: [إذا غسل] إمّا أن نقول: إنه مهمل من ناحية العدد، فيقيد بأدلَّة غسل الأواني ثلاثاً - لو قلنا بنجاسة الخمر - أو نقول: إن الخمر طاهرة،

ص: 135


1- الكامخ: الأدام. انظر: العين 4: 157، مادة «كمخ».
2- الكافي 6: 427.

المسألة 28: تنجس ما فيه الخيوط

مسألة 28: الفراش أو اللحاف أو الحصير الذي فيه الخيوط[192] إذا تنجّست غسلت في الكرّ أو الجاري[193] بكبس أو دلك

... وقال: »في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرّات. وسئل أيجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتّى يدلكه[194] بيده ويغسله ثلاث مرّات« الدالّ على لزوم غسل الكوز ثلاثاً، فيحتاط حتّى في الكثير[195]...

-------------------------

والغسل لإزالة الذرات، ولعل ظاهر الذيل(1) الجمع بين الأمرين، أي أنه مهمل من ناحية العدد ولا بد من غسله ثلاث مرات، وظاهره النجاسة، والدلك لإزالة الذرات.

[192] قوله: [الذي فيه الخيوط] لعل القيد باعتبار أن الحصير عادة من الخوص، فلا ينفذ فيه الماء ويطهر فوراً، أما الخيوط فهي تمتص الماء، فتكون كالفراش ونحوه مما ينفذ فيه الماء.

[193] قوله: [أو الجاري] سبق إمكان الغسل بالقليل أيضاً.

[194] قوله: [حتى يدلكه] لعله لم يذكر الدلك سابقاً؛ لأن تلك الأجسام لا ينفذ فيها الخمر عادةً، بخلاف القدح فإنه على أنواع وبعضها ينفذ فيه الخمر، فتأمل.

[195] قوله: [حتى في الكثير] فيه تأمل، فإن ظاهر أدلَّة الكر الكفاية مطلقاً، فتأمل وراجع بحث «غسل البول بالكر».

ص: 136


1- أي قوله (عليه السلام) : «لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات». الكافي1: 428، ح1.

أو غير ذلك[196] في الماء ممّا يتحقّق به صدق الغسل بعد زوال عين النجاسة عنها[197].

المسألة 29: إذا تنجّس لبّ الرقّي أو البطّيخ

مسألة 29: إذا تنجّس لبّ الرقّي أو البطّيخ ونحوهما جاز غسلها في الكرّ أو الجاري، وكذا بالماء القليل بالصبّ عليها على وجه يستوعب الماء عليها مرّتين في نجاسة البول[198]، بل مطلقاً على الأحوط(*)[199]. ولا بأس ببقاء شيء من ماء الغسالة عليها، كما لا بأس بما يبقى من الغسالة في مثل اللحاف والألبسة الغليظة بعد الكبس والعصر(**)[200].

(*) لعدم مانع[201] من تطهيره بالغسل...

(**) فإنّ ما دلّ على تطهير المتنجّس بالغسل يدلّ بالملازمة[202]

-------------------------

[196] قوله: [بكبس أو دلكٍ أو غير ذلك] لا حاجة إليها مع فرض زوال عين النجاسة.

[197] قوله: [بعد زوال عين النجاسة عنها] تكفي المقارنة.

[198] قوله: [في نجاسة البول] سبق الاحتياط بالتعدد في الكرّ أيضاً.

[199] قوله: [على الأحوط] استحباباً.

[200] قوله: [بعد الكبس والعصر] سبق عدم وجوبهما في حدّ ذاتهما.

[201] قوله: [لعدم مانع] والخلاصة: المقتضي موجود والمانع مفقود، وبعبارة أُخرى: إن إطلاقات الغسل تشمله بلا مانع، وقد سبق نظيره.

[202] قوله: [بالملازمة] العرفية.

ص: 137

المسألة 30: إذا عجن مثل الكوز بالماء النجس

مسألة30: إذا عجن مثل الكوز والآجر بالماء النجس فتطهيره بوضعه في الكرّ أو الجاري[203] أو صبّ الماء عليه على وجه يستوعب الماء على جميع أجزائه ثمّ تجفيفه[204] ويفعل ذلك مرّتين في نجاسة البول، بل مطلقاً في التطهير بالقليل[205] على الأحوط(*)[206].

على طهارة ما بقي في المغسول، كما هو محلّ الاتّفاق وموافق للارتكاز العرفي[207].

(*) يظهر ممّا ذكرناه في المسألة الثانية والعشرين الإشكال[208] في المقام فإنّ الماء الذي يغسل به الشيء لو لم ينفصل عن الشيء ولم يكن عاصماً بل جفّف بالهواء أو بالشمس يحتمل، بل يظنّ بعدم كون ذلك الشيء نظيفاً، ولا يمكن القطع بحصول الغسل في نظر العرف، وعليه يشكل ما أفاده (قدس سره) في المقام.

-------------------------

[203] قوله: [أو الجاري] أو نحوهما.

[204] قوله: [ثم تجفيفه] إن توقف العلم بنفوذ الماء إلى الباطن، أو العلم بخروج الأجزاء المائية النجسة على ذلك، كما سبق.

[205] قوله: [بالقليل] وكذا في الكرّ بالنسبة إلى البول على الأحوط.

[206] قوله: [على الأحوط] استحباباً.

[207] قوله: [العرفي] ولولا ذلك لكان الأمر بالتطهير محالاً ولغواً.

[208] قوله: [الإشكال] فيه إشكال كما سبق.

ص: 138

المسألة 31: لا بدّ من غسل الظروف ثلاث مرّات في القليل

مسألة 31: لا بدّ من غسل الظروف[209] ثلاث مرّات من جميع النجاسات في القليل، بل وكذا في الكثير على الأحوط.

وإن كان الأقوى كفاية المرة في الجاري(*).

(*) الظاهر أنّ التفصيل[210] الذي ذكرناه في تطهير المتنجّس بالبول يجري في المقام... نعم، حيث إنّه استفيد من دليل الجاري كفاية المرّة[211] فلو صبّ فيه الماء الجاري يقع التعارض[212] بين ما دلّ على لزوم الثلاث وبين ما دلّ على كفاية المرّة في الجاري. اللّهم إلاّ أن يقال: إنّ ما رواه عمّار منصرف عن الغسل بالكثير كما هو ليس بعيداً عن النظر[213].

-------------------------

[209] قوله: [الظروف] أي الأواني، وبين الظرف والإناء فرق، راجع العروة «أحكام الأواني»(1).

[210] قوله: [التفصيل] الظاهر أنه غير عرفي كما سبق نظيره؛ إذ ما الفرق بين أن تغمسه أو تصب عليه الماء؟

[211] قوله: [المرّة] هذا في البول، وفي غيره يستفاد بالأولوية، فتأمل.

[212] قوله: [التعارض] الظاهر أنه بالعموم من وجه، وهو هكذا:

1 - صب عليه الماء ثلاثاً، سواء في الجاري أم في غيره، 2 - فإن غمسه في ماءٍ جارٍ فمرة، سواء كان في الأواني أم غيرها، فيتعارضان في الأواني في الجاري.

هذا ولكن رواية الثلاث إنما هي في الثوب، فلعله يستفاد الأولوية بالنسبة للأواني.

[213] قوله: [عن النظر] فأدلَّة الثلاث خاصة بالقليل، وفي الكثير ونحوه

ص: 139


1- انظر: العروة الوثقى 1: 107.

المسألة 32: إذا ولغ الكلب في إناء

مسألة 32: إذا ولغ الكلب في إناء، أي شرب من مائه بطرف لسانه(*)[214]، بل وإذا وقع في الإناء على الأحوط(**)[215] فتطهيره بالتعفير بالتراب مرّة(***). ثمّ غسله بالماء ثلاث مرّات(****)[216].

(*) لا يخفى أنّه لم يرد في النصّ عنوان الولوغ[217] فلا يهمّنا تحقيق معناه، بل الموضوع في صحيح البقباق، قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، فلم أترك شيئاً إلاّ سألته عنه، فقال: لا بأس به حتّى انتهيت إلى الكلب فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله وأصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء« عنوان

-------------------------

تشمله إطلاقات أدلَّة (اغسله) و(ماءً طهوراً).

[214] قوله: [بطرف لسانه] وكذا لو لطع الإناء على الأحوط؛ لأنه مستفاد من الأولوية العرفية، فتأمل.

[215] قوله: [على الأحوط] استحباباً.

[216] قوله: [ثلاث مرّات] لا تبعد كفاية المرّة، لكن الاحتياط لا يترك بالمرّتين؛ وذلك لانجبار رواية المحقق(1) بالشهرة، فتأمل.

[217] قوله: [الولوغ] في حدوده كلام، فمثلاً: هل يشمل ما لو لطعه مباشرة؟

ص: 140


1- انظر: المعتبر 1: 458.

فضل الماء الذي شرب منه[218] بأيّ نحو كان.

(**) الظاهر[219] أنّ الوجه في الاحتياط ذهاب بعض إلى إلحاق وقوعه بولوغه، فإنّه نقل عن الصدوق وابن بابويه التسوية بين الأمرين.

(***) المشهور[220] بينهم أنّه يغسل ثلاثاً أوّلها بالتراب، وأطلق جملة منهم ونسب إلى المفيد أنّ الغسل بالتراب لا بدّ أن يكون وسطاً بين الغسلتين بالماء ولم يعرف له مستند(1)...

-------------------------

[218] قوله: [الذي شرب منه] هذا ليس في النص، وإنما هو مستفاد من الانصراف.

[219] قوله: [الظاهر] الوجه شمول دليل «الفضل»(2) فإنه متبقي مائه، لكن سبق الانصراف.

[220] قوله: [المشهور] الأقوال ثلاثة:

الأول: يغسل بالتراب مرّة وبالماء مرّتين، فالمجموع ثلاث، والغسل يشمل التراب أيضاً.

الثاني: يغسل بالتراب مرّة وبالماء ثلاث مرات، فالغسل ثلاث مرّات بغير التراب.

ص: 141


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 61 - 62.
2- أي قوله (عليه السلام) : «انتهيت إلى الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء». تهذيب الأحكام1: 225، ح29.

(****) يظهر وجه الاحتياط[221] بالثلاث ممّا نذكره في المقام، وهو أنّ صحيح البقباق برواية الشيخ ليست فيها(1) زيادة مرّتين، وأمّا المحقّق في المعتبر فقد نقلها مع هذه الزيادة...

وردّ عليه صاحب الحبل المتين - على حسب نقل صاحب الحدائق عنه - بأنّ عدم وجدان رواية في زماننا في كتب الحديث لا يدلّ على عدمها، فإنّه يظهر من المحقّق في المعتبر أنّه ينقل بعض الأحاديث المذكورة في كتاب من كتب ليست بأيدينا في هذا الزمان إلاّ اسمائها ككتاب حسين بن سعيد وغيره[222].

أقول: ما ردّ به على صاحب المدارك متين، ومع هذا الاحتمال القاعدة المعمول بها فيما دار الأمر في الاشتباه بين الزيادة

-------------------------

الثالث: يغسل بالتراب مرّتين وبالماء ثلاث مرات، والتراب رطب ويابس.

ويحتمل: بالتراب مرّة وبالماء مرة، كما هو ظاهر النص(2) وإطلاقه.

[221] قوله: [يظهر وجه الاحتياط] خلاصته: أن زيادة المرتين لم تثبت، ف- «ثم بالماء مطلقاً» يقيد ب- «أدلَّة غسل الأواني ثلاث مرّات».

[222] قوله: [وغيره] ولعله وجادة.

ص: 142


1- هكذا في المصدر، والصحيح: (ليس فيه).
2- انظر: الاستبصار 1: 19.

والنقيصة[223] تقتضي الأخذ برواية المحقّق، فإنّ احتمال النقص يرجّح على احتمال الزيادة، لكنّ الإشكال في عدم اعتبار رواية المعتبر.

... وفي المقام حيث إنّ صاحب المدارك لم يجد الزيادة في عدّة كتب من الأخبار، ووجد رواية خالية عن الزيادة في مواضع من الخلاف، فاحتمال النقص يضعف[224].

ولذا يشكل الأخذ بالرواية مع هذه الزيادة، وعليه يمكن أن يقال[225] بلزوم الثلاث لحديث عمّار الدالّ على الغسل ثلاثاً الوارد في مطلق الإناء.

-------------------------

[223] قوله: [بين الزيادة والنقيصة] واحتمال النقيصية وارد جداً، فإن الإنسان كثيراً ما ينقص عمداً وسهواً، كما في نقل القصص حيث نحذف عدّة مقاطع، بل نقل القرآن الكريم قصصاً فيها اختصار في بعض المواقع.

[224] قوله: [فاحتمال النقص يضعف] بل الراجح عند الشارح احتمال الزيادة من المحقق في المعتبر(1).

أقول: احتمال الزيادة مرجوح حتى في المقام، كما سبق، ولذا في الإسناد قد يسقط اسم، أما زيادة اسم راوٍ فهو بعيد. فالعمدة احتمال الوجادة وجهالة الطريق.

[225] قوله: [يمكن أن يقال] فيه نظر، لأن ظاهر الرواية(2) أنها في مقام البيان؛ ولذا بينت الخصوصيات «أصبب - أول - ثم». فلا يمكن تقييده

ص: 143


1- انظر: المعتبر 1: 458.
2- انظر: تهذيب الأحكام1: 284، ح119.

... نعم، هنا كلام وهو أنّ الموضوع في حديث عمّار أعمّ من الموضوع في حديث البقباق؛ إذ الموضوع في حديث عمّار مطلق الآنية، والموضوع في صحيح البقباق ما ولغ فيه الكلب، وأمّا محمول حديث عمّار فأخصّ من محمول الصحيح، فإنّ المحمول في حديث عمّار الغسل ثلاث مرّات، والمحمول في الصحيح مطلق الغسل، فلو قلنا: بأنّ الميزان في النسبة لا بدّ أن يلاحظ بين الموضوعين ولا يلاحظ المحمول فبالصحيح يخصّص[226] حديث عمّار ويلتزم بكفاية المرّة.

-------------------------

بحديث عمار.

[226] قوله: [يخصص] توجد هنا عدّة تقديرات:

الأول: إن قلنا: إنَّ الميزان في النسبة ملاحظة الموضوعين فنخصص موثق عمار بصحيح البقباق، فتكفي المرة.

الثاني: إن قلنا: إن الميزان ملاحظة مجموع الدليلين فيتساقطان، فنرجع للدليل الفوقاني (ماءً طهوراً) و(اغسله)، أي ما ليس فيه تخصص للموضوع لا بالإناء ولا بإناء الولوغ، وعليه فتكفي المرّة، لكن سيأتي الرجوع للمرجحات لو كانت.

الثالث: نرجع للاستصحاب، ومقتضاه النجاسة، لكن أصل عدم الوجوب أو الشرطية حاكم، فتكفي المرة.

الرابع: لو لم نقبل جريان الاستصحاب - للتعارض - تصل النوبة لقاعدة الطهارة، فتكفي المرة، وعلى التقادير الأربعة تكفي المرة.

ص: 144

ولو قلنا: بأنّ النسبة تلاحظ بين مجموع الدليلين ولا خصوصيّة للموضوع بخصوصه فأيضاً لا وجه لتقديم حديث عمّار، بل مقتضى التعارض[227] بين العامّين من وجه لو كان كلاهما بالإطلاق التساقط...

لكن يمكن[228] أن يقال: إنّ صحيح البقباق بعد تعارض[229] رواية الشيخ مع رواية المحقّق يصير في حكم المجمل[230]، فلا بدّ من الأخذ بحديث عمّار، والحكم بلزوم الغسل ثلاثاً.

ولا يخفى أنّه لا فرق بين المتعارضين من حيث الإطلاق والوضع[231]، فإنّ مقتضى

-------------------------

[227] قوله: [التعارض] هل نرجع للمرجحات لو كانت؟

ولا يخفى أنه لا تعارض على رواية الشيخ(1)، فإما أن نقول بكفاية المرة - لإنه في مقام البيان - أو نقول بالتقييد بالثلاث.

[228] قوله: [لكن يمكن] الظاهر أنه ردّ على «نعم هنا كلام»(2) ومؤداه كفاية المرة.

[229] قوله: [بعد تعارض] سبق أنه لا تعارض، ورواية المحقق(3) غير معتبرة.

[230] قوله: [المجمل] أي لا نعلم أن الرواية ماذا قالت؟ وكيف كانت؟

[231] قوله: [الإطلاق والوضع] لعل مراده «رواية اغسله» كما نقله

ص: 145


1- انظر: الاستبصار 1: 19.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 63.
3- انظر: المعتبر 1: 458.

القاعدة الرجوع إلى الأحدث[232] ومع عدم تمييزه يكون من موارد كبرى اشتباه الحجّة بغيرها. هذا كلّه على فرض تماميّة حديث المحقّق من حيث السند، وقد علم عدم تماميّته[233].

-------------------------

الشيخ(1)، فإنه مطلق من حيث العدد، ورواية «اغسله مرتين» كما نقله المحقق(2)، فإن دلالته على التعدد بالوضع، فإن «مرتين» يدل على التعدد بالوضع، و«اغسله» يدل على الوحدة بالإطلاق.

فخلاصة: «نعم هنا كلام» كفاية المرّة.

وخلاصة: «لكن يمكن أن يقال»(3) أن نقل الشيخ متعارض مع نقل المحقق فيؤخذ بحديث عمّار «ويغسله ثلاثاً».

إن قلت: إنّ حديث المحقق يدل على التعدد بالوضع وحديث الشيخ بالإطلاق.

قلت: أولاً: لا نقبل أساساً تقدم ما بالوضع على ما بالإطلاق.

وثانياً: أنه يكون في الحديث لا في النقلين.

[232] قوله: [الأحدث] وهو غير معلوم؛ لكون كلتا الروايتين عن الإمام الصادق (عليه السلام) .

[233] قوله: [عدم تمامية] فلا تعارض، والمقدم إطلاق حديث الشيخ.

ص: 146


1- انظر: الاستبصار 1: 19.
2- انظر: المعتبر 1: 458.
3- انظر: الدلائل 1: 64.

ولو في الكثير على الأحوط(*). ثمّ يجفّف[234] والأحوط[235]

وأمّا النسبة بين الدليلين فالذي يختلج بالبال أن يقال: الميزان بالموضوع[236].

إن قلت[237]: قد فرض في حديث عمّار الغسل بالقليل فتكون النسبة بين الخبرين عموماً من وجه.

قلت: لو قلنا: بأنّ الميزان في ملاحظة النسبة الموضوع يكون حديث البقباق أخصّ من حديث عمّار؛ إذ المفروض أنّ الموضوع في الأوّل أخصّ فلاحظ[238].

-------------------------

[234] قوله: [إن قلت] توضيحه:

في رواية عمار: (اغسله بالقليل ثلاثاً) سواء في إناء الولوغ أم إناء غير الولوغ، وفي رواية البقباق (اغسله)، سواء كان قليلاً أم كثيراً، وإنما استفدنا (القليل) لظاهر كلمة «صبّ».

وفيه: إن الملاك - كما سبق - ملاحظة الموضوع لا المحمول.

[235] قوله: [فلاحظ] وحاصل ما اختاره الشارح كفاية المرّة؛ وذلك لضعف رواية المحقق، وموضوع حديث البقباق أخص، فيخصص دليل «غسل الإناء ثلاثاً».

[236] قوله: [بالموضوع] لأنه هو العرفي.

[237] قوله: [ثم يجفف] على الأحوط الأولى.

[238] قوله: [والأحوط] استحباباً، والظاهر كفاية الطريقة الأولى، بل تعيّنها.

ص: 147

في التعفير أن يطرح فيه التراب من غير ماء ويمسح به، ثمّ يصبّ فيه شيء من الماء ويمسح به(**).

(*) الظاهر[239] أنّه لا فرق بين القليل والكثير، أمّا على القول والبناء على ترجيح حديث الشيخ فظاهر؛ إذ اللاّزم مطلق الغسل، وأمّا على القول بتعدّد الغسل بالماء فأيضاً لا فرق؛ إذ مقتضى الإطلاق عدم الفرق.

(**) هذا محلّ خلاف الفقهاء فمنهم من ذهب إلى لزوم مزجه بالماء، كالراوندي وابن إدريس على ما نقل عنهما، ومنهم من جوّز الغسل بالتراب من غير مزج ولعلّه المشهور[240]...

وهذا بحسب الظاهر من غرائب الكلام، فإنّ الغسل[241]

-------------------------

[239] قوله: [الظاهر] فيه نظر، فإنه على بعض المباني هنالك فرق، مثلاً: لو قلنا: إنَّ المرجح رواية الشيخ «اغسله» وقيدناه برواية عمار، وقلنا: إن «صبّ» ظاهر في القليل، ففي الكثير تشمله إطلاقات أدلَّة مطهرية الماء.

وأما على المختار من المرتين، فاللازم رؤية المشهور وأنهم ماذا عملوا؟ لكن حيث جبرت الرواية فالظاهر هو الإطلاق، ولو فرض أنهم فهموا غير ذلك فليس بحجة، فتأمل.

لكن الكلام أنه لم يثبت منهم عدم الإطلاق.

[240] قوله: [ولعله المشهور] يكفي فهم الفقهاء في ذلك.

[241] قوله: [فإن الغسل] أي أن اغسله بالصابون معناه: اغسله بالماء مصحوباً بالصابون، أو مستعيناً به، بخلاف المقام فإنه ظاهر في أن المغسول

ص: 148

بالصابون وأمثاله غسل بالماء، غاية الأمر يستعان بالصابون ونحوه في رفع القذارة، وبالماء يغسل، مضافاً[242] إلى أنّ عنوان الصابون ونحوه لا يزول باستعمال الماء.

-------------------------

به هو التراب.

[242] قوله: [مضافاً] مراده إن أردتم اغسله ب- «التراب مستقلاً» مضافاً إلى «الماء» أي متميزاً بأن يكون ماء وتراب، فهذا ليس مثل (اغسله بالصابون)، فإن الصابون لا يكون له وجود مستقل، بل هو وجود تبعي، أي الوجود المتميز.

وإن أردتم: أي أنه لا تميز له، بأن كان التراب قليلاً، كمياه الأنهر في حال الخلط، فهذا خلاف «اغسله بالتراب» لأنه سيكون ب- «ماء فيه تراب» لا بالتراب، أي الوجود الذي لا تميز له.

وهذا الإشكال غير واضح، فإن معناه «اغسله بالماء مصحوباً بالتراب». فيكفي فيه انطباق هذا العنوان، لكن هنالك تنافٍ بين «اغسله» فإنه ظاهر في الماء و«المجموع المركب» والظاهر تقديم المفهوم من المجموع المركب على ظهور «اغسله».

إن قلت: الغسل بالتراب لا يقال له غسل.

قلت: هو من باب المشاكلة، فحيث إن الغسل بالماء غسل قيل: اغسله بالتراب ثم اغسله بالماء، فهو مثل «اغسله بالمعقمات الحديثة ثم بالماء» مع أن الغسل ظاهر في أن الغسل بالماء المطلق.

ص: 149

بل الأحوط[243] أن يكون ذلك بترابين لا بتراب واحد(*)، وكذا الحكم في أمثال الظروف كالجاون ونحوه[244].

... وصفوة[245] القول: إنّ المستفاد من الدليل لزوم الغسل بالتراب الخالص، فإنّ الظاهر تقسيم الغسل بالتراب أولاً وبالماء ثانياً، والتقسيم[246] قاطع للشركة.

-------------------------

[243] قوله: [وصفوة] الظاهر: أن «اغسله بالتراب»(1) ظاهر في التراب اليابس، لكن وجه الاحتياط أن «اغسله بالتراب» يحتمل فيه: أن الغسل كائن بالتراب أو مصحوب بالتراب، فيجمع بين الاحتمالين.

وهذا الاحتياط غير لازم لظهور مجموع «اغسله بالتراب» فيما ذكر.

[244] قوله: [والتقسيم] التقسيم يصدق على المزج بالتراب، فلاحظ.

[245] قوله: [بل الأحوط] غير لازم.

[246] قوله: [ونحوه] ثم إن هنا بحثاً، وهو أنه هل يصدق الفضل على الكر فما فوق؟

الظاهر: لا، ويحتمل التفصيل بين مثل الكر الواحد، وبين مثل الأنهار العظيمة والبحار، فإنه لا يصدق الفضل، والظاهر أن المشهور فهموا ما دون الكر.

وهل يصدق الفضل على الماء الكثير إذا كان دون الكر، كما لو كان أقل منه بمثقال؟ فيه تأمل.

ص: 150


1- مستدرك الوسائل 2: 603.

(*) الظاهر[247] أنّ الوجه في الاحتياط المذكور أنّ التراب الأول باستعماله في التعفير، يحتمل سقوطه عن قابليته للتطهير فمقتضى الاحتياط أن يكون متعدّداً(1).

-------------------------

[247] قوله: [الظاهر] فيه نظر، فإن الغسل بالتراب الجاف إن كان غسلاً فالثاني لغو، وحيث إن التراب جاف فلا يحتمل تأثيره في الإناء ليحتاج إلى البدء من جديد، وإن لم يكن غسلاً فهو لغوٌ، فلم يستعمل في التعفير كي يسقط عن قابليته للتطهير.

والخلاصة: إما أن الأول لغوٌ أو الثاني، فلا حاجة إلى التبديل.

ص: 151


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 66.

المسألة 33: تطهير الحياض والقدور الكبيرة

مسألة 33: الحياض والقدور الكبيرة المنصوبة ودنان الخل والصبغ وأمثالها ممّا لا يمكن غسلها في الكثير، فطريق تطهيرها بالماء القليل أن يصبّ الماء من أطرافها ويدار إلى أن يستوعب جميع أجزائها أو الموضع النجس منها، ثمّ يخرج الغسالة منها بالإفراغ أو بآلة طاهرة(*) لا تعاد[248] إليها إلاّ طاهرة في كلّ غسلة[249]، وكذا في اليد المستعملة في الإفراغ، وإن كان الأحوط[250] غسلها في كلّ مرّة ويفعل ذلك ثلاث مرّات.

-------------------------

[248] قوله: [لا تعاد] لاحظ أدلَّة التبعية، وانظر هل فيها عموم أو إطلاق يشمل المقام؟ مثلاً: لو كانت الروايات في تطهير الأواني الكبيرة وسكتت عن تطهير الآلة أو اليد، فهذا دليل على عدم اللزوم.

وكذا ما ذكره بعد قليل من «العرف»(1) فإنهم يرونه نفسه لا شيئاً خارجياً، كالقطرات التي تقطر من اليد في الإناء، فإنه لا يقال: إنه تنجس بالنجاسة الجديدة، فاللازم استئناف الثلاث، وكذا في القطرات التي تسقط في البئر حين النزح.

إلاّ أن يفرق بأن القطرات من اللوازم الطبيعية، ودلالة الاقتضاء تقتضي عدم تنجيسها للقدر أو البئر من جديد، بخلاف اليد ونفس الإناء، فتأمل.

[249] قوله: [في كل غسلة] على الأحوط، وكذا فيما يليه، فتأمل.

[250] قوله: [الأحوط] لا يترك.

ص: 152


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 68، مسألة: 36.

المسألة 34: العود النجس إذا صار فحماً

مسألة 34: العود النجس إذا صار فحماً فالأحوط الاجتناب عنه(**).

(*) كي لا ينجس[251] الماء بنجاسة خارجيّة هذا على القول بكون المتنجّس منجساً وإلاّ فلا يلزم.

(**) ... أمّا على الأوّل فلا وجه لبقاء النجاسة فإنّه يكون من مصاديق الاستحالة، وعلى الثاني فلا وجه للطهارة على مذهب القوم من جريان الاستصحاب[252] في الأحكام الكلّية(1).

وأمّا على مسلكنا فيعارضه[253] أصل عدم الجعل الزائد فيرجع إلى قاعدة الطهارة.

-------------------------

[251] قوله: [كي لا ينجس] قد يقال: إن الماء متنجس فكيف يتنجس بالآلة النجسة، فإنه تحصيل للحاصل؟

وفيه: إنه محال في الأمور التكوينية لا الاعتبارية، وأثر ذلك: أنه إناء تنجس من جديد بنجاسة خارجية، فاللازم غسله من جديد، لشمول الإطلاقات - كرواية عمار - لهذا التنجس الجديد، فتأمل.

[252] قوله: [من جريان الاستصحاب] لا حاجة إليه، مع وجود إطلاق الدليل، أي دليل أن الملاقي للدم متنجس، فإنه يشمل حالاته المتعاقبة، والخلاصة: أن للدليل إطلاقاً أحوالياً، كما له إطلاق أفرادي، ومع وجود الإطلاق لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

[253] قوله: [فيعارضه] سبق التأمل فيه.

ص: 153


1- الدلائل 1: 67.

المسألة 35: البخار الصاعد من النجس

مسألة 35: البخار أو الدخّان الصاعد من النجس أو المتنّجس طاهر ما لم يستصحب[254] أجزاءً صغاراً[255] منها(*).

... إلاّ أن يقال[256] لا بدّ من استصحاب بقاء الموضوع فلا تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة.

(*) لاستحالته إلى شيء آخر، فلا مقتضي لبقاء النجاسة السابقة، وأمّا إذا استصحب جزءاً فما أفاده[257] مبنيّ على تنجيس المتنجّس؛ إذ المفروض أنّ الجزء نجس ينجّس ما يلاقيه. هذا بالنسبة إلی الجزء المتنجس، وهنا إشكال[258] وهو أنّ البخار لا يكون قابلاً للتنجّس، فإنّ تمّ فهو، ولو شكّ فأيضاً يحكم بعدم تنجّسه.

-------------------------

[254] قوله: [إلاّ أن يقال] فنحرز وحدة موضوع القضيتين لكن بالتعبد، ومن الواضح أنه لا فرق بين الإحراز الوجداني والتعبدي.

[255] قوله: [ما لم يستصحب] بالنظر العرفي، لا الدقي العقلي.

[256] قوله: [أجزاءً صغاراً] والخلاصة أن هنالك حالتين: فتارة يستحيل كله بخاراً أو دخاناً، وتارة لا يستحيل كله، بل يستصحب معه أجزاءً من النجس أو المتنجس.

ولو استحال البخار أو الدخان إلى ما يعدّ نفس السابق في نظر العرف كان نجساً.

[257] قوله: [فما أفاده] لا ربط له بالمقام؛ لأن الكلام في نفس العين النجسة.

[258] قوله: [وهنا إشكال] لا ربط له بالمقام؛ لأن الكلام ليس في أن البخار يقبل التنجس، بل إن البخار استصحب معه عين النجاسة.

ص: 154

المسألة 36: بقايا الغسالة في المغسول

مسألة36: لا بأس ببقايا الغسالة في المغسول بعد ذهاب معظمها على النحو المتعارف[259].

المسألة 37: إذا يمّم الميّت بالتراب

مسألة37: إذا يمّم الميّت بالتراب لعدم إمكان تغسيله بالماء فالأحوط[260] بقاء نجاسته ولزوم الغسل بمسّه(*).

(*) لإطلاق دليليهما، ففي حديث الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت، فقال: يغسل ما أصاب الثوب[261]«(1)...

إن قلت: الأدلَّة الدالّة على تنزيل التراب منزلة الماء... يقتضي ترتيب آثار الماء عليه مطلقاً إلاّ أن يدلّ دليل على خلافه.

قلت: هذه الأدلَّة ليست ظاهرة إلاّ في التشريع[262]،

-------------------------

ثم إن هنا حالة أُخرى: وهي أن يعدّ ما استحال إليه البخار نفس الماء السابق (ماء - بخار - قطرات) فإنه يحكم بنجاسته، لعود نفس الموضوع من جديد(2).

[259] قوله: [على النحو المتعارف] سبق الكلام في حكم الغسالة.

[260] قوله: [فالأحوط] غير لازم.

[261] قوله: [أصاب الثوب] أي المقدار الذي أصاب من جسد الميت، وهذا له إطلاق يشمل ما بعد التيمم أيضاً.

[262] قوله: [التشريع] أي أصل تشريع الحكم، وليست في مقام البيان من جميع الجهات.

ص: 155


1- تهذيب الأحكام 1: 276.
2- انظر: العروة الوثقى 1: 267و 272.

وكذا لو غسله[263] كافر بأمر[264] المسلم لعدم إمكان تغسيل المسلم له(*).

فلا يستفاد منها الإطلاق ولا أقلّ من الشكّ[265]. لكن الإنصاف أنه يستفاد من أدلة التيمم كون التراب بمنزلة الماء على الإطلاق. وبعبارة واضحة: لا نرى مانعاً عن الإطلاق، ومع الشكّ تكون أصالة الإطلاق محكمة، فالنتيجة تحقّق الإطلاق[266] فما أفيد في المتن مبنيّ على الاحتياط.

(*) لا أعرف[267] له وجهاً، بل مقتضى حديث عمّار بن

-------------------------

[263] قوله: [وكذا لو غسله] الاحتياط فيه أيضاً غير لازم.

[264] قوله: [بأمر] لم يرد في الرواية «بأمر» فاللازم ملاحظة سائر الروايات.

[265] قوله: [الشك] راجع بحث أن الأصل في الشك الإطلاق، وستأتي من المصنف الإشارة إليه بعد قليل، فإن من مقدمات الحكمة: إحراز كون المولى في مقام البيان من تلك الجهة، ومع الشك لا تتم هذه المقدمة.

[266] قوله: [تحقق الإطلاق] ويؤيده أنه لم يشر في الروايات إلى نجاسة الميت حتى بعد التيمم، كون عدم إمكان غسل الميّت بالماء متعارفاً، خاصة في الصواعق وشيوع مرض الطاعون ونحو ذلك.

[267] قوله: [لا أعرف] لعل وجهه: أنه أمر اضطراري (فقد اضطر) ولا يعلم أن إطلاق أدلَّة الطهارة، ولا عدم وجوب المس يشمل مثل ذلك، أو أنّ القدر المتيقن من تلك الأدلَّة هو الصورة الاختيارية.

ص: 156

المسألة 38: لو لم يمكن تغسيله بالسدر

مسألة 38: لو لم يمكن تغسيله بالسدر أو الكافور فغسل أغساله الثلاثة بالماء القراح، فالأظهر عدم وجوب الاجتناب عنه، ولا الغسل بمسه وإن كان هو الأحوط(*).

موسى عن الصادق (عليه السلام) صحّة غسل النصراني للمسلم عند الضرورة ففيه قال: قلت: فإن مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا أمرأة مسلمة من ذوي قرابته، ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهنّ قرابة؟ قال: يغتسل[268] النصارى ثمّ يغسّلونه فقد اضطرّ«(1)...

(*) الأمر[269] كما أفاده فإنّ المستفاد من الدليل أنّ الغسل بالماء القراح بدل عن الغسل بالسدر والكافور عند الضرورة.

-------------------------

لكن فيه مضافاً لما في الشرح: النقض بالفرع اللاحق؛ إذ إنه غسل اضطراري، فما الفرق بين المقامين؟

[268] قوله: [يغتسل] لعله لأجل إزالة النجاسة العرضية، فتبقى الذاتية فقط، وهو نوع تخفيف للنجاسة، ولو قلنا بعدمها ترتفع النجاسة مطلقاً، أو تخفف.

[269] قوله: [الأمر] مضى سؤال الفرق بين هذا الفرع والسابق.

ص: 157


1- تهذيب الأحكام 1: 340، ح 165.

المسألة 39: إذا انقلب الخمر خلاّ

مسألة 39: إذا انقلب[270] الخمر خلاّ بنفسه فهو طاهر(*)،

(*) نقل الإجماع عليه عن المنتهى والمهذّب البارع وكشف اللثام ومجمع البرهان، ويدلّ عليه جملة من النصوص، منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلاً، قال: لا بأس[271].

-------------------------

[270] قوله: [انقلب] هذا استحالة في الواقع؛ لأن الماهية الفرعية تبدلت(1)، وإنما احتيج للنص لأن الإناء ينجس، فإذا انقلبت خلاً نجّس الإناء الخل - إذا قلنا: إن المتنجس ينجس - ولذا لو فرضنا خمراً في الهواء فانقلبت خلاً كان طاهراً وحلالاً، بلا توقفٍ للحكم على ورود النص الخاص.

[271] قوله: [لا بأس] قد يقال: إنّ المقصود أن الجعل لا بأس به، أي التحويل، ولا يدل ذلك على الطهارة أو الحلّية.

وفيه: إن المقصود بالسؤال هو «الحلّية» أي أنه حلال أو لا؟ فالجواب هو عن ذلك، ومع الغض عنه نقول: هنالك إطلاق لفظي، أي لا بأس مطلقاً، أو عموم، ومع الغض عنه نقول: هنالك إطلاق مقامي، فإنه وإن كان السؤال عن الجعل إلاّ أنه سيكون محل الابتلاء، فلا بد أن يقال: لكن يجب الاجتناب عنه وعن أوانيه.

ص: 158


1- انظر: العروة الوثقى 1: 271، التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 192.

وكذا إذا كان ذلك بعلاج(*).

... منها: ما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: »سألته عن الخمر يكون أوّله خمراً ثمّ يصير خلاً، قال: إذا ذهب سكره فلا بأس. وفي كتاب عليّ بن جعفر زاد فيه: أيؤكل؟[272] قال: نعم«(1)...

(*) ... وفي قبال هذه الروايات روايات بعضها يدلّ على أنّه لا بدّ أن يكون الانقلاب من قبل نفسه، مثل ما رواه أبو بصير[273] عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ، فقال: لا[274]، إلاّ ما جاء من قبل نفسه«(2).

وبعضها يدلّ على أنّه لو لم يكن[275] ما يعالج به غالباً على

-------------------------

[272] قوله: [أيؤكل] لعله لم يقل «أيشرب» لأن الخل يؤكل عادة مع الخبز ونحوه لا بوحده، أو مع ما خلل فيه كالباذنجان، فأطلق عليه الأكل.

[273] قوله: [أبو بصير] الرواية موثقة ظاهراً.

[274] قوله: [فقال لا] فيه: أولاً: ضعف السند كما قيل(3)، وقد مضى أنها موثقة.

ثانياً: الجمع العرفي بالحمل على الكراهة، وأشكل الشارح في ذلك.

[275] قوله: [لو لم يكن] الظاهر أن الرواية تفيد نقيض ذلك، أي لوكان غالباً.

ص: 159


1- وسائل الشيعة 25: 372.
2- الاستبصار 4: 94.
3- انظر: غنائم الأيام 1: 493، مستند الشيعة 15: 227.

العصير، فلا بأس، منه ما رواه أيضاً أبو بصير[276] قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخمر يصنع[277] فيها الشيء حتّى تحمض، قال[278]: إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس به«(1).

-------------------------

[276] قوله: [أبو بصير] الظاهر أنها موثقة.

[277] قوله: [يصنع] يوجد هنا احتمالان:

الأول: يوضع فيها شيء كالملح مثلاً.

الثاني: يصنع بها شيء، أي تجري عليها عملية قلب وتحويل، واستخدام كلمة «صنع» أوفق بالمعنى الثاني.

[278] قوله: [قال] الذي يبدو للنظر أن معناه: أن مجرد الحموضة لا يكفي؛ لأن الخمر إلى أن تنقلب خلاً تمر بمراحل وتستغرق فترة زمنية، فالجواب: أن مجرد تغير الطعم لا يكفي، بل اللازم أن يكون «ما صنع فيها» أي ما أجراه فيها هو الغالب والمؤثر والمحول والقالب ل- «ما صنع» أي المجموع المركب الذي أوجده، أي الموجود الجديد.

وأمّا احتمال أن الصنع بمعنى الوضع، والمراد بالغلبة غلبة الكيفية، أو غلبة الكمية فكلاهما بعيد.

وأما احتمال أن يكون استحالة، لا مجرد استهلاك - بأن نلقي مثلاً، ألف كيلو من الخل على كيلو من الخمر فتستهلك الخمر - فهو لطيف، لكنه بعيد عن الذهن العرفي.

ص: 160


1- الكافي 6: 428.

فيقع التعارض[279] بين تلك الأخبار الدالّة على عدم البأس، وبين هذه الأخبار الدالّة على البأس، وأجابوا عن هذا التعارض أولاّ [280]: بضعف سند هذه الطائفة...

ولكنّ التحقيق أن يقال: إنّ الطائفة الثانية لو كانت ضعيفة من حيث السند فلا كلام في العمل بالطائفة الأولى، وأمّا لو كانت معتبرة من حيث السند فلا يمكننا المساعدة مع هذا الجمع؛ إذ لا إشكال في التنافي بين الطرفين ورفع اليد عن الظهور بالصراحة لا يكون جمعاً عرفياً[281].

أضف إلى ذلك أنّ رواية أبي بصير الثانية فصّلت[282]

-------------------------

[279] قوله: [التعارض] أما الرواية الأولى فلا تعارض، كما سبق. وأما الثانية فالظاهر أنها مجرد تحقيق لموضوع الانقلاب، أي إن انقلب فلا بأس، فلا تعارض روايات الحلّية، ولا أقل من إجمال الرواية(1) فلا يعلم أنها منشأ حكم جديد - أي أنها إما لوصف الانقلاب أو تفصيل في المسألة - فلم يعلم أن إطلاق المطلقات قد انثلم أم لا.

[280] قوله: [أولاً] سبق الإشكال.

[281] قوله: [جمعاً عرفياً] بل هو عرفي، ولذا فهمه المشهور، مثل (لا تأكل الجبن) و(لا بأس بأكل الجبن).

[282] قوله: [فصلت] سبق أنه لم يعلم كونه تفصيلاً، بل يحتمل كونه

ص: 161


1- أي ما رواه أبو بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخمر يصنع فيها الشيء حتى تحمض، قال: إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس به». وسائل الشيعة 3: 525.

مع استهلاكه كما إذا كان بملح فأذيب فيه قبل الانقلاب، أمّا مع بقائه إلى بعد الانقلاب فالأحوط[283] الاجتناب عنه(*).

بين غلبة العصير وعدمها...

لكن مع ذلك لا مانع من الحكم بالطهارة؛ لأنّ غاية ما يستفاد من الرواية المقيّدة أنّه لو لم يكن العصير غالباً ففيه بأس والقدر المتيقّن[284] منه الحرمة، وأمّا النجاسة فلا، فيحكم بطهارته بمقتضى تلك الروايات[285]، بل بمقتضى قاعدة الطهارة[286] بعد سقوط استصحاب النجاسة بمعارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد.

(*) ... ولكن يقوى في النظر أن يقال: إنّ ظاهر الدليل كونه في مقام بيان الحكم الفعلي لا الحكم الحيثي[287]،

-------------------------

مجرد تحقيق لموضوع الانقلاب.

[283] قوله: [فالأحوط] استحباباً.

[284] قوله: [المتيقن] فالقدر المتيقن في المنطوق هو الحلّية، وتلازمها الطهارة. وعليه، فما هو المتيقن في المنطوق هو المتيقن في المفهوم.

[285] قوله: [الروايات] المبنى غير مرضي.

[286] قوله: [الطهارة] فيه نظر، فإن الظرف تنجس فينجسه، بناءً على تنجيس المتنجس، كما سبق.

[287] قوله: [الحيثي] وإلاّ هدد بتفويت غرضه، والخلاصة: أن السائل إنما يسأل ليعمل، لا لمجرد العلم، والعمل متوقف على بيان الحكم الفعلي لا الحيثي، والحكم الفعلي لا يكون إلاّ مع الحلية من جميع الجهات، فقد

ص: 162

المسألة 40: إذا شك في صيرورة الحصرم عنباً

مسألة 40: إذا شك في صيرورة الحصرم عنباً فعصيره بعد الغليان طاهر حلال(*).

وحيث إنّه كثيراً[288] ما يبقى من أجزاء ما يعالج به فمقتضى الإطلاق اللفظي[289] طهارته ولو مع بقاء ما عولج به...

أضف[290] إلى ذلك أنّ انفعال الخلّ بما عولج به مبنيّ على القول بكون المتنجّس منجساً.

-------------------------

وردت في بعض الروايات «أيؤكل»(1). وحيث إن وضع ما يبقى بعد الانقلاب متعارف وكثير، فاللازم التنبيه على حرمته لو كان حراماً، وإلاّ فات غرض المولى.

[288] قوله: [وحيث إنه كثيراً] يحتاج إلى تتبع ما يقع خارجاً.

[289] قوله: [الإطلاق اللفظي] إذ قال «لا بأس به» أي بالخل وهو مطلق. وأما المقامي: إذ كان ينبغي أن يقال: «وأما الباذنجان - مثلاً - فالقِه» فيكون دليلاً على حليته وطهارته.

[290] قوله: [أضف] فهنا يوجد دليلان:

الأول: الإطلاق اللفظي.

الثاني: إن الباذنجان النجس - مثلاً - لا يكون منجساً للخل.

مضافاً إلى أن الإطلاق المقامي كما يقتضي طهارة الباذنجان يقتضي طهارة الخل أيضاً.

ص: 163


1- انظر: وسائل الشيعة 25: 372.

بل الأقوى طهارة ماء العنب بعد الغليان قبل ذهاب ثلثيه، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه(**).

(*) لاستصحاب[291] بقائه على ما كان فيحكم بعدم كونه عنباً، فلا يترتّب عليه أحكامه(1).

(**) ... يمكن أن يستدل به أمور:

أحدها: الإجماعات المنقولة كما عن كنز العرفان والتنقيح، ولا يمكن[292] الاعتماد عليه لأنّه محتمل المدرك...

-------------------------

[291] قوله: [لاستصحاب] فنستصحب الحصرمية وعدم العنبية.

والظاهر أنه لا حاجة إلى إحراز الحصرمية بالاستصحاب، بل يكفي مجرد الشك في عنوان العنبية؛ إذ الشك في الموضوع مساوق للشك في المحمول.

والخلاصة: أنه لو لم يكن لنا استصحاب أبداً كان الحكم الحلية، لأننا نشك في أنه عنب أو لا، ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

والحاصل: أننا لا نحتاج إلى إحراز الحصرمية أو عدم العنبية تعبداً، بل يكفي الشك في ذلك.

ثم إن استصحاب الحصرمية لا أثر له، وإثبات عدم العنبية أصل مثبت، فلا يجري.

إلاّ أن يقال: إنه ثبت بالإجماع - مثلاً - أن عصير الحصرم حلال، فيجدي استصحابه في الحلية، بلا احتياج إلى الواسطة، فتأمل.

[292] قوله: [ولا يمكن] يوجد هنا إشكالان:

ص: 164


1- الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 73.

ثانيها: ما دلّ على نجاسة المسكر بدعوى كونه مسكراً، ويرد عليه أنّه يكفي في الحكم بالطهارة الشكّ[293] في الإسكار...

رابعها: ما دلّ من الأخبار على نزاع نوح[294] مع إبليس في الكرم وجعل ثلثين لإبليس والثلث له، لاحظ ما رواه أبو الربيع الشامي قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن أصل[295] الخمر كيف كان بدء حلالها وحرامها ومتى اتّخذ الخمر؟«(1)...

-------------------------

الأول: لا يوجد هنا إجماع لوجود الخلاف.

الثاني: لو فرض الإجماع (صغرى) فلا يجدي (كبرى) لأنه محتمل المدرك.

[293] قوله: [الشك] بل قد يقال: إننا نقطع بعدم الإسكار، فإن العصير لا يعد من المسكرات.

[294] قوله: [نوح] الرواية المنقولة هنا عن أبي ربيع الشامي ترتبط بآدم لا بنوح (عليهما السلام) وهنالك رواية أُخرى مروية في الوسائل ترتبط بنوح (عليه السلام) (2).

[295] قوله: [عن أصل] الشاهد أولاً: أن السؤال عن الخمر، فيكون العصير العنبي خمراً.

وثانياً: قوله: (حظ إبليس) وحظ إبليس نجس.

أما الثاني: فهو ضعيف جداً، فإن للإصنام حظاً، وليست بنجسة.

وأما الأول: فلم يقل إن كل ما يأتي من العنب فهو حظ إبليس، بل إن

ص: 165


1- الكافي 6: 393.
2- انظر: وسائل الشيعة 25: 284.

خامسها: ما عن معاوية بن عمّار قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنّه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال: لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث، ولا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم«(1). هذا حسب نسخة الكافي[296]، وأمّا الشيخ في التهذيب فقد نقل مع زيادة[297] لفظ »فقال: خمر لا تشربه«(2).

-------------------------

حظ إبليس متعلق بالعنب، نظير ما ذكره المصنف في الجواب الثالث عن الأمر الثالث الذي يستدل به لنجاسة الخمر(3).

والخلاصة: أن للشيطان حظاً في العنب، لا أن كل ما يأتي من العنب هو حظ الشيطان، وإلاّ لكان العصير حراماً حتى قبل الغليان، فتأمل.

ثم إن الرواية في نفس العنب لا في العصير، فتأمل.

[296] قوله: [الكافي] فما في الكافي لا يرتبط بالمقام؛ لعدم الإشارة إلى الطهارة أو النجاسة.

[297] قوله: [زيادة] أي في المقطع الأول قال: «خمر لا تشربه» لا فقط «لا تشربه».

ص: 166


1- الكافي 6: 421.
2- تهذيب الأحكام 9: 122.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 74.

وتقريب الاستدلال أنّ عموم التنزيل[298] يقتضي ترتيب أحكام المنزل عليه على المنزل، وفي بعض الكلمات أنّه يؤخذ برواية الكافي لأنّه أضبط[299]...

وأمّا ما رواه أبو بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) وسئل عن الطلا فقال: »إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال، وما كان دون ذلك فليس فيه خير«(1)، فلا يدلّ على المطلوب، بل

-------------------------

[298] قوله: [التنزيل] قد يقال: إنه ليس تنزيلاً، بل إدراجاً أو اندراجاً، ولا داعي للحمل على التنزيل.

[299] قوله: [لأنه أضبط] يوجد هنا ثلاثة إشكالات:

الأول: احتمال زيادة التهذيب كلمة (خمر) بعيد؛ إذ من المحتمل نقصان كلمة، وأن تزيغ العين عن كلمة، أما أن يضيف كلمة من عنده فهو بعيد.

الثاني: إن الظاهر ترتيب الأثر الظاهر لا كل الآثار، مثل: (زيد أسد) فإنه ظاهر في الشجاعة فقط لا في كل حكم ظاهر للأسد، وعلى الأقل: الإجمال.

وفيه: إنه ليس تنزيلاً - كما سبق - بل إدراجاً.

الثالث: البختج قد يكون نوعاً من العصير مسكراً.

إن قلت: إنها لو كانت خمراً فالخمر لا تحل بذهاب الثلثين، بل هي محرمة حتى تنقلب.

قلت: إنه قد يكون هذا النوع من الخمر يحل بذهاب الثلثين، فتأمل.

ص: 167


1- الكافي 6: 420.

نعم هو حرام(*).

الظاهر بقرينة المقابلة[300] رفع الحلّية، مضافاً إلى أنّ الخير المترتّب على العصير ليس الغسل[301] أو الوضوء به حتّى يقال لا خير فيه... ولكنّ الإنصاف[302] أنّ البناء على الطهارة ورفع اليد عن حديث معاوية بن عمّار، وحمل البختج على نوع خاصّ من العصير مع تفسيره في كلام اللغوي بالعصير مشكل، فلا بدّ من الاحتياط.

(*) وعن ذريح قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول:

-------------------------

[300] قوله: [المقابلة] أي يوجد هنا دليلان:

الأول: المقابلة «حلال - ليس فيه خير» أي ليس حلالاً.

الثاني: ما هو الخير المترتب - أي المتوهم - على العصير؟ إنه الشرب، فليس فيه خير، فهو نفي لذلك الخير المتوهم.

[301] قوله: [ليس الغسل] فلا يراد العموم.

[302] قوله: [الإنصاف] وخلاصة الكلام أن ظاهر الرواية الإدراج في الخمر موضوعاً، لكن سبق الإشكال بأنه لو كان كذلك لم يحل بالذهاب، وعليه تكون محرمة ونجسة بناءً على نجاسة الخمر.

وعلى كل، فالقول: إنّه خمر يدفعه أنه لا يحل بالذهاب، ومن الغريب في ارتكاز المتشرعة خمر تحل بالذهاب، والقول بالتنزيل يرد عليه إشكال: أنه ليس ظاهراً في كل الآثار، وعليه لم يبق دليل على نجاسة العصير.

ص: 168

المسألة 41: إذا غلى ماء العنب

مسألة 41: إذا غلى ماء العنب فأُلقي فيه مثل التفّاح واليقطين قبل ذهاب ثلثيه، ثمّ أُغلي حتّى ذهب ثلثاه فهو طاهر[303] على الأقوى، بل وحلال إذا كان ما نفذ من العصير في التفّاح مثلاً

»إذا نشّ[304] العصير أو غلى حرم«(1)...

-------------------------

[303] قوله: [فهو طاهر] لأن مبناه الطهارة مطلقاً، وحتى على مبنى النجاسة قد يقال: إنه طاهر؛ للتعارض خارجاً والإطلاق المقامي.

[304] قوله: [نش] هل الملاك الغليان أو النش؟

ظاهر الروايتين(2) حصر الحرمة في الغليان، وظاهر الأخيرة إضافة النش، والجمع العرفي نقيض الإضافة، فإن ظهور الأخيرة أقوى من ظهور الجملة الشرطية ونحوها.

إن قلت: إنّ ذكر الغليان مستدرك - لو كان النش هو: التصويت، كتصويت الماء في الكوز الجديد - إذ كل غليان مسبوق بالنش.

قلت: أولاً: هنالك رأي بأن النش نوع غليان، إلاّ أنّ الغليان بالنار، والنش هو الغليان بنفسه(3).

وثانياً: قد يكون أصل العبارة «غلى أو نش» ثم قلبت، فتأمل.

ص: 169


1- الكافي 6: 419.
2- انظر: وسائل الشيعة 25: 287، ح 3 و4.
3- انظر: لسان العرب 6: 352.

يعدّ جزءاً[305] منه[306] في العرف[307].

المسألة 42: الزبيب والكشمش والتمر الملقى في المرق

مسألة 42: لا بأس بأكل الزبيب والكشمش والتمر الملقى في المرق والطبيخ ونحوهما، أو المحموس في الدهن ما لم يعلم بغليانه(*)، أمّا مع العلم به فيحرم أكله(**)[308].

(*) لاستصحاب[309] عدم الغليان فلا بأس بأكله حتّى على القول بحرمته بعد الغليان...

-------------------------

[305] قوله: [جزءاً] بل حتى لو لم يعد جزءاً لو كان الإلقاء متعارفاً خارجاً، وكان النفوذ متعارفاً، وكان بقاء العصير فيه متعارفاً، فإن السكوت عن ذلك دليل الحلية.

نعم، لو كان الإلقاء نادراً أو النفوذ أو البقاء بحيث يعد جزءاً نادراً فمفهوم الردع لا يدل على الحلية.

[306] قوله: [جزءاً منه] بل مطلقاً، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

ومعنى جزءاً في قبال ما ليس جزءاً، كما في الإسفنج وأمثاله، فتأمل.

[307] قوله: [في العرف] خلاف مبناهم إن التسامحات العرفية غير معتبرة، فالفهم العرفي حجة في المفاهيم لا التطبيقات المسامحية.

ومنه يظهر الإشكال في الشرح فإنه (لا وجود له) عرفاً، وأما عقلاً فله وجود.

[308] قوله: [فيحرم أكله] لا يترك الاحتياط في الزبيب إذا انتقلت الحلاوة إلى الماء ونحوه.

[309] قوله: [لاستصحاب] وهل يشترط الفحص أو لا، بناءً على وجوبه؟

ص: 170

(**) لو قلنا[310]: بأنّ عنوان العصير لا يصدق على ما في الزبيب والكشمش - كما هو ليس ببعيد - فلا وجه للحرمة كما هو ظاهر، وكذا لو قلنا: بأنّه يصدق[311] عنوان العصير على الماء الذي يجعل فيه الزبيب أو الكشمش ويطبخ حتّى يغلي...

فالحقّ أنّ هذه الروايات ليس فيها إطلاق، بل السؤال والجواب راجع إلى عصير خاصّ[312]...

مضافاً[313] إلى أنّ القيد واقع في كلام السائل لا في كلام الإمام (عليه السلام) .

-------------------------

الظاهر ذلك، لكن ذكروا أنه في الحلية والحرمة لا يشترط الفحص في الأكل.

[310] قوله: [لو قلنا] لا وجه له؛ إذ هذا يرتبط فقط بالدليل الأول، وأما سائر الأدلَّة فلا تتوقف على ذلك.

[311] قوله: [بأنه يصدق] الظاهر: «لا يصدق»، وعليه فتماميّة الأول متوقف على الاثنين معاً، فالازم أن يقول: «مع قولنا».

[312] قوله: [خاص] مبهم عندنا، ومع الإبهام لا يمكن التمسك به في المقام، والعلم الإجمالي لا يجدي بعد انحلاله بالعلم بحرمة بعض أنواع العصير.

[313] قوله: [مضافاً] أي أنه لا قيد أولاً، بل أشبه باللقب، فلا مفهوم له، ولو كان قيد فهو واقع في كلام السائل، مثل أن تسأل: لو اشتريت عباءة من السوق وطهرتها فهل هنالك إشكال في لبسها؟ فيجب: «لا بأس» وهذا الجواب لا يدل على لزوم تطهير العباءة.

ص: 171

مضافاً[314] إلى جميع ذلك أنّه من الممكن أنّ البقاء سنة يؤثّر في حدوث السكر للعصير، ومع ذهاب الثلثين لا يؤثّر فيه، فلا تصلح الرواية للاستدلال على المدّعى...

ومنها: ما رواه عمّار بن موسى الساباطي[315] قال: »وصف لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً، فقال لي (عليه السلام) : تأخذ ربعاً من زبيب وتنقّيه، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلاً من ماء ثمّ تنقعه ليلة، فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينشّ جعلته في تنّور سخن قليلاً حتّى لا ينشّ، ثمّ تنزع[316] الماء منه كلّه إذا أصبحت، ثمّ تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره ثمّ تقلبه[317] حتّى تذهب[318] حلاوته، ثمّ تنزع ماءه الآخر[319]...

-------------------------

[314] قوله: [مضافاً] إذ يحتمل أن هنالك مواد كحولية تؤثر في التخمير لو لم يذهب ثلثاه، أما لو ذهب ثلثاه فلا تؤثر في خمريته.

[315] قوله: [الساباطي] هناك ثلاثة شواهد في هذه الرواية.

الأول: حتى يصير حلالاً.

الثاني: وخشيت أن ينش.

الثالث: حتى يذهب الثلثان.

[316] قوله: [ثم تنزع] أي تفرغه في إناء آخر.

[317] قوله: [ثم تقلبه] الصحيح: تغليه.

[318] قوله: [تذهب] أي في الماء.

[319] قوله: [الآخر] أي الثاني.

ص: 172

وإن شئت أن تطيّبه بشيء من زعفران أو شيء من زنجبيل فافعل ثمّ اشربه، فإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروّقه[320]«(1)...

وعنه أيضاً عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سئل عن الزبيب كيف يحلّ طبخه حتّى يشرب حلالاً؟ قال: تأخذ ربعاً من زبيب فتنقّيه ثمّ تطرح عليه اثني عشر رطلاً من ماء ثمّ تنقعه ليلة، فإذا كان من غد نزعت سلافته[321] ثمّ تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره ثمّ تغليه بالنار غلية... ثمّ حدّه حيث يبلغ الماء ثمّ تطرح[322] الثلث الأخير ثمّ تحدّه حيث يبلغ الماء ثمّ توقد تحته بنار ليّنة حتّى يذهب ثلثاه«(2)...

ويرد عليه: أنّ الرواية الأولى ليس فيها تعليق[323] في كلام

-------------------------

[320] قوله: [فروّقه] أي صفّه.

[321] قوله: [سلافته] ما سال وتحلب بلا عصر.

[322] قوله: [ثم تطرح] لماذا حدّ الثلث بثلاث مرّات؟

لعله لمعرفة المقادير، أي أن الإنسان الطباخ لا يقف على القدر، بل يذهب لسائر أعماله، فإذا حدد ثلاثة حدود يعرف أنه كم نزل من الماء، فيذهب لسائر أعماله طويلاً أو قصيراً. والخلاصة: أن التحديد للتوقيت، وإلاّ فاللازم حد الثلث لا غير، حتى يعرف أنه بقي ثلث فقط.

[323] قوله: [تعليق] ولا سؤال، بل لعله اجتهاد من الساباطي، فلو سأله: كيف يصير حلالاً؟ لقلنا: إنه (عليه السلام) قرّره على ما في ذهنه، ولكن هنا لا ظهور

ص: 173


1- الكافي 6: 425.
2- الكافي 6: 425.

الإمام (عليه السلام) ، فلا أثر لها في الاستدلال، مضافاً إلى أنّ السند مخدوش[324]...

ومنها: ما رواه زيد النرسي[325] في أصله قال: »سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ثمّ يصبّ عليه الماء ويوقد تحته، فقال (عليه السلام) : لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ويبقى الثلث فإنّ النار قد أصابته«(1)...

أمّا من حيث الدلالة فالظاهر أنّه لا قصور[326] في دلالتها على المدّعى، كما هو ظاهر لمن راجعها وتأمّل فيها.

وأمّا من حيث السند فقد استشكل[327] فيه بأنّ الراوي مجهول

-------------------------

لسؤال، بل لعله اجتهد في أنه (عليه السلام) أراد أن يبين طريقاً للتسهيل.

[324] قوله: [مخدوش] لأنها مرسلة.

[325] قوله: [زيد النرسي] هذه الرواية والروايات السابقة في الزبيب فقط، والظاهر أنه لا يشمل الكشمش؛ لأنهما حقيقتان عرفاً، ولذا لو قال المولى: «اتيني بزبيب» لم يصح الإتيان بالكشمش، إلاّ أن يقال: إنه لا فرق في جوهرهما بالنظر الدقي العرفي، فتأمل.

نعم، روايات العصير تشمل الكل، لكن سبق التأمل في دلالتها.

[326] قوله: [لا قصور] لكنها في صورة «أداء الحلاوة إلى الماء» ونحوه المرق عرفاً، لا مطلقاً.

[327] قوله: [استشكل] فيه: أولاً: إنّ زيد النرسي لم يوثق، ولم ينص

ص: 174


1- مستدرك الوسائل 17: 38.

ولم يوثّق في كتب الرجال...

أقول[328]: ويشكل رفع اليد عن هذه الرواية؛ لأنّ الراوي لهذا الأصل ابن أبي عمير شهد بذلك الشيخ الطوسي، وروايته تدلّ على وثاقة صاحب الأصل، فإنّ الشيخ ذكر في العدّة أنّه لا يروي[329] ولا يرسل إلاّ عمّن يوثق به...

اللّهم إلاّ أن يقال: إنّه يعارض[330] هذا كلّه ما أفاده ابن بابويه وابن وليد من كون الكتاب موضوعاً. أضف إلى ذلك أنّ وثاقة الرجل لا تتّم إلاّ بشهادة ابن أبي عمير،

-------------------------

فيه بمدح ولا قدح.

ثانياً: لم تثبت صحة أصله (كتابه) لأن الشيخ الصدوق وشيخه ضعفا الكتاب(1)، ويؤيده أن صاحب الوسائل لم ينقل عن الكتاب.

[328] قوله: [أقول] وقد جمع الوالد (رحمه اللّه) في الفقه مجموعة من القرائن في توثيق الكتاب والراوي(2).

[329] قوله: [لا يروي] المختار: أن لا يروي إلاّ عن ثقة معتبر، وأما ما يرسل ففيه نظر؛ لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

[330] قوله: [يعارض] الظاهر أنه لا معارضة، أما الشيخ الصدوق فقد تبع شيخه، وأما ابن الوليد فلا يتبع تضعيفه لأن قرائن الصحة أقوى، ثم إنه ما دام هنالك طريق معتبر - وهو طريق الشيخ - فلا ضير في التضعيف خاصة لما هو متأخر عن الكتاب والراوي.

ص: 175


1- انظر: الحدائق الناضرة 5: 148.
2- انظر: الفقه 4: 314.

وفيها جهات[331] من الإشكال تعرّض لها سيّدنا الأُستاذ في رجاله... وحمل الإخبار الضمني على الشهادة الحسّية[332] في أوّل الكلام(1)...

ومنها: الاستصحاب، بتقريب أنّ الزبيب في حال كونه عنباً كان بحيث لو غلى[333] عصيره كان حراماً، والأصل بقاؤه على ما كان بعد صيرورته زبيباً...

فنقول[334] الأحكام الشرعيّة المجعولة للموضوعات بالشرائط الخاصّة المأخوذة فيها لها فعليّتان، فعلية من قبل المولى وفعلية خارجية، والفعلية من قبل المولى تحصل بمجرّد إنشائه للحكم، أعمّ من أن يوجد الموضوع في الخارج أم لا، وأمّا الفعلية الخارجية فهي تتوقّف على حصول موضوعها في الخارج.

-------------------------

[331] قوله: [جهات] هذه الجهات غير واردة كما ذكر في محله.

[332] قوله: [الحسية] الأصل العقلائي العام يتقضي حمله على ذلك.

[333] قوله: [لو غلى] فنستصحب القضية الشرطية «لو غلى لحرم» من العنب إلى المرحلة الزبيبية.

[334] قوله: [فنقول] حاصله: إن هنالك جعلاً ومجعولاً، وفعلية الجعل بالإنشاء، وفعلية المجعول بتحقق موضوعه في الخارج.

فتارة نشك في بقاء الجعل، بأن نحتمل نسخ الحكم، وهنا لا شك في

ص: 176


1- الدلائل 1: 82 - 83.

... وما قيل: من أنّ الأصل التنجيزي محكوم[335] بالأصل التعليقي فلا يجري، كلام لا يرجع إلى محصل صحيح، فإنّ الشكّ في كلّ من الحكمين عين الشكّ[336] في الآخر، مضافاً[337] إلى أنّ أصالة عدم الجعل الزائد يعارض الاستصحاب التنجيزي فضلاً عن التعليقي...

-------------------------

البقاء، وأُخرى أن نشك في الجعل بمعنى أنه هل قال المولى: «الزبيب لو غلى حرم»، كما قال: «العنب لو غلى حرم» وهذا الشك في الحرمة، وحكمه البراءة وعدم الجعل.

وتارة ثالثة نشك في المجعول: «أي في بقاء الحرمة بعد ثبوتها» وهنا لا يقين سابق، إذ لم يغلِ العنب ليحرم لنستصحب حرمته. فانقدح أنه إما لا يقين سابق أو لا شك لاحق.

هذا ولكن هنالك شق رابع لم يذكره المصنف وهو العمدة، وهو: استصحاب القضية التعليقية أي «لو غلى لحرم» من الزبيب إلى العنب، وللقضية التعليقية نحو من أنحاء الوجود.

ولكن يرد عليه: أنه ليس بعرفي أولاً، وأن الموضوع متبدل عرفاً ثانياً.

[335] قوله: [محكوم] أي هنالك سببية ومسببية.

[336] قوله: [عين الشك] فهما عبارتان عن شيء واحد.

[337] قوله: [مضافاً] أي أن الاستصحاب - سواء أكان التنجيزي أم التعليقي - لا يجري في الشبهات الحكمية قطعاً، ، وذلك لتعارض الجعل والمجعول.

ص: 177

... وإن كان الأقوى طهارته فلا ينجس المرق والطبيخ مثلاً ما لم يمتزج به[338].

المسألة 43: إذا أُلقي العنب في الماء مع التفّاح أو الخيار

مسألة43: إذا أُلقي[339] العنب في الماء مع التفّاح أو الخيار أو اليقطين مثلاً فغلى ثمّ صار خلاً، فإن علم بصيرورته خمراً بالغليان كان نجساً[340] ولم يجز أكله على الأحوط إن لم يكن أقوى(*).

(*) عدم الجواز مبنيّ على أمرين:

أحدهما: حرمة أكل المتنجّس وشربه.

-------------------------

[338] قوله: [ما لم يمتزج به] فيكون محرماً.

وفي العبارة تشويش؛ إذ ظاهره النجاسة، مع أن مبنى الماتن أن العصير طاهر، والظاهر أن مراده: أنه مع الامتزاج يكون محرماً لاحتوائه على المحرم.

[339] قوله: [إذا أُلقي] الظاهر أن مراده أن العنب انقلب خمراً ثم عاد خلاً، وحينئذٍ فيتنجس التفاح أو الخيار، فعندما يصير الخمر خلاً تبقى نجاسة التفاح فينجس الخلّ، وهذا الحكم مبني على أُمور ثلاثة(1).

وفي الثالث نظر، إذ الدليل مطلق ووضع التفاح أو نحوه متعارف(2). كما لا فرق عرفاً بين مثل الملح ومثل التفاح.

[340] قوله: [كان نجساً] الظاهر الطهارة والحلية.

ص: 178


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 85.
2- انظر: الفقه 6: 274.

المسألة 44: إذا كان الدن دهنياً

مسألة44: إذا كان الدن دهنياً فأُلقي فيه الخلّ بالتمر أو العنب حتّى غلى وصار خلاً[341] وارتفع الدسومة فوق الخلّ، فلا بأس إذا لم يكن لتلك الدسومة جسمية وجرم عرفاً[342].

المسألة 45: إذا تنجّس منقار الطير

مسألة45: إذا تنجّس منقار الطير[343] ثمّ زال عنه عين النجاسة يحكم بطهارته(*)[344].

ثانيهما: عدم الإطلاق في الدليل الدالّ على عدم البأس بالخمر إذا صار خلاً بالنسبة إلى ما انضمّ إليه من الخيار ونحوه، والظاهر أنّ الأمر كذلك فإنّ تلك الأدلَّة بظاهرها[345] في مقام بيان عدم البأس من هذه الجهة لا من جميع الجهات بحيث يحكم بالحلّية ولو مع ملاقاته للنجس.

-------------------------

[341] قوله: [وصار خلاً] الظاهر أن مراده بعد مروره بمرحلة الخمرية، وإلاّ فالعنب ليس نجساً بنظر الماتن، فعندما يصبح خمراً ينجس الدهن - إن كان له جرم - وبعد الخلّية يتنجس الخل بالدهن، أما لو لم يكن له جرم فلا وجود له كي يتنجس أو ينجس.

[342] قوله: [عرفاً] بل وكذا لو كان لها جرم عرفاً.

[343] قوله: [بظاهرها] سبق مراراً أن ظاهر الأدلَّة بيان الحكم الفعلي لا الحيثي.

[344] قوله: [منقار الطير] وكل طاهر من كل حيوان.

[345] قوله: [بطهارته] وهذا هو المعبّر عنه بزوال النجاسة عن جسد الحيوان.

ص: 179

(*) نقل الإجماع عن الخلاف على طهارة سؤر الهرّة، ويمكن أن يستدلّ على هذا الحكم بالنصوص الواردة في أسآر[346] أنواع الحيوانات الدالّة على عدم البأس...

يدلّ على ذلك ما رواه عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »... وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب، فقال: كلّ شيء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا توضأ منه ولا تشرب«(1). ففهم من هذه الرواية أنّ المانع وجود الدمّ في المنقار، وأمّا لو زال فلا بأس، إلاّ أن يقال: إنّ إطلاق القضية يقتضي المنع من سؤر ما كان في منقاره الدمّ ولو بعد زواله، لكن هذا الادّعاء بعيد[347] عن ظاهر الرواية.

إن قلت[348]: يظهر من بعض الأخبار أنّ الملاقي لبدن الفأر ينجس...

-------------------------

[346] قوله: [أسآر] مع أن فم الحيوان وجسده يلاقي النجاسة عادة، مثل بعر الفأرة، وفم الفأرة والهرة، حيث تأكل الجيف «آكلات اللحوم»، وموضع الولادة في الشاة ونحوها.

[347] قوله: [بعيد] ويكفينا إجمال الدليل.

[348] قوله: [إن قلت] الظاهر أن في العبارة سقطاً وجوابه: «قلت» إن الجمع بين الروايات يقتضي حمل ذلك على الاستحباب، فتأمل.

ص: 180


1- تهذيب الأحكام 1: 228.

وممّا يدلّ[349] على المدّعى أيضاً ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: »سألته عن الدّود يقع من الكنيف على الثوب أ يصلّى فيه؟ قال: لا بأس إلاّ أن ترى أثراً[350] فتغسله«(1).

وأيضاً يمكن دعوى قيام السيرة على هذا المعنى في كثير من الموارد، وإتمام الحكم في غيرها بعدم القول بالفصل[351]...

ولكنّه مشكل جداً فإنّ دعوى قيام السيرة على ذلك بحيث تكشف عن رأي المعصوم عهدتها على مدّعيها[352]. ولكنّ الإنصاف أنّ إنكار السيرة على الطهارة في الجملة من الجزاف، فإنّه لم ينقل عن أحد من المتشرّعة أنّه إذا اشترى فروة[353] يفحص عنها، وأيضاً ما سمع وما روى من أحد أنّه إذا اشترى نعالاً يسأل

-------------------------

[349] قوله: [ومما يدل] فإن لم يكن أثر فالثوب طاهر، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يكون رطباً أو لا، وملاقياً للنجاسة سابقاً أو لا.

[350] قوله: [أثراً] لعل المراد نفس النجاسة.

[351] قوله: [بعدم القول بالفصل] ليس بحجة، نعم النكتة تقتضي العموم.

[352] قوله: [على مدعيها] لعله لعدم إحراز الاتصال، ولعل السيرة حادثة وناشئة من الفتاوى.

[353] قوله: [اشترى فروة] والشراء من سوق المسلمين يدل على الحلية، ولا يدل على طهارة الجلد.

ص: 181


1- تهذيب الأحكام 2: 367.

مع احتمال[354] ملاقاة مطهّر له ولو بعيداً(*).

عن أنّه هل طهر جلده أم لا؟ فعليه نِعْمَ[355] ما قاله في المتن من الاقتصار على موارد قيام السيرة.

(*) الظاهر[356] أنّ الوجه في هذا القيد - كما يظهر من ذيل العبارة - دعوى اختصاص السيرة[357] بصورة الاحتمال، ولكن مع أنّ السيرة قائمة مطلقاً يكفي للإطلاق النصوص الواردة في باب الأسآر[358]،

-------------------------

إن قلت: نتمسك بأصالة الطهارة، قلت: الاستصحاب حاكم، وقد علمنا بنجاسة الفرو بولادة الشاة - مثلاً - حيث يتلوث الموضع وأطرافه بالدم عادة.

[354] قوله: [نِعْمَ] الظاهر: العموم، لإطلاق الأدلَّة، ونكتة السيرة كما سبق قبل قليل.

[355] قوله: [مع احتمال] بل مطلقاً، وكذا فيما يليه.

[356] قوله: [الظاهر] أو الأخذ بالقدر المتيقن من الأدلَّة اللفظية.

[357] قوله: [السيرة] وهي دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن.

[358] قوله: [الأسآر] مثلاً: رواية عمار(1) مطلقة تشمل صورة احتمال المطهر وعدمه، كما لو شرب الطير أمامك نجساً ثم شرب من الإناء. وكذا في رواية الدود(2)، بل من البعيد جداً أن يقع مطهر على الدود، بأن يقع عليه المطر مثلاً، وإن كان ذلك ممكناً في الطير.

ص: 182


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 86.
2- انظر: المصدر نفسه 1: 87.

إلاّ أن يقال[359]: إنّ تلك النصوص في مقام بيان نفي البأس عن السؤر بما هو وليس فيها تعرّض من هذه الجهة، ولكن حيث إنّ مورد الروايات غير منفكّ عن ملاقاة النجاسة، وظاهر الحكم هو الفعليّ[360] يستكشف عدم الانفعال بالملاقاة. ففي رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث: »... وسألته عن فأرة[361] وقعت في حبّ دهن واخرجت قبل أن تموت أيبيعه من مسلم؟ قال: نعم ويدّهن منه«(1).

-------------------------

[359] قوله: [إلاّ أن يقال] أي لا بأس من ناحية السؤرية، ولا نظر لها إلى جهة الملاقاة للنجاسة.

[360] قوله: [الفعلي] وإلاّ كانت الرواية لغواً أو شبه لغو؛ إذ المكلف يريد بيان الوظيفة ليرتب عليه الجري العملي، أما أن نقول له: إن الإناء طاهر من ناحية السؤرية، وإن كان نجساً من ناحية ملاقاة المنقار، فلا يجديه شيئاً، إذ اللازم عليه حينئذٍ الاجتناب.

[361] قوله: [فأرة] مع أن بعرها نجس عادة بخروج العذرة الرطبة.

إلاّ أن يقال: إنه لا يعلم بملاقاة البعر للظاهر، أو يقال: لا يعلم وجود الرطوبة المسرية، أو يقال: إن الرواية في صدد الاستعمال لا الأكل، أي يبيعه ولكن لا يأكله المشتري، بل يدهن منه، إلاّ أن يقال: إنّ ظاهر الرواية أن نفس البائع يدهن منه، فالبيع يكون للأكل، فتأمل.

وعلى كلٍ ففي سائر الروايات كفاية. إن شاء اللّه تعالى.

ص: 183


1- تهذيب الأحكام 419.

بل ومع عدم احتماله في موارد قيام السيرة على عدم الاجتناب كما في أغلب الموارد(*).

المسألة 46: إذا سقي الزرع بالماء النجّس

مسألة 46: إذا سقي[362] الزرع أو الشجر بالماء المتنجّس لا يحكم بنجاسة الزرع ولا الشجر ولا بنجاسة ما فيهما من الماء(**).

(*) لو كان المدرك منحصراً في السيرة لكان ما أفاده (قدس سره) من الاختصاص في محلّه[363] ولكن ظهر ممّا ذكرنا أنّه يمكن أن يتمسّك بالروايات[364]، وأيضاً يمكن أن يدّعى أنّ العرف[365] يفهم من هذه الموارد المنصوصة إطلاق الحكم لكلّ مورد.

(**) للاستحالة[366] وتغيّر الصورة النوعيّة العرفية لو لم يكن التغيّر عقلياً.

-------------------------

[362] قوله: [إذا سقي] وهذا ما يعبر عنه بالانتقال.

[363] قوله: [في محلّه] بل السيرة مطلقة.

[364] قوله: [بالروايات] هذا ناقض لما ذكره سابقاً.

[365] قوله: [العرف] إذ لا فرق بين حيوان وحيوان عرفاً، ولا تحتمل خصوصية للدود مثلاً.

[366] قوله: [للاستحالة] والخلاصة أنه إما استحالة عقلية أو عرفية.

ويدل عليه السيرة، فإنّ ماء الرقي - مثلاً- هو نفس الماء الذي سقي به، ومع ذلك لا يجتنبون عن الفواكه وإن سقيت بماء نجس.

ص: 184

المسألة 47: إذا كان تحت الأظفار وسخ

مسألة 47: إذا كان[367] تحت الأظفار وسخ فتنجّس اليد، فإن لم تنفذ النجاسة إلى باطن الوسخ، كفى غسل ظاهره فيطهر بتطهير اليد ولو بالماء القليل، وإن نفذت إلى باطنه لزم إيصال الماء إلى حيث نفذت، فإن لم يمكن لزم إزالته[368].

المسألة 48: إذا تنجّس تحت الأظفار ثمّ انجمد

مسألة 48: إذا تنجّس[369] تحت الأظفار، ثمّ انجمد عليه الوسخ فإن أمكن إيصال الماء إلى المحلّ المتنجّس مع بقاء الوسخ عليه كفى في الكثير، بل ولعلّه كذلك[370] في القليل أيضاً، وإلاّ لزم[371] إزالة الوسخ أولاً ثمّ التطهير.

المسألة 49: لا يطهر المتنجّس بزوال عين

مسألة 49: لا يطهر المتنجّس بزوال عين النجاسة عنه ولو كان

-------------------------

[367] قوله: [إذا كان] هل مراده بتحت الأظفار: المنطقة التي تصدق أنّها ظاهر البدن أو الباطن؟ فعلى الأول لا إشكال، وعلى الثاني فقد يقال: إن إزالة النجاسة الخارجية عن الباطن غير لازمة، كما لو دخل دم خارجي تحت أظفاره، وفيه تأمل، فهل يستطيع المكلف أن يضع ميتة في فمه ويصلي؟ فتأمل.

[368] قوله: [لزم إزالته] عقلاً، لوجوب مقدمة الواجب عقلاً لا شرعاً.

[369] قوله: [إذا تنجس] راجع الملاحظة المذكورة في المسألة السابقة.

[370] قوله: [بل ولعله كذلك] بل هو كذلك مع استجماع شرائط التطهير.

[371] قوله: [لزم] عقلاً.

ص: 185

صيقلياً[372] كالزجاج ونحوه، بل يلزم[373] غسله بالماء. نعم، يكفي زوال عين النجاسة من البواطن في طهارتها(*)[374].

(*) ... قال في مصباح الفقيه: وأمّا بواطن الإنسان فلا ينبغي الارتياب في طهارتها[375] بعد زوال العين وإن صحبتها رطوبات[376] ملاقية للعين...

أقول: لو ثبتت[377] الضرورة بحيث يقطع أو يطمئن بهذا الحكم

-------------------------

[372] قوله: [صيقلياً] أي لا تنفذ النجاسة فيه، كالثياب مثلاً.

[373] قوله: [بل يلزم] لإطلاق الأدلَّة.

[374] قوله: [في طهارتها] توجد هنا ثلاثة احتمالات:

الأول: إنها تنجس وتطهر بالزوال.

الثاني: إنها لا تنجس بالنجاسات.

الثالث: إن النجاسات في الباطن غير نجسة أصلاً.

واحتمل المصنف أنها تنجس ولا تطهر إلاّ بمطهر. نعم، هي معفو عنها.

[375] قوله: [في طهارتها] ويحتمل قريباً عدم كون النجاسات الباطنية نجسة في الباطن أصلاً، وإلاّ كانت عروق الدم نجسة دائماً، ولصلى الإنسان مع النجاسة أبداً، ولا يُعلم شمول إطلاق نجاسة النجاسات للنجاسات الباطنية، فتأمل.

[376] قوله: [رطوبات] كماء الفم.

[377] قوله: [لو ثبتت] الظاهر: أن الإجماعات المنقولة كافية في المقام(1).

ص: 186


1- انظر: إيضاح الفوائد 2: 96، فرائد الأصول 1: 179، كفاية الأصول: 288.

فهو وإلاّ فالأمر مشكل، ولا بدّ من النظر في النصوص التي ادّعي دلالتها على المدّعى منها: ... وقريب منه ما رواه الحسين بن موسى الحنّاط قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يشرب الخمر ثمّ يمجّه[378] من فيه فيصيب ثوبي، فقال: لا بأس«(1)...

وما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : »في الرجل يمسّ أنفه في الصلاة فيرى دماً كيف يصنع أ ينصرف؟ قال: إن كان يابساً فليرمِ به ولا بأس[379]«(2).

وما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: سألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال: اغسل ما حوله[380]«(3).

-------------------------

[378] قوله: [ثم يمجه] ظاهره مج نفس الخمر، فتدل على طهارة الخمر.

[379] قوله: [ولا بأس] وقد سكتت الرواية على تطهير باطن الأنف.

وفيه: إنه يحتمل كونه لأجل العفو عمّا هو دون الدرهم، ودم الأنف عادة دون الدرهم، إلاّ أن يقال بالإطلاق، فتأمل.

[380] قوله: [ما حوله] كأن المصنف فهم أن الجرح له عمق، فلم يأمر الإمام (عليه السلام) بتطهير باطنه، لكن يُحتمل أن يكون المراد: إن الماء يضر الجرح فيغسل ما حوله لا نفسه، وإن كان الجرح ظاهراً.

ص: 187


1- الاستبصار 1: 190.
2- الكافي 3: 364.
3- الاستبصار 1: 77.

... والحاصل: أنّه على القول بتنجّس الباطن[381] يشكل[382] الحكم بكون زوال النجاسة مطهراً له...

إن قلت[383]: الأمر وإن كان كذلك لكنّ العرف بارتكازه لا يرى فرقاً بين الظاهر والباطن في انفعاله عند الملاقاة...

قلت[384]: ما ذكر صحيح لكن هنا ارتكاز آخر، وهو عدم

-------------------------

[381] قوله: [بتنجس الباطن] سيأتي تقويته من المصنف، لكن سبق أنه من غير المعلوم وجود إطلاق يدل على نجاسة النجاسات في الباطن.

[382] قوله: [يشكل] لا إشكال فيه كما مضى.

[383] قوله: [إن قلت] لا معنى لأن نقول: إن الدم ينجس ظاهر الشفة ولا ينجس باطنها، فالنجاسة الشرعية كالقذارة العرفية.

[384] قوله: [قلت] في العبارة قصور، ومعناها: صحيح أنه لا فرق في الارتكاز بين انفعال الظاهر والباطن بالنجاسات، لكن هنا أمر آخر وهو أنه لا فرق في ارتكاز العرف بين ملاقاة شيء للنجاسة في الباطن أو الظاهر، وقد حكم الشارع بأن الملاقاة في الباطن - لا ملاقاة الباطن - غير موجبة للانفعال، كالمذي الذي يلاقي البول، أو يلاقي مجرى البول المتنجس بالبول، ورطوبات المرأة مع أنها ملاقية لمجراها المتنجس بالمني، فمع هذا الردع نحتمل أن للبواطن خصوصية، فلا تنفعل بالملاقاة مطلقاً.

والخلاصة: كما أن الملاقاة في الباطن لها حكم خاص شرعاً، كذلك ملاقاة الباطن يمكن أن يكون لها حكم خاص، فلا قطع بالوحدة الارتكازية العرفية بين الظاهر والباطن.

ص: 188

الفرق في تأثير النجاسات بين كونها ظاهرة أو باطنة، فإنّ العرف بحسب الارتكاز يحكم بانفعال ما يلاقي الدم أو البول في الداخل والجوف...

نعم[385]، يدلّ على التنجيس عموماً ما رواه عمّار بن موسى الساباطي أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) : »عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الإناء مراراً، أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلّخة، فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه، ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل[386] كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمسّ من ذلك الماء شيئاً، وليس عليه شيء؛ لأنّه لا يعلم متى سقطت...(1)[387]«.

وهذه[388] الرواية بعمومها تدلّ على أنّ الباطن كالظاهر لكن

-------------------------

[385] قوله: [نعم] ذكر المصنف دليلين على نجاسة البواطن:

الأول: ما دل على تنجيس المتنجسات.

الثاني: ما دل على تنجيس النجاسات.

[386] قوله: [ويغسل] الشاهد هنا «كل» فهو يشمل الباطن أيضاً.

[387] قوله: [سقطت] ولعلها كانت متسلخة ثم سقطت، لا أنها تسلخت على أثر طول المكث في الماء.

[388] قوله: [وهذه] يوجد هنا عدّة إشكالات:

الأول: أنها خاصة بملاقي الميتة.

ص: 189


1- من لا يحضره الفقيه 1: 20.

موردها الميتة، فإن خصّصنا الحكم بموردها يلزم الالتزام بمقتضاها، ونلتزم بانفعال الباطن وطهره بالزوال[389] على ما تقدّم...

ولكنّ الإنصاف[390] أنّا لا نرى مانعاً من شمول أدلَّة النجاسات وتنجيسها للبواطن، فلو قال المولى: (اغسل ثوبك[391] من أبوال ما لا يؤكل لحمه) نقول: لا فرق في وجوب الغسل بين الظاهر والباطن في الانفعال.

-------------------------

وفيه: إلغاء الخصوصية عرفاً.

الثاني: إن هنالك روايات تدل على عدم تنجيس المتنجس، فالجمع يقتضي الاستحباب جمعاً دلالياً.

وفيه: إنه جمع غير عرفي على مبنى المصنف، لكن الظاهر أنه عرفي كما هو المشهور.

الثالث: إنهما يتعارضان ويتساقطان، فلا دليل على التنجيس.

الرابع: إنها منصرفة عن الباطن، بل لا يخطر ببال أحد الباطن من ذلك مطلقاً، إلاّ أن يقال: إنّ الانصراف بدوي؛ وذلك لقلة اتفاق إصابة الباطن.

وفيه: إن فهم المشهور مؤيد لما ذكرناه، فهل فهموا عدم التنجيس، أو فهموا الطهارة بالزوال؟

[389] قوله: [وطهره بالزوال] على المشهور، وإلاّ فالشارح لا يرتضي ذلك.

[390] قوله: [الإنصاف] ويؤيده فهم المشهور النجاسة، لكنهم ذكروا الطهر بالزوال.

[391] قوله: [ثوبك] ونلغي الخصوصية فيشمل الباطن، ولو شكك في ذلك كفتنا سائر الروايات.

ص: 190

المسألة 50: لا يجوز أكل الأشياء النجسة أو المتنجّسة

مسألة 50: لا يجوز أكل الأشياء النجسة أو المتنجّسة ولا شرب المائعات النجسة ولا المتنجّسة(*).

فالنتيجة: أنّه لا فرق بين الظاهر والباطن، ومقتضى القاعدة الأوّلية انفعال الباطن بملاقاة النجس، كونه منجساً لما يلاقيه بجميع أقسامه، وعدم صيرورته طاهراً بالزوال[392]...

(*) ما يمكن أن يستدلّ[393] به على هذا الحكم أمور: منها قوله تعالى {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ}(1). بتقريب[394] أنّه سبحانه فرّع[395] وجوب الاجتناب عن الأمور

-------------------------

[392] قوله: [بالزوال] وفيه: إنه خلاف المشهور، بل ما أُدعيت عليه الضرورة في الجملة.

هذا وقد احتملنا سابقاً: أن النجاسات ليست نجسة في الباطن، لكن هذا إنما هو في النجاسة الباطنية، وأما الظاهرية التي تدخل الباطن ففيها تأمل.

[393] قوله: [أن يستدل] الظاهر أن الحكم إجماعي، بل ضروري - ولو في خصوص الأعيان النجسة - ومرتكز عند المتشرعة.

[394] قوله: [بتقريب] هذا مركب من أنَّ النجس أو المتنجس رجس، والرجس واجب الاجتناب.

[395] قوله: [فرّع] بدليل الفاء، كما لو قلنا «زيد مؤمن فاكرمه» فإنها

ص: 191


1- المائدة: 90.

المذكورة على كونها رجساً، وحيث إنّ النجس أو المتنجّس رجس يلزم اجتنابه، ومن الواضح أنّ الأكل في المأكول والشرب في المشروب أظهر آثارهما أو من أظهرها فيلزم اجتنابهما.

ويرد عليه: أنّ الرجس في اللغة له معان عديدة؛ منها: القذارة[396]...

ويؤيّد ذلك أنّ الميسر من الأعمال مضافاً[397] إلى أنّ اللّه سبحانه أردف قوله رجس بقوله: من عمل الشيطان، وكون النجس من عمل الشيطان أوّل الكلام.

-------------------------

تدل على ترتب التالي على المقدم، واجتناب المأكول باجتناب أكله، والمشروب باجتناب شربه، فإن ذلك أظهر الآثار أو من أظهرها(1). وهذا في الواقع مركب من قياسين.

ويرد عليه: المناقشة في الصغرى والكبرى معاً.

[396] قوله: [القذارة] فلو اُُريد ذلك فلا شك أن النجس قذرِ؛ إذ القذر إما عرفي أو شرعي، وهي قذرة شرعاً قطعاً.

لكن لم يعلم أن المراد القذارة المادية، بل يحتمل كون المراد القذارة المعنوية، بل هي الظاهر، وأما كون المعنى العمل القبيح فهو بعيد عرفاً.

[397] قوله: [مضافاً] هذه مناقشة في الكبرى؛ إذ العلة هي المجموع المركب من الرجس وعمل الشيطان، حيث قال: {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}(2)

ص: 192


1- انظر: معارج الأصول: 105، كفاية الأصول: 252.
2- المائدة: 90.

ومنها قوله تعالى: {وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ}(1) بدعوى أنّ النجس رجز فيلزم هجره، وهجره في المأكول عدم أكله وفي المشروب عدم شربه.

ويرد عليه: أنّ الرجز وإن كان معناه القذر لكن ليس منحصراً[398] فيه، بل له معان أُخر، ومنها عبادة الأوثان فلا يتمّ الاستدلال؛ إذ من الممكن أنّ المراد من الآية عبادة الأوثان، وحيث إنّ عبادة الأوثان حرام قطعاً فلا تصل النوبة إلى العلم الإجمالي[399] بحرمة أحد الأمور كي يقال: بأنّ تنجّزه يقتضي الاجتناب عن جميع المحتملات...

ومنها: الأخبار الدالّة على نجاسة السمن[400] والزيت لو وقعت فيها الميتة، ومن جملتها ما رواه زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامداً فالقها وما يليها،

-------------------------

لا كونه رجساً فقط. إلاّ أن يقال: إن كل قذر معنوي من عمل الشيطان، فتأمل.

[398] قوله: [ليس منحصراً] كونه بمعنى عبادة الأوثان بعيد جداً.

[399] قوله: [العلم الإجمالي] إذ تنجز أحد الأطراف بمنجز سابق يبطل تنجيز العلم الإجمالي، مثل إناء نجس قطعاً ثم وقعت قطرة دم إما فيه أو في الآناء الآخر.

[400] قوله: [السمن] بإلغاء الخصوصية عرفاً، خاصة مع ملاحظة المتفرقات.

ص: 193


1- المدثر: 5.

وكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به والزيت مثل ذلك«(1). وغيرها من الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة، ووجه الدلالة في هذه الأخبار على المدّعى ظاهر[401].

ومنها: ما دلّ من الأخبار على إهراق الماء الملاقي للنجس، ومن جملتها ما رواه سماعة قال: »سألته عن رجل يمسّ الطست أو الركوة ثمّ يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفّيه، قال: يهريق من الماء ثلاث حفنات...«(2) ووجه الدلالة على المدّعى أيضاً ظاهر، لكن مضمر[402] سماعة لا أثر له.

ومنها: ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا، وما أحسبه إلاّ عن حفص بن البختري قال: »قيل لأبي عبد اللّه (عليه السلام) في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة«(3). وهذا الخبر وإن كان مرسلاً لكن مرسله ابن أبي عمير الذي شهد في حقّه أنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة، وتقدّم قريباً

-------------------------

[401] قوله: [ظاهر] ويدل على الاجتناب عن النجس - كنفس الفأرة - بالأولوية، ولا أقل من الملاك.

[402] قوله: [مضمر] إذ لا اعتبار بالمضمرات إلاّ من الأجلاء(4).

ص: 194


1- الكافي 6: 261.
2- تهذيب الأحكام 1: 38.
3- الاستبصار 1: 29.
4- انظر: أصول الحديث: 101، رجال الخاقاني: 24.

المسألة 51: عدم جواز السجود على المحلّ المتنجّس

مسألة 51: لا يجوز السجود على المحلّ المتنجّس ولو مع عدم سراية النجاسة إلى الجبهة. نعم يجوز الصلاة في المكان النجس إذا لم تسر نجاسته إلى ثياب المصلّي أو بدنه(*).

عدم تماميّة التقريب[403].

ومنها: ما رواه حسن بن علي بن شعبة في تحف العقول، عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: »وأمّا وجوه الحرام... إلى أن قال: أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرام«(1)، ولكنّ الكلام في سند[404] هذه الرواية، مضافاً إلى أنّ شمولها للمتنجّس مشكل، فإن ظاهر[405] وجوه النجس هي العناوين الأوّلية، أعني الأعيان النجسة...

(*) ... يمكن أن يستدل عليه بما رواه ابن محبوب قال: »سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجصّ توقد عليه[406] العذرة وعظام الموتى

-------------------------

[403] قوله: [التقريب] لكن تقدمت تمامية التقريب.

[404] قوله: [سند] إلاّ أن يقال: إنها مجبورة بالعمل، فتأمل.

[405] قوله: [ظاهر] أو هو القدر المتيقن.

[406] قوله: [عليه] كأن الجص يوضع تحت العذرة والعظام توقد فوقه وتشعل بالنار، وعلى فرض إجمال مفهوم الرواية صدراً وذيلاً لا يضر؛ لأن إجمال بعض فقرات الرواية لا يضر بغير المجمل منها.

ص: 195


1- وسائل الشيعة 17: 84.

ثمّ يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إليّ بخطّه أنّ الماء[407] والنار قد طهّراه«(1). فإنّه يفهم من هذه الرواية أنّ مانعيّة النجاسة عن صحّة السجود كانت مفروضة في ذهن السائل[408]، والإمام (عليه السلام) لم يردعه عن هذا المعنى، بل أجابه بأنّه طاهر، فلا مانع من السجود عليه، وأمّا الصلاة في المكان النجس فلا مانع منها إذا لم تسر النجاسة، وذلك لعدم الدليل على المنع والسيّرة[409] جارية عليها.

-------------------------

[407] قوله: [الماء] لعل المراد الماء الذي يوضع مع الجص فيما بعد.

[408] قوله: [السائل] بل نفس الذيل صريح في ذلك، وإلاّ فلو كان لا فرق بين كونه طاهراً أو لا، لما كان معنى لذلك، بل كان الجواب «لا بأس» إلاّ أن يقال: إنما قال (عليه السلام) ذلك لأنه أفضل الفردين لا للشرطية، كما لو سأل «ماذا أصنع تجاه أبي فقال: إنه مؤمن فأكرمه» فإنه ينسجم ولو كان إكرام الأب غير المؤمن واجباً أيضاً.

خاصة لو لوحظت جلالة قدره، ولعل الحسن بن محبوب من الطبقة الثالثة من أصحاب الإجماع.

[409] قوله: [والسيرة] كما في المسجد الحرام فعلاً، حيث يغسل بالماء المضاف.

وفيه: إنه لم يُعلم اتصال هذه السيرة ونيلها الإمضاء، والمصنف الذي يناقش في السيرة كيف استدل بمثل هذه السيرة؟

ص: 196


1- وسائل الشيعة 5: 358.

المسألة 52: تجب إزالة النجاسة عن المسجد

مسألة 52: يجب إزالة النجاسة عن المسجد فوراً مع التمكّن(*).

(*) الكلام يقع تارة فيما أفاده من جهة أصل وجوب الإزالة، وأُخرى من جهة الفوريّة، فهنا مقامان: أمّا المقام الأوّل[410] فما يمكن أن يستدلّ به على المدّعى أُمور: منها: قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}(1). بتقريب أنّ المستفاد من الآية مبغوضية قرب النجاسة من المسجد، فلا فرق بين الدفع والرفع[411]، فكما يجب الأوّل يجب الثاني...

ويرد[412] عليه: أنّ النجس في عرف الشارع في ذلك الزمان لم

-------------------------

[410] قوله: [أما المقام الأول] قد يدعى وضوح ذلك في الأذهان وجريان السيرة عليه.

[411] قوله: [الدفع والرفع] عرفاً، كما لو قال: «ادفع الميكروب» فإنه يستفاد منه عُرفاً «ارفعه» وإن أمكن بالدقة العقلية أن لا يريد المولى مجيء زيد إليه، فإن جاء إليه يقول (اتركوه) ومثله ولد الزنا، فإن وجوده محرم، أما بقاؤه فهو واجب.

[412] قوله: [ويرد] كما يرد أنه قد يكون للمسجد الحرام خصوصية، وسيأتي نظير ذلك، كما ثبت اختصاصه - وكذا المسجد النبوي - ببعض الأحكام، كحرمة مرور الجنب مثلاً.

ص: 197


1- التوبة: 28.

يحرز[413] أنّه حقيقة في المعنى الخاصّ، أي القذارة الشرعية التي تكون لها أحكام خاصّة.

-------------------------

إلاّ أن يقال بعدم القول بالفصل كما سيأتي.

وفيه: إنه ليس بحجة.

ثم إنّ النجس إما يراد به القذارة المعنوية، وحينئذٍ لا تدل على المطلوب، مثل: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}(1) و{وَيَجْعَلُ

الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}(2) فالكافر قذر، أي أنّ فكره ملوث بالشرك، ونفسه ملوثة بالنوايا السيئة، وعمله ملوث بالأعمال القذرة، فإن الشرك مفتاح جميع الشرور والسيئات، بخلاف التوحيد.

أو يراد به القذارة العرفية، باعتبار أنه ملوث بالخمر ونحوها.

ويرد عليه: أنه ليس كل قذارة شرعية عرفية، كالعصير العنبي لو غلى على القول بالنجاسة.

أو يراد به القذارة الشرعية، وحينئذٍ يرد عليه: أنه لا يدل على كل مسجد.

[413] قوله: [لم يُحرز] وأصالة عدم النقل - أو الاستصحاب القهقرائي - إنما تجري لو شك في أصل النقل كلفظ المعدن، أما لو علم به وشك في تاريخه فلا تجري(3).

ص: 198


1- الحج: 30.
2- يونس: 100.
3- انظر: تقريرات آية اللّه المجدد الشيرازي 1: 40، قوانين الأصول: 36.

... بل يمكن النقاش[414] في دلالة الآية ولو مع تسليم كون المراد بالنجس هو المعنى الخاصّ كما هو ليس ببعيد...

وممّا ذكر في ردّ الدليل السابق يظهر الحال في هذه الآية، فإنّ التطهير بمعنى التنظيف، ولا دليل على إرادة التنظيف الشرعي[415] من الآية، فالاستدلال أيضاً غير تام فتأمّل، أضف إلى ذلك أنّ قياس[416] المساجد على المسجد الحرام لا دليل عليه.

ومنها: النبوي المرويّ في كتب الأصحاب، عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال: »جنّبوا مساجدكم النجاسة«(1). ودلالته على المدّعى يتوقّف[417] على عدم كون المراد من المساجد مسجد الجبهة،

-------------------------

[414] قوله: [النقاش] فيه نظر، فإذا كان القرب أو الكينونة مبغوضاً كان التنجيس مبغوضاً بطريق أولى.

[415] قوله: [الشرعي] نعم، يدل على المدّعى في الجملة؛ إذ بعض النجاسات الشرعية نجاسات عرفية أيضاً.

[416] قوله: [قياس] لا يقال: الموضوع هو «بيتي»، وكل مسجد بيت اللّه تعالى، فإنه يقال: «بيتي» موضوع لا مورد كي لا يقال: خصوص المورد.

وبعبارة أُخرى: هذا من خصوص الوارد لا المورد، فهو نظير قولك لخادمك: «نظف غرفتي» مشيراً إلى غرفة خاصة، فإنه لا يدل على وجوب تنظيف كل غرفك؛ إذ لعل لهذه الغرفة خصوصية خاصة.

[417] قوله: [يتوقف] هذا غير ظاهر ولا يخطر ببال العُرف إطلاقاً.

ص: 199


1- وسائل الشيعة 5: 229.

ومن المحتمل أن يكون المراد بها هذا المعنى، ويؤّيده[418] إضافتها إلى ضمير الجمع...

قلت: هذا فيما يكون الأصل الجاري في الأطراف يتعارض بعضه مع البعض الآخر، وفي المقام ليس كذلك؛ إذ الأصل لا يجري[419] بالنسبة إلى وجوب الإزالة عن مسجد الجبهة...

ومنها: ما رواه الحلبي قال: »نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر، فدخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال: أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان، فقال: إنّ بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً، أو قلنا له: إنّ بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً، فقال: لا بأس، الأرض تطهّر بعضها بعضاً[420]...«(1).

-------------------------

[418] قوله: [ويؤيده] فيكون لكل مسجدٍ أي محل سجود، وهذا بخلاف المسجد بمعنى الجامع، فإنه خاص ببناة المسجد وهم محدودون.

[419] قوله: [لا يجري] لأنه ثبت وجوب إزالة النجاسة عنه.

والخلاصة: أن العلم الإجمالي فاقد لشرط التنجيز، وهو أن لا يكون بعض أطرافه منجزاً بمنجز سابق.

[420] قوله: [بعضها بعضاً] يحتمل هنا معنيان:

الأول: بعض الأرض تطهر آثار بعضها الأُخر.

الثاني: بعضها بدل البعض من الكل، وبعضاً معقول، أي بعضاً من الأشياء، فالمعنى؛ بعض الأرض تطهر بعض الأشياء.

ص: 200


1- الكافي 3: 38.

ويرد عليه: أنّه يمكن[421] أنّ نظره (عليه السلام) في نفي البأس من جهة الصلاة لا من جهة تنجيس المسجد، مضافاً إلى أنّ الرواية لا تدلّ على وجوب الإزالة، بل تدلّ - على فرض التسليم - على حرمة التنجيس، إلاّ أن يقال بعدم الفصل[422] بين الأمرين.

ومنها: ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن الدابّة تبول فيصيب بولها المسجد أو حائطه أيصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: إذا جفّ فلا بأس«(1). بتقريب أنّ المرتكز[423] في ذهن السائل أنّ إزالة النجاسة عن المسجد أمر واجب...

-------------------------

[421] قوله: [يمكن] والعلم الإجمالي لا يؤثر للانحلال، كما سبق نظيره قبل قليل.

[422] قوله: [الفصل] سبق أنه ليس بحجة، والأُولى الاستدلال بأنه لا فرق عرفاً بين الدفع والرفع كما سبق.

[423] قوله: [المرتكز] فهنا يوجد ارتكازان:

الأول: إن بول الدابة من النجاسات، وهو صغروي.

الثاني: إن إزالة النجاسة من الواجبات، وهو كبروي.

وقد قرره الإمام (عليه السلام) على ما في ذهنه، وقد ثبت أن التقرير الصغروي تقية، فتبقى الكبرى.

ص: 201


1- وسائل الشيعة 3: 411.

إن قلت[424]: بول الدواب طاهر على طبق المذهب، قلت: حيث إنّ مذهب العامّة على نجاسته يكون التقرير تقيّة.

إن قلت: إن كان المستفاد من الرواية ما ذكر، فكيف يمكن الالتزام بعدم البأس في صورة الجفاف؛ إذ مطلق الجفاف لا يكون مطهّراً؟

قلت: من الممكن أنّ الرواية من هذه الجهة صدرت أيضاً تقيّة؛ إذ كما نقل أنّ بعض العامّة - أي الحنفية[425] - قائلون بأنّ مطلق الجفاف يقتضي الطهارة.

ولكن حمل الرواية على التقيّة بهذا النحو لا ينافي دلالتها على المدّعى، فإنّ المستفاد منها وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، غاية الأمر تطبيق هذه الكبرى على المورد يكون بنحو التقيّة[426].

-------------------------

[424] قوله: [إن قلت] إشارة إلى أنّ الإمام (عليه السلام) كيف قرّره.

[425] قوله: [الحنفية] فيكون تقية مزدوجة، تقية في تقرير ما في ذهن السائل من نجاسة بول الدابة، وتقية في الحكم بالطهارة بالتجفيف على فرض النجاسة. هذا ولعل الأُولى أنه جواب بالحكم الواقعي؛ إذ التقية ترتفع في صورة الجفاف؛ إذ المخالف يرى طهارة المسجد بالجفاف، فالإمام بين له الحكم الواقعي في عدم البأس بالصلاة في صورة الجفاف لعدم المانع من تقية ونحوها.

[426] قوله: [التقية] وقد ذكر نظير ذلك في «ذلك إلى الإمام، إن صمت صمنا، وإن أفطرت أفطرنا»(1).

ص: 202


1- الكافي 4: 83.

لكن في المقام إشكال، وهو أنّه من الممكن أن يكون السؤال من ناحية منافاة تعظيم المسجد مع وجود القذرات العرفية فيه، فرّبما تجب إزالتها عنه أو تستحبّ، فيمكن[427] أن يكون وجه السؤال إمكان تنافي المبادرة إلى الصلاة مع وجود بول الدابّة على جدران المسجد، والإمام (عليه السلام) يفصل بين صورتي الجفاف وعدمه؛ إذ مع الجفاف[428] لا يصدق انهتاك المسجد، فلا يرتبط السؤال بوجوب إزالة النجاسة عن المسجد.

ويؤيّد المدّعى أنّه يبعد أن يكون مثل عليّ بن جعفر جاهلاً بعدم نجاسة بول الدابّة، فتأمل[429].

ومنها: ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل: »إنّ اللّه أوحى إلى نبيّه أن طهّر مسجدك واخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل، ومر بسدّ أبواب من كان له في مسجدك باب إلاّ باب عليّ (عليه السلام) ومسكن فاطمة (عليها السلام) ، ولا يمرّن فيه جنب«(1)...

-------------------------

[427] قوله: [فيمكن] والاحتمال لا يجدي لانحلال العلم الإجمالي، كما سبق نظيره؛ إذ الهتك حرام قطعاً(2).

[428] قوله: [مع الجفاف] فيه نظر، فإنه إذا كان له لون ورائحة كان هتكاً، وفي صورة عدم الجفاف إذا لم يكن له لون ورائحة لم يكن هتكاً.

[429] قوله: [فتأمل] إذ لعله سأله في أيام شبابه، خصوصاً وأنه سأل أخاه (عليه السلام) ، ولم يسأل الأئمة اللاحقين (عليهم السلام) ، أو سأله لنقل الجواب للآخرين.

ص: 203


1- الكافي 5: 340.
2- انظر: العروة الوثقى 1: 178.

ويرد[430] عليه: أنّه يمكن أن يكون المراد من المسجد مسجد الجبهة، وإلاّ كان المناسب أن يقول: »وأخرج منه« لسبق المرجع، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون وجوب تطهير مسجده تكليفاً مختصاً به[431]...

منها: ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي في حديث أنّه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : »فيصلح المكان الذي كان حشاً[432] زماناً أن ينظّف ويتخّذ مسجداً؟ فقال: نعم[433] إذا أُلقي عليه من التراب ما يواريه فإنّ ذلك ينظّفه ويطهّره«(1).

-------------------------

[430] قوله: [ويرد] فيه نظر، بل لا يأتي للذهن مطلقاً، والتكرار كتكرار المسجد في الجملة اللاحقة.

[431] قوله: [مختصاً به] لعل المراد: أي بالمسجد النبوي لا بشخص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وذلك للاشتراك في التكليف، وقد سبق بيان الاختصاص قريباً، فراجع.

[432] قوله: [حشاً] مثلث الحاء: وهو موضع قضاء الحاجة(2).

[433] قوله: [نعم] هذا يدل على وجوب طهارة ظاهر المسجد وأما باطنه فلا، إلاّ أن يقال: إنه بقرينة سائر الروايات يوقف الظاهر عندها فقط مسجداً.

ص: 204


1- من لا يحضره الفقيه 1: 236.
2- انظر: الصحاح 3: 1001، مادة «حشش».

ومنها: ما رواه أبو الجارود في حديث قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المكان يكون خبيثاً[434] ثمّ ينظّف ويجعل مسجداً، قال: يطرح[435] عليه من التراب حتّى يواريه فهو أطهر«(1)...

فإنّه يمكن أن يستدل بهذه الروايات على المدّعى بتقريبين:

أحدهما: أنّ المرتكز في ذهن السائل التنافي بين المسجدية والنجاسة، والإمام (عليه السلام) قرّره[436] على هذا الارتكاز.

-------------------------

[434] قوله: [خبيثاً] هل المراد الخباثة العرفية أو الشرعية؟

[435] قوله: [يطرح] لعل المراد فوق تنظيفه، فإن الروائح - مثلاً - تبقى في المكان المنظف، فيطم بالتراب حتى لا تبقى تلك الآثار.

[436] قوله: [قررّه] هل كل ارتكاز في ذهن السائل يعتبر عدم النهي عنه تقريراً؟

والجواب: أولاً: إذا أدى إلى تفويت الغرض الشرعي فنعم؛ لأن عدم الردع خلاف ضرورة الاحتفاظ بالغرض عقلاً، والأمر والنهي والإرشاد شرعاً.

والمقام ليس كذلك؛ إذ منتهى الأمر أن السائل لا يبني ذلك المكان مسجداً، وإنما يبني مكاناً آخر، وليس في ذلك محذور.

ثانياً: أو قلنا: إن كل خطأ في فهم الحكم الشرعي يجب تقويمه.

ثم هنا بحث، وهو أن اللازم ردع كل فرد فرد، أو بيان الأحكام بشكل عام بالطرق المتعارفة.

ص: 205


1- الكافي 3: 368.

ثانيهما: أنّه (عليه السلام) علّق جواز جعل الكنيف مسجداً على الطمّ... أي يستفاد منها أمران:

الأوّل[437]: حرمة التنجيس، والثاني: وجوب التطهير.

لكن[438] لا يستفاد من هذه النصوص سراية الحكم المذكور إلى خارج المسجد، فلا دليل على شمول الحكم خارجه، فلا تجب إزالة النجاسة عن جدار المسجد من خارجه...

وربّما يقال[439]: بأنّه يجوز تنجيس المسجد فإنّ الجواز مقتضى الأصل، ويدلّ عليه ما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة، قال: يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة«(1).

-------------------------

[437] قوله: [الأوّل] لعله بالأولوية العرفية، وإلاّ فلم يرد صريحاً ظاهراً.

[438] قوله: [لكن] ظاهر العبارة طرح إشكالين:

الأول: إن الأولوية لا تشمل خارج المسجد.

الثاني: لا تشمل باطنه.

إلاّ أن يتمسك بعدم القول بالفصل، إلاّ أنه ليس بحجة، فتأمل.

[439] قوله: [وربما يقال] هذا المبحث لا ربط له بالمقام، إذ الكلام فعلاً في وجوب التطهير، إلاّ أن يكون نظره للأولوية، فإنه إذا جاز التنجيس لم يجب التطهير بطريق أولى، فتأمل.

ص: 206


1- تهذيب الأحكام 1: 349.

فإنّ مقتضى إطلاق الحديث جواز مسح يده بالحائط وإن كان الحائط للمسجد. وفيه: أنّ الأصل لا يبقى مجال[440] له بعد ورود النصّ، وأمّا الحديث فلا إطلاق له، وليس في مقام البيان[441] من هذه الجهة...

ومنها[442]: الإجماع كما نقل عن الشيخ والحلّي والفاضلين والشهيد وغيرهم.

إلاّ أن يناقش فيه بأنّه محتمل المدرك، ومعه لا يكون حجّة فيمكن أن يقال: إنّ هذا الحكم لا يكون من المسلّمات لدى الأصحاب بحيث لا يكون قابلاً للنقاش[443].

وأمّا المقام الثاني، فنقول: لو تمّ ما تقدّم من الأدلَّة فمقتضاها فورية الإزالة، فإنّ التأخير ينافي وجوب التبعيد[444] والتجنّب، مضافاً إلى أنّ مناسبة الحكم والموضوع[445] تقتضي الفوريّة...

-------------------------

[440] قوله: [مجال] إذ الأدلَّة الاجتهادية حاكمة أو واردة.

[441] قوله: [البيان] فهو كطهارة موضع العض في قوله تعالى: {أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}(1).

[442] قوله: [ومنها] عود إلى أدلَّة وجوب الإزالة بعد الفاصل الذي تخلل.

[443] قوله: [للنقاش] لاحتمال المدركية.

[444] قوله [التبعيد] فلو قال قائل: نظف الغرفة فظاهره وجوب الفورية.

[445] قوله: [الموضوع] إذ المراد عرفاً أن لا تهتك حرمة المسجد، وبعبارة أُخرى: الغرض - عرفاً - احترام حرمة المسجد، وهو ينافي التأخير.

ص: 207


1- المائدة: 4.

كما أنّه يحرم تنجيس المسجد(*) ولكن لا يحرم إدخال الشي ء النجس فيه ولا وضعه فيه(**) إلا مع تعدّي نجاسته إليه أو استلزم إدخاله أو وضعه هتك حرمة المسجد(***).

(*) يمكن الاستدلال على المدّعى أوّلا بالأولوية[446] إذ لو كانت الإزالة واجبة فبالأولوية يكون التنجيس حراماً، وثانياً أنّ حرمة تنجيس المسجد من مرتكزات[447] أهل الشرع.

(**) لأنّه لا دليل[448] عليه ومع فرض وجوده ترفع اليد عنه بالإجماع[449] والتسالم عند الأصحاب.

-------------------------

[446] قوله: [بالأولوية] العرفية.

[447] قوله: [مرتكزات] وهو كاشف إنّي عن البيان الشرعي، لكن اتصال هذه السيرة بزمان المعصوم (عليه السلام) ونيلها التقرير محل تأمل، إلاّ أن يقال: بالاتصال، أو يقال: إنّ نفس الارتكاز حجة بذاته ولو لم يحرز الاتصال. نعم، لو أُحرز عدم الاتصال لم يكن حجة، فتأمل.

[448] قوله: [لا دليل] لكن بعض الأدلَّة السابقة مشعرة بالحرمة، مثل قوله {فلا يقربوا}(1) إلاّ أنه في دلالتها تأمل، وكذا «جنبوا مساجدكم النجاسة»(2) إلاّ أنها ضعيفة.

[449] قوله: [بالإجماع] المصنف لا يقبل الإجماع عادة فكيف قبله في المقام؟

ص: 208


1- التوبة: 28.
2- وسائل الشيعة 5: 229.

المسألة 53:المشاهد المشرّفة في حكم المساجد

مسألة 53: المشاهد المشرّفة أعني روضات الأئمة (عليهم السلام) في حكم المساجد في حرمة تنجيسها، ووجوب إزالة النجاسة عنها حتّى الرواق منها على الأحوط، وأمّا الصحن الشريف فالظاهر عدم كونه كذلك(****)[450].

(***) فإنّه حرام[451] في هذه الصورة قطعاً، فإنّ المسجد من شعائر اللّه وهتكها حرام، فإنّ هتكها يستلزم هتكه سبحانه وتعالى.

(****) لم يدلّ على هذا الحكم دليل[452]. نعم، لو كان التنجيس أو الإبقاء سبباً لهتكهم (عليهم السلام) الذي يكون هتكاً لساحة قدسه تعالى فلا شبهة في حرمة الإحداث ووجوب الإزالة، وهذا لا

-------------------------

[450] قوله: [كذلك] إلاّ مع استلزام الهتك فيحرم.

[451] قوله: [حرام] يدل عليه:

أولاً: إن هتك حرمة المولى مما يوجب العقوبة عند العقلاء، فلو عاقبه المولى لم يكن ملوماً عندهم، ولا فرق بين هتك حرمته أو حرمة ما يضاف إليه.

ثانياً: قوله تعالى: {لا تحلوا شعائر اللّه}(1) فتأمل.

[452] قوله: [دليل] الظاهر أن الارتكاز الذي ذكره المصنف في الهامش الأول(2) موجود هنا. كما أنه قد يُدعى مساواتها للمساجد - عرفاً - فتأمل.

ص: 209


1- المائدة: 2.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 104.

المسألة 54: نجاسة الحيوان الطاهر ذي النفس بالموت

مسألة 54: الحيوان الطاهر العين من ذي النفس ينجس بالموت مطلقاً(*)[453].

يختصّ بالروضة المقدّسة، بل الرواق والصحن كذلك كما هو ظاهر[454].

(*) ... نقل عن المعتبر أنّه إجماع علماء الإسلام، ومضافاً إلى ذلك يدلّ عليه جملة من النصوص منها: ما رواه قاسم الصيقل قال: »كتبت إلى الرضا (عليه السلام) إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميّتة فتصيب ثيابي فأصلّي فيها، فكتب إليّ: اتخذ[455] ثوباً لصلاتك«(1)...

ومنها: ما رواه الحلبي قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الفأرة والدابّة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه، فقال: إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً فإنّه ربّما يكون بعض هذا،

-------------------------

[453] قوله: [مطلقاً] أي سواء أكان حلال اللحم أم حراماً.

[454] قوله: [ظاهر] فلو كان هتكاً كان حراماً ولو في الصحن، كالتخلي، ولو لم يكن هتكاً كان حلالاً ولو في الروضات، كما لو فرض ذلك في التطبير، فتأمل.

[455] قوله: [اتخذ] فإن اتخاذ ثوب خاص للصلاة يدل على نجاسة الثياب المصابة، وإلاّ فلا وجه - في مرتكز المتشرعة - للاجتناب عنها غير ذلك.

ص: 210


1- الكافي 3: 407.

فإن كان الشتاء[456] فانزع ما حوله وكله، وإن كان الصيف فارفعه حتّى تسرّج به، وإن كان ثرداً(1) فاطرح الذي كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابّة ماتت عليه[457]«(2).

ومنها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »قلت له: راوية[458] من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتّة، قال: إذا تفسّخ[459] فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ وصبّها، وإن كان غير متفسّخ فاشرب[460] منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها

-------------------------

[456] قوله: [الشتاء] الظاهر أنه لا موضوعية له - عرفاً - بل هو طريقي للجمود، والصيف طريقي للميعان.

[457] قوله: [ماتت عليه] فإن النفس تعاف ذلك عادةً، فيطرح الطعام كله.

[458] قوله: [راوية] الراوية هي: المزادة فيها الماء، ويسمى البعير راوية على تسمية الشيء باسم غيره لقربه(3).

[459] قوله: [تفسخ] لعل التفسخ طريق للتغير وعدمه، وإلاّ فلم يقل أحد - على حدّ علمنا - بموضوعية التفسخ.

[460] قوله: [فاشرب] يدل على عدم انفعال القليل بصرف الملاقاة، أو

ص: 211


1- الثرد: ما يهشم من الخبز ويبل بماء القدر وغيره، وثردت الخبز ثرداً كسرته فهو ثريد، لسان العرب3: 102.
2- تهذيب الأحكام 9: 86 .
3- انظر: لسان العرب 14: 346.

طريّة«(1)...

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الميتة في الموارد المختلفة... فما عن صاحب المدارك من الإشكال في غير محلّه، فإنّه (قدس سره) استشكل في نجاسة الميتة بعدم دليل[461] يعتدّ به عليها...

فإنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ الدليل على النجاسة تامّ[462] لا ريب فيه، وأمّا مرسلة الصدوق فلإرسالها لا اعتبار بها، وما أفاده (قدس سره) في أوّل كتابه من أنّ كلّ رواية يذكرها فهي حجّة بينه وبين ربّه لا يوجب الاعتماد عليها. فإنّه يمكن[463] أن يكون اعتماده عليها من جهة قرينة قائمة عنده موجبة لاعتبارها بنظره.

-------------------------

يقال - جمعاً - بأن الراوية تسع كراً. وقوله (عليه السلام) (وكذلك الجرة)(2) يدل على الأول.

[461] قوله: [بعدم دليل] فيكون الأصل الطهارة.

[462] قوله: [تام] ومع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

[463] قوله: [يمكن] إذ الاعتماد قد يكون لتوثيق الرواة فيكون حجة، لأن الصدوق من القدماء، وقد يكون لاجتهاده في قرائن دالة على ذلك وهذا ليس بحجة؛ إذ ليس اجتهاد فقيه حجة على فقيه آخر.

إن قلت: إنّ أصالة الحس العقلائية تحكم بكونه حسيّاً، أي ليس التصحيح اجتهادياً، بل لوثاقة الرواة الحسية.

ص: 212


1- الاستبصار 1: 8.
2- الاستبصار1: 7، ح7.

وأمّا مع التذكية فالمأكول اللحم منه طاهر حلال بلا إشكال مع العلم بتذكيته(*)، وإلا فلا بدّ من قول أو فعل[464] من ذي اليد المسلم يدلّ على تذكيته(**)[465].

مضافاً إلى أنّ هذه الرواية معارضة[466] بما أقوى منها سنداً...

وقد أفاد صاحب الحدائق (قدس سره) بأنّ هذه الرواية رواها في الكافي عن ابن أبي المغيرة، وهو ثقة كما في كتب الرجال، انتهى موضع الحاجة من كلامه، وفي دوران[467] الأمر بين الزيادة والنقيصة يؤخذ بالزائد.

-------------------------

قلت: الأصالة المزبورة ليست تعبدية، بل عقلائية، والعقلاء إنما يبنون عليها فيما لو كان المورد فيما يتكل فيه عادة على الحس - كسقوط قطرة دم في الإناء - أما لو كانوا يعتمدون على الاجتهاد كثيراً فلا تجري، فتأمل.

[464] قوله: [أو فعل] ولو مثل بيعه وهبته، ولا يحتاج إلى مثل صلاته فيه، ولعل هذا هو مراد الماتن، وعليه فإشكال الشارح عليه غير وارد(1).

[465] قوله: [تذكيته] وكذا ما يؤخذ من سوق المسلمين أو يصنع في أرض الإسلام، أو ما كان الغالب عليها المسلمون.

[466] قوله: [معارضة] والترجيح مع روايات النجاسة لمخالفتها للعامّة.

[467] قوله: [وفي دوران] إذا كان مراده (أي تذكّى)(2) ففيه: أن حذفها لا يضر بالدلالة، وإلاّ كانت الرواية بلا معنى مفهوم، وعلى كلٍ:

ص: 213


1- انظر: الدلائل 1: 110.
2- الكافي6: 259، ح7.

(*) أمّا الطهارة[468] فمع أنّها مورد الاتّفاق تستفاد من نفس الروايات الواردة في هذا الباب من جواز استعماله في الصلاة وغيرها ممّا يكون مشروطاً بالطهارة، مضافاً إلى أنّ عدم الدليل على النجاسة يكفي في الحكم بالطهارة، وأمّا الحلّية فتدلّ عليها الآية الشريفة، وهي قوله تعالى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدّيَةُ وَالنّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السّبُعُ إِلاّ مَا ذَكّيْتُمْ[469]}(1)...

(**) ... ويدلّ على المدّعى بوضوح ما ورد من النصوص الدالّة على أمارية سوق المسلمين على التذكية. منها[470]: ما رواه فضيل

-------------------------

فهذه الجملة مجملة.

[468] قوله: [أما الطهارة] الظاهر أن الحكم من الضروريات فلا حاجة للاستدلال.

[469] قوله: [إلاّ ماذكيتم] هل هذا استثناء منقطع أو متصل؟ ولو كان متصلاً فهو استثناء من ماذا؟ وهل يدل على المدعى كلياً أو في الجملة؟

والظاهر: أنه منقطع، أي هذه محرمات. نعم، ما ذكيتم حلال، فيدل على المدعى مطلقاً.

[470] قوله: [منها] العناوين الواردة في هذه الروايات هي:

ص: 214


1- المائدة: 3.

وزرارة ومحمّد بن مسلم: »أنّهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون، فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه[471]«.(1)

ومنها: ما رواه الحلبي قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميت بعينه[472]« (2)...

-------------------------

1- سوق المسلمين.

2- السوق.

3- أرض الإسلام وما كان الغالب عليها المسلمون.

وليس فيها شيء يدل على يد المسلم، إلاّ أن يتمسك بالأمارة على الأمارة، أو ما مضى من الإجماع والسيرة.

[471] قوله: [ولا تسأل عنه] حيث إنه في مقام توهم الوجوب لعله يدل على عدم الوجوب فقط لا المرجوحية، فتأمل.

لكن الرواية الثالثة(3) ربما تدل على المرجوحية، فتأمل.

[472] قوله: [بعينه] في قبال الشبهة غير المحصورة، أو ما خرج بعض أطرافه عن محل الابتلاء، ولا ظهور له في الشبهة المحصورة، إلاّ أن يدعى الإطلاق، فتأمل.

ص: 215


1- وسائل الشيعة 24: 70.
2- تهذيب الأحكام 2: 234.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 109.

فإنّ المستفاد[473] من هذه النصوص أنّ الميزان الأخذ من محلّ مستند إلى المسلمين، بلا فرق بين كون ذلك المحلّ عنوان السوق أو الشارع أو الطريق أو البلد...

بقي أُمور:

الأوّل[474]: أنّ السوق بما هو لا أثر له وإنّما المؤثّر السوق الذي يكون للمسلمين...

الثاني: أنّه يكفي كون البائع مسلماً ولو لم يكن عارفاً[475]

-------------------------

[473] قوله: [فإن المستفاد] لعل الاستفادة باعتبار فهم الفقهاء، أو باعتبار أن إضافة السوق إلى المسلمين تشعر بأنّ الملاك هو كونه مسلماً عرفاً، وإن احتمل عقلاً أن يكون لسوق المسلمين بما هو سوق خصوصية ويؤيده «لما قام للمسلمين سوق»(1) وعليه يتأمل في الأولوية المذكورة.

والخلاصة: أنه يحتمل أن يكون للسوق خصوصية، أو يرى الشارع التسهيل في ذلك، فلا يشمل الحكم ما لو أُخذ من يد المسلم في بلاد الكفر، إلاّ أن يتمسك بالفهم العرفي أو الفهم الفقاهتي أو السيرة، فتأمل.

[474] قوله: [الأول] المثبتان وإن لم يقيد أحدهما الآخر إلاّ أن الأمر هنا من قبيل العام والخاص، وذلك لمفهوم الشرط في قوله (عليه السلام) : «إذا كان ذلك في سوق المسلمين»(2).

[475] قوله: [عارفاً] أي شيعياً، كما في كتاب النكاح «إن العارفة لا

ص: 216


1- عوالي اللئالي 1: 392.
2- الوسائل: 24: 70.

للإطلاق والعموم، مضافاً إلى السيرة الخارجية بالإضافة إلى الارتكاز[476] المتشرّعي.

الثالث: أنّه هل يلزم أن يفعل ذو اليد المسلم فعلاً[477] يدلّ على التذكية أم لا؟ الحقّ هو الثاني، والوجه فيه أنّ السيرة[478] جارية على البناء على التذكية بلا التزام بهذا القيد، مضافاً إلى إطلاق النصوص، ومن ناحية أُخرى لا دليل[479] على القيد المذكور، وحديث إسماعيل بن عيسى قال: »سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجلود والفرّاء يشريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن

-------------------------

توضع إلاّ عند عارف»(1).

[476] قوله: [الارتكاز] لكن المصنف يشكل فيه عادة - ظاهراً أو احتمالاً - فتأمل.

[477] قوله: [فعلاً] سبق أن نفس بيعه يدل على التذكية.

[478] قوله: [السيرة] ولذا يشترى من الأسواق بلا انتظار صلاته فيه أو سؤاله عن ذلك.

[479] قوله: [لا دليل] بضميمة أن أصالة عدم التذكية غير جارية، فيكون الأصل الطهارة والحلية، إلاّ أن إطلاقه لا يخلو من نظر؛ وذلك لأصالة الحرمة في اللحوم. نعم، الأصل الطهارة، فتأمل.

ص: 217


1- الكافي 5: 350.

تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه«(1) لا اعتبار به سنداً[480].

الرابع[481]: أنّه لو أخذ من يد الكافر في سوق المسلمين هل يمكن القول بالحكم بكون المأخوذ مذكّى بتقريب أنّ الميزان سوق المسلمين[482] أم لا؟

أقول: إن قلنا بأنّ سوق المسلمين أمارة على كون البائع مسلماً، وبعبارة أُخرى إن قلنا: إنّ السوق أمارة على الأمارة[483] لا يحكم بالتذكية فيما لو كان البائع كافراً...

والإنصاف أنّ الجزم بالاحتمال الأوّل والالتزام بكون السوق أمارة على الأمارة مشكل[484]، ومقتضى الظهور أنّ السوق بما هو

-------------------------

[480] قوله: [سنداً] مضافاً إلى احتمال كون الصلاة طريقاً لا أنّ لها موضوعية، فيكون البيع طريقاً آخر، إلاّ أن الأصل الموضوعية، فتأمل.

[481] قوله: [الرابع] الظاهر أن الأدلَّة منصرفة عن ذلك.

[482] قوله: [سوق المسلمين] أي أن له موضوعية.

[483] قوله: [أمارة على الأمارة] أي أن المطلوب التذكية، والدليل عليها هو كونه مسلماً، والدليل على كونه مسلماً هو سوق المسلمين، والدليل على ذلك إضافة السوق إلى المسلمين، فإنها تدل على أن الملاك كونه مسلماً.

[484] قوله: [مشكل] لا إشكال فيه ظاهراً بعد الظهور العرفي.

ص: 218


1- من لا يحضره الفقيه 1: 258.

أمارة، ولكن هل يمكن الالتزام به[485] واللّه العالم.

الخامس[486]: أنّه ربّما يقال: إنّ المستفاد من حديث أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: »أنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميّتة ويزعمون أنّ دباغه ذكاته«(1)...

-------------------------

[485] قوله: [الالتزام به] الظاهر: أن الالتزام به مشكل جداً، ولو كان مثل ذلك جائزاً لبان؛ إذ لا يمكن أن يشتري كل أحدٍ من الكافر بواسطة المسلم، ولأنه غير عقلائي أن نقول (لا تشتر من هذا) فإن تغير مجرد اليد (قلنا: اشتر)! إنه أشبه بالتلاعب والاحتيال الذي لا يظهر من الأدلَّة.

[486] قوله: [الخامس] الظاهر أنه لا دلالة للحديثين على المدعى.

أما الأول: فهو فعل لا يدل على الوجوب، منتهى الأمر أنه يدل على الاحتياط، وهو أعم من الاستحباب والوجوب، فهو مثل ما لو كان البائع لا يعتني بالطهارة والنجاسة فغسلنا الثوب وقلنا: إنه لا أُبالي.

وأما الثاني: فيدل على أن البائع لو كان متهماً لا يحق للمشتري منه أن يبني على التذكية، فهو مثل أن يشتري شخص اللحوم المجمدة ويقول إنها ذكية، ولعل ذلك خلاف الشرط الضمني في العقد وكذب عرفي.

ص: 219


1- تهذيب الأحكام 2: 203.

وغير المأكول طاهر إن كان من السباع أو المسوخ(*)، وأمّا غيرهما ففي الحكم بطهارته بالتذكية تأمّل(**)[487].

(*) فإنّ النجاسة مترتّبة على الميّتة[488] ... وممّا يدلّ على ذلك في الجملة[489] ما رواه سماعة قال: »سألته عن جلود السباع ينتفع بها، قال: إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده وأمّا الميتة فلا«(1). والحديث مخدوش سنداً للإضمار، فإنّ سماعة من الواقفة[490]...

(**) لا أدري ما الوجه فيما أفاده من التفريق بين المسوخ والسباع وغيرهما، وما الوجه في التأمّل؟ فإنّ المستفاد[491] من

-------------------------

[487] قوله: [تأمل] الظاهر الطهارة.

[488] قوله: [الميتة] وهذا مذكّى.

[489] قوله: [في الجملة] إذ الحديث في السباع، وفي صورة الرمي لا الذبح.

[490] قوله: [من الواقفة] سبق أنه لا يصلح قادحاً، وإن الملاك في حجية المضمر جلالة المخبر.

[491] قوله: [فإن المستفاد] هذا لا ربط له بالمقام؛ إذ الأمارية في صورة الشك في التذكية، والمفروض هنا العلم بالتذكية، إلاّ أننا لا نعلم أنه يطهر بالتذكية أو لا.

إلاّ أن يكون مقصوده أن ما يؤخذ من يد المسلم يحكم بتذكيته، ولو كان من غير السباع أو المسوخ، فهذا يدل على قبول كل حيوان للتذكية.

ص: 220


1- تهذيب الأحكام 9: 79.

النصوص المتقدّمة الدالّة على أمارية يد المسلم على التذكية أنّ الحيوان المأخوذ من يده محكوم بتذكيته، فالطهارة على طبق القاعدة، لاحظ حديث[492] البزنطي...

مضافاً إلى أنّ السيرة[493] جارية على ترتيب الأثر وعدم السؤال، أضف إلى ذلك أنّه يكفي للحكم بالطهارة مجرّد الشكّ[494] في التذكية؛ إذ عنوان الميتة - على ما يستفاد من اللغة - عبارة[495] عن ميّت الحيوان الذي مات حتف أنفه أو على هيئة غير شرعية...

إذن[496] النتيجة أنّه لا يمكن إحراز الموضوع بأصالة عدم التذكية...

-------------------------

وفيه: أن دليل الأمارية ليس في مقام البيان من هذه الجهة، فلا إطلاق له.

[492] قوله: [حديث] بل له حديثان، وكلاهما بمعنى واحد.

[493] قوله: [السيرة] يرد نفس الإشكال، إذ لم يُعلم شمولها لما إذا كان المأخوذ جلد غيرهما.

[494] قوله: [مجرد الشك] قد يقال: إنّ الأصل عدم قابلية الحيوان للتذكية.

وفيه: إنه عدم أزلي، وهو وإن ارتضاه المصنف، إلاّ أنه غير مرضي عندنا.

إلاّ أن يقال: إنّه مثبت؛ إذ نريد بذلك إثبات عنوان الميتة ثم النجاسة، لو فرض كون عنوان الميتة وجودياً.

أو نقول: الأصل عدم قبول التذكية، اذن لم يذكَ، إذن فهو نجس - إذا فرض أن عنوان لم يذكَ والميتة واحد - إلاّ أن الواسطة عليه خفيّة، فتأمل.

[495] قوله: [عبارة] فهو أمر وجودي.

[496] قوله: [إذن] فهنا ثلاثة فروض:

ص: 221

نعم لا يحلّ بالتذكية شيء من غير المأكول، لا أكله ولا الصلاة فيه، وأمّا غير ذي النفس[497] من الحيوان فميتته طاهرة ولا يحتاج في طهارته إلى التذكية(*).

(*) ادّعى الإجماع عليه عن جماعة، ويدلّ عليه... ما عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه، قال: كلّ ما ليس له دم فلا بأس[498]« (1).

-------------------------

الأول: أن نقول: الميتة عبارة عن الحيوان الذي مات على غير الهيئة الشرعية، أو حتف أنفه، فبأصالة عدم التذكية لا يثبت عنوان الميتة حتى يترتب عليه أثره.

الثاني: أن نشك، وهنا لم يُحرز الموضوع؛ إذ المسلّم عدم التذكية - تعبداً - أما كونه ميتة فلا.

الثالث: أن نقطع أنه أمر عدمي - لم يذكَ - وقد سبق التأمل في ذلك.

ولعله إذا لاحظنا الأدلَّة نجد فيها إطلاقاً أو عموماً يدل على تذكية جميع الحيوانات، فتأمل.

[497] قوله: [غير ذي النفس] سواء لم يكن له دم أصلاً، أم كان له دم غير دافق.

[498] قوله: [فلا بأس] هذه الرواية تدل على عدم وجود الدم، لا على

ص: 222


1- الاستبصار 1: 26، ح1.

ولكن يظهر من بعض الأخبار استثناء[499] العقرب من هذا الحكم. وما يدل على ذلك ما رواه سماعة قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن جرّة وجد فيها خنفساء قد ماتت، قال: القها وتوضّأ منه وإن كان عقرباً فأرق الماء وتوضأ من ماء غيره«(1)...

وأمّا ما رواه ابن مسكان قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : »كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس«(2)، فمورده[500] البئر الذي لا نقول بانفعاله.

-------------------------

عدم وجود دم دافق، وورود الذباب في الدليل لا يدل على الإطلاق، إذ الإمام (عليه السلام) بيّن الضابطة الكلّية وأوكل تطبيقها إلى المكلف.

[499] قوله: [استثناء] فيه نظر، فإن الرواية تدل على إلقاء الماء، وفيه احتمالان:

الأول: أنه لنجاسة العقرب الميتة. الثاني: أنه للضرر أو لاحتمال الضرر.

وحيث جاء الاحتمال بطل الاستدلال. نعم، يدل على عدم الانتفاع بماء فيه عقرب قد ماتت.

ثم إنه لو فرض دلالته على نجاسة نفس العقرب بالموت فالحديث معرض عنه.

[500] قوله: [فمورده] فالعقرب وإن فرضت نجسة بالموت إلاّ أنها لا تنجس البئر.

ص: 223


1- الكافي 3: 10، ح6.
2- الاستبصار 1: 26، ح3.

المسألة 55: جلد الميتة لا يطهر بالدباغة

مسألة 55: جلد الميتة لا يطهر بالدباغة(*).

(*) حكى الإجماع عليه، بل نسب إلى شرح المفاتيح كونه من ضروريّات[501] المذهب، ونسب إلى ابن جنيد القول بالطهارة ونسب إلى الكاشاني الميل إليه. ويكفي في الحكم بالنجاسة ما يدلّ على نجاسة الميتة مطلقاً[502] كرواية ابن أبي المغيرة الواردة في الشاة الميتة، وكرواية سماعة[503] الواردة في السباع المتقدّمتين في المسألة السابقة، ويدلّ على عدم الجواز[504] ما رواه محمّد بن مسلم قال: »سألته عن جلد الميتة يلبس في الصلاة إذا دبّغ قال: لا، وإن دبغ سبعين مرّة«(1)...

-------------------------

[501] قوله: [ضروريات] الظاهر كونه كذلك، فإنه لو كان يطهر لبان؛ لشدة الابتلاء به وكثرة الاحتياج إليه، على الأقل يدل ذلك على كونه شبه ضروري.

[502] قوله: [مطلقاً] أي ولو دبغ، فإن الإطلاق - الأحوالي - يشمل حالة ما بعد الدباغة.

[503] قوله: [سماعة] ضعفها المصنف سابقاً(2).

[504] قوله: [عدم الجواز] لا ربط له بعنوان الماتن؛ إذ الكلام في الطهارة والنجاسة لا المانعية وعدمها؛ إذ الشيء قد يكون طاهراً إلاّ أنه لا يجوز لبسه في الصلاة، ومنه الميتة.

ص: 224


1- من لا يحضره الفقيه 1: 247.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 112.

المسألة 56: الجلود الّتي يبيعونها في أسواق المسلمين

مسألة 56: الجلود التي يبيعونها في أسواق المسلمين أو في أيديهم[505] محكومة بالتذكية والطهارة مع احتمال[506] اطّلاعهم على تذكيته، بل أو احتمال الصحّة في أيديهم بكونهم أخذوها بوجه صحيح شرعي.

المسألة 57: تثبت النجاسة بأمور

مسألة 57: تثبت النجاسة بأمور: الأوّل: العلم بها[507]، الثاني: إخبار عدلين(*)، الثالث: إخبار ذي اليد وإن لم يكن عادلاً ولا مالكاً لذلك الشيء، ولا يترك الاحتياط مع إخبار العدل الواحد بها(**)[508].

وفي قبال هذه الطائفة طائفة أُخرى تدلّ على الجواز، منها: ما أرسله الصدوق[509] والمرسل لا اعتبار به...

(*) لا إشكال في حجّية العلم فإنّ اعتبار العلم عقلي فلا إشكال

-------------------------

[505] قوله: [أيديهم] وكذا ما يصنع في أرض الإسلام، أو ما كان الغالب عليها المسلمون كما تقدم.

[506] قوله: [مع احتمال] مقابل ما لو قطعنا بعدم اطلاعهم على تذكيته، أو قطعنا بأخذهم من يد الكافر مثلاً.

[507] قوله: [العلم بها] وفي حكمه الاطمئنان.

[508] قوله: [بها] وكذا لا تثبت بإخبار الثقة.

[509] قوله: [الصدوق] فإن الرواية ظاهرة في الدبغ، إذ يبعد استخدام جلد الميتة في ذلك بلا دباغة، ولا أقل من الإطلاق، فتعارض مطلقات نجاسة الميتة.

ص: 225

في طريقيته، وأمّا اعتبار إخبار العدل الواحد، بل والثقة كذلك فهو ثابت بالسيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع، مضافاً إلى بعض النصوص[510].

(**) ... وما يمكن أن يذكر في تقريب المدّعى وجوه:

الوجه الأوّل: السيرة الجارية على قبول قول ذي اليد في الأُمور التي هو أعرف بها، وهذه السيرة ممضاة[511] من قبل الشارع، والإنصاف[512] أنّ الجزم بتحقّق السيرة وقبول قول ذي اليد، ولو مع عدم حصول العلم بالمخبر به مشكل.

الوجه الثاني: النصوص الدالّة على جواز بيع الدهن المتنجّس بشرط إعلام المشتري، منها: ما رواه أبو بصير قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه، فقال:

-------------------------

[510] قوله: [النصوص] مثل: «ثقة، وآخذ...»(1) أو مفهوم آية النبأ، أو الأولوية من قبول قوله في الأحكام.

[511] قوله: [ممضاة] إن كان المراد السيرة العقلائية فهي تحتاج إلى الإمضاء المكشوف بعدم الردع، وإن كان المراد السيرة الشرعية فلا تحتاج، لكشفها الإنّي عن البيان الشرعي.

[512] قوله: [والإنصاف] كلام الماتن في النجاسة، والظاهر استقرار السيرة على قبول قول ذي اليد، ولو لم يقبل - لضعف الإسناد - لم يقبل منه. ولعله قال ذلك للارتكاز المتشرعي الذي سيأتي لاحقاً.

ص: 226


1- انظر: وسائل الشيعة27: 147، ح33.

إن كان جامداً فتطرحها وما حولها[513] ويؤكل ما بقي...«(1).

ومنها: ما رواه معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه وبيّنه[514] لمن اشتراه ليستصبح به«(2).

وفيه أوّلاً[515]: أنّ المذكور في هذه النصوص الإعلام والتبيين، ومقتضاها جعل الطرف المقابل عالماً، والكلام في صورة الشكّ،

-------------------------

[513] قوله: [وما حولها] لعله للاستقذار العرفي، أو للرطوبة بحرارة جسدها، فيتنجس السمن.

[514] قوله: [وبيّنه] راجع بحث حجية الخبر الواحد في آية الكتمان(3)، حيث إن الإظهار بلا وجوب القبول على المشتري يكون لغواً.

[515] قوله: [أولاً] هذا الإشكال فيه نظر؛ إذ الإعلام وإن كان لغة بمعنى جعله عالماً لكنه عرفاً بمعنى الذكر والتوضيح.

نعم، قد يقال: إنّ البيان في هذا المورد يلازم العلم عادة؛ إذ إنه بضرر البائع وسبب لقلة القيمة، ولذا قيل «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(4).

إلاّ أن ندورة عدم حصول العلم لا تمنع شمول المطلق؛ إذ قد يكون البائع وسواسياً، فلا يحصل العلم من كلامه.

ص: 227


1- وسائل الشيعة 17: 98.
2- تهذيب الأحكام 7: 129.
3- انظر: عدّة الأُصول 1: 113، فرائد الأصول 1: 287، نهاية الأفكار 3: 129.
4- وسائل الشيعة 23: 184.

مضافاً إلى الالتزام بالمدّعى في بعض الموارد لا يكون دليلاً على العموم والإطلاق[516].

الوجه الثالث: ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أعار رجلاً ثوباً فصلّى فيه وهو لا يصلّي فيه، قال: لا يعلمه، قال: قلت: فإن أعلمه[517]. قال: يعيد«(1)...

الوجه الرابع[518]: ما دلّ من النصوص على طهارة[519] ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين، منها: ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه، قال: لا بأس ولا يصلّي في ثيابهما«(2)...

-------------------------

[516] قوله: [والإطلاق] إلاّ أن يقال: بإلغاء الخصوصية عرفاً.

[517] قوله: [فإن أعلمه] إن أعلم قبل الصلاة وجبت الإعادة، وإن أعلم بعدها استحبت الإعادة، إلاّ أن الظاهر الثاني، فتأمل.

[518] قوله: [الرابع] كلام الماتن في النجاسة، إلاّ أن ما نقله في الحدائق(3) في الأعم.

[519] قوله: [طهارة] مع أن مقتضى القاعدة النجاسة - على المشهور - لاستصحاب عدم التذكية. هذا في الجلود، وأما في غيرها فأصالة الطهارة محكمة، ولا يدل الحكم بالطهارة على حجية قول ذي اليد، فلعل المستند

ص: 228


1- وسائل الشيعة 3: 488.
2- تهذيب الأحكام 1: 263.
3- انظر: الحدائق الناضرة 7: 53.

الوجه الخامس: النصوص الدالّة على جواز شرب البختج إذا أخبر ذو اليد بذهاب ثلثيه، منها: ما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: »أنّه سئل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال: إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب«(1). وفيه[520] أنّ البختج لا يكون نجساً، بل يكون حراماً[521] قبل ذهاب ثلثيه.

والمستفاد من مجموع النصوص أنّ المخبر الذي يخبر بذهاب ثلثيه يصدّق إذا كان مأموناً أي ثقة... مضافاً إلى أنّ ثبوت الدليل في مورد خاصّ لا يكون دليلاً على العموم كما هو واضح، فالدليل

-------------------------

أصالة الطهارة، ومنه ينقدح أن الرواية الأولى غير دالة. نعم، سائر الروايات دالة.

وقد يورد عليها: بأنها في مورد خاص، فلا تدل على العموم، ولا تدل على النجاسة التي هي محط نظر الماتن.

[520] قوله: [وفيه] وفيه أيضاً: أن المسلم الورع المؤمن يورث قوله الاطمئنان عادةً، فلا ينهض دليلاً للمدّعى على العموم.

والخلاصة: أنه يدل على حجية قول العادل لا قول ذي اليد، أو يدل على الوثاقة كما ذكره الشارح.

[521] قوله: [حراماً] وقد يستدل بالأولوية، فإذا انتفت الحرمة بقوله تنتفي النجاسة، فإن الأكل أشد من اللبس، فتأمل.

ص: 229


1- تهذيب الأحكام 9: 116.

المسألة 58: كلّ شيء محكوم بالطهارة ما لم تثبت نجاسته

مسألة 58: كلّ شيء محكوم بالطهارة ما لم تثبت نجاسته(*) إلاّ اللحم والجلد والشحم[522] فإنّها محكومة بالنجاسة ما لم تثبت تذكيته بالعلم، أو إخبار عدلين[523] أو إخبار ذي اليد المسلم، أو كونه في سوق المسلمين، أو في يد مسلم[524] مع احتمال الصحّة في أيديهم كما مرّ(**).

منحصر[525] في السيرة، والإنصاف أنّ الجزم باستمرار السيرة[526] إلى زمن المعصومين (عليهم السلام) في غاية الإشكال. إلاّ أن يقال: إنّ ارتكاز[527] أهل الشرع على قبول قوله، وهو أوّل الكلام والإشكال...

(*) ويدلّ عليه ما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث

-------------------------

[522] قوله: [والشحم] وسائر ما تحله الحياة من الحيوان، وفي الدم المشكوك تفصيل سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

[523] قوله: [أو إخبار عدلين] أو إخبار العدل الواحد، أو إخبار الثقة.

[524] قوله: [أو في يد مسلم] وقد مضى الحكم بتذكية ما يصنع في أرض الإسلام، أو ما كان الغالب عليها المسلمون.

[525] قوله: [منحصر] سبق دلالة بعض الروايات(1).

[526] قوله: [السيرة] إلاّ أن يتمسك بالسيرة العقلائية، وفيه: إنها ليست تعبدية، بل في صورة الظن أو الاطمئنان.

[527] قوله: [ارتكاز] والظاهر تماميته، كما سبق.

ص: 230


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 118.

قال: »كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر فإذا علمت[528] فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك«(1).

(**) نقل عن مجمع البحرين أنّ الموت في عرف المتشرّعة عبارة عن زهاق[529] الروح المستند إلى سبب غير شرعي، ولكن المذكور فيه ليس كذلك ولعلّه ذكره في غير مادّة الموت ولو كان بعيداً غايته...

وفي محكي المصباح أنّها لم تلحقها الذكاة[530]، وكذلك المحكي عن القاموس والصحاح، فلو ثبت[531] أنّ معنى الميتة أمر عدمي يمكن إحرازها بالأصل...

-------------------------

[528] قوله: [فإذا علمت] استدل به الشيخ صاحب الحدائق(2) - ظاهراً - بأن العلم موضوعي.

[529] قوله: [زهاق] وهو أمر وجودي، أي خروج الروح وانتقالها من مكان لآخر.

[530] قوله: [لم تلحقها الذكاة] وهو أمر عدمي.

[531] قوله: [فلو ثبت] والخلاصة: يوجد هنا شقّان:

الأول: إن الميتة لو كانت عبارة عن (ما لم يذكَّ) فنقول: هذا كان غير مذكّى ونشك في تذكيته، فنستصحب عدم التذكية، فيكون الحيوان المشكوك نجساً، ورواية الصيقل(3) تدل على أن النجاسة مرتبة على عنوان

ص: 231


1- تهذيب الأحكام 1: 285.
2- انظر: الحدائق الناضرة 2: 374.
3- انظر: وسائل الشيعة 3: 462.

-------------------------

غير المذكى، لكنها ضعيفة لمجهولية الصيقل.

الثاني: ولو كانت أمراً وجودياً فاستصحاب عدم التذكية لا يثبت النجاسة لوجود الواسطة، وهي عدم التذكية، إذن فهو ميتة، إذن فهو نجس، ويبقى أن نشك أنه هذا أو ذاك، فأيضاً عليه لا تثبت النجاسة.

وفي الشقين نظر: أما الأول: فلأنه كان غير مذكى وطاهراً، فاستصحاب عدم التذكية لا يثبت النجاسة، لاختلاف الموضوع.

والخلاصة: إن غير المذكى نوعان: الملازم للطهارة والملازم للنجاسة، فإن كان المستصحب هو عدم التذكية الملازم للطهارة فلا يثبت به المطلوب، وإن كان هو عدم التذكية الملازم للنجاسة فلا يقين سابق له.

وبتقرير آخر: الموضوع مختلف فلا يمكن الاستصحاب.

وأما الثاني: فلأن الواسطة خفية، لو سلم جريان أصالة عدم التذكية في حد ذاتها.

والمتحصل من جميع ما ذكر: أن أصالة عدم التذكية لا تجري.

نعم، قد يقال: إن رواية الصيقل مجبورة بالعمل فتدل على النجاسة. ويتفرع على ما ذكر: أن اللحم المجلوب من البلاد الأجنبية المشكوك في تذكيته محكوم بالطهارة أو لا؟ وأما طبخه - أي الاستفادة من ماء اللحم فقط - ففيه أن الذرات اللحمية والشحمية موجودة فيه، فهو كتذكية الهرّة وصنعها - ماء لحم - ثم إلقاء اللحم.

نعم، قد يقال: إنّ الحرمة معلقة على عدم التذكية، والحلية معلقة على التذكية، ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. إلاّ أنها شبهة

ص: 232

المسألة 59: تثبت طهارة النجس بأمور

مسألة 59: بعد العلم[532] بنجاسة شيء يثبت طهارته بأمور: الأوّل: العلم، الثاني: إخبار عدلين، الثالث: إخبار ذي اليد، ولا يترك الاحتياط مع إخبار العدل الواحد[533]. وأمّا الظنّ فلا اعتبار به ولا بالشكّ(*).

المسألة 60: اللباس النجس إذا غسل بالإشنان

مسألة 60: اللباس النجس إذا غسل بالإشنان ثمّ وجد فيه شيء من الأشنان بعد التطهير، فاللباس وظاهر الاشنان طاهر[534]، بل وباطنه مع وصول الماء إليه بشرائطه.

-------------------------

مصداقية للخاص لا للعام.

أو يقال: إنّ المستفاد من الآية الكريمة(1) تعليق الحلية على إحراز التذكية. أو يقال: بمقالة النائيني (رحمه اللّه) في العنوان المستثنى من عامٍ(2) (كما ذكره في الماء المشكوك كريته وقلته). والمسألة بحاجة إلى تأمل أكثر.

[532] قوله: [العلم] وفي حكمه الاطمئنان.

[533] قوله: [العدل الواحد] وكذا الثقة.

[534] قوله: [طاهر] لأن المفروض أنه طهر ثانياً بعد الغسل أولاً بماء الأشنان، وكذا الكلام في الباطن، وهذا كبروياً لا إشكال فيه، إلاّ أنه صغروياً يجب التدقيق، وكذا فيما يغسل بالصابون، ويجب التدقيق في أنه ذرات أو جسم صلب.

ص: 233


1- وهي قوله تعالى: {إِلاّ مَا ذَكّيْتُمْ}. المائدة: 3.
2- انظر: فوائد الأصول 1 - 2: 506 - 507.

المسألة 61: الدم المشكوك نجاسته

مسألة 61: الدم المشكوك نجاسته محكوم بالطهارة(**)[535] إلاّ مع العلم بنجاسته سابقاً فإنّه محكوم بالنجاسة[536].

(*) لا إشكال[537] في أنّ التذكية لا تحرز بالظنّ إلاّ أن يكون اطمئنانياً ولا بالشكّ، لكن الكلام في أنّ النجاسة مترتّبة على الميتة التي عرفت الكلام في معناها(1).

(**) الظاهر أنّ الحكم بطهارة الدّم المشكوك بنجاسته مبنيّ على أحد أمرين:

-------------------------

[535] قوله: [محكوم بالطهارة] إلاّ في الحيوان الذي يُرى في فمه دم، فإنه محكوم بالنجاسة، وغير الفم كالفم، وذلك لرواية عمّار الساباطي(2) بناءً على أنه لا فرق بين الطير وغيره.

وهل حكم غير الفم - كمخالبه وذيله - حكم الفم؟ الظاهر: إلغاء الخصوصية عرفاً، وإن احتمل - عقلياً - خصوصية للمنقار، فتأمل.

[536] قوله: [بالنجاسة] كالدم المنجمد بين الأظفار لو شك في تحوله عن كونه دماً، مع القول بنجاسة الدم في الباطن، أو فرض ظهوره.

[537] قوله: [لا إشكال] لا ربط لهذه الحاشية بالمتن. نعم، يصلح لتنبيه على أن الطهارة في الحيوان هل تحتاج إلى العلم أو العلمي، أو يكفي فيها الشك لإجراء أصالة الطهارة؟

ص: 234


1- الدلائل 1: 121.
2- انظر: وسائل الشيعة 3: 527.

أحدهما[538]: عدم وجود دليل عام أو مطلق على نجاسة كلّ دم إلاّ ما خرج بالدليل، فإنّه لو شكّ[539] في دم يكون من موارد الشبهة المصداقية، فلا مانع من جريان أصالة الطهارة؛ لأنّه لا أصل عملي يثبت أنّ ما شكّ فيه داخل في ذلك العنوان، كدم ما لا يؤكل[540] لحمه.

ثانيهما[541] إنكار حجّية الاستصحاب في الأعدام الأزلية، فلا طريق إلى إحراز عدم كون المشكوك فيه من المستثنى، فتكون الشبهة موضوعية فيحكم عليها بالطهارة...

-------------------------

[538] قوله: [أحدهما] والظاهر أنه لا يوجد مثل ذلك الدليل. نعم، ورد في المنقار، لكن لا دليل على التعميم لمثل دم نجده في الغرفة، إلاّ أن يقال بإلغاء الخصوصية، لكن عهدته على مدعيه، فتأمل.

[539] قوله: [لو شك] فيكون عندنا دمان:

الأول: دم ما لا دم دافق له فهو طاهر.

الثاني: دم ما له دم دافق فهو نجس.

ولا أصل يثبت دخول المشكوك تحت هذا العنوان أو ذاك.

إن قلت: نستصحب عدم وجود الدم الدافق. قلت: لا حالة سابقة له.

إن قلت: نستصحب العدم الأزلي. قلت: إنه معارض بعدم وجود الدم السائل.

[540] قوله: [كدم ما لا يؤكل] هذا ليس ملاكاً، بل الملاك الدفق وعدمه.

[541] قوله: [ثانيهما] أي لو قلنا بوجود عموم يدل على أن كل دم نجس خرج منه ما له دم سائل فنستصحب - بالعدم الأزلي - أنه ليس له دم سائل، فانطباق العنوان العام قطعي، وعدم استثنائه ثابت بالعدم الأزلي، فهو

ص: 235

-------------------------

مثل أن نقول: «كل امرأة يحرم النظر اليها إلاّ المحارم»(1) فنستصحب عدم المحرمية، أي عدم الأُختية والبنتية ونحوهما.

ولكن لو أنكرنا استصحاب العدم الأزلي فلا مجال لذلك، فنحكم بالطهارة.

وهنا طريق آخر لإثبات النجاسة، وهو أنه يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، وهذه شبهة مصداقية للمخصص فينطبق عليه العام. مثل أكرم العلماء، ولا تكرم نحويهم، فيما لو علمنا بكونه عالماً وشككنا في كونه نحوياً.

والظاهر عندنا: أولاً: عدم وجود دليل عام يدل على نجاسة كل دم.

ثانياً: إنّ استصحاب العدم الأزلي غير عرفي.

ثالثاً: إنّ التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص غير جائز.

فيحكم إذن بطهارة كل دم مشكوك، لكن مقتضى الرواية(2) أن دم منقار الطير نجس، فيقتصر في الحكم بالنجاسة على هذا المورد. وقد سبق أنه لا فرق بين الطير وغيره من الحيوان والمنقار وغيره.

ولعل الحكم بذلك لغلبة كون هذا الدم نجساً، وأما إذا كان هناك دم مطروح على الأرض فنحتمل أنه نجس أو طاهر فلا تشمله الرواية، ولا يخفى أن ذلك لو كان هو السبب فهو على نحو الحكمة لا العلة، فتأمل.

ص: 236


1- انظر: وسائل الشيعة 3: 527.
2- انظر: وسائل الشيعة1: 231، ح4.

العلم بنجاسته سابقاً فإنه محكوم بالنجاسة(*).

المسألة 62: طهارة الطرق والأسواق

مسألة 62: الطرق والأسواق محكومة بالطهارة ما لم يعلم نجاستها فعلاً أو سابقاً مع الشكّ في عروض الطهارة(**)[542].

المسألة 63: غليان حبّةٍ من العنب في الحصرم

مسألة 63: إذا كان في مقدار من الحصرم حبّة مثلاً من العنب فعصر الجميع واستهلك ماء تلك الحبّة فيه لا ينجس[543] بالغليان إذا كان يطلق عليه ماء الحصرم في العرف(***).

(*) لاستصحاب بقاء الموضوع على ما هو عليه، فإنّه يستصحب بقاء الصورة على حالها، والموضوع[544] في هذا الاستصحاب هي المادّة[545] الموجودة في كلتا الحالتين.

(**) لقاعدتها، بل واستصحابها[546] فيما كانت مسبوقة بالطهارة.

-------------------------

[542] قوله: [الطهارة] ومع تعاقب الحالتين والجهل بالمتقدم والمتأخر يحكم بالطهارة.

[543] قوله: [لا ينجس] ولو على القول بنجاسة العصير العنبي بالغليان.

[544] قوله: [والموضوع] فلا يشكل باحتمال تبدل الموضوع(1).

[545] قوله: [المادة] أي الهيولى الثانية.

[546] قوله: [واستصحابها] فيما لو تواردت قاعدتا أصالة الطهارة والاستصحاب، فأيهما المقدم، أو أنه يجري كلاهما(2)؟

ص: 237


1- انظر: العروة الوثقى 1: 268، ومستمسك العروة الوثقى 2: 95.
2- انظر: فرائد الأُصول 3: 237، و301.

(***) ... يمكن أن يكون ما أفاده هنا على نحو التعليق[547] ويمكن أنّه أبدل لا يحرم بلا ينجس اشتباها[548]، وكيف كان، الوجه فيما أفاده عدم بقاء[549] موضوع للعصير العنبي حتّى يترتّب عليه حكمه(1).

-------------------------

[547] قوله: [التعليق] أي لو قلنا بنجاسته بالغليان.

[548] قوله: [اشتباهاً] أو لأن عدم النجاسة مطلقاً لا يناقض عدم النجاسة في هذه الصورة.

[549] قوله: [عدم بقاء] إن أُريد عدم البقاء عرفاً فهو مسلّم، إلاّ أن بناءهم أن العرف ليس مرجعاً في التطبيقات، وإن أريد عقلاً ففيه نظر؛ إذ قد تكون الذرات موجودة ومنتشرة ويمكن ملاحظتها بالمجاهر الدقيقة، بل واستخراجها.

ويمكن الاستدلال بأن وجود مثل ذلك متعارف، فلو كان محرماً للزم التنبيه عليه، فعدمه كاشف عن عدم الضرر.

ص: 238


1- الدلائل 1: 122 - 123.

المسألة 64: طبخ الخلال مع اللّحم

مسألة 64: لا بأس بطبخ الخلال مع اللحم وغيره قبل صيرورته تمراً[550] فإنّه طاهر حلال(*).

المسألة 65: عدم وجوب اعلام وجود النجاسة في الفراش واللباس

مسألة 65: إذا كان الفراش أو اللباس مثلاً نجساً فاستعمله الغير بالرطوبة، لعدم علمه بنجاسته، لا يجب على صاحب الفراش واللباس إعلام ذلك الغير بالنجاسة(**)[551]. نعم، يلزم عليه عدم مباشرة ما علم بنجاسته منه حتّى فيما لو غاب عنه واحتمل التطهير اتّفاقاً[552] على الأحوط إلاّ بعد العلم بتطهيره عن تلك النجاسة.

(*) لعدم ما يوجب الحرمة أو النجاسة، بل مقتضى القاعدة عدمهما حتّى بعد صيرورته تمراً فإنّ الدليل يختصّ بالعصير العنبي[553].

(**) لعدم دليل[554] على وجوبه مضافاً إلى الأخبار الواردة

-------------------------

[550] قوله: [تمراً] وكذا بعد صيرورته كذلك، ولعل التقييد بذلك لتعارف وضعه كذلك.

[551] قوله: [بالنجاسة] مع عدم سببيته لذلك.

[552] قوله: [اتفاقاً] إذ من شرائط مطهرية الغيبة علمه بذلك.

[553] قوله: [العنبي] لكن بعض الأدلَّة مطلقة، وقد مضت المناقشة فيها(1).

[554] قوله: [لعدم دليل] الظاهر أن الدليل قائم لولا المانع، وهو: أنه واقع في مبغوض المولى الواقعي، فيجب ردعه عن ذلك، ولا فرق في حكم العقل بين الجهل بالحكم والموضوع، والدليل على كونه مبغوضاً واقعياً:

ص: 239


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 78، العروة الوثقى 1: 280.

المسألة 66: عدم وجوب اعلام وجود النجاسة في الطعام والشراب

مسألة 66: إذا كان جماعة يأكلون فوجد بعضهم نجاسة في الطعام أو الشراب لا يجب عليه إعلامهم[555]. نعم، يلزم ترك ذلك الطعام ولو كان يحتاج إلى معاشرتهم

التي تدلّ على عدم الوجوب، منها[556]: ما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: »سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلّي، قال: لا يؤذيه حتّى ينصرف«(1).

-------------------------

أدلَّة اشتراك الأحكام(2).

ولو لاحظنا سيرة الموالي والعبيد فالظاهر أنها ناهضة بإثبات الوجوب؛ إذ التنبيه من شؤون العبودية، وطرق الطاعة والمعصية عقلائية، فتأمل.

وعليه، فالسببية محرمة. نعم، لو لم تكن سببية فالمستفاد - ظاهراً - من الأدلَّة عدم الوجوب، فيرفع اليد عن القاعدة بمقدار دلالة هذه الأدلَّة.

[555] قوله: [إعلامهم] مع عدم سببيته لذلك كما مضى.

[556] قوله: [منها] الظاهر عدم دلالة الرواية الشريفة(3)، إذ لعله «لا يؤذنه» لكي لا يفسد عليه صلاته، ولذا يجب عليه الإيذان بعد الانصراف، أو يجوز أن تكون الرواية مجملة من هذه الجهة، ومعنى (ينصرف) أي ينصرف عن صلاته ظاهراً، ولا بد من ملاحظة سائر الأدلَّة.

ص: 240


1- الكافي 3: 406.
2- انظر: درر الفوائد 1: 216، نهاية الدراية في شرح الكفاية: 100.
3- الكافي 3: 406، وهي: عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي، قال: لا يؤذنه حتى ينصرف».

أعلمهم[557] بعد الفراغ ليطّهروا ما تنجّس منهم.

المسألة 67: إذا اختضب بالحنّاء النجس

مسألة 67: إذا اختضب بالحنّاء النجس ثمّ غسله[558] وبقي أجزاء صغار منه في الشيب يطهر الشيب وظاهر تلك الأجزاء. بل وباطنها إذا وصل إليه الماء بشرائطه، ولا عبرة باللون الباقي منه(*).

المسألة 68: السواد المنجمد تحت الجلد أو الأظفار

مسألة 68: السواد المنجمد تحت الجلد أو الأظفار إن علم بكونه في الأصل دماً فهو نجس[559] إلاّ أن يعلم باستحالته، وإن لم يعلم بكونه دماً فهو على أصل الطهارة(**).

(*) لعدم وجود الموضوع عند العرف وإن كان باقياً عقلاً، لاستحالة بقاء العرض بلا معروضه وانفكاكه[560] عنه.

(**) كما هو ظاهر[561] وكذلك ما أفاده بعده، فلا يحتاج إلى

-------------------------

[557] قوله: [أعلمهم] أو طهر ما علم بنجاسته لو أراد استعماله فيما يشترط فيه الطهارة.

[558] قوله: [ثم غسله] غسلاً شرعياً، ليترتب عليه الحكم بالطهارة.

[559] قوله: [فهو نجس] إذا ظهر، بناءً على ما سبق، ولو احتمالاً: من أن النجاسات ليست نجسة في الباطن.

[560] قوله: [وانفكاكه] أي أن بقاء اللون بلا مادة محال، وأن ينتقل من مادته إلى اللحية محال أيضاً، فهذا دليل على أن الجوهر القائم به اللون باقٍ.

[561] قوله: [كما هو ظاهر] ولا يناقض ذلك ما مرّ من الشارح من أن الأصل في الدم الحكم بالنجاسة، إذ هنا يشك في الموضوع.

ص: 241

المسألة 69: إذا مشى على أرضٍ بعضها نجس

مسألة 69: إذا مشى على أرض بعضها نجس وبعضها طاهر، ثمّ وجد طيناً أو رطوبة في رجله أو نعله فهو محكوم بالطهارة، إلاّ أن يعلم بكونه من القطعة النجسة[562].

الشرح، ويتعرّض الماتن لكون الاستحالة من المطهرّات(1).

-------------------------

[562] قوله: [النجسة] أو تكون الشبهة محصورة، ويكون جميع الأطراف محل ابتلائه، ففي هذه الصورة يحكم بنجاسة الجميع، ولازمه وجوب الاجتناب عن الجميع، وحيث إن ما في رجله أو نعله جزء من الأرض المحكومة بوجوب الاجتناب فهو محكوم بوجوب الاجتناب، فهو نظير ما لو كانت هنالك أوانٍ معلوم نجاستها بالإجمال، ثم أُفرغ بعضها في إناء آخر، فإنه محكوم بوجوب الاجتناب أيضاً.

وهذا غير بحث ملاقي الشبهة المحصورة، إذ المفروض أنه جزء من الشبهة المحصورة.

ص: 242


1- الدلائل 1: 124.

المسألة 70: إذا إِمتزج دبس وخلّ ثم وُجِدَ في الممزوج ذرق الفأرة

مسألة 70: إذا كان إناءان في أحدهما دبس وفي أحدهما خلّ، فأخذ منهما ومزجهما في إناء ثالث، ثمّ وجد في الممزوج ذرق الفأرة، فإن لم يعلم بكونه من أحدهما لم يلزم الاجتناب منهما، وكذا لو علم بكونه من أحدهما ولكن كان الدبس جامداً(*). أمّا لو كان الدبس مائعاً في هذه الصورة لزم[563] الاجتناب عن كلا الإناءين(**).

(*) لعدم المقتضي للاجتناب، فإنّ استصحاب[564] الطهارة جار في كليهما، وكذا فيما لو كان أحدهما يابساً، فإنّ الأصل في كليهما بلا مانع[565].

(**) للعلم الإجمالي فيتعارض[566] الأصلان الجاريان فيهما، وبعد التساقط يلزم الاجتناب عن كليهما...

ولكن الذي اختلج ببالي[567] القاصر في هذا البحث خلاف ما بنوا عليه، وهو أنّه لا مانع من جواز ارتكاب أحد الطرفين بشرط الاجتناب عن الآخر إلى الأبد.

بيان ذلك: أنّه لا قصور في شمول أدلَّة البراءة أو الطهارة للأطراف

-------------------------

[563] قوله: [لزم] عقلاً.

[564] قوله: [استصحاب] أو أصالة الطهارة(1).

[565] قوله: [بلا مانع] نعم، موضع البعر لو علم برطوبته ينجس.

[566] قوله: [فيتعارض] أو لا يجريان أصلاً.

[567] قوله: [ببالي] وذهب إليه جمهرة من الفقهاء.

ص: 243


1- انظر: فرائد الأُصول 3: 237.

إلاّ من جهة تجويز المخالفة القطعية، وهو غير ممكن[568] لأنّ مرجعه إلى تحريم شيء وتحليله وبطلانه ظاهر، وحيث[569] إنّه لا مرجّح[570] لأحد الطرفين يسقط الأصل في كليهما، فلا معذر للارتكاب فيلزم الاجتناب عنهما، وحيث[571] إنّ المانع عقلي نرفع اليد عن الدليل بمقدار اللازم، وأمّا الزائد فلا وجه له[572]...

-------------------------

[568] قوله: [وهو غير ممكن] إذ المولى يقول: «كلاهما حلال» ويقول «الملاقي الواقعي حرام».

[569] قوله: [وحيث] هذا تتمة استدلال المشهور.

[570] قوله: [لا مرجح] أي بلحاظ الدليل، فلا يقال: الإرادة مرجحة.

[571] قوله: [وحيث] هذا بداية استدلال المصنف.

[572] قوله: [فلا وجه له] أي أن إجراء الأصل في كلا الطرفين فيه محذور تسويغ المخالفة القطعية، والضرورات تقدر بقدرها، فنرفع اليد بمقدار ما يرتفع هذا المحذور، فهو مثل (انقذ الغريق) في غريقين لا نستطيع انقاذهما معاً، فهنا فروض.

الأول: انقذ كليهما، وهو غير مقدور عقلاً.

الثاني: انقذ هذا معيناً أو ذاك، وهذا لا دليل عليه.

الثالث: لا تنقذ أحداً، وهو خلاف الضرورات تقدر بقدرها.

الرابع: انقذ أحدهما مخيراً، وهو المطلوب.

والخلاصة: أننا نسقط (رفع ما لا يعلمون)(1) بمقدار الضرورة.

ص: 244


1- انظر: وسائل الشيعة 8: 249.

إن قلت[573]: لو ترك ارتكاب كلا الإناءين إلى الأبد فشرط جواز الارتكاب حاصل بالنسبة إلى كليهما، فيلزم جواز كليهما، فيعود المحذور وهو تجويز المخالفة القطعية.

قلت[574]: المشروط بحصول شرطه لا يصير مطلقاً، فالجواز في كليهما متحقّق، لكن مشروطا، ونظير ذلك ما بنينا عليه في المتزاحمين، فإنّ ترك كلّ واحد شرط في وجوب الآخر، فلو ترك كليهما[575] لا يلزم الأمر بالجمع بينهما كي يقال: إنّه أمر بغير

-------------------------

[573] قوله: [إن قلت] الخلاصة: أن المولى يقول: (اشرب هذا لو تركت الآخر إلى الأبد) وبالعكس، فلو ترك كليهما إلى الأبد تحقق شرط جواز الشرب في كليهما، ومعنى ذلك تسويغ الشارع لشرب كليهما، أي تجويز المخالفة القطعية، وهو قبيح، ولو فرض أن المكلف لم يرتكبها، أي أن نفس التسويغ قبيح.

[574] قوله: [قلت] هذا ما بنى عليه الفشاركي، إذ انقلاب القضية الحكمية يحتاج إلى دليل، ولا دليل. فلو قال: «صل إن زالت الشمس» فالتكليف مشروط، فلو زالت الشمس لم ينقلب مطلقاً، ولا يقول المولى: «صل» بل يستمر في قوله: «صل إن زالت الشمس» نعم، الحكم المطلق هو حكم العقل، أي لا يوجد هنا خطابان شرعيان: «صل إن زالت الشمس» و«صل» بل الأخير هو حكم عقلي فقط.

[575] قوله: [كليهما] أي لم ينقذ لا هذا الغريق ولا ذاك.

ص: 245

مقدور[576]، وهذا ظاهر عند التأمل، فتأمل[577](1).

-------------------------

[576] قوله: [بغير مقدور] إذ أصبح كلا التكليفين معينين بالعصيان.

هذا ولكن هنالك تفسيران آخران للواجب المشروط في باب التزاحم فراجعهما(2).

[577] قوله: [فتأمل] ما ذكره المصنف في العلم الإجمالي مشكل؛ إذ مفاد «كل شيء هو لك حلال»(3) كل شيء معين - بعينه - لك حلال، وهذا كلي ينطبق على أفراده، فهذا الإناء المعين حلال، وذاك المعين حلال، فلو قلتم: هذا مخير حلال، أو هذا بشرط ترك الآخر للأبد حلال، فهو تصرف في الدليل بلا دليل وإسقاط له في الواقع، وحيث لا دليل على ذلك يبقى الدليلان كما كانا، أي (هذا معين حلال) و(ذاك معين حلال) وحيث إن العمل بهما غير ممكن فيسقطان معاً.

إن قلتم: فماذا تقولون في الغريقين؟

قلنا: الأمر فيه كذلك، إلاّ أن العقل - بعد سقوط الخطاب - يحكم بوجود الملاك الملزم في كليهما، فيجب استيفاء الملاك بالقدر الممكن، والخلاصة: إن إنقاذ الغريق ليس من باب الخطاب، بل من باب حكم العقل، فتأمل.

ص: 246


1- الدلائل 1: 126.
2- انظر: هداية المسترشدين 2: 303، كفاية الأُصول: 95- 100.
3- الكافي5: 301، ح40.

-------------------------

ثم إن هنالك روايات تدل على تنجيز العلم الإجمالي.

منها: قوله (عليه السلام) : «يهريقهما»(1). وفيه: أنه وارد في مورد خاص.

ومنها: رواية محمد بن مسلم... قال (عليه السلام) : «اغسله فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه...»(2).

وفيه: أنها ليست في الشرب، بل اللبس، وحيث علم إجمالاً وغسل بعضه يستصحب النجاسة، فلا يستطيع أن يصلي فيه.

وكذا رواية الخشاشيف(3) وكذا رواية المني(4).

ص: 247


1- الكافي 3: 10، ح 6.
2- وسائل الشيعة 3: 407.
3- انظر: وسائل الشيعة 3: 412.
4- انظر: المصدر نفسه 3: 425.

ص: 248

فصل: في النجاسات

اشارة

ص: 249

ص: 250

في النجاسات

الأول والثاني: البول والغائط

وهي عشرة: الأوّل والثاني: البول والغائط من الحيوان[1] غير المأكول اللحم ذي النفس السائلة(*).

(*) على المشهور، بل نقل عن المعتبر والمنتهى إجماع العلماء[2] كافّة - عدا شاذ من العامّة - على نجاسة البول والغائط من حيوان لا يؤكل لحمه إذا كان له نفس سائلة. ويدلّ على نجاسة البول جملة من النصوص، منها: ما عن ابن أبي يعفور قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن البول[3] يصيب الثوب قال: اغسله مرّتين«(1).

-------------------------

[1] قوله: [من الحيوان] فحرام اللحم ذو الدم الدافق - كالهرّة - نجس بوله، وحلال اللحم - كالشاة - فهو طاهر، وأمّا حرام اللحم، ولكن لا دم دافق له - كالسمك - فهو طاهر، وهنالك قسم رابع: وهو ما لا لحم له، كالبق مثلاً.

[2] قوله: [إجماع العلماء] وكفاه دليلاً، بل الظاهر أنه من الضروريات في الجملة، كمدفوع الإنسان مثلاً.

[3] قوله: [عن البول] الرواية لها إطلاق أو عموم، فتدل على ما نحن فيه، وإن كانت أعم منه.

نعم، قد يقال: إنّ الظاهر منه بول الإنسان، فهو أخص من المدّعى، كما

ص: 251


1- تهذيب الأحكام 1: 251.

ومنها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : »اغسل[4] ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه«(1)...

وأمّا الغائط فيدلّ على نجاسته إذا كان من الآدمي الأخبار الواردة في الاستنجاء، منها: ما عن إبراهيم بن أبي محمود قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: »في الاستنجاء يغسل[5] ما ظهر منه على الشرج ولا يدخل فيه الأنملة«(2)...

-------------------------

قد يقال: إنّ (اغسله) لا يدل على النجاسة لاحتمال المانعيّة، كشعر الهرّة مثلاً.

ويرده: أولاً: الظهور العرفي في النجاسة.

ثانياً: إن (اغسله) مطلق يشمل ما لا جرم له أو ما لم يبقَ له جرم، فهو مع انعدامه يجب غسله، وهذا للنجاسة لا للمانعية، وإلاّ فلا معنى لمانعية المعدوم(3).

[4] قوله: [اغسل] هذا يشمل ما له دم دافق وما ليس له، فهو أعم من المدّعى.

[5] قوله: [يغسل] يأتي إشكال احتمال المانعية، والجواب السابق.

ثم إن هذه جملة خبرية، وهي تدل على الوجوب، بل قال الشيخ صاحب الكفاية(4): إنها تدل عليه بنحو آكد. نعم، ذهب الشيخ النراقي(5) -

ص: 252


1- الكافي 3: 57.
2- الاستبصار 1: 51.
3- انظر: العروة الوثقى 2: 337.
4- انظر: كفاية الأُصول: 70 و71.
5- عوائد الأيام: 832، مستند الشيعة 3: 217.

وأمّا ما يخرج من غير الآدمي فيدلّ[6] على نجاسته ما عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: »سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثمّ تدخل في الماء يتوضّأ منه للصلاة؟ قال: لا، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء«(1) بناءً[7] على أنّ لفظ العذرة لا يكون مخصوصاً بعذرة الإنسان كما هو ليس ببعيد، بل يظهر من كلام أهل اللغة[8] عدم الاختصاص(2)...

ويؤيّد[9] المدّعى ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال:

-------------------------

ظاهراً - إلى أنها لا تدل على الوجوب.

[6] قوله: [فيدل] ويمكن الاستدلال بعدم التفكيك في أذهان المتشرعة بين البول والغائط، وقد سبق الدليل على نجاسة أبوالها.

[7] قوله: [بناءً] فيه: أن المنصرف منها: عذرة الإنسان(3)، ولا أقل من الإجمال فيؤخذ بالقدر المتيقن.

[8] قوله: [اللغة] فيه: أنه إذا تعارض الفهم العرفي مع التفسير اللغوي يقدم الأول، بضميمة أصالة عدم النقل.

ثم إن نفس «الخرء» لم يُعلم عمومه بحيث يشمل الحيوان.

[9] قوله: [ويؤيد] فيه: أن الاستعمال أعم من الحقيقة، فيما لو جهل المعنى. نعم، لو علم المعنى ودار الأمر بين الحقيقة والمجاز فالأصل الحقيقة.

ص: 253


1- الاستبصار 1: 21.
2- الدلائل 1: 129 - 130.
3- انظر: كتاب المكاسب 1: 23.

»سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد«(1)...

ولكن صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : »رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: لا يغسلها إلاّ أن يقذرها ولكنّه يمسحها[10] حتّى يذهب أثرها ويصلّي«(2)، يعارض رواية عليّ بن جعفر، والترجيح بالأحدثية[11] مع حديث ابن جعفر.

-------------------------

[10] قوله: [يمسحها] المسح بالأرض من المطهرات. نعم، إطلاق «يمسحها» يشمل غير الأرض، لكنه يخصص بالأدلَّة الدالة على عدم مطهرية غير الأرض، بل قد يدّعى: أنّ «يمسحها» ظاهر في الأرض فقط. وإن كان في كفاية مجرد المسح بلا مشي إشكال عند البعض(3) إلاّ أن الظاهر أن المشي لا موضوعية له.

[11] قوله: [بالأحدثية] سبق أنه ليس مرجحاً.

وهل يمكن الترجيح بمخالفة روايات النجاسة لبعض العامة؟ والجواب أنّه لا بد من ملاحظة الفقه الحاكم آنذاك ثم الترجيح(4)، ولو فرض التعارض والتساقط كان الأصل الطهارة.

ص: 254


1- الكافي 3: 405.
2- تهذيب الأحكام 1: 275.
3- انظر: العروة الوثقى 1: 254.
4- راجع: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 129، السطر 1و2.

سواء كان حرمة لحمه بالأصل أو لعارض[12] كالجلاّل والموطوء(*). هذا إذا لم يكن طائراً

(*) ما دلّ على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه يشمل ما كان حرمة أكل لحمه لعارض كقوله (عليه السلام) : »اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه«(1) ... فيقع التعارض[13] بين الدليلين بالعموم من وجه...

-------------------------

[12] قوله: [أو لعارض] على الأحوط.

[13] قوله: [يقع التعارض] هكذا: (اغسل من أبوال ما لا يؤكل لحمه) سواء كانت الحرمة بالأصالة أم بالعارض.

و(لا تغسل ثوبك من أبوال البقر والإبل و...) سواء كانت حلالاً أم حرمت بالعارض.

فمورد الاجتماع هو البقر والإبل و... المحرّم بالعارض.

فيتعارضان بالعموم من وجه في الحيوان الذي دلّ الدليل على طهارته بالخصوص، فصار غير مأكول اللحم لعارض كالوطء والجلل.

والجواب: أولاً: إن الرواية الثانية(2) لا إطلاق لها، لأنها ليست في صدد البيان من هذه الجهة، فيكون «اغسل» كالدليل الثانوي الحاكم. والخلاصة: أن الدليل الأول يبين المانع وهو اقتضائي، وهو مقدم على اللا اقتضائي.

ثانياً: ما ذكره في المتن، وأظن أن مراده ما ذكرناه، لكن التعبير غير دال.

ص: 255


1- الكافي 3: 57.
2- انظر: الدلائل 1: 131.

ويرد على التقريب المذكور أنّ المقام غير داخل في تلك الكبرى[14]؛ إذ الدليل المتعرض لنجاسة بول محرّم الأكل أو خرئه لا يكون وارداً في خصوص الموطوء أو الجلال(1)...

لكن يمكن إثبات المدّعى بتقريب آخر، لاحظ ما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »كلّ[15]

-------------------------

[14] قوله: [الكبرى] لو كان الدليل «الموطوء» لكان ثانوياً، لكن العنوان هو «ما لا يؤكل لحمه» وهو يشمل الأولي والثانوي، فلا يكون ثانوياً.

إلاّ أن يقال: ما يحتوي الحكم الثانوي - أي العنوان - يكون مقدماً أيضاً في تلك الحصة، فتأمل.

[15] قوله: [كل] هذا يدل على الكلية فيما أُكل لحمه، وقد يكون ما لا يؤكل لحمه فيه تفصيل، مثلاً بين الأصيل والعارضي، فلا ينهض.

مثلاً: «كل عادل يصدّق قوله» لا يدل على «أن كل غير عادل لا يصدق» إذ قد يكون قسمين: الثقة وغير الثقة.

أو قولنا: «كل متدين لا يظلم الآخرين» ليس مفاده «كل غير متدين يظلم» إذ قد يكون نوعين.

والخلاصة: أن التعليق على وصف - لكي لا يكون لغواً - يجب أن تكون له مدخلية إيجابية، ويكفي فيها الانتفاء الجزئي عن الطرف القابل، أما الكلي فلا، ولو فرضنا أنه يعطي الضابطة الكلية فلعل المنصرف مأكول

ص: 256


1- الدلائل 1: 131.

ما أكل لحمه[16] فلا بأس بما يخرج منه«(1). فإنّ المستفاد من الحديث إعطاء ضابطة كلّية وهو التفصيل بين مأكول اللحم وغيره، فالأول لا بأس بما يخرج منه، والثاني فيه البأس...

فإنّ المستفاد[17] من الحديث بوضوح أنّ الميزان في الطهارة والنجاسة حلّية الأكل وحرمته، اللّهم إلاّ أن يقال: إنّ المستفاد من هذه الرواية التفريق بين النوعين في جواز الصلاة في قسم منها وعدم الجواز في القسم الآخر، وأمّا الطهارة والنجاسة فلا تعرّض لهما في الحديث، فتأمّل[18].

... وأمّا الحيوان الذي يكون محلّل الأكل ولم يصر محرّماً بالعارض يكون بوله وروثه طاهراً بالسيرة القطعية المتصلة بزمنهم (عليهم السلام) فلا

-------------------------

اللحم بالذات، فتأمل.

[16] قوله: [أكل لحمه] هل المراد المأكول شرعاً، أو ما أُعد للأكل عرفاً بقرينة قوله (عليه السلام) : «فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(2)؟ يوجد احتمالان.

[17] قوله: [فإن المستفاد] يرد عليه: أن المنصرف فيه أو المتيقن الحرمة الذاتية لا العرضية؛ إذ الكلام في الثعالب والفنك والسنجاب، ووجود ما يصلح للقرينة مانع عن الإطلاق، فتأمل.

[18] قوله: [فتأمل] لعل وجهه الظهور العرفي في النجاسة، فتأمل.

ص: 257


1- تهذيب الأحكام 1: 266.
2- انظر: وسائل الشيعة 3: 409.

وأمّا الطائر غير المأكول ففي نجاسة بوله وخرئه إشكال(*)[19].

مجال[20] للعمل ببعض النصوص الدالّة على نجاسة ما يخرج عن البغل مثلاً(1)...

(*) منشؤه تعارض الروايات وذهاب المشهور إلى النجاسة...

ويدلّ على الطهارة ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه«(2) ويقع التعارض بين هذه الرواية وما يدلّ على نجاسة مدفوع محرم الأكل، لكن الظاهر من دليل الطهارة أنّ عنوان الطيران له دخل في طهارة البول والخرء، فلو اختصّ هذا الدليل بالطائر المأكول يكون وصف الطيران لغواً[21] وليس الأمر في طرف

-------------------------

[19] قوله: [إشكال] لا إشكال فيه.

[20] قوله: [فلا مجال] نقيض ما مال إليه - ظاهراً - هناك(3).

[21] قوله: [لغواً] فهو نظير تمثيل المعالم «الإنسان الأبيض لا يعلم الغيوب، والأسود إذا نام لا يبصر»(4). ومثل قولنا: «كل ما يطير ليلاً فلا بأس». نعم، قد يُسأل عن شيء خاص فيكون الجواب عنه، أما ابتداء الكلام بما لا مدخل له لا وجوداً ولا عدماً فليس مقبولاً.

ص: 258


1- الدلائل 1: 131 - 133.
2- الكافي 3: 58.
3- راجع: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 135.
4- معالم الدين وملاذ المجتهدين: 80.

العكس[22] كذلك كما هو ظاهر، وهذا يوجب ترجيح[23] دليل الطهارة على دليل النجاسة.

وقول الصادق (عليه السلام) في رواية عمّار: »خرء الخطاف لا بأس به هو ممّا يؤكل لحمه« لا ينافي[24] هذا المعنى؛ إذ لا مانع[25] من اجتماع أمرين في الخطّاف كلّ منهما يوجب طهارة خرئه، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون حرمة الأكل مقتضياً للنجاسة، ووصف الطيران مانعاً، فما دام لم يكن المقتضي[26] موجوداً لا ينسب عدم المعلول إلى وجود المانع، بل ينسب إلى عدم المقتضي، هذا في غير الخشاف.

وأمّا فيه فقد روى داود الرقي قال: »سألت أبا عبد اللّه عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه فلا أجده، قال: اغسل

-------------------------

[22] قوله: [العكس] إذ يكون لعدم أكل اللحم مدخلية في كل الحيوانات إلاّ في الطيور.

[23] قوله: [ترجيح] ولو فرض التعارض والتساقط كان المرجع أصالة الطهارة.

[24] قوله: [لا ينافي] وجه الإشكال: أنه لِمَ علَلَ عدم البأس بأكل اللحم لا بالطيران؟!

[25] قوله: [إذ لا مانع] ويصح التعليل بإحدى العلتين دون الأُخرى، إما لا لمرجح، أو لمرجح مجهول لدينا، على الخلاف في جواز الترجيح بلا مرجح.

[26] قوله: [لم يكن المقتضي] مثل أن نقول: لم تحترق هذه الورقة المبللة لعدم النار، ولا نقول لوجود البلل.

ص: 259

وأمّا المأكول[27] اللحم فبوله وخرؤه طاهر ولو كان ذا نفس سائلة(*).

ثوبك«(1)، ولكن الرواية ضعيفة، مضافاً إلى معارضتها[28] بخبر غياث عن جعفر، عن أبيه قال: »لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف«(2)، فلا وجه لنجاسة بوله ولا سيّما أنّه ليس له نفس سائلة[29] حسب الاختبار...

وصفوة القول أنّه لو فرض اعتبار كلا الخبرين تكون النتيجة الطهارة؛ إذ لا نميز الأحدث[30] عن القديم فتجري قاعدة الطهارة.

(*) نقل الإجماع عليه عن الخلاف والناصريات والتذكرة والبيان، ويدلّ عليه جملة من النصوص، منها: ما رواه زرارة[31] وما عن

-------------------------

[27] قوله: [وأما المأكول] سواء أكان طيراً أم غيره.

[28] قوله: [معارضتها] فتحمل على الاستحباب أو يتساقطان، والمرجع أصالة الطهارة.

[29] قوله: [ليس له نفس سائلة] فتشمله الأدلَّة الآتية(3).

[30] قوله: [الأحدث] سبق أنه لا اعتبار به.

[31] قوله: [زرارة] الرواية في البول، لكن قد سبق أنه لا تفكيك بحسب الارتكاز.

ص: 260


1- الاستبصار 1: 188.
2- تهذيب الأحكام 1: 266.
3- راجع: الدلائل في منتخب المسائل 1: 137.

عمّار[32] بن موسى، فإنّه يفهم من كلامه قاعدة كلّية، وما عن عمّار[33] إلى غير ذلك من الروايات...

وفي قبال هذه الروايات ما يدلّ على طهارة بول الحمير، وهو ما رواه معلّى بن خنيس وعبد اللّه بن أبي يعفور، قال: »كنّا في جنازة وقدّامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد اللّه فأخبرناه، فقال: ليس عليكم بأس«(1). والحديث ضعيف سنداً[34]...

نعم، في المقام ما يدلّ بعمومه[35] على طهارة بول هذه الثلاثة، وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الأغرّ النخّاس قال: »قلت

-------------------------

[32] قوله: [عمار] هو رواه في الخُرء.

[33] قوله: [عن عمار] هذا عام للاثنين.

[34] قوله: [ضعيف سنداً] إلاّ أنه مجبور بالعمل.

[35] قوله: [بعمومه] وهو كافٍ؛ إذ الروايات تدل على نجاسة بول هذه الثلاثة(2)، وهذه الرواية تدل على طهارة بول هذه الثلاثة(3)، فالجمع بحمل (اغسل) على الأفضلية.

هذا، ولكن ما هو المقصود بالدواب؟ الظاهر أنها - عرفاً - تطلق على الثلاثة، وأما احتمال اختصاصها بالحمير ففيه نظر، وأما التفسير اللغوي للدابة

ص: 261


1- الاستبصار 1: 180.
2- أي: الحمار والبغل والفرس.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 136.

لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إنّي أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه، فقال: ليس عليك شيء«(1).

ولا يستشكل في الرواية بضعف أبي الأغرّ، فإنّ إسناد الصدوق - على ما في المشيخة - إلى أبي الأغرّ بابن أبي عمير وروايته كافٍ في كون المرويّ عنه ثقة، لكن رجعنا[36] عن هذه المقالة وقلنا كون الراوي ابن أبي عمير لا يدلّ على وثاقة المروي عنه، فلا بدّ[37] من الالتزام بالنجاسة، إلاّ أن يقال: كيف يمكن الالتزام بالنجاسة مع أنّها خلاف ارتكاز أهل الشرع وخلاف السيرة[38] الجارية...

-------------------------

بمطلق ما يدب على الأرض(2) فليس بمراد، وإذا تعارض العرف واللغة قدّم العرف.

[36] قوله: [رجعنا] وفيه نظر، فإن المختار أنهم لا يروون إلاّ عن ثقة، نعم، في (أنهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة) نظر، كما قرر في محله.

[37] قوله: [فلا بد] سبق التنظر فيه.

[38] قوله: [السيرة] فإن المسألة محل الابتلاء كثيراً، وقد كانت الدواب في أغلب البيوت سابقاً، وكانت تسير في الشوارع وتروث وتبول، فلو كان ما يخرج منها نجساً لشاع وذاع، وكثرت الأسئلة عنه في الروايات، ولتحرز منه الناس، وليس فليس.

ص: 262


1- الكافي 3: 58، من لا يحضره الفقيه 1: 70، وفيه «لا بأس به».
2- انظر: العين 8 : 13، مادة «دبّ».

والخفّاش من غير المأكول(*)[39] والخطّاف من المأكول(**).

وأمّا المقام الثاني، فنقول: تدلّ[40] على نجاسة أرواث هذه الثلاثة حديث ابن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن الثوب يقع في مربط الدابّة على بولها وروثها كيف يصنع؟ قال: إن علق به شيء فليغسله، وإن كان جافّاً فلا بأس«(1)...

(*) لكنّه[41] من الطيور، والطيور لا بأس ببولها وخرئها.

(**) ... هذا كلّه بالنسبة إلى ذي النفس، وأمّا ما لا نفس له فاستدلّ على طهارة ما يخرج منه بعدم الخلاف وأصالة الطهارة وبلزوم الحرج، وبأنّ ميتته طاهرة فبوله وخرؤه أيضاً طاهر كعصارة النباتات والكلّ كما ترى، أمّا الإجماع فمع هذه الوجوه المذكورة كيف[42] يعتمد عليه، وأمّا قاعدة الطهارة فلو تمّ الدليل على النجاسة لا مجال[43] لجريانها، وأمّا الحرج فيوجب رفع اليد عن

-------------------------

[39] قوله: [غير المأكول] لكن لا بأس بما يخرج منه، لأنه من الطيور.

[40] قوله: [تدل] يرد عليه نفس الإشكال المتقدم، حيث إن هنالك جمعاً دلالياً مع «رواية أبي الأغر»، والسيرة والارتكاز يدلان على الطهارة.

[41] قوله: [لكنه] فلا أثر لذكر ذلك في المتن.

[42] قوله: [كيف] أي أنه محتمل الاستناد. وفيه: أنه لا ينصرف كما سبق.

[43] قوله: [لا مجال] للحكومة أو الورود.

ص: 263


1- وسائل الشيعة 3: 411.

الحكم في مورده[44] ولا اختصاص له بالمقام...

لكن يمكن أن يقال: إنّ دليل نجاسة البول لا يشمل بول ما لا نفس له من الحيوان، فالمقتضي من الأوّل قاصر[45]، فتأمّل.

وأمّا القول بأنّ الدالّ على نجاسة البول منصرف[46] إلى بول الإنسان فكلام بلا دليل...

اللّهّم إلاّ أن يقال: المستفاد من الحديث أنّ ما لا نفس له بنفسه لا ينجس، وتقدير شيء[47] يضاف إليه خلاف الظاهر.

-------------------------

[44] قوله: [في مورده] فلا يصلح لحكم عام.

[45] قوله: [قاصر] قد يقال: إنه مطلق، كما في «سألته عن البول يصيب الثوب، قال: اغسله مرتين »(1)، إلاّ أن يقال: إنه منصرف لأبوال الإنسان، كما في المني(2)فتأمل.

لكن: «اغسل

ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) عام بلا إشكال، ولا وجه لادعاء القصور فيه.

[46] قوله: [منصرف] وجهه ما سبق قبل قليل في خصوص الرواية الأولى.

[47] قوله: [وتقدير شيء] كأن نقول: إلاّ بول ما كانت له نفس سائلة.

هذا، ولكن يمكن أن يستدل هكذا: أنه لو مات غير ذي النفس، ثم تفسخ وخرج ما في أمعائه فظاهر إطلاق الرواية أن الماء لا يفسد.

ص: 264


1- وسائل الشيعة 3: 395، ح1.
2- المصدر نفسه 3: 425.
3- المصدر نفسه 3: 405.

وأمّا رجيع ما لا نفس له، فالإنصاف[48] أنّ دليل النجاسة منصرف عنه، مضافاً إلى أنّ عمدة الدليل هو الإجماع المفقود في المقام، بل هو قائم[49] على طهارته.

-------------------------

لكن قد يجاب: بأن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة، فهي لا تشمل هذه الصورة، كما أنه لو ابتلع لحم كلب وتفسخ حتى خرج لا يدل على طهارة الماء، فتأمل.

[48] قوله: [فالإنصاف] لأن لفظ «العذرة» لا يطلق عليه(1)، بل على عذرة الإنسان فقط، لكن لو تم هذا لم يصح الاستدلال به على عذرة غير الآدمي.

[49] قوله: [بل هو قائم] المؤلف عادة يناقش في الإجماعات، فلِمَ لَمْ يناقش فيه في المقام؟

والإنصاف: أنه دليل كافٍ، وبعدم التفكيك بين الرجيع والبول يثبت الحكم في البول أيضاً كما سبق.

ثم إن دليل الحرج يمكن تقريره: بأن وجود الذباب والبق ونحوهما متعارف، وكذا القمل في الرأس، ولا بد أن لها رجيعاً، فلو كان نجساً لبان ذلك ولكثر السؤال عنه، ولكانت السيرة على غسل الرأس والبيوت منها، وذلك يدل على المدعى في الجملة.

والخلاصة: أن غير المأكول من غير ذي النفس لا يخلو من تأمل، إلاّ أن يثبت الإجماع أو السيرة، فتأمل.

ص: 265


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 130.

الثالث: المني من الحيوان ذي النفس

الثالث: المني من الحيوان ذي النفس، سواء كان حراماً أم حلالاً دون غير ذي النفس، فإنّ منيه طاهر ولو كان حرام الأكل(*).

(*) يقع[50] الكلام تارة في حكم مني الآدمي، وأخرى في مني غيره من الحيوان ذي النفس السائلة، فهنا مسألتان:

المسألة الأولى: في حكم مني الآدمي، ادّعي - كما في الحدائق - عدم الخلاف[51] في نجاسته، ويدلّ عليه جملة من النصوص، منها: ما رواه سماعة قال: »سألته[52] عن المني[53] يصيب الثوب، قال:

-------------------------

[50] قوله: [يقع] الأقسام خمسة:

الأول: مني الآدمي.

الثاني: مني الحيوان ذي الدم الدافق الحلال اللحم، كالشاة.

الثالث: مني الحيوان ذي الدم الدافق الحرام اللحم، كالهرة.

الرابع: مني الحيوان غير ذي الدم الدافق الحلال اللحم، كالسمك المحلل.

الخامس: مني الحيوان غير ذي الدم الدافق الحرام اللحم، كالسمك المحرم.

ويلحق بذلك قسم سادس وهو مني ما لا لحم له.

[51] قوله: [عدم الخلاف] وهو كافٍ في الحكم، بل لعله يدعى أنه من الضروريات المذهبية.

[52] قوله: [سألته] المصنف عادةً يستشكل في مضمرات سماعة لكنه لم يستشكل هنا.

[53] قوله: [المني] هل يشمل مني غير الإنسان؟ فيه خفاء لوجود القدر المتيقن في مقام التخاطب أو الانصراف، وأما ندرة إصابته في غير الثوب

ص: 266

اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه قليلاً كان أو كثيراً«(1).

ومنها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه شيء فليغسل الذي أصابه، فإن ظنّ أنّه أصابه شيء ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه[54] بالماء، وإن استيقن أنّه قد أصابه مني ولم ير مكانه فليغسل ثوبه كلّه فإنّه أحسن[55]« (2)...

وفي قبالها ما ينافيها، وهو ما رواه زيد الشحّام: »أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتّى

-------------------------

فإن رجعت إلى ذلك فبها، وإلاّ فالندرة لا تمنع الإطلاق.

[54] قوله: [فلينضحه] هذا نوع من تخفيف القذارة عرفاً، فهو كرش الكنائس، ومثله عرفاً رش أمام الدكان لتخفف القذارة العرفية.

[55] قوله: [فإنه أحسن] لعل وجهه: أن أطراف العلم الإجمالي ليست كل الثوب، فياقة الثوب - مثلاً - ليست طرفاً، فيستطيع أن يغسل الأطراف فقط، لكن غسله كله أحسن.

وهل هو أحسن عرفاً أو شرعاً؟ لعله شرعاً، لأنه أقرب للاحتياط، وعدم نجاسة جزء بالسراية، فتأمل.

ولعل (أحسن) منسلخ عن معنى التفضيل مثل: {خَيْرٌ مَّقَاماً}(3).

ص: 267


1- الكافي 3: 54.
2- الكافي 3: 53.
3- مريم: 73.

يبتلّ عليّ[56]، فقال: لا بأس به«(1).

وما رواه زرارة قال: »سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفّف[57] فيه من غسله؟ فقال: نعم، لا بأس به إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافّة فلا بأس«(2). ومقتضى الصناعة[58] التفصيل بين كونه يابساً ورطباً...

المسألة الثانية: في مني غير الآدمي من ذي النفس السائلة[59]، فنقل عن التذكرة الإجماع[60] على نجاسته، أضف إلى ذلك أنّ

-------------------------

[56] قوله: [يبتل عليّ] لعل المراد أن الثوب باعتباره جامداً لا تسري النجاسة إلى سائر مواضعه، فهو كالأرض الرطبة، ويحتمل أن العوام يعتقدون أن الجنب نجس - أي نفس البدن نجس - فقال (عليه السلام) : لا بأس(3). وفيه نظر.

ويحتمل: أن المراد تطهير المطر، وفيه نظر لأن اللزوجة لا تزول به عادة.

[57] قوله: [أيتجفف] أي هل يجفف نفسه بعد الغسل بثوب فيه جنابة؟

[58] قوله: [الصناعة] خلاف الارتكاز وخلاف الإجماع ظاهراً، والنص معرض عنه.

[59] قوله: [السائلة] حلال اللحم وحرامه.

[60] قوله: [الإجماع] وهو العمدة.

ص: 268


1- الكافي 3: 53.
2- الاستبصار1: 188، ح14.
3- وسائل الشيعة 3: 425.

إطلاق[61] لفظ المني الوارد في بعض النصوص يقتضي نجاسة مطلقة.

ولقائل أن يقول: يشكل الجزم بنجاسة مني غير الإنسان؛ إذ مقتضى إطلاق دليل نجاسة المني - كما تقدّم - نجاسة مني غير الإنسان، ومقتضى حديث عمّار[62] طهارة مني ما يؤكل من الحيوان كالبقر مثلاً، فيقع التعارض بالعموم من وجه[63] بين الدليلين...

وصفوة القول: أنّ الأحدث[64] من المتعارضين غير معلوم، فيدخل المقام في كبرى اشتباه الحجّة بغيرها، وتصل النوبة إلى قاعدة الطهارة[65](1)...

-------------------------

[61] قوله: [إطلاق] فيه ما مضى.

[62] قوله: [عمار] ظاهر «ما يخرج منه»(2) خصوص البول والغائط، أو هو القدر المتيقن في مقام التخاطب.

[63] قوله: [من وجه] المني نجس سواء كان من إنسان أم حيوان، وما يخرج من الحيوان المأكول اللحم طاهر، سواء كان منياً أم غير مني، فمحل الاجتماع مني الحيوان المأكول اللحم.

وفيه: أن كلا الدليلين لا يشملان المقام لما مضى، فالإجماع هو المرجع.

[64] قوله: [الأحدث] لأن كليهما عن الإمام الصادق (عليه السلام) . ثم إنّه لا عبرة بالأحدث، كما سبق.

[65] قوله: [الطهارة] في المأكول.

ص: 269


1- الدلائل 1: 139 - 140.
2- تهذيب الأحكام1: 266، ح68.

الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس

الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس وأجزائه التي تحلّها الحياة، سواء انفصلت منه بعد الموت أم حال حياته. نعم، لا بأس بالقشور المنفصلة من الشفة... وكذا فأرة المسك المنفصلة من الظبي الحيّ[66]، أمّا المنفصلة من الميّت ففيه إشكال.

نعم، المأخوذة من يد المسلم محكومة بالطهارة إلاّ أن يعلم بكونها من الميّت[67] ... نعم، لو لاقى رطوبة الميتة لزم غسله من تلك الرطوبة حتّى في المأكول على الأحوط، ولا يترك[68] الاحتياط في الأنفحة واللبن في الضرع خصوصاً[69] في غير المأكول(*).

(*) في المقام فروع:

الفرع الأوّل: إنّ الميتة من الحيوان ذي النفس نجس... وكيف كان استدلّ[70] على المدّعى بطوائف من النصوص:

-------------------------

ثم إن المصنف لم يذكر حكم ما لا دم دافق له - محللاً ومحرماً - ولعله لضعف الدليل في ما له دم دافق فكيف بهذا؟ والإجماع ليس متحققاً فيه.

[66] قوله: [الحي] فيه تأمل. نعم، لا إشكال في طهارة الفأرة المأخوذة من المذكى.

[67] قوله: [بكونها من الميت] وفي المأخوذ من الحي تأمل مضى.

[68] قوله: [ولا يترك] لا بأس بترك الاحتياط فيها.

[69] قوله: [خصوصاً] لا يترك الاحتياط في هذه الصورة.

[70] قوله: [استدل] هذا لمن لم تثبت عنده الضرورة.

ص: 270

الطائفة الأولى: ما دلّ على نزح[71] ماء البئر بموت جملة من الحيوانات(1)...

إن قلت[72]: بناء الأصحاب على عدم انفعال ماء البئر، قلت: نرفع اليد عن دلالة النصوص على نجاسة ماء البئر...

ولقائل أن يقول: إنّ مجرد الأمر بالنزح لا يدلّ على النجاسة، ولذا نرى قد أمر بالنزح بورود الجنب في ماء البئر مع أنّ بدن الجنب

-------------------------

[71] قوله: [نزح] الدال عرفاً على النجاسة، وإن احتمل غيره(2).

[72] قوله: [قلت] والخلاصة: أن له دلالتين:

الأولى: الميتة نجسة.

الثانية: الميتة منجسة للبئر.

فتارةً نرفع اليد عن الثانية؛ لأن سقوط بعض فقرات الرواية لا يسقط غيرها.

وأخرى نحمل المنجّسة على النزاهة والأفضلية.

وقد يشكل: بأن النجاسة مستفادة من المنجسية، فإذا سقطت سقطت الأولى.

وفيه: إن سقوط الدلالة المطابقية لا يسقط الالتزامية. لكن فيه بحث في الأصول.

وثالثةً: هذه الروايات تدل على أن الميتة فيها مقتضي التنجيس، إلاّ أن البئر مانع، وحيث لا مانعية في غيرها يؤثر المقتضي في مقتضاه.

ص: 271


1- الدلائل 1: 141.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 142.

لا يكون نجساً[73]...

ويرد عليه: أنّه ترفع اليد عن الدليل[74] في مورد القطع بالخلاف...

الطائفة الرابعة[75]: ما يدلّ على النهي عن الأكل في آنية أهل الكتاب إذا كانوا يأكلون فيه الميتة...

الطائفة الخامسة[76]: ما يدلّ على عدم جواز الصلاة في الميتة...

الطائفة السادسة[77]: ما يدلّ على فساد الماء بوقوع ما له النفس فيه...

-------------------------

[73] قوله: [نجساً] ولو بالإطلاق، أي إطلاق الأمر بالنزح، ولو مع تطهير الجنب بدنه قبل الدخول في البئر.

[74] قوله: [الدليل] الظاهر عرفاً في النجاسة، كما سبق.

[75] قوله: [الرابعة] واحتمال أنه لأجزاء الميتة خلاف الظاهر وخلاف الإطلاق.

[76] قوله: [الخامسة] فيه: أنه من جهة المانعية لا النجاسة، ولا أقل من الإجمال.

إلاّ أن يقال: إنه في قبال العامة القائلين بالطهارة بالدبغ، إلاّ أن يثبت أنهم قائلون بالمانعية لو لم يدبغ وارتفاعها لو دبغ.

[77] قوله: [السادسة] هذا عين ما ذكر في الطائفة الثانية(1)، أي قريب منه، فالأولى توحيدهما، وإن كانت بينهما بعض الفوارق.

ص: 272


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 142.

الفرع الثاني: أنّ الجزء المبان من الميتة نجس، وهذا ظاهر واضح، فإنّ العرف[78] يفهم من الدليل الدالّ على النجاسة عدم الفرق بين الاتّصال والانفصال.

الفرع الثالث: إنّ الجزء المبان من الحيّ نجس، ويدلّ على المدّعى ما رواه محمّد بن قيس[79] عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه فإنّه ميّت، وكلوا ما أدركتم حياً وذكرتم اسم اللّه عليه«(1). فإنّ المستفاد من الحديث أنّ الجزء المبان من الحيّ ميتة[80].

الفرع الرابع: أنّه لا بأس بالقشور وغيرها من المذكورات في المتن، وعمدة الدليل على المدّعى السيرة[81] الجارية على طهارة المذكورات.

-------------------------

[78] قوله: [العرف] أو الإطلاق يشمل الجزء المنفصل والمتصل، أي أنه ميتة.

وأما كلام المصنف فمفاده: أنه ليس ميتة؛ إذ الميتة هي المجموع، لكن ما الفرق عرفاً بين مجموع يُدخل يده في الماء، أو نفس اليد المنفصلة؟ والخلاصة: أنه لا يرى للهيئة الاجتماعية مدخلية.

[79] قوله: [ابن قيس] وهذا يدل على العموم بعد إلغاء خصوصية الحبالة والصيد.

[80] قوله: [ميتة] فيكون نجساً.

[81] قوله: [السيرة] مثلاً: نزع قشور الشفة متعارف، وكذا قشور اليد،

ص: 273


1- تهذيب الأحكام 9: 37.

... وأمّا حديث عليّ بن جعفر: »أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته، أو ينتف بعض من لحمه ويطرحه؟ قال: إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله«(1). فلا يمكن[82] الاستدلال به على الحكم، فإنّ المستفاد منه حكم حيثي...

الفرع الخامس: أنّ فأرة المسك[83] المنفصلة عن الحيّ طاهرة، وما يمكن أن يذكر في وجهها أمور:

-------------------------

خصوصاً عند الفلاحين والعمال ونحوهم، وكذا حك الأجرب، ولو كان نجساً لكثر السؤال عنه وشاع وذاع، ولتكرر وروده في الروايات، بالإضافة إلى أن أصالة الطهارة كافية بعد عدم شمول دليل الميتة له.

[82] قوله: [فلا يمكن] إذ ليس في مقام بيان الطهارة، بل بيان أنه لا بأس به من ناحية خروج الدم.

نعم، قد يقال: إنه لو كان نجساً وميتة لكان حملاً للميتة، وحمل الميتة غير جائز في الصلاة ولو لثوانٍ.

وفيه: إن أدلَّة حمل الميتة منصرفة عن ذلك، ولعله تخصيص في تلك الأدلَّة، فتأمل.

[83] قوله: [فأرة المسك] على ثلاثة أنواع:

الأول: أن تنفصل عن حي.

ص: 274


1- وسائل الشيعة 7: 242.

منها: الإجماع[84]، ويرد عليه أنّه محتمل المدرك مضافاً إلى وجود الخلاف، فإنّه نقل عن كشف اللثام الحكم بالنجاسة مطلقاً[85]، ونقل عن العلاّمة[86] في المنتهى القول بالتفصيل بين المأخوذ من الحيّ وبين المأخوذ من الميّت.

ومنها: أنّ الحكم بطهارة المسك[87] يستلزم طهارة الجلدة. وفيه أنّه لا ملازمة بينهما، فإنّ المسك يابس[88] فلا ينجس بالملاقاة،

-------------------------

الثاني: أن تنفصل عن ميتة.

الثالث: أن تنفصل عن مذكى.

أما المنفصلة عن الميتة فهي نجسة، لأنها جزء من الميتة، فتأمل.

وأما لو انفصلت عن المذكى فهي طاهرة؛ لأن الحيوان المذكى طاهر. والكلام فعلاً في المنفصل عن الحي، أو لعله الأغلب في الخارج.

[84] قوله: [الإجماع] وكفى به دليلاً، واحتمال المدركية لا يضر، وكذا الخلاف، فتأمل.

[85] قوله: [مطلقاً] أي عن حي أو ميت، والظاهر أن مراده غير المذكى.

[86] قوله: [العلامة] إن كان تفصيله بالطهارة في الحي لم يقدح في دعوى الإجماع في المقام.

[87] قوله: [بطهارة المسك] وقد سبق أن الأغلب لا ينفصل بنفسه عن الحي ظاهراً.

[88] قوله: [يابس] المنقول أنه مائع ويستخرج بالإبرة(1).

ص: 275


1- انظر: جامع المقاصد 4: 96.

مضافاً إلى أنّ غاية ما يستفاد منه أنّ المسك لا ينجّس بملاقاتها، فيكون تخصيصاً[89] في أدلَّة التنجيس.

ومنها: أنّ الجلدة ممّا لا تحلّه الحياة، ويردّه أنّ الجلدة كيف[90] لا تحلّها الحياة. نعم، يمكن أن يكون عند السقوط ميّتاً، وهذا غير مؤثّر في رفع النجاسة.

ومنها: ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: »سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه، فقال: لا بأس بذلك«(1) بتقريب أنّه لو كانت الفأرة نجسة لما أجاب (عليه السلام) بعدم البأس.

ويرد عليه أوّلا: أنّ نفي البأس عن الصلاة معها أعمّ[91]من الطهارة.

-------------------------

[89] قوله: [تخصيصاً] هذا خلاف الظاهر، بل الظاهر العرفي أنه طاهر، وفيه نظر فإنه كاللبن في الضرع، فلا يدل على طهارة الضرع.

[90] قوله: [كيف] فإنها جزء من الظبي، ولذا عرف بأن المسك هو الدم المتحول(2).

[91] قوله: [أعم] فربما يكون نجساً، إلاّ أنه يجوز حمله، مثل المحمول المتنجس أو النجس، على بعض الأقوال في الأخير، وكذا مثل ما لا تتم فيه الصلاة، وهذا وإن كان ميتة، والميتة لا تجوز مطلقاً ظاهراً، إلاّ أن التخصيص ممكن.

ص: 276


1- مسائل علي بن جعفر: 216.
2- انظر: المنجد في اللغة: 761، مادّة «مسك».

وثانياً: أنّ هذه الرواية مقيّدة بخبر عبد اللّه بن جعفر قال: »كتبت إليه يعني[92] أبا محمّد (عليه السلام) : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فارة المسك؟ فكتب: لا بأس به إذا كان ذكياً«(1)...

وعليه لا بدّ من التفصيل بين ما يؤخذ من الظبي المذكّى فيحكم بطهارته[93]، وبين ما يؤخذ من غير المذّكى فيحكم بنجاسته أعمّ[94] من أن يكون مأخوذاً من الميّت أو يكون مأخوذاً من الحيّ...

نعم، إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها كما هو المقرّر؛ إذ المأخوذ من يده أمارة التذكية[95]، هذا فيما لم يعلم أنّها مأخوذة من الحيّ أو الميّت أو المذبوح بطريق شرعي.

-------------------------

[92] قوله: [يعني] وقد قرر في الأُصول(2): أن ما يرتبط بالحكم الشرعي وزمانه ومكانه والسؤال، يكون قول الراوي فيه حجة، هذا ويحتمل أن يكون «يعني» من نفس الراوي الأصلي.

[93] قوله: [بطهارته] لا للرواية السابقة فإن المصنف ذكر أنها لا تدل على الطهارة، بل لأن كل شيء من المذكى طاهر، كما سبق.

[94] قوله: [أعم] مضى التأمل في ذلك، فتأمل.

[95] قوله: [أمارة التذكية] لا بد من ملاحظة أن الأدلَّة تشمل مثل ذلك أم أنها في صرف اللحوم والشحوم والجلود؟

ص: 277


1- وسائل الشيعة 4: 433.
2- انظر: كفاية الأصول: 288.

الفرع السادس: أنّه لا بأس[96] بما لا تحلّه الحياة[97]. ادّعى على طهارته عدم الخلاف كما في الحدائق(1).

وتدلّ على طهارته جملة من النصوص، منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا بأس بالصلاة[98] فيما كان من

-------------------------

[96] قوله: [لا بأس] أي بلحاظ الطهارة، وأما الحلية فبحثها موكول إلى كتاب الأطعمة والأشربة.

[97] قوله: [لا تحله الحياة] لم أجد في روايات الباب هذه الكلمة، بل هو - ظاهراً - اصطلاح فقهائي. وعلى كلٍ: لا ملزم للدوران حول هذه اللفظة، بل الملاك ما ورد في الروايات وهي: 1- الصوف. 2- ما ليس فيه روح (عموم التعليل). 3- الشعر. 4- الريش. 5- كل نابت. 6- اللبن. 7- اللباء. 8- البيضة. 9- القرن. 10- الناب. 11- الحافر. 12- كل ما يفصل من الشاة والدابة. 13- الأنفحة. 14- عظام الفيل والعظم. 15- الجلد. 16- السن. ولا بد من التحقيق حول كل نابت، فهو كالظفر.

وعلى كلٍ: فالمراد بالحياة، الحياة الحيوانية، وإن كان فيها حياة نباتية ولذا تنمو، أو المراد الحياة العرفية فإنها عرفاً ليست حية، أو أن للحياة مراتب، وهذه فاقدة لمرتبة منها.

[98] قوله: [بالصلاة] هذه الرواية تدل على عدم المانعية ولا تدل على الطهارة، إلاّ أن يقال: إن من الثابت أن لباس المصلي يجب أن يكون طاهراً،

ص: 278


1- الدلائل 1 : 146.

صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح«(1)، فإنّه يستفاد من هذه الرواية أنّ كلّما[99] ليس فيه روح لا يترتّب عليه حكم الميتّة.

ومنها: ما عن حسين بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »الشعر والصوف والريش وكلّ نابت[100] لا يكون ميّتاً«(2).

ومنها: ما رواه حريز قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) لزرارة ومحمّد بن مسلم: »اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر، وكلّ شيء يفصل[101] من الشاة والدابّة فهو ذكيّ، وإنّ أخذته منه بعد أن يموت فاغسله[102] وصلّ فيه«(3).

ومنها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الأنفحة تخرج من الجدي الميّت قال: لا بأس به[103]، إلى أن قال:

-------------------------

فعدم البأس دليل على الطهارة.

[99] قوله: [كلما] كأن العلة تعم.

[100] قوله: [نابت] كالوبر والأظفار.

[101] قوله: [يفصل] لعل المراد أنه يمكن فصله منه، كالأظفار مثلاً.

[102] قوله: [فاغسله] الظاهر أنه للملامسة برطوبة مع الميت.

[103] قوله: [لا بأس به] هل المراد الطهارة، أو أنه لا بأس بأكله أيضاً؟ لم يعلم أنه سابقاً هل كانت الأنفحة تؤكل في الجبن، أم أنها كانت تخرج

ص: 279


1- من لا يحضره الفقيه 1: 265.
2- وسائل الشيعة 3: 514.
3- الاستبصار 4: 88.

قلت: والصوف والشعر وعظام الفيل[104] والجلد[105] والبيض يخرج من الدجاجة؟ فقال: كلّ هذا لا بأس[106] به«(1).

ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب بإسقاط[107] لفظ الجلد إلى غير ذلك من الروايات.

الفرع السابع: أنّه لا بأس بالبيض[108] الخارج من الدجاجة الميّتة، لاحظ جملة من الأحاديث:

منها: ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: »أنّ قتادة قال له: أخبرني عن الجبن، فقال: لا بأس به، فقال: إنّه ربّما جعلت فيه أنفحة الميّت، فقال: ليس به بأس إنّ الإنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث ودم،

-------------------------

منها؟ وقد يقال: إن القضية حقيقية وإن «لا بأس» فيه إطلاق.

[104] قوله: [الفيل] الظاهر أنه لا خصوصية لعظامه، بل سأل عنه لكونه مورد الابتلاء عادةً في المشط ونحوه.

[105] قوله: [والجلد] يحتاج لتأمل في معناه.

[106] قوله: [لا بأس] لعل المراد الطهارة، أو كل شيء بحسب المنفعة المقصودة به.

[107] قوله: [بإسقاط] وإذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فالأصل عدم الزيادة.

[108] قوله: [بالبيض] الرواية تدل على الحلية، وكل حلال طاهر.

ص: 280


1- من لا يحضره الفقيه 3: 342.

وإنما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميّتة أخرجت منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة؟ قال قتادة: لا، ولا آمر بأكلها، قال أبو جعفر (عليه السلام) : ولم؟ قال: لأنها من الميتة، قال: فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال: نعم، قال: فما حرّم[109] عليك البيضة وأحل لك الدجاجة...«(1).

ومنها: ما رواه يونس عنهم (عليهم السلام) قالوا: »خمسة أشياء ذكية[110] ممّا فيه منافع الخلق: الأنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر، ولا بأس بأكل الجبن كلّه ما عمله مسلم وغيره[111]،

-------------------------

[109] قوله: [فما حرم] لعل الجواب اسكاتي، وإلاّ فالجواب: أنه استحال ولا يصدق عليه أنه ميتة، كالمني إذا أصبح دجاجة.

إن قلت: ثبت أن كل بيض حلال فنتاجه حلال، وكذا في الحرمة.

قلت: ذاك في أصل الحلية والحرمة، أي ما كان من حيوان محرم بالأصالة لا بالعرض.

إلاّ أن يقال: إن هذه الرواية دليل على عموم الحكم لما بالأصالة والعرض، أو يقال: أساساً لا تعد البيضة من الدجاجة الميتة، بل هي ظرف لها، فلا موجب لإجراء حكم الميتة عليها.

[110] قوله: [ذكية] أي بحكم المذكى.

[111] قوله: [مسلم وغيره] هذا دليل على التعميم، فلا يقيد بالرواية

ص: 281


1- وسائل الشيعة 24: 179.

وإنّما كره[112] أن يؤكل سوى الأنفحة ممّا في آنية المجوس وأهل الكتاب، لأنّهم لا يتوقّون الميتة والخمر«(1).

-------------------------

السابقة «من أسواق المسلمين»(2)، مضافاً إلى أن اللقب لا مفهوم له في الرواية السابقة.

ثم إنه على هذا - لو صحت الرواية - ينحل إلى إشكال، وهو: أن صاحب العروة اشترط غسل الأنفحة من رطوبات الميتة(3)، والمسلم يُحمل فعله على الصحيح، فنحكم أنه غسله، أما فعل الكافر فنستصحب نجاسة الأنفحة. وعليه فيشكل الأمر في الأجبان المستوردة من الخارج إن علم باحتوائها على أنفحة حيوانية.

والجواب: أولاً: إن هذه الرواية تفيد التعميم.

ثانياً: إننا لا نعلم بوجود الرطوبة المسرية، إلاّ أن يجاب بأننا نعلم ذلك، أو بأن الرواية أمرت بالغسل(4).

[112] قوله: [كره] الكراهة تشمل الكراهة المصطلحة والحرمة، ولم تثبت لها حقيقة شرعية، وفي الآية الكريمة: {كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا}(5).

ص: 282


1- وسائل الشيعة 24: 179.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 148.
3- انظر: العروة الوثقى 1: 126 و127.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 147.
5- الإسراء: 38.

ومنها: ما رواه حسين بن زرارة قال: »كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) وأبي يسأله عن السنّ من الميّتة والبيضة من الميتة وأنفحة الميتة، فقال: كلّ هذا ذكيّ، قال: قلت: فشعر الخنزير يجعل حبلاً يستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها، فقال: لا بأس به[113]«(1)...

وأمّا اشتراط اكتساء القشر الأعلى فيدلّ عليه حديث غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في بيضة خرجت من است دجاجة ميّتة، قال: إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها«(2). أضف[114] إلى ذلك أنّه لا مقتضي لنجاسة البيضة؛ لأنّها لا تكون من أجزاء الميتة، وأمّا لزوم غسلها عند الملاقاة مع الميتة فعلى القاعدة، ولا فرق فيما ذكر بين محلّل الأكل ومحرمه[115] لإطلاق النصوص.

الفرع الثامن: أنّه يلزم الاحتياط في الأنفحة... ما رواه فتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: »كتبت إليه أسأله عن جلود

-------------------------

[113] قوله: [لا بأس به] هذا دليل على عدم انفعال الماء القليل؛ إذ الحبل يلاقي ماء البئر عادةً، وتقطر منه قطرات في الدلو.

[114] قوله: [أضف] متعلق بأصل طهارة البيضة.

[115] قوله: [ومحرّمه] إن قلنا: إن الطهارة مقتضى القاعدة فلا كلام، وأما إطلاق النصوص فربما يُدعى الانصراف، وبعض الروايات في خصوص الدجاجة، فتأمل.

ص: 283


1- تهذيب الأحكام 9: 75.
2- الكافي 6: 258.

الميتة التي يؤكل لحمها ذكياً، فكتب (عليه السلام) : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب، وكلّما كان من السخال[116] الصوف وإن جزّ والشعر والوبر والأنفحة والقرن ولا يتعدّى إلى غيرها[117] إن شاء اللّه«(1)...

وما رواه حسين بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »سأله أبي عن الأنفحة تكون في بطن العناق أو الجدي وهو ميّت، قال: لا بأس به«(2)، ولا فرق فيما ذكر بين محلّل الأكل ومحرمه[118] لإطلاق[119] النصوص، وفي المعتبر منها كفاية.

-------------------------

[116] قوله: [السخال] الظاهر وجود سقط في العبارة، أو (كلما) مبتدأ وخبره محذوف وهو «لا بأس به».

[117] قوله: [إلى غيرها] الحصر إضافي جمعاً.

[118] قوله: [ومحرّمه] الظاهر أنه لا يريد نجس العين.

[119] قوله: [لإطلاق] فيه نظر جداً، لانصراف الأدلَّة للمتعارف وهو الجدي ونحوه، والألفاظ الواردة في الروايات هي: «أنفحة الميت»، و«الأنفحة» و«أنفحة الميتة» و«السخال... والأنفحة»، و«الميتة والأنفحة»، و«الأنفحة من الجدي الميت»، و«الأنفحة في بطن العناق أو الجدي»(3)، ولم يعهد أنفحة من الحيتان المحرمة أو من الأرانب.

ص: 284


1- وسائل الشيعة 24: 181.
2- الاستبصار 4: 90.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 147- 150.

الفرع التاسع: أنّه يلزم الاحتياط في اللبن في الضرع. أقول: لا وجه لوجوب الاحتياط مع دلالة النصوص على طهارته، لاحظ ما رواه محمّد بن عليّ بن الحسين...

ولا يعارضها ما رواه وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) : »أنّ علياً (عليه السلام) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال عليّ (عليه السلام) : ذلك الحرام محضاً«(1)، والسند ضعيف فلا يعتدّ به، مضافاً إلى أنّه على فرض غمض العين عن السند يلزم رفع اليد عن النصوص في خصوص الشاة[120]. فالنتيجة عدم الإشكال في اللبن في الضرع(2).

-------------------------

إلاّ أن يقال: إن المتعارف لا ينحل بإطلاق المطلق، وبعض الروايات واردة في خصوص «السخال والجدي والعناق».

وقد يقال: إن القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع الإطلاق، فتأمل.

[120] قوله: [الشاة] فيكون لبنها محرماً بالخصوص.

ص: 285


1- الاستبصار 4: 89.
2- الدلائل 1: 150.

الخامس: الدم من كل حيوان لَهُ نفس سائلة

الخامس: الدم من كلّ حيوان له نفس سائلة ولو كان مأكول اللحم، أمّا ما لا نفس له فدمه طاهر ولو كان حرام الأكل كالسمك والبق والبرغوث. نعم، لا يترك الاحتياط[121] في دم البق حال مصّه من دم الإنسان مثلاً... وأمّا العلقة فهي نجسة حتّى الموجودة في البيضة على الأحوط[122] ويستثنى من دم الحيوان ما يبقى من الدم في الذبيحة بعد خروج ما يتعارف خروجه بالذبح فإنّه طاهر، سواء كان في العروق أم في اللحم أم في القلب أم الكبد[123]. نعم، الموجود منه في الجزء الحرام كالطحال محلّ إشكال، بل الأقوى الاجتناب عن المتخلّف في غير المأكول اللحم مطلقاً، كما أنّه لو لم يخرج المقدار المتعارف خروجه من المأكول لكون رأس الذبيحة في مكان عال أو لرجوعه[124] بردّ النفس إلى الجوف أو غير ذلك لا يكون المتخلّف منه طاهراً...

-------------------------

[121] قوله: [نعم، لا يترك الاحتياط] الظاهر الطهارة مطلقاً، ولكن هل يحتاج إلى قيد بشرط أن لا يصدق عليه أنه دم الإنسان ونحوه؟

[122] قوله: [على الأحوط] لعله لم يجزم لعدم التنبيه عليه في الروايات مع كثرته وتعارفه خاصة في الصيف، أو للتشكيك في كونه دماً كما سيأتي.

[123] قوله: [أم الكبد] أو غيرها.

[124] قوله: [أو لرجوعه] في النجاسة في هذه الصورة تأمل.

ص: 286

المسألة 71: الدم المشتبه

مسألة 71: الدم المشتبه - كالمردّد بين دم الإنسان ودم البق والبرغوث - محكوم بالطهارة[125] كالمردّد بين دم ذي النفس من الحيوان وغيره أيضاً إذا لم يكن مسبوقاً بالنجاسة.

المسألة 72: إذا تردّد الدم بين كونه من الخارج عند الذبح أو من المتخلّف في الذبيحة

مسألة 72: إذا تردّد الدم بين كونه من الخارج عند الذبح أو من المتخلّف في الذبيحة الأحوط إن لم يكن الأقوى الاجتناب[126] عنه(*).

(*) ... وقال في المنتهى على ما نقل عنه، قال علماؤنا: الدم المسفوح من كلّ حيوان ذي نفس سائلة، أي يكون خارجاً بدفع من عرق، نجس وهو مذهب علماء الإسلام، ويدلّ على نجاسته ما رواه عمّار[127] الساباطي.

والإشكال[128] في دلالة الرواية بما في بعض الكلمات من أنّ الإمام (عليه السلام) في مقام بيان الحكم الظاهري، والحكم بالطهارة عند

-------------------------

[125] قوله: [بالطهارة] إلاّ في الحيوان الذي يُرى في فمه دم فإنه محكوم بالنجاسة، وغير الفم كالفم كما سبق.

[126] قوله: [الاجتناب] ولا تخلو الطهارة من وجهٍ.

[127] قوله: [عمار] هذه تدل على نجاسة كل دم وكذا الأدلَّة القادمة، فيجب البحث في الدليل على إخراج «دم ما لا نفس له» ونحوه عن هذا العموم.

[128] قوله: [والإشكال] تقريره: أن الرواية في مقام بيان الحكم الظاهري؛ إذ إنّ «إلاّ أن ترى» و«فإن رأيت» تدلان على أن المراد بيان الحكم الظاهري، أما الواقعي فلا يناط بالرؤية، بل بالعلم، فالمراد أنه إن

ص: 287

الشكّ في وجود الدم بعد مفروغية نجاسته لا في مقام جعل النجاسة للدم فلا يستفاد منه الإطلاق، لا نعلم وجهه فإنّ الحمل على هذا المعنى ممّا لا دليل عليه، فإنّ غاية ما يمكن مساعدته أنّ الحكم ظاهري بقرينة أنّه جعل الغاية فيها الرؤية ولكنّ المقصود[129] يستفاد من ذيلها، وهو قوله (عليه السلام) : »فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضأ منه ولا تشرب«(1)...

وتدلّ على المدّعى أيضا ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور في حديث قال[130]: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : »الرجل يكون في ثوبه نقط الدم

-------------------------

شككت في وجود الدم النجس فاحكم بالنجاسة، فمن الممكن أن يكون الدم قسمين، إلاّ أنه في حالة الشك يحكم عليه بالنجاسة،كما أن الخارج من المجرى نوعان: طاهر كالمذي، ونجس كالمني، وفي حالة الشك وعدم الاستبراء يحكم بالنجاسة، وهذا لا يدل على نجاسة كل ما يخرج.

[129] قوله: [المقصود] أي أن الذيل يشمل حالتين: حالة الشك، وحالة العلم بأنه دم شاة مثلاً.

إلاّ أن يقال: إن الرواية منصرفة عن هذه الصورة.

وفيه: إنه لا وجه للانصراف والندرة لو كانت لا تقدح بالإطلاق، فتأمل.

[130] قوله: [قال] دلالة هذه الروايات كلها محل إشكال؛ إذ إنها تدل على المانعية ولا تدل على النجاسة، وقد ذكر المصنف مثل ذلك(2).

ص: 288


1- الكافي 3: 10.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 154.

لا يعلم به، ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي، ثمّ يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد[131] صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة«(1).

وما رواه إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »في الدم يكون في الثوب: إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، وإن كان أكثر[132] من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد[133] الصلاة«(2).

وما رواه جميل بن درّاج مرسلا[134] عن أبي جعفر وأبي عبد

-------------------------

إلاّ أن يقال: إن المانعية في حد ذاتها لا تسبب بطلان الصلاة في حالة النسيان، وإنما النجاسة، وهذا معلوم من الخارج، فبضميمة هذه الروايات يستفاد أن البطلان للنجاسة لا للمانعية.

وفيه: إنه علم من هذه الروايات، فتأمل.

[131] قوله: [ولا يعيد] فإنه إن كان معلوماً لم يقدح فكيف لو كان منسياً؟

[132] قوله: [أكثر] لعل المراد درهماً أو أكثر - جمعاً بين الروايات - أو أن صورة المساواة مسكوت عنها.

[133] قوله: [فلا يعيد] فإنه جاهل بالموضوع ولا إعادة عليه.

[134] قوله: [مرسلاً] لا عبرة به فلا حاجة للتدقيق فيه وملاحظة نسبته مع سائر الأدلَّة.

ص: 289


1- تهذيب الأحكام 1: 255.
2- الاستبصار 1: 175.

اللّه (عليهما السلام) أنّهما قالا: »لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقاً شبه النضح، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم«(1).

وما رواه محمّد بن مسلم قال: قلت له: »الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة؟ قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد[135] على مقدار الدرهم، وما كان أقلّ[136] من ذلك فليس بشيء رأيته قبل أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه«(2). ولا فرق فيما ذكر بين محلّل[137] الأكل ومحرمه[138].

إن قلت[139]: مقتضى ما دلّ على أن الحيوان إذا كان محلّل

-------------------------

[135] قوله: [ما لم يزد] وقد سكت عن صورة المساواة.

[136] قوله: [أقل] أي أقل من الدرهم، إلاّ أن ذلك خلاف الظاهر، ولو صحت الرواية فمقتضى الجمع أن القادح هو الأكثر من الدرهم، ولو ساوى فالأفضل الإعادة، فتأمل.

[137] قوله: [محلل] كدم الشاة.

[138] قوله: [محرمة] كدم الهرة.

[139] قوله: [إن قلت] إشكال على المحلل.

ص: 290


1- وسائل الشيعة 3: 430.
2- الكافي 3: 59.

الأكل لا بأس بما يخرج منه، وقوع التعارض[140] بين الطرفين في دم الحيوان الجلاّل كالشاة(1).

قلت[141]: على فرض تمامية التقريب، نجيب: بأنّ حديث ابن جعفر في كتابه عن أخيه قال: »سألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع؟ قال: إن كان غليظاً أو فيه خلط من دم فاغسله كلّ يوم مرّتين غدوة وعشية، ولا ينقض ذلك الوضوء، وإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم[142] فاغسله[143] ولا تصلّ فيه حتّى تغسله«(2) يكون متأخّراً[144] ودالاً على نجاسة مطلق الدم.

-------------------------

[140] قوله: [التعارض] هكذا: 1 - المحلل لا بأس بما يخرج منه، سواء كان بولاً أم دماً.

2 - كل دم نجس، سواء كان من حلال اللحم أم من حرامه.

فمورد الاجتماع الدم من حلال اللحم.

[141] قوله: [قلت] لعل المراد أن «ما يخرج منه» منصرف لخصوص البول والغائط.

[142] قوله: [من الدم] الشاهد في إطلاق «الدم» فيشمل دم الشاة.

[143] قوله: [فاغسله] سبق أنه يدل على المانعية لا النجاسة.

[144] قوله: [متأخراً] والترجيح بالأحدثية، فإن تلك الروايات(3) عن

ص: 291


1- الدلائل 1: 153 - 154.
2- وسائل الشيعة 3: 432.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 153.

الفرع الثاني: أنّ دم ما لا نفس له طاهر.

أقول: على القول بأنّ مقتضى الإطلاق في بعض النصوص نجاسة مطلق الدم، كما قلنا لابدّ من التماس دليل يستدلّ به على إخراج دم ما لا نفس له، وما يمكن أن يذكر في وجهه أمور:

الأوّل: الإجماع، وحاله في الإشكال ظاهر[145].

الثاني: ما دلّ من النصوص على جواز الصلاة في الثوب الذي فيه دم البراغيث، منها؛ ما رواه الحلبي قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال: لا وإن كثر«(1). وفيه: أنّ غاية ما يستفاد من الحديث ومثله جواز[146] الصلاة في الثوب الكذائي، ولا يستفاد عدم نجاسة دم البرغوث[147]...

الثالث: ما دلّ على عدم البأس بدم البرغوث على الإطلاق[148]...

-------------------------

أحد الصادقين (عليهما السلام) وهذه عن الإمام الكاظم (عليه السلام) (2)، وقد سبق أنّه لا ترجيح بالأحدثية.

[145] قوله: [ظاهر] وقد سبق الإشكال في إشكال المصنف.

[146] قوله: [جواز] هذا نقيض ما ذكره سابقاً(3).

[147] قوله: [البرغوث] فيكون مثل ما لا تتم فيه الصلاة.

[148] قوله: [على الإطلاق] أي لا في خصوص الصلاة، فيفيد الطهارة.

ص: 292


1- الكافي 3: 60.
2- انظر: المصدر نفسه 1: 154.
3- انظر: المصدر نفسه 1: 153.

الرابع[149]: النصوص الدالّة على أنّه لا يفسد الماء ما لا نفس له، منها: ما رواه حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليه السلام) قال: »لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة«(1).

ومنها: ما رواه عمّار[150] الساباطي...

ومنها: ما رواه عليّ بن جعفر (عليه السلام) : »أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن العقرب والخنفساء وأشباههما يموت[151] في الجرّة أو الدن يتوضأ منه للصلاة، قال: لا بأس«(2)...

وبعبارة أُخرى يمكن الاستدلال على المدّعى بهذه الطائفة مؤيّداً بالإجماع المدّعى، بالإضافة

-------------------------

[149] قوله: [الرابع] فيه: أن ظاهره أن نفسه لا يفسد «أي ميتته» لا بوله أو دمه، وقد سبق نظير ذلك.

[150] قوله: [عمار] صريح في الموت ولا ربط له بالدم(3)، إلاّ أن يتكلف بأنه مطلق يشمل خروج الدم منه، وفيه: أنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة.

[151] قوله: [يموت] هذا صريح في الموت ولا ربط بالدم، وكذا الرواية التالية(4).

ص: 293


1- الكافي 3: 5.
2- وسائل الشيعة 3: 465.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 156.
4- انظر: وسائل الشيعة 3: 464. الدلائل 1: 156، سطر 4.

إلى السيرة[152] والارتكاز[153] في أذهان أهل الشرع، أضف إلى ذلك كلّه أنه لو كان نجساً لذاع وشاع لكونه مورد الابتلاء[154](1).

الفرع الثالث[155] أنّه لا يترك الاحتياط في دم البق حال

-------------------------

[152] قوله: [السيرة] هذه في البق وأمثالها موجودة، وأما في مثل دم الحيتان والحيات ونحوها فلا، ولو فرض لم يُعلم اتصالها بزمان المعصوم (عليه السلام) .

[153] قوله: [الارتكاز] كالسابق.

[154] قوله: [الابتلاء] يرد عليه ما ورد في سابقه. والعمدة في المقام: قصور المقتضي، فإنه لا يوجد دليل واضح على نجاسة كل دم غير رواية عمار(2)، وسبق التأمل فيها، فيقتصر على القدر المتيقن وهو ما له نفس، فتأمل.

وقد يقال: إن كل الميتة لو كانت طاهرة، فكيف يكون ما يخرج منها نجساً؟

والجواب: نقضاً: إن الأرنب كله طاهر، ومدفوعه نجس.

وحلاً: بأنه مجرد استبعاد لا يثبت به حكم شرعي. ولعل العمدة: الإجماع في المقام، فتأمل.

[155] قوله: [الفرع الثالث] قد يقال: إن من المتعارف قتل البق حال المصّ، ولم يرد - ظاهراً - أي دليل يدل على النجاسة، وحيث إن المسألة كثيرة الابتلاء، ولو كان ردع لبان، فعدم وجدانه دليل على عدمه، فتأمل.

وبهذا تسقط التفصيلات المذكورة في المتن.

ص: 294


1- الدلائل 1: 155-156.
2- انظر: وسائل الشيعة 3: 463.

مصّه[156] دم الإنسان مثلاً[157]...

أمّا في صورة العلم بالصدق أو بعدمه فيكون الحكم واضحاً، وأمّا في صورة الشكّ فإن كانت الشبهة موضوعية[158] يكون مقتضى الاستصحاب[159] عدم صدق عنوان دم البق[160] على المشكوك

-------------------------

[156] قوله: [حال مصه] وكذا في غير حال المص، لوحدة الملاك.

[157] قوله: [مثلاً] ومثله دم كل حيوان له دم دافق، كالشاة.

[158] قوله: [موضوعية] بأن كان ما مضى عليه يوم يصدق عليه «دم البق» وما مضى على مصه ساعة يصدق عليه «دم إنسان» - مثلاً - وشككنا أن هذا الدم مضى عليه يوم أو ساعة.

[159] قوله: [الاستصحاب] هل نحتاج إلى الاستصحاب مع إطلاق رواية عمار(1)؟

الجواب: الرواية في خصوص الطير، لا في كل دم مشكوك، مع أن الاستصحاب ينقح الموضوع، فلا شك كي تشمله رواية عمار، فتأمل.

[160] قوله: [دم البق] وهذا ليس عدماً أزلياً، بل نعتياً، إذ هذا كان سابقاً دم الإنسان ويشك في انقطاع الإضافة وصدق «دم البق» فالأصل عدمه. وفي جريان الاستصحاب الحكمي - في عرض الموضوعي - كلام موكول إلى محله(2).

ص: 295


1- انظر: وسائل الشيعة 3: 527.
2- انظر: نهاية الدراية في شرح الكفاية 3: 173، وسيلة الأصول إلى حقائق الأصول: 150، أجود التقريرات 2: 447، مصباح الأصول 3: 132.

فيه، وإن كانت مفهومية[161] فأيضاً بمقتضى الاستصحاب يحكم بعدم الصدق، وعلى كلا التقديرين يحكم عليه بالنجاسة.

الفرع الرابع: أنّ ما كان من غير الحيوان محكوم بالطهارة. أقول[162]: الحقّ أنّ مقتضى حديث عمّار نجاسة مطلق الدم، والخروج عن تحت الكلية موقوف على قيام الدليل عليه.

الفرع الخامس: أنّ العلقة نجسة حتّى الموجودة في البيضة على الأحوط.

والحقّ أن يقال: إنّها نجسة على الأظهر، فإن مقتضى حديث عمّار[163] نجاسة مطلق الدم إلاّ ما خرج بالدليل، ولا دليل على طهارة العلقة.

-------------------------

[161] قوله: [مفهومية] بناءً على جريان الاستصحاب في المفهومية(1)، وإلاّ فالظاهر جريان أصالة الطهارة، فتأمل.

[162] قوله: [أقول] أولاً: لم يعلم أن لحديث عمّار إطلاقاً كما سبق.

وثانياً: لو فرض أنه له إطلاق، فهو منصرف عن أمثال ذلك؛ إذ هو فرد خفي للدم، ولا يأتي إلى الذهن بحيث يمكن القول إن وجهة اللفظ تحولت عنه؛ ولذا فهم المشهور - ظاهراً - عدم النجاسة. والخلاصة أن الصدق تشكيكي وليس هذا فرداً نادراً، بل فرد لا يأتي للذهن ولو بعد الالتفات، فلا يشمله الدليل.

[163] قوله: [عمار] على تأمل سبق. ثم إنّه هل ثبت أن هذا دم أو لون

ص: 296


1- انظر: زبدة الأُصول 4: 102.

الفرع السادس: أنّ ما يتخلّف في الذبيحة بعد الذبح طاهر.

أقول: الظاهر[164] أنّه لا خلاف في طهارته كما نقل عن المختلف وكنز العرفان وآيات الجواد. وقال في الحدائق: هو طاهر حلال من غير خلاف، وإن شئت قلت: إنّ طهارة دم المتخلّف من الواضحات، وأنّه لو كان نجساً لذاع وشاع[165]، لكن يشترط في الحكم بالطهارة خروج المقدار المتعارف وهذا على طبق القاعدة، فإنّ مقتضى الدليل نجاسة الدم على الإطلاق، والمقدار الذي قام الدليل على طهارته المتخلّف في صورة خروج المتعارف[166](1)...

الفرع الثامن[167] أنّه لا يترك الاحتياط في دم الجنين الذي

-------------------------

الدم؟ الظاهر صدق الدم عرفاً عليه، فتأمل.

[164] قوله: [الظاهر] المصنف يستشكل عادة في الإجماعات، فلِمَ لمْ يستشكل في المقام؟!

[165] قوله: [وشاع] حيث إن المسألة كثيرة الابتلاء، مع أن تطهير المتخلف عسر جداً، بل لا يكاد يمكن، فلو كان نجساً لأصبح أكل لحم الجوف متعذراً أو متعسراً، ومن أخذ قطعة من اللحم ولاحظ الدم الموجود فيها يصدق ما ذكرناه، وكذا الكبد والقلب.

[166] قوله: [المتعارف] قد يقال: إن رد النفس متعارف، فتأمل.

[167] قوله: [الثامن] ما الفرق بينه وبين الفرع الحادي عشر(2)؟ الظاهر

ص: 297


1- الدلائل 1: 157.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 158.

يخرج من بطن أمّه بعد الذبح...

الفرع التاسع: أنّه لو تردّد في دم أنّه من البق أو من الإنسان يحكم بطهارته[168].

أقول: بل يحكم بنجاسته؛ إذ المفروض أنّ حديث عمّار بإطلاقه يقتضي نجاسة كلّ دم، وإنّما الخارج دم البق مثلاً، فلو شكّ يحكم بنجاسته؛ إذ كونه دماً بالوجدان وعدم كونه من البق بالاستصحاب[169] فيتمّ الأمر.

-------------------------

أن الفرق أنه هنا فيما يخرج مع الجنين - كالمشيمة مثلاً - وفي الحادي عشر دم نفس الجنين، وظاهر الشارح أن مراد الماتن في المتن هو ما ذكر في الفرع الثامن، فتأمل.

[168] قوله: [بطهارته] لأن الأصل الطهارة، ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية(1).

[169] قوله: [بالاستصحاب] هذا عدم أزلي، وهو غير جارٍ على المختار(2).

وهنالك تقرير آخر: وهو أنه يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص(3)، بخلاف الشبهة المصداقية لنفس العام، إلاّ أن المبنى محل تأمل.

ص: 298


1- انظر: نهاية الدراية 1: 286.
2- انظر: نهاية الدراية في شرح الكفاية 3: 190.
3- انظر: نهاية الأفكار 3: 245، أصول الفقه 1: 204.

الفرع العاشر[170] أنّ الدم إذا تردّد بين كونه من المتخلّف وغيره يحكم بنجاسته، والوجه فيه التقريب المتقدّم.

-------------------------

وهناك ثالث: وهو ما ذكره الميرزا النائيني (رحمه اللّه) وذكروه في «الماء المشكوك كريته»(1) فراجع.

ورابع: وهو التمسك بعموم «إلاّ أن ترى في منقاره دماً»(2) بعد إلغاء الخصوصية.

وفيه نظر؛ إذ لعل للطير خصوصية - ونحوه - أي ما يأكل الجيف، ويرد على تقرير المصنف أنه لا حاجة للاستصحاب بعد عموم رواية عمار، مع أن العدم الأزلي غير جار، وعلى الثاني: أن المبنى محل تأمل، وعلى الثالث: ما ذكر هناك، وعلى الرابع: ما ذكر.

ولعل المصنف يرى أنه لا يصح التمسك بالعام مع الشبهة المصداقية للمخصص، ولذا احتاج للاستصحاب.

وفيه: إن العام وارد في مورد الشك - لو فرض الغض عن إشكال الخصوصية - فلا حاجة للاستصحاب.

[170] قوله: [العاشر] فيه نظر، فما هو الفرق عند الماتن بين هذه الصورة والصورة السابقة(3)؟ حيث حكم في الفرع التاسع بالطهارة وهنا

ص: 299


1- انظر: كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 1: 158، 159، العروة الوثقى 1: 83 ، مستمسك العروة الوثقى 1: 163.
2- الكافي 3: 9 - 10، ح 5، الاسستبصار 1: 25.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 158.

السادس والسابع: الكلب

السادس والسابع: الكلب(*).

(*) بلا خلاف على الظاهر ... وتدل علی المقصود جملة من النصوص: ... ومنها: ما رواه البقباق قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : »إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، وإن مسّه جافاً فاصبب[171] عليه الماء قلت: لم صار بهذه المنزلة؟ قال: لأنّ النبيّ’ أمر بقتلها[172]«(1).

-------------------------

بالنجاسة. نعم، يمكن أن نقول: إن الفرق هو إمكان استصحاب نجاسة الدم في الفرع العاشر، فإن الدم الموجود في الباطن نجس، إلاّ أن يصدق عليه عنوان التخلف، ولا مثبت لكونه متخلفاً، واستصحاب بقائه لإثبات كون مختلفاً مثبت.

ولم يُعلم جريان السيرة على معاملته معاملة الطاهر.

وفيه: إنه لم يعلم كونه نجساً في الباطن - كما سبق - حتى نقول بجريان استصحاب النجاسة، بل هو طاهر، وخروجه منجس له، فنستصحب طهارته، فتأمل.

[171] قوله: [فاصبب] يحمل على الاستحباب بقرينة فهم المشهور أو غيره.

[172] قوله: [أمر بقتلها] لعل المراد أنها موجودات قذرة ولذا أمر بإفنائها، ولذا يغسل الثوب منها أو يصب عليه الماء، وحيث إن التعليل خاص - ظاهراً - بالهراش يكون الصدر كذلك. إلاّ أن يقال: إنه حكمة، لكنه خلاف الأصل، فتأمل.

ص: 300


1- تهذيب الأحكام 1: 261.

والخنزير البريّان(*)

ومع هذه الروايات لا مجال لما عن الصدوق من التفصيل بين كلب الصيد وغيره، فيجب غسل الملاقي بالماء في الثاني ويجب رشّه بالماء في الأوّل، فإنّ هذا التفصيل خلاف إطلاق الروايات، مضافاً[173] إلى ما رواه محمّد بن مسلم قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الكلب السلوقي، فقال: إذا مسته فاغسل يدك«(1).

(*) ... ويدلّ على نجاسته ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: إن كان دخل في صلاته فليمض[174] وإن لم يكن دخل في صلاته فينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله«(2)...

وما رواه سليمان الإسكاف قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن

-------------------------

[173] قوله: [مضافاً] هذا ناقض دعواه جزئياً، وإلاّ فكلب الصيد يشمل السلوقي وغيره، فتأمل.

[174] قوله: [فليمضِ] خلاف المفتى به، إلاّ أن يقال: إن المراد إن لم تكن هنالك رطوبة مسرية (فيمضي أو ينضح) وإن كانت هنالك رطوبة مسرية - أي أثر- غسله، وإذا لم يستطع فعل ذلك في صلاته فصلاته باطلة.

ص: 301


1- وسائل الشيعة 1: 274.
2- الكافي 3: 61.

من غير فرق بين ما تحل فيه الحياة وغيره، كالشعر والظفر، ولا بين أجزائهما وفضلاتهما كلعابهما وألبانهما(*).

شعر الخنزير يخرز[175] به، قال: لا بأس به ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي«(1).

(*) فإنّ مقتضى إطلاق[176] بعض الأخبار الدالّة على النجاسة ذلك، مضافاً إلى الإجماع[177] وبعض الأخبار الواردة في خصوص ما لا تحلّه الحياة، لاحظ ما رواه برد قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : جعلت فداك إنّا نعمل بشعر الخنزير، فربّما نسي الرجل فصلّى وفي يده شيء

-------------------------

[175] قوله: [يخرز] لعل المراد توضع فيه الخرز ويجعل كالخيط.

[176] قوله: [إطلاق] مثلاً: «الكلب

يصيب شيئاً»(2) فهذا يشمل أظافره و«من الكلب رطوبة»(3) يشمل لبنه، و:«يصيب ثوبه خنزير»(4) فهو يشمل ظفره، ويحتاج إلى البحث في سائر الروايات للعثور على ما يدل على رطوبات الخنزير، ويكفي فيه الإجماع ظاهراً.

[177] قوله: [الإجماع] الذي لا يرتضيه المصنف عادةً.

ص: 302


1- وسائل الشيعة 3: 418.
2- وسائل الشيعة 3: 415.
3- المصدر نفسه 3: 414.
4- المصدر نفسه 3: 417.

منه[178] قال: لا ينبغي له أن يصلّي وفي يده شيء منه«(1)...

نعم في المقامات روايات ربّما يستدلّ بها على طهارة شعر الخنزير، منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس[179]«(2)...

ومنها: ما رواه الصدوق قال: »سئل أبو جعفر وأبو عبد اللّه (عليهما السلام) فقيل لهما: إنّا نشتري ثياباً يصيبها الخمر وودك[180] الخنزير عند

-------------------------

[178] قوله: [شيء منه] هل المراد من عينه، أو من أثره؟ فعلى الأول لا يصلح دليلاً للمدعى؛ إذ لا تجوز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه، إلاّ أن ظاهر ذيل الرواية «واغسلوا أيديكم منه»(3) هو الثاني، فتأمل.

وعلى كلٍ، فمدّعى المصنف: أنها تدل على ما لا تحل فيه الحياة، وقد سبق أنها لا تدل.

[179] قوله: [لا بأس] استدل بهذه الرواية على أن الماء القليل لا ينفعل بالملاقاة(4).

[180] قوله: [ودك] لعل المراد: الدسم(5).

ص: 303


1- من لا يحضره الفقيه 3: 349.
2- الكافي 3: 7.
3- وسائل الشيعة 24: 227.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 148.
5- انظر: العين 5: 395، مادة «ودك».

حاكتها أنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا: نعم، لا بأس إنّما حرّم اللّه أكله وشربه ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه«(1).

ولا يخفى أنّ هذه الروايات قاصرة عن إثبات الطهارة، أمّا الرواية الأولى فغاية ما يستفاد منها بعد التسليم[181] أنّ الماء الملاقي للشعر لا ينفعل، وهذا أعمّ من طهارة الشعر...

وأمّا الاستناد في دعوى الطهارة بما دلّ على طهارة ما لا تحلّه الحياة، كما نقل عن السيّد فأيضاً ضعيف[182]...

ومثل هذا الاستدلال في الضعف الاستدلال بالإجماع على طهارة ما لا تحلّه الحياة، فإنّ الإجماع لو لم يكن على خلافه لم يقم على طهارته، وكذلك دعوى عدم الجزئية، فإنّ هذه الدعوى غريبة[183] غايتها.

-------------------------

[181] قوله: [بعد التسليم] لعل المراد تسليم أن الحبل يصيب الماء وإنه يتقطر في الدلو، والظاهر أنهما مسلمان لمن لاحظ.

[182] قوله: [ضعيف] فإنه لا إطلاق له للنجاسة الذاتية، بل يرتبط بالنجاسة العرضية الحاصلة بالموت.

[183] قوله: [غريبة] فإنه جزء عرفاً(2).

ص: 304


1- من لا يحضره الفقيه 1: 248.
2- انظر: مجمع الفائدة والبرهان 11: 304، الحدائق الناضرة 5: 105- 106.

نعم، البحري منهما طاهر(*).

(*) أقول: طهارتهما على طبق القاعدة الأوّلية، فإنّ صدق العنوان على البحري منهما أوّل الكلام[184]...

أضف إلى ذلك ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال: »سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) رجل وأنا عنده عن جلود الخزّ فقال: ليس بها بأس[185]، فقال الرجل: جعلت فداك إنّها علاجي وإنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة[186] من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: ليس به بأس«(1). فإنّ المستفاد من الحديث أنّ الكلب الذي يكون محكوماً بالنجاسة هو البري.

وبعبارة أُخرى: أنّ المستفاد من الرواية أنّ الميزان[187] في الطهارة والنجاسة أنّ الحيوان إذا كان بحرياً يكون طاهراً، وإذا كان برياً يكون نجساً، فتأمل.

-------------------------

[184] قوله: [أول الكلام] الظاهر أنهما كلب وخنزير، إلاّ أن الدليل منصرف عنهما.

[185] قوله: [ليس بها بأس] وهذا النفي مطلق فيشمل الحلية والطهارة - أي حلية اللبس وطهارته - ولو كان حلالاً ونجساً للزم التنبيه عليه.

[186] قوله: [خارجة] تدل الرواية على أن البري نجس لا البرمائي، فتأمل.

[187] قوله: [الميزان] بل الميزان في الطهارة كونه بحرياً فقط، فيخرج البرمائي كما سبق، فتأمل.

ص: 305


1- وسائل الشيعة 4: 362.

الثامن: الخمر

الثامن: الخمر سواء كان مأخوذا من العنب(*).

(*) المشهور نجاسته بين الأصحاب... لكن يظهر من الصدوق [188] في الفقيه...

وكيف كان ما استدل به على النجاسة أو يمكن أن يستدل به عليها أمور:

منها: الإجماع، ولا يخفى أنّه لا يصلح لإثبات المدّعى؛ لأنّك عرفت مخالفة جماعة[189] في هذا الحكم، ومعها كيف يمكن تحقّقه[190]، مضافاً إلى أنّ المظنون[191]، بل المقطوع أنّ مدرك الجلّ ولا أقل كثير منهم الأدلَّة اللفظية، فلا يكون تعبّدياً.

ومنها: قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ}(1) بناء على كون الرجس بمعنى النجس.

-------------------------

[188] قوله: [الصدوق] لعله يرى النجاسة وعدم المانعية، وإن كان خلاف الظاهر.

[189] قوله: [جماعة] قليلة، والمذكور منهم ثلاثة: الشيخ الصدوق وابن أبي عقيل والجعفي(2).

[190] قوله: [تحققه] المخالفة لا تقدح في الإجماع المدركي.

[191] قوله: [المظنون] سبق أنه لا يضر، بل كذلك المقطوع.

ص: 306


1- المائدة: 90.
2- انظر: مفتاح الكرامة 2: 23.

ويرد عليه: أنّ الرجس وإن كان بعض معانيه النجس والقذر، لكن من الظاهر أنّ للقذر لم يكن وقت نزول الآية اصطلاحاً[192] خاصاً شرعياً، وهي القذارة الشرعية، كي يحمل قوله تعالى عليه، بل القذارة كانت بمعناها اللغوي[193] فيحمل كلامه تعالى عليه، غاية الأمر يلتزم[194] بأنّ العرف لعدم اطّلاعه على الجهات الواقعية لا يرى الخمر قذراً، وإن أبيت إلاّ عن الحمل على المعنى الشرعي كما هو ليس ببعيد[195]، فلا بدّ من الالتزام بنجاسة الميسر والأنصاب والأزلام، والحال أنّ هذه الأمور لم يلتزم[196] أحد بنجاستها،

-------------------------

[192] قوله: [اصطلاحاً] غير ثابت، خصوصاً وأن الآية(1) مدنية ظاهراً.

نعم، يجري استصحاب عدم النقل، بل يكفي صرف الشك لعدم ترتيب الغرض المقصود.

[193] قوله: [اللغوي] أي الوساخة والتلوث(2).

[194] قوله: [يلتزم] فهو كقول الطبيب: «هذا الماء قذر» فإنه يريد القذر العرفي، إلاّ أنه يرى بالمجهر ما لا يراه العرف من تلوثه بالميكروبات - مثلاً - .

[195] قوله: [ليس ببعيد] فيه بعد كما سبق.

[196] قوله: [لم يلتزم] وذلك مستلزم لتخصيص الأكثر المستهجن، فهو مثل أن يقول «زيد وعمرو وبكر وخالد طالحون» ثم يستثني ثلاثة منهم.

ص: 307


1- المائدة: 90، وهي قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
2- انظر: الصحاح 2: 787، لسان العرب 5: 80.

فلا بدّ من أن يحمل على القذارة المعنوية[197]...

ومنها: النصوص الواردة في هذا المقام، لاحظ ما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا تصلّ في بيت[198] فيه خمر ولا مسكر لأنّ الملائكة لا تدخله، ولا تصلّ[199] في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل«(1)...

-------------------------

[197] قوله: [المعنوية] والحاصل: أن هنالك ثلاثة احتمالات:

الأول: القذارة الشرعية، أي النجاسة.

الثاني: القذارة العرفية، أي الوساخة والتلوث.

الثالث: القذارة المعنوية، مثل قولنا للموغل في المعاصي: إنه قذر.

ومع الإجمال وتطرق الاحتمال يسقط الاستدلال.

[198] قوله: [بيت] لعل المراد: الحجرة.

[199] قوله: [ولا تصل] لا يدل على النجاسة، بل المانعية، أو أنّ المانعية هي القدر المتيقن، فهو مثل «لا

تصل في شعر الهرة»(2) إلاّ أن يقال: إنَّ ظاهر «لا تصل» عرفاً هو النجاسة، أو يتمسك بفهم المشهور، أو يستدل برواية «أهريق ذلك الحب»(3)

ص: 308


1- تهذيب الأحكام 9: 116.
2- إشارة لما روي عن الصادق (عليه السلام) : «صلّ في شعر ووبر كل ما أكلت لحمه، وما لم تأكل لحمه فلا تصلّ في شعره ووبره». مستدرك الوسائل 3: 196.
3- الكافي 6: 410.

وفي قبالها[200] نصوص تدلّ على الطهارة... ولا بدّ من ترجيح ما دلّ على النجاسة؛ وذلك لما رواه عليّ بن مهزيار قال: »قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وعن أبي عبد اللّه (عليهما السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل أنّهما قالا: لا بأس بأن يصلّي فيه إنّما حرم شربها. وروي عن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر - فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله[201] كلّه وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك، فاعلمني ما آخذ به؟ فوقّع (عليه السلام) بخطّه وقرأته خذ بقول[202] أبي عبد اللّه (عليه السلام) «(1).

ولا يتوهّم أنّ هذه الرواية تكون من الروايات الدالّة على النجاسة وتعارضها نصوص الطهارة، وذلك لأنّ لسانها لسان الحكومة[203]...

-------------------------

[200] قوله: [في قبالها] لا تعارض، لإمكان الجمع العرفي بحمل «لا تصل» على الكراهة.

[201] قوله: [فاغسله كله] يدل على تنجيز العلم الإجمالي، فتأمل؛ إذ قد يقال: إنه لاستصحاب نجاسة الثوب بعد غسل بعضه لا للعلم الإجمالي.

[202] قوله: [خذ بقول] الأول قوله (عليه السلام) أيضاً إلاّ أنه قولهما (عليهما السلام) .

[203] قوله: [الحكومة] فهو مثل أن يقول شخص للمرجع: نقل عنكم (كذا) ونقل عنكم (نقيضه) فبأيهما نعمل؟ فقال المرجع: (اعمل بالأول) فهو يدل على أن الثاني فيه إشكال من جهة.

ص: 309


1- الكافي 3: 407.

أو غيره(*).

والحاصل: أنّه لا ريب أنّ هذه الرواية تكون مقدّمة على بقية الروايات، ولا تكون في عرضها كي تكون معارضة لغيرها، مضافاً إلى أنّ الترجيح بالأحدثية[204] مع الحديث الدالّ على النجاسة، فإن حديث ابن مهزيار أحدث، وهذا الذي ذكرنا هو العمدة[205] في وجه العمل بنصوص النجاسة، وإلاّ فبقية الوجوه غير نقيّة عن المناقشة، أمّا كون نصوص الطهارة موافقة للعامّة فمردود بأن الحكم عندهم مختلف فيه[206]... وأمّا كون نصوص الطهارة معرض عنها فقد مرّ منّا مراراً أنّ إعراض المشهور لا يكون مسقطاً، كما أنّ عملهم غير جابر[207].

(*) فإنّه لو صدق[208] عنوان الخمر يترّتب عليه حكمها

-------------------------

ولعل الإشكال: التقية من الحكام، فإنهم كانوا يشربون الخمر، ويعتبرونها طاهرة ويصلون فيها - ظاهراً أو احتمالاً - فروايات الطهارة ربما تكون تقية.

[204] قوله: [بالأحدثية] سبق أنها غير مرجحة.

[205] قوله: [العمدة] بل العمدة فهم المشهور، فإنه سبق أن التعارض في المانعية، ولا تدل الطائفتان على النجاسة مطلقاً. فتأمل وراجع ما سبق.

[206] قوله: [مختلف فيه] لا بد من ملاحظة الفقه الحاكم زمن صدور الرواية.

[207] قوله: [جابر] بل هو جابر وكاسر، كما حقق في الأصول(1).

[208] قوله: [لو صدق] إلاّ أن الكلام في أنه هل يصدق أو هو خاص

ص: 310


1- انظر: نهاية الدراية في شرح الكفاية 2: 401، نهاية الأفكار 5: 205.

وكذا كل مسكر مائع بالأصل(*) دون الجامد بالأصل كالبنج[209] وإن صار مائعاً بالعرض لخلطه بالماء(**).

بلا فرق بين منشئه، فإنّه مقتضى الإطلاق.

(*) يدلّ عليه مضافاً إلى عدم الفصل[210] بين أقسامه رواية عمّار المتقدّمة، فإنّ فيها عطف المسكر عليها، ويقتضيه أيضاً ما رواه عمر بن حنظلة قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال: لا واللّه ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ أهريق ذلك الحبّ[211]« (1).

... وما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى {إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا

-------------------------

بالعنب؟ ولعل هذا المورد من موارد اختلاف العرف واللغة، فإن مقتضاها التخصيص ومقتضاه التعميم، فتأمل وسيأتي البحث فيه روائياً ولغوياً(2).

[209] قوله: [كالبنج] في اللغة: أنه مادة مخدرة(3). وفي العلم الحديث على المنقول: فرق بين المسكر والمخدر، وفي كونه من المسكر تأمل.

[210] قوله: [عدم الفصل] لعل المراد: القول بعدم الفصل، لا عدم القول بالفصل، فإنه ليس بحجة.

[211] قوله: [ذلك الحب] هذا أدل على النجاسة من الأدلَّة السابقة.

ص: 311


1- الكافي 6: 410.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 166.
3- انظر: القاموس المحيط 1: 179، مجمع البحرين 1: 250، تاج العروس 3: 299.

أخمر[212] فهو خمر وما أسكر كثيره وقليله فحرام[213]...

(**) الظاهر أنّ المستند لهذا الحكم الإجماع[214] وإلاّ فمقتضى[215] رواية عمّار وخبر ابن حنظلة وغيرهما شمول الحكم لمطلق المسكر مائعاً كان أو جامداً...

وحيث انتهى الكلام إلى هنا لا بأس لتعرّض حكم المائع المتداول في زماننا المسمّى بالألكل، فإنّه لو علم بكونه مسكراً[216] فلا إشكال في نجاسته، ولو علم بعدم إسكاره أو بأنّه يسكر عند مزجه بالماء فلا شبهة في طهارته[217] ولو شكّ في ذلك فقاعدة الطهارة تقتضي طهارته.

-------------------------

[212] قوله: [إذا أخمر] لعل المراد جرت عليه عملية التخمير، فهو شرط محقق للموضوع.

[213] قوله: [وقليله حرام] لعل العبارة: فقليله حرام(1).

[214] قوله: [الإجماع] وكفى به دليلاً.

[215] قوله: [فمقتضى] ليس واضحاً شمولهما له؛ إذ هو مسكر، وأما غيره فليس مسكراً بقول مطلق، ومنه ينقدح الإشكال في الإطلاق الذي ذكره المصنف.

[216] قوله: [مسكراً] مائعاً بالأصالة.

[217] قوله: [في طهارته] أي ما لم يمزج، وأما لو مزج ففيه البحث المتقدم.

ص: 312


1- انظر: الكافي 6: 408 و409.

التاسع: الفقّاع

التاسع: الفقاع وهو شراب يؤخذ من الشعير غالباً فإنّه نجس(*) ولو لم يسكر، وليس منه ماء الشعير المعمول عند الأطباء(**)[218].

(*) ... ويمكن أن يستدل عليه بجملة من النصوص الدالّة على أنّه الخمر... منها: ما رواه وشاء قال: »كتبت إليه - يعني الرضا (عليه السلام) - أسأله عن الفقاع، قال: فكتب: حرام وهو خمر«(1) الحديث، إلى غير ذلك من الروايات الدالّة على تنزيل[219] الفقاع منزلة الخمر، ومقتضى إطلاق[220] التنزيل ترتيب جميع أحكام الخمر عليه ومن جملتها النجاسة(2)...

(**) ... مضافاً إلى أنّه يستفاد من النصوص أنّه على قسمين، منها: ما رواه مرازم، قال: »كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) : الفقاع في منزله، قال ابن أبي عمير: ولم يعمل فقاع يغلي[221]«(3)...

-------------------------

[218] قوله: [عند الأطباء] ولعل الفرق أنه تجري على الفقاع عملية تخمير، أما ماء الشعير فلا، بالإضافة إلى السكر الخفي المنقول.

[219] قوله: [تنزيل] أو على أنه فرد من أفراد الخمر.

[220] قوله: [إطلاق] أو أظهر الآثار وهو الحرمة، ولكن الكلام في أنه تنزيل أو بيان للفردية.

[221] قوله: [يغلي] لعل المراد أنه لا توجد فقاعات تعلوه.

ص: 313


1- الكافي 6: 423.
2- الدلائل 1: 167 - 168.
3- الاستبصار 4: 96.

العاشر: الكافر

العاشر: الكافر(*).

(*) استدلّ على نجاسته بوجوه:

الأوّل: الإجماع، نقل عن الناصريات والانتصار والغنية والسرائر والمنتهى والبحار والتذكرة وغيرها، ولا يخفى[222] أنّ الإجماع المنقول على تقدير حجّيته لا اعتبار به في المقام، فإنّ مدركه معلوم أو محتمل[223].

الثاني: قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}(1) فإنّ النجس بالفتح وصف كالنجس بالكسر على ما يستفاد من اللغة، لكن يرد عليه[224]:

-------------------------

[222] قوله: [ولا يخفى] سيأتي خلاف ذلك(2).

[223] قوله: [أو محتمل] الإشكالان محل تأمل كما سبق.

[224] قوله: [يرد عليه] الاحتمالات في «نَجَس» ثلاثة:

الأول: القذارة الشرعية. الثاني: العرفية. الثالث: المعنوية.

وقد سبق بعض الكلام في ذلك في نجاسة الخمر(3)، ولو فرضنا الإجمال كفى في عدم ثبوت الدلالة.

والمحتمل قوياً: أن يكون المراد الثالث، فإن روح الكافر ملوثة وذهنه ملوث بأعظم الملوثات، وهو الشرك وما يتبعه من الرذائل النفسية والعملية

ص: 314


1- التوبة: 28.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 172.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 164.

إنّ النجس وقت نزول الآية لم تكن[225] له حقيقة شرعية كي يحمل على المعنى الشرعي، فلا يستفاد من الآية أنّ المشرك نجس

-------------------------

والروحية والفكرية، ولعله لذا ورد قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}(1) وهذا المعنى متداول في الاستعمالات، مثل قولنا: «إن فلاناً قذر» أي سارق كذاب مثلاً ، ويقال «الأموال القذرة» وحتى لو فرض ثبوت الحقيقة الشرعية للنجس وقت نزول الآية الكريمة، إلاّ أنه يبقى هنالك معنيان، وكلاهما محتمل، إن لم يكن الأقرب: القذارة المعنوية.

إذن، فالظهور مع المعنوية، ولو فرض الإجمال كفى، والتفريع يناسب المعنوية أكثر، فتأمل.

وأمّا لو أُريد القذارة الشرعية فيلزم تخصيص أكثر النجاسات؛ إذ لا يحرم قربها للمسجد الحرام، فتأمل.

[225] قوله: [لم تكن] الأولى: لم تثبت له، وسيأتي من المصنف المناقشة في ذلك، ولو فرض الثبوت لم يدل لما سبق.

ثم إن هذا فيه نظر - راجع بحث «الحقيقة الشرعية»(2)- فإن كل حزب أو جماعة تكون لديهم مصطلحات بعد فترة قصيرة، فكيف لم يتكون هذا المصطلح بعد مضي ثلاثة وعشرين عاماً أو نحوها؟ نعم، لا يضر الثبوت لما سبق.

ص: 315


1- النساء: 48.
2- انظر: معارج الأصول: 52، قوانين الأصول: 36، كفاية الأصول: 21.

شرعاً، والقول[226] بأنّ النجاسة في لسان الشارع ليست إلاّ المعنى الخاصّ؛ إذ لا يناسب أن يتعرّض للمعنى غير الشرعي غريب.

-------------------------

[226] قوله: [والقول] والإشكالات هي:

الأول: إن النجاسة هي الشرعية؛ إذ لا يناسب الشارع أن يتعرض للمعنى غير الشرعي.

والجواب: أولاً: لا مانع من ذلك في حد ذاته، فإن الشارع كالأب الرحيم الذي يرشد الناس إلى ما يصلحهم ويفسدهم في عاجلهم وآجلهم، لاحظ روايات الأطعمة والأشربة(1).

ثانياً: لو فرض المانع فإنه إنما يكون في صورة الاقتصار على بيان الموضوع، أما لو كان ذلك مقدمة لترتيب الحكم فلا مانع، مثل: إن كان ضاراً فلا تعمله.

الثاني: إنّ الحمل على القذارة العرفية خلاف الواقع.

والجواب: أولاً: أنها موجودة، لتلوثهم بالخمر والخنزير ونحوهما، حتى في نظر العرف.

ثانياً: إن الشارع ينبه على ذلك، فهذا كقول الطبيب: هذا الماء ملوث فلا تشربه، فإن الشارع محيط بالواقعيات، والعرف قاصر فينبهه على جهله.

إن قلت: إن هذا هو القذارة الشرعية، أي قذارة يراها الشارع ولا يفهمها العُرف، فإن كل النجاسات هي من هذا القبيل، وإلاّ لكان الحكم الشرعي

ص: 316


1- انظر: وسائل الشيعة 25: 9.

... لا يقال: القذارة العرفية لا تناسب الحكم المرتّب عليها[227] وهو وجوب الاجتناب وعدم قرب المسجد الحرام، فلا بدّ من إرادة المعنى الشرعي...

-------------------------

كيفياً وبلا ملاك. والخلاصة: أن قذارة يدركها العرف هي القذارة العرفية، وقذارة لا يدركها العرف واعتبرها الشارع قذارة هي القذارة الشرعيّة.

قلت: أولاً: لا نسلم لزوم كون الملاك في المتعلق، بل قد يكون في نفس الجعل، إلاّ أنه خلاف ظواهر الروايات.

وثانياً: إنّ النجاسة الشرعية اعتبار شرعي بخلاف القذارة العرفية. فالطبيب قد يقول: (هذا الماء قذر) فهذا مجرد كشف عن قذارة عرفية، والأب قد يقول: (هذا الماء قذر فاحرم عليك شربه) فهنا جعل الحكم، فالشارع لو اقتصر على بيان القذارة العرفية لم يكن ذلك حكماً شرعياً بالنجاسة.

[227] قوله: [عليها] الثالث(1): إنّ القذارة العرفية لا تناسب الحكم المرتب عليها، أي: (فلا يقربوا)(2).

ولعل وجه عدم المناسبة: أن العرق - مثلاً - قذارة عرفية، ومع ذلك لا بأس بالدخول معه في المسجد الحرام، فلا يصح أن تقول: «كل قذارة عرفية يجب تجنيبها عن المسجد».

وأجيب: بأنَّ القذارة لها مراتب، فيمكن للشارع أن يعتبر بعضها منافياً للقرب إلى المسجد الحرام دون بعض.

ص: 317


1- هذا ثالث الإشكالات التي أوردها قبل قليل عند قوله: (والإشكالات هي)، فليراجع.
2- التوبة: 28.

وبعبارة أُخرى: يمكن أن يكون في المشرك قذارة خاصّة لا يناسب أن يدخل المسجد الحرام، وإن أبيت[228] عن الحمل على المعنى العرفي فلا أقلّ من الإجمال...

وممّا يؤيّد[229] ما ذكرنا أنّ الأصحاب جوّزوا إدخال النجاسة غير المتعدّية في المسجد، ولو كان المستفاد من الآية نجاسة المشرك شرعاً لكان مقتضاها المنع من إدخال مطلق النجاسة العينيّة في المسجد؛ لعموم العلّة المستفاد من التفريغ الواقع في الآية، والالتزام بالتخصيص مع أنّه

-------------------------

وفيه: أنه خلاف ظاهر التعليل، فالتعليل مرتب على صرف القذارة.

إلاّ أن هذا الإشكال سارٍ على جميع المعاني في «نجس» فإن كل أنواع النجس الشرعية أو العرفية أو المعنوية، لا يحرم تقريبها للمسجد الحرام، بل بعض مراتبها النادرة.

ويمكن أن يكون هنالك فرق بين (نَجِس) و(نَجَس) فلعل الأخير بمعنى عين النجاسة، فيُحل الإشكال لو أريد القذارة المعنوية.

[228] قوله: [وإن أبيت] خلاصة ما تقدم: أن القذارة إمّا شرعية أو عرفية، وقد قرب المصنف إرادة القذارة العرفية لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية. وهنا يقول: إنكم إن أبيتم القذارة العرفية فهنا معنى ثالث وهو القذارة المعنوية، فإما أن تكون هي المرادة، أو يكون اللفظ مردداً بين الشرعية والمعنوية، فلا يتم الاستدلال.

[229] قوله: [ومما يؤيد] أي: إن المراد القذارة العرفية أو المعنوية.

ص: 318

بلا مخصّص[230] يكون من أظهر أفراد التخصيص المستهجن[231] كما هو ظاهر بأدنى تأمّل، ولو سلّم دلالة الآية على المدّعى فلا وجه للحكم بنجاسة غير المشرك من النصراني[232] وغيره.

والقول: بأنّ اللّه تعالى أسند إلى النصارى واليهود الشرك بقوله: {سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ} مردود أوّلاً: بأنّ هذه الآية مخصوصة لجماعة منهم[233] كما هو ظاهر.

-------------------------

[230] قوله: [بلا مخصص] إذ لا دليل. وفيه: الدليل هو الإجماع مثلاً، فتأمل.

[231] قوله: [المستهجن] لأنه تخصيص الأكثر؛ إذ كل النجاسات الشرعية لا يحرم تقريبها إلاّ الكافر.

[232] قوله: [من النصراني] الظاهر أنهم على صنفين: بعضهم مشركون وبعضهم غير مشركين، كما سيأتي.

[233] قوله: [لجماعة منهم] إذ صدر الآية الكريمة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِداً}(1) لكن الظاهر أن الخط العام منهم كذلك، والموحدون قلة نادرة، واتخاذ الأحبار عبارة عن إطاعتهم كما في الأحاديث الشريفة(2).

ص: 319


1- التوبة: 31.
2- انظر: الكافي 1: 52.

وثانياً[234]: أنّه تعالى ليس في مقام تنزيلهم منزلة المشركين كي يؤخذ بعموم المنزلة.

هذا كلّه على ما سلكناه في الدورة السابقة، ولكن قد ذكرنا في الدورة الأخيرة أنه لا دليل[235] على كون الآية نازلة في أوّل البعثة، وقيل إنها نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، فالآية نازلة بعد سنين[236] متعددة، ويضاف إلى ما ذكر أن الدليل دالّ على أنّ الماء جعل طهوراً[237] ورافعاً للنجاسة في أوائل البعثة.

-------------------------

[234] قوله: [وثانياً] كأن المصنف يفرق بين «أنهم مشركون» و«تعالى عما يشركون».

وفيه نظر؛ إذ لو قلنا «إنهم أشركوا» فالظاهر ترتب أحكام الشرك عليهم، لكن لعل مراد المصنف: أنه ليس بصدد ترتيب جميع آثار الشرك عليهم، أي ليس للآية الكريمة إطلاق، لأنها ليست في مقام البيان من جميع الجهات.

[235] قوله: [لا دليل] عدم الدليل لا يكفي برهاناً، إذ لو جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

[236] قوله: [بعد سنين] الظاهر أن الآية مدنية(1)، وراجع ما ذكرناه سابقاً حول الحقيقة الشرعية.

[237] قوله: [طهوراً] لم يُعلم تاريخ صدور الحديث، إذ لعله صدر بعد الآية الكريمة.

ص: 320


1- انظر: مجمع البيان 5: 43.

... ولاحظ ما رواه زرارة[238] عن أبي جعفر (عليه السلام) : »لا صلاة إلاّ بطهور«(1)...

أضف إلى ذلك كلّه أنّ مقتضى الاستصحاب القهقري[239] - الذي يكون من الأصول اللفظية - كون النجاسة بالمعنى الشرعي منها في لسان الشارع كانت متحدة مع ما كانت في لسان الأئمة وفي زمان الوصي...

إن قلت: الحق[240] أنّ الاستصحاب أمارة فلا وجه للترجيح.

قلت: إنّ الاستصحاب وإن كان أمارة على المسلك الحق، لكن

-------------------------

[238] قوله: [زرارة] لا يدل؛ إذ لعل تشريع هذا الحكم كان بعد نزول الآية الكريمة، وجريان السنة يصدق ولو كان في السنة الآخيرة من حياته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

[239] قوله: [القهقري] فيه أولاً: أنه لا يجري مع العلم بالنقل. نعم، مع الشك في أصل النقل يجري، كما قرر في الأُصول(2).

وثانياً: أنه معارض باستصحاب بقاء اللفظ على معناه الأول، بمعنى الأصل العقلائي، فهذان أصلان عقلائيان متعارضان.

[240] قوله: [الحق] فيه نظر كما بين في الأُصول(3).

ص: 321


1- تهذيب الأحكام 1: 50.
2- انظر: فرائد الأصول 4: 316 و317.
3- انظر: فرائد الأصول 3: 88، أصول الفقه 4: 285.

حيث لا أمارة[241]، فالمستفاد من الآية الشريفة نجاسة المشركين، أضف إلى ذلك ما عن سيدنا الأُستاذ (قدس سره) حيث قال[242]: لا إشكال ولا شكّ في نجاسة المشركين، بل نجاستهم من الضروريات عند الشيعة...

وروايات أهل البيت (عليهم السلام) على نجاستهم مشهورة، وخالف في ذلك باقي الفقهاء وقالوا: معنى كونهم نجساً أنهم لا يغتسلون[243] من الجنابة ولا يجتنبون النجاسات.

الثالث: النصوص الخاصّة[244] الواردة في المقام، منها: ما رواه محمد بن مسلم، قال: »سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمّة

-------------------------

[241] قوله: [لا أمارة] فمثلاً: لو تعارض الخبر والاستصحاب قدم الخبر.

[242] قوله: [حيث قال] هذا يدل على النجاسة في الجملة لا مطلقاً، وكان الأولى بالمصنف أن يعقد فصلين: الأول: لنجاسة غير أهل الكتاب، والثاني: للبحث في أهل الكتاب.

[243] قوله: [لا يغتسلون] فهي نجاسة عرضيّة: معنوية بلحاظ الجنابة، وعينيّة بلحاظ عدم اجتناب أعيان النجاسات.

[244] قوله: [النصوص الخاصة] لقد وردت عدّة ألفاظ في النصوص الخاصّة، مثل:

1- أهل الذمة والمجوس.

2- فراش اليهودي والنصراني والمجوسي.

3- مجوسياً.

ص: 322

والمجوس فقال: لا تأكلوا في آنيتهم[245] ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر«(1).

ومنها: ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه، قال: لا بأس ولا يصلّى[246] في ثيابهما«(2)...

-------------------------

[245] قوله: [آنيتهم] قد يجاب بأنه حكم تعبدي؛ وذلك بلحاظ مظنة النجاسة العرضية، فكان ذلك حكمة لجعل الحكم.

إلاّ أن يجاب بالإطلاق، وأنه لو فرض القطع بعدم نجاسة عرضية في أيديهم عند الملاقاة فيجب الاجتناب أيضاً. وأما الرطوبة المسرية فهي شرط على كلا المبنيين، النجاسة الذاتية والعرضية.

[246] قوله: [ولا يصلى] لعله تنزيه ولو لم تكن رطوبة مسرية، وكذا «لا يقعده على فراشه ولامسجده ولا يصافحه»(3)، وكذا «فلا يصلي فيه حتى يغسله»(4)، ومع كونه تنزيهاً يسقط عن الاستدلال.

إلاّ أن يقال: ظاهر النهي التحريم، إلاّ أنه يقيد بالرطوبة المسرية.

إلاّ أن هذا الظاهر معارض بأن الظاهر الإطلاق، ولو لم تكن رطوبة مسرية فيحمل على التنزيه، وبتعارض الظاهرين تسقط الرواية عن الاستدلال.

ص: 323


1- الكافي 6: 264.
2- تهذيب الأحكام 1: 263، 53.
3- المصدر نفسه1: 263، ح 53.
4- المصدر نفسه.

وفي قبال[247] هذه الروايات نصوص تدلّ على الطهارة، منها: ما رواه إبراهيم بن أبي محمود قال: »قلت للرضا (عليه السلام) : الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنّها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة، قال: لا بأس تغسل يديها[248]« (1). وحمل هذه القضية على قضية خارجية[249] وإرادة جارية خاصّة، وحمل فعله (عليه السلام) على التقية[250] من سلطان الوقت لا شاهد عليه.

ومنها: ما رواه عيص بن القاسم قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي، فقال: إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس«(2). وحمل[251] الوضوء على كونه من آداب المائدة لا من جهة تطهير يده غريب.

-------------------------

[247] قوله: [وفي قبال] لا تقابل ولا تعارض، لإمكان الجمع بالحمل على التنزيه.

[248] قوله: [تغسل يديها] هذا صريح في أنّ النجاسة عرضية لا ذاتية.

[249] قوله: [قضية خارجية] لعله كان فيها حرج مثلاً، وفيه: أن الأصل في القضايا أن تكون حقيقية.

[250] قوله: [التقية] مع إمكان الجمع الدلالي لا تصل النوبة للمرجحات.

[251] قوله: [وحمل] ظاهر الرواية: أن الوضوء لإزالة النجاسة العرضية، فلو قيل إنه لا لذلك، بل لكون الوضوء - أي غسل اليد أو الوضوء المصطلح

ص: 324


1- تهذيب الأحكام 6: 385.
2- الكافي 6: 263.

ومقتضى الجمع بين هذه الطائفة من الروايات، وبين ما دلّ على النجاسة حمل الطائفة الأولى على استحباب الاجتناب عنهم كما هو المقرّر عندهم، ولكن الجمع بهذا النحو غير مقبول عندنا[252].

نعم، يمكن ترجيح دليل الطهارة بالأحدثية[253] وعلى تقدير التعارض تصل النوبة[254] إلى قاعدة الطهارة، وإعراض المشهور عن الطائفة الثانية لا يسقطها[255] عن الاعتبار...

نعم، يستفاد من بعض النصوص أنّ الناصبي أنجس من الكلب، لاحظ ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »وإياك أن تغتسل من غسالة الحمّام ففيها تجتمع غسالة اليهودي[256] والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت

-------------------------

- من آداب المائدة ففيه بعد.

[252] قوله: [عندنا] بل هو مقبول عند العرف ومعظم الفقهاء.

[253] قوله: [بالأحدثية] سبق أنها غير مرجحة.

ثم إن الرواية مروية عن الإمام الرضا (عليه السلام) .

وفيه: أنها في الجارية النصرانية فقط. إلاّ أن يقال: بعدم القول بالفصل.

وفيه: أنه لا ينفع، إلاّ أن يرد بالقول بعدم الفصل.

[254] قوله:[تصل النوبة]لا بد من ملاحظة سائر المرجحات على المشهور.

[255] قوله: [لا يسقطها] فيه نظر.

[256] قوله: [اليهودي] بقرينة سائر الروايات يحمل على التنزيه.

ص: 325

في الجملة(*) بلا إشكال، وهو من لم يدن بدين الإسلام، كالدهري واليهود والنصارى[257] والمجوس(**)[258] وكذا من انتحل الإسلام ولكن أنكر ضرورياً من ضرورياته[259]

وهو شرّهم...«(1).

(*) حيث إنّ الأدلَّة المذكورة على فرض دلالتها على المدّعى لا تدلّ على نجاسة مطلق الكافر، فيمكن النقاش في نجاسة منكري الضروري[260] مثلاً...

-------------------------

[257] قوله: [واليهود والنصارى] في نجاسة أهل الكتاب إشكال، والأقوى طهارتهم الذاتية، وإن تنجست أبدانهم بالنجاسات العرضية فهم كغيرهم، فمع العلم بملاقاة أبدانهم للنجاسة يجب الاجتناب عما لاقوه بالرطوبة المسرية، ومع العلم بتعاقب الحالات أو الشك يحكم بالطهارة.

نعم، هنا يبقى إعراض المشهور عن الطائفة الثانية من الروايات فلا بد من حلّ لذلك.

[258] قوله: [والمجوس] والأقوى نجاسة النواصب.

[259] قوله: [من ضرورياته] إن علم بأن ذلك من الدين وجحده، وكذا في غير الضروريات من الأحكام؛ وذلك لأن الملاك في الروايات الجحود، ولا فرق بين الضروري وغيره.

[260] قوله: [الضروري] مع أنه كافر، لكن حيث لا دليل على نجاسة

ص: 326


1- تهذيب الأحكام 1: 373.

كالصلاة والحجّ مثلاً(***).

(**) بالضرورة[261]، وتدلّ عليه جملة من الروايات منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »من شكّ[262] في اللّه وفي رسوله فهو كافر«(1).

(***) لم نظفر على دليل يستفاد منه كفر منكر الضروري بما هو ضروري. نعم، يستفاد من جملة الروايات أنّ المنكر[263] لحكم من الأحكام كافر، منها: قوله (عليه السلام) في رواية عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث أنّه كتب إليه مع عبد الملك بن أعين: »سألت رحمك اللّه عن الإيمان، والإيمان هو الإقرار إلى أن قال:

-------------------------

كل كافر لا يكون نجساً. ولكن قد يقال: إنه لو ثبت كون شخصٍ كافراً فالارتكاز يقتضي نجاسته، فتأمل.

[261] قوله: [بالضرورة] أي أنهم كفار، وأما نجاستهم فليست ضرورية في أهل الكتاب.

نعم، الرواية(2) تدل على الكفر مطلقاً، إلاّ أن ظاهر الروايات السابقة استثناء أهل الكتاب من النجاسة.

[262] قوله: [من شك] ويستفاد منه حكم من أنكر بطريق أولى.

[263] قوله: [المنكر] بل الجاحد، والظاهر أن الجحد يتحقق مع معرفة أنه حكم اللّه تعالى.

ص: 327


1- المحاسن 1: 89.
2- انظر: وسائل الشيعة 28: 345.

والإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان[264] ... فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان، ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال أن يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان[265] بذلك فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان وداخلاً في الكفر«(1).

ومنها: قوله (عليه السلام) في رواية داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : »سنن[266] رسول اللّه’ كفرائض اللّه عزّ وجلّ...«(2).

إلى غير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ من جحد حكماً من الأحكام الشرعية يكون كافراً، أعمّ من أن يكون ضرورياً أو غير ضروريّ، فالمتّبع هذه الروايات إلاّ أن تخصص في مورد بمخصّص[267]

-------------------------

[264] قوله: [وهو يشارك الايمان] لأن الأعم يشارك الأخص.

[265] قوله: [ودان] لعله مقابل قوله مزاحاً أو غضباً.

وهل يمكن أن يدين الإسلام بما يعلم أنه خلاف الواقع؟ نعم، لما ذكر في بحث «الموافقة الالتزامية»(3) وأيضاً يمكن أن يكون أصل إيمانه باللّه والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) محل إشكال.

[266] قوله: [سنن] لعل المراد المستحبات.

[267] قوله: [بمخصص] كالإجماع مثلاً.

ص: 328


1- وسائل الشيعة 28: 354.
2- الكافي 2: 383.
3- انظر: نهاية النهاية 2: 32، نهاية الأفكار 3: 54.

قطعي. نعم، يمكن أن يقال: إنّه لو أنكر أحد حكماً من الأحكام اجتهاداً أو تقليداً أو غفلة أو غير ذلك بحيث لا يكون متعمداً في الإنكار لا يكون مشمولاً لهذه الأخبار، فإنّها منصرفة[268] عنها كما لعلّه الظاهر.

ويستفاد المدّعى بوضوح من حديث داود[269] الرقي الذي قد مرّ آنفاً، فإنّ الميزان في تحقّق الكفر الجحود.

-------------------------

[268] قوله: [فإنها منصرفة] بل لا تشملها بذاتها، لأن موضوعها الجحود، والظاهر أنه لا يصدق إلاّ مع العلم والإنكار، كما في قوله تعالى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}(1).

وقد ورد في الروايات: « إلاّ الجحود والاستحلال»(2)، و«فلم يعمل بها وجحدها»(3)، و«الإنكار والجحود»(4).

[269] قوله: [داود] لم يظهر وجه الخصوصية، فإن كل الروايات ذكر فيها الجحود معطوفاً على غيره، أو معطوفاً غيره عليه.

ص: 329


1- النمل: 14.
2- وسائل الشيعة 28: 354.
3- المصدر نفسه 1: 30.
4- المصدر نفسه 1: 30.

حكم عرق الجنب من الحرام

أو صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره، كسبّ النبيّ والأئمة (عليهم السلام) ، أو أحرق القرآن[270] مثلاً والعياذ باللّه. والأحوط[271] الاجتناب من عرق الجنب عن الحرام(*).

(*) ... ولا يخفى أنّه لا يستفاد المدّعى من هذه الروايات، فإنّ المستفاد منها مانعيّته[272] للصلاة لا النجاسة، ومقتضى[273]

-------------------------

[270] قوله: [أو أحرق القرآن] إن رجع إلى ما يوجب الكفر.

[271] قوله: [والأحوط] الأقوى الطهارة. نعم، الأحوط الاجتناب عنه في الصلاة.

[272] قوله: [مانعيته] المصنف يفرق بين «لا تصل فيه»(1) فلا يدل على النجاسة فهو كشعر الهرّة، وبين «اغسله»(2) فيدل على النجاسة، إما للظهور العرفي فيها، أو لأنه لو فرضنا أننا أزلنا عينه بالفرك أو الدلك أو نحو ذلك أو بالمطهرات الحديثة، فمقتضى إطلاق (اغلسه) وجوب الغسل، وليس معنى النجاسة إلاّ هذا.

أما «فيه»(3) فمع زوال العين بأي مزيل لا يصدق «فيه» إذ لا وجود له، فهو كإزالة شعر الهرة، لكن يرد عليه ما في الحاشية اللاحقة(4).

[273] قوله: [ومقتضى] في العبارة إيهام، ولعل المراد أنه لا يكفي

ص: 330


1- وسائل الشيعة 3: 447، ح 12.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 179.
3- انظر: المصدر نفسه.
4- انظر: المصدر نفسه.

حكم عرق الإبل الجلالة

وعرق الإبل الجلاّلة أيضاً(*)[274].

إطلاق النهي عدم جواز الصلاة في الثوب الذي عرق فيه مطلقاً... هذا، مضافاً إلى عدم الاعتماد[275] بسند هذه الروايات للجهل بحال رواتها...

ومن الواضح أنّه لا تدلّ على النجاسة لاحتمال أن يكون من جهة أخرى[276]، مضافاً إلى كون الرواية مرسلة...

(*) ... واستبعاد[277] كون بدنه طاهراً وعرقه نجساً لا يكون دليلاً شرعياً، مضافاً إلى أنّه لا وجه لهذا الاستبعاد، فإن مناطات الأحكام معلومة عند جاعلها[278]...

-------------------------

الجفاف؛ لأن العين موجودة واقعاً. نعم، لو غسلناه فلا وجود له حتى يكون مانعاً، لكن ينافيه ما ذكرناه في الحاشية السابقة.

[274] قوله: [أيضاً] بل هو الأقوى في الأخير.

[275] قوله: [الاعتماد] إلاّ أن الرواية مجبورة بالشهرة العملية، راجع بحث الشهرة الفتوائية وبحث الخبر الواحد(1).

[276] قوله: [أُخرى] كالجنابة.

[277] قوله: [واستبعاد] فهو مثل عرق الجنب من الحرام - على القول به - حيث إن بدنه طاهر وعرقه نجس.

[278] قوله: [عند جاعلها] ولعل الباطن فيه خباثة باطنية بخلاف الظاهر.

ص: 331


1- انظر: الذريعة (أصول الفقه) 2: 517، عدة الأصول 1: 87 ، فرائد الأصول 1: 231، مقالات الأصول 2: 75.

ويمكن أن يكون وصفاً للحيوانات، وحيث إنّه لا معين فيكون مجملاً، والعلم الإجمالي ينحلّ[279] بالقدر المتيقّن وهو عرق الإبل الجلاّلة...

لكن التحقيق أن يقال: إنّ مقتضى رواية هشام نجاسة عرق مطلق الجلالة، وذلك لأنّ الجلاّلة كما توصف بها الإبل توصف بها الشاة والبقرة والدجاجة، فمقتضى القاعدة الأخذ بإطلاقها، ومجرد كون المتعارف[280] من الجلاّلة الإبل لا يوجب حمل الألف واللام على العهد[281]، وأيضاً الإجماع[282] على طهارة عرق غير الإبل الجلاّلة لا يقتضي رفع اليد عن إطلاق الرواية، فإنّ المدرك للمجمعين يمكن أن يكون حمل الألف واللام على العهد، وعلى فرض العمل بالإجماع لا وجه لرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب

-------------------------

[279] قوله: [ينحل] الانحلال إنما هو مع الشك، ومع الإطلاق لا شك، كما سيأتي.

[280] قوله: [المتعارف] غير معلوم، بل الدجاجة أيضاً متعارفة.

[281] قوله: [العهد] فإن ظاهر اللام: الجنس، كما ذكروه(1) في «فإن اليقين لا يدفع بالشك»(2).

[282] قوله: [وأيضاً الإجماع] فيه نظر، واحتمال المدركية لا يضر.

ص: 332


1- فرائد الأصول 3: 68، كفاية الأصول: 397، نهاية الأفكار 1: 64.
2- مستدرك الوسائل 1: 288.

وما سوى ذلك من الثعلب والأرنب[283] والوزغ(*)، والعقرب(**).

في رواية حفص[284] وذلك لأنّ صيغة الأمر لا تستعمل في الوجوب ولا في الاستحباب، بل يراد منها إيجاد المتعلّق...

-------------------------

[283] قوله: [الثعلب والأرنب] واللازم إضافة والسباع كلها على رأي القائل بالنجاسة، والأولى على رأي الماتن كما سيأتي(1)، إلاّ أن يتحقق إجماع وإعراض على الخلاف.

[284] قوله: [حفص] الظاهر: «هشام»(2) وإلاّ لم يكن معنى محصل للكلام ظاهراً.

والظاهر أن مراده أن رواية هشام عامّة تشمل الإبل وغيرها، والصيغة معناها «اطلب منك إيجاد المتعلق» وليس الوجوب ولا الندب جزءاً من مدلولها اللفظي، والوجوب إنما هو بحكم العقل، بأن تنفذ طلب المولى ما لم يدل دليل على الإذن في الترك، وحيث دل الدليل - وهو الإجماع - على أنه لا يجب الاجتناب عن عرق غير الإبل سقط حكم العقل بالوجوب فيها، لكن بقي «اغسل» المولوي، فيدل على طلب لا يحكم العقل بلزوم امتثاله، وهذا هو معنى الاستحباب.

إلاّ أن المبنى غير مرضي عند المصنف؛ إذ دلالتها لفظية، ولعله ينتفي الاستحباب في غير الإبل، فتأمل.

ص: 333


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 188.
2- انظر: وسائل الشيعة 3: 423.

(*) نسب إلى المفيد القول بنجاسته، ويدلّ عليها قوله (عليه السلام) في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حياً هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال: يسكب منه ثلاث مرّات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة، ثمّ يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنّه لا ينتفع[285] بما يقع فيه«(1). وهذه الرواية على تقدير تسليم سندها ترفع اليد عن ظاهرها بما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن العظاية والحيّة والوزغ يقع في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس به، وسألته عن فأرة وقعت في حبّ دهن وأخرجت قبل أن تموت أيبيعه من مسلم؟ قال: نعم، ويدهن به«(2). لأنه أحدث[286].

(**) ربّما يتمسك بنجاسته بما رواه سماعة قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن جرّة وجد فيها خنفساء قد ماتت قال: القها وتوضأ

-------------------------

[285] قوله: [لا ينتفع] لا يدل على النجاسة، بل على لزوم الاجتناب، إلاّ أن يقال: إن «لا ينتفع» أي: لا يُتوضأ به ولا يغتسل ولا يشرب، وهذا هو معنى النجاسة، فتأمل.

[286] قوله: [لأنه أحدث] الأحدثية لا دليل عليها مقبول، والجمع الدلالي يقتضي الحمل على الاستحباب أو التنزه.

ص: 334


1- تهذيب الأحكام 1: 238.
2- وسائل الشيعة 3: 460.

والفأرة(*)، بل مطلق المسوخات.

منه، وإن كان عقرباً فأرق الماء وتوضأ من ماء غيره«(1) الحديث. وهذه الرواية لا تدلّ[287] على نجاسة العقرب في حياته؛ لأنّ المفروض[288] عند السائل موت الخنفساء...

(*) ... ويدلّ عليها ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: »سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أيصلّى فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره

-------------------------

[287] قوله: [لا تدل] فمفادها التفصيل بين الحياة والموت.

وفيه نظر: إذ «فأرق» لا يدل على النجاسة، بل على حرمة الوضوء، ولعله لأجل احتمال الضرر الكبير.

[288] قوله: [لأن المفروض] الظاهر موت العقرب، فالمراد «وإن كان الواقع الميت عقرباً» ولا أقل من احتمال قرينية الوجود، وهو مانع عن الإطلاق، مثل {والمطلقات... وبعولتهن}(2). راجع بحث: الضمير المتعقب بعام يرجع لبعض أفراده، والاستثناء المتعقب للجمل، وعدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب، في الأصول(3).

ص: 335


1- الكافي 3: 10.
2- البقرة: 228.
3- انظر: درر الفوائد 1: 234، نهاية الأفكار 1: 574، أصول المظفر 1: 240، معالم الدين وملاذ المجتهدين : 121، هداية المسترشدين 3: 303.

انضحه[289] بالماء«(1). ولكن يعارضه[290] حديثه الآخر[291] وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة.

-------------------------

[289] قوله: [انضحه] لعله لأنه نوع من الطهارة العرفية، وقد سبق نظيره.

[290] قوله: [يعارضه] لا معارضة، للجمع الدلالي، فيحمل على الأفضلية.

[291] قوله: [حديثه الآخر] وقد ذكر ذلك في التنقيح(2).

وهي ثلاث روايات: الأولى: عن علي بن جعفر (عليه السلام) (3) .

الثانية: عن سعيد الأعرج(4).

الثالثة: عن أبي البختري(5).

ص: 336


1- الكافي 3: 60.
2- انظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 146، حيث قال: وهي معارضة بصحيحته الأُخرى عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن العظاية والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا بأس به، وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن وأُخرجت قبل أن تموت أيبيعه من مسلم؟ قال: نعم ويدهن به».
3- وهي: محمد بن الحسن بإسناده ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه ، موسى بن جعفر (عليه السلام) - في حديث - ... « وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن وأخرجت قبل أن تموت، أيبيعه من مسلم ؟ قال: نعم، ويدهن منه» . وسائل الشيعة1: 239، ح1.
4- وهي: صحيحة سعيد الأعرج قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الفأرة والكلب تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حيّة، فقال : لا بأس بأكله» . الكافي6: 261، ح 4.
5- وهي: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: «أنَّ علياً (عليه السلام) قال: لا بأس بسؤر الفأر أن تشرب منه ويتوضأ» . وسائل الشيعة1: 241، ح8 .

ولد الزنا

وولد الزنا(*).

(*) المشهور بين الأصحاب الحكم بإسلامه وطهارته، ونقل عن ابن إدريس القول بكفره[292] ونجاسته، ونقل عن الصدوقين أيضاً القول بنجاسته. وما يمكن أن يستدل به على نجاسته جملة من الروايات، منها: ما رواه حمزة بن أحمد، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: »سألته أو سأله غيري عن الحمّام، قال: ادخله بمئزر وغضّ

-------------------------

أما الأخيرتان فهما دالتان إلاّ أنه لا يمكن التساقط على مبنى الأحدثية؛ لأنهما مرويتان عن الإمام الصادق (عليه السلام) .

نعم، يصح الجمع بناءً على مبنى الجمع الدلالي.

وأما الأولى فقد ذكرها المصنف(1)، وهي غير دالة على الطهارة؛ لأنها في البيع والتدهين.

إن قلت: لم يذكر أنه يُعْلِمه، ولم يذكر أنه يغسل الدهن للصلاة، مع أن الإمام (عليه السلام) في مقام بيان الحكم، فهو إطلاق مقامي، واعتبر ذلك بما لو جاء للفقيه وسأله ذلك.

قلت: قد يقال: إن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة، فتأمل.

وقد يجاب: بأن «ويدهن به» أي: المشتري، فلا يأكله، فهو دليل على الاجتناب، فتأمل.

[292] قوله: [بكفره] لعل المراد ظاهراً، وأما باطناً فهو تابع للموازين المقررة.

ص: 337


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 181.

بصرك، ولا تغسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا، والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم«(1). بتقريب[293] أنّ النهي عن الاغتسال بغسالة ماء الحمام معللاً بأنّه يغتسل فيه ولد الزنا يدلّ على المدّعى.

ومنها: مرسل[294] عليّ بن الحكم، عن رجل، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث أنّه قال: »لا تغتسل من غسالة ماء الحمام، فإنّه يغتسل فيه من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم«(2).

ومنها: خبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام فإنّ فيها غسالة ولد الزنا،

-------------------------

[293] قوله: [بتقريب] وفيه: أنه لعله للخباثة لا للنجاسة، ولو راجعنا الروايات الأُخرى لوجدنا - ظاهراً - كثيراً من النواهي للخباثة أو للميكروب أو ما أشبه ذلك.

والخلاصة: أن الرواية تدل على وجوب الاجتناب، ولا تدل على أن الجهة هي النجاسة، مضافاً إلى ما سيأتي من ضعف السند.

[294] قوله: [مرسل] وهو ضعيف بالإرسال، مضافاً لما سبق من الإشكال الدلالي.

ص: 338


1- الكافي 6: 498.
2- وسائل الشيعة 1: 219.

وهو لا يطهر[295] إلى سبعة آباء[296]...« (1)

ومنها: ما دلّ على كراهة[297] سؤره، ففي مرسلة الوشاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »أنّه كره سؤر ولد الزنا وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك، وكلّ ما خالف الإسلام وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب«(2).

-------------------------

[295] قوله: [لا يطهر] الرواية ضعيفة السند على ما ذكره المصنف(3)، إلاّ أن دلالتها تامة، إلاّ أنها خلاف الضرورة. إلاّ أن يقال: «إلى سبعة آباء»(4) خلاف الضرورة، فيبقى «لا يطهر» لكنه خلاف الفهم العرفي، فإن تأويل «يطهر» وحمله على الخباثة أولى عرفاً من طرح «لا يطهر» وراجع بحث أن سقوط الدلالة في بعض لا يسقط البعض الآخر(5).

[296] قوله: [سبعة آباء] ظاهره: آباؤه من فوق، ولكن التأمل ربما يقضي بأن المراد الأبناء، أي هو أب، وابنه أب لحفيده، وحفيده أب لولده وهكذا.

[297] قوله: [كراهة] كراهة السؤر لا تدل على النجاسة، ككراهة سؤر السباع، ثم إن الكراهة في مصطلح الروايات أعم من الحرمة، لكن لا تتعين

ص: 339


1- الكافي 3: 14.
2- الاستبصار 1: 18.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 184.
4- الكافي 3: 14.
5- انظر: نهاية الدراية في شرح الكفاية 1: 519، محاضرات في أصول الفقه 3: 71، المحكم في أصول الفقه 2: 69.

ومنها: ما في الحدائق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه رفع[298] الحديث إلى الصادق (عليه السلام) قال: »يقول ولد الزنا: يا ربّ فما ذنبي فما كان لي في أمري صنع، قال: فيناديه مناد فيقول: أنت شرّ الثلاثة أذنب والداك فنبت عليهما، وأنت رجس[299] ولن يدخل الجنّة إلاّ طاهر[300]«(1).

-------------------------

في الحرمة. إذن، فلا تدل على وجوب الاجتناب، فهو مثل «يجب» و«ينبغي» في كلمات الروايات والقدماء، راجع بحث «الشهرة»(2).

[298] قوله: [رفع] الرواية ساقطة بالرفع.

[299] قوله: [رجس] قد يقال: بقرينة «إلاّ طاهر» أن المراد القذارة المعنوية، وإلاّ فدخول الجنة لا ربط له بالقذارة الظاهرية. إلاّ أن يقال: إن القذارة الظاهرية الذاتية تجعل الإنسان غير مؤهل لدخول الجنة.

[300] قوله: [طاهر] والمراد - ظاهراً - أن هذا لا قابلية له لدخول الجنة وإن لم يكن مذنباً، كما أن الغبي لا قابلية له لدخول الجامعة وإن لم يذنب هو، وكذا صلحاء الجن.

والشرية(3): يراد بها - ظاهراً أو احتمالاً - البعد وعدم القابلية والخباثة.

ص: 340


1- علل الشرائع 2: 564.
2- انظر: هداية المسترشدين 3: 443، نهاية النهاية 2: 63.
3- في قوله (عليه السلام) : «أنت شر الثلاثة». علل الشرائع 2: 564، بحار الأنوار 5: 285.

المخالفين

والمخالفين[301] طاهر(*).

... وأمّا ما يدلّ على كراهية السؤر فالكراهة أعمّ من الحرمة[302]، مضافاً إلى ضعف سند الرواية...

فانقدح ممّا ذكر أنّه لا وجه للقول بنجاسته، بل الحقّ طهارته. نعم، لو ثبت كفره بالأدلَّة وقلنا إنّ كلّ كافر نجس فهو نجس، لكن كلتا المقدّمتين فاسدتان[303].

(*) المشهور بين الأصحاب طهارة المخالفين، وحكي عن السيّد القول بنجاستهم [304] ويظهر من صاحب الحدائق الذهاب إلى نجاستهم...

ولكن لا يخفى أنّه لا يمكن الاعتماد على هذا الإجماع، فإنّ المشهور كما ذكرنا قائلون بطهارتهم، فعلى فرض ذهابهم إلى كفر المخالف لا يقولون بكفره الموجب لنجاسته[305].

-------------------------

[301] قوله: [والمخالفين] نعم، النواصب محكومون بالنجاسة.

[302] قوله: [الحرمة] مضافاً إلى أنه لو دل على الحرمة لم يدل على النجاسة؛ إذ ما أكثر المحرمات وهي غير نجسة.

[303] قوله: [فاسدتان] وقد سبق أنه لا دليل على أنّ كل كافر نجس(1).

[304] قوله: [بنجاستهم] والمنقول ذهابه إلى طهارة أهل الكتاب، ولا عجب لو فرض مساعدة الأدلَّة.

[305] قوله: [الموجب لنجاسته] بل بالكفر الحقيقي، وربما جعلت أحكام الطهارة تسهيلاً على الموالي، أو لدفع ضرر المخالفين.

ص: 341


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 175، الهامش رقم 1.

ومنها: ما دلّ من الأخبار على كفرهم وهي كثيرة، وقد ذكرها صاحب الوسائل في الباب العاشر من أبواب حدّ المرتدّ. ومن تلك الأخبار ما رواه أبو حمزة قال: »سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ علياً (عليه السلام) باب فتحه اللّه عزّ وجلّ فمن دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه[306] كان في الطبقة الذين قال اللّه تبارك وتعالى: فيهم المشيئة«(1)...

ولا يعارضها[307] ما رواه سماعة قال: »قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أخبرني عن الإسلام والإيمان أ هما مختلفان؟ فقال: إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت: فصفهما لي، فقال: الإسلام شهادة أن لا إله الاّ اللّه والتصديق برسول اللّه (عليهما السلام) به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس، والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام«...(2). لأنه قابل للتقييد[308] بها...

-------------------------

[306] قوله: [ولم يخرج منه] لعل المراد: المستضعفون الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

[307] قوله: [ولا يعارضها] أي الطائفة الأولى.

[308] قوله: [للتقييد] إلاّ أنه تخصيص الأكثر، فهما متعارضان ويتساقطان، والأصل الطهارة، أو يقال: إنّ هذا الأخير أحدث من الطائفة

ص: 342


1- الكافي 1: 437.
2- الكافي 2: 25.

وإن كان الأولى اجتناب الجميع، وأمّا الحديد فطاهر(*) وإن استحب المسح بالماء بعد الحلق والتقليم(**)[309].

فغاية ما يمكن أن يقال: إنّ المخالف كافر أو ناصب، لكن لا يترتب عليه حكم النجاسة[310]...

(*) ... وبهذا ترفع اليد عمّا دلّ على نجاسته ولزوم مسحه بالماء، كرواية عمّار الآتية؛ إذ الأحدث غير معلوم فيكون المقام من اشتباه الحجّة بغيرها، والنتيجة هي الطهارة، مضافاً إلى

-------------------------

الدالة على الكفر، أو نقول بالجمع الدلالي بالكفر واقعاً، إلاّ أنه يعامل ظاهراً معاملة المسلم.

[309] قوله: [والتقليم] بل مطلق مس الحديد برطوبة مسرية لعموم العلّة.

[310] قوله: [لا يترتب عليه حكم النجاسة] فهو كافر واقعاً إلاّ أنه مسلم ظاهراً.

ثم إنه لم يثبت أن كل كافر نجس(1)، وقد ثبت أن الناصب لأهل البيت (عليهم السلام) نجس، لا الناصب للشيعة.

إلاّ أن يرد الأول بما سبق من ارتكاز أن كل كافر نجس.

وفيه نظر: إذ لعله نشأ من الفتاوى.

ثم إن إعراض المشهور عن ظاهر هذه الروايات مسقط لها(2) على المبنى.

ص: 343


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 175، الهامش1.
2- انظر: المهذب2: 5، العروة الوثقى 5: 559، نهاية الأفكار 3: 186، نهاية الدراية في شرح الكفاية 2: 402.

وضوح[311] الحكم كما تقدّم.

(**) لما رواه عمّار[312] عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : »في رجل قصّ أظفاره بالحديد أو جزّ من شعره أو حلق قفاه، فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلّي. سئل فإن صلّى ولم يمسح من ذلك بالماء؟ قال: يعيد الصلاة لأنّ الحديد نجس، وقال: لأنّ الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنة«(1) لكن لا يمكن الجزم بالاستحباب؛ إذ الحمل على الاستحباب ليس جمعاً عرفياً[313].

-------------------------

[311] قوله: [وضوح] وإعراض الأصحاب عن المفاد، مضافاً إلى الجمع الدلالي بحمل النجاسة على القذارة، أو أن «نجس» إشارة إلى نجاسته العرضية، وهذه الحيثية تقيدية، فإذا انتفت انتفى الحكم.

والخلاصة: إن الأول يدل على الطهارة الذاتية، والثاني على النجاسة العرضية ولا منافاة بينهما، إلاّ أن كل ذلك خلاف الظاهر، فتأمل.

[312] قوله: [عمار] لاحظ مسألة اضطراب روايات عمار الساباطي، وهل يسقطه ذلك عن الوثاقة وخاصة عند التعارض؟

[313] قوله: [عرفياً] سبق الكلام فيه، ولاحظ الروايات مادة «نجس» فلعله بملاحظتها يكون جمعاً عرفياً.

ص: 344


1- الاستبصار 1: 96.

فصل: في المطهرات

اشارة

ص: 345

ص: 346

فصل في المطهرات

الأول: الماء المطلق

وهي خمسة عشر: الأوّل: الماء المطلق، وهو يطهّر كلّ شيء يقبل التطهير دون ما لا يكون له قابلية التطهير، كالميتة والكلب والخنزير وأمثال ذلك(*).

(*) ما يمكن أن يستدلّ به على الكلّية أمور؛ منها: قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِي أَرْسَلَ الرّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَاء مَاء طَهُوراً}(1) بتقريب[1] أنّ المراد بالطهور الطاهر في نفسه والمطّهر لغيره.

وقد أورد في هذا الدليل إشكالات: أحدها: غاية ما يستفاد من الآية الشريفة مطهّرية الماء النازل من السماء، وأمّا مطهّرية غيره فلا دلالة فيها.

-------------------------

[1] قوله: [بتقريب] الظاهر أن المراد: أنه مطهر عرفاً من القذارات، فإنه لو لم يوجد الماء لتوسخ الإنسان وتوسخت الأرض والجو؛ ولذا عندما تهطل الأمطار تقل الأمراض، ولو لم يغسل الإنسان نفسه أُسبوعاً فربما تحدث فيه رائحة لا تطاق، وربما كثرت الحيوانات القذرة في بدنه لو طالت المدة، بل يكفي كون ذلك محتملاً فيسقط الاستدلال لورود الاحتمال.

[2] قوله: [وأُجيب] بل قيل: إنه ثبت علمياً أن جميع المياه من المطر.

ص: 347


1- الفرقان: 48.

وأجيب[2] عن هذا الإشكال: بأنّ المستفاد من الكتاب والسنة أنّ جميع المياه الموجودة في العالم منشؤه ماء المطر، أمّا ما يدل عليه من الكتاب فقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}(1). فإنّ المستفاد[3] من ظاهر الآية أنّ اللّه سبحانه في بيان عظم قدرته، والتهديد بأنّه يمكنه أن يذهب بما يكون قوام كلّ شيء به وهو الماء...

وقوله[4] تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنزَلَ مِنَ السّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّا ثُمّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ}(2). فإنّ المستفاد من ظاهرها أنّ الينابيع أصلها من ماء المطر.

-------------------------

[3] قوله: [المستفاد] فيه: أن الماء النازل اُسكن في الأرض، لا أن كل ما اُسكن في الأرض فهو منزل من السماء، والتهديد تَمَّ ولو بذهاب معظم المياه، أو الكثير منها عن كثير من المناطق، ولا يتوقف على ذهاب جميع المياه.

[4] قوله: [وقوله] يرد نفس ما تقدم(3)، وقد ثبت أن الموجبة الكلية(4) تنعكس - بالعكس المستوي - جزئية.

ص: 348


1- المؤمنون: 18.
2- الزمر: 21.
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 191.
4- انظر: الفوائد المدنية والشواهد المكية: 507، المنطق: 203.

وأمّا ما يدلّ عليه من السنة، فما رواه عليّ بن إبراهيم، عن الباقر (عليه السلام) في تفسير هذه الآية، قال (عليه السلام) : »الينابيع[5] هي العيون والركايا ممّا أنزل اللّه من السماء فأسكنه في الأرض«(1). وأمّا البحار فعلى ما يقولون[6] إنّها متشكلّة من الأنهار.

ثانيها: أنّ لفظ الماء في قوله تعالى نكرة في سياق الإثبات، وهي لا تدلّ على العموم[7]، بل المستفاد منها موجبة جزئية فلا يتمّ المطلوب.

ويمكن أن يجاب عنه: بأنّه سبحانه في مقام الامتنان على الخلق، والامتنان عليه يقتضي عمومية التفضّل[8]، مضافاً إلى أنّ جعل

-------------------------

[5] قوله: [الينابيع] لعل اللام للعهد، خاصة أن الرواية في مقام تفسير الآية الكريمة(2).

[6] قوله: [يقولون] ويقال: إنه ثبت علمياً.

[7] قوله: [على العموم] بخلاف النكرة في سياق النفي أو النهي(3).

[8] قوله: [عمومية التفضل] لا بأس بالامتنان على بعض البشر ببعض النعم، كالامتنان بالأمطار مع أن بعض المناطق لا ينزل عليها المطر - فرضاً - والخلاصة: إنه ليس قبيحاً، وكذلك الامتنان بالبحر مع أن بعض المناطق لا بحر فيها.

ص: 349


1- تفسير القمي 2: 248.
2- الزمر: 21.
3- انظر: جامع المقاصد 13: 74، جواهر الكلام 7: 43، قوانين الأصول: 223، كفاية الأصول: 217، فوائد الأُصول 1: 485.

المطهّرية لنوع خاصّ من الماء من دون بيانه يكون لغواً ولا أقلّ من كونه خلاف البلاغة[9].

هذا، ولكن تماميّة هذا البيان تتوقّف على كون المراد من التطهير المعنى الشرعي وليس عليه دليل، فيمكن أن يكون المراد منه التطهير العرفي[10] أي الرافع للخباثات العرفية، وهذا المعنى يناسب المنّة منه تعالى.

مضافاً إلى أنّه يمكن[11] أن يكون سبحانه في مقام بيان ما أنعم به من إحياء البلدة الميّتة بالماء...

وردّ الاحتمال الثاني بأنّ الطهور وإن استعمل أحياناً في المبالغة،

-------------------------

[9] قوله: [البلاغة] إذ يؤول المعنى إلى: أن بعض المياه مطهرة شرعاً، مع أن هذا البعض مبهم غير معين، وهذا لا أثر له، إذ لا يستطيع الإنسان أن يعرف ما هو الماء المطهر؟ فلا يستطيع التطهير الشرعي به.

[10] قوله: [العرفي] وهو يناسب المنة؛ إذ التطهير العرفي يحصل ولو لم نعرف المطهر بعينه، أي أن اللّه تعالى جعل بعض المياه منظفة ورافعة للخباثات.

وفيه: أنه عليه تكون جميع مياه المطر منظفة، إذ كلها منظفة وطاردة للأوساخ، فتأمل.

والأولى جعل هذا إيراداً مستقلاً، وهو أنه لم يثبت كون المراد من الآية الكريمة التطهير الشرعي.

[11] قوله: [يمكن] أي أنه في مقام بيان إحياء الأرض الميتة بالمطر، لا في مقام بيان جعل المطهرية للماء، فليس في مقام البيان من هذه الجهة ليستفاد منه الإطلاق.

ص: 350

لكن في المقام لا يمكن أن يكون مستعملاً فيها؛ لأنّ الطهارة الشرعية من الأمور الاعتبارية، والأمر الاعتباري غير قابل للشدّة[12].

وهذا الإيراد ممّا لا يمكن المساعدة عليه، فإنّا لا نتصور مانعاً عن شدّة في الأمر الاعتباري[13] فإنّ المعتبر والجاعل تارة يعتبر أمراً بمرتبة، وأُخرى يعتبر أمراً أقوى من تلك الرتبة، وليس فيه مانع عقلي وغيره، وفي المقام لا مانع من تصوّر الطهارة الشديدة في الماء، وأثره أنّه لا ينفعل[14] بالغير، وأمّا غيره فينفعل بغيره.

والإيراد بأنّه وصف لطبيعي الماء وطبيعي الماء لا يكون عاصماً[15] أوّل الكلام، وأيّ دليل دلّنا على ذلك[16]، فتأمل.

-------------------------

[12] قوله: [للشدة] فلا يقال: إن ملكيتي لهذا أشد من ملكيتي لذلك، أو أن زوجية هندٍ أقوى من زوجية دعد.

[13] قوله: [الاعتباري] فالنجاسة - مثلاً - فيها شدّة وضعف، وأثر الشدة أنه لا يطهر إلاّ بالمرتين مثلاً، وقد ورد في رواية «أيهما أطهر المني أو البول»(1)؟ وكذلك قد يعتبر الوجوب شديداً أو ضعيفاً.

[14] قوله: [لا ينفعل] فهو شديد الطهارة؛ لأنه لا ينفعل بخلاف الجوامد؛ فإنها تنفعل بكل ملاقاة، وهو نظير الملكية المتزلزلة وغيرها.

[15] قوله: [عاصماً] فإن العاصم هو الكر فقط ونحوه كالبئر.

[16] قوله: [ذلك] لعل مراده أن القليل أيضاً لا ينفعل، وعلى فرض الانفعال فهو خارج من العموم تخصيصاً.

ص: 351


1- دعائم الإسلام 1: 91.

كما أنّ الإشكال بأنّه لو كان استعماله في المبالغة جائزاً لكان إطلاقه على البواطن بهذا اللحاظ صحيحاً[17] والحال أنّه غلط...

فانقدح[18] ممّا ذكر أنّ هذه الآية لا تدلّ على المدّعى.

ومنها: قوله تعالى: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشّيْطَان}(1). ولا يرد في هذه الآية ما ورد في تلك[19] من احتمال طهارة الماء أو المبالغة في وصفه.

-------------------------

[17] قوله: [صحيحاً] مع أن البواطن لا تنفعل على بعض المباني(2)، وعلى بعض آخر(3) تنفعل وتطهر بزوال العين، ومثل ذلك ظواهر الحيوان.

[18] قوله: [فانقدح] وذلك للإشكال الثالث(4)، وأما الإشكالان الأولان(5) فلم يرتضهما.

وخلاصة إيراد المصنف: هو احتمال كون المراد بالطهور: شدة الطهارة الشرعية، إلاّ أن الظاهر أن هذا الإيراد غير وارد؛ إذ الظاهر أن المراد المنظفية العرفية، أو النظافة العرفية، والأقرب الأول، فتأمل. وعليه: فالآية الكريمة(6) غير دالة على المطهرية الشرعية.

[19] قوله: [في تلك] وهو الإشكال الذي ارتضاه المصنف على

ص: 352


1- الأنفال: 11.
2- انظر: مسالك الأفهام 12: 100،كفاية الأحكام 2: 622.
3- انظر: التحفة السنية: 95.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 193.
5- انظر: المصدر نفسه1: 191 و192.
6- وهي قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَاء مَاء طَهُوراً}. الفرقان : 48.

ولكن يرد فيها أنّها وردت في طائفة خاصّة[20]، ومع اختصاص المورد[21] لا دلالة فيها على العموم...

ولنا في دلالة جملة من هذه الروايات على فرض تسليم سندها كلام[22] وللتفصيل والتحقيق في هذا البحث مقام آخر، والعمدة في الإشكال في هذه الآية ما ذكرناه في سابقتها من أنّ الطهارة بالمعنى الشرعي المصطلح حادثة[23]، ولا يمكن حمل الآية عليه، فهذه الآية أيضاً غير دالةّ على المطلوب...

ومن تلك الروايات ما رواه محمّد بن حمران وجميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »إنّ اللّه جعل التراب طهوراً[24]

-------------------------

الاستدلال بالآية السابقة.

[20] قوله: [طائفة خاصة] بعيد جداً، بل لا يأتي للذهن العرفي، والظواهر حجة، وهذا خصوص المورد لا خصوص الوارد.

[21] قوله: [اختصاص المورد] مراده خصوص الوارد، وإلاّ فخصوص المورد لا يخصص الوارد(1).

[22] قوله: [كلام] غير وارد.

[23] قوله: [حادثة] إلاّ أن ظاهر الروايات أنها في غسل الجنابة، وهي تطهير حدثي(2).

[24] قوله: [طهوراً] يرد عليها نفس ما أورده المصنف على دلالة

ص: 353


1- انظر: جواهر الكلام 1: 215، العروة الوثقى 6: 671.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 171.

كما جعل الماء طهوراً«(1).

ومنها: مرسل[25] الصدوق قال: وقال الصادق (عليه السلام) : »كلّ ماء طاهر إلاّ ما علمت أنّه قذر«(2).

ومنها: ما رواه داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض[26] وقد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض، وجعل لكم الماء طهوراً فانظروا كيف تكونون«(3)...

أضف إلى ذلك كلّه الاتفاق[27] والتسالم الخارجي على طهارة الماء ومطهّريته مطلقاً...

-------------------------

الآيات من إمكان أن يكون المراد: أنه شديد الطهارة، لكن مضى التأمل فيه.

[25] قوله: [مرسل] وفي المراسيل بحث(4).

[26] قوله: [بالمقاريض] لعل المراد: الدلك الشديد بالمقراض أو قلع الجلد.

[27] قوله: [الاتفاق] إلاّ أن يقال: إنّ الإجماع دليل لبي يؤخذ فيه بالقدر المتيقن.

ص: 354


1- تهذيب الأحكام 1: 404.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 5.
3- تهذيب الأحكام 1: 356.
4- انظر: مختلف الشيعة 5: 14، ذكرى الشيعة 2: 79.

الثاني: الأرض

الثاني: الأرض، وهي تطهّر أسفل الرجل والنعل(*).

(*) ... ويدلّ عليه في الرجل ما رواه زرارة بن أعين قال: »قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوءه، وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: لا يغسلها إلاّ أن يقذرها[28] ولكنّه يمسحها[29] حتى يذهب أثرها ويصلّي«(1)...

وأمّا في النعل فيقتضيه إطلاق رواية الأحول، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: »في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً، فقال: لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً[30] أو نحو ذلك«(2).

-------------------------

[28] قوله: [يقذرها] أي قذارة عرفية يغسلها لأجل ذلك، وأما التطهير الشرعي فلا يتوقف على الغسل.

[29] قوله: [يمسحها] مطلق يشمل المسح بغير الأرض، إلاّ أن يقال: إنَّ القدر المتيقن المسح بالأرض، أو أنه هو المتعارف. وفيه: أن التعارف لا يقدح في الإطلاق، أو فهم المشهور.

[30] قوله: [خمسة عشر ذراعاً] هذا ظاهر في القيد أو نحوه، لكن قد يقال: إن إطلاقات الروايات السابقة واللاحقة، والتعليل و«حتى يذهب أثرها»(3) تقتضي حمل ذلك على الأفضلية، خصوصاً بقرينة «أو نحو ذلك»(4).

ص: 355


1- تهذيب الأحكام 1: 275.
2- الكافي 3: 38.
3- تهذيب الأحكام 1: 275.
4- الكافي3: 38.

وما رواه الحلبي قال: »نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر... فقال: لا بأس الأرض تطهّر بعضها بعضاً، قلت: فالسرقين [31] الرطب أطأ عليه، فقال: لا يضرّك مثله«(1).

وأمّا الاستدلال عليه[32] بعموم التعليل الوراد في جملة من روايات من الباب فمشكل؛ لإجمال[33] المراد من العلّة... ويحتمل كون المراد منه أنّ بعضها يطهّر ما ينجس بملاقاة بعضها الآخر[34] ومع كثرة الاحتمالات وعدم معين لا مجال للاستدلال.

-------------------------

[31] قوله: [فالسرقين] الظاهر أن المراد مدفوع الحيوانات، والمتعارف منه الدواب التي هي طاهرة السرقين.

[32] قوله: [عليه] أي لا بالإطلاق، بل بالتعليل.

[33] قوله: [لإجمال] الظاهر أن أقرب الاحتمالات هو الأخير(2)، وعليه فلا بأس بالتمسك.

إلاّ أنه لا يخفى أنه لم يعمل بعموم العلة في كل شيء، مثلاً: لو تنجس رأسه بالوضع على الأرض لم تطهر بالمسح على الأرض، فتأمل.

[34] قوله: [الآخر] أي أنها تطهر أثر البعض الآخر، كما نقول: إن الماء يطهر الدم، أي أثر الدم، وإلاّ فنفس الدم لا يطهر.

ص: 356


1- وسائل الشيعة 3: 458.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 197.

سواء كان من الجلود أو الأخشاب أو غيرهما(*) بالمشي عليها أو المسح بها(**). علی وجه يزول عين النجاسة(***)

(*) للإطلاق[35] فإنّ الوطء شامل لجميع هذه الأقسام.

(**) أمّا المشي فيدلّ على كفايته في الرجل والنعل إطلاق رواية الأحول[36]... وأمّا كفايته في النعل[37] فالمستند إمّا عموم التعليل فقد عرفت إجمالها وعدم المجال للاستدلال بها...

(***) كما صرّح به في رواية زرارة، فلاحظ، مضافاً إلى أنّ القاعدة[38] تقتضي ذلك

-------------------------

[35] قوله: [للإطلاق] أو لعموم العلة إن لم نقل بإجماله.

[36] قوله: [الأحول] وكذا الرواية التالية - الحلبي(1)- بل وعموم التعليل.

[37] قوله: [في النعل] المستند: إما عموم التعليل، أو الرواية مع الانجبار، أو فهم المشهور عدم الخصوصية، أو الأولوية، حيث إنه إذا طهرت الرجل بالمسح فبالأولى النعل، أو عدم الفرق عرفاً.

[38] قوله: [القاعدة] إذ ما دامت العين موجودة فكيف يطهر؟

ص: 357


1- وهي: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن محمد الحلبي، قال: «نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر، فدخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فقال: أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان، فقال: إن بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً - أو قلنا له: إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً - فقال: لا بأس، الأرض تطهر بعضها بعضاً، قلت: والسرقين الرطب أطأ عليه؟ فقال: لا يضرك مثله». الكافي3: 38، ح3.

ولو فرض زوالها قبل ذلك ففي الاكتفاء بمجرد مس الأرض إشكال(*) ... ولافرق في الأرض بين التراب والحجر وغيرهما مما يصدق عليه اسم الأرض، ويعتبر فيها الطهارة(**)[39].

(*) والوجه[40] فيه عدم الدليل على كفاية المسّ أو المشي، فلا مجال للخروج عن مقتضى الأدلَّة من لزوم المشي أو المسح

(**) ... ويرد عليه أنّ المستفاد من هذه الرواية أنّ الأرض واجدة لكلتا الجهتين. أمّا كون[41] الطهارة شرطاً في كلّ أرض مطهّرة فلا يستفاد من هذه الرواية، مضافاً إلى أنّه قد مرّ منّا قريباً أنّ الطهور له معان، أضف إلى ذلك أنّ الحديث ضعيف سنداً[42]

-------------------------

[39] قوله: [الطهارة] على الأحوط.

[40] قوله: [والوجه] وقد يقال: إن عموم التعليل يقتضي كفاية مطلق المماسة فتأمل، أو يقال: إن «يمسها حتى يذهب أثرها»(1) تفيد أن الملاك ذهاب الأثر بأية طريقة، فلا حاجة للمس مطلقاً، ولكن سبق الإشكال في ذلك، ويحتمل أن يكون للمسح أو المشي خصوصية، حيث إنه يصطك بعنف فيزيل الأثر أكثر.

[41] قوله: [أما كون] أي أن المستفاد «الأرض طاهرة مطهرة» أما أن الأرض غير الطاهرة ليست مطهرة فلا يستفاد منها.

[42] قوله: [سنداً] إلا أن يقال: إن الاشتهار أو الانجبار جابر، فتأمل.

ص: 358


1- وسائل الشيعة 3: 458.

الثاني: القاعدة المتفّق عليها عند الفقهاء وهي اشتراط الطهارة في كلّ مطهّر.

ويرد عليه: أنّه كيف[43] يمكن ادّعاء الاتفاق على ذلك مع ذهاب الشهيد الثاني إلى الخلاف، بل نسب الخلاف إلى جماعة...

الرابع: الارتكاز العرفي بأنّ الفاقد لا يعطي، فإنّ هذا الارتكاز يوجب ظهور الكلام في اعتبار هذا الشرط، ولذلك استدلّ الفقهاء على نجاسة الأشياء بنجاسة ملاقيها[44].

ويرد عليه: أنّ المتّبع ظهور[45] الأدلَّة وملاكات الأحكام لا تناط بنظر العرف، فإنّ المطهّرات ليست من سنخ واحد، وقياس المقام بباب النجاسة مع الفارق، لأنّه علم من الخارج بالضرروة[46] أنّ الطاهر لا ينجس شيئاً، مضافاً إلى أنّ سراية القذارة من الملاقي إلى الملاقي موافق مع نظر العرف، وأمّا مطهّرية الأرض فخارجة

-------------------------

[43] قوله: [كيف] وفيه: أن الخلاف لا يضر بملاك الإجماع، إلاّ أن الكلام في كشف مثل هذا الإجماع عن قول الحجة (عليه السلام) .

[44] قوله: [ملاقيها] فإذا قيل «ملاقي الدم نجس» دل على نجاسة نفس الدم، وإلاّ كان الدم الفاقد للنجاسة معطياً لها.

[45] قوله: [ظهور] الأدلَّة هنا مطلقة.

[46] قوله: [بالضرورة] ولم يعلم بالضرورة أن النجس لا يطهر، ولذا فالماء القليل ينجس بالملاقاة ويطهر، إلاّ أن يقال: بالفرق بين النجاسة السابقة والحاصلة بالملاقاة.

ص: 359

عن ارتكاز[47] العرف فلا معنى لأن يناط بنظره.

الخامس: الأصل، أي الاستصحاب، فإنّ مقتضاه بقاء النجاسة مع الشكّ.

ويرد عليه أنّ إطلاق الدليل لا يبقي مجالاً لجريان الأصل، مضافاً إلى أنّ الاستصحاب لا يجري[48] في الأحكام الكلّية.

السادس: صحيح الأحوال، فإنّه فرض في سؤاله أنّه يطأ بعده مكاناً نظيفاً، والحكم وارد في هذا الفرض فلا وجه للتعدّي.

وأورد عليه: بأنّ القيد[49] فرض في كلام الراوي لا في كلام الإمام (عليه السلام) ، ولكن هذا الإشكال غير وارد[50] لأنّ الإطلاق يحتاج إلى الدليل...

-------------------------

[47] قوله: [ارتكاز] بل هي مطهرة عرفاً أيضاً، ولكن مع ذلك يرى العرف أنه لا مانع من جعل الأرض النجسة مطهرة، فتأمل.

[48] قوله: [لا يجري] فيه إشكال.

[49] قوله: [القيد] فهو كما لو سأل «غسلت ثوبي بالماء الكر» فقال: «يطهر» وقد ثبت أن الوصف لا مفهوم له(1).

[50] قوله: [غير وارد] فيه: أننا نريد أن ندفع احتمال القيدية، وأما الإطلاق فهو ثابت بالرواية الأخيرة كما أشار إليه أخيراً(2).

والإنصاف: أن الإطلاق غير واضح؛ لوجود القدر المتيقن في مقام

ص: 360


1- جامع المدارك 3: 86 ، قوانين الأصول: 434، درر الفوائد 1: 200.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 196.

والجفاف[51] فلا يضرّ النداوة غير المتعدّية التي يصدق معها الجفاف وإن كان الأولى يبوستها(*).

(*) ... واحتمال كون المراد من الجفاف في الأولى الجفاف من الماء السائل من الخنزير يدفعه[52] ظهور الرواية في اشتراط الجفاف مطلقاً... بل لا يبعد أن يستفاد من الجمع بين الروايتين اشتراط اليبوسة؛ لأنّ اليبوسة أخصّ[53] من الجفاف... لكن الحديثين ضعيفان سنداً[54]، كما أنّ حديث الكليني: وفي رواية أُخرى: »إذا كان جافاً فلا تغسله«(1) كذلك[55]

-------------------------

التخاطب، فتأمل.

[51] قوله: [والجفاف] على الأحوط.

[52] قوله: [يدفعه] أي ليس المراد الجفاف المقيد، بل الجفاف بقول مطلق، وأما المعنى الأول فلا يتبادر للذهن العرفي مطلقاً، وهو خلاف الإطلاق، إلاّ أن يرد الإطلاق بالقدر المتيقن في مقام التخاطب.

[53] قوله: [أخص] الظاهر أن اليبوسة والجفاف بمعنى واحد، وكتب اللغة تدل على ذلك(2).

[54] قوله: [سنداً] إلاّ أن يقال بالجبر بالعمل، ولا بد من ملاحظة السند وحال المعلى والآخر.

[55] قوله: [كذلك] إلاّ أن ضمان الشيخ الكليني كافٍ على بعض

ص: 361


1- الكافي 3: 39.
2- انظر: القاموس المحيط 2: 161، مادة (يبس)، تاج العروس 9: 49.

كما أنّ الأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة من الأرض(*)، وفي طهارة الكفّ والركبة وظهر الرجل لمن يمشي عليها، وما يتوقّى[56] به لها بالأرض تأمّل(**)[57] أمّا كعب عصا الأعمى وعكاظ الرمح فلا يطهران[58] بالأرض. نعم لا يبعد طهارة حواشي القدم القريبة من أسفله التي تصل بنفسها إلى الأرض في المشي[59].

فالحكم مبنيّ على الاحتياط[60].

(*) بل لا وجه[61] للتعدّي لعدم الدليل واللازم الاقتصار على مورد النصوص.

-------------------------

المباني، ومؤيد على البعض الآخر(1).

[56] قوله: [ما يتوقى] كالكفوف التي توضع لكي لا تجرح يده مثلاً.

[57] قوله: [تأمل] والطهارة غير بعيدة.

[58] قوله: [فلا يطهران] وفي الطهارة وجه وجيه، ووجهه: عموم التعليل كما سبق.

[59] قوله: [في المشي] بل لا يبعد طهارة المقدار المتعارف من الرجل التي تسيخ في العذرة ونحوها.

[60] قوله: [الاحتياط] المصنف لا يرى اعتباراً للروايات الضعيفة فكيف احتاط؟

[61] قوله: [بل لا وجه] الوجه هو استفادة الملاك؛ إذ ما الفرق بين أن

ص: 362


1- انظر: الكافي 1: 8 .

(**) لانصراف[62] الدليل عنها، فإنّ الوطء منصرف إلى ما يكون متعارفاً في الخارج...

-------------------------

تكون النجاسة حاصلة من الأرض أو الخارج؟ مثلاً: ما الفرق بين أن يترشح بوله على رجله، أو يقع البول على الأرض فيطؤه؟

لكن الملاكات غير معلومة لنا، ولعل فيما يأتي من الأرض خصوصية، ولعل الشارع أراد التسهيل في خصوص ذلك.

وقد يقال: إنه لو تمّت هذه الاحتمالات إذاً لا يبقى لنا ملاك، مثلاً: {فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ}(1) لعل في كلمة «أُفّ» خصوصية.

وفيه: أن المرجع الظهور، و«لا تقل» ظاهر فيه فما فوقه، بخلاف المشي على الأرض في المقام.

[62] قوله: [لانصراف] فيه: أولاً: أن المشي كذلك متعارف للمعوقين وكبار السن ونحوهما.

وثانياً: التعارف الخارجي لا يصرف المطلق عن إطلاقه، راجع مباحث القطع وأن الألفاظ منصرفة للمتعارف في «قطع القطاع»(2).

ثم إنه لو فرض الانصراف، إلاّ أن عموم التعليل كافٍ، وهو قوله (عليه السلام) : «إن الأرض تطهّر بعضها بعضها» أي: فإن الأرض، والظاهر أنه لا إجمال في الرواية، خلافاً للمصنف فيما سبق.

ص: 363


1- الإسراء: 25.
2- انظر: فوائد الأُصول 3: 64.

... أمّا كعب عصا الأعمى وعكاظ الرمح فلا يطهران بالأرض(*). نعم لا يبعد طهارة حواشي القدم القريبة من أسفله التي تصل بنفسها إلى الأرض في المشي(**) والمعتبر إزالة العين، أما الأجزاء الصغار التي لا تزول في الغالب بغير الماء فلا يعتبر إزالتها(***) كما هو الحال في الاستنجاء بغير الماء وإن كان الأولی إزالتها أيضاً، بل لا يبعد طهارة الأجزاء الأرضية النجسة الباقية في أسفل القدم والنعل بعد المشي والمسح(****) والاحتياط منه أولی.

(*) لعدم الدليل[63].

(**) فإنّ العرف يفهم من هذه الروايات طهارة ما تصل من الرجل بالمشي على الأرض، بل يمكن[64] أن يقال بشمول هذه الأدلَّة المقدار المتعارف من الرجل التي تسيخ في العذرة.

-------------------------

[63] قوله: [لعدم الدليل] الأدلَّة لا تشمله، فإنه ليس وطئاً، إلاّ أنه سبق أن عموم التعليل يشمله.

نعم، لا يمكن الأخذ بعموم التعليل مطلقاً، فإن الرأس إذا تنجست بالنوم على الأرض لا تطهر بدلكها على الأرض، وذلك للإجماع - ظاهراً - على العدم، إلاّ أنه يقتصر في الخروج عن عموم التعليل على موارد الإجماع فقط. إلاّ أن يقال: إنّ الإجماع كاشف عن عدم عموم التعليل فيكون مجملاً، فتأمل.

[64] قوله: [يمكن] وعليه فلا وجه لقيد الماتن «التي تصل بنفسها إلى

ص: 364

(***) إن كانت الأجزاء الصغار بحيث لا تزول غالباً إلاّ بالغسل فلا يلزم زوالها؛ لأنّ اشتراط زوالها يستلزم رفع اليد عن هذه الأدلَّة، وحملها على الفرد النادر لا وجه له[65].

... وأمّا إن كانت قابلة[66] للزوال ولو مع المشقّة فيشكل الحكم بعدم اشتراط زوالها. وما ربّما يتمسّك به من إطلاق النصوص كما ترى، إذ مع بقاء العين كيف[67] يؤخذ بالإطلاق، كما أنّ سهولة

-------------------------

الأرض في المشي»(1).

[65] قوله: [لا وجه له] إذا مسح الإنسان محل النجو(2) بالورق مثلاً ثم غسلها بالماء يجد هنالك ذرات صغاراً تحت يده، فهذه يقال لها «الأثر» بالمصطلح الفقهي، لا الأثر بالمعنى الروائي(3). فلو كان إزالة مثل هذه شرطاً فيلغو تشريع المسح بالأحجار، أو المشي على الأرض للتطهير، ويكون سوق الروايات إغراءً بالجهل، لأنه لتشريع المطهرية لشيء غير مطهر غالباً.

[66] قوله: [قابلة] الملاك نقيض ما سبق، أي: ليست بحيث لا تزول غالباً إلاّ بالغسل.

[67] قوله: [كيف] لعل مراده الانصراف، أو أن التطهير لإزالة العين ولم يتحقق الغرض.

ص: 365


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 202.
2- قال الجوهري في الصحاح6: 2502: «النجو: ما يخرج من البطن. ويقال: أنجى، أي: أحدث. وشرب دواء فما أنجاه، أي ما أقامه. ونجا الغائط نفسه ينجو، عن الأصمعي: واستنجى: أي مسح موضع النجو أو غسله».
3- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 196.

الدين لا تقتضي هذا المعنى فإنّ الدليل محكم[68]، وأمّا الحرج فلا يلزم أوّلاً لأنّه يمكن الغسل بالماء، وعلى فرض شمول دليله للمقام لا يقتضي حصول الطهارة، فإنّ دليله رافع للحكم الحرجي لا أنّه يثبت حكماً في مورد[69]...

(****) لأنه يفهم من الدليل الدالّ علی طهارة القدم طهارة ما يلصق بالرجل من التراب بالملازمة العرفية،[70] كما أنّه يفهم من طهارة المحلّ بالغسل طهارة ما بقي من الغسالة.

-------------------------

[68] قوله: [محكم] أي أنه تخصيص، أو أن الدين سهل بالنسبة لسائر القوانين مثل: «قرضوا

لحومهم بالمقاريض»(1) أو غير ذلك مما ذكر في قاعدة «لا ضرر».

[69] قوله: [في مورد] أي يقول: لا يجب التطهير، لا أنه يقول: الطهارة حاصلة.

والخلاصة: أنه يرفع الحكم التكليفي لا الوضعي.

[70] قوله: [بالملازمة العرفية] ولعموم التعليل، على البحث المتقدم فيه.

ص: 366


1- من لا يحضره الفقيه1: 10، ح13.

الثالث: الشمس

الثالث: الشمس وهي تطهر الأرض(*)[71].

(*) على المشهور كما في بعض الكلمات، ونقل عن الخلاف والسرائر دعوى الإجماع، بل نقل عن كشف الحقّ نسبته إلى الإمامية، ويدلّ عليه ما رواه زرارة قال: »سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان[72] الذي يصلّى فيه، فقال: إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه[73] فهو طاهر«(1).

-------------------------

[71] قوله: [الأرض] المراد المعنى الأعم الشامل لمثل السطح أيضاً، كما في رواية زرارة(2).

[72] قوله: [المكان] المنصرف منه أو القدر المتيقن هو الأرض، لا مجموع المكان،كالغرفة بجدرانها وسقفها مثلاً.

[73] قوله: [فصلِّ عليه] لا يدل على الطهارة، أما غير موضع السجود فلعدم اشتراط الطهارة فيه، وأما موضع السجود فلعله تخصيص في أدلَّة الطهارة، فتأمل. نعم، قوله (عليه السلام) : «فهو طاهر» ظاهر في الطهارة، وإن احتمل أن يراد به ما أُريد به «كل شيء يابس زكي»(3).

ص: 367


1- وسائل الشيعة 3: 451.
2- وهي: وبالاسناد عن الحسين بن سعيد، وعلي بن حديد، وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة بن أعين، قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها، أينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: لا يغسلها إلا أن يقذرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي». وسائل الشيعة 3: 458.
3- الاستبصار 1: 57، ح 22.

رواه[74] أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »يا أبا بكر ما أشرقت[75] عليه الشمس فقد طهر«(1).

وفي قبال هذا القول ما نسب إلى المفيد والمحدّث الكاشاني وغيرهما، وهو عدم حصول الطهارة بإشراق الشمس، والذي يترتّب على الجفاف بالشمس هو العفو عن التيمّم[76] والسجود على الموضع الجافّ بها، واستدلّ له باستصحاب النجاسة، وبما رواه ابن بزيع قال: »سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه، هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال: كيف يطهر من غير ماء[77]« (2).

-------------------------

[74] قوله: [رواه] الظاهر أن في العبارة سقطاً ولعل الصحيح وروى.

[75] قوله: [ما أشرقت] يشمل كل شيء، إلاّ أن غير المنقول خرج بالإجماع ظاهراً، إلاّ أن المصنف سيذكر ضعف الرواية.

ثم إن الإشراق لا يكفي بمجرده؛ إذ يقيد بأدلَّة الجفاف واليبس.

[76] قوله: [التيمم] لم يرد التيمم في الروايات ظاهراً، ولعله استفيد لملاك السجود.

[77] قوله: [غير ماء] الاحتمالات هنا أربعة:

الأول: أنه لا يطهر مطلقاً إلاّ بالماء.

الثاني: المراد: من غير رطوبة.

الثالث: ما ذكره الشارح: من الاحتياج إلى ضميمة الماء.

ص: 368


1- تهذيب الأحكام 2: 376.
2- الاستبصار 1: 193.

... وبما رواه عمّار[78] الساباطي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: »سُئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس، ولكنّه قد يبس الموضع القذر، قال: لا يصلّى عليه[79]، وأعلم موضعه حتّى تغسله. وعن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال[80]: إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك

-------------------------

الرابع: أن تُحمل على التقية؛ لأن العامة ظاهراً - غالباً - قائلون بعدم التطهير.

[78] قوله: [عمار] الاستدلال بهذه الرواية لمذهب المفيد مبني على قراءة «وإن كان عين الشمس» لا «غير الشمس»(1). ورواياته عادة مضطربة ولا بد من مراجعة حالاته، ولعله كان ينقل بالمعنى مع عدم تسلطه على اللغة العربية.

[79] قوله: [لا يُصلّى عليه] لعل المراد: أي لا يسجد عليه، وإلاّ فكل شيء يابس زكي(2)، أو يحمل على الأفضلية.

[80] قوله: [قال] الرواية احتوت على عدة مقاطع:

الأول: ما جففته الشمس: جازت الصلاة عليه.

الثاني: إن لم يجف بالشمس: لم تجز الصلاة عليه حتى ييبس.

الثالث: إن كانت الرجل رطبة: لا تصل عليه حتى ييبس.

الرابع: إن كان غير الشمس أصابه: فلا يجوز، أي: وإن يبس.

ص: 369


1- انظر: وسائل الشيعة 3: 452.
2- أي طاهر. المعجم الوسيط: مادة (زكا).

فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة[81] وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا تجوز الصلاة عليه حتّى ييبس، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب[82] ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك الموضع حتّى ييبس[83]، وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك« (1).

... والمستفاد[84] من الرواية على هذا الفرض أنّ الجفاف بعين الشمس لا يؤثر في الطهارة.

-------------------------

[81] قوله: [جائزة] إما للعفو أو لطهارة الموضع، هذا في خصوص موضع السجود.

[82] قوله: [ما يصيب] لعله بدل أو عطف بيان ل- «غير ذلك».

[83] قوله: [ييبس] الظاهر أن الضمير في «ييبس» راجع إلى (الموضع) وذلك لأنه أقرب، ولا يرجع إلى (الرِجل) أو (الجبهة) لكونهما مؤنثين، إلا بتأويل مثل (الجلد)، كما لا يرجع إلى «غير ذلك» أو «ما يصيب» لأنه أبعد.

[84] قوله: [والمستفاد] فيكون في الرواية مقاطع:

الأول: لو جففته الشمس صلَّ عليه.

الثاني: لو لم تجففه، فلا تصلَّ عليه.

الثالث: إذا كانت الرِجل رطبة فلا تصل عليه، وإن أصابته عين الشمس حتى يجف؛ لأنّ المكان نجس فتسري الرطوبة إلى موضع السجود.

ص: 370


1- وسائل الشيعة 3: 452.

... مضافاً إلى أنّ الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلّي[85] كما مرّ منّا مراراً، وأمّا رواية ابن بزيع فالمستفاد منها أنّه يلزم في التطهير وجود الماء، فلو انضمّت إلى غيرها من الروايات تنتج أنّ الشمس تطهّر الأرض المتنجّسة بالإشراق عليها، وحصول الجفاف بشرط[86] وجود الماء. وأمّا حمل الماء على اشتراط وجود رطوبة في المحلّ، ولو كانت الرطوبة من نفس البول وشبهه، فخلاف ظاهر الرواية، إلاّ أن ينعقد إجماع[87] على عدم لزوم الماء...

وأمّا رواية عمّار فيرد على الاستدلال بها على المدّعى أولاً[88]: أنّ جملة من المحدّثين نقلوا من بعض نسخ التهذيب »وإن كان غير الشمس« فلا يعتمد على الرواية مع اختلافها.

وثانياً[89]: أنّ الشيخ على ما نقل عنه استند إلى هذه الرواية في

-------------------------

[85] قوله: [الكلّي] لمعارضة بقاء المجعول مع أصالة عدم الجعل الوسيع، فإن النجاسة مجعول شرعي، ولم يكن هذا الجعل أول البعثة الشريفة، والجعل المردد مجعول قطعاً، إمّا بنفسه، أو في ضمن الجعل الكبير، أما الجعل الكبير فلا يقين سابق بوجوده، بل اليقين بعدمه سابقاً فيستصحب ذلك.

[86] قوله: [بشرط] لعل الظاهر من ذلك اشتراط الماء لو كان جافاً.

[87] قوله: [إجماع] والظاهر تحققه، فتأمل.

[88] قوله: [أولاً] فالرواية مضطربة النقل فتسقط عن الاستدلال.

[89] قوله: [وثانياً] فنقل الشيخ واستناده يدل على أنه قرأه «غير»(1).

ص: 371


1- انظر: الاستبصار 1: 193، تهذيب الأحكام 1: 273.

الحكم بالطهارة...

وثالثاً[90]: أنّه لا معنى لإصابة عين الشمس كما هو ظاهر، فيلزم التجوّز وهو غير معهود في الاستعمالات...

ورابعاً[91]: أنّه يناسب أو يتعيّن أو يؤتى بتاء التأنيث، ويقال: وإن كان عين الشمس أصابته.

وخامساً[92]: يلزم بناء عليه الاختلاف في العبارة؛ لأنّه أتى قبل ذلك بلفظ الشمس وفي الذيل أتى بلفظ عين الشمس، وهذا خلاف التعبير المتعارف.

وسادساً: يلزم المعارضة بين الصدر والذيل؛ لأنّه استفيد من صدر الرواية أنّ الجفاف بالشمس يؤثّر في جواز الصلاة عليه، بل تدلّ على طهارة المحلّ بضميمة الاتّفاق[93] الخارجي، وبعض الروايات على اشتراط الطهارة في المسجد، وفي الذيل حكم بعدم الجواز[94] فيرجّح أن يكون الذيل »وإن كان غير الشمس«...

-------------------------

[90] قوله: [وثالثاً] وفيه: أن المراد أن نفس الشمس أصابته، أي الشمس بعينها، فإن «عين» من ألفاظ التوكيد، وتارة يقال: «الشمس بعينها» وأُخرى «عين الشمس» وأما المثال فلا محل فيه للتأكيد، فتأمل.

[91] قوله: [ورابعاً] قد يرد: بأن عماراً لم يكن متمكناً من اللغة، فتأمل.

[92] قوله: [وخامساً] مَرّ أنّ وجهه التأكيد، فتأمل.

[93] قوله: [الاتفاق] المصنف لا يرضى بالاتفاق عادةً، وعلى فرضه فهذا يعتبر تخصيصاً في أدلَّة طهارة المسجد.

[94] قوله: [بعدم الجواز] لا منافاة لإمكان العفو، أما سريان الرطوبة فهو

ص: 372

والأبنية والأبواب المثبتة والشبابيك المثبتة(*)[95]

(*) ... والمستفاد من روايات الباب طهارة مطلق المكان[96] بالشمس، وأمّا استفادة طهارة كلّ ما لا ينقل فلا. نعم، رواية الحضرمي[97] دالّة على العموم، ولا مانع من تقييدها[98] بما جفّ بالشمس لا بالإشراق مطلقاً، لكن الرواية ضعيفة[99] سنداً لجهالة عثمان.

... فإنّا ذكرنا مراراً أنّ عمل[100] المشهور برواية لا يجبر

-------------------------

محذور خارجي. فتحصل من جميع ذلك أن العمدة هو الإشكال الأول، فتأمل.

[95] قوله: [والأبنية والأبواب المثبتة والشبابيك المثبتة] على تأمل.

[96] قوله:[المكان] والظاهر أو القدر المتيقن منه الأرض وشبهها، كالسطح.

[97] قوله: [الحضرمي] الرواية تدل على طهارة جميع الأشياء، إلاّ أنه خرجت المنقولات بالإجماع أو نحوه.

[98] قوله: [تقييدها] فلا يكفي صرف الإشراق، والمثبتان وإن لم يكن يقيد أحدهما الآخر، إلاّ أن رواية الجفاف لها مفهوم، لأنها شرطية(1)، ومفهومها إن لم يجففه لم يطهر.

[99] قوله: [ضعيفة] لكنها مجبورة بالشهرة العملية أو الفتوائية.

[100] قوله: [عمل] فإذا كان العمل غير جائز مع أنّه مسبوق بالاعتماد، فكيف بصرف الرواية التي لا تدل في حد ذاتها على الاعتماد؟!

ص: 373


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 203.

من جميع النجاسات بعد زوال عينها(*).

ضعفها فكيف برواية جملة من الأساطين رواية ضعيفة، فإنّ غاية ما يستفاد من روايتهم أنّ المروي عنه كان موثوقاً به[101] عندهم، وهذا المقدار لا يكفي[102] لنا في الاعتماد على الراوي[103]...

(*) ... ويمكن استفادة العموم من رواية عمّار، فإنّه عطف فيها على البول »أو غير ذلك« وكون الرواية موثّقة[104] لا يضرّ باعتبارها فإنّ الموثّق حجّة، وأيضاً يمكن استفادة العموم من رواية ابن بزيع[105] لأنّ الراوي سأل الإمام (عليه السلام) عن سطح يصيبه البول

-------------------------

[101] قوله: [موثوقاً به] أي الوثاقة الخبرية لا المخبرية.

[102] قوله: [لا يكفي] إذ لعلهم اعتمدوا عليها لقرائن اجتهادية عندهم، والخلاصة: أن توثيق المخبر حدسي قريب من الحس أو حسي فيعتمد عليه، أما توثيق الخبر فهو حدسي بعيد أو يحتمل فيه ذلك فلا يعتمد عليه، وأصالة الحس لا تجري في مثل المقام.

وفيه: أنه لا مانع من التقليد - ولو للمجتهد - في الأُمور الحدسية الصرفة.

[103] قوله: [على الراوي] وأما الإخراج من قم فليس لصرف الرواية، بل للإكثار منها، ولأنه كان يعتمد المراسيل، فالعلة هي المجموع المركب، مضافاً إلى أن المجهول غير الضعيف، فلعله كان مجهولاً لا ضعيفاً.

[104] قوله: [موثقة] الظاهر لوجود عمار.

[105] قوله: [ابن بزيع] إلاّ أن فيها إبهاماً، إذ «ما أشبه البول» لعله ما لا جرم له، أو ما له جرم كالبول، فهو منصرف عن مثل الغائط، أو القدر المتيقن منه ذلك.

ص: 374

إذا جفّفتها بالإشراق[106] عليها على وجه يستند التجفيف إلى إشراقها، وإن كان لحرارة الهواء وهبوب الرياح مدخلية فيه أيضاً(*). نعم، لا عبرة[107] بما يبس بحرارة الشمس من غير إشراق بواسطة الغيم أو غيره.

وما أشبهه هل تطهر بالشمس؟ والإمام (عليه السلام) لم يردعه عمّا كان في ذهنه وأجابه باشتراط الماء في التطهير، فلا مانع من الالتزام بحصول الطهارة في كلّ نجاسة لا يكون له جرم[108]، بل وإن كان لها جرم لكن يزول بالإشراق.

(*) المستفاد[109] من رواية زرارة وحديد بن حكيم الأزدي

-------------------------

[106] قوله: [بالإشراق] المباشر لا من خلال الزجاج ونحوه على الأحوط.

[107] قوله: [لا عبرة] على الأحوط.

[108] قوله: [لا يكون لها جرم] أو كان لها جرم ولكن أزلناه بنفسنا أو بالهواء ونحوه.

[109] قوله: [المستفاد] يمكن أن يقال في الرواية وجوه:

الأول: لزوم الاستناد في التجفيف إلى الشمس والريح معاً، كما أشار اليه الشارح(1) صناعياً.

الثاني: أن نقيد المفهوم برواية زرارة كما اختاره المشهور.

ص: 375


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 208.

جميعاً قالا: »قلنا لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : السطح يصيبه البول أو يبال عليه أيصلّى في ذلك المكان؟ فقال: إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس به إلاّ أن يكون يتّخذ مبالاً[110]«(1) لزوم الاستناد إلى الشمس والريح، فإنّ قوله (عليه السلام) : »لا بأس« بضميمة الاتّفاق والرواية على لزوم طهارة المسجد يدلّ على حصول الطهارة بما تجفّفه الشمس والريح معاً، ومفهومه أنّه لا أثر للجفاف الحاصل بأحد الأمرين، ولكن يقيّد[111] المفهوم برواية زرارة المتقدّمة،

-------------------------

الثالث: أن نقول: إن الرواية معرض عنها عند الأصحاب، والسيرة قائمة على خلافها.

الرابع: أن نقول: إن المراد أن لا تكون إصابة الشمس من وراء الزجاج مثلاً(2)، بل يكون المكان مكشوفاً، فالكلام في قوة «لأن المكان مكشوفاً» لا أكثر من ذلك.

[110] قوله: [مبالاً] لعله باعتبار أن الشمس لا تطهره لكثافة النجاسة فيه حينئذ.

[111] قوله: [يقيد] المنطوق: إن كانت الشمس والريح تصيبه فقد طهر. والمفهوم: إن لم تصبه الشمس والريح لم يطهر.

والمفهوم له أفراد ثلاثة:

الأول: لا يصيبه أي من الريح والشمس.

ص: 376


1- الكافي 3: 392.
2- هل كان الزجاج موجوداً آنئذٍ ؟ (منه قدس).

الدالّة على كفاية الجفاف بالشمس، فمقتضى الصناعة أنّ الشمس وحدها مؤثّرة، كما أنّ الشمس والريح معا أيضاً تطهر، لكنّ الظاهر أنّه لم يذهب[112] إليه أحد من الأصحاب، والذي يختلج[113]

-------------------------

الثاني: تصيبه الريح فقط.

الثالث: تصيبه الشمس فقط.

ويخرج الثالث من تحت عموم المفهوم برواية زرارة الدالة على كفاية الجفاف بالشمس، ومفاد ذلك كله: كفاية تطهير الشمس بمقتضى منطوق رواية زرارة، وتطهير الشمس والريح معاً بمقتضى منطوق رواية زرارة وحديد بن حكيم.

والظاهر عرفاً هو الثاني، واختبره بأمثاله، كما سبق مثاله. وراجع ما سبق من المحتملات في توجيه الرواية(1)، ويكفي الإعراض والسيرة دليلاً.

[112] قوله: [لم يذهب] حيث ذهبوا إلى لزوم استناد التجفيف إلى الشمس عرفاً.

[113] قوله: [يختلج] فهو مثل «إن خفي الأذان فقصر» و«إن خفي الآذان والجدران فقصر» فيقيد أحدهما بالآخر. وكذلك «اركع» و«اركع واذكر».

لا يقال: إنهما مثبتان ولا يقيد أحدهما الآخر، فإنه يقال: أولاً: المثبتان يقيد أحدهما الآخر في باب المركبات والأحكام الوضعية، وإلاّ لزم فقه

ص: 377


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 209.

بالبال أن يقال: إنّ حديث زرارة يقيّد[114] بحديث حديد...

-------------------------

جديد، كما في باب أوامر الصلاة والركوع والحج والطواف، مثلاً: «طف» و«طف وتطهر» و«طف ولتكن الكعبة على يسارك» فإنه لا إشكال ظاهراً في لزم تقييد أحدهما بالآخر.

وبعبارة اُخرى: هذه القاعدة - المثبتان - ليست مفاد آية أو رواية حتى نتمسك بإطلاقها، بل هي قاعدة عرفية تابعة للظهور، والظهور - فيما نحن فيه من الأمثلة - في التقييد.

وثانياً: أن المفهوم في كلتا الروايتين مفهوم الشرط.

[114] قوله: [يقيّد] وإذا قيد المنطوق في المرحلة الأولى فلا صلاحية له لتقييد مفهوم رواية زرارة وحديد بن حكيم.

والخلاصة: أن هنالك أربع قضايا مستفادة من النصين:

الأولى: إذا جففته الشمس طهر.

الثانية: إذا لم تجففه فلا يطهر.

الثالثة: إذا جففته الشمس والريح طهر.

الرابعة: إذا لم تجففه الشمس والريح لم يطهر.

فهل تقيد الرابعة بالأولى، كما ذكر سابقاً(1)، أو نقيد الأولى بالثالثة(2)؟

ص: 378


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 208.
2- المصدر نفسه 1: 209.

لقربه إلى محلّ الإشراق(*)، إلاّ إذا كان شيء واحد قد أشرق الشمس على ظاهره حتّى جفّ باطنه بذي الإشراق[115].

أرضاً كان أو جداراً أو أمثال ذلك[116] فإنّ الباطن في مثل ذلك يطهر بالإشراق على ظاهره. نعم[117]، لو لم يتصّل الباطن بالظاهر كما في طرفي الصندوقة (الصندوق)[118] وكان طرفه الداخل نجساً دون الظاهر[119] لم يطهر الباطن بالإشراق على الظاهر.

-------------------------

[115] قوله: [بذي الإشراق] بالمقدار المتعارف، أما إذا نفذت النجاسة إلى مقدار غير متعارف ففي طهارته بالإشراق على الظاهر تأمل.

[116] قوله: [أو جداراً أو أمثال ذلك] مضى التأمل في طهارة غير الأرض ونحوها بالشمس، حيث ذكرنا احتمال طهر الأرض فقط بتجفيف الشمس.

[117] قوله: [نعم] الظاهر أن مراده «أرضية الصندوق» وحينئذٍ لا فرق بين أن يكون «طرفه الظاهر» نجساً أو لا، ويحتمل أن يريد: لو تنجس باطن طرفه الظاهر - أي العلوي - ولم ينجس ظاهر طرفه العلوي. وعلى كلٍٍ فالعبارة مضطربة ناشئة من «لم يتصل» و«دون الظاهر». والظاهر: أنه لا يطهر في الصورتين لعدم صدق الإشراق عليه.

[118] قوله: [الصندوق] الكلام في الصندوق المثبت، وإلاّ فلا كلام في عدم طهارة الصندوق غير المثبت.

[119] قوله: [دون الظاهر] بل وإن كان الظاهر نجساً أيضاً، لو أُريد بالباطن أرضية الصندوق. والخلاصة: أن هنا صوراً:

ص: 379

والأولى في التجفيف وصوله إلى حدّ اليبوسة(**)[120].

(*) لعدم صدق[121] عنوان الجفاف بالشمس الموضوع في الدليل.

(**) بل يمكن أن يقال: إنّ هذا هو المتعيّن[122]، وتقريبه: أنّ

-------------------------

الأولى: أن تتنجس الأرضية فلا تطهر، سواء أكان الطابق العلوي نجساً أم طاهراً.

الثانية: أن يتنجس باطن الطابق العلوي دون الظاهر فلا يطهر.

الثالثة: أن يتنجس باطن الطابق العلوي وظاهره ، وحينئذٍ يطهر الظاهر والباطن بإشراق الشمس وبتجفيفها؛ إذ وزان ذلك وزان الأرض، فتأمل.

[120] قوله: [اليبوسة] سبق أن التجفيف واليبوسة مترادفان عرفاً ولغة ظاهراً(1).

ثم إنَّ الظاهر تعين ذلك لو قيل باختلاف المفهومين كما ذكره الشارح.

[121] قوله: [لعدم صدق] في إطلاق الكلام تأمل كما سبقت الإشارة إليه.

[122] قوله: [هو المتعين] بناءً على الاحتمال الأول والثاني، أما على الاحتمال الثالث فكل منهما كافٍ.

هذا ولكن الظاهر: أن رواية عمار(2) هو إشراق الشمس حتى حصول اليبس، لا أنه يجف بالريح وييبس بالشمس مثلاً، فتأمل.

ص: 380


1- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 201.
2- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل 1: 204.

اليبوسة لو كانت مساوقة للجفاف من حيث المعنى، كما يستفاد من بعض أهل اللغة[123] كالمنجد، فلا ينفكّ أحدهما عن الآخر، وإن كانت اليبوسة أخصّ من الجفاف فأيضاً يلزم تحقّقه؛ إذ المطلق يقيّد بالمقيّد[124]، وإن لم يكن كذلك فيكون بين العنوانين عموماً من وجه من حيث المورد[125]، فإنّه لو فرض جفاف المحلّ[126] وحصول يبوسته بالشمس، يصدق أنّ المحلّ يبس بالشمس ولا يصدق الجفاف بها... وفي رواية عمّار أخذ الموضوع عنوان اليبس بها، ومفهومها عدم كفاية الجفاف بها يكفي أحد الأمرين[127]...

-------------------------

[123] قوله: [أهل اللغة] بل هو كذلك عرفاً.

[124] قوله: [بالمقيّد] إذ قيد في رواية عمار باليبس(1).

[125] قوله: [المورد] وإن كان بينهما عموم وخصوص مطلق من حيث المفهوم، حيث إن كل يابس جاف ولا عكس، والعموم من وجه يحصل بأخذ قيد (بالشمس) في المطهر.

[126] قوله: [جفاف المحل] لا بالشمس.

[127] قوله: [أحد الأمرين] فهو مثل «إذا خفي الأذان فقصر» و«إذا خفيت الجدران فقصر» فيكفي كل منهما في وجوب القصر، وكذا «إذا جاء زيد فأكرمه» و«إذا أكرمك زيد فأكرمه». فالظاهر كفاية كل منهما في ترتب وجوب الإكرام.

ص: 381


1- وهي: عن عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «... وعن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر، قال: لا يصلي عليه، واعلم موضعه حتى يغسله». تهذيب الأحكام2: 372، ح80 .

وما كان من الأرض في الأرض ولكن نقل عنها بالفعل[128]، كالكوز والسبحة والتربة وأمثال ذلك لا يطهر بالشمس(*)...

الرابع: الاستحالة

الرابع: الاستحالة، وهي عبارة عن تبدّل شيء نجس إلى شيء طاهر(**)[129].

(*) لكونها[130] من المنقول الذي لا دليل على طهارته.

(**) قد اختلفت كلماتهم في تعريف الاستحالة، فإنّ صاحب العروة (قدس سره) عرّفها بتبدّل حقيقة[131] الشيء وصورته النوعية[132]...

ولا يخفى أنّ هذا اللفظ بما له من المعنى لم يقع موضوعاً للحكم في آية أو رواية كي نبحث في معناها... فلو تبدّل العنوان المأخوذ في الدليل يرتفع الحكم والعنوان المنتقل إليه لو كان طاهراً بدليل[133]

-------------------------

[128] قوله: [بالفعل] بحيث لم يعد جزءاً من الأرض عرفاً.

[129] قوله: [طاهر] ولو بالطهارة الظاهرية.

[130] قوله: [لكونها] بل لعدم شمول «السطح والمكان الذي يصلى فيه» و«الموضع القذرة» إما للانصراف أو للقدر المتيقن أو للإجماع ونحوه.

[131] قوله: [حقيقة] عرفاً.

[132] قوله: [النوعية] أي ما به يكون هو هو «راجع المنطق، بحث النوع»(1).

[133] قوله: [بدليل] كأدلَّة طهارة الملح «المستفادة من كل الملح» فإن

ص: 382


1- المنطق: 86 .

يكون الشيء المستحيل طاهراً بالطهارة الواقعية...

مضافاً إلى أنّ الاستصحاب المفروض معارض باستصحاب عدم الجعل[134] كما مرّ منّا مراراً. فالمرجع[135] قاعدة الطهارة... وأُخرى تكون الشبهة شبهة مفهومية، كما لو شكّ في تغيّر العنوان من جهة الجهل بما يكون تغيّراً في نظر العرف[136].

أمّا في القسم الأوّل فلا مانع[137] من استصحاب العنوان فيشار إلى الموجود الخارجي، ويقال: هذا الجسم كان كلباً فيحكم ببقائه على الكلبية...

-------------------------

الحلية موقوفة على الطهارة، فالكلب لو تحول ملحاً شمله دليل «الملح حلال وطاهر».

[134] قوله: [عدم الجعل] لأن الشبهة حكمية. هذا ويمكن فرض التعارض في بعض الشبهات الموضوعية أيضاً، كما لو شك أنه عقد دائماً أو مؤقتاً، فتأمل.

[135] قوله: [فالمرجع] بعد تساقط الاستصحابين.

[136] قوله: [العرف] كما لو وصل الكلب إلى مرحلة نشك هل يطلق عليها كلبٌ، عرفاً أو لا؟ وذلك للجهل بسعة وضيق مفهوم الكلب عرفاً، لا لغموض الواقع الخارجي.

[137] قوله: [فلا مانع] قد يشكل بأن إحراز وحدة الموضوع بين القضيتين شرط، وهنا شك في بقاء الموضوع.

والجواب: إن الإحراز تارة يكون وجدانياً وأخرى تعبدياً، وهنا نحرز

ص: 383

وأمّا القسم الثاني فبناء على ما هو المعروف عندهم من عدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية يحكم بالطهارة لقاعدتها، وأمّا بناء على جريانه كما هو ليس ببعيد[138]، بل قرّبناه في بحث الأصول فيحكم ببقاء ما كان موضوعاً وعدم زواله ويترتّب عليه الحكم بالنجاسة.

-------------------------

الوحدة بالاستصحاب وهو كافٍ.

ومنه يظهر: أنه لو شك في أن الجيلاتين استحال إلى مادة ثانية أو لا، كان محكوماً بحكمه الأول. وفي المقام نقول: هذا الجسم كان منعوتاً ب- «الكلبية» فنستصحب كلبيته، أي استصحاب بقاء الصورة النوعية على الهيولى الثانية.

[138] قوله: [ليس ببعيد] إذ الأركان تامة، ومثله: استصحاب بقاء النهار لو شك أن النهار وضع لغة للفترة الممتدة إلى الغروب أو المغرب. والإشكال بأن الأمر دائر بين مقطوع البقاء - لوكان النهار موضوعاً للأطول - ومقطوع الارتفاع - لو كان موضوعاً للأقصر - مردود نقضاً بأنه يجري في كل استصحاب، فحياة زيد المشكوكة دائرة بين مقطوع البقاء - لو تعلقت الإرادة الإلهية ببقائه - ومقطوع الارتفاع - لو تعلقت بالعدم - وحلاً: بأن الكلام ليس في عالم الثبوت، بل في عالم الإثبات، والشك قائم، فنستصحب بقاء النهار مثلاً.

ص: 384

فكلّ نجس صار بالنار رماداً[139] أو دخاناً أو بخاراً طهر(*).

(*) حكي الإجماع عن الشيخ في الخلاف والمبسوط على طهارة ما يستحيل بالنار رماداً أو دخاناً... وما عن الشيخ في المبسوط من الحكم بنجاسة دخان الدهن النجس ليس خلافاً[140] في المسألة؛ لأنّه علّله بتصاعد[141] الأجزاء النجسة...

مضافاً إلى الإجماع بما رواه الحسن بن محبوب قال: »سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجصّ يوقد عليه[142] بالعذرة وعظام الموتى ثمّ

-------------------------

[139] قوله: [رماداً] الظاهر أن الرماد حقيقة أُخرى غير الحقيقة الأولى، فلو أن شخصاً أُحرق بالنار حتى صار رماداً لا يقال: إنه زيدٌ، بل كان زيداً.

[140] قوله: [خلافاً] إذ يقول: إنه (لم يستحل) لا أنه استحال وهو باقٍ على النجاسة.

[141] قوله: [بتصاعد] والدليل: أنه إذا وضع يده فوقه وجد فيه الذرات الدهنية المتصاعدة مع البخار.

وفيه: أنه لو وضع يده على الماء المتبخر ترطبت يده أيضاً، إلاّ أن يقال: إن الفارق العرف، بأن ذلك استحال وهذا لم يستحل، فتأمل.

وقد يقال في البخار: إنَّ الذرات ناتجة من انقلاب البخار إلى ماء بملامسته لسطح بارد مثلاً، فتأمل.

[142] قوله: [يوقد عليه] لعل المراد: أن الجص توضع فوقه العذرة وعظام الموتى ويشعل تحته النار، وحينئذ يكون الاستدلال: بأن العظم والعذرة تتخلل عادةً في الجص أو ذرات منها لكنها تطهر للاستحالة.

ص: 385

يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطّه: إنّ الماء والنار قد طهّراه«(1).

لكنّ الظاهر أنّ الرواية أجنبية[143] عن المقام، فإنّ السؤال عن الجصّ والنار لم تصيّره رماداً، وحمل الرواية[144] على السؤال عن الرماد المختلط بالجصّ وعن الجصّ لملاقاته لرطوبة عظام الموتى والعذرة، وحمل الجواب على حصول الطهارة للرماد بالاستحالة، وللجصّ بوقوع المطر عليه، بعيد جداً...

أضف إلى ما ذكرنا من القاعدة السيرة[145] الخارجية، فإنّ السيرة قائمة على عدم الاحتراز من بخار البول وشبهه.

-------------------------

وقوله (عليه السلام) : «والنار» لعله باعتبار أن النار أحالته.

وقوله (عليه السلام) : «إن الماء» أي الماء الذي يلقى في الجص، لكنه ماء مضاف، فلعل المراد التطهير العرفي، أو أنه معرض عنه، وسقوط بعض فقرات الرواية لا يستلزم سقوط الباقي، فتأمل.

[143] قوله: [أجنبية] بالتقرير الذي ذكرناه لا تكون أجنبية.

[144] قوله: [وحمل الرواية] ظهر مما سبق وجه الحمل، في الجملة.

[145] قوله: [السيرة] لم يعلم عدم احترازهم لو لاقى البدن مع الرطوبة، وعلى الفرض لم يعلم اتصال ذلك بزمن المعصوم (عليه السلام) .

ص: 386


1- الكافي 3: 330.

... كما أنّ البخار المتصاعد من النجس طاهر كذلك وإن لم يكن بسبب النار(*). نعم، العرق المجتمع منه نجس إذا كان من عين النجس، بل وإن كان من المتنجس[146] أيضاً على الأحوط(**)[147].

(*)... وأمّا النجاسة في المتنجسات فقائمة وعارضة للجسم [148] الجامع الشامل للجميع...

ويرد[149] عليه: أنّ الموضوع للنجاسة في المتنجّسات ليس

-------------------------

[146] قوله: [النجس] مع صدق عنوان النجس عليه.

[147] قوله: [على الأحوط] مع صدق العنوان السابق عليه.

[148] قوله: [للجسم] أي أن هذا الجسم، أو المادة لاقت النجس، والمادة محفوظة حتى بعد الاستحالة، فالسرير إذا حولناه منضدة وكان قد لاقى نجاسة في حينما كان سريراً لم يصح أن نقول بطهارته؛ إذ السرير بما له من الهيئة السريرية لم يلاق النجاسة ولم يقل الشارع «السرير هو النجس» بل قال: «ما لاقى» وما لاقى هو المادة، وهي محفوظة حتى في حال صيرورتها منضدة.

والخلاصة: أنّ النجاسة - من الأعيان النجسة - قائمة بالصورة النوعية وقد زالت، أما النجاسة من المتنجسات فهي قائمة بالمادة وهي باقية.

[149] قوله: [ويرد] مع أنه يستلزم أن يكون المتنجس أسوأ حالاً من النجس، وهو بعيد عن الفهم العرفي، مثلاً «إنّ اللّه لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب»(1) فالكلب يطهر إذا استحال ملحاً، أما الخشب الذي تنجس

ص: 387


1- وسائل الشيعة 1: 227، ح 8 .

الجسم بما هو جسم في نظر العرف، بل المعروض في نظره الجسم المعنون بالعنوان الخاصّ... مضافاً إلى أنّ الاستصحاب - على فرض تسليم جريانه - معارض بأصالة عدم الجعل[150] فالمحكم[151] قاعدة الطهارة.

(**) لصدق[152] عنوان النجس عليه فيترتّب عليه النجاسة، وقس عليه ما بعده، فإنّ العرق المستحال من البخار يكون في نظر العرف عين[153] ما صار بخاراً ثمّ صار عرقاً.

-------------------------

بمجرد رطوبة خفيفة من هذا الكلب فيبقى نجساً أبد الآبدين.

ولعل الأولى أن يقال: إن الموضوع في لسان الأدلَّة هو الملاقي، ومع الاستحالة لا يصدق: أن هذا لاقى.

ثم إنّ العرف لا يقول «الهيولى لاقت» بل يقول «الخشب لاقى» وقد تبدل الخشب إلى رماد مثلاً، فالموضوع مختلف فلا مجال للاستصحاب. والتقرير الذي ذكرناه - قبلاً - مفاده مطابق مع مفاد الدليل المذكور في الأعيان النجسة.

[150] قوله: [الجعل] لأن الشبهة حكمية.

[151] قوله: [فالمحكم] بعد تساقط الاستصحابين.

[152] قوله: [لصدق] الظاهر اختلاف الصدق، فعرق الخمر يصدق عليها عنوان الخمر، فيكون نجساً، بخلاف عرق الدم مثلاً، إذ قد لا يصدق عليه عنوان الدم.

[153] قوله: [عين] إذا قلنا بالطهارة في النجاسات فبالأولى نقول بها في

ص: 388

ولا يطهر ما استحال فحماً[154] أو آجراً أو جصاً أو نورة، ويطهر الدم والنطفة المستحيلان حيواناً طاهراً[155] والعذرة والميتة المستحيلتان دوداً[156] والماء النجس المستحيل[157] بولاً لحيوان

-------------------------

المتنجسات، لكن قد يقال: إنّ الملاك مختلف؛ إذ هنالك لا يصدق عنوان النجس، وهنا يصدق العنوان السابق، راجع العروة في «المضاف المصعد مضاف»(1).

[154] قوله: [فحماً] لو فرضنا أن إنساناً أصبح فحماً فهل يصدق عليه أنه هو؟ فيه تأمل. والأظهر بقاء الصدق، ومع الشك يستصحب الموضوع، بناءً على جريانه في الشبهة المفهومية.

[155] قوله: [طاهراً] بالضرورة وإلاّ لكانت جميع الحيوانات الطاهرة نجسةً، لأنها في الأصل مني ودم، فيما له دم دافق.

[156] قوله: [دوداً] لم يعلم الاستحالة، بل يحتمل أن هنالك كائنات دقيقة تجد الجو الصالح للنمو هنالك. نعم، هي تتغذى عليها، فيدخل في بحث الانتقال.

وفي كونه من مصاديق الاستحالة تأمل. نعم، لا إشكال في الحكم بالطهارة.

[157] قوله: [المستحيل] البعض أدخله في الانتقال(2)، والظاهر أنه مبني على تحقق عنوان الاستحالة عرفاً وعدم تحققه.

ص: 389


1- العروة الوثقى 1: 65، مستمسك العروة الوثقى 1: 115.
2- انظر: الفقه 6: 232 - 235.

حلال اللحم... والخمر المستحيل خلاً[158] وأمثال ذلك(*).

الخامس: ذهاب ثلثي العصير

الخامس: ذهاب ثلثي العصير بالغليان بالنار، فإنّه مطهّر للثلث الباقي بناء على نجاسته بالغليان، وإن كان الأقوى طهارته(**)[159].

(*) لما ذكرناه من تبدّل العنوان، مضافاً إلى قيام السيرة على طهارة المذكورات، بل الضرورة قاضية على طهارة بعضها[160].

(**) فإنّ[161] ما دلّ على حلّيته يدلّ على طهارته لحرمة شرب النجس...

-------------------------

[158] قوله: [خلاً] في كونه استحالة أو انقلاباً تأمل. والظاهر: أنه لولا الدليل الخاص لحكمنا بالنجاسة؛ إذ الظرف نجس، فلو فرضنا أنه استحال وطهر بالاستحالة إلاّ أنه يعود ويتنجس بملاقاة الظرف النجس، فلولا الدليل الخاص لحكمنا بالنجاسة. نعم، لو فرضنا أنه استحال في الهواء لحكمنا بالطهارة، بناءً على كونه استحالة.

ثم إن في الفرق بين الاستحالة والانقلاب غموضاً، فهل هذه استحالة؟ ولو كانت استحالة إذن لصدقت على تبدل الحنطة خبزاً، والحليب جبناً ولبناً ونحوهما، والقول بذلك مشكل(1).

[159] قوله: [طهارته] وحرمته حتى يذهب الثلثان على ما مرّ.

[160] قوله: [بعضها] كالحيوان الطاهر المستحيل من المني أو الدم.

[161] قوله: [فإن] فالرواية التي تقول: «حلال» تتضمن الطهارة؛ إذ كل

ص: 390


1- انظر: الفقه 6: 232 - 235.

السادس: الانتقال

السادس: الانتقال[162] كانتقال دم ذي النفس إلى غير ذي النفس على وجه يضاف[163] إلى غير ذي النفس، ويعدّ جزءاً منه(*)، كدم البق والبرغوث دون مثل دم العلق،

-------------------------

حلال طاهر، ولا عكس، هذا وربما تكون الروايات دالة على طهارته بالدلالة المطابقية.

[162] قوله: [السادس] قسم الماتن الأقسام إلى ثلاثة:

الأول: أن يضاف إلى المنتقل إليه ويعد جزءاً منه، لو كان طاهراً، فهو طاهر كدم البق والبرغوث.

الثاني: أن لا يضاف إليه، وكان المنتقل منه نجساً، وهنا يحكم بالنجاسة، كدم العلق.

الثالث: أن يشك في حصول الإضافة المزبورة، فهنا تُستصحب النجاسة، كدم البق حال المص.

فالمحور في الطهارة الإضافة للمنتقل إليه، ومحور الحكم بالطهارة اليقين بذلك، وتيقن صورة تحقق الإضافتين معاً، وقد قيل: إنه غير ممكن.

هذا وقد يشكل في عدّ ذلك من الانتقال، بل هو استحالة.

وفيه نظر: إذ الاستحالة تحول الماهية وهذه تحول الإضافة، وإلاّ فماهية الدم واحدة ظاهراً، فتأمل.

[163] قوله: [يضاف إلى غيره] يكفي سلب الإضافة عن المنتقل منه في الحكم بالطهارة.

ص: 391

فإنّه لا يضاف[164] إليه، ولا يعدّ جزءاً منه(**)، كما أنّه لو شكّ في حصول الإضافة[165] المزبورة، كما في دم البق والبرغوث[166] حال المصّ لم يحكم عليه بالطهارة، بل يستصحب نجاسته(***).

-------------------------

[164] قوله: [فإنه لا يضاف] بل يضاف إلى المنتقل عنه، وقد عرفت أن انسلاب الإضافة إليه هو ملاك الحكم بالطهارة.

[165] قوله: [حصول الإضافة] الملاك انسلاب الإضافة عن المنتقل عنه، كما سبق.

[166] قوله: [دم البق والبرغوث] في خصوص المثال تأمل، والظاهر الحكم بالطهارة؛ وذلك لإطلاق «لا بأس بدم البراغيث والبق»(1).

إن قلت: لم يعلم أنه دم بق أو برغوث، وذلك لاحتمال صدق دم الإنسان - مثلاً - عليه، بل مقتضى الاستصحاب الصدق التعبدي.

قلت: هذا العنوان صادق عرفاً.

والخلاصة: أن الذهن العرفي يراه دم البق والبرغوث، ولو حال المص فلا شك.

ويدل عليه كثرة الابتلاء بذلك، مع عدم ورود التنبيه عليه في الروايات الشريفة، ولو ورد لبان لكثرة الابتلاء، فتأمل.

ص: 392


1- الاستبصار 1: 188.

(*) قال في الحدائق: والحكم فيه ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال يعتريه، ونقل عن المستند استظهار نفي الخلاف في مطّهريته، وعن الجواهر نفي وجدان الخلاف والإشكال، ونقل عن غيرها الإجماع عليه والسيرة[167]. والذي يقتضيه النظر أن يقال[168]: إن كان الانتقال موجباً لسلب إضافته إلى المنتقل عنه

-------------------------

[167] قوله: [والسيرة] مضافاً لبعض الروايات في بعض الجزئيات، كدم البراغيث.

[168] قوله: [يقال] قسم الشارح الأقسام إلى:

أولاً: ما إذا أوجب الانتقال سلب الإضافة عن المنتقل عنه فهو طاهر، سواء أكان هناك دليل على طهارته أم لا، لأصالة الطهارة، والاستصحاب لا يجري لتعدد الموضوع مطلقاً، ولوجود الدليل في الصورة الأولى.

ثانياً: ما إذا كانت الاضافة باقية للمنتقل عنه، فإذا لم يكن لدليل نجاسته إطلاق فهو طاهر، أمّا مع وجود الدليل على طهارته فواضح، وأما مع عدم وجود دليل على طهارته، فكل شيء لك طاهر.

إن قلت: نستصحب النجاسة.

قلت: لا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية. نعم، على مبنى المشهور من الجريان يجري الاستصحاب ويحكّم على أصالة الطهارة.

وأمّا لو كان لدليل نجاسته إطلاق، فإن لم يكن دليل لطهارته بعد الانتقال حكم بالنجاسة، وإن كان دليل لطهارته بعد الانتقال تعارض الدليلان.

والتقسيم هكذا: الانتقال إمّا موجب لسلب الإضافة فهو طاهر بالدليل أو

ص: 393

وبعبارة أخرى أوجب الانتقال استحالته[169] عمّا كان عليه، فلا إشكال في طهارته وإن لم يكن دليل[170] على طهارته بعد الانتقال لقاعدة الطهارة المحكمة عند الشكّ، ولا مجال لجريان الاستصحاب لتعدّد[171] الموضوع، وإن لم يكن الانتقال موجباً لسلب الإضافة إلى ما انتقل عنه، فإن لم يكن لدليل نجاسته إطلاق يشمل حال الانتقال[172] فحكمه الطهارة أيضاً، أمّا مع وجود

-------------------------

الأصل، وإمّا غير موجب لسلب الإضافة فهو على قسمين: فإن لم يكن لدليل النجاسة إطلاق فهو طاهر بالدليل أو الأصل، وإن كان لدليل النجاسة إطلاق فإما لا دليل على الطهارة فنجس، وإما دل الدليل على الطهارة فيتعارضان وبعد التساقط يحكم بالطهارة.

فالملاك إذن على رأي الشارح الإضافة وسلبها، والإطلاق وعدمه، والدليل وعدمه.

[169] قوله: [استحالته] الظاهر أن الانتقال غير الاستحالة،كما سبق.

[170] قوله: [دليل] مثال الدليل: «دم البراغيث والبق» ومثال عدم الدليل: «القراد، فرضاً».

[171] قوله: [لتعدد] في الصورتين، ولوجود الدليل الحاكم على الاستصحاب في خصوص صورة وجود الدليل، كدم البراغيث.

والخلاصة: أنه يخرج عن العنوان الأول، فتشمله الأدلَّة أو الأُصول العملية.

[172] قوله: [الانتقال] كما لو فرض أن القدر المتيقن من دليل نجاسة

ص: 394

دليل على طهارته فظاهر، وأمّا مع عدم دليل على طهارته فقاعدة الطهارة تقتضي طهارته، ولا يجري[173] استصحاب النجاسة لمعارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد، وأمّا لو كان لدليل نجاسته[174] إطلاق يشمل حال الانتقال فإن لم يكن دليل لطهارته بعد الانتقال فالحكم النجاسة، لاقتضاء دليلها.

وأمّا لو كان دليل الطهارة[175] دم المنتقل إليه، كما في دم البق، فيقع التعارض بين الدليلين، وحيث[176] إنّ الأحدث[177] منهما غير معلوم تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة.

-------------------------

دم الإنسان هو حال وجوده في العروق.

[173] قوله: [ولا يجري] بل يجري على المشهور.

[174] قوله: [نجاسته] بل تستصحب الإضافة السابقة، ويترتب عليه الحكم بالنجاسة، وذلك في الشبهة الموضوعية، بل مطلقاً على الأقوى.

[175] قوله: [الطهارة] الظاهر لطهارة.

[176] قوله: [وحيث] لا بد من ملاحظة المرجحات وإلاّ فالتساقط.

ثم إن الفرق بين تقسيم الماتن والشارح أن الماتن لاحظ الإضافة للمنتقل إليه وجعلها المحور، أما الشارح فجعل سلب الإضافة عن المنتقل منه هي المحور، أما مع بقاء الإضافة فالمحور الإطلاق والدليل، فلاحظ.

[177] قوله: [الأحدث] لا بد من ملاحظة من صدر عنه الدليلان.

ص: 395

(**) الظاهر أنّ دم البق والبرغوث بعد إضافته إليهما لا يضاف[178] إلى المنتقل عنه فطهارته مقتضى القاعدة...

(***) ما ذكرناه في الشك في الاستحالة[179] يجري في المقام، فإنّ الشكّ في تحقّق الإضافة تارة بنحو الشبهة الموضوعية، وأُخرى بنحو الشبهة المفهومية. أمّا على الأوّل فيستصحب عدم حصول الإضافة[180]، ويترتب[181] عليه الحكم بالنجاسة بلا احتياج[182] إلى جريان استصحاب الحكم، فإنّ الأصل في السبب مقدّم، وأمّا على

-------------------------

[178] قوله: [لا يضاف] وقد سبق أن انسلاب الإضافة هو الملاك.

[179] قوله: [الاستحالة] وقد فرض المصنف أن المقام منه موضوعاً.

[180] قوله: [عدم حصول الإضافة] أو بقاء الإضافة السابقة.

[181] قوله: [ويترتب] أو هو بمعنى الحكم بالنجاسة، راجع الرسائل(1) في أن استصحاب الموضوع هل هو بمعنى بقاء الحكم، أو يترتب عليه بقاؤه؟

[182] قوله: [بلا احتياج] ليس البحث في الاحتياج، بل في جريان الاثنين، وفيه بحث موكول إلى محله، وذلك في خصوص «الأصول المتوافقة».

ص: 396


1- انظر: فرائد الأصول 3: 115 و292.

السابع: الإسلام

السابع: الإسلام، فإنّه مطهّر لبدن الكافر(*)، وفضلاته المتصّلة به،

الثاني فيجري استصحاب عدم الإضافة[183] على ما ذكرنا، وأمّا على مسلك المشهور فلا يجري، ولا مجال[184] لاستصحاب الحكم مع الشكّ في الموضوع، مضافاً[185] إلى معارضته بأصالة عدم الجعل.

(*) ... مضافاً[186] إلى أنّ القاعدة تقتضيه، فإنّ النجاسة على فرض القول بها عارضة للكافر، والمفروض أنّه صار مسلماً، فلو قلنا[187]: بأنّ طهارة المسلم من الواضحات والمسلّمات فلا كلام،

-------------------------

[183] قوله: [عدم الإضافة] أو الوجودان على ما ذكرناه.

[184] قوله: [ولا مجال] على مبنى المشهور، وإلاّ فالمصنف أثبت الموضوع بالاستصحاب.

[185] قوله: [مضافاً] هذا المبنى غير مرضي على المشهور.

[186] قوله: [مضافاً] مضافاً إلى أنه لو بقي على النجاسة لبان؛ إذ كان اللازم أن يطهر بدنه بمطهر آخر، كالماء مثلاً، ولم يعهد أمر المشركين بغسل بدنهم بالماء، مع أن الذين أسلموا طوال فترة الرسالة والإمامة كانوا عشرات الأُلوف - ظاهراً - نعم، ورد في بعض الروايات التاريخية ذلك.

[187] قوله: [فلو قلنا] الظاهر أنه ضروري كما ذكره صاحب المستند(1).

ص: 397


1- انظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 221.

من شعره وظفره وبصاقه ونخامته وقيحه ونحو ذلك من نجاسة الكفر(**)[188] دون[189] ما باشره سابقاً بالنجاسة من أثاثيته وغيرها حتّى ثيابه المختّصة به.

وإلاّ يحكم عليه بالطهارة لقاعدتها، ولا يعارضها استصحاب النجاسة

-------------------------

[188] قوله: [من نجاسة الكفر] وسائر النجاسات العرضية الملاقية لبدنه حال الكفر، إذا لم تبق عينها حال الإسلام.

[189] قوله: [دون] الظاهر هو طهارتها جميعاً بالإسلام؛ وذلك لأنه لو كان التطهير واجباً لبان، وحيث إن الكافر يباشر - عادةً - كل أثاثه برطوبة فاللازم أن ينظف بيته جميعاً، وهذا الأمر صعب الآن مع وفرة المياه، فكيف في العهود القديمة، حيث كان الماء قليلاً والوسائل شحيحة؟ ولو لاحظتم الآن مَنْ أراد أن يطهر كل بيته لرأيتم أنه سيعلن حالة الطوارئ فكيف بالعهد القديم؟

لا يقال: تطهير البيت غير لازم.

فإنه يقال: إنه وإن كان كذلك إلاّ أن المتدينين يطهرون - عادةً - مواضع الابتلاء - من السجاد والفرش واللحاف والوسادة - مقدمة للصلاة ونحوها، ولو كان ذلك كائناً لبان.

بل لا يبعد أن يقال: إن ما باشره بالنجاسة العرضية - كالأواني التي طبخ فيها الميتة - كلها تطهر بإسلامه لما ذكرناه، ولقاعدة الجب المجبورة بالعمل، فتأمل.

ص: 398

لتغيّر الموضوع[190] أولاً ومعارضته بعدم الجعل ثانياً[191].

(**) ربّما يتمسك[192] على طهارتها بعدم معهوديّة تطهير من أسلم بدنه منها مع عدم خلوّة منها غالباً.

ويرد عليه: أنّ مجرد عدم المعهودية غير كافّ[193] وربّما يستند إلى الحديث النبوي: »الإسلام يجبّ ما كان قبله«(1). والكلام في سنده[194]...

والذي يختلج بالبال أن يقال: إنّ طهارتها مقتضى القاعدة، فإنّها مضافة[195] إلى المسلم...

-------------------------

[190] قوله: [لتغير الموضوع] عرفاً عند ملاحظة العنوان الذي علق عليه الحكم بالنجاسة، وإلاّ فلو لوحظت نفس الذات بما هي هي، فالموضوع واحد.

[191] قوله: [ثانياً] إذ الشبهة حكمية، إلاّ أن هذا المبنى خلاف المشهور.

[192] قوله: [يُتمسك] الظاهر أن الحكم فيها كالحكم في البدن، والأدلَّة نفس الأدلَّة، بل هي من توابع البدن - عرفاً - بل بعضها يُعد من البدن، كالظفر والشعر القصير.

[193] قوله: [غير كافٍ] الظاهر أنه كافٍ لما سبق قبل قليل.

[194] قوله: [سنده] قد يقال: إنه مجبور بالعمل.

[195] قوله: [مضافة إلى المسلم] أي: شعر المسلم وبصاقه وغيرهما.

ص: 399


1- مستدرك الوسائل 7: 448.

ولا فرق في ذلك بين أقسام الكافر حتّى المرتدّ الفطري[196] على الأقوى(*).

(*) النصوص الواردة في المرتدّ على أقسام، منها: ما دلّ على عدم قبول[197] توبته مطلقاً، مثل ما رواه محمّد بن مسلم قال: »سألت أبا جعفر عن المرتّد فقال: من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد إسلامه فلا توبة له[198] وقد وجب قتله وبانت منه امرأته، ويقسّم ما ترك على ولده«(1).

-------------------------

[196] قوله: [الفطري] أي أنه يطهر بالإسلام وفضلاته المتصلة به.

[197] قوله: [عدم قبول] فإذا لم تقبل توبته فكأنه لم يتب، فتكون النجاسة باقية، لكن سيأتي من الشارح أنه لا دليل على نجاسة كل كافر، لكن هذا إنما يصح في أهل الكتاب، أما لو ارتد وأصبح ملحداً أو وثنياً فالظاهر تكفل الأدلَّة السابقة - في بحث الكافر - بنجاسته، بل المرتد أسوأ حالاً - ظاهراً - من الكافر الأصلي، ولذا شدد فيه بما لم يشدد في الأصلي.

[198] قوله: [فلا توبة له] حيث إن هذا جواب سؤال، ولم يعلم أن مراد السائل ماذا؟ وإن نظره كان لمطلق الأحكام أو خصوص الأحكام المزبورة، فالقدر المتيقن منه - بلحاظ وجود ما يصلح للقرينة وهو السؤال - خصوصها، بل قد يدعى أن عطف «وقد وجب» أيضاً صالح للقرينة فلا ينعقد للكلام عموم، فتأمل.

ص: 400


1- الكافي 6: 174.

ومنها: ما دلّ على قبول توبته مطلقاً، مثل ما رواه محمّد بن مسلم أيضاً عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: »ومن جحد نبياً مرسلاً نبوتّه وكذّبه فدمه مباح، قال: فقلت: أرأيت من جحد الإمام منكم ما حاله؟ فقال: من جحد إماماً من اللّه وبرئ منه ومن دينه فهو كافر[199] مرتدّ عن الإسلام، لأنّ الإمام من اللّه ودينه من دين اللّه، ومن برئ من دين اللّه فهو كافر، ودمه مباح في تلك الحال إلاّ أن يرجع[200] ويتوب إلى اللّه ممّا قال«(1)...

ومنها: ما فصّل بين الفطري والملّي، فحكم بعدم القبول في الأوّل وبالقبول في الثاني، مثل[201] ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي

-------------------------

[199] قوله: [كافر] إما باطناً - كما سبق في بحث المخالفين - أو إن عاد ذلك إلى تكذيب الدين، فتأمل.

[200] قوله: [إلاّ أن يرجع] ليس واضحاً عوده إلى مطلق الكافر، بل الكافر بالإمام، فلا يدل على مدّعى المصنف من قبول توبة الكافر مطلقاً، ولعله خفف في منكر الإمامة بما لم يخفف في منكر النبوة.

ومع ذلك لا يقدح في النتيجة المقصودة؛ إذ الطائفة الثالثة تخصص الطائفة الأولى على كل تقدير، لو تمت دلالة الطائفة الثالثة.

[201] قوله: [مثل] هذه الرواية لا تدل على المدّعى؛ إذ إنها في القتل وعدمه والاستتابة، أي طلب التوبة بلحاظ ترتب حكم القتل لا مطلقاً، فإن هذا هو القدر المتيقن، فتأمل.

ص: 401


1- من لا يحضره الفقيه 4: 104.

الحسن (عليه السلام) قال: »سألته عن مسلم تنصّر، قال: يقتل ولا يستتاب، قلت: فنصراني أسلم ثمّ أرتد، قال: يستتاب فإن رجع وإلاّ قتل«(1). ومقتضى الجمع بين هذه الروايات الحكم بعدم قبول توبة المرتد الفطري، ويترتّب عليه أحكام الكفر[202] بعد التوبة أيضاً.

وأمّا ما قيل في وجه قبول توبته، ورفع اليد عمّا دلّ على عدم قبول توبته، أمور: الأول: أنّ ذكر الأمور الثلاثة مقترناً بنفي التوبة يوجب صرف الدليل إليها.

ويرد عليه: أنّه لا وجه[203] للتخصيص ولا مقتضي للصرف،

-------------------------

وأما الإيراد بأن الاستتابة غير قبول التوبة، ففيه: أن التوبة لو لم تقبل فالاستتابة طلب للمحال، وهو غير صحيح، فتأمل.

ثم إن هذه الرواية تدل على قبول توبة خصوص النصراني لا مطلق المرتد الملي.

[202] قوله: [أحكام الكفر] والخلاصة: أن «لا توبة له»(2) تدل على عدم قبول التوبة مطلقاً و« يستتاب»(3) يدل على قبول خصوص توبة المرتد الملّي، فيبقى الفطري تحت العموم.

[203] قوله: [لا وجه] مضى الوجه، والاستفادة المزبورة في الشرح غير واضحة(4).

ص: 402


1- الكافي 7: 257.
2- الكافي 6: 174.
3- الكافي 7: 257.
4- انظر: الدلائل في شرح منتخب المسائل1: 219.

بل يستفاد من الدليل أنّ هذه الأمور تترتّب على نفي التوبة، لا أنّ المراد بنفيها ترتيب هذه الأمور...

الثاني[204] أنّ هذه الأمور أظهر آثار الارتداد فالإطلاق ينصرف إليها.

ويرد عليه: أنّ كونها أظهر الآثار أوّل الكلام[205]، مضافاً إلى أنّ حمل الإطلاق على أظهرها لا وجه له[206].

الثالث[207]: أنّ الإجماع قائم على كونه مكلفاً بالعبادات المشروطة بالطهارة، فيلزم أن يكون بدنه طاهراً...

-------------------------

[204] قوله: [الثاني] الفرق بين هذا وسابقه أن ذلك استدلال بقرينية المذكورات في اللفظ، وهذا استدلال بأنها أظهر الآثار، ولو فرض أنه لم تفترق به الأُمور المذكورة لفظاً.

[205] قوله: [أول الكلام] إذ لعل النجاسة من أظهر الآثار أيضاً.

[206] قوله: [لا وجه له] وذلك للعموم، ولا يقاس المقام بالتشبيه حيث ينصرف إلى أظهر الآثار، مثل «زيد أسد أو كالأسد» وذلك لأن في المقام نفياً، بخلاف مقام التشبيه، فتأمل.

[207] قوله: [الثالث] لكن هنا تقريرٌ آخر: وهو أنه على فرض نجاسة بدنه يلزم أن يسقط عنه الوضوء؛ لأن الماء يتنجس بنجاسة بدنه الكفرية، فعليه أن يتيمم فقط، وهذا خلاف الإجماع والمركوز، فتأمل.

إن قلت: إنه لسوء الاختيار. قلت: سوء الاختيار لا يسوغ التكليف بالمحال(1).

ص: 403


1- انظر: الحاشية على كفاية الأصول 1: 401، حقائق الأصول 1: 404.

الثامن: التبعيّة

الثامن: التبعيّة، فإنّ الكافر إذا أسلم وطهر يتبعه ولده[208] الذي معه وفي كفالته في الطهارة، أبا كان أو جداً أو أمّاً(*).

الرابع: أنّه بعد التوبة والإقرار بالشهادتين يصدق عليه أنّه مسلم، فيترتب عليه آثاره.

والجواب: أنّه سلّمنا صدق المسلم عليه عرفاً ولغة، وأمّا شرعاً فلا نسلّم لما دلّ على عدم قبول توبته، فالقاعدة تقتضي الحكم بنجاسته لكن قد مرّ منّا النقاش[209] في نجاسة الكافر، بل قوّينا عدم نجاسته فراجع.

(*) ما ورد في بيان حكم هذه المسألة ما رواه حفص بن غياث قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار، وهم أحرار وولده ومتاعه ورقيقه له، فأمّا الولد الكبار فهم فيء للمسلمين، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل ذلك، فأمّا الدور والأرضون[210]

-------------------------

لكن قد يرد ذلك: بأنا نلتزم بسقوط الطهارة المائية، أو نلتزم بعدم اشتراط طهارة الماء في خصوص هذا الفرض، فتأمل.

[208] قوله: [يتبعه ولده] بشرط أن لا يظهر الكفر مع تمييزه.

[209] قوله: [النقاش] لكن ذلك في أهل الكتاب، أما مطلقاً فلا.

[210] قوله: [والأرضون] الرواية ضعيفة سنداً(1).

ص: 404


1- وهي الرواية التي ذكرها في الدلائل 1: 220، وقد تقدمت قبل قليل.

فهي فيء«(1)... وهذا الخبر ضعيف سنداً[211]؛ لأنّ في طريقه عليّ بن محمد القاساني، وهو غير موثّق في الرجال.

وأمّا الأمّ فلا يشملها[212] الحديث فلا بدّ من التماس دليل آخر، والمستفاد من بعض كلماتهم التسالم[213] على هذا الحكم، فإن تمّ فهو، وإلاّ فالذي يقتضيه النظر أن يقال: إن كان الولد مميزاً وأسلم فهو مسلم[214] وإلاّ فهو كافر، ويترتب عليه أحكامه،

-------------------------

[211] قوله: [سنداً] إلاّ أن يقال: إنه مجبور بالعمل، فتأمل.

[212] قوله: [فلا يشملها] قد يقال: بالاشتراك في التكليف.

وفيه: أنه لو ثبت تكليف للرجل ثبت للمرأة، لا ما إذا كان الرجل موضوعاً في دليل. فلو قيل: «صلَّ خلف الرجل» فهل يشمل المرأة؟ ولو قيل: «تراوح عليها أربعة رجال» فهل يشمل أربع نساء؟ إلاّ أن يقال بالطريقية كما في المسائل المتجددة.

وكذا لو قيل: «بول الرضيع» فهل يشمل الرضيعة؟ إن هذا يتم بناءً على أن الرضيع اسم جنس.

[213] قوله: [التسالم] وكفى به دليلاً، وقد يُستدل بالسيرة، حيث إن الكافر إذا أسلم يُتعامل معه ومع اُسرته معاملة الطاهر، وهو يثبت المدّعى في الجملة، فتأمل.

[214] قوله: [فهو مسلم] في قبول إسلامه كلام(2).

ص: 405


1- تهذيب الأحكام 6: 151.
2- انظر : مختلف الشيعة 6: 108، الحدائق الناضرة 5: 198.

وكذا إذا سبى مسلم طفلاً من الكفار ولم يكن معه أحد آبائه، فإنّه يتبع المسلم في الطهارة على إشكال(*).

وإن كان غير مميز، فإن صدق عليه أنّه ولد مسلم فهو طاهر لقاعدة الطهارة، بل بالتسالم بينهم وإن صدق عليه ولد الكافر[215] فمقتضى بعض النصوص أنّه محكوم بالكفر ويترتب عليه آثاره، منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: »سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث، قال: كفّار[216] واللّه أعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم«(1)...

(*) إن تمّت[217] سيرة[218] على طهارته بحيث تكشف

-------------------------

[215] قوله: [ولد الكافر] كما لو أسلم جده وأبوه معه وهو كافر، فإنه عرفاً يقال له «ولد الكافر» إذ الأقرب يمنع الأبعد هنا ظاهراً.

[216] قوله: [كفار] قد يقال: إنه ظلم، والجواب: إنه يعامل معاملة الكافر، وأما حكم الكافر فهو أنه لو كان جاهلاً قاصراً يعاد امتحانه يوم القيامة. وأما (لا تزر) فقد أُجيب في محله، وحاصله: أن الآثار الوضعية لا تناط بالاختيار وعدمه.

[217] قوله: [إن تمت] والظاهر تماميتها، إذ كانت عملية الأسر متداولة، وكثيراً ما يكون بينهم أطفال، ولو كان التجنب عنهم لازماً لبان ولكثر عنه السؤال في الروايات، فتأمل.

[218] قوله: [سيرة] أو التسالم.

ص: 406


1- من لا يحضره الفقيه 3: 491.

وكذا أواني الخمر فإنّها تتبعها في الطهارة إذا انقلبت خلاً(*)،

عن رأي المعصوم (عليه السلام) فهو، وإلاّ فما استند إليه في الحكم بالطهارة لا مجال للاعتماد عليه، فرّبما تمسّك في الحكم بطهارته بالنبوي: »كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى ليكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصرانه«(1). والاستدلال به يتوقّف[219] على أن يكون معنى الحديث أنّ كلّ مولود مسلم إلاّ أو يهوّده أو ينصّره أبواه، ولازم [220] ذلك أنّ أولاد الكفّار يكونون محكومين بالإسلام. ورّبما يتمسّك بلزوم الحرج، وهو كما ترى، فإنّ الحرج على فرض[221] تحقّقه لا يوجب إلاّ رفع التكليف المترّتب على النجاسة لا رفع النجاسة فالصحيح ما ذكرنا.

(*) الظاهر أنّه لا دليل عليه إلاّ ما يدلّ على طهارة الخمر بانقلابها خلاً، بتقريب أنّه لو كان الإناء باقياً على النجاسة ينجس الخلّ المنقلب عن الخمر. ويمكن الخدش بأنّ عدم تأثيره في التنجيس

-------------------------

[219] قوله: [يتوقف] لكن يحتمل أن يراد أنه يولد ومعه «فطرة التوحيد ومعرفة الخالق» ولا يلازم ذلك أن يكون محكوماً بأحكام الإسلام، بل هو ملحق بأبيه وإن فرض أنه ليس يهودياً ونصرانياً.

[220] قوله: [ولازم] قد يقال: إن الدليل له عموم، لكن خرج بالإجماع ونحوه، ما لو كان معه أبوه، ويبقى ما نحن فيه تحت العموم، فتأمل.

[221] قوله: [على فرض] إشارة إلى أن الحرج شخصي ويتقدر بقدره.

ص: 407


1- تفسير جوامع الجامع 3: 13، من لا يحضره الفقيه 2: 49، ح 1668، مع اختلاف يسير.

وكذا يد الغاسل للميّت تطهر بطهارته(*).

نعم، في طهارة غيرها من آلات التغسيل إشكال[222] كالإشكال في طهارة حواشي البئر المتنجّس ماؤها بالتغيير بعد طهارته بالنزح...

التاسع: زوال عين النجاسة

التاسع: زوال عين النجاسة عن بواطن الإنسان[223]، بل وعن ظواهر

أعمّ من طهارته؛ إذ يمكن أن يكون نجساً ولا يكون منجساً[224].

(*) تمسّك له بالإطلاق المقامي، فإنّ النصوص المتعرضّة لطهارة الميّت بالغسل لم تتعرض لنجاسة يد الغاسل، فيفهم منه طهارته بالتبع، ولكنّه مشكل[225] إلاّ أن تتمّ السيرة المعتبرة.

-------------------------

[222] قوله: [إشكال] لا إشكال فيه.

[223] قوله: [الإنسان] ويحتمل قريباً عدم كون النجاسات الباطنية نجسة في الباطن أصلاً، كما مرّ.

[224] قوله: [منجساًً] فيه أولاً: أنه لا يأتي هذا للذهن العرفي، إذ عندما نقول: «إنه طاهر ولا ينجسه الإناء» فمفهومه عرفاً: طهارة الإناء. نعم، بالدقة الفقهية غير العرفية قد ينقدح هذا الاحتمال، لكن المدار على الظهور العرفي.

وثانياً: الإطلاق المقامي كافٍ؛ إذ لو بقي الإناء على النجاسة لزم تطهيره بعد ستة أشهر - مثلاً - من تفريغ الخل من «الدن» وهذا ما يغفل عنه الأكثر، فلو كان لازماً للزم التنبيه عليه.

[225] قوله: [مشكل] لا إشكال فيه؛ وذلك لأنه مما يغفل عنه عادة، فعدم البيان دليل على عدم الوجوب.

ص: 408

الحيوان الصامت[226] مع احتمال[227] حصول الطهارة ولو بعيداً على الأحوط...

العاشر: الغيبة

العاشر: الغيبة، وهي مطّهرة للإنسان وكلّ ما يتعلق به من الثياب والفرش والأواني وغيرها مع علمه بالنجاسة[228] واحتمال التطهير، فإذا علم بنجاسة شيء من ذلك منه وغاب ثم وجد يستعمل ذلك الشيء استعمال الطاهر يحكم بطهارته(*)،

(*) الظاهر أنّه لا دليل[229] على هذا الحكم من الآيات

-------------------------

[226] قوله: [الصامت] مقابل الناطق، أي غير الإنسان.

[227] قوله: [مع احتمال] بل مطلقاً كما سبق.

[228] قوله: [مع علمه بالنجاسة] هذا يحتوي على نقطتين: 1- علمه بالإصابة 2- علمه بنجاسة ما أصابه. وقد يحتمل كفاية احتمال علمه بنجاسة ما أصابه، وذلك للسيرة ونحوها، فتأمل.

والظاهر كفاية علمه بالإصابة مع احتمال علمه بنجاسة ما أصابه؛ وذلك لأن السيرة جارية على عدم التفحص والسؤال عن علمه بالنجاسة أو لا. نعم، لو علمنا أنه لا يعلم النجاسة فالحكم بالطهارة مشكل.

[229] قوله: [لا دليل] قد يقال: إن «ضع أمر أخيك على أحسنه»(1) دليل.

لكن فيه: أنه قد يكون الاستعمال مع الغفلة، وهذا لا ينافي النجاسة، فتأمل.

ص: 409


1- الكافي 2: 362 ، ح3.

من غير فَرق في ذلك بين المتسامح في دينه وغيره(*)، ولا يلحق[230] بالغيبة في هذا الحكم الظلمة والعمى في الجملة(**).

والروايات، ولذا اختلفت كلماتهم في المقام ولا فائدة مهمة في نقلها، فالأولى الاقتصار على ما تقتضيه القاعدة، ومقتضاها الحكم ببقاء النجاسة...

(*) قرّب في العروة اشتراط أن يكون مبالياً، والمناط تحقّق السيرة[231] كما ذكرنا وهي العمدة في مدرك الحكم، وأمّا الإجماع فعلى فرض تحقّقه فهو محتمل المدرك، بل مقطوعه[232]...

(**) لعدم قيام السيرة أو الشكّ[233] في قيامها، ونقل عن الجواهر عدم الإلحاق، والقدر المتيقّن من عدم الإلحاق صورة عدم الظهور الشخصي[234]...

-------------------------

[230] قوله: [ولا يلحق] الظاهر الإلحاق مطلقاً مع استجماع الشروط السابقة.

[231] قوله: [تحقق السيرة] والظاهر أنها متحققة(1).

[232] قوله: [بل مقطوعه] لكن سبق أن الاحتمال، بل القطع لا ينافي الحجية.

[233] قوله: [أو الشك] والشك في الحجية موضوع عدم الحجية.

[234] قوله: [الظهور الشخصي] لعل المراد ظاهر حال الشخص.

ص: 410


1- انظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 268.

كما أنّه لا عبرة[235] بغيبة الشخص عن ثيابه وأوانيه ونحوها، إلاّ أن تكون من توابع شخص آخر أيضاً فيحكم بطهارتها بغيبته، ومن ذلك الفرش والظروف التي في تصرّف الزوجة والخادمة حيث يحكم بطهارتها بغيبة إحداهما بشرائطها(*)...

الثالث عشر: انفصال الغسالة عن المغسول

الثالث عشر: انفصال الغسالة عن المغسول فإنّه مطّهر لبقية الغسالة الباقية في المحلّ بناء على نجاسة الغسالة(**).

الرابع عشر: خروج ما يعتاد خروجه من الدم

الرابع عشر: خروج ما يعتاد خروجه من الدم عند الذبح والنحر، فإنّه مطّهر للدم المتخلف في الذبيحة المأكولة اللحم[236]، وأمّا غير المأكول فالأقوى الاجتناب عن المتخلف فيه.

(*) لعدم خصوصية[237] في الملكية، بل المناط كون الشيء تحت اليد والاستيلاء.

(**) للفهم[238] العرفي، فإنّ العرف يفهم من دليل تطهير الغسل أنّ الباقي في المغسول ممّا يغسل به طاهر...

-------------------------

[235] قوله: [لا عبرة] أي لو كان فرشه - مثلاً - نجساً، ثم غاب عن ذلك، وعاد واحتمل أن أحد أهل البيت طهره - تبرعاً - فلا يمكنه الحكم بالطهارة.

[236] قوله: [المأكولة اللحم] هذا في الجزء الحلال، وأما في الجزء الحرام - كالطحال - فهو محل إشكال كما سبق.

[237] قوله: [خصوصية] لأن الملاك - أي السيرة وأصالة الصحة- عام.

[238] قوله: [للفهم] ولأنه لو كان نجساً لبقي الشيء نجساً إلى الأبد، إلاّ أن يغسل بالكر ونحوه.

ص: 411

الخامس عشر: استبراء الحيوان الجلال

الخامس عشر: استبراء الحيوان الجلاّل المحلّل في الأصل[239] فإنّه بشرائطه مطهّر لبوله وخرئه، بل وعرقه(*).

(*) لأنّ الاستبراء[240] بشرائطه يخرج الحيوان عن حرمة الأكل إلى حليته، وقد دلّت عليه النصوص.

منها[241]: ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : »الدجاجة الجلاّلة لا يؤكل لحمها حتّى تقيّد ثلاثة أيّام، والبطّة الجلاّلة بخمسة أيّام، والشاة الجلاّلة عشرة أيّام، والبقرة الجلاّلة عشرين يوماً، والناقة الجلاّلة أربعين يوماً«(1)...

ويمكن الخدش فيه بأنّ استصحاب النجاسة يقتضي بقاؤها بعد

-------------------------

[239] قوله: [المحلل في الأصل] بل مطلقاً لو كانت فضلاته طاهرة قبل طروّ الجلل.

[240] قوله: [لأن الاستبراء] بل لأن الحكم ترتب على عنوان الجلل، وقد زال العنوان فيزول الحكم؛ إذ الأحكام تابعة للعناوين كما سبق.

وهذا قابل للخدشة إذا لم يعلم الترتب الطولي، بل هي أحكام عرضية.

وفيه: أنّ العرف يفهم أن ذلك من آثار الجلل والحرمة، فإذا زالت زالت، فتأمل.

[241] قوله: [منها] الظاهر أن نصوص التحديد بالمدة كلها ضعيفة، فهي إما مرسلة أو مرفوعة أو ضعيفة الأسناد.

ص: 412


1- الكافي 6: 251.

الاستبراء أيضاً، والإشكال فيه بأنّ الموضوع قد تغيّر بزوال الجلل مردود[242] بأنّ الجلل من الحالات العارضة للحيوان عند العرف، فلا مانع من جريان الاستصحاب...

-------------------------

[242] قوله: [مردود] فيه أنه لو علق حكم على عنوان فزال فالظاهر تبدل الموضوع بلحاظ ذلك العنوان، وإن كان بذاته لو لوحظ هو هو، ونظيره ما ذكره المصنف في «الإسلام» مع أن الذات واحدة.

ص: 413

ص: 414

فهرس المحتويات

المسألة 1: في احكام التقليد ... 7

المسألة 2: شرائط مرجع التقليد، الذكورية ... 13

الحريّة والبلوغ ... 23

العقل والايمان ... 26

طهارة المولد ... 29

الاجتهاد ... 32

الاعلميّة ... 35

عدم جواز تقليد الميت ابتداءً ... 39

جواز البقاء علی الميت ... 48

المسألة 3: يجب تقليد الأعلم مع العلم بمخالفته لغير الأعلم ... 50

المسألة 4: يثبت الاجتهاد بالعلم ... 53

المسألة 5: لو لم يتعيّن له الأعلم ... 56

المسألة 6: لو تعيّن الأعلم وتعذّر الوصول إلى فتاويه ... 57

المسألة 7: يجوز العمل بالاحتياط ... 57

المسألة 8: لو تعذر الوصول إلى قول المجتهد ... 58

المسألة 9: لو لم يعلم طريقة الاحتياط ... 61

مسألة10: لو قلّد غير الأعلم ... 61

المسألة 11: التقليد هو تعلم فتاوي المجتهد ... 63

المسألة 12: طريقة تعلّم المسائل ... 64

المسألة 13: لو كان المجتهدان يتساوى فقاهتهما ... 64

المسألة 14: لا يجوز العدول عن المجتهد الحيّ ... 65

المسألة 15: الجاهل القاصر أو المقصّر إذا عمل عملاً من غير تقليد ... 67

المسألة 16: العدالة هي ملكة ... 70

المسألة 17: إذا شك في أنّه قلّد أم لا ... 76

المسألة 18: إذا مات المجتهد ولم يعلم المقلّد بموته ... 77

المسألة 19: مجتهدان أحدهما أعلم والآخر أوثق ... 77

ص: 415

مسألة20: أحدهما أعلم من الآخر لكّنهما متوافقان في الفتوى ... 77

كتاب الطهارة

كيفيّة التطهير بالماء القليل ... 81

كيفيّة التطهير بالكر والجاري ... 105

اما المتنجس بالغائط والمني والدم ... 111

كيفية التطهير بماء المطر ... 115

المسألة 21: لو كان بعض مواضع البدن نجساً ... 122

المسألة 22: لزوم العصر في القليل ... 123

المسألة 23: اللباس المصبوغ ... 126

المسألة 24: إذا تنجّست يداه ... 127

المسألة 25: بول الرضيع ... 128

المسألة 26: ما لا يقبل العصر ... 132

المسألة 27: إذا نفذ الماء النجس إلى جوف الحب والكوز ... 135

المسألة 28: تنجس ما فيه الخيوط ... 136

المسألة 29: إذا تنجّس لبّ الرقّي أو البطّيخ ... 137

المسألة 30: إذا عجن مثل الكوز بالماء النجس ... 138

المسألة 31: لا بدّ من غسل الظروف ثلاث مرّات في القليل ... 139

المسألة 32: إذا ولغ الكلب في إناء ... 140

المسألة 33: تطهير الحياض والقدور الكبيرة ... 152

المسألة 34: العود النجس إذا صار فحماً ... 153

المسألة 35: البخار الصاعد من النجس ... 154

المسألة 36: بقايا الغسالة في المغسول ... 155

المسألة 37: إذا يمّم الميّت بالتراب ... 155

المسألة 38: لو لم يمكن تغسيله بالسدر ... 157

المسألة 39: إذا انقلب الخمر خلاّ ... 158

المسألة 40: إذا شك في صيرورة الحصرم عنباً ... 163

المسألة 41: إذا غلى ماء العنب ... 169

المسألة 42: الزبيب والكشمش والتمر الملقى في المرق ... 170

ص: 416

المسألة 43: إذا أُلقي العنب في الماء مع التفّاح أو الخيار ... 178

المسألة 44: إذا كان الدن دهنياً ... 179

المسألة 45: إذا تنجّس منقار الطير ... 179

المسألة 46: إذا سقي الزرع بالماء النجّس ... 184

المسألة 47: إذا كان تحت الأظفار وسخ ... 185

المسألة 48: إذا تنجّس تحت الأظفار ثمّ انجمد ... 185

المسألة 49: لا يطهر المتنجّس بزوال عين ... 185

المسألة 50: لا يجوز أكل الأشياء النجسة أو المتنجّسة ... 191

المسألة 51: عدم جواز السجود على المحلّ المتنجّس ... 195

المسألة 52: تجب إزالة النجاسة عن المسجد ... 197

المسألة 53:المشاهد المشرّفة في حكم المساجد ... 209

المسألة 54: نجاسة الحيوان الطاهر ذي النفس بالموت ... 210

المسألة 55: جلد الميتة لا يطهر بالدباغة ... 224

المسألة 56: الجلود الّتي يبيعونها في أسواق المسلمين ... 225

المسألة 57: تثبت النجاسة بأمور ... 225

المسألة 58: كلّ شيء محكوم بالطهارة ما لم تثبت نجاسته ... 230

المسألة 59: تثبت طهارة النجس بأمور ... 233

المسألة 60: اللباس النجس إذا غسل بالإشنان ... 233

المسألة 61: الدم المشكوك نجاسته ... 234

المسألة 62: طهارة الطرق والأسواق ... 237

المسألة 63: غليان حبّةٍ من العنب في الحصرم ... 237

المسألة 64: طبخ الخلال مع اللّحم ... 239

المسألة 65: عدم وجوب اعلام وجود النجاسة في الفراش واللباس ... 239

المسألة 66: عدم وجوب اعلام وجود النجاسة في الطعام والشراب ... 240

المسألة 67: إذا اختضب بالحنّاء النجس ... 241

المسألة 68: السواد المنجمد تحت الجلد أو الأظفار ... 241

المسألة 69: إذا مشى على أرضٍ بعضها نجس ... 242

المسألة 70: إذا إِمتزج دبس وخلّ ثم وُجِدَ في الممزوج ذرق الفأرة ... 243

في النجاسات وهي عشرة

الأول والثاني: البول والغائط ... 251

ص: 417

الثالث: المني من الحيوان ذي النفس ... 266

الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس ... 270

الخامس: الدم من كل حيوان لَهُ نفس سائلة... 286

المسألة 71: الدم المشتبه... 287

المسألة 72: إذا تردّد الدم بين كونه من الخارج عند الذبح أو من المتخلّف في الذبيحة ... 287

السادس والسابع: الكلب... 300

الثامن: الخمر... 306

التاسع: الفقّاع ... 313

العاشر: الكافر ... 314

حكم عرق الجنب من الحرام ... 330

حكم عرق الإبل الجلالة ... 331

ولد الزنا ... 337

المخالفين ... 341

فصل في المطهرات

الأول: الماء المطلق ... 347

الثاني: الأرض ... 355

الثالث: الشمس ... 367

الرابع: الاستحالة ... 382

الخامس: ذهاب ثلثي العصير ... 390

السادس: الانتقال ... 391

السابع: الإسلام ... 397

الثامن: التبعيّة ... 404

التاسع: زوال عين النجاسة ... 408

العاشر: الغيبة ... 409

الثالث عشر: انفصال الغسالة عن المغسول ... 411

الرابع عشر: خروج ما يعتاد خروجه من الدم ... 411

الخامس عشر: استبراء الحيوان الجلال ... 412

فهرست المحتويات ... 415

ص: 418

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.