موسوعة الفقيه الشيرازي (بحوث في فقه النظر) المجلد 15

هوية الكتاب

موسوعة الفقيه الشيرازي

(15)

بحوث في فقه النظر

تقرير أبحاث:

آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي رحمه اللّه

بطاقة تعريف:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان المؤلف واسمه:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

تفاصيل النشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مواصفات المظهر:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج21: 3-291-204-964-978

حالة الاستماع:فيپا

لسان:العربية

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

تصنيف الكونجرس:1394 8م5ح/8/159BP

تصنيف ديوي:297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4153694

ص: 1

اشارة

سرشناسه:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

مشخصات نشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مشخصات ظاهری:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج15: 2-285-204-964-978

وضعيت فهرست نويسی:فيپا

يادداشت:عربي

مندرجات: ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

رده بندی كنگره:1394 8م5ح/8/159BP

رده بندی ديويی:297/312

شماره كتابشناسی ملی:4153694

موسوعة الفقيه الشيرازي

شجرة الطيبة

--------------

آية اللّه الفقيه السيّد محمّد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)

المطبعة: قدس

إخراج: نهضة اللّه العظيمي

الطبعة الأولی - 1437ه- .ق

---------

شابك دوره: 8-270-204-964-978

شابك ج15: 2-285-204-964-978

-------------

دفتر مركزي: قم خيابان معلم، میدان روح اللّه،

نبش كوچه 19، پلاك 10، تلفن: 9 – 37744298

چاپ: شركت چاپ قدس، تلفن 37731354 فكس 37743443

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين آمين رب العالمين.

وبعد: فهذا تقرير بحث الخارج لسماحة آية اللّه المحقق السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، وقد اشتمل على بعض المسائل المتعلقة بأحكام النظر إلى النساء، وهي من المسائل التي يكثر الابتلاء بها.

وقد كان من دأب السيد الأستاذ في هذا الدرس أن يقرأ متن ما أعدّه على الطلبة أوّلاً، فيطرح البحث بكلّ أدب ولطف، ويحكمه بالأدلة الدقيقة، ممّا يكشف عن سعة اطلاعه وغوره في أعماق بحار الفقه، ثم يفسح المجال للإشكالات، ويستمع إلى المناقشات بسعة صدر بالغ، واهتمام قلّ نظيره، وكان يترك المجال للمستشكل ليعرب عن رأيه مهما كانت شخصيته الاجتماعيّة والحوزويّة، ومهما كان الإشكال، ثم يقوم بردّ الإشكال، وقد يطيل معه أخذاً ورداً إلى أن تنضج المسألة وتحل العُقد، فقد كان واسع الصدر، حسن الأخلاق، قلّ ما رأيت نظيره فيمن رأيت.

وقد قرّرت نصّ ما كان يقرؤه السيد الأستاذ، ثمّ بعض الإشكالات التي أوردها التلامذة، ثم جواب السيد الأُستاذ، فما كان بعنوان (لا يقال) فإنّما

ص: 5

هو من الإشكالات الواردة أثناء التدريس.

والفضل في هذه التقريرات من اللّه تبارك وتعالى ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) ، ثمّ من السيد الأستاذ، والنقص والإشكال وقصور البيان وضعف الأداء من العبد المقرّر.

وأهديت ثواب هذا الجهد القليل إلى سيدي ومولاي أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) ، فإنّها بضاعة مزجاة أرجو منه القبول، فإنّ الهدايا على مقدار مهديها.

أسأل اللّه أنْ ينفع به المؤمنين، ويجعله ذخراً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.(1)

ص: 6


1- تمّ التقرير في مدينة قم المقدّسة بيت سماحة آية اللّه العظمی السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلّه وتمّت المراجعة في مدينة كربلاء المقدّسة.

المسألة الأولى

المسألة الأولى : المبتذلات اللاتي إذا نهين لا ينتهين

اشارة

ص: 7

ص: 8

المسألة الأولى: المبتذلات اللاتي إذا نهين لا ينتهين

اشارة

إحدى المسائل التي يكثر الابتلاء بها مسألة المبتذلات اللواتي إذا نُهينَ لا ينتهين، فهل يجوز النظر إليهن أم لا؟

قال صاحب العروة بعد إفتائه بجواز النظر إلى نساء الكفار: «وقد يلحق بهم نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم وهو مشكل. نعم، الظاهر عدم حرمة التردد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهن، ولا يجب غض البصر إذا لم يكن هناك خوف افتتان»(1).

فروع المسألة الأولى

اشارة

وفي هذه المسألة عدة فروع:

الفرع الأول: في حكم النظر إليهن
اشارة

وقد استشكل صاحب العروة (رحمه اللّه) في النظر إليهنَّ(2)، ووافقه على ذلك المحقق النائيني والمحقق العراقي والمحقق الحائري والسيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد البروجردي والسيد الگلپايگاني والسيد الوالد رحمهم اللّه(3).

ص: 9


1- العروة الوثقى 5: 486.
2- العروة الوثقى 5: 486.
3- العروة الوثقى 5: 486.

وأمّا الشيخ الكليني(1) فقد اعتمد على الخبر المروي في هذا الشأن، وأفتى صاحب الوسائل طبق هذا الخبر في عنوان الباب(2)، وقال السيد حسن القمي: «الأظهر جواز ذلك»(3)، وقال السيد الخوئي: «لا إشكال فيه»(4)، ووافقه السيد تقي القمي في المباني(5).

هذا ما عثرنا عليه في هذه العجالة، وقد أشكل المعظم في ذلك، بينما أجاز الأقل.

أدلة جواز النظر
اشارة

يمكن الاستدلال على الجواز بأدلة:

الدليل الأول: رواية عباد بن صهيب

ما رواه الكليني في الكافي، حيث قال: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عباد بن صهيب، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج؛ لأنهم إذا نهوا لا ينتهون»(6).

وهي عمدة الأدلة على جواز النظر إلى المبتذلات اللواتي إذا نهين لا ينتهين.

ص: 10


1- الكافي 5: 524.
2- وسائل الشيعة 20: 206.
3- العروة الوثقى 2: 603.
4- العروة الوثقى 5: 486.
5- مباني منهاج الصالحين 9: 562.
6- الكافي 5: 524.

الإشكالات على الدليل الأول

وفي الاستدلال بهذه الرواية إشكالات:

الإشكال الأول: إشكال سندي

الأول: الإشكال السندي، وذلك من جهتين:

الجهة الأولى: مجهولية عدة الكافي

مجهولية العدة التي يروي عنها الكليني هذه الرواية، وهو إشكال عام يشمل الكثير من الروايات.

ويردّ عليه بأجوبة:

الجواب الأول: إنّ هنالك طرقاً لدفع الإشكال من هذه الجهة.

طرق توثيق العدة

هناك عدة طرق لتوثيق عدة الشيخ الكليني في الكافي، وهي:

الطريق الأول: احتواء العدة على ثقة واحد

لقد ذكر النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى أنَّ الكليني قال: «كل ما في كتابي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فهم محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكميذاني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم بن هاشم»(1).

فتكون العدة محتوية على ثقة واحد على الأقل، وهي في المقام عن أحمد بن محمد بن عيسى، فتحتوي على محمد بن يحيى الثقة الجليل الأشعري العطار.

ص: 11


1- رجال النجاشي: 378.

ومثل ذلك ما نقله العلامة عن الكليني.

والفرق بينهما أنّ النجاشي اقتصر على ذكر رجال العدة عن أحمد بن محمد، وأمّا العلامة فقد ذكر عنه رجال العدة الثلاث، وفي كل واحدة منها يوجد واحد من الثقات.

ويرد على هذا الطريق أنهما لم يعاصرا الكليني حتى يكونا سمعا عنه مباشرة، فلابد من أن تكون هنالك وسائط محذوفة بينهما وبينه، وحيث إنّ الوسائط مجهولة لزم عدم حجية النقل المذكور، كما يقال مثل ذلك في مراسيل الروايات.

ويبدو أنّ الإشكال متين.

لكن هنالك طريقة واحدة لدفعه، وهي احتمال كون النقل حسياً، باعتبار وضوح الأمر من جهة نقله كابراً عن كابر، وإذا دار الأمر بين كونه حسياً أو حدسياً كانت أصالة الحس العقلائية محكمة، كما يقال بمثل ذلك في توثيقات الرجاليين لمن لم يعاصروهم في الروايات، كتوثيق النجاشي لعبد اللّه بن سنان، مع أنّ الوسائط بينهما محذوفة، وكما نوثق الشيخ الأنصاري مع أننا لم نره، فليس ذلك اجتهاداً، وإنما هو عن حس أو كالحس، وقول الثقة في ذلك معتبر، وفي المقام يحتمل كون نقل العلامة والنجاشي عن الكليني نقلاً حسياً أو كالحسي، وإذا دار الأمر بين الحس والحدس تكون أصالة الحس العقلائية محكمة، وإلا انسد باب التوثيقات الرجالية، خاصة مع ملاحظة أنّ كتاب الكافي بدأ بالانتشار في عهد الكليني، وكان يعتمد ويتدارس في العهود الأولى، وقد كتبه ليكون مرجعاً للشيعة إلى يوم القيامة، فاحتمال أن يكون نقل مثل هذه القضية المهمة كابراً عن كابر

ص: 12

متواتراً أو مستفيضاً حتى وصلت إلى النجاشي والعلامة قائمٌ جداً.

لا يقال: إذا تم ذلك في النجاشي عن الكليني فلا بد من تماميته في الكليني عن الصادق (عليه السلام) .

فإنه يقال: إذا كان الاحتمال قائماً قلنا بذلك، لكنه كثر الاعتماد في تلك الروايات على الاجتهاد، فهل يحتمل أنّ ثلث روايات الفقيه كانت واضحة، بحيث رواها الشيخ الصدوق من باب الوضوح لا الاجتهاد في صدورها عن المعصوم؟

الطريق الثاني: ما ذكره الكليني في الحديث الأول

قال الشيخ الكليني في الحديث الأول من أصول الكافي: «حدثني عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد»(1)، فيدل على وجوده في جميع العدد.

قال صاحب المعالم: «ويستفاد من كلامه في الكافي أنّ محمد بن يحيى أحد العدة، وهو كاف في المطلوب، وقد اتفق هذا البيان في أول حديث ذكره في الكتاب، و ظاهره أنه أحال الباقي عليه»(2).

وقال الشيخ الكليني (رحمه اللّه) : «عدة من أصحابنا، علي بن إبراهيم و.. عن أحمد بن محمد بن خالد»، لكن في بعض نسخ الكافي: «عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد»(3)، إلا أنّ أصالة عدم الزيادة مقدمة على

ص: 13


1- الكافي 1: 10.
2- منتقى الجمان 1: 43.
3- الكافي 6: 183.

أصالة عدم النقيصة.

لكن قد يشكل بأنّ ذلك لا يمثل قرينة عامة في جميع الموارد، لا أقل من الاحتمال الموجب لسقوط الاستدلال، فهو مثل أن يقول شخص كالخطيب: حدثني جماعة منهم فلان، ثم يقول: حدثني جماعة، فهل يعتبر إحالة على الحديث الأول؟ إلا أنّ صاحب المعالم مع دقته اعتبرها إحالة، فيكون محمد بن يحيى في كل العدد، فتكون معتبرة.

والحاصل: إنها قرينة ظنية جيدة.

الطريق الثالث: استبعاد اجتماع المشايخ على الخلاف

أقل أفراد العدة ثلاثة، ومن البعيد اجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني على التواطؤ على الكذب، أو وقوعهم في الخطأ جميعاً، خاصة أنّ الشيخ الكليني (رحمه اللّه) اعتمد على كلّ الكافي، وقد ألفه ليكون المرجع للشيعة إلى يوم القيامة, وقد أكثر الرواية عن العدة، ويبعد أن تكون القرائن في جميع تلك الموارد خارجية، فيتعين كونها داخلية، فيدل ذلك على الوثاقة.

كما لو اعتمد شخص على فرد في موارد متعددة، فإنّ ذلك يدل على أنّ القرينة داخلية.

وهناك طرق أخرى لإثبات وثاقة العدة لعل مجموعها يوجب الاطمئنان بما ذكر.

الجواب الثاني: لو فرض بقاء الإشكال في العدة، فهنالك طريق آخر لا توجد فيه العدة، وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب عن

ص: 14

عباد بن صهيب..(1)

قال في مشيخة الفقيه: «وما كان فيه عن الحسن بن محبوب فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي اللّه عنه(2)، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري(3) وسعد بن عبد اللّه(4)، عن أحمد بن محمد بن عيسى(5)، عن الحسن بن محبوب(6)»(7).

وقد روى الشيخ الصدوق نفس الرواية في العلل بنفس السند، إلا أنه ذكر أهل الذمة بدل العلوج.

وعليه تم حلّ الجهة الأولى من جهات الإشكال إما بالجواب الأول أو الثاني.

الجهة الثانية: ضعف عباد بن صهيب

ما ذكره في المستمسك(8) من ضعف الرواية بعباد، فإنّ طرقها تنتهي إليه.

وفيه: إنّ هنالك طرقاً لتوثيق عباد.

ص: 15


1- من لا يحضره الفقيه 3: 306.
2- محمد بن موسى بن المتوكل، ثقة.
3- عبد اللّه بن جعفر الحميري، ثقة.
4- سعد بن عبد اللّه، ثقة.
5- أحمد بن محمد بن عيسى، ثقة.
6- الحسن بن محبوب، ثقة.
7- من لا يحضره الفقيه 4: 453.
8- مستمسك العروة الوثقى 14: 21.

طرق توثيق عباد بن صهيب

الطريق الأوّل: رواية ابن محبوب عنه، وهو من أصحاب الإجماع، ذكره المحقق النراقي(1) والسيد الحكيم(2) والسيد الوالد(3).

وفيه نظر، فإنّ المبنی محلّ إشكال على ما فصّل في علم الرجال في بحث الوقوع في سند أصحاب الإجماع.

الطريق الثاني: ما ذكره السيد الحكيم(4) والسيد الوالد(5) من أنّ أحمد بن محمد بن عيسى، الراوي عن ابن محبوب، هو الثقة الجليل الذي أخرج البرقي من قم؛ لأنه يروي عن الضعفاء.

وفيه نظر؛ لأنه أنما أخرج البرقي لإكثاره الرواية عن الضعفاء، واعتماده المراسيل، أو لخصوصية فيما رواه، كأن تسبب فتنة اجتماعية أو فكرية حسبما يراه المخرج، فلا يدل ذلك على أنه لا يروي أية رواية ضعيفة، لا أقل من إجمال وجه العمل، فإنّ العمل لا لسان له، فتأمل.

الطريق الثالث: وقوعه في أسانيد تفسير القمي.

وفيه: إنّ المبنى غير مرضي.

الطريق الرابع: إنه ثقة؛ لتوثيق النجاشي له(6).

ص: 16


1- مستند الشيعة 16: 42.
2- مستمسك العروة الوثقی 14: 21.
3- الفقه 62: 183-184.
4- مستمسك العروة الوثقی 14: 21.
5- الفقه 62: 184.
6- رجال النجاشي: 293.

فتحصل أنّ سند الرواية تام، خلافاً للسيد الحكيم الذي ضعفها، وكذا صاحب الجواهر(1)، حيث عبر عنها بخبر عباد، وإن لم يكن مقيّداً بالمصطلحات.

تنبيه

لقد عبر السيد الخوئي(2) عنها بالصحيحة.

وفيه نظر؛ إذ عباد عامي، كما صرح بذلك في المعجم، قال: «لا إشكال في كونه عامياً بشهادة الشيخ والكشي»(3)، وقد عبر العلامة المجلسي (رحمه اللّه) عن الخبر بالموثق(4).

فتحصل أنّ الرواية موثقة، وأنّ الإشكال الأول غير تام.

الإشكال الثاني: كون المراد من الحديث عدم وجوب الغض

ما ذكره صاحب الجواهر: «يمكن كون المراد منه عدم وجوب الغض وعدم حرمة التردد في الأسواق والزقاق من هذه الجهة؛ لما في ذلك من العسر والحرج بعد فرض عدم الانتهاء بالنهي»(5).

فإنّ الذي يدخل الأسواق يعلم إجمالاً بوقوع نظره على اللواتي إذا نهين لا ينتهين، ومعه يدور أمره بين اثنين: ترك الدخول إليها، أو وجوب غض

ص: 17


1- جواهر الكلام 29: 69.
2- شرح العروة الوثقی 32: 28.
3- معجم رجال الحديث 10: 233.
4- مرآة العقول 20: 353.
5- جواهر الكلام 29: 69.

النظر حتى لا ينظر إلى أحد، فيكون مراد الرواية عدم الإشكال في النظر المتعقب لدخول الأسواق و شبهها.

وفيه: إنه تقييد من غير دليل؛ إذ مقتضى الإطلاق كون الموضوع هو النظر، لا النظر المترتب على دخول الأسواق، وقد ذكر في المستمسك: أنّ ما ذكره الجواهر خلاف الظاهر(1).

وربما يُنتصر للجواهر بأنّ القدر المتيقن هو خصوص النظر المذكور.

وفيه: انّ القدر المتيقن الخارجي(2) لا يقدح في إطلاق المطلق.

نعم ربما يقال: إنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من انعقاد الإطلاق.

وإن كان فيه نظر أيضاً، على ما فصّل في محله.

وبعبارة واضحة: القدر المتيقن الخارجي متحقق في جميع المطلقات، فالقدر المتيقن من (أكرم العلماء) هو العدول منهم، لكن ذلك لا يمنع من انعقاد الإطلاق. نعم، إذا كان قدراً متيقناً في مقام التخاطب، كما لو كان الحديث عن علماء الدين أو سأله عن المفيد والصدوق فقال: «مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء» أمكن القول بعدم شموله لعلماء المنطق، كما عليه صاحب الكفاية، وإن ذهب الكثير من المحققين إلى عدم منعه الإطلاق أيضاً.

وفي المقام لم يتحقق القدر المتيقن في مقام التخاطب، حيث لا سؤال

ص: 18


1- مستمسك العروة الوثقی 14: 21.
2- أي الخارج عن مقام التخاطب.

مثلاً عن الدخول في الأسواق، حتى يحمل كلام الإمام (عليه السلام) عليه.

فما ذكره في الجواهر غير واضح.

الإشكال الثالث: قصر الجواز على النظر القهري

إن مقتضى قوله (عليه السلام) : «ما لم يتعمد ذلك» قصر الجواز على النظر القهري، وما هو خارج عن الاختيار، فلا يشمل النظر الاختياري.

وهذا نص الحديث: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج؛ لأنهم إذا نهوا لا ينتهون. قال: والمجنونة والمغلوبة على عقلها لا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك»(1).

فالقيد الأخير يدل على أنّ النظر اتفاقي، وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في النظر المتعمد.

ويرد عليه: أولاً: إنّ القدر المتيقن عوده إلى الجملة الأخيرة لا غيرها.

وفيه نظر؛ إذ ذلك وإن كان هو القدر المتيقن، إلا أنه يوجب الإجمال فيما تقدمها من الجمل؛ لكون القرينة متصلة، كما ذكر نظير ذلك في الاستثناء المتعقب للجمل.

فلو قال المولى: (أكرم العلماء وأضف الخطباء واحترم الشعراء، إلا الفساق منهم) كان المتيقن عود الاستثناء إلى الأخير، لكن قال جمع من المحققين(2): إنه يمنع عن انعقاد الإطلاق في الجمل المتقدمة؛ لأنّ القرينة متصلة لا منفصلة، فلا يمكن التمسك بالإطلاق فيها.

ص: 19


1- الكافي 5: 524.
2- أجود التقريرات 1: 496؛ مجمع الأفكار 2: 213؛ المحكم في أصول الفقه 2: 139.

وثانياً: إنّ ظاهر الرواية عدم ارتباط القيد بما تقدم الجملة الأخيرة؛ لمكان تصديرها ب- (قال) الظاهر في استقلالها عما قبلها، وكأنه قطع الكلام عما تقدمه.

لا يقال: إنّ (قال) من الراوي و (الواو) عاطفة تربط الجملتين، وهو ظاهر في الاتصال لا الانفصال.

فإنه يقال: الظاهر الانفصال، خاصة مع ملاحظة التعليل في الشق الأول من الرواية والتقييد في الشق الثاني منها.

وثالثاً: - وهو العمدة - إنه لو فرض رجوع القيد إلى الجميع أو فرض الإجمال، إلا أنّ معنى التعمد هو خصوص النظر الشهوي، لا مطلق النظر المتعمد.

وهذه كلمات بعض الفقهاء في ذلك:

قال الحر العاملي: «أقول: الظاهر أنّ المراد بالتعمد هنا النظر بشهوة»(1).

وقال في الحدائق: «يعني على وجه التلذذ به والميل إليه»(2).

وقال في فقه الصادق: «والمراد بالتعمد القصد إلى النظر الملازم للنظر بشهوة»(3).

ولم يذكروا البرهان على المدّعَى، لكن السيد الوالد (رحمه اللّه) برهن على ذلك في الفقه، حيث قال: «المراد بعدم التعمد القصد لأجل اللذة، وإلاّ فعدم

ص: 20


1- وسائل الشيعة 20: 206.
2- الحدائق الناضرة 23: 60.
3- فقه الصادق 21: 101.

التعمد يجوز حتى بالنسبة إلى المسلمة»(1).

إذ التعمد مقابل الخطأ ولا حكم للخطأ، فلا معنى لحمل عدم التعمد على الخطأ والسهو، كما لو فتح عينه من النوم ورأى الأجنبية أمامه، فلا يمكن أن يكون فيه البأس حتى ننفي ذلك، فلا يكون معنى لقوله (عليه السلام) : «لا بأس».

لا يقال: إنه قد يتوهم لزوم غض النظر في الأسواق حتى لا يقع النظر خطأ، فينفي الإمام ذلك.

فإنه يقال: المقدور بالواسطة مقدور، فإذا علم أنّ هذا النظر يؤدي به إلى النظر اعتبر عمداً لا خطأ.

ثم إنه حتى لو فرض عود القيد للجميع لا للجملة الأخيرة، ولم يكن منفصلاً عنها لم يضر بما نحن فيه؛ لأنّ النظر بشهوة إلى اللواتي إذا نهين لا ينتهين ليس محل الكلام، وستأتي قيود هذا النظر، فلم يقل أحد بجواز النظر إليهن بشهوة.

والحاصل: إنّ القيد ليس للجملة الأولى، ولو كان قيداً لها لم يضر بمقصودنا؛ لأنّ المراد النظر الشهوي.

لا يقال: إنه لا وجه لتفسير التعمد بالنظر بشهوة، بل يمكن تفسيره بطول النظر مثلاً.

لكنه خلاف الظاهر جداً، أما التفسير بالنظر الشهوي فهو وارد، كما نشاهد مثله في الفتاوى.

ص: 21


1- الفقه 62: 180.

الإشكال الرابع: تقيد الرواية بأهل الذمة

إنّ هذه الرواية وردت في الفقيه والعلل مقيدة بكونهم من أهل الذمة، ومع التعارض بين أصالة عدم الزيادة وعدم النقيصة تقدم أصالة عدم الزيادة.

ففي الفقيه: «لا بأس بالنظر إلى شعور نساء أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج...»(1).

والعلج: «الرجل الضخم القوي من كفار العجم، وبعضهم يطلقه على الكافر مطلقاً»(2)، فلا ترتبط الرواية بما نحن فيه.

فيدور الأمر بين أن يكون الكليني نقص أو الصدوق زاد، فيقدم الأول؛ لأصالة عدم الزيادة.

وفيه: إنّ ذلك لا يقدح في المقصود؛ لمكان العلة التي تعمم وتخصص، فعموم التعليل(3) حتى مع فرض وجود كلمة (أهل الذمة) في رواية الكليني يشمل غير أهل الذمة، فإنّ العلة ظاهرة ظهوراً قوياً في العموم.

لا يقال: قد يكون الموجود روايتين، خاصة مع ملاحظة اشتمال إحداهما على (أهل السواد) والأخرى (أهل البوادي).

لأنه يقال: إنه خلاف الظاهر، فالفرق بين الألفاظ قليل، فاحتمال تعدد رواية ابن محبوب عن عباد بن صهيب الواردة في الطريقين ضعيف، خاصة

ص: 22


1- من لا يحضره الفقيه 3: 470؛ علل الشرائع 2: 565.
2- مجمع البحرين 2: 319.
3- وهو «لأنهنّ إذا نهين لا ينتهين».

مع ملاحظة أول الرواية وآخرها، فالظاهر أنه نفس الرواية.

فاحتمال أنّ ابن محبوب الذي روى عن عباد بن صهيب اللذين وردا في الطريقين رويا روايتين خلاف الظاهر، فالظاهر أنه نفس الرواية، خاصة مع أول الرواية وآخرها.

لا يقال: فلماذا تم التقييد بأهل الذمة؟

لأنه يقال: الإشكال وارد على كل مفهوم لقب، فقد يكون التقييد لأجل أنه محل الابتلاء أو لحكمة أخرى، كما في (لا تأكل الرمان لأنه حامض) وكذا في روايات الاستصحاب المعللة: «فإن اليقين لا يدفع بالشك»(1) حيث دل على التعميم إلى غير الوضوء والخفقة والخفقتان.

فإنّ العلة تنقل الموضوع إلى موضوع التعليل، فيصبح الموضوع (الحامض) في المثال؛ ولذا يشمل الليمون الحامض بخلاف الرمان الحلو.

لا يقال: الكليني أضبط، فيقدم في التعارض بينه وبين الفقيه.

فإنه يقال: نعم، الأمر كذلك، لكن لو نقص الأضبط وزاد غيره أخذ بالزيادة للأصل المذكور، فإنّ أصالة عدم الزيادة مقدمة على أصالة عدم النقيصة عقلائياً.

الإشكال الخامس: الأخذ بالتعليل أشكل

وهو ما ذكره السيد السبزواري، حيث قال: «كما أنّ الأخذ بتعليله أشكل»(2)، فالعمل به مشكل والأخذ بتعليله أشكل، ولكنه لم يبين وجه

ص: 23


1- مستدرك الوسائل 1: 228.
2- مهذب الأحكام 24: 37.

الإشكال.

ويرد عليه: إنه لا مانع من الأخذ بعموم التعليل والحكم بجواز النظر إلى جميع أجسادهن، واستثناء ما خرج بإجماع ونحوه لا يقدح في عموم التعليل؛ لتمام الباقي، كما لو قال: (لا تأكل الرمان لأنه حامض) وثبت من الخارج خروج حامض خاص من الحكم.

نعم، قد يقال: إنّ الأخذ بعموم العلة يستلزم جواز غير النظر من اللمس وغيره إذا كن لا ينتهين بالنهي عن ذلك، وإخراج كل ذلك من عموم العلة تخصيص للأكثر.

هذا ويمكن دفع الإشكال بأنّ غاية ما يلزم كون العلة علة للجعل لا للمجعول، وبعبارة أخرى كون (لأنهم إذا نهوا لا ينتهون) حكمة لا علة، وحينئذٍ يختص جواز النظر بالرأس ولا يعم سائر الجسد، بل يجب الاقتصار على مورد الرواية، وهو النظر إلى الرؤوس فقط لا إلى غيرها، وهذا لا يستلزم الإشكال في أصل الحكم كما صنعه في المهذب.

لكن يرد عليه: إنه أنما يتم بناء على تقديم رواية الكليني المطلقة على رواية الصدوق المقيدة، وأمّا بناءً على تقديم رواية الصدوق فيختص الحكم بأهل الذمة، ولا يجدينا في المقام مطلقاً.

لا يقال: إنه لا يستلزم تخصيص الأكثر؛ لأنه الأكثر النوعي لا الفردي، فإنّ الأنواع تكثر، لكن أكثر الأفراد داخلة في النظر، فمثلاً يخرج الرجل وينظر إلى ألف امرأة، بينما يقبل امرأة واحدة ويصافح أخرى وينظر بشهوة إلى ثالثة.

ص: 24

فإنه يقال: هل الملاحظ النوع أم الأفراد؟ ثم إنه مع ملاحظة بقية الأنواع التي جرت العادة عليها، كالملامسة والخلوة بالأجنبية والمفاكهة الشهوية والنظر الالتذاذي، ألا يكون الأخذ بعموم العلة تخصيصاً للأكثر؟ فإنّ الملاك أن لا يكون التعليل مستهجناً.

وعلى فرض تمامية الإشكال فهو جواب آخر عما ذكر، وحاصله: إنه ليس تخصيصاً للأكثر، فلا مانع من الأخذ بعموم التعليل والحكم طبقه، إلا فيما قام الدليل على الخلاف، كالضرورة أو الإجماع.

لا يقال: الملاك واحد بين الرأس وغيره.

فإنه يقال: لا يعلم وحدة الملاك.

لا يقال: العلة تعمم وتخصص في مدار الحكم الوارد لا حكم آخر، وفي المقام وردت العلة في محط النظر، والعلة تدور مدار النظر تعميماً وتخصيصاً، فلا يسري حكمها لغير النظر كاللمس وغيره.

فإنه يقال: إنّ علة جواز النظر هي «لأنهن إذا نهين لا ينتهين» كما لو قال: (لا بأس بالصلاة خلف زيد لأنه عادل) ومعناه جواز الصلاة خلف كل عادل، ومع الاعتراف بالعلية فإنها تعمم إلى غير المورد، كما لو قال: (كل الرمان فإنه قاطع للصفراء) حيث يمكن الحكم على ذلك بكل قاطع للصفراء، فلو كان دلكه أو النظر إليه قاطعاً للصفراء شمله الحكم، فلا خصوصية للأكل، كما لا خصوصية للرمان.

فالعلة تعمم لكل ما ترتبت عليه العلة، وبعبارة أخرى: العلة هي موضوع الحكم في الواقع، فلا إشكال في كل ما كان حراماً، لكنهن لا ينتهين بالنهي

ص: 25

عنه، مع مراعاة القيد السابق، أي: ما لم يمنع منه ضرورة أو إجماع.

لا يقال: العلة تُعطى للعرف، فإن فهم منها العمومية عمّت وإلا فلا، ففي مثال (كل الرمان لأنه قاطع للصفراء) يفهم العرف العمومية؛ لذا يتعدى إلى النظر واللمس والدلك، أما في مثال (أحبها لأنها الكبرى) فهل يدل على أنه يحب كل شيء كبير؟

لأنه يقال: العرف يفهم ذلك فيتعدى إلى سائر الموارد، فيقول: (لا بأس بالنظر لأنهن لا يرتدعن) وكانت العلة عدم ارتداعهن، فالمصافحة أيضاً كذلك؛ لأنهن لا يرتدعن.

لا يقال: بناء على كونها حكمة، لم يصح التعدي إلى غير أهل تهامة والبوادي.

فإنه يقال: يصح التعميم لغيرهم؛ لوحدة الملاك ولفهم عدم الخصوصية إن قال: (إن لم يسمع كلامك فاعبس في وجهه، وقطّب جبينك) فهل تتعدى إلى الضرب؟

إذا كان هذا هو العلة نتعدى، ما لم يخرج منه شيء.

والحاصل: قوله (عليه السلام) : «لأنهن إذا نهين لا ينتهين» إما علة أو حكمة، فعلى الأول أمكن التعدي من الرؤوس إلى غيرها إلا ما خرج بالدليل، وتأتي شبهة تخصيص الأكثر، فإن تمكنا من دفعها بما ذكر تمت العلية، وتكون العلة هي المحور ما لم يمنع منه مانع، كالنظر إلى العورة والمصافحة والخلوة والمفاكهة، أما النظر المجرد فلا مانع من شمول العلة له، وعلى الثاني لزم الاقتصار على الرؤوس، ويرد الإشكال أنّ رواية الصدوق مقيدة،

ص: 26

فإن رجحت على رواية الكليني - كما هو الظاهر - فلا يمكن التعدي؛ لأنه خاص بأهل الذمة.

الإشكال السادس: إعراض المشهور عن العمل بالرواية

إعراض مشهور الفقهاء عن الخبر؛ إذ لم نجد من أفتى طبقه من المتقدمين إلا الشيخ الكليني في الكافي(1)، والحر العاملي في الوسائل(2)، وبعض متأخري المتأخرين، كالسيد حسن القمي والسيد الخوئي والسيد السيستاني(3).

وأمّا رواية الصدوق في الفقيه فهي مقيدة لا مطلقة، وحكمه بالعموم استناداً إلى عموم العلة غير واضح، فلعله فهم الحكمة منها لا العلة، فلا يمكن تحميل الفتوى في غير أهل الذمة على الصدوق.

فلا يبقى من المتقدمين إلاّ الكليني.

قال في المهذب: «العمل به مع إعراض المشهور عنه مشكل»(4).

وقد يجاب عنه بأنّ الفقهاء لم يتعرضوا لمضمون الخبر، وعدم التعرض لمضمونه لا يساوق الإعراض عنه، فهما شيئان، والمتحقق في المقام الأول ولم يثبت الثاني.

قال في مرآة العقول: «لم أرَ في كلام الأصحاب تصريحاً به»(5).

ص: 27


1- الكافي 5: 524.
2- وسائل الشيعة 20: 206.
3- منهاج الصالحين 3: 14.
4- مهذب الأحكام 24: 37.
5- مرآة العقول 20: 353.

وفي هذا الجواب نظر؛ إذ عدم التعرض يلازم الإعراض بشرطين.

الأول: كون المسألة محل الابتلاء كثيراً، أما إذا لم تكن المسألة كذلك - كبعض الفروع النادرة - أمكن أن يكون عدم التعرض للحكم لعدم الحاجة، فلا يكشف عن الإعراض.

الثاني: كون الخبر بمرأى منهم ومسمع، وإلاّ فلا يكون دليلاً على الإعراض.

والشرطان متوفران في المقام، فإن المسألة محل الابتلاء كثيراً، خاصة مع ملاحظة البدويات والقرويات، فإنّ الكثير منهن لم يكن يلتزمن بالحجاب الشرعي، والخبر كان بمرأى منهم ومسمع، فقد أوردوه في كتبهم، ومع ذلك لم يفتوا طبقه، فيكون عدم التعرض دليلاً على الإعراض.

وهذه نماذج ممن ذكر الخبر في كتابه، فمع أنهم ذكروا الحكم الكلي، وهو عدم جواز النظر، وذكروا الاستثناءات فيه واحدا واحدا، وذكروا هذا الخبر أيضاً، إلاّ أنّ أي واحد منهم لم يُفتِ طبقه حسب تتبعي بقدر الإمكان، فيبقى الحكم الكلي على العموم.

فمنهم: العلامة والمحقق الكركي والشهيد الثاني والسيد العاملي والمحقق السبزواري والفاضل الهندي والشيخ البحراني والسيد الطباطبائي والمحقق النراقي والسيد الخونساري(1).

ص: 28


1- تذكرة الفقهاء 2: 574؛ جامع المقاصد 7: 44؛ نهاية المرام 1: 53؛ كفاية الأحكام: 153؛ كشف اللثام 2: 9؛ الحدائق الناضرة 23: 59؛ رياض المسائل 2: 73؛ مستند الشيعة 16: 42؛ جامع المدارك 4: 144.

هذا ولكن قد يقال: إنّ ذلك لا يكفي في تحقق الإعراض ما لم تكن دلالة الخبر جلية، وليس الأمر في المقام كذلك؛ إذ الخبر الواصل إليهم هو الخبر المقيد بأهل الذمة، وأمّا الخبر المطلق فلم يثبت وصوله إليهم.

فالخبر في المصادر المذكورة مقيد، ودلالته على الحكم في المقام مبتنية على كون العلة معممة، واستفادة العموم منها غير جلية، فلم يثبت الإعراض عن الخبر المطلق في المقام، وأمّا خبر الكليني المطلق فلم نجد له إشارة إلاّ في الحدائق وجامع المدارك.

ونظير ذلك ما ذكر في روايات: «لا تنقض اليقين بالشك»(1)، حيث إنّ أكثر الفقهاء لم يلتفتوا إليها، فلم يعتمدوا عليها إلى حوالي تسعمائة سنة، بل استدلوا بحكم العقل على ذلك، فقد قال الشيخ الأعظم في الرسائل: «ظاهر كلمات الأكثر - كالشيخ والسيدين(2) والفاضلين(3) والشهيدين وصاحب المعالم - كونه حكماً عقلياً؛ ولذا لم يتمسك أحد هؤلاء بخبر من الأخبار. نعم، ذكر في العدة - انتصاراً للقائل بحجيته - ما روي عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أنّ الشيطان ينفخ بين أليتي المصلي، فلا ينصرفن أحدكم إلاّ بعد أن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، ومن العجب أنه انتصر بهذا الخبر الضعيف(4)، المختص بمورد خاص، ولم يتمسك بالأخبار الصحيحة العامة المعدودة - في حديث

ص: 29


1- تهذيب الأحكام 1: 8 ؛ وسائل الشيعة 1: 245.
2- السيد المرتضى و ابن زهرة.
3- المحقق الحلي و العلامة الحلي.
4- ويقال: إنه لم يوجد في المجامع الشيعية وغيرها بهذا اللفظ بل هنالك قريب منه.

الأربعمائة - من أبواب العلوم(1)، وأول من تمسك بهذه الأخبار - فيما وجدته - والد الشيخ البهائي فيما حكي عنه في العقد الطهماسبي، وتبعه صاحب الذخيرة وشارح الدروس، وشاع بين من تأخر عنهم. نعم، ربما يظهر من الحلي في السرائر الاعتماد على هذه الأخبار، حيث عبر عن استصحاب نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره من قبل نفسه بعدم النقض إلاّ باليقين، وهذه العبارة الظاهر أنها مأخوذة من الأخبار»(2).

فاستفادة الحكم من الأخبار يبتني على عموم العلة، ولا يخفى أنّ هنالك بعض الروايات العامة أيضاً، لكنهم لم يلتفتوا إليها، أو لم يروا عليتها، فلم ينتقلوا إلى الحكم، فلا يدل على الإعراض، وفي المقام كذلك.

لا يقال: لا يعقل عدم وصول الخبر إليهم.

لأنه يقال: هنالك الكثير من الروايات - وخاصة العقائدية التي هي من البديهيات عندنا - لم تصل إليهم، بل كانوا يتهمون القائل بها بالغلو، فلم تكن تلك الروايات في متناول أيديهم لتشتتها.

فتحصل أنه لم يظهر لنا أنّ الفقهاء هل رأوا رواية الكافي أم لا؟ وأمّا رواية الفقيه التي رأوها فهي مقيدة، ولم ينتقلوا منها إلى عموم العلة.

فالمسألة مشكلة كما ذهب إليه صاحب العروة وجمع من المحشين(3)، خاصة أننا لم نجد أي واحد من القدماء أو المتأخرين أفتى بها إلا الكليني

ص: 30


1- أربعمائة حديث من أبواب العلوم ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكان واحد.
2- فرائد الأصول 3: 13-15.
3- العروة الوثقى 5: 486.

وصاحب الوسائل وجمعاً من المعاصرين، فهل يمكن الفتوى بذلك مع ملاحظة ما مرّ من السيد السبزواري والعلامة المجلسي وما قاله في المستمسك: «فلا يبعد إذاً العمل بالحديث، لولا ما قد يظهر من المشهور من عدم العمل به؛ لعدم تعرضهم لمضمونه»(1)، وكذلك السيد الوالد، حيث قوّى الخبر في الفقه(2)، لكن لم يفتِ به.

هذا تمام الكلام في الدليل الأول.

الدليل الثاني: رفع الحرج

إنّ تجنب النظر حرجي، ومقتضى الآية الكريمة والروايات الشريفة رفع الحرج، قال اللّه تعالى: {وَمَا

جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(3).

ويرد عليه:

أولاً: إنّ الحرج عنوان ثانوي، ورفعه للحرمة يدور مدار تحققه لا مطلقاً، وبعبارة أخرى: إنّ رفع الحرج للحكم يتوقف على ثبوت الحرج، فإذا لم يتحقق في فرد لم ترتفع الحرمة، كما أنه يتقدر بقدره فيمن تحقق فيه.

وثانياً: إن المرفوع بأدلة الحرج خصوص الأحكام الوجوبية، فلا يرفع التحريم.

وفي الجواب الثاني تأمل مذكور في القواعد الفقهية(4).

ص: 31


1- مستمسك العروة الوثقى 14: 21.
2- الفقه 62: 180.
3- الحج: 78.
4- القواعد الفقهية 1: 253.

لا يقال: الحرج علة للجعل لا المجعول، كقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لولا أن أشق على أمتي»(1) فلتحقق الحرج في المعظم يرفع اللّه الحكم عن الجميع.

فإنه يقال: ليس علة، بل هو موضوع، فإن لم يتحقق الموضوع لم يترتب الحكم، ك- (لا ضرر) فلو لم يكن ضرر لم يرتفع الحكم، وقد ثبت الحكم الأولي العام، ثم جاء العنوان الثانوي الرافع له، فمن البديهيات الفقهية أنه يتقدر بقدره وفي حدوده.

لا يقال: إنّ الحكم مجعول في موضع الحرج، فلا ترفعه أدلة الحرج.

فإنه يقال: إذا فرض أنه كذلك ارتفع الحكم بالمقدار الذي جعل في مورده، أما لو كان الحرج أكثر من ذلك فلا، ويمكن عدّ هذا جواباً ثالثاً.

لا يقال: كيف يثبت الجواز برفع الحرمة؟

فإنه يقال: للملازمة العرفية، فإنه لو ارتفعت الحرمة دلّ ذلك على الجواز، فإذا ارتفعت الحرمة دار الأمر بين الأحكام الأربعة الباقية، وهي تكفينا.

الدليل الثالث: سيرة المتشرعة

وفي تحقق سيرة مستجمعة لشرائط الحجية في غير ما استثناه صاحب العروة(2) تأمل.

فتحصل من ذلك أنّ جميع الأدلة القائمة على جواز النظر(3) مخدوشة،

ص: 32


1- مستدرك الوسائل 1: 364.
2- العروة الوثقى 5: 486، وفيه: «يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة، بل مطلق الكفار مع عدم التلذذ والريبة، أي خوف الوقوع في الحرام، والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن على عدم ستره...».
3- وهي رواية عباد ولا حرج وسيرة المتشرعة.

ويبقى الحكم بلا دليل.

هذا تمام الكلام في الفرع الأول.

الفرع الثاني: في حكم التردد في الأسواق
اشارة

يقع الكلام في حكم التردد في الأسواق مع العلم بوقوع النظر عليهن، بناءً على حرمة النظر إليهنَّ في حدّ ذاته.

ومقتضى القاعدة الأولية الحرمة؛ لمنجزية العلم الإجمالي في التدريجيات كالدفعيات(1).

لكن المعروف بين من تعرض لهذه المسألة هو الجواز.

قال صاحب العروة (رحمه اللّه) : «نعم، الظاهر عدم حرمة التردد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهن، ولا يجب غض البصر إذا لم يكن هناك خوف افتتان»(2).

ووافقه على ذلك المحقق العراقي والمحقق الحائري والمحقق النائيني والسيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد عبد الهادي الشيرازي(3) والسيد الوالد(4) والسيد الخوئي والسيد حسن القمي.

لكن المخالف الوحيد فيما وجدنا هو السيد البروجردي، حيث علق على العروة بقوله: «محل تأمل إذا كان عالماً بوقوع النظر عليهن»(5).

ص: 33


1- أجود التقريرات 2: 274؛ منتهى الأصول 2: 283؛ بحوث في علم الأصول 5: 163.
2- العروة الوثقى 5: 493.
3- العروة الوثقى 5: 493.
4- العروة الوثقى 2: 603.
5- العروة الوثقى 5: 486.
أدلة جواز النظر
اشارة

واستدل على الجواز بأدلة:

الدليل الأول: الإجماع

وهو ما ذكره السيد السبزواري(1).

وفيه: إنه إجماع منقول، وحجيته موقوفة على كشفه، ولو بضميمة القرائن الاُخر عن قول المعصوم (عليه السلام) ، أو دليل معتبر، مع أنّ المسألة غير مذكورة في كلمات معظم الفقهاء حسبما رأينا في كلماتهم.

لا يقال: لو كان محرماً لذكروه مع كثرة الابتلاء؛ فإنّ الناس - حتى الفقهاء - يذهبون إلى الأسواق، فهل كانوا يغمضون عيونهم؟ فيمكن كشف رضاهم من سكوتهم.

لأنه يقال: هذا إجماع تقريري، وهو مصطلح جديد، ويمكن توجيه الإجماع المذكور بذلك، فإنّ الفقهاء لم ينكروا على هذه الظاهرة مع كثرة الابتلاء، فإن تم ذلك أمكن القول به في كل ظاهرة خارجية متداولة.

الدليل الثاني: العسر والحرج

وهو ما ذكره في المهذب(2).

وفيه: إنّ رفع العسر للحكم يتوقف على تحققه ويتقدر بقدره، كما سبق.

لا يقال: كل شخص يمكنه أن يدعي الحرج، حيث لم يبين حدوده.

فإنه يقال: بل الإنسان على نفسه بصيرة.

ص: 34


1- مهذب الأحكام 24: 37.
2- مهذب الأحكام 24: 37.
الدليل الثالث: إنه القدر المتيقن

إنه القدر المتيقن من الرواية، ولا إعراض عن ذلك، كما ذكره في المستمسك(1).

وحاصله أنّ إسقاط الإعراض للخبر المعتبر يتقدر بقدره، ولا إعراض عما ذكر، وإلاّ لبان بنهيهم عن ذلك، وبعبارة واضحة: المفهوم من كلام السيد الحكيم - حسب خبر عباد - هو جواز النظر مطلقاً، والفقهاء أعرضوا عنه، لكنهم لم يعرضوا عنه في هذا المورد، فيمكن الأخذ بالقدر المتيقن منه، وهو النظر الذي يترتب على الدخول في الأسواق ونحوها.

وبعبارة ثالثة: إن الفقهاء لم يعملوا بالخبر على نحو مطلق، لكن عملوا به في الجملة، فهو دليل في الجملة على ما نحن فيه.

وفيه: إنه لم يعلم استنادهم إلى هذا الخبر، ولعلهم استندوا إلى غيره.

لا يقال: الإعراض مسقط للسند.

فإنه يقال: الإعراض قد يكون موهناً للسند، وقد يكون موهناً لجهة ثانية - مع قوّة السند - كما في روايات الغروب والمغرب. والحاصل: إنّ الإعراض لا يكون مسقطاً للسند فحسب، بل قد يسقط الدلالة أو الجهة؛ لأنّ الحجية متقوّمة بهذه الثلاثة، فيكون الإعراض مسقطاً لإحداها.

الدليل الرابع: السيرة القطعية

وقد ذكرها السيد الوالد(2) والسيد السبزواري(3).

ص: 35


1- مستمسك العروة الوثقی 14: 22.
2- الفقه 62: 184.
3- مهذب الأحكام 24: 37.

والظاهر تمامية هذا الدليل على الجواز، فإنه لو كان محرماً لزم إما اعتزال المتدينين الأسواق ونحوها، أو غضهم البصر عند دخولها، واللوازم منتفية، فينتفي الملزوم ويتعين الحكم بالحلية.

ويؤيد ما ذكرناه فتاوى محشي العروة إلاّ السيد البروجردي فيما رأينا.

لا يقال: الشبهة غير محصورة، فحينما يدخل المكلف السوق يرى البائع والمشتري والمرأة المحجبة، وواحدة من عشر نساء إذا نهيت لا تنتهي، فإذا وقع نظره إليها غض بصره.

فإنه يقال: الظاهر أن الشبهة محصورة في الأسواق المختلطة، أو شبهة الكثير في الكثير التي تؤول إلى الشبهة المحصورة.

هذا تمام الكلام في الفرع الثاني.

الفرع الثالث: في حدود المنظور إليه

يقع الكلام في حدود المنظور إليه بناء على جواز النظر مطلقاً.

ولم أجد تعرضاً لهذه المسألة إلا من السيد الخوئي، حيث قال: «لا يخفى أنّ الحكم هنا يختص بما جرت عادتهن على عدم ستره، وليس الحكم فيهن كالحكم في الذميات، فإنّ منشأه في الذمية عدم الحرمة(1)، فلا يختص الحكم بما جرت عادتهن على عدم ستره، في حين أنّ منشأه في أهل البوادي هو هتك حرمتهن بأيديهن؛ إذ لا ينتهين إذا نهين»(2).

ومفاده وإن كان التخصيص من جهة، لكنه تعميم من جهة ثانية، بمعنى

ص: 36


1- حيث الحكم فيها لا يدور مدار العادة، وسيأتي بحثه إن شاء اللّه.
2- شرح العروة الوثقی 32: 29.

أنّ الذمية إذا كانت عادتها ستر الذراع فانكشف ذراعها في حال النوم مثلاً لم يكن إشكال في النظر إليه، فلا ندور مدار العادة، أمّا المسلمة فالأمر تابع لما اعتادت على كشفه، فإذا لم تكن تكشف ذراعها فانكشف في حال النوم فلا يجوز النظر إليه، فإنها لم تهتك هذه المنطقة؛ لأنها إذا نُهيت عن كشف ذراعها انتهت.

أقول: الظاهر أنّ العنوان المذكور في الرواية أعم مما ذكره من عنوان ما جرت عادتهن على عدم ستره؛ إذ عدم الانتهاء بالنهي قد يتحقق في مورد جريان العادة على عدم الستر، وقد يتحقق في مورد خاص، بأن لم تستر شعرها مثلاً في واقعة خاصة، ولم تنتهِ بالنهي، كليلة زفافها، وإن لم تجر عادتها على عدم ستره.

اللّهم إلا أن يقال بانصراف الرواية عن مثل ذلك، فيتساوى مؤدى التعبيرين.

هذا ولكن عموم الحكم حتى للعورة - كما هو ظاهر كلامه - لا يخلو من تأمل؛ لإطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلى عورة المسلم بلا استثناء، وقد وردت بعض النصوص في جواز النظر إلى عورة الكافر(1)، ومع ذلك أعرض الفقهاء عن العمل بها - مع أنّ الرواية معتبرة على بعض المباني - فكيف بعورة المسلم، وقد ذكر الإعراض في الفقه والمهذب والمستمسك(2).

ص: 37


1- الكافي 6: 501؛ وسائل الشيعة 2: 35.
2- الفقه 7: 128.

وسيأتي الكلام في ذلك في المسألة القادمة إن شاء اللّه تعالى.

نعم، قد يجعل احتياطه وجوباً بعدم النظر إلى عورة الكافر في حاشيته على العروة(1) قرينة على تخصيص العموم المذكور في المقام، فلا يعلم أنّ مراده في الشرح حتى العورة، بدليل ما ذكره في مباحث التخلي.

كما أفتى بالعدم أو احتاط وجوباً كل من رأيت حواشيهم على العروة وهم حوالي ثمانية عشر عالماً.

الفرع الرابع: الكلام في الانتهاء المقيد

الظاهر أنه لا فرق بين عدم الستر مطلقاً أو مقيداً بزمان خاص أو مكان خاص، كما في حالة السفر إلى بلاد الكفار مثلاً؛ وذلك لتحقق العلة، وهي عدم الانتهاء بالنهي، و التقييد بعدم الانتهاء مطلقاً مندفع بالإطلاق.

وبعبارة أخرى: المبتذلة تارة غير محجبة مطلقاً، وتارة هي محجبة ولكن تخلع الحجاب حينما تذهب إلى بلاد الأجانب ولا تنتهي، والحكم هو جواز النظر إليها هناك لتحقق العلة.

ويمكن التنظير له بسائر العناوين ك- (لا تجلس مع الذين يغتابون المؤمنين)، و (لا تجلس مع الذين يشربون الخمر) فليس المقصود من يشربه دائماً، وإنما الحكم شامل لمن شربها في فترة دون فترة.

لا يقال: هل يمكن التعميم بأن يجوز النظر إليها حتى في فترة تحجبها؛ لأنها ليست منتهية، وإنما تلبس الحجاب للضغط الاجتماعي، فيصح إطلاق

ص: 38


1- العروة الوثقى 1: 320، قال صاحب العروة: «لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم والكافر على الأقوى» وعلق عليه السيد الخوئي بقوله: «في القوة إشكال وإن كان هو الأحوط».

(لا تنتهي) عليها، فإنّ الانتهاء ملكة، وهي لا تملكه؛ ولذا لو زال الظرف الذي تعيش فيه نزعت الحجاب.

فإنه يقال: يتبدل الحكم بتبدل الموضوع، والملكة تتبعض، فقد لا ينحرف الإنسان بمليون دينار، بل بعشرة ملايين مثلاً.

الفرع الخامس: العلم بعدم الانتهاء

الظاهر أنه لا يشترط العلم بعدم الانتهاء بالنهي، وإلا لم يصلح ذلك تعليلاً لجواز النظر لرؤوس أهل تهامة والأعراب، وأهل السواد والعلوج على نحو الإطلاق، وتصدي الإمام (عليه السلام) لإحراز عدم انتهائهن جميعاً بالنهي خارجاً بعيد.

والظاهر أنّ القضية المذكورة في الرواية طبيعية؛ ولذا يكفي فيها تعارف عدم الانتهاء بالنهي، وعليه فلو حصل الظن بعدم الانتهاء في مورد جاز النظر، بل وكذا مع الشك، بل قد يقال بجوازه حتى مع الظن بالانتهاء بالنهي ما لم يصل إلى حدّ الاطمئنان؛ لأنّ ذلك لا ينافي كون عدم الانتهاء هو مقتضى الطبيعة، فتأمل.

ونظير ذلك ما لو قيل: تناول الدواء الكذائي فإنه علاج للحمى، فحيث إنّ القضية طبيعية يلزم تناوله، ولو مع الظن بعدم الإجداء في خصوص المورد.

توضيحه: في القضايا الطبيعية لا يشترط العلم بتحقق العلة، ويقال: إنّ أغلب التعليلات الطبية والشرعية، وأغلب تعليلات علم الاجتماع وعلم النفس، وعلم الأخلاق مسوقة على نحو القضايا الطبيعية لا على نحو القضايا

ص: 39

المسورة الكلية، كما لو قال: (تصدق في كل يوم، فإنّ الصدقة تدفع البلاء) فالحكم ثابت حتى لو ظن أنّ هذه الصدقة لا تدفع البلاء، وكما لو قال: (تناول الدواء الكذائي فإنه علاج في كل يوم) فإذا ظن العبد بأنه ليس علاجاً في هذا اليوم لعامل معين، كما لو كان قد تناول طعاماً معيناً يظن أنه يمنع الدواء من التأثير، فهل يمكنه أن يعتذر أمام المولى بأني ظننت بالخلاف أم لا عذر له؟

أما القضية المسورة الحقيقية فهي تدور مدار علتها، بخلاف القضية الطبيعية حيث يكفي كون الطبيعة هذه، والمستظهر من الأمر في المقام أنّ القضية طبيعية، يعني النساء غير المحجبات عادة لا ينتهين بالنهي، فتشملهن العلة حتى فيما إذا ظن أنّ المرأة المعينة تنتهي بالنهي.

لا يقال: الأصل أنّ القضية حقيقية.

فإنه يقال: نعم، القضية حقيقية، لكنها طبيعية لا على نحو الكلية المسورة، وغالب القضايا هي من قبيل الأول.

لا يقال: يلزم إحراز الابتذال، فإنّ ترتب الحكم على الموضوع فرع لتحقق الموضوع، فنساء أهل تهامة قسمان: مبتذلة وغير مبتذلة خرج شعرها صدفة، ولا يعلم أنّ هذه المرأة هل هي مبتذلة أم لا؟ فلا يمكن ترتب الحكم.

فإنه يقال: هذا فرع جديد، والكلام الآن في التعليل الطبيعي فيمن لا يعلم أنها أخرجت شعرها عمداً أو غفلة خرج، وإلا كان ذلك إلغاء للحكم، فكل امرأة لا يعلم أنها تنتهي أم لا إلا لمن يعرفها حق المعرفة كالجارة مثلاً.

ص: 40

لا يقال: لو كانت القضية طبيعية جاز النظر إلى من يعلم أنها إذا نهيت تنتهي.

فإنه يقال: الرواية منصرفة عن صورة العلم، فلا يشملها الدليل، كما في مثال الصدقة التي يعلم أنها لا تدفع الموت فلا يجب دفعها.

الفرع السادس: شرائط جواز النظر

يشترط في جواز النظر - بناء على القول به - شروط ثلاثة:

الأول: عدم اللذة.

الثاني: عدم الريبة.

الثالث: عدم خوف الافتتان.

وسيأتي الكلام في ذلك في المسألة القادمة إن شاء اللّه.

ولا يشترط عدم التزين على ما سيأتي في تلك المسألة إن شاء اللّه.

الفرع السابع: حكم اللمس وغيره

لا يجوز اللمس ونحوه وإن لم يكنّ ينتهين بالنهي للارتكاز المتشرعي وعدم الخلاف، والتعليل قابل للتخصيص، ولا يلزم من ذلك خروج الأكثر كما سبق.

وبهذا ينتهي البحث في المسألة الأولى.

ص: 41

ص: 42

المسألة الثانية : النظر إلى نساء أهل الذمة ومطلق الكوافر

اشارة

ص: 43

ص: 44

المسألة الثانية: النظر إلى نساء أهل الذمة ومطلق الكوافر

اشارة

قال صاحب العروة: «يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة، بل مطلق الكفار مع عدم التلذذ والريبة، أي خوف الوقوع في الحرام، والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن على عدم ستره»(1).

فروع المسألة الثانية

اشارة

وفي هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: في أصل جواز النظر إلى نساء أهل الذمة
اشارة

وقد نسب القول بالجواز إلى الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية والقاضي والمحقق في الشرائع والعلامة في القواعد كما نسب إلى أكثر المتأخرين كما في المستند(2).

بل هو المشهور، كما صرح به في المسالك والمستند والحدائق والفقه وفقه الصادق(3)، وقال في مرآة العقول: «... وعمل به المفيد والشيخ وأكثر الأصحاب مع الحمل على عدم الشهوة والريبة»(4).

ص: 45


1- العروة الوثقى 5: 485.
2- مستند الشيعة 16: 42.
3- مسالك الأفهام 1: 436؛ مستند الشيعة 16: 4؛ الحدائق الناضرة 23: 58؛ فقه الصادق 21: 98؛ الفقه 62: 178.
4- مرآة العقول 20: 353.

وأيد صاحب العروة في الجواز المحقق العراقي والمحقق النائيني والسيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد البروجردي والسيد القمي والسيد الوالد والسيد الگلپايگاني والسيد الخوئي رحمهم اللّه(1).

وخالف في ذلك ابن إدريس الحلي في السرائر(2)، والعلامة الحلي في المختلف(3)، وقال المحقق الحائري: «الأحوط أن لا يكون النظر مقصوداً أصلياً»(4). فتارة يذهب للأسواق وينظر إليهن تبعاً، وتارة يذهب إلى الأسواق حتى ينظر إليهن.

أدلة جواز النظر إلى نساء أهل الذمة
اشارة

وكيف كان، فيدلُّ على الحكم أمور:

الدليل الأول: موثقة عباد بن صهيب المتقدمة

وذلك من جهات ثلاث:

الجهة الأولى: قوله (عليه السلام) في رواية الفقيه: «لا بأس بالنظر إلى شعور نساء أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج»(5).

وفي العلل: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل

ص: 46


1- العروة الوثقى 5: 585.
2- السرائر 2: 610.
3- مختلف الشيعة 7: 93.
4- العروة الوثقى 5: 485.
5- الكافي 5: 524.

السواد من أهل الذمة»(1)، ولعلّ الظاهر كون (من) قيداً للجميع، وإن كان المتيقن عوده إلى الأخير، وبإلغاء الخصوصية عرفاً يتم التعدي إلى غيرهن من أهل الذمة.

لا يقال: قد مرّ أنّ مقتضى القاعدة رجوع القيد إلى الأخير فقط.

فإنه يقال: المتيقن عوده إلى الأخير ويوجب الإجمال فيما تقدمه، ولكن لا ينافي أن يكون له ظهور في العود إلى الجميع، فهو القاعدة في موارد الشك، كقوله: (أكرم العلماء واحترم الخطباء وأضف الشعراء إذا كانوا عدولاً) فهنا لا شك حتى تجري القاعدة، فلو أراد العود إلى الأخير فقط لزم أن يفصل بفاصل عادة، أو يغير سياق الكلام، وإلاّ فلعل ظاهره العود إلى الجميع.

ومما يؤيد ذلك أن مَن رأينا كلماتهم من الفقهاء سابقاً في المسألة الأولى أنهم كانوا يذكرون هذه الرواية لأهل الذمة، وكأنهم فهموا أنه يعود إلى الجميع.

الجهة الثانية: قوله (عليه السلام) : «والعلوج» في رواية الكليني والفقيه(2)، وإن خلت منه رواية العلل(3)، إلاّ أنّ أصالة عدم الزيادة مقدمة على أصالة عدم النقيصة، مضافاً إلى أنّ الكافي والفقيه أضبط من العلل.

والظاهر أنّ العلوج يشمل أهل الذمة وغيرهم؛ إذ هو مطلق الكافر، لا

ص: 47


1- علل الشرائع 2: 565.
2- الكافي 5: 524؛ من لا يحضره الفقيه 3: 469.
3- علل الشرائع 2: 565.

الكافر الضخم القوي فقط، ولو بإلغاء الخصوصية عرفاً.

الجهة الثالثة: عموم العلة «لأنهن إذا نهين لا ينتهين» كما في الفقيه والعلل، وفي الكافي: «لأنهم إذا نهوا لا ينتهون»، فتشمل الذمية مطلقاً، سواء كانت قوية أم ضعيفة، ضخمة أم ناعمة.

هذا، ولا يخفى أنّ هذا الدليل خاص بصورة عدم الانتهاء بالنهي، وأما مع الانتهاء به فلا يشملهن الحديث؛ إذ الدليل أخصّ من المدعى، فيثبت المطلوب في الجملة، ولعل غالب الذميات إذا نهين لا ينتهين.

الدليل الثاني: رواية السكوني

ما رواه في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لا حرمة لنساء أهل الذمة إن ينظر إلى شعورهن وأيديهن»(1).

وفي هذه الرواية بحثان: سندي ودلالي.

أما البحث السندي: فقد قال العلامة المجلسي: «ضعيف على المشهور»(2).

ولم يبين وجه الضعف، والظاهر أنه إما للنوفلي فقط، أو له وللسكوني.

وضعّفها السيد القمي في المباني(3).

وليس في الرواية مَن يتأمل فيه تأملاً شديداً إلا الحسين بن يزيد بن

ص: 48


1- الكافي 5: 524.
2- مرآة العقول 20: 352.
3- مباني منهاج الصالحين 9: 561.

محمد النوفلي، أما السكوني فثقة على المختار، وإن كان فيه نوع من الخدش لكنه غير وارد.

لكن يمكن أن يقال باعتبار الرواية، وذلك لوجهين:

الوجه الأول: أن يقال بوثاقة النوفلي(1)

وذلك لقرائن:

القرينة الأولى: إنه وقع في أسناد كامل الزيارات.

وفيه: المبنى غير مرضي.

القرينة الثانية: إنه وقع في أسناد تفسير القمي.

ويرد عليه ما ورد على سابقه.

القرينة الثالثة: إنّ غالب روايات السكوني رواها النوفلي، وقد ذكر الشيخ الطوسي في كتاب العدة أنّ الطائفة عملت برواية السكوني(2).

ونُقل عنه في مواضع من كتبه أنّ الإمامية مجمعة على العمل بروايته(3).

وفيه: إنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فتأمل.

وبعبارة أخرى: لابد من إحراز الموضوع، وأنّ الروايات التي رواها النوفلي عن السكوني هي روايات السكوني، فلو فرضنا أنه مختلق للأسانيد فلا يثبت أنها رواياته حتى يشمله كلام الشيخ.

ص: 49


1- وتوثيق النوفلي مهم؛ لأنه روى أكثر من (800) رواية غالبها عن السكوني، فلو تمكنا من توثيقه أصبح الكثير من الروايات معتبراً، و قد استظهر البعض أنه كان شيعياً. راجع تعليقة على منهج المقال: 87.
2- العدة في اصول الفقه 1: 150.
3- الرسائل التسع: 64.

لا يقال: إنّ الشيخ يوثق ما بأيدينا من روايات السكوني، وهي روايات النوفلي عنه.

فإنه يقال: هنالك روايات لم يقع في طريقها النوفلي؛ وذلك كما لو قال المولى: اعمل بالأوامر الواردة إليك عن أبيك، فلو ورد الأمر عن طريق مجهول أو مشكوك لم يتم الموضوع حتى يلزم العمل به.

وكما لو قال: اعمل بروايات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكان معظم النبويات ضعيفة، فهل يلزم العمل بها؟

القرينة الرابعة: ما ذكره الوحيد البهبهاني: من أنه كثير الرواية وسديدها ومقبولها(1).

القرينة الخامسة: إكثار الكليني الرواية عن النوفلي عن السكوني في الكافي، فحسب الاستقراء الأولي: في المجلد الأول: سبع روايات.

في المجلد الثاني: تسع وثمانون رواية.

في المجلد الثالث: إحدى وأربعون رواية.

في المجلد الرابع: ثلاثون رواية.

في المجلد الخامس: اثنتان وثمانون رواية.

في المجلد السادس: ثمان وتسعون رواية.

في المجلد السابع: ثلاث وستون رواية.

في المجلد الثامن: تسع روايات.

فالمجموع أربعمائة وتسع عشرة رواية، وربما تكون الروايات أكثر،

ص: 50


1- تعليقة على منهج المقال: 149-150.

والشيخ الكليني إنما كتب الكافي ليكون المرجع للشيعة إلى يوم القيامة، وذكر الروايات الصحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) ، فاعتماده على هذه الروايات إما للقرائن الخارجية في كل رواية رواية، وإمّا للقرينة الداخلية، وهي وثاقة النوفلي، وقد ذكرنا أنه يمكن أن تكون القرينة خارجية في بضع روايات، أما إذا كثرت الروايات فلا بد أن تكون القرينة داخلية، فننتهي بذلك إلى توثيق الكليني للنوفلي.

كما أنّ الصدوق اعتمد على روايات السكوني في الفقيه في موارد متعددة.

وفي المشيخة طريقه إلى السكوني يمرّ بالنوفلي، ولا بد من إحصاء موارده، فإن كان كثيراً دل على توثيقه.

الوجه الثاني: جبر خصوص هذه الرواية بالعمل

قال العلامة المجلسي: عمل به أكثر الأصحاب(1).

وقال السيد الحكيم: «فإنه لا بأس بالعمل به بعد اعتماد المشهور عليه، وإن كان ظاهر من علل بأنها بمنزلة الإماء عدم الاعتماد عليه، ولكن اعتماد غيره كاف في جبر ضعفه لو كان»(2).

وقال في الحدائق: «وعلى هذا القول عمل الأصحاب، ما عدا ابن إدريس، وتبعه العلامة في المختلف، وأمّا في باقي كتبه فهو موافق لمذهب الأصحاب»(3).

ص: 51


1- مرآة العقول 20: 353.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 19.
3- الحدائق الناضرة 23: 59.

إلا أنه لا يدل على الاستناد إلى هذا الخبر، وإنّما يدل على موافقة المشهور له.

فتحصل من جميع ذلك أنّ الرواية معتبرة.

وأمّا البحث الثاني فهو البحث الدلالي:

والظاهر أنّ هذه الرواية خاصة بالشعور والأيدي، فلا تشمل غيرهما؛ إذ سلب الحرمة مقيّد لا مطلق.

نعم، يمكن أن يقال بشمول الرواية للوجه أيضاً.

ويمكن أن يستدل لذلك بأدلة ثلاثة:

الدليل الأول: عدم القول بالفصل

ذكره في المستند(1).

وفيه: إنّ الحجة القول بعدم الفصل لا عدم القول بالفصل، وبحثه موكول إلى محله.

الدليل الثاني: الملازمة العرفية

فإنه إذا قيل: لا بأس أن تنظر إلى شعرها كان معناه عرفا لا بأس بالنظر إلى وجهها، ولا يعقل اختلاف المتلازمين في الحكم اختلافاً بالتضاد؛ لأنه تناقض، كوجوب استقبال القبلة وحرمة استدبارها.

الدليل الثالث: الأولوية

بتقرير أنّ الشارع شدد في الشعر واليد ما لم يشدد في الوجه؛ ولذا جاز النظر إلى وجه المسلمة ولم يجز النظر إلى شعرها وتمام يدها على مبنى

ص: 52


1- مستند الشيعة 16: 42.

كثير من الفقهاء، وجاز للمرأة كشف الوجه ولم يجز كشف الشعر وتمام اليد - حتّى على القول بحرمة النظر - فإذا جاز النظر إلى شعرها وتمام اليد جاز النظر إلى الوجه بطريق أولى.

الدليل الثالث: رواية عبد اللّه بن جعفر

فقد ورد في قرب الإسناد: أبو البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل الذمة»(1).

والظاهر أنّ الرأس يشمل الوجه أيضاً، فإنه ظاهر عرفاً في مثل المقام فيما يقابل البدن، وفي شموله للرقبة خفاء.

إلا أنّ سند الرواية ضعيف؛ إذ فيه أبو البختري، وهو وهب بن وهب العامي الضعيف الذي قيل في حقه: إنه كذّاب أكذب البرية(2).

اللّهم إلا أن يقال: إنّ مجرد فتوى المشهور طبق الرواية جابر لسندها، فتأمل(3).

الدليل الرابع: السيرة

ذكره السيد الوالد في الفقه(4) بعنوان المؤيد، ونسبه إلى جملة منهم

ص: 53


1- قرب الإسناد: 131؛ وسائل الشيعة 20: 205.
2- جامع الرواة 2: 302.
3- فالشهرة: إما روائية، وإما عملية، وإما فتوائية، فهل الشهرة الفتوائية تجبر الرواية مع عدم العلم باستنادهم إليها؟
4- الفقه 62: 180.

المستمسك.

وفي وجود سيرة مستجمعة لشرائط الحجية تأمل.

فهل جرت سيرة المتشرعة على النظر إلى نساء أهل الذمة، وكانت متصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) ونالت تقريره، أو كانت كاشفة كشفا إنياً عن دليل معتبر؟

لا يقال: لا يبعد تحقق السيرة، خاصة مع ملاحظة وجودهن في الأسواق وهنّ مكشفات، ولم يكن يلتزمن بالحجاب، بالإضافة إلى ورود الرواية بجواز النظر إليهن، وإلا كانت لغواً، حيث لا مورد لها.

فإنه يقال: هل من الثابت أنهن كنّ متبرجات كظاهرة عامة في عهد الشارع؟ فقد ورد في التاريخ أنّ الحرائر من أهل الذمة، بل المشركات كنّ محجبات.

وأمّا الرواية فربما تكون لبيان الحكم الشرعي، بالإضافة إلى أنّ من مواردها أهل الذمة في بيوت المسلمين، فلا تدل على أنهن كن مكشفات في الأسواق.

والحاصل: إنه لا بد من إثبات أنهنّ لم يكنّ ملتزمات بالحجاب كظاهرة عامة، ولم يرد رادع عن ذلك حتى يفيد التقرير، فتكون السيرة تامة.

لا يقال: تكفينا السيرة في زماننا هذا على المبنى، مع عدم إحراز عدم اتصالها.

فإنه يقال: هل سيرة المتدينين على النظر أم أنّ البعض ينظرون تبعاً لبعض الفتاوى بالجواز؟

ص: 54

لا يقال: المتدينون يحتاطون في كل شيء، فلا يرتكبون خلاف الاحتياط، فلا تدل سيرتهم على الإلزام، فالمهم سيرة بعض المسلمين، وهي متحققة في المقام.

فإنه يقال: اللازم سيرة المتدينين الملتزمين بالضوابط الشرعية.

الدليل الخامس: الحرج

ذكره السيد الوالد بعنوان المؤيد ونسبه إلى جمع(1).

وفيه: إنه شخصي ويتقدر بقدره، كما مضى بحثه.

الدليل السادس: أهل الذمة مماليك للإمام (عليه السلام)

وهو مركب من صغرى وكبرى: أما الصغرى فهي: إن أهل الذمة مماليك للإمام (عليه السلام) . وأما الكبرى فهي: إنّ النظر إلى أمة الغير جائز.

فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأول: كون أهل الذمة مماليك للإمام (عليه السلام)

إنّ أهل الذمة مماليك للإمام (عليه السلام) ، وإنّ نساءهم إماء له (عليه السلام) ، فتدل عليه عدة روايات:

الرواية الأولى: ما رواه الشيخ الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل له امرأة نصرانية، له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال: إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام، وذلك موسع منا عليكم خاصة، فلا بأس أن يتزوج،

ص: 55


1- الفقه 62: 180.

قلت: فإنه يتزوج أمة؟ قال: لا، لا يصلح أن يتزوج ثلاث إماء...»(1).

والسند والدلالة تامتان.

الرواية الثانية: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها، هل عليها عدة مثل عدة المسلمة؟ فقال: لا؛ لأنّ أهل الكتاب مماليك للإمام، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى مولاه؟(2) قال: ومن أسلم منهم فهو حرّ تطرح عنه الجزية، قلت: فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال: عدتها عدة الأمة، حيضتان أو خمسة وأربعون يوماً قبل أن تسلم...»(3).

والرواية صحيحة على ما في الوسائل، وموثقة على ما في الكافي، فهي معتبرة على كل حال.

الرواية الثالثة: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «ليس فيما بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة، إنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين؛ لأنهم يؤدون إليه الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده، قال: وهم مماليك للإمام، فمن أسلم منهم فهو حر»(4).

ص: 56


1- الكافي 5: 358.
2- في الوسائل: «إلى مواليه».
3- الكافي 6: 174؛ وسائل الشيعة 22: 266.
4- الكافي 7: 364؛ وسائل الشيعة 29: 391.

وهي صحيحة.

المقام الثاني: في جواز النظر إلى أمة الغير

وتدل عليه أدلة:

الدليل الأول: رواية الخثعمي

وبإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زياد، عن حبيب بن المعلى الخثعمي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إني اعترضت جواري المدينة فأمذيت؟ فقال: أمّا لمن يريد الشراء فليس به بأس، وأمّا لمن لا يريد أن يشتري فإني أكرهه»(1).

وقد استدل بها السيد الوالد في الفقه، وقال: «فإنّ ظاهر الرواية كراهة ذلك لا حرمته»(2).

وفيه: مع قطع النظر عن الإشكال في السند ففيه بعض المجاهيل، إنّ لفظ الكراهة لم يثبت كونه حقيقة شرعية في معنى الجواز مع المرجوحية، بل الكراهة لغة ضد الحب(3)، واستعمالها في ذلك المعنى اصطلاح متشرعي، وفي الآية الكريمة بعد النهي عن الزنا والقتل ونحوهما {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً}(4).

وفي الخصال عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ اللّه عز وجل كره لي ست خصال،

ص: 57


1- وسائل الشيعة 18: 273؛ تهذيب الأحكام 7: 236.
2- الفقه 62: 179.
3- لسان العرب 13: 535.
4- الإسراء: 30.

وكرههن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المسجد جنباً، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور»(1).

لا أقل من الإجمال الموجب لسقوط الاستدلال.

والحاصل: إنّ الكراهة بمعنى المبغوضية، وهي حقيقة مشككة لها درجات، فقد تكون بحد المنع من النقيض وقد لا تكون، فقوله (عليه السلام) : «أكرهه» لا يدل على الجواز مع المرجوحية.

نعم، يمكن بالاستصحاب الفتوائي أن نثبت الحقيقة الشرعية لمعنى الكراهة فيما تعارف فيه الآن.

لا يقال: قد تكون الكراهة عند الإمام (عليه السلام) لا في الشرع، كما يشهد له «فإني أكرهه».

فإنه يقال: لا فرق في الكراهة بين أن يكون عند الرب، كما في الآية(2)، أو عند الإمام (عليه السلام) الذي هو مظهر الرب، كما لو قال: (إني أحرمه) والإمام (عليه السلام) يمثل الشرع، فلو قال: (إني أكره) كان معناه الكراهة الشرعية، لا أقل من أن نقول للإمام شخصيتان: شخصية حقيقية وشخصية حقوقية، فهل قوله (عليه السلام) : «إني أكرهه» باعتباره شارعاً، أو باعتباره شخصاً، لا أقل من الإجمال، ومع فرضه يسقط الاستدلال.

لا يقال: قد يكون من الحقيقة الشرعية.

ص: 58


1- الخصال: 327.
2- الإسراء: 30.

فإنه يقال: الكراهة اللغوية ليست حقيقة في هذا المعنى، ولم يثبت لنا نقل الشارع اللفظ من حقيقتها اللغوية إلى هذا المعنى الجديد.

الدليل الثاني: رواية الجعفري

عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أبي جعفر، عن الحارث، عن عمران الجعفري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا أحبُّ للرجل أن يقلّب إلا جارية يريد شراءها»(1).

والتقليب إما بمعنى النظر فيثبت المطلوب، أو اللمس فتدل على المطلوب؛ لأنّ اللمس يلازم النظر، بل بالأولوية.

وقد استدل بها السيد الوالد في الفقه(2).

ويرد عليه: ما تقدّم، مع قطع النظر عن الإشكال السندي؛ لوجود بعض المجاهيل كعمران الجعفري، وكذا الحرث بن عمران الجعفري.

الدليل الثالث: موثقة زرعة

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن زرعة بن محمد قال: «كان رجل بالمدينة له جارية نفيسة، فوقعت في قلب رجل وأعجب بها، فشكا ذلك إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: تعرض لرؤيتها وكلما رأيتها فقل: أسأل اللّه من فضله...»(3).

ولا إشكال فيها من ناحية السند، لكن القدر المتيقن منها الوجه، وأما

ص: 59


1- تهذيب الأحكام 7: 236؛ وسائل الشيعة 18: 274.
2- الفقه 62: 179.
3- الكافي 5: 559.

غيره فلا دلالة فيها على جوازه، ولا إطلاق في الرواية؛ لأنها حكاية فعل خارجي، فلعلها كانت تستر جميع بدنها إلاّ الوجه.

لا يقال: يمكن التمسك بإطلاق (تعرّض لرؤيتها).

فإنه يقال: لو كان للرواية لفظ كقوله: (لا بأس بالتعرض للجواري) أمكن التمسك بالإطلاق، ولكن حيث إنه حكاية فعل خارجي لم يمكن ذلك، كما لو قال المرجع لمقلده: انظر إلى هذه المرأة، فما مدى جواز النظر إليها ولم يثبت كيفية حجابها؟

والحاصل: إن هذا الدليل يثبت المدّعى في الجملة.

الدليل الرابع: عدم وجوب ستر الأمة في الصلاة ما ذكره صاحب الجواهر، حيث قال: «... بل قد يشعر به في الجملة أيضاً عدم وجوب ستر رأسها في الصلاة، فالأقوى جواز النظر لأمة الغير...»(1).

وفيه: إنّ الستر الصلاتي غير الستر الواجب في نفسه؛ ولذا اختلفت أحكامهما، ففي الأول يشترط ساتر خاص ويجب مطلقاً، سواء كان هنالك ناظر محترم أم لا، إلى غير ذلك من الأحكام.

لا يقال: ألا يكون الحكم في أحدهما دليلاً على الآخر.

فإنه يقال: الستر الصلاتي غير الستر الذاتي، ففي الستر الصلاتي يشترط ساتر معين، كأن لا يكون نجساً ولا حريراً ولا مغصوباً دون الستر عن الأجنبي، فهما ستران، فلا يكون أحدهما دليلاً على الآخر، فالستر من حيث الصلاة غير لازم، وفي غير ذلك لم يتعرض له المولى.

ص: 60


1- جواهر الكلام 29: 69.

لا يقال: ما ثبت في الأشق يثبت في غيره.

فإنه يقال: إنه قياس، فالمولى يجيز للأمة كشف الشعر في حال الصلاة، فهل يجوز لها كشف الشعر في الشوارع؟ والتشديد والأشقية ثابت في بعض الأحكام.

لا يقال: فهل يجوز لها التكشف في الصلاة مع وجود الناظر.

فإنه يقال: الحكم حيثي، فمن حيث الصلاتية لا يجب أن تستر الشعر، فللصلاة حكم وللناظر حكم، وهما حيثيتان مختلفتان.

وبعبارة أخرى: يقول المولى: من حيثية الصلاة لا يلزم ستر الشعر، وأمّا من حيثية النظر فهو ساكت، ولا يمكننا تحميل الحكم عليه.

نعم، هنا شبهة: وهي أنّ عدم وجوب الستر لا يلازم جواز النظر، كما هو الحال بالنسبة إلى الوجه عند البعض.

الدليل الخامس: النصوص الواردة في مملوكة الوالد

ما ذكره صاحب الجواهر، حيث قال: «بل ظاهر النصوص الواردة في مملوكة الوالد المفروغية من كون الإماء يحل منهن لغير المالك في الجملة»(1).

أقول: لم تظهر لنا دلالة هذه الروايات على المدّعى؛ إذ إنها ناظرة إلى بيان الحكم الواقعي، وهو صحة النكاح وفساده، لا إلى بيان الحكم التكليفي، وهو جواز النظر وعدمه.

ص: 61


1- جواهر الكلام 29: 69.

وهذه الروايات مذكورة في الوسائل(1).

وهي في بادئ النظر لا تدل على المدعى.

منها: محمد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها، هل تحلّ لولده؟ قال: بشهوة؟ قلت: نعم، قال: ما ترك شيئاً إذا قبلها بشهوة، ثم قال ابتداءً منه: إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه. قلت: إذا نظر إلى جسدها، قال إذا نظر إلى فرجها و جسدها بشهوة حرمت عليه»(2).

وهذه الرواية تدل على أنّ المملوكة إذا جردها الابن ونظر إليها بشهوة حرمت على الأب والابن، فالكلام في حرمة النكاح وبطلانه وعدمهما، ولا تتعرض إلى حكم نظر الابن إلى أمة أبيه ونظر الأب إلى أمة ابنه.

ومنها: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : الرجل ينظر إلى الجارية يريد شراءها أتحل لابنه؟ فقال: نعم، إلا أن يكون نظر إلى عورتها»(3).

فلا تدل على أن النظر كان حراماً أو حلالاً، كمن يقول: من زنا بذات البعل حرمت عليه، فليس في مقام بيان حلية العمل وحرمته، بل في مقام بيان الحكم إن اتفق وقوع العمل.

ص: 62


1- وسائل الشيعة 20: 417.
2- وسائل الشيعة 20: 417.
3- وسائل الشيعة 20: 417.

ومنها: «إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه»(1).

والحاصل: إنّ الروايات غير ناظرة إلى جواز النظر وعدمه، بل إلى بيان الحكم عند تحقق النظر.

الدليل السادس: ما دلّ على عدم وجوب تغطية الأمة رأسها

لكنّه بحاجة إلى مكمّل، وهو ثبوت الملازمة بين جواز الكشف وجواز النظر، كما في مسألة جواز كشف الحرّة الوجه واليدين، حيث ذهب البعض إلى تحقق الملازمة كالسيد الوالد(2)، لكن أنكرها آخرون كالسيد الخوئي(3).

فإن تمت الملازمة، فما يدل على عدم وجوب تغطية الأمة رأسها يدل على جواز النظر إليها عرفاً.

وأمّا الدليل على عدم وجوب تغطية الأمة رأسها فهو ما رواه في الوسائل بسند صحيح: وبإسناده(4) عن سعد(5)، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمد بن عيسى(6)، عن الحسن بن محبوب(7)، عن العلاء(8)، عن محمد بن مسلم، عن

ص: 63


1- وسائل الشيعة 20: 418.
2- الفقه 62: 242.
3- شرح العروة الوثقی 32: 41.
4- طريق الشيخ الطوسي إلى سعد بن عبد اللّه صحيح.
5- سعد بن عبد اللّه الأشعري القمي، ثقة.
6- أحمد بن محمد بن عيسى، ثقة. عبد اللّه بن محمد بن عيسى، مجهول.
7- الحسن بن محبوب، ثقة.
8- العلاء بن رزين، ثقة.

أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له: الأمة تغطي رأسها؟ فقال: لا، ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد»(1).

فالأمة لا يجب عليها التغطية، بالإضافة إلى الملازمة بين جواز الكشف وجواز النظر، فيجوز النظر إلى أمة الغير.

ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل ذكرها في باب عدم وجوب تغطية الأمة رأسها في الصلاة، لكن الرواية مطلقة.

قال في المسالك(2): «هو(3) المشهور مقيّداً بكون النظر إلى وجهها وكفيها وشعرها».

وفي قوله: «مقيّداً» نوعٌ من الإبهام، فهل فيه بُعد الإيجاب أو النفي؟

وفي الحكم المذكور(4) نوع من الغرابة في أذهان المتشرعة، ولم أجد من طرح هذه المسألة من الفقهاء حسب التتبع الممكن.

فإن لم يوجد من أفتى طبقها كان محكوماً بالإعراض، والمسألة بحاجة إلى تأمل أكثر.

ولو تمّ هذا الدليل وسلمنا بجواز كشف الأمة والملازمة فهل يجدي في محل البحث؟ الظاهر أنه محل إشكال.

وجه الإشكال: قد يقال: إنّه معارض بالتعليل في موثقة عباد، الظاهر في

ص: 64


1- وسائل الشيعة 4: 410.
2- مسالك الأفهام 7: 44.
3- جواز النظر إلى أمة الغير.
4- جواز كشف الأمة رأسها وجواز النظر إليها.

حرمة ذلك عليهن، وإذا لم تتم الدلالة المطابقية فيهن فلا تتم الدلالة الالتزامية؛ لأنها متفرعة عليها، فيكون ذلك تخصيصاً في الدليل الدال على كونهن مماليك للإمام (عليه السلام) .

فظاهر موثقة عباد(1) حرمة الكشف عليهن، فإنهنّ لا ينتهين إذا نهين، كقولك: نهيت ابني فلم ينته، أي: لا يطيع الأمر.

فالذمية التي اعتبرت أمة للإمام (عليه السلام) مستثناة من ذلك الحكم، فكل أمة يحق لها أن تكشف رأسها، ويجوز النظر إليها إلا أمة الإمام التي هي الذمية، فإذا حرم عليها الكشف فلا يجوز النظر إليها، حيث ثبت جواز النظر بتفرع الدلالة الالتزامية على الدلالة المطابقية، والمفروض أنّ الدلالة المطابقية غير موجودة في نساء أهل الذمة؛ لأنه يحرم عليهن كشف رؤوسهن.

لا يقال: لكنه معارض بالأولوية، فإنّ حرمة الأمة المسلمة أكثر من حرمة الذمية، فكيف يجوز للمسلمة الكشف ولا يجوز للذمية؟

فإنه يقال: إنه نوع من التشديد عليها، فللشارع أن يشدد على الكفار ويسهّل على المسلمين.

والحاصل: إنّ مقتضى هذا الدليل أنّ كل أمة يحل لها أن تكشف شعرها ورأسها، أما إماء الإمام (عليه السلام) - الذميات - فلا يحل لهن ذلك لموثقة عباد، فنعود إلى الصغرى - أهل الذمة مماليك للإمام (عليه السلام) - فلهنّ كلّ أحكام المماليك إلا جواز التكشف.

ص: 65


1- الكافي 5: 524.
الدليل السابع: السيرة جارية على النظر إلى الإماء

قال في الفقه: «ويدل على جواز النظر إلى أمة الغير السيرة كما قالوا»(1).

وفي فقه الصادق ادّعى السيرة أيضاً على جواز النظر إلى الأمة(2).

وفي الجواهر: «بل هو مقتضى السيرة المستمرة في جميع الأعصار والأمصار»(3).

هذا، ولكن السيرة دليل لبي، فيقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو الوجه والكفّان.

ونتيجة هذه الأدلة: إنّ المطلوب ثابت في الجملة(4).

الإشكالات على الدليل السابع

ولكن في أصل هذا الدليل إشكالات:

الإشكال الأول: ما ذكره في المستمسك قال: «لكن الاستدلال بها(5) متوقف على ثبوت كلية جواز النظر إلى أمة الغير، وهو غير ظاهر»(6).

ومراده غير ظاهر، ولكن يحتمل أن يكون مراده أنّ الروايات الدالة على جواز النظر إلى أمة الغير منصرفة عن إماء الإمام (عليه السلام) ، وعهدة دعوى

ص: 66


1- الفقه 62: 178.
2- فقه الصادق 21: 98.
3- جواهر الكلام 29: 69.
4- أما أن الذميات إماء الإمام (عليه السلام) فقد ثبت بالأدلة المعتبرة، وأما جواز النظر إلى أمة الغير فقد ثبت بالدليل الثالث: رواية زرعة بن محمد، وبالدليل السابع: السيرة.
5- الأخبار المتضمنة «لأنهن مماليك للإمام».
6- مستمسك العروة الوثقی 14: 19.

الانصراف على مدعيها.

الإشكال الثاني: ما في المهذب من أنّه لا بدّ من حمله على صورة بسط اليد والأخذ والاستيلاء(1).

وفيه: إنه تقييد بلا دليل.

فهذه الروايات وردت عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ، وهما لم يكونا مبسوطي اليد، فكان لا بدّ من تقييدها بعهد الظهور.

الإشكال الثالث: ما ذكره السيد الخوئي، قال: «ولا بدّ من حمل الصحيحة(2) على نوع من العناية والتسامح؛ إذ الالتزام بمضمونها ينافي جملة من الأحكام الثابتة لهم، كالدية إذا قتل أحدهم، فإنها تدفع إلى أقربائه، في حين أنّه لو كان مملوكاً لما كان وجه لثبوت الدية، بل المتعيّن هو دفع القيمة لا إلى أقربائه وإنما إلى مالكه كما هو واضح، والإرث فإنّهم يرثون بعضهم بعضاً إذا لم يكن في الورثة مسلم يحجب الباقين، والحال أنّ المملوك لا يرث ولا يورث»(3).

وفيه نظر: لأنه لا مانع من التزام التخصيص في هذه الأحكام.

لا يقال: يستلزم ذلك تخصيص الأكثر.

فإنه يقال: لا يستلزم، وقد ذكرنا فيما مضى بعض الأمثلة، كقضية العاقلة والنظر والعدة على كلام سوف يأتي وغير ذلك، فذكر استثناءين لقيام

ص: 67


1- مهذب الأحكام 22: 36.
2- أي: صحيحة أبي بصير.
3- شرح العروة الوثقی 32: 24.

الدليل لا يدل على كون إطلاق (المماليك) عليهم عناية، بل هو حقيقة.

والحاصل: إنّ الروايات الصحيحة تدل على أنهم مماليك، فلهم كل أحكام العبيد والإماء، فلو خرجت الدية والميراث فلا يضر ذلك بعموم العام، وانتفاء بعض الأحكام عنهم لا يدل على نفي كونهم مماليك.

ثم لا يخفى أنّ الفقهاء أعرضوا عن بعض ما تضمنته الروايات المستدل بها على صغرى هذا الدليل.

قال صاحب العروة: «لا فرق فيما مرّ من عدة الطلاق والوفاة بين الحرة المسلمة والذمية على المشهور، وقيل - ولم يعلم قائله - إنّ الذمية في الطلاق كالأمة؛ لصحيحة زرارة... والمشهور أعرضوا عنها وطرحوها»(1).

إلا أنّ ذلك لا يقدح في الاستدلال.

أما أولاً: فلأن ثبوت بطلان الصغرى لا يلازم بطلان الكبرى، كما ذكر نظيره في رواية «ذاك إلى الإمام»(2)، وفي رواية «الإكراه على الحلف على الطلاق والعتاق وصدقة ما يملك»(3).

ص: 68


1- تكملة العروة الوثقى 1: 87.
2- الكافي 4: 83. سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن رفاعة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة، فقال: يا أبا عبد اللّه، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام، عليَّ بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم واللّه إنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد اللّه».
3- وسائل الشيعة 23: 226. عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً، عن أبي الحسن (عليه السلام) : في الرجل يستكره على اليمن فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال: «لا، قال رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا».

وثانياً: سقوط موثقة ابن بكير صغرى وكبرى لا يلازم سقوط غيرها من الروايات، كصحيحة أبي بصير وأبي ولاد.

الدليل الثامن: فحوى ما دلّ على جواز النظر إلى عورة غير المسلم

فإذا جاز النظر إليها جاز إلى غيرها بطريق أولى.

ويدل عليه أدلة:

الدليل الأول: ما دل على تقييد الحرمة بكون العورة عورة الأخ، والكافر ليس أخاً.

فمنها: ما عن الصادق (عليه السلام) : «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه»(1).

ومنها: ما عنه (عليه السلام) أيضاً: «من دخل الحمام فغض طرفه عن النظر إلى عورة أخيه آمنه اللّه من الحميم يوم القيامة»(2).

ومنها: قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «عورة المؤمن على المؤمن حرام»(3).

وفيه: إنّ اللقب لا مفهوم له، والاقتصار عليه لعله باعتبار كونه محل الابتلاء أو غير ذلك، فلا يدل على الانتفاء عند الانتفاء.

لا يقال: مورد الروايات الرجل لا المرأة و البحث فيها.

فإنه يقال: الأخ يشمل الأخت أيضاً، ولو بالأولوية، حيث لا يراد منه الذكر فحسب، بل مثله مثل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا} بمعنى (مَن آمن) وكقوله: (من دعاه أخوه المؤمن إلى الإفطار) أي: مَن في الدائرة

ص: 69


1- تهذيب الأحكام 1: 374.
2- وسائل الشيعة 1: 300.
3- الكافي 6: 497.

الإيمانية، ولا ظهور له في التذكير، وكما في منزوحات البئر (إذا وقع فيه ثعلب) الشامل لحكم الثعلبة.

نعم، يرى السيد الخوئي أنّ لكل لقب مفهوماً في الجملة(1)، وقد تعرضنا لبحثه تفصيلاً في موضع آخر، وذكرنا أنه لا مفهوم له لا مطلقاً ولا في الجملة، إلا إذا كان له ظهور معين بقرائن.

الدليل الثاني: قصور المقتضي لحرمة النظر في نفسه، حيث لا إطلاق فيما دل على حرمة النظر إلى عورة الغير حتّى يشمل الكفار(2).

وفيه نظر: لقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(3) وهو عام؛ ولأنّ الكفار مكلفون بالفروع، فيكونون مكلفين بالستر، والأمر بالستر يلازم عرفاً الأمر بالغض.

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن ماء الحمام، فقال: أدخله بازار»(4).

وهناك روايات متعددة تدل على وجوب الستر، وما ثبت للمسلم فهو ثابت للكافر؛ لقاعدة الاشتراك.

وكذا قوله تعالى: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}(5) من جميع الاستمتاعات

ص: 70


1- مصباح الأصول 2: 153؛ محاضرات في أصول الفقه 5: 127.
2- والفرق بين الدليلين: إنّ الأول يرى تحقق المقتضي لكن مفهوم اللقب يقيده، وأما الثاني فيرى عدم وجود دليل على حرمة النظر إلى عورة كل واحد.
3- النور: 30.
4- تهذيب الأحكام 1: 379.
5- النور: 30.

الشهوية المتحققة بالنظر واللمس والزنا، فالمقتضي للحرمة موجود.

الدليل الثالث: مرسلة الصدوق.

وهي: وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إنما أكره النظر إلى عورة المسلم، فأما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار»(1).

وقد قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}(2).

ويرد عليه: إن مراسيل الشيخ الصدوق ليست بحجة.

وقوله في المقدمة: «بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره»(3) لا يدل على الصحة المصطلحة، بل الصحة بمعنى وجوب العمل ولو لبعض القرائن المحتفة(4)، واطمئنان فقيه لا يكون حجة على غيره.

الدليل الرابع: - وهو العمدة - صحيحة ابن أبي عمير أو خبره.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار»(5).

ص: 71


1- من لا يحضره الفقيه 2: 36.
2- الفرقان: 44.
3- من لا يحضره الفقيه 1: 3.
4- وتفصيله في علم الدراية ومجمله: أنّ الصحة في اصطلاح المتأخرين ما كان كل واحدٍ من رواتها عدلاً إمامياً ضابطاً، وأمّا في اصطلاح المتقدمين ما دلت القرائن على وجوب العمل به. راجع نهاية الدراية: 235-237.
5- الكافي 6: 501.

وفيه: إنّ الاستدلال بهذه الرواية مبني على أحد أمرين:

الأول: حجية مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده؛ لكونه من الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة(1).

وفيه تامل؛ لعدم حجية مراسيله، وإن قلنا بالحجية في مسانيده، على تفصيل مذكور في مبحث مشايخ الثقات(2).

لكن قد يقال: إنّ أدلة حجية قول الثقة تشمل ما لم يعلم استناده إلى ما لا يستند إليه؛ لمكان الإطلاق.

وبعبارة بسيطة: ثبت أنّ ابن أبي عمير لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، وقد ثبت أنّ بعض مشايخه غير ثقات، وهم خمسة، فقوله: «عن رجل» يحتمل أن يكون من الخمسة غير الثقات، ولا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وهنالك طريقة لدفع هذا الإشكال، وهو: إذا علم أنّ الثقة يستند إلى ما يستند إليه وما لا يستند إليه، فكلما ثبت أنه استند إلى ما لا يستند إليه فليس بحجة، ومع الشك فإطلاقات أدلة حجية قول الثقة تشمله، فإنّ أدلة (صدق العادل) تقول صدّقه ما لم يثبت الخلاف.

وهكذا الأمر في شهادة البينة مع احتمال استنادها إلى ما لا يستند إليه، وإلا وجب إلغاء نصف الشهادات مع اختلاف المباني.

وفي العروة: «لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة. نعم، لو ذكرا

ص: 72


1- تعليقة على منهج المقال: 184.
2- تعليقة على منهج المقال: 294.

مستندها وعلم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة»(1).

وكذا الأمر في شاهد الهلال، وقول الوكيل في تطهير الثوب، والمسألة مبنائية.

الثاني: إنّ لفظة (غير واحد) تدل على أنّ الرواية وصلت إليه عن جماعة؛ لعدم صحة هذا التعبير فيما إذا رواها واحد أو اثنان، وتلك الجماعة يُطمأن بوثاقة بعضهم على الأقل؛ لأنّ من البعيد أن يكونوا كلهم غير ثقات.

ويرد عليه: صدق اللفظ على الاثنين مع أنّ اجتماع ثلاثة من المشايخ على الخطأ ونحوه أمر ممكن.

لكن قد يقال: إنّ احتمال ضعفهم جميعاً ضعيف جداً بنحو لا يعتني به العقلاء؛ إذ مشايخ ابن أبي عمير حوالي أربعمائة رجلٍ، والضعاف منهم خمسة، والباقون ثقات، واحتمال كون مجموع الثلاثة من الخمسة الضعاف وليس أحدهم من البقية البالغة ثلاثمائة وخمسة وتسعين شيخاً ضعيف، وهو يساوي احتمالاً واحداً من بين خمسمائة واثني عشر ألف احتمالٍ، وهذا المقدار لا يُعتنى به عند العقلاء، فتأمل(2).

يضاف إلى ذلك أنّ هذه الرواية كسابقتها مُعرضٌ عنها، كما يستكشف من إطلاق كلمات الفقهاء حرمة النظر إلى عورة الغير.

ص: 73


1- العروة الوثقى 1: 157.
2- ووجه التأمل أنه لو قال شخص: إن له أربعمائة مصدراً لأخباره، وخمسة منهم ضعاف، ثم قال: أخبرني ثلاثة من مصادري، فهل يمكن القول إنّ احتمال كون الثلاثة من الخمسة احتمال ضعيف، بحيث لا يعتني به العقلاء، أو الاحتمال قائم على أنهم منهم؟.

قال السيد الوالد في الفقه: «الروايات معرض عنها قديماً وحديثاً»(1).

وفي المستمسك: «لكن هجرهما مانع من جواز الاعتماد عليهما»(2).

وفي المهذب: «مهجور لدى الأصحاب، فلا يعتمد عليه»(3).

وفي المستند: «إني لم أعثر على مصرح بالتجويز فيه»(4).

وفي مشارق الشموس: «لو لم يكن مخافة خلاف الإجماع لأمكن القول بكراهة النظر»(5).

وفي الجواهر: ادعاء الإجماع على الإطلاق(6).

وفي كتاب الطهارة: «الشهرة وعدم نقل الخلاف فيه»(7).

وفي مصباح الفقيه: «إلا أن يقال: إن إعراض الأصحاب عنهما أسقطهما عن الحجية»(8).

وفي فقه الصادق: «... ولكن إعراض الأصحاب عنهما وإفتائهم بالمنع يوجب سقوط الخبرين عن الحجية »(9).

ص: 74


1- الفقه 7: 128.
2- مستمسك العروة الوثقی 2: 189.
3- مهذب الأحكام 2: 171.
4- مستند الشيعة 16: 43.
5- مشارق الشموس: 70.
6- جواهر الكلام 2: 5.
7- الطهارة 1: 422.
8- مصباح الفقيه 2: 48.
9- فقه الصادق 1: 169.

وفي كتاب الصلاة: «عدم العمل بهما من أحد والإعراض عنهما يعيّن المصير إلى مقتضى الأدلة»(1).

كما أنّ صاحب العروة ذهب إلى الحرمة، حيث قال: «لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم والكافر على الأقوى»(2).

ووافقه عليه المحقق العراقي والمحقق النائيني والمحقق الحائري والسيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد البروجردي والسيد الحكيم والسيد الخونساري والسيد الوالد والسيد الگلپايگاني والسيد النجفي، وقال السيد الخوئي و السيد القمي: على الأحوط(3).

ولم نجد من ذهب إلى الجواز إلاّ الشيخ الكليني والشيخ الصدوق، باعتبار ذكرهما الرواية في كتابيهما الكاشف عن فتواهما على طبقها، كما أشارا إليه في المقدمة(4)، وكذا صاحب الوسائل(5)، ولعله يظهر من الحدائق(6) أيضاً.

لا يقال: هنالك تعارض بين موافقة المتقدمين وإعراض المتأخرين.

فإنه يقال: المتحقق إعراض الكل، ولم نجد من المتقدمين إلا الكليني والصدوق.

ص: 75


1- كتاب الصلاة: 328.
2- العروة الوثقى 1: 320.
3- العروة الوثقى 1: 320.
4- الكافي 1: 8؛ من لا يحضره الفقيه 1: 3.
5- وسائل الشيعة 2: 35.
6- الحدائق الناضرة 2: 5.

لا يقال: لعل الفقهاء لم يتعرضوا لها للعنوان الثانوي.

فإنه يقال: إطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلى العورة مع عدم التقييد كافٍ، ومقتضى القاعدة أنّ الفقيه يفتي طبق القاعدة الأولية.

بالإضافة إلى أنّ العنوان الثانوي متحقق حتى في النظر إلى نساء أهل الذمة، ومع ذلك أفتوا بجواز النظر إلى شعورهن ومفاتنهن.

الدليل التاسع: كون الكافرات فيء للمسلمين

إنّ الكافرات فيء للمسلمين، وإن حرم عليهم بالعارض نكاحهن تبعاً لذمة الرجال، فتكون نساء أهل الذمة بمنزلة الأمة المزوجة بالعبد.

قال الشهيد الثاني: «... إنما كن بمنزلة الإماء؛ لأنّ أهل الذمة فيء في الأصل للمسلمين، وإنما حرمهن التزام الرجال بشرائط الذمة فتبعهم النساء، فكان تحريمهن عارضياً»(1).

ويرد عليه:

أولاً: إنه لم يقم عندنا دليل على كونهن مماليك للمسلمين، فإنّ الملك لهم لا يحصل إلاّ بالاسترقاق.

وقد أشير إلى هذا الجواب في المستمسك وشرح العروة وفقه الصادق(2).

لا يقال: ثبت أنهم ملك للإمام (عليه السلام) فيرث السادة ما كان ملكاً له (عليه السلام) .

فإنه يقال: الإمام الحي هو الأقرب، والأقرب يمنع الأبعد.

لا يقال: للإمام السجاد (عليه السلام) وارثان أحدهما: ينتهي إلى الإمام الحي (عليه السلام) ،

ص: 76


1- مسالك الأفهام 7: 43.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 18؛ شرح العروة الوثقی 32: 23؛ فقه الصادق 21: 99.

والآخر إلى بعض السادة الموجودين.

فإنه يقال: مَن يتصلون به فقد ماتوا، والأقرب موجود.

وأجاب عن ذلك السيد الرجائي بقوله: «قلت: في بعض الأخبار أنّ المشرك ملك للمسلم، فبناءً على تعميمه لمطلق الكفار يشمل أهل الكتاب أيضاً»(1).

كما كان يميل إليه السيد الوالد (رحمه اللّه) (2)، ويستدل عليه بقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(3).

فلو قلنا: المشرك يشمل أهل الكتاب شملتهم الرواية، وهي ما في الاستبصار: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ياسين الضرير، عن حريز، عن زرارة، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده، ولا بين أهله ربا، إنما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك، فقلت: والمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال: نعم، قال: قلت: فإنهم مماليك، فقال: إنك لست تملكهم، إنما تملكهم مع غيرك، أنت وغيرك فيهم سواء، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك؛ لأنّ عبدك ليس مثل عبد غيرك»(4).

ويرد عليه أمور:

ص: 77


1- المسائل الفقهية: 98.
2- الفقه 65: 97.
3- التوبة: 30.
4- الاستبصار 3: 71.

الأول: الإشكال سنداً؛ لأن ياسين الضرير مجهول، بل كل ياسين مجهول في الرجال.

الثاني: الإشكال دلالة؛ إذ الظاهر من الرواية أنّ المراد بالملك ملك الأمر لا ملك الرقبة، فالإنسان لا يملك رقبة ابنه وأهله، فلا يعلم كون الرواية ناظرة إلى ملكية الرقبة.

لا يقال: ظاهر أنهم مماليك ملك الرقبة، فخروج الابن والأهل لا يستلزم رفع اليد عن الظهور بالنسبة إلى المشركين.

فإنه يقال: إنه متفرع على ما سبقه من الفرق بين من تملكه ومن لا تملكه، والمشركون نملك أمرهم؛ لأنهم يعيشون تحت ذمتنا.

الثالث: إنه مخصص بما دل على أنّ أهل الكتاب مماليك للإمام (عليه السلام) ، ولا تجتمع ملكيتان عرضيتان على شيء واحد، فالكفار مماليك للمسلمين خرج منه أهل الذمة، فهم مماليك للإمام (عليه السلام) .

إن قلت: يستفاد منها أنّ كل الكفار مماليك للإمام (عليه السلام) ولو بالأولوية.

قلنا: يتعارضان فنبقى بلا دليل.

إلا أن يقال بالملكية الطولية، ومورد النقض بشراء العبد، فتجتمع ملكيتان عرضيتان.

وثانياً(1): ما ذكر في المستمسك من أنه يتوقف على جواز النظر إلى الأمة المشتركة(2).

ص: 78


1- هذا هو الإيراد الثاني علی كلام الشهيد الثاني (رحمه اللّه) .
2- مستمسك العروة الوثقی 14: 18-19.

وفيه: إنه يفهم بالفحوى من أدلة جواز النظر إلى أمة الغير، فكيف بالأمة المشتركة وقد سبق ذكرها؟

الدليل العاشر: قاعدة الإلزام

ما استدل به السيد الوالد من قاعدة الإلزام(1).

ولم أرَ مَن تعرض لهذا الدليل غيره.

وقد ينقض ذلك: بما إذا جاز عندهم الزنا وتزويج الخامسة وما أشبه.

وأجاب (رحمه اللّه) : «إن كل ذلك مقطوع الخروج عن القاعدة»(2).

فإنه (رحمه اللّه) يرى أنّ التعامل يكون حسب عقيدتهم في كل ما يجوز عندهم، وأننا ننظم موقفنا على رأيهم.

ويمكن ذكر بعض الأمثلة لذلك:

الأول: النكاح بلا إشهاد باطل عندهم، فلو تزوجها بلا إشهاد جاز للمؤمن أن يتزوج بزوجته.

الثاني: للمطلقة اليائسة أو الصغيرة عدّة عندهم، فيجوز للمطلقة المؤمنة أن تطالب زوجها المخالف بالنفقة.

الثالث: لو طلق المؤمن المخالفة اليائسة جاز له الرجوع إليها في أثناء العدة.

الرابع: الأخ يرث عندهم مع وجود الطبقة الأولى، فيحق للمؤمن أن يأخذ الإرث منهم.

ص: 79


1- الفقه 62: 181.
2- الفقه 62: 182.

الخامس: الزوجة ترث من الأرض عندهم، فترث المؤمنة من الأرض منهم.

وقد ذكر الفقهاء الكثير من الأمثلة.

وقاعدة الإلزام تشمل الكفار أيضاً، فلو جاز عندهم النظر إليهم جاز لنا أن ننظر.

نعم، يمكن خروج شيء بدليل آخر، كاللمس والتقبيل.

والمسألة بحاجة إلى تأمل أكثر.

الدليل الحادي عشر: تحليل الأئمة (عليهم السلام) الكافرات للشيعة

تحليلهم (عليهم السلام) لشيعتهم، كذا ذكره بعضهم(1).

والظاهر أنه لابد أن يضم إليه ملكهم (عليهم السلام) لهن.

وأجاب عنه السيد الروحاني بقوله: «إذ التحليل في مثل المقام غير ثابت»(2).

أقول: لعل وجهه عدم شمول أدلة التحليل لمحل الكلام، أو انصرافها عنه، مثلاً: في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل»(3).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «إنّ أمير المؤمنين حللهم

ص: 80


1- فقه الصادق 21: 98.
2- فقه الصادق 21: 98.
3- الاستبصار 2: 58.

من الخمس - يعني الشيعة - ليطيب مولدهم»(1).

ومفاد الروايات الشريفة حلية الأمة المشتراة ممن لا يعتقد بالخمس أو ممن لا يخمّس، وإن كان معتقداً بالخمس، أو الأمة المشتراة بمال غير مخمس، أو حلية الزوجة التي دفع إليها مهر غير مخمس، أو غير ذلك من الاحتمالات المذكورة في مسألة التحليل، ولا ربط لها بالمقام مطلقاً.

والمقام يتطلب دلالة دليل على أنّ كلَّ ما كان ملك الإمام (عليه السلام) - ومنها الإماء - فقد أحلوها للشيعة.

الدليل الثاني عشر: رضا الأئمة (عليهم السلام)
اشارة

رضاهم (عليهم السلام) بذلك، والظاهر أنه لابد أن يضم إليه ما ضم إلى سابقه(2).

وأجاب عنه في فقه الصادق بقوله: «ومجرد الرضا لا يكفي في الجواز»(3).

وفيه نظر: إذ المعصوم (عليه السلام) لا يرضى بالمعصية قطعاً، فمجرد رضاه كافٍ في الجواز.

والأولى أن يقال: إنه لا طريق إلى إحراز رضاهم (عليهم السلام) مع قطع النظر عن الأدلة السابقة، بحيث يكون دليلاً جديداً في عرض الأدلة السابقة.

الدليل الثالث عشر: ما ورد في الجعفريات

ما ورد في كتاب الجعفريات عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ليس لنساء أهل الذمة

ص: 81


1- وسائل الشيعة 9: 550.
2- أي: الصغرى «إنهن ملك للإمام (عليه السلام) » والكبرى «إنّ الإمام (عليه السلام) راضٍ بذلك».
3- فقه الصادق 21: 98.

حرمة، لا بأس بالنظر إليهن ما لم يتعمد»(1).

وعنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ليس لنساء أهل الذمة حرمة، لا بأس بالنظر إلى وجوههن وشعورهن ونحورهن وبدنهن، ما لم يتعمد ذلك»(2).

وأورد عليه السيد الرجائي مضافاً إلى الإشكال السندي أنّ الخبرين قيدا بعدم التعمد، أي: لم يكن النظر قصدياً، بل اتفق النظر، وليس ذلك محل الكلام في المقام(3).

وفيه: إنه أشبه ما يكون حينئذٍ بتوضيح الواضحات، وينافيه تصديره ب- «ليس لنساء أهل الذمة حرمة» المشعر بالتعليل لما تعقبه من الحكم؛ إذ نفي البأس عن النظر غير الاختياري لا يعلل بعدم الحرمة، بل بعدم الاختيار.

مضافاً إلى أنّ ظاهر الروايتين اختصاص أهل الذمة بهذا الحكم، مع أنّ نفي البأس عن النظر غير الاختياري مشترك بين الجميع.

والظاهر أنّ المراد بعدم التعمد إما عدم كون النظر بقصد اللذة، كما سبق بيانه في جواب الإشكال الثالث في المسألة الأولى - كما ذهب إليه الحر العاملي والمحدث البحراني والسيد الوالد والسيد الروحاني(4) - وإما عدم كون النظر مقصوداً بالأصالة، بل يكون المقصود بالأصالة غيره، وإن علم أنه يتفق وقوع نظره عليهن.

ص: 82


1- مستدرك الوسائل 14: 276.
2- مستدرك الوسائل 14: 277.
3- المسائل الفقهية: 102.
4- وسائل الشيعة 20: 206؛ الحدائق الناضرة 23: 60؛ الفقه 62: 180؛ فقه الصادق 21: 101.

ثم إنّ ابن إدريس منع من النظر إلى نساء أهل الذمة، فقال: «والذي يقوى في نفسي ترك هذه الرواية(1) والعدول عنها، والتمسك بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(2)، وقوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ}(3)»(4).

وتبعه على ذلك العلامة في المختلف، وأما في باقي كتبه فهو موافق لمذهب الأصحاب على ما ذكره في الحدائق(5).

وتبعهما الفاضل الهندي في كشف اللثام(6).

وفيه نظر: أما أولاً: فلإمكان أن يقال: إنه لا عموم في الآية؛ لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، إلا أن يقال: الأصل كون المولى في مقام البيان من جميع الجهات.

وثانياً: إنه لا مانع من تقييد الكتاب العزيز بخبر الواحد المعتبر، كما حرر في الأصول(7).

وثالثاً: إن قاعدة الإلزام - التي وردت بها روايات متواترة على ما ذكره السيد الوالد في القواعد الفقهية(8) - تقتضي التقييد، وإن لم نقل بجواز تقييد

ص: 83


1- الظاهر أن مراده من الرواية روايةُ «إنهن إماء للإمام».
2- النور: 30.
3- الحجر: 88.
4- السرائر 2: 610.
5- الحدائق الناضرة 23: 59.
6- كشف اللثام 7: 23.
7- قوانين الأصول: 310؛ فرائد الأصول 1: 250، 4: 147؛ كفاية الأصول: 235.
8- القواعد الفقهية:70.

الكتاب بخبر الواحد.

لكن في التواتر تأملاً؛ لأنّ معظم روايات قاعدة الإلزام واردة في موارد خاصة، وما يدل على العموم - كصحيحة محمّد بن مسلم المروية في الوسائل(1) - لا يبلغ درجة التواتر.

اللّهم إلا أن يقال: القاعدة قطعية بالإجماع أو نحوه، فيكون التخصيص للعمومات والتقييد للإطلاقات بالقطع لا بالخبر الواحد.

الفرع الثاني: في أصل جواز النظر إلى سائر الكافرات غير أهل الذمة
اشارة

والظاهر جواز النظر لأمور:

الدليل الأول: شمول لفظ العلوج للكافرات

شمول لفظ (العلوج) الواردة في رواية الكليني والفقيه لهن، بناءً على إطلاقها على مطلق الكافر، أو إلغاء الخصوصية عرفاً، ولا يقدح في ذلك خلو رواية العلل عنها؛ لتقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة.

الدليل الثاني: ورود التعليل في موثقة عباد

التعليل في موثقة عباد بن صهيب: «لأنهن إذا نهين لا ينتهين»، أو «لأنهم إذا نهوا لا ينتهون» فإنّ العلة تعمم وتخصص.

الدليل الثالث: فحوى موثقة السكوني

فحوى ما جاء في موثقة السكوني: «لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر

ص: 84


1- وسائل الشيعة 26: 158. محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الأحكام، قال: تجوز على أهل كل ذوي دين ما يستحلون».

إلى شعورهن وأيديهن»(1) فإنّ الموضوع فيها وإن كان هو نساء أهل الذمة، إلا أنه يستفاد منها حكم غيرهن بطريقة أولى؛ لكونهن أقل احتراماً، أو لا احترام لهن، كما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2).

قال السيد الخوئي: «إن ذكر الذمية في المعتبرة(3) لدفع تخيل أن لعرضهن حرمة، كما هو الحال في أموالهن وأنفسهن، وليس لوجود خصوصية فيهن، وحيث إنّ الكافرات لا حرمة لهن أبداً(4) يثبت جواز النظر إليهنَّ بالأولوية القطعية. وبعبارة أخرى: إنّ أهل الكتاب هم أقرب الأصناف إلى المسلمين، فإنّ أموالهم وأنفسهم محترمة كمال المسلم ونفسه، فإذا لم تثبت حرمة لأعراضهم فعدم ثبوت ذلك في سائر الكفار يكون من باب الأولى»(5).

وكذا يستفاد كونهم مماليك للإمام (عليه السلام) بالأولوية من الروايات الواردة في أهل الذمة.

لا يقال: إذا كان الأصل في النظر الحرمة، فيقتصر على موضع النص، والأولوية غير محرزة، فربما يكون باعتبار أنها في البلاد الإسلامية، والمقصود نوع من الإذلال لتصبح مسلمة، أما غير الذمية في بلادها فتبقى على الحكم الأولي.

ص: 85


1- الكافي 5: 524.
2- الفقه 62: 182.
3- أي: معتبرة السكوني المتقدمة.
4- على المشهور.
5- شرح العروة الوثقی 32: 25.

فإنه يقال: الذمية التي نفسها ومالها محترم - لقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ومن آذى ذمياً فقد آذاني»(1)- ولها كثير من الأحكام إذا لم يكن لها حرمة أن ينظر إليها، فكيف بالكافرة؟ وليس ذلك إذلالاً لها، وحتى لو كان إذلالاً فإن الكافر أولى بالإذلال.

لا يقال: ربما يكون الحكم للتسهيل على المسلمين.

فإنه يقال: أمثال هذه الاحتمالات وارد في سائر الأولويات، والمعتبرة لا تتطرق إلى التسهيل، وإنما إلى عدم الحرمة، فكيف بالكافر؟

لا يقال: ما هو المقصود من نفي الحرمة، والإنسان محترم بنفسه في الإسلام؟

فإنه يقال: احترام الإنسان بشرط أن لا يهتك احترامه بنفسه بالكفر باللّه، والخروج عن سنن الفطرة، والانحطاط عن درك الحيوان، فإنّ الحيوان يؤمن باللّه سبحانه، بينما الكافر يغالط وجدانه ولا يؤمن باللّه، فالذمي لا حرمة له بلحاظ النظر، والكافر بطريق أولى، بالأولوية العرفية.

الدليل الرابع: قاعدة الإلزام

على ما مضى، فإنها تشمل الذمية وغيرها؛ لمكان الإطلاق.

الدليل الخامس: الإجماع

ذكره السيد السبزواري في المهذب(2).

ويرد عليه الإشكال صغرى: إذ لم يرد التعرض لهذا الفرع فيما رأيناه من

ص: 86


1- شرح نهج البلاغة 17: 147.
2- مهذب الأحكام 24: 36.

كتب المتقدمين.

إلا أن يكون إجماعا مستنبطاً.

هذا، ولكن قد يشكل في الإلحاق، بدعوى: خلو كلمات الفقهاء المتقدمين عن تجويز النظر إلى غير أهل الذمة، مما يكشف عن إعراضهم عن عموم الأدلة.

وفيه نظر: أما أولاً: فلورود كلمة أهل الكتاب في كلمات بعض الأقدمين، وبين أهل الكتاب وأهل الذمة عموم مطلق(1)، أو عموم من وجه(2).

فتشمل الفتاوى أهل الكتاب من غير أهل الذمة.

قال في النهاية: «والنظر إلى نساء أهل الكتاب وشعورهن لا بأس به»(3).

وقال في المقنعة: «ولا بأس بالنظر إلى وجوه نساء أهل الكتاب وشعورهن»(4).

وقال الحدائق: «وعلى هذا القول عمل الأصحاب، ما عدا ابن إدريس وتبعه العلامة في المختلف»(5).

وأما ثانياً: فبأنّ عدم التعرض مغاير للإعراض.

ص: 87


1- على رأي المشهور.
2- على رأي السيد الوالد (رحمه اللّه) .
3- النهاية: 484.
4- المقنعة: 521.
5- الحدائق الناضرة 23: 59.

ولعل الاقتصار على أهل الذمة باعتبار كونهم محل الابتلاء عادة، فتأمل.

وأما ثالثاً: بأنّ إعراض القدماء لو سلم معارض بعمل المتأخرين، ولئن كان القدماء أقرب إلى عهد الروايات فالمتأخرون أدق وأجمع؛ لأنّ الروايات اجتمعت عندهم بما لم تكن عند المتقدمين.

وقد أفتى صاحب العروة بعدم الفرق، ووافقه عليه كل من رأيت حواشيهم على العروة وهم حوالي ثمانية عشر فقهياً.

نعم، قال المحقق الحائري: «والأحوط أن لا يكون النظر مقصوداً أصلياً(1)»(2).

الفرع الثالث: في حدود المنظور إليه بلحاظ الجواز والحرمة
اشارة

ويوجد في المسألة عدة احتمالات:

الاحتمال الأول: الجواز مطلقاً
اشارة

يحتمل أن يقال بالجواز مطلقاً، باستثناء العورة لما تقدّم.

ويدل على ذلك:

الدليل الأول: قاعدة الإلزام

فلو كان في دينهم حلالاً لعاملناهم إلى الحد الذي يأذن به دينهم، أو قوانينهم(3) أو عرفهم(4).

ص: 88


1- ونتيجته جواز النظر إن كان مقصوداً تبعياً.
2- العروة الوثقى 5: 485.
3- حسب رأي السيد الوالد (رحمه اللّه) .
4- حسب ما نسب إلى السيد الوالد (رحمه اللّه) .
الدليل الثاني: التعليل في موثقة عباد

وهو التعليل الوارد في موثقة بن صهيب: «لأنهن إذا نهين لا ينتهين»، لكن ذلك مقيد بعدم الانتهاء بالنهي، وأمّا مع الانتهاء بالنهي فلا يشمله الدليل.

وهنا إشكال وهو: إنّ التعليل مقيد؛ لأنّ العلة تتضمن عقد سلب وإيجاب، فيدور مدارها الحكم وجوداً وعدماً، فهل ندور مداره أو ندور مدار الأدلة المطلقة، كقاعدة الإلزام؟ فلو خرج شعر الذمية غفلة وهي تنتهي بالنهي، فهل يحرم النظر للتعليل، أو يجوز النظر لسائر الأدلة المطلقة؟

والجواب: الذي يخطر بالبال الأخذ بالمطلق لا العلة؛ لأنها تبين حيثية، والمطلقات تبين حيثية أخرى، فإنه ولو انتفى الجواز من هذه الحيثية، لكنه يثبت من الحيثية الثانية.

مثلاً: إذا قيل: فلان سافر إلى المدينة الكذائية، قلنا: إن كان سفره طاعة قصّر، وإن كان معصية أتمّ، ثم قلنا في موضع آخر: كثير السفر يتم.

ولا تنافي بينهما، فإنه وإن لم تتحقق تلك العلة، وانتفى المعلول لانتفائه بانتفائها، إلا أن الانتفاء حيثي، أي: من هذه الحيثية ينتفي المعلول فلا ينافي ثبوت المعلول من حيثية أخرى.

وفي المقام: ينتفي الجواز من حيثية العلة، أما من حيثية الإلزام فباقٍ.

وعليه يبقى الجواز وإن انتهت.

الدليل الثالث: ما ذكره السيد الخوئي

ما ذكره في شرح العروة، حيث قال: «إنّ مستند الحكم في نساء أهل

ص: 89

الذمة والكفار إنما هو عدم وجود حرمة لأعراضهن، ومن هنا لا يختلف الحال بين ما جرت عادتهن على ستره وما لم تجر»(1).

وفي الجواهر بعد ذكر موثقة السكوني: «ضرورة ظهور نفي الحرمة في معاملتهن معاملة الدواب المملوكة»(2).

وفيه نظر: إذ مستندهما في نفي الحرمة مطلقاً موثقة السكوني، وهي تدل على نفي الحرمة مقيداً لا مطلقاً، ولم نجد دليلاً معتبراً على نفي الحرمة المطلق.

الدليل الرابع: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه)

الدليل الرابع: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) (3)

وهو ما ورد في رواية الجعفريات: «ليس لنساء أهل الذمة حرمة، لا بأس بالنظر إلى وجوههن وشعورهن ونحورهن وأبدانهن ما لم يتعمد ذلك»(4).

وفيه: إنّ السند مخدوش، كما سبق، ولعله لذلك ذكره بعنوان المؤيد لا الدليل.

لا يقال: إنّها مجبورة بعمل بعض الفقهاء، كصاحب الجواهر(5) مع ادعائه الضرورة على ذلك، وكذلك السيد الخوئي(6).

فإنه يقال: لا يعلم عملهم بهذه الرواية، ولعلهم استندوا إلى بقية الأدلة،

ص: 90


1- شرح العروة الوثقی 32: 27.
2- جواهر الكلام 29: 70.
3- الفقه 62: 183.
4- مستدرك الوسائل 14: 277.
5- جواهر الكلام 29: 70.
6- شرح العروة الوثقی 32: 27.

بالإضافة إلى أنّ عمل البعض لا يكون جابراً على المبنى المعروف.

لا يقال: وهل الحرمة تتبعض، خاصة في الصنف الواحد؟

فإنه يقال: الحرمة قد تكون تشكيكية، فنفي مرتبة لا يعني نفي جميع المراتب، فقد يكون لدمه حرمة دون ماله، وكذلك في الصنف الواحد، فقد يجوز النظر إلى الوجه دون الشعر.

الدليل الخامس: ما ذكره السيد الروحاني

ما ذكره السيد الروحاني(1) من أنّ ذكر الشعور والأيدي من باب أنّ المتعارف كشفها لا لخصوصية فيهما.

وفيه: إنّ إلغاء الخصوصية متوقف على وحدة الملاك، ولا طريق إلى إحرازها.

الدليل السادس: كونهن بمنزلة الإماء يقتضي العموم

ما ذكره في المستمسك(2).

وفيه: إنه لا دليل على جواز النظر إلى جميع بدن أمة الغير.

لا يقال: الوجه في جعلهم بمنزلة الإماء هو ترتيب الآثار والأحكام، ومنها جواز النظر.

فإنه يقال: لم نجد رواية على ذلك. نعم، ورد أنهن مماليك الإمام (عليه السلام) أو مماليك المسلمين، وفي كليهما لا دليل على جواز النظر مطلقاً.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول في الفرع الثالث، وفي المسألة

ص: 91


1- فقه الصادق 21: 99.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 20.

احتمالات أخر.

الاحتمال الثاني: جواز النظر إلى ما جرت عادتهن من كشفه

وهو ما ذكره صاحب العروة بقوله: «والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن على عدم ستره»(1).

فالملاك هي العادة، والظاهر أنّ المراد عادة كل فرد، فالحكم انحلالي.

ولعله باعتبار التعليل في موثقة عباد، بناء على الملازمة بين جريان العادة وعدم الانتهاء بالنهي.

لكن سبق التنظر في ذلك في الفرع الثالث من المسألة الأولى، حيث ذكرنا أنّ عدم الانتهاء بالنهي أعم من جريان العادة، وذلك يشمل جميع البدن، مع عدم الانتهاء بالنهي، فراجع.

والحاصل: لم يتضح دليل الاحتمال المذكور.

الاحتمال الثالث: جواز النظر إلى ما كانت عادتهن على عدم ستره زمن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ما ذكره السيد الگلپايگاني في حاشيته، حيث قال: «الأحوط الاقتصار على ما كانت عادتهن على عدم ستره في زمان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) وأما ما استحدث في زماننا من عدم ستر المحاسن، فالأحوط ترك النظر»(2).

وقال السيد الروحاني: «فالقول بجواز النظر إلى المقدار الذي جرت

ص: 92


1- العروة الوثقى 5: 485.
2- العروة الوثقى 5: 485. وفي هداية العباد 2: 308: «... والأحوط الاقتصار على ما كانت عادتهن على عدم ستره في زمان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ، وأما ما استحدث في زماننا من عدم ستر المحاسن، بل والقبائح - نعوذ باللّه - فالأحوط ترك النظر، بل الأقوى في بعضها».

عادتهن في تلك الأزمنة على عدم ستره قوي»(1).

وقال السيد الرجائي: «لعل المتعارف في زمان صدور الأخبار هو كشف رؤوسهن وأيدهن فقط، والأخبار ناظرة إلى ما هو المتعارف بينهن في تلك الأزمنة، فلا وجه للتعدي»(2).

وفيه نظر: لأنّ الأصل في القضايا أن تكون حقيقية لا خارجية، كما قرره الأصوليون في الأصول(3)، وبنى عليه جملة من الفقهاء في موارد متعددة من الفقه، وهي:

منها: مسألة الشعائر، حيث ذكروا أنّ الشعائر المتجددة مشمولة لقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}(4).

ومنها: العقود المتجددة، كعقد التأمين، حيث ذكروا أنها مشمولة لقوله تعالى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}(5).

ومنها: الأحكام الثابتة لمكة والمدينة وكربلاء والكوفة، حيث ذكروا أنها تشمل ما أضيف إليها، منهم السيد تقي القمي.

وهل ترى أنه يمكن حمل المكيل والموزون والمعدود في باب الربا على ما كان كذلك في عهد الشارع، أو حمل ما يؤكل ويلبس وما لا يؤكل ولا يلبس في باب السجود على ما كان منها في زمان الشارع؟

ص: 93


1- فقه الصادق 21: 99.
2- المسائل الفقهية: 112.
3- أجود التقريرات 1: 125.
4- الحج: 32.
5- المائدة: 1.

وهل يمكن أن يخصص قوله: «من أنار مسجداً فله كذا» على مصاديق الإنارة التي كانت في عهد المعصومين (عليهم السلام) ؟

الاحتمال الرابع: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه)

وهو ما ذكره في تعليقته على قول السيد اليزدي: «الأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن»، حيث قال (رحمه اللّه) : «في الزمان السابق - قبل هذا القرن - من مقدار الوجه والكف وبعض الذراعين، وبعض الشعر و القدمين»(1).

لكنه (رحمه اللّه) في الفقه استظهر إطلاق جواز النظر(2).

وقال السيد البروجردي في حاشيته: «في الأزمنة السابقة»(3).

ولعل وجه التقييد انصراف الأدلة عما استحدث، ولا يخلو من نظر.

ثم إنّ التقييد ببعض الذراعين ينافيه الإطلاق في موثقة السكوني «وأيديهن» وكذلك التقييد ببعض الشعر ينافيه الإطلاق والعموم فيها وفي موثقة عباد بن صهيب.

الاحتمال الخامس: لزوم الاقتصار على خصوص الشعور والأيدي

وذلك لموثقة السكوني، مال إليه السيد الحكيم(4).

وفيه: إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وإطلاق التعليل في موثقة عباد وغيره من الأدلة كافٍ في التعميم.

ص: 94


1- العروة الوثقى 2: 603.
2- الفقه 62: 183.
3- العروة الوثقى 5: 485.
4- مستمسك العروة الوثقى 14: 20.

هذا تمام الكلام في الفرع الثالث.

الفرع الرابع: عدم الفرق بين عدم الستر مطلقاً أو مقيداً

الظاهر أنه لا فرق بين عدم الستر مطلقاً أو مقيداً، وقد سبق البحث في ذلك في المسألة الأولى.

الفرع الخامس: في شروط جواز النظر
اشارة

إنّه يشترط في جواز النظر أمور: الأول: عدم اللذة. الثاني: عدم الريبة. الثالث: عدم خوف الافتتان.

الشرط الأول: عدم اللذة

وقد يستدل عليه بأدلّة:

الدليل الأول: خبر الفضل: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الفضل، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «قلت أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها و محاسنها؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً»(1).

بتقريب: إنه مع إرادة التزويج لا يجوز التلذذ، وإطلاقه كما يشمل إرادة التزويج بالمسلمة يشمل إرادة التزويج بالكافرة، فكيف يجوز التلذذ مع عدم إرادة التزويج؟

وقال السيد الوالد: «لوحدة المناط في المقامين»(2)(3).

ص: 95


1- الكافي 5: 365.
2- الفقه 62: 183.
3- والفرق بينهما أنّ الأول استدلال بالأولوية والثاني بوحدة المناط.

وفيه: إنّ الخبر ضعيف من جهتين: الأولى: جهالة الفضل. الثانية: الإرسال. اللّهم إلا أن يقال: إنه مجبور بالفتوى، فتأمل.

الدليل الثاني: ما عن الشيخ الأعظم من أنّ فيه الفساد المنهي عنه(1).

وفيه: إنّ المفروض عدم خوف الوقوع في الفساد على ما سيأتي في الشرط الثالث.

وأما كون التلذذ فساداً في حد نفسه لا مقدمة للفساد فهو أول الكلام.

اللّهم إلا أن يستدل على كونه فساداً بالارتكاز المتشرعي، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الدليل الثالث: ما في المهذب من أنه المرتكز في أذهان المتشرعة من العوام(2).

ولعله أراد بذلك القبح عند العوام، فكيف بغيرهم؟

والظاهر أنه منكر في أذهان المتشرعة إلى حدّ التحريم.

لا يقال: هل الارتكاز متحقق مع خلوه من قصد الريبة وخوف الافتتان؟

فإنه يقال: التلذذ بمعنى التلذذ الشهوي، والارتكاز متحقق فيه، وهو غير الريبة، فالتلذذ نوعان، فتارة يحصل من النظر إلى الورود والأنهار، وتارة تلذذ وتحريك شهوي.

الدليل الرابع: الإجماع، وفي الجواهر: «معلومية الحرمة عند الأصحاب والمفروغية منه»(3).

ص: 96


1- كتاب النكاح: 55.
2- مهذب الأحكام 24: 37.
3- جواهر الكلام 29: 70.

وكأنه متسالم عليه. وقد ذكر الإجماع في المهذب(1).

وقال في المستمسك: «العمدة في دليله الإجماع ظاهراً، وإلا فالنص مطلق»(2).

وقال السيد الروحاني: الظاهر ثبوت الإجماع(3).

وقال السيد الحكيم: «وفي المستند: إنّه متحقق في الحقيقة، ومحكي في بعض المواضع حكاية مستفيضة(4).

وقال السيد الخوئي: «بلا خلاف في ذلك»(5).

لا يقال: الإجماع المذكور مدركي، و هم لا يعتبرونه من الأدلة.

فإنه يقال: في الأصول لم يعتبروه، ولكن بنوا عليه في الفقه.

الدليل الخامس: انصراف الأدلة المجوزة عن هذه الصورة، فيكون المحكم عمومات المنع.

قال السيد الوالد: بانصراف النص إلى غير ذلك(6).

وفي المهذب: «لأنه المنساق من إذن سادات الأنام»(7).

وأجاب في فقه الصادق بقوله: «إن النصوص مطلقة»(8).

ص: 97


1- مهذب الأحكام 24: 37.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 20.
3- فقه الصادق 21: 99.
4- مستمسك العروة الوثقى 14: 20.
5- شرح العروة الوثقی 32: 25.
6- الفقه 62: 183.
7- مهذب الأحكام 24: 37.
8- فقه الصادق 21: 99.

وفيه: إنّ الإطلاق لا ينافي الانصراف، ولعل الانصراف مسبب عن الارتكاز.

الدليل السادس: رواية الجعفريات، وفيها: «ما لم يتعمد ذلك»(1).

وفيه أولاً: إنّ السند مخدوش، كما سبق(2).

وثانياً: إنّ المراد عدم كون النظر مقصوداً بالأصالة، كما سبق احتماله(3)، فتأمل.

الدليل السابع: وجود هذا القيد في ذيل موثقة عباد: «ما لم يتعمد ذلك»(4).

لكن قد سبق(5) دعوى ظهور القيد في الرجوع إلى الجملة الأخيرة فقط، فراجع.

مضافاً إلى ما ذكر ثانياً في جواب الدليل السادس.

ولعل ما في الجواهر من الاستدلال على المدعى ب- «إشعار النصوص، بل ظهورها، بل صريح بعضها فيه»(6) إشارة إلى هذين الخبرين ونحوهما.

وأن أشكل عليه السيد الروحاني بقوله: «إنا لم نعثر على خبر يكون ظاهراً

ص: 98


1- مستدرك الوسائل 14: 277. قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ليس لنساء أهل الذمة حرمة، لا بأس بالنظر إلى وجوههن وشعورهن ونحورهن وبدنهن، ما لم يتعمد ذلك».
2- سبق في الدليل الرابع من الفرع الثالث. راجع: الصفحة 90.
3- سبق في الدليل الثالث عشر من الفرع الأول. راجع: الصفحة 81.
4- الكافي 5: 524.
5- في الصفحة 19.
6- جواهر الكلام 29: 70.

في ذلك فضلا عن الصراحة»(1).

الدليل الثامن: ما ذكره السيد الخوئي، حيث قال: «وتدل عليه الآية الكريمة: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(2) فإنها تدل على لزوم كف النظر - الذي هو بمعنى الانصراف عن الشيء تماماً - فتدل على حرمة جميع أنواع الاستمتاع من المرأة ما عدا المملوكة والزوجة، وعليه فإذا ثبت من الخارج جواز النظر إلى بعض أعضاء المرأة علم أن المراد من ذلك إنما هو النظر البحت لا المشوب بنوع من الاستمتاع والتلذذ»(3).

وقد يورد عليه: بأنّ دليل جواز النظر مطلق، يشمل المشوب باللذة وغير المشوب، فيتعارض الدليلان بالعموم من وجه فيتساقطان، ويرجع إلى أصالة البراءة.

وفيه: إنّ ما عارض الكتاب يرمى به عرض الجدار، بلا فرق بين كون المعارضة بالتباين الكلي أو العموم من وجه، فتأمل.

والأولى أن يجاب: بأنّ ما ذكره في تفسير الآية الكريمة خلاف الظاهر؛ إذ الظاهر كون المراد التقليل من النظر إذا كان الغض بمعنى النقصان، أو كف النظر إذا كان الغض بمعنى إطباق الجفن لا قطع النظر عن الاستمتاعات الجنسية، ولم أر من المفسرين من ذكر هذا المعنى، فراجع تبيين القرآن وتقريب القرآن والتفسير الكبير والكشاف ومجمع البيان

ص: 99


1- فقه الصادق 21: 99.
2- النور: 30.
3- شرح العروة الوثقی 32: 25.

والميزان وغيرها.

قال السيد الوالد في تقريب القرآن: «أصل الغض النقصان، يقال: غض من صوته وبصره، أي قلل منهما ونقص، والمعنى غمض العين عما لا يحل النظر إليه، وإنما جيء بالغض ومن لأنّ الصرف عن الحرام لا يتوقف على الغمض، بل على غض بعض البصر بأن لا يمد عينه نحو المحرم»(1).

وفي الكشاف: «من للتبعيض، والمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار فيه على ما يحل»(2).

ويؤيده: ما في البرهان: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث طويل: «... وفرض اللّه على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم اللّه عليه، وأن يعرض عما نهى اللّه عنه مما لا يحل له وهو عمله وهو من الإيمان، فقال اللّه تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}(3) فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم، وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه...»(4).

لا يقال: النسبة بينهما عموم من وجه، فإن الكف أو التقليل نوعان، إما من اللذة أو غير اللذة.

فإنه يقال: بل النسبة عموم مطلق، فإن النظر بكل أنواعه إلى كل امرأة مشمول للآية، والنظر إلى أهل الذمة أخص من مطلق النظر.

ص: 100


1- تقريب القرآن 3: 696.
2- الكشاف 3: 60.
3- النور: 30.
4- البرهان 3: 532.

فمفاد الآية حرمة كل أنواع النظر إلى كل الأجنبيات، للإطلاق المستفاد من حذف المتعلق، ومفاد الرواية جواز كل أنواع النظر بخصوص الذميات.

ثم إنه قال في مباني المنهاج: «إنّ المستفاد من الحديث(1) جواز النظر مع التلذذ والشهوة، حيث قيد الجواز في الذيل بعدم التعمد، والتقسيم قاطع للشركة»(2).

وفيه: إنه ثبت النهي بالدليل الخارجي، مع أنه لم يثبت كون المراد بالتعمد ما ذكره على ما سبق، فتأمل.

ثم إنّ المحكي عن الشيخ الأعظم إنه لو وقع التلذذ في أثناء النظر إلى وجه المسلمة لم يجب الكف إذا لم يكن النظر بقصد التلذذ(3).

فإذا ثبت ذلك في النظر إلى وجه المسلمة ثبت في النظر إلى وجه الكافرة بطريق أولى.

لكن المختار هنالك وجوب الكف، وعدم جواز النظر.

هذا تمام الكلام في الشرط الأول.

الشرط الثاني: عدم خوف الوقوع في الحرام

ربما يقال: إنّ مقتضى القاعدة الأولية عدم حرمة ما يخاف معه الوقوع في الحرام، بل عدم حرمة ما يعلم معه الوقوع فيه؛ وذلك لما تقرر في محله من عدم حرمة مقدمة الحرام(4).

ص: 101


1- أي: حديث عباد بن صهيب.
2- مباني منهاج الصالحين 9: 562.
3- كتاب النكاح: 53.
4- هداية المسترشدين 3: 612؛ الفصول الغروية: 89؛ كفاية الأصول: 128.

نعم، مقدمة الحرام محرمة عقلاً، لكن الحرمة العقلية لا تلازم الحرمة الشرعية، مع أنّ الحرمة العقلية مقدمية لا نفسية.

هذا ولكن يمكن إثبات الحرمة الشرعية في المقام بتقريرين:

التقرير الأول: إنّ القاعدة الأولية تقتضي حرمة النظر إلى الأجنبية، وقد خصصت هذه القاعدة بالأدلة الدالة على جواز النظر إلى الكوافر، والنصوص المخصصة منصرفة إلى غير صورة خوف الوقوع في الحرام، فيرجع في صورة الخوف إلى عمومات أدلة المنع.

قال السيد الوالد: بانصراف النص إلى غير ذلك(1).

وفي المهذب: «إنه المنساق من إذن سادات الأنام»(2).

وأجاب السيد الروحاني: «بأنّ النصوص مطلقة»(3).

وفيه: إن الإطلاق لا ينافي الانصراف كما سبق، فتأمل.

لا يقال: لا وجه للانصراف وعهدته على مدعيه.

فإنه يقال: إذا وصلت النوبة إلى ادعاء الانصراف ينقطع البحث، وفي المقام القاعدة الأولية هي الحرمة، والشارع أخرج منها فرداً، فهل يشمل حتى مع خوف الوقوع في الحرام؟ كما تسلّمون بالانصراف مع العلم بالوقوع في الحرام.

لا يقال: المصداق الغالب لهذه الرواية صورة خوف الوقوع في الحرام،

ص: 102


1- الفقه 62: 183.
2- مهذب الأحكام 24: 37.
3- فقه الصادق 21: 99.

حيث تتحقق اللذة مع النظر عادة، ومعه أطلق المولى، فلا يمكن الانصراف عن المورد الغالب.

فإنه يقال: النظر بلذة حرام بنفسه، ثم إنه هل يمكن الالتزام بذلك فيما لو خاف أن يؤدي النظر إلى الفاحشة أو التقبيل أو الضم، منتهى الأمر قبول الشرط، إلا في النظر الذي يخاف أن يؤدي إلى النظر الالتذاذي.

التقرير الثاني: إنه مع فرض عدم انصراف النصوص المخصصة لا بد من تقييد هذه النصوص؛ وذلك لأمور:

الأمر الأول: الإجماع، ذكره في المهذب(1)، وفي فقه الصادق(2)، وفي الجواهر: «معلومية الحرمة عند الأصحاب والمفروغية منه»(3).

وفي شرح العروة: بلا خلاف(4).

الأمر الثاني: قال في المهذب: إنه المرتكز في أذهان المتشرعة من العوام(5).

ولعله هو مراد الشيخ بقوله: وضوح حرمة النظر مع خوف الوقوع في الحرام(6).

ص: 103


1- مهذب الأحكام 24: 37.
2- فقه الصادق 21: 99.
3- جواهر الكلام 29: 70.
4- شرح العروة الوثقی 32: 25.
5- مهذب الأحكام 24: 37.
6- مستمسك العروة الوثقى 14: 20. «... وظاهر شيخنا في الرسالة: وضوح حرمة النظر مع خوف الوقوع في الحرام».

الأمر الثالث: ما ذكره السيد الخوئي بقوله: «وأما بالنسبة إلى اعتبار عدم الريبة فيمكن التمسك فيه بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(1)، فإنّ الحفظ لما كان بمعنى الاهتمام بالشيء كي لا يقع في خلاف ما ينتظره، كان مدلول الآية الكريمة أنه لا بد من التحفظ على الفرج من الزنا، وحيث إنّ النظر إليهن مع الريبة يجعل العورة في معرض الزنا كان مشمولاً للنهي» (2).

وفيه نظر: إذ الحفظ عبارة عن الصيانة، والمفروض أنه صانه عن الفعل المحرم. نعم، هو متجرٍّ، لكن التجري على الشيء مغاير للتضييع؛ ولذا لا يقال: إنه لم يحفظ فرجه إذا لم يقع في الحرام.

ونظير ذلك يمكن أن يقال في حفظ الأمانة.

وتظهر الثمرة في أنه لو لم يحفظ الأمانة فيما ينبغي حفظها فيه، لكن اتفق عدم ضياعها لم يكن عاصياً لأدلة وجوب حفظ الأمانة. نعم، هو متجرٍّ، وربما يكون عاصياً من تلك الجهة، بناءً على كون التجري على المعصية معصية، فتأمل.

الأمر الرابع: ما في الجواهر: من «إشعار النصوص، بل ظهورها، بل صريح بعضها فيه»(3).

ص: 104


1- النور: 5-7.
2- شرح العروة الوثقی 32: 27.
3- جواهر الكلام 29: 70.

ولا يخفى عدم وضوح عبارته، وإن كان يحتمل إرادته الاستدلال بذلك على شرطية عدم التلذذ، ويحتمل إرادته لكلا الشرطين.

أقول: لم نجد نصاً يدل على ذلك، إلا أن يستدل بالعمومات، كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}(1) فالنهي عن القرب ظاهره الحرمة، فيكون الذهاب إلى بيت الفاحشة مشمولاً لهذه الآية.

وقوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}(2)، وقوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}(3).

إلاّ أنّ الظاهر أنّ النهي فيها مقدمي؛ ولذا لا تعتبر كل مقدمة معصية مستقلة، وإلاّ فالذنب الذي فيه ألف مقدمة كان فيه (1001) عصيان وعقاب، فتأمل.

ثم لا يخفى أنه وافق على هذا الشرط كل من رأيت حواشيهم على العروة، وهم ثمانية عشر فقيهاً، فلم يناقشوا فيه.

الشرط الثالث: عدم الريبة
اشارة

ويقع البحث في مقامين:

الأول: معنى الريبة.

الثاني: في الدليل على حرمة النظر بريبة.

ص: 105


1- الإسراء: 32.
2- البقرة: 168.
3- التحريم: 6.
المقام الأول: في معنى الريبة

أما المقام الأول: ففي معنى الريبة احتمالان:

الاحتمال الأول: ما ذكره صاحب العروة (رحمه اللّه) من أنّ معناها هو خوف الوقوع في الحرام(1).

وأقرّهُ عليه جميع من رأيت حواشيهم على العروة، والسيد السبزواري(2) والسيد الروحاني(3).

وقال في المسالك: «ينبغي أن يكون المراد بها خوف الوقوع معها في محرم، وهو المعبر عنه بخوف الفتنة»(4)، وكذا في نهاية المرام(5)، وكفاية الأحكام(6).

وقال في الجواهر: «الظاهر أنّ المراد من الريبة خوف الوقوع معها في محرم، ولعله هو المعبر عنه بخوف الفتنة»(7).

وفي شرح اللمعة فسر الريبة بخوف الفتنة(8).

ففي الباب عنوانان: أن لا يكون النظر بلذة، وأن لا يكون بريبة، أي: لا

ص: 106


1- العروة الوثقى 5: 485.
2- مهذب الأحكام 24: 37.
3- فقه الصادق 21: 99.
4- مسالك الأفهام 7: 44.
5- نهاية المرام 1: 52.
6- كفاية الأحكام 2: 83.
7- جواهر الكلام 29: 70.
8- الروضة البهية 5: 98.

يخاف الوقوع في الحرام، ولا عنوان ثالث.

وتدل على الحرمة بهذا المعنى الأدلة التي مضت في الشرط الثاني، فليس هذا شرطاً جديداً.

الاحتمال الثاني: - وهو يحتاج إلى تدقيق - ما في كشف اللثام، حيث قال: «وهي ما يخطر بالبال من النظر دون التلذذ به أو خوف افتتان، والفرق بينه وبين الريبة ظاهر مما عرفت؛ ولذا ذكر الثلاثة في التذكرة»(1).

أقول: يمكن أن يكون مراده من قوله «ما يخطر بالبال من النظر» بل لعله الظاهر منه الخواطر السيئة، كأن ينظر إليها مخطراً بباله تقبيلها.

لكن قال السيد الحكيم: «... والمراد مما يخطر بالبال من النظر الميل إلى الوقوع في الحرام مع المنظور إليه، وإن كان عالماً بعدم وقوعه»(2).

وفيه نظر؛ إذ تصور الشيء مغاير للميل إليه وسابق عليه. نعم، لا ينفك الميل عن الخطور، وإن أمكن انفكاك الخطور عن الميل.

مثلاً: يمكن تصور مائدة الطعام الشهي، لكن لا يميل إليه، فالتصور مرحلة متقدمة، والميل إلى الشيء مرحلة متأخرة قد تعقب المرحلة الأولى وقد لا تعقبها، فيبعد تفسير الخطور بالميل، فقد يتحقق الخطور ولا ميل. نعم، كلما تحقق الميل تحقق الخطور، حيث لا يمكن الميل إلى الشيء بدون تصوره، فتفسير السيد الحكيم تفسير بالأخص.

وبعبارة أخرى: الخطور صورة ذهنية مجردة، فقد يشتاق وقد لا يشتاق،

ص: 107


1- كشف اللثام 7: 23.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 20.

والميل انجذاب واشتياق نفساني.

وقال السيد الوالد: «الريبة قصد السوء، كما يقال: نظر إلى زيد نظرة مريبة في مقابل النظرة البريئة، كأن ينظر إليها بقصد الزنا بها أو ما أشبه، وإن لم تكن لذة فعلية»(1).

أقول: الظاهر أنّ القصد بمعنى الإجماع والإرادة، وهو متأخر عن التصور والميل.

وحينئذٍ قد يقال: إنه إن أمكن وقوع الحرام المقصود في الخارج كان مآل ذلك إلى الشرط الثاني، وإن لم يمكن وقوعه في الخارج كان ذلك عبارة عن الميل لا شيئاً آخر قباله، فتأمل.

والحاصل: إنه في الاحتمال الثاني توجد ثلاثة احتمالات: الخطور والميل والقصد حسب اختلاف التعبيرات.

المقام الثاني: في الدليل على حرمة النظر بريبة

أما على الاحتمال الأول(2)، فقد مضى(3) أن الأدلة تدل على الحرمة بهذا المعنى، والتي مضت في الشرط الثاني.

وأمّا على الاحتمال الثاني(4)، فقد استدل السيد الوالد(5) على الاشتراط

ص: 108


1- الفقه 62: 182.
2- وهو أنّ معنى الريبة خوف الوقوع في الحرام.
3- في المقام الأول. راجع: الصفحة 106.
4- وهو أنّ معناها ما يخطر بالبال من النظر دون التلذذ به أو خوف افتتان.
5- الفقه 62: 182-183.

بالمعنى الذي ذكره، بما يلي:

أولاً: بدعوى الإجماع.

وفيه تأمل؛ إذ أغلب مَن رأينا كلماتهم ومنهم صاحب العروة وكل المحشين لم يذكروا هذا الشرط، بل فسروهُ بالشرط الثاني.

وفي الجواهر: الاقتصار على عدم التلذذ والريبة بمعنى خوف الوقوع معها في محرم - كما في المتن(1) - أجود(2).

وثانياً: بانصراف النص عن ذلك، فنصوص التجويز لا تشمل النظرة التي يقصد بها السوء.

ويمكن أن يستدل أيضاً على الاشتراط بكل المعاني بارتكاز المتشرعة، حيث إنّ النظر بقصد السوء أو مع الميل إلى الوقوع في الحرام مع المنظور إليه، أو مصحوباً بالخواطر السيئة مستنكر في أذهان المتشرعة، فتأمّل.

كما قد يستدل على الاشتراط بورود كلمة عدم الريبة في كلمات الفقهاء، مرسلين الشرطية إرسال المسلمات، وحيث إنّ مقصود المعظم مجمل، فتكون جميع المعاني المحتملة طرفاً للعلم الإجمالي، فيحتاط باشتراط الجميع.

وهذه بعض المصادر التي تطرقت إلى ذكر الريبة أو اللذة والريبة معاً بدون تفسير، وقد تلقوا شرطيتها تلقي المسلمات، وهي: المقنعة والنهاية والسرائر والشرائع والقواعد والتحرير والمختلف وإيضاح الفوائد وجامع

ص: 109


1- أي: في الشرائع.
2- جواهر الكلام 29: 70.

المقاصد(1).

وفي التذكرة اشترط عدم الريبة واللذة مع أمن الفتنة(2).

وفي المهذب البارع اشترط أمن الفتنة وعدم التلذذ وأن لا يكون لريبة(3).

نعم في المصادر التي ذكرناها سابقاً فسّرت الريبة بخوف الفتنة، كالروضة والمسالك ونهاية المرام وكفاية الأحكام.

لكن قد يقال بانحلال العلم الإجمالي، حيث إنّ شرطية عدم خوف الفتنة مسلَّم؛ لما سبق من الأدلة، ومع تنجز أحد أطراف العلم الإجمالي بمنجز سابق ينحل، فتجري في سائر الأطراف أصالة البراءة، كما لو سقطت قطرة دم في أحد إناءين أحدهما المعين مستصحب النجاسة.

ولا يخفى أنّ الريبة فسرت من الناحية اللغوية بالشك والتهمة(4)، وفسرها بعضهم ب- «قلق النفس واضطرابها»(5) فلا يعلم المراد من كلمات الفقهاء.

وتفسير الجواهر والمسالك لا يخلو من قرب، بأن تكون النظرة محل الريب، كالخلوة بالأجنبية، حيث إنها محل الريب والشك، فلا يبعد أن يكون مراد الفقهاء بالريبة النظرة التي يشك أنها تنتهي إلى الحرام.

ص: 110


1- المقنعة: 521؛ النهاية: 484؛ السرائر 2: 610؛ شرائع الإسلام 2: 495؛ قواعد الأحكام 3: 6؛ تحرير الأحكام 2: 3؛ مختلف الشيعة 7: 93؛ إيضاح الفوائد 3: 6؛ جامع المقاصد 12: 31.
2- تذكرة الفقهاء (الطبعة الحجرية) 2: 574.
3- المهذب البارع 3: 205-206.
4- العين 8: 287؛ الصحاح 1: 141.
5- مجمع البحرين 2: 77.

أما النظرة المتصورة للحرام أو المائلة للحرام فلعلها بعيدة عن المعنى اللغوي للريبة، أو ذاك المعنى أقرب.

والحاصل: إما أن ندعي الإجماع، لكن لم يعلم تحققه، أو ندعي انصراف النصوص المجوزة أو الاستنكار، فتبقى العمومات الفوقانية المحرِّمة.

وإما أن نقول بالعلم الإجمالي، لكنه منحل.

ويمكن القول بالاحتياط، فتكون النظرة مشروطة بلا خطورة ولا ميل ولا قصد.

ونختم بالكلمة الواردة في كلمة التقوى: «المراد من الريبة خوف الوقوع في الحرام مع الشخص المنظور إليه، أو الميل النفساني للوقوع في محرم معه، وإن لم يخف الوقوع فيه»(1).

وهو مطابق لتفسير السيد الحكيم(2) للشرط الثالث.

الفرع السادس: في حكم الالتذاذ غير الشهوي

الالتذاذ بالنظر نوعان:

الأول: الالتذاذ الشهوي، وقد مضت حرمته.

الثاني: الالتذاذ غير الشهوي، نظير الالتذاذ الحاصل عند النظر إلى الورود والأشجار والأنهار، أو النظر إلى مَن يأنس بالنظر إليه والتحدث إليه، وهل يحرم الثاني كما يحرم الأول؟ لم أجد للمسألة تحريراً في كلامهم.

ص: 111


1- كلمة التقوى 7: 18.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 20.

يمكن أن يدعى العدم؛ وذلك لانصراف التلذذ الممنوع عنه في الأدلة اللفظية(1) عنه.

هذا مضافاً إلى أنّ أصل دلالة الأدلة اللفظية على حرمة التلذذ أو حجيتها محل تأمل، إلا أن يدعى الانجبار في بعضها، فتأمّل.

ولكون التلذذ الشهوي هو القدر المتيقن من الأدلة اللبية، كالإجماع وارتكاز المتشرعة، فيكون النظر بتلذذ غير شهوي مشمولاً لإطلاقات أدلة جواز النظر، ولا انصراف للأدلة عن هذه الصورة كي تشملها العمومات الفوقانية.

ويؤيده أو يدل عليه صحيحة علي بن سويد: قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : «إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة، فيعجبني النظر إليها؟ فقال: يا علي، لا بأس إذا عرف اللّه من نيتك الصدق، وإياك والزنا، فإنه يمحق البركة ويهلك الدين»(2).

والرواية وإن وردت في مسألة النظر إلى الوجه واليدين، إلا أنه يستفاد منها ومن بعض الفتاوى في تلك المسألة بجواز النظر حكم المقام بالأولوية، ولو في الجملة.

وستأتي تتمة للكلام في هذه الرواية في مسألة النظر إلى الوجه والكفين، إن شاء اللّه تعالى.

ص: 112


1- مثلاً خبر الفضل: «إذا لم يكن متلذذاً»، والجعفريات: «ما لم يتعمد ذلك»، وموثقة عباد: «إذا لم يتعمد ذلك»، وآية الغض {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} بناءً على كون المراد عدم الطمع الشهوي.
2- الكافي 5: 542.

قال السيد الوالد في تلك المسألة: «إن أراد مثل ما يحصل من النظر إلى الأوراد والأطيار الجميلة ونحوها فذلك جائز، وليس من التلذذ الممنوع في المقام، وهذا هو المراد من صحيح ابن سويد، كما لا يخفى على المتأمل»(1).

ونحوه ما في المستمسك(2).

ويؤيده أيضاً أو يدل عليه: موثقة زرعة بن محمّد الواردة في الجارية النفيسة، التي وقعت في قلب رجل وأعجب بها، فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «تعرض لرؤيتها، وكلما رأيتها فقل: أسأل اللّه من فضله...»(3)، وقد سبق ذكرها(4).

فإنّ نظر العاشق إلى معشوقته لا يخلو عادة عن الالتذاذ. نعم، الالتذاذ الشهوي ممنوع بالأدلة السابقة.

لكن قد يقال: إنها واردة في الأمة، وحكم الحرة مغاير لحكم الأمة، فتأمّل(5).

إلا أن يقال: إنها كانت أمة، فلو كانت ذمية فهي أمة الإمام (عليه السلام) ، وإن كانت مسلمة فيستفاد حكم الأمة الكافرة بطريق أولى.

ص: 113


1- الفقه 62: 213.
2- مستمسك العروة الوثقی 14: 30-31.
3- الكافي 5: 559.
4- في الدليل الثالث من الفرع الأول من المسألة الثانية. راجع: الصفحة 59.
5- وجه التأمل: أنّ الملاك واحد.

ثم إنه لو شك في أنّ الالتذاذ شهوي أم لا فهل يجوز النظر أولا؟ الظاهر: الجواز.

أما بناءً على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص فظاهر؛ إذ مقتضى الأدلة جواز النظر خرج منه النظر بلذة شهوية، وحيث يشك في انطباق عنوان المخصص يشمل المورد عموم العام.

لا يقال: الأصل الحرمة، ففي مورد الشك يتمسك بالعموم الفوقاني.

فإنه يقال: العمومات التحتانية خصصت العمومات الفوقانية، وقد قيد العام التحتاني بأن لا يكون بلذة شهوية، فلو شك في تحقق القيد كان انطباق عموم العام التحتاني على المورد مسلّماً، وانطباق القيد غير واضح، فيشمله عموم العام التحتاني.

وأما بناءً على عدم الجواز، فلأصالة البراءة من الحرمة بعد رفع اليد عن جميع الأدلة، حيث لا يعلم أن هذا النظر مصداق لأيها؟

لا يقال: قد يتمسك بأصل عدم كونه التذاذياً.

فإنه يقال: إنه من العدم الأزلي.

هذا، ولا يخفى أنّ المقام من مزال الأقدام، فقد يكون النظر شهوياً في الواقع، لكن الشيطان والنفس الأمارة تسولان للإنسان غير الواقع. كما قد يكون النظر غير الشهوي مقدمة للنظر الشهوي، فينبغي الحذر التام والأخذ بالاحتياط، فإنه سبيل النجاة، وعلى اللّه التوكل وبه المستعان.

الفرع السابع: أنواع الالتذاذ المحرم

قال في المهذب: «والتلذذ إما فعلي غير اختياري، أو قصدي فعلي

ص: 114

اختياري، أو ما يحصل مع عدم التلذذ والريبة»(1).

ولعل مراده بالأول: أن يحصل التلذذ بالفعل، أي: في نفس زمان النظر مع عدم قصده التلذذ من النظر، بأن كان قصده رسم صورتها، إلا أنّ ذلك لا ينفك عن التلذذ قهراً.

وبالثاني: أن يحصل التلذذ بالفعل مع قصده التلذذ من النظر.

وبالثالث: أن يحصل التلذذ في المستقبل، لا حين النظر.

واستدل على حرمة الجميع بالإطلاق(2).

والظاهر شمول الأدلة السابقة للصورتين الأوليين، وعدم اختيارية التلذذ في الصورة الأولى لا ينافي الاختيار؛ لأنه بالاختيار. وقد ثبت في محله أن ما بالاختيار - سواء كان وجوباً أم امتناعاً - لا ينافي الاختيار.

وأما الصورة الثالثة: ففي شمول أدلة التحريم لها نوع خفاء. إلا أن يتمسك بوحدة المناط أو ارتكاز المتشرعة، أو انصراف الأدلة المجوزة عن هذه الصورة.

والكل لا يخلو عن مناقشة؛ إذ المناط غير معلوم، وكذا بلوغ ارتكاز القبح إلى حد التحريم، والانصراف غير واضح، فتكون أصالة الإطلاق محكمة، فتأمّل.

الفرع الثامن: منشأ الوقوع بالحرام بسبب النظر

الوقوع في الحرام بسبب النظر تارة يكون بالعلم، وأخرى بالاطمئنان،

ص: 115


1- مهذب الأحكام 24: 36.
2- مهذب الأحكام 24: 37.

وثالثة بمطلق الظن, ذكره في المهذب وقال: «وظاهر إطلاقهم الشمول للجميع»(1).

أقول: الظاهر شمول الخوف للشك، بل للوهم إذا لم يصل في الوهن إلى درجة لا يعتني بمثلها العقلاء، والإجماعات المنقولة وسائر الأدلة التي مضت تشمل جميع المراتب، ولا تختص بالعلم أو الاطمئنان أو الظن.

الفرع التاسع: في المراد بالنهي في قوله: إذا نهين لا ينتهين

قال السيد الرجائي: «لا يبعد أن يكون المراد النهي بمراتبه من القول والزجر عملاً، فلو فرض إمكان النهي في بعض بلاد المسلمين بغير القول لم يصدق أنهن لا ينتهين إن نهين»(2).

وعليه، فلا يجوز النظر؛ لعدم تحقق العلة التي يدور مدارها الحكم وجوداً وعدماً.

وفيه نظر؛ إذ قد يقال: إنّ النهي في المقام ظاهر في الزجر الإنشائي المتعلق بوجود الفعل، ولا يشمل الزجر التكويني المتعلق به.

ويؤيده التعليل في موثقة عباد؛ إذ لو نهيت نساء أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج بتمام مراتب النهي فلا شك أنّ معظمهن ينتهين بذلك، فلا بد أن يراد النهي اللفظي، فتأمّل.

نعم، لو شك في المراد من النهي كان مقتضى القاعدة قصر جواز النظر على اللواتي لا ينتهين بكل مراتب النهي؛ لأنّ المخصص للأدلة الرادعة عن

ص: 116


1- مهذب الأحكام 24: 36.
2- المسائل الفقهية: 117.

النظر منفصل، وحيث إنه مردد بين الأقل والأكثر يقتصر في الخروج عن أصالة العموم العقلائية، وفي التخصيص على القدر المتيقن، وأما غيره فيظل مشمولاً للعموم الرادع(1).

هذا، ولكن لو فرض عدم شمول التعليل كفت قاعدة الإلزام في الجواز؛ لما سبق في الفرع الثالث من أنّ العلة تبين حيثية، وتلك المطلقات تبين حيثية أخرى، فإذا انتفت الأولى كفى وجود الثانية، فتأمّل.

الفرع العاشر: في حكم النظر إلى الفرق المحكوم بكفرهم

قال السيد الوالد: «لا يلحق بالكفار الفرق المحكوم بكفرهم من المسلمين؛ لأن الأدلة منصرفة عنهم»(2)، كالغلاة والخوارج والنواصب، فليس لهم حكم الكفار في النظر.

ولكن قد يستدل على الجواز بأمرين:

الأول: عموم التعليل في موثقة عباد(3)، إن كانوا لا ينتهون بالنهي.

إلا أن يدعى الإعراض بنحو ما تقدّم تقريره في المسألة الأولى.

الثاني: قاعدة الإلزام، إن كان مذهبهم الجواز؛ لشمول القاعدة للمخالف والكافر على ما قرر في محله(4).

ص: 117


1- كما لو قال: (أكرم العلماء) ثم قال: (لا تكرم الفسّاق) ثم شك أن مرتكب الصغيرة فاسق أم لا، فمرتكب الكبيرة يخرج قطعاً، ومرتكب الصغيرة يبقى تحت عموم أكرم العلماء.
2- الفقه 62: 182.
3- الكافي 5: 524.
4- القواعد الفقهية 3: 179.
الفرع الحادي عشر: في حكم النظر إلى المرتد والمرتدة

قال السيد الوالد (رحمه اللّه) : لا يلحق المرتد والمرتدة بالكفار؛ لانصراف الأدلة عنهم(1).

وفيه تأمل؛ لأنّ الحكم تابع للموضوع، وقد تحقق الموضوع، وهو العلوج ونحوه، مضافاً إلى عموم التعليل وقاعدة الإلزام.

الفرع الثاني عشر: في حكم نظر المسلمة للكافر

هل يجوز للمسلمة النظر إلى الكافر بدون ريبة وتلذذ وخوف افتتان؟

قال السيد الوالد (رحمه اللّه) : «الظاهر ذلك للمناط»(2).

نعم، لا ينبغي الإشكال في عدم جواز النظر لعوارتهم؛ لما تقدّم.

وفيه تأمل؛ إذ المناط مجهول.

إلا أن يقال: إنّ المناط منصوص، وهو عدم الحرمة، كما في رواية الجعفريات المتقدمة، لكن السند مخدوش كما سبق.

هذا، ولكن قد يستدل على الجواز بالأولوية؛ وذلك لتشدد الشارع في نظر الرجل إلى المرأة أكثر من تشدده في العكس، على ما قرر في مسألة النظر إلى الوجه والكفين، فإذا جاز نظر الرجل إلى الكافرة جاز نظر المرأة إلى الكافر بطريق أولى، فتأمل.

وقد يستدل بعموم التعليل وقاعدة الإلزام.

ثم إنّ الكلام هنا فيما يحرم النظر إليه في حد ذاته من الرجل، وأما ما

ص: 118


1- الفقه 62: 182.
2- الفقه 62: 182.

يحلّ فلا إشكال في المقام، كالشعر والذراع؛ لشمول دليل الجواز للمسلم والكافر على حد سواء، فلاحظ.

الفرع الثالث عشر: في حكم النظر إلى الصور التلفزيونية والفوتوغرافية ونحوها
اشارة

هل يجوز النظر إلى الصور التلفزيونية والفوتوغرافية فيما يحرم فيه النظر إلى نفس المرأة؟

في المسألة أقوال:

القول الأول: حرمة النظر إلى الصور التلفزيونية والفوتوغرافية
اشارة

قد يقال بالحرمة لأدلة:

الدليل الأول: آية الغض

الدليل الأول: آية الغض(1)

وحيث لم يذكر المتعلق، ولم يخص النظر بنفس المرأة عمَّ الحكم، فإنّ حذف المتعلق يفيد العموم على ما قرر في محله(2).

والجواب: أولاً: ما ذكره السيد الروحاني في فقه المسائل المستحدثة: «إن الغض ليس بمعنى ترك النظر، بل أصل الغض النقصان، يقال: غض من صلاته ومن بصره أي نقص... ومنه قوله تعالى: {وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}، أي: أنقص من جهارته»(3).

وفيه: إنّ الغض طريقي، بمعنى أنه طريق إلى ترك النظر، لا أنّ له موضوعية في حد ذاته بمقتضى الفهم العرفي.

ص: 119


1- وهي قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}. النور: 30.
2- مفاتيح الأصول: 595؛ نهاية النهاية 2: 89.
3- المسائل المستحدثة: 217.

وثانياً: ما ذكره أيضاً، حيث قال: مع أنه لو سلم كون المراد ترك النظر، فحيث إنّ في كلمة «من» وجوهاً، كونها لابتداء الغاية، وكونها مزيدة، وكونها للتبعيض، فالأظهر هو الأخير، وعليه فلا بد من التقدير، والتقدير (يغضوا من أبصارهم شيئاً) وبما أنّ التبعيض بلحاظ البصر لا معنى له، فلا بد وأن يكون باعتبار المبصرات(1).

وفيه: إنّ الظاهر كون التبعيض بلحاظ نفس البصر لا بلحاظ المبصرات، باعتبار أنه لا يجب الغمض، بل يكفي الخفض، وحيث حذف المتعلق أفاد العموم.

وثالثاً: ما ذكره السيد الخوئي: من أنّ الغض عبارة عن قطع النظر عن الاستمتاعات الجنسية، فلا ترتبط بالنظر(2).

وفيه نظر سبق بيانه(3).

ورابعاً: إنّ الآية الكريمة ليست في مقام البيان من هذه الجهة، فلا ينعقد لها إطلاق.

وبعبارة بسيطة: الآية لا تنشئ تحريماً عاماً، بل تنهى عن النظر إلى ما ثبتت حرمته، فلا يستفاد منها حرمة النظر إلى تلك الصور، ويقربه إلى الذهن قول الخطيب لا تستمعوا إلى المحرمات، فلا يدل على أن سماع

ص: 120


1- المسائل المستحدثة: 218.
2- شرح العروة الوثقی 32: 27.
3- في الدليل الثامن من الشرط الأول من الفرع الخامس من المسألة الثانية. راجع الصفحة 99.

صوت المرأة محرم؛ لأنه ليس في مقام البيان، والحاصل: إنها ليست في مقام إنشاء الحرمة، بل لبيان الحكم بعد الفراغ عنها.

لا يقال: على هذا لا يمكن استفادة أية حرمة من الآية.

فإنه يقال: يستفاد منها القدر المتيقن، حيث إنها لا تبين حكم النظر إلى الأشجار والطيور، وإنما حكم النظر إلى المرأة ولو بقرينة ما قبلها، والقدر المتيقن العورة أو نفس المرأة، وأمّا صورتها فلا.

الدليل الثاني: شمول الأدلة الناهية عن النظر للمرأة للنظر إلى صورتها

لأنّ صورة المرأة هي المرأة بنفسها، نظير ما لو نهى المولى عبده عن النظر إلى وثيقة مكتوبة، فإنّ النظر إلى الصورة المأخوذة عنها نظر إلى الوثيقة نفسها.

وفيه: إنّ إطلاق (نظر إليها) إطلاق مسامحي، والعرف يراه مسامحة أيضاً كالعقل؛ ولذا يقال: نظر إلى صورتها لا إليها، ويصح أن يقال لمن قال: رأيت فلاناً: هل رأيته بنفسه أم رأيت صورته؟

ولو فرض أنه إطلاق حقيقي فالدليل منصرف عنه، فتأمّل.

وبعبارة أخرى: صحة السلب علامة المجاز، فليس النظر إلى الصورة فرداً للنظر إلى المرأة عقلاً وعرفاً؛ ولذا يصح الاعتراض على من قال: (رأيت فلاناً) بدون قرينة أنك لم تره وإنما رأيت صورته.

الدليل الثالث: وحدة المناط

وبعبارة أخرى: العلم بعدم الفرق بين النظر إلى المرأة وصورتها، فالنظر إليهما سيان.

ص: 121

وفيه: إنه لا قطع بالمناط، بل الفارق موجود، وهو أقربية إمكان الوقوع في الحرام في حالة النظر إلى نفس المرأة من حالة النظر إلى صورتها.

لا يقال: قد يكون الأمر بالعكس، فقد ينظر إلى صورتها في خلوته فيقع في الحرام، وقد ينظر إليها فلا يقع في الحرام.

فإنه يقال: لابد من ملاحظة الشرائط المتحدة، فالنظر في حد ذاته إلى ذات المرأة أقرب إلى الحرام، وبعبارة أخرى: المراد من (وحدة الملاك) أن الملاك نفس الملاك في الشرائط المتحدة، وإلا أمكن الاختلاف بين الشيئين إذا وضعا في شرائط مختلفة.

ويؤيد التفاوت بين النظر إلى نفس الشيء والنظر إلى صورته الأدلة الدالة على النظر في المرآة عند الاضطرار(1)، فإنه لولا تفاوت الأمر بين النظر إلى نفس البدن والنظر إلى الصورة لم يكن وجه لتعين النظر في المرآة.

والحاصل: إنّ الفرق متحقق بين النظر إليها وإلى صورتها؛ ولذا لم يجز النظر إليها في حال الاضطرار، وإنما إلى المرآة، ولو لم يكن فرق كان مخيراً بين النظر إليها أو إلى صورتها في المرآة.

كما يؤيد التفاوت فتوى جمع بعدم البأس بالنظر في غير المرآة للمحرم

ص: 122


1- وسائل الشيعة 26: 290. «... وينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة، فينظرون في المرايا فيرون شبحاً فيحكمون عليه». وفي 26: 291 «وأمر بنصبه مرآتين إحداهما مقابلة لفرج الشخص، والأخرى مقابلة للمرآة الأخرى، وأمر الشخص بالكشف عن عورته في مقابلة المرآة، حيث لا يراه العدلان، وأمر العدلين بالنظر في المرآة المقابلة لهما...».

مع حرمة نظره في المرآة، مع أنّ قرب أحدهما إلى الآخر أكثر من قرب الصورة لذي الصورة.

قال في الجواهر: «لا بأس بما يحكي الوجه مثلاً من ماء وغيره من الأجسام الصقيلة»(1).

وقال السيد الروحاني: «ويختص هذا الحكم بالنظر في المرآة، وأما النظر في غيرها مما يحكي الوجه - كالماء وما شاكل - فلا دليل على المنع عنه والتعدي عن المرآة إليه بتنقيح المناط كما ترى، فالمتعين الرجوع إلى الأصل، وهو يقتضي الجواز»(2).

لكن السيد الوالد (رحمه اللّه) فرق في الفقه بين الماء الصافي والأجسام الصيقلية(3).

والحاصل: إنه يحرم النظر في المرآة، ويجوز في جسم صيقلي يعكس كالمرآة، مع أنه لا فرق بينهما عرفاً، والنتيجة واحدة أو متقاربة.

ففرق الفقهاء فيما لا يفرق فيه العرف، فكيف بالمقام؟ حيث يفرق العرف قطعاً بين النظر إلى ذات المرأة والنظر إلى صورتها.

وعليه، لا يمكن الحكم بالمناط.

هذا، وقد يقرر المناط بأنّ المفاسد المترتبة على النظر، والتي ذكرت في الروايات الشريفة تترتب أيضاً على النظر إلى الصورة، فالعلل مشتركة.

ص: 123


1- جواهر الكلام 18: 349.
2- فقه الصادق 11: 62.
3- الفقه 42: 386.

فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة»(1).

وفي رواية أخرى: «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة»(2).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) : «وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء؛ لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يَجمُل(3)، وكذلك ما أشبه الشعور»(4).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أول نظرة(5) لك والثانية عليك لا لك»(6).

وهناك روايات أخرى يمكن مراجعتها في نفس الباب.

ويرد عليه:

أولاً: إنّ المذكورات من التهييج والدخول فيما لا يحل ونحوهما حِكَم لا علل، كما لعله الشأن في معظم العلل المذكورة في الروايات الشريفة، وإلا لدار الحكم مدارها وجوداً وعدماً، وجاز النظر إلى نفس المرأة إذا لم

ص: 124


1- الكافي 5: 559؛ وسائل الشيعة 20: 190.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 18؛ وسائل الشيعة 20: 192.
3- الظاهر أن يجمل يعني غير جميل، فتارة يكون الشيء حلالاً لكنه غير جميل، وخلاف المروءة مثلاً، فليس عطفاً تفسيرياً.
4- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 104؛ وسائل الشيعة 20: 193.
5- هنالك بحث في معنى أول نظرة، والذي يتبادر إلى الذهن هو النظرة الاتفاقية.
6- وسائل الشيعة 20: 193.

تترتب عليه تلك المفاسد، ومع كونها حكماً لا يثبت الحكم ولو مع ثبوتها في النظر إلى الصورة.

والحاصل: إنّ التعدية من المرأة إلى الصورة متوقف على كونها عللاً لا حِكَماً.

لكن قد يشكل هذا الجواب بأنّ التعليل المذكور بمعنى المعرضية لا الوقوع بالفعل، والمعرضية حاصلة بالنظر إلى الصورة كالنظر إلى المرأة.

وفيه نظر: إذ لو كانت العلة التامة المعرضية لزم جواز النظر فيما لا معرضية فيه، كالمرأة القبيحة أو المعوقة أو نحوهما.

إلا أن يقال: المراد المعرضية النوعية لا الصنفية.

لكن مآل ذلك كونها حكمة لا علة، فتأمل.

وثانياً: سلمنا أنّ المعرضية هي العلة التامة للحكم، إلا أنه قد سبق في الشرط الثاني من شرائط جواز النظر أنّ المعرضية للوقوع في الحرام سبب للحرمة في حد ذاتها، ولا فرق - ظاهراً - في ذلك بين النظر إلى المرأة وصورتها، كما هو مقتضى بعض الأدلة المتقدمة، فالكلام متمحض فيما إذا لم تكن في النظر للصورة معرضية للوقوع في الحرام مطلقاً، فتأمل.

الدليل الرابع: عدم الفرق بين النظر إلى المرأة وإلى صورتها

الارتكاز المتشرعي على عدم الفرق بين النظر إلى المرأة والنظر إلى صورتها.

هذا، ولكن في ثبوت ارتكاز الحرمة في غير ما يأتي من المستثنيات(1)

ص: 125


1- وهي المرآة والصور الخلاعية وما طرأ عليه عنوان ثانوي.

تأمل.

القول الثاني: التفصيل بين المرأة المعروفة وغيرها

وقد يقال بالتفصيل بين المرأة المعروفة عند الناظر وغيرها، فيجوز النظر في الثاني دون الأول، استناداً إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}(1).

والظاهر أنّ الاستدلال بذلك باعتبار التعليل، والعلة تعمم.

وللآية تفسيران:

التفسير الأول: ما في تقريب القرآن، وهو: مفاد الآية الكريمة وجوب إدناء الجلباب؛ لأنّ الإدناء أقرب إلى أن يعرفن بأنهن عفائف نجيبات فلا يؤذين، فإنّ عادة الفجار أن يتعرضوا للمرأة المبتذلة، أما إذا كانت متسترة عرفت بالستر والنجابة ولم يتعرض لها الفساق(2).

فإذا قربّت الجلباب بحيث ستر الرقبة والصدر عرفت المرأة أنها محتشمة، أي: أن تعرف بالتستر والنجابة والرزانة فلا يتعرضون لها.

التفسير الثاني: إنّ النساء كن يخرجن ليلاً لقضاء الحاجة من غير امتياز بين الأمة والحرة، وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء، وربما يتعرضون للحرائر، فإذا قيل لهم يقولون حسبناها من الإماء، فأمرت الحرائر أن يخالفن الإماء بالزي ليحتشمن فلا يطمع فيهن، فقوله تعالى {أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ} أي:

ص: 126


1- الأحزاب: 59.
2- تقريب القرآن 4: 358.

أقرب أن يعرفن بأنهن حرائر فلا يؤذين من جهة أهل الريبة بالتعرض لهن، بناء على أنهن إماء(1).

والتفسير الأول أقرب.

لا يقال: ما الفرق بين المرأة المعروفة وغيرها؟

فإنه يقال: الفرق بينهما أن الأولى قابلة للإيذاء بخلاف الثانية.

لا يقال: ما ذكر لا يرتبط بالنظر، بل الحرمة لأجل الأذية لا النظر، ثم ما ارتباطه بالنظر إلى الصورة.

فإنه يقال: إذا وجب التستر فهنالك ملازمة عرفية بين وجوب التستر وحرمة النظر، ومفاد الآية وجوب التحجب، فيتعدى بالملازمة العرفية من وجوب التحجب إلى حرمة النظر.

وحيث إنّ العلة موجودة في صورة المرأة المعروفة كنفس المرأة، فنتعدى من نفس المرأة إلى صورتها.

ويرد عليه:

أولاً: إنّ الظاهر كون هذه حِكَماً لا عللاً، وسوق الكلام فيه كسوقه في سابقه.

وثانياً: مع التسليم لا نضايق عن القول بحرمة النظر، إذا كانت هنالك معرضية للإيذاء لما سبق، وإن لم تكن معرضية فلا إشكال في النظر، ولا يثبت التحريم المطلق، فتأمل.

ص: 127


1- مجمع البيان 8: 181.
القول الثالث: التفصيل بين البث المباشر وغيره

هذا وقد يقال بتفصيل آخر: وهو التفصيل بين الصورة المرئية عبر البث المباشر وغير المباشر، بعدم الجواز في الأول والجواز في الثاني.

ولعل وجهه ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في مسألة النظر في المرآة.

وفيه نظر: إذ ليس وزان النظر عبر البث المباشر وزان المرآة، فإنه نظر إلى الصورة لا إلى ذات المرأة، بخلاف النظر إلى المرآة.

ولو فرض كونه مثله دقة لم يجدِ في الحكم بالتحريم؛ لأنه يقال عرفاً: نظر إلى صورتها لا إليها، فلا تشمله الأدلة الدالة على حرمة النظر إلى المرأة.

القول الرابع: جواز النظر
اشارة

وعلى كل حال: فإن لم يتم ما ذكر من الأدلة للأقوال الثلاثة يتعين المصير إلى القول الرابع وهو الجواز؛ لأصالة البراءة.

هذا، وقد يُتمسك للقول بالجواز بدليل اجتهادي، وهو أخبار النظر في المرآة إلى عورة الخنثى، ذكره في شرح العروة(1)، وإن أشكل عليه بضعف الخبر(2).

وفيه نظر: إذ النظر في ذلك المقام ضرورة عرفية، باعتبار توقف معرفة الحق عليه، فلا يتعدى الحكم إلى ما لا ضرورة فيه.

وبتقرير آخر: إنّ كان الحكم بالنظر عبر المرآة من باب الإرشاد إلى

ص: 128


1- شرح العروة الوثقی 12: 88.
2- شرح العروة الوثقی 12: 89.

الطريق المحلل كان ذلك دليلاً على المدعى، وإن كان من باب الإرشاد إلى أخف المحذورين في صورة الاضطرار لم يصح الاستدلال به في المقام، وحيث إنه لم يبين الوجه في الأمر بالنظر عبر المرآة كان مجملاً، فلاً تنهض الرواية المزبورة لا للقول بالجواز ولا للقول بالحرمة.

ولا يخفى أنّ الإشكال المذكور إنما يتم في رواية الشيخ المفيد، وأما في رواية يحيى بن أكثم فالظاهر أنه غير وارد.

أما رواية الشيخ المفيد فهي: «إنه لما ادعى الشخص ما ادعاه من الفرجين، أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) عدلين من المسلمين أن يحضرا بيتاً خالياً، وأحضر الشخص معهما، وأمر بنصب مرآتين: إحداهما مقابلة لفرج الشخص، والأخرى مقابلة للمرآة الأخرى، وأمر الشخص بالكشف عن عورته في مقابلة المرآة، حيث لا يراه العدلان، وأمر العدلين بالنظر في المرآة المقابلة لها، فلما تحقق العدلان صحة ما ادعاه الشخص من الفرجين...»(1).

وأمّا رواية يحيى بن أكثم فهي: «إن يحيى بن أكثم سأله في المسائل التي سأله عنها: أخبرني عن الخنثى وقول علي (عليه السلام) : تورث الخنثى من المبال، من ينظر إليه إذا بال وشهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل، مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال، أو يكون رجلاً وقد نظر إليه النساء وهذا مما لا يحل؟ فأجاب أبو الحسن الثالث (عليه السلام) : أما قول علي (عليه السلام) في الخنثى: إنه يورث من المبال فهو كما قال، وينظر قوم عدول يأخذ كل

ص: 129


1- الإرشاد 1: 214؛ وسائل الشيعة 26: 291.

واحد منهم مرآة ويقوم الخنثى خلفهم عريانة، فينظرون في المرايا فيرون شبحاً فيحكمون عليه»(1).

فتدل أو تشعر بجواز النظر في المرآة، وإلا لم يجب الإمام (عليه السلام) عن إشكال يحيى بن أكثم؛ لأنه يشكل كيف جوز علي (عليه السلام) النظر وهو محرّم؟

فأجابه الإمام (عليه السلام) أنّ علياً (عليه السلام) لم يأمر بالنظر إلى العورة مباشرة، وإنما أمر بالنظر في المرايا، ولو كان ذلك حراماً لأجابه بكونه ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.

والحاصل: إنّ الإمام (عليه السلام) أمر بنظر محلل لا محرم، فاندفع إشكال يحيى بن أكثم.

لكن في سند الروايتين إشكال.

أما رواية المفيد فهي مرسلة، حيث قال: «وروى بعض أهل النقل»(2).

وأما رواية يحيى، فسندها: محمّد بن يعقوب عن علي بن محمّد، عن محمد بن سعيد الآذربايجاني، وعن محمد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن الحسن بن علي بن كيسان جميعاً عن موسى بن محمد أخي أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (3).

وفي الطريقين إشكال، فإنّ محمد بن سعيد الآذربايجاني مجهول، وكذلك الحسن بن علي بن كيسان.

ص: 130


1- الكافي 7: 158؛ وسائل الشيعة 26: 290.
2- الإرشاد 1: 214.
3- وسائل الشيعة 26: 290.

لا يقال: إنّ الجواب قد يكون إقناعياً، فيحيى بن أكثم كان يتصور حرمة النظر إلى الموضع حتى في مثل هذه الضرورة.

فإنه يقال: كون الجواب إقناعياً خلاف الظاهر.

لا يقال: إنّ مورد الرواية إما ضرورة أو إرشاد إلى طريق محلل، وحمل الرواية على مورد الضرورة خلاف الأصل، فإنّ الضرورة من العناوين الثانوية.

فإنه يقال: مورد الرواية من موارد الضرورة، حيث يراد معرفة الحق، فإنّ المسألة مشكلة، ولا يعلم متعلق الحق المالي، فإنّ الخنثى إن كانت أنثى ورثت أقل مما لو كانت ذكراً، ففي هذه الحالة يجيز المولى النظر، ولا يعلم وجه الجواز، فلا يمكن القول بجواز النظر إلى عورة الخنثى في الحالة العادية.

والأصل المذكور قاعدة عقلائية - لا شرعية حتى يتمسك بإطلاقها - وهي في مثل المقام غير جارية.

وللتقريب إلى الذهن نقول: إذا سئل الفقيه عن جواز نظر الطبيب إلى المرأة، فأجاب بالنظر في المرآة لم يدل ذلك على جواز النظر في المرآة مطلقاً.

لا يقال: لم يعلم بأن المورد من موارد الضرورة؛ لإمكان جريان قاعدة العدل والإنصاف.

فإنه يقال: قاعدة العدل قاعدة عقلائية وشرعية لو قبلناها، وهي مؤخرة عن بقية القواعد، فالقاعدة تجري إذا لم يكن طريق آخر، والشارع جعل

ص: 131

طريقاً آخر.

لا يقال: المتحقق في المقام الجهل بالموضوع لا الضرورة.

فإنه يقال: هو نوع من الضرورة، حيث لا يعلم كيفية إيصال الحق إلى صاحبه، وقد يكون هنالك تنازع ومرافعة.

صور استثناءات الحكم بجواز النظر

ثم إنه تستثنى من الحكم بجواز النظر صور ثلاث:

الصورة الأولى: النظر في المرآة ونحوها

قال صاحب العروة: «الظاهر حرمة النظر إلى ما يحرم النظر إليه في المرآة والماء الصافي، مع التلذذ»(1).

ووافقه عليه: المحقق العراقي والمحقق النائيني والمحقق الحائري والسيد البروجردي والسيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد الخونساري والسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد الحكيم والسيد الوالد والسيد الخوئي والسيد القمي والسيد الگلپايگاني رحمهم اللّه.

ويدلُّ على الحرمة أمور:

الدليل الأول: إنّ النظر في المرآة نظر إلى المرأة نفسها، منتهى الأمر أنه نظر بواسطة الشعاع المنكسر لا المستقيم، فالشعاع تارة مستقيم من البدن إلى العين، وتارة منكسر، فتشمله الأدلة الدالة على حرمة النظر إلى المرأة.

وأشكل في ذلك بأنّ النظر غير واقع على شخص الأجنبية، بل على صورتها المنطبعة في المرآة أو غيرها من الأجسام الشفافة، ولا دليل على

ص: 132


1- العروة الوثقى 2: 318.

حرمة مثل هذا النظر، بعد أن كانت الرؤية فيها على سبيل الانطباع لا الانكسار(1)، لا أقل من الاحتمال الموجب لجريان أصالة البراءة في المقام، وقد نسب بعض ما ذكر إلى المحقق النراقي في المستند(2).

وأجيب عن ذلك:

أولاً: بالمناقشة في المبنى؛ إذ النور ينكسر في المرآة، فيقع النظر على شخص الأجنبية، لا أن صورتها تنطبع فيها فيقع النظر على الصورة، ولذلك شواهد ومؤيدات مذكورة في محلها.

ويؤيده: لو كانت المرآة لا تكفي إلاّ لصورة شخص واحد فيقف أمامها ثلاثة أشخاص فيرى من أمامها نفسه، ومن عن يمنيها يرى صورة من في الجانب الأيسر، ومن على يسارها يرى صورة من في الجانب الأيمن.

فيدل هذا على أنه ليس انطباعاً، حيث إنّ المرآة غير قابلة لثلاث صور منطبعة، ولو فرض انطباع الصور الثلاث لزم مسح إحداها الأخرى أو اختلاطها.

وثانياً: مع التسليم(3) نقول: إنّ حديث الانطباع والانكسار من الأبحاث الدقيقة البعيدة عن أذهان العرف، وهم لا يرتابون أنّ الناظر إلى المرأة في المرآة الحاكية لها ناظر إليها حقيقة.

وكذا لا يرتاب العرف في أنّ الناظر إلى وجهه عبر المرآة ناظر إلى

ص: 133


1- فهنالك خلاف بين الفلاسفة أنّ الرؤية هل هي بخروج الشعاع أم بالانطباع؟
2- مستند الشيعة 16: 60.
3- تسليم المبنى أنها انطباع لا انكسار.

وجهه حقيقة، لا إلى الصورة المنطبعة عن وجهه في المرآة.

والخلاصة: إنّ الأدلة الناهية عن النظر تشمل النظر إلى المرأة عبر المرآة عرفاً، فإنه نظر إليها عرفاً، وإن كان نظراً إلى صورتها المنطبعة دقة.

وأما دعوى انصراف الأدلة عن النظر في المرآة لانصراف النظر إلى الشائع المتعارف وهي الرؤية بلا واسطة شيء، كما عن المستند(1).

ففيها: إنّ الانصراف بدوي، وغلبة الوجود لا تقدح في إطلاق المطلقات، إلا إذا استلزمت تحول وجهة اللفظ عن الطبيعة إلى حصة خاصة منها، وليس ذلك حاصلاً في المقام.

قال السيد الوالد: «الانصراف ممنوع»(2).

وقال السيد السبزواري: «لأنه من الانصرافات البدوية التي لا يعتنى بها»(3).

الدليل الثاني: الملاك.

قال في المستمسك: «... أنه لو سلم فالظاهر من الأدلة عدم الخصوصية لغير الفرض، وأن موضوع الحكم هو الإحساس الخاص، وإلا جاز النظر بالآلة النظارة، ولا يمكن الالتزام به»(4).

فلا فرق بين أن ينظر إليها مباشرة أو ينظر إليها في المرآة، فإنّ الإحساس

ص: 134


1- مستند الشيعة 16: 60.
2- الفقه 18: 55.
3- مهذب الأحكام 5: 241.
4- مستمسك العروة الوثقی 5: 250.

والانطباع الخاص مشترك بينهما.

وقال في الفقه: «المستفاد من الأدلة - ولو بقرينة الفهم العرفي - هو المنع عن الإحساس الخاص»(1).

وذلك كمنع الدولة النظر إلى مواقع الجيش، فلا فرق فيه بين النظر المباشر أو عبر المرآة.

هذا، وقد يقرر المناط بأنّ المفاسد المترتبة على النظر بلا واسطة، والتي ذكرت في الآية الشريفة(2) تترتب أيضاً على النظر بواسطة المرآة، وسوق الكلام في ذلك يعلم مما تقدّم.

الدليل الثالث: آية الغض.

ويظهر الكلام في دلالتها مما تقدّم.

الدليل الرابع: الارتكاز المتشرعي على الحرمة.

والظاهر أنه لا بأس به.

ثم إنه أشكل في المستمسك في النظر في الماء الصافي من جهة عدم تمامية حكايته(3).

وفيه نظر: لأنّ الموضوع النظر لا تمام الحكاية في النظر؛ وإلا لأشكل الأمر في إطلاقه حرمة النظر في المرآة، مع أنها قد لا تكون تامة الحكاية(4)،

ص: 135


1- الفقه 18: 55.
2- وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب: 59.
3- مستمسك العروة الوثقى 5: 250.
4- كالمرآة المتصدئة.

إلا أن يريد الانصراف، فتأمل.

تفريع: يحرم النظر من وراء الزجاجة والنظارة والمجهر المتعارف؛ لأنه نظر عرفاً، بل دقة، فتشمله الأدلة الدالة على حرمة النظر.

هذا تمام الكلام في الاستثناء الأول.

الصورة الثانية: النظر للصور الخلاعية

فإنه منكر في أذهان المتشرعة؛ وذلك بمقدار ما يساعده الإنكار في أذهانهم، وإلا فلا وجود لهذه الكلمة في الروايات حتى ندور مدارها.

الصورة الثالثة: النظر إلى الصورة عند مقارنته للمحرمات

وهي: النظر إلى الصورة عند مقارنته للمحرمات، كالالتذاذ الشهوي وخوف الوقوع في الفتنة ونحوهما؛ وذلك لما سبق من الأدلة التي يعم بعضها المقام.

ولا يخفى أنّ النظر إلى الصور والأفلام مدخل خطير من مداخل الشيطان، قال اللّه تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}(1)، فينبغي الاحتياط التام في المقام، واللّه تعالى هو العالم والعاصم.

استفتاءات تتعلق بالمقام(2) ثم لا بأس بذكر بعض الفتاوى المتعلقة بالمقام.

ففي كتاب الاستفتاءات للوالد (رحمه اللّه) : «سؤال: ما حكم النظر إلى شاشة التلفزيون في حال مجيء صور نساء مسلمات لكن لا يرتدن الحجاب؟

ص: 136


1- البقرة: 168.
2- وهو حكم النظر إلى الصورة التلفزيونية والفوتوغرافية.

الجواب: لا يجوز(1).

سؤال: ما حكم نظر المرأة إلى صورة الرجل في التلفاز إذا كان أغلب بدنه مكشوفاً، كما لو كان في حلبة المصارعة أو ملعب الكرة أو غير ذلك؟

الجواب: مشكل(2).

سؤال: لو تزوج بامرأة فهل يجوز أن ينظر للصور التي التقطتها لنفسها قبل الزواج؟

الجواب: لا بأس، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط(3).

سؤال: لو كانت الصور حال زوجيتها لزوج آخر، وهي الآن زوجته فهل يجوز له أن ينظر للصور التي التقطتها وهي في حبالة الزوج الأول؟

الجواب: كالسابق(4).

سؤال: ولو طلقها فهل يجوز أن ينظر لصورها حال كونها زوجته؟

الجواب: مشكل»(5).

وقال السيد الوالد في المسائل المتجددة: «التصاوير الجنسية الموجبة للفتنة وإثارة الحرام لا تجوز، وإن لم تكن تصاوير واقعية، بل كانت خيالية، أما الواقعية منها فلها جهة حرمة ثانية أيضاً؛ لحرمة النظر إلى النساء وعورات الرجال.

ص: 137


1- الاستفتاءات، المسألة 201.
2- الاستفتاءات، المسألة 202.
3- الاستفتاءات، المسألة 209.
4- الاستفتاءات، المسألة 210.
5- الاستفتاءات، المسألة 211.

* الدليل في كلا الأمرين واضح، من غير فرق بين التصوير الفتوغرافي أو التلفزيون أو الفيديو أو غيرها»(1).

وفي صراط النجاة: «هل يجوز النظر مطلقاً إلى النساء العاريات والرجال كذلك - بدون أي ساتر - حتّى العورة - القبل والدبر - في التلفزيون والمجلات بدون ريبة وتلذذ؟

الخوئي: لا يجوز النظر إلى الخلاعيات منها»(2).

وكذلك منية السائل(3).

وفي إرشاد السائل: «هل يجوز للمرأة أن تشاهد مسابقات السباحة للرجال على شاشة التلفزيون؟

الجواب: لا يجوز لها تعمد النظر»(4).

وفي صراط النجاة: «سؤال: هل يجوز النظر إلى أفلام يعرض فيها كيفية الاتصال الجنسي وكيفية تكون الجنين وكيفية الولادة عند الإنسان.

الخوئي: هذا من الخلاعيات التي لا يجوز النظر إليها إذا كان مثيراً للشهوة»(5).

و الظاهر تغير رأيه هنا.

ص: 138


1- المسائل المتجددة: 200.
2- صراط النجاة 1: 329.
3- منية السائل: 114.
4- إرشاد السائل: 128.
5- صراط النجاة 2: 282.

وفيه أيضاً: «هل يجوز النظر إلى أفلام التلفزيون الغير(1) خلاعية، ولكنها تحتوي على قصص عاطفية وحب وغرام.

الخوئي: لا بأس به»(2).

وفيه أيضاً: «هل يجوز النظر إلى صور الكتابيات العاريات أو شبه العاريات في التلفزيون وشبهه لإشباع غريزة حب الاطلاع والاستئناس مع عدم الاطمئنان بحصول اللذة الجنسية؟

التبريزي: يحرم النظر الالتذاذي إلى الكتابيات، وأما النظر إلى التلفزيون وغيره فإن كانت المرأة معروفة عند الناظر فالنظر إلى التلفزيون كالنظر إلى جسمها خارجاً، وأما إذا لم تكن معروفة عنده فلا بأس به، وإن كان الأحوط تركه مطلقاً»(3).

وفي إرشاد السائل: «النظر إلى الصور الخلاعية والأفلام الجنسية بدون شهوة هل هو جائز؟

بسمه تعالى: لا يجوز ذلك؛ لأنّ رؤية هذه الأفلام لا تنفنك غالباً عن إثارة الفتنة وفساد الأخلاق، وكذا الصور المذكورة إذا كانت رؤيته معرضاً لها»(4).

وهنا بحثان: مع قطع النظر عن المطالب المتقدمة.

ص: 139


1- هكذا في المصدر، والصحيح: غير الخلاعية.
2- صراط النجاة 2: 282.
3- صراط النجاة 2: 544.
4- إرشاد السائل: 124.

الأول: غالباً ما يكون النظر إلى هذه الأفلام والصور مقارنة للمحرمات، ولا أقل من الالتذاذ الشهوي، إلاّ أن يكون الإنسان جداراً.

الثانية: ما ذكره العم السيد مجتبى (حفظه اللّه) حينما سأله شخص عن الذهاب إلى الأسواق فيقع نظره على النساء، فهل حلال أو حرام، فأجابه: هذا يسلب نورانية الباطن، فحتى لو فرض أنّ شيئاً منها محلل، ولكن في القلب نور وبهذه النظرات يسلب النور، فيعود القلب ظلمانياً؛ لذا حينما يقرأ دعاء كميل لا يتأثر ولا يبكي؛ لأنّ ما سمعه وشاهده يشكل حجاباً، حتى لو لم تقارن محرماً ولم تنته إلى محرم فرضاً.

الفرع الرابع عشر: في حكم لمس الكافرة

الظاهر أنه لا يجوز اللمس مطلقاً.

لكن قال السيد الوالد (رحمه اللّه) : «لا يبعد أن يكون اللمس الذي ليس فيه تلذذ وريبة وفتنة كالنظر بالنسبة إلى الأمة والكافرة، وإن لم أرَ من تعرض له»(1).

ولعل المستند في ذلك عموم التعليل في موثقة عباد: «بأنهن إذا نهين لا ينتهين» فالعلة عامة تشمل المقام أيضاً، أو قاعدة الإلزام، وهذان مخصصان لأدلة حرمة اللمس، كما كانا مخصصين لأدلة حرمة النظر.

وفيه نظر؛ لارتكاز الحرمة في الأذهان، ولأنه لو كان جائزاً لم يبقَ تحت الستار وبان؛ ولإطلاق فتاوى الفقهاء بالحرمة الكاشف عن إعراضهم عن إطلاقي الدليلين المزبورين للمقام، والأمر بحاجة إلى تأمل أكثر.

ص: 140


1- الفقه 62: 182.

لا يقال: إنّ الارتكاز لأجل التلذذ والريبة والفتنة، ومع عدمها فلا ارتكاز، كلمس عجوز لعجوزة.

فإنه يقال: وهل يمكن الالتزام بذلك في التقبيل، كأن يقبل العجوز العجوزة بلا تلذذ وريبة؟ كلا، وليس ذلك إلا للارتكاز المتحقق في المقام مطلقاً، ويشهد لذلك إنكارهم لمَن يقوم باللمس.

ثم إنّ الفقهاء عندما تناولوا مسألة اللمس أفتوا بحرمته مطلقاً - مع وجود هذه الأدلة بمرأى منهم - ولم يستثنوا ذلك، بينما في مسألة النظر استثنوا الكتابية.

ص: 141

ص: 142

المسألة الثالثة : النظر إلى الوجه والكفين من المسلمات

اشارة

ص: 143

ص: 144

المسألة الثالثة: النظر إلى الوجه والكفين من المسلمات

اشارة

وقد اختلفت الأنظار في حكم النظر إلى الوجه والكفين للمسلمات.

قال في المهذب: «هذه المسألة مورد الخلاف بينهم، حتى إنه قد يتفق الخلاف من فقيه واحد يختار في أحكام الستر في الصلاة الجواز، وفي المقام المنع أو بالعكس»(1).

لكن الظاهر عدم التخالف في بعض الكلمات؛ إذ المبحوث في المقام حرمة النظر، والمبحوث في ذلك المقام وجوب الستر، ولا تنافي بين اختيار عدم وجوب الستر وحرمة النظر، فتأمل.

فما ظهر من بعض المحشين من نسبة التناقض إلى صاحب العروة - حيث أفتى في المجلد الأول من العروة بعدم وجوب الستر(2)، بينما أفتى في المجلد الثاني بحرمة النظر احتياطا(3) - غير تام؛ لإمكان الجمع بين جواز الكشف وحرمة النظر.

لا يقال: المنافاة بينهما محققة فيما لو كان ذلك بمرأى ومنظر الناس.

فإنه يقال: لا منافاة، كما هو الحال في جواز كشف الرجل لصدره مثلاً، ومع ذلك لا يجوز للمرأة أن تنظر إليه على بعض المباني.

ص: 145


1- مهذب الأحكام 24: 40.
2- العروة الوثقى 1: 321.
3- العروة الوثقى 2: 317.

الأقوال في المسألة الثالثة

اشارة

وعلى كلٍ فالأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: الجواز مطلقاً.

الثاني: العدم مطلقاً.

الثالث: التفصيل بين النظرة الأولى والثانية.

القول الأول: جواز النظر مطلقاً
اشارة

ونسب هذا القول إلى الشيخ في النهاية والتبيان والتهذيب والاستبصار، وإلى الشيخ الكليني في الكافي، وإلى جماعة من المتأخرين، منهم المحقق السبزواري في الكفاية والفيض الكاشاني في المفاتيح(1).

واختار هذا القول المحدث البحراني والمحقق النراقي والشيخ الأعظم، ذكر ذلك المستمسك(2)، وورد في بعض الكتب أنّ الشيخ الأعظم مصرّ عليه.

أدلة القول الأول
اشارة

واستدل على هذا القول بالكتاب العزيز والسنة الشريفة وسيرة المتشرعة وأصالة البراءة وغيرها من الأدلة، ونذكر فيما يلي الأدلة تباعاً إن شاء اللّه تعالى.

الدليل الأول:

قوله تعالى{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}(3).

ص: 146


1- مستند الشيعة 16: 46.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 26.
3- النور: 31.

معنى الزينة

والمراد من الزينة إما أدوات الزينة، وهي التي يعبر عنها بالزينة العرضية، كالخاتم، أو موضع أدوات الزينة، وهي التي يعبر عنها بالزينة الذاتية، كالوجه، أوكلتاهما معاً.

هذا ويظهر من بعض الروايات الشريفة إرادة المعنى الأول، كما في موثقة زرارة(1)، ويظهر من بعضها إرادة المعنى الثاني، كما في صحيحة الفضيل(2).

ولا يبعد إرادة كلا المعنيين من الآية الكريمة، إما باعتبار استعمال اللفظ في المعنيين بناءً على جوازه كما هو المختار، أو باعتبار إرادة الجامع لهما منها.

ولا يخفى أن المقصود في المقام الاستدلال بالآية الكريمة بنفسها، لا بضميمة الروايات الشريفة، ليرى أنّ القرآن الكريم بنفسه يدل على الجواز أو لا؟

وعلى كل حال، إن كان المراد المعنى الأول يقرر الاستدلال بثبوت الملازمة بين جواز الإبداء لها، وجواز إبداء محلها؛ إذ لا يمكن عادة ظهور الزينة بدون ظهور محلها.

ص: 147


1- وسائل الشيعة 20: 201. عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عز وجل: «{ما ظَهَرَ مِنْها} قال: الزينة الظاهرة الكحل والخاتم».
2- وسائل الشيعة 20: 200. عن ابن محبوب عن جميل، عن الفضيل قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذراعين من المرأة، هما من الزينة التي قال اللّه: {وَلا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}؟ قال: نعم، وما دون الخمار من الزينة، وما دون السوارين».

وإن كان المراد الثاني فالأمر أوضح، ومنه يظهر الكلام في الاحتمال الثالث.

الإشكالات على الدليل الأول

وفي المقام إشكالات:

الإشكال الأول: عدم الملازمة بين جواز الإبداء وجواز النظر

إنّ جواز الإبداء لا يلازم جواز النظر؛ إذ لا ملازمة بينهما، فإنّ الإبداء بمعنى الإظهار في مقابل الستر، وجواز الإظهار لا يلازم جواز النظر. نعم، لو كان متعدياً باللام كان بمعنى الإراءة، وجواز إراءة شيء لشخص يلازم جواز نظره إليه.

قال السيد الروحاني: «لأنه من الممكن أن يرفع الشارع الأقدس وجوب الستر عليها بالنسبة إلى الوجه والكفين، للعسر والحرج أو لغير ذلك، بخلاف سائر البدن، وإن وجب على الناظر الغض، كما عساه يقال في بدن الرجل بالنسبة إلى المرأة»(1).

وفيه نظر؛ إذ جواز الإبداء لا يلازم جواز النظر عقلاً، لكن يلازمه عرفاً، خاصة مع كون المسألة محل الابتلاء كثيراً، بل تتكرر كل يوم ملايين المرات، ومقتضى الطبع والجبلة أن ينظر الرجال إلى المرأة المكشوفة الوجه والكفين، فكان اللازم الردع، فعدم الردع دليل تجويز الشارع النظر، ويتضح ذلك بملاحظة قانون وضعي يشرع جواز إبداء النساء لوجوههن، دون أن يحظر على الرجال النظر إليهن، فإنه دليل الجواز عرفاً.

ص: 148


1- فقه الصادق 21: 112.

قال السيد الوالد (رحمه اللّه) : «لا يخفى، حيث إنه تلازم بين كشف الوجه واليد وبين النظر، ذكر كثير من الفقهاء أدلة البابين جوازاً أو منعاً في مسألة واحدة، فليس ذلك من باب الخلط بين المسألتين كما توهم»(1).

لكن العم السيد مجتبى (حفظه اللّه) يرى أنه لا تلازم بين الاثنين، وأنّ الخلط متحقق.

الإشكال الثاني: المراد الظهور الاتفاقي

إنّ المراد بقوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الظهور الاتفاقي لا الإظهار الاختياري، فيكون معنى الآية الكريمة: يحرم عليهن إبداء زينتهن عن عمد وقصد، وأمّا ما ظهر بغير تعمد واختيار فلا بأس به، كما لو هبت ريح مثلاً فظهر وجه المرأة.

وإلى هذا المعنى ذهب السيد الوالد (رحمه اللّه) في التبيين(2) والتقريب(3)، لا أقل من احتمال ذلك، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، ومفاد الاستثناء تأكيد تعميم الحرمة لكل أنواع الإظهار،كما هو الشأن في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}(4)، حيث إنه ليس المراد بيان عدم الإشكال فيما مضى مما كان في عهد الجاهلية؛ لأنّ الماضي لا يتعلق به التكليف، فلا يكون محل النهي، بل المراد تأكيد الحرمة في الحال، أي: لا مجال لهذا النكاح.

ص: 149


1- الفقه 62: 215.
2- تبيين القرآن 2: 292.
3- تقريب القرآن 3: 697.
4- النساء: 22.

لا يقال: الاحتمال لا يخل بالإطلاق.

فإنه يقال: (ظهر) يعني (هو ظهر) لا (أنها أظهرت) فظهوره إنما هو في الظهور الاتفاقي غير الاختياري، أو نقول: إنه مجمل مردد بين المعنيين، فلا يصح الاستدلال به.

وفيه نظر؛ إذ عليه يكون الاستثناء منقطعاً؛ لعدم تعلق التكليف بما هو خارج عن الاختيار، فيكون استثناؤه من متعلق التكليف استثناءً منقطعاً، وهو خلاف الظاهر، وكثرة الاستثناء المنقطع في الاستعمال - كقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ}(1)، وقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (2)، وقوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى}(3)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}(4) إلى غير ذلك، كما أشار إليه السيد الرجائي حفظه اللّه(5) - لا تقدح في ظهور أداة الاستثناء في الاتصال، كما أن كثرة استعمال صيغة الأمر في الندب لا تقدح في ظهورها في الوجوب.

لا يقال: يستلزم ذلك التعارض بين الظاهرين، فالظهور العرفي في {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو الظهور لا الإظهار، فيستلزم ذلك الاستثناء المنقطع، وهو

ص: 150


1- الشعراء: 76.
2- النساء: 22.
3- الدخان: 56.
4- النساء: 29.
5- المسائل الفقهية: 19.

خلاف الظاهر، فما وجه تقديم أحدهما ؟

فإنه يقال: سيأتي إن شاء اللّه أن معنى {إِلا مَا ظَهَرَ} هو الأشياء التي طبعها الأولي طبع الظهور، كالكف والوجه، خاصة الفلاحات والبائعات وما أشبه، حيث طبيعة العمل والحياة تقتضي ظهورهما.

وبعبارة أخرى: تارة تكون المرأة في البيت ولا كلام فيه، وتارة تكون في المجتمع وتريد أن تتحفظ كاملاً، كالنساء المجللات المحتشمات اللاتي يتكلفن ويغطين الوجه والكف، وهذا جيد ومطلوب ومحبوب واحتياط، لكن عندما تكون فلاحة أو بائعة فالطبيعة الأولية للتعامل مع الحياة تقتضي ظهور هذا المقدار من الوجه والكفين.

وقد سألت أحد الشيبة عن كيفية ستر المرأة الفلاحة والقروية قبل سبعين سنة في كربلاء والنجف، فأجاب كان يظهر بعض الوجه والكف، ولم ينهَ عن ذلك العلماء، ولو لم يكن الأمر كذلك من قبل لبان حيث يظهر وقت تغير الحال.

الإشكال الثالث: التخصيص

إن هذه الجملة من الآية الكريمة مخصصة بقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} (1). فالمراد بالزينة الظاهرة ما يظهر بعد ضرب الخمار على جيوبهن، وهي الوجه والكفان والقدمان والثياب، فالمراد أن لا يبدين الزينة إلا للمذكورين في الآية الكريمة، أي: بعولتهن و..

نعم، لبعولتهن حكم خاص معلوم من الخارج، ومقتضى ذلك أنه لا

ص: 151


1- النور: 31.

يجوز لهن إبداء وجوههن للأجنبي، ولا يجوز إبداء صدورهن وظهورهن وغيرهما مما لا يدخل في {مَا ظَهَرَ} للمحارم والأجانب.

لا يقال: بناء على ذلك تكون الآية لغواً، حيث يُكتفى بحكم البعولة، وأمّا غيره فلا يحق إبداء أي شيء له.

فإنه يقال: إنما أراد جواز إبداء الزينة الظاهرة للمحارم، فإنّ المولى يقول: بالإجمال لا يحق الإبداء إلا للزينة الظاهرة، ثم يقول: هذه الزينة الظاهرة لا تبدينها إلا للمحارم.

وبعبارة أخرى: كل مقطع من الآية يبين قيداً، فيضم أحدهما إلى الآخر، الأول: الظهور، والثاني: المحارم، فتدل الآية على عدم جواز كشف الوجه والكفين للأجنبي، وإذا حرم الإبداء حرم النظر للملازمة بينهما، وهو ضد المطلوب، كما قال بذلك السيد الخوئي(1) ولكن بتقرير آخر.

وفيه نظر؛ إذ جملة الاستثناء تنحل إلى عقد سلب وعقد إيجاب، فالمستفاد من الجملتين المذكورتين في الآية الكريمة ثلاثة أحكام:

الأول: حرمة إبداء الزينة مطلقاً.

الثاني: جواز إبداء الزينة الظاهرة.

الثالث: جواز إبداء الزينة للمحارم.

وحيث إنه لا تنافي بين الحكمين الأخيرين عرفاً، ولا قرينة خارجية على تقييد أحدهما بالآخر، وحيث إنّ حذف المتعلق يفيد العموم يكون الحكم

ص: 152


1- شرح العروة الوثقی 32: 30.

الثاني، المستفاد من الجملة الأولى جواز إبداء الزينة الظاهرة لجميع الناس، ويكون الحكم الثالث المستفاد من الجملة الثانية جواز إبداء جميع أنواع الزينة للمحارم.

وبعبارة سهلة: إذا قال المولى: (يجوز إبداء الزينة الظاهرة) ولم يخصصه بأحدٍ كان حذف المتعلق مفيداً للعموم، فيكون المفاد جواز إبداء الزينة الظاهرة لجميع الناس، ثم يقول: (يجوز إبداء الزينة للمحارم) ولم يقيد الزينة بقيد، فيكون المفاد جواز إبداء جميع أنواع الزينة للمحارم - إلا العورة المستفاد حكمها بالأدلة الخاصة - ولا تنافي بين الجملتين حتى يقيد أحدهما بالآخر، والحاصل: إنه بالفهم العرفي لا تنافي بينهما.

الإشكال الرابع: اختلاف الروايات المفسرة للزينة

قال في الجواهر: «تفسير (ما ظهر) بما عرفت كافٍ في عدم الوثوق، ضرورة اختلافه اختلافاً لا يرجى جمعه»(1).

ولعله (رحمه اللّه) يشير بذلك إلى اختلاف الروايات الواردة في تفسير (الزينة الظاهرة) ففي بعضها تفسيرها ب- «الخاتم والمسكة» وهي القلب(2) كما في رواية أبي بصير(3)، وفي بعضها تفسيرها ب- «الكحل والخاتم» كما في رواية

ص: 153


1- جواهر الكلام 29: 78.
2- السوار (المعضد).
3- الكافي 5: 521. عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن قول اللّه تعالى: {وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} قال: الخاتم والمسكة وهي القلب». المسك - بالتحريك - : الذبل والأسورة والخلاخيل من القرون والعاجل، والقلب - بالضم - : السوار.

زرارة(1)، وفي بعضها تفسيرها ب- «الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار» كما في رواية أبي الجارود(2)، وفي بعضها تفسيرها ب- «الوجه والذراعين» كما في رواية مكارم الأخلاق(3)، فلا يعلم المراد منها؛ لاختلاف الروايات في تفسيرها.

وفيه: إنه لا منافاة بينها عرفاً؛ إذ يحمل كل منها على بيان بعض المصاديق، ولعل السر في ذلك أنه لا تعارض بين منطوق كل واحد من هذه الأخبار مع منطوق البعض الآخر، بل التعارض بين منطوق كلٍّ ومفهوم الآخر الدال على الحصر، وحيث إنّ دلالة المفهوم بالظهور ودلالة المنطوق بالصراحة يرفع اليد عن ظهور كل منها بصراحة المنطوق في كل منها، أو يقال: يخصص مفهوم كلٍّ بمنطوق الآخر، والنتيجة جواز الجميع.

ونظير ذلك ما ذكره جملة من الفقهاء في الروايات الواردة في تفسير الفسوق المحرم في حالة الإحرام؛ إذ ورد في صحيح معاوية بن عمار تفسيره بالكذب والسباب(4)، وورد في صحيح علي بن جعفر تفسيره بالكذب والمفاخرة(5)، حيث يرفع اليد عن ظهور مفهوم كل بصراحة منطوق الآخر

ص: 154


1- الكافي 5: 521. عن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «في قول اللّه تبارك وتعالى: {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} قال: الزينة الظاهرة الكحل والخاتم».
2- مستدرك الوسائل 14: 276. في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قوله: «{وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار...».
3- مكارم الأخلاق: 232. عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله جل ثناؤه: «{إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} قال: الوجه والذراعان».
4- الكافي 4: 338.
5- وسائل الشيعة 12: 465.

والحكم بحرمة الجميع، أو يقال بالتخصيص على نحو ما تقدم.

هذا مضافاً إلى ضعف جملة من الروايات الواردة في تفسير الآية الكريمة، كما أشار إليه (رحمه اللّه) (1).

هذا مع أنّ الكلام فعلاً في دلالة الآية الكريمة في حد ذاتها.

لا يقال: بناءً على ثبوت المفهوم تتعارض الروايات لتعارض المفهومين.

لأنه يقال: النفي الكلي للمفهومين إضافي لا حقيقي حتى يتعارضا، وقد خرج منه ما خرج.

الإشكال الخامس: المراد بالزينة الثياب

إنه محمول على زينة الثياب، كما حكي عن ابن مسعود(2)، وفي الجواهر: «فلا يبعد إرادة الثياب الظاهرة منه»(3). وقال السيد الروحاني: «إن الزينة الظاهرة فسرت بتفاسير، منها ما عن ابن مسعود من تفسيرها بالثياب، ومنها غير ذلك»(4).

ولعله يريد الإجمال.

ويرد عليه:

أولاً: ما في المستمسك: «مع أنه خلاف الظاهر في نفسه»(5).

وفيه نظر؛ إذ تشخيص ظهور ما ظهر موقوف على معرفة كيفية حجاب

ص: 155


1- جواهر الكلام 29: 78.
2- التبيان 7: 429.
3- جواهر الكلام 29: 78.
4- فقه الصادق 21: 111.
5- مستمسك العروة الوثقی 14: 29.

النساء آنذاك، وهي غير معلومة، فلا طريق إلى معرفة المراد بما ظهر، أي: ما جرت العادة والجبلة على ظهوره، والأصل فيه الظهور، كما في الكشاف(1)، فإن كانت العادة الجارية كشف الوجه والكفين كانا من المراد، وإن كانت العادة سترهما كان المراد الثياب الظاهرة.

لا يقال: في كلام المستمسك تأمل من جهة ثانية، وهي: أنه حتى لو فرض عدم شمول الزينة الظاهرة للثياب إلا أنّ التفسير الصحيح يجعله مشمولاً.

فإنه يقال: الكلام في الآية في حدّ ذاتها.

لا يقال: مع عدم العلم بكيفية الحجاب لابد من التمسك بظهور - الظاهر في نفسه - اليوم، فإنّ الأحكام مجعولة على نهج القضايا الحقيقية دائماً، والمقام من مصداقه.

فإنه يقال: القضية هنا خارجية لا حقيقية، وإلا فإنّ النساء الغربيات يخرجن ذراعهن اليوم، فهل يمكن القول بشمول الآية لهن؟

لا يقال: علينا بالمجتمع الإسلامي المتدين، فإنّ الخطاب للمؤمنات، أي: المتدينات، ولو فرض شمول الآية لغيرهن أمكن القول بعدم شمول الحكم لهن للدليل الخاص.

فإنه يقال: القضية لا تختص بالمجتمع الإسلامي، وعلى فرضه فإنّ المراد من المؤمنات اللاتي يؤمن باللّه، والآن نجد الكثير منهن يكشفن شعورهن، فلا يعقل أن يوكل المولى القضية إلى الحقيقية، فهل يعقل أن يراد بها كل

ص: 156


1- الكشاف 3: 61.

ما ظهر بطبعه في أي وقت؟

هذا، ولكن قد يدعى إمكان تحصيل العلم الخارجي بعدم ستر النساء وجوههن وأكفهن آنذاك، خاصة في القرى والبوادي، فتكون من الزينة الظاهرة بطبعها فيشملها الاستثناء.

وفي الجواهر: «السيرة في جميع الأعصار والأمصار على عدم معاملة الوجه والكفين في المرأة معاملة العورة»(1).

وقال السيد الخوئي: «لعل السيرة في هذه الموارد(2) قائمة على العكس(3) كما لا يخفى. نعم، لا نضايق من تحققها بالنسبة إلى النساء المجللات في البلدان الكبار، وأمّا على سبيل العموم فكلا، فهي(4) مختصة بطائفة من النساء في بعض البلاد»(5).

بالإضافة إلى أنه لو كان غيره - بأن كانت المتدينات يتحجبن ويسترن الوجه والكفين، ثم تبدل إلى غيره فجأة أو تدريجاً - لبان في التاريخ(6).

وثانياً: ما في المستمسك أيضاً(7) من أنه(8) مخالف لقرينة السياق مع قوله

ص: 157


1- جواهر الكلام 29: 77.
2- أي: القرى والقصبات والبلدان.
3- أي: عدم التستر عن الأجنبي.
4- أي: السيرة على التستر.
5- شرح العروة الوثقی 12: 72.
6- مثلاً: وقت بدء السفور في بغداد واضح، وقد ذكر السيد الوالد (رحمه اللّه) قضيته (منه (رحمه اللّه) ). راجع بقايا حضارة الإسلام كما رأيت: 28.
7- مستمسك العروة الوثقى 14: 29.
8- أي: الحمل على زينة الثياب.

تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}.

وفيه: إن المخالفة غير ظاهرة، بل بين الجملتين كمال الملاءمة.

نعم، هذا المعنى(1) مخالف للروايات المفسرة للآية الكريمة، لكن الكلام فعلاً فيما يستفاد من الآية الكريمة في حد ذاتها.

والحاصل: نستظهر أنّ الآية بحد ذاتها تدل على جواز كشف الوجه والكفين.

لا يقال: لا معنى للاستفادة من الآية بحد ذاتها، فإنّ القرآن له مفسر، وإلاّ فهو عبارة أخرى عن (حسبنا كتاب اللّه)، وقد قال المولى: عليك بالآية والرواية(2).

فإنه يقال: المراد معرفة مفاد الآية في حد ذاتها، فلو ادُعي دلالتها على جواز كشف الوجه والكفين فلا بد من معرفة الدلالة، وهذا ينفع في البحوث الاحتجاجية.

الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}(3)

قال السيد الحكيم (رحمه اللّه) : «فإنّ تخصيص الجيوب بوجوب الستر يدل على عدم وجوب ستر الوجه، وإلا كان أولى بالذكر من الجيب؛ لأنّ الخمار يستر الجيب غالباً ولا يستر الوجه»(4).

ص: 158


1- وهو أن المراد الثياب حصراً.
2- فقد قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللّه وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً».
3- النور: 31.
4- مستمسك العروة الوثقى 14: 28.

وفيه نظر؛ لأنّ اللقب لا مفهوم له، ولعل وجه تخصيص الجيوب بالذكر ما ذكره الكشاف: «كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة، فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها»(1).

وإن كان السيد الوالد (رحمه اللّه) أيد الجواز بنحو ما في المستمسك وأضاف: «فإنه قماش معمول إلى الآن يلف حول الرأس دون الوجه»(2).

لا يقال: لم يصنع الخمار للوجه، فلا أولوية لذكره، بل لا معنى لذلك.

فإنه يقال: يمكن تغطية الوجه بالخمار من الفوق والتحت، فلا يبدو إلا العين، كما يمكن ثقب الخمار للرؤية، كما يمكن أن يكون شفافاً، وقد قال في المصباح المنير: «الخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها»(3)، والرأس يشمل الوجه أيضاً، كما أنّ من المتعارف عند بعض النساء ستر الوجه بالخمار، وعلى كل حال: لا نعلم كيفية الخمار في ذلك الوقت، هل إنه كان يغطي الوجه أم لا؟

الدليل الثالث: رواية زرارة

أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: «الزينة الظاهرة الكحل

ص: 159


1- الكشاف 3: 62.
2- الفقه 62: 207.
3- المصباح المنير 1: 181.

والخاتم»(1).

وقد مضى تقريب الاستدلال.

الإشكالات على الدليل الثالث

وفي الاستدلال بهذه الرواية إشكالات:

الإشكال الأول: الإشكال السندي

إذ ورد في سنده القاسم بن عروة ولم يذكر له توثيق(2)، وصرح العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في المرآة بأنّ الخبر مجهول(3)، وتبعه السيد الروحاني(4).

لكن يمكن دفع الإشكال بطرق ثلاثة:

الطريق الأول: إنه من مشايخ الثقات، حيث روى عنه كل من ابن أبي عمير والبزنطي، وقد ذكر في محله أن مشايخ الثلاثة ثقات، وهو بحث مبنائي، وقد اعتمد على هذا الطريق الشيخ الأعظم في كتاب الصلاة في رواية أخرى(5)، وقال في موضع آخر: «ولعل لهذا وصف في المختلف هذه الرواية بالصحة»(6)، فمع أن قاسم بن عروة في السند إلا أن العلامة قال بصحتها(7).

ص: 160


1- الكافي 5: 521، وسائل الشيعة 20: 201.
2- ولا إشكال في بقية السند، إلا أن عبد اللّه بن بكير فطحي، فتكون الرواية موثقة.
3- مرآة العقول 20: 341.
4- فقه الصادق 21: 112.
5- كتاب الصلاة 1: 47.
6- كتاب الصلاة 1: 72.
7- مختلف الشيعة 2: 40.

وقد صحح حديثه السيد الحكيم في المواقيت(1). كما عبر السيد الخوئي عنها بالموثقة(2)، لكنه ذكر في موضع آخر أنه لم تثبت وثاقته(3).

الطريق الثاني: إكثار الشيخ الكليني (رحمه اللّه) الرواية عنه في الكافي.

وتقريره: إن أصل رواية الكليني عن شخص يكشف عن اعتماده عليه، وكثرة روايته عنه تكشف عن كون القرينة داخلية لا خارجية، وقد مضى توضيحه.

فما وجدته في الكافي عن القاسم بن عروة كالآتي: في الجزء الأول: ينقل حديثين, وفي الثاني: تسعة أحاديث، وفي الثالث: تسعة أحاديث، وفي الرابع: حديثين، وفي الخامس: ثلاثة أحاديث، وفي السادس: ثمانية أحاديث، وفي السابع: ستة أحاديث، وفي الثامن: حديثين، فالمجموع واحد وأربعون حديثاً، وأكثر هذه الروايات متعلقة بالأحكام الشرعية(4)، مع العلم بأنّ قسماً قليلاً منها مكرر، وكما أنّ هنالك حديثين حول فضائل أهل البيت (عليهم السلام) .

ص: 161


1- مستمسك العروة الوثقی 5: 245.
2- شرح العروة الوثقی 4: 133.
3- شرح العروة الوثقی 6: 312.
4- مثل: أبوال الدواب تصيب الثوب، الحمرة، قضاء الفوائت، قراءة العزائم في المكتوبة، السجود على الأرض، صلاة الجمعة، صلاة المرأة تطوعاً، المتعة من الأربع أم لا، زواج المملوك، خروج المطلقة، تزين المطلقة، تزين المتوفى عنها زوجها، الأكل من بيوت من تضمنته الآية، لبس لباس دود القز، ميراث العم، توارث الزوجين الصبيين، حكم قتل عدة رجال، دية اليد والرجل وغيرها، شهادة المملوك... .

وفي الفقيه أيضاً له روايات، في الجزء الثاني: رواية واحدة، وفي الثالث: رواية واحدة، وفي الرابع: أربع روايات.

لا يقال: كتاب يحتوي على ستة عشر ألف حديث، فلا يعتبر ما ذكر إكثاراً.

لأنه يقال: إنّ الاعتماد عليه بهذا المقدار يكشف عن كون قرينة وثاقته داخلية، كما في مثال المعالم(1): من موت ابن الملك، وقد مثلنا سابقاً فيما لو اعتمد المرجع على مخبر عشر مرات مثلاً، فهو كثير في الاعتماد.

الطريق الثالث: ما ذكره في المستند على نحو العموم، لا خصوص المقام: «كما أنّ ضعف بعض تلك الأخبار سنداً لا يخرجها عن الحجية عندنا، سيما مع انجبارها باشتهار الجواز ولو في الجملة، أي: مرة»(2).

لكن قد يقال: إنه لم يعلم استنادهم إلى خصوص هذه الرواية أو الروايات، كي تنجبر بعمل المشهور، ولعل مستندهم غيرها، فتأمل.

فهنالك روايات صحيحة وصريحة في الحكم المذكور، أو لأنهم تمسكوا بأصالة الجواز، فلا دليل على جبر الرواية بمجرد مطابقة الشهرة الفتوائية لمفادها.

وهناك بعض الأمارات قد تؤيد وثاقته أو حسنه:

الأولى: ذكر ابن داود أنّ الكشي ذكر أنه ممدوح(3).

ص: 162


1- معالم الدين: 188.
2- مستند الشيعة 16: 49.
3- رجال ابن داود: 153.

الثانية: إنه نسب إلى العلامة تصحيحه حديثاً في سنده القاسم بن عروة(1).

الثالثة: إنه كثير الرواية.

الرابعة: توثيق الشيخ المفيد إياه في كتابه المسائل الصاغانية(2).

وقد ذكرت هذه القرائن الأربعة الأخيرة في المعجم، وإن ناقش في جميعها(3).

هذا تمام الكلام في الإشكال الأول.

الإشكال الثاني: اختلاف الروايات المفسرة للزينة

وهو ما ذكره الجواهر: من اختلاف الروايات المفسرة للزينة الظاهرة.

وقد مضى الكلام في ذلك.

الإشكال الثالث: إنه لا ملازمة بين جواز الإبداء وجواز النظر

وقد مرّ الكلام في ذلك.

الإشكال الرابع: تقييد جملة إلا ما ظهر بالبعولة

إنّ جملة {إِلا

مَا ظَهَرَ} مقيدة بجملة {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِن} أو معارضة بها، وحيث إنّ هذه الرواية تفسير لتلك الجملة فهي لا تجدي في الاستدلال على جواز الإظهار للأجانب شيئاً.

وقد مضى البحث في ذلك.

ص: 163


1- مختلف الشيعة 2: 40.
2- المسائل الصاغانية: 72.
3- معجم رجال الحديث 15: 31.

الإشكال الخامس والسادس: ما في المهذب

وهو ما ذكره في المهذب، حيث قال: «صحة أن يكون المراد من مثل هذه الأخبار عدم وجوب التحفظ عليهن لكونه موجبا للضيق والحرج، وحكم الظهور الاتفاقي لا الإظهار العمدي الاختياري، فإنه بعيد عن مذاق الشرع المجد على تحفظهن، والستر عليهن مهما أمكنه ذلك، بل ذلك بعيد عن مذاق المتشرعين والمتشرعات»(1).

وذكر لذلك وجهاً آخر، وهو أنه: «إمكان أن يراد بها أيضاً عدم وجوب التحفظ عليهنّ لهذه المواضع عند احتمال وجود الأجنبي؛ لكونه عسراً وحرجاً، مع إمكان حملها على الظهور الاتفاقي لا تعمد الإظهار للأجانب لمواضع الزينة الظاهرة، فإنّه بعيد جداً عن مذاق الشرع والمتشرعة»(2).

ومراده أنّ على المرأة أن تتحفظ في ذراعها وسائر أنحاء بدنها إن احتملت وجود الأجنبي، أما بالنسبة إلى الوجه والكفين فحينما لا تعلم وجوده جاز أن تخرجهما، فإن اتفق وجوده سترتهما فوراً.

وفيه نظر؛ إذ الحمل على عدم وجوب التحفظ عليهن خلاف ظاهر الآية الكريمة؛ لكون الجملة استثناء من عدم جواز الإبداء، فيكون مفادها جواز الإبداء، وليست استثناء من وجوب التحفظ كي يكون مفادها عدم وجوب التحفظ على ما ظهر منها، وشمول النهي في المستثنى منه للإبداء المسبب عن عدم التحفظ لا يقدح فيما ذكر؛ لكون مفاده حينئذٍ حرمة جميع أنواع الإبداء، فيكون مفاد المستثنى جواز جميع أنواع

ص: 164


1- مهذب الأحكام 24: 42.
2- مهذب الأحكام 5: 235.

الإبداء، لا خصوص الإبداء المسبب عن عدم التحفظ.

وبعبارة أخرى: الآية تنهى عن الإبداء، فيكون مفاد {إِلا مَا ظَهَرَ} حلية إبداء ما ظهر، ولم تأمر الآية بوجوب التحفظ إلا ما ظهر، حتى يقال بعدم وجوب التحفظ في ما ظهر.

وأمّا حملها على الظهور الاتفاقي فهو خلاف ظاهر الخبر(1)؛ إذ ظاهر اسم الفاعل في مثل المقام الظهور المستقر لا الظهور الاتفاقي غير المستقر، فتأمل.

نعم، يمكن كون مرجع الإشكال إلى ظهور الآية الكريمة في الظهور الاتفاقي، فتحمل الرواية المفسرة لها على ذلك المعنى.

لكن قد مضى التأمل في ظهور الآية الكريمة في ذلك، فراجع.

وأمّا إرادة الشارع التحفظ عليهن فهو مسلم، إلا أنّ صرف وجود المقتضي لا يكفي في وجود المقتضى، ما لم تجتمع جميع الشرائط وترتفع جميع الموانع، ولعل هناك في المقام شرطاً غير متوفر، أو مانعاً يمنع من تأثير ذلك المقتضي في المنع، ولعله لذا جوز الشارع للمرأة كشف الوجه في حالة الإحرام مع وجود المقتضي المزبور.

إن قلت: القضايا الشرعية ليست تكوينية، فلإثبات الحكم الشرعي يكفي الظهور والعموم، فلا ضرورة للقول بتحقق احتمال عدم الشرط أو وجود المانع.

قلنا: إذا كان المقتضي موجوداً والمانع مفقوداً والشرط متوفراً قطعنا

ص: 165


1- الكافي 5: 521.

بوجود المعلول؛ لأنها تمثل العلة التامة، فلنفي وجود المعلول يكفي احتمال عدم وجود الشرط، أو احتمال وجود المانع. هذا، بالإضافة إلى أنّ الجعل الشرعي أمر تكويني وإن كان المجعول أمراً اعتبارياً.

والحاصل: إنّ الشارع يريد التحفظ، لكن لعل المانع - كالحرج أو ارتداد بعضهن عن الدين أو ما أشبه - سبب رفع تأثير المقتضي في مقتضاه.

إن قلت: إذا سلم وجود المقتضي فقد تحققت العلة التامة؛ لإمكان الحكم بارتفاع الموانع بالأصل.

قلنا: هذه قاعدة المقتضي والمانع وهي باطلة.

ثم إنه ذكر السيد الرجائي: «إنّ قوله تعالى: {إِلا

مَا ظَهَرَ} يحتمل الاستثناء المنقطع»(1)، وقد أراد إثبات الإجمال في الآية؛ لعدم دلالتها على كون الاستثناء متصلاً أو منقطعاً.

وفيه نظر؛ لظهور الخبر في الظهور المستقر، ولا يصلح المجمل - كالاستثناء في الآية الكريمة - لصرف الظاهر عن ظهوره، فتأمل.

وبعبارة ثانية: لو ثبت الإجمال في الآية فلا إجمال في الرواية.

والأولى أن يقال: إنّ ظهور الرواية يرفع الإجمال عن الآية.

الإشكال السابع: النظر إلى الكحل والخاتم أعم من النظر إلى الوجه والكفين

وهو ما ذكره السيد الروحاني، قال: «إن جواز النظر إلى الكحل والخاتم ولو إلى مواضعهما أعم من النظر إلى الوجه والكفين»(2).

ص: 166


1- المسائل الفقهية: 27.
2- فقه الصادق 21: 112.

وقال السيد الرجائي: «ودعوى إلغاء خصوصية الكحل والخاتم والتعدي إلى مطلق الوجه والكفين أو كونهما كناية عن الوجه والكفين غير مسموعة؛ لأنّ المرأة ربما تحتاج إلى إظهارهما بخصوصهما، من دون حاجة إلى إظهار غيرهما، كما إذا أرادت الخروج، فإنه يكفيها أن لا تستر عينها حتى ترى طريقها، وتخرج إحدى أصابعها التي فيها خاتم أو جميع أصابعها فقط»(1).

بل قد يقال: إنّ هذا الخبر من أدلة حرمة إظهار الوجه والكفين؛ لأنه في مقام بيان تحديد (ما ظهر) ذكر الكحل والخاتم فقط، فيقتصر في الجواز عليهما، أو مع مواضعهما الملازم كشفهما لكشفها.

وقد يجاب بعدم القول بالفصل.

وفيه: إنه ليس بحجة.

هذا، ولكن الظاهر أنّ فهم الخصوصية خلاف فهم جمهور الفقهاء.

الدليل الرابع: رواية أبي بصير

وهي: الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن قول اللّه تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الخاتم والمسكة وهي القلب»(2).

الإشكالات على الدليل الرابع

ويرد على الاستدلال بها - مضافاً إلى ما سبق - إشكالات:

ص: 167


1- المسائل الفقهية: 28.
2- الكافي 5: 521.

الإشكال الأول: جهالة سعدان بن مسلم(1)

إذ لم يوثق في كتب الرجال، وقال المجلسي عن الخبر: «مجهول»(2).

ويمكن دفع هذا الإشكال بوجوه:

الوجه الأول: وروده في كامل الزيارات في زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) (3) ذكره في شرح العروة(4).

وفي المبنى نظر، مع أنه عدل عنه، وتفصيل الكلام في محله.

الوجه الثاني: وروده في تفسير القمي(5)، في تفسير قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}(6)؛ ولعله لذا عبر عن هذه الرواية في شرح العروة بالمعتبرة(7).

والمبنى غير مرضي.

الوجه الثالث: رواية القميين والأعاظم عنه، وفي المستمسك: «رواية كثير من الأجلاء عنه توجب اعتبار حديثه»(8).

وفي المبنى نظر.

ص: 168


1- وأما سائر الرواة المذكورين فهم ثقات.
2- مرآة العقول 20: 341.
3- كامل الزيارات: 385.
4- شرح العروة الوثقی 12: 70.
5- تفسير القمي 1: 29.
6- الفاتحة: 6.
7- شرح العروة الوثقی 32: 47.
8- مستمسك العروة الوثقى 5: 246.

الوجه الرابع: رواية صفوان عنه، كما ذكره الشيخ الطوسي في رجاله(1)، وهو أحد الثلاثة.

وهو مرضي عندنا، فيثبت اعتباره بهذا الطريق.

الوجه الخامس: كثرة رواية الكليني عنه في الكافي، ففي المجلد الأول: ثلاث روايات، وفي الثاني: سبع روايات، وفي الثالث: أربع روايات، وفي الرابع: خمس روايات، وفي الخامس: أربع روايات، وفي السادس: ست روايات، وفي السابع: ثلاث روايات، وفي الثامن: رواية واحدة، فالمجموع ثلاث وثلاثون رواية، تحت عنوان: سعدان بن مسلم، وأمّا بعنوان: سعدان ففي الكافي روى عنه أكثر من عشرين رواية، وقد جزم في المعجم(2) أنّ (سعدان) المطلق هو (سعدان بن مسلم)، فإن تم ذلك كان المجموع خمسين رواية.

وقد مضى أنّ إكثار الكليني طريق الوثاقة.

هذا ولكن قال السيد الرجائي: «وفي السند سعدان بن مسلم، وهو غير موثق في كتب الرجال، بل عن موضع من الوجيزة أنه ضعيف»(3).

فإن ثبت ذلك تعارض الجرح والتوثيق.

أقول: لم أجده فيها، والمذكور فيها برقم 810 أنه مجهول(4)، و في

ص: 169


1- الفهرست: 141.
2- معجم رجال الحديث 9: 103-107.
3- المسائل الفقهية: 29.
4- الوجيزة في علم الرجال: 218.

التعليق: «وحكم المجلسي (رحمه اللّه) بحسنه عند ذكر طريق الصدوق إليه بعد القول بجهالته عند المشهور»(1).

والظاهر أنّ أدلة التوثيق أقوى من تضعيف المجلسي لو ثبت ذلك.

لا يقال: القرائن تدل على الوثاقة على العموم، وتضعيف المجلسي خاص، فيتقدم الخاص على العام، ويكون استثناءً من التوثيق العام.

فإنه يقال: إكثار الكليني دليل على توثيقه على المبنى، وهو متقدم ومعاصر، فيحصل التعارض بينهما، ويتقدم الأقوى.

الإشكال الثاني: الدليل مختص باليد فلا يشمل الوجه

ما ذكره السيد الروحاني، قال: «إنه مختص باليد، ولا يكون متعرضاً للوجه»(2).

وقد يجاب بعدم القول بالفصل. وفيه: ما سبق.

وقد يجاب أيضاً بالأولوية. وفيه تأمل؛ لعدم معرفتنا بالملاكات، بل الأولوية معكوسة؛ لأنّ الوجه أكثر فتنة من الكفين.

الإشكال الثالث: إنه مخالف للإجماع

ما ذكره السيد الروحاني أيضاً، حيث قال: «إنه لو دل على الجواز لدل على جواز النظر إلى موضع السوار، وهو ما فوق الكف، وهو لا يجوز بالإجماع»(3).

ص: 170


1- الوجيزة في علم الرجال: 218.
2- فقه الصادق 21: 113.
3- فقه الصادق 21: 113.

وفيه: أوّلاً: إنه يخصص بالأدلة الخارجية بما كان في الكف.

وبعبارة أخرى: قد يكون السوار في الكف لا فوقه، فإن الكف إلى الزندين، وقد دلت الرواية على جواز النظر إلى السوار، فتدل على جواز النظر إلى الكف بالملازمة العرفية، وأمّا ما فوق الكف فهو خارج بالأدلة الخاصة.

وثانياً: إنّ سقوط بعض الرواية لا يوجب الوهن في باقيها، فالمسكة - وهي القلب - ساقطة بالدليل الخارجي، فيبقى الخاتم.

قال المحقق النراقي: «واشتمال بعض تلك على ما لا يجوز النظر إليه إجماعاً - كالقدمين وموضع السوار - غير قادح؛ إذ خروج بعض خبر بدليل لا يوهن في غيره»(1).

وتفصيل الكلام في علم الأصول.

هذا تمام الكلام في الدليل الرابع.

الدليل الخامس: رواية مروك بن عبيد

وهي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن مروك بن عبيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: «ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال: الوجه والكفان والقدمان»(2).

الإشكالات على الدليل الخامس

ويرد عليه:

ص: 171


1- مستند الشيعة 16: 48.
2- الكافي 5: 521.

الإشكال الأول: الرواية مرسلة

إنّ الرواية مرسلة وإن كانت في الكافي، إلا أن يقال: كل ما في الكافي حجة.

لكن قال في المستمسك: «إرساله ربما لا يهم؛ لأنّ في سنده أحمد بن محمد بن عيسى، الذي أخرج البرقي من قم؛ لأنه يعتمد الضعفاء ويروي المراسيل»(1).

وفيه نظر؛ لأنه يحتمل كون العلة الإكثار من ذلك، ولعل ذلك إشارة إلى قسم خاص من المراسيل. فقد ينقل الشخص رواية مرسلة واحدة، لكن لا يكثر النقل ولا يكون دأبه ذلك، كما هو الحال بالنسبة إلى بعض من يطمئن بسرعة فينقل بكثرة، ولعل البرقي كان كذلك فلذا اُخرج، و يؤيده أن (يروي) فعل مضارع يدل على التجدد والاستمرار، فلا يمنع ذلك من نقل مرسلة واحدة؛ لقوة مضمونها، أو لعدم مخالفتها لشيء، وهذا خلاف مَن دأبه كذلك، فالقدح كثرة الرواية لا الرواية مرة واحدة.

الإشكال الثاني: اشتمال الرواية على جواز النظر إلى القدمين

ما ذكره السيد الروحاني، قال: «إنه مشتمل على جواز النظر إلى القدمين ولا قائل به»(2).

وفيه ما تقدم.

هذا، ولكن قال في الحدائق: «وقد تضمنت زيادة القدمين، مع أن ظاهر

ص: 172


1- مستمسك العروة الوثقى 5: 245.
2- فقه الصادق 21: 114.

كلامهم تخصيص الاستثناء بالوجه والكفين... والرواية كما ترى صريحة في استثنائه أيضاً، ويؤيده ما صرحوا به في كتاب الصلاة، حيث إنّ المشهور بينهم أن بدن المرأة كله عورة، ما خلا الوجه والكفين والقدمين فلم يوجبوا ستره في الصلاة، وهو أظهر ظاهر في تجويزهم النظر إلى هذه الثلاثة المذكورة»(1).

وفيه نظر؛ إذ الستر الصلاتي غير الستر الواجب في حد نفسه.

وقد رأيت من المعاصرين: السيد الوالد، حيث جوز عدم ستر القدمين(2)، وقد اعتمد الكليني على الرواية، ومال إليه صاحب الحدائق، ومقتضى الاعتبار أيضاً ذلك؛ لأن النساء - خاصة الفلاحات والقرويات وما أشبه - لم يكنّ يلبسن الجورب، وقد بحثت شخصياً قبل سنوات حينما كنت في الحج فلم أرَ أصحاب المحلات والأسواق مَن يعرف الجورب، مما يدل على ذلك، لكن الأمر مشكل وبحاجة إلى بحث مفصل.

الإشكال الثالث: الرواية محتملة للنظر الاتفاقي

ما ذكره في الجواهر في بعض أخبار الباب، من أنه: «محتمل لإرادة النظر الاتفاقي الذي يكون مقدماته اختيارية، على معنى أنه لا يجب على الرجل الغض باحتمال وقوع نظره على وجه أجنبية وكفيها أو مظنته للعسر والحرج وإن وجب عليه ذلك بالنسبة إلى باقي بدنها»(3).

ص: 173


1- الحدائق الناضرة 23: 53-54.
2- الفقه 62: 238.
3- جواهر الكلام 29: 78.

وببيان آخر: إذا احتمل الرجل وقوع نظره على وجه المرأة وكفيها جاز له النظر، بخلاف غيرهما كالذراع.

وفيه: إنّ تفسير جواز الرؤية بعدم وجوب التحفظ خلاف الظاهر.

الإشكال الرابع: الرواية لبيان الحلية في الجملة

ما فيه أيضاً: «يحتمل أيضاً إرادة بيان حلية ذلك في الجملة، ولو للقواعد من النساء، أو لغير أولي الإربة من الرجال ولغير ذلك»(1).

وفيه: إنه تقييد للمطلق بدون دليل ظاهر.

الدليل السادس: رواية مسعدة بن زياد

وهي كما ينقلها الشيخ الحر العاملي: عن عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، قال: «سمعت جعفراً وسئل عما تظهر المرأة من زينتها، قال: الوجه والكفين»(2).

وعبر عنها بالصحيحة كل من صاحب الجواهر والسيد الوالد والسيد السبزواري والسيد الروحاني(3).

لكن عبر عنها السيد الخوئي بالموثقة(4)، ولم يظهر له وجه.

الإشكالات على الدليل السادس

ويرد على الاستدلال بهذه الرواية إشكالات، مضافاً إلى بعض

ص: 174


1- جواهر الكلام 29: 79.
2- وسائل الشيعة 20: 202.
3- جواهر الكلام 29: 75؛ الفقه 62: 203؛ فقه الصادق 21: 113؛ مهذب الأحكام 5: 234.
4- شرح العروة الوثقی 12: 71.

الإشكالات المتقدمة، كإشكال الملازمة:

الإشكال الأول: الإشكال السندي

وهو إشكال مهم؛ لأنه يسقط مئات الروايات عن الحجية والاعتبار، وقد ذكره السيد الرجائي قال: «لم يثبت أنّ قرب الإسناد الموجود هو قرب الإسناد الذي للحميري، فإنه قد عد من كتبه قرب الإسناد، لكن لا طريق لنا إلى أنّ هذا الموجود هو ذاك، وأمّا دعوى أنّ لصاحب الوسائل طريقاً إلى الكتاب ففيها أنّ الذي يظهر منه في فوائد الوسائل أنه ثبت عنده أنّ الكتب التي روى عنها هي لأربابها بالقرائن، فالكتاب المذكور عنده كالمعلوم كونه للحميري، ولم يصل إليه الكتاب بالمناولة إلى أن ينتهي إلى الحميري»(1).

وفيه نظر؛ إذ إخبار الثقة يحمل على الحس عند الدوران بينه وبين الحدس، وبمثل هذا الجواب يجاب عن إشكال احتمال الحدس في توثيقات الرجاليين لمَن لم يعاصروهم، كما أنّ به يجاب عن إشكال احتمال الحدس في شهادة البينة والعدل والثقة.

واحتمال الحس قائم بأن وصل إليه الكتاب يداً بيد، أو مناولة من شيخ إلى شيخ، أو قراءة على شيخ، أو سماعاً من شيخ، أو كون القرائن القائمة حسية أو قريبة من الحس.

وقد قال صاحب الوسائل: «في بيان بعض الطرق التي نروي بها الكتب المذكورة عن مؤلفيها(2)، وإنما ذكرنا ذلك تيمناً وتبركاً، باتصال السلسلة

ص: 175


1- المسائل الفقهية: 30.
2- ومنها: كتاب قرب الإسناد للحميري.

بأصحاب العصمة (عليهم السلام) ، لا لتوقف العمل عليه؛ لتواتر تلك الكتب وقيام القرائن على صحتها وثبوتها، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى»(1).

وقال أيضاً: «في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب، وشهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم وقامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلفيها، أو علمت صحة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيها شك ولا ريب»(2)، وذكر كتاب قرب الإسناد تحت رقم 26(3).

مع أنه قد يقال: إنّ حدس الخبير إذا لم يثبت خطؤه حجة، كما هو الحال في حدس المقومين، فتأمل.

والفقهاء عادة يعتمدون على قرب الإسناد في كتبهم الفقهية، ومنها ما نقلناه عن الجواهر وشرح العروة والفقه والمهذب وفقه الصادق.

الإشكال الثاني: الرواية مضطربة المتن

وهو ما ذكره السيد الرجائي أيضاً من: «الاضطراب في متن الرواية»(4)، وهو إشكال يسقط كل الروايات.

قال في البحار: «وكتاب قرب الإسناد من الأصول المعتبرة المشهورة، وكتبناه من نسخة قديمة مأخوذة من خط الشيخ محمد بن إدريس، وكان عليها صورة خطه هكذا: الأصل الذي نقلته منه كان فيه لحن صريح وكلام

ص: 176


1- وسائل الشيعة 30: 169.
2- وسائل الشيعة 30: 153.
3- وسائل الشيعة30: 155.
4- المسائل الفقهية: 30.

مضطرب، فصورته على ما وجدته خوفاً من التغيير والتبديل، فالناظر فيه يمهد العذر فقد بينت عذري فيه»(1).

وقد يجاب عن هذا الإشكال بنظير ما ذكره الشيخ الأعظم في غير المقام في الجواب عن شبهة قادحية التحريف على القول به في حجية ظواهر الكتاب، حيث قال الشيخ (رحمه اللّه) : «إن وقوع التحريف - على القول به - لا يمنع من التمسك بالظواهر؛ لعدم العلم الإجمالي باختلال الظواهر بذلك، مع أنه لو علم لكان من قبيل الشبهة الغير المحصورة(2)، مع أنه لو كان من قبيل الشبهة المحصورة أمكن القول بعدم قدحه؛ لاحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر الغير المتعلقة(3) بالأحكام الشرعية العملية»(4).

وحاصله ثلاثة أجوبة:

الأول: التحريف نوعان، فقد يخل بالظواهر وقد لا يخل، ولا علم بأن اللحن والتحريف الواقع هل أخل بها أم لا؟ والعلم الإجمالي أنما يكون مؤثراً إذا ترتب عليه الأثر على كل تقدير، أما إذا ترتب عليه الأثر على تقدير دون تقدير فلا أثر له؛ لاحتمال كون التحريف من النوع الذي لا يوجب اختلال الظاهر به.

الثاني: سلمنا حصول العلم بأنه من التحريفات المخلة بالظاهر، لكنه

ص: 177


1- بحار الأنوار 1: 26-27.
2- هكذا في المصدر، والصحيح: غير المحصورة.
3- هكذا في المصدر، والصحيح: غير المتعلقة.
4- فرائد الأصول 1: 158.

شبهة غير محصورة.

الثالث: ولو علم أنه شبهة محصورة احتمل أنه ليس في آيات الأحكام، بل في آيات العقائد مثلاً، أو قصص التاريخ أو ذم شخص، فلا يكون له أثر.

وهذه الأجوبة الثلاثة يمكن تطبيقها على المقام.

لكن فيما ذكره الشيخ من الأجوبة الثلاثة نظر؛ فلا ينفع لا في ذلك المقام، ولا في هذا المقام؛ إذ احتمال وقوع التحريف في القرائن المتصلة فيما هو محل الابتلاء مع احتمال الكثرة يمنع عن انعقاد أصل الظهور عند العقلاء، فإنّ انعقاد الظهور موقوف على ثبوت عدم وجود قرينة متصلة فيما هو محل الابتلاء، أو قلته بنحو لا يعتني به العقلاء، ولم يثبت ذلك في المقام.

لا يقال: احتمال التحريف ينفي الحجية لا الظهور، كالرواية العامية، حيث لا إشكال في ظهورها، وإنما الإشكال في عدم الحجية.

فإنه يقال: التحريف الحاصل إما في منفصل أو متصل، فمع احتمال وقوع التحريف في القرائن المتصلة فيما هو محل الابتلاء لا ينعقد الظهور أصلاً؛ لأنّ انعقاد الظهور عند العقلاء موقوف على ثبوت عدم وجود قرينة متصلة، ومع وجود هذا الاحتمال لم ينعقد الظهور.

نعم، لو كان التحريف فيما هو محل الابتلاء قليلاً جداً - كواحد في عشرة آلاف مما لا يعتني به العقلاء(1) - لم يضر، أما مع احتمال الكثير في

ص: 178


1- ضابط الشبهة غير المحصورة أن يكون الاحتمال ضعيفاً بحيث لا يعتني به العقلاء، أو ملازمته للعناوين الطارئة، كالحرج على ما بيّن في مباحث الشبهة غير المحصورة.

الكثير فلا.

وفي المقام لم يعلم حدود الاضطراب وكمية الروايات المضطربة، وهل هي في روايات الأحكام أو الأدعية أو في مقدمة الكتاب؛ لأنّ عبارة ابن إدريس مجملة، ومثله يسلب الحجية عن الكتاب؟

فالأولى أن يقال: إن وقوع الاضطراب في النسخة التي وصلت إلى المجلسي لا يلازم وقوع الاضطراب في النسخة التي وصلت إلى صاحب الوسائل، فلصاحب الوسائل طريق لا يمر إلى المجلسي ولا إلى ابن إدريس، وقد ذكر طريقه في خاتمة الوسائل.

تتمة تتعلّق بمعنى اللحن والاضطراب

فقد ورد في تلك العبارة المذكورة في البحار: «كان فيه لحن صريح وكلام مضطرب»(1).

واللحن كما في بعض المعاجم اللغوية بمعنى الخطأ في الإعراب والبناء(2)، كرفع المنصوب مثلاً.

وأمّا الاضطراب، فقد فسر في بعض الكتب الدرائية باختلاف الراوي أو الرواة في المتن أو الإسناد(3)، فيروي مرة بوجه وأخرى على وجه مخالف له. فالاضطراب في السند كأن يروي مرة عن الشخص بلا واسطة، وأخرى مع الواسطة.

ص: 179


1- بحار الأنوار 1: 27.
2- العين 3: 229؛ الصحاح 6: 2193.
3- الرعاية في علم الدراية: 147.

والاضطراب في المتن كأن يروي تارة أنه يعتبر ما يخرج من الجانب الأيمن حيضاً عند الاشتباه بالقرحة، وأخرى أنه يعتبر ما يخرج من الجانب الأيسر حيضاً، وحيث إنّ اللحن والاضطراب يمكن أن يؤديا إلى اختلاف المعنى أو الحكم، فالاعتماد على ما ثبت فيه الخطأ والاضطراب لا يخلو من إشكال.

الإشكال الثالث: احتمال كون السؤال عما تظهره المرأة للمحارم

ما ذكره أيضاً من أنه «يحتمل أن يكون السؤال عما تُظهره للمحارم... وبعبارة أخرى إنّ مسعدة يحكي سؤالاً سأله رجل الإمام، وهذا السؤال لو لم يكن ظاهراً فيما تُظهره المرأة من الزينة للمحارم فلا أقل من إجماله» (1).

وفيه: إن حذف المتعلق يفيد العموم، فلو أراد السؤال عما تظهره المرأة لمحارمها لقيد ذلك، فعدم التقييد يدل على أنّ الإظهار للكل.

الإشكال الرابع: الرواية معارضة بغيرها

وهو ما ذكره أيضاً من: «ولو سلّم ظهوره في جواز إظهارها الوجه والكفين للأجانب، لعارضه خبر أبي بصير وخبر زرارة، وخبر أبي الجارود»(2).

وفيه نظر؛ لأنه لا معارضة عرفاً؛ إذ يحمل كل منها على بيان بعض المصاديق، وقد سبق بيان ذلك في جواب الإشكال الرابع على الدليل الأول، فراجع.

لا يقال: إنه لا تعارض؛ لأنّ السؤال عن تفسير الزينة في الآية، والسؤال

ص: 180


1- المسائل الفقهية: 30.
2- المسائل الفقهية: 31.

الآخر عما تظهره المرأة، فلا معارضة بينهما.

لأنه يقال: الدليل الدال على جواز إظهار الكحل والخاتم يدل على عدم جواز إظهار الوجه والكفين؛ لأنه في مقام التحديد، والدليل الآخر يجوز إظهار الوجه والكفين، فتحصل المعارضة، فما ذكرناه من بيان بعض المصاديق هو الجواب، وقد مضى الوجه الفني لذلك.

هذا، مع إمكان الجواب: بأنّ موضوع تلك الأخبار الزينة العرضية، وموضوع هذا الخبر الزينة الذاتية، كما أشار إليه بنفسه(1).

الدليل السابع: صحيحة الفضيل

وهي: عدة من أصحابنا(2)، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن دراج، عن الفضيل بن يسار، قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذراعين من المرأة، هما من الزينة التي قال اللّه: {وَلا

يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} قال: نعم، وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين»(3).

وجه الاستدلال: أن كلمة (دون) بمعنى أسفل، وأمّا احتمال كون دون بمعنى تحت، أي: ما يستره الخمار والسواران، أو كونه بمعنى القرب - كما عن المقاييس(4) - فمعنى دون الخمار ما قرب من الخمار، وهو الوجه والعنق

ص: 181


1- المسائل الفقهية: 31.
2- مضى الكلام في اعتبار العدة.
3- الكافي 5: 520؛ وسائل الشيعة 20: 200.
4- معجم مقاييس اللغة 2: 317.

وبعض شعر مقدم الرأس، ومعنى ما دون السوارين ما قرب منهما من الذراع والكف، أو كونه بمعنى غير، كما يقال: لا ينبغي أن يعطى ولد دون ولد، فمعنى الرواية الشريفة أن غير الخمار وغير السوارين مما تتزين به المرأة من الزينة، لا يجوز إبداؤها إلا للمحارم، فكل ذلك خلاف الظاهر.

وبعبارة بسيطة: الاحتمالات في معنى (دون) أربعة:

الأول: أن يكون بمعنى تحت، يعني ما تحت الخمار، أي: ما يغطيه.

الثاني: أن يكون بمعنى القرب، أي: ما قرب من الخمار والسوارين.

الثالث: أن يكون بمعنى الغير.

الرابع: أن يكون بمعنى أسفل مقابل فوق.

وغير الأخير خلاف الظاهر، بل ربما خلاف المعنى اللغوي, وحيث إن التفصيل قاطع للشركة، فما فوق الخمار والسوارين أي: الوجه والكفين لا بأس بإبدائهما.

قال الشيخ: «وفيها(1) دلالة ظاهرة على خروج الوجه والكفين عن الزينة التي يحرم إبداؤها»(2).

وقال في المستمسك: «وظاهره أن ما يستره الخمار هو الرأس والرقبة والوجه خارج عنه، وأنّ الكف فوق السوار لا دونه، فيكونان خارجين عن الزينة»(3)، ونحوه ما في الفقه(4).

ص: 182


1- أي: صحيحة الفضيل.
2- كتاب النكاح: 47.
3- مستمسك العروة الوثقى 14: 26.
4- الفقه 62: 205.

الإشكالات على الدليل السابع:

ويرد على هذا الدليل إشكالات، مضافاً إلى بعض ما تقدم.

الإشكال الأول: إثبات الشيء لا ينفي ما عداه

ما ذكره السيد الروحاني بقوله: «إنّ الصحيح سؤالاً وجواباً ناظر إلى العقد الإيجابي، ولا نظر له إلى العقد السلبي»، فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

وفيه نظر؛ لأنّ ظاهره التفصيل بين (دون) و (فوق) وهو كما تقدم قاطع للشركة.

الإشكال الثاني: احتمال كون السؤال عن الزينة السائغ إبداؤها للمحارم

وهو ما ذكره السيد الرجائي، حيث قال: «لعدم سؤال هذا الراوي الجليل عن إبداء الذراعين للأجانب، بل كان يعلم جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها للمحارم، لكن لم يدرِ جواز إبداء الذراعين للمحارم، فسأل عنهما، وهو غير مستبعد، فقد كان جواز إبدائها الشعر للمحارم غير واضح..»(1).

وحاصل كلامه: إنّ من المحتمل أن يكون سؤال الراوي عن الزينة السائغ إبداؤها للمحارم، لا عن الزينة المحرم إبداؤها للأجانب.

وبعبارة بسيطة: يمكن أن نفسر سؤال فضيل بتفسيرين:

الأول: أن يكون السؤال عن عقد المستثنى منه، وهو: {وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ} وكان جواز إبداء الوجه والكفين مسلّماً عنده، فيسأل عن جواز إبداء الذراعين أيضاً؟ فيجاب بالعدم، وأنّ الذراعين وما دون الخمار وما

ص: 183


1- المسائل الفقهية: 24.

دون السوارين من الزينة المحرمة، فيتم الاستدلال.

الثاني: من المحتمل أن يكون السؤال عن عقد المستثنى، وهو: {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} فالسائل يعلم أن الوجه والكفين من الزينة الجائز إظهارها للمحارم، فيسأل عن حكم الذراعين للمحارم، فيجاب بأنّ الذراعين وما دون الخمار، كقليل من الصدر والعنق، وما دون السوارين، أي: الذراع إلى الكتف مثلاً من الزينة الجائز إبداؤها للمحارم، فيكون توسعة في دائرة الجواز.

والحاصل: إن الرواية إمّا ظاهرة فيما ذكر أو لا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال، فلا ترتبط بإبداء الزينة للأجانب.

وفيه: إنّ الظاهر كون السؤال عن الزينة الملفوظة في المستثنى منه، لا عن الزينة المقدرة في المستثنى.

فإن (ال) للعهد الذكري أو الذهني، إمّا إشارة إلى زينتهن الموجودة في المستثنى منه، وهي ملفوظة وظاهرة، وإمّا إشارة إلى زينتهن غير الملفوظة المقدرة في المستثنى، والظاهر من الرواية أن السؤال عن الزينة المحرمة المذكورة في المستثنى منه، لا الزينة المحللة المقدرة في المستثنى.

فالإشكال مع دقته غير عرفي، فإنّ العرف لا يفهم هذا المعنى؛ ولذا لم يخطر على بال أحد من الفقهاء الذين تعرضوا للمسألة.

الإشكال الثالث: ظهور صحيحة الفضيل في الحرمة لا الجواز

وهو ما ذكره السيد الخوئي بقوله: «على أن الصحيحة في الحرمة أظهر من الجواز، فإن الظاهر أن المراد بما دون الخمار هو ما يعم الوجه أيضاً؛

ص: 184

لأنه مما يكون على الرأس، فيكون الوجه مما هو دونه لا محالة، ولا مبرر لملاحظة الخمار من أسفله - أعني ما يكون على الذقن - كي يقال: إن ما دونه هو الرقبة خاصة، بل ما دونه الوجه فما دون.

كما أنّ الظاهر، بل الواضح أن المراد بما دون السوارين هو ما يكون دونهما إلى أطراف الأصابع، وحمل ذلك على الفاصلة اليسيرة بينهما وبين الكف، بحيث يكون الكف خارجاً من قوله (عليه السلام) : وما دون السوارين، لا يخلو عن تعسف»(1).

أقول: أما ما ذكره من شمول قوله (عليه السلام) : «ما دون الخمار للوجه» ففيه نظر؛ إذ الوجه دون جزء الخمار لا دون الخمار، ودونه هو الصدر مثلاً. فإن الخمار هو المجموع الذي يلف على الرأس، فيكون دونه الصدر مثلاً، وأمّا الوجه فهو دون أعلى الخمار، كما لو قيل: ما دون الثوب يعني ما ينتهي عنده الثوب، فلو كان في الصدر فتحة لم يطلق عليه دون الثوب.

نعم، يمكن أن يقال: إن دلالة قوله (عليه السلام) : «ما دون الخمار» بنفسه على جواز كشف الوجه موقوفة على معرفة وضع الحجاب آنذاك، فإن فرض جريان العادة على ستر النساء وجوههن لم يكن في الرواية الشريفة دلالة على جواز كشف الوجه، إلا أن يضم إلى ذلك العلم الخارجي بعدم ستر النساء وجوههن، كما مرّت الإشارة إلى ذلك في الإشكال الخامس على الدليل الأول، فلا يكون دليلاً لما ذهب إليه ولا دليلاً عليه.

وأمّا ما ذكره من ظهور قوله (عليه السلام) : «ما دون السوارين فيما يكون دونهما

ص: 185


1- شرح العروة الوثقی 32: 43.

إلى أطراف الأصابع» فالظاهر أنه تام؛ إذ الكف دون السوار عرفاً، وما يكون فوقه هو الذراع، فالاستدلال بهذه الرواية على جواز كشف الكف غير واضح.

وقد سألت جمعاً عن معنى (دون السوار) فأجابوا جميعاً أنه (الكف) ولم أرَ من يقول الذراع، فما استظهره جمع من أن دون السوارين بمعنى الذراع(1) غير ظاهر.

لكنه لا يدل على ما رامه من حرمة إظهار الكفين.

أما أولاً: فلأنه مطلق؛ إذ يشمل الكف وقسماً مما فوقه؛ لعدم ملاصقة السوار عادة للكف، والمطلق قابل للتقييد بالأدلة الدالة على جواز إظهار الكفين، فتأمل.

وثانياً: فلأنه لو سلم إباؤه عن التقييد بما فوق الكف فهو قابل للجمع بينه وبين الأدلة المجوزة بالحمل على الكراهة، لكن يبقى ظهورها في حد ذاتها في حرمة كشف الكفين.

الدليل الثامن: صحيحة علي بن سويد

وهي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن سويد، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : «إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة، فيعجبني النظر إليها، فقال: يا علي لا بأس إذا عرف اللّه من نيتك الصدق، وإياك والزنا، فإنه يمحق البركة، ويهلك الدين»(2).

ص: 186


1- شرح العروة الوثقی 32: 48.
2- الكافي 5: 542؛ وسائل الشيعة 20: 308.

وهي عمدة ما استند إليه الشيخ الأعظم في القول بالجواز(1).

الإشكالات على الدليل الثامن

ويرد على الاستدلال بذلك إشكالات:

الإشكال الأوّل: ظهور الصحيحة في النظر الاتفاقي

ما ذكره السيد الخوئي من أن هذه الصحيحة دالة على جواز النظر إليها حتى مع قصده التلذذ من الأوّل، كما يظهر من قوله: «فيعجبني النظر إليها»، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به، ولم يقل به أحد منا، فلا بد من حملها على اقتضاء عمله لذلك، ووقوع النظر من دون قصد أو تعمد(2). أي: النظر الاتفاقي.

وقال في الجواهر: «وصحيح ابن سويد محمول على إرادة إني مبتلى باتفاق وقوع النظر إلى الامرأة الجميلة، وأنه يحصل له بعد ذلك لذة، فأجابه بنفي البأس إذا عرف اللّه من نيتك الصدق، وأنك غير متعمد لذلك... لا أن المراد الرخصة له في النظر إلى الامرأة الجميلة التي يعجبه النظر إليها، الذي يمكن دعوى الضرورة على عدم جوازه، والضرورة على عدم وقوع ذلك من الإمام (عليه السلام) ، الذي من عادته الحث والترغيب في عدم ذلك»(3).

ثم حمل الرواية على إرادة النظر الاتفاقي، وأنه يحصل له بعد ذلك لذة، فأجابه الإمام (عليه السلام) بنفي البأس إذا عرف اللّه من نيتك الصدق، وأنك غير

ص: 187


1- كتاب النكاح: 53.
2- شرح العروة الوثقی 32: 43.
3- جواهر الكلام 29: 79.

متعمد لذلك، ثم حذره عن الزنا، أي: عن النظر الذي يخاف منه ذلك، أو أن المراد إياك وزنا العين، أي: تعمد النظر للتلذذ ونحوه.

ثم قال: «ودعوى عدم صلاحية النظر الاتفاقي لأن يكون موضوعاً لحكم شرعي ولو الإباحة يدفعها منع ذلك باعتبار مقدماته»(1).

وقد مضى توضيحه بأن النظر الاتفاقي يمكن أن يكون موضوعاً لحكم شرعي، باعتبار اختيارية مقدماته.

ونحوه في الحمل على النظر الاتفاقي ما في المهذب(2).

وفيه نظر؛ إذ الإعجاب أعم من التلذذ الشهوي - كما سبق توضيحه - منتهى الأمر تقييد الإطلاق بعدم كون الإعجاب شهوياً بالأدلة الثمانية التي مضت في الفرع الخامس من المسألة الثانية.

وقد عثرنا على كلام للسيد الخوئي يخالف ما ذهب إليه، حيث يقول: «إنّ ابتلاءه بالنظر إلى النساء من جهة اقتضاء شغله ذلك، ككونه بزّازاً أو صائغاً ونحوهما، ممن يتّجر في حاجيات النسوان، فيبتلى بمواجهتهنّ في مقام البيع والشراء، فسأل عما قد يتطرقه عند النظر من الإعجاب بهن والتمتع بجمالهن، على ما هو مقتضى الطبع البشري من التذاذه من النظر إلى كل شيء جميل، سواء كان إنساناً أم حيواناً أم جماداً، كمجسمة جميلة، أم تصوير حسن ونحو ذلك، فأجاب (عليه السلام) بعدم البأس إذا عرف اللّه من نيّته الصدق، أي: كان نظره نظراً ساذجاً والإعجاب الذي يدخله ناشئاً عن

ص: 188


1- جواهر الكلام 29: 79.
2- مهذب الأحكام 5: 236.

الفطرة البشرية المقتضية للالتذاذ بكلّ شيء بديع دون الإعجاب والالتذاذ المنبعثين عن القوة الشهوية، والمنبعثين عن الغريزة الجنسية التي هي من سنخ نظر الزوج إلى زوجته؛ إذ من الواضح عدم الملازمة بين هذين النوعين من النظر، فقد يلتذ الإنسان من النظر إلى وجه ولده الجميل، من دون أن يخطر بباله انبعاث هذه اللذة عن الشهوة والغريزة الجنسية، وكذا غير ولده من الأمثلة المتقدمة، فهذا التفكيك متحقق حتى في النظر إلى المرأة الجميلة الأجنبية، كما هو ظاهر. ففصّل الإمام (عليه السلام) في الجواب بين هذين النوعين، وخصّ الجواز بالنوع الأوّل الذي عبّر (عليه السلام) عنه بقوله: إذا عرف اللّه من نيتك الصدق.

ويؤيّده قوله (عليه السلام) بعد ذلك: وإيّاك والزنا، فانّ التحذير عن الوقوع في الزنا قرينة قطعية على أنّ المراد من النظر المنفي عنه البأس ما كان من النوع الأوّل المأمون عن الزنا، دون الثاني الذي هو معرض للافتتان ويؤدي إلى الزنا غالباً»(1).

هذا، وقد ذكر في مباني المنهاج دلالة الرواية بالصراحة على جواز النظر مع التلذذ والشهوة، وأشكل على دعوى شرح العروة القطع بخلاف مفاد الرواية بأن عهدته عليه، فإنّ الأحكام الشرعية أمرها بيد الشارع، ولا مجال لإعمال النظر فيها(2).

أقول: سبق أن الإعجاب أعم من التلذذ الشهوي، والمطلق قابل للتقييد،

ص: 189


1- شرح العروة الوثقی 12: 79-80.
2- مباني منهاج الصالحين 9: 571.

وقد سبق ذكر الأدلة الدالة على التقييد.

لا يقال: إنّ «إياك والزنا» دليل على العكس، أي: يجوز النظر بشهوة ولكن لا يصل إلى الزنا، فيجوز مطلق النظر مع عدم التعدي عنه.

لأنه يقال: لو فرض الإطلاق قيد بالأدلة الثمانية، فالكلام أن الإعجاب لا يساوي الالتذاذ الشهوي، فقد يرى شيخاً نورانياً فينظر إليه بلذة وإعجاب، وكالنظر إلى الوردة أو نظر الأب إلى ولده الجميل، بخلاف نظر الفاسق الفاجر إلى ذلك الولد.

الإشكال الثاني: شمول الرواية للشعر

وهو ما ذكره السيد الخوئي أيضاً، حيث قال: «على أنها غير مختصة بالوجه واليدين، فتشمل الشعر أيضاً، وهو مقطوع البطلان»(1).

وفيه نظر؛ إذ الإطلاق قابل للتقييد بالأدلة الخارجية، مع أنه لا إطلاق له؛ لأنه حكاية فعل خارجي.

لا يقال: يمكن التفكيك بين السؤال والجواب فيكون الجواب مطلقاً، أي: لا بأس بالنظر إلى المرأة الجميلة.

فإنه يقال: إنّ الجواب يدور حول سؤال السائل، أي: لا بأس فيما سألت.

لا يقال: إنّ السؤال يحتوي على (مبتلى) و (بالنظر إلى المرأة الجميلة)، ولا معنى لتعلق الحكم - أعني (لا بأس)- بالأول، فلا بد أن يتعلق بالثاني.

فإنه يقال: لا إطلاق في النظر المذكور في السؤال، فهو مبتلى بشيء ما، فقد يكون ذلك بالنظر إلى وجهها، فيكون الجواب خاصاً بحدود السؤال.

ص: 190


1- شرح العروة الوثقی 32: 43.

لا يقال: قد يكون المراد النظر إلى الجسم من وراء الثياب.

فإنه يقال: لا يطلق على ذلك النظر إلى المرأة، بل إلى ثيابها، بالإضافة إلى أنه عرف بأنها جميلة، فلا بد أن يكون النظر إلى مقدار من وجهها مثلاً.

الإشكال الثالث: جلالة ابن سويد تمنعه من النظر العمدي

قال السيد الخوئي: «ومما يؤيد ما ذكرناه - من حملها على عدم التعمد والقصد - أن من البعيد جداً أن يفعل علي بن سويد - على جلالة قدره وعظم شأنه - ذلك قاصداً متلذذاً، ثم ينقله بكل صراحة للإمام (عليه السلام) »(1).

وفيه نظر:

وتوضيحه: إن الابتلاء تارة يكون ابتلاءً نفسانياً من جهة غلبة النفس الأمارة وقاهرية القوة الشهوية، فيجد نفسه مبتلى بالبخوع للميولات النفسانية، وأخرى يكون ابتلاءً عملياً، أي: من جهة اقتضاء شغله لذلك مثلاً، كما أنّ الإعجاب قد يكون إعجاباً شهوياً، وقد يكون إعجاباً غير شهوي، وقد أشار إلى ذلك في شرح العروة(2)، ولعلّ الابتلاء العملي والإعجاب غير الشهوي لا ينافي جلالة القدر وعظم الشأن.

لا يقال: وهل علي بن سويد كسلمان المحمدي، حتى ينافي ذلك عظم شأنه؟

فإنه يقال: هنالك روايات تدل على جلالة شأنه، وأنّ له من آل

ص: 191


1- شرح العروة الوثقی 32: 43.
2- شرح العروة الوثقی 12: 79.

محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منزلة خاصة، وقد نقلها الكشي(1) وأبو علي الحائري في منتهى المقال ووثقها(2).

الإشكال الرابع: الرواية ظاهرة في صورة الاضطرار للنظر

إنّ ظاهر الرواية السؤال عن صورة الاضطرار إلى النظر،كاقتضاء شغله لذلك، كما في الطبيب ونحوه، وليس الكلام في الاضطرار، ولا إطلاق لكلمة مبتلى؛ لأنه حكاية فعل خارجي.

قال المحقق النراقي: «فإنّ الظاهر من الابتلاء الاضطرار إليه وعدم إمكان التحرز»(3).

وقال في المستمسك: «إن ظاهر التعبير بالابتلاء هو الاضطرار، وكأن الوجه في السؤال ما يدخله بعد النظر المعبر عنه بقوله: فيعجبني»(4).

ولو فرض عدم الظهور فلا أقل من تطرق الاحتمال، وهو مسقط للاستدلال.

إن قلت: لا اضطرار إلى النظر؛ لإمكان تبديل العمل، وأدلة الاضطرار لا تشمل الاضطرار الذي يكون بالاختيار؛ وذلك بكون مقدماته اختيارية، ولم يستفصل في الجواب عن إمكان التغيير وعدمه.

قلنا: المراد بالاضطرار - في أدلته - الاضطرار العرفي لا العقلي، كما أشار

ص: 192


1- اختيار معرفة الرجال 2: 753.
2- منتهى المقال 5: 21-23.
3- مستند الشيعة 16: 50.
4- مستمسك العروة الوثقى 5: 246.

إليه السيد الوالد (رحمه اللّه) (1)؛ إذ الألفاظ تحمل على المعاني العرفية، إلا مع قيام الدليل على الخلاف، وتبديل العمل أمر متعسر عادة، فيكون المكلف مضطراً للاستمرار فيه عرفاً.

مع إمكان أن يقال: إنّ حكم الاضطرار يتعدى إلى الطرف الآخر الذي يتقوم به رفع الاضطرار، وحيث إنّ الناس مضطرون إلى مراجعة أرباب الصنائع والمهن - ولو في الجملة - يتعدى حكم الجواز إليهم، وإن لم يكونوا بأنفسهم مضطرين إلى العمل؛ إذ لا يمكن للشارع أن يجوز الفعل للمضطر ويحرمه على الطرف الآخر.

هذا، مضافاً إلى إمكان اضطرار الراوي إلى عمله عقلاً، وعدم إمكان تبديله إياه، وحيث إنّ الرواية تتضمن حكاية قضية خارجية لا يكون لها إطلاق، فتأمل.

إن قلت: إنّ قوله (عليه السلام) : «إذا عرف» علة، وهي تعمّم.

قلنا: إنه يحتمل كونه قيداً لا علة، فتأمل.

لا يقال: لا وجه لتخصيص الحكم بمَن له عمل، بل يشمل الماشي في الأسواق من دون سبب، وإن أبيت إلاّ عن التخصيص فيمكن جعل الحكم على موضوع المبتلى، فيجوز النظر لمَن كان مبتلى.

لأنه يقال: إنه حكاية فعل خارجي، ولا يعلم حدود الابتلاء ووجهه، والحكم خاص لموضوع خاص، حيث لم يقل الإمام: (يجوز للمبتلى بالنظر إلى النساء أن ينظر إليهن) حتى يقال بالإطلاق، فكما أن السؤال لا إطلاق

ص: 193


1- الفقه 62: 227.

فيه كذلك الجواب عنه.

والحاصل: إنّ صاحب الجواهر والسيد الخوئي والسيد السبزواري حملوا الرواية على النظر الاتفاقي، والمحقق النراقي حملها على الاضطرار، وأمّا السيد الوالد فقد ارتضى دلالتها في الجملة.

فإن تم الإشكال الرابع فالرواية ساقطة عن الاستدلال، وأمّا مع القول بالإطلاق فهي تدلّ على الجواز، ولقلنا بما قال به الشيخ.

الدليل التاسع: موثقة زرعة

ما استدل به في مباني المنهاج(1)، وهي: ... عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن زرعة بن محمد(2)، قال: «كان رجل بالمدينة له جارية نفيسة فوقعت في قلب رجل وأعجب بها، فشكا ذلك إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فقال له: تعرض لرؤيتها، وكلما رأيتها فقل أسال اللّه من فضله و... أنه فعل ذلك فعرض لسيد الجارية سفر وأراد أن يودعها عند ذلك الرجل فأبى فباعه إياها»(3)، وفي الحديث فيه تفصيل مرّ سابقاً.

قال: «فإن هذه الرواية تدل بالصراحة على جواز النظر إلى الأجنبية»(4).

وفيه نظر؛ إذ الأمة في الرواية موضوع حكم ثبت للغير، أي: الأمة يجوز النظر إليها، لا موضوع لحكم ثابت لها، فلا تقاس بها الحرة، خاصة مع العلم

ص: 194


1- مباني منهاج الصالحين 9: 570.
2- زرعة بن محمد، واقفي ثقة ومن قبله كلهم ثقات.
3- الكافي 5: 559؛ وسائل الشيعة 20: 89.
4- مباني منهاج الصالحين 9: 570.

باختلاف كثير من أحكام الحرة والأمة في الشرع، وعليه فلا مسرح لقاعدة الاشتراك في التكاليف في المقام، فما نحن فيه نظير ما لو قال الشارع: الأمة يجوز تحليلها للغير، فهل يصح أن يقال: إن الزوجة يجوز أيضاً تحليلها بقاعدة الاشتراك؟ وكذا لو قال الشارع: الرجل يجوز للرجال الصلاة خلفه، فهل يستفاد منه أن المرأة يجوز للرجال الصلاة خلفها؟

فإنّ مفاد الاشتراك في التكليف ثبوت الحكم لبقية المكلفين إذا ثبت لمكلف واحد، أما لو كان شيء موضوعاً لحكم متعلق بالآخرين، بأن ثبت الحكم للآخرين فلا يمكن تعدية الحكم إلى موضوع آخر، كالأمة التي هي موضوع لجواز النظر للآخرين، فلا يمكن تعدية الحكم إلى الحرة التي هي موضوع آخر.

وأمّا الجواب باحتمال كون النظر إلى هيكلها من وراء الحجاب لا الوجه فبعيد، إذ الرؤية اُسندت إلى نفس الأمة لا إلى ثيابها، خاصة مع دلالة القرائن على كشف الإماء لوجوههن.

ثم قال: «بل تدل على الجواز حتى مع التلذذ والشهوة، والعرف ببابك»(1).

وفيه: إنه لا يعدو الإطلاق، وهو قابل للتقييد بالأدلة السابقة.

ولم أرَ مَن استدل بهذه الرواية، وقد تفرد بها السيد القمي (حفظه اللّه) واعتمد عليه.

الدليل العاشر: رواية أبي الجارود

وهي: علي بن إبراهيم في تفسيره: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي

ص: 195


1- مباني منهاج الصالحين 9: 570.

جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: «{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار، والزينة ثلاث: زينة للناس، وزينة للمحرم، وزينة للزوج، فأما زينة الناس فقد ذكرنا، وأمّا زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها، والدملج(1) فما دونه والخلخال وما أسفل منه، وأمّا زينة الزوج فالجسد كله»(2).

الإشكالات على الدليل العاشر

ويرد على الاستدلال بها إشكالات:

الإشكال الأول: ضعف السند

ضعف أبي الجارود زياد بن المنذر لتضعيف الكشي إياه(3)، وقال السيد الرجائي: «لكن ورد الذم في أبي الجارود، فالسند غير واضح»(4).

لكن قد يقال بوثاقته؛ لوجود المقتضي وعدم المانع.

أما وجود المقتضي فلأمور:

الأول: إنه روى في تفسير القمي(5)، وهو حجة على المبنى.

وفي المبنى نظر مذكور في محله.

الثاني: له أصل(6).

ص: 196


1- الدملج: حلي يلبس في المعصم كالسوار. لسان العرب 2: 276.
2- مستدرك الوسائل 14: 275.
3- اختيار معرفة الرجال 2: 495.
4- المسائل الفقهية: 28.
5- تفسير القمي 1: 102.
6- الفهرست: 131.

وفيه أنّ المبنى محل تأمل.

الثالث: رواية الأجلاء عنه(1).

وفيه: إنها أعم من الوثاقة.

الرابع: شهادة الشيخ المفيد في كتابه (الرسالة العددية) بأنه من فقهاء أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليهما السلام) ، ومن الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم(2).

وهو المعتمد بعنوان المقتضي.

الخامس: قول ابن الغضائري: «أصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه، ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الأرجني»(3)، فلا إشكال في أبي الجارود، وإنما الإشكال في ابن سنان.

لا يقال: ربما اعتمادهم لخصوصية في الأرجني.

فإنه يقال: لو كان لراوٍ طريقان: أحدهما مقبول دون الآخر، يستفاد منه أنه ثقة، وإنما الإشكال في أحد الطريقين، وابن الغضائري معروف في تسرعه في تضعيفاته، وبالذات (يقول أصحابنا) يعني لا أقل من ثلاثة منهم، لا أقل من اعتباره مؤيداً.

وأمّا عدم المانع: فلأن المانع المتصور في المقام أمور:

الأول: سماه أبو جعفر (عليه السلام) سرحوباً في رواية ذكرها الكشي، حيث قال:

ص: 197


1- رجال النجاشي: 170.
2- جوابات أهل الموصل: 25-30.
3- رجال ابن الغضائري: 61.

«حكي أن أبا الجارود سمي سرحوباً وتنسب إليه السرحوبية من الزيدية، سماه بذلك أبو جعفر (عليه السلام) وذكر أنّ سرحوباً اسم شيطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمى أعمى القلب»(1).

وفيه: إنها مرسلة.

الثاني: ورود روايات في ذمه، منها: «كنا عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فمرت بنا جارية معها قمقم فقلبته، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : إنّ اللّه عزّ وجل إن كان قَلَبَ قَلْب أبي الجارود كما قلبت هذه الجارية هذا القمقم فما ذنبي»(2).

ومنها: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «ما فعل أبو الجارود، أما واللّه لا يموت إلا تائهاً»(3).

وفيه: إنها كلها ضعيفة(4)، مع أنّ معظمها لا تنافي الوثاقة؛ لأنها ذم لعقيدته لا نفي لوثاقته، فقد يكون التائه المقلوب القلب ثقة، فالوثاقة لا ترتبط بالديانة، فقد يكون منحرفاً، لكن لا يكذب، كالاعتماد في الأخبار على العامي والطاطري والفطحي والناووسي وغيرهم، فلا ينافي ذلك توثيق المفيد إياه.

الثالث: تضعيف الكشي إياه.

وفيه: إننا لم نجد تضعيفاً منه، وإنما قال: «كان أبو الجارود مكفوفاً أعمى

ص: 198


1- اختيار معرفة الرجال 2: 495.
2- اختيار معرفة الرجال 2: 495.
3- اختيار معرفة الرجال 2: 495.
4- معجم رجال الحديث 8: 334.

أعمى القلب»(1)، ولا يدلّ ذلك على عدم الوثاقة.

الرابع: تضعيف العلامة المجلسي إياه في رجاله(2).

لكن قد يقال: إنّ أمارات التوثيق أقوى، خاصة أنها صدرت من المتقدمين، كالمفيد و ابن الغضائري وغيرهما، فتتقدم على تضعيف المجلسي.

قال الوحيد البهبهاني في تعليقته: «ولعلّ المراد من الطعن والذم المنفيين ما هو بالقياس إلى الاعتماد عليه وقبول قوله و وثاقته، كما هو الظاهر من رواياته، ومن عد عمار السّاباطي وأمثاله منهم»(3).

هذا وقد تناقض السيد الخوئي فيه فقال: «إنه ثقة»(4)، ولكنه ضعفه في ترجمة البراء بن عازب(5)، بعد ذكر الحديث الرابع والأربعين من الخصال لوقوعه في السند.

فتحصل من جميع ذلك أنّ الإشكال الأول محل تأمل، فإنّ الراوي ثقة، لكنه مطعون في عقيدته، وقد ثبت أنه زيدي(6).

لا يقال: بما أنكم ترون الاعتبار للمتأخرين كالمتقدمين، فيتعارض فيه التوثيق والتضعيف، ولا فرق في ذلك بين تعدد التوثيق ووحدة التضعيف، كعدم تقديم البينتين على البينة الواحدة.

ص: 199


1- اختيار معرفة الرجال 2: 495.
2- الوجيزة في علم الرجال: 216.
3- تعليقة على منهج المقال: 183.
4- معجم رجال الحديث 8: 335.
5- معجم رجال الحديث 4: 187.
6- رجال النجاشي: 170.

فإنه يقال: أمارات التوثيق أقوى فتتقدم، وأمّا التعدد والوحدة، فقد قال البعض، منهم: السيد الوالد في شرحه على العروة(1)، بتقديم المتعدد، ويشهد له رواية أمير المؤمنين (عليه السلام) فقضى لأكثرهم بينة.

ومن الناحية العقلائية حينما تلاحظونهما تجدون أنّ شهادات التوثيق أقوى عقلائياً من التضعيف.

الإشكال الثاني: إرسال الرواية

وقد ذكره السيد الخوئي، قال: «فإنها مرسلة؛ لأن أبا الجارود ممن يروي عن الباقر (عليه السلام) ، فالفصل بينه وبين علي بن إبراهيم كثير جداً، فلا يمكن أن يروي عنه مباشرة»(2)، وتبعه في مباني المنهاج(3).

ولا يخفى أن أبا الجارود من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً بدليل ما قاله النجاشي: «كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد اللّه (عليهما السلام) وتغير لما خرج زيد رضي اللّه عنه»(4)، وقد خرج زيد بعد استشهاد الإمام الباقر (عليه السلام) بسبعة أعوام.

ولبيان عدم الإمكان نقول: لقد استشهد الإمام الباقر (عليه السلام) سنة 114، فلا بد أن تكون ولادة أبي الجارود سنة 100 على الأقل، حتى يروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) وعمره 14 سنة مثلاً.

ص: 200


1- الفقه 1: 190-191.
2- شرح العروة الوثقی 32: 44.
3- مباني منهاج الصالحين 9: 564.
4- رجال النجاشي: 170.

وقد ولد الإمام الهادي (عليه السلام) سنة 212، واستشهد سنة 254. وقد بقي علي بن إبراهيم حياً إلى سنة 307 على الأقل، لما رواه الصدوق في العيون عن حمزة بن محمد(1)، قال: «أخبرنا علي بن إبراهيم سنة سبع وثلاثمائة...»(2).

فلا بد أن نفرض أنّ أبا الجارود عمّر حوالي 110 أعوام، وعلي بن إبراهيم أيضاً عمّر 110 أعوام، والتقيا ببعض فروى أحدهما عن الآخر.

فلتصحيح رواية أحدهما عن الآخر لابد من فرض ولادة أبي الجارود سنة 100، وأنه عاش إلى سنة 210، وفرض أن علي بن إبراهيم ولد سنة 195 حتى يكون عمره 15 سنة عند وفاة أبي الجارود، وقد عاش إلى سنة 307، وهذا مما لا يخلو عن غرابة.

لكن حمزة بن محمد - أستاذ الصدوق - مجهول، فلا بد من البحث في إمكان الاعتماد على المجهول في رواية التواريخ، ويرى السيد العم (حفظه اللّه) صحة الاعتماد، وعليه بناء العقلاء في التواريخ.

وأظن أن هذا المقدار يسلب الوثوق؛ ولذا أسقط السيد الخوئي الرواية وتبعه السيد القمي(3).

ويمكن الجواب عن هذه الشبهة بوجهين:

الوجه الأول: ما ذكره السيد الرجائي قال: «لا يبعد أن يكون التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم مركباً من تفسيره وتفسير أبي الجارود، وعدم

ص: 201


1- وهو شيخ الشيخ الصدوق.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 262.
3- شرح العروة الوثقی 32: 44؛ مباني منهاج الصالحين 9: 564.

ذكر الطريق هنا إلى أبي الجارود عول على ذكره في سائر الموارد»(1).

فالرواية ليست عن علي بن إبراهيم حتى يشكل عليها بالإرسال، بل هي عن تفسير أبي الجارود مسنداً، وسنده كما في الآية (45) من تفسير سورة آل عمران هو: «حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا جعفر بن عبد اللّه، قال: حدثنا كثير بن عياش، عن زياد بن المنذر أبي الجارود...»(2).

نعم، في المقام لم يذكر السند لتعويله على بقية الروايات.

وما ذكره السيد الرجائي من تلفيق التفسيرين ذكره بعض علماء الرجال أيضاً، وقد ذكروا لذلك بعض القرائن.

وفي هذا الطريق نظر:

أما أولاً: فلأنه وإن تكفل بالقضاء على شبهة الإرسال؛ إذ يكون الخبر مسنداً حينئذٍ، إلا أنه يتضمن الوقوع في مشكلة الضعف؛ لضعف بعض من وقع في سند تفسير أبي الجارود، فإنه رواه أبو الفضل بسنده عن كثير بن عياش القطان، وسند النجاشي والشيخ ينتهيان إليه أيضاً، فكل الطرق تنتهي إلى القطان. وقد ضعفه الشيخ(3)، ووروده في تفسير القمي لا يجدي، إما لعدم ارتضاء المبنى، وإمّا لتعارض التوثيق والتضعيف فيتساقطان.

وثانياً: فلأن التعويل على ذكر السند في سائر الموارد مجرد احتمال، وكما يحتمل ذلك يحتمل الإرسال، فتأمل.

ص: 202


1- المسائل الفقهية: 28.
2- تفسير القمي 1: 102.
3- الفهرست: 132.

الوجه الثاني: ما أجاب به السيد العم (حفظه اللّه): من أنه يحتمل نقل علي بن إبراهيم عن كتاب أبي الجارود مباشرة لا عنه بتخلل واسطة محذوفة ومقتضى أصالة الحس علمه بكونه كتابه عن طريق الحس لا الحدس، فيكون الخبر حسياً.

وفيه تأمل ربما يعلم مما سبق، فتأمل.

لا يقال: الطريقان حسيان، فكما يمكن أن يكون نقل علي بن إبراهيم عن أبي الجارود مباشرة، كذلك يمكن أن يكون نقله عن واسطة محذوفة ثقة عنده، وتوثيقه كافٍ، فيدور الأمر بين الحس والحس، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

فإنه يقال: هنالك احتمال ثالث، وهو اعتماد علي بن إبراهيم على وثاقة الواسطة للقرائن الاجتهادية، فيدور الأمر بين الحس والحدس، وتتقدم أصالة الحس العقلائية.

لا يقال: هنالك طريق آخر لحل الإشكال، وهو: وإن كان الراوي محذوفاً، إلا أنه ثقة؛ لكونه شيخاً مباشراً لعلي بن إبراهيم.

فإنه يقال: لا يمكن الحكم بوثاقته مع احتمال كونه مما تعارض فيه التوثيق والتضعيف، ولا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما هو الحال في كثير بن عياش، كما يجري مثله في مراسيل ابن أبي عمير.

الإشكال الثالث: إعراض الأصحاب عن الخبر

وهو ما ذكره السيد الروحاني بقوله: «إنه ضعيف السند والأصحاب

ص: 203

أعرضوا عنه»(1).

وكأن نظره إلى قوله (عليه السلام) : «وأمّا زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج فما دونه والخلخال وما أسفل منه». وقد أعرض المشهور عنه لجواز نظر المحارم إلى ما خلا العورة.

وفيه: إنّ الإعراض عن بعض الخبر لا يوجب سقوط باقيه.

الإشكال الرابع: ما ذكره السيد الرجائي

ما ذكره السيد الرجائي بقوله: «غاية ما يدل عليه جواز إراءتها للناس الزينة الظاهرة، وهي الثياب والكفان ومن الوجه الكحل فقط، ولا وجه لإلغاء خصوصية الكحل والتعدي إلى جميع الوجه، أو كون ذكره كناية عن تمام الوجه»(2).

وقد مضى البحث في ذلك في الإشكال السابع على الدليل الثالث.

هذا تمام الكلام في الدليل العاشر.

الدليل الحادي عشر: رواية علي بن جعفر

وهي ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام) ، قال: «وسألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحل له؟ قال: الوجه والكف وموضع السوار»(3).

وهذه الرواية لا تتوقف على قبول الملازمة العرفية؛ لأن السؤال حول

ص: 204


1- فقه الصادق 21: 107.
2- المسائل الفقهية: 28.
3- مسائل علي بن جعفر: 219؛ قرب الإسناد: 227.

النظر لا الإبداء.

الإشكالات على الدليل الحادي عشر

ويرد على الاستدلال بها إشكالات:

الإشكال الأول: ضعف السند

ما ذكره في شرح العروة، قال: «إنها ضعيفة سنداً بعبد اللّه بن الحسن؛ إذ لم يرد فيه أي توثيق أو مدح»(1).

وهو حفيد علي بن جعفر، فيكون ابن حفيد الإمام الصادق (عليه السلام) .

وهناك طريقتان لحل هذا الإشكال:

الطريقة

الأولى: ما أشار إليه السيد الحكيم في المستمسك، قال: «ولم يعرف بقدح ولا مدح غير اعتماد الحميري عليه في رواية كتاب جده، ولعل هذا المقدار كافٍ في اعتباره في المقام عندهم»(2).

وهو بحث مهم، حيث يترتب عليه اعتبار مئات الروايات أو عدمه، ولتقريب هذه الطريقة لا بد من ملاحظة شخصية الحميري، فقد قال النجاشي في ترجمته: «شيخ القميين ووجههم قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين، وسمع أهلها منه فأكثروا»(3).

وقال في موضع آخر: «...روى عنه شيوخ أصحابنا، منهم: عبد اللّه بن جعفر الحميري»(4).

ص: 205


1- شرح العروة الوثقی 32: 44.
2- مستمسك العروة الوثقى 5: 245.
3- رجال النجاشي: 219.
4- رجال النجاشي: 303.

وقال السيد البروجردي في مقدمة قرب الإسناد: «وفيه - أي كلام النجاشي - دلالة على سعة علمه وعلوّ مقامه، كما لا يخفى على البصير بأحوال المحدثين» ثم قال: «إنه كان من كبار الطبقة الثامنة»(1).

وكتاب قرب الإسناد ينقسم إلى جزءين، الجزء الأول منه مروي بهذا السند: «الحميري عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعد بن صدقة».

وأمّا الجزء الثاني، فيحتوي على (400 رواية) روى كلها عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، ومن المستبعد أن يكتب الحميري - الذي له هذا المقام - كتاباً يروي نصفه عن واحد مجهول.

الطريق الثانية: كثرة روايته عن جده، فإنّ كثرة الرواية تدل على حسن حال الراوي؛ وذلك لما ورد في الحديث الشريف: «اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنّا»(2).

وفي المبنى نظر.

كما أنّ هنالك نظرية أخرى، مفادها أنّ جميع الروايات في كتبنا معتبرة إلا ما ثبت بطلانه بالدليل؛ وذلك لأنّ القدماء أخرجوا الروايات الشاذة وعرضوها على الأئمة (عليهم السلام) ، وقد ذكرها الشيخ في الفرائد(3).

الإشكال الثاني: الإشكال في كتاب قرب الإسناد

وقد مضى الكلام في ذلك في الإشكال الأول والثاني على الدليل

ص: 206


1- مقدمة قرب الإسناد (الطبعة القديمة).
2- وسائل الشيعة 27: 149.
3- فرائد الأصول 1: 239.

السادس.

الإشكال الثالث: الرواية واردة في المرأة التي يحرم نكاحها

ما ذكره السيد الخوئي، قال: «على أنها واردة في المرأة التي يحرم نكاحها، ومن الواضح أنها ليست إلا المحرم، فلا يبقى لها ارتباط بمحل كلامنا، بل يمكننا استفادة الحرمة منها؛ نظراً إلى تخصيص الجواز بالمحارم، فمن العجيب من صاحب الجواهر (رحمه اللّه) الاستدلال بها على الجواز»(1).

وقال في فقه الصادق: يحتمل إرادة المحارم، فالمراد من لا تحل له، أي: نكاحها(2)، ونظيره في المهذب(3).

وفيه: أولاً: إنه خلاف الظاهر، بل ظهور الرواية في الأجنبيات.

ثانياً: إنّ من الواضح أنه يحل له أكثر من ذلك من المحارم، وظاهر الرواية التحديد، فلا يقال: إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

وأجاب السيد الروحاني بأن: «عدم العمل بخبر لا يوجب حمله على معنى آخر»(4)، فالرواية مجملة ولا يعلم المراد من (المرأة التي لا تحل له)، ولا يصح حمله على معنى آخر حتى لا يطرح.

وأمّا ما ذكره السيد الخوئي من دلالة الرواية على حرمة النظر إلى

ص: 207


1- شرح العروة الوثقی 32: 44.
2- فقه الصادق 21: 114.
3- مهذب الأحكام 5: 235.
4- فقه الصادق 21: 114.

الأجنبية. ففيه: إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فهو ساكت عن الأجنبية ولا مفهوم له، فلا يمكن استفادة الحرمة ولا الجواز.

الإشكال الرابع: اشتمالها على ما لم يُفت به أحد

وهو ما ذكره السيد الروحاني بقوله: «مع أن ما في ذيله من استثناء موضع السوار لم يفت به أحد بالنسبة إلى الأجنبية»(1).

وقال في مباني المنهاج: «إنها لا تكون قابلة للعمل بعد قيام الضرورة على خلافها»(2).

وفيه أولاً: إنّ سقوط بعض الرواية لا يوجب سقوطها كلّها.

وثانياً: إنه يمكن تخصيصه بما كان من موضعه في الكف، فإنها تدل على موضع السوار، وهو من الكف فيخرج الباقي، وهو ما فوق الكف، فتأمل.

الدليل الثاني عشر:

ما روي في تفسير جامع الجوامع عنهم (عليهم السلام) في تفسير قوله تعالى: {مَا ظَهَرَ} أنه الكفان والأصابع(3).

وفيه: إنّ الرواية مرسلة.

الدليل الثالث عشر: خبر جابر بن عبد اللّه الأنصاري

عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن

ص: 208


1- فقه الصادق 21: 114.
2- مباني منهاج الصالحين 9: 564.
3- جوامع الجامع 2: 616.

مهران، عن عبيد بن معاوية بن شريح، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر(1)، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: «خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يريد فاطمة (عليها السلام) وأنا معه، فلما انتهيت إلى الباب وضع يده عليه فدفعه، ثم قال السلام عليكم، فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول اللّه قال: أدخل؛ قالت: ادخل يا رسول اللّه، قال: أدخل أنا ومن معي؟ فقالت: يا رسول اللّه ليس عليَّ قناع، فقال: يا فاطمة، خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك، ففعلت، ثم قال: السلام عليكم، فقالت فاطمة: وعليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: نعم، يا رسول اللّه، قال: أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك، قال جابر: فدخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ودخلت، وإذا وجه فاطمة (عليها السلام) أصفر كأنه بطن جرادة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما لي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول اللّه، الجوع، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اللّهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة(2)، أشبع فاطمة بنت محمد، قال جابر: فو اللّه، لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر، فما جاعت بعد ذلك اليوم»(3).

ودلالة هذا الخبر على جواز النظر إلى الوجه من جهتين:

الأولى: تضمنه فعل المعصوم (عليه السلام) ، وهي الصديقة الكبرى فاطمة (عليها السلام) ، إلا أنّ الاستدلال من هذه الجهة مبني على وجود الملازمة بين جواز الكشف وجواز النظر؛ إذ قد يقال بجواز الأول وحرمة الثاني، وقد مضى البحث في

ص: 209


1- وهو جابر بن يزيد الجعفي بقرينة الراوي عنه.
2- أي: الهلكة.
3- الكافي 5: 528؛ وسائل الشيعة 20: 215.

الملازمة، وقد ملنا سابقاً إلى ثبوتها.

الثانية: إقرار المعصوم (عليه السلام) ، وهو النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والصديقة الكبرى (عليها السلام) ، حيث لم ينكرا على جابر ذلك.

الإشكالات على الدليل الثالث عشر

وفي الاستدلال بهذا الخبر إشكالات:

الإشكال الأول: الإشكال السندي

وذلك من جهتين:

الأولى: اشتماله على عبيد بن معاوية بن شريح، وهو مهمل في علم الرجال.

الثانية: اشتماله على عمرو بن شمر، وله روايات كثيرة، فقد روى (167) رواية، لكن ضعّفه النجاشي في موردين عند التعرض لترجمته: حيث قال عنه: «ضعيف جداً»(1)، وعند التعرض لترجمة جابر بن يزيد الجعفي، حيث قال: «روى عنه جماعة غُمِزَ فيهم وضُعِّفوا، منهم عمرو بن شمر»(2).

وقد ذكر ضَعف الخبر من هذه الجهة السيد الخوئي والسيد القمي والسيد الروحاني والسيد الرجائي(3).

ولعله لذلك أو لما ذكر في الجهة الأولى قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) عن

ص: 210


1- رجال النجاشي: 287.
2- رجال النجاشي: 128.
3- شرح العروة الوثقی 32: 45؛ مباني منهاج الصالحين 9: 572؛ فقه الصادق 21: 115؛ المسائل الفقهية: 32.

هذا الخبر: «ضعيف»(1).

طرق وثاقة عمرو بن شمر

هذا، ولكن قد يقال بوثاقة عمرو بن شمر لأمور:

أولاً: وروده في كامل الزيارات.

ثانياً: وروده في تفسير القمي.

ثالثاً: رواية الأجلاء عنه.

رابعاً: رواية خمسة من أصحاب الإجماع عنه.

خامساً: ما نقل من اعتماد الشيخ المفيد عليه.

وفي مباني ما ذكر نظر.

لا يقال: إنّ المختار عندكم وثاقة مشايخ علي بن إبراهيم.

فإنه يقال: المرضي عندنا وثاقة مشايخه المباشرين دون غيرهم.

لا يقال: إنّه ثقة لكونه من مشايخ الثلاثة من أصحاب الإجماع.

فإنه يقال: ليس الأمر كذلك وإلا تمّ الطريق الرابع، بل هو من غير الثلاثة من أصحاب الإجماع.

لا يقال: اعتماد الشيخ المفيد بمثابة توثيقه.

فإنه يقال: اعتماد الشيخ المفيد غير توثيقه، فقد تكون القرينة خارجية، وقد عبر البعض بأنّ توثيقه وإن كان معتمداً، ولكن اعتماده لا يساوي التوثيق. نعم، إن ثبت أنّ الشيخ اعتمد عليه في مواطن كثيرة دلَّ على أنّ القرينة داخلية، فيدل على التوثيق.

ص: 211


1- مرآة العقول 20: 361.

سادساً: إكثار الكليني الرواية عنه في الكافي، والصدوق في مَن لا يحضره الفقيه.

وحسب الإحصاء روى عنه في الكافي في الجزء الأول 10 روايات، وفي الثاني 25 رواية، وفي الثالث 17 رواية، وفي الرابع 5 روايات، وفي الخامس 12 رواية، وفي السادس 10 روايات، وفي السابع روايتين، وفي الثامن 7 روايات، فيكون المجموع 88 رواية.

وروى عنه في كامل الزيارات 7 روايات، وروى عنه في مَن لا يحضره الفقيه 22 رواية.

وقد اعتمد الكليني على روايات الكافي، والصدوق على روايات مَن لا يحضره الفقيه، ويبعد أن تكون القرينة في كلها خارجية، فيدل على اعتمادهما عليه للقرينة الداخلية، وهي الوثاقة لا للقرائن الخارجية.

هذا، ولكن قد يقال: إنه مع فرض نهوض ما ذكر بوثاقته، إلا أنه يتعارض الجرح والتوثيق، ويكون المصير التوقف.

إلا أن يقال: إنّ أمارات الوثاقة أقوى، خاصة مع احتمال كون التضعيف للروايات المروية لا للراوي؛ وذلك لاحتمال أن يكون حكم النجاشي على الشخص من خلال رواياته كابن الغضائري، فيحتمل أن يكون تضعيفه إما لأجل تضعيف ابن الغضائري، أو لاعتماده على قراءة متون رواياته؛ لاشتمالها على الفضائل، فاتهم بالغلو.

لكنه مخالف للظاهر، فإنّ ظاهر الحكم بالضعف هو ضعف الراوي لا الرواية، فتأمل.

ص: 212

الإشكال الثاني: الإشكال الدلالي

حيث يبعد ذلك من أمثالها صلوات اللّه عليها.

قال صاحب الجواهر: «وخبر فاطمة (عليهما السلام) يمكن أن يكون بالنظر الاتفاقي أو لغير ذلك، وإلا فمن المستبعد نظره العمدي إليها بمحضر من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، بل يمكن القطع بعدمه؛ ضرورة معلومية كون الأولى خلافه من سائر النساء والرجال، فضلاً عن سيدة النساء وجابر»(1).

فالرجل الذي من عامة الناس لا ينبغي له أن ينظر، فكيف بجابر وهو جليل القدر، والمرأة كذلك لا ينبغي لها أن تظهر، فكيف بسيدة نساء العالمين (عليها السلام) .

وقال السيد الخوئي في موضع: «على أن متنها غير قابل للتصديق، فإنّ مقام الصديقة الزهراء (عليها السلام) يمنع من ظهورها أمام الرجل الأجنبي بحيث يراها قطعاً، فإن كل امرأة شريفة تأبى ذلك، فكيف بسيدة النساء (عليها السلام) ؟!»(2).

وفي آخر: «لا يمكن الاستدلال بها حتى لو صحت أسانيدها؛ إذ لا يمكننا التصديق بخروج الزهراء (عليها السلام) سافرة الوجه عند جابر ونحوه من الأجانب، فإنّ مثل هذا لا يكاد يصدر عن امرأة عادية عفيفة، فضلاً عن سيدة النساء بضعة سيد الأنبياء مصدر كل عفة وحياء، وقد ورد أن ابنتها زينب وهي الصديقة الصغرى (عليها السلام) لم تكن تخرج إلى قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلاّ ليلاً عندما لم يكن أحد يرى شخصها، بل ولا شبحها، فإذا كانت هذه

ص: 213


1- جواهر الكلام 29: 79.
2- شرح العروة الوثقی 32: 45.

حالة ابنتها وهي الصديقة الصغرى، فما ظنك بها نفسها وهي الصديقة الكبرى؟

وبالجملة لا يسعنا التصديق بخروجها مكشفة الوجه عند جابر بتاتاً، ولا نحتمل صدق الحديث بوجه، مهما صح السند وقوي المستند»(1).

وقال في فقه الصادق: «إنه من البديهي أن فاطمة (عليها السلام) التي قالت للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : خير النساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، لم تكن كاشفة عن وجهها بمحضر من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجابر ينظر إليها، فيتعين طرح الخبر أو تأويله»(2).

وقال في المهذب: «إنه من المستبعد جداً النظر العمدي من جابر إلى وجهها (عليها السلام) بمحضر من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . نعم، يمكن أن يكون من الاتفاقي غير الاختياري... كيف وهي التي قالت لأبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : خير النساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فاطمة مني»(3).

هذا ولكن قد يجاب بأنّ الاستقباح إنما هو للوازم المكتنفة، كالخواطر السيئة لا للنظر في حد ذاته، وإلا فلا قبح فيه، لا من جهة الناظر ولا من جهة المنظور إليه، فهو كنظر الملائكة إلى وليّة من الأولياء، وفي هذا الجواب إشكال.

ولا يخفى أنّ جابراً جليل القدر من أصحاب النبي وأمير المؤمنين

ص: 214


1- شرح العروة الوثقی 12: 77.
2- فقه الصادق 21: 115.
3- مهذب الأحكام 5: 236.

والحسن والحسين والسجاد والباقر (عليهم السلام) ، ومن الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ومن السابقين، ومن جملة مَن لم يرتدوا بعد قتل سيد الشهداء (عليه السلام) ، وهو منقطع إلى أهل البيت (عليهم السلام) (1)، وفي رواية أنه من الأربعة الذين انتهى إليهم علم الأئمة (عليهم السلام) (2).

لا يقال: إنّ جميع ما ذكر إنما هو استبعاد، فالرواية وإن كانت تامة لا تدل على جواز كشف الوجه أو النظر؛ لأنها حكاية فعل لا يعلم وجهه، فربما كان جابر محرماً لها بسبب أو رضاع ولو من بعيد.

فإنه يقال: المعصوم (عليه السلام) أسوة، فإن فعل شيئاً دل على جوازه، ولو كان محرماً لنقل ذلك وانعكس في التاريخ، بالإضافة إلى أنه لم يكن وجه للاستئذان والأمر بالتقنع.

لا يقال: إنّ القول بالنظر الاتفاقي غير الاختياري مستلزم لنسبة السهو أو الخطأ إلى المعصوم (عليه السلام) .

فإنه يقال: إنه اتفاقي من قبل جابر.

لا يقال: يستلزم أن يجعل المعصوم نفسه في محضر حرام غير اتفاقي.

فإنه يقال: ذلك كما لو مرّ المعصوم من مكان فأصابه سهم، فالخطأ من الفاعل، والمعصوم يتحرك بالأسلوب الطبيعي.

الإشكال الثالث: يحتمل أن تكون الحادثة قبل نزول آية الحجاب

وهو ما في المسائل الفقهية، حيث قال: «... احتمال كونه قبل نزول

ص: 215


1- معجم رجال الحديث 4: 331.
2- معجم رجال الحديث 4: 333.

الحجاب، أي: قبل وجوب ستر جميع الجسد»(1).

وفيه أولاً: إنّ هذا الاحتمال معارض باحتمال كونه بعد نزول الحجاب، ومع تكافئ الاحتمالين وتساقطهما يكون المرجع أصالة البراءة.

لا يقال: إنّ تاريخ نزول آية الحجاب معلوم والآخر مجهول، فيستصحب عدم حصول الواقعة إلى حين وجوب الحجاب.

فإنه يقال: لا فرق بين معلوم التاريخ ومجهول التاريخ، فإنه وإن كان الزمان الحقيقي معلوماً لكن الزمان الإضافي مجهول؛ ولذا لم يفرق جمع من المحققين في الحدث والطهارة بين أن يكون أحدهما معلوم التاريخ أو يكونا مجهولي التاريخ.

ثانياً: الظاهر أنه لا فرق في تخصيص الخاص للعام بين كونه متقدماً عليه أو متأخراً عنه؛ لأنّ الأمر يدور بين التخصيص والنسخ، والأول أولى، ولعل بناء الفقه على ذلك، مثلاً: لو وردت روايتان: رواية عامة مفادها حرمة جميع حيوانات البحر، ورواية خاصة مفادها حلية السمك والروبيان، فإن بناء الفقهاء على تخصيص العام بالخاص، وإن فرض كون الخاص متقدماً على العام.

ففي المقام حتى لو فرض أنّ الحجاب المحلل لبعض الوجه ورد متقدماً، والمحرم ورد متأخراً، إلا أن الأول تخصيص في الدليل المتأخر.

ولا فرق في ذلك بين قول المعصوم (عليه السلام) وفعله وتقريره، فإن بناء الفقه على أن الخاص يخصص العام على كل تقدير.

وثالثاً: إنّ الرواية مروية عن الإمام الباقر (عليه السلام) ، ولو كان الجواز خاصاً

ص: 216


1- المسائل الفقهية: 32.

بفترة زمنية معينة انتهت بنزول الحجاب لنبه (عليه السلام) على ذلك، فتأمل.

الإشكال الرابع: الخبر معارض بغيره

وهو ما ذكره في المسائل الفقهية، حيث قال: «وثالثاً: معارضته بما روي عنها (عليها السلام) : خير ما يكون للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنها مني»(1).

هذا ولكن قد يقال: إنّ الرواية مرسلة، فلا تصلح للمعارضة، فقد وردت في الوسائل: عن علي بن عيسى في كشف الغمة، نقلاً من كتاب أخبار فاطمة (عليها السلام) لابن بابويه، عن علي (عليه السلام) ، قال: «كنا عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: أخبروني أي شيء خير للنساء؟ فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا، فرجعت إلى فاطمة (عليها السلام) ، فأخبرتها بالذي قال لنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وليس أحد منا علمه ولا عرفه، فقالت: ولكني أعرفه، خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، فرجعت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول اللّه سألتنا أي شيء خير للنساء؟ خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، فقال: من أخبرك؟ فلم تعلمه وأنت عندي، فقلت: فاطمة، فأعجب ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: إنّ فاطمة بضعة مني»(2).

والواسطة بين ابن بابويه وأمير المؤمنين (عليه السلام) غير مذكورة، ولم نجد سنداً لهذه الرواية.

وقد يجاب بأن قاعدة التسامح تقتضي استحباب ذلك أو كراهة الضد،

ص: 217


1- المسائل الفقهية: 33.
2- وسائل الشيعة 20: 67.

ويبعد ترك المعصوم (عليه السلام) للمستحب أو فعله للمكروه.

وقد يشكل في ذلك بأنّ المستحبات متزاحمة، فقد يترك مستحب لمزاحمته بمستحب آخر مساوٍ أو أهم، وكذا في فعل المكروه، فتأمل(1).

والحاصل: إنه لا معارضة، فالرواية المذكورة تتضمن الكراهة، ورواية جابر تدل على المشروعية، ولعل الإتيان به لملاك مزاحم أهم يرفع الكراهة عن فعل المعصوم (عليه السلام) ، وله نظائر كالنوم بين الطلوعين(2)، وتأخير الصلاة عن أول الوقت(3)، وأكل الجبن(4)، كما في بعض الروايات.

الدليل الرابع عشر: رؤية سلمان ليد الزهراء (عليها السلام) حين إدارة الرحى

ما ذكره في المستند، قال: «وتؤيد المطلوب الأخبار المتضمنة لرؤية سلمان يدي سيدة النساء دامية عند إدارة الرحى»(5).

ص: 218


1- وقد يجاب: بأن المعصوم لا يفعل المكروه الواقعي، لا المكروه الثابت بأدلة التسامح.
2- وسائل الشيعة 6: 497. عن معمر بن خلاد قال: «أرسل إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) في حاجة فدخلت عليه فقال: انصرف فإذا كان غداً فتعال، ولا تجئ إلا بعد طلوع الشمس، فإني أنام إذا صليت الفجر».
3- مستدرك الوسائل 7: 362. «أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أتى بكتف جزور مشوية، وقد أذن بلال، فأمره فكف هنيهة، حتى أكل وأكلنا معه، ثم دعا بلبن فشرب وشربنا معه، ثم أمر بلالاً فأقام، فصلى وصلينا معه».
4- الكافي 6: 339. عن عبد اللّه بن سليمان قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن، فقال لي: لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم أعطى الغلام درهماً فقال: يا غلام، ابتع لنا جبناً، ودعا بالغداء فتغدينا معه وأتى بالجبن فأكل وأكلنا معه، فلما فرغنا من الغداء قلت له: ما تقول في الجبن؟ فقال لي: أو لم ترني أكلته؟ قلت: بلى ولكني أحب أن أسمعه منك، فقال: سأخبرك عن الجبن وغيره، كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه».
5- مستند الشيعة 16: 49.

والخبر كما في البحار: «الخرائج: روي أنّ سلمان قال: كانت فاطمة (عليها السلام) جالسة، قدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل والحسين في ناحية الدار يتضور من الجوع، فقلت: يا بنت رسول اللّه دبرت كفاك(1)، وهذه فضة، فقالت: أوصاني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن تكون الخدمة لها يوماً فكان أمس يوم خدمتها...»(2).

وفي هذا الدليل مضافاً إلى ما تقدم، إشكال سندي ودلالي.

أمّا الإشكال السندي: فلأنه روي تارة مرسلاً كما في البحار وأخرى مسنداً كما في دلائل الإمامة(3) لكنّه يشتمل على بعض المجاهيل كالفزاري، ولم أعثر على رواية مسندة صحيحة.

وأمّا الإشكال الدلالي: فلعدم تضمن الخبر النظر، فلعله عرف ذلك من خلال قولها صلوات اللّه عليها، ففي رواية دلائل الإمامة(4): «خرجت مع رسول اللّه ذات يوم وأنا أريد الصلاة، فحاذيت باب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فإذا أنا بهاتف من داخل الدار...».

الدليل الخامس عشر: رواية المحاسن

رواية المحاسن عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: «الوجه والذراعان»(5).

ص: 219


1- أي: أصابها القرحة.
2- بحار الأنوار 43: 28.
3- دلائل الإمامة: 140.
4- دلائل الإمامة: 140.
5- مستدرك الوسائل 14: 275.

ولعل المراد بالذراعين الكفان، وإلاّ فلم ينقل عن أحد جواز كشف الذراعين.

وفي اللغة للذراع إطلاقان: الساعد، أي ما فوق الكف, والمرفق إلى انتهاء الأصابع(1)، فلعل المراد منها بعض الذراعين، وذلك بعلاقة الكل والجزء.

ويرد على هذا الدليل أنّ الرواية مرسلة؛ إذ لم يذكر لها سند، فجميع المصادر تنتهي إلى المحاسن بلا سند(2).

مضافاً إلى ورود بعض المناقشات المتقدمة أيضاً.

الدليل السادس عشر: الأخبار الدالة على كشف المرأة وجهها حال الإحرام

ما تضمن من الأخبار كشف المرأة وجهها حال الإحرام.

قال السيد الوالد (رحمه اللّه) : «ثم إنه يؤيد الجواز جملة من المؤيدات، مثل: روايات باب الحج، وأن إحرام المرأة في وجهها، فإنّ المستفاد من رواياته أنه ليس استثناءً عن الحرام، فإنه إذا كان كشف الوجه حراماً أمكن التستر بالمروحة»(3).

وقد استدل أيضاً بهذه الأخبار السيد الحكيم في المستمسك(4).

ولا يخفى أنّ تمامية الدليل مبتنية على الملازمة، فإذا جاز الكشف في

ص: 220


1- العين 2: 97.
2- العين 2: 97.
3- الفقه 62: 206.
4- مستمسك العروة الوثقى 5: 257.

الحج جاز النظر إليها في الحج، فيدل على جواز النظر في الحج وغيره.

ويرد عليه إشكالات:

الإشكال

الأول: إنه لا مانع من الاستثناء من الحرام، وتحول الحرام إلى واجب أو مباح وبالعكس لملاك يقتضي ذلك، كتحول الغيبة المحرمة إلى جائزة أو واجبة، وكما يمكن الاستثناء من الفضيلة يمكن الاستثناء من الحرمة، ولعل وجوب الكشف لتذوق المرأة الحر والبرد، أو لامتحان الناظر والمنظور إليه، أو لغير ذلك من الحِكَم.

لا يقال: الأصل عدم الاستثناء.

فإنه يقال: الاستثناء متحقق على كل حال، فهو استثناء إما من الحرام إذا كان كشف الوجه حراماً، أو الفضيلة إذا كان الأفضل لها أن تستر وجهها دائماً.

لا يقال: تحول الحرام إلى واجب نادر جداً.

فإنه يقال: قاعدة الغلبة ليست بحجة.

لا يقال: لكنه يسلب الظهور عنه، فإنه إذا دار الأمر بين أن نحمل هذه الرواية على تحولها من الحرام أو الجائز لم يستسغ العرف الأول.

فإنه يقال: الاستثناء من الحرام كثير جداً، كحرمة الكذب والغيبة والربا ومستثنياتها.

والحاصل: إنه لم يتضح أن جواز أو وجوب الكشف في الحج دال على الجواز مطلقاً، وكأنّ الحج امتحان متعدد الأبعاد، كمَن يرمي الجمار فيواجه امرأة مكشفة الوجه.

الإشكال الثاني: ما ذكره في فقه الصادق، حيث قال: «مع أنه لو دل على

ص: 221

شيء فإنما هو عدم وجوب الستر لا جواز النظر»(1). ونحوه ما في المهذب(2).

لكن قد مضى الكلام في الملازمة.

الإشكال الثالث: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه اللّه) قال: «ونصوص الإحرام إنما هو لحكم الإحرام من حيث إنّ إحرامها في وجهها، فلا يجوز وضع شيء عليه، وإن وجب عليها الستر بما لا يمسه، كما هو المتعارف الآن في إحرام النساء المتدينات»(3). ونحوه ما في فقه الصادق(4) والمهذب(5).

فروايات الإحرام لا تدل على كشف الوجه، وإنما على عدم وجود ساتر ملاصق للوجه كالبرقع المتداول، فيجب الحجاب بلا ستر، بأن تضع قبة وتسدل عليها النقاب حتى تذوق الحر والبرد، أو تضع مروحة وتضع شيئاً أمام وجهها، وهو مقتضى الجمع بين الدليلين ولا منافاة بينهما.

وفيه نظر؛ لأنه قد أمر بالإسفار الجزئي أو سوغ ذلك، وهو ينافي وجوب الستر الكلي، كما هو مدعى الجواهر، ويظهر ذلك بملاحظة ما في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد(6)، عن الحلبي(7)، عن

ص: 222


1- فقه الصادق 21: 115.
2- مهذب الأحكام 5: 237.
3- جواهر الكلام 29: 79.
4- فقه الصادق 21: 115.
5- مهذب الأحكام 5: 237.
6- حماد مشترك بين حماد بن عثمان وحماد بن عيسى، وكلاهما ثقة.
7- الحلبي يطلق على جماعة، أشهرهم محمد وعبيد اللّه، وكلّ الحلبيين ثقات، فالرواية إمّا صحيحة وإمّا حسنة بإبراهيم بن هاشم.

أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «مرّ أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقبة، فقال: أحرمي وأسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال رجل: إلى أين ترخيه؟ قال: تغطي عينيها، قال: قلت: يبلغ فمها؟ قال: نعم»(1).

لا يقال: الرواية مطلقة، فيصح الستر أكثر من ذلك، ويجب بمقتضى أدلة الحجاب، فلا دليل على الإسفار الجزئي.

فإنه يقال: التفصيل قاطع للشركة، والغاية لها مفهوم، فيلزم التغطية إلى العينين أو الفم لا أكثر.

بل قد أمر بالإسفار الكلي، كما عن الحميري في قرب الإسناد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: مرّ أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها»(2)، وظاهره الإسفار الكلي أو شبه الكلي.

هذا، ولكن قد يقال: إنه بقرينة الجمع بين الروايات إنّ الإسفار المأمور به هو الإسفار في حد نفسه، لا الإسفار أمام الأجانب، ويدل على ذلك رواية محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن سماعة(3) أنه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المحرمة، فقال: «إن مر بها رجل استترت منه بثوبها...»(4).

ومفادها أنها تسفر لكن تغطي وجهها عندما يمر منها رجل، وقد مضى

ص: 223


1- الكافي 4: 344؛ وسائل الشيعة 12: 494.
2- قرب الإسناد: 363؛ الكافي 4: 346؛ وسائل الشيعة 12: 494.
3- إسناد الصدوق إلى سماعة صحيح.
4- من لا يحضره الفقيه 2: 344؛ وسائل الشيعة 12: 495.

ثبوت الملازمة العرفية بين وجوب الستر وحرمة النظر، كما لو قيل للعبد: استر الورقة عن الأغيار، فإنّ معناه عدم جواز النظر إليه.

وقال في المستند: «...جواز كون المرأة مَحرماً له (عليه السلام) ؛ إذ لا عموم لها ولا إطلاق»(1).

الدليل السابع عشر: الروايات الدالة على تغسيل الأجانب وجه المرأة وكفيها

ما دلّ على تغسيل الأجانب وجه المرأة وكفيها عند موتها إذا لم يوجد لها محرم ولا مماثل(2).

ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(3) بعنوان المؤيد، كما ذكره السيد الحكيم(4) والمحقق النراقي(5).

ومن تلك الروايات: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم، ولا معهم امرأة، فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال: يغسل منها ما أوجب اللّه عليه التيمم ولا تمس، ولا يكشف لها شيء من محاسنها التي أمر اللّه بسترها، قلت: فكيف يصنع بها؟ قال: يغسل بطن كفيها، ثم يغسل وجهها، ثم يغسل ظهر كفيها»(6).

ص: 224


1- مستند الشيعة 16: 49.
2- وسائل الشيعة 2: 522.
3- الفقه 62: 208.
4- مستمسك العروة الوثقی 14: 27.
5- مستند الشيعة 16: 48.
6- وسائل الشيعة 2: 522.

ويرد على هذا الاستدلال إشكالات:

الإشكال الأول: إنه مبني على الملازمة بين التغسيل والنظر.

والظاهر أنّ الملازمة عرفية.

ومنه يظهر النظر فيما ذكره في فقه الصادق، حيث قال: «لم أفهم وجه دلالة تلك النصوص على هذا الحكم، فإنها على اختلاف مضامينها ليس فيها ما ينافي عدم النظر»(1).

وفيه: إنّ الوجه هو الملازمة العرفية الطبيعية.

الإشكال الثاني: ضعف سند هذه الأخبار، فمثلاً: الخبر الأوّل من الباب المذكور - وهو خبر المفضل بن عمر(2) - ضعيف بعبد الرحمن بن سالم، والخبر السادس(3) - وهو خبر أبي بصير - ضعيف بمحمد بن أسلم الجبلي، والخبر الثامن(4) - وهو خبر جابر - ضعيف بعمرو بن شمر.

وفيه: إنّ في الصحيح منها كفاية للدلالة على المقصود، ولو في الجملة، كخبر داود بن فرقد، وهو: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد(5)، عن علي بن النعمان، عن داود بن فرقد، قال: «مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم، هل يغسلونها وعليها ثيابها؟ فقال: إذا يدخل ذلك عليهم، ولكن يغسلون

ص: 225


1- فقه الصادق 21: 114.
2- وسائل الشيعة 2: 522.
3- وسائل الشيعة 2: 525.
4- وسائل الشيعة 2: 525.
5- إسناد الطوسي إلى الحسين بن سعيد صحيح، و الرواة ثقات.

كفيها»(1).

الإشكال الثالث: ما ذكره السيد الرجائي بقوله: «معارضته بالأخبار الصحيحة الدالة على أنها تدفن، ولا يغسل منها شيء»(2).

وفيه نظر؛ لأنّ الظاهر منها نفي وجوب الغُسل بالضم، لا نفي وجوب الغَسل بالفتح.

وبتقرير آخر: العموم أو الإطلاق في تلك الروايات قابل للتخصيص بروايات الباب، ففي الوسائل: «أنه سأله عن المرأة تموت في السفر، وليس معها ذو محرم ولا نساء، قال: تدفن كما هي بثيابها»(3).

وفي رواية أخرى: «سألته عن امرأة ماتت مع رجال، قال: تلف وتدفن ولا تغسل»(4)، فلا يصنع بها الأعمال التي تعمل للميت من التغسيل والتكفين والتحنيط، وهو لا ينافي غسل وجهها وكفيها لمكان التخصيص.

الإشكال الرابع: ما ذكره أيضاً من: «إنها متعارضة في أنفسها؛ لأن بعضها يدل على خصوص الكف، وبعضها يدل على الكف والجبهة التي هي موضع التيمم»(5).

وفيه: إنه لا تعارض؛ إذ يمكن الحمل على التخيير أو التقييد، فإحدى

ص: 226


1- وسائل الشيعة 2: 523.
2- المسائل الفقهية: 90.
3- وسائل الشيعة 2: 520.
4- وسائل الشيعة 2: 521.
5- المسائل الفقهية: 91.

الروايات توجب غسل الكف والأخرى كفيها, وثالثة بطن الكف والوجه وظهر الكف، ورابعة موضع الوضوء.

والظاهر: إنه لم يقل أحد بالوجوب، مع أنّ الصحيح منها لا معارض له.

الإشكال الخامس: إنها واردة في مورد خاص، واحتمال الخصوصية - كالضرورة - في نظر الشارع موجود، ولا دليل على تعدية الحكم إلى غير مورده. فلا يدل جواز كشف الوجه والكفين في حال الموت على ذلك في حال الحياة، فهو قياس.

وأمّا الرواية التي قد يستشعر منها العموم(1) فضعيفة(2).

الإشكال السادس: ما ذكره في المهذب، قال: «إنه لم يعمل به في مورده، فكيف يتعدى إلى غيره؟ ونسبه بعض الفقهاء إلى الشذوذ، كما في الجواهر»(3).

وفيه نظر؛ إذ لم يثبت الإعراض. قال في الوسائل: «فلذلك حملوا هذه الأحاديث على الاستحباب، ذكره الشيخ وغيره»(4).

وأمّا ما نقله السيد السبزواري عن الجواهر فلم أجده، بل قال صاحب الجواهر: «نعم، قد يقال باستحباب غسل مواضع التيمم منها مع عدم اللمس؛

ص: 227


1- الكافي 3: 159. «... يغسل منها ما أوجب اللّه عليه التيمم، ولا تمس ولا يكشف لها شيء من محاسنها التي أمر اللّه بسترها» فهذا الخبر مشعر بأن الوجه والكفين لم يأمر اللّه بسترهما.
2- بعبد الرحمن بن سالم.
3- مهذب الأحكام 5: 236.
4- وسائل الشيعة 2: 526.

لما رواه المفضل.... وعن المبسوط والنهاية والتهذيب جواز العمل به.... وقال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر هذه الأخبار: إنّ الوجه فيها أن تحمل على ضرب من الاستحباب، انتهى. قلت: ولعل الأحوط دفنها مع عدم فعل شيء من ذلك بها»(1).

هذا ما وجدته في الجواهر، أما قوله: «مهجور وشاذ» فلم أجده.

لا يقال: الإشكال المذكور غير تام حتى وإن ثبت الإعراض؛ لأنّ للرواية مدلولين: مطابقي، وهو جواز الكشف بعد الموت، والتزامي، وهو جوازه قبل الموت، وقد أعرض عن الأول دون الثاني، فالإعراض عن مؤدى واحد، وهو منطوق الرواية لا مفهومها.

فإنه يقال: الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية، فإن سقطت الثانية سقطت الأولى، فليس عقلائياً إسقاط الرواية في موردها ثم الحكم بها في مورد آخر، فإن ذلك لا يخلو من غرابة.

الدليل الثامن عشر: صحيحة أبي حمزة الثمالي

وهي ما رواه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر أو جراح في مكان لا يصلح النظر إليه، ويكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له النظر إليها؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت»(2).

ص: 228


1- جواهر الكلام 4: 69-70.
2- الكافي 5: 534؛ وسائل الشيعة 20: 233.

قال الشيخ الأنصاري: «فيه دلالة - من حيث التقرير - على جواز النظر إلى المرأة في الجملة، وليس إلا الوجه والكفين للإجماع على المنع في غيرها»(1).

وقال في المستمسك: «إن الرواية كالصريحة في أن من جسد المرأة ما يصلح النظر إليه وما لا يصلح»(2).

وقال في الفقه: «يفهم منه الفرق بين أجزاء جسم المرأة».

وقال في مباني المنهاج: «يستفاد أن النظر إلى بعض مواضع جسد المرأة جائز»(3).

وفي فقه الصادق استفادة الجواز أيضاً(4).

والحاصل استفاد هؤلاء الأعلام - بعنوان الدليل أو المؤيد - من كلمة: «لا يصلح النظر إليه» أنّ بدن المرأة بعضه يصلح النظر إليه وبعضه لا يصلح، والقدر المتيقن منه الوجه والكفان.

ويرد عليه:

أولاً: يمكن أن يكون المراد أنه لا يصلح النظر إليه لا من الرجال ولا من النساء - أي: العورة - لا أنه لا يصلح النظر إليه من الرجال، فلا يدل على المدعى، ويدل على ذلك إطلاق كلمة: (لا يصلح النظر إليه)؛ إذ لم يقيد

ص: 229


1- كتاب النكاح: 57.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 27.
3- مباني منهاج الصالحين 9: 572.
4- فقه الصادق 21: 114.

بكون النظر من الرجل، وحذف المتعلق يفيد العموم، بل يكفي احتمال ذلك، فإن تطرق الاحتمال مبطل للاستدلال.

وثانياً: إنّ جملة (لا يصلح النظر إليه) لم ترد في كلام الإمام (عليه السلام) ، بل في كلام السائل، وحيث لم يكن الإمام (عليه السلام) في مقام بيان ذلك الحكم، بل في مقام بيان حكم آخر - وهو حكم المعالجة مع الاضطرار - لم يدل السكوت على التقرير.

إلا أن يقال: إن عدم ردع الإمام (عليه السلام) عما يرد في كلام السائل - ولو كان مقصوداً بالتبع - دليل التقرير؛ إذ كان السكوت معرضاً لتفويت غرض المولى، ووقوع المكلف في التورط في مخالفة الحكم الواقعي، كما هو كذلك في المقام، والإمام (عليه السلام) حافظ للأغراض المولوية، فيجب عليه ردعه.

أو يقال: إنّ جلالة الراوي تمنع عن خطئه في فهم هذا الحكم، فقد قال النجاشي في حقه: «وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه»(1).

وقال ابن شهر آشوب: كان من خواص أصحاب الصادق (عليه السلام) (2)، وقد كان من أصحاب الإمام الحسن والإمام الحسين والإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهم السلام) .

ص: 230


1- رجال النجاشي: 115.
2- مناقب آل أبي طالب 3: 400.

وثالثاً: إن جملة: (لا يصلح النظر إليه) جملة وصفية، وقد قرر في محله(1) أنّ الوصف لا مفهوم له، فلا يتعين أن يكون الإتيان بهذا الوصف للاحتراز عما يحل النظر إليه، بل قد يكون مسوقاً لغرض آخر، كما هو الشأن في جميع الجمل الوصفية، وكأنه ذكر الوصف لبيان الحكم الأولي للنظر توطئة للسؤال عن الحكم الثانوي، فكأنه قيل: إنّ النظر إلى المحل وإن كان حراماً بالعنوان الأولي، لكن هل يحل بطرو العنوان الثانوي أو لا؟ فتأمل.

ونظيره سائر الجمل الوصفية، كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم}(2)، حيث لا يشترط في حرمتها أن تكون في الحجر، وإنما أتي بالوصف لغرض آخر، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ}(3) حيث لا يجوز القتل حتى مع عدم الإملاق، فالقاعدة العامة مع الشك في الظهور أنه لا مفهوم للجملة الوصفية، أي: لا تدل على التنويع.

الدليل التاسع عشر: النصوص المتعرضة لستر الشعر عن الغلام إذا احتلم

فإنها تدل على عدم لزوم ستر الوجه وجواز نظره إليه.

كصحيحة البزنطي، وهي: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر(4)، عن الرضا (عليه السلام) قال: «يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين، ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم»(5).

ص: 231


1- هداية المسترشدين 2: 469؛ كفاية الأصول: 206.
2- النساء: 23.
3- الأنعام: 151.
4- إسناد الشيخ الصدوق إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر صحيح.
5- من لا يحضره الفقيه 3: 436؛ وسائل الشيعة 20: 229.

دل بمفهوم الغاية على أنه لو احتلم غطت منه شعرها، وحيث خصص الشعر بالذكر دل على عدم وجوب تغطية الوجه، وإلا كان أولى بالذكر، واحتمال كونه كناية عن الرأس كله خلاف الظاهر.

هذا، ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الرواية يتوقف على قبول الملازمة، وقد سبق الكلام فيها.

لا يقال: ربما كان نظر الرواية إلى الغلام قبل الاحتلام لا بعده، وكان جواز النظر إلى الوجه مفروغاً منه، ويكون الحكم لبيان جواز كشف الشعر للغلام، فلا يكون له مفهوم ليدل على حكم الوجه بعد الاحتلام. نعم، لو كانت الرواية هكذا: (إذا احتلم الغلام غطت المرأة شعرها منه) لكان المجال للاستدلال المذكور بأن يقال: لماذا ذكر الشعر ولم يذكر الوجه؟

فإنه يقال: الظاهر أنّ للإشكال وجهاً لولا ما يأتي من الروايات الكثيرة حول الشعر، مما يكون كل التركيز فيها عليه، ولعلّ بملاحظة المجموع يتم الاستدلال أو الإشعار.

وأورد على الاستدلال بهذه الرواية بإيرادين:

الإيراد الأول: ما في المسائل الفقهية: «أنه يحتمل أن يكون الشعر كالصدر والظهر مما يجب ستره، بحيث لا يبدو أصلاً لا قصداً ولا بغير قصد، لحاجة ولا لغير حاجة، بخلاف الوجه، فإنه يجب ستره لكن ربما يبدو بلا قصد أو لحاجة»(1).

وفيه: إنه خلاف الظاهر، والحاجة كما تسوغ كشف الوجه تسوغ كشف

ص: 232


1- المسائل الفقهية: 36.

الشعر أيضاً، والفرق بين الوجه وغيره في عدم لزوم التحفظ عن النظر الاتفاقي بالنسبة إلى الوجه، بخلاف سائر البدن، خلاف ظهور الأدلة في الفعلية لا المعرضية، فمعنى تغطي فعلية التغطية، ومعنى لا تغطي عدم فعلية التغطية، وليس المدلول المعرضية وعدم المعرضية.

والحاصل: إنه لا وجه للفرق بين الوجه والشعر، فمع الضرورة جاز كشفهما وإلا فلا، فلماذا خصص الشعر؟

الإيراد الثاني: ما في المسائل الفقهية أيضاً: «لو سلم فلا يدل على جواز كشف تمام الوجه، بل يدل على عدم وجوب تغطية تمام الوجه، ولعله ما عدا العين، كما دل بعض الأخبار على جواز إظهار الكحل»(1).

وفيه: إن التفصيل بجواز كشف بعض الوجه دون بعض خلاف الإجماع المركب، وبعبارة أخرى: الفقهاء لم يفهموا التفصيل من الروايات، بل فهموا الجواز المطلق أو الحرمة المطلقة، فتأمل.

مع أنه لو سلم فالدليل يثبت المقصود في الجملة.

لا يقال: أصل الاستدلال محل نظر، فإنّ إثبات شيء لا ينفي ما عداه، فلو قال: إذا بلغ الصبي وجبت عليه الصلاة، فهل يعني ذلك عدم وجوب الصوم؟

فإنه يقال: الوجه أولى بالذكر، فلو قال للسافرة: غطي شعرك، كان مثار التساؤل، لماذا لم يذكر الوجه؟

لا يقال: ربما كان هنالك علة في عدم ذكر الوجه، كعدم القبول أو

ص: 233


1- المسائل الفقهية: 36.

التدرج في بيان الحكم.

فإنه يقال: يلزم النهي عن المنكر ببيان الحكم.

الدليل العشرون: الروايات الدالة على النظر لشعر المرأة جوازاً ومنعاً

ما يستفاد من الروايات الواردة في الموارد المختلفة حول النظر إلى شعر المرأة جوازاً أو منعاً، الدال على مفروغية جواز النظر إلى الوجه.

وهذا الاستدلال لا يتوقف على قبول الملازمة؛ لأنه يدل على جواز النظر بالدلالة المطابقية، بخلاف الدليل السابق، فإنّ الاستدلال به يتوقف على قبول الملازمة. وهذه الروايات هي:

الرواية الأولى: صحيحة البزنطي كما في قرب الإسناد: أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل، أيحل له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته، فقال: لا، إلا أن تكون من القواعد، قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: نعم»(1).

الرواية الثانية: موثقة عباد بن صهيب، قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: لا بأس بالنظر إلى شعور نساء أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج»(2).

الرواية الثالثة: ما في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن إسحاق(3): «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) ، قلت: يكون

ص: 234


1- قرب الإسناد: 363؛ وسائل الشيعة 20: 199؛ جامع أحاديث الشيعة 20: 284.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 469.
3- محمد بن إسحاق مشترك، بعضهم ثقات وبعضهم مجاهيل، لكن يمكن توثيقه بأنه شيخ ابن أبي عمير على المبنى، فتكون الرواية معتبرة.

للرجل الخصي يدخل على نسائه فيناولهن الوضوء(1) فيرى شعورهن؟ قال: لا»(2).

الرواية الرابعة(3): ما في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : المملوك يرى شعر مولاته وساقها؟ قال: لا بأس»(4).

فالسؤال عن الشعر دون الوجه دال على مفروغية جواز النظر إلى الوجه، وغالب الظن أنه لو تتبع شخص لوجد في الروايات السؤال عن الشعر كثيراً.

لا يقال: قد يختلف الأمر بين الخصي وغيره.

فإنه يقال: الاحتمال وارد، لكن لم نعهد مَن يقول بالتفصيل بين المملوك وغيره، فلا بد من التتبع.

وأجاب عنه في المسائل الفقهية نظير الجواب المتقدم: «وأمّا كون المركوز في أذهان السائلين جواز النظر إلى الوجه والكفين أو المفروغية عنه، فلعله من أجل أن كشف بعض الوجه كالعين وبعض اليد كالخاتم مطلقاً، أو في بعض الأحيان، كحال الضرورة كان جائزاً، بخلاف الشعر وسائر مواضع البدن، فإنّ لزوم سترها في جميع الحالات ثابت عندهم، وهو

ص: 235


1- الظاهر أن الوضوء بالفتح آلة الوضوء، وبالضم أي: الماء والإبريق، كسحور آلة السحور، وطهور آلة التطهر.
2- الكافي 5: 532.
3- هذه الرواية صحيحة أو حسنة بإبراهيم بن هاشم.
4- الكافي 5: 531؛ وسائل الشيعة 20: 223.

المركوز في أذهانهم والمفروغ عنه عندهم، فلذا سألوا عن إبدائها لبعض الأشخاص(1).

ويظهر التأمل فيه مما مضى.

الدليل الحادي والعشرون: جواز سماع صوت الأجنبية

ما ذكره الشيخ الأعظم من الأخبار الدالة على جواز سماع صوت المرأة الأجنبية(2).

وفيه: إنه لا ملازمة بين جواز السماع وجواز النظر، قال تعالى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}(3).

نعم، تجويز سماع صوت امرأة مكشوفة الوجه ومحادثتها قد يلازم جواز النظر إلى وجهها عرفاً؛ إذ محادثة شخص ملازمة عادة للنظر إليه، فتجويزها ملازم لتجويزه. وعليه، فلا بد من تتميم الدليل بادعاء جريان السيرة على كشف الوجه. لكن مع فرض ثبوت السيرة تكون دليلاً قائماً بنفسه بدون حاجة إلى ضم هذه الضميمة.

والخلاصة: إنه لو فرض جريان السيرة على كشف الوجه لم يحتج الاستدلال إلى ضم تجويز سماع صوتها، ومع عدم ثبوت ذلك لا ينفع التجويز المزبور في إثبات جواز كشف الوجه، فتأمل.

لا يقال: إن ضم السيرة على كشف الوجه ينفع لمن لا يسلم بالملازمة

ص: 236


1- المسائل الفقهية: 90.
2- كتاب النكاح: 48.
3- الأحزاب: 53.

بين جواز الكشف وجواز النظر، فبالسيرة يثبت الكشف للوجه، وبدليل جواز سماع صوت الأجنبية يثبت جواز النظر إلى الوجه بالملازمة بينه وبين النظر.

فإنه يقال: مَن ينكر الملازمة في المقام الأول ينكرها في المقام الثاني أيضاً، إلا أن يقال: إنّه مؤكد للملازمة العرفية، أو يقال: إنّ الملازمة هنا أوضح من الملازمة هناك، وإلا فالدعوى المذكورة بمفردها غير وافية.

الدليل الثاني والعشرون: الأخبار الدالة على كراهة القنازع

ما ذكره الشيخ أيضاً، حيث قال عند مناقشة أدلة منع النظر: «ومنها: ما دل على كراهة القنازع والقصة، ونقش الراحة بالخضاب للمرأة، وأن نساء بني إسرائيل هلكن بهذه؛ إذ لو وجب ستر الوجه والكفين كغيرها لم يكره تزيينها - كما لا يكره تزيين غيرها - كيف شاءت»(1).

ويرد عليه:

أولاً: ما قيل من ضعف السند في هذه الروايات(2)، وإن كان بحاجة إلى تتبع أكثر، وما عثرنا عليه فيه نوع إشكال. وهذه الأخبار هي:

الخبر الأول: علي بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) نهى عن القنازع(3)

ص: 237


1- كتاب النكاح: 49.
2- كتاب الصلاة 2: 57.
3- القنزعة - بضم القاف والزاي وسكون النون - : واحدة القنازع، وهي أن يحلق الرأس إلا قليلاً ويترك وسط الرأس. مجمع البحرين 4: 379.

والقصص(1) ونقش الخضاب على الراحة، وقال: إنما هلكت نساء بني إسرائيل من قبل القصص ونقش الخضاب»(2).

وقد قال العلامة المجلسي: «ضعيف على المشهور»(3).

والظاهر أنّ الإشكال من جهة النوفلي، ففي وثاقته كلام بحثناه في موضع آخر(4)، وقد جمع بعض القرائن الدالة على وثاقته(5).

الخبر الثاني: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد(6)، عن محمد بن الحسن بن شمون(7)، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن(8)، عن مسمع(9)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لا تحل لامرأة حاضت(10) أن تتخذ قصة أو جمة(11)»(12).

إن قلت: أدلة التسامح تثبت الكراهة، وكراهته تدل على جواز كشف اليد.

ص: 238


1- جمع قصة - بالضم - : شعر الناصية يزين بنوعية خاصة.
2- الكافي 5: 519.
3- مرآة العقول 20: 338.
4- راجع: الصفحة 48-52.
5- الفوائد الرجالية 2: 124؛ الرسائل الرجالية 4: 401؛ معجم رجال الحديث 7: 122.
6- سهل بن زياد، محل كلام شديد.
7- محمد بن الحسن بن شمون، ضعيف جداً.
8- عبد اللّه بن عبد الرحمن، ضعيف.
9- مسمع، ثقة.
10- ولعلّ الحيض كناية عن البلوغ، فيدل على أنه لا بأس للصبية في ذلك.
11- الجمة - بالضم - : مجتمع شعر الرأس.
12- الكافي 5: 520.

قلنا: إنما تثبت الكراهة بالعنوان الثانوي، وهو عنوان البلوغ، ولا تثبت صدور الخبر عن المعصوم كي يقال: إنه بدلالة الاقتضاء يدل على عدم وجوب ستر الوجه والكفين، والأمر بحاجة إلى تتبع أكثر.

وثانياً: إن ظاهر النصوص الواردة كون المبغوضية ذاتية، لا طريقية، أي: كونه مبغوضاً من حيث رؤية الأجنبي مع إمكان النقض بالقنازع والقصة، فإنه لو كان النهي طريقياً لزم جواز كشف الشعر، وهو خلاف الإجماع، فتأمل.

لا يقال: الرواية بذاتها تدل على الجواز لولا الإجماع.

فإنه يقال: يلزم كون بعض الرواية طريقياً وبعضه موضوعياً، وهو خلاف الظاهر.

وثالثاً: لا مانع من وجود نهيين عرضيين، النهي عن أصل إبداء الشيء، والنهي عن تزيينه، كي لا يكون سبباً للهلكة عند إبدائه عمداً أو اتفاقاً، فلا يدل النهي عن التزيين على انتفاء النهي عن الإبداء، فتأمل.

الدليل الثالث والعشرون: السيرة قائمة على عدم ستر الوجه

قال العلامة (رحمه اللّه) في المختلف في الاستدلال على عدم وجوب ستر الوجه في الصلاة: «ولأنّ الوجه لا يجب ستره بإجماع علماء الإسلام، وكذا الكفان عندنا؛ لأنهما ليسا بعورة؛ إذ الغالب كشفهما دائماً؛ لأنّ الحاجة داعية إلى ذلك للأخذ والعطاء وقضاء المهام وكذا الرجلان، بل كشفهما أغلب في العادة»(1).

ومراده كما أنّ الوجه والكفين ليسا بعورة في غير الصلاة، كذلك لا

ص: 239


1- مختلف الشيعة 2: 98.

يكونان عورة في الصلاة، حيث لا فرق بينهما بين العورة الصلاتية وغير الصلاتية.

وقال في المسالك في ضمن نقل أدلة المجوزين: «لإطباق الناس في كل عصر على خروج النساء على وجه يحصل منه بدو ذلك(1) من غير نكير»(2).

كما نقل ذلك ضمن أدلة المجوزين صاحب الحدائق(3).

ولعل ظاهر نقلهما من غير رد التقرير.

الإشكالات على الدليل الثالث والعشرين

وقد يورد على ذلك بإشكالات:

الإشكال الأول: السيرة معارضة بمثلها

ما في الجواهر قال: «والسيرة والطريقة معارضة بمثلها من المتدينات والمتدينين في جميع الأعصار والأمصار»(4)، فهن لا يتكشفن وهم لا ينظرون.

وقال في المهذب: «إن سيرة المتشرعات على الخلاف. نعم، من لا تبالي منهن بالدين تكشف عن غير الوجه، فضلاً عن الوجه... والسيرة العملية بين المتدينين والمتدينات بترك النظر»(5).

ص: 240


1- أي: الوجه والكفين.
2- مسالك الأفهام 7: 47.
3- الحدائق الناضرة 23: 53.
4- جواهر الكلام 29: 80.
5- مهذب الأحكام 5: 237.

أقول: إن كان المقصود جريان سيرة جملة من المتشرعة على الستر لا جميعهم، ففيه: أنه لا ينفي وجود سيرة أخرى إلى جانبها، والفعل لا يدل على الوجوب، غاية الأمر دلالته على الرجحان، بينما ترك الستر يدل على الجواز.

وإن كان المقصود جريان سيرة جميع المتشرعة على الستر فالمظنون، بل المطمأن به خلافه.

ويدل عليه كلام المختلف والمسالك والحدائق؛ إذ لا يمكن جريان سيرة جميع المتشرعة على الستر، وادعاء غلبة الكشف أو إطباق الناس على الكشف.

ولعل المثبت للسيرة على الكشف وجدها في الجملة، والنافي لم يجدها، ولا شك في تقديم قول المثبت على قول النافي إن كان مرجع النفي إلى عدم العلم لا العلم بالعدم، إلا أنّ ذلك خلاف ظاهر كلام الجواهر والمهذب، فتأمل.

وقد يقرب جريان السيرة على الكشف بأننا نشاهد أن كثيراً من النساء - خصوصاً سكنة القرى والأرياف - لا يسترن وجوههن وأكفهن، ولا يخلو الأمر من أن يكون ذلك قديماً، أو حادثاً في العصور المتأخرة، والثاني غير ممكن؛ لأنه لو كان لبان، ولنقل ذلك في التواريخ ونحوها، فيتعين الأول.

قال في الفقه: «وأمّا السيرة فليست تامة بعد ما نرى من تعارف كشف الوجه عند نساء البوادي والأعراب وأمثالهن، وإنما اُعتيد ستره في المدن؛ لأنه نوع من النزاهة والتعفف، كما يعتاد عدم ظهور ملابس النساء، لا لأنه

ص: 241

حرام؛ بل لأجل ذلك»(1).

وقال في شرح العروة: «إن السيرة ممنوعة من أصلها، سيما في مثل القرى والقصبات والبلدان أيضاً، بل لعل السيرة في هذه الموارد قائمة على العكس كما لا يخفى. نعم، لا نضايق من تحققها بالإضافة إلى النساء المجللات في البلدان الكبار، وأمّا على سبيل العموم فكلا، فهي مختصة بطائفة من النساء في بعض البلاد.

على أنه يمكن منع السيرة هنا أيضاً، فإنّ المجللات أنما يتسترن عن الأجانب المحض دون الأقارب، وإن لم يكونوا محارم، كزوج الأخت أو أخ الزوج أو ابن العم ونحوهم ممن يسكنون في دار واحدة معها، فإنهن لا يتسترن غالباً عن مثل هؤلاء الأقارب، مع أنهم أجانب شرعيون، وإن لم يكونوا كذلك عرفاً، و من المعلوم عدم الفرق في وجوب الستر عن الأجنبي بين العرفي والشرعي، كما يفصح عنه الصحيح المتقدم الوارد في شعر أخت المرأة المتضمن أنها والغريبة سواء، فيظهر أن السيرة في موردها أنما هي لجهة أخرى لا للمنع الشرعي، وإلا كان مقتضاها عدم الفرق بين الموارد»(2).

لا يقال: تعارضت السيرتان فالحكم التساقط ولا حجية لأحدهما.

فإنه يقال: إذا فرض وجود سيرتين على الفعل والترك ثبت الجواز؛ لأنّ الفعل يدل على الجواز، بينما الترك لا يدل على الحرمة، كما لو رأينا بعض

ص: 242


1- الفقه 62: 212.
2- شرح العروة الوثقی 12: 72.

المتشرعة يبيعون معاطاة وبعضهم لا يبيعون.

لا يقال: إنّ السيرة أنما تكون حجة إذا كانت سيرة جميع المتشرعة.

فإنه يقال: لا يلزم في حجيتها أن تكون سيرة الجميع، بل يكفي في الحجية سيرة بعضهم إذا كانت جامعة لشروط الحجية، ولعل التارك تركه لأجل الاحتياط أو الأفضيلة.

لا يقال: لا إطلاق لما ذكر، فإنه لو كانت سيرة التاركين ناشئة عن رأيهم في الحرمة - أي: الإلزام بالترك بأن كانوا يلتزمون بستر الوجه عن إلزام - حصل التعارض بينهما.

فإنه يقال: سيأتي أنه لا يعلم كون منشئه كذلك.

والحاصل: منتهى الأمر أنّ صاحب الجواهر لم يرَ امرأة متدينة متكشفة، بينما العلامة وصاحب الحدائق والمسالك يدعون نقلاً - إنشاءً أو تقريراً - أن هنالك نساء متدينات لا يسترن وجوههن.

ثم إنه قد يستشهد للسيرة المدعاة على الكشف بشواهد من الأخبار الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) .

منها: ما ورد من النهي عن النظر إلى النساء(1)، والنهي عن النظرة الثانية(2)، فإنّ هذه الأخبار تكون بلا موضوع لو كانت النساء سافرات.

ص: 243


1- الكافي 5: 559. «النظر سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة».
2- من لا يحضره الفقيه 3: 474. «أول النظرة لك، والثانية عليك ولا لك، والثالثة فيها الهلاك».

ومنها: ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كره السلام على الشابة(1)، وهو يدل على أنّ النساء كن كاشفات الوجوه، وبذلك تتميز الشابة عن غيرها.

ومنها: رواية نظر الفضل إلى المرأة الخثعمية، وقد رواها في التذكرة(2)، ومنها غير ذلك.

وفيه: إن الكلام في جريان سيرة المتدينين لا جريان السيرة مطلقاً، وما تثبته هذه الروايات حصول الكشف إجمالاً، لا صدوره من المتدينين، فتأمل.

ويحتمل كون المراد النظر للإماء أو أهل الذمة أو القواعد، أو اللواتي إذا نهين لا ينتهين، أو عند اتفاق كشف الوجه، أو في حالة الإحرام، أو النظر إليهن من وراء الثياب، لكنه لا يخلو من بعد، فتأمل.

وتمييز الشابة عن غيرها يمكن بالصوت أو القوام أو نحو ذلك، أو لظهور الوجه عصياناً، فتأمل.

فتحصل من جميع ذلك أنه لم يثبت قيام سيرة المتشرعة على الستر، بل ربما يقال: إنّ الثابت خلاف ذلك.

ومن جميع ما تقدم يظهر النظر فيما ذكره في المسائل الفقهية، حيث قال: «والمنكر لهذه السيرة(3) يقول: إنّ النساء في بعض البلاد العربية وغيرها في عصرنا يخرجن ساترات البدن من جميع جوانبه من الوجه وغيره، حتى

ص: 244


1- الكافي 2: 648.
2- تذكرة الفقهاء (الطبعة الحجرية) 2: 537.
3- السيرة على كشف الوجه.

إنّ بعضهن يلبسن الفقازين، فيسأل عن أن هذه الكيفية منذ متى بدأت؟ وفي أي زمان حدثت؟ ومن أحدثها؟ وهل يمكن لأحد أن يدعي أنها حدثت في الأزمنة الأخيرة التي تسربت فيها آداب الكفار وأعرافهم إلى البلاد الإسلامية أو أنها كانت من سابق الزمان؟»(1).

والحاصل: إنّ هذه الكيفية التي نجدها من التحجب الكامل لا يعقل أن تكون جديدة، وإنما هي قديمة وممتدة إلى عصر المعصومين (عليهم السلام) .

وفيه: إنّ ذلك لا ينفي وجود سيرة أخرى على الكشف إلى جانب السيرة على الستر، وقد مضى أنّ الفعل لا يدل على الوجوب، بينما الترك يدل على الجواز.

وهناك جواب آخر عن دعوى السيرة على ستر الوجه، وهو ما ذكره الشهيد الثاني في المسالك، حيث أجاب عن ادعاء اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، فقال: «ودعوى اتفاق المسلمين عليه معارض بمثله، ولو تم لم يلزم منه تحريم هذا المقدار؛ لجواز استناد منعهن إلى المروة والغيرة، بل هو الأظهر، أو على جهة الأفضلية إذ لا شك فيها»(2)، فلا يعلم أن مستند المنع هو الحكم الشرعي، بل قد يكون لعوامل أخرى، كالغيرة مثلاً.

وفيه نظر؛ إذ يبعد اتفاق الكل على اختلاف مشاربهم وبلادهم وعاداتهم، والملابسات المكتنفة بهم على المنع لمجرد المروة أو الأفضلية، كما قد

ص: 245


1- المسائل الفقهية: 39.
2- مسالك الأفهام 7: 46.

يقال ذلك في إعفاء اللحية.

إلا أن يقال: إنّ ستر الوجه والكفين كان عادة مستحكمة في الشعوب، لا من مختصات المتشرعة بما هم متشرعة، فلعل استمرار الستر كان استمراراً لتلك العادات لا استناداً إلى الوجوب الشرعي.

هذا، ولكن ما نقله بعض التواريخ عن العرب ينافي ذلك؛ إذ يظهر منها أنّ ستر الوجه لم يكن متداولاً بينهم، فلو ثبتت سيرة على الستر لكانت مستندة إلى الوجوب الشرعي، فتأمل.

وعلى كلٍّ، فالأولى منع قيام سيرة المتشرعة على الستر كما سبق.

لا يقال: إنّ اتفاق الكل على اختلافهم لا يدل على الوجوب أو الحرمة؛ لاحتمال كون منشئه شيئاً آخر، كاتفاقهم على زيارة القبور، أو عدم الخروج بغير ملابس في الشوارع، أو عدم أكل الطعام الوسخ، مما يدل على تقيدهم بالنظافة، وإنما تقيدهم يدل على الرجحان.

فإنه يقال: الناس غير مقيدين بالرجحان، فلو ثبت أنهم لم يتقيدوا بشيء ثم تقيدوا به لإسلامهم دل على أن منشأه الإلزام الشرعي، وفي الأمثلة المذكورة نظر، فإنهم يخرجون مكشفين في البحر وشبهه، وأمّا النظافة فلا يتقيد بها كل المتشرعة.

والدليل المذكور من الأدلة التي يركن إليها في وجوب إعفاء اللحية، فكيف صارت سيرتهم جميعاً على التقيد بإعفاء اللحى، مع أنهم لم يكونوا مقيدين من قبل؟

لا يقال: يلزم القول بعدم حجية السيرة مطلقاً؛ لأنه يحتمل في كل سيرة

ص: 246

أن تكون استمراراً للعادة.

فإنه يقال: إذا كانت عادة مستحكمة في الشعوب نقول بذلك، وكذا إذا احتمل أن منشأها العادة، فإن السيرة أنما تكون حجة إذا كانت كاشفة عن البيان الشرعي كشفاً إنياً، وإلا فلا.

والحاصل: إنّ ما ذكره صاحب المسالك مشكل.

الإشكال الثاني: عدم اتصال السيرة بزمن المعصوم (عليه السلام)

إنه لم يعلم اتصال هذه السيرة بزمان المعصوم (عليه السلام) .

ويظهر الجواب مما تقدم. مع أنه قد يقال بحجية السيرة في حد نفسها، وإن لم يعلم اتصالها بزمان المعصوم (عليه السلام) .

والظاهر أنّ السيد العم (حفظه اللّه) يميل إلى هذا الرأي، كما صرح السيد الحكيم في بعض المواضع «لسيرة صلحاء النجف».

الإشكال الثالث: إنّ جواز الكشف لا يستلزم جواز النظر وفيه ما سبق من الملازمة الطبيعية بين الكشف والنظر، ولو كان حراماً لوجب التنبيه عليه.

الدليل الرابع والعشرون: النصوص الدالة على جواز وضع القواعد جلابيبهن وخمرهن

فإنّ ظاهرها المفروغية عن جواز كشف الوجه واليدين مطلقاً، وإنما الفرق بين القواعد وغيرهن جواز وضع الخمار للقواعد، المستلزم لكشف شعورهنّ، وأمّا جواز كشف الوجه والكفين فهو مشترك بينهن.

هذا، ولكن قد يقال: إنّ العناوين الواردة في النصوص المعتبرة(1) وضع

ص: 247


1- وسائل الشيعة 20: 202.

الثياب والجلباب والخمار، ولم يعلم كيفية لبسها، فلعلها كانت ساترة للوجه آنذاك.

فقد قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}(1).

وقد وردت عدة روايات في تفسيرها: ففي صحيحة محمد بن مسلم قال: «ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال: الجلباب»(2).

وفي صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «أنه قرأ ويضعن من ثيابهن، قال: الجلباب والخمار»(3).

ولا يعلم كيفية الثياب والجلباب والخمار قبل أن تضعها المرأة القاعدة؟ فهنالك غموض في تعريفها.

قال البعض: إن الجلباب غطاء يوضع على الرأس ويغطي الصدر أيضاً(4)، فهو أكبر من الخمار، فهل كان يغطي الوجه أم لا؟ و المفروض في الاستدلال أنه لا يغطي الوجه.

لكن ظاهر بعض العبارات أن الخمار غير ساتر للوجه.

قال في المصباح المنير: «الخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها»(5)، الا أنّ

ص: 248


1- النور: 60.
2- وسائل الشيعة 20: 202.
3- وسائل الشيعة 20: 203.
4- العين 6: 132؛ مجمع البحرين 2: 24.
5- المصباح المنير 1: 181.

العبارة مجملة فلا يعلم أنه يشمل الوجه أم لا.

وفي التبيان: «فالخمار: غطاء الرأس المنسبل على جبينها»(1)، وفيه أيضاً: «فالجلابيب جمع جلباب، وهو خمار المرأة وهي المقنعة تغطي جبينها ورأسها»(2)، وظاهرهما خروج الوجه.

وقال بعض المفسرين: الجلباب أكبر من الخمار(3)، وهو ما يراه السيد الوالد (رحمه اللّه) (4).

و قيل: «الجلباب: الملاحف تدنيها المرأة على وجهها»(5).

وفي المصباح المنير: «الجلباب: ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء، وقال ابن فارس: الجلباب: ما يغطى به من ثوب وغيره»(6).

وفي مفردات الراغب: «الجلابيب: القمص والخمر»(7).

وفي مقاييس اللغة: «الجلباب: وهو القميص»(8).

وفي المنجد: «الجلباب: القميص أو الثوب الواسع»(9).

ص: 249


1- التبيان 7: 430.
2- التبيان 8: 359.
3- زبدة التفاسير 5: 404.
4- الفقه 62: 235-236.
5- التبيان 8: 361.
6- المصباح المنير 1: 104.
7- المفردات: 95.
8- معجم مقاييس اللغة 1: 470.
9- المنجد: 96.

ويبدو أن للجلباب معنيين.

وفي صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) إشعار بأنّ الفرق بين القواعد وغيرهن في الشعر لا الوجه، قال: «سألته عن الرجل، يحل له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال: لا؟ إلا أن تكون من القواعد، قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: نعم، قلت: فما لي من النظر إليه منها؟، قال: شعرها وذراعها»(1)، وكأن الوجه مفروغ منه.

وعلى أي حال في الدليل المذكور نوع من الغموض للنهوض بالمدعى.

الدليل الخامس والعشرون: وجود العسر والحرج في اجتناب النظر

ما نقله في الجواهر، حيث قال: «... العسر والحرج في اجتناب ذلك(2) لمزاولتهن البيع والشراء وغيرهما»(3).

وأجاب عنه بقوله: «والعسر والحرج في مثل الأعراب الذين لا ينتهون إذا نهوا مرتفع بعدم وجوب الغض عنهم، وعدم البأس مع اتفاق وقوع النظر عليهم»(4).

وفيه نظر؛ لما سبق في المسألة الأولى من إعراض مشهور الفقهاء عن الخبر، وقد ذكر صاحب الجواهر ما نصّه: «يمكن كون المراد منه(5) عدم

ص: 250


1- وسائل الشيعة 20: 199.
2- أي النظر.
3- جواهر الكلام 29: 77.
4- جواهر الكلام 29: 80.
5- أي: من خبر عباد بن صهيب.

وجوب الغض، وعدم حرمة التردد في الأسواق من هذه الجهة»(1)، فظاهر كلامه أنه لم يعمل بالخبر، وإنما حمله على جواز الذهاب إلى الأسواق، وعدم وجوب غض البصر، فإذا وقع نظره عليهن وجب الغض.

ولعل الأولى أن يقال في الجواب: إن العسر وكذا الحرج شخصي ويتقدر بقدره.

توضيحه: إنّ العسر ليس من الأمور المتأصلة التي لا يختلف الحال فيها من شخص إلى شخص، ومن حالة إلى حالة، ومن زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، إلى غير ذلك، بل من الأمور الإضافية، وحيث إنّ ثبوت المحمول فرع ثبوت الموضوع يتوقف رفع العسر للحكم على ثبوته بالنسبة إلى شخص المكلف في الزمان المعين، والمكان المعين إلى آخره، فلا يمكن رفعه للحكم مطلقاً، وعليه فالدليل أخص من المدّعى.

هذا، مضافاً إلى أنّ رفع الحرج للحرمة محل إشكال.

لكن في الجواب الأخير تأملاً، وتفصيل الكلام في القواعد الفقهية.

الدليل السادس والعشرون: إجراء أصالة البراءة

أصالة البراءة أو استصحاب البراءة أو كلاهما معاً(2)، لو وصلت النوبة إلى الشك؛ إذ الجواز لا يحتاج إلى دليل بخلاف المنع.

وقد ذكر هذا الدليل المحقق النراقي والسيد الروحاني(3)، واعتمد عليه

ص: 251


1- جواهر الكلام 29: 69.
2- على الخلاف المبنوي في جريان أيهما.
3- مستند الشيعة 16: 50؛ فقه الصادق 21: 118.

لولا المرتكزات، والسيد الخوئي(1) والسيد القمّي(2).

لكن قال في المهذب: «... الأولى: في مقتضى الأصل: الظاهر أنّ مقتضاه عدم الجواز مطلقاً»(3).

لكن الظاهر أنه أراد معنى آخر، وهو القاعدة المستفادة من الآيات الكريمة والأخبار الشريفة ومرتكزات المتشرعة.

هذا تمام الكلام في أدلة القول بالجواز.

القول الثاني: حرمة النظر مطلقاً
اشارة

القول الثاني: حرمة النظر مطلقاً(4)

وقد استدل عليه أو يمكن الاستدلال له بأدلة، وهي:

الدليل الأول: آية الغض
اشارة

وهي قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(5).

الإشكالات على الدليل الأول

ويرد على الاستدلال بالآية الكريمة عدة إشكالات:

الإشكال الأول: اختصاص الآية بالنظر إلى العورة

إنّ الآية الكريمة مختصة بالنظر إلى العورة، فلا تشمل النظر إلى الوجه والكفين.

ص: 252


1- شرح العروة الوثقی 32: 46.
2- مباني منهاج الصالحين 9: 576.
3- مهذب الأحكام 24: 40.
4- مقابل التفصيل بين النظرة الأولى والثانية.
5- النور: 30.

ويرد عليه: إنه تقييد بلا دليل. إلا أن يقال: إنه القدر المتيقن.

وفيه نظر: لأنّ القدر المتيقن الخارجي لا يقدح في ثبوت الإطلاق.

نعم، قد يتمسك للتقييد ببعض الروايات الواردة في المقام، لكن الظاهر أنها محل إشكال سنداً أو دلالة.

منها: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث طويل: ... «وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم اللّه عليه، وأن يعرض عما نهى اللّه عنه مما لا يحل له وهو عمله، وهو من الإيمان، قال اللّه تبارك وتعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم، وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه أن ينظر إليه، وقال: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها، وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها، وقال: كل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا هذه الآية فإنها من النظر»(1).

وقد يشكل عليه بأنه تفريع لا تفسير، أي: تفريع الجزئي على الكلي، لا أنه تفسير لتمام المدلول المطابقي للآية، كقولك: (قال اللّه تعالى: لا يغتب بعضكم بعضاً، فلا تغتب العلماء) فليس ذلك تفسيراً، فإن الآية لها معنى أعم، بل المراد ذكر المصداق، وإنما الاستدلال بما هو أعم يشمل المصداق وغيره.

وإن أبيت إلا عن أن الظاهر هو التفسير المطابقي، فنعود إلى الإشكال السندي، فالرواية مروية في الكافي بهذا السند: «عن علي بن إبراهيم، عن

ص: 253


1- الكافي 2: 33-35؛ وسائل الشيعة 15: 164؛ البرهان 2: 873.

أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد(1)، قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري»(2). فإنّ بكر بن صالح مجهول أو ضعيف، وأمّا أبو عمرو الزبيري فتوثيقه مبتنٍ على وروده في تفسير القمي، والمبنى غير مرضي في المشايخ غير المباشرين، فالرواية ضعيفة.

ومنها: علي بن إبراهيم قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا، إلا هذه الآية، فإنها من النظر»(3).

وهي صحيحة على المختار أو حسنة، ولكن الظاهر أنها لا ترتبط بالمدّعى، حيث إنها ناظرة إلى المقطع الثاني، أي: (يحفظوا فروجهم) لا الأول.

وأجاب في المهذب: بندرة وقوعه غالباً من الأجانب، ولا وجه لحمل الإطلاق على خصوص الفرد النادر(4).

ولعل مراده أنه يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن، فتأمل.

الإشكال الثاني: عدم إرادة المعنى الحقيقي للغض

ما ذكره السيد الخوئي، حيث قال: «... فحيث إن المراد بالغض ليس معناه الحقيقي يقيناً؛ إذ لا يجب على الرجل أن يطبق جفنه، كما لا يجب

ص: 254


1- القاسم بن بريد، ثقة.
2- الكافي 2: 33.
3- تفسير القمي 2: 101؛ بحار الأنوار 101: 33.
4- مهذب الأحكام 24: 40.

على المرأة أن تطبق جفنها جزما، وإرادة ترك النظر باعتبار أنه ملازم له عناية تحتاج إلى الدليل وهو مفقود، بل هو استعمال غريب لم يعثر عليه مطلقاً، تعين أن يكون المراد صرف النظر عن غير الزوجة والمملوكة، وفرضها كالعدم، وهو استعمال شائع عرفاً»(1) إلى آخر كلامه.

ولمزيد التوضيح قال في موضع آخر: «بعد امتناع حمل الغض على معناه المطابقي، وهو إطباق الجفنين وغمض العينين؛ لعدم وجوب ذلك بالضرورة، يدور ذلك الأمر بين كونه كناية عن أحد معنيين: إما المنع عن إيقاع النظر على المرأة، بأن يصرف نظره عنها، فينظر إلى الفوق أو التحت من السماء أو الأرض أو أحد الجانبين، وإمّا إرادة الإعراض عنها وعدم الدنو منها، بأن لا يعقبها ولا يتصدى لمقدمات الوقوع في الحرام وهو الزنا، فيكف بصره عنها بتاتاً»(2).

وذلك مثل قولك: (فلان لا ينظر إلى الدنيا) وفي الحديث: إنّ اللّه سبحانه لم ينظر إلى الدنيا منذ خلقها(3)، فليس المعنى عدم النظر، بل عدم الطمع أو عدم الاهتمام.

ويرد عليه:

أولاً: إنّ الغض ليس بمعنى الغمض - فكل ما ذكر مبني على أن الغض بمعنى الغمض، فيأتي الكلام أنه غير واجب، فلا بد من أن يكون الغمض

ص: 255


1- شرح العروة الوثقی 32: 26.
2- شرح العروة الوثقی 12: 69.
3- بحار الأنوار 70: 108.

كناية عن ترك النظر أو عدم الطمع، فمبنى الكلام فيه إشكال - بل بمعنى النقصان قال: تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}(1)، أي: التقليل والتنقيص.

قال في المفردات: «الغض: النقصان من الطرف والصوت»(2).

وفي صحاح اللغة: «غض طرفه، أي خفضه»(3).

وفي مجمع البيان: «أصل الغض النقصان»(4).

فلو مرّت امرأة من بعد خمسة أمتار، فتارة ينظر إليها، فيذهب شعاع نوره إلى خمسة أمتار، وتارة ينظر إلى بعد مترين، فلا يكون نظره إليها، وهذا هو الغض، وليس الأمر بالغمض حتى لا يرى شيئاً، فيسقط أو يصطدم.

فالآية تأمر بالغض لا بإطباق الجفنين، واللّه العالم.

وثانياً: سلمنا بالمبنى، وأنّ الغض بمعنى إطباق الجفنين، لكن إرادة ترك النظر من غمض النظر أقرب من إرادة صرف النظر منه، وكأن هذا المعنى لا يأتي في الذهن.

فلو مرّ شخص فقلنا له: (أغمض عينك) كان معناه لا تنظر، لا أنه أطبق جفنيك؛ ولذا لو نظر إلى خلفه كان ممتثلاً.

وحسبما أتذكر لم أرَ أحداً من المفسرين فسرها بالمعنى المذكور.

ويؤيد ما ذكرناه - من أنّ المراد ترك النظر لا صرف النظر - ويدلُّ عليه:

ص: 256


1- لقمان: 19.
2- المفردات في غريب القرآن: 361.
3- الصحاح 3: 1095.
4- مجمع البيان 7: 240.

ما رواه في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان، فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه، فلما مضت المرأة فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره، فقال: واللّه لآتين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولأخبرنه، قال: فأتاه، فلما رآه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: ما هذا؟ فأخبره، فهبط جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}»(1).

وأجاب عنه السيد الخوئي، فقال: «ولكن الظاهر أن الأمر ليس كذلك، فإنّ موردها هو صورة التلذذ والاستمتاع بالنظر إليها، وهي مشمولة للآية الكريمة بلا إشكال، إلا أنها أجنبية عما نحن فيه، حيث إن كلامنا في النظر المجرد عن التلذذ لا مطلقا»(2).

وفيه: إنّ العنوان المذكور في الرواية النظر، لا النظر الشهوي كي يخصص معنى الغض في الآية الكريمة، فتأمّل.

وقد سبق بعض الكلام في ذلك فراجع(3).

ص: 257


1- الكافي 5: 521؛ وسائل الشيعة 20: 192.
2- شرح العروة الوثقی 32: 39.
3- المسألة الثانية، في الدليل الثامن. راجع: الصفحة 69.

أما السند فهو تام على ما يراه السيد الخوئي، فالرواية عنده معتبرة(1)، إلا أنّ هنالك كلاماً في سعد الإسكاف، فقد قال النجاشي عنه: «يعرف وينكر»(2)، ومراده مجهول، فأصبح محل النقاش، وقال الشيخ: «صحيح الحديث»(3).

الإشكال الثالث: الغض في الآية إرشاد إلى ترك النظر إلى ما ثبتت حرمته

وهو ما ذكره السيد الخوئي، حيث قال: «مع الغض عما ذكر وتسليم ظهور الآية المباركة في المنع عن النظر، فلا ريب في عدم إمكان الأخذ بإطلاقه؛ لجواز النظر إلى كثير من الموجودات من السماء والأرض والشجر والحجر، والمدر وسائر الأجسام، وتخصيصها بها بحيث لا يبقى تحت الإطلاق إلا الأجنبية يوجب تخصيص الأكثر القبيح، الذي هو من مستهجن الكلام جداً، سيما في المقام الذي لا يبقى تحت العام إلا فرد واحد، فإنّ مثل هذا الكلام لا يكاد يصدر عن الفرد العادي، فما ظنك بالقرآن المعجز، فلا بد وأن يكون المراد بالآية المباركة غض البصر عما حرّمه اللّه، فيتوقف ذلك على إثبات الحرمة من الخارج، والقدر الثابت ما عدا الوجه والكفين من الأجنبية، فلا يمكن الاستدلال بالآية لتحريم النظر إليها منها.

وبالجملة الأمر بالغض في الآية إرشاد إلى ترك النظر إلى ما ثبتت حرمته بدليله، فهي مجملة بالإضافة إلى الوجه والكفين، فلا يمكن الاستدلال بها

ص: 258


1- شرح العروة الوثقی 32: 38.
2- رجال النجاشي: 178.
3- رجال الطوسي: 115.

للمقام، كما هو ظاهر»(1).

وفيه: إنّ مقتضى السياق كون المراد النظر إلى الجنس الآخر، لا مطلق النظر كي يلزم تخصيص الأكثر.

ولعل الذي يقرأ الآية المباركة لا يخطر بباله النظر إلى الحجر والمدر، فلا تكون مشمولة للآية.

الإشكال الرابع: كون غض النظر أعم من ترك النظر

ما ذكره السيد الحكيم في المستمسك بقوله: «مع أنّ غض البصر أعم من ترك النظر»(2).

وفيه: إنّ الغض لا موضوعية له، بل هو طريق للترك عرفاً. ومعه لا حاجة إلى ما ذكره في فقه الصادق بقوله: «وغض البصر وإن كان غير ترك النظر، إلا أنه يكفي مستنداً لتعيين المراد الإجماع»(3).

الإشكال الخامس: المراد من الغض عدم التحديق

أي: ترك النظر الاستقلالي، فإنّ مَن ينظر إلى غيره تارة ينظر إليه ليرى شكله ولونه، فيكون النظر استقلالياً، وتارة ينظر إليه باعتبار أنّ المخاطبة معه تستلزم النظر إليه، فالنظر إليه يكون آلياً، فالآية الكريمة لا تدل على حرمة النظر الآلي.

وفيه: إنّ مطلق النظر ينافي الغض؛ إذ هو بمعنى النقصان، ومع النظر ولو

ص: 259


1- شرح العروة الوثقی 12: 69.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 29.
3- فقه الصادق 21: 110.

آلياً لا يتحقق نقصان النظر.

ويؤيده ملاحظة بعض الروايات.

فمنها: ما في عيون الأخبار: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: يا معشر الخلائق، غضوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

وفي الأمالي: «فلا يبقى يومئذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم»(2).

وفي الوسائل: «من دخل الحمام فغض طرفه عن النظر إلى عورة أخيه آمنه اللّه من الحميم يوم القيامة»(3).

الإشكال السادس: دلالة الآية على حرمة بعض أفراد النظر

إنّ (من) في الآية الكريمة للتبعيض، فيدل على حرمة بعض أفراد النظر، ولم يعلم دخول النظر إلى الوجه والكفين في الأفراد المحرمة.

وفيه: إنّ من القريب أن يكون التبعيض باعتبار نفس النظر لا باعتبار المنظور إليه، وحيث حذف المتعلق أفاد العموم.

هذا، مع أنه يحتمل كون (من) زائدة للتأكيد، قال تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}(4)، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ}(5).

لا يقال: فهل بعض أقسام النظر جائز حتى يقال باعتبار نفس النظر؟

ص: 260


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 36.
2- الأمالي: 70.
3- وسائل الشيعة 1: 300.
4- لقمان: 19.
5- الحجرات: 3.

فإنه يقال: المراد أن يقلل من مستوى نظره فلا يراها، لا باعتبار أن بعض أفراد النظر محلل وبعضها محرم حتى تكون تبعيضية، فتكون مجملة.

وبعبارة أخرى: تارة نقول: النظر باعتبار المنظور إليه نوعان، بعض أفراده محلل وبعضها محرم، وقد ثبت في الشكل الأول ضرورة كلية الكبرى، وإلا لم تفدنا شيئاً، وفي المقام لعل النظر إلى الوجه من أفراد النظر المحلل.

وتارة نقول: إنّ التبعيض أنما هو باعتبار نفس النظر لا المنظور إليه، فبدل أن يكون النظر ممتداً يقلل منه.

لا يقال: فما وجه مجيء (من)، حيث لا فرق بين مجيئها وحذفها، فتكون لغواً.

فإنه يقال: قلنا في الجواب الثاني: إن (من) تأكيدية، كما مرّ في الآيتين الشريفتين.

الإشكال السابع: عدم إحراز كون الآية في مقام البيان

إنّ التمسك بالإطلاق فرع إحراز كون المولى في مقام البيان من تلك الجهة، ولم يحرز كون الآية الكريمة في مقام البيان من جهة حدود المنظور إليه، فلا ينعقد لها إطلاق.

وفيه: إنّ الأصل العقلائي كون المولى في مقام البيان من تمام الجهات، إلا أن يثبت كونه في مقام الإهمال أو الإجمال، وإلا انسد باب التمسك بأكثر الإطلاقات، مثل {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(1)، و {مَاءً

ص: 261


1- البقرة: 275.

طَهُوراً}(1)، ويؤيده عموم التعليل، حيث قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}(2)، وهذه العلة تشمل النظر للوجه والكفين أيضاً.

لكن قد يقال: إنّ الأصل العقلائي مستند إلى الظهورات النوعية، ولا ظهور للآية الكريمة عرفاً في العموم، فهي كأمر الواعظ بالغض، الذي لا يعيّن حدود ما يجب الغض عنه، والمسألة بحاجة إلى مزيد تأمل.

الإشكال الثامن: قبول الإطلاق للتخصيص

إنه لو ثبت الإطلاق فهو قابل للتخصيص بالأدلة السابقة من الآيات الكريمة والروايات الشريفة وغيرها.

هذا تمام الكلام في الدليل الأول.

الدليل الثاني: قوله تعالى {وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}

الدليل الثاني: قوله تعالى {وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}(3)

دلّ على لزوم وجود الفاصل بين الرجل والمرأة المسؤولة، وحيث لم يقيد بما عدا الوجه والكفين أفاد العموم.

ويرد على الاستدلال بها أمران:

الأمر الأول: ما في الفقه من أنّ الآية الكريمة في نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولا دليل على وحدة المناط(4).

ص: 262


1- الفرقان: 48.
2- النور: 30.
3- الأحزاب: 53.
4- الفقه 62: 209.

ويرد عليه:

أولاً: إنّ مقتضى قاعدة الاشتراك في التكليف، الثابت بالإجماع وارتكاز المتشرعة وفهم عدم الخصوصية عرفاً، وغير ذلك من الأدلة المذكورة في القواعد الفقهية، هو عموم الحكم.

وثانياً: إنّ مقتضى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}(1) العموم؛ إذ العلة تخصص وتعمم، فتأمّل.

لا يقال: وهل قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ} علة.

فإنه يقال: مقتضى الأصل العلية.

لا يقال: الخطاب متوجه للمؤمنين والحكم مشترك، لكن لا وجه للاشتراك في الموضوع.

فإنه يقال: إذا سأل زرارة عن حكم وقوع الفأرة في بئره فأمر بنزح ثلاثة دلاء، فهل يقال باشتراك جميع المؤمنين في وجوب النزح من بئر زرارة لا من كل الآبار؟

لا يقال: على ما ذكرتم لم تكن هذه الآية {وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ} خاصة بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فإنه يقال: ثبت ذلك بالدليل، وكلّ ما ثبت بالدليل فهو خارج عن عموم الاشتراك.

لا يقال: قوله تعالى: {وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ} يصلح لتقييد ما تقدمه، فيختص الحكم بنساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ص: 263


1- الأحزاب: 53.

فإنه يقال: لا ظهور له في تقييد ما تقدمه، فظاهره حكم جديد, ولم نعثر على رواية أو حتى مفسر ربط هذا المقطع بما قبله، بل الأمر مرتبط بقضية طلحة المعروفة(1).

هذا، ولكن قد يشكل في ما ذكر بأنه يخرج عن مقتضى القاعدة وظهور التعليل بقوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء}(2) الدال على وجود الخصوصية لنساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وفيه: إنّ هذا المقطع {مِن وَرَاء حِجَابٍ}(3) ليس في سياق تلك الآيات المباركات، فيكون الحكم الذي تضمنه مشمولاً لقاعدة الاشتراك.

لا يقال: لا شأن للسياق في المقام، حيث لا فرق في تقدم الآية أو تأخرها، فقد جعلت أحكام نساء النبي غير سائر النساء، وكأنه تخصيص لقاعدة الاشتراك أو حكومة عليها، كما لو قال الإمام لزرارة: إنّ أحكامك تختلف عن أحكام الآخرين.

فإنه يقال: إذا كانت هنالك مجموعة من الأحكام ذكر فيها أنها غير مشمولة لقاعدة الاشتراك، ثم ورد حكم آخر في مكان آخر كان مشمولاً

ص: 264


1- تفسير القمي 2: 196. «... كان سبب نزولها أنه لما أنزل اللّه: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} وحرم اللّه نساء النبي على المسلمين غضب طلحة، فقال: يحرم محمد علينا نساءه ويتزوج هو نساءنا، لئن أمات اللّه محمداً لنفعلن كذا وكذا... فأنزل اللّه: {وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظيما...}».
2- الأحزاب: 32.
3- الأحزاب: 53.

لقاعدة الاشتراك، كما لو بيّن الإمام لزرارة مجموعة من الأحكام، ثم قال: إنها خاصة لك، ثم في موضع آخر بين حكماً آخر كان الحكم الآخر مشمولاً لقاعدة الاشتراك.

نعم، لو قال: كل أحكامك تختلف عن الآخرين يا زرارة سلمنا التخصيص أو الحكومة، وليس المقام كذلك، حيث لا يعلم أنها ناظرة إلى جميع الأحكام، بل القدر المتيقن منها هذه الأحكام المذكورة بعدها {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}(1).

مع أنّ من المحتمل قريباً أن يكون المراد بقوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} أنّ مقامهن الشامخ الثابت لهن في صورة التقوى يقتضي تأكيد التزامهن بالأحكام المشتركة، وسلوكهن طريق التقوى، لا اختصاصهن بأحكام يتميزن فيها عمن سواهن.

وبعبارة أخرى: الآيات الكريمات تبين لهنَّ كيفية التقوى، التي إن سلكن طريقها كنّ في مرتبة أعلى من سائر النساء، فتأمّل.

ويؤيده ذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرها من الأحكام المشتركة في الآيات اللاحقة، كما يؤيده فهم جملة من الفقهاء.

قال صاحب العروة: «ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}»(2).

ص: 265


1- الأحزاب: 32.
2- العروة الوثقى 2: 606.

ولم يعلق عليه إلا السيد القمي قال: «على الأحوط وظاهر الآية الشريفة مختص بنساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).

ولم أرَ في شروح العروة دليلاً آخر غير هذا الدليل على حرمة الخضوع بالقول، فهي مستندهم الوحيد.

وقد ذكر الاشتراك(2) في الفقه(3) وفي شرح العروة(4).

الأمر الثاني: لو فرضت الدلالة تخصص بالأدلة الدالة على جواز النظر للوجه والكفين.

الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}

الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}(5)

والآية الكريمة كما تشمل الزينة العرضية تشمل الزينة الذاتية أيضاً، إما من باب استعمال اللفظ في المعنيين، أو باعتبار إرادة الجامع لهما منها، كما سبق بيانه في الدليل الأول من أدلة القول بالجواز، بضميمة الملازمة العرفية بين وجوب الستر وحرمة النظر.

والجواب: إنّ إطلاق الآية الكريمة أو عمومها يخصص بالأدلة السابقة، بل يمكن تخصيصها بقوله تعالى في نفس الآية الكريمة {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.

ص: 266


1- العروة الوثقى 2: 606.
2- في قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ}.
3- الفقه 62: 271.
4- شرح العروة الوثقی 32: 82.
5- النور: 31.

إن قلت: المراد بالمستثنى - أي {إِلا مَا ظَهَرَ} - غير ظاهر.

قلنا: أولاً: إنه مبين بالخبر.

وثانياً: لو فرض الإجمال فيما ظهر فإن إجماله يسري إلى المستثنى منه، والمحفوف بالمجمل المتصل ليس بحجة إلا في القدر المتيقن.

والمراد بالمحفوف قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ}، والمراد بالمجمل المتصل قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، والمراد بالقدر المتيقن غير الوجه والكفين.

لا يقال: المخصص إذا كان مجملاً والشبهة مفهومية جاز التمسك بالعام إذا كان بين الأقل والأكثر.

فإنه يقال: الكلام في المتصل، وما ذكر أنما يجري في المنفصل.

لا يقال: الآيات القرآنية كانت تنزل مقطعاً مقطعاً، فلا يعلم كون المخصص متصلاً.

فإنه يقال: فلا يعلم انعقاد الظهور؛ لأنّ انعقاده موقوف على انفصال القرينة.

ثم إنه لو فرض تعارض الجملتين بالعموم من وجه في إبداء الزينة الظاهرة للأجانب، كتعارضهما بالعموم من وجه في إبداء الزينة الخفية للمحارم تساقطتا، ولم يبق دليل على التحريم.

مع إمكان أن يقال: إنّ التعارض المذكور ليس عرفياً، ومقتضى الفهم العرفي جواز إبداء الزينة الظاهرة للأجانب والخفية للمحارم، كما لو قال المولى: لا تُبدِ أرباحك إلا اليسيرة، وقال أيضاً: لا تُبدِ أرباحك إلا لخاصتك،

ص: 267

فإنّ مفاد الجملتين جواز إبداء الأرباح اليسيرة للكل، وجواز إبداء مطلق الأرباح للخاصة، فتأمّل.

الدليل الرابع: آية القواعد من النساء

قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1) دلت على المنع عن وضع الثياب بالنسبة إلى غير القواعد، فيجب التستر عليهن؛ وذلك يدل بالملازمة على حرمة النظر، وإطلاقه يشمل الوجه والكفين.

ويرد عليه:

أولاً: إنّ الثياب جمع مضاف، وهو يفيد العموم، فمفاد الآية الكريمة عدم وجود الجناح في وضع القواعد جميع ثيابهن، باستثناء ما يستر العورة؛ للأدلة الخاصة، ومفهومه وجود الجناح في وضع غيرهن جميع ثيابهن، وليس الكلام في المقام في وضع الجميع، بل في وضع خصوص ما يستر الوجه والكفين، والآية الكريمة ساكتة عن ذلك.

ولا يخفى أنّ هنا إشكالاً، وهو عدم كون المراد من {يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ} جميع الثياب، فالاستفادة المذكورة - وإن ذكرها العلامة غير تامة - وكأنّ الآية ناظرة إلى المتعارف، كعدم لبس الخمار، وأن يخرج ذراعها أو قدمها قليلاً، والفهم العرفي لا يقتضي أكثر من ذلك، فيكون المفاد أنّ غير القاعدة لا حق لها إلى هذا الحد، وعليه يتم الإشكال المذكور.

ص: 268


1- النور: 60.

هذا، لو لوحظت الآية الكريمة في حد ذاتها، وأما مع لحاظ الروايات الشريفة، فالمستفاد منها كون المراد بالثياب الجلباب والخمار وما يستر الذارع.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله عز وجل: «{وَالْقَواعِدُ

مِنَ النِّساءِ اللاَّتي لا يَرْجُونَ نِكاحاً} ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال: الجلباب»(1).

وفي صحيحة حريز: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «إنه قرأ يضعن من ثيابهن، قال: الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنة»(2).

وفي صحيحة البزنطي: عن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يحل له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال: لا إلا أن تكون من القواعد، قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: نعم، قلت: فما لي من النظر إليه منها؟ فقال: شعرها وذراعها»(3).

وعليه يكون مفهوم الآية الكريمة عدم جواز وضع ما يستر شعور ورقاب وأذرع غير القواعد، وليس الكلام في ذلك، بل في خصوص الوجه والكفين، ولم تتعرض الآية الكريمة لحكمهما لا إثباتاً ولا نفياً.

لا يقال: وهل يلزم على الشخص أن يضع جميع ثيابه حتى يطلق عليه وضع ثيابه، أو إذا خلع بعض ثيابه يصدق عليه خلع الثياب؟

ص: 269


1- الكافي 5: 522.
2- الكافي 5: 522.
3- وسائل الشيعة 20: 199.

فإنه يقال: يطلق عليه أنه خلع بعض ثيابه، وأمّا إطلاق خلع الثياب عليه فهو مسامحي.

وثانياً: إنّ المراد عدم الجناح في وضع ما يجب لبسه من الثياب، وإلاّ فغيرها لا جناح في وضعه مطلقاً، وحينئذٍ يكون المفهوم وجود الجناح في وضع ما يجب لبسه من الثياب بالنسبة إلى غيرهن، ومن الواضح أنّ الحكم لا يتكفل موضوعه، فلا تدل نفس الآية الكريمة على ما يجب لبسه من الثياب وما لا يجب.

هذا، مضافاً إلى جريان بعض الأجوبة التي ستأتي في الدليل السابع، إن شاء اللّه تعالى، في المقام أيضاً.

الدليل الخامس: قوله تعالى: {وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ}

الدليل الخامس: قوله تعالى: {وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ}(1)

وقد استدل بها السيد السبزواري(2).

وفيه: إنه لم يظهر كون الخمار ساتراً للوجه، بل يظهر من بعض الكلمات كونه غير ساتر.

وقد مرّ ما ذكره المصباح المنير والتبيان في تفسير الخمار(3).

بالإضافة إلى ما في مجمع البحرين: «قوله: {وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} أي: مقانعهن، جمع خمار وهي المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها، أي: يغطى، وكل شيء غطيته فقد خمرته، وجمع الخمار خمر ككتاب وكتب،

ص: 270


1- النور: 31.
2- مهذب الأحكام 5: 229.
3- راجع: الصفحة 248-249.

واختمرت المرأة: أي لبست خمارها وغطت رأسها»(1).

بل قال في المستمسك: «وقوله تعالى: {وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ} مشعر باختصاص الحكم بالجيوب، فلا يعم الوجوه»(2).

وقال في موضع آخر: الآية من أدلة القول بالجواز(3).

وإن مضى التأمل في ذلك في الدليل الثاني من أدلة القول بالجواز.

هذا، مضافاً إلى جريان بعض الأجوبة المتقدمة في المقام كالتخصيص، مع أنه يمكن الجمع بين الأدلة بالحمل على الأفضلية.

وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك، وفي بعض الأجوبة الأخرى في الدليل السابع إن شاء اللّه تعالى.

الدليل السادس: آية الحجاب

وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}(4).

وقد استدل بها السيد السبزواري (رحمه اللّه) (5).

وفيه: أولاً: إنها معللة، فمع انتفاء العلة لا مانع من الكشف.

لكن قد يقال: إنّ ذلك حكمة لا علة.

ص: 271


1- مجمع البحرين 3: 292.
2- مستمسك العروة الوثقى 5: 243.
3- مستمسك العروة الوثقى 14: 28.
4- الأحزاب: 59.
5- مهذب الأحكام 5: 230.

وفيه: إن الأصل العلية، فتأمّل.

ثانياً: إنه لم يعلم كون الجلباب ساتراً للوجه.

وقد مرت كلمات اللغوين في تفسيره، مضافاً إلى ما في مجمع البحرين: «والجلابيب: جمع جلباب: وهو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها»(1).

هذا مضافاً إلى جريان بعض الأجوبة المتقدمة واللاحقة في المقام أيضاً.

الدليل السابع: الروايات الدالة على جواز النظر إلى وجه المرأة ويديها إذا أراد الزواج بها
اشارة

وممن اعتمد على هذا الاستدلال السيد الخوئي، حيث قال: «الثاني: الروايات الدالة على جواز النظر إلى وجه المرأة ويديها إذا أراد تزويجها على نحو القضية الشرطية، فإن مفهومها عدم الجواز إذا لم يكن مريداً تزويجها»(2).

الإشكالات على الدليل السابع

ويرد على الاستدلال بها أمور:

الإشكال الأول: الروايات أجنبية عما نحن فيه

ما ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) من أنّ الروايات أجنبية عما نحن فيه، حيث قال: «إنها أجنبية عما نحن فيه؛ لأنّ النظر المحكوم فيها بالجواز هو النظر عن شهوة والتذاذ على ما يقتضيه طبع النظر بقصد الزواج، فإنّ الناظر حينئذٍ يفكر في أمور؛ لأنه يشتريها بأغلى الثمن - كما عبر بذلك في بعض

ص: 272


1- مجمع البحرين 2: 24.
2- شرح العروة الوثقی 32: 48، وقريب منه في 12: 74.

النصوص - فيتأمل في محاسنها وجمالها نظر شهوة وتهييج كي تحصل له الرغبة في التزويج، فمفهومها المنع عن مثل هذا النظر لو لم يكن لهذه الغاية، وأين ذلك من النظر الساذج العاري عن الشهوة والريبة الذي هو محل الكلام؟ ويؤكد ما ذكرناه ويؤيده رواية الحسن بن السري قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها(1) وإلى وجهها؟ قال: نعم، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها، فإنّ التعبير بالتأمل غير المنفك عن التلذذ كالصريح فيما ذكرناه.

نعم، لا يخلو سند الرواية عن الضعف؛ ولذا ذكرناها بعنوان التأييد؛ لمكان الحسن بن السري، فإنه لم تثبت وثاقته»(2).

وفيه: إنه تقييد بلا دليل، وغلبة التلذذ خارجاً لا تنهض لصرف المطلق عن إطلاقه؛ ولذا قال بنفسه في موضع آخر: «وحمل النظر في هذه الروايات على المقترن بالتلذذ، فلا تدل بمفهومها على عدم جواز النظر المجرد إذا لم يكن قاصداً تزويجها، بعيد جداً ولا موجب له»(3).

الإشكال الثاني: مفهوم الروايات عدم جواز النظر عند عدم إرادة التزويج

إنّ بعض هذه الروايات يدل على جواز النظر إلى جميع جسد المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ومفهوم ذلك عدم جواز النظر إلى جميع جسدها عند

ص: 273


1- في نسخة أخرى: «خلقها».
2- شرح العروة الوثقی 12: 74.
3- شرح العروة الوثقی 32: 48.

انتفاء الشرط؛ وذلك أجنبي عن محلّ الكلام؛ لأنّ الكلام في النظر إلى خصوص الوجه والكفين لا جميع البدن.

منها صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) : «عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة؟ أينظر إليها؟ قال: نعم، إنما يشتريها بأغلى الثمن»(1).

ومفادها جواز النظر إلى جميع جسدها، ومفهومه عدم جواز النظر إلى جميع جسدها عند انتفاء الشرط.

وبعضها يدل على جواز النظر إلى المجموع المركب، ومفهومه عدم جواز النظر إلى المجموع المركب عند انتفاء الشرط.

منها صحيحة هشام بن سالم(2): عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس أن ينظر إلى وجهها ومعاصمها(3) إذا أرد أن يتزوجها»(4).

ومفادها جواز النظر إلى المجموع من حيث المجموع، ومفهومها عدم جواز المجموع من حيث المجموع، ولا ظهور له في الانحلالية.

الإشكال الثالث: حمل الروايات المانعة على الكراهة

سلمنا دلالة النصوص على المنع، لكن مقتضى الجمع الدلالي بين النصوص حمل المانعة على الكراهة.

وقد مضى في أدلة القول بالجواز جواز النظر إلى الوجه والكفين.

ص: 274


1- الكافي 5: 365.
2- وغيره أيضاً روى هذه الرواية.
3- المعصم: موضع السوار من الساعد.
4- الكافي 5: 365.

الإشكال الرابع: تقديم روايات جواز النظر

لو فرض التعارض وعدم وجود الجمع الدلالي فروايات الجواز مقدمة؛ لموافقة الكتاب العزيز، حيث استثنى: {ما ظَهَرَ مِنْها}.

الإشكال الخامس: ترجيح روايات الجواز لمخالفتها للعامة

مع فرض عدم دلالة الكتاب على جواز النظر، فربما ترجح روايات الجواز بمخالفة العامة، فإنه يظهر من الشيخ في الخلاف(1) على ما حكي عنه أنّ العامة قائلون بعدم جواز النظر.

لكن الظاهر أنّ النسبة غير ثابتة، بل المسألة خلافية بينهم، فراجع المغني لابن قدامه(2).

مضافاً إلى أنه لا بد من ملاحظة الفقه الحاكم في زمان صدور الروايات.

الإشكال السادس: تقديم روايات الجواز للأحدثية

مع الغض عما تقدّم، فالترجيح بالأحدثية يقتضي تقديم روايات الجواز؛ لأنّ صحيحة علي بن سويد(3) مروية عن الإمام الكاظم (عليه السلام) .

لكن في دلالة الصحيحة على الجواز إشكال قد تقدّم.

مضافاً إلى أنّ المبنى محل منع.

مع أنّ صحيحة الصفّار(4) عن الإمام العسكري (عليه السلام) الدالة على المنع

ص: 275


1- الخلاف 4: 247-248.
2- المغني 7: 460.
3- وسائل الشيعة 20: 308.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 68.

أحدث، وستأتي ضمن أدلة القول بالمنع.

الإشكال السابع: عند التعارض نختار روايات الجواز

لو فرض التعارض وعدم وجود مرجح، وقلنا بالتخيير في الخبرين المتعارضين فللفقيه أن يختار روايات الجواز.

الإشكال الثامن: مقتضى الأصل الأولي هو البراءة

مع فرض المصير إلى أنّ الحكم في المتعارضين التساقط تتساقط الأدلة، ومقتضى الأصل الأولي هو البراءة.

الدليل الثامن: الأخبار الدالة على جواز النظر إلى وجه الذمية ويديها

ما ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) ، حيث قال: «وأوضح من هذه الأخبار ما ورد في جواز النظر إلى وجه الذمية ويديها، معللاً بأنهن لا حرمة لهنّ، فإنه كالصريح في أن منشأ الجواز أنما هو عدم وجود حرمة لأعراضهن، فيدل على عدم الجواز إذا كانت المرأة مسلمة وذات حرمة»(1).

والجواب على ذلك يتوقف على ملاحظة الروايات الواردة في المقام، وهي:

الرواية الأولى: موثقة عباد بن صهيب، حيث ورد فيها: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج؛ لأنهم إذا نهو لا ينتهون»، كما في الكافي(2).

وأما في الفقيه، فقد ورد: «لا بأس بالنظر إلى شعور نساء أهل تهامة

ص: 276


1- شرح العروة الوثقی 32: 48.
2- الكافي 5: 524.

والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج؛ لأنهنّ إذا نهين لا ينتهين»(1).

وفي العلل: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد من أهل الذمة؛ لأنهن إذا نهين لا ينتهين»(2).

ومفهومها عدم جواز النظر إلى رؤوس وشعور اللواتي إذا نهين ينتهين، وليس هذا محل الكلام.

لا يقال: مهما يكون المراد من الرأس فهو شامل للوجه.

لأنه يقال: نسلم حرمة النظر إلى الرأس ككل، دون خصوص الوجه، حيث يصح القول: (لا يجب غسل الرأس في الوضوء) مع أنه يجب غسل الوجه.

الرواية الثانية: وهي رواية السكوني: «لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن»(3). وقد اخترنا أنها معتبرة(4).

وفيه: إنّ الكلام ليس في الشعر واليد، بل في الوجه وخصوص الكفين.

الرواية الثالثة: رواية أبي البختري: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل الذمة»(5).

ويرد عليه ما ورد على سابقه، مع أنّ سند الرواية ضعيف بأبي البختري.

ص: 277


1- من لا يحضره الفقيه 3: 469.
2- علل الشرائع 2: 565.
3- الكافي 5: 524.
4- في الدليل الثاني من المسألة الثانية. راجع: الصفحة 48.
5- وسائل الشيعة 20: 205.

مع أنه لا مفهوم لها.

الرواية الرابعة: رواية الجعفريات عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ليس لنساء أهل الذمة حرمة، لا بأس بالنظر إليهن ما لم يتعمد»(1).

وعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ليس لنساء أهل الذمة حرمة، لا بأس بالنظر إلى وجوههن وشعورهن ونحورهن وبدنهن ما لم يتعمد ذلك»(2).

وفيه: ما تقدّم مضافاً إلى الإشكال سنداً.

هذا كله مضافاً إلى جريان بعض الأجوبة المتقدمة في الدليل السابع في المقام.

الدليل التاسع: صحيحة الصفار

صحيحة الصفار: محمّد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار(3)، قال: «كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) (4) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر؟ ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها أولا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع (عليه السلام) تتنقب وتظهر للشهود إن شاء اللّه»(5).

وقال: «ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار أنه كتب

ص: 278


1- مستدرك الوسائل 14: 277.
2- مستدرك الوسائل 14: 277.
3- الصفار ثقة، وطريق الطوسي إليه صحيح.
4- الظاهر أن المراد الإمام العسكري (عليه السلام) .
5- وسائل الشيعة 27: 401.

إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وذكر مثله. قال الصدوق: وهذا التوقيع عندي بخطه (عليه السلام) »(1).

فإنّ أمره (عليه السلام) بالتنقب - الذي هو عبارة عن لبس ما يستر مقداراً من الأنف فما دونه عند الشهادة - يدل على عدم جواز النظر إلى وجه المرأة في حدّ ذاته، وإلا فلم يكن وجه لأمرها بالتنقب.

ثم إنّ الأمر بالتنقب وإن دل على لزوم ستر الأنف فما دون مطلقاً، إلا أنه لا يدل على جواز كشف ما فوق الأنف مطلقاً، بل يختص ذلك بباب الشهادات، حيث تقتضي الضرورة التعرف على المرأة.

ويرد على هذا الاستدلال أمور:

الإشكال الأول: ما في مباني المنهاج: «إنّ هذه الرواية تدل على وجوب الستر، ولا تدل على حرمة النظر»(2).

وفيه: إنّ الظاهر وجود الملازمة العرفية بينهما، كما لو قال المولى لعبده: استر هذه الورقة، فإنّ العرف يقضي بحرمة النظر أيضاً.

نعم، ربما يدعى عدم الملازمة بين جواز الكشف وجواز النظر.

لكن مرّ الإشكال فيه.

الإشكال الثاني: ما في فقه الصادق، قال: «مع أنه يعارضه صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) : لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها، فأما إذا كانت لا

ص: 279


1- وسائل الشيعة 27: 401.
2- مباني منهاج الصالحين 9: 570.

تعرف بعينها ولا يحضر من يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها»(1).

وفيه: إنه لم يظهر وجه المعارضة، أمّا مع الجملة الأولى فلإمكان الحمل على الجواز أو الأفضلية، وأمّا مع الجملة الثانية فلإمكان التخصيص مع اختلاف الموضوع.

الإشكال الثالث: ما ذكره في المستمسك، حيث قال: «وأما الأمر بالتنقب في المكاتبة فلا يظهر أنه للوجوب التعبدي، ومن الجائز أن يكون للمحافظة على خفارة المرأة ومنع ما يوجب الاستحياء»(2).

وقال في موضع آخر: «ومكاتبة الصفار غير ظاهرة في وجوب التستر شرعاً، فلعله لدفع الحزازة العرفية»(3).

وأجاب السيد الخوئي بقوله: «وحمل الأمر على استحياء المرأة خارجاً - مع قطع النظر عن الحكم الشرعي - لا وجه له بالمرة، فإنّ ظاهر الأمر هو بيان التكليف والوظيفة الشرعية، فحمله على غيره يحتاج إلى القرينة والدليل»(4).

الإشكال الرابع: ما ذكره في المستمسك من: «أنها تدل على جواز النظر إلى بعض الوجه»(5).

ص: 280


1- فقه الصادق 21: 116.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 29.
3- مستمسك العروة الوثقى 5: 245.
4- شرح العروة الوثقی 32: 48.
5- مستمسك العروة الوثقى 14: 29.

وفي الفقه: «إنها تدل على ستر بعض الوجه لا كله»(1).

وقد يجاب عن ذلك بأنّ كشف البعض والنظر إليه لمكان الضرورة.

وفيه: أولاً: إنه لا ضرورة لكشف جميع القسم الأعلى الشامل للجبهة والحاجبين؛ لإمكان المعرفة عن طريق العينين فقط.

إلا أن يقال: إنّ الملاك في الضرورة العرف لا الدقة العقلية، مع إمكان توقف المعرفة على كشف كل القسم الأعلى، فتأمّل.

وثانياً: إنه مع شهادة الشاهدين - وهي حجة - تنتفي الضرورة، ويدل على ذلك صحيحة علي بن يقطين الآنفة.

وعلى كلٍّ، فظاهر الرواية جواز كشف البعض دون البعض، فلا تنهض دليلاً للقول بالجواز ولا القول بالحرمة، فتأمّل.

هذا، ولكن قد يقال: إنّ تسويغ كشف البعض ربما يكون لأهمية باب الشهادات لا للضرورة، فمع وجود العلم التعبدي سوّغ الشارع تحصيل العلم الوجداني لمكان الأهمية المزبورة، وهذا التسويغ الجزئي كاشف عن حرمة الكشف في نفسه، فيتم الاستدلال، فتأمّل.

لا يقال: إذا أجاز المولى بالنسبة إلى البعض فهو دال عرفاً على حرمة البعض الآخر.

فإنه يقال: فلا ينفع لا لهذا القول ولا لذاك.

لا يقال: إنّ الشارع سوّغ طريقاً جديداً بالإضافة إلى الشاهدين، وهو الرؤية؛ وذلك لأهمية باب الشهادات، فبالإضافة إلى العلم التعبدي هنالك

ص: 281


1- الفقه 62: 211.

طريق آخر، وهو العلم الوجداني.

فإنه يقال: العلم التعبدي كافٍ، فلا ضرورة للطريق الثاني، وبعبارة أخرى: قد تحققت شهادة الشاهدين فلا ضرورة لرؤيتها، فلماذا تكشف عن بعض وجهها إذا كان حراماً؟

ثم إن سلوك الطريق الأول جائز، فيدل على عدم الضرورة، فيندفع ما ذهب إليه المستدل بأن كشف البعض والنظر إليه لمكان الضرورة.

لا يقال: ربما أراد الشارع في أمثال المقام رفع الحجية عن العلم التعبدي، و فتح طريق آخر، وهو العلم الوجداني.

فإنه يقال: لكنه معارض بصحيحة علي بن يقطين وفتاوى الفقهاء.

ومقتضى الجمع بين الروايات أنّ البينة حجة، وأنه لا يحتاج إلى النظر فلا ضرورة إليه.

لا يقال: سلمنا بعدم الضرورة، لكن الشارع أجاز كشف الوجه لأهمية باب الشهادة، وإن كان هنالك طريق آخر.

فإنه يقال: إنه جواب آخر غير ما ذهب إليه المستدل من الضرورة، فمن باب الأهمية أجاز الشارع كشف بعض الوجه، وهو يدل على حرمة كشفه في غير الباب.

الإشكال الخامس: إنّ ظاهر الرواية جواز النقاب لا وجوبه؛ إذ إنّ المقام مقام توهم وجوب كشف كل الوجه وحرمة النقاب، فبيّن (عليه السلام) عدم وجوب كشف كل الوجه وجواز التنقب، ومن المقرر في محله(1): أنّ الأمر

ص: 282


1- قوانين الأصول: 492؛ بدائع الأفكار: 294؛ أصول الفقه 1: 115.

في مقام توهم الحظر يدل على الجواز لا الوجوب، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ}(1).

الإشكال السادس: مع فرض دلالتها في حد ذاتها على الوجوب، يمكن حملها على الاستحباب جمعاً بينها وبين الأدلة المتقدمة.

هذا مع جريان بعض الأجوبة المتقدمة في الدليل السابع في المقام أيضاً.

الدليل العاشر: صحيحة الفضيل

التي تقدمت في الدليل السابع من أدلة القول بالجواز بالتقريب المتقدم(2).

وهي: عن الفضيل قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذراعين من المرأة، هما من الزينة التي قال اللّه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} قال: نعم، وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين» (3).

وقد مرّ الكلام في أنها لا تدل على وجوب ستر الوجه، وتدل على وجوب ستر الكفين.

كما مرّ أنّ المطلق قابل للتقييد، ومع فرض إبائه التقييد يجمع بينه وبين الأدلة المجوزة بالحمل على الكراهة، فراجع.

هذا، مع جريان بعض الأجوبة المتقدمة في المقام أيضاً.

ص: 283


1- المائدة: 2.
2- واللطيف أن هذه الرواية استدل بها القائلون بالتحريم والقائلون بالجواز معاً، وقد استظهرنا أن ما دون السوارين هو الكف، وما دون الخمار لا يدلّ على الوجه وإنما فتحة الصدر وما أشبه، ولكن مضى أنّ المطلق قابل للتقييد والجمع.
3- الكافي 5: 520.
الدليل الحادي عشر: الأخبار الدالة على أن النظر إلى الأجنبية سهم من سهام إبليس

الأخبار الدالة على أنّ النظر إلى الأجنبية سهم من سهام إبليس، وأنه زنا العين ونحو ذلك.

منها: ... عن علي بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة»(1).

ومنها: أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، ويزيد بن حماد، وغيره، عن أبي جميلة، عن أبي جعفر، وأبي عبد اللّه (عليه السلام) قالا: «ما من أحد إلا وهو يصيب حظاً من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين اللمس، صدق الفرج ذلك أم كذب(2)»(3).

ومنها: ما عن الصادق (عليه السلام) : «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عزّ وجلّ لا لغيره أعقبه اللّه أمناً وإيماناً يجد طعمه»(4).

ومنها: ما عنه (عليه السلام) أيضاً: «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى لصاحبها فتنة»(5).

ومنها: ما عنه (عليه السلام) أيضاً: «من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء، أو

ص: 284


1- الكافي 5: 559.
2- ولعلّ المراد إمّا يتحرّك أو إمّا يفعل أو لا يظهر الأثر.
3- الكافي 5: 559؛ وسائل الشيعة 20: 191.
4- وسائل الشيعة 20: 192.
5- من لا يحضره الفقيه 4: 18؛ وسائل الشيعة 20: 192.

غمض بصره لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه اللّه من الحور العين»(1).

ومنها: ما عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من ملأ عينيه من امرأة حراماً، حشاهما اللّه يوم القيامة بمسامير من نار، وحشاهما ناراً حتى يقضي بين الناس ثم يؤمر به إلى النار»(2).

إلى غيرها من الأخبار التي بعضها معتبرة.

ويرد على الاستدلال بهذه الأخبار إشكالات:

الإشكال الأول: ما في الفقه من عدم الدلالة على التحريم(3).

وفيه: إنه وإن كان تاماً بالنسبة إلى بعضها، إلا أنّ الظاهر دلالة بعضها الآخر على التحريم، مثل: «سهم مسموم» أي: يترتب عليه في الدين ما يترتب على السم المسموم في البدن، وكما يجب اجتناب ذلك يجب اجتناب هذا، فتأمّل.

لا يقال: العبارة لا تدل على الحرمة, فإنها تشبيه، وليس التشبيه من كل الجهات.

فإنه يقال: هذا في واقعه تشبيه، لكن قد تحذف أداة التشبيه من الناحية البلاغية، فتكون استعارة، ويكون التشبيه من جهة أظهر الآثار، وهو القتل، فإن السهم قاتل، فكيف إذا كان مسموماً؟ ومعنى الرواية أنّ وزان النظرة في الدين وزان السهم المسموم في الدنيا، فكما يجب اجتناب السهم المسموم

ص: 285


1- وسائل الشيعة 20: 193.
2- وسائل الشيعة 20: 194.
3- الفقه 62: 211.

يجب اجتناب النظرة.

لا يقال: لم يفهم الفقهاء من نظائر العبارة الحكم الشرعي، وإنما الحكم الأخلاقي.

فإنه يقال: لو فرضنا أنّ الفقهاء لم يفهموا الحرمة من أمثال هذا التعبير في مواضع أخرى، فقد خرج ذلك بفهمهم، لكن يبقى الظهور الأولي لهذه العبارة مستقراً.

الاشكال الثاني: ما ذكره في شرح العروة، حيث قال: «إنّ هذه الروايات وإن كان بعضها صحيح السند، لكنّها قاصرة الدلالة على ما نحن فيه، فانّ التعبير بالسهم لا يناسب إلا النظر مع خوف الافتتان، الذي هو من الشيطان، كما أنّ تنزيله منزلة الزنا يقتضي وجود جامع بينهما وهو اللذة والشهوة، كي يصدق أنّ النظر زنا العين، فكأن الشارع وسّع في مفهوم الزنا، فالحقيقي منه ما كان بتوسط الآلة المخصوصة، والتنزيلي ما كان بواسطة اللمس أو الفم أو العين، على اختلاف مراتبها، التي يجمعها الالتذاذ والارتياب، وهو خارج عن محلّ الكلام»(1).

وفيه: إنّ المناسبة موجودة ولو مع عدم خوف الافتتان؛ لكون كل منهما قاتلاً بنفسه، وليس المعنى أنّ النظر يؤدي إلى ما هو القاتل - أي: الافتتان - كي تشترط الحرمة بخوف الافتتان، كما أنّ السهم لا يؤدي إلى ما هو القاتل، بل هو قاتل بنفسه، والتنزيل لا يشترط فيه وجود جامع خارجي بين المنزَّل والمنزَّل عليه، بل تكفي إرادة التسوية بين الأمرين في الحكم بادعاء

ص: 286


1- شرح العروة الوثقی 12: 76.

أنه فرد من أفراده، كما في قولنا: (الطواف بالبيت صلاة) أي: يشترط فيه ما يشترط فيها، مع عدم لزوم وجود جامع خارجي بينهما، فتأمّل.

الإشكال الثالث: ما فيه أيضاً من: «مع أنه لم يتعرض لذكر متعلق النظر في هذه الأخبار، والأخذ بالإطلاق أينما سرى كما ترى؛ للزومه تخصيص الأكثر المستهجن، كما مرّ، وحمله على خصوص الأجنبية بتمام بدنها لا شاهد عليه، ولعل المراد خصوص العورتين، وبالجملة فالمتعلق مجمل، ولا قرينة على التعيين»(1).

وفيه: إنّ المنساق منها النظر إلى الأجنبية، خاصة ما دلَّ على تنزيل النظر منزلة الزنا، وفي بعضها تصريح بالنظر إلى المرأة، كما في الحديث التاسع(2)، لكن السند ضعيف.

الإشكال الرابع: إنها لا إطلاق لها في حدّ نفسها؛ إذ ليست في مقام البيان من هذه الجهة، كما لا تشمل النظر إلى ثوب المرأة.

وبعبارة أخرى: إنها ناظرة إلى بيان ما يتترب على النظر المحرم، وليست متعرضة لما يحرم من النظر وما لا يحرم.

إلاّ أن يقال بأصالة الإطلاق، وقد مضى بعض ما ينفع في المقام، فراجع(3).

ص: 287


1- شرح العروة الوثقی 12: 76.
2- وسائل الشيعة 20: 193. قال الصادق (عليه السلام) : «من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء، أو غمض بصره لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه اللّه من الحور العين».
3- في الإشكال السابع على الدليل الأول من أدلة القول بالحرمة. راجع: الصفحة 261.

الإشكال الخامس: إنها على فرض إطلاقها مخصصة بالأدلة الدالة على جواز النظر للوجه والكفين. هذا، مع جريان بعض الأجوبة المتقدمة في المقام أيضاً.

الدليل الثاني عشر: رواية الفضيل

وقد رويت بنحوين:

النحو الأول: «إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أردف أسامة بن زيد في مصعده إلى عرفات، فلما أفاض أردف الفضل بن العباس، وكان فتى حسن اللمّة(1)، فاستقبل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعرابي وعنده أخت له أجمل ما يكون من النساء، فجعل الأعرابي يسأل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وجعل الفضل ينظر إلى أخت الأعرابي، وجعل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يده على وجه الفضل يستره من النظر، فإذا هو ستره من الجانب نظر من الجانب الآخر، حتى إذا فرغ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من حاجة الأعرابي، التفت إليه وأخذ بمنكبه، ثم قال: أما علمت أنها الأيام المعدودات والمعلومات، لا يكف رجل فيهن بصره، ولا يكف لسانه ويده إلا كتب اللّه له مثل حج قابل»(2).

النحو الثاني: «إنّ امرأة خثعمية أتت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمنى في حجة الوداع تستفتيه، وكان الفضل بن العباس رديف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجه الفضل عنها وقال: رجل شاب

ص: 288


1- اللمّة - بكسر اللام وتشديد الميم - : الشعر المتدلي الذي يجاوز شحمة الأذنين، فإذا بلغ المنكبين فهو جمة، والجمع لم ولام. مجمع البحرين 6: 165.
2- مستدرك الوسائل 10: 157، 14: 269؛ جامع أحاديث الشيعة 12: 194.

وامرأة شابة أخاف أن يدخل الشيطان بينهما»(1).

ويرد على الاستدلال أمور:

الأول: الإشكال السندي.

أما الرواية الأولى فقد نقلها في الجامع عن المستدرك عن بعض نسخ فقه الرضا، ولم يذكر لها سنداً.

وأما الثانية فهي مذكورة في بعض الكتب الفقهية على نحو الإرسال كالتذكرة والمسالك وجامع المقاصد والحدائق(2)، وقد نقلها في الهامش عن كتب العامة في معظم هذه المصادر.

الثاني: ما في الفقه من اضطراب الرواية(3).

وفيه: أنه لا مانع من تعدد الواقعة. هذا، مع وجود جامع مشترك بين الروايتين، وهو ردع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الفضل عن النظر، وقد تقرر أنّ سقوط بعض فقرات الراوية لا يوجب سقوط سائر فقراتها.

الثالث: إنّ الرواية تحكي عن قضية خارجية، فلا ينعقد لها إطلاق، ولعل نظر الفضل كان بشهوة أو ريبة.

وفيه: إنه وإن كان كذلك، لكن ظاهر الذيل كون تمام الموضوع للحكم هو طبيعي النظر لا النظر بريبة أو نحوها، فتأمّل.

ص: 289


1- المبسوط 4: 160.
2- تذكرة الفقهاء (الطبعة الحجرية) 2: 573؛ مسالك الأفهام 7: 47؛ جامع المقاصد 12: 39؛ الحدائق الناضرة 23: 56.
3- الفقه 62: 212.

الرابع: إنّ الزجر العملي لا ظهور له في التحريم.

إلا أن يقال: إنه لا يقلّ عن الزجر القولي عرفاً في الظهور فيه، فتأمّل.

وعلى فرض ظهوره فيه(1) فتعقيبه بالتعليل في رواية الخثعمية يدل على كون الزجر من حيث خوف الفتنة، لا من حيث حرمة النظر في حد ذاته، فلا نهي فيما ليست فيه العلة.

كما أنّ تعقيبه في الرواية الأخرى: بأنه يكتب له حج من قابل، يبطل ظهور ما تقدّم في التحريم، فتأمّل.

هذا، مضافاً إلى جريان بعض الأجوبة المتقدمة في المقام أيضاً.

ثم إنه قد يقال: إنّ الخبرين يدلان على خلاف المطلوب، أي: إنهما يدلان على جواز النظر، قال في المستمسك في خبر الخثعمية: «هذا مضافاً إلى ما يظهر من الرواية من أنّ المرأة كانت مكشوفة الوجه، وأنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان ينظر إليها، فرآها تنظر إلى الفضل»(2).

وفيه: إنه لا دليل على نظره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؛ إذ الراوي هو الذي نقل نظرها إليه.

لكن قد يقال: إنّ عدم نهي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الراوي عن النظر إلى المرأة تقرير للجواز.

وفيه تأمل؛ إذ شرط التقرير وقوع الفعل بمرأى من المعصوم ومسمع، ولعله لم يكن نظره بمرأى منه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ص: 290


1- هذا البحث لم يبحث في الأصول ظاهراً، وهو: أن الردع العملي هل يدل على التحريم أم لا؟ فينبغي على بعض الفضلاء أن يخصّصوا جزءاً من وقتهم لكتابة بحث في هذا الموضوع.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 29.

وعلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالواقع لا يكفي في التقرير؛ لأنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مكلف بالظاهر، فتأمّل.

إن قلت: إنّ كشف وجهها يدل بالملازمة العرفية على جواز النظر.

قلت: إنّ الملازمة العرفية تنفع في إثبات الجواز في صورة عدم الردع، والمفروض وقوع الردع.

إلا أن يقال: إنه معلل بما يصرفه عن الظهور في التحريم كما سبق، فتأمّل.

لا يقال: إنّ نظر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا إطلاق له، حيث إنه حكاية فعل، فربما كان لها خصوصية، ككونها أخته من الرضاعة.

فإنه يقال: الاحتمال غير وارد. نعم، لو احتملت الخصوصية لم يمكن التعميم، أما إن لم يكن هنالك خصوصية محتملة دلّ على العموم، والظاهر أنه لم تكن هنالك خصوصية في النظر لو ثبت النظر.

الدليل الثالث عشر: الروايات الدالة على ذم أهل الكوفة ويزيد لإبدائهم المخدرات

ما ورد في ذم أهل الكوفة ويزيد من أنهم أبدوا وجوه المخدرات عليهنّ السلام، كما في الاحتجاج(1) والبحار(2).

ويمكن الجواب مع قطع النظر عن المناقشة السندية بما في الفقه: «وذم يزيد وأتباعه لأنه تصرف في حق الغير بغير حق، فإنّ كونهن عليهنّ السلام يسترن وجوهن لا يدل على وجوب ذلك، كما أنّ جعل فاطمة (عليها السلام) حجاباً

ص: 291


1- الاحتجاج 2: 35.
2- بحار الأنوار 45: 134.

بينها وبين الرجال في المسجد لا يدل على الوجوب»(1). منتهى الأمر الإجمال، وأنّ وجه الذم حرمة التصرف أو حرمة الإظهار، وهو موجب لسقوط الاستدلال.

الدليل الرابع عشر: دليل العقل

وتقريره من وجهين:

الوجه الأول: إنّ عمدة محاسن المرأة في وجهها، وبما أنّ النظر إليه يؤدي إلى الوقوع في مبغوض الشارع، وفي المفاسد الواقعية كثيراً، فالعقل يحكم بعدم جواز النظر إلى الوجه على الإطلاق؛ حسماً لمادة الفساد.

قال في المهذب: «ومنها: الملازمة العرفية بين جواز النظر إلى الوجه والكفين، وما يقع من الفتن والفساد، كما نرى ذلك بحيث لا يخفى ذلك على الناس، فضلاً عن ربّ العباد»(2).

وقال أيضاً: «الملازمة الغالبة بين النظر والريبة، خصوصاً في هذه الأعصار»(3).

وفيه: أولاً: النقض بأنّ لازم ذلك المنع عن النظر إلى بعض المحارم، كالأخت الرضاعية ونحوها ممن يتطرق احتمال الالتذاذ أو الافتتان في النظر إليهنَّ، وكذا بالنسبة للشاب الأمرد، فاللازم المنع عن النظر في جميع ذلك حسماً لمادة الفساد. ذكره السيد الخوئي في شرح العروة(4).

ص: 292


1- الفقه 62: 211.
2- مهذب الأحكام 24: 41.
3- مهذب الأحكام 5: 238.
4- شرح العروة الوثقی 12: 73.

ونحوه: خروج المرأة من البيت والعمل والتعلم مع الأجانب.

وثانياً: إنّ حكم العقل بعدم جواز النظر مقيد بكونه في معرض الوقوع في مبغوض المولى، أو المفاسد الواقعية، وليس الكلام في ذلك؛ إذ لا شك في الحرمة إذا كان هنالك خوف افتتان - كما سوف يأتي إن شاء اللّه تعالى - وإنما محل الكلام في المقام في حرمة النظر في حدّ ذاته.

وثالثاً: لو سلم وجود الحكم العقلي على نحو الإطلاق، فإنما يثبت به الحكم الشرعي إذا كان حكم العقل واقعاً في سلسلة العلل لا في سلسلة المعلولات(1).

وفيه: إنه يمكن تقريره بنحو يكون في سلسلة العلل، بأن يقال: إنّ العقل يدرك المفسدة في النظر، فينتقل منه إلى ثبوت الحكم الشرعي انتقالاً لِميّاً، أي: على نحو الانتقال من العلة إلى المعلول.

ورابعاً: إنّ أصل ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع - ولو كان في سلسلة العلل - ممنوع، على ما قرر في محله(2)، وصرف وجود حكم العقل لا يكفي في ترتب استحقاق العقاب ونحوه من الآثار المترتبة على الحرمة الشرعية.

الوجه الثاني: إنّ جمال المرأة في وجهها، فكيف يمنع الشارع النظر إلى غيره ولا يمنع من النظر إليه هو.

قال في المهذب: «ببالي أنّ بعض الفقهاء (رحمه اللّه) قال لبعض العوام من

ص: 293


1- الفقه 62: 209.
2- هداية المسترشدين 3: 499؛ فوائد الأصول 3: 60؛ أصول الفقه 2: 297.

المتشرعة: إنّ الوجه مستثنى من حرمة النظر، قال ذلك الشخص: إنّ كمال المرأة وجمالها في وجهها إن قُبِل قُبِل ما سواه وإن رُدَّ رُدَّ ما سواه»(1).

وفيه: أولاً: النقض بمنع الشارع النظر إلى غير الوجه، وعدم المنع من النظر إليه في حالة الإحرام، المستفاد من الملازمة العرفية بين جواز الكشف وجواز النظر، فتأمّل.

وثانياً: الحل: إنّ ما ذكر يثبت وجود المقتضي للتحريم، وهو غير كافٍ في التحريم ما لم ترتفع الموانع عن تأثير هذا المقتضي في مقتضاه، وربما تكون مصلحة التسهيل لها أو للآخرين ونحوها من المصالح مانعة عن الحكم بالتحريم، فتأمّل.

لا يقال: إذا تمَّ المقتضي نثبت عدم المانع بالأصل.

فإنه يقال: قاعدة المقتضي والمانع غير تامة، كما ذكر في مباحث (لا تنقض اليقين بالشك)، كما لو رمينا سهماً في الصحراء إلى شخص، وعلمنا أنه لولا المانع كهبوب الريح لأصابه وقتله، فأصالة عدم المانع لا تثبت وقوع القتل؛ لأنه أصل مثبت.

وثالثاً: إنّ وقوع الترخيص الشرعي كاشف عن عدم تمامية العلة للحكم بالتحريم ولو إجمالاً.

الدليل الخامس عشر: الإجماع

ادّعى في كنز العرفان - على ما حكي عنه - إطباق الفقهاء على أنّ بدن

ص: 294


1- مهذب الأحكام 24: 40.

المرأة عورة إلاّ على الزوج والمحارم(1).

وكذا في التنقيح الرائع(2).

وفي المهذب(3) دعوى الإجماع عن جمع، وفي موضع آخر: «وظاهر جميع المتقدمين التطابق على الحرمة»(4).

وقال في شرح العروة: «والمشهور ذهبوا إلى الحرمة»(5).

وفيه مناقشتان:

المناقشة الأولى: صغروية: وهي إنّ هذا الإجماع إجماع منقول لم يثبت، بل هو ثابت العدم.

قال في الفقه: «وأما الإجماع: فقد ادعى في كنز العرفان إطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج والمحارم، وفيه: إنه إن أراد كل بدنها فلا إجماع قطعاً، وإن أراد بعض بدنها لم ينفع الإجماع على ذلك لمحل النزاع»(6).

وقال في المستمسك: «وأما إطباق الفقهاء - المحكي عن كنز العرفان - فلا مجال للاعتماد عليه مع وضوح الخلاف وشهرته»(7).

ص: 295


1- كنز العرفان 1: 93.
2- التنقيح الرائع 3: 22.
3- مهذب الأحكام 24: 41.
4- مهذب الأحكام 5: 232.
5- شرح العروة الوثقی 12: 68.
6- الفقه 62: 209.
7- مستمسك العروة الوثقى 14: 29.

وقال في فقه الصادق: «إنه مع هذا الخلاف العظيم كيف يعتمد على هذه الدعوى؟»(1).

وقد ذهب الشيخ الطوسي في التبيان(2) والنهاية(3) والمبسوط(4) إلى الجواز، ونسب اختياره له في الاستبصار والتهذيب.

واختار هذا القول الشيخ الكليني في الكافي(5). ولكن قال في المهذب: «إنّ نقل الكليني أخبار الجواز أعم من الفتوى به»(6). وفيه: انّه ضمن الكافي(7).

وكذا العلامة في القواعد والتذكرة والتحرير، والمحقق السبزواري في الكفاية، والفاضل الهندي في كشف اللثام، والفيض الكاشاني في المفاتيح، وهو ظاهر الشهيد الثاني(8).

وصرّح به الشيخ الأنصاري في كتاب النكاح(9)، والمحقق النراقي في

ص: 296


1- فقه الصادق 21: 116.
2- التبيان 7: 428.
3- النهاية: 484.
4- المبسوط 4: 160.
5- الكافي 5: 520.
6- مهذب الأحكام 5: 232.
7- الكافي 1: 8-9.
8- قواعد الأحكام 3: 6؛ تذكرة الفقهاء (الطبعة الحجرية) 2: 573؛ تحرير الأحكام3: 419؛ كفاية الأحكام 2: 83؛ كشف اللثام 7: 20؛ مفاتيح الشرائع 2: 258؛ مسالك الأفهام 7: 40-41.
9- كتاب النكاح: 46.

المستند، حيث قال: «فالمسألة بحمد اللّه واضحة»(1).

واختاره الحدائق، وقال: «ومن تأمل فيما قدمناه من الأخبار ونحوها غيرها لم يختلجه شك في ضعف القول المذكور(2)»(3).

وادعى في الرياض ندرة القول بالمنع، حيث قال: «مضافاً إلى ندرة القول بالمنع مطلقاً؛ لعدم نقله إلا عن التذكرة وفخر الدين، وإن مال إليه بعض من تأخر عنهما»(4).

وعلى كل فالإجماع على المنع مقطوع العدم.

المناقشة الثانية: كبروية: وهي إن هذا الإجماع محتمل الاستناد.

لكن في قدح الاحتمال نظر.

لا يقال: حتى لو كان الإجماع مقطوع عدم الاستناد فهو فليس بتام، حيث لا معقد له، فيؤخذ بالقدر المتيقن منه وهو غير الوجه والكفين.

فإنه يقال: الناقلون للإجماع نقلوا المعقد، وهو: عدم جواز النظر إلى المرأة بتمامها، فإن ثبت عدم المعقد كان ما ذكر تاماً.

الدليل السادس عشر: السيرة المستمرة على الستر وعدم النظر

ما ذكره في المهذب(5).

ص: 297


1- مستند الشيعة 16: 50.
2- أي: القول بالتحريم.
3- الحدائق الناضرة 23: 56.
4- رياض المسائل 10: 71.
5- مهذب الأحكام 5: 237.

وقد مضى تفصيل البحث في ذلك(1).

قال في المستند في رد الإطباق على المنع من خروجهن سافرات، أو إنما يخرجن مستترات: «... بمخالفته للوجدان والعيان؛ لأنّ الناس مختلفة في الأمكنة والأزمان»(2).

وقال في الرياض: «لمخالفتهما(3) الوجدان؛ لاختلاف الناس في الزمان، فبين من يجري على الأول ومن يحذو حذو الثاني»(4).

الدليل السابع عشر: الستر مقتضى مرتكزات المتشرعة

ما ذكر ه في المهذب(5).

وقال في فقه الصادق: «فتحصل أنه لا دليل على شي ء من الأقوال، فيرجع إلى الأصل المقتضي للجواز المؤيد بما دل على جواز إبداء الوجه والكفين للمرأة، لولا ما عليه مرتكزات المتشرعة من المنع على وجه يعد ارتكاب النظر عندهم من المنكرات»(6).

وقال في المستمسك بعد أن قرب القول بالجواز: «لكن الخروج به عن مرتكزات المتدينين، بل مرتكزات المتشرعة في غير النساء المبتذلات لا

ص: 298


1- في الدليل الثالث والعشرين من أدلة القول بالجواز. راجع: الصفحة 239.
2- مستند الشيعة 16: 51.
3- أي: الإجماع على الخروج كاشفات والإجماع على عدم الخروج كذلك.
4- رياض المسائل 10: 71.
5- مهذب الأحكام 24: 40.
6- فقه الصادق 21: 118.

يخلو من إشكال»(1).

وفيه نظر؛ إذ الارتكازات مختلفة بحسب العادات والبلاد والأزمنة والفتاوى.

وبعبارة أخرى: هذا الارتكاز معلول للعادات والفتاوى ونحوها، وليس ارتكازاً متشرعياً كاشفاً عن البيان الشرعي؛ ولذا جرت السيرة على الخلاف كما سبق، مع أنه معارض بمثله.

والإنكار للنظر من جهة الغيرة أو اللوازم المحرمة المصاحبة للنظر، لا مطلقاً على ما سبق، فلاحظ.

الدليل الثامن عشر: اجتناب النبي والأئمة (عليهم السلام) واتباعهم عن النظر

ما ذكره في المهذب كمؤيّد، حيث قال: «منها: ملازمة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة الهداة (عليهم السلام) والتابعين لهم بالاجتناب عن ذلك، نحو اجتنابهم عن سائر المحرمات»(2).

وفيه: إنّ الفعل لا يدل على الوجوب، والترك لا يدل على الحرمة.

الدليل التاسع عشر: معرفة المسلمين والمسلمات بالتستر

ما ذكره في المهذب بعنوان المؤيد، حيث قال: «إنّ أرباب سائر الأديان السماوية، بل وغيرهم يعرفون المسلمين والمسلمات بهذه الخصيصة في الأعصار السابقة، ويجعلون ذلك من شعار الإسلام»(3).

ص: 299


1- مستمسك العروة الوثقى 5: 247.
2- مهذب الأحكام 24: 41.
3- مهذب الأحكام 24: 41.

ويرد عليه: إنه إن أريد بمعرفة المسلمين بذلك كون كل متستر مسلماً أو متشرعاً، ففيه: إنه لو سُلم لا يفيد المدعى، أي: وجوب الستر.

وإن أريد بذلك كون كل مسلم أو متشرع متستراً، ففيه: ما تقدّم(1) من جريان سيرة كثير من المتشرعة على كشف الوجه والكفين.

وبعبارة أخرى: معرفة المسلم أو المتشرع بالتستر لا يستلزم التساوي بين مفهوم المتشرع والمتستر؛ لإمكان كونه لازماً أخص، ومن الواضح أن وجود اللازم الأخص، وإن استلزم وجود الأعم، لكن انتفاءه لا يستلزم انتفاءه، فيمكن أن يكون وزان التستر وزان حف الشارب أو غسل الجمعة مثلاً، فإنه وإن عرف به المتشرع، لكن ذلك لا يستلزم الانتفاء عند الانتفاء.

ومنه يظهر الكلام في مسألة جعل ذلك من شعار الإسلام.

الدليل العشرون: ارتكاز كون النظر معصية توجب التوبة

ما ذكر في المهذب بعنوان المؤيد، فقال: «صحة التوبة بالنسبة إلى الناظرين والنظارات إلى الوجه والكفين، فيعلم من ذلك أنّ عده من المعصية كان مرتكزاً في الأذهان»(2).

وقال في موضع آخر: «ولو رجعنا إلى فطرة النساء عند إرادة التوبة عما ارتكبن من المحرمات يعدن(3) ذلك منها، ويتبن من كشف وجوههن وأيديهن أيضاً»(4).

ص: 300


1- في الدليل الثالث والعشرين من أدلة القول بالجواز. راجع: الصفحة 239.
2- مهذب الأحكام 24: 41.
3- كذا، والظاهر «يعددن».
4- مهذب الأحكام 5: 238.

وفيه: إنّ التوبة أنما هي من الملازمات المحرمة المصاحبة عادة للنظر أو الكشف، لا من نفسهما، أو لكون فتوى المقلد الحرمة لا مطلقاً؛ مع أن التوبة قد تكون من ارتكاب المكروه، بل قد تكون من فعل المباح، بل ربما تكون من ممارسة الضرورات التكوينية الملازمة للوجود الإمكاني.

قال السيد الوالد في فقه العقائد: «وذلك مثل كلمات الأئمة (عليهم السلام) وقبلهم الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما قد يظهر منه الاعتراف بالمعصية، بينما أنهم (عليهم السلام) معصومون قطعاً، ولا يعملون حتى ترك الأولى أيضاً، فالاعتراف إشارة إلى الأمر التكويني من نقص الممكن ذاتاً، فإن الإنسان يريد بهذا الاعتراف أن يؤدي حق العبودية، وأن يكمل ذلك النقص الإمكاني بالمقدار الممكن، مثله مثل من يأتي بالخبز اليابس والماء المالح لضيف عظيم في حال كونه لا يملك غيرهما، فإنه يعتذر أشد الاعتذار من الضيف، مع أن عمله ليس حتى ترك الأولى الفاعلي، وإنما يشير إلى ترك الأولى الفعلي، ويعتذر لسد النقص الذي لا يملك المعتذر فيه الكمال، وهكذا عمل الأنبياء واعتذارت الأئمة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) في قباله تعالى»(1).

وقد ذكرنا تفصيله في غير المقام.

والخلاصة: إنّ التوبة لا تدل على التحريم، بل هي أعم منه، وقد ورد في الحديث عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وإني لاستغفر اللّه في كل يوم سبعين مرة»(2).

وفي الأدعية المأثورة: «اللّهم اغفر لي كل ذنب أذنبته، وكل خطيئة

ص: 301


1- الفقه (العقائد): 27.
2- مستدرك الوسائل 5: 320.

أخطأتها»(1).

وأما الارتكاز فقد مضى البحث عنه(2).

الدليل الواحد والعشرون: قصور أدلة جواز النظر عن الدلالة

ما ذكره في المهذب بعنوان المؤيّد من «قصور ما استدل به على الجواز عن الدلالة عليه، كما يأتي، وإن ناقش العلماء في ذلك فإنّ شأنهم المناقشة في المسلمات فضلاً عن الأمور الاجتهادية من الأحكام»(3).

وفيه: إنه لو سلم فهو غير فادح؛ لجريان أصالة البراءة أو استصحاب البراءة أو كليهما معاً لو وصلت النوبة إلى الشك؛ إذ الجواز لا يحتاج إلى دليل اجتهادي بخلاف المنع، وقد سبق الكلام في ذلك(4).

الدليل الثاني والعشرون: تتبع الأخبار يؤذن بالمنع من النظر

ما ذكره السيد الخوئي، حيث قال: «وقد تحصل من جميع ما تلوناه عليك لحد الآن أنّ مقتضى الصناعة بالنظر إلى أدلة الباب نفسها بعد ضم بعضها إلى بعض، والتدبر فيما يقتضيه الجمع بين الأدلة هو اختيار القول بالجواز، كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري مصرّاً عليه.

لكن مع ذلك كله في النفس منه شيء، والجزم به مشكل جداً، ولا مناص من الاحتياط الوجوبي في المقام - كما فعله الماتن ونعم ما صنع -

ص: 302


1- إقبال الأعمال 3: 332.
2- في الدليل السابع عشر من أدلة القول بالتحريم. راجع: الصفحة 302.
3- مهذب الأحكام 24: 41.
4- في الدليل السادس والعشرين من أدلة القول بالجواز. راجع: الصفحة 251.

وذلك لما ثبت من تتبع الآثار واستقصاء الموارد المتفرقة من الأخبار اهتمام الشارع الأقدس بشأن الأعراض اهتماماً بليغاً، بحيث يعلم من مذاقه التضييق فيما دون النظر، فضلاً عنه، والتشديد في ناموس المسلمين بالنهي عما يخالفه تحريماً أو تنزيهاً، كما يفصح عنه نهيه عن خروجهن للجمعة والجماعات على ما هي عليه من الفضل والمثوبات، وكذا النهي عن حضورهن لتشييع الجنائز، والمنع عن اختلاطهن مع الرجال في الأسواق الوارد في نهي علي (عليه السلام) أهل الكوفة عن ذلك، والنهي عن المحادثة معهن وسماع صوتهن، فيطمع الذي في قلبه مرض، وعن تقبيل البنات بعد بلوغهن ست سنين، وعن التسليم على المرأة الشابة، حيث ورد أن علياً (عليه السلام) كان لا يسلم عليهن، وعن الجلوس في مكان قامت عنه المرأة والحرارة بعد باقية؛ لكونه مهيجاً للشهوة، إلى غير ذلك من الموارد المتفرقة التي لا تخفى على المتتبع، ومعه كيف يمكن الحكم بالجواز سيما أنّ الوجه مجمع الحسن، ومركز الجمال، ومثار الفتنة والنظر إليه من مزال الأقدام ومواقع الهلكة غالباً»(1).

وفي المهذب ذكر مجموعة من الموارد الأخرى: «منها: قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : النساء عي وعورة، فاستروا عيهن بالسكوت، واستروا عوراتهن بالبيوت، ومنها: قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لا تنزلوا النساء الغرف(2). وقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ليس للنساء من سروات الطريق شيء، ولكن تمشي في جانب الحائط والطريق، وقول

ص: 303


1- شرح العروة الوثقی 12: 80.
2- لعلّ المراد منه الغرف الفوقانية حتى لا ينظرون إلى الشارع مثلاً.

أبي عبد اللّه (عليه السلام) : من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من اللّه، وعنه (عليه السلام) : فيما أخذ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) البيعة على النساء أن لا يحتبين(1)، ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء(2)، وعنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يبيت(3) في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم... وكذا يشهد له كيفية بيعة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للنساء، فإنه لما بايع النساء وأخذ عليهن دعا بإناء، فملأه ثم غمس يده في الإناء، ثم أخرجها ثم أمرهن أن يدخلن أيدهن فيغمسن فيه، إلى غير ذلك مما لا يحصى»(4).

وفيه: إنّ التضييق في ما دون النظر لا يستلزم التضييق في نفس النظر؛ لإمكان وجود مفسدة في تحريم النظر، أو وجود مصلحة راجحة أو مساوية لمفسدة التحريم تقتضي الحكم بالجواز، كمصلحة التسهيل مثلاً، وقد مضى بعض الكلام في ذلك(5)، ولو فرض عدم كفاية الاحتمال في المقام يمكن القول: إنّ تجويز الشارع للنظر يكشف كشفاً إنّياً عن وجود المفسدة المزبورة، أو وجود المصلحة المذكورة، وقد اعترف السيد الخوئي(6) بدلالة صحيحة علي بن سويد على جواز النظر، كما مضى تفصيل الكلام في سائر الأدلة في أدلة القول بالجواز، فراجع.

ص: 304


1- احتبى الرجل: إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته، وقد يحتبي بيديه. الصحاح 6: 2307.
2- ربما المراد الخلوة.
3- كذا، والظاهر «فلا يبت»، وفي جامع أحاديث الشيعة 25: 654 «فلا يلبث».
4- مهذب الأحكام 5: 232.
5- في الدليل الرابع عشر من أدلة القول بالحرمة. راجع: الصفحة 292.
6- شرح العروة الوثقی 12: 78.

لا يقال: جميع ما ذكر دال على عكس المطلوب، حيث إنها تثبت الكراهة في منتهى الأمر.

فإنه يقال: قال في المهذب: «وهذه الأخبار وإن حملها الأصحاب على الآداب في الجملة، ولكن لا شك في إمكان استفادة الأصل المزبور منها»(1)، أي: عدم الجواز.

لا يقال: حتى لو كانت هذه الموارد مقطوعة الحرمة لدلّت على جواز ما نحن فيه، فالشارع الذي يهتم بأمر المرأة حتى يحرم جعل يدها في إناء جعل الرجل يده فيه - فرضاً - كيف لم يقل حتى مرة واحدة يحرم النظر إلى وجه المرأة وكفيها؟

فإنه يقال: قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(2).

لا يقال: الكلام في هذا الدليل في حد ذاته لا المطلقات، والأدلة السابقة الدالة على الجواز، فكيف لم ينص الشارع حتى في مورد واحد على وجوب ستر الوجه مع اهتمامه؟ فهذا يدل على جواز كشف الوجه وإلا لبين، ولو كان لبان، خاصة مع ملاحظة الموارد المذكورة التي فرضنا دلالتها على الحرمة.

فإنه يقال: الإشكال قابل للتأمل.

والحاصل: صحيح أنّ الشارع احتاط كثيراً في قضية المرأة، ونحن نؤمن بالاحتياط، بل نقول للمؤمنين أن لا يفكروا في الحرام، بل لا يتصوروه.

ص: 305


1- مهذب الأحكام 5: 233.
2- النور: 30.

وقد كان من المفروض - طبقاً لهذه الأجواء - أن يحرم النظر، لكنه لم يحرمه لمفسدة في التحريم، كما لو أراد ابن الشخص أن يأكل شيئاً يضره، وأراد الأب أن ينهاه، لكنه يلاحظ أنه لو شدد عليه انفلت منه، ولأجل ذلك أباحه له، وكذا الشارع، إما لمصلحة التسهيل أو لمصالح أخرى أباح النظر.

الدليل الثالث والعشرون: لو كان جواز النظر ثابتاً لكان من الواضحات المشهورات

ما ذكره السيد الخوئي، حيث قال: «على أنه لو كان الجواز ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران لكان من الواضحات المشهورات، مع أنه لم ينقل القول به صريحاً من المتقدمين، إلا الشيخ الطوسي وبعض من تبعه من المتأخرين»(1).

وفيه: إنه يمكن عكس الدليل بأن يقال: إنه لو كان التحريم ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران لكان من الواضحات المشهورات، مع أنه لم ينقل القول به صريحاً من المتقدمين إلا عن ابن البراج وابن إدريس، بل قال في الرياض: «مضافاً إلى ندرة القول بالمنع مطلقاً؛ لعدم نقله إلا عن التذكرة وفخر الدين(2)، وإن مال إليه بعض من تأخر عنهما»(3).

لكن سيأتي - إن شاء اللّه تعالى - أنّ ظاهر عبارة ابن البراج وابن إدريس هو التحريم.

على أنه مضى القول بالجواز من الكليني في الكافي، ويبعد تفرده على

ص: 306


1- شرح العروة الوثقی 12: 81.
2- وهما من المتأخرين.
3- رياض المسائل 10: 71.

خلاف مَن تقدمه أو عاصره بهذه الفتوى. فقد عقد في الكافي باباً تحت عنوان (باب ما يحل النظر إليه من المرأة)(1)، وقد ذكر فيه مجموعة من الروايات تدل على جواز النظر إلى الوجه والكفين والكحل والخاتم وما أشبه، بضميمة ما في مقدمة الكافي: «وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدى فرض اللّه عزّ وجلّ وسنة نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سبباً يتدارك اللّه تعالى بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا، ويقبل بهم إلى مراشدهم... وقد يسر اللّه - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت... عمل بما فيه في دهرنا هذا وفي غابره إلى انقضاء الدنيا»(2).

قال الشيخ الطوسي في الخلاف في قوله تعالى {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها}: «وقال المفسرون: الوجه والكفان»(3).

وقال المحقق في المعتبر: «أما المرأة الحرة فجسدها عورة خلا الوجه، بإجماع علماء الإسلام، ولقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : جسد المرأة عورة، وكذا الكفان عند علمائنا، وبه قال مالك والشافعي، وقال الخُرفي من الحنابلة: هما عورة، لنا أنّ العادة ظهورهما للأخذ والعطاء، فلم يكونا من العورة، ولما روي عن ابن

ص: 307


1- الكافي 5: 520.
2- الكافي 1: 8-9.
3- الخلاف 4: 248.

عباس في قوله {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال الوجه والكفان»(1)

ولا يخفى أنّ هذه العبارة قوية جداً تدل على إجماع علماء الشيعة في: (أنّ الوجه والكفين ليسا بعورة) لكن هنالك شبهة، وهي: إنّ العبارة المذكورة في الصلاة لا النكاح، فهل يظهر منها أنّ العورة الصلاتية هي العورة في غيرها؟ ففي العبارة نوع من الغموض، لا أقل من كشفها عن رأي المحقق.

وقد ادعى صاحب الرياض(2) ندرة القول بالمنع مطلقاً، وادعى أيضاً(3) اعتضاد أدلة القول بالجواز بالشهرة في الجملة الظاهرة والمحكية، وقال: «بحيث ذهب الأكثر إلى حلّه في الجملة أو مطلقاً»(4).

وقد مضى ذكر أسماء مجموعة من الفقهاء أفتوا بالجواز فراجع(5).

هذا مضافاً إلى أنّ شهرة القول بالتحريم بين المتقدمين دليل من الأدلة، ويمكن أن يعارض الدليل دليل أقوى منه، كما في مسألة منزوحات البئر.

على أنّ السيرة الخارجية تدل على وضوح الجواز كما سبق(6).

الدليل الرابع والعشرون: الشهرة بين القدماء

ما ذكره في المسائل الفقهية، حيث قال: «لا يبعد دعوى أنّ المشهور بين

ص: 308


1- المعتبر 2: 101.
2- رياض المسائل 10: 71.
3- رياض المسائل 10: 69.
4- رياض المسائل 10: 70.
5- في الدليل الخامس عشر من أدلة القول بالتحريم. راجع: الصفحة 294.
6- في الدليل الثالث والعشرين من أدلة القول بالجواز. راجع: الصفحة 239.

القدماء عدم الجواز، وهذا يكشف إما عن كون الأمر كان كذلك إلى زمان المعصومين (عليهم السلام) أو عن فهمهم من الأخبار ذلك، ولا يجوز لنا أن نتعدى عما فهموه؛ لأنهم أهل الاطلاع واللغة، ومن البعيد أن تخفى عليهم هذه المسألة التي هي محل الابتلاء عندهم»(1).

وقد ذكر بعض عباراتهم، فراجع.

منها: قال المفيد في المقنعة: «وإذا أراد الرجل أن يعقد على امرأة فلا حرج عليه أن ينظر إلى وجهها قبل العقد، ويرى يديها بارزة من الثوب، وينظر إليها ماشية في ثيابها، وإذا أراد ابتياع أمة نظر إلى وجهها وشعر رأسها، ولا يحل له أن ينظر إلى وجه امرأة ليست له بمحرم ليتلذذ بذلك دون أن يراها للعقد عليها، ولا يجوز له - أيضاً - النظر إلى أمة لا يملكها؛ للتلذذ برؤيتها من غير عزم على ذلك لابتياعها، ولا بأس بالنظر إلى وجوه نساء أهل الكتاب وشعورهن؛ لأنهن بمنزلة الإماء، ولا يجوز النظر إلى ذلك منهنّ لريبة»(2).

والعبارة غير صريحة في الفتوى بالتحريم؛ وذلك لاحتمال إرادة انتفاء جواز النظر إلى المجموع المركب عند الانتفاء، وقد سبق نظيره.

ثم إنّ قوله: (ليتلذذ بذلك) مشعر بخلاف المطلوب، فإنه لو لم يكن فرق بين التلذذ وعدمه لم يكن وجه لتقييده بذلك، مع أنه كتاب فتوى، لا أقل من إجمال العبارة وغموضها، فلا يمكن نسبة الفتوى بحرمة النظر إلى

ص: 309


1- المسائل الفقهية: 75.
2- المقنعة: 520.

الوجه والكفين إليه.

والحاصل: لا أرى أن العبارة صريحة في فتواه في التحريم، وعلى فرض كونه صريحاً لم تحصل به الشهرة.

وقال أبو الصلاح الحلبي: «وإذا أراد نكاح امرأة جاز له أن ينظر إلى وجهها وبدنها وماشية في ثيابها»(1).

وقال ابن زهرة في الغنية: «ويجوز لمن أراد نكاح امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها بدليل إجماع الطائفة»(2).

وقال ابن حمزة في الوسيلة: «وإذا أراد أن يملك بامرأة جاز له النظر إلى محاسنها ومشيها وجسدها فوق الثياب»(3).

لكن هذه العبارات لا تدل على المدعى، حيث لا مفهوم لها، وعلى فرضه لا تدل على انعقاد الإجماع عليه، بل على الجانب الإيجابي فحسب.

نعم، هنالك عبارتان تدلان على المدعى ظاهراً، وهما:

قال ابن البراج في المهذب: «ويجوز للرجل النظر إلى وجه المرأة التي يريد العقد عليها وإلى محاسنها وجسمها من فوق ثيابها، فإن لم يكن مريداً للعقد عليها لم يجز له شيء من ذلك(4).

وقال ابن إدريس في السرائر: «لا يجوز للرجل الأجنبي من المرأة أن

ص: 310


1- الكافي في الفقه: 296.
2- غنية النزوع: 355.
3- الوسيلة: 314.
4- المهذب 2: 221.

ينظر إليها مختاراً، فأما النظر لضرورة أو حاجة فجائز... والحاجة مثل أن يتحمل شهادة على امرأة فله أن ينظر وجهها من غير ريبة ليعرفها ويحققها، وكذلك لو كانت بينه وبينها معاملة أو مبايعة فيعرف وجهها ليعلم من التي يعطيها الثمن إن كانت بائعة، أو المثمن إن كانت مبتاعة، ومثل الحاكم إذا حكم عليها، فإنه يرى وجهها ليعرفها ويجليها... فأما إذا نظر إلى جملتها يريد أن يتزوجها فعندنا يجوز أن ينظر إلى وجهها وكفيها فحسب»(1).

وقوله: «عندنا» ليس صريحاً في الإجماع، بل يحتمل إردة أنه كذلك عنده.

فتحصل من ذلك أنّ ظاهر كلام ابن إدريس وابن البراج دال على المدعى، وإذا ضم إليهما ما ذكره المفيد وأبو الصلاح الحلبي وابن زهرة وابن حمزة صار المجموع ستة، فهل هي ناهضة لإثبات الشهرة بين المتقدمين؟ خاصة مع ملاحظة فتوى الشيخ الطوسي بالجواز في التفسير والمبسوط والخلاف، وكذا الكليني.

وأمّا صاحب الرياض - وهو الفقيه الذي يعتنى بكلامه - فقد ادعى ندرة القول بالتحريم، ولم يعرف إلا عن التذكرة، وهو من المتأخرين، وقد ذهب الأكثر إلى حليته في الجملة أو مطلقاً.

ولو فرض أنها دلت على الشهرة بين المتقدمين، ولم يكن القول الآخر مشهوراً، فتأتي المناقشات الصغروية التي مرّت في الدليل الثالث والعشرين، حيث يمكن أن يرفع اليد عنها لدليل أقوى.

ص: 311


1- السرائر 2: 608.

ولعله يمكن أن يقال: إنّ كلمة (عندنا) تستعمل في ثلاثة موارد:

الأول: أن تكون مسبوقة بنقل أقوال العامة أو ملحوقة به، وفي هذا المورد يكون لها ظهور في دعوى الإجماع.

الثاني: أن تكون مسبوقة بنقل أقوال الخاصة أو ملحوقة به، وفي هذا المورد تكون ظاهرة في إبداء النظر الاجتهادي.

الثالث: أن تستعمل مجردة، وفي هذا المورد يحتمل الأمران.

ولم يثبت عندنا لكلمة (عندنا) المجردة حقيقة اصطلاحية خاصة، فتبقى على معناها اللغوي المحتمل للأمرين.

وهذه بعض العبارات عن ابن إدريس تكشف عن استخداماته المختلفة:

قال: «وإن كان(1) مخاطباً بالشرائع عندنا، وعند الأكثر من العلماء»(2).

وقال: «وهو مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد النعمان (رحمه اللّه) ، والأول مذهب أبي جعفر الطوسي (رحمه اللّه) ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك وحققناه، وهو أنها إن كانت لها عادة مستقيمة مستمرة فمذهب شيخنا أبي جعفر وقوله صحيح»(3).

وقال: «وقال السيد المرتضى في مصباحه: ومن فاتته صلاة الكسوف وجب عليه قضاؤها، إن كان قرص المنكسف احترق كله، فإن كان إنما احترق بعضه فلا يجب عليه القضاء، وقد روي وجوب القضاء على كل

ص: 312


1- أي: الكافر.
2- السرائر 1: 126.
3- السرائر 1: 143.

حال، والأول أظهر، وروي: أن مَن تعمد ترك هذه الصلاة وجب عليه مع القضاء الغسل. قال محمد بن إدريس: وقد قلنا ما عندنا في ذلك من القضاء وغيره، فلا وجه لإعادته»(1).

وقال: «وسيأتي الكلام في باب المغمى عليه، ونذكر ما عندنا في ذلك واختلاف أصحابنا فيه»(2).

وقال: «قال محمد بن إدريس: أما قوله (رحمه اللّه) : أو يقوم به بعضهم، فيسقط عن الباقين، فقد قلنا فيما تقدم ما عندنا فيه، وأما قوله: وإن كانوا إناثاً لم يلزمهن القضاء، فنعم ما قال، وذهب إليه، فإنه الصحيح من الأقوال، وذهب شيخنا المفيد (رحمه اللّه) إلى خلاف ذلك»(3).

وقال: «وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك، وتكلمنا عليه قبل هذا، والذي ذهب إليه شيخنا أخيرا هو الصحيح»(4).

وفي العبارة التي نقلناها في المقام لم يذكر الخلاف لا قبلها ولا بعدها.

فالمدعى أن كلمة (عندنا) مجملة فلا تدل على شهرة ذلك عند القدماء.

فقول السيد الرجائي: «وقوله عندنا يدل على شهرة ذلك عند الإمامية، فلا يبعد دعوى أن المشهور بين القدماء عدم الجواز»(5) غير تام.

ص: 313


1- السرائر 1: 324.
2- السرائر 1: 365.
3- السرائر 1: 408.
4- السرائر 1: 455.
5- المسائل الفقهية: 75.

ثم إنه لو فرض ظهور العبارة في دعوى الشهرة عورضت بدعوى الرياض الندرة، كما تقدّم قبل قليل.

ولو فرض عدم نهوضها بإثبات شهرة المتقدمين كفت دلالتها على الشهرة بين المتأخرين.

قال الفقيه الهمداني في بحث (انفعال ماء البئر بمجرد الملاقاة): «مع معارضة إجماعاتهم المنقولة والشهرة المحققة بما هو أقوى منها في إفادة الوثوق، وهي الشهرة بين المتأخرين ونقل إجماعهم عليه؛ لأنّ إعراضهم عن طريقة القدماء وهدمهم ما أسسوه مع شدة اهتمامهم في تصحيح مطالب السابقين كاشف عن أنّ بنيانهم ليس على أصل أصيل»(1).

فهنالك بحث في تعارض شهرة المتقدمين والمتأخرين، فقد ذهب البعض إلى تقديم الأول؛ لأنهم كانوا أقرب إلى عهد الروايات، وذهب آخرون إلى تقديم الثاني؛ لأنهم أدق، وقد اجتمعت الأدلة عندهم بعد أن كانت الكتب متفرقة عند المتقدمين، منتهى الأمر التكافؤ بينهما فتتعارض الشهرتان.

هذا، مع ما سبق من إمكان رفع اليد عن شهرة القدماء بدليل أقوى منها.

الدليل الخامس والعشرون: الروايات الدالة على حبس النساء في البيوت

ما دل من الروايات على حبسهن في البيوت، ذكره في المسائل الفقهية(2).

ص: 314


1- مصباح الفقيه 1: 174.
2- المسائل الفقهية: 53.

ويرد عليه:

أولاً: ما ربما يقال: إنّ هذه الروايات ضعيفة السند بأجمعها(1).

الحديث الأول: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ اللّه خلق حواء من آدم، فهمة النساء الرجال، فحصنوهن في البيوت(2)»(3).

وهو مجهول بعبد اللّه بن محمّد، وهو مشترك، وعبد الرحمان بن سيابة، ولم تثبت وثاقته.

الحديث الثاني: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ اللّه خلق آدم من الماء والطين، فهمة ابن آدم في الماء والطين، وخلق حواء من آدم، فهمة النساء في الرجال»(4).

ومع قطع النظر عن مشكلة التعليق فهو مرويٌّ عن الواسطي، وهو مجهول.

الحديث الثالث: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «إنّ المرأة خلقت من الرجل، وإنما همتها في الرجال، فاحبسوا نساءكم، وإن الرجل خلق من الأرض، وإنما همته في الأرض»(5).

ولا إشكال في السند إلا غياث بن أبي إبراهيم، وفي نسخة غياث بن

ص: 315


1- جامع أحاديث الشيعة 20: 261.
2- وهنا بحث، وهو هل انّ مفهوم هذه الروايات احبسوهنّ في البيوت أو زوجوهنّ؛ فلأنّ همتها في الرجل فزوجوها حتى تكون محصنة؟
3- وسائل الشيعة 20: 62.
4- الكافي 5: 337.
5- علل الشرائع 2: 498.

إبراهيم، وهو ثقة لكن الأوّل غير مذكور في الرجال، فهل يمكن إثبات اتحادهما؟.

الحديث الرابع: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «خلق الرجال من الأرض وإنما همهم في الأرض، وخلقت المرأة من الرجال، وإنما همها في الرجال، احبسوا نساءكم يا معاشر الرجال»(1).

وهي ضعيفة بوهب بن وهب، وهو من أكذب البرية(2).

وهناك روايات أخرى في الباب تحت رقم 8 و 9 و 10، وكلها إما ضعيفة أو مجهولة(3).

ويمكن دفع إشكال ضعف السند بوجود بعض الروايات المعتبرة مذكورة في أبواب أخرى تفيد هذا المعنى، ففي الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسلم: النساء عيٌّ وعورة، فاستروا العورات بالبيوت، واستروا العي بالسكوت»(4).

ثانياً: إنه لا شك في كونه حكماً أخلاقياً، ولم نرَ مَن أفتى بوجوب الحبس كما أنّ سيرة المتشرعة جارية على عدمه، فلا يستفاد منه حكم إلزامي.

قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في مرآة العقول: «ويدل على لزوم منعهن من

ص: 316


1- الكافي 5: 337.
2- إختيار معرفة الرجال 2: 597.
3- جامع أحاديث الشيعة 20: 262.
4- الكافي 5: 535.

الخروج عن البيوت من غير ضرورة إمّا وجوباً مع خوف الفتنة، أو نظرهن إلى الرجال على تقدير حرمته، واستحباباً في غير تلك الصورة»(1).

ثالثاً: إنّ بين الحبس والكشف والنظر عموماً من وجه، فالحبس لا ينافي الكشف والنظر، كما لو زار المرأة في البيت شخص أجنبي ونظر إلى وجهها، وكما لو احتوى البيت الواحد على العوائل المتعددة.

ورابعاً: إنّ مقتضى الجمع بين ما دل على جواز الكشف والنظر وهذه الروايات حمل هذه الروايات على الأفضلية.

هذا، مع جريان بعض الأجوبة المتقدمة في المقام أيضاً.

الدليل السادس والعشرون: الروايات الدالة على أن المرأة عورة

ما دل من الروايات على أنّ المرأة عورة:

منها: ما رواه في الكافي بسند صحيح: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : النساء عي وعورة، فاستروا العورات بالبيوت، واستروا العي بالسكوت»(2).

ومنها: ما فيه أيضاً بسند موثق: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «اتقوا اللّه في الضعيفين - يعني بذلك اليتيم والنساء - وإنما هن عورة»(3).

ص: 317


1- مرآة العقول 20: 373.
2- الكافي 5: 535.
3- الكافي 5: 511.

إلى غيرهما من الروايات.

قال العلامة المجلسي في المرآة: «العي: العجز عن البيان، أي لا يمكنهن التكلم بما ينبغي في أكثر المواطن، فاسعوا إلى سكوتهن لئلا يظهر منهن ما تكرهونه، فالمراد بالسكوت سكوتهن، ويحتمل أن يكون المراد سكوت الرجال المخاطبين، وعدم التكلم معهن؛ لئلا يتكلمن بما يؤذيهم»(1).

وجه الاستدلال: إنّ التنزيل يقتضي ترتيب جميع أحكام المنزّل عليه على المنزّل، أو أظهر الأحكام، وحيث إنّ أظهر أحكام العورة وجوب الستر وحرمة النظر يجب على المرأة ستر جميع جسدها، ويحرم النظر إلى جميع جسدها.

ويرد عليه:

أولاً: إنّ العورة في اللغة عبارة عما يستحيى منه وينبغي ستره.

قال في النهاية: «العورات: جمع عورة، وهي كل ما يستحيا منه إذا ظهر...

ومنه الحديث: المرأة عورة، جعلها نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت»(2). ونحوه ما في المصباح المنير(3).

وفي الآية الكريمة: {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}(4)، والأصل بقاء اللفظ على معناه اللغوي وعدم نقله إلى معنى جديد.

ص: 318


1- مرآة العقول 20: 373.
2- النهاية في غريب الحديث 3: 318.
3- المصباح المنير 2: 437.
4- الأحزاب: 13.

وهنالك روايات كثيرة تذكر فيها كلمة العورة بهذا المعنى مروية في الكافي.

إذا تم ذلك نقول: لم يدل دليل على وجوب ستر كل عورة.

ثم إنه لو فرض وقوع الاشتراك بين المعنيين لم يمكن الاستدلال بهذه الأحاديث في المقام لطروء الإجمال.

ولو سلم نقل اللفظ للمعنى الجديد، وهجر المعنى القديم فالظاهر إرادة المعنى اللغوي؛ لأنه المنساق من هذه الأخبار، ولو على نحو المجاز.

ويرد عليه: إنّ العورة وإن أريد بها معناها اللغوي لا معناها الاصطلاحي، إلا أنه ورد الأمر بسترها في الصحيحة، وإن لم يرد الأمر في الموثقة، والأمر ظاهر في الوجوب.

مع أنه لو سلم النقل فظاهره التنزيل المقتضي لترتيب كل الآثار أو أظهرها.

ثانياً: إنه لا شك في كونه حكماً أخلاقياً، فلا يستفاد منه حكم إلزامي كما سبق.

وثالثاً: إنه يمكن تخصيص هذه الروايات بأدلة الجواز.

هذا، مع جريان بعض الأجوبة المتقدمة في المقام أيضاً.

الدليل السابع والعشرون: الروايات الدالة على وجوب الستر حال الإحرام

ما دل على وجوب الستر في حالة الإحرام، استدل بذلك في المسائل الفقهية(1)، كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى

ص: 319


1- المسائل الفقهية: 48.

الذقن»(1).

و(تسدل) جملة خبرية، فتفيد الوجوب على المعروف(2).

وغيرها من الروايات.

وفيه: إنّ هذه الروايات - حيث وردت في مقام توهم الحظر - لا تدل على الوجوب.

لكن يمكن الإشكال في الجواب بأنه وإن تمَّ في بعض روايات الباب لا يتم في بعضها الآخر، مثل ما رواه محمّد بن علي بن الحسين (عليه السلام) بإسناده عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه سأله عن المحرمة فقال: «... وإن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها، ولا تستتر بيدها من الشمس»(3).

وفيه: إنه مع تأتّي الجواب السابق يمكن حمله على الأفضلية بقرينة الأدلة المجوزة، على ما سبق.

هذا، مع جريان بعض الأجوبة المتقدمة في المقام أيضاً. وقد سبق بعض الكلام في ذلك(4).

الدليل الثامن والعشرون: الوجدان

قال في المهذب: «إنّ كل من رجع إلى وجدان كل ذي غيرة من العقلاء الذين يعتنون بعرضهم من جميع أرباب الملل والأديان يجد في فطرة

ص: 320


1- من لا يحضره الفقيه 2: 342.
2- هداية المسترشدين 2: 681؛ فوائد الأصول 3: 412؛ نهاية الأفكار 1-2: 180.
3- من لا يحضره الفقيه 2: 344.
4- في الدليل السادس عشر من أدلة القول بالجواز. راجع: الصفحة 220.

عقولهم أصالة العورتية في المرأة مطلقاً، إلا ما نصت الشريعة المقدسة على الخلاف، واللّه جلّ جلاله غيور، ومن غيرته أنه حرم الفواحش كما في الحديث، فأصالة الستر في النساء وجداني لكل ذي فطرة سليمة، يرجع إلى فطرته مع التفاته إلى تحفظ العرض، وهذا الأصل الفطري يكفي في اعتباره عدم ثبوت الردع عنه»(1).

ويرد عليه: إنّ إصالة العورتية باعتبار اللوازم، أو باعتبار معرضية النظر للفتنة والفساد، لا باعتبار ذاته، مع أنّ هذا الملاك يمكن أن يكون مزاحماً عند العقلاء بملاك مساوٍ أو أقوى، فتأمّل.

مضافاً إلى ثبوت الردع عن هذا الأصل بالأدلة السابقة.

القول الثالث: التفصيل بين النظرة الأولى وغيرها
اشارة

أما القول الثالث: فهو التفصيل بين النظرة الأولى فتجوز، وغيرها فلا تجوز، وهو اختيار المحقق الحلي في الشرائع(2)، والعلامة في أكثر كتبه(3)، والشهيدين في اللمعة والروضة(4).

أدلة القول الثالث
اشارة

واستدل على هذا القول بأدلة:

ص: 321


1- مهذب الأحكام 5: 232.
2- شرائع الإسلام 2: 495.
3- تحرير الأحكام 3: 419.
4- اللمعة الدمشقية: 160؛ الروضة البهية 5: 99.
الدليل الأول: المنساق من أدلة الجواز هو المرة الأولى

ما ذكره في المهذب، حيث قال: «لانّ المنساق من أدلة الجواز - على فرض تمامية الدلالة - أنما هو المرة الأولى دون غيرها»(1).

وفيه نظر؛ لمكان الإطلاق في تلك الأدلة.

الدليل الثاني: استنكار المتشرعة للمرة الثانية

ما ذكره فيه أيضاً، حيث قال: «ويشهد له استنكار المتشرعة للأولى فضلاً عن الثانية... وبالجملة حتّى الفساق يستنكرون ذلك من أهل الإيمان والدين، فضلاً عن المتشرعات والمتشرعين»(2).

وفيه نظر؛ إذ الاستنكار للوازم ونحوها على ما تقدم.

الدليل الثالث: الروايات الواردة في جواز النظرة الأولى

الروايات الواردة في المقام، وهذا هو العمدة.

منها: ما رواه الصدوق في الفقيه: قال (عليه السلام) : «أول نظرة لك والثانية عليك ولا لك، والثالثة فيها الهلاك»(3).

وهي مرسلة فينطبق عليها البحث في مراسيل الصدوق.

ومنها: ما في الفقيه: وقال الصادق (عليه السلام) : «من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء، أو غمض بصره لم يرتد إليه بصره حتّى يزوجه اللّه من الحور

ص: 322


1- مهذب الأحكام 24: 43.
2- مهذب الأحكام 24: 43.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 474.

العين»(1).

ومنها: ما في الفقيه أيضاً قال: وفي خبر آخر: «لم يرتد إليه طرفه حتّى يعقبه اللّه إيماناً يجد طعمه»(2).

وهما مرسلتان.

ومنها: ما في عيون الأخبار: عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فليس لك يا علي إلا أول نظرة»(3).

وفيها بعض المجاهيل، كعبد اللّه بن محمّد الرازي.

ومنها: ما في معاني الأخبار: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا علي، أول النظرة لك والثانية عليك لا لك»(4). وهي مرسلة.

ومنها: ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «انّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال له: يا علي، لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإنّ لك الأولى وليست لك الأخيرة»(5).

وفيها بعض المجاهيل، كالحسين بن أحمد العدل.

ومنها: ما في الخصال بإسناده: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال: «لكم أول نظرة إلى المرأة، فلا تتبعوها بنظرة أخرى،

ص: 323


1- من لا يحضره الفقيه 3: 473.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 474.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 70.
4- معاني الأخبار: 127؛ وسائل الشيعة 20: 194.
5- وسائل الشيعة 20: 194.

واحذروا الفتنة»(1).

وفي سندها القاسم بن يحيى والحسن بن راشد، ولم يوثقا صريحاً، ولكنهما يوجدان في أسناد كامل الزيارات، فمَن اعتبر وثاقة كل مَن ورد اسمه في أسناده فيوثقان عنده.

لكن المبنى محل نظر.

وإن كانت هنالك طرق لتصحيح الطريق ذكرها السيد العم حفظه اللّه في بيان الأصول(2).

والحديث مهم جداً وذو بركات كثيرة، لكن في السند تأمل.

ومنها: عن الصادق (عليه السلام) في حديث في قوله تعالى{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}(3) قال: «إنما قيده اللّه سبحانه بالنظرة الواحدة؛ لأنّ النظرة الواحدة لا توجب الخطأ إلا بعد النظرة الثانية، بدلالة قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما قاله لأمير المؤمنين (عليه السلام) : يا علي، أول النظرة لك والثانية عليك لا لك»(4).

وهنا رواية صحيحة أو حسنة، وهي: محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن ابن أبي عمير(5)، عن الكاهلي(6) قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «النظرة بعد

ص: 324


1- الخصال: 632.
2- بيان الأصول 6: 144.
3- الصافات: 88-89.
4- وسائل الشيعة 20: 195.
5- طريق الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) إليه صحيح.
6- الكاهلي، قالوا: إنه ممدوح، لكنه عندنا ثقة لأنهم قالوا: «كان وجهاً عند أبي الحسن (عليه السلام) »، وهذه العبارة تدلّ ما على فوق التوثيق، لا أقلّ من التوثيق، لا أقلّ من الحسن. راجع رجال النجاشي: 221.

النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة»(1).

الإشكالات على الدليل الثالث

ويرد على الاستدلال بهذه الروايات أمور:

الإشكال الأول: الفرق بين النظرة الاتفاقية والمقصودة

إنّ الظاهر من هذه الروايات هو أنها بصدد الفرق بين النظرة الأولى والثانية، من حيث إنّ الأولى اتفاقية والثانية مقصودة، فتحرم الثانية دون الأولى، لا إنها بصدد الفرق بين الأولى والثانية من حيث العدد، فلا تدل على جواز النظرة الأولى إذا كانت مقصودة.

ذهب إلى ذلك المحدث البحراني(2) والسيد الحكيم(3) والسيد الخوئي(4).

وقال في الجواهر: «يمكن دعوى ظهورها في إرادة النهي عن إتباع النظر الاتفاقي بالنظر العمدي كما هو الواقع غالباً»(5).

وقال في المستند: «إن النظرة فيها مجملة، فلعل المراد من النظرة الأولى: الاتفاقية»(6).

الإشكال الثاني: ضعف سند الروايات المفصلة

إنّ معظم الروايات الدالة على التفصيل المذكور ضعيفة السند، والمعتبرة

ص: 325


1- وسائل الشيعة 20: 192.
2- الحدائق الناضرة 23: 58.
3- مستمسك العروة الوثقى 5: 247.
4- شرح العروة الوثقی 32: 50.
5- جواهر الكلام 29: 81.
6- مستند الشيعة 16: 52.

منها - وهي رواية الكاهلي - لا تدل على التفصيل المذكور؛ إذ إنها بينت الآثار المرتبة على النظرة الثانية، ولم تبين حكم النظرة الأولى من حيث الحلية والحرمة، فلعلها محرمة أيضاً من جهة أخرى.

وهذا كقولنا: الإصرار على الكبائر يؤدي إلى سوء العاقبة، فإنه لا يدل على جواز ارتكاب الكبيرة أول مرة.

اللّهم إلا أن يقال: إن الروايات متواترة بالتواتر المعنوي أو الإجمالي، وهي بمجموعها تدل على التفصيل.

أو يقال باعتبار رواية الخصال، أو يقال بتكفل العمومات أو أصالة البراءة لحلّية النظرة الأولى، فتأمّل.

الإشكال الثالث: عدم قبول العقل للتفصيل بين النظرة الأولى والثانية

وهو ما ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) ، حيث قال: «إنّ التفصيل بين الأولى والثانية بلحاظ العدد - بمعنى الالتزام بالجواز في النظرة الأُولى بما هي نظرة أولى حتى ولو كانت اختيارية، وعدم الجواز في الثانية بما هي ثانية - مما لا يقبله العقل السليم(1)، حيث يرد التشكيك في النظرة الأولى من حيث مدتها وفترة صدقها، وذلك بمعنى أنه إلى متى يجوز الاستمرار في النظرة الأولى؟ وهل يجوز النظر لمدة خمس دقائق مستمراً، في حين لا يجوز إعادة النظر ولو لأقل من دقيقة؛ لأنه من النظرة الثانية؟

ثم ما هي الفترة التي لا بد أن تمضي لتصدق ثانياً النظرة الأولى؟ وهل

ص: 326


1- العبارة محلّ نظر. فكيف قبله المحقق والعلامة والشهيدان؟

إذا نظر إلى المرأة فلا يجوز له النظر إليها ثانياً ما دام حياً؛ لأنه من النظرة الثانية، أو يكون المعيار في كونها من النظرة الأولى أو الثانية باليوم الواحد، فتعتبر النظرة الواقعة في الثاني النظرة الأولى أيضاً، أو أنه بالساعة أو الشهر أو السنة؟»(1).

وفيه: إنه لا يبعد كون الاستمرار في النظر في حكم معاودة النظر بالملاك العرفي، ونحوه ما ذكروه فيما يعتبر في طهره الغسل مرتين، حيث ذهب جملة من الفقهاء منهم: الشهيد في الذكرى والمحقق اليزدي في العروة والسيد الوالد في الفقه إلى أنّ دوام الصب في حكم الغسلة الثانية(2)، فتأمل.

بل قال في الحدائق: «والظاهر أنّ المراد بالنظرة الثانية هو الاستمرار على النظرة والمداومة بعد النظرة الأولى، التي حصلت اتفاقاً، وكذا الثالثة، وهي طول النظر زيادة على ذلك، واحتمال صرف بصره ثم عوده يمكن أيضاً»(3).

وإن كان لا يخلو عن نظر؛ لعدم صدق الثانية على الاستمرار في النظرة، إلا أن يستفاد الملاك.

وأما الفترة التي لا بد من مضيها لتصدق ثانياً النظرة الأولى فالملاك فيها العرف، كما هو الشأن في سائر الألفاظ الواردة في الروايات الشريفة، ولا يبعد عدم صدق الأولى ثانياً مع وحدة المجلس، فتأمّل.

ص: 327


1- شرح العروة الوثقی 32: 50.
2- ذكرى الشيعة 1: 104؛ العروة الوثقى 1: 228؛ الفقه 6: 32.
3- الحدائق الناضرة 23: 58.

قال في الجواهر شارحاً لكلام صاحب الشرائع: «لا يجوز معاودة النظر في مجلس واحد، بل ولا إطالته»(1).

نعم، لا نضايق عن وجود مصاديق مشتبهة، كما هو الشأن في كثير من المفاهيم، بل حتّى مفهوم الماء الذي هو من أوضح المفاهيم العرفية لا يخلو من وجود مصاديق مشتبهة، كالمياه الزاجية والكبريتية مثلاً، وحينئذٍ يكون المرجع الأصول العملية مع فقد الأدلة الاجتهادية.

الإشكال الرابع: الروايات معللة فيدور الحكم مدارها

إنّ الروايات معللة بزرع الشهوة في القلب والفتنة والوقوع في الخطأ، فيدور الحكم مدارها، فمع العلم أو الاطمئنان بانتفائها ينتفي الحكم بالتحريم.

والروايات المطلقة تقيد بالمقيدة منها.

وفي الفقه: «إنّ الروايات - ولو بقرينة الأخيرتين(2) - تدل على أن المسبب للفتنة محظور»(3).

اللّهم إلا أن يقال: إنها حكمة لا علة.

وفيه: إنّ الأصل العلية، فتأمّل.

الإشكال الخامس: حمل الروايات على الكراهة

إن هذه الروايات محمولة على الكراهة بقرينة الروايات المجوزة، التي

ص: 328


1- جواهر الكلام 29: 80.
2- مقصوده (رحمه اللّه) رواية الكاهلي وحديث الأربعمائة.
3- الفقه 62: 214.

لا يمكن فيها التفصيل بين الأولى والثانية.

وفيه نظر؛ لإمكان تقييد الروايات المجوزة بكون النظرة فيها أولى، ومعه لا تصل النوبة إلى الحمل على الكراهة.

نعم، يمكن القول: إنّ بعض الأدلة الدالة على الجواز آبية عن التقييد بالنظرة الأولى، كالسيرة مثلاً، وكذا بعض الروايات المجوزة، كصحيحة علي بن سويد، فتأمّل.

الإشكال السادس: التعارض بين هذه الروايات وبين أدلة جواز النظر إلى الوجه والكفين

إنّ الروايات الدالة على حرمة النظرة الثانية معارضة بالعموم من وجه، مع أدلة جواز النظر إلى الوجه والكفين في مورد اجتماع الدليلين، أي: الوجه والكفين في النظرة الثانية، مع افتراق الأولى في سائر البدن في الثانية، وافتراق الأخيرة في الوجه والكفين في الأولى، وحينئذٍ يتساقط الدليلان في مورد الاجتماع، ويكون المرجع أصالة البراءة.

وفيه نظر؛ لأنه عليه لا يبقى مورد لهذه الروايات المفصلة بين النظرة الأولى والثانية؛ إذ لا شك في حرمة النظر إلى سائر البدن ولو بالنظرة الأولى.

الإشكال السابع: عدم صراحة الروايات في التحريم

وهو ما ذكره في المستند(1).

وقال في الرياض: «قاصرة الدلالة»(2).

ص: 329


1- مستند الشيعة 16: 52.
2- رياض المسائل 10: 71.

وفيه نظر، إذ بعضها وإن كان قاصر الدلالة، إلا أنّ بعضها الآخر تضمن النهي، أو كون النظرة الثانية عليك، أو ليست لك إلا الأولى، وهذه العبارات ظاهرة في التحريم.

هذا، ولكن قد يقال: إنّ المعتبر منها - وهو رواية الكاهلي - لا تدل على التحريم؛ إذ لم يثبت كون مطلق الشهوة والفتنة محرماً.

نعم، لو قيل باعتبار رواية الخصال كان ظاهر ما تضمنه من النهي التحريم. إلا أن يقال: إنّ قوله في ذيله: «واحذورا الفتنة» مشعر بالعلية، فيدور الأمر مدار خوف الفتنة.

وكذا لو قيل بتواتر الروايات معنى أو إجمالاً. وكذا لو قيل بحرمة إثارة الشهوة مطلقاً بالأجنبية. لكنه يكون معلّلاً حينئذٍ، فتأمّل.

الإشكال الثامن: إجمال المتعلق

وهو: إن هذه الروايات مجملة المتعلق.

وفيه نظر؛ لظهورها في النظر إلى المرأة، مع صراحة بعضها في كون المقصود ذلك، كرواية الخصال(1).

ويؤيده - إن لم يدل عليه - فهم الفقهاء، فتأمّل.

الدليل الرابع: كون النظرة الثانية مظنة الفتنة

إنّ النظرة الثانية مظنة الفتنة، لأنّ شأنها أن يحدث عنها الميل القلبي وتترتب عليه الفتنة.

ص: 330


1- الخصال: 632.

ويرد عليه: إنّ جواز النظر مشروط بعدم خوف الفتنة، كما سيأتي قريباً إن شاء اللّه تعالى.

الدليل الخامس: مقتضى الجمع بين أدلة القولين هو التفصيل

إنّ التفصيل بين النظرة الأولى والثانية هو مقتضى الجمع بين أدلة القولين.

وفيه: إنه - مع قطع النظر عن الأخبار الواردة - جمع تبرعي لا شاهد له، وأولى منه الجمع بالحمل على الكراهة، فإنه جمع عرفي، وهو الشأن في نظائر المقام.

ولعله لأجل هذه الإيرادات ونحوها اعتبر صاحب الجواهر هذا القول أضعف قول في المسألة(1).

هذا، ولكن يحتمل كون مراد المفصلين التفصيل بين النظرة الاتفاقية وغيرها، فتأمّل.

تذييل: في حكم الاستمرار في النظر

هل الاستمرار في النظر في حكم معاودة النظر؟

لا يبعد ذلك، وقد تقدّم تفصيل الكلام في ذلك.

انتهت الأقوال في مسألة جواز النظر إلى الوجه والكفين.

فروع
اشارة

يقع الكلام في بعض الفروع المتعلقة بالمسألة:

ص: 331


1- جواهر الكلام 29: 80.
الفرع الأول: في شروط جواز النظر إلى الوجه والكفين

يشترط في جواز النظر إلى الوجه والكفين شروط:

الأول: عدم التلذذ.

الثاني: عدم الريبة.

الثالث: عدم خوف الافتتان.

وقد سبق الكلام في ذلك(1).

الفرع الثاني: حصول التلذذ في أثناء النظر

إذا لم يقصد التلذذ بالنظر، لكن وقع التلذذ في الأثناء، فهل يجب الكف، كما مرّ، كما هو المحكي عن المشهور أو لا يجب، كما عن الشيخ الأعظم؟ وجهان، هما: جواز استمرار النظر مع حصول التلذذ في الأثناء، ووجوب الكف.

استدل عليه الشيخ الأعظم بأدلة ثلاثة:

الدليل الأول: إطلاق أدلة جواز النظر(2).

ويرد عليه:

أولاً: دعوى انصراف الأدلة المجوزة عن صورة حصول التلذذ في الأثناء، فيكون المحكم العمومات الفوقانية، أي: أدلة حرمة النظر إلى الأجنبية.

ثانياً: تقييد الإطلاق بالمرتكزات المتشرعية، فإنها تقتضي حرمة النظر مع

ص: 332


1- في الفرع الخامس من المسألة الثانية. راجع: الصفحة 95.
2- كتاب النكاح: 53.

التلذذ، فيقيد بها الإطلاق، ذكر هذا الجواب صاحب المستمسك(1).

ثالثاً: دعوى الإجماع على عدم جواز النظر.

وفيه: إن الإجماع دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، إلا أن يضم إليه ما سيأتي في الجواب الخامس.

رابعاً: إنّ أدلة حرمة التلذذ بالنظر - مثل خبر الفضل ورواية الجعفريات وموثقة عباد وآية الغض - تقتضي الحرمة مطلقاً.

وخامساً: إنّ النظر بقصد اللذة حرام بلا إشكال للأدلة السابقة، ولا فرق في نظر العرف بين النظر بقصد اللذة وحصول اللذة في الأثناء.

قال السيد الوالد في الفقه: «لا بد من تقيده بما تقدم من حرمة النظر بتلذذ، فإنّ العرف لا يكاد يعرف الفرق بين النظر بتلذذ بقصد في الابتداء أو في الأثناء، فلو لم يكن دليل آخر لكان المناط كافياً»(2).

هذا، وقد يقال: إنّ النظر بقصد اللذة أيضاً يغاير النظر بقصد آخر، وإن كان مصحوباً باللذة، والمحرم الأول، وقياس الثاني عليه قياس مع الفارق.

إلا أن يجاب بأن مقتضى الأدلة المتقدمة حرمة النظر المصحوب باللذة، وحينئذٍ لا يفرق العرف بين الابتداء والأثناء، فتأمّل.

الدليل الثاني: «... انّ النظر إلى حسان الوجوه من الذكور والإناث لا ينفك عن التلذذ غالباً - بمقتضى الطبيعة البشرية المجبولة على ملاءمة الحسان - فلو حرم النظر مع حصول التلذذ لوجب استثناء النظر إلى حسان

ص: 333


1- مستمسك العروة الوثقى 14: 30.
2- الفقه 62: 213.

الوجه، مع أنه لا قائل بالفصل بينهم وبين غيرهم»(1).

وأجاب السيد الوالد (رحمه اللّه) عنه في الفقه: «إن أراد التلذذ الشهواني فهو ممنوع، وان أراد مثل ما يحصل من النظر إلى الأوراد والأطيار الجميلة ونحوها، فذلك جائز، وليس من التلذذ الممنوع في المقام»(2).

وقد سبق الكلام في ذلك(3).

هذا مع أنّ عدم القول بالفصل ليس بحجة على ما قرر في محله(4).

الدليل الثالث، ذكره بعنوان المؤيد: صحيح علي بن سويد، حيث قال: «فإنّ مراد السائل أنه كثيراً ما يتفق له الابتلاء بالنظر إلى المرأة الجميلة، وأنه حين النظر إليها والمكالمة معها - لمعاملة أو غيرها - يتلذذ لكمال حسنها»(5).

ويرد عليه:

أولاً: إن قول الراوي: «يعجبني» حكاية فعل خارجي، فلا ينعقد له إطلاق ليشمل الإعجاب الشهوي.

وثانياً: إنه على فرض انعقاد الإطلاق يقيد بالأدلة الخارجية، كالارتكاز المتشرعي مثلاً.

لا يقال: بناء على هذا الدليل لا وجه للتفصيل بين الأولى والثانية.

ص: 334


1- كتاب النكاح: 53.
2- الفقه 62: 213.
3- في الفرع السادس من المسألة الثانية. راجع: الصفحة 111.
4- مفاتيح الأصول: 338؛ هداية المسترشدين 1: 453.
5- كتاب النكاح: 53.

فإنه يقال: هذا إشكال آخر عليه.

والحاصل: إنّ الشيخ تفرد بذلك، ولم نعرف له موافقاً، ولعله غريب منه.

الفرع الثالث: في أنواع النظر

قال في المهذب: «النظر تارة التفاتي(1)، وأُخرى اختياري عمدي إجمالي(2)، وثالثة تفصيلي تعمقي ليميز بين الخصوصيات، ومقتضى المرتكزات استقباح الأخير واستنكاره، وفي شمول الأدلة على فرض صحة الدلالة منع، وكذا الثاني أيضاً فيبقى الأول»(3).

وقال في موضع آخر: «ثم إن النظر إلى الوجه والكفين على أقسام:

الأول: النظر الاتفاقي، ولا ريب في عدم حرمته.

الثاني: النظر الإجمالي الالتفاتي من غير تكرار، بحيث لا يكون(4) مقام تمييز الجهات والخصوصيات، كالنظر العبوري بالنسبة إلى سائر الأشياء، ويمكن دعوى انصراف الأدلة المانعة عنه.

الثالث: النظر التفصيلي الالتفاتي، كنظر المشتري إلى ما يريد شراءه، والرجل إلى امرأة يريد أن يتزوجها، ولا يجتري أحد على القول بجوازه، وبذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات»(5).

وفيه نظر؛ لإطلاق الأدلة السابقة الدالة على الجواز، ولم ينهض دليل

ص: 335


1- الظاهر أنه اتفاقي.
2- الإجمالي بمعنى ملاحظة المجموع من حيث المجموع وعدم التدقيق في الخصوصيات.
3- مهذب الأحكام 24: 42.
4- الظاهر سقوط كلمة (في).
5- مهذب الأحكام 5: 238.

على التقييد.

لكن لا يخفى أنّ النظر مزلق خطير من مزالق الشيطان، فاللازم عقلاً الحذر مع عدم أمن الفتنة، بل ينبغي التجنب مطلقاً.

الفرع الرابع: كفاية الوهم في خوف الوقوع في الحرام

في خوف الوقوع في الحرام يكفي الوهم، ولو كان ضعيفاً؛ لإطلاق الأدلة السابقة على شرطية عدم الخوف.

نعم، يشترط كون الاحتمال عقلائياً، أما غير العقلائي فهو مُطمأن بعدمه، والاطمئنان مرتبة من مراتب العلم عرفاً.

لا يقال: الملاك الخوف فلا يكفي الوهم.

فإنه يقال: الخوف يجامع الوهم، وقد قال الفقهاء في كتاب الصوم: إنه إذا خاف الضرر، وللضرر مراتب ويشمل مرتبة الوهم إلا إذا كان الاحتمال غير عقلائي.

لا يقال: الملاك في الخوف هو الخوف الشخصي، لا النوعي.

فإنه يقال: ذكروا مسائل الخوف في كتاب الصوم، والأدلة المذكورة فيها تشمل الوهم، والخوف العقلائي يساوي النوعي.

والذي يبدو أنّ الخوف الشخصي إذا لم يكن نوعياً فهو خوف غير عقلائي، وهو مُطمأن بعدمه عقلائياً، فلا يعتنى به.

وقد اختار السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه أنّ الخوف نوعي(1)، وحيث إنّ

ص: 336


1- الفقه 36: 13.

البحث له عرض عريض فينبغي مراجعة (كتاب الصوم) و(مباحث التيمم) و(قاعدة لا ضرر).

ثم إنه مضت مجموعة من البحوث في فروع المسألة الثانية ترتبط بالمقام فراجع(1).

ص: 337


1- راجع: الصفحة 101.

ص: 338

المسألة الرابعة: نظر المرأة إلى الرجل

اشارة

ص: 339

ص: 340

المسألة الرابعة: نظر المرأة إلى الرجل

اشارة

ولا يخفى أنّ أصل حرمة نظر المرأة إلى الرجل مما لا إشكال فيه ولا خلاف، بل عليه الإجماع والتسالم، إنما الكلام في حدود الحرمة.

الأقوال في حكم نظر المرأة إلى الرجل

وفي المقام احتمالات:

الأول: حرمة النظر إلى جميع الجسد حتّى الوجه والكفين.

الثاني: حرمة النظر إلى ما عدا الوجه والكفين مطلقاً، أو على تفصيل بين النظرة الأولى والثانية كالرجل.

الثالث: حرمة النظر إلى غير ما جرت السيرة على عدم ستره، أو على النظر إليه.

الرابع: حرمة النظر إلى خصوص العورتين فقط.

القول الأول: حرمة النظر إلى جميع الجسد

أما القول الأول - وهو حرمة النظر إلى جميع الجسد حتّى الوجه والكفين - فقد اختاره في الجواهر(1) والمهذب(2).

ص: 341


1- جواهر الكلام 29: 81.
2- مهذب الأحكام 24: 43.

وقد استدل على تحريم النظر بأدلة:

الدليل الأول: إطلاق آية الغض، قال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}(1).

استدل به المهذب(2) وفقه الصادق(3).

ويرد عليه:

أولاً: التشكيك في ثبوت الإطلاق للآية الكريمة؛ إذ أصالة الإطلاق مستندة للظهورات النوعية، ولا ظهور للآية الكريمة عرفاً في العموم، فتكون كأمر الوعاظ بالغض الذي لا يعين حدود ما يجب الغض عنه، فتأمّل.

وثانياً: إن الإطلاق - لو فرض ثبوته - قابل للتخصيص بالأدلة التي ستذكر لاحقاً، إن شاء اللّه تعالى.

ثم إنه قد مضت مجموعة من المناقشات في دلالة الآية الكريمة(4) فراجع.

الدليل الثاني: ما روي عن الصديقة الكبرى (عليها السلام) أنها قالت: «خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فاطمة مني»(5).

ويرد عليه:

ص: 342


1- النور: 31.
2- مهذب الأحكام 24: 39، 43.
3- فقه الصادق 21: 119.
4- في الدليل الأول من أدلة القول بحرمة النظر إلى الوجه والكفين من المسألة الثالثة. راجع: الصفحة 252.
5- وسائل الشيعة 20: 232.

أولاً: إنّ الرواية مرسلة، وقد مضى تفصيل الكلام عن ذلك(1)، فلا تصلح لإثبات حكم إلزامي.

لا يقال: لا يشترط في اعتبار الرواية صحة السند فقط، وإنما تكفي قوة المضمون، ومثل هذا المضمون لا يصدر إلا عن معصوم (عليه السلام) ، وهذه الرواية لو أعطيت للمتشرعة لأذعنوا بذلك.

فإنه يقال: كل مَن اطمأنّ إلى ذلك فاطمئنانه حجة عليه، وإذا ثبت الاطمئنان النوعي نسلم به.

وثانياً: إنّ كلمة (خير) لا تدل على الوجوب.

لا يقال: ربما يكون المراد الخير في مقابل الشر.

فإنه يقال: لم يثبت أنّ كل شر محرم.

وثالثاً: إنّ الإطلاق قابل للتقييد.

الدليل الثالث: ما رواه محمّد بن يعقوب: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه قال: «استأذن ابن أم مكتوم على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعنده عائشة وحفصة، فقال لهما: قوما فادخلا البيت، فقالتا: إنه أعمى، فقال إن لم يركما فإنكما تريانه»(2).

ونحوها ما رواه الطبرسي في مكام الأخلاق عن أم سلمة قالت: «كنت عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعنده ميمونة، فاقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمر

ص: 343


1- في الإشكال الرابع على الدليل الثالث عشر من أدلة جواز النظر إلى الوجه والكفين في المسألة الثالثة. راجع: الصفحة 217.
2- الكافي 5: 534، وقد استدل به في مهذب الأحكام 24: 39.

بالحجاب، فقال: احتجبا، فقلنا: يا رسول اللّه، أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟»(1).

ويرد على الاستدلال:

أولاً: إنهما مرسلتان.

ثانياً: ما ذكره السيد الخوئي، حيث قال في رد رواية الشيخ الكليني: «إنها تكفلت بيان فعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهو لا يدل على اللزوم»(2).

وقال أيضاً في رد رواية مكارم الأخلاق: «إنها مرسلة، على أنه لا دلالة فيها على اللزوم»(3).

وفيه نظر؛ لأنه أمر بالفعل لا فعل.

وثالثاً: ما في الفقه، حيث قال: «... والثانية(4) أظهر في الكراهة؛ إذ لا يحتاج الأمر إلى دخول الغرفة»(5).

وفيه تأمل؛ إذ الأمر بالدخول مقدمي لعدم الرؤية، وعدم الرؤية وإن أمكن بالغض، إلا أنه إذا كان الملاك في الطبيعي يمكن اختيار أية حصة من حصصه؛ لإمكان الترجيح بلا مرجح على المعروف(6)، وعلى الامتناع إذا كان في أحد الطرفين مزية، كما فيما نحن فيه، فإنّ الدخول آكد في

ص: 344


1- مكارم الأخلاق: 233؛ وسائل الشيعة 20: 232.
2- شرح العروة الوثقی 32: 39.
3- شرح العروة الوثقی 32: 39.
4- أي: الرواية الأولى.
5- الفقه 62: 201.
6- تعليقة على معالم الأصول 5: 497.

عدم النظر، فتأمّل.

لا يقال: هنالك جواب آخر، وهو أنّ الحديث يتضمن أمراً ونهياً، (فادخلا البيت) أمر، و (فإنكما تريانه) في قوة لا تنظرا إليه، فإن كان الأول ظاهراً في الكراهة فلا وجه لظهور الثاني في الكراهة.

فإنه يقال: هذا أيضاً جيد كما يبدو.

ورابعاً: ما في الفقه أيضاً: «ثم أليست المرأة تخرج إلى خارج البيت فترى الرجال»(1)، ولعل المراد أنه لو كان النظر حراماً لنهيت النساء عن الخروج إلى خارج البيت، الذي يلازم النظر إلى الرجال عادة، فعدم النهي وجريان سيرة النساء على الخروج وعلى النظر دليل جواز النظر، وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

الدليل الرابع: الروايات الدالة على حبس النساء في البيوت(2).

وقد مضت المناقشة في ذلك(3).

الدليل الخامس: ما دلّ من الروايات على أنّ المرأة عورة(4).

وقد مضت المناقشة في ذلك(5).

مع أنّ التنزل انما يكون باعتبار أظهر الآثار، وأظهر آثار العورة(6) حرمة

ص: 345


1- الفقه 62: 201.
2- وسائل الشيعة 20: 62.
3- في الدليل الخامس والعشرين من أدلة حرمة النظر إلى الوجه والكفين. راجع: الصفحة 314.
4- الكافي 5: 535.
5- في الدليل السادس والعشرين من أدلة حرمة النظر إلى الوجه والكفين. راجع: الصفحة 317.
6- أي: أحكامها.

النظر إليها، ووجوب سترها، لا حرمة نظر العورة إلى الآخرين!!

وبعبارة أخرى: إنّ المستدل يقول: إنها تنزيل، والتنزيل مبتنٍ على التشبيه، والعورة يجب سترها فلا ينظرون إليها، لا أنها لا ترى الآخرين.

الدليل السادس: ما دل من الروايات على عدم إنزالهن الغرف(1).

ويظهر الجواب عنه مما تقدّم(2).

الدليل السابع: رواية الجعفريات: عن الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما: «أنّ فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لِمَ حجبته وهو لا يراك؟ فقالت: يا رسول اللّه، إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أشهد أنك بضعة مني»(3).

ويرد عليه - مع قطع النظر عن الإشكال السندي - أنّ الفعل لا يدل على الوجوب.

الدليل الثامن: ما رواه محمّد بن علي بن الحسين في عقاب الأعمال، كما في الوسائل قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «اشتد غضب اللّه على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها، أو غير ذي محرم منها، فإنها إن فعلت ذلك أحبط اللّه عزّ وجلّ كل عمل عملته»(4).

ص: 346


1- من لا يحضره الفقيه 1: 374.
2- يراجع ما ذكرناه في الدليلين الماضيين فإنه ينفع المقام أيضاً. راجع: الصفحة 314-317.
3- مستدرك الوسائل 14: 289.
4- وسائل الشيعة 20: 232.

ويرد عليه:

أولاً: إنها ضعيفة السند؛ لوجود عدة مجاهيل في سندها(1).

وثانياً: إنها أخص من المدعى؛ لأنّ موردها ذات البعل(2)، كما ذكره بعضهم، فتأمّل.

الدليل التاسع: الأخبار الدالة على أنّ النظر سهم من سهام إبليس ونحو ذلك(3)، فإنها بإطلاقها تشمل نظر المرأة إلى الرجل.

وفيه ما تقدّم(4).

الدليل العاشر: التعليل الوارد في قوله تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}(5)، فإنه يدل على أنّ المصلحة الداعية إلى إيجاب الغض على الرجال عدم تحريك الشهوة، وعدم التلوث بالذنوب، وهذا الملاك بعينه موجود في عدم نظر المرأة إلى الرجل، بل هو أشدّ، كما يظهر من الروايات الدالة على همّة النساء في الرجال(6)، وأنّ شهوة المرأة أكثر من الرجل، وأنّ للشهوة عشرة أجزاء تسعة منها في النساء(7)، ونحو ذلك.

ص: 347


1- شرح العروة الوثقی 32: 39.
2- شرح العروة الوثقی 32: 39.
3- الكافي 5: 559.
4- في الدليل الحادي عشر من أدلة حرمة النظر إلى الوجه والكفين. راجع: الصفحة 284.
5- النور: 30.
6- وسائل الشيعة 20: 62.
7- الكافي 5: 338.

وأقرب من ذلك الاستدلال بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}(1).

وفيه: إنّ العلة يدور مدارها الحكم وجوداً وعدماً، فإذا فرض عدم كون نظرها إليه في معرض التحريك والتلوث جاز النظر؛ لانتفاء العلة.

مع أن الظاهر كون العلة علة للجعل لا للمجعول، ولذلك لا يدور الحكم مدارها.

الدليل الحادي عشر: ما مضى من الدليل الثاني والعشرين(2) من أدلة القول بحرمة نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها، من أنه علم من مذاق الشارع التضييق في شأن الأعراض.

ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) (3)، واعتمد عليه وعلى الدليل اللاحق في الاحتياط الوجوبي بعدم نظر المرأة الرجل مطلقاً، مع اعترافه بعدم دلالة نفس أدلة الباب على الحرمة؛ لضعفها سنداً أو دلالة.

والجواب: نظير الجواب السابق، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى مزيد بيان لذلك.

الدليل الثاني عشر: ما مضى من الدليل الثالث والعشرين من: «أنه لو كان الجواز ثابتاً في هذه المسألة الكثيرة الدوران لكان من الواضحات

ص: 348


1- الأحزاب: 53.
2- راجع: الصفحة 302.
3- شرح العروة الوثقی 12: 80.

المشهورات»(1). ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) .

والجواب: نظير الجواب السابق، وسيأتي توضيحه أكثر إن شاء اللّه تعالى.

الدليل الثالث عشر: الإجماع، ادعاه في المهذب(2)، وفي الحدائق(3) ادعى عدم الخلاف.

ويرد عليه: صغرى: بعدم وجود الإجماع، كيف ولم يتعرض للمسألة كثير من القدماء والمتأخرين، بل ثبت وجود الخلاف في المسألة، كما سوف يأتي إن شاء اللّه تعالى.

وكبرى: بكونه محتمل الاستناد على القول بقادحية الاحتمال في الحجية، وإن كان لا يخلو من نظر.

الدليل الرابع عشر: وهو ما ذكره في المهذب(4)، من أنّ الحرمة مقتضى مرتكزات المتشرعين والمتشرعات قديماً وحديثاً.

لكن في ارتكاز الحرمة نظر، بل يمكن عكس الدعوى، بأن يقال: إنّ الجواز مقتضى المرتكزات قديماً وحديثاً، وسيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

القول الثاني: حرمة النظر في الجملة

القول الثاني: حرمة النظر إلى ما عدا الوجه والكفين مطلقاً.

ص: 349


1- شرح العروة الوثقی 12: 81.
2- مهذب الأحكام 24: 39.
3- الحدائق الناضرة 23: 65.
4- مهذب الأحكام 24: 39.

أما الحرمة فيما عدا الوجه والكفين فقد انقدح مما تقدّم في أدلة القول الأول.

وأما الجواز فيدل عليه:

الدليل الأول: الإجماع المركب.

قال في الرياض: «وتتحد المرأة مع الرجل، فتمنع في محل المنع لا في غيره إجماعاً»(1).

ونحوه كلام الشيخ الأعظم في الرسالة على ما حكي عنه(2).

وقال في المستند: «كلما ذكر فيه جواز نظر الرجل إلى المرأة يجوز فيه العكس بالإجماع المركب، في غير الزوجة التي يراد تزويجها، أو الأمة التي يراد شراؤها. وبالأصل فيهما وفي البواقي أيضاً، لفقد الصارف عنه، سوى الإجماع المركب المنتفي في المقام...»(3).

وفي المستمسك: «الذي يظهر من كلماتهم مساواة المرأة للرجل في المستثنى والمستثنى منه»(4).

فكل مَن قال بعدم جواز نظر الرجل إلى المرأة قال في المرأة بذلك، وكل مَن قال بالجواز قال في المرأة بذلك.

ويرد عليه:

أولاً: الإجماع المركب ليس بحجة.

ص: 350


1- رياض المسائل 10: 72.
2- مستمسك العروة الوثقى 14: 26.
3- مستند الشيعة 16: 63.
4- مستمسك العروة الوثقى 14: 26.

وثانياً: لو سلمنا نهوضه بإثبات التلازم فلنا أن نمنع جواز نظره إلى وجهها وكفيها.

لكن قد مضى اختيار القول بالجواز، فراجع.

الدليل الثاني: العسر والحرج.

وفيه: إنهما شخصيان ويتقدران بقدرهما، مع أنهما لا يرفعان التحريم على قول مضى التأمل فيه.

الدليل الثالث: السيرة القطعية.

ذكره في فقه الصادق(1)، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

الدليل الرابع: الأولوية، فإنه إذا جاز نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها، مع كونها مصدر الفتنة والإثارة جاز نظرها إليهما منه بطريق أولى.

وفيه نظر: خصوصاً مع ملاحظة الروايات الدالة على زيادة شهوة المرأة على الرجل، فتأمل.

الدليل الخامس: أصالة الجواز لو فرض عدم نهوض الأدلة الاجتهادية على الحرمة.

الدليل السادس: انسياق اتحاد المراد من لفظ (من) في قوله تعالى: {مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(2)، وقوله تعالى: {مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}(3)، فإذا كان المراد في المؤمنين ما عدا الوجه والكفين كان كذلك في المؤمنات؛ لوحدة السياق.

ص: 351


1- فقه الصادق 21: 119.
2- النور: 30.
3- النور: 31.

وفيه: ما تقدّم من أنّ التبعيض بلحاظ نفس النظر لا بلحاظ المنظور إليه، وحذف المتعلق يفيد العموم، والاستثناء الخارجي في جانب نظر الرجل لا يلازم الاستثناء في جانب نظر المرأة.

هذا، ولكن سيأتي عدم اختصاص الجواز بهذا المقدار.

التفصيل بين النظرة الأولى والثانية

ثم إنّ المحقق في الشرائع ومن وافقه(1)، اختار التفصيل بين النظرة الأولى والثانية.

ولعله لإطلاق الأدلة، مثل معتبرة الكاهلي: «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة»(2)، ولا يقيدها ما ذكر فيه المرأة، مثل رواية الخصال: «لكم أول نظرة إلى المرأة، فلا تتبعوها نظرة أخرى»(3)؛ لعدم التنافي بينهما في مثل المقام عرفاً، أو لإلغاء خصوصية نظر الرجل إلى المرأة، وقد مضى البحث في استدلاله.

القول الثالث: حرمة النظر إلى غير ما جرت السيرة على عدم ستره أو على النظر إليه

واختار هذا القول السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه، قال: «الظاهر جواز نظر المرأة إلى الرجل فيما تعارف من رأسه ورقبته ووجهه ويده ورجله»(4).

ويدل على ذلك أدلّة:

ص: 352


1- شرائع الإسلام 2: 495؛ تحرير الأحكام 3: 419؛ جواهر الكلام 29: 80.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 18؛ وسائل الشيعة 20: 192.
3- الخصال: 632.
4- الفقه 62: 202.

الدليل الأول: أصالة الجواز، ذكره في الفقه(1).

وقال في حاشية العروة: «ولا يبعد الجواز لمثل الوجه والرأس والرقبة واليدين والرجلين مما جرت عليه السيرة في عهد المعصومين (عليهم السلام) من غير منع ظاهر»(2).

والظاهر أن المراد جريان سيرة المتشرعة عليه.

وهو تام مع عدم ثبوت دليل اجتهادي على المنع، كإطلاق آية الغض، وقد مضى الكلام في الأدلة الاجتهادية المستدل بها على المنع.

الدليل الثاني: السيرة القطعية، استدل به السيد الوالد (رحمه اللّه) أيضاً في الفقه، حيث قال: «وللسيرة القطعية، فإنّ الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كانوا يخطبون فوق المنبر، وكانت النساء حاضرات وينظرن إليهم، ولم يكن إنكار، بل في قصة الغدير بان بياض إبطيهما (عليهما السلام) ، والنساء كن حاضرات، وعند بيعتهن للرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وللإمام (عليه السلام) في الغدير كنّ يبايعن ويتكلمن، ولا إشكال في نظرهن إليهما (عليهما السلام) ، كما هو المتعارف، وكذلك في أيام الحج تنظر النساء إلى رؤوس الحجاج ووجوههم، ولو كان الأمر كما ذكروا لزم أن يمنع من ذلك أشد المنع في روايات متواترات، فعدم الورود دليل العدم، بل روى الكليني(3) بسنده إلى جابر الجعفي(4)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خرج رسول

ص: 353


1- الفقه 62: 202.
2- العروة الوثقى 2: 604.
3- الكافي 1: 514.
4- والسند صحيح.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم النحر إلى ظهر المدينة على جبل(1) عاري الجسم(2)، فمرّ بالنساء، فوقف عليهن ثم قال: يا معشر النساء، تصدقن وأطعن أزواجكن، فإنّ أكثركن في النار، فلما سمعن ذلك بكين، ثم قامت إليه امرأة منهن فقالت: يا رسول اللّه، في النار مع الكفار! واللّه ما نحن بكفار، فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنكن كافرات بحق أزواجكن.

فإنّ عري جسم الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتكلمه مع النساء في تلك الحالة دليل على أنه ليس بمثل ذلك»(3).

ويضاف إلى ذلك شواهد أخرى:

منها: ما في الكافي(4): في صلاة عيد الإمام الرضا (عليه السلام) ، قعد الناس له في الطرقات والسطوح الرجال والنساء والصبيان، قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة.

ومنها: ما في المستدرك: «رأيت علياً (عليه السلام) وهو يخرج من القصر، وعليه قطريتان، إزار إلى نصف الساق، ورداؤه مشمر قريب منه»(5).

ومنها: ما في الاختصاص: «دخل عليه هشام وعليه قميص إلى الركبة،

ص: 354


1- كذا في الفقه، وأمّا الوسائل فنسخه مختلفة، ففي بعضها: «علی جبل»، وفي بعضها: «على جمل» كما في الكافي، والظاهر أنه بالميم.
2- إذا كان «على جبل» فالمراد أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان عاري الجسم، وأما «على جمل» فنستظهر أنه صفة الجمل.
3- الفقه 62: 202-203.
4- الكافي 1: 488-490.
5- مستدرك الوسائل 3: 320.

وسراويل إلى نصف الساق»(1).

ومنها: ما في تحف العقول: «واتزر إلى نصف الساق»(2).

ومنها: ما في البرهان(3) من روايات متعددة تبيّن أن المراد من قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} التشمير. وفيها صحيحة السند كهذه: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى: «{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال: فشمر»(4)، وفي بعض الأخبار: «... وأمرته أن يقصّر، إن اللّه عز و جل يقول: {وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ}»(5).

أقول: يمكن تقرير هذا الدليل بهذا النحو: إنّ النساء حين تحدثهن مع الرجال، أو استماعهن إليهم ونحو ذلك لا يخلو أمرهن من حالتين:

الأولى: إنهن كن يغضضن البصر عن النظر.

الثانية: إنهن كن ينظرن إليهم، والحالة الأولى ظاهرة مناقضة للطبيعة، فإنّ طبع المرأة كالرجل أن تنظر إلى الخطيب، وإلى مَن تسأل منه الأحكام الشرعية، وإلى الرجال في الطريق، والظواهر غير الطبيعية تنعكس عادة في التاريخ وتتناقلها الأجيال المتعاقبة، وحيث لم ترد في الروايات والتواريخ

ص: 355


1- الاختصاص: 96.
2- تحف العقول: 42.
3- البرهان 5: 523.
4- الكافي 6: 455.
5- البرهان 5: 523.

والمنقولات المتوارثة أية إشارة إلى ذلك - فيما نعلم - دل ذلك على أنهنّ كن ينظرن إليهم، وحينئذٍ لا يخلو الأمر من حصول الردع من قبل المعصومين (عليهم السلام) عن النظر، أو عدم حصول الردع، وحصول الردع عن مثل هذه الظاهرة المستحكمة يستلزم وصوله إلينا، وحيث لم يصل دل على عدم الردع، وهو آية التقرير، وهذا يعني أن السيرة المزبورة ممضاة من قبل المعصومين (عليهم السلام) .

قال السيد الخوئي (رحمه اللّه) : «إنّ السيرة القطعية قائمة على الجواز بالنسبة إليها من عصر الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى زماننا هذا، فإنهنّ كنّ ينظرن إلى الرجال في حين التكلم معهم أو غيره، ولو من وراء الحجاب»(1).

وقد مضى كلام السيد الروحاني في خصوص الوجه والكفين.

ومما ذكر يظهر النظر في ما أجاب به في المسائل الفقهية، بقوله: «أولاً: المنع عن سيرة المسلمات على نظرهن إلى الرجال لا لحاجة ولا ضرورة... وثانياً: إثبات كون السيرة سيرة المتدينات غير معلوم، مع شدة احتجاب النساء عن الرجال في بعض البلاد العربية في العصر الحاضر أيضاً»(2).

وسيأتي ما يزيد الأمر وضوحاً إن شاء اللّه تعالى.

الدليل الثالث: الملازمة العرفية بين جواز كشف الرجل بدنه وجواز النظر، إما مطلقاً أو مقيداً بفعلية الكشف.

ومقتضى التقرير الأول جواز النظر إلى ما عدا العورتين إن لم يقم دليل

ص: 356


1- شرح العروة الوثقی 32: 37.
2- المسائل الفقهية: 127-128.

على الخلاف، ومقتضى التقرير الثاني: جوز النظر إلى ما تعارف كشفه.

وقد مضى بيان الملازمة(1).

ولعلّ ما ذكر هو مراد من استدل على جواز النظر بأنه لو استويا لأمر الرجل بالاحتجاب كالنساء(2).

وأجاب عنه في المستمسك(3) بأنه كما ترى.

ولعل مراده عدم الملازمة.

لكن الظاهر وجود الملازمة بين جواز الإظهار، وجواز النظر عرفاً، مطلقاً أو بالقيد المزبور، خاصة أن المسألة محل الابتلاء كثيراً.

الدليل الرابع: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه بعنوان التأييد، حيث قال: «ويؤيد ذلك مجيء الأسراء إلى المدينة واعتاقهن واختيار بنات كسرى الحسين (عليه السلام) وغيره بسبب نظرهن إليهم»(4).

وأجاب عنه بقوله: «اللّهم إلا أن يقال: إنّ ذلك من باب نظر المرأة إلى الرجل عند إرادة الزواج»(5).

لكن جواز نظر المرأة إلى رجل تريد الزواج به محل كلام.

ص: 357


1- في الدليل الأول من أدلة القول بجواز النظر إلى الوجه والكفين. راجع: الصفحة 146.
2- تذكرة الفقهاء (الطبعة الحجرية) 2: 573.
3- مستمسك العروة الوثقى 14: 25.
4- الفقه 62: 203.
5- الفقه 62: 203.

وعليه، يدل نظرهن على الجواز لتقرير المعصوم (عليه السلام) ذلك(1).

إلاّ أنّ ثبوت أصل القضية بحاجة إلى تتبع، فتأمّل.

الدليل الخامس: ما ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) ، حيث قال: «ويؤيده ملاحظة أنّ نظر المرأة إلى الرجل من حيث الحكم في عصرهم (عليهم السلام) لا يخلو من حالات ثلاث:

فإمّا أن يكون واضح الحرمة، وإمّا أن يكون واضح الجواز، وإمّا أن يكون مشتبهاً.

والأوّل بعيد جداً؛ إذ لا يحتمل أن تكون حرمة نظر المرأة إلى الرجل أوضح من حرمة نظر الرجل إليها، بحيث يرد السؤال عن الثاني ولا يرد عن الأوّل.

والثالث يدفعه عدم السؤال عنه، ولا في رواية واحدة، فإنّه لو كان الحكم مشكوكاً ومشتبهاً فكيف لم يُسأل عنه المعصوم (عليه السلام) ؟ وكيف لم ينبّه عليه هو، بعدما عرفت أن المتعارف في الخارج ذلك؟

ومن هنا يتعيّن الاحتمال الثاني، وأنّ الحكم بالجواز كان واضحاً لدى المتشرعة في عصرهم (عليهم السلام) إلى حد لم تكن هناك حاجة للسؤال عنه»(2).

لا يقال: إنّ اعتماد الدليل المذكور على قاعدة لو كان لبان، ومع ملاحظة تلف الكثير من كتب الشيعة ورواياتهم تكون القاعدة محل تأمل.

ص: 358


1- إلا أن يقال: لم يثبت أنهن أسلمن حين نظرهن، فلعلّ عدم الردع كان من باب الإلزام، كما إذا لبس كافر ذهباً فلم يردع لحليته في دينه.
2- شرح العروة الوثقی 32: 37.

فإنه يقال: أولاً: الكثير من الكتب حفظت ثم أتلفت، فالكافي احتوى على كثير من تلك الكتب، وكثير من الروايات وصلت عبر الحفظ لا الكتب.

وثانياً: لا يعقل أنّ جميع الروايات المتعلقة بنظر المرأة إلى الرجل أتلفت اتفاقاً.

لا يقال: ربما كانت رواية واحدة، حيث تكفينا لإثبات الحكم الشرعي فتلفت.

فإنه يقال: لو كان الأمر مشتبهاً لتكرر السؤال عنه كالتظليل في الحج، وحيث لم يتكرر السؤال فهو إمّا واضح الجواز أو واضح الحرمة، والثاني غير معقول؛ لأنّ في نظر الرجل إلى المرأة - والذي هو أشد - كثرت الأسئلة فوردت روايات متعددة، فلا يبقى إلا الأول.

القول الرابع(1): حرمة النظر إلى خصوص العورتين

ويدل عليه:

الدليل الأول: إنه لا مقتضي للتحريم فيما عدا العورتين.

قال السيد الخوئي (رحمه اللّه) : «إنه ليس هناك أي رواية معتبرة تدل على حرمة نظر المرأة إلى الرجل، وعليه فالحكم بالمنع مبني على الاحتياط»(2).

وفي مباني المنهاج(3) ناقش أدلة الحرمة وردها بأجمعها.

ص: 359


1- عبر السيد الأستاذ (رحمه اللّه) بالاحتمال الرابع، فأبدلناه إلى القول حفظاً للسياق.
2- شرح العروة الوثقی 32: 40.
3- مباني منهاج الصالحين 9: 576.

ويرد عليه:

أولاً: إطلاق آية الغض.

لكن قد مضى التأمل في ثبوت الإطلاق.

وثانياً: إنه مستنكر عند المتشرعة.

وقد يناقش فيه بأنّ الاستنكار للوازم الغالبية لا للعمل في حد نفسه، فتأمّل.

وثالثاً: الروايات الضعيفة المنجبرة بالإجماع المدعى(1).

وفيه: إنه لم يعلم استناد المجمعين إلى هذه الروايات، فتأمّل.

ورابعاً: عدم العثور على قائل بالجواز كذلك مما يوهن الاحتمال المذكور.

وقد مضى ادعاء الإجماع من المهذب وعدم الخلاف من الحدائق على القول بالحرمة مطلقاً، كما مضت دعوى الإجماع على القول الثاني من صاحب الرياض والمحقق النراقي والشيخ الأعظم.

الدليل الثاني: رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: «سألته عن المرأة يكون بها الجرح في فخذها أو بطنها أو عضدها، هل يصلح للرجل أن ينظر إليه ويعالجه؟ قال: لا، قال: وسألته عن الرجل يكون ببطن فخذه أو إليته الجرح هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه؟ قال: إذا لم يكن عورة فلا بأس»(2).

ص: 360


1- كقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أن لا ترى رجلاً».
2- مسائل علي بن جعفر: 166؛ قرب الإسناد: 227؛ وسائل الشيعة 20: 233.

ويرد عليه:

أولاً: إنّ سند كتاب قرب الإسناد وكتاب مسائل علي بن جعفر (عليه السلام) ، اللذين وردت فيهما هذه الرواية(1) غير ثابت.

ذكر هذا الإشكال في المسائل الفقهية(2).

لكن قد مضى الكلام في الإشكال في سند كتاب قرب الإسناد(3)، كما مضى الكلام في الإشكال في سند كتاب مسائل علي بن جعفر(4)، فراجع.

وثانياً: ما ذكره في المسائل الفقهية، بقوله: «إنه مطلق وشامل لصورتي الاضطرار وعدمه، فيمكن تقييده بصورة الاضطرار»(5).

وفيه نظر؛ إذ إنه تقييد بلا دليل. مع أنّ الجواب بعدم الجواز في المسألة الأولى وارد في صورة عدم الاضطرار، وإلا فلا إشكال في الجواز في صورة الاضطرار، فيكون كذلك في المسألة الثانية، فيدل على الجواز وإن لم يكن اضطرار.

لكن قد يقال بعدم وجود دليل على ورود الجوابين في مجلس واحد، فلا يصح الاستدلال بوحدة السياق، فتأمّل.

وثالثاً: إنّ ذيل الرواية دليل على أخفية نظرها إليه من نظره إليها، ورد

ص: 361


1- قرب الإسناد: 227؛ مسائل علي بن جعفر: 166.
2- المسائل الفقهية: 123.
3- في الدليل السادس من أدلة القول بجواز النظر إلى الوجه والكفين. راجع: الصفحة 174.
4- في الدليل الحادي عشر من أدلة القول بالجواز. راجع: الصفحة 204.
5- المسائل الفقهية: 123.

ذلك في الفقه(1).

وفيه تأمل؛ إذ ظاهرها نفي البأس المطلق لا نفي البأس النسبي.

ورابعاً: إنه يدل على الجواز في مورد الحاجة، التي هي أعم من الاضطرار، فلا يمكن التعدي إلى غير موارد الحاجة، اللّهم إلا أن يفهم عدم الخصوصية.

وفيه نظر؛ إذ لعل مقام العلاج ونحوه من موارد الحاجة يختلف عن غيره في الحكم، وقد استثنى صاحب العروة (رحمه اللّه) من عدم جواز النظر مقام المعالجة في عرض استثناء مقام الضرورة في أوائل كتاب النكاح(2)، فتأمل.

شرط عدم اللذة والريبة ثم إنّ هنالك فروعاً في نظر المرأة إلى الرجل، مثل: اشتراط عدم اللذة وعدم الريبة، ويظهر الحال فيها مما تقدّم.

ويبقى الكلام في الاستدلال بمداواة الجرحى، راجع في ذلك المسائل(3) والفقه فيما استثني من النظر(4) وروايات الموت(5).

ص: 362


1- الفقه 62: 228.
2- العروة الوثقى 5: 488.
3- المسائل الفقهية: 121، 125-126.
4- الفقه 62: 226.
5- الفقه 62: 208.

المسألة الخامسة: النظر إلى من يريد الزواج منها

اشارة

ص: 363

ص: 364

المسألة الخامسة: النظر إلى من يريد الزواج منها

ولا إشكال في أصل الجواز.

وفي الرياض(1) نقل عليه الإجماع.

وقال في المستند: «ولا خلاف في جواز النظر إلى وجهها ويديها إلى الزند، واستفاضت عليه حكاية الإجماع بل تحقق، فهو الحجة فيه»(2).

وقال في الجواهر: «لا خلاف بين المسلمين في أنه يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها، وكفيها، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر»(3).

وفي الفقه(4) نقل عليه الإجماع مستفيضاً.

وحكى الإجماع في الجملة في المهذب(5).

وقال في فقه الصادق: «بلا خلاف في الجملة»(6).

ص: 365


1- رياض المسائل 10: 60.
2- مستند الشيعة 16: 36.
3- جواهر الكلام 29: 63.
4- الفقه 62: 165.
5- مهذب الأحكام 24: 32.
6- فقه الصادق 21: 90.

وتدل عليه روايات: قال في الرياض: إنها مستفيضة(1).

وقال في الفقه: إنها متواترة(2).

الرواية الأولى: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل، يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال: نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن»(3).

وهي صحيحة، لكن عبر عنها في الرياض بالحسنة(4)، وفي الحدائق عبر عنها بالصحيح أو الحسن(5)، وعلى كل حال فهي معتبرة، والمختار أنها صحيحة.

وربما تولد كلمة (يشتريها) إشكالاً عند البعض، وللسيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه تعليقة على هذه العبارة، حيث قال: «لا يبعد أن يراد بالثمن نفس الرجل؛ لأنّ العوضين في النكاح الرجل والمرأة، وإنما المهر حلاوة، وإن كان قد يطلق على المهر بأنه بدل البضع(6)»(7).

ص: 366


1- رياض المسائل 10: 60.
2- الفقه 62: 165.
3- الكافي 5: 365.
4- رياض المسائل 10: 60.
5- الحدائق الناضرة 23: 42.
6- ويؤيده قوله (عليه السلام) : «بأغلى الثمن» لا يتناسب مع المهر، خاصة مع تأكيد الإسلام على قلة المهر، كخاتم من حديد، والأغلى يناسب نفس الرجل. هذا والتوجيه المذكور لهذه الروايات هو مما تفرد به السيد الوالد (رحمه اللّه) فيما نعلم.
7- الفقه 62: 166.

وعلى ما ببالي في بعض الكتب الفقهية(1) أنّ البضع إنما هو في قبال البضع. وهذا ليس نكاح الشغار الباطل عندنا كما هو واضح.

الرواية الثانية: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، وحماد بن عثمان، وحفص بن البختري، كلهم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها»(2).

وهي صحيحة وفي الرياض(3) الحسن أو الصحيح، وكذا في الحدائق(4)، وفي المستند حسنة(5).

الرواية الثالثة: خبر أو صحيح ابن السري، وهو: أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان(6)، عن ابن مسكان، عن الحسن بن السري، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : «الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال: نعم، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ينظر إلى خلقها وإلى وجهها»(7).

ص: 367


1- الفقه 62: 166.
2- الكافي 5: 365.
3- رياض المسائل 10: 60.
4- الحدائق الناضرة 23: 42.
5- مستند الشيعة 16: 31.
6- عندما يقال: صفوان فهو إما صفوان بن مهران أو صفوان بن يحيى، وكلاهما ثقة، والأغلب غلبة عظمى أن يراد صفوان بن يحيى.
7- وسائل الشيعة 20: 88؛ وفي الكافي 5: 365: «الی خلفها».

هنالك إشكال ذكره السيد الخوئي (رحمه اللّه) ، حيث قال: «وقد عبر عن هذه الرواية بعضهم بالصحيحة، إلا أنّ الأمر ليس كذلك، فإنّ الحسن بن السري قد ورد توثيقه عن النجاشي في كلمات ابن داود والعلامة والميرزا الاسترابادي، غير أنّ السيد التفرشي قد ذكر بأنّ ذلك غير موجود في كلمات النجاشي، مع أنّ لديه أربع نسخ من كتابه (رحمه اللّه) ، وكذلك لم نعثر عليه عند مراجعتنا للنسخة الصحيحة، وعلى هذا فلا تثبت وثاقة الرجل، ولا يمكن العمل بروايته»(1).

وفيه نظر؛ لأنّ أصالة عدم الزيادة مقدمة على أصالة عدم النقيصة، فإنّ لرجال النجاشي نسخاً متعددة، وقد وصلت إلى السيد التفرشي أربع نسخ لم يوجد فيها التوثيق، لكن النسخة التي وصلت إلى العلامة وابن داود والاسترابادي كان فيها التوثيق، ونضيف أيضاً النسخة التي وصلت إلى الحر العاملي، حيث إنه وثقه عن النجاشي.

فإما النسخ التي وصلت إلى السيد التفرشي كان فيها نقيصة، أو النسخ التي وصلت إلى هؤلاء كان فيها زيادة، وأصالة عدم الزيادة مقدمة على أصالة عدم النقيصة من الناحية العقلائية؛ لأنّ النقيصة ممكنة، حيث قد يزيغ القلم أو النظر عن كلمة بخلاف الزيادة.

وعلى فرض القبول ربما يقال: إنه يكفي في وثاقته توثيق العلامة له صريحاً في الخلاصة(2) بناء على قبول توثيقات المتأخرين.

ص: 368


1- شرح العروة الوثقی 32: 13.
2- خلاصة الأقوال: 105.

كما وثقه الطريحي في مشتركاته.

كما يمكن أن يقال بوثاقته لرواية جعفر بن بشير عنه، وإن كان المبنى(1) محلّ تأمل.

كما يمكن أن يقال بوثاقته لرواية الأجلاء عنه، كزرارة ويونس بن عبد الرحمن والبرقي وغيرهم، وإن كان في المبنى نظر.

نعم، هنالك روايتان يظهر منهما ذم الرجل(2)، لكن ضعف سندهما أسقطهما عن الحجية.

ولعله لما ذكرناه عبّر عن هذه الرواية بالصحيحة في الحدائق والرياض والمستند والمستمسك والفقه والمهذب وفقه الصادق(3).

والمتحصل أنّ الرواية صحيحة ظاهراً.

الرواية الرابعة: صحيحة ابن سنان أو ضعيفته، وهي: محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحكم بن مسكين، عن عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : «الرجل يريد أن يتزوج المرأة، أينظر إلى شعرها، فقال: نعم، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»(4).

عبر عن هذه الرواية بالصحيحة في الفقه وشرح العروة والمهذب وفقه

ص: 369


1- أي: وثاقة جميع مشايخ جعفر بن بشير.
2- معجم رجال الحديث 2: 395.
3- الفقه 62: 166؛ مهذب الأحكام 24: 32؛ فقه الصادق 21: 93؛ رياض المسائل 10: 60؛ الحدائق الناضرة 23: 43؛ مستند الشيعة 16: 31؛ مستمسك العروة الوثقى 14: 13.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 412؛ تهذيب الأحكام 7: 435؛ وسائل الشيعة 20: 89.

الصادق(1).

ولكن قال في الرياض: «والضعيفة بجهالة الراوي في الشعر خاصة»(2).

وذكر المجهول في الهامش بقوله: «هو الحكم بن مسكين».

أقول: ينبغي النظر في سند هذه الرواية، وهو: محمد بن الحسن وهو الشيخ الطوسي، بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، وهو ثقة، وطريق الطوسي إليه صحيح.

عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، وفيه بحث، أنه الهيثم أو الهاشم؟ والأول ثقة والثاني مجهول.

عن الحكم بن مسكين، مجهول.

عن عبد اللّه بن سنان، ثقة.

ففي السند مشكلتان:

الأولى: جهالة الحكم بن مسكين.

الثانية: المذكور في التهذيب الطبعة القديمة الهاشم بن أبي مسروق النهدي بدل هيثم، وهو مجهول غير مذكور في كتب الرجال.

ومع ذلك كيف عبر هؤلاء الأعلام عنها بالصحيحة؟

وأجاب السيد الخوئي (رحمه اللّه) عن الإشكال: «والظاهر أنّ المذكور(3) في

ص: 370


1- الفقه 62: 166؛ شرح العروة الوثقی 32: 12؛ مهذب الأحكام 24: 32؛ فقه الصادق 21: 93.
2- رياض المسائل 10: 62.
3- أي: الهيثم بن أبي مسروق.

الوسائل - الموافق للطبعة الحديثة من التهذيب - هو الصحيح، فإن الهاشم بن أبي مسروق النهدي لا وجود له في كتب الأخبار والرجال»(1).

أقول: إن أفاد ذلك اليقين أو الاطمئنان فبها، وإلا فيمكن التغلب على كلتا المشكلتين بالتعويض عن هذا الطريق بطريق آخر، وهو: الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن سنان.

وعند مراجعة المشيخة يتبين أن طريق الصدوق إلى عبد اللّه بن سنان هو: «وما كان فيه عن عبد اللّه بن سنان، فقد رويته عن أبي رضي اللّه عنه، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان»(2).

وكلهم ثقات.

فالحق صحة الرواية، وكأنّ صاحب الرياض لم يلتفت إلى وجود الطريق الآخر، فعبر عنها بالضعيفة.

ولا يخفى أنّ السيد الخوئي ذكر الطريق غير المعتبر، وعبر عنه بالصحيحة.

الرواية الخامسة: خبر أو موثق أو صحيح غياث، وهو: محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن يحيى(3)، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) : «في رجل ينظر إلى محاسن

ص: 371


1- شرح العروة الوثقی 32: 12.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 431.
3- إمّا الخثعمي أو الخزاز، وكلاهما ثقة، كما ذكره في المشتركات.

امرأة يريد أن يتزوجها، قال: لا بأس، إنما هو مستام، فإن يُقض أمر يكون»(1).

وعبر عنها في الفقه بالخبر، وفي الرياض والمستند بالموثق، وفي شرح العروة بالصحيحة(2).

والذي يبدو لنا أنّ الرواية صحيحة؛ لتوثيق النجاشي لغياث بن إبراهيم(3).

ولعل التعبير بالموثق؛ لاشتراك غياث بن إبراهيم مع رجل آخر بتري، وقد رجح السيد الخوئي (رحمه اللّه) أنه غيره بلحاظ الطبقات(4).

الرواية السادسة: محمّد بن علي بن الحسين في العلل عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن البزنطي، عن يونس بن يعقوب، قال قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : «الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز له أن ينظر إليها؟ قال: نعم، وترقق له الثياب؛ لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»(5).

وقد عبر عنها في الفقه بموثق يونس بن يعقوب، وكذا في الرياض وفقه الصادق(6)، ويمكن التعبير عنها بالصحيحة أيضاً؛ وذلك للكلام في يونس بن يعقوب، حيث كان فطحياً ثم رجع(7)، ولعل التعبير عنها بالموثقة لأجل

ص: 372


1- تهذيب الأحكام 7: 435؛ وسائل الشيعة 20: 89.
2- الفقه 62: 167؛ رياض المسائل 10: 62؛ مستند الشيعة 16: 37؛ شرح العروة الوثقی 32: 12.
3- رجال النجاشي: 305.
4- شرح العروة الوثقی 32: 12.
5- وسائل الشيعة 20: 90.
6- الفقه 62: 167؛ رياض المسائل 10: 60؛ فقه الصادق 21: 92.
7- رجال النجاشي: 446.

ذلك ولأجل رجوعه يمكن التعبير بالصحيحة.

وهنالك روايات أخرى كثيرة، لعل معظمها أو كلها لا يخلو من تأمل في سندها. فأصل الحكم مما لا إشكال فيه.

ثم إنه قال في المهذب: «والظاهر أن الحكم من الأمور العقلائية حين الزواج إن كان بلا تلذذ وكما يأتي، لا أن يكون تعبداً شرعياً، ويشهد له التعليل في قوله (عليه السلام) : إنما يشتريها بأغلى الثمن، فإنه تعليل بالمرتكزات العقلائية»(1).

وفيه تأمل؛ إذ ورود الدليل الشرعي في مورد البناء العقلائي لا يخرجه عن ظهوره في التعبدية إلى الإرشادية.

مثلاً: إذا قال المولى: (فإن اليقين لا ينقض بالشك) فهل يحمل على الإرشادية؟

أو قال: «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»(2) فهل يحمل على الإرشادية؛ لوروده في مورد الأمر العقلائي ووجود التعليل؟

وكذا في الآية الكريمة: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}(3). هذا أولاً.

وثانياً: قد تختلف حدود التعبد الشرعي عن حدود البناء العقلائي، فإذا صرفنا الدليل الشرعي عن المولوية إلى الإرشادية كان المدار البناء

ص: 373


1- مهذب الأحكام 24: 33.
2- تهذيب الأحكام 1: 101.
3- البقرة: 282.

العقلائي، وقد يكون بينه وبين الدليل الشرعي عموم مطلق أو عموم من وجه.

والحاصل: الأدلة في المقام ثلاثة: الإجماع والروايات وبناء العقلاء.

هذا آخر ما أفاده السيد الأستاذ في بحثه، نسأل اللّه أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه مع محمد وآله الأطهار.

والحمد لله رب العالمين

ص: 374

مصادر التحقيق

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة.

1. أجود التقريرات، تقريرات الشيخ محمد حسين النائيني، منشورات المصطفوي.

2. الاحتجاج، الشيخ أحمد بن علي الطبرسي، مطبعة النعمان.

3. الاختصاص، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، مؤسسة النشر الإسلامي.

4. اختيار معرفة الرجال المعروف ب- (رجال الكشي)، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

5. إرشاد السائل، السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني، دار الصفوة.

6. الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

7. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلامية.

8. أصول الفقه، الشيخ محمد رضا المظفر، مؤسسة النشر الإسلامي.

9. إقبال الأعمال، السيد علي بن موسی بن جعفر بن طاووس الحلّي،

ص: 375

مكتب الإعلام الإسلامي.

10. الأمالي، الشيخ الصدوق محمد بن علي القمّي، مؤسسة البعثة.

11. إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، فخر المحققين الشيخ محمد بن الحسن الحلّي.

12. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء.

13. بحوث في علم الأصول، تقريرات السيد محمد باقر الصدر، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي.

14. بدائع الأفكار، الشيخ حبيب اللّه الرشتي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

15. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم الحسيني البحراني، مؤسسة البعثة.

16. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (عليهم السلام) ، الشيخ محمد بن الحسن الصفار، منشورات الأعلمي.

17. بيان الأصول، السيد صادق الحسيني الشيرازي، دار الأنصار.

18. التبيان في تفسير القرآن، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مكتب الإعلام الإسلامي.

19. تبيين الأصول، السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، ياس الزهراء (عليها السلام) .

20. تبيين القرآن، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم.

21. تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، العلاّمة الحسن بن

ص: 376

يوسف الحلّي، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) .

22. تحف العقول عن آل الرسول، الشيخ الحسن بن علي الحرّاني، مؤسسة النشر الإسلامي.

23. تذكرة الفقهاء، العلامة الحسن بن يوسف الحلي، الطبعة الحجرية.

24. تذكرة الفقهاء، العلامة الحسن بن يوسف الحلي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

25. تعليقة على معالم الأصول، السيد علي الموسوي القزويني، مؤسسة النشر الإسلامي.

26. تعليقة على منهج المقال، الشيخ محمد باقر الوحيد البهبهاني.

27. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، مؤسسة دار الكتاب.

28. تقريب القرآن إلى الأذهان، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم.

29. تكملة العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، مكتبة الداوري.

30. التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، الشيخ المقداد بن عبد اللّه السيوري، مكتبة السيد المرعشي.

31. تهذيب الأحكام، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلامية.

32. جامع أحاديث الشيعة، السيد حسين الطباطبائي البروجردي، المطبعة العلمية.

ص: 377

33. جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد، الشيخ محمد بن علي الأردبيلي، مكتبة المحمدي.

34. جامع المدارك في شرح المختصر النافع، السيد أحمد الموسوي الخوانساري، مكتبة الصدوق.

35. جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

36. جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، دار المفيد.

37. جوامع الجامع، الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، مؤسسة النشر الإسلامي.

38. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي، دار الكتب الإسلامية.

39. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي.

40. الخصال، الشيخ الصدوق محمد بن علي القمّي، مؤسسة النشر الإسلامي.

41. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلامة الحسن بن يوسف الحلي، مؤسسة الفقاهة.

42. الخلاف، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي.

43. دلائل الإمامة، الشيخ محمد بن جرير الطبري، مؤسسة البعثة.

ص: 378

44. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الشيخ محمد بن جمال الدين العاملي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

45. رجال النجاشي، الشيخ أحمد بن علي النجاشي، مؤسسة النشر الإسلامي.

46. الرجال، ابن داود الحلي، المطبعة الحيدرية.

47. الرجال، أحمد بن الحسين الغضائري، دار الحديث.

48. الرسائل الرجالية، الشيخ محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي، دار الحديث.

49. الرعاية في علم الدراية، الشهيد الشيخ زين الدين بن علي العاملي، مكتبة السيد المرعشي.

50. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الشيخ زين الدين بن علي العاملي.

51. رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي.

52. زبدة التفاسير، الشيخ فتح اللّه الكاشاني، مؤسسة المعارف الإسلامية.

53. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، الشيخ محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي.

54. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الشيخ جعفر بن الحسن الحلي، منشورات استقلال.

55. شرح العروة الوثقی، تقريرات السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مؤسسة الخوئي الإسلامية.

ص: 379

56. شرح نهج البلاغة، عبدالحميد بن هبة اللّه بن محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن أبي الحديد المعتزلي، دار إحياء الكتب العربية.

57. الصحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، دار العلم للملايين.

58. صراط النجاة (استفتاءات السيد الخوئي مع تعليقة الشيخ التبريزي).

59. العدة في أصول الفقه، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي.

60. العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، مؤسسة الأعلمي.

61. العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، مؤسسة النشر الإسلامي.

62. علل الشرائع، الشيخ الصدوق محمد بن علي القمّي، المكتبة الحيدرية.

63. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ، الشيخ الصدوق محمد بن علي القمي، مؤسسة الأعلمي.

64. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي.

65. فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، مجمع الفكر الإسلامي.

66. الفصول الغروية في الأصول الفقهية، الشيخ محمد حسين الإصفهاني، دار إحياء العلوم الإسلامية.

67. الفقه (العقائد)، السيد محمد الحسيني الشيرازي، مركز الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

68. الفقه (موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي)، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم.

ص: 380

69. فقه الصادق، السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) .

70. الفهرست، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة الفقاهة.

71. الفوائد الرجالية، السيد محمد مهدي بحر العلوم، مكتبة الصادق.

72. قرب الإسناد، الشيخ عبد اللّه بن جعفر الحميري، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

73. قواعد الأحكام، العلامة الشيخ الحسن بن يوسف الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي.

74. القواعد الفقهية، السيد حسن الموسوي البجنوردي، نشر الهادي.

75. قوانين الأصول، الشيخ أبو القاسم القمي، المكتبة العلمية الإسلامية.

76. الكافي في الفقه، الشيخ تقي الدين أبي الصلاح الحلبي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) .

77. الكافي، ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الإسلامية.

78. كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه القمي.

79. كتاب الصلاة، تقريرات السيد محمد المحقق الداماد، مؤسسة النشر الإسلامي.

80. كتاب الطهارة، الشيخ مرتضي الأنصاري، مجمع الفكر الإسلامي.

81. كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، دار الهجرة.

82. كتاب النكاح، الشيخ مرتضى الأنصاري، مجمع الفكر الإسلامي.

ص: 381

83. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر الزمخشري، مكتبة البابي.

84. كشف اللثام عن قواعد الأحكام، الشيخ محمد بن الحسن الإصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي.

85. كفاية الأصول، الشيخ محمد كاظم الخراساني، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

86. كفاية الفقه المشتهر ب- (كفاية الأحكام)، الشيخ محمد باقر السبزواري، مؤسسة النشر الإسلامي.

87. كلمة التقوى، الشيخ محمد أمين زين الدين.

88. كنز العرفان في فقه القرآن، الشيخ المقداد بن عبد اللّه السيوري، المكتبة المرتضوية.

89. لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي، أدب الحوزة.

90. اللمعة الدمشقية، الشهيد الشيخ محمد بن جمال الدين العاملي، دار الفكر.

91. مباني العروة الوثقى، تقريرات السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مدرسة دار العلم.

92. مباني منهاج الصالحين، السيد تقي الطباطبائي القمّي، منشورات المحلاتي.

93. المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، المكتبة المرتضوية.

ص: 382

94. مجمع الأفكار ومطرح الأنظار، تقريرات الشيخ هاشم الآملي، المطبعة العلمية.

95. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين بن محمد علي الطريحي، مكتبة المرتضوي.

96. مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، مؤسسة الأعلمي.

97. محاضرات في أصول الفقه، تقريرات السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مؤسسة النشر الإسلامي.

98. المحكم في أصول الفقه، السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، مؤسسة المنار.

99. مختلف الشيعة، العلامة الشيخ الحسن بن يوسف الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي.

100. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، الشيخ محمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية.

101. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع إسلام، الشهيد الشيخ زين الدين بن علي العاملي، مؤسسة المعارف الإسلامية.

102. المسائل الصاغانية، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.

103. المسائل الفقهية، السيد محمد الرجائي.

104. المسائل المتجددة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة

ص: 383

الإمامة.

105. المسائل المستحدثة، السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، دار الكتاب.

106. مسائل علي بن جعفر، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) .

107. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الشيخ حسين النوري الطبرسي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

108. مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، مطبعة الآداب.

109. مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

110. مشارق الشموس في شرح الدروس، الشيخ الحسين بن جمال الدين الخوانساري، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

111. مصباح الأصول، تقريرات السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مكتبة الداوري.

112. مصباح الفقيه، الشيخ رضا بن محمد هادي الهمداني، المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث.

113. مصباح الفقيه، الشيخ رضا بن محمد هادي الهمداني، مكتبة الصدر.

114. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد الفيومي، دار الفكر.

115. معالم الدين وملاذ المجتهدين، الشيخ الحسن بن زين الدين

ص: 384

العاملي، مؤسسة النشر الإسلامي.

116. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق محمّد بن علي القمّي، مؤسسة النشر الإسلامي.

117. المعتبر في شرح المختصر، المحقق الشيخ جعفر بن الحسن الحلي، مؤسسة سيد الشهداء (عليه السلام) .

118. معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، دار الزهراء (عليها السلام) .

119. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، مكتب الإعلام الإسلامي.

120. المغني، عبد اللّه بن أحمد، دار الكتاب العربي.

121. مفاتيح الأصول، السيد محمد الطباطبائي المجاهد، الطبعة الحجرية.

122. المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمد الراغب الإصفهاني، مكتب نشر الكتاب.

123. المقنعة، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، مؤسسة النشر الإسلامي.

124. مكارم الأخلاق، الشيخ الحسن بن الفضل الطبرسي.

125. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ القمّي، مؤسسة النشر الإسلامي.

126. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، الشيخ الحسن بن زين الدين العاملي، مؤسسة النشر الإسلامي.

127. منتهى الأصول، السيد حسن الموسوي البجنوردي، مؤسسة العروج.

ص: 385

128. منتهى المقال في أحوال الرجال، الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

129. المنجد في اللغة والأعلام، لويس معلوف، دار المشرق.

130. المنطق، الشيخ محمد رضا المظفر، مؤسسة النشر الإسلامي.

131. منهاج الصالحين، السيد علي الحسيني السيستاني.

132. منية السائل، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي.

133. مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري، مؤسسة المنار.

134. المهذب البارع في شرح المختصر النافع، الشيخ أحمد بن محمد الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي.

135. نقد الرجال، السيد مصطفى الحسيني التفرشي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

136. نهاية الأفكار، تقريرات الشيخ ضياء الدين العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي.

137. نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ محمد حسين الإصفهاني، منشورات سيد الشهداء (عليه السلام) .

138. نهاية المرام في علم الكلام، العلامة الحسن بن يوسف الحلّي، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) .

139. نهاية النهاية في شرح الكفاية، الشيخ علي الإيرواني، مكتب الإعلام الإسلامي.

ص: 386

140. النهاية في غريب الحديث والأثر، المبارك بن محمّد الجزري، مؤسّسة إسماعيليان.

141. النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي.

142. هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي الإصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي.

143. الوجيزة في علم الرجال، الشيخ محمد باقر المجلسي، مؤسسة الأعلمي.

144. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

145. الوسيلة إلى نيل الفضيلة، الشيخ محمد بن علي الطوسي، مكتبة السيد المرعشي.

ص: 387

ص: 388

فهرس المحتويات

المقدمة... 5

المسألة الأولى

المبتذلات اللاتي إذا نهين لا ينتهين

فروع

المسألة الأولى... 9

الفرع الأول: في حكم النظر إليهن... 9

أدلة جواز النظر... 10

الدليل الأول: رواية عباد بن صهيب... 10

الإشكالات على الدليل الأول... 11

الإشكال الأول: إشكال سندي... 11

الجهة الأولى: مجهولية عدة الكافي... 11

طرق توثيق العدة... 11

الطريق الأول: احتواء العدة على ثقة واحد... 11

الطريق الثاني: ما ذكره الكليني في الحديث الأول... 13

الطريق الثالث: استبعاد اجتماع المشايخ على الخلاف... 14

الجهة الثانية: ضعف عباد بن صهيب... 15

طرق توثيق عباد بن صهيب... 16

تنبيه... 17

الإشكال الثاني: كون المراد من الحديث عدم وجوب الغض... 17

الإشكال الثالث: قصر الجواز على النظر القهري... 19

ص: 389

الإشكال الرابع: تقيد الرواية بأهل الذمة... 22

الإشكال الخامس: الأخذ بالتعليل أشكل... 23

الإشكال السادس: إعراض المشهور عن العمل بالرواية... 27

الدليل الثاني: رفع الحرج... 31

الدليل الثالث: سيرة المتشرعة... 32

الفرع الثاني: في حكم التردد في الأسواق... 33

أدلة جواز النظر... 34

الدليل الأول: الإجماع... 34

الدليل الثاني: العسر والحرج... 34

الدليل الثالث: إنه القدر المتيقن... 35

الدليل الرابع: السيرة القطعية... 35

الفرع الثالث: في حدود المنظور إليه... 36

الفرع الرابع: الكلام في الانتهاء المقيد... 38

الفرع الخامس: العلم بعدم الانتهاء... 39

الفرع السادس: شرائط جواز النظر... 41

الفرع السابع: حكم اللمس وغيره... 41

المسألة الثانية

النظر إلى نساء أهل الذمة ومطلق الكوافر

فروع

المسألة الثانية... 45

الفرع الأول: في أصل جواز النظر إلى نساء أهل الذمة... 45

أدلة جواز النظر إلى نساء أهل الذمة... 46

الدليل الأول: موثقة عباد بن صهيب المتقدمة... 46

الدليل الثاني: رواية السكوني... 48

الدليل الثالث: رواية عبد اللّه بن جعفر... 53

ص: 390

الدليل الرابع: السيرة... 53

الدليل الخامس: الحرج... 55

الدليل السادس: أهل الذمة مماليك للإمام (عليه السلام) ... 55

المقام الأول: كون أهل الذمة مماليك للإمام (عليه السلام) ... 55

المقام الثاني: في جواز النظر إلى أمة الغير... 57

الدليل الأول: رواية الخثعمي... 57

الدليل الثاني: رواية الجعفري... 59

الدليل الثالث: موثقة زرعة... 59

الدليل الرابع: عدم وجوب ستر الأمة في الصلاة... 60

الدليل الخامس: النصوص الواردة في مملوكة الوالد... 61

الدليل السادس: ما دلّ على عدم وجوب تغطية الأمة رأسها... 63

الدليل السابع: السيرة جارية على النظر إلى الإماء... 66

الإشكالات على الدليل السابع... 66

الدليل الثامن: فحوى ما دلّ على جواز النظر إلى عورة غير المسلم... 69

الدليل التاسع: كون الكافرات فيء للمسلمين... 76

الدليل العاشر: قاعدة الإلزام... 79

الدليل الحادي عشر: تحليل الأئمة (عليهم السلام) الكافرات للشيعة... 80

الدليل الثاني عشر: رضا الأئمة (عليهم السلام) ... 81

الدليل الثالث عشر: ما ورد في الجعفريات... 81

الفرع الثاني: في أصل جواز النظر إلى سائر الكافرات غير أهل الذمة... 84

الدليل الأول: شمول لفظ العلوج للكافرات... 84

الدليل الثاني: ورود التعليل في موثقة عباد... 84

الدليل الثالث: فحوى موثقة السكوني... 84

الدليل الرابع: قاعدة الإلزام... 86

الدليل الخامس: الإجماع... 86

ص: 391

الفرع الثالث: في حدود المنظور إليه بلحاظ الجواز والحرمة... 88

الاحتمال الأول: الجواز مطلقاً... 88

الدليل الأول: قاعدة الإلزام... 88

الدليل الثاني: التعليل في موثقة عباد... 89

الدليل الثالث: ما ذكره السيد الخوئي... 89

الدليل الرابع: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) ... 90

الدليل الخامس: ما ذكره السيد الروحاني... 91

الدليل السادس: كونهن بمنزلة الإماء يقتضي العموم... 91

الاحتمال الثاني: جواز النظر إلى ما جرت عادتهن من كشفه... 92

الاحتمال الثالث: جواز النظر إلى ما كانت عادتهن على عدم ستره زمن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 92

الاحتمال الرابع: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) ... 94

الاحتمال الخامس: لزوم الاقتصار على خصوص الشعور والأيدي... 94

الفرع الرابع: عدم الفرق بين عدم الستر مطلقاً أو مقيداً... 95

الفرع الخامس: في شروط جواز النظر... 95

الشرط الأول: عدم اللذة... 95

الشرط الثاني: عدم خوف الوقوع في الحرام... 101

الشرط الثالث: عدم الريبة... 105

المقام الأول: في معنى الريبة... 106

المقام الثاني: في الدليل على حرمة النظر بريبة... 108

الفرع السادس: في حكم الالتذاذ غير الشهوي... 111

الفرع السابع: أنواع الالتذاذ المحرم... 114

الفرع الثامن: منشأ الوقوع بالحرام بسبب النظر... 115

الفرع التاسع: في المراد بالنهي في قوله: إذا نهين لا ينتهين... 116

الفرع العاشر: في حكم النظر إلى الفرق المحكوم بكفرهم... 117

ص: 392

الفرع الحادي عشر: في حكم النظر إلى المرتد والمرتدة... 118

الفرع الثاني عشر: في حكم نظر المسلمة للكافر... 118

الفرع الثالث عشر: في حكم النظر إلى الصور التلفزيونية والفوتوغرافية ونحوها... 119

القول الأول: حرمة النظر إلى الصور التلفزيونية والفوتوغرافية... 119

الدليل الأول: آية الغض... 119

الدليل الثاني: شمول الأدلة الناهية عن النظر للمرأة للنظر إلى صورتها... 121

الدليل الثالث: وحدة المناط... 121

الدليل الرابع: عدم الفرق بين النظر إلى المرأة وإلى صورتها... 125

القول الثاني: التفصيل بين المرأة المعروفة وغيرها... 126

القول الثالث: التفصيل بين البث المباشر وغيره... 128

القول الرابع: جواز النظر... 128

صور استثناءات الحكم بجواز النظر... 132

الصورة الأولى: النظر في المرآة ونحوها... 132

الصورة الثانية: النظر للصور الخلاعية... 136

الصورة الثالثة: النظر إلى الصورة عند مقارنته للمحرمات... 136

استفتاءات تتعلق بالمقام... 136

الفرع الرابع عشر: في حكم لمس الكافرة... 140

المسألة الثالثة

النظر إلى الوجه والكفين من المسلمات

الأقوال

في المسألة الثالثة... 146

القول الأول: جواز النظر مطلقاً... 146

أدلة القول الأول... 146

الدليل الأول:... 146

معنى الزينة... 147

ص: 393

الإشكالات على الدليل الأول... 148

الإشكال الأول: عدم الملازمة بين جواز الإبداء وجواز النظر... 148

الإشكال الثاني: المراد الظهور الاتفاقي... 149

الإشكال الثالث: التخصيص... 151

الإشكال الرابع: اختلاف الروايات المفسرة للزينة... 153

الإشكال الخامس: المراد بالزينة الثياب... 155

الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}... 158

الدليل الثالث: رواية زرارة... 159

الإشكالات على الدليل الثالث... 160

الإشكال الأول: الإشكال السندي... 160

الإشكال الثاني: اختلاف الروايات المفسرة للزينة... 163

الإشكال الثالث: إنه لا ملازمة بين جواز الإبداء وجواز النظر... 163

الإشكال الرابع: تقييد جملة إلا ما ظهر بالبعولة... 163

الإشكال الخامس والسادس: ما في المهذب... 164

الإشكال السابع: النظر إلى الكحل والخاتم أعم من النظر إلى الوجه والكفين 166

الدليل الرابع: رواية أبي بصير... 167

الإشكالات على الدليل الرابع... 167

الإشكال الأول: جهالة سعدان بن مسلم... 168

الإشكال الثاني: الدليل مختص باليد فلا يشمل الوجه... 170

الإشكال الثالث: إنه مخالف للإجماع... 170

الدليل الخامس: رواية مروك بن عبيد... 171

الإشكالات على الدليل الخامس... 171

الإشكال الأول: الرواية مرسلة... 172

ص: 394

الإشكال الثاني: اشتمال الرواية على جواز النظر إلى القدمين... 172

الإشكال الثالث: الرواية محتملة للنظر الاتفاقي... 173

الإشكال الرابع: الرواية لبيان الحلية في الجملة... 174

الدليل السادس: رواية مسعدة بن زياد... 174

الإشكالات على الدليل السادس... 174

الإشكال الأول: الإشكال السندي... 175

الإشكال الثاني: الرواية مضطربة المتن... 176

الإشكال الثالث: احتمال كون السؤال عما تظهره المرأة للمحارم... 180

الإشكال الرابع: الرواية معارضة بغيرها... 180

الدليل السابع: صحيحة الفضيل... 181

الإشكالات على الدليل السابع:... 183

الإشكال الأول: إثبات الشيء لا ينفي ما عداه... 183

الإشكال

الثاني: احتمال كون السؤال عن الزينة السائغ إبداؤها للمحارم... 183

الإشكال الثالث: ظهور صحيحة الفضيل في الحرمة لا الجواز... 184

الدليل الثامن: صحيحة علي بن سويد... 186

الإشكالات على الدليل الثامن... 187

الإشكال الأوّل: ظهور الصحيحة في النظر الاتفاقي... 187

الإشكال الثاني: شمول الرواية للشعر... 190

الإشكال الثالث: جلالة ابن سويد تمنعه من النظر العمدي... 191

الإشكال الرابع: الرواية ظاهرة في صورة الاضطرار للنظر... 192

الدليل التاسع: موثقة زرعة... 194

الدليل العاشر: رواية أبي الجارود... 195

الإشكالات على الدليل العاشر... 196

الإشكال الأول: ضعف السند... 196

الإشكال الثاني: إرسال الرواية... 200

ص: 395

الإشكال الثالث: إعراض الأصحاب عن الخبر... 203

الإشكال الرابع: ما ذكره السيد الرجائي... 204

الدليل الحادي عشر: رواية علي بن جعفر... 204

الإشكالات على الدليل الحادي عشر... 205

الإشكال الأول: ضعف السند... 205

الإشكال الثاني: الإشكال في كتاب قرب الإسناد... 206

الإشكال الثالث: الرواية واردة في المرأة التي يحرم نكاحها... 207

الإشكال الرابع: اشتمالها على ما لم يُفت به أحد... 208

الدليل الثاني عشر:... 208

الدليل الثالث عشر: خبر جابر بن عبد اللّه الأنصاري... 208

الإشكالات على الدليل الثالث عشر... 210

الإشكال الأول: الإشكال السندي... 210

طرق وثاقة عمرو بن شمر... 211

الإشكال الثاني: الإشكال الدلالي... 213

الإشكال الثالث: يحتمل أن تكون الحادثة قبل نزول آية الحجاب 215

الإشكال الرابع: الخبر معارض بغيره... 217

الدليل الرابع عشر: رؤية سلمان ليد الزهراء (عليها السلام) حين إدارة الرحى... 218

الدليل الخامس عشر: رواية المحاسن... 219

الدليل

السادس عشر: الأخبار الدالة على كشف المرأة وجهها حال الإحرام... 220

الدليل

السابع عشر: الروايات الدالة على تغسيل الأجانب وجه المرأة وكفيها... 224

الدليل الثامن عشر: صحيحة أبي حمزة الثمالي... 228

الدليل التاسع عشر: النصوص المتعرضة لستر الشعر عن الغلام إذا احتلم... 231

الدليل العشرون: الروايات الدالة على النظر لشعر المرأة جوازاً ومنعاً... 234

الدليل الحادي والعشرون: جواز سماع صوت الأجنبية... 236

ص: 396

الدليل الثاني والعشرون: الأخبار الدالة على كراهة القنازع... 237

الدليل الثالث والعشرون: السيرة قائمة على عدم ستر الوجه... 239

الإشكالات على الدليل الثالث والعشرين... 240

الإشكال الأول: السيرة معارضة بمثلها... 240

الإشكال الثاني: عدم اتصال السيرة بزمن المعصوم (عليه السلام) ... 247

الإشكال الثالث: إنّ جواز الكشف لا يستلزم جواز النظر... 247

الدليل الرابع والعشرون: النصوص الدالة على جواز وضع القواعد جلابيبهن وخمرهن 247

الدليل الخامس والعشرون: وجود العسر والحرج في اجتناب النظر... 250

الدليل السادس والعشرون: إجراء أصالة البراءة... 251

القول الثاني: حرمة النظر مطلقاً... 252

الدليل الأول: آية الغض... 252

الإشكالات على الدليل الأول... 252

الإشكال الأول: اختصاص الآية بالنظر إلى العورة... 252

الإشكال الثاني: عدم إرادة المعنى الحقيقي للغض... 254

الإشكال

الثالث: الغض في الآية إرشاد إلى ترك النظر إلى ما ثبتت حرمته... 258

الإشكال الرابع: كون غض النظر أعم من ترك النظر... 259

الإشكال الخامس: المراد من الغض عدم التحديق... 259

الإشكال السادس: دلالة الآية على حرمة بعض أفراد النظر... 260

الإشكال السابع: عدم إحراز كون الآية في مقام البيان... 261

الإشكال الثامن: قبول الإطلاق للتخصيص... 262

الدليل الثاني: قوله تعالى {وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}... 262

الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَ لا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}... 266

الدليل الرابع: آية القواعد من النساء... 268

الدليل الخامس: قوله تعالى: {وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ}... 270

ص: 397

الدليل السادس: آية الحجاب... 271

الدليل السابع: الروايات الدالة على جواز النظر إلى وجه المرأة ويديها إذا أراد الزواج بها 272

الإشكالات على الدليل السابع... 272

الإشكال الأول: الروايات أجنبية عما نحن فيه... 272

الإشكال

الثاني: مفهوم الروايات عدم جواز النظر عند عدم إرادة التزويج... 273

الإشكال الثالث: حمل الروايات المانعة على الكراهة... 274

الإشكال الرابع: تقديم روايات جواز النظر... 275

الإشكال الخامس: ترجيح روايات الجواز لمخالفتها للعامة... 275

الإشكال السادس: تقديم روايات الجواز للأحدثية... 275

الإشكال السابع: عند التعارض نختار روايات الجواز... 276

الإشكال الثامن: مقتضى الأصل الأولي هو البراءة... 276

الدليل الثامن: الأخبار الدالة على جواز النظر إلى وجه الذمية ويديها... 276

الدليل التاسع: صحيحة الصفار... 278

الدليل العاشر: صحيحة الفضيل... 283

الدليل الحادي عشر: الأخبار الدالة على أن النظر إلى الأجنبية سهم من سهام إبليس... 284

الدليل الثاني عشر: رواية الفضيل... 288

الدليل الثالث عشر: الروايات الدالة على ذم أهل الكوفة ويزيد لإبدائهم المخدرات... 291

الدليل الرابع عشر: دليل العقل... 292

الدليل الخامس عشر: الإجماع... 294

الدليل السادس عشر: السيرة المستمرة على الستر وعدم النظر... 297

الدليل السابع عشر: الستر مقتضى مرتكزات المتشرعة... 298

الدليل الثامن عشر: اجتناب النبي والأئمة (عليهم السلام) واتباعهم عن النظر... 299

الدليل التاسع عشر: معرفة المسلمين والمسلمات بالتستر... 299

ص: 398

الدليل العشرون: ارتكاز كون النظر معصية توجب التوبة... 300

الدليل الواحد والعشرون: قصور أدلة جواز النظر عن الدلالة... 302

الدليل الثاني والعشرون: تتبع الأخبار يؤذن بالمنع من النظر... 302

الدليل الثالث والعشرون: لو كان جواز النظر ثابتاً لكان من الواضحات المشهورات... 306

الدليل الرابع والعشرون: الشهرة بين القدماء... 308

الدليل الخامس والعشرون: الروايات الدالة على حبس النساء في البيوت... 314

الدليل السادس والعشرون: الروايات الدالة على أن المرأة عورة... 317

الدليل السابع والعشرون: الروايات الدالة على وجوب الستر حال الإحرام... 319

الدليل الثامن والعشرون: الوجدان... 320

القول الثالث: التفصيل بين النظرة الأولى وغيرها... 321

أدلة القول الثالث... 321

الدليل الأول: المنساق من أدلة الجواز هو المرة الأولى... 322

الدليل الثاني: استنكار المتشرعة للمرة الثانية... 322

الدليل الثالث: الروايات الواردة في جواز النظرة الأولى... 322

الإشكالات على الدليل الثالث... 325

الإشكال الأول: الفرق بين النظرة الاتفاقية والمقصودة... 325

الإشكال الثاني: ضعف سند الروايات المفصلة... 325

الإشكال

الثالث: عدم قبول العقل للتفصيل بين النظرة الأولى والثانية... 326

الإشكال الرابع: الروايات معللة فيدور الحكم مدارها... 328

الإشكال الخامس: حمل الروايات على الكراهة... 328

الإشكال السادس: التعارض بين هذه الروايات وبين أدلة جواز النظر إلى الوجه والكفين 329

الإشكال السابع: عدم صراحة الروايات في التحريم... 329

الإشكال الثامن: إجمال المتعلق... 330

الدليل الرابع: كون النظرة الثانية مظنة الفتنة... 330

ص: 399

الدليل الخامس: مقتضى الجمع بين أدلة القولين هو التفصيل... 331

تذييل: في حكم الاستمرار في النظر... 331

فروع ... 331

الفرع الأول: في شروط جواز النظر إلى الوجه والكفين... 332

الفرع الثاني: حصول التلذذ في أثناء النظر... 332

الفرع الثالث: في أنواع النظر... 335

الفرع الرابع: كفاية الوهم في خوف الوقوع في الحرام... 336

المسألة الرابعة

نظر المرأة إلى الرجل

الأقوال في حكم نظر المرأة إلى الرجل... 341

القول الأول: حرمة النظر إلى جميع الجسد... 341

القول الثاني: حرمة النظر في الجملة... 349

التفصيل بين النظرة الأولى والثانية... 352

القول الثالث: حرمة النظر إلى غير ما جرت السيرة على عدم ستره أو على النظر إليه 352

القول الرابع: حرمة النظر إلى خصوص العورتين... 359

شرط عدم اللذة والريبة... 362

المسألة الخامسة

النظر إلى من يريد الزواج منها

مصادر التحقيق... 375

فهرس المحتويات... 389

ص: 400

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.