المکاسب المجلد 4

هویة الکتاب

کِتَابُ المَکاسِب

للشیخ الأعظم الشیخ مرتضی الأنصاری قدس سره

1214ه - 1281 م

تحقیق و تعلیق : السّید محمّد کلانتر

المجلدات 17 ج

منشورات مؤسسة النور للمطبوعات - بیروت - لبنان

ص: 1

اشارة

المکاسب

نويسنده: انصاری، مرتضی بن محمدامین

محقق: کلانتر، محمد

تعداد جلد:17

زبان: عربی

ناشر: منشورات دارالنجف الدینیة - مطبعة الآداب

سال نشر:1214-1281 هجری قمری

ص: 2

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

الإهداء

سيدي... أبا صالح

هذه جهودي بين يديك متواضعة بذلتها في سبيل تخليد فقه (أئمة أهل البيت) و هم آباؤك و أجدادك الطاهرون عليهم الصلاة و السلام في سبيل احياء تراثنا العلمي الأصيل، اهديها أليك... يا حافظ الشريعة يا من يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا فأنت أولى بها ممن سواك، و لا أراها متناسبة و ذلك المقام الرفيع.

و أراني مقصرا و قاصرا غير أن الهدايا على قدر مهديها.

فتفضل عليّ يا سيدي عجل اللّه تعالى لك الفرج بالقبول، فانه غاية المأمول.

عبدك الراجي

ص: 3

ص: 4

تتمة المكاسب المحرمة

تتمة النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه

تتمة المسألة الرابعة عشر الغيبة

تتمة بقي الكلام في أمور
الثاني في كفارة الغيبة

ص: 5

ص: 6

فى كفارة الغيبة (الثاني) (1): في كفارة الغيبة الماحية لها.

و مقتضى كونها (2) من حقوق الناس توقف رفعها على اسقاط صاحبها حقه.

أما كونها من حقوق الناس فلأنه ظلم على المغتاب (3)، و للأخبار (4) في أن من حق المؤمن على المؤمن أن لا يغتابه (5)، و أن حرمة عرض المسلم

++++++++++

(1) أي من الامور التي ذكرها الشيخ في الجزء الثالث من المكاسب من طبعتنا الحديثة في ص 328 عند قوله: بقي الكلام في امور.

(2) أي مقتضى كون الغيبة.

(3) و هو المستغاب، لأن ذكره بسوء موجب لسقوطه في المجتمع الانساني فيكون ظلما قد حكم العقل بقبحه.

(4) تعليل ثان لكون الغيبة من حقوق الناس، اذ التعليل الأول هو كون الغيبة ظلما.

(5) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 546. الباب 122 من أبواب وجوب اداء حق المؤمن. الأحاديث.

هذه الرواية تدل بوضوح على أن الغيبة من حقوق الناس.

و كلمة (من) هنا للتبعيض، حيث ان حقوق المؤمنين غير منحصرة بهذا الحق فحسب، بل هناك حقوق اخرى غير هذا.

فلو خرق المؤمن هذا الحق على أخيه فلا بد أن يتحمل تبعات هذا الخرق. -

ص: 7

كحرمة دمه و ماله (1).

و أما توقف رفعها على ابراء ذي الحق فللمستفيضة المعتضدة بالأصل (2) (منها) (3): ما تقدم من أن الغيبة لا تغفر حتى يغفر صاحبها و أنها ناقلة للحسنات و السيئات.

++++++++++

- و من جملة التبعات الاعتذار إليه، و طلب العفو منه، فإن عفا فبفضله و إن سخط عليه فلحقه.

و لو لا ذلك لم يكن معنى لجعله حقا من الحقوق.

و طلب الاعتذار و العفو و إن كان ثقيلا جدا، لما يعرض الشخص من الاستكانة، لكنه يجب و يكون عقابا للمستغيب الذي هتك ستر أخيه و عرضه.

(1) نفس المصدر. ص 599-600. الأحاديث.

خلاصة الحديث: أنه كما يجب أن يصان و يحفظ دم المسلم و ماله:

كذلك يجب أن يحفظ و يصان عرضه: بأن لا تمس كرامته بسوء و لا يهتك و تحفظ معنوياته.

(2) المراد من الأصل هنا الاستصحاب، أي استصحاب اشتغال ذمة المستغيب بحق من المغتاب بالفتح حينما اغتابه فلا يسقط هذا الحق حتى يعفو عنه.

(3) أي و من تلك الأخبار المستفيضة الدالة على توقف رفع الغيبة على ابراء ذي الحق حقه: ما تقدم في الجزء الثالث من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 318-319.

ص: 8

(و منها) (1): ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي بسنده المتصل الى علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: للمؤمن على أخيه ثلاثون حقا لا براءة منها إلا بادائها (2)، أو العفو الى أن قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: إن أحدكم ليدع (3) من حقوق أخيه شيئا

++++++++++

(1) أي و من تلك الأخبار المستفيضة الدالة على توقف رفع الغيبة على اسقاط ذي الحق حقه، سواء تمكن من الوصول أم تعذر.

(2) أي باداء تلك الحقوق.

المراد بالاداء هنا هي المحافظة على تلك الحقوق، و عدم الاخلال بها بمعنى أن مراعاة تلك الحقوق لا يتصور إلا بادائها و المحافظة عليها.

و المراد من العفو هنا إما اسقاط الحق قبل الاعتداء عليه كما اذا قال شخص لزيد: أنت في حل من غيبتي.

و إما الاسقاط بعد الاعتداء و هو المراد هنا، حيث ان المؤمن يستغيب أخاه المؤمن فيتعلق بذلك حق له عليه في ذمته فيذهب المستغيب إليه ليطلب العفو منه.

ثم الأحرى بالأخ المسلم حين يبيح له أخوه المسلم أن يستغيبه: أن يكف عنه، و يستر عليه، و يحافظ على حرمته أكثر و أكثر.

(3) أي يترك، و المعنى أن الأخ المؤمن عند ما يستغيب أخاه المؤمن يتعلق بذمته حق للمستغاب بسبب غيبته له فيطالب المستغاب المستغيب يوم القيامة بذلك الحق فيحكم للمستغاب بذلك الحق المسبب من الغيبة و يحكم على المستغيب.

ص: 9

فيطالبه (1) به يوم القيامة فيقضى (2) له و عليه (3).

و النبوي المحكي فى السرائر و كشف الريبة: من كانت لاخيه عنده مظلمة في عرض، أو مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم و لا دينار فيؤخذ من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فتتزايد على سيئاته (4).

و في نبوي آخر من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل اللّه صلاته و لا صيامه أربعين يوما و ليلة، إلا أن يغفر له صاحبه (5).

و في دعاء التاسع و الثلاثين من أدعية (الصحيفة السجادية) (6)

++++++++++

(1) الفاعل في فيطالبه المستغاب كما عرفت آنفا.

و مرجع الضمير في به: شيئا في قوله صلى اللّه عليه و آله: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا، و الباء في به سببية، أي بسبب الغيبة.

(2) بصيغة المجهول بمعنى يحكم، و مرجع الضمير في له المستغاب و في و عليه المستغيب، و قد عرفت معنى هذه الجملة آنفا.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 550. الباب 122 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 24.

(4) (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 75. ص 243 السطر 9. و المراد من فليستحللها: طلب الحلية.

(5) (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 2. ص 106. الحديث 35.

(6) راجع (الصحيفة السجادية) طبعة افسيت من منشورات (المكتبة الاسلامية) بخط (الحاج حسن الهريسي) ص 128.

إليك نص عبارتها صلوات اللّه على منشئها.

«اللّهمّ و أيّما عبد نال منّي ما حظرت عليه و انتهك -

ص: 10

و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها (1): ما يدل على هذا المعنى (2) أيضا.

و لا فرق في مقتضى الأصل (3)، و الأخبار (4) بين التمكن من الوصول الى صاحبه (5)، و تعذره (6)،

++++++++++

- منّي ما حجرت عليه فمضى بظلامتي ميّتا، أو حصلت لي قبله حيّا فاغفر له ما ألمّ به منّي».

(1) أي من ملحقات (الصحيفة السجادية).

(2) و هو أن الغيبة من الحقوق في كونها متوقفة على ابراء ذي الحق.

راجع نفس المصدر. ص 224.

أليك نص عبارتها صلوات اللّه و سلامه على منشئها:

«و أسألك في مظالم عبادك عندي فأيما عبد من عبيدك أو أمة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه فى نفسه أو في عرضه، أو في ماله، أو في أهله و ولده، أو غيبة اغتبته بها، أو تحامل عليه بميل أو هوى، أو أنفة، أو حميّة أو رياء، أو عصبة غائبا كان أو شاهدا، و حيّا كان أو ميتا فقصرت يدي، و ضاق وسعي عن ردّها إليه و التحلل منه فأسألك يا من يملك الحاجات و هي مستجيبة بمشيّته، و مسرعة إلى إرادته:

أن تصلّي على محمد و آل محمد و أن ترضيه عنّي بما شئت».

(3) و هو الاستصحاب المذكور في ص 8.

(4) و هي التي اشير إليها في ص 7.

(5) أي الى صاحب الحق و هو المستغاب.

(6) أي و بين تعذر الوصول الى صاحب الحق فالأخبار في هذا المقام مطلقة لا تفرق بين الحالتين: حالة امكان الوصول، و حالة تعذره في توقف رفع الغيبة على اسقاط ذي الحق حقه.

ص: 11

لأن تعذر البراءة (1) لا يوجب سقوط الحق كما في غير هذا المقام (2).

لكن (3) روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته كلما ذكرته (4).

++++++++++

(1) و هو عدم امكان الوصول عند صاحب الحق حتى يمكن للمستغيب إبراء الذمة منه: لا يوجب سقوط حق المستغاب فالحق باق في ذمة المستغيب الى أن يسقطه عنه صاحبه.

(2) من موارد تعلق الحق بذمة آخر كما لو استدان شخص من زيد أو سرق، أو غصب منه، فانه يتعلق بذمة المدين، أو السارق أو الغاصب من الدائن، أو المسروق منه، أو المغصوب منه حق، و تشتغل ذمته بذلك الحق، و لا يسقط إلا بالأداء.

و كيفية الأداء: إما باعطائه حقه، أو بالاستبراء منه.

و إن كان صاحب الحق ميتا يجب دفعه الى ورثته.

فان تعذر كل ذلك بقي الحق في ذمته الى يوم القيامة.

(3) استدراك عما أفاده الشيخ آنفا من أن مقتضى الاصل و الأخبار عدم سقوط الحق بتعذر الوصول.

و خلاصة الاستدراك: أن هذا الخبر يدل على أن تعذر الوصول مسقط للحق، و يكتفى في كفارة الغيبة بالاستغفار فقط فيكون خبر السكوني خاصا يقيد به تلك الاطلاقات المتقدمة الدالة على عدم سقوط الحق، سواء تعذر الوصول الى صاحب الحق أم لا.

(4) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 605. الباب 155 الحديث 1.

لكن الحديث مروي عن حفص بن عمير لا عن السكوني، و رواة حديث حفص كلهم ثقات إلا حفص بن عمير، حيث انه لم يوثق و ان كان حسنا -

ص: 12

و لو صح سنده (1) أمكن تخصيص الاطلاقات المتقدمة به فيكون

++++++++++

- و أما رواية السكوني فمروية في نفس المصدر. ص 606. و هي واردة في وجوب رد المستغيب عن غيبة أخيه، أليك نص الحديث.

عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من ردّ عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة.

و هناك أحاديث اخرى في وجوب الاستغفار على المستغيب.

راجع (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 2. ص 108. الأحاديث.

(1) أي لو صح سند حديث السكوني الدال على أن الاستغفار يكون طريقا آخر لسقوط حق المغتاب بالفتح: لصار مخصصا للمطلقات المتقدمة المعبر عنها بالمستفيضة التي ذكرها الشيخ بقوله: منها و منها و منها في ص 8-9 لأنها تدل على توقف رفع الغيبة على اسقاط المغتاب بالفتح حقه المتعلق بذمة المغتاب بالكسر مطلقا، سواء تمكن المغتاب بالكسر من الوصول الى المغتاب بالفتح أم تعذر.

و لا يخفى أن الحديث المذكور مروي عن حفص بن عمير، لا عن السكوني حتى يخدش فيه فيقال: لو صح سند الحديث.

و قد عرفت أن سلسلة رواة الحديث كلهم ثقات إلا حفص بن عمير و هو حسن و ان لم يوثقه علماء الرجال.

إذا تكفي هذه الرواية الحسنة في تخصيص المطلقات المتقدمة التي جلها ضعاف.

ثم لا يخفى عليك أيضا: أن حديث حفص بن عمير مطلق أيضا لأنه دال على أن الاستغفار من المغتاب بالكسر في حق المغتاب بالفتح يكون كفارة، سواء تمكن المغتاب بالكسر من الوصول الى المغتاب بالفتح أم لا و سواء عفا صاحب الحق عن حقه أم لم يعف.

ص: 13

الاستغفار طريقا أيضا الى البراءة، مع احتمال (1) العدم أيضا، لأن (2) كون الاستغفار كفارة لا يدل على البراءة فلعله كفارة للذنب من حيث

++++++++++

- اذا يكون بين الحديث، و المطلقات المتقدمة: التعارض، لا العموم و الخصوص من وجه، فحينئذ نحتاج الى الجمع بينهما، لئلا يتساقطا عند عدم المرجح كما هو طريق التعارض.

و قد ذكر (الشيخ الانصاري) طريق الجمع و نحن نذكره عند قوله و يمكن الجمع بينهما.

(1) أي و يحتمل عدم حصول براءة المستغيب، لان مجرد كون الاستغفار كفارة للغيبة لا يدل على سقوط حق المغتاب بالفتح فذمة المستغيب مشغولة للاستصحاب.

(2) تعليل لكون الاستغفار لا يدل على براءة ذمة المستغيب.

و خلاصته: أن هنا حقين: حقا للّه عز و جل، و حقا للمغتاب بالفتح فالاستغفار يكون كفارة لحقه تعالى، لأنه تمرد عن نهيه بغيبته لاخيه فيستحق العقوبة فباستغفاره يسقط حقه عز و جل، لأنه غفّار رحيم.

و أما حق المغتاب فلا يسقط بالاستغفار فتبقى ذمة المغتاب بالكسر مشغولة الى أن يسقطها و يبرؤها المغتاب بالفتح.

و قد ثبت في محله أن الحقوق في الاسلام على قسمين: قسم مختص للّه تعالى كالصلاة و الصوم و الحج، و ما شاكلها.

و قسم مشترك بينه، و بين عباده كالسرقة مثلا، فإن السارق بسرقته يتوجه نحوه حقان: رد السرقة الى صاحبها، لأنها من حقوق الناس و قطع يده، لأنه حق اللّه عز و جل، و الغيبة من هذا القبيل.

ص: 14

كونه حقا للّه تعالى نظير (1) كفارة قتل الخطأ التي لا توجب براءة القاتل.

إلا (2) أن يدعى ظهور السياق في البراءة.

قال في كشف الريبة بعد ذكر النبويين الأخيرين المتعارضين (3):

و يمكن الجمع بينهما: بحمل (4) الاستغفار على من لم تبلغه غيبة المغتاب

++++++++++

(1) تنظير لكون الاستغفار كفارة لحق اللّه عز و جل المتعلق بذنب المغتاب بالكسر للخالق.

و خلاصته: أن في قتل الخطأ يتعلق شيئان: وجوب الكفارة و هو عتق رقبة، و وجوب دفع الدية الى ولي المقتول، فلو أعتق الرقبة التي هو حق اللّه عز و جل و لم يدفع الدية الى ولي الدم التي هي من حقوق الناس لم تسقط ذمة القاتل و لم تبرأ الى أن يدفعها إليهم، و لو مات فالى وارثه فالذمة مشغولة حتى تؤدي.

(2) استثناء عما أفاده: من أن الاستغفار الوارد في حديث السكوني كفارة لحق اللّه عز و جل، لا لحق المغتاب بالفتح.

و خلاصته: أنه لو ادعي ظهور الحديث المذكور في براءة ذمة المستغيب عن حق المستغاب فلا مجال لاحتمال عدم حصول براءة الذمة.

(3) و هما: رواية حفص بن عمير التي عبر عنها الشيخ بالخبر السكوني و روايته المحكية في (السرائر و كشف الريبة) المرويتين عن النبي صلى اللّه عليه و آله.

وجه التعارض: أن الاولى تصرح بأن كفارة الاغتياب الاستغفار.

و الثانية تصرح بأن كفارة الاغتياب وجوب استحلال المستغيب عن حق المستغاب فحفظا للسقوط لا بد من الجمع.

(4) هذا طريق الجمع.

و خلاصته: أن يحمل خبر السكوني الدال على أن الاستغفار كفارة

ص: 15

فينبغي له الاقتصار على الدعاء و الاستغفار، لأن في محالته (1) اثارة للفتنة و جلبا للضغائن.

و في حكم من لم تبلغه: من (2) لم يقدر على الوصول إليه، لموت أو غيبة

أقول (3): إن صح النبوي الأخير سندا فلا مانع عن العمل به:

++++++++++

- للغيبة و مسقطا لها: على المستغاب الذي لم تبلغه غيبة المستغيب فينبغي للمستغيب أن يكتفي بالدعاء و الاستغفار و يقتصر عليهما، لأن طلب الحلية من المستغاب موجب لاثارة الفتنة، و لجلب الأحقاد و الضغائن فيزيد في الطين بلة.

و لربما يقابله بالمثل فيتصدى لغيبته.

و يحمل الخبر النبوي الدال على وجوب الاستحلال من المستغاب:

على المستغيب الذي يمكن له الوصول الى المستغاب الذي بلغته الغيبة، و ليس له أي محذور في الاستحلال.

(1) ما رأينا في كتب اللغة التي بأيدينا أن كلمة محالة تأتي بمعنى الاستحلال، بل جاء بمعنى الحلول و النزول في المكان.

و لعل السهو من النساخ.

(2) أي حكم المستغيب الذي لم يمكن وصوله الى المستغاب للاستحلال منه إما لموت المستغاب، أو لبعد مكانه: حكم المستغاب الذي لم يطلع على الغيبة في أنه يكتفي بالدعاء و الاستغفار للمستغاب و يقتصر عليهما.

(3) من هنا كلام الشيخ.

و خلاصته أن حديث السكوني لو صح سندا فلا مانع لدينا من جعله طريقا لبراءة ذمة المستغيب عن حق المستغاب مطلقا، سواء اطلع المستغاب على الغيبة أم لا، و سواء تمكن المستغيب من الوصول الى المستغاب -

ص: 16

بجعله طريقا الى البراءة مطلقا في مقابل الاستبراء، و إلا (1) تعين طرحه و الرجوع الى الأصل، لإطلاق (2) الأخبار المتقدمة.

و تعذر (3) الاستبراء، أو وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرئ آخر.

نعم (4) أرسل بعض من قارب عصرنا عن الامام الصادق عليه السلام

++++++++++

- أم تعذر، فيكون هذا الحديث في مقابل الحديث الدال على وجوب الاستحلال و الاستبراء.

(1) أي و ان لم يصح سند الحديث المذكور فالثابت المتعين طرحه و الرجوع الى الأصل الذي هو الاستصحاب المذكور و هو بقاء حق المستغاب بذمة المستغيب فلا يسقط بالاستغفار، بل لا بدّ من الاستحلال حتى تبرأ ذمته.

(2) تعليل لوجوب طرح خبر السكوني الدال على أن كفارة الغيبة الاستغفار: أي الأخبار المتقدمة المعبر عنها بالمستفيضة المشار إليها في ص 8-9 بقوله: منها و منها و منها تصرح بعدم براءة ذمة المستغيب إلا بالاستحلال

(3) الواو استينافية و كلمة (تعذر) مبتدأ خبره: جملة (لا يوجب) و الجملة هذه رد على ما أفاده (الشهيد الثاني) في كشف الريبة في مقام الجمع بين النبويين المتعارضين المذكورين في ص 10: من أن الاستحلال موجب لاثارة الفتنة، و جلب الضغائن.

و خلاصة الرد: أن المحذور المذكور لا يكون دليلا على وجود محلل آخر و هو الاستغفار.

و كذلك تعذر الوصول الى المستغاب لا يوجب وجود مبرئ آخر و هو الاستغفار.

(4) استدراك عما أفاده: من أن إثارة الضغائن، أو عدم التمكن من الوصول الى المستغاب لا يكون دليلا على وجود مبرئ آخر و قد ذكر الاستدراك الشيخ في المتن.

ص: 17

أنك إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه، و إن لم يبلغه فاستغفر اللّه له (1) و في رواية السكوني المروية في الكافي في باب الظلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من ظلم أحدا ففاته فليستغفر اللّه له، فانه كفارة له (2).

و الانصاف (3) أن الأخبار الواردة في هذا الباب كلها غير نقية السند و أصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الاستحلال و الاستغفار، و أصالة (4) بقاء الحق الثابت للمغتاب بالفتح على المغتاب بالكسر تقتضي عدم الخروج منه إلا بالاستحلال خاصة.

++++++++++

(1) (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 2 ص 105. الحديث 19.

(2) (أصول الكافي). الجزء 2. ص 334. الحديث 2.

(3) من هنا يريد الشيخ أن يحقق حول ثبوت الحق في ذمة المستغيب، و عدمه.

و خلاصة ما أفاده: أن الأخبار المستفيضة التي ذكرت في ص 8-9.

حول ثبوت الحق في ذمة المستغيب و استدل القائل بها كلها ضعيفة الاسناد لا تنهض دليلا على المدعى، فعليه لا مانع من الرجوع الى أصالة البراءة للشك في ثبوت الحق بمجرد الغيبة، و ليس في البين سوى الأخبار المستفيضة و هي ضعيفة الاسناد فلا يجب الاستحلال و الاستغفار.

و يعارض هذا الأصل أصل آخر و هو الاستصحاب فكل منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، فان أصالة البراءة تقتضي عدم اشتغال ذمة المستغيب لا بالاستحلال، و لا بالاستغفار.

و الاستصحاب يقتضي بقاء ذمة المستغيب على الحق، و اشتغالها به فلا بد في سقوطه من أحد الأمرين: الاستحلال، أو الاستغفار.

(4) المراد منه الاستصحاب كما عرفت آنفا.

ص: 18

لكن (1) المثبت لكون الغيبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه ليس إلا الأخبار غير (2) نقية السند، مع (3) أن السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة، لذكر حقوق أخري في الروايات: لا قائل بوجوب البراءة منها.

و معنى القضاء (4) يوم القيامة لذيها على من عليها: المعاملة معه

++++++++++

(1) هذا اشكال على معارضة الاستصحاب للاصل الآخر.

و خلاصته: أن مدرك الاستصحاب هي الأخبار المستفيضة المذكورة و قد عرفت أنها مخدوشة الأسناد فليس له مقاومة لأصالة البراءة فلا يعارض البراءة.

(2) منصوب على الحالية للاخبار أي حال كون الأخبار غير نقية السند.

(3) اشكال ثان على عدم حجية الاستصحاب المذكور هنا.

و خلاصته: أنا لو تنازلنا عن الخدشة في الأسناد و قلنا بصحتها فلا دلالة للاخبار المذكورة على المدعى و هو وجوب الاستحلال، أو الاستغفار لوجود حقوق اخرى في روايات أخرى مع أنها لا تكون واجب الأداء فكذلك الاستحلال، أو الاستغفار الذي هو أحد الحقوق المذكورة لا يكون واجبا.

و قد اشير الى تلك الأخبار المتضمنة لتلك الحقوق في ص 9.

فتحصل من هذا الاشكال أن شيخنا الأنصاري يريد أن ينفي مقتضى الاستصحاب في المقام.

(4) أي معنى القضاء الوارد في الرواية المشار إليها في ص 10.

في قوله عليه السلام: يقضى له و عليه: أن اللّه سبحانه و تعالى يعامل مع هذا المؤمن الذي لم يؤد حقوق الاخوة الدينية في حق أخيه معاملة -

ص: 19

معاملة (1) من لم يراع حقوق المؤمن، لا العقاب (2) عليها كما لا يخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة في رواية الكراجكي (3).

فالقول بعدم كونه حقا للناس بمعنى وجوب البراءة نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قوة، و ان كان الاحتياط في خلافه (4) بل لا يخلو (5)

++++++++++

المؤمن الذي لم يراع حقوق الاخوة أصلا فلم يعطه درجة من راعى الحقوق و التزم بها و أدّاها.

و ليس معنى القضاء: أن من لم يراع حقوق الاخوة الاسلامية يعاقب يوم القيامة و يعذب عليها.

و الدليل على أن المراد من القضاء هي المعاملة المذكورة: ذكر الحقوق الاخرى الواردة في رواية الكراجكي التي اشير إليها في ص 9، فانها ليست واجبة الأداء حتى يعاقب عليها يوم الآخرة.

و مرجع الضمير في ذيها و عليها: الحقوق الواردة في الأخبار.

و المراد من كلمة ذي: صاحب الحقوق و هو المستغاب، و من كلمة من الموصولة المستغيب.

(1) خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: و معنى القضاء.

(2) أي و ليس المراد من القضاء العقاب الاخروي كما عرفت.

(3) التي اشير إليها في ص 9.

(4) أي في خلاف القول بأن الغيبة ليست من قبيل الحقوق المالية حتى تجري فيها أصالة البراءة.

بل قول الحق أنها من الحقوق المالية التي لا بدّ فيها من الاستحلال أو الاستغفار.

(5) أي القول بكون الغيبة نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قرب الى الواقع و الصواب.

ص: 20

عن قرب، من (1) جهة كثرة الأخبار الدالة على وجوب الاستبراء منها (2) بل (3) اعتبار سند بعضها.

و الأحوط الاستحلال إن تيسر (4)، و إلا الاستغفار غفر اللّه لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

الثالث: فيما استثني من الغيبة، و حكم بجوازها بالمعنى الأعم.
اشارة

(الثالث) (5): فيما استثني من الغيبة، و حكم بجوازها بالمعنى الأعم.

++++++++++

(1) تعليل لكون الاحتياط المذكور قريبا للواقع و الصواب.

(2) أي من الغيبة.

(3) هذا تعليل ثان لكون الاحتياط المذكور قريبا للواقع و الصواب و خلاصته: أن سند بعض الاخبار المستفيضة الدالة على وجوب الاستحلال معتبر: و هي الصحيفة السجادية، و دعاء يوم الاثنين منها اللتين اشير إليهما في ص 10-11.

و انما أفاد هذا التعليل، لأنه قدس سره أفاد آنفا أن اسناد الأخبار المستفيضة ضعيفة فلا تنهض للمطلوب، بالإضافة الى عدم دلالتها على المدعى فهنا أراد أن يتدارك ذلك فقال: بل سند بعضها معتبر.

(4) بأن لا يترتب عليه مفسدة، أو كان ممكن الوصول الى المستغاب (5) أي الأمر الثالث من الامور الباقية التي ذكرها المصنف في الجزء الثالث من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 328 بقوله: و بقي امور.

ثم إن الاستثناء هنا حكمي لا موضوعي أي المستثنى خارج عن الغيبة حكما، فعليه يكون الاستثناء متصلا، لا منقطعا.

و المراد من الجواز هنا معناه الأعم و هو الوجوب، أو الاستحباب أو الكراهة، و ان كان لكل واحد منها مميز و فصل خاص، لكن تجتمع في معنى جامع و هو كونها سائغ الفعل، و هذا معنى الجواز بالمعنى الأول المعبر عنه بالراجح.

ص: 21

فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة (1) و غيرها: أن حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، فاذا فرض هناك مصلحة راجعة الى المغتاب

++++++++++

- و في قبال الجواز الراجح بالمعنى الأعم المرجوح بالمعنى الأعم و هي الكراهة و الحرمة، و يجتمع الجواز بالمعنى الأعم، و المرجوح بالمعنى الأعم في الكراهة، حيث إنها حاوية للصفتين.

و للجواز بالمعنى الأعم أمثلة أليك تلك الأمثلة:

(الأول): الوجوب كما اذا توقف انقاذ نفس محترمة على غيبتها فتجب الغيبة حينئذ كما لو أراد الظالم قتل مؤمن محقون الدم فيأخذ المنقذ المتمكن من انقاذه في غيبته فيطعن فيه فيقول: انه مجنون مثلا حتى ينقذه من القتل.

(الثاني): الاستحباب كما اذا توقف انقاذ مال المؤمن على غيبة الآخذ فيشرع المنقذ بغيبته ليحفظ المال.

(الثالث): الاباحة و هو ما كان ذكره و تركه على السواء كما اذا كان شخص متجاهرا بالفسق فيجوز غيبته، و يجوز تركها اذا لم يكن في الغيبة و تركها مفسدة.

و يقال لهذا الثالث: الجواز بالمعنى الأخص أيضا كما يقال للثلاثة:

الراجح، و للحرام و المكروه المرجوح، اذ للمرجوح مرتبتان:

عليا: و هو الفعل المشتمل على المبغوضية الشديدة جدا فهذا يسمى بالحرام.

و دنيا و هو الفعل المشتمل على نوع من المبغوضية التي لم تبلغ الشدة و هذا يسمى بالمكروه.

(1) و هي الأخبار المذكورة في ص 310-320 في الجزء 3 من المكاسب و المراد من غيرها الأخبار التي لم يذكرها الشيخ و قد ذكرت في مصادرها راجع نفس المصدر.

ص: 22

بالكسر، أو بالفتح، أو ثالث دل العقل، أو الشرع على كونها (1) أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول (2) فيه: وجب (3) كون الحكم على طبق أقوى المصلحتين (4) كما هو الحال في كل معصية من حقوق اللّه (5)، و حقوق الناس (6)،

++++++++++

(1) أي المصلحة.

(2) و هي الغيبة، و الباء في بترك ذلك القول بيان لمصلحة احترام المؤمن أي مصلحة اغتياب المؤمن اعظم من مصلحة احترامه بترك الكلام البذي فيه اذا كان هناك دليل من الشرع، أو العقل يدل على ذلك

و جملة (دل العقل، أو الشرع) مرفوعة محلا نعت لقوله: مصلحة راجعة أي ليس كل مصلحة تجوز اغتياب المؤمن، بل المصلحة التي كانت من قبل الشارع، أو العقل السليم، فانه حينئذ يجب تقديم المصلحة الأقوى على الضعيف، لاندكاك الضعيف في القوي، و اضمحلاله فيه.

(3) جواب لاذا الشرطية في قوله: فاذا فرض، و قد عرفت معنى الوجوب آنفا.

(4) و هما: مصلحة اغتياب المؤمن عند وجود الدليل العقلي، أو الشرعي و مصلحة احترام المؤمن و هو ترك الكلام السيئ فيه.

(5) فانه اذا دار الأمر بين معصية صغيرة، و معصية كبيرة من معاصي اللّه عز و جل في مقام الاجبار و الاكراه تقدم المعصية الصغيرة على الكبيرة كدوران الأمر بين تقبيل المرأة الأجنبية. و بين وطئها، فان التقبيل مقدم على الوطء، لاندكاك الضعيف في القوي.

و قد تقدم بيان ذلك في الجزء 3 من المكاسب من طبعتنا الحديثة في ص 317 فراجع.

(6) كما لو اجبر الانسان على سرقة مال زيد بين القليل و الكثير -

ص: 23

و قد نبه عليه (1) غير واحد.

قال (2) في جامع المقاصد بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة (3):

إن ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن، أو التفكه به (4)، أو اضحاك الناس منه (5).

و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير (6)، و التظلم (7)

++++++++++

- فلا شك في تقديم القليل على الكثير، لاندكاك الضعيف في جنب القوي.

و هذه قاعدة عقلية و شرعية عند دوران مثل هذه الامور.

(1) أي على تقديم المصلحة القوية على المصلحة الضعيفة كثير من (علمائنا الامامية).

و المراد من غير واحد الكثير.

(2) من هنا يشرع (الشيخ) في ذكر أقوال العلماء في تقديم المصلحة القوية على الضعيفة فقال: قال في (جامع المقاصد)، فقول جامع المقاصد أول الأقوال.

(3) عند قوله في الجزء الثالث من المكاسب من طبعتنا الحديثة في ص 330: إن حد الغيبة على ما في الأخبار أن تقول في أخيك:

ما يكرهه لو سمعه مما هو فيه.

(4) أي بعرضه.

(5) كلمة من هنا بمعنى على أي إضحاك الناس على اخيه المؤمن بواسطة الكلمات المضحكة.

(6) كما لو استشار زيد شخصا في مصاحبة عمرو، أو التجارة معه أو المصاهرة، أو غير ذلك من الامور الدنيوية.

(7) و هي الشكاية عند الآخر ليعرف الظالم، يقال: تظلم زيد عند عمرو أي شكا عنده.

ص: 24

و سماعه (1)، و الجرح و التعديل (2)، ورد من ادعى نسبا ليس له (3) و القدح في مقالة باطلة (4) خصوصا في الدين. انتهى (5).

و في كشف الريبة (6) اعلم أن المرخص في ذكر مساوي الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه الا بها. انتهى (7).

++++++++++

(1) أي و سماع التظلم.

(2) لا معنى لذكر التعديل هنا، لأن الكلام في الغيبة و التعديل لا ينسجم معها و إنما جاء به لاجل بيان المراد من الجرح أي المراد من الجرح هو جرح الشاهد من طرف الخصم، أو جرح رواة الحديث عند المحدثين.

(3) كمن يدعي انتماءه الى علي أمير المؤمنين، أو أحد أولاده المعصومين عليهم صلوات اللّه و سلامه و هو ليس منهم.

أو يدعي نسبا ليرث منهم و هو ليس منهم، فانه يجوز غيبة مثل هذا الرجل بالقدح فيه حتى يعرفه الناس.

و لا يخفى أن الظاهر جواز غيبته في خصوص دعواه هذه، لا مطلقا.

(4) المراد من القدح في مقالة باطلة هو القدح في شخص المدعي لتلك المقالة بأن تنسب إليه الأفاعيل و الأكاذيب حتى يسقط في المجتمع و لا تميل إليه القلوب ليشق عصى المسلمين، فهذا يجوز غيبته بشتى الوسائل لكونه خطرا على الامة المسلمة.

(5) أي ما أفاده صاحب جامع المقاصد في هذا المقام.

(6) هذا ثاني الأقوال في تقديم المصلحة القوية على المصلحة الضعيفة.

(7) أي ما في كشف الريبة.

راجع المصدر. ص 41. مطبعة النعمان عام 1382. النجف الأشرف.

ص: 25

و على هذا (1) فموارد الاستثناء لا تنحصر في عدد.

الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة.
اشارة

نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة.

أحدهما: ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق

(أحدهما): ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق، فان من لم يبال بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق.

نعم لو كان (2) في مقام ذمه كرهه (3) من حيث المذمة، لكن المذمة على الفسق المتجاهر به لا تحرم كما لا يحرم لعنه.

و قد تقدم عن الصحاح اخذ المستور في المغتاب (4).

و قد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر.

منها: قوله عليه السلام في رواية هارون بن الجهم: اذا جاهر الفاسق

++++++++++

(1) أي بناء على أن الغرض الصحيح الشرعي هو المجوز لترخيص الغيبة و هو الملاك و المناط فلا تنحصر مواردها في عشرة مواضع كما ذكرها الفقهاء، فأينما وجد جازت الغيبة.

(2) أي المستغيب لو كان في مقام ذم المستغاب.

(3) جواب للو الشرطية، و الفاعل في كرهه المستغاب.

و لا يخفى أنه يوجد أشخاص على وجه البسيطة لا يكرهون حتى هذا النوع من الذم، لسلب الغيرة، و كل صفة انسانية عنهم و قد بلغوا في ذلك أردأ المراتب و أرذلها.

(4) أي في تعريف الغيبة، حيث قال في ص 332 من الجزء الثالث من طبعتنا الحديثة: الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه فالمتجاهر بالفسق ليس له ستار حتى يهتك، فبمقتضى هذا التعريف لا يكون للمتجاهر غيبة أصلا فخروجه عنها خروج موضوعي فالاستثناء منقطع.

ص: 26

بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة (1).

و قوله عليه السلام: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له (2).

و رواية أبي البختري: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع و الامام الجائر. و الفاسق المعلن بفسقه (3).

و مفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته، و ظهرت عدالته و وجبت اخوته، و حرمت غيبته (4).

و في صحيحة ابي ابن يعفور الواردة في بيان العدالة بعد تعريف العدالة أن الدليل على ذلك أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 604-605. الباب 154 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 4.

(2) (بحار الأنوار) الجزء 75. ص 260. الحديث 59.

(3) نفس المصدر. ص 253. الحديث 33، و في المصدر المعلن الفسق.

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 597. الباب 152 من أبواب العشرة. الحديث 2.

فان مفهوم لم يظلمهم هو الظلم، و مفهوم و من حدثهم فلم يكذبهم هو الكذب، و مفهوم و وعدهم فلم يخلفهم هو الخلف فاذا وصف الرجل بهذه المفاهيم فقد جازت غيبته، لعدم عدالته و مروته بهذه الصفات.

و لا يخفى أن الصفات المذكورة لا تخص المتجاهر فلو كان الشخص يظلم في الخفاء، أو يكذب: أو لا يفي بما وعد و اطلع على هذه الأعمال الآخرون جازت غيبته لهم بمقتضى اطلاق الرواية.

ص: 27

تفتيش ما وراء ذلك من عثراته (1): دل على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا فتنتفي (2) عند انتفائه.

و مفهوم قوله عليه السلام في رواية علقمة المحكية عن المحاسن:

من لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنبا، و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية اللّه تعالى، داخل في ولاية الشيطان الى آخر الخبر (3): دل (4) على ترتب حرمة الاغتياب، و قبول الشهادة: على كونه من أهل الستر، و كونه (5) من أهل العدالة على طريق اللف و النشر (6)

++++++++++

(1) راجع (من لا يحضره الفقيه). الجزء 3. ص 24. باب العدالة. الحديث 1.

(2) أي تنتفي حرمة التفتيش عند ما لا يكون الرجل ساترا للمعاصي:

بأن كان متجاهرا بها.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 601-602. الباب 152 من أبواب العشرة. الحديث 20.

فمفهوم إن لم تره بعينك يرتكب ذنبا: ان رأته عينك يرتكب ذنبا.

و مفهوم إن لم يشهد شاهدان على الذنب فهو من أهل العدالة و الستر فشهادته مقبولة: إن شهد عندك شاهدان على ذنب زيد فليس من أهل العدالة و الستر، و شهادته مردودة.

(4) جملة دل مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: و مفهوم أي مفهوم هذا الخبر دل على أن المرتكب بالذنب اذا رأته عينك.

(5) بالجر عطفا على مجرور على في قوله: على كونه.

(6) أي اللف و النشر المشوش، حيث إن الامام عليه السلام قدم أهل العدالة على أهل الستر و كان المناسب تقديم أهل الستر على أهل العدالة -

ص: 28

أو على اشتراط الكل (1): بكون الرجل غير مرئي منه المعصية، و لا مشهود عليه بها.

و مقتضى المفهوم (2) جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج منه (3) غير المتجاهر.

و كون (4) قوله: من اغتابه الى آخره جملة مستأنفة غير معطوفة على الجزاء خلاف الظاهر.

ثم إن مقتضى اطلاق الروايات (5) جواز غيبة المتجاهر فيما تجاهر به

++++++++++

- لأنه يقصد من جملة من لم تره بعينك يرتكب ذنبا: أن الرجل يكون متسترا في هذه الحالة.

و يقصد من جملة و لم يشهد عليه شاهدان: أن الرجل حينئذ يكون عادلا، فيكون هذا النوع من الكلام من قسم اللف و النشر المشوش.

(1) و هما: عدم رؤية العين، و عدم شهادة الشاهدين على الذنب كما أفادهما الشيخ بقوله: بكون الرجل غير مرئي منه المعصية، و لا مشهود عليه.

(2) أي مقتضى مفهوم اشتراط الوصفين المذكورين آنفا المعبر عنهما باشتراط الكل: أنه يجوز غيبة من رأته العين و شهد على الذنب شاهدان لأنه خارج عن تحت عدم جواز غيبة المؤمن.

(3) أي خرج من هذا الجواز غير المتجاهر بالفسق و المعلن به، فانه لا تجوز غيبته.

(4) أي إن قيل: إن جملة و من اغتابه إلى آخرها الواردة في رواية علقمة مستقلة لا ربط لها بالجمل السابقة في الرواية.

فانه يقال: إن هذا خلاف الظاهر، حيث ان الظاهر أنها معطوفة على سابقتها و هو الجزاء.

(5) أي مقتضى الأخبار التي اشير إليها آنفا: أن المتجاهر بالفسق -

ص: 29

و لو مع عدم قصد غرض صحيح، و لم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر.

نعم تقدم عن الشهيد الثاني (1) احتمال اعتبار قصد النهي عن المنكر في جواز سب المتجاهر، مع اعترافه (2) بأن ظاهر النص و الفتوى عدمه.

و هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به صرح الشهيد الثاني و غيره بعدم الجواز، و حكي عن الشهيد (3) أيضا.

و ظاهر الروايات (4) النافية لاحترام المتجاهر و غير الساتر هو الجواز

++++++++++

- تجوز غيبته في الفسق الذي يتجاهر به و لو لم يكن للمستغيب غرض صحيح و هو ارتداع المتجاهر عن فسقه، و مفهومه عدم جواز غيبته فيما لم يتجاهر به.

(1) في ص 13 من الجزء الثالث من طبعتنا الحديثة عند قوله: و هل يعتبر في جواز سبه ؟

(2) أي مع اعتراف (الشهيد الثاني) بأن ظاهر النص و هي الأخبار الواردة في جواز غيبة المتجاهر بالفسق التي ذكرت في ص 27-28 مطلقة ليست مقيدة بقصد الارتداع.

و كذا فتاوى العلماء الصادرة بجواز غيبة المتجاهر بالفسق مطلقة ليست مقيدة بقصد الارتداع.

(3) أي (الشهيد الأول) أنه لا يجوز غيبة المتجاهر بالفسق في غير ما تجاهر به.

(4) و هي التي ذكرت في ص 27 تصرح بالجواز مطلقا سواء أ كانت الغيبة فيما تجاهر به أم لا، فان كلمة لا في قوله عليه السلام في ص 27: الفاسق بفسقه فلا حرمة و لا غيبة له: تنفي الطبيعة أي طبيعة الغيبة، و طبيعة الاحترام، حيث انها موضوعة لنفي الجنس و الماهية.

ص: 30

و استظهره (1) في الحدائق من كلام جملة من الأعلام، و صرح به (2) بعض الأساطين.

و ينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه (3) اذا كان دونه في القبح فمن تجاهر باللواط العياذ باللّه جاز اغتيابه بالتعرض (4) للنساء الأجنبيات.

و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة.

و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم (5) جاز اغتيابه بشرب الخمر.

++++++++++

(1) أي جواز غيبة المتجاهر مطلقا.

(2) أي بجواز غيبة المتجاهر مطلقا.

(3) أي و ينبغي الحاق الذنب المستور بالذنب المتجاهر به في جواز الغيبة اذا كان الذنب المستور أقل قبحا من الذنب المتجاهر به.

و لعل دليل الشيخ على الالحاق: الأولوية، لأنه اذا جازت غيبة المتجاهر في الذنب العظيم فبطريق أولى تجوز غيبته في الذنب الخفيف.

(4) ليس المقصود من جواز التعرض أن يقال في حقه: إنه يزني مثلا، بل المراد ما دون ذلك: بأن يقال في حقه: إنه ينظر الى النساء أو يتشبب بهن، أو يعاشرهن و هن كاشفات عاريات، و إلا فنسبة الزنا إليه موجبة لحد القذف فلا تجوز.

(5) في بعض نسخ الكتاب نكّل بالنون كما اثبتناه هنا، و في بعضها بالتاء، فعلى الاول من باب التفعيل معناه اصابة النازلة يقال: نكّل بزيد اي اصابته نازلة و حينئذ يحتاج الفعل الى الباء كما مثلنا لك.

اللهم إلا أن يكون نكّل بمعنى الصرف و الابعاد يقال: نكّله عن الشيء اي ابعده و صرفه عنه فلا يحتاج الى الباء.

و على الثاني يكون من باب الافتعال من اتكل يتكل و اصله اوتكل -

ص: 31

و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح.

و لعل هذا (1) هو المراد بمن ألقى جلباب الحياء، لا من تجاهر بمعصية خاصة و عدّ مستورا بالنسبة الى غيرها كبعض عمال الظلمة (2).

ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان أنه قبيح، فلو تجاهر به مع اظهار محمل (3) له لا يعرف فساده إلا القليل كما اذا كان من عمال الظلمة و ادعى في ذلك عذرا (4) مخالفا للواقع، أو غير مسموع منه لم يعد متجاهرا.

++++++++++

- و مضارعه يوتكل و المصدر اوتكال قلبت الواو الساكنة ياء ثم ابدلت الياء تاء فاجتمعت ياءان ادغمت الاولى في الثانية فصار اتكل، و معناه ايقاع الامر بهم.

(1) اي و لعل المتجاهر بالقبائح المعروفة هو المعني في قول الامام عليه السلام: من القى جلباب الحياء فلا غيبة له المشار إليه في ص 27 كما في عصرنا الحاضر، حيث يتجاهرون بالمعاصي على رءوس الأشهاد و بمرأى و مسمع من الناس و قد القوا جلباب الحياء عن اساسه، و اراحوا أنفسهم عن كل قيد و كأنهم يقولون لا حساب و لا عقاب، و لا جنة و لا نار و هم يباهون بذلك و يفتخرون به.

(2) حيث كانوا يظلمون الناس جهارا، و يرتكبون المعاصي و القبائح خفاء.

(3) اي وجه صحيح للمعصية.

(4) بأن قال: اني انما اقدمت على ذلك لأدفع عن ظلامة المؤمنين فحينئذ لا يعد متجاهرا فلا تجوز غيبته.

ص: 32

نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد (1) لم يخرج عن التجاهر.

و لو كان متجاهرا عند أهل بلده، أو محلته مستورا عند غيرهم هل يجوز ذكره عند غيرهم ؟ ففيه اشكال.

من (2) امكان دعوى ظهور روايات المرخصة فيمن لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقا، فرب متجاهر في بلده متستر في بلاد الغربة أو في طريق الحج و الزيارة، لئلا (3) يقع عن عيون الناس.

و بالجملة فحيث كان الأصل (4) في المؤمن الاحترام على الاطلاق وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه (5)، فالأحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه، و لا يستنكف من ظهوره للغير.

++++++++++

(1) بأن يعلم عموم الناس كذب ما يدعيه المتجاهر كما اذا خالفت أفعاله أقواله.

(2) دليل لعدم جواز غيبة الرجل المستور في غير بلاده، لعدم شمول الروايات المذكورة في ص 26-28 لها، لانها ظاهرة في المتجاهر الذي لا يتحاشى عن ظهور عيبه.

و هذا معنى قوله: لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقا.

(3) تعليل لكون الانسان يمكن ان يكون متسترا في بلاد الغربة أو في طريق الحج.

و المراد من كلمة يقع في قوله: لئلا يقع: السقوط اي لا يسقط.

(4) و هي العمومات الواردة في احترام المؤمن مالا و دما و عرضا.

و هذا معنى قوله: على الاطلاق.

(5) اي خروج العيب الذي يجوز اغتيابه من جميع الجهات.

ص: 33

نعم لو تأذى من ذمه بذلك (1) دون ظهوره لم يقدح في الجواز و لذا (2) جاز سبه بما لا يكون كذبا.

و هذا (3) هو الفارق بين السب و الغيبة، حيث إن مناط الأول المذمة و التنقيص فيجوز، و مناط الثاني اظهار عيوبه فلا يجوز إلا بمقدار الرخصة.

الثاني: تظلم المظلوم و اظهار ما فعل به الظالم و ان كان متسترا به

(الثاني) (4): تظلم المظلوم و اظهار ما فعل به الظالم و ان كان (5) متسترا به كما اذا ضربه في الليل (6) الماضي و شتمه، أو أخذ ماله

++++++++++

(1) اي بذكر العيب، لكنه لا يأبى بظهور العيب، فالاذية هذه لا تقدح في جواز سب المتجاهر بالمعصية.

(2) اي و لا جل أن تأذي المتجاهر من ذكر عيبه المتجاهر به لا يقدح في جواز ذكره: جاز سبه بكلمات صادقة في حقه بأن يقال له: لا غيرة لك، لا شرف لك، لا حياء لك، لا ما اذا كانت الكلمات غير صادقة عليه

(3) اي تأذي المتجاهر من الذم بذكر عيبه، دون ظهور العيب هو الفارق بين السب و الغيبة، لأن مناط السب ادخال النقص عليه و ذمه فيجوز، و مناط الغيبة اظهار عيوب المتجاهر فلا يجوز إلا بمقدار الرخصة من الشارع، و موارد الرخصة محدودة معينة.

(4) اي الموضع الثاني من الموضعين الذين استثنيا من حرمة الغيبة من دون مصلحة: تظلم المظلوم، و المراد من التظلم هو شكوى المظلوم مما وقع عليه من الظلم من ظالم معين، أو غير معين عند ثالث.

(5) اي و ان كان الظالم الذي هو المستغاب متسترا في ظلمه.

(6) كان الأجدر أن يقول: في الليلة الماضية، حيث إن الجنس لا يمكن ارادته من الليل اذا استعمل مع الألف و اللام.

و العهد لا ينسجم، لأنه لم يتقدم منه ذكر. -

ص: 34

جاز ذكره (1) بذلك عند من لا يعلم ذلك منه، لظاهر قوله تعالى:

وَ لَمَنِ اِنْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا اَلسَّبِيلُ عَلَى اَلَّذِينَ يَظْلِمُونَ اَلنّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ (2).

و قوله تعالى: لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ (3) فعلى تفسير القمي أنه لا يحب اللّه أن يجهر الرجل بالظلم و السوء و يظلم إلا من ظلم فقد اطلق له أن يعارضه بالظلم (4).

و عن تفسير العياشي عنه عليه السلام من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه (5).

++++++++++

- ثم إنه لا يلزم أن يضربه ليلا، فانه من الممكن أن يضربه متسترا في داره نهارا، أو في مكان لا يراه احد.

(1) اي جاز ذكر الظالم بما فعله من الظلم عند ثالث و هو لا يعلم بالظلامة، أو لا يعلم أن زيدا متصف بالظلم.

(2) الشورى: الآية 41-42.

الشاهد في الآية الثانية إنّما السبيل على الّذين يظلمون الناس حيث إنها تدل على ثبوت الحق للمظلوم على الظالم فيجوز له أن يسلك ايّ سبيل ضد ظالمه، و من جملة السبل الشكوى منه عند غيره.

(3) النساء: الآية 148.

الشاهد في الاستثناء و هو قوله تعالى: إلا من ظلم، حيث جوز الباري عز و جل للمظلوم أن يجهر بالسوء الذي وقع عليه و هو الظلم.

(4) راجع (تفسير القمي). الجزء الاول. ص 157 طباعة مطبعة النجف عام 1386.

و المراد من كلمة اطلق اجاز، و الفاعل في اطلق الباري عز و جل.

(5) (وسائل الشيعة) الجزء 8. ص 605 الحديث 6. -

ص: 35

و هذه الرواية و ان وجب توجيهها (1) إما بحمل الاساءة على ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم، أو بغير ذلك، إلا أنها دالة على عموم من ظلم في الآية الشريفة، و أن كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال في الظالم.

و نحوها (2) في وجوب التوجيه رواية اخرى في هذا المعنى محكية عن المجمع: أن الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه

++++++++++

- الظاهر ان المراد من قوله عليه السلام. فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه:

الشيء الذي يرجع الى خصوص الضيافة، لا مطلق القول.

(1) وجه احتياج الرواية الى التوجيه أن الاساءة لها مفهوم عام من جملتها اجلاس الضيف في مكان لا يليق به و بمقامه فلو اجلسه فيه فيا ترى أنه تجوز غيبته و الوقيعة فيه.

و قد ذكر الشيخ كيفية التوجيه باحد الامرين بقوله:

إما بحمل الاساءة على ما يكون ظلما كما لو سرق رب البيت من ضيفه مالا.

أو بغير ذلك كما لو استهزأ رب البيت بالضيف.

و لو لا التوجيه المذكور لاشكل التمسك بالرواية في جواز غيبة من أساء مع ضيفه بنحو العموم.

(2) اي و نحو هذه الرواية المشار إليها في ص 35 الرواية الواردة في (مجمع البيان). الجزء 3. ص 131. الآية 148.

و لا يخفى أن الرواية المذكورة في المصدر لا تحتاج الى التوجيه، حيث إن الامام عليه السلام يقول: فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله، اي الفعل الذي صنع به فهي مصرحة بتحديد ما يقوله المظلوم في حق الظالم، لا مطلقا، فالرواية هذه تقيد تلك الرواية المطلقة المشار إليها في ص 35 فيكون التقييد توجيها آخر للرواية.

ص: 36

في أن يذكره بسوء ما فعله.

و يؤيد الحكم (1) فيما نحن فيه: أن في منع المظلوم من هذا الّذي هو نوع من التشفي حرجا عظيما، و لأن (2) في تشريع الجواز مظنة ردع للظالم و هي مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز، لأن الأحكام تابعة للمصالح (3).

و يؤيده (4) ما تقدم: من عدم الاحترام للامام الجائر، بناء على أن عدم

++++++++++

(1) اي و يؤيد استثناء تظلم المظلوم عن حكم الغيبة: أن منع المظلوم عن اظهار تظلمه موجب للعسر و الحرج الّذين هما منفيان في الدين في قوله عز من قائل: «وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(1).

(2) هذا تعليل ثان لجواز تظلم المظلوم بغيبة الظالم.

و خلاصته أن حكمة تشريع جواز تظلم المظلوم بكل ما يقوله في حق الظالم احتمال ردع الظالم عن ظلمه و هذا النوع من الاحتمال فيه مصلحة تجوز و تبرر غيبة الظالم من قبل المظلوم.

و قد سبق في الجزء 3 من المكاسب من طبعتنا الحديثة في ص 13 في جواز غيبة المتجاهر بالفسق: تقييد بعض الفقهاء جواز غيبته بقصد الارتداع.

و المراد من الردع هنا الردع عن تكرر ظلم الظالم ثانيا بالنسبة الى المظلوم خاصة، أو الاعم منه و من الآخرين.

(3) بناء على (مذهب الامامية): من أن الأحكام كلها تابعة للمصالح و المفاسد التي موجودة في نفس المأمور به و المنهي عنه، و فائدة هذه المصالح ترجع الى نفس المكلف، كما ان أضرار المفاسد كلها ترجع الى المكلف أيضا (4) اي و يؤيد استثناء جواز تظلم المظلوم بغيبة الظالم بكل ما يقوله -

ص: 37


1- الحج: الآية 78

احترامه من جهة جوره، لا من جهة تجاهره، و إلا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق، و في النبوي: لصاحب الحق مقال (1).

و الظاهر (2) من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند

++++++++++

- في حق الظالم: ما تقدم ص 27 عند قوله عليه السلام: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع و الامام الجائر، و الفاسق المعلن بفسقه فان استثناء الامام الجائر عن حرمة الغيبة انما كان لظلمه و جوره فيشمل تظلم المظلوم.

(1) (إحياء العلوم) الجزء 3. ص 152. طباعة المطبعة التجارية الكبرى بمصر.

(2) اي الظاهر من الآيات و الأخبار، و التعليلات و المؤيدات التي ذكرها الشيخ: عدم تقييد جواز غيبة الظالم عند من يرجى ازالة الظلم لأن الاستثناء الوارد في قوله تعالى: إلا من ظلم مطلق لا يختص بمن يرجى تدارك الظلامة، بل يجوز للمظلوم كشف ما ارتكبه الظالم عند من شاء و متى اراد.

و السر في ذلك: أن المظلوم باظهار ظلامته عند القاضي، أو عند أخيه المؤمن لعله يتمكن من اخذ حقه من الظالم إما بقهره من قبل المستمع أو نصحه و ارشاده، أو تهديده، أو بتدارك حقه و لو بعضا من الكل و لا اقل بتسليته بأن يقول المستمع للمظلوم: اصبر فان للظالم غدا يوما أشد من يومك هذا فسينتقم اللّه منه بالقريب العاجل.

فالعبارة هذه مما تقلل من اذى المظلوم من الظالم.

و هناك فائدة بدنية في جواز اظهار المظلوم ظلامته: و هو أن المظلوم لو لم يظهر ظلامته عند الآخرين لربما ابتلي بالآلام الجسمية، و الأمراض -

ص: 38

من يرجو ازالة الظلم عنه بسببه، و قواه بعض الأساطين، خلافا لكاشف الريبة (1)، و جمع (2) ممن تأخر عنه فقيدوه، اقتصارا (3) في مخالفة الأصل:

++++++++++

- الروحية فباظهاره ظلامته يفرغ ما في قرارة نفسه فترتفع عنه عقده النفسية المسبّبة من ظلم الظالم.

هذا بالإضافة الى أن اظهار الظلامة يوجب حط مقام الظالم في المجتمع فيترتب عليه آثاره: من عدم الركون إليه، و سلب الاعتماد و الثقة عنه و الاجتناب منه.

اجل هكذا كان ديدن المسلمين القدامى عند ما يرون منكرا.

و من المؤسف جدا أن في عصرنا هذا الذي اصبح المنكر معروفا و المعروف منكرا حتى بلغ الامر منتهاه، و السيل زباه: يشجع الفاسق و يستقبل الشارب، و يعامل السارق، و يرحب الظالم.

(1) حيث قال فيه: فأما المظلوم من جهة القاضي. (اي صدور الظلم منه على المظلوم) فله أن يتظلم الى من يرجو منه إزالة ظلمه، و ينسب القاضي الى الظلم.

راجع (كشف الريبة) طباعة مطبعة النعمان. (النجف الاشرف) ص 41.

(2) اي و خلافا لجمع عن علمائنا المتأخرين، حيث قيدوا جواز غيبة المظلوم الظالم برجاء ازالة الظلم عنه، لا مطلقا حتى و لو لم يحتمل الازالة

(3) منصوب على المفعول لاجله اي تقييد المتأخرين الجواز برجاء ازالة الظلم عنه لاجل الاقتصار على اليقين المخالف للاصل، فان التكلم بالسوء خلف الغير خلاف الاصل الذي هي حرمة عرض المؤمن نفسا و مالا و ما يمس كرامته فيقتصر على القدر المتيقن و هو رجاء ازالة الظلم

ص: 39

على المتيقن من الأدلة، لعدم (1) عموم في الآية، و عدم (2) نهوض ما تقدم في تفسيرها للحجية، مع (3) أن المروي عن الامام الباقر عليه السلام

++++++++++

(1) تعليل للاقتصار المذكور.

و خلاصته أن آية وَ لَمَنِ اِنْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ .

و آيه لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ :

لا تدلان على عموم الشكوى حتى عند من لا يرجى منه ازالة الظلامة.

و لا يخفى أن الآيتين الكريمتين مطلقتان من هذه الناحية فلا إشعار فيهما على الاقتصار المذكور فتشملان الشكوى حتى عند من لا يرجى منه ازالة الظلامة و التدارك، لأن الاطلاق كالعموم في الشمول الأفرادي، غير أن الشمول فيه بمقدمات الحكمة: و هو كون المتكلم في مقام البيان، لا الاجمال و الاهمال، و عدم نصب قرينة من المتكلم على خلاف الاطلاق، و عدم وجود قدر متيقن في البين فاذا تمت المقدمات حصلت النتيجة و هو الاطلاق و فيما نحن فيه المقدمات حاصلة بتمامها.

(2) تعليل ثان للاقتصار المذكور.

و خلاصته أن ما ورد في تفسير الآيتين عن القمي و العياشي أيضا لا يدل على العموم.

أما ما جاء عن القمي في تفسير آية لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ فليس بمعلوم الورود عن المعصوم عليه السلام

و أما ما جاء عن العياشي في تفسير آية إِنَّمَا اَلسَّبِيلُ عَلَى اَلَّذِينَ يَظْلِمُونَ اَلنّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ فغير معتبر السند.

(3) هذا ترق من (الشهيد الثاني) في كشف الريبة لمدعاه و هو الاقتصار المذكور. -

ص: 40

في تفسيرها المحكي عن مجمع البيان: أنه لا يحب اللّه الشتم في الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين

قال (1) في الكتاب المذكور: و نظيره وَ اِنْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا

++++++++++

- و خلاصته أن صاحب (مجمع البيان) افاد فيه أن المروي عن (الامام الباقر) عليه السلام في تفسير آية لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ : أنه لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بالشيء الذي يجوز الانتصار به في الدين اي بالكلمات التى يجوز ان يتلفظ بها شرعا، لا بالكلمات التي لا يجوز التكلم بها شرعا كأن يقول له: يا زاني يا شارب، فانها موجبة لحد القذف.

(1) و قال صاحب (مجمع البيان) نظير هذا قوله تعالى: (وَ اِنْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا ).

راجع (مجمع البيان) الجزء 3. ص 131 طباعة (طهران) عام 1382 هذا ما افاده (الشهيد الثاني) حول الاقتصار المذكور في الترقي.

و انت خبير بعدم ربط التفسير المذكور بما نحن فيه ابدا، اذ أي ربط للانتصار بما ورد في الدين مع شكوى المظلوم عن الظالم عند الغير سواء تتدارك ظلامته أم لا.

و العجب من (الشهيد و شيخنا الأنصاري) كيف غفلا عن هذه النقطة المهمة.

ثم لا يخفى عليك أن الآيات لا تدل على الاقتصار المذكور، بل تدل على الاطلاق كما عرفت، فالذي يدل على الاقتصار هو الاصل العقلائي الأولي: و هو احترام المؤمن بما له من المال و الدم و العرض، و لذا قال الشيخ: و ما بعد الآية لا يصلح للخروج بها عن الاصل الثابت المقرر

ص: 41

و ما بعد (1) الآية لا يصلح للخروج بها عن الاصل الثابت بالأدلة العقلية و النقلية (2)، و مقتضاه الاقتصار على مورد رجاء تدارك الظلم فلو لم يكن قابلا للتدارك لم تكن فائدة في هتك الظالم.

و كذا لو لم يكن ما فعل به ظلما، بل كان من ترك الأولى و ان كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لذلك فعن الكافي، و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان قال: دخل رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام فشكا إليه رجلا من أصحابه فلم يلبث أن جاء المشكو فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما لفلان يشكوك ؟ فقال له: يشكوني أني استقضيت منه حقي قال: فجلس أبو عبد اللّه عليه السلام مغضبا، ثم قال: فقال:

كأنك اذا استقضيت حقك لم تسىء.

++++++++++

(1) من هنا كلام (الشيخ الأنصاري) يقصد به الاقتصار على مورد يتدارك فيه الظلامة.

و المراد من بعد الآية المؤيدات التى ذكرها الشيخ بقوله: و يؤيد الحكم و يؤيده و خلاصة مقصوده: أن كل ما ذكرنا من المؤيدات للآيات الدالة على جواز تظلم المظلوم عند الغير و لو لم يتدارك ظلامته: لا يصلح لرفع اليد عن الاصل الاصيل الثابت المسلم و هو حكم العقل باحترام المؤمن دما و مالا و عرضا فالآيات و ما ذكر لها من المؤيدات لا تصير سببا للخروج عن هذا الاصل الثابت بالأدلة العقلية و النقلية، فعليه لا بدّ من الاقتصار في جواز غيبة الظالم: على مورد يتدارك فيه الظلامة.

(2) المراد من الأدلة العقلية هو حكم العقل بقبح الظلم و لا شك أن التظلم عند الغير و لو لم يتدارك ظلامته ظلم في حق الظالم.

و من الأدلة النقلية هي الأخبار المتقدمة، و الآيات الكريمة الدالة على عدم جواز تظلم المظلوم عند من لا يرجى منه تدارك ظلامته.

ص: 42

أ رأيت ما حكى اللّه عز و جل في كتابه: و يخافون سوء الحساب (1) أ ترى أنهم (2) خافوا اللّه عز و جل أن يجور عليهم، لا و اللّه ما خافوا إلا الاستقضاء (3) فسماه اللّه عز و جل سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء (4).

و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافي قال: كان عنده قوم يحدثهم اذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع (5) فيه و شكاه.

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: و أنّى لك باخيك الكامل و أي الرجال المهذب (6)،

++++++++++

(1) الرعد: الآية 20.

(2) اى المؤمنون الذين وصفهم اللّه عز و جل في كتابه العزيز في قوله: و يخافون.

(3) مصدر باب الاستفعال من استقضى يستقضي معناه: طلب الحق

(4) (فروع الكافي) الجزء. 5 ص 100-101.

باب آداب اقتضاء الدين. الحديث 1.

(5) بفتح العين و القاف وزان حضر يحضر معناه هنا الاغتياب.

(6) المصدر السابق. الجزء 2. ص 651. باب الاغضاء. الحديث.

و أي الرجال المهذّب بعض شطر بيت تمامه:

و لست بمستبق أخا لا تلمّه *** على شعث اي الرجال المهذّب

و البيت من قصيدة (للنابغة الذبياني) يعتذر بها من (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة عند ما سعى إليه بعض الوشاة في حقه: بأنه هجاه.

و مطلع القصيدة هكذا:

فلا تتركنّي بالوعيد كأنني *** الى الناس مطلي به القار اجرب

ص: 43

فان (1) الظاهر من الجواب أن الشكوى انما كانت من ترك الأولى الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذّب.

و مع ذلك (2) كله فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر

++++++++++

و الى هذا المعنى يشير الشاعر:

إن تجد ذنبا فسدّ الخللا *** جلّ من لا عيب فيه و علا

و لا يخفى أن الامام عليه السلام في مقام إعطاء درس كامل للانسان عن كيفية معاشرته مع أصدقائه في حياته المؤقتة: بأن يغض النظر عن زلات الإخوان و الأصدقاء، فان من اراد صديقا بلا عيب بقي بلا صديق.

(1) تعليل لجواز اشتكاء المظلوم عند الغير لترك الأولى.

و خلاصته أن جواب الامام عليه السلام: و أنّى لك باخيك الكامل و أي الرجال المهذب ظاهر في كون شكوى الرجل عنده كانت لأجل ترك الأولى.

(2) خلاصة هذا الكلام: أنه بناء على عدم دلالة آية لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول على جواز عموم شكوى المظلوم عند الغير و لو لم تتدارك ظلامته: فلو اشتكى المظلوم عند الغير لترك الأولى و قلنا بجواز ذلك لرواية حماد بن عيسى، و مرسلة ثعلبة بن ميمون على ذلك: فالأحوط أن يكون جواز مثل هذه الشكوى لاجل وجود غرض صحيح أقوى من مصلحة احترام المؤمن.

بعبارة اخرى أن المنشأ في خروج تلك الصور العشر المستثناة عن الغيبة هو المنشأ لخروج هذه الصورة عنها، و المنشأ هو الغرض الصحيح الشرعي الذي هو اهم من غرض احترام المؤمن فيكون حينئذ خروجها عنها خروجا حكميا لا موضوعيا. -

ص: 44

الآتية التي رخص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوى من مصلحة احترام المغتاب.

كما أن الأحوط جعل الصورة السابقة (1) خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به، و ان جعلها (2) من تعرض لصور الاستثناء منها.

فيبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها
اشارة

فيبقى (3) من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها

منها: نصح المستشير

(منها) (4): نصح المستشير، فان النصيحة واجبة للمستشير فان خيانته قد تكون أقوى مفسدة من الوقوع في المغتاب.

++++++++++

(1) و هي صورة تجاهر الانسان بالذنب و المعصية، فان خروجها عن الغيبة خروج موضوعي لا حكمي، لأن المتجاهر بالفسق لا غيبة له لا حرمة له كما علمت في ص 27 أن لا النافية تنفي طبيعة الغيبة طبيعة الاحترام، فلا يحتاج في خروجه عن الغيبة الى وجود غرض صحيح شرعي اهم من مصلحة احترام المؤمن.

(2) اي و ان جعل بعض الفقهاء خروج المتجاهر بالفسق عن الغيبة خروجا حكميا بأن كان داخلا فيها ثم خرج عند ما تعرض للصور المستثناة عن الغيبة.

(3) من هنا يريد الشيخ أن يشرع في الموارد المستثناة من الغيبة فاخذ في عدها واحدة واحدة و قد أنهاها الى عشر صور، و جعل الملاك في خروجها وجود مصلحة فيها اقوى من مصلحة احترام المؤمن فيكون الملاك بمنزلة كبرى كلية تنطبق على صغرياتها عند ما وجدت، فعليه لا تنحصر الموارد في عشر صور.

(4) اي من تلك الموارد المرخصة في الغيبة: نصح المستشير.

هذه هي الصورة الاولى من الصور العشر. -

ص: 45

و كذلك النصح (1) من غير استشارة، فان من أراد تزوج امرأة و انت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة و الفساد فلا ريب أن التنبيه على بعضها و ان أوجب الوقيعة فيها (2) أولى من ترك نصح المؤمن، مع ظهور عدة من الأخبار في وجوبه (3).

منها: الاستفتاء

(و منها) (4): الاستفتاء بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان حقي

++++++++++

- ثم ان استثناء نصح المستشير عن حرمة الغيبة ليس على اطلاقه كما يستفاد من كلمات الأصحاب، لعدم اطراد التعليل المذكور في استثنائه في كل مورد، فلرب شخصية تكون اهم من شخصية المستشير، اذ ليس كل مصلحة تجوّز الوقيعة في الناس كما اذا كانت تافهة فلا بد من ملاحظة الأهم و المهم.

(1) اي يستثنى من عدم جواز الغيبة: النصح من دون استشارة كما لو راى أخاه المؤمن يريد التورط في زواج أو سفر، أو شركة أو زمالة أو حضور درس عند شخص ليس فيه صلاح فينصحه في هذه الموارد و يبين له عواقب امره، و ان استلزم الغيبة مع القيد الذي ذكرناه: و هو اذا لم يمكن نصح المستشير بغير الغيبة.

(2) اي في المرأة التي يريد الرجل تزوجها.

(3) اي في وجوب نصح المؤمن.

و لا يخفى أن القدر المتيقن من وجوب النصح: نصح المؤمن المستشير لا مطلقا و ان لم يكن في مقام الاستشارة.

نعم يجب النصح في بعض الموارد كما لو يؤول امر زيد الى التهلكة لو تركت النصيحة في حقه.

(4) اي و من تلك الموارد المستثناة لاجل الغرض الصحيح الشرعي:

الاستفتاء. -

ص: 46

فكيف طريقي في الخلاص.

هذا (1) اذا كان الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم بالخصوص و إلا (2) فلا يجوز.

و يمكن الاستدلال عليه (3) بحكاية هند زوجة أبي سفيان، و اشتكائها الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قولها: إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي (4) فلم يرد صلى اللّه عليه و آله عليها غيبة أبي سفيان.

++++++++++

- هذه ثانية الموارد المستثناة.

(1) اي جواز الغيبة عند الاستفتاء مقيد بذكر الشخص الظالم بالخصوص بأن يقول: ظلمني زيد.

(2) اي و ان لم يكن الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم بالخصوص، بل يكفي ذكره على نحو العموم كأن يقول المستفتي: ظلمني فلان فلا يجوز للمستفتي غيبة الشخص المعين.

ثم إن افاد هذا العموم فيها، و إلا فيضيق المستفتي دائرة الغيبة شيئا فشيئا حتى تصل النوبة الى شخص الظالم: بأن يقول: شخص من أهالي المدينة ظلمني، فان افاد فهو، و إلا فيقول: رجل من خبازي المدينة ظلمني، فان افاد فهو، و إلا فيقول: من خبازي الشارع الفلاني فان افاد فبها، و إلا فيذكر اسمه بشخصه و عنوانه.

(3) اي على جواز الغيبة في الاستفتاء.

(4) الحديث هذا مروي عن طرق (اخواننا السنة).

راجع طبقات (ابن سعد) الجزء 9. ص 172.

و عن طرقنا راجع (مجمع البيان) الجزء 9. ص 276.

و (بحار الأنوار) الجزء 21. ص 98.

ص: 47

و لو نوقش في هذا الاستدلال (1) بخروج غيبة أبي سفيان عن محل الكلام: أمكن الاستدلال بصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال: جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و آله فقال: إن امي لا تدفع يد لامس (2).

فقال: احبسها، قال: قد فعلت، فقال صلى اللّه عليه و آله:

فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال صلى اللّه عليه و آله:

فقيدها (3)، فانك لا تبرّها بشيء أفضل من أن تمنعها عن محارم اللّه عز و جل الى آخر الخبر (4).

++++++++++

(1) و هي شكاية هند زوجة ابي سفيان، حيث إن غيبته خارجة عما نحن فيه: و هي حرمة غيبة المؤمن، لأنه متى آمن حتى يقال:

لا تجوز غيبته.

أ ليس هو القائل كلمته الخالدة ببقاء الدهر و التي خرجت عن نياط قلبه، و صميم عقيدته و المنبئة عن غرائزه النفسية:

(فو الذي يحلف به ابو سفيان ما من جنة و لا نار).

فيكون خروج ابي سفيان عن حرمة الغيبة خروجا موضوعيا فلا يصح الاستشهاد بالرواية.

(2) كناية عن ان أمه تزني و لا ترد من يطلب منها الفعل الشنيع.

(3) اي اجعل القيد في رجليها حتّى لا تتمكن من الخروج عن البيت و يحتمل أن يراد عدم استطاعتها من تمكين نفسها لمن يروم العمل معها و المراد من البر الاحسان.

(4) (من لا يحضره الفقيه). الجزء 4. ص 51. الحديث 6.

وجه الاستدلال بالحديث: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يمنع -

ص: 48

و احتمال (1) كونها متجاهرة مدفوع (2) بالأصل.

منها: قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله

(و منها) (3): قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله، فإنه أولى من ستر المنكر عليه فهو في الحقيقة احسان في حقه، مضافا (4) الى عموم أدلة النهي عن المنكر.

++++++++++

الولد عن غيبة أمه فعدم منعه يدل على جواز الغيبة في الاستفتاء.

(1) دفع وهم حاصل الوهم: أن عدم ردع (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله الولد عن غيبة أمه إنما كان لتجاهرها بالفسق و هو الزنا

و قد عرفت في ص 26: أنه يجوز غيبة المتجاهر بالفسق.

(2) جواب عن الوهم المذكور.

و خلاصته: أن الوهم مدفوع بالاصل الذي هو حمل فعل المسلم على الصحة، لأن هذه المرأة و ان كانت فاسقة بفعلها الشنيع، إلا أنها ليست متجاهرة به، للشك في ذلك.

و يحتمل أن يراد من الاصل الاستصحاب الازلي بمعنى أنها قبل تلبسها بالفسق لم تكن متجاهرة، و في زمان تلبسها به نشك في تجاهرها به فنستصحب عدمه.

(3) اي و من الصور العشر المرخصة لجواز الغيبة لمزاحمة غرض اهم مع مصلحة احترام المؤمن: قصد ردع المغتاب.

هذه ثالثة الموارد المستثناة.

ينبغي أن تقيد هذه الصورة: بعدم إجزاء طرق اخرى في ردعه:

من النصيحة و التهديد، و أما لو افيدت هذه الطرق فلا تجوز غيبته.

(4) اي و لنا دليل آخر على استثناء ردع المغتاب بالكسر عن حريم

ص: 49

منها: قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس كالمبتدع الذي يخاف من اضلاله الناس.

(و منها) (1): قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس كالمبتدع الذي يخاف من اضلاله الناس.

و يدخل عليه (2) مضافا الى أن مصلحة دفع فتنة عن الناس أولى من ستر المغتاب: ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: اذا رأيتم أهل الريب (3) و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم، و اكثروا من سبهم، و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم (4) كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام، و يحذرهم

++++++++++

- حرمة الغيبة: و هي أدلة النهي عن المنكر، فانها عامة تشمل ردع المغتاب بالكسر، للقدر الجامع بينها، و بين النهي عن المنكر.

راجع حول أدلة النهي عن المنكر (وسائل الشيعة) الجزء 11.

ص 393. الباب 1 من أبواب الأمر و النهي. الأحاديث.

(1) اي و من الصور العشر المجوزة للغيبة لمزاحمة غرض اهم من مصلحة احترام المؤمن: قصد حسم مادة الفساد و قطعها.

هذه رابعة الموارد المستثناة.

(2) اي و يدل على جواز غيبة المبتدع الذي يخاف من اضلاله بالإضافة الى ما ذكرناه.

(3) بكسر الراء و فتح الياء جمع ريبة بكسر الراء و سكون الياء و فتح الباء و المراد منه المشككون الذين يشككون في دين الناس و عقائدهم و يصدونهم عن الاعتقاد بالدين.

و البدع: جمع بدعة و هو إدخال ما ليس من الدين في الدين.

و إخراج ما في الدين عن الدين.

(4) من باهت يباهت مباهتة من باب المفاعلة.

و الظاهر: أن المراد به هنا: الزام أهل البدع و إقحامهم بالبراهين -

ص: 50

الناس، و لا يتعلموا من بدعهم: يكتب (1) اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات (2).

منها: جرح الشهود

(و منها) (3): جرح الشهود، فان الاجماع دل على جوازه

++++++++++

- القاطعة، و الحجج الواضحة حتى يجعلوهم متحيرين لا يتمكنون من الجواب كما قال العزيز عز اسمه الشريف:

(فَبُهِتَ اَلَّذِي كَفَرَ) . البقرة: الآية 258.

و معنى الطمع في الاسلام اعم من أن تكون البدعة محقا للاسلام.

أو مغيرا لأركانه: بزيادة، أو نقيصة.

(1) مجزوم بفعل الامر قبله في الحديث الشريف في قوله صلى اللّه عليه و آله:

فاظهروا و اكثروا و باهتوهم، ثم حرك بالكسر، لالتقاء الساكنين.

(2) (اصول الكافي). الجزء 2. ص 375. الحديث 4.

(3) اى و من الصور العشر التى رخصت الغيبة فيها لمزاحمة غرض اهم من مصلحة احترام المؤمن، جرح الشهود.

هذه خامسة الموارد المستثناة.

و المراد من الشهود شهود الخصم في المحكمة الشرعية بمعنى أن المدعي يأتي بشهود لصدق دعواه فيجرحهم المنكر.

ثم هل جرح الشهود يعم شهود رمضان، أو عيد الفطر، أو عيد الاضحى، أو لا؟.

و هل الاجماع هنا موجود أم لا؟

لست ادري.

اللهم إلا أن تقول بإطلاق معقد الاجماع.

و هل الوجه الّذي ذكره الشيخ لجرح الشهود يجري هنا: بأن يقال إن مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق أولى من مصلحة الستر على الفاسق

ص: 51

و لأن مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق أولى من الستر على الفاسق.

و مثله (1) بل أولى بالجواز جرح الرواة، فان مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته.

و يلحق بذلك (2) الشهادة بالزنا، و غيره (3) لاقامة الحدود.

منها: دفع الضرر عن المغتاب

(و منها) (4): دفع الضرر عن المغتاب، و عليه (5) يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث، و قد بين ذلك الامام عليه السلام بقوله في بعض ما أمر به عبد اللّه بن زرارة بتبليغ أبيه: اقرأ مني على والدك السلام فقل له:

إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فان الناس يسارعون الى كل من قربناه

++++++++++

(1) اي و مثل جرح الشهود في جواز الغيبة: جرح رواة الأحاديث الواردة عن (الرسول الاعظم و اهل بيته الكرام) صلى اللّه عليهم اجمعين

(2) اي و يلحق بجرح شهود الدعوى، و شهادة الرواة: جرح شهود الزنا.

(3) اي و غير الزنا مما يوجب الحد كالسرقة و شرب الخمر فياتي المشهود عليه بالجرح ضد الشاهد، ليدفع عن نفسه الحد.

(4) اي و من الصور العشر التي رخصت الغيبة فيها لمزاحمة غرض اهم دفع الضرر عن المغتاب بالفتح.

هذه سادسة الصور المستثناة.

كأن يقول شخص في حق شخص آخر حينما يرى أن زيدا يريد الظلم به: إنه مجنون أو سفيه أو جاهل، أو وضيع لا قدر له في المجتمع ليدفع الظلم عنه.

ثم يجب على هذا المستغيب أن يقتصر على ما يدفع الضرر عنه و لا يتعداه

(5) اي و على دفع الضرر عن المغتاب.

ص: 52

و حمدناه، لادخال الأذى عليه فيمن نحبه و نقر به، و يذمونه لمحبتنا له، و قربه و دنوه منا، و يرون (1) ادخال الأذى عليه و قتله (2)، و يحمدون كل من عيبناه (3) نحن، و انما اعيبك، لأنك رجل اشتهرت منا بميلك إلينا و أنت في ذلك (4) مذموم غير محمود الأمر (5) بمودتك لنا، و ميلك إلينا فاحببت أن أعيبك، ليحمدوا أمرك (6) في الدين بعيبك و نقصك و يكون ذلك (7) منا دافع شرهم عنك يقول اللّه عز و جل:

و أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فاردت

++++++++++

(1) اي يستحلون.

(2) بالنصب عطفا على المفعول في قوله: يرون إدخال الاذى، اي و يستحلون قتله.

(3) فعل متكلم وحده من عاب يعيب. وزان باع يبيع اجوف واوي

(4) اي في ميلك إلينا، و اشتهارك بنا.

(5) الامر هنا بمعنى الحال، و الباء في بمودتك سببية.

اي عدم تحميد القوم و تمجيدهم لك بسبب الحالة التي انت عليها:

و هي موالاتك لنا، و قربك إلينا.

(6) الامر هنا بمعنى الشأن و المرتبة في الدين.

مقصود الامام عليه السلام: أن عيبي لك لاجل أن القوم يعلوا شأنك، و يمجدوا مقامك، و منزلتك في الدين، فان هؤلاء الذين لا يوالوننا لم يحمدوا الذي يحبنا و يوالينا مهما بلغت صفته و شخصيته، و مراتبه الدينية و العلمية و العملية، فطعننا فيك لحقن دمك، و دفع الضرر و شرهم عنك فهذه و تلك دعتني أن اعيبك.

(7) اي نسبتي العيب أليك، و كلمة دافع منصوبة خبر لكان.

ص: 53

أن أعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا (1).

هذا التنزيل من عند اللّه، ألا و اللّه ما عابها إلا لكي تسلم من الملك و لا تغصب على يديه (2)، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ (3) و الحمد (4) للّه.

++++++++++

(1) الكهف: الآية 79.

و المراد من السفينة السفينة الصحيحة.

و كلمة غصبا منصوبة على المفعول المطلق النوعي اي المبين للنوع كما في قولك: ضربت ضربا موجعا.

أو على الحالية مؤولا بالمشتق اي مغصوبة.

و ذو الحال هنا كلمة كل المضاف الى السفينة باعتبار اضافته إليها و لا يصح أن يكون حالا لكلمة كل فقط من دون هذا الاعتبار و لا للسفينة، حيث إنها مضاف إليه.

قال ابن مالك:

و لا تجز حالا من المضاف له *** إلا اذا اقتضى المضاف عمله.

(2) فكذلك أنا إنما اعيبك لكي تسلم من أعدائك.

(3) مصدر ميمي من ساغ يسوغ وزان قال يقول معناه المدخل الطريق اي ما كان للعيب في السفينة مدخل و طريق.

و إنما ذكر الامام عليه السلام جملة ليس للعيب فيها مساغ، ليثبت عدم نقص و عيب في (زرارة) فشبهه بالسفينة في ذلك.

(4) جملة: (الحمد للّه) الصادرة من الامام عليه السلام في مقام تحميد اللّه عز و جل، حيث بلغ مقصده و ما اراده في حق (زرارة بن اعين) توسط ولد زرارة بهذه الجمل.

ص: 54

فافهم (1) المثل رحمك اللّه، فانك احب الناس إليّ و أحب أصحاب أبي إليّ حيا و ميتا (2)، و انك أفضل سفن ذلك البحر القمقام (3) الزاخر و ان وراءك لملكا ظلوما غصوبا (4) يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى (5) ليأخذها غصبا و يغصب أهلها، فرحمة اللّه عليك حيّا و رحمة اللّه عليك ميتا. الى آخر الخبر (6).

و يلحق بذلك (7) الغيبة للتقية على نفس المتكلم، أو ماله أو عرضه

++++++++++

(1) الخطاب لولد زرارة، اي افهم يا بن زرارة المقارنة التي قارنت بين أبيك، و بين السفينة.

(2) حيا و ميتا حالان لزرارة، اي زرارة أحب الناس إليّ في حياته و مماته.

(3) من قمقم يقمقم قمقاما رباعي مجرد من باب دحرج يدحرج معناه البحر العظيم.

و المراد من هذا البحر العظيم هو (الامام ابو جعفر الباقر) عليه السلام و من السفن أصحابه و حواريه، و منهم (زرارة) الذي هو افضل تلك السفن.

و الزاخر من زخر يزخر زخرا وزان نصر ينصر معناه: الكثير الطافح (4) المراد منه ابو جعفر المنصور العباسي الدوانيقي، حيث كان يتتبع أصحاب (الامام الصادق) عليه السلام تحت كل حجر و مدر اينما كانوا و يريد السوء بهم كما أساء بإمامهم (ابي عبد اللّه الصادق) عليه السلام

(5) هو (الامام ابو عبد اللّه الصادق) عليه السلام.

(6) (وسائل الشيعة) الجزء 20. ص 196-197. خاتمة الكتاب

(7) اي و يلحق بجواز الغيبة لدفع الضرر: الغيبة للتقية كأن يتكلم على احد رؤساء المذهب مثلا حتى يخال أن المتكلم ليس منهم، لكي يحفظه -

ص: 55

أو على ثالث (1)، فان الضرورات تبيح المحظورات.

منها: ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة له

(و منها) (2): ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة له التي لا يعرف إلا بها كالأعمش و الأعرج و الأشتر (3) و الأحول، و نحوها (4)

و في الحديث جاءت زينب العطارة الحولاء الى نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (5).

و لا بأس بذلك (6) فيما اذا صارت الصفة في اشتهار يوصف الشخص بها الى حيث لا يكره ذلك صاحبها.

++++++++++

- من القتل، أو الحبس، أو من مصادرة أمواله، أو من التعرض بعرضه بمعناه الاعم، لأن النواصب و الخوارج يرون كل ذلك لازما و واجبا على (الطائفة الامامية).

(1) و هو غير المتكلم و غير المخاطب اي يخاف على ثالث في نفسه أو ماله أو عرضه فيأخذ حينئذ في غيبته تقية، لاجل الاحتفاظ عليه و على ما ذكر.

(2) اي و من الصور التي رخصت الغيبة فيها لمزاحمة غرض اهم من مصلحة احترام المؤمن: ذكر الشخص.

هذه سابعة الصور المستثناة.

(3) بفتح الهمزة و سكون الشين و فتح التاء من شتر يشتر شترا وزان علم يعلم معناه العيب في جفن العين.

(4) كالأبرص و الأقشم.

(5) (بحار الأنوار) الجزء 60. ص 83. الحديث 1.

الشاهد في كلمة الحولاء، حيث إنها ذكرت في لسان (الامام الصادق) عليه السلام مع أنها من الصفات المميزة لزينب العطارة.

(6) اي بذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة له -

ص: 56

و عليه (1) يحمل ما صدر عن الامام عليه السلام، و غيره: من العلماء الأعلام.

لكن كون هذا (2) مستثنى مبني على كون مجرد العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة، و قد منعنا ذلك سابقا (3)، إذ لا وجه لكراهة المغتاب، لعدم (4) كونها اظهارا لعيب غير ظاهر، و المفروض (5)

++++++++++

- بحيث لا يعرف إلا به كالاشتر الذي اصبح لقبا لبطل الاسلام و فخره مالك النخعي رضوان اللّه تبارك و تعالى عليه.

(1) اي و على ذكر الشخص بالصفة المميزة له التي اشتهرت بها كما في ذكر الامام عليه السلام زينب العطارة بالحولاء.

و كما في قول العلماء: روى الأعمش مثلا.

(2) اي جعل الصفة المميزة استثناء حكميا.

(3) في قوله في الجزء 3 من المكاسب من طبعتنا الحديثة ص 335:

و الأولى بملاحظة ما تقدم من الأخبار و كلمات الاصحاب، بناء على ارجاع الكراهة الى الكلام المذكور به، لا الى الوصف المنسوب إليه. ما تقدم من أن الغيبة، أن يذكر الانسان بسوء.

إما باظهار عيبه المستور، و ان لم يقصد انتقاصه.

و إما بانتقاصه بعيب غير مستور.

فعلى هذا يكون هذا النوع من الغيبة خارجا عنها موضوعا فلا يصدق عليه الغيبة.

اللهم إلا اذا قصد الانتقاص.

(4) تعليل لقوله: لا وجه لكراهة المغتاب اي لعدم كون الذكر بالعيب الظاهر الذي صار صفة مميزة للشخص: اظهارا للعيب.

(5) تعليل ثان لعدم كون ذكر هذا العيب غيبة.

ص: 57

عدم قصد الذم أيضا.

اللهم إلا أن يقال: إن الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به يكره الانسان الاتصاف بها و لو من دون قصد الذم بها (1)، فان اشعارها بالذم كاف في الكراهة.

منها ذكر الشخص بما لا يؤثر عند السامع شيئا لكونه عالما به

(و منها) (2): ما حكاه في كشف الريبة عن بعض من أنه اذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فاجرى أحدهما ذكرها في غيبته ذلك العاصي جاز (3)، لأنه لا يؤثر عند السامع (4) شيئا، و ان كان الأولى تنزيه النفس و اللسان عن ذلك (5)، لغير غرض من الأغراض الصحيحة خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك (6)، أو خوف (7) اشتهارها عنهما. انتهى (8).

++++++++++

(1) كما اذا قيل للشخص: أنف الناقة، لأن الصفات و الألقاب المشعرة بالذم كافية في كراهة الشخص و ان لم يقصد بها الانتقاص و الذم.

(2) اي و من الصور التي رخصت الغيبة فيها لمزاحمة غرض اهم لمصلحة احترام المؤمن: علم اثنين بمعصية رجل.

هذه ثامنة الموارد المستثناة.

(3) اي جاز لاحد المشاهدين ذكر المعصية التي علم بها اثنان.

(4) و هو المشاهد الآخر الذي شاهد المعصية، لأن ذكر المعصية لا يزيد السامع علما و احاطة بها.

(5) اي عن ذكر المعصية التي شاهدها الآخر عنده.

(6) اي لتلك المعصية التي شاهدها هو و صاحبه.

(7) اي و خصوصا مع احتمال خوف الشاهدين عن اشتهار خبر المعصية عنهما.

(8) اي ما افاده الشهيد الثاني في كشف الريبة.

ص: 58

أقول: اذا فرض عدم كون ذكرهما (1) في مقام التعبير و المذمة و ليس هنا هتك ستر أيضا فلا وجه للتحريم، و لا لكونها غيبة إلا على ظاهر بعض التعاريف المتقدمة (2).

منها: رد من ادعى نسبا ليس له

(و منها) (3): رد من ادعى نسبا ليس له، فان مصلحة حفظ الأنساب أولى من مراعاة حرمة المغتاب.

منها: القدح في مقالة باطلة

(و منها) (4): القدح في مقالة باطلة و ان دل على نقصان قائلها اذا توقف حفظ الحق و اضاعة الباطل عليه (5).

و أما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة الى من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول فلم يعرف له وجه مع شيوعه بينهم من قديم الأيام.

ثم إنهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة الى ذكرها بعد ما قدمنا

++++++++++

(1) اي ذكر شاهدي المعصية من ثالث.

(2) في تعاريف اللغويين و الفقهاء.

راجع الجزء 3 من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 328-329.

(3) اي و من الصور التي رخصت الغيبة فيها لمزاحمة غرض أهم من مصلحة احترام المؤمن: رد من ادعى.

هذه تاسعة الموارد المستثناة.

و المراد من الرد معناه الاعم من رده في المجالس، أو الجرائد، أو الكتب ليطلع الناس على كذب دعواه في الانتساب.

(4) اي و من الصور التي رخصت الغيبة فيها لمزاحمة غرض أهم من مصلحة احترام المؤمن: القدح.

هذه عاشرة الموارد المستثناة.

(5) اي على القدح في المقالة.

ص: 59

أن الضابط في الرخصة وجود مصلحة (1) غالبة على مفسدة هتك احترام المؤمن.

و هذا يختلف باختلاف تلك المصالح، و مراتب مفسدة هتك المؤمن فانها (2) متدرجة في القوة و الضعف.

++++++++++

(1) و هذه المصلحة تجعل كبرى كلية لصغرياتها اذا تحققت في الخارج فتنطبق عليها.

ثم إن المصالح و المفاسد تختلف قوة و ضعفا.

(فمنها): ما يدركه كل احد.

و (منها) ما لا يدركه كل احد، بل القليل من الناس يدرك تلك المصالح و المفاسد، فلرب مصلحة تخفى حتى على الأفذاذ و الى هذا اشار الشيخ بقوله: و هذا يختلف باختلاف تلك المصالح.

اذا فما المعيار و الميزان في تلك المفاسد و المصالح الدقيقة أو الخفية و كيف يمكن التمييز بين المصلحة القوية و الضعيفة منها، و بين القوية و الأقوى، و الضعيف و الأضعف.

فالأولى في هذه الموارد التي يصعب درك المصلحة و المفسدة: التجنب عن الغيبة و عدم الدخول فيها، و لا يجعل الميزان فيها هوى النفس و ميولها فان الشيطان يزين للانسان و يضله عن سواء الطريق. هدانا اللّه و اياكم الى الصراط المستقيم.

ثم إن المراد بالمصلحة الغالبة في قوله: وجود مصلحة غالبة:

المصالح العامة الدينية، أو الاجتماعية، أو الأخلاقية، أو السياسية.

(2) اي المصالح و المفاسد لها مراتب عليا و أعلى، و دنيا و أدنى.

ص: 60

فربّ (1) مؤمن لا يساوي عرضه شيء، فالواجب التحري في الترجيح بين المصلحة و المفسدة.

الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف

(الرابع) (2): يحرم استماع الغيبة بلا خلاف فقد ورد أن السامع للغيبة أحد المغتابين (3).

و الأخبار في حرمته كثيرة (4)، إلا أن ما يدل على كونه (5) من الكبائر كالرواية المذكورة (6) و نحوها (7) ضعيفة السند.

++++++++++

(1) الفاء تفريع على ما افاده: من أن المصالح و المفاسد لها مراتب متدرجة، اى فبناء على ما ذكرناه من التدرج فرب عرض مؤمن ذي شأن في المجتمع الاسلامي لا يساويه شيء.

(2) اي الامر الرابع من الامور المذكورة في مبحث الغيبة في قول الشيخ في الجزء 3 ص 328: بقي الكلام في امور.

(3) راجع (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 2 ص 108 الباب 136. الحديث 8.

و كلمة المغتابين تحتمل أن تكون بصيغة التثنية.

و تحتمل أن تكون بصيغة الجمع فيما اذا تعدد السامع.

(4) راجع (وسائل الشيعة) الجزء 8. ص 599-600. الباب 152 من أبواب تحريم اغتياب المؤمن، الحديث 13.

(5) اي على كون استماع الغيبة من الكبائر.

(6) و من المعلوم أن الغيبة من الكبائر فاستماعها كذلك.

(7) و هو قوله صلى اللّه عليه و آله: فان القائل و المستمع لها شريكان في الاثم.

ص: 61

ثم المحرم (1) سماع الغيبة المحرمة، دون ما علم حليتها (2).

و لو كان (3) متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغيبة حينئذ (4) للمتكلم فالمحكي جواز الاستماع (5)، مع احتمال كونه متجاهرا (6)، إلا (7) مع العلم بعدمه.

قال في كشف الريبة: اذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة، و لا عدمه. قيل: لا يجب نهي القائل، لإمكان الاستحقاق فيحمل فعل القائل على الصحة (8)

++++++++++

(1) اي السماع المحرم كما في حديث: السامع للغيبة احد المغتابين أو الاستماع المحرم كما في حديث: فان القائل و المستمع لها شريكان في الاثم

(2) كما اذا كانت الغيبة من الصور العشر المستثناة، فان سماعها أو استماعها ليس بحرام.

(3) اي المستغاب كان متجاهرا بالفسق عند المغتاب بالكسر.

(4) اي حين أن كان المستغاب متجاهرا بالفسق و مستورا عند السامع

(5) استماع الغيبة، لأن المغتاب بالفتح متجاهر بالمعصية فلا يكون المستمع مأثوما في استماعه للغيبة.

(6) هذا القيد راجع الى جواز استماع الغيبة، اي الجواز مقيد بقيد التجاهر بمعنى أن المبرر لجواز استماع الغيبة: هو احتمال المستمع أن المغتاب بالفتح متجاهر، و لو لا هذا الاحتمال لما جاز له الاستماع.

(7) اي في صورة علم المستمع بأن المغتاب بالفتح لم يكن متجاهرا بالمعصية لا يجوز له استماع الغيبة و الاصغاء إليها.

(8) معنى الحمل على الصحة: عدم اتهام المتكلم بالغيبة المحرمة بل يحمل قوله على الغيبة المباحة ما دام الحمل ممكنا كما لو كان يعلم أن المستغاب متجاهر بالفسق.

ص: 62

ما لم يعلم فساده (1)، لأن (2) ردعه يستلزم انتهاك حرمته و هو أحد المحرّمين (3).

ثم قال (4): و الأولى التنزيه عن ذلك (5) حتى يتحقق المخرج (6)

++++++++++

(1) مرجع الضمير: القول، اي يجوز للمخاطب استماع الغيبة ما دام لم يعلم فساد القول، فان علم أن قول القائل في حق زيد غيبة محرمة ليس لها وجه صحيح شرعي لا يجوز له الاستماع.

فحينئذ ينهى القائل عن غيبته و إن استلزم انتهاك حرمته.

لكن الأولى في هذه الصورة: التدرج في النهي خصوصا اذا كانت الغيبة في حضور ثالث.

(2) تعليل لعدم وجوب نهي القائل عن الغيبة، حيث ان ردعه مستلزم لانتهاك حرمة القائل خصوصا اذا كانت الغيبة أمام ثالث.

لكن قد عرفت عدم استلزام ذلك لانتهاك حرمته اذا اخذ المستمع في النهي و الردع متدرجا.

(3) بالتشديد اسم مفعول و تثنية.

و المراد من المحرمين: الغيبة. و الردع المستلزم لانتهاك حرمة القائل بناء على أن القائل متلبس بالغيبة فهو حرام.

و ردعه عنها مستلزم لحرمة اخرى و هو الهتك و هو حرام آخر.

(4) اي قال (الشهيد الثاني) في نفس المصدر.

(5) اي عن استماع مثل هذه الغيبة التي لا يعلم أن المستغاب مستحق للغيبة أم لا.

(6) بضم الميم على صيغة اسم الفاعل المراد منه الاستثناء، اي حتى يعلم من الخارج استثناء هذا النوع من الغيبة.

ص: 63

منه، لعموم (1) الأدلة، و ترك (2) الاستفصال فيها، و هو (3) دليل إرادة العموم، حذرا (4) من الإغراء بالجهل،

++++++++++

(1) تعليل لوجوب العلم بتحقق المخرج لهذا الفرد عن حرمة استماع مثل هذه الغيبة.

و المراد من الأدلة: قوله صلى اللّه عليه و آله: إن السامع للغيبة أحد المغتابين.

و قوله صلى اللّه عليه و آله: القائل و المستمع لها شريكان في الإثم فإن الحديثين عامان لا يفرق فيهما بين كون المستغاب مستحقا للغيبة أم لا.

و كذلك لا يفرق فيهما بين أفراد المستمع من حيث علمهم يكون المستغاب مستحقا للغيبة أم لا.

(2) بالجر عطفا على مدخول (اللام الجارة) في قوله: لعموم فهو دليل ثان لوجوب العلم بتحقق المخرج، اي و لترك التفصيل في تلك الأخبار بين المستمع الذي يعلم استحقاق المغتاب الغيبة أم لا يعلم، فان قوله صلى اللّه عليه و آله: إن السامع للغيبة احد المغتابين.

و قوله صلى اللّه عليه و آله: إن القائل و المستمع لها شريكان في الاثم عام ليس فيهما التفصيل المذكور.

(3) اي ترك التفصيل في تلك الأخبار دليل على إرادة العموم من هذه الأخبار، و إرادة العموم من ترك الاستفصال: قاعدة مشهورة محرّرة في علم الاصول.

هذا اذا كان المولى في مقام بيان تمام مراده.

(4) منصوب على المفعول لأجله.

هذا تعليل لقوله: و الأولى التنبيه على ذلك.

خلاصة التعليل: أن وجه الأولوية في التنزيه عن مثل استماع هذه الغيبة التي لا يعلم السامع استحقاق المغتاب للغيبة، و لا عدم استحقاقه لها هو خوف وقوع القائل بالمأزق لو لم ينزه عن ذلك، و يكون هذا سببا -

ص: 64

و لأن (1) ذلك لو تم لتمشى فيمن يعلم عدم استحقاق المقول فيه بالنسبة الى السامع، مع احتمال (2) اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته: و هو هدم (3) قاعدة النهي عن الغيبة. انتهى (4).

أقول (5): و المحكي بقوله: قيل: لا دلالة فيه على جواز الاستماع

++++++++++

- لإغرائه بالجهل فيصير فيه مجال و نشاط للغيبة فيستمر في غيبته.

و لربما يتعلم منه الآخرون فيأخذوا في الغيبة شيئا فشيئا.

(1) اي و لأن الحمل على الصحة في هذه الصورة: و هو عدم علم السامع باستحقاق المقول فيه الغيبة، أو عدم علم السامع بعدم استحقاق المقول فيه الغيبة: لو جرى لجرى فيما يعلم السامع عدم استحقاق المقول فيه الغيبة مع احتماله أن القائل اطلع على ما يوجب استحقاق المقول فيه الغيبة.

أو يحتمل السامع أن القائل له وجه صحيح في إباحة غيبة هذا الرجل و قد خفي عليه.

(2) اي مع احتمال السامع كما عرفت آنفا.

(3) الواو حالية اي و الحال أن تسويغ الغيبة للقائل، و عدم ردعه عن الغيبة هدم و تخريب لقاعدة وجوب النهي عن الغيبة.

(4) اي ما افاده (الشهيد الثاني) في كشف الريبة في ص 44 في هذا المقام.

(5) من هنا يريد (الشيخ) أن يناقش (الشهيد الثاني) فيما حكاه في كشف الريبة بلفظ قيل.

و خلاصة المناقشة: أن قول القيل: لا يجب نهي القائل، لإمكان الاستحقاق: لا يلازم جواز استماع الغيبة، و لا يكون مبررا له، لأن دليله و هو إمكان الاستحقاق يدل على عدم وجوب ردع القائل عن غيبته فقط، و أما جواز استماع الغيبة فلا.

ص: 65

و انما يدل على عدم وجوب النهي عنه.

و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة (1) مع فرض جوازها للقائل لأن السامع أحد المغتابين فكما أن المغتاب تحرم عليه الغيبة.

إلا إذا علم التجاهر المسوغ.

كذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا إذا علم التجاهر.

و أما نهي القائل فغير لازم (2) مع دعوى القائل العذر المسوغ، بل مع احتماله (3) في حقه و إن اعتقد الناهي عدم التجاهر.

نعم لو علم (4) عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه.

هذا (5) و لكن الأقوى جواز الاستماع (6) اذا جاز للقائل، لأنه

++++++++++

(1) و هي الغيبة التي لا يجب النهي عنه، لاحتمال وجه صحيح لها حيث قلنا: إن أخبار حرمة استماع الغيبة لا تفصيل فيها بين علم السامع باستحقاق المقول فيه، و بين عدم علمه، و بين وجوب النهي عن الغيبة و بين عدم وجوبها.

(2) لأن نهيه عن الغيبة و هو يدعي العذر المسوغ مستلزم لهتكه و هو حرام.

(3) أي و لا سيما لا يلزم نهي القائل عن الغيبة مع احتمال العذر المسوغ في حقه.

(4) أي لو علم السامع أن القائل لا يعتقد بالتجاهر في حق المغتاب بالفتح و هو يستغيب عمرا مثلا: وجب على السامع ردع القائل حينئذ.

(5) أي خذ ما تلوناه عليك من ضروب الكلام في المتجاهر المستثنى عن حرمة الغيبة.

(6) أي استماع مثل هذه الغيبة التي نحتمل في حق القائل المبرر الشرعي في غيبته عن زيد كما لو صرح بالعذر.

ص: 66

قول غير منكر، فلا يحرم الإصغاء إليه، للأصل (1).

و الرواية (2): على تقدير صحتها (3) تدل على أن السامع لغيبة كقائل تلك الغيبة، فان كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك فتكون دليلا على الجواز فيما نحن فيه.

نعم (4) لو استظهر منها أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها، فإن جاز للسامع التكلم بغيبته جاز سماعها، و إن حرم عليه حرم سماعها أيضا:

لكانت الرواية على تقدير صحتها (5) دليلا للتحريم فيما نحن فيه (6)

لكنه (7) خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية

++++++++++

(1) و هي أصالة البراءة عن الحرمة فيثبت جواز الإصغاء.

(2) الواو استينافية أي و أما الجواب عن الرواية المشار إليها في ص 61 في قوله صلى اللّه عليه و آله: إن السامع للغيبة أحد المغتابين.

(3) حيث إنها مرسلة مقطوعة الأسناد.

(4) استدراك عما أفاده من دلالة الرواية على جواز استماع الغيبة.

و خلاصته: أن الرواية لو استظهر منها كون السامع أحد المتكلمين للغيبة و أنه منهم لكان جواز الاستماع و عدمه للسامع يدور مدار الجواز و العدم للمتكلم، فإن قلنا بالجواز للمتكلم بهذه الغيبة جاز للسامع الاستماع و إن لم نقل لم يجز له الاستماع.

(5) حيث إنها مرسلة مقطوعة الأسناد كما عرفت.

(6) و هو جواز استماع الغيبة من القائل المحتمل في حقه أن يكون معذورا في الاغتياب.

(7) أي الاستظهار المذكور و هو كون السامع أحد المغتابين خلاف الظاهر، بناء على قراءة المغتابين بصيغة التثنية. -

ص: 67

و إن كان هو الظاهر على تقدير قراءته بالجمع.

لكن هذا التقدير (1) خلاف الظاهر، و قد تقدم في مسألة التشبيب أنه اذا كان شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه فراجع (2).

ثم إنه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة.

فعن المجالس باسناده عن أبي ذر رضوان اللّه عليه عن النبي صلى اللّه عليه و آله: من اغتيب عنده اخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره نصره اللّه تعالى في الدنيا و الآخرة، و إن خذله و هو يستطيع نصره خذله اللّه في الدنيا و الآخرة (3).

و نحوها عن الصدوق باسناده عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام (4):

و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبي صلى اللّه عليه و آله: من ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد اللّه عنه ألف باب من الشر في الدنيا

++++++++++

- و أما لو قرئ بصيغة الجمع يكون السامع أحد المغتابين كما هو الظاهر من الرواية فيحرم عليه حينئذ الاستماع و قد أشار الشيخ الى هذا المعنى بقوله:

و إن كان هو الظاهر.

(1) و هو فرض كون السامع أحد المغتابين بناء على قراءته بصيغة الجمع خلاف الظاهر.

(2) راجع الجزء الثاني من المكاسب من طبعتنا الحديثة ص 210 عند قول المصنف: و كيف كان فاذا شك المستمع.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 608. الباب 156. الحديث 8.

(4) نفس المصدر. ص 606. الحديث 1.

ص: 68

و الآخرة، فإن لم يرد عنه و اعجبه كان عليه كوزر من اغتابه (1).

و عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام في حديث الملاهي عن النبي صلى اللّه عليه و آله: من تطول على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد اللّه عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فإن هو لم يردها و هو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة إلى آخر الخبر (2).

و لعل وجه زيادة عقابه (3): أنه اذا لم يرده تجرّأ المغتاب على الغيبة فيصر على هذه الغيبة و غيرها.

و الظاهر أن الرد غير النهي عن الغيبة، و المراد به (4) الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة، فان كان (5) عيبا دنيويا انتصر له:

بأن العيب ليس إلا ما عاب اللّه به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبأ اللّه به، و إن كان (6) عيبا دينيا وجّهه بمحامل تخرجه (7)

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 607. الحديث 5.

(2) نفس المصدر. ص 599 الى 600. الحديث 13.

(3) أي زيادة عقاب المستمع عن المستغيب في قوله صلى اللّه عليه و آله:

كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة.

(4) أي بالرد.

(5) أي إن كان ما يستغيبه عيبا دنيويا كأن يقول: إن زيدا متكبر أو سفيه، أو ليس له شرف.

و الباء في قوله: بأن العيب بيان لكيفية انتصار المستمع للمغتاب بالفتح

(6) أي ما يستغيبه كان عيبا دينيا كأن يقول: زيد متهاون في صلاته أو لا يلتزم بالشرع.

(7) الفاعل في وجّه المستمع أي وجّه المستمع العيب الديني على محامل

ص: 69

عن المعصية، فان لم يقبل (1) التوجيه انتصر له: بأن المؤمن قد يبتلى بالمعصية، فينبغي أن تستغفر له، و تهتم له، لا أن تعيره، و أن تعييرك إياه لعله أعظم عند اللّه من معصيته، و نحو ذلك (2).

ثم إنه قد يتضاعف عقاب المغتاب (3) اذا كان ممن يمدح المغتاب (4) في حضوره.

و هذا (5) و ان كان في نفسه مباحا إلا أنه اذا انضم مع ذمه في غيبته سمي صاحبه ذا لسانين يوم القيامة، و تتأكد حرمتها (6)، و لذا ورد في المستفيضة أنه يجيء ذو لسانين يوم القيامة و له لسانان من النار (7) فان لسان المدح في الحضور و إن لم يكن لسانا من نار إلا أنه إذا انضم

++++++++++

صحيحة تخرج هذه المحامل ذاك العيب الديني عن المعصية بحيث يجعله عملا صحيحا شرعيا.

(1) أي المستغيب لم يقبل من السامع المحامل الصحيحة التي أبداها فيشرع السامع حينئذ في الانتصار للمغتاب بالفتح.

و الباء في بأن المؤمن بيان لكيفية الانتصار.

(2) من الردود على القائل.

(3) بالكسر و هو المستغيب.

(4) بالفتح و هو المستغاب.

(5) و هو المدح في الحضور.

(6) أي و تتأكد حرمة مثل هذه الغيبة في حق من يمدح بالحضور و يستغيب في الغياب.

(7) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 581 الباب 143 الحديث 1.

و في المصدر: جاء بدل يجيء.

ص: 70

الى لسان الذم في الغياب صار كذلك (1).

و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام: قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من مدح أخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطع ما بينهما من العصمة (2).

و عن الباقر عليه السلام: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين، و ذا لسانين يطرئ (3) اخاه شاهدا، و يأكله غائبا، إن اعطي حسده و إن ابتلى خذله (4).

و اعلم أنه قد يطلق الاغتياب على البهتان و هو أن يقال في شخص:

ما ليس فيه، و هو اغلظ تحريما من الغيبة.

و وجهه ظاهر، لأنه جامع بين مفسدتي الكذب و الغيبة (5).

و يمكن القول بتعدد العقاب من جهة كل من العنوانين (6) و المركب و في رواية علقمة عن الصادق عليه السلام: حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة أبدا، و من اغتاب مؤمنا بما ليس

++++++++++

(1) أي صار لسان المادح لسانا من نار.

(2) نفس المصدر. ص 583. الحديث 10.

(3) من باب الإفعال من أطرى يطري إطراء. معناه: المبالغة في الثناء، يقال: أطرى زيدا، أي أحسن الثناء عليه.

(4) نفس المصدر. ص 582. الحديث 2.

(5) هذا اذا كان في غيابه، و من الممكن أن يكون البهتان في الحضور فانه حينئذ يتمحض في كونه كذبا.

(6) و هما: الغيبة و البهتان.

ص: 71

فيه فقد انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب في النار خالدا فيها و بئس المصير (1).

خاتمة في بعض ما ورد من حقوق المسلم على أخيه.

خاتمة في بعض ما ورد من حقوق المسلم على أخيه.

ففي صحيحة مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: ما عبد اللّه بشيء أفضل من أداء حق المؤمن (2).

و روي في الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكي عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن علي الجعابي عن القاسم ابن محمد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأدائها، أو العفو (3): يغفر زلته (4)، و يرحم عبرته (5)

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 601. الباب 152. الحديث 20.

(2) نفس المصدر. ص 542. الباب 122. الحديث 1.

(3) اي من جانب الاخ المسلم الذي هو صاحب الحقوق.

(4) من زلّ يزل بكسر العين و فتحها في المضارع معناه: الخطيئة هذا اوّل الحقوق.

و المراد من غفران زلته: أن المسلم اذا صدر من اخيه المسلم في حقه خطيئة: أن يعفو عنها، و لا يقابلها بالمثل حتى يكون مثله في الإساءة.

(5) هذا ثاني الحقوق، و العبرة الدمعة.

مقصود الامام عليه السلام: أن المسلم اذا أصيب بنكبة فعلى اخيه أن يسليه تسلية تتدارك بها عبرته، أو يدفع عنه ما كان سببا للعبرة.

ص: 72

و يستر عورته (1)، و يقيل (2) عثرته، و يقبل معذرته (3)، و يرد غيبته (4) و يديم نصيحته (5)، و يحفظ خلّته (6)، و يرعى ذمته (7)، و يعود (8)

++++++++++

(1) هذا ثالث الحقوق، و العورة هنا العيوب: و هو كل امر يستحيي الانسان من إظهاره، اي يستر المسلم عيب اخيه المسلم و لا يظهره في الملأ و عند كل أحد.

(2) هذا رابع الحقوق، و يقيل فعل مضارع من اقال يقيل إقالة وزان أقام يقيم اقامة من باب الافعال، معناه: اخراجه من الشدة

(3) هذا خامس الحقوق اي من علائم المسلم و صفاته أنه لو اساء إليه اخوه المسلم ثم اعتذر منه: أن يقبل عذره.

(4) هذا سادس الحقوق اي من علائم الاخوة الاسلامية أن يستنكر و يدافع عن اخيه المؤمن لو رأى من يستغيبونه: بشتى الأساليب.

(5) هذا سابع الحقوق اي من صفات المسلم و نعوته أن لا يرفع اليد عن نصيحة اخيه المسلم لو رأى منه الزلل و الخطأ و ان كررت منه النصيحة في حقه و لم يقبل منه.

(6) هذا ثامن الحقوق، و الخلة بضم الخاء و فتح اللام المشددة الصداقة أي على المسلم لو صادق اخاه المسلم الاحتفاظ بصداقته: بأن لا يؤذيه

(7) هذا تاسع الحقوق، و الذمة بكسر الذال و فتح الميم المشددة معناه العهد و الأمان أي على المسلم الاحتفاظ بالعهود و المواثيق الموجودة بينه، و بين اخيه المسلم و لا ينقضها.

(8) هذا عاشر الحقوق اي على المسلم أن يزور اخاه المسلم لو مرض و يتفقده عن مدى صحته في مرضه.

ص: 73

مرضه، و يشهد ميته (1)، و يجيب دعوته (2)، و يقبل هديته (3) و يكافي صلته (4)، و يشكر نعمته (5)، و يحسن نصرته (6)، و يحفظ حليلته (7)، و يقضي حاجته (8)، و يستنجح مسألته (9)، و يسمت

++++++++++

(1) هذا حادي عشر الحقوق، اي على المسلم ان يحضر جنازة أخيه المسلم اذا مات، أو مات منه احد منتسبيه.

(2) هذا ثاني عشر الحقوق اي اذا دعا المسلم اخاه المسلم الى وليمة أو احتفال فعليه الحضور في مجلس الوليمة و الطعام.

(3) هذا ثالث عشر الحقوق اي اذا اكرم المسلم اخاه المسلم بهدية فعليه قبولها.

(4) هذا رابع عشر الحقوق اي اذا اكرم المسلم اخاه المسلم فعلى من أكرم مجازاة المكرم إما بمثل اكرامه، أو بتقديره.

(5) هذا خامس عشر الحقوق اي على المسلم اذا انعم عليه اخوه المسلم أن يشكره قولا و عملا، و لا يقابله بالنكران و الاساءة.

(6) هذا سادس عشر الحقوق أي أن المسلم اذا رأى اخاه المسلم يصاب بظلامة يقف الى جانبه و ينصره في ظلامته لعلها ترتفع عنه.

(7) هذا سابع عشر الحقوق، و الحليلة بفتح الحاء و كسر السلام هي الزوجة: اي على المسلم أن لا يعتدي على زوجة اخيه المسلم:

بأن لا ينظر إليها، و لا يطمع فيها اذا كانت جميلة، أو ذات مال.

و هكذا يمنع الآخرين عن التعدي عليها اذا تمكن من ذلك.

(8) هذا ثامن عشر الحقوق اي يدفع المسلم عن اخيه المسلم ما يصيبه من العوز.

(9) هذا تاسع عشر الحقوق، و يستنجح فعل مضارع ماضيه استنجح -

ص: 74

عطسته (1)، و يرشد ضالته (2)، و يرد سلامه (3)،

++++++++++

- من باب الاستفعال، اي على المسلم أن يسعى في نجاح قضاء ما سأله اخوه المسلم و طلب منه اذا كان متمكنا من القضاء.

(1) هذا هو الحق العشرون، و العطسة بفتح العين و سكون الطاء معناها خروج الهواء مع الصوت من الانف بشدة و هي من باب التفعيل اي على المسلم أن يقول لاخيه المسلم اذا عطس: يرحمك اللّه.

و قد وردت روايات كثيرة في تسمية العاطس.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8

الباب 57 من باب استحباب تسمية العاطس من ص 459-466 الأحاديث.

(2) هذا هو الحق الحادي و العشرون. و معنى ارشاد الضالّة:

أن المسلم يبين الى اخيه المسلم الطرق المؤدية الى قضاء حاجته.

و يمكن أن يكون المعنى هدايته الى الطريق المستقيم في الدين اذا ضل عنه.

(3) هذا هو الحق الثاني و العشرون اي على المسلم أن يرد جواب سلام اخيه المسلم.

ثم هل المراد من السلام السلام بالنطق، أو الأعم منه و من الاشارة و هو المعبر عنه بمطلق التحية.

و كذا المراد بالرد هو الرد بالنطق، أو بمطلق الاشارة، فهنا صور اربع:

(الاولى): السلام بالنطق و الجواب بالنطق.

(الثانية): السلام بالاشارة و الجواب بالاشارة.

(الثالثة): السلام بالنطق و الجواب بالاشارة.

(الرابعة): السلام بالاشارة و الجواب بالنطق.

ص: 75

و يطيب كلامه (1) و يبرّ إنعامه (2)، و يصدق أقسامه (3)، و يوالي وليه و لا يعاديه (4) و ينصره ظالما و مظلوما (5).

فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه، و أما نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقه

++++++++++

فرد السلام هنا اعم من النطق و الاشارة عرفا.

لكن الظاهر أن السلام اذا كان بالنطق لا يكفيه الجواب بالاشارة فيتعين عليه الجواب بالنطق أيضا.

(1) هذا هو الحق الثالث و العشرون معناه أن على المسلم أن يتكلم مع اخيه المسلم برفق و لين، و أدب و تواضع: بأن يقول لاخيه المسلم عند التخاطب: نعم سيدي، نعم مولاي، ما رأيكم ما أمركم.

(2) هذا هو الحق الرابع و العشرون، و الإنعام بكسر الهمزة مصدر باب الإفعال، و يبر بفتح العين و ضمها و كسرها في المضارع أي على المسلم لو انعم عليه اخوه المسلم تقدير تلك النعمة، و ان كانت ضئيلة.

(3) هذا هو الحق الخامس و العشرون، و أقسام بفتح الهمزة جمع قسم و هي اليمين اي لو حلف المسلم فعلى اخيه المسلم قبول يمينه و تصديقه و يحتمل أن يراد أن المسلم لو اقسم اخاه المسلم بأن قال له: اقسمت عليك باللّه الكريم جل جلاله أن لا تطلق زوجتك و هو يريد طلاقها:

أن يجيبه الى ذلك.

(4) هذا هو الحق السادس و العشرون اي على المسلم أن يوالي من يوالي اخاه المسلم، و لا يبغضه.

و الى هذا اشار (مولانا امير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام في قوله:

اصدقاؤك ثلاث: صديقك، و صديق صديقك، و عدو عدوك.

(5) هذا هو الحق السابع و العشرون اي اذا كان في مقام الظلم و الإيذاء

ص: 76

و لا يسلمه (1)، و لا يخذله، و يحب (2) له من الخير ما يحب لنفسه، و يكره (3) له من الشر ما يكره لنفسه.

ثم قال عليه السلام: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له (4) و عليه.

و الأخبار في حقوق المؤمن كثيرة:

و الظاهر (5) إرادة الحقوق المستحبة التي ينبغي اداؤها.

++++++++++

(1) هذا هو الحق الثامن و العشرون. و يسلم فعل مضارع يحتمل أن يكون من باب الإفعال من اسلم.

بمعنى الترك اي لا يتركه بين الأعداء حتى يصبح ذليلا مهانا.

و جملة و لا يخذله عطف تفسير لقوله: و لا يسلمه.

(2) هذا هو الحق التاسع و العشرون.

(3) هذا آخر الحقوق و هو الحق الثلاثون.

(4) اي يحكم لصاحب الحقوق يوم القيامة على المسلم الذي ترك هذه الحقوق و لم يؤدها.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 550. الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الباب 120 الحديث 24.

(5) اى الظاهر من الأخبار الواردة في الحقوق هي الحقوق المستحبة و هي الحقوق الثلاثون التي ذكرها الشيخ بتمامها و اشرنا إليه واحدا واحدا تحت رقمه الخاص.

و المراد من قوله: التي ينبغي اداؤها: أنه يترتب على تركها من المطالبة يوم القيامة، و الحكم على تاركها في صالح من هي له.

و باعتبار ما في أدائها من الفضل العظيم، و الثواب الجزيل.

ثم هل في تركها عقاب ؟

ص: 77

و معنى القضاء لذيها (1) على من هي عليه: المعاملة (2) معه معاملة من أهملها بالحرمان (3) عمّا اعدّ لمن أدّى حقوق الاخوة (4).

++++++++++

- يمكن أن يقال بذلك في بعض تلك الحقوق في ظروف تستدعي وجوبها فيثبت العقاب على تركها، لاجل تلك الظروف و الملابسات.

كما اذا استوجب ترك الحق هتك أخيه المسلم، أو ايذاءه أو تحقيره أو اهانته.

(1) مرجع الضمير الحقوق، و المراد من ذي: أصحاب الحقوق و هم المسلمون.

و المراد من كلمة (من): الاخ المسلم الذي لا يؤدي تلك الحقوق و مرجع الضمير في (هي): الحقوق في (عليه): الاخ المسلم الذي لا يؤدي الحقوق التي جاء بها الاسلام.

و معنى العبارة: أنه يحكم يوم القيامة لأصحاب الحق الذين كانوا ذوي حقوق على إخوانهم المسلمين و لم يؤدوا تلك الحقوق، فيعامل مع هؤلاء التاركين للحقوق بحرمانهم عن الدرجات السامية، و المراتب العالية التى أعدت لمن ادى تلك الحقوق، و لا يحظون بها فيحرمون منها.

(2) خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: و معنى القضاء.

و قد عرفت معنى المعاملة آنفا.

و مرجع الضمير في (معه): الاخ المسلم التارك للحقوق.

(3) الجار و المجرور متعلق بقوله: المعاملة.

(4) و هي الحقوق المذكورة التي جاء بها الاسلام للمجتمع البشري و التي تسبب التحابب و التوادد لو عمل بها، فالمسلمون لو كانوا عاملين بهذه القيم الانسانية لسادوا العالم برمته، و لساد الأمن و الطمأنينة و الرخاء

ص: 78

ثم إن ظاهرها (1) و ان كان عاما إلا أنه يمكن تخصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدي لها بحسب اليسر.

أما المؤمن المضيع لها (2) فالظاهر عدم تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إليه (3)، و لا يوجب إهمالها مطالبته (4) يوم القيامة، لتحقق (5)

++++++++++

في الأصقاع، و لما كان يقتل بعضهم بعضا، و لما آل الامر الى هذا التفسخ في الأخلاق، و التظاهر في الفسوق و الفجور التي ادت الى انحطاط المسلمين و أما إعمال هذه الحقوق مع غير المسلمين فامر مطلوب مستحسن لكنه لا يطالب المسلم بها يوم القيامة لو لم يؤدها في حق غير المسلم.

(1) اي و ظاهر هذه الحقوق المذكورة و ان كان عاما. بمعنى أنها حقوق لكل مسلم على كل مسلم، سواء أ كان عالما بها أم لا، و مؤديا لها أم لا، و سواء قوبل بمثلها أم لا، لكن يمكن اختصاصها بمن كان عارفا بها و مؤديا لها فلو لم يؤدها سقط عنه تأكدها.

(2) أي لهذه الحقوق بالنسبة إلى أخيه المسلم.

(3) أي بالنسبة إلى هذا المضيع.

و لا يخفى أن عدم تأكد أداء الحقوق بالنسبة إلى هذا المضيع في حق أخيه المسلم: راجع الى الحقوق المذكورة، لا إلى الثواب و الفضيلة، إذ قد عرفت آنفا أن أداءها أكثر ثوابا، و أشد فضلا.

(4) المصدر مضاف الى المفعول و هو الأخ المسلم الذي أهمل الحقوق و الفاعل الأخ المسلم المضيع.

و المعنى: أن اهمال المسلم حقوق الاخوة في حق أخيه المسلم الذي ضيع حقوق الاخوة لا يوجب مطالبة المضيع المهمل يوم القيامة.

(5) تعليل لعدم حق الاخ المضيع حتى يطالب اخاه المهمل للحقوق يوم القيامة.

ص: 79

المقاصة، فان التهاتر يقع (1) في الحقوق كما يقع في الأموال.

و قد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان، بل لجميعهم إلا القليل منهم.

فعن الصدوق رحمه اللّه في الخصال، و كتاب الاخوان.

و الكليني بسندهما عن أبي جعفر عليه السلام قال: قام الى أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام رجل بالبصرة فقال: أخبرنا عن الإخوان.

++++++++++

و خلاصته: أن عدم المطالبة لاجل المقاصة المحققة في حق الطرفين لأن معنى التقاص: أن يكون لزيد على عمرو حق و هو ينكره، أو لا يدفعه إليه مع وجوب الدفع فحينئذ يجوز لزيد أن يأخذ من مال عمرو قهرا من جنس حقه إن وجده، و إلا فمن غيره بمقدار ما يطلبه، و لا يحتاج الاخذ إلى مراجعة الحاكم الشرعي.

ففيما نحن فيه كان للأخ المسلم على ذمة أخيه المسلم الحقوق المذكورة بمثل ما كان لهذا على ذاك فلما لم يؤد الأخ المسلم تلك الحقوق في حق أخيه فبالمقابلة بالمثل أهمل المسلم الآخر تلك الحقوق في حق أخيه فتسقط الحقوق قهرا فيحصل التهاتر القهري.

ثم إن المقاصة مصدر باب المفاعلة من قاص يقاص أصله قاصص يقاصص وزان ضارب يضارب اجتمع الحرفان ادغم الاول في الثاني جريا عن القاعدة الصرفية، و اسم الفاعل و المفعول منه على وزان واحد و هو مقاص، و يفرق بينهما بكسر الصاد في الفاعل، و بفتحها في المفعول فيقال: مقاصص مقاصص كما في مختار، فإن الفاعل مختير، و المفعول مختير.

(1) مصدر باب التفاعل من تهاتر يتهاتر معناه: السقوط.

ص: 80

فقال عليه السلام: الإخوان صنفان: اخوان الثقة (1)، و اخوان المكاشرة (2).

فأما اخوان الثقة فهم كالكف (3) و الجناح، و الأهل (4) و المال فاذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك و يدك، و صاف (5) من صافاه، و عاد من عاداه، و اكتم سره و عيبه، و أظهر منه الحسن.

و اعلم أيها السائل إنهم أعز من الكبريت الأحمر (6).

++++++++++

(1) و هم الذين يثق الانسان بدينهم و صداقتهم و إخوتهم.

(2) مصدر باب المفاعلة من كاشر يكاشر معناه المجاملة أي دار أخاك ما دارك، و أضحكه ما اضحكك، و ليس في الواقع و نفس الأمر صداقة واقعية و حقيقية، و الشين في مكاشرة مفتوحة، طبقا للقياس في باب المفاعلة

(3) الغرض من تشبيه اخوان الثقة بالكف و الجناح: أن الكف كما يدفع بها المكروه، و يجلب بها النفع، و أن الجناح كما يطير به الطائر الى أعالي رءوس الجبال و قمتها.

كذلك المسلم يدفع بأخيه المسلم الثقة المكروه عن نفسه، و يجلب النفع إليه، و يطير به إلى أعالي الدرجات و قمتها.

(4) وجه تشبيه الاخ الثقة بالاهل و المال: أن الاهل كما يكونون عونا للانسان في كل مهمة و ملمة، و كما أن المال يقي الانسان من الحاجات و يبعده عن الفقر، فاخو الثقة يكون عونا لاخيه المسلم و يقيه عن احتياجاته و يبعد عنه الفقر.

(5) من الصفا، اي اصف لمن صفى لك المحبة و الوداد.

(6) يحتمل أن يراد من الكبريت الأحمر: إما الذهب الأحمر أو الياقوت الأحمر.

و لما كان كلاهما عزيزي الوجود شبه الامام عليه السلام الاخوان الثقات

ص: 81

و أما اخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك (1) منهم، و لا تطلبنّ ما وراء ذلك (2) من ضميرهم، و ابذل لهم ما بذلوا لك: من طلاقة الوجه، و حلاوة اللسان (3).

و في رواية عبيد اللّه الحلبي المروية في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تكون الصداقة (4) إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود

++++++++++

بالكبريت الاحمر، لقلة وجودهم، بل هم أقل من القليل.

و لعمر الحق إنه لا يوجد في عصرنا الحاضر من هؤلاء الذين وصفهم الامام عليه الصلاة و السلام حتى الفرد الواحد.

(1) اي المكاشرة: من المجالسة و المسامرة بشرط أن لا تكون المجالسة في معصية.

(2) اي ما وراء اللذة الصورية الآتية منهم: من المال و المساعدة و دفع الاذى، و غيرها.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 404. الباب 2 من أبواب العشرة. الحديث 1.

(4) الصداقة هي الصحبة الودية الخالصة من الشوائب مأخوذة من الصدق و الصفاء فكل من المتصاحبين لا بدّ أن يكون صادقا في صحبته و محبته و مداراته و مرضاته مع صاحبه، و يكون ظاهره و باطنه معه على حد سواء.

فالامام عليه السلام يتفضل ببيان ما تتحقق به الصداقة و هي الاخوة الصادقة.

فقوله عليه السلام: لا تكون الصداقة إلا بحدودها، أو شيء منها:

يشير الى أن الصداقة لها قيود و شروط خمسة فالمدعي للصداقة لا بدّ أن يكون

ص: 82

أو شيء منها فانسبه الى الصداقة، و من لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه الى شيء من الصداقة:

(فأولها): أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة.

(و الثانية): أن يرى زينك زينه (1)، و شينك شينه.

(و الثالثة): أن لا تغيره عليك ولاية و لا مال (2).

(و الرابعة): أن لا يمنعك (3) شيئا تناله مقدرته.

++++++++++

- جامعا لتلك الشروط حتى تصدق عليه الصداقة الصحيحة، و يكون هو مصداقا حقيقيا و فردا واقعيا لها.

و يسمى هذا النوع من الصداقة: الفرد الأعلى و الاسمي لها.

و أما اذا لم تجتمع كلها فيه فعلى الأقل أن يكون متصفا ببعضها حتى يصدق عليه مفهوم الصداقة، لا أن يكون خاليا من كلها، فانه لو خلا منها بأجمعها لم يصدق عليه أنه صديق.

و لا يخفى عليك أنه ليس لازم ذلك عدم صدق الاخوة الاسلامية على الفارغ منها، لأن المؤمن اخ للمؤمن لا محالة و على كل حال و لو لم يقم بوظائف الاخوة لأن عرى الاخوة لا تنفصم.

(1) الزين مصدر زان يزين زينا وزان باع يبيع بيعا معناه: التحسين يقال: زانه اي حسنه، سواء أ كان التحسين في الماديات أم في المعنويات و الشين هي المساوي، سواء أ كانت مادية أم معنوية.

(2) مقصوده عليه السلام: أن الصديق من كان لا يحسدك فيما انعمه اللّه عليك: من المال و السلطة و السمعة و الاشتهار.

(3) الفاعل في قوله عليه السلام: أن لا يمنعك: الصديق اي لا يمنعك الصديق عما هو مقدور له مباشرة، أو تسبيبا.

و الفاعل في قوله عليه السلام: تناله: مقدرته، و مرجع الضمير -

ص: 83

(و الخامسة) و هي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلّمك عند النكبات (1) و لا يخفى أنه اذا لم تكن الصداقة (2) لم تكن الاخوّة (3) فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه (4).

و في نهج البلاغة لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث في نكبته، و في غيبته (5)، و في وفاته (6).

++++++++++

في تناله: كلمة شيئا، و في مقدرته الفاعل في يمنعك و هو الصديق.

(1) بفتح النون و الكاف جمع نكبة بفتح النون و سكون الكاف:

و هي المصيبة، و المقصود: أن الصديق هو الذي لا يخذلك عند المهمات و الشدائد.

و الحديث في (اصول الكافي). الجزء 2. ص 639. الحديث 6 (2) اي اذا لم يكن الصفاء و صدق النية، و الحقيقة و الواقعية موجودة لم تكن الأخوة موجودة حتى يترتب عليها تلك الحقوق، فالحقوق هذه دائرة مدار الاخوة فان وجدت ترتبت هذه، و إلا فلا.

(3) بضم الهمزة و الخاء و فتح الواو المشددة مصدر لا الاسمي.

و المراد منه هنا معناه الحدثي و هو التأخي.

(4) أي بالنسبة الى هذه الاخوّة غير الصادقة.

و لا يخفى أن الحقوق الواردة في هذه الأخبار في حق الأخ المسلم و التي ينبغي أن تراعى فقد ذهبت هباء منثورا في عصرنا، حيث لا يوجد أخ هذه صفاته و نعوته، لأن المادة اخذت مشاعرنا، و غلبت علينا حتى نسينا ذكر اللّه.

(5) بفتح الغين و سكون الياء مصدر غاب يغيب.

(6) راجع نهج البلاغة. الجزء 3. ص 184. الكلام القصير 134

ص: 84

و في كتاب الاخوان بسنده عن الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: أ رأيت من قبلكم (1) اذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه (2) عليه ؟

قلت: لا.

قال: فاذا كان ليس عنده إزار (3) يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتى يجد له ازارا.

قلت: لا.

قال: فضرب بيده على فخذه و قال: ما هؤلاء بإخوة الى آخر الخبر (4):

++++++++++

- طباعة مصر شرح الاستاذ (الشيخ محمد عبده). تحقيق (محمد محي الدين عبد الحميد).

مقصود الامام عليه السلام: أن من وظيفة المسلم أن لا يضيع حقوق أخيه المسلم في حالات ثلاث:

(الاولى): المحافظة على شئونه الدنيوية عند ما يصاب أخوه المؤمن بمصيبة.

(الثانية): المحافظة على غيبته بأن لا يمس كرامته حيا و ميتا.

(الثالثة): أن يحضر جنازته اذا مات، و مجلس فاتحته اذا انعقدت و تسلية ولده و أهله و عشيرته.

(1) بكسر القاف و فتح الباء و اللام ظرف مكان أي أ رأيت من عندكم ؟

(2) أي يعطيه إياه.

(3) بكسر الهمزة و هي الملحفة التي يلفها الانسان به.

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 414. باب استحباب مواساة الإخوان. باب 14. الحديث 1.

ص: 85

دل (1) على أن من لا يواسي (2) المؤمن ليس بأخ (3) له فلا يكون له حقوق الاخوة المذكورة في روايات الحقوق.

و نحوه (4) رواية ابن أبي عمير عن خلاد رفعه قال: ابطأ على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رجل فقال: ما ابطأ (5) بك فقال: العرى (6) يا رسول اللّه.

فقال صلى اللّه عليه و آله: أ ما كان لك جار له ثوبان يعيرك احدهما فقال: بلى يا رسول اللّه.

++++++++++

- و المراد من فضل إزاره: الإزار الزائد عن حاجته.

مقصود الامام عليه السلام من قوله: يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتى يجد له إزارا: إعطاء الإزار للعاري منه بعنوان الإعارة لا بعنوان الهبة.

(1) أي الحديث المذكور.

(2) فعل مضارع من واسى يواسي مواساة من باب المفاعلة معناه:

المعاونة، يقال: واساه أي عاونه.

(3) لا يخفى أن الصديق اذا لم توجد فيه الشروط الخمسة، أو أحدها لا تنفصم عرى الاخوة بينهما و إن لم تصدق عليه الصداقة، بل الخطاب بأداء حقوق الاخوة المذكورة في الأخبار باق مستمر، فكيف أفاد الشيخ بسقوطها.

(4) أي و نحو هذا الحديث الدال على أن من لم يواسي أخاه ليس بأخ.

(5) أي ما أخّرك عن المجيء و الحضور.

(6) بفتح العين مع الياء خلاف اللبس.

ص: 86

فقال صلى اللّه عليه و آله: ما هذا لك بأخ (1).

و في رواية يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

اختبروا (2) اخوانكم بخصلتين (3) فان كانتا فيهم (4)، و إلا فاعزب (5) ثم اعزب ثم اعزب: المحافظة (6) على الصلاة في مواقيتها.

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 415. الباب 14 من أبواب العشرة. الحديث 3.

(2) أي امتحنوا.

(3) بفتح الخاء و سكون الصاد. و فتح اللام تثنية خصلة بفتح الخاء و سكون الصاد و فتح اللام. جمعه خصال بكسر الخاء معناه: الفضيلة و الرذيلة. أي تستعمل في المعنيين: الفضيلة و الرذيلة، لكنها غلبت على الفضيلة و هو المراد هنا.

(4) جواب الشرط هنا محذوف أي إن كانت الخصلتان و هما الفضيلتان موجودتين فى الانسان فهو المطلوب، و إن لم تكونا موجودتين فالابتعاد عنهم هو المطلوب.

(5) بفتح الهمزة و سكون العين و ضم الزاء المعجمة بمعنى البعد أي ابعد نفسك عن هؤلاء الذين لم تكن فيهم الخصلتان، ثم أبعد ثم أبعد و في تكرار الامام عليه السلام قوله: ثم اعزب ثم اعزب تأكيد أكيد عن قطع المعاشرة مع هؤلاء الذين يدعون الصداقة.

(6) هذه هي الخصلة الاولى من الخصلتين.

و المواقيت جمع ميقات، أصله موقات قلبت الواو الساكنة ياء على القاعدة المشهورة من أنها اذا كانت ساكنة و قبلها مكسور تقلب ياء كما هي الحال في مثيلاته ميزان ميعاد ميضاة.

و قد اشرنا إلى هذه القاعدة في (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة

ص: 87

و البر (1) بالإخوان في اليسر و العسر.

++++++++++

الجزء 1. ص 215 عند هامش 3 في كلمة (ميضاة) فراجع.

مقصود الامام عليه السلام: أن الأخ المؤمن اذا حافظ على أداء صلواته الخمس في أوقاتها: بأن أدّى الصبح في وقته، و الظهر في وقته و العصر في وقته، و المغرب في وقته، و العشاء في وقته، و لا يؤخرها عن أوقاتها: بأن يصلي الصبح قبل طلوع الشمس بدقائق قليلة، أو الظهر قبيل العصر بدقائق قليلة و هكذا.

و يحتمل أن يكون مقصوده عليه السلام أن من علامة المؤمن اتيان الصلوات الخمس في أول أوقات الفضيلة و هو الأرجح.

(1) هذه هي الخصلة الثانية من الخصلتين اللتين ذكرتا في الرواية المروية عن الخصال. الجزء 1. ص 47. الحديث 5 من باب الاثنين.

طباعة (النجف الأشرف) منشورات المطبعة الحيدرية:

و ما ذكره الشيخ هنا مخالف لما في المصدر.

إليك نص الرواية عن يونس بن ضبيان، و مفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خصلتان من كانتا فيه، و إلا فاعزب ثم اعزب، ثم اعزب قيل: و ما هما؟

قال: الصلاة في مواقيتها، و المحافظة عليها و المواساة.

و مذكور في (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 503. الباب 103 من أبواب العشرة. الحديث 1. عن الخصال بنفس الألفاظ.

لكن لا نعرف أن الشيخ من أين ذكر الخصلة الثانية بقوله: و البر بالإخوان في اليسر و العسر.

و لعله وجدها في رواية اخرى عن مصدر آخر لم نعثر عليها.

ص: 88

القمار

ص: 89

ص: 90

المسألة الخامسة عشرة القمار

اشارة

«الخامسة عشرة» (1) القمار و هو حرام اجماعا (2)، و يدل عليه الكتاب و السنة المتواترة.

++++++++++

(1) أي المسألة الخامسة عشرة من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: القمار.

(2) المراد به هو الإجماع المحصل لا المنقول، و المحصل يحصل للفقيه بنفسه بعد تتبع أقوال المجتهدين، و العلم بعدم الخلاف في المسألة، أو العلم بدخول الامام عليه السلام في المجمعين كما هو مبنى حجية الاجماع عند (الإمامية) أي اللعب المشتمل على المراهنة حرام، للإجماع المحصل و أما الإجماع المنقول فهو ما ينقله الفقيه عن فقهاء آخرين ثبت عندهم الإجماع.

و هذا الإجماع مختلف في حجيته.

راجع (الرسائل لشيخنا الأنصاري) فقد أسهب الكلام هناك فشكر اللّه مساعيه، و أجزل مثوبته.

ثم لا يخفى عليك أنه ذهب بعض الأعلام من علمائنا الفطاحل إلى أن الإجماع المؤيد بالسنة غير حجة و ان كان محصلا، لأنه كلما تقوى السنة ضعف الإجماع، لاحتمال استناد المجمعين في قولهم إلى السنة فلا تبقى مزية حينئذ للاجماع، لأن حجية الإجماع عند عدم وجود دليل غيره.

و أما اذا وجد غيره فهو أولى منه.

ص: 91

و هو بكسر القاف (1) كما عن بعض أهل اللغة: الرهن (2) على اللعب بشيء (3) بالآلات المعروفة.

و حكي عن جماعة أنه قد يطلق على اللعب بهذه الأشياء (4) مطلقا و لو من دون رهن، و به (5) صرح في جامع المقاصد.

و عن بعض أن أصل المقامرة المغالبة (6).

++++++++++

(1) مصدر باب المفاعلة من قامر يقامر مقامرة و قمارا.

(2) الرهن عبارة عن وضع جعل للرابح من اللاعبين، سواء أ كان الجعل من الأموال، أم من العقار، أم من الرئاسات الدنيوية، أم من الأعمال كالبناء و الخياطة و الكتابة.

و سواء أ كان من المنافع كمنافع الدور و المحلات، و ما شاكلها.

(3) الجار و المجرور متعلق بقوله: الرهن، و بالآلات متعلق بقوله:

اللعب في قوله: على اللعب.

و المعنى: أن القمار هو الرهن بشيء من النقود، أو الأعراض بسبب اللعب بالآلات المعروفة.

(4) المراد بها هي الآلات المعروفة.

(5) اي و بهذا المعنى الذي ذكرناه عن جماعة و هو اللعب بهذه الأشياء مطلقا و لو من دون رهن صرح به صاحب (جامع المقاصد).

(6) مصدر باب المفاعلة من غالب يغالب معناها: طلب غلبة بعض على بعض في العمل.

و المراد منه هنا هو التفوق في اللعب بغير آلات القمار و ان لم يكن هناك رهن على شيء من الأموال، أو المنافع.

و هذا القول يؤيد ما ذهب إليه صاحب (جامع المقاصد).

ص: 92

فكيف كان (1) فهنا مسائل أربع، لأن (2) اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن (3)، و قد يكون بدونه (4).

و المغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض (5)، و قد تكون بدونه (6).

++++++++++

(1) أي سواء قلنا: إن القمار هو الرهن بشيء على اللعب بالآلات المعروفة أم قلنا: إنه اللعب بالأشياء المذكورة مطلقا، سواء أ كان رهن أم لا و سواء أ كان أصل المقامرة المغالبة بغير آلات القمار أم لا فالمسألة لها صور أربع:

(2) تعليل لانحصار مسألة القمار في المسائل الأربع.

و خلاصة التعليل: أن الحصر هنا عقلي دائر بين النفي و الإثبات لأن اللعب لا يخلو إما أن يكون بآلات القمار، أو بغير آلات القمار، و كل واحد منهما إما أن يكون مع العوض، أو بغير عوض.

فهذه أربعة مسائل لا غير:

(الاولى): اللعب بآلات القمار مع العوض.

(الثانية): اللعب بآلات القمار بلا عوض.

(الثالثة): اللعب بغير آلات القمار مع العوض.

و يسمى هذا بالمغالبة.

(الرابعة): اللعب بغير آلات القمار بلا عوض.

و يسمى هذا بالمغالبة أيضا.

(3) هذه هي المسألة الاولى التي اشير إليها.

(4) هذه هي المسألة الثانية التي اشير إليها.

(5) هذه هي المسألة الثالثة التي اشير إليها.

(6) هذه هي المسألة الرابعة التي اشير إليها.

ص: 93

الاولى: اللعب بآلات القمار مع الرهن

(فالاولى) (1): اللعب بآلات القمار مع الرهن و لا إشكال في حرمتها، و حرمة (2) العوض، و الإجماع عليها (3) محقق، و الأخبار بها متواترة.

الثانية: اللعب بآلات القمار من دون رهن.

(الثانية) (4): اللعب بآلات القمار من دون رهن.

و في صدق القمار عليه (5) نظر، لما (6) عرفت، و مجرد (7)

++++++++++

(1) أي المسألة الاولى من المسائل الأربع.

(2) المراد من حرمة العوض الحرمة الوضعية و هو عدم تملك الغالب المال المتراهن عليه المعبر عنه في العصر الحاضر ب: (الجائزة) فلا يجوز للغالب أخذه، و لو أخذه لبقي على ملك المالك، و لو كان له نماء فلصاحبه و يجب عليه رده إليه إن كانت العين موجودة، و مثلها أو قيمتها إن كانت تالفة.

(3) أي على حرمة المسألة الاولى: من الحرمة التكليفية و الوضعية قام الإجماع.

(4) أي المسألة الثانية من المسائل الأربع.

(5) أي على اللعب بآلات القمار من دون الرهن على شيء اشكال و نظر.

(6) تعليل لوجه النظر، أي لما عرفت عند قولنا: من أن القمار هو الرهن على اللعب بشيء من الآلات المعروفة، فإنه قد أخذ في صدق الرهن الشيء لغة، فاللعب بآلات القمار من دون رهن على شيء خارج عن مفهوم القمار لغة.

(7) دفع وهم: حاصل الوهم أنه قد استعمل القمار في اللعب بالأشياء المذكورة من دون الرهن على شيء و الاستعمال دليل على أن القمار حقيقة في هذا اللعب فيكون اللعب بها حراما.

فأجاب الشيخ عن هذا الوهم ما حاصله: أن مجرد استعمال القمار

ص: 94

الاستعمال لا يوجب إجراء أحكام المطلقات و لو (1) مع البناء على أصالة الحقيقة في الاستعمال، لقوة انصرافها إلى الغالب: من وجود الرهن في اللعب بها.

و منه (2) تظهر الخدشة فى الاستدلال على المطلب: بإطلاق النهى

++++++++++

في اللعب بآلاته من دون الرهن على شيء لا يوجب إجراء أحكام تلك المطلقات الواردة في حرمة القمار و هي الآيات الكريمة، و الأخبار الشريفة الدالتين على أن اللعب سواء أ كان بآلات القمار أم بغيرها: على اللعب بآلات القمار من دون رهن، لانصراف تلك المطلقات الى القمار مع الرهن على شيء و اختصاصها به.

و يمكن الخدشة في هذا الانصراف بعدم وجوده، اذ القمار هو اللعب بتلك الآلات المعدة له، سواء أ كان هناك رهن على شيء أم لا حيث نرى كثيرا من الناس يلعبون بها و يصرفون أوقاتهم عليها من دون أن يراهنوا على شيء، و الغرض من هذا اللعب استيناس النفس و ارتياحها و انشراحها حسب عقيدتهم الفاسدة، بالإضافة إلى أنهم في صدد الاختبار و الامتحان، حيث يرون هذا اللعب المجرد عن نوع كمال.

(1) هذا من متممات الجواب عن الوهم المذكور.

و خلاصته: أنه لا نسلم أن الأصل في الاستعمال الحقيقة كما عرفت و لو سلمنا و تنازلنا عن ذلك و قلنا: إن الأصل في الاستعمال الحقيقة.

لكن مع ذلك كله لا يوجب هذا الأصل إجراء حكم تلك المطلقات على ما نحن فيه، لعدم التنافي بين القول بهذا الأصل.

و بين انصراف تلك المطلقات إلى القمار مع الرهن على شيء، لقوة انصرافها إليه فيكون هذا الفرد هو القدر المتيقن و المتعين و الغالب من القمار.

(2) أى و من قولنا: لقوة انصرافها تظهر الخدشة فيما استدل به

ص: 95

عن اللعب بتلك الآلات، بناء (1) على انصرافه إلى المتعارف: من ثبوت الرهن.

نعم (2) قد يبعّد دعوى الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي عن الشطرنج (3) و النرد (4).

قال: لا تقربوهما.

++++++++++

الآخر على شمول المطلقات المذكورة اللعب بالآلات المعدة للقمار من دون الرهن على شيء.

و خلاصة ما استدل به الخصم أن النهي الوارد عن اللعب بآلات القمار مطلق يشمل حتى اللعب بها و لو كان مجردا عن الشيء.

و الجواب كما عرفت آنفا: من أن انصراف المطلقات إلى الفرد الغالب المتيقن قوي جدا فلا مجال لهذا الاستدلال المذكور.

(1) منصوب على المفعول لأجله أي وجه الخدشة في الاستدلال المذكور لأجل قوة الانصراف كما عرفت آنفا.

(2) استدراك عما أفاده آنفا من قوة انصراف تلك المطلقات إلى الفرد الغالب.

و خلاصته: أنه يبعد دعوى انصراف النهي الوارد في رواية أبي الربيع الشامي: إلى الفرد الغالب المتعارف من القمار، لأن معنى قوله عليه السلام في نفس الرواية: لا تقربوهما لا تزاولوا اللعب بالنرد و الشطرنج و لا تمسوهما سواء أ كان اللعب بالرهن أم بغيره، لأن من يلعب بهما و لو من دون الرهان فقد قرب إليهما و هذا القرب منهي عنه، فالحديث يشمل اللعب بكلا قسميه.

(3) مر شرحه في الجزء الأول من المكاسب من طبعتنا الحديثة ص 48.

(4) بفتح النون و سكون الراء من الملاهي المعروفة قديما و حديثا -

ص: 96

قلت: فالغناء.

++++++++++

- و تعرف اليوم باسم (لعب الطاولة).

و في اللغة الدارجة في (العراق) تسمى: (الطاولي).

و اللعبة هذه عبارة عن صندوق خشبي يقسم إلى شعبتين متساويتين.

و كل شعبة مبوبة إلى اثني عشر بابا، و يوجد لذلك ثلاثون قرصا (أي پولا).

و تتميز كل خمسة عشر قرصا بلون خاص يختلف عن لون مثيلاتها.

و هناك مكعبان يصنعان من عظم العاج، أو ما شاكله، و هما مرقمان من رقم 1 إلى 6.

و اللعبة هذه تحصل بين شخصين متقابلين.

و يجلس أحدهما قبال الآخر و أمامه اثنا عشر بابا و له من الأقراص خمسة عشر قرصا فيرى اللاعب المكعبين، و يحرك بعد ذلك الأقراص التي على ضوء الأرقام التي تظهر من جراء رمي المكعبات.

راجع القاموس العصري. الطبعة العاشرة. ص 66. تأليف الياس انطوان الياس.

و قال في (مجمع البحرين) مادة (نرد): إن نرد من موضوعات (سابور بن اردشير بن بابك) ثاني ملوك الساسانيين.

و هو شبه رقعة بوجه الأرض فالتقسيم الرباعي بالكعاب الأربعة، و الأرقام المجعولة ثلاثين بثلاثين يوما، و السواد و البياض بالليل و النهار، و البيوت الاثنا عشر بالشهور، و الكعاب بالأقضية السماوية للّعب بها.

و قال (شيخنا البهائي) في كشكوله. الجزء 1. ص 436. طباعة مصر: إن (اردشير بن بابك) أول ملوك الفرس قد وضع النرد، و لذلك قيل له: (نردشير) و جعله مثلا للدنيا و أهلها فرتب الرقعة اثني عشر -

ص: 97

قال: لا خير فيه لا تقر به (1).

و الأولى الاستدلال على ذلك (2) بما تقدم في رواية تحف العقول من أن ما يجيء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات (3).

و في تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ وَ اَلْأَنْصٰابُ وَ اَلْأَزْلاٰمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ .

قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب إلى أن قال: و أما الميسر فالنرد و الشطرنج، و كل قمار ميسر.

++++++++++

- بعدد شهور السنة، و المهارك ثلاثين قطعة بعدد أيام الشهر.

و الفصوص مثل الأفلاك، و رميها مثل تقلبها و دورانها.

و النقط بعدد الكواكب السيارة كل وجه منها سبعة. انتهى.

ثم اختلفوا في واضع النرد فقال بعض: وضعه (اردشير بن بابك) أول ملوك الساسانيين.

و قال آخر: وضعه (شاه بور بن اردشير) ثاني ملوك الساسانيين.

(1). (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 239. الباب 102 من أبواب تحريم اللعب بالشطرنج. الحديث 10.

(2) أي على حرمة اللعب بهذه الآلات و لو لم تكن فيها مراهنة على الشيء، و كلمة من في قوله: من أن ما يجيء بيانية لما الموصولة في قوله: بما تقدم.

(3) أي حتى الإمساك باليد، لأن هذه الآلات ليس فيها وجه من وجوه الصلاح يفيد المجتمع الانساني سوى الخسران و الإضرار، فالتقلب في هذه الآلات بأي نحو من الأنحاء حرام.

ص: 98

إلى أن قال: و كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشيء من هذا حرام محرم (1).

و ليس المراد (2) بالقمار هنا المعنى المصدري حتى يرد ما تقدم:

من انصرافه إلى اللعب مع الرهن، بل المراد (3) الآلات بقرينة قوله:

بيعه و شراؤه، و قوله (4): و أما الميسر فهو النرد إلى آخر الحديث (5) و يؤيد الحكم (6) ما عن مجالس المفيد الثاني (7) ولد شيخنا الطوسي رحمهما اللّه بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير الميسر في أن كل

++++++++++

(1) نفس المصدر. الحديث 12.

(2) أي و ليس المراد من اللعب هنا معناه المصدري الذي هو فعل المقامرة و ايجاده حتى يقال: إنه تقدم دعوى انصراف القمار إلى المتعارف و هو اللعب بالرهن على الشيء بآلات القمار.

(3) أي بل المراد من القمار في الرواية هي نفس الآلات مجردة عن الرهن بشيء و القرينة على ذلك قول الامام عليه السلام في تفسير القمي المشار إليه في ص 98 لأنه عليه السلام اطلق القمار على الآلات، لا على المعنى المصدرى الذي هي نفس اللعب بالرهن على شيء.

(4) بالجر عطفا على مجرور الباء الجارة في قوله: بقرينة أي و لنا قرينة اخرى على أن المراد من القمار نفس الآلات و هو قول الامام عليه السلام:

و أما الميسر فالنرد و الشطرنج، حيث إنه عليه السلام اطلق الميسر على النرد و الشطرنج و هما اسمان لآلات القمار.

(5) الذي اشير إليه آنفا في تفسير القمي.

(6) و هو تعميم حرمة مطلق اللعب بآلات القمار و إن لم يكن هناك رهن على شيء.

(7) يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

ص: 99

ما ألهى عن ذكر اللّه فهو الميسر (1).

و رواية الفضيل قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس من النرد و الشطرنج حتى انتهيت إلى السّدر (2).

قال: إذا ميز اللّه الحق من الباطل مع أيهما يكون ؟

قال: مع الباطل.

قال: و مالك و الباطل (3).

و في موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن الشطرنج و عن لعبة الشبيب (4) التي يقال لها: لعبة الأمير، و عن لعبة الثلاث (5).

فقال: رأيت اذا ميّز اللّه بين الحق و الباطل مع أيهما يكون ؟

قلت: مع الباطل.

قال: فلا خير فيه (6).

++++++++++

(1) هذه احدى الروايات الدالة على تعميم حرمة مطلق اللعب.

راجع نفس المصدر. ص 235. الباب 100 من أبواب ما يكتسب به الحديث 15.

(2) بضم السين و فتح الدال المشددة وزان سكر هي لعبة للصبيان يخطون خطا مستديرا يلعبون به و هي فارسية مركبة من كلمتين: (سه 3) بمعنى ثلاث، و (در) بمعنى الباب أي لعبة ذات ثلاثة أبواب.

و المراد من انتهيت انهاء أسئلتي التي كانت كثيرة إلى السؤال عن السدر.

(3) هذه ثانية الروايات الدالة على تعميم الحرمة لمطلق اللعب.

راجع نفس المصدر. ص 242. الباب 104. الحديث 3.

(4) لم نجد شرحا لهذه اللعبة و سألنا بعض الأعلام من علمائنا عنها فلم يفدنا شيئا

(5) لم نجد شرحا لهذه اللعبة فهي كمثيلتها.

(6) هذه ثالثة الأحاديث الدالة على تعميم الحرمة لمطلق اللعب.

ص: 100

و في رواية عبد الواحد بن مختار عن اللعب بالشطرنج.

قال: إن المؤمن لمشغول عن اللعب (1)، فإن (2) مقتضى إناطة الحكم بالباطل و اللعب عدم اعتبار الرهن في حرمة اللعب بهذه الأشياء (3) و لا يجري (4) دعوى الانصراف هنا.

++++++++++

راجع نفس المصدر. ص 238. الباب 104. الحديث 3.

(1) هذه رابعة الأحاديث الدالة على تعميم الحرمة لمطلق اللعب.

راجع نفس المصدر. ص 239. نفس الباب. الحديث 11.

(2) هذا تعليل لتعميم الحرمة في مطلق اللعب بآلات القمار و ان لم يكن هناك رهن على شيء.

و خلاصة التعليل: أن تعلق الحكم و هي الحرمة و اناطته على الباطل في رواية الفضيل.

و على اللعب في موثقة زرارة: دليل على عدم اعتبار الرهن في مفهوم حرمة اللعب بهذه الأشياء، لأن الامام عليه السلام قال في جواب السائل عن اللعب بالأشياء المذكورة: مالك و الباطل، و لا خير فيه فعد اللعب بهذه الأشياء من الباطل، و من الامور التي لا خير فيها.

(3) و هي لعبة الشطرنج، و لعبة الشبيب، و لعبة الثلاث.

(4) أي لا مجال لدعوى الانصراف في الروايتين و هما: رواية الفضيل و موثقة زرارة: إلى الفرد الغالب الذي هو القمار بالآلات المعدة له مع الرهن على شيء بعد التعليل المذكور.

هذا ما أفاده الشيخ في التعليل و رتب عليه شيئين:

(أحدهما): عدم اشتراط المراهنة في مفهوم حرمة القمار.

(ثانيهما): عدم انصراف الروايتين إلى الفرد الغالب الذي ذكر آنفا.

لكن للخدشة فيهما مجال.

ص: 101

الثالثة: المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار

(الثالثة) (1): المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة

++++++++++

(أما في الأول) فلأن إناطة حرمة القمار على الباطل و تعلقه به في قوله عليه السلام: مالك و الباطل.

و في قوله: لا خير فيه: قرينة على أن السؤال كان عن حكم اللعب بالمراهنة، لا عن اللعب بالأشياء المذكورة، لأن اللعب بها كان معروفا فهو مفروغ عنه لا يحتاج إلى السؤال، حيث إن الكثير من الناس كانوا يلعبون بها في عصر (الأئمة من أهل البيت) عليهم السلام و يراهنون عليها، فالرهن على الشيء في اللعب بهذه الأشياء كان أمرا مسلما.

(و أما في الثاني): فلأنه يمكن دعوى انصراف الروايتين، و رواية عبد الواحد إلى ما هو الغالب المتعارف في اللعب: و هو اللعب بآلات القمار المعدة له مع الرهن بشيء.

ثم لا يخفى عليك عدم وجود كلمة اللعب في رواية الفضيل، و موثقة زرارة، و كذا في بقية الروايات التي وردت في هذا المقام حتى يناط الحكم عليه كما في قول الشيخ: فان مقتضى اناطة الحكم بالباطل و اللعب.

نعم هو موجود في قول السائل في رواية الفضيل.

(1) أي (المسألة الثالثة) من المسائل الأربع التي ذكرها الشيخ في ص 93 بقوله: فهنا مسائل أربع:.

و المراهنة من باب المفاعلة من راهن يراهن مشتق من الرهن.

و معنى الرهن وضع شيء من قبل المدين عند الدائن تأمينا للدين و يقال له: الوثيقة.

و بهذه المناسبة يخرج كل واحد من المتراهنين شيئا من النقود، أو العرض عند الرهان و يجعله عند صاحبه ليأخذه منه إذا غلب عليه و فاز.

و يقال للآخذ: المرتهن.

ص: 102

للقمار (1) كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل، و على المصارعة، و على الطيور و على الطفرة، و نحو ذلك (2) مما عدوها في باب السبق و الرماية

++++++++++

ثم هل المراد من المراهنة معناه الأعم و هو ما فيه نفع، أو ضرر أو مختص بما فيه النفع فقط فلا يعم ايقاع ضرر بالمغلوب: من ضرب أو حبس، أو غير ذلك.

الظاهر أن مقتضى رواية لا سبق إلا في نصل، أو خف أو حافر.

و مقتضى رواية: إن الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الريش و النصل: عموم حرمة الرهان، سواء أ كان فيه نفع أم ضرر.

(1) و لا يخفى أن هنا صورا ستا، لأن المراهنة أما أن تقع بالآلات أو بغيرها، و الاولى إما أن تكون بالآلات المعدة للمراهنة، أو بغيرها و على كلا التقديرين إما أن يراهن عليها بشيء، أو لا.

فهذه ستة صور. إليك تفصيلها:

(الصورة الاولى): المراهنة بالآلات المعدة لها من دون عوض.

(الصورة الثانية): المراهنة بالآلات غير المعدة لها من دون عوض

(الصورة الثالثة): المراهنة بالآلات المعدة لها مع العوض.

(الصورة الرابعة): المراهنة بالآلات غير المعدة لها مع العوض.

(الصورة الخامسة): المراهنة بغير الآلات مع العوض.

(الصورة السادسة): المراهنة بغير الآلات من دون عوض.

(2) كالذهاب إلى أرض مسبعة، أو السير في ظلام دامس، أو الوقوف في وجه السيل.

ثم لا يخفى أن المراهنة على هذه الامور إذا كان فيها ضرر على النفس فيجتمع فيها حرمتان: حرمة أصل العمل. و حرمة الإضرار بالنفس

ص: 103

من (1) أفراد غير ما نص على جوازه.

و الظاهر الإلحاق (2) بالقمار في الحرمة و الفساد، بل صريح بعض أنه (3) قمار.

++++++++++

و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: و الظاهر الإلحاق بالقمار في الحرمة و الفساد.

و أما إذا كانت مأمونة على النفس ففيها حرمة واحدة و هي حرمة أصل العمل، بناء على القول بالحرمة.

(1) من بيانية (لما الموصولة) في قوله: مما عدوه أي ما عدوه عبارة عن أفراد غير المنصوص على جوازه كالمصارعة، و المغالبة بالطيور و السفن و العدو، و رفع الأحجار الثقيلة، و الذهاب إلى المقابر ليلا، و نحو هذه الامور، فإنها غير مشروعة لو تضمن السبق بها العوض، لدلالة قوله صلى اللّه عليه و آله: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر:

على نفي مشروعية غير هذه الثلاثة.

راجع حول هذا الموضوع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة.

الجزء 4. ص 421-423.

(2) أي إلحاق المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار المعبر عنها بالأعمال: بالقمار في الحرمة التكليفية و هو ترتب العقاب عليها و في الحرمة الوضعية و هو عدم صحة المعاوضة و فسادها، و عدم وجوب الوفاء بالمراهنة، و عدم تملك الغالب العوض، و إن أخذه بقي في ذمته و على الآخذ وجوب رد عينه إن كانت موجودة، و مثلها، أو قيمتها إن كانت مفقودة، و إن مات وجب على الوارث رد العين، إذا كانت موجودة، و مثلها، أو قيمتها إن كانت تالفة.

و هذا معنى قوله: في الحرمة و الفساد أي في الحرمة التكليفية و الوضعية.

(3) أي هذا النوع من المراهنة على الأعمال. -

ص: 104

و صرح العلامة الطباطبائي رحمه اللّه في مصابيحه (1) بعدم الخلاف في الحرمة و الفساد (2).

و هو (3) ظاهر كل من نفى الخلاف في تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض.

و جعل (4) محل الخلاف فيه بدون العوض، فإن (5) ظاهر ذلك أن محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك.

++++++++++

- و لا يخفى عدم احتياج حرمة هذا القسم من المراهنة إلى إطلاق القمار عليه، لشمول العمومات الواردة له كما عرفت.

(1) كتاب في فقه الإمامية للعلامة (السيد محمد مهدي بحر العلوم) رحمه اللّه و لا يزال مخطوطا.

(2) أي في الحرمة التكليفية و الوضعية، أي صرح (السيد الطباطبائي) أنه لا خلاف بين الإمامية في أن المراهنة على هذه الأعمال حرام تكليفا من حيث العقوبة، و وضعا من حيث الفساد.

(3) أي عدم الخلاف بين الإمامية في إلحاق المراهنة على الأعمال:

بالقمار ظاهر كل واحد من الفقهاء الإمامية الذين يقولون بحرمة المراهنة على غير المنصوص إذا كان مع العوض.

(4) أي و جعل (العلامة الطباطبائي) محل الخلاف في المراهنة على الأعمال بغير عوض فقال: هذا محل الخلاف بين الفقهاء الإمامية في أنه هل توجد هنا حرمة تكليفية و وضعية كما وجدتا في المراهنة على الأعمال مع العوض، أو لا توجد.

(5) تعليل لكون المراهنة على الأعمال بلا عوض هو محل الخلاف بين الفقهاء في الحرمة التكليفية و الوضعية، أي ظاهر قول (العلامة الطباطبائي) أن محل الخلاف بين الفقهاء هو المراهنة على الأعمال بلا عوض.

ص: 105

و من المعلوم (1) أنه ليس هنا إلا الحرمة التكليفية، دون خصوص الفساد.

و يدل عليه (2) أيضا قول الامام الصادق عليه السلام: إنه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إن الملائكة لتحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش، و ما سوى ذلك قمار حرام (3).

و في رواية العلاء بن سيابة عن الامام الصادق عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله: أن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه

++++++++++

كما أن حرمة المراهنة على الأعمال مع العوض هو مورد اتفاقهم و إجماعهم، لأنه ملحق بالقمار.

(1) أي بعد أن عرفت محل الوفاق و الخلاف فنقول: إن من الواضح أن في المراهنة على الأعمال بلا عوض ليس إلا الحرمة التكليفية و هو العقاب الاخروي، دون الحرمة الوضعية و هو الفساد، لعدم وجود مال هنا حتى يصدق التبادل ثم يترتب عليه عدم التملك، و ضمان المثل، أو القيمة لو تلفت العين، وردها لو كانت باقية.

(2) أي و يدل على التحريم و هي الحرمة التكليفية فقط، دون الوضعية

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 13. ص 349. الباب 3 من أبواب السبق و الرماية. الحديث 3.

و الشاهد في ما سوى ذلك، حيث إنه يشمل المراهنة على الأعمال بلا عوض، لأنها لم تكن من الخف و الحافر و الريش.

ثم لا يخفى أن الحديث في المصدر مروي عن العلاء بن سيابة، و حديث إن الملائكة لتنفر عند الرهان مروي في المصدر في ص 347. الحديث 6 عن (الإمام الصادق) عليه السلام من دون إسناده إلى (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله.

ص: 106

ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل (1).

و المحكي عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الامام الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر.

قال: الثفل من كل شيء.

قال: و الثفل ما يخرج بين المتراهنين: من الدراهم و غيرها (2).

و في صحيحة معمر بن خلاد كل ما قومر عليه فهو ميسر (3).

و في رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قيل: يا رسول اللّه ما الميسر؟

قال: كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز (4).

++++++++++

(1) الشاهد في ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل، حيث إنه يشمل المراهنة على الأعمال بلا عوض.

(2) راجع (تفسير العياشي). الجزء 1. ص 341. الحديث 178 طباعة جابخانة قم عام 1372.

و الثفل بالثاء المفتوحة و الفاء الساكنة ما يستقر و يجتمع في أسفل الشيء و يعبر عنه ب: الترسب و الحثالة.

مقصود الامام عليه السلام: أن القمار عبارة عن الحثالة و الترسبات من كل شيء أي ما يأخذه المقامر أوساخ.

و المراد من غيرها الأشياء التي تجعل عوضا في الرهان.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 242. الباب 103. الحديث 1

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 119. الباب 35 من أبواب تحريم كسب القمار. الحديث 4.

و كعاب بكسر الكاف جمع كعب بفتح الكاف و سكون العين و هو العظم الواقع بين القدم و الساق.

ص: 107

و الظاهر أن المقامرة (1) بمعنى المغالبة على الرهن.

و مع هذه الروايات (2) الظاهرة، بل الصريحة في الحرمة،

++++++++++

و يلعب به في بعض البلدان، و يقامرون عليه.

(1) و هي الواقعة في قوله صلى اللّه عليه و آله: كل ما تقومر به.

(2) و هي التي اشير إليها في ص 106-107 الصريحة في حرمة اللعب بغير الآلات المعدة للقمار مع العوض.

من هنا يريد الشيخ أن يناقش حول ما أفاده (صاحب الجواهر) في هذه المسألة، و نحن نذكر خلاصة ما أفاده ثم النقاش.

فنقول: إن (صاحب الجواهر) أفاد في هذه المسألة بعدم وجود الحرمة التكليفية فيها و قال: إن الحرمة فيها هي الحرمة الوضعية لا غير بمعنى عدم تملك الغالب العوض من الباذل الذي هو المغلوب، و عدم جواز التصرف فيه، لأنه أكل مال بالباطل و ازاء لا شيء.

و أما العقاب الاخروي فلا، لأنه مختص باللعب بالآلات المعدة للقمار مع العوض، بالإضافة إلى الحرمة الوضعية.

ثم ترقى عن مقالته و أفاد أنه يمكن القول بجواز أخذ العوض في هذه المسألة بعنوان الوفاء بالعهد الذي هو التسالم الخارجي الواقع بين المتراهنين في أنه لو غلب أحدهما على الآخر يأخذ ما يضعه كل واحد منهما إزاء الغلبة بسبب النذر المنعقد فيما بينهما، لأن غالب المسلمين بما هم مسلمون و يدينون بدين الاسلام لا يجوز لهم أخذ العوض في المغالبة، بغير الآلات المعدة للقمار مع العوض فيحتالون في ذلك حيلة صحيحة شرعية: بأن ينذروا لصاحبهم دينارا مثلا لو غلب عليه ليأخذه كما ينذر بعين هذا صاحبه له لو غلب عليه حتى يأخذه، فما يأخذه كل واحد من المتراهنين من صاحبه يكون بطيب

ص: 108

المعتضدة (1) بدعوى عدم الخلاف في الحكم ممن تقدم: فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين (2) اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار.

و أما مطلق الرهان و المغالبة بغيرها فليس فيه إلا فساد المعاملة، و عدم تملك الراهن فيحرم التصرف فيه، لأنه أكل مال بالباطل، و لا معصية (3)

++++++++++

النفس من الباذل، و بعنوان الوفاء بهذا النذر، لا أن المأخوذ يكون بعنوان أن المقامرة المذكورة أوجبت هذا الأخذ و ألزمته.

و يقال لهذا النذر: النذر الصوري، لأنه لا واقع له و لا حقيقة و لذا لا يجب الوفاء به.

هذا ما أفاده (صاحب الجواهر) في المغالبة بغير الآلات المعدة للقمار مع العوض.

راجع (جواهر الكلام) الطبعة الحجرية. المجلد 5. ص 25.

فأجاب عنه الشيخ ما حاصله: أن مع وجود هذه الروايات الصريحة في حرمة مثل هذا الرهان.

و مع صراحة (العلامة الطباطبائي) بالحرمة، و ادعائه بعدم وجود المخالف في ذلك، و اتفاقهم على الحرمة التكليفية في مثل هذه المراهنة و أن هذا الاتفاق يكون مؤيدا لتلك الأخبار الصريحة في الحرمة: كيف أفاد شيخنا المعاصر بعدم الحرمة التكليفية، و أن الحرمة الموجودة هي الحرمة الوضعية الموجبة لفساد المعاوضة لا غير.

(1) بالجر صفة لكلمة الروايات في قوله: و مع هذه الروايات أي الروايات المذكورة المؤيدة بالاتفاق المدعى من قبل (السيد الطباطبائي) كما عرفت آنفا.

(2) المراد به (صاحب الجواهر) كما عرفت آنفا.

(3) و هو العقاب الاخروي المعبر عنه بالحكم التكليفي كما عرفت آنفا

ص: 109

من جهة العمل كما (1) في القمار.

بل (2) لو أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد الذي هو نذر له لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل، لا (3) بعنوان أن المقامرة المذكورة أوجبته و ألزمته: أمكن (4) القول بجوازه (5).

و قد عرفت (6) من الأخبار إطلاق القمار عليه، و كونه (7) موجبا

++++++++++

(1) أي كما أن الحكمين: التكليفي و الوضعي موجودان في القمار بخلاف ما نحن فيه و هو اللعب بالآلات المعدة لغير القمار مع العوض فإن فيه الحكم الوضعي فقط كما عرفت.

(2) هذا ترق من (الشيخ صاحب الجواهر) و قد عرفته آنفا في ص 108 عند قولنا: ثم ترقى عن مقالته

(3) أي و ليس الأخذ المذكور وليد المقامرة المذكورة و أنها سبب للأخذ.

(4) جواب للو الشرطية في قوله: بل لو أخذ الرهن.

و مرجع الضمير في بجوازه الأخذ أي لو أخذ الغالب العوض المتسالم عليه من الطرفين بالعنوان المذكور أمكن القول بجوازه.

(5) انتهى ما أفاده (صاحب الجواهر) في هذا المقام.

(6) هذا إشكال ثان من (الشيخ) على (صاحب الجواهر).

و خلاصته: أن القمار قد اطلق في بعض الأخبار على مثل هذا اللعب بغير الآلات المعدة للقمار مع العوض.

كما في قوله صلى اللّه عليه و آله في ص 106: و ما سوى ذلك قمار أي ما سوى المذكورات يكون اللعب به قمار من أي نوع من أنواع اللعب كان.

(7) بالجر عطفا على مجرور من الجارة فهو في الحقيقة إشكال ثالث

ص: 110

للعن الملائكة و تنفرهم، و أنه (1) من الميسر المقرون بالخمر.

و أما (2) ما ذكره أخيرا: من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد فلم أفهم معناه، لأن العهد الذي تضمنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به، إذ لا يستحب ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملك.

إلا (3) أن يراد صورة الوفاء بأن يملكه تمليكا جديدا بعد الغلبة في اللعب.

++++++++++

من الشيخ على صاحب الجواهر أي و قد عرفت من كون هذا اللعب موجبا للعن الملائكة كما في قوله صلى اللّه عليه و آله في ص 106: إن الملائكة لتنفر من الرهان و تلعن صاحبه.

(1) مجرور محلا عطفا على المجرور من الجارة في قوله: من الأخبار فهو في الحقيقة إشكال رابع على (صاحب الجواهر) أي و قد عرفت من أن هذا اللعب عد من الميسر المقرون بالخمر في قوله عليه السلام في ص 107 كل ما قومر عليه فهو ميسر.

و لا شك أن هذا اللعب من الألعاب التي يقامر عليها، لأن بإزائه عوض و إن لم يكن اللعب بالآلات المعدة للقمار.

(2) هذا اشكال خامس على (صاحب الجواهر).

و خلاصته: أن أسباب التملك معلومة شرعا، و ليس هنا ما يوجب التملك سوى الوفاء بالعهد الذي جاء من قبل العقد الفاسد و هو التسالم الخارجي فيما بين المتراهنين، فعليه لا معنى لاستحباب الوفاء بمثل هذا العهد، لفساد المغالبة من أساسه كما أفاد الاستحباب صاحب الجواهر بقوله:

لا كفارة له، فان الوفاء بالعهد لو كان واجبا كان في حنثه كفارة.

(3) استثناء عما أفاده من عدم وجود مملك لهذا العوض فلا معنى لهذا الوفاء.

ص: 111

لكن (1) حل الأكل على هذا الوجه جار في القمار المحرم أيضا غاية الأمر الفرق بينهما (2) بأن الوفاء لا يستحب في المحرم.

لكن الكلام (3) في تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد لا في فعل الباذل و أنه يستحب له أو لا.

++++++++++

و خلاصته: أنه يمكن القول بالوفاء بالعهد استحبابا من باب التمليك الجديد من قبل صاحب العوض بعد مغالبة أحدهما على الآخر، فإن المغلوب يملّك العوض للغالب من طيب نفسه فيملكه فلا يكون الأكل أكلا بالباطل و مرجع الضمير في يملكه الغالب، و الفاعل فيه المغلوب كما عرفت عند قولنا: فإن المغلوب يملك العوض.

(1) استدراك عما أفاده من إمكان الوفاء بالعهد بالتمليك الجديد.

و خلاصة الاستدراك أن القول بالتمليك الجديد لازمه جريانه في القمار المحرم و هو اللعب بالآلات المعدة للقمار مع العوض، لأن المغلوب يملك العوض للغالب في هذا اللعب فلا يكون الأكل أكلا بالباطل حينئذ لوحدة الملاك.

نعم هناك فرق بين هذا القمار المحرم، و بين اللعب بالآلات غير المعدة للقمار من حيث استحباب الوفاء في الثاني، دون الأول. فلا يستحب فيه الوفاء، لعدم تسالم خارجي قبل الشروع في اللعب.

(2) و هما: اللعب بالقمار المحرم، و اللعب بغير آلات القمار و قد عرفت الفرق آنفا.

(3) أي لكن الاشكال في أن المبذول له الذي هو الغالب كيف يتصرف في هذا العوض الذي تملكه بالملك الجديد من قبل الباذل.

و لا يخفى أنه بعد هذا التمليك الحاصل من التسالم الخارجي فيما بينهما لا مجال ظاهرا في الاشكال في التصرف، حيث إن الباذل بالغ عاقل مختار

ص: 112

و كيف كان (1) فلا أظن أن الحكم بحرمة الفعل (2) مضافا إلى الفساد (3) محل إشكال، بل و لا محل خلاف كما يظهر من كتاب السبق و الرماية (4)، و كتاب الشهادات (5).

و قد تقدم دعواه (6) صريحا من بعض الأعلام.

نعم (7) عن الكافي و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس عن أبي جعفر

++++++++++

حر له السلطة و السلطنة على أن يملك ماله لمن شاء و هذا المغلوب أحد أولئك الذين يشاء تمليك ماله للغالب، لقوله صلى اللّه عليه و آله: الناس مسلطون على أموالهم.

(1) أي سواء قلنا في هذه المسألة بالحرمة التكليفية و الوضعية معا بحكم الأخبار، و بتصريح السيد الطباطبائي، و نقله اتفاق الفقهاء على ذلك كما في ص 105 أم قلنا بالحرمة الوضعية فقط كما أفادها (صاحب الجواهر).

(2) و هي الحرمة التكليفية.

(3) و هي الحرمة الوضعية.

(4) أي كما تظهر الحرمة التكليفية و الوضعية من كتاب (جواهر الكلام) طباعة ايران. الطبعة الحجرية. المجلد 5. ص 684.

(5) أي و كما تظهر الحرمة التكليفية و الوضعية من كتاب (جواهر الكلام) نفس الطباعة. المجلد 6. ص 448.

و لا يخفى عليك أن (شيخنا الأنصاري) يريد أن يرد على (صاحب الجواهر) في هذه المسألة من كتابه من نفس المكانين كما عرفت.

(6) أي و تقدم دعوى (السيد الطباطبائي) في ص 105 بعدم الخلاف في الحكم التكليفي و الوضعي في المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار عند قوله: و صرح العلامة الطباطبائي.

(7) استدراك عما ادعاه: من وجود الحرمة التكليفية و الوضعية

ص: 113

عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أكل و أصحاب له شاة.

فقال (1): إن اكلتموها فهي لكم، و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا فقضى (2) فيه: أن ذلك (3) باطل لا شيء في المؤاكلة في الطعام ما قل منه أو كثر، و منع غرامة فيه (4).

++++++++++

في المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار بقوله: و كيف كان فلا أظن أن الحكم.

و خلاصة الاستدراك أن حكم الامام عليه السلام بعدم الحرمة في المراهنة على أكل الشاة في الحديث الآتي مخالف لما ادعيناه:، حيث إنه عليه السلام لم يردع المتراهنين على ذلك، و عدم ردعه دليل على عدم الحكم التكليفي.

(1) أي الرجل الذي أكل و أصحاب له شاة.

(2) أي أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام.

و مرجع الضمير في فيه: المؤاكلة و هو مصدر لا يحتاج إلى المطابقة.

(3) أي الاشتراط المذكور في قول الرجل: إن اكلتموها فهي لكم.

(4) (فروع الكافي). الجزء 7. ص 428 الحديث 1.

هذا الحديث من الأحاديث المحتاجة إلى الشرح و التفسير، و من المؤسف جدا لم يعلق عليه شيء في الطباعة الجديدة التي طبعت بها كتب الأحاديث إليك الشرح:

الظاهر أن كلمة أكل في الحديث فعل ماض وزان نصر، و ليس من باب المفاعلة من آكل يؤاكل مؤاكلة كما أفاد هذا المعنى بعض الأعلام من المحشين على المكاسب، لأن باب المفاعلة له معنيان:

(الأول): المشاركة يقال: آكل زيد عمرا أي شاركه في الأكل.

(الثاني): الإطعام يقال: آكل زيد عمرا أي أطعمه، و هو في كلا

ص: 114

و ظاهرها (1) من حيث عدم ردع الامام عليه السلام عن فعل مثل

++++++++++

المعنيين متعد كما في كل ما يأتي وزان المفاعلة، و كلا المعنيين لا يصح فيما نحن فيه، لوجود الواو في قوله: أكل رجل و أصحاب له شاة و الواو لا تنسجم مع باب المفاعلة، حيث لا يقال: شارك زيد و أصحاب له في أكل شاة.

و هكذا لا يقال: اطعم زيد و أصحاب له شاة.

كما لا يقال: ضارب زيد و عمرا.

نعم الواو تأتي في باب التفاعل فيقال: تضارب زيد و عمرو.

ثم إن الواو في و أصحاب له يحتمل أن تكون عاطفة و الجملة معطوفة على فاعل أكل فتكون كلمة و أصحاب مرفوعة.

و يحتمل أن تكون بمعنى مع و كلمة أصحاب مجرورة أي أكل الرجل مع أصحاب له شاة.

و جملة: (و منع غرامة فيه) ليست من كلام (الامام أمير المؤمنين) عليه السلام، بل من كلام (الامام أبي جعفر الباقر) عليه السلام أي الامام منع غرامة في مثل هذا المؤاكلة.

و في المصادر المطبوعة بالطبعة الحديثة، و في نسخ المكاسب المطبوعة بالطبعة الجديدة هكذا: (و منع غرامته فيه) مع الضمير في غرامته، و حيث لا ينسجم المعنى، لعدم وجود مرجع للضمير في غرامته فاضطررنا بمراجعة المصادر القديمة المطبوعة بالحجر فوجدنا الجملة بلا ضمير و هو الصحيح كما أثبتناه هنا.

(1) أي ظاهر هذه الرواية.

ص: 115

هذا: أنه (1) ليس بحرام، إلا (2) أنه لا يترتب عليه الأثر.

لكن هذا (3) وارد على تقدير القول بالبطلان، و عدم (4) التحريم أيضا

++++++++++

(1) جملة: (إنه ليس بحرام) مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: فظاهرها أي ظاهر الرواية المذكورة يعطينا درسا عن أن المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار ليس حراما، لعدم ردع الامام عليه السلام عن ذلك في المؤاكلة فليس هناك حكم تكليفي.

(2) استثناء من قوله: إنه ليس بحرام.

و خلاصته: أننا و إن استفدنا عدم الحرمة التكليفية في مثل هذا المراهنة و المؤاكلة من الرواية المذكورة، لكن مع ذلك لا يترتب عليه الأثر الذي هو وجوب إعطاء الغرامة على الآكلين للشاة لصاحبها على الشق الثاني: و هو عدم أكل الشاة كلها، لأن الأكل على الشق الأول: و هو أكل الشاة كلها ليس على آكليها غرامة، حيث إن الأكل كان مأذونا من قبل صاحب الشاة.

إذا أصبح الحكم بعدم الحرمة بلا أثر.

(3) هذا إشكال من الشيخ على ما أفاده في الاستثناء المذكور.

و خلاصته: أن عدم ترتب الأثر المذكور موجود أيضا على القول بالحرمة الوضعية: و هو بطلان العوض و فساده في المراهنة على اللعب بالآلات غير المعدة للقمار، لأن عدم جواز التصرف في العوض من لوازم البطلان و الفساد، سواء قلنا بالحرمة التكليفية و الوضعية أم بالحرمة التكليفية فقط.

و المراد بالبطلان هي الحرمة الوضعية.

(4) بالجر عطفا على مجرور (الباء الجارة) في قوله: بالبطلان أي الاشكال وارد على القول بعدم الحرمة التكليفية أيضا كما عرفت آنفا.

ص: 116

لأن (1) التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضا. فتأمل (2).

ثم إن حكم العوض (3) من حيث الفساد حكم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة: يجب رده (4) على مالكه مع بقائه، و مع التلف فالبدل مثلا أو قيمة.

و ما ورد (5) من قيء الامام عليه السلام البيض الذي قامر به الغلام

++++++++++

(1) تعليل لبيان أن عدم جواز التصرف في العوض من لوازم القول ببطلان اللعب المذكور و فساده كما عرفت آنفا.

(2) لعل وجهه: أن عدم ردع (الامام أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام عن المراهنة المذكورة: لا يصير سندا لما ذهب إليه (صاحب الجواهر) من عدم الحرمة التكليفية في هذا القسم من المراهنة، حيث استدل بالحديث على مدعاه، لأن معنى عدم ردعه عليه السلام: هو السكوت.

و هناك أدلة اخرى أقوى منه و هي الأخبار الواردة في أن مطلق المراهنة قمار، و قد أشرنا إلى تلك الأخبار في ص 106-107 فتكون حاكمة على هذا الدليل الذي هو السكوت.

(3) و هو المال الذي يؤخذ في مثل هذا اللعب بالآلات غير المعدة للقمار.

و لا يخفى أن اطلاق العوض على المال في مثل هذا اللعب مسامحة حيث إن المال الذي يعطى للغالب يكون من باب الجائزة له، لأنه ليس بإزائه شيء سوى الفوز و الغلبة فلا معنى لاطلاق العوض عليه.

و المفروض أن مثل هذه المغالبة حرام حكما و وضعا.

(4) أي وجب رد بدل العوض التالف مثلا إذا كان العوض مثليا كالحنطة و الشعير، أو قيمة إذا كان التالف قيميا كالكتاب و السجاد و الأقمشة

(5) دفع وهم.

ص: 117

فلعله (1) للحذر من أن يصير الحرام جزء من بدنه، لا (2) للرد على المالك.

لكن (3) يشكل بأن ما كان تأثيره كذلك كيف أكل المعصوم

++++++++++

- حاصل الوهم: أنه يستفاد من الحديث الوارد في قئي الامام عليه السلام البيض الحرام وجوب رد ما تبقى من البيض في معدته، لا المثل أو القيمة كما افيد في المقام.

(1) جواب عن الوهم المذكور.

و حاصله: أن الفيء المذكور ما كان لاجل رد ما تبقى من البيض الحرام في المعدة حتى يقال: إن العين لم تتلف

بل لاجل أن لا يصير الحرام جزء من بدنه بدلا عما يتحلل، حيث إن الامام عليه السلام لا يقدم على الحرام بتاتا، و لا يمكن أن تنمو أجزاء بدنه من الحرام حسب عقيدتنا (الامامية)، فالقيء إنما كان لذلك لا للرد إلى صاحب البيض.

و لا يخفى أنه لا يصدق على البيض المأكول الداخل في المعدة بقاء عينه حتى يجب الرد إلى صاحبه فلا مجال للتوهم المذكور حتى يدافع عنه بكون القي كان لأجل أن لا يصير الحرام جزء من بدنه.

(2) أي و ليس القيء لأجل رد البيض إلى صاحبه، بل لأجل أن لا يصير الحرام جزء من بدنه كما عرفت.

(3) هذا إشكال من الشيخ على ما أفاده: من أن القيء كان لأجل أن لا يصير الحرام جزء من بدنه.

و قبل الورود في الاشكال نذكر الحديث ثم ندخل في الإشكال أليك نصه.

عن عبد الحميد بن سعيد قال: بعث (أبو الحسن) عليه السلام غلاما يشتري له بيضا فاخذ الغلام بيضة، أو بيضتين فقامر بها فلما أتى به أكله فقال له مولى له: إن فيه من القمار.

ص: 118

..........

++++++++++

قال: فدعا بطست فتقيا فقاءه.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 119. الباب 35 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 2.

و أما الاشكال فخلاصته أن المحرمات التشريعية هي كالامور التكوينية الواقعية: في عدم تبدلها عن واقعها، و تغيرها عما هي عليها بالجهل بها.

فكما أن الامور التكوينية لا تتغير و لا تتبدل عما هي عليها، سواء أ كان الإنسان عالما بها أم جاهلا.

كذلك المحرمات التشريعية لا تتغير عما هي عليها، و لا تتبدل عن واقعها بالجهل بها.

خذ للامور التكوينية مثالا: إن الخمر بما هي خمر لها أثرها الخاص و هو الاسكار.

و كذلك السم له أثره الخاص و هو القتل، و هكذا بقية الامور التكوينية.

و هذا الأثر مما يترتب على الخمر و السم لا محالة، سواء أ كان المقدم على شرب الخمر، أو أكل السم عالما بخمرية الخمر، و سمية السم أم جاهلا بهما، لأن هذا الأثر من لوازمهما الطبيعية، و امورهما الذاتية التي لا تنفك عنهما، و لا تتبدل بالجهل بهما فيها من قبيل اللازم و الملزوم.

نعم هناك محرمات تشريعية مقيدة بالعلم بها بمعنى أن الجاهل بها لا يكلف بتركها فلو ارتكبها جهلا بها لم يعاقب، لعدم الحكم التكليفي هنا كما لو تصرف في المكان الغصيب بأن صلى فيه و هو لا يعلم بغصبيته فصلاته صحيحة لا تحتاج إلى الاعادة.

إذا عرفت هذا فنقول: كيف يصح للامام عليه السلام إقدامه

ص: 119

..........

++++++++++

على أكل البيض الحرام و هو يؤثر في البدن لا محالة أثره السيئ الذي لا ينفك عن العالم و الجاهل: من الإضرار الجسمية، و المفاسد النفسية.

اللهم إلا أن يقال: بجهل الامام عليه السلام بالحرمة.

و نسبة الجهل إليه تتنافى و اصول الامامية القائلين بعلم الامام عليه السلام بالأحكام الشرعية، و الموضوعات الخارجية.

راجع حول الموضوع (اصول الكافي) بحار الأنوار (شرح التجريد) حق اليقين (كوهر مراد) و بقية الكتب المؤلفة في علم الكلام مبحث الامامة و نحن نذكر شطرا من تلك الأدلة القطعية القائمة على عصمة الامام عليه السلام.

و قبل الخوض فيها نذكر مقدمة موجزة تمهيدية، ليكون القارئ النبيل محيطا بموضوع الامامة الذي هو أحد المواضيع المهمة.

اعلم نحن (الشيعة الامامية) نقول: إن الامامة كالنبوة في كونها منصبا إلهيا تصدر من المبدأ الأعلى من الرب الجليل، و ليست من الامور التي تناله يد الجعل و أنى للبشر من اختياره ذلك و قد قال عز من قائل:

«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ مٰا كٰانَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ » (1) .

فالامامة جعل إلهي تتعين بواسطة (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله بأمر من المولى القدير.

فكل ما نقوله في النبوة من حيث الجعل و النصب نقوله في الامامة حرفيا.

فنقول: عين (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله (عليا) صلوات اللّه عليه للامرة و الولاية بنص إلهي في حجة الوداع بعد رجوعه

ص: 120


1- القصص: الآية 68.

..........

++++++++++

من (مكة المكرمة) بقوله عز من قائل: «يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ » .

كان نصبه صلى اللّه عليه و آله عليا صلوات اللّه عليه يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام عام 10 من الهجرة بمرأى و منظر من المسلمين و قد بلغ عددهم مائة و أربعة و عشرين ألفا.

و قيل: أكثر في موضع معروف ب: (غدير خم) الواقع بين (مكة المكرمة و المدينة المنورة).

و كانت هذه الإمرة و الولاية هو الهدف الاسمي من التبليغ في الآية الكريمة، لا تبليغ بعض الأحكام الباقية كما يقول بعض (اخواننا السنة) إذ كيف يعقل ذلك و الأحكام بلغت بأسرها و لم يبق منها شيء.

و كيف يسوغ (للرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله و سلم إخفاء الأحكام الإلهية و لو واحدا منها الى اخريات حياته الشريفة و هو سبعون يوما اذا كانت نزلت من قبل.

و لما ذا كان صلى اللّه عليه و آله يخفيها على المسلمين ؟

و ما ذا كان موقف المسلمين تجاه هذه الأحكام التي نزلت و لم تبلّغ من قبل (المشرع الاعظم) طوال هذه المدة حسب زعم القائل.

أ ليس هو القائل صلى اللّه عليه و آله: ما من شيء يقربكم الى الجنة إلا و قد أمرتكم به، و ما من شيء يبعدكم عن النار إلا و قد نهيتكم عنه.

أيا ترى من المعقول أن يقال: إن (المشرع الأعظم) صلى اللّه عليه و آله جمع الناس في ذلك المكان في يوم حر شديد و قد بلغ الحر

ص: 121

..........

++++++++++

حتى كان الرجل يضع رداءه تحت قدميه و فوق رأسه: لتبليغ ما تبقى من الأحكام و قد نزلت من قبل.

ثم إن قوله تعالى: «وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ » يتنافى و تبليغ الأحكام، لأنها ليست مما يخشى ذكرها حتى يعصم اللّه جل و علا (رسوله الأعظم) لو بلغها و هو يخاف الناس، لأن الأحكام مشتركة بين المسلمين و هم يستقبلون بكل رحابة و سعة صدر كل حكم يأتي به جبرائيل (للرسول الاعظم) صلى اللّه عليه و آله.

فعظم (الإمرة و الولاية) جعل (الباري) عز و جل يقول (لرسوله الاعظم) صلى اللّه عليه و آله: و اللّه يعصمك من الناس.

و قد ذكرنا شرح واقعة الغدير في الجزء السابع من (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة من ص 141-149. فراجع هناك.

اذا عرفت ما تلوناه عليك من المقدمة الموجزة.

فنقول: هناك أدلة عقلية على عصمة الامام كثيرة لا يسعنا المقام ذكرها عن آخرها. إليك أربعة منها.

(الأول): أن الامام عليه السلام لو لم يكن معصوما لم يحصل الوثوق بالشرائع و الاعتماد عليها، لأن المبلغ الذي جاء من قبل الباري عز و جل لو جاز عليه الكذب و سائر المعاصي لجاز له الكذب عمدا أو نسيانا، أو يترك شيئا مما أودع إليه، أو يأمر و ينهى من عنده.

ص: 122

..........

++++++++++

إذا كيف يبقى الاعتماد على أقواله و أفعاله.

(الثاني): أنه لو فعل المعصية و أتى بها فإما أن يجب علينا اتباعه فيها، أو لا، فإن وجب يلزم أن يكون الواجب علينا فعل ما وجب تركه و هي المعصية فحينئذ يجتمع الضدان.

و ان لم يجب اتباعه انتفت فائدة كونه إماما.

(الثالث): أن الغاية من بعث الرسل و الأنبياء هو توجيه المجتمع البشري نحو الخير و الصالح، و منعهم عن الشرور و المفاسد التي يكون نفعها لهم، و مضارهم عليهم، فبناء على هذا لا بدّ أن يكون المبلغ و الرسول و وصيه ذا ملكة قوية، و نفسية قاهرة لا يمكن له تصور المعصية معها، فكيف اتيانها حتى تؤثر أوامره و نواهيه على الآخرين.

و هذه القوة و الملكة لا تحصلان لكل أحد، بل في أفراد مخصوصين تشملهم العناية الإلهية و الرحمة الربانية التي تخص بعضا دون بعض و هم الأنبياء و الأوصياء.

فلو جوزنا المعصية على الامام عليه السلام يلزم أن يسقط محله و منزلته عند المجتمع البشري فيترتب على هذا عدم انقياد الامة له فيما يأمر به و ينهى عنه، بالإضافة الى إفشاء الفوضى فيهم اذا رأوا فيه المعصية.

و هذا يتنافى و غاية البعث: من ارسال الرسل، و انزال الكتب.

(الرابع): أنه يقبح من الحكيم أن يكلف الناس باتباع من يجوز عليه الخطأ بعد أن قلنا: إن ارسال الرسل، و انزال الكتب واجب عقلا و لازم لطفا، مع العلم بأن اللّه عز و جل أمرنا باطاعته، و نهانا عن تمرده و معصيته و مخالفته.

هذه هي الأدلة القطعية العقلية على عصمة الامام.

ص: 123

عليه السلام له جهلا، بناء (1) على عدم إقدامه على المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم لا جهلا و لا غفلة، لأن (2) ما دل على عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب و فعل الحرام: دل (3) على عدم جواز الجهل عليه في ذلك (4).

++++++++++

و هناك أدلة اخرى حول العصمة في الأنبياء و الأئمة الاطهار: من العقل و النقل ليس هنا محل ذكرها. راجع المصادر المذكورة.

و أما الأدلة النقلية من الآيات الكريمة، و الأحاديث الشريفة فكثيرة جدا لا يسعنا المقام ذكرها فعليك في مظانها.

و تكفيك في ذلك آية التطهير في قوله عز من قائل: «إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» حيث تعلقت ارادته التكوينية باذهاب الرجس الظاهري، و القذارة المعنوية عن (أهل البيت) صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين و ليست القذارة المعنوية، و الرجس الظاهري إلا العصمة الكبرى.

و قد ثبت في محله: أن تخلف المراد عن الإرادة في الإرادة التكوينية محال على اللّه تعالى.

و من المسلم الثابت عند المسلمين بأجمعهم أن المراد من (أهل البيت) هم الخمسة من أصحاب الكساء و التسعة المعصومون من ولد الحسين عليهم الصلاة و السلام.

(1) تعليل لأنه كيف أكل المعصوم عليه السلام البيض الحرام جهلا.

(2) تعليل لعدم اقدام الامام عليه السلام على المحرمات الواقعية.

(3) جملة دل مرفوعة محلا على أنها خبر لقوله: لأن ما دل.

(4) أى في ترك الواجب، و فعل الحرام كما عرفت آنفا.

ص: 124

اللهم (1) إلا أن يقال: إن مجرد التصرف من المحرمات العلمية و التأثير الواقعي غير المتبدل بالجهل إنما هو في بقائه و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام، و الغرض اطلاعه عليه في أوائل وقت تصرف المعدة و لم يستمر جهله.

++++++++++

(1) استدراك من الشيخ عما أورده على الحديث المذكور: من أن المحرمات التشريعية كالامور التكوينية في تأثيرها من غير توقفه على العلم بها فكيف يقدم الامام عليه السلام على أكل البيض الحرام.

و خلاصة الاستدراك: أن عدم جواز الإقدام على الحرام مشروط بالعلم بالحرمة فما دام المكلف غير عالم بها لم يحرم عليه الإقدام، و فيما نحن فيه لم يكن الإمام عليه السلام عالما بالحرمة حتى يحرم عليه أكل الحرام.

و أما التأثير الواقعي الذي لا يتبدل و لا يتغير عما هو عليه في البيض الحرام إنا يتحقق لو بقي و صار جزء من البدن بدلا عما يتحلل من غير التفات إليه.

و المفروض أن الامام عليه السلام قد التفت إلى الحرام بواسطة أحد خدمه قبل أن يتحلل و يصير جزء من بدنه ليؤثر أثره الخارجي، و لذا طلب طستا ليتقيأه فقاءه فيه فما صار الحرام جزء من بدنه و لم يتأثر به.

و لا يخفى ما في الاستدراك، إذ لازمه نسبة الجهل إلى الامام عليه السلام بالموضوعات الخارجية و هي لا تنسجم مع اصول الامامية القائلين بعلم الأئمة بالأحكام و الموضوعات، و أن علمهم بالموضوعات تابع لإرادتهم فاذا شاءوا و أرادوا علموا، و إذا لم يشاءوا لم يعلموا.

راجع (اصول الكافي). الجزء 2 ص 258. الحديث 1-2.

ص: 125

هذا (1) كله لتطبيق فعلهم على القواعد، و إلا فلهم في حركاتهم من أفعالهم و أقوالهم شئون لا يعلمها غيرهم.

++++++++++

(1) أي ما أوردناه على الحديث كان لأجل تطبيق أفعال الأئمة و حركاتهم على القواعد الشرعية، و الأحكام الظاهرية المتعارفة بين الناس حتى لا يقال: كيف تصرفوا في الحرام و اقدموا عليه، و إلا فلهم صلوات اللّه و سلامه عليهم في أفعالهم و حركاتهم و أقوالهم شئون خاصة لا يعلمها سواهم فهم عارفون بأسرار الشريعة و جزئياتها لا تعرفها الامة الإسلامية جمعاء.

ثم إن لنا حول الحديث نقاشا آخر بالإضافة إلى ما ذكره الشيخ.

أليك خلاصته: و هو أن الحديث مشتمل على جملتين متناقضتين:

و هما: (فلما أتى به الغلام أكله. إن فيه من القمار).

(أما الاولى): فظاهرها: أن الغلام أتى بنفس البيضة المشتراة للامام إلى الامام بعد المقامرة بها، و المرابحة عليها، و بعد أن أرجعها من صاحبه الذي قامر معه، فعليه لا يوجد بيض حرام حتى لا يجوز للامام أكله، و على فرض الأكل لا يحتاج إلى القيء.

و (أما الثانية): فإنها مشتملة على كلمة من التبعيضية و مفادها أن بعض البيض حرام، لا كله، و الحرمة إنما جاءت من قبل مقامرة الغلام فيكون هذا البعض الحرام مختلطا مع الحلال الذي اشتراه الغلام للامام عليه السلام، فظاهر هذه الجملة التي هو ذيل الحديث ينافي الجملة الاولى التي هو صدر الحديث، لأن الصدر دال على أن الغلام جاء بنفس البيضة المشتراة للامام، و الذيل يدل على أن بعض البيضة المشتراة حرام.

إذا كيف التوفيق بين الصدر و الذيل.

ص: 126

الرابعة: المغالبة بغير عوض في غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه

(الرابعة) (1): المغالبة بغير عوض في غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه (2).

و الأكثر على ما في الرياض على التحريم (3)، بل حكي فيها (4) عن جماعة دعوى الإجماع عليه، و هو (5) الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة.

فعن موضع منها: أنه لا يجوز المسابقة في المصارعة بعوض و بغير عوض عند علمائنا أجمع، لعموم النهي (6) إلا في الثلاثة: الخف و الحافر

++++++++++

(1) أي المسألة الرابعة) من المسائل الأربع التي قالها الشيخ في ص 93 بقوله: و كيف كان فهنا مسائل أربع.

(2) و هو الريش و الخف و الحافر و النصل.

و ما عدا هذه لا يجوز المغالبة عليه.

(3) أي على تحريم هذه المغالبة المجردة عن العوض.

(4) بل حكي في الرياض دعوى الإجماع على حرمة هذه المغالبة المجردة عن العوض.

و التأنيث في كلمة فيها باعتبار لفظ رياض، حيث إنه جمع روضة.

(5) أي و هذا الإجماع المدعى في الرياض.

(6) ما وجدنا نهيا عاما في الأخبار الواردة في المقام يدل على حرمة مطلق اللعب و المغالبة حتى يشمل ما نحن فيه و هي المغالبة بغير عوض.

نعم تتصيد الحرمة من الأخبار الواردة في المقام من دون أن يكون هناك كلمة نهي، و الحرمة المتصيدة لا يمكن الحكم بها بنحو مطلق، بل هي منصرفة إلى الفرد الغالب: و هي المغالبة بالعوض.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 119-121. الباب 35 من أبواب ما يكتسب به. الأحاديث. -

ص: 127

و النصل (1).

و ظاهر استدلاله (2) أن مستند الإجماع هو النهي (3) و هو (4) جار في غير المصارعة أيضا.

و عن موضع آخر (5) لا يجوز المسابقة على رمي الحجارة باليد و المقلاع (6) و المنجنيق (7)، سواء أ كان بعوض أم بغير عوض عند علمائنا

++++++++++

- و ص 237. الباب 102. الأحاديث.

(1) حيث جاز المغالبة على المذكورات، لأنها منصوصة.

(2) أي استدلال العلامة في التذكرة.

(3) و قد عرفت الإشكال في وجود هذا النهي آنفا.

ثم لا يخفى عليك أنه على فرض وجود النهي في المقام كيف يصح التمسك بهذا الإجماع المدركي إذا كان مستنده النهي، لأن (شيخنا الانصاري) قد أفاد في كتابه (الرسائل) أن مدرك حجية الإجماع إذا كانت الأخبار فهو ساقط عن الاعتبار، لأن الخبر هو المدرك حينئذ، لا الاجماع، إذ حجيته في طول حجية الخبر، لا في عرضه. راجع (الرسائل).

(4) أي النهي المدعى عمومه جاز في غير المصارعة من أفراد المغالبة أيضا.

(5) أي من التذكرة.

(6) بكسر الميم و سكون القاف اسم آلة مشتقة من قلع يقلع وزان منع يمنع ينسج من خيوط مستطيلة مدورة فيجعل في طرفيه حبل، أو شبهه ثم ترمى به الحجارة نحو الهدف.

و يسمى في اللهجة الدارجة في العراق: (معچال).

(7) بفتح الميم و سكون النون و فتح الجيم و كسر النون الثانية و سكون الياء اسم آلة حربية ترمى بها الأحجار جمعه مجانق و مجانيق.

ص: 128

و فيه (1) أيضا: لا يجوز المسابقة على المراكب (2) و السفن (3)

++++++++++

(1) أي و في كتاب التذكرة.

(2) جمع مركب بفتح الميم و سكون الراء و فتح الكاف و هو أعم مما يركب بحرا و برا.

(3) بضم السين و الفاء. وزان فعل جمع سفينة. وزان فعيلة. و هو ما يركب في الأنهر و البحار.

و يقال لها: فلك أيضا و هو بضم الفاء و سكون اللام يطلق على المفرد و الجمع. يذكر و يؤنث، قال اللّه تعالى: في الفلك المشحون فجاء به مذكرا.

و قال: و الفلك التي تجري في البحر فجاء به مؤنثا.

ثم إن للسفينة أنواعا، و لكل نوع منها اسم خاص.

أليك الأنواع مع أسمائها:

(الأول): الباخرة و هي السفينة التي تسير بالبخار.

(الثاني): الشاحنة و هي المختصة بالبضايع و الأمتعة، و هذه تتحرك بالبخار أيضا.

(الثالث): الغواصة و هي التي تسير تحت الماء بالبخار.

(الرابع): ناقلة الطائرات، أو حاملها.

(الخامس): طراد و هي من السفن الحربية.

(السادس): البارجة و هي أيضا من السفن الحربية.

(السابع): الطرادة و هي سفينة خشبية من الطراز القديم تمشي بالشراع تسير في الأنهر الصغار.

ثم لا يخفى أن حرمة المغالبة في المراكب و السفن بأقسامها بغير عوض محل منع، حيث إن المغالبة بها و التمرين عليها مما ينفع في الحرب ضد الكفار

ص: 129

و الطيارات (1) عند علمائنا.

و قال (2) أيضا: لا يجوز المسابقة على مناطحة (3) الغنم و مهارشة (4) الديك بعوض، و بغير عوض.

قال (5): و كذلك لا يجوز المسابقة بما لا ينتفع به في الحرب

++++++++++

(1) المراد منها: مربعات تصنع من الورق الخفيف تطلق في الهواء بخيوط دقيقة فترتفع فكلما أخذت في الارتفاع يمدونها بالخيط إلى حد معين و يتغالب عليها الأطفال عندنا.

و في بعض البلدان التجارية يتغالب عليها الكبار.

و أما الطائرات النارية البخارية في عصرنا الحاضر التي تطير و ترتفع في الهواء بالقوة النارية و البخارية فهي على قسمين:

حربية. و مدنية، و كلاهما يجوز عليهما المغالبة بغير عوض، لأنهما تنفعان في الحرب أيضا.

(2) أي العلامة في التذكرة.

(3) المناطحة بضم الميم مصدر باب المفاعلة من ناطح يناطح معناه:

تحريك الأغنام لينطح بعضها بعضا.

(4) بضم الميم مصدر باب المفاعلة. من هارش يهارش معناه:

تحريك الديكة بعضها على بعض للمنازعة و المحاربة.

و هذان القسمان مما لا شك في حرمتهما، سواء أ كانت المناطحة و المهارشة بعوض أم بغير عوض، لأنه إيذاء للحيوان.

ثم إن كلمة الديك هنا مفرد و هو بكسر الدال و سكون الياء. جمعه ديوك و ديكة فكان الانسب و الأولى اتيان الكلمة بصيغة الجمع، حيث إن المنازعة من باب المفاعلة و هو يحتاج الى طرفين على الأقل.

(5) أي العلامة في التذكرة.

ص: 130

وعد فيما مثل به اللعب بالخاتم و الصولجان (1)، و رمي البنادق (2) و الجلاهق (3)، و الوقوف على رجل واحدة (4)، و معرفة ما في اليد:

من الزوج و الفرد (5)، و ساير الألعاب (6)، و كذلك

++++++++++

(1) بضم الصاد. و سكون الواو. و فتح اللام مفرد جمعه: صوالجة و الهاء للعجمة، و هو عصى معقوفة الرأس يلعب بها الكرة و هي لعبة فارسية قديمة و لا تزال موجودة عند الفرس.

و هي كلمة معربة من أصلها الفارسي: (چوگان) بالجيم و الكاف الفارسيتين.

(2) بفتح الباء و النون جمع بندق بضم الباء و سكون النون و ضم الدال و هي كرات من حديد، أو رصاص، أو صخر، أو طين يتسابق بها في الرمي.

و البندقية في الأزمنة الاخيرة: آلة نارية يرمى بها الرصاص و إنما يقال لها بندقية، لرمي البندق الناري بها سابقا في بداية اختراعها.

(3) بفتح الجيم و كسر الهاء جمع: جلهق بفتح الجيم و سكون اللام و فتح الهاء: هي الكرات المصنوعة من الطين.

و يطلق على القوس الذي ترمى به هذه الكرات.

(4) كما يفعل مرتاضو الهند.

(5) كإخفاء شيء في اليد و ضمها ثم يقول للآخر: إن حزرت ما في يدي فهو لك.

و يقال له في اللسان الدارج: (حزورة) وزان فلوجة.

(6) في جميع نسخ المكاسب (الملاعب) و الصحيح ما أثبتناه، لأن ملاعب جمع ملعب و هو إما اسم مكان أو زمان و كلاهما خارجان عن المقصود لأنه ليس من شأن الفقيه البحث عنهما، و ألعاب جمع لعب و هو المعني هنا.

ص: 131

اللبث (1) في الماء.

قال (2): و جوزه بعض الشافعية، و ليس بجيد (3). انتهى (4) و ظاهر المسالك الميل الى الجواز (5)، و استجوده في الكفاية، و تبعه بعض من تأخر عنه، للأصل (6)،

++++++++++

(1) بفتح اللام و سكون الباء معناه المكث و الوقوف.

فالمغالبة على الامور المذكورة بتمامها حرام و إن لم يكن هناك رهن.

(2) أي العلامة.

راجع (تذكرة الفقهاء) الطبعة الحجرية. كتاب السبق و الرماية. البحث الثالث. المسألة العاشرة.

و مرجع الضمير في جوزه: المغالبة و التذكير باعتبار أن المغالبة مصدر أي و جوز بعض الشافعية المغالبة الذي لا ينفع في الحرب.

و في الفقه على المذاهب الأربع. الجزء 2. ص 52. كتاب الحظر و الإباحة طباعة مصر: أن القاعدة عند الشافعية جواز المسابقة بكل نافع في الحرب.

و الظاهر: أن المقصود من هذه المغالبة الرهان بالعوض.

و مقصود العلامة من تجويز بعض الشافعية المغالبة: كونه بلا عوض.

(3) هذه الجملة: (و ليس بجيد) للعلامة أي ما جوزه بعض الشافعية من المغالبة الذي لا ينفع في الحرب ليس بجيد.

(4) أي ما ذكره العلامة في التذكرة. راجع نفس المصدر.

(5) و هو جواز المغالبة في القسم الرابع الذي قال (شيخنا الأعظم) في ص 127: الرابعة المغالبة بغير عوض في غير ما نص على جواز المسابقة فيه إلى آخر ما ذكره.

(6) أي الجواز المذكور لوجود الاصل الاولي الذي هي الإباحة في الأشياء.

ص: 132

و عدم (1) ثبوت الاجماع، و عدم (2) النص، عدا ما تقدم من التذكرة (3):

من عموم النهي، و هو (4) غير دال، لأن (5) السبق في الرواية يحتمل

++++++++++

من هنا يروم الشيخ الشروع في ذكر أدلة الجواز و هي ثلاثة:

(الاول): أصالة الإباحة في المغالبة بغير عوض و هو المعبر عنه بقوله: للأصل فهو الدليل الاول.

(الثاني): عدم وجود اجماع يدل على المنع الذي هو المدعى.

(الثالث): عدم وجود النص على المنع الّذي هو المدعى.

(1) بالجر عطفا على مجرور (اللام الجارة) في قوله: للأصل أي و لعدم وجود اجماع.

هذا هو الدليل الثاني.

(2) بالجر عطفا على مجرور (اللام الجارة) في قوله: للأصل أي لعدم وجود نص.

هذا هو الدليل الثالث.

(3) و هو قوله في ص 127: لعموم النهي، فالعموم هذا يدل على الحرمة التكليفية و الوضعية.

(4) أي النهي المدعى لا يدل على المطلوب و هي حرمة المغالبة على اللعب بغير آلات القمار.

(5) تعليل لكون النهي المدعى غير دال على المطلوب.

و خلاصة التعليل: أن كلمة (لا سبق) الواردة في الرواية تحتمل أن تكون بفتح الباء كما هو المشهور عند الفقهاء فحينئذ يراد من سبق العوض أي لا عوض في كل مغالبة إلا في الأربعة المذكورة.

ص: 133

التحريك، بل في المسالك أنه (1) المشهور في الرواية.

و عليه (2) فلا تدل إلا على تحريم المراهنة، بل (3) هي غير ظاهرة في التحريم أيضا، لاحتمال إرادة فسادها، بل هو (4) الأظهر، لأن نفي العوض ظاهر في نفي استحقاقه.

و إرادة (5) نفي جواز العقد عليه في غاية البعد.

و على تقدير السكون (6) فكما يحتمل نفي الجواز التكليفي يحتمل نفي

++++++++++

فعلى هذا الاحتمال لا تدل الرواية إلا على الحرمة الوضعية فقط الذي هو الفساد فتكون نفس المراهنة محرمة.

و أما أصل العمل و هو اللعب فلا تدل الرواية عليه حتى تثبت الحرمة التكليفية.

(1) أي فتح الباء هو المشهور عند الفقهاء كما عرفت آنفا.

(2) أي و على احتمال تحريك باء سبق كما عرفت معنى الاحتمال آنفا.

(3) هذا ترق من الشيخ أي بل الرواية ليس لها ظهور في الحرمة التكليفية أصلا، لاحتمال إرادة فساد المراهنة و هي الحرمة الوضعية من الرواية.

(4) و هو عدم ظهور الرواية في الحرمة التكليفية.

(5) دفع وهم.

حاصله: أنه إن اريد من النفي في قوله صلى اللّه عليه و آله: لا سبق:

النهي فهو نهي بصورة النفي و هو أبلغ في المنع من النهي نفسه و النهى يدل على الحرمة التكليفية التي هي حرمة العقد على العوض.

و أما الجواب عن الوهم فهو أن الحديث المذكور يدل على عدم استحقاق الغالب العوض، و عدم تملكه إياه.

و أما عدم جواز العقد على مثل هذه المغالبة فلا دلالة للحديث عليه.

(6) أي و على تقدير سكون باء لا سبق يحتمل النفي أمرين:

ص: 134

الصحة، لوروده مورد الغالب: من اشتمال المسابقة على العوض.

و قد يستدل للتحريم (1) أيضا بأدلة القمار، بناء (2) على أنه مطلق المغالبة و لو بدون العوض كما يدل عليه (3) ما تقدم: من اطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا.

++++++++++

و هما: نفي الحكم التكليفي. و نفي الصحة المعبر عنها بالحكم الوضعي لورود هذا النفي مورد الغالب: و هو اشتمال المسابقة على العوض غالبا.

(1) أي لتحريم المغالبة بغير عوض بأدلة القمار.

(2) تعليل (مكان الاستدلال بأدلة القمار الآتية على تحريم المغالبة بغير عوض.

و خلاصة التعليل: أن القمار يطلق على كل مغالبة و لو لم يكن هناك عوض فيشمل هذا الاطلاق ما نحن فيه أيضا، لصدقه عليه، لكونه أحد أفراده و مصاديقه.

(3) أي كما تدل على أن مطلق المغالبة قمار الرواية المتقدمة.

الظاهر أن المراد من الرواية المتقدمة رواية أبي الجارود التي اشير إليها في ص.

و لكن لا يخفى أن الرواية هذه أجنبية عما نحن بصدده، لأن كلامنا في المغالبة بالأبدان و غيرها مما ذكر في المسألة الرابعة التي هو المصب لما نحن فيه، و اللعب بالنرد و الشطرنج لا ربط له بالمقام حتى يقال: إن له اطلاقا يشمل اللعب بكلا فرديه: العوض. و بغير العوض.

نعم يمكن الاستدلال بالحديث المذكور على ما نحن فيه بقوله عليه السلام:

و كل قمار ميسر، بناء على اطلاق القمار على كل مغالبة، سواء أ كان بآلات القمار أم بغيرها فحينئذ له اطلاق يشمل ما نحن فيه.

لكن الاستدلال بهذا عين الاستدلال بأدلة القمار في قوله: و قد يستدل

ص: 135

و دعوى (1) أنه يشترط في صدق القمار أحد الأمرين:

إما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار و إن لم يكن عوض

و إما المغالبة مع العوض و ان لم يكن بالآلات المعدة للقمار على ما يشهد به (2) اطلاقه فى رواية الرهان في الخف و الحافر: في غاية (3) البعد.

بل الأظهر أنه (4) مطلق المغالبة.

و يشهد له (5) أن اطلاق آلة القمار موقوف على عدم دخول الآلة

++++++++++

للتحريم أيضا بأدلة القمار، بناء على أنه مطلق القمار فلا يكون دليلا مستقلا في عرض الأدلة المذكورة فلما ذا أفرده (شيخنا الأنصاري) و جعله دليلا مستقلا.

(1) مبتدأ خبره قوله: في غاية البعد.

(2) أي على ما يشهد للأمر الثاني اطلاق القمار عليه في رواية الرهان في قوله صلى اللّه عليه و آله: إن الملائكة لتنفر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوى ذلك قمار، فإن قوله صلى اللّه عليه و آله: و ما سوى ذلك قمار يشمل الأمر الثاني الذي هو المغالبة بغير آلات القمار مع العوض.

(3) الجار و المجرور في محل الرفع خبر للمبتدإ المتقدم في قوله:

و دعوى كما عرفت.

و يذكر الشيخ وجه البعد عند قوله: و يشهد له.

(4) أي القمار أعم من أن يكون بالآلات المعدة للقمار أم بغيرها.

(5) هذا وجه البعد الذي ذكره الشيخ بقوله: في غاية البعد.

و خلاصة البعد: أن هناك شيئين: مغالبة مع العوض، و آلة يتوصل بها إلى ذلك.

أما الآلة فهي كلما تضاف و يقال: آلة القمار تدل على المغايرة و البينونة بين المضاف و هي الآلة، و بين المضاف إليه و هو القمار بمعنى أنهما

ص: 136

في مفهوم القمار كما (1) في ساير الآلات المضافة إلى الأعمال، حيث

++++++++++

مفهومان متغايران كل منهما مستقل لا ربط لاحدهما بالآخر، لأن مفهوم الآلة هو الورق المتداول بين المتلاعبين بما فيه من الصور و النقوش.

و القمار نفس اللعب بين الشخصين.

كما أن آلة الخياطة حينما تضاف الى الخياطة و يقال: آلة الخياطة يراد منها الابرة و الخيط و القماش، و غيرها من لوازمها الوجودية.

و أما الخياطة فيراد منها نفس العمل الذي هي الملابس مثلا.

و كما أن آلة الكتابة حينما تضاف الى الكتابة و يقال: آلة الكتابة يراد منها القلم و القرطاس و الحبر، و جميع لوازمها.

و أما الكتابة فيراد منها نفس الكلمات و الحروف الموجودة على القرطاس.

و كذا آلة الصياغة حينما تضاف إلى الصياغة و يقال: آلة الصياغة يراد منها الذهب و الفضة و التيزاب و البوقة، و غيرها من لوازمها.

و أما الصياغة فيراد منها نفس العمل الخارجي الذي هي القلادة أو المحبس، أو الظروف التي صيغت من الذهب، أو الفضة.

و هكذا آلة البناية حينما تضاف الى البناية و يقال: آلة البناية يراد منها الجص و الطابوق و السمنت و الحديد و الرمل و الحصو، و غيرها من لوازمها و أما البناية فيراد منها نفس الدار، أو المدرسة، أو القصر.

فتحصل من مجموع ما ذكر من الأمثلة أن المضاف إلى الأعمال و الحرف و كذا آلة القمار غير داخلة في مفهوم المضاف إليه و أنهما مفهومان متغايران متباينان.

هذا تمام الكلام في الآلة بجميع أقسامها حسب اضافتها الى مضاف إليها و لا سيما آلة القمار التي هو مورد البحث.

(1) تنظير لكون آلة القمار غير داخلة في مفهوم القمار. -

ص: 137

إن الآلة غير مأخوذة في المفهوم.

و قد عرفت (1) أن العوض أيضا غير مأخوذ فيه.

فتأمل (3).

و يمكن أن يستدل على التحريم (4) أيضا بما تقدم من أخبار (5) حرمة

++++++++++

و قد عرفت التنظير عند قولنا: كما أن آلة الخياطة في ص 137.

(1) الظاهر أن المراد من قوله: و قد عرفت أن العوض أيضا:

الأحاديث المتقدمة في ص 98-101، حيث إنه لم يوجد في تلك الأحاديث ما يشير إلى أن العوض داخل في مفهوم القمار فهو خارج عنه كخروج الآلة عنه أيضا، لأن للقمار أركانا أربعة: المتلاعبين و آلة اللعب، و العوض فكما أن الآلة غير داخلة في مفهوم القمار كذلك العوض غير داخل فيه.

فما ادعاه القائل باشتراط أحد الأمرين المذكورين في صدق القمار غير صحيح.

(3) لعل وجه التأمل: أن عدم دخول آلة القمار في مفهوم القمار لا يصير دليلا على عدم مدخلية العوض في مفهوم القمار، لأن العوض و الآلة من أركان القمار كما عرفت آنفا و إن كانا مخالفين له مفهوما، و إذا كان من الأركان فلا يمكن تحقق القمار في الخارج بدون الآلة و العوض بالإضافة إلى الصدق العرفي الذي هو أقوى شاهد على ذلك.

إذا يمكن صحة ما ادعاه الخصم من اشتراط أحد الأمرين المذكورين في صدق القمار.

(4) أي على تحريم المغالبة على اللعب بغير آلات القمار بغير عوض.

(5) في قوله عليه السلام في ص 100: ما لك و الباطل ؟

و في قوله عليه السلام في ص 100: فلا خير فيه في جواب القائل:

مع الباطل.

و في قوله عليه السلام في ص 101: إن المؤمن لمشغول عن اللعب. -

ص: 138

الشطرنج و النرد، معللة (1) بكونها من الباطل و اللعب، و أن كل ما ألهى عن ذكر اللّه عز و جل فهو الميسر.

و قوله (2) عليه السلام في بيان حكم اللعب بالاربعة عشر (3):

لا تستحب (4) شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي (5)، و المراد رهان

++++++++++

- و في قوله عليه السلام في ص 100: و كل ما ألهى عن ذكر اللّه فهو الميسر، فإن هذه الأخبار بمجموعها تدل على حرمة المغالبة على اللعب بغير آلات القمار بغير عوض، لأن المغالبة بما هي مغالبة باطل و اللعب يلهي الانسان عن ذكر اللّه عز و جل و ان لم يكن فيه عوض.

(1) بصيغة الفاعل منصوبة على الحالية للأخبار، أي حال كون الأخبار المذكورة تعلل حرمة هذه المغالبة بأن المغالبة من الباطل و اللعب و من الميسر كما عرفت في الأحاديث الثلاثة في ص 138.

(2) بالجر عطفا على المجرور في الباء الجارة في قوله: بما تقدم من الأخبار أي و يمكن أن يستدل على تحريم المغالبة على اللعب بغير آلات القمار بغير عوض بقوله عليه السلام.

(3) لعبة مشهورة عند الصبيان و هي عبارة عن صفين من النقر في كل صف سبع نقر يوضع في كل نقرة شيء يلعبون به فالمجموع يصير أربعة عشر نقرة.

راجع (مجمع البحرين) مادة عشر آخر المادة.

و ذكرنا هذه اللعبة في (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة.

الجزء 3. ص 211.

(4) فعل مضارع مخاطب مجزوم بلا الناهية مبنية على الفتح وزان لا تمدّ، و كلمة شيئا منصوبة على المفعولية.

(5) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 235. الباب 100 الحديث 12

ص: 139

الفرس (1).

و لا شك في صدق اللهو و اللعب فيما نحن فيه (2)، ضرورة أن العوض لا دخل له في ذلك (3).

و يؤيده (4) ما دل على أن كل لهو المؤمن باطل خلا ثلاثة و عدّ منها إجراء الخيل، و ملاعبة الرجل امرأته (5).

و لعله لذلك كله (6) استدل في الرياض تبعا للمهذب في مسألتنا بما دل على حرمة اللعب.

لكن قد يشكل (7) الاستدلال فيما اذا تعلق بهذه الأفعال غرض صحيح

++++++++++

(1) أي المراد من الرهان المشروع هو الرهان على الحافر و الخف المشار إليه في الحديث المذكور في ص.

(2) و هو المغالبة على اللعب بغير آلات القمار بغير عوض.

(3) أي في اللهو و اللعب المذكور.

(4) أي و يؤيد حرمة المغالبة على اللعب بغير آلات القمار بغير عوض

(5) (وسائل الشيعة): الجزء 13. ص 347. الباب 10 من أبواب كتاب السبق و الرماية. الحديث 5. أليك نص الحديث:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث:

في تأديبه الفرس، و رميه عن قوسه، و ملاعبة امرأته، فإنهن حق.

(6) أي و لعل لما ذكرناه في حرمة المغالبة على اللعب بغير آلات القمار بغير عوض: من الاستدلال بالأخبار المذكورة في ص 100-131-139: استدل صاحب الرياض على حرمة المغالبة على اللعب المذكور: بكل ما دل على حرمة اللهو من دون فرق بينهما.

(7) من هنا يريد الشيخ أن يورد على ما أفاده (صاحب الرياض) و خلاصته: أن الاستدلال المذكور مشكل، حيث إنه يمكن أن يتعلق

ص: 140

يخرجه عن صدق اللهو عرفا فيمكن إناطة الحكم باللهو و يحكم في غير مصاديقه بالإباحة، إلا (1) أن يكون قولا بالفصل و هو غير معلوم.

و سيجيء بعض الكلام في ذلك (2) عند التعرض لحكم اللهو و موضوعه إن شاء اللّه.

++++++++++

غرض صحيح شرعي عقلائي بمثل هذه المغالبة في الألعاب المذكورة فيخرجها عن مصاديق اللهو و أفراده فلا تشملها أدلة اللهو فلا تكون محرمة مطلقا بل الحرمة متوقفة على صدق مفهوم اللهو، فإن صدق فهو، و إلا فيحكم باباحته كالمغالبة في الكتابة و المشاعرة و المباحثة، و ما شاكلها.

(1) استثناء عما أفاده: من أنه قد يتعلق غرض صحيح شرعي بالمغالبة المذكورة فتوقف الحرمة فيها على صدق مفهوم اللهو.

و خلاصة الاستثناء أنه اللهم إلا أن يقال: إن القول بتوقف الحرمة على صدق مفهوم اللهو قول بالتفصيل فيكون قولا ثالثا و لا يقول به أحد.

(2) أي في كون مثل هذه المبالغة حراما أم لا.

ص: 141

ص: 142

القيادة

ص: 143

ص: 144

المسألة السادسة عشرة: القيادة

«السادسة عشرة» (1) (القيادة) و هو السعي بين شخصين لجمعهما على الوطء المحرم و هي من الكبائر.

و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك (2) في مسألة تدليس الماشطة و فى صحيحة ابن سنان أنه (3) يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعون سوطا، و ينفى من المصر الذي هو فيه (4).

++++++++++

(1) أي (المسألة السادسة عشرة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: القيادة و هو مصدر قاد يقود وزان قام يقوم معناه شرعا كما أفاده المصنف: هو السعي بين شخصين لجمعهما على الوطء المحرم، سواء أ كان الجمع بين انثيين كالمساحقة أم بين ذكرين كالوطء أم بين رجل و امرأة كالزنا

(2) أي بمن يسعى للجمع بين شخصين على الوطء المحرم في الجزء 2 من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 167. فراجع.

(3) كلمة (أنه) ليست من الرواية و إنما هي من الشيخ.

و مرجع الضمير: الشأن.

و يضرب بصيغة المجهول و نائب فاعله: (القواد) الواردة في كلام السائل.

(4) راجع (وسائل الشيعة): الجزء 18. ص 429. الباب 5 من أبواب حد السحق و القيادة. الحديث 1.

ص: 145

..........

++++++++++

أليك نص الحديث.

عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: أخبرني عن القواد ما حده ؟

قال: لا حد على القواد أ ليس إنما يعطى الاجر على أن يقود؟

قلت: جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر و الانثى حراما.

قال: ذاك المؤلف بين الذكر و الانثى حراما.

فقلت: هو ذاك.

قال: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعون سوطا، و ينفى من المصر الذي هو فيه.

ص: 146

القيافة؛

ص: 147

ص: 148

المسألة السابعة عشرة: القيافة

«السابعة عشرة» (1) (القيافة) و هو حرام في الجملة (2)، نسبه في الحدائق إلى الأصحاب.

و في الكفاية لا أعرف له خلافا، و عن المنتهى الإجماع.

و القائف (3) كما عن الصحاح و القاموس و المصباح هو الذي يعرف الآثار.

++++++++++

(1) أي (المسألة السابعة عشرة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: القيافة.

و هو بكسر القاف و فتح الفاء مصدر قاف يقوف وزان قال يقول اسم فاعله قائف جمعه قافة.

معناه: معرفة الآثار و العلائم في الشخص، و التي بسببها يستدل القائف على النسب فيلحق الفروع بالاصول.

و كذلك يستدل القائف بسبب الخطوط الموجودة في الكفين، أو إحداهما أو مكان معين من البدن فيخبر صاحبها عن الحوادث التي تقع عليه في المستقبل أو التي وقعت له في الماضي: من خير أو شر.

(2) التقييد لاجل أن القيافة في جميع الموارد لا يكون محرما على نحو الموجبة الكلية، بل بنحو الموجبة الجزئية كما إذا ترتب عليه أمر محرم.

(3) من هنا يريد (الشيخ) أن يذكر تعاريف أهل اللغة حول القيافة.

و المراد من الآثار العلائم الموجودة في الشخص في كفيه، أو إحداهما أو أي عضو آخر من البدن.

ص: 149

و عن النهاية و مجمع البحرين زيادة: أنه يعرف شبه الرجل بأخيه و أبيه.

و في جامع المقاصد (1) و المسالك كما عن إيضاح النافع و الميسية أنها إلحاق الناس بعضهم ببعض، و قيد في الدروس، و جامع المقاصد كما في التنقيح حرمتها بما اذا ترتب عليها محرم (2).

و الظاهر أنه (3) مراد الكل، و إلا فمجرد حصول الاعتقاد العلمي أو الظني بنسب شخص: لا دليل على تحريمه، و لذا (4) نهي في بعض الأخبار عن اتيان القائف، و الأخذ بقوله.

ففي المحكي عن الخصال ما أحب أن تأتيهم (5)، و عن مجمع البحرين

++++++++++

(1) من هنا أخذ (الشيخ) في تعريف الفقهاء للقيافة.

(2) كنفي نسب شرعي بأن يقول القائف: هذا الولد ليس ابنا لهذا الرجل.

(3) أي ترتب أمر محرم على القيافة مراد كل الفقهاء في القول بحرمة القيافة بحيث لولاه لم يكن محرما في نفسه كما أفاد هذا المعنى الشيخ بقوله:

و إلا فمجرد الاعتقاد.

(4) تعليل لحرمة القيافة فيما اذا ترتب عليه أمر محرم، أي و لأجل أن ترتب الحرمة على القيافة هو مراد الفقهاء في تحريم القيافة ورد النهي في الأخبار عن عدم الاتيان الى القائف، و الأخذ بقوله اذا ترتب عليه أمر محرم كنفي نسب شرعي، لا أنه محرم مطلقا و ان لم يترتب عليه محرم.

(5) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 108. باب 26 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 2.

و لا يخفى أنه ليس في الحديث المذكور نهي عن الاتيان الى القائف و إنما الموجود: ما أحب أن تأتيهم، و ليس هذا نهيا.

اللهم إلا أن يقال: إن النفي في قوله: ما أحب يراد منه النهي -

ص: 150

أن في الحديث لا تأخذ بقول القائف (1).

و نسب بعض أهل السنة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قضى بقول القافة (2).

++++++++++

نعم في الحديث الآتي المروي عن (وسائل الشيعة) كلمة النهي.

(1) راجع (مجمع البحرين) مادة قوف، و الحديث هذا مذكور في (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 269. الباب 14 من أبواب تحريم العمل بعلم النجوم. الحديث 2.

أليك نصه:

عن (أبي جعفر) عليه السلام قال: كان (أمير المؤمنين) عليه السلام يقول: لا تأخذ بقول عرّاف، و لا قائف، و لا لص، و لا أقبل شهادة فاسق إلا على نفسه.

و لا يخفى أن الحديث منقول عن كتاب (من لا يحضره الفقيه). الجزء 3.

ص 30. طباعة مطبعة (النجف الاشرف) عام 1378. الحديث 26.

لكن في المصدر: لا آخذ بدل لا تأخذ و هو الصحيح بقرينة قوله عليه السلام: و لا أقبل شهادة الفاسق.

و هذا الحديث أحد الأحاديث التي لم تنطبق على المصدر من قبل الهيئة المشرفة على تصحيح الوسائل، و التعليق على ما في الكتاب.

(2) راجع (صحيح البخاري). الجزء 8. كتاب الفرائض باب القائف. مطبوعات محمد علي صبيح و أولاده بميدان الأزهر.

أليك نص الحديث.

عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

ص: 151

..........

++++++++++

دخل عليّ مسرورا تبرق(1) أسارير(2) وجهه فقال: أ لم تري(3)أن مجززا(4) نظر آنفا الى زيد بن حارثة و اسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.

و (سنن أبي داود). الجزء 1. كتاب الطلاق ص 526 باب القافة.

الحديث 3349. طباعة مطبعة السعادة بمصر. عام 1369.

و (سنن أبي ماجة). الجزء 2. كتاب الأحكام. ص 787. -

ص: 152


1- فعل مضارع من باب نصر ينصر أي لمع وجهه و تلألأ.
2- بفتح الهمزة جمع أسرار و هو جمع سر بكسر السين، أو ضمها و هي الخطوط الموجودة في الكف، أو الجبهة أي لمعت خطوط وجهه صلى اللّه عليه و سلم و تلألأت.
3- بفتح التاء و الراء و سكون الياء فعل مضارع مسند الى المخاطب المؤنث أصله ترين حذفت النون لدخول لم الجازمة عليها، و هذه النون تسمى نون تفعلين.
4- بضم الميم و فتح الجيم و كسر الزاي المشددة لقب عبد اللّه بن زياد الكسائي القائف المعروف، و إنما سمّي بذلك لأنه كان يجز ناصية الأسير في الجاهلية. راجع ارشاد الساري في شرح البخاري. ص 446. و أما وجه سرور رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بقول القائف: فالظاهر أن الناس كانوا يطعنون في نسب اسامة بن زيد، لكونه أسود و زيد أبيض، و لما حكم القائف بإلحاقه بزيد سرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بذلك سرورا بالغا، حيث انكشف الحال، و ازيل القناع.

..........

++++++++++

- الباب 21. باب القافة. طباعة دار احياء الكتب العربية عام 1373. تعليق محمد فؤاد عبد الباقي.

و (و صحيح مسلم). الجزء 5. ص 101-102 طباعة محمد علي صبيح و أولاده.

لكن الحديث المروي في المصادر المذكورة فيه اختلاف يسير.

أليك نص الحديث عن سنن أبي داود.

عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما مسرورا و تعرف أسارير وجهه فقال: اي عائشة أ لم تري أن مجززا المدلجي رأى زيدا و اسامة قد غطيّا رءوسهما بقطيفة و بدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.

هذا هو الحديث المروي في الكتب المذكورة.

و الظاهر أن المستفاد من الحديث عدم قضاء (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله بقول القافة في الحاق اسامة بن زيد إلى زيد، لأنه لم يكن شاكا في بنوته حتى يحكم بقول القافة بعد قولهم: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.

بالإضافة إلى أن الشك لا ينسجم مع مقام النبوة التي هو منصب إلهي رباني، فالشاك كان غيره من المسلمين الذين كانوا جديدي العهد بالاسلام و لم يؤمنوا ايمانا كاملا بالرسول الأعظم صلى اللّه عليه و آله.

و ليس في الحديث ما يرشد الى حكم (الرسول الأعظم) بقول القافة سوى أنه دخل على عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه، و قد عرفت أن السر.

في سروره هو الكشف عن حقيقة الحال عند الناس، و ثبوت بنوة اسامة لزيد، حيث إن القوم حسب البيئة التي كانوا يعيشون فيها يعملون بأقوال

ص: 153

و قد أنكر ذلك (1) عليهم في أخبارنا كما يشهد به ما في الكافي عن زكريا بن يحيى بن نعمان الصيرفي قال: سمعت علي بن جعفر يحدث حسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: و اللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال الحسن: اي و اللّه جعلت فداك لقد بغى عليه اخوته.

فقال علي بن جعفر: لي و اللّه و نحن (2) عمومته بغيا عليه.

فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم ؟

قال: قال له اخوته و نحن أيضا: ما كان (3) فينا امام قط حائل اللون.

فقال لهم الرضا عليه السلام: هو ابني.

قالوا: فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد قضى بالقافة فبيننا و بينك القافة.

++++++++++

القافة في مثل هذه الامور، لكثرتهم في المحيط الذي عاش فيه (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله و سلم.

هذا ما استفدته من الحديث فالنسبة إليهم غير صحيحة حتى تحتاج الى انكارها بالاستدلال بالحديث الآتي المروي عن طرقنا.

(1) أي حكم (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله بقول القائف من طرق (أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام.

(2) عطف على قوله: فقال له اخوته اي و نحن عمومته ظلمنا الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام و قلنا له بمثل مقالتكم له.

(3) هذه الجملة: (ما كان فينا امام قط حائل اللون) مقول قول اخوة الامام الرضا عليه السلام و أعمامه له.

و حائل اسم فاعل من حال يحول وزان قال يقول معناه اللون المتغير و المقصود منه هنا الميل الى السمرة، و قط: معناه أبدا.

ص: 154

قال: ابعثوا انتم إليهم فأما أنا فلا (1) و لا تعلموهم (2) لما دعوتموهم إليه، و لتكونوا في بيوتكم، فلما جاءوا اقعدونا في البستان و اصطف عمومته و اخوته و أخواته و أخذوا الرضا عليه السلام و ألبسوه جبة من صوف و قلنسوة منها و وضعوا على عنقه مسحاة و قالوا (3) له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه (4)

ثم جاءوا (5) بأبي جعفر عليه السلام فقالوا (6): ألحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا (7) ليس له هاهنا اب، و لكن هذا عم، أبيه و هذا عمه، و هذه عمته

++++++++++

(1) أي فلا أبعث الى القافة، لأني لست شاكا في بنوة ولدي محمد الجواد حتى أبعث خلف القافة فعليكم أن تذهبوا الى القافة و تأتوا بهم لكشف الحال و حقيقة المآل.

بالإضافة الى أن مقام الامامة الذي هو منصب إلهي رباني مقام شامخ رفيع لا يناله إلا من تناله العناية الإلهية فلا يتناسب و ارساله إليهم، حيث له المرجعية العليا، و الزعامة الدينية الكبرى في حل القضايا و فصلها.

فكيف يرسل الى هؤلاء القافة لحل موضوع تافه أثاره عليه اخوته و عمومته، حسدا منهم عليه.

و من الطبيعي عدم سلامة الانسان من هذه الصفة الرذيلة مهما بلغت صفته كما ورد النص بذلك في قوله صلى اللّه عليه و آله: رفع عن امتي تسعة أشياء: النسيان، و ما لا يعلمون، و الحسد. الى آخر الحديث.

(2) من باب الإفعال بصيغة المضارع المعلوم بمعنى الاعلام.

(3) أي اخوة الامام و عمه و أخواته.

(4) أي كأنك فلاح تعمل في البستان عمل الفلاحين حتى لا يظهر عليك أنك من ذوي العلاقة بالموضوع.

(5) أي اخوة الامام و عمه و أخواته.

(6) أي اخوة الامام و عمه و أخواته قالوا للقافة.

(7) أي القافة قالوا جوابا لاخوة الامام الرضا عليه السلام و عمه و أخواته

ص: 155

و إن يكن له هاهنا اب فهو صاحب البستان، فان قدميه (1)، و قدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا (2): هذا أبوه.

قال علي بن جعفر: فقمت فمصصت (3) ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له: أشهد أنك امامي إلى آخر الخبر نقلناه بطوله تيمنا (4).

++++++++++

(1) أي قدمي صاحب البستان الذي هو الامام الرضا عليه السلام و قدمي الامام الجواد عليه السلام.

(2) أي القافة قالوا لاخوة الامام الرضا عليه السلام و عمه و أخواته

(3) بصيغة المتكلم من مص يمص وزان مد يمد معناه شرب الشيء و جذبه برفق و لين شيئا فشيئا، و الريق لعاب الفم.

(4) راجع (اصول الكافي). الطبعة الجديدة. الجزء 1.

ص 322-323. الحديث 14. باب الاشارة و النص على أبي جعفر الثاني عليه السلام.

أيها القارئ النبيل هذا الحديث الذي ذكره (الشيخ) في هذا المقام و ذكرناه نحن تماشيا و تجاوبا مع الأعلام، اذ ربما تركه كما كان. في قرار نفسنا يوجب إثارة بعض النفوس الضعاف علينا، و لربما نوصم بالتحريف:

بالإضافة الى ضعف سنده كما صرح بذلك سيدنا الاستاذ (السيد الخوئي) دام ظله في مصباح الفقاهة. الجزء 1. ص 384: مشتمل على مطالب سخيفة جدا لا تتناسب و مقام الامامة.

و قد ذكر قسما منها المعلقون على المكاسب و منهم (سيدنا الاستاذ) في المصدر نفسه. فراجع.

و قد بلغت السخافة الى حد لا أظن أنها تخفى عليك أيها القاري النبيل لو أمعنت النظر في الحديث من صدره الى ذيله فلا تحتاج الى ذكرها و عرضها عليك و الوقت أثمن من ذكر هذه و ما ضاربها.

ص: 156

الكذب

ص: 157

ص: 158

المسألة الثامنة عشرة: الكذب

اشارة

«الثامنة عشرة» (1) (الكذب) و هو حرام بضرورة العقول (2) و الأديان (3).

و يدل عليه (4) الأدلة الأربعة إلا أن الّذي ينبغي الكلام فيه مقامان:

(أحدهما): في أنه (5) من الكبائر.

++++++++++

(1) أي (المسألة الثامنة عشرة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: الكذب.

(2) المراد من العقول: عقول الرجال من أهل الأديان المختلفة و لا اختصاص له بأهل الاسلام، أي جميع العقلاء من أهل كل ملة.

ثم إنه لا يمكن التسليم لهذا القول على اطلاقه، لأن حكم العقل بحرمة الكذب إنما هو لقبحه فيما اذا ترتب عليه من الضرر و المفسدة، فاذا لم يترتب عليه ذلك فلا يحكم بحرمته، لأن العقل لا يراه قيحا حينئذ فالحرمة العقلية دائرة مدار ترتب الضرر و عدمه، فاذا وجد وجد حكم العقل و اذا لم يوجد لم يوجد ذلك فقول (الشيخ): بضرورة العقل على اطلاقه ممنوع لأن حكم العقل ليس ناظرا الى الكذب من حيث هو هو، بل ناظر الى ترتب الضرر و المفسدة، فالاستدلال على حرمة الكذب بالعقل كما ترى

(3) أي جميع أهل الأديان حكموا بحرمة الكذب.

(4) أي على تحريم الكذب الكتاب، و الأحاديث، و الاجماع، و العقل كما تأتي الاشارة الى كل واحد منها.

(5) أي الكذب من كبائر الذنوب.

ص: 159

(ثانيهما): في مسوغاته (1).

المقام الأول أنه من الكبائر

(أما الأول) (2): فالظاهر من غير واحد من الأخبار كالمروي في العيون بسنده (3) عن الفضل بن شاذان لا يقصر عن الصحيح.

و المروى عن الأعمش في حديث شرايع الدين عده من الكبائر (4).

و في الموثقة بعثمان بن عيسى (5) أن اللّه تعالى جعل للشر أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شر من الشراب (6).

و أرسل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ألا اخبركم بأكبر الكبائر:

الإشراك باللّه، و عقوق الوالدين، و قول الزور أي الكذب (7).

و عنه صلى اللّه عليه و آله: إن المؤمن اذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك، و خرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش، و كتب اللّه عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه (8).

و يؤيده (9) ما عن العسكري عليه السلام: جعلت الخبائث كلها

++++++++++

(1) أي في الحالات التي يجوز الكذب فيها.

(2) و هو كون الكذب من كبائر الذنوب.

(3) أي بسند الشيخ الصدوق راجع العيون. الجزء 2. ص 126-127.

(4) بحار الأنوار. الجزء 10. ص 229. السطر 14 من الطبعة الجديدة ب: (طهران).

(5) لم يكن عثمان بن عيسى اماميا اثني عشريا، و لذا عبر عنه بالموثقة

(6) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 572. الباب 138 الحديث 3.

(7) راجع (إحياء العلوم) للغزالي. الجزء 3. ص 135 السطر 12 و في المصدر: ألا أنبئك بدل ألا أخبركم.

(8) (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 2. ص 100. الحديث 15

(9) أي و يؤيد كون الكذب من كبائر الذنوب.

ص: 160

في بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب إلى آخر الحديث (1)، فإن (2) مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة.

و يمكن الاستدلال على كونه من الكبائر بقوله تعالى: إِنَّمٰا يَفْتَرِي اَلْكَذِبَ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ .

فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات اللّه كافرا بها (3)، و لذلك (4) كله اطلق جماعة كالفاضلين (5) و الشهيد الثاني في ظاهر كلماتهم: كونه من الكبائر من غير فرق (6) بين أن يترتب على الخبر الكاذب مفسدة أو لا يترتب عليه شيء أصلا.

و يؤيده (7) ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله في وصيته لأبي ذر:

++++++++++

(1) (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 72. ص 263.

الحديث 46-48.

(2) هذه الجملة من كلمات (الشيخ) تعليل و بيان لوجه التأييد.

(3) أي جعل الباري عز و جل الكاذب كافرا بآيات اللّه، و الكفر بآيات اللّه من أكبر الكبائر.

(4) أي و لأجل أن الأحاديث المتقدمة، و الآية الكريمة كلها تدل على أن الكاذب ملعون و كافر بآيات اللّه: اطلق جماعة من الفقهاء الامامية أن الكذب بما هو كذب من الكبائر، سواء ترتب عليه مفسدة أم لا.

و مرجع الضمير في كونه: الكذب.

(5) و هما: المحقق و العلامة.

(6) هذا بيان للاطلاق الذي أفاده الفاضلان و الشهيد الثاني.

(7) أي و يؤيد الاطلاق الذي أفاده الفاضلان و الشهيد الثاني.

ص: 161

ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك القوم ويل له ويل له ويل له (1) فإن (2) الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع في المفسدة.

نعم في الأخبار ما يظهر من عدم كونه (3) على الاطلاق كبيرة.

مثل رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إن الكذب على اللّه، و على رسوله من الكبائر (4)، فإنها ظاهرة باختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص (5).

لكن يمكن حملها (6) على كون هذا الكذب الخاص من الكبائر

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 577. الحديث 4. الباب 140 و لا يخفى أن الرواية لا دلالة لها على الحرمة، و إن سلمت دلالتها على الحرمة فلا دلالة لها على أن هذا النوع من الكذب من الكبائر.

(2) تعليل لتأييد الحديث المذكور للاطلاق الذي أفاده (الفاظلان و الشهيد الثاني).

(3) أي كون الكذب.

(4) نفس المصدر. ص 575. الحديث 3. الباب 139.

(5) و هو الكذب على اللّه و رسوله فقط، لا مطلق الكذب فإن الحديث لا يدل على أن مطلق الكذب و لو لم يكن على اللّه و رسوله من الكبائر.

هذا بناء على ما فهمه (الشيخ) و استفاد من الحديث.

لكن يمكن أن يقال: إن إثبات الحكم لموضوع: لا ينفي الحكم عما عداه، خصوصا و أن الامام عليه السلام ليس في مقام عد الكبائر.

(6) أي حمل رواية أبي خديجة الدالة على اختصاص الكبيرة بالكذب على اللّه و على رسوله: على أن هذا الكذب الخاص من الذنوب الكبيرة الشديدة العظيمة التي أشد من بقية الكبائر.

ص: 162

الشديدة العظيمة.

و لعل هذا (1) أولى من تقييد المطلقات المتقدمة.

و في مرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل، فإن الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير إلى آخر الخبر (2).

و يستفاد منه (3): أن عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

و في صحيحة ابن الحجاج قلت لا بي عبد اللّه عليه السلام: الكذّاب هو الذي يكذب في الشيء.

++++++++++

(1) أي حمل رواية أبي خديجة على أن الكذب الخاص أشد من الذنوب الكبيرة: أولى من تقييد المطلقات المتقدمة من الآيات و الأخبار المشار إليهما في ص 161: بأن يقال: اذا ترتب على الكذب مفسدة فهو من الكبائر، و ان لم تترتب فلا، فتقيد تلك المطلقات الدالة على أن الكذب بما هو كذب من الكبائر مطلقا، سواء ترتب عليه مفسدة أم لا: بترتب المفسدة عليه فيكون من الكبائر، و ان لم تترتب فلا.

(2) نفس المصدر. ص 576. الحديث 1. الباب 140.

و للحديث صلة. أليك الباقي:

أ ما علمتم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللّه صديقا، و ما يزال العبد يكذب حتى يكتبه اللّه كذّابا.

(3) أي من حديث سيف بن عميرة.

لا يخفى عدم وجود شيء في الحديث يدل على أن عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد و ان كان الواقع كذلك، حيث إن كل كذب يترتب عليه مفسدة أكبر فهو أعظم.

ص: 163

قال: لا ما من أحد إلا يكون ذاك منه (1)، و لكن المطبوع (2) على الكذب (3)، فإن قوله (4): ما من أحد إلا يكون ذاك منه يدل على أن الكذب من اللمم (5) التي تصدر من كل أحد، لا من الكبائر.

و عن الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال: لا يصلح من الكذب جد و لا هزل، و أن لا يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له، إن الكذب يهدي الى الفجور، و الفجور يهدي الى النار، و ما زال أحدكم يكذب حتى يقال:

كذب و فجر (6) الى آخر الخبر (7).

++++++++++

(1) أي الكذب.

(2) أي المعتاد على الكذب بأن جرت عادته على أن يكذب.

(3) جملة (على الكذب) ليست خبرا لقوله عليه السلام: لكن المطبوع، لعدم تمامية المعنى، بل الخبر محذوف و هي جملة (هو الكذاب) أي المعتاد على الكذب هو الكذاب.

و القرينة على ذلك قول الراوي: الكذاب هو الذي يكذب في الشيء قال ابن مالك في هذا المقام:

و حذف ما يعلم جائز كما *** تقول زيد بعد من عندكما

و في جواب كيف زيد قل دنف *** فزيد استغني عنه اذ عرف

و الحديث مروي في المصدر السابق. ص 573. الحديث 9.

(4) أي قول الامام عليه السلام.

(5) و هي صغائر الذنوب أي الذنوب الصغيرة.

(6) مصدر الثلاثي من فجر يفجر معناه: ارتكاب المعاصي.

(7) المصدر السابق. ص 577. الباب 140. الحديث 3.

ص: 164

و فيه (1) أيضا اشعار بأن مجرد الكذب ليس فجورا.

و قوله (2): و لا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له: لا بدّ أن يراد منه النهي عن الوعد مع اضمار (3) عدم الوفاء و هو (4) المراد ظاهرا بقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ .

++++++++++

(1) أي في حديث حارث الأعور.

و كلمة أيضا معناها: أنه كما يستفاد من حديث سيف بن عميرة:

أن عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

كذلك هنا: أن مجرد الكذب ليس فجورا، بل باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد

(2) أي و قول الامام عليه السلام.

(3) أي مع تقدير الأب عدم الوفاء بالوعد الذي يعد به صبيه.

و لا يخفى أن المنهي عنه ليس هو الوعد المجرد عن عدم الوفاء بل هو الوعد المقيد بعدم الوفاء.

بمعنى أن الأب حينما يعد يقدر في قرار ضميره أن لا يفي بوعده.

ثم لا يخفى أيضا أن في الحديث ليس نهيا صريحا كما أفاده (الشيخ) بقوله: لا بد أن يراد به النهي، بل النهي يتصيد من النفي الصريح في قوله عليه السلام: لا يصلح من الكذب جد و لا هزل، ثم عطف عليه قوله و لا أن يعد أي و لا يصلح أن يعد أحدكم فالنهي مقتبس من النفي الذي هو المعطوف عليه فكذلك في المعطوف.

(4) أي النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء به هو المعني من الآية و معنى الآية الكريمة: لا تتكلموا بما لا تقومون به في المستقبل، فالنهي عن الوعد مع اضمار عدم الوفاء به صريح الآية الكريمة.

و الآية في سورة الصف: الآية 4.

ص: 165

بل الظاهر عدم كونه (1) كذبا حقيقيا، و أن اطلاق الكذب عليه في الرواية (2) لكونه في حكمه من حيث الحرمة، أو (3) لأن الوعد مستلزم للإخبار بوقوع الفعل كما أن سائر الإنشاءات كذلك، و لذا (4)

++++++++++

(1) أي الظاهر من أقوال الفقهاء و آرائهم: أن الوعد مع تقدير عدم الوفاء به.

(2) و هي رواية الحارث الأعور، حيث اطلق الامام عليه السلام على مثل هذا الوعد مع اضمار عدم الوفاء به: الكذب في قوله:

إن الكذب يهدي الى الفجور.

و لا يخفى أن هذا الاطلاق من باب اتحاد حكم الكذب و هي الحرمة مع الوعد الذي لا يراد انجازه.

(3) وجه ثان لاطلاق الكذب على الوعد الذي اضمر عدم الوفاء به و خلاصته: أن هذا الوعد الذي اضمر عدم الوفاء به مستلزم للإخبار عن وقوع الوعد، لأن الذي يعد يخبر في الواقع و نفس الأمر عن الانجاز و الوفاء بالوعد فاذا لم يف به فقد كذب كما في سائر الإنشاءات، فإنها مستلزمة للإخبار بوقوع الفعل في المستقبل.

فالحاصل أن صحة اطلاق الكذب على مثل هذا الوعد لأحد الأمرين لا محالة على سبيل منع الخلو.

إما لاجل اتحاد الحكم الذي هي الحرمة في الكذب و الوعد الذي اضمر فيه عدم الوفاء و اشتراكهما فيه.

و إما لاجل أن هذا الوعد مستلزم للإخبار عن وقوع الوعد و انجازه و الوفاء به في المستقبل.

(4) أي و لأجل أن سائر الإنشاءات مستلزمة للإخبار عن وقوع الفعل في المستقبل أفاد الشيخ (الكبير كاشف الغطاء) أن الكذب و إن كان

ص: 166

ذكر بعض الأساطين أن الكذب و إن كان من صفات (1) الخبر، إلاّ أن حكمه (2) يجري في الانشاء المنبئ (3) عنه كمدح المذموم (4)، و ذم الممدوح (5)،

++++++++++

من عوارض الخبر أي الخبر يتصف به كما أنه يتصف بالصدق حتى قيل حديثا و قديما: إن الخبر يحتمل الصدق و الكذب، أي الخبر بما أنه خبر من شأنه أن يعرض له الصدق و الكذب.

بخلاف الانشاء، حيث إنه لا يتصف بذلك لا بالصدق و لا بالكذب و مع ذلك كله فقد يجري حكم الكذب الذي هي الحرمة في الانشاء المنبأ عنه كما في مدح المذموم، و ذم الممدوح، و تمني المكاره، و ترجي غير المتوقع، و ايجاب غير الموجب، و ندب غير النادب، و وعد غير العازم فإن هذه الإنشاءات برمتها يجري فيها حكم الكذب من غير فرق بينها و بين الخبر.

هذا ما أفاده (الشيخ الكبير) في هذا المقام.

(1) أي من عوارض الخبر كما عرفت.

(2) و هي الحرمة التكليفية. أي حكم الكذب الذي هي الحرمة التكليفية تجري في الانشاء المخبر عنه.

(3) هذه الكلمة تحتمل كتابتها بالألف كما في أغلب نسخ (المكاسب) و معناها: الإخبار أي الإنشاء المخبر عنه كما علمت آنفا.

و تحتمل كتابتها بالياء كما أثبتناها هنا و معناها حينئذ: الإعراب و الإظهار. أي الإنشاء المظهر و المعرب عن الخبر.

(4) هذا مثال للانشاء الذي يجري فيه حكم الكذب و هي الحرمة

(5) مثال للانشاء الذي يجري فيه حكم الكذب.

ص: 167

و تمني المكاره (1)، و ترجي غير المتوقع (2)، و ايجاب غير الموجب (3) و ندب غير النادب (4)، و وعد غير العازم (5).

و كيف كان (6) فالظاهر عدم دخول خلف الوعد في الكذب، لعدم كونه من مقولة الكلام (7).

++++++++++

(1) مثال للانشاء الذي يجري فيه حكم الكذب كأن يقول المتمني:

ليتني مت، أو افتقرت.

(2) مثال للإنشاء الذي يجري فيه حكم الكذب كأن يقول المترجي:

ألا ليت الشباب يعود يوما.

(3) بصيغة المفعول أي إنشاء شيء غير واجب: بأن كان مكروها أو مستحبا، أو مباحا، أو حراما.

(4) الظاهر أن المراد من النادب المندوب، لعطف جملة و ندب على قوله: و ايجاب غير الموجب، أي إنشاء شيء غير مستحب: بأن كان حراما، أو واجبا، أو مكروها، أو مباحا.

و اذا اريد من النادب المندوب فقد استعمل اسم الفاعل في المفعول كما في قوله تعالى: لاٰ عٰاصِمَ اَلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اَللّٰهِ أي لا معصوم.

و المثال هذا للإنشاء الذي يجري فيه حكم الكذب.

(5) مثال للإنشاء الذي يجري فيه حكم الكذب اي وعد من لم يقصد الوفاء به حرام.

(6) أي اي شيء قلنا في الوعد الذي اضمر فيه عدم الوفاء به:

من أنه كذب، أو ليس بكذب.

(7) بل هو من مقولة التروك.

ص: 168

نعم هو (1) كذب للوعد بمعنى جعله مخالفا للواقع، كما أن انجاز الوعد صدق (2) له بمعنى جعله مطابقا للواقع فيقال: صادق الوعد (3) و وعد غير مكذوب.

و الكذب بهذا المعنى (4) ليس محرما على المشهور و إن كان غير واحد من الأخبار ظاهرا في حرمته (5).

++++++++++

(1) أي خلف الوعد تكذيب للوعد الذي أنشأه فيكون مخالفا للواقع و نفس الأمر.

و الباء في بمعنى تفسير لكون خلف الوعد تكذيب للوعد الذي انشأه.

(2) المراد من الصدق التصديق اي انجاز الوعد تصديق للوعد.

(3) أي يقال لهذا الانجاز: وعد صادق غير مكذوب.

(4) و هو خلف الوعد الّذي يضمر عدم الوفاء به.

(5) أي في حرمة خلف هذا الوعد الذي هو ليس من مقولة الكلام وردت أخبار كثيرة.

راجع المصدر السابق. ص 515. الباب 109 من أبواب العشرة.

الحديث 3. أليك نص الحديث:

عن هشام بن سالم قال: سمعت (أبا عبد اللّه) عليه السلام يقول:

عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له فمن أخلف فبخلف اللّه بدأ، و لمقته تعرّض، و ذلك قوله تعالى: «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ » (1).

فإن قوله عليه السلام: فمن اخلف فيخلف اللّه بدأ: دال على حرمة خلف الوعد الذي يضمر عدم الوفاء به.

ص: 169


1- الممتحنة: الآية 3.

و في بعضها (1) الاستشهاد بالآية المتقدمة.

ثم إن ظاهر الخبرين الأخيرين (2) خصوصا المرسلة (3) حرمة الكذب حتى في الهزل.

و يمكن أن يراد بها (4) الكذب في مقام الهزل.

و أما نفس الهزل و هو الكلام الفاقد للقصد (5) الى تحقق مدلوله

++++++++++

و كذلك قوله عليه السلام: و لمقته تعرض دال على حرمة خلف الوعد الذي يضمر عدم الوفاء به.

(1) أي و في بعض الأحاديث المذكورة في المصدر و هو حديث هشام ابن سالم الذي استشهد الامام عليه السلام بالآية الكريمة فيه.

(2) و هما: رواية علي بن الحسين عليهما السلام المروية عن سيف ابن عميرة المشار إليها في ص 163 المعبر عنها بالمرسلة.

و رواية الحارث بن الأعور المشار إليها في ص 164.

ثم لا يخفى أن (الشيخ) عبر عن الخبرين بالأخيرين مع أن بينهما صحيحة و هي صحيحة ابن الحجاج المشار إليها في ص 163.

و وجه ذلك: أن الصحيحة لا يطلق عليها الخبر في اصطلاح أهل الحديث، و لذا قال: الخبرين الأخيرين.

(3) و هي مرسلة سيف بن عميرة.

ثم لا يخفى أن مراسيل سيف بن عميرة كلها مقبولة بالاجماع، لأنها بمنزلة الصحيحة أجمعت الصحابة على صحة ما يروى عنه.

(4) أي بحرمة الكذب حتى في مقام الهزل: الكذبة التي يؤتى بها بصورة الهزل: و هي في الواقع كذب، لا مطلق الهزل كما أفاده المصنف بقوله: فلا يبعد أنه غير محرم.

(5) بمعنى أن المتكلم لا يقصد مدلول الكلام.

ص: 170

فلا يبعد أنه غير محرم مع نصب القرينة على إرادة الهزل كما صرح به بعض و لعله (1) لانصراف الكذب الى الخبر المقصود، و للسيرة (2).

و يمكن حمل الخبرين (3) على مطلق المرجوحية.

++++++++++

(1) أي و لعل عدم حرمة الكذب الهزلي مع أنه خلاف الواقع لاجل انصراف الكذب المحرم الى الكذب المقصود من قبل المتكلم.

(2) تعليل ثان لعدم حرمة الكذب الهزلي، أي السيرة المستمرة جرت على أن الكذب الهزلي ليس محرما.

و لا يخفى أنه لم يفهم المراد من السيرة هنا.

فإن كان المراد منها سيرة العلماء فممنوعة، لعدم وصول مثل هذه السيرة إلينا في أنهم كانوا يكذبون هزلا.

و ان كان المراد منها سيرة المسلمين فحجيتها ممنوعة و قد استنكر الشيخ كرارا مثل هذه السيرة.

اللهم إلا أن يراد من السيرة سيرة عوام الناس و هي كما ترى.

(3) و هما: خبر سيف بن عميرة. و الحارث بن الاعور، فإن قوله عليه السلام في الخبر الأول: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جدّ و هزل: يدل على أن المراد من الكذب معناه العام و هي المرجوحية المطلقة التي لها فردان: الجد فتشمله الحرمة، و الهزل فتشمله الكراهة، حيث إن الامام عليه السلام قد جمع بين الجد و الهزل في الكذب.

و كذا قوله عليه السلام في الخبر الثاني: لا يصلح من الكذب جد و هزل: يدل على أن المراد من الكذب معناه العام و هي المرجوحية المطلقة التي لها فردان: الجد فتشمله الحرمة. و الهزل فتشمله الكراهة، حيث إن الامام عليه السلام قد جمع بين الجد و الهزل في الكذب.

ص: 171

و يحتمل غير بعيد حرمته (1)، لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الأخيرين (2)، و النبوي (3) في وصية أبي ذر، لأن الأكاذيب المضحكة أكثرها من قبيل الهزل.

و عن الخصال بسنده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنا زعيم (4) بيت في أعلى الجنة، و بيت في وسط الجنة، و بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا، و لمن ترك الكذب و ان كان هازلا، و لمن حسّن خلقه (5).

و قال أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام: لا يجد الرجل طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده (6).

++++++++++

(1) اي حرمة الكذب الهزلي، لعموم الأخبار المتقدمة: و هي رواية العيون، و الأعمش، و الموثقة، و المرسلة، و العسكري عليه السلام، و وصية النبي صلى اللّه عليه و آله لأبي ذر، و رواية أبي خديجة، و مرسلة سيف ابن عميرة، و صحيحة ابن الحجاج، و رواية الحارث بن الأعور، و الآية الكريمة في قوله تعالى: «إِنَّمٰا يَفْتَرِي اَلْكَذِبَ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ » . فإن الأخبار بأسرها، و الآية الكريمة مطلقة في حرمة الكذب لم تفصل بين الجد و الهزل منه.

(2) و هما: خبر سيف بن عميرة، و الحارث بن الأعور.

(3) المشار إليه في ص 161.

(4) معناه الضامن.

(5) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 568. الباب 135 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 8.

(6) نفس المصدر. ص 577. الباب 14. الحديث 2.

ص: 172

ثم إنه لا ينبغي الاشكال في أن المغالبة في الادعاء و ان بلغت ما بلغت ليست من الكذب (1).

و ربما يدخل فيه (2) اذا كانت في غير محلها كما لو مدح انسانا قبيح

++++++++++

(1) كأن يقال: فلان صنع وليمة دعا إليها عشرة آلاف رجل و هم لم يتجاوزوا الألف.

(2) أي في الكذب اذا كانت المبالغة في غير محلها كما لو مدح شخص انسانا قبيح المنظر و قال: إن وجهه كالقمر، أو قال في حق زيد البخيل: إنه كحاتم، أو كمعن بن زائدة، أو شبه الرجل الجبان بعمرو ابن معدي كرب، أو شبه خط الردي بخط ابن مقلة، أو شبه العيي بفصاحة (قس بن ساعدة الأيادي). و هكذا.

هذا ما أفاده (الشيخ) في هذا المقام.

و لكن لا يخفى: أن هذه الأمثلة التي ذكرناها نحن تبعا للشيخ ليست من المبالغة، بل هي من الكذب الصريح الذي لا واقع له، و لا حقيقة لأن أمثال هذه الجمل إخبار عما لا واقع لها.

و أما المبالغة فقد أخذ في مفهومه وجود واقع ما.

كما أن صيغة أفعل التفضيل لا بدّ لها من وجود مبدأ التفضيل في المفضل عليه حتى يصح أن يقال: زيد أفضل من عمرو، و إلا لما صح التفضيل و يمكن أن يقال في تعريف المبالغة: إنه تكثير ما يخبر عنه، أو الزيادة في الوصف و العد كما لو بالغت في كثرة الجيش و قلت: بلغ عددهم عشرة آلاف و هم لم يبلغوا الألف، أو تقول: إن مصنفات فلان قد بلغت المئات و هي لم تتجاوز العشر.

أو يبالغ في شجاعة شخص، أو كرمه بأن يقال: بلغ عدد قتلاه

ص: 173

المنظر و شبه وجهه بالقمر، إلا إذا بني (1) على كونه كذلك في نظر المادح، فإن الأنظار تختلف في التحسين و التقبيح كالذائقات (2) في المطعومات و أما التورية و هو أن يريد بلفظ معنى مطابقا للواقع و قصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه (3) عند مطلق المخاطب (4)، أو المخاطب الخاص كما لو قلت في مقام انكار ما قلته في حق أحد: علم اللّه ما قلته (5) و أردت بكلمة ما: الموصولة و فهم المخاطب النافية (6).

++++++++++

الألف، أو عدد عطاياه المئات و لم يتجاوز القتلى عشرين، أو العطايا عشرا، و هكذا.

(1) بصيغة المجهول. أي يبنى من قبل السامع على أن الممدوح في نظر المادح وجهه كالقمر حقيقة، كما أن الولد في نظر الوالدين كذلك

(2) أي في كونها تختلف بحسب أذواق الناس.

ثم الظاهر أن الذائقات جمع ذائقة بقرينة المطعومات كما أن المطعومات جمع مطعوم.

و الذائقة: قوة تدرك بها الطعوم و هي من الحواس الخمس: و هي الباصرة.

السامعة. اللامسة. الذائقة. الشامة.

و أما وجه اختلاف الذائقات فمعلوم، إذ رب طعم يستحسنه انسان و يشمئز منه انسان آخر كالحلاوة و الحموضة و الملوحة.

(3) أي في اللفظ الملقى الى المخاطب.

(4) أي كل ما يسمعه، سواء أ كان واحدا، أم جماعة.

و مثال هذا يأتي في قوله: علم اللّه ما قلته.

(5) مثال لمطلق المخاطب.

(6) كما هو الظاهر من الجملة بدوا.

ص: 174

و كما لو استأذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا (1) و أشار الى موضع فارغ في البيت.

و كما لو قلت: اليوم ما أكلت الخبز (2) تعني بذلك حالة النوم أو حالة الصلاة، الى غير ذلك فلا ينبغي الاشكال في عدم كونها (3) من الكذب، و لذا (4) صرح الأصحاب فيما سيأتي من وجوب التورية عند الضرورة: بأنه يؤدي بما يخرجه عن الكذب، بل اعترض جامع المقاصد على قول العلامة في القواعد في مسألة الوديعة اذا طالبها ظالم: بأنه (5) يجوز الحلف كاذبا، و تجب التورية على العارف بها: بأن (6) العبارة لا تخلو عن مناقشة، حيث تقتضي (7) ثبوت الكذب مع التورية، و معلوم أن لا كذب معها (8).

++++++++++

(1) هذا مثال للمخاطب الخاص.

(2) هذا مثال للمخاطب الخاص أيضا.

و لا يخفى أن المثال هذا غير مقبول، حيث إن فيه كلمة (اليوم) فهو يشمل النهار كله، فليس فيه مجال لتضييق دائرته حتى يخرجه عن الكذب فاذا قصد حالة النوم فقط فقد كذب.

(3) أي في كون التورية.

(4) أي و لأجل أن التورية ليست من الكذب صرح الفقهاء بوجوب التورية عند الضرورة الى الكذب.

(5) هذه الجملة: (بأنه يجوز الحلف كاذبا). و يجب التورية على العارف بها): مقول قول (العلامة).

(6) من هنا اعتراض (صاحب جامع المقاصد) على (العلامة).

(7) أي عبارة (العلامة) تقتضي أن الكذب ثابت و ان ورّى الحالف

(8) أي الكذب مع التورية.

ص: 175

انتهى (1).

و وجه ذلك (2) أن الخبر باعتبار معناه و هو المستعمل فيه كلامه ليس مخالفا للواقع و انما فهم المخاطب من كلامه أمرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ.

نعم (3) لو ترتبت عليها مفسدة حرمت من تلك الجهة.

اللهم (4) إلا أن يدعى أن مفسدة الكذب و هو الإغراء موجودة فيها

++++++++++

(1) أي ما أفاده (صاحب جامع المقاصد) في اعتراضه على العلامة في هذا المقام.

(2) توجيه من (الشيخ) حول ما أفاده (صاحب جامع المقاصد):

من أنه لا كذب مع التورية ردا على ما أفاده (العلامة) من ثبوت الكذب مع التورية.

و خلاصة التوجيه: أن الخبر الذي يلقيه المتكلم في قوله: علم اللّه ما قلته ليس مخالفا للواقع، حيث لم يقصد المتكلم من كلمة ما النفي حتى تكون يمينه كاذبة، بل قصد منها الموصولة أي اللّه جل و علا عالم بالذي قلته لكن المخاطب فهم النفي من كلمة ما فما ذنب القائل ؟

فلا يترتب على كلامه شيء.

(3) استدراك عما أفاده: من عدم وجود الكذب مع التورية في قوله:

و معلوم أن لا كذب مع التورية.

و خلاصة الاستدراك: أنه لو ترتبت على هذه التورية مفسدة حرمت التورية حينئذ من ناحية ترتب المفسدة عليها، لا من ناحية التورية، فإن التورية بما هي تورية لا مفسدة فيها.

(4) استثناء عما أفاده آنفا: من أن التورية في هذا المقام لا حرمة فيها و إنما الحرمة فيها من ناحية ترتب المفسدة عليها. -

ص: 176

و هي (1) ممنوعة، لأن الكذب محرم، لا لمجرد الإغراء.

و ذكر بعض الأفاضل (2) أن المعتبر في اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر (3) الكلام، لا ما هو المراد منه فلو قال: رأيت حمارا و أراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو متصف بالكذب و ان لم يكن المراد مخالفا للواقع. انتهى (4) موضع الحاجة.

++++++++++

- و خلاصة الاستثناء أنه لو قيل: إن نفس مفسدة الكذب و هو الإغراء موجودة في التورية هذه، لأن المتكلم عند ما يوري في كلامه و يقول:

شربت الخمر و هو يقصد الخمر الطاهر، لا الواقعي فيغري المخاطب و لربما يقدم على شربها، حيث استفاد من الخمر معناها الظاهر و هو الاسكار فتحرم هذه التورية حينئذ، لاتحاد الملاك في الكذب و التورية.

(1) أي هذا القيل و هو وجود مفسدة الكذب في التورية ممنوع لوجود الفرق بين المقيس و هي التورية، و المقيس عليه و هو الكذب، اذ الكذب محرم في نفسه مجردا عن كل شيء، سواء أ كان هناك إغراء أم لا.

بخلاف التورية، فإن الحرمة فيها متوقفة على وجود الاغراء و المفسدة

(2) و هو (المحقق القمي) صاحب القوانين يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

(3) أي من حاق اللفظ مجردا عن القرينة الحالية، أو المقالية كما لو قال زيد: رأيت حمارا و هو يقصد رجلا بليدا من دون أن ينصب قرينة على ذلك فهو كاذب في توريته هذه، و ان لم يكن مراده و هي رؤية الانسان البليد مخالفا للواقع.

(4) أي ما أفاده (المحقق القمي) في هذا المقام.

ص: 177

أقول (1): فإن أراد اتصاف الخبر في الواقع فقد تقدم أنه دائر مدار موافقة المخبر و مخالفته للواقع، لأنه معنى الخبر و المقصود منه، دون ظاهره الذي لم يقصد.

و إن أراد اتصافه عند الواصف فهو حق مع فرض جهله (2) بإرادة خلاف الظاهر.

لكن توصيفه (3) حينئذ باعتقاد أن هذا هو مراد المخبر و مقصوده

++++++++++

(1) من هنا يروم (شيخنا الأنصاري) النقاش مع (المحقق القمي) فيما أفاده: من أن الاعتبار في اتصاف الخبر بالصدق، أو الكذب هو فهم المعنى من ظاهر الكلام، لا من مراده.

و خلاصة النقاش أنه إن أراد من الاتصاف المذكور اتصاف الخبر في الواقع و نفس الامر فقد عرفت في تعريف التورية أن الصدق و الكذب دائران مدار موافقة الخبر لمراد المخبر و مخالفته للواقع، لأن هذه الموافقة و المخالفة هو معنى الخبر و المقصود منه، دون الظاهر الذي لم يقصد من الخبر فما أفاده غير مفيد.

و ان أراد من الاتصاف المذكور اتصاف الخبر عند الواصف الذي هو السامع عند ما يريد أن يصف الخبر بالصدق، أو الكذب في قوله:

رأيت حمارا قاصدا البليد فما أفاده حق، لأن هذا النوع من الخبر يكون صادقا عند المخبر الذي لم ير البليد، و كاذبا عند السامع الذي يريد أن يصف كلامه بالصدق أو الكذب، لجهل السامع بإرادة المتكلم خلاف الظاهر من قوله: ما رأيت حمارا.

(2) أي مع فرض جهل السامع بإرادة المتكلم كما عرفت آنفا.

(3) أى توصيف السامع حين جهله بمراد المتكلم كما عرفت آنفا.

ص: 178

فيرجع (1) الأمر الى اناطة الاتصاف بمراد المتكلم و إن كان الطريق إليه اعتقاد المخاطب.

و مما يدل على سلب الكذب عن التورية ما روي في الاحتجاج أنه سئل الامام الصادق عليه السلام عن قول اللّه عز و جل في قصة ابراهيم على نبينا و آله و عليه السلام: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ (2).

قال (3): ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم.

قيل: و كيف ذلك (4)؟

فقال (5): إنما قال ابراهيم: فاسألوهم إن كانوا ينطقون أي إن نطقوا

++++++++++

(1) الفاء تفريع على ما أفاده (المحقق القمي): من أنه لو أراد من الاتصاف اتصاف الخبر بالصدق و الكذب عند الواصف الذي هو السامع و خلاصة التفريع أنه بناء على ذلك يكون مرجع الصدق و الكذب الى توقف الاتصاف المذكور على مراد المتكلم، فإن كان قصده مطابقا للواقع فهو صدق، و ان لم يكن مطابقا للواقع فهو كذب و لو كان الطريق الى اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو اعتقاد المخاطب.

(2) الأنبياء: الآية 63.

هذه الآية الكريمة في جواب سؤال عبدة الأصنام من ابراهيم على نبينا و آله و عليه السلام عند ما قالوا له: أ أنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم.

(3) أي الامام الصادق عليه السلام قال في جواب السائل عنه:

ما فعله كبيرهم.

(4) أي و كيف أن ابراهيم عليه السلام لم يكذب و الحال أنه فعل هذا بآلهتهم فكيف قال: بل فعله كبيرهم هذا.

(5) أي الامام الصادق عليه السلام.

ص: 179

فكبيرهم فعل، و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا و ما كذب ابراهيم (1).

و سئل (2) أبو عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه تعالى في يوسف:

أَيَّتُهَا اَلْعِيرُ (3) إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ (4).

قال (5): إنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى أنهم (6) قالوا:

نفقد (7) صواع (8) الملك، و لم يقولوا (9) سرقتم صواع الملك.

++++++++++

(1) حين أن قال: بل فعله كبيرهم هذا.

و الحديث مروي في الاحتجاج. الجزء 2. ص 104. طباعة النجف الاشرف عام 1386.

(2) أي (الامام الصادق) عليه السلام.

(3) بكسر العين و سكون الياء مؤنث الحمير.

و المراد منها: قافلة الحمير:

و لكن تطلق على كل قافلة أعم من أن تكون من الحمير، أو من الأباعر أو من غيرهما، و جمعها: عيرات و عيرات بتشديد الياء.

(4) المراد من هؤلاء السراق: اخوة يوسف عليه السلام.

(5) أي (الامام الصادق) عليه السلام.

(6) أي حاشية الملك و رجال الدولة.

(7) المراد منه هنا: الطلب. أي نطلب.

(8) بضم الصاد و كسرها: الجام الذي يشرب فيه جمعه صيعان.

(9) أي حاشية الملك و رجال الدولة لم يقولوا: سرقتم صواع عزيز مصر الذي كان ملك الديار المصرية.

الحديث في (الوسائل). الجزء 8. ص 579. الحديث 4.

ص: 180

و سئل (1) عن قول اللّه عز و جل حكاية عن ابراهيم عليه السلام:

إني سقيم.

قال: ما كان ابراهيم (2) سقيما، و ما كذب (3) إنما عنى سقيما في دينه (4) أي مرتادا (5).

و في مستطرفات السرائر من كتاب ابن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يستأذن (6) عليه فيقول للجارية: قولي ليس هو هاهنا.

فقال عليه السلام: لا بأس (7) ليس بكذب (8)، فإن سلب الكذب مبني على أن المشار إليه بقوله: هاهنا موضع خال من الدار

++++++++++

(1) أي (الامام الصادق) عليه السلام.

(2) أي ابراهيم عليه السلام.

(3) المراد من القسم هنا: المرض في البدن أي إن ابراهيم عليه السلام ما كان في بدنه و جسمه مرض حينما قال: إني سقيم.

و كذلك إنه ليس بكاذب عند ما قال: بل فعله كبيرهم هذا.

(4) المراد من دينه هنا: دين البيئة التي أرادوا فرضها على ابراهيم عليه السلام أي فكان ابراهيم سقيما في هذا الدين.

(5) بالنصب خبر ثان لكان. اي كان ابراهيم عليه السلام طالبا للحق و كلمة مرتادا اسم مفعول مشتقة من ارتاد يرتاد، يقال: ارتاد الشيء، أي طلبه.

(6) بصيغة المجهول من باب الاستفعال.

(7) اي (الامام الصادق) عليه السلام.

(8) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 58. الباب 141. من أبواب العشرة. الحديث 8.

ص: 181

إذ (1) لا وجه له سوى ذلك.

و روي في باب الحيل من كتاب الطلاق للمبسوط أن واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر فاعترضهما في الطريق أعداء المصحوب فأنكر الصاحب أنه هو فأحلفوه فحلف لهم أنه أخوه فلما أتى النبي صلى اللّه عليه و آله قال له: صدقت المسلم أخو المسلم (2).

الى غير ذلك (3) مما يظهر منه ذلك.

أما الكلام في المقام الثاني و هي مسوغات الكذب
اشارة

أما الكلام في المقام الثاني (4) و هي مسوغات الكذب.

فاعلم أنه يسوغ الكذب لوجهين:

أحدهما: الضرورة إليه

(أحدهما): الضرورة (5) إليه فيسوغ معها (6) بالأدلة الأربعة.

قال اللّه تعالى: إِلاّٰ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ (7).

++++++++++

(1) تعليل لقول الامام عليه السلام: ليس بكذب، أي لا وجه لنفي الامام عليه السلام الكذب عن قول القائل، سوى أن المراد بالاشارة في قوله: هاهنا. المكان الفارغ، و الموضع الخالي من الشخص المسئول عنه

(2) راجع المبسوط. الجزء 5. ص 95. طباعة طهران.

(3) أي و غير هذه الأخبار الواردة في التورية في أنها ليست كذبا راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 579-581. الأحاديث

(4) من المقامين الذين ذكرهما المصنف في ص 159 بقوله: إلا أن الذي ينبغي الكلام فيه.

و المراد من المسوغات المجوزات الشرعية.

(5) أي الحاجة و الإلجاء.

(6) أي مع هذه الحاجة و الإلجاء.

(7) هذا أول الأدلة الأربعة و هي الآيات الكريمة المستدل بها على جواز الكذب مع الضرورة و الاحتياج إليه.

ص: 182

و قال تعالى: لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا

++++++++++

أليك تمام الآية الشريفة:

«إِنَّمٰا يَفْتَرِي اَلْكَذِبَ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰاذِبُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلاّٰ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ » (1) .

هذه الآية الكريمة نزلت في شأن الصحابي الجليل العظيم (عمار بن ياسر)(2)رضوان اللّه عليه و على والديه حين عذبه المشركون و أبويه عذابا شديدا فضيعا حتى قضوا على والديه فمضيا شهيدين و بقي (عمار) فأجبروه على سب إله (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله.

و خلاصه القصة: أن ياسرا كان من بني عنس بن مذحج، و كان يمانيا من بني قحطان و هو رابع الإخوة: مالك حارث عبد اللّه فقد الأخير فخرج ياسر و مالك و حارث في طلب عبد اللّه من اليمن قاصدين (مكة المكرمة) فدخلوها فوجدوه هناك.

ثم بعد أيام قلائل رجع مالك و حارث الى وطنهم المألوف و بقي ياسر مجاورا (المكة المشرفة) فتحالف مع (أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي) زعيم (بني مخزوم) فصار حليفهم فزوجه أبو حذيفة أمته (سمية) التي كانت بنت خياط.

و سمية هذه كانت بمثابة من صفاء القلب، و صحة العقل، و ملاحة الوجه، و عفة النفس، و طهارة الذيل.

ص: 183


1- النحل: الآية 106.
2- يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب) مفصلا.

منهم تقية (1).

و قوله عليه السلام: ما من شيء إلا و قد أحله اللّه لمن اضطر إليه (2) و قد اشتهر أن الضرورات تبيح المحظورات (3).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى (4).

و قد استفاضت، أو (5) تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني، أو المالي عن نفسه، أو أخيه (6).

++++++++++

(1) آل عمران: الآية 28 فقوله تعالى: إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً يدل على جواز الكذب عند خوف الضرر في حالة التقية.

(2) هذا هو الدليل الثاني من الأدلة الأربعة و هي الأخبار.

راجع (وسائل الشيعة) الجزء 16. ص 165. الباب 12 من أبواب الإيمان. الحديث 18.

فالحديث هذا يدل على جواز الكذب عند الضرورة حالة التقية.

(3) و هي الممنوعات، سواء أ كانت شرعية أم اجتماعية أم فرعية فإن الممنوعات تباح عند الضرورة و هو الخوف في حالة التقية.

و معنى قوله: و قد اشتهر أن الضرورات تبيح المحظورات: أن هذه الجملة ليست من الأحاديث، بل هي مأخوذة من مضامين الأحاديث.

(4) راجع نفس المصدر.

(5) أو للترديد. أي إما مستفيضة تلك الأخبار، أو متواترة.

و إنما أتى (الشيخ الأنصاري) بلفظ أو، بناء على أن الأخبار اذا بلغت حد القطع تسمى متواترة و ان كانت قليلة العدد.

(6) راجع نفس المصدر. الأحاديث.

ثم كان من الأنسب إلحاق البنت و الزوجة و الاخت، و بنات الاخت بالضرر المالي. -

ص: 184

و الاجماع (1) أظهر من أن يدعى، أو يحكى.

و العقل (2) مستقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين (3) مع بقائه على قبحه، أو انتفاء قبحه (4)، لغلبة (5) الآخر عليه

++++++++++

- و لعل عدم ذكرها، لدخولها في الأخوة الدينية.

(1) هذا هو الدليل الثالث من الأدلة الأربعة القائمة على جواز الكذب عند الضرورة و الحاجة.

(2) القبيحان هما: الكذب و ترك المحافظة على نفسه، أو ماله أو عرضه.

فالكذب أقل قبحا من الثاني فيرتكب هذا دون ذلك، لأنه إذا دار الأمر بين ارتكاب أحد القبيحين فلا شك في جواز ارتكاب أقلهما قبحا مع بقاء هذا الأقل على قبحه من دون أن يخرج عن القبيح كما هو مذهب بعض.

(3) هذا رابع الأدلة القائمة على جواز الكذب عند الضرورة.

(4) أي أو مع انتفاء القبح عن الأقل قبحا رأسا كما هو مذهب آخرين فإنه لا يبقى للأقل قبحا قبح أصلا.

خذ لذلك مثالا لو دار الأمر بين أن يرتكب الكذب حتى ينجّي أخاه من القتل، أو يصدق فيقتل أخوه فلا شك أن الكذب هنا متعين و لا مجال للصدق، لأنه لا يبقى للكذب قبح أصلا حتى لا يجوز ارتكابه

(5) تعليل لانتفاء قبح الأقل رأسا، أي انما ينتفي القبح عن الأفل رأسا لاجل غلبة الآخر الذي هو أعظم القبيحين و أشدهما على الأقل قبحا فإن ارتكاب الصدق في المثال المذكور أعظم قبحا من ارتكاب الكذب فيغلب الأعظم على الأقل فلا يبقى للأعظم مجال في ارتكابه فيضطر الانسان الى ارتكاب الأقل، لانتفاء قبحه أصلا و رأسا.

ص: 185

على القولين (1):

و هما: كون القبح العقلي مطلق. أو في خصوص الكذب، لاجل (2) الذات فيختلف بالوجوه و الاعتبارات.

++++++++++

(1) هذه العبارة كمثيلاتها في الغموض و التعقيد فهي راجعة الى الترديد المذكور في قول الشيخ: مع بقائه على قبحه، أو انتفاء قبحه رأسا و أصلا.

و خلاصتها: أن بقاء أقل القبيحين على قبحه، أو انتفاء القبح منه رأسا و أساسا مبني على القولين:

و هما: أن القبح العقلي ذاتي بجميع أفراده فلا يرتفع بالوجوه و الاعتبار أصلا و أبدا كما قال الشيخ: في كون القبح العقلي مطلقا.

أو أن القبح العقلي منحصر في خصوص الكذب الذي يكون مقتضيا للقبح بمعنى أن مصب حكم العقل بقبح الكذب هي ذات الكذب و شخصه مع قطع النظر عن ظروفه و حالاته فيرتفع قبحه بالوجوه و الاعتبارات و العوارض الطارئة له فقبحه مقيد فلا يكون ذاتيا فيرتفع اذا تعارض ما هو أقبح منه كما قال الشيخ: أو في خصوص الكذب لاجل الذات.

فان قلنا بالقبح الذاتي يكون أقل القبيحين باق على قبحه.

و ان قلنا بالقبح العقلي المنحصر في خصوص الكذب فيرتفع القبح من أصله و أساسه.

ثم لا يخفى عليك أن النزاع هذا يجري في مطلق القبح و منه الكذب و لا اختصاص له في خصوص الكذب.

(2) معنى هذه الجملة أن الكذب مقتض للقبح لو لم يعرضه شيء من الوجوه و الاعتبار من المصلحة.

و أما اذا طرأه ذلك فلا يبقى مجال للقبح حينئذ كما عرفت.

ص: 186

و لا اشكال في ذلك (1) و إنما الاشكال و الخلاف في أنه هل يجب حينئذ (2) التورية لمن يقدر عليها أم لا.

ظاهر المشهور هو الاول (3) كما يظهر من المقنعة و المبسوط و الغنية و السرائر و الشرائع و القواعد و اللمعة و شرحها (4) و التحرير و جامع المقاصد و الرياض، و محكي مجمع البرهان في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة (5).

قال في المقنعة: من كانت عنده امانة فطالبه ظالم بتسليمها إليه و خيانة صاحبها فيها فليجحدها (6) ليحفظها على المؤتمن له عليها.

و إن استحلفه على ذلك (7) فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب الى أن قال: فان لم يحسن التورية و كانت نيته حفظ الامانة أجزأته النية و كان مأجورا. انتهى.

و قال في هذه المسألة أعني مطالبة الظالم الوديعة: فإن قنع الظالم منه بيمينه فله أن يحلف و يوري في ذلك. انتهى.

و في الغنية في هذه المسألة: و يجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة و يوري في يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل اجماع الشيعة. انتهى.

++++++++++

(1) أي في ارتكاب أقل القبيحين على القولين المذكورين.

(2) أي حين أن اضطر الى الكذب لانقاذ نفس محترمة، أو مال محترم

(3) و هو وجوب التورية مع القدرة عليها.

(4) راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 4.

ص 235 عند قول المصنف: نعم يجب عليه اليمين.

(5) بأن يحلف على عدم وجود الامانة عنده.

(6) أي ينكر وجود الامانة عنده.

(7) أي على عدم وجود الامانة عنده.

ص: 187

و قال في المختصر النافع: حلف موريا.

و في القواعد: و تجب التورية على العارف بها. انتهى.

و في السرائر في باب الحيل من كتاب الطلاق لو أنكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء (1)، أو القضاء جاز الحلف (2) مع صدقه (3) بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب. انتهى.

و في اللمعة يحلف عليه فيوري.

و قريب منه في شرحها (4).

و في جامع المقاصد في باب المكاسب تجب التورية بما يخرجه عن الكذب. انتهى.

و وجه ما ذكروه (5) أن الكذب حرام و لم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة على التورية فيدخل (6) تحت العمومات،

++++++++++

(1) فإنه لو أقر بالاستدانة ثم ادعى بابراء الدائن له، أو قضائه يلزم بالبينة ففرارا عن ذلك ينكر الاستدانة من بداية الامر حتى لا يلزم بالبينة.

(2) أي على عدم الاستدانة أصلا، لأنه منكر و اليمين على من أنكر

(3) أي بشرط أن يكون صادقا فيما يدعيه من عدم اشتغال ذمته بالدين

(4) أي شرح (اللمعة الدمشقية) و هي الروضة البهية.

راجع نفس المصدر.

أليك عبارة الشارح: بما يخرجه عن الكذب بأن يحلف أنه ما استودعه من فلان، و يخصه بوقت، أو جنس، أو مكان، أو نحوها.

(5) و هو وجوب التورية على القادر العارف.

(6) أي يدخل قول الكاذب القادر على التورية و هو لم يفعل ذلك و ليس له اضطرار الى الكذب في العمومات الدالة على حرمة الكذب.

ص: 188

مع (1) أن قبح الكذب عقلي فلا (2) يسوغ إلا مع تحقق عنوان حسن في ضمنه يغلب (3) حسنه على قبحه (4)، و يتوقف تحققه على تحققه و لا يكون (5) التوقف إلا مع العجز عن التورية.

و هذا الحكم (6) جيد إلا أن مقتضى اطلاقات أدلة

++++++++++

و المراد من العمومات: الكتاب الكريم، و الأحاديث الشريفة الدالتين على حرمة الكذب و قد اشير إليهما في صدر عنوان البحث في ص 160-163

(1) أي و لنا دليل آخر على حرمة الكذب بالإضافة الى العمومات المذكورة و هو حكم العقل بكون الكذب قبيحا.

(2) الفاء تفريع على ما أفاده الشيخ من حكم العقل بقبح الكذب.

و خلاصة التفريع: أنه لا يجوز الاقدام على الكذب إلا اذا كان هناك عنوان حسن به يرتفع القبح، سواء أ كان قبحه ذاتيا أم عرضيا يختلف بالوجوه و الاعتبارات و هذا العنوان يكون في ضمن الكذب، بناء على الاقتضاء، و أن قبحه بالوجوه و الاعتبار، و الظروف و الحالات.

(3) هذه الجملة مجرورة محلا صفة لقوله: عنوان حسن أي بشرط أن يكون هذا الحسن الذي نشأ من عنوان الحسن غالبا على قبح الكذب.

(4) أي حسن الكذب متوقف على تحقق العنوان الحسن بحيث لو تحقق الحسن في الخارج تحقق حسن الكذب، و ان لم يتحقق لم يتحقق

(5) أي و لا يكون توقف حسن الكذب على تحقق العنوان الحسن إلا في صورة العجز عن التورية، و عدم القدرة عليها، لأن القدرة عليها تغني عن الكذب، سواء اتصف الكذب بالحسن الذي طرأ عليه العنوان الحسن أم لا.

(6) و هو وجوب التورية على القادر عليها.

ص: 189

الترخيص (1) في الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني، أو المالي عن نفسه أو أخيه: عدم (2) اعتبار ذلك.

ففي رواية السكوني عن الامام الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: احلف باللّه كاذبا و نج أخاك من القتل (3).

و صحيحة اسماعيل بن سعد الاشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف له لينجو به منه قال: لا بأس (4).

و سألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على مال نفسه ؟

++++++++++

(1) و هي الآيات التي اشير إليها في عنوان مسوغات الكذب في ص 182-183، و الأخبار التي اشير إليها في ص 184.

(2) بالرفع خبر لاسم إن في قوله: إلا أن.

و مرجع الاشارة في قوله: ذلك: التورية أي مقتضى اطلاقات تلك الآيات و الأحاديث عدم اعتبار التورية في الكذب.

(3) هذه الرواية أولى الروايات المطلقة الدالة على جواز الحلف كاذبا و ان كان قادرا على التورية من دون أن يؤخذ عدم القدرة على التورية فيها.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 16. ص 162. الحديث 4.

الباب 12 من أبواب الايمان، فإن قوله عليه السلام: احلف باللّه كاذبا، صريح بعدم وجوب التورية، و ان كان متمكنا منها.

(4) نفس المصدر. الحديث 1.

هذا الحديث ثاني الأحاديث المطلقة الدالة على جواز الحلف كاذبا و إن كان قادرا على التورية، فإن قول السائل: فيحلف له في مقام الاستفهام

ص: 190

قال: نعم (1).

و عن الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين الى أن قال: فأما اليمين التي يؤجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم، أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من لص، أو غيره (2).

و في موثقة زرارة بابن بكير إنا نمر على هؤلاء القوم فيستحلفوننا على أموالنا و قد أدينا زكاتها.

فقال: يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا (3).

و رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إذا حلف الرجل تقية

++++++++++

ظاهر في جواز الحلف كاذبا، سواء أ كان قادرا على التورية أم لا.

فجواب الامام عليه السلام: لا بأس يجب أن يكون مطابقا للسؤال.

(1) نفس المصدر. ص 163. الحديث 9.

هذه ثانية الروايات و هي مطلقة تدل على جواز الحلف كاذبا و ان كان قادرا على التورية، فإن قول السائل مستفهما: هل يحلف الرجل على مال أخيه صريح في جواز الحلف كاذبا و ان كان قادرا على التورية بقرينة الجملة المذكورة في الحديث و هو قول السائل: كما يحلف على مال نفسه، فإن الحلف على مال نفسه كاذبا صريح في جوازه و ان كان قادرا على التورية.

(2) نفس المصدر. ص 163. الحديث 9.

هذه ثالثة الروايات المطلقة الدالة على جواز الحلف كاذبا و ان كان قادرا على التورية، فإن قوله عليه السلام: فأما اليمين التي يؤجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة: صريح في جواز الحلف كاذبا و إن كان قادرا على التورية.

(3) نفس المصدر. ص 164. الحديث 14.

ص: 191

لم يضره إذا هو اكره، أو اضطر إليه، و قال: ليس شيء ممّا حرم اللّه إلا و قد أحله لمن اضطر إليه (1)، الى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب (2)، و فيما يأتي من جواز الكذب

++++++++++

- هذه رابعة الروايات المطلقة الدالة على جواز الكذب مطلقا و إن كان قادرا على التورية.

فإن قوله عليه السلام: فاحلف لهم بما شاءوا يدل على جواز الكذب مطلقا و إن كان قادرا على التورية.

(1) نفس المصدر. ص 165. الحديث 18.

هذه خامسة الروايات المطلقة الدالة على جواز الكذب مطلقا و إن كان قادرا على التورية، فإن قوله عليه السلام: لمن اضطر إليه يدل على جواز الحلف في حالة الضرورة و إن كان قادرا على التورية.

و لا يخفى عدم دلالة الحديث على ما ادعاه الشيخ: من جواز الحلف كاذبا و إن كان قادرا على التورية، لأن معنى الضرورة عدم إمكان التخلص من الضرر، و القادر على التورية متمكن من التخلص من الضرر.

هذا مجموع الروايات الدالة على جواز الكذب مطلقا، سواء أ كان قادرا على التورية أم لا.

(2) أي في باب جواز الحلف كاذبا.

راجع نفس المصدر. ص 162. الحديث 2-3.

و ص 163. الحديث 5-6-7-8.

و ص 164. الحديث 10.

و ص 165. الحديث 19.

فكل هذه الأحاديث مطلقة أيضا تدل على جواز الكذب مطلقا، سواء أ كان قادرا على التورية أم لا.

ص: 192

في الاصلاح (1) التي (2) يصعب على الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة على التورية.

++++++++++

(1) أي و كذا الأحاديث الآتية في جواز الكذب في مقام اصلاح ذات البين، فإنها مطلقة تدل على جوازه مطلقا، سواء أ كان الكاذب قادرا على التورية أم لا.

(2) كلمة التي مجرورة محلا صفة للأخبار في قوله: الى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب.

و حاصل الكلام: أن الأحاديث الواردة في جواز الكذب مطلقا كثيرة جدا و قد أشرنا إلى قسم منها في ص 190 - الى 292.

و الى القسم الذي لم يذكره الشيخ و قد أشرنا الى مصدره في ص 192.

و الى القسم الذي يذكر في مقام الاصلاح و ستأتي الاشارة إليه في ص 116-117.

و الى القسم الذي يذكر في جواز السب و التبري.

راجع نفس المصدر. الجزء 11. ص 476. الباب 29. الأحاديث.

أليك نص الحديث الرابع:

عن عبد اللّه بن عطا قال: قلت (لأبي جعفر) عليه السلام:

رجلان من أهل الكوفة اخذا، فقيل لهما: ابرءا عن أمير المؤمنين فبرأ واحد منهما، و أبى الآخر فخلي سبيل الذي برأ، و قتل الآخر.

فقال: أما الذي برأ فرجل فقيه في دينه.

و أما الذي لم يبرأ فرجل تعجّل الى الجنة.

ص: 193

و أما حكم العقل بقبح الكذب (1) في غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه (2) فهو و إن كان مسلما إلا أنه (3) يمكن القول بالعفو عنه

++++++++++

- بالإضافة الى أنها مطلقة و ليس فيها أي قيد و اشعار الى تقيد جواز الكذب بصورة القدرة على التورية.

و بالإضافة إلى أن تقييدها بصورة عدم القدرة على التورية مخالف لظاهرها، فإن ظاهرها آب عن التقييد.

و بالإضافة إلى أن تقييدها بصورة العدم على القدرة يصعب على الفقيه الالتزام به، لأن الأخبار المطلقة كثيرة جدا.

(1) دفع و هم.

حاصل الوهم: أنه في صورة عدم وجود المندوحة في البين و هي المصلحة الراجحة يحكم العقل بقبح الكذب و أنه غير جائز، و من البديهي أن القدرة على التورية لا تبقي مجالا للمصلحة، فلو كذب في هذه الصورة شمله حكم العقل بقبح الكذب، فالقول بجوازه مطلقا و إن كان قادرا على التورية مناف لحكم العقل.

(2) أي على الكذب.

(3) هذا جواب من الشيخ عن الوهم المذكور.

و حاصل الجواب: أن الأمر كما رقم و ذكر في أن العقل يحكم بقبح الكذب في هذه الصورة لا غير.

لكننا نقول: إن كثرة الأخبار الواردة في جواز الكذب التي أشرنا إليها في ص 190-192، و التي لم تذكر و أشرنا الى مصدرها في ص 192.

و التي تأتي الاشارة إليها في باب اصلاح ذات البين في ص 116-117.

و كذا التي أشرنا إليها في باب السب و التبري في ص 193: تمكننا من القول بجواز مثل هذا الكذب شرعا، و أنه معفو عنه.

ص: 194

شرعا، للأخبار (1) المذكورة كما عفي عن الكذب في الاصلاح (2) و عن السب و التبري (3) مع الاكراه، مع أنه (4) قبيح عقلا أيضا مع أن ايجاب التورية على القادر لا يخلو عن الالتزام بالعسر كما لا يخفى (5) فلو قيل بتوسعة الشارع على العباد بعدم ترتب الآثار (6) على الكذب

++++++++++

(1) اللام تعليل للقول بإمكان العفو عن مثل هذا الكذب شرعا.

و المراد من الأخبار ما أشرنا إليها آنفا فلا نعيدها عليك.

(2) أي في اصلاح ذات البين، و ستأتي الاشارة الى هذه الأخبار في الوجه الثاني من مسوغات الكذب، فالكذب لا صلاح ذات البين جائز لوجود المصلحة الراجحة فيه و هو الاصلاح، و دفع الضرر عن الأخوين المؤمنين.

(3) المراد من التبري: التبري من (اللّه، أو من رسوله الأعظم أو من الأئمة الأطهار) في حال التقية بأن يقول المتبري: إني بريء من اللّه و رسوله كما فعل ذلك (عمار بن ياسر) حينما عذبه المشركون، فالكذب جائز هنا، لوجود المصلحة الراجحة و هو دفع الضرر المتلف عن نفسه.

(4) أي مع أن السب و التبري قبيحان عقلا أيضا.

(5) إذ من الصعب جدا أن يكون الانسان ملتزما بالتورية في هذه المقامات، و ملتفتا إليها.

و لا يخفى أن ما أفاده الشيخ: من لزوم العسر لو التزمنا بوجوب التورية يختلف باختلاف الأشخاص، لاختلاف مستواهم في المعارف و الثقافة إذ رب شخص لا يلزمه العسر، و بالعكس أي رب شخص تكون التورية في حقه عسيرة، حتى على الفطن الأديب، لإمكان عدم استحضارها في الوقت.

(6) و هي العقوبات الاخروية، و التعزير في الدنيا، و عدم سقوط الكاذب عن العدالة

ص: 195

فيما نحن فيه و إن قدر على التورية كان حسنا، إلا أن الاحتياط في خلافه (1) بل هو (2) المطابق للقواعد لو لا استبعاد (3) التقييد في هذه المطلقات،

++++++++++

(1) أي في خلاف القول بعدم التورية مع القدرة عليها، فالاحتياط يقتضي أن يوري الحالف في كلامه، و لا يحلف كاذبا.

(2) أي وجوب الاحتياط و هو ترك الكذب مع القدرة على التورية هو الموافق للقواعد الفقهية، لأن كثرة المطلقات المذكورة من الآيات المشار إليها في ص 183.

و من الأخبار المشار إليها في ص 190-192.

و من الأحاديث الواردة في اصلاح ذات البين التي تأتي في ص 116-117.

و من الأحاديث التي وردت في جواز السب و التبري المشار إليها في ص 193.

و من الأخبار التي ذكرناها نحن في الهامش 2 من ص 192 التي لم يذكرها الشيخ: توجب استبعاد تقييدها بصورة القدرة على التورية.

بالإضافة إلى اباء ظاهر تلك المطلقات برمتها عن التقييد المذكور.

و بالإضافة الى صعوبة التزام الفقيه بهذا القيد، لكثرة تلك الأخبار الواردة في المقام، مع اعتضادها بقاعدة نفي العسر و الحرج.

(3) وجه استبعاد التقييد المذكور هو أن النسبة بين المطلقات المذكورة و رواية سماعة الأخيرة و ما في معناها عموم و خصوص من وجه.

بيان ذلك هو أن مقتضى المطلقات المذكورة جواز الكذب في مقام الخوف، أو الاصلاح، أو غيرهما من المصالح العقلائية، أو الشرعية، سواء بلغ الخوف، أو شيء من المصالح المذكورة حد الاضطرار أم لا، و سواء أ كان قادرا على التورية أم لا. -

ص: 196

..........

++++++++++

- و مقتضى رواية سماعة و ما في معناها حصر جواز الكذب، أو الحلف كاذبا: على صورة الاضطرار فقط الدال هذا الحصر على حرمة الكذب في غير الاضطرار.

فمورد اجتماع المطلقات مع رواية سماعة هو وجود خوف غير بالغ حد الاضطرار، أو شيء من المصالح المنتهية الى ذلك الحد.

فمقتضى المطلقات جواز الكذب و إن كان الكاذب قادرا على التورية.

و مقتضى رواية سماعة و ما في معناها عدم جواز الكذب مع القدرة على التورية، بل لا بدّ من التورية حينئذ فيتعارض كلا الاقتضائين في الحكم فيتساقطان فيرجع الى عمومات الكذب التي مقتضاها الحرمة فتجب التورية عند القدرة عليها، لدفع حرمة الكذب.

و قد اشير الى هذه العمومات في صدر العنوان في ص 160-162.

و قد عرفت غير مرة أن الشأن في كل خبرين متعارضين عند اجتماعهما هو التساقط، و الرجوع الى العمومات المعبر عنها بالاصول اللفظية، أو الرجوع الى الاصول العملية بعد اليأس عن المرجحات السندية، أو الخارجية أو الجهتية، و لا يصح الرجوع الى الاصول العملية ما دامت الاصول اللفظية موجودة.

و لا يخفى أن المراد من الاجتماع في مادة الاجتماع في قول الفقهاء هو الاجتماع من حيث المورد، لا من حيث الحكم، فإن الاجتماع من حيث الحكم يختلف مع مادة الاجتماع في مصطلح المنطقيين، إذ هذا لا يوجب التساقط و الرجوع الى الاصول اللفظية، أو العملية، بخلاف الاجتماع في عرف الفقهاء، فانه موجب للسقوط و الرجوع الى الاصول.

و أما مادة الافتراق من جانب المطلقات بأن تصدق هذه و لا تصدق -

ص: 197

لأن (1) النسبة بين هذه المطلقات، و بين ما دل كالرواية الأخيرة (2) و غيرها (3)

++++++++++

- رواية سماعة كما في جواز الكذب في مقام الخوف، سواء وصل الخوف الى مرتبة الاضطرار أم لا، لأن المطلقات عامة بالنسبة الى الاضطرار حيث لم تقيد به، و خاصة بالنسبة الى تقيدها بالخوف.

و أما مادة الافتراق من جانب رواية سماعة بأن تصدق هذه و لا تصدق المطلقات كما في جواز الكذب في مقام الاضطرار، سواء وصل الاضطرار الى مرتبة الخوف أم لا، لأن رواية سماعة عامة بالنسبة الى الخوف، حيث دلت على جواز الكذب من غير تقييده بالخوف، و خاصة بالنسبة الى تقييدها بالاضطرار.

هذا ما أفاده الشيخ في المطلقات، و رواية سماعة و ما في معناها من النسبة المذكورة.

لكن فيه تأمل كما يشير إليه بقوله: فتأمل و نحن نذكر وجه التأمل.

(1) تعليل لكون الاحتياط الذي هو ترك الكذب هو الموافق للاحتياط و قد عرفت التعليل في ص 196 عند قولنا: وجه استبعاد.

(2) و هي رواية سماعة.

(3) أي و غير رواية سماعة الدال على جواز اختصاص الكذب بصورة الاضطرار، و عدم القدرة على التورية.

راجع نفس المصدر. الجزء 11. ص 468. الحديث 2. الباب 25 من أبواب وجوب التقية.

أليك نص الحديث عن يحيى بن سالم و محمد بن مسلم و زرارة قالوا:

سمعنا (أبا جعفر) عليه السلام يقول: التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له.

فالحديث يجوّز الكذب في صورة الضرورة، و عدم القدرة على التورية.

ص: 198

على اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم (1) للمنع مع عدمه مطلقا (2) عموم من وجه فيرجع (3) الى عمومات حرمة الكذب. فتأمل (4).

هذا مع امكان منع الاستبعاد المذكور، لأن مورد الأخبار (5) عدم

++++++++++

(1) بالجر صفة للاضطرار أي تقييد جواز الكذب بالاضطرار مستلزم للمنع من جوازه اذا لم يكن هناك ضرورة كما عرفت عند ذكر النسبة بين المطلقات، و رواية سماعة في ص 197.

و مرجع الضمير في عدمه: الاضطرار.

(2) أي سواء أ كان مع الاضطرار خوف أم لا كما عرفت في ص 198.

(3) أي عند اجتماع المطلقات، و رواية سماعة كما عرفت في ص 197.

(4) لعله اشارة الى أنه يمكن أن يقال: إن ما ذكر من سقوط المطلقات، و رواية سماعة بالمعارضة عند اجتماعهما، و الرجوع الى عموم حرمة الكذب: إنما هو لاجل التكافؤ بين المطلقات، و رواية سماعة.

لكننا نقول بعدم التكافؤ: لأن دلالة المطلقات على جواز الكذب عند الخوف، سواء أ كان هناك ضرورة أم لا أقوى من دلالة رواية سماعة على حرمة الكذب اذا لم يكن هناك ضرورة، لأن تلك بالمنطوق، و هذه بالمفهوم.

بالإضافة الى كثرة المطلقات المذكورة فتلك و هذه هي الموجبة لترجيح المطلقات على رواية سماعة، و الحكم بجواز الكذب، و عدم الرجوع الى عمومات حرمة الكذب.

(5) و هي الأخبار المطلقات، فإنها واردة مورد الأغلب و هو نسيان التورية و الغفلة عنها عند الضرورة الى الكذب.

ص: 199

الالتفات الى التورية في مقام الضرورة الى الكذب، إذ مع الالتفات (1) فالغالب اختيارها، إذ لا داعي الى العدول عنها الى الكذب.

ثم إن أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة على التورية أطلقوا (2) القول بلغوية ما اكره عليه من العقود، و الايقاعات و الأقوال المحرمة كالسب (3) و التبري من دون تقييد بصورة عدم التمكن من التورية.

بل صرح بعض هؤلاء كالشهيد في الروضة و المسالك في باب الطلاق بعدم اعتبار العجز عنها (4).

بل في كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه (5).

++++++++++

(1) و هو امكان التورية و القدرة عليها مع التفاته إليها ففي هذه الصورة لا يجوز تركها، و اختيار الكذب مجردا عنها.

(2) أي لم يقيدوا لغوية العقود و الايقاعات المكره عليها بصورة عدم القدرة على التورية، لأن المكره عليها سواء أ كان المكلف قادرا على التورية أم لم يكن يقع لغوا في صورة الاكراه عليه.

(3) أي كما أن جواز السب و التبري لم يقيد بصورة القدرة على التورية، لأنهما جائزان، سواء أ كان الساب أو المتبري قادرا على التورية فيهما أم لا.

(4) أي عن التورية كما عرفت.

راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة الجزء 6. ص 21.

أليك نص عبارة (الشهيد الثاني).

و لا تشترط التورية بأن ينوي غيرها و ان أمكنت.

(5) أي على عدم اعتبار العجز عن التورية و ان كان قادرا عليها.

ص: 200

مع أنه يمكن أن يقال: إن المكره على البيع إنما اكره على التلفظ بالصيغة (1).

و أما إرادة المعنى فمما لا يقبل الاكراه، فاذا (2) أراده مع القدرة على عدم ارادته فقد اختاره، فالاكراه على البيع الواقعي يختص بغير القادر على التورية، لعدم (3) المعرفة بها، أو عدم الالتفات إليها، كما (4) أن الاضطرار الى الكذب يختص بغير القادر عليها.

و يمكن أن يفرق بين المقامين (5): بأن الاكراه إنما يتعلق بالبيع الحقيقي، أو الطلاق الحقيقي.

++++++++++

(1) و هي صيغة بعت دون إنشاء البيع، لأنه لا يقبل الاكراه.

(2) الفاء تفريع على ما أفاده من أن إرادة المعنى الحقيقي من البيع أو الطلاق مما لا يقبل الاكراه.

أي فبناء على ما قلناه فلو أراد المكره المعنى الحقيقي من البيع، أو الطلاق مع القدرة على عدم ارادته بسبب القدرة على التورية و لم يور فقد وقع البيع أو الطلاق، لأنه بسبب القدرة على التورية و عدم اختياره لها فقد اختار البيع، أو الطلاق، فحينئذ يختص الاكراه على البيع الواقعي، أو الطلاق الحقيقي بصورة عدم القدرة على التورية، لأن البائع، أو الطالق لا يكون عالما بالتورية، أو لا يكون ملتفتا إليها حين وقوع البيع، أو الطلاق.

كما هي الحال في الكذب عند الاضطرار إليه أي الجواز يختص بالكاذب الذي لا يكون قادرا على التورية.

(3) تعليل للاختصاص المذكور في البيع الحقيقي، أو الطلاق الواقعي كما عرفت آنفا.

(4) تنظير للاختصاص المذكور في البيع.

(5) خلاصة هذا الكلام: أنه فرق بين المقامين.

ص: 201

غاية (1) الأمر قدرة المكره على التفصي عنه: بايقاع الصورة من دون إرادة المعنى، لكنه غير المكره عليه.

و حيث (2) إن الأخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا

++++++++++

- و هما: مقام الاكراه على البيع، أو الطلاق، أو غيرهما من العقود و الايقاعات.

و مقام الاضطرار الى الكذب: من حيث وجوب التورية في البيع أو الطلاق الحقيقيين مع القدرة عليها، و عدم وجوبها في الكذب عند الاضطرار إليه و ان كان الكاذب قادرا على التورية، لأن الاكراه في البيع أو الطلاق إنما يتعلق بالبيع الحقيقي الذي هو إنشاء النقل و الانتقال فيما إذا لم يكن قادرا على التورية.

و أما اذا كان قادرا عليها فلا يتحقق الاكراه.

و كذلك الاكراه في الطلاق إنما يتعلق في الطلاق الحقيقي الذي هو إنشاء البينونة بين الزوج و الزوجة فيما اذا لم يكن قادرا على التورية.

و أما إذا كان قادرا عليها فلا يتحقق الاكراه.

(1) أي غاية الأمر هنا أن المكره بالفتح مكره على ايقاع نفس الصيغة فقط، لا على معنى البيع، لامكانه من التفصي عنه بالتورية فهو متمكن من ايقاع الصيغة مجردة عن إرادة المعنى.

(2) تعليل لكون المكره بالفتح مكره على ايقاع الصيغة فقط لا على نفس المعنى، أي و لما كانت الأخبار الواردة في هذا المقام خالية عن اعتبار العجز عن التفصي عن الاكراه بسبب القدرة على التورية في ايقاع الصيغة: فلا تعتبر التورية في ايقاع الصيغة، بل تعتبر في نفس الانشاء.

راجع حول الأخبار (وسائل الشيعة). الجزء 15. ص 285. الباب 11 من أبواب الطلاق. الأحاديث. -

ص: 202

الوجه لم يعتبر ذلك في حكم الاكراه، و هذا (1) بخلاف الكذب، فانه لم يسوغ إلا عند الاضطرار إليه، و لا اضطرار مع القدرة.

نعم (2) لو كان الاكراه من أفراد الاضطرار بأن كان المعتبر في تحقق موضوعه (3) عرفا، أو لغة العجز عن التفصي كما ادعاه بعض.

أو قلنا باختصاص رفع حكمه (4) بصورة الاضطرار بأن كان عدم

++++++++++

- و ص 291. الحديث 3.

و ص 299. الحديث 6.

و ص 355. الحديث 16: فإن هذه الأخبار خالية عن الاعتبار المذكور.

(1) أي ما قلناه: من اعتبار عدم التورية في ايقاع الصيغة في العقود أو الايقاعات بحسب الأخبار المذكورة: هو الفارق بين الكذب، حيث إنه لا يجوز إلا عند الاضطرار إليه، و لا اضطرار عند القدرة على التورية.

(2) استدراك عما أفاده آنفا: من عدم وجوب التورية في البيع و الطلاق الحقيقيين، و غيرهما من المعاملات، لعدم كونه مكرها على نفس المعنى.

و خلاصته: أنه لو اعتبرنا في تحقق موضوع الاكراه العجز عن التفصي عنه كما اعتبرناه في الاضطرار كما أفاده بعض الأعلام.

أو قلنا باختصاص رفع حكم الاكراه في قوله صلى اللّه عليه و آله:

و ما استكرهوا عليه في حديث الرفع: بصورة الاضطرار: بأن كان عدم ترتب الأثر على المكره عليه لأجل كونه مضطرا إليه، خوفا من الضرر المتوجه عليه: من قتل نفسه، أو نهب ماله: كان المناسب و الأولى اعتبار العجز عن التورية في الاكراه.

و من الواضح أنه مع القدرة على التورية لا اكراه في البين.

(3) أي في تحقق موضوع الاكراه كما عرفت آنفا.

(4) أي رفع حكم الاكراه كما في حديث الرفع و قد علمته آنفا.

ص: 203

ترتب الأثر على المكره عليه من حيث إنه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس و المال: كان (1) ينبغي فيه (2) اعتبار العجز من التورية لعدم الاضطرار مع القدرة عليها.

و الحاصل (3) أن المكره اذا قصد المعنى (4) مع التمكن من التورية صدق على ما أوقع: أنه مكره عليه فيدخل في عموم رفع ما اكرهوا عليه.

و أما المضطر (5) فاذا كذب مع القدرة على التورية لم يصدق أنه مضطر إليه فلا يدخل في عموم رفع ما اضطروا إليه (6).

هذا كله (7) على مذاق المشهور: من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه حتى من جهة العجز عن التورية.

و أما (8) على ما استظهرناه من الأخبار كما اعترف به جماعة من جوازه

++++++++++

(1) جواب ل: (للو) الشرطية في قوله في ص 203: نعم لو كان الاكراه من أفراد الاضطرار.

(2) أي في تحقق الاكراه كما عرفت آنفا.

(3) أي خلاصة ما ذكر في هذا المقام.

(4) و هو إنشاء النقل و الانتقال في العقود، أو البينونة بين الزوجة و الزوج في الطلاق، و هكذا في سائر العقود و الايقاعات.

(5) أي في الكذب.

(6) و هو حديث رفع عن امتي تسعة.

(7) أي ما قلناه في الاضطرار الى الكذب بناء على مذاق المشهور:

من اعتبار العجز عن التورية.

(8) هذا رأي (الشيخ) حول جواز الكذب.

و خلاصته: أنه بناء على ما استظهرناه من الأخبار المطلقة المتقدمة -

ص: 204

مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية فلا فرق بينه و بين الاكراه كما أن الظاهر أن أدلة نفي الاكراه (1) راجعة الى الاضطرار، لكن من غير جهة التورية.

فالشارع رخص في ترك التورية في كل كلام مضطر إليه للاكراه عليه، أو دفع الضرر به. (2) هذا.

و لكن الأحوط التورية في البابين (3).

ثم إن الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات (4).

++++++++++

- في ص 190-192 من جواز الكذب عند الخوف و الاضطرار، سواء أ كان قادرا على التورية أم لا فلا يبقى حينئذ فرق بين المقامين المذكورين.

و هما: مقام الاكراه. و مقام الاضطرار، لعدم دخل التورية في تحقق مفهوم الاضطرار.

(1) و هو حديث الرفع، حيث إنه مختص بمن اضطر إليه من دون أخذ التورية في تحقق مفهوم الاضطرار.

(2) كما في الكذب لدفع الضرر النفسي، أو المالي، أو في العرض بمعناه الخاص و هي الزوجة و المحارم النسبي و السببي.

أو بمعناه العام و هي المنزلة و الجاه.

(3) و هما: باب المعاملات، سواء أ كانت في العقود أم في الايقاعات عند الاكراه عليهما.

و باب الاضطرار الى الكذب.

(4) أي حال بقية المحرمات حال الكذب، فكل شيء يسوغ هذا يسوغ تلك، لوحدة الملاك و هو الاضطرار.

ص: 205

نعم (1) يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف، و عليه (2) يحمل قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك (3).

++++++++++

(1) استدراك عما أفاده: من أن الاضطرار مجوز للكذب لدفع الضرر المالي، أو البدني.

و حاصل الاستدراك: أن الضرر المالي اذا لم يكن مجحفا بحاله بمعنى أنه لا يكلفه فوق الطاقة يستحب له تحمل هذا النوع من الضرر المالي و لا يقدم على الكذب، أو أي حرام آخر.

و لا يخفى أن الضرر البدني كالمالي في استحباب تحمله فيشمله كلام مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام الذي استشهد به (الشيخ) هاهنا في قوله عليه السلام: علامة المؤمن.

ثم إن الاجحاف يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان، إذ رب مال قليل تلفه يكون مجحفا بالنسبة الى شخص، و لا يكون مجحفا بالنسبة الى شخص آخر، لعدم تحمله له، فجواز الكذب في الأول واضح و عدمه في الثاني أوضح.

(2) أي و على عدم الاجحاف في الضرر المالي، أو البدني

(3) (نهج البلاغة) شرح محمد عبده. تحقيق (محمد محيي الدين عبد الحميد). طباعة مصر. مطبعة الاستقامة. الجزء 3. ص 261 الرقم 458.

و لا يخفى أن كلامه عليه الصلاة و السلام يشمل الضرر الكثير اذا لم يصل الى حد التبذير و الاسراف، فلذا قيد (الشيخ) الضرر بالضرر الذي لا يجحف في قوله: الضرر المالي الذي لا يجحف عليه. -

ص: 206

ثم إن الأقوال الصادرة عن أئمتنا في مقام التقية (1) في بيان

++++++++++

- ثم إن الجواز المسوغ للكذب في قول الفقهاء هل معناه الأعم و هي الاباحة و الوجوب و الندب.

أو معناه الأخص و هي الاباحة فقط و هو ما تساوى طرفاه ؟.

فعلى الأول يمكن اجتماع الجواز مع الوجوب.

ثم إنه لا إشكال في وجوب الكذب اذا كان لدفع الضرر البدني أو الضرر الذي يخاف منه تلف النفس المحترمة.

و كذا لا اشكال في وجوبه إذا كان لدفع الضرر المتوجه نحو حفظ مال الغير المودع عنده.

و كذلك لا يبعد وجوبه أيضا في حفظ مال الغير و إن لم يكن عنده.

أما وجوب الكذب في سبيل حفظ مال نفسه اذا لم يصل الى حد التبذير فبعيد.

و كذلك وجوب الكذب في دفع الضرر عن نفسه إذا لم يصل الى حد التلف، أو الخوف من التلف فبعيد أيضا، و كذلك الضرر غير المتحمل عن نفسه.

و هذا معنى قوله عليه الصلاة و السلام: أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك.

و مما ذكرنا يظهر أن الجواز في كلمات الفقهاء هنا بمعناه الأعم و هي الإباحة المتساوي طرفاه.

(1) كثر التشنيع من (إخواننا السنة) على (الشيعة الامامية) القائلين بالتقية كتشنيعهم على البداء الذي هو من خصائص (الشيعة الامامية) و قد عرفت الاجمال في البداء في الجزء الثاني من المكاسب من طبعتنا الحديثة ص 339-342. فراجع. -

ص: 207

..........

++++++++++

- و حيث ذكر (الشيخ) هنا (التقية) فلا بأس باشارة اجمالية الى المراد منها حتى يتضح الأمر، و ينكشف القناع، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في (رسالة التقية) التي أفردها (الشيخ) و ألحقها بالكتاب شرح و اف حولها هناك فانتظر.

فنقول: تقيّة مصدر تقى يتقي.

و لهذه المادة مصدران آخران و هما: تقى و تقاء.

و الفعل و هو تقى بمعنى اتّقى من باب الافتعال أي اتقى يتقي اتقاء.

كما أن مصدره و هو (تقية) بمعنى الاتقاء.

و معنى التقية لغة: الحذر من الشيء و الاجتناب عنه، يقال: اتق من الشيء الفلاني أي أحذر منه و اجتنب عنه، و لا تعرض نفسك للهلكة.

فالتقية ليست إلا بمعنى الحذر عن الضرر و التجنب منه في موارد الضرر و احتماله.

و حيث كانت (الشيعة الامامية) مضطهدة في العصرين (الأموي و العباسي)، و في مختلف العصور و الأزمان، و معظم الأصقاع و البلدان: بالقتل و التشريد و التعذيب و لا سيما (العلويين) منهم، فإنهم كانوا تحت ضغط شديد، و مراقبة كثيرة من سلطات الوقت، و رجال الأمن: أمر (أئمة أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام الذين كان بيدهم نشر احكام جدهم (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله بنص منه:

شيعتهم و مواليهم ب (التقية) بأن لا يعرضوا أنفسهم للمهالك و الإضرار التي تأتيهم من أعدائهم فيخفوا ولاءهم لهم في مواقع تصيبهم الهلكة منهم.

و لما كان تحقق هذا المعنى في الخارج لا يتأتى إلا بإخفاء مذهبهم و اتباع مذاهبهم المتبعة عندهم عملوا بالتقية.

ص: 208

..........

++++++++++

خذ لذلك مثالا:

الوضوء عندنا عبارة عن غسل الوجه من الأعلى الى الأسفل، و غسل اليدين من المرفقين الى أطراف الأصابع، و مسح بعض الرأس، و ظاهر القدمين ببلل الوضوء.

فاذا اتفق لشيعي في بلدة من البلاد الاسلامية التي يسكنها (اخواننا السنة) و يخاف على نفسه من اظهار تشيعه لو توضأ وضوءهم فيتوضأ وضوء (اخواننا السنة) تقية، حذرا من تعريض نفسه للضرر و الهلكة فيكون هذا التوضؤ هو حكم اللّه الواقعي الثانوي في حقه، و صلاته صحيحة بهذا التوضؤ.

أو يمسح على الخف، أو يفطر عند استتار القرص، أو يصوم في السفر فكل هذه الأحكام و أمثالها هي الأحكام الواقعية الثانوية في حقه.

هذا هو معنى التقية ليس إلا، و لا نعني بها سوى هذا التفسير الذي ذكرناه لك.

و بهذا المعنى قوله عز من قائل:

(لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً ) (1) .

فاللّه سبحانه و تعالى ينهى المؤمنين عن اتخاذهم الكافرين أخلاء و أصدقاء لهم من دون المؤمنين و عن معاونتهم على المؤمنين و يهدد الفاعلين على ذلك و يقول: و من يفعل ذلك فهو ليس من أولياء اللّه و اللّه بريء منه.

ثم يستثني سبحانه و تعالى حالة التقية: و هو الخوف و الضرر المتوجه

ص: 209


1- آل عمران: الآية 28.

الأحكام (1) مثل قولهم لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر (2) و نحو

++++++++++

- من الكافرين نحو المؤمنين فيقول عز من قائل: إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً .

أي اذا خفتم من الكافرين فلا بأس عليكم أن تتخذوهم أخلاء و أصدقاء و اللّه لا يكون بريئا منكم.

(1) أي الأقوال الصادرة عن (أئمة أهل البيت) في الأحكام الشرعية المخالفة لمذهبهم، و الموافقة لمذاهب (أهل السنة) إنما كانت في حالة التقية و الخوف، حيث كانت عليهم الرقابة الشديدة من سلطات الوقت من رجال الدولة في العصرين (الأموي و العباسي)، لضغطهم عليهم بواسطة رجال الأمن الذين كانوا يتجسسون لصالح الدولة ضد (الشيعة و أئمتهم)، و يوصلون أخبارهم إليهم.

بل كان هناك أناس من أعداء (أهل البيت) يتقربون الى الحكام و سلطة الوقت بإيصالهم الأخبار إليهم، للتنكيل بهم.

فالامام عليه السلام كان عالما بهذا و ذاك و لا سيما الأخير فيحس بهم عند ما يأتون في مجالسهم فاذا سئل عليه السلام عن حكم شرعي و المراقب حاضر اضطر عليه السلام الى استعمال التورية في الجواب فيجاوب على طبق المذاهب المتبعة عند (اخواننا السنة) تقية، و كان أصحاب الأئمة الهداة المعصومين يعرفون ذلك من لحنه عليه السلام.

و قد مضى بعض الشيء عن ذلك في الجزء 3 من المكاسب من طبعتنا الحديثة ص 282.

هذا تفسير الأقوال الصادرة عن (أئمة أهل البيت) عليهم السلام في بيان الأحكام تقية.

(2) مثال لصدور بعض الأحكام الشرعية في حالة التقية. -

ص: 210

ذلك (1) و إن أمكن حمله (2) على الكذب لمصلحة، بناء (3) على ما استظهرنا

++++++++++

- راجع (وسائل الشيعة). الجزء 2. ص 1055. الحديث 2.

الباب 38 من أبواب النجاسات. و الحديث منقول بالمعنى.

(1) راجع أيضا نفس المصدر. الحديث 12-13-14.

و لا يخفى أن (اخواننا السنة) يقولون بنجاسة الخمر و كل مسكر مائع بالأصالة أيضا.

راجع الفقه (على المذاهب الأربعة). الجزء الأول. ص 18.

إليك نص عبارته:

و منها المسكر المائع، سواء أ كان مأخوذا من عصير العنب أو كان نقيع زبيب، أو نقيع تمر، أو غير ذلك، لأن اللّه تعالى قد سمّى الخمر رجسا و الرجس في العرف النجس.

أما كون كل مسكر مائع خمرا فلما رواه مسلم من قوله صلى اللّه عليه و سلم: كل مسكر خمر، و كل مسكر حرام. انتهى موضع الحاجة.

فالسنة و الشيعة كلاهما يقولان بنجاسة الخمر.

لكن (اخواننا السنة) مختلفون في وجوب ازالة النجاسة عن الثوب في الصلاة بأي نجاسة تنجس فبعض يقول بالازالة، و بعض يقول بعدمها.

راجع (بداية المجتهد) لابن رشد الاندلسي.

فالحديث هذا راجع الى هذه الطائفة من (اخواننا السنة).

(2) أي حمل قول الامام عليه السلام الصادر في مقام التقية في بيان الأحكام على الكذب إنما هو لاجل المصلحة الموجودة فيه.

(3) منصوب على المفعول لأجله، و تعليل لحمل كلام الامام عليه السلام الصادر في مقام التقية: على الكذب لمصلحة. -

ص: 211

جوازه (1) من الأخبار (2).

إلا أن (3) الأليق بشأنهم عليهم السلام هو الحمل على إرادة خلاف

++++++++++

- و خلاصة التعليل: أن هذا الحمل إنما يجوز في حق الامام عليه السلام لأجل ما استظهرناه سابقا من الأخبار: من جواز الكذب لمصلحة في قوله رحمه اللّه في ص 195: كما عفي عن الكذب في الاصلاح، و عن السب و التبري مع الاكراه.

و المراد من الأخبار التي يستفاد منها هذا الاستظهار هي المطلقات المشار إليها في ص 190-192.

(1) أي جواز الكذب لمصلحة.

(2) و هي الأخبار المشار إليها في ص 190-192.

(3) استدراك عما أفاده آنفا: من أن حمل قول الامام عليه السلام في مقام التقية في بيان الأحكام: على الكذب إنما هو لأجل المصلحة الراجحة في ذلك.

و خلاصة الاستدراك: أن الولاية و الامامة كما عرفت مقام شامخ رفيع فهي كالنبوة منصب إلهي تتعين من قبل الباري عز و جل، و لا تناله يد الجعل و النصب و العزل من قبل الآخرين فعليه لا يليق بمقامهم الكذب و إن كان فيه مصلحة، لأن الكذب بما هو كذب قبيح عقلا فاذا دار الأمر بين الكذب الذي ثبت قبحه عقلا.

و بين حمل تلك الأحكام الواردة في التقية على خلاف ظواهرها:

فلا شك أن الثاني أولى، لأنه اللائق بمقامهم و شأنهم و عصمتهم و ان لم ينصب الامام قرينة على أن المراد من هذه الأحكام الصادرة في التقية خلاف ظاهرها.

و مرجع الضمير في ظواهرها: الأحكام. -

ص: 212

ظواهرها من دون نصب قرينة: بأن يريد (1) من جواز الصلاة في الثوب المذكور (2) جوازها (3) عند تعذر الغسل (4)، و الاضطرار (5) الى اللبس و قد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة في بعض الموارد مثل أنه ذكر عليه السلام أن النافلة فريضة (6) ففزع المخاطب.

++++++++++

- و لا يخفى أنه بعد القول بأن قبح الكذب اقتضائي لا ذاتي، و أنه يختلف بالوجوه و الاعتبار فينقلب قبحه الى الحسن، للمصلحة الراجحة فيه: لا مجال لهذا الاستدراك، إذ لم يبق في الكذب قبح أصلا حتى يقال:

إن الأليق بشأنهم هو الحمل الثاني و هو الحمل على خلاف ظواهرها.

لكن المناسب لشأنهم عدم الكذب أصلا.

(1) أي الامام عليه السلام.

(2) و هو الثوب الذي أصابه الخمر الذي ورد في قول الامام عليه السلام: لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه الخمر.

(3) أي جواز الصلاة.

(4) بالفتح الذي هو المعنى المصدري.

و المراد من تعذر الغسل: تعذر الماء فحكم الامام عليه السلام بجواز الصلاة في ثوب أصابه الخمر في حالة التقية إنما يراد منه: جواز الصلاة في الثوب لتعذر غسله عند تعذر الماء فالمراد منه موجبة جزئية أي في بعض المقامات.

(5) بالجر عطفا على مجرور عند في قوله: عند تعذر الغسل. أي و عند الاضطرار إلى لبس ثوب النجس لشدة البرد.

(6) المصدر السابق. الجزء 13. ص 49. الحديث 6 من أبواب 16

ص: 213

ثم قال (1): انما اردت صلاة الوتر (2) على النبي صلى اللّه عليه و آله.

و من هنا يعلم (3) أنه اذا دار الأمر في بعض المواضع بين الحمل على التقية، و الحمل على الاستحباب كما في الأمر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا (4)

++++++++++

(1) أي الامام عليه السلام.

(2) و هي نافلة الليل، حيث كانت واجبة على (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله، لصدق الموجبة الجزئية.

و يمكن أن تكون النافلة واجبة بنذر، أو يمين، أو عهد.

(3) أي و من حمل الأحكام الصادرة عن الامام عليه السلام: على إرادة خلاف ظواهرها.

(4) راجع نفس المصدر. الجزء 1. ص 193. الحديث 9-10 أليك نص حديث 9:

عن أبي بصير عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام قال: اذا قبّل الرجل امرأة من شهوة، أو مسّ فرجها أعاد الوضوء.

فأمر الامام عليه السلام اعادة الوضوء على من قبّل المرأة بشهوة أو مسّ فرجها في الجملة الخبرية في قوله: أعاد الوضوء الدال على الانشاء أشد تأكيدا: يحمل على الاستحباب، لكون الوجوب محالفا لاجماع الطائفة، لأنهم لا يقولون بوجوب التوضؤ في المذكورات فورود الأمر فيها لأجل التقية، حيث إن (اخواننا السنة) يقولون بنقض المذكورات للوضوء و أن المتوضي لو فعل أحدها يجب عليه الإعادة.

راجع (الفقه على المذاهب الأربعة). الجزء الأول. ص 66-67.

ص: 214

تعين الثاني (1)، لأن التقية (2) تتأدى بإرادة المجاز، و اخفاء القرينة (3).

++++++++++

- إليك نص عبارته:

(ثانيها): مس من يشهى على تفصيل في المذاهب.

(ثالثها): مس الذكر بلا حائل، و كذا مس حلقة الدبر، أو قبّل المرأة فلو كان متوضئ و مس شيئا من هذه الأشياء انتقض وضوءه، سواء أ كان رجلا أم امرأة، و في النقض بالمس تفصيل في المذاهب.

هذا ما ذهب إليه (اخواننا السنة) في نواقض الوضوء.

و لما كانت هذه النواقض مخالفة لمذهب (أهل البيت) عليهم السلام فالسائل لما يسأل عن مثل هذه النواقض و في المجلس من رجال الدولة و الأمن حاضرا: أفاد عليه السلام باعادة الوضوء لو ارتكب أحد المذكورات فيحمل الأمر الوارد في قوله عليه السلام: اعاد الوضوء: على الاستحباب

(1) و هو الحمل على الاستحباب كما عرفت آنفا.

(2) تعليل لتعين الثاني و هو الاستحباب، دون الأول و هي (التقية).

و حاصل التعليل: أن التقية تحصل بإرادة المجاز و هو الاستحباب من الأمر الوارد في قول الامام عليه السلام: (اعاد الوضوء) فلا نحتاج إلى حمل الأمر المذكور على التقية.

(3) بالجر عطفا على مجرور الباء في قوله: بإرادة المجاز، أي و التقية تحصل باخفاء القرينة أيضا.

تعليل ثان لحمل الأمر الوارد في قوله عليه السلام: اعاد الوضوء:

على الاستحباب.

و خلاصة التعليل: أن التقية تحصل باخفاء القرينة كما تحصل بإرادة المجاز من الأمر و لو لم ينصب قرينة على ذلك فعدم نصبه عليه السلام القرينة

ص: 215

الثاني من مسوغات الكذب إرادة الاصلاح

الثاني من مسوغات الكذب إرادة الاصلاح، و قد استفاضت الأخبار بجواز الكذب عند إرادة الاصلاح.

ففي صحيحة معاوية بن عمار: المصلح ليس بكذاب (1).

و نحوها رواية معاوية بن حكم عن أبيه عن جده عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2).

و في رواية عيسى بن حسان في الوسائل عن الصادق عليه السلام:

++++++++++

- و اخفائها دليل على أن الأمر الوارد لا يراد منه معناه الحقيقي و هو الوجوب بل معناه المجازي الذي هو الاستحباب.

و لا يخفى أن حمل الأمر على معناه المجازي محتاج الى نصب قرينة فاذا نصبت القرينة أحدثت ظهورا في الكلام فيتعين الحمل على الاستحباب بظاهر الكلام فلا دوران بين إرادة المعنى المجازي الذي هو الظاهر من الكلام، و بين إرادة خلاف الظاهر الذي هي (التقية)، فما أفاده (الشيخ) في الدوران بين المعنيين و تعين الثاني لا يخلو عن تأمل، لأنه من المسلم عدم جواز صرف اللفظ عن معناه الحقيقي بدون نصب القرينة.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 578. الباب 141.

من أبواب العشرة. الحديث 3.

(2) نفس المصدر. ص 580. الحديث 9.

أليك نص الحديث عن معاوية بن الحكم عن أبيه عن جده عن أبي عبد اللّه عليه في حديث أنه قال له: أبلغ أصحابي كذا و كذا، و أبلغهم كذا و كذا.

قال: قلت: فإني لا أحفظ هذا فأقول ما حفظت و لم أحفظ أحسن ما يحضرني ؟

قال: نعم المصلح ليس بكذاب.

ص: 216

كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الاصلاح، أو رجل وعد أهله و هو لا يريد أن يتم لهم (1)

و بمضمون هذه الرواية في استثناء هذه الثلاثة روايات (2).

و في مرسلة الواسطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الكلام ثلاثة صدق، و كذب، و اصلاح بين الناس.

قال: قيل له: جعلت فداك ما الاصلاح بين الناس ؟.

قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث (3) نفسه فيقول: سمعت من فلان قال فيك من الخير: كذا و كذا خلاف ما سمعت منه (4).

و عن الصدوق في كتاب الاخوان بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن الرجل ليصدق على أخيه فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند اللّه، و أن الرجل ليكذب على أخيه يريد به نفعه فيكون عند اللّه صادقا (5).

ثم إن ظاهر الأخبار المذكورة (6)

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 579. الحديث 5.

(2) راجع نفس المصدر. ص 578. الحديث 1-2. و ص 579.

الحديث 6.

(3) من باب شرف يشرف أي تكدرت نفسه و اغتاظت.

(4) نفس المصدر. ص 579. الحديث 6.

(5) نفس المصدر. ص 580. الحديث 10.

و مرجع الضمير في فيصيبه: أخيه. أي يصيب أخاه الذي قال الرجل في حقه صادقا عنت: و هي الشدة و المشقة.

(6) و هي المشار إليها في ص 216-217.

ص: 217

عدم وجوب التورية (1).

و لم أر من اعتبر العجز عنها في جواز الكذب في هذا المقام (2).

و تقييد الأخبار المذكورة بصورة العجز عنها في غاية البعد (3) و إن كان مراعاته (4) مقتضى الاحتياط.

ثم إنه قد ورد في أخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة، بل مطلق الأهل (5) و اللّه العالم.

++++++++++

(1) أي في مقام اصلاح ذات البين.

(2) و هو مقام الاصلاح.

(3) حيث إنها صريحة بجواز الكذب من دون اعتبار العجز عن التورية بل التقييد ممتنع.

(4) أي مراعاة اعتبار العجز عن التورية.

(5) راجع نفس المصدر. ص 578. الحديث 1-2.

و ص 579. الحديث 5.

أليك نص الحديث الأول:

عن (جعفر بن محمد) عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله (لعلي) عليه السلام قال: يا علي إن اللّه أحب الكذب في الصلاح و أبغض الصدق في الفساد. الى أن قال: يا علي ثلاث يحسن فيهن الكذب:

المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك، و الاصلاح بين الناس.

ص: 218

الكهانة؛

ص: 219

ص: 220

المسألة التاسعة عشرة: الكهانة

«التاسعة عشرة» (1) (الكهانة) من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما في الصحاح اذا تكهن قال:

و يقال كهن بالضم كهانة بالفتح اذا صار كاهنا.

و عن القاموس أيضا الكهانة بالكسر.

لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل يقتل كهانة بالفتح.

و كيف كان (2) فعن النهاية أن الكاهن من يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان (3).

فقد كان في العرب كهنة.

فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار.

و منهم من كان يزعم أنه يعرف الامور (4) بمقدمات و أسباب يستدل

++++++++++

(1) أي (المسألة التاسعة عشرة) من النوع الرابع الذي يحرم التكسب به لكونه عملا محرما في نفسه: الكهانة و هي بكسر الكاف معناها:

الإخبار عما سيقع في المستقبل.

(2) أي سواء أ كانت الكهانة بكسر الكاف أم بفتحها.

(3) أي الزمان المستقبل كإخبار (سطيح الكاهن) المعروف عند العرب بزوال (دولة ساسان) و فتح المدائن و كنوزها على يد المسلمين بمبعث (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله و قد وقع كل ما اخبر به.

(4) أي الامور التي تقع في المستقبل بمقدمات و أسباب.

ص: 221

بها على مواقعها من كلام (1) من سأله، أو فعله، أو حاله.

و هذا (2) يخصونه باسم العراف.

و المحكي عن الأكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد من أنه:

من كان له راي من الجن يأتيه الأخبار.

و عن التنقيح أنه المشهور (3)، و نسبه في السرائر الى القيل.

و راي على فعيل من راى يقال فلان رئيّ القوم أي صاحب رايهم.

قيل: و قد تكسر راؤه اتباعا (4).

و عن القاموس و السرائر: رأي كغني جني يرى فيخبر.

و عن النهاية يقال للتابع من الجن: راي (5) بوزن كمي.

++++++++++

(1) الجار و المجرور متعلقان بقوله: يعرف. أي يعرف الكاهن جواب الامور التي تقع في المستقبل من كلام السائل الذي ألقاه على الكاهن أو يعرف جواب الامور عن أفعال السائل، و حركاته.

أو يعرف أجوبة الامور التي تقع في المستقبل عن حال السائل.

لعل المراد من حاله: قوة السائل و ضعفه، و فقره و غناه، و مرضه و صحته.

(2) أي الذي يعرف الامور الواقعة في المستقبل بمقدمات و أسباب يقال له: العرّاف و هو بفتح العين وزان فعال بالتشديد من صيغ المبالغة و النسبة.

لكن المراد منها في كثير من الموارد و منها ما نحن فيه: المبالغة.

(3) أي قال في التنقيح: إن تعريف صاحب القواعد الكهانة بكونها: من له رأي من الجن هو المشهور.

(4) أي تبعا للهمزة فيقال: رئيّ .

(5) بفتح الهمزة و كسر الراء مشتقة من الرأي.

و الصحيح أنها مشتقة من الرؤية بمعنى أن الرجل يرى جنيه. -

ص: 222

أقول: روى الطبرسي في الاحتجاج في جملة الأسئلة التي سأل الزنديق عنها أبا عبد اللّه عليه السلام قال الزنديق: فمن أين أصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث ؟

قال عليه السلام: إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه (1) فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم فيخبرهم عن أشياء تحدث، و ذلك (2) من وجوه شتى:

فراسة (3) العين، و ذكاء (4) القلب، و وسوسة (5) النفس، و فطنة (6)

++++++++++

- فعلى الاول معناه أن الجن يعطي الانسان الرأي.

و كلمة كمي بتشديد الياء يقصد منها الشجاع غالبا.

(1) من باب الافتعال معناه جعل الكاهن حاكما في امورهم.

(2) أي إخبار الكاهن يكون وليد عوامل كثيرة.

(3) بالجر عطف بيان لقوله: من وجوه شتى.

فهذا أول الوجوه و العوامل أي منشأ الإخبار عن مستقبل الأشياء هي فراسة العين، حيث إن في بعض العيون أثرا خاصا يترتب عليه بعض الامور كالإخبار عن المستقبل.

(4) بالجر عطف بيان لقوله: من وجوه شتى.

هذا ثاني الوجوه و العوامل أي منشأ الإخبار ذكاء القلب الذي هو العقل الجبار.

(5) بالجر عطف بيان لقوله: من وجوه شتى.

هذا ثالث الوجوه و العوامل، أي منشأ الإخبار وسوسة النفس التي هو ايحاؤها للكاهن.

(6) بالجر عطف بيان لقوله: من وجوه شتى.

هذا رابع الوجوه و العوامل، أي منشأ الإخبار هي كثرة الفهم -

ص: 223

الروح مع قذف (1) في قلبه، لأن ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الى الكاهن، و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف (2).

و أما أخبار (3) السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك (4) و هي لا تحجب و لا ترجم، و إنما منعت (5) من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء، و يلبس على أهل الأرض بما جاءهم من اللّه تعالى لاثبات الحجة، و نفي الشبهة (6).

++++++++++

- و سرعة الانتقال مع الحذاقة فهي مشتقة من فطن يفطن وزان ضرب يضرب و نصر ينصر، و علم يعلم.

فهذه الوجوه أسباب و مقدمات للكاهن بها يعلم الحوادث الواقعة.

(1) أي مع قذف من الشيطان في قلب الكاهن كما يستفاد هذا من قوله: فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الى الكاهن.

و المراد من الحوادث الظاهرة: القتل و السرقة، و حضور غائب و غيبة حاضر.

(2) و هي البلاد.

و لا يخفى أنه ليس كل ما يقع في المنازل و البلاد يعلمها الشيطان.

نعم يمكن اطلاعه على بعض ذلك بنحو الموجبة الجزئية.

(3) هذه هي الحوادث الخفية المقابلة للحوادث الظاهرة.

(4) أي في الوقت الذي هو قبل الرجم لا تحجب الشياطين و لا ترجم عن مقاعد السمع.

(5) أي منعت الشياطين من الصعود إلى السماء.

(6) مقصود الامام عليه السلام: أن السبب عن منع الشياطين عن استراق السمع هو عدم اطلاعهم على أخبار السماء، لأنهم اذا اطلعوا -

ص: 224

و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث اللّه في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن فاذا قد زاد (1) كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر يخبر به فهو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه.

فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة.

و اليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهّانها (2) إخبار (3) الناس بما (4) يتحدثون به و ما يحدثونه، و الشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد (5) من الحوادث: من سارق سرق، و من قاتل قتل، و من غائب غاب (6)،

++++++++++

- عليها أخبروا الكهنة بها و اذا علم الكاهن بأخبار السماء فيخبر أهل الأرض بما سيقع في المستقبل فعند ذلك تلتبس هذه الإخبارات بإخبارات الأنبياء عند ما يوحى إليهم من قبل الباري عز و جل و يخبرون أهل الأرض بها فلا يبقى فرق بين إخبار الكاهن، و إخبار الأنبياء فيختلط الحق مع الباطل.

(1) فاعل زاد: الكاهن.

(2) بضم الكاف جمع كاهن وزان فساق جمع فاسق.

(3) بكسر الهمزة مصدر باب الافعال.

(4) المراد من (بما يتحدثون به): أقوال الناس.

و من (و ما يحدثونه): أفعال الناس و أعمالهم.

(5) بضم الباء و هو المكان البعيد، أو الزمان البعيد.

(6) أي يخبر الكاهن عن شخص السارق، و من هو، و أين المال و كذا يخبر عن شخص القاتل و مكانه و يوم قتله.

و كذا يخبر عن غياب الشخص و أين هو.

و كذا يخبر عن أشياء اخرى كالغنى، و المرض و الفقر.

ص: 225

و هم (1) بمنزلة الناس أيضا: صدوق و كذوب إلى آخر الخبر (2).

و قوله عليه السلام: مع قذف في قلبه يمكن أن يكون قيدا للأخير و هو فطنة الروح فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين (3) كما هو ظاهر ما تقدم من النهاية (4).

و يحتمل أن يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة (5) فيكون المراد تركب إخبار الكاهن ممّا يقذفه الشيطان، و ما يحدث في نفسه، لتلك الوجوه و غيرها (6) كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك: زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل.

++++++++++

(1) أي الشياطين على قسمين: صادق، و كاذب، إذ يمكن أن يكون في الصدق فسادا فلا يمتنع وقوعه.

(2) راجع (احتجاج الطبرسي). الجزء 2. ص 81. طباعة (النجف الأشرف). مطبعة النعمان عام 1386.

(3) و لا يخفى أنه بعد قوله عليه السلام: و الشياطين تؤدي ما يحدث في البعد: من سارق سرق لا مجال لأن يقال: فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين لأن قوله عليه السلام: و الشياطين تؤدي ما يحدث في البعض صريح في أن الكهانة وليد قذف الشياطين.

(4) في قوله في ص 221: و منهم من كان يزعم أنه يعرف الامور بمقدمات و أسباب يستدل بها على مواقعها: من كلام من سأله إلى آخر كلامه.

(5) في قوله عليه السلام في رواية الاحتجاج في ص 223: و ذلك من وجوه شتى: فراسة العين، و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح.

اذا يكون المراد من القذف: الوجوه المذكورة.

(6) أي و غير الوجوه المذكورة في قول الامام عليه السلام.

ص: 226

و كيف كان (1) ففي قوله عليه السلام: انقطعت الكهانة دلالة ما عن المغرب: من أن الكهانة في العرب كانت قبل المبعث (2)، و قبل منع الشيطان عن استراق السمع.

لكن قوله عليه السلام: إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها إخبار الناس و قوله عليه السلام قبل ذلك: مع قذف في قلبه إلى آخر الكلمات دلالة على صدق (3) الكاهن على من لا يخبر إلا بأخبار الأرض (4) فيكون المراد من الكهانة المنقطعة: الكهانة الكاملة التي يكون الكاهن بها (5) حاكما في جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات كما ذكر في أول الرواية (6).

و كيف كان (7) فلا خلاف في حرمة الكهانة.

++++++++++

(1) أي أيّ شيء قلنا في الكهانة، و بأيّ شيء فسرناها.

(2) أي مبعث (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله.

(3) المراد من الصدق هنا معناه المنطقي و هو صدق الكلي على أفراده

(4) الظاهر أن إخبار (سطيح وشق) الكاهنين عن مجيء (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله لا يكون من أخبار الأرض.

بل كان من أخبار السماء، فعلى هذا لا تختص الكهانة بمن يخبر عن أخبار الأرض كما هو الظاهر من كلام (شيخنا الأنصاري).

(5) الباء سببية أي الكاهن بسبب الكهانة الكاملة التي لم تنقطع قبل المبعث يكون حاكما في امور الناس عند طلبهم منه التحكيم.

(6) في قوله عليه السلام في ص 223: كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه.

و يحتكمون مصارع احتكم من باب الافتعال معناه طلب الناس من الحاكم الحكم لهم فيما يشتهون يقال: احتكم الناس الى الحاكم في الأمر قبل التحكيم.

(7) أي سواء أ كانت جملة مع قذف في قلبه قيدا للأخير و هي و فطنة -

ص: 227

و في المروي عن الخصال من تكهن، أو تكهن له فقد برأ من دين محمد صلى اللّه عليه و آله (1).

و قد تقدم رواية أن الكاهن كالساحر (2)، و أن (3) تعلم النجوم يدعو إلى الكهانة.

و روي في مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما اخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يسرق، أو شبه ذلك فنسأله.

فقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من مشى إلى ساحر أو كاهن، أو كذاب يصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه من كتاب (4) و ظاهر هذه الصحيحة أن الإخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرم مطلقا، سواء أ كان بالكهانة أم بغيرها، لأنه عليه السلام جعل المخبر بالشيء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل حراما.

و يؤيدها (5) النهي في النبوي المروي في الفقيه في حديث المناهي:

++++++++++

الروح أم لجميع الوجوه المذكورة.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 108. الباب 26.

الحديث 2.

(2) راجع الجزء 2. من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 294.

(3) عطف على قوله: و قد تقدم أي و قد تقدم أيضا.

راجع نفس المصدر. ص 294.

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 109. الباب 26.

الحديث 3.

(5) أي هذه الحرمة المطلقة، سواء أ كان منشئوها الكهانة أم غيرها.

ص: 228

أنه نهى عن اتيان العرّاف (1).

و قال صلى اللّه عليه و آله: من اتاه و صدقه فقد برأ بما أنزل اللّه عز و جل على محمد صلى اللّه عليه و آله (2).

و قد عرفت من النهاية: أن المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن و يخص باسم العراف (3).

و يؤيد ذلك (4) ما تقدم في رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام:

لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي إلى آخر الحديث، فإن ظاهر قوله هذا أن ذلك (5) مبغوض للشارع من أي سبب كان.

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 108. الحديث 1.

(2) نفس المصدر. و نفس الصفحة و الحديث.

(3) عند قوله في ص 221: و كيف كان فعن النهاية أن الكاهن من يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان إلى آخر قوله في ص 222.

مقصود الشيخ من الاستشهاد بما في النهاية: أن يثبت أن العراف الوارد في الحديث هو الكاهن الوارد في كلام النهاية.

(4) أي حرمة الكهانة.

(5) أي الإخبار عن الغائبات في المستقبل مبغوض عند الشارع من أي سبب حصل و وجد، سواء أ كان من الكهانة، أم من السحر أم من التنجيم.

و لا يخفى أن هناك تفرسات يتفرس بها أصحابها في أوضاعهم الراهنة يتنبئون عنها في المستقبل، سواء أ كانت في السياسة، أم في التجارة أم في الاختراعات.

و قد تقع هذه الامور، مع أنها ليست من الكهانة، أو السحر، أو التنجيم فلا تكون هذه التفرسات من مصاديق قوله عليه السلام: لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي.

ص: 229

فتبين من ذلك (1) أن الإخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها من غير نظر في بعض ما صح اعتباره كبعض الجفر (2) و الرمل محرم.

و لعله لذا (3) عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الإخبار عن الغائبات على سبيل الجزم لغير نبي، أو وصي نبي، سواء أ كان (4) بالتنجيم، أم الكهانة، أم القيافة، أم غير ذلك (5).

++++++++++

(1) أي فظهر من قولنا: إن الإخبار عن الغائبات من أي سبب حصل و وجد: أن الجواب عن الغائبات بمجرد السؤال عنها مع قطع النظر عن صحة بعض الأجوبة عن الغائبات الواقعة في الجفر و الرمل محرم.

(2) بفتح الجيم و سكون الفاء: علم تستكشف به المجهولات بواسطة الحروف الشمسية و القمرية حسب اصطلاح مهرة هذا الفن، و لهم فيه مثلثات و مربعات و مخمسات، و غيرها من الطلسمات.

ثم اشتهر أخيرا و صار اسما لعلم الحروف.

و في الحديث أملى (رسول اللّه) صلى اللّه عليه و آله على (أمير المؤمنين) عليه السلام الجفر و الجامعة.

و فسّرا في الحديث بإهاب ماعز، و إهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى ارش الخد، و الجلدة و نصف الجلدة.

و نقل عن (المحقق الشريف) في شرح المواقف أن الجفر و الجامعة كتابان لعلي عليه السلام.

و الرمل بفتح الراء و سكون الميم علم يبحث فيه عن المجهولات بخطوط تخط على الرمل.

(3) أي و لعله لأجل أن الإخبار عن الغائبات من أي سبب حصل

(4) أي الإخبار عن الغائبات.

(5) كالرمل و الجفر الذي صح اعتباره.

ص: 230

اللّهو

ص: 231

ص: 232

المسألة العشرون: اللهو

«العشرون» (1) (اللهو) حرام على ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكرى و الجعفرية، و غيرها، حيث عللوا لزوم الإتمام (2) في سفر الصيد: بكونه محرما من حيث اللهو.

قال في المبسوط: السفر على أربعة أقسام، و ذكر الواجب (3)

++++++++++

(1) أي (المسألة العشرون) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: اللهو.

و لا يخفى أن حرمة اللهو على اطلاقها بعيد إن اريد من اللهو ما يتلهى الانسان به كما اذا كان جالسا و هو يخطط على الأرض، أو على الورق.

(2) أي إتمام الصلاة، لأن سفره سفر معصية.

لا يخفى أن اتمام الصلاة في مثل هذا السفر لأجل النص الوارد.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 5. ص 511. الباب 9.

الحديث 1، و ص 512. الحديث 5.

(3) كسفر الحج، و معالجة المرض المهلك، و أداء الدين، و إطاعة الوالدين، و ارشاد الناس اذا لم يكن في البلد أو القرية من يقوم بالواجبات الدينية و ارشادهم، و كسب القوت الواجب، و أمر الرسول الأعظم أو أحد (أئمة أهل البيت) صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم.

ص: 233

و الندب (1)، و المباح (2).

ثم قال (3): الرابع سفر المعصية، وعد من أمثلتها (4) من طلب الصيد للّهو و البطر، و نحوه بعينه عبارة السرائر.

و قال في المعتبر: قال علماؤنا: اللاهي بسفره كالمتنزه (5) بصيده

++++++++++

(1) كالعمرة المفردة اذا لم تكن عن نذر، أو عهد، أو يمين، فاذا كانت عن احداها تصير واجبة.

و كذا الحج اذا أدى حجة الاسلام.

و كزيارة (الأئمة الهداة المعصومين)، و كالاستجمام و الراحة اذا احتاج الانسان إليه، و كالسفر في قضاء حاجة الأخ المؤمن.

و الأسفار المندوبة كثيرة لا يسع المقام ذكرها فعليك تطبيق صغرياتها.

(2) و هو كل سفر لا يأتي منه المعصية و هو الجواز بالمعنى الأعم الذي يجتمع مع الوجوب و الندب و المباح.

و أما السفر المباح بالمعنى الأخص الذي يتساوى طرفاه كالسفر إلى رؤية الآثار القديمة كمشاهدة أطلال بابل، و مدائن كسرى، و تل عقرقوف و ملوية سامراء، و دور الخلفاء. و تخت جمشيد، و سد مأرب، و تدمر.

(3) أي (الشيخ) في المبسوط.

(4) مرجع الضمير: السفر و إنما جاء بالضمير مؤنثا، لأنه مضاف إلى المؤنث فاكتسب التأنيث.

قال ابن مالك في بحث الإضافة:

و ربما اكسب ثان أولا *** تأنيثا إن كان لحذف موهلا

(5) بصيغة الفاعل من باب التفعل أي من كان سفره لأجل اللهو و البطر حكمه في الصلاة و الصوم حكم من يخرج للسفر لأجل الصيد تنزها.

ص: 234

بطرا لا يترخص (1).

لنا (2) أن اللهو حرام فالسفر له معصية (3). انتهى.

و قال في القواعد: الخامس من شروط القصر (4) إباحة السفر فلا يرخص العاصي بسفره كتابع الجائر، و المتصيد لهوا. انتهى.

و قال في المختلف في كتاب المتاجر: حرّم الحلي الرمي من قوس

++++++++++

(1) أي لا يسوغ له أن يقصر في صلاته، و لا أن يفطر في صومه لما كانت جملة (لا يترخص) ناقصة لا يفهم منها المعنى فراجعنا المعتبر فرأينا العبارة هكذا:

لا يترخص في صلاته، و لا صومه.

(2) هذا دليل صاحب المعتبر.

و مرجع الضمير في له: اللهو أي دليلنا على أن اللاهي بسفره كالمتنزه:

أن اللهو حرام فالسفر لاجله يكون حراما.

(3) أي لا يقصر الصلاة في السفر من كان سفره لأجل اللهو.

و لا يخفى أن الصلوات اليومية الفرضية تقصر الرباعيات منها في السفر عندنا (الشيعة الامامية)، أي تسقط عنها الركعتان الأخيرتان.

أما الثلاثية كالمغرب، و الثنائية كالصبح فلا تقصير فيهما.

ثم إن سقوط الركعتين الأخيرتين من الرباعيات في السفر مشروط بشرائط قد ذكرت كلها في كتاب الصلاة من الكتب الفقهية.

راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 1. من ص 369 إلى ص 377.

(4) اذا كانت متابعته بالطوع و الاختيار، و كانت تأييدا للجائر.

و أما اذا كانت بالجبر فيقصر الى حد يرتفع عنه الجبر.

ص: 235

الجلاهق (1).

قال (2): و هذا الاطلاق (3) ليس بجيد، بل ينبغي تقييده (4) باللهو و البطر.

و قد صرح الحلي (5) في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته.

و قال (6): إن اللعب بجميع الأشياء قبيح.

و رده بعض: بمنع حرمة مطلق اللعب.

++++++++++

(1) مضى شرح الكلمة في المسألة الخامسة عشر في القمار في ص 131.

فراجع.

(2) أي العلامة في المختلف.

(3) و هي حرمة مطلق الرمي من قوس الجلاهق.

(4) أي تقييد الرمي الذي وردت عليه الحرمة في قول (الحلبي) في كتاب المتاجر: يحرم الرمي من قوس الجلاهق: باللهو الذي يأتي منه الباطل.

(5) و هو (ابن ادريس).

(6) أي (ابن ادريس).

و خلاصة استدلال (ابن ادريس) على حرمة مطلق اللعب و إن كان للارتياح: أن اللعب بكل شيء قبيح و إذا ثبت قبحه ثبت حرمة مطلق اللعب.

و لا يخفى عليك أنه لا يدرى المراد من القبح هل القبح العقلي أو العرفي ؟

فإن كان العقلي فهو ممنوع، لعدم حكمه بقبح اللعب الارتياحي الذي ترتاح النفس به، لأنه لا يترتب عليه ضرر دنيوي، أو اخروي يخل بالدين، أو يصد عن ذكر اللّه، و لو ثبت تكون حرمته من باب -

ص: 236

و انتصر في الرياض للحلي: بأن (1) ما دل على قبح اللعب، و ورود الذم به من الآيات (2)

++++++++++

- الإضرار، و العقل مستقل بقبح كل شيء يأتي منه الضرر، فالحرمة من هذه الناحية، لا من ناحية اللعب فلا اختصاص له به.

و إن كان عرفيا و هو المعبر عنه ب (البيئة - المجتمع) فلا يصح الاستدلال به، لأن العرف كما هو المشاهد يجوز الظلم على الآخرين، و يحرم ما حلله اللّه، و يحلل ما حرمه اللّه عز و جل فلا ميزان و لا معيار لحكمه فلا تثبت حرمة مطلق اللعب به.

و على فرض ثبوت القبح العرفي فلا ملازمة بينه، و بين الحرمة، إذ كثير من الأشياء قبيح عرفا و ليس هناك حرمة تشملها.

و الدليل على ما قلناه: هو رد بعض الأعلام لمقالة (ابن ادريس) كما أفاده الشيخ بقوله: و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب.

(1) الباء بيان لكيفية انتصار صاحب الرياض لمقالة (ابن ادريس).

(2) الظاهر أن المراد منها الآيات الواردة في سورة البقرة: الآية 32.

و سورة العنكبوت: الآية 64 - و سورة محمد صلى اللّه عليه و آله: الآية 36 و سورة الحديد: الآية 20، و سورة المائدة: الآية 60-61، و سورة الأنعام: الآية 70، و سورة الأعراف: الآية 50.

لكن عند المراجعة إليها تجد بعضها يدل على اللعب بالدين و الأنبياء و الكتب المنزلة عليهم.

و بعضها يدل على ذم الدنيا و أنها عبارة عن اللهو و اللعب و الزينة و التفاخر في الأموال و الأولاد، فكلها لا تعني اللعب الارتياحي، بل تثبت حرمة اللعب بالدين و شعائره.

و هذا عنوان ثانوي لا ربط له باللعب الارتياحي.

ص: 237

و الروايات (1) أظهر من أن يخفى، فاذا ثبت القبح (2) ثبت النهي.

ثم قال (3): و لو لا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفا للاجماع لكان المصير الى قوله ليس بذلك البعيد (4). انتهى (5).

و لا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب (6)، و شذوذ القول بحرمته، مع دعوى (7) كثرة الروايات، بل الآيات (8) على حرمة مطلق اللهو: لأجل (9) النص على الجواز فيه في قوله عليه السلام:

لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام (10).

و استدل في الرياض أيضا تبعا للمهذب (11) على حرمة المسابقة بغير

++++++++++

(1) تأتي الاشارة إليها قريبا.

(2) و قد عرفت آنفا عدم ثبوت القبح العقلي، بل الثابت هو القبح العرفي و هو لا يصح الاستدلال به فاذا لا يثبت النهي من الآيات الكريمة على حرمة مطلق اللعب.

(3) أي قال صاحب الرياض: لو لا شذوذ قول (ابن ادريس) الدال على حرمة مطلق اللعب و جميع الأشياء، لكونه مخالفا للاجماع.

(4) و أما وجه البعد فلأنه مخالف للاجماع.

(5) أي ما أفاده صاحب الرياض حول مقالة (ابن ادريس).

(6) و هو اللعب بالحمام.

(7) أي دعوى صاحب الرياض.

(8) و قد عرفت الاشكال في الآيات.

(9) الجار و المجرور منصوبة محلا خبر لكان في قوله: أن يكون أي لا يبعد كون جواز اللعب بالحمام من غير عوض لأجل النص الوارد فيه.

(10) (وسائل الشيعة). الجزء 13. ص 349. الباب 3. الحديث 3.

(11) أي مهذب البارع للفقيه الكامل الشيخ (ابن فهد الحلي) -

ص: 238

المنصوص على جوازه بغير عوض: بما (1) دل على تحريم اللهو و اللعب.

قال (2): لكونها (3) منه بلا تأمل. انتهى.

و الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدا.

(منها) (4): ما تقدم من قوله عليه السلام في رواية تحف العقول و ما يكون منه و فيه الفساد محضا، و لا يكون منه و فيه شيء من وجوه الصلاح: فحرام تعليمه و تعلمه، و العمل به، و أخذ الاجرة عليه (5)

++++++++++

- يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

و المراد من غير المنصوص في قوله: غير المنصوص على جوازه قوله صلى اللّه عليه و آله: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر، أو ريش.

و قوله صلى اللّه عليه و آله: إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 13. الباب 3. الحديث 4.

و ص 347. الباب 1 - الحديث 6.

(1) الجار و المجرور متعلق بقوله: استدل أي استدل صاحب الرياض على تحريم مطلق اللعب: بكل شيء دل على تحريم اللهو و اللعب.

و المراد من بما دل: الأخبار المستفيضة التي يذكرها الشيخ بقوله:

منها و منها و منها.

(2) أي (صاحب الرياض).

(3) أي لكون المسابقة بغير عوض من اللهو و اللعب.

(4) أي من تلك الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو.

من هنا يريد الشيخ أن يذكر الأخبار الواردة في المقام.

(5) راجع (كتاب المكاسب). الجزء 1. من طبعتنا الحديثة ص 23-33.

ص: 239

(و منها) (1): ما تقدم من رواية الأعمش، حيث عدّ في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر اللّه كالغناء و ضرب الأوتار (2) فإن الملاهي جمع ملهى (3) مصدرا، أو ملهي وصفا، لا الملهاة آلة (5)، لأنه لا يناسب التمثيل.

و نحوها (6) في عدّ الاشتغال بالملاهي من الكبائر: رواية العيون الواردة في الكبائر، و هي حسنة كالصحيحة بل صحيحة.

++++++++++

(1) أي و من تلك الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو.

(2) راجع الجزء 3. من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 185.

و (بحار الأنوار) الطبعة الجديدة. الجزء 10 ص 229.

و الأوتار جمع وتر و هي آلة من آلات اللعب تعطي صوتا مطربا عند الضرب بها.

(3) الظاهر أن المصدر لا جمع له إلا اذا كان بمعنى اسم المصدر.

(4) أي بصيغة اسم الفاعل من باب الافعال من ألهى يلهي إلهاء.

(5) أي لا يكون ملاهي جمع ملهاة بكسر الميم و سكون اللام التي هو اسم آلة من أدوات اللهو و الطرب.

و الحق أن الملاهي جمع ما يلهي أعم من أن يكون آلة، أو غيرها و الدليل على ذلك قوله عليه السلام في نفس الحديث: الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر اللّه كالغناء، و ضرب الأوتار، فإن الغناء لا يكون آلة، و ضرب الأوتار يكون باستعمال الأوتار و هي آلة.

(6) أي و نحو رواية الأعمش في عد الاشتغال بالملاهي من الكبائر:

الرواية المروية في (عيون أخبار الرضا). الجزء 2. ص 127.

ص: 240

(و منها) (1): ما تقدم في روايات القمار في قوله عليه السلام:

كل ما ألهى عن ذكر اللّه فهو الميسر.

(و منها) (2): قوله عليه السلام في جواب من خرج في السفر بطلب الصيد بالبزاة (3)، و الصقور (4): إنما خرج في لهو لا يقصر (5).

(و منها) (6): ما تقدم في رواية الغناء في حديث الرضا عليه السلام في جواب من سأله عن السماع.

++++++++++

(1) أي و من تلك الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو: ما تقدم في ص 100 فهنا قياس منطقي من الشكل الأول هكذا:

الصغرى: هذا اللعب يلهي عن ذكر اللّه.

الكبرى: و كل ما يلهي عن ذكر اللّه فهو ميسر.

النتيجة: فهذا اللعب من الميسر.

ثم نقول:

الصغرى: هذا اللعب من الميسر.

الكبرى: و كل ميسر حرام.

النتيجة: فهذا اللعب حرام.

(2) أي و من تلك الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو.

(3) بضم الباء جمع باز، أو بازي هو طير من طيور الجوارح و من سباع الطيور يصاد به الطيور و الغزلان، و نحوهما.

(4) بضم الصاد و القاف و سكون الواو جمع صقر بفتح الصاد و سكون القاف هو من جوارح الطيور و سباعها يصاد به.

(5) (وسائل الشيعة). الجزء 5. ص 511. الباب 9 من أبواب صلاة المسافر. الحديث 1.

(6) أي و من تلك الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو.

ص: 241

فقال: لاهل الحجاز فيه راي قال: و هو في حيز اللهو (1).

و قوله عليه السلام في رد من زعم أن النبي صلى اللّه عليه و آله:

رخّص في أن يقال: جئناكم جئناكم حيونا نحيكم إلى آخر الحديث:

كذبوا إن اللّه يقول: لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إلى آخر الآيتين (2).

(و منها) (3): ما دل على أن اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم في روايات الغناء (4).

ففي بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل ما خلا ثلاثة: المسابقة و ملاعبة الرجل أهله إلى آخر الحديث (5):

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن اللعب بالاربعة عشر، و شبهها.

++++++++++

(1) راجع ص 183 من الجزء 3. من المكاسب من طبعتنا الحديثة.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 229. الباب 99. الحديث 19.

و المراد من الآيتين هما: قوله تعالى: «لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ » .

و قوله تعالى: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى اَلْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ اَلْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ » (1).

(3) أي و من تلك الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو.

(4) راجع الجزء 3. من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 182-183

(5) (وسائل الشيعة). الجزء 13. ص 347. الباب 1 من أحكام السبق و الرماية. الحديث 5. و الحديث منقول بالمعنى.

ص: 242


1- الأنبياء: الآية 17-18.

قال: لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي (1).

الى غير ذلك مما يتوقف عليه المتتبع (2).

و يؤيدها (3): أن حرمة اللعب بآلات اللهو: الظاهر أنه من حيث اللهو، لا من حيث خصوص الآلة.

ففي (4) رواية سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لما مات آدم شمت به ابليس و قابيل فاجتمعا في الأرض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم على نبينا و آله و عليه السلام، فكل ما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذلك (5)، فإن فيه (6)

++++++++++

(1) نفس المصدر. الجزء 12. ص 235. الباب 100. الحديث 14.

مضى شرح هذا الحديث في ص 139.

(2) راجع نفس المصدر. الأحاديث الواردة في هذا المقام.

(3) أي و يؤيد حرمة مطلق اللهو: أن الظاهر من حرمة آلات اللهو هي حرمة الالتهاء و الاشتغال، لا نفس الآلات بما هي آلات مجردة عن الالتهاء بها.

(4) الفاء تفريع على ما أفاده: من أن الظاهر من حرمة آلات اللهو هي حرمة الالتهاء، و يأتي شرح التفريع في التعليل الذي نذكره.

(5) أي من ذلك اللهو الصادر من تلك المعازف و الملاهي.

راجع نفس المصدر. ص 233. الباب 100. الحديث 5.

و المعازف بفتح الميم جمع معزف بكسرها اسم آلة من آلات الطرب كالطنبور و العود.

(6) أي في حديث سماعة.

هذا تعليل للتفريع المذكور و خلاصته: أن المناط و العبرة في التحريم هو حصول مطلق التلهي و الالتذاذ بسبب تلك الآلات. -

ص: 243

اشارة إلى أن المناط هو مطلق التلهي و التلذذ.

و يؤيدها (1) ما تقدم: من أن المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص بغير عوض، فإن الظاهر أنه لا وجه لها (2) عدا كونه لهوا و إن لم يصرحوا بذلك عدا القليل منهم كما تقدم (3).

نعم صرح في التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الألعاب كما تقدم في نقل كلامه في مسألة القمار في ص 131. هذا.

و لكن الاشكال في معنى اللهو، فإنه ان اريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح و القاموس فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة، فإن اللعب هي (4) الحركة لا لغرض عقلائي، و لا خلاف ظاهرا

++++++++++

و ليس المناط هي نفس الآلات مجردة عن الالتهاء بها.

(1) أي و يؤيد الحرمة المطلقة ما تقدم عن (صاحب الرياض) في المسألة الرابعة في ص 127 عند قوله: الرابعة المغالبة بغير عوض في غير ما نص على جواز المسابقة فيه، و الأكثر على ما في الرياض على التحريم بل حكي فيها عن جماعة دعوى الاجماع عليه.

(2) أي لحرمة المسابقة بغير عوض، سوى أن هذا المسابقة من أفراد اللهو و مصاديقه.

(3) أي في المسألة الرابعة في ص 140 عند قوله: و لعله لذلك كله استدل في الرياض تبعا للمهذب بما دل على حرمة اللهو، فجعل هذه المسابقة من أفراد اللهو.

فصاحب الرياض أحد القليلين القائلين بكون هذه المسابقة من أفراد اللهو، و لم يصرح أحد من العلماء بكون المسابقة بغير عوض لهوا سوى هذا.

(4) تأنيث الضمير باعتبار الخبر و هي كلمة الحركة، بناء على قاعدة

ص: 244

في عدم حرمته على الاطلاق (1).

نعم لو خص اللهو بما يكون من بطر (2) و فسر بشدة الفرح كان الأقوى تحريمه.

و يدخل في ذلك (3) الرقص و التصفيق، و الضرب بالطست (4)

++++++++++

دوران الأمر بين الخبر و المرجع فمراعاة الخبر أولى كما عرفت كرارا عنا هذه القاعدة.

(1) أي بنحو مطلق و بنحو موجبة كلية: و هو أن كل لعب في كل مكان و زمان، و بأي شيء حرام.

بل الحرمة فيه بنحو الموجبة الجزئية و هي الحرمة في الجملة فيكون من قبيل سلب العموم و نفيه، لا عموم النفي و سلبه.

(2) و هو الباطل أي لو خصصنا اللهو باللهو الذي يحصل من الباطل و فسرنا اللهو بشدة الفرح و السرور: كان الأقوى تحريم مثل هذا اللهو لأنه القدر المتيقن من أفراد اللهو.

(3) أي و يدخل في التحريم الرقص، بناء على تخصيص اللهو باللهو الحاصل من الباطل، و تفسير اللهو بشدة الفرح و السرور.

و الرقص لغة هو المشي و التنقل بتفكك و خلاعة.

و قد اختص بحركات فنية التي يقوم بها الانسان يحصل منها الفرح و السرور للناظرين.

و من أقسام الرقص تحريك اليدين مع الرأس و الرجلين، و ثني القامة الى حدود مختلفة يعرفها أهلها العارفون بها.

و يقال لهذا النوع من الرقص: المنظمة.

و التصفيق مصدر باب التفعيل معناه: الضرب بباطن الراحة على باطن الاخرى مع إحداث الصوت به.

(4) بالسين معرب (طشت) و هي كلمة فارسية، و هو إناء واسع -

ص: 245

بدل الدف، و كل (1) ما يفيد فائدة آلات اللهو.

و لو جعل مطلق (2) الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي (3) مع انبعاثها عن القوى الشهوية (4) ففي حرمته تردد.

++++++++++

- غالبا لغسل الأيدي بالإبريق صبا، و غسل الملابس بغمسها فيه، و دلكها بمواد مزيلة للأوساخ.

(1) بالرفع عطف على فاعل و يدخل و هو الرقص أي و يدخل في التحريم كل شيء يفيد فائدة آلات اللهو كالضرب بالصواني التي يجعل فيها عادة الزاد و الطعام.

و كالضرب بالصفائح الخفيفة التي قد تتخذ ظروفا للدهن و الدبس و ما شاكله، فالضرب على هذه و أمثالها التي يتخذها العوام من الناس في الأعراس و مواسم السرور بدلا عن الضرب بالآلات المعدة للضرب و الأغاني لاستفادة الطرب و الانس، و اللذائذ النفسية منها: حرام كما أفاده الشيخ.

(2) بنصب كلمة مطلق بناء على أنها مفعول ثان لكلمة جعل الذي هو فعل ماض مجهول، و نائب فاعله: اللهو و هو المفعول الاول له.

(3) كأن لا تكون تلك الحركات منشطة للبدن، أو لا تكون موجبة للاحساس بالقوة، أو الفوز بالجائزة المعينة، أو التدرب على صعود الجبال و نزولها.

(4) ليس المراد من القوى الشهوية هنا: الغرائز الجنسية.

بل المراد منها غرائز اخرى كحب الاستعلاء و الشهرة، و الانتقام و الطمع و الخيلاء، و غيرها من الصفات المذمومة، فإن هذه و أمثالها يتردد في حرمتها.

و أما الغرائز الجنسية فلا تردد في حرمتها لو كانت مرادة، فإن إعمال -

ص: 246

و اعلم أن هنا عنوانين آخرين (1): اللعب. و اللهو.

أما اللعب فقد عرفت أن ظاهر بعض (2) ترادفهما.

و لكن مقتضى تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما (3).

++++++++++

- هذه الغرائز غير المشروعة لا شبهة في حرمتها، فالتعبير عن الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي بالقوى الشهوية مجاز، إذ ربما تطلق القوة الشهوية على مثل هذه الحركات فيقال: شهوة الاستعلاء، شهوة الشهرة شهوة الرئاسة.

(1) الظاهر زيادة كلمة (آخرين) لأن العنوانين هما نفس اللعب و اللهو المتقدمين، من دون زيادة لهذين على ذينك.

و لعل الزيادة من النساخ.

(2) و هو (صاحب الصحاح و القاموس) حيث قالا: بترادف اللعب و اللهو كما عرفت في قولهما: في ص 244.

(3) أي مقتضى عطف اللهو على اللعب، و اللعب على اللهو في مواضع متعددة من القرآن الكريم كقوله تعالى:

«وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ» (1) .

«إِنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ» (2) .

«اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ» (3) .

«وَ مٰا هٰذِهِ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ » (4) .

ص: 247


1- الأنعام: الآية 32.
2- (محمد صلى اللّه عليه و آله): الآية 38.
3- الحديد: الآية 19.
4- العنكبوت: الآية 64.

و لعلهما (1) من قبيل الفقير و المسكين اذا اجتمعا افترقا، و اذا افترقا (2) اجتمعا.

++++++++++

- أن يكون اللعب و اللهو متغايرين، لأن من شأن العطف هو التغاير فلا يصح أن تقول زيدا و زيدا اذا أردت شخصا واحدا.

أو تقول: رأيت و رأيت زيدا.

و ربما يتوهم صحة العطف على هذا النوع للتأكيد.

لكنه مردود، لاستغناء التأكيد عن حرف العطف بقولك: رأيت زيدا زيدا، و رأيت رأيت زيدا، و لو فرض صحة هذا النوع من العطف في كلام المخلوق فلا يصح في كلام الخالق جل شأنه، فوجود العاطف في الآيات المذكورة و غيرها الواردة في الكتاب العزيز دليل على تغايرهما قطعا.

نعم مقتضى الآيات الكريمة التغاير بينهما مفهوما، مع امكان ادعاء اتحادهما مصداقا، حيث إن اللهو من لوازم اللعب فهما متحدان خارجا.

و لعل هذا الاتحاد الخارجي أوجب لصاحب القاموس و الصحاح أن يدعيا ترادفهما.

(1) أي و لعل اللعب و اللهو نظير الفقير و المسكين: في أنه يراد من كل واحد منهما حالة اجتماعهما معنى مغايرا للآخر: بأن يراد من المسكين من هو أسوأ حالا من الفقير، و من الفقير من هو أحسن حالا من المسكين

(2) أي ذكر كل واحد منهما مستقلا و منفردا، فحينئذ يراد من الفقير الذي ذكر منفردا: معناه و معنى المسكين.

و كذا يراد من المسكين الذي ذكر منفردا معناه و معنى الفقير فاللعب و اللهو هكذا فاذا اجتمعا يراد من كل واحد منهما معنى مغايرا للآخر، و اذا ذكر كل واحد منهما مستقلا يراد منه معناهما.

ص: 248

و لعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال غير المنبعثة عن القوى الشهوية.

و اللهو ما تلتذ به النفس، و ينبعث عن القوى الشهوية.

و قد ذكر غير واحد أن قوله تعالى: أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ الى آخر الآية (1) بيان ملاذ (2) الدنيا على ترتيب تدرجه (3) في العمر.

++++++++++

(1) و هو قوله تعالى: «وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَوْلاٰدِ» (1).

(2) أي ذكر كثير من العلماء من أن هذه المراتب المذكورة في الآية الكريمة: من اللعب و اللهو و الزينة و التفاخر و التكاثر في الأموال و الأولاد التي يتدرج الانسان بها الى هذه المراحل شيئا فشيئا في أدوار مختلفة التي يستغرق كل دور منها ثمان سنوات: بيان للذائذ الدنيا، و إشارة إلى أن الدنيا عبارة عن هذه المراحل و التدرجات، فإن للانسان منذ ولادته و بعد انفطامه عن الحليب إلى أن يبلغ الأربعين من عمره الذي هو منتهى نضج العقل و نبوغه: خمسة أدوار:

(الدور الأول): اللعب.

(الدور الثاني): اللهو.

(الدور الثالث): الزينة.

(الدور الرابع): التفاخر.

(الدور الخامس): التكاثر في الأموال و الأولاد.

فكلما يدخل في دور من تلك الأدوار اقتضت طبيعة الانسان بمقتضى جبلته و خلقته شيئا من المذكورات، و ملاذ بفتح الميم جمع ملذة بفتحها أيضا.

(3) أي تدرج الانسان في تلك المراحل و الأدوار كما عرفت آنفا.

ص: 249


1- الحديد: الآية 20.

و قد جعلوا لكل واحد منها (1) ثمان سنين.

و كيف كان فلم أجد من أفتى بحرمة اللعب (2) عدا الحلي على ما عرفت من كلامه (3)، و لعله يريد اللهو (4)، و إلا فالأقوى الكراهة (5).

و أما اللغو (6) فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الأخبار كان في حكمه.

ففي رواية محمد بن أبي عباد المتقدمة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام إن السماع في حيز اللهو و الباطل أ ما سمعت قول اللّه تعالى: و إذا مروا باللّغو مروا كراما (7).

++++++++++

(1) أي من هذه الأدوار و المراحل المذكورة فيصير المجموع بعد ضرب 5 * 8 40 عاما.

(2) أي بحرمة مطلق اللعب.

(3) و هو (ابن ادريس) صاحب السرائر في قوله في ص 236:

إن اللعب بجميع الأشياء قبيح.

(4) أي الذي يلهي عن ذكر اللّه جل جلاله، و يصد الانسان عن الإقبال و التوجه إليه كما عرفت في ص 240 في قوله عليه السلام:

و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل.

(5) اذا لم يرد من اللعب اللهو الذي يلهي الانسان عن ذكر اللّه و يصده عنه فالظاهر أنه لا وجه لكراهته.

(6) و هو ما لا فائدة فيه من كلام أو فعل.

(7) الفرقان: الآية 72.

و الحديث مر ذكره في الجزء 3 من (المكاسب). ص 183 فاستشهاد الامام عليه السلام بالآية الشريفة دليل على أن اللهو من أفراد اللغو.

ص: 250

و نحوها رواية أبي أيوب، حيث أراد باللغو الغناء مستشهدا بالآية (1) و إن أريد به (2) مطلق الحركات اللاغية (3) فالأقوى فيها (4) الكراهة.

و في رواية أبي خالد الكابلي عن سيد الساجدين تفسير الذنوب التي تهتك العصم (5) بشرب الخمر و اللعب بالقمار، و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس (6).

++++++++++

(1) و هي آية و اذا مروا باللغو مروا كراما.

و الحديث مروي في (وسائل الشيعة). الجزء 12. الباب 101.

الحديث 20.

و لا يخفى أن الاستدلال بالحديثين لا يثبتان ترادف اللهو و اللغو، بل يثبت بذلك كون اللهو من أفراد اللغو، أو من مصاديقه.

(2) أي باللغو.

(3) و هي التي لا ثمرة فيها.

(4) أي في مطلق الحركات اللاهية: هي الكراهة لقوله تعالى:

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً ، أي أن المؤمنين لا يشاركون اللاغين في لغوهم.

(5) الواردة في دعاء (كميل(1) بن زياد النخعي) رضوان اللّه عليه في قوله عليه السلام: اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم.

(6) استدل بجملة (و تعاطي ما يضحك الناس): على حرمة اللغو حيث عطفت على قوله عليه السلام: بشرب الخمر و قد عدّ شرب الخمر من الذنوب التي تهتك العصم فيكون ما يضحك الناس من اللغو و المزاح -

ص: 251


1- بالتصغير وزان (زبير) من أعاظم أصحاب (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام و خواصه و حواريه، و من أهل السر. يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

و في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله لأبي ذر رضي اللّه عنه أن الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوى ما بين السماء و الأرض (1).

++++++++++

من الذنوب التي تهتك العصم.

(1) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 577. الحديث.

الباب 140.

و استدل بالحديث على كراهة اللغو إن اريد باللغو مطلق الحركات اللاغية، لظهور قوله عليه السلام: فيهوي ما بين السماء و الأرض في الكراهة.

ص: 252

مدح من لا يستحقّ

ص: 253

ص: 254

المسألة الحادية و العشرون: مدح من لا يستحق المدح

«الحادية و العشرون» (1) (مدح من لا يستحق المدح) أو يستحق الذم. ذكره العلامة في المكاسب المحرمة.

و الوجه فيه (2) واضح من جهة قبحه عقلا (3).

و يدل عليه (4) من الشرع قوله تعالى: وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ

++++++++++

(1) اي (المسألة الحادية و العشرون) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم.

و المدح هذا على قسمين:

(الأول): أنه لا يستحق الذم مع عدم استحقاقه المدح.

(الثاني): أنه يستحق الذم علاوة على عدم استحقاقه المدح كما أفاده الشيخ.

و مدح من لا يستحق المدح عبارة عن ذكر الشخص بما ليس فيه من الأخلاق الفاضلة و الصفات الحميدة.

(2) أي في ذكر العلامة مدح من لا يستحق المدح، أو يستحق الذم في المكاسب المحرمة.

(3) المراد منه: أن مدح من لا يستحق المدح ترويج للباطل و ترويج الباطل قبيح عقلا، للضرر المترتب عليه، فالعقل يحكم بقبح هذا المدح.

(4) أي على تحريم مدح من لا يستحق المدح.

ص: 255

ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّٰارُ (1).

و عن النبي صلى اللّه عليه و آله فيما رواه الصدوق: من عظّم صاحب دنيا و أحبّه طمعا في دنياه سخط اللّه عليه، و كان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار (2).

و في النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي: من مدح سلطانا جائرا أو تخفف، أو تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار (3).

و مقتضى هذه الأدلة (4) حرمة المدح طمعا في الممدوح (5).

++++++++++

(1) الهود: الآية 113.

و لا يخفى عدم دلالة الآية الكريمة على حرمة المدح، لأن المراد من الركون هو الاعتماد عليه في حوائجه، و الانضواء تحت رايته و نفوذه.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 130-131. الباب 42.

الحديث 14.

(3) المصدر السابق. ص 132-133. الحديث 1. الباب 43.

و المراد من تخفف له: التواضع للظالم احتراما له.

و المراد من تضعضع: القيام للظالم، أو يفسح له في المكان للجلوس.

(4) و هي آية وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّٰارُ ، و الحديثان النبويان.

(5) و هو الظالم.

و لا يخفى أن الدليل المذكور على حرمة مدح من لا يستحق المدح أخص من المدعى، حيث إن المدعى أنه لا يجوز مدح من لا يستحق المدح و هو أعم يشمل من لم يكن ظالما، و من كان ظالما، و الأدلة التي ذكرها الشيخ من الآية و الحديثين خاصة بالظالم فقط.

و أما حرمة من لا يستحق المدح غير الظالم فلاجل ترتب الكذب عليه.

ص: 256

و أما (1) لدفع شره فهو واجب.

و قد ورد في عدة أخبار أن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم (2).

++++++++++

(1) أي و أما مدح الظالم اتقاء شره فهو واجب كما صدر الاذن من (الأئمة المعصومين) صلوات اللّه عليهم إلى بعض شعرائهم في مدح السلاطين، و ملوك زمانهم.

(2) راجع (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 75. ص 279 الحديث 1.

و ص 283. الحديث 10-13.

و ص 281. الحديث 7-8-9.

أليك نص الحديث العاشر عن ص 283:

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: شرار الناس عند اللّه يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم.

و ليس المراد من اتقاء شرهم مخافة سيفهم، أو سجنهم، أو تعذيبهم فحسب.

بل المراد مطلق الشر حتى شر اللسان، و سوء الجيرة، و سوء العشرة.

ص: 257

ص: 258

معونة الظّالمين

ص: 259

ص: 260

المسألة الثانية و العشرون: معونة الظالمين

«الثانية و العشرون» (1) (معونة الظالمين) في ظلمهم حرام بالأدلة الأربعة (2) و هو من الكبائر.

فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس قال: قال عليه السلام:

++++++++++

(1) أي (المسألة الثانية و العشرون من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: معونة الظالمين، حيث عدت من المكاسب المحرمة، بناء على إمكان التكسب به كأخذ الشخص المال من الظالم ليجري ظلمه على الناس.

أو يكون معينا لمثل هذا الشخص في ظلمه.

و لا يخفى أن معونة الظالم على ظلمه حرام و لو مجانا.

(2) المراد من الأدلة الأربعة: الكتاب و السنة. و الاجماع و العقل.

أما الكتاب فقوله تعالى: «وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوٰانِ » (1).

و لا شك أن الإثم و العدوان عين الظلم.

و قوله تعالى: «وَ مَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذٰاباً كَبِيراً» (2).

و قوله تعالى: «وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » (3).

و الآيات الكريمة في ذلك أكثر من أن تحصى، عليك بتلاوة القرآن المجيد.

ص: 261


1- المائدة: الآية 3.
2- الفرقان: الآية 19.
3- الشعراء: الآية 227.

من مشى الى ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الاسلام (1).

و قال: قال عليه السلام: اذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظلمة أين أعوان الظلمة أين أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما، أو لاق لهم دواة فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم (2).

و في النبوي من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها اللّه حية

++++++++++

- لا يقال: لما ذا ذكر المصنف معونة الظالم و لم يذكر نفس الظلم ؟

فإنه يقال: إن ذلك بديهي الحرمة، لأن الظلم بنفسه قبيح مخالف للعقل، و للانسانية، و للضمير، فإذا ثبتت حرمة معونة الظالم في ظلمه فحرمة أصل الظلم بطريق أولى.

و أما الأخبار في حرمة معونة الظالم فستمر عليك قريبا إن شاء اللّه.

و أما الإجماع فمما لا شك فيه فراجع الموسوعات الفقهية المطولة في هذا المقام.

و أما العقل فقد حكم بقبح الظلم مهما بلغ الأمر و ان كان قليلا، و مهما بلغت صفة المظلوم و ان كان من الحيوانات غير المؤذية، فقبحه ذاتي.

و لا شك أن الإعانة على الظلم ظلم فيشمله حكم العقل.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 131. الحديث 5. الباب 42 و المراد من الإعانة هنا: الإعانة على ظلم الظالم بقرينة قوله عليه السلام:

و هو يعلم أنه ظالم.

(2) نفس المصدر. الحديث 16.

ثم إن في النسخ الموجودة عندنا كتبت كلمة برأ بالألف و هي بالياء كما أثبتناها، حيث إن المكتوبة بالألف بمعنى عوفي و شوفي، و هذا تكتب مضمومة العين و مفتوحتها و مكسورتها هكذا برؤ برأ برئ.

و معنى (برئ) الذي نحن بصدده هو نحت القلم من رأسه للكتابة

ص: 262

طولها سبعون ألف ذراع فيسلط اللّه عليه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا (1).

و أما معونتهم في غير المحرمات فظاهر كثير من الأخبار حرمتها أيضا

++++++++++

- و أصله بري قلبت ياؤه ألفا. و تكتب بالياء، و تقرأ بالألف.

ثم إنه لم نعرف المقصود من أشباه الظلمة الواردة في الحديث، فإن كان المراد منهم: الأعوان فقد جاء اسمهم في الحديث، و إن كان نفس الظلمة فقد جاء في الحديث أيضا.

و يحتمل أن يراد بذلك تفسير و توضيح كلمة أعوان الظلمة: بأن يكونوا هم أيضا ظلمة.

و يحتمل أن يراد بذلك: خدمهم و بطانتهم الذين لا يباشرون الظلم بأنفسهم.

و يحتمل أن يراد بذلك: من يتمنى أن يظلم، أو يحب الظلم.

و لكن لا يتاح له ذلك.

و يحتمل أن يراد بذلك: من يفعل شيئا و هو يحب أنه يحسن صنعا.

فمن برى لهم قلما لكتابة تنفيذ الظلم فهو من أعوانهم.

و من برى لهم قلما لغير ذلك فهو من أشباه الظلمة.

و كذلك قوله عليه السلام: من لاق لهم دواة، فإنه يأتي على هذين الوجهين أيضا.

ثم إن كلمة لاق تأتي من لوق، و من ليق.

و الأول بمعنى اصلاح الدواة.

و الثاني: بمعنى جعل شيء من الإبريسم، أو الصوف، أو القماش في الدواة ليجعل عليه الحبر المائع حتى يمسكه ثم يكتب به.

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 131. الباب 42.

الحديث 14.

ص: 263

كبعض ما تقدم (1).

و قول الصادق عليه السلام في رواية يونس بن يعقوب: لا تعنهم على بناء مسجد (2).

و قوله عليه السلام: ما أحب أني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين لابتيها لا، و لا مدة بقلم، إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يفرغ اللّه من الحسنات (3).

++++++++++

(1) و هي الرواية الأولى.

(2) نفس المصدر. ص 129. الحديث 8، و ذلك لأن الظلمة إنما يقدمون على بناء المساجد و المدارس الدينية و الحسينيات لأجل الشهرة و الرياء و السمعة، و ليس عملهم هذا خالصا لوجه اللّه تعالى.

و مرجع الضمير في لا تعنهم: الظلمة.

(3) فروع الكافي. الجزء 55. ص 107. الحديث 7.

و العقدة: بضم العين و سكون القاف عبارة عن أخذ الحبل، أو الخيط و إدخال أحد رأسيه في الآخر ثم يجر الرأسان حتى يجتمع الخيط فتتكون العقدة من هذه العملية.

و الوكاء بكسر الواو و المد، حبل يشد به فم القربة.

و مرجع الضمير في لابتيها: (المدينة المنورة) و هو تثنية (لاب) مضارعها يلوب أصل لاب لوب أجوف واوي وزان قال معناه: الحرة و هي الأرض ذات أحجار سود.

و لابتيها: الحرتان العظيمتان اللتان تكتنفان (بالمدينة المنورة).

و جمعها: حرات و حرار.

و سرادق بضم السين: الفسطاط الذي يمتد فوق صحن البيت و يأتي بمعنى الخيمة.

ص: 264

لكن المشهور الحرمة (1)، حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها في الظلم.

و الأقوى التحريم (2) مع عد الشخص من الأعوان، فإن مجرد إعانتهم.

على بناء المسجد ليست محرمة (3)، إلا أنه اذا عد الشخص معمارا للظالم

++++++++++

و في المصدر: حتى يحكم اللّه بدل حتى يفرغ اللّه و هو الصحيح، حيث إن الفراغ يتصور في حق العباد، لا في حق اللّه عز و جل الذي يحاسبهم طرفة عين.

و لو فرض وجود كلمة يفرغ اللّه في بعض الروايات فمعناه: أنه عز و جل يجعل الظلمة في النار حتى ينتهي حساب المخلوقين، و لا يدعهم لشأنهم إلى وقت حسابهم.

و كلمة (لا) الاولى في قوله عليه السلام: لا و لا مدة بقلم نافية و مؤكدة لما النافية في قوله عليه السلام: ما احب أني.

ثم عطف عليه السلام و لا مدة بقلم الذي هو أهون من الفعلين الأولين و هما: العقدة، و وكي الوكاء: على الجملة السابقة و هو قوله عليه السلام:

ما احب أني عقدت أي و لا احب أني أمدهم بمدة قلم.

و الواو في (و أن لي ما بين لابتيها): حالية، أي و الحال أن لي ما بين لابتي (المدينة المنورة).

(1) أي المشهور عند أصحابنا الإمامية عدم حرمة معونة الظالمين في غير المحرمات.

(2) أي الأقوى تحريم معونة الظالمين في غير المحرمات أيضا إذا عدّ من أعوانهم و تابعيهم.

(3) لأن مجرد بناء مسجد، أو دار للمظالم لا يعدّ الباني من أعوانه بل لا بدّ في صدق ذلك كونه من تابعيه في ظلمه، فالمدار هو صدق كونه تابعا.

ص: 265

أو بنّاء له في خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له (1) في باب السلطان: كان محرما.

و يدل على ذلك (2) جميع ما ورد في ذم أعوان الظلمة.

و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في رواية الكاهلي: من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره اللّه يوم القيامة خنزيرا (3).

++++++++++

(1) اى يقال له: بنّاء الظالم، أو طباخه، أو خياطه، أو نجاره مثلا.

(2) أي على لزوم صدق المذكور: ما ورد في ذم أعوان الظلمة في قوله عليه السلام: حتى من برى لهم قلما، أو لاق لهم دواة.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 132. الباب 43.

الأحاديث. أليك بعض الحديث:

من تولى خصومة ظالم، أو أعان عليها ثم نزل به ملك الموت قال له: ابشر بلعنة اللّه و نار جهنم و بئس المصير.

(3) نفس المصدر. ص 130. الحديث 9.

و قد يقال: إن كلمة سابع مقلوبة عباس الذي هو عم (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله، و إنما جيء بها مقلوبة تقية، أي من أثبت اسمه في ديوان (بني عباس) و صار من موظفيهم و مأموريهم، و من آخذي الصلات منهم.

و يحتمل أن تكون كلمة (سود) بالمجهول أي كتب اسمه و ان لم يقدم بنفسه على ذلك.

و المراد من كلمة (ديوان): ما تدون فيه امور الدولة من داخلية و خارجية، و أصبح يطلق على دوائر التدوين.

و أصل الكلمة: (دوّان) فابدلت الواو الاولى ياء للتخفيف بدليل جمعه على دواوين، حيث إن الجمع برد الأشياء الى أصولها.

ص: 266

و قوله عليه السلام: ما اقترب عبد من سلطان جائر إلا تباعد من اللّه (1).

و عن النبي صلى اللّه عليه و آله إياكم و أبواب السلطان و حواشيها فإن أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم عن اللّه عز و جل (2).

و أما العمل له في المباحات لاجرة، أو تبرعا من غير أن يعد معينا له في ذلك (3) فضلا من أن يعد من أعوانه.

فالأولى عدم الحرمة، للأصل (4)، و عدم الدليل (5) عدا ظاهر الأخبار.

مثل رواية ابن أبى يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك ربما أصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعى

++++++++++

(1) نفس المصدر. الحديث 12.

(2) نفس المصدر. الحديث 13.

فهذه الأحاديث كلها تدل على حرمة معونة الظالم و إن لم تكن الإعانة في ظلمهم.

ثم إن الأحاديث كلها أعم من المدعى، لأن المدعى حرمة الإعانة على غير المحرم، و الدليل و هي الأحاديث المذكورة تدل على مجرد القرب و النسبة، سواء أ كانت هناك اعانة أم لم تكن، فالنسبة بين الاعانة و القرب هو العموم و الخصوص المطلق على الأرجح، لأن كل إعانة يصدق فيها القرب و النسبة، و لا عكس أي ليس كل قرب يصدق عليه الإعانة.

(3) أي في المباحات.

(4) و هو بقاء الأشياء على اباحتها ما لم يرد فيها نهي.

(5) أي و لعدم وجود الدليل من الآيات، و الأخبار، و الإجماع على حرمته، فهو دليل ثان على حلية الأعمال المباحة للظالم.

ص: 267

الى البناء يبنيه، أو النهر يكريه (1)، أو المسناة (2) يصلحها فما تقول في ذلك ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين لابتيها إلى آخر ما تقدم (3).

و رواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:

يا عذافر بلغني أنك تعامل أبا أيوب، و أبا الربيع فما حالك اذا نودي بك في أعوان الظلمة.

قال: فوجم أبي فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام لما رأى ما أصابه:

اي عذافر انما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل به.

قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتى مات (4).

++++++++++

(1) بفتح مضارعه من كرى يكري معناه: تنظيف النهر بالحفر و إخراج الرواسب منه.

(2) بضم الميم و فتح السين و تشديد النون بناء يبنى في وجه السيل.

(3) مرت الاشارة الى شرح هذا الحديث في ص 265.

(4) نفس المصدر. ص 128. الحديث 3. الباب 42.

و كلمة (وجم) فعل ماض مضارعه يجم وزان وعد يعد، أصله يوجم وزان يوعد اعل فيه اعلاله معناه السكوت الذي يعرض للانسان من شدة الخوف، أو الغضب، و مصدر وجم وجما وجوما.

ثم إنه ربما يتخيل أن عذافر مات بسبب هذا الخوف الذي حدث له من كلام الامام عليه السلام.

لكنه أعم من ذلك، اذ يمكن أنه عاش عشرين سنة مثلا كما يقال:

فلان لم يضحك حتى مات

و في المصدر (نبئت) بدل بلغني.

ص: 268

و رواية صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت على أبي الحسن الأول عليه السلام فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا.

فقلت: جعلت فداك أي شيء؟

قال عليه السلام اكراؤك جمالك (1) من هذا الرجل يعني هارون (2).

قلت: و اللّه أكريته أشرا (3) و لا بطرا، و لا للصيد، و لا للهو و لكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة (4) و لا أتولاه (5) بنفسي و لكن ابعث معه غلماني.

فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك (6) عليهم ؟

قلت: نعم جعلت فداك.

++++++++++

(1) بكسر الجيم جمع جمل منصوب على أن يكون مفعولا لقوله:

اكراؤك. و الفاعل الضمير المضاف إليه.

(2) هذه الجملة: (يعني هارون) من كلام الراوي، لا من كلام الامام عليه السلام.

(3) بفتح الهمزة و كسر الشين صفة مشبهة.

و بفتح الشين مصدر معناه: شدة الفرح و النشاط.

و البطر بفتح الباء و الطاء و هو الطغيان بالنعمة.

فإن قرأ الأشر و البطر بفتح الشين و الطاء فهما منصوبان على المفعول لأجله.

و إن قرأ بكسر الشين و الطاء فهما صفة مشبهة فنصبهما على الحالية.

(4) هذه الجملة: (يعني طريق مكة) من كلام الراوي أيضا لا من كلام الامام عليه السلام.

(5) أي لا اباشر مصاحبة الحجاج الى مكة ذهابا و إيابا بنفسي.

(6) بكسر الكاف وزان كتاب بمعنى الاجرة.

ص: 269

قال: أ تحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك ؟

قلت: نعم.

قال: من أحب بقاءهم فهو منهم. و من كان منهم كان وروده إلى النار.

قال صفوان: فذهبت و بعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك الى هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك قلت: نعم.

قال: و لم ؟ قلت: أنا شيخ كبير و أن الغلمان لا يقومون بالأعمال فقال: هيهات هيهات اني لاعلم من أشار عليك بهذا إنما أشار عليك بهذا موسى بن جعفر قلت: ما لي و لموسى بن جعفر.

قال: دع هذا عنك فو اللّه لو لا حسن صحبتك لقتلتك (1).

و ما ورد في تفسير الركون الى الظالم: من أن الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه (2).

و غير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم (3).

و من هنا لما قيل لبعض: إني رجل اخيط للسلطان ثيابه فهل تراني بذلك داخلا في أعوان الظلمة ؟

قال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط، و أما أنت فمن الظلمة أنفسهم.

و في رواية سليمان الجعفري المروية عن تفسير العياشي أن الدخول في أعمالهم، و العون لهم، و السعي في حوائجهم عديل الكفر، و النظر إليهم

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 131. الحديث 17.

و في المصدر (كان مورده النار) بدل وروده.

(2) نفس المصدر. ص 133. الحديث 1. الباب 44.

(3) راجع نفس المصدر. ص 130. الحديث 13-14.

ص: 270

على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار (1).

لكن الانصاف أن شيئا مما ذكر (2) لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة (3).

أما الرواية الاولى (4) فلأن التعبير فيها في الجواب بقوله لا أحب ظاهر في الكراهة.

و أما قوله عليه السلام: إن أعوان الظلمة الى آخر الحديث (5) فهو من باب التنبيه على أن القرب الى الظلمة و المخالطة معهم مرجوح، و إلا فليس

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 138. الحديث 12.

و لا يخفى أن هذه الأخبار و ما تقدمها التي اشير إليها قبلها قد استدل بها على حرمة معونة الظالم حتى في غير الظلم.

(2) أي من جميع هذه الأخبار التي ذكرت.

(3) أي أنها تدل على حرمة اعانة الظالم في ظلمه فحسب، أو ما يؤول الى الظلم.

و أما دلالتها على حرمة مجرد العمل لهم لا على جهة الاعانة و لا سيما اذا كان العمل مباحا فغير معلوم.

(4) المشار إليها في ص 264 و هو قوله عليه السلام: ما أحب أني عقدت لهم عقدة.

هذه الرواية قد استشهد بها في موضعين:

(أحدهما): في إعانة الظالم في غير المحرمات و قد اشير إليها في ص 263.

(الثاني): في إعانة الظالم في المباحات و قد اشير إليها في ص 267.

(5) هذه الجملة ذكرت في الحديث المشار إليه في ص 264.

ص: 271

من يعمل لهم الأعمال المذكورة في السؤال (1) خصوصا مرة أو مرتين خصوصا مع الاضطرار (2) معدودا من أعوانهم، و كذلك (3) يقال في رواية عذافر، مع احتمال أن تكون معاملة عذافر مع أبي أيوب، و أبي الربيع على وجه يكون معدودا من أعوانهم و عمالهم (4).

و أما رواية صفوان (5) فالظاهر منها أن نفس المعاملة (6) معهم ليست محرمة، بل من حيث محبة بقائهم و إن لم تكن معهم معاملة (7).

و لا يخفى على الفطن العارف بأساليب الكلام أن قوله عليه السلام:

و من أحب بقاءهم كان منهم (8) لا يراد به (9) من أحبهم مثل محبة صفوان بقاءهم حتى يخرج كراءه.

++++++++++

(1) في قول السائل في نفس الرواية: ربما أصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعى الى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسناة يصلحها.

(2) كما هو المفروض في الرواية، حيث يقول السائل: ربما أصاب الرجل منا الضيق و الشدة.

و كلمة معدودا بالنصب خبر ليس.

(3) أي يقال: إن رواية ابن عذافر ظاهرة في كراهة أعمال المباحة للظالم.

و قد اشير الى هذه الرواية في ص 268.

(4) و هو الأرجح، حيث إن الامام عليه السلام يقول لابن عذافر:

إنك تعامل معهم بصيغة المضارع و هي تدل على الثبوت و الاستمرار و التعدد.

(5) المشار إليها في ص 269.

(6) أي المباحة.

(7) لأن محبة بقاء الظلمة حرام و إن لم يكن هناك معاملة معهم.

(8) في رواية صفوان المشار إليها في ص 269.

(9) أي بقوله عليه السلام: و من أحب بقاءهم كان منهم.

ص: 272

بل هذا (1) من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتى لا يفضي ذلك (2) الى صيرورتهم من أعوانهم، و أن يشرب القلب حبهم، لأن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.

و قد تبين مما ذكرنا (3) أن المحرم من العمل للظلمة قسمان:

(أحدهما): الإعانة لهم على الظلم.

(الثاني): ما يعد معه من أعوانهم، و المنسوبين إليهم، بأن يقال:

هذا خياط السلطان، و هذا معماره.

و أما ما عدا ذلك فلا دليل معتبر على تحريمه.

(1) أي محبة بقائهم الى أن يخرج كراؤهم.

(2) أي حتى لا ينجر مخالطتهم الى صيرورتهم من أعوانهم.

(3) من قوله في ص 263: و أما معونتهم في غير المحرمات.

ص: 273

ص: 274

النّجش

ص: 275

ص: 276

المسألة الثالثة و العشرون: النجش

«الثالثة و العشرون» (1) (النجش) بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة، أو المفتوحة حرام، لما في النبوي المنجبر بالإجماع المنقول عن جامع المقاصد: من لعن (2) الناجش و المنجوش و قوله صلى اللّه عليه و آله: و لا تناجشوا (3).

و يدل على قبحه العقل، لأنه غش و تلبيس و إضرار (4).

و هو (5) كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد

++++++++++

(1) أي (المسألة الثالثة و العشرون) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: النجش.

(2) الجار و المجرور، و العاطف و المعطوف: متعلقان بقوله:

لما في النبوي أي حرمة النجش لأجل النبوي الوارد في لعن الناجش و المنجوش، و كلمة من بيانية لما الموصولة في قوله: لما في النبوي.

و الحديث في (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 337. الباب 49 الحديث 2.

(3) نفس المصدر. ص 338. الحديث 4، راجع المغني لابن قدامة الجزء 4.

ص 190. تصحيح الدكتور محمد خليل هراس المدرس بكلية اصول الدين.

(4) إنما يصدق الإضرار لو كان النجش بأكثر من قيمته الواقعية و أما إذا كان أقل: أو مساويا فلا مجال لصدق الإضرار.

(5) أي النجش.

ص: 277

شراءها ليسمعه (1) غيره فيزيد لزيادته (2) بشرط (3) المواطاة مع البائع أو لا بشرطها (4) كما حكي عن بعض.

و حكي تفسيره (5) أيضا: بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها (6) و يروجها، لمواطاة بينه و بين البائع، أو لا معها.

و حرمته (7) بالتفسير الثاني خصوصا لا مع المواطاة يحتاج الى دليل.

و حكيت الكراهة (8) عن بعض.

++++++++++

(1) أي ليسمع الزيادة غير الناجش.

(2) أي فيزيد الغير لزيادة الناجش.

(3) الجار و المجرور متعلق بقوله: حرام أي حرمة النجش مشروطة بالمواطاة الخارجي مع البائع بحيث لولاه لم يحرم النجش.

(4) أي و قيل بعدم اشتراط المواطاة الخارجي في تحقق الحرمة في النجش كما أفاده بعض الأعلام.

(5) أي تفسير النجش.

(6) أي ليبيعها.

(7) أي و حرمة النجش بالتفسير الثاني و هو مدح السلعة في البيع ليبيعها مع المواطاة تارة، و أخرى بدون المواطاة.

(8) أي كراهة النجش بالتفسير الثاني له مع عدم المواطاة الخارجي

ص: 278

النّميمة

ص: 279

ص: 280

المسألة الرابعة و العشرون: النميمة

«الرابعة و العشرون» (1) (النميمة) محرمة بالأدلة الأربعة (2) و هي (3) نقل قول الغير الى المقول فيه كأن يقول: تكلم فلان فيك بكذا و كذا (4) قيل: هي من نم الحديث من باب قتل و ضرب (5) أي سعى به (6) لإيقاع فتنة، أو وحشة (7) و هي من الكبائر قال اللّه تعالى: وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اَللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ

++++++++++

(1) أي (المسألة الرابعة و العشرون) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: النميمة.

(2) و هو الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.

أما الكتاب و السنة فنقلهما الشيخ و يأتي الاشارة إليهما.

و أما الإجماع فهو محقق، لكون حرمة النميمة من ضروريات الدين.

و أما العقل فيحكم بحرمتها، لما فيها من المفسدة و الظلم.

(3) هذا تعريف النميمة.

(4) أي من المعايب و ما يزري به.

(5) أي يأتي وزان قتل يقتل بضم عين المضارع، و بكسرها وزان ضرب يضرب.

(6) مرجع الضمير: القائل، و كلمة سعى يحتمل قراءتها معلوما و مجهولا.

(7) بين القائل و المقول فيه.

ص: 281

وَ يُفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اَللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ اَلدّٰارِ (1).

و النمام قاطع لما أمر اللّه بصلته و مفسد (2).

قيل: و هو (3) المراد بقوله تعالى: وَ اَلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ (4) و قد تقدم في باب السحر (5) قوله فيما رواه في الاحتجاج من وجوه السحر: و إن من أكبر السحر النميمة بين المتحابين (6).

و عن عقاب الأعمال عن النبي صلى اللّه عليه و آله: من مشى في نميمة بين اثنين سلط اللّه عليه في قبره نارا تحرقه، و اذا خرج من قبره سلط اللّه عليه تنينا أسود ينهش (7) لحمه حتى يدخل النار (8).

و قد استفاضت الأخبار بعدم دخول النمام الجنة (9).

++++++++++

(1) الرعد: الآية 29.

(2) حيث يقول عز من قائل: «وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اَللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ » .

فالنمام يقطع الصلة بين المقول عنه و المقول فيه، و يحدث العداء بينهما و أية مفسدة أعظم من هاتين المفسدتين ؟

(3) أي النميمة هو المعني من قوله تعالى.

(4) البقرة: الآية 217.

(5) أي في الجزء 3 من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. ص 92.

(6) يمكن قراءته بصيغة التثنية، و بصيغة الجمع.

(7) بفتح النون مضارع نهش يأتي عين فعله مفتوحا و مضموما معناه: العض يقال: نهشه أي تناوله بيده ليعضه فيؤثر فيه و لا يجرحه.

(8) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 618. الباب 164. الحديث 6.

(9) نفس المصدر. ص 617. الحديث 2. أليك نص الحديث:

ص: 282

و يدل على حرمتها (1) مع كراهة المقول عنه (2) لاظهار القول عند المقول فيه (3) جميع (4) ما دل على حرمة الغيبة، و تتفاوت عقوبتها (5) بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد.

و قيل: إن حد النميمة بالمعنى الأعم (6) كشف ما يكره كشفه

++++++++++

عن أبي جعفر عليه السلام قال: الجنة محرمة على القتّاتين المشائين بالنميمة.

و راجع ص 618. الحديث 7-8-9.

(1) أي حرمة النميمة.

(2) و هو الذي يقول في حق الآخرين الكلمات السيئة.

(3) و هو الذي قيلت في حقه الكلمات السيئة.

ثم إن للنميمة أركانا ثلاثة:

(الأول): المقول عنه و هو الذي يتكلم في حق الآخرين.

(الثاني): المقول فيه و هو الذي تكلم في حقه بالسوء.

(الثالث): الناقل و هو الذي ينقل الكلمات السيئة الى المقول فيه.

(4) بالرفع فاعل يدل في قوله: و يدل على حرمتها أي و يدل على حرمة النميمة كل ما دل على حرمة الغيبة من الآيات و الأخبار التي اشير إليهما في الجزء 3 من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة من ص 303-320

(5) مرجع الضمير: النميمة أي عقوبة النمام تختلف مراتبها، و تتفاوت درجاتها من حيث الشدة و الضعف باختلاف المفاسد المترتبة على النميمة فكلما اشتدت كانت عقوبتها شديدة، و عظيمة، و كلما ضعفت كانت عقوبتها خفيفة.

(6) أي تعريف النميمة بالمعنى الأعم لا بالمعنى الذي ذكره المصنف لأنه اقتصر على نقل النمام قول الغير الى شخص آخر.

ص: 283

سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه، أم كرهه ثالث (1).

و سواء أ كان الكشف بالقول أم بغيره: من الكتابة و الرمز و الايماء.

و سواء أ كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال.

و سواء أ كان ذلك (2) عيبا و نقصانا على المنقول عنه أم لا.

بل حقيقة النميمة إفشاء السر، و هتك الستر عما يكره كشفه. انتهى (3) موضع الحاجة.

ثم إنه قد يباح ذلك (4) لبعض المصالح التي هي آكد من مفسدة افشاء السر كما تقدم في الغيبة (5).

بل قيل: إنها (6) قد تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين، لكن الكلام في النميمة على المؤمنين (7).

++++++++++

(1) كما يقول زيد في حق شخص: كلمات سيئة، ثم يقول للسامع:

انقل ما قلته في حقه إليه. فيقول ثالث للسامع: لا تنقل ما قاله هذا الرجل في حق الآخر، فالثالث خوفا من وقوع الفتنة لا يرضى بالنقل المذكور.

(2) و هو الشيء الذي يكره كشفه.

(3) أي انتهى ما نسب الى القيل.

(4) و هو الشيء الذي يكره كشفه المقصود منه النميمة.

(5) بأن يقصد الناقل الذي هو النمام من نقله كلام الغير الى المقول فيه: نصح المقول فيه، و تحذيره من المقول عنه: بأن يقول للمقول فيه:

إن فلانا هدّدك بالقتل، أو بالعزل، أو غير ذلك حتى يتخذ الحذر منه.

(6) أي النميمة.

(7) الذين تحرم النميمة في حقهم.

و لا يخفي أن عدّ النميمة في المكاسب المحرمة بناء على ما أفاده الشيخ:

من اقتدائه بالسلف، و إلا لم يكن وجه لعدّ النميمة و الغيبة و الكذب و ما ضاربها في المكاسب المحرمة، لعدم موضوع للكسب فيها.

ص: 284

النّوح بالباطل

ص: 285

ص: 286

المسألة الخامسة و العشرون: النوح بالباطل

«الخامسة و العشرون» (1) (النوح بالباطل) ذكره في المكاسب المحرمة الشيخان و سلار و الحلي و المحقق، و من تأخر عنه.

و الظاهر حرمته من حيث الباطل يعني الكذب، و إلا (2) فهو في نفسه ليس بمحرم.

و على هذا التفصيل (3) دل غير واحد من الأخبار (4).

و ظاهر المبسوط و ابن حمزة التحريم مطلقا (5) كبعض الأخبار (6).

++++++++++

(1) أي (المسألة الخامسة و العشرون) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: النوح بالباطل و هو بفتح النون و سكون الواو مصدر ناح ينوح.

(2) أي النوح في حد نفسه لو لم يكن مشتملا على الباطل الذي هو الكذب لم يكن محرما، فالحرمة إنما أتاه من ناحية الكذب.

(3) و هو أن الحرمة فيه لأجل اشتماله على الكذب.

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 91. الباب 17. الأحاديث.

أليك نص الحديث التاسع:

عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال: لا بأس بكسب النائحة اذا قالت صدقا، فالحديث دال على التفصيل المذكور.

(5) سواء أ كان النوح حقا أم باطلا.

(6) راجع نفس المصدر. الحديث 11. أليك نصه.

عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى اللّه عليه و آله في حديث

ص: 287

و كلاهما (1) محمول على المقيد، جمعا (2).

++++++++++

المناهي أنه نهى عن الرنة عند المصيبة، و نهى عن النياحة و الاستماع إليها فالحديث يدل على التحريم مطلقا كما ذهب إليه الشيخ و سلار.

(1) أي كلا القولين و هما: قول الشيخ و سلار حيث ذهبا إلى حرمة مطلق النوح، سواء أ كان صدقا أم باطلا.

و قول بعض الأخبار المذكورة في المصدر الآنف الذكر الدال على الحرمة المطلقة.

و هذا القول مفاد قول الشيخ و سلار.

(2) منصوب على المفعول لأجله، أي حمل كلا القولين على المقيد الذي هو التفصيل بين النوح بالباطل، و النوح بالصدق: لأجل الجمع بين الأخبار المختلفة في موضوع واحد و هو النوح الدال بعضها على حرمة النوح مطلقا كما عرفت في ص 287.

و بين الجواز مطلقا كما في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت، فإن الحديث هذا يدل على جواز النوح من غير تقييده بالصدق.

راجع نفس المصدر. ص 9. الحديث 7.

ص: 288

الولاية

ص: 289

ص: 290

المسألة السادسة و العشرون: الولاية من قبل الجائر

اشارة

«السادسة و العشرون» (1) (الولاية) من قبل الجائر و هي صيرورته واليا على قوم (2) منصوبا من قبله

++++++++++

(1) أي (المسألة السادسة و العشرون) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: الولاية.

و هي بكسر الواو و فتحها مصدر ولي يلي، فهو معلول الطرفين و يقال له:

اللفيف المفروق، حيث توسطت اللام بين حرفي العلة و هما: الواو و الياء.

و معنى الولاية: القيام بالأمر، و التسلط عليه، و امتلاك زمام الامور.

و الولاية بهذا المعنى عام يشمل الملوك و الخلفاء.

لكن غلب معناه أخيرا و اختص بمن يرسله الملوك و الخلفاء الى أصقاع البلاد الاسلامية نيابة عنهم، لإدارة البلاد و الحكم فيها، و يسمونه: واليا.

(2) يريد الشيخ بهذا التفسير المعنى الثاني الذي ذكرناه في الولاية و شاع أخيرا: و هو ارسال الملوك و الخلفاء شخصا الى أصقاع البلاد الاسلامية نيابة عنهم لإدارة البلاد.

و كلمة صيرورة مصدر فعل لازم معناه أن يصير الشخص واليا من قبل الجائر.

و ليس معناه تصيير الجائر شخصا واليا، فإنه لو كان كذلك لكان اللازم أن يقال: تصييره.

ثم إن هذا المعنى و هو تصييره قد فهم من عبارته الأخيرة في قوله:

منصوبا من قبله.

ص: 291

محرمة (1)، لأن الوالي من أعظم الأعوان، و لما تقدم في رواية تحف العقول من قوله عليه السلام: و أما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر، و ولاية (2) ولاته، و العمل لهم، و الكسب لهم (3) بجهة الولاية معهم حرام محرم (4) معذب فاعل ذلك على قليل من فعله أو كثير، لأن كل شيء من جهة المعونة له (5) معصية كبيرة من الكبائر و ذلك (6) أن في ولاية الوالي الجائر دروس (7) الحق كله، و إحياء الباطل كله، و إظهار الظلم و الجور و الفساد، و إبطال الكتب، و قتل الأنبياء و هدم المساجد، و تبديل سنة اللّه و شرائعه، فلذلك (8) حرم العمل معهم و معونتهم، و الكسب (9) معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة الى الدم

++++++++++

(1) خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: الولاية، أي الولاية بهذه الصفة محرمة.

(2) أي و هكذا ولاية ولاة الولاة فنازلا.

(3) المراد من الكسب لهم: تحصيل المال لهم بأي وجه حصل و ليس المراد من الكسب: الكسب لهم بالمعنى المعروف: و هو البيع و الشراء.

(4) هذه اللفظة تأكيد لكلمة حرام.

(5) أي للجائر.

(6) تعليل لكون الولاية من قبل الجائر معصية كبيرة من الكبائر.

(7) بضم الدال و الراء و سكون الواو مصدر درس يدرس معناه محو الشيء و اضمحلاله.

(8) أي فلأجل هذه المفاسد المترتبة على الولاية من قبل الجائر.

(9) المراد من الكسب هنا: الكسب المصطلح المعروف و هو تحصيل المال بسبب حرفة، أو صناعة.

ص: 292

و الميتة (1) إلى آخر الخبر (2).

و في رواية زياد بن أبي سلمة: أهون ما يصنع اللّه عز و جل بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه من حساب الخلائق (3).

ثم إن ظاهر الروايات (4) كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر

++++++++++

- و المراد من معهم: جعل الكسب في امور تخصهم، لتكون فوائد التكسب و نتائجه له، أو لهم، أو لكليهما.

(1) و ذلك في المخمصة و المجاعة، حفظا للنفس المحترمة بقدر ما يحصل به سد الرمق، و لا يجوز أكثر من ذلك.

(2) راجع الجزء الأول من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 23-33.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 140. الباب 46.

الحديث 8.

(4) و هي رواية تحف العقول، و بقية الروايات الواردة في تحريم الولاية عن الجائر التي تأتي الاشارة الى كل واحدة منها في محله، فإن ظاهر الروايات بأجمعها تدل على أن حرمة الولاية عن الجائر نفسية ذاتية، و ليست من باب المقدمة.

هذا ما أفاده الشيخ من ظاهر الروايات.

و لا يخفى أن ما أفاده الشيخ محل تأمل، أما حديث (تحف العقول) الدال على حرمة الولاية عن الجائر فقد علل الامام الحرمة بدروس الحق، و إحياء الباطل، و هدم المساجد، و إبطال الكتب، و إظهار الجور و الفساد، و قتل الأنبياء، و غيرها مما في الرواية، فالحرمة فيها من باب المقدمة.

و أما حديث (زياد بن سلمة) ففيه زيادة لم ينقلها الشيخ، إليك ما لم ينقله: -

ص: 293

عن ترتب معصية عليه: من ظلم الغير، مع أن الولاية عن الجائر لا تنفك

++++++++++

- قال عليه السلام: يا زياد لئن اسقط من حالق(1) فاتقطع قطعة قطعة أحب إليّ من أن أتولي لأحد منهم عملا، أو أطأ بساط رجل منهم إلا(2) لما ذا؟(3).

قلت: لا أدري جعلت فداك.

قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك اسره، أو قضاء دينه.

يا زياد: فإن وليت شيئا من أعمالهم فاحسن الى إخوانك فواحدة بواحدة ففي هذه الرواية قد اباح الامام عليه السلام الدخول في الولاية من قبل الجائر فيما اذا أحسن الى اخوانه المؤمنين خدمة حسنة تجاه الخدمة التي خدم بها الجائر.

و هذا معنى قوله عليه السلام فواحدة بواحدة، فليس في الرواية ما يشعر بكون حرمة الولاية نفسية ذاتية، فلو كانت حرمتها ذاتية كيف أباح الامام عليه السلام الدخول فيها فحرمتها من باب المقدمة

ص: 294


1- وزان فاعل من حلق: و هو المكان المرتفع الشاهق.
2- استثناء من حرمة الولاية من قبل الجائر و المستثنى يأتي في قوله عليه السلام: إلا لتفريج كربة.
3- استفهام من الامام عليه السلام عن السائل فيخاطبه و يسأله عن علة الاستثناء في قوله: إلا أي لما ذا قلت: إلا؟ فقال الراوي: لا أدري جعلت فداك. فقال عليه السلام: إن ولاية الوالي الجائر محرمة إلاّ اذا ترتبت عليه الامور المذكورة: و هو تفريج كربة المؤمن، أو فك أسره، أو قضاء دينه

عن المعصية (1).

و ربما كان في بعض الأخبار اشارة الى كونه (2) من جهة الحرام الخارجي.

ففي صحيحة داود بن زربي قال: أخبرني مولى لعلي بن الحسين عليهما السلام قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد اللّه عليه السلام الحيرة (3)

++++++++++

فكيف يصح أن يقال: إن الولاية حرمتها نفسية ذاتية ؟

(1) حيث إن الولاية عن الجائر مستلزمة للجور و الظلم غالبا.

لكن قد عرفت أن حرمتها ليست نفسية ذاتية، و أنه يجوز توليها اذا أحسن لاخوانه تجاه ما فعله للجائر كما قال عليه السلام: فواحدة بواحدة.

(2) أي كون الحكم بحرمة الولاية عن الجائر إنما هو لأجل ترتب الأعمال المحرمة عليها في الخارج بحيث لولاها لم تصدر تلك الأعمال من الوالي فبناء على هذا لا تكون حرمة الولاية نفسية ذاتية أيضا.

(3) بكسر الحاء و سكون الياء من المدن (العراقية) القديمة تبعد عن (الكوفة) ب اثني عشر (كيلومترا).

و هي تقع في شمال (الكوفة) على نهر صغير يصب في الفرات و كانت من المدن العراقية الكبيرة في العصور الغابرة.

أقام بها ملوك العرب في العصر الجاهلي من (بني نصر بن ربيعة و بني لخم)، و بنى فيها (المناذرة) بعد تنصرهم القصور الشامخة و الكنائس العالية، و الحصون المنيعة، و بقيت عامرة زاهرة الى أن فتحها (خالد بن الوليد) عام 12 هجرية.

و قد بنى فيها (النعمان بن المنذر) قصرين شهيرين عظيمين و هما: (الخورنق. و السدير) بناهما لملوك ساسان الأكاسرة، حيث كان المناذرة منصوبين من قبلهم في العراق.

ص: 295

فأتيته فقلت له: جعلت فداك لو كلمت داود بن علي، أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات.

فقال: ما كنت لأفعل، فانصرفت الى منزلي فتفكرت.

فقلت: ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم، أو أجور و اللّه لآتينه و لأعطينه الطلاق و العتاق و الأيمان المغلظة أن لا أجورنّ على أحد، و لا أظلمنّ و لأعدلن.

قال: فأتيته فقلت: جعلت فداك إني فكرت في إبائك عليّ ، و ظننت أنك إنما منعتني و كرهت ذلك مخافة أن أظلم، أو اجور.

++++++++++

كما كان آل جفنة و هم (بنو غسان) منصوبين من قبل (قياصرة الروم) على العرب بالبلقاء.

(و الخورنق و السدير) من معمارية و مهندسية (سنمّار) المعروف.

كانت الحيرة موطن (حنين بن اسحاق) العبادي الطبيب المشهور الذي كان من قبيلة عربية نصرانية شهيرة في الحيرة.

ولد في الحيرة عام 810 ميلادي.

كان هذا العملاق طبيبا حاذقا معروفا، له: (المدخل في الطب) و له باع طويل في ترجمة الكتب اليونانية و نقلها من السريانية الى العربية فقد ترجم عن عظماء اليونان نظراء: (افلاطون و أرسطو و بقراط و جالينوس) و له كتب مهمة في الطب و غيره.

توفي عام 873 ميلادي.

كانت الحيرة مزدهرة بالعمران عهد المناذرة و لا سيما (النعمان بن المنذر) آخر ملوك اللخميين، ثم اخذت في الخراب شيئا فشيئا حينما بنيت (الكوفة) فتحول عمرانها إليها.

و هي الآن ناحية صغيرة تابعة لقضاء (أبي صخير).

ص: 296

و إن كل امرأة لي طالق، و كل مملوك لي حران ظلمت أحدا، أو جرت على أحد، و ان لم اعدل.

قال: كيف قلت ؟

قلت: فاعدت عليه الأيمان فرفع رأسه الى السماء فقال: تناول السماء أيسر عليك من ذلك (1).

بناء على أن المشار إليه (2) هو العدل، و ترك الظلم.

و يحتمل أن يكون (3) هو الترخص في الدخول.

ثم إنه يسوغ الولاية المذكورة أمران
اشارة

ثم إنه يسوغ الولاية المذكورة (4) أمران:

أحدهما: القيام بمصالح العباد

(أحدهما): القيام بمصالح العباد بلا خلاف على الظاهر المصرح به في المحكي عن بعض، حيث قال (5): إن تقلد الأمر من قبل الجائر جائز اذا تمكن معه (6) من ايصال الحق المستحقة بالاجماع (7).

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 136. الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

(2) أي في قوله عليه السلام: أيسر عليك من ذلك.

و المعنى: أن نيلك الى السماء أسهل و أيسر لك من أن تعدل في ولاية الظالمين فالعدالة في ولاية الظالمين أشكل و أشكل من الوصول و الصعود الى السماء.

(3) أي المشار إليه في قوله عليه السلام: أيسر عليك من ذلك:

يحتمل أن يراد منه ترخص السائل في الدخول في الولاية.

(4) و هي الولاية من قبل الجائر.

(5) أي البعض.

(6) أي مع تقلد الولاية من قبل الجائر.

(7) الجار و المجرور متعلقان بقوله: جائز أي الولاية من قبل الجائر

ص: 297

و السنة (1) الصحيحة.

و قوله (2) تعالى: اِجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ اَلْأَرْضِ .

و يدل عليه قبل الاجماع: أن الولاية إن كانت محرمة لذاتها (3) جاز ارتكابها لأجل المصالح، و دفع المفاسد التي هو أهم من مفسدة:

انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر (4).

و إن كانت (5) لاستلزامها الظلم على الغير، فالمفروض عدم تحققه هنا

++++++++++

جائز بالإجماع اذا تمكن مع الولاية من ايصال حق لمستحقه.

(1) بالجر عطفا على مجرور (الباء الجارة) في قوله: بالإجماع أي الولاية من قبل الجائر جائزة بالسنة الصحيحة اذا تمكن من ايصال حق لمستحقه.

و المراد من الصحيحة صحيحة زيد الشحام الآتية في ص 300.

(2) بالجر عطفا على مجرور (الباء الجارة) في قوله: بالإجماع أي الولاية من قبل الجائر جائزة بقوله تعالى حكاية عن يوسف على نبينا و آله و عليه السلام: اِجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ اَلْأَرْضِ أي أمينا على أموال الدولة.

الظاهر أن الاستدلال بالآية على صحة جواز الولاية من قبل الجائر اذا تمكن من ايصال الحق لمستحقه لا ربط له في المقام، حيث إن الكلام في جوازها في الشريعة الاسلامية، لا في الشرائع السابقة.

(3) كما أفاده الشيخ في قوله في ص 293: ثم إن ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها. و قد علمت الخدشة فيه في نفس الصفحة.

(4) فإنه اذا دار الأمر بين دفع المفاسد بتوليه من قبل الجائر.

و بين أن يبتعد عن الدخول في أعوان الظلمة فلا شك في أن دفع المفاسد أولى من الابتعاد.

(5) أي إن كانت حرمة الولاية لاجل استلزامها الظلم، و الجور

ص: 298

و يدل عليه (1) النبوي الذي رواه الصدوق في حديث المناهي.

قال: من تولى عرّافة (2) قوم اتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان الى عنقه، فإن قام فيهم بأمر اللّه تعالى اطلقه اللّه، و إن كان ظالما يهوى به في نار جهنم و بئس المصير (3).

و عن عقاب الأعمال: و من تولى عرافة قوم و لم يحسن فيهم حبس على شفير (4) جهنم بكل يوم الف سنة، و حشر و يداه مغلولتان الى عنقه فإن قام فيهم بأمر اللّه اطلقه اللّه، و إن كان ظالما هوي به في نار جهنم سبعين خريفا (5).

++++++++++

على الآخرين فالمفروض عدم تحقق الظلم في ظرف كون الوالي إنما قبل الولاية ليرفع المفاسد و المظالم عن الناس، فاذا انتفى اللازم و هو الظلم انتفى الملزوم و هي الحرمة.

(1) أي على جواز تولي الولاية عن الجائر اذا كان يرعى المصالح و يدفع المفاسد.

(2) بكسر العين مصدر عرف يعرف وزان قتل يقتل معناه: القيام بسياسة قوم، و تدبير امورهم.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 136. الباب 45 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 6.

(4) الشفير: جانب الشيء و شفته.

(5) نفس المصدر. ص 137. الحديث 7.

و الخريف السنة، إذ في كل عام خريف، و الخريف من الفصول الأربعة يقع بين الصيف و الشتاء يبدأ في منتصف آب، و يختم في منتصف تشرين الثاني.

ص: 299

و لا يخفى أن العريف سيما (1) في ذلك الزمان (2) لا يكون إلا من قبل الجائر.

و صحيحة (3) زيد الشحام المحكية عن الأمالي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: من تولى أمرا من امور الناس فعدل فيهم و فتح به، و رفع

++++++++++

و قيل: الخريف سبعون سنة كما في معاني الأخبار فسبعون خريفا يساوي 4900 عاما أي تضرب السبعين في السبعين 70 * 70 4900 عاما و قيل: الخريف الف عام، و كل عام الف سنة، فالخريف الف الف سنة. أي مليون سنة فتضرب 1000 * 1000 1000000 عاما فسبعون خريفا يساوي سبعين مليونا، أي يضرب 70 * 1000000 70000000 فالحديثان هذان يدلان على جواز ارتكاب الولاية عن الجائر لأجل المصالح، و رفع المفاسد التى هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة.

(1) أغلب النسخ الموجودة عندنا كتبت كلمة سيما بدون لا، و هي مركبة من (سي و ما) فاذا استعملت هذه الكلمة لتفضيل ما بعدها لما قبلها فلا بد أن تسبقها (لا).

و إذا استعملت للمثل و المساواة فبدون لا، و الأرجح أن تكون ما زائدة كما قال (ابن جني).

فسيما في كلام (الشيخ) قد استعملت للتفضيل المذكور فلا بد أن تكون مع لا، و هو تسامح من الشيخ.

(2) و هو عصر (الامويين و العباسيين).

(3) بالرفع عطف على فاعل قوله: و يدل عليه النبوي، أي و يدل على جواز ارتكاب الولاية من قبل الجائر لأجل المصالح و دفع المفاسد:

صحيحة زيد الشحام.

ص: 300

ستره، و نظر في امور الناس: كان حقا على اللّه أن يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة (1).

و رواية (2) زياد بن أبي سلمة عن أبي الحسن موسى عليه السلام يا زياد لأن أسقط (3) من حالق فاتقطع قطعة قطعة أحب إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملا، أو أطأ بساط رجل منهم إلاّ: لما ذا.

قلت: ما أدري جعلت فداك.

قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أسره، أو قضاء دينه (4).

و رواية (5) علي بن يقطين إن للّه تبارك و تعالى مع السلطان من يدفع بهم عن أوليائه (6).

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 140. الباب 46. الحديث 7.

و الروعة هو الخوف و الاضطراب.

و كلمة يؤمن بالتشديد من باب التفعيل وزان صرف يصرف تصريفا (2) بالرفع عطف على فاعل قوله: و يدل عليه النبوي، أي و يدل على ارتكاب جواز الولاية عن الجائر لأجل المصالح، و دفع المفاسد: رواية زياد بن سلمة.

(3) بصيغة المجهول متكلم وحده من باب الإفعال و أن ناصبة.

(4) نفس المصدر. ص 140. الباب 46. الحديث 9.

و قد مضى شرح الحديث في ص 294.

(5) بالرفع عطف على فاعل قوله: و يدل عليه النبوي، أي و يدل على جواز ارتكاب الولاية عن الجائر لأجل المصالح، و دفع المفاسد:

رواية علي بن يقطين.

(6) نفس المصدر. ص 139. نفس الباب. الحديث 1.

و في المصدر: أولياء بدل كلمة من.

ص: 301

قال الصدوق: و في آخر (1) اولئك عتقاء اللّه من النار (2).

قال (3): و قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان (4).

و عن المقنع سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل يحب آل محمد و هو في ديوان هؤلاء (5) يقتل تحت رايتهم.

قال: يحشره اللّه على نيته (6)، الى غير ذلك (7).

و ظاهرها (8) إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الإحسان بالإخوان فيكون نظير الكذب في الإصلاح (9).

++++++++++

(1) أي و في حديث آخر، و مرجع الإشارة: (من الموصولة) الواردة في الحديث في قوله عليه السلام: إن للّه تبارك و تعالى مع السلطان من يدفع.

و المراد من (من) الدافعون الذين هم في ديوان الظلمة و يدفعون عن أوليائه فهؤلاء هم عتقاء اللّه.

(2) نفس المصدر. ص 139. الحديث 2.

(3) أي و قال الصدوق: قال الامام الصادق عليه السلام.

(4) نفس المصدر. ص 139. الحديث 3.

(5) أي حكام الجور.

(6) أي إن كانت نية دخوله عند حكام الجور حسنة يريد دفع ظلامة عن اخوانه المؤمنين، أو يرفع كربتهم عنهم فيدخل الجنة.

و إن كانت نية دخوله عند حكام الجور سيئة فمات يدخل النار.

راجع نفس المصدر. ص 139. الحديث 6.

(7) راجع نفس المصدر. ص 142-143-144. الأحاديث.

(8) أي هذه الأحاديث المذكورة هنا و التي أشرنا الى مصدرها.

(9) من حيث إن قبحه لا يكون ذاتيا، بل يختلف بالوجوه و الاعتبار

ص: 302

و ربما يظهر من بعضها (1) الاستحباب.

و ربما يظهر من بعضها (2) أن الدخول أولا غير جائز إلا أن الاحسان الى الإخوان كفارة له كمرسلة الصدوق المتقدمة.

و في ذيل (3) رواية زياد بن أبي سلمة المتقدمة فإن وليت شيئا من أعمالهم فاحسن الى اخوانك فواحدة بواحدة.

و الأولى أن يقال: إن الولاية غير المحرمة.

(منها) (4): ما يكون مرجوحة (5) و هو من تولى لهم لنظام

++++++++++

فالولاية من قبل الجائر كذلك لا تكون حرمته نفسية، بل تختلف بالوجوه و الاعتبار.

(1) أي من بعض هذه الأحاديث المذكورة و هو حديث (علي بن يقطين) المشار إليه في ص 301.

و صحيحة زيد الشحام المشار إليها في ص 300.

(2) أي و ربما يستفاد من بعض الأحاديث المذكورة و هي مرسلة (الصدوق) في قوله في ص 302: و قال (الصادق) عليه السلام:

كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان: أن الدخول في أعمال الظلمة أو لا و بالذات لا يجوز، لكنه اذا دخل فكفارته قضاء حوائج الإخوان.

(3) أي و ذيل هذه الرواية أيضا يدل على أن الدخول في أعمال حكام الجور غير جائز أولا و بالذات.

و قد عرفت منا في ص 293 من عدم دلالة الرواية على حرمة الولاية حرمة ذاتية.

(4) من هنا تبعيضية، أي بعض أقسام الولاية عن الجائر.

(5) تأنيث الخبر باعتبار معنى (ما الموصولة).

ص: 303

معاشه قاصدا الإحسان في خلال ذلك الى المؤمنين، و دفع الضرر عنهم.

ففي رواية أبي بصير ما من جبّار إلا و معه مؤمن يدفع اللّه به عن المؤمنين و هو أقلهم حظا في الآخرة بصحبة الجبّار (1).

(و منها) (2): ما يكون مستحبة و هي ولاية من لم يقصد بدخوله إلا الإحسان الى المؤمنين.

فعن رجال النجاشي (3) في ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع (4) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن للّه بأبواب الظالمين من نوّر اللّه به البرهان (5)، و مكّن (6) له في البلاد، ليدفع (7) بهم عن أوليائه

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 134. الباب 44. الحديث 4.

و الباء في بصحبة الجبار: سببية، أي أقلية حظ هذا الوالي الذي تولى الولاية من قبل الجائر من بقية اخوانه المؤمنين في الجنة بسبب مصاحبته للجائر، مع أنه أحسن الى اخوانه المؤمنين، و دفع الضرر عنهم.

(2) أي و بعض أقسام الولاية عن الجائر: ما تكون مستحبة.

(3) يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

(4) يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

(5) بضم الباء و سكون الراء: الحجة و البيان فاذا قيل: البرهان على هذا الأمر: يراد منه الحجة و الدليل الساطع عليه.

يقال: برهن الشيء أي أوضحه، و أقام عليه الحجة.

و كذلك برهن عليه، و برهن عنه فقوله عليه السلام: نوّر اللّه به البرهان معناه أنه أوضح به الحجة فبان للناس كيف يجب أن يفعلوا إذا تولوا الأمر.

(6) أي جعل له القدرة على التصرف و بسط اليد في إدارة البلاد.

(7) اللام للتعليل أي مكّن اللّه عز و جل لمن هذه صفته لهذه الغاية.

ص: 304

و يصلح اللّه بهم أمور المسلمين، إليهم ملجأ المؤمنين من الضر، و إليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، و بهم يؤمن اللّه روعة المؤمنين في دار الظلمة اولئك المؤمنون حقا، اولئك أمناء اللّه في أرضه، اولئك نور اللّه في رعيته يوم القيامة، و يزهر نورهم لأهل السماوات كما يزهر نور الكواكب الدرية لأهل الأرض اولئك من نورهم يضيء يوم القيامة، خلقوا و اللّه للجنة، و خلقت الجنة لهم، فهنيئا لهم، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله (1).

قال: قلت: بما ذا جعلت فداك ؟

قال: يكون (2) معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا فكن منهم (3) يا محمد (4).

(و منها) (5): ما يكون واجبة و هو ما توقف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليه، فإن (6) ما لا يتم الواجب إلا به واجب

++++++++++

و يحتمل أن تكون للعاقبة أي عاقبة هذا التمكين و نتيجته أن دفع اللّه بهم عن أوليائه و ذلك أن يمنع عن وصول الضرر و الشدة إليهم.

(1) و هي المراتب المذكورة في الحديث في قوله عليه السلام: من نوّر اللّه به البرهان إلى آخره.

(2) أي الشخص الذي لو شاء لنال هذه المراتب يكون مع الجائر.

(3) أي كن من هؤلاء الذين تكون لهم هذه الصفات.

(4) راجع (تنقيح المقال) للشيخ المامقاني. الجزء 2. ص 81.

(5) أي و بعض أقسام الولاية عن الجائر يكون واجبا.

(6) تعليل لوجوب ما يتوقف الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر عليه.

و خلاصته: أن الشيء الذي يتوقف عليه الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر يكون واجبا، لأن الواجب لا يحصل في الخارج و لا يوجد إلا بواسطة هذه المقدمة فتكون واجبة وجوبا مقدميا.

ص: 305

مع القدرة (1).

و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب في هذه الصورة (2) أيضا.

قال في النهاية: تولى الأمر من قبل السلطان العادل جائز مرغوب فيه، و ربما بلغ حد الوجوب، لما (3) في ذلك من التمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و وضع الأشياء مواقعها.

و أما سلطان الجور فمتى علم الانسان، أو غلب على ظنه أنه متى تولى الأمر من قبله أمكن التوصل الى اقامة الحدود، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و قسمة الأخماس و الصدقات في أربابها، و صلة الإخوان و لا يكون جميع ذلك (4) مخلا بواجب، و لا فاعلا لقبيح (5)، فإنه

++++++++++

(1) قيد لوجوب ما لا يتم الواجب إلا به الذي هي المقدمة أي إنما وجبت المقدمة لأجل الاقتدار و التمكن من اتيان الواجب، ففيما نحن فيه الذي هي الولاية من قبل الجائر إنما وجبت لأجل التمكن و السلطة على الواجب الذي هو الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر.

(2) و هو توقف الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر على تولي الولاية من قبل الجائر.

(3) تعليل لقوله: و ربما بلغ حد الوجوب أي وجوب الولاية لأجل ما يترتب عليه من المذكورات.

(4) أي بشرط أن لا يكون جميع ذلك: من الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و قسمة الأخماس و الصدقات في أربابها، و صلة الإخوان مخلا بواجب من الواجبات اذا تولى من قبل الجائر.

و أما إذا لزمت الولاية من قبل الجائر الاخلال بواجب من الواجبات فلا يجوز تولي الولاية.

(5) أي و بشرط أن لا يكون أحد المذكورات سببا لارتكاب قبيح

ص: 306

استحب (1) له أن يتعرض لتولى الأمر من قبله. انتهى (2).

و قال في السرائر: و أما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد أن يتولى شيئا من الامور مختارا من قبله إلا أن يعلم، أو يغلب على ظنه إلى آخر عبارة النهاية بعينها (3).

و في الشرائع: و لو أمن من ذلك، و قدر على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر استحبت (4).

قال في المسالك بعد أن اعترف أن مقتضى ذلك (5) وجوبها:

و لعل (6) وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم

++++++++++

- اذا تولى الشخص من قبل الجائر، لأنه اذا لزمت الولاية واحدا منها فقد حرمت.

(1) هذه الجملة: (فإنه استحب له) محل استشهاد (شيخنا الأنصاري) من كلام (شيخ الطائفة) في (النهاية) على استحباب تولي الولاية من قبل الجائر اذا ترتبت عليها أحد المذكورات من الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و قسمة الأخماس إلى آخر ما ذكره.

(2) أي ما أفاده في النهاية في هذا المقام.

(3) و هي التي ذكرها الشيخ في ص 306 بقوله: و أما سلطان الجور فمتى علم الانسان

(4) أي الولاية من قبل الجائر تكون مستحبة اذا تمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(5) أي مقتضى قول المحقق في الشرائع: و قدر على الأمر بالمعروف أن تكون الولاية واجبة، لأن المكلف اذا تصدى للولاية، و تمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبين ليس له عذر في عدم قبولها تجاه تلك المصلحة المترتبة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(6) أي و لعل عدم وجوب الولاية.

ص: 307

و عموم (1) النهي عن الدخول معهم، و تسويد (2) الاسم في ديوانهم فاذا لم تبلغ (3) حد المنع فلا أقل من عدم الوجوب.

و لا يخفى ما في ظاهره (4) من الضعف كما اعترف به غير واحد

++++++++++

- من هنا يروم (شيخنا الشهيد الثاني) يوجه كلام المحقق القائل باستحباب الولاية، مع أن المكلف يكون قادرا على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بتصديه للولاية فكيف افاد الاستحباب ؟

و خلاصة التوجيه شيئان:

(الاول): أن الوالي بتصديه الولاية يكون نائبا عن الظالم فنفس النيابة عن الظالم أمر مرجوح غير مطلوب.

(الثاني): عموم النهي الوارد في قبول الولاية من قبل الجائر راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 135-138. الأحاديث فانها عامة تدل على حرمة الولاية، فلعل بهذا و ذاك استفاد المحقق استحباب الولاية.

(1) بالرفع عطفا على خبر لعل فهو خبر ثان أي و لعل وجه عدم كون تصدي الولاية واجبا عموم النهي كما عرفت.

(2) بالرفع عطفا على خبر لعل فهو خبر ثالث أي و لعل وجه عدم كون تصدي الولاية واجبا تسجيل اسم الشخص في دفاتر الظلمة فيكون التسجيل موجبا لتقوية شوكتهم.

(3) أي الولاية اذا لم تبلغ حد المنع: بأن لم تترتب عليها المفاسد:

من دروس الحق، و إبطال الكتب، و هدم المساجد، و إراقة الدماء، و نهب الأموال: لم يحرم قبولها، لكنه ليس بواجب.

بخلاف ما اذا ترتب عليه شيء من المذكورات، فإنها تحرم حينئذ.

(4) أي في ظاهر توجيه (الشهيد الثاني) كلام المحقق.

ص: 308

لأن (1) الأمر بالمعروف واجب فاذا لم يبلغ ما ذكره: من (2) كونه بصورة النائب عن الظالم حد المنع فلا مانع من الوجوب المقدمي للواجب.

و يمكن توجيهه (3): بأن نفس الولاية قبيحة محرمة، لأنها توجب إعلاء كلمة الباطل، و تقوية شوكة الظالم، فاذا عارضها قبيح آخر و هو

++++++++++

(1) هذا وجه الضعف.

و خلاصته: أن الأمر بالمعروف واجب على المكلف عند اجتماع شرائطه فاذا صار واليا عن الظالم، و تمكن من الأمر بالمعروف وجب عليه القبول من باب الوجوب المقدمي و لا معنى للاستحباب.

و أما مجرد كونه نائبا عن الظالم فغير مانع عن التصدي للولاية اذا لم تبلغ النيابة حد المنع الذي هو ترتب المفاسد عليها: من هدم المساجد و إبطال الكتب، و نهب الأموال، و اراقة الدماء.

(2) من بيان لما الموصولة في قوله: ما ذكره، و قد عرفت هذا البيان آنفا.

(3) هذا توجيه من الشيخ لكلام المحقق القائل باستحباب الولاية.

و خلاصة التوجيه: أن المحقق إنما لم يذهب الى وجوب قبول الولاية لأجل سقوط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بسبب مزاحمة قبح قبول الولاية للأمر بالمعروف، لأن الأمر دائر حينئذ بين قبيحين.

و هما: قبح ترك الأمر بالمعروف. و قبح قبول الولاية المترتب عليها المفاسد: من إراقة الدماء، و نهب الأموال، و هدم المساجد، و إبطال الحق فيتعارضان، و ليس أحدهما أقل قبحا من الآخر فللمكلف حينئذ اختيار أيهما شاء: من قبول الولاية ليتدارك مصلحة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و من ترك الولاية ليدفع المفاسد المذكورة المترتبة على قبول الولاية، مع فرض عدم كون أحدهما أقل قبحا من الآخر. -

ص: 309

ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ليس احدهما أقل قبحا من الآخر فللمكلف فعلها (1)، تحصيلا لمصلحة الأمر بالمعروف، و تركها (2) دفعا لمفسدة تسويد اسمهم في ديوانهم الموجب لإعلاء كلمتهم، و تقوية شوكتهم.

نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار أحدهما (3)، لمصلحة لم تبلغ حد الالزام حتى يجعل أحدهما أقل قبحا ليصير واجبا.

و الحاصل (4) أن جواز الفعل و الترك هنا ليس من باب عدم جريان

++++++++++

- و أما ذهاب المحقق الى الاستحباب فلاجل بقاء مقدار ما من ملاك الوجوب مقدارا لا يقتضي إلا الاستحباب.

(1) أي قبول الولاية كما عرفت آنفا.

و كلمة تحصيلا منصوبة على المفعول لأجله فهو تعليل لوجوب قبول الولاية كما عرفت.

(2) أي ترك الولاية.

و كلمة رفعا منصوبة على المفعول لأجله فهو تعليل لعدم قبول الولاية كما عرفت آنفا.

(3) و هو إما قبول الولاية، ليترتب عليه الأمر بالمعروف.

و إما تركها فتترتب عليها المفاسد المذكورة.

(4) أي حاصل ما ذكرناه حول توجيه كلام المحقق القائل باستحباب الولاية مع تمكن الوالي من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: أن التخيير بين قبول الولاية، و بين تركها ليس من باب عدم جريان دليل قبح قبول الولاية، و تخصيص دليل القبح بغير هذه الصورة: و هي الصورة التي يلزم من قبول الولاية التمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

بل التخيير المذكور لأجل التزاحم بين قبح قبول الولاية، و بين قبح -

ص: 310

دليل قبح الولاية، و تخصيص دليله بغير هذه الصورة، بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الأمر بالمعروف فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه نظير (1) تزاحم الحقين في غير هذا المقام.

هذا (2) ما أشار إليه الشهيد بقوله: لعموم النهي إلى آخره.

و في الكفاية (3) أن الوجوب فيما نحن فيه حسن لو ثبت كون

++++++++++

- ك الأمر بالمعروف بترك الولاية، فهذه المزاحمة هي التي سببت القول بالتخيير المذكور.

فللمكلف حينئذ أن يلاحظ كلا من الفعل و الترك ثم يعمل بمقتضى ما يختاره منهما، لا أن التخيير من باب التخصيص.

(1) أي التزاحم و التعارض هنا: نظير تزاحم الحقين كحق المضاجعة للزوجتين بعد مرض، أو سفر، أو حبس طال أكثر من أربعة أشهر فيلاحظ الحقان، فإن كان لاحداهما مرجح شرعي يأتي إليها.

و إن لم يكن هناك مرجح فيتخير بين اتيان أيتهما شاء.

و كما في حق الدائنين حلّ دينهما في وقت واحد و هو لا يتمكن من أداء الحقين معا، فانه لا بدّ للمدين من أن يلاحظ المرجحات الخارجية فإن وجدت يعمل بها كما لو كان أحد الدائنين أفقر من الآخر، أو أحوج.

و إن لم يكن هناك مرجحات فمخير في أداء أيّهما شاء.

(2) أي التخيير الذي قلناه: من أنه من باب التزاحم بين القبيحين لا من باب التخصيص قد أشار إليه (شيخنا الشهيد الثاني) في دليله الثاني في توجيه كلام المحقق بقوله: لعموم النهي عن الدخول معهم و تسويد اسمه في ديوانهم.

(3) أي كفاية الفقيه للمحقق السبزواري.

ص: 311

وجوب الأمر بالمعروف مطلقا (1) غير مشروط بالقدرة فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة، و ليس بثابت (2).

و هو ضعيف (3)، لأن عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية

++++++++++

- هذا رد على ما أفاده (الشهيد الثاني): من وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و انتصار للمحقق الحلي.

و خلاصة الرد: أن دليل وجوب الأمر بالمعروف لا يكون عاما حتى يشمل ما كان موقوفا على ارتكاب محرم كما فيما نحن فيه، حيث إن الأمر بالمعروف متوقف على تصدي الولاية من قبل الجائر و هو حرام لاستلزامه المفاسد المذكورة، بل وجوبه مقيد بصورة عدم صدور منكر منه.

بعبارة اخرى أنه مختص بصورة قدرة المكلف عليه قدرة عقلية و شرعية، و من الواضح عدم القدرة الشرعية في المقام، لأنه يزاحمه قبح التصدي عن الظالم المستلزم لتلك المفاسد المترتبة على قبول الولاية و هو حرام شرعا، فالقدرة الشرعية مفقودة في المقام.

(1) كلمة مطلقا ليست من المطلقات المصطلحة المراد منها، سواء أ كان كذا أم كذا، بل المراد منها الاطلاق في مقابل التقييد.

(2) هذه الجملة: و ليس بثابت من بقية كلام (صاحب الكفاية) أي اطلاق دليل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ليس بثابت حتى يشمل ما نحن فيه كما عرفت آنفا.

(3) هذا رد من (شيخنا الأنصاري) على ما أفاده صاحب الكفاية من اشتراط وجوب الأمر بالمعروف بالقدرة العقلية و الشرعية معا.

و خلاصته: أن عدم اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية يكفي و لا يحتاج الى اشتراط القدرة الشرعية.

ص: 312

العرفية كاف، مع اطلاق أدلة الأمر بالمعروف السالم عن التقييد بما عدا القدرة العقلية المفروضة في المقام (1).

نعم (2) ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة الى القدرة العرفية غير المحققة في المقام، لكنه (3) تشكيك ابتدائي لا يضر بالإطلاقات.

و أضعف منه (4) ما ذكره بعض بعد الاعتراض على ما في المسالك بقوله: و لا يخفى ما فيه.

++++++++++

- بالإضافة الى سلامة أدلة وجوب الأمر بالمعروف عن الاشتراط بالقدرة الشرعية فهي مطلقة آبية عن التقييد المذكور.

(1) أي القدرة العقلية موجودة فيما نحن فيه، و لا نحتاج الى أزيد من ذلك.

(2) استدراك عما أفاده الشيخ: من أن عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية كاف في المقام ففي الحقيقة هذا الاستدراك توهم.

و خلاصة الاستدراك: أنه لو توهم و قيل: إن الاطلاقات الواردة في المقام منصرفة الى القدرة الحالية العرفية و القدرة الحالية العرفية غير محققة فما افيد من كفاية القدرة الحالية العرفية غير مفيد، لعدم وجودها.

(3) هذا جواب عن التوهم المذكور.

و خلاصته: أن الانصراف المدعى انصراف بدوي يحصل للانسان في بادئ النظر و سرعان ما يزول بعد التعمق و التأمل فهو لا يضر بتلك الاطلاقات السليمة عن التقييد.

(4) أي و أضعف مما ذكره (صاحب كفاية الفقيه).

هذا انتصار من (صاحب الجواهر) لما ذهب إليه المحقق من استحباب الولاية مع التمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عند تصديه الولاية.

و خلاصة الانتصار: أن عدم وجوب تصدي الولاية عن الجائر لأجل

ص: 313

قال (1): و يمكن تقوية عدم الوجوب بتعارض ما دل على وجوب الأمر بالمعروف، و ما دل على حرمة الولاية عن الجائر، بناء على حرمتها في ذاتها، و النسبة عموم من وجه فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا (2) لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب،

++++++++++

- تعارض أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع أدلة حرمة التصدي عن الجائر، بناء على كون حرمة الولاية ذاتية نفسية فتكون النسبة بين الأدلتين عموما و خصوصا من وجه لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما مادة الافتراق من جانب الولاية هو تحقق الولاية في الخارج و عدم تحقق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و أما مادة الافتراق من جانب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو تحققهما، و عدم وجود الولاية.

و أما مادة الاجتماع فهو تحقق الولاية في ظرف تحقق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أو بالعكس و هو تحقق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في ظرف تحقق الولاية.

فهنا تتعارض أدلة وجوب الأمر بالمعروف مع أدلة حرمة الولاية بناء على أن حرمة الولاية ذاتية نفسية فيجمع بينهما بالتخيير بين قبول الولاية و عدمه، و هذا التخيير مقتض للجواز بالمعنى الأخص الذي هي الإباحة.

(1) أي (صاحب الجواهر) و قد عرفت خلاصة ما قاله آنفا.

(2) منصوب على المفعول لأجله، و تعليل للقول بالجمع بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف، و بين أدلة حرمة الولاية عن الجائر بالتخيير.

و خلاصة التعليل: أنه إنما نقدم على الجمع بين الأدلتين بالتخيير بعد غض النظر عن مفاد المنع من الترك من أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. -

ص: 314

و قيد (1) المنع من الفعل من أدلة الحرمة.

و أما الاستحباب (2) فيستفاد من خبر محمد بن اسماعيل، و غيره (3)

++++++++++

- و بعد غض النظر عن مفاد المنع من الفعل من أدلة الحرمة.

بيان ذلك: أن كل فعل يكون مطلوبا للمولى على نحو الوجوب و الالزام من لوازمه المنع من الترك، لا أن المنع من الترك جزء مفهوم الوجوب كما ذهب الى هذه المقالة (صاحب المعالم).

و كذلك أن كل فعل يكون مبغوضا للمولى على نحو الحرمة من لوازمه المنع من الفعل، لا أن المنع من الفعل جزء مفهوم الحرمة كما ذهب الى هذه المقالة (صاحب المعالم).

فالموضوع في كلا المقامين بسيط عندنا لا مركب كما أفاده صاحب المعالم.

(1) بالجر عطفا على مجرور (اللام الجارة) في قوله: لقيد أي الجمع المذكور لأجل رفع قيد المنع عن الفعل من أدلة الحرمة.

(2) أي استحباب الولاية في هذا المقام.

هذا من متمات كلام (صاحب الجواهر) أي و أما القول باستحباب الولاية من قبل الجائر فيما اذا قدر و تمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فلاجل رواية محمد بن اسماعيل، و غيرها من الأحاديث الواردة في المقام.

و هذا الحديث شاهد صدق على المدعى و هو الجمع بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و بين أدلة حرمة الولاية و تصديها عن الجائر: بالتخيير المقتضي للجواز بالمعنى الأخص الذي هي الإباحة.

راجع حديث محمد بن اسماعيل ص 304.

(3) المراد من غيره صحيحة زيد الشحام المشار إليها في ص 300

ص: 315

الذي هو أيضا شاهد للجمع، خصوصا (1) بعد الاعتضاد بفتوى المشهور و بذلك (2) يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الأخص في مقدمة

++++++++++

(1) منصوب على المفعول المطلق أي نخص الجمع المذكور بعد اعتضاده و تقويته بفتوى المشهور على استحباب تصدي الولاية من قبل الجائر.

(2) أي و بما ذكرناه: من أن الجمع المذكور المقتضي للجواز بالمعنى الأخص الذي هي الإباحة لأجل رفع قيد المنع من الترك من أدلة الوجوب و رفع قيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة: يرتفع اشكال عدم معقولية جواز قبول الولاية مع وجوب الأمر بالمعروف.

و خلاصة الإشكال: أنه لو كان قبول الولاية مقدمة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبين فكيف يكون مباحا بالمعنى الأخص و هو الجواز لأن وجوب ذي المقدمة باق على ما كان فلم يرتفع حتى يكون قبول الولاية مباحا، فلا يعقل الجواز بالمعنى المذكور أصلا و أبدا مع وجوب الأمر بالمعروف.

و أما كيفية رفع الاشكال المذكور فكما علمت و أفاده (شيخنا صاحب الجواهر) من أن رفع قيد المنع من الترك من أدلة الوجوب، و رفع قيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة عند تعارض الأدلة و الجمع بينهما هو الموجب للقول بالجواز بالمعنى الأخص فلا يبقي هذا الرفع وجوبا في ناحية أدلة الوجوب، و لا حراما في ناحية أدلة الحرمة، حتى يقال بعدم معقولية الجواز بالمعنى الأخص في مقدمة الواجب و هو قبول الولاية.

و إلى هذا المعنى أشار (قدس سره) في الجواهر بقوله: ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة، اذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب.

راجع (جواهر الكلام). الطبعة الحجرية. المجلد 5. كتاب التجارة. ص 37-38.

ص: 316

الواجب، ضرورة ارتفاع الوجوب، للمعارضة، اذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب. انتهى (1).

و فيه (2) أن الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقف، و الرجوع الى الأصول، لا التخيير كما قرر في محله (3)، و مقتضاها إباحة (4) الولاية، للاصل، و وجوب (5) الأمر بالمعروف، لاستقلال العقل به (6) كما ثبت في بابه.

ثم على تقدير الحكم بالتخيير (7) فالتخيير الذي يصار إليه عند تعارض

++++++++++

(1) أي ما أفاده (صاحب الجواهر) في المصدر المذكور.

(2) أي و فيما أفاده (صاحب الجواهر) في هذا المقام نظر و اشكال و قد ذكر وجه النظر في المتن فلا نعيده.

(3) راجع (فرائد الاصول) المسمى بالرسائل (لشيخنا الأنصاري) مبحث التعادل و الترجيح.

(4) لا يخفى عليك أن نتيجة ما أفاده الشيخ في هذا المقام من الإباحة التي هو الجواز بعينها أفاده (صاحب الجواهر) لكن مع فرق و هو أن الأصل اذا جرى فقد أصبحت الولاية واجبة، لكونها مقدمة للواجب و هو الأمر بالمعروف و مقدمة الواجب واجبة، و لذا قال الشيخ: و وجوب الأمر بالمعروف.

(5) بالجر عطفا على مجرور اللام الجارة في قوله: للاصل أي و لوجوب.

(6) أي بوجوب الأمر بالمعروف.

و قد مضى شرح واف من شتى جوانب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في تعليقتنا على (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 2.

من ص 409-420. فراجع هناك.

(7) كما أفاده (شيخنا صاحب الجواهر) فيما نحن فيه.

ص: 317

الوجوب و التحريم هو التخيير الظاهري (1): و هو الأخذ باحدهما بالتزام الفعل أو الترك، لا التخيير الواقعي (2) للجواز واقعا و نتيجة جواز التبديل ثم المتعارضان بالعموم من وجه لا يمكن إلغاء ظاهر كل منهما مطلقا (3)

++++++++++

(1) و هو التخيير البدوي الذي اذا اختار المكلف أحدهما ليس له حق الرجوع الى الآخر، فإن التزم الفعل لا بدّ له من الاستمرار، و إن التزم الترك لا بد له من الاستمرار أيضا.

(2) أي و ليس المراد من التخيير هنا التخيير الواقعي الذي تكون نتيجته تخيير المكلف بأخذ اي الحكمين متى شاء بحيث له حق الرجوع و الانتقال إلى الآخر في أي وقت شاء و اراد كما في تخيير المسافر في الصلاة في الأماكن الأربعة: المسجد الحرام. و المسجد النبوي صلى اللّه عليه و آله و مسجد الكوفة. و الحائر الحسيني على مشرفه آلاف الثناء و التحية بين القصر و التمام في كل صلاة واجبة يؤديها هناك.

بعبارة اخرى أن للمسافر اختيار القصر و التمام في صلواته اليومية في أي صلاة كانت، و أي وقت شاء، فلو أدّى صلاة الظهر قصرا و أراد اتيان العصر تماما فله ذلك، و يجوز له عكس ذلك في اليوم الثاني.

و هكذا في بقية الصلوات ما دام يصدق عليه اسم المسافر.

بخلاف التخيير الظاهري، فإن المكلف لو اختار أحدهما ليس له اختيار الآخر و الرجوع إليه.

(3) أي حتى في مادة الافتراق، بل يلغى ظاهر كل منهما في مادة الاجتماع فقط.

أما في مادة الافتراق فيبقى كل منهما على ظاهره، لوجوب إبقاء الخبرين المتعارضين على ظاهرهما في مادتي الافتراق: و هو افتراق الولاية -

ص: 318

بل بالنسبة الى مادة الاجتماع، لوجوب ابقائهما على ظاهرهما في مادتي الافتراق فيلزمك (1) استعمال

++++++++++

- عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمعنى حصول تلك، و عدم حصول هذا.

و كذا افتراق الأمر بالمعروف عن الولاية بمعنى حصول ذاك، و عدم حصول هذه.

و لا يخفى أن (شيخنا صاحب الجواهر) لم يدّع إلغاء ظاهر كل من الخبرين المتعارضين مطلقا، حتى في مادة الاجتماع، و مادتي الافتراق.

بل يقول بإلغاء ظاهر كل منهما في مادة الاجتماع فقط.

و أما في مادتي الافتراق فلكل ظاهره كما لو كانت القدرة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر موجودة من دون توقفهما على تصدي الولاية فيقول (صاحب الجواهر) هنا بالوجوب مع المنع من الترك.

أو كما كانت الولاية متيسرة من دون توقف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عليها فهنا يقول بالحرمة و المنع من الفعل.

هذا ظاهر كلامه فلاحظه و طالعه دقيقا حتى يتضح الامر.

(1) الفاء تفريع على ما أفاده (صاحب الجواهر) من الرجوع الى الاباحة في مادة الاجتماع بإلغاء الإلزام في الامر و النهي.

و خلاصة التفريع: أن هذا الإلغاء لا يجري إلا في مورد الاجتماع لتعارض الحرمة مع الوجوب، و أما مادتا الافتراق فباقيتان على الإلزام أمرا و نهيا فلازم هذا القول استعمال الامر الواحد في مورد واحد و هو الامر بالمعروف و النهي عن المنكر: في الإلزام و الإباحة.

و كذلك يلزم استعمال النهي الواحد في مورد واحد و هو قبول الولاية في النهي الإلزامي و الإباحة. -

ص: 319

كل من الأمر (1) و النهي (2) في أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن الولاية في الالزام و الإباحة (3).

ثم دليل (4) الاستحباب أخص لا محالة من أدلة التحريم فتخصص

++++++++++

- و هذا اللزوم تال فاسد.

(1) و هو الامر الدال على وجوب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر كما عرفت آنفا.

(2) و هي النهي الدال على حرمة الولاية من قبل الجائر كما عرفت آنفا.

(3) كما صورناه لك في ص 319.

(4) هذا رد من الشيخ على دليل (صاحب الجواهر) الذي استدل به على مدعاه و هو استحباب تصدي الولاية من الجائر لو ترتب عليه الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و خلاصة الرد: أن الدليل الذي هي رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع المشار إليها في ص 304 الدال على الاستحباب المذكور أخص من الأدلة الدالة على تحريم الولاية، لانها تدل على حرمتها مطلقا، سواء أ كان الوالي من قبل الجائر قادرا على الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أم لا، و سواء أ كان قادرا على اعانة اخوانه المؤمنين أم لا؟

و دليل الاستحباب و هي الرواية المذكورة أخص من تلك الأدلة، حيث إنها تصرح بجواز قبول الولاية و استحبابها اذا تمكن الوالي من مساعدة اخوانه، و الإحسان إليهم إلى آخر ما في الرواية، فهذا الدليل يقيد تلك الاطلاقات، و يخصص تلك العمومات، و بعد هذا التقييد و التخصيص لا يعتنى بعموم أدلة التحريم فتضيق دائرة التحريم و هي موارد الإعانة و المساعدة بالإخوان، و رفع كربتهم.

ص: 320

به فلا ينظر بعد ذلك في أدلة التحريم، بل لا بدّ بعد ذلك (1) من ملاحظة النسبة بينه، و بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف.

و من المعلوم المقرر في غير مقام (2) أن دليل استحباب الشيء الذي قد يكون مقدمة للواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب (3)

++++++++++

(1) أي بعد تخصيص أدلة تحريم الولاية بأدلة الاستحباب لا بدّ من ملاحظة النسبة بين دليل استحباب الولاية.

و بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيرى هل النسبة بين الدليلين عموم و خصوص مطلق، أو من وجه، أو التعارض ؟

و لا شك في عدم وجود التباين فلا تعارض بينهما و لا تنافي فيمكن اجتماعهما كما اذا صار المستحب مقدمة للواجب.

و ليس معنى العبارة أنه تلاحظ بعد التخصيص و التقييد النسبة بين دليل الاستحباب، و بين دليل التحريم، لأن أدلة تحريم الولاية خرجت عن عمومها بعد هذا التخصيص، و ليس لها مجال حتى ترى النسبة بينها، و بين دليل الاستحباب.

(2) أي في مقامات متعددة.

(3) كالوضوء الذي يكون مقدمة لمس القرآن الكريم اذا وجب المس بنذر، أو عهد، أو يمين، فإن هذا الاستحباب لا ينافي وجوب نفس ذي المقدمة و هو المس، لأنه أصبح حينئذ واجبا، و خرج عن الاستحباب فلا تعارض بينهما.

ففيما نحن فيه كذلك، فإن الولاية المستحبة وقعت مقدمة للواجب و هو الأمر بالمعروف فاصبحت واجبة فلا تعارض بينهما.

ص: 321

فلا وجه (1) لجعله شاهدا على الخروج عن مقتضاها، لأن (2) دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشيء في نفسه، مع قطع (3) النظر عن الملزمات العرضية كصيرورته مقدمة لواجب، أو مأمورا به لمن يجب اطاعته (4) أو منذورا (5) و شبهه (6).

++++++++++

(1) الفاء تفريع على ما أفاده: من أن دليل استحباب الشيء اذا صار مقدمة للواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب أي فلا وجه لجعل دليل استحباب المقدمة و هي الولاية شاهدا على الخروج عن مقتضى أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: و هو رفع الالزام كما أفاده (صاحب الجواهر) بقوله: فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك.

(2) تعليل لعدم معارضة دليل الاستحباب مع أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(3) أي مع قطع النظر عما يعرض المستحب مما يلزم وجوبه كما لو صار منذورا، فإن المستحب يكتسب حينئذ صفة الوجوب كالتوضؤ لمس كلمات القرآن الكريم.

(4) كما لو صار المستحب مأمورا به كأمر الوالد ولده باتيانه ذلك المستحب.

(5) كما لو نذر المكلف الاتيان بالمستحب كزيارة (سيد الشهداء) عليه الصلاة و السلام.

(6) و هو العهد و اليمين كما لو قال: عاهدت اللّه أن أزور (الحسين) صلوات اللّه و سلامه عليه.

أو قال: و اللّه إني أزور (الحسين) عليه السلام في يوم عاشوراء.

راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 3. من ص 35 الى ص 57 حول النذر و شبهه.

ص: 322

فالأحسن في توجيه كلام من عبر بالجواز (1) مع التمكن من الأمر بالمعروف (2) إرادة الجواز بالمعنى الأعم (3).

و أما من عبر بالاستحباب (4) فظاهره إرادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي، نظير قولهم: يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه، مع أنه واجب كفائي (5)، لأجل (6) الأمر بالمعروف الواجب كفاية.

أو يقال (7): إن مورد كلامهم ما اذا لم يكن هناك معروف متروك

++++++++++

(1) أي بجواز الولاية من قبل الجائر، دون الوجوب الذي كان اللازم التعبير به عنها، دون الجواز.

(2) أي بسبب تصديه للولاية.

(3) و هو الذي يجتمع مع الوجوب، لا بمعناه الأخص و هي الإباحة.

(4) أي استحباب الولاية عن الجائر ذاتا، لتولي الأمر بالمعروف كصاحب الجواهر.

(5) أي مع أن القضاء واجب كفائي.

هذا اذا لم ينحصر به، و إلا فيصير واجبا عينيا فلا منافاة بين الاستحباب النفسي و الوجوب العيني كما مثل له الشيخ بقوله: نظير قولهم:

يستحب تولي القضاء مع أنه واجب كفائي.

(6) تعليل لكون تولي القضاء واجبا كفائيا، أي إنما صار تولي القضاء واجبا كفائيا، لكونه مقدمة للامر بالمعروف و النهي عن المنكر الّذين هما واجبان عقليان.

(7) توجيه ثان لمن عبر عن قبول الولاية: بالاستحباب اذ توجيه الأول له: الاستحباب النفسي الذي لا ينافيه عروض الوجوب كما سبق مثاله في ص 321-322 أي أو يقال: إن كلام الفقهاء المعبرين عن قبول الولاية

ص: 323

يجب فعلا الأمر به، أو منكر مفعول يجب النهي عنه كذلك (1) بل (2) يعلم بحسب العادة تحقق مورد الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر بعد ذلك (3).

و من المعلوم أنه لا يجب تحصيل مقدمتهما (4) قبل تحقق موردهما خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه (5).

++++++++++

بالاستحباب: يراد منه الأمر بالمعروف الذي لا حاجة إليه فعلا، و النهي عن المنكر الّذي لا حاجة إليه فعلا، لكون المسلمين و للّه الحمد!! يعملون بالمعروف و ينهون عن المنكر، و إنما يتولى القضاء للاقتدار على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عند الحاجة.

(1) أي فعلا لا يوجد منكر يجب النهي عنه كما عرفت آنفا.

(2) أي يعلم و يعرف في المستقبل بحسب الزمان و المكان أن المعروف كله، أو بعضه لا يعمل في المستقبل.

و المنكر أيضا كله، أو بعضه سوف يتحقق في الخارج.

(3) أي في الزمان الآتي و المستقبل.

(4) أي مقدمة الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر في المستقبل:

و هو تولي القضاء، أو الولاية في الحاضر.

(5) أي تحقق المورد و هو ترك المعروف، و فعل المنكر.

و لا يخفى أن ما أفاده (الشيخ) من استحباب تولي القضاء، أو الولاية فيما لم يعلم الزمان مقبول.

و أما اذا علم في المستقبل أننا نحتاج الى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، حيث يكثر فيه المنكر و الفساد فهنا يمكن أن يقال: إن دفع الفساد واجب كما يجب رفعه فيجب تولي القضاء، أو الولاية من قبل الجائر

ص: 324

و كيف كان (1) فلا اشكال في وجوب تحصيل الولاية اذا كان هناك معروف متروك، أو منكر مرتكب يجب فعلا الأمر بالأول (2)، و النهي عن الثاني (3).

الثاني: مما يسوغ الولاية: الاكراه عليه بالتوعيد على تركها من الجائر

(الثاني) (4): مما يسوغ الولاية: الاكراه (5) عليه بالتوعيد (6) على تركها (7) من الجائر بما يوجب ضررا بدنيا، أو ماليا (8) عليه أو على من يتعلق (9) به بحيث يعد

++++++++++

(1) أي أي شيء قلنا: في معنى الاستحباب الذي أفاده (صاحب الجواهر).

(2) و هو الأمر بالمعروف المتروك.

(3) و هو النهي عن المنكر المرتكب.

(4) أي الأمر الثاني من الأمرين المسوغين للولاية في قوله في ص 297 ثم إنه بسوغ الولاية أمران.

(5) و هو الإجبار.

(6) أراد (الشيخ) بكلمة التوعيد التهديد و الإخافة.

لكنه لم نعثر في كتب اللغة التي بأيدينا مجيء كلمة توعيد الذي هو مصدر باب التفعيل بهذا المعنى، و قد جاء مكانها توعد مصدر باب التفعل

و له مصدران آخران: وعيد و ايعاد الذي أصله أوعاد قلبت الواو الساكنة ياء، بناء على قاعدتهم المعروفة: من أن الواو الساكنة ما قبلها مكسور تقلب ياء.

(7) أي ترك الولاية.

(8) كان اللازم تقييد الضرر البدني و المالي بما لا يتحمل عادة.

(9) أي أو يوجب ضررا بدنيا، أو ماليا، لا يتحمل عادة على من يتعلق به.

ص: 325

الإضرار (1) به إضرارا به (2) و يكون تحمل الضرر عليه (3) شاقا على النفس كالأب و الولد، و من جرى مجراهما (4).

و هذا (5) مما لا إشكال في تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة في نفسها لعموم قوله تعالى: إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً في الاستثناء عن عموم لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ .

و النبوي صلّى اللّه عليه و آله (6) رفع عن امتي ما اكرهوا عليه

و قولهم عليهم السلام: التقية في كل ضرورة، و ما من شيء إلا و قد أحله اللّه لمن اضطر إليه (7).

++++++++++

(1) أي بهذا المتعلق الذي يتعلق بمن لم يقبل الولاية.

(2) أي بالشخص المتعلّق به باسم المفعول.

(3) أي على الشخص المتعلق به.

(4) كالأخ، و الحفيد، و السبط.

(5) أي الاكراه و التهديد في الولاية مما لا اشكال في كونه مجوزا للدخول في الولاية.

و المصدر في قوله: و تسويغه مضاف الى الفاعل، و مفعوله ارتكاب.

(6) بالجر عطفا على مجرور اللام الجارة في قوله: لعموم أي و للنبوي الوارد.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 6. ص 470. الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف. الحديث 10.

و كلمة و قولهم بالجر عطف على مدخول (لام الجارة). أي لعموم قوله تعالى، و لقولهم عليهم السلام.

(7) نفس المصدر. ص 448. الحديث 2.

ص: 326

الى غير ذلك مما لا يحصى كثرة: من العمومات (1)، و ما يختص بالمقام (2).

و ينبغي التنبيه على امور
اشارة

و ينبغي التنبيه على امور:

الأول: أنه كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرمة كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الأخر

(الأول): أنه كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرمة.

كذلك يباح به (3) ما يلزمها من المحرمات الاخر، و ما يتفق في خلالها (4) مما يصدر الأمر به من السلطان الجائر، ما عدا إراقة الدم (5)

++++++++++

(1) و هي العمومات الواردة في التقية. راجع نفس المصدر.

(2) و هي العمومات الدالة على خصوص تصدي الولاية من قبل الجائر.

(3) أي بهذا الاكراه و الإجبار على الولاية يباح جميع ما يلزم و يترتب على الولاية المحرمة: من محرمات اخرى اذا أمر بها السلطان كتخريب الدور لفتح الشوارع ظلما من دون تعويض، أو المساجد من دون تجديد مسجد آخر مكانه.

و لا يخفى أن إباحة هذه المحرمات لا اختصاص لها بالولاية، لأن هذه الأشياء تباح أيضا اذا امر بها شخص مقتدر ظالم جبرا.

و هذا الذي قلناه يستفاد من قوله رحمه اللّه: مما يصدر به الأمر من السلطان.

(4) و هي المحرمات التي لا تحتاج في تحقق وجودها الخارجي الى أمر السلطان، و التي تقع في ظرف الولاية و زمانها و مدتها و أيام تصديها.

(5) فإنه لا يجوز الاراقة و إن أراق السلطان دم الذي تولى الولاية و لم يمتثل امر السلطان في اراقة الدماء.

هذا اذا لم يمكن التفصي و الخلاص عن اراقة الدم.

و أما اذا تمكن من الخلاص عنه فيجوز له التصدي.

ص: 327

اذا لم يمكن التفصي عنه.

و لا اشكال في ذلك (1) و إنما الاشكال في أن ما يرجع الى الإضرار بالغير: من نهب الأموال، و هتك الأعراض، و غير ذلك من العظائم هل تباح كل ذلك بالإكراه و لو كان الضرر المتوعّد به على ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما اذا خاف على عرضه (2):

من كلمة خشنة لا تليق به فهل يباح بذلك (3) أعراض الناس و أموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم لا بدّ من ملاحظة الضررين (4) و الترجيح بينهما؟

وجهان: من (5) اطلاق أدلة الإكراه، و أن الضرورات تبيح المحظورات (6).

++++++++++

(1) أي في جواز هذه المحرمات المترتبة على جواز الدخول في الولاية

(2) و هو الشرف و الجاه.

(3) أي بهذا الإكراه في الدخول في الولاية.

(4) و هما: إضرار الغير و إصابته بسوء، و تضرره هو من السلطان.

(5) دليل لإباحة تلك العظائم للخوف من الضرر القليل.

و المراد من أدلة الإكراه: قوله صلّى اللّه عليه و آله: رفع عن امتي ما أكرهوا عليه المشار إليه في ص 326، حيث إنه يدل على حلية الولاية من قبل الجائر لو اكره الشخص عليها، و على حلية لوازمها المحرمة المترتبة عليها بلغت ما بلغت.

(6) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 11. ص 468. الباب 25 من أبواب الأمر و النهي. الحديث 1-2، فإن الحديث عام يشمل الولاية المكره عليها و لوازمها المحرمة بلغت ما بلغت.

ص: 328

و من (1) أن المستفاد من أدلة الإكراه تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالإضرار بالغير و لو كان ضرر الغير أدون، فضلا عن أن يكون أعظم.

و إن شئت قلت: إن حديث رفع الاكراه، و رفع الاضطرار مسوق للامتنان على جنس الامة، و لا حسن في الامتنان على بعضهم: بترخيصه (2) في الإضرار بالبعض الآخر، فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه على الإضرار بالغير لم يجز و وجب تحمل الضرر هذا (3).

و لكن الأقوى هو الأول (4)،

++++++++++

(1) دليل لعدم إباحة تلك العظائم لاجل الخوف من الضرر القليل.

و خلاصة الدليل: أن رفع الإكراه و الاضطرار إنما شرع لدفع المكلف الضرر عن نفسه، أو من يمت إليه، لا مطلقا و ان كان الدفع بالاضرار بالغير، فان قوله صلّى اللّه عليه و آله: رفع عن امتي مسوق لرفع الإكراه و الاضطرار عن الامة جمعاء و من حيث المجموع، و ليس القصد منه رفع الامتنان عن الفرد حتى يجوز الإضرار بالآخرين.

و المراد من أدلة الإكراه الأحاديث المشار إليها في ص.

(2) أي بترخيص الشارع المكلف بإضراره للآخرين حتى لا يتضرر هو. و هذا مما لا يقبله العقل، و لا اتي به من سلطان.

(3) أي خذ ما تلوناه عليك حول جواز الدخول في الولاية و عدمه

(4) و هي إباحة تلك العظائم المستلزمة للدخول في الولاية.

و قد استدل (الشيخ) على ذلك بأدلة ثلاثة.

ص: 329

لعموم (1) دليل نفي الإكراه لجميع المحرمات حتى الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدم، و عموم (2) نفي الحرج، فان الزام الغير تحمل الضرر، و ترك ما اكره عليه حرج.

و قوله (3) عليه السلام: إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فاذا بلغ الدم فليس تقية، حيث إنه دل على أن حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه.

++++++++++

(1) هذا هو الدليل الأول، و خلاصته: أن قوله صلّى اللّه عليه و آله:

رفع عن امتي ما اكرهوا عليه عام يشمل جميع المحرمات و ارتكابها و إن كان فيها إضرار بالغير ما دام لم يبلغ الدم.

(2) بالجر عطفا على قوله: لعموم، أي و لعموم أدلة الحرج.

هذا هو الدليل الثاني، و خلاصته: أن قوله تعالى: «وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » عام يشمل جواز ارتكاب جميع المحرمات ما عدا الدم، لأن إلزام الغير بتحمل الضرر، و ترك ما اكره عليه حرج منفي بالآية الكريمة.

(3) بالجر عطفا على قوله: لعموم. أي و لعموم قوله عليه السلام.

هذا هو الدليل الثالث، و خلاصته: أن قوله عليه السلام: إنما جعلت التقية لتحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية عام يشمل جواز ارتكاب جميع المحرمات ما عدا الدم، فإنه إذا بلغ الأمر حد الدم فلا تجوز التقية فيه، لأن التقية انما شرعت لأجل حقن الدماء و حفظها من كل أحد فاذا سببت اراقة دم آخر فلا تشرع.

راجع حول الحديث (اصول الكافي). الجزء 2. ص 220.

الحديث 16، و هناك أحاديث اخرى حول التقية كلها عامة فراجعها.

ص: 330

و أما ما ذكر (1): من استفادة كون نفي الإكراه لدفع الضرر فهو (2) مسلم بمعنى دفع توجه الضرر، و حدوث مقتضيه (3)، لا بمعنى (4)

++++++++++

(1) جواب عن دخل مقدر.

و خلاصة الدخل: أن ما ذكرتم في الوجه الثاني في ص 329 عند قولكم: و من أن المستفاد من أدلة الإكراه تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالإضرار بالآخرين: مناف لما تقولون بجواز دفع الضرر و لو بالإضرار بالآخرين، لانك كما عرفت أن رفع الإكراه امتنان من الشارع في حقن دماء المكرهين بالفتح، و دفع الضرر عن النفس بإضرار الآخرين مناف للامتنان المذكور.

(2) هذا جواب عن الدخل.

و خلاصته: أن حديث الرفع مسلم لا اشكال فيه، لأن معناه أن رفع الضرر بالإضرار بالآخرين، و إحداث مقتضى الرفع و ايجاده فيهم لا يجوز و إن اكره عليه.

بخلاف دفع الضرر عن النفس، فانه جائز و لو بالإضرار بالآخرين اذ فرق بين الرفع و الدفع، فان الاول ثابت في محله فدفعه عن النفس بالإضرار بالآخرين لا يجوز، و أن الثاني و هو الدفع لم يتحقق بعد، و لم يحل في مكان فدفع هذا عن النفس بالإضرار بالآخرين جائز بعد حصول مقتضيه و هو الإكراه.

و هذا هو الفارق بين الرفع و الدفع.

(3) أي حدوث مقتضي الرفع و ايجاده كما عرفت آنفا.

(4) أي و ليس معنى: رفع عن امتي ما اكرهوا عليه دفع ما اكرهوا عليه حتى لا يجوز و قد عرفت معنى ذلك آنفا.

ص: 331

دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه (1).

بيان ذلك (2) أنه اذا توجه الضرر الى شخص بمعنى حصول مقتضيه فرفعه عنه بالإضرار بغيره غير لازم، بل غير جائز في الجملة، فاذا توجه ضرر (3) على المكلف باجباره على مال و فرض أن نهب مال الغير دافع له فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لرفع الجبر عن نفسه.

و كذلك (4) اذا اكره على نهب مال غيره فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب لدفع الضرر المتوجه الى الغير.

و توهم أنه كما يسوغ النهب في الثاني (5)، لكونه مكرها عليه

++++++++++

(1) أي مقتضى دفع الضرر و هو الإكراه كما عرفت آنفا.

(2) أي بيان أن المراد من رفع عن امتي هو الرفع، لا الدفع و أن الأول غير جائز، و الثاني جائز، و قد عرفت شرح ذلك في ص 331.

فلا نعيده.

(3) هذا مثال لرفع الضرر عن نفسه و هو غير جائز، و قد عرفت شرحه في ص 331 عند قولنا: فان الأول ثابت في محله.

(4) هذا مثال لدفع الضرر عن نفسه و هو جائز و قد عرفت شرحه في ص 331 عند قولنا: و أن الثاني و هو الدفع لم يتحقق.

ففي هذا المثال يجوز للمكره بالفتح نهب مال الغير و إضراره لدفع الضرر عن نفسه.

و لكن لا يخفى أن جواز النهب لا يرفع ضمان مال الغير، لأن المال باق في ذمته يجب الوفاء به عند التمكن من الأداء و لو بالكسب، لأن الشارع أجاز الدفع فقط، و أما عدم الضمان فلا.

(5) و هو رفع الضرر عن نفسه كما عرفت شرحه في ص 331.

ص: 332

فترتفع حرمته.

كذلك يسوغ في الأول (1)، لكونه مضطرا إليه.

ألا ترى (2) أنه لو توقف دفع الضرر على محرم آخر غير الإضرار بالغير كالإفطار في شهر رمضان، أو ترك الصلاة، أو غيرهما ساغ له ذلك المحرم

و بعبارة اخرى الإضرار بالغير من المحرمات فكما ترتفع حرمته بالاكراه.

كذلك ترتفع بالاضطرار، لأن نسبة الرفع الى ما اكرهوا عليه و ما اضطروا إليه على حد سواء (3).

مدفوع (4) بالفرق بين المثالين في الصغرى بعد اشتراكهما في الكبرى

++++++++++

(1) و هو دفع الضرر عن نفسه كما عرفت شرحه في ص 331.

(2) هذا تأييد من المتوهم لمدعاه: و هو جواز الإضرار بالآخرين في الصورتين و هما: رفع الضرر عن نفسه. و دفعه عنها.

(3) أي نسبة الرفع الى ما اضطروا إليه كنسبة الرفع الى ما اكرهوا عليه فكما أن الرفع هناك عام يشمل جميع أفراد الإكراه، سواء أ كان متوجها نحو المكره بالفتح أم الى الآخرين.

كذلك الرفع بسبب الاضطرار عام يشمل جميع الأفراد فليس في هذا و ذاك أي قيد و شرط.

(4) خبر للمبتدإ المتقدم في قوله في ص 332: و توهم أنه أي التوهم المذكور ممنوع.

هذا جواب من الشيخ عن التوهم المذكور.

و خلاصته: أنه فرق بين المثالين و هما: المثال الأول في الفرض الأول الذي ذكره (الشيخ) بقوله في ص 332: فاذا توجه ضرر على المكلف.

و المثال الثاني في الفرض الثاني الذي ذكره (الشيخ) بقوله في ص 332:

و كذلك اذا اكره الشخص: من حيث الصغرى بعد اشتراك المثالين في الكبرى

ص: 333

المتقدمة: و هي أن الضرر المتوجه الى شخص لا يجب دفعه بالإضرار بغيره بأن (1) الضرر في الأول (2) متوجه الى نفس الشخص، فرفعه عن نفسه بالاضرار بالغير غير جائز.

و عموم (3) رفع ما اضطروا إليه لا يشمل الاضرار بالغير المضطر إليه لأنه (4) مسوق للامتنان على الامة، فترخيص بعضهم في الإضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه، و صرفه الى غيره: مناف (5) للامتنان، بل يشبه

++++++++++

الكلية السالبة: و هو أن الضرر المتوجه الى شخص لا يجب دفعه بالاضرار بالغير، لأن موضوع الصغرى في الفرض الأول هو الاكراه على مال نفسه فالضرر متوجه الى الشخص أولا و بالذات و مباشرة فلا يجب رفعه بمال الغير بالإضرار به، بل لا يجوز ذلك اصلا.

بخلاف الموضوع في الصغرى في الفرض الثاني، فإنه هو الاكراه على مال الغير فالضرر أولا و بالذات متوجه الى الغير فلا يجب دفع الضرر عن الغير بإضرار نفسه.

(1) الباء بيان لفرق الصغرى في المثالين المذكورين في الفرض الأول و الثاني و قد عرفت الفرق عند قولنا: لأن موضوع الصغرى.

(2) أي في المثال الأول في الفرض الأول كما عرفت في ص 332.

(3) كما في الحديث النبوي، رفع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما اضطروا إليه المشار إليه في ص 326.

هذا جواب دخل مقدر. تقدير الدخل أن رفع عن امتي ما اضطروا إليه عام يشمل حتى الاضرار بالغير.

(4) تعليل لعدم شمول عموم ما اضطروا إليه.

(5) خبر للمبتدإ المتقدم في قوله: فترخيص أي ترخيص البعض مناف للامتنان المذكور.

ص: 334

الترجيح بلا مرجح (1).

فعموم ما اضطروا إليه في حديث الرفع مختص بغير الاضرار بالغير من المحرمات.

و أما الثاني (2) فالضرر فيه أولا و بالذات (3) متوجه الى الغير بحسب التزام المكره بالكسر، و ارادته الحتمية، و المكره بالفتح و ان كان مباشرا إلا أنه ضعيف لا ينسب إليه توجيه الضرر الى الغير حتى يقال:

إنه أضر بالغير (4) لئلا تتضرر نفسه.

نعم (5) لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير الى نفسه عرفا، لكن الشارع لم يوجب هذا (6)، و الامتنان (7) بهذا

++++++++++

(1) بل هو ترجيح المرجوح، و لذا قال (قدس سره): بل يشبه.

(2) أي الصغرى في المثال الثاني في الفرض الثاني: هو الاكراه على مال الغير أولا و بالذات فالضرر متوجه نحو الغير مباشرة كما عرفت في ص 334 عند قولنا: بخلاف الموضوع في الصغرى في الفرض الثاني.

(3) و إنما قال: أولا و بالذات، حيث إن المكره بالفتح اذا.

لم يقم بهذا العمل فالضرر يتوجه نحوه ثانيا و بالعرض، لأن المقصود الأولي الأصلي: هو إضرار الغير، لا إضرار شخص المكره بالفتح.

(4) هذا أحد مصاديق قول الفقهاء: السبب أقوى من المباشر لنسبة الضرر الى المسبب، لا الى المباشر، لأنه لا يقال: إن المباشر أضر بالغير.

(5) استدراك عما أفاده آنفا: من أنه لا يجب إضرار نفسه اذا توجه الضرر الى الغير.

(6) أي صرف الضرر عن الغير و توجيهه إليه حتى يقي الغير بنفسه

(7) دفع وهم. -

ص: 335

على بعض الامة لا قبح فيه كما أنه لو أراد ثالث الإضرار بالغير لم يجب على الغير تحمل الضرر، و صرفه عنه الى نفسه.

هذا (1) كله مع أن أدلة نفي الحرج كافية في الفرق بين المقامين فانه لا حرج في أن لا يرخص الشارع في دفع الضرر عن أحد بالإضرار بغيره.

بخلاف ما لو الزم الشارع الإضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه الى الغير، فانه (2) حرج قطعا.

++++++++++

- حاصل الوهم: أن الامتنان في حديث رفع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما اضطروا إليه عام فكيف جوزتم الإضرار بالغير هنا و وقاية مال نفسه ؟ فصار الامتنان على بعض و هو المكره بالفتح، دون آخر و هو المتعدى عليه فهذا ينافي تعميم الامتنان الذي شرع للامة جمعاء.

فأجاب ما حاصله: أن اختصاص الامتنان في هذا المورد دون ذاك لا قبح فيه، حيث إن الضرر لم يتوجه إليه أولا و بالذات كما عرفت بل توجه إليه ثانيا و بالعرض.

(1) أي ما ذكرناه من الأدلة على الفرق في المقامين: مقام توجه الضرر الى الغير أولا و بالذات، و الى المكره بالفتح ثانيا و بالعرض. كما في الفرض الثاني المشار إليه في ص 334.

و مقام توجه الضرر الى الشخص أولا و بالذات كما في الفرض الأول المشار إليه في ص 333: غير محتاج إليه بعد وجود أدلة نفي الحرج في قوله تعالى: (وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) : فإنها كافية في المقام، فالاستدلال بما ذكرنا أمر زائد.

(2) أي بخلاف إلزام الشارع الشخص على إضرار نفسه لدفع الضرر المتوجه الى الغير، فإنه حرج قطعا و هو منفي بقوله تعالى: وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .

ص: 336

الثاني: أن الإكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه

(الثاني) (1): أن الإكراه يتحقق بالتوعد (2) بالضرر على ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه، أو ماله، أو عرضه (3)، أو بأهله ممن يكون ضرره راجعا الى تضرره و تألمه.

و أما إذا لم يترتب على ترك المكره عليه إلا الضرر على بعض المؤمنين ممن يعد أجنبيا من المكره بالفتح: فالظاهر أنه لا يعد ذلك إكراها عرفا إذ لا خوف له يحمله على فعل ما امر به.

و مما ذكرنا: من اختصاص الإكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه، أو بمن يجري مجراه كالأب و الولد صرح في الشرائع و السراير، و التحرير، و الروضة البهية (4)، و غيرها (5).

نعم (6) لو خاف على بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة (7)

++++++++++

(1) أي الأمر الثاني من الامور التي يجب عليها التنبيه و التي ذكرها (الشيخ) في ص 327 بقوله: و ينبغي التنبيه على امور.

(2) هذا هو المصدر الصحيح لهذه المادة التي تكون بمعنى الإخافة و التهديد، و قد أشرنا إليه في ص 325 أن (توعيد) غلط، حيث لم يأت هذا المصدر لهذه المادة التي هي بمعنى التهديد.

(3) بمعناه الأعم، لا خصوص الزوجة و البنت و الاخت و الام.

(4) راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 6.

ص 19-21 عند قول الماتن في شروط المطلق و الاختيار: فلا يقع طلاق المكره

(5) أي و غير هذه الكتب الثلاث.

(6) استدراك عما أفاده آنفا من قوله: و أما إذا لم يترتب على ترك المكره عليه إلا الضرر على بعض المؤمنين ممن يعد أجنبيا من المكره بالفتح فالظاهر أنه لا يعد ذلك إكراها عرفا.

(7) و هي الولاية من قبل الجائر.

ص: 337

بل غيرها (1): من المحرمات الإلهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين (2) لقيام الدليل على وجوب مراعاة المؤمنين، و عدم تعريضهم للضرر.

مثل ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: و لأن تبرأ (3) منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك (4) لتبقي على نفسك (5) روحك التي بها قوامها، و مالها (6) الذي به قيامها، و جاهها (7) الذي به

++++++++++

(1) أي و غير الولاية من محرمات اخرى.

(2) و هم: (الأئمة الاثنا عشر من أهل البيت) صلوات اللّه عليهم أجمعين.

(3) يحتمل أن يكون فعل مضارع من باب بري يبرأ وزان علم يعلم و يحتمل أن يكون من باب التفعل فمضارعه تتبرأ حذفت احدى التائين فتقرأ تبرّأ. و كلمة إن في قوله: و لئن شرطية و جوابها قوله: فإن ذلك.

(4) بفتح الجيم مفرد. جمعه: أجنان و هو القلب.

و كلمة لتبقي يحتمل أن تكون من باب التفعيل من بقي يبقي تبقية.

و من باب الإفعال من أبقى يبقي إبقاء و معناه من كلا البابين: المحافظة.

(5) المراد منها الحياة.

(6) بالنصب عطفا على قوله عليه السلام: روحها أي لتبقي مالها و المراد من المال: أعم من النقود و العرض، و ما يملكه و ما يخصه.

و مرجع الضمير في كلمة روحها و مالها، و قيامها، و جاهها و تمسكها:

النفس.

و كلمة التي صفة للروح، و مرجع الضمير في بها الروح، و في قوامها النفس، و كلمة الذي صفة للمال.

(7) بالنصب عطفا على روحها أي لتبقي جاهها، و الباء في به: للالصاق المعنوي. -

ص: 338

تمسكها، و تصون من عرف بذلك (1): من أوليائنا و إخواننا، فإن ذلك (2) أفضل من أن تتعرض للهلاك، و تتقطع به (3) عن عمل في الدين و صلاح إخوانك المؤمنين.

و إياك ثم إياك أن تترك التقية التي امرتك بها، فإنك شائط (4) بدمك و دماء إخوانك، معرض بنعمتك و نعمتهم للزوال، مذل لهم في أيدي

++++++++++

- و كلمة تمسك مصدر باب التفعل.

و يحتمل أن يكون فعل مضارع من باب الإفعال وزان اكرم يكرم و فاعله المخاطب.

و المعنى على الأول: أن النفس تطلب الجاه و لا ترضى بزواله.

و على الثاني: أن الانسان يمسك نفسه عن الظلم و الذلة.

(1) أي بالجاه.

و المراد من تصون: المحافظة. أي تحافظ على ماء وجه أوليائنا و كرامتهم.

(2) مرجع الاشارة: التبرؤ منا. أي التبرؤ منا أفضل مما ذكر.

(3) مرجع الضمير: الهلاك.

و يحتمل أن يكون المرجع: التعرض، حيث إنه موجب للفرار و هو موجب لانقطاع العمل في الدين.

(4) اسم فاعل من شاط يشيط و أصل شاط شيط. أجوف يأتي معناه: تعريض النفس للهلاك يقال: أشاط فلان بدم فلان أي عرضه للقتل، فإن الانسان لو فعل هذه الأفعال فقد عرض نفسه للقتل.

فالرواية هذه تدل على جواز قبول الولاية المحرمة من قبل الجائر لو خاف على بعض إخوانه المؤمنين.

ص: 339

أعداء دين اللّه و قد أمرك اللّه باعزازهم، فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على اخوانك و نفسك أشد من ضرر الناصب لنا، الكافر بنا إلى آخر الحديث (1).

لكن (2) لا يخفى أنه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير لعدم شمول أدلة (3) الاكراه لهذا (4)، لما (5) عرفت من عدم تحققه مع عدم لحوق ضرر بالمكره بالفتح، و لا بمن يتعلق به، و عدم (6)

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 11. ص 479. الباب 29. ذيل الحديث 11.

(2) استدراك عما أفاده من جواز قبول الولاية المحرمة، بل غيرها من المحرمات الإلهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين لو خاف على بعض اخوانه المؤمنين.

(3) و هو قوله صلى اللّه عليه و آله: رفع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما اضطروا إليه.

(4) و هو الإضرار بالغير.

(5) أي لما عرفت من عدم تحقق الإكراه هنا و هو الإضرار بالغير في قوله في ص 337: الثاني أن الإكراه بتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه، أو ماله، أو عرضه، أو بأهله ممن يكون ضرره راجعا الى تضرره.

و من المفروض أن الضرر هنا متوجه الى الغير الذي لا يمسه بأي نحو من الأنحاء فلا يتحقق الاكراه.

(6) بالجر عطفا على مجرور (من الجارة) في قوله: من عدم تحققه أي و لما عرفت من عدم جريان أدلة نفي الحرج في قوله في ص 330:

و عموم نفي الحرج، فإن الزام الغير تحمل الضرر، و ترك ما اكره عليه حرج.

ص: 340

جريان أدلة نفي الحرج، إذ لا حرج على المأمور، لأن المفروض تساوي من امر (1) بالإضرار به، و من (2) يتضرر بترك هذا الأمر من حيث النسبة إلى المأمور مثلا (3) لو امر الشخص بنهب مال المؤمن و لا يترتب على مخالفة المأمور (4) به إلا نهب مال مؤمن آخر (5) فلا حرج حينئذ (6) في تحريم نهب مال الأول، بل تسويغه (7) لدفع النهب عن الثاني قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة (8) من الغرض في التقية، خصوصا مع كون المال المنهوب للأول أعظم بمراتب (9)، فإنه يشبه بمن فرّ من المطر الى الميزاب (10).

++++++++++

(1) بصيغة المجهول.

(2) الواو بمعنى مع، أي مع من يتضرر.

(3) أي خذ مثالا.

(4) و هو نهب مال المؤمن الأول.

(5) و هو نهب مال المؤمن الثاني.

(6) أي حين يتوجه الضرر نحو الثاني اذا ترك المأمور نهب مال الأول

(7) أي تجويز نهب مال الأول لدفع النهب عن المؤمن الثاني قبيح لا يسوغ للمأمور فعل ذلك، لعدم توجه ضرر نحوه كما عرفت في ص 340

(8) و هي المشار إليها في ص 330، فإنه علم فيها أن الغرض من تشريع التقية صون الانسان نفسه، أو ماله، أو جاهه، أو اخوانه المؤمنين من الضرر، لا أنها شرعت لاضرار الغير، و المفروض أن المأمور هنا لا يتوجه نحوه أي ضرر من الآمر، سواء أضر بالأول أم لا، و سواء أضر بالثاني أم لا، فكيف يسوغ له الاضرار بالآخرين.

(9) أي نهب مال المؤمن الأول لدفع النهب عن مال المؤمن الثاني.

(10) هذا مثل. يضرب لمن ترك الفاسد و ذهب الى الأفسد، حيث -

ص: 341

بل اللازم في هذا المقام (1) عدم جواز الإضرار بمؤمن و لو (2) لدفع الضرر الأعظم من غيره.

نعم (3) إلا لدفع ضرر النفس في وجه مع ضمان ذلك الضرر.

و بما ذكرنا (4) ظهر أن اطلاق جماعة لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات

++++++++++

- إن الوقوف تحت المطر ضرره أقل من القيام تحت الميزاب الذي يجري منه الماء كالسيل.

و هذا نظير قولهم: كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإن الأرض الحامية من شدة الحر حرارتها أقل من نفس النار.

(1) و هو مقام تساوي من امر بالاضرار به مع من يتضرر بترك هذا الأمر من حيث النسبة الى المأمور، اذ الفرض أن المأمور لا يتوجه نحوه أي ضرر، سواء أضر بالأول أم لا، و سواء أضر بالثاني أم لا.

(2) أي و لو كان الاضرار بالغير موجبا لدفع ضرر أعظم من الضرر المتوجه الى الغير.

(3) استدراك عما أفاده: من عدم جواز الاضرار بالغير اذا لم يتوجه أي ضرر نحو المأمور.

و خلاصة الاستدراك: أن الاضرار بالغير جائز فيما اذا توقف عليه دفع ضرر أهم عن الاضرار بالغير كالقتل مثلا كما لو قال الظالم الجائر للمأمور: انهب مال زيد و إلا قتلت عمرا، فنهب مال زيد جائز حينئذ مع ضمان المأمور ذلك المال النهيب.

(4) و هو عدم جواز اضرار الغير اذا لم يترتب على المأمور أي ضرر من ناحية الآمر لا على نفسه، و لا على من يتعلق به:

يظهر الاشكال فيما أفاده جماعة من الفقهاء، حيث عمموا جواز الاضرار بالغير و إن كان لدفع الضرر عن بعض المؤمنين الذين ليس لهم -

ص: 342

بترتب ضرر مخالفة المكره عليه على نفس المكره، أو على أهله، أو على الأجانب من المؤمنين لا يخلو عن بحث، إلا (1) أن يريدوا الخوف على خصوص نفس بعض المؤمنين فلا اشكال في تسويغه لما عدا الدم من المحرمات، إذ (2) لا يعادل نفس المؤمن شيء فتأمل (3).

قال في القواعد: و تحرم الولاية من الجائر إلا مع التمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أو (4) مع الاكراه بالخوف على النفس أو المال، أو الأهل، أو على بعض المؤمنين فيجوز ايتمار (5) ما يأمره إلا القتل. انتهى.

++++++++++

- تعلق بالمأمور، لأن ملاك جواز الاضرار هو توجه ضرر نحو المأمور أو من يتعلق به، و هنا لا يتعلق به أي ضرر فالتعميم ليس في محله.

(1) استثناء عما أفاده من الاشكال على جماعة من الفقهاء الذين عمموا جواز الاضرار بالغير و ان كان لدفع الضرر عن بعض المؤمنين.

(2) تعليل لتسويغ ارتكاب كل محرم عدا الدم في سبيل حفظ النفس.

(3) لعل وجه التأمل: أن دم بعض النفوس أغلى و أهم من دم آخر فحينئذ يحتمل جواز إراقة دم الذي لا يكون بهذه المثابة، حفظا لعدم إراقة دم من كان أغلى و أهم.

خذ لذلك مثالا: اذا قال الظالم: اقتل زيدا و إلا قتلت عمرا و المفروض أن عمرا عالم يترتب على وجوده منافع يعد قتله ضررا في الدين.

ثم في صورة التساوي يقع التعارض.

(4) أي تجوز الولاية مع الإكراه بسبب الخوف على النفس، أو الأهل إلى آخر ما ذكره عن (القواعد).

(5) مصدر باب الافتعال من اتمر يأتمر ائتمارا قلبت همزته ياء لكونها و كسرة ما قبلها. و معناه الامتثال فهو مطاوعة أمر.

ص: 343

و لو أراد (1) بالخوف عل بعض المؤمنين الخوف على أنفسهم، دون أموالهم و أعراضهم لم يخالف ما ذكرناه (2)، و قد شرح العبارة بذلك (3) بعض الأساطين.

فقال: إلا مع الاكراه بالخوف على النفس: من تلف، أو ضرر في البدن، أو المال (4) المضر بالحال: من تلف، أو حجب (5) أو العرض (6) من جهة النفس، أو الأهل (7)، أو الخوف فيما عدا

++++++++++

(1) أي (العلامة في القواعد) بقوله: أو على بعض المؤمنين.

(2) و هو قوله في ص 343: إلا لدفع ضرر النفس، و قوله: إلا أن يريدوا الخوف على خصوص نفس بعض المؤمنين فلا اشكال في تسويغه من المحرمات ما عدا الدم، اذ لا يعادل نفس المؤمن شيء.

(3) أي بالمعنى الذي ذكرناه: و هو الخوف على نفس بعض المؤمنين دون أموالهم و أعراضهم شرح عبارة العلامة في القواعد الشيخ الكبير (كاشف الغطاء).

(4) بالجر عطفا على مجرور (على الجارة) في قوله: بالخوف على النفس أي إلا مع الإكراه بالخوف على المال، فإنه حينئذ يجوز له الولاية المحرمة من قبل الجائر.

(5) بفتح الحاء و سكون الجيم: هو المنع و الحيلولة بأن يحال بينه و بين ماله.

(6) بالجر عطفا على مجرور (على الجارة) في قوله: بالخوف على النفس أي إلا مع الإكراه بالخوف على العرض، فانه يجوز له الولاية المحرمة حينئذ.

(7) المراد منه: الأعم من الزوجات و البنات و الأخوات و العمات و الخالات، لا خصوص زوجته.

ص: 344

الوسط (1) على بعض المؤمنين فيجوز حينئذ (2) ايتمار ما يأمره. انتهى.

و مراده (3) بما عدا الوسط الخوف على نفس بعض المؤمنين و أهله.

و كيف كان (4) فهنا (5) عنوانان (6): الاكراه (7) و دفع الضرر للخوف عن نفسه، و عن غيره من المؤمنين من دون اكراه (8).

++++++++++

(1) و هو الخوف على المال المضر بالحال الذي اشير إليه في ص 344 و المراد من ما عدا: هو الخوف على النفس: من تلف، أو ضرر في البدن، أو الخوف على العرض من جهة النفس، أو الأهل بالمعنى الذي فسرناه في ص 344.

(2) أي حين أن يحصل للمكره بالفتح الخوف على نفسه، أو على بعض المؤمنين، أو يحصل له الخوف على ماله فقط المضر بحاله، أو يحصل له الخوف على عرضه، أو على عرض بعض المؤمنين: يجب عليه امتثال ما أمره الجائر الظالم.

(3) أي مراد بعض الأساطين الذي اشير إليه في ص 344.

(4) أي أي شيء كان مراد بعض الأساطين، و أي شيء فسرناه نحن.

(5) أي في باب تسويغ قبول الولاية المحرمة، أو مطلق المحرمات

(6) بمعنى أن لكل واحد منهما مدخلية على نحو الاستقلال و العلية التامة في تسويغ قبول الولاية المحرمة.

(7) و لا يخفى أن الإكراه الذي هو السبب الأول لتحقق الولاية المحرمة إن كان مجردا عن الضرر فكيف يسوغ الولاية المحرمة، أو مطلق المحرمات.

و إن كان مع الضرر فاتحد مع العنوان الثاني و هو دفع الضرر المخوف عن نفسه و عن غيره فليسا عنوانين مستقلين.

(8) أي من قبل الوالي الجائر: بأن يعرض عليه الولاية من غير أن يحتم

ص: 345

و الأول (1) يباح به كل محرم.

و الثاني (2) إن كان (3) متعلقا بالنفس جاز له كل محرم حتى الإضرار المالي بالغير.

لكن الأقوى استقرار الضمان (4) عليه اذا تحقق سببه، لعدم

++++++++++

عليه قبولها، لكنه يخاف من عدم قبولها: الضرر على نفسه، أو ماله أو عرضه، أو بعض المؤمنين.

(1) أي العنوان الأول من العنوانين الذين ذكرهما الشيخ بقوله في ص 345: فهنا عنوانان: الإكراه، و دفع الضرر: يباح به كل محرم من المحرمات المترتبة على قبول الولاية المحرمة.

و قد عرفت الاشكال في إباحة هذا النوع من الإكراه المجرد عن الضرر في ص 345 بقولنا: و لا يخفى.

لا يقال: إن قوله: يباح به كل محرم يشمل حتى الدم بقرينة لفظ كل الدال على العموم الوضعي، مع أن إراقة الدم لا يباح على كل صورة.

فإنه يقال: إن قوله: يباح به كل محرم لا يشمل إراقة الدماء حيث إنه مفروغ عنه ليس فيه بحث حتى يقال: إن كلمة كل تشمله لدلالتها على العموم الوضعي.

(2) أي العنوان الثاني من العنوانين في قوله في ص 345: فهنا عنوانان.

(3) اعلم أن الشيخ قسم العنوان الثاني الى ثلاثة أقسام: فهذا هو القسم الأول: و هو أن يتعلق دفع الضرر المخوف بالنفس بمعنى أن المكلف لو لم يفعل لأصابه، أو أحدا من المؤمنين ضرر متعلق بالنفس الموجب لتلفها فهنا لا اشكال في ارتكاب كل محرم و لو كان إضرارا بمال الغير عدا الدم.

(4) أي لكن في الإضرار بمال الغير في هذا القسم يضمن التالف -

ص: 346

الاكراه المانع عن الضمان، أو استقراره.

و أما الإضرار (1) بالعرض بالزنا و نحوه ففيه تأمل، و لا يبعد ترجيح النفس عليه.

و إن كان (2) متعلقا بالمال فلا يسوغ معه الاضرار بالغير أصلا حتى في اليسير من المال، فاذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس لم يجز.

و إن كان (3) متعلقا بالعرض ففي جواز الاضرار بالمال مع الضمان أو العرض الأخف من العرض المدفوع عنه تأمل.

++++++++++

اذا تحقق سبب الضمان الذي هو التلف، لعدم تحقق الإكراه في موضوع عدم الضمان و إنما يتحقق الاكراه في الاضرار و الإتلاف.

(1) أي كلامنا في جواز الإضرار بالغير في القسم الأول كان في الإضرار المالي.

و أما دفع الضرر اذا كان متوقفا على الإضرار بالغير بالعرض كالزنا و نحوه مثل شرب الخمر و الربا: بأن دار الأمر بين تلف النفس، و بين التعدي على عرض الغير: فجواز دفعه المتعلق بالنفس بالتعدي بعرض الغير محل تأمل كما أفاده الشيخ بقوله: ففيه تأمل.

لكن الشيخ يرجح التعدي بالعرض، و عدم الاقدام على قتل النفس لاهمية الدماء و النفوس على ارتكاب كل محرم كما في قوله: و لا يبعد ترجيح النفس.

(2) هذا هو القسم الثاني من الأقسام الثلاثة أي إن كان دفع الضرر متوقفا على الاضرار بالغير بماله و قد ذكر شرحه في المتن.

(3) هذا هو القسم الثالث من الأقسام الثلاثة أي إن كان دفع الضرر متوقفا على الاضرار بالغير بعرضه الذي هو ناموسه. -

ص: 347

و أما الإضرار (1) بالنفس، أو العرض الأعظم فلا يجوز بلا اشكال

++++++++++

- و خلاصة هذا القسم أن العرض قسمان: أخف. و أعظم.

(الأول): عرض رجل عادي ليس له في المجتمع كيان و وزن ثقيل يحاسب عليه بحيث اذا تعدي عليه لم تترتب عليه مفسدة في المجتمع (الثاني): عرض شخصية بارزة لها كيانها في المجتمع، و يحاسب عليها بحيث لو اهين عرضه اهين الدين، و تجرى الآخرون.

فالشيخ يقول في صورة دوران الأمر بين الإضرار بالغير بماله و إن ضمنه في صورة التلف، و بين الاضرار بالعرض الأخف في سبيل الدفاع عن عرضه تأمل و اشكال.

لكن لا يدرى وجه التأمل في الإضرار المالي في سبيل الدفاع عن عرضه بعد أن ذهب الى الضمان، و لا سيما أن دفع الضرر بمال الغير متعلق بالناموس فيهون عنده كل شيء حتى الدم الذي هو أعظم من المال كما في الزناء بذات البعل، حيث يجوز للزوج قتل الزاني و زوجته لو رآهما بتلك الحالة كالميل في المكحلة اذا لم يترتب على قتلهما فساد.

راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 9. ص 121 و كذلك لا يدرى وجه التأمل في الإضرار بالعرض الأخف في سبيل الدفاع عن عرضه الأهم من القسم الثالث بعد أن علمنا أن الشارع جعل لبعض الأعراض أهمية كما جعل لبعض الدماء أهمية، فارتكاب الإضرار المالي بالغير مع الضمان في سبيل دفع الضرر المتعلق بالعرض، أو ارتكاب التعرض بالعرض الأخف في سبيل دفع الضرر المتعلق بالعرض الأهم:

لا يخلو من قوة.

(1) هذا من متممات القسم الثالث الذي تعلق الضرر المخوف بالعرض، و قد عرفت أن دفع الضرر المتعلق بالعرض تارة متوقف

ص: 348

هذا (1).

و قد وقع في كلام بعض تفسير الاكراه بما يعم (2) لحوق الضرر قال في المسالك: ضابط (3) الإكراه المسوغ للولاية الخوف على النفس أو المال، أو العرض عليه (4)، أو على بعض المؤمنين. انتهى (5).

++++++++++

على الاضرار بالمال مع الضمان، أو بالعرض الأخف من العرض المدفوع عنه.

و اخرى متوقف على الإضرار بالنفس، أو العرض الأعظم من العرض المتعدي عليه.

أما الإضرار بالمال مع الضمان، أو بالعرض الأخف فقد مضى شرحه آنفا و أما الإضرار بالنفس، أو العرض الأعظم في سبيل الدفاع عن عرضه فلا اشكال في عدم جوازهما و الإقدام عليهما.

و الى عدم جواز الاضرار بهذا المعنى صرح الشيخ في ص 348 بقوله:

و أما الإضرار بالنفس، أو العرض الأعظم فلا يجوز بلا اشكال.

(1) أي خذ ما تلوناه عليك من المسوغ للمحرمات و أنه اثنان:

الإكراه، و دفع الضرر المخوف.

(2) أي أفاد بعض الفقهاء أن المسوغ للمحرمات هو الإكراه المتضمن للضرر فينحصر المسوغ في عنوان واحد لا في عنوانين كما أفاده الشيخ ففي الحقيقة هذا الانحصار تضييق لدائرة الإكراه.

(3) أي تعريف الإكراه، أو القاعدة الكلية في الإكراه المسوغ للولاية: هو الخوف على النفس، أو المال، أو العرض، سواء أ كان راجعا إلى شخصه أم إلى غيره من المؤمنين.

(4) مرجع الضمير: الشخص المكره بالفتح.

(5) أي ما أفاده الشهيد في المسالك.

ص: 349

و يمكن أن يريد (1) بالإكراه مطلق المسوغ للولاية، لكن صار هذا التعبير منه منشأ لتخيل غير واحد أن الإكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعنى (2).

الثالث في اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه و عدمه

(الثالث) (3): أنه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين (4) أنه يظهر من الأصحاب أن في اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه (5) و عدمه، أقوالا:

ثالثها: التفصيل بين الإكراه على نفس الولاية المحرمة فلا تعتبر (6) و بين غيرها (7) من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي.

و الذي يظهر من ملاحظة كلماتهم في باب الإكراه عدم الخلاف في اعتبار العجز عن التفصي (8) اذا لم يكن حرجا و لم يتوقف على ضرر

++++++++++

(1) أي (الشهيد الثاني)، الظاهر عدم استفادة ما أفاده الشيخ:

من أن مراد الشهيد الثاني من الاكراه هو مطلق المسوغ. حيث إن كلامه صريح في الاكراه المقيد بخوف الضرر على النفس، أو المال، أو العرض.

(2) و هو مطلق المسوغ في الدخول في المحرمات.

(3) أي من الامور التي ينبغي التنبيه عليها في قوله في ص 327.

(4) و هو (صاحب الجواهر).

(5) و هو قبول الولاية.

(6) أي القدرة على التفصي من المكره عليه و الخلاص منه.

(7) أي و بين غير الولاية من المحرمات الاخرى فيعتبر فيها عدم القدرة على التفصي و الخلاص من المكره عليه.

و من هنا يعلم القولان الآخران و هما: اعتبار القدرة في الولاية و غيرها، و عدم اعتبار القدرة في الولاية و غيرها.

(8) أي اذا فرض امكان التخلص و التفصي عن التصدي الولاية -

ص: 350

كما اذا اكره على أخذ المال من مؤمن فيظهر أنه أخذ المال و جعله في بيت المال، مع عدم أخذه واقعا، أو أخذه جهرا ثم رده إليه سرا كما كان يفعله ابن يقطين.

و كما اذا أمره بحبس مؤمن فيدخله في دار واسعة (1) من دون قيد (2)، و يحسن ضيافته، و يظهر أنه حبسه و شدد عليه.

و كذا لا خلاف في أنه لا يعتبر العجز عن التفصي اذا كان فيه ضرر كثير (3).

و كأن منشأ زعم الخلاف (4) ما ذكره في المسالك في شرح عبارة الشرائع مستظهرا (5) منه خلاف ما اعتمد عليه.

قال في الشرائع بعد الحكم بجواز الدخول في الولاية، دفعا للضرر

++++++++++

- المحرمة بشرط أن لا يكون محرجا للمكره بالفتح، و لا موجبا لضرره فلا يجوز له التصدي.

و لا يخفى أنه اذا كان في التفصي حرج، أو توقف على ضرر فلا معنى لامكان التفصي، لأن هذا معنى عدم الامكان.

(1) لا خصوصية في الدار الواسعة بعد أن كان غرضه التخلص من حبسه، و لو في غرفة، أو زاوية، حيث إن للتخلص درجات و مراتب و أما إحسانه بالضيافة فلا يجب.

(2) و هو الحديد الذي يجعل في اليدين، أو الرجلين.

(3) أي في التفصي.

(4) كما حكى (الشيخ) عن (صاحب الجواهر) في وجود الخلاف على ذلك بقوله في ص 350: الثالث أنه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين

(5) أي حال كون (الشهيد الثاني) مستظهرا من عبارة (صاحب الشرائع) خلاف ما اعتمد عليه هو من الرأى.

ص: 351

اليسير مع الكراهة، و الكثير (1) بدونها: اذا اكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول، و العمل بما يأمره، مع عدم القدرة على التفصي منه (2). انتهى قال في المسالك ما ملخصه: إن المصنف ذكر في هذه المسألة (3) شرطين: الإكراه. و العجز عن التفصي، و هما (4) متغايران، و الثاني (5) أخص.

و الظاهر أن مشروطهما (6) مختلف،

++++++++++

(1) بالجر عطفا على المضاف إليه و هي كلمة اليسير في قوله:

الضرر اليسير.

و مرجع الضمير في بدونها: الكراهة أي و دفعا للضرر الكثير بدون الكراهة.

(2) أي من الجائر.

(3) و هي مسألة قبول الولاية من قبل الجائر.

و المراد من (المصنف) هو (المحقق صاحب الشرائع).

(4) أي العجز و الإكراه متغايران مفهوما، حيث إن مفهوم العجز عن التفصي أخص من الأول بمعنى أن بينهما عموما و خصوصا مطلقا أي كلما صدق العجز عن التفصي الذي هو الأخص صدق الإكراه الذي هو الأعم و ليس كلما صدق الاكراه صدق العجز عن التفصي، إذ ربما يجتمع الاكراه مع القدرة على التفصي: بأن يقبل الولاية و يتخلص من محرماتها كما كان يفعل (على بن يقطين) رضوان اللّه عليه مع الخليفة العباسي (هارون الرشيد) في أيام تصديه الوزارة.

(5) و هو العجز عن التفصي كما عرفت آنفا.

(6) أي مشروط الاكراه، و مشروط العجز عن التفصي مختلف -

ص: 352

فالأول (1) شرط في أصل قبول الولاية.

و الثاني (2) شرط للعمل بما يأمره.

ثم فرّع (3) عليه أن الولاية ان اخذت مجردة عن الأمر بالمحرم فلا يشترط في جوازه (4) الاكراه.

و أما العمل (5) بما يأمره من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة و لا يشترط فيه الالجاء بحيث لا يقدر على خلافه.

و قد صرح (6) به الأصحاب في كتبهم، فاشتراط العجز عن التفصي

++++++++++

- حيث إن مشروط الأول: قبول الولاية، أي يجوز قبول الولاية و إن أمكن له التفصي عما يأمره الجائر.

و مشروط الثاني و هو العجز عن التفصي: العمل بما يأمره الجائر من المحرمات و إن أمكنه التفصي.

(1) و هو الاكراه كما عرفت آنفا.

(2) و هو العجز عن التفصي كما عرفت آنفا.

(3) أي فرّع (صاحب المسالك) على ما أفاده في كلامه شرحا على عبارة الشرائع.

(4) أي في جواز قبول الولاية الاكراه، حيث إن الجائر لم يأمره بمحرم فلا مجال لاشتراط الاكراه.

(5) أي أما جواز العمل بما يأمره، سواء أ كان في الولاية أم خارجا عنها فمشروط بالاكراه خاصة، من دون اعتبار العجز عن التفصي.

(6) أي صرح الأصحاب بما قلناه: و هو أن الولاية اذا كانت مجردة عن الأمر بالمحرم فلا يشترط في جوازه الاكراه.

و اذا كانت مقرونة كفى الاكراه خاصة من دون اشتراط العجز عن التفصي.

ص: 353

غير واضح، إلا أن يريد به (1) أصل الاكراه، الى أن قال (2): إن الاكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به و إن قدر على المخالفة (3) مع خوف الضرر. انتهى موضع الحاجة من كلامه (4).

أقول: لا يخفى على المتأمل أن المحقق رحمه اللّه لم يعتبر شرطا زائدا (5) على الاكراه إلا أن الجائر اذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته كما هو الغالب (6) و أمكن في بعضها المخالفة واقعا و دعوى الامتثال ظاهرا كما مثلنا لك سابقا (7): قيد (8) امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي.

++++++++++

(1) أي يريد باشتراط العجز عن التفصي نفس الاكراه بمعنى أن مفهوم الاكراه لا يتحقق إلا مع العجز عن التفصي.

(2) أي (صاحب المسالك).

(3) و هي القدرة على التفصي.

و قوله: مع خوف الضرر قيد لقوله: مسوغ لامتثال ما يؤمر به أي أن الاكراه مسوغ لقبول الولاية من الجائر اذا كان هناك خوف الضرر.

(4) أي من كلام (صاحب المسالك).

و لا يخفى أن (شيخنا الأعظم) نقل كلام (الشهيد الثاني) بتصرف فيه. راجع المسالك.

(5) و هو العجز عن التفصي.

(6) أي كما هو الغالب في الولاية المحرمة أن تكون مقرونة بالمحرمات.

(7) في قوله في ص 351: كما اذا أمره بحبس مؤمن فيدخله في دار واسعة من دون قيد، و يحسن ضيافته، و يظهر أنه حبسه و شدد عليه.

(8) جواب لإذا الشرطية في قوله: إلا أن الجائر إذا امر الوالي، و الفاعل في كلمة قيّد: المحقق أي قيّد المحقق امتثال أمر الجائر -

ص: 354

و كيف كان (1) فعبارة الشرائع واقعة على طبق المتعارف: من تولية الولاة و امرهم في ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها، و ليس المراد بالتفصي المخالفة مع تحمل الضرر (2) كما لا يخفى.

و مما ذكرنا (3) يظهر فساد ما ذكره (4) من نسبة عدم الخلاف المتقدم الى الأصحاب، و من أنه على القول باعتبار العجز عن التفصي لو توقف المخالفة على بذل مال كثير لزم (5).

ثم قال (6):

++++++++++

- بصورة العجز عن التفصي اذا كان عاجزا عن التخلص عن العمل باتيان المحرمات.

(1) أي سواء أ كان العجز عن التفصي معتبرا أم لا، فعبارة الشرائع جارية على طبق عبارة الفقهاء في بيان تولية الولاة و امرهم في ولايتهم.

(2) سواء أ كان الضرر المتحمل في المال أم في النفس أم في العرض

(3) و هو الخلاف في أن قبول الولاية وحدها مجردة عن المحرمات الاخرى يعتبر فيه غير الاكراه المجرد عن التفصي، أو لا يعتبر.

و أن امتثال الأوامر مشروط بالعجز عن التفصي أو لا؟

(4) أي بعض مشايخنا في قوله في ص 350: الثالث أنه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين.

وجه الظهور هو وجود الخلاف بين الأصحاب كما يظهر من كلام (الشهيد الثاني) في المسالك في شرح عبارة الشرائع في ص 351 عند قوله: و كأن منشأ زعم الخلاف ما ذكره.

(5) لعل الحكم بلزوم بذل مال كثير لأجل صدق القدرة على التفصي مع امكان البذل ؟

(6) أي بعض مشايخنا و هو (صاحب الجواهر).

ص: 355

و هو أحوط (1)، بل أقرب.

الرابع: أن قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال رخصة، لا عزيمة

(الرابع) (2): أن قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال رخصة (3)، لا عزيمة فيجوز تحمل الضرر المذكور، لأن الناس مسلطون على أموالهم.

بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر، للفرار عن تقوية شوكتهم.

الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد على تركه بالقتل

(الخامس) (4): لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد على تركه بالقتل اجماعا على الظاهر المصرح به في بعض الكتب (5)، و إن كان مقتضى

++++++++++

(1) جملة: و هو أحوط، بل أقرب لم تسبق في كلام (الشيخ) عند نقله كلام بعض مشايخه المعاصرين، و إنما نقلها هنا تكملة لما نقله عنه أما وجه كون لزوم بذل المال الكثير هو الأحوط فلأنه يدفع به إضراره عن الغير، و يتخلص عما هو محتمل الحرمة، و يحضى برضى اللّه تعالى.

و أما كونه أقرب فلأن الاسلام دين السلام و العدل و المسلمون تحت رايته سواء، إلا من فضّله اللّه على الناس: من الإمامة، أو العلم أو التقوى، فلا يجوز لبعض إضرار البعض الآخر لأجل دفع الضرر عن نفسه.

(2) أي الأمر الرابع من الامور التي ذكرها الشيخ في ص 327 بقوله: و ينبغي التنبيه على امور.

(3) أي جائز و ليس بواجب، و يجوز تحمل الضرر المذكور بترك الولاية، و ما أفاده الشيخ محل نقاش و غير مسلم، لأنه إن كان ضرر فيجب قبول الولاية، و إن لم يكن ضرر فيحرم كما أفاده.

(4) أي الأمر الخامس من الأمور التي ذكرها الشيخ في ص 327 بقوله: و ينبغي التنبيه على امور.

(5) أي الكتب الفقهية.

ص: 356

عموم نفي الاكراه (1) و الحرج (2) الجواز، إلا أنه قد صح عن الصادقين (3) صلوات اللّه عليهما أنه إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فلا تقية.

و مقتضى العموم (4) أنه لا فرق بين أفراد المؤمنين: من حيث الصغر و الكبر، و المذكورة و الانوثة، و العلم و الجهل، و الحر و العبد و غير ذلك (5).

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل لحد (6) ففي العموم وجهان (7):

من (8) اطلاق قولهم: لا تقية في الدماء.

++++++++++

(1) في قوله صلى اللّه عليه و آله: رفع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما اضطروا إليه.

(2) و هو قوله تعالى: وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .

(3) و هما: (الامام الباقر و الامام الصادق صلوات اللّه عليهما.

راجع أخبار التقية (اصول الكافي). الجزء 2. ص 220 الأحاديث

(4) أي عموم رواية انما شرعت التقية ليحقن الدم.

(5) من الفقر و الغنى، و الصحة و المرض، و العقل و الجنون.

(6) كما أنه لو علم المكره بالفتح أن المأمور الذي أمر الوالي الجائر بقتله يستحق القتل بالحد الشرعي كالزاني باحدى محارمه، أو بامرأة مكرها لها بالزنا.

(7) وجه بجواز قتل مثل هذا المؤمن بالاكراه.

و وجه بعدم الجواز.

(8) دليل لعدم إباحة دم مثل هذا المؤمن، لأن قول الفقهاء:

لا تقية في الدماء مطلق يشمل حتى دم مثل هذا المؤمن.

ص: 357

و من (1) أن المستفاد من قوله: ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فلا تقية: أن المراد الدم المحقون، دون المأمور بإهراقه.

و ظاهر المشهور الأول (2).

و أما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الى غير ولي الدم (3) و مما ذكرنا (4) يظهر حكم الناصب، لأنه غير محقون الدم. و إنما

++++++++++

(1) دليل لجواز إباحة دم مثل هذا المؤمن، لأن المراد من حقن الدم في قوله عليه السلام: إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم الدم المحقون فالذي عليه حد لا يكون محقون الدم فلا يشمله عموم المنع في الرواية.

(2) و هو عدم جواز قتله.

(3) و أما ولي الدم فله قتله و إن لم يكن اكراه و تقية هناك.

(4) من أن التقية إنما شرعت لأجل حقن الدم: يظهر حكم الناصب لأنه ليس محقون الدم، لأنه لعنه اللّه ينصب العداء (لأهل البيت) الذين حبهم فرض على العباد في قوله تعالى: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ الشورى: الآية 23.

قال في (تاج العروس). المجلد الأول ص 487 طباعة (افست) عن الطبعة الاولى بالمطبعة الخيرية في مصر عام 1306 - الهجري في مادة (نصب):

النواصب و الناصبة و أهل النصب: هم المتدينون ببعض سيدنا أمير المؤمنين و يعسوب المسلمين (أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه و كرم وجهه، لأنهم نصبوا له أي عادوه و أظهروا له الخلاف و هم طائفة الخوارج، و أخبارهم مستوفاة في (كتاب المعالم) للبلاذري.

ص: 358

منع منه (1) حدوث الفتنة فلا اشكال في مشروعية قتله (2)، للتقية (3).

و مما ذكرنا (4) يظهر حكم دم الذمي، و شرعية التقية في إهراقه (5) و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع (6) خارج عن مورد الروايتين (7) فحكم

++++++++++

(1) أي من قتل الناصب حدوث الفتنة بقتله، لأن قتله ربما يوجب إراقة دماء كثير من الشيعة.

(2) أي قتل الناصب لو اكره الانسان عل قتله.

(3) أي جواز قتل الناصب لأجل التقية، لأنه لو لم يقتله المأمور لقتله الآمر فذهب دمه هباء، و المفروض أن التقية انما شرعت ليحقن بها الدم، و الناصب ليس محقون الدم.

(4) و هو أن التقية إنما شرعت لحقن دم المسلم فاذا بلغت التقية حد الدم فلا تقية.

(5) حيث يجوز قتله و إهراق دمه فيما اذا دار الأمر بين قتل المسلم و قتل الذمي من باب الأهم و المهم، فان التقية إنما شرعت لحقن دم من كان محقون الدم بالذات كالمسلم، لا من كان محقون الدم بالعرض كالذمي، لأنه يعمل بشرائط الذمة.

(6) كالذمي، لأنه كما عرفت محقون الدم بالعرض، للعمل بشرائط الذمة.

(7) و هما: رواية (الامام الباقر) عليه السلام في قوله: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية.

و رواية (الامام الصادق) عليه السلام في قوله: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 11. ص 483. الحديث 1-2 -

ص: 359

إهراقه (1) حكم سائر المحرمات التي شرعت التقية فيها (2).

بقي الكلام في أن الدم (3) يشمل الجرح، و قطع الأعضاء أو يختص (4) بالقتل ؟ وجهان:

من اطلاق (5) الدم و هو المحكي عن الشيخ.

و من عمومات (6) التقية،

++++++++++

- الباب 31 من أبواب عدم جواز التقية في الدم.

فالحديثان لا يشملان دم الذمي، حيث إن موردهما محقون الدم بالذات، و الذمي محقون الدم بالعرض، لكونه يعمل بشرائط الذمة.

(1) أي حكم إهراق دم الذمي حكم بقية المحرمات التي يجوز ارتكابها لأجل التقية التي شرعت لارتكاب المحرمات و أمثالها.

(2) أي في المحرمات.

(3) أي الدم الوارد في الرواية عن الامامين الصادقين عليهما السلام في قولهما: (ليحقن بها الدم) هل يشمل الجرح، و قطع الأعضاء بمعنى أنه اذا بلغت التقية الجرح، و قطع الأعضاء فلا تقية فلا يجوز ارتكاب هذين الفعلين أيضا كما لا يجوز قتل النفس عند بلوغ التقية إليه.

(4) أي أو أن الدم الوارد في الروايتين يختص بالقتل فقط فلا يشمل الجرح، و قطع الأعضاء فيجوز ارتكاب هذين الفعلين.

(5) هذا دليل لشمول التقية مثل الجرح و الأعضاء و الجوارح، حيث إن الدم الوارد في الروايتين في قولهما عليهما السلام: فاذا بلغ الدم فلا تقية مطلق ليس مقيدا بدم فيه ازهاق الروح فقط، بل يشمل حتى الجرح و الأعضاء فلا يجوز لأحد جرح الآخر، و لا قطع أعضائه تقية.

(6) هذا دليل لعدم شمول الدم الوارد في الروايتين الجرح و قطع الأعضاء و هو الدليل الأول. أي أن الأدلة الواردة في التقية عامة

ص: 360

و نفي (1) الحرج، و الاكراه (2)، و ظهور (3) الدم المتصف بالحقن في الدم

++++++++++

تشمل الجرح، و دم ازهاق النفس، و قطع الجوارح.

لكنه خصص دم الازهاق في قوله عليه السلام: و إذا بلغت التقية الدم فلا تقية فخرج عن تحت عموم أدلة التقية و بقي الجرح و قطع الأعضاء تحت عموم أدلة التقية فيجوز للمكره بالفتح إقدامه على الجرح، و قطع الأعضاء.

(1) بالجر عطفا على المضاف إليه في قوله: و من عمومات التقية أي و من عمومات نفي الحرج.

هذا دليل ثان لجواز إقدام المكره بالفتح على الجرح، و قطع الأعضاء.

أي و من عموم أدلة نفي الحرج و هو قوله تعالى: وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، فان المكره بالفتح لو لم يجرح، أو لم يقطع يقع في الحرج و هو منفي.

(2) بالجر عطفا على المضاف إليه في قوله: و من عمومات التقية أي و من عمومات أدلة نفي الإكراه.

هذا دليل ثالث لجواز إقدام المكره بالفتح على الجرح، و قطع الأعضاء، أي أدلة الاكراه و هو قوله صلى اللّه عليه و آله: رفع عن امتي ما اكرهوا عليه، و ما اضطروا إليه عامة تشمل جواز إقدام المكره بالفتح على الجرح، و قطع الأعضاء.

(3) بالجر عطفا على مجرور (من الجارة) في قوله: و من عمومات التقية أي و من ظهور الدم.

هذا دليل رابع لجواز إقدام المكره بالفتح على الجرح، و قطع -

ص: 361

المتبقي للروح و هو المحكي عن الروضة البهية (1) و المصابيح و الرياض.

و لا يخلو عن قوة (2)

خاتمة فيما ينبغي للوالي العمل به في نفسه

خاتمة (3) فيما ينبغي للوالي العمل به في نفسه، و في رعيته.

روى شيخنا الشهيد الثاني رحمه اللّه في رسالته المسماة بكشف الريبة عن أحكام الغيبة باسناده عن شيخ الطائفة عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد ابن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى الأشعري عن عبد اللّه بن سليمان النوفلي.

قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فاذا بمولى لعبد اللّه النجاشي (4) و قد ورد عليه فسلم و أوصل إليه كتابا

++++++++++

الأعضاء: ببيان أن الدم الوارد في الرواية المشار إليها في ص 330 في قوله عليه السلام: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم ظاهر في الدم المبقي للروح فقط، و ليس له ظهور في الجرح، و قطع الأعضاء فعليه يجوز للمكره بالفتح ارتكاب الفعلين و هما: الجرح، و قطع الأعضاء.

و المراد من الدم المتصف بالحقن الدم المحقون الذي بقيت فيه النفس.

(1) راجع (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 10. ص 28.

(2) أي القول بنفوذ الإكراه فيما دون النفس من الجراحات لا يخلو من قوة، لما ذكر من الأدلة و هي العمومات، و نفي الحرج. و نفي الاكراه، و ظهور الدم المتصف بالحقن في الدم الذي يبقي الروح.

(3) أي هذه خاتمة في مسألة الولاية عن الجائر.

(4) (عبد اللّه بن النجاشي) أبو بجير وزان زبير من بني أسد يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

ص: 362

ففضه (1) و قرأه فاذا أول سطر فيه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم (2) أطال اللّه بقاء سيدي، و جعلني من كل سوء فداء، و لا أراني فيه مكروها، فإنه ولي ذلك و القادر عليه.

اعلم سيدي و مولاي أني بليت (3) بولاية الأهواز، فإن رأى سيدي و مولاي أن يحد لي حدا، و يمثل لي مثالا (4) استدل به على ما يقربني الى اللّه عز و جل و الى رسوله، و يلخص لي (5) في كتابه ما يرى لي العمل به، و فيما ابذله (6) و أين أضع زكاتي (7)، و فيمن أصرفها، و بمن آنس، و الى من استريح (8) و بمن أثق و آمن و ألجأ إليه في سري فعسى أن يخلصني اللّه تعالى بهدايتك

++++++++++

(1) فعل ماض وزان مدّ يمد معناه فتح الكتاب، يقال: فض الكتاب أي كسر ختمه و فتحه.

(2) أي البسملة كتبت في سطر واحد.

(3) فعل ماض مجهول من بلا يبلو بلا و بلاء وزان دعا يدعو معناه: الاختيار و الامتحان. أي اختبرني اللّه تعالى بالولاية عن الجائر.

(4) المراد من أن يحد لي حدا، و يمثل لي مثالا: بيان الميزان و المعيار أي أن مولاي عليه السلام يجعل لي ميزان و معيارا في تصرفاتي بالولاية التي بليت بها.

(5) أي يختصر لي مولاي في كتابه لي بما أعمل به، و ما يجوزه لي أو يوجبه علي، أو يستحسنه لي، أو ما يرى لي العمل فيما ابذله من الأعمال

(6) أي و كيف أوزع أعمالي.

(7) أي و لمن اعطي زكوات أموالي، و من هم مستحقوها؟

(8) هذه الجملة و التي بعدها الى قوله: في سري معناها واحد أي من أجعله موضع أسراري ؟

ص: 363

و ولايتك، فإنك حجة اللّه على خلقه، و امينه في بلاده، لا زالت نعمته عليك.

قال عبد اللّه بن سليمان: فاجابه ابو عبد اللّه عليه السلام:

بسم اللّه الرحمن الرحيم احاطك (1) اللّه بصنعه، و لطف بك بمنه و كلأك (2) برعايته، فإنه ولي (3) ذلك.

أما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه، و ذكرت أنك بليت بولاية الأهواز فسرّني ذلك، و ساءني و سأخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرني إن شاء اللّه تعالى.

فاما سروري بولايتك، فقلت: عسى أن يغيث اللّه بك ملهوفا (4) خائفا من أولياء آل محمد صلى اللّه عليه و آله، و يعز بك ذليلهم، و يكسو بك عاريهم، و يقوي بك ضعيفهم، و يطفي بك نار المخالفين عنهم.

و أما الذي ساءني من ذلك، فإنّ ادنى ما اخاف عليك ان تعثر (5)

++++++++++

(1) فعل ماض من حاط يحوط وزان قال يقول أجوف واوي معناه المحافظة و الحراسة.

(2) فعل ماض وزان منع مضارعه يكلأ وزان يمنع معناه الحراسة، اريد من هذه الجمل الثلاث: حاطك اللّه و لطف بك بمنه و كلأك برعايته: الدعاء

(3) المراد منه هنا: المالك أي أنه عز و جل مقتدر على ذلك.

(4) بصيغة المفعول من لهف يلهف لهفا وزان منع يمنع معناه الحزين المظلوم أي تنصر محزونا مظلوما.

(5) فعل مضارع من عثر يعثر وزان منع يمنع، و علم يعلم، و شرف يشرف معناه السقوط و الكبوة، و لكن المراد منه هنا: السقوط المعنوي لا الظاهري.

ص: 364

بوليّ لنا فلا تشم رائحة حظيرة (1) القدس، فإني ملخص لك جميع ما سالت عنه إن انت عملت به و لم تجاوزه رجوت ان تسلم إن شاء اللّه تعالى.

اخبرني يا عبد اللّه ابي عن آبائه عن علي عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم انه قال: من استشاره اخوه المؤمن فلم يمحضه (2) النصيحة سلب اللّه لبّه (3) عنه.

و اعلم أني سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت ممّا أنت تخافه (4).

و اعلم أن خلاصك، و نجاتك في حقن الدماء، و كف الأذى عن أولياء اللّه، و الرفق بالرعية و التأنّي، و حسن المعاشرة، مع لين في غير ضعف (5)، و شدة في غير عنف (6).

++++++++++

(1) بفتح الحاء و كسر الظاء وزان فعيلة جمعها: الحظائر و هو الموضع الذي يحاط بسياج ليمنع داخله خارجه، و كل شيء حال بينك و بين شيء آخر فهي الحظيرة، و حظيرة القدس مكان رفيع عال في الجنة يمنع غير المستحقين من الدخول إليها، لا يدخلها إلا أهلها.

(2) من محض يمحض وزان منع يمنع معناه الاخلاص في النصيحة فلا يشويها الدرن.

(3) اللب هنا العقل الوقاد المتنور.

(4) اي تخاف من الانحراف عن امور الآخرة

(5) اي يظهر اللين بصورة لا تظهر بمظهر الضعف، فإن ظهوره بمظهر الضعف موجب لسقوطه و خذلانه عند الرعية فلا يخافونه و لا يمتثلون امره.

(6) أي من غير قساوة و غلظة، فإن الحاكم لا بدّ له من هاتين -

ص: 365

و مداراة (1) صاحبك، و من يرد عليك من رسله، و ارفق برعيتك: بان توقفهم على ما وافق الحق و العدل إن شاء اللّه تعالى.

و إياك و السعاة (2) و أهل النمائم فلا يلزقن بك منهم أحد، و لا يراك اللّه يوما و ليلة (3) و أنت تقبل منهم صرفا و لا عدلا فيسخط اللّه عليك و يهتك سترك.

++++++++++

- الصفتين: اللين بغير ضعف. و شدة في غير عنف، ليتمكن من جلب قلوبهم، و في الوقت يسيطر عليهم في آن واحد.

(1) بالجر عطفا على المجرور (بفي الجارة) في قوله عليه السلام:

في حقن الدماء أي و نجاتك في مداراة صاحبك و هو أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء العباسيين.

و النصيحة هذه لنجاته في الدنيا، كما أن النصائح المتقدمة لنجاته في الآخرة، و الباء في بأن توقفهم بيان لكيفية الرفق بالرعية، و توقفهم من باب الإفعال من أوقف يوقف ايقافا معناه: الاطلاع يقال: أوقفهم على الأمر أي أطلعهم عليه و يقال: وقف على المعنى أي أحاط به.

راجع (تاج العروس). المجلد 6. ص 270 مادة وقف.

(2) بضم السين و فتح العين جمع ساعي: و هم الوشاة الذين ينمون في حق الغير، ليبعدوه عن الأمير. يقال: سعى زيد في حق عمرو عند الأمير أي وشى به إليه.

و كلمة (إياك) تحذير معناه: الحذر أى احذر من السعاة الوشاة و نمائم جمع نميمة معناه السعاية و الوشاية أي احذر من أن تقبل من هؤلاء السعاة: السعاية و النميمة.

(3) المراد من يوما و ليلة: كل يوم و كل ليلة، فالعموم هنا عموم بدلي لوجود التنوين.

ص: 366

و احذر مكر خوزي (1) الأهواز، فإن أبي أخبرني عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام.

قال: إن الايمان لا يثبت في قلب يهودي و لا خوزي أبدا.

و أما (2) من تانس به و تستريح إليه، و تلجئ (3) امورك إليه فذلك الرجل الممتحن (4) المستبصر الأمين الموافق لك على دينك، و ميّز

++++++++++

و المراد من صرفا: التوبة، و من عدلا: الفدية، و الواو في و لا يراك اللّه حالية، و كلمة (لا) في لا يراك اللّه نفي، و يراك بمعنى ينظرك، و الواو في و لا عدلا عطف على قوله عليه السلام: و لا يراك اللّه.

و المعنى: أنه لا ينظر أليك اللّه جل جلاله في الليل و النهار و الحال أنت تقبل من هؤلاء السعاة و الوشاة توبة بعد سعايتهم و وشايتهم في حق الآخرين عندك، و كذلك لا يراك اللّه في اليوم و الليل و أنت تقبل منهم فدية أي كفارة عن ذنبهم و هي السعاية و الوشاية.

(1) بضم الخاء و سكون الواو: صنف خاص من الناس في قبال بقية الصنوف كالعربي و الفارسي و الكردي و التركي و الهندي.

و كأنما لهذا الصنف مكر و خدع و حيل كانوا يسكنون (الأهواز) قبل الاسلام الى بداية القرن الثاني و أواسطه، فالحديث لا يعم سكان الأهواز و مواطينها حديثا و قديما و لا سيما بعد الفتح الاسلامي.

(2) جواب لسؤال النجاشى بقوله: و بمن آنس.

(3) من الجأ يلجأ من باب الافعال معناه: الاعتماد يقال: الجأت ظهري أليك. أى اعتمدت في اموري عليك.

(4) و هو الرجل العارف بالامور، المحنك في الأشياء.

ص: 367

أعوانك (1)، و جرب الفريقين (2)، فإن رأيت هناك رشدا فشانك (3) و إياه

و إياك ان تعطي درهما، أو تخلع ثوبا، او تحمل على دابة (4) في غير ذات اللّه لشاعر، أو مضحك، أو ممتزح (5) إلا اعطيت مثله في ذات اللّه.

و لتكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد (6) و الرسل (7) و الأجناد (8)

++++++++++

(1) جمع عون و هم الأنصار، و المعنى: أنك لا بدّ من أن تعرف من الصالح للبلاد في العمران.

(2) و هما: الصديق، و العدو

(3) كلمة شأن هنا مصدر منصوبة بفعله المحذوف من أسماء الأفعال أي وجه قصدك و ارادتك إليه.

(4) أي تعطي لشخص مركوبا.

(5) اسم فاعل من باب الافتعال و قد استعمله الامام عليه السلام بمعنى المازح.

و الفرق بينه و بين المضحك: أن الأول يتكلم بالهزليات، سواء اضحك الناس أم لا.

و الثاني يتكلم بالكلام المضحك، أو الأفعال المضحكة.

(6) وزان وعّاظ بضم القاف و فتح الواو جمع قائد: و هم رؤساء الجيش.

(7) جمع رسول وزان كتب و هم الذين يأتون من قبل السلطان او هو يرسلهم إليه.

(8) جمع جند، و له جمع آخر جنود.

ص: 368

و أصحاب الرسائل (1)، و أصحاب الشرط (2) و الأخماس (3)، و ما اردت أن تصرفه في وجوه البر و النجاح، و الفطرة و الصدقة و الحج، و الشرب و الكسوة التي تصلي فيها و تصل بها، و الهدية التي تهديها الى اللّه عز و جل و الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من اطيب كسبك.

يا عبد اللّه اجهد أن لا تكنز (4) ذهبا و لا فضة فتكون من اهل هذه الآية.

وَ اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ (5).

و لا تستصغرن من حلو، و لا من فضل طعام تصرفه في بطون خالية تسكن بها غضب الرب تبارك و تعالى.

++++++++++

(1) الظاهر أنهم أصحاب البريد الذين يأتون بالكتب، أو يحملونها إلى أصحابها.

(2) بضم الشين و فتح الراء وزان صرد جمع شرطي بضم الشين و سكون الراء و هم الجنود.

(3) و هم النخبة من الأصحاب المتقدمين من الجند، و إنما سموا بالخميس، لأنهم مركبون من خمس فرق. أليك أسماءهم:

(الفرقة الاولى): المقدمة.

(الفرقة الثانية): القلب.

(الفرقة الثالثة): الميمنة.

(الفرقة الرابعة): الميسرة.

(الفرقة الخامسة): الساقة و هم الجنود المتأخرون.

(4) من كنز يكنز كنزا، معناه: الجمع و الادخار.

(5) التوبة: الآية 35.

ص: 369

و اعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سمع عن النبي صلى اللّه عليه و آله يقول لأصحابه يوما: ما آمن باللّه و اليوم الآخر من بات شبعانا و جاره جائع.

فقلنا: هلكنا يا رسول اللّه.

فقال: من فضل طعامكم، و من فضل تمركم و رزقكم و خلقكم (1) و خرقكم (2) تطفئون بها غضب الرب.

و سأنبئك بهوان الدنيا، و هوان شرفها (3) عل من مضى من السلف و التابعين.

فقد حدثني أبي محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال: لما تجهّز الحسين عليه السلام إلى الكوفة أتاه ابن عباس فناشده اللّه و الرحم أن يكون (4) هو المقتول بالطف.

فقال: أنا أعلم بمصرعي منك، و ما و كدي (5) من الدنيا إلا فراقها.

++++++++++

(1) بفتح الخاء و اللام وزان فرس و هو البالي من الثياب يستوي فيه المذكر و المؤنث يقال: ثوب خلق، و جبة خلق.

(2) بكسر الخاء و فتح الراء جمع خرقة بكسر الخاء و سكون الراء و كسر القاف: القطعة من الثوب.

(3) أي عدم شرف للدنيا و أنها ليست كما يعتبرها الناس شرفا و إنما هو أمر موهوم.

(4) أي أن لا يكون هو المقتول بكربلاء.

و كلمة ناشدتك متكلم وحده من ناشد يناشد من باب المفاعلة معناها:

القسم أي أقسمت عليك باللّه.

(5) بضم الواو و سكون الكاف معناه: السعي و الجهد، و يحتمل أن يكون بفتح الواو و سكون الكاف معناه: القصد، و هذا أنسب بالمقام.

ص: 370

ألا اخبرك يا بن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه السلام و الدنيا؟

فقال له: بلى لعمري إني أحب أن تحدثني بأمرها.

فقال أبي علي بن الحسين: سمعت أبا عبد اللّه يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام قال: إني كنت بفدك (1) في بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة عليها السلام فإذا (2) أنا بامرأة قد قحمت (3) عليّ و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي مما يداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة (4) الجمحي بنت عامر و كانت من أجمل نساء قريش.

فقالت: يا بن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فاغنيك عن هذه المسحاة:

++++++++++

(1) بفتحتين قرية من قرى المدينة المنورة من بلاد الحجاز كانت ليهود تبعد عن المدينة مسافة يومين، و تبعد عن خيبر أقل من مرحلة.

و هي مما أفاء اللّه على رسوله صلى اللّه عليه و آله فكانت له، لأنه فتحها و أمير المؤمنين عليه السلام و لم يكن معهما أحد فزال عنهما حكم الفيء و لزمها اسم الأنفال فلما نزلت آية فآت ذا القربى حقه أي أعط (فاطمة) سلام اللّه عليها فدكا فاعطاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إياها.

كانت فدك في يد (الصديقة فاطمة) صلوات اللّه و سلامه عليها إلى أن توفى الرسول الأعظم صلى اللّه عليه و آله ثم أخذت من يدها صلوات اللّه و سلامه عليها بالقهر و الغلبة.

(2) إذا هنا فجائية.

(3) القحم هو الدخول في الشيء بلا روية و تدبر.

(4) بضم الباء و فتح الثاء و سكون الياء و فتح النون وزان عوينة نخيلة جهينة و هي المرأة الحسناء البيضاء.

و كلمة جمحي بكسر الجيم و سكون الميم و كسر الحاء وزان هندي معناه: المعين.

ص: 371

و ادلك على خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت، و لعقبك من بعدك.

فقال لها علي عليه السلام: من أنت حتى اخطبك من أهلك ؟

فقالت: أنا الدنيا.

قال لها: فارجعي و اطلبي زوجا غيري فأقبلت على مسحاتي و أنشأت أقول:

لقد خاب من غرته دنيا دنية *** و ما هي أن غرت قرونا بطائل

أتتنا على زي العزيز (1) بثينة *** و زينتها في مثل تلك الشمائل

فقلت لها: غري سواي فإنني *** عزوف (2) عن الدنيا و لست بجاهل

و ما أنا و الدنيا فإن محمدا *** أحلّ (3) صريعا بين تلك الجنادل

++++++++++

(1) يحتمل أن تكون الكلمة بالعين و الزاي و الراء في آخرها و هو العزير وزان فعيل.

و يحتمل أن تكون بالغين و راءين بينهما ياء و هو الحسن و الجمال و هذا أنسب في المقام.

و بثينة على المعنى الثاني عطف بيان لكلمة عزيز و فاعل أتت: الدنيا و إنما قال عليه السلام: أتتنا و لم يقل: أتتني، لأن الدنيا من شأنها أن تتمثل و تتزين لكل أحد.

(2) بفتح العين و ضم الزاي وزان فعول معناه: الإعراض عن الشيء بتا.

(3) بصيغة المجهول و لا يصح أن تكون بصيغة المعلوم، حيث إنها متعدية، فلا يقال: فلان أحلّ في المكان، بل يقال: حلّ فيه.

ثم لا يخفى أن هذا الشطر من البيت لا ينسجم مع قوله عليه السلام:

كنت بفدك في بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة عليها السلام، لأن (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله عند ما اقبر و الحد في التراب أخذت فدك من (الصديقة الطاهرة) عليها السلام مباشرة فلا يصح -

ص: 372

..........

++++++++++

أن يكون عمله عليه السلام بعد فقد (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله

و كذلك لا يصح أن تكون هذه الواقعة في زمانه صلى اللّه عليه و آله لأنه عليه السلام يقول: فإن محمدا احلّ صريعا بين تلك الجنادل.

و قد ورد أن الامام عليه السلام كان يعمل في البساتين في (المدينة المنورة) زمن الشيخين حتى خلافة عثمان لتحصيل قوته إلى أن آلت الخلافة إليه و لم يكن يصل إليه من فدك بمقدار سد الرمق.

و الذي بسهل الخطب أن هذا الحديث المنقول هنا و المشتمل على الأبيات قد ذكر في (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 151-156. الباب 49 الحديث 1.

و لم تذكر الأبيات هناك و إنما ذكرت في التعليقة و هي تسندها الى كشف الريبة راجع المصدر. ص 82. طباعة النجف الأشرف مطبعة النعمان عام 1382 و الأبيات هذه منقولة عن الديوان المنسوب الى الامام (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام.

و في النسبة ما لا يخفى على الناقد البصير لو لاحظ الديوان و لا سيما إذا كان من أهل الأدب و الذوق و عارفا بأساليب الفصاحة و البلاغة.

و كلمة جنادل بفتح الجيم جمع جندل بفتح الجيم و سكون النون، و فتح الدال و هي الأحجار الصغيرة.

ص: 373

و هيها اتتني بالكنوز و درّها *** و أموال قارون(1) و ملك (2) القبائل

أ ليس جميعا للفناء مصيرها *** و يطلب من خزانها بالطوائل (3)

فغري سواي إنني غير راغب *** بما فيك من ملك و عز و نائل (4)

++++++++++

(1) كان من (بني اسرائيل) و أثريائهم يضرب به المثل في الثراء.

قيل: هو ابن خالة (موسى بن عمران) عليه السلام.

و قيل: ابن عمه. و قيل: عمه.

كان جميل الصورة، و كان أقرأ للتوراة، و لم يكن في بني اسرائيل اقرأ منه.

كانت له كنوز كثيرة، و بكثرتها استطال على (بني اسرائيل) و يكفيك في عظمها و كثرتها قوله عز من قائل: وَ آتَيْنٰاهُ مِنَ اَلْكُنُوزِ مٰا إِنَّ مَفٰاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي اَلْقُوَّةِ (1).

أي أعطينا (قارون) من الخزائن و الأموال المدخرة قدر الذي تنيء مفاتحه العصبة، أي يثقل على جماعة من الناس حملها.

(2) يأتي بكسر الميم و ضمها، و المراد منه اني أملك كما يملك رؤساء القبائل و زعمائهم من الأموال.

(3) بفتح الطاء: جمع طائلة و طائل، و المقصود هنا: محاسبة خزائن الأموال يوم القيامة أشد الحساب، فيقال لهم: من أين أتيتم بهذه الأموال و فيم صرفتموها؟

(4) و هو البلوغ إلى الإرب و المنافع.

ص: 374


1- القصص: الآية 76.

فقد قنعت نفسي بما قد رزقته *** فشأنك (1) يا دنيا و أهل الغوائل (2)

فإني أخاف اللّه يوم لقائه *** و أخشى عذابا دائما غير زائل

فخرج (3) من الدنيا و ليس في عنقه تبعة (4) لاحد حتى لقى اللّه تعالى محمودا غير ملوم و لا مذموم، ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم لم يتلطخوا (5) بشيء من بوائقها (6).

و قد وجهت أليك بمكارم الدنيا و الآخرة.

و عن الصادق المصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (7)، فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثم كانت عليك من الذنوب و الخطايا (8) كمثل أوزان الجبال، و أمواج البحار رجوت اللّه أن يتجاوز عنك جل و عز بقدرته.

++++++++++

(1) الشأن هنا: الطبيعة، يقال: من شأنه كذا أي من طبيعته كذا

(2) غوائل بفتح الغين جمع غائلة: و المراد منهم: أهل الشر و الفساد و المعنى انه اعملي يا دنيا ما يقتضيه طبعك من المكر و الخداع على اهل الشر و الفساد مع اهل الغوائل.

و كلمة (اهل) منصوبة على المعية.

(3) اي (امير المؤمنين).

(4) بفتح التاء و كسر الباء جمعها: تبعات بفتح التاء و كسر الباء تستعمل الكلمة فيما يترتب على الفعل من المفاسد و الإضرار.

و المقصود منها هنا: الظلامة و الحقوق.

(5) من باب التفعل و معناه: التلوث.

(6) بفتح الباء جمع بائقة معناه: الداهية و الشر.

(7) اي و ما وجهته إليك كان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله

(8) المراد من هذه الذنوب: الذنوب التي تلازم الولاية من قبل السلطان الجائر التي لا ينفك عنها الوالي ابدا مهما كانت صفته و صفتها.

ص: 375

يا عبد اللّه: إياك أن تخيف مؤمنا، فإن أبي (محمد بن علي) عليه السلام حدثني عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه اللّه يوم لا ظل إلا ظله، و حشره في صورة الذر (1) لحمه و جسده، و جميع أعضائه حتى يورده مورده (2).

و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: من أغاث لهفانا (3) من المؤمنين أغاثه اللّه يوم لا ظل إلا ظله و آمنه من الفزع الأكبر (4)، و آمنه من سوء المنقلب (5).

و من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى اللّه له حوائج كثيرة إحداها الجنة.

و من كسى أخاه المؤمن جبة عن عرى كساه اللّه من سندس (6)

++++++++++

و يحتمل أن تكون عامة، حيث إن اللّه تعالى يغفر الذنوب جميعا قال عز من قائل: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ

(1) بفتح الذال إما صغار النمل، او الذرات المنتشرة في الهواء المسمات ب: هباء.

و المناسب في المقام هو المعنى الثاني، حيث يقول عليه السلام: لحمه و جسده و جميع اعضائه أي يجعل اللّه عز و جل جميع أعضاء بدنه هباء منثورا في الهواء.

أو يحشر جميع أعضاء بدنه كتلة من النمل الصغار.

(2) و هي جهنم و بئس المصير أعاذنا اللّه منها.

(3) بفتح اللام و سكون الهاء وزان سرعان و هو المكروب و المتحسر

(4) و هو الخوف الأكبر من شدة يوم القيامة و قانا اللّه من شره.

(5) و هو الدخول إلى النار أعاذنا اللّه منها.

(6) بضم السين و سكون النون و ضم الدال و سكون السين وزان برقع و هو نوع من نسيج الديباج الرقيق.

ص: 376

الجنة و استبرقها (1) و حريرها (2) و لم يزل يخوض (3) في رضوان اللّه ما دام على المكسو منها (4) سلك.

و من أطعم أخاه من جوع أطعمه اللّه من طيبات الجنة.

و من سقاه من ظمأ سقاه اللّه من الرحيق (5) المختوم.

و من أخدم (6) اخاه أخدمه اللّه من الولدان المخلدين، و أسكنه مع أوليائه الطاهرين.

و من حمل أخاه المؤمن على راحلة حمله اللّه على ناقة من نوق الجنة و باهى به الملائكة المقربين يوم القيامة.

و من زوّج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها، و تشد عضده و يستريح إليها (7) زوّجه اللّه من الحور العين، و آنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيه عليهم السلام و اخوانه و آنسهم به.

و من أعان أخاه المؤمن على سلطان جائر أعانه اللّه على إجازة (8) الصراط عند زلة الأقدام.

++++++++++

(1) بكسر الهمزة و سكون السين و فتح التاء و سكون الباء: هو الديباج الثخين.

(2) هو نسيج الإبريسم.

(3) أي الكاسي.

(4) أي من تلك الجبة.

و المراد من السلك: الخيط و هي كناية عن شدة الاهتمام بإكساء الفقراء.

(5) هو الشراب الخالص الذي لم يدنس من قبل أحد.

(6) المراد منه الخادم أي من أعطى خادما لأخيه المؤمن.

(7) أي تقوم الزوجة بما يوجب ارتياح زوجها.

(8) أي عبر الصراط و سلكه.

ص: 377

و من زار أخاه المؤمن في منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوّار اللّه و كان حقيقا على اللّه ان يكرم زائره.

يا عبد اللّه و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام إنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول لأصحابه يوما: معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين، فإنه من تتبع عثرة مؤمن اتبع اللّه عثراته يوم القيامة، و فضحه في جوف بيته (1) و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه قال: اخذ اللّه ميثاق المؤمن أن لا يصدّق (2) في مقالته، و لا ينتصف (3) من عدوه على أن لا يشفى غيظه إلا بفضيحة نفسه (4) لأن كل مؤمن ملجم (5) و ذلك (6) لغاية قصيرة، و راحة طويلة.

و اخذ اللّه ميثاق المؤمن على أشياء أيسرها (7) عليه مؤمن مثله يقول

++++++++++

(1) أي في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

(2) بصيغة المجهول من باب التفعيل، و المعنى أن المؤمن حينما يتكلم و يحدث حديثا لا يعتنى بحديثه، و لا يؤخذ به، و يصدق بصيغة المجهول.

(3) أي لا يؤخذ حقه من عدوه إذا بغى عليه و تعدى

(4) كناية عن أنه لا يقابل اعتداء الغير بالمثل إذا اغتاظ و غضب.

(5) بصيغة المفعول من باب الإفعال من ألجم يلجم إلجاما، معناه هنا: كف لسان المؤمن عن الكلمات البذية البشعة.

(6) تعليل و إشارة إلى ما ذكر: من الجمل المتقدمة أي عدم تصديق مقالة المؤمن، و عدم الانتصاف من عدوه، و عدم شفاء غيظه: لأجل أن أمد الدنيا قصير، لكن بإزائه راحة طويلة للمؤمن في الآخرة و إن قدر أن تجري عليه هذه الامور.

(7) أي أسهلها فهو مبتدأ خبره مؤمن أي أسهل تلك الأشياء

ص: 378

بمقالته يعيبه و يحسده، و الشيطان يغويه (1) و يمقته (2)، و السلطان يقفو (3) اثره، و يتبع (4) عثراته، و كافر (5) بالذي هو مؤمن به يرى سفك دمه دينا، و إباحة (6) حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا؟

يا عبد اللّه و حدثني ابي عن آبائه عليهم السلام عن علي عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال: نزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن اللّه يقرؤك السلام و يقول: اشتققت (7) للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا

++++++++++

التي قدرها للمؤمن مؤمن يقول بمثل مقالة المؤمن الأول فيبغي هذا المؤمن الثاني على المؤمن الأول، و يحسده و يريد السوء به.

و يحتمل أن يكون معنى يبغيه: المحبة أي المؤمن الأول يحب المؤمن الثاني، إلا أن الثاني يحسده و يقابله بالأذى.

(1) أي الشيطان يغوي المؤمن بمعنى أنه يهيئ له أسباب المعصية.

(2) من مقت يمقت مقتا، الظاهر أن الفاعل في يمقت المؤمن.

و مرجع الضمير: الشيطان، و الواو حالية أي و الحال أن المؤمن يمقت الشيطان و يكرهه و يبغضه.

(3) من قفا يقفو قفوا معتل اللام معناه: المتابعة أي السلطان يتبع عثرات المؤمن لينكل به.

(4) الظاهر أن الكلمة يتتبع، و لعل السهو من النساخ.

(5) بالرفع خبر ثان للمبتدإ المتقدم و هو قوله، أيسرها، أي أسهل الأشياء كافر بالشيء الذي يؤمن به المؤمن: أن يرى سفك دم مؤمن من الواجبات الدينية عنده.

(6) بالنصب عطف على المفعول في قوله: يرى سفك دمه أي و يرى هذا الكافر إباحة حريمه من الغنائم.

(7) المراد منه الاشتقاق اللفظي، لا المعنوي للفرق، في المعنى

ص: 379

فالمؤمن مني و انا منه (1)، من استهان بمؤمن فقد استقبلني بالمحاربة.

يا عبد اللّه و حدثني ابي عن آبائه عن علي عن النبي صلى اللّه عليهم اجمعين أنه قال يوما: يا علي لا تناظر (2) رجلا حتى تنظر في سريرته (3) فإن كانت سريرته حسنة، فإن اللّه عز و جل لم يكن ليخذل وليه (4)، و إن كانت سريرته رديّة فقد تكفيه مساويه (5)، فلو جهدت ان تعمل به اكثر مما

++++++++++

في الموضعين و هما: المؤمن في العبد، و المؤمن في اللّه، حيث إن الأول معناه الإيمان باللّه، و الثاني مشتق من الأمان، لأن اللّه عز و جل يؤمن عبده المطيع فهو من آمنه بمعنى أمنه.

(1) الظاهر أن المراد من هذه الجملة: أن المؤمن باللّه و المطيع له قريب إلى اللّه عز و جل، و اللّه سبحانه و تعالى قريب إليه قربا معنويا و قد قال عز من قائل: (وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ) .

و يحتمل أن يكون المراد من أنا منه و هو مني: الحب أي أنا احبه و هو يحبني.

و هناك توجيهات و محتملات اخرى للحديث الشريف.

لكن ذكرها لا يناسب المقام فالقارئ الكريم بذهنه الوقاد يعرفها فيختارها، او احدها، او يترك الكل.

(2) اي لا تجادل.

(3) و هو ما يبطنه الرجل من خير، أو شر في ضميره.

(4) و هو الرجل المؤمن الذي يناظره المؤمن الآخر و يجادله.

و بما أن نيته حسنة فهو ولي اللّه عز و جل، و اللّه ناصره و معينه فيغلب على المجادل فلا تنفع المناظرة و المجادلة مع هذا المؤمن.

(5) اي في إذلاله و خذلانه فجدالك معه لا يزيده خذلانا و ذلة و لا ينقص من مساويه.

ص: 380

عمل به عن معاصي اللّه عز و جل ما قدرت عليه.

يا عبد اللّه و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليهم السلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال أنه قال: أدنى الكفر أن يسمع الرجل عن أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها اولئك لا خلاق (1) لهم.

يا عبد اللّه و حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: من قال في مؤمن ما رأت عيناه، و سمعت اذناه ما يشينه و يهدم مروءته فهو من الذين قال اللّه عز و جل: «إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » (2).

يا عبد اللّه و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال:

من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته (3) و ثلبه (4) أوبقه (5) اللّه بخطيئته يوم القيامة حتى يأتي بمخرج (6) ممّا قال.

و من أدخل على أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل على أهل بيت نبيه صلى اللّه عليه و آله سرورا.

و من أدخل على بيت نبيه سرورا فقد أدخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله سرورا.

و من أدخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سرورا فقد سر اللّه و من سر اللّه فحقيق على اللّه أن يدخله جنته.

++++++++++

(1) أي لا نصيب لهم في الآخرة.

(2) النور: الآية 19.

(3) أي هدم معنويته و حيثيته.

(4) أي نسبة العيب إليه.

(5) من اوبق يوبق إيباقا معناه: الإهلاك، اي اهلك اللّه الرجل المغتاب بالكسر بسبب خطيئته و هي الغيبة.

(6) بصيغة الفاعل معناه: المبرر اي حتى يأتي بمبرر مما قال في حق اخيه.

ص: 381

ثم إني أوصيك بتقوى اللّه، و إيثار (1) طاعته، و الاعتصام بحبله فإنه من اعتصم بحبل اللّه فقد هدي إلى صراط مستقيم.

فاتق اللّه و لا تؤثر أحدا على رضاه و هواه، فإنه (2) وصيّة اللّه عز و جل إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها، و لا يعظم سواها.

و اعلم أن الخلق لم يوكلوا (3) بشيء أعظم من تقوى اللّه، فإنه (4) وصيتنا أهل البيت، فإن استطعت أن لا تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل.

قال عبد اللّه بن سليمان: فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام إلى النجاشي نظر فيه فقال: صدق و اللّه الذي لا إله إلا هو مولاي فما عميل أحد بما في هذا الكتاب إلاّ نجا.

قال (5): فلم يزل عبد اللّه (6) يعمل به أيام حياته.

++++++++++

(1) مصدر باب الإفعال من آثر يؤثر إيثارا معناه التقديم و التفضيل يقال: آثر زيد عمرا على نفسه في الأكل أي قدمه، و منه قوله تعالى:

وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ أي و يقدمون الغير و يفضلونه على أنفسهم في أكل الطعام و لو كانوا محتاجين إليه.

و المراد من الايثار هنا تقديم طاعة اللّه على معصيته.

(2) مرجع الضمير: و إيثار طاعته أي تقديم طاعة اللّه على معصيته وصية اللّه عز و جل.

(3) فعل مضارع مجهول من الثلاثي المجرد من و كل يكل و كلا معناه: التفويض. يقال: و كل إليه الأمر اي فوضه.

(4) اي تقوى اللّه عز و جل.

(5) اي عبد اللّه بن سليمان الذي كان حاضرا في مجلس الإمام (الصادق) عليه السلام و جاء بكتاب النجاشي إلى الامام و هو راوي الحديث.

(6) اي عبد اللّه النجاشي الذي كان واليا على الأهواز من قبل المنصور.

ص: 382

الفهارس

اشارة

1 - الأبحاث.

2 - التعليقات.

3 - الآيات الكريمة.

4 - الأحاديث الشريفة

5 - الأعلام

6 - الأمكنة و البقاع

7 - الشعر

8 - الكتب

9 - الخاتمة

ص: 383

ص: 384

1 - فهرس الأبحاث

ص الموضوع

3 الإهداء

7 كفارة الغيبة

9 الأحاديث الواردة في كفارة الغيبة

11 عدم الفرق بين إمكان الوصول و تعذره

13 الخدشة في سند الحديث

15 إمكان الجمع بين الحديثين المتعارضين

17 إمكان جعل الحديث طريقا للبراءة مطلقا

19 الخدشة في سند الأحاديث

21 الاستحلال من المستغاب هو الاحتياط

23 وجوب الحكم على طبق أقوى المصلحتين

25 ما ذكره صاحب كشف الريبة

27 الأحاديث الواردة في جواز غيبة المتجاهر

29 المراد من جواز غيبة المتجاهر

31 في جواز الحاق العيب المستور بالمتجاهر

33 هل يجوز ذكر المتجاهر بالفسق عند غير أهل بلده

ص الموضوع

35 في تظلم المظلوم

37 الاستدلال بالأحاديث على جواز تظلم المظلوم

39 جواز تظلم المظلوم لا يقيد بقيد

41 ما أفاده صاحب مجمع البيان في تظلم المظلوم

43 عدم جواز الاشتكاء عند من لا يرجى منه إزالة الظلامة

45 الموارد المستثناة من الغيبة

47 الاستفتاء من الصور المستثناة

49 الصور المستثناة من الغيبة

53 كلام الامام الصادق عليه السلام حول زرارة

57 في توجيه ما ورد من الأعلام في حق بعض الرواة

59 الصور المستثناة من الغيبة

61 حرمة استماع الغيبة

63 ما أفاده الشهيد الثاني في استماع الغيبة

ص: 385

ص الموضوع

65 عدم وجود دليل على جواز استماع الغيبة

67 جواز استماع الغيبة عند ما تجوز الغيبة

69 في وجوب رد الغيبة عند الإمكان

71 الأحاديث الواردة في ذم من له لسانان

73 في حقوق المسلم على أخيه المسلم

79 المراد من الحقوق الواردة

81 الأحاديث الواردة في الإخاء

83 نعوت الإخاء الديني

85 الأحاديث الواردة في الإخاء الديني

87 اختبار المؤمن بخصلتين

91 في القمار

93 أقسام اللعب

95 الخدشة في الاستدلال

97 في لعبة النرد و الشطرنج

99 تعميم حرمة اللعب بمطلق آلات القمار

101 الأحاديث الواردة في اللعب بالشطرنج

103 في المراهنة على اللعب بغير آلات القمار

105 لا خلاف فى حرمة اللعب بغير آلات القمار

ص الموضوع

107 الأحاديث الواردة في الرهان

109 ما أفاده صاحب الجواهر في اللعب بغير آلات القمار

111 ما أورده الشيخ على صاحب الجواهر

115 الاستدلال بالحديث الدال على عدم وجود الحرمة التكليفية

117 حكم العوض من حيث الفساد

125 استدراك من الشيخ عما أورده على الحديث

127 في المغالبة بغير عوض

129 ما أفاده العلامة في التذكرة حول المغالبة بغير عوض

133 ما أورده الشيخ على ما أفاده العلامة

135 الاستدلال بأدلة القمار على حرمة المغالبة بغير عوض

137 تحقيق حول عدم دخول آلة القمار في القمار

139 الاستدلال بما تقدم من الأخبار على حرمة المغالبة بغير عوض

141 ما أورده الشيخ على الأدلة المذكورة

145 القيادة

149 القيافة

ص: 386

ص الموضوع

151 ما نسب الى اخواننا السنة في القيافة

155 الحديث الوارد في القيافة عن طرقنا

159 الكذب

161 الآيات و الأخبار الدالة على حرمة الكذب

165 مجرد الكذب لا يكون حراما

167 ما أفاده الشيخ الكبير (كاشف الغطاء)

169 خلف الوعد لا يكون من الكذب

171 الكذب الهزلي ليس حراما

173 المبالغة ليست من الكذب

175 التورية ليست من الكذب

177 ما ذكره المحقق القمي حول التورية

179 ما أفاده شيخنا الأنصاري حول التورية

181 جواب الامام الصادق عليه السلام عن الأسئلة

183 في مسوغات الكذب

185 جواز الحلف كاذبا

187 في أن التورية مع القدرة عليها واجبة أم لا

189 قبح الكذب عقلي

191 اليمين على قسمين

ص لموضوع

193 ما يصعب على الفقيه الالتزام به

195 ايجاب التورية على القادر بها من المعسور

197 مقتضى الاطلاقات، و رواية سماعة

199 النسبة بين المطلقة، و رواية سماعة

201 المكره على البيع مكره على الصيغة فقط

203 جواز الكذب عند الاضطرار إليه

205 المسوغ للكذب هو المسوغ للاضطرار

207 الأقوال الصادرة عن الأئمة عليهم السلام حول التقية

213 مراد الامام عليه السلام من جواز الصلاة في الثوب النجس

215 الحمل على الاستحباب هو المتيقن

217 الأحاديث الواردة في الاصلاح

221 الكهانة

223 سؤال الزنديق عن الامام عليه السلام عن أصل الكهانة

225 جواب الامام الصادق عليه السلام عن سؤال الزنديق

227 ما أفاده الشيخ حول الحديث

229 الأحاديث الواردة في الكهانة

ص: 387

ص الموضوع

233 اللهو

235 أقوال العلماء في اللهو

237 انتصار صاحب الرياض لابن ادريس

239 الأحاديث الواردة في حرمة اللهو

245 دخول الرقص و التصفيق في التحريم

247 وجود عنوانين آخرين

249 ما أفاده الشيخ حول اللعب

251 الاستدلال بالآية و الرواية

255 مدح من لا يستحق المدح

257 مدح الظالم اتقاء شره واجب

261 معونة الظالمين

263 الأحاديث الواردة في اعانة الظالمين في غير المحرمات

265 الأقوى تحريم اعانة الظالمين في غير المحرمات

267 الأحاديث الواردة في ذم اعانة الظالمين

271 في الرد على الأحاديث الواردة في ذم أعوان الظلمة

273 المحرم من العمل للظلمة قسمان

277 النجش

281 النميمة

ص الموضوع

283 ما يدل على حرمة الغيبة: يدل على حرمة النميمة

287 النوح بالباطل

291 الولاية

293 دلالة ظاهر الروايات على حرمة الولاية بنفسها

295 دلالة بعض الأخبار ان حرمة الولاية من باب المقدمة

297 أمران يسوغان الولاية من قبل الجائر

299 الأحاديث الدالة على جواز تولي الولاية لمصلحة

307 أقوال الفقهاء في الولاية عن الجائر

309 توجيه الشيخ الأنصاري كلام المحقق

311 التخيير المذكور من باب المزاحمة

313 أضعفية ما أفاده بعض الأعلام في المقام

315 استفادة الاستحباب من حديث محمد بن اسماعيل

317 ما أورده الشيخ على صاحب الجواهر

321 ملاحظة النسبة بين أدلة التحريم و أدلة الوجوب بعد التخصيص

ص: 388

ص الموضوع

323 توجيه كلام من عبر بالجواز

325 الثاني من مسوغات الولاية

327 التنبيه على امور

329 تحقيق حول حديث الرفع

331 جواب عن دخل مقدر

333 توهم و الجواب عنه

335 رفع عن امتي مسوق للامتنان على الامة جمعاء

337 في تحقق الاكراه بالتوعد

339 الحديث الوارد في عدم جواز الاضرار بالغير

341 عدم شمول التقية الواردة في الحديث مطلق الاضرار

343 ما أفاده العلامة في القواعد حول الولاية

345 عنوانان مستقلان في تسويغ الولاية المحرمة

347 في أقسام الاضرار

349 تفسير الشهيد الثاني الإكراه المسوغ للدخول في الولاية بمعناه الأعم

ص الموضوع

351 منشأ زعم الخلاف في اعتبار القدرة على التفصي و عدمه

353 مشروط الإكراه، و مشروط العجز عن التفصي مختلفان

355 مطابقة عبارة الشرائع مع عبارة الفقهاء

357 تشريع التقية لا يفرق بين أفراد الأمة

359 الدم المحترم بالذات خارج عن مورد الروايتين

361 هل الدم يشمل الجرح و قطع الأعضاء

363 رسالة النجاشي إلى الامام الصادق عليه السلام

365 جواب الامام الصادق عليه السلام عن رسالة النجاشي

369 جواب الامام الصادق عليه السلام عن رسالة النجاشي

375 الأبيات المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام

377 جواب الامام الصادق عليه السلام عن رسالة النجاشي

ص: 389

2 - فهرس التعليقات

ص الموضوع

7 الغيبة من حقوق الناس

9 المراد بالأداء هي المحافظة

10 عبارة الصحيفة السجادية

11 عبارة الصحيفة السجادية

12 موارد تعلق الحق بذمة الآخر

12 استدراك عما أفاده الشيخ

12 تحقيق حول الحديث المروي عن السكوني

14 تحقيق حول عدم دلالة الاستغفار على براءة ذمة المستغيب

15 تنظير لكون الاستغفار كفارة لحق اللّه

15 وجه التعارض بين النبويين

15 طريق الجمع بين النبويين المتعارضين

16 تحقيق حول كلمة محالة

16 جعل خبر السكوني طريقا لبراءة ذمة المستغيب

17 تعليل لوجوب طرح خبر السكوني

17 رد على الشيخ و خلاصة الرد

ص الموضوع

17 استدراك من الشيخ عما أفاده

18 تحقيق حول ثبوت الحق في ذمة المستغيب

18 معارضة الاستصحاب مع البراءة

19 اشكال على المعارضة المذكورة

19 اشكال ثان على عدم حجية الاستصحاب

19 تحقيق حول معنى القضاء الوارد في الحديث

21 تعليل حول أن الاحتياط المذكور قريب للواقع و الصواب

22 المراد من معنى الجواز

22 الأمثلة الثلاثة للجواز بالمعنى الأعم

23 في دوران الأمر بين معصية صغيرة و معصية كبيرة

24 ذكر الشيخ أقوال العلماء في تقديم المصلحة القوية على الضعيفة

25 المراد من القدح في مقالة باطلة

27 مفهوم لم يظلمهم

ص: 390

ص الموضوع

28 مفهوم إن لم تره بعينك

28 مفهوم إن لم يشهد شاهدان

29 المراد من اشتراط الكل

29 إن قيل

31 تحقيق حول كلمة و ينكلهم

32 المراد من من القي جلباب الحياء

36 وجه احتياج الرواية الى التوجيه

36 عدم احتياج الرواية الى التوجيه

37 تأييد لاستثناء المظلوم عن الغيبة

37 تعليل ثان لجواز تظلم المظلوم

37 المراد من الردع

37 متابعة الأحكام للمصالح و المفاسد

37 الظاهر من الآيات و الأخبار و المؤيدات

38 فائدة بدنية في جواز اظهار التظلم

40 تعليل للاقتصار المذكور و خلاصته

40 تعليل ثان للاقتصار المذكور و خلاصته

40 ترق من الشهيد الثاني

41 اعتراض على الشهيد الثاني و الشيخ فيما أفاداه

42 المراد من بعد الآيات

42 المراد من الأدلة العقلية و النقلية

ص الموضوع

43 تحقيق حول و أي الرجال المهذب

44 تعليل لجواز اشتكاء المظلوم

44 تحقيق حول خروج الصور العشر عن الغيبة

45 شروع الشيخ في موارد المستثناة من الغيبة

46 استثناء نصح المستشير عن الغيبة

46 القدر المتيقن من النصح

48 شكاية هند زوجة أبي سفيان

48 وجه الاستدلال بالحديث

49 و هم و الجواب عنه

49 احتمال أن يراد من الأصل الاستصحاب الأزلي

49 ثالثة الموارد المستثناة

50 رابعة الصور المستثناة

51 خامسة الصور المستثناة

51 المراد من الشهود

52 سادسة الصور المستثناة

53 مقصود الامام عليه السلام

54 المراد من السفينة

54 المراد من جملة الحمد للّه

55 في معنى القمقام و الزاخر

ص: 391

ص الموضوع

56 جواز الغيبة للتقية

56 سابعة الصور المستثناة

57 ارجاع الكراهة الى الكلام، لا الى الوصف

58 ثامنة الصور المستثناة

59 تاسعة الموارد المستثناة

60 المصالح و المفاسد تختلف قوة و ضعفا

60 المراد من المصلحة الغالبة

62 معنى الحمل على الصحة

64 المراد من الأدلة

64 تعليل و خلاصته

65 مناقشة الشيخ مع الشهيد الثاني

67 استدراك عما أفاده الشيخ

72 أول الحقوق

72 ثاني الحقوق

73 ثالث الحقوق

73 رابع الحقوق

73 خامس الحقوق

73 سادس الحقوق

73 سابع الحقوق

73 ثامن الحقوق

73 تاسع الحقوق

ص الموضوع

73 عاشر الحقوق

74 حادي عشر الحقوق

74 ثاني عشر الحقوق

74 ثالث عشر الحقوق

74 رابع عشر الحقوق

74 خامس عشر الحقوق

74 سادس عشر الحقوق

74 سابع عشر الحقوق

74 ثامن عشر الحقوق

74 تاسع عشر الحقوق

75 الحق العشرون

75 الحق الحادي و العشرون

75 الحق الثاني و العشرون

75 المراد من السلام و صوره الأربع

76 الحق الثالث و العشرون

76 الحق الرابع و العشرون

76 الحق الخامس و العشرون

76 الحق السادس و العشرون

76 الحق السابع و العشرون

77 الحق الثامن و العشرون

77 الحق التاسع و العشرون

77 الحق الثلاثون

ص: 392

ص الموضوع

78 معنى العبارة

78 الحقوق المذكورة

79 تعليل لعدم حق الأخ المضيع و خلاصته

80 معنى المقاصة

80 معنى التهاتر

81 معنى المكاشرة

81 الغرض من تشبيه اخوان الثقة بالكف و الجناح

81 وجه تشبيه أخ الثقة بالأهل و المال

81 المراد من الكبريت الأحمر

82 الصداقة هي الصحيحة الودية الخالصة

85 حالات ثلاث

87 تحقيق حول كلمة المواقيت

91 المراد من الاجماع

93 المسائل الأربعة

94 وهم و الجواب عنه

95 امكان الخدشة في الانصراف

95 متممات الجواب و خلاصته

95 الخدشة فيما استدل به الخصم و خلاصتها

96 استدراك عما أفاده آنفا و خلاصته

96 تحقيق حول لعب النرد

ص الموضوع

100 تحقيق حول لعب السّدر

100 الحديث 1-2-3 الدال على تعميم حرمة مطلق اللعب

101 الحديث 4 الدال على تعميم حرمة مطلق اللعب

101 تعليل لتعميم حرمة مطلق اللعب و خلاصته

101 عدم مجال لدعوى الانصراف

101 ترتب شيئين على ما أفاده الشيخ

101 الخدشة فيما رتبه الشيخ

102 تحقيق حول كلمة الوثيقة

103 المراد من المراهنة

103 الصور الست في المراهنة

103 اجتماع حرمتين في المراهنة

104 المراد من مما عدوه

104 الحاق المراهنة بالقمار في الحكم التكليفي و الوضعي

105 ما أفاده العلامة الطباطبائي في محل الخلاف في المراهنة

106 عدم وجود الحرمة الوضعية في المراهنة بلا عوض

108 مناقشة الشيخ فيما أفاده صاحب الجواهر

ص: 393

ص الموضوع

108 خلاصة ما ذكره صاحب الجواهر

108 ما أفاده صاحب الجواهر في المغالبة بغير عوض

110 اشكال ثان من الشيخ على صاحب الجواهر

110 اشكال ثالث من الشيخ على صاحب الجواهر

111 اشكال رابع منه عليه

111 اشكال خامس منه عليه

111 استثناء من الشيخ عما أفاده

112 استدراك من الشيخ عما أفاده و خلاصته

113 استدراك من الشيخ عما ادعاه من وجود الحرمة التكليفية و الوضعية

114 تحقيق حول كلمة أكل الوارد في الحديث

115 تحقيق حول جملة و منع غرامة فيه

116 استثناء و خلاصته

116 اشكال الشيخ على ما أفاده في الاستثناء

117 توجيه لعدم ردع الامام عليه السلام

117 أدلة اخرى أقوى من الحديث المذكور

ص الموضوع

118 وهم و الجواب عنه

118 إشكال منا على ما أفاده الشيخ في الجواب عن الوهم

118 إشكال من الشيخ على ما أفاده حول حديث القيء

118 الحديث المروي في أكل الامام عليه السلام البيض الحرام

119 تحقيق حول الأحكام الشرعية في عدم تبدلها عن واقعها

120 مقدمة موجزة تمهيدية

121 تحقيق حول الامامة الكبرى

122 أدلة عقلية حول عصمة الامام عليه السلام

125 استدراك من الشيخ عما أورده على الحديث المذكور

126 الايراد على الحديث المذكور تطبيقا لحركات الأئمة على القواعد الشرعية

126 المناقشة حول الحديث المذكور

127 عدم وجود نهي في الأخبار يدل على الحرمة

129 تحقيق حول كلمة فلك و ذكر أقسامها

ص: 394

ص الموضوع

130 المراد من الطيارات

130 المناطحة - المناهشة

131 تحقيق حول كلمة صولجان

131 تحقيق حول كلمة الملاعب

132 أدلة الجواز

132 تعليل و خلاصته

134 وهم و الجواب عنه

135 أجنبية الرواية عما نحن بصدده

136 وجه البعد و خلاصته

137 تحقيق حول عدم دخول آلة القمار في القمار

138 تنظير لكون آلة القمار غير داخلة في مفهوم القمار و وجه التأمل

140 استدلال صاحب الرياض على حرمة المغالبة بغير آلات القمار، و بغير عوض

140 ايراد الشيخ على استدلال صاحب الرياض و خلاصته

141 استثناء عما أفاده الشيخ

149 تحقيق حول القيافة

149 ما ذكره الشيخ عن تعاريف أهل اللغة حول القيافة

ص الموضوع

150 تعليل لحرمة القيافة

153 في الحديث المروي عن طرق إخواننا السنة حول القيافة

155 شرح الحديث الوارد عن طرقنا حول الامام الجواد عليه السلام:

156 الاشكال حول الحديث

159 المراد من العقول

164 تحقيق حول جملة (على الكذب)

165 تحقيق حول وعد الأب

166 وجه ثان لاطلاق الكذب على الوعد و خلاصته

167 اتصاف الخبر بالصدق و الكذب دون الانشاء

171 تحقيق حول السيرة

171 في حمل الخبرين

173 ذكر أمثلة في المبالغة

173 اشكال على الأمثلة المذكورة

176 توجيه الشيخ كلام صاحب جامع المقاصد و خلاصته

176 استدراك من الشيخ عما أفاده

176 استثناء من الشيخ عما أفاده

178 نقاش من الشيخ مع المحقق القمي

ص: 395

ص الموضوع

179 تفريع على ما أفاده المحقق القمي و خلاصته

180 المراد من العير و الصواع

181 المراد من السقم

182 دلالة الأدلة الأربعة على حرمة الكذب

182 أول الأدلة الأربعة

183 سبب نزول آية إلاّ من اكره و قلبه مطمئن بالإيمان

184 ثاني الأدلة الأربعة

184 ثالث الأدلة الأربعة و رابعها

185 ذكر مثال لانتفاء القبح رأسا على الأقل قبحا

186 تحقيق حول عبارة على القولين

189 المراد من العمومات

189 التفريع على ما أفاده الشيخ و خلاصته

190 الرواية الاولى الدالة على جواز الحلف كاذبا و إن كان قادرا على التورية

190 الرواية الثانية الدالة على جواز الحلف كاذبا و إن كان قادرا على التورية

ص الموضوع

191 الرواية 3-4 الدالة على جواز الحلف كاذبا و إن كان قادرا على التورية

192 الرواية 5-6 الدالة على جواز الحلف كاذبا و إن كان قادرا على التورية

193 نص الحديث الدال على جواز الكذب

194 وهم و الجواب عنه

195 المراد من التبري

195 اشكال على ما أفاده الشيخ: من لزوم العسر

196 وجوب الاحتياط و هو ترك الكذب هو الموافق للقواعد الفقهية

196 وجه استبعاد التقييد المذكور

197 مقتضى المطلقات، و رواية سماعة

197 المراد من الاجتماع في مادة الاجتماع

197 النسبة بين المطلقات، و رواية سماعة

198 وجه التأمل

201 تفريع على ما أفاده الشيح

201 الفرق بين المقامين و خلاصته

202 تعليل لكون المكره بالفتح مكره على ايقاع الصيغة فقط

ص: 396

ص الموضوع

203 استدراك من الشيخ عما أفاده و خلاصته

204 رأي الشيخ حول جواز الكذب و خلاصته

204 استدراك من الشيخ عما أفاده

207 المراد من الجواز المسوغ للكذب معناه الأعم

208 تحقيق مهم حول التقية

210 الأقوال الصادرة عن الأئمة عليهم السلام حول الأحكام الشرعية المخالفة لمذهبهم

211 نص عبارة الفقه على المذاهب الأربعة

211 تعليل لحمل كلام الامام الصادر في مقام التقية

212 استدراك من الشيخ عما أفاده

213 المراد من تعذر الغسل

214 نص الحديث 9 الراجع إلى إرادة خلاف ظاهره

214 ما أفاده في الفقه على المذاهب الأربعة

215 تعليل لتعين الثاني و هو الاستحباب دون الأول و هي التقية

ص الموضوع

216 الاشكال على ما أفاده الشيخ حول التعيين

218 الحديث الوارد في الاصلاح

221 إخبار سطيح الكاهن بزوال (دولة ساسان)

222 المراد من العرّاف

223 عوامل الإخبار عن المستقبل

223 العامل 1-2-3-4

224 مقصود الامام عليه السلام من نفي الشبهة

226 الاشكال على ما أفاده الشيخ

227 إخبار سطيح وشق الكاهنين كان من أخبار السماء

229 فرق بين التفرس، و الاخبار عن المغيبات

230 تحقيق حول الرمل و الجفر

233 الاشكال على مطلق اللهو

233 الأسفار الواجبة

234 الأسفار المندوبة و المباحة

235 كلام حول تقصير الصلوات اليومية في السفر عند (الشيعة الامامية)

236 استدلال ابن ادريس و خلاصته

ص: 397

ص الموضوع

236 المراد من القبح

237 المراد من الآيات الواردة في اللهو

237 الاشكال في الآيات المستدل بها

240 تحقيق حول كلمة الملاهي

241 تشكيل قياس منطقي من الشكل الاول

243 تعليل للتفريع المذكور

245 تحقيق حول الرقص و التصفيق

246 الضرب بالصفائح الخفيفة

246 المراد من القوى الشهوية

247 مقتضى عطف اللهو على اللعب و اللعب على اللهو و الآيات الواردة فيه

248 اللعب و اللهو نظير الفقير و المسكين

249 أدوار الحياة و مراحلها

250 مجموع أدوار الحياة

255 المدح على قسمين

256 المراد من كلمة تخفف له و تضعضع له

257 الاشكال في الدليل الدال على حرمة مدح من لا يستحق المدح

257 مدح الظالم اتقاء شره واجب

257 الحديث الوارد في ذم من يكرم اتقاء شره

257 المراد من الأدلة الأربعة

262 لما ذا لم يذكر المصنف الظلم نفسه ؟

262 تحقيق حول كلمة بريء اشتقاقا و معنى

263 المقصود من أشباه الظلمة

263 تحقيق حول كلمة لاق

264 تحقيق حول كلمة عقدة. و الوكاء و لابتيها و سرادق

265 تحقيق حول كلمة لا الاولى

266 تحقيق حول كلمة سابع و سود و ديوان

267 الأحاديث الواردة في حرمة معونة الظالم و الاشكال عليها

268 تحقيق حول كلمة وجم

268 دفع تخيل

271 الاستشهاد برواية ما أحب أني عقدت في موضعين

282 تحقيق حول كلمة نهش

283 أركان النميمة

287 نص الحديث الوارد في النوح

288 الجمع بين الأخبار المتضاربة في النوح

291 تحقيق حول كلمة الولاية و كلمة تصيير

ص: 398

ص الموضوع

292 المراد من الكسب للظلمة

292 تعليل لكون الولاية من قبل الجائر مفسدة

293 ما أفاده الشيخ من ظاهر الروايات و الاشكال على الظاهرة، و أن الحرمة ليست ذاتية نفسية

294 استفهام الامام عليه السلام

295 ملازمة الولاية للجور و الظلم

295 الحكم بحرمة الولاية لأجل ترتب المفاسد عليها

295 تاريخ الحيرة

299 تحقيق حول كلمة خريف

300 تحقيق حول كلمة لا سيما

304 تحقيق حول اللام

305 تعليل و خلاصته

307 جملة فإنه استحب له محل استشهاد الشيخ الأنصاري

308 توجيه الشهيد الثاني كلام المحقق

309 ما أورده الشيخ على التوجيه المذكور و خلاصته

309 توجيه شيخنا الأنصاري كلام المحقق

310 حاصل ما ذكره الشيخ في توجيه كلام المحقق

ص الموضوع

311 التزاحم في المقام نظير تزاحم الحقين

312 رد من المحقق السبزواري على ما أفاده الشهيد الثاني

312 رد من الشيخ على ما أفاده السبزواري

313 استدراك من الشيخ عما أفاده

313 الجواب عن الاستدراك المذكور و خلاصته

313 انتصار صاحب الجواهر للمحقق

314 النسبة بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف، و بين أدلة حرمة تصدي الولاية

315 تعليل للجمع بين الأدلة و خلاصته

315 موضوع الأمر و النهي بسيط لا مركب

315 متممات كلام صاحب الجواهر

315 حديث محمد بن إسماعيل شاهد صدق على الجمع بين الأدلة

316 إشكال و خلاصته و الجواب عنه

317 اتحاد ما أفاده الشيخ مع ما أفاده صاحب الجواهر

318 المراد من التخيير و الفرق بين التخيير الظاهري و الواقعي

319 انتصار لشيخنا صاحب الجواهر

ص: 399

ص الموضوع

319 تفريع و خلاصته

320 ما أورده الشيخ على صاحب الجواهر و خلاصته

321 تحقيق حول النسبة بين دليل استحباب الولاية و بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف بعد التخصيص

321 التمثيل بالوضوء

322 تفريع على ما أفاده صاحب الجواهر

322 تعليل لعدم معارضة دليل الاستحباب

323 تعليل لكون القضاء واجبا كفائيا

323 توجيه ثان

324 فيما أفاده الشيخ

325 تحقيق حول كلمة التوعيد

327 بالاكراه يباح جميع ما يترتب على الولاية

328 المراد من أدلة الاكراه

329 دليل عدم إباحة العظائم

330 الدليل 1-2-3 عام يشمل جميع المحرمات

331 دخل مقدر و الجواب عنه

332 الاشكال على جواز النهب

333 تأييد من المتوهم

ص الموضوع

333 نسبة الدفع إلى ما اضطروا إليه كنسبة الرفع إلى ما اكرهوا عليه

333 توهم و الجواب عنه

335 اختلاف الصغرى في المثالين

336 وهم و الجواب عنه

338 تحقيق حول كلمة تبرأ

338 تحقيق حول مفردات الحديث

339 تحقيق حول كلمة شاط

340 استدراك عما أفاده

341 المثل السائر

342 استدراك عما أفاده و خلاصته

343 وجه التأمل

344 تفسير الشيخ عبارة القواعد بنفس تفسير الشيخ الكبير كاشف الغطاء

346 تقسيم الشيخ العنوان الثاني إلى عنوانين

348 العرض قسمان

349 الاشكال على وجه التأمل

352 في النسبة بين العجز و الاكراه

355 وجه الظهور

356 وجه الأحوط و الأقرب

358 تحقيق حول النواصب

360 تحقيق حول حديث التقية

ص: 400

ص الموضوع

361 الدليل 1-2-3-4

363 تحقيق حول مفردات الحديث

364 تحقيق حول مفردات الحديث

365 تحقيق حول مفردات الحديث

366 تحقيق حول مفردات الحديث

367 تحقيق حول مفردات الحديث

367 المراد من الخوزى

369 تحقيق حول شرطة الخميس

370 تحقيق حول مفردات الحديث

371 تحقيق حول (فدك)

372 تحقيق حول مفردات الأبيات المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام

373 تحقيق حول كلمة احل

373 إشكال على البيت المنسوب

ص الموضوع

373 الخدشة في الأبيات

374 مختصر حياة قارون

374 شرح مفردات الحديث

375 شرح مفردات الحديث

376 شرح مفردات الحديث

377 شرح مفردات الحديث

378 شرح مفردات الحديث و تعليل

379 تفسير مفردات الحديث

379 تحقيق حول أن المؤمن مشتق من اسمي

380 تحقيق حول المؤمن مني و أنا منه

381 شرح مفردات الحديث

382 شرح مفردات الحديث

ص: 401

3 - فهرس الآيات الكريمة

- أ -

أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هٰذٰا بِآلِهَتِنٰا يٰا إِبْرٰاهِيمُ 179

اِجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ اَلْأَرْضِ 298

اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ 247 إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً في الاستثناء عن عموم لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ 184، 326

إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ 381

إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ 376

إِنِّي سَقِيمٌ 181

أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ 247 249.

إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ وَ اَلْأَنْصٰابُ وَ اَلْأَزْلاٰمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ 98

إِنَّمَا اَلسَّبِيلُ عَلَى اَلَّذِينَ يَظْلِمُونَ اَلنّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ 40

إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 124

إِنَّمٰا يَفْتَرِي اَلْكَذِبَ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰاذِبُونَ 161، 172 183

أَيَّتُهَا اَلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ 180

- ب -

بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ 179

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى اَلْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ اَلْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ 242

- ف -

فَبُهِتَ اَلَّذِي كَفَرَ 51

- ق -

قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ 358

ص: 402

- ك -

كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ 165

- ل -

لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً 183 209، 210

لاٰ عٰاصِمَ اَلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اَللّٰهِ 168

لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ 35، 40، 41

لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ 242

- ن -

نَفْقِدُ صُوٰاعَ اَلْمَلِكِ 180

- و -

وَ آتَيْنٰاهُ مِنَ اَلْكُنُوزِ مٰا إِنَّ مَفٰاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي اَلْقُوَّةِ 374

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً 250، 251

وَ اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ 369

وَ اَلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ 281

و أَمَّا اَلسَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي اَلْبَحْرِ فَأَرَدْتُ 53

وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَوْلاٰدِ 249

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ مٰا كٰانَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ 120

وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّٰارُ 256

وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوٰانِ 261

وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 261

وَ لَمَنِ اِنْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا اَلسَّبِيلُ عَلَى اَلَّذِينَ يَظْلِمُونَ اَلنّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ 35، 40

وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 37 330، 336، 357، 361

وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ 247

وَ مٰا هٰذِهِ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ 247

وَ مَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذٰاباً كَبِيراً 261

ص: 403

وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ 380

وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ 382

وَ يَخٰافُونَ سُوءَ اَلْحِسٰابِ 43

وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اَللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ 281

- ي -

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ 169

يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ 121، (12(2)

ص: 404

4 - فهرس الأحاديث الشريفة

- أ -

احلف باللّه كاذبا و نج أخاك من القتل 190

أدنى الكفر أن يسمع الرجل عن أخيه الكلمة فيحفظها عليه 381

اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة و اكثروا من سبهم 50

ألا اخبركم بأكبر الكبائر: الإشراك باللّه، و عقوق الوالدين، و قول الزور أي الكذب 160

أ ما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما 86

الناجش و المنجوش 277

إن الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرب على ترك المكره عليه 340

إن الملائكة لتحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوى ذلك قمار حرام 106، 110

إن المؤمن اذا كذب بغير عذر لعنه سبعون الف ملك 160

- ج -

جئناكم جئناكم حيونا نحيكم 242

- ر -

رفع عن امتى ما اكرهوا عليه و ما اضطروا إليه 326، 329، 331، 332، 334 336، 340، 357، 361

رفع عن امتي تسعة أشياء: النسيان و ما لا يعلمون، و الحسد، الى آخر الحديث 155

- ك -

كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز 106، 108

- ل -

لصاحب الحق مقال 38

ص: 405

- م -

ما آمن باللّه و اليوم الآخر من بات شبعانا و جاره جائع 270

ما هذا لك بأخ 87

معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين 378

من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلب اللّه لبه عنه 365

من أغاث مؤمنا 376

من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل اللّه صلاته و لا صيامه 10

من تولى عرافة قوم اتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان الى عنقه 299

من علق سوطا بين يدي سلطان جائر 262

من فضل طعامكم، و من فضل تمركم و رزقكم و خلقكم و خرقكم تطفئون بها غضب الرب 370

من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض او مال فليستحلها من قبل 10

- و -

و عموم نفي الحرج، فان الزام الغير تحمل الضرر و ترك ما اكره عليه حرج 340

و لا تناجشوا 277

و ما استكرهوا عليه في حديث الرفع 203

- ي -

يا علي ان اللّه أحب الكذب في الصلاح و أبغض الصدق في الفساد 218

يا علي لا تناظر رجلا حتى تنظر في سريرته 380

يا محمد اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا 379

ص: 406

5 - فهرس الأعلام

- أ -

آدم 243

ابراهيم عليه السلام 179، 180، 181

ابن بكير 191

ابن الحجاج 163، 170، 172

ابن سعد 47

ابن سنان 145، 146

ابن عباس 370، 371

ابن مالك 164

أبو أيوب 251

أبو البختري 27

أبو بصير 214

أبو الجارود 98، 135

أبو خديجة 162، 163، 172

أبو ذر 68، 161، 172، 252

أبو سفيان 47، 48

أبو الشهداء الحسين عليه السلام 322، 370

أبو صخير 296

أبو طالب 371

علي بن جعفر عليه السلام 242

اخوة الرضا عليه السلام و أعمامه 154 155

أردشير: شاه بور بن أردشير 98

أرسطو 296

اسحاق: حنين بن إسحاق 296

اسماعيل: محمد بن اسماعيل 304 315، 320

الأشعري: أحمد بن محمد بن عيسى 362

الأشعري: اسماعيل بن سعد 190

الأشعري: محمد بن عيسى 362

الأعمش 57، 160، 240

الأعور: الحارث 164، 165-166 170، 171، 172

أفلاطون 196

أهل البيت - الأئمة عليهم السلام - 21، 102، 104، 154، 208، 210 215، 233، 257، 304، 326

ص: 407

334، 338، 358، 364، 369 377، 381، 382

- ب -

بابك: أردشير بن بابك 97، 98

الباقر عليه السلام 40، 41، 55 71، 80، 85، 98، 99، 100 107، 113، 114، 115، 135 151، 155، 156، 163، 198 283، 287، 357، 359

البلاذري 358

البهائي 97

- ج -

جابر 107

جالينوس 296

جبرئيل 379

الجعابي: محمد بن علي 72

جعفر: علي بن جعفر 154، 156 242

الجعفري: سليمان 270

الجمحي: بثينة بنت عامر 371

الجهم: هارون بن الجهم 26

- ح -

حارث (عم عمار بن ياسر) 183

حارثة: زين بن حارثة 152، 153

حسان: عيسى بن حسان 216

الحسين: حسن بن الحسين بن علي ابن الحسين 154

الحلبي: عبيد اللّه 82، 236

الحلبي: ابن ادريس 235، 236 237، 238، 250، 287

الحلي: ابن فهد 238

الحلي: المحقق 312

حكم: معاوية بن الحكم 216

- خ -

خلاد: معمر بن خلاد 86، 107

الخوئي: السيد 156

- د -

داود: محمد بن أبي داود 250

ص: 408

- ذ -

الذبياني: النابغة 43

- ر -

الرسول الاعظم صلى اللّه عليه و آله 9، 10، 11، 12، 13، 18، 21 47، 48، 49، 50، 51، 52 64، 68، 71، 72، 77، 86، 106 107، 108، 110، 113، 120 121، 122، 134، 136، 140 151، 152، 153، 154، 155 160، 162، 163، 172، 179 183، 190، 195، 203، 208 214، 218، 221، 227، 228 229، 230، 233، 242، 247 252، 256، 267، 277، 281 287، 326، 329، 340، 357 361، 363، 365، 369، 370 371، 373، 375، 376، 378 379، 380، 381

الرشيد: هارون 352

الرضا - أبو الحسن - عليه السلام 107، 111، 154، 155، 156 190، 217، 241، 242، 250 269، 304، 305

- ز -

زرارة: 52، 54، 55، 100 101، 102، 191، 198

زربي: داود بن زربي 295

زيد: اسامة بن زيد 152، 153

زين العابدين - علي بن الحسين - عليه السلام 9، 19، 163، 170 251، 295، 370، 371

الزهراء عليها السلام فاطمة 371، 373

- س -

سالم: يحيى بن سالم 169، 170 198

سطيح: الكاهن 221، 227

سقراط 296

ص: 409

السكوني 12، 13، 15، 16، 17 18، 190

سلار 287

سلمه: زياد بن أبى سلمه 293، 294 301، 303

سليمان: عبد اللّه بن سليمان 364، 382

سماعة 197، 198، 199، 243

سمية (أم عمار بن ياسر) 183

سنان: عبد اللّه بن سنان 48

سنمار 296

سيابة: العلاء بن سيابة 106

- ش -

الشامي: أبو الربيع 96

الشحام: زيد 298، 301، 303 315

شق: الكاهن 227

الشهيد الأول 30

الشهيد الثاني 17، 30، 40، 41 63، 65، 161، 200، 308 311، 312، 350، 351، 354 355، 362

شيخ الطائفة 307، 362

الشيخان 287، 373

- ص -

صاحب جامع المقاصد 25، 92 175، 176

صاحب الجواهر 108، 109، 110 111، 113، 117، 313، 312 315، 316، 317، 319، 320 322، 323، 325، 350، 351 355

صاحب الرياض 140، 239، 244

صاحب الشرائع 351، 352

صاحب الصحاح 247

صاحب القاموس 247

صاحب القواعد 222

صاحب كفاية الفقيه 313

صاحب المسالك 353، 354

صاحب المعالم 315

الصدوق 69، 80، 160، 217، 256

ص: 410

الصادق عليه السلام أبو عبد اللّه 12 13، 18، 26، 27، 28، 32 35، 36، 42، 44، 52، 53، 54 55، 56، 57، 68، 69، 71، 81 82، 83، 87، 88، 96، 100 101، 102، 106، 138، 139 146، 162، 169، 170، 179 180، 181، 184، 190، 191 192، 214، 215، 216، 217 223، 224، 226، 228، 229 238، 239، 240، 243، 257 264، 265، 266، 267، 268 269، 271، 272، 287، 288 292، 294، 295، 297، 302 303، 330، 357، 358، 359 361، 362، 364، 366، 367 368، 371، 382.

الصادقان (الباقر و الصادق) عليهما السلام 357، 360

صبيح: محمد علي 151، 153

الصيرفي: الحسين بن محمد 72

الصيرفي: زكريا بن يحيى بن نعمان 154

- ط -

الطبرسي 223

- ظ -

ظبيان بن يونس 87، 88

- ع -

عائشة 151، 153

عبد الباقي: محمد فؤاد 153

عبد الحميد: محمد محي الدين 85، 206

عبده: محمد 85، 206

عبد اللّه (عم عمّار بن ياسر) 183

عبد اللّه: سعد بن عبد اللّه 362

عثمان: الخليفة 373

عذافير (والد محمّد) 268، 272

عذافر: محمد بن عذافر 268، 272

العسكري: الحسن عليه السلام 160 172

العطارة: زينب 57

ص: 411

عطا: عبد اللّه بن عطا 193

العلامة 130، 132، 175، 176، 344

العلامة الطباطبائي: محمد مهدي بحر العلوم 105، 109، 113

علقمة 28، 71

علي - أمير المؤمنين عليه السلام 9، 25 85، 68، 71، 72، 76، 77 80، 114، 115، 117، 120، 151 152، 164، 165، 166، 172 190، 193، 206، 207، 210، 212 213، 218، 230، 251، 338 358، 365، 367، 370، 371 372، 373، 375، 376، 378 379، 380، 381

علي: محمد بن علي 376

العلوي: القاسم بن محمد بن جعفر 72

عمار: معاوية بن عمار 216

عمر: مفضل بن عمر 88

عمران: موسى بن عمران عليه السلام 374

عمير: ابن أبى عمير 86

عمير: حفص بن عمير 12، 13، 15

عميرة: سيف بن عميرة 163، 165 170، 171، 172

عيسى: حماد بن عيسى 44

عيسى: عثمان بن عيسى 160

العياشي 35

- غ -

الغزالي 160

غياث: حفص بن غياث 71

- ف -

الفاضلان (المحقق و العلامة) 161، 162

فراس: ورام بن أبى فراس 261

الفضيل 100، 101، 102

- ق -

قابيل 243

قارون 374

قولويه: جعفر بن محمد بن قولويه 362

قيس: محمد بن قيس 113

- ك -

الكابلي: أبو خالد 251

ص: 412

كاشف الغطاء: الشيخ جعفر 166 167، 344

الكاظم عليه السلام أبو الحسن موسى 270، 301

الكاهلي 266

الكراجكي 9، 20، 72

الكليني 80

- ل -

مالك (عم عمار بن ياسر) 183

المحقق 287

المحقق السبزواري 308، 309، 310 311، 313

المحقق الشريف 230

المحقق القمي 177، 178، 179

مختار: عبد الواحد بن مختار 101

المخزومي: أبو حذيفة بن المغيرة المخزومي 183

مزارم 72

مسلم: محمد بن مسلم 198

المفيد 362

المفيد الثاني 99

المنذر: النعمان بن المنذر 43، 295 296

المنصور: أبو جعفر 55، 366، 382

مهران: صفوان بن مهران 269 270، 272

ميمون: ثعلبة بن ميمون 43

- ن -

النخعي: مالك الأشتر 57

النخعي: كميل بن زياد 251

النجاشي: عبد اللّه 304، 362، 367 382

النوفلي: عبد اللّه بن سليمان 362

- و -

الواسطي 217

الوصافي 85

الوليد: خالد بن الوليد 295

- ه -

هارون 269

ص: 413

هراس: د. محمد خليل 277

الهريسى: الحاج حسن 10

هند (زوجة أبى سفيان) 47، 48

- ي -

ياسر (والد عمار) 183

ياسر: عمار بن ياسر 183، 195

يعفور: ابن أبى يعفور 27، 267

يعقوب: يونس بن يعقوب 264

يقطين: علي بن يقطين 301، 303 351، 352

يوسف عليه السلام 180، 298

ص: 414

6 - فهرس الأمكنة و البقاع

- أ -

الأزهر 151

الأهواز 363، 364، 382

- ب -

بابل 334

البصرة 80

- ت -

تخت جمشيد 334

تدمر 334

تل عقرقوف 334

- ج -

الجنة 377

- ح -

الحائر الحسيني 318

الحجاز 242

حظيرة القدس (مكان في الجنة) 365

الحيرة 295، 296

- خ -

الخورنق 295، 296

خيبر 371

- د -

دور الخلفاء 334

- س -

السدير 295، 296

- ط -

طهران 160، 182

- ع -

العراق 197، 295

- غ -

غدير خم 121

- ف -

فدك 371، 373

- ك -

الكوفة 193، 295، 296، 370

- م -

مدائن كسرى 221، 334

المدينة المنورة 121، 264، 265 371، 373

المسجد الحرام 318

مسجد الكوفة 318

ص: 415

المسجد النبوي 318

مصر 38، 85، 97، 180، 358 206

مطبعة الاستقامة 206

المطبعة التجارية 38

مطبعة دار إحياء الكتب العربية 153

مطبعة النجف 35

مطبعة النعمان 25، 39

المكتبة الاسلامية 10

مكة المكرمة 121، 183، 269، 371

- ن -

النجف الأشرف 18، 25، 39، 88 151، 226

ص: 416

7 - فهرس الشعر

- ب -

و لست بمستبق أخا لا تلمه *** على شعث أي الرجال المهذب

43

- ف -

و في جواب كيف زيد قل دنف *** فزيد استغنى عنه اذ عرف

64

- ل -

لقد خاب من غرته دنيا دنية *** و ما هي ان غرت قرونا بطائل

أتتنا على زي العزيز بثينة *** و زينتها في مثل تلك الشمائل

فقلت: لها غري سواي فانني *** عزوف عن الدنيا و لست بجاهل

و ما أنا و الدنيا فان محمدا *** أحل صريعا بين تلك الجنادل

و هبها اتتني بالكنوز و درّها *** و أموال قارون و ملك القبائل

أ ليس جميعا للفناء مصيرها *** و يطلب من خزانها بالطوائل

فغري سواي انني غير راغب *** بما فيك من ملك و عز و نائل

فقد قنعت نفسي بما قد رزقته *** فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل

فاني أخاف اللّه يوم لقائه *** و أخشى عذابا دائما غير زائل

372-375

ص: 417

ان تجد ذنبا فسد الخللا *** جل من لا عيب فيه و علا

44

فلا تتركني بالوعيد كأنني *** إلى الناس مطلي به القار أجرب

43

و ربما اكسب ثان أولا *** تأنيثا إن كان لحذف مؤهلا

234

- م -

و حذف ما يعلم جائز كما *** تقول زيد بعد من عندكما

164

- ه -

و لا تجز حالا من المضاف له *** إلا اذا اقتضى المضاف عمله

54

ص: 418

8 - فهارس الكتب

- أ -

الاحتجاج 179، 180، 223، 226 229، 38

احياء العلوم 38، 160

ارشاد الساري 152

اصول الكافي 18، 43، 51، 82 84، 113، 120، 125، 154، 156 330، 357

إيضاح النافع 150

- ب -

بحار الانوار 10، 27، 56، 120 160، 161، 240، 257

بداية المجتهد 211

- ت -

تاج العروس 358، 366

التحرير 187، 337

تحف العقول 98، 239، 292، 293

التذكرة 130، 132

تفسير العياشي 107، 270

تفسير القمي 35، 98، 99

التنقيح 222، 305

التهذيب 113

- ج -

الجامعة كتاب لعلي عليه السلام 230

جامع المقاصد 24، 150، 175، 187 188، 277

الجعفرية 233

الجفر كتاب لعلي عليه السلام 230

جواهر الكلام 109، 113، 316

- ح -

حق اليقين 120

- خ -

الخصال 88، 228، 372

- د -

الدروس 150

- ذ -

الذكرى 233

ص: 419

- ر -

الرسائل 91، 128

رسالة التقية 208

الروضة البهية 200، 337، 362

الرياض 127، 140، 187، 237 238، 362

- س -

السرائر 10، 15، 187، 188 222، 228، 233، 337

سنن ابن ماجة 152

سنن أبي داود 152، 153

- ش -

شرح التجريد 120

شرح اللمعة 187، 188

الشرائع 187، 337، 351، 353 355

- ص -

الصحاح 149، 344

صحيح البخاري 151

صحيح مسلم 153

الصحيفة السجادية 10، 11

- ع -

العيون 160

عيون أخبار الرضا عليه السلام 240

- غ -

الغنية 187

- ف -

فرائد الاصول 317

فروع الكافي 43، 114، 264

الفقه على المذاهب الأربعة 211، 214

الفقيه 191

- ق -

القاموس 149، 222، 244

القرآن الكريم 247، 321، 322

القواعد 187، 188، 233، 335 343، 344

القوانين 177

- ك -

كتاب الاخوان 85

كشف الريبة 10، 15، 25، 39 40، 72، 362

كشكول البهائي 97

الكفاية 149

كفاية الفقيه 311، 312

كوهر مراد 120

ص: 420

- ل -

اللمعة الدمشقية 87، 104، 122 139، 187، 188، 200، 235 317، 322، 337، 348

- م -

المبسوط 182، 187، 233، 334

مجمع البحرين 97، 139، 150، 151

مجمع البرهان 187

مجمع البيان 36، 41، 47

المحاسن 28

المختصر 188

المختلف 235

المدخل في الطب 296

المسالك 150، 132، 134، 200 301، 313، 349، 352، 354 355

مستدرك الوسائل 10، 13، 18، 61

المصابيح 105، 352

المصباح 149

المعالم 358

المعتبر 233، 334

المقنعة 187

من لا يحضره الفقيه 28، 48، 151

الميسية 150

- ن -

النهاية 150، 306، 307

نهج البلاغة 84، 206

- و -

وسائل الشيعة 7، 10، 12، 27 28، 35، 55، 61، 68، 70 72، 75، 77، 82، 85، 98 106، 107، 119، 127، 139 140، 145، 150، 151، 160 162، 172، 180، 182، 184 190، 202، 211، 216، 228 238، 242، 251، 252، 256 262، 263، 266، 273، 277 282، 293، 299، 308، 326 328، 340، 351، 359

ص: 421

9 - الخاتمة

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي فطر الخلائق بقدرته، و نشر الرياح برحمته، و وتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته و كمال معرفته التصديق به و كمال التصديق به توحيده و كمال توحيده الإخلاص له.

فقد تم بحمد اللّه تبارك و تعالى و له الشكر على ما أنعم (الجزء الرابع) من كتاب (المكاسب) في ليلة الخميس الرابع و العشرين من شهر رمضان المبارك عام 1394 ه في غرفه إدارة (جامعة النجف الدينية) العامرة حتى (ظهور الحجة البالغة) عجل اللّه تعالى له الفرج بعد عناء كثير مقابلة و تصحيحا و تعليقا حسب الحاجة و اللزوم بقدر الوسع و الإمكان و بعد سهر ليالي و أيام بذلت في إخراج هذا التراث الخالد: فقه (أئمة أهل البيت) صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.

و كان الشروع فيه يوم ميلاد (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله السابع عشر من ربيع الأول عام 1394 ه.

و قد جاء بحمد اللّه تعالى على طراز حسن جميل، و اسلوب رائع بديع و يتلوه إن شاء اللّه تعالى (الجزء الخامس) أوله: (السابع و العشرون هجاء المؤمن) و إني لأرى هذه الافاضات كلها من بركات صاحب هذا (القبر المقدس العلوي) على من حل فيه آلاف التحية و الثناء.

فشكرا لك يا إلهي على هذه النعم الجسيمة، و الآلاء الجزيلة، و نسألك التوفيق لا تمام بقية الأجزاء من الكتاب، و المشروعات الخيرية الدينية النافعة للأمة الاسلامية جمعاء بلطفك السابق، و رحمتك الواسعة إنك ولي ذلك و القادر عليه عبدك

السيد محمد كلانتر

ص: 422

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.