موسوعة الفقيه الشيرازي (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی كتاب الطهارة الجزء الأول) المجلد 13

هوية الكتاب

موسوعة الفقيه الشيرازي

(13)

تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی كتاب الطهارة

الجزء الأول

تقرير الأبحاث

آية اللّه السيد محمد رضا الشيرازي رحمه اللّه

السيد محمد علي الحسيني الشيرازي

بطاقة تعريف:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان المؤلف واسمه:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

تفاصيل النشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مواصفات المظهر:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج21: 3-291-204-964-978

حالة الاستماع:فيپا

لسان:العربية

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول، جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

تصنيف الكونجرس:1394 8م5ح/8/159BP

تصنيف ديوي:297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4153694

ص: 1

اشارة

سرشناسه:الحسيني الشيرازي، محمد رضا، 1338-1387.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الفقيه الشيرازي / تأليف محمد رضا الحسيني الشيرازي.

مشخصات نشر:قم: دار العلم، 1437ق = 1394ش.

مشخصات ظاهری:21ج.

شابك:دوره: 8-270-204-964-978

ج13: 8-283-204-964-978

وضعيت فهرست نويسی:فيپا

يادداشت:عربي

مندرجات:ج1 (المدخل)؛ ج2-3 (التدبر في القرآن، جزء1-2)؛ ج4-11 (تبيين الأصول،جزء 1-8)؛ ج12 (الترتب)؛ ج13-14 (تبيين الفقه في شرح العروة الوثقی، جزء1-2)؛ ج15 (بحوث في فقه النظر)؛ ج16-17 (التعليقة علی المسائل المتجدّدة، جزء1-2)؛ ج18-19 (التعليقة علی كتاب الدلائل، جزء1-2)؛ ج20 (تعليقة علی مباني منهاج الصالحين)؛ ج21 (توضيح علی العروة الوثقی).

موضوع:اصول، فقه شيعه - قرن 14

رده بندی كنگره:1394 8م5ح/8/159BP

رده بندی ديويی:297/312

شماره كتابشناسی ملی:4153694

موسوعة الفقيه الشيرازي

شجرة الطيبة

--------------

آية اللّه الفقيه السيّد محمّد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)

المطبعة: قدس

إخراج:نهضة اللّه العظيمي

الطبعة الأولی - 1437ه- .ق

---------

شابك دوره: 8-270-204-964-978

شابك ج13: 8-283-204-964-978

-------------

دفتر مركزي: قم خيابان معلم، میدان روح اللّه،

نبش كوچه 19، پلاك 10، تلفن: 9 – 37744298

چاپ: شركت چاپ قدس، تلفن 37731354 فكس 37743443

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

فصل في المياه

اشارة

ص: 5

ص: 6

فصل في المياه في تعريف الماء المطلق و المضاف

اشارة

«فصل في المياه»

الماء إمّا مطلق أو مضاف(1)[1].

--------------------------

[1] عُرّف الماء المطلق ب- : «ما يصحّ إطلاق الماء عليه من غير إضافة»(2).

ص: 7


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «الأحكام المذكورة للماء المضاف تعمّ كل مائع غير مطلق، وإن لم يطلق عليه الماء المضاف، كالدهن مثلا».
2- أقول: ينبغي التطرق الى نقاط: الأولى: بما أنّ الغرض من التعريف هو التوضيح وشرح الإسم والصدق العرفي لكون الغرض بيان الحكم الشرعي، فلا يرد عليه: أنّه دوري لشموله لفظ الماء، كما لا يخفى. الثانية: لا يقال: بأنّ تعريف الماء المطلق لغو لكونه من أجلى المفاهيم عند العرف- وإن سرت الشبهة الصدقية أو المصداقية في بعض المياه كما سيأتي. إذ يجاب عنه: بكونه عُرّف استطراداً وذلك لمقابلته المضاف، واحتياج الأخير الى تعريف يجمع مصاديقه المتباينة - لكونه جامعاً انتزاعياً بين أفراده بخلاف المطلق - الذي قيل في بعضها - كالنفط واللبن - إنّه من الغلط استعمال لفظ الماء فيها ولو مجازاً. الثالثة: قد يضاف قيد اللزوم على تعريف الماء المطلق بأن يقال إنّه: «ما يصح إطلاق الماء عليه من غير إضافة لازمة» ليعمّ الماء المضاف الى قيد لا يخرجه عن أصل الخلقة وطبيعته الأوّلية ويصح إطلاق الماء عليه بدون ذلك القيد حقيقة، وذلك مثل ماء البحر وماء الكبريت والمتغيّر بالتراب فيما يعسر التحفظ منه كماء الفرات، أو بطول المكث في الغدران والمستنقعات وما غيّرته الشمس الى الإخضرار وما مرَّ على أرض مالحة وغير ذلك. والحاصل: أنّ القيد المذكور أخذ لا بشرط وجوده وعدمه، وقد يُعَرَّف ب- : «كل ما لا يجوز سلب لفظ الماءِ عنه ولو امكن اضافته الى ما يلازمه كماء البحر وماء الفرات». وقيل بأنّ المطلق: ما لا يضاف إضافة الجزء الى الكل كماء الكأس دون ماء التفاح. الرابعة: إنّ تقسيم الماء اليهما إنّما هو بلحاظ المسمّى والمستعمل فيه ولو مجازاً كما يتطرق اليه السيد الأخ الأكبر، وليس بتقسيم حقيقي وإلّا لزم أن يكون إطلاقه على المضاف حقيقياً.

--------------------------

و المضاف ب- : «ما لايصحّ إطلاق الماء عليه إلّا مع الإضافة».

وينبغي أن يكون المراد بالصحّة: الصحّة على وجه الحقيقة مع الإطلاق؛ وذلك لصحَّة إطلاق لفظة «ماء» مع الإضافة على «الماء المضاف» على نحو الحقيقة، وبدونها على نحو المجاز، وصحته مطلقاً على نحو الحقيقة في الماء المطلق.

هذا، وقد يقال: بصحة الإطلاق على المضاف على وجه الحقيقة مطلقاً أو في بعض أقسامه، لكن حيث امتزج الماء بغيره قُيَّد بالممتزج معه من دون

ص: 8

--------------------------

انعدام ماهيّته الأصلية، نعم لا يترتّب عليه آثار المطلق للإمتزاج الغالب القاهر.

وفيه نظر: لصحة السلب وعدم صحّة الحمل وفاقاً للسيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(1).

وممّا تقدم يظهر أنّ التقسيم المذكور في المتن إنّما هو بلحاظ إطلاق اللفظ لا بلحاظ انطباق المفهوم.

بيانه: انَّ التقسيم نوعان: تقسيم بلحاظ انطباق المفهوم الكلي على مصاديقه كقولنا: «الانسان إمّا مؤمن أو كافر». وتقسيم بلحاظ استعمال اللفظ فيما يستعمل فيه ولو على نحو المجاز كقولنا: «الأسد إمّا مفترس أو رجلٌ شجاع».

وما نحن فيه من هذا القبيل، إذ إطلاق الماءِ مطلقاً على «المطلق» حقيقي، وعلى «المضاف» مجازي، فيكون تقسيم الماء إليهما بلحاظ استعماله فيهما ولو مجازاً، لا بلحاظ انقسام المفهوم حقيقة إليهما.

هذا، وذكر في التنقيح أنَّ للمائع قسماً آخر وهو: «ما يصح سلب عنوان الماء عنه بما له من المعنى ولا يطلق عليه الماء بوجهٍ لا على نحو الحقيقة ولا على نحو المجاز، وهذا كما في اللّبن والدُهن والنفط والدبس وغيرها»(2)،

ثم ذكر أنَّ هذا القسم: «خارج عن محل الكلام رأساً»(3).

ص: 9


1- الفقه 2: 7.
2- التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 1
3- المصدر نفسه : 2: 2.

--------------------------

وقال في المباني: «لايبعد أن يكون إطلاق الماء عليه غلطاً»(1).

وفيه نظر: وذلك لصحة الإطلاق عليه على نحو المجاز، وفاقاً للسيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2)، قال اللّه تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهينٍ}(3)، وقال سبحانه: {خلق مِنْ ماءٍ دافِقٍ}(4)، كما أنّه قد يطلق على النفط «ماء الحياة» فيقال: «إنَّ مياه الحياة تجري تحت أراضي ذلك البلد».

نعم، صحّة استعمال اللفظ تحتاج إلى المناسبة بين «ما وضع له» و«ما استعمل فيه» وتكفي في المناسبة مساعدة الطبع، وإن لم يساعد عليه الوضع كما ذكره صاحب الكفاية(5).

ص: 10


1- مباني منهاج الصالحين 1 : 138.
2- الفقه 2: 7.
3- سورة المرسلات: 20.
4- سورة الطّارق: 6.
5- كفاية الاُصول:13. أقول: قد يقال: بأنّ الوضع يتضمن بازاء المعاني المناسبة للمعنى الحقيقي اوضاعاً متعدّدة يجوز ادّعاء اتّحادها صغرى وإن منع استعمالها الواضع، بل لا يصغى الى منعه، ويُنسب اليه الغفلة عن وجود المناسبة بينهما، فيشتبه عليه الأمر في الصغرى، مع أنّ المناسبة داخلة تحت جعله ووضعه. وبعبارة اُخرى: لا حاجة للإستشهاد بما في الكفاية من كفاية مساعدة الطبع وذلك لأنّ الوضع يساعد على تنزيل المعنى المجازي منزلة المعنى الحقيقي واعتباره مصداقاً منه ادّعاءً، فالمستعمِل يرى المناسبة بين اللفظ والمعنى المجازي لا صرف المناسبة بين المعنيين الحقيقي والمجازي ، فتأمل. فبالإدّعاء نُزّل المجاز منزلة الحقيقة وذلك بلحاظ العلاقة وبذل عناية من المستعمل في استعماله، وعليه فلا بد من قيام قرينة تصرفه عن المعنى الحقيقي المنزَّل أولا، ليُحمل اللفظ على المعنى المجازي، وهو واضح. وأمّا مساعدة الطبع في استعمال المضاف في النفط ومثله فواضحة، فلو بُيّن للعرف انفعال المضاف بملاقاة النجس ثم سئل عن الخل والنفط لرأى السؤال عن مصداق الحكم السابق.

--------------------------

ثم إنّ جميع الأحكام المذكورة في القسم الثاني تعمّ القسم الثالث، نعم اختص بعض الأقسام بالخلاف في بعض الأحكام مثل كونه طاهراً في نفسه، وأنّه غيرمطهر لغيره من الخبث ولا من الحدث، وأنّه ينجس بمجرد الملاقات وإن كان كثيراً، وأنّه يطهر بالتصعيد إن لم يصدق عليه عنوانه السابق، أو مطلقاً. إلى غير ذلك من الأحكام.

وحيث إنَّ الاحكام مشتركة(1)، والمجازية في المقسم لازمة على كلّ تقدير فلا وجه لخروج القسم الأخير عن محل الكلام، فتأمل.

ص: 11


1- وقد ذكرت جملة من الأحكام في كتاب الطهارة من العروة الوثقى للقسم الثالث مثل: «إذا وقع بعر الفأر في الدُّهن والدِّبس الجامدين..» [العروة: فصل في كيفية تنجيس المتنجّسات م3]، وكذلك: «إذا خرج من فمه نخامة غليظة وكان عليها نقطة من الدَّم» [المصدر السابق م6]، وهكذا.

--------------------------

والأولى أن يجعل المقسم: «المائع» أو «المائع السيال» ثم يقسّم إلى ثلاثة أقسام:

أ) ما يصح إطلاق لفظ الماء عليه على نحو الحقيقة مطلقاً، أي سواءِ اُفرد أو اُضيف إلى غيره. يعني أن لا تكون الإضافة مقوّمة لصدقه على نحو الحقيقه، بل تكون لتعيين الفرد، كماءِ البحر مثلاً.

ب) ما يصح إطلاق لفظ الماء عليه على نحو الحقيقة في صورة الإضافة فقط، وأمّا بدونها فيكون مجازاً. بمعنى أن تكون الإضافة مقوّمة للصدق الحقيقي، كماءِ الرمّان مثلاً.

د) ما لا يصح إطلاق لفظ الماء عليه على نحو الحقيقه مطلقاً، سواءٌ اُفرد أو اُضيف إلى غيره وإنْ صحَّ إطلاق الماء عليه - مفرداً أو مضافاً - على نحو المجاز كالنفط مثلاً(1).

ص: 12


1- أقول: ولصحّة إطلاق الماء عليه على نحو المجاز قال ابن ادريس في باب المياه وأحكامها من السرائر: «والطاهر الذي ليس بطهور: ما خالطه جسم طاهر فسلبه إطلاق اسم الماء وقد اقتضى اضافته عليه، أو اعتصر من جسم واستخرج منه، أو كان مرقاً سلبته المرقية إطلاق اسم المائية» الى أن يقول «فهذا الماء طاهر في نفسه غير مطهّر لغيره» [موسوعة ابن ادريس الحلي 8: 128] انظر إلى أنّه جعل المرق قسيماً للأولين وجعله قسماً من الماء الطاهر في آخركلامه، ولذلك أيضاً جعل النفط من المضاف في المستمسك (1: 72 ط الحديثة) ، فقد علّق على ماذكره العروة في بحث نجاسة المضاف وإن كان مقدار الف كر: بأن النجاسة لا تسري في عيون النفط المستخرج في عصرنا. نعم هو صرّح قبلها بأنّ السمن والمرق ونحوها ليست من المضاف وإن كانت مثله في الميعان.

كالمعتصر من الأجسام أو الممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء[1] والمطلق أقسام: الجاري، والنابع غير الجاري، والبئر، والمطر، والكر، والقليل[2].

--------------------------

[1] والأوّل كماء العنب، والثاني كماء الورد.

في أقسام المياه و أحكامها

[2] إنَّ المصنّف (رحمه اللّه) لم يقسّم المضاف؛ لعدم اختلاف أحكام أقسامه عند المشهور(1)، والتقسيم إنّما يكون عادة بلحاظ اختلاف أحكام الأقسام، كما ذكره السيّد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2).

وأمّا المطلق، فقد اختلفت الكلمات في تقسيمه:

أ) فربّما يقسّم الى ما ينفعل بالملاقات وما لا ينفعل بها(3).

ب) وقد يقسّم إلى الجاري وماء البئر والمحقون مع تقسيم الأخير إلى كثير وقليل، كما هو المعروف بين الأصحاب على ما قيل(4).

ج) وقد يقسّم إلى كرٍ وغير كر، وغير الكر إلى ما له مادّة وما ليس له

ص: 13


1- أقول: سيأتي أنَّ الأقوى عند السيد الأخ الأكبر اختلاف حكم المضاف المفرِط في الكثرة عن المضاف القليل والكثير.
2- الفقه 2: 9.
3- كتاب الطهارة - الشيخ الأنصاري 1: 2 (ط الحجرية) .
4- المصدر نفسه 1: 86، جواهر الكلام 1: 71.

--------------------------

مادة(1).

د) وقد يقسّم بتقسيم رباعي مذكور في التنقيح(2).

ه) وقد يقسّم إلى ستة أقسام كما فعله المصنّف (رحمه اللّه) .

و) وقد تُجعَل الأقسام سبعة بإضافة ماء الحمام فإن له أحكاماً تختص به(3).

ز) وقد يضاف إليها أقسام اُخر، كالمستعمل والسؤر ونحوهما، كما في الفقه(4).

هذا، وقد يشكل على بعض هذه التقسيمات - كتقسيم المصنّف (رحمه اللّه) - بعدم اختلاف أحكام بعض الأقسام عن البعض الآخركالمطر والجاري، فيكون التقسيم لغواً؛ لعدم ترتب ثمرة عملية عليه.

والجواب أوّلاً: قد لا نُسلِّم عدم اختلاف أحكام الأقسام، فالنزح - مثلاً - مستحب في البئر دون النابع سواء كان جارياً أم غير جارٍ لعدم الدليل عليه.

ثانياً: يكفي في التقسيم وجود القول باختلاف أحكام الأقسام(5)، فمثلاً

ص: 14


1- التنقيح 2: 3.
2- قال في التنقيح: «و عليه، فلابدّ من تربيع الأقسام بأن يقال: الماء إمّا كر أو غير كر، والثاني إمّا أن يكون له مادّة أو لايكون، وماله مادّة إمّا أن تكون مادّته أصلية وأمّا أن تكون جعلية» التنقيح 2: 3.
3- جامع المقاصد 1: 108.
4- الفقه 2: 9 - 10.
5- وإن لم تختلف عند المصنّف كما في الجاري والنابع غير الجاري «منه (رحمه اللّه) ».

--------------------------

ذهب البعض(1) إلى وجوب تعدد غَسل البول في ماء البئر والنابع غير الجاري، وكفاية المرّة الواحدة في الجاري استناداً إلى قوله (عليه السلام) : «فإن غسلته في ماء جارٍ فمرّة واحدة»(2).

فباعتبار وجود الأقوال ظهرت هذه التقسيمات(3)، والأمر في ذلك كلّه سهل(4). وقد ذكرنا بعض ما يرتبط ب«التقسيم» و«ضوابطه» في بداية (مباحث الحجج) في الاُصول، فَراجع(5).

ص: 15


1- غنائم الأيام 1: 436، جواهر الكلام 6: 185.
2- تهذيب الأحكام 1: 250.
3- ومنشأ اختلاف الأقوال هو إختلاف اللحاظ مثلاً: قسّم القدماء الماء إلى جارٍ ومحقون وماء بئر ولم يذكروا المطر؛ وذلك لأنّهم لاحظوا المياه الأرضية، «منه (رحمه اللّه) ».
4- أقول: لابدّ في القسمة أوّلاً: وجود ثمرة واضحة كاختلاف الأقسام في الميزات والأحكام، وذلك كما في تقسيم النحوي الفعل الى الثلاثة، وتقسيم الصرفي الماضي الى مفتوح العين وأُختيها حيث إنَّ القسمة اليها تنفعه في غرضه من تصريف الكلمة بخلاف النحوي في المثال الثاني حيث إنَّ تقسيمه بما ذكر لغو لا فائدة فيه. ثانياً: وجود بينونة بين الأقسام وعدم تداخلها من حيث الأحكام، وعليه فتقسيم الشيخ الأعظم مباحث الحجج في الفرائد الى القطع والظن والشك بلحاظ حالة المكلَّف إذا التفت الى حكم شرعي، غير تام وذلك لتداخل الأخيرين في كثير من الأحكام، فتأمل.
5- تبيين الاُصول 1: 42. وذكر فيه ما حاصله: أنّ التقسيم يتوقّف على وجود ملاك يتمّ التقسيم بلحاظه وهو أحد أمرين غالباً: إمّا ملاحظة المصاديق الخارجية التي تختلف آثارها كتقسيم المياه الى القليل والمطر والبئر وغيرها. وأمّا ملاحظة الآثار التي يتعلق بها الغرض كتقسيمه بلحاظ الأحكام الى ما ينفعل بالملاقاة وغيره، فراجع.

وكلّ واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهّر من الحدث والخبث[1].

--------------------------

[1] فيما ذكره المصنّف (رحمه اللّه) بحثان:

البحث الأوّل : في طهارة الماء المطلق بأنواعه فنقول: لا ينبغي أن تقع طهارة الماء المطلق محلاً للبحث؛ لتكفّل الضرورة والأدلّة الاجتهادية والأصل العملي بإثباته، مضافاً الى أنَّ ما دَلَّ على المطهّرية - كما سيأتي إنْ شاء اللّه - يدلّ على الطهارة بالملازمة العرفية.

وأمّا دعوى الملازمة العقلية بين كون الماءِ مطهّراً وكونه طاهراً كما في «التنقيح»(1)

فهي لا تخلو من نظر؛ إذ لا امتناع عقلاً في كون النجس مطهّراً لغيره، وقولهم: «فاقد الشيء لا يعطيه» إنّما هو في الاُمور التكوينية لا في الاُمور الاعتبارية والطهارة اعتبار شرعي، بل ذلك واقع خارجاً: فإنّ الماء الذي يغسل به الشيء المتنجّس ينفعل بمجرد ملاقاته له ومع ذلك يُطَهِّرُهُ، فالمتحصّل من ذلك كلّه هو ثبوت الملازمة العرفية بين المطهّرية والطهارة.

أدلّة مطهّرية الماء المطلق

البحث الثاني: في مطهّرية الماء المطلق للحدث والخبث وأدلتها خمسة.

ص: 16


1- التنقيح في شرح العروة الوثقى: 2: 6.

--------------------------

الدليل الأوّل : الضَّرورة الفقهيَّة والمذهبيّة والدينيّة، وفي الفقه «بضرورة دين الإسلام»(1).

الدليل الثاني: الإجماع(2) والتَّسالم. وفي المستمسك: «إجماعاً مستفيض النقل»(3) وفي التنقيح: «تسالم المسلمون كافة»(4).

نعم، نُسِب الخلاف في بعض الصغريات إلى من لايُعبأ به، كأبي هريرة في مطهّرية ماء البحر عن الحدث(5).

لكن ينبغي أن يُعلم: أنَّ هذين الدَّليلين يُثبِتان المدّعى في الجملة، إذ الدليل الُّلبي يُقتصَرُ فيه على القدر المتيقّن كماء المطر مثلاً، وأمّا غيره - كالمطلق الحاصل من تصعيد المضاف، والماء المصنوع في المختبر وماء الفم المجتمع في إناء(6) - فلاينهضان بإثبات مطهّرية، فإنّهما قد انعقدا على

ص: 17


1- الفقه 2: 10.
2- قال في مفتاح الكرامة 1: 257. وهو المطهر من الحدث والخبث، مطهّر منهما بجميع أقسامه إجماعاً مستفيضاً.
3- مستمسك العروة الوثقى 1 : 69. أقول: بل ادّعى في الجواهر تواتر الإجماع عليه، قال: «وإجماعاً محصّلاً ومنقولاً نقلاً مستفيضاً بل متواتراً» [الجواهر: 167 ط الحديثة].
4- التنقيح 3:2.
5- التذكرة 11:1.
6- وكذلك الماء المُكرّر من المجاري.

--------------------------

الكبرى لا على الصغرى المشكوكة(1)، فتأمل(2).

ومن هنا تمس الحاجة إلى الرجوع إلى الإطلاقات اللفظية من الآيات الكريمة والروايات الشريفة. فلا وجه لما قيل من: «عدم الحاجة إلى ذكر الآيات والروايات بعد قيام الضَّرورة على مطهّرية الماء»(3)؛ فإنّ التمسّك

ص: 18


1- وهذا ما اُورد على إجماعات السيد المرتضى حيث كان يرى الكبرى مجمعاً عليها، فيدّعى الإجماع على الصغرى.
2- أقول: أمّا الضرورة فهي وإن لم تكن دليلاً لفظياً ولكنّها كاللفظ تشمل جميع المصاديق بخصوصياتها، فإنّها عبارة: عن القطع الحاصل للجميع ومنهم المدّعى لها، والحاصل إنَّ القطع واللفظ يسيران في خطين متوازيين، فلو قُطع بمطهّرية الماء، فإنّ أنواع المياه بخصوصياتها المختلفة تكون مصاديق للموضوع وهو الماء المحكوم عليه بالمطهّرية، وإنما يؤخذ بالقدر المتيقن مع الشك في المراد ومع القطع لاشك، وذلك كالشك في أصل وجود النص. هذا، ولكن الدليل غير المدلول، فالنص حجة تعبداً في المصاديق المشكوكة للعموم أو الإطلاق - اللذان هما من خصوصيات اللفظ - دون الضرورة التي يكون الشك فيها لغير مُدَّعيها مدعاة للإِقتصار على القدر المتيقّن. إلّا ان يقال: بما في نظيره من حجية ظاهر الفعل كظاهر القول، قال في الجواهر [250:28] في بحث الوصية «ضرورة حجية ظواهر الافعال كالأقوال في الجملة» فتأمل. وأمّا الإجماع: فله معقد فيتمسّك بعمومه أو إطلاقه فَتَدْخُلُ الصغريات المشكوكة فيه، وسيأتي في الحاشية اللاحقة مزيد توضيح، فلاحظ.
3- قال في مستمسك العروة الوثقى 1: 69 - حول الإجماع - ما لفظه: «وضوحه أغنى عن الاستدلال عليه بالآيات الشريفة».

--------------------------

بِإطلاقها لا ينفع في المصاديق المشكوكة(1).

ص: 19


1- أقول ينبغي التطرق الى أمرين. الأمر الأوّل: انَّ ما ذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) في عدم شمول الإجماع للمصاديق المشكوكة قريب ممّا نقله الشيخ الأنصاري (رحمه اللّه) عن المحقق (رحمه اللّه) واختاره بقوله : وهو في غاية المتانة، قال : «إنَّ الاتفاقَ على لفظ مطلق شامل لبعض أفراده الذي وقع فيه الكلام لايقتضي الإجماع على ذلك الفرد؛ لأنّ المذهب لايصار إليه من إطلاق اللفظ ما لم يكن معلوماً من القصد» [فرائد الاُصول 1: 209]. و حاصله: أنَّ القول بالعموم أو الإطلاق لايدلّ على القول بالخصوصية في بعض الأفراد المشكوكة. وبعبارة اُخرى : إنّهما لا يجريان فيما جهل قصده. ولكن فيه: أنّ قولهم بكونه مطهّراً مطلقٌ، وبنائهم على أنّ إطلاق الفقهاء وعمومهم دليل على إرادة كلّ فرد فرد وإلّا لذكروا الإستثناء، فإذا كانوا بصدد بيان حكم ولم يخصصوا حكمهم ولم يقيدوه استظهرنا أنّهم يقولون بكل فرد فرد. فالحاصل: أنّ الصغرى المشكوكة تدخل في معقد اتفاقهم؛ لأصالة الإطلاق وعدم تخصيصهم للفرد المشكوك. قال المحقق النائيني في بحث الإطلاق بعد أن ذكر انَّ من مقدمات الحكمة كون المتكلم في مقام البيان مالفظه: « الأصل العقلائي يقتضي كون المتكلم في مقام البيان لو فرض الشك في ذلك» إلى أن يقول: «لمكان أنّ الظاهر من حال كلّ متكلم هو كونه في مقام بيان مراده» [فوائد الاُصول 1 - 2 : 574]، فما ذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) : «من أن التمسّك بإطلاقها لاينفع في المصاديق المشكوكة». محل تأمل. هذا، ولكن قد نفصّل بين المصاديق المستحدثه بعد زمان المجمعين - كماء مصنوع في المختبر - فلاتشمله إطلاقات كلامهم؛ للشك في سعة حكمهم وقصور اللفظ عن شمول ما لم يكن مقصوداً قطعاً لعدم وجوده، وبين المصاديق المشكوكة الموجودة في زمانهم حيث تشملها الإطلاقات. اللّهم إلّا أن يقال: إنَّ مَصب اللفظ على ماهية الموضوع، أي القضية الحقيقية لا الموضوع الخارجي، فتشمل جميع المصاديق حتى المتجددة منها. نعم، قد يدّعى بأنّ ذلك إنّما يتمّ بشرط الإلتفات دون ما لو شك، وعليه فإطلاق المعصوم (عليه السلام) يختلف عن إطلاق الفقيه لاحتمال عدم الالتفات، فتأمل. هذا كلّه مع وجود المعقد للإجماع كما هوالحق. وأمّا إن سلّمنا أنّه لامعقِد له فيكون دليلاً لبياً مجملاً لا إطلاق فيه، فيتمسّك فيه بالقدر المتيقن فيتم الإشكال على المستمسك من: الحاجة إلى الآيات والروايات الشريفة. ولكن قد نفصّل، بأنّ عملهم ببعض المصاديق - القدر المتيقن - إجماعاً أو سيرة أو ارتكازاً، قد يكون ذا لسان وقد لايكون كذلك. بيانه: إنّ اتفاق الكل في أمر قد يكشف عن عدم الخصوصية في ذلك المصداق فيعُمُّ باقي المصاديق، مثلاً: عدم قراءة سورة الفاتحة في صلاة الميت يدلّ على أنَّ القدر المتيقّن منه هو عدم وجوبها، ولكن بما أنّ العلماء والعدول من المؤمنين في جميع البلاد بمختلف مشاربهم قديماً وحديثاً لم ينقل أن أحدهم قرأ سورة الفاتحة في صلاة الميت أبداً، كان المستفاد من هكذا سيرة عدم استحباب الفاتحة أيضاً، فتكون السيرة ذات لسانٍ وإن كانت لبية، فتأمل. وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ اتفاق العلماء عملاً بمطهّرية الماء يكون ذا لسانٍ يشمل المياه المشكوكة. والحاصل: أنّه قد يؤخذ بظاهر العمل أيضاً لا القدر المتيقّن منه فحسب ممّا يدلّ على إلغاء احتمال الخلاف فقد ذكر في العروة في كتاب الوصية المسألة 9 ما لفظه: «ظاهر الافعال معتبر كظاهر الأقوال» فالفعل ان كان ظاهراً في شيء من الأشياء يكون لظهوره الحجية إلّا مع المعارضة مع ظاهر القول فيقدّم الأخير. الأمر الثاني: إنّه ممّا لا يخفى أنّ المصاديق المشكوكة هي مصاديق قطعية للموضوع ولكن يُشكُّ في شمول الحكم لها، فإن كان الدليل لفظياً شملها، وإن كان لُبيَّاً اُقتُصر فيه بالقدر المتيقّن؛ وذلك لأنّ الشكّ إنّما هو في المراد لا المورد، فيكون الشك في الدليل اللّبي شكاً في الشبهة الحكمية، بمعنى أنّه: هل للحكم سعة ليشمل هذا المصداق صاحب الخصوصيات أم لا؟

ص: 20

--------------------------

في الايات الدالة على مطهّرية الماء و بيان اشكالاتها

الدليل الثالث: الكتاب العزيز، وقد استدل منه بآيات:

الآية الأولى: قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً طَهُورًا}(1) والطَّهور ظاهر في الطاهر بنفسه المطهِّر لغيره، كما ذكره جمع كثير(2).

ولكن أُشكل عليه باشكالات.

ص: 21


1- سورة الفرقان: 48.
2- التنقيح 2: 4، وقد نسبه في المصباح المنير ص518 مادّة (طهر) الى ابن فارس، ونسبه في الكشاف 3: 284 تحت آية 48 من سورة الفرقان الى أحمد بن يحيى، وقد حكي أيضاً عن تغلب كما في الجواهر 1: 174 ط الحديثة.

--------------------------

بحث في معنى الطهور

الاشكال الأوّل : إنّ الطَّهور هو «ما كان طاهراً في ذاته». فلا يدلّ على المطهّرية كما نقل عن بعض أهل اللغة(1)،

ونقل عن بعض آخر(2) كونه على صيغة «فَعول» للمبالغة ومعناه شدِّة الطَّهارة ف- «ماء المطر طاهر بطهارة شديدة»، ولا دلالة فيه على المطهّرية لغيره. والحاصل: أنّ الطَّهور إمّا بمعنى الطاهر أو بمعنى شديد الطهارة.

هذا، ولكن يورد عليه:

أوّلاً: أنّ المدّعى ظهور طهور في المطهِّر، والملاك هو الظهور العرفي الذي منشأه التبادر لاكلمات اللغويين، ومع التعارض يُقدَّم عليها(3).

ص: 22


1- المصدر نفسه، وراجع الجواهر: 171 ط الحديثة.
2- المصدر نفسه.
3- أقول: إنّ المدّعى بشقيه غير تام. أوّلاً: لعدم ظهور طهور في المطهر، بل العرف العام - المرجع في تبادر المعنى من اللفظ - يتردّد في معناه. وثانياً: سلّمنا ظهوره في المطهر إلّا أنّه معارض بأقوال اللغويين الدالة على ظهوره في الطاهر في الزمن السابق، فيؤخذ بالأخير لأنّ المشافهين هم من قصد افهامه. لا أقول: بعدم اشتراك الأحكام. بل أقول: إنّ الحكم المستفاد من اللفظ لا يتغيّر بتغيير معناه بعد الخطاب، والمعتبر ظهورات الألفاظ عندهم، والحاصل: أنّه لا تلازم بين «اشتراك الخطاب» و«اشتراك الحكم» وثبوت الحكم فرع ثبوت معنى اللفظ. وبعبارة اُخرى: إنَّ موضوع الحجية هو «الظهور النوعي في عصر الصدور» لا «عصر الوصول» أي الظهور لمعاصري الدليل لا مطلقاً. ولكن فيه: شأن اهل اللغة بيان موارد الاستعمالات ولو لقرائن داخلية أو خارجية، لا تعيين حقايقها والمعنى الموضوع له، ولا دلالة فيها على تبادر الطاهر من الطهور، وعليه فيبقى الظهور العرفي الآن بلا معارض. اللّهم إلّا ان نذهب الى ما ذهب اليه السيد الوالد (ره) في الوصول الى كفاية الاُصول: من أنّ شأن اللغوي ذكر الحقايق لا موارد الاستعمال فقط. كما هو الأقوى، قال الميرزا النائيني في الفوائد 4: 574 ما لفظه: «لا إشكال في أنّ المرجع في مفاهيم الألفاظ ومداليلها إنّما هو العرف العام، سواء وافق عرف اللغة أو خالفه، ولا عبرة باللغة إذا كان العرف العام على خلافها، فإن الألفاظ تنصرف الى مفاهيمها العرفية بحسب ما ارتكز في أذهان اهل المحاورات، فعند تعارض العرف واللغة في مفهوم اللفظ يحمل على المعنى العرفي، ... ولو كان مبايناً معه». لا يقال: إنّ أصالة عدم النقل ممّا لا يمكن التمسك بها أوّلاً: لكونها معارضة بأصالة عدم وضع المطهر للطهور وذلك لأنّ أكثر الألفاظ لا يشك في معانيها فيبقى القليل من الألفاظ ممّا يشك في كونها حاملة للمعنى الموجود؟ فيقال: الأصل عدم وضع المعنى للفظ. والحاصل: أننا نتمسك باستصحاب العدم الأزلي أو النعتي، لسلب المعنى السابق عن اللفظ، وعليه فيكون الطهور مجملاً فلا يمكن الاستدلال بالآية الكريمة. وثانياً: لأنّها أصل مثبت فإنّ الأثر وهو الحجية ولزوم الاتباع إنّما يترتّب على «ظهور اللفظ في المعنى في عصر الظهور». فإثبات هذا الظهور باستصحاب عدم النقل لترتيب الأثر عليه مثبت. فإنّه يقال: إنّ أصالة عدم النقل ممّا دل عليها بناء العقلاء واستقرت عليه طريقتهم، هذا مضافاً الى السيرة المتشرعية عليه، فهي كاشفة عن الواقع، حاكمة على أصالة العدم، فلا تعارض. والحاصل: أنّ الظهور الشخصي طريق الى الظهور النوعي في عصر الوصول، وهو طريق الى الظهور النوعي في عصر الصدور. إن قلت: إنّ أصالة العدم من الامارات أيضاً - كما عليه مبنى بعض المحققين من المعاصرين - فيتعارضان ويتساقطان. قلت: لا تعارض -إن سلّمنا المبنى- وذلك لعموم أصالة العدم، وأمّا أصالة عدم النقل فهي مختصة بالألفاظ، فلو أخذ بعموم أصالة العدم لما بقي مورد للأخير فيلغو دليله، وهذا الكلام جارٍ أيضاً لو كانا «أصلين» غير جارٍ لو انفردت أصالة العدم بالكشف وكان دليل أصالة عدم النقل هو الاستصحاب القهقرائي كما عليه بعض المتأخرين، فتأمل. نعم يبقى الإيراد الأوّل من عدم ظهور المعنى عند العرف. ثم إنّه لو تعارضت الحقيقة العرفية واللغوية فإنّ المتقدم الحقيقة العرفية إذ الشخص إنّما يتكلم وفق العرف وتدل عليه روايات راجع: الاُصول الاصيلة والقواعد الشرعية للسيد عبد اللّه شبر ص29، 30، 31.

ص: 23

--------------------------

[( ما يمكن ان يقال: إنّه تارة يحصل التكاذب بين المعنى اللغوي والعرفي، واُخرى لا تكاذب بينهما.

فعلى الأوّل : يُقدَّم قول اللغوي لوثاقته فيما يعكس من المعنى في ذلك الظرف، والتكاذب الحاصل يدلّ على تغيير المعنى، فالمعنى العرفي دالٌّ على معناه الفعلي، والمعنى اللغوي دال على معناه السابق.

وعلى الثاني: فالمعنيان حجتان بعد، فالبيع مبادلة مال بمال لغة، وعند

ص: 24

--------------------------

العرف أعمّ ليشمل مبادلة حق بمال. هذه الكبرى. وأمّا فيما نحن فيه: فالظاهر هو المعنى اللغوي للطهور، أمّا المطهر فمعناه أيضاً لكن عند العرف)](1).

ثانياً: أنّ هذين المعنيين غير تامّين(2).

ص: 25


1- أقول: بما أنّي لم احضر مجلس البحث كما أنّه لم يسجّل في الأشرطة المسموعة و المرئية كتبت التعليق السابق تكميلاً للفائدة. إلّا أني و قبيل طبع الكتاب وجدت تقريراً للبحث المفقود لاحد زملاء البحث فأوردت ما قرره في مجلس الدرس و جعلته بين هلالين.
2- أقول: وبيان عدم تمامية المعنيين أوّلاً: لو كان طهور بمعنى الطاهر لامكن استعماله في غير الماء كالإناء والثوب وظاهر الحيوان وباطن الانسان ولكن التالي باطل فلا يقال: ثوب طهور ولا أنّ ظاهر الحيوان طهور فالمقدم مثله. ولكن سيأتي في حاشية لاحقة أنّه قد يكون الطهور مشتركاً لفظياً بين المعنيين ولكنه غير مطّرد فيهما فهو بمعنى الطاهر في قوله: «ريقهنَّ طهور» و«شراباً طهوراً» على تأمل فيه. ثانياً: أنّ الوضع اللغوي في فعول وإن كان للمبالغة كصدوق وكذوب وضحوك إلّا أنّه لا يجري في مثل الطهارة التي لا تقبل الزيادة والنقصان - كما نقله في الجواهر: 173 ط الحديثة - بل أمرها دائر بين الوجود والعدم وذلك لكونها من الاعتبارات الشرعية الوضعية كالملكية والزوجية كما في التنقيح 2: 5 لا التكوينية الخارجية، وعليه فلا بد أن ينسلخ الطهور عن المعنى اللغوي الموافق لمقتضى القياس في الخارجيات الى الموافق لمقتضى الاستعمال فهو من باب إثبات المراد باللفظ بواسطة الفهم العرفي. وفيه: لم يثبت كون الطهور في الآية المباركة من الاعتبارات الشرعية فقد يكون بمعناه اللغوي وذلك لأنّ ماء المطر قوي الازالة سريع التنظيف بخلاف غيره من المياه، فتأمل. هذا وقد ادّعى السيد القمي في الدلائل 1: 193 عدم المانع عن الشدة في الأمر الاعتباري لأنّه بيد المعتبر والجاعل فالطهارة الشديدة تعني أنّه لا ينفعل كغيره. ثالثاً: لو كان طهور بأحد المعنين لم يختص بأمة النبي مع أنّه من مختصاته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقد نقل الصدوق في أماليه: 216 المجلس الثاني والثلاثون عن محمد بن الحسن قال حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن اسماعيل الجعفي أنّه سمع ابا جعفر (عليه السلام) يقول: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً...» والخبر صحيح بين الفريقين، هذا مضافاً الى قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :«التراب أحد الطهورين» ولا معنى لتخصيص الطهارة بالتراب مع أنّ باقي الأجسام طاهرة أيضاً، كما أنّه لا معنى لأشدية طهارته، اللّهم إلّا من باب أنّه مطهّر يزيل جراثيم ما ولغه الكلب والخنزير شرعاً - مضافاً الى رفع الحدث لفاقد الماء - والدسومات والقذارات من الأواني عرفاً كما عليه طريقة أهل القرى والأرياف، وعليه فيثبت المطلوب من أنّه بمعنى المطهر. رابعاً: قوله (عليه السلام) : «فإنّ التيمم طهور» [الكافي 3: 64 باب الوقت الذي يوجب التيمم] والتيمم فعل خارجي لا يطلق عليه الطاهر وشديد الطهارة. وعليه: فيتعين ارادة المطهر من الطهور، فهو إمّا سماعي على غير القياس - حيث إنّه لا يمكن أن يكون الفاعل لازماً ومبالغته متعدياً وفعول للمبالغة في مادّة فاعل فهو تابع له - أو هو من النقل الشرعي وذلك لثبوت الحقيقة الشرعية فيه كما اختاره في الجواهر 1: 183 ط الحديثة.

ص: 26

--------------------------

[( أمّا المعنى الأوّل : فقد نفاه البعض معترضاً بصحة إطلاق الطهور على كل شيء طاهر.

ولكن فيه : عدم لزوم الاطراد على كل شيء طاهر وذلك لصحة السلب فلا يطلق الطهور على الشجر، وعليه فالإطلاق محتاج لخصوصية.

وأمّا المعنى الثاني فقد أشكل عليه: بعدم إمكان المبالغة في الاُمور الاعتبارية.

وفيه أوّلاً: الاُمور الاعتبارية منوطة بالاعتبار، فكما أنّ أصلها باعتبار المعتبر فكذلك يمكن له ان يعتبر الشدة والضعف، كما يقال: البول انجس من الدَّم. وكذلك قد يقال: الماء الجاري اطهر من الماء المحقون.

ثانياً: تسلمون المبالغة في الاُمور التكوينية والطهارة في الآية المباركة قد تكون بمعنى الطهارة التكوينية التي تقبل المبالغة )](1).

ثالثاً: نقل اللغويون للطَّهور معنى ثالثاً وهو المطهِّر(2)،

ومعنى رابعاً وهو كونه «اسم آلة» مثل الوَقود: أي آلة الايقاد، والفَطور بمعنى: الآلة التي يفطر بها(3). فالقول: إنّه لغة بمعنى الطّاهر أو شديد الطَّهارة غير تام.

ص: 27


1- أقول: إن ما اورد هنا بين هلالين أيضاً عن تقرير ما كتبه الفاضل المذكور.
2- لسان العرب 4: 505.
3- الفقه 2: 11. أقول: وكذلك الوَضوءِ لما يتوضأ به، والغَسول لما يُغسل به، والنَشوق : ما يستنشق به، وقس عليه الصَعوط والوَجور والذَّرور.

--------------------------

هذا، ولكن الإيراد الثالث لايكفي في المقام إلّا بضميمة الظُّهور العرفي؛ وذلك لسقوط الاستدلال مع وجود معاني لغوية متعددة واحتمال إرادة بعضها.

وممّا يؤيّد كون الطَّهور بمعنى المطهِّر - سواء كان بمعنى اسم الفاعل أو اسم الآلة - :

أ) ما حكي عن الشيخ في التهذيب: «والطَّهور هو المطهِّر في لغة العرب، الى أن يقول: وليس لأحدٍ أن يقول: إنّ الطَّهور لايفيد في لغة العرب كونَه مطهّراً؛ لأنّ هذا خلاف على أهل اللغة»(1).

ب) ما نقله مجمع البحرين عن بعض العلماء واختاره بقوله: «وهو في غاية الجودة» ما لفظة: «و إنكار أبي حنيفة استعمال الطَّهور بمعنى الطاهر المطهّر غيره وانّه لمعنى الطاهر فقط وأن المبالغة في فعول إنّما هي زيادة المعنى المصدري كالأكول لكثير الأكل، لايلتفت إليه بعد مجيء النص من أكثر أهل اللغة»(2).

د) مجموعة من الروايات اُستخدمت فيها كلمة الطهور بمعنى المطهِّر و

ص: 28


1- تهذيب الأحكام 1: 214.
2- مجمع البحرين 3: 66.

--------------------------

قد ذكرها السيد الوالد في الفقه(1).

منها: ما عن النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «جُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً»(2) والظاهر من الطهور في التراب ليس الطَّاهر فَحسب؛ وإلّا لم تثبت خصوصية للنبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم تكن في الأُمم المتقدِّمة، وقد كان التراب طاهراً عندهم أيضاً، وإلّا لكانوا في أشدِّ أنواع الحرج(3)، ولَنُقِلَ ذلك في الرِّوايات والتَّواريخ ولم يحتمل أحد ذلك.

ومنها: قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد سُئِلَ عن الوضوء بماء البحر فقال: «هو الطَّهور ماؤه، الحلّ ميتته»(4) ولكونه في مقام الجواب عن صحّة الوضوء بماء البحر لايمكن حمل الطَّهور على الطَّاهر؛ وإلّا لم يرتبط جوابه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالسؤال.

ومنها: قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعاً»(5)، ومعناه أنّ المطهِّر للإناء غَسله سَبعاً.

ص: 29


1- الفقه 2: 12.
2- وسائل الشيعة 5: 118.
3- أقول: إن قلنا: بأنّه لاواقع للحكم الوضعي وراء الحكم التكليفي وأنّه منتزع منه، يتمّ القول بوقوعهم في حرج شديد إن كانت الأرض غير طاهرة. وأمّا مع القول باستقلاله عن الحكم التكليفي - كما هو الحق - فإنّه لاحرج من التزام النجاسة دون ترتيب أي حكم تكليفي عليهم. هذا، ولكنّ الارتكاز القطعي على طهارة الأرض.
4- وسائل الشيعة 1: 136.
5- بحار الأنوار 77: 6.

--------------------------

لا يقال: الإستعمال أعمّ من الحقيقة. إذ يجاب: بكفاية استعماله في المطهِّر كمؤيد(1).

ص: 30


1- أقول: لا ننكر صحّة استعمال الطهور في المطهر بوجود قرينة - كما في الروايات الثلاث - ولكن حصره فيه يحتاج الى دليل مفقود في المقام، بل قد يُدّعى أنّ الطهور: 1 - إمّا وضع للإعم منه ومن الطاهر؛ وذكر بعض اللغويين المعنى الأوّل وبعضهم الثاني إنّما هو ذكر مصداق، وقد نقل العلّامة المجلسي عن والده أنّ الطهور أعمّ من ازالة النجاسات والطهارات الثلاث راجع بحار الأنوار ]80: 182[. 2 - وإمّا أن يكون من المشترك اللفظي بينهما وبه يرتفع التناقض بين اللغويين، فتأمل ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان: «إنّ خلوق الكعبة طهور» [الوسائل 13: 449] وطهور في الصحيحة بمعنى «طاهر» وذلك لتوهم نجاسته لكثرة ملاقاة الناس به. وعليه فلا يمكن الاستدلال بالآية المباركة فإن الدليل أعمّ من المدعى، ولا يمكن إثبات أحد الأفراد بخصوصياته بإثبات العام كما لا يخفى. ومن البيّن أنّ مجمع البحرين ينفي القول: «بعدم كون الطهور بمعنى المطهر» ولكنه لا يُثبت اختصاصه به ، وكذلك الشيخ في التهذيب فإنّه إنّما ينفي اختصاص الطهور بالطاهر، ولا يثبت اختصاصه بالمطّهر، وأمّا قوله: «الطهور هو المطهر في لغة العرب» فليس بحصر خصوصاً مع ملاحظة أنّه في مقام الرد على القائل بأنّه لايفيد في لغة العرب كونه مطهّراً لأنّ هذا [أي نفي معنى المطهر] خلاف على أهل اللغة، والإثبات بعد ورود النفي لا يدلّ على أكثر من صحّة الاستعمال. وعلى ما ذكرنا فلا يُعبأ بمن يقول بأنّ فعول لا يكون بمعنى مفعل وهو للمبالغة كقوله عز وجل:{شراباً طهوراً} [الانسان: 21]. فلا يقال: إنّه مخالف للقياس من جهة أن فعول المبالغة لا يكون متعديا واسم الفاعل منه غير متعدّ فإنّ الطاهر لا يتعدّى.

--------------------------

الاشكال الثاني: وقد اعتمد عليه جمع(1) في ردّ الاستدلال بهذه الآية الكريمة من «عدم الدليل على كون المراد من التطهير المعنى الشرعي، بل يمكن أن يكون المراد منه المعنى العرفي، فلم يثبت كون الآية في مقام بيان التطهير من القذارات الشرعيه، والقدر المتيقّن كونها في مقام بيان التطهير من القذارات العرفية، ومع طُرُو الاحتمال يبطل الاستدلال، فمعنى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}(2) هو الرافع للخباثات العرفية، فلا يدلّ على المطلوب.

هذا، ولكن يمكن أن يقال: إنّ حذف المتعلَّق يفيد العموم، فالآية الكريمة مطلقة تشمل كلتا القذارات الشرعية والعرفية.

فإن قيل(3):

نشك في إطلاقها للشك في وجود مفهوم للقذارة الشرعية وقت نزولها.

قلنا: إنّ الآية المباركة مسوقة على نحو القضيَّة الحقيقيّة وليست مختصَّةً بفترة محدَّدة، فتشمل جميع المصاديق وإن كانت متجدّدة(4)، وإلّا لزم أن

ص: 31


1- اعتمد عليه في التنقيح 2: 9، والدلائل 1: 192.
2- الفرقان: 48
3- التنقيح 2: 10.
4- أقول: بين التطهير الشرعي والعرفي عموم من وجه؛ فالوضوء مع نظافة البدن بعد الحدث الاصغر كالريح تطهير شرعاً وليس مزيلا للقذارة عرفاً، وينعكس الأمر في غسل البدن من القذارات ويجتمعان في غُسل الجنابة للمتّسِخ - . بل بين أحد فردي التطهير الشرعي - وهو التيمم - التباين وعدم صحّة الحمل وصحّة السلب عن كونه تطهيراً عرفاً، فقوله (رحمه اللّه) : «تشمل جميع المصاديق وإن كانت متجددة» مصادرة، لعدم وجود الجامع بينهما ليكون الفرد المتجدد مصداقاً له، وأمّا نقضه (رحمه اللّه) بالمصاديق المتجددة من القذارات العرفية، فغير واضح لكونه ممّا ينطبق عليه المفهوم قطعاً، وأمّا القضية الحقيقية فهي وإن شملت مصاديقها إلّا أنّها لا تشمل المعاني الاُخرى المشتركة في اللفظ المستحدثة بعد استعماله، فتأمل.

--------------------------

ينكر شمولها للمصاديق المتجدِّدة من القذارات العرفية، كالأبخرة المتصاعدة من المصانع - مثلاً - وهو كما ترى.

نعم، قد يقال: بأنّ الآية المباركة ليست في مقام بيان المطهّرية من جميع الجهات، بل هي في صَدَد بيان نِعَم اللّه سبحانه وتعالى والتي منها المطر، والإطلاق فرع كون المولى في مقام البيان من نفس الجهة.

بل يحتمل أن لايرتبط الطَّهور بمتن السياق، فإنّ محور السياق هو الماء، والغاية أو العاقبة لا ترتبط بطهوريَّته بل بذاته، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً}(1) فالآية في سياق الإمتنان بالمطر والطهور وصف عَرضي(2).

ص: 32


1- الفرقان: 48- 49.
2- أقول: قال في الجواهر [36: 67] «اذ الإطلاق عرفاً حجة فيما يساق له دون غيره ممّا لم يسق لبيان حكمه، كقوله عز وجل: {فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيباً} ونحوه ممّا لا ينافي المنع من جهة اُخرى».

--------------------------

والحاصل: أنّ الكلام لم يسق لبيان هذه الصفة، فمعنى الآية - واللّه أعلم - : «إِنّا امتننّا على عبادنا بالمطر والغاية من ذلك أن نحيي به بلدةً ميتةً ونسقيه ممّا خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً».

إلّا أن يقال: إنَّ الأصل كون المولى في مقام البيان من جميع الجهات إلّا أن يثبت الخلاف.

وفيه: عدم ثبوت هذا الأصل، بل الملاك الظهور العرفي، فلو قال الطبيب لمريضٍ: عليك بالدواء لايمكن للمريض أن يستعمل أيَّ دواء شاء؛ نظراً لإطلاق كلام الطبيب. بل إنّ العرف يرى الكلام مجملاً لا ظهور فيه(1).

ص: 33


1- أقول: إنّ الأصل هو الإطلاق وكون المتكلّم في مقام البيان من كلّ الجهات إلّا مع إحراز الخلاف بالقرائن، وما ذكره من المثال ممّا يُحرَز فيه عدم الإطلاق لكون الطبيب في مقام بيان أصل الحكم فقط. نعم، لو كان الكلام مسوقاً لبيان حكم آخرمثل حلية ما يصطاده الكلب في قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا ممّا أَمْسَكْنَ عليكم﴾. ومثل الماء في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ - إن ثبت أنَّ محور السياق الماء - أو كان الدليل وارداً في بيان أصل تشريع الحكم كقوله عز وجل: {اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فإنّه قرينة على عدم كون المتكلم في مقام البيان لجميع الخصوصيات، وعليه فلا يمكن التمسك بالإطلاق، ولكن في غيرهما ومع الشك في الإطلاق يكون المحكم الأصل العقلائي من أنّه في مقام البيان، وهذا هو الظاهر من حال المتكلم وعليه الطبع، وأمّا الاهمال والإجمال فلا يثبت إلّا بالإحراز. فقوله (رحمه اللّه) : «وفيه: عدم ثبوت هذا الأصل» ربّما يلاحظ عليه أنّه ثابت إلّا مع إحراز الخلاف لا الشك فيه. هذا ولكن قد يقال: بأنّ الألفاظ موضوعة للطبيعة المهملة فلا يمكن التمسك بالإطلاق مع الشك في كون المتكلم في مقام البيان، وإلّا لزم المجازية مع التقييد. توضيحه: انّ الماهية المهملة جامعةٌ لجميع الخصوصيات التي تطرء لاحقاً وعليه فالإطلاق والتقييد يستفادان من مقدمات الحكمة و لا يرتبطان بالمعنى الموضوع له. وأمّا على القول بأنّ الموضوع له الطبيعة السارية والمطلقة، كان التقييد من المجاز لكونه استعمالاً للفظ في غير الموضوع له. ولكن يجاب عن هذا أوّلاً: بأنّ التقييد قد يكون بالمنفصل واُخرى بالمتصل، أمّا الأوّل فلا مجاز بل استعمل اللفظ في معناه الموضوع له ولكن لا تطابق بين الارادة الاستعمالية - في الأعم - والارادة الجدية وعدم التطابق يظهر من التقييد اللاحق فهذا لا يكون من استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له، بل معرفة الارادة الجدية وعدم التطابق بين الارادتين. وعليه فهو كالعام المخصص بالمنفصل. وأمّا الثاني وهو التقييد بالمتصل فهو من المجاز لعدم اجتماع الإطلاق مع التقييد فإنّ السريان غير التضييق كما هو واضح. والحاصل: ليس الأمر كما ذكر من المجازية دائماً بل في خصوص المتصل. ثانياً: لا معنى للقول بأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني المهملة بان تكون في مدلولها على معناها قصور بان لا يصدق حملها على مصاديقها بل الظاهر انّ للموضوع له إطلاقاً ذاتياً خارجَ المحمول المعبّر عنه بالإطلاق المقسمي، نعم قد لا يتمسك بإطلاق الكلام بصرف إطلاق اللفظ في مرحلة الوضع كما في مثل: ﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ﴾ لتحليل الغصب والأدلّة الدالة في أصل التشريع. فمع الشك في صدق اللفظ على مورد يتمسك بأصالة الإطلاق، ومع الشك في حدود الحكم سواء في الاخباريات أو الإنشائيات لابدّ من الفحص عن إطلاق آخر. ثالثاً: لو لم يذكر القيد إثباتاً بقت الطبيعة الموضوعة على نحو الإطلاق ولا اهمال في مرحلة الإثبات كالثبوت. والحاصل: أنّ مقدمات الحكمة إمّا لا داعي لوجودها أو هي موجودة دائماً إن لم يذكر القيد كالنكرة في سياق النفي، فتأمل. وسيأتي في تعليقة لاحقة مزيد تتمة فلاحظ.

ص: 34

--------------------------

الاشكال الثالث: سلّمنا أنّ الآية تدلّ على المطهّرية من القذارات العرفية والشرعية، ولكن القذارات الشرعية على نوعين: الحدثية والخبثية، ومع الشك في إطلاق الآية يقتصر على القدر المتيقّن وهو التطهير من القذارات الخبيثة؛ وذلك لأنّ القذارات الحدثية أبعد عن الذهن العرفي، ولاأقل من الإجمال(1).

وفيه : ما ذكر في الاشكال السابق من الإطلاق.

الاشكال الرابع: إنَّ لفظ «ماء» نكرة في سياق الإثبات، وهي لاتفيد العموم.

ويمكن أن يجاب عنه أوّلاً: بعدم القول بالفصل، فلو قلنا: بأنّ بعض المياه مطهّر لقلنا بمطهريّة جميعها.

ص: 35


1- أقول: الأبعدية عن الذهن العرفي لا تجعله مجملاً إلّا إن سبب الانصراف وعنده أيضاً لا إجمال بل يكون اللفظ ظاهراً في غير المنصرف عنه.

--------------------------

وفيه: أنّ المعتبر القول بعدم الفصل لا عدم القول بالفصل(1) وإلّا لزم عدم

ص: 36


1- أقول: إنّ عدم القول بالفصل قد يؤول الى القول بعدم الفصل وهو معتبر، بيان ذلك: إن عدم القول بالفصل أ : تارة يكون لعدم وجود قول ثالث لاختلاف العلماء على قولين وهو ما يعبّر عنه بالإجماع المركب، فهو قد يؤول الى الإجماع البسيط إذا كان اختلافهم على قولين كاشفاً عن نفي القول الثالث، وقد لا يؤول اليه مع عدم الكشف وليس بمعتبر لعدم ثبوت إجماع بمجرد عدم الفصل في كلماتهم وإلّالبطلت جميع الأقوال المتأخرة. ب: واُخرى يكون لعدم وجود قول ثاني أي: اتفقوا على أمر ولم يفرقوا بين أفراده أو اجزاءه ولا يعبّر عنه بالإجماع المركب، وهو أيضاً كالإجماع المركب قد يكشف عن نفي قول آخر وقد لا يكشف عنه قال الميرزا الشيرازي في حاشيته على المكاسب [1: 206] : «لايخفى أنّ عدم القول بالفصل إنّما يكون حجة إذا كان آئلاً الى القول بعدم الفصل يعني الإجماع على عدم الفصل بين المسألتين» وقريب منه ما في المستمسك [9: 157] : «إن عدم القول بالفصل غير كاف ما لم يثبت القول بعدم الفصل» أي لم يكن آئلاً اليه، وقد يكون ذلك مقصود صاحب الكفاية [467]: «إلا ان يدّعى عدم القول بالفصل وهو وإن كان غير بعيد إلّا أنّه ليس بمثابة يكون حجة على عدم الفصل». وعليه فما ذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) في موارد متعددة تبعاً لجماعة من الاعاظم في عدم حجيته مطلقاً غير تام، قال الميرزا الرشتي [الاجارة: 64]: «عدم القول بالفصل غير القول بعدم الفصل» وقال الخونساري [الحاشية على المكاسب 1: 203]: «لأنّ المعتبر القول بعدم الفصل لا عدم القول بالفصل فإنّ حجية الإجماع المركب إنّما هي بسبب رجوعه الى البسيط وذلك لا يكون إلّا مع القول بعدم الفصل» وهو ما يظهر من كلمات السيد العم حفظه اللّه قال في بيان الفقه [1 : 367 ]: «الذي قيل إنّه يعمّم الحكم لغير مورده هو القول بعدم الفصل الذي مرجعه الى الإجماع بعدم الفصل، ولا يجدي مجرد عدم القول بالفصل».

--------------------------

حجية جميع التقسيمات المتأخرة، فإنّ أغلب المسائل كان فيها قولان ثم نشأ فيها التفصيل.

وثانياً: سلّمنا بأنّ النكرة في سياق الإثبات لاتدلّ على العموم في حدِّ ذاتها، ولكن لامانع من أن يفيد السياق العمومَ كما في قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا}(1) ولباس نكرة في سياق الإثبات وليس معناه مبهماً بل يدلّ على العموم(2)،

وكذلك «بلدة» في

ص: 37


1- الأعراف: 26.
2- أقول: النكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم بالوضع واللغة، بل قد تفيده بالنظر الى الحكمة، أو بكون المولى في معرض الامتنان، أو لأجل قرينة كالسياق. وأمّا ما قيل من أنّها تدلّ على العموم إن وقعت في الأمر ك- : «اعتق رقبة» - لا في الخبر كجاء رجل - ففيه: أنّه يفيد العموم البدلي المستند الى أصالة البراءة من القيد الزائد - الايمان - لا الشمولي، والكلام في العموم الشمولي. فالحاصل: أنّه لا بأس باستعمال النكرة في سياق الإثبات للعموم كقوله (عليه السلام) : «حرس أمرءً أجله» أي حرَس كلَ أمرءٍ أجله. ثم إنّه فيما نحن فيه لابدّ من حمل الماء على العموم وإن لم نقل بدلالتها عليه في مقام الإثبات وذلك لعدم الفائدة في جعل فرد خاص مطهّراً، بل قيل: «إنّ طهورية فرد من أفراد الماء من دون بيانه وتعريفه ممّا لا يتعقّل فيه الامتنان أصلاً» فتأمل.

--------------------------

قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ ممّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا}(1).

الاشكال الخامس: إنَّ الآية الكريمة خاصّة بماء المطر ولاتدلّ على مطهّرية غيره، والفرق بين الاشكالين هو أنّ السّابق لايدلّ على مطهّرية ماء المطر مطلقاً ولا يفيد إلّا أنّ فرداً من أفراد مياه المطر طهورٌ، وهنا يسلّم العموم ولكن في ماء المطر فحسب.

هذا، ولكن يمكن أن يجاب عنه أوّلاً: بعدم القول بالفصل. وفيه: التأمل الذي سبق.

وثانياً: بأنّ الآيات والروايات تدلّ على أنَّ جميع المياه الموجودة في الأرض إنّما هي من ماء المطر(2) ومع طهوريته تكون طهوراً أيضاً(3).

ص: 38


1- الفرقان: 48- 49.
2- ذكرها في الفقه 2: 13، وفي الحدائق الناضرة 1: 173، رياض المسائل 1: 131، جواهر الكلام 1: 71، 116.
3- أقول: إنّ ما ذكره لا يدلّ على مطهّرية المياه حتى وإن كان منشأها ماء المطر؛ وذلك لتبدّل الموضوع، والحكم أي المطهّرية تابع لموضوعه فلا يمكن التمسك باستصحابهما فإنّ ماء المطر غير ماء البحر والبئر وماء الكبريت. وقد قيل: بأنّ الاملاح الموجودة في المطر وكذلك الاوكسجين القوي تزيل القذارات والدسومات بسهولة ويسر ولذلك يستشفى بمطر النيسان فإنّه غاسل للأوبئة وليست هذه المزيّة موجودة في غير المطر. وأمّا استصحاب الحكم مع الشك في اختلاف الموضوع فهو من الاستصحاب التعليقي حيث يقال: «ماء المطر إذا اصاب النجس طهره فماء البئر كذلك، استصحاباً للحكم من الحال المطرية». ولكنه غير تام لمعارضته استصحاباً تنجيزياً وهو استصحاب عدم طهارة المَحَل قبل اصابة الماء اليه. اللّهم إلّا إذا اُحرز وحدة الموضوع فيما نحن فيه، فتأمل.

--------------------------

و لكن الظاهر عدم دلالتها على ما ذكر: فإنّ استدلالهم بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه أَنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابيعَ فِي اْلأرض}(1) غير تام فإنّ غاية ماتدل عليه الآية المباركة أنَّ ماء المطر تَحَوَّلَ إلى ينابيع ولاتدلّ على أنّ كلّ ينبوع هو ماء مطر، ولو سُلَّمَ فإنّها تختص بالينابيع ولا تَعُمُّ الأنهار والبحار والغدران والآبار.

ومثلها في عدم الدلالة، التمسّك بقوله تعالى: {وَ أَنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي اْلأرض وَ إِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ}(2) قال في الدلائل: «فإنّ المستفاد من هذه الآية: أنّ اللّه سبحانه في بيان عظم قدرته والتهديد بأنّه يمكنه أن يذهب بما يكون قوام كلّ شيء وهو الماء، ولوكان

ص: 39


1- الزُّمر: 21.
2- المؤمنون: 18.

--------------------------

غيرماء المطر ماءً في الخارج لما كان قوام الناس بما أنزل من السماء»(1).

وفيه: أنّ ماء المطر اُسكن في الأرض لا أنَّ كلّ ما اُسكن في الأرض من المياه ماء مطر، والتهديد يتمّ وإن كان بالإبادة الجزئية، فلو فرض أن نصف ماء الأرض من المطر، لمات نصف البشر مع انقطاعه كما يموت الملايين في المجاعات التي تحصل عند منع السماء قطرها، فالحاصل: أنّ التهديد النصفي تهديد أيضاً.

فالاستدلال بالآيات الكريمة غير واضح.

وأمّا الاستدلال بالروايات الشريفة كرواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: «{وَ أَنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي اْلأرض}(2) فهي الأنهار والعيون والآبار»(3) فغير تام أيضاً لعدم الإطلاق فيها.

نعم، قد يُستدلُّ بما هو ثابت من الناحية العلمية: بأنّ الأرض كانت كتلة ملتهبة غير قابلة لوجود الماء فيها، ثم على أثر العوامل الطبيعية حدثت أبخرة نزلت في صورة المطر فَتَكوَّنَ منها جميع مياه الأرض(4)، واعتماد

ص: 40


1- الدلائل 1 :191.
2- المؤمنون: 18.
3- البرهان 4: 21، بحار الأنوار 56: 373.
4- أقول: إنّ القول بأنّ الأرض كانت كتلة ملتهبة وأنّ مياهها كلّها من المطر نقلاً عن بعض أهل الخبرة غير تام: - مضافاً الى تناقض أهل الخبرة في الطبيعيات ولذا تصدر في كل يوم نظرية تنفي السابقة لها - لمنافاتها بعض الروايات الدالة على أنّ أوّل مخلوق من الجسمانيين هوالماء وأنّ السماء خلقت من البخار المرتفع من الماء، وقد تكون مستفيضة أو متواترة ففي البحار 54: 66 «أول ما خلق اللّه الماء» وفيه: 54: 73 «خلقت الأرض من زبد الماء وخلقت الجبال من الامواج» وفيه أيضاً 54: 312 «أول ما خلق اللّه الماء وكان عرشه عليه فلما اراد أن يخلق السماء اخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسمي سماءً» وفي علل الشرايع 1: 83 عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسن بن ابي خطاب عن محمد بن سنان عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السلام) : «اول ما خلق اللّه عز وجل ما خلق منه كل شيء، قلت: جعلت فداك وما هو؟، قال: الماء» ومن راجع الوسائل كتاب الصلاة لرأى عدة روايات في الباب. وأمّا احتمال تبدل المياه الى جسم صلب أو كتلة متحصّبة ومن ثم نزول المطر عليها فلا يعتنى به لوجود الاستصحاب، فتأمل.

--------------------------

أهل الخبرة عليها تدلّ على كونها حقيقة علمية لافرضية علمية كما قيل(1).

فتحصَّل من جميع ذلك: أنَّ العمدة في الاشكال ما ذكر في الاشكالين الثاني و الثالث من أنّ الآية الكريمة تدلّ على المطهّرية من القذارات العرفية ولا إطلاق لها للقذارات الشرعية وبالخصوص الحدثيَّة منها؛ لعدم كونها في مقام البيان، فلا يمكن الاستدلال بها في المقام.

إلّا أن يدفع بأصالة الإطلاق وكون المولى في مقام البيان من كلّ الجهات

ص: 41


1- القرآن واعجازه العلمي - لمحمد اسماعيل ابراهيم: 67.

--------------------------

إلّا أن يثبت الخلاف، كما سبق، فتأمل(1).

الآية الثانية

الآية الثانية: قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}(2) فقد ذكر أكثر المفسرين أنّها نزلت في حرب بدر وقد احتلم كثير من المسلمين بعد أن اُلقي عليهم النعاس فتمثَّل لهم الشيطان وقال: «كيف أنتم على حق وقد أصابتكم الجنابة ومحلُّكم غير صالح - لكون الأرض رملية غير ثابتة -ولاماء لكم بينما المشركون على الماء؟»، فأنزل اللّه عليهم المطر فثبتَتِ الأرض وإغتسلوا وارتَووا، فنزلت الآية: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}. أي لأجل حدوث الأمن في قلوبكم وإزالة الخوف عنكم، والأمانة بمعنى الدَعَة ضد المَخافة، فقوله عز وجل: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} يعني وسوسته {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}، والتطهير يشمل التطهير من الحدث والخبث، لمصاحبة الاحتلام الحدث والخبث عادة.

هذا، ولايخفى أنَّ بعض المناقشات المتقدِّمة في الآية الأولى - مثل أنَّ الطَّهور بمعنى الطَّاهر، أو بمعني شديد الطَّهارة - لاتأتي في المقام، كما أنّ

ص: 42


1- إشارة إلى الإشكال الذي سبق في أصالة الإطلاق من كون الملاك هو الظهور العرفي.
2- الانفال: 11.

--------------------------

بعض المناقشات الاُخرى مضى عنها الكلام في الآية المتقدمة.

ولكن تبقى مناقشتان:

الأولى: لم يثبت شرعاً أنّ المبتلى به في واقعة بدر هو الاحتلام، فإنَّ ما ذكر في شأن نزول الآية المباركة لم أجده في رواية معتبرة وإنما ذكره بعض المفسّرين، فيحتمل أن يكون المراد منها التطهير من القذارات العرفيَّة، وبما أنّ الفرد يَتَّسِخ في ساحة القتال وتصدر منه الراوائح النَّتِنَة فتنتابُهُ حالة التنفّر من نفسه، أنزل اللّه المطر ليطهرهم ممّا ابتلو به من الأوساخ المنفّره والأقذار العرفية. و مع طرو احتمال القذارة العرفية يسقط الاستدلال بالآية المباركة.

الثانية: ما في الحدائق(1) والمستمسك(2) من عدم عموم للآية المباركة لوقوعها في واقعة خاصة.

ولكن فيه أوّلاً: قاعدة الإشتراك في التكليف.

وثانياً: ما في التنقيح(3):

«إنّ هناك روايات دلَّتنا على أنّ ورود آية من آيات الكتاب في مورد أو تفسيرها بمورد خاص، لايوجب اختصاص الآية بذلك المورد؛ لأنّ القرآن يجري مجرى الشمس والقمر ويشمل جميع

ص: 43


1- الحدائق 1: 172.
2- المستمسك1: 70.
3- التنقيح: 2: 8-9.

--------------------------

الأطوار والأعصار من دون أن يختص بقوم دون قوم، بل وفي بعض الأخبار أنَّ الآية لو اختصت بقوم تموت بموت ذلك القوم»(1).

ومنها: ماروراه العيّاشي في تفسيره عن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه رفعه إلى خيثمة، قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) : يا خيثمة، القرآن نزل أثلاثاً، ثلث فينا وفي أحبائنا، وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا، وثلث سُنَّةٌ ومَثَل، ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية، لما بقي من القرآن شيئ، ولكنّ القرآن يجري أوله على آخره مادامت السماوات والأرض..»(2).

وفيها: ضعف سندها.

ومنها: مارواه في الكافي عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان وآخرين، عن عُمَر بن يزيد قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : ﴿الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّه بِهِ أَن يُوصَلَ﴾؟ قال: نزلت في رَحم آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكونَنَّ ممن يقول للشيء إنّه في شيء واحد»(3) أي لاتُخَصِّص الآية بذلك الشيء بل عَمِّمها إلى النظائر، والرواية حسنةٌ.

ص: 44


1- نعم ما ثبت خروجه ك- : «وهم راكعون» نُخرجه وأمّا غيره فلا نخرجه عن العموم.(منه (رحمه اللّه) )
2- تفسير العياشي 1 : 10.
3- الكافي 2: 156.

--------------------------

هذا، ولكن في الإجابتين نظر فإنّ الروايات الشريفة وقاعدة الاشتراك إنّما تدلان على جريان الآية والحكم النازل في مورد معيَّن إلى نظائره، ولا تدلاَّن على التَّعدية من عنوان إلى عنوان آخر، فلو تناولت آية حكماً يتعلّق بالفقراء أو المجاهدين، لايمكن التمسّك بهذه الروايات لتشمل الآية الأغنياء أو القاعدين أيضاً بدعوى أنَّ القرآن يجري مجرى الشمس والقمر.

وبعبارة اُخرى: يمكن أن يلاحظ العنوان الشامل للأفراد ثم تُلغى خصوصيات الأفراد فيُعمّم العنوان لجميع الأفراد الداخلين تحته، ولايمكن الخروج من عنوان إلى عنوان آخر، فتأمل.

وفيه ما لايخفى: فإنّ العرف يلغي - بارتكازه - خصوصية الحضر والسفر والجهاد وعدمه عن هذا الحكم، فإنّه يرى أنَّ الحكم مختصّ بالماء بما هو ماء لا بما هو ماء نازل في بدر أو على المجاهدين أو ما أشبه ذلك من العناوين المكتنفة، فيثبت أنَّ ماء المطر يطهِّر جميع الأفراد مجاهدين كانوا أو غيرهم، واقفين أو قاعدين، مسافرين أو حاضرين(1).

ص: 45


1- أقول: العرف في أمثال المقام يستفيد عدم اختصاص الحكم المذكور بالمجاهدين وبالمجنبين بل يرى ثبوته لهم ايضاً لكون النازل في بدر على المجاهدين لتطهيرهم من الجنابة مورداً ومصداقاً لمطهّرية الماء مطلقاً، فلا مانع من التعدّي الى غيرهم، فيقال: بأن الآية وإن كانت وارده في خصوصهم إلّا أنّ المفهوم والمستفاد منها حسب المتفاهم العرفي عدم اختصاصه بهم، وذلك كما في قوله (عليه السلام) : «ثمن الخمر سحت» [الوسائل 17: 94] أو «ثمن الكلب سحت» [الوسائل 17: 120] فإنّه وإن ورد حال كونهما مثمنين، إلّا أنّ العرف يقطع - لما استفاده من الكلام - في عدم اختصاص البطلان والحرمة بكونهما مثمنين بل يتعدّى منه الى ما لو كانا ثمنين. وكذلك الأمر في جعل خيار العيب للبايع في صحيحة زرارة: «أيما رجل اشترى شيئاً به عيب» [الوسائل 18: 30] مع أنّها مختصة بالمشتري، ولكن المتفاهم العرفي منه الاعم. فإنّهم يرون أن الخيار للمشتري لكونه أحد طرفي المعاملة كما ذكره البعض. [المحقق الخوئي في الموسوعة 39: 135] ولكن فيه: أنّه لا يمكن التمسك بعدم الخصوصية عرفاً إلّا مع ادّعاء القطع بالملاك أو بعدم الخصوصية وعهدته على مدعيه، ولذا ذهب المشهور في خيار الحيوان الى اختصاصه بمشتري الحيوان دون البايع وإن كان الثمن حيواناً أو تمت المبادلة بين حيوانين وذلك لاختصاص الاخبار الواردة بالمشتري كقوله (عليه السلام) في صحيحة فضيل: «ما الشرط في الحيوان؟ قال (عليه السلام) : «ثلاثة ايام للمشتري» [الوسائل: 18: 6 ] قال الشيخ الانصاري في الخيارات في المسئلة الأولى من خيار الحيوان ما حاصله: «المشهور اختصاص الخيار بالمشتري، وعن الغنية وظاهر الدروس الإجماع عليه» ثم ذكر بأن المسالك ذهب الى ثبوت الخيار لمن انتقل اليه الحيوان ثمناً أو مثمناً، ولكن اختار قول المشهور بقوله «فلا محيص عن المشهور» [المكاسب 5: 90 ]. فظهر عدم إمكان التمسك بعدم الخصوصية مع أنّ خيار العيب والحيوان من واد واحد فما قيل هناك يجب أن يصار اليه هنا. ولكن الحل: أنّ المسألة لا ترتبط بعدم الإختصاص: أمّا الروايتان فتدلّان على عدم مالية الخمر والكلب وعليه فلا فرق بين كونهما ثمنيين أو مثمنين. وأمّا خيار العيب: فلكون عدمه من الشروط الضمنية المتبانى عليها عند العقلاء وإن لم يظهر خيار البايع من الروايات، وأمّا عدم العموم في خيار الحيوان فلكونه على خلاف الأصل العقلائي الدال على لزوم المعاملة فيختص بمورد التعبد. والحاصل: أنّ الالتزام بعدم الخصوصية حسب التفاهم العرفي - دون دليل آخر - غير واضح، فتأمل.

ص: 46

--------------------------

وبما ذكرنا ثبت أنّ الآية الكريمة - مع قطع النظر عن الاشكال الأوّل - تدلّ على المطهّرية المطلقة للماء بلافرق بين الجنابة والحيض وغيرهما، فما ذُكرَ من مطهّريته لخصوص الجنابة (1)لا وجه له، فإنّ العرف يرى أنّ هذه صفةٌ تتعلق بطبيعة الماء ولاخصوصية لتلك المكتنفات.

الآية الثالثة

الآية الثالثة: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّباً}(2)

دَلَّت على مطهّرية الماءِ من الحدث، وعلى مطهّريَّته من الخَبَث بالأولويّة - لو تمت - أو بالملازمة العرفية حيث فيها: ﴿أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ﴾(3)، ومع الاشكال في شمولها للخبث (4) تدلّ على مطهّرية الماء في الجملة.

ص: 47


1- التنقيح: 2:10.
2- المائدة: 6.
3- المائدة: 43.
4- أقول: أمّا الأولويّة: فلايحرز وجود الملاك في الخبث فضلاً عن الأولويّة كما في الطهارة الترابيَّة التي لا يزول الخبث بها قطعاً. وأمّا الملازمة العرفية ففيها: أنَّ ملاكات الأحكام لاتناط بنظر العرف، بل المُتَّبع ظهور الأدلة. وأمّا استشهاد ب: ﴿أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ﴾. فلم يظهر لي وجهه.

في الاستدلال بالروايات لمطهّرية الماء

الدليل الرابع: الروايات الدّالَّة على مطهّرية الماء المطلق: وهي تتنوَّع إلى نوعين:

النوع الأوّل : الروايات التي لاتختصّ بمورد معين:

منها: صحيحة داود بن فرقد: «إنّ اليهود كانوا إذا أصاب أحدهم بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وَسَّع اللّه عليكم بأوسعِ ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً»(1).

بناءً على شمولها لجميع الخبائث، وأمّا على القول باختصاصها بالبول فقط - لكونه القدر المتيقّن منها - دخلت في النوع الثاني.

و منها: صحيحة الفاضلين: «إنَّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(2).

ومنها: المعتبرة الواردة في الوسائل: «الماء يطهِّر ولا يطهَّر»(3) يعني: الماء يطهِّر غيرَه ولايطَهَّر بِغيرهِ(4). وغيرها من الروايات الدالة على مطهّرية الماء.

ص: 48


1- الوسائل 1: 133، أبواب الماء المطلق ب1 ح4.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 109، تهذيب الأحكام 1: 404.
3- الوسائل 1: 134، أبواب الماء المطلق ب1 ح6.
4- أقول: لا يقال: بأنّ الرواية مجملة لإمكان قرائتها بانحاء مختلفة ومنها: صيغة المجرد أي يطهر؛ فهو يدلّ بأنّ الماء طهور. وأمّا تطهيره أيَّ شيء أو بأية كيفية فغير معلوم. هذا مضافاً الى ضعف سندها وعدم الإطلاق فيها لكون الماء فيها مفرداً مُحلّى باللام ولا عموم ولا إطلاق له. فإنّه يقال: أمّا الإجمال فهو خلاف الظاهر حيث لا تصح القراءة إلّا في باب التفعيل. وأمّا السند فمعتبر من جهتين الأوّل: وثاقة السكوني على ما صرّح به الشيخ في العدّة: «بأن الطائفة قد عملت بما رواه» وبما أنّ الراوي الاساسي له هو النوفلي فلازمه اعتماد الطائفة على رواياته أيضاً لدلالة الإيماء. الثاني: نسب الصدوق في الفقيه (1: 5) الرواية الى الصادق (عليه السلام) حيث قال: «وقال (عليه السلام) : الماء يطهر ولا يُطهَّر» ومبنى البعض قبول مرسلاته عنهم فيما لو نقلها ب- «قال» دون «روي». وأمّا عدم الإطلاق فهو غير تام لأنّ الحكم محمول على الطبيعة فيعم الأفراد إلّا بوجود مُخصص.

--------------------------

النوع الثاني: الروايات الواردة في موارد خاصة مثل تطهير الثياب أو تطهير إناء الولوغ(1) وغيرهما. بضميمة الإجماع على عدم الفرق بين الموارد.

الدليل الخامس: وبيانه متوقّف على ثبوت الكبرى الكليّة المذكورة في أبواب المعاملات والعقود والإيقاعات من أنَّ الكيفية المستعملة للألفاظ

ص: 49


1- الوسائل 3: 367، ابواب النجاسات ب2 ح1. أقول: فإنّها تدلّ على طهارته في نفسه بالملازمة العرفية؛ إذ لايمكن تطهير المتنجّس بالنجس، وعلى مطهّريته.

--------------------------

عند الشرع هي نفس الكيفية العرفية؛ وذلك لأنّ طُرُق الطاعة والمعصية عقلائية - كما ذكره في الكفاية(1) -. فلو قال الشارع: ﴿أَحَلَّ اللّه الْبَيْعَ﴾. فإنّ البيع عنده نفس الماهية العرفية، والدليل عليه: صِدقُ إطلاق المطيع و العاصي شرعاً على من هو كذلك عند العرف.

وعليه فلابدّ أن تثبت الكبرى في المقام أيضاً، فأمر الشارع «طهِّر» و «اغسل» يُحمل على المعنى العرفي ويحصل التطهير بالماءِ: المطلق عند العرف(2).

نعم، ينقل عن بعض جريان الإشتغال العقلي فيما نحن فيه.

وفيه: أنّ الإشتغال العقلي إنّما يصار إليه مع عدم ورود الدليل الاجتهادي، وذلك: للشك في الإمتثال الحاصل من الشك في مطهّرية ماء

ص: 50


1- كفاية الاُصول 1: 72.
2- أقول: بين الدليل والمدعى عموم من وجه، فإنّ العرف يرى التطهير ببعض المعقمات أيضاً كالديتول للأرض أو المضاف ببعض المواد المزيلة مطهّراً ولا يرى غسل الثوب بماء الوحل منظفاً مع أنّ الشرع قد يراه مطلقاً رافعاً للحدث والخبث. إلّا أن يقال: بأنّ الغسل المطلق عند العرف ينصرف الى الماء المطلق إلّا مع وجود قرينة كما في غسل الثوب بالمضاف بالمعقمات أو المواد المزيلة. وأمّا أنّه لا يرى الغسل بماء الوحل - المطلق شرعاً - منظفاً فهو دعوى يخالفها العرف العام في القرى والأرياف، فتأمل.

1 مسألة: الماء المضاف مع عدم ملاقات النجاسة طاهر[1] ولكنّه غير

--------------------------

البحر مثلاً، ولكن فهم العقلاء وبنائهم ووجود الطريق العقلائي في باب الطاعة والعصيان يرفع الشك تعبّداً، فعليه يحمل التطهير على المعنى العرفي.

وبعبارة اُخرى: لو شكّ في قول المولى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ لكفاية التطهير بماء البحر، كان المتبع رأى العرف القاضي بأنَّ التطهير بماء البحر تطهيرٌ فنعمّم ذلك في الشرع أيضاً، وإلّا لوجب عليه أن يضيِّق أو يوسِّع، فالغاسل ثوبه في البحر مع عدم توسعة أو تضييق من الشرع يُعَدُّ مطيعاً وذلك كما في قول الشارع: «بع» فإنَّ ما يُعتبرُ بيعاً عرفاً هو بيعٌ شرعاً، ولو كان للشارع مفهوم آخر لوجب عليه البيان، وحيث لم يُبَيِّن فهو يرضى بالطَّريقة العرفيَّة، ومثل مالو قال المولى: «جئني بحنطةٍ» فإنّ الإتيان بما اعتبره العرف حنطة إطاعة للمولى.

في طاهريّة المضاف دون مطهّريته

[1] يمكن دعوى قيام الضرورة الفقهيَّة والمذهبيَّة والدينيَّة عليه.

والمضاف: إمّا أن يعتصر أو يمتزج، فإن اعتصر من جسم نجس أو كان الممتزج به نجساً فهو محكوم بالنجاسة وإلّا فهو طاهر، ومع الشك يكفي فيه: «كلّ شيء لك طاهر»(1) و «لاتنقض اليقين بالشك»(2).

ص: 51


1- لم نعثر على نص هذا الحديث في كتب المتقدمين، ولكن الوارد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «كل شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر..» تهذيب الأحكام 1: 258، وفي المقنع للشيخ الصدوق ما نصه: «اعلم أنَّ الماء كلّه طاهر، إلّا ما علمت أنّه قذر». المقنع: 29، وفي الكافي 3: 1 وفي التهذيب 1: 215: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنّه قذر».
2- الوارد في كتاب علل الشرائع 2: 361، والاستبصار 1: 183، والتهذيب 1: 422 ما نصّه: «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً». وفي الكافي 3: 352، والاستبصار 1: 373 والتهذيب 2: 186: «لا ينقض اليقين بالشك». وفي الفقيه 1: 61: «فلا..»

مطهّر من الحدث ولا من الخبث ولو في حال الإضطرار[2].

--------------------------

[2] فالمباحث ثلاثة: أ: عدم مطهّرية الماء المضاف للحدث. ب: عدم مطهّرية المضاف للخبث. ج: عدم الفرق في الحكمين بين الإختيار والإضطرار.

المضاف لا يرفع الحدث

وقد استدل على المبحث الأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل : الإجماع. وفيه اشكالان:

الأوّل: مخالفة البعض في بعض الجزئيات كالشيخ الصدوق في جواز الوضوء والغسل بماء الورد وتبعه في ذلك المحدّث الكاشاني، وكابن أبي عقيل في جواز الوضوء بالنَّبيذ.

ولكن يورد عليه: بأنّ مخالفة البعض لاتضرّ بالإجماع لما ثبت في محلّه من أنّ حجية الإجماع إنّما هو بوجود الملاك فيه، والملاك هو الكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) على المعروف. ولا فرق فيه بمخالفة البعض وعدمِهِ(1).

ص: 52


1- أقول: مع وجود المخالف لايحصل الكشف الإنّي عن الحكم الشرعي من الإجماع إلّا لمن قطع بالحكم، فيرجع الأمر إلى القطع الشخصي ولا ينفع قطع الفقيه إلّا لمقلّديه، ولكن الكلام في حصول القطع العادي للنوع وهو مفقود في المقام، فإنّ اتفاق بعض المرؤوسين أو أكثرهم لايدلّ بالضرورة على ديدن رئيسهم.

--------------------------

الثاني: كونه محتمل الإستناد، ومبنى المشهور عدم حجيّته(1).

الوجه الثاني: قوله تعالى: {وَ أَنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً طَهُورًا}(2) وقوله عزّ وجلّ: {وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ}(3)

وغيرهما. وجه الإستشهاد أنّ التخصيص بمطهّرية الماء المطلق - مع كونه تعالى في مقام الإمتنان - يدلّ على عدم مطهّرية المضاف.

وفيه ما لايخفى: فقد يكون الشارع في مقام الإمتنان من جميع الجهات، وقد يكون في مقام الإمتنان من بعض الجهات.

الوجه الثالث: - وهو العمدة في المقام - قوله تعالى: {فَلَمْ فَتَيَمّمُوا}(4). فإنَّ الماء بقول مطلق هو الماء المطلق، والتنزّل إلى التيمم مع

تَجِدُوا ماءً

ص: 53


1- أقول: التزم البعض ومنهم السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) [تبيين الاُصول 3: 240] بأنّ الإجماع حتى مقطوع المدركيّة حجّة؛ وذلك لبناء العقلاء على حجيّة اتفاق أهل الخبرة، و التشكيك في «(فهم) المخالف لمدرَكهم» أولى من التشكيك في مدركهم، نعم مع القطع بخطأ مدركهم لا مجال لحجية قولهم إذ ظرف الحجج عدم العلم.
2- الفرقان: 48.
3- الأنفال: 11.
4- المائده: 6.

--------------------------

فقد الماء المطلق يدلّ على عدم طَهوريّة المضاف(1).

ص: 54


1- أقول: إنّ الجزاء في الآية المباركة - وهو التيمّم - له عقد إيجاب وليس فيه عقد سلب؛ فإنّ غاية ما تدلّ عليه الآية المباركة: أنّ التيمّم يرفع الحدث مع فقد الماء. ولا مفهوم للجزاء؛ لينفي وجود جزاء آخريرفع الحدث أيضاً في عرض التيمّم - أي مع فقد الماء -.. إن قلت: إنّ الآية المباركة ظاهرة في حصر الطهور في الماء والتراب كما ذكره في التنقيح 2: 17. قلت: لايستفاد الحصر حتى في الجملة الشرطيّة - أي حصر الشرط في الجزاء - فليس ل: «أطعمه» مفهوم ينفي «السقي» مثلاً في: «إن جاءك زيد فاطعمه» وكذلك في: «إن لم يجئك الظالم فصلّ شكراً». حيث لايدلّ الجزاء على نفي «الصوم شكراً» بل هو ساكت عنه. وبعبارة اُخرى: ليس للجملة الشرطيّة مفهومان، بل مفهوم واحد وهو نفي الجزاء عند نفي الشرط لا نفي جزاء آخر مع وجود الشرط، هذا أوّلاً. وأمّا ثانياً: فإنّه لو سلّم ذلك بأن يقال: إن المرجع الظهور العرفي لا الاحتمال العقلي في عالم التصور، والعرف يفهم من الشرط نفي جزاء آخر، فهو حصر إضافي يمكن أن يضاف إليه أمر آخرلو ثبت بدليل، كما في مفطرات الصائم وبعض الكفارات، فتأمّل. وتظهر الثمرة في عدم الحاجة إلى الأخبار العلاجية لو ثبت وجود بديل في عرض التيمّم. نعم، للإرتكاز أو للروايات وما أشبههما نقول بالحصر لا للآية المباركة لو خلّيت وطبعها. فما ذكرناه يتمّ في مقام الثبوت، أمّا في مقام الإثبات، فلم نجد ما يرفع الحدث مع فقد الماء غير التيمّم.

--------------------------

الوجه الرابع: الروايات الشريفة.

منها: ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «عن الرجل يكون معه اللَّبن أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إنّما هو الماء والصعيد»(1).

لكن فيه ضعف لمكان ياسين الضرير حيث اعتبره البعضُ مجهولاً، ولكن توجد بعض القرائن على وثاقته(2).

ومنها: ما عن عبداللّه بن المغيرة، عن بعض الصادقين قال: «إذا كان الرجل لايقدر على الماء وهو يقدر على اللَّبن فلا يتوضأ باللَّبن إنّما هو الماء أو التيمم»(3).

ويتمّ الاستدلال بالرواية مع القول بظهور بعض الصادقين في الأئمه (عليهم السلام) بقرينة قوله تعالى: {كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(4).

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنَّ الماء المضاف لايرفع به الحدث.

استثناءات عدم رفع المضاف للحدث

ولكن ذكرت استثناءات أربع لهذه القاعدة الكليّة:

ص: 55


1- الوسائل، أبواب الماء المضاف ب1 ح1.
2- أقول: لايرى السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) وثاقته كما سيأتي التصريح به لاحقاً.
3- الوسائل، أبواب الماء المضاف ب1، ح2.
4- التوبة: 119.

--------------------------

الأوّل: ماء الورد

الاستثناء الأوّل : ما ذكره الشيخ الصدوق من جواز الوضوء والغسل بماء الورد(1) وتبعه على ذلك المحدِّث الكاشاني(2) واستند إلى رواية يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة، قال: لابأس بذلك»(3).

ولكن فيها مناقشات:

المناقشة الأولى: إجمال الرواية؛ لِطرُوِّ احتمال كون الواو في لفظة «الورد» مكسورة، فماء الوِرد معناه: المياه التي ترِدها الدَّوابُّ في الطُّرُق، فلا تدلّ على مطهّرية الجُّلاب كما عليه الصدوق.

و أمّا ما أورد عليه من سقوط هذا الاحتمال وعدم الإعتناء به؛ لوصول الروايات إلى أرباب الحديث قراءةً بعد قِراءةً وسِماعاً بعد سماع، فالصدوق سمع من شيخه «ماء الوَرد» وشيخه سَمع ممن روى عنه كذلك وهكذا، فيجب اتّباعُهُ في نقله ولايصغى معه إلى احتمال كسر الواو؛ فإنّه يستلزم فتح باب جديد للإستنباط لِتطرُّق هذه الاحتمالات في أكثر الأخبار(4).

ص: 56


1- المختلف 1:.61.
2- مفاتيح الشرائع 1: 47.
3- الوسائل 1: 204، أبواب الماء المضاف ب3 ح1.
4- التنقيح 2: 21.

--------------------------

فغير واضح: لتعدُّد طُرُق نقل الأخبار كما في كتب الدراية، فهناك أ: قرائة الشيخ على تلميذه. ب: قرائة التلميذ على الشيخ. ج: المناولة باعطائه كتاباً والإجازه له برواية مافيه عنه. ومع تطرُّق الاحتمال تسقط الرواية عن الاستدلال ولاتنهظ لإثبات مدعى الصدوق.

المناقشة الثانية: معارضتها للكتاب.

وقد أجاب عنه في الفقه: «إنّه أخَصُّ من تلك فيتقدَّم عليها»(1) فالرواية تُقَيِّدُ الإطلاق القرآني إلى: «لَم تجدوا ماءً ولا ماءَ وَردٍ».

وأمّا ما ذكره في الفقه أيضاً من حكومة الرواية بقوله: «و فيه: أنّه لو ثبت كان موسِّعاً لدائرة الماء المذكور في الآية» (2) فالرواية تُدخِلُ في الموضوع فرداً تعبدياً، وتجعلُ ما ليس مصداقاً تكوينياً للماء مصداقاً تعبدّياً شرعيّاً له.

فغير واضح: فإنّ الرواية في مقام بيان جواز الوضوء بماء الورد، ولاتشير إلى أنَّ ماء الورد ماءٌ، فالمقام صغروياً مقام التَّخصيص(3) لا الحكومة؛ لكون

ص: 57


1- الفقه 2: 28. أقول: إنّ الجواب المذكور في الفقه من: «إنّه أخص من تلك فيقدَّم عليها». ليس في مقام معارضة رواية يونس للكتاب الكريم، بل في معارضتها للأخبار، فراجع. والأمر سهل.
2- المصدر نفسه.
3- فيكون معنى الآية:«فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا» إلّا إن وجدتم ماء الوَرد».

--------------------------

التصرف في عقد الحمل لا في عقد الوضع(1).

ص: 58


1- أقول: بما أنّ الآية لها ظهور في الحصر، وأنّ الطَّهور منحصر في الماء والتراب، وبما أنّ ماء الورد أقرب إلى الماء منه إلى التراب، يظهر لدى العرف أنَّ رواية يونس ناظرة إلى الماء في قوله تعالى: ﴿لَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾. فتكون حاكمة؛ لتوسعتها الموضوع وتصرفها في عقد الوضع. و لكن قد سبق الإشكال في ظهور الحصر من الآية فلاحظ. هذا، مضافاً الى الإشكال في قوله (رحمه اللّه) «بأنّ المقام مقام التخصيص لكون التصرف في عقد الحمل» وذلك لأنّ التخصيص إنّما هو «رفع الحكم عن بعض أفراد موضوع العام من دون تصرف في عقد الوضع أو عقد الحمل» كقوله: «لا تكرم زيداً» عقيب «اكرم العلماء»، بخلاف الحكومة حيث تكون بالتصرُّف في أحدهما. أمّا التصرف في عقد الوضع فكقوله عقيب «اكرم العلماء» : «زيد عالم» أو «ليس بعالم». وأمّا التصرف في عقد الحمل - أي تصرف الحاكم في محمول دليل المحكوم بتضييق دائرة الحكم وتخصيصه ببعض حالاته وأفراده - : فمثل رفع الحرج و الضرر في قوله تعالى: «ما جعل عليكم في الدين من حرج» وقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا ضرر ولا ضرار» فإنّ الحرج والضرر من الحالات اللاحقة لنفس الأحكام دون موضوعاتها ذكره الميرزا النائيني في الفوائد 4: 594 . ولكن فيه: أنّ التخصيص أيضاً تصرف في محمول دليل العام بتضييق دائرته الى ما لا يشمل الخاص، فأكرم المطلق تُضيَّق دائرته الشاملة لإكرام زيد، بغيره. وبعبارة اُخرى: الخاص يعنون العام فيكون من التصرف في عقد حمله، فوزان اكرم العلماء إلّا زيداً وزان يجب الصوم إلّا على المضطر أو من هو في حرج أو ضرر. إن قلت: الفرق بينهما أنّ دليل الحاكم لغوٌ لولا المحكوم، بخلاف التخصيص فإنّه لا لغوية له بدون العام فيصح أن يقال ابتداء: «لا تكرم زيداً» ولا يصح أن يقال: - بدون وجود الحكم الأوّلي - : «ما جعل عليكم في الدين من حرج». قلت: إنّ ما ذكر إنّما هو الفارق بين الحكومة والتخصيص، ولا يكون فارقاً في المدعى أي: عدم تصرف التخصيص في عقد الحمل، فتأمل.

--------------------------

المناقشة الثالثة: إعراض الأصحاب عنها، قال في التَّهذيب: «إنّه خبرشاذ شديد الشذوذ وقد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره»(1) وقال الشهيد: «إنَّ قول الصَّدوق مسبوق بالإجماع وملحوق به فلا يعبأ به»(2) والإعراض مسقط عن الحجّية، بل قيل كلما ازداد صحّة ازداد وهناً بالإعراض.

وأشكل عليه في الفقه: «إنّ الإعراض غير مسقط عن الحُجِّيَّة، والإجماع لا دليل على اعتباره»(3).

ولكنّه عدل فيما بعد عن هذين الاشكالين.

المناقشة الرابعة: إمكان حملها على التقية - كما ذكره في الوسائل - قال: «ويمكن حمله على التقية لمامرَّ»(4) ويقصد به مامرّ في بحث النبيذ حيث

ص: 59


1- التهذيب 1: 299.
2- الذكرى: 7، ونص عبارته: «وقول الصدوق أبي جعفر بن بابوية (رحمه اللّه) بجواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد لرواية محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) يدفعه سبق الإجماع وتأخر ومعارضة الأقوى».
3- الفقه 2 : 28.
4- الوسائل: 1: 204.

--------------------------

قال: «ويجب حمل هذا على التقية؛ لمعارضته الأحاديث المتواترة ولموافقته لأشهر مذاهب العامة ولمعارضته للإجماع».

وفيه: أنّ الحمل على التقية إنّما يصار إليه مع وجود التعارض المستقر(1) بين الدليلين، ولاتعارض فيما نحن فيه؛ فإنّ هذه الرواية تخصّصُ الأدلّة العامة والمطلقة، ولا تعارضها كي تحمل على التقية لموافقتها للعامة(2).

ص: 60


1- بخلاف التعارض غيرالمستقر كتعارض العام والخاص والمطلق والمقيّد.
2- أقول: ويمكن توجيه كلام صاحب الوسائل على القول بكون آية: « فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً». ظاهرة في الحصر كما عليه البعض: بتعارض مفهوم الآية مع رواية يونس، فإنّه لا شبهة بوجود عقد السلب فيها مع الحصر، فالآية تحصر الطهور بالماء والتراب وتنفي الطهور عن غيرهما، ورواية يونس تثبت الطهور لغيرهما أعني ماء الورد، فيقع التعارض المستقر بينهما فيؤخذ بما خالف العامة، نعم المبنى محلُّ تأمّل كما سبق، هذا أولاً. وأمّا ثانياً: فإنّ القاعدة وإن كانت عدم الجمع بلحاظ الدلالة الجدّيّة مع إمكان الجمع العرفي - الذي هو خروج موضوعاً عن التعارض الموجب للعلاج - وأنَّ الحمل على التقيّة إنّما يصار إليه مع التعارض المستقر. إلّا أنّ المشهور - في بعض الصور - قَدَّم الجمع بلحاظ الدلالة الجدّيّة على الجمع العرفي وذلك فيما لو كان احتمال التقية واضحاً - وقد يقال: بأنّ ما نحن فيه من هذا القبيل كما سيأتي - نذكر بعضها: 1- في مسألة المغرب: هل يتحقّق باستتار القرص أو بذهاب الحمرة المشرقيّة، ولكلٍّ روايات يمكن الجمع العرفي بينها، فإنَّ مقتضي الصّناعة حمل الغروب على الوقت الحقيقي، وذهاب الحمرة على الإحتياط أو الاستحباب والفضيلة؛ وذلك لأنّ روايات الغروب لاتنفي شرطيّة ذهاب الحمرة. ولكنهم حملوا روايات تحقّق المغرب باستتار القرص على التقية، وروايات ذهاب الحمرة المشرقيّة على أصالة الجدّ، فإنّ الصلاة بعد ذهابها من علاماتنا ونعرف بها ونعرفهم بصلاتهم عند الإستتار، ولغير ذلك ممّا سبَّب شدّة ظهور الطائفة الأولى من الروايات في التقية. فراجع الجواهر 7: 187، الفقه 17: 135، بيان الاُصول (التعادل والتراجيح) : 285. وغيرها. 2 - نجاسة الكتابي وطهارته، وفيها طائفتان من الروايات يمكن الجمع العرفي بينهما بحمل النجاسة الظاهرة في الطائفة الأولى على الطهارة الصريحة في الطائفة الثانية على ما حقّق في محلّه. ولكنَّ المشهور حمل روايات الطهارة على التقية وروايات النجاسة على أصالة الجدّ. 3 - الطواف بين البيت والمقام، فقد حمل المشهور رواية جوازه خارج المقام على التقية مع أنّها صحيحة السند، ورواية عدم الجواز على أصالة الجدّ مع أنّها غير تامّة السند عند المشهور، على ما ذكره في بيان الاُصول هذا. ثم إنّه بعد ما ذكرنا من تقدّم الجمع الوجهي على الجمع العرفي، قد يقال - استنصاراً لصاحب الوسائل -: إنّ رواية يونس وإن أمكن جمعها مع الآية: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا..﴾. إلّا أنّ قوّة احتمال كونها صادرة تقيةً تُقَرِّبُ الجمع بلحاظ الدلالة الجدّيّة، فتأمّل. قال الميرزا النائيني [كتاب الصلاة 82:1] : «ولا يمكن الحمل على التقية لأنّ الحمل على التقية فرع التعارض وعدم الجمع الدلالي.. اللّهم إلّا ان يكون الخاص بنفسه مشتملاً على قرائن التقية».

ص: 61

--------------------------

والروايات العلّاجية(1)

إنّما وردت مع عدم إمكان الجمع العرفي في الدليلين المتعارضين.

وفي المقام لاترد المرجّحات لإمكان الجمع العرفي فإنَّ نسبة هذه الرواية إلى الآيات والروايات العامَّة أو المطلقة نسبة المقيّد إلى المطلق.

وأمّا الموافقة لأشهر مذاهب العامة، فليس بنفسه مسقطاً لحجّية الخبر ولايطرح الخبر لأجله(2).

وأمّا معارضتها للإجماع، فمئاله إلى المناقشة الثالثة.

المناقشة الخامسة: ما حكي عن الشيخ من أنّه: «ليس الوضوء والغُسل فيها بالمعنى المصطلَح عليه بل بمعناهما اللغوي وهو التطيب والتنظف»(3) وذلك كما استفيد غسل اليدين من الوضوء في قوله (عليه السلام) : «يستحب الوضوء قبل تناول الطعام»(4).

إلّا أنّ هذا الحمل خلاف ظاهر الرواية؛ لكونها في مقام بيان جواز الوضوء والغُسل بماء الوَرد للصلاة.

المناقشة السادسة: ما في التنقيح من أنَّ ماء الورد على ثلاثة أنواع:

أ) الماء المعتصر من الورد كماء الرمان، ولم يشاهد هذا في الأعصار

ص: 62


1- مثل قوله (عليه السلام) : «يأتي عنكما الخبران المتعارضان». وقوله (عليه السلام) : «خذ بما وافق الكتاب وبما خالف العامة». راجع تهذيب الأحكام 6: 301.
2- أقول: الكلام على إطلاقه غير تام، راجع التعليقة قبل السابقة.
3- التهذيب 1 : 219.
4- الكافي 6: 290، من لا يحضره الفقيه 3: 358.

--------------------------

المتأخرة ولعلّه كان موجوداً في العصور المتقدمة، ولاشك في كونه ماء مضافاً.

ب) الماء المجاوِر للوَرد، كما لو جعل الورد في إناء ماء فاكتسب الماء رائحة عطرة من الورد ويطلق عليه ماء الورد، ولكنّه ماء مطلق وليس بمضاف؛ وذلك لأنّ عنوان الإضافة غير عنوان التغيّر، كما في تغيّر رائحة الماء المطلق المجاور لميتَةٍ أو الملقى فيه ميتة طاهرة كالسمك، فإنَّ الماء متغيّر وليس بمضاف.

ج) ماء الورد الحاصل من تصعيد الماء الممتزج بالورد بالتَّبخير وهو المتداول في العهد الحاضر، وهو أيضاً نوع من أنواع الماء المطلق(1)،

فلو فرضنا أنّ اللّه سبحانه خلق بحراً من ماء الورد يطلق عليه الماء المطلق ولا يمكن أن يطلق عليه الماء المضاف بوجه(2). ثم قال ما لفظه: «وعليه، فلا

ص: 63


1- أقول: مع احتمال الانصراف عنه يشك في صدقه، وكيف يقول بأنّ الماء يشمل ماء الورد المصعد مع أنّه التزم في الاُصول بأنّ انصراف الماء عن ماء الزاج والكبريت من الواضحات قال ما لفظه: «يكون الانصراف من جهة الشك في سعة الصدق.. بأن كان الشك في المفهوم وضيقه في مقام التطبيق بعد وضوحه في الجملة، وقد مثل له بلفظ الماء فإنّه من اوضح المفاهيم العرفية ومع ذلك في مقام التطبيق يشك في صدقه على ماء الزاج والكبريت.. والانصراف بهذا المعنى أيضاً يمنع الإطلاق.. وهذا كلّه واضح» راجع دراسات في علم الاُصول 2: 341.
2- التنقيح 2: 19، وهو نقلٌ بالمعنى لا بالألفاظ.

--------------------------

محيص من حمل الرواية على القسمين الأخيرين، فإنّ القسم المضاف منها لا يوجد في الأعصار المتأخرة، ولعلّه لم يكن موجوداً في زمان الأئمة (عليهم السلام) أيضاً فلاتشمله الرواية»(1)، فالرواية ناظرة إلى القسمين الآخرين وليست ناظرة إلى القسم الأوّل.

ويمكن أن يورد عليه بإيرادين:

الإيراد الأوّل : الأصل في القضايا أن تكون حقيقيَّة لاخارجية، والقضية الحقيقية تَعُمُّ جميع الأقسام، فإنّها كما تشمل ما يقطع وجوده فعلاً تشمل ما يقطع بعدم وجوده، فكيف بما يحتمل وجوده كما صرح في التنقيح بقوله: «ولعلّه كان موجوداً في الأزمنة السالفة» وعليه فالمصاديق المتجددة من: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(2) أو {وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}(3)

داخلة فيهما، وكذلك الإنارةُ بالمصابيح الكهربائية مصداقٌ لقوله: «من أنار مسجداً»(4).

ولكن فيه: أنّ الموضوع إنّما يُحمل على القضية الحقيقية مع صدوره عن

ص: 64


1- التنقيح 2: 20.
2- المائدة: 1.
3- الحج: 32.
4- قريب ممّا ذكره ما في من لايحضره الفقيه 1: 237، وغيره عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من اسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوء من السراج».

--------------------------

المعصوم (عليه السلام) ، وأمّا وروده في كلام السائل فيحتمل كونه استفساراً عن قضية خارجية - كماء الورد -، ويكون جواب الإمام (عليه السلام) على سؤاله، فلا ينعقد عموم للجواب(1).

ص: 65


1- أقول: لاشك بأنّ المورد لا يخصص الوارد وإلّا لزم عدم انعقاد عموم لجميع الروايات التي صدرت عن المعصوم (عليه السلام) جواباً عن سؤال - اللّهم إلّا مع إحراز عدم خصوصية المورد لقرائن داخلية أو خارجية كما لو سئل عن حكم ميتة وقعت في بئره حيث يُقطع بعدم خصوصية بئره -، وهو كما ترى فإنّه لا فرق بين أن يبادر المعصوم (عليه السلام) بمسألة فيؤخذ بإطلاقها، أو يجيب عن سؤال بالتفصيل، أو بالايجاز. فالأمر واحد في هذه الصور: 1- لو قال ابتداءً: «يجوز الوضوء بماء الورد» 2- أو قال في جواب من سأله عن صحّة الوضوء به: «يجوز الوضوء بماء الورد» 3- أو قال (عليه السلام) بعد السؤال «لابأس»، فإنّ الجواب عام، وبأصالة الظهور يكون نصاً في مورده ظاهراً في غيره. نعم، لو شك في كون الفرد الجديد مصداقاً للعنوان، بل احتمل كونه حقيقة عرفية مستحدثة فهو كالمشترك اللفظي - فلو رأى العرف أن صبغ المسجد باللون الابيض مثلاً «إنارةٌ» فهو من إضافة معنى جديد لا يشمله «من انار مسجداً» ولا يمكن القول بأن الموضوع يحمل على القضية الحقيقية ليشمل المعاني الشرعية والعرفية المستحدثة، وقد سبقت الاشارة اليه في تعليقة سابقة في بحث الطهور. وعليه فلا يمكن التمسك بالعام فيه لكونه من التمسك في الشبهة المصداقية، أمّا مع إحراز وحدة العنوان - ولو بأصالة عدم النقل - فلا مجال للقول بأنّه «يحتمل كونه استفساراً عن قضية خارجية» كما ذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) .

--------------------------

الإيراد الثاني: إنّ الملاك في الإطلاق والإضافة العرف، ولاشك في أنّه يعتبر الأنواع الثلاثة من المضاف.

فالحاصل: أنّ ماء الورد المتداول فعلاً هو ماء مضاف لايصح إطلاق الماء مطلقاً (1) عليه(2).

ص: 66


1- فإن المضاف هو: الذي لايصح إطلاق الماء عليه على نحو الحقيقة إلّا مع الإضافة.
2- أقول: ويرد على كلام التنقيح نقضاً: بلزوم القول بإطلاق جميع أنواع ما يسمى بالفارسية: «العرقيات» كماء الهندباء [عرق كاسني] وماء الصعتر [عرق آويشن] وغيرهما؛ الحاصلة من تصعيد الماء المختلط باوراق من النبت أو الحشيش كماء الورد. وهو كما ترى فإنّ لتلك العرقيات صحّة السلب عن الماء المطلق، ولا يُعد مطيعاً بل يعد عاصياً من قدّم لمولاه ماء النعناع مثلاً بعد أن طلب منه الماء وإن لم يقصد الإرتواء به. وأمّا قول التنقيح بأنّ المطلق يطلق على بحر من الورد. ففيه أوّلاً: عدم تماميته. وذلك لأنّ السعة ليست ملاك الإطلاق والإضافة؛ فليس البحر مطلقاً لكونه بحراً بل لكونه ماء، وماء الورد مضاف وإن كان بحراً، كما أنّ بحر الزئبق وبحيرات النفط كلّها من المضاف - بمعنى عموم المجاز كما سبق -.. ثانياً: سلّمنا ولكن الحكم يتبع الصدق العرفي فماء الورد مطلق مادام في البحر، غير مطلق لو أخذ جزء منه في إناء بعيداً عن البحر بل يراه العرف مضافاً وذلك كما في ماء الفرات الممزوج بالتراب والوحل فإنّه مطلق يصدق عليه الماء مادام في النهر ولكن لو ابعد عنه مقدار في إناء فإنّ العرف يراه ماء مضافاً اليه الطين؛ فيصح الوضوء به عند النهر لا بعيداً عنه، كل ذلك لصحّة الحمل وعدمه، والعرف لا يرى فرقاً بين ماءٍ أُضيف اليه الطين بنسبة 30 بالمائة مثلاً فيراه مضافاً، وماءٍ أخذ من النهر ونسبة الطين فيه 30 بالمائة مثلاً، فتأمل. وقد نقل إنّه اتى شخص الى السيد الجد (رحمه اللّه) بإناء ماء من الفرات وسأله هل هذا مطلق؟ فلم يجبه بل تردّد في ذلك. لا يقال: إنّ الحكم تابع لموضوعه، والماء المأخوذ من الفرات هو نفس ماء الفرات المطلق. فإنّه يقال أوّلاً: المشتق ليس بحقيقة فيما مضى عنه المبدأ فالاتصاف بالفرات إنّما يتمّ مع كونه في النهر لا خارجه إلّا على نحو المجاز - ولا يخفى أنّ بحث المشتق جارٍ في جميع العناوين المتولدة من أية مقولة كانت - ومع الشك في اختلاف الموضوع لا يمكن التمسك باستصحابه لعدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية ، فتأمل. وكذلك الأمر في ماء البحر المالح جداً، ف«ماءِ البحر لا ينفعل» لا يجري على الإناء المأخوذ منه كما هو واضح. ثانياً: ما ذكرناه من أنّ الحكم يتبع الصدق العرفي، والعرف لا يفرق بين المضاف بالحلول - أي بمزج الماء مع الطين خارجاً - والمضاف بالمحل - أي لكونه في إناء خارجاً عن النهر - بل يرى عدم الفرق بين الانائين، فتأمل. ثم إنّه لا يخفى أنّ بعض علماء الاعشاب يعصرون بعض الاوراد فيخرج منها مائها لعلاج بعض الأمراض الجلدية والداخلية، وهو متوفر في زماننا كالزمن السابق لمن راجع كتب الطب القديم، فالقول بعدم وجود النوع الأوّل من ماء الورد غير تام، والأمر سهل.

ص: 67

--------------------------

المناقشة السَّابعة(1):

إنّ الرواية تعارض الكتاب بالعموم الوجهي، ولافرق في طرح معارض الكتاب بين أن يكون التعارض بالتباين الكلي أو بالعموم من وجه - على ما ذكر في التعادل والتراجيح -.

بيان المعارضة: لنا في المقام دليلان:

الأوّل: جواز الوضوء بماء الورد، وله فردان: ماء الورد المضاف. وماء الورد المطلق.

الثاني: الآية الكريمة: ﴿فلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾(2)

وتشمل: وجود ماء الورد المضاف، وعدم وجود ماء و لا ماء ورد مطلقاً.

فتعارض الدليلان بالعموم من وجه، فمورد التقاء الدليلين وجود ماء ورد مضاف، ومورد افتراق الرواية: وجود ماء ورد مطلق، ومورد افتراق الآية: عدم وجود ماء مطلق ولا ماء ورد أصلاً، وتسقط الرواية مع تعارضها للكتاب في ماء الورد المضاف، وأمّا ماء الورد المطلق فإنّه يرفع الحدث؛ لكونه مطلقاً لا لرواية يونس.

وفيه: أنّ ما ذكر مبني على وجود قسمين لماء الورد والمبنى باطل والنسبة العموم المطلق.

ص: 68


1- والفرق بينها وبين المناقشة الثانية هو أنَّ المناقشة الثانية دلّت على التباين بين الكتاب وخبر يونس، وهنا التعارض بينهما من وجه، فإنّ السابقة مبنيّة على أنَّ جميع أنواع ماء الورد مضاف، وهذه مبنيّة على أنَّ ماء الورد قسمان.
2- المائدة: 6.

--------------------------

المناقشة الثامنة: ضَعف سند الرواية على ما سيأتي.

نعم ذكر السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه: «إنّه ليس المعتبر في الحُجِّيَة الصحّة بل يكفي مثل هذا السند، ولذا عمل بما هو أضعف منه»(1) فلايخدش اعتبار الرواية بضعف سندها، فإنّ اعتماد الكليني والصدوق عليها يدلّ على الصحّة القدمائية التي هي عبارة عن: «الخبر الذي يعمل به وإن كان في سنده مجهولون أو ضعاف»(2) وإن لم تكن صحيحة عند المتأخرين.

هذا، ولكن فيه: أنّ قرائن الصحّة على نحوين: القرائن الداخلية وهي: وثاقة الرواة. والقرائن الخارجية وهي كما في المعالم(3) كخبر موت ابن الملك وإن كان راويه مجهولاً أو ضعيفاً. ولا يخفى أنَّ القرائن الخارجية حدسيَّة اجتهاديَّة لا تنفع الفقيه إلّا مع البناء على اجتهاد فقيه لآخر مع عدم التَّوصُّل إلى الخلاف. و لكنّه محل تأمل(4).

ص: 69


1- الفقه 2 : 29.
2- رجال الخاقاني: 212.
3- معالم الدين وملاذ المجتهدين: 187.
4- أقول: ومن القرائن الدالة على الوثاقة الخبرية دون المخبرية –اي وثاقة الرواية دون الراوي: التواتر اللفظي والمعنوي والإجمالي كما لا يشك فيه احد، وكذلك: الموافقة للكتاب والمخالفة للسنة والموافقة لحكم العقل القطعي بأن يكون الخبر في سلسلة معلولات حكم العقل. ومن القرائن قوة المضمون كما في الخطبة الشقشقية أو عموم نهج البلاغة إلّا ماثبت ضعفه، وكذلك عمل المشهور والشهرة الروائية، ولا يخفى أن قرائن الصحّة الخارجية ممّا يعتمد العقلاء عليها وقامت سيرتهم على عدم الفرق بين الوثاقة الخبرية والمخبرية. ثم إنّ النسبة بين الوثاقتين هي العموم من وجه و لأجله لا يؤخذ بصحيح السند المبتلى بالمعارض المتواتر أو المستفيض مع عدم اضرار ذلك باعتبار الراوي.

--------------------------

ثم إنّ الرواية نقلها محمد بن يعقوب، عن على بن محمد بن بندار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) .

و الاشكال في السند من جهتين:

بحث في وثاقة سهل بن زياد

الجهة الأولى: البحث في سهل بن زياد الملقَّب «بأبي سعيد الآدمي» وهو من المكثرين، فقد روى ما يزيد عن ألفين وثلاثمائة رواية، وقد اختلفت كلمات الأصحاب في وثاقتة وضعفه.

أمّا قرائن توثيقه:

فمنها: وروده في اسناد تفسير القمي(1). إلّا أنّ المبنى محل اشكال.

ومنها: وروده في اسناد كامل الزيارات(2). وفيه ما في سابقه.

ص: 70


1- تفسير القمي، سورة طه في تفسير قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ..﴾.
2- كامل الزيارات ب60 في أنّ زيارة الحسين (عليه السلام) تعدل زيارة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

--------------------------

ومنها: توثيق الشيخ له في رجاله بقوله «ثقة»(1).

ومنها: نقل عدة من الأجلاء عنه.

ومنها: كونه من مشايخ الإجازة، ولقد وثقه المجلسي لذلك قال: «إنّه ضعيف عند المشهور، ثقة عندي لكونه من مشايخ الإجازة»(2).

ومنها: أنّه كثير الرواية وأكثر رواياته مقبولة مفتى بها.

ومنها: - وهي العمدة عندنا - كثرة رواية الكليني في الكافي الشريف عنه مع كثرة إحتياطه ودقَّته الشَّديدة، وقوله في المقدمة: «بالرَّوايات الصَّحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) »، فقد روى عنه أكثر من ألف رواية منتشرة في الأجزاء المختلفة، وترتيبها بعد احصائي لها كالآتي:

ص: 71


1- رجال الطوسي: 387. أقول: لا يخفى أنّه لايوجد التوثيق في نسخة ابن داود مع أنّه رأى نسخة الرجال بخط الشيخ كما ذكره في أكثر من مورد فيحتمل أن يكون التوثيق من خطأ النساخ، خصوصاً مع تصريح الشيخ في عدة مواضع بضعفه. لا يقال: بأنّ الشيخ عدل عن تضعيفه لكون كتاب الرجال متأخراً عن الفهرست. فإنّه يقال: العبرة بزمان المحكى عنه دون زمان الحكاية فإنّ الكلام في الحكاية دون الفتوى كما ذكره العلّامة في ترجمة سهل. نعم قد يقال: بأنّ أصالة عدم الزيادة - المقدمة على أصالة عدم النقيصة عند التعارض عقلائياً - تدلّ على ذكر الشيخ «الثقة» في رجاله.
2- مرآة العقول 19: 171.

--------------------------

في الجزء الأوّل من اُصوله: مائة وأربع روايات (104).

في الجزء الثاني من اُصوله: مائه وأربع وستون رواية (164).

في الجزء الثالث من فروعه: مائتان وأربع عشر رواية (214).

في الجزء الرابع من فروعه: مائتان وتسع وعشرون رواية (229).

في الجزء الخامس من فروعه: مائتان وأربع وعشرون رواية (224).

في الجزء السادس من فروعه: ثلاثمائة ورواية واحدة (301).

في الجزء السابع من فروعه: مائة وواحد وسبعون رواية (171).

في الجزء الثامن من الروضة: ست وثمانون رواية (86).

ومنها: اعتماد الصدوق عليه في الفقيه وهو: «لا يروي إلّا ما هو حجة فيما بينه وبين اللّه» كما ذكر في المقدمة(1) وقد ذكر اسمه - مع أنّه يحذف الأسناد - في الجزء الأوّل ثلاث مرات، وفي الجزء الثاني سبع مرات، وفي الجزء الثالث ست مرات، وفي الجزء الرابع إحدى عشر مرة.

وأمّا قرائن ضعفه:

منها: تضعيف الشيخ له في عدة مواضع(2).

ومنها: قول النجاشي عنه: «كان ضعيفاً في الحديث غيرمعتمد فيه»(3).

ص: 72


1- من لايحضره الفقيه 1: 3
2- الفهرست: 142، و228 تحت رقم 339، و 409 تحت رقم 623.
3- رجال النجاشي: 185.

--------------------------

ومنها: شهادة أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي عليه بالغلو والكذب، وإخراجه من قم إلى الرَّي وإظهار البرائة منه والنهي عن السماع عنه والرواية عنه(1).

ومنها: قول الفضل بن شاذان: «هو الأحمق»(2).

ومنها: ذكر الشيخ في الإستبصار: «إنّه ضعيف جداً عند نُقّاد الأخبار»(3).

ومنها: استثناه الشيخ الصدوق من رجال نوادر الحكمة، فقد صَرَّح: أنّ كلّ الرواة في نوادر الحكمة معتمدون إلّا مجموعة منهم سهل بن زياد(4).

ولكن ما ذكره الفضل لايدلّ على ضعفه؛ فإنّ الحُمق لاينافي الوثاقة.

وكذلك قول النَّجاشي في كونه: «ضعيف الحديث غير معتمد عليه» فإنّه قد نَسبَ الضعف إلى حديثه ولم ينسبه إلى ذاتة، فقد ينقل الثقة أحاديثاً من كلّ بَرّ وفاجر، فيقال عنه: إنّ أحاديثه لايعتمد عليها، لا أنّه لايعتمد عليه، بخلاف الكذَّاب الوضَّاع الذي لايعتمد على شخصه(5).

ثم إنّه تحوم شبهة في تضعيفات النجاشي، وهي كونها كتضعيفات زميله

ص: 73


1- رجال ابن داود: 249.
2- جامع الرواة 1: 393 رجال الكشي: 566 تحت رقم 1068.
3- الإستبصار 3: 261.
4- المصدر نفسه.
5- أقول: ليس المهمّ القول بتضعيفه بل يكفي تضعيف رواياته وقول النجاشي مطلق فتسقط جميع أحاديثه.

--------------------------

في الدِّراسة ابن الغضائري حيث الأخير كان يُلاحق متون الأحاديث و لأجلها يُضعِّف الرواة، فيضعِّف الرّاوي من خبره بالدليل الإنّي، حيث كان له في الغلو وما أشبهه اعتقاد ورأي، فيرى روايات يتخيّلها ضعيفة فينسب الكذب والوَضع إلى راويها، ومع وجود هذه الشبهة لايمكن الإعتماد على تضعيفاته.

هذا مضافاً إلى أنَّ مجموعة من مشايخ النجاشي كانوا من العامَّة؛ فلايبعد أنّه كان خاضعاً لجوٍّ معين فيلاحق متون الروايات و يضعف الراوي إن وجد فيها الغلو بإعتقاده، وسهل بن زياد قد أكثر من ذكر روايات الفضائل والمعاجز عن أهل البيت (عليهم السلام) ، فتأمل(1).

ص: 74


1- أقول: قد يكون التأمل اشارة الى ما هو ظاهر من أنّ احتمال الشبهة في تضعيفات النجاشي لو كانت مسقطةً لها لزم القول بسقوط توثيقات من يحتمل أن يكون متسامحاً في التوثيق، فإن الملاك واحد، هذا نقضاً. وأمّا حلاً: فإنّ احتمال كون التضعيف للرواية لا الراوي لاينهض أمام ما هو الظاهر من أنّ التضعيف إنّما هو للمُخبر بذاته لا لخبره وأن منشأ تضعيفه الحِسُّ أو الحدس القريب إلى الحِسِّ؛ وذلك لأنّ الإطمينان الحاصل من تضعيف العادل لشخصٍ يلغي احتمال كون تضعيفه لكونه يُلاحِقُ متون الروايات ولأجلها يُضَعَّف الرواة. نعم: لو أضيف إلى الاحتمال المذكور قرائن اُخرى - كما في ابن الغضائري الذي ضعف الأجلاء - يحصل الإطمينان النوعي بخطأ منشأ تضعيفاته.

--------------------------

وأمّا شهادة أحمد بن محمد بن عيسى عليه بالغلو فلا تضرّ، فإنّ العقيدة لاترتبط بوثاقة اللّهجة، وأمّا اخراجهُ له فقد يكون لسبب هو معذور فيه كإيجاد الفتنة والتشويش في المدينة وما أشبه ذلك.

نعم يبقى في المقام الإتهام له بالكذب، ولكن يحتمل أن يكون منشأ الإتهام نقله لروايات يراها احمد بن محمد بن عيسى غلواً.

وأمّا استثناء الصدوق له في نوادر الحكمة فقد لايكون معتبراً لشدَّته في روايات الغلو(1) - مثلاً: إنّه قد نسب الغلو إلى من يروي أنّ علياً ولي اللّه ويقول: إنّه أوّل درجات الغلو - مضافاً إلى أنّه تابع لشيخه ابن الوليد في توثيقاته وتضعيفاته.

وأمّا قول الشيخ في الإستبصار بأنّه ضعيف جداً عند نُقَّاد الأخبار فلا يدلّ على ضعف شخصه بل ضعف خبره، فإنّ النُقّاد هم نُقّاد الأخبار لا نُقّاد المخبرين، ولا أقل من وجود الاحتمال، نعم الإنصاف أنَّ ظاهر كلامه تضعيف شخصه.

هذا، ولكن صرَّح الشيخ في عدة مواضع أنّه ضعيف، وظاهر الضعف ضعفه في ذاته لا ضعيف حديثه، وقال في المعجم: «فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً أو أنّه لم تثبت وثاقته»(2).

ص: 75


1- خاتمة المستدرك 5: 214.
2- معجم رجال الحديث8: 340.

--------------------------

فالمتحصّل: تعارض التوثيق والتضعيف فيه، فهنا طريقان:

الأوّل: التوقّف فيه للتَّعارض وهو يساوق سقوط جميع أخباره إلّا مع قيام قرينة خارجية.

الثاني: القول بوثاقته، فإنّ اعتماد الكليني عليه في أكثر من ألف رواية لايحتمل أن يكون لقرائن خارجيّة، والتضعيفات يحتمل أن تعدو إلى روايته أو عقيدته لا إلى شخصه خصوصاً مع ملاحظة تقدم الكليني على النجاشي(1)، والأقربيّة تعطيه نوعاً من القوّة(2)، فالأمر دائر بين أن نميل إلى وثاقته أو نتوقّف فيه.

ص: 76


1- وفاة الكليني في سنة 328ه.ق في الغيبة الصغرى، وبعده بعام توفي السفير الرابع، وقد ولد النجاشي في سنة 372ه- ق، أي بعد وفاة الكليني بأربعة وأربعين عاماً.
2- أقول: الالتزام «بإن كثرة نقل الكليني تدلّ على وثاقته بالوثاقة المخبرية دون الخبرية لقرائن خارجية» لا يدلّ على ازيد من توثيقه له فهو كما لو صرّح بأنّه ثقة، وعليه فيتعارض توثيقه وتضعيف الشيخ له حيث إنَّ الشيخ ضعفه في أكثر من مورد والتضعيف ظاهر في تضعيف شخصه ولا يعتنى باحتمال خلافه - أي احتمال أن التضعيف لعقيدته أو روايته - وإلّالم يستقر في الظهورات حجر على حجر، فإنّها تجتمع مع احتمال الخلاف إلّا أنّه مُلغاً عند العقلاء بخلاف النص حيث لا يحتمل فيه الخلاف البتة. والحاصل إنّ سهل مجهول لتعارض التوثق والتضعيف فيه. نعم نعمل بكثير من رواياته لقرائن خارجية وتوفرها على الوثاقة الخبرية.

--------------------------

بحث في اعتبار محمد بن عيسى العبيدي

الجهة الثانية: البحث في محمد بن عيسى بن عبيد، والأمر فيه دائر بين القول بتضعيفه مطلقاً كما اختاره بعض، أو تضعيف ما رواه عن يونس بن عبدالرحمن خاصة كما عن آخر، وبين القول بوثاقته مطلقاً حتى فيما يرويه عن يونس كما نميل إليه.

فالبحث في مقامين:

المقام الأوّل : الأمارات الدالّة على وثاقته وهي خَمس:

الأولى: توثيق النجاشي له في رجاله بقوله: «إنّه جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حَسَنُ التصانيف»(1).

الثانية: دعوى الإجماع على عُلُوِّ شأنه كما يظهر من كلمات النجاشي، قال مالفظه: «و رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول - أي القول بتضعيفه - ويقولون: من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى؟»(2).

الثالثة: ما حكاه الكشي في رجاله عن على بن محمد القُتيبي أنّه قال: «كان الفضل بن شاذان (رحمه اللّه) يحب العبيدي [يعني محمد بن عيسى] ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول: ليس في اقرانه مثله»(3).

ص: 77


1- رجال النجاشي: 333 تحت رقم 896.
2- رجال النجاشي: 333.
3- المصدر نفسه : 334.

--------------------------

هذا، ولكن ذكر في المعجم أنّ «علي بن محمد القتيبي لم يوثق»(1) فنقله عن فضل لا يغني شيئاً.

إلّا أنَّ اعتماد النجاشي على ما نقله الكشي عن القتيبي بقوله: «وبحسبك هذا الثناء من الفضل»(2) ظاهر في وثاقته.

نعم يحتمل اعتماد النجاشي على قرائن بصحَّة هذه الرواية فحسب، ولكنّه احتمال مرجوح.

الرابعة: قال النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي صاحب كتاب نوادر الحكمة ما لفظه: « قال أبوالعباس بن نوح(3): وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه(4)، وتبعه أبوجعفر بن بابويه (رحمه اللّه) على ذلك، إلّا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري مارابَه فيه - وفي بعض النسخ ما رأيهُ فيه - لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة»(5).

الخامسة: قال الكشِّي في ترجمة محمد بن سنان: «وقد روى عنه الفضل وأبوه ويونس ومحمد بن عيسى العبيدي.. وغيرهم من العدول والثقات من

ص: 78


1- معجم رجال الحديث: 22: 97.
2- رجال النجاشي: 334.
3- و هو شيخ النجاشي.
4- أي: الذين استثناهم في كتاب نوادر الحكمة وهم حدود الثلاثين.
5- رجال النجاشي: 348.

--------------------------

أهل العلم»(1).

المقام الثاني: الأمارات الدالة على ضعفه مطلقاً أو ضعف مارواه عن يونس خاصة وهي أربع:

الأولى: حكى أبو جعفر بن بابويه عن شيخه ابن الوليد أنّه قال: «ما تفرّد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لايعتمد عليه»(2)، وهو ظاهر في تضعيف ما يرويه عن يونس فحسب لامطلقاً، وسيأتي البحث فيه لاحقاً.

الثانية: ما نقله النجاشي عن الكشي عن نصر بن الصباح أنّه قال: «إنّ محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين أصغر في السنِّ أن يروي عن ابن محبوب»(3). وعليه فكلامه يعتبر تدليساً لعدم نقله الواسطة بينه وبين ابن محبوب.

ولكن فيه مواضع للنظر:

أمَّا أوّلاً: فلأنّ نصر بن الصباح مجهول لا يعتَدُّ بكلامه.

وثانياً: حذف الوسائط أمر متعارف إمّا للاختصار أو لجهة اُخرى.

وثالثاً: بتخالف ما نقله النجاشي عن الكشي مع ما نقله الكشي عن النصر تحت رقم 415 فقد قال: «إنّه من صغار من يروي عن ابن محبوب في

ص: 79


1- اختيار معرفة الرجال: 2: 796.
2- رجال النجاشي: 333.
3- المصدر نفسه : 334.

--------------------------

السن»(1) ولم يقل إنّه أصغر من أن يروي، فإمّا أن نقول بخطأ نقل النجاشي، أو بأنّه نقل عن نُسخة اُخرى لم تصلنا أو نقل آخر، وعليه فيتعارض النقلان ويتساقطا.

ورابعاً: بطلان كلام نصر ووهنه، فإنّ محمد بن عيسى قد أدرك الإمام الرضا (عليه السلام) الذي استُشهد في 203 هجرية، وقد مات ابن محبوب أواخر سنة 224 هجرية، وعليه يكون عمر محمد بن عيسى عند وفاة ابن محبوب فوق العشرين، فكيف يدّعي نصر أنّه أصغر من أن يروي عنه(2)؟

الثالثة: روايته مجموعة من الأخبار في ذَم جماعة من الأكابر كزرارة ومحمد بن مسلم وبريد العجلي وأبي بصير واسماعيل بن جابر ومؤمن الطاق.

وفيه: أنّ هذه الروايات إمّا غير ثابتة لضعفها سنداً، وإمّا واردة عن المعصوم لحكمة كالتقية، فلا تشكِّلُ قدحاً فيه.

الرابعة: تضعيف الشيخ له في الإستبصار والفهرست(3) وموارد متعددة من رجاله(4)، ولولا عدم انفراد الشيخ بالتضعيف لقدّمنا توثيق النجاشي لكون

ص: 80


1- انظر: المصدر نفسه.
2- أقول: هذا مضافاً الى انّ العبيدي روى عن من ادرك الإمام الصادق (عليه السلام) كحماد بن عيسى رواه الصدوق في المشيخة، ومحمد بن الفضيل وابراهيم بن محمد والمفضل بن صالح كما في الكافي، وابن محبوب لم يدرك الصادق (عليه السلام) .
3- الإستبصار 3 : 568 ، الفهرست: تحت رقم 611.
4- رجال الطوسي: 391، 428.

--------------------------

المعروف أنّه أضبط الرجاليّين في توثيقاته، وإن كانت شبهة في تضعيفاته وتظهر من كلامه شبهة الإجماع كما سبق.

هذا مضافاً الى توثيق شيخه ابن نوح و أصحابه والفضلِ والكشِّي، إلّا أنّ الشيخ ينسب التضعيف إلى غيره - أي الصدوق - والصدوق - عادة - تابع لشيخه ابن الوليد في تضعيفاته وتوثيقاته، فقد يكون ابن الوليد من المضعّفين أيضاً.

هذا، ولكن يمكن دفع تضعيف الشيخ له بذكر أمرين تستخلصان من مجموع كلام ذكره في المعجم(1):

الأوّل: إنّ تضعيف الشيخ معتمد على تضعيف الصدوق وابن الوليد.

الثاني: إنَّ تضعيفهما تضعيف مقيّد وليس بمطلق لكنّ ظنّ الشيخ الإطلاق وغفل عن التقييد الوارد في كلام الصدوق وابن الوليد، فإنّهما ضعَّفا ماكان فيه الإسناد منقطعاً أو خصوص مارواه عن يونس، فلا يعبأ بتضعيفه، وذلك كمن اعتمد على شهادة مقيّدة لشاهدين إلّا أنّه ظَنَّها مطلقة وشهد على الإطلاق فإنّه لاتقبل شهادته بالإطلاق؛ لأنّها مبنية على شهادة مقيّدة، فلا يعتمد على كلام من شهد بفسق زيد وعُلم أنّ شهادته مبنية على شهادة عدلين شهدا بفسقه أيام شبابه؛ فإنّ الشهادة المقيّدة لاتثبت الإطلاق.

و لكن الدعويين محلّ اشكال:

ص: 81


1- معجم رجال الحديث 18: 119.

--------------------------

أمّا قوله: «إنّ تضعيف الشيخ - كما هو صريح كلامه في الإستبصار وفي الفهرست - مبني على استثناء الصدوق وابن الوليد»(1).

ففيه: أمّا في الرجال فتضعيف الشيخ له مطلق(2).

وأمّا في الإستبصار فيقول - بعد ذكره خبراً رواه ابن عبيد عن يونس: «إنّ هذا الخبر مرسل منقطع وطريقه محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس وهو ضعيف، وقد استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة وقال: مايختص بروايته لا أرويه ومَن هذه صورته في الضعف لا يعترض بحديثه»(3).

ولكنّ العبارة ليست صريحة في أنّ تضعيفه مبتنٍ على تضعيف الصدوق - كما ادّعاه المعجم - بل الشيخ يضعّفه ويعضد كلامه بكلام الصدوق، - وذلك كما لو قال شخص: هذا الماء كر، وشهد فلان بكرّيته، أو قال: هذا اليوم عيد. وقد قال فلان: إنّه عيد. منتهى الأمر وجود الإجمال والاحتمال

ص: 82


1- المعجم 18 :122.
2- رجال الطوسي: 391. أقول: في بعض النسخ أُضيف بعد قوله: محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني اليونسي ضعيف «على قول القميين» فعلى هذا النقل لايكون تضعيفه مطلقاً، واحتمال كونه من إضافة النساخ مدفوع بأصالة عدم الزيادة المقدمة على أصالة عدم النقيصة مع التعارض عقلائياً.
3- الإستبصار 3: 156.

--------------------------

في كلامه لا أنَّ كلامه صريح.

وأمّا في الفهرست(1) فقد قال: «محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف، استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه الصدوق عن رجال نوادر الحكمة، وقال: لا أروي ما يختص برواياته». وهو أيضاً كسابقه.

وأمّا قوله بكون تضعيف ابن الوليد والصدوق ليس بمطلق بل مقيّد بصورتين فقط وهما: أن يكون الإسناد منقطعاً. و فيما يرويه عن يونس حيث قال: «والذي ظهرلنا من كلامهما أنّهما لم يناقشا في محمّد بن عيسى بن عبيد نفسه، فإنَّما ناقشا في قسمين من رواياته وهما: فيما يروي صاحب نوادر الحكمة عنه بإسناد منقطع.. وفيما ينفرد بروايته محمّد بن عيسى عن يونس، وأمّا في غير ذلك فلم يظهر من ابن الوليد ولا من الصدوق ترك العمل بروايته»(2)

وذكر في مكان آخر: «ولكن الشيخ قد غفل عن هذه الخصوصيّة»(3).

ففيه أوّلاً: سلّمنا أنَّ ما وجدناه من كلام ابن الوليد والصدوق مقيّد بهاتين الصورتين فقط لكنّه لايسوّغ لنا أن ننسب الخطأ والغفلة للشيخ، فلعلّه وجد منهما كلاماً مطلقاً ولاتعارض بين المطلق والمقيّد، فتارةً التضعيف في جميع

ص: 83


1- الفهرست تحت رقم 611.
2- معجم رجال الحديث 18: 122.
3- انظر: المصدر نفسه : 123.

--------------------------

الروايات واُخرى في بعضها، وإثبات الشيء لاينفي ما عداه.

ثانياً: تضعيفهما مطلق وليس بمقيّد، قال الشيخ (رحمه اللّه) : «محمَّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف، استثناه أبوجعفر محمد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة، وقال: لا أروي ما يختصّ برواياته»(1) وهذه العبارة على نقل الشيخ مطلقة غير مقيّدة.

وقال (رحمه اللّه) أيضاً عن محمد بن أحمد بن يحيى - صاحب نوادر الحكمة - مالفظه: « وقال أبوجعفر بن بابويه: إنّه يروي روايات محمَّد بن أحمد بن يحيى إلّا ما كان فيها من غلو أو تخليط وهو الذي يكون طريقه.. أو عن محمَّد بن عيسى بن عبيد بإسنادٍ منقطع ينفرد به»(2).

وفَسَّرَ الشيخ محمَّد تقي التستري الإسناد المنقطع بأنّ معناه: أنّه متفرّد به، ف- «ينفرد به» عطف بيان(3)، فالعبارة على تفسيره مطلقة، بل لامنافاة بين هذه العبارة وإن فرضت مقيّدة وبين العبارة المطلقة السابقة، فإنَّ إثبات الشيء لاينفي ماعداه.

ثم إنَّ النجاشي ذكر في رجاله في محمَّد بن احمد بن يحيى مانصَّه: «وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن احمد بن

ص: 84


1- الفهرست، تحت رقم612.
2- انظر: المصدر نفسه : تحت رقم 623 «محمد بن احمد بن يحيى».
3- قاموس الرجال 12: 407.

--------------------------

يحيى مارواه عن.. أو عن محمّد بن عيسى بن عبيد بإسنادٍ منقطع»(1) والصدوق تابع لابن الوليد.

هذا، وتوجد في نقل الشيخ عن الصدوق عبارة التفرّد مضافاً الى الإنقطاع.

فالحاصل: - مع ضمِّ عبارة الصدوق بنقل الشيخ، إلى عبارة ابن الوليد بنقل النجاشي، مع ما فهمه التستريّ خرِّيت هذا الفنّ- انّ الإسناد المنقطع يعني ما تفرّد به.

وبعبارة ثانية: إنَّ ما استثناه الصدوق هو بنفسه ما استثناه ابن الوليد، لاحظ عبارة الصدوق بنقل الشيخ: «بإسناد منقطع ينفرد به» مع عبارة ابن الوليد بنقل النجاشي: «أو عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع». سترى أنَّ الصدوق التابع لشيخه فهم من عبارة «وباسناد منقطع» «ماينفرد به». فالمراد بالإسناد المنقطع: ما تفرّد به. ويعضده فهم التستري أيضاً حيث قال: معنى منقطع: تفرّد به. أي أنّه فقط من نقل هذا الكلام بوحده، و هو ظاهر في التضعيف المطلق.

ويؤيّد ما ذكرنا ما يظهر من كلمات ابن نوح حيث فهم من الصدوق التضعيف المطلق لابن عبيد ولذلك أشكل على تضعيفه له لكونه على ظاهر العدالة والثقة ما لفظه: «إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابَهُ

ص: 85


1- رجال النجاشي: 348.

--------------------------

فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة»(1).

نعم، يظهر التضعيف المقيّد مِن عبارة النجاشي، قال: «ذكر الصدوق عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه»(2).

و صفوة القول أوّلاً: أنّ تضعيف ابن الوليد تضعيف مطلق إن كان معنى «الإسناد المنقطع» أنّه تفرّد به.

ثانياً: تضعيف الصدوق مطلق أيضاً كما نقله الشيخ تحت رقم 611 «وهو ضعيف» وقال: «لا أروي ما يختص بروايته».

ثالثاً: تضعيف الشيخ له مطلق على بعض النقولات.

فما ذكره في المعجم من خطأ الشيخ وأنّه معتمد على نقل الصدوق وشيخه غير تام؛ لإطلاق بعض نقولات الشيخ هذا اولاً، وعلى تفسير معنى منقطع ب- : ما تفرّد به. تكون العبارات الدالة على التضعيف المطلق أكثر ثانياً، ووثاقة الشيخ وهو ينقل الإطلاق تَمنع من نسبة الخطأ والغفلة إليه ثالثاً.

ولكن هذه التضعيفات المطلقة لا تُرجّح على تلك التوثيقات القويَّة؛ لوجود شبهة الغلو في محمد بن عيسى، ومعها يوهن القول بضعفه.

ويظهر إتهامه بالغلو في مكانين:

ص: 86


1- رجال النجاشي: 348، تحت رقم 939.
2- المصدر نفسه تحت رقم: 896.

--------------------------

الأوّل : قال الشيخ في الفهرست: «وقيل: إنّه كان يذهب مذهب الغلاة»(1).

الثاني: قال الشيخ في محمد بن احمد بن يحيى: «له كتاب نوادر الحكمة أخبرنا بجيمع كتبه ورواياته.. وأخبرنا بها عن جماعة عن الصدوق عن.. وقال أبوجعفر: إلّا ما كان فيها - يعني في كتبه ورواياته - من غلو أو تخليط، وهو الذي يكون طريقه.. أو عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ينفرد به»(2) فلا يرويها لاحتمال الغلو، ويحتمل أن يكون التضعيف بمعنى عدم نقل رواياته.

ثم إنّه قد ذُكر معنىً آخر للإسناد المنقطع لا بعد فيه وهو: أنَّ «الظاهر هو انقطاع الإسناد بين محمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن عيسى(3) ولأجل ذلك يروي النجاشي كتب محمد بن عيسى بن عبيد عن احمد بن محمد بن يحيى عن الحميري عن محمد بن عيسى»(4).

فالإسناد المنقطع هو مارواه محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى بن عبيد فهناك واسطة مفقوده، فالتضعيف على ماذكره مقيّد وليس بمطلق، وهذا ما يزيد في وثاقة ابن عبيد؛ فإنّ الاشكال في الإسناد لا في شخصه.

ص: 87


1- الفهرست تحت رقم: 611.
2- الفهرست: تحت رقم: 622
3- فالتضعيف مقيّد «منه (رحمه اللّه) ».
4- كليات علم الرجال : 296.

--------------------------

والمتحصّل من ذلك كلّه: ميلنا لوثاقته كما وثقه النجاشي في رجاله(1)، بل نرى اعتبار ما يرويه عن يونس بخلاف المعجم(2) الذي يوثقه إلّا فيما يرويه عن يونس، ومن الغريب عدم تقييده لما انفرد به بل نفى وجود هذا القيد، مع أنّ القيد مصرّح به و ظاهر:

أمّا صريحاً: ففي عبارة الفهرست عن الصدوق، قال: «ما انفرد به».

وأمّا ظاهراً: فعند تلفيق عبارة الشيخ عن الصدوق بعبارة النجاشي عن ابن الوليد حيث استظهرنا أنّ انقطاع الإسناد يعني التفرد.

الثاني: النبيذ للوضوء الاضطراري

الاستثناء الثاني: لعدم مطهّرية الماء المضاف « النبيذ»، حيث دَلَّت بعض الرِّوايات على جواز الوضوء بالنبيذ في حال الإضطرار عند عدم وجدان الماء المطلق.

منها: ما ذكره محمد بن الحسن بإِسناده عن محمد بن محبوب، عن العباس، عن عبداللّه بن المغيرة، عن بعض الصادقين (عليه السلام) ، قال: «إذا كان الرَّجل لايقدر على الماء وهو يقدر على اللَّبن فلا يتوضأ باللبن، إنّما هو الماء أو التيمُّم، فإن لم يقدر على الماء وكان نبيداً فإني سمعتُ حُريزاً يذكر

ص: 88


1- رجال النجاشي: تحت رقم: 896.
2- معجم رجال الحديث 18: 119

--------------------------

في حديث: أنَّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء»(1).

و لكن فيها اشكالات:

الاشكال الأوّل : ليس المراد بالنبيذ في الروايات النبيذ المسكر، بل له معنى آخروهو: وضع شيء من التمر في الماء لايخرجه عن إطلاقه؛ لكسر ملوحته أو مرارته ليسوغ شربه والوضوء به. وقد ذكر السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه(2)

مجموعة من الروايات تدلّ على وجود هذا النوع من النبيذ.

منها: ما في الوسائل أنّه سُئِل أبوعبداللّه (عليه السلام) عن النبيذ فقال: «حلال، فقال: إنا ننبذه فنطرح فيه العُكر وما سوى ذلك، فقال: شه شه تلك الخمرة المنتنة. قلت: جعلت فداك! فأي نبيذ تعني؟ فقال: إنّ اهل المدينة شكوا إلى رسول اللّه حين تغيّر الماء وفساد طبائعهم فأمرهم أن ينبذوا، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشِّن، فمنه شربه ومنه طهوره. فقلت: وكم كان عدد التمر الذي كان في الكف؟ قال: ما حمل الكف. فقلت: واحدة أو اثنتين؟ فقال: ربّما كانت واحدة وربّما كانت اثنتين. فقلت: وكم كان يسع الشِّنُّ ماءً؟ فقال: ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك. فقلت: بأيّ الأرطال؟ قال: أرطال مكيال العراق»(3).

ص: 89


1- الوسائل كتاب الطهارة أبواب الماء المضاف الباب الثاني الحديث الأوّل.
2- الفقه 2: 30.
3- الوسائل 1: 203.

--------------------------

فالأمر دائر بين حمل الرواية على المعنى الثاني وبين القول بالإجمال فتسقط عن الاستدلال، فإنّ الاستثناء مبني على أن يكون المراد بالنبيذ المعنى الأوّل ، والشك يسقطها عن الاعتبار.

و لا يرد على الخبر: وجود التناقض بين الصدر والذيل من القدرة على الماء وعدم القدرة عليه؛ وذلك لأنّه فُرِضَ في مقدم الشرطيَّة عدم القدرة على الماء فكيف يفرض أن يكون النبيذ ماءً مطلقاً؟ قال في التنقيح ما معناه: «فإنّ النبيذ لو كان كما فرضه المجيب ماءً مطلقاً فما معنى عدم القدرة على الماء؟ فهذا الجواب على خلاف مفروض الرواية»(1).

إذ يجاب عنه: بأنّه لا مانع من تشكيل مثل هذه القضية الشرطية لِفردٍ غير متعارف من أفراد الحقيقة في جهة معينة، وماء النبيذ الحلال المتعارف في جهة الشرب ليس متعارفاً في جهة التطهير؛ لوجود الحلاوة واللزوجة فيه إلّا عند الإضطرار، فلا مانع من أن يقال: إن لم تقدر على الماء فعليك بالنبيذ، و وزانه وزان الطعام يحمل على المتعارف و إن وجد بعضه غير متعارف بلحاظ الأكل، وعليه فلا تناقض فيما لو قال المولى: «كل الطعام، فإن لم تجد فكل الحشيش أو قشور الرقّي» - وهما من الطعام لغة، فإنّ الطعام ما يطعم - وذلك لأنّ المراد بالطعام هو المتعارف، ومفروض الرواية عَدَم القدرة على الماء المتعارف من هذه الجهة مع القدرة على الماء غير

ص: 90


1- التنقيح 2: 22.

--------------------------

المتعارف(1).

الاشكال الثاني: إنّ الراوي - وهو عبداللّه بن المغيرة - ينقل عن بعض الصادقين، وبعض الصادقين مجمل قد يكون شاملاً لزرارة عند عبد اللّه.

لايقال: إنّ مثل عبداللّه بن المغيرة - وهو من أصحاب الإجماع في الطبقة الثالثة - لاينسب الصادقين إلى غير المعصوم لجلالة مكانه.

فإنّه يقال: النسبة إلى بعض الصادقين كالنسبة إلى بعض الثقات(2) معناه رفع الأمر عن كاهله، أمّا لو أتى بالضمير بأن قال «عنه» لكان ظاهراً في النقل

ص: 91


1- أقول: لو كان النبيذ ماءً مطلقاً لجاز التوضأ به اختياراً، فلمَ خُصّص بحالة الاضطرار؟ هذا مضافاً الى أنّ المتبادر من لفظ «النبيذ» هو المائع المسكر والألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية، والنبيذ منصرف عن المعنى الثاني - ما ينبذ فيه التمر بما لا يخرجه عن الإطلاق - وعليه فلا تناقض بين صدر الرواية وذيلها لاختلافهما بين الإطلاق والإضافة، نعم للقرينة الخارجية - الروايات أو غيرها - نذهب الى كونه ماءً مطلقاً. وحل التناقض كما ذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) من أنّه الفرد النادر.
2- أقول: يؤيده ما في بصائر الدرجات: 117، ح12 عن احمد بن محمد عن علي بن نعمان عن بعض الصادقين يرفعه الى جعفر قال: «قال ابو جعفر (عليه السلام) ». إلّا أنّ الظاهر انصرافه الى المعصومي (عليهم السلام) إلّا مع قرينة كما هذه الرواية، وقد قال المجلسي في روضة المتيقن 1: 74 الفظه: «والظاهر أنّه الكاظم أو الرضا صلوات اللّه عليهما، ولا يطلق المحدث العالم هذه العبارة إلّا على المعصوم كما قال تعالى «يا ايها الذين» الآية وروي في الاخبار المتواترة أن المراد بالصادقين هم الائمة المعصومين (عليهم السلام) ».

--------------------------

عن المعصوم لو ثبتت تلك الجلالة والمكانة له، اللّهم إلّا بادّعاء ظهور كلمة الصادقين في الأئمة لقوله: {كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(1).

وأمّا ما ذكره البعض: من أنّ المراد ببعض الصادقين بعض العدول؛ «لأن صيغة الصادقين - التي هي صيغة جمع في الرواية لمكان البعض - لم يرَ استعمالها وإرادة الأئمة منها في شيء من الموارد، نعم الصادقَين بصيغة التثنية يطلق على الباقر والصادق (عليهما السلام) »(2) .

فغير تام؛ فإنّ كلمة الصادقين اُطلقت على الأئمة (عليهم السلام) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(3)، ففي الكافي: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول اللّه: {اتَّقُوا اللّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. قال: إيّانا عَنى»(4).

وفي الصحيحة عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن قول اللّه عزوجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. قال (عليه السلام) : «الصادقون هم الأئمة والصدّيقون بطاعتهم»(5).

ص: 92


1- التوبة: 119.
2- التنقيح: 2: 23 أخذه من الجواهر 1: 572 ظاهراً.
3- التوبة: 119.
4- الكافي 1: 208.
5- المصدر نفسه.

--------------------------

و قد ذكر في تفسير البرهان(1) أربعة عشر رواية منها: ما قاله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «وأمّا الصادقون فخاصة لأخي علي والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة».

الاشكال الثالث: يحتمل أن لايكون ذيل الرواية - وقد اشتملت على حكم الوضوء بالنبيذ - من كلام الإمام (عليه السلام) ، بل هو رأي عبداللّه بن المغيرة ألحقه بكلام بعض الصادقين، ومثل هذه التركيبة يوجب الشك لورود كلا الاحتمالين فكما يحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) فيكون حجة، يحتمل أن يكون لعبداللّه بن المغيرة ينقلها عن حريز، وحريز عن النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فتكون مرسلة؛ لعدم ذكر الوسائط بين حريز والرسول الأعظم، فتسقط عن الاعتبار.

الاشكال الرابع: سلّمنا صدوره من الإمام (عليه السلام) ، إلّا أنّ طريقة النقل هذه تشعر إشعاراً قوياً - إن لم تدلّ - على كونها من باب التَّقيَّة؛ فإنَّ بعض العامَّة يجوِّزون الوضوء بالنبيذ(2)، والإمام لم ينسب الحكم إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مباشرة

ص: 93


1- البرهان 3 : 515.
2- أقول: فيه أوّلاً: ما سبق من أنّه لا مجال للتقية مع إمكان الجمع العرفي، وبما أنّ الأدلّة الثانوية حاكمة فيكون الجمع أنّه لا يصح الوضوء إلّا بالماء للمختار ويجوز بالنبيذ للمضطر، ولا تعارض بين الأدلّة الأوّلية والثانوية كما هو واضح، اللّهم إلّا بما سبق أيضاً من شدة الظهور في التقية خصوصاً مع نسبة الحكم الى حريز. ثانياً: يجب أن يلاحظ الفقه الحاكم من مذاهب العامة فإنّه هو الذي يُتّقى منه، فما أكثر من أُبعد وشُرد وقضى في السجن وقُتل من علماء مذاهب غير المذهب الحاكم. فليست الموافقة لاي منهم موجبة لرفع اليد عن الجمع العرفي. اللّهم إلّا أن يقال: بأنّ صدور روايات على طبق المذاهب المختلفة حتى غير الفقه الحاكم كان لأجل حفظ دِماء الشيعة وعدم إمكان معرفتهم ومراقبتهم بعمل كانوا ينفردون به، فتأمل.

--------------------------

بل نَسَبها إلى حريز حين قال: «إن لم يقدر على الماء وكان نبيذاً، فإنّي سمعت حُريزاً يذكر في حديث..».

الاشكال الخامس: إنّ جواز الوضوء بالنبيذ خلاف الإجماع المدّعى في التهذيب(1) قال: «أجمعت العصابة على أنّه لايجوز الوضوء بالنبيذ». وبتقرير آخر: أنّها معرض عنها بالإعراض القطعي.

الاشكال السادس: إنّه خلاف ارتكاز المتشرعة، بل خلاف ضروري المذهب، فالرواية لا يعمل بها على كلّ التقادير.

الثالث: ماء السدر و الكافور لتغسيل الميت

الاستثناء الثالث: ماء السدر والكافور في تغسيل الميت.

يرد عليه: أنّ المختار أن يكون الخليط بمقدار لايخرج الماء عن الإطلاق، فإنّ المذكور في الرويات «بماء وسدرٍ»(2)، أو «بماء فيه كافور»(3).

ص: 94


1- التهذيب 1: 219.
2- راجع الوسائل 2: 479
3- راجع الوسائل 2: 493.

--------------------------

نعم على المبنى الآخريجوز ذلك، وعليه تستثنى القاعدة الكلية بهذه الصورة(1).

الرابع: عند فقد المطلق

الاستثناء الرابع(2):

الماء المضاف في حال تعذر الماء المطلق، وقد استدل على ذلك بقاعدة الميسور.

ويُشكل عليها أوّلاً: بعدم ثبوتها لضعف أسانيد رواياتها.

وفيه: مضافاً الى كونها مجبورة بالعمل، أنّه يمكن البناء على مضمونها ومفادِها بحديث الرفع(3)

وذلك في خصوص المركبّات فقط.

وبيان ذلك يتمّ فيما لو فرضنا وجود دليلين.

أوّلهما: وجوب الحج لقوله عزّ وجلّ: {وَ لله عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ}(4). و ثانيهما: وجوب الرَّمي في الحج.

ص: 95


1- أقول: وقال في الجواهر [4: 13]: «وبمنع توقّف الطهورية في المقام على الإطلاق بعد ظهور الأدلّة فيه». ولكن يحتمل أن يكون المطهر للميت هو الغسل الثالث بالماء القراح وأن الغسلين الأوّلين هما للتعبد لا للتطهير، فعليه فلا استثناء لعدم طهورية غير المطلق في غسل الميت.
2- أقول: وهذا قسم من المبحث الثالث الذي طرحه السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) في إبتداء المسألة الأولى، وللمناسبة ذكره كاستثناء رابع للمبحث الأوّل.
3- التوحيد للصدوق: 353، الخصال للصدوق: 417.
4- آل عمران: 97.

--------------------------

أمّا المضطر إلى ترك الرمي فيتركه بحديث الرفع، ولكن الحديثَ لايرفع الدليلَ الأوّل ، فيبقي الأمر بالحج على حاله.

وهذا إنّما يتمّ لو كان الحج موضوعاً للأعم، فإنّه يصدق على الفاقد للرمي، فيؤول ما ذكر إلى قاعده الميسور، ولكن على الوضع للصحيح يُشك في صدق الحج على الفاقد للرمي، فيكون التمسّك به تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقية(1).

ص: 96


1- أقول: يتمّ الأمر حتى مع الوضع للصحيح ولكن ليس عبر الرجوع الى أصالة الإطلاق ليقال: إنّه من التمسك في الشبهة المصداقية - فإنّ الفرق بين الأعمى والصحيحي صحّة رجوع الأوّل إلى أصالة الإطلاق دون الثاني - بل بنفس حديث الرفع الحاكم على الأدلّة الأوّلية فالحج الفاقد للرمي ليس بحج للمختار ولكنه حج للمضطر. إن قلت: لايمكن إثبات الأقل بحديث الرفع إلّا على الأصل المثبت فرفع ما لايطيقون يرفع وجوب الرمي ولكنه لا يثبت أنّ الباقي حج صحيح هذا أوّلاً. و ثانياً: لو سلم حجية مثبتات الاُصول إلّا أنّ حديث الرفع امتناني فإثبات التكليف بالأقل بحديث الرفع خلاف الإمتنان فإنّه لولا ذلك لما وجب عليه الحج أصلاً. ثالثاً: لا أثر بالتمسك بحديث الرفع إلّا على نحو دوري فإنّ وجوب الرمي إنّما هو لوجوب الحج - المركب الارتباطي - ووجوب الحج الفاقد للرمي لا يكون إلّا بعد التمسك بحديث الرفع، فلو كان أثر حديث الرفع عدم وجوب الرمي على من وجب عليه الحج لتأخر وجوب الحج عن حديث الرفع وتقدم عليه. والحاصل: إن لم يكن الحج الفاقد للرمي واجباً فلا أثر لحديث الرفع فإنّ وجوب الرمي فرع وجوب الحج، وإن كان واجباً فحديث الرفع متأخر عن وجوبه ليؤثر في رفع وجوب جزئه وهو الرمي، ومتقدم على وجوبه تقدم العلّة على معلوها فإنّ المفروض أنّ الحديث هو الذي اثبت وجوب الحج وصدق عنوان الحج على الفاقد للجزء اضطراراً. أضف الى ذلك كلّه عدم حاجة الاعمي للتمسك بحديث الرفع وذلك لأنّ الدليل الأوّل يشمل الفاقد لجزء من أوّل الأمر، فالتمسك بحديث الرفع لغو لاحاجة له. قلت: أمّا الاعمى فما أشدّ حاجته الى الحديث وذلك لأنّ الواجب عليه اتيان الحج الصحيح فهو يضم الوجدان الى الأصل فيتم حجة الفاقد للجزء. وبيانه: أن عنوان العبادة محرز عنده بالوجدان والرمي مرفوع بحديث الرفع، فالماُمور به هو الحج الفاقد للرمي. وبعبارة اُخرى: نضم الدليل الإجتهادي - وجوب الحج - الى الأصل العملي، والبراءة لا تثبت وجوب الباقي بل وجوبه ثابت بأمر المولى بالحج. وأمّا الصحيحي فإنّ ماذكره لا يتمّ على القول بأنّ الحديث ليس للرفع فقط وإنما للوضع أيضاً كما عليه السيد الوالد (رحمه اللّه) في مختلف ابواب الفقه، وعليه فلا يكون من الأصل المثبت. ولكن في المبنى تأمل فإنّ وضع التكليف خلاف الامتنان والحديث موضوع له، فتأمل. نعم، على المبنى الآخرترد الإشكالات باجمعها. نعم، لو اغمضنا النظر عن الإشكال الأوّل واثبتنا الأمر بالأقل من مثبتات الاُصول أو من الجمع بين الأدلّة أو من الإرتكاز القطعي على عدم سقوط الحج لمن لم يتمكن من الرمي بنفسه و لم يكن بمقدوره أخذ نائب، فإنّ الإشكال الثالث لا يأتي فإنّ الصحيح هو ما يكون متعلقاً للأمر الفعلي فإذا ثبت تعلق أمر فعلي بالأقل ولو ظاهراً فلا محالة يكون الأقل صحيحاً، فتأمل. وبعبارة اُخرى: إنّ حديث الرفع كعمومات الحرج يدلّ على رفع جزئية ما كان جزءً في حال الاختيار فإنّه يقتضي تحديد دائرة الجزئية وكذلك الشرطية والمانعية بغير صورة الحرج والاضطرار، ويؤيده خبر عبد الاعلى مولى آل سام فإنّ الإمام أوجب أصل المسح وألغى شرط المباشرة للبشرة بقاعدة «لا حرج» فأمر بالمسح على المرارة قال (عليه السلام) : «يعرف هذا واشباهه من كتاب اللّه عز وجل، قال تعالى: ﴿مَا جَعَلَ عليكم فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ إمسح عليه». وأمّا القول بأنّه خلاف الامتنان في الحج بخلاف الوضوء لوجود تكليف على كل حال ولو بالتيمم بخلاف الحج لسقوطه. ففيه أولاً: في الحج أيضاً قابلية التكليف في القابل مع الاستطاعة، فتأمل. ثانياً: أنّ مقتضى حكومة أدلّة الاضطرار على الأدلّة المثبتة للأجزاء سقوط جزئية ما يتعذّر إتيانه هو: تخصيص الجزئية بغير حال التعذر، فعمومات الاضطرار متكفلة لإثبات وجوب البقية بعين تكفّل رفع الجزئية عن المضطر اليه، فإنّ من لوازم رفعه عن المضطر اليه هو كون الباقي في حال الاضطرار مصداق المأمور به ولا حاجة لوجود دليل عام آخريرجع اليه وقد رفع الإمام (عليه السلام) جزئية القيام والركوع لغير المتمكن منهما بقوله: «ليس شيء ممّا حرم اللّه إلّا وقد أحلّه لمن اضطر اليه». ولكن ذلك بدون دليل عام آخرمثل: «الصلاة لا تترك بحال» مشكل.

ص: 97

--------------------------

وثانياً: ما ذكره السيّد الوالد (رحمه اللّه) : «إنّ المضاف ليس بميسور الماء عرفاً»(1)

فهو خروج موضوعي.

ولكن في إطلاقه تأمل، فإنّ الماء المضاف على قسمين:

ص: 98


1- الفقه 2 : 29.

--------------------------

أ) ما هو حقيقة مباينة للماء كماء الرمان.

ب) ما لايباين الماء عرفاً كماء الورد، والمختار أنَّ الميسور هو الميسور العرفي وهو يشمل القسم الثاني، فلو أمر المولى بغسل الوجه بالماء وكان له أمر سابق بالميسور ثمّ فَقَد العبد الماء، رأى العرف لزوم غسل الوجه بماء الورد كونَه الميسور من الماء.

نعم قد يقال: إنّ مطلق الماء المضاف لايعدّ ميسوراً للماء المطلق، وإنّما هما حقيقتان متباينتان(1).

وثالثاً: ما ذكره في الفقه أيضاً قال: «إنّ القاعدة تدلّ على أنّ التكليف هو الميسور من المأمور به فيما لم يعيّن الشارع غيره في ظرف عدم التمكن من

ص: 99


1- أقول: وقد تُقَرَّر قاعدة الميسور بوجه آخروهو: أنَّ الإزالة بالمضاف ميسور الإزالة بالمطلق عرفاً وإن لم يكن المضاف ميسور الماء. هذا، ولكن الظاهر وجود الملازمة بين كون المضاف ميسور المطلق، وبين كون الإزالة به ميسور الإزالة بالمطلق، فمع الإشكال في كونه ميسوره لايمكن القول بأنّ الإزالة به ميسور الإزالة بالمطلق. نعم للقرائن يختلف المقام، فلو أراد المولى شرب الماء لا يكون الجُلاّب ميسوره لعدم اروائه للعطش، ولكن لو أراد تنظيف المكان وقال اغسل بالماء، يكون الغسل بالديتول وما أشبهه ميسور الغسل بالماء؛ فإنّ الديتول في هذه الصورة يكون بنفسه ميسور الماء، فتمّت الملازمة، فتأمل.

--------------------------

المأمور به، وأمّا إذا عيّن غيره فلا مَسرَحَ للقاعدة»(1) ثم نقل عن الفقيه الهمداني ما يؤدي هذا المعنى ظاهراً، فهذا تخصيصٌ في قاعدة الميسور.

وفيه تأمل: فإنّ الميسور وجود تنزيلي للمعسور وموسِّع لموضوع الدليل الأوّل ، وعليه فلا يصدق فاقد الماء على من وجد ماء الورد.

فللمولى أدلّة ثلاثة:

أ) التوضأ بالماء.

ب) والتيمّم بالصعيد لمن فقد الماء.

ج) الميسوركأن يقول: إن لم تتمكن من الماء فعليك بميسوره، وماء الورد ميسور الماء عرفاً فلا يصدق على واجده قوله تعالى: {لم تجدوا ماءً}.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسح على الجبيرة، فقد أمر المولى بالمسح على البشرة، و ميسوره المسح على الجبيرة للمريض(2)، وقد قال المولى: إن

ص: 100


1- الفقه 2: 29.
2- أقول: ففي خبر عبد الأعلى المشهورة روايةً: قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ فقال: يعرف هذا واشباهه من كتاب اللّه تعالى: ﴿مَا جَعَلَ عليكم فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ امسح عليه». نعم قد يقال: إنّه حكم مختص بالجبائر لا من باب الميسور فإنّ المسح على المرارة ليس بميسور المسح على البشرة مع أنّهما متغايران كما في التنقيح 4: 237. وفيه: أنّ المسح عليها ميسور المسح على البشرة ولا يهمّ تغاير البشرة والمرارة.فافهم.

--------------------------

لم تتمكن من الوضوء فتيمّم.

وكما لو قال المولى «حج» المتكوّن من عشرين جزءً مثلاً، ودليل ميسوره الإتيان بتسعة عشر جزءً للمتمكن منه فحسب. ثم قال المولى: إن لم تتمكن من الحج فاذهب لكربلاء. فمن يتمكن من تسعة عشر جزءً لايصدق عليه أنّه لايتمكن من الحج، فالميسور حاكم وموسع لدائرة الدليل الأوّل.

فالمتحصّل من ذلك كلّه: عدم ثبوت هذه الاستثنائات في الثلاثة الاُوَل، أمّا الرابع فهو متوقّف على كون المضاف - في غير ما يباين المطلق في حقيقته كماء الورد - ميسورَ المطلق عرفاً.

هذا، ولكنَّ الظاهر أنّ ارتكاز المتشرعة والسيرة الخارجية على عدم الوضوء بماء الورد، فلم يثبت استثناء من تلك القاعدة الكلية.

هل يرفع المضاف الخبث؟

المبحث الثاني: عدم مطهّرية المضاف للخبث. و فيه أقول متعددة:

القول الأوّل : تفصيل الكاشاني

القول الأوّل : ما ذهب إليه المحدث الكاشاني من التفصيل بين ما ثبت الأمر بغسله بالدليل كالثياب والبدن، فيجب غسله بالماء المطلق، وبين ما لم يأمر الشارع بغسله بالخصوص فيطهر - إن صح تعبير التطهير عليه - بالماء المضاف، بل بإزالة العين عنه بأيّ وجه اتفق، فيصح تطهير الزجاج - مثلاً - بالمضاف أو بالتَّفريك والدَّلك، حتى تزول عين النجاسة.

واستدل على ذلك: بعدم تنجيس ما لا دليل على تنجيسه كالملاقي

ص: 101

--------------------------

للنجاسة، فإنّ أدلّة التطهير بالغسل في الماء المطلق تختصّ بموارد خاصة كعين النجاسات فقط، فَوِزانُ هذه الأشياء وِزانُ باطن الإنسان(1)، فلو لاقى الدم فاكهة لا دليل على تنجُّسها فيجوز أكلها مع زوال عين النجاسة، فإنّ المنهي عن أكله هو الدَّم، لا الفاكهة.

ثم إنّه قال البعض بأنّ الظاهر من عبارته هو انحصار وجوب الغسل بالمطلق في الثياب والبدن (2).

إلّا أنّه غير تام، لعدم ظهور الحصر من كلامه؛ لمكان كاف التشبيه، فتُضاف الأواني إليهما لورود الأمر بغسلهما.

و لكن فيه عدة مناقشات:

المناقشة الأولى: مخالفته لارتكاز المتشرعة، كما ذهب إليها الفقيه الهمداني ونسبها إلى الشريف المرتضى، قال: « و هذا مخالف للقاعدة المسلمة المغروسة في أذهان المتشرِّعة من أنَّ ملاقات النجس برطوبة مسرية، سبب لتنجيس ملاقيه»(3).

ولكنّه ناقض نفسه: فقد التزم عدم حجية ارتكاز المتشرعة، قال في مسألة تنجيس المتنجّس: «ولو سبقنا بعض مشايخنا المتأخرين إلى إنكار إطلاق كون المتنجّس مُنجِّساً لجزمت بذلك، إذ ليست مخالفة الأصحاب في هذه

ص: 102


1- مفاتيح الشرائع 1 :77.
2- كتاب الطهارة للمحقق الخوئي 1: 39.
3- مصباح الفقيه 1 : 54.

--------------------------

المسألة بأشكل من مخالفتهم في نجاسة البئر، بل كانت مخالفتهم في تلك المسألة أشكل بمراتب؛ لوضوح معروفيّة نجاسة البئر لدى المخالف والمؤالف من عصر الأئمة (عليهم السلام) ، ومغروسيتها في أذهان الرواة وغيرهم من العلماء ومقلديهم دائرة على ألسنتهم وفي جميع كتبهم الفقهية، حتى ارتكزت في نفوس العوام على وجه لم يذهب أثرها إلى الآن، ولذا كثيراً ما يسألون في موارد ابتلائهم عن حكم بئرماتت فيها فأرة أو دجاجة أو غيرهما زاعمين نجاستها بذلك، مع أنّ القول بها - على ما يظهر من بعض - قد نسخ منذ سنين متطاولة ربّما تزيد على ثلاثمائة سنة»(1).

بحث في ارتكاز المتشرعة

أقول: في ارتكاز المتشرعة بحثان: كبروي وصغروي.

أمّا بحث الكبروي ففي حجية ارتكاز المتشرعة: وما يبدو في بادي الأمر أنَّ ملاك حجيته وشرائطه هو نفس ملاك وشرائط حجية سيرة المتشرعة(2). أمّا ملاك السيرة فهو الكشف الإنّي عن البيان الشرعي؛ ولذلك استغنت

ص: 103


1- مصباح الفقيه :1: 582 ق2 والفقه 2: 192.
2- أقول: إنّ الفرق بين الإرتكاز والسيرة أنّ الأوّل يدلّ على نوع الحكم من وجوب وحرمة، والثاني يدلّ على الجواز وعدمه إلّا إذا استلزم جوازه وجوبه بأن يكون وجوبه لازم مشروعيته كما في العمل بالظواهر فإنّه لا يشرع العمل بها إلّا مع فرض حجيتها لكونها الطريق الى بيان الأحكام، ومع فرض الحجية يجب العمل بها قطعاً لتحصيل الأحكام الشرعية.

--------------------------

السيرة عن الإمضاء بخلاف سيرة العقلاء التي تتوقّف حجيتها على الإمضاء(1).

و أمّا شروط حجّيتها فأهمها على المعروف شرطان:

الأوّل: اقترانها بزمن المعصوم (عليه السلام) ، فلا اعتبار بالسيرة المُتأخرة.

الثاني: عدم احتمال نُشُوِّها من منشأ آخرغير البيان الشرعي، وذلك كما في سيرة المتشرعة القائمة على العمل بالخبر الواحد؛ فإنّه يحتمل أن يكون

ص: 104


1- أقول: الكلام على إطلاقه غير تام فإن سيرة العقلاء تكون تارة: مع عموم البلوى - كما في العمل بخبر الثقة - أو بصورة يختل النظام ان لم يذكر الشارع بديلاً لها - كما في العمل بالظواهر - فَهنا لا حاجة الى الامضاء فيها كسيرة المتشرعة بل يكفي عدم الردع. واُخرى: فاقدة لاحد الأمرين فلا اعتبار بها بلا امضاء منه، وعدم ردعه لا يدلّ على امضائه. نعم إن قيل بأن الامضاء يتحقق ولو بعدم الردع في الموردين بمعنى أن عدم الردع كاشف عن امضاءه فالنزاع لفظي. ولكن قد يقال بأن السيرة العقلائية حجة في الموضوعات دون الأحكام وعليه فلا حاجة لاقترانها بزمنهم (عليهم السلام) فكثير من الظواهر المعتبرة لا يحرز وجودها في زمنهم فمثلاً ان الإستثناء عقيب الجمل المتعددة هل يرجع الى الأخير أو الجميع أو يكون العام مجملاً في غير الأخير؟ وقد ادّعى كل الظهور! ومن اين يحرز عدم ردع الشارع عنه؟ وقد قال في المعتبر ان سيرة العقلاء على معرفة مذهب ابي حنيفة من عمل اتباعه مع أنّ عملهم متأخر عن زمن الشارع. والأمر موكول الى التأمل.

--------------------------

ذلك للارتكاز العقلائي لا للبيان الشرعي، فلايقال: ثبتت حجّية الخبر الواحد بسيرة المتشرّعة.

وكما في سيرتهم على التمليك بالحيازة التي يحتمل كونها ناشئةً من الجري على طريقة العقلاء وليست معلولة للبيان الشرعي، فإنَّ الإمضاء الشرعي - فيما نحن فيه - يقارن السيرة العقلائية، وذلك بدليل أنّه لو ردع لبان، وأمّا إن لم يُحتمل ذلك فتكون كاشفة كشفاً إنّياً عن البيان الشرعي، كما لو ثبت أنّ العقلاء كانوا يطوفون ويسارهم إلى الكعبة، فإنّه لا يكون إلّا لبيان شرعي لا لاحتمال عقلائي، ويقال نظير ذلك في كشف التبادر عن الوضع اللغوي.

وما ذُكرَ من الملاك والشروط في السيرة يجري في ارتكاز المتشرعة، فلا شبهة في اعتباره إن كان مقارناً ولم يحتمل وجود منشأ له سوى البيان الشرعي(1) كما في ارتكازهم على عدم تصدي المراة للفتوى والإمامة في

ص: 105


1- أقول: ويضاف الى الشرطين شرط آخر و هو: ارتكاز الكل، وأمّا الإرتكاز لدى الفقهاء أو صنف من الناس أو قوم منهم فليس بحجة، ولكن الكلام في طريق معرفة وجود الإرتكاز لدى الكل، فقد يقال: بأنّ الإرتكاز القوي في نفس الانسان يكون مرآة لوجود الإرتكاز في الآخرين فكما أن وجود حالة الحب والبغض في الفرد تجعله قاطعاً بوجودها في الجميع مع أنّه ليس في انفسهم فكذلك بالنسبة الى الإعتباريات وذلك كارتكازنا على عدم خلود من يغتاب في النار، وعدم اشدية الغيبة من الزنا، وعدم تساوي الزنا بالمحارم في حال الطواف مع النظر الى الشطرنج مع وجود روايات صريحة بعضها صحيحة، وأمّا الجهل المركب في ارتكازه فهو لا يضر في حجيته كما لايضر كذب الثقة احياناً في حجية قول الثقة. فالقول في الإرتكاز كالقول في التبادر. ولكن فيه: أنّ ارتكازه قد يكون مسبباً عن بعض الفتاوى أو لكونه يعيش في أجواء اجتماعية معينة فلا يدلّ على ارتكاز الكل، فليس له كاشفية عقلائية عن ارتكاز الآخرين، ولذا فيجب القطع بوجود ارتكاز لدى الجميع بتوفر قرائن أو من النقل المتواتر. وادعاء وجود الإرتكاز من الآخرين لاينفع إلّا بوجوده لدى المرتكِز، إلّا إن ظهر له أنّ هذا هو ارتكاز الكل، فهو كالأعجمي الذي ينفعه تبادر اهل اللغة العربية في انسباق المعنى الى أذهانهم من اللفظ نفسه. والحاصل: أنّ الإرتكاز لدى الفرد إن كان قوياً بحيث يرى أنّ الآخرين بمختلف مشاربهم يرون ذلك أيضاً كان حجة بلا شبهة، وذلك كلبس المرأة لباساً ضيقاً يحكى جميع تفاصيل بدنها فإنّه من المنكرات في أذهان المتشرعة. ثم إنّ لمعرفة الاقتران طريقين فإنّ الإرتكاز: أ- إمّا ان يكون طولياً: بأن انكشف استمراره الى زمنهم (عليهم السلام) من التاريخ وذلك بتتّبع اسئلة الرواة كما يذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) في ارتكازهم في انفعال الملاقي. ولكنه مشكل على مبنى المشهور القائلين بنجاسة الكتابي فإنّ اسئلة الرواة عن النجاسة العرضية الحاصلة من شرب الكتابي الخمر وعدم اتّقائه النجاسة تدلّ على عدم مركوزية النجاسة الذاتية في أذهانهم وإلّا لم يسألوا عن العرضيات، فتأمل. ومثل الإرتكاز الحاصل من عدم بطلان تلفظ «الضاد» «ظاءً» لعدم صدور رواية واحدة خلال 250 سنة مع وجود العجم بل حتى بعض العرب. ب - وإمّا أن يكون عرضياً: بأن يستكشف وجوده في كل سابق من الزمن اللاحق عليه، فوجود الإرتكاز في زمننا يدلّ على وجوده في زمن آبائنا وإلّا لعرفنا منهم عدمه، وهكذا في حلقات متصلة الى زمنهم (عليهم السلام) . والحاصل إنّ وضوح ما هو مرتكز في أذهاننا تلقيناه من الطبقة السابقة علينا وهم قد تلقوه من الطبقات السابقة عليهم حتى تصل النوبة الى الطبقة التي عاصرت الائمة (عليهم السلام) . ثم انّ السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) لا يشترط في تبيين الاُصول [3: 332] الشرط الثاني وهو عدم احتمال نشوّها من منشأ آخر، فراجع. وكذلك قد يشكك في الشرط الأوّل وهوالإقتران بأن يقال: إنّ الإرتكاز من الكل بنفسه كاشف وإن لم يعلم اقترانه، ولكن فيه تأمل.

ص: 106

--------------------------

جماعة الرجال، ولا يخفى عدم لزوم كون البيان صريحاً وعدم الإحتياج الى الإمضاء، قال في التنقيح: «إنما علمنا بارتكازنا من الشارع أنّه لايريد أن تتصدّى المرأة للمرجعية فمن شرائط المرجع الذكورة»(1).

وأمّا البحث الصغروي: فإنّه هل يمكن إثبات أنَّ الارتكاز مقارن ولا منشأ آخرله؟

ناقش السيد الوالد (رحمه اللّه) الارتكاز بما يظهر منه أنّه يرتضيه كبروياً ويرفضه صغروياً، قال في مناقشته للفقيه الهمداني: «إنّ المركوزية في أذهان المتشرعة ليست من الحجج الشرعية؛ لإستنادها إلى فتاوى العلماء؛ ولذا مركوز في أذهان المتشرعة المتقدّمين نجاسة البئر مع أنّ المركوز فعلاً خلافها، ومثل هذا الحكم وغيره من سائر الأحكام التي تخالف فيه القدماء

ص: 107


1- التنقيح 1: 186.

--------------------------

والمتأخرون كالمعاطاة وغيرها»(1) بل حتى مع احتمال استناده إلى الفتاوى يسقط عن الحُجّية.

وأمّا في المقام، فهل للمتشرعة ارتكاز بأنّ كلّ ملاقٍ ينفعل بالملاقاة؟ ولايخفى أنّ انفعال الملاقي لم يقم عليه بناء من العقلاء، فإن ثبت يتبيَّن أنّه شرعي نابع عن البيان الشرعي، قال السيّد الوالد (رحمه اللّه) : «فإنّهم إذا اجتنبوا عن السُم - مثلاً - ثم لاقى السُم الرطب جسماً، فإنّهم إنّما يحكون بغسله بالماء؛ لوجود أجزاء السُم في الملاقي لا للتعبد»(2)، فملاكهم الاجتناب عن ذات السُم لا عن الملاقي بما هو ملاقي.

ثم إنّه مع ثبوت الارتكاز هل يمكن إثبات كونه في عهد الشارع؟

المظنون ظناً قوياً(3) للمتتبع أسئلة الرواة عن مختلف النجاسات، وجود مثل هذا الارتكاز في أذهانهم - راجع الوسائل باب المطهرات وباب ما لاقاه كلب أو مني، وما أشبه ذلك - فكأنَّ الانفعال مفروغ عنه والبحث في كيفية التطهير، فتأمل.

ص: 108


1- الفقه 2: 54.
2- المصدر نفسه.
3- أقول: إن اراد به الاطمينان فهو حجة لمدعيه ان كان شخيصاً، وإن توفرت قرائن نوعية كاستقراء الروايات واسئلة الرواة فهو معتبر، وإن اراد به صرف الظن فهو لا يغني من الحق شيئاً نعم استقراء اسئلتهم يدلّ على ارتكازهم ذلك.

--------------------------

المناقشة الثانية: ما في التنقيح من إلغاء الخصوصية، قال: «ويدفعه أنَّ العرف يستفيد من الأوامر الواردة في موارد خاصة بغسل ملاقي النجاسات بعد إزالة عينها، عدمَ اختصاص ذلك بمورد دون مورد، فإذا لاحظوا الأمر بغسل الثوب والبدن والفرش والأواني وغيرها بعد إزالة العين عنها، فَهِمُوا مِنهُ عموميه ذلك الحكم(1)».

والظاهر تمامية الدليل في حد ذاته، فإنّ العرف يلغي الخصوصية، فقد يكون اللفظ ضيِّقاً ولكن العرف يوسِّع وكذلك العكس، ومنشأه مناسبة الحكم والموضوع، فلا فرق بين الجدار والبدن عند العرف(2).

ولكن يرد عليه: أنّنا نرى انثلاماً لهذه القاعده في كثير من الموارد:

منها: عدم نجاسة باطن الإنسان بملاقاة الدم.

ومنها: طهارة ظاهر الحيوان بازالة عين النجاسة ولو بفركها.

ومنها: طهارة باطن القدم وما يشبهها بإزالة عين النجاسة بالمشي على

ص: 109


1- التنقيح 2 : 26.
2- أقول: إن كان إلغاء الخصوصية لأجل ارتكازهم بانفعال مطلق الملاقي فهذا عود للدليل السابق، وإن كان لأجل عدم فهم خصوصية المورد فلِمَ فهموا الخصوصية في تعفير الإناء من ولوغ أحدهما دون الثياب والبدن مع أنّ مناسبة الحكم والموضوع قائمة فيه ايضا. بل قد يدّعى إلغاء الخصوصية عن الملاقي ليجب التعفير في باقي النجاسات أيضاً في إناء أو غيره ولا أقل من إلغاء الخصوصية في الملاقي.

--------------------------

الأرض.

ومنها: طهارة الأرض والثوابت عليها بتجفيف الشمس لها مع زوال العين.

فالحاصل: أنّ العرف يرى اختلاف الموارد وأنّ التطهير لاينحصر بالماء، فيحتمل وجود خصوصية في البدن والثوب والأواني بأنّها لاتطهر إلّا بالماء دون غيرها. نعم، ستأتي بعد قليل المناقشة في هذه المناقشة.

المناقشة الثالثة: ما ذكره الفقيه الهمداني من لزوم تأسيس فقه جديد ولزوم التفكيك بين آثار النجاسات، قال ما لفظه: «كيف ولو بني على الإقتصار في حكم كلّ واحدة واحدة من النجاسات على متابعة النص الوارد فيها بالخصوص؛ لاستلزم تأسيس فقه جديد وللزم التفكيك بين آثارها حتى في الثوب والبدن والأواني وغيرها من المأكول والمشروب»(1).

و لكن أورد عليه في الفقه أوّلاً: أنّ الاشكال باستلزامه فقهاً جديداً مع أنّه استعباد محض، قد وقع مثله في حكم البئر والمعاطات وعدم مُثبِتيَّة الاُصول.

وثانياً: أنّ كلام المشهور يستلزم القياس حيث قاسوا ماليس فيه نص على ما فيه نص، قال ما لفظه: «إن جَعل النجاسات كلّها بحكم واحد حتى أنّه لو وَرَدَ في الخمر دليل تُعُدِّيَ إلى الكلب الذي لا جامع بينهما عقلاً ولا نقلاً من أبين أفراد القياس، وهذا الإطِّراد أوجب طرح بعض الأخبار أو حملها على خلاف ظواهرها، كما أوجب تعدّي بعض الأحكام من موضوع إلى

ص: 110


1- مصباح الفقيه 1: 275.

--------------------------

موضوع بلا جامع قطعي وملاك معلوم. وأمّا التفكيك بين آثار النجاسات فهو شيء يلتزم به الكل، ولذا تراهم يفتون باختلاف حكم الثوب والآنيةِ في التعفير وعدد الغَسَلات وغيرها.. وكيف كان، فما ذكره الكاشاني (رحمه اللّه) قريب احتمالاً، وإن كان الخروج عمّا فهمه أساطين الفقهاء مشكل جداً، فالإحتياط لاينبغي تركه قطعاً»(1).

ولكن فيه تأمل؛ لأنّ مناسبة الحكم والموضوع المعتمدة على مجموعة من الارتكازات العرفية قد توجب التضييق أو التوسعة في الموضوع، ولا يعتبر هذا من القياس؛ لأنّه يؤول إلى الظهور، والظهورات حجة كما في قول الصادق (عليه السلام) : «إذا أصابَ ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله»(2) فمورد الرواية الثوب، إلّا أنّ الفهم العرفي لايرى خصوصية للثوب بل المراد الأعم، فلو أصاب البدن لوجب الغسل أيضاً.

ثم إنَّ الفرق بين مناسبة الحكم والموضوع والقياس: أنّ الثاني تعدية الشيء الظاهر في إطار إلى إطار آخر، ولكن مناسبة الحكم والموضوع هو الوقوف في حدود نفس الإطار الذي يفهمه العرف(3)، فإنّه لايُفَرَّقُ بين

ص: 111


1- الفقه 2: 55.
2- التهذيب 1: 261.
3- أقول: الفرق بين إلغاء الخصوصية والقياس وتنقيح المناط: أنّ العرف تارة لايفهم من النص خصوصية لما ذكر فيه من القيد، بل يرى القيد من باب المثال، وعليه فيسري الحكم الى الفاقد له، كإلغاء خصوصية الرجولة في قوله (عليها السلام) : «من سافر قَصَّرَ واَفطر إلّا ان يكون رجلاً سفره في معصية» أو «رجل شك في صلاته» حيث يجد العرف كون الحكم لسفر المعصية أو للشك. أو ان كان العرف يجد أنّ الموضوع المذكور مثالاً في القضية مثل: «اسماعيل يشهد أن لا اله إلّا اللّه» فهو أو: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ من باب أنّه أهون المصاديق، وإلّا فهو من القياس بعد تغيير الاسم والعنوان. والحاصل: أنّ التعدية من صغرى الى صغرى جايزة لكمال مساعدة العرف عليه بلحاظ إلغاء الخصوصية؛ وعليه فظهر أنّ إلغاء الخصوصية من المداليل العرفية فاختلف عن تنقيح المناط الذي منشأه العقل لكونه أمراً عقلياً كما في مثل: «أحسن الى خدام الفقهاء» حيث يقطع للمناط بوجوب اكرام الفقهاء.

--------------------------

الثوب والخاتم مثلاً، ويلغي خصوصية الثوب والآنية، فيفهم من الرواية الواردة بانفعال الثوب والآنية أنَّ النجاسة عند الشارع لها حالة السراية، فينفعل مطلق الملاقى.

وأمّا ما ذكر من الاشكال سابقاً بانثلام القاعدة في كثير من الموارد حيث لم يحدّد الشارع التطهير بالماء.

ففيه: أنّ الظاهر من كلام المحدث الكاشاني عدم انفعال غير ما ورد النص فيه، فالقول بمطهّرية الشمس إثبات للانفعال، وكذلك القول بمطهّرية الأرض لباطن القدم، ولا بأس باختلاف المطهرات التي تزيل الانفعال.

نعم يبقى ظاهر الحيوان وباطن الإنسان، ولكن يشك في انفعالهما ثمَّ طهارتهما بزوال عين النجاسة أو عدم انفعالهما أصلاً، وعلى الثاني فهما

ص: 112

--------------------------

تخصيصان في القاعدة الكلية من انفعال مطلق الملاقي.

ثم إنَّ ما ذكره في الفقه بقوله: «نعم التزم الكل بالتفكيك»(1) في مقام رَدِّ ما ذكره الفقيه الهمداني من: «لزوم التفكيك بين آثار النجاسات»(2).

غير تام، فإنّ التفكيك ليس في السراية بل في عدد الغسلات وفي المطهِّر، نعم يشكل الأمر في كثير من الموارد لو قيل بالتفكيك في السراية.

ثم إنّ فهم العلماء حجة ويحول دون تأسيس فقه جديد إلّا إذا قاومه دليل أقوى.

المناقشة الرابعة: مارواه الصدوق والشيخ بطريق صحيح عن عمار بن موسى الساباطي: «إنّه سأل أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الرجل يجد في إنائه فأرة، وقد توضأ من ذلك الإناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه، وقد كانت الفأرة متسلِّخة(3)؟ فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رءآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان إنّما رءآها بعدما فرغ من ذلك وفعله، فلا يمس من الماء شيئاً وليس عليه شيء؛ لأنّه لا يعلم

ص: 113


1- انظر:الفقه 2: 55.
2- المصدر نفسه: 54.
3- أي مضى عليها مدة طويلة عادة ، وإن احتمل أنّها تسلخت خارجاً ثمّ ألقيت في الماء«منه (رحمه اللّه) ».

--------------------------

متى سقطت فيه. لعلّه أن يكون إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رءآها»(1) .

والرواية عامة لقوله (عليه السلام) : «ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء». فلا فرق بين أن يكون ما أصابه الماء البدن أو الثياب أو الجدار أو الخاتم، ولا يكفي إزالة العين عنها بل يجب غسلها.

نعم قد يقال: بأنّ الحكم مختص بالماء الملاقي للفأرة فحسب، و لكنّه بعيد(2)، وإلّا لزم أن يؤخذ بجميع خصوصيات الرواية(3).

ص: 114


1- من لا يحضره الفقيه 1: 20، تهذيب الأحكام 1: 418، ورواها الشيخ في الاستبصار 1: 32، بطريق إسحاق بن عمّار، الوسائل: كتاب الطهارة أبواب الماء المطلق ب4 ح1.
2- أقول: يمكن أن يقال: بأنّ هذا استثناء رابع: فيجب غسل ما لاقاه ماء متنجّس كما يجب غسل البدن والثوب والأواني دون غيرها، وكلام المحدث لا يأبى وجود استثناءات في عدم انفعال الملاقي، حيث لم يحصر الأمر بالثوب والبدن بل قال: «إلّا ما اُخرج بالدليل حيث اقتضي فيه اشتراط الماء كالثوب والبدن». وبما أنّ النجاسة والطهارة ليستا من المجعولات الشرعية، بل كانتا قبل الشرع فتحملان على ما يراه العرف كذلك ما لم يرد من الشارع خلافه توسعةً أو تضييقاً، فالأصل في الطهارات والنجاسات - كما في العقود والايقاعات - كفاية الإتيان بما يكتفي به العرف. والحاصل: أنّ العرف لا يرى الملاقي نجساً إن خلا من عين النجاسة فيتبعه الشرع، نعم الشارع استثنى الموارد الأربعة دون غيرها، وليس هذا من تخصيص الأكثر كما هو واضح، هذا. ولكن فيه أوّلاً: أنّ الفقيه قد يقطع بعدم الخصوصية في الأربعة، وذكرها في الروايات لكثرة الإبتلاء بها دون غيرها. و ثانياً: قد يدعى أنَّ الغسل بالماء هو الطريق المعتبر عند الشرع؛ لمعرفة زوال عين النجاسة عن الملاقي، فَعين النجاسة لاتزول شرعاً إلّا بالماء، فالعلم فيه موضوعي وذلك كما يقال: إنّ المغرب يحصل باستتار القرص، وطريق معرفته ذهاب الحمرة المشرقية، فافهم.
3- أقول: صرف البعد لا يكفي في التعدي و إلّا لزم عدم تخصيص التعفير بالتراب في ولوغ الكلب والخنزير للماء - مع أنّهم التزموا فيهما بكل خصوصيات الروايات - نعم مع إحراز الخصوصية يمكن الذهاب الى التخصيص ومع عدمها الى التعميم.

--------------------------

المناقشة الخامسة: الإجماع، وقد ادّعاه الفقيه الهمداني(1) والكلام فيه كباقي الإجماعات المنقولة.

المناقشة السادسة: ما ذكره في المستمسك(2) قال: «إنّ هذا خلاف استصحاب النجاسة من دون دليل عليه».

ويرد عليه أوّلاً: عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية على بعض المباني؛ لتعارض عدم الجعل والمجعول وسقوطهما، لكن المبنى غير مرضي.

ثانياً: ما فيه أيضاً(3) من إنكار سراية النجاسة إلى الملاقي على مبنى

ص: 115


1- مصباح الفقيه 1: 275.
2- مستمسك العروة 1 :113 و 1 :71 ط دار احياء التراث العربي.
3- المصدر نفسه.

--------------------------

الكاشاني، فلا يقين سابق. فتحصَّل من جميع ذلك عدم مساعدة الدليل على مقالة الكاشاني.

القول الثاني: كفاية التطهير بالمضاف

القول الثاني: ما ذهب اليه المفيد والمرتضى: «من انفعال جميع الأجسام بالملاقاة ولكن لايشترط في تطهيرها غسلها بالماء المطلق، وإنّما يكفي غسلها بالماء المضاف». وذلك كالتطهير بالمُعَقِّمات الحديثة.

وقد استدل عليه بادلة:

الدليل الأوّل : الإجماع، وقد ادّعاه السيد المرتضى قال: «إنّ من مذهبنا جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات(1)».

ويرد عليه: أنَّ الإجماع المدّعى في المقام إمّا اَن يكون صغروياً أو كبروياً:

أمَّا الإجماع الصغروي فهو مقطوع الإنتفاءِ في المقام، إذ لا إجماع منهم على كفاية التطهير بالمضاف، بل لم ينقل ذلك عن أحد إلّا المفيد والمرتضى.

في بيان الإجماع المستنبط –الكبروي-

وأمّا الإجماع الكبروي - وهو ما نُطلق عليه الإجماع المُستَنبط - فإنّه لا اعتبار له لغير المستنبط. ومعناه كما ذكره الشيخ في الرسائل(2): أنّ مدعي

ص: 116


1- رسائل السيد المرتضي 1 :204
2- راجع فرائد الاُصول بحث الإجماع المنقول في كيفية تحقق إجماعات متعارضة ويذكر هناك توجيهات ذكر السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) أحدها.

--------------------------

الإجماع يرى قاعدة مسلّمة ويطبِّقها على موردها فيدّعى الإجماع عليه، وذلك كما لو ادّعى شخص بأنّ ركوب الطائرة حلال بالإجماع، بدليل أنّه من مصاديق القاعدة المجمع عليها: «كل شي هو لك حلال»(1).

قال المحقق: «وأمّا قول السائل: كيف أضاف المفيد والسيد ذلك إلى مذهبنا ولا نص فيه؟ فالجواب أمّا علم الهدى فإنّه ذكر في الخلاف أنّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا؛ لأنّ من الأصل العمل بدليل الأصل - وهو كلّ شيء لك حلال - ما لم يثبت الناقل، وليس في الشرع ما يمنع من استعمال المائعات في الإزالة»(2).

وقال الشيخ الأعظم: «فظهر من ذلك أنّ نسبة السيد (رحمه اللّه) الحكم المذكور إلى مذهبنا من جهة الأصل»(3) ثم ذكر الشيخ موارد متعددة ممّا ادّعى السيد الإجماع فيها بناء على الأصل.

أقول: المتحقّق في المقام هو الإجماع على الكبرى التي طبقها الشريف المرتضى على هذه الصغرى.

و لكن صحّة الإجماع الكبروي متوقّفة على شرطين في كليهما نظر: أوّلهما وجود المقتضي ومعناه الإذعان بالكبرى، و ثانيهما: عدم المانع.

ص: 117


1- الكافي 5: 313.
2- الرسائل التسع: 216.
3- فرائد الاُصول 1: 205.

--------------------------

وللشرط الأوّل تقريران. الأوّل : «كل شيء لك طاهر»(1) والثاني: «كل شي لك حلال»(2) ولم يمنع الشارع التطهير بالماءالمضاف.

ولكن يمكن التشكيك في المقتضي بتقريره الأوّل حيث ذهب جمع إلى عدم جريان أصالة الطهارة في الشبهات الحكمية، منهم صاحب الحدائق فقد ذكر أنَّ موثَّقة عمار: «كل شي نظيف حتى تعلم أنّه قذر»(3) خاصَّة بالشبهات الموضوعية، قال: «إجرائها في الشبهات الحكمية لايخلو من اشكال وجُرأة»(4)، وكذلك الأمين الاسترآبادي في فوائده المدنية، وعليه فلا تجري قاعدة البراءة في الثياب المغسولة بالمضاف مثلاً، فلم يتحقق الإجماع.

إلّا أن يقال: بوجود الإجماع إلى زمن السيد والمخالف متأخر عنه.

وكذلك يمكن التشكيك فيه بتقريره الثاني و هو البرائة حيث لم يحظر الشارع التطهير بالمضاف، فقد ذهب كثير من الأخباريين إلى عدم جريان البرائة في الشبهات التحريمية، وذلك كالشك في أنّ الشارع حَرَّمَ التطهير بالماء المضاف؟

الثاني: سلّمنا الإتفاق على الكبرى وتمامية المقتضي إلّا أنّه قد يدَّعى وجود المانع في المقام. والمانع يتصور على ثلاثة أنحاء:

ص: 118


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- الكافي 5: 313.
3- تهذيب الأحكام 1: 284.
4- الحدائق 1: 134.

--------------------------

النحو الأوّل : قيام الأدلّة الاجتهادية - على نحو الحكومة أو الورود - على وجوب التطهير بالماء فقط، وسنتعرَّضُ لها انشاء اللّه تعالى.

النحو الثاني: استصحاب نجاسة المغسول الحاكم أو الوارد على البرائة وأصالة الطهارة.

وأشكل البعض عليه: بتعارض الجعل والمجعول، فإن جريان (لاتنقض) في المجعول يقتضي النجاسة، وأصالة عدم جعل الشارع للنجاسة - بعد الغسل بالمضاف - تَقتضي الطهارة، فيتعارضان ويتساقطان فتصل النوبة إلى قاعدة الطهارة أو البرائة (1).

وفيه ضعف المبنى عند الكثير مِمَّن يرى أنّ المُحَكم بقاء المجعول(2) بجريان لاتنقض فيه فيبقى - على سبيل المثال - استصحاب نجاسة اليد بعد الغسل بالمضاف بدون معارض(3).

ص: 119


1- التنقيح 2 :29. أقول: قد التزم المحقق الخوئي في كتاب النكاح حكومة الجعل على المجعول كما ذكرناه في موضع اخر، فلا تعارض و ان اتّحدت النتيجة من حيث الحكم.
2- أقول: ضعف المبنى لجهة عدم أثر عملي مترّتب على أصالة عدم الجعل وذلك لأنّ الأثر العملي أو العقلي إنّما يترتّب على المجعول وجوداً وعدماً، وعدمه لا يثبت بأصالة عدم الجعل إلّا بالملازمة وبنحو الأصل المثبت كما بينه المحقق النائيني.
3- أقول: استصحاب نجاسة المغسول محكوم بأصالة البراءة عن قيد التحديد بالماء المطلق للتطهير في دليل «اغسل». فلا يجري استصحاب نجاسة المغسول ليعارضه أصل عدم الجعل. وبعبارة اُخرى: إن الشك في بقاء النجاسة مسبّب عن الشك في شرطية الإطلاق في الماء والأصل عدمها، فتأمل.

--------------------------

النحو الثالث: ما ذكره في المباني: من استصحاب عدم جعل الشارع الماء المضاف مطهّراً، وهو حاكم على أصالة الطهارة والبرائة(1).

ص: 120


1- مباني المنهاج 1 :250. أقول: إن كان المقصود بالاستصحاب أ- استصحاب الشرايع السابقة لعدم مطهّرية المضاف فيها كما يشير اليه تحديد التطهير بالقرض فقط في صحيحة داود بن فرقد عن الصادق (عليه السلام) : «كان بنو اسرائيل إذا اصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وَسَّع اللّه عليكم باوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً». ففيه: بعد الفراغ عن حجيته مع تسليم التحديد وتسليم عدم اختصاصه بالبول، أنّه كان عقوبة عليهم وإلّا فقد يكون الأمر بقرض اللحم من الظلم مع دوام ابتلاء الانسان بنجاسة بدنه بالبول وبالأخص المخرج، وعليه فلا دليل على عدم مطهّرية المضاف فيها فلا يجري الاستصحاب. ب - العدم الأزلي، ففيه عدم حجيته على بعض مباني منهاج الصالحين كما يميل السيد الأخ الأكبر الى ذلك. ج - استصحاب عدم الحكم فإنّ الحكم حادث مسبوق بالعدم. إلّا انّ الإشكال فيه أنّ السيد الاخ لا يرى وجود أصل لهذا الأصل. د - البرائة في آثاره ولوازه والأحكام التابعة إلّا أنّها لا تجري إلّا في موارد الامتنان وجريانها فيما نحن فيه خلاف الامتنان كتقييد المطهّرية في المطلق. هذا، وقد استشكل السيد الاخ (رحمه اللّه) - في جريان الاستصحاب الحكمي بناء على عدم جريان الاستصحاب الموضوعي مع الشك في طروالإضافة على الماء على نحو الشبهة المفهومية - على الميرزا التبريزي القائل بأنّ: «الأصل عدم جعل المطهّرية لمثله» ، بأنّه لم يثبت مقصوده فإن كان مراده أصالة العدم فلا أصل له على المشهور ، وإن اراد به الاستصحاب، ففيه: أنّه انتقض العدم بجعل القضية التعليقية في المرحلة السابقة لإطلاق الماء، فتأمل. ه- - العدم النعتي حيث لم يكن الحكم قبل الشريعة الإسلامية ثم ثبت بالروايات. ففيه: أنّ الإهمال في الواقع وعدم ثبوت حكم للمضاف باطل. إلّا ان يقال: بأنّه لم يكن منجزاً ثم نُجّز، فتأمل.

--------------------------

فالخلاصة: إنّ الإجماعات الكبروية المستندة إلى دليل لاتسقط عن الاعتبار إلّا مع الاشكال فيه بعدم المقتضي أو بوجود المانع.

دليلي السيد المرتضى و الاشكال عليهما

الدليل الثاني: ما تمسّك به السيد من الإطلاق في روايتين معتبرتين إحداها: «اغسله مرتين». والثانية: « يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء»(1).

ويرد عليه إيرادات(2).

ص: 121


1- الوسائل: أبواب النجاسات باب 1 ح 1و2.
2- أقول: ويرد عليه اولاً قبل ما اورده من الإشكالات: عدم الإطلاق في أدلّة الغسل؛ وذلك لكونها في مقام بيان أصل وجوب الازالة لا في كيفيتها، أو في مقام بيان توقّف الطواف وغيرها عليها أو رفع المانع بعدها. والحاصل: أنّ الإطلاقات دلّت على بيان أصل النجاسة، ولذك اكتفى الامام (عليه السلام) في مقام الجواب عن الدِنِّ والإبريق الذي فيهما خمر: بكفاية الغسل لكون المقام مقام بيان إمكان استعمال الاواني بعد الغسل في صدر موثقة عمار [راجع الوسائل ب5 من ابواب النجاسات، ح1] ولكنه (عليه السلام) اشترط التثليث بالغسل في ذيلها بعد أن سئل عن كيفية التطهير ولزوم الدلك ليعلم زوال جرم الخمر. ولكن يرد عليه: أنّ من القبيح تأخير البيان عن وقت الحاجة مع شدة الابتلاء بازالة النجاسة عن الثوب والبدن والإقتصار على رواية واحدة. فلو كان للشارع طريقة خاصة في التطهير لشاع وذاع، فعلى ذلك تكون الإطلاقات في مقام بيان الحكم والكيفية.

--------------------------

الإيراد الأوّل : ما ذكره الفقيه الهمداني من انصراف المطلقات إلى ما هو المتعارف وهو الغسل بالماء المطلق.

وأجاب عنه السيد المرتضى بقوله: «ولو كان الأمر على ما قالوه لوجب ألّا يجوز غَسل الثوبِ بماء الكبريت والنفط وغيرهما ممّا لم تجر العادة بالغسل به، فلمّا جاز ذلك ولم يكن معتاداً بغير خلاف علم أنَّ المراد بالخبر ما يتناوله اسم الغسل حقيقة من غير اعتبار العادة»(1).

توضيح كلامه: أنّ المطلق لا يقتصر على الأفراد المتعارفة وإنّما يشمل الأفراد النادرة أيضاً بدليل أنّ الغسل بالمياه الزاجيِّة وشبهها جايز إجماعاً مع

ص: 122


1- الناصريات: 106.

--------------------------

عدم تعارفها ، فكذلك الأمر في الغسل بالماء المضاف(1).

و أشكل عليه الفقيه الهمداني(2) باشكالات ثلاثة(3):

الاشكال الأوّل : ثبوت الحكم للفرد النادر إنّما هو بدليل آخرلا لشمول المطلق إياه، فلا يشمل المطلق سائر الأفراد النادرة التي فقد فيها الدليل الآخر، فاغسل لايشمل المياه الزاجيِّة، بل ما ادخلها هو دليل آخرمفقود في المضاف، قال ما لفظه: «إن ثبوت الحكم لبعض الأفراد النادرة لدليل آخرلا يدلّ على إرادته من المطلق حتى يعم تمام الأفراد».

و لكن فيه أوّلاً: عدم وجود دليل آخر يُدخل المياه الزاجية والكبريتية في الحكم(4).

ص: 123


1- أقول: وحاصل كلام السيد: أنّ الإجماع على اتحاد حكم الفرد النادر - المياه الزاجية مثلاً - مع الأفراد الشائعة قرينةٌ على إرادة الطبيعة اللابشرط من المطلق. والثمرة: إلحاق الفرد النادر - المضاف - الذي لم يقم عليه الإجماع بما قام عليه الإجماع - الزاجية - فالمراد: «الطبيعة اللابشرط الشاملة للجميع». نعم أشكل عليه آخرون بأنّه مع الإجماع يثبت اتحاد النادر - الزاجية - مع الشائع في الحكم لا الإرادة. والثمرة: عدم إلحاق النادر - المضاف - بالنادر الإجماعي - الزاجية -.فتأمل.
2- مصباح الفقيه 1: 279، 280.
3- وهي مسوقة على نحو الترتُّب فلاتصل النوبة للجواب اللاحق إلّا بعد عدم قبول الجواب المتقدّم.
4- أقول: لا يقال: الدليل الآخرهو الروايات المتواترة بصحّة الوضوء بالماء الآجن، والآجن كما عن اللغويين هو الماء المتغيّر الطعم واللون راجع لسان العرب13: 8، مجمع البحرين6: 197، النهاية1:37 وإطلاقه يشمل المتغيّر بالذات والأصالة أو بالعرض. فإنّه يقال: المتبادر من لفظ الاجن هو المتغيّر بوصف عارضي لطول المكث أو بول الدواب فيه، وهو الظاهر من كلمات اهل اللغة. وأمّا كون الاجن قسيماً لكل ما تغيّر لونه أو طعمه أو رائحته بغير نجاسة كما يظهر من كلمات ابن براج في المهذّب (2: 413). ففيه: مضافاً الى جعله المياه الكبريتية قسيماً لهما مع أنّها من الأجن حسب مدّعى الخصم، أنّه في مقام بيان كراهة شرب بعض المصاديق ولذا جعل الماء المالح قسيماً لما تغيّر طعمه، ولذا قال في التذكرة (1: 17): الاجن و هو المتغيّر لطول لبثه مع الإطلاق. وفي منتهى المطلب (1: 24): «ولو كان تغيّره لطول بقائه».

--------------------------

إلّا أن يقال: بأنّ الدليل هو الإجماع، ولكن لا إجماع في البين إلّا على نحو الإجماع المستنبط - الكبروي - وقد مرّ الاشكال فيه(1).

ثانياً: سلّمنا الإجماع، إلّا أنّه مدركي فإنّ مستنده الإطلاق.

ثالثاً: مع تسليم عدم الإستناد، إلّا أنّهما دليلان مستقلان لإثبات صحّة الغسل بالمياة الزاجية وغيرها، قال في الفقه: «ففيه: أنّ شمول الحكم لهذا النحو من المياه ليس لدليل آخرفقط بل لشمول إطلاقات الغَسل»(2).

ص: 124


1- أقول: وقد مرّ حجية الإجماع الكبروي على تفصيل، فراجع. وسيذكر السيد الأخ الاكبر (رحمه اللّه) أنّه تام مع توفر شرطين: أ- وجود المقتضي. ب - عدم المانع.
2- الفقه 2: 46. اقول: اضف الى ذلك: أنّ الحكم معلّق على الطبيعة والطبيعة لا تنفك عن كل واحد من أفرادها فتشمل الأندر، و إلّا فهو رجوع عن كون الطبايع متعلقة للأحكام.

--------------------------

الاشكال الثاني: قال «ثانياً: سلّمنا دلالته على ذلك [أي على أنّ المطلق نظره إلى الأفراد النادرة أيضاً] ولكنّه لايستلزم إرادة صرف الطبيعة من المطلق، حتى يتَسَرَّى الحكم إلى سائر الأفراد النادرة خصوصاً في مثل المقام المعلوم اشتراك الفرد النادر [الزاجية] الداخل مع تمام الأفراد [اي أفراد المطلقات] الشايعة في جنس قريب [الماء المطلق] أخصّ من صرف الطبيعة، وهو كونه ماءً مطلقاً، فالعلم بإرادة الغَسل بماء الكبريت لايدلّ إلّا على إرادة الغسل بجنس الماء مطلقاً [متعارفاً أو نادراً] لا مطلق الغسل مطلقاً [سواء كان نادراً أو متعارفاً كالمياه المضافه]».

فالمطلق شمل المياه الكبريتية ولكن لادليل على شموله المياه المضافة أيضاً خصوصاً إذا كان الفرد النادر - الكبريتية - مشترك مع الأفراد المتعارفة في جامع قريب ولم يكن مشتركاً مع الفرد الآخرالنادر في ذلك الجامع القريب - وهو الغسل بالماء المطلق - وإنما يشترك مع الفرد النادر الآخرفي جامع بعيد - الغسل مطلقاً - فلا يمكن أن يقال: إنّ المطلق بما أنّه شمل النادر الأوّل فيشمل النادر الثاني.

وفيه: أنّ الملاك واحد فإذا سرى المطلق بذاته لبعض الأفراد النادرة لسري إلى بقية الأفراد النادرة، وكون الجنس الجامع قريباً أو بعيداً غير مؤثر

ص: 125

--------------------------

بنفسه إلّا إذا فرض التشكيك في الصِدق(1)، وذلك لايكون إلّا في المطلقات المُشككة دون المتواطية(2)، فيكون التشكيك في صدق انطباق المطلق على

ص: 126


1- أقول: الشك في الصدق شكٌّ مفهومي من جهة عدم معرفة حدود المفهوم سعةً وضيقاً، والمرجع فيه العرف لتعيين حدوده والمناط فيه فهم العرف، ويكفي الشك في منع شمول الإطلاقات للفرد المشكوك لعدم جواز التمسك بها عند الشك في الصدق كالغسل بالمضاف إن قيل بأنّ للغسل أفراد مشككَّة. وهو غير الشك في المصداق فإنّه شك موضوعي لما لو شك في مائع كونه ماءً أو ماءَ ورد.
2- أقول: العموم المستفاد من المطلق المتواطي إما: لعدم خصوصية في فرده الشائع، وانصراف الذهن الى الشائع من باب اتحاده مع الطبيعة فيسري الى باقي الأفراد حيث إنَّ المقصود هو الطبيعة وهذا هو ماذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) من الملاك. وإما: لأنّ وضع اللفظ على العنوان الشامل للأفراد يوجب مطابقة العنوان معها فإن اُريد تخصيص الحكم ببعض الأفراد لزم ذكر بعض لوازم الفرد لكي لا تشمل الفاقد له كاكرم الرجل العالم، فما دام لم ينضم ذلك اللازم لم يختص الحكم به وإلّا كان من الاغراء بالجهل. والحاصل: أنّ جعل الطبيعة عنواناً ظاهر عرفاً في العموم فيما أفراده متواطية، وشيوع بعض الأفراد لايصلح مقيّداً بل كونه مراداً لاتحاده مع الطبيعة. وأمّا القول: بأنّ الحكم المتعلق بالطبيعة إن كان متعلقاً بالجميع فهو المقصود، وإن كان بالبعض غير المعيّن فهو مجمل قبيح من الحكيم، وإن كان بالمتعين فهو ترجيح بلا مرجّح، فغير تام لأنّ كثرة الوجود الخارجي تصلح أن تكون مرجحاً لارادة الفرد الشائع لكونه المتيقّن، فتأمل.

--------------------------

الفردين النادرين، فالملاك القرب والبعد إلى المطلق لا إلى الأفراد المتعارفة، فلا مدخليَّة لوجود جامع قريب أو بعيد في المقام.

نعم إن سبَّب البُعد عن الأفراد المتعارفة في الجامع البعدَ عن نفس المطلق أوجب انصراف المطلق عنه، و إلّا فلا(1)، فلو قال: أكرم العالم. وكان لعالم فردان نادران. أحدهما: من يكون طوله شبراً واحداً. وثانيهما: من يكون من الملائكة. لم يشترط اشتراك النادر الثاني مع الأفراد المتعارفة في الجنس القريب، بل المهمّ قربه أو بعده عن المطلق لا الأفراد المتعارفة، فافهم(2).

فالمهم أن ندور مدار الدليل، وفي الدليل «اغسله» وليس فيه «بالماء» واللازمُ على الفقيه الهمداني أن لا يَتَّكل على الجامع التبرعي - الماء - بل عليه الوقوف على النص – اغسله - فإن سَبَّبَ الجامعُ القربَ والبعدَ عن أفراد المطلق يكون المطلق مشككاً، فلو كان النص قريباً عن بعض الأفراد وبعيداً عن بعضها الآخر وهو النادر الثاني، لتمّ كلامه.

ص: 127


1- أقول: الانصراف المعتبر لابدّ أن يكون كالقرينة المحفوفة بالكلام ولا يحتاج معها الى قرينة صارفة لخروج المنصرف عنه عن مدلول الكلام.
2- أقول: البعد عن المطلق إن كان لأجل شيوع الاستعمال في المنصرف اليه فهو سبب للحمل على الشائع لأنّه يوجب ظهور اللفظ فيه إلّا أنّه يجب الإقتصار على ما تحقق الشيوع فيه وذلك لاختلاف حال اللفظ في المقامات المختلفة ففي البيع يحمل اللفظ على الصحيح السليم وفي النذر على الطبيعة المطلقة، فتأمل. وإن كان لأجل غير ذلك فلا.

--------------------------

هذا، ولكن «الغسل» الوارد في الدليل أفراده متواطية بالنسبة إليه، فلإغسل ثلاث أفراد: أ: الغسل بالماء المطلق. ب : الغسل بالماء المطلق غير المتعارف. ج: الغسل بالماء المضاف.

الاشكال الثالث: وجود الفرق بين الانصرافين(1) قال: «فإنّ الانصراف عن ماء النفط والكبريت ليس إلّا لندرة هذا القسم بحسب الوجود(2)، فانصراف الذهن عنه منشأه الغفلة وعدم التفاته إليه تفصيلاً، وذلك نظير انصراف الذهن عن الغسل بماء غير المياه الموجودة في بلده، وأمّا الغسل بغير الماء كاللبن والخل فليس لندرة وجودها، بل لعدم تعارف الغسل بها، بحيثُ لو فرض وجودها عند السامع لايلتفت إلى الغسل بها أصلاً»(3)، فملاك الانصراف عنده هو: عدم تعارف الإستعمال دون الندرة الوجودية، وفيما نحن فيه العرف لايستعمل الماء المضاف ماءً فيخرج عن صدق الغسل عليه.

ولكن فيه مناقشتان:

الأولى: في الكبرى، فإنّ جعل الضابط للانصراف ب- «عدم تعارف الإستعمال دون الندرة الوجودية». غير تام؛ فلو قال الطبيب: امسح الدواء بركبتك. يكون المتعارف المسح بباطن الكف، لكنه لا يقدح في شمول

ص: 128


1- أقول: انصراف أمر «اغسل» عن المياه الزاجية يختلف عن انصرافه عن الغسل بالماء المضاف.
2- فالندرة هي ندرة وجودية وهي لا تقدح في الإطلاق.
3- مصباح الفقيه 1: 280.

--------------------------

الإطلاق لظاهر الكف أو المسح بباطن الذراع، وكذلك لو قال المولى: «كلِ الطعام»، فإنّه يشمل الأكل من القفا وإن لم يكن متعارفاً.

بل ملاك الانصراف القادح هو: «تحوُّل وِجهة اللفظ عن المطلق إلى حصَّةٍ منه بحيث لا يرى العرف(1) اللفظ مُوَجَّهاً للمطلق وان وُضِعَ له»، وذلك كما في: «لا تُصَلِّ فيما لا يؤكل لحمه». فإنّه يشمل كلّ حرام اللحم لغة، إلّا أنّ العرف يرى انقلاب وِجَهتِهِ عن شعر الزوجة مثلاً.

الثانية: في الصغرى كما ذكرها في الفقه: بأنّ مفهوم الغَسلَ «المائع المنظف المزيل للقذارات»، وانصراف ذهن العرف عن مثل الغَسل باللبن والخلّ وغيرهما لكونها غير منظفةٍ، وأمّا مايراه العرف غسلاً كالغَسل بماء الورد مسلوب الرائحة فلا بأس به، قال مالفظه: «ففيه: أنّ ذلك لعدم منظفية تلك الأمثلة المذكورة في الإيراد، بضميمة أنّ العرف يفهم في معنى الغَسل «المنظفية»، فل-و فرض أنّ هنالك ماء ورد مسلوب الرائحة العرف يراه

ص: 129


1- أقول: أو يشك العرف في خروج الفرد المنصرف عنه عن مصاديق المطلق، وهذا فاقد لشرط الإطلاق لكون الكلام معه مُحتفّاً بما يصلح للقرينية فيكون مجملاً يؤخذ فيه بالقدر المتيقّن، وأمّا ما ذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) فهو ممّا يحكم العرف بخروج الفرد المنصرف عنه عن مصاديق المطلق، فهذا الانصراف مقيّد للإطلاق بغير المنصرف عنه ومعه لا ينعقد ظهور للمطلق في الإطلاق فالاخذ بالمنصرف اليه من باب الظهور اللفظي.

--------------------------

غسلاً»(1) فيرى في الفقه أنَّ ما ذكره السيد المرتضى تام، إلّا أنّه يحتاط في الفتوى، قال: « إلّا أنّ الخروج عن مبنى الأساطين أشكل».

أقول: مع غض النظر عن الأدلّة الخارجية الاُخرى يمكن القول بصدقِ الغَسل على كلّ مائع منظف، وقد ذهب في المباني إلى ذلك قال: «و الإنصاف أنّ دعوى الإطلاق ليست جزافية، فإنّه لو غسل أحد يده بالإسبرتو يصدق عنوان الغسل بلا كلام»(2).

ثم إنّ احتمال الانصراف يقدح في شمول الإطلاق، فإنّ حجيته متوقّفة على الظهور ومع الاحتمال لا يقين بالظهور(3)، قال الحائري: «لا شبهة في

ص: 130


1- الفقه 2: 46.
2- مباني منهاج الصالحين 1: 352.
3- أقول: الكلام على إطلاقه غير تام فإنّ الظهور يجتمع مع احتمال الخلاف إلّا أنّه يُلغى، فالصحيح أن يقال: «إنّ احتمال الانصراف إن كان لأجل التشكيك في الماهية في متفاهم العرف فهو ممّا يوجب تحول المطلق الى حصة منه سواء كان التشكيك ممّا يرى العرف خروج بعض الأفراد عن كونه فرداً للطبيعة كما في: «لا تصل فيما لايؤكل لحمه» أو كان ممّا يشك العرف في مصداقيته لبعض الأفراد كالمياه الزاجية إن قلنا بأنّ مفهوم الغسل مشكك وليس بمتواطيٍ وهو مانع لأنّ الإطلاق إنّما ينفع فيما إذا احرز انطباق المعنى على المشكوك ثبوت الحكم له ولكن لا يتوصل الى إثبات الحكم له مع الشك في كونه فرداً للطبيعي. وبعبارة اُخرى: إن كانت الماهية تشكيكية يكون شمولها للفرد النادر خفيّاً بنظر العرف، فهنا نقول بالانصراف. وأمّا إن كان احتمال الانصراف بَدوياً يزول بأدنى تأمل أو للغلبة الخارجية لم يخل احتماله بالظهور.

--------------------------

تعارف الغَسل بالماء، وصار ذلك سبباً لكثرة الإستعمال فيه(1)، فيحتمل الانصراف، فلا يبقى ظهور في الإطلاق»(2).

الإيراد الثاني(3): ما استند اليه مجموعة من الأعلام في ردّ إطلاق الغَسل الذي ادّعاه المفيد والمرتضى: بأنّ الإطلاقات مقيّدة. وله تقريران:

التقرير الأوّل: أنّ الروايات التي تحتوي على كلمة «الماء» تقيّد المطلقات، والقاعدة العامة في جميع الفقه هي حمل المطلق على المقيّد ولو كانا مثبتين إلّا إذا علم من الخارج التعدّد، وإلّا لزم انهدام البنيان الفقهي بأجمعه في أمثال ما نحن فيه: ف- «اغسله» المطلق يقيّد ب- : «اغسله بالماء». و{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}(4) المطلق يحمل على «طف متطهراً» المقيّد(5)، و مئات الأمثلة على ذلك في مختلف أبواب الفقه، فالمثبتان يحمل المطلق

ص: 131


1- والظاهر أن مراده استعمال اللفظ (منه (رحمه اللّه) ).
2- شرح العروة الوثقى 1: 186.
3- على الدليل الثاني لكفاية الغَسل بالماء المضاف.
4- سورة الحج (22) : الآية 29.
5- أقول: لا إشكال في الحمل إذا كان دليل المقيّد وارداً لبيان الشرطية أو الجزئية أو المانعية بأن يكون أمراً أو نهياً غيرياً وليس هذا من حمل المثبتين المبحوث في المقام فإنّ الكلام فيما إذا كان أمر المقيّد نفسياً.

--------------------------

منهما على المقيّد إلّا بوجود قرينة خارجية تدلّ على تعدد المطلوب(1).

ص: 132


1- أقول: لا إشكال في حمل المطلق على المقيّد مع العلم بوحدة المطلوب [سواء اُحرز من الخارج أو من وحدة السبب فيهما أو غيرهما]، كما أنّه لا إشكال في عدم الحمل مع العلم بتعدّده. إنما الكلام فيما لو شك في وحدته أو تعدّده، فهل القاعدة العامة هو وحدة المطلوب في المثبتين كما ادّعاه السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) ، أو تعدّده كما لا يبعد؟ وهل المقصود بالقاعدة العامة الأصل العملي أو الأصل اللفظي بمعنى الظهور في أحدهما؟ وعليه فيتم البحث في مقامين: الأوّل: في الأصل العملي مع فرض عدم تمامية الأصل اللفظي: وهو يقتضي القول بتعدّد المطلوب؛ وذلك لأنّ الشك في الوحدة والتعدّد ناشئ من الشك في سعة الجعل [وهو مقتضى الدليل المطلق] وضيقه، والأصل عدم التحديد في مرحلة الجعل وعليه اخترنا أصالة التخيير في الدوران بينه وبين التعيين خلافاً للأكثر؛ وذلك لأنّ الإلزام بخصوص أحدهما كلفة زائدة على الإلزام بأحدهما [المقيّد وغيره من أفراد المطلق] ومع عدم العلم بذلك الضيق كان المكلف في سعةٍ فإنّ: «الناس في سعة ما لم يعلموا» [المستدرك ب12 من ابواب مقدمات الحدود ح4] نعم وجوب أحد الأفراد: معلوم غير موضوع عن المكلف وليس في سعة من جهته. ولا يخفى أنّ أصل البراءة حاكم على الاشتغال إذا كان الشك في الاشتغال مسبباً عن الشك في الزائد كما صرّح به الشيخ الأعظم في بعض كتبه [رسائل فقهية 23: 330، تراث الشيخ الأعظم] وعليه فالشك في اشتغال الذمة بخصوص عتق المؤمنة مسبّب عن الشك في وحدة المطلوبِ. والحاصل: «إنّ اعتبار الخصوصية كلفة زائدة وموجبة للضيق على المكلف فمقتضى أصالة البرائة أنّ الخصوصية غير معتبرة في متعلق الوجوب» كما قاله في التنقيح [1: 150]. وبعبارة اُخرى: إنّ احتمال تعدّد المطلوب فيهما كاف في عدم ترتيب آثار وحدة المطلوب بينهما وذلك لأنّه مع الاحتمال لم يحرز التنافي بينهما ليقع العلاج بحمل المطلق على المقيّد. المقام الثاني: في الأصل اللفظي وبيان أنّ طبع ظهور القضية هنا يقتضي أيّ الأمرين من الإطلاق و التقييد؟ والظاهر بقاء دليل المطلق في إطلاقه فإنّ العرف يرى أنّ المتكلم في مقام بيان جميع مقصوده عند الإطلاق وعليه فيقع التعارض بينهما بلا حمل له على المقيّد، فالأولى حفظ أصل ظهورهما في تعدد الارادة والطلب ورفع اليد عن استقلال الأمرين في الحد خاصة كما ذكره العراقي [نهاية الافكار 2: 579] وعليه فالنتيجة تعدّد المطلوب والتأكد في المجمع. وإن ابيت عن ذلك فمع التعارض يؤخذ بأقوى الظهورين الحاصل من خصوصيات المورد عبر المناسبات المغروسة في الأذهان ومع عدم الأقوائية يحصل الإجمال من الطرفين. بل قال في المنتقى [3: 219] «التزامهم بتقييد المطلق بالمقيّد إذا كانا مثبتين مع إحراز وحدة المطلوب فيهما فإنّه لايتم إلّا إذا التزم بظهور المقيّد في كون موضوعه علّة منحصرة للحكم فلا يثبت في غير مورده، وإلّا فمجرد وحدة المطلوب لا تلازم التقييد إذ يمكن كون الحكم الواحد ثابتاً للمطلق». فتأمل. نعم مع العلم بوحدة التكليف يُجمع الدليلان لكونه أقرب من القول بأنّه قيد غالبي أو توضيحي أو لبيان أفضل الأفراد.

ص: 133

وقد التزم بالتقييد الفقيه الهمداني والحكيم والسبزواري والقمي(1).

أمّا الروايات المقيّدة فمنها موثقة عمار: «يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء»(2) وصحيحة محمد بن مسلم: «فإن غسلته في ماء جار فمَّرة واحدة»(3) وصحيحة الفضل: «اغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء»(4)

الى غيرها من الروايات الكثيرة التي ورد فيها الغسل بالماء.

ولكن يرد عليه إيرادان:

أولاً : ما ذكره في الفقه: «من أنّ القيد وارد مورد الغالب»(5).

ص: 134


1- مصباح الفقيه 1 :280. المستمسك 1 :112. مهذّب الأحكام 1 :129. مباني منهاج الصالحين 1 :252.
2- الوسائل ب53 من أبواب النجاسات ح1.
3- الوسائل ب2 من أبواب النجاسات ح1.
4- الوسائل ب2 من أبواب النجاسات ح2. أقول: أمّا الرواية الأولى: فهل تلتزمون بلزوم الغسل ثلاث مرات في جميع النجاسات قليلاً كان الماء أم كثيراً؟ وأمّا الثانية: فلاتدلّ على التقييد البتة بل إنّ كفاية المرة منحصرة فيما كان بالماء الجاري ولا نفي لغيره. وأمّا الثالثة: فهل يشترط الغسل بالتراب في جميع النجاسات وقد قلتم بأنّ القيود احترازية؟.
5- الفقه 2: 47. أقول: وقد حكم العقلاء على احترازية القيود، ومرجعه التطابق بين مقامي الإثبات والثبوت فالوصف كما أخذ في موضوع الحكم إثباتاً كذلك أخذ فيه ثبوتاً، وليس هو من أخذ المفهوم للقيد فإنّ سنخ الحكم لا ينتفي مع انتفاء الوصف بل شخصه فقط.

--------------------------

وفيه: أنّه خلاف الظاهر، فإنّ الأصل في القيود أن تكون إحترازية - كما تحرّر في محله - وإلّا لاحتاج إلى دليل، كما في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}(1) فالدليل الخارجي جعل القيد وارداً مورد الغالب، وإلّا لذهبنا إلى احترازيته كما هو الأمر في القيد الثاني: {منْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}(2) فلو لم يدخل بها تكون الرَّبيبة محلَّلة، والأمر كذلك في قول المولى: «إغسله بالماء». قال السيد الوالد (رحمه اللّه) : «فيدل على صحته(3) العرف العادي، فإنّ العرف لايزالون يقولون «اغسل بالماء»، مع أنّ المقطوع أنّهم لايرون خصوصية للماء، إنّما هو لكون المنظِّف القريب التناول هو الماء، حتى أنّه لو فُرِضَ شيء ينظِّف مثل الماء - كبعض المائعات في هذه الأزمنة الأخيرة - لم يروا مستعمله مخالفاً لقول القائل: اغسله بالماء»(4).

أقول: لابحث لو علمنا عدم الفرق، ولكن نحن وظاهر الجملة المقيّدة في «اغسله بالماء»، فإنّ الحكم ينتفي بانتفاء موضوعه(5)، وليس هذا من

ص: 135


1- النساء: 23.
2- المصدر نفسه.
3- يعني صحّة كون القيد وارد مورد الغالب (منه (رحمه اللّه) ).
4- الفقه 2: 47.
5- أقول: قد يقال: بأنّ شخص الحكم منتف ولكن سنخه باق لأدلّة «اغسل» المطلقة، وقد حقّقنا سابقاً بأنّ الأصل يقتضي تعدّد المطلوب لا وحدته فراجع.

--------------------------

أخذ المفهوم كما هو واضح، فمطلوب المولى هو الغسل بالماء فحسب.

وثانياً: إنّ التقييد بالماء إنّما ورد في ثلاثة موارد فحسب، ولا دليل على تعديته لغيرها، و هي البول أوّلاً: فقد وردت فيه روايات مطلقة كصحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: «سألته عن البول يصب الثوب؟ فقال (عليه السلام) : اغسله مرتين»(1) وَ روايات مقيّدة كحسنة أبي اسحاق النحوي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن البول يصب الجسد؟ قال: صُب عليه الماء مرتين»(2) فيحمل المطلق فيه على المقيّد.

و إناء الولوغ ثانياً، و مطلق الأواني ثالثاً، حيث ورد التقييد فيه بالماء. و لا تقييد في باقي الموارد(3) مثل: «ملاقي ماء ماتت فيه الفأرة» كما في موثقة عمّار: «و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء»(4) فإنّها مطلقة ولا توجد رواية مقيّدة.

ولكن يجاب عنه أوّلاً: بما في التنقيح من عدم القول بالفصل، قال: «لأن من قال باعتبار الغسل بالماء في الموارد المتقدمة قال به في جميع الموارد»(5)

ص: 136


1- تهذيب الأحكام 1: 251.
2- المصدر نفسه: 249.
3- أقول: نعم في بعض الروايات أنّ الطيلسان يُغسل بالماء ايضاً، إلّا أنّه غير إلزامي و أوردنا تفصيله في تعليقة لاحقة، فانتظر.
4- من لا يحضره الفقيه 1: 20، الوسائل 1: 142.
5- التنقيح 2: 29.

--------------------------

وفيه: عدم حجيّة القول بالفصل(1).

و ثانياً: بإلغاء الخصوصية، فإنّ العرف لايراه خاصاً بالبول بل يعم جميع الموارد؛ لمناسبة الحكم والموضوع.

التقرير الثاني(2): ما ذكره في المباني من أنَّ المطلقات مقيّدة بارتكاز المتشرعة. قال: «إنّ المركوز في الأذهان من الباب إلى المحراب أنّ الغسل الشرعي يتوقّف على الغَسل بالماء، ولو كان الغَسل بغيره أمراً شرعياً لذاعَ وشاع ولم يكن باقياً تحت الستار بحيث لا يكون به قائلاً إلّا العلمان»(3) وهو حسن، فإنّ الارتكاز يقيّد الإطلاق(4) إن لم يواجه بدليل أقوى منه كما في روايات البئر المعلّلة: «بأنّ له مادة».

ص: 137


1- أقول: الكلام على إطلاقه غير تام بل ينبغي القول بالتفصيل الذي ذكرناه سابقاً في الإشكال الرابع على الدليل الثالث لمطهّرية الماء المطلق للحدث والخبث فراجع.
2- لبيان الإيراد الثاني على الدليل الثاني لكفاية الغسل بالماء المضاف.
3- مباني منهاج الصالحين :252.
4- أقول: بل الإرتكاز يلغي ظهور الدليل بصرفه عن معناه وليس هو من الإجتهاد قبال النص بل بيان للمراد الجدي من اللفظ بشرح أنّ الارادة الاستعمالية غير مطابقة للارادة الجدية، فقول المولى: «درهم ربا أعظم من زنا» أو خلود الكاذب في النار، لايراد به إلّا تعظيم الأمر.

--------------------------

الدليل الثالث(1): تنقيح المناط، فإنّ الغرض من الغسل والتَّطهير بالماء المطلق إزالة النجاسة، فإذا أُزيلت النجاسة بالماء المضاف تحقّق المناط والغرض.

ويجاب عنه بعدة أجوبة:

الأوّل: إنّ مقتضى هذا الدليل عدم الإحتياج إلى الماء المضاف، بل تكفي إزالة النجاسة ولو بالحك، فيؤول إلى ما ذكره المحدث الكاشاني.

الثاني: المناط إمّا منصوص أو مستنبط، ولا وجود للأوّل فيما نحن فيه، والثاني ظني غير حجة(2).

ص: 138


1- لكفاية الغَسل بالمضاف كما عليه المفيد والمرتضى رحمهما اللّه
2- أقول: إنّ المناط: إمّا منصوص ولا إشكال في تعديته من مورد لآخر للعلّة المشتركة فيهما. و إمّا قطعي لشدة وضوحه لكنّه غير منصوص كعدم خصوصية للرجل فيما ورد الحكم على عنوانه، والقطع بوحدة الملاك بينه وبين المرأة كقول الصادق (عليه السلام) : «أيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنّه يزكه» وقوله (عليه السلام) : «أيّما رجل اشترى بيعاً» وكلا الرجلين في قوله (عليه السلام) : «إيّما رجل أتاه رجل مسلم في حاجة». و إمّا مستنبط محتاج للتفكير والإستنباط وهو على قسمين فتارة يسبب الاطمينان واُخرى الظن، والأوّل حجة قطعاً وقد يعبّر عنه بمستنبط العلّة، وقد التزم السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) في موارد متعددة بعدم فهم الخصوصية أي بإحراز المناط عبر الاستنباط ، ولا يخفى أنّ المناط المستنبط حجة لقاطعه، وأمّا تقسيمه الثنائي فهو إلغاء لحجية المناط المستنبط مطلقاً وهو كما ترى، نعم قد سبق منا أنّ إلغاء الخصوصية من المداليل العرفية ويعود للظهور في اللفظ وتنقيح المناط منشأه العقل.

--------------------------

الثالث: ما في المباني من أنّ تنقيح المناط لايجدي؛ لأنّ الطهارة والنجاسة أمران اعتباريان فقد يتحقّق المناط ولايتحقّق هذا الاعتبار، قال ما نصه: «إذ الطهارة والنجاسة أمران اعتباريان لايتحقّقان بدون اعتبار الشارع، ومع تنقيح المناط - لو لم يعتبر الشارع الطهارة - لا يمكن ترتيب آثارها(1)». فوجود المناط لايلازم وجود الاعتبار الشرعي.

ويمكن توضيح المدّعى المهم ببيان مقدمتين:

الأولى: لامانع في الطلب التكويني مع وجود الملاك في الجامع بين فردين من تعلّقه بأحدهما دون الآخركما في رغيفي الطالب وطريقي الهارب، فإنّ الغرض يتحقق في الجامع ولافرق بينهما إطلاقاً.

الثانية: في الطلب التشريعي مع تحقق الملاك في الجامع يمكن للمولى أن يأمر بالجامع، ويمكن أن يأمر بأحدهما معيناً أو بالآخر كذلك؛ وذلك لتحقق الغرض في جميع الصور، ولا اشكال في الترجيح بلا مرجح في الطلب التكويني والتشريعي.

ثم إنّ كان الملاك - فيما نحن فيه - إزالةَ الأقذار، فهو يتحقق ضمن فردين: الماء المطلق والماء المضاف، ويمكن للمولى أن يأمر بإزالته بالماء

ص: 139


1- مباني منهاج الصالحين 1 :251.

--------------------------

المطلق، ويمكن أن يأمر بإزالته بالماءِ المضاف أو الجامع بين الفردين وهو مطلق المائع، والثابت أنّ المولى أمر بإزالته بالماء المطلق.

فإن قلت: المناط موجود في المضاف أيضاً.

قلت: وجود المناط لايستلزم وجود الاعتبار من المولى.

و لكن يرد عليه أمران:

الأوّل: استحالة الترجيح بلا مرجح -على بعض المباني- سواء في الطلب التكويني أو الطلب التشريعي؛ لأنّه يؤول إلى الترجُّح بلا مرجّح وهو مساوق لوجود المعلول بدون وجود علته، فإنّ تعلّق الإرادة بأحد المتماثلين دون الآخربلا مرجّح محال(1)، وبما أنّ توجه الإرادة إلى الرَّغيف ممكن - وليس بواجب ولاممتنع - فهو محتاج إلى علة.

الثاني: عدم أمر المولى بالعدل أو الجامع عند الإضطرار يستلزم نقض غرضه وهو قبيح أو محال، والغرض يتحقق بالتطهير بالمضاف لو فُقِدَ المطلق ولايرتضيه المباني.

ص: 140


1- أقول: مع فرض العدلية بين الشيئين في الخارج وعدم خصوصية لتعيين أحدهما عند المولى وعدم خصوصية لأمر بأحدهما - وإن لم تكن خصوصية لتعينه كما في الأوامر الإمتحانية لمعرفة مدى التقيد بها وامتثالها - يكون الترجيح لأحدهما بلا مرجح بل لغو و لَعِب لا يصدر من الحكيم، فإنّه للحكيم يؤول الى الترجُّح بلا مرجح ومن غير الحكيم ليس بمحال بل سُخرية ولغو.

--------------------------

الدليل الرابع: ما احتج به السيد المرتضى من قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(1) ولم يُقَيَّد بالماء، فيصح التطهير بماء الورد مثلاً. وقال في الفقه: «و لو استدل بقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُر}(2) لكان أولى»(3).

و أُشكل عليه باشكالات:

الاشكال الأوّل : ما جعله أجود الأجوبة في الفقه(4)، و ذكره في المباني(5) من: أنّ التطهير فُسِّرَ بالتَّشمير وهو عبارة عن التَّطهير الدفعي، والكلام في المقام في التطهير الرفعي. قال في الفقه: «ليس المراد بالتَّطهير إزالة القذارة، وإنما المراد بها التشمير. وبعبارة اُخرى: ليس المراد التَّطهير الرفعي، وإنما المراد التَّطيهر الدفعي وذلك بتشمير الثياب».

ومنه يظهر دفع الاشكال في آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا}(6) فقد قيل: إنّها تدلّ على وجود الرجس فيهم - والعياذ باللّه - فأراد اللّه اذهابه، فإنّ الإذهاب والتطهير دفعي لا

ص: 141


1- المدثر: 4.
2- المدثر: 5.
3- الفقه 2 :51.
4- المصدر نفسه.
5- مباني منهاج الصالحين 1 :251.
6- الاحزاب:33.

--------------------------

رفعي(1).

و ممّا يدلّ على أنّ المراد بالتطهير التشمير روايات متعددة:

منها: ما عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) - في قول اللّه تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(2) قال فشمِّر»(3) وهي صحيحة على المختار، وعليه فالآية لاترتبط بما ادّعاه السيد المرتضى (رحمه اللّه) .

ولكن فيه: إمكان ادّعاء كونه من باب التفسير بالمصداق لا من باب الحصر، ومن راجع الروايات الواردة في تفسير الآيات الكريمة يجد مئات الموارد من التفسير بالمصداق، ولايمكن الالتزام بأنّها تفسير مطابقي(4) ومن

ص: 142


1- وقد جمع السيد الأبطحي كثيراً من الآيات والروايات الدالة على وجود الإذهاب والتطهير الدفعي. راجع كتابه: «آية التطهير في أحاديث الفريقين».
2- المدثر: 4.
3- مرآة العقول 22 :336. باب تشمير الثياب.
4- أقول: الأصل في شرح اللفظ والتفسير أن يكون بالمعنى المطابقي أي بتمام معناه، وحمل المطلق اوالعام على المصداق خلاف الظاهر إلّا بوجود قرينة عليه وهناك المئات من الآيات المباركات فسرت في الاحاديث الشريفة بتمام معناها كما في قوله عز وجل: ﴿كُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ و: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ وكذلك آيات الأحكام وغيرها. نعم إن ثبت أنّ ديدن الروايات الواردة في تفسير الآيات التفسير بالمصداق - كما قيل: بأنّ العام يستقر ظهوره عند الموالي العرفية ويعرف منه مرادهم الجدي بخلاف الشرع حيث تخصيصاته متأخرة غالباً عن عموماته فلا يستقر لعامّه ظهور لتعويله على المنفصلات إلّا بعد الفحص. فقد يتمّ ما ذكره ولكنه غير واضح وعليه فحمل اللفظ على جزء معناه مجاز محتاج الى قرينة خارجية بعد التأمل في القرينة الداخلية.

--------------------------

التفسير بالمصداق القول بأنّ الأخلاق الحسنة هي الصدق والامانة.

نعم في التقريب: أنّه روي تفسير {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(1) بالتطهير بالإزالة، قال مالفظه: «{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فإنّ المسلم يجب عليه تطهير قلبه عن أدران الشرك بتكبير اللّه وحده وتطهير ثيابه عن الأوساخ بتقصير ذيله حتى لايتسِّخ، وتنظيفه من النجاسات. وقد روي(2) في معنى الآية التطهير من النجاسة والتطهير بالتقصير(3)؛ وذلك لأنّ المراد هو الأعمّ منهما»(4) فقد أخذ السيد الوالد (رحمه اللّه) (فطهِّر) بالمعنى الأعم.

الاشكال الثاني: إنَّ معنى التطهير في الآية - لو سلم كونه رفعيَّاً - هو: إزالة الأوساخ والقذارات العرفيه؛ وذلك هو المناسب لمقام النبوة، فإن الأنبياء

ص: 143


1- المدثر: 4.
2- لم أجد تفسير الآية بما ذكره (رحمه اللّه) في البرهان ونور الثقلين. منه (رحمه اللّه) .
3- مكارم الأخلاق: 103.
4- تقريب القرآن إلى الأذهان 29: 130.

--------------------------

يجب أن يبتعدوا عن المنفِّرات(1)؛ لكي لايستلزم نقض الغرض، فالمعنى: طهِّر ثيابك من القذارات العرفية، ويؤيده بأنّ أحكام النجاسات ربّما لم تكن ثابتة عند نزول هذه الآية؛ لكونها في السور المكية، وهذا خروج عن المقصود، فإنّ الكلام في الطهارة الاعتبارية لا التكوينية.

وفيه: أنّ حذف المتعلق يفيد العموم، فَيَعُمُّ القذارات الشرعيَّة والعرفيَّة.

وتوهم(2): عدم وجود موضوع للنجاسات الشرعية وقت نزول الآية حيث لم تُشَرَّع بعد. مدفوع: فإنّ القضايا الحقيقية لايشرط ثبوت موضوعها بالفعل، بل تعمّ الموضوعات المتحققة والمقدرة، وقد ثبت - في محله - أنّ القضايا الشرعية مسوقة على نحو القضايا الحقيقية إلّا فيما شذّ وندر كقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «جهّزوا جيش أُسامة»(3).

وعليه فقول المولى: «من أنار»(4) يشمل الإنارة بالمصباح الكهربائي -

ص: 144


1- أقول: في إطلاقه نظر، فإنّه يجب الإجتناب عن «المنفِّر عن المقصود» لا «المقصود المُنَفِّر»؛ فإنّ الدَّعوة إلى نبذ آلهتهم - وهو مقصود بعثة الأنبياء - من أعظم المُنَفِّرات عند الكفار والمشركين، فالمقصود والغاية - التوحيد - المنفِّر عندهم لا بأس به، نعم الطريق إلى المقصود يجب أن لا يتَّسِم بالمنفرية.
2- التنقيح 2: 30.
3- الملل والنحل للشهرستاني 1: 23.
4- قريب منه عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال: «مَن أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج». [ من لا يحضره 1الفقيه: 237].

--------------------------

أيضاً - وإن لم يكن موجوداً وقت الأمر(1).

الاشكال الثالث: ما في المستمسك(2): سلّمنا شمول التطّهير لإزالة القذارات الشَّرعية إلّا أنّ مفهومه مجمل.

وقد يوضَّح ذلك: بأنّا سلّمنا أنَّ المتعلق عام ولكن التطهيرَ حقيقةٌ شرعيةٌ وماهية مخترعة، ولا نعلم ماهيّة هذه الماهية المخترعة فيقتصر فيها على القدر المتيقن. وبعبارة اُخرى: المراد بالتَّطهير وان كان التطهير الشرعي، ولكن لايعلم ما هو التطهير الشرعي.

والجواب عليه: أنّ جميع الألفاظ تُحمل على الحقايق العرفية، إلّا إذا ثبت نقل الشارع للفظة من معناها العرفي إلى معنى جديد، والتطهير العرفي صادق في بعض أنواع الماء المضاف، وحاصله: أنّ جميع الماهيات تحمل على أنّها هي الماهيات العرفية.

الاشكال الرابع: سلّمنا أنّ التطهير هو التطهير العرفي، ولكن الآية الكريمة لا إطلاق لها لتشمل الماء المضاف؛ لعدم كونها في مقام البيان.

والجواب عليه: أنَّ الأصل كون المولى في مقام البيان، وإلّا لزم إلغاء

ص: 145


1- أقول: قد سبق منا التأمل في شمول الألفاظ للمعاني المستحدثة على نحو المشترك اللفظي فراجع.
2- المستمسك 1 :112.

--------------------------

جميع الآيات القرآنية في الموارد المشكوكة، فقد قيل بحلية الربا التجاري؛ لعدم إطلاق: «حَرَّم الربا»(1) وعدم إمكان الاستدلال ب- : «أحلّ اللّه البيع»(2) على البيوع المشكوكة، وهو كما ترى(3).

ص: 146


1- من لا يحضره الفقيه 3: 278.
2- المصدر نفسه.
3- أقول: المولى أ- قد يكون في مقام بيان أصل التشريع كقوله عز وجل: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ﴾ أو قول الطبيب: «اشرب الدواء» فهنا لا يمكن التمسك بالإطلاق ليشرب المريض أي نوع من الدواء شاء كما هو واضح. ب - وقد يكون الإطلاق تطفلياً - كما ذكره الميرزا النائيني - كقوله عز وجل: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ﴾ فإنّه لايدلّ على طهارة موضع العض. وقد التزم السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) بأنّ سياق الآية المباركة: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا * لِنُحْيِيَ﴾ يدلّ على أنّ محور البحث الماء ووصف الطهور وصف عرضي لايمكن التمسك بإطلاقه فهو من الإطلاق التطفلي. وقد اجبنا عنه في تعليقه سابقة فراجع. نعم الملاك الظهور العرفي في الإطلاق ومع الشك يكون المحكم الأصل العقلائي من أن المتكلم في مقام البيان من جميع الجهات. نعم، الأولى أن يقال في مثل ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾: إنّه يستهجن كون المولى في مقام البيان وذلك لكثرة التقييد في الآية المباركة، وعليه فلا يؤخذ بالإطلاق في هذ الموارد لانتفاء مقدمة الحكمة كما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الاُصول [1: 566] وعلى هذا البيان ينحل الإشكال في مثل قوله تعالى: ﴿حَرَّمَ الرِّبَا﴾ و ﴿أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ﴾ لقلة التقييد فيهما. ومن الأمثلة التي يحرز فيها أنّ المولى في مقام بيان جهة خاصة العفو عن الدم الأقل من درهم فإنّه لا يمكن التمسك بإطلاقه لحلية شربه. وكذلك العفو عن النجاسة فيما لا تتم الصلاة فيها حيث لا يصح القول بإطلاقه من حيث الغصبية.

--------------------------

الاشكال الخامس: إن لازم ما ذكره المفيد والمرتضى كفاية إزالة عين النجاسة ولو بالحك، كما عليه الكاشاني، ولم يلتزما به.

الاشكال السادس: سلّمنا الإطلاق لكن الآية المباركة مقيّدة بما سبق.

الروايات الدالة على كفاية التطهير بالمضاف

الدليل الخامس: الروايات الدالة على ماذهب إليه العلمان:

الأولى: مرسلة المفيد، فقد ادّعى في مسائل الخلاف: أنَّ مطهّرية الماء المضاف مروي عن الأئمة (عليهم السلام) . ونقلها صاحب الحدائق(1).

وفيه: عدم اعتبار المراسيل.

الثانية: مرسلة الكليني، قال: روي أنّه «لا يغسل بالريق شيء إلّا الدَم»(2) فالريق يطهِّر الدَّم.

ويرد عليها: إرسالها أولاً، وأنها أخص من المدّعى ثانياً.

الثالثة: ما رواه علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن حكم بن حكيم الصيرفي، قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام) : أبول فلا

ص: 147


1- الحدائق 1 :402.
2- وسائل الشيعة 1 :205، أبواب الماء المضاف ب4 ح3.

--------------------------

أصيب الماء وقد أصاب يدي شيء من البول، فأمسحه بالحائط وبالتراب، ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟ قال (عليه السلام) : لابأس به»(1).

و قد أورد عليها بإيرادات:

الأوّل: قصور السند بحكم بن الحكيم كما ذكره في المهذَّب(2)، وأشار إليه في المباني قال: «فإنها بعد تمامية سندها..»(3).

ولكن لم يظهر الاشكال في حكم بن الحكيم، فقد قال النجاشي: «حكم بن الحكيم أبو خلاد الصيرفي، ثقة(4)». ولم أجد معارضاً لهذا التوثيق، ولم يضعفه الشيخ بل قال: «الحكم بن الحكيم له كتاب»(5) وقد اعتبره البرقيُّ من أصحاب الإمام الصادق، وقد قيل: بأن أصحاب الصادق (عليه السلام) ثقات إلّا من خرج(6).

ص: 148


1- الكافي 3 : 63 كتاب الطهارة ب36 ح4، وفي الوسائل 3 : 401 أبواب النجاسات ب6 ح1.
2- مهذّب الأحكام 1: 129.
3- مباني منهاج الصالحين 1 :255.
4- رجال النجاشي :137 تحت رقم 353.
5- الفهرست: 117.
6- أقول: ويضاف الى ذلك أنّه من المشايح المباشرين لصفوان ومِن مشايخ ابن ابي عمير، وليس له تضعيف من أحد فاجتمع فيه التوثيق العام والخاص.

--------------------------

الثاني: ما ذكره جمع من كونها مهجورة عند الأصحاب والإعراض مسقط، فإنّ البول لايطهره إلّا الماء حتى عند المفيد والمرتضى، بل الكاشاني أيضاً؛ وذلك لورود النص في خصوص البول(1)، فاحتمال كون المسح على الحائط مطهّراً، أو العرق كذلك بشرط الجريان أو عدمه، باطل.

الثالث: وجود احتمالين في الرواية:

الأوّل: - ما سبق من - مطهّرية المسح بالجدار أو الغَسل بالعرق.

والثاني: منشأه عدم مُنجِّسيَة المتنجّس هو منشأ حكمه (عليه السلام) : «لا بأس به» كما أفتى به مجموعة، ومع طروّ الاحتمال يبطل الاستدلال.

ولا يخفى أنَّ المتيقّن عود «لا بأس» إلى الجزء الأخير من السؤال - وهو مصب سؤاله - أي: «فأمسح وجهي». وليس مقصوده (عليه السلام) من «لابأس» المسح بالحائط أو التراب كما هو مذكور في الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة(2).

ص: 149


1- أقول: ولورود النص في خصوص البدن بأنّه لا يطهر إلّا بالماء عند الفريقين، نعم إنّهم أجازوا تطهير المخرجين فقط بالمسح دون باقي البدن.
2- أقول: القياس مع الفارق فإنّ ترك تفصيل الامام وذكره الجواب مطلقاً يدلّ على شموله لجميع الاسئلة وعلى ذلك يقع التحاور العرفي مثل ما لو سأل العبد مولاه باُمور يتسوّقها فاجاز له المولى بقوله «لا بأس». ومن المعلوم أنّ الكيفية المتّبعة عند الشرع هي نفس الكيفية العرفية، وهذا بخلاف الإستثناء المتعقّب لجمل متعددة حيث لا يعلم أنّه ناظر الى غير الأخير من العمومات مع انعقاد عمومها البدوي، فالشك فيما يصلح للقرينية بصرف العام عن عمومه، هذا مضافاً الى عدم تمامية المبنى في المشبه به على ما ذكره الميرزا النائيني [الفوائد 1: 554] فإنّ الإستثناء إن تعقّب جملاً لها مواضيع متعددة عاد الى الأخير، وإن كان الموضوع واحداً شمل الجميع، وإن كان فيه تأمل. والحاصل: أنّ الملاك الظهور العرفي وهو يشمل الجميع في المشبّه دون المشبه به.

--------------------------

الرابع: إنّ جواب الإمام (عليه السلام) على طبق القاعدة؛ وذلك لوجود احتمالات متعدّده تسبب جريان أصالة الطهارة أو استصحابها أو كلاهما معاً، فأوّلاً: يشك في ملاقاة النجاسة للوجه.

وثانياً: مع فرض التلاقي يشك في ملاقاة العرق للبول، حيث تشترط الرطوبة في السراية، ولعلّ كلّ اليد لم تعرق.

وثالثاً: يشك في السراية، قال في مصباح الفقيه: «فسؤاله إنّما هو عن الممسوح بعد ما تعرّق يده، والجواب حينئذٍ على طبق القاعدة إذ لا يقطع الإنسان غالباً بمباشرة الجزء حال كونه مشتملاً على رطوبة مسرية»(1).

وقال في المهذب: «إنّه موافق للقاعدة؛ لأنّ مسح اليد التي تكون بعض مواضعها نجسة مع الرطوبة لايستلزم حصول العلم بالسراية لاستصحاب طهارته(2)».

ص: 150


1- مصباح الفقيه 1 :281.
2- مهذّب الأحكام 1: 130.

--------------------------

وفيه: إطلاق الرواية وترك الإستفصال، فتشمل الصورة الرابعة وهي: سراية الرطوبة إلى الوجه.

الخامس: إنّها محمولة على التقية؛ لمطابقتها لفتوى العامَّة بعد معارضة ما دلّ على لزوم الماء في التطهير من البول.

أو يقال: مع التعارض يؤخذ بالمشهور منهما.

إلّا أن يقال: إنّه تخصيص لتلك الأدلة، ومع وجود الجمع العرفي لاتصل النوبة إلى الحمل على التقية.

نعم قد يقال: بأنّ الرواية تحمل على التقية حتى مع إمكان الجمع العرفي، وذلك لشدة ظهوها في التقيه كما ذكروه في باب الغروب والمغرب، فمع وجود الجمع الدلالي بينهما بالأفضلية في المغرب إلّا أنّ روايات الغروب تحمل على التقية؛ لقوّة ظهورها فيها.

الرابعة(1):

ما رواه غياث بن إبراهيم عن علي (عليه السلام) قال: «لابأس أن يغسل الدم بالبُصاق»(2)

ولعلّها هي ما أشار إليها الكليني في مرسلته التي تقدمتها عن الباقر (عليه السلام) : «لا يغسل بالريق شيء غير الدم»(3). دلّت على مطهّرية

ص: 151


1- من الروايات التي يمكن أن يستدل بها لمذهب المفيد والمرتضى.
2- الوسائل 1 :205، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف ب4، ح2.
3- الكافي 3: 60 باب الثوب يصيبه الدم والمدّة، وقريب منه ما في تهذيب الأحكام 1: 423.

--------------------------

البصاق في الجملة، وبضميمة عدم فهم الخصوصية نعدّيه إلى سائر المياه المضافة، وإلى سائر النجاسات.

فهنا تعميمان. الأوّل: من حيث المغسول، والثاني: من حيث المغسول به، و إلّا دلّت على المدّعى في الجملة.

و يرد عليها اشكالات:

بحث في وثاقة غياث بن ابراهيم

الأوّل: ما في التنقيح من ضعف السند، قال: «فهي ضعيفة السند بغياث بن إبراهيم إذ لا يعمل على ما تفرّد به من رواياته»(1) فقد رواها: محمد بن الحسن باسناده عن سعد بن عبداللّه الأشعري القمي، عن موسى بن الحسن بن عامر، عن معاوية بن حكيم، عن عبداللّه بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم، عن إبي عبداللّه، عن أبيه، عن على (عليهم السلام) . وإسناد الشيخ إلى سعد إسناد صحيح والرواة كلّهم ثقات، إلّا غياث بن إبراهيم فيما تفرّد به.

ولكن فيه نظر، فقد وثقه المعجم(2)، قال في المفيد: «غياث بن إبراهيم: ثقة من أصحاب الإمام الصادق(3)». وقد وثقه النجاشي في رجاله قال: «غياث بن إبراهيم ثقة روى عن أبي عبداللّه وأبي الحسن (عليهم السلام) »(4) فالرواية

ص: 152


1- التنقيح 2 :33.
2- المعجم 14 :250.
3- المفيد تحت رقم 9281.
4- تحت رقم 833.

--------------------------

معتبرة السند. ولعلّ تضعيف التنقيح تابع لتضعيف المحقق في المعتبر على ما نقله صاحب الحدائق(1).

لايقال: بأنّ توثيق النجاشي معارض بتضعيف المحقق.

إذ يجاب عنه أولاً بما في المباني(2): من أنّ المحقق من المتأخرين فلا أثر لتوثيقه ولا تضعيفه.

إلّا أنّ المبنى محل مناقشة وتنقيحه موكول إلى محله. وإن كان الأقرب عدم الفرق بين المتقدمين والمتأخرين الذين نحتمل أنّه كانت في أيديهم ما لا يوجد في أيدينا(3).

ص: 153


1- الحدائق 1 :406.
2- مباني منهاج الصالحين 1 :255.
3- أقول: إن كان التأخر عن عهد الرواة موجباً لعدم قبول توثيقات وتضعيفات المتأخرين من اهل الخبرة لكونها ليست حسّيةً واحتمال اعتمادهم على قرائن حدسية لكان القول بقبول أقوال المتقدمين كالنجاشي والشيخ والكشي باطلاً لتأخّرهم عن عهد الرواة كذلك، فمثلاً النجاشي متأخر عن عهد بعض الرواة مئات السنين. ولكن المقطوع قبول قول المتقدمين لتواتر الكتب الموجودة بايديهم، والنقل المتّصل الى زمن الراوي فتكون نسبتهم الضعف أو الوثاقة للراوي حسٌ وليس بحدس. فكذلك الأمر في المتأخرين الى أمثال المحقق (رحمه اللّه) وذلك بشرط احتمال توفر كتب عندهم فُقِدَت في زماننا. هذا و قد صرح السيد القمي في بعض كتبه باعتبار توثيقات المحقق و العلامة و من نحتمل وصول كتب اليهم لم تصل الينا. بخلاف توثيقات امثال العلّامة المجلسي ممّا نقطع بعدم تحصيله لكتاب مفقود في زمننا. إلّا أن يقال: بحجية حدس اهل الخبرة لغيره على تفصيل كما ليس ببعيد لوجود السيرة العقلائية على ذلك، و قد بيّنا تمامية المبنى الى ذلك في تعليقة اخرى.

--------------------------

ثانياً: سلّمنا التعارض، إلّا أنّ الترجيح من الناحية العقلائية مع توثيق النجاشي فإنّه أقوى الرجاليين على المعروف، والمحقق فقيه، فيقدم قول الأكثر خبرة في مجاله(1).

ص: 154


1- أقول: مع فرض خبروية المحقق في علم الرجال - كما هو الحق - يتعارض النقلان. وأمّا أقوائية النجاشي ففيه أوّلاً: إنّ النسبة اضافية لكونه أقوى من الشيخ مع التعارض كما ذكروا، وليس معناه أنّه أقوى من الجميع. ثانياً: أنّ الاقوائية ليست بقرينة معينة بل قد توجب الظن وليس بمعتبر إلّا إن تراخمت الظنون الرجالية الاُخرى فتسبب الاطمينان. ثالثاً: سلّمنا الترجيح بين الأقوى خبرة والخبير من الناحية العقلائية إلّا أنّه في الاُمور الخطيرة كالأمراض المستعصية، وأمّا فيما لا نحتاج فيه الى أكثر من التنجيز والتعذير فلا يقدّم عليه بل يقع التعارض. وعليه فيكون غياث مجهولاً. رابعاً: قد يقال: باقوائية المحقق من جهة اُخرى وذلك مضافاً لدقته وعدم التهافت في فتاواه غالباً وعدم ادّعائه الإجماع جزافاً، أنّه قد تكون لديه كتباً لم يحصل عليها النجاشي مع قلة الاستنساخات في العصور الأولى وتباعد المسافات بين العلماء وعدم وصول المؤلفات الى كثير من البلدان. والحاصل: أنّ قلة الكتب في عصر النجاشي مع عدم اعتباط تضعيف المحقق قد تسبب ترجيحه عليه ولا أقل من التعارض وإن كان هذا الاحتمال بعيداً.

--------------------------

ثالثاً: إنَّ المتأمل في عبارة المحقق يجد أنّ المحقق في مقام رَدِّ الرواية لا الراوي، فإنّ عبارته كما في الحدايق: «وأمّا خبر غياث فمتروك؛ لأنّ غياثاً بُتريٌّ ضعيف الرواية ولا يعمل على ما ينفرد به». فلعلّ ضعفه لإشتراط الإيمان في الرواية لا لكونه كذاباً كما عليه بعض المباني، فلعلّ قوله: «ضعيف الرواية» شرح البتري، وإلّا لم يكن هنالك داعٍ لذكر البتري في المقام، فيحتمل مدخلية البتري في ضعف الرواية عند المحقق فتكون عبارته مجملة، ومع الإجمال لايمكن القول: بأنّ المحقق ضَعَّف غياثاً(1) فلا

ص: 155


1- أقول: لايخفى على من راجع كتب المحقق: أنّه يعتمد على الروايات الموثقة التي رواها غير المؤمنين من المسلمين من الواقفية والفطحية وغيرهما، فهو لا يشترط الايمان في الرواية. والقول باعتماده على قرائن خارجية في تلك الروايات كما ترى. وأمّا قوله: «غياثاً بتريٌ ضعيف» فليس بظاهر في أنّ الضعف مستندٌ الى عقيدته خصوصاً بملاحظة مبناه في الإعتماد على أمثاله، قال في المعتبر: [1: 104] «وعمار هذا وإن كان فطحياً وسماعة وإن كان واقفياً لا يوجب ردّ روايتهما هذه أمّا أوّلاً: فلشهادة اهل الحديث لهما بالثقة. وأمّا ثانياً: فلعمل الأصحاب بالحديث ولسلامتهما عن المعارض». ولكن كلمات المحقق متهافته فقد صرّح في مواضع اُخرى بعدم قبول قول الفطحية والواقفية قال في المعتبر: [1: 115] «ولاحجة في رواية عمار لضعفها فإنّ الرواة لها فطحية» وقال فيه [1: 12] «والوجه الطعن في السند فإنّ زرعة وسماعة واقفيان فلا يعمل بروايتهما في تخصيص الاخبار السليمة». ويمكن الجمع بين كلماته بأنّه مع عدم ورود رواية معارضة صحيحة وإن كانت عامة يعمل بروايات الموثقين خصوصا مع عمل الأصحاب على مضمون الرواية وأمّا مع المعارضة وكونها مخالفة وإن كانت اخص فلا يعمل بها لأجل الضعف من حيث العقيدة». قال فيه أيضاً: [المعتبر 2: 88] «وسماعة وإن كان واقفياً لكنه ثقة فإذا سلم خبره عن المعارضة عمل به» وقال: [المعتبر1: 67] «ورواية عمار وإن كان ثقة لكنه فطحي فلا يعمل بها مع وجود المعارض السليم» وقال: [المعتبر2: 673]: «ولا ريب أن العمل برواية الحناط وزرارة أولى من سماعة فإنّه وإن كان ثقة لكنه واقفي وأكثر الأصحاب على العمل بروايته». والحاصل: أنّ الإنصاف أنّ تضعيفه الغياث لكونه بترياً وخبره معارض للعمومات فعبارته ليست مجملة بل واضحة، وبما أنّ مبناه غير مرضي فلا يبقى إلّا توثيق النجاشي فالرواية معتبرة. ثم إنّ المحقق وثق غياثاً في المعتبر [1: 264] «وغياث بتري لكنه ثقة» ووجه الجمع ما ذكرناه فلا تهافت في كلماته، فلاحظ.

--------------------------

يبقى في المقام إلّا توثيق النجاشي، فالرواية موثقة.

الثاني: الرواية أخص من المدّعى والمساوات غير واضحة فلا يصار إلى تساوي البول والدم مثلاً، خصوصاً مع اشدِّية بعض أحكام البول عليه(1).

ص: 156


1- أقول: كيف ادّعى الخصوصية في الدم وادّعى عدمها في انفعال ما يلاقي ماء الفأرة؟ ثم إنّه لا اعتبار بالأشدية فإنَّ ولوغ الكلب اشد من البول للحاجة الى التعفير ولكن يطهر موضع الولوغ في البدن بغسله من الماء القليل مرة. نعم لو استدل بارتكازهم فهو أمر اخر.

--------------------------

الثالث: ما ذكره في المهذّب قال: «يمكن أن يراد من الغَسل إزالة العين بالبصاق ثم التطهير بالماء كما هو عادة بعض العوام حتى في هذه الأيام»(1) وقد سبقه المحقق على ما حكاه في الحدائق قال ما نصَّه: « ولو صحت - أي الرواية - نُزِّلت على جواز الإستعانة في غسله بالبصاق لا ليطهر المحل به منفرداً، فإنّ جواز غسله به لايقتضي طهارة المحل ولم يتضمن الخبر ذلك، والبحث ليس إلّا فيه»(2).

ولكن التقريب غير عرفي؛ وذلك لوجود الملازمة العرفية بين نفي البأس بغسله وبين الطهارة، وذلك كما لو سُئل فقيه عن جواز الغسل بماء الورد، فأجاب بالجواز ثم قال: «أنا لم أقل بأنّه طاهر». فإنّه من البعيد وجود احتمال الحرمة الذاتية ليستفسر عنها فيجيب الإمام بالجواز، بل الشبهة الموجودة في الأذهان المتعارفة أنّه يطهر أو لا يطهر، وقول الإمام «لابأس» معناه الطهارة(3).

ص: 157


1- مهذّب الأحكام 1 :129.
2- الحدائق 1: 406، المعتبر في شرح المختصر 1: 84.
3- أقول: هذا مضافاً الى أنّ أعيان بعض النجاسات الاُخرى كالبول والخمر تزول بالبصاق ايضاً، فلا وجه على هذا الاحتمال من تخصيص الأمر بالدم في قوله (عليه السلام) : «لا يغسل بالبزاق شيء غير الدم».

--------------------------

الرابع: ما ذكره بعض: «إنّها ظاهرة في إزالة دم جوف الفَم والذي يطهر بمجرد الإزالة، بل لايكون نجساً إلّا بعد خروجه من الفم»(1).

ولكن مراده غير واضح، فإن أراد بالغسل الاستهلاك، ففيه: أنّ من المعلوم أنّه غيره. وإن أراد تطهيرَ الباطن، ففيه: أنّه طاهر ولاينجس، وعلى فرض نجاسته يطهر بزوال الدَم لا بغسله بالبُصاق، كظاهر الحيوان. فما ادّعى كونه ظاهراً خلاف ظاهر الرواية.

الخامس: الإعراض وكونها مهجورة، قال في مصباح الفقيه: «وقد أعرض الأصحاب عنه فيجب طرحه أو تأويله»(2) وفي المهذب(3) والمستمسك(4) أنّها مهجورة فترد علمها إلى أهلها(5).

نعم تأمل في الفقه في كلام المصباح بقوله: «و فيه تأمل لايخفى». وظاهره أنّه لا يعبئ بإعراضهم.

فتحصّل من مجموع ما ذكرنا أنّ العمدة هو الاشكال الأخير. مضافاً الى كون الرواية أخص من المدّعى. فالأدلّة الخمسة للمفيد والمرتضى

ص: 158


1- مصباح المنهاج، طهارة 1: 47.
2- مصباح الفقيه 1: 279.
3- مهذّب الأحكام 1: 129.
4- المستمسك 2: 113 ط ق.
5- أقول: الأولى حملها على دم السمك وشبهه لكي لا تُطرح، فافهم.

--------------------------

لاتنهض لإثبات القول الثاني.

القول الثالث: التفصيل بين الاختيار و غيره

القول الثالث: ما حكي عن ابن أبي عقيل من التفصيل بين الإختيار والإضطرار، وقد ألزم المطلق في الأوّل وأجاز المضاف في الآخر.

ثم إنَّ في حكاية قوله نقلان:

الأوّل: ما نقله السيد الوالد (رحمه اللّه) : «إنَّ تفصيل ابن أبي عقيل إنّما هو في إزالة الخبث»(1).

الثاني: ما نقله في المهذّب: «إنَّ تفصيله أعمّ من الخبث والحدث»(2).

وكيف كان، فقد يستدل له بأدلّة ثلاثة:

الأوّل: رواية عبداللّه بن المغيرة: «إنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) توضأ بنبيذٍ ولم يقدر على الماء»(3) فلو رفع النبيذ الحدث لرفع الخبث بطريق أولى، للتشديد في رفع الحدث، ولا أقل من المساواة وعدم الفرق في الفهم العرفي.

ويرد عليه ما تقدم.

الثاني: الأصل. فإنّه يقتضي برائة الذمة عن اشتراط الإطلاق في حال الإضطرار، بضميمة أنّ المنصرف من الغَسل الوارد في الأخبار هو حال

ص: 159


1- الفقه 2 :51.
2- المهذّب 1 : 127.
3- تهذيب الأحكام 1: 219، الإستبصار 1: 15.

--------------------------

الإختيار وأنّ الروايات الأمرة بالغَسل بالماءِ الواردة في باب الخبث إنّما توجَّهُ: للواجد للماء عقلاً؛ وذلك لأنّ القدرة العقلية شرط من الشرائط العامة للتكليف، ولايعقل أن يخاطب المولى الفاقد للماء بقوله (اغسل)، أو لا أقل من انصرافه عن الفاقد للماء.

والحاصل: «إغسل بالماء المطلق» لايشمل الفاقد للماء، وإنما يشمل حالة الإختيار إمّا للتقييد العقلي أو للانصراف العرفي، ف- «رفع ما لايعلمون» يرفع الشَّرطيَّة المشكوكة لو شك في اشتراط الإطلاق في حالة الإضطرار في المائع الذي يغسل به. والمحصّل: أن الشك الحاصل في كون المضاف مطهّراً مسبّب عن الشك في شرطيَّة الإطلاق للمضطر.

ويرد عليه أوّلاً: ورود أو حكومة الأدلّة الاجتهادية الدالة على اشتراط الإطلاق(1) - كما سيأتي في القول الخامس - على البرائة، والأصل أصيل حيث لادليل.

وثانياً: أنّ مفاد البرائة الرفع لا الوضع، فهي ترفع الشرطية ولاتثبت مطهّرية المضاف.

إلّا أن يقال: بأنّ وضع المطهّرية لأدلّة اغسل لا البرائة، فترتفع شرطية الإطلاق بعد أمر المولى بالغسل مع الشك فيها(2).

ص: 160


1- أقول: فيه: أنّه مصادرة فإنّ الأدلّة الإجتهادية مقيّدة بصورة الاختيار للقادر ولا تشمل المضطر فتجري البراءة لفقدان الدليل الإجتهادي بالنسبة لغير القادر.
2- أقول: هذا مع وضوح مفهوم الغسل وأمّا مع إجماله فإنّ البراءة لا تثبت كون الازالة بالمضاف غسلاً إلّا على الأصل المثبت كما يبينه (رحمه اللّه) .

--------------------------

وبعبارة اُخرى: نَضُمُ الدليل الاجتهادي إلى الأصل العملي، وذلك كما لو أمر المولى بالصلاة وشك في كون القنوت جزءً منه، فإنّ البرائة ترفعه ولاتثبت وجوب الباقي بل وجوب الباقي ثابت بأمر المولى بالصلاة.

فتحصّل من ذلك: تمامية الدليل الثاني لو وصل الأمر إلى الشك لعدم مانع من التمسّك به.

الثالث: قاعدة الميسور.

وقد أشكل في الفقه عليها أوّلاً بقوله: «لا يعلم أنّ المضاف ميسور المطلق»(1)

بل هما حقيقتان متباينتان.

وأجاب عنه قائلاً: «لكن من المعلوم أنّ الإزالة بالمضاف ميسور الإزالة بالماء». فإنَّ الالتزام بكونهما حقيقتين متباينتين لا ينافي كون مفهوم الإزالة والغسل ذا مراتب: فالمرتبة الكاملة هي الإزالة بالماء المطلق، ودونها الإزالة بالماء المضاف، وهو ما نطلق عليها بالميسور.

ومثاله العرفي: يؤمَرُ عاملُ التنظيف بالغسل بالماء المطلق فإن انقطع الماء في أثناء غسله وكان له أمر سابق بعدم سقوط الميسور أكمل الغَسل بالديتول لكونه ميسور الماء وإن اختلف معه في الحقيقة(2).

ص: 161


1- الفقه 2 :52.
2- أقول: هذا فيما إذا علمنا أنّ غرض المولى التعقيم مثلاً، أمّا لولم نعلم فقد لايكفي الديتول؛ لوجود رائحة فيه مثلاً لا توجد في الماء، فلايعلم أنّ الإزالة به ميسور الإزالة بالماء، فتأمل.

--------------------------

وثانياً: «النجاسة من الاُمور التي لايمكن فيها الوضع والرفع؛ لأنّها من الأحكام الوضعية، وقاعدة الميسور إنّما ترفع ما يمكن فيه الرَّفع»(1)

وذلك كزوجية الأربعة لاتقبل وضعاً ولا رفعاً.

وأجاب عنه: بأنّ الاُمور الوضعية على نوعين: فتارة تكون حكماً شرعياً، واُخرى منتزعة من حكم شرعي، فالأوّل يوضع ويرفع بذاته، والثاني يوضع ويرفع بوضع ورفع منشأه. والظاهر أنَّ النجاسة والطهارة من الأوّل فللمولى أن يقول: إني وضعت الطهارة أو رفعتها. والشرطية والجزئية والمانعيَّةُ والقاطعيَّة من الثاني، وكذلك الأمر في زوجيَّة الأربعة، فرفعها لا يكون إلّا برفع منشأها وهوالأربعة(2).

نعم الأدلّة الآتية في القول الخامس لا تَدَعُ مجالاً للميسور(3).

ص: 162


1- الفقه: 2: 52.
2- أقول: إنّ اختصاص حديث الرفع برفع المؤاخذة في الأحكام التكليفية فقط مُخالف لإطلاق الدليل وكونه في مقام الامتنان وسياق الرأفة فيه، وإلّا لظهر في العصور الأولى لكثرة الابتلاء بالحديث.
3- أقول: وقد يستدل للقول بالتفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار: بأنّ المطلقات الأمرة بالغسل بالماء مقيّدة بالقادر عليه، وأمّا العاجز عن تحصيله فإنّه يكتفي بما هو مزيل للقذارات عرفاً - أي المضاف غير المباين عرفاً للماء كالديتول والاسبرتو وماء الورد - فإنّه مزيل للنجاسات عندهم. وعليه فلو تنجست يد شخص بالدم فإنّ شرطية طهارة بدن المصلي لا تسقط بفقدان الماء مع وجود المضاف المزيل عند العرف، وبما أنّ الشارع لم يحدد طريقة للتطهير مع عدم الماء فيكتفى بالطريقة العرفية ويتم التطهير، فلا تصح الصلاة بدونه. ويؤيد ما ذكرناه فتوى العلّامة في المختلف والقواعد، والشهيد في الذكرى والبيان من الاكتفاء بغير التراب في حالة الاضطرار - في التعفير فيما ولغه الكلب - وذلك لكونه بدلاً اضطرارياً عرفاً، إذ العرف يرى أنّ الحكمة إزالة النجاسة فإذا لم يمكن الازالة بالمرتبة الرفيعة لزم التنزل الى المرتبة المتدنية من باب أدلّة العسر والحرج كما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه [6: 44] قال العلّامة في القواعد [1: 198]: «لوفقد التراب اجزأ مشابهه من الأشنان والصابون ولو فقد الجميع اكتفى بالماء ثلاثاً». وقال في المختلف [1: 497]: «والأقرب الإقتصار على التراب مع وجوده، فإن تعذر فما يقوم مقامه من الأشنان وشبهه، فإنّ تعذر فالماء.. وأمّا مع فقده فإنّه يجب ما يساويه من الأشنان وشبهه لحصول المقصود من التراب» بمعنى أن العرف يرى هذا بدلاً اضطرارياً لذلك. وقال في البيان [94]: «ولا يجب التعدد إلّا في إناء الولوغ من الكلب فيجب مرتين بعد تعفيره بالتراب الطاهر أو شبهه مع تعذره» وقال في الذكرى [1: 125] «ولا يجزئ غير التراب إلّا للضرورة للنص». هذا كلّه في رفع الخبث، وأمّا ما يرفع الحدث فليس للعرف فيه سبيل بل الطهارة المسببة بعد الغسل أو الوضوء أمر جعلي شرعي لا يكون إلّا بالماء ولفاقده التيمم. نعم إنّه لا يتمّ في مخرج الغائط فإنّه مع فقدان الماء لا يصح التطهير بالمضاف لوجود العِدل له وهو الخرق والاحجار. ثم إنّه مع العثور على الماء بعد التطهير بالمضاف هل يجب التطهير بالماء؟ وجوهٌ ثالثها التفصيل، ولا يبعد لزوم الإحتياط بالتطهير بالماء فإنّ الغسل بالمضاف ولو في حال الاضطرار من المستنكرات في أذهان المتشرعة. بل أنّهم يرون أنّ الغسل بالمضاف موسعٌ لدائرة تنجيس البدن، فتأمل.

ص: 163

--------------------------

القول الرابع

القول الرابع: ما ذكره ابن الجنيد من التفصيل بين البصاق فيُزيل الدم فقط وبين غيره فلايزيل شيئاً، وقد تقدم دليله وجوابه.

القول الخامس: عدم مطهّرية المضاف مطلقاً و بيان ادلته

القول الخامس: ما عليه المشهور: «إنّ الماء المضاف لايزيل خبثاً لا في حالة الإختيار ولا في حالة الإضطرار». وقد استدل له بأدلّة عديدة:

الدليل الأوّل : الإجماع. ذكره في الجواهر وادعاه في المهذّب (1).

وقد أجاب عنه السيد الوالد (رحمه اللّه) : بأنّ الإجماع غير موجود لمخالفة هؤلاء الأعلام، مع أنّه لو فرض عدم المخالف لم يكن حجة أيضاً(2).

ولكن فيما ذكره تأمل: أمّا بحسب الصغرى فلوجود الإجماع الملاكي في المقام على ما مضى بيانه، فإنّ ملاك حجية الإجماع هو الكشف عن قول المعصوم (عليه السلام) أو عن دليل معتبر، ومخالفة جماعة لايضرّ به.

ص: 164


1- الجواهر 1: 311. المهذّب 1: 127.
2- الفقه 2 :34.

--------------------------

وأمّا بحسب الكبرى فلما قرّر في الاُصول من حجيته لقيام الأدلّة عليه.

وأمّا المناقشة بأنّ الإجماع مدركي أو محتمل المدركية. ففيه: إنها وإن كانت تامة على بعض المباني، إلّا أنّ المختار حجية محتمل المدركية، كما قررناه في الاُصول(1).

الدليل الثاني: الاستصحاب. استدل به الشيخ الأعظم(2) قال: «لاستصحاب حكم النجاسة المتَفق عليه بين الكل حتى الأخباريين، بل عَدَّ مثله المحدث الاسترآبادي من ضروريات الدين». حيث لاشك في نجاسة المحل سابقاً ويشك في إرتفاعها بالماء المضاف فيتسصحب.

وتماميته مبنيّة على التسليم بثلاثة اُمور:

الأوّل: ثبوت السراية من النجاسة إلى الملاقي، وأمّا على مبنى الكاشاني فلا حالة سابقة متيقّنة حتى نستصحِبها.

الثاني: فقدان دليل اجتهادي حاكم أو وارد. وأمّا على رأي السيد المرتضى من إطلاق «إغسل» فلا يبقى مجال للأصل العملي.

الثالث: جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، خلافاً للنراقي وبعض المتأخرين من عدم جريانه فيها(3).

ص: 165


1- تبيين الاُصول: 3: 327، 340.
2- كتاب الطهارة: 45.
3- أقول: وذلك لابتلائه دائماً بالمعارض وهو أصالة عدم الجعل على مبناهم.

--------------------------

نعم الظاهر عدم تمامية الدليل - وإن سلّمنا بتلك المقدمات -؛ لحكومة أصالة عدم اشتراط الإطلاق(1) في الغَسل على الاستصحاب، فإنّ الشك في بقاء النجاسة مسبّب عن الشك في شرطية الإطلاق، والأصل عدمها.

ولكن فيه: أنّ جريان هذا الأصل موقوف على وضوح مفهوم الغَسل وعدم إجماله(2)، وإلّا فمع الإجمال يكون جريانه مثبتاً حيث لا يُعلم أنَّ

ص: 166


1- أي كون الماء مطلقاً.
2- أقول: قد يستشكل في التمسّك بالإطلاق حتى مع وضوح المفهوم لوجود إشكال آخر الا وهو الانصراف من جهة الشك في الصدق كما ذكره الشيخ الأعظم في قبال الشبهة المصداقية، فإنّه مع وضوح المفهوم يشك في سعته وضيقه في مقام التطبيق. كما في الماء فإنّه من اوضح المفاهيم العرفية و لكن شك في صدقه على بعض أنواع المياه في مقام التطبيق كالمياه الزاجية والكبريتية. قال في دراسات في علم الاُصول [2: 342]: «والانصراف بهذا المعنى أيضاً يمنع الإطلاق.. لعدم إحراز كون العنوان مقسماً حينئذٍ ولا بد من إحرازها في التمسك بالإطلاق وهذا كلّه واضح». ولكن ذكرنا في تعليقة سابقة ملاك الانصراف القادح. قال الحائري [شرح العروة الوثقى 2: 417] «وأمّا المياه الكبريتية فليست ندرتها الى حد يوجب الانصراف إنصافاً.. لكن غسلها بالمياه الكبريتية كثير جداً» والظاهر منه عدم الشك في الصدق ابتداءً فلا مجال للانصراف في الكبريتية. والحق عدم وجود الشك في الصدق في بعض أنواع المضاف كالديتول لغسل الأرض والاسبرتو لغسل اليد كما ذكره في مباني منهاج الصالحين [1: 252] قال: «وليس هذا إلّا من جهة صدق هذا العنوان» أي الغسل.

--------------------------

الغسل بالماء المضاف غَسل أو لا، والتمسّك بأصالة عدم الإشتراط لا يثبت أنّه غَسل ليكون مطهّراً إلّا على الأصل المثبت(1).

توضيحه: ذكر بعض الفقهاء بأنّ الإطلاق مقوِّم لمفهوم الغَسل، ومفهوم الغَسل لايصدق بالغَسل بالماء المضاف، ومع الشك لايمكن إجراء أصالة عدم اشتراط الإطلاق؛ لإثبات أنَّ هذا غسل حتى يرتَّب عليه أثره الشرعي وهو الطهارة، فإنّه مثبت [حيث يقال: إن لم يكن الإطلاق شرطاً فقد تحقق الموضوع العرفي - بالغسل بالمضاف - فيترتب عليه أثره - الطهارة -]

ولكن إن لم نَحتمل أنّ الإطلاق مقوِّم للماهية العرفية - وهي مفهوم الغَسل - فيقال: هل أضاف الشارع شرطاً شرعياً وهو الإطلاق؟ نقول بعدمه، ف- «اغسل» متحقق قطعاً والشرط الشرعي منتف، فإنَّ الأصل البرائة وعدم الشرطية، كالبيع المُنشأ خارجاً إن شك في اشتراط العربية كان الأصل عدم اشتراطها، و يكون من ضمٍ للوجدان إلى الأصل، فيقال: هذا بيع عرفاً، والأصل عدم اشتراط الشارع ما لم يشترطه العرف من العربية فيترتّب عليه الأثر. وكذلك إن كان الغَسل بماء الورد غسلاً عرفاً، يقال: هذا غَسل عرفاً، و الأصل عدم اشتراط الإطلاق عند الشرع.

وبعبارة اُخرى: الشروط على قسمين:

ص: 167


1- أقول: فهو من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

--------------------------

الأوّل: ما هي دخيلة في الماهية ومقوِّمة لها عرفاً، و تصبح شروطاً شرعية بإمضائه.

الثاني: ما ليست دخيلة في الماهيِّة و غير مقوّمة، و تسمّى بالشروط الشرعية.

أمّا لو شُك في شرعيّة شرط لكان التمسك بعدمه لإثبات الماهية العرفية لازماً عقلياً، فتكون القضية على نحو القضية الشرطية الآتية: لو كان شرطاً مقوماً عرفاً لكان شرطاً شرعاً ولو إمضاءً، لكنّه ليس بشرط شرعاً بدليل الرفع، فليس بمقوّم عرفاً ولو في مرحلة الظاهر. إلّا أنّ الاشكال في الملازمة أنّها عقلية، فيكون الأصل مثبتاً.

وبالجملة: مع إجمال مفهوم الغَسل لايمكن رفع شرطيَّة الإطلاق لتثبيت الماهية - أي اغسل - بأصالة عدم الاشتراط الشرعي ليترتّب عليها أثرها وهو التطهير.

ولكن المختار: أنّ الإطلاق ليس مقوماً للماهيَّة العرفية للغَسل(1) كما

ص: 168


1- أقول: قد يدعى أنّ الغسل في اللغة لايطلق على المضاف ففي المحيط: «الغسل: الماء» وفي مفردات ألفاظ القرآن: «غسلت الشيء غسلاً: أسلت عليه الماء فأزلت درنه» و «المغتسل: الماء الذي يغتسل به» وفي مجمع البحرين: «الغُسل: اسم لإضافة الماء على جميع البدن واسم للماء الذي يغتسل به». هذا، ولكن يُقدم الفهم العرفي مع تعارضه للغة، قال الوحيد البهبهاني [مصابيح الظلام 5: 139]: «لعدم صحّة سلب الغسل عرفاً عن الغسل بالمضاف كما لا يخفى» ولكنه اضاف أنّ المطلق ينصرف الى الشائع. وفيه ماسبق. وقال الميرزا القمي [غنائم الأيام 1: 427] «وبإطلاق الاوامر بغسل البدن والثوب وهو يشمل الغسل بالمضاف لغة وعرفاً» وإن أجاب أيضاً بأنّ الإطلاق ينصرف الى المتعارف. وصرح في الجواهر [1: 316] بأن بعض المائعات فقط لا يعد الازالة بها غسلاً لغة وعرفاً وشرعاً، لا جميعها.

--------------------------

مضت الإشارة إليه فالاشكال تام والاستصحاب محكوم بالبرائة.

والمتحصّل من ذلك كلّه: أنّ البرائة - على كلا المبنيين - حاكمة أو واردة على الاستصحاب الذي التزم به الشيخ في مقام الشك، ولكن حكومتها متوقّفة على أن لا يكون الشرط من الشروط المحتملة المقوِّمية، وبما أنّا نرى عدم المقوِّميّة العرفيَّة فتجري البرائة قبل الاستصحاب، نعم مع إجمال المفهوم لايمكن إجراء البرائة لكونه مثبتاً، فإنّ أصالة عدم الشرطية لاتثبت تحقق الماهية العرفية ليترتّب عليها أثرها.

الدليل الثالث(1):

الأخبار الأمرة بالغسل، بضميمة أنَّ المنصرف(2) من الغَسل هو الإزالة بالماء المطلق. وقد مضى البحث فيه.

ص: 169


1- من أدلّة المشهور على عدم مطهّرية المضاف للخبث.
2- أقول: سبق الإشكال على الإطلاقات في الدليل الثاني وقلنا عدم الإطلاق فيها لكونها واردة في أصل بيان الحكم وإن تأملنا فيه. هذا مضافاً الى أنّ هذا الانصراف إن كان لأجل الشك في الصدق فلا يبعد تماميته. ولكن مضى البحث فيه في تعليقة سابقة حيث قلنا بعدم الشك في صدق الغسل على المضاف.

--------------------------

الدليل الرابع: إنّ مفهوم الغَسل هو الغَسل بالماء المطلق لا أنّه منصرف إليه.

والظاهر أنَّ هذه الدعوى مَحَلُّ نظر؛ لصدق الغَسل عرفاً ولغة(1) بالماء المضاف ولذلك يقال: غسلت يدي بماء الصابون. وما أشبه ذلك من الإستعمالات.

الدليل الخامس: ارتكاز المتشرعة، فإنّهم لايشكون في عدم زوال النجاسة إلّا بالماء المطلق.

وفيه: ما ذكره السيّد الوالد (رحمه اللّه) من كون الدليل في غاية الوهن لكونه دورياً، قال: «لم تثبت حُجيَّة أذهان المتشرعة، فتتوقّف حجية الأذهان على الأدلّة المستفاد منها ذلك - ما في ارتكازهم مِن عدم مطهّرية الماء المضاف - فلو كانت الأذهان من الأدلّة لزم الدور»(2) فأذهانهم ليست دليلاً وحجيتها متوقّفة على أدلّة ثابتة في مرحلة متقدمة عليها، فلو قيل: بأنّ من تلك الأدلّة الارتكاز، لزم الدور.

ص: 170


1- أقول: لم أجد في اللغة مايدل على ذلك بل الموجود: إمّا صُرّح فيه لفظ الماء، أو مطلق لا يمكن التمسك به لكونه الشبهة مصداقية. نعم ورد في اللغة أنّ الغِسل: ما يُغسل به الرأس من خطمي وغيره. وأمّا المثال فهو مضافاً الى أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، غير تام لوجود القرينة.
2- موسوعة الفقة 2 :41.

--------------------------

ولا يخفى أنَّ ما ذكره ليس بالدور الحقيقي بل هو الدور الملاكي لوجود ملاك الدور فيه، فإنّ الدور هو: «توقّف الشيء على ما يتوقّف عليه». كتوقّف الإبن على الأب وبالعكس، و الدور الملاكي هو: «توقّف الشيء على ذاته». كأن يقال: زيد علّة نفسه. فإنّه يلزم أن يكون في رتبة متقدّمة حتى يكون خالقاً، وفي رتبة متأخرة حتى يكون مخلوقاً، وهو ليس بالدور وإن اشترك معه في الاستحالة.

وأمّا كونه من الدور الملاكي فلتوقّف حجية ذهنية المتشرعة على الأدلّة التي تستند إليها، فلو كانت هي من الأدلّة لكانت في رتبة متقدمة ومتأخرة في آن واحد، فيُجعَلُ ما يتوقّف حجيته على الدليل دليلاً، فيفيض الدليلية ويستفيضها.

ولكن فيه تأمل: لأنّا نعتبر ذهنية المتشرعة كاشفة عن الدليل الشرعي، فلا دور على ما أوضحناه فيما مضى، والأمر في الارتكاز كالأمر في الإجماع والسيرة.

ويؤيده ما في المهذب، قال: «استنكار المتشرعة -من أهل المذهب- ذلك في كلّ عصر، بحيث يعلم إتصال ذلك إلى عصر المعصومين (عليهم السلام) وتلقي ذلك عنهم»(1).

وما في المباني: «المركوز في الأذهان من الباب إلى المحراب، أنَّ

ص: 171


1- مهذّب الأحكام 1: 128.

--------------------------

الغَسل الشرعي يتوقّف على الغَسل بالماء، والسيرة جارية عليه، ولو كان الغَسل بغيره أمراً شرعياً لشاع وذاع(1) ولم يكن باقياً تحت الستار بحيث لايكون قائلاً به إلّا العلمان»(2).

والظاهر تمامية الارتكاز للكشف الإني عن البيان الشرعي.

الدليل السادس: ما في الجواهر مِن تلفيق إجماعين لإثبات المدّعى. قال: «الإجماع على نجاسة سائر المائعات بملاقاة النجاسة، ولم يثبت كون الإنفصال قاضياً بطهارة المتبقي، والماء خرج بالإجماع»(3). فلنا إجماعان:

أوّلهما : جميع المائعات تتنجَّسُ بمجرد ملاقاة النجاسة سواء كان مطلقاً قليلاً أو مضافاً.

ثانيهما: الإنفصال وخروج معظم الماء بالعصر مطهّر للباقي من ذرات الماء في الماء المطلق، فيبقى الماء المضاف تحت العام بلا مخصص؛ لعدم الإجماع فيه.

وأشكل عليه في الفقه: بأنّ «التطهير ليس إلّا إزالة عين النجاسة، وطهارة

ص: 172


1- أقول: مع وجود الماء لا حاجة للغسل بغيره، وهناك التلازم بين فقدان الماء وفقدان غيره من المطهرات العرفية غالباً، وعليه فلا حاجة لبيان حكم لا يتحقق موضوعه إلّا نادراً وليس هناك داع لاذاعته واشاعته، نعم للسيرة والإرتكاز نقول بذلك.
2- مباني منهاج الصالحين: 252. وهما المفيد والمرتضى رحمهما اللّه.
3- انظر: الجواهر 1: 316.

--------------------------

ونجاسة الماء بالملاقات لا مدخلية له في الإزالة، فإذا أُزيلت النجاسة طهرت، ولذا لانقول بأحد الإجماعين»(1).

ولعلّ مراده: أنّ في الأدلّة «اغسله»، وبدلالة الإقتضاء لابدّ أن يقال بطهارة المتبقّي وإلّا لزم لغوية الأمر ب- «اغسله»(2)، فدليل «اغسله» بنفسه يدلّ على طهارة المتبقّي، فلا حاجة للإجماعين؛ فإن إطلاقات أدلّة الملاقاة تثبت النجاسة، فلا حاجة إلى الإجماع الأوّل ، ودلالة الإقتضاء تثبت بأنّ الإنفصال مطهّر للمُتَبقِّي، فلا حاجة إلى الإجماع الثاني.

وبالجملة فيورد على ما ذكره: بأنّ الإجماع مدركي أو محتمله(3)، وبأنّ الملاك في طهارة المتبقي من الماء المطلق يوجد في الماء المضاف أيضاً.

الدليل السابع: ما في المهذب، قال: «أصالة عدم جعل المطهّرية لغير الماء، ولو كان لظهر و بانَ في مثل هذا الأمر العام البلوى»(4).

والدليل ينحل إلى شِقين: أمّا الأوّل من أصالة عدم جعل المطهّرية لغير الماء. فيرد عليه:

ص: 173


1- الفقه 2: 42.
2- ودلالة الإقتضاء هي: «ما يتوقّف عليه صحّة وصدق الكلام عرفاً أو شرعاً أو عادة».
3- أقول: لا يرد الإشكال على مبنى السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) من حجية محتمله، نعم إنّه واردٌ على المبنى الآخر.
4- مهذّب الأحكام 1: 128.

--------------------------

أوّلاً: أنّها أصيلة حيث لا دليل، ومدعي العَمَلان وجود الدليل.

وثانياً: قد يقال بمعارضتها بأصالة عدم شرطية الإطلاق فيتساقطان، فنبقى بلا دليل، وهو اشكال عام يرد في كلّ نفي جزء وشرط.

نعم قد يقال: بأنّ أصل عدم الشرطية مثبِتٌ لمطهّرية الماء المضاف(1).

و أمّا الثاني: ففي قوله: «ولو كان لظهر وبان في مثل هذا الأمر العام البلوى». نظر، و ذلك لأنّ فقدان الماء المطلق مساوق - عادة - لفقدان المضاف المطهِّر المزيل عرفاً - لا كماء الرمان والمرق - ووجود المضاف المزيل أمر نادر - مع فقد المطلق - فلا يشمله: «لو كان لبان».

هذا، ولكن قد يقال بغرابة التطهير بالمضاف، فلو كان لذاع وشاع بين الجميع.

الدليل الثامن: قاعدة الإشتغال بالنسبة للاُمور المشروطة بالطهارة، كما في مصباح الفقيه(2)، فإن كانت طهارة البدن من شرائط الطواف مثلاً وشُك في امتثال التكليف مع تطهيره بالمضاف، استدعى الإشتغال اليقيني البرائة

ص: 174


1- أقول: بل يدع الدليل مطلقاً فيشمل الماء المضاف فيكون مطهّراً فهو مبين لموضوع الحكم لا مثبتاً له، وعليه فأصالة عدم شرطية الإطلاق حاكمة على أصالة عدم جعل المطهّرية لغير الماء لكون الأخيرمسبّب عن الشك في التحديد والأصل عدمه. واثره الشرعي جواز التطهير بأيهما شئت فدور العقل الكشف عن الأثر لا الحكم بالأثر ليكون مثبتاً، فتأمل.
2- مصباح الفقيه: 278.

--------------------------

اليقينية، وقاعدة الإشتغال متقوّمة بالشك في الإمتثال، كما أنَّ البرائة متقومة بالشك في الإشتغال، والقاعدة تامة إلّا أن يقال بوجود دليل حاكم عليها(1).

الدليل التاسع: ما نُقِل عن المحقق في المعتبر(2) وهو قريب ممّا ذهب إليه في الجواهر - في الدليل السادس - و بيانه أنّ لنا قاعدتين:

الأولى: النَجِسَ لا يطهِّرُ لكون فاقد الشيء لايعطيه.

الثانية: انفعال الماء القليل إن لاقى نجساً مضافاً كان أو مطلقاً، و خرج الثاني للإجماع.

والفرق بين ما ذكره المحقق وبين ما مضى من كلام الجواهر: أنّ كلام الثاني في بقاء نجاسة المتبقي بعد العصر، فلا يطهر الثوب، وكلام الأوّل: أنّ الماء المتنجّس لايُطَهِّر، والمضاف بمجرد الملاقاة ينفعل، إلّا أنّه خرج المطلق بالإجماع.

أقول: في المقام أدلّة ثلاثة متعارضة:

الأوّل: قول المولى: «اغسل» و له إطلاق يشمل بالكثير وبالقليل.

الثاني: قوله: «الماء القليل ينفعل» وله إطلاق يشمل المزيل وغير المزيل وارداً أو كان موروداً.

ص: 175


1- أقول: إنّ الشك في الاشتغال يرتفع مع جريان الأصل في السبب أي: البراءة من القيد الزا ئد - التحديد بالمطلق - في الدليل الآمر بالغسل كما سبق الكلام فيه مفصلاً.
2- الحدائق الناضرة 1: 400.

--------------------------

الثالث: قوله: «الماء المتنجّس لايطهِّر». وله إطلاق يشمل المتنجّس بهذه النجاسة التي يريد أن يزيلها أو بنجاسة اُخرى.

ويمكن الإجابة عن دليل المعتبر:

أوّلاً: بأنّ لنا روايات تنص على جواز الغَسل بالماء القليل كقوله (عليه السلام) : «اغسله في المركن - أي بالماء القليل - مرتين، فإن غسلته في ماء جارٍ فمرةً واحدة»(1) فالدليل الأوّل أخص من الدليلين الثاني والثالث فيخصّص أحدهما، فإمّا أن يقال: الماء القليل لاينفعل - مع الشروط - فهذا تخصيص للدليل الثاني - أو يقال: بأنّه ينفعل ويطهر - وهو تخصيص للدليل الثالث - وإلّا لكان الدليل الأوّل - و هو كون الغسل بالقليل مطهراً - لغواً.

نعم لو كان الدليل الأوّل مطلقاً شاملاً للقليل والكثير بإطلاقه لصحّ ما ذُكرَ.

وثانياً: بأنّ الشهبة آتية في الماء المطلق أيضاً، فما يجاب به هناك يجاب به هنا.

والحل: هو الانصراف في كلا الموضعين - بالنسبة إلى الدليل الثالث - فيبقى الدليلان الأوّلان على إطلاقهما. بيان الانصراف: إنّ دليل «الماء المتنجّس لايطهِّر» منصرف إلى النجاسة السابقة ولايشمل - عرفاً - النجاسة المقارنة المأخوذة من نفس المحلّ الذي يُطَهَّرُ به.

ص: 176


1- تهذيب الأحكام 1: 250.

--------------------------

وعليه فلا حاجة للإجماع؛ وذلك لحلّ التعارض قبل مرحلة الإجماع بالانصراف. ولو اشكل الانصراف لاقتضت دلالة الإقتضاء تقييده، ولولا ذلك لغى دليل «اغسل».

الدليل العاشر: ما ذكره صاحب الحدائق (رحمه اللّه) واحتمل كونه أقوى دليل في المقام، قال: «إنّ الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان لامدخل للعقل فيهما بوجه كسائر أحكام الشرع، فما علم من الشرع كونه منجّساً يجب قصر الحكم بالنجاسات على ملاقاته، وما علم من الشرع كونه رافعاً للنجاسة وموجباً للتطهير يجب قصر الحكم بالطهارة عليه»(1) والظاهر أنّه يقصد أنّهما أمران توقيفيّان.

ولكن فيه أوّلاً: ما في الفقه، قال: «عدم تسليم كونهما حكمين شرعيين بل هما أمران عرفيان»(2) وكأنّ مراده أنّهما ليستا ماهيتين مخترعتين، بل الطهارة والنجاسة باقيتان على ما لهما من المعنى اللغوي والعُرفي، وقال أيضاً: «تصرف الشارعُ في بعض خصوصياتهما زيادة ونقيصة، وحيث لم يعلم أنَّ الشارع تصرَّف في هذه الجهة، فالأصل بقائها على أصلها العرفي».

فهما كالبيع فإنّها ماهية ممضاة وليست مخترعة، بل جميع الماهيات كذلك إلّا ما خرج بالدليل، وفي الإمضاءيات يمكن للشارع أن يُضيف

ص: 177


1- الحدائق 1: 401.
2- الفقه 2 : 43.

--------------------------

شرطاً أو غيره، وما لم تُعلم الإضافة تبقى الماهية على ما كانت عليه عند العرف، فالشروط المشكوكة - كالعربية في البيع - غير معتبرة شرعاً؛ لكونها ليست بشرط عرفاً، لإمضاء الشارع الماهية العرفية، والطهارة والنجاسة من هذا الباب.

وَتوضيح الفرق بين الماهيتين المخترعة والممضاة: أنّ الشارع تارة يضع اللفظ للخصوصيات الجديدة، وتارة يضعها لأصل المعنى ولكنّه يضيف قيوداً:

أما الأوّل : فهو الماهية المخترعة كالصلاة حيث لم يضعها الشارع للدعاء، وإنما للدعاء المشروط بالكيفية الخاصة من الحركات والمقولات الماهوية المختلفة، ولا توصف بالصحّة والبطلان، بل الباطل ليس بصلاة أصلاً.

وأمّا الثاني: فهو الماهية الممضاة كالبيع، حيث إنَّ الشارع قصد ب- : ﴿أَحَلَّ اللّه الْبَيْعَ﴾(1) معناه العرفي، أي مبادلة مال بمال، ولكنّه أضاف إليه قيداً كالعربية أو الماضوية، وتوصف بالصحّة والبطلان فيقال هذا بيع ولكنّه لاينفع، وهكذا الأمر في التطهير الفاقد للشروط، فإنّه يقال فيه تطهير باطل، ولا ينفي عنه أصل التطهير.

ثانياً: النقض بالشروط المشكوكة في جميع الماهيات المخترعة، ولايلتزم صاحب الحدائق بوجوب الإحتياط في أي شرط مشكوك، كما لو

ص: 178


1- البقرة: 275.

--------------------------

شك في لزوم التعدد لتطهير الدم، أو كون القنوت من الصلاة وإتيانها معه مبرء للذمة قطعاً، والالتزام بهذا اللازم مشكل، مع أنّه قال: «فما علم من الشرع كونه رافعاً يجب قصر الحكم بالطهارة عليه». ومعناه: أن ما عُلِمَ من الشرع كونه مبرئاً للذمة - كالتعدد مثلاً - يجب قصر الحكم بالإبراءِ عليه، وما لم يعلم فلا.

وثالثاً: الحل بوجود العلم التعبدي في البين - قال: «ما علم من الشرع كونه رافعاً» - فإنَّ العلم تارَة يكون وجدانياً واُخرى تعبدياً، والعلم التعبدي حاصل فيما نحن فيه في مرحلة الأدلّة الاجتهادية وفي مرحلة الاُصول العملية: أمّا الأوّل فلإطلاق أمر المولى في «اغسل»، وأمّا الثاني فلأصالة عدم الاشتراط(1) التي تولّد العلم أيضاً فإنّ المولى عليه أن يبيّن الماهية التي يخترعها، وقد بيّنها بالإطلاق وبأصالة عدم الإشراط، والإطلاق نوع بيان وهو علم تعبدي وإن لم يكن علماً وجدانياً، وكذلك الأصل العملي، فما ذكره صاحب الحدايق لايخلو من تأمل.

الدليل الحادي عشر: مجموعة روايات تنقسم إلى خمسة أقسام:

القسم الأوّل : ما في الوسائل عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: «سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه، هل تطهّره الشمس من

ص: 179


1- أقول: أي: عدم اشتراط رافعية النجاسة بكونه بالماء المطلق واثره الشرعي رفع النجاسة بما يصدق عليه الغسل من غير الماء.

--------------------------

غير ماء؟ قال (عليه السلام) (1): كيف يطهُرُ من غير ماء؟»(2) وهي بمثابة كبرى كلية دلّت على عدم إمكان تطهير شيء بغير الماء، والماء ظاهر في المطلق فلا يكفي المضاف.

و في الاستدلال بها اشكالات نشير إليها إجمالاً:

الأوّل: ما في الفقه، قال: «إنّ هذه الرواية مضمرة»(3).

وفيه تأمل: فإنَّ الكلمات المذكورة في محمد بن اسماعيل بن بزيع ربّما ترفعه إلى مصاف الذين لايضمِرون إلّا عن المعصوم (عليه السلام) ، كقول النجاشي: «كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثيرالعمل»(4) ونقل عن بعض أنّه قال فيه: «ثقة ثقة عين»(5). وذكر رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال عنه: «وددت أن فيكم مثله»(6).

وقال عنه الشيخ: «ثقة صحيح»(7). وقوله (عليه السلام) : «إذا كان ألقيمُ مثلك ومثل عبدالحميد فلابأس»(8).

ص: 180


1- يعني الإمام أبا جعفر (عليه السلام) .
2- الوسائل 3 :453 من ابواب النجاسات ب29 ح7.
3- الفقه 2 :36.
4- رجال النجاشي: 330.
5- المصدر نفسه: 331.
6- المصدر نفسه: 332.
7- رجال الطوسي: 364.
8- تهذيب الأحكام 7: 69، و 9: 240، باختلاف.

--------------------------

الثاني: معارضتها بصحيحة زرارة(1) وموثقة عمار(2)، وقد عمل بهما فترجحان عليها.

الثالث: سلّمنا التعارض، ولكن المضمرة موافقة لمعظم العامة القائلين بعدم مطهّرية الشمس.

الرابع: انّ الرواية دالّة على الإحتياج إلى الماء في خصوص المورد ولا تُصَرِّح بوجود ضابطة كلية، فهي كما لو سُئلتم: «ولغ الكلب في إناء فهل يطهر من غير تراب؟». فأجبتم: «كيف يطهر من غير تراب؟». فإنَّ الجواب لايدلّ على ضرورة وجود التراب في كلّ عملية تطهير، وكذلك لو قيل: «طلعت الشمس على الجدار المتنجّس ولكنّه لم يجف؟». فاجبتم: «كيف يطهر بدون تجفيف» فهل يشترط التجفيف في كلّ تطهير، حتى تطهير اليد؟

الخامس: ما ذكره في الوسائل من: «انَّ الإحتياج إلى الماء من باب الإحتياج إلى الرطوبة لا لموضوعية الماء، فيجب ترطيب الأرض الجافة حين تشرق الشمس عليها؛ ليكون الجفاف مستنداً إلى الشمس، فالمقصود بالماء في الرواية هو رطوبة وجه الأرض»(3) ولا بأس به لكي لاتطرح الرواية رأساً كما طرحت في الاشكالين الثاني و الثالث.

ص: 181


1- الوسائل أبواب النجاسات ب29 ح1.
2- الوسائل أبواب النجاسات ب29 ح4.
3- وسائل الشيعة 3: 435.

--------------------------

القسم الثاني: المعتبرة المروية في الوسائل من أنَّ بعض الاُمم المتقدمة كانوا إذا أصابتهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض: «وقد وَسَّعَ اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً، فانظروا كيف تكونون»(1).

ولكن فيه أوّلاً: أنّ إثبات الشيء لا ينفي ماعداه، وقد ثبت بالضرورة الفقهية وجود مطهّرات اُخرى.

وثانياً: ما سيأتي في المناقشة على القسم الرابع.

القسم الثالث: الآيات والروايات الدالة على مطهّرية الماء الواردة في مقام الإمتنان، وكونها كذلك يقتضي عدم مطهّرية غيره.

وفيه: أنّ المولى قد يكون في مقام الإمتنان من كلّ جهة، وقد يكون في مقام الإمتنان في الجملة، والآيات والروايات المشار إليها ليست في مقام الإمتنان من كلّ جهة حتى يكون إغفال شيء دليل على عدم مطهّريته.

القسم الرابع: الإطلاقات الأمرة بغَسل الثوب والإناء والبدن وغيرها بالماء.

هذا، ولكن أشكل عليه السيد الوالد(2) (رحمه اللّه) بما حاصله: أنّه من القياس، فإنّ التقييد بالماء إنّما ورد في موارد خاصة، فحمل غيره عليه قياس، وذكر أنَّ التعدي من القضايا الشخصية الجزئية إلى الكليات على أنواع ثلاثة

ص: 182


1- الوسائل 1: 100 أبواب الماء المطلق ب1 ح4.
2- الفقه: 2 :38.

--------------------------

وبعضها قياس، وما نحن فيه من هذا القبيل.

والظاهر حسب استقرائنا أنّ التقييد بالماء ورد في ثلاثة موارد: البول وإناء الولوغ ومطلق الأواني، وأمّا في غيرها فلا تقييد بالماء المطلق(1).

إلّا أن يجاب عنه أوّلاً: بعدم القول بالفصل(2).

وثانياً: بإلغاء الخصوصية عرفاً(3).

وثالثاً: بفهم الفقهاءِ، فإنّهم فهموا العموم في المقام، ولفهمهم الجبر والكسر الدلالي حتى وإن كان التقييد وارداً في موارد جزئية وتوقّف العرف في التعدية، ففهم العلماء كاف في التعدية(4). و قد يؤول هذا

ص: 183


1- أقول: نعم ورد في موثقة ابي بصير غسل الطيلسان أيضاً بالماء إذا عمله المجوسي [كافي 3: 402، باب الذي يكره الصلاة فيه] حيث فيه: قال (عليه السلام) : «اليس يُغسل بالماء؟ قلت بلى، قال: لا بأس». ولكنه حكم غير إلزامي لعدم نجاسة أهل الكتاب - على المبنى - أولاً. ولعدم العلم بأنّ المجوسي أصابه برطوبة مسرية واستصحاب طهارة الطيلسان ثانياً.
2- أقول: قد سبق من السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) عدم حجية «عدم القول بالفصل» بل الحجة هو: «القول بعدم الفصل» وإلّا لبطلت جميع الأقوال المتأخرة وقد سبق منا الإشكال في إطلاقه إن كان كاشفاً عن نفي القول الثالث لأوله الى الإجماع البسيط.
3- أقول: قد سبق التأمل في إلغاء الخصوصية إن لم يرجع الى الإرتكاز. وكيف لم تلغ الخصوصية فيه تعفير إناء مات فيه جرذ أو ولغ فيه كلب.
4- أقول: لا يخفى أنّ لفهم الأصحاب الجبر والكسر الدلالي، وقد التزم بذلك مختلف الأعلام من السابقين واللاحقين بمختلف مشاربهم فمثلاً: 1: أنّهم لم يفهموا الشمول فيما هو الظاهر من أدلّة العسر والحرج شمولها لكل المحرمات بما فيها اللواط والزنا، فلا يقول أحد بالجوار لمن يقع في حرج من الصبر عنهما، مع تصريح صاحب الجواهر [5: 103] في بحث التيمم بأنّ «أدلّة العسر والحرج غير قابلة للتخصيص لظهورها ان ليس في الدين مافيه حرج». 2: قال الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة [3: 337] ما حاصله: «والإنصاف أنّ استفادته من هذه الاخبار مشلكلة ، فالعمدة فهم الأصحاب». 3: قال في الرياض: «وقصورها عن افادة تمام المدّعى مجبور بفهم العلماء». 4: وقال في الجواهر [15: 487] «ولئن كان قصور في شمول الأدلّة فهو منجبر بفهم الأصحاب». 5: وقال الشيخ الأعظم في المكاسب [4: 252]: - بعد أن نقل عبارة عن بعض الاساطين بأنّ فهم الأصحاب مقدم لأنّهم ادرى بمذاق الشارع واعلم - ما لفظه: «ولقد جاء حيث التجأ الى فهم الأصحاب فيما يخالف العمومات». والحاصل: أنّه ظهر أنّ ما اصبح قطعياً عند البعض من عدم جبر الدلالة ولا وهنها بموافقة ومخالفة الأصحاب، غير تام.

--------------------------

الجواب الى الجواب الاوّل.

القسم الخامس: ما في الفقه الرضوي: «كل ماء مضاف أو مضاف إليه فلايجوز التطهر به»(1). إلّا أنّه ضعيف السند(2).

ص: 184


1- فقه الرضا: 92.
2- أقول: لا يقال: بأنّ عمل الفقهاء وفتواهم على عدم مطهّرية المضاف يجبر ضعف سنده. إذ يجاب عنه: بأنّ العمل إنّما يكون جابراً إن كان مستنداً الى الرواية، و لا يكفي صرف التطابق بينهما فإنّه لا يجبر ضعفها فلا تكون من الادلة.

وإن لاقى[1] نجساً تنجَّس وإن كان كثيراً، بل وإن كان مقدار ألف كرٍّ فإنّه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس إبرة في أحد أطرافه فينجس كلّه(1)[2].

--------------------------

هذا تمام الكلام في أدلّة المشهور، والأقرب ما ذهبوا اليه.

[1] أي الماء المضاف.

[2] وبناء على ذلك: ينفعل معمل ضخم يحتوي على أُلوف الكيلوات من العصير أو الألبان إن وقعت في جانب منه قطرة دم، ولا طريق إلى تطهيره أبداً إلّا بانعدام موضوعه كما سيأتي. وكذلك ينفعل بئر النفط الذي يحتوي على ملايين البرميلات بأسرع من سرعة الضوء، لو وضع كافر إصبعه فيها.

ولم يعلّق عليه: النائيني والحائري والعراقي والإصفهاني والبروجردي والشيرازي ابن العم، والحكيم والگلپايگاني والمرعشي والخويي والخونساري والسيد حسن القمي رحمهم اللّه، وكثير ممن رأيت تعليقاتهم إلّا الوالد (رحمه اللّه) : حيث علّق على قوله: «وإن كان مقدار ألف كر». بقوله: «في المثال ونظائره اشكال»(2) وهذه المسألة من المسائل المهمة جداً؛ لكثرة

ص: 185


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «في نجاسة ما لا يصدق عليه السؤر واصابة النجاسة أياه وكونها فيه عرفاً من الأطراف البعيدة في الأحجام الضخمة إشكال بل منع، والإحتياط حسن».
2- أقول: وفي تعليقة السيد العم حفظه اللّه على العروة: «في أمثال ذلك بحث» نعم أشكل بعض العلماء في شروحهم على العروة في ذلك كالمستمسك ودليل العروة وغيرهما فراجع.

--------------------------

الإبتلاء بها في العهود الحاضرة.

والبحث فيها يتمّ في مقامين:

الأوّل: في أصل انفعال الماء المضاف بملاقاة النجاسة.

الثاني: في عدم الفرق في الانفعال بين القليل والكثير.

أدلّة انفعال المضاف بملاقاة النجاسة

أما المقام الأوّل : فقد استدل عليه بادلة:

الدليل الأوّل : الإجماعات المنقولة المستفيضة بل المتواترة كما ذكره في الفقه(1)، وقد حكي الإجماع عن كتب الفاضلين والشهيدين وعن السرائر نفي الخلاف فيه، وذكره السبزواري(2)، وقال الهمداني: «إجماعاً منقولاً نقلاً يورث القطع بتحققِّه»(3) ونقل الإجماع في مفتاح الكرامة(4) عن المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى والروضة وكشف الالتباس والدلائل. هذا، ولكن ناقش الإجماع في الفقه بمناقشتين:

ص: 186


1- الفقه 2: 56.
2- المهذّب 1: 130.
3- مصباح الفقيه1: 282.
4- مفتاح الكرامة 1 :329.

--------------------------

الأولى: «عدم حجية الإجماع المحصّل فكيف بالمنقول إلّا إذا علم بدخول المعصوم فيه»(1).

ولكنها محل تأمل. أمّا أوّلاً: فلأن ملاك حجية الإجماع - عادة - هو الحدس دون الدخول و اللطف، وإن كان الدخولي منه حجة أيضاً، وما ذكرناه من الملاك موجود في الإجماع المحصّل عادة.

وأمّا ثانياً: أنّ نقل الإجماع - فيما نحن فيه - يورث الإطمينان بالإجماع المحصّل؛ لوصول النقل إلى حد التواتر.

الثانية: «إنّها محتملة الإستناد، فتسقط عن الحجية».

وفيه: أنّ الاحتمال لايسقطها عن الحجية وتفصيله في الاُصول(2).

الدليل الثاني: ما في التنقيح(3):

«من التسالم، ولم يستشكل في ذلك أحد من الأصحاب». وكأنّ المراد بالتسالم: كون الأمر من الواضحات عند الفقهاء أو من الضرورات الفقهية. وهذا هو الفرق بين الإجماع الذي لايرتضيه التنقيح عادة(4) والتسالم الذي يدعيه(5)، ولا يبعد صحّة هذه

ص: 187


1- الفقه 2: 56.
2- راجع تبيين الاُصول 3: 242.
3- التنقيح 2: 34.
4- المصدر نفسه: 228.
5- تنقيح الاُصول2: 32.أقول: وعلى خاطري أنّه قال في الخيارات ما حاصله: إنّ دعوى التسالم منا هو عبارة عن القطع الحاصل لنا، وفي الإجماع لا قطع.

--------------------------

الدعوى في الجملة، فإنّ الكلام في أصل الانفعال على نحو القضية المهملة.

الدليل الثالث: إنّ المضاف ليس بأقوى من المطلق في العصمة، فكما أنّ المطلق ينجس بالملاقاة كذلك المضاف ينجس بها.

وأشكل السيد الوالد (رحمه اللّه) (1) عليه في المبنى والبناء؛ وذلك لعدم معلومية نجاسة المطلق بالملاقاة كثيراً كان أو قليلاً. ويوكل إلى بحث انفعال القليل. ولكن المبنى محل تأمل(2)، ولا يعمل بالقياس و إن سُلِّم الحكم في المقيس عليه لاحتياجه إلى دليل مفقود في المقام.

ولكن قد يتأمل فيه: بإلغاء الخصوصية عرفاً، لعدم تفرقة العرف في الانفعال بين المطلق والمضاف.

اللّهم إلّا أن يقال: بأنّ كثافة المضاف تمنع السراية ولا توجد تلك الكثافة في المطلق(3).

ص: 188


1- الفقه 2: 57.
2- أقول: وقد جمع بعض المعاصرين ما يقارب ثمانين رواية تدلّ أو تشير الى عدم انفعال القليل وقد ذهب السيد الوالد (رحمه اللّه) في أحد فتوييه الى عدم انفعال القليل وقد صرّح في مواضع متعددة من الفقه - مضافاً الى بحث انفعال القليل - بعدم الإنفعال قال في بحث الاستحالة [الفقه 6: 229] «بل قد عرفت أنّ عدم الإنفعال - في الماء القليل - هو الأقرب».
3- أقول: إنّ الإرتكاز العرفي قائم على عدم السراية مع الجفاف لعدم انتقال النجس عندهم معه، نعم يرون الانتقال مع وجود الرطوبة المسرية سواء كانت الرطوبة من الماء المطلق أو المضاف فالسراية عندهم متفرعة على الرطوبة والرطوبة موجودة في المائع سواء كان كثيفاً أو لم يكن.

--------------------------

الدليل الرابع: طوائف متعددة من الروايات:

الطائفة الأولى: روايات الأسئار(1) المذكورة في الوسائل في ابواب متفرقة كما في الباب الأوّل : «باب: نجاسة سؤر الكلب والخنزير» وبعضها معتبرة. وفي الباب الثالث: «باب: نجاسة أسئار أصناف الكفار». والباب الرابع روايات تدلّ على ذلك. والباب العاشر: «باب: طهارة سؤر ما ليس له نفس سائلة وان مات». وقد استدل بها الفقيه الهمداني قال: «ويدلّ عليه ما دل على نجاسة سؤر اليهودي والنصراني»(2) وقال في المهذب: «و ما دل على الاجتناب عن سؤر الكلب»(3).

ونحو الاستدلال بهذه الطائفة: أنَّ السؤر يشمل الماء المطلق والماء المضاف، فإنّه عبارة عن البقيَّة التي يبقيها الشارِب، أو مطلق البقية، أو ما باشر جسم الحيوان، على الإختلاف بين اللغويين، وعلى كلّ فإنّه يشمل المضاف الذي باشره الكافر وما أشبهه بفمه، أو بجسمه مطلقاً كما في رواية الناصبي(4).

وفيها : أنّها أخص من المدّعى دالة عليه في الجملة لاختصاصها:

أوّلاً: بأعيان النجاسات دون المتنجّسات كما في المعتبرة: «إلّا أن ترى

ص: 189


1- الوسائل 1 : 225 أبواب الأسئار، وفيها روايات كثيرة والمعتبر منها كثير.
2- مصباح الفقيه1: 223.
3- المهذب1: 131.
4- حكم الناصبي في المجلد الثالث من الوسائل.

--------------------------

في منقاره دماً»(1).

وثانياً: ببعض النجاسات كالكلب والخنزير والكافر والناصبي فلعلّ فيها خصوصية. اللّهم إلّا أن تلغى(2).

الطائفة الثانية: روايات تنجس القدر ونحوها بالملاقاة، وهي كثيرة فيها معتبرة السند، مذكورة في أبواب متفرقة:

منها: موثقة الصدوق باسناد معتبر إلى عمّار الساباطي: «عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد كانت متسلخّة؟ قال (عليه السلام) : فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء، ويعيد الوضوء والصلاة»(3) الدالّة على انفعال الماء المطلق، ووجوب غَسل كلّ ما اصابه ذلك الماء، فلو وقعت قطرة من ماء الفأرة في المضاف وَجَبَ غسله.

ص: 190


1- الكافي: 3: 9.
2- أقول: إن إلغاء الخصوصية الذي هو من المداليل العرفية مشكل إلّا مع الإحراز، فما الفرق بين فهم الخصوصية في التعفير في خصوص الإناء دون باقي أصناف الملاقى والغائه فيما نحن فيه. اللّهم إلّا برجوعه الى الإرتكاز أو دليل آخرقال في المهذّب [1: 133 في موضع آخر] «نقول بالنجاسة في خصوص الفأرة الواقعة في السمن والزيت الذائبين للتعبد بالنص دون سائر النجاسات التي لا نص فيها مع الشك في السراية، كما نقول بالتعفير في الولوغ دون سائر النجاسات للنص».
3- الوسائل 1: 142 كتاب الطهارة أبواب الماء المطلق ب4 ح1.

--------------------------

نعم قد يقال: بأنّ «يغسل» إنّما يصدق في الجوامد ولا معنى لذكره في المائعات. إلّا أنّ الظاهرأنَّ المراد من الغَسل التطهير، وذكر «يغسل» من باب العادة لا لخصوصية في الغَسل، فالمعنى: ويطَهِّرُ كلّ ما أصابه ذلك الماء.

والحاصل: أنّ العرف يلغي خصوصية أن يكون الملاقي ممّا يقبل الغَسل(1).

ومنها: صحيحة زرارة المروية في الوسائل عن محمد بن الحسن بإسنادة عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكلّ ما بقي، وإن كان ذائباً فلاتأكله واستصبح به والزيت مثل ذلك»(2).

ومنها: المعتبرة المروية في الوسائل عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه الباقر (عليهما السلام) : «إن

ص: 191


1- أقول: الغسل لا يطلق إلّا على ما تثبت عينه ويزول أثره أي الأجسام الصلبة غير المائعة كالاحجار والثياب والبدن وغيرها، وأمّا المائع فإنّه لا يطلق عليه ذلك فلا يقال: غسلت ماء الحوض أو غسلت النفط أو غسلت ماء الرمان. وأمّا إلغاء الخصوصية فإنّه لاينفع بدون القطع أو أن يعود لأدلّة اُخرى، هذا مضافاً الى عدم إمكان تطهير المضاف إلّا بافنائه كإلقائه في كثير من مطلق لا يبقي له اثراً، وعليه فلا جدوى من ارجاع «يغسل» الى «يطهر» كما فعله السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) ». نعم إنّ الأمر بالغسل إرشادي يشير الى انفعال ما يلاقيه.
2- الوسائل 1 : 205، أبواب الماء المضاف والمستعمل ب5 ح1.

--------------------------

علياً (عليه السلام) سُئِل عن قدر طُبخت وإذا في القدر فأرة؟ قال (عليه السلام) : يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل»(1).

ومنها: موثقة عمار الساباطي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) «سُئِل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسَّمن وشبهه، قال (عليه السلام) : كلّ ما ليس له دَم فلا بأس»(2)،

فما له دَم فيه البأس، وإلّا لزم لغوية التخصيص(3).

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قلت جُرذٌ مات في زيت أو سمن أو عَسل، فقال (عليه السلام) : أمّا السمن والعسل، فيؤخذ الجرد وما حوله والزيت يستصبح به»(4).

ص: 192


1- الوسائل 1 :206، أبواب الماء المضاف والمستعمل ب5 ح2.
2- الوسائل: 3: 463، أبواب النجاسات ب35 ح1.
3- أقول: ولا يرد عليه أنّ نقيض الموجبة الكلية هو السالبة الجزئية لأنّ المتفاهم العرفي أنّ نقيضها السالبة الكلية كما هو مذكور في عدم انفعال الكر وانفعال ما دونه من قوله (عليه السلام) «الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيئ» - : فتأمل حيث يأتي الإشكال في ذلك في اواخر الكتاب. وأمّا قوله «لزم لغوية التخصيص» فغير تام و إلّا لزم أخذ المفهوم في الوصف واللقب والعدد، نعم العرف قد يأخذ المفهوم فيها وهو المرجع في الظواهر، فتأمل.
4- الوسائل 24 :194، أبواب الأطعمة المحرّمة ب43 ح1.

--------------------------

ومنها: ما عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي قال: «سألت اباعبداللّه (عليه السلام) عن الفأرة والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه، فقال (عليه السلام) : إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً فإنّه ربّما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله وكله، وإن كان الصيف فارفعه حتى تُسَرِّج به»(1).

الى غيرها من الروايات المذكورة في أبواب 43، 44، 45، 46 فراجع.

هذا، إلّا أنّ إثبات الحكم متوقّف على نوعين من التعدّي:

التعدّي في الملاقي. و التعدي في الملاقى؛ وذلك لأنّها احتوت على مجموعة من العناوين: كالميتة والماء الملاقي لها والفأرة وقطرة خمر أو نبيذ مسكر، فنحتاج الى التعدّي إلى جميع النجاسات كالبول وغيره، وكذلك احتوت اُموراً معينة: كالزيت والإدام والسمن والمرق. فيكون التعدي إلى كلّ ملاقى.

نعم، يستغنى عن التعدي الثاني لعموم موثقة عمّار: «ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء»(2).

هذا، وقد أضاف في المستمسك تعدياً ثالثاً بقوله: «لأنّها وإن لم تكن من المضاف، إلّا أنّها مثله في الميعان الموجب لسراية النجاسة حسب الارتكاز

ص: 193


1- الوسائل 24: 194، أبواب الأطعمة المحرّمة ب43 ح3.
2- الوسائل 3: 463، أبواب النجاسات، ب35 ح1.

--------------------------

العرفي»(1).

وفيه ما ذكره في الفقه: «من عدم الحاجة للتعدي الثالث؛ لكون المرق من المضاف(2)» نعم لابدّ من التعدي في رواية الزيت والسمن.

فتحصّل من ذلك كلّه: أنّ بعض الروايات تحتاج إلى ثلاث تعديات، وبعضها إلى تعديّين، ولكن جميعها تحتاج إلى التعدي الأوّل ، وقد تكفَّلهُ إلغاء الخصوصية عرفاً(3).

وترد على هذه الطائفة اشكالات:

الأوّل: تعارضها بما دلّ على عدم نجاسة القدر بسقوط الدم فيها.

وفيه: ما ذكره في العروة بقوله: «و القول بعدم نجاسة المرق إذا وقع فيه الدم لرواية ضعيفة ضعيف»(4) ولكنّه غير تام؛ لصحة بعض تلك الروايات وعلاج المسألة في بحث الدم.

نعم، إنّها خلاف ارتكاز المتشرعة وكون: «مضمونها من المستنكرات

ص: 194


1- المستمسك 1 :114.
2- الفقه 2 :61.
3- أقول: قد سبق الإشكال في إلغاء الخصوصية إلّا إذا عاد الى دليل آخركارتكاز العلماء أو فهمهم ذلك أو ان يعود الى القطع بالملاك بتنقيح المناط أو القطع بعدم الخصوصية من ظاهر اللفظ وهو حجة لقاطعه.
4- العروة الوثقى: 140.

--------------------------

الواضحة عند المتشرعة». كما في المستمسك(1)، فتحمل على التقية أو غيرها. ولو سُلِّم تماميّتها وكون الفتوى عليها فهي تخصيص، وقد علّل بعضها ب- : «لأن النار تأكل الدم»(2) فالنار تُعدم الدَّم في المرق حال غليانه، فالمضاف الملاقي للنجاسة ينفعل إلّا المرق إن وقع فيه دم؛ لأنّ النار تأكله(3).

الثاني: لعلّ الاجتناب لحرمة الميتة والدم و ليس لأجل انفعال الملاقي؛ فالاجتناب عنه إنّما يكون لاحتوائه على ذرّات الملاقي لِتَحَلُّلِ النجاسة فيه.

وفيه: بُعده جداً خصوصاً عن مثل موثقة عمار في الفأرة التي ماتت في الماء حيث أجابة الإمام باجتناب كلّ ما أصابه ذلك الماء(4) آبية عن الاحتمال المذكور، فليس الاجتناب لتحلّل الفأرة ووجود ذرات منها في

ص: 195


1- المستمسك 1: 360.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 342.
3- أقول: أو يقال: بأنّ المرق ينفعل مع ملاقاة الدم إلّا أنّ الدم يستحيل في المرق فالنار مطهّرة للاستحالة، قال الشيخ في النهاية : 587: «جاز أكل ما فيها لأنّ النار تحيل الدم» فما في النص من أنّها تأكل الدم بالمعنى الذي في النهاية، فإنّ الاكل عبارة عن اضمحلال الشيء وانتفائه وصيرورته جزءً للآكل بحيث لا يكون له وجود مستقل بعنوانه الأولي كما قيل، قال في مجمع البحرين [5: 307] «وأصل الاكل للشيء: الإفناء له».
4- المصدر السابق 1: 20.

--------------------------

جميع الملاقي خصوصاً في مثل السمن والعسل التي لاتتحلَّل فيها بسرعة، وإن تحلّلت لاتنتشر في جميع أجزاءها، وإلّا لزم الاجتناب عن المقدار المنتشر فيه الذرات المتحلله فحسب، وهو كما ترى.

فتحصّل: أنَّ هذه الطائفة دالة على انفعال المضاف في الجملة.

الطائفة الثالثة: الروايات الكثيرة الدالة على وجوب الاجتناب عن الأواني الملاقية لبعض النجاسات.

منها: ما عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمة والمجوس، فقال: لاتأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر»(1).

ومنها: موثقة عمار الساباطي وفيها: «اغسل الإناء الذي تُصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرآت»(2).

ومنها: موثقة عمار: «سألته عن الدِن يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غُسل فلابأس»(3).

ص: 196


1- الوسائل 3 :517، كتاب الطهارة أبواب النجاسات ب72 ح2.
2- الوسائل 3 :496، كتاب الطهارة أبواب النجاسات ب53 ح1.
3- الوسائل 25 : 368، أبواب الشربة المحرمة ب30 ح1.

--------------------------

فالغَسل إمّا لأمر تعبدي أو لانفعال الماء، إلّا أنّ الظاهر عرفاً الثاني، وعليه فلا فرق بين أن يوضع فيه ماء مطلق أو مضاف، فَدَلَّت على انفعال المضاف الموضوع في آنية الخمر وشبهها.

لايقال: إنّ النهي إنّما هو عن شرب الخمر المختلط بالمضاف ولايدلّ على انفعاله.

فإنّه يقال: الرطوبة القليلة مستهلكةٌ، كما ذكره في العروة في لعاب الفم إذا كان فيه دَم مستهلك(1) هذا أولاً.

وثانياً: بأنّ الإطلاق يشمل حالة يُبس الدِن(2)، ولا يرى العرف التعبّد من أمر الإمام بالاجتناب في الرواية الأولى، أي لايرى الخل طاهراً، ولكن بما

ص: 197


1- العروة الوثقى 1: 66.
2- أقول: إنّ فعل المضارع يدلّ على الإستمرارية فالسؤال عن دنٍّ «يكون» فيه الخمر، وأمّا الدّن اليابس فقد «كان» فيه الخمر والأصل حمل اللفظ على المعنى الحقيقي وهو فيما نحن فيه حال التلبس. إلّا ان يقال: ليس السؤال عن المزج فإنّ حرمة الخمر مزجاً من المرتكزات، وهذه قرينة على عدم استعمال «يكون» في معناه. ولكنه غير تام و إلّا لزم القول بالإرتكاز فيما لو كان مرطوباً أو يابساً لوجود آثاره وسراية اللون والطعم الى المضاف المصبوب في الدن. والحاصل: أنّه لايبعد القول بأن النهي هو عن شرب الخمر الممتزج لا الإنفعال ولا أقل من الإجمال لوجود الاحتمالين فيسقط الاستدلال بالرواية عن الاستدلال.

--------------------------

وُضع في آنية الخمر يجب أن يجتنب؛ بل الاجتناب لانفعاله.

فثبت أنّ المضاف ينفعل بملاقاة النجاسة أو بملاقاة ملاقيها كالدِّن.

وأمّا موثقة عمّار الأولى فليس وجوب الغسل فيه وجوباً نفسياً بل هو وجوب مقدّمي - وذلك بالظهور العرفي وبذهنية المتشرعة وبأنّه لم يفتِ أحد بوجوبه النفسي - فيجب الاجتناب عن الماء المضاف الموجود في الإناء الذي مات فيه الجُرذ للانفعال لا لأمر تعبدي.

نعم يبقى أن نُلغي الخصوصية في الخمر والميتة إلى بقية النجاسات على ما تقدم(1).

الدليل الخامس: ما في المهذّب قال: «الظاهر أنّ الانفعال بالقذارات في الجملة من المرتكزات إجمالاً، فلا نحتاج إلى دليل عليه بالخصوص»(2).

الدليل السادس: ما ذكره الفقيه الهمداني قال: «ما علم من تتبع الأدلّة من أنّ ملاقاة النجس برطوبة مسرية سبب للتنجيس مطلقاً من دون فرق بين الجوامد والمائعات وإن اختلفنا في كيفية الانفعال»(3).

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل : ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد.

ص: 198


1- أقول: وقد تقدم الإشكال في إلغاء الخصوصية.
2- انظر: مهذّب الأحكام 1: 130. أقول: لا ارتكاز إلّا في المضاف المتغيّر ريحه أو طعمه أو لونه بالنجس دون غيره وعليه فلا يختلف عن المطلق.
3- مصباح الفقيه 1 :56.

--------------------------

في استثناء المضاف الكثير من الانفعال

المقام الثاني: في عدم الفرق بين انفعال المضاف بين القليل والكثير فلو وقعت قطرة دم في الف كر من المضاف تنجّس كلّه. وهو من المباحث المشكلة جداً فينبغي بسط البحث فيه فنقول إنّ فيه أقوالاً أربعة:

القول بانفعال المضاف مطلقاً و بيان ادلته

القول الأوّل : الانفعال قليلاً أو كثيراً واستدل عليه بأدلة:

في قاعدة المقتضي و المانع

الدليل الأوّل : قاعدة المقتضي والمانع، وقد ذكره الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة(1) وشيَّد أركإنّه الفقيه الهمداني(2)، وتلخيص العمدة من كلامه بتوضيح منا يكون بعد ذكر مقدمة كلية وهي: أنّ الخصوصيات المأخوذة في الموضوع:

تارة: يعلم عدم مدخلية شيء منها في الموضوع كما لو سأل: «وقعت في بئري» فإنّ المأخوذ في الموضوع وإن كان بئره إلّا أنّه يعلم عدم خصوصية بئره، وكذلك لو سأل: «أودعني رجل مالاً فَغابَ» فأُجيب: «حج عنه». فهنا لافرق بين الرجل والمرأة والوديعة والعارية.

واُخرى: يشك في مدخلية الخصوصيات في الموضوع وعدمها، وهو

ص: 199


1- كتاب الطهارة 1: 162.
2- مصباح الفقيه 1: 284.

--------------------------

على ثلاثة أنواع: الأوّل: ما كانت مدخليته بطريق الجزئية.

الثاني: ما كانت مدخليته بطريق الشرطية الوجودية.

ومثال الأوّل : - على سبيل الفرض - لو قال: «سألته عن ماء بئر وقعت فيه فأرة؟ فقال: انزح ثلاث دلاء». كانت مدخلية البئر في الموضوع على نحو الجزئية، فهذا حكم ماء البئر.

ومثال الثاني: لو قال: «عثرت على مال في بلاد الكفر. فقال: هو لك». حيث يحتمل أن لايكون التملك حكم اللقطة مطلقاً، بل بشرط أن تكون في بلاد الكفر.

ففي هذين النوعين يرى الفقيه الهمداني عدم صحّة التمسّك بتلك القضية الشخصية في موارد الشك؛ لقصور اللفظ وعدم الإطلاق، ولايقطع فيها بإلغاء الخصوصية؛ فإنّه يحتمل وجود الخصوصية لماء البئر فكيف يعَدّى إلى ماء الحوض؟ وكذلك الأمر في اللقطة في بلاد الكفر، كيف يعدى إلى لقطة غير بلاد الكفر؟

الثالث: ما كانت مدخليته في الحكم بطريق الشرطية العدمية، كما في مثل: «الماء بشرط عدم بلوغه الكر ينفعل» وقد حكم الفقيه الهمداني فيه بعموم الحكم وعدم مدخلية الشرط المشكوك، قال: «الظاهر كفاية الشك فيه في الحكم بعموم الحكم(1)» - وإن كان الشرط في المثال الآنف الذكر

ص: 200


1- مصباح الفقيه: 1: 284.

--------------------------

معلوماً -. وحكمه يبتني على مقدمات:

المقدمة الأولى: العدم لايعقل أن تكون له مدخلية في التأثير؛ لأنّ ثبوت شي لشيء فرع ثبوت المثبت له، والعدم بما أنّه لاذات له لايعقل أن يكون شرطاً أو مؤثراً.

المقدمة الثانية: مرجع شرطية العدم إلى مانعية الوجود، فمرجع انفعال الماء بشرط عدم بلوغ الكرّ إلى أنّ وجود الكرّية مانع عن تأثير فعلية الحكم بالانفعال، فالمثال الآنف الذكر يؤول إلى: أنّ الماء ينفعل والكرّية مانعة.

المقدّمة الثالثة: مئال المانعية في ظرف التحليل إلى قضّيتين:

الأولى: ثبوت الانفعال للطبيعة من حيث هي هي، فالماء يقتضي الانفعال بطبعه.

الثانية: ثبوت نقيض الحكم على تقدير المانع، حيث الكرية تمنع انفعال الماء، فوجود المانع مؤثر في ثبوت النقيض لا عدمه في حصول الحكم، ولذلك نستفيد حُكماً شأنيّاً بالنسبة للأفراد المقارنة مع وجود المانع فنقول: لولا كرّية الملاقي لكان نجساً. فيعلم أنّ الكرّية مانعة، وكما لو قال المولى: «أكرم العلماء الذين ليسوا هم بفساق». فيقال: لولا فسق الشلمغاني لأكرمناه، فالفسق مانع لا أنّ عدمه شرط.

المقدّمة الرابعة: مع وجود المقتضي والمانع يكون التأثير للمانع؛ لأنّه آكد في الإقتضاء، ولوجود المزاحم عن فعلية الحكم.

المقدمة الخامسة: الشك في المانعية شك في التخصيص الزائد، والأصل

ص: 201

--------------------------

عدمه.

ثم إنّه بعد تماميّة المقدمات الخمس، نقول: إنّ ما ذُكر في المثال السابق من انفعال الماء المضاف بشرط عدم الكثرة - بما أنّ شرط عدم الكثرة مشكوك - يؤول إلى قضّيتين ولا يراد به ظاهره:

الأولى: الماء المضاف يقتضي الانفعال. و الثانية: كون الكثرة مانعة.

ولكن يُشك في مانعية الكثرة، وهو شك في التخصيص والأصل عدمه.

والحاصل: أنّ الانفعال ثبت لطبيعة الماء المضاف والشك في خروج المضاف الكثير والأصل عدم التخصيص الزائد، فيثبت انفعال المضاف قليلاً كان أو كثيراً.

ولكن يرد عليه أوّلاً: عدم تسليم المقدمة الأولى؛ فإنّ العدم لا يعقل أن يكون مؤثراً في عالَم التكوين دون الاعتبار.

توضيحه: إنّ البرهان العقلي قائم على عدم تأثير الأعدام في عالم التكوين كما قيل: ]كذك في الأعدام لا عليّة......و إن بها فاهوا فتقريبيّة[

فيجب حمل مدخلية العدم على المجاز والمسامحة، فيجب تأويل ما لو قيل: بأنّ عدم المطر علّة لعدم النبات.

نعم، في عالم الاعتبار لامانع من أن يكون العدم مؤثراً ومتأثراً وفاعلاً ومنفعلاً؛ وذلك لعدم كونه تأثيراً حقيقياً، فإنّ عالم الاعتبار عالم فرضي؛ لخروجه عن وعائي الذهن والخارج الموجودان حقيقة، فللمولى أن يقول: إنّي جعلت عدم عدالة زيد علّة لعدم جواز تقليده. ولا اشكال فيه ولا

ص: 202

--------------------------

مسامحة في ذكره، فلا حاجة لتأويله(1).

ص: 203


1- أقول: إن امكن فرض العدم المضاف مؤثراً في عالم الاعتبار لأنّ له حصة من الوجود كقوله«وان عليك اعتاس تأثير العدم.....مذ سلب قرن منك عن سلب النعم» لأمكن فرضه كذلك في عالم الذهن والخارج فإنّ وزانهما واحد، فيصحّ القول : إنّ علّة الحزن عدم الطفل وعدم المال، والحزن أمر تكويني نفسي. والحاصل: أنّ عالم الاعتبار أيضاً غير خارج عن عالم الوجود. وان وجب تأويل عليّة العدم في عالمي الذهن والخارج بان يقال في من لا طفل له: «إنّ الوحدة وعدم الأنيس علّة حزنه»، لوجب تأويل علية العدم في عالم الإعتبار. ثم إن عَدَّ عدم المانع من العلّة في قولهم: العلّة التامة متشكلة من وجود المقتضي والشرط وعدم المانع، ليس مُسامحياً كما ذكره البعض، بل هذه اجزاءِ العلّة إلّا أنّ مدخلية كل جزءِ تغاير مدخلية الاجزاء الاُخرى: أمّا المقتضي: فهو ما يكون منه الأثر لترشُّح المعلول منه، فالإحتراق والحرارة يترشحان من النار. وأمّا الشرط: فهو الدخيل في علّية تأثير المقتضي كالممّاسَّة. وليس الشرط مؤثراً في المعلول، فالمقتضي وإن كان موجوداً إلّا أنّه لا أثر له بدون الشرط. وأمّا عدم المانع: فمدخليته لكون المانع يزاحم المقتضي ويمنعه عن التأثير كالرطوبة. وبعبارة اُخرى : إن دخله إنّما هو لمانعية وجوده، ففقد المعلول مع فرض تمامية المقتضي ووجود الشرائط يستند الى وجود المانع، والحاصل: أنّ عدمه متوقّف على المانع لا انّ وجوده متوقّف على عدمه، فتأمل. ثم إنّ الشيخ الاعظم ذهب إلى أنّ ما يأتي في السبب يأتي في المانع و الشرط، قال في رد كلام الفاضل التوني في مبحث أقوال الاستصحاب: «.. وإن جرى كلها(أي ما يأتي في السبب من الأقسام) أو بعضها في المانع إذا لوحظ كونه سبباً للعدم، لكن المانع بهذا الإعتبار يدخل في السبب، و كذا عدم الشرط إذا لوحظ كونه سبباً لعدم الحكم».

--------------------------

ثانياً: عدم قبول المقدمة الثانية، فإنّه يمكن أن يكون مرجع شرطية العدم إلى شرطية الوجود لا إلى مانعية الوجود، فتأويل «الماء بشرط عدم بلوغه الكر، ينفعل» ب- «الماء بشرط القلّة ينفعل». ولا مُلزم لتأويله إلى مانعية الوجود، وكذلك الأمر فيما نحن فيه، فمعنى: الماء المضاف بشرط عدم الكثرة ينفعل أنّه ينفعل بشرط القلّة، وقد اعترف الفقيه الهمداني في عدم عموم الحكم مع الشك في الشرطية الوجودية وكذلك في الجزئية كما سبق في مثال نزح ماء البئر فإنّ الحكم لا يُعَدّى إلى ماء الحوض(1).

ص: 204


1- أقول: يرد عليه أوّلاً: أنّه مع تعذر الحقيقة يصار الى أقرب المجازات، فمع عدم إمكان الذهاب الى شرطية العدم - الماء بشرط عدم بلوغ الكر ينفعل - يكون تأويله الى شرطية الوجود - الماء بشرط القلة ينفعل - مستلزماً لتجوزّين أحدهما: في ارجاع شرطية العدم الى شرطية الوجود، و ثانيهما: في اسراءِ الحكم من أحد الضدين - الكر - الى الآخر- القلة - . وأمّا تأويله الى مانعية الوجود - الماء ينفعل والكرية مانعة - فالتجوز إنّما هو في ارجاع شرطية العدم الى شرطية الوجود، نعم أقرب المجازات يحتاج الى مساعدة الظهور العرفي كما ذكر السيد العم حفظه اللّه في بيان الفقه [3 : 120]. ثانياً: سلّمنا عدم الارجحية إلّا أنّهما يعودان لأمر واحد فالقليل هو دون الكر ، والكر هو فوق القليل فهما مترادفان متّحدان في المعنى. والحاصل: أنّ شرطية الوجود ومانعيته واحدة فيما نحن فيه، وليس البحث في الألفاظ، فيتم الإشكال على الفقيه الهمداني المفرِّق بين الأمرين. وفيه تأمل. ويمكن ان يقال : إنّ إعدام المانع شرط فيما هو مركب عرفاً، فافهم. هذا، ولكن قد تدلّ روايات اُخرى على اشتراط القلة، منها: قوله عليه السلام : «كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ واشرب» ومنها: قوله عليه السلام : «خلق اللّه الماء طهوراً» دَّلتا على عدم انفعاله بمجرد الملاقاة بل مع تغيّر أحد أوصافه أو كان قليلاً، فالتغيّر أو القلة شرط في الإنفعال ، لا انّ الملاقاة مقتضية له والكرية مانعة.

--------------------------

ثالثاً: سلّمنا أوله إلى المانعية، إلّا أنّ المقدمة الثالثة من «ثبوت الانفعال للطبيعة» ممنوعة؛ فإنّه لايُدرى أنّ ثبوت الانفعال هل هو للطبيعة المطلقة أو المقيّدة أو المهملة؟ نعم يعلم إجمالاً أنّ الماء المضاف فيه طبيعة الانفعال في مثل ماء القدر ولكن الشك حاصل في أنّ النفط كذلك(1) ؟ فالقول بأنّ «طبيعة المضاف تنفعل بما هي هي والشك في المانعية» أوّل الكلام.

والحاصل: أنّه لم يثبت أنَّ طبيعة المضاف تنفعل مطلقاً بعمومٍ، حتى يعم الحكم للموارد المشكوكة.

ص: 205


1- أقول : عدم الإستفصال مع كون المولى في مقام البيان يدلّ على العموم والإطلاق ف: «أكرم العلماء الذين هم ليسوا بفساق» عام شامل لكل من انطبق عليه العالم، فالطبيعة اقتضت الاكرام، نعم مع عدم إحراز المقتضي مفصلاً وحصول الشك في بعض مراتب الكثرة في أنّ الملاقاة مقتضة لانفعال الجميع جرت قاعدة الطهارة في غير المتيقّن بلا دليل حاكم عليها، فتأمل.

--------------------------

رابعاً: ما أشار إليه الفقيه الهمداني من منع المقدمة الخامسة: فإنّه مع الشك في المانعية لايمكن القول بإحراز المقتضى و التمسك بأصالة العموم؛ وذلك لاعتماد هذا القول على قاعدة المقتضي والمانع، إلّا أنّ المشهور عدم اعتبارها؛ لعدم الدليل عليها لا عقلاً ولا عقلائياً ولا شرعاً، فإنّه مع إحراز المقتضي ووجود الشك في المانع لا يحكم بوجود المقتضى و المعلول(1) فالورقة مشكوكة الرطوبة لا يحكم باحتراقها مع ملامستها النار، والملقي أحداً من شاهق يحتمل سقوطه على شاحنة تحمل القطن لا يكون قاتلاً، فإنّ السقوط وإن اقتضى الموت إلّا أنّ احتمال وجود المانع بوقوعه على القطن يمنع من أن يوصف بالقاتل(2).

ص: 206


1- أقول: لا يقال: لا خلاف في أنّ الظن بثبوت مقتضي المفسدة مع الشك في وجود المانع كافٍ في وجوب الدَّفع، فإنّ احتمال وجود المانع للضرر أو وجود ما يتدارك به الضرر لا يُعتنى به عند العقلاءِ، بل يتحرّزون عن المضار المظنونة كشرب الأدوية وسلوك الطرق المخوِّفة ونحو ذلك من موارد الظن بمقتضى الضرر دون العلّة التامة له، بل المدار في جميع غايات الانسان من المنافع المقصود جلبها والمضار المقصود رفعها على المقتضيات دون العلل التامة ، لأنّ الموانع ممّا لا تحصى ولا يحاط بها» كما ذكره الشيخ الأعظم [فرائد الاُصول 1: 179ط الحديثة]. فإنّه يقال: إنّ أصالة الإحتياط العقلي مستندة الى حكم العقل بلزوم تحصيل المؤمِّن من المؤاخذة وهذا ليس من باب المقتضي والمانع المصطلح عليه هنا، فلاحظ.
2- أقول: المثالان من باب المقتضي والمانع في وجود الأثر التكويني وبحثنا في التشريعي منهما، بمعنى ان يراد بالمقتضي: ما جعله الشارع موضوعاً لحكمه، والمانع: ما جعله مانعاً عن ترتب ذلك الحكم عليه، وما لا دليل على اعتباره عقلاً ونقلاً هو الأوّل، أمّا عقلاً فلعدم بناء من العقلاء عليه إلّا في ما شك في بقائه بعد إحراز حدوثه - وهو مورد الاستصحاب لا قاعدة المقتضي والمانع - . وأمّا شرعاً : فلعدم حكم الشارع بترتيب الأثر التكويني على علته التكوينية. ولقد ادّعي قيام الدليل في موضوعات الأحكام الشرعية - أي مقتضياتها - لقولهم (عليهم السلام) : «لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله» و«لا تنقض اليقين بالشك» و«من كان على يقين فشك فليمض على يقينه» فهي صريحة في عدم الاعتداء بالشك مع المعارضة بل المتعين الركون الى اليقين. ولكن فيه: أنّ الروايات دلّت على وحدة متعلق اليقين والشك وهو مجرى الاستصحاب، ولكن هنا تعدّد متعلق اليقين والشك فإنّ الأوّل تعلّق بوجود المقتضي والثاني تعلّق بحدوث مقتضاه. والحاصل : عدم الدليل على جريان القاعدة في المقتضيات الشرعية كالآثار التكوينية.

--------------------------

وبعبارة واضحة: لا دليل على تعدية الحكم من ماء البئر إلى بئر النفط؛ فإنّ المولى ذكر الانفعال في الأوّل فحسب. والعجيب اعتماد الشيخ الأعظم(1) و الهمداني في حاشيته على الرياض(2)عليها، وإن تراجع عنها في

ص: 207


1- كتاب الطهارة 1: 303.
2- راجع مصباح الفقيه 1: 288.

--------------------------

مصباح الفقيه(1).

الدليل الثاني: الإجماع، اعتبره الفقيه الهمداني(2) مع الدليل الثالث العمدة في المقام.

وفيه أوّلاً: عدم ثبوته، ففي المستمسك: «وثبوت الإجماع على السراية في الكثرة المفرطة غير ظاهرة»(3)، وفي فقه الصادق: «لأنّ ثبوت الإجماع في الفرض ممنوع»(4).

وثانياً: ما في الفقه، قال: «فحيث إنّه دليل لبّي يلزم أن نأخذ بقدره المتيقّن في موضع الشك، وليس ذلك إلّا مثلما إذا لاقى النجس القِدْر والخابية ونحوهما»(5). فلا لسان له ليؤخذ بإطلاقه، ولا معقد له ليشمل هذا الفرد على نحو اليقين، فإنّه ليس نظر المجمعين إلى ألف كرٍّ من المضاف أو بئر نفط(6). قال في المهذب: «ولا وجه لشمول إطلاق معقده لمطلق الكثير؛ لأنّه

ص: 208


1- مصباح الفقيه 1: 280.
2- مصباح الفقيه 1: 283 و 289.
3- المستمسك: 1: 114.
4- فقه الصادق 1 : 119.
5- الفقه2 : 65.
6- أقول: الظاهر وجود المعقد للإجماع فإنّهم أجمعوا على انفعال المضاف ومعه يتمسك بجميع المصاديق فإنّ المعقد مطلق كاللفظ وهو محمول على القضية الحقيقية فيعم غير المألوف ايضاً. وقد ذكرنا تفصيل الأمر في تعليقتنا في ابتداء الكتاب على الدليل الثاني لمطهّرية الماءِ من الحدث والخبث، فراجع. اللّهم إلّا ان يقال بالانصراف عن مثل الكثير المفرط كما هو الحق.

--------------------------

من التمسك بإطلاق كلمات المجمعين في فرد غير مأنوس بأذهانهم الشريفة بل بأذهان المتشرعة، إذ المأنوس في الأذهان هو مثل القِدر والحُبِّ والطشت و..لا مثل أنابيب النفط التي تبلغ طولها فراسخ متعددة»(1).

الدليل الثالث: ماذكره الفقيه الهمداني من القاعدة المغروسة في أذهان المتشرعة من أن الماء المضاف ينفعل مطلقاً(2).

وقد ناقشه في الفقه - مضافاً إلى المناقشة الكبروية في غير المقام من عدم حجّية ذهنية المتشرعة - بقوله: «ففيه: عدم معلومية مغروسة النجاسة في أذهان المتشرعة بأكثر من السراية في مثل هذه الموارد»(3)، فقد جعل (رحمه اللّه) ملاكين للانفعال: الملاقاة والسراية(4)،

والمغروس في أذهانهم انفعال ما

ص: 209


1- مهذّب الأحكام 1: 131.
2- مصباح الفقيه: 1: 289.
3- الفقه: 2: 66.
4- أقول: إنّ مجمل القول في السراية: عدم أخذها ملاكاً أصلاً لا في المائع ولا الجامد، فالجسم الرطب برطوبة مسرية لا ينفعل منه إلّا الجزء الملاقي للنجس كما في العروة [فصل في كيفية تنجيس المنجسات]. نعم ذهبنا الى نجاسة ما دون الكر من المائعات للتعبد. وأمّا في مثل العلو التسنيمي والتسريحي وثقب الأبريق المتصل بسطح نجس فعدم الإنفعال لكون الماء القليل الوارد لا ينفعل للأدلّة القطعية والملاك بينه وبين باقي المائعات واحد، والأمر في الفوارة كذلك فإنّ الورود لا يشترط ان يكون من العالي بل يكفي الدفع والقوّة، هذا مضافاً الى احتمال شرطية الانقهار في الملاقي ولا انقهار في الوارد، لكنه ضعيف. والحاصل: أنّ السراية قد تكون حكمة التشريع وعلة الجعل فلا تؤثر بتاتاً، على تأمل فيه ايضاً. وأمّا مناقشة الهمداني: فهي تامة إذ لا ارتكاز لديهم بانفعال مثل بئر النفط وأمثالها.

--------------------------

لاقته النجاسة وما سرت إليه عرفاً دون الأكثر من ذلك، فالعرف يستقذر جميع ما في الإناء الواقع فيه ذبابٌ دون الجانب الآخرمن الواقع في الحوض. وسيأتي في بحث السراية: أنّ كيفية السراية موكولة إلى العرف؛ لعدم تحديدها من قبل الشارع.

الدليل الرابع: ما في التنقيح وحاصله: أنّ الأمر لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة: الأوّل: القول بعدم الانفعال مطلقاً. الثاني: القول بالانفعال في مقدار معين. الثالث: القول بالانفعال في الكل. وبما أنّه لاسبيل إلى الأوّلين فيتعين الثالث. قال مانصّه: «إن قلنا: بعدم انفعاله أصلاً فهو مخالف للأدلّة المتقدمة، وإن قلنا: بانفعاله لا في تمامه بل في حوالي النجاسة الواقعة فيه واطرافها فيقع الكلام في تحديد ذلك وأنّه يتنجس بأيّ مقدار، مثلاً: إذا وقعت قطرة دَم في مرق كثير فهل نقول بتنجس المرق بمقدار شبر أو نصف شبر من حوالي تلك القطرة فيه أو بازيد من ذلك أو أقل؟ لا سبيل إلى تعيين شيء

ص: 210

--------------------------

من ذلك؛ إذ لو قدَّرنا الانفعال بمقدار شبر مثلاً فلنا أن نسأل عن أنّه لماذا لم يُقَدَّر شبرٌ ومقدار اصبع؟ وهكذا. فيتعين أن يحكم بنجاسة جميعه، وهذا أيضاً من أحد الأدلّة على انفعال المضاف الكثير بملاقاة النجس(1)».

ولكنه محلّ تأمل لما ذكره في الفقه من أنّا نحكم بانفعال الملاقي والمقدار الذي سرت إليه النجاسة عرفاً دون البقية. توضيحه: لنا حالات ثلاث:

أ) ما تيقنّا بانطباق هذين العنوانين عليه نحكم بانفعاله.

ب) وما تيقنّا بعدم الانطباق نحكم بعدم انفعاله.

د) وماشككنا فيه نجري فيه أصالة الطهارة، أو استصحابها على الخلاف في جريان أيّ الأصلين، وإن كان الأقوى ثالث الأقوال من تواردهما معاً.

وبعبارة اُخرى: علينا أن ندور في حدود الألفاظ الواردة في الروايات، فما علمنا بانطباق اللفظ عليه نحكم بانفعاله، وما علمنا بالعدم نحكم بعدم انفعاله، وما نشك فيه نجري فيه أصالة الطهارة أو استصحابها.

وقد مضت الألفاظ الموجودة في الروايات المعتبرة و هي على النحو التالي:

أ) «السؤر» وهذه الكلمة لا تطلق عرفاً على الجانب الآخرمن بحيرة ماء مضاف شرب منه الكافر(2)

فالواجب الوقوف على حدود كلمة «السؤر»

ص: 211


1- التنقيح2: 37.
2- أقول: السؤر كما في اللغة : البقية من الماء والطعام والفضلة، ولا يطلق على حوض كبير السؤر، ولا أقل من الشك في الصدق فإنّ مفهوم السؤر وان كان واضحاً إلّا انّ الشك في حدوده سعةً وضيقاً ليشمل الكثير المفرط في الكثرة ومع الشك في الصدق لا يمكن التمسك بالإطلاق كما هو بيّن.

--------------------------

الواردة في الروايات المعتبرة فيقال للتنقيح: إنّ أطراف الملاقي سؤر، والمشكوك طاهر.

ب) تكرُّرُ كلمة «في» الظرفية في كثير من الروايات مثل: «يجد في إنائه فأرة»(1) ولا يقال البحيرة ظرف الفأرة، مع إلغاء خصوصية الإناء(2).

ج) عنوان ثالث وهو «أصابه» في قوله (عليه السلام) : «ويُغسل كل ما أصابه ذلك

ص: 212


1- تهذيب الأحكام 1: 418.
2- أقول: إنّ العرف لا يرى الكثير وحدة واحدة بل يرى طرف البحر غير جانبه الآخرفلا يصدق على الطرف الآخرعنوان «فيه» أو «اصابه» لتعدد الظرف والموضوع عرفاً، فُيجتنب عمّا احرز ظرفيته وموضوعيته دون المشكوك، والتمسك بالعام فيه تمسك في الشبهة المصداقية، وبهذا يجاب عن إشكال: أنّ الماء الواحد لا يختلف حكمه، هذا مضافاً الى التخصيصات الكثيرة في هذه القاعدة التي ذكرناها في بعض تعليقاتنا. اللّهم إلّا أن يقال: إنّ الوحدة العرفية لم تؤخذ موضوعاً في دليل، فدون الكر ينفعل وان رآه العرف متعدداً كَحُفَر متعددة فيها ماء دون الكر متصلة بسواقي لو تنجس أحدها، أو اُنبوب عمودي طوله مائة متر، وأمّا ماكان مجموعة فوق الكر فإنّه لا ينفعل وان رآه العرف واحداً كالمثال نفسه، فتأمل.

--------------------------

الماء»(1).

نقول: هناك مرتبتان، فما هو مقدار ما أصابه عرفاً؟ فما أصابه عرفاً نحكم بنجاسته، و ما لم يصبه عرفاً نحكم بطهارته، وبينهما مراتب مشكوكة نحكم فيها بالطهارة، وما ذكرناه جار في كل حقيقة لها فرد متيقّن وفرد خارج ومتخلّلات مشكوكات، فلو قيل: حدث تلوث في جانب المحيط الهندي لا يطلق عرفاً تلوّث الجانب الآخر منه.

وقد انتزع السيد الوالد (رحمه اللّه) ومجموعة من الفقهاء من مجموع هذه العناوين عنوانين: الملاقاة. والسراية العرفية. وإن لم يكن العنوان الثاني موجوداً في الروايات الشريفة(2).

ص: 213


1- الإستبصار 1: 32.
2- أقول : أدلّة التنجيس خاصة بالملاقاة برطوبة ومنصرفة اليها، وفي موثقة ابن بكير: «كل يابس زكي» وتعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلّية، فغير اليابس غير زكي سواء كان مائعاً أو جسماً رطباً، والمقصود من الزكي: عدم تعدّي النجاسة اليه، هذا مضافاً الى الروايات المتعددة في عدم انفعال ملاقي اليابس. نعم إنّ قضية الإنفعال تنجّس ما لاقى المحل لا غيره ولكن قام الإجماع على السراية في المائعات وأمّا غيرها فلا. والحاصل : إنّ الدليل على السراية هو الإجماع وهو مختص بالمائعات، وقد ذهب البعض الى انّ دليل السراية الفهم العرفي، ولكنه غير تام لعدم سراية القذارات الشرعية دون العرفية الى ملاقياتها عرفاً. ولا يخفى أنّ مقتضى الأصل - لو وصل الأمر اليه - عدم وجوب الإجتناب كما في الجواهر [1 : 135]. وممّا يؤيد عدم خصوصية في السراية وأنها ليست الملاك للانفعال ما ذكره في العروة : «اذا وصلت النجاسة الى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجس ما يتصل به وان كان فيه رطوبة مسرية» ولم يعلق أحد من الاعلام عليه على ما رأيت. ويشكل الأمر فيمن يرى انّ الملاك السراية ولا يذهب الى انفعال الأجسام الصيقلية إذا اجتمعت عليها طبقة من الرطوبة المتصلة المسرية.

--------------------------

الدليل الخامس(1):

موثقة عمار السابقة، وقد ورد في ذيلها: «وعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كُلّ ما أصابه ذلك الماء(2)» قال في التنقيح: «حيث دلّت بعمومها على وجوب غَسل كل ما لاقاه متنجّس فنجاسة الملاقى بنفسها تقتضي نجاسة كل ما لاقاه كثيراً كان الملاقي أم قليلاً ماء كان أو مضافاً»(3).

ويرد عليه أمران. الأوّل : إنّ العنوان المأخوذ في هذه الموثقة هو عنوان «أصابه»، وقد سبق: أنّ المضاف المفرط في الكثرة لا يصدق عنوان «أصابه» على الاطراف البعيدة منه كما في أُنبوب نفط يمتد مئات الكيلومترات(4).

ص: 214


1- لعدم الفرق بين انفعال الماء المضاف بين القليل والكثير.
2- الإستبصار 1: 32.
3- التنقيح 2: 35.
4- أقول: قد سبق منا في التعليقة السابقة الشك في الصدق والتعدد في الموضوع عرفاً، فلاحظ.

--------------------------

الثاني: إنّ في الرواية مٌعَدّاً عنه وهو الإجسام الجامدة، ومُعَدّاً إليه وهو المائعات، والرواية بمدلولها اللفظي تختص بالجوامد؛ فإنّها هي التي يمكن أن تُغسل ويُغسل كل ما أصابه ذلك الماء، وأمّا المائعات فهي غير قابلة للغسل، ولكن نعدّيه بعدم فهم الخصوصية عرفاً(1) فماء الفأرة - كما في الموثقة - يصيب الثوب والبدن والأرض لكونه توضأ منها، فبما أنّ الملحوظ في ماء الفأرة الجوامد، عَبَّرَ الإمام (عليه السلام) ب- «يُغسَلْ»، والمقصود الحقيقي منه هو: «يُطَهّر كل ما أصابه».

ثم نأتي إلى المعدّى منه، حيث لا يجب غسله أجمع، فإن أصاب ماء الفأرة ثوباً لا يجب غسل جميعه بل موضع الملاقاة فَحسب. وإن أصاب البدن وكلّه رطب، لا يُغسل جميعه بل موضع الملاقى(2).

فإذا اقتصر في المعدّى منه على نفس الموضع ولم يُتعدّى منه إلى الجميع، فكيف تحكمون في المعدّى إليه - وهو المائعات - بنجاسة الكل

ص: 215


1- أقول : سبق البحث في الرواية وعدم شمولها للمائعات وعدم أثر للقول بعدم فهم الخصوصية، فراجع.
2- أقول: وذلك لأنّ الإجماع قائم على انفعال المائعات بالسراية لا مطلقاً ليعمّ الأجسام الرطبة. قال الميرزا القمي: [غنائم الايام 1: 466] «إنّ الرطوبة لا يصدق عليها أنّها ماء قليل حتى يشملها ما دَل على نجاسته» وقال ما حاصله: وإلّا لزم نجاسة مَفازة رحبة الفضاءِ إذا ابتل جميعها بمجرد نجاسة جزء منها لو قلنا بها.

--------------------------

ووجوب تطهير الكل(1)؟

هذا مضافاً الى أنّ التعدية إنّما هو للارتكاز العرفي المفقود في المضاف الكثير ولا تظهر من الرواية.

والحاصل: أنّه لم يذكر نجاسة الكل في المقيس عليه فكيف يذكر في المقيس؟

وبعبارة اُخرى: التعدية إلى المائعات إنّما كان بالارتكاز العرفي، فيجب الإقتصار على حدود التعدية بالارتكاز العرفي، وإلّا كانت التعدية فاقدة للدليل.

فنقول: إنّ الرواية وردت في الجامدات، وتعديتها إلى المائعات إنّما يكون بالارتكاز العرفي، وهو مفقود في الأطراف البعيدة للماء المضاف.

ص: 216


1- أقول: إنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك، فلو ثبت أصل التعدي فإنّه لا يقتصر على حدوده بل المحكَّم النظر الى المعدّى اليه ليرى تأثر جميعه أو بعضه بالنظر العرفي، فالتعدية إنّما هي في أصل النجاسة ولكن مقدار الإنتشار موكول الى العرف، وقد عّدى أكابر الفقهاءِ حرمة الجلوس على مائدة الخمر - كما في صحيح هارون بن جهم، الوسائل ب62 من ابواب الاطعمة المحرمة ح1، وغيرها - الى حرمة الجلوس للفساد واللّهو والقمار فلو كان الفساد في بيت كبير مخصّص له حرم دخوله، لصدق الدخول في البيت للفساد ولا يصدق الدخول في غرفة يشرب على مائدة فيها الخمر الجلوس على مائدة الخمر، فالتعدية وان كانت من الخمر الى القمار والفساد إلّا أنّه لا يتوقّف في حدود المائدة بل تعمّ ما يطلق عليه مجلس الفساد، فلاحظ.

--------------------------

الدليل السادس: ذكره في التنقيح أيضاً، قال: «وممّا يوضح ماذكرناه ويؤكّده الاستثناء الواقع في بعض روايات الأسئار(1)» ويقصد ببعض روايات الاسئار رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «ليس بفضل السنّور بأس أن يتوضأ منه ويشرب منه ولا يشرب من سؤر الكلب، إلّا أن يكون حوضاً كبيراً يستسقى منه(2)».

وقد عبّر عنها بعض المعاصرين بالصحيحة وآخرون بالضعيفة، إلّا أنّ المختار أنّها موثقة لسماعة، فإنّ سندها - كما في الوسائل -: «محمّد بن الحسن عن سعد عن أحمد بن محمّد عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران عن أبي بصير(3)».

والاشكال(4) في عثمان بن عيسى الرواسي شيخ الواقفة ووجهها المنحرف

ص: 217


1- التنقيح 2 : 35.
2- الإستبصار 1: 20.
3- وسائل الشيعة: 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الاسئار ب31، ح7.
4- أقول: ليس الإشكال في السند فقط بل في الدلالة أيضاً وذلك للإعراض عنها فإنّ الكبير لا يساوق الكر بل قد يصدق على الأكثر منه والأقل كما قيل - مصابيح الظلام (513ط القديمة) - وحمله على الكر خلاف الظاهر فالإستثناء قرينة على انّ النهي من شرب سؤره إنّما هو في في مقام أصل التشريع لعدم قصده من قبل المولى قطعاً. ومع هذا الاحتمال لا يبقى عموم للمستثنى منه، فما ذكره السيد الأخ الأكبر من تمامية عموم المستثنى منه في آخرالدليل محل نظر، فتأمل لكون الأصل كون المولى في مقام البيان وخروج الكر من المستثنى منه بدليل آخرتخصيص له ولا يسبب عدم إطلاقه بل المستثنى منه عام خرج منه الحوض الكبير للاستثناء والكر لأدلّة اُخرى.

--------------------------

عن الحق، المعارض للإمام الرضا (عليه السلام) ، وقد كان مع زياد بن مروان القندي وعلي بن أبي حمزة البطائني الاقطاب الثلاثة للوقف.

ولكن فيه: أنّ النجاشي وثقه تحت عنوان: محمّد بن الحسن بن أبي سارة، قال: «بيت الرواسي كلّهم ثقات»(1) وكذلك وثقه الشيخ في العدّة(2)، وقد وثقه ابن شهر آشوب(3) -على مبنى قبول توثيقات المتأخرين(4).

قال في التنقيح في وجه الاستدلال بها مانصّه: «حيث إنّه بعدما مَنَعَ عن استعمال سؤر الكلب في الشُرب، استثنى منه ما إذا كان السؤر حوضاً كبيراً يستقى منه، فإنَّ الاستقاء قرينة على أنّ المراد بالحوض الكبير هو الحوض

ص: 218


1- رجال النجاشي: 324.
2- عدة الاُصول 1: 381.
3- معالم العلماء: 76.
4- أقول: اضف الى ذلك أنّه من مشايخ كامل الزيارات وله عدة روايات فيه، على المبنى. بل إنّ الشيخ في العدة ذكر انّ الطائفة عملت برواياته، مضافاً الى ما ادّعاه بعض من أنّه من أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) ، ويلقب بالكلابي ايضاً. والحاصل إنّه ثقة بتوثيق عام وتوثيق خاص. ولم يضعفه أحد إلّا في عقيدته وقيل: إنّه تاب. إلّا أنّه لم يثبت واللّه العالم.

--------------------------

المحتوي على الماء؛ لأنّه الذي يستقى منه للحيوان أو لغيره، والحوض الكبير يشمل الكر بل الأكرار فالرواية دلّت على نجاسة السؤر في غير ما إذا كان كرّاً من الماء(1)».

فهنا مستثنى ومستثنى منه. المستثنى: الكر المطلق من الماء، فكل ما عداه يدخل في المستثنى منه وهو: المطلق القليل والمضاف القليل والمضاف الكثير، ف«كل سؤر يجب الاجتناب عنه» عام يشمل الثلاثة الأوّل ، وخرج الرابع وهو المطلق الكثير بالاستثناء.

وأمّا كون المستثنى هو المطلق فقد اعتمد التنقيح على قرينة الإستقاء، والأولى القول بأنّ المجموع يدلّ على أنّ المراد الماء المطلق، فإنّ الحوض الكبير الذي يستقى منه ظاهر في الماء المطلق إمّا على نحو الانصراف، أو أنّ القدر المتيقّن منه ذلك.

ولكن فيه أوّلاً: ماسبق من عدم إطلاق السؤر على الأطراف البعيدة.

ثانياً: المستثنى يشمل المضاف. إلّا أن يورد عليه: بأنّه منصرف. إلّا أن يقال: بأنّه بدوي. إلّا أن يجاب: بأنّه مستقر، والظاهر ذلك ولو بقرينة فهم الفقهاء.

ثالثاً: إنّ الاستثناء منقطع فلا دلالة له على العموم إذ السؤر لا يعم المائع الكثير.

ص: 219


1- التنقيح 1: 52.

--------------------------

ولكنه منظور فيه من جهات ثلاث:

الأولى: قد يُدّعى صدق السؤر على الحوض الكبير الذي يحتوي كرّاً أو اكراراً متعارفة، فيكون الاستثناء متصلاً لا منقطعاً.

الثانية: سلّمنا أنّ الاستثناء منقطع، ولكنه كالمتصل يدلّ على العموم في المستثنى منه، بل لعلّ الاستثناء المنقطع أقوى في الدلالة على العموم من الاستثناء المتصل، ف: «جاء القوم إلّا زيداً» يؤكّد مجيء القوم بأجمعهم، ولكن: جاء القوم إلّا حماراً. يدلّ على أنّ المستثنى عام بحيث لا مجال إلّا لاستثناء المباين، ولا أقل من المساواة(1).

الثالثة: سلّمنا بأنّ المستثنى منقطع ولا يفيد العموم، إلّا أنّ المستثنى منه بذاته يدلّ على العموم، فقوله (عليه السلام) : «ولا يشرب سؤر الكلب(2)»، كقوله (عليه السلام) : «لا يتوى حق أمرء مسلم(3)» فإنّ المصدر المضاف يفيد العموم كما في قولنا: «أكل زيد كثيراً». أو: «ضربه شديداً». فما ذكره في التنقيح

ص: 220


1- أقول: بل قد يكون العام في الإستثناء المنقطع من العمومات الآبية عن التخصيص فإنّه قرينة عرفية عن امتناع التخصيص في العام، إلّا ان يكون ذكر المستثنى لحكمة كانتظار مجئ المركوب إلّا أنّه عطب في الطريق فيقال: جاء القوم إلّا الشاحنة مثلاً - وعليه فلا يدلّ على أكثر ممّا يدلّ عليه الإستثناء المتصل.
2- التهذيب 1: 226
3- بحار الأنوار 51: 375.

--------------------------

من عموم المستثنى منه - مع قطع النظر عن الجوابين الأوّلين - تام(1).

ويلحق بالدليل السادس جميع الروايات الواردة في السؤر.

الدليل السابع: ما في التنقيح أيضاً من الاستدلال بموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس(2)» قال في وجه الاستدلال بها ما لفظه: «حيث يظهر من قوله (عليه السلام) : وشبهه أنّه لا خصوصية للزيت والسمن المذكورين في الرواية، بل المراد منهما مطلق المائع والرواية دلّت على أنّ المائع إذا وقعت فيه ميتة ما لا نفس له لم يحكم بانفعاله، وأقرَّت السائل فيما هو عليه من أنّ وقوع الميتة ممّا له نفس سائلة في شيء من المائعات يقتضي نجاسته، وقد دلّت بإطلاقها على عدم الفرق في المائع بين المضاف والمطلق وبين كثرته وقلّته(3)».

فقد دلّت الرواية على انفعال ما يقع فيه ممّا له دم دافق، فإنّ الإستفصال في الجواب دليل على الفرق. ولو قال: «ويدلّ بالإستفصال على الفرق». لكان أوضح فإنّ السائل قد لايكون في ذهنه شيء.

ويرد عليه ثلاثة اُمور:

ص: 221


1- أقول: قد سبق عدم تماميته فراجع.
2- وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب35 ح الأوّل.
3- التنقيح 2: 36.

--------------------------

الأمر الأوّل : لإثبات المدّعى يجب إثبات الإطلاق في الرواية من نواحي ثلاث:

الأولى: الملاقى، وهو الحيوان الذي وقع في البئر كالجراد والنملة وغيرهما. الثانية: أصناف الملاقى كالبئر والسمن والزيت وشبهها.

الثالثة: كمّية الملاقى قليلاً كان أو كثيراً، كرّاً أو ألف كر(1).

أقول: لاشك في وجود الإطلاق أو العموم من الناحيتين الأوليين، ولكن يشك في إطلاق الرواية من الناحية الثالثة؛ حيث لا يعلم كون الإمام (عليه السلام) في مقام البيان من هذه الجهة. بل ربّما يقال: بأنّا نعلم أنّه ليس في مقام البيان من هذه الجهة فلا إطلاق.

لايقال: الأصل عند الشك كون المولى في مقام البيان.

فإنّه يقال: إنّ ما ذُكر إنّما يتمّ مع الظهور العرفي، ولا ظهور فيما نحن فيه، كما عليه مجموعة من الأعلام منهم الفقيه الهمداني(2).

الأمر الثاني: سلّمنا ذلك إلّا أنّ المفهوم على نحو الموجبة الجزئية، فلا

ص: 222


1- وعليه فيكون كلام الإمام (عليه السلام) : «كل ماليس له دم إذا وقع البئر والزيت والسمن وغيرها، قليلاً كان أو كثيراً،كرّاً كان أو الف كر فإنّه لا ينفعل، وينفعل ذلك في ما له دم سائل».
2- أقول: ومنه يعلم النظر في القول بأنّ ترك التفصيل من الإمام عليه السلام بين القليل أو الكثير والمفرط في الكثرة، دالّ على العموم.

--------------------------

عموم له.

توضيحه: إنّ الوصف واللقب وغيرهما ليس لها مفهوم كالشرط، وأمّا إن اضطررنا إلى انتزاع المفهوم منهما - للغويّة التقييد أو الوصف - لكان المفهوم موجبة جزئية أو سالبة جزئية ولا كلّية له، وذلك لأنّ علّة انتزاع المفهوم - اللغوية - تندفع بوجود مفهوم مخالف على نحو الجزئية، ولا يتوقّف الأمر على الكلّية، فلو قال المولى: أكرم كل رجل عالم - والمفروض وجود المفهوم كي لا يلزم لغوية التقييد بالعلم(1) - لكان مفهومه: «بعض الرجال غير العالمين لا يجب اكرامهم». ولا عموم لمفهوم كلامه ليشمل: «لاتُكرم كل رجل غير عالم وإن كان أباً أو مؤمناً».

وكذلك الأمر في الرواية فإنَّ مفهوم قول الإمام (عليه السلام) : «كل ماليس له دم فلا بأس». هو: «بعض ماله دم فيه البأس». وليس مفهومه: «كل ما له دم في كل ملاقي بأيّ مقدار كان فيه البأس»؛ وذلك لأنّ المفهوم الذي يبنى على اللغوية أو على الإستفصال يكون جزئياً.

وإنّما ذهبنا إلى التفصيل بين ما له دم وغيره للغوية التقييد بدونه، حيث أمكنه (عليه السلام) أن يُجيب: «كل حيوان لا بأس به». فالتقييد بما لا دم له مفهومه: «أنّ بعض ما له دم فيه البأس». فيدل على الجزئية في الملاقي والملاقى و

ص: 223


1- أقول: لا داعي لأخذ المفهوم في المثال ولا قرينة على ذلك بل الكلام مذكور لبيان عموم حكم المنطوق، ولا يخفى انّ الظهورات تعود للعرف و تختلف الأمثلة عنده.

--------------------------

الكمية. وبما ذكرنا ثبت الاشكال على المستدل القائل بعموم المفهوم(1).

الأمر الثالث: سلّمنا كون الإمام في مقام البيان وأنّ المفهوم عامٌ، إلّا أنّ الموضوع في الرواية كلمة «في» في قوله (عليه السلام) : «في البئر والزيت والسمن». والظرفية نوعان حقيقية وعرفية:

ص: 224


1- أقول: المرجع في الظواهر العرف، وهو يرى انّ نقيض الموجبة الكلية: السالبة الكلية لا السالبة الجزئية كما عليه المناطقة عند الدقة العقلية، وعليه يكون مفهوم قوله عليه السلام: «كل ما ليس له دم فلا بأس» هو: «كل ما له دم ففيه البأس»، وذلك نظير المفهوم الكلي المستفاد من «الماءِ إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء» فقد استفاد السيد الأخ الأكبر«ره» عموم المفهوم فيه وانّ الماء غير البالغ قدر كر ينجسه كل ماله شأنية التجيس. والحاصل: أنّ القضايا الدقية العقلية لا تؤخذ في الظواهر العرفية. والعرف لا يفرق بين مفهوم الشرط ومفهوم الوصف، ولا أقل من قيام القرينة على المفهوم وهو كون الإمام عليه السلام في مقام التحديد والجواب، وذلك كما ذهب الأعلام الى وجود المفهوم في قوله عليه السلام: «في الغنم السائمة زكاة»، وتعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلّية إن لم يدلّ عليه عرفاً خصوصاً في مثل ما نحن فيه. ثم انّه لا لغوية وان رفضنا مفهوم الوصف بل قد يكون ذكره لاهميته أو لخصوصية في النفس. والحاصل:إنّ وزان مفهوم الشرط والوصف فيما نحن فيه واحد، نعم من ينكر مفهوم الشرط في الكر لكونه مسوقاً لبيان عموم حكم المنطوق كما في بعض الاخبار المتضمنة للسؤال «عن الماء الذي لا ينجسه شيء ؟ فقال : كر» وغيرها، يشكل عليه الذهاب الى المفهوم هنا، ولكن العرف على غير ذلك، فتأمل.

--------------------------

أمّا الظرفية الحقيقية الدقّية العقلية فهي لا تدلّ على المدّعى؛ فإنّ الظرف هو مايحيط بالشيء وهو يشمل عدة سنتيمترات فقط، ولكن الألفاظ لاتحمل على المعاني الدقّية بل العرفية.

وأمّا الظرفية العرفية فإنّ لها مقداراً محدّداً ولاتشمل الأطراف البعيدة فالملاك والمدار لفظ الرواية فما يشمله «وقع فيه» ينفعل، ولكن العرف لا يرى الطرف البعيد كألف كيلومتر ظرفه بل يرى أنّ الأطراف المحيطة بالملاقي هي ظرفه فقط(1) فجواب الإمام (عليه السلام) بمقدار سؤال السائل عن الموت في البئر.

الدليل الثامن: صحيحة زرارة المروية عن محمّد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن عُمَر بن أُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فإن كان جامداً فألقها ومايليها وكُلْ ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك»(2).

ص: 225


1- أقول: بل العرف لا يرى الموضوع واحداً بل متعدداً فالأطراف البعيدة غير ما وقع فيه النجس عرفاً وقد مضى بحثه في بعض تعليقاتنا، نعم الإشكال في عدم أخذ الوحدة موضوعاً في الأدلّة وإلّا لزم عدم انفعال ما دون الكر في حفر بينها سواقي، اللّهم إلّا ان يقال بالتعبد فيما دون الكر وأمّا فوقه فالحكم تابع لموضوعه العرفي، فلاحظ.
2- وسائل الشيعة 1: 206 كتاب الطهارة ابواب الماء المضاف، ب5، ح1.

--------------------------

وجه الاستدلال بها كما في التنقيح: «إنّنا نقطع من قوله: والزيت مثل ذلك. أنّ الحكم لا يختص بالسَّمنِ أو الزيت، وإنما هو مستند إلى ميعانهما وذوبانهما»(1).

فالدليل ينحلّ إلى دعويين:

الأولى: عدم الفرق بين السمن والزيت والماء المضاف، فالرواية وإن لم ترد في الماء المضاف؛ لخروج السمن والزيت موضوعاً عنه إلّا أنّه يُقطع بعدم الخصوصية فيهما، أو نقول بالأولويّة؛ لوجود الكثافة التي تمنع السراية إلى حَدٍّ ما فيهما دون المضاف فينفعل بطريق أولى.

الثانية: الرواية مطلقة تشمل القليل والكثير.

ويرد عليه أوّلاً: ما ذكره المهذّب في مقام آخرقال: «يمكن أن يحمل النهي عن أكل ما عدى موضع الملاقاة على الإستقذار والتنزّة»(2) فالانفعال معلّق على السراية و لا سراية في الأجسام الكثيفة، فكما أنّ حمرة الدم لا تنتشر إلّا إلى شعاع محدود كذلك الأمر في الفأرة فإنّه ينفعل موضع الملاقاة، وأمّا الأكثر فالرواية وإن شملته إلّا أننا نحملها على التنزّة يعني الافضلية.

وقال في موضع آخر: «لا يخفى على كل أحد أنّ الفأرة إذا وقعت في

ص: 226


1- التنقيح 2: 36.
2- مهذّب الأحكام 1: 133.

--------------------------

مائع تتحرك فيه كثيراً إلى أن تخرج منه أوتموت فيه، وهي حيوان خبيث حتى سمّيت في الأخبار بالفويسقة(1) وورد النهي عن أكل ما تشمّه فيستقذر نوع النفوس على تناول ما ماتت فيه الفأرة، فيمكن أن يحمل النهي عن أكل ماعدى موضع الملاقاة على الإستقذار والتنزّة(2)»

وفيه: أنّ قوله عليه السلام: «فألقها ومايليها» صيغة «افعل» الدالة على الوجوب، وقوله (عليه السلام) : «فلا تأكله» صيغة النهي الدالة على الحرمة، فلا معنى لحمل الرواية على التنزه.

ثانياً: سلّمنا، ولكن نقتصر بالنجاسة في خصوص الفأرة الواقعة في السمن والزيت الذائبين؛ للتعبد بالنص دون سائر النجاسات التي لا نص فيها، كما نقول بالتعفير للولوغ لورود النص فيه دون غيره.

ولكن مضى سابقاً مافيه من فهم عدم الخصوصية(3) ومن الأولوية.

ثالثاً: ماسبقت الإشارة إليه بأنّ موضوع الرواية كلمة «في» الدالة على الظرفية ولا تصدق على الأطراف البعيدة كاُنبوب نفط.

رابعاً: الانصراف عن الأطراف البعيدة لو فرض تسليم شمول «في» للمجموع.

ص: 227


1- الكافي 4: 363.
2- مهذّب الأحكام 1: 133.
3- أقول: قد سبق الإشكال فيه، فيقتصر عليه كما يقتصر في الغَسل سبعاً لموت الجرذ في إناء.

--------------------------

ولو نوقش في الاشكالين الأخيرين(1) فلابدّ من الذهاب إلى قول المشهور من انفعال المضاف الكثير بملاقاة النجاسة.

الدليل التاسع: رواية السكوني المروية عن محمّد بن الحسن باسناده عن محمّد بن احمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) : «إنّ علياً (عليه السلام) سُئل عن قدر طُبخت وإذا في القدر فأرة؟ قال: يهراق مرقها ويُغسل اللحم ويؤكل»(2) وقد جعلها في التنقيح مؤيدة، إلّا أنّ البعض يرى وثاقة النوفلي. وفيه نظر مضى، وستأتي المناقشة في هذا الدليل مع الدليل العاشر.

الدليل العاشر: رواية زكريا بن آدم المروية، عن محمّد بن الحسن باسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن مبارك، عن زكريا بن آدم قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر ونبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ؟ قال: يُهراق المرق أو يُطعمه أهل الذمة أو الكلب، واللحم اغسله وكله..»(3) وهي ضعيفة؛ لجهالة الحسن بن مبارك(4).

ص: 228


1- أقول: وكذلك في التعدد العرفي وعدم وحدة الموضوع.
2- وسائل الشيعة 1: 206 كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، ب5، ح3.
3- المصدر نفسه 3 : 407 كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، ب38، ح8.
4- أقول: هذا مضافاً الى الإشكال في الدلالة على مبنى من لا يرى نجاسة الخمر فإنّ القطرة تستهلك في المرق ويجوز اكل المرق بعد استهلاك القطرة فما وجه اراقته؟ نعم من يرى نجاستها لا ينفعه القول باستهلاكها لسبق انفعال المرق بالنجس.

--------------------------

إلّا أنّ وجه الاستدلال بهاتين الروايتين بأنّ الأولى منهما مطلقة، فإن القدر يشمل القليل والكثير، والثانية نصّت على الكثرة، فَدَلَّتا على انفعال المضاف الكثير.

والقول بعدم وجود مرق بمقدار كر أو أكثر، أو أنّ الرواية تنصرف إلى القدور المتعارفة. غير تام، لما ذكره الغروي، قال: «ولا استبعاد في كون المرق بمقدار كر لما حكاه سيدنا الأستاذ من أنّ العرب في مضايفهم ربّما يطبخون بعيراً في القدر، والقدر الذي يطبخ فيه البعير يشتمل على مرق يزيد على الكر قطعاً». ثم قال: «في القرى والبوادي كثيراً ما يجمعون الألبان في القدور وغيرها بما يزيد على الكر بكثير». وقال في الهامش: «المراد به الدوغ لا الحليب، فلا تستبعد»(1). وقد أيّد التبريزي ذلك بقوله: «كما هو موجود بالفعل عند بعض عشاير العرب»(2) ولكن شكّك بعض المعاصرين في الحكاية بالقول : إنّها دعوى تحتاج إلى دليل نعم، نَصَّ القرآن الكريم بوجود «قدور راسيات» في زمن النبي سليمان (عليه السلام) .

ولكن أورد على الرواية الأولى: باحتمال اشتمال المرق على أجزاء النجاسة ولأجله يهراق له. إلّا انّ المناقشة غير تامة:

ص: 229


1- التنقيح في شرح العروة 1: 54.
2- تنقيح مباني العروة 1 : 208.

--------------------------

أوّلاً: لترك الإستفصال في الجواب بين تفرق الأجزاء في المرق فيهراق، وبين عدم التفرق فلا يهراق.

وبعبارة اُخرى: إطلاق الرواية يشمل ما لو وقعت الفأرة في القدر وأُخرجت فوراً، أو عُلم عدم تفرّق أجزائها، فليس المحذور وجود أجزائها في المرق بل نجاسة المرق.

وثانياً: يُدفع احتمال وجود أجزاء الفأرة فيه بالأصل الموضوعي فيستصحب عدم احتوائه على أجزاء الميتة، وبالأصل الحكمي لقوله (عليه السلام) : «كُلُّ شيء لك حلال»(1) فإنّ الاحتمال غير مُنجّز للتكليف، وإلّا لزم الاجتناب عن الأطعمة التي يحتمل احتوائها على أجزاء محرّمة فالاحتمال المذكور مؤمّن عنه بالأصل الموضوعي والحكمي(2).

فالعمدة في الجواب عن الروايتين في دليلي التاسع والعاشر مضافاً الى ما مضى من الاشكال السندي، ما ذكرناه من أنَّ الظرفية المستفادة من كلمة «في» في الروايتين لا تشمل الكثير المفرط في الكثرة(3).

ص: 230


1- الكافي 5: 313.
2- أقول: والحاصل أنّ أمر الإمام عليه السلام بالإراقة يدلّ على تنجس المرق لا لوجود اجزاءِ الفأرة. والأصل الموضوعي هو استصحاب العدم النعتي فإنّ المرق كان خالياً من ذرات الفأرة فيحكم عليه بذلك.
3- أقول: اضف الى ذلك الشك في إطلاق الرواية لتشمل الكثير المفرط بل قد يدعى أنّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة جزماً ولا ظهور عرفاً فيما نحن فيه بكون المولى في مقام البيان مطلقاً.

--------------------------

إن قلت: وردت لفظة «كثير» في الرواية في قوله (عليه السلام) : «لحم كثير ومرق كثير»(1).

قلت: تلاحظ الكثرة في الموارد المختلفة نسبيّة لامطلقة، فالثمانون كثير بالنسبة إلى الحرب كما في قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}(2) وقد كانت نيفاً وثمانين، ولكنه قليل بالنسبة إلى حبة الحنطة، بل لاتصدق الكثرة على ألف حبّة من الحنطة أيضاً(3)،

وكذلك الأمر في الكبير، فإنّ الورم الكبير في الرأس له حجم معيّن لا يقاس بالبيت الكبير.

والحاصل: أنّ المرق الكثير لايشمل آلاف الأكرار من النفط في الآبار(4).

ص: 231


1- المصدر 6: 422.
2- التوبة: 25.
3- أقول: لا تصدق الكثرة عليها لو كانت مجتمعة، وأمّا لو كانت متفرقة في فضاء رحب فإنّها كثيرة بالنسبة الى جمعها باليد، فالمهم الرجوع في الكثرة وعدمها الى العرف، وتختلف الوقائع عنده، قال الشيخ الأعظم [فرائد 2: 439] : «نعم لو اتفق تناول الحبوب [الف حبة من الأرز] في مقام يكون تناول كل حبة واقعة مستقلة كان له حكم غير المحصور».
4- أقول: وبعبارة موجزة: إنّ المدار في تحديد الكثير هو العرف وهو يفرق بين الموارد المختلفة والمرق الكثير قد يتجاوز كرّاً أو اكراراً إلّا أنّه لا يصل الى المفرط في الكثرة وبحثنا فيه.

--------------------------

الدليل الحادي عشر: ما ادّعي عليه الإجماع من أنّ المائع الواحد لا يختلف حكمه(1).

ص: 232


1- أقول: فيه: أنّ القول بأنّ المائع الواحد لا يحكم عليه بحكمين دعوى تفتقر الى دليل وعهدتها على مدعيها والإجماع غير معلوم خصوصاً مع وجود استثناءات كثيرة، فنقول: إنّه على إطلاقه غير تام بل يجب ان تقيّد: 1: ب- «شخص واحد» فإنّه لا مانع من ان يكون الماء طاهراً لشخص ونجساً لآخر كما هو واضح. 2: لا دليل على شمول الإجماع لمثل هذه الكثرة، ومن قال بأنّ مثل هذه الكثرة لا يصحّ فيها الاختلاف ؟. 3: فيما لو تغيّر جزئه وكان الباقي معتصماً بالكر أو الجاري ومثلهما. 4: منزوحات البئر على القول بنجاستها فإنّ المنزوح نجس والمتخلف طاهر. 5: قيل بذلك في الماء الرافع للحدث الاكبر حيث إنَّ المتصل يجوز استعماله في رفع الحدث دون المنفصل للغاسل. 6: الماء المتصل بالكر على القول باشتراط المزج فإنّه قبل المزج يبقى على نجاسته مع كون المتصل به طاهراً وهما ماء واحد. 7: الغسالة بالقليل قبل الانفصال وبعده مع أنّ العرف يراهما ماءً واحداً. 8: عدم انفعال العالي بملاقاة السافل للنجاسة مع الوحدة العرفية في مثل العلو التسريحى. هذا، وقد اضطربت عبارات التنقيح فتارة ادّعى وجود الإجماع القطعي على القاعدة [1: 254] واُخرى انكره بضرس قاطع [1: 98] والحاصل: عدم ثبوت إجماع من الكل على القاعدة ، فتأمل.

--------------------------

وفيه أوّلاً: عدم تحقق الموضوع وهو المائع الواحد عرفاً، حيث لا وحدة عرفية في الكثرة المفرطة بلحاظ الملاقاة.

ثانياً: سلّمنا الوحدة العرفية، إلّا أنّ الإجماع دليل لبّي يقتصر فيه على مالم يكن كثيراً بكثرة مفرطة، «فالمائع الواحد» يشمل المأنوس للأذهان ولايعلم شموله لغير المألوف(1)

هذا مضافاً إلى كونه منقولاً لا يُعتدّ به.

الدليل الثاني عشر: ما ذكره بعض المعاصرين من: «أنّ موثقة أبي بصير: «إلّا أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه»(2) دلّت على نجاسة الحوض الكثير المضاف بالملاقاة، إلّا أنّه لا يحتمل عرفاً الفرق بينه وبين المضاف المفرط في الكثرة من حيث الانفعال»(3).

توضيحه: إنّ العرف في النظرة البدوية يرى أنّ ملاك النجاسة هو السراية ولا يحكم بانفعال ما لم تسرِ إليه النجاسة، ولكنه بعد تمعُّن النظر في انفعال الحوض بأجمعه - من وقوع قطرة دَم لا تنتشر حمرتها إلّا إلى شعاع محدود مثلاً - يرى أنّ الملاك هو الملاقاة، فعليه لا يُفرّق بين الحوض وألف كر من الماء المضاف.

ص: 233


1- أقول: قد سبق الإشكال على ما ذكره - مع فرض وجود المعقد للإجماع كما ادّعاه بعض - في ابتداء الكتاب، وقلنا: إنّ مصب اللفظ القضية الحقيقية ولا فرق فيها بين المأنوس وغيره، فراجع.
2- الإستبصار 1: 20.
3- تنقيح مباني العروة1: 209.

--------------------------

وفيه: مع ما مضى(1) من أنّ الموضوع في الروايات «السؤر» وهو لايصدق على الكثير المفرط، أنّ الإنصاف احتمال وجود الفرق عرفاً بين المضاف الكثير والمضاف المفرط في الكثرة، ومع طرو الاحتمال تجري أصالة الطهارة أو استصحابها(2).

ص: 234


1- أقول : الإشكال في الرواية من جهة مخالفتها لروايات الكر؛ فإنّها دلت على عدم انفعال الحوض الكبير، وحمل الكبير على الكر مشكل ، فالرواية معرض عنها، فتأمل.
2- أقول: وذلك لأنّ الاحتمال مبطل للاستدلال، ولكن ذلك مختص بالبراهين العقلية التي لا تجتمع مع احتمال خلافها، وأمّا في الحجج والمعذرية والمنجزية فان احتمال الخلاف لا يضر بحجية الظاهر ويجتمع معه و إلّا لزم إلغاء جميع الظواهر؛ فان وجود احتماع الخلاف هو المائز بين الظاهر والنص. نعم إن كان الاحتمال على نحو يلغي الظاهر عن ظهوره ويجعله مجملاً يكون وجوده مسقطاً للاستدلال لعدم الظهور وللإجمال. ولكن يبقى السؤال في أنّ الاحتمال هل يلغي ظهور الدليل مطلقاً كما لا يبعد في النظرة البدوية وعليه فلا ينفعل موضع الملاقاة أيضاً إلّا مع التغيّر. أو يلغيه في الاطراف البعيدة فقط فيبقى دليل الإنفعال شاملاً لمحل الملاقاة والاطراف القريبة على مبنى السراية، أو يختص الإنفعال بمحل الملاقاة فقط وجوه، أظهرها الأخير. اللّهم إلّا ان يُدعى الانصراف عن الاطراف البعيدة مع شمول إطلاق الأدلّة لموضع الملاقاة والاطراف القريبة لا للسراية بل التعبد، وهو الأقرب.

--------------------------

هذه مجموع الأدلّة التي عثرنا عليها بعد التتبع في الكتب المختلفة، والظاهر أنّ عمدة الأدلّة إطلاق الروايات الشامل للقليل والكثير والمفرط في الكثرة.

وعمدة الأجوبة - بعد التشكيك في العموم - ما ذهب إليه السيّد الوالد (رحمه اللّه) من الانصراف، فالقول بعدم الانفعال كما عليه السيدان الوالد والحكيم رحمهمااللّه ليس ببعيد.

القول الثاني: في عدم انفعال الاطراف البعيدة للمضاف الكثير

القول الثاني: عدم انفعال المضاف أكثر من المقدار الملاقي وما تسري إليه النجاسة عرفاً.

ويدلّ عليه أوّلاً: ما ذكره في المهذّب من أنَّ السراية غير متحققة أو غير معلومة التحقق. قال: «إنَّ سراية النجاسة في مثل الدبس والدهن المائع ونحوهما عن موضع الملاقاة إلى غيره مشكل؛ لقوة احتمال أن تكون الدسومة واللزوجة ونحوهما حافظة للنجاسة في موضع الملاقاة فقط»(1)

وهو يشمل القليل أيضا.

ولكنه محل تأمل: فإن السراية لم تذكر موضوعاً في دليل من الأدلة، مضافاً إلى منافاة كلامه مع المنع الوارد في صحيحة زرارة وأمثالها من

ص: 235


1- مهذّب الأحكام: 3: 132.

--------------------------

قوله (عليه السلام) : «وإن كان ذائباً فلا تأكله»(1) ولذلك اضطر السيد إلى تأويلها بالتنزه مثلاً، ولا حاجة للتأويل بعد ظهورها في انفعال جميعه.

ثانياً: ماذكره السيّد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه من أنّ أدلّة الانفعال لا تشمل المضاف، قال(2) : «لأنّ دليل نجاسة المضاف بالملاقاة إن كان هو الإجماع فحيث إنّه دليل لبّي، يلزم أن نأخذ بقدره المتيقّن(3) على تقدير حجيته.

وإن كان هو التنظير بالمطلق ففيه: أن ذلك إنّما يفيد نجاسة الأقل من الكر المضاف كما هو حكم الممثل به، فيبقى الكر خالياً من هذا الدليل.

وإن كان هو الأخبار فهو ليست إلّا في الموارد التي يقطع بقلّتها، ولا أقل من الشك، فأصالة عدم النجاسة إلّا في المقدار الملاقي وما تسري إليه النجاسة محكمةٌ.

وإن كان القاعدة المغروسة في أذهان المتشرعة، ففيه: عدم معلومية

ص: 236


1- تهذيب الأحكام 9: 85.
2- أقول: هذا الدليل ذكره السيد الوالد ره لعدم انفعال المضاف المفرط في الكثرة لا مطلقاً، ولا يدلّ على عدم انفعال الأقل من الكر. كما هو ظاهر القول الثاني ، فراجع. و لا يخفى أنّه سيذكر في بيان الأقوال ما ذكرناه. ولا يخفى إنّه سيذكر في بيان الثمرة بين الأقوال ما ذكرناه.
3- أقول: يدخل الفرد المشكوك فيما لو كان للإجماع معقد كما هو الظاهر فيما نحن فيه، نعم لا يبعد الانصراف، وقد حققنا البحث في الإجماع في تعليقتنا في اوائل الكتاب، فلاحظ.

--------------------------

مغروسية النجاسة بأكثر من السراية في مثل هذه الموارد»(1).

فقد حصر أدلّة الانفعال في أربعة وأشكل على جميعها: فالإجماع لبّي والتنظير بالمطلق غير تام؛ لعدم انفعال الأكثر من الكر، والأخبار الواردة في القدر والخابية وشبهها يحتمل قلّتها إن لم يقطع بها، والارتكاز ممنوع الصغرى، فلا دليل على انفعال المضاف المفرط في الكثرة، فتجري فيه أصالة الطهارة أو استصحابها، وهو تام في الجملة(2).

القول الثالث: عدم انفعال الكر من المضاف إلّا مع التغيّر

القول الثالث: التفصيل في الماء المضاف بين أن يكون قليلاً فينفعل، أو كثيراً شرعاً بمقدار الكر، فما زاد فلا ينفعل مطلقاً إلّا مع التغيّر. فوِزان المضاف وزان المطلق، مال إليه بعض المعاصرين(3)

في بحثه، واختاره آخر منهم. وتدل عليه روايتان:

الرواية الأولى: الصحيحة المروية عن محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري - أحمد بن ادريس - عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن

ص: 237


1- الفقه: 2: 65.
2- أقول: لكان الأولى للسيد الأخ الأكبر ان يذكر القول الثاني بعنوان عدم انفعال المضاف المفرط في الكثرة لا مطلقاً فإن دليل المهذّب في مثل الف كُرّ وهو خاص بالمائع الذي ليس بماءٍ مضاف وليس فيه رطوبة مائية، ولكان المفروض ان يذكر الانصراف إن لم يتمّ التشكيك في العموم كأقوى دليلين على مدعاه، والأمر سهل.
3- الميرزا هاشم الآملي.

--------------------------

اسماعيل - ابن بزيع بقرينة الراوي عنه - عن علي بن نعمان، عن سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الفأرة والكلب يقع في السمن والزيت ثم يخرج منه حياً. قال: «لا بأس بأكله»(1)

وجه الاستدلال: كونها مطلقة تشمل القليل والكر، إلّا أن الأوّل خرج بالأدلّة الاُخرى من إجماع أو ضرورة أو غيرهما فيبقى الثاني، هذا أولاً.

وثانياً: يُقيّد الإطلاق فيها بالرواية الثانية الآتية؛ حيث دلّت على التفصيل بين القليل والكثير.

ويرد على الاستدلال بها اُمور:

الأمر الأوّل : لاوجود لكلمة «الكلب» في رواية التهذيب(2) المروية باسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن علي بن نعمان عن سعيد الاعرج، فالإمام في ذكر حكم الفأرة الحيّة الخارجة عن السمن والزيت، وهي طاهرة.

ولكن فيه أوّلاً: إنّه مع دوران الأمر بين أصالة عدم الزيادة وأصالة عدم النقيصة - وهما أصلان عقلائيان يجريان في الكلام - تقدم أصالة عدم الزيادة؛ لكون الزيادة مؤونة زائدة، فإنّ الغفلة والسهو عن كتابة الكلمة من

ص: 238


1- وسائل الشيعة24: 198، كتاب الاطعمة والاشربة أبواب الاطعمة المحرمة ب45 ح1 رواية 30333.
2- تهذيب الأحكام 9: 86.

--------------------------

الشيخ أولى عقلائياً من إضافة الكليني لها(1).

هذا، مضافاً إلى عدم المانع من وجود روايتين رواهما سعيد الاعرج وعدم اتحادهما وإن بَعُدَ ذلك.

وثانياً: أنّه من الثابت عند أهل الفن كون الكليني أضبط من الشيخ، فمع تعارض نقليهما يقدم عليه، فقد صرف على الكافي عشرين عاماً من عمره ولم يُعرف عنه مؤلفات كثيرة، ولعلّ الشيخ صرف على التهذيب ستة أشهر من عمره فقط لو قسمنا مجموع مؤلفاته - البالغة مئات من كتب وموسوعات - على حياته، والتهذيب شرح كتاب المقنعة للمفيد، وهو أوّل مُؤَلَّف عنه وكان عمره يناهز الخمسة والعشرين عاماً، كتب جزءً منه في حياة المفيد وجزءً منه بعد وفاته. كما ان له في كُلَّ علم مغرفة أراد حفظ تراث الشيعة أمام تحدّي العامّة. والمنقول: إنَّ السيد البروجردي بعد أن كان يورد على الشيخ اشكالاً كان يعتذر له بأنّي قد صَرَفت على هذا البحث شهراً - مثلاً - والشيخ لم يصرف عليه إلادقيقتان! وليس اشكالي تقليلاً لمقام الشيخ (رحمه اللّه) .

ص: 239


1- أقول: ووجهه: إن الغفلة مخالفة لطبع الانسان إلّا ان احتمالها في جانب الزيادة اضعف من احتمالها في جانب النقيصة، والغفلة عن المذكور أكثر من توهم غير المذكور مذكوراً عند السماع فالكاشفية الموجودة في أصالة عدم الزيادة أقوى. ولكن فيه : إن الاقوائية إن اثرت في الحجية أخذ بها ولا يكفي مجرد وجود امارتين متعارضتين احداهما أقوى من الاُخرى في المقام. نعم مع حصول الاطمينان لوجود قرائن كما فيما نحن فيه يؤخذ به.

--------------------------

وذكر صاحب الحدائق في مقام التعارض بين نقل الشيخ ونقل الصدوق عبارة لاتخلو من شدّةٍ تجاه كتب الشيخ وبالخصوص تهذيبه، قال ما لفظه: «والظاهر أنّ هذه الزيادة سقطت من قلم الشيخ كما لا يخفى على من له أنس بطريقته سيما في التهذيب، وما وقع له فيه من التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان في الاسانيد والمتون، بحيث إنّه قل ما يخلو حديث من ذلك في متنه أو سنده كما هو ظاهر للممارس»(1)

الأمر الثاني: إنّ صحيحة الأعرج تحتمل احتمالات أربعة:

أن لا يكون الكلب نجساً فلا ينجس السمن والزيت. أو أن يكون نجساً لكنه غير منجِّس. أو أنّه نجس مُنجِّس إلّا أنّه لاينجس الكر فصاعداً. أو أنّه نجس منجس لكن لاينجس المضاف المفرط في الكثرة.

أمَّا الأوّل : فتعارضه الروايات المتواترة الدالة على نجاسة الكلب كصحيحة أبي العبّاس: «..رجس نجس»(2) وموثقة ابن أبي يعفور: «..فإنَّ اللّه لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، وأنَّ الناصب لنا أهل البيت لأنّجس منه»(3).

ومع فرض التعارض هناك مرجحان للنجاسة: الشهرة ومخالفة بعض

ص: 240


1- الحدائق: 4: 209.
2- وسائل الشيعة، ابواب الاسئار، ب1، ح4.
3- المصدر نفسه، أبواب الماء المضاف، ب11، ح5.

--------------------------

العامّة(1).

وأمّا الثاني: ففيه أوّلاً: الإعراض، فإن المعروف نجاسة سؤر نجس العين، قال في العروة: «سؤر نجس العين كالكلب والخنزير نجس»(2) ولم يعلق عليه أحد ممن رأيت.

هذا مضافاً إلى الإجماع المنقول عن جماعة كما في مفتاح الكرامة(3).

ثانياً: تقييد الصحيحة بعدم انفعال الجامد دون المائع، قال في الوسائل: يحمل «على مالو كان ما وقع فيه جامداً»(4) ووجه الحمل صناعة الإطلاق والتقييد؛ فإن هذه الرواية مطلقة تشمل المائع والجامد، وقد فصلت بينهما

ص: 241


1- أقول: القائل بالطهارة مالك وان أوجب الغَسل لولوغه سبعاً تعبداً، ولكن مخالفة بعض العامة لا تُعد مرجحاً لعدم مخالفتهم بقول مطلق، بل ينبغي مخالفة المذهب الحاكم في زمن صدور الرواية عن الإمام (عليه السلام) حيث لا يُتّقى من المذهب غير الحاكم، وقد أشار السيد الأستاذ (رحمه اللّه) إلى هذا الأمر في بعض بحوثه. ولكن فيه: إن التقية قد تكون صوناً لدمائهم وإعراضهم بايجاد الخلاف بينهم كي لا يعرفوا على حكم واحد فإن الشيعة هم الخطر على الحكومات الجائرة دون أصحاب باقي المذاهب، فقد سئل الصادق عليه السلام عن اختلاف أصحابنا في المواقيت ، فقال عليه السلام: «انا خالفت بينهم لكي لا يعرفوا» راجع عدة الاُصول 1: 343.
2- العروة الوثقى 1: 116.
3- مفتاح الكرامة 1: 338.
4- وسائل الشيعة 24: 198.

--------------------------

روايات اُخرى كصحيحة الحلبي: «في الفأرة والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت..»(1) مع ظهور أنجسية الكلب من الفأرة الميتة(2).

وأمّا الاحتمالان الثالث والرابع، فالجمع فيهما تبرعي لا شاهد عليه، نعم الرواية الآتية تفصل بين الجرّة والأكثر، فإطلاق هذه يُقيد بالمفصّلة إن تمت.

الرواية الثانية(3) : صحيحة علي بن جعفر قال: «وسألته عن فأرة أو كلب شَرِبا من زيت أو سمن، قال (عليه السلام) : إن كان جَرَّة أو نحوها فلا تأكله، ولكن ينتفع به لسراج أو نحوه، وإن كان أكثر من ذلك فلا بأس بأكله، إلّا أن يكون صاحبه موسراً يحتمل أن يهريقه فلا ينتفع به في شيء»(4) فصلت بين الجرّة والأكثر والموسِر وغيره، وقد استدل بها على عدم انفعال الكر من المضاف وانفعال الأقل منه.

ص: 242


1- المصدر نفسه 24: 195.
2- أقول: الانجسية إن سلمت لا ترتبط بالآثار بل قد يشتد الحكم في الفأرة ففي موثقة عمار: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرات» ولكن إناء الكلب يغسل ثلاث مرات اولاهن بالتراب. ولكنه غير تام: فإن الانجسية ثابتة ففي موثق ابي يعفور: «إن اللّه لم يخلق خلقاً انجس من الكلب وان الناصب لنا اهل البيت لأنجس منه» [الوسائل ب 11 من ابواب الماء المضاف] وأمّا زيادة الغَسل فقد افتى الكثير باستحبابها.
3- أقول: وهي الدليل على القول الرابع ايضاً.
4- المصدر نفسه 24: 198، ح3.

--------------------------

ولكن يرد عليها إيرادات:

الأوّل: أنّها متضمنة للنهي عن سؤر الفأرة باسناد واحد مسند للكلب، والنهي إمّا أن يحمل على الكراهة أو الحرمة أو الجامع.

أمّا الأوّل: فلا ينفع التفصيل، بل يدلّ على عدم انفعال الأقل من الكر.

وأمّا الثاني: فهو خلاف المبنى؛ لعدم حرمة سؤر الفأرة.

وأمّا الحمل على الجامع - وهو مطلق المرجوحية -، فإن كان على نحو المنع من النقيض: فالاشكال الثاني، أو لم يكن كذلك: فالأوّل، وإن قيل بالاعم: فلا ينفع التفصيل.

هذا، ولكن يرد عليه:

أوّلاً: بأنّه لابأس بكون الاسناد واحداً ف«لا تأكله» مستعمل في معنيين: الحرمة والكراهة.

إن قلت: يستحيل استعمال اللفظ الواحد في معنيين، إلّا أن يكون اللاحظ أحول العينين فيرى الواحد اثنين.

قلت: ليس بمحال، بل هو واقع كما في: «ويستفيدون من نعمائه عيناً». وتفصيله في مباحث الألفاظ(1).

ص: 243


1- أقول: وجه الاستحالة: التنافي بين لحاظ اللفظ وجهاً في ارادة معنى وارادة غيره، فإن الفناءِ في الأوّل يضاد الفناء في المعنى الآخرفي استعمال واحد وهو من الجمع بين اللحاظين في آنٍ واحد. والحاصل: إن استعمال اللفظ في معنيين على سبيل الانضمام جايز مقبول وعلى سبيل الانفراد غير معقول. ولكنه مبني على كون اللفظ عند الاستعمال وجهاً وعنواناً للمعنى فيكون استعماله في كل واحد منهما على نحو الاستقلال محالاً. إلّا أنّ المبنى غير تام: فإنّ الصحيح انّ اللفظ علامة لاظهار ما رامه المتكلم في مقام الإثبات ولا محذور في الجمع فيصح ان يريد المولى بلفظ «ديز» مثلاً من عبده الأوّل: الماء، ومن الثاني: الخبز. والحاصل: إن النزاع في الإمكان والاستحالة يعود الى المبنى في أنّ اللفظ علامة للمعنى أو فانياً فيه. وقد ذكروا ان أوّل دليل على الإمكان هو الوقوع وقد مدح الشاعر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقوله: المرتمي في دُجى، والمبتلى بعمى***والمشتكي ضمئاً والمبتغي دنياً يأتون شدَّته من كل ناحية***ويستفيدون من نعمائه عيناً وقد استعملت الكلمة الأخيرة في معاني أربعة - الشمس والبصر والماءِ والدينار أو الدرهم - تُعرف من البيت الأوّل، ولكنه ضعيف لإمكان الاجابة أنّها على نحو الانضمام كما سبق.

--------------------------

إن قلت: سلّمنا الإمكان إلّا أنّه خلاف الظاهر.

قلت: نسلم ذلك إلّا مع القرينة الواردة في المقام من الروايات الاُخرى والإجماع وما قرّر في بحث الاسئار.

ثانياً: سقوط بعض الرواية للإجمال أو نحوه(1) كما في قوله (عليه السلام) «إن

ص: 244


1- أقول: إن كان سقوط بعض الرواية لتعمد الكذب من الراوي سقطت عن الاعتبار بجميعها، لعدم بناءِ من العقلاء على قبول قول من ثبت كذبه في جزء من خبره.

--------------------------

كان جرة أو نحوها فلا تأكله»(1) لايلازم سقوط جميعها عن الاعتبار، فيستدل لعدم الانفعال في سؤر الكلب كالفأرة بقوله (عليه السلام) : «وإن كان أكثر من ذلك فلا بأس بأكله».

وأمّا الأقل فلا اشكال في انفعاله بسؤر الكلب للإجماع أو غيره.

ثالثاً: النهي في: «لا تأكله». يُستعمل للزَّجر، فإن تَعَقَّبَهُ الإذن دَلَّ على الكراهة كما في شرب سؤر الفأرة(2). وإن لم يتعقبها ذلك ينتزع منه الحرمة كما في شرب سؤر الكلب.

رابعاً: الرواية دلت على الحرمة، و بعض المصاديق خرج بالإجماع(3).

الثاني: إنّها لاتدلّ على المدّعى من التفصيل بين الكر والقليل، بل دلت على التفصيل بين الجَرَّة فتنفعل والأكثر منها فلا ينفعل، مضافاً إلى التفصيل بين الموسر وغيره الوارد فيها أيضا.

وقد أجاب عنه بعض المعاصرين: بأنّ الجرة على درجات متفاوتة من

ص: 245


1- أقول: فإن النهي عن اكل سؤر الفأرة في الجرة مثل الكلب خلاف الادلة.
2- أقول: ففي صحيحة اسحاق بن عمار أن ابا جعفر كان يقول لا بأس بسؤر الفأرة، وغيرها كثير، ووجهه ان العقل هو الدال على الحرمة فيما لم يرد دليل من الخارج على الجواز والترخيص، وأمّا الصيغة فإنّها لا تدلّ على أكثر من اظهار الأمر الاعتباري لدى الأمر في الخارج، وفيه تأمل.
3- أقول: أو يقال بان الرواية ظاهرة في الحرمة وقد وردت نصوص على الجواز في الفأرة فتحمل عليها.

--------------------------

السعة، ففي صحيح علي بن جعفر: «سألته عن جَرَّة ماء فيها ألف رطل»(1)، وفي موثقة سعيد الاعرج: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الجَرَّة تسعمائة رطل من الماء، يقع فيها أوقية من دم، أشرب منه وأتوضأ؟ قال (عليه السلام) لا»(2) فالجرة قد تحتوي ألف رطل أو تسعمائة لو قرئت اسم عدد ويحتمل كونها فعل أي [تَسَعُ مائة] فتكون الرواية مجملة.

ولكنه غريب؛ لإثباته تفاوت سعة الجرة والتحديدات المذكورة دون الكر فإنّه ألف ومأتا رطل بالعراقي(3)، فلا دليل على حمل الجرة على الكر.

هذا مضافاً إلى أن اللفظ إن وقع موضوعاً لحكم يكفي في صدقه كل مصاديقه المتعارفة، وذلك كما في أشبار الكر فيكتفى فيه بأصغر الأشبار المتعارفة، فقوله (عليه السلام) : «إن كان جرة ونحوها فلا تأكله، وإن كان أكثر من ذلك فلا بأس بأكله». يدلّ على عدم انفعال الأكثر من أصغر الجرّات المتعارفة.

ص: 246


1- وسائل الشيعة، ابواب الماء المطلق: ب8، ح16.
2- المصدر نفسه، ابواب الماء المطلق، ب8، ح8.
3- أقول: قد يكون جواب بعض المعاصرين لكونه حمل الرطل في الروايتين على الرطل المكي فإن الكر يساوي ستمائة رطل بالمكي [راجع تنقيح مباني العروة الطهارة 1: 317] ومع الإجمال في الرواية الثانية تدلّ الرواية الأولى على عدم انفعال الأكثر من الكر، ولكن كلام المعاصر يأبى عن الحمل الذي ذكرناه وكأنّه اختلط عليه الأمر، واللّه العالم.

--------------------------

الثالث: ماذكره العلّامة المجلسي (رحمه اللّه) قال: «ويمكن تخصيصه بالفأرة(1)» لكنه خلاف الظاهر.

الرابع: ما ذكره في الوسائل من قوله (قدس سره) : «أقول الرخصة هنا مخصوصة بالضرورة وهو ظاهر»(2) وفيه تأمل ظاهر؛ لعدم وجه للتفصيل إن كان الملاك الضرورة. إلّا أن يقال: إن التفصيل بين الموسر الذي يَحتَملُ أن يهريقه، وغيره الذي يتضرر من إراقته يدلّ على الضرورة العرفية فإنّهم يرون أنَّ غير الموسر لا يحتمل أن يهريق السَمن لأنّه يتضرر، أمّا الضرورة الشرعية فتشمل حتى الأقل من الجرَّة، فافهم(3).

الخامس: ما في الوسائل : «أو بالجامد بعد طرح النجس ويكون على وجه الاستحباب، والشرب والاهراق مجازاً»(4)

فتخصص الرواية بالجامد للروايات المفصلة بين المائع والجامد ثم تقيد بطرح النجس، وعدم الانتفاع بالبقية من باب الاستحباب.

ص: 247


1- البحار 77: 58.
2- وسائل الشيعة 24: 199.
3- أقول: ليس الملاك الضرورة فإن موضوع الرواية «غير الموسر» ولكنه قد لا يكون مضطراً عرفاً لكونه يملك ماءً كثيراً فعلاً وان انطبق عليه عنوان غير الموسر كما أن الموسر قد لا يملك ماءً غير هذه الجرة فعلاً وان كان مضطراً عرفاً، اللّهم إلّا ان يكون المتبادر عرفاً من غير الموسر المضطر كما لا يبعد.
4- وسائل الشيعة 24 : 199.

--------------------------

وفيه: ما ذكره العلّامة المجلسي من أن حمله على الجامد بعيد جداً لا سيّما في الأخير(1) ويقصد به اللبن المذكور في بعض الروايات، اللّهم إلّا أن يحمل اللبن على «الروبة» وهو ما يسمى بالفارسية : «ماست».

السادس: الإعراض المحقق عنها، فتسقط عن الاعتبار، بل إن القول بانفعال الأقل من الجرَّة دون الأكثر منها من العجايب في أذهان المتشرعة.

ولايخفى أن الإعراض لا يتمّ في جزئي أفتى الفقهاء بخلافه في كُلّيه، فالفتوى بنجاسة سؤر الكلب بقول مطلق، لا يكفي في القول بالإعراض عن جزئي لم يتعرضوا له وهو السؤر الموجود في الجرّة(2).

نعم قد يفصل بين عدم كون الرواية - المتناولة لحكم جزئي المخالفة للقاعدة الكلية - في متناول أيديهم فلا يثبت الإعراض، وبين ما لو كانت في متناول ايديهم ومع ذلك اطلقوا القاعدة الكلّية بلا استثناء، فإنّه ظاهر في ثبوت الإعراض عن مؤدّاها.

هذا، والظاهر أن ما نحن فيه من النوع الثاني؛ فإن الرواية مذكورة في كتاب علي بن جعفر(3) وقرب الاسناد(4) ولم يفت أحد بها مطلقاً - كما بحثنا

ص: 248


1- بحار الأنوار 77: 58.
2- أقول: إن إطلاقهم دليل على ارادة جميع المصاديق وإلّا لذكروا الإستثناء نعم لا يتحقق الإعراض عن رواية إلّا بعد التفاتهم اليها.
3- مسائل علي بن جعفر: 133.
4- قرب الإسناد: 274.

--------------------------

عنها في الكتب الفقهية والمجاميع - ولم يتعرض لها إلّا ثلاثة:

1: صاحب الوسائل(1) ولم يعمل بمؤداها بل أوّلها إمّا بالضرورة أو بالجامد أو بالاستحباب.

2: العلّامة المجلسي(2) وقد أوّلها بقوله: ويمكن تخصيصه بالفأرة. وقال: وأمّا تجويز الاكل مع كثرة الدهن فلم أر قائلاً به في الكلب.

3: المحقق الخونساري(3) وقال إنّه خبر شاذ. وأمّا الآملي وبعض المعاصرين فقد حملوها على الكر والقليل، وهو يدلّ على طرحها ايضاً.

السابع: حملها على التقية لفتوى مالك بطهارة الكلب الحي.

ولكنه واضح الاندفاع؛ فإنّ الترجيح بالجهة فرع التعارض ولا تعارض فيما نحن فيه، فإن النسبة بين هذه الرواية وغيرها الدالة على انفعال المضاف هي العموم المطلق فَتُخصصها، ولا يطرح الخاص الموافق للعامة؛ لعدم التعارض بين العام والخاص، هذا اولاً.

وأمّا ثانياً: فإن المشهور بين العامة القول بنجاسة الكلب، ولم ينقل القول بطهارته إلّا عن مالك(4) ظاهراً، فلم تتفق كلمتهم على الطهارة، فَلِمَ لا يقال بكون المطلقات الموافقة لأكثرهم هي للتقية؟ بل ينبغي البحث والتحقيق

ص: 249


1- وسائل الشيعة 24: 198.
2- بحار الأنوار 77: 58.
3- مشارق الشموس 1: 322.
4- المدونة الكبرى1: 5، مقدمات ابن رشد 1: 62، المنهل العذب 1: 153.

--------------------------

التاريخي في التقية وملاحظة الفقه الحاكم في كل زمان فإنّه الذي يُتَّقى منه؛ وذلك لترويج بعض المذاهب من قبل الحكومات الظالمة. فلا يصار إلى القول بالتقية بصرف موافقة الرواية للعامة(1)، وهذا ما يحتاج إلى بحث تاريخي معاصر لزمن كل إمام عليهم أفضل الصلاة والسلام.

وثالثاً: إن التفصيل المذكور في الرواية يأبى الحمل على التقية، فإنّه يدلّ على نجاسة الكلب لا طهارته، نعم إنَّ النجاسة مُزاحمة بالمانع في بعض المراتب وهو فوق الجرَّة كما هو الأمر في الدم فإن التفصيل بنجاسة ملاقيه القليل دون الكثير يدلّ على نجاسته، فالإيراد السابع محل تأمل.

الثامن: إن هذه الصحيحة معارضة للروايات الدالة على اختصاص الطهورية بالماء المطلق المفرّعة عليه بعدم تنجسه إلّا بالتغيّر، كقوله (عليه السلام) : «خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته»(2).

ويرد عليه أوّلاً: ما ذكره في التنقيح في موضع آخر، قال: «إنها ضعيفة

ص: 250


1- أقول: قد سبق أن حفظ دماء الشيعة و أعراضهم غير متوقّف على موافقة المذهب الحاكم بل قد يكون الفتوى المطابقة للمذاهب الاُخرى لجهة الإلتباس على الحكومة كي لا تعرف الشيعة من أحكامهم و أفعالهم، و قد روى الشيخ عن الصادق عليه السلام قال في حديث اختلاف الشيعة في الحج : أنا خالفت بينهم لكي لا يعرفوا. عدة الاُصول 1: 343.
2- وسائل الشيعة 1: 135.

--------------------------

الاسناد جميعاً ومروية من طرق العامة ولم يرد منها شيء من طرقنا»(1).

وفيه: ماذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في بحث انفعال القليل من ورود مجموعة من القرائن الدالة على اعتبارها، مضافاً إلى دعوى بعض الفقهاء استفاضتها أو تواترها أو كونها متفق على روايتها(2).

ثانياً: لم يظهر منها الاختصاص، والامتنان لا ينافيه، وإثبات شيء لا ينفي ما عداه، فالصحيحة دالة على أنّ السمن الكثير كالمطلق لا ينجسه شيء إلّا مع التغيّر.

ثالثاً: لا نسلم أن الطهور بمعنى شديد الطهارة ليصار الى اشتراك السمن مع الماءِ في عدم الانفعال، بل هو اسم آلة بمعنى المطهر وهذه الميزة مختصة بالمطلق حيث خلقه اللّه مطهّراً، فلا يشمل السمن والعسل.

لايقال: إن كونه بمعنى اسم الآلة ينافي التفريع المذكور ب- «لاينجسه شيء».

فإنّه يقال: لا نسلّم بكونه تفريعاً بل هو خبر ثان، قال ابن مالك:

واخبروا باثنين أو بأكثرا***عن واحدٍ كهم سُراة شُعرا

فلا تفريع بل الرواية دلّت أوّلاً: على أنّ اللّه خلق الماء طهوراً أي مطهّراً. وثانياً: على أنّ الماء لا ينجسه شيء إلّا ما غيّر..، وليس ما نحن فيه من قبيل

ص: 251


1- التنقيح 2: 11.
2- الفقه 2: 201، 202.

--------------------------

زيد شاعرٌ مُجيد، أي مجيد في شعره. اللّهم إلّا أن يُدعى أن الظاهر هو التفريع، فمعنى الطهور شديد الطهورية(1) لاكونه مطهّراً.

التاسع: ماذكره المحقق الخونساري من أنّها غير نقية السند(2).

وفيه تأمل؛ وذلك لأنّ للرواية طريقين لا اشكال في ثانيهما.

أما الطريق الأوّل: ما نقله في الوسائل(3) بطريق صحيح الى عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد، عن عبد اللّه بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) .

إلّا أن الاشكال في عبد اللّه بن الحسن لكونه مجهولاً.

وأمّا الطريق الثاني: ما فيه أيضاً(4) بطريق صحيح عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) . ولا اشكال في هذا السند.

العاشر: إن الرواية تدلّ على طهارة الكل فتطرح لذلك.

وفيه نظر: فإنّها دالة على طهارة الملاقى لا الملاقي، بل دَلَّت على عكس ماذكره، فإنّها تثبت إقتضاء التنجيس في الكلب؛ حيث منعت عن أكل ما في الجرة ونحوها، وكون الملاقى الأكثر منها مانع من الانفعال.

ص: 252


1- أقول: قد سبق في ابتداء الكتاب في الآية الأولى عدم تمامية هذا المعنى في تعليقتنا فراجع وعليه فلا بد من من حمله على الخبر الثاني دون التفريع.
2- مشارق الشموس 4: 156.
3- وسائل الشيعة 24: 198.
4- المصدر نفسه.

--------------------------

فتحصل: أنَّ العمدة من الاشكالات هو الاشكال الثاني والسادس، وبهما يسقط القول بالتفصيل بين الجرة والأكثر منها.

تنبيه: إن الثمرة بين القول الثاني والقولين الثالث والرابع(1) تظهر:

أوّلاً: في عدم انفعال الكر من المضاف على الثالث، وعدم انفعال الأكثر من الجرّة على الرابع، وانفعال الكر من المضاف على الثاني.

ثانياً: في عدم انفعال أي جزء من الملاقى على القولين الثالث والرابع، وانفعاله وما جاوره على الثاني. ولاخلاف في هذين الفرقين.

ثالثاً: في طريقة تطهير المضاف القليل، فإنّه على القول الثالث يطهر باستهلاكه في الكر المضاف.

وأمّا على القول الثاني فإن طهارته مبنية على أن المتنجّس بالواسطة لا يُنَجِّس، فمثلاً: لو ألقى كوب من عصير برتقال متنجّس في بحر نفط، فإنّه ينجس بمقدار مائة كوب من النفط؛ لكونه المقدار الملاقي لعصير البرتقال، ولكنه لا ينجس الأبعد - أي الملاقي للمائة - لكونه ملاقٍ للمتنجّس بالواسطة فلا ينفعل، وعليه فلو خُلِط المجموع فإنّه يطهر، هذا.

ص: 253


1- أقول: أمّا القول الثاني فهو: عدم انفعال المضاف المفرط في الكثرّة أكثر من المقدار الملاقي وما تسري اليه النجاسة عرفاً. وأمّا القول الثالث فهو: انفعال المضاف القليل وعدم انفعال الكر منه. وأمّا القول الرابع فلم يذكره السيد الأخ الأكبرمستقلاً وإنما ضمن الاستدلال بالرواية الثانية على القول الثالث وهو: التفصيل بين الجرة والأكثر والموسر وغيره.

--------------------------

الفرق بين الاستحالة و الاستهلاك و تفرق الاجزاء

ولكن الثمرة الثالثة لا تخلو من تأمل؛ وذلك لوجود الفرق بين الاستهلاك وتفرق الأجزاء فإنَّ لنا مفاهيم ثلاثة:

الأوّل: الاستحالة وهي: زوال الصورة النوعية وحدوث صورة نوعية اُخرى كالكلب المتبدل الى ملح.

الثاني: الاستهلاك وهو: انعدام المهية عرفاً(1)، كقطرة دم تلقى في بحر.

الثالث: تفرق الأجزاء بالإمتزاج وهو: خلط المهية مع مهية اُخرى(2)، كمثقال من لحم خنزير مثروم يوضع في رطلٍ من حم غنم مثروم(3).

ص: 254


1- أقول: هذا هو معناه العرفي العام ولكن استعمله الفقهاءِ في بحث الطهارة في تفرق اجزاءِ الشيء وانعدامها عرفاً وسيذكر السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) تعريفه في ابتداءِ المسألة 6. فانتظر.
2- أقول: وقد يكون بخلط مهية مع مهية من نوع واحد ولكن يختلف أحكامهما كمثقال من ميتة الغنم مع رطل من لحمه المذكى.
3- أقول: إن البحث في هذه العناوين 1: تارة يكون موضوعياً كالبحث عن صدق تبدل الصورة النوعيّة في مثل البول إذا صار بخاراً وهل هو كالقطن إذا صار ثوباً أو كالقطن إذا صار رماداً بعد الاحتراق وكالخشب إذا صار ورقاً أو صار فحماً أو رماداً، إلّا ان الأمر عدم الضابطة فيه ولذلك اختلف العلماءِ في البخار، وذهب المحقق الثاني الى طهارة الفحم بخلاف الشهيد الثاني الذاهب الى نجاسته، واختلفوا في الخزف والآجر على أقوال ثالثها التوقّف، وذهب بعض الى ان انقلاب الخمر خلاً من الاستحالة وجعلها آخرون من الانقلاب القسيم للاستحالة. 2 - واُخرى يكون حكمياً يعود الى الدليل بأنّه هل أخذت الصورة النوعية ملاكاً أو المادة، أمّا الملكية فإنّها تعود الى الثانية فماء العنب ان صار خمراً كانت لمالكها بمعنى أنّه يختص بها، وأمّا الكلبية فإنّها تعود للأوّل فلو تبدل ملحاً تغيّر حكمه لتغيّر موضوعه فالأمر يتعلق بلسان الدليل. ثم إن الاستحالة لم ترد في لسان الأدلّة فالمناط فيها تغيّر الموضوع والوقوف على ما دلت عليه النصوص قال السيد الوالد (رحمه اللّه) [الفقه 6: 226] : «وكلما تفكرنا في هذا المطهر لم يزدد إلّا غموضاً، إذ فهم عموم من موارد خاصة ثم جعل ذلك العموم مداراً للأخذ والرد إنّما يتبع القطع بالمناط وهو غير معلوم لدنيا» الى آخركلامه. ولا يخفى ان تغيّر بعض الصفات والاحوال كصيرورة الحنطة دقيقاً واللبن جُبناً غير مطهّر وغير مزيل للمكية لعدم تغيّر الصورة النوعية فضلاً عن المادة. ثم إنّه مع الشك في أنّ الملاك الصورة النوعية أو المادّة لا يمكن جريان استصحاب النجاسة لأنّه على فرض نجس وعلى آخرغير نجس ولا يجري الاستصحاب في الفرد المردد كما ذكروا. وعليه فتجري قاعدة الطهارة. بقي أمر: وهو ان الاستهلاك لم يرد في لسان الدليل أيضاً بل هو الانعدام العرفي بحيث لا تتمايز الاجزاء، وتفرق الاجزاءِ ليس من المطهرات وليس سبباً لها، نعم الكرية عاصمة فيما لو وقع الدم فيه بل الأمر كذلك في كل معتصم. وأمّا في الجوامد كوقوع فضلة الفأرة في الطحين ولحم الخنزير المثروم في اطنان من لحم الغنم فغير مطهّر لعدم العصمة فيها. والحاصل: أنّ الاستهلاك ليس بمطهر وان اجاز حلية الاكل كما في التراب المستهلك في الماءِ وذلك لأنّ النجاسة تابعة للوجود الواقعي والمفروض بقائه دون الحرمة فإنّها مرتبطة بنظر العرف وهو لا يرى ان الشارب للماء شارب أو آكل للتراب المستهلك فيه وليس الاكل للخبز الذي وقعت فيه فضلة الفأرة قبل طحن الحنطة ، آكلاً لفضلتها. ولا يخفى ان الفرق بين الاستهلاك وتفرق الاجزاء إنّما هو بلحاظ الحكم المستفاد من الأدلّة وليس الاختلاف في الموضوع، وسيذكر الأخ الأكبر في المسألة 6 في تعريف الاستهلاك بأنّه تفرق اجزاء المستهلك..» فتأمل.

ص: 255

--------------------------

الماء المضاف من القسم الثالث حيث لم يستهلك بل تفرقت أجزائه فلا يطهر، وعليه فالثمرة الثالثة محل اشكال.

ولبيان الفرق بين الاستهلاك وتفرق الاجزاءِ نقول إنّ المحمول:

تارة:: يكون قائماً ومحمولاً على المادة، يعني موضوعه المادة، ففي هذه الحالة لا يؤثر زوال الصورة النوعية أو زوال الأوصاف في انتفاء المحمول؛ وذلك لأنّ المادّة محفوظة في الصورتين: حالة وجود الصورة النوعية الأولى، وحالة وجود الصورة النوعية الثانية، أو حالة اتصاف المادّة بأوصاف وحالة اتصافها بأوصاف اُخرى(1).

واُخرى: يكون محمولاً على الصورة النوعية، فإن تبدلت إلى صورة نوعية

ص: 256


1- أقول: مع القول بالحركة الجوهرية تتبدل المادة، فإن تبدّل الصفات والأعراض يستلزم تبدل الذات، وإلّا لاستقل العرض عن معروضه وهو باطل. ولكن فيه: انّ العرف لا يراه كذلك والملاك فهمه فإن الألفاظ ملقاة اليه.

--------------------------

ثانية ينتفي المحمول لانتفاء موضوعه، وذلك مثل النجاسة في الدم حيث إنّها محمولة على الصورة النوعية وهي الدموية، فلو وقعت قطرة دم في حوض ماء، تضمحل تلك الصورة النوعية ويستهلك الدم، ومع زوال الموضوع لا يبقى المحمول، فللمكلف أن يشرب ماء الحوض كلّه ولم يعص الأمر باجتناب الدم فإنّه لم يشربه؛ وذلك لأنّ الألفاظ ملقاة إلى العرف(1)، ومع انعدام الصورة النوعية لا وجود للدم عرفاً. و قد قيل في بيان أن حقيقة الشيء بصورته النوعية:

وذو قوامٍ من معانٍ بقيا***لأنّ ذا الفصل لها تضمنّا

ما دام فصله الأخير وُقيا***فهي وإن تبدلت ذي عُيّنا

نظيرهُ(2) ما يذكر في كفاية التطهير مع بقاء اللون، فإن اللون عبارة عن ذرات من الدم بالنظر الدِّقي، إلّا أن العرف لا يرى ذلك ويَبتّ بعدم وجود الدم.

وهذا بخلاف القسم الأوّل ، فإن المحمول فيه قائم بالمادّة لا الصورة النوعية ولا بالأوصاف، وذلك مثل الملكية، فإنّه لايستهلك كوب ماء زيد لو اُلقي في حوض عمرو بل يمتزج ويختلط، فإن الملكية تحمل على المادّة وهي موجودة في هذا الحوض، بخلاف الاستهلاك فإنّه الانعدام ولا

ص: 257


1- أقول: «الحرمة غير النجاسة كما سبق مفصلاً».
2- أقول: هذا أخذ للاستهلاك بمعناه الاعم الذي هو عبارة عن هلاك الشيء وفنائه عرفاً.

--------------------------

معنى للملكية معه.

وكذلك الأمر في الحنطة، فإن المشتري يملك الحقيقة الخارجية وهي المادّة لا الحنطة بصورتها فقط، ولا تزول ملكيتها لو طحنها غاصب ولا يمكن تملكها إلّا برضى صاحبها.

قال المصنّف في وضوء العروة ما لفظه: «إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح، فإن أمكن ردُّه إلى مالكه وكان قابلاً لذلك لم يجز التصرف في ذلك الحوض، وإن لم يمكن رَدُّه يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه؛ لأنّ المغصوب محسوب تالفاً، لكنه مشكل من دون رضى مالكه»(1)، وقد اختار مجموعة اشتراكهما في الحوض(2) فالملكية ليست قائمة بالصورة النوعية ولا بالأوصاف بل بالمادّة ولازالت موجودة ممزوجة؛ وذلك لأنّ ذرات الماء لم تنعدم. وهذا بخلاف الكلب المتبدل إلى ملح فإنّه يجوز أكله؛ لانّتفاء الصورة النوعية وإن اشتركت الهيولا الثانية مع الهيولا الأولى والنجاسة موضوعها الصورة لا المادة.

ثم إنّه لو تم ما ذكر نأتي إلى ما نحن فيه على القول بعدم انفعال الكر من المضاف:

فإنّه لا يتحقق الاستهلاك لو اُلقي كوب مضاف منفعل كماء البرتقال -

ص: 258


1- العروة الوثقى 1: 160 / م19.
2- العروة الوثقى1: 395.

--------------------------

مثلاً - في كر منه، بل المتحقق الإمتزاج؛ وذلك لأنّ الانفعال قائم بالماء المضاف الذي لا زال موجوداً لا بالصورة البرتقالية، والحال أنَّ ما في الكوب لم ينعدم بل تفرقت أجزائه، فلو بُدّل الكوب من ماء البرتقال بطرق علمية إلى ماء رمان لا يطهر لوحدة المادّة وهذا بخلاف الدم، فإن المحمول قائم بالصورة النوعية الدموية.

وممّا يدلّ على أنَّ الانفعال قائم بالمادّة لزوم اجتناب الملاقي، والمادّة هي الملاقية لا الصورة، ولا زالت بعد تبدل الصورة موجودة. نعم لو تحول ماء البرتقال إلى بخار، فإن المادّة قد تغيّرت ويطهر للاستحالة(1).

ثم إن تم ما ذكر من الفرق بين الاستهلاك والإمتزاج، تصبح الثمرة الثالثة محل تأمل، وعدم القبول يستلزم الالتزام بتوالي يبعد الالتزام بها:

ص: 259


1- أقول: فيه أوّلاً: أنّه خروج عن الاستحالة فقد عرَّفها (رحمه اللّه) بتغيّر الصورة النوعية لا المادّة ، وقد ادّعى هنا ان المادّة تغيّرت ولأجلها حصلت الاستحالة. ثانياً: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه 6: 254 قال: «البخار إنّما يحكم بطهارته لعدم صدق البول عليه لا الاستحالة، لبداهة ان البخار ليس شيئاً آخرغير اجزاء صغار من البول تخلل بينها الهواءِ»، والأمر كذلك في بخار ماء البرتغال، وأمّا ان التزم بأنّه من الاستحالة فيلزم عليه الفرق بين بخار البول فيذهب الى طهارته وبخار المائع المتنجّس فيذهب الى نجاسته وذلك لأنّه (رحمه اللّه) فرق بين النجس والمتنجّس بأن النجاسة في الأوّل محمولة على الصورة النوعية ومع الاستحالة تنتفي وفي الثاني على المادّة ومع الاستحالة تبقى المادّة فيكون بخاره نجساً، وهو كما ترى.

نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل(1) ولاقى سافله النجاسة، لاينجس العالي منه كما إذا صب الجُلاّب من ابريق على يد كافر، فلا

--------------------------

منها: جواز أكل جميع المحرمات إن خلطناها في حجم أكبر من طاهر(2).

ومنها: عدم جواز مطالبة مَن اُلقي كوب من مائه في حوض الآخر، لاستهلاكه وانعدامه عرفاً.

فينبغي التأمل في أطراف المسألة لترتب آثار كثيرة عليها، فالمنتجات الحديثة كالجلاتين - الجلي - البقري القادم من البلاد الأجنبية قيل بجواز أكلها للاستهلاك، إلّا أن السؤال: أنّه مستهلك أم متفرقة أجزائه؟

والحاصل: إن الحكم في النجاسات محمول على الصورة النوعية، وفي المتنجّسات محمول على المادّة لمكان الملاقي، فتم الفرق واللّه العالم.

ص: 260


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «الملاك في التنجس عدم صدق العناوين المذكورة في الروايات كالسؤر و الإصابة ونحوهما وعدمه، ومنه يظهر أنّه لا فرق بين الجريان من العالي الى السافل أو من السافل الى العالي أو من أحد الجانبين الى الآخر، ومع الشك في الشمول المرجع أصالة الطهارة».
2- أقول: قد يدعى إنّه ليس اكلاً للمحرم بل انعدم موضوع المحرم عرفاً، فليس اكل الطاهر مصاحباً لاكل المحرم عرفاً بل يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع وعليه فلا فرق بين حلية الاكل والقول بالطهارة، فالاستهلاك وتفرق الاجزاءِ بهذا المعنى مطهّر أيضاً ، ولكنه مشكل.

ينجس ما في الابريق وإن كان متصلاً بما في يده[1].

--------------------------

في عدم انفعال العالي بملاقاة السافل للنجاسة و بيان ادلته

[1] وللمسألة نظير يأتي في المسألة الخامسة من: «فصل الراكد بلا مادة». يقول فيها المصنف: «نعم، لو كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي بملاقاة السافل، من غير فرق بين العلو التسنيمي والتسريحي»(1) والفرق بينهما: أنَّ البحث فيما نحن فيه إنّما هو في المضاف، وفيما سيأتي في الماء المطلق إلّا أن الملاك فيهما واحد، فما يلتزم هنا من الحكم يسري هناك أيضاً.

ثم إنّه قد يستدل على ماذكره بأدلة:

الدليل الأوّل : الإجماع المنقول في المقام.

وفيه أوّلاً: عدم قبول الصغرى، فقد قيل باختصاصه بالماء المطلق، فلا يجري في المضاف وسائر المائعات كالنفط - الداخل في المضاف ملاكاً لا موضوعاً -.

ثانياً: سلّمنا، إلّا أنّه محتمل الإستناد إلى ما سيأتي من الأدلة، ومحتمل الإستناد لا يعلم كونه إجماعاً تعبدياً، فليس بحجة على بعض المباني(2).

ثالثاً: سلّمنا الصغرى والكبرى بحجية محتمل الإستناد، إلّا أنّه دليل لبي لا يفيد الإطلاق في الحكم(3)، ولا يثبت أن مطلق العالي لا ينجس بملاقاة

ص: 261


1- العروة الوثقى 1: 82.
2- أقول: قد سبق حجيته عند السيد الأخ في تبيين الاُصول 3: 242.
3- لو كان للإطلاق معقد لشمل جميع المصاديق ومنها عمود الماءِ الملامس لملامس يد الكافر كما سبق مراراً، إلّا ان الشبهة في وجود المعقد.

--------------------------

السافل، بل غاية ما يثبته عدم انفعال ما في الابريق دون عمود الماء - الجاري بين اليد والابريق - الملامس لملامس بدن الكافر، مع أنّ كلام المصنّف مطلق.

الدليل الثاني: ما في التنقيح وحاصله عدم الوحدة العرفية بين السافل والعالي، قال ما حاصله: «انفعال المضاف يختص بما إذا عُدّ المضاف باسفله وأعلاه شيئاً واحداً عرفاً، وأمّا اذاكان متعدداً - كما إذا جرى المضاف من طرف إلى طرف بقوة ودفع ولاقى أسفله نجساً - فلا نحكم بنجاسة الطرف الأعلى منه؛ لأنّ السافل مغاير لعاليه عرفاً»(1).

ولكن يرد عليه - مع الجمود على عبارته الدالة على اعتبار الوحدة العرفية المفقودة في المقام، وعدم ارجاعها إلى دليل آخر - :

أوّلاً: النقض بالكر في حفر بينها سواقي، فإنّه معتصم مع عدم الوحدة العرفية.

قال في العروة: «سواءكان مجتمعاً أو متفرقاً مع اتصالها بالسواقي، فلو كان هناك حفر متعددة فيها الماء واتصلت بالسواقي ولم يكن المجموع كراً، إذا لاقى النجس واحدة منها، تنجس الجميع، وإن كان بقدر الكر لاينجس»(2). وقد علق عليه في التنقيح بقوله: «وذلك لأنّ الإتّصال مساوقٍ

ص: 262


1- موسوعة المحقق الخوئي 2: 38.
2- العروة الوثقى 1: 35 ، فصل الراكد بلا مادّة إن كان دون الكر ينجس بالملاقاة.

--------------------------

للوحدة، وهي المعيار في عدم انفعال الماء إذا بلغ قدر كر، فما عن صاحب المعالم من عدم الإعتصام ممّا لم نقف له على وجه محصّل»(1) فكيف جعل الإتّصال مساوقاً للوحدة في الكر دون مانحن فيه؟ وهذا ممّا لم نقف له على وجه محصّل.

ثانياً: النقض بالراكد دون الكر في انبوب عمودي طويل جداً - كمائة متر - إن لاقى اسفله النجاسة ينفعل العالي منه كما في التنقيح ولا وحدة عرفية فيه(2).

ثالثاً: لا وجود للوحدة العرفية ولا للتعدد العرفي في روايات المقام- حسب استقرائنا الناقص- فلا ينبغي أن تجعل ملاكاً ليدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، وبصورة عامّة ينبغي الوقوف على الألفاظ الواردة في الروايات وعدم استبدالها بألفاظ اُخرى؛ فإنّ لكل كلمة ظلالاً معيناً يختص بها ويختلف بإبدالها، ففي حديث «لا تعاد» مثلاً أخذت كلمة الإعادة فينبغي الوقوف عليها.

ص: 263


1- موسوعة المحقق الخوئي 1: 147.
2- أقول: مع عدم الوحدة العرفية ينتفي موضوع الحكم، فإن ما يشار اليه بالإنفعال ووجوب الاراقة في الأدلّة لا يعم فرداً آخرلأنّ المشار اليه مغاير للآخر عرفاً. نعم في ما دون الكر حكم الشارع بانفعال المياه المتصلة تعبداً كما أنّه ذكر طهارتها جميعاً مع اتصالها بالعاصم، فما ذكر من النقض لا يتمّ إلّا على ما مَرَّ من عدم أخذ الوحدة العرفية في لسان الأدلّة الشرعية، فراجع.

--------------------------

رابعاً: إن ما ذكر متكفّل بحل إحدى المشكلتين دون الاُخرى.

بيانه أنَّ في المقام مشكلتين: الأولى: ملاقاة النجس. الثانية: ملاقاة المتنجّس بالنجس. فما في الابريق من ماء الجلاب وإن لم يلاق يد الكافر للتعدد العرفي إلّا أنّ ما لاقى يد الكافر - وهو السطح الأسفل من الماءِ - ملاق للسطح الأعلى منه فينفعل بالملاقاة، والسطح الأعلى منه - وهو ملامسُ ملامسِ يد الكافر - ملاقٍ للسطح الأعلى منه فينفعل وهكذا إلى أن يصل إلى مافي الابريق. وقد ادّعي الإجماع على أن المتنجّس ينجّس إلى مالا نهاية، فلايمكن حل المشكلة الثانية بالقول بالتعدد العرفي(1) إلّا أن تكون الوحدة طريقاً إلى دليل سيأتي.

الدليل الثالث: ما اختاره غير واحد من المتأخرين والسيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه مكرراً، من أنّ ملاك التنجيس هو السراية وهي مفقودة في المقام(2) . وفي شرح العروة: «مقتضى الدليل أنّه ينجس بالنجس ما يرى العرف فيه السراية من القذارات العرفية»(3)

.

وهو قوي إلّا أنّه محل تأمل من وجهين:

الأوّل: لم نعثر على لفظ السراية في الأدلّة الشرعية على ما رأينا، وسوق

ص: 264


1- أقول: هذه دقة عقلية لا تؤخذ في الخطابات الشرعية.
2- الفقه 2: 67.
3- شرح العروة الوثقى، الشيخ مرتضى الحائري 1: 187.

--------------------------

الكلام فيه كسوقه في سابقه(1).

الثاني: إن السراية على احتمال ليست بمقصوده قطعاً، وعلى آخرتدلّ على نقيض المطلب، وعلى ثالث بينه وبين المدّعى العموم من وجه، ولا ينهض العام من وجه دليلاً على العام من وجه.

وبيان ذلك يتمّ بذكر الاحتمالات الثلاثة لمعرفة المراد من السراية؛ وذلك لأنّه إمّا أن يراد من السراية السراية الحقيقية أو الحكمية أو العرفية.

أمَّا الاحتمال الأوّل: فإن السراية الحقيقية عبارة عن سراية النجس في سائر الأجزاء حقيقة. وبعبارة اُخرى: دخول الجزء الملاقي الحامل للقذارة في جميع الأبعاض.

ولكنه غير مراد قطعاً لعدم حصوله وجداناً، فإن قطرة الدم لاتنتشر لتلاقي كل جزء من أجزاء الماء دون الكر، ومعنى السراية الحقيقية الانتشار. هذا مضافاً إلى أن لازمه حصول النجاسة تدريجاً، فإن الطفرة كما لا تعقل في الزمان لا تعقل في المكان.

وأمّا الاحتمال الثاني: فإن السراية الحكمية عبارة عن انفعال الجزء الملاقي بالنجس، وأمّا الجزء المتصل بالجزء الملاقي فانفعاله لأجل ملاقاته المتنجّس وهكذا، فنجاسة كل جزء مسببة عن نجاسة الجزء السابق عليه

ص: 265


1- أقول: مضى بحثه في هامشنا على الدليل الثالث من أدلّة انفعال المضاف مطلقاً.

--------------------------

باتصاله به، ولكن لا يتوقّف تنجس الأجزاء المتأخرة على تخلل زمان بل التأخر رتبي، وقد ادّعي في الحِكمَة استحالة انفكاك العلّة عن معلولها زماناً، والانفعال من باب العلّية والمعلولية، وفي الفاعلية التقدم والتأخر رتبي لازماني(1)، ومن المعلوم أن ملاك التأخر الرتبي تخلل الفاء مثل: تَحَرَّكَت اليد فتحرك المفتاح.

ولكنه ينتهي إلى نقيض المدّعى وهو نجاسة العالي بملاقاة السافل لوجود السراية الحكمية، حيث نقول: انفعل الجزء الأوّل فانفعل الجزء الثاني فانفعل الجزء الثالث وهكذا، ويستحيل من الناحية الحكمية تأخر الجزء الثاني.

هذا مضافاً إلى استلزامه القول بنجاسة الجوامد الرطبة كلّها لما ذكر من الملاك فإن وقع الدم على جزء من البطيخ مثلاً تنجس كلّه(2).

وأمّا الاحتمال الثالث: أي السراية العرفية، فإنّها قد لاتوجد في الساكن وقد توجد في المتحرك، فبين الدليل والمطلوب عموم وخصوص من وجه ولا ينهض العام من وجه دليلاً على مثله. فالانبوب العمودي الطويل المليء بماء ساكن دون الكر، إن لاقت اسفله النجاسة لا ينفعل أعلاه لعدم السراية العرفية، إلّا أنّه خلاف مبناهم من الانفعال مع الركود.

ص: 266


1- كما ادعوه في العقول العشرة.
2- أقول: هذا لا يتمّ على القول بان المتنجّس بالنجس ينجس دون المتنجّس بالمتنجّس، وأمّا في المائع فلنا الدليل من إجماع وغيره.

--------------------------

وأمّا الماء المتحرك النازل من منحدر بمقدار أُنملتين، إن لاقى أسفله الذباب مثلاً أو السم، فإنّه يسري إلى الأعلى عرفاً حيث يستقذره للسراية مع أنّه متحرك، إلّا أنّ مبناهم عدم انفعال الجاري، وقد جعل الحائري الملاك هو السراية، قال: «ما يرى العرف فيه السراية من القذارات العرفية»(1) أي إنَّ وزان السراية الشرعية هي وزان السراية العرفية(2).

الدليل الرابع: إن القول بانفعال العالي بملاقاة السافل يستلزم عدم إمكان التطهير بالمطلق القليل لوحدة الملاك، ومعه تُغلق باب التطهير بالقليل مع كثرة الحاجة إليه فيما مضى؛ لقلة المياه المعتصمة عندهم بل في هذه الازمنة أيضا، وهو يخالف الإجماع و ارتكاز المتشرعة وسيرتهم، بل الضرورة والرويات الواردة في التطهير بالماء القليل.

وما ذكرناه يجري في المضاف بضميمة إلغاء الخصوصية(3)، لعدم الفرق

ص: 267


1- شرح العروة الوثقى 1: 187.
2- أقول: قد يقال: بأنّ العرف يرى ان ملاك الأمر بالإجتناب والاراقة هو السراية، نعم الشارع بيّن بعض الحالات وله ان يوسع أو يضيق ما القاه الى العرف، فقد قال بالإنفعال فيما دون الكر مطلقاً ولم يقل بالإنفعال في الماء الوارد على النجاسة وان رآه العرف يسري اليه، ولكن فيه ما مضى من عدم أخذ السراية ملاكاً أصلاً، فتأمل.
3- أقول: بل بتنقيح المناط، نعم قد يقال بان الأدلّة غير تامة فان الإجماع والسيرة والإرتكاز لها قدر متيقّن وهو الماء القليل، وأمّا الروايات فقد تدلّ على عدم انفعال القليل لولا التغيّر على المبنى، مضافاً الى أن روايات التطهير بالماءِ امتنانية فيلزم من خروج القليل منه تخصيص الأكثر وهو خلاف الامتنان فالامتنان إمّا ان يدلّ على عدم انفعاله أولا أقل من عدم انفعال الوارد منه، والامتنان لا يوجد في المائعات الاُخرى. إلّا ان الإنصاف ان الملاك الورود فيدور الحكم مداره وعليه فلا فرق بين المطلق والمضاف، وأمّا الأولويّة فغير ظاهرة لعدم كون الملاك السراية كما مضى ، بل قد تكون حكمة التشريع على تأمل.

--------------------------

عرفاً بين القليل المطلق وبين صب الجلاب على يد الكافر إن لم نقل بالأولويّة في عدم انفعال المضاف؛ لوجود كثافة فيه تمنع السراية.

الدليل الخامس: ما ذكره الفقيه الهمداني(1) وتبعه في الفقه(2) وحاصله على ما استفدناه من ظاهره: «أنَّ الأدلّة تكفلت أصل التنجيس ولم تتكفّل كيفية التنجيس، وبما أنّ الشارع لم يبيّن الكيفية فتكون موكولة إلى العرف، والعرف يُفرق بين الموارد:

أ) فلو اصابت قطرة دم ثوباً، يرى العرف تنجُّس تلك البقعة لا الثوب باكمله.

ب) ولو وقعت في ابريق، يرى العرف نجاسة ما في الابريق بأجمعه.

ج) ولو لاقت أسفل قليل جارٍ من جبل، لا يرى العرف نجاسته باجمع.

ص: 268


1- مصباح الفقيه 1: 18.
2- الفقه 2: 68.

--------------------------

قال ما لفظه: «إذ لايستفاد من الأدلّة إلّا كون وصول النجس إلى الماء سبباً لنجاسة الماء في الجملة [أي: أصل التنجيس على نحو القضية المهملة مبيّن] إمّا كونه مقتضياً لنجاسة مجموع أجزائه أو بعضها أو خصوص الجزء الملاقي للنجس، فلايكاد يستفاد من شيء من هذه الأخبار بالنظر إلى مدلولها اللفظي من حيث هو؛ إذ لافرق من حيث اللفظ بين قولك: الثوب يتنجس بالبول، والماء يتنجَّس بالبول. إلّا أنّ بينهما فرقاً فيما يُتفاهم منهما عرفاً؛ حيث إنَّ كل جزء من أجزاء الثوب لجموده موضوع مستقل للانفعال بنظر العرف، وأمّا الجسم المائع فمجموع أجزائه موضوع واحد عرفاً، فلا يلاحظ كل جزء جزء بحياله معروضاً للانفعال، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن كيفية الانفعال أمرها موكول إلى ماهو المغروس في أذهان عرف المتشرعة؛ إذ ليس لنا في الأدلّة الشرعية ماكان مسوقاً لبيان كيفية التنجيس، فلابدّ من أن يُرجع في تشخيص الموضوع إلى مايفهمه العرف من الخطاب، إذا عرفت ذلك فنقول: إن أهل العرف لا يتعقلون سراية النجاسة إلى العالي ولا يفهمونها من الخطابات الشرعية»(1).

ولا يخفى اضطراب عبارته، إلّا أن ظاهر مجموعها ماذكرناه من تبيين الشارع لأصل الانفعال دون كيفيته وحدوده فمرجع ما اهمله الى العرف.

وللتأمل في كلامه مجال واسع، فإن الشارع قد لايبين موضوعاً أو شأناً

ص: 269


1- مصباح الفقيه 1: 90.

--------------------------

من شؤونه، وقد يبينه وشؤونه، إلّا أن انطباق الموضوع يختلف باختلاف الأفراد أو الابعاض، أو يقصر الدليل عن شمول بعض الأفراد أوالابعاض. فالاختلاف فيهما بلحاظ الانطباق لايستلزم إجمال الدليل أو اهماله. فالموضوع في قول المولى: «اغسل ما اصابته النجاسة» مبين شرعاً غير مبهم أو مجمل، إلّا أن انطباق الموضوع على المصاديق يختلف فإن غسل البشرة إنّما هو بصب الماء عليها والثوب بعصره.

والحاصل: أنّ اختلاف المفهوم بلحاظ الانطباق لا يعني الإهمال أو الإجمال، نعم وقع الاختلاف في الانطباق على المصاديق فقد ذهب المشهور في عدم الحاجة إلى العصر في الأجسام الصلبة؛ لانطباق المفهوم عليها دون غيرها لعدم الانطباق بدونه.

وعليه، فما ذهب إليه الفقيه الهمداني من اهمال الشارع أو إجماله على مايظهر من كلامه غير تام، قال: «إذ لايستفاد من الأدلّة إلّا كون وصول النجس إلى الماء سبباً لنجاسة الماء في الجملة». أي: وجود الاهمال في الدليل: «أما كونه مقتضياً لنجاسة مجموع اجزائه أو بعضها أو خصوص الجزء الملاقي للنجس». كالثوب للاخير والإناء للأوّل والعالي والسافل للوسط: «فلا يكاد يستفاد من شيء من هذه الأخبار». ثم قال: «إن كيفية الانفعال أمرها موكول إلى ماهو المغروس في أذهان عرف المتشرعة» (1).

ص: 270


1- مصباح الفقيه 1: 18.

--------------------------

والمدّعى فيما نحن فيه: عدم الإهمال والإجمال في قول الشارع(1): «ما أصابهُ»، فبالنسبة إلى الثوب العرف يطبقه على خصوص الجزء الملاقي، وليس هذا من الايكال إلى العرف بل تطبيق المفهوم على مصداقه، وذلك كأن يقول المولى: جئني بسبع، فإن تطبيق الكبرى على الصغرى بيد العرف فيرى هذا سَبُعاً أو ليس بسبع. و عليه يكون «ما اصابه»:

أ - في الثوب : خصوص تلك البقعة.

ب - وفي العالي والسافل : ما إليه الدفع لا ما منه الدفع، لعدم صدق ما اصابه عليه(2).

ج - وفي إناء الماء: جميع الماء.

مثال آخر: قال المولى: «الماء مطهّر». ولا غموض في الموضوع لوضوح مفهوم الماء، ولا في المحمول، فانتهت مهمة الشارع بيان الموضوع والمحمول فلا إجمال ولا اهمال، نعم التطبيق بيد العرف ليرى أن المياه الزاجية - مثلاً - من الماء أم لا.

ص: 271


1- كما سيأتي في الدليل القادم.
2- أقول: يرد عليه نقضا ان العرف لا يرى دون الكر في حفر متصلة بسواقي «اصابه» لو اصاب أحدها، وأمّا العالي والسافل فإن كان دون الكر فإنّه ينفعل ان كان راكداً كما في انبوب عمودي طويل يصيب اسفله مع أنّ العرف لا يرى صدق اصابه على عاليه ، فالمتعين الرجوع الى ما قلناه من التعبد بالإنفعال فيما دون الكر، وأمّا في مثل العالي والسافل : بعدم انفعال الوارد مطلقاً.

--------------------------

والحاصل: أنّ المدّعى وضوح الموضوع والمحمول في قوله: «اصابه». والتطبيق عند العرف، وليس هذا من الايكال إليه.

نعم قد يقال بأن الخلاف لفظي فنعم الوفاق.

الدليل السادس وهو العمدة: عدم انطباق ملاك انفعال المضاف على المقام؛ وذلك لعدم شمول أدلّة الانفعال من الإجماع والتسالم والروايات والارتكاز لما نحن فيه فإنَّ:

أ) الإجماع لبّي لا يُعلم شموله لما منه الدفع وهو العالي.

ب) والتسالم مشكوك الصغرى؛ فإنّه لا تسالم على انفعال العالي بملاقاة السافل بل لعلّه على خلافه.

ج) والروايات لاتدل، فإن الألفاظ الواردة فيها:

إمّا «السؤر»: ولكن لا يطلق على العالي السؤر.

وإمّا «ما أصابه» كما في موثقة عمّار: «ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء»(1) و لكن لايقال للدم الذي أصاب السافل إنّه أصاب العالي.

وإمّا «في» الدالة على الظرفية كما في قوله (عليه السلام) : «تقع في الطعام والشراب فتموت فيه»(2): ولكن العالي ليس ظرف موت الفأرة(3).

ص: 272


1- الاستبصار 1: 32.
2- تهذيب الأحكام 9: 86.
3- أقول: ولو سلم الإطلاق إلّا ان الأدلّة منصرفة عن الوارد.

--------------------------

د) وارتكاز المتشرعة غير موجود في العالي.

والظاهر أنّ ما ذكر من الدوران مدار ألفاظ الدليل هو العمدة في المقام، ولم أرَ من أشار إليه إلّا ما يظهر من عبارة صاحب الجواهر قال ما لفظه: «ومن هنا يتجه احتمال أن يقال: إن السراية على خلاف الأصل، وتنجيس المائع كلّه بتنجيس طرف منه لعلّه للصدق عليه أنّه لاقى نجساً ولو لاقى بعض أجزائه، فما دل على نجاسته بمجرد الملاقاة يشمله.. فالتحقيق الرجوع إلى ماتقتضيه الأدلّة الشرعية فيتبعُ مضمومنها في الجامد والمائع والعالي والسافل وغيرهما، مع تحكيم أصل الطهارة فيما لايندرج تحتها» (1)

الدليل السابع: انصراف الأدلّة عن العالي بعد تسليم شمولها له.

الدليل الثامن: التسالم الفقهي فيمن تعرض لهذه المسألة على أن العالي لاينجس بملاقاة السافل، إلّا من صاحب المناهل.

الدليل التاسع: ارتكاز المتشرعة بعدم انفعال العالي.

الدليل العاشر: إنّ الانفعال إنّما هو لغلبة النجاسة وقاهريتها كما هو المفهوم من تعليل طهارة ماءِ الإستنجاء، ولا قاهرية ولا مقهورية في المقام. ففي رواية الأحول أنّه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : «الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به؟ فقال (عليه السلام) : لابأس. فسكت (عليه السلام) فقال: أو تدري لم صار لابأس به؟ قلت: لا واللّه، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر»(2)

ص: 273


1- جواهر الكلام: 1: 135.
2- وسائل الشيعة: 1: 222،كتاب الطهارة ابواب الماء المضاف، ب13، ح2.

--------------------------

ولكن فيه اشكالان:

الأوّل: كونها مرسلة(1)،

فقد رواها الصدوق، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن، عن رجلٍ، عن العيزاز، عن الاحول. اللّهم إلّا أن يقال بأن أصحاب الإجماع - ومنهم يونس - لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، ولكن المبنى غير مقبول.

الثاني: ضعف الدلالة، فإن الاستدلال مبني على أن الأكثرية أخذت طريقية إلى القاهرية وعدم المقهورية، فالماء الكثير لايكون مقهوراً بالنجاسة بخلاف المساوي أو الأقل، فالعالي لايقهر بملاقاة السافل. إلّا ان المشهور تعاملوا مع التعليل معاملة الحكمة لا العلّة، فقد افتوا بانفعال القليل وإن لم يتغيّر مع عدم القاهرية والمقهورية(2)، وتفصيل ذلك في بحث الماء القليل، فلا يمكن القول بعدم انفعال العالي لعدم المقهورية بالسافل؛ لكونه حكمة لاعلة فلا يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً.

ص: 274


1- أقول: اضف اليه جهالة يحيى بن عقبة بن ابي العيزار.
2- أقول: انفعال الماءِ القليل لأدلّة اخص من رواية الأحول لا تُسقط دلالتها فالرواية مضافاً الى شمولها لموردها تشمل الماء العالي الذي اصابت اسفله النجاسة، وأمّا القول بإجمالها لعدم مصداق لها إلّا موردها لكون الإنفعال دائر مدار التغيّر في العاصم فقط فهو أوّل الكلام بل القاعدة تقتضي عدم انفعال القليل بالملاقاة ، كما ذكره السيد القمي حفظه اللّه [الدلائل 1: 260].

--------------------------

فروع أربعة

ثم إنّه يبقى الكلام في تفريعات أربعة:

الأوّل: لافرق بين كون العلّو علواً في الهواء - كالماء الجاري من الميزاب على الأرض - أو علواً في الأرض - كالجبل - لوحدة الملاك المذكور.

الثاني: لافرق بين كون العلّو تسنيمياً - من سنام الابل: كالجدار - أو تسريحياً - ماله تدرج - لوحدة الملاك ايضاً(1).

الثالث: ذهب الكثير إلى عدم الفرق بين كون الجريان من العالي إلى السافل أو العكس كالنافورة، أو من اليمين إلى الشمال أو عكسه، قال: السيد ابو الحسن الاصفهاني: «الملاك التدافع بقوة مطلقاً ولو كان من الاسفل إلى الاعلى كالفوارة وشبهها فلا ينجس الاسفل». وذكر السيد عبد الهادي الشيرازي أنَّ «الملاك التدافع لا العلّو»، وقال المحقق الخوئي: «الملاك أن يكون الجريان عن دفع وقوة»، وكذلك السيد الگلبيگاني، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وأقاضياء العراقي، وآل ياسين، والسيد الوالد(2) رحمهم اللّه.

ص: 275


1- أقول: مع صدق الورود عليه عرفاً، وأمّا مع عدمه وكون الماءِ واحداً عرفاً فمشكل؛ لعدم اختلاف حكم الماءِ الواحد على ما قالوا، وان شككنا فيه وفي كون الوحدة الملاك للانفعال، فراجع.
2- راجع تعليقاتهم على العروة الوثقى.

--------------------------

والذي يبدو للنظر أن الملاك شمول العناوين المذكورة في الأدلّة ك- «اصاب» و «فيه» فينفعل، ومع الشك في الشمول تجري أصالة عدم الانفعال فإنّ «كل شيء طاهر»(1).

الرابع: افتى الفقيه الهمداني بعدم انفعال ماء إناء مثقوب بثقب يخرج الماء منه بحدّة على سطح متنجّس كابريق في المرافق القديمة، قال: «إن ما في الابريق يبقى على طهارته بلا اشكال»(2) وقال السيد الوالد (رحمه اللّه) : «فيه اشكال وإن كان الأقوى طهارة ما في الظرف»(3) لأنّ المناط في النجاسة على رأيه (رحمه اللّه) إمّا شهادة العرف بكونه معروضاً للنجاسة قال: «وجه عدم شهادة العرف بالنجاسة ليس إلّا عدم السراية»، أو دليل تعبدي، ولا يوجد شيء منهما في المقام.

وماذكر إنّما هو لإختلاف ملاك النجاسة: فيرى الفقيه الهمداني أن كيفية الانفعال موكولة إلى العرف. ويرى السيد الوالد أن السراية هي ملاك

ص: 276


1- المقنع للصدوق: 15. أقول: الماء الوارد على النجس لا ينفعل وملاكه يشمل المضاف أيضاً وفي الفوارة ماءِ السافل هو الوارد. وأمّا مع الشك فقد يقال بالإنفعال على مبنى قاعدة المقتضي والمانع فإنَّ الماء يقتضي الإنفعال ويشك في كون الدفع مانعاً، فافهم.
2- مصباح الفقيه 1: 91.
3- الفقه: 2: 68.

2 مسألة: الماء المطلق لايخرج بالتصعيد عن إطلاقه [1]

--------------------------

النجاسة. إلّا أنّا نرى ضرورة الدوران مدار ألفاظ الرواية مثل:اصابه(1).

الماء المطلق بعد التصعيد موضوعاً و حكماً

[1] في المسألة بحثان:

البحث الأوّل : في بقاء إطلاق المطلق بعد التصعيد. وفيه مطلبان:

المطلب الأوّل : فيمايرتبط بعالم الثبوت، فنقول: الصور المتصورة في المقام ثلاثة:

الصورة الأولى: بقاء صدق الماء عليه عرفاً بعد التصعيد، ولاشك أنّه محكوم بالإطلاق، فإن العرف هو المرجع في صدق المطلق والمضاف.

الصورة الثانية: زوال الصدق العرفي بأن لا يصدق عليه الماء المطلق بعد التصعيد، ولاشك في خروجه عن الإطلاق ولحوق حكم الإضافة عليه(2).

والحاصل: أنّ الملاك الصدق العرفي بعد التصعيد، فما صدق عليه الماء فهو مطلق وإلّا فمضاف.

الصورة الثالثة: الشك في كونه مطلقاً أو مضافاً، فهل توجد حالة أوّلية

ص: 277


1- أقول: ويضاف اليه أن الماء الوارد لا ينفعل مطلقاً للمناط الموجود في التطهير بالماءِ القليل كما سبق في بعض هوامشنا، وما في الأبريق وارد على السطح المتنجّس كما هو بيّن.
2- أقول: مع عدم صدق عنوان غير المائع عليه - كما سيذكره السيد الأخ الأكبرفي المسألة الثالثة: المضاف المصعد مضاف - لاحتمال تفاعله مع موادٍ في حالة البخارية تُرجعه جسماً غير مائع.

--------------------------

يرجع إليها عند الشك؟ وبعبارة اُخرى : ما هو الحكم لو شك في انقلاب مهيّة إلى اُخرى؟

قد يقال ببقاء المائية بتقرير: «أن الصورة الجسمية كانت متلبسة بالصورة النوعية المائية، ويُشكُّ في خلع تلك الصورة النوعية وتلبُّس الصورة الجسمية بصورة نوعية اُخرى، فمقتضى الاستصحاب بقاء الصورة النوعية المائية». نعم، ذلك متوقّف على وحدة موضوع القضيتين المتيقّنة والمشكوكة، أمّا مع تغاير الموضوع اوالشك(1) في الوحدة فلا مجرى للاستصحاب؛ لاختلال الركن الثالث من اركان الاستصحاب في الصورتين.

والحاصل: أنّه تارة يقطع ببقاء موضوع القضيتين المتيقّنة والمشكوكة عرفاً، واُخرى يقطع بالتغيير، وثالثة: يشك، ومن الثابت عدم جريان «لاتنقض» في الأخيرين.

فلو لمسنا برطوبة مسرية كلباً كان قد وقع في أرض مالحة لا يدرى أبقي على كلبيته ام تحول إلى ملح؟ نحكم بانفعال موضع اللمس، وذلك لأنّ الشك حاصل في تغيّر الصورة النوعية الكلبية الى الصورة النوعية الملحية مع ثبات الموضوع - أي المادّة الجسمية - ووحدته في القضيتين المتيقّنة

ص: 278


1- أقول: مع الشك يستصحب الموضوع فيحرز تعبداً كما سنشير اليه في شبهة السيد حسن القمي فانتظر.

--------------------------

والمشكوكة، ولكن لا يعتنى بهذا الشك فيكون مقتضى «لاتنقض» بقاء الصورة النوعية الكلبية للمادّة الجسمية، واثره الشرعي النجاسة. ولذا قال المصنّف في بحث المطهرات: «إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة»(1) وقال: «ومع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة»(2) ويجري ماذكرناه في المقام ايضاً: فإنّ المادّة الجسمية كانت متلبسة بالصورة النوعية المائية والشك في فقدانها للمائية، فنستصحب كونها ماءً مطلقاً(3).

ص: 279


1- العروة الوثقى 1: 136.
2- المصدر نفسه : 133.
3- أقول: إن التنظير بالكلب مع الفارق ، فإن جريان الاستصحاب فيما نحن فيه مبني على أمرين في كلاهما تأمل: أوّلاً: القول بعدم الاستحالة ووحدة الموضوع بين الماء والبخار كما في الفقه 2: 71. ثانياً: القول بعدم اشتراط اتصال زمن اليقين بالشك وإمكان جريان الاستصحاب حتى مع تخلل القاطع وتغيّر الموضوع بين الزمانين. ولكن فيه تأمل: أمّا الأوّل: فلمغايرة البخار عن الماء عرفاً فلا يقال لمن يحرك يديه في حمام مليء بالبخار إنّه يسبح في الماء! وليس البخار كالماء المنجمد أو الغبار، فإن فصل الماء السيلان ولا سيلان في البخار، ومن الثابت في علم الكيمياء ان البخار المنبعث من الماءِ هو غازان يتحدان بالتكثيف فالصورة الجديدة مغايرة للوجود السابق. وأمّا الثاني: فإن اركان الاستصحاب مختلَّة لأنّ اليقين السابق في الفترة المائية انتقض بيقين لاحق في الفترة البخارية ، فيكون نقض اليقين بيقين آخرسابق عن الشك، وعليه فليس للماءِ المتبدل من البخار يقين سابق غير منقوض بيقين آخرليستصحب، فتأمل وذلك لعدم نقضه بيقين آخرمع اتحاد الموضوع بل الموضوع متعدد فلا نقض. وأمّا نقض الحكم في الكلب والشك في الاستحالة أو الإنقلاب فلم يتخللها قاطع ليَنْقُضَ سابقه.

--------------------------

المطلب الثاني: فيمايرتبط بعالم الإثبات فنقول: لامصداق للصورتين الثانية والثالثة لأنّ المطلق لايخرج بالتصعيد عن إطلاقه، كما ذهب إليه المصنّف، وأيده في ذلك النائيني وآقا ضياء العراقي والاصفهاني والبروجردي، والشيخ عبد الكريم الحائري وابنه الشيخ مرتضى والسيد عبد الهادي الشيرازي، والخونساري والحكيم و الخوئي والمرعشي النجفي والقمي المشهدي والگلبايگاني.

وَوُجّهَ ذلك: بأن التصعيد «فكٌ لجُزئي الماء، فتتبدل الصورة النوعية من الماء إلى غازي العنصرين، ثم يتحدان مَرّة اُخرى بالتكثيف وتتكون صورة نوعية للماء، وتكثيف الغازين إن لم يُصاحب غازاً آخرينتج الماء المطلق»(1). إلّا أن السيد الوالد (رحمه اللّه) أشكل فيه قائلاً: «نعم لو فُرض زوال الصدق كأن صار له طعم و لون وخاصية جديدة - كما ربّما لا يبعد فيما يصعَّد مراراً - خرج عن الإطلاق ولحقه حكم الإضافة»(2) والأمر موكول إلى العرف.

ص: 280


1- سند العروة الوثقى 1: 69.
2- الفقه 2: 69.

--------------------------

البحث الثاني: في مطهّرية الماء المطلق المصعّد مع فرض بقاءه على الإطلاق.

وقد أشكل عليه (1): بأن الطهورية مختصة بماء المطر بمقتضى قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}(2) فإنّه يدلّ على الانحصار، ولو فرض عدم دلالته عليه كفى عدم ثبوت الوصف لغيره، وليس الماء المصعد بعد تبخيره وعودته إلى المائية ماءَ المطر، بل هو ماء جديد قد وُجد بعد انعدام الماء الأوّل إذ المفروض أنّه انقلب بخاراً، والبخار غير الماء عرفاً، فالحاصل منه مغاير للماء السابق.

ويرد عليه أوّلاً: النقض بالغصب، فالغاصب للماء إن صَعّده وعاد البخار ماءً فهل يحق لثالث أن يتملكه لكونه ماء جديداً وُجدَ بعد انعدام الماء الأوّل(3)؟

وثانياً: الملاك في المغايرة والاتحاد هو النظر العرفي، ولاشك أن العرف يحكم بالاتحاد، فيترتّب عليه جميع الأحكام. والحاصل: إن الماء المطلق قبل التبخير وبعده شيء واحد عرفاً.

ص: 281


1- التنقيح: 2: 40.
2- سورة الفرقان: 48 ، التنقيح 2: 40.
3- أقول: إن الملكية متعلقة بالمادّة لا الصورة النوعية، وقد مضى من السيد الأخ الأكبر في الاستحالة ان الصورة تتغيّر لا المادة، وعليه فالنقض غير تام، وأمّا المطر فهو نوع من الماء لا يصدق عليه المطر بعد التصعيد كما لا يطلق على ماءِ العين: ماء المطر، فتأمل.

نعم لو مزج معه غيره وصُعِّدَ كماء الورد يصير مضافاً(1)[1]

--------------------------

إن قلت: إن كان عينه فَلِمَ الفتوى بطهارة المتنجّسات بالتصعيد؟

قلت: المبنى محل اشكال؛ لعدم طهارة ما لو عاد كما هو قبل التصعيد.

وثالثاً: ماذكره في التنقيح: «من عدم اختصاص الطهورية بالماء النازل من السماء، وإنما هي حكم مترتب على طبيعي الماء أينما سرى، والمفروض أنّ الماء الحاصل بالتصعيد ممّا تصدق عليه الطبيعة».

ويدلّ عليه : الأخبار كقوله (عليه السلام) : «جعل لكم الماء طهوراً»(2)،

و أدلّة الغسل والوضوء بالماء، وأدلّة مطهّرية الماء من البول والولوغ. وغيرها(3). فطهورية الماء الجديد - وإن لم يكن مطراً - ثبتت بالروايات لا بالآية المباركة.

في التصعيد موضوعاً و حكماً

[1] في المسألة بحثان:

البحث الأوّل : في بيان الفارق بينها وبين المسألة اللاحقة بكون: «المضاف المصعد مضاف». وفيه احتمالان:

الأوّل: «أن لايصل المزج إلى مرحلة الإضافة»(4) كما ذكره الشيخ مرتضی

ص: 282


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «في إطلاقه منع، والملاك الصدق العرفي».
2- التنقيح 2: 40.
3- أقول: هذه الأدلّة لا تكفي على من يرى أن المثبتين يقيد أحدهما الآخروماء المطر اخص من الماء المطلق في هذه الاخبار فينبغي ذكر أدلّة نُصّ فيها من أنواع الماء ما هو قسيم للمطر، ولكن في المبنى تأمل سبق مفصلاً في بعض هوامشنا. هذا مضافاً الى ان اخبار التطهير بيانية ولم يذكر فيها المطر.
4- شرح العروة الوثقى 1: 187.

3 مسألة: المضاف المصعد مضاف(1)[1].

--------------------------

مرتضى الحائري فيما نحن فيه، ويدلّ على ذلك قوله «يصير» وكأنّه لم يصر مضافاً من قبل التصعيد، كماء جعلت فيه مادّة لم تخرجه عن إطلاقه ولكنه بالتصعيد خرج عن الإطلاق، وهذا بخلاف الفرع اللاحق فإنّه مضاف قبل التصعيد.

الثاني: ما يظهر من المسألة الثالثة انشاء اللّه تعالى(2).

البحث الثاني: لايخلو إطلاق ماذكره من نظر وإن سكت عليه مجموعة من الاكابر ك- : النائيني والعراقي والاصفهاني والحائري والخونساري والحكيم، فإن التصعيد قد يوجب الإطلاق كماء ممزوج بالملح، وقد يوجب الإضافة كماء ممزوج بالورد، والملاك الصدق العرفي، ولذلك أشكل مجموعة من الفقهاء على إطلاق المتن منهم: البروجردي والسيد عبد الهادي الشيرازي والخوئي والگلبايگاني والقمي والمرعشي النجفي والوالد رحمهم اللّه.

[1] الظاهر أن للمضاف المصعد ثلاث حالات:

الأولى: صدق أصله عليه كعصير البرتقال المصعد إن صدق عليه ذلك، أو صدق عليه عنوان مضاف آخر.

الثانية: صدق عنوان آخرعليه فيندرج تحته(3).

ص: 283


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «ظهر الحال فيه ممّا تقدم في المسألة السابقة».
2- في اواخر المسألة اللاحقة.
3- أقول: وذلك كأن يتفاعل مع بعض المواد الكيمياوية فيصبح جسماً صلباً أو طحيناً مثلاً.

4 مسألة: المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد لاستحالته بخاراً ثم ماءً(1)[1].

--------------------------

الثالثة: أن يشك، وقد سبق الكلام فيه.

فإطلاق المصنّف محل تأمل، والظاهر اختلاف المياه المضافة، فماء التفاح يبقى مضافاً بعد التصعيد ظاهراً دون ماء الملح. قال السيد الوالد (رحمه اللّه) : «إن أراد بيان الموضوع ففي كليّته تأمل، وإن أراد بيان أنّه محكوم بالإضافة وإن لم يصدق عليه المضاف، ففيه إنّه لادليل لبقاء الحكم بعد انتفاء الموضوع»(2) .

و لم يعلق عليه بعض الاعاظم كالنائيني و العراقي و الاصفهاني و الحائري و البروجردي و الخونساري و الحكيم، و كأنهم رأوا أن المراد بالمضاف هنا هو المضاف بالذات، و أن مراده بالماء الممتزج في المسألة السابقة المضاف بالتركيب(3).نعم ليس من شأن الفقيه تنقيح الموضوع.

[1] ماذكره المصنّف ليس من المسلمات، فقد ذهب مجموعة من الفقهاء إلى خلافه(4)، فقد احتاط آل ياسين بقوله: «لايطهر على الأحوط»،

ص: 284


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «لو كان المصعّد بنفسه من أفراد النجاسات وصدق عليه عنوانها بعد التصعيد فلا إشكال في الحكم بالنجاسة، وكذا مع فرض اصطحاب البخار لذرات من المائع غير مستحيلة عرفاً، وفي غير هاتين الصورتين لا يخلو الحكم بالطهارة من إشكال، و الأحوط وجوباً الإجتناب».
2- الفقه 2: 70.
3- (3) وهذا هو الاحتمال الثاني لبيان الفارق بين المسألتين.
4- أقول: سنشير الى وجه الخلاف على نحو لا يمكن القول بانهم يجرون الاستصحاب.

--------------------------

وأشكل عليه البروجردي والخونساري بقولهما في التعليقة: «محل اشكال». وكذلك الگلبايگاني و المرعشي النجفي بقولهما: «مشكل». وذهب الحائري إلى أن: «الأقوى النجاسة». وتأمل فيه الفيروز آبادي، وقد اضاف السيد الوالد مالفظه: «إذا لم يصدق عليه عنوانه السابق».

ولا يخفى وجود صورتين غير منظور إليهما في كلام المصنّف ولايشملهما الحكم بالطهارة:

الأولى: لو كان المصعد من أفراد النجاسات وصدق عليه عنوان السابق بعد التصعيد، فحكمه النجاسة؛ وذلك لأنّ الحكم مسوق على نحو القضية الحقيقية، وفعلية المحمول فيها تابعة لفعلية الموضوع، فإن اصبح الموضوع فعلياً ترتب عليه الحكم، والمفروض وجود فرد جديد للجنس بعد التصعيد فيشمله الحكم، وذلك كما لو عاد البول بعد التصعيد بولاً فإنّه لا يمكن الحكم بطهارة البول الجديد. وأمّا في مثل الخمر المصعد فإن ارتكاز المتشرعة بل الضرورة على نجاستها إن رجعت عَرَقاً؛ لكونه مصداقاً جديداً ل- : «كل مسكر حرام»(1).

الثانية: مع فرض وحدة الظرف يكون المصعد نجساً وإن فُرض طهارة المصعّد؛ وذلك لانفعاله بالعرض أو بالتَّبَع لملاقاته للظرف المتنجّس.

إن قلت: يُنقض على ماذكر بطهارة الخمر المنقلبة خلاً.

ص: 285


1- الوسائل 3 : 496

--------------------------

قلت: إن طهارتها ثابتة بالدليل التعبدي ولولاهُ لحكمنا بنجاستها(1)، هذا.

ثم إنّه يدلّ على الحكم بالطهارة في كلام المصنّف وجود استحالتين في

ص: 286


1- أقول: ذكرت الطهارة التبعية في موارد متعددة لا دليل على بعضها إلّا شمول أدلّة طهارة المتبوع لمكان التبعية وعدم الانفكاك بينهما عرفاً، وقد ذكروا بأن الخلاف في طهارة التابع صغروي فمن قال بالتبعية قال بالطهارة ايضاً، منها: تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه، ومنها: تبعية الاسير الصغير الوحيد، ومنها: تبعية آلات تغسيل الميت ولا دليل على طهارتها إلّا عدم ذكر تطهيرها في الاخبار البيانية الواردة في غسل الميت، ومنها: تبعية آلات طبخ العصير، ومنها غير ذلك. ومنه يظهر ان طهارة إناء المضاف المصعَّد يشمله دليل مطهّرية الاستحالة - على المبنى في مطهّرية الاستحالة كبرىً اولاً، وعلى القول بكون التصعيد من الاستحالة صغرىً ثانياً بالملازمة العرفية لآلات التصعيد، ودليل التمسك بالإطلاق الحالي والمقامي في المطهرات والتسهيل فيها عند الشريعة المقدسة، وممّا يؤيد ما ذهبنا اليه ما ذكره في المهذّب 2: 117 قال«المكائن الحديثة المصنوعة لغَسل الثياب والظروف تطهر بالتبع ايضاً». نعم قد يقال : بان الذهاب الى الطهارة التبعية إنّما يكون مع استلزام اللغوية لولاها ، كما في العصير بعد ذهاب ثلثيه فإنّه يلزم من عدم الحكم بطهارة ظرفه تبعاً لزوم لغوية القول بطهارة العصير فإنّه يتنجس بالظرف بعد ذهاب ثلثية، وهذا القول لا يجري فيما نحن فيه لإمكان أخذ ماء البخار في غير ظرفه الأوّلي، فافهم. هذا مضافاً الى أنَّ تقاطر البخار في نفس الإناء في حال غليان الماء سبب لانفعال القطرات بالماء المنفعل قبل تصعيده.

--------------------------

المقام:

الأولى: استحالة الماء إلى البخار، ولا وحدة عرفية بينهما؛ لتغاير المفهومين ولا يجري استصحاب الحكم مع تغاير الموضوعين والمُحَكَّم في البخار أصالة الطهارة.

الثانية: استحالة البخار إلى الماء وهما متغايران، فتجري في الماء الجديد أصالة الطهارة، وحتى مع القول بالاستصحاب، فإنّ استصحاب طهارةِ مرتبةِ البخارية إلى مرتبة المائية تام الاركان، بخلاف استصحاب نجاسة الماء الأوّل؛ لعدم اتصال زمان اليقين بزمان الشك لتخلل الطهارة في المرتبة البخارية. هذا تمام الكلام في توجيه الاستدلال على مدعى المصنّف.

ولكن يرد عليه أمران وهما وجود الدليل الاجتهادي اولاً والأصل العملي ثانياً.

أما الأوّل : فإن الرجوع إلى الاُصول العملية من أصالة الطهارة والاستصحاب إنّما يكون بعد فقد الأدلّة الاجتهادية،إلّا أنّها غير مفقودة في المقام، وذلك لوجود الدليل على نجاسة الملاقي للنجس، فإن الماء الأوّل شمله الدليل لمكان الملاقاة ثم انعدم الموضوع - بنظر العرف - إلّا أنّه عاد الموضوع بعينه من جديد فشمله الدليل الاجتهادي.

وبعبارة واضحة: إن الماء الجديد عين الماء الأوّل عرفاً، وبما أنّ الأوّل ملاق فيشمل الثاني حكمه. فإن قال المولى: من حاز شيئاً ملكه. فإن حزت الماء ثم تحول إلى بخار ثم إلى ماء فقد شمله الدليل ولا يجوز لآخر غصبه،

ص: 287

--------------------------

وقد قال في الفقه: «النقض بالتراب المتنجّس، فإن جُعل غباراً ثم عاد تراباً هل يحكم بطهارته؟» (1).

والحاصل: وحدة المائين بحسب الأدلّة الاجتهادية.

وأمّا الثاني: وينبغي تقديم شبهة ذكرت في باب الاستصحاب قبل بيانه. والشبهة مبنية على مقدمتين:

الأولى: إنّ العرف هو المرجع في مقام بيان المراد من الموضوعات الواردة في الأدلّة الشرعية فيرجع اليه في مفهوم الموضوع.

الثانية: إنَّ العرف هو المرجع - أيضاً - في بقاء الموضوع المعتبر بقائه في جريان الاستصحاب وعدم بقائه كي لا يستصحب حكمه.

وحينئذ ترد الشبهة التي كان يطرحها المجدد الكبير على الطلبة: «من أن الموضوع إن كان باقياً عرفاً فلا مجال لجريان الاستصحاب؛ لأنّ المفروض بقاء الموضوع فيشمله الدليل الاجتهادي، وإن لم يكن باقياً فلا مجرى للاستصحاب لعدم اتحاد القضيتين».

ص: 288


1- الفقه 2: 72. أقول: قد سبق الإشكال في قياس الملكية بما نحن فيه وأنّه لم ينعدم موضوع الملك بالصيرورة بخاراً. ثم إنّه لايخفى الفرق بين البخار والغبار، فإن الثاني تفرق أجزاء التراب ولا يصدق عليه عنوان آخر، قال في مفردات ألفاظ القرآن : 602 «الغبار ما يبقى من التراب المثار» بخلاف الأوّل فإنّ البخار عرفاً غير الماء لما سبق من ان الماء أخذ فيه السيلان.

--------------------------

والجواب عنها: تغاير موضوع الاستصحاب مع موضوع الدليل، والمرجع في كليهما وإن كان هو العرف إلّا أن موضوع الأوّل باق بنظر العرف دون موضوع الآخر، فلو قال المولى: «الماء المتغيّر ينجس» فإن موضوع الدليل ينتفي بزوال التغيّر، فلو زال بتصفيق الرياح مثلاً تغيّر الموضوع فلا يشمله الدليل الاجتهادي.

ولكن لو فرض أن الماء غير المتغيّر متحّد عرفاً مع الماء المتغيّر، عندها نشير إلى الماء في المرحلة الثانية:«مرحلة زوال التغيّر بتصفيق الرياح» ونقول: هذا الماء كان نجساً ويشك في بقاء نجاسته، فيجري لاتنقض اليقين بالشك.

فتغايَرَ الموضوعان فإن موضوع الدليل هو الماء المتغيّر وموضوع الاستصحاب هو «هذا الماء»، والعرف يرى الماء بعد التغيّر نفس الماء قبل التغيّر. فهناك احتمالان: إمّا أن يكون التغيّر علّة محدثة ومبقية، وأمّا أن يكون علّة محدثة فقط، ومع الجهل يحصل الشك في حكم المرحلة الثانية، فيجري «لاتنقض» ويزول الشك.

وبعبارة اُخرى : موضوع الدليل ليس بموجود في المرحلة الثانية ولكن يحتمل بقاء الحكم فيها لاحتمال كون القيد علّة محدثة فقط لا أنّها محدثة ومبقية، فيشك في بقاء الحكم والمفروض وحدة الموضوع في المرحلتين عند العرف - لا عند الدليل - فيجري «لاتنقض» والاستصحاب تابع للعرف لا الدليل.

ص: 289

--------------------------

وبعبارة ثالثة: إن القيود الموضوعة في الموضوع على قسمين:

ما بانتفائها ينتفي الحكم مثل: صل خلف العادل، فلو اصبح فاسقاً ينتفي الحكم بالصلاة خلفه.

ما بانتفائها لاينتفي الحكم مثل: خليفتي خاصف النعل(1) فلو توقّف الامام (عليه السلام) عن خصف النعل لاينتفي الحكم.

وأمّا لو شك في أنّ قيد المسافر في قول المولى: «اكرم المسافر» من قبيل القسم الأوّل فينتفي الحكم بانتفائه، أو من قبيل القسم الثاني فلا ينتفي بانتفائه؟ نقول: زيد في السفر نفس زيد في الحظر، وقد كان واجب الاكرام بدليل اكرم هذا المسافر، ولكن بعد رجوعه يشك في بقاء الحكم فيجري لا تنقض؛ لأنّه واحد عرفاً في السفر والحظر فيستمر الحكم إلى مرحلة الشك(2)، وأمّا منشأ الشك فهو الجهل بكون القيد أي المسافر علّة محدثة

ص: 290


1- مضمون روايات مستفيضة عن النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، راجع الكافي 5: 12، التهذيب 4: 116، الامالي: 254 وغيرها.
2- أقول: إن منشأ الوحدة في الأنظار العرفية: المرتكزات في أذهانهم في نظائر المورد من أحكامهم العرفية بجهة مناسبات الحكم والموضوع وعليه فيعدّون الخصوصيات المأخوذة في الموضوع في لسان الدليل - كالماء المتغيّر - من الحالات غير المقوِّمة للموضوع. فهم يرون ان موضوع النجاسة هو الماءِ و وصف التغيّر علّة لعروض النجاسة عليه.

--------------------------

فقط أو مبقية ايضاً(1)؟

مثال آخر: قال المولى: «لاتغصب هذا العنب». وبعد شهر تحول العنب إلى زبيب - والمفروض وحدة العنب والزبيب عند العرف - كما ادّعاه صاحب الكفاية(2) - فمع الشك في شمول الحكم - وهو لاتغصب - للزبيب يقال: هذا الزبيب نفس العنب، وكان العنب محكوماً بحرمة غصبه، فتستصحب حرمة غصبه.

والوحدة هنا وحدة عرفية، ولا وحدة دليلية بينهما للاثنينية المفهومية بين الزبيب والعنب، فالتغاير دليليٌ ولا تغاير عرفاً. والحاصل في عبارة موجزة: «التعدد مفهومي والوحدة مصداقية» فاندفعت شبهة المجدد الكبير.

ثم إنّه بعد تمامية ماقدمناه نقول: مع فقد الدليل الاجتهادي ووصول الأمر إلى الأصل يتمّ إثبات النجاسة بتقريرات ثلاثة(3):

التقرير الأوّل : الماء الثاني عين الماء الأوّل عرفاً إلّا أنّه عاد بعد انعدامه، والدليل الاجتهادي وإن لم يشمل إلّا الماء الأوّل لكون موضوعه «الملاقي»

ص: 291


1- أقول: بل قد يقال إن القيد ليس بعلة محدثة وإنما هو عنوان مشير ليس إلّا ، فلا ينتفي شخص الحكم بانتفائه نعم قد يُفّرق بين المعرفة الموصوفة والنكرة كذلك بكون القيد في الأوّل على نحو العنوان المشير دون الثاني ، فتأمل.
2- الكفاية: 428.
3- وبضميمة التقرير السابق يكون مجموع تقريرات النجاسة أربعة.«منه (رحمه اللّه) ». أقول: ويقصد بالتقرير السابق: وجود الدليل الإجتهادي.

--------------------------

و «ما اصابه» و «وقع فيه» وهذه العناوين لا تشمل الماء الثاني، إلّا - أنّه قد مضى - أن وحدة الموضوعين عرفية لادليلية، وحينئذٍ تستصحب النجاسة من المرحلة الأولى إلى الثالثة.

ولايرد على ذلك إلّا اشكالان:

الأوّل: أنّه من الاستصحاب في الشبهات الموضوعية.

وفيه: أنّه لامحذور فيه على ما قرر في محله.

الثاني: انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بتخلل المرحلة البخارية.

وفيه: أنّه لم يدلّ دليل على لزوم الإتّصال(1)، بل اللازم اتحاد القضيتين:

ص: 292


1- أقول: قد يقال يُشك في صدق الابقاء الذي هو موضوع التعبد الاستصحابي مع عدم إحراز اتصال زماني اليقين والشك وان كان بتخلل انعدام الموضوع. هذا مضافاً الى دعوى أن المستفاد من ظاهر الروايات شرطية الإتّصال ولا أقل من الانصراف مع الإطلاق، فهو نظير ما ذكره الشيخ في المكاسب في وحدة خيار العيب مع تعدد المشتري من انصراف مطلقات الخيار الى غير المقام أي تعدد المشتري. فالحاصل: إن القدر المتيقّن في أدلّة الاستصحاب مضافاً الى المرتكزات في أذهان الاعلام هو: إحراز الإتّصال، والخلاف مع الآخوند في توارد الحالتين صغروي مع تسالمهم على إحراز الإتّصال، وأمّا تعليقات بعضهم على المسألة فقد يكون لإشكالهم في مطهّرية الاستحالة كبرىً، أو كون التصعيد منها صغرىً، فتأمل. نعم قد يقال: إن انفصال الزمان لا يعد مانعاً من جريان الاستصحاب بل يحكم باستمرار المتيقّن من زمان اليقين الى زمان يكون لوجوده أثر ولا يكون ذلك إلّا في زمان الشك بعد عود الموضوع، فتدبر. هذا مضافاً الى أن مبنى السيد الأخ الأكبرفي المتنجّسات انفعال المادّة لا الصورة والمادّة في الماء والبخار واحدة فلم يتخلل الاستصحاب انعدام الموضوع بل نحرز اتحاد الموضوع كما سيذكره في تقريب كلام السيد حسن القمي، إلّا ان يقال بعدم الوحدة عرفاً في مادّة الماءِ والبخار بخلاف المطلق والمضاف.

--------------------------

المتيقّنة والمشكوكة. بنظر العرف وهو متحقق في المقام، فالنجاسة تستصحب من المرحلة الأولى إلى الثالثة بلا تنقص.

إن قلت: في الحالة البخارية - وهي المرحلة الثانية - انتقض اليقين السابق بيقين آخرمضاد، لكون البخار طاهراً فلا يصدق نقض اليقين بالشك، مضافاً الى أن النقض هو قطع الهيئة الإتّصالية.

قلت: النقض إنّما يصدق مع تخلل حكم مضاد ولا يصدق مع انعدام الموضوع ورجوعه، فَلَوْ اُحيى الميت تُستصحب أحكامه قبل الموت من الزوجية وغيرها.

إن قلت: فعليه يبطل الزواج بالخامسة لو عادت الرابعة إلى الحياة لاستصحاب زوجيتها، وكذلك الأمر لو تزوجت بعد انقضاء عدة وفاة زوجها فعاد للحياة.

قلت: لا نسلّم ذلك، بل يستمر زواجه بالخامسة وزواجها بالثاني؛ وذلك

ص: 293

--------------------------

لحكومة الدليل على الاستصحاب. والدليل في الأوّل : جواز الزواج بالرابعة بعد موت احداهن. وفي الثاني: جواز التزويج بعد انقضاء العدة لقوله تعالى: {يتربَّصْن بِأَنْفُسِهِنَّ أربعةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}(1) وقد اعتدت عدة صحيحة والحكم تابع لموضوعه(2).

والحاصل: لامانع من استصحاب النجاسة من المرحلة الأولى إلى الثالثة وإن لم يشملها الدليل.

ص: 294


1- البقرة: 234.
2- أقول: بل قد يقال : إن موضوع الدليل «الموت» منصرفٌ الى الموت الدائم لا الموت المتعقب بحياة والعدة الصحيحة إنّما تكون بعد الموت الدائم، و إلّا لزم عدم رجوع امواله اليه بعد تقسيمها الى الورثة بل حتى قبل التقسيم، وهو بعيد. ويؤيده ما في الخرائج 2: 629 عن عيسى بن مهران انّ رجلاً من اهل خراسان ماتت زوجته فاتى الى ابي عبد اللّه عليه السلام، فقال له عليه السلام: «انصرف الى أهلك لم تمت» ثم أنّها رأيت الامام عليه السلام في الطواف وقالت لزوجها «واللّه هذا الرجل الذي رأيته يشفع الى اللّه حتى ردَّ روحي في جسدي ولم تكن رأته قبل» ولم يأمره الامام بأن يعقد عليها بعقد جديد. لا يقال: إن دليل استرجاعه الاموال قوله تعالى: {فأنظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك} فقد نسب تعالى الملكية اليه. فإنّه يقال: يكفي في النسبة أدنى مناسبة والاستعمال أعمّ من الحقيقة، فتنسب اليه لكونه كان متلبساً من السابق. وقد نذهب الى أن الموت في فترة قصيرة لا يُبطل الزوجية والملكية بخلاف المدَّة المديدة، ولكنه يفتقر الى دليل، إلّا إن عاد الى الانصراف.

--------------------------

التقرير الثاني: البخار بحكم الماء المتجمد في عدم تغيّر الموضوع عرفاً، فتستصحب نجاسة الماء في المرحلة البخارية، فيكون البخار نجساً، والكلام نفسه في المرحلة الثالثة، فوزان البخار وزان الغبار.

وفيه نظر: إذ لاشك في كون البخارمغايراً للماء عرفاً، كما لاشك في مغايرة الماء الثاني للبخار، فانعدم ماكان موضوعاً للنجاسة فاختل الركن الثالث للاستصحاب.

التقرير الثالث: لاشك في أنّ البخار يحمل ذرات ماء غير مستحيلة لتبلُّل اليد لو وضعت فوقه وتدسُّمها وتنجسها لو وضعت فوق بخار الدهن المتنجّس، ولذلك أفتى المشهور تبعاً لرواية بلزوم الاستصباح به تحت السماء(1)، وإن خالفهم: السيد الجد والسيد الوالد والسيد الخونساري والسيد البروجردي. والبخار فيما نحن فيه حامل لجزيئات مائية وهي باقية على نجاستها، فينجس الماء في المرحلة الثالثة. وقيل بأن الحرارة المرتفعة جداً تسبب رفع جزئيات مائية بخلاف الحرارة القليلة، إلّا أنّ الأمر في ذلك كلّه موكول إلى التحقيق.

ص: 295


1- أقول: قد سبق ان العرف يرى البخار غير الماء موضوعاً وكذلك بالدقة كما في الكيمياء، وأمّا تبلّلَ اليد بوضعها فوقه فلأجل تركيب غازي العنصرين مرة اُخرى بعد اصابتها بجسم صلب ، وأمّا الاستصباح فهو للتعبد فإن من الواضح جداً جواز تنجيس السقف بأيّ نجس كان ولم يُسمع عن أحد حرمته. نعم لا يجوز بيعها للاستعمال المحرم كما في العروة .

5 مسألة: إذا شك في مائع أنّه مضاف أو مطلق، فإن علم حالته السابقة أخذ بها(1)[1] وإلّافلا يحكم عليه بالإطلاق

--------------------------

ثم إنّ المرجع أصالة الطهارة إن لم تتم الطرق الأربعة لإثبات النجاسة.

تفريعان. الأوّل: الظاهر أن الحكم المذكور في المتن يسري على المصعد من الأعيان النجسة لوحدة الملاك، إلّا إذا انطبق عليه أحد العناوين النجسة كما سبق.

الثاني: لازم ماذكر الحكم بالنجاسة لو اجتمع بخار البول بصورة القطرة؛ وذلك إمّا لصدق البول عليه أو لاستصحاب النجاسة لو فرض وحدة الموضوعين عرفاً وكان التبدل في بعض الأوصاف.

نعم مع فرض تعدد الموضوعين عرفاً أو الشك في الوحدة لامجرى للاستصحاب(2)

في المائع مشكوك الإطلاق والإضافة

[1] ل: «لا تنقض» فإن كان مطلقاً حكمنا به وبجميع أحكامه، وإن كان مضافاً فكذلك؛ إذ لافرق فيه بين العلم الوجداني والتعبدي.

ص: 296


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «إن كانت الشبهة مصداقية، بل و كذا إن كانت الشبهة مفهومية مع إحراز اتحاد موضوع القضيتين عرفاً، والأعم يجبر الاستصحاب».
2- أقول: إن السيرة قائمة على عدم الاحتراز عن بخار البول في مثل الشتاء، بل ادّعى في المستمسك [2: 90] إنّه لا خلاف فيه.

ولا بالإضافة(1)[1] لكن لا يرفع الحدث والخبث(2)[2] وينجس بملاقاة النجاسة إن كان قليلاً (3)، وإن كان بقدر الكر لاينجس لاحتمال كونه مطلقاً، والأصل الطهارة(4)[3]

--------------------------

[1] لعدم وجود أصل يعين أحدهما في مرحلة الإثبات، وإن لم يخل عن أحدهما ثبوتاً.

[2] فإنّ رافعهما الماء المطلق ولم يثبت أنّه مطلق، فنلجأ إلى استصحاب نجاسته وبقاء الحدث لو توضأ به.

[3] وذلك لتولد العلم التفصيلي بالنجاسة مع العلم الإجمالي:

فإن لاقت النجاسةُ المطلقَ لاينفعل، وإن لاقت المضاف ينفعل، ومع الشك تجري أصالة الطهارة أو استصحابها وإن كان الأقوى جريانهما معاً، أمّا لو وضعت اليد النجسة - مثلاً - في كر مشكوك الإطلاق والإضافة، استصحبت نجاسة اليد وطهارة الماء.

ص: 297


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «للحكم بالإطلاق وجه، لكن لا يترك مقتضى الإحتياط فيما لو جهلت الحالة السابقة لم يكن المورد من موارد توارد الحالتين المتضادتين مع جهل المتقدم منهما والمتأخر».
2- تعليقته (رحمه اللّه) : «على الأحوط، ومع الإنحصار يجب الجمع بين وظيفتي واجد الماء وفاقده».
3- وذلك لتولد العلم التفصيلي بالنجاسة من العلم الإجمالي «منه (رحمه اللّه) ».
4- تعليقته (رحمه اللّه) : «هذا فيما جهلت فيه الحالة السابقة من القلة والكثرة أو تواردت عليه الحالات المتضادة، وأمّا مع سبق القلة فيحكم بالنجاسة للاستصحاب التعليقي».

--------------------------

أقسام الشبهة و بيانها

هذا، وتفصيل الكلام في المقام أن الشبهة على نوعين:

أ) مصداقية ناشئة من غموض الواقع الخارجي، أي ناشئة من الجهل بخصوصية مافي الخارج.

ب) مفهومية نابعة من الشك في سعة المفهوم وضيقه(1).

فيجب البحث في مقامين:

أقسام الشك في الشبهة المصداقية

المقام الأوّل : في الشبهة المصداقية والشك فيها يتصور على أربع صور:

الأولى: أن يعلم بسبق إطلاق الماء ويشك في اضافته، كماء اضيف اليه الملح قليلاً لم يخرجه عن إطلاقه، وإن اضيف ضعف الكمية السابقة من الملح يتحول إلى مضاف، ولكن الشك في مقدار الملح الممزوج بالماء، فهنا استصحابان:

الأوّل: موضوعي، وهو استصحاب الإطلاق، ولا اشكال في جريانه.

والثاني: حكمي وهو كونه مطهّراً من الحدث والخبث، إلّا أنّ جريانه مبني على جريان الاُصول الحكمية في عرض الاُصول الموضوعية مع توافقهما، ولجريان الأصل المسببي مع الأصل السببي ثمرات تظهر في

ص: 298


1- أقول: سيأتي انّ هذه الشبهة صدقية وليست مفهومية بمعناها الاخص على ما في كلمات الاعلام.

--------------------------

جريان الاُصول مع الامارات ايضاً.

الثانية: الشك في الإطلاق مع سبق الإضافة كماء مضاف لايخرج عن الإضافة بإضافة إناء من ماءِ مطلق فيه، ويخرج عنها بانائين، ولكن لايعلم المقدار الملقى عليه، وحكمها يعلم من الصورة الأولى.

الثالثة: توارد الحالتين مع الشك في المتقدم منهما فنقول: في المقام استصحابان، موضوعي وحكمي. فالكلام في مقامين:

الأوّل: الاستصحاب الموضوعي، وفيه قولان - وإن اتحدت النتيجة في كليهما - :

الأوّل: ماهو المعروف من جريان الاستصحابين لتمامية اركانهما وتعارضهما فتساقطهما.

الثاني: ماذهب اليه في الكفاية(1) من عدم جريانهما لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك، حيث لنا مراحل ثلاث: الإطلاق، الإضافة، الشك. فإن كان الإطلاق في المرحلة الثانية فيقينه متصل بالشك، ولكن يحتمل كونه في المرحلة الأولى فينفصل زمان اليقين بالإطلاق عن الشك به لمكان الإضافة، وكذلك الأمر في الإضافة، والشرط في جريانه إحراز اتصال الزمانين، وهو هنا مفقود في الجانبين فلا يجري الاستصحابان.

وفيه: أنّه بحث مبنائي متوقّف على اشتراط الإتّصال فلا يجريان، وعدمه

ص: 299


1- كفاية الاُصول: 420.

--------------------------

فيجريان ويتساقطان، والنتيجة واحدة.

الثاني: الاستصحاب الحكمي، ولكنه لا يجري؛ لعدم إحراز الموضوع، فالماء غير محكوم بالإطلاق ولا بالإضافة، والمرجع سائر الاُصول العملية المذكورة في الصورة الرابعة، فانتظر.

الرابعة: عدم العلم بالحالة السابقة، فلا يدرى أن الماء وجد مطلقاً أو مضافاً.

نعم، تفرّد السيد حسن القمي - فيما رأيت(1) - بطرح شبهة تُلغي الصورة الرابعة وتُدرجها في الصورة الأولى، قال مالفظه: «إن جميع المياه المضافة تكون حالتها السابقة هي الإطلاق، أمّا في الماء الممزوج بغيره فواضح، وأمّا في مثل ماءالرمان، فلأنّه قبل جريان الماء في عروق الأرض وفي عروق الشجر وإمتزاجه مع المواد الرُّمانية كان ماء مطلقاً. فنقول: هذه المادّة المائعة كانت في أوّل تكونها ماءً مطلقاً ونشك في الإمتزاج والجريان وصيرورته مضافاً والأصل عدمه»(2) نعم إنّه احتاط فيها بقوله: «لايترك الإحتياط».

ص: 300


1- أقول: ذكر عبد النبي العراقي في معالم الزلفى في شرح العروة : 222، والتزم به قائلاً: «إن العمومات للمياه حاكمة بكونه مطلقاً.. بداهة ان المضاف ليس بذاتي للماءِ.. فيحصل الإضافة طارئة عليها» الى ان يقول: «فاستصحابه واضح» ويرى ان القول بعدم سبق الإطلاق خطأ بيّن [ص221].
2- راجع تعليقته على العروة الوثقى.

--------------------------

ولكنه محل نظر: وذلك لأنّ الماء المطلق والمضاف ماهياتان متغايرتان عرفاً، ومع احتمال الإضافة في المائع المشكوك لا يحرز اتحاد موضوع القضيتين المتيقّنة والمشكوكة، فلا يجري الاستصحاب(1)، - على بعض المباني.

توضيح ذلك: إنَّ التغيّر إمّا في بعض العوارض، وإمّا في الماهية، أو يشك فيهما، والأوّل مجرى الاستصحاب دون الثاني كالماء والبخار، وأمّا مع الشك

ص: 301


1- أقول: إن ما ذكره السيد الأخ الأكبربمكان من الغرابة؛ فإن المقصود من اتحاد موضوع القضيتين هو تعلق الشك بنفس ما تعلق به اليقين ، لا الوجود الخارجي للموضوع، وإلّا لوجب ان يلغي الاستصحاب في الموضوعات بدعوى أنَّ الشك في أصل وجود الموضوع بتاتاً، وهو كما ترى فاستصحاب وجود زيد بعد احتمال حرقه تام مع أنّه مردد بين الوجود والعدم. وكذلك الأمر في الاستصحاب مع الشك في المقتضي واستصحاب العدم الأزلي. وبعبارة اُخرى: إن الموضوع في القضية المشكوكة والقضية المتيقّنة في الاستصحاب الموضوعي: نفس الماهية المجردة عن الوجود والعدم، فإنّه لا يمكن الشك في وجود الشيء بقيد كونه موجوداً، بل لابدّ من فرضه بماله من التقرر الذهني خال عن الوجود ليستصحب وجوده. والحاصل: أن الشيء الذي يشك في وجوده أو عدمه هو عين الشيء الذي كان متيقّن الوجود والعدم. وعليه فلا داعي لما ذكره (رحمه اللّه) في تقريب كلام السيد القمي بان يجعل الاستصحاب في بعض العوارض غير المقومة للموضوع ليحرز وجود الموضوع الجامع بين الإطلاق والإضافة أي: المائع، ببيان ان المائع محرز بالوجدان فيستصحب الإطلاق المترتب على المائع نعم لو اختلف المتعلقان خرج عن الاستصحاب.

--------------------------

الشك فإنّه لايجري - أيضاً - لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فإن النقض إنّما يصدق مع وحدة الموضوع لا مع التعدد، ومع الشك لانقض ايضاً، فأخذ ملعقة من حوض يحتوي الكر وإن كان تغيّراً دقّياً إلّا أن العُرف يرى الموضوع واحداً، فالشك في سقوطه عن الكرية مجرى للاستصحاب، وهذا دون مالو تبخر ثلاثة أرباع الحوض فإن الماء الجديد غير القديم، ولايمكن استصحاب كريته لو شك لتغيّر الموضوع عرفاً، وأمّا لوشك في أحد الأمرين مع ظلمة مانعة من التثبت، فهنا نشك في أنّ استصحابنا كريته هل هو نقض اليقين بالشك؟ عندها تكون هذه الشبهة شبهة وجدانية في: «لاتنقض اليقين بالشك». ومن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فانتفى الركن الثالث للاستصحاب وهو إحراز اتحاد موضوع القضيتين عرفاً.

فهنا بحثان: كبروي موكول إلى محله، ومن المسلم عندهم في مثال الحوض عدم جريان الاستصحاب(1)

وصغروي في أنّ الموضوع هنا هو بنفسه السابق عرفاً أو غيره.

ويمكن تقريب كلام القمي بالقول: بأن الهيولا كانت متلبسة بالصورة المائية، فنشك في تلبسها بالصورة المضافية، وبما أنّ الهيولا واحدة ولم تتبدل

ص: 302


1- أقول: ليس من المسلم ذلك بل استصحاب الموضوع يرفع الشك في بقائه وبعد الإحراز التعبدي للموضوع يستصحب المحمول وهو فيما نحن فيه «الكرية» كما ذكره السيد العم حفظه اللّه في بيان الاُصول 3: 321.

--------------------------

فقد احرز اتحاد موضوع القضيتين فتستصحب الإطلاقية. وبعبارة أوضح: المادّة الجسمية كانت متلبسة بالصورة النوعية الإطلاقية، و حصل الشك في أنّها خلعتها وتلبست بالصورة النوعية المضافية، فبما أنّ المادّة الجسمية واحدة عرفاً، فيجري استصحاب الصورة النوعية الإطلاقية؛ وذلك لإحراز اتحاد موضوع القضيتين المتيقّنة والمشكوكة.

أقول: لا اشكال في الكبرى، ولكن إن تمت الصغرى فالشبهة ثابتة وتنتفي معها جميع مباحث الصورة الرابعة، إلّا أنّ أحداً - ومنهم السيد القمي - لم يلتزم بها(1)، والأمر موكول إلى التأمل.

وكيف كان فإن البحث في الصورة الرابعة ينفع في مقامين:

الأوّل: فيما لو فرض خلق ماءٍ مشكوك دفعة، وقد فرض الفقهاء نظيره في الإنسان المخلوق دفعة في أنّه متطهر أو محدث.

الثاني: في الماء الذي تواردت عليه حالات متضادة.

ولا يخفى أنَّ ما يذكر من الأحكام هنا يجري في الصورة الثالثة أيضاً.

ثم إنّه في الصورة الرابعة مباحث أربعة:

الأوّل: الماء الذي جهلت حالته السابقة لايحكم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة لعدم أصل محرز لذلك. إلّا على ما ذكره المحقق القمي(2) في غير

ص: 303


1- أقول: ذكرنا التزام الشيخ عبد النبي النجفي العراقي بها.
2- قوانين الاُصول: 17.

--------------------------

المقام من أصالة الغلبة لقاعدة: الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب. وادّعى كونها قاعدة عقلائية، وعليه فيحكم على المشكوك بالإطلاق لأنّ أغلب المياه الموجودة في الخارج مطلقة. ولكن المبنى غير مرضي(1).

الثاني: لايرفع الماء المشكوك الحدث والخبث لعدم إحراز إطلاقه، فلا تترتب عليه الأحكام الثابتة للمطلق، وعليه فتستصحب الحالة السابقة كما ذكره المصنّف (رحمه اللّه) .

نعم علق عليه السيد الجد (رحمه اللّه) بما هو مقبول في باديء النظر، مالفظه: «مع عدم الانحصار، وأمّا معه فلابدّ من الجمع بين وظيفتي واجد الماء وفاقده»(2).

وقد علّل ذلك السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه بقوله: «للعلم الإجمالي فيما لم يكن أصل حاكم»(3) فلِواجد الماء المشكوك علم إجمالي بأن وظيفته إمّا الوضوء أو التيمم، فإن كان الموجود ماءً فعليه الوضوء وإن كان مضافاً فعليه التيمم.

إن قلت: يستصحب عدم الإطلاق بالعدم الأزلي.

قلت: إنّه معارض باستصحاب عدم الإضافة بالعدم الأزلي، فيتعارضان

ص: 304


1- أقول: ومثله في الضعف القول بأنّه محكوم بالإطلاق لأصالة عدم التقييد.
2- الفقه 2: 75.
3- المصدر نفسه.

--------------------------

ويتساقطان ويبقى العلم الإجمالي ومقتضاه الجمع، وستأتي تتمة للكلام(1).

لايقال: المتعين التيمم لقوله عزّ وجلّ : {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}(2) فإنّه يقال: الألفاظ موضوعة للمعاني الحقيقية لا المعلومة.

الثالث: ينجس الماء المشكوك بملاقاة النجاسة إن كان قليلاً كما ذكره المصنّف؛ لتولد العلم التفصيلي بالنجاسة من العلم الإجمالي.

الرابع: لاينجس الماء المشكوك بملاقاة النجاسة إذا كان بقدر الكر؛ لاحتمال كونه مطلقاً والأصل الطهارة، كما ذكره المصنّف أيضاً.

ولكن يمكن القول بالنجاسة لوجوه:

الوجه الأوّل : استصحاب العدم الأزلي المنقّح للموضوع، فيندرج الفرد المشكوك تحت عمومات أدلّة الانفعال كما عليه التنقيح(3).

توضيحه: أن مقتضى الأدلّة تنجس المائعات كلّها بالملاقاة وخرج منها عنوان الكر من الماء، فهناك عام مخصص بعنوان وجودي - الكر المطلق - وقد أحرز أحد الجزئين - الكرية - بالوجدان، وأمّا الجزء الآخر- الإطلاق - فمشكوك، والأصل عدم الاتصاف؛ فإنّه قبل أن يوجد لم يكن متصفاً بالمائية؛ والاتصاف إنّما كان بعد خلقته لا قبلها؛ لكونه أمراً حادثاً مسبوقاً

ص: 305


1- في الإشكال الأوّل على المبحث الرابع.
2- النساء: 43، المائدة: 6.
3- التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 45.

--------------------------

بالعدم، فيستصحب عدم اتصافه به، فإذا ثبت عدم اتصافه بعنوان المخصص - الماء الكر- لانتفاء أحد جزئي المركب بحكم الأصل، يبقى المائع المشكوك تحت عموم أدلّة الانفعال، ونظيره في المرأة القرشية والنبطية.

فالحاصل: كل ماء ينفعل إلّا الكر المطلق، والمشكوك لم يكن مطلقاً فيستصحب عدم إطلاقه، فخرج من الاستثناء ودخل في العموم، فمع العدم الأزلي لاشك.

ولكن في المبنى والبناء نظر، فإنّ استصحاب العدم الأزلي غير مرضي اولاً(1)، واستصحاب عدم كونه مطلقاً معارض باستصحاب عدم كونه مضافاً بالعدم الأزلي ثانياً.

وأمّا ما أجابه في دروس فقه الشيعة(2) من أن استصحاب عدم كونه مضافاً قبل وجوده لايثبت أنّه مطلق إلّا بناءاً على الأصل المثبت.

فغير تام، فإنّه كما أن استصحاب الإطلاق إثبات لآثاره ونفيه نفي لآثاره، كذلك الأمر في استصحاب الإضافة.

توضيحه: أن للإطلاق آثاراً كعدم انفعال الكر منه، والإضافة لها آثار

ص: 306


1- أقول: ووجه ذلك باختصار عدم عرفيته بعد كونه المتبع في الاستصحاب حيث لا يرى العرف انّ استمراء العدم الوصفي من السالبة بانتفاء الموضوع الى بعد وجود الموضوع مألوفاً، بل يستغرب من القول إن قيل له إنّ العرض لم يكن لعدم معروضه فإن شك فيه حين حدوث المعروض يستصحب عدمه.
2- دروس في فقه الشيعة 1: 47، ولم يطرحه في التنقيح.

--------------------------

أيضاً - تظهر بمراجعة روايات أبواب الماء المضاف والاسئار والاطعمة والاشربة من الوسائل والمستدرك، وكذلك بمراجعة العروة الوثقى في أحكام الماء المضاف. فلكل المحتملين آثار، وما له أثر لا مانع من استصحاب عدمه لنفي تلك الآثار. وعليه، فليس الأصل مثبتاً فتتحقق المعارضة فالتساقط، أو يقال بعدم جريانهما فتجري أصالة الطهارة.

وكأن المستشكل لاحظ أثر الانفعال فقط وهو محمول على غير المطلق، ولكن لاداعي لقصر النظر على خصوص هذا الأثر، بل يجب ملاحظة جميع آثار المياه المطلقة أو المضافة ولكل منهما آثار، فيُستصحب عدم الإثنين بالعدم الأزلي فيتعارضان ويتساقطان(1).

والحاصل: طهارة الماء لأصالة الطهارة.

ص: 307


1- أقول: من الواضح أنّ جريان الاُصول العملية متوقّف على ترتُّب أثر شرعي، ومع عدم الأثر لا تجري بتاتاً، وأمّا التلازم في سقوط الأصل لابتلاء أحد آثاره بالمعارض وان خلت بقية الآثار فغير مفهوم وجهه، ولذلك ترى أنّهم يلغون أثر «جواز الإخبار» من جميع الاُصول العملية عند تعارضهما باُصول اُخرى ويقدّمون ماله أثر على ما لا أثر له مع أنّ لكلى الأصلين الأثر وهو «جواز الاخبار» والتفريق بين الآثار ليس بعزيز في الفقه كما هو بيّن. وعليه: فإنّ الآثار تلاحظ على حِدَة ، وبما أنّ استصحاب عدم الإطلاق غير معارض باستصحاب عدم الإضافة في أثر الإنفعال فهو جارٍ وان لم يجر في باقي الآثار لتعارضه،فتامل.

--------------------------

الوجه الثاني: ماذكره المحقق النائيني من مبنى التزم به في الفقه بأجمعه(1)، قال بعبارة التنقيح ما حاصله: «أنَّ الاستثناء إذا علق على عنوان

ص: 308


1- أقول: إختلفت كلماته في الفقه وهذا ممّا يرد عليه نقضاً فقد علق على قول المصنف في العروة: «اذا شك في دم أنّه من الجروح أو القروح ام لا، فالأحوط عدم العفو عنه» [العروة: ما يعفى عنه في الصلاة، الأوّل، دم القروح والجروح، م6] بقوله: «الأقوى جواز الصلاة فيه» وراجع كذلك تعليقته على م8 من الماء الراكد وم3 ممّا يُعفى عنه في الصلاة. و أمّا مثال عدم جواز إدخال العبد المشكوك صداقته فلعلّه لاستصحاب العدم النعتي المرتكز لدى العقلاء كما ياتي. و لذلك يرد عليه: عدم التزامه بمبناه الذي صرّح به في الاُصول و الفقه من أن لزوم الإحراز في ما نحن فيه من المداليل العرفيه و أن الأصل ينقلب عند تعليق الترخيص على عنوان وجودي ان استثني من حكم لزومي، لاحظ ما ذكره في تعليقته على كلام صاحب العروة في النكاح: «إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز.. إن كانت الشبهة غير محصورة أو بدويّة فإن شكّ في كونه مماثلًا أو لا؟ أو شكّ في كونه من المحارم النسبيّة أولا؟ فالظاهر وجوب الإجتناب لأنّ الظاهر من آية وجوب الغضّ أنّ جواز النظر مشروط بأمر وجودي و هو كونه مماثلًا أو من المحارم، فمع الشكّ يعمل بمقتضى العموم، لا من باب التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة بل لاستفادة شرطيّة الجواز بالمماثلة أو المحرميّة أو نحو ذلك..» فعلق على قول المصنّف «مشروط بامر وجودي» بقوله: « و يدلّ نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة و الجواز بإحراز ذلك الأمر و عدم جواز الاقتحام عند الشكّ فيه و يكون من المداليل الالتزاميّة العرفيّة و هذا هو الوجه في تسالمهم على أصالة الحرمة في جميع ما كان من هذا القبيل، و عليه يبتني انقلاب الأصل في النفوس و الأموال و الفروج في كلّ من الشبهات الموضوعيّة و الحكميّة، و كذا أصالة انفعال الماء بملاقاة النجاسة عند الشكّ في العاصم و غير ذلك ممّا علّق فيه حكم ترخيصي وضعي أو تكليفي على أمر وجودي وليس شي ء من ذلك مبنيّاً على التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة و لا على قاعدة المقتضي و المانع»

--------------------------

وجودي وكان المستثنى منه حكماً إلزامياً أو ملزوماً له، فلا بد من إحراز ذلك العنوان الوجودي في الخروج عن الإلزام أو ملزومه، مثلاً إذا نهى المولى عبده عن الإذن في الدخول عليه إلّا لصديقه لم يجز للعبد الاذن إلّا لمن أحرز صداقته، وفي المقام نلتزم بعدم الطهارة؛ لأنّ المستثنى من الحكم بالانفعال عنوان وجودي، أي مطلق الكر، وهو غير محرز على الفرض، مع أنّ إحرازه معتبر في الحكم بعدم الانفعال»(1) فالماء مشكوك الإطلاق داخل تحت عموم: «كل ماء ينفعل». فليس التمسك بالعام فيه من التمسك في الشبهة الموضوعية.

نعم على المبنى الآخر: فإنّ الماء لايشمله العام ولا الاستثناء، ولا يبقى له دليل، فيجب الرجوع إلى باقي العمومات أو الاصول.

ولكن يرد على ماذكره المحقق النائيني: أنّ الإحراز لم يؤخذ في لسان دليل الخاص دخيلاً في الموضوع، فلا تكون له مدخلية بلحاظ نفس الدليل،

ص: 309


1- موسوعة المحقق الخوئي 2: 44، وراجع اجود التقريرات 1: 465.

--------------------------

وقد قرّر في محله: أنّ الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي هي لابما هي معلومة. وحينئذ فلابدّ من القول بأخذ الإحراز في الموضوع من ناحية الفهم العرفي، وهو غير واضح؛ إذ الظاهر أنّ الخارج نفس عنوان الخاص الواقعي لا عنوانه المحرز المعلوم، مثلاً لو قال المولى: لعن اللّه بني امية إلّا المؤمن منهم. فالخارج - عرفاً - عنوان المؤمن لاعنوان معلوم الايمان، فمعلوم الايمان داخلٌ في المستثنى، ومعلوم عدم الايمان داخل في المستثنى منه، وأمّا المشكوك فلا يتمسك فيه بالعام؛ لكونه تمسكاً به في الشبهة المصداقية حيث تعنون العام بغير عنوان الخاص، فمفهوم العام: بنو أُمية غير المؤمنين، وهو مركب من قيدين، والثاني مشكوك فلا مجال للتمسك بالعام.

ثم إنّ الظاهر عدم الفرق فيما ذكر بين المخصّص المتّصل والمنفصل؛ لأنّه شبهة مصداقية للعام بما هو حجة لا له بما هو عام، فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقاً للعام بماهو هو، إلّا أنّه لم يُعلم أنّه من مصاديقه بماهو حجة، فالمرجع - إذاً - الاُصول اللفظية أو العملية الاُخرى.

وفي المقام عمومات أدلّة الانفعال مخصّصة بالكر المطلق، فالمعلوم قلّته أو إضافته ينفعل، والكر المشكوك محكوم بالطهارة؛ لأنّه غيرمعلوم الاندراج تحت إحدى الحجّتين، فيكون مشمولاً لأصالة الطهارة.

وبعبارة واضحة: إنّ الاستثناء في لعن اللّه بني أُمية إلّا المؤمن، معناه معلوم الايمان على مبناه، إلّا أنّ المؤمن ليس معناه معلوم الايمان لغة؛ لكون معناه المتلبس بالإيمان، ولا عرفاً لعدم ثبوت ذلك. فعليه يؤخذ الخاص بماهو هو

ص: 310

--------------------------

لابما هو معلوم.

وفيما نحن فيه: يلتزم النائيني بأنّ الماء المشكوك داخل تحت عموم «كل ماء ينفعل إلّا الكر المطلق» فإنّ الخاص عنده «إلّا المطلق معلوم الكرية». والمشكوك ليس بمعلوم الكرية فيشمله العام.

ولكن اشتراط الإحراز في الخاص يستلزم تعنون العام - أيضاً - بالإحراز بعدم الخاص:

أ) فيجب الالتزام بطهارة الدم المشكوك كونه دم شاة أو دم بعوض.

ب) و بطهارة الجلود المستوردة من البلاد الأجنبية المشكوك كونها لحيوان أو غيره.

ج) و بجواز النظر إلى المرأة المكشّفة التي يشك في كونها أجنبية أو محرمة - بغض النظر عن العدم الأزلي والاُصول الاُخرى، بل نحن والدليل -؛ وذلك لأنّ العام وهو: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(1) مخصّص ب- : «إلّا المحارم كالاخت و..». والمرأة مشكوكة الحرمة يجوز النظر إليها، لعدم معلومية شمول «لا تنظر إلى المرأة» لها، كما أنَّ دليل جواز النظر إلى الاخت غير معلوم شموله لها، فتجري أصالة البراءة عند الشك في كون النظرة محرّمة أو محلّلة ف- «كل شيء لك حلال». مُحَكَّم(2).

ص: 311


1- سورة النور: 30.
2- أقول: ورود الإشكال على ما ذكر من الأمثلة: أمّا حرمة النظر للمرأة المرددة بين المحرم والأجنبية فلجريان الأصل الموضوعي أي أصالة عدم كونها من المحارم بالعدم الأزلي لا لشمول المطلقات. إلّا أن يجاب: -مع الغض عن عدم عرفية هكذا استصحاب- أنّه ليس من موارد العدم الأزلي حيث يشترط في جريانه وجود عام مخصص بعنوان وجودي ليكون موضوع الحكم في العام مركباً من عنوانه و عدم الخاص فيتم الموضوع بضم الوجدان _العام_ الى الأصل _عدم الخاص_ عند جريان أصالة عدم الخاص. هذا، و لكن الآية الدالة على وجوب الغض ليست ظاهرة في الغض عن الجميع ليخرج المحارم بالخاص للسيرة حيث كانوا يرون محارمهم بلا انتظار المخصص. بل قد يقال: بأنّ القرينة الحالية على اختصاص الموضوع بالجنس المخالف، و عليه فالآية ناظرة الى الأجنبي فحسب فهنا موضوعان مختلفان: حرمة النظر و جوازه و إثبات أحدهما بنفي الآخرمن الأصل المثبت، فتامل جيداً. وأمّا مثال الصديق الذي ذُكر في ابتداء الوجه الثاني فلأجل العدم النعتي فإنّ الشك في الصداقة في قول المولى: «لا تأذن في الدخول علي إلّا لصديقي» مسبوقة بعدمها فإنّه حينَ ولادته لم يكن له صديق قطعاً والأصل بقائه على ما كان. وأمّا الأمر في الدم والجلد فواضح.

--------------------------

وبما أنّ أغلب الفقهاء لم يرتضوا مبنى المحقق النائيني، فيبقى الماءُ طاهراً(1).

ص: 312


1- أقول: و ذلك لعدم دخالة الإحراز في الحكم الواقعي، فانّ العنوان الماخوذ في العام و الخاص عناوين واقعية فكيف يتكفّل العام حالة الشك ايضاً؟ و ممّا ينقض عليه لزوم القول بنجاسة الماء الكر حقيقة مع الجهل به و هو كما ترى. و أمّا القول بأنّ المراد دخل الإحراز ظاهراً بان لا ينفعل ما احرز كريته من الماء مثل الكر الواقعي. ففيه: أنّه ممّا لم يلتزم به احد. نعم صرّح في الفوائد (3: 385) بعدم وجود ملازمة واقعية بل الملازمة ظاهرية فيبني في مقام العمل على عدم الحكم مع الشك في وجود ما علق الحكم عليه، و الملازمة الظاهرية طولية بان يرى العقلاء وجود خطاب ثانوي من الكلام المولوي متكفّل لجعل حكم ظاهري بلزوم الإحتياط عند الشك. هذا، و لكنه في مقام الرد على شارح الروضة استفاد الملازمة الظاهرية من الكبريات الواقعية(فوائد الاُصول3: 386) فيرد عليه ما ذَكَر. و الحاصل: أنّه في المحاورات العرفية و ظهورات الألفاظ الملقاة الى العرف لا يظهر ذلك.

--------------------------

الوجه الثالث لانفعال الماء المشكوك إطلاقه: ما يحتمل أن يكون مراد الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة(1) من أنّ: «الانفعال مقتضى نفس الملاقاة والكرية المائية مانعة، والمفروض في المقام وجود المقتضي والشك في المانع، فيرجع إلى أصالة عدم المانع فيؤثّر المقتضي أثره».

وفيه: أنّه مبتنٍ على قاعدة المقتضي والمانع ولا دليل عليها في الأدلّة اللفظية كما أنّه لا بناء للعقلاء عليها، وقد اعترف الشيخ بذلك في الرسائل(2) فإنّ من الواضح أنّه لا يتحقق القتل برمي سهم نحو زيد يقتضي قتله لولا

ص: 313


1- انظر كتاب الطهارة: 44.
2- فرائد الاُصول 3: 400.

--------------------------

هبوب الريح مع الشك في هبوبها، فلا يقال: بأنّ أحد الجزئين - وهو المقتضي أي : رمي السهم - متحقّق بالوجدان، والجزء الآخر- وهو عدم المانع أي: عدم هبوب الريح - محرز بالأصل، فيُضم الوجدان إلى الأصل فيُقتَصُّ من القاتل مثلاً. و مثله ما لو شك في وجود اللون المانع على وجه الصباغ، فإنّه لايكتفي بصب الماء عليه المقتضي لرفع الحدث، والحكم بارتفاعه(1).

الوجه الرابع: أصالة عدم التخصيص الزائد في الأدلّة اللفظية الدالة على انفعال كل مائع بعد ثبوت التخصيص في المطلق المعلوم دون المشكوك.

وقد أشكل عليه الفقيه الهمداني بقوله: «إنّه لو تم فإنّما هو في الشبهات الحكمية - أعني في مانعية مفهوم كلي - لا في الشك في كون الموضوع الخارجي مصداقاً لمانع معلوم»(2) فالشبهة قد تكون مفهومية وهي الشك في المانعية، وقد تكون في كون فرد مصداقاً لمانع معلوم.

أ) فلو قال المولى: «اكرم العلماء» ثم قال: «لا تكرم فساقهم» وشُك أنّ مرتكب الصغيرة فاسق أيضاً، حُكّمت أصالة العموم لأصالة عدم التخصيص الزائد، على تأمل فيه عندنا.

ب) وأمّا لوكان الشك في أنّ زيداً مرتكب الكبيرة مع العلم بأنّ مرتكبها

ص: 314


1- أقول: قد سبق الكلام في التفريق بين الآثار التكوينية والآثار الشرعية في هذه القاعدة في بحث عدم انفعال المضاف المفرط في الكثرة ، فراجع.
2- مصباح الفقيه: 1: 270.

--------------------------

فاسق، فهنا لايمكن التمسك بالعام في الفرد المشكوك. وقد بيّن الفقيه الهمداني حكمة عدم جريان أصالة العموم بقوله: «لأنّ اندراجه - أي الفرد المشكوك - تحت عنوان الفاسق - الخاص - لايستلزم تخصيصاً زائداً على ما علم حتى تنفيه أصالة العموم أو أصالة عدم التخصيص»(1) فلو فرضنا اندراج زيد المشكوك تحت عنوان الفاسق فإنّه ليس تخصيصاً زائداً للعام، بل هو خارج بالتخصيص الأوّل .

وأمّا فيما نحن فيه، قال المولى: «كل مائع ينفعل بالملاقاة» خرج منه «الكر المطلق»، وأمّا شمول العام والخاص ل: «الكر غير المعلوم إطلاقه واضافته» فمجهولٌ، وعدم درجه في العام لا يستلزم تخصيصاً إضافياً وراء «إلّا الكر المطلق» فلا ندرجه في العام ولا في الخاص إثباتاً.

والحاصل: أنّ الوجوه الأربعة التي ذكرت لإثبات الانفعال محل نظر، فالكر المشكوك إطلاقه واضافته لا ينفعل بالملاقاة سواء على مبنى السيد القمي لاستصحاب إطلاقه، أوعلى مبنى المصنّف لأصالة الطهارة. هذا تمام الكلام في الشبهة موضوعية.

في الشبهة المفهومية و طهارة الماء و عدم انفعاله بالملاقاة

المقام الثاني: ما لو كانت الشبهة مفهومية(2) ك- : ماءٍ إن اُلقي فيه ملعقة

ص: 315


1- المصدر نفسه.
2- أقول: يُعَبَّر عن هذه الشبهة بالشبهة الصدقية التي هي قسيمة للشبهتين المفهومية والمصداقية وذلك لوضوح مفهوم الماءِ بل هو من اوضح الواضحات فليست الشبهة في مفهومه بل في صدقه على بعض الأفراد. ولا يخفى انّ أغلب المفاهيم يشك في صدقها على بعض الأفراد، وقد ذكرها الشيخ الأعظم في الفرائد. كما وضحها المحقق النائيني في الفوائد 4: 581، والعُرف هو المرجع في الشبهتين المفهومية والصدقية دون المصداقية. وقد سبقت الاشارة اليها في بعض هوامشنا. نعم مرجعها الى الشبهة المفهومية فإن الغموض في سعة المفهوم أو ضيقه، فافهم.

--------------------------

ملح بقي على إطلاقه، وإن أُضيف إليه ثلاثة معالق أصبح مضافاً، ولكن اُلقي فيه ملعقتين وشك في إطلاقه وإضافته، وليس الشك لغموض في الواقع الخارجي بل لغموض في حدود مفهوم الماء المطلق والماء المضاف، فهل يجري فيما نحن فيه استصحاب الحالة السابقة؟ والمسألة سيالة في أبواب متعددة كالشك في مفهوم النهار ما بين الغروب وذهاب الشفق، فإنّه قبل الغروب نهار وبعد ذهاب الشفق ليل إلّا أنّ الشك في الفترة المتخلّلة بينهما، وكالشك في مفهوم العدالة أنّها هل تزول بارتكاب الصغيرة أم أنّها لاتتحقق إلا باجتناب الكبائر والصغائر.

ظاهر كلام المصنّف جريان الاستصحاب في هذه الصورة، قال: «إذا شك في مائع أنّه مضاف أو مطلق، فإن علم حالته السابقة أخذ بها»(1) وكلامه يعمّ الشبهات الموضوعية والحكمية، فعليه يؤخذ بالحالة السابقة

ص: 316


1- العروة الوثقى 1: 66.

--------------------------

إطلاقاً كانت أو إضافة وتترتّب عليه جميع الأحكام؛ فإنّه إحراز تعبدي لأحدهما.

أقول: في المقام بحثان. الأوّل: في مطهّرية هذا الماء وإطلاقه واضافته.

الثاني: في انفعاله بالملاقاة.

أما البحث الأوّل : ففي المقام استصحابان.

الأوّل: موضوعي وهو استصحاب الإطلاق أو الإضافة.

الثاني: حكمي وهو استصحاب المطهّرية.

ومحلّ البحث في جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية باستصحاب إطلاق الماء أو اضافته فيما نحن فيه، وبقاء عدالة زيد وبقاء النهار في الأمثلة السابقة.

وقد رفض جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية وكذلك الاستصحاب الحكمي أكثر الأعلام.

وقد وُجِّهَ عدم جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية بتقريرات:

التقرير الأوّل : مافي التنقيح وقد أصرّ عليه في الفقه والاُصول بما ملخصه: «ماله أثر لا شك فيه، وما يتعلق به الشك لا أثر له» فالاستصحاب غير جار. قال: «الاستصحاب الموضوعي ممنوع إذ لاشك لنا في شيء؛ لأنّ الأعدام المنقلبة إلى الوجود كلّها والوجودات الصائرة إلى العدم بأجمعها معلومةٌ، وقد مثلّنا له بالشك في الغروب، فإنّ الموضوع غير قابل للاستصحاب؛ إذ

ص: 317

--------------------------

لاشك لنا في شيء، فإنّ غيبوبة القرص مقطوعة الوجود وذهاب الحمرة مقطوع العدم؛ فلاشك إلّا في مجرد الوضع والتسمية»(1).

فيعرُب إمّا سمّى النهار تسمية واسعة أو ضيقة، ولكن لا أثر لتسميته لها؛ فإنّ الأحكام موضوعة على الموضوعات الخارجية لاعلى تسمية واضع اللغة، فأصل عدم تسمية يعرب بالمعنى الضيق لايثبت المعنى الواسع، لوساطة «ثبوت النهار» بين التسمية والأثر الشرعي فالأمر دائر بين معلوم له أثر ومشكوك لاأثر له، فإضافة ملعقتين من الملح معلوم لاشك فيها، وفي التسمية الشك - أي وضع الواضع كلمة الماءِ المطلق أو المضاف على أي شيء - لكن لا أثر لها، إمّا لكونها مثبتة أو للمعارضة.

ولكن يرد عليه: أنّ الحصر - الذي استخرجناه من كلامه - غير حاصر، إذ هنالك أمر ثالث وهو مايتعلق به الشك وله أثر شرعي، وهو بقاء النهار فإنّه مشكوك وله أثر شرعي، وهو وإن كان مسبباً عن الشك في الوضع اللغوي، إلّا أنّه حيث لم يجر الأصل في رتبة السبب تصل النوبة إلى المسبب، ويتم تقريره العرفي بمثالين:

احدهما: كان النهار قائماً وبعد دقيقة غربت الشمس، فيشُك في بقاء النهار فيستصحب، وللنهار أثر فقد قال المولى «صم النهار» فحصر التنقيح: بأنّ مايتعلق به الشك لا أثر له، وماله أثر شرعي لم يتعلق به الشك غير تام، فإنّ

ص: 318


1- التنقيح 2: 43.

--------------------------

الكلام في بقاء النهار.

ثانيهما: زيد كان عادلاً شرعاً، ثم حلق لحيته مرة واحدة، على أن يكون حلق اللحية مرة واحدة صغيرة، فزيد كان عادلاً وللعدالة أثر شرعي فنستصحبه(1).

فالحاصل: أنّ التسمية مثبت، لا أنّ بقاء النهار والعدالة مثبت.

وأمّا مانحن فيه: كان الماء مطلقاً، فجعل فيه قليلاً من الملح لم يخرجه عن إطلاقه ثم أضيف إليه مرة اُخرى، وهكذا إلى أن يعجز العرف عن بيان كونه مطلقاً أو مضافاً، ولا اشكال في جريان استصحاب إطلاقه.

ص: 319


1- أقول: فلا يمكن استصحاب ارتكاب الصغيرة إذ هو معلوم البقاء، ولا ارتكاب الكبيرة إذ هو معلوم العدم حدوثاً فاستصحابه يؤول الى استصحاب الفرد المردّد، وأمّا ما مثله السيد الاخ فهو من الشبهة الموضوعية وخروج عن البحث في المقام الثاني عن الشبهة المفهومية فإنّ كونه عادلاً يوجب الاستصحاب عند الشك في بقاء العدالة. ولكن فيه: أنّ زيداً وان كان عادلاً سابقاً إلّا أنّه لا يعلم انّ الذي انطبق عليه هل هو العدالة الحاصلة من ترك الصغيرة أيضاً أو الكبيرة فقط فليس يقينه السابق بشيء معلوم. يرد عليه: تمامية اركان الاستصحاب في نظر العرف في النهار حيث لم يكن الغروب حاصلاً قبل نصف ساعة ثم شك في حصوله فإنّ الأصل يقتضي عدم حصوله. فتأمل.

--------------------------

وما ذكر كالكلي من القسم الثاني المُرَدَّد أمره بين القصير والطويل - كالفيل والبق - فمع الشك لايجري الأصل ولكن يستصحب الحيوان الذي وُجد وشك في بقاءه(1)، وذلك لتحقق عنوان النهار والعدالة فيستمر بلا تنقض، فتأمل.

التقرير الثاني: ماذكره السيد الوالد في الفقه بقوله: «والأقرب الثاني - وهو عدم الجريان - للشك في بقاء الموضوع، إذ المفروض أنّه لم يعلم أنّ هذا المشكوك هو المتيقّن السابق؛ لاحتمال كونه من أفراد مايضاد السابق فكيف نجري الاستصحاب المشروط فيه بقاء الموضوع قطعاً»(2).

ولكنه محل تأمل نقضاً وحلاً:

أما النقض: ففيما لو شكَّ في بقاء الحي حيّاً، حيث لا يعلم أنّ المشكوك هو المتيقّن السابق؛ لاحتمال كونه من أفراد ما يُضاد السابق، وهكذا في بقية الأمثلة كما لو شُكَّ في بقاء المتحرك متحركاً والساكن مضاد للمتحرك؛ فيحتمل أنّ هذا المشكوك مضاد للمتيقن السابق.

وأمّا الحل: فبأنّ هنالك لحاظين : لحاظ الذات ولحاظ الوصف، والملحوظ في الاستصحاب وحدة الذات لا وحدة الوصف.

والخلاصة: أنّ المائع واحد عرفاً في القضيتين المتيقّنة والمشكوكة، والشك

ص: 320


1- أقول: ان كان الأثر مترتّباً على الفرد دون الجامع كان استصحاب الأخير مثبتاً.
2- الفقه 2: 74.

--------------------------

إنّما هو في الإطلاق والإضافة وهما من الحالات، كما أنّ زيداً واحدٌ والشك إنّما هو في حياته وموته(1).

التقرير الثالث: ماذكره الشيخ مرتضى الحائري(2) قال: «إنّ الموضوع للأثر هو حقيقة الماء بعنوانه الواقعي، وحقيقته مرددة بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع»(3).

وفيه أوّلاً: النقض بالشبهة المصداقية، فإنّ الموضوع للأثر هو حقيقة الماء وهي في الشبهة المصداقية مرددة بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع.

ثانياً: الحل، فإنّ القطع إنّما هو بلحاظ عالم الثبوت وهو لاينافي الشك بلحاظ عالم الإثبات، فزيد إمّا حي أو ميت ثبوتاً، لكن الشك في الإثبات فيجري الاستصحاب، وكذلك الأمر في العدالة حيث لنا قطعان ثبوتاً وشك إثباتاً، وإلّا لجرى الأمر في جميع الشبهات حتى الموضوعية منها، ومن المعلوم

ص: 321


1- أقول: انّ القياس مع الفارق فهل يرى العرف الوحدة بين الأنواع المختلفة للمائع كالنفط والماءِ مثلاً ؟ وانّما الشك في سعة الموضوع وضيقه في مثل العادل والنهار فلا متيقّن سابق يشك فيه، واستصحاب الكلي أي المائع لا يثبت الإطلاق والإضافة ، ولذلك لا يجرون استصحاب الكراهة بعد ارتفاع حرارة الماءِ المسخن بالشمس وذلك لكون القيد احترازياً لا تعليلياً.
2- شرح العروة 1: 188.
3- شرح العروة 1: 188.

--------------------------

أنّ مراد المولى ب- «اكرم العادل» هو العادل الواقعي، وإحراز عدالته إمّا بالوجدان أو التعبّد.

التقرير الرابع: إنّ اجراء الأصل في الشك ها هنا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ حيث إنّه على تقدير وضع اللفظ للخاص فقد انتقض بنفسه، وعلى تقدير وضعه للعام فهو باق ومورد ل- «لا تنقض»، فلو وضع الشارع مفهوم العدالة لمجتنب الصغائر والكبائر، وحلق زيد لحيته مرة واحدة فقد انتقضت عدالته وهو الذي نقضها، فلا يوجّه لي الخطاب ب- «لا تنقض»، وأمّا لو وضع مفهومها لمجتنب الكبائر فقط كان حكمي بعدم عدالته نقض، ولا يجوز نقض اليقين بالشك، فمع الجهل بأنّ مفهوم العدالة واسع أو ضيق لا يُدرى أنّ عدم الحكم ببقاء عدالته نقض لليقين بالشك، أو ليس نقضاً بل انتقاض من نفسه.

وفيه: أنّه مع تحقق الوحدة العرفية يصدق النقص حقيقة، مع أنّ الاشكال سارٍ في جميع الموراد.

فالحاصل: أنّه لامانع من جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية مع فرض وحدة موضوع القضيتين عرفاً، فتأمل.

ثم إنّه مع البناء على عدم جريان الاستصحاب الموضوعي - كما هو المعروف - فهل يمكن الإلتفات على المشهور بجريان الاستصحاب الحكمي كما ذهب إليه في المستمسك(1) ؟ فلو كان الماء مطلقاً وشك في

ص: 322


1- المستمسك 1: 116.

--------------------------

طروّ الإضافة عليه على نحو الشبهة المفهومية جري استصحاب مطهّريته من الحدث و الخبث، ولو كان مضافاً جري عدمه.

الظاهر عدمه لاُمور:

الأمر الأوّل : إنّه من الاستصحاب التعليقي وهو غير جار لعدم تمامية اركانه فيه؛ وذلك لوجود حالتين للماء: حالة اليقين وحالة الشك. ولا يكفي كون الحالة الأولى هي الإطلاق؛ فإنّ التطهير في حالة اليقين لم يكن فعلياً بل هو تعليقي، أي لو غُسلت اليد به لطهرت، ولكن لم تغسل اليد في حالة اليقين.

فالحاصل: أنّه يراد سحب التعليقي من مرحلة اليقين إلى مرحلة الشك، فالماء - قبل التطهير - ليس بمطهر فعلاً، وذلك كما لو اُريد استصحاب حرمة العنب لو غَلى في مرحلة الزبيبية لحرمة المغلي في مرحلة العنبية.

إن قلت: الماء بذاته مطهّر ومن شأنه ذلك.

قلت: معنى ذلك أنّه لو غُسل به لَطَهَّر. فرجع اشكال التعليق.

ولكن فيه أوّلاً: لامانع من القول بأنّ الماء مطهّر بالفعل لأنّ من شأنه التطهير وهو صفة فعلية تنجيزية.

ثانياً: أنّ الاركان تامة، إذ المعلّق وإن لم يكن موجوداً بالفعل إلّا أن القضية التعليقية موجودة بالفعل فتستصحب، وهي «لو غسل به شيء لطهّره» ولكنه بحث مبنائي، فتأمل.

الإيراد الثاني: إنّه وإن فرض تمامية أركانه إلّا أنّه معارض بالاستصحاب

ص: 323

--------------------------

التنجيزي، إذ هذا الماء لم يكن مطهّراً بالفعل فنستصحب عدم مطهّريته، فإنّ جريان استصحاب الحرمة لو غلى من مرحلة العنبية إلى مرحلة الزبيبية، معارض باستصحاب الحلية في مرحلة العنبية لعدم الغليان.

وفيه: أنّ التعليقي حاكم؛ فإنّ الشك في بقاء الحلية للعنب مسبّب عن الشك في جعل الشارع للقضية التعليقية في المرحلة الثانية فتمت الحكومة، كما أنّ الشك في عدم مطهّرية الماء في المرحلة الثانية مسبّب عن الشك في أنّ الشارع هل جعل غسل اليد به مطهّراً لها أم لا، والحاصل: أنّ الشك في التنجيزي نابع من الشك في القضية التعليقية.

الإيراد الثالث: ماذكره التبريزي من أنّ: «الأصل عدم جعل المطهّرية لمثله»(1).

ولكن لم يتبين مقصوده. فإن كان مراده أصالة العدم، فلا أصل له على المشهور، مع أنّه يجري في غيرمورد الاستصحاب.

وإن أراد به الاستصحاب، ففيه: أنّه انتقض العدم بجعل القضية التعليقية في المرحلة السابقة لإطلاق الماء فيها(2).

الإيراد الرابع: ما ذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) ، قال:«إنّه لا يجري استصحاب

ص: 324


1- تنقيح مباني العروة1 : 222.
2- أقول: وقد يكون مراده البراءة فإنّ الحكم حادث مسبوق بالعدم. إلّا انّ فيه انّ البرائة امتنانية والتقييد خلاف الامتنان فلا تجري.

--------------------------

الحكم مع الشك في الموضوع، فمن لم يحرز وحدة الموضوع في القضيتين كيف يستصحب الحكم»(1) فمع عدم قبول جريان الاستصحاب الموضوعي في المرحلة المتقدمة وعدم الالتزام بإطلاقه كيف نلتزم بمطهريته، فإنّ ثبوت المحمول فرع ثبوت الموضوع، ومع عدم ثبوت الموضوع تعبداً أو وجداناً لا يمكن استصحاب الحكم. هذا مضافاً إلى أنّه مثبت، فلاحظ.

والظاهر أنّ الإيراد على المستمسك تام، ومن العجب أنّه نفى الاستصحاب الموضوعي ولكنه أجرى الاستصحاب الحكمي.

قال في التنقيح: «لأجل الشك في بقاء موضوع الحكم وارتفاعه»(2) وقال: «لأنّه من الشبهة المصداقية لدليل حرمة نقض اليقين بالشك؛ وذلك لأجل الشك في بقاء موضوع الحكم وارتفاعه، فلاندري أنّ رفع اليد عن الحكم في ظرف الشك نقض لليقين بالشك كما إذا كان الموضوع باقياً بحاله، أو أنّه ليس من نقض اليقين بالشك كما إذا كان الموضوع مرتفعاً وكان الموجود موضوعاً آخر غير الموضوع المحكوم بذلك الحكم، فلم يحرز اتحاد القضيتين المتيقّنة والمشكوكة وهو معتبر في جريان الاستصحاب»(3).

ص: 325


1- الفقه: 2: 75.
2- التنقيح، كتاب الطهارة 1: 60.
3- المصدر نفسه.

--------------------------

وبناءاً على ما تقدّم من عدم جريان الاستصحابين الموضوعي والحكمي يكون المرجع سائر الاُصول العملية كاستصحاب بقاء الحدث والخبث.

يبقى الكلام في انفعال هذا الماء بالملاقاة إذا كان بمقدار الكر، ولا يخفى أنّه - على ما ذكرناه من جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهة المفهومية - يكون محكوماً بحالته السابقة.

ولكن على عدم جريان الاستصحابين الموضوعي و الحكمي فقد ذهب في التنقيح(1) إلى التفصيل حسب اختلاف مبنى المحقق النائيني ومبنى غيره.

أمّا على مبنى المحقق النائيني فإنّه يتعين الالتزام بعدم جريان أصالة الطهارة في المقام لأنّ المستثنى من الحكم بالانفعال عنوانٌ وجوديٌ وهو غير محرز، وإحرازه معتبر في الحكم بعدم الانفعال.

وأمّا على المبنى الآخر فإنّه لا مانع من جريان أصالة الطهارة للشك في طهارته ونجاسته، وحيث إنَّ مبنى المحقق النائيني غير مرضي يتعين الحكم بالطهارة في المقام.

ولكن أشكل عليه التبريزي(2) بوجوب الالتزام بجريان أصالة الطهارة في المقام حتى على مبنى الميرزا النائيني بعد ثبوت عدم سراية إجمال الخاص

ص: 326


1- المصدر نفسه 2: 44.
2- تنقيح مباني العروة 1: 244.

--------------------------

المنفصل - إن كان على نحو الدوران بين الأقل والأكثر - الى العام بل يؤخذ العام في غير مورد اليقين بالتخصيص، فلو قال المولى: «اكرم العلماء» وخصصه في دليل منفصل: ب- : «لاتكرم فساق العلماء» وكان مفهوم الفاسق مجملاً مردداً بين الأقل - مرتكب الكبيرة - والأكثر - مرتكبها أو الصغيرة -، شمل العام مرتكب الصغيرة دون الخاص(1).

وأمّا بيان الاشكال فيما نحن فيه - على هذا المبنى المرضي للتنقيح - فإنّ العام: «ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء»(2) خرج منه «الكر المطلق» وهو دائر بين الأقل والأكثر؛ لأنّ الشبهة مفهومية والفرد المشكوك فيها يشمله العام، فما اُلقي فيه ملعقة من الملح مطلق خارج عن العموم، وما أُضيف فيه ثلاثة معالق مضاف داخل في الخاص، وأمّا ما اُلقي فيه ملعقتان لا يُدرى أن

ص: 327


1- لا يخفى أنّ الخاص المجمل يعنون العام أيضاً، فعموم: «أكرم العلماء» يشمل الشيخ الانصاري ومرتكب الصغيرة ومرتكب الكبيرة بارادة المولى الإستعمالية، والأصل تطابق الارادتين الجدية والإستعمالية؛ بعد كون الأخيرة كاشفة عن الأولى في جميع هؤلاء الأفراد الثلاثة. وأمّا الخاص المردد بين مرتكب الصغيرة والكبيرة أو الكبيرة فقط فهو حجة في القدر المتيقّن منه وهو مرتكب الكبيرة، فالخاص ثَلَمَ الارادة الجدية في اكرام مرتكب الكبيرة، ولكن مرتكب الصغيرة يشمله العام بالارادة الجدية والاستعمالية فهو حجة فيه«منه (رحمه اللّه) ».
2- الفقيه 1: 20.

--------------------------

الواضع وضع المطلق لما يعم الملعقة والملعقتين أم وضعه لخصوص الملعقة وبما أنّ الخاص «الكر المطلق» مجمل فإنّ اللازم انفعال الماء لاعدمه.

اللّهم إلّا أن يقال: بأنّ إجمال الخاص المتّصل - بل والمنفصل - في الشبهة المفهومية يسري إلى العام وإن دار بين الأقل والأكثر، فلايشمل المشكوكَ العامُ ولا الخاصُ، فيرجع فيه إلى أصالة الطهارة.

أو يقال: لا عموم لنا في المقام صغروياً، للشك في شمول: «ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء» للمائعات فإن الغَسل لا يطلق على الجوامد، والمائع لايغسل - إلّا بما سبق ذكره من أنّ المراد بالغسل التطهير - وعليه فليس لنا أصالة النجاسة في المياه، فلا عام فيما نحن فيه فإنَّ النجاسة استخرجت من: «ويُغسل كل ما اصابه..».

بل الأمر كذلك وإن وُجد العموم؛ وذلك لأنّ مخصصه متصل كما في رواية السؤر: «إلّا أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه»(1) والمتصل يسري إجماله إلى العام.

والحاصل: أنّه لايبقى مجال لأصالة الطهارة مع القول بوجود عام يدلّ على نجاسة مطلق الملاقي وإن كان من المائعات، أو مع القول بوجود عام مخصص بالمتصل.

ص: 328


1- الاستبصار 1: 20، وفي التهذيب 1: 226، (يستقى)

6 مسألة: المضاف النجس يطهر بالتصعيد - كما مرّ(1) - وبالاستهلاك في الكر(2) أو الجاري(3)[1].

--------------------------

الاستهلاك طريقٌ لتطهير المضاف المتنجّس

[1] هذه المسألة تتناول طرق تطهير المضاف المتنجّس إلّا أنّ حصرها في اثنين غير تام؛ لوجود طرق اُخرى سنتطرق إليها لاحقاً.

أما ماذكره المصنّف فطريقان.

الأوّل : التصعيد، وقد مضى الكلام فيه.

الثاني: الاستهلاك. وقبل التعرض لأدلّة مطهّريته ينبغي بيان مقدمات أربع:

الأولى: في مفهوم الاستهلاك وهو: «تفرق أجزاء المستهلك في المستهلك فيه على نحو لا يبقى له وجود محفوظ في نظر العرف، وإن كان له وجود بحسب الدقة العقلية».

الثانية: إنّ ملاك مطهّرية الاستهلاك يعم استهلاك عين النجس كاستهلاك الدم في الكر أو الجاري ولا يختص بالمتنجّس(4).

ص: 329


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «مر الكلام فيه».
2- تعليقته (رحمه اللّه) : «بشرط أن لا يتغيّر شيء من المستهلك فيه إذا كان بمقدار الكر بالضبط، وإن يبقى مقدار الكر غير متغيّر إذا كان المستهلك فيه أكثر من الكر».
3- تعليقته (رحمه اللّه) : «المراد مطلق الماء المعتصم».
4- أقول : سبق الإشكال في مطهّرية الاستهلاك لأنّ النجاسة تتبع الوجود الواقعي ولم ينعدم بالاستهلاك وتفرق الاجزاء، بخلاف الحرمة المنوطة بنظر العرف فراجع، وعليه فالمرجع الدليل، فيجوز شرب الدَّم المستهلك في العاصم ولا يجوز اكل لحم الخنزير المثروم المستهلك في اطنان من لحم الغنم المثروم ، إلّا في الشبهة غير المحصورة، فتأمل.

--------------------------

الثالثة: قد يقال: بأنّ تأثير الاستهلاك لا يختص بتطهير المتنجّسات والنجاسات، بل يؤثر - أيضاً - في تحليل المحرمات. فلو استهلك الطين المحرّم في الماء جاز شربه، وقد أفتى المصنّف في كتاب الصوم بجواز شرب الدم إذا استهلك في ماء الفم على تفصيل(1)، فراجع.

الرابعة: إنّ غرض المصنّف التمثيل، ومراده مطلق الماء المعتصم، فلو كان المستهلك فيه ماء بئر شمله الحكم أيضاً. والحاصل: أنّ إطار البحث عام لعمومية ملاكه.

ثم إنّه يمكن أن يذكر لمطهّرية الاستهلاك في المضاف المنفعل وجوه:

بين الاستهلاك و الاستحالة و تفرق الاجزاء

الوجه الأوّل : الاستهلاك انعدام للحقيقة وارتفاع للموضوع بالنظر العرفي(2)، فلا وجود للموضوع كي يحكم عليه بالنجاسة، وعليه يكون التعبير بالتطهير مسامحياً؛ إذ لا مضاف حتى يطهر. والحاصل: أنّه سالبة

ص: 330


1- العروة الوثقى 1: 141. أقول: الدم ليس بنجس ما لم يخرج من البدن والاستهلاك محلّل للاكل والشرب وليس بمطهر فتأمل، كما سبق في بيان الثمرة بين الأقوال الأربعة في انفعال المضاف أو عدمه.
2- التنقيح - كتاب الطهارة 3: 193.

--------------------------

بانتفاء الموضوع.

وفيه نظر: لأنّ النجاسة لم تحمل على عنوان المضاف بل على المائع، والمائع بما هو مائع لم يستهلك وإن استهلك بما هو مضافٌ فالمستهلك لم يحمل عليه عنوان «نجس»، وما حمل عليه عنوان «نجس» لم يستهلك، فلا يستهلك إناء ماءٍ مغصوب لو اُلقي في كرٍ بل هو موجود كمزج مقدار قليل من حنطة مغصوبة في صبرة منها، وإلّا لزم الالتزام بجواز أكل طحين حنطة وقعت فيها فضلة فأرة يابسة وطحنت معها؛ وذلك باعتبار انعدام الفضلة بالنظر العرفي، إلّا أنّ الظاهر أنّها لم تنعدم بل تفرقت اجزائها، والتفرق ليس من المطهرات(1)، ولذا قد يستقذره العرف ممّا يدلّ على عدم انعدامه عرفاً(2)، وكذلك فيما يوضع في المياه الغازية أو الكاكاو من مواد محرمة أو شحم خنزير بنسبة قليلة جداً.

وبعبارة اُخرى: إنّ هنالك ثلاثة مفاهيم عرفية:

ص: 331


1- أقول: قد يقال بجواز اكل الطحين على القول بعدم منجزية الشبهة غير المحصورة، و مثله الفضلة، فتأمل. هذا في غير المضاف لانفعاله ولو بالقليل من النجس كما في المياه الغازية والكاكاو، نعم لا انفعال في المضاف المفرط.
2- أقول: هذا خروج عن موضوع الاستهلاك الذي عرفه (رحمه اللّه) «بما لا يبقى له وجود محفوظ في العرف» فما يستقذر عرفاً غير مستهلك. إلا أن يقال: بأنّ العرف وإن لم يره وجوداً مستقلاً إلّا انّ وجوده التبعي في ضمن ما استهلك فيه مؤثرٌ في إستقذاره له.

--------------------------

الأوّل: الإنعدام العرفي كالطين الذي يوضع في الماء فينعدم عرفاً.

الثاني: الاستحالة وهو انقلاب الماهية كاستحالة الكلب ملحاً.

الثالث: تفرق الأجزاء كلحم الخنزير الذي يثرم مع كثير من لحم الغنم(1).

والحاصل: أنّ مفروض المصنّف تفرّق الأجزاء وتبعثرها لا الإنعدام ولا الاستحالة، والموارد تختلف، فلم يخالف نهي المولى بأكل الطين من وضع شيئاً منه في ماءٍ ولم يبقى له وجود عرفاً، بخلاف من أخذ لحماً محرماً وثرمه مع أضعافه من لحم محلّل فإنّه مخالف للمولى عرفاً في النهي عن أكل اللحم المحرم، فهنالك فرق بين المفهومين، فالمضاف - فيما نحن فيه - إن اُلقي في كرّ ينعدم بما هو مضاف، لكنه لا ينعدم بما هو مائع، وقد تناول المكلف ذلك المائع، والنجاسة حملت على المائع لا المضاف بما هو مضاف، ومثله ما لو اُلقي مقدار ماء مغصوب في حوض، فإنّ شرب ماء الحوض كلّه شربٌ للماء المغصوب.

والحاصل: أنّ هناك فرقاً بين تفرق الأجزاء وانعدام الشيء، فليتأمل في الموارد.(2)

ص: 332


1- أقول: انّ الاستهلاك ليس انعداماً حقيقياً للشيء بل هو انعدام عرفي مع بقائه على نحو الوجود التبعي، وعليه فلا فرق بين القسم الأوّل والثالث عند العرف فإنّه يرى المستهلك موجود بالوجود التبعي سواء كان تراباً أو لحم خنزير، فتأمل.
2- أقول: لا فرق بينهما موضوعاً في النظرة العرفية وإنما الفرق في الحكم المستخرج من الدليل والأصل عدم الجواز إلّا فيما استثنى ومنه الوقوع في العاصم.

--------------------------

الوجه الثاني: صِغَرُ الأجزاء إلى حدٍّ لا تقبل معه للحكم عليها بالنجاسة.

وفيه نظر: إذ كون الصِغَر من المطهرات غير واضح، ولذلك أفتى المصنّف بأنّ: «الراكد بلا مادّة ينجس بالملاقاة حتى برأس إبرة من الدم الذي لا يدركه الطرف»(1) ولم يعلق عليه أحد فصغر الأشياء لا يمنع الحكم عليها بالنجاسة والتنجيس، وهو خلاف ما كاد أن يكون إجماعاً.

نعم ذهب الشيخ إلى عدم النجاسة لرواية(2) يحتمل دلالتها على ذلك.

الوجه الثالث: امتناع تعدّد حكم الماء الواحد عرفاً شرعاً، أمّا الوحدة

ص: 333


1- العروةالوثقى1: 79، فصل الماء الراكد.
2- الاستبصار 1: 23 أقول: الرواية هي صحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن (عليهم السلام) كما في الكافي [3: 74] قال: «سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إنائه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: إن لم يكن شي يستبين في الماء فلا بأس وان كان شيئاً بيناً فلا يتوضأ منه». إلّا أنّها موهونة فمضافاً الى من مخالفتها المشهور بل كاد ان يكون إجماعاً غير واضحة الدلالة لأنّ الدَّم اصاب الإناء ولكن يُشك في اصابة الماء.ِ ويؤيد ذلك الرواية الثانية المذكورة في الكافي غير المذكورة في التهذيب والاستبصار. قال علي بن جعفر: «وسألته عن رجل رعف وهو يتوضأ فيقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه ؟ قال: لا»، ففي الأولى: «اصاب انائه» وفي الثانية: «في انائه» [الكافي 3: 74].

--------------------------

العرفية فهي ظاهرة، وأمّا الإمتناع شرعاً فلعلّه لادعاء الإجماع على أنّ الماء الواحد لا يتعدد حكمه، فلا يمكن الذهاب إلى أنّ: «المضاف الملقى في الكر نجس ولكن الكر طاهر لم ينفعل». والكلام فيه كالكلام في معظم الإجماعات المنقولة(1).

الوجه الرابع: مجموعة من النصوص الواردة في المقام ولعلّها أقوى دليل على الحكم(2) :

منها: ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «إنّه سُئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب؟ فقال (عليه السلام) : إن تغيّر الماء فلا تتوضأ منه، وإن لم تغيّرهُ أبوالها فتوضأ منه، وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه»(3).

ووجه الاستدلال بها واضح؛ لإذن الامام التوضأ مع وجود الابوال في الماء.

لايقال: إنّ بول الدواب طاهر.

فإنّه يقال: الدواب مختلفة وبول بعضها ليس بطاهر كالكلب. إلّا أن يدعى الانصراف إلى المركوب.

ص: 334


1- أقول: سبق في الدليل الحاديعشر من انفعال المضاف مطلقاً وجود استثناءات متعددة لهذه القاعدة وقد انكرها في التنقيح تارة [1: 98] واثبتها اُخرى [1: 254] فراجع، والإجماع مخدوش صغرى مضافاً إلى أنّه منقول.
2- أقول: ليس الكلام في الحكم بل في موضوع الاستهلاك وهذا الوجه خروج عن الموضوع، والكلام فيه.
3- وسائل الشيعة:1: 138 كتاب الطهارة ابواب الماء المطلق ب3، ح3.

--------------------------

أما الدم فإنّه كالبول يطهر مع الاستهلاك.

ولايمكن الذهاب إلى جواز التوضأ مع القول ببقاء الماء على طهارته والبول على نجاسته للعلم الإجمالي - مع كون جميع الأطراف محل ابتلاء - فلا تجري أصالة الطهارة، فإطلاق الرواية دالٌّ على طهارة الماء المحتوي على بول الدواب.

ولكن في السند ضعف: لمجهولية ياسين الضرير وطرق تصحيحه غير مرضية(1).

ومنها: ما عن العلاء بن الفضيل قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الحياض يبال فيها؟ قال: لابأس إذا غلب لون الماء لون البول».(2) ويبال فيها يشمل بول الانسان - أيضاً - فإنّ الاطفال يقومون بذلك، والمقصود بالغلبة في ذيل الرواية الاستهلاك.

ص: 335


1- أقول: وجه تصحيحه انّ القميين المعروف عنهم بالتشدد في نقل الحديث رووا عنه، فهذا ابن عيسى الأشعري يروي رواية «لا ربا بين المسلم والكافر» عنه. وروى عنه سعد بن عبد اللّه الحميري. وكذلك ورد في نوادر الحكمة ولم يستثنه القميون منه، كما لم يرد قدح فيه عند النجاشي والشيخ وغيرها من القرائن. ولكنها قاصرة من إثبات وثاقته، و لكن لا يبعد القول بحسنه، فتأمل. نعم ذكر المامقاني أنّ صاحب الحاوي ضعفه. إلّا انّ تضعيفه لا يعتد به بعد أن أدرج كثيراً من المعتبرين في قسم الضعاف فلاحظ.
2- تهذيب الأحكام 1: 415.

--------------------------

والحوض يشرب منه ويتوضأ فيه ويغتسل فيه الجنب، ولا يدرى أنّ ما اغتسل به الماء المطلق أو البول خصوصاً مع بقاء حرارة البول، والرواية دلّت على أنّ هذا الماء له حكم الحوض.

فإن تمّ ذلك في أعيان النجاسات لتمّ في المتنجّسات ومنها المضاف بطريق أولى، وقوله (عليه السلام) : «إذا غلب» مشعر بالعلّية، فالغلبة هي الملاك.

ولكن في السند محمد بن سنان، وقد مضى البحث فيه وقد ملنا إلى وثاقته(1).

ومنها: ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لو أنّ ميزابين سالا أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء فاختلطا ثم أصابك، ماكان به بأس»(2) ولايخفى خروج صورة التغيّر بالأدلّة.

وفي السند الحكم بن مسكين ومحمد بن مروان وفيهما اشكال(3).

ص: 336


1- أقول: سيتطرق السيد الأخ الأكبر في الرواية السادسة الدالة على انفعال ما تغيّر لونه الى قرائن توثيقه وتضعيفه أيضاً ويرجع عن القول بوثاقته ويتردد في أمره لقوة قرائن تضعيفه ووهن أدلّة توثيقه، فلاحظ. وإن كان الأقوى ظاهراً وثاقته وأدلّة التضعيف مع كونه ممن يكثر من نقل روايات الفضائل قد تكون ناظرة الى غلوه عندهم خصوصاً مع قول ابن الغضائري: «غال، يضع الاحاديث».
2- وسائل الشيعة 1: 144/ ب5، ح6.
3- أقول: وجه الإشكال في الأوّل: أنّه لم يرد توثيقه ولا تضعيفه في كتب الرجال نعم هو من مشايخ كامل الزيارات غير المباشرين، مضافاً الى رواية الأجلاء عنه أمثال ابن ابي عمير واحمد بن محمد بن ابي نصر والحسن بن محبوب ومحمد بن الحسين بن ابي الخطاب وغيرهم، وقد سبق بأنّ المبنى قبول المشايخ المباشرين لمشايخ الثقات وهم الأوّلين، اللّهم إلّا ان يُلتزم بأنهم لا يرسلون إلّا عن ثقة ، لا أنّهم لا يرون إلّا عن ثقة. وقد سبق البحث فيه. وأمّا ما ذكره الشهيد من حجية رواياته لعدم طعن في حقه فهو غير تام لما ذكر الشهيد الثاني من عدم كفاية عدم الجرح بل يعتبر مدحه أو توثيقه. وأمّا وجه الإشكال في الثاني ، فلاشتراكه بين مجاهيل كما ذكره المجلسي في الوجيزة. ولكن لا بعد في أن ينصرف الى الذهلي الثقة.

--------------------------

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «وسُئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب؟ قال (عليه السلام) : إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء»(1).

ووجه الاستدلال: أنَّ البول في الماء إن كان باقياً على نجاسته فكيف يغتسل به الجنب ويتوضأ؟ وإن انقلب إلى ماء مطلق فقد ثبت المطلوب، فما دام مستهلكاً ليس له أحكام النجس، وإلّا لزم على الإمام التنبيه، ويثبت ذلك في المضاف المتنجّس بالأولوية.

ومنها: موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «لا تشرب من سؤر الكلب إلّا

ص: 337


1- وسائل الشيعة 1: 158/ ب9، ح1.

--------------------------

أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه»(1) فلاحكم بنجاسة لعاب الكلب الممتزج بالحوض.

ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الدجاجة والحمامة واشباههما تطئ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال (عليه السلام) : لا، إلّا أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء»(2)

وقريب منها صحيحة محمد بن مسلم(3) و قريب منها أيضاً صحيحة معاوية بن عمّار(4).

ومنها: موثقة أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إنا نسافر فربّما بُلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فتكون فيه العذرة، ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابة وتروث. فقال (عليه السلام) : إن عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا، يعني أفرج الماء بيدك ثم توضأ فإن الدين ليس بمضيّق، فإنّ اللّه

ص: 338


1- المصدر نفسه : ح3.
2- المصدر نفسه 159: ح4. أقول : إطلاق الرواية تشمل صورة ما لو انتقلت ذرات العذرة الى الماءِ فالرواية في بيان عاصمية الماء الكثير من الإنفعال لا في الاستهلاك. و هذا الكلام يرد في روايات اُخرى من هذا الباب كصحيحة محمد بن مسلم السابقة وجميع الروايات الآتية، وعليه فيجتنب من الموضع الظاهرة فيه النجاسة ويستعمل غيره فإنّ الكر معتصم، فتأمل.
3- وسائل الشيعة 1 : 159: ح5
4- المصدر نفسه 159: ح6.

--------------------------

يقول: {وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}»(1).

ومنها: صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر به»(2) وغيرها كثير.

وما ذكرناه كاف للدلالة على المدّعى بأنّ الشارع اعتبره منعدماً لا حكم له.

الوجه الخامس: إنّ أدلّة مطهّرية الماء تدلّ على تطهيره للماء المضاف كقوله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا}(3) وقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الماء يطهِّر ولا يطهَّر»(4) وفي صحيحة داوود بن فرقد: «جعل لكم الماء طهوراً»(5) فالماء يطهّر المضاف المستهلك؛ لكونه لامس كل جزء جزء منه، وإلّا لما غلب عليه(6).

ص: 339


1- المصدر نفسه 163 ح146، ب9.
2- المصدر نفسه 170، ب4، ح1.
3- الفرقان: 48.
4- الكافي 3: 1.
5- تهذيب الأحكام 1: 356.
6- أقول: لا يقال: انّ الإطلاق في هذه الأدلّة أفرادي وأحوالي لا كيفوي فإنّ التطهير العرفي يختلف كما سيأتي ولم يذكر الشارع كيفية التطهير - حسب الوجه الخامس -. فإنّه يقال: إنّ الاستهلاك بمعنى الانعدام العرفي رفعٌ للحكم بالنجاسة بارتفاع الموضوع. وبما أنّ الماء عاصم فلا ينفعل قبل الاستهلاك ، فتأمل.

--------------------------

الوجه السادس: ارتكاز المتشرعة.

هل الإتّصال بالعاصم مطهّر للمضاف؟

الطريق الثالث: من طرق تطهير المضاف بعد التصعيد والاستهلاك ماتفرّد به العلّامة على ماحُكي عنه من: «طُهر الماء المضاف المتنجّس بمجرد الإتّصال بالمعتصم». فما يقال في المطلق يقال في المضاف، وفيما ذكره تيسير كبير(1).

والبحث في دعواه يتمّ في مقامين: بيان المقتضي ووجود المانع.

أما المقام الأوّل فقد استدل له بوجوه:

الوجه الأوّل : إنّ النجاسة كما تسري وتنجّسُ المضاف كذلك المطهر يسري ويطهرُ المضاف. وفيه: أنّه قياس أو كالقياس.

الوجه الثاني: إطلاقات أدلّة مطهّرية الماء، كقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا}(2)

فإنّ حذف المتعلق يفيد العموم فيطهر الماء المضاف أيضاً، وكصحيحة داوود بن فرقد: «وجعل لكم الماء طهوراً»(3) ورواية

ص: 340


1- أقول: لو اجتمع المستهلك وعاد الى وجوده الاستقلالي يعود الحكم بالنجاسة عليه لأنّ الطهر كان لارتفاع موضوعه والحكم تابع لموضوعه، هذا على مبنى غير العلّامة وأمّا على مبناه فهو يطهر سواء استهلك وعاد ام لم يستهلك.
2- الفرقان: 48.
3- تهذيب الأحكام 1: 356.

--------------------------

السكوني: «الماء يطهِّر ولا يُطهَّر»(1).

والخلاصة: إنّ إطلاقات أدلّة مطهّرية الماء تدلّ على مطهّريته للماء المضاف أيضاً.

وفيه: أنّ التمسك بالإطلاق فرع إحراز كون المولى في مقام البيان من هذه الجهة، ولم يعلم ذلك.

وأجاب عنه السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه:(2) بأنّ الأصل الإطلاق، وعدمه يحتاج إلى دليل، نعم مع العلم بكون المولى في مقام الإهمال أو الإجمال لا يتمسك به، ولكن يجري الأصل العقلائي - الإطلاق - مع الشك، ولذلك علَّق (رحمه اللّه) - في بحث مقدمات الحكمة في اشتراط كون المولى في مقام البيان - «ولو بأصل كونه في مقام البيان»(3). فلا يحتاج إلى إحراز علمي، بل يكفي الأصل العقلائي على الإطلاق، وإلّا لانسدّ باب التمسك بأكثر العمومات

ص: 341


1- الكافي 3: 1.
2- الفقه 2: 79.
3- أقول: تارة يحرز انّ صدور المطلق لغير هذه الجهة فهنا لا يتمسك بالإطلاق، فإنّ الإطلاق من الظواهر اللفظية وقوامها التنجيز والإعذار ومع إحراز انّ المتكلم لم يرد هذه الجهة يتمّ التنجيز والاعذار. واُخرى لا يحرز العدم ولا الوجود بل احرز كونه من مقام البيان من جهة فهنا بناء العقلاءِ على الإطلاق ولم يرو العبد معذوراً في خطاباتهم العرفية، راجع الفقه 1: 127.

--------------------------

كقوله عزّ وجلّ: {وَأَحَلَّ اللّه الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(1) فلو شك في بيع لايمكن التمسك بإطلاق الآية الكريمة؛ لعدم إحراز كونه - عزّ وجل - في مقام البيان من هذه الجهة.

نعم يبقى في المقام: أنّ المطلقات وإن أثبتت الإطلاق الأفرادي ودلت على أنّ جميع الأشياء تقبل التطهير، إلّا أنّها لاتدلّ على كيفية التطهير، وكيفية التطهير إمّا ببيان الشارع، أو بالايكال إلى العرف، والأوّل غير متحقق، والتطهير العرفي يختلف: فإنّ تنظيف الزجاج بالمسح عليه وتنظيف الإسفنجة القذرة بعصرها.

وفيما نحن فيه لايرى العرف أنّ الإتّصال لحظة بعاصم تطهير للماء المضاف. والحاصل: أنّ الإطلاق أفرادي وأحوالي لاكيفوي(2).

وأمّا ماذكره الهمداني - من تعميم بيان المولى إن بيّن واقعة جزئية خارجية ولم يكن له بيان في سائر الموارد، فلكونه بَيَّن كيفية تطهير الماء القليل بكفاية اتّصاله بالعاصم لحظة، نسحب الحكم الى المضاف الذي

ص: 342


1- البقرة: 275
2- أقول: والفرق بين الثلاثة أنّه يستعان بالإطلاق الأفرادي لإثبات الحكم على الفرد المشكوك وبالأحوالي على الحالة المشكوكة لحالات الموضوع فإنّ الماءِ مطهّر سواء كان المضاف متغيّراً بالنجاسة أو لم يكن، وأمّا الثالث وهو لإطلاق الكيفوي لبيان كيفية التطهير: فلا يمكن الإستناد اليه لما ذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) .

--------------------------

سكت فيه، فالإطلاقات تشمل المضاف والكيفية تؤخذ من المشابه أي المطلق - فهو قياس مع الفارق والأمر موكول إلى التأمل.

الوجه الثالث: مرسلة الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال في حديث: «كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(1).

الوجه الرابع: مرسلة العلّامة في المختلف قال: «ذكر بعض علماء الشيعة أنّه كان بالمدينة رجل يدخل إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال له الإمام: إنّ هذا - ماء الغدير - لايصيب شيئاً إلّا طهّره»(2).

ويرد على الخبرين: ضعف سندهما لإرسالهما. و ان أجاب عنه في الفقه(3) بجبرهما بالعمل. هذا أولاً.

وأمّا ثانياً: فبضعف الدلالة كما في التنقيح قال ما حاصله: «الاستدلال بهما يتوقّف على حمل الإصابة والرؤية على مفهومها العرفي، وهو غير ممكن؛ لاستلزامه القول بطهارة مثل الخشب فيما إذا كان كلا طرفيه نجساً واتصل أحدهما بالكر أو المطر دون الآخر، حيث يصحّ أن يقال عرفاً: إنّه أصابه أو رآه. مع أنّه لاوجه لطهارة الطرف الآخر، فلابدّ من حمل الإصابة والرؤية على معناهما التحقيقي، وأنّ إصابة كل موضع توجب طهارة ذلك

ص: 343


1- الكافي 3: 13.
2- المختلف 1: 15.
3- الفقه 2: 79.

--------------------------

الموضع بخصوصه»(1).

وحاصله: إن كان الملاك الرؤية والإصابة العُرفيتين فله تال فاسد فإنّ نزول المطر على جزء من خشبة لايطهر جميعها، وإن كان الملاك الرؤية والإصابة الدقية - كما في الخشب - فلا يطهر من المضاف المتنجّس إلّا كل جزء أصابه المطر، فلا وجه لما ذكره العلّامة فإنّه لايكفي إصابة المطر للمضاف، بل يجب أن يصيب جميع أجزائه ليطهر.

وفيه تأمل: للفرق بين الجوامد والمائعات؛ لاستساغة التفكيك عرفاً في الأوّل دون الثاني. والخلاصة: أنّ الرؤية والإصابة تصدق في المائعات دون الجوامد.

ولايقال: بإنّه مصادرة. إذ يجاب عنه: بأنّ الملاك في الألفاظ الفهم العرفي، فيقال للمضاف الذي جرى عليه المطر أنّه رآه ماء المطر، ولا يقال ذلك للخشبة التي لم يرَ جانب منها ماء المطر، فالعرف يفرق بينهما(2).

ص: 344


1- التنقيح ( من الموسوعة ) 2: 47.
2- أقول: إن كان الملاك الفهم العرفي فيجب التفريق بين المضاف الرقيق كماءِ الورد والغليظ كالدهن المائع بالطهارة في الأوّل دون الثاني، إلّا ان يكون خلاف الإجماع المركب وقولاً بالفصل بين أنواع المضاف. إلا ان يجاب عنه: بوقوع التفريق بين المفرط في الكثرة وعدمه بانفعال الجميع بملاقاة طرفه للنجاسة في الأخير دون الأوّل.

--------------------------

في بيان المانع عن إمكان تطهير المضاف

المقام الثاني: سلّمنا وجود المقتضي ولكن قد يدعى وجود المانع، والمانع المتصور أمران:

المانع الأوّل : الروايات الدالة على طرح الزيت والسمن والمرق ونحوها بالملاقاة، حيث دلّت على عدم قابلية المضاف للتطهير وإلّا لم يتعين طرحه.

منها: صحيحة زرارة: «في فأرة وقعت في سمن فماتت.. إن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك»(1).

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب قال: «والزيت يستصبح به»(2).

ومنها: صحيحة الحلبي: «إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً.. إن كان الصيف فارفعه حتى تُسرج به»(3).

ومنها: «سُئل (عليه السلام) عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة؟ فقال: يهراق مرقها ويُغسل اللحم ويؤكل»(4) وغيرها كثيرة في أبواب النجاسات والأطعمة والأشربة.

وأمر الإمام (عليه السلام) ظاهر في الوجوب التعييني كما في الكفاية، وإلّا لزم أن

ص: 345


1- الكافي 6: 261.
2- وسائل الشيعة: 24: 194.
3- المصدر نفسه 24: 102.
4- المصدر نفسه 24: 196.

--------------------------

لا يتعيَّن طرح المرق والعسل والزيت إن تم كلام العلّامة.

إلّا أنّ السيد الوالد أشكل على وجوب الطرح باشكالين:

الأوّل: بما في روايات الزيت والسمن ونحوهما قال: «عدم البيان ليس لأجل عدم إمكان التطهير بهذا النحو بل للتعذر العرفي»(1).

وفيه: أنّه لاتعذر عرفي، فإنّ صبَّ كُرٍّ عليه أو جعله في الغدير - وقد كان كثيراً - ممكن.

مع أنّ حمل الرواية على القضية الخارجية دون الحقيقة خلاف الأصل، وإلّا لجرى الاحتمال في أغلب الموارد، فإنَّ وجوب الزكاة في التسعة - مثلاً- لأجل كونها عمود الإقتصاد سابقاً، ولا وجوب في غيرها وإن أصبح مداراً للإقتصاد.

الاشكال الثاني: «إنّ الإراقة هنا مثل الإراقة في باب الإنائين المشتبهين مع قابليتهما التطهير، ومثل الإراقة للدُهن مع قابليته لجعله صابوناً، فإنّها كناية عن عدم الانتفاع الفعلي»(2).

وقد يورد عليه : أنّ الكناية إنّما تتحقق فيما إذا كان الشيء مسلوب الانتفاع عرفاً والإنائان المشتبهان كذلك، ومثلهما الدُهن المتنجّس بالنسبة إلى جعله صابوناً، أمّا مع وجود المنفعة العُرفية المقصودة فالكناية خلاف الظاهر.

ص: 346


1- الفقه2: 80.
2- الفقه2: 81.

--------------------------

مع أنّ حمل يهريقهما على الكناية محلُّ بحث، إذ ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ إراقة الإنائين في المشتبهين واجبة؛ وذلك ليتحقق موضوع: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ}(1).

المانع الثاني: إعراض الفقهاء عن الدلالة بحيث لم يُرَ في المتقدمين ولا في المتأخرين موافق له، بل إنّ دلالة عبارته على ذلك وقعت موقع الشك من قبل بعض.

فرع في التغيّر بوصف المتنجّس

تفريع: لو امتزج المضاف المتنجّس بالمطلق المعتصم، واستهلك فيه بنفسه لا بوصفه واحدث أثراً في لون المطلق أو طعمه أو رائحته ولم يسلبه إطلاقه - فإنّ التغيير لا يساوق الإضافة كماء النهر المختلط قليلاً بالطين، أو ألقى قارورة عطر في حوض ماء كبير - فهل يوجب ذلك تنجُس المطلق بتغيّره بأوصاف المتنجّس أو لا؟

أقول: سنتطرق إلى أنّ التغيّر بوصف النجاسة يوجب نجاسة الماء المعتصم، وأمّا التغيّر بوصف المتنجّس فلايوجب النجاسة، فلا يكون تأثير المضاف في تغيّر المطلق موجباً لانفعاله، نعم إذا صيّره مضافاً ففيه بحث سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

وعليه يتّضح ماذكره في الفقه من أنّه: «حُكي عن بعض فقهاء عصرنا أنّه

ص: 347


1- النساء: 43.

--------------------------

أفتى لبعض من سأله من صانعي الدّبس عن دبس كثير متنجّس، فأجابه بأنّه يخلطه بكر من الماء بحيث يبقى على إطلاقه ثم يستعمل ذلك الماء في الدبس الذي يريد صنعه بعد ذلك»(1).

الطريق الرابع: انقلاب الماء المضاف النجس مطلقاً ولو بالوسائل الكيميائية.

وفي المقام فرضان:

الأوّل: أن يكون قليلاً فهو باقٍ على نجاسته؛ وذلك لعدم الدليل على أنّ الإنقلاب مطهّر، ولتنجسه بالظرف المتنجّس لو فرض كون الإنقلاب مطهّراً.

نعم لو ورد الدليل على الطهارة كانت دلالة الإقتضاء مقتضية لطهارة الظرف بالتبع كالخمر المنقلبة خلاً بناءاً على القول بنجاستها.

الثاني: أن يكون كثيراً فَيَطهُر بالإنقلاب بناء على أن قوله (عليه السلام) : «إذا كان الماء قدر كر لم يحمل خبثاً»(2)

يشمل الدفع والرفع.

إلّا أنّ المبنى محلُ اشكال(3).

ص: 348


1- الفقه2: 81.
2- الخلاف 1: 174، لقد نسب الشيخ (قدس سره) هذه الرواية إلى الأئمة (عليهم السلام) علماً أنّ السيد المرتضى (قدس سره) في الإنتصار: 85، نقلها عن كتب العامّة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
3- أقول: كان عليه (رحمه اللّه) ان يستشكل في البناءِ أيضاً لأنّه التزم بأنّ المادّة هي المتنجّسة والانقلاب لا يغير المادّة، وقد أشكل على قاعدة عدم اختلاف حكم الماء الواحد. نعم على ما ذكرنا من مطهّرية العاصم فلا بحث. أمّا المبنى فالظاهر تماميتة بدواً وعدم ورود الإشكال سنداً ودلالة عليه كما قد سيجيئ.

--------------------------

الطريق الخامس(1):

استهلاكه فيما يتمّمه كراً. إلّا أنّ تماميته مبنية على أنّ المتمّم كرّاً دافع للنجاسة(2).

ص: 349


1- لتطهير المضاف المتنجّس.
2- أقول: كما هو الأقوى بدواً لمطابقته الأصل العملي إن تخالف الماءان في النجاسة والطهارة بان كان المتمّم خلاف الماء الأوّل لتساقط الاستصحابين فيه والرجوع الى قاعدة الطهارة. نعم لا يجري في المتنجّس المتمم كرّاً بمتنجّس أو نجس، وكذلك لموافقته الدليل الإجتهادي لقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على ما نقله الشيخ: «الماءِ إذا بلغ قدر كر لم يحمل خبثا، و ضعفه منجبر بعمل جماعة مضافاً الى ذكره في الكتب المعتمدة، كما انّ الراوي قد عمل به. وأمّا الإشكال في الأصل بتقدم السببي على المسببي كالإشكال في دلالة الخبر على المراد غير تام لما سيجيئ في محله، فانتظر. هذا، ولكن يرد عليه: إعراض الأكثر وخلو أكثر الكتب المعتمدة عنه وقد تعجب في المعتبر من نسبة ابن ادريس ذلك الى اتفاق الأمة وقال: «كتب الحديث عن الائمة خالية عنه أصلاً.. ونحن فقد طالعنا كتب الاخبار المنسوبة اليهم فلم نَرَ هذا اللفظ..». إلّا ان يُرَجَّح قول ابن ادريس على المحقق لأنّه لا يستند إلّا الى الخبر العلمي، فتأمل. ثم إنّه قد يستدل على المستفيضة: «اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء» بلحاظ «لم» الدالة على سلب النجاسة السابقة وغيرها بالأولويّة فالكرية رافعة للنجاسة السابقة كما أنّها دافعة لها.

7 مسألة: إذا اُلقي المضاف النجس في الكر فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة تنجس إن صار مضافاً قبل الاستهلاك، وإن حَصَلَ الاستهلاك والإضافة دفعةً لايخلو الحكم بعدم تنجيسه عن وجه، لكنه مشكلٌ(1)[1].

--------------------------

الطريق السادس: أن يستهلك في مقدار من ماءٍ مضاف كثير ثم يستهلك المجموع المركب في مقدار أكبر وهكذا حتى تنتهي إلى واسطة لا تنجس.

إلّا أنّ تماميته - أيضاً - مبنية على أنّ تعدد الوسائط رافع للتنجيس، ومبني - أيضاً - على قبول صغرى الاستهلاك، وقد مضى التأمل في ذلك.

صور إضافة المطلق بإلقاء مضاف منفعل

[1] للمسألة صور أربع:

الصورة الأولى: بقاء المضاف النجس على إضافته والمطلق المعتصم على إطلاقه، ولاشك في أنّ كلاً منهما باقٍ على حكمه السابق؛ لعدم طرو مايغيّر حكمه، فالكر باقٍ على طهارته لفرض اعتصامه وعدم تغيّره بالنجاسة وعدم صيرورته مضافاً، والمضاف النجس باق على نجاسته لعدم تطهيره بإحدى طرق تطهير المضاف(2).

ص: 350


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «الإحتياط لا يترك بل الظاهر الحكم بالنجاسة في بعض فروض المسألة».
2- أقول: لا يقال: بعدم اختلاف الحكم في الماء الواحد. فإنّه يقال: مضافاً الى عدم تماميته، انّ العرف لا يراه واحداً مع عدم اختلاطه بل هما ماءان متصلان وكأنَّ بينهما جداراً وهمياً، نعم على مبنى العلّامة - ان صحت النسبة اليه - يطهر المضاف لكفاية الإتّصال بالعاصم.

--------------------------

الصورة الثانية: أن يصل الاستهلاك قبل الإضافة بأن يُستهلك المضاف المتنجّس في الكر أولاً ثم يوجب إضافة الكر ثانياً بعد مدة وزمان، ومُثّلَ لذلك بما إذا مَزَجنا مقداراً من النشاء في الماء، فإنّه قد يستهلك في الماء حين إمتزاجهما بحيث لايطلق على المجموع إلّا الماء المطلق، ولكن ينقلب مضافاً ويَغلُظ بعد ايصال الحرارة إليه، فإنّ الاستهلاك ليس بمعنى انعدام المضاف بالدقة العقلية، بل بمعنى تفرّق أجزائه، فيمكن أن تؤثر هذه الأجزاء المتفرقة في الماء الكر بعد حين، ولاشك في طهارة الماء حينئذ؛ إذ المضاف النجس قد استهلك(1) فلا وجود له كي يحكم عليه بالنجاسة، والكر المطلق حين إطلاقه لم ينفعل لإعتصامه وحين إضافته لم تحصل الملاقات، فلا وجه للنجاسة أصلاً.

ص: 351


1- أقول: ليس الملاك الاستهلاك بل إنّ الماء المعتصم لا ينفعل مع عدم التغيير في الثلاثة ويُطَهِّر المتنجّس أيضاً للتعبد ولو كان الاستهلاك مطهّراً لزم القول بجواز اكل اللحم المثروم للغنم مع مثقال من لحم نجس العين المختلط معه وهو كما ترى، وقد سبق البحث مفصلاً في أنّ تفرقة السيد الأخ الأكبر بين الاستهلاك وتفرق الأجزاءِ غير تام. وقد اشار (رحمه اللّه) هنا الى أنّ الاستهلاك هو تفرق الاجزاءِ خلافاً لما اسسه سابقاً، فراجع. والحاصل ليس الملاك عدم وجود المضاف النجس كي يحكم عليه بالنجاسة، بل الدليل التعبدي.

--------------------------

وللسيد الوالد (رحمه اللّه) تفصيل في الصورة الثانية بين صَبّ المضاف في المطلق أو صَبّ المطلق في المضاف، لم يتضح لنا وجهه، قال: «ثم لو فرض تقدم الاستهلاك على الإضافة كما لو كان شيء لايظهر أثره إلّا بعد مُدة، وصببناه في الماء فلا اشكال في طهارة الماء، هذا ممّا إذا صُبَّ المضاف في المطلق، وأمّا لو اُلقي المطلق على المضاف النجس فاللازم الحكم بعدم الطهارة؛ لأنّ موضع المضاف النجس نجسٌ فيبقى على نجاسته؛ لأنّ المضاف لايطهره فينفعل به، فتأمل»(1).

لكن المفروض أنَّ المضاف استهلك، والماء المعتصم يطهّر الإناء.

وبعد بيان حكم هاتين الصورتين نعطف عنان الكلام إلى بيان الصورتين اللّتين ذكرهما المصنّف.

الصورة الثالثة: أن تحصل الإضافة قبل الاستهلاك، بأن يصير الكر المطلق مضافاً ثم يستهلك المضاف المتنجّس فيه.

وقد ذهب مجموعة من الأعلام إلى استحالة هذا الفرض(2) وليس البحث في ذلك بمهم في المقام، إلّا أنّ السيد الوالد (رحمه اللّه) قرّبه، قال: «بعض الأشياء له فورة في أوّله لايبقى معها صدق الإطلاق ويزول بالسرعة»(3)

كالقرص الفوّار

ص: 352


1- الفقه 2: 82.
2- كالخوئي والبروجردي وكاشف الغطاء، وقال الگلبيگاني: «الفرض ممتنع بظاهره»، راجع تعليقاتهم.
3- الفقه 2: 82.

--------------------------

حيث إنّه يحول الماء المطلق عندما يقع فيه إلى المضاف ثم ينهدم، وقد حكم في المتن بالنجاسة؛ لأنّه ماء مضاف لاقى متنجّساً فينفعل، فهنا مضافان ينفعل ثانيهما بأوّلهما - المضاف الثاني الكر ينفعل بالمضاف الأوّل - ولايجدي استهلاك المضاف بعد ذلك؛ إذ لم يرد على الكر مطهّر شرعي بعد نجاسته، كما لايجدي صيرورة الكر المضاف مطلقاً لما تقدّم.

و لا يخفى أنّ هذا الحكم إنّما يتمّ في صورة كون الماء بقدر الكر لا أكثر، أو كونه أكثر لكن الماء الذي لم يصر مضافاً أقل من الكر، أمّا لو كان كرّاً فلا ينفعل ويطهِّر ما تنجَّس لو فرض زوال تغيّره، وكذا لو كان له مادّة فإنّ مالم يصر مضافاً يبقى على طهارته مع اتصاله بالمادة، وما طرأت عليه الإضافة يطهر لو فرض زوال إضافته، لأنّ له مادّة كما في صحيحة ابن بزيع(1).

والحاصل: وجود فروض أربعة في الصورة الثالثة:

الأوّل: انقلاب الكر المطلق مضافاً ثم استهلاك المضاف المتنجّس - مع فرض إمكانه -، والحكم: نجاسة الماء.

الثاني: كون المطلق أكثر من كرّ وقد تغيّر جزء منه، إلّا أنّ مالم يتغيّر أقل من الكر، والحكم: انفعال الماء كلّه.

ص: 353


1- تهذيب الأحكام 1: 234، والوارد في نصها أنّه قال: «كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) ، فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادة».

--------------------------

الثالث: كالثاني، إلّا أنّ مالم يتغيّر بمقدار الكر، فإنّه لاينفعل وإن زال تغيّر المضاف المتصل بالمطلق الكر، فإنّ الكر يطهّره.

الرابع: كون المقدار غير المتغيّر أقلّ من كرّ إلّا أنّه متصل بمادّة كماء البئر، والحكم أنّه إذا زال تغيّر المتغيّر فإنّ المادّة تطهّره.

الصورة الرابعة: أن تحصل الإضافة والاستهلاك دفعة، كأن يتحول الكُرُّ إلى ماء مضاف ويستهلك المضاف المتنجّس الذي اُلقي فيه في آن واحد. وفي إمكانها بحث بين الأعاظم(1) ولكن مع فرض إمكانه فقد صرَّح المصنّف ب- : «أنَّ الحكم بالطهارة لايخلو من وجه».

ويمكن أن يُبَيَّنُ ذلك بتقريرين:

الأوّل: استصحاب الطهارة أو قاعدة الطهارة أو كلاهما معاً(2).

ص: 354


1- أقول: قد يشكل على الإمكان بأنّ التقابل بين الاستهلاك والإضافة من التضاد ويستحيل اجتماعهما في موضوع واحد. إلّا انّ الحق وقوع ذلك فضلاً عن إمكانه فإنّ الاستهلاك قد يحصل كَمَاً والإضافة تحصل لقوّة الكيف في الوارد أو للتأثير بالخواص بعد تسخين المطلق وارتفاع حرارته مثلاً.
2- أقول: بما أنّ الإضافة و الاستهلاك معلولان لورودها على المطلق ولا يكون المعلول في رتبة العلّة، فعند الورود المطلق عاصمٌ ومطِّهر، وبعده - رتبة - لا يوجد أمران لينجس أحدهما الآخر. ثم إنّه مع الشك في الحكم نستصحب الطهارة ومع الشك في الموضوع أو مع القول بارتفاعه تجري قاعدة الطهارة. اللّهم إلّا بما يذكره السيد الأخ الأكبر (رحمه اللّه) من الوجه الرابع الآتي كما قد يبدو لنا ذلك، واللّه العالم. هذا مضافاً الى أنّ التقدم والتأخر الرتبي لا يكون ملاكاً في الأحكام الملقاة الى العرف، فتأمل.

--------------------------

الثاني: ما اعتمد عليه بعض(1) وحكموا لأجله بطهارة الماء.

بيانه: إن الماء حال الملاقاة وقبل استهلاك المضاف فيه ماء مطلق معتصم ولاوجه لانفعاله، وأمّا آن إنقلاب المطلق مضافاً فهو آن استهلاك المضاف، فلا مضاف نَجِسَ ليُلاقي الماء ويُنجِّسَه لاستهلاكه في المطلق. والحاصل: أنّه حال وجود المضاف كان المطلق الملاقي معتصماً، وبعد انقلاب المطلق مضافاً لا مضاف نَجِسَ كي يُنَجِّسَهُ.

فهناك مضافان. الأوّل : عصير الرمان المتنجّس مثلاً -

الثاني: الكر المتحول إلى مضاف بإلقاء العصير عليه، فهناك حالة تغالب وتأثير لكل واحد على الآخر، فإنَّ الكُرَّ أعدم ذات المضاف والمضاف أعدم وصف الكر، فيكون الكر طاهراً.

ولكن في الطهارة اشكال وتقريره من وجوه:

الأوّل: ماذكره السيد الوالد (رحمه اللّه) في الفقه - وإن خرج عن المسألة بتردّد - قال: «إنّ عدم تنجيس الماء بالملاقاة إنّما يكون حال الإعتصام، والمفروض أنّ ملاقاة النجاسة في حال عدم العصمة»(2).

ص: 355


1- منهم السيد الحكيم (رحمه اللّه) .
2- الفقه 2: 85.

--------------------------

ولكنه لايخلو من نظر؛ إذ لا نجاسة حتى يقال إنّ ملاقاة النجاسة في حال عدم العصمة، فإنّ المفروض أنّه في آن انقلاب الحوض مضافاً استهلك العصير المتنجّس، فالكر المضاف لم يلاق العصير المتنجّس إذ لا وجود له، وإنما المطلق هو الذي لاقى العصير، فالاستدلال المذكور خروج عن البحث.

الثاني: استصحاب نجاسة أجزاء المضاف.

وفيه: أنّ الموضوع متبدّل عرفاً وإن بقيت الأجزاء بالدقة العقلية، مضافاً إلى تعارض استصحاب نجاسة الذرات مع استصحاب طهارة الحوض.

الثالث: ماذكره في التنقيح(1) واعتمد عليه في الحكم بالنجاسة ما حاصله: أنّ تغيير الكرِّ تدريجي فينفعل الباقي. فإنّ العصير لا يُغيّر الحوض الكر دفعة لاستحالة الطفرة بل يغيره تدريجاً، فإذا غير مقداراً منه يكون الباقي أقل من كرّ فينفعل.

ولكن يرد عليه: إمكان الدَّفعة بما ذكره في الفقه. قال: «وتقريبه إلى الذهن أنّه لو فرض شيء له تأثير في الإضافة ولكن لايظهر أثره إلّا بعد ساعة وكان هو بنفسه بحيث يُعدم بعد ساعة، فإنّه لو اُلقي في الماء حصل الإنعدام والإضافة دفعة بعد ساعة»(2).

فيكون التحويل إلى مضاف دفعة، وذلك كالنشآء الذي يؤثر في الماء

ص: 356


1- التنقيح - كتاب الطهارة 1: 67.
2- الفقه 2: 84.

--------------------------

دفعة واحدة، فدليل التنقيح أخصّ من المدّعى.

الرابع: ما أشار إليه في المهذب(1) بعبارات مختصرة قال: «إنّ المتفاهم من الأدلّة اعتبار بقاء الإعتصام بعد الاستهلاك عرفاً في مطهّرية النجس المستهلك فيه».

وهو متين؛ فإنّ دليل مطهّرية الاستهلاك : إن كان ارتكاز المتشرعة، فهو لبي مع أنّه اختلف الأعاظم فيه.

وإن كان الأدلّة اللفظية مثل: «كلب ولغ في ماء؟ قال (عليه السلام) طاهر توضأ به»(2) و: «دم اُلقي في حوض، قال (عليه السلام) : إن غلب لون الماء لون الدم فلا اشكال». فإنّ ظاهرها بقاء الإطلاق بعد الاستهلاك، فلا تشمل انقلاب الحوض مضافاً في آن الاستهلاك؛ لانصرافها إلى صورة بقاء الحوض على إطلاقه بعد استهلاك الدم(3)، وعليه فيبقى المضاف الأوّل نجساً فينجس

ص: 357


1- مهذّب الأحكام 1: 141.
2- تهذيب الأحكام 1: 226، حيث ورد بهذه الصورة: عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه والسنور، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك، أيتوضأ منه أو يغتسل؟ قال: نعم، إلّا أن تجد غيره فتنزه عنه».
3- أقول: هذا الانصراف منشأه ندرة وجود هذه الصورة في الخارج فهو بدوي، نعم ظهور قوله عليه السلام: «غلب لون الماء لون الدَّم» بقاء المائية بعد الملاقاة بلا حاجة الى دعوى الانصراف المانع من الاخذ بالإطلاق فيما لو شكّك في صدق المفهوم دون عدم اُنس الذهن.

8 مسألة: إذا انحصر الماء في مضافٍ مخلوط بالطين، ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر(1) حتى يصفو ويصير الطين إلى الأسفل ثم يتوضأ على الأحوط، وفي ضيق الوقت يتيمّم(2)؛ لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق[1].

--------------------------

المضاف الثاني، ويكفي عدم الدليل على تطهير المضاف.

والمتحصّل: انفعال الحوض الكر بأجمعه اعتماداً على الوجه الرابع.

وظيفة من لم يجد إلّا المضاف بالطين للصلاة

[1] في المسألة فرضان:

الفرض الأوّل : سعة الوقت، وهذا الفرض مصداق من مصاديق العلم بالتمكّن من استعمال الماء قبل انقضاء الوقت وإن كان عاجزاً عنه بالفعل، والحكم في هذه المسألة مبتنٍ على: أنَّ الاعتبار في وجوب الوضوء على الواجد، ووجوب التيمم على الفاقد مجموع الوقت، أي مابين الحدين على وجه الإستيعاب، أو العدم في خصوص زمان العمل.

فإن كان المناط الأوّل فيجب عليه الصبر مجموع الوقت، إذ يصير واجداً إلى آخر الوقت.

وإن كان الثاني جاز البدار؛ لأنّه حين قيامه إلى الصلاة ليس بواجدٍ.

وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى الأوّل؛ إذ التكليف تعلّق بطبيعي الصلاة لابفرد خاص منها، والمكلف واجد للماء بلحاظ الطبيعي - وإن لم يكن واجداً

ص: 358


1- تعليقته (رحمه اللّه) : «إن لم يتمكن من تصفيته بالوسائل، وإلّا تخيّر كما هو واضح».
2- تعليقته (رحمه اللّه) : «إذا لم يمكن تصفيته و لو بخرقة».

--------------------------

بلحاظ الفرد - فيجب عليه الإنتظار، وهو المستفاد من الأدلّة العامة لذوي الأعذار، كما أنّه المستفاد من الأدلّة الخاصة الواردة في خصوص المقام، كصحيحة محمد بن مسلم: «إذا لم تجد ماءً وأردتَ التيمم فأخّر التيمم إلى آخرالوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض»(1).

ولكن مع ذلك قد أفتى كثير من الفقهاء بجواز البدار وهو المحكي عن الصدوقين والجُعفي والمنتهى والتحرير والبيان والإرشاد ومجمع البرهان وحاشيتي الإرشاد والمدارك وغيرها، وتفصيل الكلام في مباحث التيمّم. هذا، ولكن الأحوط وجوب الإنتظار.

ثم إنّ المصنّف علّل وجوب الصبر بصدق الوجدان بالسعة ومقتضاه الفتوى بوجوب الصبر لا الإحتياط، وقد أفتى المصنّف بوجوب الصبر في المسألة الثالثة من أحكام التيمم(2) وسكت عنه في المقامين بعض المعلّقين، ووجه الجمع بينهما غير واضح.

ولا يخفى أنّ وجوب الصبر إنّما يتمّ في صورة عدم إمكان تصفية الماء بوسائل كالخرقة مثلاً كما ذكره السيد الجد (رحمه اللّه) في تعليقته، وإلّاكان مخيراً بينهما.

الفرض الثاني: ضيق الوقت. ولا اشكال في وجوب التيمم حينئذ:

أوّلاً: لصدق عدم الوجدان المأخوذ موضوعاً في الآية الكريمة: {فَلَمْ

ص: 359


1- الكافي 3: 63.
2- العروة الوثقى 1: 68.

--------------------------

تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ}(1) سواء قيل بأنّ المراد بعدم الوجدان عدم القدرة أو عدم الوجود.

وثانياً: لأهمية الوقت، إذ الأمر دائر بين الصلاة خارج الوقت بالطهارة المائية وبين داخله مع الطهارة الترابية، والمستفاد من الأدلّة تقدّم الوقت على كل شرط وجزء - كما سيأتي في محله - ماعدى مطلق الطهارة حيث اختلف في فاقد الطهورين.

ثم إنّه قد استشكل المحقق النائيني على تعليل المصنّف بقوله: «بل لأنّ عدم الوجدان حاصل مع الضيق دون السعة»(2) والظاهر أنّ نظره إلى أنّ المناط في الآية الكريمة عدم الوجدان، دون الوجدان فكان على المصنّف أن يقول: «لصدق عدم الوجدان في الضيق دون السعة» لا أن يقول: «لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق».

وأجاب عنه السيد الوالد (رحمه اللّه) : «بأنّ المراد الوجدان وعدمُه بين الحدّين الذي هو موضوع التكليف المستفاد من الآية منطوقاً ومفهوماً»(3).

فتعليل المصنّف تامّ فإن الموضوع كلاهما.

ص: 360


1- النساء: 43
2- العروة الوثقى 1: 68.
3- الفقه 2: 88.

فهرس المحتويات

فصل في المياه... 5

فصل في المياه... 7

في تعريف الماء المطلق و المضاف... 7

في أقسام المياه و أحكامها... 13

أدلّة مطهّرية الماء المطلق... 16

في الايات الدالة على مطهّرية الماء و بيان اشكالاتها... 21

بحث في معنى الطهور... 22

الآية الثانية... 42

الآية الثالثة... 47

في الاستدلال بالروايات لمطهّرية الماء... 48

في طاهريّة المضاف دون مطهّريته... 51

المضاف لا يرفع الحدث... 52

استثناءات عدم رفع المضاف للحدث... 55

الأوّل: ماء الورد... 56

بحث في وثاقة سهل بن زياد... 70

ص: 361

بحث في اعتبار محمد بن عيسى العبيدي... 77

الثاني: النبيذ للوضوء الاضطراري... 88

الثالث: ماء السدر و الكافور لتغسيل الميت... 94

الرابع: عند فقد المطلق... 95

هل يرفع المضاف الخبث؟... 101

القول الأوّل : تفصيل الكاشاني... 101

بحث في ارتكاز المتشرعة... 103

القول الثاني: كفاية التطهير بالمضاف... 116

في بيان الإجماع المستنبط –الكبروي... 116

الروايات الدالة على كفاية التطهير بالمضاف... 147

بحث في وثاقة غياث بن ابراهيم... 152

القول الثالث: التفصيل بين الاختيار و غيره... 159

القول الرابع... 164

القول الخامس: عدم مطهّرية المضاف مطلقاً و بيان ادلته... 164

أدلّة انفعال المضاف بملاقاة النجاسة... 186

القول الثالث: عدم انفعال الكر من المضاف إلّا مع التغيّر... 237

الفرق بين الاستحالة و الاستهلاك و تفرق الاجزاء... 254

في عدم انفعال العالي بملاقاة السافل للنجاسة و بيان ادلته... 261

الماء المطلق بعد التصعيد موضوعاً و حكماً... 277

في التصعيد موضوعاً و حكماً... 282

ص: 362

في المائع مشكوك الإطلاق والإضافة... 296

أقسام الشبهة و بيانها... 298

أقسام الشك في الشبهة المصداقية... 298

في الشبهة المفهومية و طهارة الماء و عدم انفعاله بالملاقاة... 315

الاستهلاك طريقٌ لتطهير المضاف المتنجّس... 329

بين الاستهلاك و الاستحالة و تفرق الاجزاء... 330

هل الإتّصال بالعاصم مطهّر للمضاف؟... 340

في بيان المانع عن إمكان تطهير المضاف... 345

فرع في التغيّر بوصف المتنجّس... 347

صور إضافة المطلق بإلقاء مضاف منفعل... 350

وظيفة من لم يجد إلّا المضاف بالطين للصلاة... 358

فهرس المحتويات... 361

ص: 363

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.