المکاسب المجلد 3

هویة الکتاب

کِتَابُ المَکاسِب

للشیخ الأعظم الشیخ مرتضی الأنصاری قدس سره

1214ه - 1281 م

تحقیق و تعلیق : السّید محمّد کلانتر

المجلدات 17 ج

منشورات مؤسسة النور للمطبوعات - بیروت - لبنان

ص: 1

اشارة

المکاسب

نويسنده: انصاری، مرتضی بن محمدامین

محقق: کلانتر، محمد

تعداد جلد:17

زبان: عربی

ناشر: منشورات دارالنجف الدینیة - مطبعة الآداب

سال نشر:1214-1281 هجری قمری

ص: 2

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

الإهداء

سيدي... أبا صالح هذه جهودي بين يديك متواضعة بذلتها في سبيل تخليد فقه (أئمة أهل البيت) و هم آباؤك و أجدادك الطاهرين عليهم الصلاة و السلام في سبيل احياء تراثنا العلمي الأصيل، أهديها أليك... يا حافظ الشريعة يا من يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا فأنت أولى بها ممن سواك، و لا أراها متناسبة و ذلك المقام الرفيع.

و أراني مقصرا و قاصرا غير أن الهدايا على قدر مهديها.

فتفضل عليّ يا سيدي عجل اللّه تعالى لك الفرج بالقبول، فانه غاية المأمول.

عبدك الراجي

ص: 3

ص: 4

السّباب

ص: 5

ص: 6

تتمة في المكاسب المحرمة

تتمة النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه

المسألة التاسعة: سب المؤمنين حرام فى الجملة

(التاسعة) (1):

(سب المؤمنين حرام فى الجملة) (2) بالأدلة الأربعة (3)، لأنه ظلم و إيذاء و اذلال.

ففي رواية أبي بصير عن (أبي جعفر) عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و اكل

++++++++++

(1) أي المسألة التاسعة من النوع الرابع الذي يحرم التكسب به لكونه عملا محرما في نفسه: سب المؤمنين

(2) التقييد بذلك لإخراج بعض صور السب كما يأتي الاشارة إليها في المستثنيات.

(3) و هي الكتاب، و الأحاديث، و العقل، و الإجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لاٰ نِسٰاءٌ مِنْ نِسٰاءٍ عَسىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَ لاٰ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لاٰ تَنٰابَزُوا بِالْأَلْقٰابِ بِئْسَ اَلاِسْمُ اَلْفُسُوقُ بَعْدَ اَلْإِيمٰانِ » (1).

و أما الأحاديث فقد ذكرها الشيخ و تأتي الاشارة إليها قريبا.

و أما الإجماع فعلى تحريمه المسلمون.

و أما العقل فكما ذكره الشيخ أيضا: من أن السب ايذاء و اذلال للمؤمن و كلاهما ظلم و الظلم قبيح بحكم العقل فالسب قبيح عقلا.

ص: 7


1- الحجرات: الآية 11.

لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه (1).

و في رواية السكوني عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة (2).

و في رواية أبي بصير عن (أبي جعفر) عليه السلام قال: جاء رجل من تميم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال له: أوصني فكان فيما أوصاه: لا تسبوا فتكتسبوا العداوة (3).

و في رواية ابن الحجاج عن (أبي الحسن) عليه السلام في رجلين يتسابان.

قال: البادي منهما أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الى المظلوم (4).

و في مرجع الضمائر اغتشاش (5)، و يمكن الخطأ من الراوي.

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 610. الباب 158 من أبواب أحكام العشرة. كتاب الحج. الحديث 3.

(2) نفس المصدر. ص 611. الحديث 4.

(3) نفس المصدر. ص 610. الحديث 2.

(4) نفس المصدر. ص 610. الحديث 1.

(5) الظاهر عدم الاغتشاش في الضمائر، لعدم وجود ضمائر كثيرة مختلفة من حيث المرجع حتى يحصل الاغتشاش. أليك نص الحديث:

عن عبد الرحمن بن الحجاج عن (أبي الحسن موسى) عليه السلام في رجلين يتسابان.

قال: البادي منهما أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الى المظلوم.

فالحديث مشتمل على ثلاثة ضمائر: ضمير وزره. و ضمير صاحبه -

ص: 8

و المراد و اللّه اعلم: أن مثل وزر صاحبه عليه، لإيقاعه (1) اياه في السب من غير أن يخفف (2) عن صاحبه شيء، فان اعتذر (3) الى المظلوم عن سبه و ايقاعه اياه في السب برأ من الوزرين (4).

++++++++++

- و ضمير عليه، و كل واحد منها يرجع الى (البادي) أي وزر البادي الذي بدأ بالسب، و وزر صاحبه أي صاحب البادي الذي هو المسبوب:

على البادي.

و الفاعل في ما لم يعتذر: البادي.

و المعنى: أن ذنب سب المظلوم على البادي، لأنه بدأ بالسب، و بعد سبه سبّه المظلوم فهو السبب الوحيد في سب المظلوم له، و ايقاعه في هذه المعصية، اذ لو لا سب البادي له لما سبّ المظلوم البادي فحينئذ يثبت على البادي ذنبان: ذنب سبه لأخيه، و ذنب صاحبه الذي سبه.

ثم إن الذنب لا يخفّف عن البادي حتى يتوب، و توبته اعتذاره الى المظلوم، فاذا اعتذر إليه غفر ذنباه، و برئت ذمته من الوزرين و هما:

وزره. و وزر صاحبه.

(1) و إيقاع مصدر باب الإفعال من أوقع يوقع ايقاعا أصله إوقاع قلبت الواو ياء حسب القاعدة المعروفة من أنه اذا كانت الواو ساكنة و قبلها مكسور تقلب ياء، و هو مضاف الى الفاعل الذي هو البادي بالسب و كلمة و اياه مفعوله المراد منه صديق البادي.

(2) بصيغة المجهول، و المراد من صاحبه هنا: البادي الظالم.

و مرجع الضمير في صاحبه: المعتدى عليه الذي هو المظلوم.

(3) أي البادي الظالم.

(4) و هما: وزر الظالم البادي الذي سب صاحبه. و وزر صاحبه.

ص: 9

ثم ان المرجع في السب الى العرف (1)، و فسره في جامع المقاصد بإسناده (2) ما يقتضي نقصه إليه مثل الوضيع و الناقص.

و في كلام بعض آخر: ان السب و الشتم بمعنى واحد (3)

و في كلام ثالث: ان السب أن تصف الشخص بما هو إزراء (4) و نقص، فيدخل في النقص كل ما يوجب الأذى (5) كالقذر (6) و الحقير

++++++++++

(1) أي ليس للسب قاعدة كلية تعرف حتى تطبق على صغرياتها و أفرادها، بل مرجعه الى العرف فهو الحاكم في ذلك.

(2) مرجع الضمير: الساب، و الإسناد مصدر مضاف الى الفاعل و مفعوله (ما الموصولة) في قوله: ما يقتضي.

أي قال المحقق الثاني في (جامع المقاصد): السب عبارة عن إسناد البادي الذي هو الساب شيئا الى غيره يوجب نقصه كأن يقول في حقه:

يا وضيع. يا ناقص. يا حمار يا حقير.

(3) أي كل منهما يطلق على الآخر في اللغة يقال: سب زيد عمرا أي شتمه، و يقال: شتم زيد عمرا أي سبه.

(4) بكسر الهمزة مصدر باب الافعال من أزرى يزرى إزراء فهو ناقص يائي يقال: أزرى عليه أى عابه و وضع من حقه و أهانه و أدخل عليه النقص.

(5) الأولى تقييد الأذى بالأذية النوعية لا الشخصية، فإنه لو وجد شخص لم يتأذ من السب فلا يجوز لأحد أن يسبه، لأن الملاك الأذية النوعية، لا الأذية الشخصية.

(6) في جميع النسخ الموجودة عندنا: الخطية و المطبوعة: كالقذف و الصحيح ما اثبتناه، و السهو من النساخ. -

ص: 10

و الوضيع و الكلب و الكافر و المرتد، و التعبير بشيء من بلاء اللّه تعالى كالأجذم (1) و الأبرص (2).

ثم الظاهر أنه لا يعتبر في صدق السب مواجهة (3) المسبوب.

نعم يعتبر فيه قصد الإهانة و النقص، فالنسبة بينه و بين الغيبة عموم

++++++++++

- و العجب من بعض الأفاضل أنه مع اشرافه على طباعة الكتاب كيف خفي عليه تصحيح هذه الأغلاط.

(1) له اطلاقان.

(أحدهما): على من قطعت يده يقال: رجل مجذوم، و امرأة جذماء. أي مقطوع اليد، و مقطوعة اليد.

(ثانيهما): على المرض الخبيث: و هو الجذام اعاذنا اللّه و المسلمين من شره: و هو داء يسبب تساقط لحم الانسان و تناثره، و يبس الأعضاء نستجير باللّه الكريم.

و ربما يوجب في آخر مرحلة من مراحله تقطع الأعضاء، و انفصال بعضها عن بعض.

و هذا المرض أعاذنا اللّه منه مرض عفن مزمن تطول مدة سيره و هو من الأمراض السارية.

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: فرّ من المجذوم فرارك من الاسد.

(وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 431. الباب 28 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 2.

(2) البرص مرض يحدث في الجسم بقعا بيضاء يقال رجل ابرص و امرأة برصاء. و جمعه: برص بضم الباء و سكون الراء.

(3) أي حضوره عند الساب فيحرم سب المؤمن و لو في غيبته.

ص: 11

و خصوص من وجه (1).

و الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع (2)، لأن مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه و لو لغير قصد الإهانة غيبة محرمة، و الإهانة محرم آخر.

ثم انه يستثنى من المؤمن: المظاهر بالفسق، لما سيجيء في الغيبة:

من أنه لا حرمة له (3).

++++++++++

(1) أي لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما الاجتماع فكما لو ذكر زيد عمرا في غيابه بقصد الإهانة و النقص و قال فيه: رأيت عمرا المجذوم فمقالته هذه سب و غيبة، لأنه ذكره بقصد الإهانة، و ورود النقص عليه.

و أما مادة الافتراق من جانب السب بأن يصدق السب و لا يصدق الغيبة كأن يقول له في حضوره: يا اجذم متقصدا الإهانة، و ادخال النقيصة عليه.

و أما مادة الافتراق من جانب الغيبة بأن يصدق الغيبة و لا يصدق السباب كأن يقول عن شخص بما يكرهه و ان لم يقصد الإهانة: فلان لم يحضر دروسه مثلا.

هذا اذا لم يكن غرضه من هذا التعريض حثه و ترغيبه على دراسته و اشتغاله، و الا فهو جائز و ان تأثر اذا كان للقائل صلة خاصة مع المقول فيه كالأستاذ و الوالد، و من في مقامه، أو أحد أرحامه، أو صديقه.

(2) أي في مادة اجتماع الغيبة و السب كما مثلناه لك فيكون للرجل الساب الصادق في حقه أنه ساب و مغتاب: عقابان: عقاب للسب و عقاب للغيبة.

و قد علل الشيخ لاستحقاق العقابين بقوله: لأن مجرد ذكر الشخص

(3) أي لا حرمة لغيبة المتجاهر بالفسق. -

ص: 12

و هل يعتبر في جواز سبه (1) كونه من باب النهي عن المنكر فيشترط بشروطه أم لا؟

ظاهر النصوص (2) و الفتاوى

++++++++++

- فكذلك يستثنى من حرمة سباب المؤمن سبه لو كان متظاهرا بالفسق و الفجور.

و لا يخفى أن جواز سب المتجاهر بالفسق مبني على استفادة العلة الواردة في غيبة المتجاهر.

(1) أي جواز سباب هذا المتظاهر مبني على شرائط وجوب النهي عن المنكر لو كان السب من باب النهي عن المنكر: بأن يأمن الضرر عليه و يحتمل ارتداع المتجاهر عن فسقه.

و لا يخفى أن (شيخنا الأنصاري) أفاد أو لا أن المرجع في صدق السب:

العرف في قوله: ثم ان المرجع في السب الى العرف.

و أفاد اخيرا أن المعتبر في السب قصد الاهانة في قوله: نعم يعتبر فيه قصد الاهانة و النقص لكون الغالب منها من موارد الصدق العرفي، لا أنه منحصر في ذلك.

و لا يخفى عدم صدق السباب اذا اجتمعت الشرائط لو اعتبرنا ما اعتبره الشيخ: و هو قصد الإهانة، لأن الساب يريد بسبه ارتداع المسبوب من دون قصد الإهانة.

نعم لو علم أن المتجاهر لا يرتدع الا بالإهانة جاز له ذلك.

و هل يشترط في جواز سب المتظاهر علم الساب بعدم ارتداع المسبوب فيما اذا نهاه بمجرد الكلام، أو لا يشترط؟

(2) و هي الأخبار الواردة في جواز غيبة المتجاهر بالفسق.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 604-605 - الباب 154. -

ص: 13

كما في الروضة: الثاني (1)، و الأحوط الأول (2).

و يستثنى من ذلك (3) المبتدع أيضا، لقوله صلى اللّه عليه و آله:

++++++++++

- من ابواب احكام العشرة كتاب الحج. الحديث 4 في قوله عليه السلام:

فلا حرمة له و لا غيبة.

و راجع (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة الجزء 75. ص 260.

الحديث 59 في قوله عليه السلام: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له.

فهذان الحديثان، و كذا بقية الأحاديث الواردة في المصدرين في هذا المقام مطلقة ليس فيها اشتراط جواز غيبته من باب النهي عن المنكر حتى يشترط بشروطه.

و المراد من الفتوى: فتوى (الفقهاء الامامية)، حيث يجوزون غيبة المتجاهر بالفسق من دون اعتبار كونه من باب النهي عن المنكر حتى يشترط بشروطه.

(1) و هو عدم اشتراط جواز السب بشروط النهي عن المنكر حتى يشترط بشروطه.

(2) و هو اعتبار شروط النهي عن المنكر في جواز السب. فيشترط فيه ما يشترط في النهي عن المنكر: من احتمال التأثير، و عدم وقوعه في الضرر.

راجع (الروضة البهية) في شرح (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 9. ص 175 عند قول الشارح. و هل يشترط مع ذلك جعله على طريق النهي فيشترط بشروطه، أم يجوز الاستخفاف به مطلقا؟ ظاهر النص و الفتوى: الثاني.

و الاول أحوط.

(3) أي و يستثنى من حرمة سباب المؤمن: المبتدع كما استثني منها -

ص: 14

اذا رأيتم أهل البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم، و اكثروا من سبهم و الوقيعة فيهم (1).

و يمكن أن يستثنى من ذلك (2) ما اذا لم يتأثر المسبوب عرفا بأن لا يوجب قول هذا القائل في حقه مذلة و لا نقصا كقول الوالد لولده أو السيد لعبده عند مشاهدة ما يكرهه: يا حمار، و عند غيظه: يا خبيث و نحو ذلك (3)، سواء لم يتأثر بذلك (4): بأن لم يكرهه أصلا أم تأثر به، بناء (5) على أن العبرة بحصول الذل و النقص فيه عرفا.

++++++++++

- المتظاهر بالفسق و المتجاهر به.

و المراد من المبتدع: من أدخل في الدين ما ليس منه، و أخرج من الدين ما كان منه، مع كونه عالما بذلك، و مستلزما لإنكار احدى ضروريات الدين.

هذا اذا كان مدعيا للايمان، و الا يكون مرتدا.

(1) (الوافي). المجلد 1. ص 56. الحديث 4

فالحديث شامل لجواز سبابهم، و جواز اغتيابهم.

و الوقيعة وزان فعيلة من وقع يقع وقوعا بالتخفيف: و معناه: السب و الاغتياب و التعييب.

يقال: وقع فلان في فلان. اي سبه، أو عابه، أو اغتابه.

(2) أي من حرمة سباب المؤمن.

(3) مثل يا أحمق، يا بليد، يا مجنون.

(4) أي بالسب.

(5) تعليل للجملة الثانية و هو قوله: أم تأثر به، أي تأثر و تأذى نفسيا، لكنه مع ذلك لا يكون هذا السب حراما، لأن الملاك في حرمته هو ايجاد النقص و الذل الخارجي في الانسان عرفا: بان يحكم العرف بذلك -

ص: 15

و يشكل الثاني (1) بعموم أدلة حرمة الإيذاء.

نعم لو قال السيد ذلك (2) في مقام التأديب جاز، لفحوى (3) جواز الضرب.

و أما الوالد فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام: أنت و مالك لأبيك (4). فتأمل (5).

مضافا (6) الى استمرار السيرة بذلك.

الا أن يقال: ان استمرار السيرة انما هو مع عدم تأثر السامع و تأذيه بذلك

++++++++++

- و قول الوالد لولده، أو السيد لعبده: يا أحمق، يا حمار لا يوجد نقصا و لا ذلا في الولد و العبد عرفا، لأنه مهما بلغ الأمر فهو أعلى منهما مرتبة بالإضافة الى أن الوالد و السيد لهما حق ذلك.

(1) و هو استثناء سب الوالد ولده، أو السيد عبده من حرمة سب المؤمن في صورة تأثر الولد من سب والده له.

(2) أي السب و الشتم.

(3) و هي الأولوية العرفية، فان الضرب اذا جاز فالسب بطريق أولى يجوز.

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 197. الباب 78 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 8.

(5) لعله اشارة الى عدم استفادة جواز سباب الوالد الولد من الحديث المذكور، اذ غاية ما يستفاد منه أن وجود الولد و ماله لأجل وجود الأب و من بركته أما جواز سبه و شتمه فلا يستفاد منه.

(6) أي بالإضافة الى أن سيرة المسلمين جرت على سباب الوالد ولده من صدر الاسلام الى يومنا هذا.

ص: 16

و من هنا (1) يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلم للمتعلم فإن السيرة انما نشأت في الأزمنة السابقة: من عدم تألم المتعلم بشتم المعلم لعد نفسه أدون من عبده، بل ربما كان يفتخر بالسب، لدلالته (2) على كمال لطفه.

و أما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من المعلم مما لم يتألم به من شركائه

++++++++++

و هنا صور ثلاث.

(الأولى): علم الوالد بعدم حصول نقص في ولده من سبه له بناء على استفادة ذلك من أخبار (أئمة أهل البيت) عليهم السلام في قولهم:

انت و مالك لأبيك، و من السيرة المستمرة كما عرفت.

(الثانية): علمه بحصول النقص في ولده بسبه له.

(الثالثة): شكه في حصول النقص في ولده.

أما الصورة الأولى فلا اشكال في عدم حرمته.

و أما الصورة الثانية فيمكن القول بالجواز و العدم.

و أما الصورة الثالثة فإن قلنا بجواز سب الوالد ولده فيجوز بطريق أولى.

و ان لم نقل فهل هنا مجال لأصالة البراءة عن الحرمة و القول بالجواز عند فقد الدليل الاجتهادي أم لا؟

(1) أي و من احتمال أن السيرة في سباب الوالد ولده إنما جرت لاجل عدم تأثر الوالد بالسب، و عدم تأذيه به، و علم الوالد بذلك.

(2) أي لدلالة هذا السب من قبل المعلم على كمال لطف الأستاذ بالتلميذ.

ص: 17

في البحث: من (1) القول و الفعل فحل ايذائه (2) يحتاج الى الدليل و اللّه الهادي الى سواء السبيل.

++++++++++

(1) بيان (لما الموصولة) في قوله: مما لا يتألم أي ما لم يتألم به من قبل زملائه و شركائه في الدرس: عبارة عن الأقوال و الأفعال الصادرة منهم في حقه.

(2) أي حلية ايذاء التلميذ بسب الاستاذ له أمام تلامذته، أو مطلقا:

مشكل يتوقف جوازه على دليل خاص غير السيرة المجوزة لذلك، حيث كان التلميذ فخورا بذلك في العصور الغابرة.

و أما في عصر الشيخ الى عصرنا هذا فلا يمكن التمسك بالسيرة، المذكورة لتأذي التلميذ بالسب. فلا يجوز سبه، فالسيرة بعكس ذلك.

و المراد من السب: الكلمات البسيطة كقوله له: يا غبي. يا بليد أنت قليل الإدراك، و ليس المراد من السب: الكلمات البذيئة التي لا يجوز التلفظ بها لاي شخص، فضلا عن الأعلام و الأساتذة.

و حيث انجر بنا الكلام الى هنا فلا بأس باشارة اجمالية الى كيفية دراسة الطالب الديني بداية اشتغاله بالعلوم الدينية، و عند تلبسه الملابس الكريمة: (العمة الشريفة).

فنقول: بما أن الطالب الديني عند تلقيه العلوم الدينية يتزيى يزي رجال الدين و يتعمم بالعمة الشريفة الميمونة المباركة التي هي من أفخر الملابس و أشرفها حيث انها ترمز الى عمة (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله و سلم و أهل بيته الكرام، و صحبه العظام: فله ميزة خاصة عن بقية الناس بهذه العمّة و الزي.

بالإضافة الى معلوماته التي هو السبب الوحيد في تفضيله على المجتمع الانساني، حيث للعلم شرافته الذاتية، و لا يدانيه أي شيء، و لذا ترى -

ص: 18

..........

++++++++++

- الجاهل يتأذى من انتسابه الى الجهل لو قيل له: يا جاهل فهو ينسب نفسه الى العلم مع ما هو عليه من الجهل.

فبهذه و تلك لا بد أن يمتاز عن الآخرين بمزية خاصة: و هي الأخلاق الفاضلة، و الملكات الكاملة التي يعبّر عنها ب: (المثل العليا) حتى يتطابق الظاهر و الواقع فيقتدي به الآخرون، و يكون أسوة حسنة لهم، ليتمكن من توجيههم، و إرشادهم إرشادا صحيحا، اذ لو كان عاريا منها لم يتمكن من التوجيه و الارشاد، لأن فاقد الشيء لا يكون معطيا للشيء.

و من البديهي أن الانسان يحتاج في أدوار حياته الأولى الى مرشد و موجه يوجهه نحو الأخلاق الفاضلة، و لا سيما اذا كان قرويا بدويا عاش بعيدا عن المدينة و فضائلها، اذ من الطبيعي و الفطرى أن الانسان ذو نفس أمّارة سبعية وحشية، ميالة نحو الشرور و الرذائل فبالطبع يحتاج الى مرشد و موجه يرشده و يوجهه نحو الخير، و الملكات الفاضلة.

قال اللّه تعالى: إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّٰ مٰا رَحِمَ رَبِّي (1).

و مما لا شك فيه أن طرق الخير و الوصول إليها، و الى المملكات الفاضلة مذكورة في علم الأخلاق، لكونه هو الوحيد لمعالجة تلك الرذائل و دفعها و هو الاساس لاكتساب الفضائل.

فعليه يجب على الطالب الديني قبل كل شيء، و قبل اشتغاله بالعلوم:

قراءة شيء من علم الأخلاق، و مراجعته الكتب المؤلفة في هذا الباب من علمائنا القدامى الأبرار، و لا اقل من كتاب (منية المريد في آداب المفيد و المستفيد) (لشيخنا الشهيد الثاني) عطر اللّه مرقده هذا الكتاب الذي هو صغير حجمه، كثير نفعه، ليستفيد منه كيفية العشرة مع المجتمع2.

ص: 19


1- يوسف الآية 52.

..........

++++++++++

- الذي يعيش معهم، و لا اقل مع أبناء نوعه و زملائه في المدرسة التي يسكنها و في خارجها، و بالاخص مع استاذه الذي يربيه و يخرجه من الجهل الى العلم و من الظلمة الى النور فهو أحد الآباء الثلاث الذين قال في حقهم (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله في الحديث المشهور المتداول على ألسن الناس: آباؤك ثلاث:

أب ولّدك:

أب علّمك:

أب زوّجك:

و بقراءته علم الأخلاق يخرج عن الهمجية الوحشية، و السبعية الضارية التي جبلت عليها الطبائع البشرية، و النفوس الشريرة الخبيثة، و بقراءته علم الأخلاق و العمل به يصبح انسانا كاملا يستحق أن يقال له: انسان و ليست الانسانية بالاكل و الشرب و اللبس و الدار و البياض و السواد، و النطق و البيان، اذ لو كان كذلك لكان أبو لهب و من شاكله من زملائه انسانا.

قال العزيز جل شأنه: تَبَّتْ يَدٰا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ (1).

و من الواضح أن توجيه الطالب الديني الى دراسة علم الأخلاق يتوقف على ارشادات أساتذة الحوزات العلمية و من يهمه امرها، فإن من الواجب و الضروري عليهم أن يفرضوا على الطالب الدينى قبل اشتغاله بالمقدمات الأولية: دراسة علم الأخلاق كما كان القدامى من رجالاتنا الأخيار و علمائنا الأبرار ملتزمين بذلك.

و مقدمة (معالم الأصول) أكبر شاهد على صدق مقالتنا.

و كم ألفوا كتبا في الأخلاق.2.

ص: 20


1- اللهب: الآية 2.

..........

++++++++++

- هذا (ابن مسكويه الرازي الامامي) اوّل من صنف في علم الأخلاق ثم تبعه على غرار ذلك (شيخنا النراقي) فنسج على منواله فالف (جامع السعادات)، و اقتدى به ولده (المحقق النراقي) فصنف (معراج السعادة) باللغة الفارسية.

و قد أصبح الكتابان و لهما سوق رائج، و قد طبع الأول بعد أن أقدمنا على تصحيحه و التعليق عليه خمس مرات، و طبع الثاني عشرات المرات.

و رأينا من المناسب ذكر بعض الأحاديث الشريفة المروية عن (أئمة أهل البيت) الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا الواردة في كيفية عشرة التلميذ مع أستاذه، و الأستاذ مع تلميذه، تنبيها لطلاب عصرنا الحاضر و لا سيما الشباب الجدد منهم الذين دخلوا الحوزات العلمية قريبا، و تزيوا بالزي المبارك.

أليك نموذجا من تلك الأحاديث الشريفة.

عن اسماعيل بن الفضل عن ثابت بن دينار الكمالي عن (سيد العابدين علي بن الحسين بن علي ابي طالب) عليهم الصلاة و السلام.

قال: حق سائسك(1) بالعلم: التعظيم له، و التوقير لمجلسه، و حسن الاستماع له، و الإقبال عليه، و ان لا ترفع عليه صوتك، و لا تجيب احدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب له، و لا تحدث في مجلسه احدا و لا تغتاب عنده احدا، و أن تستر عيوبه، و تظهر مناقبه، و لا تجالس -ب.

ص: 21


1- اسم فاعل من ساس يسوس سياسة، اجوف واوي معناه: المدبر. المتولي. يقال: ساس زيد عمرا، أي دبر امره و تولاه. و المراد منه هنا: المؤدب.

..........

++++++++++

- له عدوا، و لا تعادي له وليا، فاذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة اللّه تعالى بأنك قصدته، و تعلمت علمه للّه جل اسمه، لا للناس.

راجع (بحار الأنوار) الطبعة الحديثة. الجزء 2. ص 42. الحديث 6.

و قال مولانا (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام:

في الحديث المشهور المعروف: من علمني حرفا كنت له عبدا.

و قال (الامام أبو عبد اللّه الصادق) عليه السلام:

تواضعوا لمن طلبتم منه العلم، و لا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم(1).

و أما ما ورد في حق التلميذ فاليك الحديث الشريف.

قال عليه السلام: و حق رعيتك بالعلم أن تعلم أن اللّه عز و جل إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم، و فتح لك من خزانته، فإن احسنت في تعليم الناس و لم تخرق بهم و لم تضجر عليهم زادك اللّه عز و جل من فضله، و إن انت منعت الناس من علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم منك كان حقا على اللّه عز و جل أن يسلبك العلم و بهاءه، و يسقط من القلوب محلك(2).1.

ص: 22


1- (جامع أحاديث الشيعة). المجلد 1. ص 4. الباب 1 المقدمات. الحديث 19.
2- (تحف العقول) طباعة طهران چاپخانه حيدرى عام 1376 ص 261.

السّحر

ص: 23

ص: 24

المسألة العاشرة: السحر

اشارة

(العاشرة) (1):

(السحر) فهو حرام في الجملة (2) بلا خلاف. بل هو ضروري (3) كما سيجيء.

++++++++++

(1) أي (المسألة العاشرة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: السحر.

(2) التقييد بذلك، لاخراج السحر الذي يستعمل لدفع السحر فإنه جائز و ليس بحرام.

(3) أي عند (الطائفة الامامية) و كذا عند (علماء إخواننا السنة)

و المراد من الضروري هنا: أن وضوح كون السحر حراما في الشريعة الاسلامية كوضوح حرمة قتل النفس المحرّمة، و أكل المال بالباطل، و أمثال ذلك من المحرمات التي قامت الضرورة من الدين الحنيف عليها.

و ستأتي الاشارة الى هذا من الايضاح و غيره كما افاده الشيخ بقوله:

كما سيجيء.

ثم اعلم أن (شيخنا الأنصاري) ذكر السحر من شتى جوانبه و أسهب الكلام فيه.

لكنه لم يتعرض لتلك الجوانب مرتبة و منظمة و وافية كما هو ديدن غالب المؤلفين و المصنفين عند ما يكتبون عن موضوع تراهم لا يراعون جانب الترتيب، و السحر احد المواضيع التي لم تراع فيه هذه الناحية، لأنه كان من المناسب أولا أن يتعرض لتعريف السحر، ثم بيان موارد اطلاقاته -

ص: 25

و الأخبار بالحرمة مستفيضة (1).

(منها) (2): ما تقدم: من أن الساحر كالكافر.

(و منها) (3): قوله عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربه، وحده أن يقتل إلا أن يتوب (4).

و في رواية السكوني عن (الصادق) عليه السلام قال: قال رسول اللّه

++++++++++

- و استعمالاته، ثم بداية وجوده، ثم مكان وجوده، ثم ذكر حكمه في الشريعة الاسلامية: من حيث الحلية و الحرمة، ثم التعرض لآثاره و عدمها، ثم الفرق بين السحر و المعجزة، و بين السحر و الشعوذة، ثم ذكر أقسامها

فهذه مراحل لا بد من ذكرها حسب الترتيب كما ذكرناها نحن، غير أن ذكرها كذلك يوجب الفصل الطويل بين هذه التعاليق، و بين متن الكتاب.

و الفصل هكذا يوجب الخروج عن الموضوع.

فعليه التجأنا أن نتبع الشيخ فيما ذكره فجعلنا تعليقة كل مرحلة من المراحل المذكورة حسب ما افاده الشيخ و إن كان غير مرتب و غير حاو لها.

(1) أي الأخبار بكون حرمة السحر ضرورية كثيرة قد بلغت حد الاستفاضة بحيث تفيد الشياع و التواتر.

(2) أي من تلك الأخبار المستفيضة التي دلت على حرمة السحر.

من هنا أخذ الشيخ في ذكر الأخبار المستفيضة فقال: فمن جملتها ما تقدم في ص 294 من الجزء الثاني من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة فراجع.

(3) أي و من تلك الأخبار المستفيضة قوله عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر.

(4) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 107. الباب 25 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 7.

ص: 26

صلى اللّه عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل.

قيل: يا رسول اللّه لم لا يقتل ساحر الكفار؟

قال: لأن الشرك أعظم من السحر، و لأن السحر و الشرك مقرونان (1).

و في نبوي آخر: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر. و مدمن سحر و قاطع رحم (2)، الى غير ذلك من الأخبار (3).

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 106. الحديث 2.

(2) نفس المصدر. ص 107. الحديث 6.

(3) راجع نفس المصدر من ص 103 الى ص 108

ثم لا يخفى عليك أن لسان هذه الأحاديث المروية في المصدر و غيره من المصادر التي نذكرها لك مختلف فبعضها يدل على كفر الساحر.

و بعضها يدل على وجوب قتله.

و بعضها يدل على حرمة تعلم السحر.

و بعضها يدل على أن الساحر ملعون.

و بعضها يدل على عدم دخول الساحر الجنة.

و بعضها يدل على أن السحر من الكبائر.

و بعضها يدل على أن اجر الساحر من السحت.

فهذه طوائف سبع نذكرها عن آخرها، لكي تكون بصيرا على حقيقة الأمر.

(الطائفة الأولى). الدالة على كفر الساحر:

قال عليه السلام: المنجم كالكاهن، و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر، و الكافر في النار. نفس المصدر. ص 104. الحديث 8.

(الطائفة الثانية) الدالة على وجوب قتل الساحر.

قال صلى اللّه عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل -

ص: 27

..........

++++++++++

- قيل يا رسول اللّه: لم لا يقتل ساحر الكفار.

قال: لأن الشرك أعظم من السحر، لأن السحر و الشرك مقرونان نفس المصدر. ص 106. الحديث 3.

و قال (امير المؤمنين) عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربه، وحده أن يقتل.

المصدر السابق ص 107، الحديث 7.

(الطائفة الثالثة) الدالة على حرمة تعلم السحر:

قال عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر نفس المصدر. ص 107. الحديث 7.

(الطائفة الرابعة) الدالة على أن الساحر ملعون:

قال عليه السلام: المنجم ملعون، و الكاهن ملعون، و الساحر ملعون نفس المصدر. ص 103. الحديث 7.

(الطائفة الخامسة) الدالة على عدم دخول الساحر الجنة

قال صلى اللّه عليه و آله: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، و مدمن سحر، و قاطع رحم. نفس المصدر. ص 107. الحديث 6.

(الطائفة السادسة): الدالة على أن السحر من الكبائر؛

قال عليه السلام عند عده المعاصي الكبيرة: و السحر، لأن اللّه عز و جل يقول: وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ خَلاٰقٍ (1).

راجع (أصول الكافي). الجزء 2. ص 285-286. الحديث 24 الطبعة الثانية عام 1381.2.

ص: 28


1- البقرة: الآية 102.

..........

++++++++++

- (الطائفة السابعة) الدالة على أن اجر الساحر من السحت.

قال عليه السلام؛ من السحت ثمن الميتة، و أجر الساحر

(مستدرك وسائل الشيعة): المجلد 2. ص 434. الباب 22. الحديث 4.

و هناك روايات أخرى تدل على حرمة السحر غير ما ذكرناه لك.

راجع المصادر المذكورة تجدها هناك.

و أما الجواب عن هذه الطوائف فنقول:

(أما الطائفة الأولى) الدالة على كفر الساحر فلا يمكن الاخذ بظاهرها، بداهة عدم جريان أحكام الكفر على مثل هذا الساحر المعبر عنه في الأحاديث بأنه كالكافر، فإن معنى أن الساحر كالكافر: أنه مرتد عن الاسلام و خارج عنه فيكون حكمه حكم المرتد: من بينونة زوجته عنه بمجرد الارتداد، و أنها تعتد عدة الوفاة، و أنه تقسم تركته بين وراثه، و أنه نجس يجب الاجتناب عنه.

و هكذا بقية أحكام الارتداد، مع أننا نرى أن ساحر المسلمين لا يترتب عليه شيء من الأحكام المذكورة، لأنه مسلم مقر بالشهادتين.

و قد قرر في محله: أن كل من يقر بالشهادتين فهو مسلم محقون الدم و المال و العرض، و الساحر مقر بالشهادتين فلا يترتب عليه أحكام الكفر.

ثم ان الامام عليه السلام قد شبه الساحر بالكافر في قوله: الساحر كالكافر، و لم يقل: الساحر كافر فكيف يحكم بكفره و يترتب عليه أحكام الكفر.

نعم لو لم يعتقد بالاسلام و كان منكرا للشهادتين فحينئذ يحكم بكفره لا من باب السحر، بل من باب أنه مرتد فطري، أو ملي.

فالحاصل أن الحكم بكفر الساحر، و ترتب آثار الكفر عليه مشكل -

ص: 29

..........

++++++++++

- فلا بد من توجيه الروايات الواردة في كفره.

فنقول: إن للكفر اطلاقين:

كفر مطلق من تمام الجهات فهذا له أحكام خاصة في الشريعة الاسلامية تترتب عليه أحكام الكفر بأسرها.

راجع الجزء الأول من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. الهامش 5 من ص 118 الى ص 120 فهناك ذكرنا أسباب الكفر و أقسام الكفار.

و كفر جهتي اي من جهة صدور معصية خاصة من المعاصي من المكلف يقال له: الكافر فهو كافر من هذه الجهة، لا أنه كافر باللّه و برسوله و بأنبيائه، و بما جاءوا به.

و لهذا النوع من الكفر الجهتي اطلاقات كثيرة في الأحاديث الشريفة المروية عن طرق (أئمة أهل البيت) عليهم الصلاة كقوله عليه السلام.

و أما الرشا في الأحكام فهو الكفر باللّه العظيم.

و كقوله عليه السلام: و أما اللواط فما دون الدبر، و أما هو فهو الكفر باللّه العظيم.

و كقوله عليه السلام: تارك الصلاة كافر.

و كقوله تعالى: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اَللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ

اذا عرفت ما ذكرناه لك من إطلاقات الكفر فاعلم أن المراد من الكافر في الأحاديث الشريفة الواردة في الساحر: يراد منه الإطلاق الثاني للكفر:

لا الإطلاق الأول.

(و أما الطائفة الثانية) الدالة على وجوب قتل الساحر فهي ضعيفة الأسناد لا يصح الركون إليها، و معارضة للكتاب العزيز، و السنة القطعية الدالتين على عدم جواز قتل المسلم المقر بالشهادتين إلا في موارد صرح -

ص: 30

..........

++++++++++

- الكتاب بقتله كالزنا و القتل و الإفساد في البلاد.

لكن المشهور عند الأصحاب، و المعروف لدى الأعلام وجوب قتل الساحر، حتى قال (صاحب الرياض) في كتاب الحدود: إن مقتضى اطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في هذا الحكم بين مستحل السحر، و بين عدم مستحله و قد صرح به بعض الأصحاب، و ان حكي عن بعض تقييده بالمستحل، إلا أنه لا وجه له بعد اطلاق النص انتهى كلامه.

و المراد من النص الحديث الذي ذكرناه عن الوسائل. الجزء 12 ص 106. الحديث 3. و ص 107. الحديث 7.

و قد افتى الشهيدان بوجوب قتل الساحر مطلقا و ان لم يستحل السحر.

راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 9. ص 195.

و فتوى المشهور على وجوب قتل الساحر، بناء على مسلكهم:

من أن عمل الأصحاب بالخبر الضعيف جابر لضعفه.

و هذا المسلك كان معمولا به الى زمان شيخنا الأنصاري و بعده إلا قليل من المتأخرين و منهم سيدنا الاستاذ (السيد الخوئي) دام ظله، فإنهم لا يرون عمل الأصحاب جابرا لضعف الخبر.

و ممن لا يعمل بالخبر الضعيف و لا يرى العمل به جابرا لضعفه (شيخنا الشهيد الثاني).

لكن في موضوع السحر افتى بوجوب قتله و ان لم يكن مستحلا للسحر.

راجع نفس المصدر، و نفس الصحيفة.

ثم إنه بناء على وجوب قتل الساحر يقتل من كان عمله السحر و مهنته ذلك، لا من تعلم السحر، أو كان في مقام التعلم، فإنه لا يجوز قتله و ان كان قد فعل حراما، لعدم اطلاق الساحر عليه ما لم يعمل بذلك. -

ص: 31

..........

++++++++++

- ثم إن المعارضة بين الأخبار المذكورة، و الكتاب الكريم ليست على وجه التباين الكلي، بل النسبة بينهما العموم و الخصوص من وجه فإن المسلم قد يكون ساحرا و قد لا يكون.

كما أن الساحر قد يكون مسلما و قد لا يكون.

و أما في مورد الاجتماع كما اذا كان الساحر مسلما فيقدم الكتاب العزيز لا محالة فلا يعمل بالأخبار الدالة على وجوب قتل الساحر.

و أما بقية الطوائف من الأخبار التي ذكرناها لك فلا بد من أن ينظر فيها و يؤخذ بمقتضاها و نحن نلتزم بها.

و ما ورد في قتل الساحر لا ينافي ما ثبت في محله: من احترام دم المسلم بالأدلة الأربعة، لما ثبت في كتاب الحدود: من اقامة دليل خاص عليه فيكون مخصصا لتلك الأدلة.

لكن الالتزام بها مطلقا حتى في مورد لم يكن السحر مضرا و مؤذيا لا يخلو من اشكال، فإن الحرمة تختص بالسحر المضر، أما الذي لا إضرار فيه فلا يكون حراما. و قد قدمنا لك الأحاديث الدالة على حرمة السحر المضر.

فعلى ضوء ما ذكرناه لك من الأحاديث ظهر أن هذه الطوائف من الأحاديث بين ما لا اطلاق له، و بين ما هو ضعيف السند فالقدر المتيقن من مورد تلك الأحاديث: هو السحر المضر على المبنى الذي ذكرناه لك.

و بعبارة اخرى: أن الروايات الواردة في المقام بين ما هو ضعيف لا ينهض دليلا على الحرمة مطلقا و لو لم يكن في السحر اضرار.

و بين ما يجب تقييد مطلقاته بصورة الإضرار و شبهه، فإن مجرد صرف الشيء عن وجهه، و إراءة ما ليس له واقع بصورة الواقع من دون ترتب -

ص: 32

ثم ان الكلام هنا يقع في مقامين
اشارة

ثم ان الكلام هنا يقع في مقامين (1).

المقام الأول في المراد بالسحر
اشارة

(الأول) (2) في المراد بالسحر: و هو لغة على ما عن بعض أهل اللغة: ما لطف (3) مأخذه و دق.

++++++++++

- شيء. محرم عليه كما هو تعريف السحر: لا حرمة فيه.

اللهم الا أن يقال بحرمة السحر تعبدا كما ادعاه بعض فلا كلام لنا مع القائل هذا.

لكن القول بذلك مبني على أن لحرمة السحر موضوعية خاصة و ان لم يترتب عليه أثر بالنسبة الى الغير أصلا.

أو مبني على أن الحرمة فيه طريقية لأجل حصول الأثر بالنسبة الى الغير خيرا كان، أو شرا.

(1) من هنا يريد الشيخ أن يدخل في موضوع السحر من حيث التعريف و موارد استعمالاته و اطلاقاته و أقسامه، و حكم الأقسام من حيث الحلية و الحرمة، و نواحيه الاخرى فحصر كل هذه في مقامين.

فنحن نذكر كل ما افاده الشيخ في المقامين مشروحا مفصلا بحوله و قوته متبعين اثره.

(2) أي المقام الأول من المقامين.

يذكر الشيخ في هذا المقام معاني السحر لغة، و موارد استعمالاته و اطلاقاته.

و هي ثمانية ذكر منها أربعة و ترك الباقي.

و نحن نذكر ما ذكره الشيخ حسب ترتيبه، ثم نأتي بالأربعة الأخرى

(3) هذا المعنى الأول للسحر لغة.

و المراد من ما لطف مأخذه و دق: أن السحر كالشيء اللطيف الدقيق الخفي من حيث كونه لا يدرك بالعين.

فكما أن الشيء الدقيق لا يدرك بالعين.

ص: 33

و عن بعضهم (1): أنه صرف الشيء عن وجهه.

و عن ثالث: أنه الخديعة (2).

++++++++++

- كذلك السحر لا يدرك بالعين، لكونه دقيقا لطيفا خفيا.

و لا يخفى أن هذا تعريف بالأعم كتعريف اللغويين سعدانة: بأنها نبت. اذ من الواضح جدا أنه ليس كل ما كان مأخذه لطيفا دقيقا خفيا يعد من السحر، فإن كثيرا من المخترعات الحديثة المدهشة في عصرنا الحاضر كالطائرات و الراديوات و اللاسلكيات و التلفزيونات و الصواريخ، و الأقمار الصناعية، و القنابل الذرية و السفن الفضائية و النفاثات و الإذاعات و الأشعات و غيرها من الآلات الدقيقة، و الأدوات الخفية:

مأخذها دقيق و لطيف جدا و قد بلغت الدقة و اللطافة و الخفاء فيها قمتها حيث لا يعرف دقتها و لطافتها و خفاءها إلا مخترعوها.

فهل هذه من السحر؟

كلا ثم كلا.

(1) هذا ثاني معاني السحر الذي استعمل فيه.

و معنى صرف الشيء عن وجهه: صرفه عن ظاهره.

يقال: سحر زيد الشيء أي صرفه عن ظاهره.

و من هذا المعنى قوله تعالى: بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (1).

و قوله تعالى: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّٰ رَجُلاً مَسْحُوراً (2).

(2) هذا ثالث معاني السحر الذي استعمل فيه.

و المراد منه المكر و الخديعة.

يقال: سحر زيد عمرا أي مكره و خدعه.

ص: 34

و عن رابع: أنه إخراج الباطل في صورة الحق (1).

++++++++++

(1) هذا رابع معاني السحر، أي ابراز ما لم يكن له حقيقة و واقعية بصورة الحق و الواقع كما في أعمال السحرة.

و سيأتي شرح واف لهذا المعنى.

هذه هي الموارد الأربعة التي ذكرها الشيخ.

(الخامس): الجذب يقال: الطبيعة ساحرة أي جاذبة.

و يقال: زيد سحر الناس بأخلاقه أي جذبهم إليه بأخلاقه الفاضلة.

و من هذا المعنى قوله صلى اللّه عليه و آله: و إنّ من البيان لسحرا أي بعض أنواع الكلام له جاذبية يجذب السامع و مشاعره نحو الكلام.

راجع (أمالي الصدوق) طباعة المطبعة الحيدرية. عام 1389 ص 554.

و (بحار الأنوار) الطبعة الحديثة. الجزء 77. ص 159.

و (المجازات النبوية) طباعة مصطفى البابي بمصر عام 1356 رقم الحديث 89.

و (مجمع الأمثال). الجزء 1. ص 243. رقم المثل 1294. طباعة مطبعة السعادة بمصر. عام 1379.

و ذكر (أبو عبيدة) في وجه تسمية (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله بعض البيان سحرا: امرين.

(الأول): أن بعض البيان لدقته و لطفه يستميل القلوب الى المتكلم و يوجهها نحوه.

(الثاني): أن القادر على البيان العذب قادر على تحسين ما يكون قبيحا، و تقبيح ما يكون حسنا فهو يشبه السحر.

راجع (تاج العروس). الجزء 3. ص 257-258 مادة سحر و بمعنى الجذب كانت قريش تنجذب الى القرآن الكريم حينما يسمعونه -

ص: 35

و قد اختلفت عبارات الأصحاب في بيانه (1).

قال العلامة رحمه اللّه في القواعد و التحرير: إنه كلام يتكلم به أو يكتبه، أو رقية (2) أو يعمل شيئا تؤثر (3) في بدن المسحور، أو قلبه

++++++++++

- من فم (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله.

(السادس): الغذاء يقال: سحر زيد عمرا بالطعام و الشراب أي غذّاه بهما.

(السابع): الفساد يقال: سحر المطر الطين و التراب أي افسدهما.

(الثامن): الاستمالة يقال: سحر زيد عمرا أي استماله.

هذه هي الموارد الأربعة التي لم يذكرها الشيخ.

فصار المجموع ثمانية.

راجع كتب اللغة حول المعاني بأجمعها مادة سحر.

(1) أي في حقيقة السحر و ماهيته سعة و ضيقا بمعنى أنه ما المراد من السحر المحرم في الأخبار الواردة في السحر.

هل المراد منه كل ما أفاده الأصحاب من أقسامه حتى النميمة حتى تتوسع دائرته.

أو المراد منه فرد خاص فتتضيق دائرته.

(2) بضم الراء، و سكون القاف، و فتح الياء و زان مدية مشتقة من رقى يرقى رقيا و رقيا و رقية: و هي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى و الصرع مثلا، و غير ذلك، أي يقرأه الانسان على صاحب المرض المذكور.

و قد تأتي الرقية للإضرار البدني، أو العقلي.

(3) بصيغة المؤنث. و الفاعل يرجع الى المذكورات و هي الكلام و الكتابة، و الرقية و العمل، أي تؤثر المذكورات في بدن المسحور، أو -

ص: 36

أو عقله من غير مباشرة (1).

و زاد في المنتهى: أو عقدا (2).

و زاد في المسالك: أو أقساما (3)، أو عزائم يحدث بسببها ضرر على الغير.

و زاد في الدروس: الدخنة (4) و التصوير و النفث، و تصفية النفس.

++++++++++

- قلبه الى آخر ما ذكره الشيخ عن العلامة.

و المراد من عمل الشيء في قوله: أو يعمل شيئا: ما يعمله بعض السحرة: من إحراق عظام الموتى في المقابر، و اللعب بجثثهم.

(1) أي من دون أن يتصدى شخص الساحر للاتصال بالمريض و من دون أن يعالجه بالأدوية و العقاقير المألوفة و المتعارفة.

(2) بضم العين و فتح القاف و زان صرد: فهو جمع عقدة بضم العين و سكون القاف و فتح الدال.

و المراد من العقد هنا: هي العقد التي تعقدنها النفاثات الساحرات و يأخذن خيطا و يتكلّمن بكلمات ثم يعقدن عليه، ثم ينفثن على تلك العقدة أي كلما تقرأ الساحرة شيئا من الرقية و العوذة فتعقد عقدة ثم تنفث فيها، أي تبصق عليها.

و من هذا المعنى قوله تعالى: وَ مِنْ شَرِّ اَلنَّفّٰاثٰاتِ فِي اَلْعُقَدِ (1).

(3) بفتح الهمزة جمع قسم: و هو اليمين باللّه، و يغيره.

و العزائم جمع عزيمة: و هي الرقى.

و قد تقدم معناها مشروحا في الهامش 2. ص 36.

(4) بضم الدال و سكون الخاء و فتح النون وزان دمية.

و المراد منها: التدخين ببعض المواد للإضرار بالغير في أماكن مخصوصة -4.

ص: 37


1- العلق: الآية 4.

و يمكن أن يدخل جميع ذلك (1) في قوله في القواعد: أو يعمل شيئا.

نعم ظاهر المسالك، و محكي الدروس: أن المعتبر في السحر الإضرار (2).

++++++++++

- و أوقات معينة مع قراءة رقية.

و التصوير عبارة عن تصوير شخص. إما تنقيشا، أو تجسيما يراد به الإضرار بالغير ثم يعمل الساحر في عضو مخصوص من أعضائه العملية التي يريد إضرار المسحور بها.

و النفث هو التفل اي يتفل الساحر بعد قراءة الرقى، و العوذة في العقد التي يعقدها.

و المراد من تصفية النفس: قهرها و اذلالها و مخالفتها بالرياضات المحرمة مثل ما يرتكبه مرتاضو الهند: من أعمال شاقة غريبة كالوقوف على احدى رجليه مدة من الزمن، أو المشي زحفا على الأيدي و الأرجل الى مسافة بعيدة، أو التمرغ على ألواح فيها مسامير، و غير ذلك من الأفاعيل العجيبة.

و لا يخفى أن تصفية النفس بالطرق المذكورة لا تلائم الشرع و لا توافقه، لأنها غير شرعية.

(1) أي يدخل جميع ما ذكر: من الدخنة، و التصوير، و النفث و التكلم و الرقية و الأقسام و الكتابة، و تصفية النفس في قول العلامة في القواعد:

أو يعمل شيئا، لشمول لفظ الشيء المذكورات.

(2) أي أخذ في مفهوم السحر الذي هو موضوع الحكم بالحرمة: الإضرار بمعنى أن السحر ما يضر بالآخرين فيكون ما لا ضرر فيه ليس بحرام أو ليس بسحر حتى يكون حراما.

أما مسألة إبطال السحر بالسحر، أو النفع للغير فسيجيء البحث عنه في المتن و نتكلم حوله.

ص: 38

فإن أريد من التأثير في عبارة القواعد (1)، و غيرها: خصوص الإضرار بالمسحور فهو (2)، و إلا (3) كان أعم.

ثم إن الشهيدين رحمهما اللّه عدا من السحر: استخدام (4) الملائكة

++++++++++

(1) أي في قول العلامة في القواعد: أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله.

(2) أي يكون ما اراده (الشهيدان) في المسالك و الدروس من الاضرار في مفهوم السحر هو بعين ما اراده العلامة في القواعد بقوله:

أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور ان كان مراد العلامة من التأثير:

خصوص الإضرار بالمسحور.

(3) أي و ان لم يرد العلامة من التأثير خصوص الإضرار.

بل أراد به الجامع الأعم منه و من النفع، أي مطلق التأثير.

(4) هذه العبارة: استخدام الملائكة و استنزال الشياطين ليست للشهيدين، بل هي (للشهيد الثاني) مذكورة في (شرح اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 3: ص 215.

و لعلها مذكورة في احد الكتب الفقهية (للشهيد الأول) غير اللمعة كالدروس و البيان و الذكرى و الألفية.

ثم إن لنا مع (شيخنا الشهيد الثاني) قدس اللّه روحه نقاشا أدبيا و هو أنه كيف يمكن لبشر و هو من العالم السفلي أن يتصرف في الملائكة الذين هم من العالم العلوي و هم عباد مكرمون يسبحون اللّه عز و جل و يقدسونه، و يهللونه و يكبرونه، و هم محروسون بحراسة اللّه جل و علا.

بالإضافة الى أن الساحر فاسق ان لم يكن كافرا كما عرفت من الأخبار التي تلوناها عليك، فأنى لهذا الساحر الفاسق التصرف في هؤلاء الأرواح المجردة الحافين بعرشه، و المحدقين بكرسيه و لوحه و قلمه.

ص: 39

و استنزال الشياطين في كشف الغائبات، و علاج المصاب (1).

و استحضارهم (2)، و تلبيسهم (3) ببدن صبي، أو امرأة،

++++++++++

- قال اللّه عز من قائل: إِنَّ عِبٰادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰانٌ (1).

فاذا كان الشيطان ليس له السلطة و السلطنة على عباد اللّه الصالحين مع ما لديه من السلطة و السلطنة فكيف لأبالسة الانس السلطة و السلطنة و الاقتدار على ملائكته المقربين، و كيف يتصرف الساحر الفاسق بهم فيستخدمهم ؟

هذا اذا كان الساحر فاسقا.

و أما اذا كان كافرا من اصله فالاشكال أشد و أكثر و أشكل.

نعم يصح استخدام الملائكة (للأنبياء العظام، و الرسل الكرام و الأئمة من اهل البيت) ذوي النفوس القدسية الذين لهم الولاية التكوينية و التصرفات في العوالم العلوية و السفلية بإرادة من اللّه جل شأنه و إشاءته ببركة اسمه الأعظم، و مثل هذا خارج عن السحر حكما و موضوعا.

و الظاهر أن ما افاده مثل هؤلاء الأعلام الأفذاذ في هذا المقام قد اخذوه عن غيرهم عفوا، ثم ارسلوه على علاته.

(1) بأن اصيب الانسان بمرض الجنون.

و المراد من كشف الغائبات: سؤال السحرة عن الأجنة و الشياطين عن مستقبل شخص مفقود، أو عن مال مسروق، أو عن السارق، و غيرها من الأمور.

(2) بالنصب عطفا على قوله: استخدام الملائكة، أي عد الشهيدان من أنواع السحر: استحضار الملائكة و الشياطين من قبل الساحر.

(3) بالنصب أيضا عطفا على قوله: استخدام الملائكة، أي عد الشهيدان -2.

ص: 40


1- الحجر: الآية 42.

و كشف (1) الغائبات على لسانه.

و الظاهر أن المسحور فيما ذكراه (2) هم الملائكة و الجن و الشياطين.

و الإضرار بهم يحصل بتسخيرهم، و تعجيزهم من المخالفة له، و إلجائهم الى الخدمة.

و قال في الإيضاح: إنه (3) استحداث الخوارق.

إما بمجرد التأثيرات النفسانية (4) و هو السحر.

++++++++++

- من أنواع السحر: تلبيس الملائكة، و الشياطين ببدن صبي، أو امرأة عند ما يلبسون ببدنهما لعلاج المجنون، أو المصروع بواسطة الساحر.

(1) بالنصب عطفا على قوله: استخدام الملائكة، أي عد الشهيدان من أنواع السحر: كشف الغائبات على لسان صبي بواسطة الساحر.

(2) و هما: الشهيدان، أي الظاهر أن المسحور هنا: هم الملائكة و الجن و الشياطين، فإن الساحر يسحرهم لإرادته فيكونون هم المسحورون فيطيعون إرادته فيضطرون لخدمته: و امتثال أوامره.

(3) أي السحر في تعريف صاحب الايضاح عبارة عن استحداث خوارق الطبيعة و العادة كجعل الحبال حيات و أفاعي، أو الصخور العظيمة متحركة تمشي، أو الصحراء الرملاء بحرا، و غير ذلك من الأمور المدهشة الخارقة للعادة.

ثم إن صاحب الإيضاح ذكر لهذا الاستحداث أسبابا، و سمى كل واحد منها باسمه الخاص، و نحن نذكر كل واحد من تلك الأسباب باسمه الخاص عند ما ينقل عنه الشيخ.

(4) هذا أحد الأسباب للاستحداث المذكور، أي سببه التأثيرات النفسية.

و المراد من التأثيرات النفسية: أن الساحر بسحره يؤثر على المسحور -

ص: 41

أو (1) بالاستعانة بالفلكيات فقط و هى دعوة الكواكب، أو بتمزيج (2)

++++++++++

- بحيث يرى أشياء عجيبة خارقة للعادة كوجود بحر عظيم في غرفته تجري فيه السفن و البواخر، و كاستيلاء خوف شديد عليه، أو فرح بالغ، أو حب مفرط، و أمثال هذه الأمور العجيبة الخارقة للعادة.

و يسمى هذا النوع من الاستحداث بالسحر.

ثم لا يخفى عليك: أن صاحب الإيضاح جعل مجرد التأثيرات النفسانية المعبر عنها بالسحر قسما من السحر، مع أن المقسم لا يكون قسما للشىء فلا يقال في تقسيم الكلمة الى الاسم و الفعل و الحرف: الكلمة إما كلمة أو اسم، أو فعل، أو حرف، لأنه يلزم جعل المقسم قسما للشيء و هو غير معقول.

(1) هذا ثاني الأسباب للاستحداث المذكور، أي السبب لذلك:

الاستعانة بالفلكيات التي هي الأجرام السماوية: من النجوم و الكواكب و الكرات فتكون هذه الأجرام سببا للاستحداث المذكور، فإن الساحر إنما يفعل الأعاجيب الخارقة للطبيعة بالاستعانة بهذه الأجرام السماوية.

و يسمى هذا النوع من الاستحداث بدعوة الكواكب.

هذا بناء على أن للنجوم و الكواكب حياة و إرادة و اختيارا.

(2) هذا ثالث الأسباب للاستحداث المذكور: أي سبب الاستحداث:

تمزيج القوى السماوية التي هي النجوم و الكواكب بالقوى الأرضية التي هي الدوائر المعروفة عند السحرة، و المربعات و المثلثات المشتملة على الحروف و الأعداد المشيرة إلى القوى العلوية التي هي النجوم و الأفلاك.

فالساحر يمزج تلك القوى بهذه القوى فتتولد منهما الأمور الخارقة للعادة و الطبيعة.

و يسمى هذا النوع من الاستحداث بالطلسمات.

ص: 42

القوى السماوية بالقوى الأرضية و هي الطلسمات.

أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة (1) و هي العزائم، و يدخل

++++++++++

(1) هذا رابع الأسباب للاستحداث المذكور، أي سبب الاستحداث:

الاستعانة بالأرواح الساذجة: و هي الأرواح المجردة.

و هي على قسمين:

قسم ليس لها أبدان اصلا كالملائكة و الشياطين.

و قسم لها أبدان، لكنها تفارقها بعد فترة و حين: و هي أرواح البشر عند مفارقتها الأبدان بموته فهي باقية خالدة الى أن يشاء اللّه عز و جل و لا يمكن أن يعتريها الزوال و الفناء وقوعا إلا في فترة قليلة: و ذلك عند قيام يوم الدين بفناء العوالم كلها و ما فيها كما قال عز من قائل:

يوم نطوي السّماء كطي السجل للكتب فلا يبقى شيء حتى الأرواح فتفنى فلا حس و لا محسوس، و هو القائل عز اسمه: لمن الملك اليوم فليس هناك من مجيب فيقول الباري عز و جل: اَللّٰهُ اَلْوٰاحِدُ اَلْقَهّٰارُ (1).

و بعد ذلك تحيى الأرواح، و تعاد الأشياء كما بدأها مدبرها.

و أما عروض الفناء للأرواح بالإمكان الذاتي فممكن، لأنها من الممكنات و كل شيء ممكن قابل للفناء: و هو الفارق بين ما كان وجوده ممكنا، و ما كان وجوده واجبا. فلا يقال: كيف لا يعتريها الفناء و الزوال.

و يسمى هذا النوع من الاستحداث: بالعزائم.

لما ذكر (شيخنا الأنصاري) عن الايضاح من أنواع السحر الاستعانة بالأرواح الساذجة رأينا من المناسب ذكر شيء حول استحضار الأرواح، و عن مدى صحته، ليقف القارئ الكريم على حقيقة هذه -6.

ص: 43


1- المؤمن: الآية 16.

..........

++++++++++

- العويصة المشكلة التي طالما وقعت معركة الآراء بين الشرقيين و الغربيين على اختلاف أديانهم و مذاهبهم.

فنقول متوكلين على اللّه جل و علا: أفاد الاستاذ (محمد فريد وجدي) في كتابه (دائرة المعارف). الطبعة الثالثة. عام 1356. في المجلد 3.

في مادة (روح). ص 365:

فتح اللّه للناس الى عالم الروح نافذتين:

نافذة من علم التنويم المغناطيسي(1).

و نافذة من علم المباحث النفسية فكان ما ظهر منهما كافيا لإقامة ما لا يحصى من الأدلة المحسوسة على وجود الروح، و صحة الخلود و هي أكاد عقبة في سبيل الدين.

فالتنويم المغناطيسي هو تنويم صناعي يحدثه المتفرغون لهذا العلم فيقع المنوم في نوم عميق فتظهر منه خوارق تثبت أن له روحا متميزة عن المادة.

و أما استحضار الأرواح فهو فن توصل إليه (علماء أوربا و أمريكا) يستحضرون به الأرواح من عالمها فتظهر أمامهم بشكل باهر فتكلمهم و تثبت لهم بكل دليل أنها روح فلان الميت كما سيمر عليك.

و كلا هذين الفنين كان معروفا في أقدم عهود الحكمة فقد كان يعرفه (المصريون القدماء، و الآشوريون، و الهنود، و الرومان).

و لكنه كان لا يتعدى الهياكل و المعابد، و لم يشتغل به الا رجال الدين.

و ينكر أكثر الشرقيين خطورة هاتين المسألتين، تأثرا ببعض الكتب الإلحادية التي ظهرت بالعربية في هذه السنين.

و لكن عذرهم في ذلك، و عذر أولئك المؤلفين أنهم جميعا لم يطلعوا -س.

ص: 44


1- انظر نوم من هذا القاموس.

..........

++++++++++

- على آثار هذه الحركة التي يقول عنها الكاتب الفرنسي الطائر الصيت (جول بوا) في جريدة (الطان) الصادرة في 21 يونية 1904:

إن ما حدث من أنواع الشفاء بالتنويم مما يكاد يعد معجزة، و ما حصل من الفوائد من فن التلقين بالاستهواء، و ما يشاهد من مزايا الاعتقاد و ثبات الإرادة، و المحاورات المدهشة بواسطة (التلباتيا)، و مسائل الأفكار، و ظهور شبح الانسان في مكان بينما يكون هو في محله لم يتحرك و استخراج القوة الحيوية من الجسد (أنظر نوم) و قد توصلوا الى رسمها و قياسها و ما يراه الرائي من الغيوب في النوم، و الإنباء بالامور المستقبلة و الخوارق الحاصلة من الوسطاء و الفقراء و الهنود التي هي في الغالب صحيحة صادقة، كل هذا يتكون منه مجموع هائل من حوادث و مشاهدات يستحيل على الانسان أن يزدريها، و أن لا يعبأ بها.

يقول هؤلاء الأعلام: مثل هذا القول في (اوروبا) بعد أن كانوا بالأمس لا يعتقدون بشيء فيقابل الشرقي المفتون هذه الأقوال بالسخرية و الاستهجان كأنه أعرق منهم في التشكك، أو أبعد مدى منهم في التعلق بالمادة و هو لا يدري أنه بتكذيبه بما اصبح الشغل الشاغل لكثير من (علماء أوروبا) يمثل اقبح و أغلظ أدوار المفتونين المسلوبي الإرادة و الاستقلال.

يقول (جول بوا) في (جريدة الطان) الشهيرة في وسط (باريس):

إن جمعيات المباحث النفسية في (لوندرة و نيويورك، و ألمانيا، و ايطاليا و روسيا) مؤلفة من طبيعيين، و أطباء، و كيمياويين، و عمرانيين، و فلاسفة مهتمين غاية الاهتمام بهذه المسائل الجذابة التي طالما هزأ بها المستهزءون، و ازرى بها الزارّون.

و قد تأسست في (باريس) نواد مخصصة للمباحث النفسية -

ص: 45

..........

++++++++++

- (الفزيولوجية) حصلت من علماء النفس الرسميين على مساعدين مثل (دارسو نفال، و بوشار، و ميزير، و بويسون، و متشنيكوف، و بيريه و جيار، و سوللي برودوم).

و بذلك فقد أصبح مستقبل هذه المباحث بملاحظة هذه العقول الكبيرة سائرا على دستور علمي، و مأمونا عليه من الخطأ

الى أن يقول الاستاذ في نفس المصدر ص 374:

بقي علينا أن نورد شيئا من مذهب استحضار الأرواح.

فنقول: (إثبات الروح بمذهب استحضار الارواح) قد أجهز هذا المذهب على المذهب المادي، و اتم تقويض(1) دولته، و نسف(2)صروحه، و تذريتها(3) في ذيول السافيات.ر.

ص: 46


1- مصدر باب التفعيل من قوض يقوض. و معناه: الهدم و التخريب.
2- بفتح النون و سكون السين مصدر نسف ينسف من باب (ضرب يضرب). و معناه: القلع والدك. يقال: نسف البناء أي قلعه من أصله. و صروح: بضم الصاد و الراء جمع مفرده صرح و هو القصر الرفيع الضخم المرتفع.
3- بفتح التاء و سكون الذال مصدر باب التفعيل من ذرى يذري و معناه: تفريق الهواء التراب، أو الحب في الفضاء. و الذيول بضم الذال و الياء و سكون الواو. و السافيات: جمع سافية. و المراد منها هنا: الرياح و الأهوية و إنما قيل لها: السافيات، لكونها تذر التراب و تنقله من مكان الى آخر.

..........

++++++++++

- و إنا موردون عن هذا المذهب كلمة موجزة تاركين الخوض فيه لمؤلّف قد وضعناه و نشرناه باسم (على أطلال المذهب المادي).

يقول أشياع هذا المذهب: ان الحد الفاصل بين الأحياء و الأموات ليس على ما يظنه الناس من الخطورة، فان الموت ليس في ذاته إلا انتقالا من حال مادي جسدي الى حال مادي آخر، و لكن ارق منه و ألطف كثيرا، فإنهم يعتقدون أن للروح جسما ماديا شفافا لطيفا ألطف من هذه المادة جدا، و لذلك لا تسري عليه قوانينها.

و يقولون: إن الانسان بعد الموت مباشرة يكون في عالمنا هذا بين أيدينا و عن أيماننا و شمائلنا، و لا يزالون كذلك مدة تختلف باختلاف درجتهم الروحية، ثم ينتقلون الى حال أرقى من هذا و إن كانوا لا يبرحون هذا العالم، فان العالم في نظرهم اختلاف حالات و مقامات، لا اختلاف جهات و مكانات.

و يقولون: ان الروح و هي على حالها الأول بعد خروجها من الجسد يمكن مكالمتها، بل و رؤيتها مجسمة بواسطة شخص يكون فيه الاستعداد لأن يقع في خدر عام عند ارادته تحضير الروح فتستفيد الروح من استعداده فتكلم الناس بفمه بلغات يجهلها كل الجهل، و تنبئ عن أمور للحاضرين:

من أقاربها و خاصتها لا يدري الواسطة منها شيئا، بل تكشف من أسرار العلم و الفلسفة و الرياضيات العويصة ما يجهله الواسطة و السامع، و لا يدركه على سطح الأرض إلا نفر يسير، و قد تستولى على يده و تكتب و عينه مغمّضة: صحفا و رسائل.

و قد تظهر بجسم مادي محسوس بينما يكون الواسطة ملقى أمام المجربين مكتوفا على كرسيه.

ص: 47

..........

++++++++++

- و سبب ربطه هكذا: أن الذين يبحثون في هذه الامور المدهشة من العلماء ملحدون ماديون لا يعتقدون بشيء، و لأجل أن يثقوا من صدق مشاهداتهم التي تهدم لهم كل مقررات فلسفتهم لا يرضون في حالة تجسد الروح، إلا أن تكون الغرفة مغلقة، و الفرش مفتشة، و الواسطة مربوطة على كرسيه بأربطة متينة، مسمّرة أطرافها بالأرض، و لا يكتفون بذلك أيضا، بل منهم من وضعه في قفص حديدي، و وضع كرسيه على سطح مائي، و أوصل بيده سلكا كهربائيا متصلا (بجلوانومتر). انظر هذه الكلمة، ليسجل عليه كل حركة و كل نفس، و لم يكتف بذلك، بل أرصد له من يراقبه من إخوانه العلماء، و رغما عن ذلك كله تظهر الروح مجسمة تبتدئ أولا بشكل سحابة منيرة، ثم تأخذ في التشكل شيئا فشيئا حتى تصير شكل انسان منير، ثم تتكاثف حتى تصير دما و لحما و عظما أمام أعينهم فتقف أمامهم، و تطوف حولهم عالية بقدميها عن الأرض قليلا، لابسة هيئة عربية بدوية متمثلة بشرا سويا.

و لكن شوهد أن جسمها يكون لينا لدرجة أن الانسان لو ضغط يدها بين اصبعيه تنبعج يدها بينهما حتى يتلاقيا كأنها عجين ذو قوام متماسك.

و لكن شوهد أن لها نبضا و قلبا و تنفسا، و كل ما للجسم الحي فلما تسأل من أين لها هذا الجسد؟ تقول: استعرته من جسم الواسطة.

و في الواقع اذا وزنت الواسطة وجد أن جسمها قد نقص نصف وزنه و قد شوهد ان الجزء الأسفل من الواسطة تلاشى بالمرة و صار لا وجود له فلما ذهبت الروح عاد إليها.

هذه الأمور جربت في كل عاصمة، الى آخر ما يقوله الاستاذ حول الاستحضار.

راجع المصدر الى آخر مبحث الروح، فإن فيه فوائد جمة تفيدك -

ص: 48

و يدخل فيه (1) النيرنجات، و الكل (2) حرام في شريعة الاسلام، و مستحله كافر انتهى (3).

++++++++++

- في الوقت الحاضر فقد نقل أقوالا حول الاستحضار عن العلماء و الأساتذة الكبار مفيدة جدا فليس بوسعنا ذكر تمامها.

(1) يحتمل إرجاع الضمير الى (استحداث خوارق العادة) الذي وقع في تعريف السحر على مذهب صاحب الايضاح بقوله: إنه (استحداث الخوارق).

و يحتمل ارجاعه الى القسم الأخير من أفراد السحر و هو قوله: على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة، أي و يدخل في استحداث خوارق العادة أو في الاستعانة بالأرواح الساذجة: النيرنجات.

و النيرنجات: جمع نيرنج و هو معرب (ني رنك) و الكلمة هذه فارسية بحتة: مركبة من كلمتين: و هما (ني) بمعنى النفي، و (رنك) بمعنى اللون و الصبغ، فكأنما مهرة هذه العملية يصنعون أعمالا عجيبة خارقة للعادة ليس لها حقيقة و واقعية فيقال لها: نيرنج أي بلا لون و صبغ، كما يقال بالفارسية للحناء الذي لا لون له: بي رنك.

و أما معنى النيرنج هنا فقد أفاده الشيخ بقوله: و فسر النيرنجات في الدروس. الى آخر قوله.

(2) أي كل هذه الأقسام الأربعة و هي: مجرد التأثيرات النفسانية و الاستعانة بالفلكيات، و تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية، و الاستعانة بالأرواح الساذجة التي هي أسباب و علل للاستحداث المذكور: حرام في الشريعة الاسلامية، و مستحل هذه الأقسام كافر.

(3) أي ما افاده صاحب الإيضاح في هذا المقام.

ص: 49

و تبعه على هذا التفسير (1) في محكي التنقيح، و فسر النيرنجات في الدروس بإظهار (2) غرائب خواص الامتزاجات، و أسرار النيرين (3).

++++++++++

(1) أي تفسير صاحب الايضاح السحر بانه استحداث خوارق العادة إما بمجرد التأثيرات النفسانية، أو الاستعانة، بالفلكيات، أو تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية، أو الاستعانة بالأرواح الساذجة.

(2) الباء في باظهار غرائب خواص بيانية و تفسيرية لمعنى (النيرنجات أي النيرنجات عبارة عن اختلاط شيء مع شيء آخر كما كان بعض الناس في الأزمنة السابقة في بعض البلدان يأخذون نوعا من النباتات و العقاقير و يجعلونه معجونا، ثم يمزجون هذا المعجون مع معجون آخر متخذا من نباتات أخرى فيحصل من اختلاط هذين النوعين من المعجون و مزجهما بالآخر: خاصية يستفاد منهما.

ثم يجعلون هذا المعجون الممتزج و المختلط على رأس انسان مثلا، أو بدنه فيصير عاشقا، أو مجنونا، و غير ذلك من العوارض، فهذا يسمى عندهم بالنيرنج.

فهو محرم فعله، و تعليمه، و تعلمه لهذه الغاية.

(3) هذا فرد ثان للنيرنجات بناء على تفسير (الشهيد الاول) في الدروس و المراد من النيرين: الشمس، و القمر.

و المراد من أسرارهما: هي الدوائر التي يصنعها أهل الطلسمات:

من المربعات و المثلثات، و غيرهما، و يجعلون فيها الأرقام و الحروف، و تسمى هذه الدوائر و المربعات عندهم ب: (شرف الشمس) يستعملونها لأغراض مختلفة، منها نافعة، و منها مضرة.

و تسمى هذه بالنيرنج أيضا، فالمستعمل منها للإضرار حرام فعله و تعليمه و تعلمه.

و المستعمل منها للنفع حلال فعله و تعليمه و تعلمه.

ص: 50

و في الايضاح أما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الأجسام السفلية فهو علم الخواص (1).

أو الاستعانة بالنسب الرياضية (2) فهو علم الحيل، و جر الأثقال

++++++++++

(1) أي خواص الأشياء و آثارها.

و هذا العلم مركب من علوم كثيرة: من علم خواص النباتات و من علم خواص الحيوانات، و من علم خواص المخلوقات الأرضية و البحرية و الهوائية، و غيرها من المخلوقات الموجودة التي لا يمكننا ذكرها هنا و هي لا تخفى على المتأمل النبيل، و الخبير البصير.

و هذا العلم يعبر عنه في عصرنا الحاضر ب: العلوم، أو علم الأشياء أو علم الكيمياء.

و قد ألف العلماء قديما و حديثا: من المسلمين و غيرهم كتبا كثيرة في هذا العلم.

و من تلك الكتب (مخزن الأدوية) بالفارسية، و (تحفة حكيم مؤمن) بالفارسية، و (تذكرة أولى الألباب) للرحالة الشهير الشيخ داود الإنطاكي(1)الضرير المتوفى عام 1029.

كل هذه الكتب موضوعة في علم الطب و خواص الأدوية و النباتات و البقولات.

(2) (النسب الرياضية) هو علم يبحث فيه عن قواعد و اصول لو اطلع عليها القارئ و مارسها ممارسة عميقة لاستطاع و تمكن على إظهار أمور غريبة عجيبة توسط حركات و آلات خاصة.

و لهذه النسب الرياضية فردان:

(احدهما): يسمى علم الحيل.).

ص: 51


1- يأتي شرح حياته، و حياة (حكيم مؤمن) في (أعلام المكاسب).

و هذان (1) ليسا من السحر. انتهى (2).

و ما جعله (3) خارجا قد أدخله غيره.

++++++++++

- (ثانيهما) يسمى علم جر الأثقال.

و قد ذكر مؤلف كتاب (نفائس الفنون في عرائس العيون) في الجزء 3. ص 557-559. طباعة طهران. عام 1379 فيه عنهما شرحا وافيا.

فراجع هناك كي تستفيد فوائد هامة حول العلمين و غيرهما.

و ليس بوسعنا ذكر كل ما في الكتاب هنا، و لا سيما الكتاب باللغة الفارسية و اعتمد فيها على اصطلاحات فارسية بحتة فترجمتها الى العربية مشكلة.

لكن نذكر لك منه مثالين حتى تكون على بصيرة.

أليك المثال الاول مترجما.

خذ البورق الكابلي و الخل، و شيئا من زبد البحر فاخلط بعضها ببعض خلطا جيدا، ثم أطل بعد الخلط احد أصابع يديك أو رجليك ثم اجعل على أي اصبع من أصابعك مقدارا من النفط ثم أوقده بالنار فترى الاصبع موقدا عوضا عن الشمع و السراج و الإصبع لا يحترق.

أليك المثال الثاني.

ترى مهرة هذا الفن يأخذون شيئا من الطلق المذاب، ثم يطلون به أيديهم و أرجلهم ثم يدخلون في النار، أو يأخذون النار بأيديهم من دون أن تحترق الأيدي، أو تؤثر النار على أرجلهم و أيديهم

(1) أي علم الحيل و جر الأثقال.

(2) أي ما افاده (صاحب الإيضاح).

(3) أي علم الحيل، و علم جر الأثقال الذين جعلهما (صاحب الايضاح) خارجين عن علم السحر و موضوعه بقوله: و هذان ليسا من السحر:

فقد أدخلهما غيره في السحر: و هو الفاضل المقداد بقوله: إنه عمل يستفاد -

ص: 52

و في بعض الروايات دلالة عليه (1)، و سيجيء المحكي (2) و المروي.

و لا يخفى أن هذا التعريف (3) أعم من الأول (4)، لعدم (5) اعتبار مسحور فيه، فضلا عن الإضرار ببدنه، أو عقله.

++++++++++

- منه ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية، فإن هذا التعريف يشمل علمي الخواص و الحيل كما افاده الشيخ بقوله: و هذا يشمل علمي الخواص و الحيل.

(1) أي و في بعض الروايات الواردة في المقام دلالة على دخول علم الحيل، و علم جر الأثقال في موضوع السحر.

و لعل المراد من بعض الروايات: رواية الاحتجاج في سؤال الزنديق عنه عليه السلام و جوابه عليه السلام له بقوله: و لكل معنى حيلة.

و سيجيء الاشارة الى رواية الاحتجاج في ص 60.

(2) المراد من المحكي ما يحكيه الشيخ عن الفاضل المقداد في قوله:

كما في التنقيح إنه عمل يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة.

و المراد من المروي رواية الاحتجاج الآتية في ص 60

(3) و هو تعريف (صاحب الايضاح) بقوله: أما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الأجسام السفلية الى آخر قوله، فهذا اعم من التعريف الاول:

و هو تعريف العلامة في القواعد و المنتهى، و الشهيد الثاني في المسالك، حيث اعتبرا الإضرار في مفهوم السحر بقولهما: ببدنه أو عقله، بالإضافة الى اعتبار وجود شخص يقع عليه السحر.

(4) و هو تعريف العلامة كما عرفت آنفا.

(5) تعليل من الشيخ في أن تعريف الإيضاح اعم من تعريف (العلامة و الشهيد الثاني). و قد عرفت في الهامش 3 شرح ذلك.

ص: 53

و عن الفاضل المقداد في التنقيح: أنه (1) عمل يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة (2) بأسباب خفية.

و هذا (3) يشمل علمي الخواص و الحيل.

و قال في (البحار) بعد ما نقل عن أهل اللغة أنه (4) ما لطف و خفي سببه: إنه (5) في عرف الشرع مختص بكل أمر مخفي سببها، و يتخيل على غير حقيقته، و يجري مجرى التمويه و الخداع. انتهى (6).

أن السحر على أقسام
اشارة

و هذا (7) أعم من الكل، لأنه ذكر بعد ذلك ما حاصله: أن السحر

++++++++++

(1) أي السحر.

(2) هذه الأفعال الغريبة: هو المنشأ لعلم الحيل، و علم خواص الأشياء كما عرفت في الهامش 2 من ص 51-52.

(3) هذه العبارة: و هذا يشمل علمي الخواص و الحيل: من كلام (الشيخ الانصاري)، أي تعريف الفاضل المقداد السحر بأنه عمل يستفاد منه ملكة نفسانية الى آخره يشمل علمي الخواص و الحيل، و ليست من كلام الفاضل المقداد.

و قد عرفت علمي الخواص و الحيل في الهامش 2 من ص 51-52.

(4) أي السحر، و قد مضى شرح موارد استعمالات السحر و اطلاقاته في الهوامش ص 33-34-35-36 فراجع.

(5) هذه الجملة: (إنه في عرف الشرع) مقول قول (العلامة المجلسي) اعلى اللّه مقامه في (بحار الأنوار).

راجع المصدر. الطبعة الجديدة. الجزء 59. ص 277 عند قوله:

اعلم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل امر.

(6) أي ما افاده (العلامة المجلسي) رحمه اللّه في هذا المقام في المصدر.

(7) أي تعريف (العلامة المجلسي) السحر اعم من تعريف صاحب -

ص: 54

..........

++++++++++

- الايضاح و الفاضل المقداد، لأنه قدس سره ذكر بعد تعريفه السحر بقوله:

إنه ما لطف و خفي سببه: أقساما ثمانية للسحر في كتابه (بحار الأنوار) نفس المكان، فذكره الأقسام دليل على أن تعريفه السحر اعم من تعريف صاحب الايضاح، و الفاضل المقداد، لأن جل الأقسام خارجة عن موضوع السحر.

ثم لا يخفى عليك أن (شيخنا العلامة المجلسي) قدس سره بعد نقله تعريف السحر عن أهل اللغة أفاد أن السحر في عرف الشرع مختص بكل امر مخفي سببه، و يتخيل على غير حقيقته، و يجري مجرى التمويه و الخداع.

و حيث كان ظاهر عبارته و لا سيما جملة: (معنى التمويه و الخداع) يعطينا درسا عن أن السحر لا حقيقة و لا واقعية له: رأينا من المناسب بسط الكلام في هذا الموضوع، و ذكر كلمات الأصحاب من الشيعة و السنة ليكون القارئ النبيل على بصيرة من السحر أليك خلاصة الأقوال:

اعلم أن جل الامامية كما سنتلو عليك أسماءهم ذهبوا الى أن السحر ليس له حقيقة واقعية، و موضوع واقعي و قالوا: إن السحر عبارة عن إظهار ما لا واقع له بصورة واقعية كما في صيرورة الصحراء الرملاء بحرا، و البحر صحراء رملاء.

و استدلوا على ذلك بالآيات الكريمة، و الأحاديث الشريفة.

أما الآيات فقوله تعالى: فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ (1).

و قوله تعالى: فَلَمّٰا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ اَلنّٰاسِ وَ اِسْتَرْهَبُوهُمْ -6.

ص: 55


1- طه: الآية 66.

..........

++++++++++

- وَ جٰاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (1)

و أما الأحاديث فمنها قوله عليه السلام: إن الحبال و العصي لم تنقلبا عن واقعهما و حقيقتهما، و لم تنقلبا أفاعي و حيات، بل بقيتا على صورتهما الواقعية، لكنهم سحروا أعين الناس.

و هذا المعنى هو المتبادر من السحر عند العرف متى اطلق و استعمل مجردا عن القرينة.

و كذلك هو المتبادر عند جملة من اللغويين.

راجع: (المصباح المنير. مقاييس اللغة. مفردات اللغة، و غيرها من كتب اللغة مادة سحر.

و أما علماء (اخواننا السنة) فقد اختلفوا في ذلك.

فمنهم من قال: إن السحر له حقيقة واقعية.

و منهم من قال: إنه ليس له حقيقة واقعية.

فنحن نذكر لك خلاصة الأقوال من الطرفين، سواء أ كانوا شيعة أم سنة.

قال (الشيخ في الخلاف). الجزء 3. ص 161-162:

مسألة 14 السحر له حقيقة، و يصح منه أن يعقد و يرقى و يسحر و يقتل و يمرض و يكدع(2) الأيدي، و يفرق بين الرجل و زوجته، و يتفق له أن يسحر -ج.

ص: 56


1- الأعراف: الآية 116.
2- من كدع يكدع وزان منع يمنع معناه: الدفع: أي الساحر يعمل عملا يدفع به أيدي المسحور و أرجله عما يريد أن يفعله. و في بعض نسخ الخلاف كوع بالواو وزان منع يمنع أيضا. و معناه: الالتواء و الاعوجاج.

..........

++++++++++

- بالعراق رجلا بخراسان فيقتله عند أكثر اهل العلم (كأبي حنيفة و أصحابه و مالك و الشافعي).

و قال (أبو جعفر الأسترآبادي) من أصحاب (الشافعي): السحر لا حقيقة له و إنما هو تخييل و شعوذة، و به قال (المغربي) من أهل الظاهر.

و هو(1) الذي يقوي في نفسي.

و يدل على ذلك قوله تعالى مخبرا عن قصة فرعون و السحرة: «فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسىٰ » .

و ذلك أن القوم جعلوا من الحبال كهيئة الحيات، و طلوا عليها الزيبق و أخذوا الموعد على وقت تطلع فيه الشمس حتى اذا وقعت على الزيبق تحركت فخيل لموسى أنها حيات تسعى و لم يكن لها حقيقة فكان هذا في أشد وقت السحر فألقى موسى عصاه فابطل عليهم السحر فآمنوا به.

و أيضا فإن الواحد منا لا يصلح أن يفعل في غيره و ليس بينه و بينه اتصال، و لا اتصال بما اتصل بما فعل فيه فكيف يفعل من هو ببغداد فيمن هو بخراسان و أبعد منها.

و لا ينفي هذا قوله تعالى: «وَ لٰكِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ اَلنّٰاسَ اَلسِّحْرَ» لأن ذلك لا يمنع منه و إنما الّذي منعنا منه أن يؤثر التأثير الّذي يدعونه فأما أن يفعلوا ما يتخيل عنده أشياء فلا يمنع منه.

و رووا عن عائشة أنها قالت مكث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ستة أشهر.خ.

ص: 57


1- هذا رأي الشيخ.

..........

++++++++++

- و في رواية أخرى أياما يخيل إليه أنه يأتي النساء و لا يأتيهن.

و روى زيد بن أرقم قال: سحر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله رجل من اليهود و اشتكى من ذلك أياما فأتاه جبرئيل فقال له: إن رجلا من اليهود سحرك و عقد لك عقدا في بئر كذا فبعث عليا عليه السلام فأخرجه و كلما حلّ عقدا وجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله راحة، فلما حلّ الكل فكأنما نشط من عقال. و هذا نص.

و هذه أخبار أحاد لا يعمل بها في هذا المعنى، و قد روي عن (عائشة) أنها قالت: سحر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يعمل فيه السحر.

و هذا يعارض ذلك. انتهى ما أفاده الشيخ في هذا المقام.

و قال العلامة: و الأقرب أنه لا حقيقة له و إنما هو تخيل.

راجع القواعد.

و قال فخر المحققين: و اعلم أن الحق عندي أنه لا تأثير له و لا حقيقة.

و قال سيدنا الاستاذ (السيد السبزواري) دام ظله و علاه: إن القول بأن السحر ليس له حقيقة و واقعية بنحو مطلق غير صحيح. اذ كيف يمكن القول بذلك مع وجود الآثار الكثيرة للسحر، و الآثار فرع وجود الشيء، فإن الشيء اذا لم يكن موجودا لم يترتب عليه الآثار.

نعم بعض أفراد السحر لا واقع له كما في الكتاب العزيز في قوله تعالى: «يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ .

و قوله تعالى: «سَحَرُوا أَعْيُنَ اَلنّٰاسِ وَ اِسْتَرْهَبُوهُمْ » . فإنه لا يمكن التمسك بهما على عدم جواز حقيقة و واقعية للسحر بنحو مطلق.

و قال في (نيل الأوطار): قال المازري: مذهب أهل السنة و جمهور -

ص: 58

..........

++++++++++

- علماء الأمة الى إثبات السحر، و أن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء خلافا لمن انكر ذلك و أنكر حقيقته، و أضاف ما يقع منه الى خيالات باطلة لا حقائق لها.

و قد ذكره اللّه تعالى في كتابه و ذكر أنه مما يتعلم و ذكر ما فيه اشارة الى أنه مما يكفر به، و أنه يفرق بين المرء و زوجه و هذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له.

راجع (نيل الأوطار). الجزء 7. ص 188. الطبعة الثانية سنة 1371.

إن قلت: بناء على القول بعدم حقيقة و واقعية للسحر فما يقول هؤلاء في مثل التفرقة بين المرء و زوجه، و كدع الأيدي و الأرجل في المسحور و قتله، و زوال عقله، و ما شاكل هذه الامور و ما اكثرها.

قلنا: إن القائل بعدم حقيقة للسحر لا ينكر هذه الأفعال و يعترف بها، لكنه يقول: إن هذه آثار السحر و خواصه، لا أنها نفس السحر و ان للسحر حقيقة و واقعية، و فرق بين كون الشيء له واقع و حقيقة، و بين كون الشيء ذا اثر: و من الممكن أن يترتب على السحر الذي لا واقع له أمر واقعي له حقيقة يعبر عنه بالأثر.

و قد يتفق ترتب الأثر على شيء ليس له حقيقة و واقعية كما في الرائي شبحا من بعيد في ليل مظلم فيتخيل أنه اسد مفترس فيخاف منه فيرتب عليه آثار الخوف من وقته فيضطرب و يرتبك، و ربما بلغ الخوف به الى حد يقضي على حياته، مع أنه في الواقع و نفس الأمر ليس هناك اسد مفترس.

و مثل هذه الاتفاقات كثيرة جدا، فإنه قد يترتب على الامور الخيالية التي لا واقع لها: الآثار الواقعية.

اذا فترتب الآثار الواقعية على السحر كتصرف الساحر في عقل -

ص: 59

..........

++++++++++

- المسحور و بدنه، و التفرقة بين المرء و زوجه، و كدع الأيدي و الأرجل ليس بعجيب و لا ببعيد.

فتحصل من مجموع ما ذكر: أن الساحر يعمل عملا خفيا بالأسباب المستورة فيصرف الشيء عن وجهه و ظاهره بالتمويه و الخديعة فيبرز للناس الأمور العجيبة، و الأشكال المخيفة بصورة الأمر الواقعي، و تقليبها عن صورتها الواقعية الى صورة اخرى فيريهم البر بحرا، و البحر برا و الإنسان حيوانا، فيتخيل الناظر و المشاهد أنه يتصرف في الأمور الكونية و ليس الامر كذلك.

و الدليل على أن الساحر لا يتمكن من أن يتصرف في الأمور الكونية و أنه أصغر من ذلك: احتجاج (الامام الصادق) عليه السلام مع (الزنديق المصري) في جملة ما سأله عنه.

أليك خلاصة الاحتجاج.

سأل الزنديق المصري (الامام الصادق) عليه السلام:

أ فيقدر الساحر أن يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب، أو الحمار؟

فقال عليه السلام: هو أعجز من ذلك، و أضعف من أن يغير خلق اللّه، إن من أبطل ما ركبه اللّه و صوره و غيره فهو شريك اللّه في خلقه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

و لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض.

راجع (الاحتجاج): الجزء 2. ص 82.

الى هنا كان الكلام حول السحر من حيث إن له حقيقة واقعية أم أنه خيال محض، و توهم صرف ؟.

و قد عرفت الحال فيه.

ص: 60

..........

++++++++++

- و أما الكلام في مدى تأثير السحر فنقول:

إن من المسلمات البديهية التي لا شبهة فيها أن للسحر اثرا عجيبا في الخارج، و هناك قصص و حكايات خارقة للعادة تروى حول تأثير السحر لا يسعنا المجال لذكرها في هذا المختصر.

و كان لمهرته و رواده سوق رائج في العصور الماضية، و القرون الغابرة

و كم شاهدنا و سمعنا قضايا عديدة حول تأثير السحر، و عرفت في ثنايا ما ذكرناه لك: آثار السحر: من الجنون و القتل، و كدع الأيدي و الأرجل و جعل البحر صحراء، و الصحراء الرملاء بحرا، و التفرقة بين المتحابين بين المرء و زوجه، و غير ذلك من التأثيرات.

و يكفيك في مدى تأثير السحر في الخارج قوله تعالى: وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ اَلنّٰاسَ اَلسِّحْرَ وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰى يَقُولاٰ إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاٰ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ . وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ (1)

و قوله تعالى: فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ (2).

و قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ اَلنّٰاسِ (3).

و قوله تعالى: وَ مِنْ شَرِّ اَلنَّفّٰاثٰاتِ فِي اَلْعُقَدِ (4).4.

ص: 61


1- البقرة: الآية 102.
2- طه: الآية 66.
3- الاعراف: الآية 116.
4- الفلق: الآية 54.

على أقسام (1):

++++++++++

- أ فبعد صراحة هذه الآيات الكريمة يبقى مجال لإنكار تأثيرات السحر في الخارج ؟

فما ذا بعد الحق إلاّ الضلال.

(1) من هنا بداية الشروع في أقسام السحر.

اعلم أن (شيخنا العلامة المجلسي) أعلى اللّه مقامه ذكر هذه الأقسام بتمامها في كتابه (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 59. من ص 277 الى 297 و قد أسهب الكلام فيها و أطال.

و (شيخنا الأنصاري) ذكر تلك الأقسام عن آخرها، غير أنه اختصرها جدا.

لكننى أظن و ان كان الظن لا يغني من الحق شيئا: أن هذا النوع من الاختصار مخل بالمقصود، لاحتياج الأقسام الى شرح أبسط.

و نحن تبعا (لشيخنا الأنصاري) نذكر الأقسام، لكوننا من المعلقين عليها، لكن لا كما ذكره (العلامة المجلسي) هناك، و لا كما ذكره (شيخنا الأنصاري) هنا، بل أخذنا طريقا وسطا كما قال صلى اللّه عليه و آله:

خير الأمور أوساطها، و كما قال الشاعر:

حب التناهي شطط *** خير الامور الوسط

فاللازم علينا أولا البحث عن جهات ثلاث:

(الاولى): البحث عن مكان السحر.

(الثانية): البحث عن زمان وجود السحر.

(الثالثة): البحث عن الكلدانيين.

أما البحث عن الاولى فمما لا شك فيه و لا ريب: أن مكان السحر كان في العراق في مدينة (بابل: الحلة الفيحاء) التي كانت عاصمة للكلدانيين. -

ص: 62

الأول: سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر

الأول (1): سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر،

++++++++++

- و هي الآن احدى المحافظات المهمة في (العراق).

قال عز من قائل: (وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ ) . البقرة: الآية 102.

و أما البحث عن الثانية فلا شك أيضا أنه وجد السحر في عصر (الكلدانيين) الذين عاشوا في (العراق)، و أسسوا فيها دولة دامت مدتها 87 عاما (626-539. ق م)، و راج السحر في عصرهم و بلغ قمته.

و أما البحث عن الثالثة فيأتي شرحها في حياة الكلدانيين.

(1) أي القسم الأول من أقسام السحر الثمانية.

و أما الكلدانيون فإليك مختصر حياتهم:

جاء في كتاب (الري و الحضارة) في (وادي الرافدين). الجزء الأول (للدكتور أحمد سوسة) ص 313-314. طباعة مطبعة الأديب البغدادية سنة 1969: ما نصه.

الكلدانيون هم قوم من الأقوام السامية الذين نزحوا من جزيرة العرب.

و الرأي الغالب بين علماء التاريخ القدامى أنهم جاءوا الى القسم الجنوبي من (العراق) من الجزيرة العربية الشرقية، أي من ساحل الخليج في جنوب الجزيرة العربية، و ذلك في أواخر الألف الثانية قبل الميلاد، ثم زحفوا نحو الشمال حتى وصلوا الى (منطقة بابل).

و يقول الأب (انستانس الكرملي) في (مجلة لغة العرب) السنة الثانية العدد 578: إن كلدة شيخ عربي مؤسس (دولة الكلدان).

و قد ظهر منهم في (بابل) (الامير الكلداني. نبوبلاصر) فأسس سلالة مستقلة في عام 626 قبل الميلاد عرفت (بالسلالة البابلية) الأخيرة (أو المملكة الكلدانية)، و قد تمكن (نبوبلاصر) بمساعدة تلك الماديين -

ص: 63

..........

++++++++++

- (كي أخسار) من الاستيلاء على (نينوى) سنة 612 قبل الميلاد بعد حملات شديدة، و مقاومة عنيفة.

و قد اشتهر بين ملوك الدولة الكلدانية. (نبوخذنصر الثاني) ابن (نبوبونصر) و قد حكم هذا 43 سنة قضاها في تعمير (بابل) العاصمة و معابدها.

و من حملاته حملته على مملكة (يهوذا) و فتح (اورشليم) و أسر ملكها (يهويافين) مع عشرة آلاف شخص من أهالي المدينة:

و هذا هو السبي البابلي الاول الذي وقع عام 597 قبل الميلاد.

ثم ثارت مملكة (يهوذا) في زمن (صدقيا) فحمل عليها (نبوخذنصر)، و فتح (اورشليم) ثانية، و خرب هيكل سليمان، و نقل خزانته الى بلاد بابل، و أسر اربعين الف شخص من اليهود، و نقلهم الى بابل. و كيش. و نيبور.

و هذا هو السبي البابلي الثاني و كان ذلك سنة 586 قبل الميلاد.

و يقول الدكتور (جايمس هنري براستد) في كتابه (العصور القديمة) ص 136:

أنشأ (الكلدانيون في سنداباد) بابل الجديد امبراطورية تاريخها على قصره يشغل الفصل الثالث من تاريخ ما بين الرافدين، و كان (الكلدانيون) آخر من تسلط على بلاد بابل من الساميين فاعادوا بنيان مدينة بابل التي كانت خربة و جعلوها عاصمة مملكتهم، و دعوا البلاد باسمهم فصار اسمها (كلدية) و كانت تشتمل على جميع أراضي (الهلال الخصيب).

كان (نبوخذنصر) اعظم ملوك الكلدانيين، و ملك في بابل من عام 604 الى 561 قبل الميلاد (أي كانت مدة ملكه ثلاثة و اربعين عاما -

ص: 64

..........

++++++++++

- كان ملكه موصوفا بمجالي الابهة، و مظاهر القوة فحسب من أفذاذ الرجال في تاريخ الشرق:

و يؤيد ذلك ما جاء عنه في التوراة:

و كانت (مصر) بين حين و آخر تحرض سكان البلاد الغربية على شق عصا الطاعة، و ايقاد نيران الفتن فحمي عليهم غضب (نبوخذنصر) و عاقب الأمم الغربية عقابا شديدا، و لا سيما اليهود سكان مملكة يهوذا الصغيرة الذين اجلى منهم كثيرين الى بابل بعد ان دمر عاصمتهم (اورشليم) تدميرا سنة 586 قبل الميلاد.

و يقول المؤلف المذكور في نفس المصدر ص 128: و لقد نجح الكلدانيون في علم الفلك نجاحا يذكر، و كانوا قبلا مولعين بعلم التنجيم لكشف أسرار الغيب بمراقبة الأجرام السماوية فثابروا عليه، و تعمقوا فيه فكانت نتيجة مثابرتهم أنه ولد لهم علم الفلك فقسموا بعد ذلك (خط الإستواء) الى 360 درجة، و رتبوا للكواكب مجاميع اثني عشر دعوا كل مجموع منها برجا و سموها منطقة البروج، و هذه هي أول مرة وضعت فيها خريطة الأجرام السماوية.

كان الكلدانيون يحسبون السيارات الخمس المعروفة في ذلك العهد:

و هي: (عطارد، الزهرة، المريخ، المشترى، زحل) قوات ذات سلطة خصوصية على أحوال البشر فحسبوها آلهتهم الخمسة، و قد وصلت إلينا أسماء تلك الآلهة فاذا هي أسماء السيارات، إلا أن (الأوروبيين) غيروها إلى أسماء رومانية فصارت (عشتاروت) أي الزهرة: آلهة الحب.

و صار سيار الإله العظيم مرودخ: المشتري.

و هكذا قل في بقيتها، و تقدم المنجمون في أرصادهم تقدما محسوسا -

ص: 65

..........

++++++++++

- و بلغوا في الرصد درجة عظيمة من التدقيق حتى توصلوا الى معرفة الأنباء بالكسوف و الخسوف، و وصلت أرصادهم هذه إلى اليونان فاطلقوا عليها علم الفلك الذي ابلغوه درجة تذكر من الترقي، و لا تزال بقايا صناعة التنجيم بادية في أحاديثنا العادية فنذكر في كلامنا بين وقت و آخر طوالع السعد و النحس انتهى.

و لهذه الدولة من الآثار و العجائب ما يبهر العقول.

منها: الجنائن المعلقة التي شيدها (نبوخذنصر) ثاني ملوك الكلدانيين كما عرفت.

و هذه الجنائن المعلقة يعدها اليونان من عجائب الدنيا السبع، و كانت تتوج القصر الملكي فتزيده بهاء و جمالا، و تظل على باب (عشتاروت) فتكسب ألوانه رونقا.

و كان الملك مع أميرات قصره يختلف الى هذه الجنائن، ترويحا للنفس، و تمتعا للنظر بما يكشف لهم من جمال المدينة و أريافها فصارت (مدينة بابل) كمدن (آشور و مصر) ذات آثار عظيمة الاعتبار.

و من آثار هذا الملك تكبير عاصمة ملكه (بابل) و تحسينها فشيد فيها المباني الضخمة التي فاقت بفخامتها، و اناقة منظرها الخارجي و الداخلي ما شاده أسلافه الآشوريون، مع أنه أخذ كثيرا من هندسة مبانيهم الجميلة البديعة، و جدد في القسم الجنوبي من المدينة في رحاب الهيكل العظيم هياكل آلهة البابليين القدامى. انتهى.

و لا تزال هذه الآثار باقية و (حكومة الجمهورية العراقية) تصرف عليها مبالغ باهظة في سبيل بقائها و الاحتفاظ بها، و اصبحت من الأماكن الأثرية يأتيها السياح من كل صقع و مكان لمشاهدتها، و قد شاهدتها و رايتها -

ص: 66

و هم (1) قوم كانوا يعبدون الكواكب، و يزعمون أنها المدبرة لهذا العالم.

و منها (2) تصدير الخيرات و الشرور و السعادات و النحوسات ثم ذكر (3) أنهم على ثلاثة مذاهب:

++++++++++

- و كان معي لفيف من زملائنا من اهل العلم من طلاب (جامعة النجف الدينية) و أساتذتها.

و هذه الآثار تبعد عن الحلة بستة كيلومترات على يسار الذاهب من الحلة الى (بغداد)، و فيها (اسد بابل)، و لم يبق من تلك القصور سوى أطلال و جنادل. فسبحان من ملكه لا يزول.

(1) اى الكلدانيون.

(2) اى و من جملة التدبيرات لهذا العالم قول الكلدانيين: إن النجوم هو مبدأ الخيرات و الشرور، و السعادات و النحوسات، و كل ما يقع في العالم السفلي من بركات النجوم و نتائجها.

(3) اى (العلامة المجلسي) في نفس المصدر الذي ذكرناه لك ذكر أن الكلدانيين في عبادتهم للكواكب و النجوم ذهبوا الى ثلاثة مذاهب لأن كيفية عبادتهم لهذه الكواكب العلوية، و الأجرام السماوية كانت مختلفة

(المذهب الأول): أنها غير مخلوقة، بل هي واجبة الوجود في ذواتها، و أنها غير محتاجة بهذية ذواتها و صفاتها الى موجد و مدبر و خالق و علة فهي المدبرة لهذا العالم، و أنها المصدر للخيرات و السعادات و النحوسات و الشرور، فكل أثر يوجد في العوالم العلوية، و السفلية معلول بها.

فالكلدانيون كانوا يعبدون الكواكب، و يستنجدون بها، و يستخدمونها و يزعمون أنها المدبرة لهذا العالم، و منها تصدير الخيرات و الشرور و السعادات -

ص: 67

..........

++++++++++

- و النحوسة، و هم الذين بعث اللّه تعالى إليهم (ابراهيم) عليه السلام لإبطال مقالتهم، و هؤلاء هم (الصابئة الدهرية).

(المذهب الثاني): أن الكواكب مخلوقة بقدم خالقها، و أنها ليست واجبة لذاتها، بل لها خالق و علة تؤثر فيها، و أنها ليست مصدرا لتلك الآثار بالاستقلال.

و استدلوا على ذلك بأن الأفلاك و الكواكب أجسام بلا ريب.

و من الضروري و البديهي: استحالة كون الجسم واجبا لذاته، لأن كل جسم مركب، و كل مركب مفتقر الى كل واحد من أجزائه فله مؤثر.

و هذه الأجسام الفلكية، و الأجرام الكوكبية لا بدّ لها من مؤثر، و ذلك المؤثر إما أن يكون حادثا أو قديما، فان كان حادثا افتقر الى مؤثر اخر.

و هكذا الى أن يلزم التسلسل و هو محال.

و إن كان المؤثر قديما فإما أن يكون كل ما لا بد منه في مؤثريته حاصلا في الأزل، أو ليس كذلك.

فان قلنا: إن كل ما لا بدّ منه في مؤثريته كان حاصلا في الأزل لزم أن يكون الأثر واجب الترتب عليه في الأزل، لأن الأزل لو لم يكن واجب الترتب عليه فهو إما ممتنع الترتب عليه فهو ليس بمؤثر قطعا و قد فرضناه مؤثرا. فهذا خلف.

و إن كان ممكن الترتب عليه، و ممكن اللاترتب عليه أيضا، فلنفرض تارة مصدرا للأثر بالفعل، و اخرى غير مصدر له بالفعل، الى آخر ما ذكره هناك فراجع المصدر.

(المذهب الثالث): أن الكواكب حادثة مخلوقة حية، لكنها -

ص: 68

..........

++++++++++

- فعالة مختارة في جميع أعمالها و أفعالها فوض هذا الاختيار المطلق إليها خالقها و أنه أعطاها هذه القوة العالية النافذة فرتق الأمور و فتقها بيده و هو العاطل عن كل شيء. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

و استدلوا على أنها أحياء بوجهين:

(الأول): أنه لا شك في كون الحياة اشرف من الجماد. فكيف يحسن في الحكمة البالغة الإلهية خلق الحياة في الأجسام الخسيسة مثل أبدان الديدان و الخنافس، و إخلاء هذه الأجرام الشريفة النورانية الروحانية عن الحياة.

(الثاني): أن الأفلاك و الكواكب متحركة بالاستدارة، فحركتها أما أن تكون طبيعية، أو قسرية، أو ارادية.

أما الطبيعية فلا، لأن المهروب عنه بالطبع لا يكون بعينه مطلوبا بالطبع، و كل نقطة فرضنا الفلك متحركا عنها، فإن حركته عنها هي عين حركته إليها فيستحيل كون تلك الحركة طبيعية.

و إما القسرية أيضا فلا، لأن الحركة القسرية تكون على خلاف الطبيعة، فالطبيعية لما بطلت بطل كون الحركة قسرية، فلما بطل القسمان ثبت الثالث: و هو أن حركة الأفلاك و الكواكب ارادية. فتثبت أن الأفلاك و الكواكب أجرام حية عاقلة.

ثم إن الوقوف على الطبائع العلوية و السفلية مما لا يفي به وسع البشر و طاقة النفس الناطقة، لوجوه أربعة:

(أولها): أنه لا سبيل الى إثبات الكواكب إلا بواسطة القوة الباصرة، و لا ارتياب أنها عن ادراك الصغير من البعيد قاصرة، فإن أصغر كوكب مما في القدر السابع من الفلك الثامن و هو الذي يمتحن به حدة -

ص: 69

..........

++++++++++

- البصر: مثل كرة الأرض بضعة عشر مرة، و أن كرة الأرض أعظم من عطارد كذا الف مرة، فلو تكوكب الفلك الأعظم بكواكب على قدر الكواكب الصغيرة المذكورة من الثوابت فلا شك أن الحس لا يدركه و البصر لا يعتمد عليه، فضلا عما يكون في مقدار (عطارد) أو أصغر منه.

(ثانيها): أن الكواكب التي نراها ليست بأسرها مرصودة بل المرصودة منها الف و اثنان و عشرون، و البواقي غير مرصودة.

و الدليل على ذلك ما ثبت بالدلالة أن المجرة ليست إلا أجرام كوكبية صغيرة جدا مرتكزة في فلك الثوابت على هذا السمت المخصوص، و ظاهر أن الوقوف على طبائعها متعذر.

(ثالثها): أن هذه الكواكب المرصودة مما لم يحصل الوقوف التام على طبائعها، لأن أقوال الاحكاميين ضعيفة. قليلة الحاصل، و لا سيما في طبائع الثوابت.

(رابعها): أنا على تقدير معرفتنا طبائع هذه الكواكب على بساطتها لكنه لا يمكننا الوقوف على طبائعها حال امتزاجها إلا على سبيل التقريب البعيد عن التحقيق.

ثم إنا نعلم أن الحوادث الواقعة في هذا العالم لا تصدر عن طبائعها البسيطة، و إلا لدامت هذه الحوادث بدوام الطبائع، بل إنما تحصل عن امتزاجاتها.

و من البديهي أن هذه الامتزاجات غير متناهية فلا سبيل الى الوقوف عليها على سبيل القياس.

ص: 70

..........

++++++++++

- اذا عرفت الوجوه الأربعة المذكورة فقد ثبت لك تعذر الوقوف على طبائعها الفعالة.

و أما القوى المنفعلة فالوقوف التام عليها كالمتعذر، لأن القبول التام لا يتحقق إلا مع شرائط مخصوصة في القابل: من الكم و الكيف و الوضع و الاين، و سائر المقولات، و المواد السفلية غير ثابتة على حالة واحدة بل هي دوما في الاستحالة و التغير و ان كان لا يظهر بالحس.

فعلى ضوء ما ذكرنا لك ظهر أن الوقوف التام على أحوال القوى الفعالة السماوية و الارضية المنفعلة غير حاصل للبشر، و لو حصل ذلك لاحد لوجب أن يكون ذلك الشخص عالما بجميع التفاصيل الحاصلة من الماضية و الآتية، و أن يكون متمكنا من إحداث جميع الامور التي لا نهاية لها.

و على هذا الظهور لا يبعد أن يكون في السماوات كواكب كثيرة فعالة و ان كنا لا نعرف وجودها، فضلا عن أن نعرف طبائعها، و لهذا نقل صاحب كتاب (تنكلوشا) عن سيد البشر: أنه بقي في الفلك وراء الكواكب المرصودة كواكب لم ترصد، إما لفرط صغرها، أو لخفاء آثارها و أفعالها.

هذا ما ذهب إليه الكلدانيون حول الكواكب و الافلاك، و مقالتهم في تدبيرها للعالم السفلي بشتى ألوانه و أشكاله، و في استناد كل حادثة تقع فيه إليها.

ثم إنهم كانوا يستخدمون الكواكب و الافلاك، و كان لهم باسم كل كوكب صنم يعبدونه في مدائنهم، و لهم شأن كبير في ذلك، و لذا أطلق اسم السحرة عليهم، و قيل لهم: سحّار، و لعملهم: السحر، لعظم العمل -

ص: 71

فمنهم من يزعم أنها الواجبة لذاتها الخالقة للعالم.

و منهم من يزعم أنها قديمة، لقدم العلة المؤثرة فيها.

و منهم من يزعم أنها حادثة مخلوقة فعالة مختارة فوّض خالقها أمر العالم إليها.

و الساحر عند هذه الفرق (1) من يعرف القوى الغالبة الفعالة

++++++++++

- لكن على ضوء بياننا المتقدم في معنى السحر في المقام الأول من ص 33 الى 36: ظهر لك أن السحر عبارة عن صرف الشيء عن وجهه و ظاهره على طريق التمويه و الخديعة بدون أن يكون له واقع موضوعي، و أما استخدام الافلاك و النجوم و الإخبار بما يقع، و التصرف في الانواء الجوية: خارج عن السحر موضوعا و حكما، فلو تمكن إنسان بواسطة معلوماته التصرف في المذكورات لم يكن عمله هذا يعد من السحر، و لا يقال للمتصرف: إنه ساحر.

بل لا دليل على حرمة عمله هذا.

اللهم إلا أن يقال: إن العملية المذكورة مستلزمة لترك الواجبات و اتيان المحرمات و هو أول الكلام.

نعم الاعتقاد بأن الكواكب مدبرة للعالم و موجدة لها بالاستقلال الذاتي أو بنحو المدخلية و الاقتضاء: كفر باللّه العظيم، و قائلها كافر كما حكم بذلك العلماء الاعلام و منهم (العلامة المجلسي) في كتابه (بحار الانوار) نفس المكان.

(1) أي الفرق الثلاث الذين ذكرناهم بقولنا: المذهب الأول. المذهب الثاني. المذهب الثالث. أليك خلاصة ما قالته الفرق الثلاث.

(الفرقة الاولى): تقول: إن الكواكب واجبة الوجود لذاتها.

(الفرقة الثانية): تقول: إن الكواكب مخلوقة، لكنها قديمة يقدم خالقها.

ص: 72

بسائطها و مركباتها، و يعرف ما يليق بالعالم السفلي: معداتها (1) ليعدها و عوائقها (2) ليرفعها بحسب الطاقة البشرية فيكون متمكنا من استحداث ما يخرق العادة (3).

الثاني سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية.

الثاني (4) سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية.

++++++++++

- (الفرقة الثالثة): تقول: إن الكواكب مخلوقة حادثة، لكنها مدبرة فعالة مختارة في أفعالها، و أن الباري عز و جل فوض أمر العالم إليها.

و قد أشار الشيخ الى الفرقة الأولى بقوله:

فمنهم من يزعم أنها الواجبة لذاتها الخالقة للعالم.

و الى الفرقة الثانية بقوله: و منهم من يزعم أنها قديمة، لقدم العلة المؤثرة فيها.

والى الفرقة الثالثة بقوله: و منهم من يزعم أنها حادثة مخلوقة فعالة مختارة فوض خالقها امر العالم إليها.

(1) جمع معد بصيغة الفاعل في المفرد أيضا.

أصله: معدد وزان مكرم بدالين، أدغمت الأولى في الثانية، بناء على قاعدة الصرفيين.

و معناه: التهيئة، أي يعرف الساحر تلك القوى المهيئة لما يريد إحداثه من الخوارق من تلك القوى العالية الفعالة، و أيها تصلح لذلك.

(2) جمع عائق من عاق يعوق عوقا. و معناه: المانع، أي يعرف الساحر الموانع من تلك القوى.

و بعبارة أخرى أن الساحر يعرف المقتضي من تلك القوى، و المانع منها.

(3) من الأفعال العجيبة.

(4) اي (القسم الثاني) من الأقسام الثمانية للسحر: سحر أصحاب الأوهام، و النفوس القوية: -

ص: 73

..........

++++++++++

- و خلاصة الكلام فيه: أنه بناء على أن الإنسان هي النفس فلم لا يجوز أن يقال: إن النفوس مختلفة.

فبعضها تكون لذاتها قادرة على هذه الحوادث الغريبة التي تقع في العالم السفلي، و مطلعة على الأسرار الغائبة عنا فهذا الاحتمال مما لم يقم دليل على فساده، سوى الوجوه المتقدمة، و قد بان بطلانها.

و يؤيد ذلك وجوه أربعة.

(الأول): أن الجذع لو وضع على الأرض ترى الانسان يتمكن من المشي عليه بالطمأنينة و الوقار من غير اي خوف و ارتباك.

و أما اذا وضع هذا الجذع على ركيزين كالجسر و كان تحته هاوية تراه يخاف من المشي عليه، لاحتمال سقوطه في الهاوية التي تحته، و ليس ذلك إلا لاجل الوهم و التخيل الذي ارتكز في قوته المتخيلة. فكلما قوي ذلك أوجب خيال السقوط أكثر فاكثر.

(الثاني): أن الأطباء اجمعوا على نهي المرعوب عن النظر إلى الأشياء الحمر، و كذا المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان و الدوران و ما ذاك إلا لاجل أن النفوس خلقت مطيعة للأوهام.

(الثالث) قال الشيخ الرئيس في الشفاء نقلا عن (ارسطو) في طبائع الحيوان: إن الدجاجة اذا تشبهت كثيرا بالديك في الصوت، و في الجواب معه نبت على ساقيها مثل الشيء النابت على ساق الديك، و ما ذاك إلا لمتابعة الأحوال الجسمانية، للأحوال النفسانية.

(الرابع): أجمعت الأمم على أن الأدعية مظنة للاجابة، و أجمعوا أيضا على أن الدعاء اللساني الفارغ عن المطلب النفساني قليل البركة عديم الأثر فهذا دليل على أن للنفوس آثارا.

ص: 74

..........

++++++++++

- إذا عرفت هذه الأمور فاعلم أنه لا مانع من تسلط بعض النفوس على بعض النفوس بحيث يجعله تحت ارادته و قيادته و تسخيره للقيام بحركات و أعمال من دون إرادة منه، لأن النفس قد تكون قوية جدا، و قد تكون ضعيفة.

فاذا كانت قوية مستعلية على البدن شديدة الانجذاب الى عالم السماوات تصير كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم: و منها التسلط على بعض النفوس.

بخلاف ما إذا كانت النفس ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا تكون لها أي تصرف إلا في هذا البدن، فاذا أراد الانسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها الى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير، و وضعه عند الحس ليشتغل الحس به فيتبعه الخيال عليه، و أقبلت النفس الناطقة عليه فقويت التأثيرات النفسانية، و التصرفات الروحانية عليه، و لذا اتفق الكل على أن المزاول لهذه الأعمال لا بدّ له من الانقطاع عن المألوفات و المشتهيات، و تقليله الغذاء، و الانقطاع عن مخالطة الخلق، فكلما كانت هذه الأمور أتم كان ذلك التأثير أقوى.

ثم إن هذه القوة قد تحصل بطرق و أسباب شرعية كالرياضيات و المجاهدة مع النفس في الامور المباحة، و الموارد المشروعة: من تقليله الغذاء و الانقطاع عن مخالطة الخلق.

و قد تحصل بأسباب غير مشروعة.

فاذا حصلت القوة للنفس من طريق شرعي، و من ناحية الرياضات و المجاهدات و العبادات و الإخلاص، و الانقطاع عن الاستعانة بغير ذات اللّه تعالى و تقدس: يكون لها تأثير في الامور التكوينية، و صرفها عن وجهها -

ص: 75

الثالث: الاستعانة بالأرواح الأرضية

الثالث (1): الاستعانة بالأرواح الأرضية و قد أنكرها بعض الفلاسفة و قال بها الأكابر منهم و هي في أنفسها مختلفة.

فمنهم خيرة و هم مؤمنو الجن.

++++++++++

- صرفا حقيقيا كجعل الماء الجاري راكدا، و الماشي واقفا، و نحو ذلك.

لكن هذه القوة و التأثير تخص النفوس الطيبة الطاهرة المعصومة من كل شيء (كالأئمة الهداة المعصومين) صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.

نعم قد تحصل للنفس بالرياضيات تلك الملكة و الاقتدار.

لكنها محدودة الى حد تؤثر في الامور التكوينية، و تتصرف فيها كما علمت آنفا.

و لا يخفى عليك أن مثل هذا النوع من التصرف في النفوس، و التأثير في الامور التكوينية لا تسمى سحرا، و لا دليل على حرمته اصلا، بل لا شبهة في مطلوبيته في الشريعة المقدسة الاسلامية إذا كان ناشئا من الطرق الشرعية و الرياضيات المشروعة، و المجاهدات النفسانية.

فهذا القسم خارج عن السحر موضوعا و حكما.

(1) أى (القسم الثالث من الاقسام الثمانية للسحر: الاستعانة بالأرواح الأرضية).

اعلم أن المراد من الأرواح الأرضية هو الجن.

و قد اختلفوا في وجوده فأنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة و المعتزلة.

و أثبته الأكابر من الفلاسفة، إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية من غير أن يكون لها أعيان ظاهرة.

ثم إن هذه الأرواح الأرضية مختلفة.

(منها): خيرة.

(و منها): شريرة، فالخير منهم مسلمو الجن، و الشريرة منهم كفار الجن و شياطينهم.

ص: 76

..........

++++++++++

- ثم قال هؤلاء: إن هذه الارواح جواهر قائمة بذاتها و أنفسها لا متحيزة و لا حالة في المتحيز و هي قادرة عالمة مدركة للجزئيات، و اتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية، إلا أن القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بسبب اتصالها بهذه الأرواح الأرضية: اضعف من القوة الحاصلة لها بسبب اتصالها بتلك الأرواح السماوية.

أما ان الاتصال بها اسهل، فلأن المناسبة بين نفوسنا و هذه الأرواح الأرضية أرسل، فإن المشابهة و المشاكلة بينها أتم و أشد من المشاكلة بين نفوسنا و بين الأرواح السماوية.

و أما ان القوة الحاصلة بسبب الاتصال بالأرواح السماوية أقوى فلأن نسبة الأرواح السماوية الى الأرواح الأرضية كنسبة الشمس إلى الشعلة و البحر إلى القطرة، و السلطان إلى الرعية، فالاتصال بالأرواح الأرضية و الاستعانة بها يحصل بأعمال سهلة قليلة: من الرقى و الدخن و التجريد و الانقطاع فيسمى بالسحر.

و لا يخفى أن هذا القسم خارج عن السحر حكما و موضوعا.

أما حكما فلعدم الدليل على حرمة تسخير الجن في نفسه.

نعم ربما قد يكون تسخيرهم مقدمة لامور غير مشروعة.

و هذا أمر آخر لا ربط له فيما هو المقصود.

و أما موضوعا فلما عرفت: من أن السحر لا حقيقة له و لا واقع.

بخلاف التسخير، حيث إن له الواقعية و الحقيقة، و ليس مجرد خيال، بل له مقدمات واقعية محسوسة.

و الحاصل: أن الانسان بما أنه أشرف الموجودات فله استخدام ما دونه -

ص: 77

و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم.

الرابع: التخيلات الآخذة بالعيون

الرابع (1): التخيلات الآخذة بالعيون مثل راكب السفينة يتخيل

++++++++++

- من الجن و الحيوانات، بل و لو فرض أن تسخير الجن موجب لإيذائهم فلا دليل على حرمته.

إلا أن يقال: إن الإيذاء بنفسه قبيح عقلا فلا يجوز ارتكابه حتى في الجن و الحيوانات.

(1) اى (القسم الرابع) من الأقسام الثمانية للسحر: التخيلات و الأخذ بالعيون.

أعلم أن هذا النوع تارة يكون من وقوع الخلط في المحسوسات، أي محسوسات الانسان، لأن أخطاء البصر كثيرة كما في راكب السفينة حين ينظر إلى الشاطئ، فانه يرى السفينة واقفة و الشاطئ متحركا، و كما في القطرات النازلة ترى خطا مستقيما، و الذبالة(1) التي تدار بسرعة تري دائرة، و القبة فوق الماء ترى كالإجاصة، و الشخص الصغير يرى في العدسات الكبيرة عظيما، و كبخار الأرض الذي يريك قرص الشمس عند طلوعها عظيما، فاذا فارقته و ارتفعت صغرت.

و أما رؤية العظيم من البعيد صغيرا فظاهر.

فهذه الأشياء قد هدت العقول إلى أن القوة الباصرة قد تبصر الشيء على خلاف ما هو عليه في الجملة.

(و اخرى) يكون بسبب توقف القوة الباصرة توقفا تاما إذا ادركت المحسوس في زمان له مقدار.

و أما إذا أدركت المحسوس في زمان صغير قصير جدا، ثم أدركت بعده محسوسا آخر، و هكذا فإنه يختلط البعض بالبعض، و لا يتميز بعض -

ص: 78


1- بضم الذال المعجمة:

نفسه ساكنا و الشط متحركا.

++++++++++

- المحسوسات عن البعض الآخر.

خذ لذلك مثالا: الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها خطوطا كثيرة بألوان مختلفة ثم أدرتها، فإن الحس يرى تلك الألوان لونا واحدا يختلف عن تلك الألوان كأنه مركب من كل تلك الألوان.

(و ثالثة) يكون بسبب كثرة الخطأ في الأبصار كما أنها ترى شيئا متحركا و هو في الحقيقة ساكن.

أو ترى شيئا كبيرا و هو في الحقيقة صغير، و هكذا كما في الناظر في المرآة، فإنه ربما يقصد من النظر إليها القذاة التي في عينه فيراها و لا يرى ما هو أكثر منها، أو أكبر منها إن كان بوجهه اثر، أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي تقابل المرآة.

و ربما يقصد الناظر رؤية سطح المرآة هل هو مستو أولا، فلا يرى شيئا مما في المرآة.

و لا يخفى عليك أن هذا القسم لا يقال له السحر أيضا، بل هو نوع من الشعوذة، لأن المشعوذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به و يأخذ عيونهم إليه حتى إذا استقر عنهم الشغل بذلك الشيء و التحديق نحوه عمل شيئا آخر بسرعة شديدة، و حركة خفيفة فيبقى ذلك العمل خفيا فيوقع الخطأ في أبصار الناظرين.

أو يشغل نفوسهم بشيء حتى لا يشعروا بشيء آخر.

ثم إن دخول الشعوذة في السحر من حيث الحكم و هي الحرمة غير معلوم، إذ لا دليل على حرمة مثل هذه الأعمال السريعة المتولدة من حركة الأعضاء و خفة اليد.

ص: 79

الخامس: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على نسب الهندسة كرقاص يرقص

الخامس (1): الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على نسب الهندسة كرقاص يرقص، و فارسان يقتتلان.

++++++++++

(1) أي (القسم الخامس من الأقسام الثمانية للسحر: الأعمال العجيبة) اعلم أن الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات الهندسية المركبة على النسب الرياضية كراكب الفرس و بيده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسه أحد من الناس.

أو كفارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر، و نحو ذلك من الصور الصناعية التي تصورها أهالي الهند و الروم من الصور العجيبة الغريبة، بحيث لا يفرق الناظر بينها، و بين الانسان، حتى أنهم يصورونها ضاحكة و باكية و يفرقون بين ضحك السرور، و ضحك الخجل، و ضحك الشامت.

فهذه الوجوه من لطيف أمور التخايل.

و من هذا القبيل تركيب صندوق الساعات، و علم جر الأثقال و الأجسام العظيمة بأن يجر شيئا ثقيلا عظيما بآلات خفيفة صغيرة كما في عصرنا الحاضر، حيث إنه توزن الحمولة الثقيلة، و الأجسام الكبيرة التي تبلغ أطنانا عديدة: بآلات صغيرة جدا.

و لا يخفى أن هذا القسم ليس من السحر أيضا، فإنه خارج عنه موضوعا و حكما.

أما موضوعا فلأن لهذه الأعمال العجيبة حقيقة و واقعية موضوعية من أسباب معلومة لو اطلع عليها كل احد قدر عليها، و تمكن من صناعتها لكن الاطلاع عليها عسير جدا لا يصل إليها إلا الفرد النادر فهي ليست مقدور كل أحد فيحسبها البسطاء أنها من باب السحر، و لذا كانوا يعدون عمل (ارجعانوس)، أو (ارجمانوس) الموسيقي في هيكل أورشليم العتيق عند تجديده اياه: من باب السحر.

ص: 80

..........

++++++++++

- و خلاصة القصة: أنه اجتاز بفلاة من الأرض فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل: و هو الطائر العطوف يصفر صفيرا حزينا خلاف صفير سائر البراصل فكانت البراصل تأتيه بلطائف الزيتون فتطرحها عنده فيأكل بعضها، و يفضل بعضها عن حاجته، فوقف هذا الموسيقار هناك و تأمل حال هذا الفرخ، و علم أن في صفيره المخالف لصفير البراصل ضربا من التعطف و التوجع حتى ترق له الطيور، و تأتيه بما يأكله فعمل عند ذلك آلة تشبه الصفارة إذا استقبل الريح بها أدت ذلك الصفير و لم يزل يجرب ذلك حتى اطمأن و وثق بها و جاءته البراصل بالزيتون كما كانت تأتي الى ذلك الفرخ، لأنها ظنت أن هناك فرخا من جنسها، فلما صح له ما أراد اظهر النسك، و عمد الى هيكل اورشليم، و سأل عن الليلة التي دفن فيها (استرخس) فاخبر أنه دفن في أول ليلة من آب، فأخذ صورة من زجاج مجوف على هيئة البرصلة و نصبها فوق ذلك الهيكل، و جعل فوق تلك الصورة قبة و امرهم بفتحها في أول آب فكان يظهر صوت البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة، و كانت البراصل تجيء بالزيتون حتى كانت تمتلئ القبة كل يوم من ذلك الزيتون، و اعتقد الناس أنه من كرامات ذلك المدفون هناك.

و لا يخفى أن هذا القسم ليس من السحر أيضا، لأنه خارج عنه موضوعا و حكما.

أما خروج هذه الأعمال العجيبة عن السحر موضوعا، فلأن لها واقعية موضوعية تشاهد بالعيان من أسباب و أدوات.

و أما خروجها عنه حكما. فلأن صنع هذه الأعمال الغريبة، و الصنائع العجيبة من قبيل صنع الصواريخ العابرة للقارات، و صنع -

ص: 81

السادس: الاستعانة بخواص الأدوية

السادس (1): الاستعانة بخواص الأدوية مثل أن يجعل في الطعام

++++++++++

- الأقمار التي تدور حول الأرض، و صنع الطائرات و النفاثات و القطارات و السفن الفضائية، و ما شاكل هذه الأمور كما عرفت في ص 34: فهي ليس بحرام بعناوينها الأولية، بل هي في حد ذاتها حسنة جدا اذا لم تستعمل في القتل و التخريب.

(1) اى القسم السادس من أقسام السحر الثمانية: (الاستعانة بخواص الأدوية) لتقوية الأعصاب، أو الموجبة للتبليد، أو الموجبة لإزالة العقل إذا تناوله الانسان تبلد عقله، و قلت فطنته.

و مما لا شك و لا شبهة فيه: أن للأدوية خواصا و آثارا كالمغناطيس حيث يجذب الحديد، و كل شيء فيه مادة الحديد، فكما أن للمغناطيس هذا الجذب و الانجذاب، كذلك للأدوية هذه الخاصية و الأثر.

و لا يخفى عليك: أن هذه الخاصية و الأثر لا تعد سحرا، حيث إن السحر لا حقيقة له و لا واقعية، و هذه لها حقيقة و واقعية فهي خارجة عن السحر موضوعا و حكما.

أما موضوعا فلأن لها واقعا موضوعيا و هي أسرار اكتشفها علم الطب و الكيمياء.

و أما خروجها عنه حكما فمعلوم أيضا، لأن ما يستفيد منه البشر فهو جائز، و ما كان منه مضرا فهو حرام، لا لكونه سحرا، بل لأجل انه مضر

فلو قلنا بحرمة هذه الخواص لزم القول بحرمة علم الطب، مع أن حسنه و وجوب تعلمه أصبح من الضروريات و الواضحات.

نعم لا يجوز استعمال هذه الخواص فيما يوجب الإضرار بالانسان و هذا امر آخر لا ربط له بالسحر.

ص: 82

بعض الأدوية المبلدة، أو المزيلة للعقل، أو الدخن (1) المسكر، أو عصارة البنج المجعول في الملبس (2). و هذا (3) مما لا سبيل الى انكاره، و أثر المغناطيس (4) شاهد.

++++++++++

(1) مصدر دخن يدخن فهو لازم، و لذا كان المناسب اتيان مصدر المتعدي و هو التدخين.

و المراد من دخن المسكر: الدخان المتصاعد من الحشائش المسكرة التي إذا بلغت الانف، أو العين تتغير حالة الانسان.

(2) بصيغة المفعول: نوع من الحلويات تصنع في الأفراح.

و يسميه العرف الحاضر في (العراق): المصقول - الملبس.

و انما سمي ملبسا، لأنه يصنع من السكر و في جوفه لوز، أو شيء آخر فيغطى و يلبس بحلقة من السكر. و شكله بيضوي.

(3) أي الاستعانة بخواص الأدوية مما لا سبيل الى إنكاره، لأنه شيء بديهي حسي لا يشك فيه أحد.

فهذه الخواص الموجودة فيها كالخاصية الموجودة في المغناطيس، فكما أن المغناطيس فيه أثر يجلب الحديد و الفولاذ و النيكل بمجرد وجودها في أي مكان من دون شك و ترديد.

كذلك الأدوية و العقاقير، فان لها خاصية و أثرا طبيعيا قد أودعها اللّه عز و جل في طبيعتها يشفي المريض لو شربها، أو المصاب بالجرح لو استعملها.

(4) (المغناطيس) كلمة يونانية تستعمل بالقاف عند اللهجة الدارجة و بالغين حسب وضعه اللغوى.

و يذكر له خواص و فوائد أخرى غير الجاذبية:

(منها): أنه لو حمل الانسان معه مقدارا و ان كان قليلا زادت قوة -

ص: 83

السابع: تعليق القلب

السابع (1): تعليق القلب: و هو أن يدعي الساحر أنه يعرف الكيمياء (2) و علم السيمياء، و الاسم الأعظم حتى يميل إليه العوام، و ليس له أصل.

++++++++++

- حافظته و ذاكرته و لم ينس شيئا حفظه أبدا.

(و منها): أنه يفيد لرفع وجع الظهر و الرجلين.

و يقال: إن أصله و معدنه من تخوم البحار.

(1) أى القسم السابع من أقسام السحر الثمانية: (تعليق القلب بالأدعية).

و المراد من تعليق القلب: جلب مدعي الكيمياء الطرف المقابل نحوه، و إلفات نظره إليه بحيث يتشوق تشوقا بالغا مفرطا للحصول على ما يدعيه القائل فبدعواه هذه يسحر الطرف المقابل.

و هذا الشوق المفرط إنما يقال له: السحر، لكونه أثرا مجلوبا للعمل السحري و مسببا عنه، فاطلاق السحر عليه من باب اطلاق اسم السبب على مسببه، أو لأن مدعى الاسم الأعظم يسخر الجن به و أنهم يطيعونه و ينقادون له في أكثر الأمور، يجلب انتباه من يسمع هذه الدعلوى و الأباطيل، فالرجل الضعيف يعتقد أنها حق يتوجه بكله نحوه فيحصل في نفسه نوع من الرعب و المخافة، فاذا حصل الخوف له ضعفت القوى النفسانية فيه فيتمكن هذا الساحر حينئذ أن يفعل و يتصرف في السامع ما شاء حسب ارادته و رغبته.

و لا يخفى أن هذه الدعاوى كذب و إغراء للجهل، لكنها غير داخلة في موضوع السحر، بل هي الخديعة، و لا شك في حرمتها، لا لكونها سحرا، بل لأنها ايذاء و إضرار.

هذا مضافا الى أنه لو كان يعد استمالة القلب و تعلقه بالساحر سحرا لكان كل استمالة للقلب سحرا، مع أنه لم يلتزم بهذا أحد.

(2) الكيمياء في اصطلاح القدماء عبارة عن تحويل بعض المعادن الخسيسة الى معادن

ص: 84

..........

++++++++++

- ثمينة كتحويل النحاس ذهبا، أو فضة على ما يدعون.

و لها شخصيات معروفة، و رجالات مشهورة طال ما يتتبعون الحصول عليها، و قد صرفوا أموالا طائلة، و أوقاتا ثمينة في سبيل معرفتها، و كرسوا جهودهم و أوقاتهم في طريقها ثم رجعوا (بخفي حنين).

بل أفنوا حياتهم على ذلك من غير نتيجة، و قد شاهدنا بعضهم.

نعم هناك بعض الرجال يدعون الوصول إليها.

و أما الكيمياء في عصرنا الحاضر فيطلق على معرفة خواص الأشياء و طبائع الأجسام الأرضية، و كيفية تحليلها و تركيبها.

و يعد هذا العلم من العلوم الحديثة العهد و لم يتجاوز ثلاثة قرون.

أليك مختصرا منه:

(الأول): نشوء علم الكيمياء.

يعتبر علم الكيمياء من العلوم التي لها تأثير خطير في حياة الانسان و تقدمه، و كلما ارتقى الانسان في سلم التطور و الحضارة: ازداد تدخل الكيمياء في مختلف مجالات الحياة، و لا شك أن أول تقدم أحرزه هذا العلم هو اكتشاف النار. فقد كان الانسان القديم ضمن انتفاعه بالنار في طهي طعامه، أو تدفئة نفسه مثلا قد أحس بوجود بعض الفلزات و وصل الى كيفية صنع الآجر و الزجاج.

و مهمة علم الكيمياء هي دراسة و تحليل التغيرات الكيمياوية التي تطرأ على المواد، أو دراسة تركيب المواد المختلفة و خواصها.

و كذلك دراسة المواد الجديدة الناتجة عن تركيب مادتين، أو أكثر مع بعضهما تركيبا كيميائيا تختلف فيه هذه المواد الجديدة عن المواد الأصلية اختلافا جذريا، كما يهتم هذا العلم بكيفية تحضير مواد جديدة، و التعرف -

ص: 85

..........

++++++++++

- على الركائز التي توضح تكوين المواد و كيفية تحضيرها.

(الثاني): الكيمياء قديما:

تشير الآثار القديمة و الدلائل الى أن الآشوريين و المصريين القدماء و الصينيين قد عرفوا أشياء كثيرة عن هذا العلم، و ان معلوماتهم هذه قد حصلت بعد مرور أعوام طويلة و ضمن تجارب طويلة أيضا.

فقد عرف المصريون القدامى قبل 3500 سنة كيفية تحضير عدد من الأصباغ الطبيعية، و عرفوا كذلك بعض الفلزات كما توضح ذلك الاهرام، و صنعوا الزجاج و الفخار.

و المشهور أن لفظة «كيمياء» مأخوذة من الاسم القديم الذي كان يطلق على مصر و هو (خيميا) و معناه الأرض السوداء فهي ليست يونانية كما يتوهم البعض.

و أتقن الفينيقيون صنعة الدباغة فكانوا يصنعون الدروع و الخيم و قرب الماء من الجلد.

أما العرب المسلمون فقد أحرزوا تقدما ملحوظا في هذا العلم خلال العصور الوسطى، و ساهموا بدرجة كبيرة في تطوير هذا العلم و نموه.

فقد اتقنوا بعض العمليات الكيمياوية مثل الترشيح و التسامي و التكثيف و صنعوا كثيرا من الأدوات و الأجهزة، و أسسوا المختبرات الكيمياوية و قدموا موادا جديدة و كان من أشهرهم:

(الأول): (جابر بن حيان الكوفي): و هو يعد من أعظم الكيميائيين و تخرج في الكيمياء على يد (الامام جعفر بن محمد الصادق) عليهما السلام. أسس مختبرا في الكوفة، و قد استطاع تحضير حامض النتريك، و حامض الهيدروكلوريك، و حامض الكبريتيك و سماه -

ص: 86

..........

++++++++++

(زيت الزاج) و هو أول من نوّه باستعمال الميزان في التجارب الكيميائية و اهميته، و ذكر طرقا مختلفة لتنقية الفلزات.

(الثاني): (أبو بكر محمد بن زكريا الرازي): كان له مختبر مجهز بكثير من الأدوات و الأجهزة الكيميائية كالبوارق و الدوارق و المعوجات و الأفران و الحمامات المائية و الرملية و أجهزة الترشيح.. الى آخره.

و هو أول من أشار الى أهمية التجربة و المشاهدة للحصول على الحقائق الكيميائية و قد حضّر جملة من المواد الكيميائية منها أو كسيد الزرنيخ و الجبس.

(الثالث): الكيمياء الحديثة:

كانت نظرية ارسطو في العناصر الأربعة هي السائدة في العالم حتى نهاية القرن السابع عشر الميلادي، و كان علماء الكيمياء لا يزالون يعتقدون بإمكانية تحويل الفلزات. و كانت آراؤهم في ذلك العصر مزيجا من الخرافات و الحقائق العلمية. و كان هذا العلم يعتبر من الأسرار و العلوم الغريبة.

و كانت الأوضاع على هذا النمط حتى بزغ نجم الكيميائي الانكليزي (روبرت بويل عام 1627-1691)، حيث عارض الأفكار السخيفة بشجاعة نادرة، و ساهم في تقدم هذا العلم بصورة كبيرة.

و اذا اعتبر (ديكارت) أبو الفلسفة الحديثة، فإن الكيميائي الفرنسي (لافوازيه عام 1743-1794) لا شك يعتبر أبو الكيمياء الحديثة لقد أعلن هذا العالم بصراحة أن التجربة مضافة الى أخذ النتيجة بصورة صحيحة و دقيقة هو أساس هذا العلم، كما أكد على الأهمية القصوى لاستعمال الميزان في التجارب الكيميائية، لقد أثبت (لافوازيه) بالتجربة أن عملية الاحتراق ما هي إلا تركيب و تفاعل المادة مع الهواء الخالص (الاوكسجين)

و هناك أعلام كثيرون ساهموا في تقدم هذا العلم و تطوره مثل -

ص: 87

الثامن: النميمة

الثامن (1): النميمة. انتهى الملخص منه.

++++++++++

(هنري كافنديش، ولر، دوي، بريستلي، مدام كوري، برزيلبوس) و غيرهم.

(الرابع): أن للكيمياء فروعا عديدة أهمها:

1 - الكيمياء العضوية.

2 - الكيمياء غير العضوية.

3 - الكيمياء الفيزيائية.

4 - الكيمياء التحليلية.

5 - الكيمياء الحياتية.

(1) أي القسم الثامن من أقسام السحر الثمانية: النميمة و هو عمل يوجب التفرقة بين الشخصين فهي نتيجة السحر في بعض الموارد كما قال عز من قائل: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ » (1).

و لا يخفى أن هذه العملية و ان كانت محرمة في نفسها، لأنها موجبة للتفرقة بين المتحابين، و لربما بلغت القتل و المعارك الدامية، و المفاسد العظيمة و هي من الصفات الرذيلة، و لعظمها عبر عنها الباري عز و جل أنها أشد و أكبر من القتل في قوله عز من قائل: «وَ اَلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ اَلْقَتْلِ وَ اَلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ » (2).

لكن مجرد كونها نتيجة السحر في التفرقة لا يجعلها من السحر فهي خارجة عنه موضوعا و ان كانت محرمة هي في نفسها.

و لعل القائل بأنها من السحر يرى فيها نوعا من الخفة و الدقة و اللطافة.

ص: 88


1- البقرة: الآية 102.
2- البقرة: الآية 191-217.

و ما ذكره (1) من وجوه السحر بعضها قد تقدم عن الايضاح و بعضها (2) قد ذكر فيما ذكره في الاحتجاج: من حديث الزنديق الذي

++++++++++

- لكنك عرفت: ان الدقة و اللطافة و الخفة لا تكون سحرا، إذ كثير من الاختراعات و الصناعات العجيبة في عصرنا الحاضر فيها من الدقة و اللطافة ما يبهر العقول، فإن الراديوات و الطيارات و التلفاز و اللاسلكي و السفن الفضائية من ألطف الاختراعات و أدقها، و لا يمكن الاطلاع عليها إلا لأهلها المخترعين.

هذا تمام الكلام في الأقسام الثمانية من السحر ذكرناها عن مصدرها موجزا.

راجع (بحار الأنوار). الجزء 59. ص 277 الى 297 فقد أسهب الكلام (شيخنا العلامة المجلسي) عطر اللّه مرقده في هذه الأقسام فشكر اللّه مساعيه، و أجزل مثوبته.

و لعمري إنه العلامة النحرير الفذ غواص بحار علوم (أئمة أهل البيت) عليهم السلام.

(1) أي ما ذكره (العلامة المجلسي) من الأقسام الثمانية للسحر فقد تقدم بعضها: و هو القسم الثاني الذي هو سحر أصحاب الأوهام، و النفوس القوية في قول صاحب الايضاح: «إما بمجرد التأثيرات النفسانية في ص 41».

(2) أي و بعض ما تقدم من هذه الأقسام الثمانية: و هو القسم السادس الذي هي الاستعانة بخواص الأدوية في ص 82 عند قوله: السادس: قد ذكر في جواب (الامام الصادق) عليه السلام (للزنديق المصري) حينما يسأله عن السحر بقوله: أخبرني عن السحر ما أصله ؟

فقال عليه السلام: منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء.

ص: 89

سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل كثيرة.

منها ما ذكره بقوله: أخبرني عن السحر ما أصله، و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه و ما يفعل.

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إن السحر على وجوه شتى.

منها: بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة، و لكل معنى حيلة.

و نوع آخر منه خطفة (1) و سرعة و مخاريق (2) و خفة (3).

و نوع آخر منه ما يأخذه أولياء الشياطين منهم (4).

قال (5): فمن أين علم الشياطين السحر؟

قال (6): من حيث علم الأطباء الطب. بعضه بتجربة (7) و بعضه بعلاج.

++++++++++

(1) بفتح الخاء، و سكون الطاء، و فتح الفاء: أخذ الشيء بسرعة يقال خطفه خطفة أي أخذه و سلبه بسرعة.

و المقصود منه هنا: الحركات السريعة الموهمة.

(2) بفتح الميم جمع مخرقة بفتح الميم و سكون الخاء و فتح الراء معناها هنا: الكذب و الاختلاق و افتعال الحركات غير الواقعية بقوة السرعة.

(3) المراد منها: الحركات الخفيفة جدا بحيث لا ترى و هو المعبر عنها بالشعوذة.

(4) أي من الشياطين.

(5) أي الزنديق المصري.

(6) أي الامام الصادق عليه السلام.

(7) المراد من التجربة: هو استعمال الأدوية و العقاقير في الأمراض حتى يظهر مفعولها.

ص: 90

قال (1): فما تقول في الملكين هاروت و ماروت، و ما يقول الناس:

إنهما يعلمان الناس السحر.

قال (2): إنما هما موضع ابتلاء، و موقف فتنة، و تسبيحهما (3) اليوم: لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا.

و لو تعالج بكذا و كذا لصار كذا فيتعلمون (4) منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم: إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم.

قال (5): أ فيقدر الساحر على أن يجعل الانسان بسحره في صورة كلب، أو حمار أو غير ذلك ؟

قال (6): هو أعجز من ذلك، و أضعف من أن يغير خلق اللّه

++++++++++

- و المراد من العلاج: هو الاختبار و التحليل، و ليس معناه: المداواة فقط، فإن ذلك يحصل بالتجربة.

(1) أي الزنديق.

(2) أي الامام الصادق عليه السلام قال: ان هاروت و ماروت كانا موضع اختبار و امتحان.

(3) المراد من تسبيح الملكين: الترنم الّذي هو المعنى المجازي له كما أن المسبح للّه عز و جل يكون مترنما له، أي بتسبيحه له يكون مقدسا و منزها له.

و معنى تسبيحهما: أن الملكين و هما: هاروت و ماروت اللذان نزلا ب: (بابل) كان ترنهما: أن الانسان لو فعل في هذا اليوم كذا و كذا لكان كذا و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا.

(4) أى الناس يتعلمون من الملكين ما يخرج من فمهما.

(5) أي الزنديق المصري.

(6) أي (الامام الصادق) عليه السلام.

ص: 91

إن (1) من أبطل ما ركّبه اللّه تعالى و صوره و غيّره فهو شريك اللّه في خلقه. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض و لنفى البياض عن رأسه، و الفقر عن ساحته.

و إن من أكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين (2)، و يجلب العداوة بين المتصافين، و يسفك بها الدماء، و يهدم بها الدور، و يكشف بها الستور، و النمام شر من وطأ على الأرض بقدمه فاقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك فأبراه. الى آخر الحديث (3):

ثم لا يخفى أن الجمع (4) بين ما ذكر في معنى السحر في غاية

++++++++++

(1) أي أن الساحر و نظيره لو فرض محالا أنه قادر على أن يغير خلق اللّه، و يصوره بصورة أخرى غير صورته الأولية: لكان شريكا مع اللّه عز و جل في القدرة على الخلق. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

(2) بصيغة الجمع، و كذا في كلمة المتصافين.

و يحتمل بصيغة التثنية في المقامين.

(3) راجع (الاحتجاج). الجزء الثاني. ص 81-82 مطبعة النعمان النجف الأشرف عام 1386.

و لا يخفى أن هذه الجمل في ضمن أسئلة كثيرة وجهها الى (الامام الصادق) عليه السلام (الزنديق المصري).

(4) أي الجمع بين ما ذكره الأعلام كالعلامة المجلسي، و صاحب الإيضاح، و بقية الفقهاء حول السحر و أفراده و صغرياته و كبرياته في غاية الإشكال، لأن صاحب الإيضاح أخرج ما يتولد له من خواص الأجسام -

ص: 92

الاشكال، لكن المهم بيان حكمه (1)، لا موضوعه.

المقام الثاني في حكم الأقسام المذكورة

المقام الثاني (2) في حكم الأقسام المذكورة.

++++++++++

- السفلية من أفراد السحر و جعله من علم الخواص، و قد أدخله غيره في السحر كما عرفت في الهامش 3 من ص 52-53.

و كذلك أخرج صاحب الإيضاح من السحر ما يجيء من الاستعانة بالنسب الرياضية. فسماه علم الحيل، و جر الأثقال في قوله في ص 52:

و هذان ليسا من علم السحر، و قد أدخله غيره في السحر.

و كذلك نرى تعاريف مختلفة للسحر فمن تعريف عام كما أفاده (شيخنا العلامة المجلسي) في ذكره الأقسام الثمانية للسحر.

و من تعريف خاص كما سبق ذلك في تعريفاتهم السحر في ص 33-36.

فيا ترى أي التعاريف أقرب إلى الصواب.

و لا يخفى أن السحر ليس من اختصاص الفقهاء، و لذا تراهم اختلفوا في تعريفه، و المرجع في ذلك و تعيين موضوع السحر: هي الأحاديث الواردة في المقام. راجع المصادر المذكورة من ص 26 الى 33.

(1) و هي الحرمة، أو عدمها.

ثم لا يحفى أيضا أن موضوع السحر ليس بالمجهول المطلق.

بل هو مردد بين السعة و الضيق.

فإن ضيقنا دائرته كما هو القدر المتيقن و المسلم اختص الحكم به.

و إن وسعنا دائرته شملت الحرمة جميع أفراد السحر، حيث إن أهل الشرع قد اختلفوا في تعريف السحر، و لذا قال (شيخنا الأنصاري):

ثم لا يخفى أن الجمع بين ما ذكر في معنى السحر في غاية الاشكال.

و لو كان السحر مجهولا مطلقا لما أمكن معرفة حكمه.

(2) من المقامين اللذين ذكرهما الشيخ في ص 33 بقوله: ثم إن

ص: 93

فنقول: أما الأقسام الأربعة المتقدمة من الايضاح (1) فيكفي في حرمتها، مضافا (2) الى شهادة المحدث المجلسي رحمه اللّه في البحار بدخولها في المعنى المعروف للسحر عند أهل الشرع فتشملها الاطلاقات:

دعوى (3) فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين و ان مستحلها كافر، و دعوى (4) الشهيدين في الدروس و المسالك:

++++++++++

(1) في قوله: إنه استحداث الخوارق. راجع ص 41 الى 43.

(2) مقصود الشيخ من هذه العبارة: و يكفي في حرمتها مضافا إلى شهادة المجلسي: أن لنا دليلين آخرين بالإضافة إلى الأدلة المذكورة و هي الاطلاقات الواردة في الأخبار في حرمة السحر بنحو مطلق التي تشمل الأقسام الأربعة المذكورة عن الايضاح:

و هما: شهادة (المحدث المجلسي) بدخولها فيه.

راجع (بحار الأنوار) الطبعة الجديدة. الجزء 59. ص 277 عند قوله:

و اعلم أن لفظ السحر مختص بكل أمر مخفي.

و دعوى (فخر المحققين) أن حرمة الأقسام الأربعة من ضروريات الدين، و أن مستحلها كافر في قوله: و الكل حرام في شريعة الاسلام.

(3) مرفوعة على أنها فاعل لقوله: فيكفي، أي فيكفى دعوى (فخر المحققين) على الحرمة في دخول الأقسام الأربعة المذكورة في السحر.

و مرجع الضمير في بدخولها فيشملها: الأقسام الأربعة.

(4) عطف على قوله: دعوى فخر المحقّقين، أي و يكفي دعوى (الشهيد الأول) في الدروس، و (الشهيد الثاني) في المسالك أيضا على حرمة الأقسام الأربعة المذكورة: قوله: إن مستحله يقتل.

و في بعض النسخ: (و هو ظاهر الدروس أيضا) فحكم بقتل مستحلها.

ص: 94

أن مستحله يقتل. فإنا و ان لم نطمئن بدعوى الاجماعات المنقولة، إلا أن دعوى ضرورة الدين مما يوجب الاطمينان بالحكم، و اتفاق (1) العلماء عليه في جميع الأعصار.

نعم ذكر شارح النخبة (2) أن ما كان من الطلسمات مشتملا على أضرار، او تمويه على المسلمين، أو استهانة بشيء من حرمات اللّه كالقرآن و أبعاضه و أسماء اللّه الحسنى، و نحو ذلك فهو حرام بلا ريب، سواء عد من السحر أم لا.

و ما كان للاغراض كحضور الغائب، و بقاء العمارة، و فتح الحصون للمسلمين، و نحوه فمقتضى الأصل جوازه.

++++++++++

- و الظاهر زيادة احدى العبارتين، و لذا شطبنا على الثانية.

ثم إن المراد من الضروري من الدين: عدم تمامية ايمان المسلم الا بالتصديق به كالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة و الخمس، و غيرها من فروع الدين التي ثبتت في الدين.

(1) بالجر عطفا على مجرور (باء الجارة) في قوله: بالحكم أي دعوى ضرورة الدين في قول (فخر المحققين) مما يوجب الاطمئنان بالحكم و مما يوجب الاطمئنان باتفاق العلماء على حرمة السحر في جميع الأعصار.

هذا ما ينبغي أن يحمل عليه كلام الشيخ، حتى لا يحصل فيه التناقض فإن الشيخ بعد عدم اطمينانه بالإجماعات المنقولة في قوله: فانا و إن لم نطمئن بدعوى الاجماعات لا يمكنه أن يطمئن باتفاق العلماء في جميع الأعصار إلا من هذا الطريق: و هي دعوى ضرورة الدين من فخر المحققين.

(2) و هو المحدث المعروف السيد عبد اللّه حفيد المحدث الجليل (السيد نعمة اللّه الجزائري).

و النخبة للمولى الجليل (الفيض الكاشاني) صاحب الوافي.

ص: 95

و يحكى (1) عن بعض الأصحاب، و ربما يستندون في بعضها (2) الى أمير المؤمنين عليه السلام، و السند غير واضح.

و ألحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر، و وجهه غير واضح (3) انتهى.

و لا وجه أوضح من دعوى الضرورة من فخر المحققين (4)، و الشهيدين قدس سرهما.

و أما غير تلك الأربعة (5)، فإن كان مما يضر بالنفس المحترمة

++++++++++

(1) أي جواز هذا النوع من السحر من بعض الفقهاء.

(2) أي في بعض صور السحر الجائزة كما لو كان فيه نفع

راجع (تفسير الصافي). الجزء 2. ص 868. طباعة طهران المطبعة الاسلامية في حديث سحر الرجل النبي.

و (القرآن فضائله و آثاره). ص 215. طباعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف عام 1387.

(3) إلا إذا كان في السحر استهانة ببعض المقدسات الدينية كالقرآن و أبعاضه و أسماء اللّه الحسنى.

(4) راجعنا الايضاح. الجزء الأول. ص 405-406-407 طباعة المطبعة العلمية بقم سنة 1387 فلم نجد هذه الجملة: (من ضروريات الدين) التي يذكرها (شيخنا الأنصاري).

و لعل الشيخ يقصد من الضرورة في قول (فخر المحققين) هذه الجملة:

(و كل ذلك محرم في شريعة الاسلام، و مستحله كافر).

و معنى عبارة الشيخ: أنه لا دليل لنا أوضح و أوجه على حرمة كل سحر من ادعاء (فخر المحققين) الضرورة على الحرمة.

(5) و هي الأقسام الثمانية التي ذكرها) شيخنا المجلسي) و ذكرناها -

ص: 96

فلا اشكال أيضا في حرمته، و يكفي في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى ارادته (1) فمثل احداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا.

روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على أن تسحر زوجها بسنده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لامرأة سألته: أن لي زوجا و به غلظة عليّ و اني صنعت شيئا لأعطفه عليّ : اف لك كدّرت البحار، و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الأخيار، و ملائكة السماوات و الأرض.

قال: فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها، و حلقت رأسها، و لبست المسوح (2) فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه و آله فقال: ان ذلك (3)

++++++++++

- لك عن آخرها.

و المراد من الأربعة ما ذكره صاحب الايضاح في ص 41-43 بقوله: إنه استحداث الخوارق إما بمجرد التأثيرات النفسانية، أو بالاستعانة بالفلكيات فقط أو بتمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة.

(1) المقصود من هذه العبارة: أن الساحر يصنع عملا يؤثر في بدن المسحور و أعضائه بحيث يوقف المسحور عن حركاته الطبيعية. بأن يحدث شللا في احدى يديه، أو رجليه، أو شفتيه، أو يوجد لكنة في لسانه

(2) بضم الميم و السين و سكون الواو جمع مسح بكسر الميم و سكون السين: ثوب ينسج من الشعر يلبس فوق البدن تقشفا، و قهرا للجسد.

(3) و هي ما فعلت المرأة من صيام نهارها، و قيام ليلها الى الصبح و حلق رأسها، و لبسها المسوح.

ص: 97

لا يقبل منها (1)، بناء على أن الظاهر من قولها: صنعت شيئا: المعالجة بشيء غير الأدعية و الصلوات و نحوها، و لذا (2) فهم الصدوق منها السحر، و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.

++++++++++

(1) من لا يحضره الفقيه. الجزء 3. ص 282. الحديث 1. طباعة مطبعة النجف. عام 1387.

هذا الحديث كما تراه من الأحاديث الضعاف و من أردئها، لاشتماله على عقوبات هامة جدا: من قيام الليل، و صوم النهار، و حلق الرأس و لبس المسوح في قبال شيء تافه جدا: و هو صنع المرأة شيئا لتجلب رضى زوجها، و عطفه نحوها، لما به من الشدة و الغلظة، مع أنه لا يستفاد من عملها هذا: العمل المحرم و هو السحر، حيث إن العمل مطلق لا يدل على كونه سحرا، و على فرض أنها عملت سحرا لم تعمل سحرا محرما: و هو الذي يضر في بدن المسحور، أو عقله كما هو الملاك في حرمته، و صرح الشيخ بذلك في ص 99.

و على فرض أن عملها كان من السحر، و أن الأدلة المطلقة تشمل هذا النوع من السحر الذي يصنع لجلب رضى الزوج فلما ذا لا تقبل توبتها مع أنها صنعت ما صنعت من الأعمال الشاقة الموجبة للمثوبة لقبول توبتها.

فهل يا ترى أنها اشركت باللّه الكريم حتى لا يقبل منها كل ذلك و تدخل في عموم الآية الكريمة: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ (1).

و الذي يسهل الخطب أن الحديث مروي عن السكوني و هو من المجاهيل.

(2) أي و لاجل أن ظاهر قول المرأة: صنعت شيئا: هي المعالجة بغير الأدعية و الصلوات: استفاد (شيخنا الصدوق) من المعالجة السحر و لم يذكر في الفقيه في عنوان سحر المرأة سوى هذه الرواية.6.

ص: 98


1- النساء: الآية 116.

و أما ما لا يضر (1) فإن قصد به دفع ضرر السحر، أو غيره من المضار الدنيوية، أو الاخروية فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه، للاصل (2)، بل فحوى (3) ما سيجيء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا، و إلا (4) فلا دليل على تحريمه، إلا أن يدخل في اللهو، أو الشعوذة.

نعم (5) لو صح سند رواية الاحتجاج صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنته

++++++++++

(1) أي من غير تلك الأقسام الأربعة المذكورة في ص 41-43.

(2) تعليل لجواز مثل هذا النوع من السحر الذي شك في صدق اسم السحر عليه.

و المراد من الأصل هي اصالة الإباحة في الأشياء المعبر عنها بالأصل الاولي العقلائي الجاري في الأشياء عند الشك في حرمتها: و هو الجواز.

(3) أي بل يدل على جواز مثل هذا النوع من السحر بالإضافة إلى أصالة الاباحة: مفهوم الأخبار المجوزة للسحر إذا كان لدفع ضرر السحر كما سيجيء في قول الشيخ: بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر في ص 103.

(4) أي و ان لم يعلم أن الذي يدفع به ضرر السحر من السحر فلا دليل على كون هذا العمل محرما.

اللهم إلا أن يقال: إن هذا العمل داخل في العمل اللهوى و في الشعوذة فيكون محرما من هذه الناحية، و دون اثبات هذا خرط القتات.

(5) استدراك عما أفاده آنفا: من عدم وجود دليل على حرمة السحر الذي يعمل لدفع ضرر السحر.

و خلاصة الاستدراك: أن سند رواية الاحتجاج التي اشير إليها -

ص: 99

و كذا (1) لو عمل بشهادة من تقدم كالفاضل المقداد، و المحدث المجلسي رحمهما اللّه: بكون جميع ما تقدم من الأقسام داخلا في السحر:

اتجه الحكم بدخولها (2) تحت اطلاقات المنع عن السحر.

لكن الظاهر استناد شهادتهم الى الاجتهاد (3)، مع معارضته (4) بما تقدم من الفخر: من اخراج علمي الخواص و الحيل من السحر.

++++++++++

- في ص 90 لو كان صحيحا: صح لنا الحكم بحرمة جميع أقسام السحر، حيث إن قوله عليه السلام في نفس الرواية: إن السحر على وجوه شتى: يشمل أقسام السحر بتمامها و منها السحر الذي لا يقصد منها دفع الضرر، و ليس هو في حد ذاته مشتملا على ضرر.

(1) أي و كذا يصح لنا الحكم بحرمة جميع أقسام السحر و منها السحر الذي لا يقصد منه دفع الضرر إذا عملنا بشهادة (الفاضل المقداد) في قوله في ص 54: و هذا يشمل علمي الخواص و الحيل.

و بشهادة (العلامة المجلسي) في قوله في ص 55: إنه في عرف الشرع مختص بكل أمر مخفي سببه، و يتخيل على غير حقيقته، و يجري مجرى التمويه و الخديعة.

(2) أي بدخول تمام الأقسام من السحر و منها السحر الذي لا يقصد منه دفع الضرر: تحت الإطلاقات المشار إليها في ص 63-88.

(3) المراد من الاجتهاد هنا التصرف في المعنى اللغوي للسحر.

(4) أي مع معارضة اجتهادهم بما تقدم عن (فخر المحققين) من إخراجه علمي الخواص و الحيل عن السحر في ص 51 بقوله: و أما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الأشياء السفلية فهو علم الخواص، أو الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل، و جر الأثقال، و هذان ليسا من السحر.

ص: 100

و ما تقدم (1): من تخصيص صاحب المسالك، و غيره السحر بما يحدث ضررا (2)، بل عرفت تخصيص العلامة له (3) بما يؤثر في بدن المسحور أو قلبه، أو عقله.

فهذه شهادة من هؤلاء على عدم عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الأقسام.

و تقديم (4) شهادة الاثبات لا يجري في هذا الموضع، لأن الظاهر استناد المثبتين الى الاستعمال (5)، و النافين (6) الى الاطلاع على كون

++++++++++

(1) أي و مع معارضة اجتهاد هذين العلمين بما تقدم.

(2) فما لا يحدث ضررا يكون خارجا عن مفهوم السحر موضوعا فلا تشمله اطلاقات حرمة السحر كما فيما نحن فيه، حيث يعمل السحر و لا يقصد به الضرر، و لا يكون مشتملا على مفسدة.

(3) أي للسحر بمعنى أن (العلامة) قدس اللّه روحه خصص السحر بما يؤثر في بدن المسحور، أو عقله، أو قلبه، و ما لم يكن كذلك لم يكن سحرا.

(4) دفع وهم حاصل الوهم: أن شهادة المثبت في الدعاوى مقدمة على شهادة النافي فليكن هنا كذلك، فمن يقول: إن هذا النوع يعد من السحر يقدم قوله على من يقول: إن هذا النوع ليس من السحر.

فاجاب الشيخ عن الوهم: أن القائل بأن هذا العمل المعين يعد سحرا يستند في ذلك الى إطلاق لفظ السحر عليه لغة، و ليس له دليل غير ذلك و هذا لا يكفي في الاثبات، بل يحتاج الى أزيد من ذلك، اذ يمكن أن يكون إطلاق لفظ السحر عليه مجازا فاذا لا يقدم قوله على النافي.

(5) أي استعمال السحر في الأقسام الثمانية المذكورة كما عرفت.

(6) أي و لأن الظاهر من استناد النافين لبعض أقسام السحر -

ص: 101

الاستعمال مجازا، للمناسبة.

و الأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الأقسام (1) في البحار.

بل لعله (2) لا يخلو عن قوة، لقوة (3) الظن من خبر

++++++++++

- مما مر عليك: الى علمهم بان استعمال السحر على هذا البعض و اطلاقه عليه مجاز، لأن الاستعمال اعم من الحقيقة، و المناسبة بين المعنى المجازي و الحقيقي: هو خرق العادة، و مخالفة الطبيعة.

(1) و هي الأقسام الثمانية التي ذكرناها لك في ص 63-88.

و لا يخفى أن ثبوت الحرمة للسحر بنحو العموم اذا لم يرد به دفع ضرر صحيح.

و أما اذا اريد به ذلك جاز كما افاده الشيخ في ص 99 بقوله: فالظاهر جوازه، للاصل.

(2) أي لعل الاجتناب عن جميع الأقسام المذكورة للسحر لا يخلو عن قوة.

(3) تعليل لكون الاجتناب عن جميع الأقسام لا يخلو عن قوة.

و المراد من خبر الاحتجاج ما مرت الاشارة إليه في ص 90 في قول الإمام عليه السلام: إن السحر على وجوه شتى:

منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء.

و كذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة

و نوع آخر منه: خطفة و سرعة و مخاريق و خفة.

و نوع منه: ما يأخذه أولياء الشياطين منهم: فإن الإمام عليه السلام في قوله هذا يعطينا درسا كاملا، و قاعدة كلية تنطبق على جميع الأقسام المذكورة للسحر.

ثم لا يخفى أن (شيخنا الأنصاري) رحمه اللّه قد شكك في صحة رواية الاحتجاج، في ص 99 بقوله نعم لو صح سند رواية الاحتجاج صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنته.

فكيف يقول هنا: لقوة الظن بخبر الاحتجاج فما عدا عما بدا؟

ص: 102

الاحتجاج، و غيره.

بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر.

بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر.

و يمكن أن يستدل له (1) مضافا الى الأصل بعد دعوى انصراف الأدلة (2) الى غير ما قصد به غرض راجح شرعا: بالأخبار (3).

منها (4) ما تقدم في خبر الاحتجاج.

++++++++++

(1) أي لجواز دفع ضرر السحر بالسحر.

يقصد الشيخ أنه يمكن أن يستدل على جواز دفع ضرر السحر بالسحر بثلاثة أدلة.

(الأول) أصالة الاباحة، و هي من الاصول الأولية العقلائية يستباح بها كل ما لم تثبت حرمته، و دفع ضرر السحر بالسحر مما لم يرد فيه نهي، و لم يقم على حرمته دليل فهو مباح بهذا الأصل.

(الثاني) انصراف ادلة حرمة السحر على فرض اطلاقها الى ما لم يكن فيه غرض عقلائي مشروع، أما ما اشتمل على غرض عقلائي كانقاذ مؤمن مسحور مشرف على الهلاك فان اطلاقات أدلة حرمة السحر على فرض اطلاقها لا تشمل هذا الفرد من السحر.

(الثالث) الأخبار الواردة في هذا الباب و هي كثيرة، و قد ذكرها الشيخ بقوله منها، و منها، و منها في ص 26-27.

(2) أي أدلة حرمة السحر كما عرفتها آنفا.

(3) الجار و المجرور متعلق بقوله: يستدل، أي و يستدل على جواز دفع ضرر السحر بالسحر: بالأخبار الواردة في المقام، بالإضافة الى وجود أصالة الإباحة في الأشياء، و بالإضافة الى دعوى انصراف أدلة حرمة السحر إلى غير هذا النوع من السحر كما عرفت آنفا.

(4) اى من تلك الأخبار الدالة على جواز دفع ضرر السحر بالسحر: -

ص: 103

و منها (1) ما في الكافي عن القمي عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين قال: دخل عيسى بن شقفي على أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر، و كنت آخذ عليه الأجر و كان (2) معاشي و قد حججت منه (3) و قد منّ اللّه عليّ بلقائك

++++++++++

- بخبر الاحتجاج المشار إليه في ص 91 في قوله عليه السلام في جواب سؤال (الزنديق المصري): إنهما موضع ابتلاء، و موقف فتنة: تسبيحهما اليوم: لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا و كذا، و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا.

مقصود الامام عليه السلام من هذه الجمل و اللّه العالم: أن الملكين:

هاروت و ماروت يقولان: إن بعض العمليات لها اثرها الخاص لو يفعلها الانسان و يرتكبها لأدت الى توليد بعض الأمراض و العاهات و الإضرار في انسان آخر، فلو تعالج هذه الأمراض و العاهات بكذا و كذا، أي تدفع هذه الأمراض بسحر آخر: لذهبت تلك الإضرار و العاهات بأسرها، و لسلم منها و نجا، فالامام عليه السلام جوز دفع السحر بالسحر: حيث إنه لم ينف أصل السحر، و لم يقل: إنه كذب و ليس له وجود اصلا، بل قال في جواب السائل عن الملكين: فما تقول في الملكين هاروت و ماروت و ما يقول الناس: إنهما يعلمان السحر: إنهما موضع ابتلاء، و موقف فتنة إلى آخر ما ذكرناه لك.

(1) أي و من تلك الأخبار الدالة على جواز دفع ضرر السحر بالسحر.

(2) اسم كان مستتر يرجع الى الأجر الذي كان يأخذه الساحر، أي كان طريق ارتزاقي و إعاشتي من عملي السحرى هو الاجر الذي آخذه ممن أعمل له السحر.

(3) أي من هذا المال الذي أخذته تجاه عملي السحري.

ص: 104

و قد تبت الى اللّه عز و جل من ذلك فهل لي في شيء من ذلك مخرج ؟

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: حلّ و لا تعقد (1).

و كأن الصدوق رحمه اللّه في العلل أشار الى هذه الرواية (2)، حيث قال: روي أن توبة الساحر أن يحل و لا يعقد (3).

و ظاهر المقابلة بين الحل و العقد (4) في الجواز و العدم: كون كل منهما بالسحر، فحمل الحل على ما كان بغير السحر: من الدعاء و الآيات و نحوهما كما عن بعض: لا يخلو عن بعد (5).

++++++++++

(1) الشاهد في قوله عليه السلام: حلّ و لا تعقد، حيث يدل على جواز دفع السحر بالسحر، فإن الامام عليه السلام امر بحل ما عقده غيره من السحرة.

راجع (وسائل الشيعة) الجزء 12. ص 105-106. الباب 25 الحديث 1.

(2) و هي المروية في (الكافي) التي رويناها عن الوسائل، و قد اشير إليها في ص 104.

(3) علل الشرائع، ص 546، الباب 338، الحديث 6. طباعة المطبعة الحيدرية، عام 1385.

(4) أي في قوله عليه السلام: حلّ و لا تعقد، فكما أن العقد يكون بسبب السحر، كذلك الحل يكون بسبب السحر، فكلا العملين منشؤهما واحد، من دون فرق بينهما.

(5) وجه البعد: أن السائل من السحرة، و لعله لا يعرف من الآيات و الأدعية، و خواصهما شيئا، بالإضافة الى أن سياق الكلام هو السحر بقرينة قول السائل: و هل لي في شيء من ذلك مخرج ؟

ص: 105

و منها (1) ما عن العسكري عن آبائه عليهم السلام في قوله تعالى:

«وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ » قال: كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموهون (2) فبعث اللّه ملكين الى نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة، و يذكر ما يبطل به سحرهم، و يرد به كيدهم فتلقاه (3) النبي عن الملكين و أداه الى عباد اللّه بأمر اللّه. و أمرهم أن يقضوا (4) به على السحر، و أن يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به الناس.

و هذا (5) كما يقال: إن السمّ ما هو، ثم يقال للمتعلم: هذا السم فمن رأيته سمّ فادفع غائلته بهذا، و لا تقتل بالسم.

الى أن قال: و ما يعلمان من أحد ذلك السحر و إبطاله حتى يقولا للمتعلم: إنما نحن فتنة و امتحان للعباد، ليطيعوا اللّه فيما يتعلمون من هذا

++++++++++

(1) أي و من تلك الأخبار الدالة على جواز دفع السحر بالسحر.

(2) بصيغة الفاعل من موه يموه تمويها من باب التفعيل معناه: التلبيس و هو إظهار ما ليس له حقيقة بصورة الواقع كما في طلاء الحديد، أو النحاس بالذهب، أو الفضة.

(3) مرجع الضمير: ما يبطل به سحرهم، أي أخذ النبي و تعلم ما ذكره الملكان من كيفية ما يبطل به سحر السحرة.

(4) في كثير من النسخ أن يقفوا به، و الصحيح ما اثبتناه.

(5) أي تعلم السحر و استعماله للإبطال، و عدم جواز استعمال ما تعلمه في السحر: نظير السم القتال اذا سئل عنه أن السم ما هو؟ فاجيب السائل المتعلم أن السم هذا فاذا رأيت شخصا سمّ فادفع غائلته بهذا السم، أي عالجه بهذا السم، و ارفع عنه الالم و خطر الموت، لكن لا يجوز لك أن تقتل بالسم احدا.

ص: 106

و يبطل به كيد السحرة، و لا تسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار، و دعاء الناس الى أن يعتقدوا أنك تحيي و تميت، و تفعل ما لا يقدر عليه الا اللّه عز و جل، فإن ذلك كفر.

قال اللّه عز و جل: فيتعلمون (1) ما يضرهم و لا ينفعهم، لأنهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به، و يضروا به فقد تعلموا ما يضر بدينهم و لا ينفعهم الى آخر الحديث (2).

و في رواية محمد بن الجهم عن مولانا الرضا عليه السلام في حديث قال:

أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به عن سحر السحرة فيبطلوا به كيدهم و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتى قالا:

إنما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز عنه، و جعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء و زوجه قال اللّه تعالى: و ما هم بضارين به من أحد إلا باذن اللّه، يعني بعلمه (3).

هذا (4) كله مضافا الى أن ظاهر أخبار الساحر إرادة من يخشى

++++++++++

(1) اي طلاب السحر يتعلمون من الملكين السحر الذي يضر الناس.

(2) (عيون أخبار الرضا). الجزء 1، ص 217. الباب 27 الحديث 1 طباعة (جابخانه دار العلم قم) عام 1377

(3) وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 107. الباب 25 باب تحريم تعلم السحر. الحديث 4.

فجملة: علما الناس السحر ليحترزوا به عن سحر السحرة تدل على جواز استعمال السحر لدفع ضرر السحر و ابطاله.

(4) أي ما ذكرناه لك من الأخبار الدالة على جواز استعمال السحر لدفع ضرر السحر: بالإضافة الى أن الأخبار المانعة و الناهية عن تعلم السحر كلها تدل على السحر الذي يراد به الضرر، لا مطلق السحر، فالسحر الذي -

ص: 107

ضرره كما اعترف به بعض الأساطين، و استقرب (1) لذلك جواز الحل به بعد أن نسبه الى كثير من أصحابنا.

لكنه مع ذلك كله (2) فقد منع العلامة في غير واحد من كتبه و الشهيد رحمه اللّه في الدروس، و الفاضل الميسي، و الشهيد الثاني من حل السحر به.

و لعلهم حملوا ما دل على الجواز (3) مع اعتبار سنده: على حالة

++++++++++

- يستعمل لدفع الضرر و إبطاله ليس فيه ضرر على شخص حتى تشمله تلك الأخبار الدالة على ذم الساحر في قولهم عليهم السلام في ص 26-28: الساحر كالكافر، و أن ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل.

و أن الساحر ملعون، و أن الساحر لا يدخل الجنة، حيث إن الأخبار الدالة على جواز استعمال السحر إنما هي لدفع ضرر السحر:

(1) أي استقرب بعض الأساطين و هو (الشيخ الكبير كاشف الغطاء) لأجل ظهور أخبار ذم الساحر في الساحر الذي يضر: جواز عمل السحر لحل السحر بعد أن نسب الجواز الى كثير من الفقهاء الامامية.

(2) أي و مع هذه الأدلة الثلاثة: و هو أصل الإباحة، و دعوى انصراف أدلة الحرمة الى السحر المضر، و وجود الأخبار المذكورة المشار إليها في ص 103-107: الدالة على جواز استعمال السحر لدفع ضرر السحر بالسحر: فقد منع العلامة و الشهيدان، و الفاضل الميسى حل السحر بالسحر فيكون استعماله محرما.

(3) أي و لعل منع هؤلاء الأعلام من جواز حل السحر بالسحر مع اعتبار سند الروايات المذكورة: لأجل حملهم هذه الأخبار على حالة الضرورة، و حالة انحصار سبب الحل، و عدم افادة كل شيء:

من الوسائل كالنذر، و الدعاء، و الدواء، فانه يتمسك حينئذ بجواز تعلم السحر لدفع السحر ليس الا.

ص: 108

الضرورة، و انحصار سبب الحل فيه، لا (1) مجرد دفع الضرر مع امكانه بغيره: من الأدعية و التعويذات، و لذا (2) ذهب جماعة منهم الشهيدان و الميسي و غيرهم الى جواز تعلمه، ليتوقى به من السحر، و يدفع به دعوى المتنبي.

و ربما حملت أخبار الجواز الحاكية لقصة هاروت و ماروت: على جواز ذلك (3) في الشريعة السابقة.

و فيه (4) نظر.

++++++++++

(1) أي لا أنه يجوز استعمال السحر لدفع السحر حتى لو أمكن دفعه بالطرق المذكورة.

(2) تعليل لجواز تعلم السحر لدفع ضرر السحر، لا لإمكان دفع ضرر السحر بغير السحر: من الأدعية و التعويذات أي و لاجل جواز اعمال السحر لدفع ضرر السحر اجاز هؤلاء الأعلام تعلم السحر.

و المتنبي بصيغة الفاعل من تنبأ يتنبأ تنبؤا من باب التفعل و هو الذي يدعي النبوة، و يأتي بالسحر بدل المعجزة.

(3) أي على جواز دفع ضرر السحر بالسحر، و جواز تعلمه ليتوقى به من السحر عند الضرورة.

(4) أي في هذا الحمل اشكال و نظر.

وجه النظر ظاهرا: أن خبر الاحتجاج المشار إليه في ص 90.

يصرح بأن السحر كالطب، و الساحر كالطبيب، و الطب لا يخص شريعة دون أخرى، و الاسلام قد امضى الطب و المعالجة به.

و لا يخفى أن ما تنظر به الشيخ في حمل أخبار جواز دفع السحر بالسحر لا يجري في رواية الامام العسكري عليه السلام المشار إليها في ص 106، لأنها ظاهرة فيما حملت عليه: و هو الجواز في الشريعة السابقة.

ص: 109

ثم الظاهر أن التسخيرات (1) بأقسامها داخلة في السحر على جميع تعاريفه.

و قد عرفت أن الشهيدين مع اخذ الاضرار في تعريف السحر: ذكرا أن استخدام الملائكة و الجن من السحر.

++++++++++

- و لعل وجه النظر: أن الجواز في الشريعة السابقة لا ينافي جوازه في شريعتنا المقدسة إذا دلت عليه روايات اخرى. مثل رواية عيسى بن شقفي عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام حيث يقول له: حلّ و لا تعقد في جواب السائل.

و المقصود به الحل، و نقض ما عقده ساحر آخر.

(1) أي تسخير الملائكة، و الجن، و الشياطين داخل في موضوع السحر بجميع تعاريف الفقهاء التي مضت الاشارة إليها كما في تعريف العلامة في القواعد و التحرير و المنتهى في قوله: إنه كلام يتكلم به، أو يكتبه أو رقية، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله من غير مباشرة. راجع ص 36-37.

و كما في تعريف المسالك زيادة على قول العلامة: أو أقسام و عزائم يحدث بسبها ضرر على الغير. راجع ص 37.

و كما في الدروس زيادة على المسالك: الدخن، و التصوير، و تصفية النفس. راجع ص 37.

و كما في الدروس أيضا: أن المعتبر في السحر: الإضرار. راجع ص 38.

و كما في الايضاح: السحر استحداث الخوارق إلى آخر ما ذكره الشيخ عنه. راجع ص 41 الى 43.

و لا شك أن تسخير الملائكة، و الجن، و الشياطين لو صح يكون من خوارق العادات. -

ص: 110

و لعل وجه دخوله (1) تضرر المسخر بتسخيره.

و أما سائر التعاريف (2) فالظاهر شمولها لها، و ظاهر عبارة الايضاح أيضا دخول هذه (3) في معقد دعواه الضرورة على التحريم، لأن الظاهر دخولها في الأقسام، و العزائم و النفث.

++++++++++

- و كما عن الفاضل المقداد في التنقيح: إن السحر عمل يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية. راجع ص 54.

و التسخيرات داخلة في القسم الثالث من الاقسام الثمانية للسحر التي ذكرها (العلامة المجلسي) (في البحار): و هي الاستعانة بالأرواح الأرضية الى أن يقول: و هي في أنفسها مختلفة.

فمنهم خيرة: و هم مؤمن الجن.

و الشريرة: و هم كفار الجن و شياطينهم. راجع ص 76-78.

(1) أي و لعل وجه دخول تسخير الملائكة و الجن في السحر لأجل تضرر المسحور: و هو الملائكة، أو الجن بتسخير الساحر.

(2) اى التي ذكرها الفقهاء في تعريف السحر من اعتبارهم الإضرار في مفهوم السحر كلها تشمل التسخيرات المذكورة.

و قد ذكرنا لك جميع التعاريف المذكورة في ص 36-54.

(3) أي دخول التسخيرات المذكورة بتمام أقسامها: في قول صاحب الايضاح في ص 49: و الكل حرام في الشريعة الاسلامية، و مستحله كافر، لان الظاهر من كلامه دخول التسخيرات المذكورة في الأقسام الثمانية التي ذكرها (شيخنا العلامة المجلسي).

و لا يخفى عدم وجود كلمة الأقسام و النفث في الايضاح.

ص: 111

و يدخل في ذلك (1) تسخير الحيوانات: من الهوام (2) و السباع و الوحوش، و غير ذلك (3)، خصوصا (4) الانسان.

و عمل السيمياء (5) ملحق بالسحر اسما (6)، أو حكما (7) و قد صرح بحرمته (8) (الشهيد) في الدروس.

و المراد به على ما قيل: احداث خيالات (9) لا وجود لها في الحس يوجب تأثيرا في شيء آخر.

++++++++++

(1) أي في حرمة التسخيرات.

(2) بفتح الهاء و الواو، و تشديد الميم جمع هامة، وزان دواب جمع دابة: و هي الحشرات السامة القتالة كالحية و الأفعى.

كما أن الصوام جمع صامة: و هي الحشرات ذات السم، و ليست بقتالة كالعقرب.

(3) أي غير الهوام من الحيوانات البحرية.

(4) أي و لا سيما تسخير الانسان.

(5) و هو علم الحيل السحرية. و يقال له: علم الخيالات.

و هي ملكة يقتدر بها على إراءة مثالات خيالية لا حقيقة لها في الخارج و موضوع هذا العلم: الروح في الروح، أي روح عالم السيمياء تؤثر في روح الطرف المقابل، و سيميا تنسب الى سيمون الساحر.

(6) أي من حيث التعريف، فإن تعريفه: و هو ما لطف مأخذه و دق يشملها.

(7) أي من حيث الحكم التكليفي: و هي الحرمة، فإن حكم السحر الذي هي الحرمة تشمل السيميا.

(8) أي بحرمة السيميا.

(9) المراد من الخيالات: الأشياء التي لا وجود لها في الخارج فهي -

ص: 112

..........

++++++++++

- أوهام و تخيلات صرفة لا حقيقة لها اصلا.

و هناك حكاية تروى حول مدى هذه الأوهام و التخيلات الصرفة.

يقال: إن رجلا كان يتخيل الاسد و هو جالس في غرفته فقال:

إنه دخل المدينة، ثم بعد دقائق قال: دخل السوق، ثم بعد لحظة قال:

دخل الزقاق لذي داري فيه، ثم بعد ثواني قال: دخل الدار، ثم بعد ذلك قال: دخل الغرفة ففزع و صاح و صرخ و قال: جاء الأسد يحمل علي فاغمي، ثم بعد الإفاقة فقد شعوره و أصبح مجنونا.

ص: 113

ص: 114

الشعبذة

ص: 115

ص: 116

المسألة الحادية عشرة الشعوذة

(الحادية عشرة) (1) (الشعوذة) و هي حرام بلا خلاف: و هي الحركة السريعة (2) بحيث يوجب على الحس الانتقال من الشيء الى شبهه كما تري النار المتحركة على الاستدارة دائرة (3) متصلة، لعدم ادراك السكونات (4) المتخللة بين الحركات.

++++++++++

(1) أي المسألة الحادية عشرة من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: الشعوذة.

و هي بفتح الشين و سكون العين، و فتح الباء و الذال المعجمة وزان فعلل: و هي و الشعبذة مصدران لفعلل و هي اللعبة المعروفة التي تحصل بالخفة في اليد بحيث تري الانسان بسبب هذه الخفة الأشياء على غير ما هي عليها: و هي من الألعاب المشهورة.

(2) هذا تعريف للشعوذة كما عرفت.

(3) هذه الدائرة تتولد من استدارة الآلة التي فيها النار، و في الواقع ليست هناك دائرة موجودة، و إنما ولدت من سرعة تدوير اليد للآلة فهي مثال للشيء الذي لا واقع له كالشعبذة.

(4) المراد بالسكونات: الفراغ الموجود بين الحركات بحيث لا يرى هذا الفراغ بسبب سرعة اليد و حركتها.

كما هو الشأن في المراوح الكهربائية الموجودة في عصرنا الحاضر فإن سرعة الحركة بسبب الكهرباء لا تعطي مجالا لرؤية تلك الفراغات الموجودة بين أجنحة المراوح.

ص: 117

..........

++++++++++

- و لما انجر بنا الكلام إلى موضوع السحر و الشعوذة رأينا من المناسب أن نذكر على سبيل الاجمال: الفارق بين السحر و المعجزة، و بين الشعوذة و السحر.

فنقول: على ضوء ما ذكرنا لك في ص 36 الى 43 في حقيقة السحر و معناه:

ظهر لك الفرق بين المعجزة و السحر، حيث إن المعجزة أمر واقعي حقيقي و لها واقع موضوعي.

لكنها خارجة عن نظام الطبيعة و سيرها و قد تقع دفعة واحدة خارقة للطبيعة و مقدماتها.

بعبارة أخرى أن الإعجاز في الشيء عبارة عن انطواء جميع المقدمات الطبيعية فيه لو كانت له مقدمات كذلك، و ايجاد ذلك الشيء الذي له تلك المقدمات الطبيعية دفعة واحدة.

بمعنى أن ذلك الشيء لو فرض وجوده في الخارج بدون إعجاز لكان ايجاده على جميع تلك المقدمات الطبيعية الطولية بسيرها الطبيعي و طيها.

خذ لذلك مثالا: لو أراد النبي بطريق الاعجاز أن يجعل الحبوب أشجارا، أو الأحجار الطينية أحجارا كريمة ثمينة دفعة واحدة من دون تهيئة مقدماتها الطبيعية: من سير الزمن، و حرارة الشمس، و تأثير الماء و الهواء، مع أن صيرورة الحبوب أشجارا، و الأحجار لؤلؤا بسيره الطبيعي لا يمكن بدون طي مقدماتها الطبيعية التي يتوقف وجودها على مرور أعوام و أزمان حتى تتكون و تتحجر و تتصلب و تتشكل باشكالها المختلفة.

و هكذا جعل شيء شيئا آخر بدون مسانخة بينه، و بين مقدماته الطبيعية لا يمكن بدون طي تلك المقدمات الطبيعية: من سير الزمن و ما شاكله.

و من هذا القبيل صيرورة العصا ثعبانا في يد موسى عليه السلام -

ص: 118

..........

++++++++++

- و الأسد المنقوش في الستار حيوانا مفترسا بامر (الامامين: الامام أبي الحسن موسى بن جعفر، و الامام علي بن موسى الرضا) صلوات اللّه عليهم أجمعين في مجلس (هارون و المأمون) حقيقة و واقعا، لا تخييلا و ابهاما و خداع بصر.

و خلاصة الكلام: ان المعنى الجامع للإعجاز: هو أن الإعجاز خارق للعادة و الطبيعة و على خلاف نواميسها، و اقتدار نفساني عن اللّه تبارك و تعالى: على التصرفات في التكوينيات مقرونة بالتحدي: و هو إظهار النبوة أو الامامة، و السحر تصرف خارجي أو خيالي، لارتباط النفس بالأرواح الخبيثة، أو الامور الباطلة فهذا هو الفارق بين السحر و الإعجاز حيث إن الإعجاز له حقيقة موضوعية واقعية يحكم في نواميس. الطبيعة و يخرجها عن سيرها الطبيعي، و لأجل ذلك كان خارجا عن قوة البشر و فوق طاقاته، لأن البشر لا يمكن أن يفعل شيئا على خلاف النواميس الطبيعية مهما بلغ من الرقي و العلو و ان كان فوق حد التصور، لأن غايته أن يعلم القوانين الطبيعية و سير نواميسها ثم يفعل شيئا على مقتضى تلك القوانين، و سير نواميسها الطبيعية، و ليس له أن يحكم على تلك النواميس و القوانين.

و السحر ليس له حقيقة واقعية موضوعية، و ليست خارجة عن قدرة البشر: إذ له أن يتعلمه و يترتب عليه الآثار، لأنه ليس على خلاف نواميس الطبيعة.

و من هنا ظهر لك: أن الاعجاز يمتاز عن السحر بنقطتين:

(الاولى): أن الاعجاز ذو حقيقة واقعية، بخلاف السحر، فانه لا واقع موضوعي له كما عرفت.

(الثانية): أن الاعجاز باقتدار إلهي على التصرف في التكوينيات -

ص: 119

..........

++++++++++

- و على خلاف نواميس الطبيعة و قوانينها، و لأجل ذلك كان خارجا عن حد طاقة البشر، بخلاف السحر، فانه تصرف خارجي بواسطة ارتباطات النفس بالارواح الخبيثة، أو الامور الباطلة: بالإضافة الى أنه ليس على خلاف نواميس الطبيعة، و سير نظامها، غاية الأمر أن له مأخذا دقيقا لطيفا خفيا كغيره من الامور التي لها هذا المأخذ، و لا يمكن الوصول إليه إلا بتلك المقدمات الطبيعية، و سير نظامها بشتى ألوانها و أشكالها فما ذكرناه هو الفارق بين السحر و المعجزة.

و للسحر أسباب اخرى غير ما ذكرناها.

و أما الفارق بين السحر و الشعبذة: هو أن الشعبذة عبارة عن الخفة في اليد، و السرعة في الحركة، بمقدماتها الطبيعية المخفية على الناظرين فان المشعوذ بعد التدريب في هذا العمل يصير حاذقا في اتيان الامور العادية و الأفعال المتعارفة بسرعة غريبة بحيث يأخذ حواس الناظرين إليها و يوجههم نحوه.

ثم يعمل عملا آخر بسرعة كذلك، و بحركة خفيفة فيظهر للناظرين غير ما نظروا إليه أولا، و لذلك يتعجبون منه و يعتقدون أنه أتى بهذه الحركات بدون مقدماتها، لكنهم غافلون عن حقيقة الحال: و هو أنه أتى بتلك العملية بواسطة الحركة السريعة بواسطة مقدماتها الطبيعية فهو لم يفعل أمرا خارقا للعادة، و خلافا لنواميس الطبيعة، بل يفعل الأشياء بمقدماتها الطبيعية على وفقها، و لكن بسرعة تامة، و بفن خاص فيقع مورد الاعجاب.

و هذه السرعة و الخفة في الحركة موجبة لوقوع الاشتباه في حواس الناظرين فيتخيلون أن لها واقعية و حقيقة و هي لا واقعية و لا حقيقة لها.

فالنتيجة: أن الشعوذة تمتاز عن السحر بنقطة واحدة: و هو -

ص: 120

و يدل على الحرمة بعد الاجماع مضافا الى أنه من الباطل و اللهو:

دخوله في السحر في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج (1) المنجبر وهنها بالاجماع (2) المحكي.

++++++++++

- أن الشعوذة عبارة عن الحركات السريعة التي هي من الأسباب التكوينية لحصول المسبب.

و لكن الناظر حيث لا يلتفت إليها يراها خارقة للعادة و على خلاف نواميس الطبيعة.

فظهر لك من مجموع ما ذكرناه لك في الامور الثلاثة: المعجزة.

السحر. الشعوذة: الفرق بين كل واحد منها

إذ (الاولى): هو الاقتدار الإلهي الذي يعطيه لمن يشاء من عباده الصالحين: على التصرف في التكوينيات بانطواء مقدماتها مقرونة مع التحدي، فهي خارجة عن المقدمات الطبيعية و سير نظامها.

و (الثاني): لا واقع موضوعي له، لكنه ليس خارجا عن مقدمات الطبيعة، و سير نظامها، بل هو على وفق الطبيعة.

و (الثالث): كذلك ليس له واقع موضوعي غير أنه يحصل بمقدمات خفيفة، و حركات سريعة خفية على الناظر.

(1) المشار إليها في ص 90-92 في قوله عليه السلام: و نوع آخر منه خطفة و سرعة، و مخاريق و خفة.

(2) و هو الاجماع المدعى بقوله في ص 117: الشعوذة حرام بلا خلاف.

و لا يخفى ان انجبار ضعف الخبر و وهنه بالاجماع فيما اذا أورث قول المجمعين الاطمئنان بصدور الخبر عن انجباره بذلك.

و أما اذا لم يحصل الاطمئنان بذلك فصرف موافقة معقد الاجماع لمضمون خبر ضعيف: غير مفيد للانجبار.

ص: 121

و في بعض التعاريف المتقدمة (1) للسحر ما يشملها.

++++++++++

- هذا بالإضافة الى أن الشيخ نفسه قدس سره لا يقول بحجية الاجماع المنقول أيضا.

(1) المراد من التعاريف المتقدمة ما ذكره (العلامة المجلسي) من الأقسام الثمانية للسحر، فإن القسم الرابع منها: و هي التخيلات و الأخذ بالعيون مثل راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا، و الشط متحركا:

يشمل الشعوذة، لأن المشعوذ بواسطة السرعة و الخفة في الحركة يأخذ عيون الناظرين فيتخيلون أنه يعمل أشياء حقيقة.

ص: 122

الغشّ

ص: 123

ص: 124

المسألة الثانية عشرة الغش

(الثانية عشرة) (1) (الغش) حرام بلا خلاف، و الأخبار به متواترة نذكر بعضها متيمنا.

فعن النبي صلى اللّه عليه و آله بأسانيد متعددة: ليس من المسلمين من غشهم (2).

و في رواية العيون بأسانيد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ليس منا من غش مسلما، أو ضره أو ماكره (3).

و في عقاب الأعمال عن النبي صلى اللّه عليه و آله: من غش مسلما في بيع، أو شراء فليس منا، و يحشر مع اليهود يوم القيامة، لأنه من غش الناس فليس بمسلم الى أن قال: و من غشنا فليس منا قالها ثلاثا، و من غش

++++++++++

(1) أي المسألة الثانية عشرة من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: الغش.

و هو بفتح الغين مصدر غش يغش معناه: اظهار خلاف ما أضمره و بمعنى الخدعة جاء أيضا يقال: غشه أي خدعه. و اسم الفاعل منه غاش.

و المراد منه هنا المعنى المصدري أي فعله يكون حراما.

و بكسر الغين اسم مصدر من الغش:

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 208. الباب 86 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 2.

(3) نفس المصدر. ص 211. الحديث 12.

و ماكر فعل ماض من باب المفاعلة. و معناه الخديعة.

ص: 125

أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه، و أفسد عليه معيشته، و وكله الى نفسه (1).

و في مرسلة هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنه قال لرجل يبيع الدقيق: اياك و الغش، فان من غش غشّ في ماله، فان لم يكن له مال غشّ في اهله (2).

و في رواية سعد الاسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: مرّ النبي صلى اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيبا، فأوحى اللّه إليه أن يدس يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا فقال لصاحبه: ما أراك إلا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين (3).

و رواية موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام: أنه أخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه فقطعها نصفين ثم قال: القه في البالوعة حتى لا يباع بشيء: فيه غش (4).

و قوله: فيه غش جملة ابتدائية (5)، و الضمير في لا يباع راجع الى الدينار.

و في رواية هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري في الظلال

++++++++++

(1) راجع عقاب الأعمال (لشيخنا الصدوق)، ص 211، الحديث 11.

(2) حيث إن المال الذي يؤخذ بغش له أثر وضعي يؤثر فيمن يأكله و إن كان جاهلا، فالمال المغشوش كالسم الذي يؤثر في آكله و إن لم يعلم الآكل أنه سم.

راجع (وسائل الشيعة)، الجزء 12. ص 209. الباب 86 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 7.

(3) نفس المصدر. ص 209. الحديث 8.

(4) نفس المصدر. الحديث 5

(5) أي جملة مستقلة لا ربط لها بالجملة الاولى.

ص: 126

فمر بي أبو الحسن فقال لي: يا هشام ان البيع في الظلال غش و الغش لا يحل (1).

و في رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما فيكون أحسن له و أنفق له أن يبلّه من غير أن يلتمس زيادته.

فقال: ان كان بيعا لا يصلحه إلا ذلك، و لا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة: فلا بأس و ان كان انما يغش به المسلمين فلا يصلح (2).

و روايته الاخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام سعرهما بشيء، و أحدهما أجود من الآخر و يخلطهما جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد.

فقال: لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبينه (3).

و رواية داود بن سرحان قال: كان معي جرابان (4) من مسك أحدهما رطب، و الآخر يابس فبدأت بالرطب فبعته، ثم أخذت اليابس أبيعه فإذا أنا لا اعطى باليابس الثمن الذي يسوى، و لا يزيدوني على ثمن الرطب فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك أ يصلح لي أن أنديه (5)؟

++++++++++

(1) نفس المصدر. ص 208. الحديث 3.

(2) نفس المصدر. الباب 9 من أبواب أحكام العيوب. ص 421 الحديث 3.

(3) نفس المصدر. ص 420-421. الحديث 2.

(4) بكسر الجيم تثنية الجراب بكسر الجيم أيضا: و هو وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحب و الدقيق، و نحوهما.

(5) فعل المتكلم مع الوحدة من باب التفعيل من ندى يندي تندية:

معناه بل الشيء اليابس بالماء. يقال: نديت الشيء أي بللته.

ص: 127

قال: لا، إلا أن تعلمهم.

قال: فنديته، ثم أعلمتهم.

قال: لا بأس (1).

ثم إن ظاهر الأخبار (2): هو كون الغش بما يخفى كمزج اللبن بالماء، و خلط الجيد بالرديء في مثل الدهن.

و منه (3): وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا، و نحو (4) ذلك.

++++++++++

(1) نفس المصدر ص 421 الحديث 4.

(2) و هي الأخبار المشار إليها في ص 125-128، حيث يدل كلها على أن الغش عبارة عن خلط الصحيح و مزجه بالمعيب المخفي كما في قوله صلى اللّه عليه و آله لبايع الطعام: ما أرى طعامك إلا طيبا، ثم اوحى اللّه إليه أن يدس يده في الطعام ففعل فاخرج طعاما رديا.

فقال لصاحبه: ما اراك إلا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين.

(3) أي و من مصاديق الغش و أفراده وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا بواسطة البرودة المؤثرة فيه.

(4) كبل الحطب أو الطعام، أو الفحم، و غير ذلك لترى هذه الأشياء جيدة جديدة، فإن هذه العملية تعد غشا فيكون المبيع من مصاديق الغش و أفراده فتشمله أدلته.

ثم لا يخفى عليك أن (شيخنا الأنصاري) مثل للغش الخفي الذي لا يلتفت إليه، و لا يعلم به إلا البائع بثلاثة أمثلة.

(الأول): مزج اللبن بالماء، فان هذا المزج لا يعلم إلا من قبل البائع فهذا غش.

(الثاني): مزج الردي بالحبة كخلط الدهن النباتي بالدهن الحيواني فإن هذا الخلط لا يعرف إلا من قبل البائع، و هذا أيضا غش.

ص: 128

و أما المزج و الخلط بما لا يخفى فلا يحرم، لعدم انصراف الغش إليه.

و يدل عليه (1) مضافا الى بعض الأخبار المتقدمة: صحيحة ابن مسلم

++++++++++

- الثالث: وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا بتوسط البرودة المؤثرة في الثقل ليأخذ البائع ثمنا أكثر من المشتري عند الوزن.

و هذا غش لا يعرف إلا من قبل البائع.

و لكن لا يخفى أن مشتري الحرير إن كان من أهل المعرفة بهذه الامور كما هو الحق فبمجرد اللمس و الرؤية يتفطن إلى ثقل الحرير فيعلم أنه وضع في مكان بارد ليكتسب ثقلا فلا يقدم على شرائه في تلك الحالة.

و من المعلوم أن الذي يقدم على شراء مثل هذه الأجناس الظريفة النفيسة الغالية: لا يكون من السذج و البسطاء، حتى لا يميز بين الحرير الثقيل الوزن و خفيفه، فعليه يكون المثال خارجا عن مصاديق الغش بالعيب الخفي الذي لا يعلم الا من قبل البائع.

بخلاف الأولين فإنهما من مصاديق الغش بالعيب الخفي.

(1) أي و يدل على أن الخلط و المزج بالعيب غير الخفي لا يعد غشا و أنه ليس من أفراد الغش و مصاديقه: صحيحة محمد بن مسلم في قوله عليه السلام: اذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي، فإنها صريحة في أن العيب اذا رؤي و كان ظاهرا فلا بأس ببيعه.

و كلمة صحيحة فاعل يدل في قوله: و يدل.

هذا بالإضافة إلى دلالة بعض الأخبار المتقدمة على جواز بيع المعيب الذي لا يكون عيبه مخفيا و مستورا كما في قوله عليه السلام: إن البيع في الظلال غش المشار إليه في ص 126، فان مفهومه أن المبيع المعيب إذا كان عيبه غير خفي لا يكون غشا.

ص: 129

عن أحدهما عليهما السلام: أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه أجود من بعض.

قال: اذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الرديء (1).

و مقتضى (2) هذه الرواية، بل رواية الحلبي الثانية، و رواية سعد الاسكاف: أنه لا يشترط في حرمة الغش: كونه مما لا يعرف إلا من قبل البائع، فيجب (3) الأعلام بالعيب غير الخفي،

++++++++++

(1) راجع نفس المصدر. ص 420، الحديث 1.

(2) مبتدأ خبره قوله: إنه لا يشترط، أي مقتضى الرواية المذكورة آنفا و هي صحيحة محمد بن مسلم.

و رواية الحلبي الثانية المشار إليها في ص 127.

و رواية سعد الإسكاف المشار إليها في ص 126: عدم اشتراط حرمة الغش: بكونه لا بد و أن لا يعرفه إلا البائع، أي غير مقيد بهذا القيد فلو كان يعرفه المشتري يحرم الغش أيضا، لكن الحرمة في هذه الصورة من ناحية قصد الغش من قبل البائع، لا من باب أنه غش، لعدم صدق الغش هنا حيث يعلمه المشتري، و قد علمت أن المزج و الخلط بما لا يخفى غير حرام لعدم انصراف الغش إليه كما صرح بذلك في قوله في ص 129: و أما المزج و الخلط بما لا يخفى إلى آخره.

(3) الفاء تفريع على ما أفاده من عدم تقييد حرمة الغش بكونه لا يعرفه إلا البائع، أي بناء على ما ذكرناه: من عدم الاشتراط فلو كان المشتري عالما بالعيب فيجب على البائع الإعلام بالعيب غير الخفي أيضا.

و لا يخفى أن الحكم بوجوب الإعلام بالعيب غير الخفي مناف لما أفاده آنفا: من عدم حرمة الخلط و المزج بما لا يخفى مستدلا على ذلك بعدم انصراف الغش إليه، و بصحيحة محمد بن مسلم، فعليه يلزم التناقض و التهافت فدرأ للتناقض يحمل كلامه على ما إذا تعمد البائع الغش و التدليس -

ص: 130

إلا (1) أن تنزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث: على ما اذا تعمد الغش برجاء التلبيس على المشتري، و عدم التفطن له و ان كان من شأن ذلك العيب ان يتفطن له، فلا تدل الروايات على وجوب الاعلام اذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصّر المشتري، و سامح في الملاحظة.

ثم إن غش المسلم إنما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله، فلا فرق

++++++++++

- برجاء عدم التفات المشتري بذلك، لتقصيره في الفحص و التجسس.

و الدليل على ذلك: استثناء الشيخ من هذا الوجوب في قوله:

إلا أن تنزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على صورة تعمد المشتري.

(1) أي إلا أن تحمل الحرمة الواردة في الروايات الثلاث: و هي صحيحة محمد بن مسلم، و رواية الحلبي الثانية، و رواية سعد الاسكاف استثناء عما أفاده من وجوب الإعلام في العيب غير الخفي كما عرفت آنفا.

ثم لا يخفى عليك أنه تحصل من مجموع ما أفاده الشيخ في مسألة الغش أن للخلط و المزج صورا ثلاثة:

(الأولى): الخلط و المزج بشيء لا يمكن للمشتري الوقوف عليه أبدا كخلط الذهب بمادة صفرية، أو الفضة بمادة رصاصية.

أو خلط الدهن الحيواني بالدهن النباتي.

أو خلط الابريسم الطبيعي بالابريسم الصناعي.

أو خلط اللبن بالماء.

و يعبر عن هذا الخلط بالخلط المخفي.

لا شك في حرمة هذا الخلط، لكونه غشا و من أقوى مصاديقه و أفراده فتشمله أدلة حرمة الغش المتقدمة فيجب على البائع الإعلام به و لو باعه بدون الاعلام فسد البيع و لم يملك البائع الثمن، و لا المشتري المثمن.

و الى هذا الفساد و الحرمة الذين هما: الحرمة الوضعية و الحرمة التكليفية أشار الشيخ بقوله في ص 128: ثم ظاهر الأخبار هو كون الغش بما يخفى -

ص: 131

..........

++++++++++

(الثانية): الخلط و المزج بشيء غير خفي على المشتري، بل العيب فيه ظاهر و بيّن كخلط الجيد بالرديء كما في خلط الحنطة الشمالية بالحنطة الجنوبية.

و يعبر عن هذا الخلط بالخلط غير الخفي.

لا شك في عدم حرمة هذه المعاوضة، و عدم فسادها، لعدم صدق الغش عليه، لخروجه عنه موضوعا و حكما، فلا تشمله الأدلة المتقدمة فلا يجب على البائع الإعلام.

و الى هذا أشار الشيخ بقوله في ص 129: و أما الخلط و المزج بما لا يخفى فلا يحرم لعدم انصراف الغش إليه.

(الثالثة): الخلط بشيء غير خفي على المشتري.

لكن الالتفات إليه لا يمكن إلا بالدقة و الفحص و التجسس.

فقد أفاد الشيخ بوجوب الاعلام على البائع في هذه الصورة بقوله في ص 130: إنه لا يشترط في حرمة الغش: كونه مما لا يعرف إلا من قبل البائع فيجب الاعلام بالعيب غير الخفي.

و قد عرفت الاشكال فيما أفاده بقولنا في ص 130: ثم لا يخفى أن الحكم بوجوب الاعلام.

ثم لا يخفى عليك أنه لا يستفاد من الأخبار المتقدمة الواردة في حرمة الغش: اختصاص الحرمة بالمشتري المسلم، فعليه لو كان المشتري غير مسلم يحرم الغش في حقه أيضا.

و لدليل على ذلك قوله عليه السلام في مرسلة هشام المشار إليها في ص 126 إياك و الغش، فان من غش غشّ في ماله.

و قوله عليه السلام: من غش الناس فليس بمسلم المشار إليه في ص 125 -

ص: 132

بين كون الاغتشاش بفعله، أو بغيره، فلو حصل اتفاقا، أو لغرض وجب الاعلام بالعيب الخفي.

و يمكن (1) أن يمنع صدق الأخبار المذكورة إلا على ما اذا قصد التلبيس.

و أما ما هو ملتبس في نفسه (2) فلا يجب عليه الاعلام.

++++++++++

- فان المرسلة، و الحديث ليس فيهما كلمة مسلم حتى تختص الحرمة بالمسلم فقط.

نعم في بعض الأخبار المتقدمة الواردة في المقام كلمة مسلم في قوله صلى اللّه عليه و آله في ص 125: ليس منا من غش مسلما.

لكن مع وجود الحديثين المذكورين لا مجال للاختصاص.

(1) كأنما هذا عدول عما أفاده من وجوب الإعلام على البائع في العيب الخفي إذا حصل اتفاقا، أو لغرض عقلائي صحيح.

و حاصل العدول: أن الأخبار المذكورة في الغش إنما تدل على وجوب الإعلام في العيب الخفي إذا كان من قصد البائع التلبيس و الإخفاء على المشتري

و أما إذا كان العيب ملتبسا فيه من بادئ الأمر و لم يكن من فعل البائع أبدا، و ليس من قصده التلبيس فلا يجب عليه الإعلام، لعدم شمول الأخبار المذكورة مثل هذا الفرد من العيب الخفي، حيث عرفت أن قصد التلبيس مأخوذ في مفهوم الغش.

لكن الإنصاف أن سكوت البائع مع علمه بما هو ملتبس في نفسه و جهل المشتري بذلك: يعد من موارد الغش عرفا فيجب الاعلام و ان لم يكن البائع قاصدا التلبيس.

(2) أي من غير فعل البائع و قصده كما عرفت آنفا.

ص: 133

نعم يحرم عليه (1) إظهار ما يدل على سلامته من ذلك، فالعبرة (2) في الحرمة بقصد تلبيس الأمر على المشتري، سواء أ كان العيب خفيا أم جليا كما تقدم (3)، لا بكتمان (4) العيب مطلقا، أو (5) خصوص الخفي و ان لم يقصد التلبيس.

++++++++++

(1) أي يحرم على البائع في هذه الحالة: اظهار ما يدل على سلامة المبيع فقط، و أما وجوب الاعلام فلا.

و مرجع الضمير في سلامته: المبيع المشتمل على العيب الخفي الذي ليس من قبل البائع، و لا من قصده التلبيس.

و مرجع اسم الاشارة: العيب.

(2) أي الاعتبار في حرمة الغش دائر مدار قصد التلبيس من قبل البائع، فإن قصد التلبيس صدق الغش المحرم، و ان لم يقصد فلا حرمة في البين.

(3) في ص 131 في قوله: فلا تدل الروايات على وجوب الإعلام اذا كان العيب من شأنه التفطن له.

(4) أي لا يكون الاعتبار و الملاك في حرمة الغش: كتمان العيب على المشتري مطلقا حتى في صورة عدم قصد البائع تلبيس الأمر على المشتري.

بل الملاك في حرمة الغش هو قصد تلبيس الأمر، و إخفاء العيب على المشتري. فيكون الغش مقيدا بهذا القيد فتنتفي الحرمة عند انتفاء قصد الغش، و تثبت عند وجوده.

(5) أي و ليس الاعتبار و الملاك في حرمة الغش أيضا خصوص العيب المخفي و ان لم يقصد البائع تلبيس الأمر، و إخفاء العيب على المشتري بل الملاك و الاعتبار في الحرمة: هو قصد البائع الغش، و تلبيس الأمر سواء أ كان العيب خفيا أم جليا.

ص: 134

و من هنا (1) منع في التذكرة: من كون بيع المعيب مطلقا مع عدم الاعلام بالعيب غشا.

و في التفصيل (2) المذكور في رواية الحلبي اشارة الى هذا المعنى حيث إنه عليه السلام جوّز بلّ الطعام بدون قيد الاعلام اذا لم يقصد به (3) الزيادة و ان حصلت به، و حرّمه مع قصد الغش.

++++++++++

(1) أي و من أجل أن قصد تلبيس الأمر على المشتري، و إخفاء العيب عليه مأخوذ في مفهوم حرمة الغش: منع العلامة قدس اللّه نفسه صدق الغش على المعيب لو لم يعلم به البائع و لم يكن من قصده الغش و تلبيس الأمر على المشتري، و إخفاء العيب عليه.

(2) و هو جواز بل الطعام اذا لم يقصد البائع به الزيادة.

و عدم جواز بل الطعام مع قصد الغش في قوله عليه السلام في ص 127:

إن كان بيعا لا يصلحه الا ذلك، و لا ينفقه غيره، من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس.

و ان كان إنما يغش به المسلمين فلا يصلح: اشارة إلى أن قصد التلبيس، و اخفاء الأمر على المشتري معتبر في حرمة الغش، فان وجد صدق الغش، و إلا فلا.

(3) مرجع الضمير في به في الموضعين: البل.

و كلمة إن في قوله: و ان حصلت وصلية.

و المعنى: أنه يجوز بل الطعام و ان حصلت الزيادة بسبب البل و لا يحتاج الى الاعلام اذا لم يكن قصد البائع من البل الزيادة.

و أما إذا قصد ذلك فلا ريب في حرمته.

فالحاصل أن جواز البل و حرمته دائران مدار قصد الزيادة، و عدم القصد، فإن قصدت حرم، و الا فلا.

ص: 135

نعم يمكن أن يقال في صورة تعيب المبيع بخروجه عن مقتضى خلقته الأصلية بعيب خفي أو جلي: أن التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشتري كما لو صرح باشتراط السلامة، فان العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط، مع علمه بالعيب: أنه غاش (1).

ثم إن الغش (2) يكون باخفاء الأدنى في الأعلى

++++++++++

(1) جملة: أنه غاش منصوبة محلا على أنه مفعول لقوله: يحكمون أي يحكمون العرف أن هذا البائع غاش.

(2) يروم الشيخ أن يجعل الغش مقسما و يرتب عليه الأقسام الأربعة المذكورة في قوله: ثم إن الغش.

و الأقسام الأربعة كما يلي:

(الأول): إخفاء الأدنى في الأعلى كمزج الجيد مع الردي كما في رواية سعد الإسكاف.

(الثاني): اخفاء غير المقصود في المقصود كادخال الماء الذي هو غير مقصود في اللبن الذي هو المقصود من البيع.

(الثالث): اظهار صفة جيدة في المبيع و هو غير موجودة فيه كبيع الحنطة الجنوبية باسم الحنطة الشمالية المطلوبة في المجتمع.

أو بيع الرز النعيمة باسم الرز العنبر.

و يسمى هذا القسم بالتدليس.

(الرابع): اظهار المبيع على غير جنسه كبيع المموه على أنه ذهب أو فضة.

أو بيع الدينار باسم الدينار الذهبي و هو ليس بذهب.

هذه هي الأقسام الأربعة المذكورة في كلام الشيخ.

ص: 136

كمزج (1) الجيد بالردي.

أو (2) غير المراد في المراد كادخال الماء في اللبن.

أو (3) باظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا و هو التدليس.

أو (4) باظهار الشيء على خلاف جنسه كبيع المموه على أنه ذهب أو فضة.

ثم إن في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء: وجهين (5) في صحة المعاملة و فسادها:

من (6) حيث إن المحرم هو الغش، و المبيع عين مملوكة ينتفع بها.

++++++++++

أما حكمها من حيث الحلية و الفساد فالقسم الأول و الثاني و الثالث تصح المعاوضة عليها.

و أما الرابع فلا تصح المعاوضة عليه، و إن وقعت فهي فاسدة، لأن ما وقع العقد عليه و هو الدينار الغير الذهبي لم يقصد، و ما قصد و هو العقد على الدينار الذهبي لم يقع.

هذه هي الأقسام الأربعة للغش.

(1) هذا هو القسم الأول من الأقسام الأربعة.

(2) هذا هو القسم الثاني.

(3) هذا هو القسم الثالث.

(4) هذا هو القسم الرابع.

(5) مفعول ذكر أي ذكر صاحب جامع المقاصد وجهين للمعاوضة المغشوشة بما يخفى: أحدهما الصحة. ثانيهما الفساد.

(6) دليل لصحة المعاوضة المغشوشة بما يخفى.

و خلاصته: أن حرمة الغش في هذه الصورة تكليفية، لا وضعية حتى تفسد المعاوضة و لا يملك المتعاملان ما دفعه الى الآخر.

ص: 137

و من (1) أن المقصود بالبيع هو اللبن، و الجاري عليه العقد هو المشوب.

ثم قال (2) و في الذكرى في باب الجماعة ما حاصله: أنه (3) لو نوى الاقتداء بامام معين على أنه زيد فبان عمرا (4):

++++++++++

و لا شك أن القدر المتيقن من الحرمة: هي الحرمة التكليفية، لا الوضعية.

ثم إن العين المغشوشة باقية على ملك صاحبها و قابلة للنفع و الانتفاع بها و لم تسقط عن الملكية بسبب الغش العارض عليها.

(1) دليل لفساد المعاوضة المغشوشة بما يخفى.

و خلاصته: أن المقصود الاولي الذاتي في البيع هو اللبن الخالص من كل شائبة و هو لم يقع، و الذي وقع و هو اللبن المشوب بالماء لم يكن مقصود المتعاملين فيلزم حينئذ أن ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد و الحال أن العقود تابعة للقصود فالمعاوضة باطلة، لأنها لم تكن بإزاء الشيء المتسالم عليه من الطرفين.

(2) أي قال (المحقق الثاني في جامع المقاصد): إن (الشهيد الأول) قال في (الذكرى) فجملة و في الذكرى مقول قول المحقق الثاني.

(3) هذه الجملة: أنه لو نوى الاقتداء بامام معين على أنه زيد فبان عمرا: حاصل قول الشهيد الأول في الذكرى.

(4) في جميع نسخ (المكاسب) الموجودة عندنا الخطية و المطبوعة فبان عمرا بالنصب إلا في نسخة (طاهر خوشنويس) المطبوعة في (تبريز) عام 1387: بالرفع.

و الصحيح النصب، لعدم دليل صحيح على الرفع، حيث إن الفاعل في بان مستتر يرجع الى زيد في قوله: فنوى الاقتداء بامام معين على أنه زيد أي فظهر أن المقتدى به الذي هو زيد كان عمرا.

لكن يبقى الكلام في نصب عمرا فنقول: نصبه إما على التمييز -

ص: 138

أن في (1) الحكم نظرا.

و مثله (2) ما لو قال: بعتك هذا الفرس فاذا هو حمار

و جعل (3) منشأ التردد تغليب الاشارة

++++++++++

- أو على الحالية، أو على تقدير كان بناء على أنه خبر له، أي كان المقتدى به عمرا.

(أما الأول) فمشكل، لأن التمييز لا بدّ أن يكون نكرة، و عمرو معرفة فلا يصح وقوعه تمييزا.

(و أما الثاني) فمشكل أيضا، لأن شرط الحال أن تكون نكرة و مشتقة و هنا لا يوجد الشرطان، لأن عمرا معرفة و جامد، و ان أمكن تأويله إلى المشتق كما في قولك: اجتهد وحدك، أي منفردا.

لكن التأويل المذكور لا يتأتى في عمرو فتعين الثالث و هو تقدير كان و القرينة على ذلك هو نصب كلمة عمرا كما علمت عند قولنا: فظهر أن المقتدى به كان عمرا.

(1) هذه الجملة: (إن في الحكم نظرا) مقول قول (الشهيد الأول) في الذكرى.

و المعنى: أن في صحة صلاة من اقتدى بزيد ثم ظهر أنه عمرو و في بطلانها نظرا و اشكالا يأتي وجه النظر في الهامش 3.

(2) أي و مثل الاقتداء بزيد ثم ظهر أنه عمرو في الصحة و الفساد:

قول القائل: بعتك هذا الفرس ثم ظهر أنه حمار، فانه يأتي فيه كلا الوجهين: الصحة و الفساد.

(3) اى جعل صاحب المقاصد هذا منشأ النظر و الإشكال في الاقتداء بزيد ثم بان أنه عمرو.

و في بيع الفرس ثم بان أنه حمار: أي جعل صاحب جامع المقاصد -

ص: 139

..........

++++++++++

- و خلاصة النظر و الإشكال: أن لنا في مثل هذه المقامات: أمرين الإشارة. و الوصف.

فان غلبنا جانب الإشارة على الوصف في الاقتداء بهذا الامام المعين:

بأن نوى الاقتداء بالشخص الموجود بتخيل أنه زيد، ثم بان أنه عمرو صحت الصلاة، لأن الاقتداء وقع على شخص الحاضر، سواء أ كان زيدا أم عمرا.

و إن غلبنا جانب الوصف على الإشارة: بأن نوى الاقتداء بشخص زيد المرتكز في ذهنه فاشار حين الاقتداء إلى ذلك المرتكز في ذهنه الموصوف بكونه زيدا: بطلت الصلاة و وجب الإعادة، لأن الوصف مأخوذ في الاقتداء حين الصلاة.

هذا كله في الصلاة.

و أما في البيع فكذلك.

فإن غلبنا جانب الإشارة على الوصف في بيع الفرس بهذا المبيع الموجود بتخيل أنه فرس ثم بان أنه حمار صحت المعاوضة، لأن البيع وقع على شخص المبيع الموجود، سواء أ كان فرسا أم حمارا.

و إن غلبنا جانب الوصف على الإشارة: بأن قصد المشتري الشراء على شخص الفرس المرتكز في ذهنه فأشار حين البيع الى ذلك المرتكز الموصوف بكونه فرسا: بطلت المعاوضة، لأن المشتري قصد من الشراء كلي الفرس الذي ينطبق على هذا الفرد المرتكز في ذهنه فالإشارة وقعت على العنوان الذي هو كلي الفرس.

ثم لا يخفى عليك أن التردد و النظر كلمتان تستعملان عند الفقهاء في مقام التوقف من الفتوى إذا لم يكن هناك ترجيح لاحدهما بالنسبة -

ص: 140

أو الوصف. انتهى (1).

و ما ذكره (2) من وجهي الصحة و الفساد جار في مطلق العيب لأن المقصود (3) هو الصحيح، و الجاري عليه العقد هو المعيب.

و جعله (4) من باب تعارض الاشارة و الوصف مبني على إرادة الصحيح من عنوان المبيع فيكون قوله: بعتك هذا العبد بعد تبين كونه

++++++++++

الى الآخر كما إذا كان للمسألة وجهان أى دليلان لكل من الصحة و الفساد فيقال في المسألة تردد، أو نظر.

(1) أي ما أفاده صاحب (جامع المقاصد) نقلا عن (الشهيد الأول) في الذكرى.

(2) أي ما ذكره (المحقق الثاني) من وجهي الصحة و الفساد في ص 137-138 قوله: من حيث إن المحرم هو الغش و المبيع عين مملوكة ينتفع بها، و من أن المقصود بالبيع هو اللبن الجاري عليه العقد هو المشوب: جار في مطلق العيب و في كل بيع، و لا اختصاص له بهذا العيب، و لا بهذا البيع.

(3) أي المقصود الأولي العقلائي في جميع البيوع و المعاوضات: هي المعاوضات الصحيحة التي يترتب عليها النقل و الانتقال، و فيما نحن فيه يلزم خلاف ذلك، لأن ما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع كما عرفت.

(4) مصدر مضاف الى المفعول، و الفاعل و هو (الشهيد الأول) محذوف، و المصدر مرفوع على الابتداء، و خبره قوله: مبني.

و مرجع الضمير في و جعله: إما منشأ التردد، و إما بيع اللبن الممزوج بالماء.

و المعنى: أن جعل (الشهيد الأول) منشأ التردد في الذكرى، أو جعله بيع اللبن الممزوج من باب تعارض الاشارة و الوصف: مبني على إرادة العقود و الايقاعات الصحيحة من جميع عناوين المبيع، أي يراد من كل

ص: 141

..........

++++++++++

- بيع. يقع في الخارج: هو المبيع الصحيح.

بيان ذلك: أن عنوان المبيع أى شيء كان: هو ما ينطبق على المبيع الصحيح بماله من الأجزاء و الشرائط.

خذ لذلك مثالا: إن الكتاب، و القلم، و القرطاس، و اللباس و الدار، و الأثاث، و الأنعام، و الحبوبات، و الفواكه، و الخضروات و الألبان، و اللحوم، و البساط و أدوات العمل، و الماكينات و ما شاكل هذه الأشياء كلها ذوات عناوين تنطبق على معنوناتها الصحيحة و المعيبة.

يقال: كتاب صحيح، كتاب معيب، أي ممزق، أو ردي الطبع أو ردي الورق، أو ردي التجليد غير مطابق للذوق و الفن.

و هكذا يقال: حبوب جيدة، حبوب رديئة، أو فاكهة جيدة أو رديئة.

فهذه الأوصاف تصدق على الأعيان الخارجية في غير موارد المعاوضة من دون شبهة.

أما في المعاوضات و البيوعات فلا يعلم الأمر هل هو كذلك، اى العناوين المذكورة تنطبق على الاعم من الصحيحة و الفاسدة. أو على خصوص الصحيحة ؟

فجعل الصحة و الفساد في الفرض المذكور من باب تعارض الاشارة و الوصف مبني على إرادة الصحيح من المعنونات المذكورة فقط، دون الاعم من الصحيح و الفاسد في المبيع.

بعبارة أخرى: أن تعارض الاشارة و الوصف لا يمكن أن يصار إليه إلا إذا قلنا: إن المعاوضة إنما يقصد من عنوانه: الصحيح فقط مثلا -

ص: 142

أعمى بمنزلة قوله: بعتك هذا البصير (1).

و أنت خبير بأنه ليس الأمر كذلك (2) كما سيجيء في باب العيب.

++++++++++

إذا قيل: بعتك هذا الشيء يراد منه: العنوان الصحيح عند الاطلاق.

فلو فرض أن الشيء في الواقع و نفس الأمر معيب فالاشارة انما وقعت على المعيب في قول البائع: بعتك هذا الشيء.

و المفروض أن المراد من عنوان المبيع هو الصحيح فوق التعارض بين الإشارة و الوصف الذي هو العنوان.

فإن قدمنا جانب الإشارة حكمنا بصحة البيع، لأن الشيء المشار إليه هو المبيع، و الايجاب و القبول وقعا على هذا المبيع بعينه بتوسط الاشارة.

و إن رجحنا جانب الوصف الذي هو العنوان المتبادر منه الصحيح حكمنا ببطلان البيع، و فساد المعاوضة، لأن العنوان لا يتبادر منه عند البيع إلا الصحيح فما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع.

(1) و هو الأعمى.

(2) أي لا يتبادر الصحيح من عنوان المبيع في جميع معاملاتهم و معاوضاتهم حتى يكون المقام داخلا في تعارض الاشارة و العنوان حتى يقال بتغليب أحدهما على الآخر فلو غلبنا جانب الاشارة صحت المعاوضة.

و لو غلبنا جانب الوصف فسدت المعاوضة كما سيجيء البحث عن هذا في باب العيب: من أن إرادة الصحيح لا تكون جزء مقوما في المبيع حتى يدل البيع على فساد المبيع لو ظهر خلافه.

بل وصف الصحة في البيع مأخوذ على نحو الشرطية أي شرط ضمني في العقد و إن لم يصرح به، فما وقع عليه التعامل و التعاوض يبقى على عنوانه الأعم: من الصحيح و الفاسد فلا تكون المعاوضة باطلة و فاسدة.

نعم تكون موجبة للخيار عند تبين خلافه، فللمشتري إما رفع اليد عن المعاوضة. أو إبقاؤها.

ص: 143

بل وصف الصحة ملحوظ على وجه الشرطية، و عدم (1) كونه مقوما للمبيع كما يشهد به العرف و الشرع (2).

ثم (3) لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح

++++++++++

(1) بالجر عطفا على مجرور باء الجارة في قوله: بأنه ليس الأمر كذلك، أي و أنت خبير أيضا بعدم كون وصف الصحة مقوما للمبيع بحيث أخذ فيه على نحو الجزئية كما عرفت آنفا عند قولنا: في الهامش 2 ص 143 لا تكون جزء مقوما في المبيع، لشهادة العرف و الشرع بذلك.

(2) أما شهادة العرف فواضح، لصحة إطلاق العنوان على المعنون صحيحا، كان أو معيبا، أو أعم منهما.

و أما شهادة الشرع فأخبار خيار العيب في المقام كافية كما يأتي التصريح بها إن شاء اللّه في بابه، فلو كانت الصحة مأخوذة في العنوان على نحو الجزئية، و أنها مقومة لها لما كان للخيار عند ظهور الخلاف وجه في الأخبار الواردة فيه.

(3) هذا تنازل من الشيخ عما أفاده آنفا: من أنه لا يكون الصحيح مرادا في عنوان البيع، و مقوما له على نحو الجزئية.

و خلاصة التنازل: أنه لو فرضنا ذلك و سلمنا أن الصحيح هو المراد في البيع ليس الا، بناء على أن الصحة مقومة في المبيع: لم يكن منع و اشكال في تقديم جانب العنوان: و هو الوصف على الاشارة، فلو ظهر الخلاف فسد البيع.

لكن لا من باب تعارض الوصف و الاشارة هنا، بل من باب أن البائع قصد الوصف و هو بيع الفرس خاصة بما أنه فرس، دون الاشارة فيلزم ما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع، لأن (المحقق الثاني) رحمه اللّه بعد أن فرض أن المقصود الأولي الأصلي من المبيع هو البيع الصحيح و هو -

ص: 144

لم يكن اشكال في تقديم العنوان على الاشارة بعد ما فرض رحمه اللّه أن المقصود بالبيع هو اللبن، و الجاري عليه العقد هو المشوب، لأن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، و لذا (1) اتفقوا على بطلان الصرف فيما اذا تبين أحد العوضين معيبا من غير الجنس.

و أما (2) التردد في مسألة تعارض الاشارة و العنوان: فهو (3) من جهة

++++++++++

- اللبن الخالص من الماء فقد وقع العقد في فرضه على هذا الفرد المرتكز في الذهن، فلو لم يقع الفرد المرتكز لزم المحذور المذكور: و هو ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

(1) أي و لأجل تقديم العنوان الذي هو الوصف على الاشارة فيما كان المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح: اتفق الفقهاء على بطلان بيع الصرف لو تبين أن أحد العوضين معيب و مزور، و أنه من غير جنس النقود المضروبة كما لو كان احدهما ذهبا، و الآخر نحاسا، لأن الصحة جزء مقوم للمبيع فيلزم: ما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع.

(2) دفع و هم: حاصل الوهم: أنه لو فرض عدم الاشكال في تقديم العنوان على الاشارة فيما لو أريد الصحيح من البيع، و فرض أن المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح في العقود و الايقاعات الخارجية فلما ذا يقع التعارض بين الاشارة و الوصف حينئذ؟

(3) هذا جواب عن الوهم المذكور:

و حاصل الجواب: أن التعارض المذكور لو سلم إنما هو لأجل اشتباه المقصود الأولي بالذات من البيع، أو الاقتداء بزيد، حيث لا يدرى مقصود البائع، أو المقتدي.

و منشأ هذا الاشتباه: هي الدلالة اللفظية في قولك: بعتك هذا الكتاب، أو اقتديت بهذا الامام، فإن هذه الدلالة مرددة بين كون متعلق -

ص: 145

اشتباه ما هو المقصود بالذات بحسب الدلالة اللفظية، فإنها (1) مرددة بين كون متعلق العقد أولا و بالذات هي العين الحاضرة، و يكون اتصافه (2) بالعنوان مبنيا على الاعتقاد.

و كون متعلقه (3) هو العنوان و الاشارة إليه باعتبار حضوره.

++++++++++

- العقد الصادر من البائع هي العين الحاضرة فقط، سواء أ كانت كتابا أم ثوبا حتى يكون المبيع مجردا عن اتصافه بالعنوان الذي هو الكتاب بعينه و إنما اتصف بالعنوان لكون البائع معتقدا ذلك فحينئذ اذا تبين خلافه و ظهر أن المبيع ثوب صح العقد، لتعلقه بالعين الحاضرة مجردة عن اتصافه بالعنوان.

و هكذا في الاقتداء، فإن قولك: اقتديت بهذا الامام مردد بين كون متعلق الاقتداء الواقع من المقتدي هو الشخص الحاضر، سواء أ كان زيدا أم عمرا حتى يكون الاقتداء مجردا عن اتصافه بالعنوان الذي هو زيد بالخصوص و إنما اتصف بالعنوان بناء على اعتقاد المصلي أنه زيد، فحينئذ لو ظهر خلافه و أن المقتدى به عمرو لا زيد صحت صلاته.

(1) أي الدلالة اللفظية كما عرفت في الهامش 3. ص 145.

(2) أي اتصاف متعلق العقد، أو الاقتداء بالعنوان.

(3) بالجر عطفا على المضاف إليه و هي كلمة (بين) في قوله:

بين كون متعلق العقد.

هذا هو الشق الثاني لتردد الدلالة اللفظية، إذ شقه الأول: هو كون متعلق العقد الصادر من البائع هي العين الحاضرة، أي أن الدلالة اللفظية مرددة بين كون متعلق العقد الصادر من البائع هو شخص العنوان الذي هو الكتاب بعينه و الاشارة إليه في قول البائع: بعتك هذا الكتاب باعتبار حضوره أي باعتبار حضور المبيع، فهو قد قصد شخص الكتاب الذي -

ص: 146

أما على تقدير العلم بما هو المقصود بالذات، و مغايرته للموجود الخارجي كما فيما نحن فيه: فلا يتردد أحد في البطلان (1).

++++++++++

- هو العنوان بذاته، لا مجردا عن العنوان فيكون المبيع باطلا عند ظهور خلافه لو تبين أنه ثوب.

و هكذا في الصلاة، فان الدلالة اللفظية في قولك: اقتديت بهذا الامام مرددة بين قصد المقتدى به و هو شخص زيد لا غير المعبر عنه بالعنوان و الاشارة إليه باعتبار حضور شخص زيد، فالمقصود الأولي و بالذات هو شخص زيد فلو تبين خلافه و ظهر أن المقتدى به هو عمرو بطلت الصلاة لكونه ناويا شخص زيد لا غير.

فخلاصة الكلام: أن منشأ التعارض بين الاشارة و الوصف هي الدلالة اللفظية المرددة بين هذا، و ذاك فهو المنشأ لهذا التعارض لا غير لجهلنا بالمقصود الأولي و بالذات من متعلق العقد و القصد في البيع و الاقتداء و لو لا الجهل لم يكن أي تعارض بينهما.

الى هنا كان كلامنا في صورة الجهل و الاشتباه بالمقصود الأولي الذاتي.

و أما في صورة العلم بالمقصود الأولي الذاتي كما نبه عليه الشيخ بقوله:

أما على تقدير العلم بما هو المقصود بالذات:

فخلاصته: أنه في صورة العلم بمقصود البائع من المبيع، و بمقصود المقتدي من الاقتداء لو تبين مغايرة المقصود مع الموجود الخارجي فلا شك في بطلان المعاوضة، و بطلان الصلاة فيما نحن فيه و هي مسألة الاقتداء بزيد لو تبين أن المقتدى به عمرو، و مسألة بيع الفرس لو ظهر أنه حمار، لأن ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

(1) أي في بطلان العقد، و بطلان الاقتداء كما عرفت آنفا.

ص: 147

و أما وجه تشبيه مسألة الاقتداء (1) في الذكرى بما يتعارض فيه الاشارة و الوصف في الكلام مع عدم الاجمال في النية فباعتبار (2)

++++++++++

(1) مقصوده: أنه حينما يشبه شيء بشيء آخر لا بدّ لهذا التشبيه من قدر جامع بينهما و هو المعبر عنه (بوجه الشبه) حتى يصح التشبيه و إلا يكن هناك قدر جامع لا يصح التشبيه.

خذ لذلك مثالا.

لو أردنا أن نشبه زيدا بالأسد في الشجاعة و الفروسة و قلنا: زيد كالأسد فلا بد هناك من قدر جامع بين زيد و الأسد حتى يصح تشبيهه به و ذاك القدر الجامع هي الشجاعة، فلو كان زيد خاليا عنها لما صح التشبيه

و فيما نحن فيه لما شبهت مسألة الاقتداء بمسألة تعارض الاشارة و الوصف كبيع الفرس ثم ظهر أنه حمار: فلا بد له من قدر جامع بينهما حتى يصح تشبيه أحدهما بالآخر مع أنه لا اجمال في النية أبدا، لاعتقاد المقتدي أن الامام زيد فنوى الاقتداء به فظهر بعد الصلاة أنه عمرو فكيف تشبه هذه المسألة بمسألة تعارض فيها الاشارة و الوصف، حيث إنه لا بدّ أن يكون فيها اجمال و ترديد من حيث المتعلق حتى يصدق التعارض و قد عرفت أن ما نحن فيه ليس فيه اجمال و ترديد.

(2) جواب لوجود وجه الشبهة بين مسألة الاقتداء، و مسألة تعارض الاشارة و الوصف: و هو بيع الفرس.

و خلاصة الجواب: أن وجه الشبه بينهما موجود: و هو عروض الاشتباه للناوي بعد الصلاة و ان لم يكن هناك اجمال في النية حين الاقتداء و هذا القدر كاف في وجه التشبيه و القدر الجامع بين المسألتين.

و لا يخفى عليك أن (الشهيد الأول) قدس سره في الذكرى شبه مسألة بيع الفرس بمسألة الاقتداء بزيد في قوله: و مثله ما لو قال: بعتك -

ص: 148

عروض الاشتباه للناوي بعد ذلك (1) فيما نواه، اذ (2) كثيرا ما يشتبه

++++++++++

- هذا الفرس فاذا هو حمار، فالمشبه به هو الاقتداء، و المشبه هي مسألة بيع الفرس.

فكيف أفاد الشيخ: و أما وجه تشبيه مسألة الاقتداء في الذكرى بما يتعارض فيه الاشارة و الوصف ؟

فهذا يكون من باب عكس التشبيه كما يقال: الاسد زيد.

و لا يخفى ما في المثال من البداعة و اللطافة، حيث شبه تبين الحمار بتبين إمام الجماعة لو كان زيدا.

و المراد من قوله: في الكلام المقام أي في هذا المقام.

و جملة: مع عدم الاجمال في النية منصوبة محلا على الحالية أي و الحال أنه لا اجمال في النية. و قد عرفت كيفية عدم الاجمال آنفا مع جوابها.

(1) أي بعد الصلاة كما عرفت آنفا.

(2) تعليل لعروض الاشتباه للناوي بعد الصلاة.

و خلاصة التعليل: أن المأموم تارة يخطر بباله و في ذهنه الصفات المميزة للامام من الاسم، أو الوصف، أو النسب فنوى الاقتداء به مقيدا بتلك الصفات و المميزات معتقدا حضوره المعتبر في امام الجماعة فيكون الامام المقتدى به هو المعنون بذلك العنوان: و هي الصفات المذكورة من الاسم أو الوصف، أو النسب، فلو ظهر الخلاف بعد ذلك بطلت صلاته لكون المأموم ناويا شخصا معينا هكذا صفاته.

أو خطر بباله أنه نوى الاقتداء بالشخص الحاضر مجردا عن اتصافه بالعنوان الذي هو زيد لا غير، و انما عنونه بذلك العنوان و هي الصفات المذكورة من الاسم، أو الوصف، أو النسب بناء على اعتقاد المصلي أنه زيد و قد أحرز عدالته فيه فحينئذ لو ظهر الخلاف بعد ذلك لم تبطل صلاته.

ص: 149

على الناوي أنه خطر في ذهنه العنوان (1)، و نوى الاقتداء به، معتقدا لحضوره (2) المعتبر في امام الجماعة فيكون الامام هو المعنون بذلك العنوان (3) و إنما اشار إليه معتقدا لحضوره.

أو (4) أنه نوى الاقتداء بالحاضر و عنونه بذلك العنوان (5) لإحراز معرفته بالعدالة، أو تعنون (6) به بمقتضى الاعتقاد (7) من دون اختيار هذا (8).

ثم إنه قد يستدل على الفساد (9) كما نسب الى المحقق الاردبيلي رحمه اللّه: بورود (10) النهي عن هذا البيع فيكون المغشوش منهيا عن بيعه كما اشير إليه في رواية قطع الدينار، و الأمر بإلقائه في البالوعة، معللا

++++++++++

(1) و هي الصفات المذكورة: من الاسم، أو الوصف، أو النسب كما عرفت آنفا.

(2) أي لحضور الامام في ذهنه كما عرفت آنفا.

(3) و هي الصفات و المميزات المذكورة كما عرفتها آنفا.

(4) هذا هو الشق الثاني لعروض الاشتباه للناوي، إذ شقه الأول قوله: و نوى الاقتداء به معتقدا لحضوره، و قد عرفت الشق الثاني بقولنا: أو خطر.

(5) و هي الصفات المذكورة آنفا.

(6) أي الامام المقتدى به تعنون بذلك العنوان الذي هي الصفات المذكورة آنفا.

(7) أي اعتقاد المأموم الذي اقتدى بالامام

(8) أي من دون اختيار هذا الامام المعين.

(9) أي فساد مطلق المعاملة المغشوشة من هنا عود على بدء.

(10) من هنا استدلال (المحقق الاردبيلي) على فساد مطلق المعاوضة المغشوشة.

ص: 150

بقوله: حتى لا يباع بشيء، و لأن نفس البيع غش منهي عنه.

و فيه (1) نظر، فان (2) النهي عن البيع لكونه مصداقا لمحرم هو

++++++++++

- و قد استدل على ذلك بأمرين:

(الاول): ورود النهي الخاص عن البيع المغشوش، و أيد هذا النهي بأمر الامام عليه السلام قطع الدينار المزيف بنصفين، و القائه في البالوعة و تعليله عليه السلام ذلك بقوله: حتى لا يباع بشيء: فيه غش، لأنه لو لم يقطع بنصفين و لم يلق في البالوعة: أصبح محلا للتعاطي فيباع و يشترى فيشتريه آخر و يبيعه ثالث، و الثالث برابع و هكذا فتترتب عليه الأيادي المتعاقبة، فتكون المعاوضات كلها فاسدة، لوقوعها على شخص الدينار المغشوش الذي ورد النهي عن بيعه، فصونا عن وقوع مثل هذه المعاوضة الفاسدة في الخارج أمر عليه السلام بقطعه، و القائه في البالوعة.

و قد مضت الاشارة الى الحديث في ص 126.

و قد أشار الشيخ الى هذا الاشكال بقوله في ص 150: بورود النهي عن هذا البيع فيكون المغشوش منهيا عن بيعه.

(الثاني): أن نفس هذا البيع المشتمل على التزوير و التزييف غش و الغش منهي عنه.

و قد أشار الشيخ الى هذا الاشكال بقوله: و لأن نفس البيع غش منهي عنه.

(1) أي و في استدلال (المحقق الأردبيلي) على فساد المعاوضة المغشوشة و بطلانها بالدليلين المذكورين نظر و اشكال.

(2) هذا وجه الاشكال و النظر في الاستدلال الثاني: و هو أن نفس البيع غش، و انما قدمه على الدليل الأول، ليدرج خبر الدينار في نفي الأخبار

و خلاصة وجه النظر: أن تعلق النهي بمثل هذا البيع المزيف انما كان لاجل أن الدينار المغشوش اصبح مصداقا للحرام الذي هو الغش.

ص: 151

الغش لا يوجب فساده (1) كما تقدم في بيع العنب على من يعمله خمرا.

و أما النهي (2) عن بيع المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر.

++++++++++

- و مثل هذا النهي لا يوجب فساد المعاوضة و بطلانها.

و قد تقدم نظير هذا في بيع العنب على من يعمله خمرا في الجزء الثاني من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة ص 62 و هنا قد أشار بقوله في ص 153:

كما تقدم عند قوله: أما لو لم يقصد ذلك فالاكثر على عدم التحريم للأخبار المستفيضة.

فكما أن النهي هناك لا يوجب فساد المعاوضة التي كانت مصداقا للاعانة المحرمة، لأن البائع لم يقصد من بيع العنب للخمار التخمير، بل باعه له كما يبيعه لغيره ممن لا يعمله خمرا.

كذلك فيما نحن فيه لا يوجب النهي فساد المعاوضة.

نعم إن النهي المذكور يدل على الحرمة التكليفية فقط.

(1) أي فساد هذا البيع و هو بيع الدينار المغشوش كما عرفت آنفا.

(2) هذا وجه النظر على الدليل الأول: و هو ورود النهي عن هذا البيع في الأخبار.

و خلاصته: أن النهي لم يتعلق بنفس المبيع المغشوش في رواية من الروايات، بل تعلق بالغش نفسه، و أنه حرام كما ذكرنا الأحاديث في حرمة الغش في صدر العنوان في ص 125-128.

بل المتدبر في الأخبار الواردة في المقام يحكم بافادتها الصحة و ان فعل محرما حتى قال بعض الأعلام بصحة المعاوضة مع المعصية و هي الحرمة التكليفية.

فالحاصل أنه لم يوجد في الأخبار نهي عن بيع المغشوش نفسه.

بل الموجود فيها هو النهي عن الغش.

و هذا مما لا كلام في بطلانه و فساده.

ص: 152

و أما خبر الدينار (1) فلو عمل به لخرجت المسألة عن مسألة الغش لأنه اذا وجب اتلاف الدينار و إلقائه في البالوعة كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما.

نظير آلات اللهو و القمار، و قد ذكرنا ذلك فيما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما فيحمل الدينار على المضروب من غير جنس النقدين، أو من غير الخالص منهما لاجل التلبيس على الناس، و معلوم أن مثله بهيئته لا يقصد منه إلا التلبيس فهي آلة الفساد لكل من دفعت إليه

++++++++++

(1) هذا رد على خبر الدينار الذي ذكره (المحقق الاردبيلي) مؤيدا لما أفاده من ورود النهي في الأخبار عن بيع المغشوش.

و حاصل الرد: أنه لو عملنا بالخبر المذكور و استدللنا به في المقام لخرج ما نحن فيه و هي حرمة المعاوضة على الدنانير و الدراهم المزيفة عن موضوع الغش، لأن وجوب اتلاف الدينار، و إلقائه في البالوعة في قوله عليه السلام: فاقطعه نصفين، و ألقه في البالوعة: دليل على أن المراد من الدينار المذكور في الحديث: ما كان من غير جنس الذهب و الفضة: بأن كان من النحاس المحض، أو الصفر المحض.

أو المضروب من غير الخالص من الذهب و الفضة: بأن كان مضروبا من الخليط من الصفر و الذهب، أو النحاس و الفضة.

و حينئذ يدخل الدينار في موضوع ما لا يقصد منه سوى الحرام و يخرج عما نحن بصدده و هو مزج اللبن بالماء فيصير كآلات اللهو و القمار في كونها لا يقصد منها سوى الحرام، و قد علمت في الجزء الثاني من المكاسب ص 29-30 أن الاكتساب بها محرم عند قول الشيخ: و منها آلات القمار بأنواعها بلا خلاف ظاهرا، فيكون حكم هذا الدينار حكمها في حرمة الاكتساب به، لأنه لا يقصد من هذه المعاوضة إلا التلبيس، فهي آلة الفساد لكل من دفعت إليه.

ص: 153

و أين هو من اللبن الممزوج بالماء و شبهه ؟

فالاقوى حينئذ (1) في المسألة صحة البيع في غير القسم الرابع.

++++++++++

(1) هذه فتوى الشيخ في مسألة الغش، أي حين أن قلنا: إن خبر الدينار لا يدل على النهي، و ليس في الأخبار الموجودة بأيدينا نهي يدل على الفساد: فالأقوى في مسألة الغش صحة البيع و المعاوضة في القسم الأول و الثاني و الثالث من الأقسام الأربعة المذكورة في الهامش 2 من ص 136.

ثم بعد القول بالصحة نعمل بمقتضى القواعد الفقهية عند تبين الغش و الخلاف.

و قد ذكر الشيخ تلك القواعد و هي كما يلي:

(الاولى): (خيار التدليس): فيما اذا كان الغش في وصف مفقود في المبيع كما في القسم الثالث.

(الثانية): (خيار العيب): فيما اذا كان الغش من قبيل مزج غير المراد بالمراد كما في القسم الثاني.

(الثالثة): (تبعض الصفقة): فيما اذا كان الغش في اخفاء الأدنى في الأعلى كما في القسم الأول.

ثم في صورة تبعض الصفقة و الفسخ بالنسبة الى المغشوش ينقص من الثمن بمقدار الناقص اذا كان الناقص و المغشوش مما لا يتمول كالتراب.

و أما اذا كان مما يتمول بطل البيع بالنسبة إليه، لأن ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

هذا تمام الكلام في القسم الأول و الثاني و الثالث من الأقسام الأربعة المذكورة للغش.

و أما القسم الرابع: و هو اظهار المبيع بغير جنسه كبيع الدينار بعنوان الذهب و هو ليس بذهب فالمعاوضة عليه باطل، لأن ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

ص: 154

ثم العمل على ما تقتضيه القاعدة (1) عند تبين الغش.

فان كان (2) قد غش في إظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس (3).

و إن كان (4) من قبيل شوب اللبن بالماء فالظاهر هنا خيار العيب (5) لعدم خروجه (6) بالمزج عن مسمى اللبن فهو لبن معيوب.

و إن كان (7) من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة (8)، و ينقص من الثمن بمقدار التراب الزائد (9)، لأنه غير متمول

++++++++++

(1) أي القاعدة الفقهية كما عرفت آنفا.

(2) أي البائع الغاش.

(3) هذه احدي القواعد الفقهية في صورة تبين الغش و قد عرفتها في الهامش 1 من ص 154 عند قولنا: الأولى.

(4) أي الغش.

(5) هذه ثانية القواعد الفقهية في صورة تبين الغش و قد عرفتها في ص 154 عند قولنا: الثانية.

(6) تعليل لثبوت خيار العيب فيما اذا كان الغش من قبيل مزج غير المراد بالمراد.

(7) أي الغش.

(8) هذه ثالثة القواعد الفقهية عند تبين الغش، و قد عرفتها في ص 154 عند قولنا: الثالثة.

(9) و قد عرفت معناه في ص 154 عند قولنا: ثم في صورة تبعض الصفقة.

ثم إن الصفقة بفتح الصاد و سكون الفاء من صفق يصفق صفقا.

و معناه ضرب احدى اليدين على الأخرى.

ص: 155

و لو كان (1) شيئا متمولا بطل البيع في مقابله.

++++++++++

- قال في (مجمع البحرين) في مادة صفق: يقال: صفقت له بالبيعة صفقا أي ضربت بيدي على يده، و كانت العرب اذا أوجب البيع ضرب أحدهما يده على يد صاحبه.

ثم استعملت الصفقة في العقد فقيل: بارك اللّه لك في صفقة يدك.

و قال (الأزهري): تكون الصفقة للبائع و المشتري. انتهى.

و أما وجه تسمية المعاوضة بتبعض الصفقة، فلاجل أن الغاية من المعاوضة انتقال المثمن كله الى المشتري مقابل الثمن كله، و انتقال الثمن كله الى البائع مقابل المثمن كله.

و لما لم يتحقق هذا في المعاوضة المغشوشة، بل تحقق انتقال بعض المثمن إلى المشتري، و بعض الثمن إلى البائع: سميت المعاوضة بتبعض الصفقة.

(1) أي و لو كان المغشوش.

ص: 156

الغناء

ص: 157

ص: 158

المسألة الثالثة عشرة الغناء

اشارة

(الثالثة عشرة) (1) (الغناء) لا خلاف في حرمته،

++++++++++

(1) أي المسألة الثالثة عشر من النوع الرابع من المكاسب المحرمة:

الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: الغناء.

و هو بالمد و الكسر وزان (كساء):

و لما كانت مسألة الغناء من المسائل الفقهية العويصة التي لم تنقح لحد الآن حتى تميز صغرياتها، و من الفروع التي وقعت معركة الآراء بين الفقهاء الأعاظم، و العلماء الأكابر قديما و حديثا: فذهب كل منهم إلى مذهب مخالف للآخر حتى صار هذا الاختلاف موجبا للتشكيك في صغريات هذه المسألة و مصاديقها فقال بعض: هذا الغناء مشيرا إلى فرد خاص ليس حراما، و مقصوده أن هذا الفرد ليس من أفراد الغناء أصلا حتى تشمله أدلة الحرمة، لأنه ليس من صغريات تلك الكبرى الكلية التي حرمتها ثابتة و مسلمة.

و ليس مقصوده من نفي الحرمة عدم حرمة الغناء في حد نفسه، إذ كيف يمكن ذلك و قد أصبحت حرمته من المسلمات الأولية البديهية عند المسلمين، لكن بعد تشخيص موضوعه و مفهومه: رأينا من الواجب بسط الكلام فيه أكثر و أكثر.

فنقول و باللّه التوفيق: و قد كثرت الأقوال و الفتاوى في المسألة.

إليك خلاصة تلك الأقوال و الفتاوى.

ص: 159

..........

++++++++++

- قال بعض الفقهاء: الغناء المحرم: ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي.

و قال ثان: الغناء مد الصوت المشتمل على ترجيع مطرب.

و قال ثالث: الغناء ترجيع الصوت و ترديده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان، لا مجرد تحسين الصوت خاليا عن ترديده في الحلق، فان هذا النوع من الصوت يعد حسنا و قد حث عليه الشرع في قراءة القرآن الكريم و الأدعية المأثورة به.

و قال رابع: الغناء ترجيع الصوت المذكور مع الإطراب الموجب لخروج الانسان عن حالته الطبيعية التي كان عليها قبل هذا الطرب و الغناء

و قال خامس: الغناء هو الإطراب الموجب لخروج الانسان عن حالته الطبيعية، سواء أ كان مع هذا الإطراب ترجيع أم لا.

ثم هؤلاء القائلون بالإطراب اختلفوا في معنى الإطراب.

قال بعض: هو مجرد ايجاد الفرح و السرور في النفس بحيث يستلذ الانسان من سماع تلك الأصوات و الأغاني و الأناشيد.

و قال ثان: الإطراب خفة تعتري الانسان لشدة حزن، أو سرور.

و قال ثالث: الاطراب ايجاد صفة في النفس توجب إثارة الشهوة فيها، و تهييجها، و تحريك عضلات الانسان نحو ميول النفس كأغاني الاذاعات و أنا شيدها التي أفسدت أخلاق مجتمعنا في بلادنا حتى أصبح المذياع يعد من الحاجيات الضرورية البيتية للانسان، و ما ذاك إلا لأجل تلك الأغاني و الأناشيد المهيجة، و لا تشترى إلا لهذه الغاية الفاسدة فقد ترى كثيرا من الناس و هم فقراء لا يملكون بساطا خلقا ينامون عليه و يحفظون به أنفسهم من الحر و البرد و الهوام، و قذارة الأرض.

ص: 160

..........

++++++++++

- لكنهم يملكون المذياع مهما بلغ الأمر.

و مما يجب على الحكومات الاسلامية: أن تمنع اذاعاتها و برامجها عن هذه الأغاني الخلاعية، الشهوية التي أفسدت أخلاق شبابنا و شاباتنا و قضت عليهم و على مستقبلهم، و مستقبل الأجيال منهم.

و لا سيما و أنه تقرن الأغاني بالقرآن الكريم و هو هتك للقرآن، و لمن أنزل عليه، و هتك القرآن كفر عظيم، فالواجب على البلاد الاسلامية تجنبها عن مثل هذه الأغاني و محافظتها على طابعها الاسلامي في الاذاعات، و وسائل الاعلام فقراءة القرآن من جهة، و إذاعة الأغاني من ناحية أخرى لا توسم الاذاعات بالطابع الاسلامي، فإن البلاد غير الاسلامية التي تذيع بالعربية أيضا تفعل ذلك.

إذا فما الفارق بين هذه البلاد و تلك فقد هتك القرآن فيها كما هتك هنا، و انتشرت الموبقات فيها كما انتشرت في غيرها.

ثم الظاهر: أن اختلاف الفقهاء في مصاديق الغناء و صغرياتها ناشئ عن اختلافهم في مفهومه، حيث لم يشخص لحد الآن موضوعه و مفهومه عندهم كما رأيت في الأقوال التي ذكرناها لك.

و الاختلاف هذا جاء من ناحية اختلاف اللغويين في تعريف الغناء حيث إنهم عرفوه بتعاريف مختلفة، و تعابير متعددة.

راجع كتب اللغة في هذه المادة: تجد الاختلاف الشاسع هناك.

و أما التحقيق في المقام فنقول: إن حقيقة الغناء و ماهيته: هو الصوت المطرب و هي كيفية نفسانية تحصل في الانسان و قد تهيج شهوته، و تثير رغباته و تخرجه عن حالته الطبيعية المتوازنة الأولية التي كان عليها قبل استماع هذه الأغاني، و تستلذ النفس من سماعها، و ليس الغناء هو مجرد مد -

ص: 161

..........

++++++++++

- الصوت و ترجيعه خاليا عن الاطراب المذكور، بل لا بدّ من كونه مطربا بتلك الصفة التي وصفناها لك، فاذا كان بتلك الحالة المعبر عنها بالخفة في تعريف اللغويين الغناء فتشمله الحرمة.

و عسيت أن تسأل عن رأي الشيخ حول التحقيق المذكور.

أليك نص عبارته

قال: و الطرب على ما في الصحاح خفة تعتري الانسان لشدة حزن أو سرور.

و قال: و عن الأساس للزمخشري: خفة لسرور، أوهم.

ثم قال: و هذا القيد هو المدخل للصوت في أفراد اللهو، و هو الذي أراده الشاعر بقوله: (أطربا و أنت قنسري). أي شيخ كبير.

و قال نقلا عن صاحب (جامع المقاصد) ليس مجرد مد الصوت محرما و ان مالت إليه النفوس ما لم ينته الى حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للاطراب.

و قال: و من اكتفى بذكر الترجيع كما في القواعد أراد به المقتضي للاطراب.

الى أن يقول: فبالجملة فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب و لو كان مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا.

هذه هي الأقوال التي ذكرها الشيخ حول الغناء مع رأيه الخاص بقوله: و بالجملة فمجرد الى آخره و هي صريحة في التحقيق الذي ذكرناه لك.

و تأتي الاشارة الى شرح هذه الأقوال قريبا عند تعاليقنا عليها ان شاء اللّه.

ثم إن للشيخ رأيا خاصا حول الغناء: و هو الشأني الاقتضائي أي من شأنه أن يكون مطربا و مقتضيا للاطراب لو لم يمنعه مانع.

ص: 162

..........

++++++++++

- و انما أفاد هذا دون الغناء الفعلي، لأنه رأى عدم حصول تلك الحالة المعبر عنها بالخفة المخرجة للانسان عن حالته الطبيعية لكثير من الناس لأسباب نذكرها عند ما يذكر الشيخ الأقوال، فيلزم تخصيص الأكثر و خروجه عن تحت العام، و هو مستهجن و قبيح، فعليه اضطر الى القول بالشأني الاقتضائي، لا الفعلي فتصرف في معنى الطرب فقسمه إلى قسمين:

فعلي. و شأني.

ثم أيد كلامه بما أفاده (الشهيد الثاني) في تعريف الغناء زيادة على التعريف المشهور بقوله: أو ما يسمى في العرف غناء كما يأتي التصريح بذلك قريبا.

و أيد كلامه أيضا بقول صاحب (مفتاح الكرامة) حيث قال:

إن الاطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسر عند اللغويين: بخفة تعتري الانسان لشدة سرور.

و انما أفاد هذا صاحب مفتاح الكرامة فرارا من المحذور المذكور الذي أشرنا إليه آنفا، فلو لم يكن الغناء هي الخفة التي تعتري الانسان لشدة سرور، أو حزن بحيث تخرج الانسان عن حالته الطبيعية المتوازنة: لما كان (الشيخ، و صاحب مفتاح الكرامة، و الشهيد الثاني)، و غيرهم من الأعلام و الفطاحل يتصرفون في معنى الطرب.

و الحاصل: أن الغناء هي الخفة الحاصلة للانسان بسبب سرور أو حزن، و لا يختص حصوله من السرور.

قال (ابن قتيبة) يقول الناس: الطرب هو السرور، و هو غير صحيح.

و إنما الطرب خفة تصيب الانسان تبعث على الحزن، أو السرور.

قال النابغة الجعدي: -

ص: 163

في الجملة (1)،

و الأخبار بها مستفيضة
اشارة

و الأخبار بها مستفيضة (2)، و ادعى في الايضاح تواترها (3).

منها: ما ورد مستفيضا في تفسير قول الزور

(منها) (4): ما ورد مستفيضا في تفسير قول الزور في قوله تعالى:

++++++++++

- و أراني طربا في إثرهم طرب الواله(1) أو كالمختبل(2)هذا من ناحية اللغة.

و أما من ناحية العرف، فإن الغناء الباعث على الحزن، أو البكاء أو إثارة الأشجان اذا اقترن بالصوت اللهوي، أو بالكلام الباطل فلا شك أنه من أجلى مصاديق الغناء المحرم، و لذا ترى (شيخنا الأعظم) يتوقف و يتورع عن التمادي في ترديد الصوت، و ترجيعه في مراثي (سيد الشهداء) عليه الصلاة و السلام التي استثنيت من حكم الغناء.

(1) القيد لاخراج بعض أفراد الغناء كما اذا وقع في الأعراس أو المراثي الحسينية، و ستأتي الاشارة الى استثنائهما قريبا.

(2) أي الأخبار في حرمة الغناء كثيرة شائعة بلغت حد الشياع.

و كلمة (مستفيضة) اسم مفعول من استفاض يستفيض استفاضة من باب الاستفعال. معناه: الشياع يقال للأحاديث الكثيرة الواردة في موضوع واحد نافية كانت، أو مثبتة: أخبار مستفيضة، أحاديث مستفيضة ما لم يصل الى حد التواتر.

(3) مصدر باب التفاعل، وزان تضارب من تواتر يتواتر تواترا.

معناه: كثرة الأخبار الواردة في موضوع واحد نفيا أو اثباتا حتى يحصل من كثرتها القطع بصدور بعضها.

(4) أي من تلك الأخبار المستفيضة التي ادعى في الايضاح تواترها الدالة على حرمة الغناء.

ص: 164


1- بصيغة الفاعل مشتق من و له يله. معناه: الحزن الشديد، يقال: و له فلان أي حزن حزنا شديدا.
2- بصيغة الفاعل من اختبل يختبل من باب الافتعال. و معناه: إفساد العقل، يقال: اختبل أي أفسد عقله.

وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ (1)، ففي صحيحة زيد الشحام (2)، و مرسلة ابن أبي عمير (3)، و موثقة أبي بصير المرويات عن الكافي (4).

و رواية عبد الأعلى المحكية عن معاني الأخبار (5).

و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمي رحمه اللّه: تفسير قول الزور بالغناء (6).

منها: ما ورد مستفيضا في تفسير لهو الحديث

(و منها) (7): ما ورد مستفيضا في تفسير لهو الحديث كما في صحيحة ابن مسلم (8).

++++++++++

(1) الحج: الآية 30.

(2) أي صحيحة زيد الشحام.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 225. باب 99 من أبواب ما يكتسب به. كتاب التجارة. الحديث 2.

(3) نفس المصدر ص 227. الحديث 8.

(4) (فروع الكافي) الجزء 6. ص 431 طباعة مؤسسة دار الكتب الاسلامية عام 1379.

(5) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 229. الحديث 20 من باب 99.

(6) نفس المصدر. ص 230. الحديث 26.

(7) أي من تلك الأخبار المستفيضة في حرمة الغناء التي بلغت حد التواتر.

(8) نفس المصدر ص 226. الحديث 6.

أليك نص الحديث عن محمد بن مسلم عن (أبي جعفر) عليه السلام قال: سمعته يقول:

الغناء مما وعد اللّه عليه النار.

ص: 165

و رواية مهران بن محمد (1).

و رواية الوشاء (2).

و رواية حسن بن هارون (3)، و رواية عبد الأعلى السابقة (4).

منها: ما ورد في تفسير الزور

(و منها) (5): ما ورد في تفسير الزور في قوله تعالى: وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ (6) كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام تارة بلا واسطة (7) و اخرى بواسطة أبي الصباح الكناني (8).

++++++++++

- و تلا هذه الآية: (وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً) (1).

(1) نفس المصدر. الحديث 7

(2) نفس المصدر. ص 227. الحديث 11.

(3) نفس المصدر. ص 228. الحديث 16.

(4) المشار إليها في ص 165.

(5) أي و من تلك الأخبار المستفيضة التي ادعى في الايضاح تواترها.

(6) فرقان: الآية 72.

(7) نفس المصدر. ص 226. الحديث 5.

أليك نص الحديث المروي عن الامام (أبي عبد اللّه) عليه السلام بلا واسطة في قول اللّه عز و جل: وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ .

قال: هو الغناء، أي قال الامام عليه السلام: الزور هو الغناء.

(8) نفس المصدر. ص 226. الحديث 3.

هذه هي الأخبار المستفيضة الدالة على حرمة الغناء في الجملة، و التي ادعى في الإيضاح تواترها.

ص: 166


1- لقمان: الآية 6.

و قد يخدش (1) في الاستدلال بهذه الروايات: بظهور الطائفة الاولى (2) بل الثانية (3) في أن الغناء من مقولة الكلام (4)، لتفسير

++++++++++

(1) فعل مضارع مجهول من خدش يخدش خدشا وزان ضرب يضرب ضربا معناه لغة: حدوث الجرح في الجسم يقال: خدش زيد عمرا أي أحدث في بدنه الجرح أوجب الدية.

و أما معناه في الحديث: فهو جرح الدليل، أو عيبه بحيث لا ينهض على تمام المطلوب كما في هذه الروايات المستدل بها على حرمة الغناء بنحو مطلق، فالمقصود من هذه الخدشة: الاشكال في دلالة الأحاديث المذكورة على حرمة مطلق الغناء، بل هي تدل على حرمة الغناء المشتمل على الكلام اللهوي الباطل، أو لا ينهض مطلقا كما في موارد اخرى.

(2) و هي المستفيضة الواردة في تفسير قول الزور في قوله تعالى:

و اجتنبوا قول الزور في صحيحة زيد الشحام المشار إليها في ص 165.

و مرسلة ابن أبي عمير المشار إليها في ص 165، و موثقة أبي بصير المشار إليها في ص 165، و رواية عبد الأعلى المحكية عن معاني الأخبار المشار إليها في ص 165، و حسنة هشام المشار إليها في ص 165.

(3) أي الطائفة الثانية و هي المستفيضة الواردة في تفسير لهو الحديث و هي صحيحة ابن مسلم المشار إليها في ص 165.

و رواية مهران بن محمد المشار إليها في ص 166.

و رواية الوشاء المشار إليها في ص 166.

و رواية الحسن بن هارون المشار إليها في ص 166.

و رواية عبد الاعلى السابقة المشار إليها في ص 165.

(4) معنى كون الغناء من مقولة الكلام: أن الغناء هو المركب من الألفاظ و الحروف و ما ينطق به بالفم، و اللسان، و الشفة، و الحلق -

ص: 167

قول الزور به (1).

و يؤيده (2) ما في بعض الأخبار: من أن قول الزور أن تقول للذي يغني: أحسنت.

++++++++++

- و ليس الغناء هو الصوت المجرد الخالي عن الألفاظ و الحروف، فلا يقال للحن الأوتار مجردا عن الكلام: إنه غناء محرم، لأن لحن الأوتار بما هو لحن من دون كونه مشتملا على كلام لا يكون حراما من حيث الغناء.

نعم حرام من حيث كونه آلة لهو.

و الدليل على كون الغناء من مقولة الكلام تفسير قول الزور بالغناء في الأحاديث المشار إليها في ص 165.

ثم إن الظاهر من الآية الكريمة: اجتناب المرء عن قول الزور و التكلم به فقط.

لكن يمكن دلالة الآية على حرمة استماعه أيضا، و العمل به:

بأن يقال: يجب الاجتناب عن قول الزور بجميع أنحائه: تكلما باللسان عملا بالجوارح. و استماعا بالاذن، فيكون مفاد الآية الكريمة هكذا:

و اجتنبوا قول الزور بعدم صدوره منكم، و اجتنبوه من غيركم بعدم استماعه منه، و اجتنبوا العمل به.

(1) أي لتفسير قول الزور في الأحاديث الشريفة بالغناء كما عرفت.

(2) أي و يؤيد أن الغناء من مقولة الكلام: ما ورد في بعض الأخبار:

من أن من قول الزور: أن يقال للمغني: احسنت. أليك نص الحديث.

عن حماد بن عيسى عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام.

قال: سألته عن قول الزور.

قال: منه قول الرجل للذي يغني: احسنت.

ص: 168

و يشهد له (1) قول علي بن الحسين عليهما السلام في مرسلة الفقيه الآتية في الجارية التي لها صوت: لا بأس لو اشتريتها فذكّرتك الجنة:

يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء.

++++++++++

- راجع (وسائل الشيعة)، الجزء 12. ص 229. الباب 99 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 21.

وجه التأييد أن الامام عليه السلام عد من جملة قول الزور قول الرجل للمغني: احسنت، و مما لا شك فيه أن كلمة أحسنت تصدر باللسان فصدورها من اللسان دليل على أنها من مقولة الكلام، و قد عرفت آنفا أن قول الزور فسر بالغناء، و قول الزور من مقولة الكلام فيثبت المطلوب: و هو كون الغناء من مقولة الكلام المحرم فالغناء المحرم هو الغناء الصادر باللسان، لا مطلق الغناء و ان لم يكن صادرا باللسان كما يأتي التصريح من الشيخ في قوله:

في ص 170 فيختص الغناء المحرم.

(1) أي الشاهد على أن الغناء من مقولة الكلام قول (الامام زين العابدين) عليه السلام في جواب السائل عن شراء جارية لها صوت: لا بأس عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء.

راجع (وسائل الشيعة)، الجزء 12. ص 86. الباب 16 من أبواب تحريم بيع المغنية و شرائها. الحديث 2.

وجه الشهادة: أن تذكير الجارية التي لها صوت مخصوص بألحانها و نغماتها: الجنة بقراءة ما ذكر: لا يمكن تصويره إلا باداء الألفاظ و الكلمات الصادرة باللسان.

و من المعلوم أن صدورها باللسان يجعله من مقولة الكلام.

ص: 169

و لو جعل التفسير (1) من الصدوق: دل على الاستعمال أيضا.

و كذا (2) لهو الحديث، بناء على انه من اضافة الصفة الى الموصوف فيختص (3) الغناء المحرم: بما كان مشتملا على الكلام الباطل فلا تدل على حرمة نفس الكيفية و هو لم يكن في كلام باطل.

++++++++++

(1) المراد من التفسير جملة: (يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء) الواردة في الحديث المذكور أي ان جعلنا هذه الجملة بتمامها من قول (شيخنا الصدوق) أعلى اللّه مقامه، لا من قول (الامام) عليه السلام فتدل أيضا على أن الغناء من مقولة الكلام.

(2) أي و يشهد أيضا على ان الغناء من مقوله الكلام جملة: (لهو الحديث) في الخبر الوارد عن محمد بن مسلم عن (أبي جعفر) عليه السلام.

أليك نص الحديث.

قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد اللّه عليه النار، و تلا هذه الآية:

وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ .

نفس المصدر ص 226. الباب 99 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 6.

ثم إن دلالة لهو الحديث على أن الغناء من مقولة الكلام بناء على كونها من قبيل إضافة الصفة الى الموصوف، أي الحديث اللهوي كما تقول جرد قطيفة حامض الخل. يابس الخبز. بارد الماء أي قطيفة جرد الخل الحامض، الخبز اليابس، الماء البارد.

و الظاهر ان المراد من لهو الحديث ما يوجب اللهو، لا الحديث عن اللهو مجردا عن إحداث اللهو في الإنسان.

(3) الفاء تفريع و نتيجة على ما تقدم في الأخبار المذكورة في ص 165:

من أن الغناء من مقولة الكلام، أي بناء على ما ذكرنا من الأخبار فيختص -

ص: 170

..........

++++++++++

- الغناء المحرم بالغناء الذي يكون مشتملا على الكلام الباطل.

و حاصل الاستنتاج: أن تلك الأخبار الدالة على أن الغناء من مقولة الكلام: دلت على أن الغناء المحرم الذي ثبتت حرمته من تلك الأحاديث: هو الغناء الحاصل في ضمن شيئين:

و هما: كونه في ضمن الكلام.

و كون الكلام كلاما باطلا لهويا فاذا انتفى أحد الجزءين: بأن انتفى الكلام الباطل اللهوي: بأن كان في ضمن كلام صحيح عقلائي كقراءة القرآن به، أو الأدعية، أو المناجاة الواردة، أو الخطب و المواعظ الحسنة:

لا يكون التغني بهذه حراما.

أو انتفى الكلام بأن كان في ضمن ترديد الصوت كالألحان المألوفة و المتعارفة عند أهل الفن: لا يكون الغناء أيضا حراما، فالغناء المحرم ما كان حاصلا في ضمن الشيئين.

ثم لا يخفى عليك أن الطرق الغنائية و كيفياتها تختلف عند أهل الفن و الألحان.

فمنها: ما يوجب الضحك.

و منها: ما يوجب البكاء.

و منها: ما يوجب النوم كما فعل هذه الأقسام الثلاثة (المعلم الثاني الفارابي) في مجلس أحد الأمراء.

و منها: ما يوجب الحماس.

و منها: ما يوجب الطرب.

و منها: ما يوجب الحزن.

و منها: ما يوجب الفرح.

ص: 171

و منه (1) تظهر الخدشة في الطائفة الثالثة،

++++++++++

- فهل يا ترى أن ما يوجب الحزن، سواء أ كان على صدور الذنب منه أم على الأمور الأخروية، أم على قتل (الأئمة الهداة المعصومين): حرام ؟

و هل يا ترى أن الغناء الموجب للحماس في سبيل الجهاد، أو الخدمات الدينية، أو على انقاذ مؤمن حرام ؟.

و هل يا ترى أن الغناء الموجب للبكاء خوفا من اللّه تعالى.

أو على ما أسرف على نفسه من الذنوب حرام ؟

و هل يا ترى أن الغناء الموجب للفرح حرام ؟

فبناء على ما استنتجه الشيخ من تلك الأخبار المتقدمة ليست الأقسام و الأنواع المذكورة الموجبة للحماسة، و البكاء خوفا من اللّه، و انقاذ المؤمن حراما.

و الدليل على ذلك قول (شيخنا الأنصاري): (فلا تدل على حرمة نفس الكيفية و لو لم تكن في كلام باطل).

هذا ما استفدناه من استنتاج (شيخنا الأنصاري) الذي هو صريح كلامه في الغناء المحرم.

و لكن لا يخفى: أنه إذا قلنا: ان الغناء في متفاهم العرف: ما ناسب الآلات اللهوية التي يستعملها أهل الفسوق، و الألحان الخاصة: من دخول النساء على الرجال، و شرب الخمور، و غيرها مما ينسجم معه التغني كما يصرح الشيخ بذلك في قوله: و بالجملة فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق إلى آخر كلامه: فلا اشكال في حرمة هذا الغناء أيضا و ان لم يكن مشتملا على كلام باطل في المقام.

إلا ان يقال بمنع صدق اللحن الفسوقي على هذا النوع من الغناء.

(1) أي و مما ذكرناه من الخدشة في الطائفة الأولى. -

ص: 172

حيث (1) إن مشاهد الزور التي مدح اللّه تعالى من لا يشهدها: هي مجالس التغني بالأباطيل من الكلام.

فالانصاف (2) أنها لا تدل على حرمة

++++++++++

و الثانية. من الأخبار: يظهر الخدشة في الطائفة الثالثة من الأخبار المشار إليها في ص 166 التي فسر فيها الزور في قوله تعالى: (وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ) : بالغناء أيضا.

(1) هذا وجه الخدشة في الطائفة الثالثة من الأخبار.

خلاصة الخدشة: أن اللّه تبارك و تعالى اثنى على الذين لا يحضرون مجالس الزور التي يغنى فيها بالكلام الباطل، فاذا لم يكن الغناء الذي فسر الزور به مشتملا على الكلام الباطل لم يكن حراما، و لم يكن الحضور في تلك المجالس مبغوضا للّه تبارك و تعالى، فالزور إنما فسر بالغناء لاشتماله على الكلام الباطل اللهوي، لا لأجل اشتماله على الصوت المجرد عن الكلام

أو المشتمل على الكلام غير اللهوي: فهذه الطائفة من الأخبار لا تدل أيضا على حرمة مطلق الغناء.

ثم إن الشهود هنا بمعنى الحضور كما في قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (1) أي و من حضر منكم شهر رمضان المبارك، و لم يكن مسافرا فليصمه.

(2) الفاء نتيجة الخدشة في الطائفة الثالثة من الأخبار. أي الانصاف أن هذه الطوائف الثلاث من الأخبار المذكورة لا تدل على حرمة نفس الكيفية: و هو الصوت المجرد عن الكلام أو الصوت المشتمل على الكلام غير الباطل.

فهذه صراحة ثانية من الشيخ في كون الغناء المحرم و الذي ثبتت حرمته مركبا من الشيئين المذكورين في ص 171.5.

ص: 173


1- البقرة: الآية 185.

نفس الكيفية إلا (1) من حيث اشعار لهو الحديث بكون لهو الحديث على اطلاقه مبغوضا للّه تعالى.

++++++++++

- فالاشكال و الخدشة على الطوائف الثلاث من الأخبار على نسق واحد من غير فرق بين أية طائفة منها، سواء أ كانت في المناجاة أم في الأدعية فكل ذلك لا علاقة له بتحريم الغناء و تحليله طالما كانت كيفية الألحان باطلة و كانت من الملاهي التي تلهي عن ذكر اللّه عز و جل، و عن العبادة.

و هكذا اللهو اذا كان حراما ففي أي صورة برز فهو حرام.

هذا ما أفاده الشيخ في هذا المقام من حرمة مطلق الزور، و مطلق اللهو.

لكن الإنصاف: أن الغناء المشتمل على القرآن الكريم، أو الأدعية المأثورة، أو مصائب (الحسين) و مدائح (الرسول و أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام: لا يقال له: لهو و زور.

اللهم إلا أن تثبت حرمة هذه المذكورات بالنص، أو الاجماع القطعي فيصير الغناء حينئذ حراما مطلقا.

أو إذا صدق على المذكورات اللحن الفسوقي الذي هو موضوع للغناء.

أما الاستشعار من الأخبار المذكورة في حرمة الغناء بنحو مطلق حتى في المذكورات فمحل كلام.

(1) الغرض من هذا الاستثناء هو الفرق في الخدشة في الطوائف الثلاث من الأخبار المذكورة الدالة على كون الغناء حراما

بيان ذلك: أن الطائفة الثانية من الأحاديث المشار إليها في ص 167 التي فسرت الغناء بلهو الحديث جعلت الغناء من مصاديق لهو الحديث و لا اشكال في أن لهو الحديث من مصاديق اللهو المطلق فيكون الغناء من مصاديق اللهو المطلق أيضا فتشمله الآية الكريمة: (وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ ) ، حيث انها تشعر -

ص: 174

و كذا (1) الزور بمعنى الباطل،

++++++++++

- بأن مطلق اللهو مبغوض عند اللّه عز و جل، فنستنتج من هذه الآية الكريمة مبغوضية مطلق الغناء، سواء أ كان في الكلام أم في الصوت الذي فيه ترديد الألحان.

بخلاف الطائفة الاولى و الثالثة، فإنهما لا تدلان على مبغوضية مطلق الغناء.

هذا ما افاده الشيخ في الفرق في الخدشة بين هذه الطوائف الثلاث من الأخبار.

و فيما استشعره نظر، حيث إن الذم المتوجه في الآية الكريمة جاء بسبب الإضلال المترتب على الشراء، لا على الشراء وحده مجردا عن الإضلال فمن اشترى لهو الحديث لا لذلك لا تشمله الآية الشريفة فلا تدل على مبغوضية مطلق الغناء، فالخدشة في الطائفة الثانية من الأخبار بنحو الخدشة في الطائفة الاولى و الثالثة.

و تفسير الامام عليه السلام لهو الحديث بالغناء ليس معناه الحرمة المطلقة و لو لم يترتب عليه اضلال، بل على تقدير الاضلال به، و لا شك أن هذا القسم من الاضلال مبغوض للّه تعالى، لأن الامام عليه السلام يشير في تفسيره الغناء بلهو الحديث الى الآية الشريفة، و قد عرفت أنها توجه الذم إلى من يشتري لهو الحديث للإضلال، لا مطلقا.

إذا فالطائفة الثانية من الأخبار تدل على أن الغناء المحرم: ما كان في الكلام اللهوي الباطل.

(1) أي و كذا يمكن الخدشة في الطائفة الأولى من الأخبار المشار إليها في ص 165 التي فسرت قول الزور بالغناء، حيث إن الآية الشريفة تشعر بكون مطلق قول الزور مبغوضا للّه تعالى، بناء على أن المراد من قول الزور مطلق الباطل، سواء أ كان في الكلام المشتمل على الغناء أم في الكيفية -

ص: 175

و ان (1) تحققا في كيفية الكلام، لا في نفسه (2) كما اذا تغنى في كلام حق من قرآن، أو دعاء، أو مرثية (3).

و بالجملة (4) فكل صوت يعد في نفسه مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به لهوا و باطلا فهو حرام.

++++++++++

- و طريقة الأداء من الألحان.

لكن لا يخفى ما في هذا الاستشعار أيضا، حيث إن ما جاء في تفسير الزور في قوله تعالى: وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ ، و قوله تعالى:

وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ بالغناء ليس المقصود منه مبغوضية مطلق الزور و لو كان في غير الكلام.

نعم يمكن أن يقال بمبغوضية مطلق الزور الذي فسر بالغناء في الآية الأولى، حيث فيها كلمة الزور فقط، لا القول الزور فيدل على أن الغناء في الكيفية زور أيضا فيحرم فيكون الغناء من مقولة الكيف حينئذ فيخرج عن كونه من مقولة الكلام.

(1) ان هنا وصلية، أي و ان تحقق الزور و الباطل في الألحان المخصوصة في كيفية الكلام، لكن مع ذلك أن الأخبار المذكورة لا تدل على حرمة نفس الكيفية.

(2) أي و ليست الأخبار الواردة في حرمة الغناء ناظرة إلى الكلام نفسه كما عرفت في ص 171.

(3) هذه الأمثلة الثلاثة لحصول الغناء في كيفية الكلام، لا في نفس الكلام، اللهم إلا أن يقال: ان شرط حصول الغناء و صدقه مفقود: و هو كونه كلاما باطلا و لهوا.

(4) هذه نتيجة ما استشعره الشيخ من الروايات المذكورة في تفسير الآيات المتقدمة: من أن مطلق اللهو، و مطلق الزور مبغوضان عند الشارع -

ص: 176

و مما يدل على حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا: رواية عبد الأعلى و فيها ابن فضال قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغناء و قلت: إنهم يزعمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخص في أن يقال:

جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم.

فقال (1): كذبوا إن اللّه تعالى يقول: مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاءَ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى اَلْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ اَلْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ (2).

++++++++++

- فالكيفية اذا كانت لهوا و باطلا فباي مضمون حدثت تكون محرمة، سواء أ كانت في العزاء أم في الرثاء أم في الدعاء أم في القرآن أم في التوبة

و الظاهر أن هذا عدول من الشيخ عما أفاده آنفا: من أن الأخبار المذكورة تدل على أن الغناء من مقولة الكلام، و أن الحرمة لا تحصل فيه إلا اذا حصل الغناء في الكلام اللهوي الباطل.

و كلمة لهوا و باطلا منصوبة على المفعولية لقوله: يعد.

و جملة (فهو حرام) مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم و هو فكل صوت أي فكل صوت يعد لهوا و باطلا فهو حرام مع قطع النظر عن الكلام الذي يتصوت و يتغنى به، سواء أ كان ما يتغنى به قرآنا أم دعاء أم رثاء أم مناجاة أم غير ذلك.

(1) أي الامام عليه السلام قال في جواب السائل عن ترخيص (الرسول الأعظم) صلّى اللّه عليه و آله التغني بالجملات المذكورة.

(2) الأنبياء: الآية 18.

و جملة: وَ لَكُمُ اَلْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ محل استشهاد الامام عليه السلام في استنكاره على من افترى على (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله في نسبته جواز التغني إليه.

ص: 177

ثم قال: (1) قال: ويل لفلان مما يصف، رجل لم يحضر المجلس (2) الى آخر الخبر (3)، فإن الكلام المذكور

++++++++++

(1) فاعل قال الراوي أي قال الراوي: قال الامام عليه السلام:

ويل لفلان مما يصف (الرسول صلّى اللّه عليه و آله) في ترخيصه الغناء

(2) هذه الجملة: (رجل لم يحضر المجلس) ليست من قول الراوي بل من قول الامام عليه السلام.

و يقصد عليه السلام بكلمة ويل توبيخ من زعم أن (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله رخص الغناء بتلك الكلمات، لأن كلمة ويل دعاء على الرجل الزاعم مما يصف، و يسنده إليه صلّى اللّه عليه و آله.

و كلمة رجل مرفوعة لمبتدإ محذوف: و هي كلمة هو، أي هو رجل لم يحضر المجلس.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 228. الباب 99 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 15.

الغرض من ذكر هذا الحديث ان الشيخ بعد أن عدل عن كون الغناء من مقولة الكلام اللهوي الباطل، و قال: إنه من مقولة الكيفية فهو يحصل في ضمن كل شيء كلاما كان، أو كيفية: أراد أن يؤيد ما أفاده فاستدل بهذا الحديث.

و خلاصة الاستدلال أن الإنكار الشديد من الامام عليه السلام حول الترخيص الصادر عن (الرسول الأعظم) صلّى اللّه عليه و آله في اللحن المخصوص بالجملات المذكورة حسب زعمهم: يدل على كونه لأجل التغني و لو لا ذلك لما كان الامام عليه السلام ينكر ذلك أشد الإنكار.

و لا يخفى أنه ليس في الرواية ما يشعر بلحن خاص رخص فيه (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله.

ص: 178

..........

++++++++++

- و الظاهر من السؤال: أن الترخيص كان في نفس الكلمات و الجمل مع قطع النظر عن أدائها بكيفية خاصة، و لحن مخصوص في القراءة في الأعراس.

و هذا مما يوهن دلالة الرواية على الاستدلال المذكور: من أن الانكار الشديد من الامام عليه السلام إنما كان لأجل أن الناس كانوا يزعمون جواز التغني به.

ثم إن الرواية المذكورة مشتملة على ابن فضال و هو: (علي بن الحسن بن فضال) و هو فطحي المذهب. أي يقول بامامة عبد اللّه بن (الامام الصادق) عليه السلام و بعده و لا يقول بامامة (الامام موسى بن جعفر) عليهما السلام فلم يكن إماميا اثنى عشريا، و هذا مما يوجب الطعن فيه، و الطعن فيه موجب للوهن في روايته.

و لذا التفت الشيخ إلى هذه الناحية فقال: و فيها أي في سلسلة رواة الرواية (ابن فضال).

لكن لا يخفى أن اشتمال الحديث على (ابن فضال) لا يوجب الطعن فيه، حيث إنه كان عالما فقيها ممدوحا موثقا، و قد التزم أصحابنا الامامية بالعمل بالرواية التي في سلسلة رواتها من كان موثقا و ان لم يكن اماميا كما هو الملاك في الموثقة، و لا سيما أن (شيخ الطائفة) قد صرح في العدة على ما حكي عنه: ان الطائفة عملت بروايات (ابن فضال).

و لما انجر بنا الكلام الى هنا لا بأس باشارة اجمالية إلى أقسام الحديث كي يكون القارئ الكريم بصيرا بالأخبار.

إليك الاشارة:

(الأول الصحيح): و هو ما كان جميع رواة سنده اماميين ممدوحين -

ص: 179

المرخص فيه (1) بزعمهم ليس بالباطل و اللهو اللذين يكذب الامام عليه السلام

++++++++++

- بالتوثيق الى أن يصل سند الحديث الى الامام عليه السلام:

(الثاني الحسن): و هو ما كان جميع رواته اماميين ممدوحين بغير التوثيق كلا، أو بعضا مع توثيق الباقي.

(الثالث الموثق): و هو ما كان كلهم، أو بعضهم غير اماميين مع توثيق الكل، و قد يسمى بالقوي أيضا.

و قد يطلق على ما كان رجاله اماميين مسكوتا عن مدحهم و ذمهم.

(الرابع الضعيف): و هو ما كان راوي الحديث غير موثوق به من جهة كذبه، أو جهالته، أو رميه، أو إرساله، أو غير ذلك.

(الخامس الموقوف): و هو الخبر المجهول الراوي، أو مقطوع السند.

(السادس المرسل): و هو خبر محذوف السند.

(السابع المتواتر): و هو خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه من غير احتمال تواطئهم على الكذب.

(الثامن الآحاد): و هو خبر نفر لا يحصل منه العلم القطعي.

(التاسع المستفيض): و هو الخبر الذي لا يصل إلى حد التواتر.

و قد أشرنا الى هذه الأقسام كلها في (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 3. ص 64 في الهامش 1-2-4-5-6-7-8.

(1) و هي الجمل المذكورة عن (الرسول الأعظم) صلّى اللّه عليه و آله:

جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم، فإن هذه الجمل ليس فيها ما يوصف بالباطل و الزور حتى يقال: إنه غناء و قد رخصه (الرسول الأعظم) صلّى اللّه عليه و آله فينكره الامام أشد الإنكار.

بل إنكاره الشديد لأجل تغني الناس بهذه الجمل بلحن خاص و نغمات مطربة.

ص: 180

رخصة النبي صلى اللّه عليه و آله فيه، فليس الإنكار الشديد، و جعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو بالباطل إلا من جهة التغني به.

و رواية (1) يونس قال: سألت الخراساني صلوات اللّه عليه عن الغناء و قلت: إن العباسي زعم أنك ترخص في الغناء.

++++++++++

(1) عطف على قوله: و مما يدل على حرمة الغناء، أي و مما يدل على حرمة الغناء أيضا: رواية يونس.

خلاصة الدلالة: أن الرواية تدل على مبغوضية الغناء من ناحيتين:

(الأولى): الانكار الشديد من الامام عليه السلام حين أخبره يونس عن مقالة العباسي بترخيصه عليه السلام الغناء. فقال عليه السلام:

كذب الزنديق، و عبر عن الزاعم بالزنديق و التعبير هذا يدل على غاية مبغوضية الغناء، و أن أقل مراتبها الحرمة فلذا رماه الامام عليه السلام بالزندقة، اذ لو كان ما نسبه إليه شيئا مباحا و إن كان كاذبا لا يصح رميه بالزندقة.

اللهم الا أن يقال: إن العباسي كان زنديقا قبل نسبة الامام له و أنه كان متلبسا بالزندقة فالامام عليه السلام وصفه بما كان فيه، لا أن العباسي صار زنديقا بسبب نسبة الكذب الى الامام عليه السلام.

(الناحية الثانية): أن الغناء عد من الباطل في تقرير الامام عليه السلام لجواب الراوي للامام حينما سأله عليه السلام: فأين يكون الغناء فقال الراوي: مع الباطل.

فقال عليه السلام: حسبك فقد حكمت.

و لا شك أن المكروهات مهما بلغ الأمر فيها، و مهما اشتدت الكراهة لا توصف بالباطل، و لا يصح التعبير عنها به، فالموصوف بالباطل هو الغناء المحرم. فهنا يشكل قياس منطقي هكذا:

ص: 181

فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له سألني عن الغناء فقلت له:

إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء:

فقال له: يا فلان اذا ميز اللّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء؟

قال: مع الباطل.

++++++++++

- الصغرى: الغناء من الباطل.

الكبرى: و كل باطل فهو حرام.

النتيجة: فالغناء حرام.

ثم إن المراد بالخراساني (الامام الرضا) عليه السلام و إنما سماه الراوي بهذا اللقب للتقية، حيث كان الامام عليه السلام في المراقبة الشديدة من السلطات الزمنية يوم ذاك، حتى أن الواردين عليه، و الناقلين عنه الأحكام الشرعية، و الأحاديث الشريفة: كانوا تحت الضغط الشديد الزمني.

و من هنا يعرف مدى موقف (أئمة أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام تجاه شيعتهم، و موقف شيعتهم منهم، و موقف السلطات الحاكمة معهم و مع شيعتهم، و أن الأئمة عليهم السلام و شيعتهم كيف تمكنوا من بث معالم الدين، و أحكام سيد المرسلين صلى اللّه عليه و آله في أرجاء البسيطة و أن شيعتهم كيف تمكنوا من الوصول إليهم، و أخذ معالم دينهم منهم.

و هذا الضغط الشديد هو السر في تشريع التقية عند (الشيعة الامامية) منذ تكونت، حيث كانوا محاربين من الهيئات الحاكمة، فالسبب الوحيد في تشريعها هذا لا غير.

و من المؤسف جدا أن (اخواننا السنة) يهاجمون على الشيعة الامامية:

باخذهم التقية، و يشنعون عليهم، و جعلوها حصنا حصينا لهم في حملاتهم و هجماتهم عليهم غافلين عن سر أخذهم بها.

ص: 182

فقال عليه السلام: حسبك فقد حكمت (1).

و رواية (2) محمد بن أبي عباد و كان مستهترا بالسماع، و بشرب النبيذ.

قال: سألت الرضا عليه السلام عن السماع.

قال: لأهل الحجاز فيه رأي، و هو في حيز الباطل و اللهو أ ما سمعت اللّه عز و جل يقول: و اذا مروا باللغو مروا كراما.

++++++++++

(1) هذه الجملة: (فقد حكمت) من الامام عليه السلام يخاطب بها السائل، أي و قد حكمت أنت بقولك: مع الباطل: بحرمة الغناء طال ما كان في عداد الباطل.

و المراد من حكمت: قضيت، أي قضيت أنت بقولك هذا فلا تحتاج إلى الجواب عن الحكم التكليفي للغناء من حيث الحرمة، أو الحلية.

و الحديث مروي في (وسائل الشيعة): الجزء 12. ص 227 باب 99 من أبواب ما يكتسب به كتاب التجارة الحديث 13.

(2) عطف على قوله: و مما يدل على حرمة الغناء، أي و مما يدل أيضا على حرمة الغناء: رواية محمد بن أبي عباد.

وجه الدلالة: أنه عليه السلام بعد سؤال الراوي عن حكم الغناء:

أجاب و هو في حيز الباطل و اللهو، و هذا القدر يكفي في حرمة الغناء.

ثم استدل الامام عليه السلام على حرمة الغناء بالآية الكريمة في قوله عز من قائل: وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً (1).

وجه الاستدلال: أن اللّه عز و جل اثنى على الذين يمرون باللغو فيعرضون عنه، و وصفهم بالكرام، و الثناء و الوصف دليلان على أن اللغو مبغوض عنده، و باطل لديه.

هذا بناء على أن الغناء من اللغو. -7.

ص: 183


1- الأنبياء: الآية 27.

..........

++++++++++

- و لا يخفى: أن للغو اطلاقات.

(منها): ما لا يقصد منه و لا يعتنى به، سواء أ كان في الكلام أم في غيره، و معنى ذلك: عدم الفائدة فيه بحيث لا يصلح للانتفاع.

(و منها): الترك يقال: لغيت هذا أي تركته.

(و منها): التكلم من غير الروية و الحكمة و التبصر كما في تكلم كثير من الناس، حيث إنهم يتكلمون كيف شاءوا من غير روية، و تدبر و تفكر و تبصر، و من دون الملاحظات الوقتية و الزمنية، و الموقعية.

(و منها): الباطل، و الفحش، و الكذب، و السقط، يقال:

لغيت الشيء، أي ابطلته.

ثم إنه لم نجد في كتب اللغة أن اللغو جاء بمعنى الغناء و الكذب و اللهو.

نعم قال في (تاج العروس) في مادة لغو: اللغو الباطل عن الامام البخاري، و به فسرت الآية (وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً) .

ثم إن قوله عليه السلام: لأهل الحجاز فيه رأي معناه: أنهم افتوا بحلية الغناء.

ثم إن اللغو المذكور في الآية الكريمة التي استشهد بها الامام عليه السلام: اعم من فحش الكلام فيشمل كل ما هو مبغوض، سواء أ كان من القول أم من الصوت غير أن للباطل و اللهو درجات صعودا و نزولا.

و الحديث مذكور في نفس المصدر. ص 229. الباب 99. الحديث 19.

و كلمة مستهترا في الحديث بصيغة الفاعل من باب الاستفعال معناه:

متابعة الهوى بحيث لا يبالي الانسان بما يفعله، و لا يراعي جانب الدين أو المحيط الاجتماعي في أفعاله.

ص: 184

و الغناء من السماع كما نص عليه في الصحاح (1).

و قال أيضا: جارية مسمعة أي مغنية.

و في رواية الأعمش (2) الواردة في تعداد الكبائر قوله: و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه كالغناء و ضرب الأوتار.

++++++++++

- و كلمة نبيذ وزان فعيل بمعنى المفعول أي المنبوذ و هو: ما ينبذ من التمر و العنب و غيرهما في الماء ليعمل شرابا مسكرا، ثم صار يطلق على الشراب نفسه.

(1) قال في الصحاح في مادة (غني): الغناء بالفتح النفع و بالكسر: السماع.

و قال في مادة (سمع): المسمعة المغنية و هنا بمعنى المسموع و هي الاغنية المسموعة.

و المراد بالسماع في قول الراوي: و كان مستهترا بالسماع.

و في قوله: سألت الرضا عليه السلام عن السماع: هو الغناء.

و المراد من المسئول في قوله: سألته عن السماع: السؤال عن حكم الغناء من حيث الحلية و الحرمة.

(2) عطف على قوله: و مما يدل على حرمة الغناء، أي و في رواية الاعمش جملة تدل على حرمة الغناء و هي: (و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه كالغناء، و ضرب الأوتار)، حيث إن الامام عليه السلام كان في مقام عد الكبائر فذكر هذه الجملة التي تستفاد منها حرمة الغناء.

و لا يخفى أن الجملة لا تدل على الحرمة، حيث إنها لم تعطف على الجمل الافتتاحية التي افتتحها الامام عليه السلام في مقام عد الكبائر

بل هي جملة مستأنفة مستقلة صريحة في الكراهة، حيث يقول عليه السلام:

(و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه مكروهة كالغناء، و ضرب الأوتار). -

ص: 185

و قوله (1) عليه السلام و قد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل جارية تلهيه: و ما ثمنها إلا كثمن الكلب.

و ظاهر هذه الأخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث

++++++++++

- راجع (بحار الأنوار) الطبعة الجديدة، الجزء 10. ص 229.

السطر 14 تجد صحة ما قلناه.

فكلمة مكروهة تقابل محرمة المذكورة في عداد الكبائر فهما متضادتان

و لا يمكن أن يقال: إن الكراهة في الرواية في هذه الجملة ليست بمعناها الحقيقي الاصطلاحي، و هو ترك الفعل مع جواز الاتيان به بل يراد منها معناها المجازي: و هي الحرمة، لأنها طالما وقعت مقابلة للحرمة لا يراد منها: الحرمة.

و اظن و ان كان الظن لا يغني من الحق شيئا: ان الشيخ قدس اللّه روحه الطاهرة فاتته كلمة (مكروهة) و لم تلفت نظره الشريف إليها فاعتقد أن جملة و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه معطوفة على قوله عليه السلام:

و الكبائر محرمة.

(1) عطف على قوله: و مما يدل على حرمة الغناء أي جواب الامام عليه السلام للسائل عن الجارية المغنية: و ما ثمنها الا ثمن الكلب يدل على حرمة الغناء، حيث عبر عليه السلام عن ثمن الجارية المغنية بثمن الكلب.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 88. الباب 16 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 6.

إليك نص الحديث.

(قد تكون للرجل جارية تلهيه و ما ثمنها إلا ثمن كلب) فالمذكور هنا مخالف للمصدر.

ثم إن كيفية الاستدلال بالحديث غامض جدا، حيث إن الامام عليه السلام -

ص: 186

اللهو و الباطل فالغناء و هي من مقولة الكيفية (1) للاصوات كما سيجيء ان كان (2) مساويا للصوت اللهوي و الباطل كما هو الأقوى و سيجيء.

++++++++++

- لم يصرح بنوع اللهو في قوله: الجارية تلهيه. هل هو الغناء، أو ضرب الأوتار، أو الرقص، أو الألعاب الغريبة.

أو المراد بقوله: تلهيه: المكر و الخديعة، أو غير ذلك من الامور المحتملة في كلمة (تلهيه)

فالرواية بنفسها لا تدل على حرمة الغناء، و ليس هناك قرينة دالة على أن الغناء هو المقصود من اللهو.

لكن الشيخ قدس سره من كثرة تورعه و تقواه حمل اللهو في الرواية على الغناء الذي ثبتت حرمته بلا خلاف.

اللهم إلا أن يقال: إن كلمة المغنية في قول الراوي: سئل أبو الحسن عليه السلام عن شراء المغنية: قرينة واضحة على ان المراد من تلهيه:

هو الغناء.

(1) هذا تصريح من الشيخ في أن الغناء من مقولة الكيفية و عدول منه عما أفاده: من أن الغناء من مقولة الكلام في ص 170 في قوله:

(فيختص الغناء بما كان مشتملا على الكلام الباطل)، و هنا أفاد أن الغناء من مقولة الكيفية للاصوات اذا وجد في ألحان مخصوصة، أو كيفية مطربة كألحان أهل الفسوق و العصيان: بمقتضى ما ذكر في الروايات التي يذكرها الشيخ.

(2) اسم كان مستتر يرجع الى الغناء، أي اذا كان الغناء مساويا مفهوما مع مفهوم الصوت اللهوي و الباطل.

و المراد بالصوت اللهوي: هي الألحان المخصوصة، و نغمات مشهورة عند أهل الفسوق و المعاصي.

ص: 187

..........

++++++++++

- و الغرض من تقييد الصوت باللهوي و الباطل: أنه لو لم يقيد بذلك لم يكن مجرد اخراج الصوت من دون أن يكون مشتملا على اللهو و الباطل حراما، إذ الكيفية المخصوصة بألحان خاصة، و نغمات معروفة لا بدّ أن تكون بالصوت اللهوي و الباطل.

و قد عرفت في صدر عنوان المسألة عند ما أفاد الشيخ أن الغناء من مقولة الكلام: تقييده الكلام بالباطل في قوله في ص 170: (فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل).

ثم إن الشيخ بعد أن قال: إن الغناء من مقولة الكيفية اللهوية أفاد أن احتمالات النسبة بين الغناء، و الصوت اللهوي ثلاثة:

(الأول): التساوي و هو صدق أفراد الغناء على الكيفية اللهوية و صدق أفراد الكيفية اللهوية على أفراد الغناء كما في قولك:

الصغرى: كل غناء صوت لهوي.

الكبرى: و كل صوت لهوي غناء.

النتيجة: التساوي.

و الى هذا أشار الشيخ بقوله: ان كان مساويا للصوت.

(الثاني) الأعم و الأخص مطلقا.

و هذا على قسمين:

(الأول): أن يكون العموم في جانب الغناء، و الخصوص في جانب الصوت اللهوي كما في قولك:

الصغرى: بعض الغناء صوت لهوي.

الكبرى: و كل صوت لهوي غناء.

النتيجة: بعض الغناء ليس بصوت لهوي.

ص: 188

فهو (1) و ان كان (2) أعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان

++++++++++

- و الى هذا أشار الشيخ بقوله: و ان كان أعم.

(الثاني): أن يكون العموم في جانب الصوت اللهوي و الخصوص في جانب الغناء كما في قولك:

الصغرى: بعض الصوت اللهوي غناء.

الكبرى: و كل غناء صوت لهوي

النتيجة: بعض الصوت اللهوي ليس بغناء

و الى هذا أشار الشيخ بقوله: و ان كان أخص وجب التعدي.

فالضابط و القاعدة الكلية في أخذ النسب ملاحظة مفهوم القضيتين.

خذ لذلك مثالا:

اذا قلت: ان الانسان أخص من الحيوان معناه أن الصدق من طرف الانسان كلي، دون الحيوان أي كلما صدق الانسان صدق الحيوان، و ليس كلما صدق الحيوان صدق الانسان، بل بعض الحيوان انسان، و بعضه ليس بإنسان.

ففيما نحن فيه و هو الغناء و الصوت اللهوي اذا قسنا مفهوم الغناء مع مفهوم الصوت اللهوي و اضفناه إليه و قلنا: إن الأول أخص من الثاني معناه أن كل غناء صوت لهوي و لا عكس أي ليس كل صوت لهوي غناء بل بعضه غناء، و بعضه ليس بغناء كما عرفت.

(1) جواب لان الشرطية في قوله: ان كان مساويا أي ان كان الغناء مساويا للصوت اللهوي كما عرفت فهو المطلوب و المراد.

(2) أي و ان كان الغناء أعم من الصوت اللهوي وجب تقييده بالغناء الذي يكون ملهيا كما عرفت آنفا في بيان النسب.

ص: 189

كما أنه (1) لو كان أخص وجب التعدي منه الى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو.

و بالجملة (2) فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي التي ورد النهي عن قراءة القرآن (3) بها،

++++++++++

(1) أي كما أن الغناء لو كان أخص من الصوت اللهوي كما عرفت في ص 189: وجب التعدي منه الى مطلق الصوت الخارج من الحلق على نحو اللهو: بمعنى أنه لو كانت هناك أصوات خاصة و نغمات معروفة يصدق عليها اللهو، و لا يصدق عليها الغناء وجب تعميم الحرمة على تلك الأصوات، و لا يقتصر في الحكم بالحرمة على مصداق الغناء فقط، لأن الملاك في الحرمة هو اللهو.

و هذا معنى أخصية الغناء في قوله: لو كان أخص

ثم المراد من وجوب التعدي في قوله: وجب التعدي: وجوب التعدي في الحكم الذي هي الحرمة لا وجوب التعدي الى الموضوع.

(2) أي و خلاصة الكلام: أن الغناء المحرم: ما كان من لحون أهل الفسوق، و أصوات أهل المعاصي.

(3) مرجع الضمير: الألحان و الأصوات.

أي و قد ورد النهي عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق و العصيان كرواية (عبد اللّه بن سنان) عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام قال:

قال (رسول اللّه) صلى اللّه عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فانه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم.

راجع (اصول الكافي). الجزء 2. ص 614. الحديث 3.

ص: 190

سواء أ كان (1) مساويا للغناء أم اعم، أو أخص،

كلمات اللغويين و الفقهاء في معنى الغنى و الطرب

مع ان الظاهر انه ليس الغناء إلا هو (2) و ان اختلفت فيه عبارات الفقهاء و اللغويين (3).

فعن (4) المصباح ان الغناء الصوت.

++++++++++

(1) أي سواء أ كان اللهو مساويا مع الغناء، أم كان اللهو أعم من الغناء، و الغناء أخص مطلقا، أم كان اللهو أخص من الغناء، و الغناء أعم مطلقا كما عرفت شرح الأقسام في ص 188-189.

(2) مرجع الضمير (ما الموصولة) في قوله: فالمحرم ما كان أي مع ان الظاهر: أن الغناء المحرم ليس إلا ما كان من ألحان أهل الفسوق و نغمات أهل العصيان.

(3) كما يذكر الشيخ عن اللغويين تعاريف الغناء بعيد هذا.

(4) من هنا اخذ الشيخ في ذكر التعاريف المختلفة في الغناء بين اللغويين.

فقال نقلا عن المصباح: (ان الغناء الصوت) أي الغناء هو الصوت، و الصوت هو الغناء من غير فرق بينهما، فعلى هذا التعريف يكون الغناء من مقولة الأصوات.

و لا يخفى ان تعريف الغناء بالصوت تعريف بالمجهول، لأنه ان أراد بالصوت الصوت المطلق الذي يخرج من الفم أصبح جميع ما يتكلم به الانسان يوميا: من الغناء و هذا لا يقوله أحد.

و ان كان المراد بالصوت صوتا مخصوصا فلا بد من تعريفه حتى يصح التعريف به.

و ان كان المراد بالصوت الغناء لزم الدور، لأنه في قوة قولك:

الغناء غناء و هذا معنى توقف الشيء على نفسه.

ص: 191

و عن (1) آخر: أنه مد الصوت.

و عن النهاية (2) عن الشافعي: انه تحسين الصوت و ترقيقه.

و عنها (3) أيضا: أن كل من رفع

++++++++++

(1) هذا تعريف ثان للغناء عن بعض اللغويين يخالف تعريف المصباح مخالفة جزئية، حيث ضيق دائرة الغناء على الاحتمال الأول في معنى الصوت و وسعه على الاحتمال الثاني في معنى الصوت.

و المراد من مد الصوت استطالته، فان المد لا يمكن وقوعه إلا من الحلق بنحو الاستطالة.

(2) هذا تعريف ثالث للغناء عن ابن الأثير يخالف التعريفين بعض الخلاف.

(3) هذا تعريف رابع للغناء عن ابن الأثير في النهاية أيضا يخالف التعاريف الثلاثة.

ثم لا يخفى أن النسبة بين تعريف صاحب المصباح على الاحتمال الأول الذي ذكرناه بقولنا: لأنه ان أراد بالصوت الصوت المطلق و بين تعريف الآخر: العموم و الخصوص المطلق. بمعنى أن العموم في جانب تعريف صاحب المصباح، أي كلما صدق مد الصوت صدق الصوت المطلق، حيث عرّف صاحب المصباح الغناء بقوله: الغناء الصوت

و ليس كلما صدق الصوت المطلق صدق مد الصوت.

و أما على الاحتمال الثاني الذي قلنا: و ان كان المراد بالصوت الصوت الخاص فلا يدل في تعريفه: فلم نفهم المقصود منه حتى يتعين النسبة بين التعريفين.

و أما النسبة بين تعريف الآخر، و تعريف صاحب النهاية فعموم و خصوص من وجه، اذ له مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

ص: 192

صوتا و والاه (1) فصوته عند العرب غناء.

++++++++++

أما مادة الاجتماع فكما اذا كان هناك مد الصوت و ترقيقه و تحسينه.

أما مادة الافتراق من جانب مد الصوت بأن كان هو موجودا و ذاك ليس بموجود كما اذا كان مد الصوت غير مشتمل على الترقيق و التحسين.

و أما مادة الافتراق من جانب الترقيق و التحسين بأن كان هو موجودا و ذاك غير موجود كما اذا كان هناك صوت رقيق محسن من غير مد.

اللهم إلا أن يقال: إن التحسين و الترقيق ملازمان لمد الصوت فتكون النسبة اذا العموم و الخصوص المطلق بمعنى أنه كلما صدق تحسين الصوت و ترقيقه صدق مد الصوت.

و ليس كلما صدق مد الصوت صدق تحسينه و ترقيقه.

و أما النسبة بين تعريف صاحب المصباح، و تعريف صاحب النهاية نقلا عن الشافعي: فالعموم و الخصوص المطلق على الاحتمال الأول في قولنا في الهامش 4. ص 191: لأنه إن أراد بالصوت الصوت المطلق

و أما النسبة بين تعريف صاحب النهاية، و تعريف الشافعي فالعموم و الخصوص من وجه له مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما مادة الاجتماع فكما اذا كان هناك صوت مرفوع متصل مع الترقيق و التحسين فحينئذ يصدق التعريفان.

و أما مادة الافتراق من جانب الترقيق و التحسين فكما اذا كان هناك الترقيق موجودا، و الصوت المرفوع المتصل غير موجود.

و أما مادة الافتراق من جانب الصوت المرفوع المتصل فكما اذا كان هناك الصوت المرفوع موجودا، و الترقيق المرفوع المتصل غير موجود.

(1) معناه: المتابعة. يقال: زيد والى عمرا، أي تابعه.

و المقصود منه هنا: أن كل من رفع صوته و تابع بعضه بعضا -

ص: 193

و كل (1) هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها، و عدم صدق الغناء عليها فكلها اشارة الى المفهوم المعين عرفا.

و الأحسن (2) من الكل: ما تقدم من الصحاح.

++++++++++

- يصدق عليه أنه غناء.

و هذا رأي صاحب النهاية، كما أن التعاريف المتقدمة تمثل آراءهم الخاصة، اذا لا يمكن الأخذ بهذه التعاريف لأنه لم يقم من الخارج دليل على الأخذ بها، و بهذه الآراء.

و الدليل على أن هذه التعاريف آراءهم الخاصة: اختلاف نفس اللغويين في تعريف الغناء كما عرفت، كما أن تعريف الفقهاء الغناء يمثل آراءهم الخاصة، لعدم وجود مفهوم خاص عرفي للغناء عند العرب حتى يتفقوا على تعريف واحد.

نعم يمكن أن يقال: إن الفقهاء أرادوا في تعاريفهم المختلفة هذا المعنى العرفي من الغناء فعند الشك في التوصل الى المعنى العرفي لا يحكم بحرمة الغناء اذا لم تحرز القيود المأخوذة في تعريف كل من الفقهاء، و اللغويين.

(1) أي كل هذه المفاهيم و التعاريف المذكورة للغناء من اللغويين:

من أنه الصوت، أو مد الصوت، أو تحسينه و ترقيقه، أو رفع الصوت مع التوالي: مما يعلم عدم حرمتها بقول مطلق، لعدم صدق الغناء عليها فكلها خارجة عن المفهوم العام الكلي: و هي حرمة الغناء، للشك في كونها من صغريات تلك الكبرى الكلية لأن كل هذه المفاهيم اشارة الى المفهوم المعين: و هي ألحان أهل الفسوق، و نغمات أهل المعاصي التي يحصل الغناء بها.

(2) أي الأحسن من جميع التعاريف الواردة في الغناء: تعريف صاحب الصحاح في ص 185 عند قوله: و الغناء من السماع، و قوله:

جارية مسمعة، أي مغنية.

ص: 194

و يقرب منه (1) المحكي عن المشهور بين الفقهاء: من أنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب.

++++++++++

- ثم لا يخفى أن ما أفاده الشيخ من أن الأحسن من الكل ما تقدم من الصحاح: دليل على ما قلناه: من عدم جواز الاعتماد على أقوال أهل اللغة، و ان تلك المفاهيم التي ذكرها اللغويون و الفقهاء في تعريف الغناء كلها تمثل آراءهم الخاصة، و نظرياتهم الشخصية، اذ في كل صقع من أصقاع العالم اصطلاح خاص في الغناء.

و من الواضح أن عند كل قوم من العرب عرف خاص في الغناء فالملاك و المناط في حرمة الغناء: الغناء الشائع الرائج المتعارف في عصر أئمة (أهل البيت) عليهم الصلاة و السلام الذين وردت منهم الأحاديث في الغناء.

و لا شك أن الغناء له مفهوم عرفي في عصرهم.

و أما وجه أحسنية تعريف الصحاح عن تعريف الآخرين: فلاجل انطباقه تماما على ما يلزم الغناء من لحن فسوقي، و نغمات خاصة، حيث إن السماع معروف عند الفساق و غيرهم: يقال: فلان مستهتر بالسماع و شرب النبيذ أي بالغناء و الشرب.

و قد ورد التعبير بذلك في رواية (محمد بن أبي عباد) المشار إليها في ص 183 مستهترا بالسماع.

(1) أي من قول (صاحب الصحاح).

و كلمة من بيانية للمحكي المشهور، و مرجع الضمير في أنه: الغناء.

و المراد من ترجيع الصوت: ترديده في الحلق و ادارته و خفضه و رفعه.

يقال: فلان رجّع صوته أي ردّده في الحلق، فعليه ينطبق تعريف المشهور الغناء: بانه مد الصوت المشتمل على الترجيع -

ص: 195

و الطرب على ما في الصحاح خفة (1) تعتري الانسان لشدة حزن أو سرور.

و عن الأساس (2) للزمخشري خفة لسرور، أو هم.

و هذا القيد (3) هو المدخل للصوت في أفراد اللهو.

++++++++++

- المطرب: على السماع و هو قوله: جارية مسمعة أي مغنية.

و هما ينطبقان تماما على اللحن الفسوقي و ما عليه أهل المعاصي من اللهجات الغنائية.

و أما الترجيع بمعنى تحسين الصوت في القراءة فهو حسن مأمور به و منه قول القائل: فلان رجّع في القرآن، أي حسّن صوته فيه:

(1) أي حالة نفسانية تعرض الانسان بها يفقد الانسان حالته المتوازنة و الطبيعية كما عرفت في ص 161.

(2) أي أساس اللغة في تعريف الغناء حيث قال: إن الغناء خفة منشئوها السرور، أو الهم.

أيها القارئ الكريم هذه تعاريف اللغويين فليقولوا ما شاءوا حول تعريف الغناء طال ما كان العرف في خلافهم، فانه لا يفهم من الطرب إلا السرور، و به تحصل الخفة، و هذه الخفة يجب اعتبارها في الطرب المحرم، لأنه القدر المتيقن.

(3) و هي الخفة المأخوذة في تعريف الطرب في قول صاحب الصحاح و أساس اللغة هو المدخل لهذا النوع من الصوت الذي كان مشتملا على الترجيع: في أفراد اللهو.

و لا يخفى ان المراد من اللهو: الملهو به، أي يوجب اللهو للمستمع إليه، و ان كان يوجب اللهو لمن يصدر منه أيضا.

ص: 196

و هو (1) الذي اراده الشاعر بقوله: أطربا و انت قنّسري أي شيخ كبير و الا (2) فمجرد السرور و الحزن لا يبعد عن الشيخ الكبير.

و بالجملة (3) فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب، أو و لو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا، و من اكتفى بذكر الترجيع (4) كالقواعد اراد به المقتضي للاطراب.

++++++++++

- و تسمية مثل هذا لهوا باعتبار كونه سببا له فهو من قبيل تسمية السبب باسم المسبب.

(1) أي السرور البالغ حد الخفة التي تعتري الانسان و تخرجه عن حالته الطبيعية المتوازنة. هو الذي أراده الشاعر العجاج بقوله:

(أطربا و أنت قنّسري *** و الدهر بالانسان دوّاري)(1)

أي أ تطرب طربا موجبا للخفة التي يصدر منها تلك الحالة و أنت شيخ كبير

(2) أي و ان لم يكن المراد من الطرب هي الخفة التي يتولد منها الحالة الخاصة فمجرد السرور و الحزن لا يكونان بعيدين عن الشيخ الكبير فالمقصود من الطرب هي الخفة التي تحصل للانسان، و تخرجه عن حالته الطبيعية المتوازنة التي كان عليها قبلها.

و طبيعي ان مثل هذه الحالة صدورها قبيح عن الشيخ الكبير، و لذا قال: اطربا و انت قنسري.

(3) اي و خلاصة الكلام: أن مجرد مد الصوت من دون ترجيع و ترديد فيه على الألحان المعروفة عند أهلها لا يوجب كونه لهوا محرما.

هذه هي التعاليق التي أشرنا إليها في ص 162 بقولنا: سيجيء الاشارة إليها قريبا.

(4) اي من دون قيد الاطراب كما افاده العلامة رحمه اللّه في القواعد -ة.

ص: 197


1- راجع مغني اللبيب. المجلد الثاني: ص 681. و المجلد الأول ص 18. طباعة مطبعة المدني القاهرة.

قال في جامع المقاصد في الشرح: ليس مجرد مد الصوت محرما و ان مالت إليه النفوس ما لم ينته الى حد يكون مطربا بالترجيع (1) المقتضي للاطراب انتهى.

ثم ان المراد (2) بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة الى المغني

++++++++++

في تعريف الغناء معرضا عن تعريف المشهور في الغناء حيث قالوا: انه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب: اراد من الترجيع الترجيع المطرب بالصفة التي وصفناها و هي الخفة التي تعتري الانسان.

(1) هذا القيد توضيحي، حيث ان الإطراب لا يخلو من الترجيع اذ الترجيع من مقومات الاطراب و لوازمه التي لا ينفك عنه، لأن كل اطراب ترجيع، و بعض الترجيع ليس اطرابا.

كما أن الشجرة من مقومات الثمرة، فلو قلت: قطعت ثمرة من الشجرة يكون القيد توضيحيا، حيث لا توجد ثمرة من غير الشجرة حتى تقيد بالشجرة.

و كلمة المقتضي نعت للترجيع أي الترجيع المقتضي للاطراب.

(2) أي مقصود كل من أخذ قيد الاطراب في تعريف الغناء (كالمحقق الثاني) في كتابه (جامع المقاصد) بقوله: الى حد يكون مطربا بالترجيع: هو الغناء المطرب في الجملة و لو كان الاطراب مرة واحدة، أو أطرب شخصا واحدا.

أو الإطراب الشأني الاقتضائي أي من شأنه أن يكون مطربا و ان لم يطرب بالفعل، سواء حصلت له الخفة المفسّر بها الطرب عند اللغويين أم لا فالحرمة ثابتة في حق كل من استمع الغنى أم تغنى به بتلك الألحان المخصوصة المعروفة عند أهل الفسوق و المعاصي.

و إنما التزم الشيخ بأحد الأمرين المذكورين، فرارا عن المأزق الذي -

ص: 198

..........

++++++++++

- يقع الفقيه فيه لو اعتبرت الفعلية في الاطراب.

و المأزق هو خروج كثيرين عن تعريف الغناء، لعدم عروض تلك الحالة و هي الخفة لهم، و خروجهم عن الحالة الطبيعية المتوازنة فلا تشملهم الحرمة الثابتة في الغناء فيلزم حينئذ تخصيص تلك الكبرى الكلية، فصونا عن التخصيص أفاد الشيخ أحد الأمرين المذكورين لا محالة.

ثم إن عدم عروض الخفة في حق كثيرين منشأه أمور أربعة:

(الأول): قبح الصوت، فانه لا تؤثر في المستمع، أو المغني مهما كانت صفة الغناء، و مهما بلغت نغماته و ألحانه و حركاته الخاصة.

(الثاني): المرض الموجب لسلب الصحة و العافية عن الانسان بحيث ينزعج عن سماع الأغاني فضلا عن الالتذاذ و السرور المعبر عنهما بالخفة.

أو هناك سانحة نفسانية: من اضطراب في الفكر، أو تشويش في البال، أو قلق في القلب بحيث لا يبقى له مجال لعروض تلك الخفة.

(الثالث): النقص الخلقي في الانسان كما اذا كان فاقد الحس فان النغمات الخاصة لا تؤثر فيه.

(الرابع): وجود القوة القاهرة في الانسان بها يتمكن من السلطة على أعصابه، و السيطرة على نفسه الأمارة، و على زمامها حتى لا يؤثر عليه أية نغمة من نغمات الغناء، و أي لحن من ألحانه.

هذه هي الأمور الموجبة لخروج اكثر أفراد الناس عن تحت تلك الكبرى الكلية: و هي حرمة الغناء.

فعلى ضوء ما ذكرنا ظهر لك وجه اختيار الشيخ الشأنية و الاقتضائية في الاطراب، بناء على أخذ الاطراب قيدا في الغناء.

ص: 199

او المستمع، او ما كان (1) من شأنه الاطراب و مقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع (2): من جهة قبح الصوت او غيره (3).

و أما لو اعتبر الاطراب فعلا (4)،

++++++++++

- وجه الظهور: أنه لما رأى تفسير الطرب في اللغة بالخفة التي تعتري الانسان.

و رأى من جانب آخر أن (المحقق الثاني) قيد الغناء بكونه مطربا.

و رأى أن فعلية الاطراب لا تنسجم مع كثير من الناس، لعدم حصول تلك الحالة لهم، للموانع المذكورة.

و رأى عدم الفرق بين الاطراب و الطرب من حيث المعنى، لأن الاطراب ايجاد تلك الخفة بمعونة مد الصوت و تحسينه و ترجيعه، و الطرب نفس الخفة فنتيجتهما واحدة و هو حصول الخفة للانسان: فاضطر الى القول بشأنية الاطراب و اقتضائيته من غير تصرف في معنى الطرب حتى تبقى القاعدة الكلية على حالها من دون أن تنخرم فهذه و تلك أوجبت القول بشأنية الاطراب و اقتضائيته.

(1) هذا هو الشق الثاني للمراد من الاطراب المتخذ في تعريف الغناء كما عرفت شرحه آنفا، اذ شقه الأول: هو الاطراب في الجملة.

(2) أي عن الاطراب، و كلمة من في قوله: من جهة القبح بيانية لمانعية الشيء عن الاطراب، و قبح الصوت أحد الموانع الأربعة المذكورة.

(3) أي أو غير قبح الصوت: من المرض أو القلق، أو الاضطراب أو النقص الخلقي، أو وجود قوة قاهرة قوية غالبة على الأعصاب و النفس الأمارة كما عرفت في ص 199.

(4) أي لو قيد الاطراب المتخذ في تعريف الغناء من اللغويين و الفقهاء: بالفعلية يلزم المحذور المذكور.

ص: 200

خصوصا (1) بالنسبة الى كل أحد، و خصوصا (2) بمعنى الخفة لشدة السرور، أو الحزن فيشكل (3)، لخلو اكثر ما هو غناء عرفا عنه.

و كأن هذا (4) هو الذي دعا الشهيد الثاني الى أن زاد في الروضة و المسالك بعد تعريف المشهور: قوله: أو ما يسمى في العرف غناء.

و تبعه (5) في مجمع الفائدة و غيره.

(1) منصوب على الاختصاص أي و نخص ورود الاشكال المذكور:

و هو خروج أكثر الناس عن تحت الكبرى الكلية: بالنسبة الى كل فرد و قد عرفت كيفية الخروج في ص 199.

(2) منصوب على الاختصاص أي و نخص ورود الاشكال المذكور لو اريد من الغناء الخفة و هي تلك الحالة التي وصفناها لك.

(3) جواب للو الشرطية، أي فيشكل لو اريد الفعلية في الاطراب و قد عرفت وجه الاشكال في ص 199.

(4) أي كأن المأزق المذكور و هو خروج الكثر الناس عن تحت الكبرى الكلية، و لزوم التخصيص فيها: حث (الشهيد الثاني) على زيادة أو ما يسمى في العرف غناء في تعريف الغناء: أي قال (الشهيد الثاني) إن الغناء هو مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما يسمى في العرف غناء و ان لم يطرب.

راجع (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 3. ص 212.

(5) أي و تبع (الشهيد الثاني) في هذه الزيادة (صاحب مجمع الفائدة) للخلاص عن المأزق المذكور.

و كلمة غيره يجوز قراءته بالجر عطفا على قوله: في (مجمع الفائدة) أي و في غير مجمع الفائدة.

ص: 201

و لعل هذا (1) أيضا دعا صاحب مفتاح الكرامة الى زعم أن الاطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسّر في الصحاح بخفة لشدة سرور، أو حزن

++++++++++

- و يجوز قراءته بالرفع عطفا على فاعل و تبعه، أي و تبع (الشهيد الثاني) في الزيادة المذكورة في تعريف الغناء غير صاحب مجمع الفائدة أيضا.

(1) أي المأزق المذكور.

و خلاصة ما أفاده صاحب (مفتاح الكرامة) في هذا المقام:

ان المحذور المذكور: و هو لزوم تخصيص اكثر افراد الغناء لو اعتبرنا الفعلية في الاطراب: إنما يلزم لو فسر الطرب الواقع في تعريف الفقهاء الغناء بقولهم: الغناء المحرم ما يكون مطربا بالترجيع: بمثل تفسير اللغويين الغناء بقولهم: الغناء هي الخفة التي تعتري الانسان لشدة سرور أو حزن

لكننا نقول بالفرق و التغاير بين الطربين في تفسيرهما، فان الطرب الواقع في تعريف الفقهاء غير الطرب المفسر بخفة في تعريف اللغويين، لأن الطرب الحاصل من الاطراب هو السرور و الالتذاذ من مد الصوت و ترجيعه و تحسينه و تكييفه،

و هذا أعم من الخفة المفسّرة عند اللغويين.

بعبارة اخرى أن بين الطرب الواقع في تعريف الفقهاء، و الواقع في تعريف اللغويين العموم و الخصوص المطلق، فالطرب في تعريف الفقهاء اعم، و في تعريف اللغويين أخص اي كلما صدق الثاني صدق الأول و ليس كلما صدق الأول صدق الثاني فهنا قياس منطقي هكذا:

الصغرى: بعض الطرب الفقهي طرب لغوي.

الكبرى: و كل طرب لغوي طرب فقهي.

النتيجة: بعض الطرب الفقهي ليس بطرب لغوي.

و مما لا شك فيه ان الطرب الفقهي يحصل لكل احد فتحصل الحرمة -

ص: 202

و ان توهمه (1) صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا.

و استشهد (2) على ذلك مما في الصحاح: من أن التطريب في الصوت مده و تحسينه.

++++++++++

- في حق من استمع الغناء المطرب بهذا الاطراب، سواء حصلت له الخفة المفسّرة بالطرب لغة أم لا.

و حصول الطرب الفقهي لكل احد امر طبيعي حسي ليس قابلا للانكار، و من ادعى عدم حصول الالتذاذ و السرور من استماع تلك الأغاني بتلك الصفة الخاصة فقد كذب في دعواه فهو كمدعي عدم الالتذاذ من الجمال الطبيعي.

فكما انه كاذب في دعواه هذه، كذلك كاذب في دعواه تلك.

و ان شئت فقل: إنه حمار بصورة انسان.

و هذا أجدر و أحرى من أن يقال في حقه: إنه كاذب.

و الى هذا المعنى أشار (شيخنا البهائي) أعلى اللّه مقامه في منظومته:

كل من لم يعشق الوجه الحسن *** قرب الجل إليه و الرسن

و ما أجدر بشيخنا البهائي لو أبدل لفظ الوجه الحسن بالصوت الحسن.

هذه خلاصة ما ذهب إليه صاحب (مفتاح الكرامة) في الفرق بين الطرب الفقهي، و الطرب اللغوي لو اعتبرنا الفعلية في الإطراب في تعريف الفقهاء الغناء.

(1) أي و ان توهم صاحب (مجمع البحرين) و قال بمقالة المشهور:

من أن الطرب الواقع في تعريف الفقهاء هو الطرب المفسّر عند اللغويين بالخفة الحاصلة للانسان لشدة سرور أو حزن

(2) هذا هو الاستشهاد الأول من صاحب (مفتاح الكرامة) على دعواه.

ص: 203

و ما عن المصباح (1) من أن طرّب في صوته مده و رجعه.

و في القاموس (2) الغناء ككساء من الصوت ما طرب به، و أن التطريب الاطراب كالتطرب و التغني.

++++++++++

- و خلاصته: أن صاحب (الصحاح) قال في مادة طرب:

إن التطريب في الصوت مده و تحسينه، و لم يقل: التطريب هي الخفة الحاصلة للانسان.

هذا بناء على أن التطريب و الاطراب شيء واحد.

فكما أن الاطراب هو مد الصوت و تحسينه، و كذلك التطريب هو مده و تحسينه.

(1) أي و استشهد صاحب (مفتاح الكرامة) أيضا على صحة دعواه بقول المصباح.

هذا استشهاد ثان و خلاصة الاستشهاد: أن (صاحب المصباح) قال في مادة طرب: طرّب في صوته مدّه و رجّعه، و لم يأخذ الخفة في تعريفه طرّب فيكون الاطراب نظير التطريب.

بناء على ان التطريب و الاطراب شيء واحد كما عرفت.

(2) أي و استشهد صاحب (مفتاح الكرامة) أيضا على صحة دعواه بقول صاحب القاموس.

هذا استشهاد ثالث و خلاصته: أن صاحب القاموس قال في مادة غني: الغناء ككساء من الصوت ما طرب به.

و قال في مكان آخر: التطريب: الاطراب كالتطرب و التغني فكما ان التطرب و التغني شيء واحد.

كذلك التطريب و الاطراب شيء واحد، فصاحب القاموس لم يأخذ -

ص: 204

قال (1) رحمه اللّه: فتحصل من ذلك ان المراد بالتطريب و الاطراب غير الطرب بمعنى الخفة لشدة حزن او سرور كما توهمه (2) صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا فكأنه قال في القاموس (3) الغناء من الصوت ما مدّ و حسن و رجع فانطبق على المشهور (4) اذ الترجيع

++++++++++

في تعريف التطريب الخفة، فكذلك لا تأتي الخفة في الاطراب، بناء على أنهما شيء واحد.

ثم لا يخفى عليك أن في بعض نسخ المكاسب، بل في أكثرها هكذا:

التطريب و الاطراب مع الواو.

و الصحيح ما أثبتناه: و هو التطريب الاطراب على غرار مبتدأ و خبر أي التطريب الاطراب.

أو على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي التطريب هو الاطراب، و لا معنى للواو هنا حتى تجعل عاطفة، لعدم وجود معطوف عليه حتى تعطف الجملة عليه.

و القرينة على ذلك قول صاحب القاموس: كالتطرب و التغني أي التطرب التغني.

هذه خلاصة الاستشهادات من صاحب (مفتاح الكرامة) و قد أخذ الشيخ في نقضها واحدا واحدا.

(1) أي قال (صاحب مفتاح الكرامة) فقد تحصل من مجموع ما ذكره صاحب (الصحاح و المصباح و القاموس).

(2) أي كما توهم صاحب (مجمع البحرين) فقال: إن الطرب في تعريف الفقهاء نفس الطرب في تعريف اللغويين و هي الخفة.

(3) أي في مادة غني و طرب.

(4) و هو تعريف الفقهاء الغناء بأنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب -

ص: 205

تقارب ضروب حركات الصوت و النفس فكان (1) لازما للاطراب و التطريب. انتهى كلامه (2).

و فيه (3) ان الطرب اذا كان معناه على ما تقدم من الجوهري و الزمخشري هو ما يحصل للانسان من الخفة: لا جرم يكون المراد

++++++++++

- اذا تطابق التعريفان، حيث إن الترجيع عبارة عن تقارب أقسام حركات الصوت و النفس.

و تقارب حركات الصوت رفعه و تنزيله و ايقافه و ارساله و تطويره و تحسينه و تغليظه و تخفيفه و تشديده.

و أما تقارب ضروب حركات النفس فجذبه و رفعه و ايقافه و ارساله فهذه الكيفيات بهذه الخصوصيات اذا تلاءمت و توافقت تحدث في الصوت ما يجذب الاستماع إليه، و ربما احدثت خفة في النفس: من تزايد اللذة و الطرب.

(1) أي الصوت الصادر بهذه الكيفية من ضروب حركاته، و حركات النفس: من لوازم التطريب و الاطراب أي التطريب و الاطراب عبارتان عن هذه الكيفيات و الخصوصيات.

(2) أي كلام (صاحب مفتاح الكرامة) حول الاطراب المأخوذ في تعريف الغناء كما أفاده صاحب (جامع المقاصد).

(3) من هنا يريد الشيخ أن يناقش (صاحب مفتاح الكرامة):

فيما أفاده من الفرق بين الطرب الذي في الاطراب في تعريف الفقهاء الغناء و بين الطرب المفسّر عند اللغويين بالخفة.

فقال: و فيما أفاده نظر و اشكال.

هذا هو الاشكال الأول.

وجه النظر: أن الجوهري في (الصحاح) فسّر الطرب بقوله: -

ص: 206

..........

++++++++++

- خفة تعتري الانسان لشدة خوف او سرور كما عرفت في ص 196.

و الزمخشري قال في أساس اللغة: الطرب خفة لسرور أو هم كما عرفت في ص 196 فحينئذ يلزم ان يكون المراد بالتطريب و الاطراب ايجاد هذه الحالة فيكون معنى التطريب و الاطراب و الطرب واحدا: و هي الخفة التي تعتري الانسان.

لكن الطرب نفس الخفة، و التطريب و الاطراب ايجاد لها بواسطة مد الصوت و تحسينه و ترجيعه و تكييفه، و إلا لو كان المراد من الطرب المفسّر عند اللغويين غير الطرب الواقع في تعريف الفقهاء في قولهم:

الغناء مد الصوت الى حد يكون مطربا مع الترجيع: لزم أن يكون الطرب مشتركا لكلا المعنيين بالاشتراك اللفظي، مع أن أحدا من اللغويين، أو الفقهاء لم يذكر معنى آخر للطرب غير الخفة، فلو كان هناك معنى آخر لصرحوا به حتى يشتق منه التطريب و الإطراب الدالان على السرور و الالتذاذ كما هو مدعى صاحب (مفتاح الكرامة)، فعدم التصريح به دليل على عدم الوجود.

فالقول بأن التطريب و الإطراب لا يراد منهما الخفة التي هو معنى الطرب:

لازمه الاشتراك اللفظي في الطرب: بأن يكون موضوعا للخفة الحاصلة للانسان مستقلا، و للسرور و الالتذاذ مستقلا و بوضع آخر و هو خلاف الاصل، للزومه التعدد في الوضع و الأصل عدمه كما قرر في محله، حيث إن الاشتراك اللفظي هو وضع اللفظ لكل واحد من المعاني بوضع مستقل على حدة من غير أن يلاحظ فيه المعنى الأول حين الوضع للثاني، أو يلاحظ المعنى الثاني حين الوضع للاول كما في وضع العين للباصرة، و النابعة و الذهب، و الفضة، و غيرها، فإن لفظ العين قد وضعت لكل واحد من معانيها وضعا مستقلا على حدة لا ربط لكل واحد من الأوضاع -

ص: 207

..........

++++++++++

- بالآخر فلكل معنى وضع استقلالي.

بخلاف الاشتراك المعنوي، حيث إن اللفظ يوضع له أولا للقدر الجامع بين الأفراد، ثم يوضع لكل فرد من الأفراد.

خذ لذلك مثالا: لفظ الانسان وضع للحيوان الناطق الذي هو القدر المشترك بين أفراده و الجامع لها و هم محمد. علي. حسن. حسين، ثم وضع لكل واحد من المذكورين.

و انما سمي معنويا، للحاظ معنى كلي له جامع بين الأفراد حين الوضع و هو الحيوان الناطق.

و لما انجر بنا الكلام الى الاشتراك و أقسامه لا بأس بارسال عنان القلم في هذا الباب مزيدا للاطلاع فنقول:

اذا استعمل اللفظ في معنيين و دار الأمر بين كونه من باب الاشتراك اللفظي، أو من باب الحقيقة و المجاز: بأن يكون اللفظ في احدهما حقيقة و في الآخر مجازا يقدم الثاني، اذا الاشتراك اللفظي خلاف الأصل، حيث يلزم تعدد الوضع كما عرفت.

ثم ان كان المعنى الحقيقي و المجازي معلوما فهو المطلوب، و ان اشتبه الحقيقي من المجازي يشكل الامر، لأن أصالة الحقيقة في كل منهما معارضة بالآخر فيتبعه سقوط الاصلين، ثم يتبعه الرجوع الى الأصول العملية الشرعية.

خذ لذلك مثالا:

لفظ الكتاب يستعمل فيما يؤلّف و يصنّف في شتى المواضيع و الواقع بين الدفتين.

و يستعمل في الرسائل المتبادلة بين الشخصين، فاذا دار الأمر بين أن يكون الاستعمال في كلا المعنيين حقيقة على نحو الاشتراك اللفظي -

ص: 208

بالاطراب و التطريب ايجاد هذه الحالة (1)، و إلا (2) لزم الاشتراك اللفظي به مع انهم (3) لم يذكروا للطرب معنى آخر ليشتق منه لفظ التطريب و الاطراب.

++++++++++

- و بين ان يكون في احدهما حقيقة، و في الآخر مجازا: فلا شك أنه يؤخذ بالثاني، و يرفض الأول، لمخالفته للاصل، حيث يحتاج الى تعدد الوضع و الاصل عدمه كما عرفت.

و معنى الأخذ بالثاني جعل مشكوك الحقيقة منهما مجازا، فاذا شك في كون أيهما حقيقة ليترتب حكم المجاز على الآخر: تعارض. الأصل فيهما و سقط فيرجع الى ما تقتضيه الاصول الشرعية، فاذا بلغنا من المولى أمر بارسال كتاب.

فان علمنا المعنى الحقيقي منهما فهو المطلوب، و الا فأصالة البراءة محكمة، لأنه من باب التخيير في أفراد الطبيعة الواحدة، بعد عدم وجود الدليل على الجمع بين الأفراد، و عدم وجود الدليل على تعيين فرد دون فرد آخر.

اذا فيحكم بالتخيير و سقوط الذمة باتيان أحد افراد الطبيعة ففي المثال المتقدم فردان لم يقم دليل على تعيين احدهما بالخصوص فالمكلف يكون مخيرا باتيان احدهما.

(1) و هي الخفة التي تعتري الانسان كما عرفت في ص 161.

(2) أي و ان لم يكن المراد من التطريب و الاطراب ايجاد الخفة المذكورة لزم أن يكون الطرب مشتركا لفظيا كما عرفت آنفا.

(3) أي مع ان اللغويين لم يذكروا معنى آخر غير الخفة للطرب كما ذكره (صاحب مفتاح الكرامة: من السرور و الالتذاذ.

ص: 209

مضافا (1) الى ان ما ذكر في معنى التطريب من الصحاح و المصباح انما هو للفعل القائم بذي الصوت (2) لا الاطراب القائم بالصوت (3) و هو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور، دون فعل الشخص (4)

++++++++++

(1) أي بالإضافة الى الايراد الأول يلزم ايراد ثان على (صاحب مفتاح الكرامة)، حيث نقل عن صاحب (المصباح و الصحاح):

أن التطريب هو الاطراب، و التطريب في الصوت مده و تحسينه، يقال:

طرّب في صوته أي مده و رجعه فالاطراب كذلك.

و خلاصة الايراد: أنه فرق بين التطريب و الاطراب، حيث ان الأول من فعل صاحب الصوت القائم بشخص المطرب، لأن المد و الترجيع و التحسين صفات قائمات بالصوت الذي هو فعل الانسان، يقال: فلان طرّب في صوته، أي رجعه و حسنه و كيفه و أداره في حلقه فهذه صفات كلها قائمة بالشخص.

و الثاني و هو الاطراب صفة قائمة بنفس الصوت، فان الاطراب إيجاد الطرب الذي هي الخفة، ففرق واضح بين التطريب و الاطراب فكيف يقال: ان التطريب هو الاطراب و ينسب هذا الاتحاد الى الصحاح و المصباح.

(2) و هو صاحب الصوت.

(3) و هو نفس الصوت، فان الصفة القائمة بالصوت الموجبة للاطراب هو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور، دون فعل الشخص و هو الترجيع و التحسين و المد، فان هذه صفات قائمة بالشخص لم تؤخذ في تعريف الغناء، ففرق بين التطريب و الاطراب كما عرفت.

(4) الذي هي صفة قائمة بذي الصوت كما عرفت عند قولنا:

صفة قائمة بنفس الصوت.

ص: 210

فيمكن (1) ان يكون معنى تطريب الشخص في صوته ايجاد سبب الطرب بمعنى الخفة بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه كما ان تفريح الشخص ايجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه فلا ينافي (2) ذلك ما ذكر في معنى الطرب.

و كذا (3) ما في القاموس من قوله: ما طرب به يعني ما أوجد به الطرب

مع أنه (4) لا مجال لتوهم كون التطريب بمادته بمعنى التحسين و الترجيع

++++++++++

(1) الفاء تفريع على ما أفاده الشيخ من الفرق بين التطريب و الاطراب:

من أن الأول من صفات الشخص و ذوي الصوت، و الثاني من الصفات القائمة بالصوت، أي يمكن أن يكون معنى تطريب الشخص في صوته:

ايجاد سبب الطرب الذي هو الاطراب، فان مد الصوت و تحسينه و ترجيعه أسباب لايجاد الطرب الذي هي الخفة.

(2) أي لا ينافي ما ذكرناه في معنى التطريب و الاطراب عن الصحاح و المصباح من الفرق بينهما: ما ذكراه في معنى الطرب: من أنه هي الخفة التي تعتري الانسان لشدة سرور أو حزن، لأن التطريب إيجاد الطرب بواسطة تلك الأسباب: من المد و الترجيع و التحسين، و الطرب هي الخفة فلا منافاة بينهما.

(3) أي و كذا لا منافاة فيما ذكرناه من الفرق في معنى التطريب و الاطراب: مع ما ذكره صاحب القاموس في معنى الغناء من أنه ما طرب به يعني ما أوجد به الطرب.

(4) ايراد ثالث من الشيخ على ما أفاده (صاحب مفتاح الكرامة)

و خلاصة الايراد: أن مادة التطريب و مصدر اشتقاقها و هي الطاء و الراء و الباء في قولك: (طرب) الذي هو الثلاثي المجرد: لا تدل على الترجيع و التحسين و المد، و لم يصرح بذلك في كتب اللغويين أيضا -

ص: 211

اذ لم يتوهم أحد كون الطرب بمعنى الحسن و الرجوع، أو كون التطريب هو نفس المد فليست هذه الأمور إلا أسبابا للطرب يراد ايجاده من فعل هذه الأسباب.

هذا كله مضافا (1) الى عدم امكان إرادة ما ذكر: من المد و التحسين و الترجيع من المطرب في قول الاكثر: إن الغناء مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب كما لا يخفى.

++++++++++

- أي لم يلاحظ هذا المعنى في نفس المادة التي هو مبدأ اشتقاق التطريب الذي هو من باب التفعيل حين الوضع حتى يقال: إن التطريب يدل على التحسين و الترجيع، لأن مادته تدل على ذلك، اذ لم يتوهم أحد من اللغويين أن المادة بمعنى الحسن و الرجوع حتى يسري هذا المعنى في المشتق فالمشتق لا يدل على ذلك بواسطة المادة.

و كذلك لا يدل بواسطة الهيئة على المد و التحسين و الترجيع، اذ ليست هذه الامور إلا أسبابا لايجاد الطرب، بمعنى ان الطرب الذي هي الخفة يراد ايجاده و حصوله في الخارج من فعل هذه الامور بواسطة التطريب و الاطراب، و هذا معنى قول الشيخ: أو كون التطريب هو نفس المد.

(1) ايراد رابع من الشيخ على ما أفاده صاحب (مفتاح الكرامة)

و خلاصة الايراد: أنه بالإضافة الى ما أوردنا عليه من الاشكالات الثلاثة: يرد عليه أيضا: أن المد و التحسين و الترجيع لا يمكن أن يراد من المطرب الواقع في تعريف اكثر الفقهاء الغناء: بأنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، لتصريحهم بأن الطرب هي الخفة الحاصلة في نفس المغني أو السامع، و ان الاطراب صفة للغناء المسبب للخفة، فلو كان معنى الطرب هو مد الصوت و تحسينه و ترجيعه لما صح أخذه قيدا في قبال ذلك، لأن المفروض أن الطرب هو الترجيع و المد فيكون ذكره ثانيا لغوا -

ص: 212

مع أن (1) مجرد المد و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا لما مر (2) و سيجيء (3).

فتبين (4) من جميع ما ذكرنا أن المتعين حمل المطرب في تعريف الاكثر للغناء: على الطرب بمعنى الخفة.

++++++++++

- فلا محالة يقصدون بالقيد المذكور معنى آخر و هي الخفة المذكورة.

اذا لا يمكن حمل كلام الفقهاء على ما ذهب إليه صاحب (مفتاح الكرامة) من أن الطرب هو مد الصوت و تحسينه و ترجيعه و ترقيقه فيكون الطرب حينئذ مجرد صوت خرج من الفم من دون أن يحدث في الانسان كيفية خاصة المعبر عنها بالخفة فيلزم ان يكون هذا حراما، مع أنه لم يقل أحد بحرمة مجرد المد و الترجيع كما صرح بعدم الحرمة صاحب (جامع المقاصد) في ص 198 عند نقله عنه: ليس مجرد مد الصوت محرما و ان مالت إليه النفوس ما لم ينته الى حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للاطراب.

(1) عرفت شرح هذا آنفا عند قولنا: مع أنه لم يقل أحد بحرمة

(2) أي في قول صاحب (جامع المقاصد) في ص 198 كما اشرنا إليه آنفا.

(3) في أثناء البحث عند قوله: حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو، و قوله: فكل صوت يكون لهوا بكيفيته، و معدودا من ألحان أهل الفسوق و المعاصي و ان فرض انه ليس بغناء.

و قوله: ثم إن المرجع في اللهو العرف، و الحاكم بتحققه هو الوجدان.

(4) أي و على ضوء ما ذكرنا في مطاوي المباحث السابقة من نقل كلمات الأصحاب و اللغويين، و الاستشهاد بالآيات الكريمة، و الأحاديث الشريفة: تبين و ظهر أن القدر المتيقن من الغناء الذي يصدر وفقا للحون أهل المعاصي و الفسوق بسببها تحدث في الانسان خفة تخرجه عن حالته الطبيعية المتوازنة.

ص: 213

و توجيه (1) كلامهم بإرادة ما يقتضي الطرب، و يعرض له (2) بحسب وضع نوع ذلك الترجيع، و ان لم يطرب شخصه لمانع: من غلظة الصوت، و مج (3) الاسماع له.

و لقد أجاد في الصحاح حيث فسّر الغناء بالسماع و هو المعروف عند أهل العرف (4)، و قد تقدم (5) في رواية محمد بن أبي عباد المستهتر بالسماع.

++++++++++

(1) بالرفع عطفا على خبر إن في قوله: فتبين من جميع ما ذكرناه أن المتعين، أي و أن المتعين أيضا توجيه كلام الفقهاء في الغناء المأخوذ فيه الطرب: بأن لا يبقى على ظاهره.

خلاصة ما أفاده الشيخ في هذا المقام بعد اكتفائه بالطرب الشأني الاقتضائي: أن آراء الفقهاء في الغناء متحدة معه، لأن الطرب المأخوذ في تعريف الفقهاء الغناء بأنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب يحمل على الطرب الاقتضائي الشأني، لا الطرب الفعلي حتى يلزم المحذور المذكور:

و هو خروج أكثر الناس عن تحت تلك الكبرى الكلية، لعدم عروض الخفة لهم، للامور الأربعة المذكورة، فلا يلزم تبعيض الحكم و هي الحرمة في حق من تعتريه تلك الحالة، و عدم الحرمة في حق من لا تعتريه، بل الحرمة شاملة للجميع فتتوسع دائرة الغناء.

بخلاف الإطراب الفعلي، فان دائرته تتضيق.

(2) أي و يعرض للغناء اقتضاء الطرب و شأنية بحسب وضع ذلك الترجيع و نوعه.

(3) وزان مد يمد معناه التنفر يقال: مجّ الصوت أي تنفر منه و كرهه

(4) أي السماع اسم للغناء عرفا فكلما عبر عنه في العرف يراد منه الغناء.

(5) أي في ص 183 عند قوله: و كان مستهترا بالسماع، و بشرب النبيذ.

ص: 214

و كيف كان (1) فالمحصل من الأدلة المتقدمة حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو، فان اللهو كما يكون بآلة من غير صوت كضرب

++++++++++

(1) أي سواء اريد من الغناء المحرم: الاقتضائي الشأني أم أريد الفعلي، أم عبر عنه بالسماع كما في الصحاح، أم شيء آخر غير هذه:

فالمحصل من الأخبار الواردة في الغناء المشار إليهما في ص 181-186، و من الآيات الكريمة التي اشير إليها في ص 164-168: هي حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو.

بعبارة اخرى أن الحرمة المستفادة من الأخبار و الآيات مقيدة بقيدين:

و هما: كون الصوت مشتملا على الترجيع.

و كون الصوت صادرا على سبيل اللهو.

و أما إذا كان الصوت مشتملا على الترجيع مجردا عن اللهو فلا تشمله الحرمة، لانتفاء المركب بانتفاء أحد جزئيه.

و إنما قيد الصوت بكونه لهوا، لأن اللهو كما يكون بالآلة المجردة عن الصوت كالضرب بالأوتار.

كذلك يكون بالصوت في الآلة كالتغني بالمزامير و القصب.

و كذلك يكون بالصوت المجرد عن الآلة المرجع فيها على سبيل اللهو.

فالصوت المحرم هو الصوت اللهوي المكيف بكيفية خاصة: من الترجيع و التحسين، و أنه من ألحان أهل الفسوق و المعاصي.

أليك أقسام اللهو.

(الأول): كون اللهو بالآلة المجردة عن الصوت.

(الثاني): كون اللهو بالصوت بتوسط الآلة.

(الثالث): كون اللهو بالصوت المجرد عن الآلة.

ص: 215

الأوتار و نحوه (1)، و بالصوت في الآلة كالمزمار و القصب (2) و نحوهما فقد يكون بالصوت المجرد (3) فكل صوت يكون لهوا بكيفية (4)، و معدودا من ألحان أهل الفسوق و المعاصي فهو حرام و ان فرض أنه ليس بغناء.

و كل ما لا يعد لهوا (5) فليس بحرام و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق، لعدم الدليل على حرمة الغناء إلا من حيث كونه باطلا و لهوا و لغوا و زورا.

ثم إن اللهو يتحقق بامرين

ثم إن اللهو يتحقق بامرين:

(أحدهما): قصد التلهي و ان لم يكن لهوا (6).

(الثاني): كونه لهوا في نفسه عند المستمعين و ان لم يقصد به التلهي (7).

++++++++++

(1) هذا هو القسم الأول.

(2) هذا هو القسم الثاني.

(3) هذا هو القسم الثالث.

(4) و هو اللحن المخصوص المعبر عنه بترجيع الصوت و تحسينه و ترقيقه بحيث يعد من ألحان أهل الفسوق و المعاصي.

(5) أي ما لا يعد لهوا و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا محالا فليس بحرام، لأن الملاك في الحرمة: كون الغناء لهوا و باطلا و لغوا و زورا كما عرفت من الآيات و الأخبار المتقدمة في ص

(6) كما اذا كان في حالة غضب، أو الم، أو هم و يريد أن يتناسى ذلك فيقرأ القرآن، أو الدعاء بقصد التلهي من دون أن تكون نفس القراءة لهوا.

(7) كما إذا قصد القاء اللحن على المستمعين، ليفهم أنه يحسنه من دون -

ص: 216

ثم إن المرجع في اللهو الى العرف

ثم إن المرجع في اللهو الى العرف (1)، و الحاكم بتحققه هو الوجدان (2)، حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو

++++++++++

- قصد التلهي، لكن اللحن عند المستمعين يعد غناء فهذا يكون حراما أيضا لأنه صوت لهوي غنائي.

(1) فما يراه العرف مصداقا للصوت اللهوي فهو حرام، و ما لا يراه مصداقا له فليس بحرام.

و أما عند اختلاف العرف بأن يراه البعض صوت لهو و غناء، و البغض الآخر لا يراه كذلك، سواء أ كانت وجهة الاختلاف من جهة الأمكنة أم من جهة الازمنة أم من جهة الطبقات، فإن اعتبرنا الصدق النوعي فلا ريب في حرمة ذلك، و الا اختص الحكم بموارد الصدق فقط:

فالمرجع حينئذ الأخذ بالمتيقن اذا كان هناك قدر جامع بين الموارد المختلفة: من عموم و خصوص مطلقين، أو عموم و خصوص من وجه.

و أما إذا لم يكن قدر جامع في البين فلا بأس بالتمسك باصالة الجواز.

و أما إذا كان بين مفاهيم الغناء في العرف تباين كلي، و كان الحرام منحصرا فيها غير خارج عنها وجب الاجتناب عن الجميع، للعلم الاجمالي بذلك، لأن الشبهة محصورة يجب الاجتناب عنها.

(2) قال في (مجمع البحرين) في مادة وجد: الوجدان من القوى الباطنة، و كل ما يدرك بالقوى الباطنة يسمى ب: الوجدانيات فالوجدان قوة مدركة بحيث تقتنع النفس بها، و لا تحتاج معها الى برهان.

و عليه فالوجدان فعل القوى، و رؤيتها للشيء، لا أنه في قبالها و أنه شيء آخر.

فمقصود الشيخ أن الحاكم بتحقق اللهو في الخارج: هو الوجدان الذي هو من القوى الباطنة، و من الامور البديهية التي لا تحتاج معها -

ص: 217

و الرقص (1)، و لحضور (2) ما يستلذ القوى الشهوية: من كون المغني جارية، أو امرد، أو نحو ذلك (3).

و مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء (4) فقد يحس

++++++++++

- إلى برهان، فلهوية الشيء تدرك بالقوى الباطنة البديهية.

و لا يخفى أن الوجدان بهذا المعنى الذي يعبر عنه في عرفنا الحاضر ب: الضمير بالكسر و أما بالضم فهو من مصادر وجد بمعنى الإصابة و الحصول.

(1) أي الوجدان تارة يجد الصوت المناسب للهو، أو الرقص فيحكم بكونه لهوا فيكون الصوت المناسب منشأ لحكم الوجدان يكون احدهما غناء و لهوا.

(2) أي الوجدان اخرى يجد عند حضور ما تستلذه القوى الشهوية من غناء الجارية الحسناء، أو الولد الامرد الجميل: لهوا.

هذه من الضمائم التي تتضاعف معصية اللّه عز و جل بها، لا أنها من مقومات مفهوم الغناء المعبر عنه ب: الصوت اللهوي بحيث لولاها لما تحقق المفهوم و المصداق.

(3) كما إذا كان الغناء مشتملا على الغنج و الدلال، أو وصف المضاجعة، و الملاعبة، أو كان الغناء مشتملا على الأدب المكشوف، بناء على اصطلاح أدبائنا المعاصرين بحيث يغري المستمعين على الحرام، أو كان مشتملا على مدح الشراب، أو أي محرم آخر من الأسباب المغرية بالحرام

(4) قد عرفت في الهامش من ص 217: أن الوجدان من الأمور البديهية الواضحة، و من القوى الباطنة التي لا تحتاج معها إلى برهان فعليه لا يكون الوجدان من الامور الخفية حتى تختلف مراتبه في الوضوح و الخفاء «كما قيل في المثل: إن توضيح الواضحات من أشكل المشكلات».

ص: 218

بعض الترجيع من مبادي الغناء و لم يبلغه (1).

++++++++++

- و هذه المراتب تكون في الشك و الظن فكيف أفاد الشيخ رحمه اللّه أن مراتب الوجدان تختلف في الوضوح و الخفاء؟

نعم يمكن أن يقال: إن الوجدان يختلف باختلاف الأشخاص سرعة و بطء، اذ من الأشخاص من يحكم وجدانه بسرعة، و بعض يحكم ببطء و هذا لا يصير سببا لاختلاف مراتب الوجدان وضوحا و خفاء، فهو كالظن و الشك و القطع.

فكما أن بعض الأفراد يسرع في الظن أو الشك، أو القطع، و بعضا يبطئ في ذلك.

كذلك الوجدان له السرعة و البطء.

لا يقال: اذا كان الوجدان يختلف باختلاف الأشخاص فما المرجع في تشخيص الغناء إذا؟

فإنه يقال: على كل انسان أن يعمل بوجدانه، لأنه لا يمكن أن يكلف بالعمل على وجدان الآخرين، و حكم الوجدان حكم القطع في حجيته كما فصل مشروحا في محله.

راجع (الرسائل) في حجية القطع (لشيخنا الأعظم الأنصاري).

نعم إذا كان الوجدان من قبيل قطع القطاع فلا يكون حجة، كما لا يكون قطع القطاع حجة.

(1) معنى هذه الجملة: (فقد يحس بعض الترجيع من مبادئ الغناء و لم يبلغه): أن وجد ان بعض الأشخاص يرى الترجيع من مبادئ الغناء، لكنه لم يصل الى حد الغناء فلا يكون الترجيع حراما، لأن مبادئ الشيء لا يكون منه، إلا بناء على أن مقدمة الحرام حرام فيكون حينئذ حراما.

ص: 219

لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق أو باطل

و ظهر مما ذكرنا (1) أنه لا فرق بين استعمال

++++++++++

- و وجدان بعض آخر لا يرى ذلك من مبادئ الغناء أصلا.

و وجدان بعض آخر يرى الترجيع من مبادئ الغناء و أنه وصل الى حده (1) أي مما أفاده الشيخ قدس سره في قوله: فالغناء من مقولة الكيفية للأصوات كما سيجيء تحقيقه في محله.

و في قوله: فالمحرم هو ما كان من لحون اهل الفسوق و المعاصي.

و في قوله: مع أن الظاهر أن الغناء ليس إلا ما كان من لحونهم و إلا: فهو خارج موضوعا عن مفهوم الغناء.

و في استشهاده رحمه اللّه مما في (جامع المقاصد بقوله: ليس مجرد مد الصوت محرما و ان مالت إليه النفوس ما لم ينته الى حد يكون مطربا بالترجيع.

و ما نقله عن (صاحب مفتاح الكرامة).

و في قوله: فكل صوت يكون لهوا بكيفية، و معدودا من ألحان أهل الفسوق و المعاصي فهو حرام.

و في قوله: فكيف كان فالمحصل من الأدلة المتقدمة حرمة الصوت المرجع فيه.

و في قوله: فليست هذه الامور إلا أسبابا للطرب يراد ايجاده من فعل هذه الأسباب.

فمن جميع هذه الآراء و الأقوال ظهر لك أنه لا فرق بين استعمال الكيفية المذكورة التي هو الصوت اللهوي المرجع في كلام حق أو باطل.

و ظهر لك أيضا أن كل ذلك إنما ذكره تأييدا لرأيه: و هو عدم حرمة الغناء المجرد عن الوصفين.

و هما: كون الصوت مشتملا على الترجيع.

و كون الصوت صادرا على سبيل اللهو.

ص: 220

هذه الكيفية (1) في كلام حق أو باطل، فقراءة (2) القرآن و الدعاء

++++++++++

(1) المراد من هذه الكيفية الصوت اللهوي المرجع، سواء أ كان في كلام حق أم باطل.

(2) الفاء تفريع على ما أفاده: من أن الغناء هي الكيفية الخاصة التي هو الصوت المرجع اللهوي، لا المضمون فقط.

و خلاصة التفريع: أنه بعد الاحاطة بحقيقة الغناء و ماهيته لا يجوز التغني حتى في قراءة القرآن و الأدعية و الأوراد و الأذكار و المناجاة و الابتهال الى اللّه عز و جل، و مدائح (الرسول. و أهل البيت) صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم.

هذا ما استفدناه من كلام الشيخ هنا، و من تفريعه قوله: (فقراءة القرآن و الدعاء و المراثي بصوت يرجّع فيه على سبيل اللهو لا اشكال في حرمتها، و لا في تضاعف عقابها، لكونها معصية في مقام الطاعة و استخفافا بالمقروء، و المدعو و المرثى)، لانه لا يطاع اللّه من حيث يعصى لكن للخدشة فيه مجال.

أما حرمة قراءة القرآن فلورود النص الخاص بها بالألحان المخصوصة كما في رواية (عبد اللّه بن سنان) الآتية في ص 238 عند قوله عليه السلام:

(اقرءوا القرآن بألحان العرب، و إياكم و لحون أهل الفسق و الكبائر).

و المراد من لحون أهل الفسق اللحون التي تكون بصوت يرجع فيها على سبيل اللهو.

و أما الأدعية و الأذكار و الأوراد و المراثي فاذا قرأت بالألحان الفسوقية فحرام أيضا، و إلا فلا.

ثم لا يخفى أن هناك ألحانا خاصة المعبر عنها بأناشيد تنشد في ساحة الحرب في سبيل الجهاد مع أعداء الدين توجد حماسة و نشاطا و تفانيا في قتال -

ص: 221

و المراثي بصوت يرجع فيه على سبيل اللهو لا اشكال في حرمتها و لا في تضاعف (1) عقابها، لكونها معصية في مقام الطاعة، و استخفافا بالمقرو و المدعو و المرثى (2).

++++++++++

- الكافرين فما رأي الشيخ في هذا المورد و أضرابه ؟

هل أنه خارج موضوعا عن صدق الغناء عليه، أو أنه داخل و قد حكم باستثنائه لمصلحة الحرب في قتال المشركين فتكون أهم في نظر (المشرع الأعظم) فتندك تلك المفسدة في قبال هذه المصلحة ؟

و لعل هذه الوجوه أقرب لنظر الشيخ قدس سره.

اللهم إلا أن يقال: إن اللحن الحماسي و ما يرتجز به المجاهد في سبيل اللّه في ساحة الحرب له لون خاص ليس من ألوان ألحان الفساق المناسب لها، و التي تهيج الشهوة و تثيرها، إذ كيف تأتيه تلك الحالة و هو بصدد كسح الفساد، و قمع أصل الفسق، و لو فرض أن اللحن الحماسي في الجهاد لحن غنائي فسقي فله حكمه من الحرمة، لعدم المنافاة بين حرمة ذلك و وجوب الجهاد عليه في ميدان الحرب بشروطه الخاصة، كما أن المجاهد يحرم عليه غيبة المؤمن في ساحة الحرب أثناء جهاده مع العدو فهل يتوهم أحد هنا سقوط حكم الغيبة و هي الحرمة من هذا المجاهد، لكونه في ميدان الحرب يجاهد ضد العدو، و ان فرض بعيدا أن الجهاد متوقف على غيبة المؤمن، فالغيبة لها حكمها، و الجهاد له حكمه.

(1) أي من يقرأ القرآن و الأدعية و المراثي بتلك الكيفيات و الألحان يعاقب ضعف من يقرأ الباطل و البهتان و الزور بالغناء فيتضاعف العذاب على هذا دون ذاك.

(2) المراد بالمرثى الامام عليه السلام، و بالمدعو اللّه عز و جل -

ص: 222

و من أوضح تسويلات (1) الشيطان أن الرجل المتستر قد تدعوه نفسه لاجل التفرج (2) و التنزه و التلذذ الى ما يوجب (3) نشاطه، و رفع الكسالة عنه: من الزمزمة (4) الملهية فيجعل ذلك (5) في بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثي، و نحوها (6) فيتغنى به، أو يحضر

++++++++++

- و بالمقرو القرآن و الدعاء، أي القراءة بتلك الألحان تكون هتكا و استخفافا باللّه عز و جل، و بالامام عليه السلام، و بالقرآن.

(1) مصدر باب التفعيل من سول يسول تسويلا: معناه: التزيين و التحسين. يقال: سول بي الشيطان، أي زين الشيء، و سولت له نفسه أي زينت للانسان، اذ الشيطان و النفس الأمارة يزينان و يحسنان الباطل و المعصية للانسان فيرتفع قبحهما في نظره فيقدم على قراءتهما.

و المراد من المتستر من كان حييا و متجنبا عما يشينه.

(2) الفرج بفتحتين: انكشاف الشدة و الهم، و التنزه بمعنى طلب النزهة.

و التلذذ مصدر باب التفعل: معناه: اللذة، أي طلب الفرج و طلب الخروج الى المنتزه، و طلب اللذة.

(3) الجار و المجرور متعلقان بقوله: تدعوه نفسه

(4) و هو الترنم بصوت ملائم.

(5) أي قد يجعل الانسان ما يوجب نشاطه في بيت من الشعر: بأن تكون له زمزمة ملهية.

(6) أي و نحو الشعر المنظوم في الحكم و المراثي: الأشعار الواردة في مدائح المعصومين عليهم السلام التي يتغنى بها، فإن قراءتها بكيفية خاصة من الزمزمة الملهية حرام أيضا.

هذا من (شيخنا الأنصاري) رحمه اللّه عجيب جدا، حيث أفاد سابقا: أن مجرد المد و الترجيع، و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا ما لم يكن -

ص: 223

عند من يفعل ذلك (1).

و ربما يعد (2) مجلسا لأجل إحضار

++++++++++

بقصد اللهوية فكيف يحكم هنا ان مجرد الزمزمة لتناسي بعض ما يضايقه من امور الدنيا، و يلاقيه منها حرام، هل التناسي حرام ؟ اللهم لا

أم مجرد المد و الترجيع من دون الإطراب الفعلي، أم الشأني الاقتضائي كما أفاده هو رحمه اللّه.

و لعل الشيخ قدس سره يريد بالتسويل الشيطاني: أن الشيطان يوقع الانسان في المعصية شيئا فشيئا و تدريجا و إن كانت المبادي مجرد مد الصوت و تحسينه و هما ليسا بحرامين، لكنهما يجران الانسان إلى الحرام الواقعي لا محالة فيهلك من حيث لا يعلم.

و يدل على ذلك الحديث الشريف النبوي صلى اللّه عليه و آله.

إن الامور ثلاثة: أمر بين رشده فيتّبع، و أمر بين غيه فيجتنب و شبهات بين ذلك، فمن اجتنب الشبهات نجى من المحرمات، و من اقتحم الشبهات هلك من حيث لا يعلم. (وسائل الشيعة). الجزء 18. ص 118 الباب 12 من أبواب صفات القاضي. الحديث 23.

(1) كما لو فرض أنه لا يحسن الزمزمة، أو لا يعرف ما يكون صالحا للقراءة.

(2) بضم الياء و كسر العين: فعل مضارع معلوم فعل ماضيه أعدّ أصله اعدد وزان اكرم فهو من باب الإفعال نقلت الفتحة إلى العين، و أدغمت الدال الأولى في الثانية على القاعدة المشهورة.

و المضارع المعلوم أصله يعدد وزان يكرم نقلت الكسرة إلى العين اجتمعت الدالان. أدغمت الأولى في الثانية فصار يعد.

ص: 224

أصحاب الألحان (1)، و يسميه مجلس المرثية فيحصل له بذلك (2) ما لا يحصل له من ضرب الأوتار من النشاط (3) و الانبساط.

و ربما يبكي في خلال ذلك، لأجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره: من فقد ما يستحضره (4) القوى الشهوية، و يتخيل أنه بكى في المرثية، و فاز بالمرتبة العالية، و قد أشرف على النزول الى دركات الهاوية، فلا ملجأ إلا الى اللّه من شر الشيطان، و النفس الغاوية.

عروض بعض الشبهات في الحكم أو الموضوع أو اختصاص الحكم ببعض الموضوع
اشارة

و ربما يجري على هذا (5) عروض الشبهة في الأزمنة المتأخرة في هذه المسألة فتارة من حيث أصل الحكم و اخرى من حيث الموضوع.

++++++++++

(1) ليس المراد من أصحاب الألحان: المغنين، بل المراد من يحسن الألحان من غير ان يكون من أهل الغناء.

(2) أي بسبب إحضار أصحاب الألحان.

و هنا مجال للنقاش: و هو أنه هل حصول النشاط و الانبساط من دون أن يكون موجبا لخروج الانسان عن التوازن و حالته الطبيعية حرام ؟

فالجواب لا؟

اللهم إلا أن يقال: إن المتبادر من اعداد المجلس للألحان: الحان أهل الفسوق فيحرم الانبساط و النشاط، لحرمة مقدمة الحرام بناء على حرمتها.

(3) الجار و المجرور متعلق بقوله: فيحصل أي فيحصل له من النشاط ما لا يحصل له من ضرب الأوتار.

(4) الظاهر ما تسحسنه القوى الشهوية، لا ما تستحضره كما لا يخفى على المتأمل العارف.

(5) أي على الحكم بحرمة مسألة الغناء عروض الشبهة.

و عروض الشبهة على أقسام ثلاثة.

(الأول): عروضها لأجل اشتباه الحكم بمعنى أن الموضوع معلوم

ص: 225

..........

++++++++++

- و معين إلا أن الحكم غير معلوم كما اذا علمنا أن هذا الشيء المعين غناء لا شبهة فيه.

لكن نشك في حرمته فالشبهة هنا حكمية و تحريمية.

فالمرجع فيها عند الاصوليين البراءة، و عند المحدثين التحريم.

و منشأ هذه الشبهة فقد الدليل المعتبر، أو اجمال الدليل، أو معارضته بما دل على خلافه، أو غير ذلك مما حرر في علم الاصول.

راجع فرائد الاصول (لشيخنا الأنصاري) فإنه قدس اللّه نفسه قد اشبع الكلام في هذا الموضوع.

(الثاني): عروضها في موضوع الحكم بمعنى أن الحكم معلوم و معين لكن الموضوع غير معين و معلوم كما اذا علمنا حرمة الغناء و قطعنا بها إلا أننا نشك في تعيين موضوعه و تحديد مصداقه.

بعبارة اخرى أن الشك في صغريات الغناء و مصاديقه، لا في الكبرى الكلية و هي الحرمة القطعية.

فهذا يسمى بالشبهة الموضوعية المصداقية، فلا يجوز في مثله التمسك بالعمومات الدالة على حرمة الغناء.

(الثالثة): يكون عروض الشبهة بعد ثبوت الحكم و الموضوع بمعنى أننا نعلم بحرمة الغناء، و نشخص موضوعه و مصداقه.

لكننا نقول بعدم جريان الحرمة في جميع مصاديق الغناء و أفراده بل تختص الحرمة ببعض الأفراد و المصاديق.

هذه هي الأقسام الثلاثة لجريان عروض الشبهة في الغناء.

و قد أشار الشيخ الى كل واحد منها بقوله: فتارة من حيث أصل الحكم، و اخرى من حيث الموضوع، و ثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.

ص: 226

و ثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.

أما الأول أي ما كان الموضوع معلوما، و الحكم غير معلوم

أما الأول (1) فلانه حكي عن المحدث الكاشاني أنه خص الحرام منه بما اشتمل على محرم من خارج مثل اللعب بآلات اللهو، و دخول الرجال

++++++++++

(1) المراد من الأول: ما كان الموضوع معلوما، و الحكم غير معلوم.

من هنا بداية الشروع من الشيخ في بيان عروض الشبهة من حيث الحرمة في مسألة الغناء لبعض الأعلام من المجتهدين.

و من هؤلاء الأعلام: (المحدث الكاشاني) أعلى اللّه مقامه.

و خلاصة ما أفاده هذا العملاق في هذا المقام: أن الغناء بما هو غناء مجرد عن الأمور الخارجية الطارئة عليه كاختلاط النساء بالرجال، و اصطكاك الجنسين من غير المحارم بالنسب و السبب كما كان المتعارف في العصرين:

(الاموي و العباسي): من تشكيل مجالس للاغاني فيؤتى بالمغنيات فتأخذ في التغني فيدخل عليهن الرجال الأجانب فيتكلمن بالأباطيل مما يثير الشهوة و يسبب تهييجها، و يغري بالمحرمات من التشبيب بالفتيان و الفتيات.

و هذا هو المعبر عنه في عصرنا الحاضر: بالأدب المكشوف الذي يؤدي بصاحبه الى السقوط في هوة الجهل: و يجلب عليه الويلات ماديا و معنويا و خلقيا فمثل هذا الغناء المقترن مع أحد الامور المذكورة يكون محرما.

و لولاها لما كان الغناء في حد نفسه مع قطع النظر عما ذكر محرما فاذا اتصف بأحد المذكورات جاءت الحرمة له من ناحيته لا من ناحية التغني.

ثم أيد (المحدث الكاشاني) مدعاه بما يستفاد من الأخبار الواردة في حرمة الغناء التي ذكرناها في صدر العنوان.

فقال: المستفاد هو اختصاص الحرمة بالغناء المتعارف في العصرين المذكورين.

ثم استدل على صحة دعواه بالتعليل المذكور في الحديث الوارد -

ص: 227

على النساء، و الكلام بالباطل، و إلا فهو (1) في نفسه غير محرم.

و المحكي من كلامه في الوافي (2) أنه بعد حكاية الأخبار التي يأتي بعضها.

++++++++++

- في جواز التغني في الأعراس، و عند ما تزف العروس الى بيت بعلها.

أليك نص الحديث:

قال (أبو عبد اللّه الصادق) عليه السلام: أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، ليست بالتي يدخل عليها الرجال.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 84. الباب 15 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 1.

فجملة: (ليست بالتي يدخل عليها الرجال) تعليل لجواز أخذ المغنية اجرها عند ما تغني في الأعراس، و تزف العروس الى بيت بعلها حيث إن الامام عليه السلام حصر الحرمة في غناء المغنيات التي يدخل عليهن الرجال فيختلطن معهم، فيترتب على مثل هذا الدخول و الاختلاط المفاسد المهمة كما في عصرنا الحاضر.

و لو لا هذه الجهة، و الجهات الاخرى المذكورة لما كان الغناء في نفسه حراما.

ثم أفاد (شيخنا المحدث الكاشاني) أن الأخبار الناهية عن أخذ المغنيات أجور الغناء، و عن تعليم الغناء و تعلمه، و الاستماع إليه: كلها ناظرة الى تلك الأغاني المزدوجة مع تلك المحرمات المذكورة: من دخول الرجال على النساء، و من تكلمهن بالأباطيل، و لعبهن بالملاهي.

(1) مرجع الضمير الغناء. و المعنى ان الغناء اذا كان مجردا عن المحرمات المذكورة لا يكون محرما.

(2) راجع الوافي الجزء 10 من المجلد 3. ص 32-35. -

ص: 228

قال: (1) الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه: اختصاص حرمة الغناء، و ما (2) يتعلق به من الأجر و التعليم و الاستماع، و البيع

++++++++++

- أما الكتاب هذا فمؤلف نفيس، و مصنف عظيم في ثلاثة مجلدات ضخام في الأحاديث المروية عن (الرسول الاعظم و أهل بيته الكرام) صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم أجمعين المودعة في الكتب الأربعة: (الكافي من لا يحضره الفقيه التهذيب الاستبصار).

بالإضافة الى ما في الكتاب من فوائد جمة لا يستغني عنها رواد العلم و طلابه فشكر اللّه سعي مؤلفه، و اسكنه فسيح جنته.

أما مؤلف الكتاب فشيخنا البحاثة علامة زمانه المشتهر في الآفاق (المحقق الكاشاني) عطر اللّه مرقده يأتي شرح حياته مفصلا عن شتى جوانبها في (أعلام المكاسب).

(1) أي قال (المحدث الكاشاني) في نفس المصدر: ان الأخبار الواردة في الغناء يظهر منها اختصاص الحرمة بالغناء الموجود في العصرين لا مطلق الغناء حتى المجرد عن المحرمات المذكورة.

(2) أي و يظهر من الأخبار الواردة في الغناء ان حرمة متعلقات الغناء: من أخذ الاجرة عليه، و اعطاء الاجرة للمغني، و اعداد المجالس له، و تمكين الغير من ذلك، و التشويق إليه: راجعة الى الغناء الذي كان في العصر (الاموي و العباسي).

ص: 229

و الشراء كلها مما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني امية، و بني العباس: من دخول الرجال عليهن، و تكلمهن بالأباطيل (1)، و لعبهن بالملاهي (2): من العيدان (3) و القصب و غيرهما (4)، دون ما سوى (5)

++++++++++

(1) جمع باطل: و هو ما كان مخالفا للحق كما علمت.

(2) جمع ملهى بكسر الميم: و هي آلات اللهو.

(3) جمع عود: آلة يضرب بها فتحدث أصواتا مطربة يستحسنها أهل الطرب و يستذوقها.

و القصب نبات ساقه أنابيب و كعوب و لها ثقوب معينة محدودة حسب تعيين مهرة هذا الفن يصنع منه آلة لهو: تخرج منها أصوات مطربة إذا نفخ فيها، فعليه لا يقال: لعب بالقصب، و إنما يقال: نفخ بالقصب.

و ربما يقارن بذلك ألحان من الغناء كما قال المولوي المثنوي:

بشنو از ني چون حكايت مى كند *** و از جدائيها شكايت مى كند

و ليست هذه الحكاية الا ما يقرنه النافخ في القصب.

(4) أي غير العيدان و القصب كالمذياع و التلفاز في عصرنا الحاضر حيث إنهما يريان الانسان، و يسمعانه كل ما تهواه نفسه الامارة: من ضروب الألحان و الأوتار، و مختلف الرقصات المؤدية بالناظر، أو السامع الى الخروج عن حد الاستقامة، و التوازن الطبيعي.

(5) أي و ما سوى هذا الغناء المصاحب لاختلاط الرجال بالنساء:

من الغناء المجرد عن الاختلاط، و المجرد عن الكلام بالباطل، و المجرد عن اللعب بالعيدان و القصب، و المجرد عن المذياع و التلفاز، و من أي أنواع الغناء لا يكون محرما.

راجع نفس المصدر. ص 35.

ص: 230

ذلك من أنواعه كما يشعر به (1) قوله عليه السلام: ليست بالتي يدخل عليها الرجال الى أن قال (2): و على هذا فلا بأس بسماع التغني بالأشعار المتضمنة لذكر الجنة و النار، و التشويق إلى دار القرار، و وصف نعم اللّه الملك الجبار، و ذكر العبادات، و الترغيب في الخيرات، و الزهد في الفانيات و نحو ذلك كما اشير إليه (3) في حديث الفقيه بقوله: فذكرتك الجنة (4) و ذلك (5) لأن هذا كله ذكر اللّه.

++++++++++

(1) هذا تأييد من (المحدث الكاشاني) لما ادعاه من أن الغناء في حد نفسه ليس حراما لو لم يقترن باحد الامور المذكورة.

و حاصل التأييد أن التعليل الوارد عن الامام عليه السلام في جواز التغني في الأعراس، و عند زفّ العروس الى بيت بعلها في قوله: و ليست بالتى يدخل عليها الرجال: مشعر بما قلناه.

و قد عرفت كيفية التأييد و مصدر الحديث في ص 228.

(2) اي صاحب الوافي في المصدر نفسه قال: فبناء على ما ذكرنا في الغناء: من عدم حرمته لو كان مجردا عما ذكر.

(3) اي الى أن الغناء المجرد عن المحرمات المذكورة ليس بحرام

(4) راجع نفس المصدر. ص 84. الحديث 2. الباب 16.

(5) تعليل من (صاحب الوافي) لعدم الباس بالتغني بالأشعار المتضمنة لذكر الجنة و النار، و التشويق الى دار القرار، و وصف نعم اللّه الملك الجبار، و ذكر العبادات، و الترغيب في الخيرات، و الزهد في الفانيات

و خلاصة التعليل: أن التغني بما ذكر خارج موضوعا عن مصاديق الغناء المحرم و ان اشتمل على الترديد و الترجيع بنحو خاص، لأن الغناء المحرم ما كان على النحو المتعارف في العصرين المذكورين.

و قد عرفت كيفية في ذلك ص 228.

ص: 231

و ربما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم الى ذكر اللّه.

و بالجملة (1) فلا يخفى على أهل الحجى بعد سماع هذه الأخبار (2) تمييز حق (3) الغناء عن باطله (4) و ان اكثر ما يتغنى به المتصوفة في محافلهم

++++++++++

(1) اي كيف ما كان القول في حرمة الغناء.

(2) و هي الأخبار الواردة في حرمة الغناء التي مضت الاشارة الى قسم منها في صدر العنوان، و التي ذكرها في الوافي المصدر الذي اشرنا إليه.

(3) هو من قبيل اضافة الصفة الى الموصوف كما يقال: باطل الكلام اي الكلام الباطل فالمقصود غناء الحق.

و المعنى أن بعد ذكر الأخبار الواردة في تحريم الغناء يعرف اهل العقول الناضجة و يتمكن من تمييز غناء الحق و تشخيصه عن غناء الباطل

و المراد من (غناء الحق) الغناء الذي يذكر الجنة، و يحذر الانسان من نار الجحيم، و الهادي الى معرفة الباري عز و جل، و المخوّف من عقابه و المشوق الى نعيمه، و الغارس في القلوب الطاهرة، و الضمائر الصافية حب الفضائل، و كره الرذائل.

و قد يقال: ان الغناء بتلك الصفات له تاثير في النفوس اعمق من تاثير النطق العادي، فان كان هذا صدقا فلا شك في كون هذا الغناء من الغناء الحق.

(4) مرجع الضمير: الغناء و هو أيضا من قبيل اضافة الصفة الى الموصوف، اي الغناء الباطل. و معنى الغناء الباطل ما كان فيه زور او افك.

ص: 232

من قبيل الباطل. انتهى (1).

أقول (2): لو لا استشهاده بقوله: ليست بالتي يدخل عليها الرجال

++++++++++

(1) اي انتهى ما افاده (المحدث الكاشاني) في هذا المقام.

راجع نفس المصدر.

و لما كان ظاهر كلامه عدم اعترافه بحرمة الغناء بنحو مطلق، و في جميع الموارد، و في أي موضوع تحقق.

بل يقول بحرمته مقيدا و مشترطا باحد الامور المذكورة: فتصدى (الشيخ) للجواب عن هذه الظاهرة فاخذ في النقاش العلمي معه، و تحليل كلامه تحليلا دقيقا، لأن ما افاده مخالف للنصوص المتضافرة، فان حرمة الغناء بالمغنى الذي فسرناه لك و أفاده (شيخنا الأنصاري): كادت تكون اجماعية.

و قد وردت أخبار كثيرة في حرمة ما تلوناها عليك، و التي لم نذكرها اشرنا إليها فراجع مصدرها.

(2) هذه بداية الشروع من (الشيخ) في النقاش مع (المحدث الكاشاني) و خلاصته أنه من الممكن تطبيق كلامه على ما ذهبنا إليه في الغناء: من ان المحرم منه هو الصوت اللهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي و هي العيدان و القصب، و التكلم بالأباطيل، و اختلاط الرجال بالنساء في مجالس الانس و السهرات، لالتذاذ السمع من أغانيهن و أصواتهن الخلاعية، و لحظ البصر من رؤيتهن و جمالهن، فان الاختلاط و التكلم بالأباطيل، و اللعب بالملاهي تسبب اثارة الشهوة و هيجانها، و لازم هذه الاثارة و الهيجان التذاذ السمع من الأغاني، و البصر من الزنا بمعناه الاعم، لا خصوص المضاجعة و المقاربة و هما عاملان وحيدان، و مؤثران قويان للالتذاذ المذكور.

و الى هذا المعنى يشير قوله تعالى عز من قائل: إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ -

ص: 233

..........

++++++++++

وَ اَلْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (1) .

فمقالته كمقالتنا، و مذهبه كمذهبنا في حرمة الغناء من غير فرق بيننا و بينه

لكن استشهاده بتعليل الامام عليه السلام الوارد في الحديث بقوله:

ليست بالتي يدخل عليها الرجال: على حلية الأغاني في الأعراس، و زفّ العروس الى بيت بعلها: يتنافى و ظاهر كلامه الذي طبقناه على ما ذهبنا إليه، حيث ان الاستشهاد المذكور ظاهر في التفصيل في الحرمة بين افراد الغناء و مصاديقه بمعنى أن بعض أفراده يكون محرما كما اذا اقترن باحد المحرمات المذكورة: من الاختلاط، و التكلم بالأباطيل، و اللعب بالملاهي

و بعض أفراده ليس بحرام كما اذا اقترن بتذكير الجنة و النار، و التشويق الى دار القرار، و وصف نعم اللّه الملك الجبار، و غيرها مما ذكرنا.

و ليس الاستشهاد المذكور ظاهرا في التفصيل في مفهوم الغناء الذي هو القدر الجامع بين أفراده و مصاديقه، بمعنى أنه نوعان: لهوي محرم و غير لهوي غير محرم.

و الدليل على أن الاستشهاد المذكور راجع الى التفصيل في أفراد الغناء و مصاديقه، و ليس راجعا الى التفصيل في الغناء نفسه: أن صوت المغنية في الاعراس، و عند زفّ العروس الى بيت بعلها مما لا شك في كونه على سبيل اللهو و اللعب، مع انه جائز و حلال لا اشكال فيه، فاستثناؤه إنما هو لاجل النص الوارد، و ليس الاستثناء من قبيل تنويع الدليل بمعنى هذا حرام، و ذاك حرام ليصح التفصيل المذكور، فلو كان التفصيل من (المحدث الكاشاني) راجعا الى الغناء نفسه لما جاز التغني في الأعراس لأنه غناء لهوي.8.

ص: 234


1- الاسراء: الآية 38.

أمكن بلا تكلف تطبيق كلامه على ما ذكرناه: من أن المحرم هو الصوت اللهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي، و التكلم بالأباطيل، و دخول الرجال على النساء، لحظ السمع و البصر: من (1) شهوة الزنا، دون مجرد الصوت الحسن الذي يذكر امور الآخرة، و ينسي شهوات الدنيا.

إلا أن استشهاده (2) بالرواية: ليست بالتي يدخل عليها الرجال ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء، لا من حيث نفسه (3)، فان (4) صوت المغنية التي تزف العرائس: على سبيل (5) اللهو لا محالة، و لذا (6) لو قلنا باباحته فيما يأتي كنا قد خصصناه بالدليل.

++++++++++

- هذه خلاصة ما افاده الشيخ في النقاش مع (المحدث الكاشاني).

(1) من بيانية لحظ السمع و البصر اي حظ السمع عبارة عن التذاذه من الأغاني الخلاعية، و حظ البصر عبارة عن التذاذه من الزنا بمعناه الأعم.

(2) اي استشهاد (المحدث الكاشاني) بالرواية و هو قوله عليه السلام:

ليست بالتي يدخل عليها الرجال كما عرفت في ص 231.

(3) و قد عرفت معنى هذا في ص 234.

(4) تعليل لكون التفصيل المذكور ليس في الغناء نفسه.

و قد عرفت التعليل في ص 234 عند قولنا: إن صوت المغنية.

(5) الجار و المجرور مرفوعة محلا خبر لأن في قوله: فان صوت

(6) تعليل من (الشيخ الأنصاري) لما ذهب إليه: من أن صوت المغنية في الأعراس إنما هو على سبيل اللهو لا محالة، أي و لأجل أن صوت المغنية في الأعراس لهوي فلو قلنا باباحته فيها فلا بد من القول بخروجه عن تحت تلك الكبرى الكلية: و هي حرمة الغناء، و تخصيصه بدليل خاص حكما، لا موضوعا.

ص: 235

و نسب (1) القول المذكور الى صاحب الكفاية أيضا.

و الموجود (2) فيها بعد ذكر الأخبار المتخالفة جوازا و منعا في القرآن

++++++++++

(1) أي نسب (المحدث الكاشاني) القول المذكور: و هو أن الغناء في حد ذاته ليس حراما لو لم يقترن بأحد المحرمات المذكورة: و هو التكلم بالأباطيل، و اللعب بالملاهي، و اختلاط النساء بالرجال، ليستلذ السمع بالأغاني، و البصر بشهوة النساء.

(2) من هنا بداية شروع (الشيخ) في نقل عبارة صاحب (كفاية الفقيه) حتى يتضح لك مدى صحة النسبة المذكورة إليه.

و خلاصة النقل: أن الموجود في المصدر: هي كيفية طريق الجمع بين الأخبار المتضاربة في هذا المقام التي يدل بعضها على المنع من التغني مطلقا، سواء أ كان التغني بالقرآن أم بغيره.

(راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 226. الباب 99 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 6.

إليك نص الحديث عن ابن أبي عمير عن علي بن اسماعيل عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن (أبي جعفر) عليه السلام.

قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد اللّه عليه النار و تلا هذه الآية:

(وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ ) (1) .

فالحديث هذا مطلق يدل على حرمة الغناء في القرآن و غيره من دون تقييده بالقرآن، أو غيره.

و بعض الأخبار، يدل على جواز التغني مطلقا. سواء أ كان التغني بالقرآن أم بغيره.6.

ص: 236


1- لقمان: الآية 6.

..........

++++++++++

- راجع نفس المصدر. الجزء 4. ص 858. الباب 24 من أبواب قراءة القرآن. الحديث 1.

إليك نص الحديث.

عن (أبي بصير) قال: قلت (لأبي جعفر) عليه السلام: إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائي بهذا أهلك و الناس.

فقال: يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين(1) تسمع أهلك و ترجع بالقرآن صوتك، فإن اللّه عز و جل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا.

فالتعليل في قول الامام عليه السلام: فإن اللّه عز و جل يحب الصوت الحسن دال على جواز الترجيع الذي هو الغناء، بناء على تفسير الترجيع بالغناء مطلقا، سواء أ كان بالقرآن أم بغيره، لأن العلة توسع في بعض المقامات كما تضيق.

فلا يقال: إن المورد الوارد فيه العلة هو القرآن لا غير، و غير القرآن لا يكون مشمولا للوارد و يكون خارجا عنه.

هذه هي الأخبار المتضاربة و قد جمع بينهما صاحب (كفاية الفقيه) باحد الأمرين لا محالة إذا لم يمكن الرجوع الى المرجحات الخارجية، أو السندية أو الجهتية المعبر عنها بالمرجحات الداخلية.

(الأول): تخصيص الأخبار المانعة عن التغني مطلقا سواء أ كان بالقرآن أم بغيره: بغير القرآن بأن نقول: إن الحرمة مختصة بغير القرآن -ض.

ص: 237


1- المراد من ما بين القراءتين: هي القراءة بالصوت المتوسط لا العالي، و لا المنخفض.

..........

++++++++++

- و أنه لا يجوز قراءته بنحو التغني.

و حمل الأخبار الدالة على ذم التغني بالقرآن: على قراءة القرآن على سبيل اللهو و اللعب كما كان هذا النحو من القراءة مألوفا و متعارفا بين الفساق في أغنيتهم.

و أما إذا قرأ لا على سبيل اللهو و اللعب فتلك الأخبار لا تشمل هذا المورد.

و يؤيد هذا الحمل رواية عبد اللّه بن سنان عن (أبي عبد اللّه) عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم.

(وسائل الشيعة): الجزء 4. ص 858. الباب 24 من أبواب قراءة القرآن. الحديث 1.

فالحديث هذا يدل على حرمة التغني بالقرآن إذا كان بنحو اللهو الذي هو من ألحان أهل الفسوق، بخلاف ما إذا كان بنحو ألحان العرب و أصواتها فان الترجيع بالقرآن لا بأس به، و مطلوب في حد نفسه.

(الثاني): حمل الأخبار المانعة من التغني على الفرد الشائع في العصرين:

(الاموي، و العباسي)، حيث كان الشائع في عصريهما اختلاط الجواري بالرجال في مجالس الفجور و الخمور، و اللعب بالملاهي، و التكلم بالأباطيل و إسماعهن الرجال، دون مطلق الغناء الذي لا يوصف بالمذكورات فإنه غير محرم، فالمفرد المعرف باللام و هو الغناء الوارد في الأخبار: يحمل على الأفراد الشائعة في العصرين.

و لا يخفى أن الجمع الثاني عين الجمع الذي أفاده (المحدث الكاشاني) -

ص: 238

..........

++++++++++

- رحمه اللّه في الأخبار المانعة و المجوزة كما عرفت في ص 227-228 عند قوله: اختصاص حرمة الغناء و ما يتعلق به من الأجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء كلها مما كان على النحو المتعارف في زمن (بني امية و بني العباس) إلى آخر ما أفاده هناك.

ثم إن وجوه الجمع بين هذه الأخبار المتضاربة ترتقى الى خمسة أقوال

(الأول): الفرق بين ما كان من ألحان أهل الفسوق و غيرها.

(الثاني): الفرق بين تحسين الصوت و ترجيعه اذا لم يؤد الى الخفة.

و بين ما إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى الخفة.

(الثالث): الفرق بين ما كان شايعا في ذلك الزمان، و بين غيره.

(الرابع): صرف الأخبار المانعة الى القرآن، و الأخبار المجوزة إلى غير القرآن.

(الخامس): الفرق بين ما كان من الغناء زورا و باطلا، و لغوا و لهوا، و مثيرا للشهوات، و مغريا للمعاصي.

و بين ما لم يكن كذلك فمحرم في الأول، دون الثاني.

ثم إن النسبة بين هذه الأقوال كثيرة، و ذكرها خارج عن موضوع الهوامش، لكن لا تخلو عن فائدة.

(الأول) أن النسبة بين الأول و هو ألحان أهل الفسوق، و بين الثاني و هو ما أدى الى الخفة: التساوي، لأن ما يوجب الخفة هو بعينه ما يصدر من ألحان أهل الفسوق.

و أما النسبة بين الأول و هو ألحان أهل الفسوق و الثاني: و هو ترجيع الصوت و تحسينه إذا أدى الى الخفة - فهو التساوي أيضا، اذ كل غناء يكون من ألحان أهل الفسوق و العصيان: هو الغناء المؤدي الى الخفة. -

ص: 239

..........

++++++++++

- و كل غناء أدى الى الخفة هو بعينه الغناء الصادر من ألحان أهل الفسوق و العصيان.

و أما النسبة بين الأول: و هي ألحان أهل الفسوق و المعاصي.

و الثالث: و هو الغناء الشائع في العصرين: (الاموي و العباسي) عموم من وجه: لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما الاجتماع فكما لو كان الغناء من ألحان أهل الفسوق، و من الفرد الشائع في العصرين.

و أما مادة الافتراق من جانب الشياع كما اذا كان من ألحان أهل الفسوق و لم يكن من الفرد الشائع في العصرين.

و أما مادة الافتراق من جانب الألحان فكما لو كان شعر في المديح أو الرثاء، أو المناجاة و الابتهال الى اللّه عز و جل، و لكن بالوضع الشائع في العصرين.

و أما النسبة بين الأول: و هي الألحان، و الرابع: و هو صرف الأخبار المانعة عن التغني الى القرآن و انحصارها فيه - العموم المطلق في الأخير، و الخصوص المطلق في الأول، أي أن كل غناء في غير القرآن مباح، سواء أ كان من ألحان أهل الفسوق أم لا.

و ليس كل غناء في القرآن مباحا، سواء أ كان من ألحان أهل الفسوق أم لا.

بل بعض الغناء بالقرآن مباح اذا لم يكن من ألحان أهل الفسوق و المعاصي:

و أما النسبة بين الأول: و هي الألحان، و بين الخامس: و هو الغناء الزوري اللهوي الباطلي اللغوي: العموم و الخصوص من وجه، لهما مادة اجتماع و مادتا افتراق.

ص: 240

..........

++++++++++

أما الاجتماع فكما اذا كان الغناء من ألحان أهل الفسوق و كان زورا و لغوا و باطلا، و لهوا.

و أما مادة الافتراق من جانب الالحان فكما لو كان ما يقرأ لحنا حسنا، لكن لم يكن على نحو ألحان أهل الفسوق و المعاصي.

و أما مادة الافتراق من جانب الزور و الباطل فكما لو كان الغناء من ألحان اهل الفسوق و المعاصي، لكن في كلام حق غير باطل و غير زور.

و أما النسبة بين الثاني: و هو ترجيع الصوت و تحسينه اذا ادى الى الخفة، و الثالث: و هو الغناء الشائع في العصرين: العموم و الخصوص من وجه لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما الاجتماع فكما لو كان الغناء من الفرد الشائع في العصرين، و كان مؤديا الى الخفة.

و أما مادة الافتراق من جانب الغناء الشائع فكما لو أدى الغناء الى الخفة و لم يكن من الفرد الشائع من اختلاط الرجال مع النساء.

و أما مادة الافتراق من جانب عدم الأداء الى الخفة فكما لو كان الغناء من الفرد الشائع من اختلاط النساء مع الرجال، لكنه لم يؤد الى تلك الحالة و هي الخفة.

و من الممكن ادعاء التساوي بين هذه النسبة بأن يقال: كل غناء يوجب الخفة كان شايعا في العصرين.

و كل غناء كان شايعا في العصرين كان موجبا لتلك الحالة و هي الخفة.

ثم إن النسبة بين الثاني: و هو ترجيع الصوت و تحسينه اذا كان -

ص: 241

..........

++++++++++

- مؤديا الى الخفة، و بين الرابع: و هو صرف الأخبار المانعة الى القرآن و غيرها الى غيره: العموم من وجه: لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما الاجتماع فكما لو كان الغناء قرآنا و أدى الى الخفة.

و أما مادة الافتراق من جانب الخفة، فكما لو كان الغناء مؤديا الى الخفة و لم يكن قرآنا.

و أما مادة الافتراق من جانب القرآن فكما لو كان قرآنا و لم يؤد الى الخفة.

و أما النسبة بين الثاني: و هو ترجيع الصوت و تحسينه المؤدي الى الخفة و الخامس: و هو الغناء الزوري اللغوى الباطلي اللهوى: فعموم من وجه لها مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما الاجتماع فكما لو ادى الغناء الى الخفة و كان زورا و لغوا و باطلا

أما مادة الافتراق من جانب الخفة كما لو كان الغناء مؤديا الى الخفة و لم يكن زورا و باطلا.

و أما مادة الافتراق من جانب الزور و الباطل فكما لو كان الغناء زورا و باطلا و لم يؤد الى الخفة.

و أما النسبة بين الثالث: و هو الغناء الشائع في العصرين، و الخامس و هو الغناء اللهوي الزوري الباطلي اللغوي: العموم من وجه لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما الاجتماع فكما لو كان الغناء من الغناء الشائع و كان زورا و باطلا و لغوا.

أما مادة الافتراق من جانب الشائع فكما لو كان الغناء من الفرد الشائع: من اختلاط النساء بالرجال، و الكلام بالأباطيل، لكنه لم يكن -

ص: 242

و غيره: أن (1) الجمع بين هذه الأخبار (2) يمكن بوجهين (3).

أحدهما: تخصيص تلك الأخبار الواردة المانعة بما عدا القرآن.

و حمل (4) ما يدل على ذم التغني بالقرآن: على قراءة تكون على سبيل اللهو كما يصنعه الفساق في غنائهم.

و يؤيده (5) رواية عبد اللّه بن سنان المذكورة اقرءوا القرآن بألحان العرب و اياكم و لحون أهل الفسوق و الكبائر، و سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

++++++++++

- زورا و باطلا.

و أما مادة الافتراق من جانب الزور و اللهو فكما لو كان الغناء زورا و باطلا و لم يكن من فرد الشائع.

و أما النسبة بين الرابع: و هو صرف الأخبار المانعة عن التغني الى القرآن و غيرها الى غيره، و الخامس: و هو الغناء اذا كان زورا و باطلا و لهوا هو التباين، لأن كل ما كان محظورا في الرابع كان مباحا في الخامس و ليس كل ما كان مباحا في الرابع كان محظورا في الخامس الا إذا كان زورا و باطلا.

هذه غاية ما يمكن أن يقال في النسب الموجودة بين الأقوال الخمسة.

(1) خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: و الموجود فيها.

(2) و هي الأخبار المتعارضة كما عرفتها في ص 236-237.

(3) و قد عرفت الوجهين، و معنى التخصيص في ص 237-238.

(4) و قد عرفت معنى هذا الحمل في ص 238.

(5) اشرنا الى وجه التأييد، و الى مصدر الرواية في ص 238.

ص: 243

و ثانيهما (1) أن يقال: و حاصل ما قال (2): حمل الاخبار المانعة على الفرد الشائع في ذلك الزمان (3).

قال (4): و الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو: من الجوارى و غيرهن في مجالس الفجور و الخمور، و العمل بالملاهي، و التكلم بالباطل و اسماعهن الرجال فحمل المفرد المعرف (5) يعني لفظ الغناء: على تلك الأفراد

++++++++++

(1) أي ثاني الوجهين من طريق الجمع بين الأخبار المتعارضة.

و قد عرفت هذا الوجه في ص 238.

(2) أي صاحب الكفاية فيها.

(3) أي زمن (الأمويين. و العباسيين).

(4) أي صاحب الكفاية و هو (المحقق السبزواري).

(5) أى المعرف بالألف و اللام كما في قولك: رجل: الرجل.

و في كتاب الكتاب. فلفظة ال تارة تكون للجنس كما تقول:

الكتاب خير رفيق، العقل يحكم بحسن العدل، و قبح الظلم.

و اخرى تكون للعهد و هي الاشارة الى ما كان معلوما بين المخاطب و المتكلم كما في قوله عز من قائل: «كَمٰا أَرْسَلْنٰا إِلىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصىٰ فِرْعَوْنُ اَلرَّسُولَ » .

و العهد إما ذهني كما في قولك: اكرم العالم، حيث كان معهودا بينك، و بين مخاطبك.

أو ذكري كالآية الكريمة.

و المراد من المعرّف هنا: العهد الذهني، أي الموضوع للعهد الذهني المعلوم خارجا، و ليس المراد من المعرف العهد الذكري، حيث لم يتقدم له ذكر في الكلام.

ص: 244

الشائعة في ذلك الزمان غير (1) بعيد.

ثم ذكر (2) رواية علي بن جعفر الآتية، و رواية اقرءوا القرآن المتقدمة (3)، و قوله (4): ليست بالتي يدخل عليها الرجال مؤيدا

++++++++++

- و المعنى: ان الغناء أو الصوت المستعمل في الاخبار: يراد منها الفرد المعهود بين الامام عليه السلام، و الراوي عهدا ذهنيا، فحمل هذا الفرد المعهود على الفرد الشائع في العصرين و هو اختلاط النساء بالرجال في مجالس الفسق و الفجور، و اللهو و الطرب، و سهر الليالي في المعاصي: غير بعيد.

(1) خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: فحمل المفرد المعرّف بالألف و اللام على الفرد الشائع.

و لا يخفى بعد هذا، حيث ورد هذا المفرد المعرف في الأخبار المجوزة للغناء فهل يراد منه الفرد الشائع في ذاك الزمان ؟

اللهم إلا أن يقال: إن لفظ الجواز يدل على أن المراد من الغناء في الأخبار المجوزة غير الفرد الشائع.

(2) أي صاحب الكفاية و هو (المحقق السبزواري) ذكر رواية (علي بن جعفر).

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 85. الباب 15 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 5.

(3) المشار إليها في ص 238.

(4) أي و قول الامام عليه السلام: المشار إليه في ص 231 عن أبي بصير.

فهذه الروايات الثلاث: و هي رواية (علي بن جعفر).

و رواية عبد اللّه بن سنان القائلة: اقرءوا القرآن.

و رواية أبي بصير القائلة: ليست بالتي يدخل عليها الرجال: مؤيدة لحمل الغناء المعرف باللام على الفرد الشائع في العصرين: (الاموي و العباسي)

ص: 245

لهذا الحمل.

قال (1): إن فيه إشعارا بأن منشأ المنع في الغناء هو بعض الامور

++++++++++

(1) أي قال (صاحب الكفاية): إن في قول الامام عليه السلام:

و ليست بالتي يدخل عليها الرجال اشعارا بأن منشأ تحريم الغناء هو اقترانه بالامور المحرمة المذكورة: من اختلاط الرجال بالنساء إلى آخر ما ذكر بحيث لو لاها لم يحرم الغناء.

و المراد من المنشأ حكمة التشريع، لا العلة.

و الفرق بين حكمة التشريع، و علة التشريع: هو أن الأولى لا يلزم أن يدور الحكم و هو الوجوب، أو الحرمة مدار الحكمة وجودا و عدما:

بحيث كلما وجدت الحكمة وجد الحكم كعدة الطلاق مثلا، حيث إنها شرعت صيانة لعدم اختلاط المياه، مع أن المرأة العقيم التي عليها العدة لم تحمل حتى يجب عليها العدة، لعدم اختلاط المياه.

بخلاف الثانية اعني العلة، فإن الحكم فيها يدور مدار العلة وجودا و عدما بحيث إنه كلما وجدت العلة وجد المعلول كالخمر، فإنه متى وجدت صفة الإسكار وجدت الحرمة، سواء أ كان في الخمر المتخذ من العنب أم من غيره، فلا ينقض الحكم بمدمن الخمر الذي لا يؤثر فيه الإسكار، لأن الصفة لا تزال موجودة، لكن المانع من تأثيرها هو الإدمان.

ثم لا يخفى أن الظاهر من كلام المحدث (الكاشاني و السبزواري) أنهما قد استظهرا أن منشأ المنع من حرمة الغناء: هو بعض الامور المحرمة كاختلاط الرجال بالنساء، و التكلم بالأباطيل، و اللعب بالملاهي

و لا يخفى أن هذا من تحصيل الحاصل لا تحتاج الحرمة فيه إلى بيان الامام عليه السلام.

ص: 246

المحرمة المقترنة به كالالتهاء (1)، و غيره الى أن قال (2).

++++++++++

(1) مصدر باب الافتعال من التهى يلتهي معناه: الانشغال عن الشيء يقال: التهى عن الشيء أي انشغل، أو غفل عنه فهو فعل لازم مطاوع ألهى تقول: ألهيته فالتهى كما تقول: فرقته فتفرق، و أعليته فاعتلى و أنجزته فتنجز.

و قد ذكر أهل اللغة أن الفعل المطاوع بالكسر لا بدّ أن يكون لازما.

لكن ما ذكروه قاعدة محزومة بقولهم: استجزته فاجازني و استجرته فأجارني.

و مرجع الضمير في غيره: الالتهاء و المراد من الغير: الحضور في تلك المجالس من دون ان يلتهي بتلك المحرمات و يتلبس بها، و على هذا المعنى يكون المراد بالالتهاء: التلبس.

(2) أي قال صاحب الكفاية في الأخبار المانعة عن الغناء: إن في تلك الأخبار إشعارا بكون تحريم الغناء لأجل كونه لهوا و باطلا فلذا منع و حرم و لو لا هذا لما كان حراما في حد ذاته.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 226. الباب 99 من أبواب ما يكتسب به كتاب التجارة. الحديث 6-7 و ص 227. الحديث 11 و ص 228. الحديث 16، و ص 229. الحديث 20، و ص 226. الحديث 6 أليك نص الحديث.

عن محمد بن مسلم عن (أبي جعفر) عليه السلام قال: سمعته يقول:

الغناء مما وعد اللّه عليه النار و تلا هذه الآية: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ (1).6.

ص: 247


1- لقمان: الآية 6.

إن في عدة من أخبار المنع عن الغناء إشعارا بكونه لهوا باطلا.

و صدق ذلك (1) في القرآن و الدعوات و الاذكار المقروة بالأصوات الطيبة المذكرة للجنة، المهيجة للشوق الى العالم الأعلى محل تأمل.

على (2) أن التعارض واقع بين أخبار الغناء، و الأخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن و الأدعية و الاذكار بالصوت الحسن مع عمومها لغة، و كثرتها، و موافقتها للاصل.

++++++++++

(1) أي و صدق اللهو و الباطل على قراءة القرآن و الدعوات و الأذكار بالصوت الحسن الجميل الذي يذكر الإنسان للشوق إلى العالم الآخرة و يهيجه إلى الدرجات الرفيعة: محل تأمل و اشكال فلا يصح الركون إليه.

(2) هذا ترق من الشيخ عما أفاده من التأمل و الاشكال في صدق اللهو و الباطل على قراءة القرآن و الأدعية بالصوت الحس الجميل.

و خلاصة الترقي: أنه بالإضافة إلى التأمل المذكور هناك اشكال آخر:

و هو وجود أخبار كثيرة متضافرة بلغت حد التواتر دالة على فضل قراءة القرآن بالصوت الحسن الجميل تعارض تلك الأخبار المانعة فصونا عن السقوط عند التعارض تقدم أخبار الجواز على المنع.

و قد ذكر الشيخ لتقدم هذه الأخبار على تلك وجوها ثلاثة في المتن على سبيل الاختصار بقوله: مع عمومها لغة، و كثرتها، و موافقتها للأصل

و نحن نذكرها بنحو أبسط مما أفاده قدس سره.

(الوجه الأول) عموم الأخبار المجوزة لقراءة القرآن بالصوت الحسن الجميل لغة، فإن الصوت الحسن الجميل موضوع لغة لكل شيء يقرأ به سواء أ كان في الغناء أم في القرآن أم في الأدعية، و ليس له اختصاص بواحد دون آخر.

(الثاني): كثرة الأخبار الواردة في جواز قراءة القرآن و الأدعية -

ص: 248

و النسبة بين الموضوعين (1) عموم من وجه فاذا لا ريب في تحريم

++++++++++

- و الأذكار بالصوت الحسن الجميل. راجع نفس المصدر.

(الثالث): موافقة الأخبار المجوزة للاصل و هي أصالة الحلية التي هي من الاصول العقلائية الموضوعة للتمسك بها عند الشك في حلية الشيء و حرمته، و من أفراد هذا الشيء المشكوك الغناء.

هذه هي الوجوه الثلاثة التي أفادها الشيخ في صورة ترجيح أخبار الجواز المعارضة لأخبار المنع على أخبار المنع.

(1) و هما: أخبار حرمة الغناء مطلقا التي يشمل اطلاقها حتى قراءة القرآن و الأدعية و الاذكار.

و أخبار الجواز الدالة على فضل قراءة القرآن الشامل اطلاقها حتى اللحن الغنائي، فإن بين هذه الاخبار عموما و خصوصا من وجه أي لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما مادة الاجتماع فكما إذا قرئ القرآن بلحن الغناء فإنه تصدق عليه الطائفتان من الأخبار: طائفة الجواز. و طائفة المنع.

و أما مادة الافتراق من جانب أخبار حرمة الغناء كالتغني بغير القرآن من الاشعار و غيرها، دون الاذكار و الادعية و الاوراد فإن أخبار الجواز لا تنطبق عليها.

و أما مادة الافتراق من جانب أخبار القرآن و الادعية و الاذكار كما إذا قرأت المذكورات بلحن غير غنائي: بأن قرأت بلحن عبادي يذكر الجنة و نعيمها، و النار و جحيمها فإن أخبار الحرمة لا تنطبق عليها.

ثم لا يخفى أن في مادة الاجتماع يقع التعارض بين الطائفتين فتسقطان -

ص: 249

الغناء على سبيل اللهو و الاقتران بالملاهي و نحوهما (1).

ثم إن ثبت اجماع في غيره (2)، و الا (3) بقي حكمه على الإباحة و طريق الاحتياط (4) واضح انتهى (5).

أقول: لا يخفى أن الغناء على ما استفدناه من الاخبار (6) بل و فتاوى (7) الاصحاب،

++++++++++

- فيرجع إلى أصالة الحلية الحاكمة على أخبار المنع الخارجة موضوعا فهي من قبيل التخصص، لا من قبيل التخصيص.

(1) أي غير اللهو و الملاهي: و هي المزمار. و البربط. و العود.

(2) أي إن ثبت اجماع على تحريم الغناء الذي لا يكون على سبيل اللهو، أو غير مقترن بالاختلاط مع النساء فنأخذ به و نحكم بحرمته، و إلا فالقاعدة التمسك بأصالة الحل.

(3) أي و ان لم يثبت اجماع على حرمة هذا النوع من الغناء المجرد من الاختلاط فلا نحكم بحرمته، بل الرجوع الى أصالة الحل هو المتعين.

(4) هذا من كلمات) المحقق السبزواري) صاحب الكفاية.

فكأنه يتنازل عما ذهب إليه: من عدم حرمة الغناء بصورة عامة و أن حرمته مقيدة في الغناء الشائع في العصرين و يقول: إن الامتناع عن كل ما فيه شبهة من اللهو، أو الباطل هو طريقة الاحتياط، لقوله عليه الصلاة و السلام: اخوك دينك فاحتط لدينك.

(5) أي ما أفاده صاحب الكفاية في هذا المقام.

(6) و هي المشار إليها في ص 164-166.

(7) في جميع نسخ الكتاب كلمة فتاوى بدون الواو، و الظاهر احتياجها إليها كما اثبتناها، لأنه ان لم تكن موجودة تكون كلمة بل للإضراب، أي الاضراب عن الأخبار، و استفادة كون الغناء من الملاهي من فتاوى الاصحاب و الحال -

ص: 250

و قول أهل اللغة (1): هو من الملاهي نظير ضرب الاوتار، و النفخ في القصب و المزمار، و قد تقدم التصريح بذلك (2) في رواية الاعمش الواردة في الكبائر فلا (3) يحتاج في حرمته إلى أن يقترن بالمحرمات الاخر

++++++++++

- أن الشيخ يريد اثبات أن الغناء من الملاهي من الأخبار، و من فتاوى الأصحاب مجتمعين.

و المراد من فتاوى الأصحاب: ما أفاده (شيخنا الأنصاري) بقوله:

و يقرب منه المحكي عن المشهور بين الفقهاء: من أنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب.

(1) و هم: الجوهري و الزمخشري و مجمع البحرين و القاموس المشار إليهم في ص 191-192، فكلهم صرحوا: بأن الغناء مثل الضرب بالأوتار و النفخ في القصب و المزمار، فكما أن الضرب بهذه الآلات يعد من اللهو.

كذلك الغناء يعد لهوا، سواء اقترن بهذه الآلات أم لا.

(2) أي بأن الغناء مثل الضرب بالأوتار، و النفخ في القصب و المزمار في رواية الأعمش عند قوله عليه السلام: و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه كالغناء و ضرب الأوتار.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 11 ص 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 36.

(3) لفاء تفريع و نتيجة على ما أفاده: من تقدم التصريح بكون الغناء مثل الضرب بالأوتار، و النفخ في القصب و المزمار في رواية الأعمش أي و بعد هذا التصريح لا تحتاج حرمة الغناء الى اقترانه بمحرمات اخرى مثل اختلاط النساء بالرجال، و الكلام بالأباطيل، و الضرب بالأوتار و النفخ بالقصب و المزمار، فالرواية هذه صريحة في حرمة الغناء بما هو غناء و ان لم يقترن بشيء مما ذكر.

ص: 251

كما هو (1) ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين.

نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن (2) كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معنى التطريب: توجه ما ذكراه، بل لا اظن احدا يفتي بإطلاق (3) حرمة الصوت.

++++++++++

(1) هذا تشبيه بالعكس يريد الشيخ أن يشبه حرمة الغناء باقترانه بأحد المذكورات على مذهب المحدّثّين.

و ليس غرضه تشبيه حرمة الغناء الواردة في رواية الأعمش باقترانها بأحد المذكورات، أي كما كانت حرمة الغناء على مذهب المحدثين مقيدة بكونها مقترنة بأحد المذكورات، حيث قال (المحدث الكاشاني) في ص 229:

الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه: اختصاص حرمة الغناء و ما يتعلق به من الأجر و التعليم، و البيع و الشراء بما كان على النحو المتعارف في زمن (بني امية و بني العباس).

و حيث قال (المحدث السبزواري): إن الغناء في حد ذاته لا يكون حراما إلا اذا اقترن بالملاهي، و الكلام بالباطل، و اختلاط الرجال بالنساء.

(2) أي أعم من لحن فسوقي، و كيفية لهوية، و لحن ترجيعي غير لهوي كما يظهر هذا المعنى: و هو أن الغناء موضوع للاعم من كونه موجبا للخفة أولا من (صاحب مفتاح الكرامة): عند قوله: إن معنى التطريب كما عن بعض أهل اللغة مد الصوت و ترجيعه و تحسينه فحينئذ يتوجه ما ذكره (المحدث الكاشاني. و المحدث السبزواري): من أن المحرم من الغناء ما كان على النحو الشائع في العصرين: (الاموي و العباسي) فالمعرّف بالألف و اللام و هو الغناء يحمل على هذا الفرد الشائع، فتكون حرمته منوطة و متوقفة على الاقتران بالمحرمات المذكورة.

(3) أي و ان لم يكن مقرونا بأحد المحرمات المذكورة.

ص: 252

و الأخبار بمدح الصوت الحسن، و أنه من أجمل الجمال، و استحباب القراءة و الدعاء به، و أنه حلية (1) القرآن، و اتصاف (2) الأنبياء و الأئمة به: في غاية الكثرة، (3).

++++++++++

(1) أي و ان الصوت الحسن زينة القرآن الكريم، فعليه لا مانع من قراءة القرآن و الدعاء بالصوت الحسن، لأن قراءة المذكورات بالصوت الحسن لا يعد من الغناء فهي خارجة عن موضوعه قطعا، و يثاب صاحبها اذا قرأت المذكورات بالصوت الحسن الجميل.

(2) بالجر عطفا على المجرور في قوله: بمدح الصوت، أي الأخبار الواردة باتصاف الأنبياء و الأئمة من (أهل البيت) بالصوت الحسن الجميل كثيرة.

و كان النبي داود عليه السلام متصفا بذلك، و بجودة التلاوة قال اللّه تعالى: «وَ لَقَدْ آتَيْنٰا دٰاوُدَ مِنّٰا فَضْلاً يٰا جِبٰالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ اَلطَّيْرَ» . السبأ: الآية 10.

و كذلك (الامام السجاد) عليه السلام موصوفا بحسن الصوت فكان عند ما يقرأ القرآن الكريم و يسمع صوته يقف على بابه كل من يدخل في الزقاق فيستمع صوته.

(3) هذه الجملة: (في غاية الكثرة) مرفوعة محلا خبر للمبتدإ المتقدم: و هو قوله: و الأخبار و الجملة هذه بما فيها من المبتدأ و الخبر منصوبة محلا على الحالية لفاعل أظن في قول الشيخ: بل لا أظن أحدا يفتي بإطلاق حرمة الصوت الحسن.

و المعنى أنه كيف يظن بافتاء أحد من الفقهاء بحرمة الصوت الحسن بقول مطلق و ان لم يبلغ حد الغناء: و الحال ان الأخبار بمدح الصوت -

ص: 253

..........

++++++++++

- الحسن، و انه من أجمل الجمال، و أنه حلية القرآن و انه يستحب قراءة القرآن و الدعاء به، و اتصاف كل نبي و امام به: في غاية الكثرة.

راجع حول استحباب قراءة القرآن بالصوت الحسن، و قراءة الدعاء به، و أنه من أجمل الجمال.

(وسائل الشيعة). الجزء 4. ص 858. الباب 24 من أبواب قراءة القرآن. الأحاديث أليك نص الحديث 3:

عن (أبي عبد اللّه عليه السلام) قال: قال (النبي) صلى اللّه عليه و آله: لكل شيء حلية. و حلية القرآن الصوت الحسن.

و نص الحديث 4 عن (أبي عبد اللّه عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام احسن الناس صوتا بالقرآن، و كان السقاءون يمرون فيقفون ببابه يسمعون قراءته.

و أما حديث أن الصوت الحسن من أجمل الجمال.

فاليك نصه عن (أبي بصير) عن (أبي عبد اللّه عليه السلام) قال: قال (رسول اللّه) صلى اللّه عليه و آله: ان من أجمل الجمال الشعر الحسن، و نغمة الصوت الحسن.

(اصول الكافي). الجزء 2. ص 615. الحديث 8.

و لا يخفى أن الشعر هنا بفتح الشين لا بكسرها.

و المراد منه شعر الرأس في المرأة، و شعر الوجه في الرجل.

أما وجه كون الشعر في وجه الرجل من أجمل الجمال فبديهي، حيث إن الرجل حين انبات الشعر على وجهه يكون و قورا حسنا ذا ابهة.

و بهذه المناسبة يقال للحية: محاسن فالشعر على وجهه زينة. كما -

ص: 254

و قد جمعها (1) في الكفاية بعد ما ذكر ان غير واحد من الأخبار يدل على جواز

++++++++++

- كما أن الشعر في وجه المرأة عيب و نقص لها، حيث انه موجب لتشويه خلقتها و تنفر بعلها عنها.

و لعلك رأيت صور بعض نوابغ الغرب و الشرق و علمائهم الكبار الذين هم القدوة لأبناء زماننا، و اسوة لمجتمعنا: أنها متحلية باللحى.

و أما كون الشعر في رأس المرأة زينة فهو أيضا امر وجداني بديهي غير قابل للانكار، و لا أظن أنه يوجد شيء بعد ملامحها الطبيعية أجمل لها من شعر رأسها، و لا سيما اذا نشرته و ارسلته على متنيها و كتفيها بالكيفية الخاصة المعروفة عندهن، و بالأخص بالعملية التي يعملنها في العصر الحاضر و التي يستذوقها أهل الذوق السليم.

و الى هذا الجمال الطبيعي يشير امرؤ القيس في قوله:

و فرع(1) يزين المتن أسود فاحم *** اثيث(2) كقنو(3) النخلة المتعثكل

غدائره(4) مستشزرات(5) الى العلى *** تضل العقاص(6) في مثنى و مرسل

(1) اي صاحب الكفاية جمع الاخبار الدالة على جواز قراءة القرآن -ر.

ص: 255


1- يراد منه الشعر الكثير يقال: فرع شعره اي كثر.
2- من أث يأث اثاثا و اثوثا معناه الشعر الملتف الكثير.
3- أي عنقود النخلة كعنقود العنب، و المتعثكل صفة للقنو.
4- جمع غديرة يراد منها الشعر المظفور من المرأة.
5- من استشزر يستشزر معناها الفتل يقال: استشزر الحبل أي فتله
6- بكسر العين من عقص ضفيرة الشعر.

الغناء في القرآن، بل استحبابه، بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت و التحزين (1) و الترجيع به.

++++++++++

- بالصوت الحسن، و بكل لحن بعد أن ذكر أن غير واحد من الأخبار يدل على جواز الغناء في القرآن.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 4. ص 858. الباب 24 من أبواب قراءة القرآن. الأحاديث.

(1) المراد بالتحزين قراءة شيء بكيفية خاصة على نحو الترجيع و ترديد الصوت توجب الحزن في الانسان كما في إنشاء شاعر (ائمة أهل البيت) عليهم السلام (دعبل الخزاعي) رحمه اللّه برحمته الواسعة حينما أمره (الامام الثامن) عليه السلام عند ما دخل عليه فأنشأ قصيدته التائية الخالدة.

منها:

بكيت لرسم الدار من عرفات *** و اذريت دمع العين بالعبرات

و فكّ عرى صبري و هاجت صبابتي *** رسوم ديار أقفرت و عرات

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

الى آخر القصيدة فبكى الامام عليه السلام و أهل بيته بكاء عاليا.

و كما في استشهاد (الامام الهادي) عليه السلام لما ادخل على الخليفة العباسي (المتوكل) الذي كان شديد الانحراف عن (علي أمير المؤمنين) و اولاده عليهم السلام و كان بيده كأس من الخمر فناولها للامام عليه السلام و قال له و هو في حالة السكر: اشرب.

فقال له الامام عليه السلام: ما خامر لحمي و دمي.

فقال (المتوكل): انشدني شعرا.

فقال عليه السلام: إني قليل الرواية في الشعر.

ص: 256

و الظاهر (1) أن شيئا منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة و غيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا. انتهى (2).

و قد صرح (3) في شرح قوله صلى اللّه عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب: أن اللحن هو الغناء.

++++++++++

- فقال المتوكل: لا بدّ من ذلك.

فانشد عليه السلام:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم *** الى مقابرهم يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا *** اين الاسرّة و التيجان و الحلل

اين الوجوه التي كانت محجبة *** من دونها تضرب الاستار و الكلل

فافصح القبر عنهم حين ساءلهم *** تلك الوجوه عليها الدود تنتقل

فبكى هذا القاسي العاتي بكاء عاليا حتى ابتلت لحيته.

فهل كان انشاد الامام عليه السلام للمتوكل العباسي، و انشاد دعبل للامام الرضا عليه السلام على نحو الصوت الغنائي الموجب لحصول الخفة في الانسان ؟

حاشا ثم حاشا و كلا.

فالحاصل أن جواز قراءة القرآن، أو الأدعية بالصوت الحسن كان يحمل: على النحو المتعارف الشائع عند (الرسول و الأئمة) و أصحابهم الكرام

(1) هذه الكلة: (و الظاهر) لصاحب الكفاية.

و مرجع الضمير في (منها): الامور الثلاثة: و هو حسن الصوت و التحزين، و الترجيع.

(2) اي ما أفاده صاحب الكفاية فيها.

(3) اي صاحب الكفاية.

ص: 257

و بالجملة (1) فنسبة الخلاف إليه في معنى الغناء أولى من نسبة التفصيل إليه، بل ظاهر اكثر كلمات المحدث الكاشاني أيضا ذلك (2)، لأنه (3) في مقام نفي التحريم عن الصوت الحسن المذكر لامور الآخرة المنسي لشهوات الدنيا.

نعم بعض كلماتهما (4) ظاهرة فيما نسب إليهما: من التفصيل في الصوت

++++++++++

(1) اي اي شيء قيل في الغناء من التفاسير و الآراء.

و الفاء في قوله: فنسبة الخلاف تفريع على ما افاده آنفا في قوله:

نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت.

اي فنسبة الخلاف في معنى الغناء الى (المحدث السبزواري) أولى من نسبة التفصيل المذكور: و هو جواز التغني اذا خلا و تجرد عن المحرمات المذكورة: من دخول النساء على الرجال، و التكلم بالاباطيل، و اللعب بالملاهي.

و عدم جواز التغني لو اقترن باحد المذكورات إليه، لانه يقول:

إن الغناء موضوع لمطلق الصوت الحسن الجميل، و لا اختصاص له بالخفة الحاصلة للانسان الموجبة لخروجه عن حالته الطبيعية، و الاختلال التوازني فمفهوم الغناء عنده أوسع دائرة و نطاقا كما يشير الى هذا المعنى قوله:

و على هذا فلا بأس بالتغني بالاشعار المتضمنة لذكر الجنة و النار، و التشويق الى دار القرار، و وصف نعم الملك الجبار.

فكلامه ظاهر في أن للغناء أنواعا اخرى غير ما يوجب الخفة.

(2) اي أن المحدث الكاشاني يقول بمقالة المحدث السبزواري:

من أن مفهوم الغناء أوسع دائرة و نطاقا.

(3) تعليل من الشيخ لاتحاد مذهب المحدث الكاشاني مع مذهب المحدث السبزواري.

(4) اي كلمات المحدثين ظاهرة في التفصيل المنسوب إليهما: -

ص: 258

اللهوي الذي ليس هو عند التأمل تفصيلا، بل قول (1) بإطلاق جواز الغناء، و أنه لا حرمة فيه أصلا و إنما الحرام ما يقترن به من المحرمات فهو (2) على تقدير صدق نسبته إليهما في غاية الضعف لا شاهد له يقيد الاطلاقات الكثيرة المدعى تواترها، إلا (3) بعض الروايات التي ذكراها.

منها (4): ما عن الحميري بسند لم يبعد (5) في الكفاية الحاقة بالصحاح عن علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: سألته عن الغناء في الفطر و الاضحى و الفرح.

++++++++++

- و هي حرمة الغناء المقترن باحد المحرمات المذكورة، و عدم حرمته اذا لم يقترن بها.

(1) في جميع نسخ المكاسب الموجودة عندنا كلمة قولا منصوبة و هي بالرفع كما اثبتناه، و هو خبر لمبتدإ محذوف، اي بل هو قول بإطلاق الغناء عند التأمل.

(2) اي هذا الظهور الدال على نسبة التفصيل الى (المحدثين) على فرض صدقها ففي غاية الضعف لا شاهد له من الأخبار تقيد تلك الاطلاقات الكثيرة الدالة على حرمة الغناء بقول مطلق، سواء أ كان من الفرد الشائع أم لا، و قد ادعى صاحب الايضاح تواتر هذه المطلقات كما سبق في اوّل بحث الغناء عند قول الشيخ في ص 164: و ادعى في الايضاح تواترها.

(3) استثناء من عدم وجود الشاهد من الأخبار على التفصيل المذكور

(4) اي من تلك الروايات التي تصلح أن تكون شاهدا على التفصيل المذكور.

(5) بصيغة المعلوم من باب التفعيل اي لم يبعد في الكفاية الحاق خبر الحميري بالصحاح.

ص: 259

قال: لا بأس به ما لم يعص (1) به.

و المراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية و لا مقدمة للمعاصي المقارنة له.

و منها (2): ما في كتاب علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح ؟ قال: لا بأس ما لم يزمر به (3).

و الظاهر أن المراد بقوله: ما لم يزمر به ما لم يلعب (4) معه بالمزمار، أو ما لم يكن

++++++++++

(1) (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 85. الباب 15 من ابواب ما يكتسب به كتاب التجارة. الحديث 5.

و الشاهد في قوله عليه السلام: ما لم يعص به، حيث يصلح شاهدا للتفصيل المذكور: و هو أن الغناء المحرم ما كان يعص اللّه به كما كان هو الشائع في العصرين: (الاموي. و العباسي) لا ما كان منه مذكرا للجنة و النار الى آخر ما ذكره، فان هذا لا يكون حراما.

(2) اي و من تلك الاخبار التي تصلح لأن تكون شاهدا على التفصيل المذكور.

(3) نفس المصدر. و نفس الحديث.

و لا يخفى أن في (الوسائل) ما لم يؤمر به و هو غلط و الصحيح ما لم يزمر به.

و الشاهد في قوله عليه السلام: ما لم يزمر به، حيث يصلح شاهدا على التفصيل المذكور.

و يزمر بصيغة المجهول جاء مخففا من زمر يزمر وزان نصر ينصر و جاء مشددا من باب التفعيل وزان صرف يصرف.

(4) المراد باللعب هنا: هو النفخ بالمزمار. فقد عبر الشيخ عنه باللعب

ص: 260

الغناء بالمزمار، و نحوه من آلات الأغاني (1).

و رواية (2) أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن كسب المغنيات فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعى الى الأعراس لا بأس به: و هو (3) قول اللّه عز و جل: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ .

و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، ليست بالتي يدخل عليها الرجال (4) فان ظاهر الثانية (5) و صريح الاولى (6): أن حرمة الغناء منوطة بما يقصد

++++++++++

(1) بأن كان الغناء بآلات اخرى، غير الآلات الموضوعة للغناء.

(2) بالرفع عطفا على قوله: منها، أي و من تلك الروايات التي تصلح لأن تكون شاهدا على التفصيل المذكور: رواية أبي بصير.

(3) اي الغناء المحرم و هو الذي يدخل عليها الرجال هو المعني في قوله تعالى: (وَ مِنَ اَلنّٰاسِ ) (1).

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 84. الباب 15 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 1.

و الشاهد في دلالة الرواية على جواز التغني في الأعراس، بناء على التفصيل الذي ذكره (المحدث الكاشاني و صاحب الكفاية) في الغناء من أن المحرم منه ما كان على النحو الشائع في العصرين، لا ما كان مذكرا للجنة و نعيمها.

(4) نفس المصدر. ص 85. الحديث 3.

(5) و هو عن كتاب (علي بن جعفر) المشار إليه في ص 260.

(6) و هي رواية الحميري المشار إليها في ص 259، حيث فيها: -6.

ص: 261


1- سورة لقمان: الآية 6.

منه، فان كان المقصود اقامة مجلس اللهو حرم، و إلا فلا.

و قوله (1) في الرواية: و هو قول اللّه: اشارة الى ما ذكره من التفصيل

و يظهر منه (2) أن كلا الغناءين من لهو الحديث، لكن يقصد باحدهما ادخال الناس في المعاصي، و الاخراج عن سبيل الحق، و طريق الطاعة (3)، دون الآخر (4).

و أنت (5) خبير بعدم مقاومة هذه الأخبار للاطلاقات، لعدم ظهور يعتد به في دلالتها (6)، فان الرواية الاولى (7) لعلي بن جعفر ظاهرة

++++++++++

- ما لم يعص به اي لم يعص بالغناء: بأن اقترن مع احد المحرمات المذكورة

(1) اي و قول الامام عليه السلام في الرواية المشار إليها في ص 261:

و هو قول اللّه اشارة الى التفصيل المذكور: من حرمة الغناء اذا اقترن بما ذكر من المحرمات المذكورة، و عدم حرمته اذا لم يقترن بذلك.

(2) اي و يظهر من استشهاد الامام عليه السلام بالآية الكريمة في الرواية المشار إليها في ص 261: أن كلا الغناءين:

و هما: الغناء الذي يقترن مع أحد المحرمات المذكورة، و الغناء الذي يكون في الأعراس.

(3) و هو الغناء المتعارف في العصرين: (الاموي. و العباسي).

(4) و هو الغناء في الاعراس.

(5) من هنا بداية الشروع من الشيخ في الرد على من استدل بالأخبار الصالحة لتقييد المطلقات الدالة على حرمة مطلق الغناء التي اشير إليها في ص 164-166 فقال: و أنت خبير بعدم.

(6) أي في دلالة تلك الأخبار التي استدل بها الخصم على المطلوب.

(7) هذا رد على الرواية الاولى و هي رواية الحميري المشار إليها -

ص: 262

في تحقق المعصية بنفس الغناء فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل على الترجيع و هو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم (1)، و قد لا ينتهي الى ذلك الحد فلا يعصى به (2).

و منه (3) يظهر توجيه الرواية الثانية لعلي بن جعفر عليه السلام فان معنى قوله (4): لم يزمر به لم يرجّع فيه ترجيع المزمار، أو أن المراد من الزمر التغني على سبيل اللهو.

و أما رواية أبي بصير (5) مع ضعفها سندا بعلي بن أبي حمزة البطائني

++++++++++

- في ص 259 و التي قد استدل بها الخصم على صلاحيتها لتقييد تلك المطلقات.

و خلاصة الرد: أن في الرواية جملة: ما لم يعص به و ظاهرها أن الغناء على قسمين: قسم يكون مطربا و ملهيا بحيث يوجب وقوع الانسان في المعصية فهذا حرام.

و قسم لا يكون ملهيا و مطربا فلا يوجب وقوع الانسان في المعصية فهذا ليس بحرام فعلى هذه الظاهرة لا يصح التمسك بالرواية.

(1) هذا هو القسم الاول.

(2) هذا هو القسم الثاني.

(3) أي و من هذا الظهور الذي ادعاه الشيخ في الحديث الأول لعلي بن جعفر: يظهر توجيه الرواية الثانية لعلي بن جعفر، حيث ان فيها لم يزمر به، و معنى عدم التزمير عدم الترجيع الذي هو التغني على سبيل اللهو، و الغناء اذا كان على سبيل اللهو يكون حراما.

(4) أي قول الامام عليه السلام في نفس الرواية.

(5) هذا رد على الرواية الثالثة التي استدل بها الخصم على صلاحيتها للتقييد و قد اشير إليها في ص 261.

و خلاصة الرد: انها بالإضافة الى ضعف سندها، لانتهائها -

ص: 263

فلا تدل الا على كون غناء المغنية التي يدخل عليها الرجال (1) داخلا في لهو الحديث في الآية و عدم دخول غناء التي تدعى الى الأعراس (2) فيه

و هذا لا يدل على دخول ما لم (3) يكن منهما في القسم المباح

++++++++++

- الى علي بن أبي حمزة البطائني و هو واقفي وقف على إمامة (الامام موسى بن جعفر عليهما السلام) و لم يقل بامامة (الامام علي بن موسى الرضا) عليهما السلام(1): أنها لا تدل على دخول الغناء الذي لم يكن من القسمين و هما: الغناء في الأعراس. و عناء النساء اللاتي يدخل عليها الرجال:

في القسم المباح.

فالحاصل: أن الرواية تقسم الغناء الى ثلاثة أقسام:

(الأول): الغناء في الأعراس.

(الثاني): غناء النساء اللاتي يدخل عليها الرجال.

(الثالث): الغناء الذي ليس منهما.

فالامام عليه السلام أباح القسم الأول، و حرم الثاني.

و أما الثالث فلم يذكر في كلامه ما يدل على حكمه: من حرمة أو جواز.

(1) هذا هو القسم الأول.

(2) هذا هو القسم الثاني.

(3) هذا هو القسم الثالث أي دخول غناء المغنية التي يدخل عليها الرجال في لهو الحديث في قوله تعالى: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ ، و عدم دخول غناء المغنية في الأعراس في الآية لا يصير دليلا على ان القسم الثالث داخل في القسم المباح.0.

ص: 264


1- قال الشيخ المامقاني رحمه اللّه في حق الرجل: يؤخذ بما روى ما لم يعارضه الصحيح. راجع كتابه تنقيح المقال في علم الرجال. المجلد 2. ص 260.

مع كونه (1) من لهو الحديث قطعا، فاذا فرضنا أن المغني يغني بأشعار باطلة فدخول هذا (2) في الآية أقرب من خروجه.

و بالجملة (3) فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب من انها (4) تطلب للتغني إما في المجالس المختصة بالنساء كما

++++++++++

(1) أي مع كون القسم الثالث داخلا في لهو الحديث قطعا، حيث إنه لو فرضنا أن مغنيا يغني بأشعار باطلة فلا شك في دخوله في لهو الحديث في الآية الكريمة قطعا.

هذا مبني على ما ذهب إليه الشيخ: من أن لهو الحديث يشمل كل غناء، سواء أ كان في الأعراس أم في الاختلاط، أم في غيرهما كما فيما نحن فيه.

لكنه خرج الغناء في الأعراس عن تحت العموم، للنص الخاص.

(2) أي فدخول القسم الثالث الذي لم يكن من القسم الأول و الثاني و هو مشتمل على أشعار باطلة: تحت الآية الشريفة: (وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ ) : أقرب من خروجه منها.

(3) أي و خلاصة الكلام.

هذا اعتذار من الشيخ عن عدم ذكر الامام عليه السلام حكم القسم الثالث الذي لا يدخل في القسم الأول و الثاني.

و خلاصة الاعتذار أن عدم الذكر لوضوح حكمه، و استغنائه عن البيان بعد استشهاده عليه السلام بالآية، و من المعلوم خارجا دخول مطلق الغناء في لهو الحديث و منه القسم الثالث.

و أما إباحة القسم الثاني و هو غناء المغنية في الأعراس فلورود النص الخاص بخروجه.

(4) مرجع الضمير المغنية، و تطلب بصيغة المجهول.

ص: 265

في الأعراس، و إما للتغني في مجالس الرجال (1).

نعم (2) الانصاف أنه لا يخلو من إشعار بكون المحرم هو الذي يدخل فيه الرجال على المغنيات.

لكن المنصف لا يرفع اليد عن الاطلاقات (3) لاجل هذا الاشعار خصوصا (4) مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنية و لو لخصوص مولاها كما تقدم من قوله عليه السلام: قد يكون للرجل الجارية

++++++++++

(1) كما في العصرين (الاموي. و العباسي)، و عصرنا.

(2) استدراك عما أفاده من أن المذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب.

و خلاصة الاستدراك: أن الرواية مشعرة بأن الغناء المحرم هو الذي يحصل بالضرب بالأوتار، و النفخ بالقصب. و في مجالس الاختلاط.

(3) و هي الاطلاقات الدالة على حرمة الغناء بقول مطلق، سواء أ كان في الاختلاط و الضرب و النفخ أم في غيرها.

فمع هذه الاطلاقات لا يؤخذ بذلك الاشعار فتشمل حتى القسم الثالث و قد ذكر الشيخ الاطلاقات في ص 164-166.

(4) هذا ترق من الشيخ، أي و بالإضافة الى تلك المطلقات التي لا يمكن رفع اليد عنها: لنا رواية معارضة لذلك الاشعار فهي تصرح بحرمة الغناء المطلق و لو كان من الجارية لمولاها و هو قوله عليه السلام في ص 186 في جواب السائل عن الجارية تلهي الرجل: و ما ثمنها إلا ثمن الكلب فان جوابه هذا عام يشمل جميع أنواع الغناء و ان كان من الجارية لمولاها و قد عرفت ما ذكرناه حول هذا الحديث في ص 186.

ص: 266

تلهيه، و ما ثمنها الا ثمن الكلب (1). فتأمل (2).

و بالجملة (3) فضعف هذا القول بعد ملاحظة النصوص أظهر من أن يحتاج الى الإظهار.

و ما ابعد ما بين (4) هذا، و بين ما سيجيء من فخر الدين: من عدم تجويز الغناء في الاعراس، لأن الروايتين (5) و ان كانتا نصين في الجواز

++++++++++

(1) و المراد من الكلب هنا كلب الهراش، لا كلب الزرع و الماشية و الحائط و البستان، فان هذه ذوات أثمان تصح المعاوضة عليها.

(2) لعل المراد من التأمل إمكان إرادة الإلهاء المقارن لضرب الأوتار و النفخ في القصب من الإلهاء في سؤال الراوي، لا الإلهاء بالغناء المجرد عنهما فحينئذ لا تدل الرواية على حرمة مطلق الغناء فلا تصح لمعارضة ذاك الاشعار: و هو أن المراد من الغناء المحرم هو الغناء الذي يدخل الرجال على المغنيات.

(3) أي و مجمل القول و خلاصته في المقام: أن ما أفاده (المحدث الكاشاني و المحدث السبزواري) ضعيف جدا بعد التأمل و التعمق في الأخبار المانعة عن الغناء مطلقا التي اشير إليها في ص 164-166.

(4) و هو قول المحدثين المذكورين.

(5) و هما روايتا أبي بصير المشار إليها في ص 261 و ان كانتا صريحتين في جواز الغناء في الأعراس، حيث يقول عليه السلام في احداهما: و التي تدعى الى الاعراس لا بأس به.

و يقول في الثانية: أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأمن.

فهاتان الروايتان صريحتان في جواز الغناء في الأعراس.

ص: 267

الا أنهما لا تقاومان الأخبار المانعة، لتواترها (1).

و أما ما ذكره (2) في الكفاية من تعارض أخبار المنع للاخبار الواردة في فضل قراءة القرآن فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل.

++++++++++

(1) المراد هو التواتر المعنوي، لا اللفظي، فان التواتر على قسمين لفظي و معنوي:

(الأول): ما اذا اتحدت ألفاظ المخبرين في خبرهم كما لو اخبر جماعة بموت زيد لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فانه يترتب حينئذ على وفاته الأحكام الشرعية: من تقسيم ماله، و بينونة زوجته، و أداء ديونه و غير ذلك.

(الثاني): ما اذا تعددت ألفاظ المخبرين في خبرهم بصور كثيرة لكن يشمل كل خبر من المخبرين على معنى مشترك بين تلك الألفاظ بالتضمن أو الالتزام، و يسمى هذا القسم بالتواتر المعنوي، كما لو اخبر زيد أن عمرا قتل بكرا، ثم اخبر آخر أن عمرا قضى على حياة عمران، ثم أخبر ثالث ان عمرا اعدم موسى، ثم اخبر رابع أن عمرا افنى عيسى، ثم أخبر خامس أن عمرا أهلك يحيى، ثم اخبر سادس أن عمرا ذبح زكريا، و هكذا.

فمجموع هذه الأخبار توجب القطع بصدور القتل من عمرو بالتضمن و ان كانت ألفاظ المخبرين متعددة.

و لا يخفى أن ثبوت شجاعة (مولانا امير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام في غزواته و حروبه و فتوحاته مما ورد بالتواتر من هذا القسم.

و كما أن الأقوال في تأليف السيد المرتضى، أو شيخ الطائفة، أو العلامة أو غيرهم من العلماء الفطاحل بأنهم صنفوا عشرات الكتب، أو المئات منها: هو التواتر المعنوي، و يثبت انهم ذوو علم غزير.

(2) هذا رد على صاحب (كفاية الفقيه) المستدل بأخبار معارضة -

ص: 268

و أما الثاني: و هو الاشتباه في الموضوع

و أما الثاني (1): و هو الاشتباه في الموضوع فهو ما ظهر من بعض من لا خبرة (2) له من طلبة زماننا تقليدا لمن سبقه من أعياننا: من منع صدق الغناء في المراثي و هو عجيب، فانه إن أراد (3) أن الغناء مما يكون لمواد الألفاظ دخل فيه فهو تكذيب للعرف و اللغة.

أما اللغة فقد عرفت (4).

++++++++++

- لأخبار المنع: على صلاحيتها لتقييد تلك المطلقات فقال: يظهر فساد هذه المعارضة عند الكلام عن التفصيل الآتي بيانه بقوله: و أما الثالث و هو اختصاص الحرمة ببعض أفراد الموضوع.

(1) و هو عروض الشبهة من حيث الموضوع بعد تشخيص الحكم فيه.

و قد ذكره الشيخ في ص 225 عند قوله: و اخرى من حيث الموضوع

كما في المراثي، فانها على ما قيل: لا تدخل في الغناء فهي خارجة عنه موضوعا بعد العلم بأن الغناء حكمه الحرمة.

(2) اي من لا اطلاع له في خصوص الغناء من حيث تشخيصه و تعيينه

و ليس المقصود أن هذا البعض ليس له اي خبرة و اطلاع في الفقه و مسائله، و أنه عار عنه و عن أحكامه.

و هذا احد الموردين الذين اشرنا إليهما في حياة (الشيخ الانصاري) في الجزء الاول من المكاسب ص 191 عند قولنا: نعم يوجد في (المكاسب) من بدايته الى نهايته موضعان يقول.

(3) اي ان اراد هذا البعض الذي لا اطلاع له و لا احاطة في موضوع الغناء.

(4) فان تعاريف الغناء في كتب اللغة تدل على أن الغناء من الكيفيات الصوتية، و لا دخل له بمادة خاصة.

راجع كتب اللغة. الصحاح. المصباح النهاية. تاج العروس -

ص: 269

و أما العرف (1) فلانه لا ريب في أن من سمع من بعيد صوتا مشتملا على الإطراب المقتضي للرقص، أو ضرب آلات اللهو: لا يتأمل في اطلاق الغناء عليه الى أن (2) يعلم مواد الألفاظ.

و ان اراد (3) أن الكيفية التي يقرأ بها للمرثية لا يصدق عليها تعريف الغناء فهو تكذيب للحس (4).

و أما الثالث: و هو اختصاص الحرمة ببعض أفراد الموضوع

و أما الثالث (5): و هو اختصاص الحرمة ببعض أفراد الموضوع

++++++++++

- القاموس. لسان العرب. مجمع البحرين مادة غني.

(1) حيث ان العرف لا يفهم من الغناء الا الكيفية الخاصة، و الألحان المخصوصة، لا بألفاظه و مواده، فالكيفية على أية مادة وقعت تعتبر غناء سواء أ كانت تلك المواد فاسدة أم صالحة، فالمواد الرثائية بلحن الغناء غناء عند العرف.

لكن لو فرض الشك في الصدق العرفي فما العمل في ذلك هل يقال:

ان الاصل الاباحة، او الحاقة بالأعم الأغلب.

(2) الجار و المجرور متعلق بقوله: لا يتأمل اي لا ينتظر سامع هذا الصوت في اطلاق الغناء عليه حتى يعلم مواد الالفاظ المشتملة على الصوت و تشخيصها عند عدم اطلاعه على الغناء.

(3) اي و ان اراد هذا البعض الذي لا اطلاع له في موضوع الغناء أن الكيفية الغنائية اذا قرئت بها المراثي لا تكون مشمولة لتعريف الغناء لعدم صدق الغناء عليه.

(4) حيث ان العرف انما يحكم بذوقه و حسه، و لا يتبع في ذلك الفقهاء و اللغويين.

فما افاده (شيخنا الانصاري) من أنه تكذيب للحس لا يخلو من تأمل (5) اي الثالث من أقسام عروض الشبهة التي ذكرناها -

ص: 270

فقد حكى في جامع المقاصد قولا لم يسم قائله: باستثناء (1) الغناء في المراثي نظير (2) استثنائه في الأعراس، و لم يذكر (3) وجهه.

++++++++++

- في ص 226: هو عروضها لجميع أفراد الغناء و مصاديقها.

ففي الحقيقة هذا تضييق لدائرة دليل حرمة الغناء، و اختصاصها بالبعض بعد الفراغ عن تشخيص موضوع الغناء.

ثم ان الفرق بين هذا و ما قبله و هو القسم الثاني الذي كان عروض الشبهة في الموضوع: ان تعريف الغناء يشمل الثالث غير ان الحرمة لا تشمله فهو مستثنى من الحكم.

بخلاف الثاني فانه مستثنى من اصل الموضوع فيكون غير داخل في تعريف الغناء و ان كانت النتيجة واحدة و هي إباحة المراثي بالغناء و بألحان خاصة.

(1) اي استثناء الغناء مقول قول صاحب (جامع المقاصد).

و المراد من الاستثناء الاستثناء من الحكم و هي الحرمة، لا من الموضوع كما عرفت آنفا.

(2) اي استثناء المراثي عن حكم الغناء نظير استثناء الغناء في الأعراس من حيث الحكم.

(3) اي لم يذكر صاحب (جامع المقاصد) وجها لاستثناء الغناء في المراثي كما ذكر الفقهاء وجها لاستثنائه في الأعراس: و هو أنه موجب للافراح، و باعث للآخرين على التأهل و الازدواج الذي هو في حد نفسه امر مطلوب و مرغوب في الاسلام.

قال صلى اللّه عليه و آله: من تزوج فقد احرز ثلثي دينه فليتق اللّه في الثلث الآخر.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 7. ص 5 الباب 1 من ابواب مقدمات النكاح. الحديث 11-12.

ص: 271

و ربما وجّهه بعض (1) من متأخري المتأخرين، لعمومات (2) أدلة

++++++++++

(1) بالتنوين على وجه التنكير اي ربما وجه بعض متأخري المتأخرين استثناء جواز الغناء في المراثي بالعمومات الواردة في الابكاء، فانها تشمل الغناء بالمراثي.

و المراد من متأخري المتأخرين العلامة و من أتى بعده من أعلام الطائفة

كما ان المراد من القدماء (شيخ الطائفة).

و يحتمل ان يراد من متأخري المتأخرين (صاحب المستند)، حيث أيد هذا القول و هو جواز التغني في المراثي كما جاز في الأعراس.

(2) تعليل لاستثناء جواز الغناء في المراثي عن تحت تلك الكبرى الكلية: و هي حرمة الغناء بنحو مطلق.

و المراد من العمومات ما ذكر في (بحار الأنوار) الطبعة الحديثة الجزء 44. ص 278. الأحاديث.

أليك الحديث الأول:

عن علي بن فضال عن ابيه قال: قال (الرضا) عليه السلام:

من تذكر مصابنا و بكى لما ارتكب بنا كان معنا في درجتنا يوم القيامة.

و من ذكر بمصابنا فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون.

و من جلس مجلسا يحيي فيه امرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

فالحديث هذا عام يشمل البكاء و الابكاء بالغناء و غيره، فمن هذا العموم يستدل هذا البعض على جواز الغناء بالمراثي.

ثم لا يخفى أن بين عمومات حرمة الغناء، و عمومات أدلة الابكاء و الرثاء عموما و خصوصا من وجه، اي لهما مادة اجتماع، و مادتا افتراق.

أما الاجتماع فكما لو كان هناك إبكاء بلحن غنائي فيقع التعارض بين أدلة حرمة الغناء، و بين أدلة جواز الإبكاء بلحن غنائي فتسقط أدلة -

ص: 272

الإبكاء و الرثاء، و قد أخذ (1) ذلك مما تقدم عن صاحب الكفاية:

من الاستدلال بإطلاق أدلة قراءة القرآن.

و فيه (2) أن أدلة المستحبات لا تقاوم أدلة المحرمات

++++++++++

- الغناء، و أدلة استحباب الإبكاء في مورد الاجتماع فيرجع الى البراءة العقلية و النقلية المعبر عنها باصالة الحل.

و يمكن أن يقال بتقديم الثانية على الاولى اذا كانت أدلة جواز الابكاء اصح سندا، أو أقوى دلالة من أدلة حرمة الابكاء.

أو كانت أدلة جواز الإبكاء عمومات، و أدلة حرمة الإبكاء اطلاقات فتقدم العمومات على الاطلاقات.

و أما مادة الافتراق من جانب الغناء كما لو كان هناك غناء ليس فيه إبكاء فتأتي أدلة حرمة الغناء.

و أما مادة الافتراق من جانب البكاء كما لو كان هناك بكاء لسماع رثاء ليس فيه غناء فتأتي أدلة الجواز.

(1) أي أخذ هذا الموجه التوجيه المذكور: و هو تعارض إطلاقات أدلة حرمة الغناء مع إطلاقات أدلة استحباب البكاء و المراثي، و حكومة الثانية على الأولى، أو تساقطهما في مادة الاجتماع، و الرجوع الى أدلة البراءة:

من صاحب الكفاية فيما تقدم عنه في ص 248 في جواز قراءة القرآن الغناء، لأصالة الحل عند عدم ثبوت الاجماع على المنع، أو اختصاص حرمة الغناء بالمقترن بالمحرمات المذكورة، أو على سبيل اللهو.

(2) اي و فيما افاده و وجّهه هذا البعض: من أن خروج الغناء في المراثي عن تحت الكبرى الكلية: و هي حرمة الغناء بنحو مطلق إنما هو لاجل العمومات الموجودة في البكاء و الابكاء: نظر و اشكال.

وجه النظر كما افاده الشيخ: أن المرثية للحسين عليه الصلاة و السلام -

ص: 273

خصوصا التي (1) تكون من مقدماتها، فان مرجع أدلة الاستحباب الى استحباب ايجاد الشيء بسببه المباح، لا بسببه المحرم (2) الا ترى أنه لا يجوز ادخال السرور في قلب المؤمن و اجابته بالمحرمات كالزنا و اللواط و الغناء.

++++++++++

- امر مستحب في حد نفسه و ذاته، و الغناء امر محرم في الشريعة الاسلامية فأدلة الاستحباب لا تقاوم أدلة المحرمات و لا سيما اذا كانت المحرمات من مقدمات الاستحباب كما اذا سرق زيد مال عمرو ليتصدق به، أو سرق مركوبا ليعتمر عليه، أو يزور المراقد المقدسة، أو يغني ليدخل السرور في قلب المؤمن، و غير ذلك، ففي مثل هذه الموارد لا تعارض بين أدلة الاستحباب و أدلة الحرام الواقعي الذي لا يضعضعه شيء حتى يقال بتقديم أدلة الاستحباب على أدلة الحرمة، فأدلة المستحبات منصرفة عن كل مستحب يسبب الحرام أو يلازمه الحرام.

(1) صفة للمحرمات، و مرجع الضمير في من مقدماتها: (المستحبات) اي و لا سيما المحرمات التي تكون من مقدمات المستحبات كالتغني لادخال السرور في قلب المؤمن مثلا، فان أدلة هذا النوع من المستحبات لا تقاوم أدلة المحرمات، و لا تعارضها حتى تقدم عليها.

(2) كما فيما نحن فيه، حيث ان ايجاد المراثي التي هي مستحبة في حد نفسها يكون ناشئا بسبب المحرم و هو الغناء فليس لأدلة مثل هذا النوع من المستحبات مقاومة لأدلة الحرام حتى تقدم عليها

راجع حول أدلة الاستحباب (بحار الأنوار) الطبعة الجديدة الجزء 74. ص 283. الباب. 2: تجد الأحاديث الواردة في هذا الباب صريحة في استحباب إدخال السرور في قلب المؤمن و اجابته

لكننا بعد المراجعة لم نجد في تلك الأحاديث عموما، أو اطلاقا يتوهم شمولها للمحرمات، لأنها وردت غالبا في الحوائج الضرورية، و ليس لها -

ص: 274

و السر في ذلك (1) أن دليل الاستحباب إنما يدل على كون الفعل

++++++++++

- شمول للكماليات، فضلا عن المحرمات.

أليك الحديث الاول:

عن (ابي عبد اللّه) عليه السلام قال: أوحى اللّه عز و جل الى داود) عليه السلام ان العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فابيحه جنتي

قال: فقال داود: يا رب و ما تلك الحسنة.

قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورا بتمرة.

قال: فقال داود عليه السلام: حق لمن عرفك ان لا يقطع رجاءه منك

أبو البختري عن (جعفر) عن ابيه عليهما السلام قال: سئل (رسول اللّه) صلى اللّه عليه و آله اي الأعمال أحب الى اللّه ؟

قال: إتباع سرور المسلم.

قال: و قيل: يا رسول اللّه و ما اتباع سرور المسلم.

قال: شبعة جوعه، و تنفيس كربته، و قضاء دينه.

فهذان الحديثان، و بقية الأحاديث المذكورة في المصدر ليس فيها اطلاق، او عموم يشمل المحرمات حتى يستدل بها على جواز ارتكابها.

(1) اي السر في كون أدلة الاستحباب لا تقاوم أدلة المحرمات و لا تعارضها حتى تكون حاكمة عليها: ان الفعل المستحب كالصوم و الصلاة المستحبين، و زيارة المراقد المقدسة، و مواصلة الاخوان، و إدخال السرور في قلب المؤمن لو خلي و طبعه: لكان خاليا عما يوجب لزوم احد طرفيه

بعبارة أخرى: أن الفعل المستحب لو ترك على ما هو عليه من دون أي لحاظ شيء آخر معه: لم يطرأ عليه ما يوجب الإلزام فعلا أو تركا

و كلمة و طبعه منصوبة على المعية اي لو خلي مع طبيعته الأولية من دون لحاظ شيء آخر معه.

ص: 275

لو خلي و طبعه خاليا عما يوجب لزوم أحد طرفيه، فلا (1) ينافي ذلك طرو عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله أو تركه كما اذا صار مقدمة لواجب (2)، أو صادفه عنوان محرم (3). فاجابة المؤمن، و ادخال السرور في قلبه ليس في نفسه شيء ملزما لفعله، أو تركه (4)، فاذا

++++++++++

- يقال: خلّى عنه اي تركه و أطلقه.

و كلمة خاليا منصوبة خبر لقوله: على كون الفعل اي كون الفعل خاليا عما يوجب الالزام لو خلي و طبعه الأولي كما عرفت.

(1) الفاء تفريع على ما افاده: من أن دليل الاستحباب إنما يدل على كون الفعل لو خلي و طبعه الأولي خاليا عما يوجب لزوم احد طرفيه اي فبناء على كون المستحب راجح الفعل جائز الترك فلا منافاة لعروض ما يسبب وجوب هذا المستحب و الزامه كما لو كان الفعل مقدمة لانقاذ نفس محترمة، فان المستحب يصير واجبا حينئذ، للعروض المذكور.

و كذلك لا منافاة لعروض ما يسبب حرمة هذا المستحب كما اذا صارت الصدقة التي يستحب اعطاؤها اعانة على الإثم بأن يشرب بها الآخذ الخمر أو يلعب بها القمار، فان المستحب يصير حراما حينئذ، للعروض المذكور

(2) هذا مثال للمستحب الذي عرضه الوجوب كما عرفت.

(3) هذا مثال للمستحب الذي عرضته الحرمة كما عرفت.

(4) لأن الاجابة و إدخال السرور في قلب المؤمن جائز بالمعنى الاعم الذي يجتمع مع الوجوب و الاستحباب و الاباحة و الكراهة

كما ان الرجحان بالمعنى الاعم يجتمع مع الوجوب و الاستحباب، و ذلك لأن الجواز اذا اتصف بالرجحان تردد بين الوجوب و الاستحباب، فاذا اشتد الرجحان الى حد الالزام بالفعل فقد اختص بالوجوب، و إن لم يشتد فقد اختص بالاستحباب.

ص: 276

تحقق (1) في ضمن الزنا فقد طرأ عليه عنوان ملزم لتركه، كما أنه اذا أمر به (2) الوالد، أو السيد طرأ عليه عنوان ملزم لفعله.

و الحاصل أن جهات الأحكام الثلاثة اعني الاباحة و الاستحباب و الكراهة لا تزاحم جهة الوجوب أو الحرمة، فالحكم (3) لهما مع اجتماع جهتيهما

++++++++++

- و أما إن خلا الجواز من الرجحان فان اتصف بالمرجوحية فهي الكراهة و ان لم يتصف بها فهي الاباحة.

و أما ان اتصف بالمرجوحية الى حد يوجب الترك و يلزمه فهي الحرمة

(1) اي اجابة المؤمن و إدخال السرور في قلبه اذا تحقق في ضمن عمل محرم فقد وجب تركه، لأنه تعنون بعنوان محرم و هو الزنا مثلا كما عرفت في ص 276 عند قولنا: و كذلك لا منافاة

(2) كما انه اذا امر الوالد ولده باجابة المؤمن، و إدخال السرور في قلبه يصير الفعل واجبا، لأنه تعنون بعنوان واجب كما عرفت في ص 276 عند قولنا: فلا منافاة لعروض ما يسبب وجوب المستحب.

(3) تعليل لعدم مزاحمة جهات الأحكام الثلاثة لجهتي الوجوب أو الحرمة، اي عدم المزاحمة لاجل أن جهة الوجوب، أو الحرمة أقوى من تلك الجهات فلا مقاومة لهاتين الجهتين.

ثم ان المراد من جهات الأحكام الثلاثة: الشيء الذي يسبب استحباب الشيء او كراهته، أو اباحته المعبر عنه بلسان الفقهاء بالمناط و الملاك، و في اصطلاح الآخرين بالعلل.

كما أن المراد من جهتي الحرمة و الوجوب: ما يسبب وجوب الشيء أو حرمته و هي المحبوبية الملزمة للفعل في الوجوب، و المبغوضية الملزمة للترك في الحرمة.

و خلاصة الكلام: أنه في صورة اجتماع جهة الوجوب أو الحرمة مع -

ص: 277

مع احدى (1) الجهات الثلاث.

و يشهد لما ذكرنا: من عدم تأدي المستحبات في ضمن المحرمات:

قوله صلى اللّه عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب، و إياكم و لحون أهل الفسوق و الكبائر، و سيجيء بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم (2)، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم (3).

++++++++++

- احدى تلك الجهات الثلاثة تقدم جهة الوجوب، أو الحرمة، لعدم مقاومة تلك الجهات الثلاث معهما، فلا غلبة لاحدى الجهات الثلاث على جهة الوجوب أو الحرمة، لأن الحكم لهما دوما فلا ظرف للمستحب عند مصادفته مع الحرام، او الواجب.

(1) المراد من احدى الجهات الثلاث: جهة الاباحة أو الاستحباب أو الكراهة كما عرفت آنفا.

(2) بفتح التاء جمع ترقوة و هو مقدم الحلق في أعلى الصدر، حيث يترقى فيه النفس.

و المراد من لا يجوز في قوله صلى اللّه عليه و آله: لا يجوز تراقيهم عدم التعدي من مقدم حلق القاري.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 4. ص 858. الباب 24 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 6.

و المراد من شأنهم: (مثلهم) اي من يتعجب بأصوات هؤلاء و ألحانهم فهو مثل هؤلاء الذين قلوبهم مقلوبة.

و المراد من القلوب المقلوبة: القلوب المنصرفة عن اللّه عز و جل و المتوجهة الى الشيطان المارد اعاذنا اللّه و المؤمنين من شره.

ص: 278

قال في الصحاح: اللحن واحد الألحان و اللحون، و منه (1) الحديث اقرءوا القرآن بلحون العرب و قد لحن في قراءته اذا طرّب بها و غرّد (2) و هو ألحن الناس اذا كان أحسنهم (3) قراءة، أو غناء. انتهى.

و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر (4) بمعنى اللغة أي بلغة العرب، و كأنه اراد باللغة اللهجة (5)، و تخيل (6) أن ابقاءه على معناه يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن.

++++++++++

(1) اي و من هذا الجمع قوله صلى اللّه عليه و آله: اقرءوا القرآن بلحون العرب، حيث ان اللحون في الحديث جمع لحن.

(2) قد سبق في ص 204 معنى طرب و قلنا: إنه تحسين الصوت و ترجيعه.

و التغريد مصدر باب التفعيل من غرد يغرد معناه: رفع الصوت و ترجيعه و التطريب به.

(3) اي المراد من ألحن أحسن اي لحنه من أحسن الألحان.

و قوله: انتهى: اي انتهى ما في الصحاح.

(4) اي في قوله صلى اللّه عليه و آله: اقرءوا القرآن بلحون العرب فانه بمعنى اللغة. اي اقرءوا القرآن بلغة العرب: من قراءة الحاء حاء لا هاء و من قراءة العين عينا لا الفا، و غيرهما من حروف التهجي التي لا بد و ان تخرج من مخارجها، و تؤدى بصفاتها.

(5) اي لهجة الانسان التي جبل عليها.

(6) اي تخيل صاحب الحدائق انه لو أبقى اللحن على معناه: و هو ترجيع الصوت و تطريبه لفهم منه جواز قراءة القرآن بالغناء، فلذا اضطر الى التصرف في معناه فجعله بمعنى اللغة حتى لا يستشكل في ذلك.

و قال في (مجمع البحرين) في مادة (لحن): اللحن واحد الألحان، و اللحون اللغات. -

ص: 279

و فيه (1) ما تقدم: من أن مطلق اللحن اذا لم يكن على سبيل اللهو ليس غناء.

و قوله صلى اللّه عليه و آله: و إياكم و لحون أهل الفسوق نهي عن الغناء في القرآن.

ثم إن في قوله: لا يجوز تراقيهم اشارة الى أن مقصودهم ليس تدبر معاني القرآن، بل هو مجرد الصوت المطرب.

و ظهر مما ذكرنا (2) أنه لا تنافي بين حرمة الغناء في القرآن و ما ورد من قوله عليه السلام: و رجع بالقرآن صوتك، فان اللّه يحب الصوت الحسن (3)، فان (4) المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق

++++++++++

- و منه الخبر: اقرءوا القرآن بلحون العرب، (اي بلغة العرب).

و كأن (صاحب الحدائق) قد اخذ منه هذا المعنى، حيث توفى شيخنا الطريحي عام 1085، و توفى شيخنا البحراني صاحب الحدائق عام 1186، و يأتي شرح حياتهما في (اعلام المكاسب).

(1) اي و فيما تخيله (صاحب الحدائق): من أن إبقاء اللحن على معناه يوهم تجويز الغناء في القرآن فلا بد من التصرف في معناه بتفسيره باللغة اي اقرءوا القرآن بلغة العرب حتى لا يتوهم ذلك: اشكال و نظر.

و قد ذكر وجه الاشكال الشيخ في المتن بقوله: من أن مطلق اللحن.

(2) اي في الجواب عن تخيل (صاحب الحدائق): من أن مطلق اللحن اذا لم يكن على سبيل اللهو ليس غناء.

(3) (وسائل الشيعة). الجزء 4. ص 24.859 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 5.

و الحديث في المصدر مروي عن (الامام ابي جعفر الباقر) عليه السلام

(4) تعليل لعدم التنافي بين الخبرين المذكورين، اي المراد من الترجيع -

ص: 280

و من المعلوم أن مجرد ذلك لا يكون غناء اذا لم يكن على سبيل اللهو (1) فالمقصود من الأمر بالترجيع أن لا يقرأ كقراءة عبائر (2) الكتب عند المقابلة.

لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء، و لذا (3) جعله نوعا منه في قوله صلى اللّه عليه و آله: يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

و في محكي شمس العلوم (4) أن الترجيع ترديد الصوت مثل

++++++++++

- في قوله عليه السلام في الحديث المشار إليه في ص 237: و رجع بالقرآن صوتك: هو ترديد الصوت في الحلق.

(1) بل الغناء كما عرفت في ص 161 كيفية خاصة تعتري الانسان توجب خروجه عن حالته الطبيعية، و اختلال التوازن.

(2) وزان فواعل جمع عبارة معناه الظهور. يقال: عبر عما في نفسه اي تكلم و اظهر.

و لما كان في كلمة (العبارة) معنى الإظهار اطلقت على الكلام المظهر للمعنى و مقصود الشيخ: أن قراءة القرآن لا بدّ أن يكون لها ميزة خاصة على بقية القراءات من حيث تحسين الصوت و تلحينه بلحن جيد و لا تكون قراءتها كقراءة عبارات الكتب عند ما تقابل.

(3) اي و لاجل أن مجرد الترجيع لا يكون غناء جعل (الرسول الاعظم) صلى اللّه عليه و آله ترجيع القرآن نوعا من الغناء في قوله: يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

(4) قال زميلنا الفاضل السيد عبد العزيز سبط المرحوم (السيد الطباطبائي اليزدي) قدس سره: كتاب شمس العلوم، و دواء كلام العرب من الكلوم مؤلف في علم اللغة في ثمانية عشر جزء.

مؤلفه: (نشوان بن سعيد الحميري) اليماني المتوفى عام 573.

و محل الشاهد في الحكاية عن كتاب شمس العلوم: هو أن الترجيع -

ص: 281

ترجيع أهل الألحان و القراءة و الغناء. انتهى (1).

و بالجملة (2) فلا تنافي بين الخبرين، و لا بينهما (3)، و بين ما دل

++++++++++

- ترديد الصوت فاستشهد شيخنا الأنصاري. بهذه الجملة تأييدا لما أفاده:

من أن مجرد الترجيع لا يكون غناء.

(1) اي المحكي عن شمس العلوم.

(2) اي اي شيء قلنا في الترجيع، و أي شيء فسرناه و فسرنا الغناء فلا منافاة بين الخبرين المذكورين.

و هما: الحديث النبوي المشار إليه في ص 281 في قوله صلى اللّه عليه و آله:

يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

و الحديث المروي عن (الامام ابي جعفر الباقر) عليه السلام المشار إليه في ص 237 في قوله: و رجع بالقرآن صوتك، فان اللّه عز و جل يحب الصوت الحسن، فان ظاهر الحديث الأول يدل على تحريم الترجيع بالقرآن

و ظاهر الحديث الثاني يدل على جوازه فيقع التعارض و التنافر بين الحديثين حسب ما استفاده (صاحب الحدائق)، و لذا قام في الدفاع عنه بالحمل المذكور.

و قد عرفت عدم التعارض بينهما كما أفاده الشيخ في ص 280 في قوله:

فان المراد بالترجيع ترديد الصوت.

(3) أي و كذا لا منافاة أيضا بين الحديثين المذكورين، و بين الأحاديث الدالة على حرمة مطلق الغناء حتى في القرآن الكريم في ص 164-166.

أما عدم منافاة الحديث النبوي للاحاديث فظاهر، حيث إنه يوافقها في عدم الجواز اذا بلغ الترجيع حد الغناء.

و أما عدم منافاة الحديث المروي عن الامام (أبي جعفر) عليه السلام للاحاديث المذكورة فظاهر أيضا، حيث إن جواز الترجيع بالقرآن -

ص: 282

على حرمة الغناء حتى في القرآن كما تقدم زعمه (1) من صاحب الكفاية في بعض ما ذكره: من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره، تبعا (2) لما ذكره المحقق الأردبيلي رحمه اللّه، حيث (3) انه بعد ما وجه استثناء

++++++++++

- محمول على الترجيع الذي لم يبلغ حد الغناء.

(1) أي زعم التنافي بين أخبار الجواز، و بين أخبار المنع عند قوله في ص 243: و يمكن الجمع بين هذه الأخبار بوجهين، و قد عرفت الوجهين في نفس الصفحة.

فلا وجه لما زعمه من التنافي بين تلك الطائفتين، و لجوئه الى الجمع بينهما: بحمل المانعة على الغناء الشائع في العصرين.

و بحمل المجوزة على الفرد غير الشائع في العصرين.

و من في قوله: من عدم اللهو بيان (لما الموصولة) في قوله:

في بعض ما ذكره، أي ما ذكره صاحب الكفاية سابقا عبارة عن عدم اللهو في قراءة القرآن و غير القرآن اذا ذكرت بها الجنة و نعيمها، و النار و جحيمها.

(2) منصوب على المفعول لاجله، اي ما ذكره (صاحب الكفاية) لاجل متابعته (للمحقق الاردبيلي).

(3) حيث هنا تعليلية اي تعليل من الشيخ لما افاده من تبعية صاحب الكفاية (للمحقق الاردبيلي) فيما ذكره من التنافي بين الأحاديث و لجوئه الى الجمع المذكور.

و خلاصة التعليل أن (المحقق الاردبيلي) حسّن استثناء المراثي و الادعية و الأذكار من الغناء حكما و قال بعدم حرمتها، لأن دليل مدعي الحرمة الاجماع و الأخبار.

أما الاجماع فلا دلالة له على التحريم، لأنه قائم على حرمة الغناء فقط، لا على مطلق الغناء و ان كان في القرآن و المراثي و الأذكار. -

ص: 283

..........

++++++++++

- أما الأحاديث فانها بالإضافة الى سقم سندها: لم تكن صريحة في الحرمة مطلقا فلا يصح الاستدلال بها.

ثم أيد استثناء المراثي عن الغناء حكما بمطلوبية البكاء و مرغوبيتها و فيها الثواب العظيم، و لا شك أن الغناء معين على البكاء و التفجع، و قد كان الرثاء متعارفا مألوفا من زمن المشايخ العظام (الشيخ الصدوق و الشيخ الكليني و الشيخ المفيد و شيخ الطائفة) الى زماننا هذا في بلاد المسلمين فلم يحصل منهم منع على ذلك، فلو كان الغناء في المراثي حراما لحصل المنع من المشايخ العظام و لا سيما كانت كلمتهم مسموعة في عصرهم فعدم صدور المنع دليل على الجواز.

ثم أيد أيضا استثناء المراثي عن الغناء بجواز النياحة، و جواز اخذ الاجرة عليها، و من المعلوم ظاهرا أن النياحة لا توجد في الخارج إلا بطريق الغناء

راجع حول أخبار جواز النياحة، و جواز اخذ الاجرة عليها (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 88-92. الباب 17 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 1-7. و باقي الأحاديث.

أليك نص الحديث 7. ص 90 عن ابي بصير قال: قال (ابو عبد اللّه) عليه السلام: لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت.

و عن يونس عن (ابي عبد اللّه) عليه السلام قال: قال لي ابي:

يا جعفر اوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى ايام منى. الحديث 1. ص 88.

ثم استدل على استثناء المراثي عن الغناء حكما بدليل آخر: و هو أن الغناء إنما حرم لأجل الطرب الذي يوجد به و هي الخفة الحاصلة من السرور

و من الواضح أن المراثي لا طرب فيها حتى تحصل منها تلك الحالة. -

ص: 284

..........

++++++++++

- و قد عرفت في ص 161 أن العرف لا يفهم من الغناء إلا الطرب الذي هي الخفة.

أما الغناء المثير للحزن فلا يسميه العرف غناء و لا سيما بعد ان قلنا:

إن المرجع في تشخيص الغناء هو العرف لا الفقهاء، لبعدهم عن ذلك غاية البعد، و أنى لهم تشخيص ذلك و لم يحضروا مجالس الغناء و لم يستمعوه فلا يمكنهم تشخيصه فما افاده (المحقق الاردبيلي) من تسمية المراثي غناء كما تراه.

هذه خلاصة ما استدل به المحقق المذكور على استثناء المراثي من الغناء حكما و هي أربعة:

(الاول): مطلوبية البكاء و التفجع.

و من الواضح أن الغناء معين على ذلك فيجوز التغني في المراثي لكونه يوجب البكاء و التفجع.

(الثاني): كون التغني بالمراثي متعارفا من زمن المشايخ العظام الى زماننا من غير نكير من احدهم.

(الثالث): جواز النياحة، و جواز اخذ الاجرة عليها مع كونها لا تحصل الا بالغناء ظاهرا.

(الرابع): أن حكمة تشريع حرمة الغناء كونه موجبا للطرب الذي يحصل منه الخفة و السرور و الوجد البالغ و هذه لا تحصل في المراثي.

ثم لا يخفى عليك أن التأييد المذكور يشمل خصوص المراثي لا غير و لا يشمل قراءة القرآن و الأدعية و الأذكار.

أما التوجيه المذكور فيشمل المراثي و غيرها: من القرآن و الأدعية و الأذكار كما هو غير خفي على المتأمل البصير.

ص: 285

المراثي و غيرها من الغناء: بأنه (1) ما ثبت الإجماع إلا في غيرها.

و الأخبار (2) ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا: أيد (3) استثناء المراثي: بان البكاء و التفجع مطلوب مرغوب و فيه ثواب عظيم و الغناء معين على ذلك، و أنه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ (4) الى زماننا هذا من غير نكير.

ثم أيده (5) بجواز النياحة، و جواز أخذ الأجرة عليها.

و الظاهر أنها لا تكون الا معه (6)، و بان (7) تحريم الغناء للطرب

++++++++++

(1) الباء في قوله: بأنه ما ثبت الاجماع بيان لتوجيه استثناء المراثي كما عرفت في ص 283 عند قولنا: أما الاجماع.

(2) اي الأخبار الواردة في حرمة الغناء ليست صحيحة السند و لا صريحة في الحرمة بنحو مطلق كما عرفت.

(3) اي (المحقق الاردبيلي) كما عرفت آنفا.

و الباء في قوله: بأن البكاء بيان لتأييد استثناء المراثي.

(4) المراد منهم: (الشيخ الصدوق. الشيخ الكليني. الشيخ المفيد شيخ الطائفة) كما عرفت في ص 284 عند قولنا: من زمن المشايخ العظام و مرجع الضمير في انه متعارف: الرثاء المتصيد من المقام.

(5) اي أيد (المحقق الاردبيلي) استثناء المراثي من الغناء بجواز النياحة، و جواز اخذ الاجرة عليها.

(6) مرجع الضمير الغناء اي لا تكون النياحة إلا مع الغناء كما عرفت في ص 284 عند قولنا: و من المعلوم ظاهرا.

(7) هذا دليل آخر (للمحقق الاردبيلي) جاء به لاستثناء المراثي من الغناء و قد اشرنا إليه في ص 284 عند قولنا: و هو أن الغناء إنما حرم لاجل الطرب الذي يوجد به.

ص: 286

على الظاهر، و ليس في المراثي طرب بل ليس الا الحزن. انتهى.

و أنت خبير (1) بأن شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء على الوجه الذي ذكرناه (2).

أما (3) كون الغناء معينا على البكاء و التفجع فهو ممنوع، بناء على ما عرفت (4): من كون الغناء هو الصوت اللهوي، بل (5) و على ظاهر تعريف المشهور: من الترجيع المطرب، لأن (6) الطرب الحاصل منه ان كان سرورا فهو مناف للتفجيع لا معين له.

و ان كان حزنا فهو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد

++++++++++

(1) من هنا يروم الشيخ الرد على ما افاده (المحقق الاردبيلي) في استثناء المراثي عن الغناء حكما واحدا بعد آخر.

(2) و هو الصوت اللهوي المثير للشهوة، و المخرج للانسان عن حالته الطبيعية، و اختلال التوازن من أصوات المزامير و العيدان و القصب، و غيرها من آلات العصر الحاضر مثل (البيانو و آلة الموسيقي).

(3) هذا رد على دليله الاول المشار إليه في ص 284 عند قولنا:

و لا شك أن الغناء معين على البكاء و التفجع.

(4) اي في طي كلماته من بداية الشروع في الغناء في ص 187-188.

(5) بل هنا للترقي، و كلمة من في قوله: من الترجيع المطرب بيان لتعريف المشهور.

و المعنى: أنه بناء على ما عرفت في كلماتا حول الغناء، بل على ما عرفت من تعريف المشهور الغناء بأنه الترجيع المطرب: أن الغناء هو الصوت اللهوي، و هذه الكيفية في اي شيء حصلت يصدق بها الغناء، سواء أ كانت في المراثي أم في شيء آخر.

(6) تعليل لعدم كون الغناء معينا على البكاء كما افاده (المحقق الاردبيلي)

ص: 287

المشتهيات النفسانية (1)، لا على ما أصاب سادات (2) الزمان، مع أنه (3) على تقدير الاعانة لا ينفع في جواز الشيء كونه مقدمة لمستحب، او مباح بل لا بدّ من ملاحظة عموم دليل الحرمة له (4)،

++++++++++

(1) كالمال. و البنين. و الجاه، أو فقد الأحبة.

(2) المقصود منهم: (المعصومون الأربعة عشر) عليهم الصلاة و السلام الذين اصيبوا بالقتل، و السم، و التشريد.

(3) هذا تنازل من الشيخ و تسليم منه (للمحقق الاردبيلي) حول ما افاده من ان الغناء يعين على البكاء.

اي و على فرض أن الغناء يعين على البكاء في المرائي على ما أصاب سادات الزمان

لكن حرمته لا تزول اذا كانت مقدمة للبكاء المستحب كالبكاء على الحسين عليه السلام فكيف بالمباح، فالشيء المحرم الذي وقع مقدمة للمستحب أو المباح يبقى على حرمته.

(4) هذه العبارة لا تخلو من تعقيد و غموض. أليك تفسيرها.

إن الشيخ رحمه اللّه بعد ان أفاد أن الشيء المحرم اذا وقع مقدمة للمستحب أو المباح كالامثلة المتقدمة في ص 274: لا يصير جائزا و لا يتصف به: توجه إليه سؤال: و هو أنه فما هو المرجع في هذه الحالة ؟

فاجاب أن المرجع في هذه الحالة عموم دليل الحرمة فنلاحظ ذلك العموم و نقيسه.

فان كان عموم الدليل يشمل حتى ما لو وقع الحرام مقدمة للمستحب أو المباح فنحكم بحرمته، و لا مجال ابدا لجواز مثل هذا الحرام الواقع مقدمة للمستحب، أو الحرام.

و ان كان عموم دليل الحرام لا يشمل هذا الحرام الذي وقع مقدمة للمستحب، أو المباح فنحكم باباحته، لاصالة الاباحة في الأشياء،

ص: 288

فان كان (1) فهو و إلا (2) فيحكم باباحته، للاصل.

و على أي حال (3) فلا يجوز التمسك في الاباحة بكونه مقدمة لغير حرام، لما عرفت (4).

ثم إنه يظهر من هذا (5) و ما ذكر أخيرا: من أن المراثي ليس فيها طرب: أن نظره الى المراثي المتعارفة لأهل الديانة التي لا يقصدونها الا للتفجع، و كأنه لم يحدث في عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو و المترفون من الرجال و النساء بها عن حضور مجالس اللهو، و ضرب العود

++++++++++

- و مرجع الضمير في له: الشيء المحرم الذي وقع مقدمة للمستحب، أو المباح كما عرفت آنفا.

(1) أي فان كان عموم دليل الحرمة كما عرفت آنفا

(2) اي و إن لم يكن عموم دليل الحرمة على نحو يشمل مثل هذا الحرام الواقع مقدمة للمستحب، أو المباح كما عرفت آنفا.

(3) اي سواء أ كان الغناء معينا على البكاء أم لا فلا يجوز التمسك في إباحة الغناء في المرائي: يكون الغناء مقدمة لشيء غير محرم و هو البكاء

(4) تعليل لعدم جواز التمسك في إباحة الغناء في المراثي، اي لها عرفت من كون الغناء غير معين على البكاء، بل على ما هو المرتكز في النفس:

من فقد المشتهيات النفسية.

أو لما عرفت سابقا في الغناء من بداية المبحث الى الآن: من ان دليل حرمة الغناء عام يشمل حتى المراثي.

(5) اي من هذا الجواب الذي ذكرناه ردا على ما افاده (المحقق الاردبيلي) من أن الغناء معين على البكاء.

و المراد من و ما ذكر أخيرا: ما ذكره (المحقق الاردبيلي): من أن المراثي ليس فيها طرب.

ص: 289

و الأوتار و التغني بالقصب و المزمار كما هو الشائع في زماننا الذي قد اخبر النبي صلى اللّه عليه و آله بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير كما أن زيارة سيدنا و مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام صار سفرها من أسفار اللهو و النزهة لكثير من المترفين.

و قد اخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله بنظيره (1) في سفر الحج، و أنه يحج أغنياء امتي للنزهة، و الأوساط للتجارة، و الفقراء للسمعة (2)، و كان

++++++++++

(1) اي زيارة (بيت اللّه الحرام) اصبحت نظير زيارة مرقد (سيد الشهداء) عليه الصلاة و السلام من حيث كونها للنزهة و السمعة و الرياء

ما ذا يقول (شيخنا الانصاري) لو كان حاضرا في عصرنا هذا و يرى بام عينيه أن بعض الناس كيف اتخذوا زيارة البيت نزهة و سمعة و تجارة و قد بلغ الأمر الى حد حتى اصبح الجل من الحجاج يتاجرون فيصحبون معهم الراديوات و المسجلات، و ادوات الملاهي و ما شاكلها.

كما أن في زيارة الحسين عليه الصلاة و السلام يصحب بعض المشاة معهم الراديوات و المسجلات خلال أيام سيرهم.

و المصيبة العظمى أن النساء اصبحن يذهبن الى زيارة الحسين عليه الصلاة و السلام في زيارة الاربعين ماشيات على اقدامهن و هن معرضات عن قول اللّه عز و جل: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ اَلْأُولىٰ (1).

و عن قول (الرسول الاعظم) صلى اللّه عليه و آله: ليس على المرأة الجمعة و الجماعة و مسجد المرأة بيتها.

أما من آمر يأمر بالمعروف: أما من ناه ينهى عن المنكر؟

(2) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 11. ص 278. الباب 49 -2.

ص: 290


1- الأحزاب: الآية 32.

كلامه (1) صلى اللّه عليه و آله كالكتاب العزيز واردا في مورد، و جاريا في نظيره.

و الذي اظن أن ما ذكرناه في معنى الغناء المحرم: من أنه الصوت

++++++++++

- من أبواب جهاد النفس. الحديث 22.

و تفسير القمي. الجزء 2. ص 306. طباعة مطبعة النجف عام 1387

و تفسير البرهان. الجزء 4. ص 184 سورة محمد صلى اللّه عليه و آله الآية 18. طباعة طهران مطبعة آفتاب.

و تفسير الصافي الجزء 2 ص 567. چاپ اسلامية عام 1384.

(1) أي كلام (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله كقسم من الآيات الكريمة في كونها واردة موردا خاصا، إلا أنها شاملة موارد أخرى غير ذاك المورد.

قال عليه السلام: لو أن الآية اذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم و ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، و لكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات و الأرضون، و لكل قوم آية يتلونها هم منها: من خير أو شر.

(الوافي). الجزء 5 من الجلد 2. ص 272.

و مما يدل على أن الكتاب العزيز وارد في مورد خاص، و جار في نظيره: صحيح فضيل بن يسار و فيه قال عليه السلام: تجري آي القرآن كما تجري الشمس و القمر، كلما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما تكون على الأحياء.

راجع (جامع أحاديث الشيعة) لسيد الطائفة (السيد البروجردي) قدس سره المجلد 1. ص 27. المقدمات. الباب 4. الحديث 88.

ص: 291

اللهوي: أن هؤلاء (1) و غيرهم غير مخالفين فيه، و أما ما لم (2) يكن

++++++++++

(1) المراد من هؤلاء: (المحدث الكاشاني، و المحدث الأسترآبادي و المحقق الأردبيلي).

و المراد من غيرهم: من يقول بمقالتهم: من أن الغناء هو الصوت اللهوي أي هؤلاء و غيرهم ممن لم نذكرهم من الأعلام لم يختلفوا معنا في تعريف الغناء حسب ما نقلناه لك.

(2) أي و أما الغناء الذي لم يكن على جهة اللهو المناسب لسائر آلات اللهو فلا دليل على حرمته و لو فرضنا شمول الغناء لمثل هذا الغناء، لأن الأخبار المطلقة الواردة في تحريم الغناء التي ذكرناها في ص 178-185 منزلة على تقييد الحرمة باللهو و الباطل و لا سيما مع انصرافها بأنفسها من دون احتياجها إلى القرائن: إلى الغناء اللهوي الباطل، لا إلى كل غناء كما في أخبار المغنية المنصرفة إلى هذا الفرد.

راجع (وسائل الشيعة) الجزء 12. ص 86، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به. الحديث 3. إليك نص الحديث.

عن (الحجة المنتظر) عجل اللّه تعالى فرجه الشريف في توقيع صدر منه أرواحنا فداه الى سفيره (محمد بن عثمان) العمري رضوان اللّه عليه و فيه: و ثمن المغنية حرام.

فالحديث مطلق يشمل كل غناء، سواء أ كان لهوا أم غيره.

لكن الاطلاق عند التأمل منصرف الى الغناء اللهوي.

و أليك الحديث السادس في ص 88 عن الوشاء قال: سئل الامام (أبو الحسن الرضا) عليه السلام عن شراء المغنية.

قال: قد تكون للرجل جارية تلهيه و ما ثمنها إلا ثمن كلب و ثمن الكلب سحت، و السحت في النار.

ص: 292

..........

++++++++++

- الشاهد في المغنية الواقعة في سؤال الراوي، حيث إنها مطلقة تنصرف الى المغنية التي تغني باللهو و الباطل، و القرينة على ذلك قوله عليه السلام:

قد تكون للرجل جارية تلهيه.

لكن الانصاف أن الغرض غير واقع، لأن العرف اذا رآه غناء رأى مناسبة الآلات اللهوية معه، بل و مناسبة الرقص و غيره.

و هذا كاشف عن لهوية الغناء بالطبع، لكن الشيخ اعلى اللّه مقامه انما فرض ذلك ليثبت أن الغناء المحرم من اللهو فيدور معه حيث دار.

و لا يخفى أنه قد تكرر من (شيخنا الانصاري) تثبيتا لمفهوم الغناء المحرم الذي هو الصوت اللهوي: تعابير مختلفة في الغناء.

(تارة) بأنه ما يكون مناسبا و منسجما مع آلات اللهو، اي مع تلك الانغام الغنائية، و الألحان الخاصة بحيث اذا تقارن الصوت مع الألحان، و الأنغام المطربة الموسيقية انسبك كل منهما مع الآخر، و تبدلا الى شيء واحد طبيعي و هو بالطبع يناسب الرقص، و غيره مما يثير الشهوات.

(و ثانية) كما في ضمن بعض كلماته في تحقيق اللهو: إن الصوت اللهوي حيث يجد ما كان مناسبا لبعض آلات اللهو كما في ص 270.

(و ثالثة) بأن المرجع في صدق الغناء: هو العرف، لأنه لا ريب في أن من سمع من بعيد صوتا مشتملا على الاطراب المقتضي للرقص أو لضرب الآلات: لا يتأمل في إطلاق الغناء عليه، اي على هذا الصوت المشتمل على الاطراب المقتضي للرقص، سواء أ كانت المادة المتغنى بها حقا أم باطلا كما في ص 270.

هذا ما حققه (شيخنا الأنصاري) في جوانب الصوت اللهوى و جعله ميزانا و معيارا له، و بتحققه يتحقق الحكم و هي الحرمة.

ص: 293

..........

++++++++++

- و لذا أورد على بعض من لا خبرة له من الطلبة المانع من صدق الغناء في المراثي بقوله رحمه اللّه في ص 269: ان اراد أن الغناء مما يكون لمواد الألفاظ دخل فيه فهو تكذيب للعرف و اللغة.

أما اللغة فقد عرفت في تعريف الغناء من للغويين في ص 191-192.

و أما العرف فكما عرفت في ص 270 من أنه لا ريب عند احد أنه من سمع من بعيد صوتا مشتملا على الاطراب المقتضي للرقص، و ضرب آلات اللهو لا يتأمل في اطلاق الغناء عليه الى أن يعلم مواد الألفاظ.

فنحصل من هذا و ذاك أن المعيار و الميزان في تحقق موضوع الغناء المحرم في الشريعة الاسلامية: الصدق العرفي و مناسبة تقارن الصوت اللهوي مع الآلات اللهوية و هي في عصر الشيخ لعلها لا تتجاوز العيدان، و النفخ في القصب، و بعض أقسام الطبول و الدف.

و أما في عصرنا الحاضر فقد اتسعت و تغيرت دائرة اللهو و كيفياته و تضخمت أعداده كما يخبر بذلك مهرة هذا الفن فقد اخترعت في هذا العصر آلات تحدث الأنغام حسب كل صوت يناسبه فتكون الآلات تابعة للصوت بعد أن كان الصوت تابعا للآلات.

فكيف كان فقد بان المقصود من اعتبار المناسبة للآلات اللهوية مع الصوت اللهوي: و هي بنفسها كمفهوم الغناء من حيث كون مرجعها العرف

اذا لا منافاة بين الصوت اللهوي و اعتبار المناسبة، لاقتران الآلات اللهوية مع الصوت، و كلام (شيخنا الأعظم) لا ينفي ما كانت الآلات اللهوية تابعة للصوت اللهوي، أو كان هو تابعا لها.

كما أن كلامه لا ينفي الآلات التي تحدث في عصر بعد عصر بعد أن كان العرف هو المرجع الوحيد في تشخيصه المناسبات التي ينسجم معها -

ص: 294

على جهة اللهو المناسب لسائر آلاته فلا دليل على تحريمه لو فرض شمول الغناء له، لأن (1) مطلقات الغناء منزلة على ما دل على اناطة الحكم فيه باللهو و الباطل: من الأخبار (2) المتقدمة، خصوصا مع انصرافها في أنفسها (3) كأخبار المغنية: الى هذا الفرد.

بقي الكلام فيما استثناه المشهور:
اشارة

بقي الكلام فيما استثناه المشهور: و هو أمران:

أحدهما: الحداء بالضم كدعاء صوت يرجع فيه للسير بالإبل.

(احدهما): الحداء (4) بالضم كدعاء صوت يرجع فيه للسير بالإبل.

++++++++++

- الصوت اللهوي، و تطبيق الموارد كلها عليها.

(1) تعليل لعدم وجود دليل على حرمة مثل هذا الغناء.

و قد عرفت التعليل في ص 292.

(2) اي التنزيل المذكور مستفاد من الأخبار كما عرفت في ص 178-185.

(3) اي و لا سيما مع انصراف هذه الأخبار بأنفسها و ذاتها من دون قرينة خارجية الى الفرد المعين و هو الغناء اللهوي الباطل كما عرفت في ص 292-293.

(4) بضم الحاء وزان دعاء صباء معناه السوق.

قال ابن الاثير: و في الحديث الدعاء تحدوني عليها خلة واحدة اي تبعثني و تسوقني عليها خصلة واحدة و هو من حدو الابل، فانه من اكبر الأشياء على سوقها و بعثها.

راجع النهاية. الجزء 1. ص 355 مادة حدأ.

و لا يخفى عليك أن أول من أوجد الحداء (قصي) الجد الرابع (للرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله.

ص: 295

و في الكفاية أن المشهور استثناؤه (1) و قد صرح بذلك (2) في شهادات الشرائع و القواعد، و في الدروس (3).

++++++++++

(1) اي استثناء الحداء من الغناء.

(2) اي باستثناء الحداء من الغناء.

راجع (شرايع الاسلام). الطبعة الجديدة طباعة مطبعة الآداب (النجف الأشرف). الجزء 4. ص 124 أليك نص عبارته.

(الخامسة) مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب يفسق فاعله و ترد شهادته، و كذا مستمعه، سواء استعمل في شعر أم قرآن، و لا بأس بالحداء به.

فقوله: (و لا بأس بالحداء به) أي بالغناء فهذا استثناء للحداء عن الغناء حكما بمعنى أنه كان داخلا ثم اخرج فالاستثناء متصل.

لكن الظاهر أن الاستثناء منقطع، لا متصل فخروجه عن الغناء خروج موضوعي لا حكمي، لعدم مساعدة العرف على ذلك، و لا سيما اذا رجعنا الى ما جعله الشيخ ميزانا و معيارا للصوت اللهوي: و هو تناسبه مع آلات اللهو و هي النغم و الايقاع، و من الواضح عدم تناسب للحداء مع آلات اللهو الموجودة في العصور الماضية، و عصرنا الحاضر.

و لا يخفى أن التصريح المذكور ليس في (القواعد) و إنما هو في (جامع المقاصد في شرح القواعد) المجلد الاول. كتاب المتاجر في المكاسب المحرمة في الغناء أليك نص عبارته: و استثنى من الغناء الحداء

(3) أي و صرح (الشهيد الأول) في الدروس باستثناء الحداء من الغناء فالجملة ليست عطفا على كتاب الشهادات حتى يخيل أن الشهيد استثنى الحداء من الغناء في كتاب الشهادات من الدروس.

ص: 296

و على تقدير (1) كونه من الأصوات اللهوية كما يشهد به (2) استثناؤهم اياه عن الغناء بعد أخذهم الاطراب في تعريفه (3) فلم أجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الأخبار بالتحريم (4)، عدا رواية نبوية ذكرها

++++++++++

(1) من هنا بداية مناقشة الشيخ مع المشهور فيما افادوه و خلاصتها:

أنه بعد فرض كون الحداء من الأصوات اللهوية كما هو الحق و الثابت لشهادة المشهور أنفسهم استثناء الحداء من الغناء، مع العلم بأن الغناء قد اخذ في مفهومه الإطراب كما دلت عليه الأدلة المتقدمة، و ليس الإطراب إلا الصوت اللهوي فلا معنى لاستثناء الحداء من الغناء، لأنه على هذا الفرض يكون غناء فيكون محرما.

فالشيخ في الحقيقة يشكل قياسا منطقيا من الشكل الأول هكذا:

الصغرى: (الحداء من الغناء) لأنه من الأصوات اللهوية.

الكبرى: (و كل غناء حرام) لأنه اخذ في مفهومه الاطراب.

النتيجة: (فالحداء حرام).

هذا ما افاده الشيخ في هذا المقام ردا على ما افاده المشهور.

لكنك قد عرفت في ص 296 أن الاستثناء منقطع لا متصل اذا يكون خروج الحداء عن الغناء و استثناءه منه خروجا موضوعيا، لا حكميا.

(2) اي يكون الحداء من الأصوات اللهوية.

(3) اي في تعريف الغناء، حيث قالوا في ص 195-196: إن الغناء هو الاطراب

و حملة فلم اجد جواب لقوله: و على تقدير اي و على التقدير المذكور فلم اجد ما يصلح لاستثناء الحداء عن الغناء.

(4) الظاهر المتراءى أن المراد بالتحريم تحريم الحداء، اي لتواتر الأخبار على حرمة الحداء.

لكن يرد على هذه الظاهرة اشكالان.

ص: 297

في المسالك (1) من تقرير النبي صلى اللّه عليه و آله لعبد اللّه بن رواحة حيث حدا للابل و كان حسن الصوت.

++++++++++

- (الاول): أنه اذا كانت أخبار تحريم الحداء متواترة فما الحاجة في تحريمها الى تشكيل قياس منطقي من الشكل الاول كما عرفت في ص 297 كما استفدنا هذا القياس من قول الشيخ و اشرنا إليه.

و ما الحاجة الى القول بأن الحداء على فرض كونه من الأصوات اللهوية فهو محرم.

(الثاني): أن الأخبار المتواترة المدعاة على حرمة الحداء لم نعثر عليها في كتب الأحاديث التي بأيدينا.

اذا فالمراد بالتحريم تحريم الغناء اي لتواتر الأخبار على حرمة الغناء كما عرفت هذا التواتر من الأخبار المتقدمة في ص 164-166.

لكن يخالف هذا المراد قول الشيخ: عدا رواية نبوية، فان الرواية تدل على حلية الحداء فيستفاد من هذا الاستثناء أن هناك روايات تدل على الحرمة.

(1) راجع مسالك الأفهام في شرح شرايع الاسلام.

الجزء 2. كتاب الشهادات في الكلام على اشتراط العدالة في الشاهد أليك نص عبارته.

إلا الحداء بالمد. و هو الشعر الذي يحث الابل على الاسراع في السير و سماعه مباحان، لما فيهما من إيقاظ النوّام، و تنشيط الابل للسير و قد روي انه قال صلى اللّه عليه و آله لعبد اللّه بن رواحة(1): (حرك بالقوم) فاندفع يرتجز و كان يجيد الحداء.).

ص: 298


1- يأتي شرح حياته في (أعلام المكاسب).

و في دلالته و سنده ما لا يخفى (1).

الثاني: غناء المغنية في الأعراس اذا لم يكتنف بها محرم آخر:

(الثاني) (2): غناء المغنية في الأعراس اذا لم يكتنف (3) بها محرم آخر: من التكلم بالأباطيل، و اللعب بآلات الملاهي المحرمة، و دخول الرجال على النساء.

و المشهور استثناؤه، للخبرين المتقدمين (4) عن أبي بصير في أجر المغنية التي تزف العرائس، و نحوهما ثالث عنه (5) أيضا.

و إباحة الأجر لازمة لاباحة الفعل (6).

و دعوى (7) أن الأجر لمجرد الزف لا للغناء عنده مخالفة (8) للظاهر.

++++++++++

(1) أما الخدشة في الدلالة فان فيها فاندفع يرتجز، و من المعلوم أن الرجز غير الحداء.

و أما السند فالرواية مرسلة لا حجية فيها.

(2) اي الامر الثاني من الامرين الذين استثناهما المشهور.

(3) بمعنى الانضمام اي اذا لم ينضم مع غناء المغنية في الاعراس شيء من المحرمات المذكورة في قول المصنف.

(4) في ص 261 و هما: قوله عليه السلام: و التي تدعى الى الاعراس لا بأس به.

و قوله عليه السلام: اجر المغنية التى تزف العرائس ليس به بأس.

(5) راجع (وسائل الشيعة) الجزء 12. ص 84. الباب 15 من أبواب تحريم كسب المغنية. الحديث 2.

(6) و هو الغناء في الأعراس.

(7) دفع و هم.

حاصل الوهم: أن الاجرة تدفع الى المغنية لاجل أنها تزف العروس الى بيت بعلها، لا الى غنائها حتى تدل إباحة الاجرة على إباحة الفعل و هو الغناء.

(8) جواب عن الوهم المذكور.

ص: 299

لكن في سند الروايات (1) أبو بصير و هو غير صحيح، و الشهرة (2) على وجه يوجب الانجبار غير ثابتة، لأن المحكي عن المفيد - رحمه اللّه - و المرتضى و ظاهر الحلبي، و صريح الحلي (3) و التذكرة و الايضاح (4) بل كل من لم يذكر الاستثناء (5) بعد التعميم: المنع (6).

لكن الانصاف أن سند الروايات (7) و ان انتهت الى أبي بصير إلا أنه لا يخلو من وثوق، فالعمل بها (8) تبعا للاكثر غير بعيد و إن كان الأحوط كما في الدروس الترك (9) و اللّه العالم.

++++++++++

- و حاصله: أن هذه الدعوى باطلة، لكونها مخالفة لظاهر الروايات الثلاث المروية عن ابي بصير، حيث ان ظاهرها أن الأجرة انما دفعت للمغنية لأجل غنائها، لا لأجل زفّ العروس الى بيت بعلها، فان الزف أمر مربوط الى اهل العروس و زميلاتها.

(1) اي الروايات الثلاث المروية عن ابي بصير.

(2) بناء على ما افاده القدماء: من أن اشتهار الحديث فيما بينهم جابر لضعف سند الرواية كما عرفت في الدفاع عن حديث تحف العقول المشار إليه في الجزء الاول من المكاسب من طبعتنا الحديثة. ص 20-21.

(3) و هو (ابن ادريس) رحمه اللّه.

(4) (لفخر المحققين في شرح القواعد).

(5) اي كل واحد من الفقهاء لم يذكر الغناء في الأعراس بعد تعميم حرمته بنحو مطلق فالمحكي عنه منع الغناء في الاعراس.

(6) مرفوع بناء على أنه خبر لقوله: لأن المحكي.

(7) اي الروايات الثلاث المشار إليها في ص 299.

(8) اي بالروايات الثلاث: حيث ان الجل من الفقهاء عملوا بها.

(9) أي ترك الغناء في الأعراس.

ص: 300

الغيبة

ص: 301

ص: 302

المسألة الرابعة عشرة الغيبة حرام بالأدلة الأربعة.

اشارة

(الرابعة عشرة) (1) الغيبة حرام بالأدلة الأربعة.

و يدل عليه (2) من الكتاب قوله تعالى: وَ لاٰ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ فجعل المؤمن (3) أخا،

++++++++++

(1) أي (المسألة الرابعة عشرة) من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه: الغيبة.

و هي بكسر الغين و سكون الياء و فتح الباء وزان حيلة. اسم مصدر من اغتاب يغتاب اغتيابا، و بالفتح مصدر غاب بغيب معناه: الوقيعة بشخص في غيابه بذكر ما يعيبه و يؤذيه.

هذا معناه من حيث اللغة و هي محرمة بالأدلة الأربعة: الكتاب و السنة و العقل و الاجماع، و يأتي الاشارة الى كل واحد منها بالتفصيل في محله.

(2) أي على تحريم الغيبة.

(3) الحجرات: الآية 12.

من هنا يأخذ الشيخ في الاستدلال بالآيات الكريمة على حرمة الغيبة فالآية هذه اولى الآيات.

و أما القدر الجامع بين الرجل المغتاب بالفتح، و الأخ الميت المعبر عنه بوجه التشبيه في الآية الكريمة: فلاجل أن اللّه عز و جل جعل المؤمنين -

ص: 303

..........

++++++++++

- اخوة في قوله عز من قائل: (إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (1) فأصبح المغتاب بالفتح أخا للمغتاب بالكسر، و كذا العكس فيحصل بهذه الاخوة الدينية في ذمة كل واحد منهما الحقوق المقررة في الاسلام التي تأتي الاشارة إليها و من جملة تلك الحقوق أن لا يغتاب كل منهما الآخر.

و بما أن الأخ النسبي يكره أكل لحم أخيه النسبي حال كونه ميتا و يشمئز منه.

كذلك الأخ الايماني لو اغتاب أخاه المؤمن في غيابه كأنما يأكل لحمه ميتا، لأن المغتاب بالفتح لا يعلم ما ذا قال في حقه المغتاب بالكسر فيكون المغتاب بالفتح في حكم الميت، و عرضه الذي هي كرامته و احترامه بمنزلة لحمه.

و هناك أحاديث كثيرة حول أن المؤمن أخ المؤمن.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 583. الباب 13 من أبواب أحكام العشرة. الأحاديث. أليك نص الحديث 5:

عن سليمان الجعفري عن (أبي الحسن) عليه السلام.

قال: يا سليمان إن اللّه خلق المؤمنين من نوره، و صبغهم برحمته و أخذ ميثاقهم لنا بالولاية، فالمؤمن أخ المؤمن لابيه و أمه، أبوه النور، و أمه الرحمة.

فاذا أخذ الأخ المؤمن في غيبة أخيه المؤمن فقد أكل لحمه ميتا و هو يكره الأكل في تلك الحالة فبهذا و ذاك شبه المغتاب بالفتح بالأخ الميت.

و لما انجر بنا الكلام الى الغيبة هذه الصفة الرذيلة الخسيسة التي هي من أردأ الرذائل و أخسها، و التي توجب الأحقاد و الضغائن: رأينا -0.

ص: 304


1- الحجرات: الآية 10.

..........

++++++++++

- من المناسب ذكر شيء حولها حسب ما يناسب المقام.

فنقول و باللّه التوفيق و التسديد: إن سر اهتمام الدين الحنيف الاسلامي بالنهي عن الغيبة بتعابير مختلفة في شتى المجالات وجوه ثلاث:

(الأول): أن المغتاب بالكسر حينما يشرع في غيبة اخيه المؤمن و يوقع فيه يقصد بغيبته له اظهار معايبه و نواقصه اذا كانت فيه، ليسقطه في المجتمع الانساني حتى ينظر إليه نظرة احتقار.

و من الواضح و البديهي أن لكل فرد يعيش على وجه البسيطة محاسن و معايب، إذ الكمال المطلق مختص لمن هو مستجمع لجميع الصفات فحينئذ لا بدّ من الاحتفاظ على معايبه للاستفادة من محاسنه، فاذا اغتيب في المجتمع الانساني فقد سقط رأسا فكأنه قتل و اعدم و قضي عليه فيذهب ما كان يرجى منه من الخدمات الاجتماعية هباء منثورا، لاجتناب المجتمع عنه بسبب هذا السقوط و الاحتقار.

(الثاني): أن الغيبة توجد البغضاء و الشحناء و العداء في قلب المغتاب بالفتح عند ما يسمع أن فلانا اغتابه.

و لربما توجب توارث هذه في الأعقاب فيلزم من ذلك التباعد و التفارق بين المغتاب بالفتح، و المغتاب بالكسر و هذه صفة مذمومة منهية في الاسلام.

و نشاهد بالعيان في عصرنا الحاضر الذي شاع فيه الفساد، و كثرت فيه الغيبة حتى اصبحت يتفكه بها كل أحد: آثار هذه الصفة الرذيلة.

(الثالث): أن الدين الحنيف الاسلامي دوما يحافظ على ستر معايب الناس و نواقصهم، و يحث المسلمين على ذلك، و يوبخهم على اشاعتها و جعل لمشيعها عذابا أليما في قوله عز من قائل: (إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ -

ص: 305

..........

++++++++++

- أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ ) (1).

كل هذا الحفاظ و الستر و التوبيخ لأجل عدم تجري الناس على معاصي اللّه عز و جل، حيث إن المعصية قبل ارتكابها يهابها كل أحد، فاذا اشيعت زالت هيبتها عن نفوس الناس فيرتفع قبحها في المجتمع فيرتكبها كل احد.

خذ لذلك مثالا: إن المجتمع الذي نعيش فيه لو لم يتسرب فيه شرب الخمر و لم يقدم عليه احد لكبرت هذه المعصية في أنظار المجتمع فلم يرتكبها احد، لأنه يراها كبيرة عظيمة فيخافها فيتجنب عنها مهما بلغ الأمر.

بخلاف ما اذا اقدم على شربها و لو مرة واحدة و اشيع خبر الشرب في الأندية و المجالس بأن قيل: فلان يشرب الخمر ثم تداولته الألسن شيئا فشيئا الى أن يفشى هذا النقل الى عامة الناس فتزول صولة هذه المعصية و قبحها فيقدم على شربها.

و لربما يقدم على شربها بغير حرج و خوف من كان يتحرج قبل ذلك من ارتكابها لزوال قبح الشرب بعد إشاعته، و كسر صولته.

فاذا شاع الشرب و كثر ترتبت عليه المفاسد الكثيرة الخطرة أهمها فساد الأخلاق بكل معنى الكلمة، و اذا فسدت الأخلاق فعلى الانسانية السلام، و على البلاد العفا كما نشاهد هذه المفاسد في عصرنا المشئوم.

و قس على ذلك فعلل و تفعلل من بقية المحرمات.

هذه هي الوجوه التي خطرت ببالي في سر اهتمام الدين الحنيف الاسلامي بالنهي عن الغيبة.9.

ص: 306


1- النور: الآية 19.

و عرضه (1) كلحمه، و التفكه (2) به أكلا، و عدم (3) شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.

و قوله (4) تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ .

++++++++++

- و لعل هناك وجوها اخرى أسد و أمتن مما ذكرناه يقف عليها القارئ الكريم اثناء مطالعاته هذه.

(1) بكسر العين و سكون الراء وزان عرس جمعه أعراض وزان أعراس و هو منصوب عطفا على قوله: فجعل، اي جعل اللّه عز و جل عرض المؤمن كلحمه في أنه لا يؤكل بمعنى أن عرض المؤمن لا بدّ أن لا يدنس بشيء من السوء.

و المراد من العرض معناه العام: و هو كل شيء يمس كرامته و شخصيته، سواء أ كان ما يمس كرامته يمته أم يمت غيره ممن ينتسب إليه

(2) بنصب و التفكه عطفا على قوله: فجعل، اي فجعل اللّه عز و جل التفكه بالمؤمن بمنزلة اكل لحمه ميتا.

و التفكه مصدر باب التفعل معناه: التلذذ يقال: تركت القوم يتفكهون بعرض فلان اي يتلذذون باغتيابه به.

(3) بالنصب عطفا على قوله: فجعل.

و مرجع الضمير في شعوره المغتاب بالفتح، و مرجع الاشارة الغيبة.

و المعنى: أن الباري عز و جل جعل عدم التفات الأخ المؤمن المغتاب بالفتح، و عدم شعوره بالغيبة بمنزلة موته، لكونه غائبا عن المغتاب بالكسر فغيابه يعد نوعا من الموت فكما أن الميت لا يدري بما يقع في العالم بعد موته، كذلك المغتاب بالفتح لا يدري بما يقال في حقه.

(4) بالرفع عطفا على فاعا قوله: و يدل، اي و يدل على حرمة الغيبة قوله تعالى أيضا: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1).2.

ص: 307


1- همزة: الآية 2.

..........

++++++++++

قال في (مجمع البحرين) في مادة همز: أصل الهمز الغمز و الوقيعة في الناس و ذكر عيوبهم، و الهمز لا يكون إلا باللسان.

و الغمز بمعنى الاشارة بالعين أو الحاجب، أو كليهما، و المقصود من الهمز هنا: ذكر الانسان شخصا بما فيه من المعايب و النواقص.

و الوقيعة: اغتياب الناس و ذكر معايبهم، أو اختلاق المعايب لهم أو سبهم و شتمهم.

و قال في مادة لمز: لمزه يلمزه و يلمزه و همزه يهمزه و يهمزه اذا عابه، و الهمز و اللمز: العيب على الناس، و الحقد عليهم.

و منه قوله تعالى: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ » .

و قال (الليث): الهمزة هو الذي يعيبك في وجهك، و اللمزة هو الذي يعيبك بالغيب.

و قيل: اللمز: ما يكون باللسان و العين و الإشارة.

و أما وجه الاستدلال بالآية الكريمة فهو أنه بعد أن ثبت أن الهمز و اللمز عبارتان عن ذكر معايب الناس، سواء أ كان باللسان أم بالاشارة فقد ذم الباري عز و جل كل من يلمز و يهمز أخاه.

و الويل كلمة تطلق على الهلاك و الدمار فاطلق على عاقبة كل من يهمز و يلمز أخاه المؤمن.

و قيل: إن الويل واد في جهنم لو أرسلت فيها الجبال لذابت من شدة حرها.

و قال في (الصحاح) في مادة (ويل): ويل كلمة وزان (ويح) إلا أنها كلمة عذاب.

فعلى هذا التعريف يكون قوله تعالى: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) -

ص: 308

و قوله (1) تعالى: لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ .

و قوله تعالى (2): إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ .

++++++++++

- تهديدا بأشد أنواع العذاب في الآخرة، مع الذم الشديد في الدنيا.

(1) بالرفع عطفا على فاعل قوله: و يدل، أي و يدل على حرمة الغيبة قوله تعالى: (لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ ) (1).

و إنما عبر عنها بعدم الحب، لشدة مبغوضية الغيبة، و قوة كراهتها.

و لا ريب أن المبغوضية لامر ما من قبل الشارع المقدس في مثل هذه الامور التي يترتب عليها تلك المفاسد: يوجب حرمته فينهى عباده بمختلف التعبيرات: من حيث الشدة و التأكيد بمقتضى مراتب المبغوضية عن ارتكابها.

و المبغوض المتصف بالحرمة في موردنا: هو الجهر بالسوء من القول يقال: جهر بالشيء أي اعلنه و كشفه فالجهر بالسوء معناه كشفه و اعلانه.

و الجار و المجرور في قوله عز من قائل: من القول متعلق ب: لا يحب اللّه فالمعنى و اللّه العالم: لا يحب اللّه من القول ما كان جهرا بالسوء، أي كاشفا عن السوء و معلنا به، لأن الكشف لا يكون إلا عن أمر مخفي مستور.

كما أخذ هذا المعنى في مفهوم الغيبة و عرفت به.

(2) بالرفع عطفا على فاعل قوله: و يدل، أي و يدل على حرمة الغيبة قوله تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا بناء على تفسير الفاحشة بالغيبة كما في بعض الأخبار.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 598. الباب 152 -8.

ص: 309


1- النساء: الآية 148.

و يدل عليه (1) من الأخبار ما لا يحصى.

فمنها (2): ما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله بعدة طرق:

أن الغيبة أشد من الزنا، و أن الرجل يزني فيتوب و يتوب اللّه عليه، و أن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه (3).

++++++++++

- من أبواب تحريم اغتياب المؤمن. الحديث 6.

و المراد من الفاحشة: ما يشتد قبحه من الذنوب.

و المعنى أن كل من يحب شيوع ما يصدر من الذنوب القبيحة من الذين آمنوا: له عذاب أليم، سواء أ كان مباشرة كمن يشرع بشخصه في اغتياب المؤمن أم تسبيبا كمن يحرض الآخرين على اغتيابه.

ثم إن التسبيب له طرق عديدة و لا سيما في عصرنا هذا، فان وسائل البث و النشر الى ما شاء الشيطان.

(1) أي على تحريم الغيبة.

(2) أي من تلك الأخبار الدالة على حرمة الغيبة و التي بلغت ما لا يحصى الحديث النبوى.

(3) (وسائل الشيعة) الجزء 8. ص 598. الباب 122 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 9.

و (احياء العلوم) الجزء 3. ص 142. طباعة (مصر المكتبة التجارية الكبرى) في الآفة الخامسة عشر.

لما كان الحديث هذا مشتملا على كلمة أشد و هي صيغة أفعل التفضيل.

و هي لا تنسجم و المفاسد المترتبة على الزنا التي سنشير إليها.

و كذا العقاب الدنيوي و هي الحدود الثمانية المقررة في حق الزاني حسب مراتب الزنا، مع أنه لم يقرر حد للغيبة.

فيتوجه حينئذ سؤال أنه كيف يعقل أن تكون الغيبة أشد فسادا و عقابا -

ص: 310

..........

++++++++++

من الزنا، ان كان المراد من الاشدية الفساد، أو العقاب ؟

فنقول: الظاهر أن المقصود من أشدية الغيبة من الزنا الأشدية الشخصية، أي يكون عقاب الشخص المغتاب بالفتح في الآخرة أشد من عقاب الزاني، لأن المرتكب للغيبة يروم الطعن في اخيه، و ادخال النقص عليه، و اشاعة سره في المجتمع الانساني كما عرفت في ص 305-306 في سر اهتمام الشارع بالنهي عن الغيبة، و لذا قال صلى اللّه عليه و آله في ص 310:

و أن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه.

بخلاف الزنا، فإن الزاني اذا تاب تاب اللّه عنه فتوبة الزاني لا تتوقف على شيء.

و ليس معنى أشدية الغيبة من الزنا: أنه اذا دار الأمر بين الغيبة و بين الزنا فالزنا مقدم عليها، اذ كيف يعقل ذلك و قد يكون الزنا بذات محرم، و بذات بعل، و كرها فيكون عقاب الزنا باحدى المذكورات أشد و اعظم من الزناء بغيرها، و لذا يقتل الزاني بذات المحرم، و بالمرأة الأجنبية كرها، و الذمي بالمسلمة، و يجمع بين الجلد و القتل.

و كذا يجوز للرجل أن يقتل زوجته و الزاني بها اذا رآهما كالميل في المكحلة اذا لم يترتب على قتلهما فساد.

راجع حول الحدود المقررة للزاني (اللمعة الدمشقية) من طبعتنا الحديثة. الجزء 9 من ص 11 الى ص 140.

بخلاف الغيبة، فانه لم يقرر في حق المغتاب بالكسر حد شرعي مهما كانت نوعية غيبته.

و أما المفاسد المترتبة على الزنا فكثيرة جدا

(منها): أن الزنا موجب لتكثير أولاد الحرام.

ص: 311

و عنه صلى اللّه عليه و آله: أنه خطب يوما فذكر الربا و عظّم شأنه فقال: إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم من ستة و ثلاثين زنية و أن أربى الربا عرض الرجل المسلم (1).

و عنه صلى اللّه عليه و آله: من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل اللّه

++++++++++

- (و منها): أنه موجب لقتل المرأة لو اطلع عليها أهلها و اسرتها اذا كانت من بيت شرف و مجد و اباء.

(و منها): أنه موجب لقطع النسل كما في عصرنا الحاضر، حيث يستعمل شتى الأساليب لمنع الحمل: من الابر و الحبوب، و غيرهما، مع كونه مبغوضا في الشريعة الاسلامية، و عكسه و هو تكثير النسل ممدوح و مطلوب حتى قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: تناكحوا تناسلوا حتى أباهي بكم الأمم و لو بالسقط.

راجع حول الموضوع (وسائل الشيعة) الجزء 14. ص 34. الباب 17 من أبواب مقدمات النكاح. الحديث 2.

(و منها): كثرة الفساد، و انهيار الأخلاق، و انحطاط المجتمع و ما أكثر هذه المفاسد.

(و منها): و هو أهم المفاسد ترتب الآثار السيئة الوضعية على أولاد الزنا المتكونة من ماء الزاني.

راجع حول هذه الآثار الأحاديث الواردة عن (أئمة أهل البيت).

(1) الحديث هذا مروي عن طرق إخواننا السنة و سنده متصل إلى انس بن مالك.

راجع (إحياء العلوم) الجزء 3. ص 144 في الآفة 15.

و مروي في كتبنا متصلا الى انس بن مالك أيضا.

راجع (مستدرك وسائل الشيعة). المجلد 2. ص 106. الحديث 26.

و جاء بهذا المضمون عن (أئمة أهل البيت) عليهم السلام بلفظ -

ص: 312

..........

++++++++++

- أشد من سبعين زنية و بلفظ ثلاثين و عشرين زنية كلها بذات محرم في بيت اللّه:

أحاديث اخرى.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 12. ص 423. الباب 8 من أبواب تحريم الربا. الحديث 5-6 و ص 427 الحديث 19 و ص 428 الحديث 21-22.

و هناك روايات أخرى في تعظيم عقوبة المرابي مصبها مصب هذه.

و لما كانت الأحاديث مشتملة على عظم عقوبة المرابي و أنها أشد من الزنا فيتوجه سؤال أنه كيف يعقل ذلك ؟: فرأينا من المناسب بسط الكلام حول الموضوع أكثر حتى يتضح الحال، و ينكشف القناع و ان كان البحث عنه خارجا عن الموضوع، لكننا تبعا للأعاظم نذكر شيئا حسب فهمنا القاصر.

فتقول: البحث عن هذا متوقف على البحث عن نواحي ثلاث.

(الأولى): ما القدر الجامع المعبر عنه بوجه الشبهة بين الرباء و عرض المسلم.

(الثانية): ظاهر الحديث اختصاص حرمة الغيبة بالرجل مع أن الأحكام مشتركة بين الرجال و النساء.

(الثالثة): البحث عن اشدية درهم من الربا من سبعين زنية.

أما الجواب عن الأولى فإن لفظة الربا موضوعة لغة للربح و الزيادة يقال: ربا المال أي زاد و نما، و يقال: اربى الرجل أي أخذ أكثر مما اعطى زيدا عند المداينة، حيث إن الدائن يأخذ من المدين أكثر مما اعطاه فينقص من مال المدين.

و لما كان المغتاب بالكسر بغيبته اخاه كأنما يأخذ من لحمه و يأكله فبهذا الأخذ و الأكل يربو هو و ينقص من أخيه فبهذه المناسبة شبه -

ص: 313

..........

++++++++++

- (الرسول الأعظم) صلى اللّه عليه و آله عرض المسلم بالربا.

و الدليل على ما قلناه ما أفاده (الشريف الرضي) في هذا المقام.

راجع (المجازات النبوية) ص 260-261. رقم الحديث 272 طباعة مطبعة مصطفى البابي عام 1356 أليك نص عبارته

و من ذلك قوله عليه الصلاة و السلام: إن من اربى الربا استطالة المرء في عرض اخيه المسلم.

و هذه استعارة، لأنه عليه الصلاة و السلام شبه تناول الانسان من عرض غيره بالذم و الوقيعة و الطعن و الكذب و النميمة أكثر مما تناوله منه ذلك الذي قدح في عرضه، و اغرق في ذمه: بالربا في الأموال: و هو أن يعطي الانسان القليل ليتجر الكثير، فإنه يستربى المال بذلك الفعل، أي يطلب نماءه و زيادته.

و اصل الربا مأخوذ من الزيادة يقولون: ربا الشيء في الماء اذا زاد و انتفخ، و منه الزيادة و الربوة و هي ما علا من الأرض و ارتفع.

و من ذلك قوله تعالى: وَ تَرَى اَلْأَرْضَ هٰامِدَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا اَلْمٰاءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ أي رطب ثراها، و بل و كثر نبتها.

و أما الجواب عن الناحية الثانية فنقول: إن العمومات الواردة في الأخبار في عدم جواز اغتياب المسلم تشمل المرأة.

و كذا الاجماع القائم من المسلمين على اشتراك الرجال و النساء في الأحكام.

بالإضافة الى عموم كلمة بعض الواردة في الآية الكريمة في قوله تعالى:

وَ لاٰ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، فإن عمومها يشمل الرجل و المرأة.

و أما الجواب عن الثالثة فنقول: إن سر اهتمام البالغ من الشارع المقدس في اشدية درهم من الربا من سبعين زنية: هو عدم وقوع هذا -

ص: 314

..........

++++++++++

- العمل غير الانساني في الخارج حتى لا يقدم على تعاطيه أحد، لأن بوقوع هذا العمل تتوقف الأعمال الاخرى الحرفية و المهنية فتنحل النظم الاجتماعية الحياتية.

بيان ذلك: أن الانسان لو جعل نقوده في المعاملات الربوية بأن عامل معها معاملة ربوية فأعطى ألف دينار لزيد على أن يأخذ منه لكل مائة دينار لمدة سنة عشرة دنانير فيصير مجموع الربح خلال المدة المعينة مائة دينار من اقراض ألف دينار، فلو اقرض ألفا آخر و أخذ ربحا بنفس النسبة يصير مجموع الربح مائتي دينار.

و هكذا الى أن يبلغ الاقراض خمسة آلاف، أو عشرة مثلا. فيصير مجموع الربح في السنة خمسمائة دينار، أو ألف دينار فيأخذ المرابي هذه الأرباح خلال السنة و يعيش بها عيشة راضية فارغ البال من كل التبعات و المسئوليات التي تحوم حول التجارة و الاكتساب حتى عن الضرائب الحكومية و قوانينها التي تخص شئون التجارة.

هذا بالإضافة إلى أن نقوده تبقى سليمة مأمونة عن الخطر و التلف و الضياع، حيث يأخذ المرابي الوثائق المالية قبال ما أقرضه فهو بأخذه الوثائق قد أمّن نقوده من التلف و الضياع و ليس يخاف عليها من كل شيء فلو فرضنا أن المدين مات، أو لم يتمكن من الأداء أخذ الدائن المرابي تلك الوثيقة و باعها و أخذ ثمنها عوضا عن طلبه، أو يأخذها لنفسه.

بخلاف التجارة فانه من الممكن أن يخسر التاجر المال فيتلف.

ثم ان هذه العملية تسري شيئا فشيئا في الآخرين الذين لهم النقود فيرابون بها، حيث يرونها عملية مريحة بسيطة فيأخذونها مهنة و حرفة لهم فحينئذ أصبحت الحرف و المهن و الأشغال متوقفة، و أسواق التجارة -

ص: 315

..........

++++++++++

- مختلة، و أبواب الاستيراد و التصدير منسدة فتأخذ البلاد في الخراب شيئا فشيئا فيأخذ أهلها في المهاجرة و المغادرة.

ثم ان هناك شيئا آخر: و هو ان الانسان لو اتجر بنقوده، و جعلها في متناول الأيدي لربح أكثر و أكثر مما يربح من المعاملة الربوية، و نتيجة هذه الزيادة زيادة العمران و الازدهار في البلاد، و التحسن في حياة العباد.

اضف الى ذلك فائدة معنوية ما ألذها و أهنأها: و هو ان الحركة التجارية توجب اعاشة الآخرين و ارتزاقهم: و هو عمل انساني مطلوب و مرغوب في حد ذاته، و عكسه: و هو حرمان المجتمع عن المزايا الحياتية، و إبقاؤهم على البؤس و الكآبة مبغوض عند الشرع و العرف، و لذا وردت أخبار كثيرة من (الرسول الأعظم و الأئمة من أهل البيت) صلوات اللّه عليهم في الزراعة و التجارة و الصناعة حتى ورد عن (المعصوم) عليه السلام:

الكاسب حبيب اللّه(1) كل ذلك في سبيل ترفية حال المجتمع، و لذا لا يجوز لمن يتمكن من الاكتساب الاستجداء و الاستعطاء، و أن يكون كلاّ و عالة على المجتمع.

و بهذه النظرية ترى الحكومات تهتم اهتماما بالغا بتكثير المزارع و المعامل و الصنائع، و بناء الدور و المحلات، و يستعملون شتى الأساليب في اكثارها و ترى الحكومات تساعد الشعب في بناية الدور، و ادخال المعامل، و تكثير المزارع: باقراضهم مبالغ طائلة الى مدة طويلة بأرباح قليلة. كل ذلك في سبيل ترفية المجتمع، و عمارة البلاد.5.

ص: 316


1- راجع الجزء الأول من (المكاسب) من طبعتنا الحديثة. ص 54-55.

..........

++++++++++

- ثم إنه من الممكن أن تترتب على المعاملات الربوية مفسدة أخرى غير ما ذكرناه: و هو أن المدين لربما لا يمكن من اداء دينه في الوقت المقرر فتأتي عليه أرباحه و هكذا فتتكدس الأرباح و تضاف على أصل الدين و لربما بلغت قيمة الوثيقة الرهنية عند الدائن فيأخذها الدائن عوضا عن طلبه و أرباحه فتولد هذه العملية حقدا و غيظا في نفس المدين، و حسرة على ما ذهب منه: من داره، أو ارضه، أو شيء آخر مما جعله وثيقة.

هذه غاية ما يمكن أن يقال حول الأحاديث الواردة في الربا في أن الدرهم منه اعظم من سبعين زنية بذات المحارم كلها في بيت اللّه الحرام.

و لو لا هذه الوجوه لتوجه اشكال أنه كيف يعقل أن يكون أكل درهم من الرباء اعظم من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت اللّه، مع أن الزاني بذات محرم يجب قتله بعد اجراء الجلد عليه فيجمع في حقه بين الجلد و القتل.

و الدليل على أن ذنب الزنا اعظم و اعظم من الرباء، و أنه لا نسبة بينهما: أن الانسان لو خير جبرا بين الزناء و بين أكل الربا فلا شك أن أكل الربا مقدم عليه، لكونه اقل محذورا منه كما هو الشأن في جميع مراتب المعاصي، فلو خير الانسان جبرا بين الزناء بذات البعل، و بين المرأة الفارغة عن الزوج فلا شك في تقديم هذه على تلك.

كما أنه لو خير جبرا بين تقبيلها و وطئها فالتقبيل مقدم عليه.

و قس على ذلك بقية المحرمات فدائما يلاحظ فيها أقل محذورا حسب الشدة و الضعف.

فعلى ضوء ما ذكرناه لك ظهر معنى أشدية أكل درهم من الرباء من الزناء بذات محرم كلها في بيت اللّه الحرام.

ص: 317

صلاته و لا صيامه أربعين صباحا إلا أن يغفر له صاحبه (1).

و عنه عليه السلام: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير (2).

و عنه عليه السلام: كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة فاجتنب الغيبة، فإنها إدام كلاب النار (3).

و عنه عليه السلام: من مشى في غيبة أخيه، و كشف عورته كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم (4).

و روي أن المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و إن لم يتب فهو أول من يدخل النار (5).

و عنه صلى اللّه عليه و آله: أن الغيبة حرام على كل مسلم، و أن الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (6).

++++++++++

(1) (مستدرك الوسائل). المجلد 2. ص 106. الباب 132.

الحديث 35.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 8. الباب 152 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 20.

(3) نفس المصدر ص 600. الحديث 16.

(4) (وسائل الشيعة) الجزء 8. ص 602. الباب 152.

الحديث 21، و في المصدر في عيب أخيه.

(5) (مستدرك الوسائل). المجلد 2. ص 107. الباب 132.

الحديث 50.

(6) نفس المصدر. ص 106. الحديث 19.

و في المصدر هكذا: و الغيبة تأكل الحسنات.

ص: 318

و أكل الحسنات إما أن يكون على وجه الإحباط (1)، أو لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه (2)، أو لأنها تنقل الحسنات الى المغتاب (3) كما في غير واحد من الأخبار (4).

و منها (5): النبوي صلى اللّه عليه و آله يؤتى بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب عز و جل و يدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته فيه فيقول: إلهي ليس هذا كتابي لا أرى فيه حسناتي.

فيقال له: إن ربك لا يضل و لا ينسى ذهب عملك باغتياب الناس.

ثم يؤتى بآخر و يدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول:

إلهي ما هذا كتابي فإني ما عملت هذه الطاعات.

فيقال له: إن فلانا اغتابك فدفعت حسناته أليك (6).

و منها (7): ما ذكره كاشف الريبة رحمه اللّه رواية عن عبد اللّه

++++++++++

(1) بكسر الهمزة مصدر باب الافعال. من أحبط يحبط معناه:

إبطال العمل يقال: أحبط عمله. أي أفسده و أبطله.

(2) بمعنى أن السيئات قد كثرت بحيث لا تستطيع الحسنات مقاومتها.

(3) بالفتح و هو الرجل الذي قيلت في حقه: الكلمات البذية الجارحة.

(4) يأتي الاشارة الى كل واحد من هذه الأخبار عند قوله: منها و منها، و قوله عليه السلام: و حدثني أبي عن أبيه.

(5) أي و من بعض تلك الأخبار الدالة على تنقل حسنات المغتاب بالكسر الى المغتاب بالفتح: الحديث النبوي صلى اللّه عليه و آله.

(6) نفس المصدر. ص 106. الباب 132. الحديث 31.

(7) أي و من بعض تلك الأخبار الدالة على انتقال حسنات المغتاب بالكسر الى المغتاب بالفتح.

ص: 319

ابن سليمان النوفلي الطويلة عن الصادق عليه السلام و فيها عن النبي صلى اللّه عليه و آله: أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها اولئك لا خلاق (1) لهم.

و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه من قال في مؤمن ما رأته عيناه، و سمعت اذناه مما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال اللّه عز و جل: إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (2).

ثم ان ظاهر هذه الأخبار (3) كون الغيبة من الكبائر (4) كما ذكر

++++++++++

(1) بفتح الخاء من خلق يخلق معناه النصب أي لا نصيب و لا حظ لهم في الآخرة: من مراتب الجنة و نعيمها.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 12. الباب 49 من أبواب ما يكتسب به. ص 155 في أواسط الصفحة و في المصدر ما رأت عيناه.

(3) و هي المشار إليها في ص 310-320

(4) جمع كبيرة وزان فعيلة و اختلف في معنى الكبيرة.

فقيل: كل ما أوعد اللّه تعالى عليه في الآخرة من العقاب و العذاب، و اوجب عليه في الدنيا حدا: فهي كبيرة.

و قيل: كل ما نهى اللّه عنه فهي كبيرة.

و ذهب الى هذا (الشيعة الإمامية)، حيث قالوا: المعاصي كلها كبائر من حيث كانت قبائح، لكن بعضها اكبر من بعض، و ليس في الذنوب صغيرة، و إنما يكون الذنب صغيرا بالإضافة الى ما هو أكبر منه، و يستحق العقاب عليه أكثر.

ص: 320

..........

++++++++++

- و قالت المعتزلة: الصغيرة ما نقص عقابه عن ثواب صاحبه و الكبيرة ما يكبر عقابه عن ثواب صاحبه.

قالوا: و لا يعرف شيء من الصغائر، و لا معصية الا و يجوز أن تكون كبيرة، فإن في تعريف الصغائر إغراء بالمعصية، لأنه اذا علم المكلف أنه لا ضرر عليه في فعلها و دعته الشهوة إليها فعلها (1).

(1) راجع (مجمع البيان). الجزء 3. ص 38. طباعة (طهران) شركة المعارف الاسلامية.

ثم ان الكبائر على ما ذكرت في الأخبار كثيرة، أليك أسماءها.

1 - الشرك باللّه عز و جل.

2 - قتل النفس التي حرمها اللّه عز و جل.

3 - عقوق الوالدين.

4 - الفرار من الزحف.

5 - اكل مال اليتيم ظلما.

6 - اكل الرباء بعد البينة، أي بعد علم المكلف بحرمة الرباء.

7 - قذف المحصنات.

8 - الزنا.

9 - اللواط.

10 - السرقة.

11 - اكل الميتة من غير ضرورة.

12 - أكل الدم من غير ضرورة.

13 - أكل لحم الخنزير من غير ضرورة.

14 - أكل ما أهل لغير اللّه من غير ضرورة.

ص: 321

..........

++++++++++

15 - أكل السحت.

16 - البخس في المكيال.

17 - البخس في الميزان.

18 - الميسر.

19 - شهادة الزور.

20 - اليأس من روح اللّه.

21 - الأمن من مكر اللّه.

22 - القنوط من رحمة اللّه.

23 - ترك معاونة المظلومين مع القدرة على المعاونة.

24 - الركون الى الظالمين.

25 - اليمين الغموس.

26 - حبس الحقوق من غير عسر.

27 - استعمال الكبر و التجبر.

28 - الكذب.

29 - الإسراف.

30 - التبذير.

31 - الخيانة.

32 - الاستخفاف بالحج.

33 - المحاربة لأولياء اللّه عز و جل.

راجع (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة الجزء 10. ص 229.

و (وسائل الشيعة). الجزء 11. ص 260-261-262-263 الباب 46 من أبواب جهاد النفس. الأحاديث.

ص: 322

جماعة، بل أشد من بعضها (1).

و عدّ في غير واحد من الأخبار من الكبائر الخيانة (2).

و يمكن ارجاع الغيبة إليها (3) فأي خيانة أعظم من التفكه بلحم الأخ على غفلة منه و عدم شعوره بذلك ؟

و كيف كان (4) فما سمعناه من بعض من عاصرناه: من الوسوسة في عدها من الكبائر اظهار في غير المحل فلا اشكال في المسألة (5) بعد

++++++++++

(1) أي الغيبة أشد من بعض الكبائر كأكل مال اليتيم ظلما.

(2) راجع نفس المصدر. ص 260-261. الباب 46 الحديث 33 - و ص 262. الحديث 36.

(3) اي الى الخيانة: ببيان أن الخيانة مأخوذ في مفهومها الغدر و الخديعة.

و من الواضح عدم التفات من يخان به بالخيانة، و عدم شعوره و التفاته بها و هذه العلة بعينها موجودة في الغيبة، لأن المغتاب بالفتح لا يعلم بما يقال في حقه من قبل المغتاب بالكسر فتكون غيبته نوعا من الخيانة، و أي خيانة أعظم من التفكه بلحم الاخ المؤمن في غيابه و هو لا يشعر بذلك.

(4) اي سواء أ كانت الغيبة أشد من بعض الكبائر أم لا فوسوسوه بعض المعاصرين في عد الغيبة من الكبائر ليست في محلها، لأنك عرفت في الأخبار المتقدمة في ص 310 أن الغيبة من الكبائر، و في بعضها أنها أشد من بعض الكبائر.

(5) أي و لا اشكال في حرمة الغيبة و أنها من الكبائر أو أشد من بعضها.

فمن لاحظ الأخبار الواردة في حرمة الغيبة، و في علة تحريمها يحكم بالحرمة حالا و فورا من دون توقف و وسوسة.

ص: 323

ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة، و في حكمة (1) حرمتها في نظر الشارع.

ثم الظاهر دخول (2) الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها، لعموم بعض الروايات المتقدمة (3)،

++++++++++

- راجع (علل الشرائع). ص 557. الباب 354. الحديث 1.

طباعة المطبعة الحيدرية عام 1385.

و (وسائل الشيعة). الجزء 8 ص 596 - الى ص 603 الباب 125 من أبواب العشرة. الحديث 2-7.

(1) عطف على الروايات الواردة، أي فلا اشكال في حرمة الغيبة بعد ملاحظة الأحاديث الواردة في حكمة تحريم الغيبة كما عرفت آنفا.

(2) إن أراد من دخول الصبي المميز في حكم الغيبة الذي هي الحرمة:

دخوله في عدم جواز اغتياب المكلف لهذا الصبي فمسلم و لا اشكال فيه.

و يدل على إرادة هذا المعنى قوله: المتاثر بالغيبة لو سمعها لأن اطلاقات عدم جواز الاغتياب تشمله كما تشمل من دونه، بناء على ما افاده (الشهيد الثاني) في (كشف الريبة) في قوله الآتي.

و إن أراد من الدخول: عدم جواز صدور الغيبة من الميز الصبي بمعنى ان المميز لا يجوز له أن يغتاب احدا فممنوع هذا، حيث إنه لم يوضع عليه قلم التكليف حتى يقال بعدم جواز الغيبة في حقه.

(3) و هي المشار إليها في ص 310 في قوله صلى اللّه عليه و آله: الغيبة أشد من الزنا، حيث انها عامة تشمل الصبي المميز في عدم جواز اغتيابه فقط.

أما عدم جواز صدور الغيبة منه فلا تشمله الرواية، لاختصاص ذلك بالرجل في قوله صلى اللّه عليه و آله: إن الرجل يزني فيتوب و يتوب اللّه عليه.

و المروية في ص 313 في قوله صلى اللّه عليه و آله: من اغتاب مسلما أو مسلمة، حيث انها عامة تشمل الصبي المميز، و أما غير المميز فلا تشمله. -

ص: 324

و غيرها (1) الدالة على حرمة اغتياب الناس، و أكل لحومهم، مع صدق الأخ عليه (2) كما يشهد به قوله تعالى: وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ في الدين.

++++++++++

- و المروية في ص 318 في قوله صلى اللّه عليه و آله: من اغتاب مؤمنا حيث إنها عامة تشمل الصبي المميز.

و المروية في ص 318 في قوله عليه السلام: كذب من زعم أنه ولد حلال: تشمل الصبي المميز.

و المروية في ص 318 في قوله صلى اللّه عليه و آله: من مشى في غيبة أخيه عامة تشمل الصبي المميز.

و المروية في ص 318 في قوله صلى اللّه عليه و آله: إن المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة فهي عامة تشمل الصبي المميز.

و المروية في ص 318 في قوله صلى اللّه عليه و آله: إن الغيبة حرام على كل مسلم فهي عامة تشمل الصبي المميز.

و المروية في ص 319 في قوله صلى اللّه عليه و آله: يؤتى باحد يوم القيامة: تشمل الصبي المميز.

و المروية في ص 320 في قوله عليه السلام: من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعت اذناه لا يبعد شموله للصبي المميز.

و لئن دل عموم هذه الروايات على حرمة اغتياب الصبي المميز بمعنى عدم جواز غيبته للناس فلا بد من تخصيصها، أو تقييدها بأدلة رفع القلم في قول المعصوم عليه السلام: رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم.

(1) اي و غير ما تقدم من الروايات الواردة في المقام.

و تأتي الاشارة الى بعض هذه الروايات.

(2) اي مع صدق اسم الاخ على الصبي كما يشهد بهذا الصدق قوله -

ص: 325

مضافا (1) الى امكان الاستدلال بالآية و ان كان الخطاب للمكلفين، بناء

++++++++++

- تعالى. وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ ، حيث إن الإخوان جمع الأخ و هو عام يشمل الصبي أيضا.

و مرجع الضمير في قوله تعالى: وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ : اليتامى الواقع في قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلاٰحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (1).

و من المعلوم أن اليتيم من لم يبلغ الحلم.

(1) اي بالإضافة الى ما ذكرناه لك من الآيات و الأخبار الواردة في حرمة الغيبة: يمكن الاستدلال على حرمة غيبة الصبي المميز بقوله تعالى:

(وَ لاٰ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) .

كيفية الاستدلال: أن الخطاب الوارد في الآية الكريمة و ان كان راجعا الى المكلفين الذين بلغوا الرشد الشرعي و وضع عليهم قلم التكليف إلا أنه بناء على عد أطفال المؤمنين منهم من باب التغليب يدخل الصبي المميز في الآية الكريمة.

خذ لذلك مثالا.

لو قيل: أدع للمؤمنين، أو اكرم المؤمنين فدعا لأطفالهم، أو اكرمهم فلا اشكال في سقوط التكليف و صدق الامتثال بهذا الدعاء و الإكرام.

ففيما نحن فيه يجوز استعمال كلمة المؤمنين في مجموع رجالهم و نسائهم و أطفالهم تغليبا فاذا صح استعمال الجمع كذلك في الأطفال صح عدهم منهم فيصح استعمال المفرد فيهم من هذا الباب، فيطلق لفظ (المؤمن) الذي هو مفرد (المؤمنين): على طفل المؤمن تغليبا فلا يجوز اغتيابه.0.

ص: 326


1- البقرة: الآية 220.

على عد أطفالهم منهم تغليبا (1)، و امكان (2) دعوى صدق المؤمن عليه مطلقا أو في الجملة (3).

و لعله لما ذكرنا (4) صرح في كشف الريبة بعدم الفرق بين الصغير و الكبير و ظاهره (5) الشمول لغير المميز أيضا.

و منه (6) يظهر حكم المجنون، إلا أنه (7) صرح بعض الأساطين

++++++++++

(1) منصوب على المفعول لأجله أي عد أطفال المؤمنين من المؤمنين لأجل تغليب جانب الرجال المكلفين، و النساء المكلفات على الطفل المميز و الطفلة المميزة.

(2) بالجر عطفا على قوله: بناء على عد أطفالهم، اي و يصح أن يقال بعدم جواز غيبة الصبي المميز بناء على امكان دعوى صدق المؤمن على الصبي المميز مطلقا، سواء اظهر الايمان أم لا.

(3) اي اذا اظهر الايمان فقط.

(4) من امكان الاستدلال بالآية الكريمة على حرمة غيبة الصبي المميز من باب التغليب، و من امكان دعوى صدق المؤمن على الصبي المميز.

(5) اي و ظاهر كلام (الشهيد الثاني) في كشف الريبة في قوله:

لا فرق في حرمة الغيبة بين الصغير و الكبير: شمول الصغير المميز و غيره.

(6) أي و من قول (الشهيد الثاني): بين الصغير و الكبير يظهر حكم المجنون أيضا فلا يجوز غيبته، لشمول الكبير المجنون و غيره.

(7) هذا رد على ما أفاده (الشهيد الثاني) من عدم جواز اغتياب الصبي المميز و غيره و العاقل و غيره أي أفاد (شيخنا كاشف الغطاء) ان الذي لا عقل له و هو المجنون، و من لا تمييز له و هو الصبي خارج عن تحت تلك الكبرى الكلية: و هو عدم جواز غيبة المؤمن، للشك في دخول هذين الفردين تحت الكبرى الكلية، و انهما من صغرياتها فالأدلة -

ص: 327

باستثناء من لا عقل له و لا تمييز، معللا (1) بالشك في دخوله تحت أدلة الحرمة.

و لعله (2) من جهة أن الاطلاقات منصرفة الى من يتأثر لو سمع و سيتضح ذلك (3) زيادة على ذلك.

بقي الكلام في أمور:
اشارة

بقي الكلام في أمور:

الأول: الغيبة اسم مصدر لاغتاب، أو مصدر لغاب.

الأول: الغيبة اسم مصدر لاغتاب، أو مصدر لغاب.

ففي المصباح اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو (4) حق

++++++++++

- المتقدمة لا تشملهما فهنا محل جريان أصالة البراءة من حرمة غيبتهما.

و لا يخفى أنه يمكن دعوى القطع بعدم شمول الأدلة المذكورة للفردين لرفع القلم عنهما، و لذا وجه الشيخ كلام بعض الأساطين.

(1) هذا تعليل من الشيخ في توجيه استثناء (بعض الأساطين) الفردين المذكورين عن تحت تلك الكبرى الكلية اي خروجهما يمكن أن يكون لاجل انصراف تلك الاطلاقات المتقدمة الواردة في حرمة اغتياب المؤمن:

الى من يتأثر و يتأذى مما قيل في حقه لو سمعه.

و من الواضح أن المجنون الذي لا عقل له، و الطفل الذي لا تمييز له لا يتأثر بسماع ما قيل في حقه، لعدم درك المجنون معنى الكراهة و التأثر، و عدم تمييز الصبي غير المميز بذلك.

(2) مرجع الضمير: الشك، أي و لعل الشك في دخوله انما هو من جهة الانصراف الى غيره.

(3) أي يتضح لك بالقريب العاجل زيادة على ما تلوناه عليك حول الموضوع: كيفية انصراف الاطلاقات الواردة الى العاقل المميز، و أنه من المراد ممن لا يجوز غيبته.

(4) الواو حالية و الجملة منصوبة محلا حال لقوله: بما يكرهه أي -

ص: 328

و الاسم (1) الغيبة.

و عن القاموس غابه أي عابه و ذكره بما فيه من السوء.

و عن النهاية أن يذكر الانسان في غيبته بسوء مما يكون فيه.

و الظاهر من الكل (2) خصوصا القاموس المفسر لها أو لا بالعيب:

أن المراد ذكره (3) في مقام الانتقاض و المراد بالموصول (4) هو نفس النقص الذي فيه

و الظاهر (5) من الكراهة في عبارة المصباح كراهة وجوده.

و لكنه غير مقصود قطعا، فالمراد اما كراهة ظهوره و لو لم يكره وجوده كالميل الى القبائح.

و اما كراهة ذكره بذلك العيب.

و على هذا التعريف (6) دلت جملة من الأخبار مثل قوله عليه السلام و قد سأله أبو ذر عن الغيبة: انها ذكرك اخاك بما يكرهه (7).

++++++++++

- و الحال ان ما ذكره بما يكرهه يكون حقا و له واقع، لأنه اذا لم يكن ما ذكره من السوء موجودا فيه يكون افتراء و تهمة.

(1) أي اسم المصدر.

(2) أي الظاهر من جميع تعاريف أهل اللغة التي ذكرنا عنهم.

(3) أي ذكر الانسان بالسوء اذا كان في مقام الانتقاص، لا مطلقا.

(4) أي ما الموصولة في قول القاموس: بما فيه، و في قول صاحب النهاية: مما يكون فيه، و في قول صاحب المصباح: بما يكرهه.

(5) أي الظاهر من قول (صاحب المصباح): بما يكرهه من العيوب كراهة المغتاب بالفتح نسبة تلك العيوب الموجودة إليه.

(6) أي على تعريف صاحب المصباح الغيبة.

(7) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 598. الباب 152. -

ص: 329

و في نبوي آخر قال صلى اللّه عليه و آله: أ تدرون ما الغيبة ؟ قالوا: اللّه و رسوله أعلم.

قال: ذكركم أخاكم بما يكرهه (1)، و لذا (2) قال في جامع المقاصد ان حد الغيبة على ما في الأخبار أن تقول في أخيك ما يكرهه لو سمعه مما هو فيه.

و المراد (3) بما يكرهه كما تقدم في عبارة المصنف: ما يكرهه ظهوره سواء كره وجوده كالبرص و الجذام (4) أم لا كالميل الى القبائح (5).

و يحتمل أن يراد بالموصول (6) نفس الكلام الذي يذكر الشخص به

++++++++++

- الحديث 9، فقوله صلى اللّه عليه و آله: إنها ذكرك أخاك بما يكرهه يطابق تعريف صاحب المصباح.

(1) (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 75. ص 222 فقوله صلى اللّه عليه و آله: ذكركم اخاكم بما يكرهه يطابق تعريف صاحب المصباح للغيبة.

(2) أي و لأجل أن تعاريف أهل اللغة تطابق مع الأخبار الواردة في تعريف الغيبة: عرف صاحب (جامع المقاصد) الغيبة بنفس تعريف اهل اللغة.

(3) هذه العبارة من متممات صاحب جامع المقاصد.

و المراد من المصنف (العلامة الحلي).

(4) بأن قيل في حقه: فلان ابرص، أو مجذوم.

(5) بأن قيل في حق الشخص: إنه يرتكب بعض القبائح بميل و رغبة.

(6) أي بما الموصولة في قوله صلى اللّه عليه و آله: بما يكرهه.

ص: 330

و يكون كراهته (1) إما لكونه (2) اظهارا للعيب، و اما (3) لكونه صادرا على جهة المذمة و الاستخفاف و الاستهزاء و ان لم يكن العيب مما يكره اظهاره، لكونه (4) ظاهرا بنفسه.

و إما لكونه (5) مشعرا بالذم و ان لم يقصد المتكلم الذم به كالالقاب المشعرة بالذم.

++++++++++

(1) المصدر مضاف الى المفعول و الفاعل هنا المغتاب بالفتح.

و المعنى: أن كراهة المغتاب بالفتح للكلام الذي قيل في حقه لا يخلو من أحد الأمرين.

اما لأجل نفس الكلام الذي قاله المغتاب بالكسر في حقه كأن يقال فيه: إنه طويل أو قصير أو أكول أو بدين مع وجود هذه الصفات فيه.

و إما لأجل الكلام الصادر من المغتاب بالكسر في مقام المذمة و السخرية و الاستهزاء كأن يقال في حقه: إنه اعمش أو أحول أو أعور أو أعرج مع وجود هذه الصفات فيه، و ان لم يكن ذكر هذه العيوب مما يكره اظهارها، لكونها ظاهرة جلية.

(2) هذا هو الشق الأول الذي اشرنا إليه آنفا بقولنا:

إما لأجل نفس الكلام.

(3) هذا هو الشق الثاني الذي اشرنا إليه آنفا بقولنا:

و إما لأجل أن الكلام.

(4) تعليل لقوله: و ان لم يكن العيب مما يكره اظهاره و قد عرفت التعليل آنفا بقولنا: لكونها ظاهرة جلية.

(5) هذا هو الشق الثالث لكراهة المغتاب بالفتح للكلام الذي قيل في حقه، أي الكلام الذي قيل في حق المغتاب بالفتح كان مشعرا بالذم كأن يقال له: الاعمش الأعور الأحول.

ص: 331

قال في الصحاح: الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه.

و ظاهره التكلم بكلام يغمه لو سمعه، بل في كلام بعض من قارب عصرنا أن الاجماع و الأخبار متطابقان على أن حقيقة الغيبة أن يذكر الغير بما يكره لو سمعه، سواء أ كان (1) بنقص في نفسه، أو بدنه، أو دينه أو دنياه، أو فيما يتعلق به من الأشياء.

و ظاهره (2) أيضا إرادة الكلام المكروه.

و قال الشهيد الثاني في كشف الريبة: ان الغيبة ذكر الانسان في حال غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص و الذم.

و يخرج (3) على هذا التعريف ما اذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة

++++++++++

(1) أي هذا الكلام الذي يقال في حق المغتاب بالفتح بقصد الانتقاص سواء أ كان إرادة النقص في دينه كأن يقال له: انه فطحي المذهب أو واقفي أو زيدي.

أم في بدنه كأن يقال له: انه مسلول أو ابخر الفم أو نتن الرائحة.

أم في نفسه كأن يقال له: انه ذليل حقير وضيع لئيم بخيل.

أم في شيء مما يتعلق بشخص المغتاب بالفتح كأن يقال في حقه:

ان ملابسه قذرة، أو داره غصبية، أو أصدقاؤه حمق، أو زوجته من بيت وضيع فكل هذه الصفات التي ذكرت اذا كانت بقصد الانتقاص و الذم يكون غيبة.

(2) أي و ظاهر كلام الصحاح في قوله: أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه: إرادة الكلام المكروه عند المغتاب بالفتح، لا عند المتكلم أو السامع.

(3) هذه الجملة الى قوله: مع أنه داخل في التعريف من كلام -

ص: 332

يكون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه (1) بذلك، مع انه داخل في التعريف عند الشهيد أيضا حيث عدّ من الغيبة ذكر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها كالأعمش و الأعور و نحوهما (2).

و كذلك (3) ذكر العيوب الجارية التي يراد شراؤها اذا لم يقصد

++++++++++

(الشيخ الأنصاري) لا من كلام الشهيد الثاني يقصد بها الاعتراض على الشهيد.

و خلاصة الاعتراض: أن لازم هذا التعريف خروج الشخص المتصف بصفات ظاهرة: عن التعريف، لأنه اذا قيل: فلان أعور، أو أعمش أو احول و لم يقصد القائل الانتقاص و المذمة لم يكن غيبة، مع أن هذا الفرد داخل في التعريف عنده، حيث إنه عد في مكان آخر في نفس المصدر من الغيبة ذكر الانسان بصفاته الظاهرة كما ذكرناها لك، فيلزم التناقض حينئذ، لأن ما أثبته و أدخله في الغيبة هنا فقد أخرجه عنها هناك.

(1) المصدر مضاف الى المفعول و هو المغتاب بالفتح و الفاعل محذوف و هو المغتاب بالكسر، أي مع عدم قصد الانتقاص من المغتاب بالكسر في حق المغتاب بالفتح كما عرفت آنفا.

(2) كالأعرج و الأعضب.

(3) أي و كذلك يخرج عن تعريف الشهيد الغيبة بقيد قصد الانتقاص:

ذكر الرجل عيوب الجارية التي يراد شراؤها، لأنها متصفة بصفات ظاهرة و البائع لا يريد قصد الانتقاص بها، بل غرضه من ذكرها بيان الواقع فهي خارجة عن الغيبة حكما حسب القيد المذكور، لا موضوعا، مع أنها داخلة في التعريف عند الشهيد حسب عده من الغيبة ذكر الرجل بصفاته المعروفة.

ص: 333

من ذكرها إلا بيان الواقع، و غير (1) ذلك مما ذكره هو، و غيره من المستثنيات.

و دعوى (2) أن قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقايص:

موجبة (3) لاستدراك ذكره بعد قوله مما يعد نقصا.

++++++++++

(1) أي و كذلك يلزم دخول غير ذلك مما ذكرناه: في التعريف مع أنه ذكر كل ذلك في مستثنيات الغيبة.

كما أن غيره أيضا ذكرها في المستثنيات.

و ستأتي الاشارة من (شيخنا الأنصاري) قريبا الى هذه المستثنيات.

(2) مبتدأ خبره قوله: موجبة.

هذه الدعوى دفع عن الاعتراض الذي أورده الشيخ على (الشهيد الثاني) و قد عرفت الاعتراض في ص 333.

و حاصل الدفع: أن الانتقاص ملازم لبيان النقائص و ذكرها، و إن لم يقصد البائع، أو الذي يذكر الانسان بصفات ظاهرة فيه: الانتقاص.

اذا فلا يلزم خروج مثل هذا الشخص، أو الجارية التي يراد شراؤها عن تعريف الغيبة بذكر قصد الانتقاص حتى يقال: إن ما خرج عن التعريف داخل في الغيبة حسب عده فيها بذكر الشخص بصفات ظاهرة.

هذه خلاصة الدفاع عن الاشكال المذكور.

(3) هذا جواب عن الدفاع المذكور.

و حاصله: أن الدفاع المذكور موجب لكون القيد المذكور و هو (قصد الانتقاص) زائدا و لغوا، لأنه لا فائدة فيه بعد قوله: مما يعد نقصا، اذ لو كان قصد الانتقاص من لوازم ذكر النقائص، سواء قصد البائع الانتقاص أم لا فلا معنى لذكره في التعريف.

فالحاصل أنه يلزم إما خروج من يذكر بالصفات الظاهرة عن التعريف -

ص: 334

و الأولى بملاحظة ما تقدم من الأخبار، و كلمات الأصحاب بناء على ارجاع الكراهة الى الكلام المذكور به لا الى الوصف: ما تقدم (1) من أن الغيبة أن يذكر الانسان بكلام يسوؤه.

++++++++++

- المذكور، و إما زيادة قصد الانتقاص و لغويته لو قلنا: ان قصد الانتقاص من لوازم ذكر النقائص.

و المراد من كلمة لاستدراك في قوله: لاستدراك ذكره: الزيادة أي لزيادة قصد الانتقاص و لغويته.

و مرجع الضمير في ذكره: قصد الانتقاص.

و في كلمة قوله: الشهيد أي لزيادة ذكر قصد الانتقاص بعد قول الشهيد: مما يعد نقصا كما عرفت آنفا.

(1) مبتدأ خبره (ما تقدم الثاني) في قوله: ما تقدم من أن الغيبة يقصد الشيخ من هذه الأولوية: أنه بعد أن اختلفت كلمات الفقهاء و اللغويين في تعريف الغيبة و ذهب كل منهم الى ما يخالفه الآخر، و لا سيما تعريف (الشهيد الثاني)، حيث يلزم منه خروج بعض الأفراد عن الغيبة بعد أن كان داخلا حسب ما أفاده في كتابه (كشف الريبة): فالأولى في تعريف الغيبة بعد ملاحظة الأخبار الواردة حول الغيبة، و امعان النظر و التعمق فيها، و بعد ملاحظة كلمات الأصحاب: أن تعريف الغيبة بتعريف صاحب (جامع المقاصد) المتقدم في ص 330. حيث قال: (إن حقيقة الغيبة أن تقول في أخيك ما يكرهه مما هو فيه)، فان منشأ ذكر الانسان بكلام يسوؤه لا يخلو من أحد الأمرين:

إما اظهار عيبه المستور من دون قصد الانتقاص

أو اظهار عيبه غير المستور بقصد الانتقاص.

و هذا على قسمين: إما بقصد التكلم بالسوء.

ص: 335

إما (1) باظهار عيبه المستور و ان لم يقصد انتقاصه.

و إما (2) بانتقاصه بعيب غير مستور إما بقصد التكلم، أو بكون الكلام بنفسه منقصا له كما اذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم.

نعم (3) لو ارجعت الكراهة الى الوصف الذي يسند الى الانسان تعين إرادة كراهة ظهورها فيختص بالقسم الأول: و هو ما كان اظهارا لأمر مستور.

++++++++++

- و إما كون الكلام الذي يقال في حق الرجل بنفسه منقصا كاتصاف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم مثل الأعور و الأحول و الأعضب.

هذا ما أفاده صاحب (جامع المقاصد) حول تعريف الغيبة و هو مطابق لما ورد فيها من الأخبار، و كلمات الأصحاب، و لا يرد عليه ما ورد على تعريف الآخرين، و لا سيما ما أفاده شيخنا (الشهيد الثاني) من خروج ذكر الشخص بصفات ظاهرة: عن التعريف.

ثم لا يخفى عليك أن أحد الأمرين الذي كان منشأ لذكر الانسان بالسوء مبني على ارجاع الكراهة الواردة في الأحاديث الشريفة التي اشير إليها في ص 329، و كلمات الأصحاب التي اشير إليها في ص 330:

الى الكراهة في الكلام، أي يذكره بكلام يكره المغتاب بالفتح التكلم فيه بذلك الكلام، لا ارجاع الكراهة الى الوصف الذي في الشخص.

(1) هذا هو المنشأ الأول للغيبة الذي عرفته في ص 335.

(2) هذا هو المنشأ الثاني للغيبة الذي عرفته في ص 335.

(3) استدراك عما أفاده: من أن منشأ ذكر الانسان بالسوء أحد الأمرين، بناء على ارجاع الكراهة الى الكلام.

و خلاصة الاستدراك: أنه لو ارجعنا الكراهة الواردة في الأحاديث المشار إليها في ص 329، و كلمات الأصحاب المشار إليها في ص 330: -

ص: 336

و يؤيد هذا الاحتمال (1)، بل يعينه الأخبار المستفيضة الدالة على اعتبار كون المقول مستورا غير منكشف مثل قوله عليه السلام فيما رواه العياشي بسنده عن ابن سنان: الغيبة ان تقول في اخيك: ما فيه مما قد ستره اللّه عليه (2).

و رواية داود بن سرحان المروية في الكافي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغيبة.

قال: هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، و تبثّ عليه أمر قد ستره اللّه تعالى عليه لم يقم عليه فيه حد (3).

++++++++++

- الى الوصف الموجود في الشخص الذي يسند إليه: تعين إرادة كراهة ظهور تلك الصفة فحينئذ يختص ذكر الانسان بكلام يسوؤه: بالقسم الأول و هو اظهار العيب المستور، أي يكون المنشأ لذكر الانسان بالسوء هو اظهار عيب مستور كأن يقال في حق الشخص: انه سارق، انه زان انه كاذب.

(1) و هو حمل الكراهة الواردة في الأحاديث المشهورة و في كلمات الأصحاب على الكراهة في الوصف الموجود في الشخص: الأخبار المستفيضة الدالة على اعتبار كون المقول مستورا غير منكشف.

و ستأتي الاشارة الى هذه الأخبار.

(2) هذه أحدى الروايات الدالة على أن المراد من الكراهة الواردة في الأخبار، و كلمات الأصحاب: الكراهة في الوصف ببيان أن المستور هي الصفة، لا الكلام فيكره المغتاب بالفتح ذكر صفته المستورة و اظهارها.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 602. الباب 152 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 22.

(3) هذه ثانية الروايات المستفيضة الدالة على أن المراد من الكراهة الواردة في الأخبار، و كلمات الأصحاب: الى الوصف، لا الى الكلام ببيان ما تقدم في الرواية الاولى.

ص: 337

و رواية أبان (1) عن رجل لا يعلمه إلا يحيى الازرق قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه.

و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه (2) الناس فقد اغتابه.

و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته (3).

و حسنة (4) عبد الرحمن بن سيابة بابن هاشم قال: قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الغيبة ما تقول في أخيك: ما ستره اللّه عليه.

++++++++++

- راجع (الكافي). الجزء 2. الطبعة الثانية عام 1381. ص 357 الحديث 3.

(1) المراد منه أبان بن عثمان كما أفاده صاحب (جامع الرواة) في الجزء 2. ص 325 أي أبان قد سمّى اسم الرجل، و لا يعرفه إلا يحيى الأزرق.

هذه ثالثة الروايات المستفيضة الدالة على أن المراد بالكراهة الواردة في الأخبار، و في كلمات الأصحاب: هي الكراهة في الوصف ببيان ما تقدم في الرواية الاولى.

راجع نفس المصدر. ص 358. الحديث 6.

و في المصدر: لا نعلمه بصيغة المتكلم.

(2) المراد منه العيب المستور المخفي، و هذا محل استشهاد الشيخ على ما ذكره من التأييد في رجوع الكراهة الواردة في الاخبار، و في كلمات الاصحاب: الى الوصف.

(3) البهتان أن تقول في حق الغير ما ليس فيه و يقال له: الافتراء.

(4) هذه رابعة الروايات المستفيضة الدالة على أن المراد بالكراهة -

ص: 338

و أما الامر الظاهر فيه مثل الحدة (1) و العجلة فلا (2).

و البهتان أن تقول فيه: ما ليس فيه.

و هذه الاخبار (3) كما ترى صريحة في اعتبار كون الشيء غير منكشف

و يؤيد ذلك (4) ما في الصحاح: من أن الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه، فان كان صدقا سمي غيبة، و ان كان كذبا سمي بهتانا.

++++++++++

- الواردة في الأخبار، و في كلمات الاصحاب: هي الكراهة في الوصف ببيان ما تقدم في الرواية الاولى.

راجع نفس المصدر. ص 358. الحديث 7.

(1) بكسر الحاء صفة تعتري الانسان من الغضب و النزق.

و العجلة بفتح العين و الجيم و اللام هي السرعة.

هذه هي الروايات المستفيضة التي ذكرها الشيخ في أن المراد من الكراهة الكراهة في الوصف، حيث ان غير المنكشف هو المستور.

(2) أي لا يكون ذكر مثل الحدة و العجلة غيبة، لانهما غير مستورين بل هما ظاهران على الانسان. و قد عرفت أنه قد أخذ في مفهوم الغيبة الستر و الخفاء.

(3) و هي المستفيضة التي أشار إليها الشيخ بقوله: مثل قوله عليه السلام فيما رواه العياشي، و رواية داود بن سرحان، و رواية أبان، و حسنة عبد الرحمن.

(4) أي و يؤيد كون الغيبة عبارة عن اظهار صفة مستورة: ما ذكره الجوهري في صحاحه عند تعريف الغيبة: من أن الغيبة.

ص: 339

فان أراد من المستور من حيث ذلك المقول (1) وافق الاخبار (2).

و ان أراد (3) مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة.

و الملخص من مجموع ما ورد في المقام أن الشيء المقول إن لم يكن

++++++++++

(1) أي من حيث ان هذه الصفة مستورة في المغتاب بالفتح، و لم يطلع عليها أحد.

(2) و هي الاخبار المشار إليها في ص 337-339 فيكون تعريف صاحب الصحاح الغيبة بقوله: الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه: موافقا لهذه الاخبار، حيث ان الاخبار المذكورة تصرح بأن الغيبة أن تقول في حق أخيك ما فيه مما قد ستره اللّه فالاخبار و تعريف صاحب الصحاح متوافقان و متساويان، و ليس بينهما تنافر و تطارد لان معنى الغيبة عند صاحب الصحاح: كشف عيب، أو ذنب كان مستورا.

و هذا التعريف بعينه تعريف الأخبار المذكورة آنفا للغيبة فتكون النسبة بين التعريفين التساوي.

(3) أي و ان أراد (صاحب الصحاح) من المستور في تعريف الغيبة غير المتجاهر: و هو الذي يعمل القبائح و المحرمات تحت الخفاء و الستار و لا يرضى أن يطلع على أفعاله أحد في قبال المتجاهر الذي يفعل القبائح و المحرمات متجاهرا بها لا يبالي باطلاع الناس على أفعاله القبيحة: احتمل موافقة تعريف صاحب الصحاح الغيبة مع تعريفها في الاخبار المذكورة.

و احتمل مخالفة تعريفه لتعريف الاخبار الغيبة.

أما الموافقة فقد عرفتها و عرفت النسبة بين تعريفه الغيبة، و بين تعريف الاخبار الغيبة فيما اذا كان العيب الذي ذكر به مستورا عن أعين الناس.

و أما المخالفة فكما اذا كان العيب الذي ذكر به معلوما للناس، سواء علم المغتاب بذلك أم لا، ففي هذا الفرض يكون مخالفا.

ص: 340

نقصا فلا يكون ذكر الشخص حينئذ (1) غيبة و ان اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه.

نظير ما اذا نفي عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك (2) نقصا في حقه إلا أنه معتقد باجتهاد نفسه.

نعم (3) قد يحرم هذا من وجه آخر.

و ان كان (4) نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب.

++++++++++

(1) اي حين أن يذكر الشخص بالشيء الذي لم يكن نقصا له و كلمة ان في قوله: و ان اعتقد وصلية.

(2) اي نفي الاجتهاد عن زيد لا يكون موجبا لنقصه حتى يعد غيبة و لا يخفى أن عدم كون نفي الاجتهاد غيبة اذا لم يكن المغتاب بالكسر في مقام التعريض بالمغتاب بالفتح بالبلادة و الغباوة، و اما اذا كان في هذا المقام فهو غيبة.

(3) استدراك عما أفاده من عدم نفي الاجتهاد عن زيد غيبة، لعدم كونه نقصا.

و خلاصة الاستدراك: أن النفي المذكور و ان لم يكن حراما من هذه الناحية، لكنه حرام من جهة اخرى و هو الإيذاء، حيث إن من ينفى عنه الاجتهاد يتأذى بالطبع اذا سمع.

و قد ثبت في الاخبار متواترا حرمة ايذاء المؤمن.

(4) هذا هو الشق الثاني للمقول في حق الشخص، إذ شقه الأول عدم كون المقول نقصا في حق المغتاب بالفتح.

و خلاصة ما يقصده الشيخ أن هذا المقول المشتمل على النقص الشرعي أو العرفي الذي يراه العرف نقصا بالنسبة الى شخص، و لا يراه نقصا بالنسبة الى شخص آخر كما اذا ذهب شخص عادي الى وليمة و لم يكن

ص: 341

فان كان (1) مخفيا للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس و أراد القائل تنقيص المغتاب به فهو المتيقن من أفراد الغيبة (2).

و ان لم يرد القائل التنقيص فالظاهر حرمته، لكونه كشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر في ص 318: من مشى في غيبة أخيه و كشف عورته.

و في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت:

عورة (3) المؤمن على المؤمن حرام.

++++++++++

- مدعوا فانه اذا ذكره العرف و وصفه بهذه الصفة لم يكن غيبة، لانه لا يراه نقصا له.

بخلاف ما اذا كان الشخص من الوزن الثقيل فانه لو وصف بذلك يكون غيبة، لانه يراه نقصا فيه.

ثم ان هذا النقص الشرعي، أو العرفي ان كان مخفيا بحيث يستنكف المغتاب بالفتح من ذكره و اظهاره فلا يخلو من أحد أمرين:

إما أن يكون المغتاب بالكسر في مقام التنقيص و المذمة فهذا هو الفرد المتيقن و المسلم من أفراد الغيبة و من صغريات تلك الكبرى الكلية التي حرمتها ثابتة، لانها مشتملة على جهتين: و هما كشف الستر. و كون القائل في مقام التنقيص.

و إما أن لا يكون في مقام التنقيص فهذا أيضا حرام، لكون القائل في مقام كشف ما كان مخفيا و مستورا و ان لم يكن في مقام التنقيص.

و قد عرفت أن الغيبة هو كشف ما كان مستورا كما في الخبر المتقدم في ص 337-339.

(1) أي المقول المشتمل على النقص الشرعي، أو العرفي كما عرفت.

(2) لكونه مشتملا على القيدين المذكورين كما عرفت آنفا.

(3) جملة عورة المؤمن على المؤمن حرام من كلام الراوي في مقام -

ص: 342

قال: نعم قلت: تعني سفلتيه ؟

قال: ليس حيث تذهب انما هي (1) اذاعة سره (2).

و في رواية محمد بن فضل عن أبي الحسن عليه السلام: و لا تذيعن عليه شيئا تشينه (3) به، و تهدم به مروته فتكون من الذين قال اللّه عز و جل في كتابه: إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (4).

و لا يقيد (5) اطلاق النهي بصورة قصد الشين

++++++++++

- السؤال، و ليست من كلام (الامام عليه السلام).

و جملة: قال نعم قول الامام عليه السلام.

(1) أي العورة المرادة هنا هي اذاعة سر المؤمن الذي كان مخفيا على الناس.

(2) (اصول الكافي). الطبعة الجديدة عام 1381. الجزء 2.

ص 358. الحديث 2.

(3) من شان يشين شينا وزان باع يبيع بيعا فهو ناقص يائي أصله شين اعلّ فيه اعلال باع من قلب الياء الفا. بناء على القاعدة المذكورة في العرف معناه: ضد الزينة و هو العيب، يقال: شان زيد فلانا اي عابه و قال فيه نقصا.

(4) (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 609. الباب 157 من أبواب أحكام العشرة. الحديث 4.

(5) دفع وهم.

حاصل الوهم: أن قوله عليه السلام: و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به مطلق، أي سواء قصد المغتاب بالكسر الشين -

ص: 343

و الهدم من (1) جهة الاستشهاد بآية حب شياع الفاحشة.

بل (2) الظاهر أن المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها، مع (3) أنه لا فائدة كثيرة في التنبيه على دخول القاصد لاشاعة الفاحشة في عموم

++++++++++

- و الهدم في حق المغتاب بالفتح أم لا فيقيد هذا الاطلاق: بصورة قصد المغتاب بالكسر الشين و الهدم.

و الدليل على هذا القيد استشهاد الامام عليه السلام بآية إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ ، حيث إن الحب المستفاد من كلمة يحبون لا يكون إلا مع القصد.

اذا فالحديث لا يدل على حرمة الغيبة مطلقا، سواء قصد المغتاب الشين أم لا كما هو المدعى، بل يدل على قصد الشين فقط.

(1) كلمة من بيانية هنا بيان لقوله: بصورة قصد الشين، اي تقييد الاطلاق المذكور بصورة قصد الشين مستفاد من استشهاد الامام عليه السلام بالآية الكريمة المشتملة على كلمة يحبون.

و قد عرفت كيفية ذلك آنفا.

(2) هذا دفع الوهم.

و حاصل الدفع: أن المراد من الحب في الآية الكريمة مجرد فعل ما يوجب شياعها: سواء قصد الشين أم لم يقصد فعليه يبقى الحديث على اطلاقه فلا يقيد فيدل على حرمة الغيبة مطلقا كما هو المدعى.

و لا يخفى أن الظاهر خلاف ما أفاده الشيخ، حيث إن الحب ملازم القصد ان لم يكن نصا فيه، فيكون قوله عليه السلام: و لا تذيعن مطلقا فيقيد بصورة قصد الشين بموجب استشهاد الامام عليه السلام فلا يدل الحديث على حرمة مطلق الغيبة.

(3) هذا ترق من الشيخ عما افاده: من أن الظاهر من الحب الوارد -

ص: 344

الآية، و انما يحسن التنبيه على أن قاصد السبب قاصد للمسبب و ان لم يقصده بعنوانه.

و كيف كان (1) فلا اشكال من حيث النقل و مع الفعل في حرمته اذاعة ما يوجب مهانة المؤمن، و سقوطه عن أعين الناس في الجملة.

++++++++++

- في الآية الكريمة: هو مجرد فعل ما يوجب إشاعة الفاحشة، سواء أ كان هناك قصد أم لا.

و خلاصة الترقي أنه بعد الغض عن ذلك فلا فائدة كثيرة في التنبيه على دخول قاصد الشين في الآية، لأن قاصد الشين غير محتاج للتنبيه عليه في الدخول فهو داخل فيها على كل حال.

بل المستحسن هو التنبيه على أن قاصد السبب و هو الكلام الموجب للإهانة، سواء أ كان هناك قصد أم لا: قاصد للمسبب و هي نفس الإهانة و الانتقاص و إن لم يقصد نفس المسبب بعنوانه أم لا؟.

(1) خلاصة ما يقصده الشيخ من قوله: و كيف كان الى قوله:

مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص: أنه سواء قلنا: إن قصد السبب يوجب قصد المسبب أم لا فلا اشكال في حرمة اذاعة أي شيء يوجب اهانة المؤمن، و سقوطه عن أعين الناس نقلا و عقلا.

أما النقل فمن الكتاب العزيز قوله تعالى المشار إليه في ص 343.

و من الأخبار ما تقدم في صدر المبحث في ص 318-320 و منها قول (الامام الباقر) عليه السلام) عن علي صلوات اللّه و سلامه عليه:

إنه قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه، أو سمعت اذناه مما يشينه أو يهدم مروته فهو من الذين قال اللّه تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا .

و إنما الاشكال في كون مثل هذه الإذاعة هل تعد غيبة أم لا؟ -

ص: 345

و انما الكلام في أنها (1) غيبة أم لا.

مقتضى الأخبار المتقدمة (2) بأسرها ذلك (3)، خصوصا المستفيضة

++++++++++

- فظاهر الأخبار المتقدمة بأسرها من المستفيضة و غيرها أن مثل هذه الإذاعة غيبة، و لا سيما المستفيضة الأخيرة و هي حسنة عبد الرحمن بن سيابة الدالة على التفصيل بين العيب الجلى و الخفي في قوله عليه السلام في ص 338:

الغيبة أن تقول في اخيك ما ستره اللّه عليه.

و أما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة و العجلة فلا.

فهذا التفصيل صريح في أن اذاعة أي شيء من المؤمن يكون مستورا قد ستره اللّه عليه غيبة.

هذا اذا لم يكن من قصد القائل المذمة و الانتقاص.

و أما اذا قصد ذلك فلا فرق في الحرمة بين العيب الخفي و الجلي فكلاهما متساويان في الحرمة.

و كلمة اذاعة مصدر اذاع يذيع من باب الافعال.

اصله أذيع يذيع إذياعا وزان اكرم يكرم اكراما قلبت ياؤه الفا طبقا للقاعدة المعروفة معناه: البث و النشر، يقال: اذاع الشيء اي بثّه و نشره.

و الإذاعة هنا اعم من الكلام، و الاشارة و الكتابة.

و أما في عصرنا الحاضر فقد كثرت طرق الإذاعة فمنها: الصحف و المجلات و المطابع و المذياع و الأقمار الصناعية، حيث إنها تذيع الأخبار و الحوادث الواقعة و التي تقع و تبثها.

(1) مرجع الضمير اذاعة سر المؤمن و قد عرفت ذلك.

(2) و هي التي أشرنا إليها في ص 337-339.

(3) أي أن اذاعة مثل هذا السر غيبة و قد عرفت ذلك آنفا.

ص: 346

الأخيرة، فان (1) التفصيل فيها بين الظاهر و الخفي انما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص.

و أما مع قصده (2) فلا فرق بينهما في الحرمة.

و المنفي (3) في تلك الاخبار

++++++++++

(1) تعليل لكون مثل اذاعة مثل هذا السر غيبة.

و قد عرفت التفصيل في ص 338-339.

(2) أي و أما مع قصد الانتقاص فلا فرق بين العيب الجلي و الخفي من حيث الحرمة، لأنه كما لا يجوز للمكلف إهانة المؤمن بالعيب الخفي بقصد الانتقاص.

كذلك لا يجوز اهانته بالعيب الجلى بقصد الانتقاص أيضا، كما عرفت عند قولنا: فظاهر الأخبار المتقدمة بأسرها من المستفيضة و غيرها.

(3) دفع وهم.

حاصل الوهم: أن الأخبار المتقدمة بأسرها و لا سيما المستفيضة في مقام اثبات تحقق موضوع الغيبة في إظهار العيب الخفي المستور، و عدم تحقق موضوعها في اظهار العيب الجلي الظاهر، و ليست في مقام اثبات الحكم و هي الحرمة للأول، و عدم الحرمة للثاني كما هو الواضح لمن لاحظ تلك الأخبار كلها التي منها قوله عليه السلام في ص 337: الغيبة أن تقول في أخيك ما فيه مما قد ستره اللّه عليه.

و منها قوله عليه السلام في ص 338: الغيبة أن تقول في اخيك:

ما ستره اللّه عليه، و أما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة و العجلة فلا.

فمجموع هذه الأخبار لمن لاحظها و تدبرها يعطيه درسا كاملا من أن المحور فيها هو بيان تحقق موضوع الغيبة ليس إلا، و لا تكون متعرضة لاثبات الحرمة في العيب الخفي، و نفيها عن العيب الجلي، فالتفصيل -

ص: 347

و ان كان تحقق (1) موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة، إلا (2) أن ظاهر سياقها نفي الحرمة فيما عداها أيضا.

لكن (3) مقتضى ظاهر التعريف المتقدم عن كشف الريبة عدمه

++++++++++

- المذكور في المستفيضة الأخيرة لا يشمل ما ذكره المصنف في قوله: إنما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص، و أما مع قصده فلا فرق بينهما في الحرمة.

(1) بنصب هذه الكلمة، بناء على أنها خبر لكان في قوله:

و ان كان، و اسم كان مستتر يرجع الى المنفي في قوله: و المنفي أي و ان كان المنفي في تلك الأخبار المشار إليها في ص 337-338 تحقق موضوع الغيبة كما فسرناه لك في الهامش 3 ص 347 آنفا.

(2) هذا جواب عن الوهم المذكور.

حاصل الجواب: أن المنفي في تلك الأخبار المذكورة و ان كان ذلك.

لكن ظاهر سياقها نفي الحرمة عما عدا الغيبة أيضا: و هو اظهار العيب الجلي الذي لم يقصد به الانتقاص و المذمة.

(3) استدراك عما افاده الشيخ: من أن مقتضى الأخبار المتقدمة و المستفيضة أن الغيبة ما اوجبت الكشف عن عيب مستور، سواء أ كان بقصد الانتقاص أم لا فمن هذه الجهة مطلقة فإذاعة سر المؤمن يكون غيبة.

و خلاصة الاستدراك أن تعريف (الشهيد الثاني) الغيبة في (كشف الريبة) يختلف عن تعريف الأخبار المستفيضة الغيبة فبين التعريفين عموم و خصوص من وجه لهما مادة اجتماع و مادتا افتراق.

أما مادة الاجتماع كما في كشف العيب المخفي بقصد الانتقاص فإن هذا الفرد غيبة بمقتضى تعريف الشهيد الثاني الغيبة في كشف الريبة و بمقتضى الأخبار المستفيضة.

ص: 348

لانه اعتبر قصد الانتقاص و الذم، إلا (1) أن يراد اعتبار ذلك فيما يقع

++++++++++

- و أما مادة الافتراق من جانب تعريف الشهيد بحيث تصدق الغيبة و لا تصدق بمقتضى ظاهر المستفيضة كما في ذكر العيب الظاهر بقصد الانتقاص فإن تعريف الشهيد الغيبة يصدق هنا و اما على تعريف الأخبار لها فلا يصدق كما عرفت في المستفيضة و ان كان هذا الفرد حراما أيضا بمقتضى الأخبار إلا ان الحرمة ليست من باب الغيبة، بل من باب الايذاء.

و أما مادة الافتراق من جانب تعريف الأخبار المستفيضة بحيث تصدق الغيبة بمقتضاها، و لا تصدق بمقتضى تعريف (الشهيد الثاني) كما في كشف العيب المستور بغير قصد الانتقاص فالأخبار صادقة هنا، أما تعريف الشهيد فلا.

(1) استثناء عن الاستدراك المذكور.

و خلاصته بعد أن قال الشيخ: إن بين تعريف الشهيد و الأخبار خلافا لا يكن الجمع بينهما افاد أنه يمكن الجمع بين التعريفين اذا أريد من الانتقاص الواقع في تعريف الشهيد الانتقاص في صفات لها اعتباران كما في البذل الزائد البالغ درجة الاسراف و الاعتدال، فإنه يصدق عليه المدح، لكونه صفة كرم، و يصدق عليه الذم، لكونه خرج عن حد الاعتدال و دخل في التبذير و الإسراف.

و كذا من يبالغ في الإقدام على العدو في القتال في ساحة الحرب فإن هذه الصفة بما أنها صفة شجاعة ممدوحة.

و بما أنها خارجة عن حد الاعتدال، و داخلة في التهور مذمومة.

فما نحن فيه و هي الغيبة ليست من الصفات الواجدة لاعتبارين يمكن جمع التعريفين بهما فيه.

ص: 349

على وجهين، دون ما لا يقع إلا على وجه واحد (1)، فان (2) قصد ما لا ينفك عن الانتقاص قصد له.

و ان كان (3) المقول نقصا ظاهرا للسامع، فان لم يقصد القائل الذم

++++++++++

(1) كما فيما نحن فيه الذي وصفناه لك آنفا، و كما في وصف الشخص بأنه ظالم أو عادل، فإنه لا يمكن الجمع في الشخص بين الوصفين، لأنه في حين كونه ظالما لا يكون عادلا، و في حين كونه عادلا لا يكون ظالما.

(2) تعليل لوقوع الوصف على جهة واحدة كالظلم أو العدل مثلا اي قصد ما لا ينفك عن الانتقاص قصد للانتقاص فهو ملازم له.

و قد تقدم في ص 345 عن الشيخ نظير ذلك آنفا من أن قصد السبب قصد للمسبب

(3) الواو استئنافية.

هذا هو الشق الثاني للنقص الشرعي، أو العرفي، اذ شقه الأول هو كون المقول مخفيا على السامع، و قد سبق هذا في ص 341 عند قوله:

و ان كان نقصا شرعا، أو عرفا بحسب حال المغتاب فإن كان مخفيا أي ان كان الكلام المقول في حق المغتاب بالفتح ظاهرا و مما يعلمه السامع كما اذا كان المغتاب بالفتح ناقص الخلقة كالأحول و الابكم و التمتام: فالظاهر أن هذا الفرد خارج عن الغيبة، لأن السامع عالم بالصفة: لكونها ظاهرة و القائل ليس في مقام التنقيص، و الوصف ليس من الصفات المشعرة بالذم كما في بعض الألقاب، حيث إنها مشعرة بالذم فلا يحصل هنا كراهة للمقول فيه لا من حيث الإظهار، و لا من حيث ذم المتكلم.

أما عدم كراهته من حيث الإظهار فلأنه لم يكن هناك شيء مخفي اظهره القائل حتى يكون غيبة له، بل كان ظاهرا و لم يكن مشعرا بالذم.

و أما عدم كراهته من حيث ذم المتكلم فلأن المتكلم ليس في مقام الذم و الانتقاص اصلا كما عرفت.

ص: 350

و لم يكن الوصف من الاوصاف المشعرة بالذم نظير الالقاب المشعرة به فالظاهر أنه خارج عن الغيبة، لعدم حصول كراهة للمقول فيه، لا من حيث الإظهار، و لا من حيث ذم المتكلم، و لا من حيث الإشعار.

و ان كان (1) من الأوصاف المشعرة بالذم، أو قصد المتكلم التعبير و المذمة لوجوده: فلا اشكال في حرمة الثاني (2).

بل و كذا الاول (3)، لعموم ما دل على حرمة إيذاء المؤمن و اهانته (4)، و حرمة (5) التنابز بالالقاب،

++++++++++

- و أما عدم كراهته من حيث إشعار الوصف بالذم. فلأن المفروض أن ما قاله ليس من الأوصاف المشعرة بالذم.

(1) الواو استئنافية و اسم كان مستتر يرجع الى الكلام المقول أي إن كان الكلام المقول الذي كان نقصا شرعا أو عرفا من الأوصاف المشعرة بالذم، أو قصد المتكلم التعيير و المذمة بهذا الكلام المقول و ان لم يكن الوصف مشعرا بالذم.

(2) و هو قصد المتكلم التعيير و المذمة و ان لم يكن الوصف مشعرا بالذم.

(3) و هو عدم قصد المتكلم بالوصف التعيير و المذمة، لأن الوصف مشعر بالمذمة، و ان لم يقصد القائل ذلك، لكثرة ورود الأخبار بعدم جواز ذلك.

(4) راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 587. الأخبار.

أليك الحديث الأول.

عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

قال اللّه عز و جل: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، و ليأمن غضبي من اكرم عبدي المؤمن الى آخر الحديث.

(5) بالجر عطفا على مدخول (اللام الجارة) في قوله: لعموم -

ص: 351

و حرمة (1) تعيير المؤمن على صدور معصية منه، فضلا عن غيرها.

ففي عدة من الاخبار من عيّر مؤمنا على معصية لم يمت حتى يرتكبه (2).

و انما الكلام في كونهما (3) من الغيبة، فان ظاهر المستفيضة المتقدمة

++++++++++

- أي و لعموم حرمة التنابز بالألقاب في قوله عز من قائل:

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ . وَ لاٰ نِسٰاءٌ مِنْ نِسٰاءٍ عَسىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ .

وَ لاٰ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لاٰ تَنٰابَزُوا بِالْأَلْقٰابِ بِئْسَ اَلاِسْمُ اَلْفُسُوقُ (1) .

(1) بالجر عطفا على مدخول (اللام الجارة) في قوله: لعموم أي و لعموم أدلة حرمة تعيير المؤمن اذا صدرت منه معصية فضلا عن غير المعصية، أي فكيف اذا لم يصدر عنه المعصية، فإنه بطريق أولى لا يجوز تعييره.

(2) هذه احدى الروايات الدالة على حرمة تعيير المؤمن.

راجع (وسائل الشيعة). الجزء 8. ص 596. الباب 151. الحديث 1.

(3) أي لا كلام في أن الموردين: و هما كون المقول من الأوصاف المشعرة بالذم، و القائل ليس في مقام الذم.

و كون المتكلم قاصدا التعيير و الذم، و الوصف المذكور ليس مشعرا بالذم: من المحرمات، لشمول الحرمة لهما.

لكن الكلام في أن حرمتهما من باب الغيبة، أو من باب آخر.

ظاهر الأخبار المستفيضة المذكورة في ص 337-339 أن الموردين خارجان عن الغيبة موضوعا.

و ظاهر بقية الأخبار الواردة في المقام غير المستفيضة المشار إليها في ص 329-331 أنهما من الغيبة.1.

ص: 352


1- الحجرات: الآية 11.

عدم كونهما منها (1).

و ظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة بناء على ارجاع الكراهة فيها (2) الى كراهة الكلام الذي يذكر به الغير، و كذلك كلام أهل اللغة عدا الصحاح على بعض احتمالاته (3): كونهما (4) غيبة.

++++++++++

(1) مرجع الضمير في منها: الغيبة كما علمت.

(2) اي في الأخبار المتقدمة.

(3) في قوله في ص 339: إن الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه، فتعريفه هذا ذو احتمالين.

(الأول): أن يراد من المستور: من كان غير متجاهر بالذنب و المعصية.

(الثاني): أن يراد من المستور: مستور العيب.

فعلى الاحتمال الثاني لا يدخل توصيف الانسان بوصف مشعر بالذم و القائل ليس في مقام الذم: في الغيبة.

و كذلك لا يدخل توصيف الانسان بوصف ليس مشعرا بالذم و ان كان المتكلم قاصدا للذم: في الغيبة و مفهومها.

و أما على الاحتمال الاول و هو أن يراد من المستور من كان غير متجاهر بالذنب: يدخل القسمان في الغيبة، لأن التكلم خلف غير المتجاهر بمقتضى هذا التعريف غيبة و ان كان الذنب معروفا مكشوفا فيكون هذا التعريف مطابقا للاخبار المتقدمة.

(4) بالرفع خبر للمبتدإ المتقدم و هو قوله: و ظاهر ما عداها.

ص: 353

و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة (1)، و ان كان ظاهر الاكثر خلافه (2) فيكون (3) ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة التي لا يفيد السامع اطلاعا لم يعلمه، و لا يعلمه عادة من غير خبر مخبر: ليس غيبة (4)

++++++++++

(1) لعل وجه القوة: مساعدة العرف على ذلك، لأن الأخبار المستفيضة يشد بعضها بعضا، و لضعف الأخبار المتقدمة الدالة بإطلاقها على دخول كلا الشقين من العيب الجلي و الخفي بأقسامهما: في الغيبة.

و لا يخفى أن الأخبار المطلقة التي أشرنا إليها الدالة على كون العيب الخفي و الجلي من الغيبة يجب أن تقيد بهذه المجموعة المستفيضة التي اسنادها معتبرة.

(2) أي و ان كان ظاهر كلمات فقهاء الامامية مخالفا لما ذهبنا إليه:

من قوة العمل بالمستفيضة الدالة على عدم كون ذكر الانسان بالصفة المشعرة بالذم، أو قصد المتكلم التعيير و الذم من الغيبة، فانهم يقولون بكونهما من الغيبة.

(3) الفاء تفريع و نتيجة للعمل بالمستفيضة.

و خلاصة النتيجة: أنه اذا ذكر الانسان بصفات ظاهرة و معلومة للسامع بحيث لا يفيده إخبار القائل، و لا يزيده على معلوماته شيئا لا في الماضي و لا في المستقبل: لا يكون غيبة، لأن الغيبة كما عرفت اظهار شيء مستور و مخفي، و لا يكون أيضا حراما من هذه الناحية.

نعم يمكن اثبات الحرمة من ناحية التعيير و المذمة، أو من جهة استنكاف المغتاب بالفتح عن هذا الذكر كما اذا قيل لعالم ديني: إنه شاعر حيث يستنكف من انتسابه الى هذا الوصف. كما عرفتها في الأخبار المشار إليها في ص 329-330.

(4) جملة ليس غيبة منصوبة محلا خبر لاسم كان في قوله: فيكون

ص: 354

فلا يحرم (1) إلا اذا ثبتت الحرمة من حيث المذمة و التعيير، أو من جهة (2) كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب و لو باعتبار بعض التعبيرات (3) فيحرم من جهة الايذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير.

ثم الظاهر المصرح به في بعض الروايات عدم الفرق في ذلك (4) على ما صرح به غير واحد: بين ما كان نقصانا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه حتى في ثوبه، أو داره أو دابته أو غير ذلك.

و قد روي عن مولانا الصادق عليه السلام الاشارة الى ذلك (5)

++++++++++

(1) أي هذا النوع من الذكر بصفات ظاهرة كما عرفت آنفا.

(2) هذا وجه ثان لحرمة هذا النوع من الذكر كما عرفت آنفا.

(3) كما مثلنا لك بقولنا للعالم الديني: انه شاعر.

و لا يخفى عدم تمامية هذا في الحرمة، لأن الكلام في الصفة المشهورة عند الناس و صفة الشاعرية، أو غيرها اذا كانت مشهورة و معلومة عندهم و ذكروها فما ذنبهم حتى يعد حرمة فليتركها هو حتى لا يوصف بها.

(4) أي يستفاد من صراحة بعض الأخبار الواردة في الغيبة أنه لا فرق في حرمة التعيير و الاستخفاف في العيب الخفي: بين أن يكون التعيير في خلقة المغتاب بالفتح أو في دينه، أو في داره، أو في أي شيء يتعلق به.

و كذا لا فرق في عدم الحرمة في العيب الجلي سواء أ كان في بدنه أم في ثوبه أم في مركوبه أم في داره.

راجع (بحار الأنوار). الطبعة الجديدة. الجزء 75. ص 257 الحديث 48.

(5) أي الى عدم الفرق في حرمة التعيير.

ص: 355

بقوله: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق (1) و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه (2).

قيل (3): أما البدن فكذكرك فيه العمش و الحول و العور (4) و القرع (5) و القصر و الطول و السواد و الصفرة، و جميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه (6).

و أما النسب فبأن تقول: أبوه فاسق أو خبيث أو خسيس أو اسكاف (7)

++++++++++

(1) يجوز بفتح الخاء و سكون اللام و هي الخلقة.

و يجوز بضم الخاء و اللام و هو النعت كما جاء بهذين في الحديث المشار إليه في ص 356.

(2) المصدر السابق.

(3) أي قيل: يكون ذكر الانسان تارة بعيوبه المتعلقة في بدنه كما مثل لها (المصنف).

(4) هذه الصفات الثلاث من متعلقات العين الطارئة عليها.

(فالأول): ضعف في البصر مع سيلان الدمع.

(الثاني): انحراف احدى الحدقتين، أو كلتيهما عن وضعهما الطبيعي (الثالث): و هو الانسان ذو عين واحدة.

(5) و هو مرض يصيب الرأس فيوجب سقوط شعره و هو يختلف كثرة و قلة بحسب البلدان التي يعيش فيها الانسان من حيث الماء، فإن منشأ هذا المرض من مياه المدينة فكلما اشتد المرض أصاب الرأس أكثر.

(6) كأن يقال: انه بدين، أو هزيل، أو ذو ستة أصابع، و غير ذلك من الأوصاف العارضة في البدن.

(7) بكسر الهمزة و سكون السين صانع الحذاء.

ص: 356

أو حائك، أو نحو ذلك (1) مما يكره.

و أما الخلق (2) فبأن تقول: انه سيئ الخلق بخيل مراء (3) متكبر، شديد الغضب، جبان ضعيف القلب (4) و نحو ذلك (5).

و أما (6) في أفعاله المتعلقة بالدين فكقولك: انه سارق كذاب شارب خائن ظالم متهاون بالصلاة، لا يحسن الركوع و السجود، و لا يجتنب

++++++++++

(1) كأن يقال: إنه ختان حلاق دلال.

(2) أي و قيل: يكون ذكر الانسان تارة بعيوبه المتعلقة بخلقه.

(3) يحتمل أن يكون بفتح الميم و تشديد الراء وزان فعال من صيغ المبالغة من مارى يماري مماراة من باب المفاعلة معناه كثرة الجدال و النزاع يقال: مارى فلانا أي جادله، و منه قوله تعالى: فَلاٰ تُمٰارِ فِيهِمْ إِلاّٰ مِرٰاءً ظٰاهِراً (1).

و يحتمل أن يكون اسم فاعل من راءى يرائي مراءاة من باب المفاعلة أيضا من الرياء و الدجل. معناه: إراءة الشخص نفسه على خلاف ما هو عليه.

(4) أي ضعيف الإرادة بمعنى أنه يحجم في مقام الاقدام، و يقدم في مقام الاحجام، لا أنه ضعيف القلب مبتلى بالخفقان.

و يطلق ضعيف القلب في لسان العامة: على من يكون جبانا.

(5) كأن يقال: إنه متهور.

(6) أي و قيل: يكون ذكر الانسان ثالثة بعيوبه المتعلقة بأفعاله الراجعة الى الدين كأن يقال: ان زيدا يؤخر صلاته عن وقت الفضيلة، أو يسرع في أفعالها حتى يتمها في أقرب الأوقات.3.

ص: 357


1- الكهف: الآية 23.

من النجاسات، ليس بارا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة، و التعرض (1) لأعراض الناس.

و أما أفعاله (2) المتعلقة بالدنيا فكقولك: انه قليل الأدب، متهاون بالناس (3)، لا يرى لاحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الأكل نؤم (4)، يجلس في غير موضعه (5)

و أما في ثوبه (6) فكقولك: انه واسع الكم (7)، طويل الذيل (8) وسخ الثياب (9)،

++++++++++

(1) بالجر عطفا على قوله: من الغيبة. و هو عطف تفسير، أي لا يحرس نفسه من التعرض لأعراض الناس فيدخل النقص في كرامتهم و صفاتهم الحميدة العزيزة عند أهلها.

(2) اي و قيل: يكون ذكر الانسان رابعة بعيوبه المتعلقة بأفعاله الدنيوية.

(3) اي لا يرى للناس منزلة و كرامة و قدرا.

(4) بضم النون و فتح الواو و الميم مع التاء وزان ضحكة كما في بعض النسخ.

أو بفتح النون و ضم الهمزة و سكون الواو وزان أكول فهو أيضا من صيغ المبالغة.

(5) بأن يقال في حق شخص: فلان مجلسه في الذيل و هو يجلس في صدر المجلس، أو هو يجلس مع الاشراف و هو وضيع.

(6) أي و قيل: يكون ذكر الانسان خامسة بعيوبه المتعلقة بملابسه الشخصية.

(7) كناية عن سعة ردنه كما في الملابس المخيطة في الأزمنة السابقة كان يلبسها الشخصيات البارزة و لا يزال عليها بعض الرجال.

(8) كناية عن طول الطرف الأسفل من ملابسه.

(9) من باب تقديم الصفة على الموصوف اي ثيابه وسخة قذرة.

ص: 358

و نحو ذلك (1).

ثم ان ظاهر النص (2) و ان كان منصرفا الى الذكر باللسان.

لكن المراد حقيقة الذكر فهو مقابل الاغفال (3) فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها (4) فهو (5) ذكر له و من ذلك (6) المبالغة في تهجين المطلب الّذي ذكره بعض المصنفين بحيث يفهم منها الازراء بحال ذلك المصنف، فان قولك: ان هذا المطلب بديهي البطلان تعريض لصاحبه: بانه لا يعرف البديهيات.

++++++++++

(1) كأن يقال: إن فلانا يلبس لونا لا يناسب مقامه، أو نوعا من الملابس غير اللائقة بشأنه.

(2) أي ظاهر الذكر الوارد في النص المذكور في البحار عن مولانا الصادق عليه السلام في قوله: بذكر العيب و ان كان هو الذكر الخاص و هو الذكر باللسان، لانصراف الذكر إليه.

لكن المراد منه معناه الأعم و المطلق، سواء أ كان باللسان أم بالاشارة أم بالغمز أم بغيرها، و هذا المعنى الاعم هو حقيقة الذكر و ماهيته، لأن الذكر هو تذكير الانسان. فكل شيء يذكره في غيابه و هو يكرهه فهو غيبة له.

(3) بكسر الهمزة و سكون الغين من باب الافعال معناه: الترك يقال: اغفلته اغفالا اي تركته إهمالا من غير نسيان فالذكر في مقابل هذا.

(4) و هي الكتابة و الغمز.

(5) مرجع الضمير: فكل ما يوجب، أي كل ما يوجب هذه المذكورات يكون ذكرا للمغتاب.

(6) اي و مما يوجب الذكر للشخص المبالغة في التقبيح، و الإغابة للمطلب الذي ذكره بعض المصنفين في كتابه بحيث يسقطه عن الاعتبار -

ص: 359

بخلاف (1) ما اذا قيل: انه مستلزم لما هو بديهي البطلان، لأن فيه تعريضا بأن صاحبه لم ينتقل الى الملازمة بين المطلب، و بين ما هو بديهي البطلان.

و لعل الملازمة نظرية (2) و قد وقع من بعض الأعلام بالنسبة الى بعضهم: ما (3) لا بدّ له من الحمل،

++++++++++

- كما اذا استدل هذا البعض على مدعاه برواية، أو آية، أو برهان عقلي فجاء الآخر فنقضه ورد عليه و قبحه و عابه و بالغ في ذلك بحيث يوجب استهجان القائل، و إدخال النقص و العيب عليه و الإزراء بكسر الهمزة و سكون الزاء مصدر باب الإفعال من أزرى يزري إزراء معناه: إدخال العيب على الآخر أو الاستخفاف به يقال: أزرى بأخيه أي أدخل عليه عيبا.

(1) اي بخلاف ما اذا قيل: ان الاستدلال الذي ذكره ذلك المصنف مستلزم لما هو بديهي البطلان، فإن مثل هذه المقالة لا توجب غيبة ذلك المصنف، و لا الاستهانة به، لأن عدم الانتقال الى هذه الملازمة لا يوجب الاستهجان في حق القائل، و لا الازراء به.

(2) اي و لعل الملازمة بين المطلب، و بين ما هو بديهي البطلان نظرية كسبية تحتاج الى التأمل الدقيق و التفكر العميق.

و حيث إن القائل لم يتأمل و لم يتفكر في ذلك لم تكن مثل هذه المقالة في حقه غيبة.

(3) فاعل لقوله: و قد وقع اي صدر عن بعض الأعلام في حق بعضهم في استدلالاتهم العلمية في مقام الرد بعض الكلمات القبيحة بالنسبة الى من يخالفه، و صدور هذه الكلمات عن هؤلاء الأعلام قبيح جدا و بعيد للنهاية.

ص: 360

و التوجيه (1).

أعوذ باللّه من الغرور، و اعجاب المرء بنفسه، و حسده على غيره و الاستيكال بالعلم (2).

ثم ان دواعي (3) الغيبة كثيرة، روي عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها اجمالا بقوله عليه السلام: أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع شفاء (4) غيظ، و مساعدة (5) قوم،

++++++++++

(1) أما العلاج و التوجيه لمثل هذه العثرات، و الخلاص منها أحد الأمرين لا محالة:

(الأول): علم الراد على مخالفه برضائه بالحملات و الهجمات.

(الثاني): أن يكون القول المخالف مشتملا على مفسدة كبيرة لا تتدارك إلا بالطعن عليه حتى لا يكون قوله مغريا للآخرين.

(2) هذه الامور الخمسة هي الباعثة للتحامل على الآخرين و لا سيما الحسد.

و الاستيكال بكسر الهمزة و سكون السين مصدر باب الاستفعال من استوكل معناه الاتكال على علمه لا غير من دون أن يجعل لعلم الآخرين وزنا.

(3) اي الأسباب التي تحث الانسان على غيبة اخيه المؤمن امور عشرة نذكر كل واحد منها تحت رقمه الخاص و هو المنشأ و الأساس للغيبة.

(4) هذا هو المنشأ الاول لحث الانسان على غيبة اخيه المؤمن أي الداعي عليها هو تبرير غيظه و شفائه بسبب غيبته.

(5) هذا هو المنشأ الثاني لغيبة الانسان اخاه في غيابه.

و معنى المساعدة: أن الانسان عند ما يسمع جماعة من أصدقائه و رفاقه يستغيبون زيدا يساعدهم على ذلك بتصديقهم اياهم بقوله: نعم الامر كما تقولون، وجلا منهم، فإنه لو لم يصدقهم لأعرضوا عنه و هو يهتم بصداقتهم.

ص: 361

و تصديق (1) خبر بلا كشف، و تهمة (2)، و سوء ظن (3)، و حسد (4)

++++++++++

(1) هذا هو المنشأ الثالث للغيبة، اي الداعي على ذلك: هو تصديق السامع المخبر فيما يخبر من دون فحص و تجسس عن مدى صحة الخبر فيصدق القائل بمجرد الإخبار فيرتب عليه فينقل كلامه فتكون غيبة.

(2) هذا هو المنشأ الرابع لحث الانسان على غيبة اخيه.

و معنى التهمة أن يتخيل الشخص أن فلانا يرتكب القبيح، أو يتكلم في ضده فيأخذ في اغتيابه فيتكلم حوله بما شاء الى أن يشفي غيظه، و يريح لسانه.

(3) هذا هو المنشأ الخامس للغيبة اي الداعي على الغيبة سوء الظن بالغير كما اذا ظن زيد بشخص أنه يتعاطى بعض المعاصي فيأخذ في غيبته.

و لا يخفى الفرق بين التهمة و الظن، حيث إن الأول تخيل محض و الثاني فيه نوع رجحان في ذهن المغتاب بالكسر.

(4) هذا هو المنشأ السادس للغيبة اي الداعي على الغيبة الحسد و هو من أهم الدواعي و أساسها.

و يمكن أن يقال: انه العامل الوحيد و الأساسي لحث الانسان على غيبة أخيه و هو من الصفات العزيزة التي جبل الانسان عليها، و الذي لا يسلم منه كل احد إلا من عصمه اللّه عز و جل: من الأنبياء و المرسلين، و الأئمة الهداة المهديين صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين.

و هذه الصفة الرذيلة من أشد الأمراض النفسية و أخبثها و اردئها و أرذلها و أسوئها، و كفى في خبثها و رذالتها أنها تؤدي بصاحبها الى هوة النار بالإضافة الى الاذى و الآلام التي يتحملها و يتجرعها دوما، لأن الحاسد يتأذى عن كل نعمة يراها في غيره، سواء أ كان فاقدا لها أم واجدها.

و لذا ورد في الأخبار عن (أئمة اهل البيت) صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين في ذم هذه الصفة الخبيثة الرذيلة ما لا يحصى منها: -

ص: 362

و سخرية (1)، و تعجب (2)، و تبرّم (3)، و تزيّن (4) الى آخر الخبر (5).

++++++++++

- ان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب اعاذنا اللّه و اخواننا المؤمنين منه بحق محمد و آله سادة السادات.

(1) هذا هو المنشأ السابع للغيبة اي الداعي على الغيبة: الاستهزاء بالآخرين كأن يقال في حق شخص مستهزأ به: انه عالم فيلسوف، أو خبير مجرب، أو سياسي محنك.

(2) هذا هو المنشأ الثامن للغيبة اي الداعي على الغيبة: التعجب كأن يقال في حق شخص متعجبا منه: انه يشرب الخمر.

و في بعض نسخ المكاسب التعجيب بمصدر باب التفعيل و هو غلط لا معنى له هنا، بالإضافة الى عدم مطابقته مع المصدر الذي طبقنا عليه الحديث.

و العجب من بعض شراح المكاسب أفاد أن التعجيب بمعنى الاضحاك.

(3) هذا هو السبب التاسع للغيبة اي الداعي عليها: هو التبرم و معناه التضجر من الشيء و السأم منه يقال: تبرم من الشيء اي سأم منه و تضجر و هو مصدر باب التفعل من تبرم يتبرم فاذا سأم الانسان من شخص و تضجر منه يأخذ في غيبته.

(4) هذا هو السبب العاشر للغيبة اي الداعي عليها: هو التزين و معناه تنزيه الانسان نفسه عن العيوب و نسبتها الى غيره بقوله عند الآخرين:

الحمد للّه الذي لم يجعلنا من المتكبرين، أو من الظالمين، أو من الطامحين في الجاه و الرئاسة، و أمثال هذه و هو يتعرض للغير المعروف عند المخاطب.

(5) (بحار الانوار) الطبعة الجديدة. ص 65 الجزء 75 ص 257 نقلا عن (مصباح الشريعة).

و في المصدر بلا كشفه بدل بلا كشف.

ص: 363

ثم ان ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة و قد يخفى (1) على النفس لحب، أو بغض فيرى انه لم يغتب و قد وقع في اعظمها، و من ذلك (2) ان الانسان قد يغتم بسبب ما يبتلي به اخوه في الدين لأجل أمر (3) يرجع الى نقص في فعله، أو رأيه فيذكره المغتم في مقام التأسف عليه بما يكره (4) ظهوره للغير، مع أنه (5) كان يمكنه بيان حاله للغير على وجه لا يذكر اسمه، ليكون قد احرز ثواب الاغتمام على ما أصاب المؤمن، لكن الشيطان

++++++++++

(1) اي يخفى على المستغيب أن ما يقوله في حق الآخر غيبة و الحال أنه قد وقع في غيبة عظيمة من حيث لا يشعر.

و منشأ هذا الخفاء اما الحب كما يمدح انسان شخصا بأوصاف ظنا منه أن هذه فضائل و الحال هي مثالب و مساوي.

و إما البغض كما يذكر له أمورا معتقدا أنها ليست غيبة في حقه لكثرة بغضه له.

(2) أي و من موارد خفاء الغيبة على الانسان.

(3) اي لأجل سبب و هذا السبب اما راجع الى فعل من أفعاله كأن يقول شخص في حق آخر: ساعد اللّه فلانا لا يعرف كيفية المعاشرة مع الناس، أو المعاملة.

و إما راجع الى عقله كأن يقول في حق الآخر: ساعد اللّه فلانا لا يعرف طرق الخلاص من البليات، و لا يتدبر في عواقبها و النجات منها لأن فكره لا يصل الى ذلك فمثل هذا النوع من الذكر يعد غيبة و ان كان الذاكر في مقام التأسف و التأثر.

(4) اي المغتاب بالفتح يكره ظهور مثل هذه الامور.

(5) اي مع أن المغتاب بالكسر كان بوسعه أن يذكر الغير بالامور المذكورة عند الآخر من دون أن يأتي باسمه.

ص: 364

يخدعه و يوقعه في ذكر الاسم.

بقي الكلام في انه هل يعتبر في الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب (1) أو يكفي ذكره عند نفسه ؟

ظاهر الاكثر الدخول (2) كما صرح به بعض المعاصرين.

نعم (3) ربما يستثنى من حكمها عند من استثنى ما لو علم اثنان صفة شخص فيذكر احدهما بحضرة الآخر.

و أما على ما قويناه من الرجوع في تعريف الغيبة الى ما دلت عليه المستفيضة المتقدمة (4): من كونها هتك سر مستور

++++++++++

(1) اي المغتاب بالكسر.

(2) اي دخول ذكر الانسان شخصا عند نفسه مجردا عن حضور شخص آخر: في الغيبة.

و لا يخفى عدم دخول هذا في الغيبة، حيث ان المأخوذ في مفهومها:

اظهار العيب المستور عند الآخرين.

و هنا أظهر عيب الغير عند نفسه فلم يطلع على العيب سواه و هو عالم به.

(3) استدراك عما افاده الشيخ: من أن ذكر الانسان شخصا عند نفسه يكون غيبة عند الاكثر.

و خلاصة الاستدراك: أن من يستثني من الغيبة علم المخاطب بعيب الشخص الغائب يستثني هذا عن الغيبة أيضا فيكون هذا خارجا عنها موضوعا كخروج علم المخاطب بعيب الشخص الغائب.

(4) و هي التي اشير إليها في ص 337 الدالة على أن الغيبة عبارة عن هتك سر مستور عند المخاطب، فما نحن فيه لا يدخل في الغيبة مفهوما حيث اخذ فيه اظهار العيب المستور عند المخاطب.

ص: 365

فلا يدخل ذلك (1) في الغيبة.

و منه (2) يظهر أيضا أنه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب مجهولا عند المخاطب مرددا بين أشخاص غير محصورة كما اذا قال: جاءني اليوم رجل بخيل دني ذميم، فان ظاهر تعريف الاكثر دخوله و ان خرج عن الحكم بناء (3) على اعتبار التأثير عند السامع.

و ظاهر المستفيضة المتقدمة (4) عدم الدخول.

نعم لو قصد المذمة و التعيير حرم من هذه الجهة (5) فيجب على السامع نهي المتكلم عنه، إلا اذا احتمل أن يكون الشخص متجاهرا بالفسق فيحمل فعل المتكلم على المصلحة كما سيجيء في مسألة الاستماع.

++++++++++

(1) اي ما نحن فيه و هو ذكر الانسان شخصا عند نفسه كما عرفت

(2) أي مما قويناه في المستفيضة المشار إليها في ص 354: عدم دخول مثل هذا النوع من الذكر في الغيبة أصلا، لا أنه داخل فيها موضوعا ثم خرج عنها حكما كما هو المستفاد من تعريف أكثر الفقهاء الغيبة، لأنه بناء على تعريفهم يكون داخلا فيها ثم خرج عنها حكما كما أفاد هذا المعنى الشيخ بقوله: فان ظاهر تعريف الأكثر دخوله.

(3) تعليل لدخول مثل هذا النوع من الذكر في الغيبة بناء على تعريف الأكثر.

(4) التي ذكرت في ص 337-339 عدم دخول مثل هذا في الغيبة لا حكما و لا موضوعا.

(5) في الحرمة من هذه الجهة تأمل، بل المقطوع عدم حرمتها، لعدم معرفة السامع المغتاب بالفتح، لا في الحال و لا في الاستقبال حتى يقال:

يجب على السامع نهي المتكلم عن هذا التعيير و المذمة كما أفاد هذا المعنى لشيخ بقوله: و الظاهر أن الذم و التعيير.

ص: 366

و الظاهر أن الذم و التعيير لمجهول العين لا يجب الردع عنه، مع كون الذم و التعيير في موقعهما بأن كان مستحقا لهما (1) و ان لم يستحق مواجهته بالذم، أو ذكره (2) عند غيره بالذم.

هذا (3) كله لو كان الغائب المذكور مشتبها على الاطلاق.

أما لو كان (4) مرددا بين أشخاص،

++++++++++

(1) لا يخفى أنه مع كون الشخص مجهولا عند السامع كما هو المفروض لا معنى لكون المقول فيه مستحقا للذم و التعيير، لعدم معرفة السامع شخص المقول فيه حتى يكون مستحقا للذم و التعيير.

(2) عطفا على قوله: مواجهته، و الفاعل في لم يستحق المقول فيه و مرجع الضمير في أو ذكره المقول فيه، و المراد من الغير:

مطلق السامع.

و المعنى أنه و ان لم يستحق المقول فيه ذكره عند غيره من السامعين،

(3) أي كل ما قلناه حول الغائب المجهول: من دخوله في الغيبة و عدم الدخول، و وجوب الردع، و عدمه.

(4) أي لو كان الغائب المذكور مرددا بين أشخاص محصورين بأن قيل في حقه: أحد هؤلاء العشرة مثلا متصف بالصفات الرذيلة.

ثم لا يخفى أن مثل هذا الغائب المردد بين أشخاص محصورين على قسمين:

(الأول): أن لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم: بأن يرضى أن يذكر هو و غيره من الأشخاص المحصورين بالسوء و يقال في حقه و حقهم:

ما يقال على وجه الايهام.

(الثاني): أن يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم حتى نفسه:

بأن لا يرضى أن ينال هو و غيره من الاشخاص المحصورين بالسوء و يقال -

ص: 367

فان كان (1) بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم كان كالمشتبه على الاطلاق كما لو قال: جاءني عجمي أو عربي كذا و كذا اذا لم يكن الذم راجعا الى العنوان (2) كأن يكون في المثالين تعريض الى ذم تمام العجم أو العرب.

و ان كان (3) بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم كأن يقول:

++++++++++

- في حقه و حقهم: ما يقال على وجه الابهام.

ثم إن القسم الاول يكون على قسمين أيضا.

(الأول): أن لا يكون الذم راجعا الى العنوان، بل يكون راجعا الى شخص المغتاب المبهم المردد بين الاشخاص المحصورين كما مثلنا لك في القسم الأول، فانه لا يكون غيبة.

بخلاف ما اذا كان الذم راجعا الى العنوان، فانه حينئذ يكون غيبة فيحرم كما اذا قيل: أهل مدينة كذا، أو القبيلة الفلانية، أو العنصر الفلاني متصف بالصفة الكذائية.

(1) هذا هو القسم الأول من الغائب المردد بين أشخاص محصورين و قد أشرنا إليه في ص 367 بقولنا: أن لا يكره كلهم.

(2) و هي العربية، أو العجمية بمعنى أن الذم يكون متوجها الى جهة العربية، أو العجمية، لا الى الصفات المذمومة في الأفراد.

و قد مثل الشيخ للذم المتوجه الى العنوان بقوله: كأن يكون في المثالين تعريض الى ذم تمام العجم، أو العرب.

و المراد من المثالين: العجم أو العرب.

(3) هذا هو القسم الثاني من الغائب المردد بين أشخاص محصورين و قد أشرنا إليه في ص 367 بقولنا: أن يكره كلهم.

ص: 368

أحد ابني زيد، أو أحد أخويه كذا و كذا ففي (1) كونه اغتيابا لكل منهما، لذكرهما بما يكرهانه من التعريض، لاحتمال كونه هو المعيوب و عدمه (2)، لعدم تهتك ستر العيوب منهما كما لو قال: أحد أهل البلد الفلاني كذا و كذا و ان كان فرق بينهما (3) من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الاساءة الى المؤمن بتعريضه للاحتمال، دون المثال، أو كونه (4)

++++++++++

(1) أي ففي كون القسم الثاني يعد غيبة لكل منهما، لأن القائل ذكرهما بما يكرهانه، لاحتمال كل واحد منهما أن القائل قصده و اغتابه.

أو لا يعد غيبة لكل منهما، لأن القائل لم يهتك ستر عيبهما، حيث إن هذا القول نظير قول من يقول: أحد أهل (بغداد) يشرب الخمر فكما أن هذا القول لا يكون غيبة في حق سكان بغداد، لأنه لا يصف كلهم بالصفة المذكورة، بل وصف شخصا لا يعينه.

كذلك قول القائل: ان أحد ابني زيد كذا لا يكون غيبة.

(2) بالجر عطفا على قوله: ففي كونه أي و في عدم كون القسم الثاني اغتيابا كما عرفت آنفا.

و قوله: لعدم تعليل لقوله: و عدمه، و قد عرفت التعليل آنفا.

(3) اي بين احد ابني زيد، و بين أهل البلد الفلاني.

بيان الفارق: أن الكلام المقول في حق احدهما يكون اساءة بالنسبة إليه، لأن كل واحد منهما يحتمل أنه المقصود من ذكر العيب.

بخلاف التنظير، فان ذكر واحد من أهل المدينة الفلانية اذا استغيب بصفته الشخصية لا يكون غيبة في حق الآخرين من أهل المدينة و لا اساءة إليهم.

(4) بالجر عطفا على قوله: ففي كونه اغتيابا.

هذا هو الوجه الثاني لبيان الفارق بين ما نحن فيه، و بين التنظير اذ وجه الأول كون الكلام المقول اساءة في حق احد ابني زيد. -

ص: 369

اغتيابا للمعيوب الواقعي منهما، و اساءة بالنسبة الى غيره، لأنه (1) هتك بالنسبة إليه، لأنه اظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركيه في احتمال العيب فيكون الاطلاع (2) عليه قريبا.

و أما الآخر (3) فقد أساء بالنسبة إليه، حيث عرّضه لاحتمال العيب:

وجوه (4):

قال في جامع المقاصد: و يوجد في كلام بعض الفضلاء أن من شرط الغيبة ان يكون متعلقها محصورا (5)،

++++++++++

- و خلاصته: ان ذكر احد ابني زيد لا على التعيين يكون عيبة في حق الذي عيب: و هو المعيب الواقعي.

و اساءة في حق الآخر الذي لم يغتب، لأن المفروض أن القائل ذكر احد ابني زيد بالسوء، لا كليهما فحينئذ يتوجه الهتك بالنسبة الى الذي عيب في الواقع و نفس الامر، و الاساءة بالنسبة الى الغير الذي هو ثاني ولدي زيد، لأن ذكر العيب هتك إليه في الجملة، لأن القائل اظهر العيب و هو منحصر في أحد ولدي زيد و هذا الآخر لا يخرج عن تحت دائرة الحصر فيسهل للسامع الاطلاع على صاحب العيب.

(1) تعليل لكون اظهار عيب الغائب المردد بين أشخاص غيبة و قد عرفت التعليل.

(2) قد عرفت معنى الاطلاع على العيب آنفا.

و مرجع الضمير في مشاركيه المعيوب الواقعي كما عرفت.

(3) و هو الذي ليس بصاحب العيب.

(4) مبتدأ للخبر المحذوف أي في القسم الذي أشرنا إليه في ص 369.

وجوه، و قد ذكر الشيخ بعض الوجوه بقوله: و قال في جامع المقاصد.

(5) سواء أ كان الحصر في واحد أم في أشخاص معينين

ص: 370

و إلا (1) فلا تعد غيبة فلو (2) قال عن أهل بلدة غير محصورين ما لو قاله عن شخص واحد كان غيبة لم يحتسب (3) غيبة انتهى (4).

أقول (5): ان اراد ان ذم جمع غير محصور لا يعد غيبة و ان قصد انتقاص كل منهم كما لو قال: أهل هذه القرية، أو هذه البلدة كلهم كذا و كذا (6) فلا اشكال في كونه (7) غيبة محرمة، و لا وجه لإخراجه عن موضوعها، أو حكمها (8).

و ان أراد ذم المتردد بين غير المحصور لا يعد غيبة فلا بأس كما ذكرنا (9).

++++++++++

(1) أي و ان لم يكن متعلقها محصورا بأن بلغ المغتابون بالفتح من الكثرة عددا يصعب عدهم، أو الاشارة إليهم: لا يكون ذكرهم بسوء غيبة.

(2) الفاء تفريع على ما أفاده (صاحب جامع المقاصد): من أن شرط الغيبة أن يكون متعلقها محصورا.

و خلاصة التفريع أنه بعد أن اشترطنا كون متعلق الغيبة محصورا فلو استغاب شخص أهل مدينة كانوا غير محصورين بمثل ما يستغيب شخصا معينا: لم يكن غيبة و ان كان ذكر الشخص المعين بالسوء غيبة.

(3) جواب ل: (لو) الشرطية الاولى كما أن جملة كان غيبة جواب للو الشرطية الثانية في قوله: ما لو قاله.

(4) أي ما أفاده (صاحب جامع المقاصد) في هذا المقام.

(5) من هنا يقصد الشيخ في النقاش مع (صاحب جامع المقاصد).

(6) بأن قال: كلهم حمق، بله مثلا.

(7) اي هذا الذم المتوجه الى أهل المدينة كلهم.

(8) و هي الحرمة كما يظهر ذلك من (صاحب جامع المقاصد).

(9) في قوله في ص 369: كما لو قال: أحد أهل البلد الفلاني كذا و كذا، فان مثل هذا القول لا يكون غيبة.

ص: 371

و لذا (1) ذكر بعض تبعا لبعض الاساطين في مستثنيات الغيبة:

ما لو علق الذم بطائفة، أو أهل بلدة، أو أهل قرية مع قيام القرينة على عدم إرادة الجمع كذم العرب أو العجم (2)، أو أهل الكوفة أو البصرة، أو بعض القرى انتهى (3).

و لو أراد (4) الأغلب ففي كونه اغتيابا لكل منهم، و عدمه (5):

ما تقدم (6) في المحصور.

++++++++++

(1) اي و لأجل أنه لو ذم شخصا في أفراد غير محصورين لم يعد غيبة ذكر بعض الأعلام تبعا للشيخ الكبير صاحب كشف الغطاء.

(2) هذان مثالان لذم الجميع.

(3) اي انتهى ما قاله بعض تبعا لبعض الاساطين.

(4) هذا هو الشق الثاني من الترديد الذي قاله (الشيخ الانصاري) فيما أورده على (صاحب جامع المقاصد)

و خلاصته أنه لو أراد القائل بذمه أهل المدينة ذم أغلبها كما لو قال:

أغلب أهل المدينة الفلانية فساق فهل قوله هذا يعد غيبة أو لا؟

(5) بالجر عطفا على قوله: ففي كونه أي و في عدم كون مثل هذا غيبة.

(6) جواب للو الشرطية في قوله: و لو أراد الاغلب اي القول بكون مثل هذا الذم يعد غيبة أو لا متوقف على القول بكون المسألة السابقة التي ذكرت في ص 368 في قوله: لو قال شخص: احد ابني زيد كذا و كذا: يعد غيبة أو لا، فان قلنا بكونها غيبة قلنا هنا غيبة، و ان لم نقل إنها غيبة لم نقل هنا غيبة.

ص: 372

و بالجملة (1) فالمدار في التحريم غير المدار في صدق الغيبة، و بينهما عموم من وجه.

++++++++++

(1) اي اي شيء قلنا هناك فالمحور و المدار في تحريم ما يقال في حق الغير غير المدار في صدق الغيبة، لأن بينهما عموما و خصوصا من وجه.

أما مادة الاجتماع فكما لو كان هناك غيبة محرمة.

و أما مادة الافتراق من جانب الغيبة بأن تكون هي موجودة و الحرمة غير موجودة كما في الافراد المستثناة من الغيبة.

و أما الافتراق من جانب التحريم بأن تكون الحرمة موجودة و الغيبة غير موجودة كما اذا ذكر العيب المشهور بقصد الانتقاص.

ص: 373

ص: 374

الفهارس

اشارة

1 - الابحاث.

2 - التعليقات

3 - الآيات الكريمة

4 - الأحاديث الشريفة

5 - الأعلام

6 - الأمكنة

7 - الشعر

8 - الكتب

9 - الخاتمة

ص: 375

1 - فهرس الأبحاث

ص الموضوع

5 الإهداء

7 سب المؤمن حرام

8 الأخبار الواردة في حرمة السب

9 تحقيق في الحديث الوارد في السب

10 المرجع في السب

11 عدم اعتبار مواجهة المسبوب

12 تعدد العقاب في مادة الاجتماع

13 لا يعتبر في جواز السب كونه من باب النهي.

14 استثناء المبتدع من عدم جواز السب

15 جواز سب الوالد ولده

16 الاشكال في جواز سب الوالد ولده

17 وهن التمسك بالسيرة

25 في السحر

26 الأخبار المستفيضة الدالة على حرمة السحر

33 معاني السحر

39 في المراد من التأثير في قول العلامة

41 ما أفاده الشهيدان حول السحر

ص الموضوع

43 ما أفاده صاحب الايضاح حول السحر

53 ما أفاده الشيخ حول تعريف صاحب الايضاح

54 ما أفاده العلامة المجلسي حول السحر

63 الاول سحر الكلدانيين

67 مذاهب الكلدانيّين في الأفلاك

73 في الفرق الثلاثة من عباد الكواكب

73 الثاني سحر أصحاب الأوهام

76 الثالث الاستعانة بالأرواح

78 الرابع التخيلات

80 الخامس الأعمال العجيبة

82 السادس الاستعانة بخواص الأدوية

84 السابع تعليق القلب

88 الثامن النميمة

91 احتجاج المصري مع الامام الصادق

93 في الأقسام الثمانية من السحر

95 ما ذكره شارح النخبة حول الطلسمات

97 فيما رواه الشيخ الصدوق في السحر

ص: 376

ص الموضوع 99 الكلام حول ما لا يضر من السحر

101 نقل كلمات الفقهاء حول السحر

103 هل يجوز دفع ضرر السحر بالسحر

105 ما رواه الشيخ الصدوق في جواز دفع السحر بالسحر

107 رواية الامام العسكري عليه السلام في السحر

109 حمل كلمات الفقهاء في جواز دفع السحر بالسحر على حالة الضرورة

111 شمول كلمات الفقهاء في تسخير الملائكة و الجن للسحر

117 الشعوذة

125 في الغش

127 الأحاديث الواردة في حرمة الغش

129 عدم حرمة المزج و الخلط بغير الخفي

131 حمل الحرمة الواردة في روايات الغش

133 دلالة الأحاديث على اعتبار قصد التلبيس في الغش

135 قصد التلبيس مأخوذ في مفهوم الغش

137 أقسام الغش

139 تغليب الاشارة أو الوصف منشأ التردد

ص الموضوع

141 تعارض الوصف و الاشارة

143 عدم تبادر الصحة من عنوان المبيع

145 المقصود من البيع

149 تحقيق حول عروض الاشتباه في الناوي

151 في الرد على ما استدل به المحقق الاردبيلي

155 في العمل بالقواعد الفقهية عند تبين الخلاف

159 الغناء

165 في الأحاديث المستفيضة الدالة على حرمة الغناء

167 في الخدشة في الاستدلال بالأحاديث

169 في الاستشهاد بالحديث على كون الغناء من مقولة الكلام

173 الخدشة في الطائفة الثالثة من الأخبار

177 في الاحاديث الدالة على حرمة الغناء

181 دلالة الحديثين على حرمة الغناء

183 دلالة الحديث على حرمة الغناء

185 دلالة حديث الأعمش على حرمة الغناء

187 في بيان النسب بين الغناء و الصوت اللهوي

ص: 377

ص الموضوع

191 في تعاريف اللغويين الغناء

193 في النسب بين تعريف اللغويين الغناء

195 وجه احسنية تعريف صاحب الصحاح

197 تحقيق حول الغناء

201 ما أفاده الشهيد الثاني في تعريف الغناء

203 في استشهاد صاحب مفتاح الكرامة

205 ما أفاده صاحب مفتاح الكرامة

209 في الفرق بين التطريب و الاطراب

211 التطريب غير الاطراب

213 في حمل المطرب على الاطراب

215 المحصل من الأدلة المتقدمة

217 العرف هو المرجع في اللهو

219 اختلاف مراتب الوجدان وضوحا و خفاء

221 عدم الفرق بين استعمال الصوت في القرآن، أو في غيره

223 في التسويلات الشيطانية

225 في عروض الشبهة و أقسامها

227 ما أفاده المحدث الكاشاني في عروض الشبهة

ص الموضوع

229 ما افاده المحدث الكاشاني حول الغناء

231 استدلال المحدث الكاشاني بالحديث على صدق مقالته

233 مناقشة الشيخ مع المحدث الكاشاني

243 ما افاده المحدث السبزواري حول الأخبار المتضاربة

245 ما افاده المحدث السبزواري حول الغناء

249 النسبة بين الأخبار المتضاربة في الغناء

251 ما افاده الشيخ حول الغناء

253 في الأحاديث الواردة في مدح الصوت الحسن

255 ما افاده المحقق السبزواري حول الأحاديث الواردة في القرآن

259 في الاستشهاد بالأحاديث على التفصيل المذكور

263 ما افاده الشيخ في الرد على الأحاديث

265 في أقسام الغناء

267 ما افاده فخر المحققين في الغناء

ص: 378

ص الموضوع

269 ما افاده بعض الطلبة حول المراثي

271 ما افاده المحقق الكركي حول المراثي

273 أدلة المستحبات لا تقاوم أدلة المحرمات

275 سر عدم مقاومة أدلة المستحبات لأدلة المحرمات

277 تقديم ملاك الحرمة أو الوجوب على ملاك الاستحباب، أو الكراهة

279 ما افاده صاحب الصحاح و الحدائق في اللحن

281 ما افاده الشيخ حول الترجيع

283 عدم المنافاة بين الخبرين المتعارضين في ترجيع القرآن

285 ما افاده المحقق الاردبيلي في استثناء المراثي عن الغناء

287 ما افاده الشيخ في رد المحقق الاردبيلي

291 كلمات الرسول الاعظم كالكتاب العزيز

293 ما افاده الشيخ في جوانب الصوت اللهوى

ص الموضوع

295 في الحداء

297 ما افاده الشيخ حول الحداء

299 في غناء المغنية في الأعراس

303 في الغيبة

307 الآيات الدالة على حرمة الغيبة

323 الغيبة من الكبائر

325 دخول الصبي المميز في الغيبة

327 ما افاده الشهيد الثاني في الصبي المميز

329 تعاريف اهل اللغة حول الغيبة

331 منشأ كراهة المغتاب بالفتح ما يقال في حقه

332 ما افاده الشهيد الثاني حول الغيبة

335 ما افاده الشيخ حول الغيبة

337 حمل الكراهة الواردة في الأخبار على الكراهة في الوصف

338 صراحة الأخبار في أن الغيبة ذكر شيء مستور

341 اذا لم يكن ذكر الشيء موجبا للنقص لم يكن غيبة

343 الأحاديث الواردة في حرمة الغيبة

345 راي الشيخ حول اذاعة ما يوجب اهانة المؤمن

ص: 379

ص الموضوع

347 الفرق بين العيب الظاهر و الخفي النسبة بين تعريف الشهيد الثاني

349 العيبة، و بين تعريف الأخبار لها

351 ما يقال في حق الرجل على أقسام دلالة الأخبار المتقدمة على أن

353 الكراهة راجعة الى الوصف

355 لا فرق في حرمة العيبة من حيث المنشأ

357 كيفية الغيبة و أقسامها

359 المراد من الذكر في قوله: ذكرك اخاك

ص الموضوع

361 دواعي الغيبة و أسبابها

365 هل يعتبر في الغيبة حضور مخاطب

367 ذم رجل مجهول الهوية لا يوجب الردع

369 لو قال: احد ابني زيد كذا هل يعد غيبة

371 ما اورده الشيخ على ما افاده المحقق الكركي

373 المدار في التحريم غير المدار في الغيبة

ص: 380

2 - فهرس التعليقات

ص الموضوع

7 دلالة الأدلة الأربعة على حرمة سب المؤمنين

8 عدم وجود الاغتشاش في الضمائر

10 لا توجد قاعدة كلية للسب

11 للاجذم اطلاقان

11 البرص

12 النسبة بين السب و الغيبة

13 ما افاده الشيخ حول السب

14 الأخبار الواردة في جواز غيبة المتجاهر

15 المراد من المبتدع

15 الملاك في حرمة السب

16 عدم استفادة جواز سب الوالد ولده من حديث انت و مالك لابيك

17 الصور الثلاث في جواز سب الولد ولده

18 في جواز سب الاستاذ تلميذه أو عدمه

19 تحقيق حول توجيه الطالب الديني

ص الموضوع

25 تحقيق حول السحر من شتى جوانبه

27 اختلاف لسان الأخبار في السحر

30 توجيه الروايات المختلفة في السحر

32 التعارض بين الأخبار الواردة في السحر ليس على وجه التباين الكلي

33 المعاني الثمانية للسحر

36 في حقيقة السحر و ماهيته

37 المراد من العقد السحرية

37 المراد من الأقسام و العزائم و الدخنة

38 المراد من التصوير و النفث و تصفية النفس

38 الإضرار مأخوذ في مفهوم السحر

39 النقاش مع الشهيد الثاني حول تسخير الملائكة بالسحر

40 المراد من كشف الغائبات

41 معنى استحداث الخوارق

41 أسباب الاستحداث و هي خمسة

43 تحقيق حول الاستعانة بالأرواح الساذجة

ص: 381

ص الموضوع

45 تحقيق حول استحضار الأرواح

49 تحقيق حول النيرنجات

49 المراد من النيرين و أسرارهما

51 تحقيق حول الاستعانة بخواص الأشياء

51 تحقيق حول النسب الرياضية

55 تحقيق حول أن السحر هل له واقعية

57 ما افاده شيخ الطائفة حول السحر

59 ما افاده صاحب نيل الأوطار في السحر

60 احتجاج الامام الصادق عليه السلام مع الزنديق المصري

61 تحقيق حول مدى تأثير السحر

62 أقسام السحر عند العلامة المجلسي

63 حياة الكلدانيين

67 مذاهب الكلدانيين

69 أدلة الكلدانيين على حياة الكواكب

70 الوقوف على الطبائع العلوية و السفلية

71 تحقيق حول القوى المنفعلة

73 الفرق الثلاثة في عباد الكواكب

74 تحقيق حول اختلاف النفوس

ص الموضوع

75 تسلط بعض النفوس على بعض

76 القسم الثالث من أقسام السحر

77 في الاستعانة بالارواح الأرضية

78 القسم الرابع من أقسام السحر

79 في التخيلات و الاخذ بالعيون

80 القسم الخامس من أقسام السحر

81 عمل ارجانيوس الموسيقا

83 القسم السادس من أقسام السحر

84 القسم السابع من أقسام السحر

85 تحقيق حول علم الكيمياء

89 القسم الثامن من أقسام النميمة

92 في الجمع بين التعاريف المختلفة للسحر

93 السحر ليس من اختصاص الفقهاء

93 تضييق دائرة السحر و توسيعها

95 تحقيق حول عبارة الشيخ حتى لا يلزم منها التناقض

98 تحقيق حول الحديث الوارد في سحر المرأة

101 دفع و هم و جوابه

102 اشكال على الشيخ حول ما افاده في خبر الاحتجاج

ص: 382

ص الموضوع

104 تحقيق حول كلمات الامام عليه السلام

108 جواز دفع ضرر السحر بالسحر

118 تحقيق في الفرق بين السحر و المعجزة

121 تحقيق حول الفرق بين السحر و الشعوذة

128 ذكر أمثلة للغش

130 تحقيق حول روايات الغش

131 صور الخلط و المزج

136 للغش أقسام أربعة

138 دليل فساد المعاوضة المغشوشة

138 تحقيق حول اعراب فبان عمرا

140 تحقيق حول تغليب جانب الوصف أو الاشارة

142 تحقيق حول عنوان المبيع

143 عدم تبادر الصحيح من عنوان المبيع

144 شهادة العرف و الشرع بعدم كون وصف الصحة مقوما في المبيع

144 تنازل من الشيخ في عدم كون الصحيح مرادا في المبيع

145 دفع و هم و الجواب عنه

145 التردد في الدلالة اللفظية هو المنشأ في الاشتباه

ص الموضوع

147 منشأ التعارض بين الوصف و الاشارة هي الدلالة اللفظية

148 القدر الجامع بين مسألة الاقتداء و مسألة تعارض الاشارة و الوصف

149 تحقيق حول عروض الاشتباه للناوي بعد الصلاة

151 استدلال المحقق الاردبيلي على فساد مطلق المعاوضة بدليلين

151 اشكال الشيخ على الدليل الثاني

152 اشكال الشيخ على الدليل الاول

153 اشكال الشيخ على خبر الدينار الذي استدل به المحقق الاردبيلي

154 فتوى الشيخ حول الغش

154 الرجوع الى القواعد الفقهية هو المتيقن عند كشف الخلاف

154 صور القواعد الفقهية

156 تحقيق حول ببعض الصفقة

159 مقدمة صغيرة حول الغناء

160 تعاريف عن اللغويين حول الغناء

160 اللازم على الحكومات الاسلامية

161 تحقيق حول الغناء

164 تحقيق حول كلمتي المستفيضة و التواتر

ص: 383

ص الموضوع

164 تحقيق حول كلمتي و له - و اختبل

166 مصادر الاخبار المستفيضة

167 تحقيق حول كلمة الخدشة

167 تحقيق حول كون الغناء من مقولة الكلام

168 تحقيق حول حرمة استماع الزور

169 وجه تأييد كون العناء من مقولة الكلام

159 الشاهد من الاخباران الغناء من مقولة الكلام و وجه الشهادة

170 تفسير جملة: (يعني بقراءة القرآن)

170 دلالة لهو الحديث على أن الغناء من مقولة الكلام

171 استنتاج و حاصله

171 اختلاف الطرق الغنائية و أقسامها

172 تحقيق حول هذه الاقسام

173 الخدشة في الطائفة الثالثة من الاخبار و وجه الخدشة

174 الخدشة في الطوائف الثلاث من الاخبار على نسق واحد

175 الاشكال فيما استشعره الشيخ

175 الخدشة في الطائفة الاولى من الاخبار

ص الموضوع

176 نتيجة استشار الشيخ

177 عدول الشيخ عن كون الغناء من مقولة الكلام و افادته أنه من مقولة الاصوات

178 تحقيق حول كلمة ويل لفلان

178 استدلال الشيخ بالحديث على مدعاه

179 تحقيق حول ابن فضال و أقسام الحديث

181 تحقيق حول دلالة الحديث على مبغوضية الغناء من ناحيتين

181 تشكيل قياس منطقي

182 المراد من الخراساني

183 استدلال الامام على حرمة الغناء و وجه الاستدلال

184 للغو اطلاقات

185 تحقيق حول كلمة النبيذ

186 تحقيق حول حديث قد تكون للرجل جارية

188 احتمالات النسبة بين الغناء و الصوت اللهوي

190 تعاريف اللغويين للغناء

193 النسبة بين التعاريف المذكورة

ص: 384

ص الموضوع

194 عدم صحة الأخذ بتعاريف اللغويين في حرمة الغناء

195 لكل قوم عرف خاص في الغناء

197 ما اراده الشاعر من الطرب

198 القيد توضيحي

198 تقسيم الاطراب الى الفعلي - و الشأني

198 علة التزام الشيخ احد الامرين في الإطراب

199 منشأ عدم صدور الخفة لكثير من الناس

200 وجه ظهور اخذ الشيخ الشأنية في الاطراب

202 ما أفاده صاحب مفتاح الكرامة

202 الفرق بين تفسير الفقهاء و اللغويين الغناء و تشكيل قياس منطقي

203 حصول الطرب الفقهي لكل احد و الاستشهاد بشعر الشيخ البهائي

204 استشهاد صاحب مفتاح الكرامة بأقوال اللغويين

206 مناقشة الشيخ مع صاحب مفتاح الكرامة

207 تحقيق حول الاشتراك بكلا قسميه

ص الموضوع

208 الفرق بين التطريب و الاطراب

210 الايراد الثاني على صاحب مفتاح الكرامة

211 الايراد الثالث على صاحب مفتاح الكرامة

212 الايراد الرابع على صاحب مفتاح الكرامة

213 القدر المتيقن من الغناء

214 اتحاد آراء الفقهاء على ما افاده الشيخ

215 أقسام اللهو

216 مرجع اللهو العرف

217 تحقيق حول الوجدان

218 الفرق بين الوجدان بالكسر و الضم

219 لا فرق بين مراتب الوجدان

219 اختلاف مراتب الوجدان باختلاف الاشخاص

219 تحقيق حول جملة: فقد يحس بعض

221 لا فرق في استعمال الكيفية الغنائية في كلام حق أو باطل

221 الخدشة فيما افاده الشيخ

ص: 385

ص الموضوع

222 تحقيق حول الأناشيد في ساحة الحرب

223 تحقيق حول سوّل و فرج و التلذذ

223 ايراد على ما افاده الشيخ حول التغني بالأشعار في مدائح الرسول و الآل

224 مراد الشيخ من التسويل الشيطاني

225 النقاش مع الشيخ حول ما افاده في حصول النشاط

225 عروض الشبهة على أقسام ثلاثة

227 الغناء المتعارف في العصرين

228 جواز غناء المغنية في الأعراس

229 تحقيق حول (الوافي)

230 تحقيق حول العود و الملهي و القصب

231 تأييد من (المحدث الكاشاني) لمدعاه

232 تحقيق حول (غناء الحق)

233 نقاش الشيخ مع المحدث الكاشاني

235 تعليل من الشيخ حول أن صوت المغنية في الأعراس على سبيل اللهو

237 في الجمع بين الأخبار المتضاربة على رأي المحدث السبزواري

ص الموضوع

239 الأقوال في الجمع بين الأخبار المتضاربة خمسة

239 النسبة بين الأقوال الخمسة

244 تحقيق حول الألف و اللام

246 الفرق بين حكمة التشريع و علته

247 تحقيق حول كلمة النهى

247 ما افاده صاحب الكفاية في الأخبار المانعة

248 تقديم أخبار جواز قراءة القرآن بالصوت الحسن على المنع و وجوه التقديم

250 تحقيق حول كلمة فتاوى مع الواو و بدونها

251 عدم احتياج حرمة الغناء الى اقترانه بمقدمات اخرى من المحرمات

253 اتصاف الأنبياء و الأئمة بالصوت الحسن الجميل

254 المراد من الشعر الجميل شعر الرأس

255 تحقيق حول اللحية و شعر الرأس

256 المراد بالتحزين قراءة شيء بكيفية خاصة

256 بعض أشعار دعبل الخزاعي

ص: 386

ص الموضوع

257 استشهاد الامام الهادي عليه السلام ببعض الأشعار

258 تحقيق حول التفصيل المنسوب الى المحدث السبزواري

259 عدم وجود شاهد من الأخبار في التفصيل المنسوب الى المحدث السبزواري

260 الاستشهاد بالأحاديث على التفصيل

261 الاستشهاد بالأحاديث على جواز التغني في الأعراس

261 الاستشهاد بالأخبار على أن كلا الغناءين حرام

263 الغناء بكلا قسميه حرام

264 تقسيم الرواية الغناء إلى ثلاثة أقسام

265 اعتذار الشيخ عن عدم ذكر القسم الثالث من الغناء في الرواية

266 ترق من الشيخ

267 المراد من التأمل

267 روايتا أبي بصير

268 أقسام التواتر

269 في عروض الشبهة من حيث الموضوع

ص الموضوع

270 عدم فهم العرف من الغناء سوى الكيفية الخاصة

270 القسم الثالث من أقسام عروض الشبهة

271 الفرق بين القسم الثاني و الثالث من أقسام عروض الشبهة

272 المراد من متأخري المتأخرين

272 المراد من العمومات

272 النسبة بين عمومات أدلة حرمة الغناء، و عمومات ادلة الابكاء

273 توجيه بعض الأعلام عمومات أدلة حرمة الغناء، و عمومات أدلة الابكاء

273 ما اورده الشيخ على التوجيه المذكور

274 عدم وجود اطلاق في الأحاديث الواردة في المستحبات

275 تحقيق حول كلمة و طبعه

276 عدم المنافاة فيما يوجب دليل الاستحباب أو يحرمه

ص: 387

ص الموضوع

277 لا مزاحمة لجهات الأحكام الثلاثة لجهتي الوجوب، أو الحرمة

277 المراد من احدى الجهات الثلاث

277 المراد من لا يجوز، و المراد من شأنهم

277 المراد من القلوب المقلوبة

278 في تخيل صاحب الحدائق

280 نظر الشيخ فيما تخيله صاحب الحدائق

281 تحقيق حول كتاب شمس العلوم

282 عدم المنافاة بين الحديثين الواردين في جواز ترجيع القرآن، و عدم الجواز به

283 دليل مدعي حرمة الغناء في المراثي

284 مؤيدات المحقق الاردبيلي في جواز التغني في المراثي

285 ما استدل به المحقق الاردبيلي في جواز التغني بالمراثي امور أربعة

287 ما أفاده الشيخ في رد المحقق الاردبيلي

288 التنازل من الشيخ

288 في عموم دليل الحرمة

ص الموضوع

290 كلمة حول زيارة بيت اللّه الحرام و زيارة سيد الشهداء عليه السلام

291 ذكر الحديث الدال على أن كلام الرسول كالكتاب العزيز

292 الغناء الذي لا يكون مناسبا لسائر آلات اللهو لا دليل على حرمته

292 في الحديث الدال على حرمة مطلق الغنى

293 التعاريف المختلفة للغناء عن الشيخ

294 تحقيق حول ما أفاده الشيخ في الغنى

295 ما قيل من اللغويين حول الغنى

295 أول من أوجد الغناء

296 نقل كلمات الاعلام حول استثناء الحداء

297 مناقشة الشيخ مع ما أفاده الاعلام

298 تحقيق حول عبارة الشيخ في الحداء

299 في استثناء المشهور الغناء في الاعراس

299 و هم و الجواب عنه

303 تحقيق حول الغيبة

303 استدلال الشيخ بالآيات على حرمة الغيبة

304 في القدر الجامع بين المغتاب بالفتح و الاخ الميت

ص: 388

ص الموضوع

305 تحقيق حول سر اهتمام الشارع بحرمة الغيبة

307 تحقيق حول عرض المؤمن

307 تحقيق حول اغتياب المؤمن

308 تحقيق حول الهمز و اللمز و الويل

309 تحقيق حول آية لا يحب اللّه الجهر

310 المراد من الفاحشة في قوله تعالى

310 تحقيق حول الغيبة أشد من الزناء

312 في المفاسد المترتبة على الزناء دون الغيبة

313 تحقيق حول حديث الدرهم من الرباء أعظم من سبعين زنية بذات محرم في بيت اللّه الحرام من نواحي ثلاث

314 ما أفاده (السيد الرضي) حول الحديث المذكور

315 الجواب عن النواحي الثلاث

316 نظرية انسانية و فائدة معنوية

317 اهتمام الحكومات وفقا للنظرية المذكورة

317 فيما لو خير الانسان بين قبحين أحدهما أقل قبحا من الآخر

ص الموضوع

320 تحقيق حول الكبيرة

321 عدد الكبائر

323 بيان أن الخيانة من الكبائر

323 في الاخبار الواردة في أن الغيبة من الكبائر

324 في دخول الصبي المميز في عدم جواز غيبته

325 ذكر الاحاديث الشاملة للصبي المميز

326 الاستدلال بآية و لا يغتب على حرمة غيبة الصبي المميز

326 الاستدلال بكلام الشهيد الثاني في حرمة غيبة الصبي المميز

326 الرد على ما أفاده الشهيد من كلام الشيخ الكبير كاشف الغطاء

328 توجيه الشيخ كلام الشيخ الكبير في استثنائه غيبة الصبي المميز

331 تحقيق حول كراهة الانسان ما يقال في حقه

332 ما أفاده الشيخ حول تعريف الشهيد الثاني

334 دفع عما اورده الشيخ على الشهيد الثاني

ص: 389

ص الموضوع

335 الأولوية التي ذكرها الشيخ

337 في ذكر الروايات الواردة في حمل الكراهة على الكراهة في الوصف

339 تحقيق حول الحدة و العجلة

340 ما أورده الشيخ على ما ذكره صاحب الصحاح

341 كلمة حول نفي الاجتهاد

341 استدراك عما افيد حول نفي الاجتهاد

341 خلاصة ما يقوله الشيخ حول المقول في الشخص

342 في النقص الشرعي، أو العرفي بكلا قسميهما

343 وهم

344 الجواب عن الوهم

345 الترقي من الشيخ حول قصد الشين

346 كلمة حول تفسير الاذاعة

347 وهم

348 الجواب عن الوهم

348 استدراك من الشيخ

349 استثناء من الاستدراك المذكور

350 الشق الثاني للنقص الشرعي

351 الاخبار الواردة في حرمة ايذاء المؤمن

ص الموضوع

352 عموم حرمة التنابز بالالقاب

353 في تعريف الصحاح الغيبة احتمالان

354 وجه القوة في العمل بالمستفيضة

354 خلاصة النتيجة

354 منشأ ما يخفى على المستغيب

355 الاشكال على ما أفاده الشيخ

355 عدم الفرق في حرمة التعيير

356 الصفات الثلاث من متعلقات العين

356 تحقيق حول القرع

357 تحقيق حول كلمة مراء

357 معنى ضعيف القلب

357 تحقيق حول ذكر الانسان شخصا

358 تحقيق حول الالفاظ الواردة في الحديث

359 المراد من الذكر الوارد في الحديث

360 ما ذكره بعض المصنفين في حملاتهم على الآخرين

360 ذكر الملازمة لا يكون تنقيصا في حق الآخرين

361 العلاج في الخروج عن المأزق

361 معنى المساعدة

362 المنشأ 3-4-5-6 للغيبة

ص: 390

ص الموضوع

362 تحقيق حول الحسد

363 المنشأ 7-8-9-10 للغيبة

364 ما يخفى على المستغيب

364 مرجع السبب

365 استدراك عما أفاده الشيخ

366 عدم دخول بعض الانواع في الغيبة

366 التأمل في حرمة بعض أنواع الغيبة

ص الموضوع

367 الاشكال على ما أفاده الشيخ

367 أقسام الغائب المردد بين شخصين

369 بيان الفارق

369 وجه ثان لبيان الفارق

371 خلاصة التفريع

372 الشق الثاني من الترديد

373 النسبة بين الحرمة و الغيبة

ص: 391

3 - فهرس الآيات الكريمة

- أ -

كَمٰا أَرْسَلْنٰا إِلىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصىٰ فِرْعَوْنُ اَلرَّسُولَ 244

إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفٰاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ 306، 309، 320 343 344، 345

إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ اَلْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً 234

إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ 98

إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّٰ رَجُلاً مَسْحُوراً 34

إِنَّ عِبٰادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰانٌ 40

إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّٰ مٰا رَحِمَ رَبِّي 19

إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ 304

- ب -

بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ 34

ت -

تَبَّتْ يَدٰا أَبِي لَهَبٍ 20

ف -

وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ 165

فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسىٰ 55، 57، 61

فَلاٰ تُمٰارِ فِيهِمْ إِلاّٰ مِرٰاءً ظٰاهِراً 357

فَلَمّٰا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ اَلنّٰاسِ وَ اِسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جٰاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ 56 58

ص: 392

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ 173

فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ 102

ل -

لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ 309

اَللّٰهُ اَلْوٰاحِدُ اَلْقَهّٰارُ 43

لِمَنِ اَلْمُلْكُ اَلْيَوْمَ 43

م -

مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاءَ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى اَلْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ اَلْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ 177

و -

وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ 167

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً 183، 184

وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَشْهَدُونَ اَلزُّورَ 166 173، 176

وَ اَلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ اَلْقَتْلِ وَ اَلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ 88

وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ 325، 326

وَ تَرَى اَلْأَرْضَ هٰامِدَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا اَلْمٰاءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ 314

وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ اَلْأُولىٰ وَ لاٰ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ 303، 314، 326

وَ لَقَدْ آتَيْنٰا دٰاوُدَ مِنّٰا فَضْلاً يٰا جِبٰالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ اَلطَّيْرَ 253

وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ خَلاٰقٍ 28

وَ لٰكِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ اَلنّٰاسَ اَلسِّحْرَ 57

وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ 63، 106

وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ اَلنّٰاسَ اَلسِّحْرَ وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰى يَقُولاٰ إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاٰ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ . وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ 61

ص: 393

وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ اَلنّٰاسَ اَلسِّحْرَ وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰى يَقُولاٰ إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاٰ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ . وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ 61

وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ 166، 170 174، 236، 261، 265

وَ مِنْ شَرِّ اَلنَّفّٰاثٰاتِ فِي اَلْعُقَدِ 37 61

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اَللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 30

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلاٰحٌ لَهُمْ خَيْرٌ 326

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ 307، 308

ي -

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لاٰ نِسٰاءٌ مِنْ نِسٰاءٍ عَسىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَ لاٰ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لاٰ تَنٰابَزُوا بِالْأَلْقٰابِ بِئْسَ اَلاِسْمُ اَلْفُسُوقُ بَعْدَ اَلْإِيمٰانِ 7، 352

يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ 58

يَوْمَ نَطْوِي اَلسَّمٰاءَ كَطَيِّ اَلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ 43

ص: 394

4 - فهرس الأحاديث الشريفة

أ -

أب ولدك، اب علمك، أب زوجك 20

اتباع سرور المسلم 275

أ تدرون ما الغيبة: ذكركم أخاكم بما يكرهه 330

أدنى الكفر ان يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها اولئك لا خلاق لهم 320

اذا رأيتم أهل البدع من بعدى فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و الوقيعة فيهم 15

اف لك كدرت البحار، و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الاخيار و ملائكة السماوات و الأرض 97

ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم من ستة و ثلاثين زنية، و ان اربى الربا عرض الرجل المسلم 312، 314

ان الغيبة أشد من الزنا، و ان الرجل يزني فيتوب و يتوب اللّه عليه و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه 310

ان الغيبة حرام على كل مسلم، و ان الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب 318، 325

ان المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و ان لم يتب فهو أول من يدخل النار 318، 325

انها ذكرك أخاك بما يكرهه 330

ص: 395

- ت -

ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم و قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم 278-282

تناكحوا تناسلوا حتى اباهي بكم الامم و لو بالسقط 312

ث -

ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، و مدمن سحر، و قاطع رحم 27، 28

ذ -

ذكركم أخاكم بما يكرهه 330

س -

ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل، لان الشرك أعظم من السحر و لان السحر و الشرك مقرونان 27

سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و اكل لحم معصية و حرمة ماله كحرمة دمه 8

سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة 8

ش -

شبعة جوعه، و تنفيس كربته، و قضاء دينه 275

غ -

الغيبة أشد من الزنا 324

ف -

فر من المجذوم فرارك من الاسد 11

ك -

كذب من زعم أنه ولد من حلال 325

ص: 396

- ل -

ليس على المرأة الجمعة و الجماعة و مسجد المرأة بيتها 290

ليس من المسلمين من غشهم 125

ليس منا من غش مسلما 133

م -

ما أرى طعامك إلا طيبا 126

ما أراك إلا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين 126

من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل اللّه صلاته و لا صيامه اربعين صباحا إلا من يغفر له صاحبه 318، 324

من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير 318، 325

و -

و ان من البيان لسحرا 35

ي -

يتخذ من القرآن مزامير 290

يحج اغنياء امتي للنزهة، و الاوساط للتجارة، و الفقراء للسمعة 290

يؤتى بأحد في يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب عز و جل و يدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته فيه فيقول: إلهي ليس هذا كتابي لا ارى فيه حسناتي فيقال له: ان ربك لا يضل و لا ينسى ذهب عملك باغتياب الناس. ثم يؤتى بآخر و يدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول: إلهي ما هذا كتابي فاني ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: ان فلانا اغتابك فدفعت حسناته أليك 319، 325

ص: 397

5 - فهرس الأعلام

أ -

ابراهيم - ع - 68

ابن الحجاج: عبد الرحمن 8

ابن سينا: الشيخ الرئيس 74

ابن قتيبة 163

ابن مسكان 236

ابن مسكويه 21

ابن هاشم 338

أبو البختري 275

أبو حنيفة 57

أبو ذر 329

أبو الشهداء: الامام الحسين - ع - 164، 174، 273، 290

أبو بصير 7، 8، 165، 237 245، 254، 261، 263، 267 284، 300

أبو عبيدة 35

ارجعانوس، او ارحمانوس 80

الاردبيلي: المحقق 150، 151 283، 285-289، 292

ارسطو 74

ارقم: زيد بن ارقم 58

الازرق: يحيى بن الازرق 338

الازهري 156

الأسترآبادي: أبو جعفر 57

الأسترآبادي: المحدث 292

استرخس 81

اسد بابل 67

الاسكاف: سعد 30، 126

اسماعيل: علي بن اسماعيل 236

الأعمش 185، 251

الانطاكي: داود 51

اهل البيت: الأئمة - ع - 17 21، 30، 40، 172، 174، 182 195، 221، 253، 256، 257 288، 312، 316، 362، 363

ب -

البابي الحلبي: مصطفى 35

ص: 398

الباقر: الامام ابو جعفر - ع - 7، 8، 126، 170، 177، 236 237، 247، 280، 281، 282، 345

براستد: جيمس هنري 64

برزيلبوس 88

بكر: موسى بن أبي بكر 126

البروجردي: السيد 291

برودوم: سوللي 46

بريستلي 88

البطائني: علي بن أبي حمزة 263

بنو أمية 230، 239، 252

بنو العباس 230، 239، 252

بوشار 46

بويل: روبرت 87

بويسون 46

البهائي: الشيخ 103

بيريه 46

ج -

الجزائري: السيد عبد اللّه 95

الجزائري: السيد نعمة اللّه 95

الجعدي: النابغة 163

جعفر: علي بن جعفر - ع - 245، 259-263

الجعفري: سليمان 304

جول بوا 45

الجوهري 251، 339، 340

الجهم: محمد بن الجهم 107

جيار 46

ح -

الحلبي 127، 130، 131، 135 300

الحلي: ابن ادريس 300

الحلي: العلامة 36، 39، 53 58، 135، 197، 268، 330

الحكم: هشام بن الحكم 126 127، 132، 165

الحميري 259، 261، 262

الحميري: نشوان بن سعيد 281

خ -

الخزاعي: دعبل 256

ص: 399

الخوئي: السيد ابي القاسم 31

خوشنويس: طاهر 138

د -

دار سونفال 46

داود - ع - 375

دوي 88

ديكارت 87

ر -

الرازي: ابو بكر محمد بن زكريا 87

الرسول الأعظم - ص - 7، 8 11، 14، 18، 20، 26-28 35، 36، 57، 58، 62، 97 125، 126، 128، 133، 174 177، 178، 180، 182، 190 221، 222، 224، 229، 238 254، 257، 275، 278-282 290، 291، 295، 298، 310 312، 314، 316، 318-320 324، 325، 329، 330

الرشيد 119

الرضا: الامام ابي الحسن علي - ع - 14، 107، 119، 181-186 256، 257، 272، 292، 304

رواحة: عبد اللّه بن رواحة 298

ز -

الزمخشري 162، 197، 206 207، 251

زين العابدين: الامام علي بن الحسين - ع - 21، 22، 169

س -

سالم: هشام بن سالم 351

السبزواري: عبد الاعلى 58 165، 166، 167، 177

السبزواري: المحقق 244-246 250، 252، 258، 267

سرحان: داود بن سرحان 127 337، 339

ص: 400

السكوني 8، 26، 97، 98

سليمان: عبد اللّه بن سليمان، 22

سنان: عبد اللّه بن سنان 190 221، 238، 243، 245، 337، 342

سوسة: د احمد سوسة 63

سيابة: عبد الرحمن بن سيابة 338 339، 346

ش -

الشافعي: الامام 57، 192 193

الشحام: زيد الشحام 165، 167

شقفي: عيسى بن شقفي 104 110

الشهيد الأول (محمد بن مكى العاملي) 39، 50، 94، 108، 109 110، 111، 128، 139، 141 148، 296

الشهيد الثاني (زين الدين الجبعي) 19، 31، 39، 53، 94، 96، 108 109، 110، 163، 201، 202، 324 327، 332-336، 348، 349

ص -

صاحب الايضاح 52، 53، 55 259

صاحب جامع الرواة 338

صاحب جامع المقاصد 206، 213 271، 330، 335، 336، 371، 372

صاحب الحدائق 280، 282

صاحب الرياض 31

صاحب الصحاح 193-196 205، 206، 210

صاحب القاموس 205

صاحب الكفاية 236، 244-247 250، 255، 257، 259، 261 273، 283

صاحب مجمع البحرين 203، 205

صاحب مجمع الفائدة 201، 202

صاحب المسند 272

صاحب المصباح 193، 205 210، 329، 330

صاحب مفتاح الكرامة 163 202، 205-207، 209-212

ص: 401

220، 252

صاحب النهاية 192-194، 329

صاحب الوافي 231

الصادق: الامام أبو عبد اللّه جعفر عليه السلام 8، 22، 26، 29، 53 60، 86، 89-92، 97، 104 105، 110، 121، 126، 127، 132، 135، 166، 168، 169، 170، 175، 178، 179، 190، 221، 228، 231، 234، 235، 238، 245، 246، 254، 261، 263، 275، 284، 291، 292، 299، 320، 337، 339، 342-344 346، 347، 351، 355، 359، 361

صدقيا 64

الصدوق 97، 98، 105، 126، 170، 284، 286

ط -

الطباطبائي: عبد العزيز 281

الطريحي 280

الطوسي: شيخ الطائفة 56، 179 268، 272، 284، 286

ع -

عائشة 57

عباد: محمد بن أبي عباد 183، 195 214

العباسي: الزنديق 181، 182

عبد اللّه بن الامام جعفر الصادق عليه السلام 179

العسكري: الامام الحسن عليه السلام 106، 109

علي أمير المؤمنين عليه السلام 22، 26، 28، 30، 58، 96، 250 251، 256، 260، 265-268 320، 325

العمري: محمد بن عثمان 292

عمير: ابن أبي عمير 165، 236

عنان: ابان بن عنان 338، 339

العياشي 337

عيسى: حماد بن عيسى 168

ص: 402

- ف -

الفارابي: المعلم الثاني 171

فخر المحققين: علي بن يوسف 58، 94-96، 100، 300

فضال: علي بن الحسن بن فضال 179

فضل: محمد بن فضل 343

الفضل: اسماعيل بن الفضل 21

ق -

قصي: جد النبي - ص - 295

القمي 10، 165، 291

ك -

الكاشاني: المحدث 227، 228، 229، 231، 233، 234، 235، 236، 238، 246، 252، 258، 261، 267، 292

الكاشاني: الفيض 95

كاشف الغطاء: الشيخ الكبير 108 197، 327، 328، 372

الكرملي: انستاس 63

الكاظم: الامام ابو الحسن موسى عليه السلام 8، 119، 126، 127 129، 179، 187، 259، 264، 338، 343

كافنديش: هنري 88

كلدة: شيخ 63

الكليني 284، 286

الكمالي: ثابت بن دينار 21

الكتاني: أبو الصباح 166

كوري: مدام 88

الكوفي: جابر بن حيان 86

كي اخسار 64

ل -

لافوازيه 87

لر 88

م -

المازري 58

مالك: الامام 57

ص: 403

المأمون 119

المامقاني: الشيخ 264

منشينكوف 46

المتنبي 109

المتوكل 256

المثنوي: المولوي 230

المجلسي 54، 55، 62، 67 72، 89، 92، 94، 96، 100 111، 122

المحقق الثاني 10، 138، 141 144، 198، 200

محمد: مهران بن محمد 166 167

المرتضى: السيد 268، 300

مسلم: محمد بن مسلم 129، 130 131، 165-167، 170، 236 247

المصري: الزنديق 60، 89-92 104

المغربي 57

المفيد: 284، 286، 300

المقداد: الفاضل 52-55 100، 111

المنتظر عجل اللّه فرجه: الحجة 292

موسى - ع - 57، 118

ميزير 46

الميسي: الفاضل 108، 109

ن -

نبوبلاصر 63، 64

نبوخذنصر الثاني 64-66

النراقي: محمد مهدي 21

و -

وجدي: محمد فريد 44

الوشاء 166، 167

ه -

الهادي: الامام علي - ع - 256 257

هارون: حسن بن هارون 166، 167

ي -

يسار: فضيل بن يسار 291

يونس 181، 284

يهويافين 64

ص: 404

6 - فهرس الأمكنة و البقاع

أ -

المانيا 45

امريكا 44

اوربا 44، 45

اورشليم 64، 65، 80، 81

ايطاليا 45

ب -

باريس 45

البصرة 372

بغداد 67، 369

بيت اللّه الحرام 290، 317

ت -

تبريز 138

ج -

جامعة النجف الدينية 67

الجزيرة العربية الشرقية 63

الجنائن المعلقة 67

- ح -

الحلة الفيحاء (بابل) 62-67، 106

خ -

خراسان 57

خط الاستواء 65

ر -

روسيا 45

س -

ساحل خليج جنوب الجزيرة العربية 63

سنداباد 64

ط -

طهران 22، 52، 96، 291، 321

ع -

العراق (وادي الرافدين، بين النهرين) 57، 62-64، 83

ق -

القاهرة 197

ص: 405

قم 96، 107

ك -

كلدية 64

الكوفة 86، 372

كبش 64

ل -

لوندرة 45

م -

مصر (خيميا) 35، 65، 66، 86، 310

مطبعة الآداب 296

مطبعة آفتاب 291

المطبعة الحيدرية 324

مطبعة دار العلم 107

مطبعة المدني 197

مطبعة مصطفى البابي الحلبي 314

مطبعة النجف 291

المكتبة التجارية الكبرى 310

ن -

النجف الاشرف 92، 96، 98، 296

نيبور 64

نينوى 64

نيويورك 45

ه -

الهلال الخصيب 64

هيكل سليمان 64

ي -

اليونان 66

ص: 406

7 - الشعر

ت -

بكيت لرسم الدار من عرفات *** و اذريت دمع العين بالعبرات

و فك عرى صبري و هاجت صبابتي *** رسوم ديار اقفرت و عرات

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

256

د -

بشنو از نى چون حكايت مى كند *** و از جدائيها شكايت مى كند

230

ط -

حب التناهي شطط *** خير الامور الوسط

62

ل -

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم *** الى مقابرهم يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا *** اين الاسرة و التيجان و الحلل

اين الوجوه التي كانت محجبة *** من دونها تضرب الأستار و الكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم *** تلك الوجوه عليها الدود تنتقل

257

ص: 407

و اراني طربا في اثرهم *** طرب الواله أو كالمختبل

164

و فرع يزين المتن اسود فاحم *** اثيث كقنو النخلة المتعثكل

غدائره مستشزرات الى العلى *** تضل العقاص في مثنى و مرسل

255

ن -

كل من لم يعشق الوجه الحسن *** قرب الجل إليه و الرسن

203

ي -

أطربا و أنت قنسري *** و الدهر بالانسان دواري

162، 197

ص: 408

8 - الكتب

- أ -

الاحتجاج 53، 60، 92، 99، 102 109

احياء العلوم 310، 312

الاساس 196

الاستبصار 229

اصول الكافي 28، 104، 105، 165، 190، 229، 254، 337، 338، 343

أمالي الصدوق 35

الايضاح 41، 43، 50، 53، 89 92-94، 96، 97، 110، 111 259، 300

ب -

بحار الأنوار 14، 22، 25، 54 55، 62، 72، 89، 94، 102 111، 186، 272، 274، 322، 330، 355، 359، 363

ت -

تاج العروس 35، 184، 269

التحرير 36

تحف العقول 22، 300

تحفة حكيم مؤمن 51

التذكرة 300

تذكرة أولى الالباب 51

تفسير البرهان 291

تفسير الصافي 96، 291

التنقيح 50، 53، 54، 111

تنقيح المقال 264

تنكلوشا 71

التوراة 65

التهذيب 229

ج -

جامع أحاديث الشيعة 22، 291

ص: 409

جامع السعادات 21

جامع المقاصد 33، 137، 138، 141، 162، 198، 220، 271، 296، 370

ح -

الحدود 31

خ -

الخلاف 56

د -

دائرة المعارف الاسلامية 44

الدروس 37، 38، 50، 94، 111، 296، 300

ذ -

الذكرى 138، 139، 141، 148

- ر -

الرسائل 219

الروضة البهية 14، 201

الري و الحضارة 63

ش -

شرايع الاسلام 296

شرح اللمعة الدمشقية 39

الشفاء 74

شمس العلوم 281، 282

ص -

الصحاح 210، 259، 270، 279 308، 332، 339، 353

ع -

العصور القديمة 64

عقاب الاعمال 126

على اطلال المذهب المادي 47

علل الشرائع 105، 324

العيون 125

عيون أخبار الرضا 107

ف -

فروع الكافي 165

ص: 410

- ق -

القاموس 211، 251، 270، 329

القرآن فضائله و آثاره 96

القرآن الكريم 95، 96، 160 161، 169، 170، 176، 190، 196 221-223، 236-238، 240 242، 242، 245، 248، 249 253-257، 268، 273 278-283، 285، 290، 291 345

القواعد 36، 38، 39، 53، 58 197، 296

ك -

كشف الريبة 319، 324، 327 332، 335، 348

كفاية الفقيه 236، 237، 255 259، 268، 296

ل -

لسان العرب 270

اللمعة الدمشقية 14، 31، 180 201، 311

- م -

المجازات النبوية 35، 314

مجلة لغة العرب 63

مجمع الأمثال 35

مجمع البحرين 156، 217، 270 279، 308

مجمع البيان 321

مجمع الفائدة 201

مخزن الادوية 51

المسالك 37، 38، 53، 94، 101 104، 105، 108، 110، 201 203، 298

مستدرك وسائل الشيعة 209، 312 318

المصباح 191، 192، 210، 269 328، 329

مصباح الشريعة 363

المصباح المنير 56

معالم الاصول 20

معاني الأخبار 167

معراج السعادة 21

مغني اللبيب 197

ص: 411

مفتاح الكرامة 163

مفردات اللغة 56

مقاييس اللغة 56

المنتهى 37، 53

من لا يحضره الفقيه 97، 98، 229

منية المريد في آداب المفيد و المستفيد 19

ن -

النخبة 95

نفائس الفنون في عرائس العيون 52

النهاية 192، 269، 329

نيل الأوطار 58، 59

- و -

الوافي 15، 95، 228، 291

وسائل الشيعة 8، 11، 13، 16 26، 31، 105، 107، 125، 126 165، 169، 178، 183، 186، 224، 228، 236، 238، 245، 247، 251، 254، 256، 260، 261، 271، 278، 280، 284، 290، 292، 299، 304، 309، 310، 312، 313، 318، 320، 322، 323، 324، 329، 337، 343، 351، 352

ص: 412

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.